وقال المعنى صدق ظن إبليس إبليس بما اتبعوه والقراءة الرابعة ( وقد صدق عليهم إبليس ظنه ) برفع إبليس وظنه والقراءة الأولى ولقد صدق عليهم إبليس ظنه معناها في ظنه قال أبو إسحاق هو منصوب على المصدر والقراءة الثانية ولقد صدق عليهم إبليس ظنه بنصب ظنه بوقوع الفعل عليه قال مجاهد ظن ظنا فكان كما ظن فصدق ظنه وعن ابن عباس قال إبليس خلق آدم من طين فهو ضعيف وأنا من نار فلأحتنكن ذريته إلا قليلا فكان كما قال وقال الحسن ما ضربهم بسوط ولا بعصا وإنما ظن ظنا فكان كما ظن بوسوسته ( إلا فريقا من المؤمنين ) نصب بالاستثناء وفيه قولان أحدهما أنه يراد به بعض المؤمنين فأما ابن عباس فعنه أنه قال هم المؤمنون كلهم
21
من زائدة للتوكيد وأهل التفسير يقولون السلطان الحجة ( إلا لنعلم من يؤمن بالآخرة ) وقد علم الله جل وعز ذلك غيبا وهذا علم الشهادة الذي تجب به الحجة هذا قول أكثر أهل اللغة وهو عند بعضهم مجاز أي ليكون هذا علمه جازى عليه وقول ثالث وهو مذهب الفراء يكون المعنى إلا لنعلم ذلك عندكم كما قال { أين شركائي } أي على قولكم وعندكم
22
____________________
(3/344)
في الكلام حذف والمعنى قل ادعوا الذين زعمتم أنهم آلهة لكم من دون الله لينفعوكم أو ليدفعوا عنكم ما قضاه الله جل وعز عليكم فإنهم لا يملكون ذلك ( ولا يملكون مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض وما لهم فيهما من شرك وما له منهم من ظهير ) قال الضحاك والسدي أي من معين
23
أذن وأذن بمعنى واحد كما مر في ( وهل يجازى ) و من ههنا للشافعين ويجوز أن تكون للمشفوع لهم وزعم أبو إسحاق أنها للشافعين أشبه بالمعنى قال لأن بعده ( حتى إذا فزع عن قلوبهم ) فيكون هذا للملائكة صلوات الله عليهم وفي هذا خمس قراءات قراءة العامة ( حتى إذا فزع عن قلوبهم ) وعن ابن مسعود وابن عباس وسعيد بن جبير ومجاهد ( حتى إذا فزع عن قلوبهم ) بفتح الفاء والزاي فهاتان القراءتان بمعنى واحد أي فزع الله جل وعز عن قلوبهم أي كشف عنها الفزع أي تعداها الفزع وكذا يقول سيبويه في قول العرب رميت عن القوس أي تعدى رميي القوس وقد ذكرنا معناه وروى هيثم عن عوف عن الحسن أنه قرأ ( حتى إذا فرغ عن قلوبهم ) بضم الفاء وبراء غير معجمة وبعدها غين معجمة وكذا قرأ أبو مجلز وروى مطر الوراق عن الحسن ( حتى إذا فزع عن قلوبهم ) وهاتان القراءتان يؤول معناهما إلى معنى
____________________
(3/345)
الأولين لأن المعنى حتى إذا فرغ عن قلوبهم الفزع أي أزيل عن قلوبهم إلا أن مجاهدا قال في تفسير هذه الآية على ما رواه عنه ورقاء عن أبي نجيح إنها في يوم القيامة قال إذا كشف الغطاء وروى أيوب وحميد الطويل عن الحسن ( حتى إذا فرغ عن قلوبهم ) بضم الفاء وبراء مخففة غير معجمة وبعدها غين معجمة فهذه الروايات عن الحسن مستقيمات الطرق لا مطعن في واحد رواها وكلها صحاح عنه ( قالوا ماذا قال ربكم ) ماذا في موضع نصب بقال ويجوز أن يكون ما في موضع رفع بالابتداء و ذا في موضع الخبر ومعناه معنى الذي ( قالوا الحق ) على أن ماذا في موضع نصب أي قال الحق ويجوز رفع الحق على أن ما في موضع رفع ( وهو العلي الكبير ) ابتداء وخبر و العلي الجبار المتعالي و الكبير السيد المقصود
24
من في موضع رفع بالابتداء وهي اسم تام لأنها للاستفهام و يرزقكم في موضع الخبر ويجوز إدغام القاف في الكاف فتقلب القاف كافا ( وإنا ) والأصل وإننا فحذفت النون تخفيفا ( أو إياكم ) معطوف على اسم إن ولو عطف على الموضع لكان أو أنتم ويكون ( لعلى هدى ) للأول لا غير لو قلت أو أنتم فإذا
____________________
(3/346)
قلت أو إياكم كان للثاني أولى وحذفت من الأول ويجوز أن يكون للأول وهو اختيار أبي العباس قال ومعناه معنى قول المستنصر بصاحبه على صحة الوعيد واستظهار بالحجة الواضحة أحدنا كاذب وقد عرف المعنى وكما تقول أنا أفعل كذا وتفعل أنت كذا وأحدنا مخطىء وقد عرف أنه هو المخطىء وهكذا ( وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين )
27
تكون أروني ههنا من رؤية القلب أي عرفوني هذه الأصنام والأوثان التي جعلتموها شركاء لله جل وعز هل شاركته في خلق شيء فبينوا ما هو وإلا فلم تعبدونها ويجوز أن يكون من رؤية البصر فيكون شركاء حالا قال أبو إسحاق والمعنى أروني الذين ألحقتموهم به شركاء ثم حذف لأنه في الصلة قال ثم قال جل وعز ( كلا ) ردع وتنبيه أي ارتدعوا عن هذا القول وتنبهوا على ضلالكم
28
نصب على الحال قال أبو إسحاق والمعنى أرسلناك جامعا للناس لأنه صلى الله عليه وسلم أرسل إلى العرب والعجم
30
____________________
(3/347)
وأجاز النحويون ( لكم ميعاد يوم ) على أنه بدل من ميعاد وأجازوا ( ميعاد يوما لا تستأخرون عنه ) على أن يكون ظرفا وتكون الهاء تعود على يوم ولا يجوز الإضافة كما تقول إن يوما زيد فيه أمير عبد الله فيه وزير بتنوين يوم لا غير فإن حذفت فيه جار حذف التنوين ونصبت عبد الله على أنه اسم إن ويجوز ( ميعاد يوم لا تستأخرون ) بغير تنوين في يوم على أن يكون الهاء التي في عنه تعود على ميعاد لا على يوم
31
قال سعيد عن قتادة ولا بالذي بين يديه من الكتب والأنبياء عليهم السلام ( ولو ترى إذ الظالمون موقوفون عند ربهم ) الظالمون بالابتداء مرفوعون و موقوفون خبره والجملة في موضع خفض بالإضافة ولا يجوز أن تنصب موقوفون على الحال لأن إذ ظرف زمان فلا تكون خبرا عن الجثث وجواب لو محذوف لعلم السامع ( يرجع بعضهم إلى بعض القول ) أي يجاوبه واللغة الفصيحة هذه يقال رجعت زيدا ( يقول الذين استضعفوا للذين استكبروا لولا أنتم لكنا مؤمنين ) هذه اللغة الفصيحة ومن العرب من يقول لولاكم حكاها سيبويه ويكون لولا تخفض المضمر وترفع المظهر بعدها بالابتداء وتحذف خبره ومحمد بن زيد يقول لا يجوز لولاكم لأن المضمر عقب المظهر فلما كان المظهر مرفوعا بإجماع وجب أن يكون المضمر أيضا مرفوعا
____________________
(3/347)
32
أي أنتم اخترتم الكفر ولم يكن لنا عليكم سبيل إلا أن دعوناكم فاستجبتم لنا
33
قال الأخفش أي هذا مكر الليل والنهار قال أبو جعفر والمعنى والله جل وعز أعلم مكركم في الليل والنهار أي مشارتكم إيانا ودعاؤكم لنا إلى الكفر الذي حملنا على هذا قال محمد بن يزيد أي بل مكركم الليل والنهار كما تقول العرب نهاره صائم وليله قائم وأنشد
( لقد لمتنا يا أم غيلان في السرى ** ونمت وما ليل المطي بنائم )
وأنشد سيبويه
( فنام ليلي وتجلى همي ** )
أي نمت فيه وروى جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير بل مكر الليل والنهار قال ممر الليل والنهار عليهم فغفلوا وقرأ راشد ( بل مكر الليل
____________________
(3/349)
والنهار ) بالنصب كما يقال رأيته مقدم الحاج وإنما يجوز هذا فيما يعرف ولو قلت رأيته مقدم زيد لم يجز ( إذ تأمروننا أن نكفر بالله ونجعل له أندادا ) قال ويقال نديد وأنشد
( أتيما تجعلون إلي ندا ** وما تيم لذي حسب نديد )
( وأسروا الندامة لما رأوا العذاب ) في معناه قولان أحدهما أن معنى أسروا أظهروا وأنه من الأضداد كما قال
( تجاوزت أحراسا إليها ومعشرا ** علي حراصا لو يسرون مقتلي )
وقد روي يشرون وقيل وأسروا الندامة تبينت الندامة في أسرار وجوههم وقيل الندامة لا تظهر وإنما تكون في القلب وإنما يظهر ما يتولد عنها
34
____________________
(3/350)
قال سعيد عن قتادة مترفوها جبابرتها ورؤوسها وقادة الشر
36
أحسن ما قيل في هذا قاله الحسن قال يخير له والمعنى على قوله ولكن أكثر الناس لا يعلمون أن الله جل وعز إنما يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر على المحنة ويفعل بهم الذي هو خير لهم
37
قال الأخفش أي أزلافا وهو اسم المصدر وزعم الفراء أن التي تكون للأموال والأولاد جميعا وله قول آخر وهو مذهب أبي إسحاق يكون المعنى وما أموالكم بالتي تقربكم عندنا زلفى ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى ثم حذف وأنشد الفراء
( نحن بما عندنا وأنت بما عندك ** راض والرأي مختلف )
____________________
(3/351)
وأنشد
( إني ضمنت بما أتاني ما جنى ** وأبي وكان وكنت غير غدور )
ويجوز في غير القرآن باللتين وباللاتي وباللواتي وبالذين للأولاد خاصة ( إلا من آمن ) في موضع نصب بالاستثناء وزعم أبو إسحاق أنه في موضع نصب على البدل من الكاف والميم التي في تقربكم وهذا القول كأنه غلط لأن الكاف والميم للمخاطب فلا يجوز البدل ولو جاز هذا الجاز رأيتك زيدا وقول أبي إسحاق هذا هو قول الفراء إلا أن الفراء لا يقول بدل لأنه ليس من لفظ الكوفيين ولكن قوله يؤول إلى ذلك وزعم أن مثله { إلا من أتى الله بقلب سليم } يكون منصوبا عنده بينفع وأجاز الفراء أن يكون من في قوله جل وعز بالتي تقربكم عندنا زلفى إلا من آمن في موضع رفع بمعنى ما هو إلا من آمن كذا قال ولست أحصل معناه ( فأولئك لهم جزءا الضعف بما عملوا ) وأجاز النحويون أولئك لهم جزاء الضعف يكون بدلا
____________________
(3/352)
من جزاء أو على إضمار مبتدأ وأجازوا أولئك لهم جزاء الضعف بمعنى أولئك لهم أن نجزيهم الضعف وأجازوا أولئك لهم جزاء الضعف قال أبو إسحاق والمعنى أولئك لهم الضعف جزاء أي في حال مجازاتهم ( وهم في الغرفات آمنون ) وعن الحسن ( في الغرفات ) إسكان الراء وعن الأعمش وحمزة ( في الغرفة ) قال أبو جعفر الغرفات جمع غرفة على جمع التسليم إلا أن الراء ضمت فرقا بين الاسم والنعت ومن قال غرفات حذف الضمة لثقلها ومن قال غرفات أبدل من الضمة فتحة لأنها أخف ويجوز أن يكون غرفات جمع غرف ومن قرأ ( الغرفة ) أتى بواحدة تدل على جماعة والجمع أشبه لأن الأخبار عن جمع
39
وهذا فيما أنفق في طاعة الله جل وعز فهو مخلف لا محالة إما في الدنيا وإما في الآخرة ( وهو خير الرازقين ) أي رزق العباد
40
على الحال ( ثم يقول للملائكة أهؤلاء إياكم يعبدون ) قال سعيد عن قتادة هذا استفهام مثل قوله جل وعز لعيسى عليه السلام { أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين } قال أبو جعفر والمعنى أن الملائكة صلوات
____________________
(3/353)
الله عليهم إذا أكذبتهم كان في ذلك تبكيت لهم
41
أي أنت المتولي لنا دونهم ( بل كانوا يعبدون الجن ) أي يطيعونهم ( أكثرهم بهم مؤمنون ) بقبولهم منهم وهو مجاز
46
قال سفيان عن ليث عن مجاهد بواحدة قال لا إله إلا الله وقال غيره تقديره بخصلة واحدة ثم بينها بقوله جل وعز ( أن تقوموا لله مثنى وفرادى ) وتكون أن في موضع خفض على البدل من واحدة أو في موضع رفع على إضمار مبتدأ ومذهب أبي إسحاق أنها في موضع نصب بمعنى لأن تقوموا مثنى وفرادى على الحال وهو لا ينصرف لعلتين قد ذكرناهما ( ثم تتفكروا ) معطوف على تقوموا
48
وقرأ عيسى بن عمر ( علام الغيوب ) على أنه بدل أي قل إن ربي علام الغيوب يقذف بالحق قال أبو إسحاق والرفع من جهتين على الموضع لأن الموضع رفع وعلى البدل مما في يقذف قال أبو جعفر وفي الرفع وجهان آخران يكون خبرا بعد خبر ويكون على إضمار مبتدأ وزعم الفراء أن الرفع في
____________________
(3/354)
مثل هذا أكثر في كلام العرب إذا أتى بعد خبر إن ومثله { إن ذلك لحق تخاصم أهل النار }
49
قال سعيد عن قتادة قال القرآن قال أبو جعفر والتقدير جاء صاحب الحق أي الكتاب الذي فيه البراهين والحجج الحق ( وما يبدىء الباطل ) قال سعيد عن قتادة قال الباطل إبليس والتقدير في العربية صاحب الباطل وقال الضحاك الباطل الآلهة وقال وما يبدىء وما يعيد أي ما يحيي وما يميت وقال قتادة ما يبدىء وما يعيد ما يخلق وما يبعث وقال غيره ما يبدىء الباطل أي ما يبتدى بحجة و ما يعيد ما يحكي عن غيره حجة ما الأولى في موضع نصب يبدىء و ما الثانية في موضع نصب بيعيد قال أبو إسحاق والأجود أن تكون ما نافية
50
شرط وجوابه وكذا ( وإن اهتديت فبما يوحي إلي ربي ) فإن جعلت ما بمعنى الذي كانت الهاء محذوفة وإن جعلتها مصدرا لم يحتج إلى عائد ( إنه سميع قريب ) أي يسمع ممن دعاه قريب الإجابة له
51
____________________
(3/355)
حذف جواب لو قال أبو إسحاق المعنى ولو ترى إذ فزعوا لرأيت ما يعتبر به عبرة شديدة أي فلا فوت لهم أي فلا يمكنهم الفوت
وقرأ أبو عمرو والكسائي والأعمش وحمزة
52 بالهمز وأبو عبيد يستبعد هذه القراءة لأن التناؤش البعد فيكون فكيف يكون وأنى لهم البعد من مكان بعيد قال أبو جعفر والقراءة جائزة حسنة ولها وجهان في كلام العرب ولا يتناول بها هذا المتناول البعيد فأحد الوجهين أن يكون الأصل غير مهموز ثم همزة الواو لأن الحركة فيها خفية وذلك كثير في كلام العرب وفي المصحف الذي نقلته الجماعة عن الجماعة { وإذا الرسل أقتت } والأصل وقتت لأنه مشتق من الوقت ويقال في جمع دار أدؤر والوجه الآخر قد ذكره أبو إسحاق قال يكون مشتقا من النئيش وهو الحركة في إبطاء أي من أين لهم الحركة فيما قد بعد وقد كفروا به من قبل
53
والعرب تقول لكل من يتكلم بما لا يحقه هو يقذف ويرجم بالغين من مكان بعيد على التمثيل بمن يرجم ولا يصيب برجمه ومن قرأ ( ويقذفون ) فمعناه عنده يقذف به إليهم من يغويهم ويضلهم
54
____________________
(3/356)
قيل حيل بينهم وبين النجاة من العذاب وقيل حيل بينهم وبين ما يشتهونه في الدنيا من أموالهم وأهليهم ومذهب قتادة أن المعنى أنهم كانوا يشتهون أن يقبل منهم أن يطيعوا الله جل وعز وينتهوا إلى ما يأمرهم به فحيل بينهم وبين ذلك لأن ذلك إنما كان في الدنيا وقد زالت في ذلك الوقت والأصل في حيل حول فقلبت حركة الواو على الحاء فانقلبت ياء فحذفت حركتها لثقلها ( إنهم كانوا في شك ) أي في الدين والتوحيد مريب أي يستراب به
____________________
(3/357)
35
1
فيه ثلاثة أوجه الخفض على النعت والرفع على إضمار مبتدأ أو النصب على المدح وحكى سيبويه الحمد لله أهل الحمد مثله وكذا ( جاعل الملائكة رسلا ) ولا يجوز فيه التنوين لأنه لما مضى رسلا مفعول ثان ويقال على إضمار فاعل لأن فاعلا إذا كان لما مضى مضافا لم يعمل شيئا ( أولي أجنحة ) نعت قال أبو إسحاق أي أصحاب أجنحة ( مثنى وثلاث ورباع ) لم ينصرف لأن فيها علتين إحداهما أنها معدولة فهذا اتفاق واختلف في الثانية لأن النحويين القدماء لم يذكروها قال أبو إسحاق العلة الثانية أنه عدل في حال نكرة وقال غيره العلة الثانية أنه صفة وقول ثالث أنه معدول عن اثنين اثنين فهذه علة ثانية
2
____________________
(3/359)
وأجاز النحويون في غير القرآن فلا ممسك له على لفظ ما ولها على المعنى وأجازوا وما يمسك فلا مرسل لها على معنى ما وأجازوا فلا ممسك لها يكون بمعنى ليس وكذا فلا مرسل له وأجازوا ما يفتح الله للناس من رحمة تكون ما بمعنى الذي
3
هذه قراءة شيبة ونافع وأبي عمرو وعاصم وقرأ شقيق بن سلمة ويزيد بن القعقاع ويحيى بن وثاب وحمزة والكسائي ( هل من خالق غير الله ) ويجوز نصب غير على الاستثناء والرفع من جهتين إحداهما بمعنى هل من خالق إلا الله بمعنى ما خالق إلا الله والوجه الثاني أن يكون نعتا على الموضع لأن المعنى هو خالق غير الله والخفض على اللفظ وقال حماد بن سلمة حدثنا حميد الطويل قال قلت للحسن من خلق الشر فقال سبحان الله هل من خالق غير الله جل وعز الله خلق الخير والشر
4
تأسيا له صلى الله عليه وسلم ( وإلى الله ترجع الأمور ) قال أبو إسحاق أي الأمور مرجعها إلى الله جل وعز فيجازي من كذب وينصر من كذب من رسله
5
____________________
(3/360)
قال سعيد بن جبير غرور الحياة الدنيا أن يشغل الإنسان بنعيمها وفتنتها عن عمل الآخرة حتى { يقول يا ليتني قدمت لحياتي } ( ولا يغرنكم بالله الغرور ) وقال شعبة عن سماك ( ولا يغرنكم بالله الغرور ) بضم الغين وفيه ثلاثة أقوال منها أن يكون جمع غار كما تقول جالس وجلوس وهذا أحسن ما قيل فيه ويكون معناه كمعنى الغرور قال أبو حاتم الغرور جمع غر وغر مصدر والقول الثالث يكون الغرور مصدرا وهذا بعيد عند أبي إسحاق لأن غررته متعد والمصدر من المتعدي إنما هو على فعل نحو ضربته ضربا إلا أشياء يسيرة سمعت لا يقاس عليها قالوا لزمته لزوما ونهكه المرض نهوكا فأما معنى هذا الحرف فأحسن ما قيل فيه ما قاله سعيد بن جبير قال الغرور بالله جل وعز أن يكون الإنسان يعمل المعاصي ثم يتمنى على الله جل وعز المغفرة
6
ويكون عدو بمعنى معاد فيثنى ويجمع ويؤنث ويكون بمعنى النسب فيكون موحدا بكل حال كما قال جل وعز { فإنهم عدو لي } وفي المؤنث على هذا عدو أيضا فأما قول بعض النحويين إن الواو خفية فجاءوا بالهاء فخطأ بل الواو حرف جلد ( فاتخذوه عدوا ) مفعولان ( إنما يدعو حزبه ) كفت ما إن عن العمل فوقع بعدها الفعل ( ليكونوا من أصحاب السعير )
7
____________________
(3/361)
يكون بدلا من أصحاب ويكون في موضع خفض ويكون بدلا من حزبه فيكون في موضع نصب أو يكون بدلا من الواو فيكون في موضع رفع وقول رابع وهو أحسنها يكون في موضع رفع بالابتداء ويكون خبره ( لهم عذاب شديد ) . فأما ( والذين آمنوا ففي موضع رفع بالابتداء وخبره ( لهم مغفرة وأجر كبير )
8
من في موضع رفع بالابتداء وخبره محذوف لما دل عليه قال الكسائي والذي دل عليه ( فلا تذهب نفسك عليهم حسرات ) والمعنى أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا ذهبت نفسك عليهم حسرات قال وهذا كلام عربي حسن ظريف لا يعرفه إلا قليل والذي قاله الكسائي أحسن ما قيل في الآية لما ذكره فمن الدلالة على المحذوف والمعنى أن الله جل وعز نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن شدة الاغتمام بهم والحزن عليهم كما قال جل وعز { لعلك باخع نفسك } قال أهل التفسير أي قاتل نفسك وقرىء على إبراهيم بن موسى عن إسماعيل بن إسحاق قال حدثنا نصر بن علي قال سألت الأصمعي عن قول النبي صلى الله عليه وسلم في أهل اليمن هم أرق قلوبا وأبخع طاعة ما معنى أبخع طاعة قال أنصح طاعة قال فقلت له إن أهل التفسير مجاهدا وغيره يقولون في قول الله جل
____________________
(3/362)
وعز لعلك باخع نفسك معناه قاتل نفسك فقال هو من ذلك بعينه كأنه من شدة النصح لهم قاتل نفسه وقراءة أبي جعفر ( فلا تذهب نفسك ) والمعنيان متقاربان و حسرات منصوب على أنه مفعول من أجله أو مصدر
9 وميت واحد وكذا ميتة وميتة واحد هذا قول الحذاق من النحويين وقال محمد بن يزيد هذا قول البصريين ولم يستثن أحدا واستدل على ذلك بدلائل قاطعة من كلام العرب
وأنشد
( ليس من مات فاستراح بميت ** إنما الميت ميت الأحياء )
( إنما الميت من يعيش كئيبا ** كاسفا باله قليل الرخاء ) ويروى قليل الرجاء قال فهل ترى بين ميت وميت من فرق وأنشد
( هينون لينون أيسار بنو يسر ** سواس مكرمة أبناء أيسار )
____________________
(3/363)
قال قد أجمعوا على أن قوله هينون وهينون واحد فكذا ميت وميت وسيد وسيد قال وزعم سيبويه أن قولهم كان كينونة وصار صيرورة الأصل فيه كينونة وصيرورة وكذا قيدودة ورد محمد بن يزيد على الكوفيين قولهم إنه فعلول من جهتين إحداهما لأنه ليس في كلام العرب فعلول والثانية أنه لو كان كما قالوا لكان بالواو قال أبو جعفر وهذا كلام بين حسن في كينونة لأنها من الكون وفي القيدودة لأنها من الأقود ( كذلك النشور ) أي كذلك تحيون بعد ما متم من نشر الإنسان نشورا إذا حيي وأنشره الله جل وعز
10
التقدير عند الفراء من كان يريد علم العزة وكذا قال غيره من أهل العلم من كان يريد علم العزة التي لا ذلة معها لأن العزة إذا كانت تؤدي إلى ذلة فإنها هي تعرض للذلة والعز التي لا ذلة معها لله جل وعز ( جميعا ) على الحال وقدر أبو إسحاق معناه من كان يريد بعبادة الله جل وعز العزة به فإن الله يعزه في الآخرة والدنيا ( إليه يصعد الكلم الطيب ) تم الكلام وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي ( إليه يصعد الكلام ) والكلم جمع كلمة وأهل التفسير ابن عباس ومجاهد والربيع بن أنس وشهر بن حوشب وغيرهم قالوا والمعنى العمل الصالح يرفع الكلم الطيب وهذا رد على المرجئة ( والعمل الصالح ) رفع بالابتداء أو على إضمار فعل فأما أن يكون مرفوعا بمعنى ويرفعه العمل الصالح فخطأ لأن
____________________
(3/364)
الفاعل إذا كان قبل الفعل لم يرتفع بالفعل هذا قول جميع النحويين إلا شيئا حكاه لنا علي بن سليمان عن أحمد بن يحيى أنه أجاز زيد قام بمعنى قام زيد قال أبو جعفر ويبين لك فساد هذا قول العرب الزيدان قاما ولو كان كما قال لقيل الزيدان قام ( والذين يمكرون السيئات ) بمعنى والذين يعملون السيئات فتكون السيئات مفعولة ويجوز أن يكون التقدير والذين يسيئون فيكون السيئات مصدرا ( لهم عذاب شديد ) خبر الذين ( ومكر أولئك ) مبتدأ وهو ابتداء ثان و ( يبور ) خبر الثاني ويجوز أن يكون خبرا عن الأول ويكون هذا زائدة وتقول بار يبور إذا هلك ومنه بارت السوق ونعوذ بالله جل وعز بوار الأيم
11
قال سعيد عن قتادة قال يعني آدم صلى الله عليه وسلم والتقدير على هذا خلق أصلكم من تراب ( ثم من نطفة ) قال أي التي أخرجها من ظهور أبائكم ( ثم جعلكم أزواجا ) قال أي زوج بعضكم بعضا ( وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب ) حدثنا علي بن الحسين عن الحسن بن حمد قال حدثنا ابن عوانة عن عطاء بن السايب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس وما يعمر من معمر إلا كتب عمره كم هو سنة كم هو شهرا كم هو يوما وكم هو ساعة ثم يكتب عند عمره نقص كذا نقص كذا حتى يوافق النقصان العمر ومذهب الفراء في
____________________
(3/365)
معنى وما يعمر من معمر أي ما يطول من عمره وما ينقص من عمره يعني آخر أي ولا ينقص الآخر من عمر ذاك ( إلا في كتاب إن ذلك على الله يسير ) والفعل منه يسر ولو سميت به إنسانا انصرف لأنه فعيل
12
روى ابن عباس قال فرات حلو وأجاج مالح مر وقرأ طلحة ( وهذا ملح أجاج ) بفتح الميم وكسر اللام بغير ألف وأما المالح فهو الذي يجعل الملح لإصلاح الشيء ( ومن كل تأكلون لحما طريا ) لا اختلاف في هذا أنه منهما جميعا ( وتستخرجون حلية تلبسونها ) مذهب أبي إسحاق أن الحلية إنما تستخرج من الملح فقيل منهما لأنهما مختلطان وقال غيره إنما تستخرج الأصداف التي قال فيها الحلية من الدر وغيره ومن المواضع التي فيها العذب والملح نحو العيون وقال محمد بن يزيد قولا ثالثا هو أحسنها قال إنما تستخرج الحلية من الملح خاصة وليس هذا عنده لأنهما مختلطان ولكن جمعا ثم خبر عن أحدهما كما قال جل وعز { ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله } وكما تقول لو رأيت الحسن والحجاج لرأيت خيرا وشرا وكما تقول لو رأيت الأصمعي وسيبويه لملأت يدك لغة ونحوا فقد عرف معنى هذا وهو كلام فصيح كثيرا فكذا ومن كل تأكلون لحما طريا وتستخرجون حلية تلبسونها فاجتمع في الأول وانفرد الملح بالثاني فصارا
____________________
(3/366)
مجتمعين في كل هذا قال ( وترى الفلك فيه مواخر ) أي في الملح خاصة ولولا ذلك لقال فيهما وقد مخرت السفينة تمخر وتمخر إذا شقت الماء كما قال
( يشق حباب الماء حيزومها بها ** كما قسم الترب المفايل باليد ) وقيل الأجل المسمى ههنا القيامة لأنها عند الله جل وعز مسماة لوقت معلوم
13 قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس القطمير جلد النواة
14
شرط ومجازاة ( ولو سمعوا ما استجابوا لكم ) فيه معنى الأول وإن كانت لولا يجازى بها قال قتادة ما استجابوا لكم ما تبعوكم ولا قبلوا منكم ( ويوم القيامة يكفرون بشرككم ) قال أبو إسحاق أي يقولون ما كانوا إيانا يعبدون ( ولا ينبئك مثل خبير ) قال قتادة الله جل وعز أخبر أنه يكون هذا منكم يوم القيامة
15
بتخفيف الهمزة الثانية أجود الوجوه عند الخليل رحمه الله ويجوز تخفيف
____________________
(3/367)
الأولى وحذفها وتخفيفها جميعا وتحقيقهما جميعا ( والله هو الغني الحميد ) تكون هو زائدة فلا يكون لها موضع من الإعراب وتكون مبتدأ فيكون موضعها رفعا
16
شرط ومجازاة وفيه حذف تستعمله العرب كثيرا والتقدير إن يشأ أن يذهبكم يذهبكم وحذفت من يشأ الضمة التي كانت على الهمزة فلما سكنت حذفت الألف التي قبلها ( ويأت ) معطوف على يذهبكم
18
مقطوع مما قبله والأصل توزر حذفت الواو اتباعا ليزر ( وازرة ) نعت لمحذوف أي نفس وازرة وكذا ( وإن تدع مثقلة ) قال الفراء أي نفس مثقلة أو دابة قال وهذا يقع للمذكر والمؤنث قال الأخفش أي وإن تدع مثقلة إنسانا ( إلى حملها ) والحمل ما كان على الظهر وحمل المرأة وحمل النخلة حكاهما الكسائي بالفتح لا غير وحكى ابن السكيت إن حمل النخلة يفتح ويكسر ( ولو كان ذا قربى ) التقدير على قول الأخفش ولو كان الإنسان المدعو ذا قربى وأجاز الفراء ( ولو كان ذو قربى ) قال أبو جعفر وهذا جائز عند سيبويه ومثله { وإن كان ذو عسرة } وتكون كان بمعنى وقع أو يكون
____________________
(3/368)
الخبر محذوفا أي وإن كان فيمن تطلبون ذو عسرة وحكى سيبويه الناس مجزيون بأعمالهم أن خير فخير على هذا وإن خيرا فخيرا على الأول وحكى الحكم بن أبان عن عكرمة أنه قال بلغني أن اليهودي والنصراني يرى الرجل المسلم يوم القيامة فيقول له ألم أكن قد أسديت إليك يدا ألم أكن قد أحسنت إليك فيقول بلى فيقول انفعني فلا يزال المسلم ينقص من عذابه وأن الرجل ليأتي إلى أبيه يوم القيامة فيقول ألم أكن بك بارا وعليك مشفقا وإليك محسنا وأنت ترى ما أنا فيه فهب لي حسنة من حسناتك أو تحمل عني سيئة فيقول إن الذي سألتني يسير ولكني أخاف مثل ما تخاف وإن الأب ليقول لابنه مثل ذلك فيرد عليه نحوا من هذا وإن الرجل ليقول لزوجته ألم أكن حسن العشرة لك فتحملي عني خطيئة لعلي أنجو فتقول إن ذلك ليسير ولكني أخاف مما تخاف منه ثم تلا عكرمة ( وإن تدع مثقلة إلى حملها لا يحمل منه شيء ولو كان ذا قربى ) ( إنما تنذر الذين يخشون ربهم ) وهو ينذر الخلق كلهم فخص الذين يخشون ربهم لأنهم الذين ينتفعون بالنذارة
19
20
21
روي عن ابن عباس قال المؤمن والكافر قال و ( الظلمات ) الضلالة و ( النور ) الهدى و ( الظل ) الجنة و ( الحرور ) النار قال الأخفش سعيد لا زائدة والمعنى ولا الظلمات والنور ولا الظل والحرور وقيل الحرور لا يكون إلا بالليل والسموم يكون بالنهار وقيل الحرور يكون فيهما وهذا
____________________
(3/369)
أصح القولين لأن الحرور فعول من الحر وفيه معنى التكثير أي الحر المؤذي
وقرأ الحسن ( وما أنت بمسمع من في القبور ) تحذف التنوين تخفيفا أي هم بمنزلة أهل القبور في أنهم لا ينتفعون بما يسمعونه ولا يقبلونه
25 وفي موضع آخر الزبر بغير باء والمعنى واحد غير أن الكثير في كلام العرب بغير باء وما بعده بالباء أيضا فتكون الباء إذا دخلت توكيدا أو عطف جملة على جملة وحذف الفعل لدلالة الأول عليه
27
نصبت مختلفا لأنه نعت لثمرات و ألوانها مرفوع بمختلف وصلح أن يكون نعتا لثمرات لما عاد عليه من ذكره ويجوز رفعه في غير القرآن ومثله رأيت رجلا خارجا أبوه ( ومن الجبال جدد ) جمع جدة قال الأخفش ولو كان جمع جديد لقيل جدد مثل رغيف ورغف ( بيض وحمر مختلف ألوانها ) رفع مختلف ههنا ونصب ثم لأن ما قبله ههنا مرفوع فهو نعت له ويجوز أن يكون رفعه على الابتداء والخبر
28
____________________
(3/370)
فقيل ههنا ألوانه وثم ألوانها لأن تقديره وخلق مختلف ألوانه ومختلف نعت أقيم مقام المنعوت والكاف في موضع نعت لأنها نعت لمصدر محذوف ( إنما يخشى الله من عباده العلماء ) قال مجاهد إنما العالم من يخشى الله جل وعز وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه كفى بخشية الله جل وعز علما وبالاغترار به جهلا
29
قال أحمد بن يحيى خبر إن ( يرجون تجارة لن تبور )
هذه الآية مشكلة لأنه قال جل وعز اصطفينا من عبادنا ثم قال جل وعز ( فمنهم ظالم لنفسه ) وقد كنا ذكرناها إلا أن نبينها ههنا بغاية البيان وقد تكلم جماعة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم فمن أصح ما روي في ذلك ما قرىء على أبي بكر محمد بن جعفر بن الإمام عن يوسف بن موسى عن وكيع بن الجراح قال حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن ابن عباس فمنهم ظالم لنفسه ) قال الكافر وقرىء على أحمد بن شعيب عن الحسين بن حبيب عن الفضل بن موسى عن حسين عن يزيد عن عكرمة عن ابن عباس في قول الله تعالى { ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله } قال نجت فرقتان فهذا قول ويكون التقدير في العربية فمنهم فمن عبادنا ظالم لنفسه أي كافر وقال الحسن أي فاسق ويكون الضمير الذي في يدخلونها يعود على المقتصد والسابق لا على الظالم فأما معنى الذين اصطفينا من عبادنا ففيه
____________________
(3/371)
قولان أحدهما أن الذين اصطفوا هم الأنبياء صلوات الله عليهم أي اختيروا للرسالة وقيل المعنى الذين اصطفوا لا نزال الكتاب عليهم فهذا عام وقيل الضمير في
33 يعود على الثلاثة الأصناف على أن لا يكون الظالم ههنا كافرا ولا فاسقا فمن روى عنه هذا القول أعني أن الذين يدخلونها هذه الثلاثة الأصناف عمر وعثمان وأبو الدرداء وابن مسعود وعقبة بن عمرو وعائشة رضي الله عنهم ولولا كراهة الإطالة لذكرنا ذلك بأسانيده وإن كانت ليست مثل الأسانيد الأولى في الصحة وهذا القول أيضا صحيح عن عبيد بن عمرو وكعب الأحبار وغيرهما من التابعين والتقدير على هذا القول أن يكون الظالم لنفسه الذي عمل الصغائر والمقتصد قال محمد بن يزيد هو الذي يعطي الدنيا حقها والآخرة حقها فيكون جنات عدن يدخلونها عائدا على الجميع على هذا الشرح والتبيين وفي الآية قول ثالث يكون الظالم صاحب الكبائر والمقتصد الذي لم يستحق الجنة بزيادة حسناته على سيئاته فيكون جنات عدن يدخلونها الذين سبقونا بالخيرات لا غير وهذا قول جماعة من أهل النظر قالوا لأن الضمير في حقيقة النظر لما يليه أولى وقد ذكرنا قول العلماء المتقدمين قبل هذا ( يحلون فيها من أساور من ذهب ) جمع أسورة وأسورة جمع سوار وسوار وقد حكي أنه يقال اسوار وجمع إسوار أساوير وقد حكي أن في حرف أبي أساوير وحذف الياء من مفاعل هذا
____________________
(3/372)
جائز غير أن المعروف أن الأسوار هو الرجل الجيد الرمي من الفرس ( ولؤلؤا ) قراءة أهل المدينة قال أبو إسحاق لأن معنى من أساور ومعنى أساور واحد والخفض قراءة أهل الكوفة وهو أبين في العربية لأنه مخفوض معطوف على مخفوض وقرأ عاصم الجحدري ( جنات عدن يدخلونها ) بكسر التاء تكون في موضع جر على البدل من الخيرات ويجوز أن يكون في موضع نصب على لغة من قال زيدا ضربته وزعم بعض أهل النظر أن قوله جل وعز يحلون فيها من أساور للنساء لأن قوله جل وعز من عبادنا مشتمل على الذكور والإناث وهذا خطأ بين لأنه لو كان للنساء لكان يحلين ولكن هو للرجال لا غير إلا أنه يجوز أن يحلى به النساء فإذا حلي به النساء فهو لأزواجهن
43
عن ابن عباس قال النار وقال سعيد عن قتادة قال كانوا يعملون في الدنيا وينصبون ويلحقهم الحزن وقال شمر بن عطية في قول الله جل وعز وقالوا الحمد الله الذي أذهب عنا الحزن قال هم الطعام قال ( إن ربنا لغفور شكور ) غفر لهم الذنوب التي عملوها وشكر لهم الخير الذي دلهم عليه فعملوه
35
يكون الذي في موضع نصب نعت لاسم إن ويجوز أن يكون في موضع رفع على إضمار مبتدأ أو على خبر بعد خبر إن وعلى البدل من
____________________
(3/373)
غفور أو على البدل من المضمر الذي في شكور ويجوز أن يكون في موضع خفض على النعت لاسم الله جل وعز قال الكسائي والفراء المقامة الإمامة والمقامة المجلس الذي يقام فيه ( لا يمسنا فيها نصب ) أي تعب والنصب الشر والنصب ما ينصب لذبح أو غيره وقرأ أبو عبد الرحمن ( ولا يمسنا فيها لغوب ) بفتح اللام يكون مصدرا كالوقود والطهور وقيل هو ما يلغب منه
36
مبتدأ والخبر ( لهم نار جهنم ) ويجوز أن يكون الخبر ( لا يقضى عليهم فيموتوا ) وحذفت النون لأنه جواب النفي وقرأ الحسن ( يقضى عليهم فيموتون ) على العطف قال الكسائي { ولا يؤذن لهم فيعتذرون } بالنون في المصحف لأنه رأس آية ولا يقضى عليهم فيموتوا بغير نون لأنه ليس برأس آية ويجوز في كل واحدة منهما ما جاز في صاحبه
37
الطاء مبدلة من تاء لأن الطاء بالصاد أشبه لأنهما مطبقتان ويقال اصطرخ إذا استغاث ( ربنا أخرجنا ) أي يقولون ( نعمل صالحا ) جواب المسألة أي أن أخرجتنا عملنا صالحا غير الذي كنا نعمل ( أولم نعمركم ) أي فيقال لهم وروى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم من عمر ستين سنة فقد أعذر الله إليه في العمر
____________________
(3/374)
وكذلك روى سهل بن سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل معناه وقال ابن عباس في قوله جل وعز أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر قال ستين سنة ( وجاءكم النذير ) أي المنذر وفي فعيل معنى المبالغة قيل يعني به النبي صلى الله عليه وسلم وقيل هو من أنذرهم وقيل يعني به الشيب والله جل وعز أعلم
38
إذا كان بغير تنوين صلح أن يكون للماضي والمستقبل والحال وإذا كان منونا لم يجز أن يكون للماضي
39
جمع خليفة أي تخلفون من كان قبلكم وفي هذا معنى التنبيه والاعتبار أي فتحذرون أن تنزل بكم العقوبة كما نزلت بمن كان قبلكم ( فمن كفر فعليه كفره ) مثل وسئل القرية أي عقوبة كفره ( ولا يزيد الكافرين كفرهم عند ربهم إلا مقتا ) مفعولا وكذا ( ولا يزيد الكافرين كفرهم إلا خسارا )
40
منصوب بالرؤية ولا يجوز رفعه وقد يجوز الرفع عند سيبويه في قولهم قد علمت زيد أبو من هو لأن زيدا في المعنى يستفهم عنه ولو قلت أرأيت زيدا أبو من هو لم يجز الرفع والفرق بينهما أن معنى هذا أخبرني عنه وكذا معنى هذا أخبروني عن شركائكم الذين تدعون من دون الله أعبدتموهم لأن لهم شركة في خلق السموات أم خلقوا من الأرض شيئا أم أتيناهم كتابا بهذا أي أم
____________________
(3/375)
عندهم كتاب أنزلناه إليهم بالشركة أو بأنا أمرناهم بعبادتهم فكان في هذا رد على كل من عبد غير الله جل وعز لأنهم لا يجدون في كتاب من الكتب أن الله جل وعز أمر أن يعبد غيره ( على بينات منه ) قراءة أبي جعفر وشيبة ونافع وعاصم والكسائي وقرأ أبو عمرو وابن كثير والأعمش وحمزة ( على بينة منه ) قال أبو جعفر والمعنيان متقاربان إلا أن القراءة بينات أولى لأنه لا يخلو من قرأ على بينة أن يكون خالف السواد الأعظم أو يكون جاء به على لغة من قال جاءني طلحة فوقف بالتاء وهذه لغة شاذة قليلة ( بل أن يعد الظالمون بعضهم بعضا ) أن بمعنى ما فلذلك رفعت الفعل ( بعضهم بعضا ) بعضهم ( إلا غرورا ) أي إلا غرورا بالباطل
41
أن في موضع نصب بمعنى كراهة أو يحمل على المعنى لأن المعنى إن الله يمنع السموات والأرض من أن تزولا ( ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد ) قال الفراء أي ولو زالتا ما أمسكهما من أحد من بعده و أان بمعنى ما قال وهو مثل قوله تعالى { ولئن أرسلنا ريحا فرأوه مصفرا لظلوا من بعده يكفرون }
42
قال أبو إسحاق كانوا حلفوا واجتهدوا قال أبو جعفر فاليمين وقعت
____________________
(3/376)
على ( ليكونن أهدى من إحدى الأمم ) قال الأخفش فأنث إحدى لتأنيث أمة ( فلما جاءهم نذير ما زادهم إلا نفورا ) أي عن الحق
43
مفعول من أجله أي تكبرا عن الحق ( ومكر السيىء ) معطوف عليه قال سعيد عن قتادة أي ومكر الشرك قال أبو جعفر أصل المكر السيىء في اللغة الكذب والخديعة بالباطل وقرأ الأعمش وحمزة ( ومكر السيىء ولا يحق المكر السيىء إلا بأهله ) فحذف الإعراب من الأول وأثبته في الثاني قال أبو إسحاق وهو لحن لا يجوز قال أبو جعفر وإنما صار لحنا لأنه حذف الإعراب منه وزعم محمد بن يزيد أن هذا لا يجوز في كلام ولا شعر لأن حركات الإعراب لا يجوز حذفها لأنها دخلت للفروق بين المعاني وقد أعظم بعض النحويين أن يكون الأعمش على جلالته ومحله يقرأ بهذا وقال إنما كان يقف عليه فغلط من ادعى عنه قال والدليل على هذا أنه تمام الكلام وإن الثاني لما لم يكن تمام الكلام أعربه والحركة في الثاني أثقل منها في الأول لأنها ضمة بين كسرتين وقد احتج بعض النحويين لحمزة في هذا بقول سيبويه وأنه أنشد هو وغيره
( إذا اعوججن قلت صاحب قوم ** بالدو أمثال السفين العوم )
____________________
(3/377)
وقال الآخر
( فاليوم أشرب غير مستحقب ** إثما من الله ولا واغل )
وهذا لا حجة فيه لأن سيبويه لم يجزه وإنما حكاه عن بعض النحويين والحديث إذا قيل فيه عن بعض العلماء لم يكن فيه حجة فكيف وإنما جاء به على الشذوذ وضرورة الشعر قد خولف فيه وزعم أبو إسحاق أن أبا العباس أنشده
( إذا اعوججن قلت صاح قوم ** )
وأنه أنشده فاليوم فاشرب بالفاء ( فهل ينظرون إلا سنة الأولين ) أي إنما ينظرون العقاب الذي نزل بالكفار الأولين ( فلن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا ) أي أجرى الله جل وعز العذاب على الكفار وجعل ذلك سنة فيهم فهو يعذب بمثله من استحقه لا يقدر أحد أن يبدل ذلك ولا يحوله
قال أبو إسحاق
44 لتفوته
45
مهموز لأن العرب تقول أخذت فلانا بكذا وكذا ولا يقال وأخذت ولكن إن خففت الهمزة في يؤاخذ جاز فقلت يواخذ تقلبها واوا فإن قال قائل فلم لا يقبلها ألفا وهي مفتوحة قلت هذا محال لأن الألف لا يكون ما قبلها أبدا
____________________
(3/378)
إلا مفتوحا ( على ظهرها ) يعود على الأرض وقد تقدم ذكرها ( فإذا جاء أجلهم فإن الله كان بعباده بصيرا ) لا يجوز أن يكون العامل في إذا بصيرا كما لا يجوز اليوم أن زيدا خارج ولكن العامل فيها جاء لشبهها بحروف المجازاة وقد يجازي بها كما قال
( إذا قصرت أسيافنا كان وصلها ** خطانا إلى أعدائنا فنضارب )
____________________
(3/379)
36
1
قال عبد الرحمن بن أبي ليلى لكل شيء قلب وقلب القرآن يس من قرأها نهارا كفي همه ومن قرأها ليلا غفر ذنبه قال شهر بن حوشب يقر أهل الجنة طه و يس فقط قال أبو جعفر في يس أوجه من القراءات قرأ أهل المدينة والكسائي ( يس والقرآن الحكيم ) بإدغام النون في الواو وقرأ أبو عمرو والأعمش وحمزة ( يس والقرآن الحكيم ) بإظهار النون وقرأ عيسى بن عمر ( يسين والقرآن الحكيم ) وذكر الفراء قراءة رابعة ( ياسين والقرآن ) قال أبو جعفر القراءة الأولى بالإدغام على ما يجب في العربية لأن النون تدغم في الواو لشبهها بها ومن بين قال سبيل حروف التهجي أن يوقف عليها وإنما يكون الإدغام في الأدراج وذكر سيبويه النصب وجعله من جهتين إحداهما أن يكون مفعولا لا يصرفه لأنه عنده اسم أعجمي بمنزلة هابيل والتقدير اذكر ياسين وجعله سيبويه اسما للسورة وقوله الآخر أن يكون مبنيا على الفتح مثل
____________________
(3/381)
كيف و أين وأما الكسر فزعم الفراء أنه مشبه بقول العرب جير لأفعلن وجير لا أفعل
2
والقرآن قسم والواو مبدلة من باء لشبهها بها كما أبدلوها من رب الحكيم من نعت القرآن قال أبو إسحاق لأنه أحكم بالأمر والنهي والأمثال وأقاصيص الأمم
3
جواب القسم وإن مكسورة لأن في خبرها اللام ولو حذفت اللام لكانت أيضا مكسورة إلا في قول الكسائي فإنه يجيز فتحها لأن في الكلام معنى أقسم
4
قال الضحاك أي على طريقة مستقيمة قال قتادة أي على دين مستقيم قال أبو إسحاق على صراط مستقيم خبر بعد خبر قال
____________________
(3/382)
ويجوز أن يكون من صلة المرسلين أي الذين أرسلوا على صراط مستقيم
5
هذه قراءة أهل المدينة وأبي عمرو وقرأ الكوفيون وعبد الله بن عامر اليحصي ( تنزيل العزيز الرحيم ) بالنصب وحكي الخفض قال أبو جعفر فالرفع على إضمار مبتدأ أي الذي أنزل إليك تنزيل العزيز الرحيم والنصب على المصدر والخفض على البدل من القرآن
6
ما لا موضع لها من الإعراب عند أكثر أهل التفسير لأنها نافية وعلى قول عكرمة موضعها النصب لأنه قال أي قد أنذر آباؤهم فتكون على هذا مثل قوله { فقل أنذرتكم صاعقة } أي بصاعقة ( فهم غافلون ) ابتداء وخبر
7
أي حق القول عليهم بالعذاب لكفرهم ومثله { ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين }
8
عن ابن عباس أنه قال إن أبا جهل أقسم لئن رأيت محمدا صلى الله عليه وسلم يصلي
____________________
(3/383)
لأدمغنه فأخذ حجرا والنبي صلى الله عليه وسلم يصلي ليرميه به فلما أومأ به إليه جفت يده على عنقه والتصق الحجر بيده فهو على هذا تمثيل أي بمنزلة من غلت يده إلى عنقه وروى ابن عيينة عن عمرو بن دينار قال قرأ ابن عباس ( إنا جعلنا في أيمانهم أغلالا فهي إلى الأذقان ) قال أبو إسحاق وقرىء ( إنا جعلنا في أيديهم أغلالا ) قال أبو جعفر هذه القراءة على التفسير ولا يقرأ بما خالف المصحف وفي الكلام حذف على قراءة الجماعة فالتقدير إنا جعلنا في أعناقهم وفي أيديهم أغلالا فهي إلى الأذقان فهي كناية عن الأيدي لا عن الأعناق والعرب تحذف مثل هذا ونظيره { سرابيل تقيكم الحر } فتقديره وسرابيل تقيكم البرد فحذف لأن ما وقى الحر وقى البرد ولأن الغل إذا كان في العنق فلا بد من أن يكون في اليد ولا سيما وقد حال جل وعز ( فهي إلى الأذقان ) فقد أعلم الله جل وعز أنها يراد بها الأيدي ( فهم مقمحون ) أجل ما روى فيه ما حكاه عبد الله بن يحيى أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أراهم الأقماح فجعل يديه تحت لحيته وألصقهما ورفع رأسه قال أبو جعفر وكان هذا مأخوذا مما حكاه الأصمعي قال يقال أكمحت الدابة إذا جذبت لجامها لترفع رأسها قال أبو جعفر والقاف مبدلة من الكاف لقربها منها كما يقال قهرته وكهرته قال الأصمعي ويقال أكفحت الدابة إذا تلقيت فاها باللجام لتضربه به مشتق من قولهم لقيته كفاحا أي وجها لوجه وكفحت الدابة بغير ألف
____________________
(3/384)
إذا جذبت عنانها لتقف ولا تجري
9
قال محمد بن إسحاق في روايته جلس عتبة وشيبة ابنا ربيعة وأبو جهل وأمية بن خلف يراصدون النبي صلى الله عليه وسلم ليبلغوا من أذاه فخرج عليهم يقرأ أول يس وفي يده تراب فرماهم به وقرأ وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا إلى رأس العشر فأطرقوا حتى مر النبي صلى الله عليه وسلم وقد قيل أن هذا تمثيل كما يقال فلان حمار أي لا يبصر الهدى كما يقال
( لهم عن الرشد أغلال وأقياد ** )
وقراءة ابن عباس وعكرمة ويحيى بن يعمر وعمر بن عبد العزيز ( فأغشيناهم ) قال أبو جعفر القراءة بالغين أشبه بنسق الكلام ويقال غشيه الأمر وأغشيته إياه فأما فأغشيناهم فإنما يقال لمن ضعف بصره حتى لا يبصر بالليل أو لمن فعل فعله كما قال
( متى تأته تعشو إلى ضوء ناره ** تجد خير نار عندها خير موقد ) قال قتادة ( فهم لا يبصرون ) الهدى
10
____________________
(3/385)
قيل المعنى لا يكترثون بذلك ولا يعبئون به ولا يؤمنون قال ابن عباس فما آمن منهم أحد
11
أي إنما ينتفع بالإنذار قال أبو إسحاق ومعنى ( وخشي الرحمن بالغيب ) خاف الله جل وعز من حيث لا يراه أحد إلا الله عز وجل ( فبشره بمغفرة وأجر كريم ) قال الضحاك عن ابن عباس في معنى كريم أي حسن وقيل يراد به الجنة والله جل وعز أعلم
الأصل في
12 إننا حذفت النون لاجتماع النونات ( نحيي ) حذفت منه الضمة لثقلها ولا يجوز إدغام الياء في الياء ههنا لئلا يلتقي ساكنان ( ونكتب ما قدموا وآثارهم ) أي ذكر ما قدموا وأقيم المضاف إليه مقام المضاف وتأوله ابن عباس بمعنى خطاهم إلى المساجد وهو أولى ما قيل فيه لأنه قال إن الآية نزلت في ذلك لأن الأنصار كانت منازلهم بعيدة من المسجد وفي حديث عمرو بن الحارث عن أبي عشانة عن عقبة بن عامر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال يكتب له برجل حسنة ويحط عنه برجل سيئة ذاهبا وراجعا إذا خرج إلى المسجد وتأوله غير ابن عباس ونكتب ما قدموا وآثارهم يعني نكتب ما قدموا من خير وما سنوا من سنة حسنة يعمل بها بعدهم وواحد الآثار أثر ويقال إثر ( وكل شيء أحصيناه ) منصوب على إضمار فعل ويجوز رفعه
____________________
(3/386)
بالابتداء إلا أن نصبه أولى ليعطف ما عمل فيه الفعل على ما عمل فيه الفعل وهذا قول الخليل وسيبويه رحمهما الله قال مجاهد ( في إمام مبين ) في اللوح المحفوظ
13
قال أبو إسحاق أي اذكر لهم مثلا والضرب هو المثال والجنس يقال هذا من ضرب هذا أي من مثال هذا وجنسه والمعنى ومثل لهم مثلا أصحاب القرية بدل من مثل فالمعنى مثل أصحاب القرية ( إذ جاءها المرسلون ) أي جاء أهلها المرسلون
14
وقرأ عاصم ( فعززنا ) وربما غلط في هذا بعض الناس فتوهم أنه من عز يعز وليس منه إنما هو من قول العرب عازني فلان فعززته أعزه أي غلبته وقهرته وله نظائر في كلامهم وتأول الفراء فعززنا بثالث أن الثالث أرسل قبل الاثنين وأنه شمعون وإن معنى فعززنا به أنه غلبهم والظاهر يدل على خلاف ما قال ولو كان كما قال لكان الأولى في كلام العرب أن يقال بالثالث إذ كان قد أرسل قبل كما يقال في أول الكتاب سلام عليك وفي آخره والسلام وكما يقال مررت برجل من قصته كذا فقلت للرجل
15 مبتدأ وخبره
____________________
(3/387)
قال الفراء
18 أي لنقتلنكم قال وعامة ما في القرآن من الرجم معناه القتل
19
فيه سبعة أوجه من القراءات قرأ أهل المدينة ( أين ذكرتم ) بتخفيف الهمزة الثانية وقرأ أهل الكوفة ( أان ) بتحقيق الهمزتين والوجه الثالث ( أان ) بهمزتين بينهما ألف أدخلت الألف كراهة للجمع بين الهمزتين والوجه الرابع ( أاان ) بهمزة بعدها ألف وبعد الألف همزة مخففة والقراءة الخامسة ( أان ) ذكرتم ) بهمزتين إلا أن الثانية همزة مخففة والوجه السادس ( أأن ) بهمزتين محققتين مفتوحتين حكى الفراء أن هذه قراءة أبي رزين وقرأ عيسى بن عمر والحسن البصري ( قالوا طائركم معكم أين ذكرتم ) بمعنى حيث والمعنى أين ذكرتم تطيركم معكم ومعنى أأن ألأن وقرأ يزيد بن القعقاع والحسن وطلحة ( ذكرتم ) بالتخفيف وزعم الفراء أن معنى طائركم معكم أي رزقكم وعملكم و ( بل ) لخروج من كلام إلى كلام ( أنتم قوم مسرفون ) ابتداء وخبر
20
وفي موضع آخر { رجل من أقصى المدينة يسعى } والمعنى واحد إلا أن
____________________
(3/388)
حق الظروف أن تكون في آخر الكلام وتقديمها مجاز ألا ترى أن معنى إن في الدار زيدا إن زيدا في الدار ( قال يا قوم اتبعوا المرسلين )
21 هذا يدل على إعادة الفعل ( وهم مهتدون ) محمول على معنى من
وقرأ الأعمش وحمزة
22 بإسكان الياء وهذه ياء النفس تفتح وتسكن إذا كان ما قبلها متحركا فالفتح لأنها اسم فكره أن يكون اسم على حرف واحد ساكنا والإسكان لاتصالها بما قبلها وموضع ( لا أعبد ) موضع نصب على الحال
23
شرط ومجازاة وعلامة الجزم فيه حذف الضمة من الدال وحذفت الياء التي قبل الدال لالتقاء الساكنين والقول في الياء التي بعد النون كما تقدم من الفتح والإسكان إلا أنك إذا أسكنتها حذفتها في الإدراج لالتقاء الساكنين وجواب الشرط ( لا تغن عني )
فأما ما روي عن عاصم أنه قرأ
25 بفتح النون فلحن لأنه في موضع جزم فإذا كسرت النون جاز لأنها النون التي تكون مع الياء لا نون الإعراب قال أبو إسحاق أشهد الرسل على إيمانه فقال ( إني آمنت بربكم فاسمعون )
____________________
(3/389)
26
في الكلام حذف لعلم السامع والتقدير فقتلوه فقيل ادخل الجنة فلما رأى ما هو فيه من النعيم ( قال يا ليت قومي يعلمون )
27
فيه ثلاثة أوجه تكون ما مصدرا وتكون بمعنى الذي والثالث استفهاما وهذا ضعيف لأن الأكثر في الاستفهام بم غفر لي ربي بغير ألف ( وجعلني من المكرمين ) قال أبو مجلز أي بإيماني وتصديقي الرسل قال أبو إسحاق من المكرمين أي أدخلني الجنة
28
أي لم ينزل جندا من السماء ينتصرون له
29
في كانت مضمر أي أن كانت عقوبتهم أو بليتهم إلا صيحة قرأ أبو جعفر ( إن كانت إلا صيحة واحدة ) بالرفع قال أبو حاتم ينبغي ألا يجوز لأنه إنما يقال ما جاءني إلا جاريتك ولا يقال ما جاءتني إلا جاريتك لأن المعنى ما جاءني أحد إلا جاريتك أي فلو كان كما قرأ أبو جعفر لقال إن كانت إلا صيحة واحدة قال أبو جعفر لا يمتنع من هذا شيء فقال ما
____________________
(3/390)
جاءتني إلا جاريتك بمعنى ما جاءتني امرأة أو جارية والتقدير بالرفع في القراءة ما قاله أبو إسحاق قال المعنى إن كانت عليهم صيحة إلا صيحة واحدة وقدره غيره بمعنى ما وقعت إلا صيحة واحدة وكان بمعنى وقع كثير في كلام العرب وقرأ عبد الرحمن بن الأسود ويقال إنه في حرف عبد الله كذلك ( إن كانت إلا زقية واحدة ) قال أبو جعفر هذا مخالف للمصحف وأيضا فإن اللغة المعروفة زقا يزقو إذا صاح فكان يجب على هذا أن يكون إلا زقوة قال قتادة ( فإذا هم خامدون ) أي هالكون
30
منصوب لأنه نداء نكرة لا يجوز فيه إلا النصب عند البصريين وزعم الفراء أن الاختيار النصب وأنها لو رفعت النكرة الموصولة بالصفة لكان صوابا واستشهد بأشياء منها أنه سمع من العرب يا مهم بأمرنا لا تهتم وأنشد
( يا دار غيرها البلى تغييرا ** ) قال أبو جعفر في هذا بطلان باب النداء أو أكثره لأنه يرفع النكرة المحضة ويرفع ما هو منزلة المضاف في طوله ويحذف التنوين متوسطا ويرفع ما هو في المعنى
____________________
(3/391)
مفعول بغير علة أوجبت ذلك فأما ما حكاه عن العرب فلا يشبه ما أجازه لأن تقدير يا مهتم بأمرنا لا تهتم على التقديم والتأخير والمعنى يا أيها المهتم لا تهتم بأمرنا وتقدير البيت يا أيها الدار ثم حول المخاطبة أي يا هؤلاء غير هذه الدار البلى كما قال جل وعز { حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم } وكان أبو إسحاق يقول بأن قوله جل وعز يا حسرة على العباد من أصعب ما في القرآن من المسائل وإنما قال هذا لأن السؤال فيه أن يقال ما الفائدة في نداء الحسرة قال أبو جعفر وقد شرح هذا سيبويه بأحسن شرح ومذهبه أن المعنى إذا قيل يا عجباه فمعناه يا عجب هذا من إبانك ومن أوقاتك التي يجب أن تحضرها والمعنى على قوله أنه يجب أن تحضر الحسرة لهم على أنفسهم لاستهزائهم بالرسل وفي معنى الآية قول غريب إسناده جيد رواه الربيع بن أنس عن أبي العالية قال لما رأى الكفار العذاب قالوا يا حسرة على العباد يعنون بالعباد الرسل الثلاثة الذين أرسلوا إليهم تحسروا على فواتهم وإن لم يحضروا حتى يؤمنوا قال الله تعالى { وما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزؤون }
31
قال الفراء كم في موضع نصب من وجهين أحدهما بيروا واستشهد على هذا القول بأنه في قراءة عبد الله بن مسعود ( ألم يروا من أهلكنا ) والوجه الآخر أن تكون كم في موضع نصب بأهلكنا قال أبو جعفر القول
____________________
(3/392)
الأول محال لأن كم لا يعمل فيها ما قبلها لأنها استفهام ومحال أن يدخل الاستفهام في حيز ما قبله وكذا حكمها إذا كانت خبرا وإن كان سيبويه قد أومأ إلى بعض هذا فجعل أنهم بدلا من كم وقد رد عليه محمد بن يزيد هذا أشد رد وقال كم في موضع نصب بأهلكنا وأنهم في موضع نصب والمعنى عنده بأنهم أي ألم يروا كم أهلكنا قبلهم من القرون بالاستئصال
32
هذه إن الثقيلة في الأصل خففت فزال عملها في أكثر اللغات ولزمتها اللام فرقا بينها وبين إن التي بمعنى ما وقرأ الكوفيون ( وإن كل لما ) وفيه قولان أحدهما أن لما بمعنى إلا و إن بمعنى ما حكى ذلك سيبويه في قولهم سألتك بالله لما فعلت وزعم الكسائي أنه لا يعرف هذا والقول الآخر أن المعنى وإن كل لمن ما وهذا قول الفراء قال وحذفت ما كما يقال علماء بنو فلان ( أراد به على الماء بنو فلان )
33
آية رفع بالابتداء والخبر لهم ويجوز أن يكون الخبر الأرض الميتة قال أبو إسحاق ويقال الميتة والتخفيف أكثر
35
____________________
(3/393)
ما في موضع خفض على العطف أي ومما عملته أيديهم ويجوز أن تكون ما ناية لا موضع لها أي ولم تعمله أيديهم فإذا كان بحذف الهاء كانت ما في موضع خفض وحذف الهاء لطول الاسم ويبعد أن تكون نافية
36
قال أبو إسحاق أي الأجناس من الحيوان والنبات
37 وعلامة دالة على توحيد الله
38
ويكون تقديره وآية لهم الشمس ويجوز أن تكون الشمس مرفوعة بإضمار فعل يفسره الثاني ويجوز أن تكون مرفوعة بالابتداء
39
يكون تقديره وآية لهم القمر ويجوز أن يكون القمر مرفوعا بالابتداء وقرأ الكوفيون ( والقمر ) بالنصب على إضمار فعل وهو اختيار أبي عبيد قال لأن قبله فعلا وبعده فعلا مثله قبله نسلخ وبعده قدرناه قال أبو جعفر أهل العربية جميعا فيما علمت على خلاف ما قال منهم الفراء قال الرفع أعجب إلي وإنما كان الرفع عندهما أولى لأنه معطوف على ما قبله فمعناه وآية القمر والذي قاله من أن قبله نسلخ فقبله ما أقرب إليه منه وهو يجري وقبله والشمس بالرفع والذي ذكره بعده وهو قدرناه قد عمل في الهاء
____________________
(3/394)
ووجه ثان في الرفع يكون مرفوعا بالابتداء ويقال القمر ليس هو المنازل فكيف قال قدرنا منازل ففي هذا جوابان أحدهما أن تقديره قدرناه ذا منازل مثل { واسأل القرية } والتقدير الآخر قدرنا له منازل ثم حذف اللام وكان حذفها حسنا لتعدي الفعل إلى مفعولين مثل { واختار موسى قومه سبعين رجلا }
40 رفعت الشمس بالابتداء ولا يجوز أن تعمل لا في معرفة وقد تكلم العلماء في معنى هذه الآية فقال بعضهم معناها أن الشمس لا تدرك القمر فيبطل معناه وقيل القمر في السماء الدنيا والشمس في السماء الرابعة فهي لا تدركه وأحسن ما قيل في معناه وأبينه مما لا يدفع أن سير القمر سير سريع فالشمس لا تدركه في السير ( ولا الليل سابق النهار ) مما قد تكلموا فيه أيضا وقال بعضهم هذا يدل على أن النهار مخلوق قبل الليل وأن الليل لم يسبقه بالخلق وقيل لا يجوز أن يتقدم أحدهما صاحبه لأن وجود هذا عدم هذا ولا يقع فيهما القبل والبعد وهذا قول أهل النظر وقيل كل واحد منهما يجيء في وقته لا يسبق أحدهما صاحبه قال أبو جعفر حدثنا محمد بن الوليد وعلي بن سليمان عن محمد بن يزيد قال سمعت عمارة بن عقيل بن بلال بن جرير يقرأ ( ولا الليل سابق النهار ) فقلت ما هذا قال أردت سابق النهار فحذفت التنوين لأنه أخف قال أبو
____________________
(3/395)
جعفر يجوز أن يكون النهار منصوبا بغير تنوين ويكون التنوين حذف لالتقاء الساكنين
41
هذه الآية من أشكل ما في السورة لقوله جل وعز حملنا ذرياتهم لأنهم هم المحمولون فسمعت علي بن سليمان يقول الضميران مختلفان والمعنى وآية لأهل مكة أنا حملنا ذريات قوم نوح في الفلك وفيها قول آخر حسن وهو أن يكون المعنى أن الله جل وعز خبر بلطفه وامتنانه أنه خلق السفن يحمل فيها من يصعب عليه المشي والركوب من الذريات والصغار ويكون الضميران على هذا متفقين
42
والأصل يركبونه حذفت الهاء لطول الاسم وأنه رأس آية وفي معناه ثلاثة أقوال مذهب مجاهد وقتادة وجماعة من أهل التفسير أن معنى من مثله للإبل والقول الثاني أنه للإبل والدواب وكل ما يركب والقول الثالث أنه للسفن وهذا أصحها لأنه متصل الإسناد عن ابن عباس رواه محمد بن فضيل عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس وخلقنا لهم من مثله ما يركبون قال خلق لهم سفنا أمثالها يركبون فيها وبغير هذا الإسناد أن ابن عباس احتج في أن هذا ليس للإبل بأن بعده
____________________
(3/396)
43 وهو حسن لأن بعده ما لا يجوز فيه إلا الرفع لأنه معرفة وهو ( ولا هم ينقذون ) والنحويون يختارون لا رجل في الدار ولا زيد
44
قال الكسائي هو نصب على الاستثناء وقال أبو إسحاق نصب لأنه مفعول له أي للرحمة ( ومتاعا ) معطوف عليه قال قتادة ( إلى حين ) أي إلى الموت
وفي قوله جل وعز
49 خمس قراءات قرأ أبو عمرو وابن كثير ( وهم يخصمون ) بفتح الياء والخاء وتشديد الصاد وكذا روى ورش عن نافع فأما أصحاب القراءات وأصحاب نافع سوى ورش فإنهم رووا عنه ( وهم يخصمون ) بإسكان الخاء وتشديد الصاد على الجمع بين ساكنين وقرأ عاصم والكسائي ( وهم يخصمون ) بكسر الخاء وتشديد الصاد وقرأ يحيى بن وثاب والأعمش وحمزة ( وهم يخصمون ) بإسكان الخاء وتخفيف الصاد وفي حرف أبي ( وهم يختصمون ) قال أبو جعفر القراءة الأولى ( وهم يخصمون ) أبينها والأصل يختصمون فأدغمت التاء في الصاد فقلبت حركتها إلى الخاء وإسكان الخاء لا يجوز لأنه جمع بين ساكنين وليس أحدهما حرف مد ولين وإنما يجوز في مثل هذا إخفاء الحركة فلم يضبط كما لم يضبط عن أبي عمرو { فتوبوا إلى بارئكم } إلا
____________________
(3/397)
من رواية من يضبط اللغة كما روى سيبويه عنه أنه كان يختلس الحركة فأما يخصمون فالأصل فيه أيضا يختصمون فأدغمت التاء في الصاد ثم كسرت الخاء لالتقاء الساكنين وزعم الفراء أن هذه القراءة أجود وأكثر فترك ما هو أولى من إلقاء حركة التاء على الخاء واجتلب لها حركة أخرى وجمع بين ياء وكسرة وزعم أنه أجود وأكثر وكيف يكون أكثر وبالفتح قراءة أهل مكة وأهل البصرة وأهل المدينة قال عكرمة في قوله جل وعز ( إن كانت إلا صيحة واحدة ) قال هي النفخة الأولى في الصور
50
روى الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال ينفخ في الصور والناس في أسواقهم فمن جالب لقحة ومن ذارع ثوبا ومن مار في حاجة ( فلا يستطيعون توصية ولا إلى أهلهم يرجعون ) وذكر الفراء فيه قولين أحدهما لا يرجعون إلى أهليهم قولا والقول الآخر لا يرجعون من أسواقهم إلى أهليهم
51
في معناه قولان قال قتادة الصور جمع صورة أي نفخ في الصور الأرواح وصورة وصور مثل سورة البناء وسور قال العجاج
____________________
(3/398)
( فرب ذي سرادق محجور ** سرت إليه في أعالي السور ) وقد روى عن ابن هرمز أنه قرأ ( ونفخ في الصور ) فهذا لا إشكال فيه فأما الصور بإسكان الواو فالصحيح فيه أنه القرن جاء بذلك الحديث والتوقيف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك معروف في كلام العرب أنشد أهل اللغة
( نحن نطحناهم غداة الغورين ** بالضابحات في غبار النقعين )
( نطحا شديدا لا كنطح الصورين ** )
52
منصوب على أنه نداء مضاف أي من أيامك ومن ابانك ويجوز أن يكون منصوبا على معنى المصدر ويكون المنادى محذوفا على أن الكوفيين يقدرونه وي لنا منفصلة فإذا قيل لهم فلم قلتم ويل زيد ففتحتم اللام وهي لام خفض ولم قلتم ويل له فضممتم اللام ونونتموها ثم حكيتم ويل زيد بالضم غير منون اعتلوا بعلل لا تصح قال أبو جعفر وسنذكرها إن شاء الله فيما
____________________
(3/399)
يستقبل ( من بعثنا من مرقدنا ) يقال كيف قالوا هذا وهم من المعذبين في قولكم في قبورهم فالجواب أن أبي بن كعب قال ناموا نومة وقال أبو صالح إذا نفخ النفخة الأولى رفع العذاب عن أهل القبور وهجعوا هجعة إلى النفخة الثانية وبينهما أربعون سنة فذلك قولهم من بعثنا من مرقدنا قال مجاهد أي فيقول لهم المؤمنون ( هذا ما وعد الرحمن ) وقال قتادة فقال لهم من هدى الله ( هذا ما وعد الرحمن ) وقال الفراء أي فقال لهم الملائكة هذا ما وعد الرحمن قال أبو جعفر وهذه الأقوال متفقة لأن الملائكة من المؤمنين وممن هدى الله وقرأ مجاهد ويروى عن ابن عباس ( يا ويلنا من بعثنا ) قال أبو جعفر وعلى هذا يتأول قول الله جل وعز { إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية } وكذا الحديث المؤمن عند الله خير من كل ما خلق ويجوز أن يكون الملائكة صلى الله عليهم وغيرهم من المؤمنين قالوا هذا ما وعد الرحمن والتمام على هذا من مرقدنا وهذا في موضع رفع بالابتداء وخبره ما وعد الرحمن ويجوز أن يكون هذا في موضع خفض على النعت لمرقدنا فيكون التمام من مرقدنا هذا ويكون ما وعد الرحمن في موضع رفع من ثلاث جهات ذكر أبو إسحاق منها اثنتين قال يكون بإضمار هذا والثانية أن يكون بمعنى حق ما وعد الرحمن وقال أبو جعفر
____________________
(3/400)
والثالثة أن يكون بمعنى بعثكم ما وعد الرحمن
53 مبتدأ وخبره وجميع نكرة و ( محضرون ) من نعته
55
قال عبد الله بن مسعود وابن عباس شغلهم بافتضاض العذارى وقال أبو قلابة بينما الرجل من أهل الجنة مع أهله إذ قيل له تحول إلى أهلك فيقول أنا مع أهلي مشغول فيقال له تحول أيضا إلى أهلك وقيل أصحاب الجنة في شغل بما هم فيه من اللذات والنعيم عن الاهتمام بأهل المعاصي ومصيرهم إلى النار وما هم فيه من أليم العذاب وإن كانوا أقوياء هم وأهليهم وقرأ الكوفيون ( في شغل ) بضم الشين والغين وعن مجاهد ( في شغل ) وحكى أبو حاتم أن هذا يروى عن أبي عمرو بن العلاء أنه قرأ به وهي لغات بمعنى واحد ويقال شغل بفتح الشين وإسكان الغين ( فاكهون ) خبر إن وعن طلحة بن مصرف أنه قرأ ( فاكهين ) نصبه على الحال
56
مبتدأ وخبره ويجوز أن يكون هم توكيدا وأزواجهم عطفا على المضمر و متكئون نعتا لقوله فاكهون
57
الدال الثانية مبدلة من تاء لأنه يفتعلون من دعاء
58
____________________
(3/401)
مرفوع عن البدل من ما ويجوز أن يكون ما نكرة و سلام نعتا لها أي ولهم ما يدعون مسلم ويجوز أن يكون ما رفعا بالابتداء سلام خبرا عنها وفي قراءة عبد الله بن مسعود ( سلاما ) يكون مصدرا وإن شئت في موضع الحال أي ولهم الذي يدعون مسلما و ( قولا ) مصدر أي نقوله قولا يوم القيامة ويجوز أن يكون معناه قال الله جل وعز هذا قولا
59 ويقال تميزوا وانمازوا
60
ويقال أعهد بكسر الهاء يكون من عهد يعهد قال أبو إسحاق ويجوز أن يكون عهد يعهد مثل حسب يحسب ( أن لا تعبدوا الشيطان ) قال الكسائي لا للنهي
61
من كسر النون فعلى الأصل من ضم كره كسرة بعدها ضمة
62
هذه قراءة أهل المدينة والعاصمين وقرأ الحسن وابن أبي إسحاق وعيسى وعبد الله بن عبيد بن عمير والنضر بن أنس ( ولقد أضل منكم جبلا ) بضم الجيم والباء وتشديد اللام قرأ ابن كثير والكوفيون إلا عاصما ( جبلا ) بضم الجيم والباء وتخفيف اللام وقرأ أبو عمرو ( جبلا ) بضم
____________________
(3/402)
الجيم وإسكان الباء وتخفيف اللام وقرأ أبو يحيى والأشهب العقيلي ( جبلا ) بكسر الجيم وإسكان الباء وتخفيف اللام قال أبو جعفر فهذه خمس قراءات أبينها القراءة الأولى الدليل على ذلك أنهم قد أجمعوا على أن قرءوا { والجبلة الأولين } ويكون جبل جمع جبلة والاشتقاق فيه كله واحد وإنما هو من جبل الله الخلق أي خلقهم وقد ذكرت قراءة سادسة وهي ( ولقد أضل منكم جيلا كثيرا ) بالياء ( أفلم تكونوا تعقلون ) أي قد كنتم تعقلون وهذا على جهة التوبيخ وكذا ألم أعهد أي قد عهدت
64
أي لو شئنا لأعميناهم في الدنيا عقوبة على عصيان الله جل وعز ولكنا أخرنا عقوبتهم إلى يوم القيامة ( فاستبقوا الصراط ) أي فبادروا الطريق إلى منازلهم في أول ما يعمون ليلحقوا بأهليهم
67
أي لو نشاء لمسخناهم في الموضع الذي اجترؤوا فيه على معصية الله عز وجل ( فما استطاعوا مضيا ) أي فلم يستطيعوا أن يهربوا ( ولا يرجعون ) إلى أهليهم وحكى الكسائي طمس يطمس ويطمس ولو نشاء لمسخناهم على مكانتهم يقال مكان ومكانة ودار ودارة وحكى ابن الأعرابي أن العرب تقول في جمع مكان أمكنة ومكنات وأن منه حديث النبي صلى الله عليه وسلم أقروا الطير على مكانتها قال أبو جعفر مكنات جمع مكنة ومكنة ومكان بمعنى واحد
____________________
(3/403)
وقد تكلم الناس في معنى هذا الحديث فقال بعض الناس لا تنفروها بالليل ولا تصطادوها إلا أن الشافعي رحمه الله فسره لسفيان بن عيينة على غير هذا قال كانت العرب تزجر الطير في مكناتها إذا أرادوا الحاجة يتفاءلون بها ويتطيرون فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال أقروا الطير على مكناتها أي لا تزجروها فإن الأمور تجري على ما قضى الله جل وعز وقد روي عن عبد الله بن سلام غير هذا في تأويل هذه الآية وتأولها على أنها يوم القيامة قال إذا كان يوم القيامة ومد الصراط نادى مناد ليقم محمد صلى الله عليه وسلم وأمته فيقومون برهم وفاجرهم فيتبعونه ليجاوزوا الصراط فإذا صاروا عليه طمس الله جل وعز أعين فجارهم فاستبقوا الصراط فمن أين يبصرونه حتى يجاوزوه ثم ينادي ليقم عيسى صلى الله عليه وسلم وأمته فيقومون برهم وفاجرهم فتكون سبيلهم تلك السبيل وكذلك سائر الأنبياء صلوات الله عليهم
68
قال أبو إسحاق يبدل من القوة ضعفا ومن الشباب هرما وعاصم والأعمش وحمزة يقرءون ( ننكسه ) على التكثير والتخفيف يقع للقليل والكثير بمعنى واحد
69
وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال
( أنا النبي لا كذب ** أنا ابن عبد المطلب )
____________________
(3/404)
فتكلم العلماء في هذا فقال بعضهم إنما الرواية بالاعراب فإن كانت بالاعراب لم تكن شعرا لأنه إذا فتح الباء من البيت الأول أو ضمها أو نونها وكسر الباء من البيت الثاني خرج عن وزن الشعر وقال بعضهم ليس هذا الوزن من الشعر قال أبو جعفر وهذا مكابرة العيان لأن أشعار العرب على هذا قد رواها الخليل وغيره ومن حسن ما قيل في هذا قول أبي إسحاق إن معنى وما علمناه الشعر أي وما علمناه أن يشعر أي ما جعلناه شاعرا وهذا لا يمنع أن ينشد شيئا من الشعر وقد قيل إنما خبر الله عز وجل ما علمه الشعر ولم يخبر أنه لا ينشد شعرا وهذا ظاهر الكلام وقد قيل فيه قول بين زعم صاحبه أنه إجماع من أهل اللغة وذلك أنهم قالوا كل من قال قولا موزونا لا يقصد به إلى شعر فليس بشعر وإنما وافق الشعر وهذا قول بين ( وما ينبغي له ) قال أبو إسحاق أي وما يتسهل له وتأويله على معنى وما يتسهل قول الشعر لا الإنشاد ( إن هو إلا ذكر ) أي ما الذي أنزلنا إليك ( إلا ذكر وقرآن مبين )
70
هذه قراءة أهل المدينة ومال إليها أبو عبيد قال والشاهد لها { إنما أنت منذر } وقراءة أبي عمرو وأهل الكوفة ( لينذر ) يكون معناها لينذر الله جل وعز أو لينذر القرآن أو لينذر محمد صلى الله عليه وسلم وقرأ محمد بن السميفع اليماني لينذر من كان حيا قال جويبر عن الضحاك من كان حيا أي من كان مؤمنا أي لأن المؤمن بمنزلة الحي في قبوله ما ينفعه ( ويحق القول على الكافرين ) أي
____________________
(3/405)
يحق عليهم أن الله جل وعز يعذبهم وإنما يحق عليهم هذا بعد كفرهم وحكى بعض النحويين لتنذر من كان حيا أي لتعلم من قولهم نذرت بالقوم أنذر إذا علمت بهم فاستعددت لهم وحكى ويحق القول على الكافرين بمعنى يوجب الحجة عليهم
71
إن جعلت ما بمعنى الذي حذفت الهاء لطول الاسم وإن جعلت ما مصدرا لم يحتج إلى إضمار الهاء وواحد الأنعام نعم والنعم مذكر
72
روى هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أنها قرأت ( فمنها ركوبتهم ) قال أبو جعفر حكى النحويون الكوفيون أن العرب تقول امرأة صبور وشكور بغير هاء ويقولون شاة حلوبة وناقة ركوبة لأنهم أرادوا أن يفرقوا بين ما كان له الفعل وبين ما كان الفعل واقعا عليه فحذفوا الهاء مما كان فاعلا وأثبتوها فيما كان مفعولا كما قال
( فيها اثنتان وأربعون حلوبة ** سودا كخافية الغراب الأسحم ) فيجب على هذا أن يكون ركوبتهم فأما أهل البصرة فيقولون
____________________
(3/406)
حذفت الهاء على النسب والحجة للقول الأول ما رواه الجرمي عن أبي عبيدة قال الركوبة تكون للواحدة والجماعة والركوب لا يكون إلا للجماعة فعلى هذا يكون على تذكير الجمع وزعم أبو حاتم أنه لا يجوز فمنها ركوبهم بضم الراء لأنه مصدر والركوب ما يركب وأجاز الفراء فمنها ركوبهم بضم الراء كما تقول فمنها أكلهم ومنها شربهم
73
لم ينصرفا لأنهما من الجموع التي لا نظير لها في الواحد ولا يجمع
74
هذه اللغة الفصيحة ومن العرب من يأتي بأن فيقول لعله أن ينصر
75
يعني الآلهة وجمعوا على جمع الآدميين لأنه أخبر عنهم بخبرهم ( وهم ) يعني الكفار ( لهم ) الآلهة ( جند محضرون ) قال الحسن يمنعون منهم ويدفعون عنهم وقال قتادة يغضبون لهم
76
هذه هي اللغة الفصيحة ومن العرب من يقول يحزنك ( إنا ) بكسر الهمزة فيما بعد القول لأنه مستأنف
78
____________________
(3/407)
حذفت الضمة من الياء لثقلها ولا يجوز الإدغام لئلا يلتقي ساكنان وكذا
79
80
فذكر الشجر ومن العرب من يقول الشجر الخضراء كما قال جل وعز { لآكلون من شجر من زقوم فمالئون منها البطون }
وحكى أن سلاما أبا المنذر قرأ
81 أي إن خلق السموات والأرض أعظم من خلقهم فالذي خلق السموات والأرض يقدر على أن يبعثهم
وقرأ الكسائي
82 بالنصب عطفا على يقول
83
قال سعيد عن قتادة ملكوت كل شيء مفاتح كل شيء قال أبو جعفر ملكوتي وملكوت في كلام العرب بمعنى ملك والعرب تقول جبروتي خير من رحموتي
____________________
(3/408)
37
1
2
3
هذه قراءة أكثر القراء وقرأ حمزة بالإدغام فيهن وهذه القراءة التي نفر منها أحمد بن حنبل لما سمعها قال أبو جعفر هي بعيدة في العربية من ثلاث جهات إحداهن أن التاء ليست من مخرج الصاد ولا من مخرج الزاي ولا من مخرج الذال ولا هي من أخواتهن وإنما أختاها الطاء والدال وأخت الزاي الصاد والسين وأخت الذال الظاء والثاء والجهة الثانية أن التاء في كلمة وما بعدها في كلمة أخرى والجهة الثالثة أنك إذا أدغمت فقلت والصافات صفا فجمعت بين ساكنين من كلمتين فإنما يجوز الجمع بين ساكنين في مثل هذا إذا كانا في كلمة واحدة نحو دابة ومجاز قراءة حمزة أن التاء قريبة المخرج من هذه الحروف والصافات خفض بواو القسم والواو بدل من الباء والتقدير أحلف بالصافات وحقيقته برب الصافات فالزاجرات عطف وكذا فالتاليات
____________________
(3/409)
4 جواب القسم وأجاز الكسائي فتح أن في القسم
5
خبر بعد خبر ويجوز أن يكون بدلا من واحد ويجوز أن يكون مرفوعا على إضمار مبتدأ وحكى الأخفش رب السموات والأرض وما بينهما ورب المشارق بالنصب على النعت لاسم إن
6
هذه قراءة الحسن وأهل المدينة ويحيى بن وثاب وهي المعروفة من قراءة أبي عمرو وحكى يعقوب القارىء أن أبا عمرو والأعمش قرأ ( بزينة الكواكب ) بتنوين زينة ونصب الكواكب وهي المعروفة من قراءة عاصم وأما حمزة فقرأ ( بزينة الكواكب ) بتنوين زينة وخفض الكواكب وقراءة رابعة تجوز وهي ( بزينة الكواكب ) بتنوين زينة ورفع الكواكب فالقراءة الأولى ( بزينة الكواكب ) بحذف التنوين من زينة للإضافة وهي قراءة بينة حسنة أي إنا زينا السماء الدنيا بتزيين الكواكب أي بحسنها وقرأه عاصم بتنوين زينة ونصب الكواكب فيها ثلاثة أقوال أحدهن أن تكون الكواكب منصوبة بوقوع الفعل عليها أي بأنا زينا الكواكب كما تقول عجبت من ضرب زيدا وقال الله عز وجل { أو إطعام في يوم ذي مسغبة يتيما } إلا أن هذا أحسن للتفريق والقول الثاني
____________________
(3/410)
أن يكون التقدير أعني الكواكب والقول الثالث ذكره أبو إسحاق أن يكون الكواكب بدلا من زينة على الموضع لأن موضعها نصب وقراءة حمزة ( بزينة الكواكب ) على بدل المعرفة من النكرة
7
نصب على المصدر والفعل محذوف وهو معطوف على زينا ( من كل شيطان مارد ) نعت لشيطان وكل عات من الجن والإنس فهو شيطان فالعرب تسميه شيطانا
8
هذه قراءة أهل المدينة وأبي عمرو وعاصم وقرأ سائر الكوفيين ( لا يسمعون ) على أن الأصل يتسمعون فأدغمت التاء في السين لقربها منها ومال أبو عبيد إلى هذه القراءة واحتج في ذلك أن العرب لا تكاد تقول سمعت إليه ولكن تسمعت إليه قال فلو كان يسمعون الملأ بغير إلى لكان مخففا قال أبو جعفر يقال سمعت منه كلاما وسمعت إليه يقول كذا ومعنى سمعت إليه أملت سمعي إليه فأما قوله لو كان يسمعون الملأ فكأنه غلط لأنه لا يقال سمعت زيدا وتسكت إنما تقول سمعت زيدا يقول كذا وكذا فيسمعون إلى الملأ على هذا أبين وقد روى الأعمش عن مجاهد عن ابن عباس لا يسمعون إلى الملأ الأعلى قال هم لا يسمعون وهم يتسمعون وهذا قول بين ( ويقذفون من كل جانب )
____________________
(3/411)
9
مصدر وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي ( دحورا ) بفتح الدال يجعله مصدرا على فعول بمنزلة القبول وأما الفراء فقدره على أنه اسم الفاعل أي ويقذفون بما يدحرهم أي بدحور ثم حذف الباء والكوفيون يستعملون هذا كثيرا كما أنشدوا لجرير
( تمرون الديار ولم تعوجوا ** كلامكم علي إذا حرام ) قال أبو جعفر وسمعت علي بن سليمان يقول سمعت أبا العباس محمد بن يزيد يقول قرأت على عمارة بن عقيل بن بلال بن جرير مررتم بالديار
10
فيه لغات قد قرىء ببعضها وهي غير مخالفة للخط يقال إذا أخذ الشيء بسرعة خطف وخطف وخطف وخطف وخطف والأصل المشددات اختطف فأدغمت التاء في الطاء لأنها أختها وفتحت الخاء لأن حركة التاء ألقيت عليها ومن كسرها فلالتقاء الساكنين وممن كسر الطاء أتبع الكسر الكسر ( فأتبعه شهاب ثاقب ) نعت لشهاب قال أبو إسحاق يقال تبعه وأتبعه إذا
____________________
(3/412)
مضى في أثره وشهاب وشهب والقياس في القليل أشهبة وإن لم يسمع من العرب وحكى الأخفش سعيد في الجمع شهب ثقب وثواقب وثقاب وحكى الكسائي ثقب يثقب ثقابة وثقوبا
11
من بمعنى الذين والمعنى أم الذين خلقناهم وقد تقدم ذكر الملائكة وغيرهم ( إنا خلقناهم من طين لازب ) وحكى الفراء عن العرب طين لاتب بمعناه أي لازق
12
هذه قراءة أهل المدينة وأبي عمرو وعاصم وقرأ الكوفيون إلا عاصما ( بل عجبت ) بضم التاء وإليها يذهب أبو عبيد واحتج بقول الله جل وعز { وإن تعجب فعجب قولهم } ولا حجة فيه ومعناه على ما قاله أبو حاتم وإن تعجب فلك في قولهم عجب ولمن سمعه وفيه عجب والقراءة بضم التاء مروية عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وعن ابن مسعود رحمه الله رواها شعبة عن الأعمش عن أبي وائل عن عبد الله بن مسعود أنه قرأ ( بل عجبت ) بضم التاء ويروى عن ابن عباس قال أبو جعفر سمعت علي بن سليمان يقول معنى القراءتين واحد والتقدير قل يا محمد بل عجبت لأن النبي صلى الله عليه وسلم مخاطب بالقرآن وهذا قول حسن ( ويسخرون ) بالسين في السواد ويجوز في غير القرآن عند الخليل رحمه الله أن يقال صخرت منه بالصاد ولغة شاذة
____________________
(3/413)
سخرت به بالياء
14
أي يستدعون السخري و إذا في موضع نصب بإضمار فعل قبلها ولا بعمل فيها ما بعدها وحكى الكسائي دخر يدخر دخورا
19
والجمع زجرات بتحريك الجيم فرقا بين الاسم والنعت
20
منصوب على أنه مصدر عند البصريين وزعم الفراء أن تقديره يا وي لنا ووي بمعنى حزن ولو كان كما قال لكان منفصلا وهو في المصحف متصل ولا نعلم أحدا يكتبه إلا متصلا فزاد الكوفيون على هذا فحكى بعضهم لغات شتى أنه يقال ويل للشيطان وويلا للشيطان وويل للشيطان وويل الشيطان وويل الشيطان وويل الشيطان فأما ويل للشيطان فين لا نظر فيه وويلا للشيطان جائز بمعنى ألزمه الله ويلا وأما ويل للشيطان فشاذ وهو مشبه بالأصوات فأما ويل الشيطان فهو عند البصريين منصوب على معنى ألزمه الله ويلا أيضا وقال الفراء لما كثر استعمالهم إياه جعلوه بمنزلة اسم ضم إلى سم كما قالوا يا لبكر وهي لام الخفض ومن قال ويل الشيطان جاء به على الأصل ومن قال ويل الشيطان فالأصل عنده ويل للشيطان ثم حذف لكثرة اللامات كما قرىء { إن وليي الله الذي نزل الكتاب } بمعنى إن وليي الله
____________________
(3/414)
فحذف لكثرة الياءات قال أبو جعفر لا تعرف هذه القراءة ولكن قرأ عاصم الجحدري إن ولي الله الذي نزل الكتاب بمعنى إن ولي الله الذي نزل الكتاب جبريل صلى الله عليه وسلم الذي نزل الكتاب ثم أقيم النعت مقام المنعوت ( هذا يوم الدين ) ابتداء وخبر قال أبو جعفر قال الضحاك وعطية العوفي أي هذا يوم الحساب
21
الذي في موضع رفع على النعت لليوم ويجوز أن يكون في موضع خفض على النعت للفصل
22
23
معطوف على الذين وواحدهم زوج قال سفيان عن سماك عن النعمان عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال وأزواجهم قرناؤهم وهو مبين في حديث شريك عن سماك عن النعمان قال سمعت عمر بن الخطاب يقول في قول الله جل وعز احشروا الذين ظلموا وأزواجهم قال الزاني مع الزاني وشارب الخمر مع شارب الخمر وصاحب السرقة مع صاحب السرقة وقال سفيان عن أبيه عن المسيب بن رافع عن ابن عباس احشروا الذين ظلموا وأزواجهم قال أشباههم قال أبو جعفر وهذه الأقوال لا تدفع لجلالة قائلها وأنها معروفة في اللغة يقال هذا زوج هذا أي قرينه وشبهه وممن هذا قيل للرجل زوج المرأة وللمرأة زوج الرجل وقيل للخفين زوجان لأن كل واحد منهما زوج لصاحبه ولا يقال للاثنين إلا زوجان وقال سعيد عن قتادة احشروا
____________________
(3/415)
الذين ظلموا وأزواجهم قال الكفار مع الكفار ( وما كانوا يعبدون من دون الله ) قال الأصنام ( فاهدوهم إلى صراط الجحيم ) يقال هديته إلى الطريق وهديته الطريق أي دللته عليه وأهديت الهدية وهديت العروس ويقال أهديتها أي جعلتها بمنزلة الهدية
24
وحكى عيسى بن عمر ( أنهم ) بفتح الهمزة قال الكسائي أي لأنهم وبأنهم
25 في موضع نصب على الحال
26 قال قتادة مستسلمون في عذاب الله
27
فربما توهم الجاهل أن هذا من قوله جل وعز { فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون } وليس منه في شيء لأن قوله جل وعز { فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون } إنما هو لا يتساءلون بالأرحام فيقول أحدهم أسألك بالرحم التي بيني وبينك إما نفعتني أسقطت حقا لك علي أو وهبت لي حسنة لأن قبله فلا أنساب بينهم أي ليس ينتفعون بالأنساب التي بينهم كما جاء بالحديث إن الرجل يوم القيامة ليسر بأن يصح له على أبيه أو على ابنه حق فيأخذه منه لأنها الحسنات والسيئات وفي حديث آخر رحم الله امرأ كانت لأخيه عنده
____________________
(3/416)
مظلمة في مال أو عرض فأتاه فاستحله قبل أن يطلبه به فيأخذ من حسناته فإن لم تكن له حسنات زيد عليه من سيئات المطالب و يتساءلون ههنا إنما هو أن يسأل بعضهم بعضا ويوبخه في أنه أضله أو فتح له باب من المعصية يبين ذلك أن بعده
28 قال سعيد عن قتادة أي تأتونا عن طريق الخير وتصدوننا وعن ابن عباس نحو منه وقيل تأتوننا عن اليمين من الجهة التي نحبها وننقاد إليها وتغرونا بذاك والعرب تتفاءل لما كان على اليمين وتسميه السانح وقيل تأتوننا مجيء من إذا حلف لنا صدقناه
29 قال قتادة هذا قول للشياطين لهم
30
سلطان في موضع رفع لأن من زائدة للتوكيد ( بل كنتم قوما طاغين ) أي متزايدين في الكفر وطغى الماء إذا زاد
31
أي فحق علينا ما كتبه الله جل وعز وما أعلم به ملائكته صلوات الله عليهم أجمعين وهذا موافق للحديث إن الله جل وعز كتب للنار أهلا وللجنة أهلا لا يزاد فيهم ولا ينقص منهم
32 أي كنا سببا لغيكم
____________________
(3/417)
33
أي الضال والمضل ولو كان في غير القرآن لجاز نصب مشتركين
34
الكاف من كذلك في موضع نصب نعت لمصدر
35
يكون يستكبرون في موضع نصب على خبر كان ويجوز أن يكون في موضع رفع على أنه خبر إن وكان ملغاة
38
الأصل لذائقون حذفت النون استخفافا وخفضت للإضافة ويجوز النصب كما أنشد سيبويه
( فألفيته غير مستعتب ** ولا ذاكر الله إلا قليلا ) وأجاز سيبويه { والمقيمي الصلاة } على هذا
40 نصب على الاستثناء
42 بدل من رزق
____________________
(3/418)
44
قال عكرمة لا ينظر بعضهم في قفا بعض ويجوز سرر لثقل الضمة مع التضعيف
45
روي عن ابن عباس قال الخمر وعن مجاهد قال هي خمر بيضاء وقال الضحاك كل كأس في القرآن فهي خمر وحكى من يوثق به من أهل اللغة أن العرب تقول للقدح إذا كان فيه خمر كأس فإن لم يكن فيه خمر فهو قدح كما يقال للخوان إذا كان عليه طعام مائدة فإن لم يكن عليه طعام لم يقل له مائدة قال أبو الحسن بن كيسان ومثله ظعينة للهودج إذا كانت فيه امرأة قال أبو إسحاق بكأس من معين خمر تجري العيون على وجه الأرض
قال و
46 بمعنى ذات لذة
47
ويقال بمعناه غيلة وغائلة وهو ما يؤذي الإنسان من الصداع أو غيره ( ولا هم عنها ينزفون ) قراءة أهل المدينة وأهل البصرة وعاصم وقرأ سائر الكوفيين إلا عاصما ( ينزفون ) بكسر الزاي قال أبو جعفر والقراءة الأولى أبين وأصح في المعنى لأن معنى ينزفون عند جلة أهل التفسير منهم مجاهد لا تذهب عقولهم فنفى الله جل وعز عن خمر الجنة الآفات التي تلحق في الدنيا من
____________________
(3/419)
خمرها من الصداع والسكر فأما معنى ينزفون فالصحيح فيه أنه يقال أنزف الرجل إذا نفد شرابه وهذا يبعد أن يوصف به شراب أهل الجنة ولكن مجازه أن يكون بمعنى لا ينفد أبدا
48
عن ابن عباس ومجاهد ومحمد بن كعب قالوا قصرن طرفهن على أزواجهن فلا يبغين غيرهم وقال عكرمة قاصرات الطرف أي محبوسات على أزواجهن والتفسير الأول أبين لأنه ليس في الآية مقصورات موضع آخر { حور مقصورات } من قول العرب امرأة قصيرة ومقصورة إذا حبست على زوجها ( عين ) جمع عيناء والأصل فيه فعل فكسرت العين لئلا تنقلب الياء واوا
49
قال مطر الوراق أي بيض محضون أي لم توسخه الأيدي قال أبو جعفر هكذا تقول العرب إذا وصفت الشيء بالحسن والنظافة كأنه بيض النعام المغطى بالريش
50
وإدغام التاء في السين جائز في العربية قال الأخفش إنما سأل عن صاحبه ثم أخبر فقال
51 قال سعد بن مسعود وشريكه قرينه وهما رجلان من بني إسرائيل اشتركا في تجارة فربحا ستة آلاف
____________________
(3/420)
دينار فأخذ كل واحد منهما ثلاثة آلاف دينار فافترقا فلقي أحدهما صاحبه فقال له هل علمت أني تزوجت امرأة من أفضل نساء بني إسرائيل بألف دينار فمضى صاحبه فأخذ ألف دينار تصدق بها على المساكين والفقراء وقال اللهم إن صاحبي تزوج امرأة يموت عنها ويكبر وتفارقه وإني أسألك أن تنكحني امرأة من نساء أهل الجنة بهذه الألف ثم إن صاحبه لقيه فقال له هل علمت أني اشتريت مسكنا من أفضل مساكن بني إسرائيل بألف دينار فمضى صاحبه فتصدق بألف دينار على الفقراء والمساكين وقال اللهم إني اشتريت منك مسكنا من مساكن أهل الجنة بهذه الألف دينار ثم لقي صاحبه فقال هل علمت أني اشتريت جنة من أفضل جنة بني إسرائيل بألف دينار فصرت من أفضلهم بزوجتي ومسكني وجنتي فمضى صاحبه فتصدق بالألف الباقي على الفقراء والمساكين وقال اللهم إني قد اشتريت منك جنة الخلد بهذا الألف ثم إن صاحبه الذي اكترى إجراء لجنته فإذا هو بصاحبه فيهم فعرفه فدعا به فقال له أشح هذا أم أفسدت ملكك فحدثه بالقصة فقال له أتتوهم أنك ستبعث ثم تدان بما علمت أنك لمغرور وأن هذا لباطل ففيهما أنزل الله جل وعز قال قائل منهم إني كان لي قرين إلى
52
قال أبو جعفر التقدير
53 بأنا مدينون أي محاسبون مجاوزون بأعمالنا ثم حذفت الياء وكسرت إن لأن في خبرها اللام ولا يجوز أنك لمن المصدقين لأنه لا معنى للصدقة ههنا
54
____________________
(3/421)
وحكى ( هل أنتم مطلعون ) قال أبو إسحاق يقال طلع وأطلع بمعنى واحد وقد حكي هل أنتم مطلعون بكسر النون وهي لحن لا يجوز لأنه جمع بين النون والإضافة ولو كان مضافا لكان هل أنتم مطلعي وإن كان سيبويه والفراء حكيا مثله وأنشدا
( هم القائلون الخير والآمرونه ** إذا ما خشوا من محدث الأمر معظما ) وإنشاد الفراء والفاعلونه وأنشد سيبويه وحده
( ولم يرتفق والناس محتضرونه ** جميعا وأيدي المعتفين رواهقه ) وأنشد الفراء وحده
( وما أدري وظني كل ظن ** أمسلمني إلى قومي شراح ) أما البيتان اللذان أنشدهما سيبويه وشركه الفراء في أحدهما فلا يعرف من قالهما
____________________
(3/422)
ولا تثبت بهما حجة ولو عرف من قالهما لكانا شاذين خارجين عن كلام العرب وما كان هكذا لم يحتج به في كتاب الله جل وعز ولا يدخل في الفصيح وأما البيت الذي أنشده الفراء فالقول فيه ما حكاه أبو إسحاق قال أنشدنا محمد بن يزيد أأسلمني وزعم الفراء أنه يريد بشراح شراحيل وهذا من أقبح الضرورات أن يرخم في غير النداء وإنما لم يجز هل أنتم مطلعون بكسر النون لأنه جاء إلى ما لا ينفصل مما قبله بالنون وهذا ما لا وجه له وهذا قول من يوثق به من النحويين منهم محمد بن يزيد وهو أيضا قول الفراء غير أنه أفسده بعد ذلك فقال ضاربني مشبه بيضربني
وحكي
55 وفيه قولان أحدهما أن يكون فعلا مستقبلا أي فأطلع أنا ويكون منصوبا على أنه جواب الاستفهام والقول الثاني على أن يكون فعلا ماضيا ويكون أطلع واطلع واحدا ( فرآه في سواء الجحيم ) عن عبد الله بن مسعود قال في وسطها والحسك حواليه
56
قال الكسائي أي لتهلكني وقال محمد بن يزيد لو قيل لتردين لتوقعني في النار لكان جائزا
57
____________________
(3/423)
ما بعد لولا مرفوع بالابتداء عند سيبويه والخبر محذوف قال الفراء أي لكنت معك في النار محضرا
58
59
يكون استثناء ليس من الأول ويكون مصدرا لأنه منعوت
60
يكون هو مبتدأ وما بعده خبرا عنه والجملة خبر إن ويجوز أن يكون هو فاصلا
61
والأصل ليعمل بكسر اللام فحذفت الكسرة لثقلها والتقدير والله جل وعز أعلم فليعمل العاملون لمثل هذا فإن قال قائل فالفاء في العربية تدل على أن الثاني بعد الأول فكيف صار ما بعدها ينوى به التقديم فالجواب أن التقديم كمثل التأخير لأن حق حروف الخفض وما معها أن تكون متأخرة
62
مبتدأ وخبره نزلا على البيان والمعنى أنعيم أهل الجنة خير نزلا أم شجرة الزقوم خير نزلا والنزل في اللغة الرزق الذي له سعة وكذا النزل والنزل إلا أنه يجوز أن يكون النزل بإسكان الزاي لغة ويجوز أن يكون أصله النزل فحذفت الضمة لثقلها ومنه أقيم للقوم نزلهم واشتقاقه أنه الغذاء الذي يصلح أن
____________________
(3/424)
ينزلوا معه ويقيموا فيه وشجرة الزقوم مشتقه من التزقم وهو البلع على الجهد والشدة فقيل لها شجرة الزقوم لأنهم يبتلعونها على جهد وتقف في حلوقهم لكراهيتها ونتنها
63 مفعولان
64
خبر إن ولا يجوز حذف الألف من إنها كما حذفت الواو من إنه لثقل الواو وخفة الألف ( تخرج في أصل الجحيم ) خبر بعد خبر مثل { كلا إنها لظى نزاعة للشوى } ويجوز أن يكون تخرج نعتا للشجرة
65 مبتدأ وخبره في الجملة أو تجعل الكاف بمعنى مثل فتكون خبرا
66
دخلت اللام للتوكيد وكذا
67 حكى الفراء شاب طعامه وشرابه إذا خلطهما بشيء سواهما يشوبهما شوبا وشابة
70
قال الفراء الإهراع الاسراع فيه شبيه بالرعدة وقال محمد بن يزيد المهرع المستحب يقال جاء فلان يهرع إلى النار إذا استحثه البرد إليها وحكى
____________________
(3/425)
أبو إسحاق هرع وأهرع جميعا
75
من النداء الذي هو استغاثة ودعاء ( فلنعم المجيبون ) قال الكسائي فلنعم المجيبون له كنا
76 عطف على الهاء
77
مفعول أول و ( هم ) زائدة تسمى فاصلة ( الباقين ) مفعول ثان فأما معنى وجعلنا ذريته هم الباقين فمن أحسن ما روي فيه ما ذكر عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن سعيد بن المسيب في قوله جل وعز وجعلنا ذريته هم الباقين أن الناس كلهم من ولد نوح صلى الله عليه وسلم وأنهم كلهم من ثلاثة أولاد لنوح سام وحام ويافث فالعرب يعني يمنيها ونزارها والروم والفرس من ولد سام والسودان يعني أجناسهم من السند والهند والزغاوة وغيرهم والبربر والقبط من ولد حام والصقالب والترك ويأجوج ومأجوج من ولد يافث والخير في ولد سام قال أبو جعفر صرفت نوحا وساما وإن كانت أسماء أعجمية لأنها على ثلاثة أحرف فخفت هذا الصحيح وقد قيل أنها عربية مشتقة
____________________
(3/426)
78
79
زعم الكسائي أن فيه تقديرين أحدهما وتركنا عليه في الآخرين يقال سلام على نوح أي تركنا عليه هذا الثناء وهذا مذهب أبي العباس قال والعرب تحذف القول كثيرا والقول الآخر أن يكون المعنى وألقينا عليه وتم الكلام ثم ابتدأ فقال سلام على نوح قال الكسائي وفي قراءة ابن مسعود ( سلاما ) منصوب بتركنا أي تركنا عليه ثناء حسنا
80
أي يبقى عليهم الثناء الحسن والكاف في موضع نصب أي جزاء كذلك
82
الواحد آخر والأصل فيه أن يكون معه من إلا أنها حذفت لأن المعنى معروف لا يكون آخر ومعه شيء من جنسه
83 نصب بإن
84
قال عوف الأعرابي سألت محمد بن سيرين ما القلب السليم فقال الناصح لله في خلقه
____________________
(3/427)
85
تكون ما في موضع رفع بالابتداء و ذا خبره ويجوز أن تكون ما و ذا في موضع نصب بتعبدون
86
نصب بتعبدون قال أبو العباس محمد بن يزيد والإفك أسوأ الكذب وهو الذي لا يثبت ويضطرب ومنه ائتفكت بهم الأرض ( آلهة ) بدل من إفك
87 مبتدأ وخبره
88
يكون جمع نجم ويكون واحدا مصدرا وهذا قول الخليل أي فيما نجم له من الرأي
89
عن ابن عباس قال مريض وقال الضحاك أي مطعون فينحوا عنه لئلا يعديهم وصدق إبراهيم في هذا لأن كل أحد سيسقم بالموت كما قال جل وعز إنك ميت فالمعنى إني سقيم فيما استقبل فتوهموا أنه سقيم الساعة قال أبو جعفر وهذا من معاريض الكلام
90 نصب على الحال
____________________
(3/428)
91
فخاطبها كما يخاطب من يعقل لأنهم أنزلوها بتلك المنزلة في عبادتهم إياها وكذا قال ألا تأكلون متعجبا منها وكذا
92 وكذا
93 ولم يقل عليها ولا عليهن ( ضربا ) مصدر وقرأ مجاهد ويحيى بن وثاب والأعمش
94 بضم الياء وزعم أبو حاتم أنه لا يعرف هذه اللغة وقد عرفها جماعة من العلماء منهم الفراء وشبهها بقولهم أطردت الرجل أي صيرته إلى ذلك وطردته نحيته وأنشد هو وغيره
( تمنى حصين أن يسود جذاعه ** فأضحى حصين قد أذل وأقهرا ) أي صير إلى ذلك فكذا يزفون يصيرون إلى الزفيف قال محمد بن يزيد الزفيف الإسراع وقال أبو إسحاق الزفيف أول عدو النعام قال أبو حاتم وزعم الكسائي أن قوما قرءوا ( فأقبلوا إليه يزفون ) من وزف يزف مثل وزن يزن فهذه حكاية أبي حاتم وأبو حاتم لم يسمع من الكسائي شيئا وروى الفراء وهو صاحب الكسائي عن الكسائي أنه لا يعرف يزفون مخففة قال الفراء وأنا لا أعرفها قال أبو إسحاق وقد عرفها غيرهما أنه
____________________
(3/429)
يقال وزف يزف إذا أسرع ولا أعلم أحدا قرأ يزفون
95
ويقال نحت ينحت وينحت لأنه فيه حرف من حروف الحلق
96
ما في موضع نصب أي وخلق ما تعلمون ويجوز أن يكون في موضع نصب بيعملون أي وأي شيء تعملون
قال عبد الله بن عمرو بن العاص فلما صار في البنيان قال حسبي الله ونعم الوكيل
99
والأصل إنني حذفت لاجتماع النونات
100
أي صالحا من الصالحين وحذف مثل هذا كثير
101 أي إنه يكون حليما في كبره
____________________
(3/430)
102 قال أبو جعفر فاختلف العلماء في المأمور بذبحه فقال أكثرهم الذبيح إسحاق فممن قال ذلك العباس بن عبد المطلب وابنه عبد الله ذلك الصحيح عنه ورواه الثوري عن داود بن أبي هند عن عكرمة عن ابن عباس قال المفدي إسحق وروى الثوري وابن جريج عن عبد الله بن عثمان بن خثيم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال الذبيح إسحاق وهذا هو الصحيح عن عبد الله بن مسعود رواه شعبة عن أبي إسحاق عن أبي وائل عن عبد الله بن مسعود أن رجلا قال أنا ابن الأشياخ الكرام فقال عبد الله ذاك يوسف بن يعقوب بن إسحاق ذبيح الله ابن إبراهيم خليل الله وقد روى حماد بن زيد عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم صلوات الله عليهم أجمعين وروى أبو الزبير عن جابر قال الذبيح إسحاق وذلك مروي أيضا عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وعبد الله بن عمر أن الذبيح إسحاق عليه السلام فهؤلاء ستة من الصحابة ومن التابعين وغيرهم منهم علقمة والشعبي ومجاهد وسعيد بن جبير وعبد الله بن أبي الهذيل ومالك بن أنس وكعب الأحبار قالوا الذبيح إسحاق صلى الله عليه وسلم قال أبو جعفر أما من قال هو إسماعيل صلى الله عليه وسلم فأبو هريرة وهو يروي عن ابن عمر ثم تكلم العلماء بعد ذلك فمنهم من قال نص التأويل يدل على أنه إسماعيل عليه السلام لأن الله جل وعز قال { وبشرناه بإسحاق نبيا } فكيف يأمره بذبحه وقد وعده أن يكون نبيا فهذا قد قيل وليس
____________________
(3/431)
بقاطع والله جل وعز أعلم لأن لبشارة بنبوته في ما روي بشارة ثابتة بعد الأمر بذبحه ثوابا على ما كان منه فأما وعده بأن يكون من إسحاق ابن فكيف يأمره بذبحه فقد يجوز أن يكون ولد لإسحاق غير ولد لأنه قد بلغ السعي فظاهر التنزيل يدل على أن الذبيح إسحاق لأنه أخبر جل وعز أنه فدى الغلام الحليم الذي بشر به إبراهيم حين قال هب لي من الصالحين فإذا كان المفدى هو المبشر به وقد بين أن الذي بشر به هو إسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب وأن كل موضع من القرآن ذكر بتبشيره إياه بولد فهو إسحاق نبيا أي بتبشيره إياه بقوله فبشرناه بغلام حليم إنما هو إسحاق فأما اعتلال من أعتل بأن قرني الكبش كانا معلقين في الكعبة فليس يمتنع أن يكون حمل من الشام إلي مكة على أن جماعة من العلماء قد قالوا كان الأمر بالذبح فأما قوله إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى فمن المشكل وقد تكلم العلماء في معناه فقال بعضهم كان إبراهيم صلى الله عليه وسلم أمر إذا رأى رؤيا فيها كذا وكذا أن يذبح ابنه واستدل صاحب هذا القول بأنها في قراءة ابن مسعود ( إني أرى في المنام أفعل ما أمرت به ) فهذه قراءة على التفسير دالة على أنه أمر بهذا قبل إذ كان مما لا يؤتى مثله برؤيا وقال صاحب هذا القول وقد ذبحه إبراهيم صلى الله عليه وسلم لأن معنى ذبحت الشيء قطعته وليس هذا مما يجوز أن ينسخ بوجه واستدل عليه بقول مجاهد قال إسحاق لإبراهيم عليهما السلام لا تنظر إلى وجهي وترحمني ولكن اجعل وجهي إلى الأرض فأخذ إبراهيم السكين فأمرها على خلفة فانقلبت فقال له ما لك فقال انقلبت السكين قال اطعني بها طعنة ففعل ثم فداه الله جل وعز قال ابن
____________________
(3/432)
عباس فداه الله بكبش قد رعى في الجنة أربعين سنة وقال الحسن ما فدى الله إسماعيل إلا بتيس من الأروى أهبط عليه من ثبير قال أبو إسحاق يقال إنه فدي بوعل والوعل التيس الجبلي وأهل التفسير على أنه فدي بكبش ( فانظر ماذا ترى ) أي ماذا تأتي به من رأيك وقرأ أهل الكوفة إلا عاصما ( فانظر ماذا تري ) قال الفراء المعنى فانظر ماذا تري من صبرك أو جزعك وأما غيره فقال معناه ماذا تشير وأنكر أبو عبيد تري وقال إنما يكون هذا من رؤية العين خاصة وكذا قال أبو حاتم قال أبو جعفر وهذا غلط هذا يكون من رؤية العين وغيرها وهو مشهور يقال أريت فلانا الصواب وأريته رشده وهذا ليس من رؤية العين ( قال يا أبت افعل ما تؤمر ) والقول الآخر في رؤيا إبراهيم صلى الله عليه وسلم أنه لم يعزم على ذبحه من أجل الرؤيا وإنما أضجعه ينظر الأمر ألا ترى أنه قال يا أبت افعل ما تؤمر أي إن أمرت بشيء فافعله
103 قال قتادة أسلم أحدهما لله جل وعز نفسه وأسلم الآخر ابنه ( وتله للجبين ) يقال كبه وحول وجهه إلى القبلة وجواب لما محذوف عند البصريين أي فلما أسلما سعدا وأجزل لهما الثواب وقال الكوفيون الجواب
104 والواو زائدة قال أبو جعفر والواو من حروف المعاني فلا يجوز أن تزاد وفي قراءة ابن مسعود ( فلما سلما وناديناه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا ) أي فعلت ما أمرت به وما رأيته في النوم
____________________
(3/433)
105 أي نجزيهم بالخلاص من الشدائد في الدنيا والآخرة
106
أي النعمة الظاهرة يقال أبلاه الله بلاءا وإبلاء إذا نعم عليه وقد يقال بلاه قال زهير
( جزى الله بالإحسان ما فعلا بكم ** وأبلاهما خير البلاء الذي يبلو ) فزعم قوم أنه جاء باللغتين وقال آخرون بل الثاني من بلاه يبلوه إذا اختبره ولا يقال في الاختبار إلا بلاه يبلوه ولا يقال من الابتلاء بلاه وأصل هذا كله من الاختبار لأن الاختبار يكون بالخير والشر قال جل وعز { ونبلوكم بالشر والخير فتنة } وقال ابن زيد هذا في البلاء الذي نزل به في أن يذبح ابنه قال وهذا من البلاء المكروه
107
الذبح اسم المذبوح وجمعه ذبوح والذبح بالفتح والمصدر
وروى الثوري عن داود بن أبي هند عن عكرمة عن ابن عباس في قوله الله جل وعز
112 قال بشر
____________________
(3/434)
بنبوته وذهب إلى أن البشارة به كانت مرتين
113 أي ثبتنا عليهما النعمة
قال أبو إسحاق في معنى
115 من الغرق الذي لحق آل فرعون
116 موسى وهارون وقومهما وذهب الفراء إلى أنه لموسى وهارون وحدهما واعتل بأن الاثنين جمع
123
روى أبو إسحاق عن عبيدة بن ربيعة عن عبد الله بن مسعود قال إسرائيل هو يعقوب وإلياس هو إدريس وقيل هو الخضر قال الفراء إن أخذت إلياس من الأليس صرفته
روى الحكم بن أبان عن عكرمة عن ابن عباس
125
قال صنما وروى عطاء بن السايب عن عكرمة عن ابن عباس أتدعون بعلا قال ربا قال أبو جعفر القولان صحيحان أي تدعوه صنما عملتموه ربا أتدعون بمعنى أتسمون حكى ذلك سيبويه ( وتذرون أحسن الخالقين )
____________________
(3/435)
126
بالنصب قراءة الربيع بن خثيم والحسن وابن أبي إسحاق ويحيى بن وثاب والأعمش وحمزة والكسائي وإليها يذهب أبو عبيد وأبو حاتم وحكى أبو عبيد أنها على النعت قال أبو جعفر وهذا غلط وإنما هو البدل ولا يجوز النعت ههنا لأنه ليس بتحلية وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم وأبو جعفر وشيبة ونافع ( الله ربكم ) بالرفع قال أبو حاتم بمعنى هو الله ربكم قال أبو جعفر وأولى مما قال أنه مبتدأ وخبر بغير إضمار ولا حذف ورأيت علي بن سليمان يذهب إلى أن الرفع أولى وأحسن لأن قبله رأس آية فالاستئناف أولى
130
قراءة الأعرج وشيبة ونافع وفيها قراءتان أخريان قرأ عكرمة وأبو عمرو وحمزة والكسائي ( سلام على إلياسين ) وقرأ الحسن ( سلام على الياسين ) بوصل الألف كأنها ياسين دخلت عليها الألف واللام للتعريف فمن قرأ ( سلام على آل ياسين ) كأنه والله أعلم جعل اسمه الياس و ياسين ثم سلم على آله أي أهل دينه ومن كان على مذهبه وعلم أنه إذا سلم على آله من أجله فهو داخل في السلام كما قال النبي صلى الله عليه وسلم صلى على آل أبي أوفى وقال
____________________
(3/436)
جل وعز { أدخلوا آل فرعون أشد العذاب } فأما الياسين فللعلماء فيها غير قول روى هارون عن ابن أبي إسحاق قال إلياسين مثل إبراهيم يذهب إلى أنه اسم له وأبو عبيد يذهب إلى أنه جمع جمع التسليم على أنه وأهل مذهبه يسلم عليهم وأنشد
( قدني من نصر الخبيبين قدي ** )
وإنما يريد أبا خبيب عبد الله بن الزبير فجمعه على أن من كان على مذهبه داخل معه وغير أبي عبيدة يرويه الخبيبين على التثنية يريد عبد الله ومصعبا قال أبو جعفر ورأيت علي بن سليمان يشرحه بأكثر من هذا الشرح قال العرب تسمي قوم الرجل باسم الرجل الجليل منهم فيقولون المهالبة على أنهم سموا كل واحد بالمهلب قال فعلى هذا سلام على الياسين سمى كل رجل منهم الياس وقد ذكر سيبويه في كتابه شيئا من هذا إلا أنه ذكر أن العرب تفعل هذا على وجه النسبة فيقولون الأشعرون يريدون به النسب واحتج أبو عبيدة في قراءته سلام على الياسين وأن اسمه كما أن اسمه الياس لأنه ليس في السورة سلام على آل لغيره من الأنبياء صلى الله عليه وكما سمى الأنبياء كذا سمى هو وهذا الاحتجاج أصله لأبي عمرو بن العلاء وهو غير لازم لأنا قد بينا قول أهل اللغة أنه إذا سلم على آله من أجله فهو مسلم عليه والقول بأن اسمه
____________________
(3/437)
الياس والياسين يحتاج إلى دليل ورواية فقد وقع في الأمر أشكال كان الأولى أتباع الخط الذي في المصحف وفي المصحف سلام على آل ياسين بالانفصال فهذا ما لا أشكال فيه وللفراء في هذا قول حسن ليس بالمشروع سنذكره ونشرحه إن شاء الله وذلك أنه شبهه بقول الله جل وعز { وشجرة تخرج من طور سيناء } وقال جل وعز { وطور سينين } قال وهما بمعنى واحد وموضوع واحد وشرح هذا أن الياس اسم أعجمي والأسماء الأعجمية إذا وقعت إلى العرب غيرتها بضروب من التغيير فيقولون إبرهيم وإبراهم وإبرهام هكذا أيضا سيناء وسينين والياس والياسين ويس في قراءة سلام على آل ياسين بمعنى واحد
135 نصب على الاستثناء و
137 نصب على الحال
138 عطف على المعنى أي في الصبح وفي الليل
139
لم ينصرف لأنه اسم أعجمي ولو كان عربيا لانصرف وإن كانت في أوله الياء لأنه ليس في الأفعال يفعل كما أنك إذا سميت بيعفر صرفته وإن سميته بيعفر لم تصرفه
140
____________________
(3/438)
قال محمد بن يزيد أصل أبق تباعد ومنه غلام آبق وأبق وقال غيره إنما قيل يونس أبق لأنه خرج لغير أمر الله جل وعز مستترا من الناس ( إلى الفلك المشحون ) قال الفراء الفلك يذكر ويؤنث ويذهب به إلى معنى الجميع وقال غيره إذا ذهب به إلى معنى الجمع فهو جمع فلك مثل وثن ووثن
141 قال محمد بن يزيد فقارع قال وأصله من السهام التي تجال ( فكان من المدحضين ) أي من المغلوبين به قال الفراء يقال دحضت حجته وأدحضها الله وأصله من الزلق
142
من ألام إذا أتى بما يجب أن يلام عليه مثل أحمق فهو محمق فأما الملوم فهو الذي يلام استحق ذلك أو لم يستحق
143
قال الكسائي لم يكسر أن لدخول اللام لأن اللام ليست لها قال أبو جعفر والأمر كما قال إنما اللام في جواب لولا وعن ابن مسعود وابن عباس فلولا أنه كان من المسبحين قالا أي من المصلين قال قتادة كان يصلي قبل ذلك فحفظ الله جل وعز له ذلك فنجاه قال الربيع بن أنس لولا أنه كان قبل ذلك له عمل صالح
144 قال ومكتوب في الحكمة أن العمل الصالح يرفع ربه إذا عشر قال سعيد بن جبير لما قال لا إله إلا أنت
____________________
(3/439)
سبحانك أني كنت من الظالمين قذفه الحوت
145 وهذا مما يسأل عنه يقال خبر الله جل وعز ههنا أنه نبذ بالعراء وقال جل وعز { لولا أن تداركه نعمة من ربه لنبذ بالعراء وهو مذموم } فالجواب أن الله جل وعز خبر ههنا أنه نبذه بالعراء وهو غير مذموم ولولا نعمة الله جل وعز عليه لنبذه بالعراء وهو مذموم وحكى الأخفش في جمع سقيم سقمى وسقامى وسقام
146
جمع يقطينة قال محمد بن يزيد يقال لكل شجرة ليس لها ساق يفترش ورقها على الأرض يقطينة نحو الدباء والبطيخ والحنظل فإن كان لها ساق يقلها فهي شجرة فقط وإن كانت قائمة أي بغير ورق مفترش فهي نجمة وجمعها نجم
147
قال أبو جعفر قد ذكرت حديث ابن عباس أنه قال كانت الرسالة بعدما نبذه الحوت وليس له طريق إلا عن شهر بن حوشب وأجود منه إسنادا وأصح ما حدثناه علي بن الحسين قال حدثنا الحسن بن محمد قال حدثنا عمرو العنقري قال حدثنا إسرائيل عن ابن إسحاق عن عمرو بن ميمون قال حدثنا عبد الله في بيت المال عن يونس النبي صلى الله عليه وسلم قال إن يونس صلى الله عليه وسلم وعد قومه
____________________
(3/440)
العذاب وأخبرهم أنه يأتيهم إلى ثلاثة أيام ففرقوا بين كل والدة وولدها وخرجوا وجاروا إلى الله جل وعز واستغفروا فكف الله جل وعز عنهم العذاب وهذا يونس صلى الله عليه وسلم ينتظر العذاب فلم ير شيئا وكان من كذب ولم تكن له بينة قتل فخرج يونس صلى الله عليه وسلم مغاضبا فأتى قوما في سفينة فحملوه وعرفوه فلما دخل السفينة ركدت السفينة والسفن تسير يمينا وشمالا فقالوا مالسفينتكم قالوا لا ندري فقال يونس صلى الله عليه إن فيها عبدا آبقا من ربه جل وعز وأنها لن تسير حتى تلقوه قالوا أما أنت يا نبي الله فأنا لا نلقيك قال فاقترعوا فمن قرع فليقع فاقترعوا فقرعهم يونس صلى الله عليه فأبوا أن يدعوه قالوا فاقترعوا ثلاثا فمن قرع فليقع فاقترعوا فقرعهم يونس صلى الله عليه ثلاث مرات أو قال ثلاثا فوقع وقد وكل الله جل وعز به حوتا فابتلعه فمر يهوي به إلى قرار الأرض فسمع يونس صلى الله عليه تسبيح الحصى فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك أني كنت من الظالمين قال ظلمة الليل وظلمة البحر وظلمة بطن الحوت قال فنبذناه بالعراء وهو سقيم قال كهيئة الفرخ الممعوط الذي ليس عليه ريش قال وأنبت الله جل وعز عليه شجرة من يقطين فنبتت فكان يستظل بها فيبست فبكى عليها فأوحى الله جل وعز إليه أتبكي على شجرة يبست ولا تبكي على مائة ألف أو يزيدون أردت أن تهلكهم قال وخرج يونس صلى الله عليه وسلم فإذا هو بغلام يرعى فقال يا غلام من أنت قال من قوم يونس قال فإذا جئت إليهم فأخبرهم
____________________
(3/441)
أنك قد لقيت يونس قال له إن كنت يونس فقد علمت أنه من كذب قتل إذا لم يكن له بينة فمن يشهد لي قال هذه الشجرة وهذه البقعة قال فمرهما فقال لهما يونس صلى الله عليه إذا جاءكما هذا الغلام فاشهدا له قالتا نعم فرجع الغلام إلى قومه وكان في منعة وكان له إخوة فأتى الملك فقال إني قد لقيت يونس وهو يقرأ عليكم السلام قال فأمر به أن يقتل فقالوا إن له بينة فأرسلوا معه فأتى الشجرة والبقعة فقال لهما نشدتكما بالله جل وعز أشهد كما يونس صلى الله عليه وسلم قالتا نعم قال فرجع القوم مذعورين يقولون شهدت له الشجرة والأرض فأتوا الملك فأخبروه بما رأوا قال عبد الله فتناول الملك بيد الغلام فأجلسه في مجلسه فقال أنت أحق بهذا المكان مني قال عبد الله فأقام لهم ذلك الغلام أمرهم أربعين سنة فقد تبين في هذا الحديث أن يونس صلى الله عليه كان قد أرسل قبل أن يلتقمه الحوت بهذا الإسناد الذي لا يؤخذ بالقياس وفيه أيضا من الفائدة أن قوم يونس صلى الله عليه آمنوا وندموا قبل أن يروا العذاب لأن فيه أنه أخبرهم أنه يأتيهم إلى ثلاثة أيام ففرقوا بين كل والدة وولدها والفاء في اللغة تدل على أن الثاني يلي الأول فكان حكم الله جل وعز فيهم كحكمه في غيرهم في قوله جل وعز { فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا } وقال جل ثناؤه { وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت } الآية وقد قال بعض العلماء إنهم رأوا مخايل العذاب فتابوا قال أبو جعفر وهذا لا يمتنع فأما قوله عز وجل { إلا قوم يونس } فهو استثناء ليس من الأول وقد ذكرنا معنى أو
____________________
(3/442)
يزيدون وقول الفراء أنها بمعنى بل وقول غيره أنها بمعنى الواو وأنه لا يصح هذان القولان لأن بل ليس هذا من مواضعها لأنها للإضراب عن الأول والإيجاب لما بعده وتعالى الله عز وجل عن ذلك أو الخروج من شيء إلى شيء وليس هذا موضع ذلك والواو معناها خلاف معنى أو فلو كانت إحداهما بمعنى الأخرى لبطلت المعاني ولو جاز ذلك لكان وأرسلناه إلى أكثر من مائة ألف أخصر وفي الآية قولان سوى هذين أحدهما أن المعنى وأرسلناه إلى جماعة لو رأيتموهم لقلتم هم مائة ألف أو أكثر وإنما خوطب العباد على ما تعرفون والقول الآخر أنه كما تقول جاءني زيد أو عمرو وأنت تعرف من جاءك منهما إلا أنك أبهمت على المخاطب وفي قراءة ابن مسعود
148 والمعنى واحد
149 قال أبو إسحاق أي فاسألهم سؤال توبيخ وتقرير ( ألربك البنات ولهم البنون ) لأن معنى فاستفتهم فقل لهم
150
جمع أنثى قال أبو إسحاق أم بمعنى أبل ( وهم شاهدون ) ابتداء وخبر في موضع الحال
151
إن بعد ألا مكسورة لأنها مبتدأة وحكى سيبويه أنها تكون بعد أما
____________________
(3/443)
تكون مفتوحة ومكسورة فالفتح على أن تكون أما بمعنى حقا والكسر على أن يكون أما بمعنى ألا قال أبو جعفر وسمعت علي بن سليمان يقول يجوز فتحها بعد ألا تشبيها بأما فأما في الآية فلا يجوز إلا كسرها لأن بعدها اللام
153
استفهام فيه معنى التوبيخ فأما ما روى عن أبي جعفر وشيبة ونافع أنهم قرأوا ( وإنهم لكاذبون اصطفى البنات ) بوصل الألف فلا يصح عنهم وزعم أبو حاتم أنه لا وجه له لأن بعده
154 فالكلام جار على التوبيخ قال أبو جعفر هذه القراءة وإن كانت شاذة فهي تجوز من وجهتين إحداهما أن تكون تبيينا لما قالوا ويكون ما لكم كيف تحكمون منقطعا مما قبله والجهة الأخرى أنه قد حكى النحويون منهم الفراء أن التوبيخ يكون استفهاما وبغير استفهام كما قال جل وعز { أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا } وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا أكثر أهل التفسير على أن الجنة ههنا الملائكة وقال أهل الاشتقاق قيل لهم جنة لأنهم لا يرون وثم قول آخر غريب رواه إسرائيل عن السدي عن أبي مالك قال إنما قيل للملائكة جنة لأنهم على الجنان والملائكة كلهم جنة
158 كسرت إن لدخول اللام
____________________
(3/444)
160 نصب على الاستثناء ( المخلصين ) من نعتهم
161
162
أهل التفسير مجمعون فيما علمته على أن المعنى ما أنتم بمضلين أحدا إلا من قدر الله جل وعز عليه أن يضل فروى فضيل بن عياض عن منصور عن إبراهيم قال ليس بتابعكم على عبادة آلهتكم وعبادتكم إلا من كتب الله جل وعز عليه أن يصلى الجحيم وروى عمر بن ذر عن عمر بن عبد العزيز رحمه الله ما أنتم بمضلين إلا من هو صال الجحيم وعن ابن عباس ما أنتم بمضلين إلا من قدر عليه أن يضل وروى أبو الأشهب جعفر بن حيان عن الحسن قال يا بني إبليس ما أنتم بمضلين أحدا من الناس إلا من قدر الله عليه أن يضل قال أبو جعفر ففي هذه الآية رد على القدرية من كتاب الله جل وعز وفيها من المعاني أن الشياطين لا يصلون إلى إضلال أحد إلا من كتب الله جل وعز عليه أنه لا يهتدي ولو علم الله جل وعز أنه يهتدي لحال بينه وبينهم وعلى هذا قوله جل وعز { وأجلب عليهم بخيلك ورجلك } أي لست تصل منهم إلى شيء إلا إلى ما في علمي قال الفراء أهل الحجاز يقولون فتنته وأهل نجد يقولون أفتنته
وعن الحسن أنه قرأ
163 بضم اللام فجماعة من أهل العربية يقولن لحن لأنه لا يجوز هذا قاض فاعلم قال أبو
____________________
(3/445)
جعفر ومن أحسن ما قيل فيه ما سمعت من علي بن سليمان يقول هو محمول على المعنى لأن معنى من جماعة فالتقدير فيه صالون فحذفت النون للإضافة وحذفت الواو لالتقاء الساكنين وفيهما قول آخر أن يكون على القلب فإذا قلب قيل صايل ثم يحذف الياء فيقال صال كما يقال شاك
164
فيه تقديران عند أهل العربية أحدهما وما منا إلا من له وحذفت من وهذا مذهب الكوفيين وفيه ما لا خفاء فيه من حذف الموصول والقول الآخر أن المعنى وما منا ملك إلا له مقام معلوم وهذا قول البصريين فأما اتصال هذا بما قبله فإنه فيما يروى أن الملائكة تبرأت ممن يعبدها وتعجبت من ذلك لاجتهادها فقالت وما منا إلا له مقام معلوم
165
166
وفي الحديث عن جابر بن سمرة قال خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في المسجد فقال ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربهم فقلنا يا رسول الله كيف تصف الملائكة عند ربهم قال يتممون الصفوف ويتراصون في الصف
167
لما خففت إن دخلت على الفعل ولزمتها اللام فرقا بين النفي
____________________
(3/446)
والإيجاب والكوفيون يقولون إن بمعنى ما واللام بمعنى إلا
168
169
أي لو جاءنا ذكر كما جاء الأولين لأخلصنا العبادة
170 أي بالذكر والفراء يقدره على حذف أي فجاءهم محمد صلى الله عليه وسلم بالقرآن فكفروا به ( فسوف يعلمون ) قال أبو إسحاق أي فسوف يعلمون مغبة كفرهم
171
قال الفراء بالسعادة وقال غيره التقدير ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين
172 فلما دخلت اللام كسرت إن
173
على المعنى ولو كان على اللفظ لكان هو الغالب مثل قوله { جند ما هنالك مهزوم من الأحزاب } وقال الكسائي جاء ههنا على الجمع من أجل أنه رأس آية
174
____________________
(3/447)
قال قتادة أي إلى الموت وقال أبو إسحاق أي الوقت الذي أمهلوا إليه
177
أي العذاب قال أبو إسحاق وكان عذاب هؤلاء بالقتل و ساء بمعنى بئس ورفع ( صباح ) بها
180
على البدل قال أبو إسحاق ويجوز النصب على المدح والرفع بمعنى هو رب العزة
181
182
ولو كان في غير القرآن لجاز النصب على المصدر
____________________
(3/448)
38
1
بإسكان الدال لأنها حروف تهج والأجود عند سيبويه فيها الإسكان ولا تعرب لأن حكمها الوقوف عليها وقراءة الحسن ( صاد ) بكسر الدال بغير تنوين ولقراءته مذهبان أحدهما أنه من صادى يصادي إذا عارض ومنه { فأنت له تصدى } فالمعنى صادي القرآن بعملك أي قابلة به وهذا المذهب يروى عن الحسن أنه فسر به قراءته رواية صحيحة عنه أن المعنى اتله وتعرض لقراءته والمذهب الآخر أن تكون الدال مكسورة لالتقاء الساكنين وقراءة عيسى بن عمر ( صاد ) بفتح الدال له فيها ثلاثة مذاهب أحدهن أن يكون بمعنى اتل صاد والثاني أن يكون فتح لالتقاء الساكنين واختار الفتح للاتباع الثالث أن يكون منصوبا على القسم بغير حروف وقراءة ابن أبي إسحاق ( صاد ) بكسر الدال والتنوين على أن يكون مخفوضا على حذف حرف القسم قال أبو جعفر وهذا بعيد وإن كان سيبويه قد أجاز مثله ويجوز أن يكون
____________________
(3/449)
مشبها بما لا يتمكن من الأصوات وغيرها وصاد إذا جعلته اسما للسورة لم ينصرف كما أنك إذا سميت مؤنثا بمذكر لم ينصرف وإن قلت حروفه ( والقرآن ) خفض بواو القسم بدل من الباء ( ذي الذكر ) نعت وعلامة الخفض الياء وهو اسم معتل والأصل فيه ذوي على فعل
2
في موضع رفع بالابتداء ( في عزة ) خبره أي في تكبر وامتناع من قبول الحق كما قال جل وعز { وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم } ( وشقاق ) من شاق يشاق إذا خالف واشتقاقه أنه صار في شق غير الشق الآخر
3
كم في موضع نصب بأهلكنا ( فنادوا ) قال قتادة فنادوا في غير نداء قال أبو جعفر ومعناه على قوله في غير نداء ينجي كما قال الحسن نادوا بالتوبة وليس حين توبة ولا ينفع العمل وهذا تفسير من الحسن لقوله جل وعز ولات حين مناص قال ليس حين فأما إسرائيل فيروى عن أبي إسحاق عن التميمي عن ابن عباس ولات حين مناص قال ليس بحين نزو ولا فرار قال ضبط القوم جميعا قال أبو جعفر وأصله من ناص ينوص إذا تأخر ويقال ناص ينوص إذا تقدم وأما ولات حين فقد تكلم النحويون فيه وفي الوقوف عليه وكثر فيه أبو عبيد القاسم بن سلام في كتاب القراءات وكل ما
____________________
(3/450)
جاء به فيه إلا يسيرا مردود قال سيبويه لات مشبهة بليس والاسم فيها مضمر أي ليست أحيانا حين مناص وحكي أن من العرب من يرفع بها فيقول ولات حين مناص وحكي أن الرفع قليل ويكون الخبر محذوفا كما كان الاسم محذوفا في النصب أي ولات حين مناص لنا والوقوف عليها عند سيبويه والفراء وهو قول أبي الحسن بن كيسان وأبي إسحاق ولات بالتاء ثم تبتدىء حين مناص قال أبو الحسن بن كيسان والقول كما قال سيبويه لأنه شبهها بليس فكما تقول ليست تقول لات والوقوف عليها عند الكسائي بالهاء ولاه وهو قول محمد بن يزيد كما حكى لنا عنه علي بن سليمان وحكي عنه أن الحجة في ذلك أنها لا دخلت عليها الهاء لتأنيث الكلمة كما يقال ثمة وربة وأما أبو عبيد فقال اختلف العلماء فيها فقال بعضهم لات ثم تبتديء فتقول حين ثم لم يذكر عن العلماء غير هذا القول وكلامه يوجب غير هذا ثم ذكر احتجاجهم بأنها في المصاحف كلها كذا ثم قال وهذه حجة لولا أن ثم حججا تردها ثم ذكر حججا لا يصح منها شيء وسنذكرها إن شاء الله تعالى ونبين ما يردها قال والوقوف عندي بغير تاء ثم تبتديء بحين مناص ثم ذكر الحجج فقال إحداهن أنا لم نجد في كلام العرب لات إنما هي لا قال أبو جعفر لو لم يكن في هذا من الرد إلا اجتماع المصاحف على ما أنكره فكيف وقد روى خلاف ما قال جميع النحويين المذكورين من البصريين والكوفيين فقال سيبويه لات مشبهة بليس وقال الفراء عن الكسائي أحسبه أنه سأل أبا السمال فقال كيف تقف على ولات فوقف عليها
____________________
(3/451)
بالهاء قال أبو عبيد والحجة الثانية أن تفسير ابن عباس يدل على ذلك لأن ابن عباس قال ليس حين نزو ولا فرار قال أبو جعفر تفسير ابن عباس يدل على أن الصحيح غير قوله ولو كان على قوله لقال ابن عباس ليس تحين مناص ولم يرو هذا أحد قال أبو عبيد والحجة الثالثة أنا لم نجد العرب تزيد هذه التاء إلا في حين وأوان والآن وأنشد لأبي وجزة السعدي
( العاطفون تحين ما من عاطف ** والمطعمون زمان أين المطعم ) وأنشد لأبي زبيد الطائي
( طلبوا صلحنا ولات أوان ** فأجبنا أن ليس حين بقاء ) وأنشد
( نولي قبل يوم بيني جمانا ** وصلينا كما زعمت تلانا ) قال أبو جعفر وإنشاد أهل اللغة جميعا على غير ما قال قال الفراء أنشدني المفضل
____________________
(3/452)
( تذكر حب ليلى لات حينا ** وأضحى الشيب قد قطع القرينا ) قال أبو جعفر فأما البيت الأول الذي أنشده لأبي وجزة فقرأه العلماء باللغة على أربعة أوجه كلها على خلاف ما أنشده وفي أحدها تقديران رواه أبو العباس محمد بن يزيد العاطفون ولات ما من عاطف والرواية الثانية العاطفون ولات حين تعاطف والرواية الثالثة رواها أبو الحسن بن كيسان العاطفونه حين ما من عاطف جعلها هاء في الوقف وتاء في الإدراج وزعم أنها لبيان الحركة شبهت بهاء التأنيث والرواية الرابعة هي العاطفونه حين ما من عاطف وفي هذه الرواية تقديران أحدهما وهو مذهب إسماعيل بن إسحاق أن الهاء في موضع نصب كما تقول الضاربون زيدا فإذا كنيت قلت الضاربوه وأجاز سيبويه الضاربونه في الشعر فجاء إسماعيل بالبيت على مذهب سيبويه في إجازته مثله والتقدير الآخر العاطفونه على أن الهاء لبيان الحركة كما تقول مر بنا المسلمونه في الوقف ثم أجريت في الوصل مجراها في الوقف كما قرأ أهل المدينة { ما أغنى عني ماليه هلك عني سلطانيه } وأما البيت الثاني فلا حجة له فيه لأنه يوقف عليه ولات أوان غير أن فيه شيئا مشكلا لأنه روي ولات أوان بالخفض وإنما يقع ما بعد لات مرفوعا ومنصوبا وإن كان قد روي عن عيسى بن عمر أنه قرأ ( ولات حين مناص ) بكسر التاء من لات والنون من حين فإن الثبت عنه أنه قرأ ( ولات حين مناص ) فبنى لات على الكسر ونصب حين فأما ولات أوان ففيه تقديران
____________________
(3/453)
قال الأخفش فيه مضمر أي ولات حين أوان قال أبو جعفر وهذا القول بين الخطأ والتقدير الآخر عن أبي إسحاق قال تقديره ولات حين أواننا فحذف المضاف إليه فوجب ألا يعرب فكسره لالتقاء الساكنين وأنشد محمد بن يزيد ولات أوان بالرفع
وأما البيت فبيت مولد لا يعرف قائله ولا يصح به حجة على أن محمد بن يزيد رواه كما زعمت الآن وقال غيره المعنى كما زعمت أنت الآن فأسقط الهمزة من أنت والنون وأما احتجاجه بحديث عبد الله بن بن عمر لما ذكر للرجل مناقب عثمان رضي الله عنه قال اذهب بها تلان إلى أصحابك فلا حجة فيه لأن المحدث إنما يروي هذا على المعنى والدليل على هذا أن مجاهدا روى عن عمرو بن عمر هذا الحديث وقال فيه اذهب فاجهد جهدك ورواه آخر اذهب بها الآن معك فأما احتجاجه بأنه وجدها في الأمام تحين فلا حجة فيه لأن معنى الإمام أنه إمام للمصاحف فإن كان مخالفا لها فليس بإمام لها وفي المصاحف كلها ولات فلو لم يكن في هذا إلا هذا الاحتجاج لكان مقنعا وجمع مناص مناوص
4 في موضع نصب والمعنى من أن جاءهم
5 مفعولان
6
أن في موضع نصب والمعنى بأن امشوا والملأ الأشراف وقد سموا في رواية محمد بن إسحاق أنهم أبو جهل بن هشام وشيبة وعتبة ابنا ربيعة بن عبد شمس وأمية بن خلف والعاصي بن وايل وأبو معيط جاءوا إلى أبي
____________________
(3/454)
طالب فقالوا له أنت سيدنا فانصفنا في قومنا وأنفسنا فاكفنا أمر ابن أخيك وسفهاء معه قد تركوا آلهتنا وطعنوا في ديننا فأرسل أبو طالب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له إن قومك يدعونك إلى السواء والنصفة فقال صلى الله عليه وسلم إني أدعوهم إلى كلمة واحدة فقال أبو جهل وعشرا فقال يقولون لا إله إلا الله فقاموا وقال أجعل الآلهة إلها واحدا الآيات قال أبو جعفر وقيل المعنى وانطلق الأشراف منهم فقالوا للعوام ( امشوا واصبروا على آلهتكم ) أي على عبادة آلهتكم ( إن هذا لشيء يراد ) أي إن هذا الذي جاء به محمد عليه السلام لشيء يراد به زوال نعم قوم وغير تنزل بهم
7
أي تكذيب وابتداع يقال خلق واختلق أي ابتدع وخلق الله الخلق من هذا أي ابتدعهم على غير مثال ثم بين أنهم حساد لقولهم
8 وهو القرآن ( بل لما يذوقوا عذاب ) والأصل إثبات الياء وجاز الحذف لأنه رأس آية
9
قيل أم لهم هذا فيمنعوا محمدا صلى الله عليه وسلم مما أنعم الله به عليه وكذا
10 أي فإن ادعوا ذلك ( فليرتقوا في الأسباب ) أي في أسباب السموات وقيل في الأسباب التي ذكرت التي لا تكون إلا لله جل وعز والأصل فليرتقوا حذفت الكسرة لثقلها يقال رقي يرقى وارتقى يرتقي إذا صعد ورقى يرقي رقيا مثل رمى يرمي رميا من
____________________
(3/455)
الرقية ثم وعد الله نبيه النصر فقال جل ذكره
11 فهزم الله جل وعز الأحزاب كما وعده و ما زائدة للتوكيد وتأول الفراء معنى مهزوم أنه مغلوب على أن يصعد إلى السماء
12
أنث قوم على معنى الجماعة ولو جاء مذكرا لجاز على معنى الجميع وصرف نوح وإن كان أعجميا لأنه على ثلاثة أحرف فخف ومنع ( فرعون ) من الصرف لأنه قد جاوز ثلاثة أحرف فلم يصرف لعجمته وأنه معرفة وزعم محمد بن إسحاق اسم فرعون الوليد بن مصعب قال وقد قيل إن اسمه مصعب بن الربان وقال غيره كان يسمى من ملك مصر فرعون كما يسمى من ملك اليمن تبعا وهم التبابعة ومن ملك فارس كسرى وقال محمد بن يزيد كسرى بفتح الكاف ومن ملك الروم قيصر وهرقل و ( ذو الأوتاد ) نعت
14 بمعنى ما كل ( إلا كذب الرسل فحق عقاب ) الأصل إثبات الياء وحذفت لأنه رأس آية والكسرة دالة عليها
15
____________________
(3/456)
بمعنى ما ينتظر ومنه { انظرونا نقتبس من نوركم } ( إلا صيحة واحدة ) قال عبد الله بن عمر لم تكن صيحة في السماء إلا بغضب من الله جل وعز على أهل الأرض ( ما لها من فواق ) قراءة أبي جعفر وشيبة ونافع وأبي عمرو وعاصم ( ومن فواق ) بضم القاف قراءة يحيى بن وثاب والأعمش وحمزة والكسائي وأصح ما قيل فيهما أنهما لغتان بمعنى واحد وحكى ذلك الكسائي والفراء
16
من أحسن ما قيل في معناه ما قاله سعيد بن جبير قال قالوا ربنا عجل لنا نصيبنا في الآخرة قبل يوم الحساب وهو مشتق من قططت الشيء أي قطعته فالنصيب قطعة تقطع للإنسان وذلك معروف في كلام العرب أن يقال في النصيب قط ويقال للكتاب المكتوب بالجائزة قط كما قال الأعمش
( ولا الملك النعمان يوم لقيته ** بإمته يعطي القطوط ويافق ) بإمته أي بنعمته وحاله الجليلة و يافق يصلح القطوط جمع قط وهو الكتاب بالجائزة ويقال في جمعه قططة وفي القليل أقط وأقطاط
17
____________________
(3/457)
نعت والأيد والآد كما يقال العيب والعاب ومنه رجل أيد ( إنه أواب ) قال الضحاك أي ثواب وعن غيره أنه كان كلما ذكر ذنبه أو خطر على باله استغفر منه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم إني لأستغفر في اليوم والليلة مائة مرة ويقال آب يؤوب إذا رجع كما قال
( وكل ذي غيبة يؤوب ** وغائب الموت لا يؤوب )
18
في موضع نصب على الحال ويروى أنها كانت تجيبه بالتسبيح وقيل سخرها الله جل وعز لتسير معه فذلك تسبيحها لأنها دالة على تنزيه الله جل وعز عن شبه المخلوقين ( بالعشي والإشراق ) من أشرقت الشمس إذا أضاءت وصفت وعن ابن عباس قال صلاة الضحى مذكورة في كتاب الله جل وعز وقرأ يسبحن بالعشي والإشراق
19
____________________
(3/458)
معطوف على الجبال قال الفراء ولو قرىء ( والطير محشورة ) لجاز لأنه لم يظهر الفعل وكذا لو قرىء
20 ( وآتيناه الحكمة ) مفعولان ( وفصل الخطاب ) معطوف عليه
21
وبعده ( إذ تسوروا المحراب ) لأن الخصم يؤدي عن الجمع وهو مصدر في الأصل ممن خصمته خصما وحقيقته في العربية إذا قلت القوم خصم له معناه ذوو خصم ثم أقمت المضاف إليه مقام المضاف وقد يقال خصوم كما يقال عدول
22
فجاءت إذ مرتين لأنهما فعلان وزعم الفراء إحداهما بمعنى لما وقول آخر أن تكون الثانية وما بعدها تبيينا لما قبلها ( قالوا لا تخف ) حذفت الضمة من الفاء للجزم وحذفت الألف المنقلبة من الواو لئلا يلتقي ساكنان ( خصمان ) وقبل هذا إذ تسوروا المحراب لأن اثنين جمع قال الخليل رحمه الله كما تقول نحن فعلنا إذا كنتما اثنين وقال الكسائي جمع لما كان خبرا فلما انقضى الخبر وجاءت المخاطبة خبر الاثنان عن أنفسهما فقالا خصمان قال أبو إسحاق أي نحن خصمان وقال غيره القول
____________________
(3/459)
محذوف أي يقول خصمان قال أبو إسحاق ولو كان بالنصب خصمين لجاز أي أتيناك خصمين ( بغى بعضنا على بعض ) قال الكسائي ولو كان بغى بعضهما على بعض لجاز وقال غيره بغى بعضنا يجوز أن يراد به داود صلى الله عليه وسلم ( فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط ) وقرأ الحسن وأبو رجاء ( ولا تشطط ) بفتح التاء وضم الطاء الأولى وقال أبو حاتم لا يعرف هذا في اللغة قال أبو جعفر يقال أشط يشط إذا جار في الحكم أو القول وشط يشط ويشط إذا بعد فيشطط في الآية أبين ويشطط يجوز أي لا تبعد عن الحق كما قال
( تشط غدا دار جيراننا ** وللدار بعد غد أبعد )
23
وقرأ الحسن ( تسع وتسعون نعجة ) بفتح التاء فيها وهي لغة شاذة وهي الصحيحة من قراءة الحسن والعرب تكنى عن المرأة بالنعجة والشاة وعن عبد الله بن مسعود رحمه الله أنه قرأ ( وعازني في الخطاب )
24
____________________
(3/460)
فيقال إن هذه خطية داود صلى الله عليه وسلم لأنه قال لقد ظلمك من غير تثبيت بينة ولا إقرار من الخصم ولا سؤال لخصمه هل كان هذا كذا أم لم يكن هذا قول فأما قول العلماء المتقدمين الذين لا يدفع قولهم منهم عبد الله بن مسعود وابن عباس رحمهما الله فإنهم قالوا ما زاد داود صلى الله عليه وسلم على أن قال للرجل انزل عن امرأتك قال أبو جعفر فعاتبه الله جل وعز على هذا ونبهه عليه وليس هذا بكبير من المعاصي ومن يخطىء إلى غير هذا فإنما يأتي بما لا يصح عن عالم ويلحقه فيه الإثم العظيم بسؤال نعجتك إضافة على المجاز أي بسؤال نعجتك ( وإن كثيرا من الخلطاء ) جمع خليط وهو الشريك فهذا جمع ما لم يكن في واو ولا يجوز في طويل طولاء لثقل الحركة في الواو ( وظن داود أنما فتناه ) قال أبو عمر والفراء ظن بمعنى أيقن إلا أن الفراء شرحه بأنه لا يجوز في المعاني أن يكون الظن بمعنى اليقين وعن عمر بن الخطاب أنه قرأ ( انما فتناه ) بتشديد التاء والنون على التكثير وعن قتادة أنه قرأه ( انما فتناه ) بتخفيفهما ( فاستغفر ربه وخر راكعا ) على الحال
25
في موضع نصب بغفرنا ويجوز أن يكون في موضع رفع أي الأمر ذلك ( وأن له عندنا لزلفى ) قال مجاهد عن عبيد بن عمر قال الزلفى الدنو من الله جل وعز يوم القيامة
26
أي مكناك لتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر فتخلف من كان قبلك من
____________________
(3/461)
الأنبياء والأئمة الصالحين ( إن الذين يضلون عن سبيل الله ) بفتح الياء بلا اختلاف فيها وهو فعل لازم ولو ضممت الياء كان متعديا ( بما نسوا يوم الحساب ) أي تركوا العمل يقال نسي الشيء إذا تركه
27
وشرح هذا أنهم كانوا يقولون ليست ثم عقوبة ولا نار فالكافر والعاصي يسعدان باللذات وغصب الأموال والمظلوم يشقى لأنهما يصيران إلى شيء واحد فرد الله جل وعز هذا عليهم بأنه ما خلق السماء والأرض وما بينهما باطلا لأن الذين ادعوه باطل وذلك منهم ظن وبين ذلك جل وعز بقوله
28 فكان في هذا رد على المرجئة لأنهم يقولون يجوز أن يكون المفسد كالمصلح أو أرفع درجة منه وبعده أيضا ( أم نجعل المتقين كالفجار )
29 بمعنى هذا كتاب ( مبارك ) من نعته
30 مرفوع بنعم
31
جمع جواد للفرس إذا كان شديد الحضر كما يقال للإنسان جواد إذا كان سريع العطية غزيرها غير أنه يقال قوم أجواد وخيل جياد وقد قيل جياد جمع جايد وقائل هذا يحتج بأنه لو كان جمع جواد لقيل جواد كطويل وطوال ويقال في جمع جواد جوداء وأجوداء وجود بإسكان الواو وجوود بضمها
____________________
(3/462)
32
الفراء يقدره مفعولا أي آثرت حب الخيل وغيره يقدره مصدرا وهو يقدر الخيل بمعنى الخير وغيره يقول معنى أحببت حب الخير أنه كان في صلاة فجيء إليه بخيل لتعرض عليه قد غنمت فأشار إليها بيده لأنه يصلي حتى توارت الخيل وسترها جدر الاصطبلات فلما فرغ من صلاته قال
33 أي فاقبل يمسحها مسحا وفي معناه قولان أحدهما أنه أقبل يمسح سوقها وأعناقها بيده إكراما منه لها وليري أن الجليل لا يقبح به أن يفعل مثل هذا بخيله وقال قائل هذا القول كيف يقتلها وفي ذلك إفساد المال ومعاقبة من لا ذنب له وقيل المسح ههنا القطع أذن له في قتلها والسوق جمع ساق مثل دار ودور وفي أقل العدد أسوق والساق مؤنثة
34
أي اختبرناه بما يثقل عليه ( وألقينا على كرسيه جسدا ) قيل يعني به ولدا له ميتا وذلك أنه طاف على جواريه وقال أرجو أن تلد كل واحدة منهم ذكرا وفي الحديث أنه لم يقل إن شاء الله فلم تحمل إلا واحدة منهن ومات الولد والقي على كرسيه فتنة على محبة الدنيا والرغبة فيها واستدعاء الولد وأنه لا
____________________
(3/463)
ينبغي أن يكون كذا ( ثم أناب ) أي رجع عما كان عليه وقد قيل جسد شيطان
35
قيل ليس في هذا دليل على أن ذلك الفعل منه ذنب لأنه قد يكون له أن يستغفر مما عمله قبل النبوة أو يستغفر مما يعرض له
40 أي قرين ( وحسن مآب ) أي مرجع
41
على البدل ( إذ نادى ربه أني مسني الشيطان بنصب وعذاب ) وقرأ عيسى بن عمر ( إني ) بكسر الهمزة قال الفراء واجتمعت القراء على أن قرؤوا بنصب بضم النون والتخفيف وهذا غلط ويعد مناقضة أيضا لأنه قال اجتمعت القراء على هذا وحكى بعده أنهم ذكروا عن يزيد بن القعقاع أنه قرأ ( بنصب ) بفتح النون والصاد فغلط على أبي جعفر وإنما قرأ أبو جعفر
____________________
(3/464)
( بنصب ) بضم النون والصاد كذا حكاه أبو عبيد وغيره وهو يروى عن الحسن فأما ( بنصب ) فهو قراءة عاصم الجحدري ويعقوب الحضرمي وقد رويت هذه القراءة أيضا عن الحسن وقد حكي ( بنصب ) وهذا كله عند أكثر النحويين بمعنى النصب فنصب ونصب كحزن وحزن وقد يجوز أن يكون نصب جمع نصب كوثن ووثن ويجوز أن يكون نصب بمعنى نصب حذفت منه الضمة فأما { وما ذبح على النصب } فقيل أنه جمع نصاب ونصب على أصل المصدر وقد قيل في معنى مسني الشيطان بنصب وعذاب أنه ما يلحقه من وسوسته لا غير والله أعلم
42
قال الكسائي أي قلنا وقال محمد بن يزيد الركض التحريك ولهذا قال الأصمعي يقال ركضت الدابة ولا يقال ركضت هي لأن الركض إنما هو تحريك راكبها برجليه ولا فعل لها في ذلك وحكى سيبويه ركضت الدابة فركضت هي مثل جبرت العظم فجبر وحزنته فحزن
43
تأول هذا مجاهد على أن الله جل وعز رد عليه أهله فأعطاه مثلهم في الآخرة فصار له أهله في الدنيا ومثلهم معهم في الآخرة فأما ما يروى عن عبد الله بن مسعود لما بلغه أن مروان قال إنما أعطي عوضا من أهله ولم يعطهم بأعيانهم
____________________
(3/465)
فقال ليس كما قال بل أعطي أهله ومثلهم معهم فتأول هذا القول بعض العلماء على أن الله جل وعز رد عليه من غاب من أهله وولد له مثل من مات وأعطي من نسلهم مثلهم ( رحمة ) بالنصب على المصدر قال أبو إسحاق هو مفعول له ( وذكرى ) معطوف على الرحمة قال أبو إسحاق معنى وذكرى لأولى الألباب أن ذا العقل إذا ابتلي ذكر بلاء أيوب صلى الله عليه وسلم صبر
44
أي وقلنا له وخذ بيدك ضغثا قال وهي الحزمة من الحشيش وما أشبه ذلك
45
على البدل وقراءة ابن عباس ( واذكر عبدنا ) بإسناد صحيح رواها ابن عيينة عن عمر عن عطاء عنه وهي قراءة ابن كثير فعلى هذه القراءة يكون إبراهيم بدلا من عبدنا وإسحاق ويعقوب على العطف والقراءة بالجمع أبين وشرح هذا من العربية أنك إذا قلت رأيت أصحابنا زيدا أبين وشرح هذا من العربية أنك إذا قلت رأيت أصحابنا زيدا أبين وشرح هذا من العربية أنك إذا قلت رأيت أصحابنا زيدا وعمرا وخالدا فزيد وعمرو وخالد بدل منهم فزيد وحده بدل وهو الصاحب وعمرو وخالد عطف على صاحبنا وليسا بداخلين في المصاحبة إلا بدليل غير هذا غير أنه قد علم أن قوله جل وعز وإسحاق ويعقوب داخل في العبودية ( أولي الأيدي والأبصار ) فأما ( الأبصار ) فمتفق على تأويلها أنها البصائر في الدين وأما ( الأيدي ) فمختلف في تأويلها فأهل التفسير يقولون إنها القوة في الدين وقوم يقولون الأيدي جمع يد وهي
____________________
(3/466)
النعمة أي هم أصحاب النعم أي الذين أنعم الله عليهم وقيل هم أصحاب النعم والإحسان لأنهم قد أحسنوا وقدموا خيرا
46
ذكرى في موضع خفض إلا أن فيها ألف التأنيث وخفضها بالإضافة وقراءة الكوفيين ( بخالصة ذكرى الدار ) على البدل وهذا بدل المعرفة من النكرة أخلصناهم جعلناهم مخلصين ومخلصين من الأدناس قد أخلصوا العمل لله جل وعز يذكرون الدار وهي الآخرة ويذكرونها لا يريدون بذلك الدنيا ولا التعمل لأهلها
47
أي من الذين اصطفيناهم من الأدناس ومصطفين جمع مصطفى زدت على مصطفى ياء ساكنة ونونا والألف من مصطفى ساكنة حذفت الألف لالتقاء الساكنين وكانت أولى بالحذف لأن قبلها فتحة والأخيار جمع خير وكأنه جمع على حذف الزائد كأنك جمعت خيرا كما تقول ميت وأموات ويقال رجل خير وخير كما يقال هين وهين ولين ولين
49 مبتدأ وخبره والمعنى هذا ذكر جميل في الدنيا ( إن للمتقين لحسن مآب ) أي مع هذا الذكر الجميل في الدنيا حسن المرجع يوم القيامة ثم بين بقوله جل وعز
50 والعدن في اللغة الإقامة يقال عدن
____________________
(3/467)
بالمكان إذا أقام به غير أن عبد الله بن عمر قال جنة عدن قصر في الجنة له خمسة آلاف باب على كل باب خمسة آلاف خيرة لا يدخله إلا نبي أو صديق أو شهيد ( مفتحة لهم الأبواب ) رفعت الأبواب لأنها اسم ما لم يسم فاعله وأجاز الفراء مفتحة لهم الأبواب على أن مفتحة للجنات وأنشد هو وسيبويه
( وما قومي بثعلبة بن سعد ** ولا بفزارة الشعر الرقابا )
قال الفراء أي مفتحة الأبواب ثم جئت بالتنوين ونصبت وأنشد سيبويه
( ونأخذ بعده بذناب عيش ** أجب الظهر ليس له سنام )
51 نصب لأنه نعت للجنات
52
نعت لقاصرات لأن قاصرات نكرة وإن كان مضافا إلى معرفة والدليل على ذلك أن الألف واللام يدخلانه كما قال الشاعر
( من القاصرات الطرف لو دب محول ** من الذر فوق الإتب منها لأثرا )
____________________
(3/468)
وزعم الفراء أن المعنى مفتحة لهم أبوابها وأن الألف واللام بدل من الهاء والألف وأجاز مررت برجل حسنة العين المعنى حسنة عينه قال أبو إسحاق ولا يجوز أن تكون الألف واللام بدلا من الهاء واللام لأن الألف واللام حرف جاء لمعنى والهاء والألف اسم ومحال أن يقوم أحدهما مقام صاحبه وإنما المعنى مفتحة لهم الأبواب منها
55 والتقدير الأمر هذا ( لشر مآب ) اسم إن
56 بدل من شر
57
هذا في موضع رفع بالابتداء وخبره حميم على التقديم والتأخير أي هذا حميم وغساق فليذوقوه ويجوز أن يكون هذا في موضع رفع بالابتداء وفليذوقوه في موضع الخبر ويجوز أن يكون المعنى الأمر هذا وحميم وغساق إذا لم تجعلهما خبرا فرفعهما على معنى هو حميم وغساق والفراء يرفعهما بمعنى هو حميم وغساق وأنشد
( حتى إذا ما أضاء الصبح في غلس ** وغودر البقل ملوي ومحصود )
ويجوز أن يكون هذا في موضع نصب بإضمار فعل كما تقول زيدا
____________________
(3/469)
أضربه والنصب في هذا أولى ( وغساق ) بالتخفيف قراءة أهل المدينة وأهل البصرة وبعض الكوفيين فأما يحيى بن وثاب والأعمش وحمزة والكسائي فقرؤوا ( وغساق ) بالتشديد فأما معناه فقال عبد الله بن عمر وفيه هو قيح غليظ لو وقع شيء منه بالمشرق لأنتن من في المغرب ولو وقع منه شيء بالمغرب لأنتن من في المشرق قال مجاهد غساق بارد وعن غير مجاهد أنه يحرق ببرده كما يحرق الحميم بحره وقال قتادة هو ما يسيل من بين جلودهم ولحمهم قال أبو جعفر وسمعت علي بن سليمان يقول يقال غسقت عينه إذا سالت فغساق بالتشديد أولى كما تقول سيال قال أبو جعفر وقد خالف في هذا غيره من رؤساء النحويين لأنه إذا قال غساق جعله نعتا لغير معروف بعينه وهذا بعيد في العربية فإذا قال غساق فهو اسم وهو أولى من أن يقام النعت مقام المنعوت ويحذف المنعوت
59
ابتداء وخبره أي مقتحم معكم النار والتقدير يقال لهم هذا فوج يدخل معكم النار فيقول الذين في النار ( لا مرحبا بهم ) و مرحبا منصوب على المصدر وبمعنى أصبت رحبا أي سعة قال الفوج
60 أي دعوتمونا إلى العصيان ( فبئس القرار ) أي استقرارنا
61
قال الفراء أي من شرع لنا هذا وسنه وقال غيره أي من قدم لنا هذا العذاب بدعائه إياما إلى المعاصي ( فزده عذابا ضعفا في النار ) أي عذابا بكفره وعذابا بدعائه إيانا فصار ذلك ضعفا
____________________
(3/470)
62
ما في موضع رفع و لا نرى في موضع نصب على الحال
63
بضم السين قراءة الحسن ومجاهد وأبي جعفر وشيبة ونافع وعاصم وابن عامر على الاستفهام وسقطت ألف الوصل لأنه قد استغني عنها وقرأ ابن كثير والأعمش وأبو عمرو وحمزة والكسائي ( اتخذناهم ) على أنها ألف وصل في اتخذناهم يكون اتخذناهم نعتا للرجال وأبو عبيد وأبو حاتم يميلان إلى هذه القراءة واحتجا جميعا بأن الذين قالوا هذا قد علموا أنهم اتخذوهم سخريا فكيف يستفهمون قالا وقد تقدم الاستفهام قال أبو جعفر هذا الاحتجاج لا يلزم ولو كان واجبا لوجب في مالنا ولكن الاستفهام ههنا على ما قاله الفراء فيه قال هو بمعنى التوبيخ والتعجب ( أم زاغت عنهم الأبصار ) إذا قرأت بالاستفهام كانت أم للتسوية وإذا كانت بغير استفهام فهي بمعنى أبل
64
بمعنى هو تخاصم ويجوز أن يكون بدلا من الحق ويجوز أن يكون خبرا بعد خبر ويجوز أن يكون بدلا من ذلك على الموضع
65
مبتدأ وخبره وكفت ما أن عن العمل ( وما من إله إلا الله ) من زائدة
____________________
(3/471)
للتوكيد قال أبو إسحاق ولو قرىء بالنصب ( إلا الله الواحد القهار ) جاز على الاستثناء
66
على النعت وأن نصبت الأول نصبت ويجوز رفع الأول ونصب ما بعده على المدح
67
أي القرآن خبر جليل وقيل المعنى عظيم المنفعة وقال أبو إسحاق هذا الخبر نبأ عظيم
68 أي لا تقبلونه
69 قال أبو جعفر قد بينا معناه
70
أن في موضع رفع لأنها اسم ما لم يسم فاعله ويجوز أن يكون في موضع نصب بمعنى إلا لأنما
72 إذا ترد الماضي إلى المستقبل لأنها تشبه حروف الشرط وجوابها كجوابه ( ساجدين ) على الحال
____________________
(3/472)
75 على التوبيخ ومن وصل الألف جعله خبرا ( أم كنت من العالين ) قال ابن عباس كان في علم الله من الكافرين
76
مبتدأ وخبره قال الفراء ومن العرب من يقول أنا أخير منه وأشر منه وهذا هو الأصل إلا أنه حذفت الألف منه لكثرة الاستعمال
77
قيل يعني من الجنة ( فإنك رجيم ) أي مرجوم بالكواكب والشهب
79
وهو يوم القيامة فلم يجب إلى ذلك وأخر
81 وهو يوم يموت الخلق فيه فأخر إليه تهاونا به وأنه لا يصل إلا إلى الوسوسة ولا يفسد إلا من كان لا يصلح لو لم يوسوسه
82
أي لاستدعينهم إلى المعاصي التي يغوون من أجلها أي يخيبون
84
هذه قراءة أهل الحرمين وأهل البصرة والكسائي وقرأ ابن عباس ومجاهد وعاصم والأعمش وحمزة ( قال فالحق والحق أقول ) برفع الأول وفتح الثاني
____________________
(3/473)
وأجاز الفراء قال فالحق والحق أقول بخفض الأول ولا اختلاف في الثاني أنه منصوب بأقول ونصب الأول على الإغراء أي فاتبعوا الحق واستمعوا الحق وقيل هو بمعنى أحق أي أفعله وأجاز الفراء وأبو عبيد أن يكون الحق منصوبا بمعنى حقا
85 وذلك عند جماعة من النحويين خطأ لا يجوز زيدا لأضربن لأن ما بعد اللام مقطوع مما قبلها ومن رفع ( الحق ) رفعه بالابتداء أي فأنا الحق أو والحق مني وروبا جميعا عن مجاهد يجوز أن يكون التقدير هذا الحق وفي الخفض قولان أحدهما أنه على حذف حرف القسم هذا قول الفراء قال كما تقول الله لأفعلن وقد أجاز مثل هذا سيبويه وغلطه فيه أبو العباس ولم يجز إلا النصب لأن حروف الخفض لا تضمر والقول الآخر أن تكون الفاء بدلا من القسم كما أنشدوا
( فمثلك حبلى قد طرقت ومرضع ** فألهيتها عن ذي تمائم محول )
وروى مسروق عن عبد الله بن مسعود قال من سئل عما لا يعلم فليقل لا أعلم ولا يتكلف فإن قوله لا أعلم علم وقد قال الله جل وعز لنبيه صلى الله عليه وسلم
68
87
88
أي نبأ القرآن حق بعد حين قال أبو إسحاق أي بعد الموت وقال الفراء بعد الموت وقبله أي سيتبين ذلك
____________________
(3/474)
4
____________________
(4/1)
39
1
رفع بالابتداء وخبره ( من الله العزيز الحكيم ) أي أنزل من عند الله جل وعز ويجوز أن يكون مرفوعا بمعنى هذا تنزيل الكتاب وأجاز الكسائي والفراء ( تنزيل الكتاب ) بالنصب على أنه مفعول قال الكسائي أي اتبعوا واقرءوا تنزيل الكتاب وقال الفراء على الإغراء مثل { كتاب الله عليكم } أي إلزموا كتاب الله
2
وإن شئت أدغمت ( فاعبد الله مخلصا ) على الحال ( له الدين ) مفعول به أي يخلص له الدين
3
أي الذي لا يشوبه شيء وفي حديث الحسن عن أبي هريرة أن رجلا
____________________
(4/3)
قال يا رسول الله إني أتصدق بالشيء وأصنع الشيء أريد به وجه الله جل وعز وثناء الناس فقال النبي صلى الله عليه وسلم والذي نفس محمد بيده لا يقبل الله جل ثناؤه شيئا شورك فيه ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا لله الدين الخالص ( والذين اتخذوا من دونه أولياء ) في موضع رفع بالابتداء والتقدير والذين اتخذوا من دونه أولياء قالوا ( ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى ) ويجوز أن يكون الذين في موضع رفع بفعلهم أي وقال زلفى في موضع نصب بمعنى المصدر أي تقريبا
4
أي لو أراد ذلك أن يسمي أحدا من خلقه بهذا ما جعله إليهم ( سبحانه ) مصدر أي تنزيها له من الولد
5
قال الضحاك أي يلقي هذا على هذا وهذا على هذا قال أبو جعفر وهذا معنى التكوير في اللغة وقد روي عن ابن عباس غير هذا في معنى الآية قال ما نقص من الليل دخل في النهار وما نقص من النهار دخل في الليل
6 أي لا تمنعه الظلمة كما تمنع المخلوقين
7
أي يرض الشكر لكم أن تشكروا يدل على الشكر
____________________
(4/4)
8 على الحال
9
قراءة الحسن وأبي عمرو وأبي جعفر وعاصم والكسائي وقرأ نافع وابن كثير ويحيى بن وثاب والأعمش وحمزة ( أمن هو ) وحكى أبو حاتم عن الأخفش قال من قرأ في الزمر ( أمن هو ) بالتخفيف فقراءته ضعيفة لأنه استفهام ليس معه خبر قال أبو جعفر هذا لا يلزم وقد أجمعوا جميعا على أن قرءوا { أفمن شرح الله صدره للإسلام } وهو مثله وفي القراءة بالتخفيف وجهان حسنان في العربية وليس في القراءة الأخرى إلا وجه واحد فأحد الوجهين أن يكون نداء كما يقال يا زيد أقبل ويقال أزيد أقبل حكى ذلك سيبويه وجميع النحويين كما قال
( أبني لبينى لستم بيد ** إلا يدا ليست لها عضد )
وكما يقال فلان لا يصلي ولا يصوم أمن يصلي ويصوم أبشر والوجه الآخر أن يكون في موضع رفع بالابتداء والمعنى معروف أي أمن هو قانت آناء الليل أفضل أم من جعل لله أندادا والتقدير الذي هو قانت ومن قرأ ( أمن هو )
____________________
(4/5)
فتقديره أم الذي هو قانت أفضل ممن ذكر و أم بمعنى أبل فأما معنى قانت فيما رواه عمرو بن الحارث عن دراج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال كل قنوت في القرآن فهو طاعة لله جل وعز وروى الأعمش عن أبي سفيان عن جابر أنه قال سئل النبي صلى الله عليه وسلم أي الصلاة أفضل قال طول القنوت فتأوله جماعة من أهل العلم على أنه طول القيام وروى عبد الله عن نافع عن ابن عمر سئل عن القنوت قال ما أعرف القنوت إلا طول القيام وقراءة القرآن وقال مجاهد من القنوت طول الركوع وغض البصر وكان العلماء إذا وقفوا في الصلاة غضوا أبصارهم وخضعوا ولم يلتفتوا في صلاتهم ولم يعبثوا ولم يذكروا شيئا من أمر الدنيا إلا ناسين قال أبو جعفر أصل هذا أن القنوت الطاعة وكل ما قيل فيه فهو طاعة الله جل وعز وهذه الأشياء كلها داخلة في الطاعة وما هو أكثر منها كما قال نافع وقال لي ابن عمر قم فصل فقمت أصلي وكان علي ثوب حلق فدعاني فقال لي أرأيت لو وجهتك في حاجة وراء الجدار أكنت تمضي هكذا فقلت لا كنت أتزين قال فالله أحق أن يتزين له
قال الحسن آناء الليل ساعاته أوله وأوسطه وآخره
وعن ابن عباس قال آناء الليل جوف الليل قال سعيد بن جبير ( يحذر الآخرة ) أي عذاب الآخرة ( قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا
____________________
(4/6)
يعلمون ) قال أبو إسحاق أي كما لا يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون كذا لا يستوي الطائع والعاصي وقال غيره الذين يعلمون هم الذين ينتفعون بعلمهم ويعملون به فأما من لم ينتفع بعلمه ولم يعمل به فبمنزلة من لم يعلم ( إنما يتذكر أولو الألباب ) أي إنما ينتفع بذكره وينتفع به ويعتبر أولو العقول الذين ينتفعون بعقولهم فهولاء ينتفعون ويمدحون بعقولهم لأنهم انتفعوا بها
10
قيل معناه اتقوا معاصيه والتاء مبدلة من واو ( للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة ) يجوز أن يكون في الدنيا داخلا في الصلة أي لهم حسنة في الآخرة وإن لم يكن داخلا في الصلة فالمعنى للذين أحسنوا حسنة في الدنيا فالحسنة التي لهم في هذه الدنيا موالاة الله جل وعز إياهم وثناؤه عليهم وتسميته إياهم بالأسماء الحسنى ( وأرض الله واسعة ) في معناه قولان أحدهما أنه يراد بها أرض الجنة والآخر أن معناه أن أرض الله واسعة فهاجروا فيها ولا تقيموا مع من يعمل بالمعاصي ( إنما يوفى الصابرون أجرهم ) صابر يمدح به إنما هو لمن صبر عن المعاصي فإن أردت أنه صابر على المعصية قلت صابر على كذا ( بغير حساب ) قيل بغير تقدير وقيل يراد على الثواب أنه لو أعطي بقدر ما عمل لكان بحساب وقيل معنى بغير حساب بغير متابعة ولا مطالبة كما تقع المطالبة بنعم الدنيا
14 نصب بأعبد وسيبويه يجيز الرفع على حذف الهاء ولا نعلم أحدا من النحويين وافقه على ذلك في الاسم العلم
15
____________________
(4/7)
الذين في موضع رفع على خبر إن وأهليهم في موضع نصب معطوفون على أنفسهم وعلامة النصب الياء وقال ميمون بن مهران عن ابن عباس ليس من أحد إلا وقد خلق الله جل وعز له زوجة في الجنة فإذا دخل النار خسر نفسه وأهله
16
الواحدة ظلة وهو ما ارتفع فوقهم من النار وثبت ( ومن تحتهم ظلل ) مجاز أي مثل ذلك من تحتهم وقيل هو حقيقة أي من تحتهم ظلل لمن هو أسفل منهم من أهل النار ( ذلك ) في موضع رفع بالابتداء أي ذلك الذي ذكرنا من العذاب يخوف الله به عباده ( يا عباد فاتقون ) بحذف الياء من عبادي لأن النداء موضع حذف ويجوز إثباتها على الأصل ويجوز فتحها
17
قال الأخفش الطاغوت جمع ويجوز أن يكون واحدة مؤنثة
20 نصب على المصدر لأن معنى ( لهم غرف ) وعدهم الله جل وعز ذلك وعدا ويجوز الرفع بمعنى ذلك وعد الله
21
واحدها ينبوع ويقال ينبع وجمعه ينابيع وقد نبع الماء ينبع ينبع وحكى لنا ابن كيسان في قول الشاعر
( ينباع من ذفرى غضوب جسرة ** ) إن معناه ينبع فأشبع الفتحة فصارة ألفا ( ثم يهيج ) قال محمد بن يزيد
____________________
(4/8)
الأصمعي يقال هاجت الأرض تهيج إذا أدبر نبتها وولى قال وكذلك قال غير الأصمعي ( ثم جعله حطاما ) قال من تحطيم العود إذا تفتت من اليبس ( إن في ذلك لذكرى لأولي الألباب ) واحدها ذو وهو اسم للجمع وزيد في كتابه واو عند بعض أهل اللغة فرقا بينها وبين إلى
22
قال أبو إسحاق هذه الفاء فاء المجازاة ( فويل للقاسية قلوبهم ) قال محمد بن يزيد يقال قسا إذا صلب قال وكذلك عتا وعسا مقاربة لها وقلب قاس أي صلب لا يرق ولا يلين ( أولئك ) في موضع رفع بالابتداء أي أولئك الذين قست قلوبهم ( في ضلال مبين )
23
على البدل من أحسن ( مثاني ) نعت لكتاب ولم ينصرف لأنه جمع لا نظير له في الواحد ( تقشعر منه ) في موضع نصب على أنه نعت لكتاب ( ذلك ) في موضع رفع بالابتداء أي ذلك الخوف والرجاء ولين القلوب ( هدى الله )
24
حذف الجواب قال الأخفش سعيد أي أفمن يتقي بوجهه سوء العذاب أفضل أم من سعد
26
قال محمد بن يزيد يقال لكل ما نال الجارحة من شيء قد ذاقته أي قد وصل إليها كما تصل الحلاوة والمرارة إلى ذايقهما قال والخزي المكروه
____________________
(4/9)
والخزاء إفراط الاستحياء
27
28 نصب على الحال قال الأخفش لأن قوله جل وعز في هذا القرآن معرفة وقال علي بن سليمان عربيا نصب على الحال وقرآنا توطئة الحال كما تقول مررت بزيد رجلا صالحا فقولك صالحا هو المنصوب على الحال قال أبو إسحاق قرآنا عربيا على حال وقال قرآنا توكيد ( غير ذي عوج ) نعت أحسن ما قيل فيه ما قاله الضحاك قال مختلف
29
قال الفراء أي مختلفون قال محمد بن يزيد أي متعاسرون من شكس يشكس فهو شكس مثل عسر يعسر عسرا فهو عسر ( ورجلا سلما لرجل ) هذه قراءة أهل المدينة وأهل الكوفة وقرأ ابن عباس والحسن ومجاهد والجحدري وأبو عمرو وابن كثير ( ورجلا سالما ) فسرها ابن عباس قال خالصا قال أبو جعفر ومال أبو عبيد إلى هذه القراءة قال لأن السالم ضد المشرك والسلم ضد الحرب ولا معنى للمحارب ههنا قال أبو جعفر وهذا الاحتجاج لا يلزم لأن الحرف إذا كان له معنيان لم يحمل إلا على أولاهما فهذا وإن كان السلم ضد الحرب فله موضع آخر كما يقال كان لك في هذا
____________________
(4/10)
المنزل شركاء فصار سلما لك ويلزمه أيضا في سالم ما لزمه في غيره لأنه يقال شيء سالم لا عاهة به والقراءتان حسنتان قد قرأ بهما الأئمة
30
وقراءة ابن محيصن وابن أبي إسحاق وعيسى ( إنك مائت وإنهم مائتون ) قال أبو جعفر وهي قراءة حسنة ومثل هذه الألف تحذف في السواد ومائت في المستقبل كثير في كلام العرب ومثله ما كان مريضا وإنه لمارض من هذا الطعام وميت جائز أيضا وتخفيفه جائز عند غير أبي عمرو بن العلاء فإنه كان لا يجيز التخفيف في المستقبل
31
قيل يعني في المظالم وفي الحديث المسند أول ما تقع فيه الخصومات الدماء
32
مثوى في موضع رفع ولم يتبين فيه الإعراب لأنه مقصور وهو مشتق من ثوى يثوي ولو كان من أثوى لكان مثوى وهذا يدل على أن ثوى هو اللغة الفصيحة وقد حكى أبو عبيدة أثوى وأنشد
( أثوى وقصر ليله ليزودا ** )
والأصمعي لا يعرف إلا ثوى ويرويه أثوى
____________________
(4/11)
33
في موضع رفع بالابتداء وخبره ( أولئك هم المتقون ) وتأوله إبراهيم النخعي على أنه للجماعة وقال الذي جاء بالصدق المؤمنون الذي يجيئون بالقرآن يوم القيامة فيقولون هذا الذي أعطيتمونا قد اتبعنا ما فيه فيكون الذي على هذا بمعنى جمع كما يكون من بمعنى جمع وقيل بل حذفت النون لطول الاسم وتأوله الشعبي على أنه واحد وقال الذي جاء بالصدق محمد صلى الله عليه وسلم وصدق به أبو بكر الصديق رضي الله عنه والصحابة فيكون على هذا خبره جماعة كما يقال لمن يعظم هم فعلوا كذا وكذا وجواب آخر أن يكون له ولمن اتبعه صلى الله عليه وسلم وفي قراءة ابن مسعود ( والذين جاءوا بالصدق وصدقوا به ) فهذه قراءة على التفسير وفي قراءة أبي صالح الكوفي ( والذي جاء بالصدق وصدق به ) مخففا يكون معناه والله أعلم وصدق فيه كما يقال فلان بمكة وفي مكة
36
حذفت الياء لسكونها وسكون التنوين بعدها وكان الأصل ألا تحذف في الوقف لزوال التنوين إلا أنها حذفت ليعلم أنها كذلك في الوصل ومن العرب من يثبتها في الوقف على الأصل فيقول كافي عبده
38
____________________
(4/12)
بغير تنوين قراءة أبي جعفر ونافع وابن كثير ويحيى بن وثاب والأعمش وحمزة والكسائي وقرأ أبو عمرو وشيبة وهي المعروفة من قراءة الحسن وعاصم ( هل هن كاشفات ضره ) و ( ممسكات رحمته ) بالتنوين على الأصل لأنه لما لم يقع بعد ولو كان ماضيا لم يجز فيه التنوين وحذف التنوين على التخفيف فإذا حذف التنوين لم يبق بين الاسمين حاجز فخفضت الثاني بالإضافة وحذف التنوين كثير في كلام العرب موجود حسن قال الله جل وعز { هديا بالغ الكعبة } وكذا { هذا عارض ممطرنا } وكذا { إنا مرسلو الناقة } قال سيبويه مثله ذلك كثير مثله { غير محلي الصيد } لأن معناه كمعنى { ولا آمين البيت الحرام } وأنشد سيبويه
( هل أنت باعث دينار لحاجتنا ** أو عبد رب أخا عون بن مخراق )
وقال النابغة
( واحكم كحكم فتاة الحي إذ نظرت ** إلى حمام شارع وارد الثمد )
____________________
(4/13)
معناه وارد الثمد فحذف التنوين مثل كاشفات ضره
39
على مكانتي أي على جهتي التي تمكنت عندي
41
قيل معناه لنبينه للناس بالحق الذي أمروا به فيه
42
وقراءة يحيى بن وثاب والأعمش وحمزة والكسائي ( فيمسك التي قضي عليها الموت ) على ما لم يسم فاعله والمعنى واحد غير أن القراءة الأولى أبين وأشبه بنسق الكلام لأنهم قد جمعوا على ويرسل ولم يقرءوا ويرسل وقد مر في الكتاب الذي قبل هذا العلة في فتح الواو في قوله جل وعز
43
44
نصب على الحال فإن قيل جميع إنما يكون للاثنين فصاعدا والشفاعة واحدة فالجواب أن الشفاعة مصدر والمصدر يؤدي عن الاثنين والجميع
45
نصب على المصدر عند الخليل وسيبويه وعلى الحال عند يونس قال
____________________
(4/14)
محمد بن يزيد ( اشمأزت ) أي انقبضت
46
نصب لأنه نداء مضاف وكذا ( عالم الغيب والشهادة ) ولا يجوز عند سيبويه أن يكون نعتا
47
من أجل ما روي فيه ما رواه منصور عن مجاهد قال عملوا أعمالا توهموا أنها حسنات فإذا هي سيئات وقيل عملوا أعمالا سيئة وتوهموا أنهم يتوبون قبل الموت فأدركهم الموت وقد كانوا ظنوا أنهم ينجون بالتوبة فبدا لهم ما لم يكونوا يحتسبون ويجوز أن يكون توهموا أنهم يغفر لهم من غير توبة فبدا لهم ما لم يكونوا يحتسبون من دخول النار
48 أي عقاب سيئات أو ذكر سيئات
49
قال أبو إسحاق أي على شرف وفضل يجب لي به هذا الذي أعطيته فقد علمت أني سأعطى هذا ( بل هي فتنة ) قال الفراء أنث لتأنيث الفتنة ولو كان بل هو فتنة لجاز قال أبو جعفر التقدير بل أعطيته فتنة ( ولكن أكثرهم لا يعلمون ) أي لا يعلمون أن إعطاءهم المال اختبار وقيل عملهم عمل من لا يعلم
____________________
(4/15)
50 على تأنيث الكلمة
53
وإن شئت حذفت الياء لأن النداء موضع حذف ومن أجل ما روي فيه ما رواه محمد بن إسحاق عن نافع عن ابن عمر قال لما اجتمعنا على الهجرة اتعدت أنا وهشام بن العاصي بن وائل السهمي وعياش بن عتبة فقلنا الموعد أضاة غفر وقلنا من تأخر منا فقد حبس فأصبحت أنا وعياش بن عتبة بها ولم يواف هشام وإذا به قد فتن ففتن وكنا نقول بالمدينة هؤلاء قوم قد عرفوا الله جل وعز وآمنوا به وبرسوله صلى الله عليه وسلم ثم افتتنوا ببلاء لحقهم لا نرى لهم توبة وكانوا هم أيضا يقولون هذا فأنزل الله جل وعز { قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله } إلى آخر القصة وروى عبد الأعلى عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال كان قوم من المشركين قتلوا فأكثروا وزنوا فأكثروا فقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم أو بعثوا إليه أن ما تدعونا إليه لحسن لو تخبرنا أن لنا توبة فأنزل الله جل وعز قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم إلى آخر الآيات قال عبد الله بن عمر هذه أرجى آية في القرآن فرد عليه ابن عباس فقال بل أرجى آية في القرآن { وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم } وروى حماد بن سلمة عن ثابت عن شهر بن حوشب عن أسماء أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ ( قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله يغفر الذنوب جميعا ولا يبالي إنه هو الغفور الرحيم ) وفي مصحف ابن مسعود ( إن الله يغفر الذنوب جميعا لمن يشاء ) وهاتان القراءتان على التفسير أي يغفر لمن يشاء وقد عرف الله جل وعز من يشاء
____________________
(4/16)
أن يغفر له وهو التائب أو من عمل صغيرة ولم يكن له كبيرة ودل على أنه يريد التائب ما بعده
54 فالتائب مغفور له ذنوبه جميعا يدل على ذلك { وإني لغفار لمن تاب } فهذا الإشكال فيه ( وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له ) قال الضحاك أي أنيبوا ارجعوا إلى طاعته جل وعز وأمره قال أبو جعفر ثم تواعد ما لم يثب فقال ( من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون ) أي لا فلا يدفعه أحد عنكم
56 في موضع نصب أي كراهة أن تقول وعند الكوفيين بمعنى لئلا تقول نفس ( يا حسرتا ) والأصل يا حسرتي أي يا ندمي فأبدل من الياء ألفا لأنها أخف فالفائدة في نداء الحسرة أن في ذلك معنى أنها لازمة موجودة فهذا أبلغ من الخبر وأجاز الفراء في الوصل يا حسرتاه على كذا ويا حسرتاه على كذا وذكر هذا القول في الآية وشبهه بالندبة وإثبات الهاء في الوصل خطأ عند جميع النحويين غيره وليس هذا موضع ندبة ولا في السواد هاء ولا قرأ به أحد ( على ما فرطت في جنب الله ) قال الضحاك أي في ذكر الله قال يعني القرآن والعمل به وفي حديث ابن عجلان عن سعيد المقبري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ما جلس رجل مجلسا ولا مشى مشيا ولا اضطجع مضطجعا لم يذكر الله جل وعز فيه إلا كانت عليه ترة يوم القيامة
____________________
(4/17)
أي حسرة قال إبراهيم التيمي من الحسرات يوم القيامة أن يرى الرجل ماله الذي آتاه الله إياه يوم القيامة في ميزان غيره قد ورثه فعمل فيه بالحق وكان له أجره وعلى الآخر وزره ومن الحسرات أن يرى الرجل عبده الذي خوله الله إياه جل وعز في الدنيا أقرب منزلة من الله جل وعز أو يرى رجلا يعرفه أعمى في الدنيا قد أبصر يوم القيامة وعمي هو ( وإن كنت لمن الساخرين ) قال أبو إسحاق أي ما كنت إلا من المستهزئين
57
قيل معناه لو هداني إلى النجاة من النار وردني إلى التكليف ( لكنت من المتقين ) المعاصي وقيل لو أن الله هداني في الدنيا فرد عليه فقيل
59 أي قد هديتك بالبينات
58
نصب على جواب التمني فإن شئت كان معطوفا على كرة لأن معناه أن أكون كما قال
( للبس عباءة وتقر عيني ** أحب إلي من لبس الشفوف )
59
بفتح الكاف والنفس مؤنثة لأن المعنى للمذكر وقرأ عاصم الجحدري
____________________
(4/18)
بالكسر على تأنيث النفس والقراءة بالكسر تروى عن النبي صلى الله عليه وسلم
60
مبتدأ وخبره في موضع نصب ويجوز النصب على أن تكون وجوههم بدلا من الذين ( أليس في جهنم مثوى للمتكبرين ) وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم معنى الكبر فقال الكبر سفه الحق وغمس الناس أي احتقارهم وفي حديث عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم يحشر المتكبرون يوم القيامة كهيئة الذر يلحقهم الصغار حتى يؤتى بهم إلى سجن في جهنم
61
هذه قراءة أكثر الناس على التوحيد لأنها مصدر وقرأ الكوفيون ( بمفازاتهم ) وهو جائز كما تقول بسعاداتهم وعن النبي صلى الله عليه وسلم تفسير هذه الآية من حديث أبي هريرة قال يحشر الله جل وعز مع كل امرىء عمله فيكون عمل المؤمن معه في أحسن صورة فكلما كان رعب أو خوف قال له لا ترع فما أنت بالمراد به ولا أنت بالمعني به فإذا كثر ذلك عليه قال له ما أحسنك فمن أنت فيقول أما تعرفني أنا عملك الصالح حملتني على ثقلي فوالله لأحملنك اليوم ولأدفعن عنك فهي التي قال وينجي الله الذين اتقوا بمفازتهم لا يمسهم السوء ولا هم يحزنون
____________________
(4/19)
62 أي هو حافظه والقائم به
63
واحدها مقليد وأكثر ما يستعمل فيه إقليد ( والذين كفروا بآيات الله ) مبتدأ ( أولئك هم ) مبتدأ ثان ( الخاسرون ) خبر الثاني وهم فاصلة ويجوز أن يكون أولئك بدلا من الذين و هم مبتدأ و الخاسرون خبره والجملة خبر الذين
64
غير نصب بأعبد والكسائي يذهب إلى أن التقدير أن أعبد ثم حذف أن فرفع الفعل وهو أحد قولي سيبويه في أعبد هذا وقوله الآخر أن التقدير أفغير الله أعبد فيما تأمروني وهذا قول بين أي أفغير الله أعبد أنتم تأمروني وفي هذا معنى في أمركم والأخفش سعيد يقول تأمرونني ملغى كما تقول قال ذلك زيد بلغني وهذا هو قول سيبويه بعينه فأما أن يكون الشيء يعمل نصبا فإذا حذف كان عمله أقوى فعلم رفعا فبين الخطأ ولو أظهرت أن ههنا لم يجز وكان تفريقا بين الصلة والموصول والأصل تأمرونني أدغمت النون في النون فأما تأمروني بنون واحدة مخففة فإنما يجيء مثله شاذا في الشعر وأبو عمرو بن العلاء رحمه الله يقول لحن وقد أنشد سيبويه في مثله
____________________
(4/20)
( تراه كالثغام يعل مسكا ** يسوء الفاليات إذا فليني ) وسمعت علي بن سليمان يقول كان النحويون من قبل يتعجبون من فصاحة جرير وقوله على البديه إنهم يبدؤني فأما حذف الياء من تأمروني فسهل لأن النون كأنها عوض منها والكسرة دالة عليها
65 قال محمد بن يزيد ليفسدن وذهب إلى أنه من قولهم حبط بطنه يحبط وحبج يحبج إذا فسد من داء بعينه
66
قال أبو جعفر في كتابي عن أبي إسحاق لفظ اسم الله جل وعز منصوب بأعبد قال ولا اختلاف في هذا عند البصريين والكوفيين قال أبو جعفر وقد قال الفراء يكون نصبا بإضمار فعل لأنه أمر فأما الفاء فقال أبو إسحاق إنها للمجازاة وغيره يقول بأنها زائدة
67
قال محمد بن يزيد أي عظموه من قولك فلان عظيم القدر قال أبو
____________________
(4/21)
جعفر فالمعنى على هذا وما عظموا الله حق عظمته إذ عبدوا معه غيره وهو خالق الأشياء ومالكها ( والأرض جميعا قبضته يوم القيامة ) مبتدأ وخبره وأجاز الفراء قبضته بالنصب بمعنى في قبضته قال أبو إسحاق لم يقرأ به وهو خطأ عند البصريين لا يجوز لا يقولون زيد قبضتك ولا المال قبضتك أي في قبضتك قال ولو جاز هذا لجاز زيد دارك أي في دارك ( والسموات مطويات بيمينه ) مبتدأ وخبره وأجاز الكسائي والفراء وأبو إسحاق مطويات بكسر التاء قال أبو إسحاق على الحال
68
وأجاز الكسائي قياما بالنصب كما تقول خرجت فإذا زيد جالسا قال زيد بن أسلم في قوله جل وعز
69 الشهداء الحفظة
71
73
نصب على الحال ( حتى إذا جاءوها فتحت أبوابها ) جواب إذا وفي قصة أهل الجنة و ( وفتحت ) بالواو فالكوفيون يقولون الواو زائدة وهذا خطأ عند البصريين لأنها تفيد معنى وهي العطف ههنا والجواب محذوف قال محمد بن يزيد أي سعدوا وحذف الجواب بليغ في كلام العرب وأنشد
____________________
(4/22)
( فلو أنها نفس تموت سوية ** ولكنها نفس تساقط أنفسا ) فحذف جواب لو والتقدير لكان أروح فأما الحكمة في إثبات الواو في الثاني وحذفها من الأول فقد تكلم فيه بعض أهل العلم يقول لا أعلم أنه سبقه إليه أحد وهو أنه قال لما قال الله جل وعز في أهل النار حتى إذا جاءوها فتحت أبوابها دل بهذا على أنها كانت مغلقة ولما قال في أهل الجنة حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها دل بهذا على أنها كانت مفتحة قبل أن يجيئوها والله جل وعز أعلم
74
قد ذكرنا قول قتادة إنها أرض الجنة وقد قيل إنها أرض الدنيا على التقديم والتأخير
75 قال الأخفش واحدهم حاف وقال الفراء لا يفرد لهم واحد لأن هذا الاسم لا يقع لهم إلا مجتمعين ( وقيل الحمد لله رب العالمين ) أي يقول المؤمنون الحمد لله الذي أثابنا فلله الحمد على ما أثابنا من نعمه وإحسانه ونصرنا على من ظلمنا
____________________
(4/23)
40
1
بإسكان الميم الآخرة لأنها حروف هجاء فحكمها السكون لأنها يوقف عليها وأما قراءة عيسى بن عمر ( حاميم تنزيل ) فمفتوحة لالتقاء الساكنين ويجوز أن يكون في موضع نصب على إضمار فعل ولم ينصرف لأنها اسم المؤنث أو لأنها أعجمية مثل هابيل وقابيل
2 على إضمار مبتدأ و تنزيل في موضع منزل على المجاز ويجوز أن يكون تنزيل رفعا بالابتداء والخبر ( من الله العزيز العليم )
3
قال الفراء جعلتها كالنعت للمعرفة وهي نكرة وقال أبو إسحاق
____________________
(4/25)
هي خفض على البدل قال أبو جعفر وتحقيق الكلام في هذا وتلخيصه أن غافر الذنب وقابل التوب ويجوز أن يكونا معرفتين على أنهما لما مضى فيكونا نعتين ويجوز أن يكونا للمستقبل والحال فيكونا نكرتين ولا يجوز نعتين على هذا ولكن يكون خفضهما على البدل ويجوز النصب على الحال فأما شديد العقاب فهو نكرة فيكون خفضه على البدل و التوب جمع توبة أو مصدر وقال أبو العباس الذي يسبق إلى القلب أن يكون مصدرا أي يقبل هذا الفعل كما تقول قال يقول قولا وإذا كان جمعا فمعناه يقبل التوبات ( ذي الطول ) على البدل لأنه نكرة وعلى النعت لأنه معرفة
4
مجاز أي في دفع آيات الله جل وعز ( فلا يغررك تقلبهم في البلاد ) قال أبو العباس أي تصرفهم كما يقال فلان يتقلب في ماله
5
على تأنيث الجماعة أي كذبت الرسل قال أبو العباس ( ليدحضوا ) ليزيلوا ومنه مكان دحض أي مزلقة
قال
6 وجبت ولزمت لأنه مأخوذ من الحق لأنه اللازم ( أنهم ) قال الأخفش أي لأنهم وبأنهم قال أبو إسحاق ويجوز إنهم بكسر الهمزة ( أصحاب النار ) المعذبون بها
7
اتصل هذا بذكر الكفار لأن المعنى والله أعلم الذين يحملون العرش
____________________
(4/26)
ومن حوله ينزهون الله جل وعز عما يقوله الكفار ( ويستغفرون للذين آمنوا ) وقد غفر لهم لأن الله جل وعز يحب ذلك فهم مطيعون لله جل وعز بذلك ( ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما ) منصوبان على البيان ( فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك ) ولا يجوز إدغام الراء في اللام لأن في الراء تكريرا
8
من في موضع نصب معطوف على الهاء والميم التي في وعدتهم أو على الهاء والميم في أدخلهم
9
سمى العقاب سيئات مجازا لأنه عقاب على السيئات
10
قال الأخفش لمقت هذه لام الابتداء ووقعت بعد ينادون لأن معناه يقال لهم والنداء قول وقال غيره المعنى يقال لهم لمقت الله إياكم في الدنيا إذ تدعون إلى الإيمان فتكفرون أكبر من مقت بعضكم بعضا يوم القيامة لأن بعضهم عادى بعضا ومقته يوم القيامة فأذعنوا عند ذلك وخضعوا وطلبوا الخروج من النار فقالوا
11 و من زائدة للتوكيد
12 في موضع رفع أي الأمر ذلك أي ذلك العذاب
____________________
(4/27)
( بأنه إذا دعي الله وحده كفرتم ) أي لأنه إذا وحد الله كفرتم وأنكرتم وإن أشرك به مشرك صدقتموه وآمنتم به والهاء كناية عن الحديث ( فالحكم لله ) أي لله جل وعز وحده لا لما تعبدونه من الأصنام ( العلي الكبير )
فادعوه أي من أجل ذلك ادعوه
14 على الحال
15
على إضمار مبتدأ قال الأخفش يجوز نصبه على المدح وقرأ الحسن ( لتنذر يوم التلاق ) وهي مخاطبة للنبي صلى الله عليه وسلم وتأول أبو عبيد قراءة من قرأ لينذر بالياء أن المعنى لينذر الله وقال أبو إسحاق الأجود أن يكون للنبي صلى الله عليه وسلم لأنه أقرب وحذفت الياء من التلاق لأنه رأس آية
16 هم في موضع رفع بالابتداء و بارزون خبره والجملة في موضع خفض بالإضافة فلذلك حذفت التنوين من يوم وإنما يكون في هذا عند سيبويه إذا كان الظرف بمعنى إذ تقول لقيتك يوم زيد أمير فإذا كان بمعنى إذا لم يجز نحو أنا ألقاك يوم زيد أمير ( لمن الملك اليوم لله الواحد القهار ) أصح ما قيل فيه ما رواه أبو وائل عن ابن مسعود قال يحشر الناس على أرض بيضاء مثل الفضة لم يعص الله جل وعز عليها فيؤمر مناد أن ينادي لمن الملك اليوم
____________________
(4/28)
فهذا قول بين فأما أن يكون هذا والخلق غير موجودين فبعيد لأنه لا فائدة فيه والقول الأول صحيح عن ابن مسعود وليس هو مما يؤخذ بالقياس ولا بالتأويل والمعنى على قوله فينادي مناد يوم القيامة ليقرر الناس لمن الملك اليوم فيقول العباد مؤمنهم وكافرهم لله الواحد القهار فيقول المؤمنون هذا سرورا وتلذاذا ويقول الكافرون هذا رغما وانقيادا وخضوعا
18
نصبت كاظمين على الحال وهو محمول على المعنى قال أبو إسحاق المعنى إذ قلوب الناس لدى الحناجر في حال كظمهم وأجاز الفراء أن يكون التقدير وأنذرهم كاظمين على أنه خبر القلوب وقال لأن المعنى إذ هم كاظمين وقال الكسائي يجوز رفع كاظمين على الابتداء ( ما للظالمين من حميم ) أي قريب ( ولا شفيع يطاع ) من نعت شفيع أي ولا شفيع يسأل فيجاب
19
قال أبو إسحاق أي من نظر ونيته الخيانة وقال الفراء يعلم خائنة الأعين النظرة الثانية ( وما تخفي الصدور ) النظرة الأولى
20
هو زائدة فاصلة ويجوز أن يكون في موضع رفع بالابتداء وما بعدها خبر عنها والجملة خبر إن
____________________
(4/29)
21
عطف على يسيروا في موضع جزم ويجوز أن يكون في موضع نصب على أنه جواب والجزم والنصب في التثنية والجمع واحد ( كيف كان عاقبة ) اسم كان والخبر في كيف ( واق ) في موضع خفض معطوف على اللفظ ويجوز أن يكون في موضع رفع على الموضع فرفعه وخفضه واحد لأن الياء تحذف وتبقى الكسرة دالة عليها
23
في قوله جل وعز { ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات } وسلطان مبين السلطان الحجة وهو يذكر ويؤنث
24
أسماء أعجمية لا تنصرف وهي معارف فإن نكرتها انصرفت ( فقالوا ساحر كذاب ) مرفوع على إضمار مبتدأ أي هو ساحر
25
جمع ابن على الأصل والأصل فيه بني وقال قتادة هذا القتل الثاني فهذا على قوله أنه معاقبة لهم والقتل الأول كان لأنه قيل لفرعون أنه يولد في بني إسرائيل ولد يكون زوال ملكك على يده فأمر بقتل أبنائهم واستحياء نسائهم ثم كان القتل الثاني عقوبة لهم ليمتنع الناس من الإيمان قال الله جل وعز ( ما كيد الكافرين إلا في ضلال ) أي أنه لا يمتنع الناس من
____________________
(4/30)
الإيمان وإن فعل بهم مثل هذا فكيف يذهب باطلا
26
أقتل جزم لأنه جواب الأمر ( وليدع ) جزم لأنه أمر و ذروني ليس بمجزوم وإن كان أمرا ولكن لفظه لفظ المجزوم وهو مبني وقيل هذا يدل على أنه قيل لفرعون إنا نخاف أن ندعو عليك فيجاب فقال ( وليدع ربه إني أخاف أن يبدل دينكم وأن يظهر في الأرض الفساد ) هذه قراءة المدنيين وأبي عبد الرحمن وابن عامر وأبي عمرو وقراءة الكوفيين ( أو أن يظهر في الأرض الفساد ) وكذا في مصاحف الكوفيين أو بألف وإليه يذهب أبو عبيد قال لأن أو قد تكون بمعنى الواو لأن في ذلك بطلان المعاني ولو جاز أن يكون بمعنى الواو لما احتيج إلى هذا ههنا لأن معنى الواو إني أخاف الأمرين جميعا ومعنى أو لأحد الأمرين أي إني أخاف أن يبدل دينكم فإن أعوزه ذلك أفسد في الأرض
28
في موضع نصب أي لأن يقول ( وإن يك كاذبا فعليه كذبه ) ولو كان يكن جاز ولكن حذفت النون لكثرة الاستعمال على قول سيبويه ولأنها نون الإعراب على قول أبي العباس
29 نصب على الحال وقد ذكرنا ما بعده
____________________
(4/31)
30 يعني به من أهلك والله أعلم
31
على البدل ( وعاد وثمود والذين من بعدهم ) لم ينصرف ثمود لأنه اسم للقبيلة وصرفه جائز على أنه اسم للحي والذين من بعدهم في موضع خفض على النسق
32
وقراءة الضحاك ( يوم التناد ) بالتشديد وقد رويت عن ابن عباس إلا أنها من رواية الكلبي عن أبي صالح قال أبو جعفر يقال ند البعير يند إذا نفر من شيء يراه ثم يستعار ذلك لغير البعير وفي القراءة جمع بين ساكنين إلا أنه جائز
33
على البدل من يوم التناد مدبرين على الحال ( ومن يضلل الله فما له من هاد ) في موضع خفض بمن ومن وما بعدها في موضع رفع ورفع هاد وخفضه واحد
34
من قبل موسى صلى الله عليهما فذكر وهب بن منبه أن فرعون موسى
____________________
(4/32)
هو فرعون يوسف صلى الله عليه وسلم عمر وغيره يقول هو آخر وليس في هذه الآية دليل على أنه هو لأنه إذا أتى بالبينات فهي لمن معه ولمن بعده وقد جاءهم جميعا بها وعليهم أن يصدقوه بها ( كذلك يضل الله من هو مسرف مرتاب )
35
في موضع نصب على البدل من من ويجوز أن يكون في موضع رفع على معنى هم الذين يجادلون في آيات الله أو على الابتداء ( مقتا ) على البيان أي كبر جدالهم مقتا ( كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار ) وقراءة أبي عمرو ( على كل قلب متكبر جبار ) بالتنوين قال أبو جعفر قال أبو إسحاق الإضافة أولى لأن المتكبر هو الإنسان وقد يقال قلب متكبر يراد به الإنسان
37 بدل من الأسباب ( فأطلع ) عطف على ( أبلغ ) آية 36 وقرأ الأعرج ( فأطلع ) بالنصب قال أبو عبيد على الجواب قال أبو جعفر معنى النصب خلاف معنى الرفع لأن معنى النصب متى بلغت الأسباب اطلعت ومعنى الرفع لعلي أبلغ الأسباب ثم لعلي أطلع بعد ذلك إلا أن ثم أشد تراخيا من الفاء ( وكذلك زين لفرعون سوء عمله وصد عن السبيل ) وقراءة الكوفيين ( وصد ) ويجوز على هذه القراءة ( وصد ) تقلب كسرة الدال على الصاد وقراءة ابن أبي إسحاق
____________________
(4/33)
وعبد الرحمن بن أبي بكرة ( وصد عن السبيل )
38
وقراءة معاذ ( أهدكم سبيل الرشاد ) قال أبو جعفر وقد ذكرناه
43
قال أبو إسحاق أي ليس له استجابة دعوة تنفع وقال غيره ليس له دعوة توجب له الألوهة في الدنيا وفي الآخرة
44
45
أي في الآخرة ( وأفوض أمري إلى الله ) قيل هذا يدل على أنهم أرادوا قتله قال الكسائي يقال حاق يحيق حيقا وحيوقا إذا نزل ولزم
46
فيه ستة أوجه تكون النار بدلا من سوء ويكون بمعنى هو النار وتكون بالابتداء وقال الفراء تكون مرفوعة بالعائد فهذه
____________________
(4/34)
أربعة أوجه وأجاز الفراء النصب لأن بعدها عائدا وقبلها ما تتصل به وأجاز الأخفش الخفض على البدل من العذاب واحتج بعض أهل اللغة في تثبيت عذاب القبر بقوله جل وعز ( النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ) قال فهذا في الدنيا وفي الحديث عن ابن مسعود قال أن أرواح آل فرعون ومن كان مثلهم من الكفار يعرضون على النار بالغداة والعشي فيقال هذه داركم وفي حديث صخر بن جويرية عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الكافر إذا مات عرض على النار بالغداة والعشي ثم تلا ( النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ) وإن المؤمن إذا مات عرضت روحه على الجنة بالغداة والعشي قال الفراء في الغداة والعشي أي بمقادير ذلك في الدنيا قال أبو جعفر غدو مصدر جعل ظرفا على السعة ( ويوم تقوم الساعة ) نصبت يوما بقوله ( أدخلوا ) وقراءة الحسن وأبي الحسن وأبي عمرو وعاصم ( ادخلوا آل فرعون أشد العذاب ) تنصب آل فرعون في هذه القراءة على النداء المضاف ومن قرأ أدخلوا آل فرعون نصبهم بوقوع الفعل عليهم وآل فرعون من كان على دينه وعلى مذهبه وإذا كان من كان على دينه وعلى مذهبه في أشد العذاب كان هو أقرب إلى ذلك وروى قتادة عن أبي حسان الأعرج عن ناجية بن كعب عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم إن العبد يولد مؤمنا ويحيا مؤمنا ويموت مؤمنا منهم يحيى
____________________
(4/35)
ابن زكريا صلى الله عليهما وسلم ولد مؤمنا وحيي مؤمنا ومات مؤمنا وإن العبد يولد كافرا ويحيا كافرا ويموت كافرا منهم فرعون ولد كافرا وحيي كافرا ومات كافرا
47
مصدر فلذلك لم يجمع ولو جمع لقيل أتباع
48
قال الأخفش كل مرفوع بالابتداء وأجاز الفراء والكسائي ( إنا كلا فيها ) بالنصب على النعت قال أبو جعفر وهذا من عظيم الخطأ أن ينعت المضمر وأيضا فإن كلا لا تنعت ولا ينعت بها هذا قول سيبويه نصا وأكثر من هذا أنه لا يجوز أن يبدل من المضمر ههنا لأنه مخاطب ولا يبدل من المخاطب ولا المخاطب لأنهما لا يشكلان فيبدل منهما هذا قول محمد بن يزيد نصا ( إن الله قد حكم بين العباد ) أي حكم بينهم ألا يؤاخذ أحدا بذنب غيره
49
الذين في موضع رفع ومن العرب من يقول اللذون على أنه جمع مسلم معرب ومن قال الذين في موضع الرفع بناه كما كان في الواحد مبنيا وقال سعيد الأخفش ضمت النون إلى الذي فأشبه خمسة
____________________
(4/36)
عشر فبنى على الفتح وخزنة جمع خازن ويقال خزان وخزن ( أدعوا ربكم يخفف ) جواب مجزوم وإذا كان بالفاء كان منصوبا إلا أن الأكثر في كلام العرب في الأمر وما أشبهه أن يكون بغير فاء على هذا جاء القرآن بأفصح اللغات كما قال
( قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل ** ) وفي الحديث عن أبي الدرداء قال يلقى على أهل النار الجوع حتى يعدل ما هم فيه من العذاب فيستغيثون منه فيغاثون بالضريع لا يسمن ولا يغني من جوع فيأكلون فلا يغني عنهم شيئا فيستغيثون فيغاثون بطعام ذي غصة فيغصون به فيذكرون أنهم كانوا في الدنيا يجيزون الغصص بالماء فيستغيثون بالشراب فيرفع لهم الحميم بالكلاليب فإذا دنا من وجوههم شواها فإذا وقع في بطونهم قطع أمعاءهم وما في بطونهم فيستغيثون بالملائكة فيقولون ادعوا ربكم يخفف عنا يوما من العذاب فيجيبونهم ( أو لم تك تأتيكم رسلكم بالبينات قالوا بلى قالوا فادعوا وما دعاء الكافرين إلا في ضلال )
50
51
ويجوز حذف الضمة لثقلها فيقال رسلنا ( والذين آمنوا ) في موضع نصب عطفا على الرسل وفي الحديث عن أبي الدرداء وبعض المحدثين
____________________
(4/37)
يقول عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من رد عن عرض أخيه المسلم كان حقا على الله جل وعز أن يرد عنه نار جهنم ثم تلا إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا وروى سهل بن معاذ بن أنس عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من حمى مؤمنا من منافق يغتابه بعث الله جل وعز ملكا يحمي لحمه يوم القيامة من النار ومن ذكر مسلما بشيء ليشينه به وقفه الله جل وعز على جسر جهنم حتى يخرج مما قال ( ويوم يقوم الأشهاد ) قال سفيان الثوري سألت الأعمش عن الأشهاد فقال الملائكة صلى الله عليه وسلم وقال زيد بن أسلم الأشهاد الملائكة والنبيون والمؤمنون والأجساد قال أبو إسحاق الأشهاد جمع شاهد مثل صاحب وأصحاب قال أبو جعفر ليس باب فاعل أن يجمع على أفعال ولا يقاس عليه ولكن ما جاء منه مسموعا أدى كما سمع وكان على حذف الزائد وأجاز الأخفش والفراء ( ويوم تقوم الأشهاد ) بالتاء على تأنيث الجماعة وقرأ أبو عمرو وابن كثير
52 قال بعض أهل اللغة كان الأولى به أن يقرأ ( ويوم تقوم الأشهاد ) لأن الفعل يلي الأسماء وأن يقرأ ( لا ينفع الظالمين ) بالياء لأنه قد حال بين الفعل وبين الاسم قال أبو جعفر هذا لا يلزم لأن الأشهاد واحدهم شاهد مذكر فتذكير الجميع فيهم حسن ومعذرة مؤنثة في اللفظ فتأنيثها حسن
54 في موضع نصب إلا أنه لا يتبين فيه الإعراب لأنه مقصور ( وذكرى ) معطوف عليه ونصبهما على الحال
____________________
(4/38)
55
مصدر جعل ظرفا على السعة والأبكار جمع بكر
56
قال أبو إسحاق المعنى أن الذين يجادلون في دفع آيات الله وقدره مثل ( وسئل القرية ) وقال سعيد بن جبير ( بغير سلطان ) بغير حجة والسلطان يذكر ويؤنث ولو كان بغير سلطان أتتهم لكان جائزا ( أتاهم ) من نعت سلطان وهو في موضع خفض ( إن في صدورهم إلا كبر ما هم ببالغيه ) قال أبو إسحاق المعنى ما في صدورهم إلا كبر ما هم ببالغي إرادتهم فيه فقدره على الحذف وقال غيره المعنى ببالغي الكبر على غير حذف لأن هؤلاء قوم رأوا أنهم أن اتبعوا النبي صلى الله عليه وسلم قل ارتفاعهم ونقصت أحوالهم وأنهم يرتفعون إذا لم يكونوا تبعا فأعلم الله جل وعز أنهم لا يبلغون الارتفاع الذي أملوه بالتكذيب ( فاستعذ بالله ) أي من شرهم
57
مبتدأ وخبره وهذه لام التوكيد وسبيلها أن تكون في أول الكلام لأنها تؤكد الجملة إلا أنها تزحلف عن موضعها كذا قال سيبويه تقول إن عمرا لخارج وإنما أخرت عن موضعها لئلا يجمع بينها وبين إن لأنهما يؤديان عن معنى واحد كذلك لا يجمع بين إن وأن عند البصريين وأجاز
____________________
(4/39)
هشام إن أن زيدا منطلق حق فإن حذفت حقا لم يجز عند أحد من النحويين علمته ومما دخلت اللام في خبره قوله جل وعز بعد هذا
59
60
ادعوني أمر غير معرب ولا مجزوم عند البصريين إلا أن تكون معه اللام وعند الفراء مجزوم على حذف اللام أستجب مجزوم عند الجماعة لأنه بمعنى جواب الشرط وهذه الهمزة مقطوعة لأنها بمنزلة النون في نفعل وسقطت ألف الوصل لأنه قد استغني عنها
61
جعل ههنا بمعنى خلق والعرب تفرق بين جعل إذا كانت بمعنى خلق وبين جعل إذا لم تكن بمعنى خلق فلا تعديها إلا إلى مفعول واحد وإذا لم تكن بمعنى خلق عديتها إلى مفعولين نحو قوله جل وعز { إنا جعلناه قرآنا عربيا } ( والنهار ) عطف عليه ( مبصرا ) على الحال
64
وتروى عن ابن رزين ( فأحسن صوركم ) بكسر الصاد وقد بين هذا سيبويه وذكر أن الكسرة مجاورة للضمة لأن العرب تقول ركبة
____________________
(4/40)
وركبات ويحذفون الضمة فيقولون ركبات وكذلك هند وهندات ويحذفون الكسرة فيقولون هندات فتجاورت الضمة والكسرة فجمعوا فعلة على فعل رشوة ورشى فكذا عند صورة وصور وهذا من أحسن كلام في النحو وأبينه ونظيره أنهم يقولون فخذ وفخذ وعضد وعضد فيحذفون الكسرة والضمة ولا يقولون في جمل جمل فيحذفون الفتحة لخفتها ويقولون سورة وسور ولا يقولون في فعلة مفتوحة اللام إلا فعال نحو جفنة وجفان وفعلة مثل فعلة يقولن فيها فعل ألا ترى إلى تجانس فعلة وفعلة ومباينة فعلة لهما
65
على الحال ( له الدين ) بوقوع الفعل عليه والتقدير قولوا الحمد لله رب العالمين
67
وهذا جمع الكثير ويقال شيوخا وفي العدد القليل أشياخ والأصل أشيخ مثل فلس وأفلس إلا أن الحركة في الياء ثقيلة وقد كان فعل يجمع على أفعال وليست فيه ياء تشبيها بفعل قالوا زند وأزناد فلما استثقلت الحركة في الياء شبهوا فعلا بفعل فقالوا شيخ أشياخ وإن اضطر شاعر جاز أن يقول أشيخ مثل عين أعين إلا أنه حسن في عين لأنها مؤنثة والشيخ من جاوز أربعين سنة ( ومنكم من يتوفى من قبل ) قال مجاهد أي من قبل أن يكون شيخا قال أبو جعفر ولهذا الحذف ضمت
____________________
(4/41)
قبل وقد ذكرنا العلة في اختيارهم الضم لها قال مجاهد ( ولتبلغوا أجلا مسمى ) الموت للكل
71
عطف على الأغلال قال أبو حاتم ( يسحبون ) مستأنف على هذه القراءة وقال غيره هو في موضع نصب على الحال والتقدير إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل مسحوبين وروى أبو الجوزاء عن ابن عباس أنه قرأ ( والسلاسل ) بالنصب ( يسحبون ) والتقدير في قراءته ويسحبون السلاسل قال أبو إسحاق من قرأ ( والسلاسل ) بالخفض فالمعنى عنده وفي السلاسل يسحبون وفي الحميم والسلاسل وهذا في كتاب أبي إسحاق في القرآن كذا والذي يبين لي أنه غلط لأن البين أنه يقدره يسحبون في الحميم والسلاسل تكون السلاسل معطوفة على الحميم وهذا خطأ لا نعلم أحدا يجيز مررت وزيد بعمرو وكذا المخفوض كله وإنما أجازوا ذلك في المرفوع أجازوا قام وزيد عمر وهو بعيد في المنصوب نحو رأيت وزيدا عمرا وفي المخفوض لا يجوز لأن الفعل غير دال عليه
75
____________________
(4/42)
4
أي ذلك العذاب بما كنتم تفرحون بالمعاصي وفي بعض الحديث لو لم يعذب الله جل وعز إلا على فرحنا بالمعاصي واستقامتها لنا فهذا تأويل وقيل أن فرحهم بما عندهم أنهم قالوا للرسل عليهم السلام نحن نعلم أنا لا نبعث ولا نعذب وكذا قال مجاهد في قوله جل وعز ( فلما جاءتهم رسلهم بالبينات فرحوا بما عندهم من العلم ) قال ( بما كنتم تفرحون في الأرض بغير الحق ) أي بما كنتم تأشرون ( وبما كنتم تمرحون ) أي تبطرون
76 في موضع رفع أي قبحت مثوى المتكبرين
77 في موضع جزم بالشرط و ما زائدة للتوكيد وكذا النون وزال الجزم وبني الفعل على الفتح لأنه بمنزلة الشيئين الذي يضم أحدهما إلى الآخر ( أو نتوفينك ) عطف عليه ( فإلينا يرجعون ) الجواب
78 من في موضع رفع بالابتداء وكذا ( ومنهم من لم نقصص عليك )
79
قال أبو إسحاق الأنعام ههنا الإبل ( لتركبوا منها ومنها تأكلون ) فاحتج من منع أكل الخيل وأباح أكمل الجمال بأن الله تعالى قال في الأنعام ( ومنها
____________________
(4/43)
تأكلون ) وقال في الخيل والبغال والحمير { والخيل والبغال والحمير لتركبوها } ولم يذكر إباحة أكلها
81
نصبت أيا بتنكرون لأن الاستفهام يعمل فيه ما بعده ولو كان مع الفعل هاء لكان الاختيار الرفع في أي ولو كان الاستفهام بالألف أو بهل وكان بعدها اسم بعده فعل معه هاء لكان الاختيار النصب
82
خبر كان ولم ينصرف لأنه على أفعل وزعم الكوفيون أن كل ما لا ينصرف يجوز أن ينصرف إلا أفعل من كذا لا يجوز صرفه بوجه في شعر ولا غيره إذا كانت معه من قال أبو العباس ولو كانت من المانعة لصرفه لوجب أن لا تقول مررت بخير منك وشر من عمرو وكيف يجوز صرف ما لا ينصرف وفيه العلل المانعة من الصرف وإذا كان ينصرف فما معنى قولنا لا ينصرف لعلة كذا
83
في معناه ثلاثة أقوال قول مجاهد إن الكفار الذين فرحوا بما عندهم
____________________
(4/44)
من العلم وقالوا نحن أعلم منهم لن نعذب ولن نبعث وقيل فرح الكفار بما عندهم من علم الدنيا نحو ( يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا ) وقيل الذين فرحوا الرسل لما كذبهم قومهم أعلمهم الله جل وعز أنه مهلك الكافرين ومنجيهم والمؤمنين ففرحوا بما عندهم من العلم بنجاء المؤمنين وحاق بالكفار ما كانوا يستهزئون أي عقاب استهزائهم بما جاءت به الرسل
84 مصدر
85 مصدر أي سن الله عز وجل في الكافرين أنه لا ينفعهم الإيمان إذا رأوا العذاب ( وخسر هنالك الكافرون ) قال أبو إسحاق وقد كانوا خاسرين قبل ذلك إلا أنه تبين لهم الخسران لما رأوا العذاب
____________________
(4/45)
41
1
2
قال أبو إسحاق ( تنزيل ) رفع بالابتداء وخبره
3 قال وهذا قول البصريين قال الفراء يجوز أن يكون رفعه على إضمار هذا ( قرآنا عربيا ) قال الكسائي والفراء يكون منصوبا بالفعل أي فصلت كذلك قال ويجوز أن يكون منصوبا على القطع وقال أبو إسحاق يكون منصوبا على الحال أي فصلت آياته في حال جمعه وقول آخر يكون منصوبا على المدح أي أعني قرآنا عربيا
4
قال الكسائي والفراء ويجوز قرآن عربي بالرفع يجعلانه نعتا لكتاب قالا مثل { وهذا كتاب أنزلناه مبارك } وقال غيرهما دل قوله
____________________
(4/47)
جل وعز ( قرآنا عربيا ) على أنه لا يجوز أن يقال فيه شيء بالسريانية والنبطية ودل أيضا على أنه يجب أن يطلب معانيه وغريبه من لغة العرب وكلامها ودل أيضا على بطلان قول من زعم أن ثم معنيين معنى ظاهرا ومعنى باطنا لا يعرفه العرب في كلامها ( لقوم يعلمون ) فدل بهذا على أنه إنما يخاطب العقلاء البالغين وإن من أشكل عليه شيء من القرآن فيجب أن يسأل من يعلم ( فأعرض أكثرهم فهم لا يسمعون ) في معناه قولان أحدهما لا يقبلون وكلهم كذا إلا من آمن والآخر يجتنبون سماع القرآن
5
جمع كنان أي عليها حاجز لا يصل إليها ما يقوله وكذا ( وفي آذاننا وقر ) أي صمم والوقر الحمل ( ومن بيننا وبينك حجاب ) قال أبو إسحاق أي حاجز لا يجامعك على شيء مما تقوله ( فاعمل إننا عاملون ) على الأصل ومن قال إنا حذف النون تخفيفا
6 في موضع رفع على أنه اسم ما لم يسم فاعله
7 في موضع خفض نعت للمشركين ( لا يؤتون الزكوة ) في معناه أقوال فمن أصح ما روي فيه وأحسنه استقامة إسناد ما رواه عبيد الله عن نافع عن ابن عمر قال التوحيد لله جل وعز وروى الحكم بن أبان عن عكرمة ( لا يؤتون الزكوة ) قال لا يقولون لا إله إلا الله وقال الربيع ابن أنس لا يزكون أعمالهم فينتفعون بها وروى إسماعيل بن مسلم عن
____________________
(4/48)
الحسن ( الذين لا يؤتون الزكوة ) قال عظم الله جل وعز شأن الزكاة فذكرها فالمسلمون يزكون والكفار لا يزكون والمسلمون يصلون والكفار لا يصلون
8
قال محمد بن يزيد في معناه قولان يكون ( غير ممنون ) غير مقطوع من قولهم مننت الحبل أي قطعته وقد منه السفر أي قطعه ويكون معناه لا يمن عليهم
9
قال عبد الله بن سلام وكعب هما يوم الأحد ويوم الإثنين وقال مجاهد كل يوم بألف سنة مما تعدون وقال غيره لو أراد عز وجل أن يخلقها في وقت واحد لفعل ولكنه أراد ما فيه الصلاح ليتبين ملائكته أثر صنعته شيئا بعد شيء فيزداد في بصائرها الأصل أإنكم فإن خففت الهمزة الثانية جعلتها بين بين وكتابه بألفين لا غير لأن الهمزة الثانية مبتدأ والمبتدأة لا تكون إلا ألفا ودخلت عليها ألف الاستفهام فقولك أانكم كقولك هل إنكم وأم إنكم لا تكتب إلا بألف ( وتجعلون له أندادا ) قال الضحاك تتخذون معه أربابا وآلهة قال أبو جعفر واحد الأنداد ند وهو المثل أي تجعلون له أمثالا لاستحقاق العبادة ( ذلك رب العالمين ) أي ذلك الذي خلق الأرض في يومين والذي جعلتم له أندادا رب العالمين قال
____________________
(4/49)
الضحاك العالمون الجن والإنس والملائكة وهذا من أحسن ما قيل في معناه لأن سبيل ما يجمع بالواو والنون والياء والنون أن يكون لما يعقل فهذا للملائكة والإنس والجن
10
قال كعب مادت الأرض فخلق الله فيها الجبال يوم الثلاثاء وخلق الرياح والماء الملح وخلق من الملح العذب وخلق الوحش والطير والهوام وغير ذلك يوم الأربعاء قال أبو جعفر واحد الرواسي راسية ويقال واحد الرواسي راس وقيل للجبال رواس لثباتها على الأرض ( وبارك فيها ) أي زاد فيها من صنوف ما خلق من الأرزاق وثبتها فيها والبركة الخير الثابت ( وقدر فيها أقواتها ) قال عكرمة جعل في كل بلد ما يقوم به معيشة أهله فالسابري بسابور والهروي بهراة والقراطيس بمصر ( في أربعة أيام ) قال محمد بن يزيد أي ذا وذاك في أربعة أيام وقال أبو إسحاق أي في تمام أربعة أيام ( سواء ) مصدر عند سيبويه أي استوت استواء قال سيبويه وقد قريء ( سواء للسائلين ) جعل سواء في موضع مستويات كما تقول في أربعة أيام تمام أي تامة ومثله رجل عدل أي عادل وسواء من نعت أيام وإن شئت من نعت أربعة والقراءة بالخفض مروية عن الحسن وبالرفع عن أبي جعفر أي هي سواء ( للسائلين ) فيه
____________________
(4/50)
قولان قال الضحاك أي لمن سأل عن خلق هذا في كم كان هذا والقول الآخر وقدر فيها أقواتها للسائلين أي لجميع الخلق لأنهم يسألون القوت
11
قالوا في يوم الخميس ( فقال لها وللأرض أئتيا طوعا أو كرها ) وعن سعيد بن جبير أنه قرأ ( ائتيا طوعا أو كرها ) أي أعطيا الطاعة وقرأ ( قالتا أتينا طائعين ) ولم يقل طائعات ففي هذا ثلاثة أجوبة للكسائي قال يكون أتينا بمن فينا طائعين يكون لما خبر عنهن بالإتيان أجرى عليهن ما يجري على من يعقل من الذكور والجواب الثالث أنه رأس آية
12
على قول من أنث السماء ومن ذكر قال سبعة سموات فأما قول بعض أهل اللغة أنه ما جمع بالتاء فهو بغير هاء وإن كان الواحد مذكرا وحكى أخذت منه أربع سجلات بغير هاء فخطأ لا يعرفه أهل الإتقان من أهل العربية وقد حكوا هذه أربعة حمامات لأن الواحد حمام مذكر هكذا قال الأخفش سعيد ( وأوحى في كل سماء أمرها ) قيل أمرها ملائكتها وقيل ما صنع فيها وعن حذيفة ما يدل على الجوابين قال وأوحى في كل سماء أمرها قال للسماء الدنيا كوني زمردة خضراء وجعل فيها ملائكة
____________________
(4/51)
يسبحون ( وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا ) قال الأخفش أي وحفظناها حفظا
13
وقرأ أبو عبد الرحمن والنخعي ( صعقة مثل صعقة ) ولم تأتهم الصاعقة لأنهم لم يعرضوا كلهم وأعرضوا للكل وكل من خوطب بهذا أسلم إلا من قتل منهم وقراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم على عتبة بن الوليد كما قرىء على أحمد بن الحجاج عن يحيى بن سليمان قال حدثنا محمد بن فضيل قال حدثنا الأجلح بن عبد الله عن الذيال بن حرملة عن جابر بن عبد الله قال قال أبو جهل يوما والملأ من قريش إنه قد التبس علينا أمر محمد فلو التمستم رجلا عالما بالسحر والكهانة والشعر فأتاه فكلمه ثم أتانا ببيان من أمره فقال عتبة بن ربيعة والله لقد سمعت السحر والكهانة والشعر وعلمت من ذلك علما وما يخفى علي إن كان كذلك فأتاه عتبة فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه فقال له عتبة يا محمد أأنت خير أم هاشم أأنت خير أم عبد المطلب أأنت خير أم عبد الله لم يأتوا بمثل ما أتيت به فبم تشتم آلهتنا وتضلل آباءنا فإن كنت إنما بك الرئاسة عقدنا لك اللواء بيننا بالرئاسة فكنت ما بقيت وإن كان بك الباءة زوجناك عشر نسوة تختارهن من أي بنات قريش شئت وإن كان بك المال جمعنا لك من أموالنا ما تستغني به أنت وعقبك من بعدك ورسول الله صلى الله عليه وسلم ساكت لا يتكلم فلما فرغ عتبة من كلامه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( بسم الله الرحمن الرحيم حم تنزيل من الرحمن الرحيم كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا )
____________________
(4/52)
ثم قرأ إلى قوله ( فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود ) فأمسك عتبة على فيه وناشده الرحم أن يكف ثم رجع إلى أهله ولم يخرج إلى قريش فاحتبس عنهم فقال أبو جهل يا معشر قريش والله ما نرى عتبة إلا قد صبأ إلى محمد وأعجبه طعامه وما ذاك إلا من حاجة أصابته فانطلقوا بنا إليه فأتوا عتبة فخرج إليهم فقال له أبو جهل والله يا عتبة ما نظنك إلا قد صبأت إلى محمد وأعجبك أمره وما نرى ذلك إلا من حاجة أصابتك فإن كانت بك حاجة جمعنا لك من أموالنا ما يغنيك عن طعام محمد فغضب عتبة وأقسم ألا يكلم محمدا أبدا وقال لهم لقد علمتم أني من أكثر قريش مالا ولكني أتيته فقص عليهم ما قال له وما قال لرسول الله ثم قال جاءني والله بشيء ما هو بسحر ولا كهانة قرأ علي ( بسم الله الرحمن الرحيم حم تنزيل من الرحمن الرحيم كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا ) إلى قوله ( فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود ) فأمسكت على فيه وناشدته الرحم أن يكف وقد علمتم أن محمدا إذا قال شيئا لم يكذب فخفت أن ينزل بكم العذاب فناشدته الرحم أن يكف قال الضحاك ( صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود ) أي عذابا وقال محمد بن يزيد الصاعقة معناها في كلام العرب المبيدة المهلكة المخمدة فربما استعملت للإخماد من غير إهلاك ومنه سمي الصعق بن حرب لأنه ضرب ضربة فخمد ثم أفاق
14
____________________
(4/53)
في معناه ثلاثة أقوال مذهب الضحاك أن الرسل الذين بين أيديهم من قبلهم والذين من خلفهم الذين بحضرتهم قال أبو جعفر فيكون الضمير الذي في خلفهم يعود على الرسل هذا قول وهو مذهب الفراء وقيل من بين أيديهم الذين بحضرتهم ومن خلفهم الذين من قبلهم وقيل هما على التكثير أي جاءتهم الرسل من كل مكان بشيء واحد وهو ألا يعبدوا إلا الله
قرأ أبو عمرو ونافع
16 بإسكان الحاء وأكثر القراء بكسرها فيقول ( نحسات ) واحتج أبو عمرو في التسكين على إجماعهم بتسكين الحاء في قولهم نحس وفي قوله جل وعز { في يوم نحس مستمر } ورد عليه أبو عبيد هذا الاحتجاج لأن معنى ( في يوم نحس ) في يوم شؤم وأن معنى ( في أيام نحسات ) في أيام مشؤومات والقول كما قال أبو عبيد روى جويبر عن الضحاك في أيام نحسات قال مشؤومات عليهم ويحتمل قراءة من قرأ ( في أيام نحسات ) بإسكان الحاء أن يكون الأصل عنده نحسات ثم حذف الكسرة فيكون كمعنى نحسات ويحمل أن يكون وصفها بما هو فيها مجازا واتساعا
17
رفعت ثمود بالابتداء ولم تصرفه على أنه اسم للقبيلة والمعروف من
____________________
(4/54)
قراءة الأعمش ( وأما ثمود ) بالصرف على أنه اسم للحي إلا أن أبو حاتم روى عن أبي زيد عن المفضل عن الأعمش وعاصم أنهما قرآ ( وأما ثمودا ) بالنصب وهذه القراءة معروفة عن عبد الله بن أبي إسحاق والنصب بإضمار فعل على قول يونس قال زيدا ضربته وذلك بعيد عند سيبويه وعلى ذلك أنشد
( فأما تميم تميم بن مر ** فألفاهم القوم روبى نياما )
قال الضحاك ( وأما ثمود فهديناهم ) أخرجنا لهم الناقة تبيانا وتصديقا لصالح صلى الله عليه وسلم ( فاستحبوا العمى على الهدى ) قال أي استحبوا الكفر على الإيمان
19
هذه قراءة نافع وأما سائر القراء أبو عمرو وأبو جعفر والأعمش وعاصم وحمزة والكسائي فقرءوا ( ويوم يحشر أعداء الله ) على ما لم يسم فاعله وهذا اختيار أبي عبيد وعارض نافعا في قراءته منكرا فقال بعده ( فهم يوزعون ) ولم يقل نزعهم أي يحشر أولى قال أبو جعفر وهذه المعارضة لا تلزم والقراءتان حسنتان والمعنى فيهما واحد غير أن قائلا لو قال قراءة نافع أولى بما عليها من الشواهد لأنه قد أجمع القراء على النون في
____________________
(4/55)
قوله جل وعز { يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا ونسوق المجرمين إلى جهنم وردا } ومن الدليل على أن معارضته لا تلزم قول الله جل وعز { وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا } ولم يقل وحشروا وبعده ( وعرضوا ) لما لم يسم فاعله فهذا مثل قراءة نافع ( ويوم نحشر أعداء الله إلى النار فهم يوزعون ) والإمالة في قوله جل وعز ( إلى النار ) حسنة لأن الراء مكسورة وكسرتها بمنزلة كسرتين لأن فيها تكريرا هذا قول الخليل وسيبويه فحسن معها إمالة الألف للمجانسة فأما قول من يقول تمال الراء وتمال الدال فلا تخلو من إحدى جهتين من الخطأ والتساهل لأن الإمالة إنما تقع على الألف لأنها حرف هوائي فيتهيأ فيه ما لا يتهيأ في غيره ويقال وزعته أزعه والأصل أوزعه فحذفت الواو وفتحت لأن فيه حرفا من حروف الحلق قال الضحاك يوزعون يدفعون وقال مجاهد وأبو رزين يوزعون يحبس أولهم على آخرهم
ويروى عن ابن عباس يوزعون قال يحبس أولهم على آخرهم حتى يتتاموا فيرمى بهم في النار قال أبو جعفر والدليل على هذا الجواب أن بعده
20 وهذا من معجز القرآن لأن فيه حذفا واختصارا قد دل عليه المعنى والمعنى حتى إذا جاءوا النار وصاروا بحضرتها سئلوا عن كفرهم ومعاصيهم فأنكروها
____________________
(4/56)
بعد أن شهد عليهم النبيون والمؤمنون ( شهد عليهم سمعهم وأبصارهم بما كانوا يعملون ) قال الفراء الجلد ههنا الذكر كنى الله عز وجل عنه كما كنى في قوله جل وعز { ولكن لا تواعدوهن سرا } أي نكاحا وقال غيره هي جلودهم بعينها جعل الله عز وجل فيها ما ينطق فشهدت عليهم قال جل وعز
22 أي ما كنتم تقدرون على أن تستروا معاصيكم عن سمعكم وأبصاركم وجلودكم لأنكم بهن تعملون المعاصي و أن في موضع نصب أي من أن
23
ابتداء وخبر ويجوز أن يكون ظنكم بدلا من ذلكم و ( أردأكم ) خبر كم وعلى الجواب الأول أرداكم خبر ثان فأما قول الفراء يكون أرداكم في موضع نصب مثل هذا زيد قائما فغلط لأن الفعل الماضي لا يكون حالا قال أبو العباس أرداكم من الردى وهو الهلاك
24
في موضع جزم بالشرط وجوابه الجملة الفاء وما بعدها وكذا ( وإن يستعتبوا )
____________________
(4/57)
25
عن ابن عباس أن القرناء الشياطين وهي آية مشكلة فمن الناس من يقول معنى هذا التحلية للمحنة وقيل قيضنا لهم قرناء من الشياطين في النار ( فزينوا لهم ) أعمالهم في الدنيا فإن قيل فكيف يصح هذا والفاء تدل على أن الثاني بعد الأول قيل يكون المعنى قدرنا عليهم هذا وحكمنا به ومن أحسن ما قيل في الآية أن المعنى أحوجناهم إلى الإقرار والاقتران فأحوجنا الغني إلى الفقير ليستعين به وأحوجنا الفقير إلى الغني لينال منه وكذا الزوجان كل واحد منهما محتاج إلى صاحبه فهذا معنى الاقتران وحاجة بعضهم إلى بعض قيض الله جل وعز لهم ذلك ليتعاونوا على طاعته فزين بعضهم لبعض المعاصي قال جل وعز ( فزينوا لهم ما بين أيديهم وما خلفهم ) فيه أقوال يروى عن ابن عباس ( ما بين أيديهم ) التكذيب بالآخرة والبعث والجنة والنار ( وما خلفهم ) الترغيب في الدنيا والتسويف بالمعاصي وقيل ( زينوا لهم ما بين أيديهم ) أي ما تقدمهم من المعاصي ( وما خلفهم ) ما يعمل بعدهم أو بحضرتهم وقيل ( ما بين أيديهم ) ما هم فيه ( وما خلفهم ) ما عزموا أن يعملوه وهذا من أبينها ( وحق عليهم القول ) وهو أن الله جل وعز يعذب من عمل مثل عملهم ( في أمم قد خلت من قبلهم ) أي هم داخلون في أمم قد حق عليهم هذا القول فهذا قول بين وقد قيل في بمعنى مع كما قال
( وهل ينعمن من كان آخر عهده ** ثلاثين شهرا في ثلاثة أحوال )
____________________
(4/58)
26
وهذا من لغي يلغى وهي اللغة الفصيحة ويقال لغى يلغى لأن فيه حرفا من حروف الحلق ولغا يلغو وعلى هذه اللغة قرأ ابن أبي إسحاق وعيسى ( والغوا فيه ) بضم الغين قال محمد بن يزيد اللغو في كلام العرب ما كان على غير وجهه ومنه { وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه } إنما هو ما يصد عن الخير ويدعو إلى الشر أي هو مما ينبغي أن يطرح ولا يعرج عليه كما أن اللغو في الكلام ما لا يفيد معنى ويروى عن عبد الله بن عباس في معنى ( والغوا فيه ) أن أبا جهل هو الذي قال هذا قال فإذا رأيتم محمدا يصلي فصيحوا في وجهه وشدوا أصواتكم بما لا يفهم حتى لا يدري ما يقول ويروى أنهم إنما فعلوا هذا لما أعجزهم القرآن ورأوا من تدبره آمن به لإعجازه بفصاحته وكثرة معانيه وحسنه ونظمه ورصفه فقالوا إذا سمعتموه يقرأ فخلطوا عليه القراءة بالهزء وما لا يحصل وذلك اللغو لعلكم تغلبونه
28
قال أبو إسحاق النار بدل من جزاء قال ويجوز أن يكون رفعها بإضمار مبتدأ أيضا تبيينا عن الجزاء
30
____________________
(4/59)
ويجوز في غير القرآن حذف إحدى التاءين ولا يجوز الإدغام للبعد و أن في موضع نصب أي بأن لا تخافوا ولا تحزنوا ويروى عن ابن عباس أن هذا في يوم القيامة قال زيد بن أسلم هذا عند الموت قال والبشارة في ثلاثة مواطن عند الموت وفي القبر وعند البعث
31
أي نحوطكم ونحفظكم بأمر الله عز وجل وفي الآخرة نطامنكم ونرشدكم ( ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون ) قال عكرمة عن ابن عباس قال إذا أراد أحدهم الشيء واشتهاه في نفسه وجده حيث تناله يده
32 قال الأخفش هو منصوب من جهتين إحداهما أن يكون مصدرا أي أنزلهم الله ذاك نزلا والأخرى أن يكون في موضع الحال أي منزلين نزلا
33 منصوب على البيان وقد ذكرنا فيه أقوالا فمن أجمعها ما قاله الضحاك قال هو النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ومن اتبعهم إلى يوم القيامة إلا أن الحديث عن عائشة رضي الله عنها فيه توقيف أن هذه الآية نزلت في المؤذنين وهي لا تقول إلا ما تعلم أنه كما قالت لأن مثل هذا لا يؤخذ بالتأويل إذا قيل نزل في كذا كما قرىء على أبي بكر محمد بن جعفر بن حفص عن يوسف القطان عن وكيع قال حدثنا عبيد الله بن الوليد عن محمد بن نافع عن عائشة قالت نزلت في المؤذنين يعني قوله
____________________
(4/60)
تعالى ( ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله ) وقرىء على أحمد بن محمد الحجاج عن يحيى بن سليمان عن وكيع قال حدثنا عبيد الله بن الوليد الوصافي عن عبد الله بن عبيد بن عمير الليثي ومحمد بن نافع عن عائشة في هذه الآية قالت نزلت في المؤذنين ( ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين ) قال يحيى بن سليمان وحدثنا حفص بن عمر قال حدثنا الحكم بن أبان عن عكرمة يرفعه قال أول من يقضى له بالرحمة يوم القيامة المؤذنون وأول المؤذنين مؤذنو مكة قال والمؤذنون أطول الناس أعناقا يوم القيامة والمؤذنون إذا خرجوا من قبورهم أذنوا فنادوا بالأذان والمؤذنون لا يدودون في قبورهم قال عكرمة وقال عمر بن الخطاب رحمه الله قال ما أبالي لو كنت مؤذنا أن لا أحج ولا أعتمر ولا أجاهد في سبيل الله عز وجل قال وقالت الملائكة عليهم السلام لو كنا نزولا في الأرض ما سقنا إلى الأذان أحد وبإسناده عن عكرمة في قوله جل وعز ( ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله ) يعني المؤذنين ( وعمل صالحا ) قال صلى وصام قال يحيى بن سليمان وحدثنا جرير عن فضيل بن أبي رفيدة قال قال لي عاصم بن هبيرة وكان من أصحاب ابن مسعود وكنت مؤذنا إذا فرغت من الأذان وقلت لا إله إلا الله فقل وأنا من المسلمين ثم قرأ هذه الآية ( ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين ) إنني على الأصل ومن قال إني حذف لاجتماع النونات والتقدير عند جماعة من أهل العربية وقال إنني مسلم من المسلمين وكذا قال هشام في ( وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين )
____________________
(4/61)
أي ناصح من الناصحين وقال بعض أهل النظر دل هذا من قوله جل وعز أنه حسن أن يقول أنا مسلم بلا استثناء أي قد استسلمت لله جل وعز وقبلت أمره فحكم لي بأني مسلم
34
قال عطاء الحسنة لا إله إلا الله والسيئة الشرك ( ادفع بالتي هي أحسن ) أي بالحال التي هي أحسن ( كأنه ولي حميم ) قال أبو زيد الحميم عند العرب القريب وقال محمد بن يزيد الحميم الخاص ومنه قول العرب عنده الخاصة والعامة
35 الكناية عن الحال وعن هذه الكلمة
36
في موضع جزم بالشرط ودخلت النون توكيدا وقد ذكرنا
37 وعلى أي شيء يعود الضمير
قال محمد بن يزيد
38 يملون وأنشد بيت زهير
( ومن لا يزل يستحمل الناس أمره ** ولا يعفها يوما من الدهر يسأم )
____________________
(4/62)
أي يمل
39
أن في موضع رفع بالابتداء عند سيبويه وإن كان لا يجيز أن يكون أن في أول الكلام ولكن لما كان قبلها شيء صلح الابتداء بها والرفع عند المازني بإضمار فعل فيما لا يجوز أن يبتدأ به كما تقول كيف زيد والتقدير عنده كيف استقر زيد خاشعة منصوبة على الحال ( فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت ) من ربا يربو فحذفت الألف لسكونها وسكون التاء بعدها ويقال في تثنية ربا ربوان كذا قال سيبويه نصا والكوفيون يقولون ربيان بالياء ويكتبون ربا بالياء قال أبو جعفر وسمعت أبا إسحاق يقول ليس يكفيهم أن يغلطوا في الخط حتى يتجاوزوا ذلك إلى التثنية قال أبو جعفر والقرآن يدل على ما قال البصريون قال الله جل وعز { وما آتيتم من ربا ليربو في أموال الناس } وقراءة أبي جعفر ( اهتزت وربأت ) وهو مأخوذ من الربيئة يقال ربأ يربأ فهو رابىء وربؤ يربؤ فهو ربيء وربيئة على المبالغة إذا ارتفع إلى موضع عال يرقب فمعنى وربأت ارتفعت ( إن الذي أحياها لمحيي الموتى ) حذفت الضمة من الياء لثقلها ثم حذفت الياء لالتقاء الساكنين
40 من ألحد وهي بالألف أكثر وأشهر
41
____________________
(4/63)
في خبر إن ههنا أقوال فمن مذاهب الكسائي أنه قد يقدم قبلها ما يدل على الخبر من قوله جل وعز ( أفمن يلقى في النار خير ) وغيره وقيل الخبر ( أولئك ينادون من مكان بعيد ) وقيل المعنى أن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم قد كفروا بمعجز ودل على هذا أن بعده ( وإنه لكتاب عزيز ) وهذا مذهب الفراء على معنى قوله وقيل الخبر محذوف فمعناه أهلكوا
42
مذهب الضحاك وسعيد بن جبير أن معناه لا يأتيه كتاب من قبله فيبطله ولا من بعده قال أبو جعفر والتقدير على هذا لا يأتيه الأمر بالباطل من هاتين الجهتين أو لا يأتيه البطول ويكون فاعل بمعنى المصدر مثل عافاه الله جل وعز عافية وقيل الباطل ههنا الشيطان وقد ذكرنا هذا القول ( تنزيل ) نعت لكتاب أو بإضمار مبتدأ
43
قال أبو صالح أي من الأذى
44
جعلنا ههنا متعدية إلى مفعولين وقد ذكرنا هذه الآية ( قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء ) هدى في موضع رفع على أنه خبر هو وشفاء معطوف
____________________
(4/64)
عليه ( والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى ) حدثنا محمد بن الوليد عن علي بن عبد العزيز عن أبي عبيد عن حجاج عن شعبة عن موسى ابن أبي عائشة عن سليمان بن قتة عن ابن عباس رحمه الله ومعاوية وعمرو بن العاص رحمهم الله أنهم قرءوا ( وهو عليهم عم ) وقرىء على إبراهيم بن موسى عن إسماعيل بن أبي إسحاق قال حدثنا علي بن عبد الله قال حدثنا سفيان بن عيينة قال سمعت عمرو بن دينار يحدث عن ابن عباس أنه قرأ ( وهو عليهم عم ) هذه القراءة مخالفة للمصحف فإن قال قائل الإسناد صحيح قيل له الإجماع أولى على أن الإسناد فيه شيء وذلك أن عمرو بن دينار لم يقل سمعت ابن عباس فيخاف أن يكون مرسلا وسليمان بن قتة ليس بنظير عمرو بن دينار على أن يعقوب القارىء على محله من الضبط قد قال في هذا الحديث ما أدري أقرءوا ( وهو عليهم عم ) أو ( وهو عليهم عمي ) على أنه فعل ماض ومع إجماع الجمع سوى من ذكرناه والذي في المصحف أن المعنى بعمى أشبه لأنه قال جل وعز ( قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء ) فالأشبه بهذا أعمى ( والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر ) الذين في موضع رفع بالابتداء وخبره في الجملة ومن العرب من يقول اللذون في موضع الرفع والذين أكثر وقد ذكرنا العلة فيه ( أولئك ) في موضع رفع بالابتداء والجملة خبره ( ينادون من مكان بعيد ) على التمثيل أي لا يتفهمون ما يقال لهم والعرب تقول لمن يتفهم هو يخاطب من قريب قال مجاهد ( من مكان بعيد ) أي بعيد من قلوبهم
45
____________________
(4/65)
مفعولان ( فاختلف فيه ولولا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم ) كلمة مرفوعة بالابتداء عند سيبويه والخبر محذوف لا يظهر وبعض الكوفيين يقول لولا من الحروف الرافعة فأما معنى كلمة فقيل أنها تأخير عقوبتهم إلى يوم القيامة وترك أخذهم على المعصية لما علم الله عز وجل في ذلك من الصلاح لأنهم لو أخذوا بمعاصيهم في وقت العصيان لانتهوا ولم يكونوا مثابين ولا ممتحنين على ذلك وفي الحديث المسند لولا أنكم تذنبون لأتى الله بقوم يذنبون فيغفر لهم أي أنتم تمتحنون وتؤخر عقوبتكم لتتوبوا
46 شرط وجوابه الفاء وما بعدها
47
هذه قراءة أهل المدينة وقراءة أهل الكوفة ( من ثمرة ) وهو اختيار أبي عبيد لأن ثمرة تؤدي عن ثمرات هذا احتجاجه فحمل ذلك على المجاز والحقيقة أولى وأمضى فإنه في المصاحف بالتاء فالقراءة بثمرات أولى ( من أكمامها ) قال محمد بن يزيد وهو ما يغطيها قال والواحد كم ومن قال في الجمع أكمة قال في الواحد كمام ( ويوم
____________________
(4/66)
يناديهم أين شركائي ) أي على قولكم ( قالوا آذناك ) قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس آذناك يقول أعلمناك ( ما منا من شهيد ) من زائدة للتوكيد أي ما منا شاهد يشهد أن معك إلها
48
قال الأخفش ظنوا استيقنوا قال و ما حرف فلذلك لا تعمل فيه ظنوا فلذلك ألغي قال أبو عبيدة حاص يحيص إذا حاد وقال غيره المحيص المذهب الذي ترجى فيه النجاة
52
في الكلام حذف أي إن كان من عند الله ثم كفرتم به أمصيبون أنتم في ذلك
53
في معناه ثلاثة أقوال منها سنريهم ما خبرهم به النبي صلى الله عليه وسلم أنه سيكون من فتن وفساد وغلبة الروم وفارس وغير ذلك من أخباره حتى يتبين لهم أن كل ما أخبر به هو الحق فذا قول وقيل المعنى سنريهم آثار صنعتنا في الآفاق الدالة على أن لها صانعا حكيما ( وفي أنفسهم ) من أنهم كانوا نطفا ثم علقا ثم مضغا إلى أن بلغوا وعقلوا وميزوا حتى يتبين لهم أن الله هو الحق لا ما يعبدونه من دونه والقول الثالث رواه الثوري عن عمرو بن قيس عن المنهال وبعض المحدثين يقول عن المنهال عن سعيد بن جبير أو غيره في
____________________
(4/67)
قول الله جل وعز ( سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم ) قال ظهور النبي صلى الله عليه وسلم على الناس وفي أنفسهم قال ظهوره عليهم قال أبو جعفر وأولى هذه الأقوال بالصواب ونسق الكلام يدل عليه والقول الأول لا يصح لأنه لم يتقدم للأخبار ذكر فيكنى عنها أعني ( أنه الحق ) وفي المضمر ثلاثة أقوال سوى من قال أنه للخبر أحدها أن يكون يعود على اسم الله جل وعز والثاني أن يكون يعود على القرآن فقد تقدم ذكره في قوله جل وعز ( قل أرأيتم إن كان من عند الله ثم كفرتم به ) والثالث أن يعود على النبي صلى الله عليه وسلم وهذا أشبهها بنسق الكلام ( أو لم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد ) فيه ثلاثة أقوال منها أن يكون المعنى أو لم يكف بربك بما دل به من حكمته وخلقه ففي ذلك كفاية والثاني أو لم يكف بربك في معاقبته هؤلاء الكفار المعاندين ففي الله جل وعز كفاية منهم والثالث أن المعنى أو لم يكفك يا محمد ربك أنه شاهد على أعمال هؤلاء عالم بما يخفون فهذا يكفيك وهذا أشبه الأقوال بنسق الآية والله جل وعز أعلم وفي موضع أنه من الإعراب ثلاثة أقوال يجوز أن يكون في موضعها رفعا بمعنى أو لم يكف أنه على كل شيء شهيد على التبدل من ربك على الموضع والموضع موضع رفع بإجماع النحويين ويجوز أن يكون موضعها خفضا على اللفظ ويجوز أن يكون موضعها نصبا بمعنى لأنه على كل شيء شهيد
54
أي هم في شك من لقاء ما وعدوا به من العقاب وألا كلمة تنبيه
____________________
(4/68)
يوكد بها صحة ما بعدها ( ألا إنه بكل شيء محيط ) أي قد أحاط به علما مما يشاهد ويغيب والتقدير محيط بكل شيء جل وعز
قال في الأصل تم الجزء الحادي عشر من أجزاء إعراب القرآن الذي عني بجمعه وتبيينه وشرحه أبو جعفر أحمد بن محمد النحاس رحمه الله والحمد لله رب العالمين
____________________
(4/69)
42
1
2
3
الكاف من كذلك في موضع نصب نعت لمصدر واسم الله عز وجل مرفوع بيوحي وأصح ما قيل في المعنى أنه كوحينا إليك وإلى الذين من قبلك يوحى إليك وأبو عبيدة يجيز أن يجعل ذلك بمعنى هذا ومن قرأ ( يوحى إليك ) جعل الكاف في موضع رفع بالابتداء والجملة الخبر واسم ما لم يسم فاعله مضمر في يوحى واسم الله عز وجل مرفوع بالابتداء أو بإضمار فعل أي يوحيه إليك الله جل وعز ومن قرأ ( نوحي ) بالنون رفع اسم الله جل وعز بالابتداء و العزيز الحكيم خبره ويجوز أن يكون العزيز الحكيم نعتا والخبر
4
5
____________________
(4/71)
أصح ما قيل فيه أن المعنى من أعلاهن وقيل من فوق الأرضين وسمعت علي بن سليمان يقول الضمير للكفار أي يتفطرن من فوق الكفار لكفرهن قال أبو جعفر ولا نعلم أحدا من النحويين أجاز في بني آدم ( رأيتهن ) إلا أن يكون للمؤنث خاصة فهذا يدل على فساد هذا القول وأيضا فلم يتقدم للكفار ذكر يكنى عنهم ( والملائكة يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون لمن في الأرض ) يراد به خاص ولفظه عام أي للمؤمنين ودل عليه ( إن الله هو الغفور الرحيم )
6
رفع بالابتداء ( الله حفيظ عليهم ) مبتدأ وخبره في موضع خبر الذين
7
من في موضع نصب والمعنى لتنذر أهل أم القرى وممن حولها ( وتنذر يوم الجمع ) أي يوم يجمع فيه الناس ( لا ريب فيه فريق ) على الابتداء وأجاز الكسائي والفراء نصب فريق بمعنى وتنذر فريقا في الجنة وفريقا في السعير يوم الجمع
8
أي مؤمنين قيل المعنى لو شاء الله لألجأهم إلى الإيمان فلم يكن لهم ثواب فيه فامتحنهم بأن رفع عنهم الإلجاء ( ولكن يدخل من يشاء في
____________________
(4/72)
رحمته ) وهم المؤمنون ( والظالمون ) مرفوعون بالابتداء وفي موضع آخر { والظالمين أعد لهم عذابا أليما } والفرق بينهما أن ذاك بعده أعد وليس بعد هذا فعل أي لما أضمر لذاك فعل وواعد الظالمين
9 تكون هو زائدة لا موضع لها من الإعراب ويجوز أن تكون اسما مرفوعا بالابتداء و الولي خبرها
10
أي مردود إلى الله إما بنص وإما بدليل
11
يكون مرفوعا بإضمار مبتدأ ويكون نعتا قال الكسائي ويجوز ( فاطر السموات والأرض ) بالنصب على النداء وقال غيره على المدح ويجوز الخفض على البدل من الهاء التي في عليه ( يذرؤكم فيه ) قال شعبة عن منصور يذرؤكم يخلقكم وقال أبو إسحاق يذرؤكم يكثركم وجعل فيه بمعنى به أي يكثركم بأن جعلكم أزواجا وقال علي بن سليمان يذرؤكم ينبتكم من حال إلى حال أي ينبتكم في الجعل قال أبو جعفر وأولى هذه الأقوال بالصواب الذي رواه شعبة عن منصور لأن أهل اللغة المتقدمين منهم أبو زيد وغيره رووا عن العرب ذرأ الله عز وجل الخلق يذرؤهم أي خلقهم وقول أبي إسحاق وأبي الحسن على المجاز والحقيقة
____________________
(4/73)
أولى ولا سيما مع جلالة من قال به وإنه معروف في اللغة ويكون فيه على بابها أولى من أن تجعل بمعنى به وإن كان يقال فلان بمكة فيكون المعنى فالله جعل لكم من أنفسكم أزواجا يخلقكم في الأزواج وذكر على معنى الجمع ويكون التقدير وجعل لكم من الأنعام أزواجا أي ذكرانا وإناثا ( ليس كمثله شيء ) أي لا يقدر أحد على هذا غيره والكاف في ( كمثله ) زائدة للتوكيد لا موضع لها من الإعراب لأنها حرف ولكن موضع ( كمثله ) موضع نصب والتقدير ليس مثله شيء ( وهو السميع البصير )
12
قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس له مقاليد يقول مفاتيح ( إنه بكل شيء عليم ) خبر إن والتقدير إنه عليم بكل شيء
13
ما في موضع نصب بشرع ( والذي أوحينا إليك ) عطف عليها ( وما وصينا ) في موضع نصب أيضا أي وشرع لكم ( ما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه ) أن في موضع نصب على البدل من ما أي شرع لكم أن أقيموا الدين ويجوز أن يكون في موضع رفع على إضمار مبتدأ أي هو وأن أقيموا الدين ويجوز أن يكون في موضع خفض على البدل من الهاء أي شرع لكم أن تقيموا لله الدين الذي ارتضاه ولا تتفرقوا فتؤمنوا ببعض الرسل وتكفروا ببعض فهذا الذي شرع لكم لجميع الأنبياء صلوات الله عليهم أن يقيموا الدين الذي ارتضاه وهو الإسلام وأمة محمد صلى الله عليه وسلم مقتدون بهم وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم اقتدوا بالذين من
____________________
(4/73)
بعدي أبي بكر وعمر أي اعملوا كما يعملان من اتباع أمر الله جل وعز وترك خلاف ما أمروا به وليس معناه في كل مسألة ( أن أقيموا الدين ) جاز أن يكون أقيموا وهو أمر داخلا في الصلة لأن معناه كمعنى الفعل المضارع معناه أن تقيموا الدين فلا تتفرقوا فيه ومذهب جماعة من أهل التفسير أن نوحا صلى الله عليه وسلم أول من جاء بالشريعة من تحريم الأمهات والبنات والأخوات والعمات وهذا القول داخل في معنى الأول ( كبر على المشركين ما تدعوهم إليه ) أي من إقامة الدين لله جل وعز وحده ( الله يجتبي إليه من يشاء ) أي من يشاء أن يجتبيه ثم حذف هذا ( ويهدي إليه من ينيب ) حذفت الضمة من يهدي لثقلها وأناب رجع أي تاب
14
أي من بعد ما جاءهم القرآن ( بغيا ) مفعول من أجله وهو في الحقيقة مصدر
15
الفراء يذهب إلى أن معنى اللام معنى إلى وإلى أن معنى ذلك هذا أي فإلى هذا فادع أي إلى أن تقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه
قال أبو جعفر واللام بمعنى إلى مثل قوله جل وعز { بأن ربك أوحى لها } قال العجاج
____________________
(4/75)
( وحى لها القرار فاستقرت ** ) قال أبو جعفر وهو مجاز وقد خولف الفراء فيه وقيل اللام على بابها والمعنى للذي أوحى إليك من إقامة الدين وترك التفرق فيه من أجل ذلك فادع فأما أن يكون ذلك بمعنى هذا فلا يجوز عند النحويين الحذاق قال محمد بن يزيد هذا لمن كان بالحضرة وذلك لمن تراخى ففي دخول أحدهما على الآخر بطلان البيان وذلك على بابه أي فإلى ذلك الذي تقدم فادع ( ولا تتبع أهواءهم ) جمع هوى مبني على فعل إلا أنه اعتل لأن الياء قلبت ألفا لتحركها وتحرك ما قبلها فجمع على أصله كما يقال جمل وأجمال ( لا حجة بيننا وبينكم ) نصب على التبرئة وقد ذكرنا العلة فيه وأجاز سيبويه الرفع فجعل لا بمعنى ليس والمعنى أنه قد تبين الحق وأنتم معاندون وإنما تثبت الحجة على من لم يكن هكذا
16
الذين في موضع رفع بالابتداء و حجتهم ابتداء ثان داحضة خبر حجتهم والجملة خبر الذين ويجوز أن تكون حجتهم بدلا من الذين على بدل الاشتمال وفي المعنى قولان أحدهما أن المعنى والذين يحاجون في الله من بعد ما استجيب للنبي صلى الله عليه وسلم فتكون الهاء مكنية
____________________
(4/76)
للنبي صلى الله عليه وسلم أي من بعد ما دعا على أهل بدل فاستجيب له ودعا على أهل مكة ومصر بالقحط فاستجيب له ودعا للمستضعفين أن ينجيهم الله عز وجل من قريش فاستجيب له في أشياء غير هذه والقول الآخر قول مجاهد قال الذين يحاجون في الله من بعد ما استجيب له قوم من الكفار يجادلون المؤمنين في الله جل وعز أي في وحدانيته من بعدما استجاب له المؤمنون فيجادلون وهم مقيمون على الكفر ينتظرون أن تجيء جاهليته وهذا القول أولى من الذي قبله بالصواب وأشبه بنسق الآية لأنه لم يتقدم للنبي صلى الله عليه وسلم ذكر فيكنى عنه ولا لدعائه
17
اسم الله جل وعز مرفوع بالابتداء و الذي خبره وليس نعت لأن الخبر لا بد منه والنعت يستغنى عنه ( أنزل الكتاب بالحق ) أي ذكر فيه ما يحق على الناس أن يعملوه ( والميزان ) عطف على الكتاب أي وأنزل الميزان بالحق ( وما يدريك لعل الساعة قريب ) تهديد لهم لأنهم حاجوا في الله عز وجل من بعد ما استجيب له وقال قريب والساعة مؤنثة على النسب وقيل فرقا بينه وبين القرابة فأما أبو إسحاق فيقول لأن التأنيث ليس بحقيقي والمعنى لعل البعث قريب وذكر وجها آخر قال يكون لعل مجيء الساعة قريب
18
____________________
(4/77)
وذلك نحو قولهم { متى هذا الوعد } ( والذين آمنوا مشفقون منها ) وهكذا وصف أهل الإيمان يخافون من التفريط لئلا يعاقبوا عليه ( ألا إن الذين يمارون في الساعة لفي ضلال بعيد ) أي لفي ضلال عن الحق وإنما صار بعيدا لأنهم كفروا معاندة ودفعا للحق ولو كان كفرهم جهلا لم يكن بعيدا لأنه كان يتبين لهم ويرون البراهين
20
شرط ومجازاة قال أبو جعفر قد ذكرنا في معناه أقوالا ونذكر ما لم نذكره وهو أن يكون المعنى من كان يريد بجهاده الآخرة وثوابها نعطه ذلك ونزده ومن كان يريد بغزوه الغنيمة وهو حرث الدنيا على التمثيل نؤته منها لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يمنع المنافقين من الغنيمة وهذا قول بين إلا أنه مخصوص وقول عام قاله طاووس قال من كان همه الدنيا جعل الله فقره بين عينيه ولم ينل من الدنيا إلا ما كتب له ومن كان يريد الآخرة جعل الله جل وعز غناه بين عينيه ونور قلبه وآتاه من الدنيا ما كتب له
22
( الظالمين ) نصب بترى و ( مشفقين ) نصب على الحال والتقدير من عقاب ما كسبوا قال جل وعز ( وهو واقع بهم ) أي العقاب ( والذين آمنوا وعملوا الصالحات في روضات الجنات ) قال مجاهد الروضة المكان المونق الحسن وحكى بعض أهل اللغة أنها لا تكون إلا في موضع مرتفع كان أحسن لها وأشد وإذا كانت خشنة ولم تكن رخوة كان
____________________
(4/78)
ثمرها أحسن وألذ كما قال جل وعز { كمثل جنة بربوة } أي مرتفعة قال الشاعر
( ما روضة من رياض الحزن معشبة ** خضراء جاد عليها مسبل هطل )
فوصف أنها من رياض الحزن والحزن ما غلظ من الأرض ويقال الحزم بالميم لما ذكرناه ( ذلك هو الفضل الكبير ) أي ذلك الذي تقدم ذكره للذين آمنوا و ذلك في موضع رفع بالابتداء و هو ابتداء ثان ويجوز أن يكون زائدا بمعنى التوكيد الفضل الخبر و الكبير من نعته
23
مبتدأ وخبره وقراءة الكوفيين ( يبشر ) وقد ذكرناه نظيره غير أن أبا عمرو بن العلاء قرأ هذه وحده ( يبشر ) وقرأ غيره يبشر وأنكر هذا عليه قوم وقالوا ليس بين هذا وبين غيره فرق والحجة له ذلك أنه لم يقرأ بشيء شاذ ولا بعيد في العربية ولكن لما كانتا لغتين فصيحتين لم يقتصر على أحدهما فيتوهم السامع أنه لا يجوز
____________________
(4/79)
غيرها فجاء بهما جميعا وهكذا يفعل الحذاق وفي القرآن نظيره مما قد اجتمع عليه وهو قوله جل وعز { فليملل وليه بالعدل } من أمل يمل وفي موضع آخر { فهي تملى عليه بكرة وأصيلا } من أملى يملي ( قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ) قال أبو جعفر قد ذكرنا معناه مستقصى فأما الإعراب فهذا موضع ذكره المودة في موضع نصب لأنه استثناء ليس من الأول وسيبويه يمثله بمعنى لكن وكذا قال أبو إسحاق قال أجرا تمام الكلام كما قال جل وعز { قل ما أسألكم عليه من أجر } ولو لم يكن استثناء ليس من الأول كانت المودة بدلا من أجر ( ومن يقترف حسنة ) شرط يقال اقترف وقرف إذا كسب وجواب الشرط ( نزد له فيها حسنا )
24
اختلف العلماء في تفسير هذا فقال أبو إسحاق معنى ( يختم على قلبك ) يربط على قلبك بالصبر على أذاهم قال أبو جعفر وهذا الذي قاله لا يشبه ظاهر الآية وقال غيره فإن يشأ الله يختم على قلبك لو اقترفت واختلفوا في معنى ( يختم ) فقال بعضهم أي يمنعك من التمييز وقال بعضهم معنى ( ختم الله على قلبه ) جعل عليه علامة من سواد أو غيره تعرف الملائكة بها أنه معاقب كما قال جل وعز { كلا بل ران على قلوبهم }
____________________
(4/80)
) قال أبو جعفر وفي التفسير أنه إذا عمل العبد خطيئة رين على قلبه فغطي منه شيء فإن زاد زيد في الرين حتى يسود قلبه فلا ينتفع بموعظة ( ويمح الله الباطل ) منقطع من الأول في موضع رفع ويجب أن يكتب بالواو إلا أنه وقع في السواد بغير واو كتب على اللفظ في الإدراج وإنما حذفت الواو في الإدراج لسكونها وسكون اللام بعدها فإذا وقفت زالت العلة في حذفها فعلى هذا لا ينبغي الوقوف عليه لأنه إن أثبت الواو خالف السواد وإن حذفها لحن ونظيره { ويدع الإنسان بالشر } وكذا { سندع الزبانية } فأما معنى و يمح الله الباطل ففيه احتجاج عليهم لنبوة محمد صلى الله عليه وسلم لأن معناه أن الله جل وعز يزيل الباطل ولا يثبته فلو كان ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم باطلا لمحاه الله جل وعز وأنزل كتابا على غيره وهكذا جرت العادة في جميع المفترين أن الله سبحانه يمحو باطلهم بالحق والبراهين والحجج ( ويحق الحق بكلماته ) أي يبين الحق
26
____________________
(4/81)
يجوز أن يكون الذين في موضع رفع بفعلهم أي ويجيب الذين آمنوا ربهم فيما دعاهم إليه ويجوز أن يكون الذين في موضع نصب أي ويستجيب الله الذين آمنوا وحذف اللام من هذا جائز كثير ومثله { وإذا كالوهم } أي كالوا لهم قال أبو جعفر هذا أشبه بنسق الكلام لأن الفعل الذي قبله والذي بعده لله جل وعز وثم حديث عن معاذ بن جبل يدل على هذا قال إنكم تدعون لهؤلاء الصناع غفر الله لك رحمك وبارك عليك والله جل وعز يقول ( ويستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله ) يكون على هذا يزيدهم على ما دعوا وتم الكلام ( والكافرون ) مبتدأ والجملة خبره
27
وأجاز الخليل رحمه الله في السين إذا كانت بعدها طاء أن تقلب صادا لقربها منها وزعم الفراء أن قوله جل وعز
29 أنه أراد جل وعز وما بث في الأرض دون السماء وأن مثله { يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان } وإنما يخرجان من الملح وزعم أن هكذا جاء في التفسير قال أبو جعفر والذي قاله لا يعرف في تفسير ولا لغة ولا معقول أي يخبر عن اثنين بخبر
____________________
(4/82)
واحد وهذا بطلان البيان والتجاوز إلى ما يحظره الدين والعرب تقول لكل ما تحرك من شيء دب فهو داب ثم تدخل الهاء للمبالغة فتقول دابة قال أبو جعفر وسمعت علي بن سليمان يقول في دابة لتأنيث الصيغة
30
هذه قراءة الكوفيين والبصريين وكذا في مصاحفهم وقرأ المدنيون ( بما ) بغير فاء وكذا في مصاحفهم فالقراءة بالفاء بينة لأنه شرط وجوابه والقراءة بغير فاء فيها للنحويين ثلاثة أقوال أحدها أن يكون ما بمعنى الذي فلا تحتاج إلى جواب بالفاء وهذا مذهب أبو إسحاق والقول الثاني أن يكون ما للشرط وتكون الفاء محذوفة كما قال
( من يفعل الحسنات الله يشكرها ** والشر بالشر عند الله مثلان ) وهذا قول أبي الحسن علي بن سليمان الأخفش وزعم أن هذا يدل على أن حذف الفاء في الشرط جائز حسن لجلال من قرأ به والقول الثالث أن ما ههنا للشرط إلا أنه جاز حذف الفاء لأنها لا تعمل في اللفظ شيئا وإنما وقعت على الماضي وهذا أولى الأقوال بالصواب فأما أن يكون ما بمعنى الذي فبعيد لأنه يقع مخصوصا للماضي وأما أن يشبه هذا بالبيت الذي ذكرناه فبعيد أيضا لأن حذف الفاء مع الفعل المستقبل لا يجوز عند سيبويه إلا في ضرورة الشعر ولا يحمل كتاب الله عز وجل إلا على الأغلب الأشهر
____________________
(4/83)
31
قال محمد بن يزيد أي بسابقين يقال أعجز إذا عدا فسبق
32
الجواري جمع جارية والجواري في موضع رفع حذفت الضمة من يائها لثقلها
33
شرط ومجازاة ( فيظللن ) عطف وكذا
34 وكذا ( ويعف ) وكذا عند سيبويه
35 هذا الاختيار عنده لأنه كلام معطوف بعضه على بعض ومثله { يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء } وكذا قول النابغة
( فإن يهلك أبو قابوس يهلك ** ربيع الناس والبلد الحرام )
( ونمسك بعده بذناب عيس ** أجب الظهر ليس له سنام ) فجزم ونمسك على العطف ويجوز رفعه ونصبه إلا أن الرفع عند سيبويه أجود وهي قراءة المدنيين ( ويعلم الذين ) على أنه مقطوع مما قبله
____________________
(4/84)
مرفوع والنصب عنده بعيد وهي قراءة الكوفيين والصحيحة من قراءة أبي عمرو وشبهه سيبويه في البعد بقول الشاعر
( سأترك منزلي لبني تميم ** وألحق بالحجاز فأستريحا ) إلا أن النصب في الآية أمثل لأنه شرط وهو غير واجب وأنشد
( ومن يغترب عن قومه لا يزل يرى ** مصارع أقوام مجرا ومسحبا )
( وتدفن منه الصالحات وإن يسىء ** يكن ما أساء النار في رأس كبكبا ) فنصب وتدفن ولو رفع لكان أحسن واختار أبو عبيد النصب وشبهه بقوله جل وعز { ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين } وهما لا يتجانسان ولا يشتبهان لأن ويعلم جواب لما فيه النفي فالأولى به النصب وقوله جل وعز ( ويعلم الذين يجادلون ) ليس بجواب فيجب نصبه وموضع الذين في قوله ويعلم الناس موضع رفع بعلم
36
مبتدأ و ( خير ) خبره ( وأبقى ) معطوف على خير ( للذين آمنوا )
____________________
(4/85)
خفض باللام
37 في موضع خفض معطوف على للذين آمنوا ( يجتنبون كبائر الإثم ) هذه قراءة المدنيين وأبي عمرو وعاصم وقرأ يحيى بن وثاب والأعمش وحمزة والكسائي ( كبير الإثم ) والقراءة الأولى أبين لأنه إذا قرأ ( كبير ) توهم أنه واحدها أكبرها وليس المعنى على ذلك عند أحد من أهل التفسير إلا شيئا قاله الفراء فعكس فيه قول أهل التفسير قال كبير الإثم الشرك قال وكبائر يراد بها كبير وهذا معكوس إنما يقال كبير يراد به كبائر يكون واحد يدل على جمع وزعم أنه يستحب لمن قرأ كبائر الإثم أن يقرأ ( والفواحش ) فيخفض والقراءة بهذا مخالفة بحجة الإجماع وأعجب من هذا أنه زعم أنه يستحب القراءة به ثم قال ولم أسمع أحدا قرأ به والأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في الكبائر معروفة كثيرة وعن الصحابة وعن التابعين ونحن نذكر من ذلك ما فيه كفاية لتبيين هذا ونبين معنى الكبائر والاختلاف فيه إذا كان مما لا يسع أحدا جهله ونبدأ بما صح فيها عن الرسول صلى الله عليه وسلم مما لا مطعن في إسناده وتوليه من قول الصحابة والتابعين وأهل النظر بما فيه كفاية إن شاء الله فمن ذلك ما حدثناه محمد بن إدريس بن أسود عن إبراهيم بن مرزوق قال حدثنا وهب بن جرير قال حدثنا شعبة عن عبيد الله بن أبي بكر بن أنس عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال أكبر الكبائر الإشراك بالله جل وعز وعقوق
____________________
(4/86)
الوالدين المسلمين وقتل النفس وشهادة الزور أو قول الزور وقرىء على أحمد بن شعيب عن عبدة بن عبد الرحيم قال أخبرنا ابن شميل قال حدثنا شعبة قال حدثنا فراس قال سمعت الشعبي يحدث عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الكبائر الإشراك بالله جل وعز وعقوق الوالدين وقتل النفس واليمين الغموس قال أحمد وأخبرنا إسحاق بن إبراهيم ثنا بقية حدثني بحير بن سعد عن خالد بن معد أن أبا رهم السماعي حدثه عن أبي أيوب وهو خالد بن زيد الأنصاري بدري عقبي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من جاء لا يشرك بالله شيئا ويقيم الصلاة ويؤتي الزكاة ويصوم رمضان واجتنب الكبائر فإنه في الجنة فسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكبائر قال فقال الإشراك بالله جل وعز وقتل النفس المسلمة والفرار يوم الزحف قال أحمد أخبرنا عمرو بن علي قال حدثنا يحيى قال حدثنا سفيان عن الأعمش ومنصور عن أبي وائل عن أبي ميسرة عن عبد الله قال قلت يا رسول الله أي الذنوب أعظم قال أن تجعل لله جل وعز ندا وهو خلقك قلت ثم أي قال أن تقتل ولدك خشية أن يأكل معك قلت ثم أي قال أن تزني بحليلة جارك قال أبو جعفر فهذه أسانيد مستقيمة وفي حديث أبي أمامة زيادة على ما فيها من الكبائر فيه أكل مال اليتيم وقذف المحصنة والغلول والسحر وأكل الربا فهذا جميع ما نعلمه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في الكبائر مفصلا مبينا فأما الحديث المجمل فالذي رواه أبو سعيد وأبو هريرة عن النبي
____________________
(4/87)
صلى الله عليه وسلم أنها سبع فليس بناقض لهذا لأن قذف المحصنة واليمين الغموس والسحر داخلان في قول الزور وحديث ابن مسعود الذي فيه أن تقتل ولدك خشية أن يأكل معك داخل في قتل النفس المحرمة ولم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تكون الكبائر إلا هذه فيجب التسليم وقد روى مسروق عن عبد الله بن مسعود أنه قال الكبائر من أول سورة النساء إلى رأس ثلاثين آية { إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم } فأولى ما قيل في الكبائر وأجمعه ما حدثناه علي بن الحسين قال قال الحسين بن محمد الزعفراني قال حدثنا أبو قطن عن يزيد بن إبراهيم عن محمد بن سيرين قال سئل ابن عباس عن الكبائر فقال كل ما نهى الله جل وعز عنه فهو من الكبائر حتى ذكر الطرفة وحدثنا بكر بن سهل قال حدثنا عبد الله بن صالح عن معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال الكبائر كل ما ختمه الله جل وعز بنار أو غضب أو لعنة أو عذاب قال أبو جعفر فهذا قول حسن بين لأن الله جل وعز قال { إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم } فعقل بهذا أن الصغائر لا يعذب عليها من اجتنب الكبائر فإذا أعلم الله جل وعز أنه يدخل على ذنب النار علم أنه كبيرة وكذا إذا أمر أن يعذب صاحبه في الدنيا بالحد وكذا قال الضحاك كل موجبة أوجب الله تعالى لأهلها العذاب فهي كبيرة وكل ما يقام عليه الحد فهو كبيرة فهذا المعنى الذي بينا بعد ذكر الأحاديث المسندة فهو شرح أيضا قول
____________________
(4/88)
الله تعالى إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه وكل ما كان مثله
38
في موضع خفض والمعنى وما عند الله خير وأبقى للذين آمنوا والذين استجابوا لربهم ( وأقاموا الصلاة ) أي أتموها بحدودها بركوعها وسجودها وخشوعها ( وأمرهم شورى بينهم ) مبتدأ وخبره
39
في موضع خفض كالأول ( هم ينتصرون ) وهذا مدح لهم وصفوا أنهم إذا بغى عليهم باغ أو ظلمهم ظالم لم يستسلموا له لأنه لو استسلموا له لم ينهوا عن المنكر وفعله ذلك بهم منكر وفي حديث حذيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم لا يحل للمسلم أن يذل نفسه قيل كيف يذل نفسه قال يتكلف من البلاء ما لا يطيقه
40
مبتدأ وخبره والسيئة الأولى سيئة على الحقيقة والثانية على المجاز سميت سيئة لأنها مجازاة على الأولى ليعلم أنه يقتص بمثل ما نيل منه ( فمن عفا وأصلح فأجره على الله ) أي فلم يقتص فثوابه على الله جل وعز كما روى الحسن ومحمد بن المنكدر وعطاء ومحمد يقول أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ينادي مناد يوم القيامة أين من له وعد على الله عز وجل فليقم فيقوم من عفا وقرأ عطاء ( فمن عفا وأصلح فأجره على الله )
____________________
(4/89)
41 مبتدأ ( فأولئك ) مبتدأ أيضا والجملة خبر الأول
42 أي سبيل العقوبة
43
أي من أعاليها وأجلها أن يعفو ويصفح ويتوقى الشبهات وإن لم تكن محظورة ورعا وطلبا لرضاء الله عز وجل فهذه معالي الأمور وهي من عزم الأمور أي التي يعزم عليها الورعون المتقون قال أبو جعفر وفي أشكال من جهة العربية وهو أن لمن صبر وغفر مبتدأ ولا خبر له في اللفظ فالقول فه إن فيه حذفا والتقدير ولمن صبر وعفا أن ذلك منه لمن عزم الأمور ومثل هذا في كلام العرب كثير موجود حكاه سيبويه وغيره مررت ببر قفيز بدرهم أي قفيز منه ويقال السمن منوان بدرهم بمعنى منه
44
أي من يضله عن الثواب فما له ولي ولا ناصر يسأله الثواب ( وترى الظالمين لما رأوا العذاب يقولون ) في موضع نصب على الحال ( هل إلى مرد من سبيل ) من زائدة للتوكيد
45
____________________
(4/90)
على الحال وكذا ( ينظرون من طرف خفي ) قال محمد بن كعب يسارقون النظر إلى النار ( وقال الذين آمنوا إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم ) روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال هم الذين خلقوا للنار وخلقت النار لهم خلفوا أموالهم وأهاليهم في الدنيا وحرموا الجنة وصاروا إلى النار فخسروا الدنيا والآخرة
46
من أولياء في موضع رفع اسم كان
47
أي من مخلص ولا تنكرون ما وقفتم عليه من أعمالكم
48 ثم قال بعد ( وإن تصبهم سيئة ) فجاء الضمير لجماعة لأن الإنسان اسم للجنس بمعنى الجميع كما قال جل وعز { إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا } فوقع الاستثناء لأن الإنسان بمعنى جمع
49 أي من الأولاد أي من الأولاد
50
أي يجمع لهم هذا كما قال محمد بن الحنفية يعني به التوأم وقال أبو إسحاق يزوجهم يقرن لهم وكل قرينين زوجان ( ويجعل
____________________
(4/91)
من يشاء عقيما ) أي لا يولد له وعقيم بمعنى معقوم وقد عقمت المرأة إذا لم تحمل فهي امرأة عقيم ومعقومة
51
أن في موضع رفع اسم كان و وحيا يكون مصدرا في موضع الحال كما تقول جاء فلان مشيا ويجوز أن يكون منصوبا على أنه مصدر ( أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء ) هذه قراءة أكثر الناس وقرأ نافع ( أو يرسل رسولا ) بالرفع ( فيوحى ) بإسكان الياء ولا نعلمه يروى إلا عن نافع إلا أنه قال لم أقرأ حرفا يجتمع عليه رجلان من الأئمة فلهذا قال عبد الله بن وهب قراءة نافع سنة قال أبو جعفر فأما القول في نصب يرسل و يوحى ورفعهما فقد جاء به سيبويه عن الخليل بما فيه كفاية لمن تدبره ونمليه نصا كما قال ليكون أشفى قال سيبويه سألت الخليل عن قول الله جل وعز ( أو يرسل رسولا فيوحى بإذنه ما يشاء ) فزعم أن النصب محمول على أن سوى هذه ولو كانت هذه الكلمة على أن هذه لم يكن للكلام وجه ولكنه لما قال ( إلا وحيا ) كان في معنى إلا أن يوحي وكان أو يرسل فعلا لا يجري على إلا فأجري على أن هذه كأنه قال إلا أن يوحي أو يرسل لأنه لو قال إلا وحيا وإلا أن يرسل كان حسنا وكان أن يرسل بمنزلة الإرسال فحملوه على أن
____________________
(4/92)
إذ لم يجز أن يقولوا أو ألا يرسل فكأنه قال إلا وحيا أو أن يرسل وقال الحصين بن حمام المري
( ولولا رجال من رزام أعزة ** وآل سبيع أو أسؤك علقما ) يضمر أن وذلك لأنه امتنع أن يجعل الفعل على لولا فاضمر أن كأنه قال لولا ذاك أو لولا أن أسؤك وبلغنا أن أهل المدينة يرفعون هذه الآية ( وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من رواء حجاب أن يرسل رسولا فيوحي بإذنه ) فكأنه والله أعلم قال الله لا يكلم البشر إلا وحيا أو يرسل رسولا أي في هذه الحال وهذا كلامه إياهم كما تقول العرب تحيتك الضرب وعتابك السيف وكلامك القتل قال عمرو بن معدي كرب
( وخيل قد دلفت لها بخيل ** تحية بينهم ضرب وجيع ) وسألت الخليل رحمه الله عن قول الأعشى
( إن تركبوا فركوب الخيل عادتنا ** أو تنزلون فإنا معشر نزل )
____________________
(4/93)
فقال الكلام ههنا على قولك يكون كذا أو يكون كذا ما كان موضعها لو قال فيه أتركبون لم ينتقض المعنى صار بمنزلة ولا سابق شيئا وأما يونس فقال أرفعه على الابتداء كأنه قال أو أنتم نازلون وعلى هذا الوجه فسر الرفع في الآية كأنه قال أو هو يرسل رسولا كما قال طرفة
( أو أنا مفتدى ** ) وقول يونس أسهل
52
الكاف في موضع نصب أي أوحينا إليك وحيا كذلك الذي قصصنا عليك ( ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ) ما في موضع رفع بالابتداء و الكتاب خبره والجملة في موضع نصب بتدري ويجوز في الكلام أن تنصب الكتاب وتجعل ما زائدة كما روي هذا باب علم ما الكلم من العربية فنصب الكلم ( ولكن جعلناه نورا ) ولم يقل جعلناهما فيكون الضمير للكتاب أو للتنزيل أو الإيمان وأولاهما أن يكون للكتاب ويعطف الإيمان عليه ويكون بغير حذف ( وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم ) قال الضحاك الصراط الطريق والهدى ويقرأ ( وإنك
____________________
(4/94)
لتهدى ) وفي حرف أبي ( وإنك لتدعوهم إلى صراط مستقيم )
53
على البدل قال أبو إسحاق ويجوز الرفع والنصب ( ألا إلى الله تصير الأمور ) وهي أبدا إليه تعالى قال الأخفش يتولى الله الأمور يوم القيامة دون خلقه وقد كان بعضها إلى خلقه في الدنيا من الفقهاء والسلاطين وغيرهم
____________________
(4/95)
43
1
2
الكتاب مخفوض بواو القسم وهي بدل من الباء لقربها منها ولشبهها بها ( المبين ) نعت وجواب القسم
3 الهاء التي في جعلناه مفعول أول وقرآنا مفعول ثان فهذه جعلنا التي تتعدى إلى مفعولين بمعنى صيرنا وليست جعلنا التي بمعنى خلقنا لأن تلك لا تتعدى إلا إلى مفعول واحد نحو قوله جل وعز { وجعل الظلمات والنور } وفرقت العرب بينهما بما ذكرنا ( لعلكم تعقلون ) أي تعقلون أمر الله جل وعز ونهيه إذ أنزل القرآن بلسانكم
4
أي القرآن في اللوح المحفوظ ( لعلي ) أي عال رفيع وقيل علي أي قاهر معجز لا يؤتى بمثله ( حكيم ) محكم في أحكامه ورصفه
5
____________________
(4/97)
قال الفراء يقال أضربت عنك وضربت عنك أي أعرضت عنك وتركتك وفي نصب صفح أقوال منها أن يكون معنى أفنضرب أفنصفح كما يقال هو يدعه تركا لأن معنى يدعه يتركه ويجوز أن يكون صفحا بمعنى صافحين كما تقول جاء زيد مشيا أي ماشيا ويجوز أن يكون صفحا بمعنى ذوي صفح كما يقال رجل عدل أي عادل وكذا رضى وهذا جواب حسن واختلف العلماء في معنى الذكر ههنا فروى جويبر عن الضحاك ( أفنضرب عنكم الذكر ) قال القرآن وقال أبو صالح ( أفنضرب عنكم الذكر ) فقال أفنذر عنكم الذكر فنجعلكم سدى كما كنتم قال أبو جعفر وهذه الأقوال وإن كانت مختلفة الألفاظ فإن معانيها متقاربة فمن قال الذكر العذاب قدره بمعنى ذكر العذاب وذكر العذاب إذا أنزل قرآن ومن قال معناه أفنذر عنكم الذكر فنجعلكم سدى قدره أفنترك أن ينزل عليكم الذكر الذي فيه الأمر والنهي فنجعلكم مهملين قال أبو جعفر وهذا قول حسن صحيح بين أي أفنهملكم فلا نأمركم ولا ننهاكم ولا نعاقبكم على كفركم بعد أن ظهرت لكم البراهين لأن كنتم قوما مسرفين وهذا على قراءة من فتح أن وهي قراءة الحسن وأبي عمرو وابن كثير وعاصم وسائر القراء على كسر إن أي متى أسرفتم فعلنا بكم هذا
6
كم في موضع نصب وهي عقيبة رب في الخبر فمن العرب من
____________________
(4/98)
يحذف من وينصب ومنهم من يخفض وإن حذف من كما قال
( كم بجود مقرف نال العلى ** وكريم بخله قد وضعه )
وأفصح اللغات إذا فصلت أن تأتي بمن وهي اللغة التي جاء بها القرآن وكذا كل ما جاء به القرآن وربما وقع الغلط من بعض أهل اللغة فيما يذكرون من فصيح الكلام فأما المحققون فلا يفعلون ذلك فمما ذكر بعضهم في الفصيح من الكلام من زعم أنه يقال أضربت عن الشيء بالألف وزعم أنها اللغة الفصيحة سمعت علي بن سليمان يقول هذا غلط والفصيح ضربت عن الشيء لأن إجماع الحجة في قراءة الفراء أفنضرب عنكم الذكر صفحا بفتح النون وذكر بعضهم أن الفصيح عظم الله أجرك وإجماع الحجة في قراءة القراء { ويعظم له أجرا } في حروف كثيرة
8
منصوب على البيان ( ومضى مثل الأولين ) قال قتادة أي عقوبة يجوز أن تكون مثل ههنا بمعنى صفة أي صفتهم بأنهم أهلكوا لما كذبوا ويجوز أن يكون مثل على بابه
10
____________________
(4/99)
الذي في موضع رفع على النعت للعزيز أو على إضمار مبتدأ لأنه أول آية
11 الكاف في موضع نصب أي تخرجون خروجا مثل ذلك وبين معنى هذا عبد الله بن مسعود وهو مما لا يؤخذ به إلا بالتوقيف قال يرسل الله جل وعز ماء مثل مني الرجال وليس شيء خلق من الأرض إلا وقد بقي منه شيء فتنبت بذلك الجسمان واللحوم تنبت من الثرى والمطر ثم تلا عبد الله ( والذي نزل من السماء ماء بقدر فأنشرنا به بلدة ميتا كذلك تخرجون )
12 في موضع رفع على العطف ( خلق الأزواج ) جمع زوج جمع على أفعال وسبيل فعل من غير هذا الجنس أن يجمع على أفعل فكرهوا أن يقولوا أزوج لأن الحركة في الواو ثقيلة فحول إلى جمع فعل لأن عدد الحروف واحد فشبهوا فعلا بفعل كما شبهوا فعلا بفعل فقالوا زمن وأزمن ( كلها ) توكيد ويسميه بعض النحويين صفة وباب كلها الجمع الكثير والجمع القليل كلهن ( وجعل لكم من الفلك والأنعام ما تركبون ) إن جعلت ما بمعنى الذي فالضمير محذوف لطول الموسم ولو ظهر الضمير لجاز مما تركبونه على لفظ ما ومما تركبونها على تأنيث الجماعة وإن جعلت ما مصدرا لم تحتج إلى حذف
13
____________________
(4/100)
قال الفراء ولم يقل ظهورها لأنه بمعنى كثر الدرهم أي هو بمعنى الجنس قال أبو جعفر وأولى من هذا أن يكون يعود على لفظ ما لأن لفظها مذكر موحد وكذا ( ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه وتقولوا سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين ) جاء على التذكير
14 معطوف على ما قبله من القول
15
ذكر معناه في ثلاثة أقوال روى ابن أبي نجيح عن مجاهد جزءا قال ولدا وبنات وقال عطاء يعني نصيبا شركا وقال زيد بن أسلم إنها الأصنام فهذان قولان وذكر أبو إسحاق قولا ثالثا وهو أن جزءا للبنات خاصة وأنشد بيتا في ذلك أنشده زعم وهو
( إن أجزأت حرة يوما فلا عجب ** قد تجزيء الحرة المذكار أحيانا )
أي تلد إناثا قال أبو جعفر الذي عليه جماع الحجة من أهل التفسير واللغة أن الجزء النصيب وهذا مذهب عطاء الذي ذكرناه ومجاهد والربيع بن أنس والضحاك وهو معنى قول ابن عباس وقال محمد بن يزيد الجزء
____________________
(4/101)
النصيب وقول زيد بن أسلم جماع الحجة على غيره أيضا والرواية تدل على خلافة ونسق الكلام لأن بعده
19 وقيل هذا أيضا يلي ذاك
16 فهذا يدل على أن هذا ليس للأصنام
17
اسم ظل وخبرها ويجوز في الكلام ظل وجهه مسود على أن يكون في ظل ضمير مرفوع يعود على أحد ووجهه مرفوع بالابتداء ومسود خبره والمبتدأ وخبره خبر الأول ومثله مما حكاه سيبويه كل مولود يولد على الفطرة حتى يكون أبواه هما اللذان يهودانه أو ينصرانه وحكى سيبويه الرفع في اللذين والنصب
18
قال أبو إسحاق من في موضع نصب والمعنى أو جعلتم من ينشأ وقال الفراء من في موضع رفع على الاستئناف وأجاز النصب قال وأذن رددته على أول الكلام على قوله جل وعز ( وإذا بشر أحدهم بما ضرب للرحمن مثلا ) واختلف القراء في قراءة هذا الحرف فقرأ
____________________
(4/102)
ابن عباس والكوفيون غير عاصم ( أومن ينشأ في الحلية ) وقرأ أهل الحرمين وأبو عمرو وعاصم ( أومن ينشأ ) واحتج أبو عبيد للقراءة الأولى بقوله جل وعز { إنا أنشأناهن إنشاء } قال أبو جعفر وهما قراءتان مشهورتان قد روتهما الجماعة وليس فيما جاء به حجة لأنا نعلم أنه لا ينشأ حتى ولو لزم ما قال لما قيل مات فلان لقوله جل وعز ثم يميتكم فكان يجب أن يقال أميت وكذا حيي والفرق على خلاف ما قال عند النحويين وذلك أن معنى ينشأ لمرة بعد مرة على التكثير
19
مفعولان أي وصفوا أنه هكذا وحكموا أنه كذا واختلف في قراءة هذا أيضا فقرأ عبد الله بن عباس والكوفيون وأبو عمرو ( عباد الرحمن ) وقرأ أهل الحرمين والحسن وأبو رجاء ( عند الرحمن ) واحتج أبو عبيد لقراءة من قرأ ( عباد الرحمن ) بأن الإسناد فيها أعلى وأنها رد لقولهم الملائكة بنات الله فقال ليسوا بنات هم عباد قال أبو جعفر وهما قراءتان مشهورتان معروفتان إلا أن أولاهما عند من غير جهة والذي احتج به أبو عبيد لا يلزم لأنه احتج بأن الإسناد في القراءة بعباد أعلى
____________________
(4/103)
ولعمري أنها صحيحة عن ابن عباس ولكن إذا تدبرت ما في الحديث رأيت الحديث نفسه قد أوجب أن يقرأ ( عند ) لأن سعيد بن جبير احتج على ابن عباس بالمصحف فقال في مصحفي عند وهذه حجة قاطعة لأن جماع الحجة من كتب المصاحف مما نقلته الجماعة على أنه عند ولو كان عباد لوجب أن يكتب بالألف كما كتب { بل عباد مكرمون } واحتجاجه بأنه رد لقولهم بنات لا يلزم لأن عبادا إنما هو نفي لمن قال ولد لأنه يقع للمذكر والمؤنث والأشبه بنسق الآية قراءة من قرأ ( عند ) لأن المعنى فيه وجعلوا الملائكة الذين هم عند الرحمن أي لم يروهم إناثا فكيف قالوا هذا وهم عند الرحمن وليسوا عندهم ( أأشهدوا خلقهم ) قراءة نافع وأما سائر القراء فيما علمنا فإنهم قرءوا ( أشهدوا ) وهما قراءتان حسنتان قد نقلتهما الجماعة والمعنى فيهما متقارب لأنهم إذا شهدوا فقد أشهدوا وقوله جل وعز { أم خلقنا الملائكة إناثا وهم شاهدون } يدل على قراءة من قرأ ( أشهدوا ) والأخرى جائزة حسنة قال جل وعز { ما أشهدتهم خلق السماوات والأرض }
22
هذه القراءة التي عليها اجتماع الحجة واللغة المعروفة والأمة الدين ومنه { كان الناس أمة واحدة } أي على دين واحد وقراءة مجاهد وعمر بن عبد العزيز رحمه الله ( على إمة ) بكسر الهمزة ( وإنا على
____________________
(4/104)
آثارهم مهتدون ) والأصل إننا حذفت النون تخفيفا و ( مهتدون ) خبر أن ويجوز النصب في غير القرآن على الحال وكذا
23 وروى معمر عن قتادة ( إلا قال مترفوها ) قال رءوسهم وأشرافهم وقرأ يزيد بن القعقاع
24 واستبعد أبو عبيد هذه القراءة واحتج بأن قبله قل ولم يقل قلنا والحجة لهذه القراءة أن قبله ( إنا بما أرسلتم به كافرون ) فخاطبهم النبي صلى الله عليه وسلم بجئنا لهم عنه وعن الرسل عليهم السلام فقال أو لو جئناكم
26 القراءة التي عليها حجة الجماعة والسواد وعن ابن مسعود أنه قرأ ( إنني بريء ) إلا أن الفراء قال أن مثل هذا يكتب بالألف وأجاز في كل همزة أن تكتب ألفا قال أبو جعفر هذا شاذ بعيد يلزم قائله أن يكتب يستهزىء بالألف وهذا فيه من الأشكال ومخالفة الجماعة أغلظ وأقبح من قرأ برآء قال في الاثنين والجميع أيضا برآء والتقدير أنني ذو برآء مثل { ولكن البر من آمن بالله } ومن قال بريء قال في جمعه برأاء أو براء على وزن كرماء وكرام وحكى الكوفيون جمعا ثالثا انفردوا به حكوا براء على وزن براع وزعموا أنه محذوف من برأاء
27
في موضع نصب على الاستثناء من قول ما تعبدون ويجوز أن يكون استثناء منقطعا
____________________
(4/105)
28 الهاء والألف كناية عن قوله إنني براء وما بعده أي وجعل تبرؤه من كل ما يعبدون من دون الله جل وعز وإخلاصه التوحيد لله عز وجل
( . . كلمة باقية في عقبه . . ) والفاعل المضمر في جعلها يجوز أن يكون عائدا على قوله الذي فطرني أي وجعلها الله تعالى كلمة باقية في عقبه وأهل التفسير على هذا أنه لا يزال من ولد إبراهيم صلى الله عليه وسلم موحدون وقيل الضمير عائد على إبراهيم أي وجعلها كلمة باقية في عقبه أي عرفهم التوحيد والتبرؤ من كل معبود دون الله جل وعز فتوارثوه فصار كلمة باقية في عقبه ويقال في عقبه بحذف الكسرة لأنها ثقيلة
31
على عطف البيان الذي يقوم مقام النعت لهذا هذا قول سيبويه وغيره يقول نعت ( على رجل من القريتين عظيم ) نعت لرجل وليس الرجل يكون من القريتين ولكن حقيقته في العربية على رجل من رجلي القريتين ثم حذف مثل وسئل القرية فأما قوله جل وعز
29 فمعناه لم أهلكهم كما أهلك غيرهم من الكفار
32
هم رفع على إضمار فعل لأن الاستفهام عن الفعل ويجوز أن
____________________
(4/106)
يكون موضعه رفعا بالابتداء ( نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ) أي فكذلك فضلنا بعضهم على بعض بالاصطفاء والاختيار ودرجات في موضع نصب مفعول ثان حذف منه إلى ( ليتخذ بعضهم بعضا سخريا ) أي فضلنا بعضهم على بعض في الرزق ليسخر بعضهم لبعض وكل من عمل لرجل عملا فقد سخر له بأجرة كان أو بغير أجرة وعن ابن عباس والضحاك ( ليتخذ بعضهم بعضا سخريا ) قال العبيد قال الفراء يقال سخري وسخري بمعنى وحد ههنا وفي ( قد أفلح ) وفي صاد قال أبو جعفر والأمر كما قال الفراء عند جميع أهل اللغة إلا شيئا ذكره أبو عمرو
23
قال الفراء أن في موضع رفع ( لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة ) بيوتهم فيه غير قول منه أن المعنى أي على بيوتهم وقيل أنه بدل بإعادة الحرف مثل ( قال الملأ الذين استكبروا من قومه للذين استضعفوا لمن آمن منهم ) قال أبو جعفر وهذا القول أولى بالصواب لأن الحروف لا تنقل عن بابها إلا بحجة يجب التسليم لها وسقف على الجمع قراءة الحسن ومجاهد وأبي رجاء الأعرج وشيبة ونافع
____________________
(4/107)
وعاصم والأعمش وحمزة والكسائي وأما قراءة أبي عمرو وأبي جعفر وابن كثير وشبل وحميد فسقف على التوحيد قال أبو جعفر سقف فيما ذكر أبو عبيد جمع سقف مثل رهن ورهن ورأيت علي بن سليمان ينكر هذا لأنه ليس بجمع فعل مطرد قال ورهن جمع رهان مثل حمار وحمر ورهان جمع رهن مثل عبد وعباد وكذا سقفا وحكى الفراء أن سقفا جمع سقيفة فأما قراءة من قرأ ( لبيوتهم سقفا من فضة ) فتأولها إسماعيل بن إسحاق على أن من لواحد قال والمعنى لجعلنا لكل من كفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة إلا أنه استبعد هذه القراءة وحكى أن هذا متناول بعيد واستدل على أن القراءة بالجمع أولى لأن بعده ومعارج وسررا وأبوابا فكذا سقف بالجمع أولى قال أبو جعفر الذي تأوله بعيد وأولى منه أن يكون سقف بمعنى سقف كما قال جل وعز { ثم نخرجكم طفلا } وكما قال الشاعر
( كلوا في بعض بطنكم تعفوا ** فإن زمانكم زمن خميص )
والأحاديث تدل على أن القراءة سقف وكذا نسق الكلام كما حدثنا
____________________
(4/108)
بكر بن سهل قال حدثنا عبد الله بن صالح عن معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله جل وعز ( ولولا أن يكون الناس أمة واحدة ) الآية والتي بعدها قال يقول سبحانه لولا أن جعل الناس كلهم كفارا لجعلت للكفار لبيوتهم سقفا من فضة ومعارج عليها من فضة وزخرفا قال ذهبا قال سعيد بن جبير والشعبي لبيوتهم سقفا أي جذوعا فهذا كله يدل على الجمع
35 معطوف على سقف وزعم الفراء أنه يجوز أن يكون معناه سقفا من فضة ومن زخرف ثم حذفت من فنصب والقول الأول أولى بالصواب وزعم ابن زيد أن الزخرف متاع البيت فأما أكثر أهل التفسير منهم ابن عباس والحسن ومجاهد وقتادة فقالوا الزخرف الذهب وقال الشعبي الزخرف الذهب والفضة قال أبو جعفر والزخرف في اللغة على ما حكاه محمد بن يزيد الزينة قال يقال بنى داره فزخرفها أي زينها وحسنها ( وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا ) فاللام للتوكيد عند البصريين وعند الكوفيين بمعنى إلا و ما زائدة للتوكيد وعند بعض النحويين نكرة بمعنى شيء ( والآخرة عند ربك للمتقين ) رفع بالابتداء والتقدير ثواب الآخرة عند ربك للمتقين
36
قال محمد بن يزيد يعش يتعامى وأصله من الأعشى وهو الذي
____________________
(4/109)
قد ركب بصره ضعف وظلمة ومنه جاء فلان يعشو إذا جاءه ليلا لما يركب بصره من الظلمة وقال غيره عشي عن ذكر الرحمن لم ينتفع بالذكر كما أن الأعشى الذي لا يبصر في الضوء فهو لا ينتفع ببصره كما ينتفع غيره و يعش في موضع جزم بالشرط وعلامة الجزم فيه حذف الواو وهو مشتق من العشي إلا أنه يقال عشي يعشى إذا صار أعشى وعشا يعشو إذا لحقه ما يلحق الأعشى وهو من ذوات الواو والياء في عشي منقلبة من واو وكذا الألف في عشا الذي هو مصدر ولهذا قال النحويون العشا في البصر يكتب بالألف والدليل على ذلك أنه يقال امرأة عشواء ( نقيض له ) جواب الشرط
37
محمول على المعنى لأن ( شيطانا ) يؤدي عن معنى شياطين
38
قراءة نافع وعاصم وعبد الله بن عامر وهي البينة لأن الضمير يعود على من و القرين وقراءة أبي عمرو والكوفيين غير عاصم ( حتى إذا جاءنا ) وهو بمعنى ذلك أي حتى إذا جاءنا وهو قرينه والعرب تحذف مثل هذا كما يقال كحلت عيني يراد العينان ( قال يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين ) اسم ليت وهي ظرف كما يقال يا ليت بيني وبينك بعدا ويجوز بعد بمعنى ليت مقدار ذلك فإن قلت ليت بيني وبينك متباعد رفعت
____________________
(4/110)
39
أن في موضع رفع أي لن ينفعكم اشتراككم لأن الإنسان في الدنيا إذا أصيب بمصيبة هو وغيره سهلت عليه بعض السهولة وتأسى به فحرم الله جل وعز ذلك أهل النار
41 في موضع جزم بالشرط والنون للتوكيد ولولا هي لكانت الباء ساكنة وكذا
42 في موضع جزم ولولا النون لحذفت الياء ولكنها بنيت معها على الفتح
44
روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال أن القرآن لشرف لك ولقومك وتأول هذا مجاهد على أنه شرف لقريش قال يقال ممن الرجل فيقال من العرب فيقال من أي العرب فيقول من قريش وقال غيره قومه ههنا من آمن به وكان على منهاجه وقيل معنى ( وإنه لذكر ) وإن الذي أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لذكر أي أنزل لتذكروا به وتعرفوا أمر دينكم
45
قال أبو جعفر في هذه الآية إشكال لأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يحتاج مسألة وقد ذكرنا قول جماعة من العلماء فيها فمنهم من قال في الكلام حذف والتقدير وسئل من أرسلنا إليه من قبلك رسلا من رسلنا قال والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد المشركون به قال أبو جعفر أما حذف رسل ههنا
____________________
(4/111)
فجائز لأن من رسلنا يدل عليه كما قال الشاعر
( كأنك من جمال بني أقيش ** ) والتقدير كأنك جمل من جمال بني أقيش وأما حذف إليه فلا يجوز لو قلت مررت بالذي ضربت أو بالذي قام وأنت تقدر حذف حرف الخفض والمضمر لم يجز وإنما يجوز حذف المضمر الذي في الصلة وقوله المخاطب النبي صلى الله عليه وسلم والمارد به المشركون كلام فيه نظر والقول في الآية والله جل وعز أعلم ما قاله قتادة قال سل أهل الكتاب أأمر الله جل وعز إلا بالتوحيد والإخلاص وشرح هذا من العربية قال يا محمد لمن عبد الأوثان سل أمم من قد أرسلنا من رسلنا أي من آمن منهم هل أمر الله جل وعز أن يعبد وثن أو يعبد معه غيره فإنهم لا يجدون هذا في شيء من الكتب ثم حذفت أمم وأقيمت من مقامها مثل { واسأل القرية }
49 وقرأ ابن عامر ( يا أيه الساحر ادع لنا ربك ) الساحر نعت لأي على اللفظ ولا يجوز النصب إلا في قول المازني على الموضع لأن موضع أي نصب قال أبو إسحاق أن قال قائل كيف قالوا يا أيها الساحر وقد زعموا أنهم مهتدون فإنما وقع الخطاب على أنه كان عندهم مسمى بهذا
____________________
(4/112)
فقالوا يا أيها الساحر على ذلك قال أبو جعفر وقد ذكرنا غير هذا الجواب
51
قيل كان نداؤه كراهة أن يتبع قومه موسى صلى الله عليه وسلم لأنه لما دعا كشف عنهم العذاب فتبين عجز فرعون عن كشفه فكره أن يتبعوه فقال أنا أولى بالاتباع منه ( قال يا قوم أليس لي ملك مصر ) في موضع خفض ولم ينصرف عند البصريين لأنها مؤنثة سميت بمذكر وكذا لو سميت امرأة بزيد لم ينصرف وأجازوا صرف مصر على أن يكون اسما للبلد وترك الصرف أولى لأن المستعمل في مثلها بلدة فأما الكوفيون فيذهبون إلى أن مصر بمنزلة امرأة سميت بهند فكان يجب أن ينصرف إلا أنها منعت من ذلك لقلتها في الكلام ( وهذه الأنهار تجري من تحتي ) تجري في موضع نصب على الحال ويجوز أن يكون في موضع رفع على خبر هذه ( أفلا تبصرون )
52
قال الفراء هو من الاستفهام الذي جاء بأم لاتصاله بكلام قبله قال ويجوز أن ترده على قوله أليس لي ملك مصر وقد شرحناه بأكثر من هذا وزعم الفراء أنه أخبره بعض المشيخة أنه يقرأ ( أفلا تبصرون أما أنا خير ) قال أبو جعفر يقدره أما التي بمعنى ألا وحقا
____________________
(4/113)
ويكون على هذا ( أفلا تبصرون ) تمام الكلام فهذه القراءة خارجة من حجة الإجماع وكان يجب على هذا أن يكون أما بالألف أنا مبتدأ و ( خير ) خبره وكذا ( هو مهين ) وفي معنى مهين قولان قيل معناه الذي يمتهن نفسه في حاجاته ومعاشه ليس له من يكفيه وقال الكسائي المهين الضعيف الذليل وقد مهن مهانة وهذا أولى بالصواب
53
هذه قراءة أهل الحرمين وأهل الكوفة وأهل البصرة إلا الحسن وقتادة وشيئا يروى عن عبد الله وأبي فأما الحسن وقتادة فقرآ ( فلولا ألقي عليه أسورة ) والذي روي عن عبد الله وأبي ( فلولا ألقي عليه أساوير ) قال لأبو جعفر أساورة جمع إسوار وحكى الكسائي اسوار وسوار وسوار بمعنى واحد وأساوير وأساورة واحد مثل زنادقة وزناديق إلا أنه إذا كان بالهاء انصرف لأن الإعراب يقع عليها وهي بمنزلة اسم ضم إلى اسم وقال أبو إسحاق إنما انصرف لأنه له في الواحد نظيرا نحو علانية وعباقية ويجوز أن يكون أساور جمع أسورة ( أو جاء معه الملائكة مقترنين ) على الحال
54 أي استخفهم بذلك القول إلى الكفر بموسى صلى الله عليه وسلم وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس
55 قال يقول أسخطونا
____________________
(4/114)
56 قراءة المدنيين وأبي عمرو وعاصم وقرأ يحيى بن وثاب والأعمش وحمزة والكسائي ( سلفا ) وهو جمع سليف وقد سمع عن العرب سليف وروي عن حميد الأعرج أنه قرأ ( سلفا ) بضم السين وفتح اللام جمع سلفة وأبو حاتم لا يعرف معناه لشذوذه وقال أبو إسحاق سلفة أي فرقة متقدمة ومع إنكار أبي حاتم إياه فإن فيه مطعنا لأن الكسائي رواه عن ابن حميد فذكر إسماعيل بن إسحاق القاضي عن علي ابن المديني قال سألت ابن عيينة عن قراءة حميد ( سلفا ) فلم يعرفه فقلت له أن الكسائي رواه عنك فقال لم نحفظه
57
لم ينصرف مريم عليها السلام لأنها معرفة واسم مؤنث ويجوز أن يكون اسما أعجميا فيكون ذلك علة ويجوز أن يكون عربيا مبنيا على مفعل جاء على الأصل من رام يريم ( إذا قومك منه يصدون ) قراءة مجاهد وسعيد بن جبير وعكرمة وأبي عمرو وعاصم وحمزة ويروى عن ابن عباس بكسر الصاد و ( يصدون ) بالضم قراءة الحسن وإبراهيم وأبي جعفر وشيبة ونافع ويحيى بن وثاب والكسائي وتروى عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأبي عبد الرحمن السلمي وعبيد بن عمير الليثي قال أبو جعفر حكى الكسائي والفراء إن يصدون ويصدون لغتان بمعنى واحد كما يقال نم ينم وينم وشد يشد ويشد وفرق أبو عبيد القاسم بن سلام بينهما فزعم أن
____________________
(4/115)
معنى يصد يضج ومعنى يصد من الصدود عن الحق وزعم أنها لو كانت يصد بالضم لكانت إذا قومك عنه يصدون قال أبو جعفر وفي هذا رد على الجماعة الذين قراءتهم حجة وقد خالف بقوله هذا الكسائي والفراء والذي ذكره من الحجة ليس بواجب لأنه يقال صددت من قوله أي لأجل قوله وعلى هذا معنى الآية والله جل وعز أعلم إنما هو يصدون من أجل ذلك القول وقد يجوز أن يكون مع ذلك الصدود ضجيج فيقول المفسر معناه يضجون
58
ابتداء وخبر أم هو معطوف على آلهتنا ( ما ضربوه لك إلا جدلا ) مفعول من أجله أي لم يقولوا هذا على جهة المناظرة ولا على جهة التثبت فهذا فرق بين الجدل والمناظرة لأن المتناظرين يجوز أن يكون كل واحد منهما يطلب الصواب والجدل الذي جادلوا به النبي صلى الله عليه وسلم فيما روي عن ابن عباس أنه لما أنزل الله جل وعز { إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون } قالوا أليس قد عبد عيسى صلى الله عليه وسلم وهو عندك رجل صالح فقد جعلته في النار معنا فهذا هو الجدل الذي كان منهم لأن الكلام لا يوجب هذا لأنه قال جل وعز إنكم وما تعبدون ولم يقل من تعبدون و ما فإنما هي لغير بني آدم ( بل هم قوم خصمون ) أي كثيروا الخصومة فيما يدفعون به الحق
____________________
(4/116)
59
أي أنعمنا عليه بظهور الآيات على يديه ( وجعلناه مثلا لبني إسرائيل ) قال أبو إسحاق يعني عيسى صلى الله عليه وسلم أي يدلهم على نبوته وقال غيره وصفناه لبني إسرائيل بأنه مثل لآدم عليه السلام وقيل مثل ومثل واحد أي هو بشر مثلهم
60
قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال يقول يخلف بعضهم بعضا وفي رواية أبي صالح عنه قال لو نشاء لجعلناهم خلائف وأهلكناهم
61
قراءة أكثر الناس ويروى عن ابن عباس وأبي هريرة أنهما قرآ ( وإنه لعلم للساعة ) وزعم الفراء أنهما متقاربتا المعنى وحكي عن محمد بن يزيد أنه قال معنى لعلم لذكر وتنبيه وتعريف ومعنى لعلم لدلالة وعلامة قال أبو جعفر فأما الضمير الذي في ( وإنه ) ففي معناه قولان مذهب ابن عباس وأبي هريرة وأبي مالك ومجاهد والضحاك أن الضمير لعيسى صلى الله عليه وسلم والمعنى لنزوله والقول الآخر وهو قول الحسن أن الضمير للقرآن أي وإن القرآن لعلم للساعة لأنه لا ينزل كتاب بعده والقول الأول أبين وعليه أكثر الناس وقد قيل في هذا دليل على أنه إذا نزل عيسى
____________________
(4/117)
صلى الله عليه وسلم رفعت المحنة ولم تقبل من أحد توبة وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على ذلك وهو قوله فليكسرن الصليب وليقتلن الخنزير وتلقي الأرض أفلاذ كبدها ففي هذا دليل أنه لا أحد يأخذ من أحد زكاة وأن المحنة قد ارتفعت وقربت الساعة ( فلا تمترن بها ) قال أبو إسحاق أي فلا تشكوا ( واتبعون هذا صراط مستقيم ) مستقيم نعت لصراط ويجوز أن يكون خبرا بعد خبر
63
قال أبو إسحاق أي بالآيات المعجزات ( قال قد جئتكم بالحكمة ) قال أي بالإنجيل ( ولأبين لكم بعض الذي تختلفون فيه ) قال أبو عبيدة بعض بمعنى كل وأنشد
( أو يخترم بعض النفوس حمامها ** ) قال أبو جعفر وهذا القول مردود عند جميع النحويين ولا حاجة عليه من معقول أو خبر لأن بعضا معناها خلاف معنى كل في كل المواضع قال أبو إسحاق المعنى ولأبين لكم في الإنجيل بعض الذي تختلفون فيه وقال غيره إنما بين لهم بعض الذي اختلفوا فيه على الحقيقة وذلك ما سألوه عنه
____________________
(4/118)
أو كانت لهم في إخباره إياهم منفعة وقد يجوز أن يختلفوا في أشياء غير ذلك والبيت الذي أنشده أبو عبيدة لا حجة فيه لأن معنى أو يخترم بعض النفوس أنه يعني نفسه وبعض النفوس
65 قال أبو إسحاق الأحزاب اليهود والنصارى
67 جمع خليل ولم يقل فيه فعلاء كراهة التضعيف ( بعضهم ) على البدل من الأخلاء ويجوز أن يكون مرفوعا بالابتداء ( لبعض عدو ) الخبر وروى ابن أبي طلحة عن ابن عباس ( الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين ) قال فكل خلة فهي عداوة يوم القيامة إلا خلة المتقين ( إلا المتقين ) نصب على الاستثناء من موجب
68
من حذف الياء وهو أكثر في كلام العرب قال النداء موضع حذف ومن أثبتها قال هي اسم في موضع خفض فأثبتها كما أثبت المظهر
69
في موضع نصب على النعت لعبادي ويدلك على أنه نعت له وتبيين ما رواه ميمون بن مهران عن ابن عباس قال بينما الناس في الموقف إذ خرج مناد من الحجب فنادى ( يا عباد لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون ) ففرحت الأمم كلها وقالت نحن عباد الله كلنا فخرج ثانية فنادى ( الذين آمنوا بآياتنا وكانوا مسلمين ) فيئست الأمم كلها إلا محمد صلى الله عليه وسلم ومن كان مسلما
____________________
(4/119)
70 أي يقال لهم ذلك ( أنتم وأزواجكم ) عطف على المضمر في ادخلوا وأنتم توكيد ( تحبرون ) في موضع نصب على الحال وعن ابن عباس تحبرون تكرمون
71
وحكي في الجمع كوبة وكيبان ويجوز كياب ( وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين ) هذه قراءة أهل المدينة وأهل الشام وكذا في مصاحفهم وقراءة أهل العراق ( تشتهي ) بغير هاء والقراءتان حسنتان فإثبات الهاء على الأصل وحذفها لطول الاسم غير أنه حكي عن محمد بن يزيد أنه يختار إثبات الهاء ويقدمه على حذفها في مثل هذا وعلته في ذلك أن الهاء إنما حذفت في الذي لطول الاسم وما أنقص من الذي وأيضا فإنك إذا حذفت الياء في الذي وفي التي فقد عرف المذكر من المؤنث وليس هذا في ما
72 نعت لتلك التي خبر الابتداء
74
خبر إن ويجوز النصب في غير القرآن على الحال وكذا
75 قال الفراء وفي قراءة عبد الله ( وهم فيها ) يريد جهنم ومن قال فيه أراد العذاب
____________________
(4/120)
76
خبر كان و هم عند سيبويه فاصلة لا موضع لها من الإعراب بمنزلة ما في قوله جل وعز { فبما نقضهم ميثاقهم } والكوفيون يقولون هم عماد قال الفراء وفي حرف عبد الله بن مسعود ( ولكن كنوا هم الظالمون ) قال أبو جعفر وعلى هذا يكون هم في موضع رفع بالابتداء و الظالمون خبر الابتداء وخبره خبر كان كما تقول كان زيد أبوه خارج
77
قال مجاهد ما كنا ندري معنى يا مالك حتى سمعنا في قراءة عبد الله ( ونادوا يا مال ) قال أبو جعفر هذا على الترخيم والعرب ترخم مالكا وعامرا كثيرا إلا أن هذا مخالف للسواد وفيه لغتان يقال يا مال أقبل هذا أفصح اللغتين كما قال
( يا حار لا أرمين منكم بداهية ** لم يلقها سوقة قبلي ولا ملك )
ومن العرب من يقول يا مال أقبل فيجعلون ما بقي اسما على حاله
____________________
(4/121)
80
والكوفيون يقرءون ( يحسبون ) يقال حسب يحسب وتحسب لغتان والقياس الفتح مثل حذر يحذر إلا أن الكسر أكثر في كلام العرب ويقال إن لغة النبي صلى الله عليه وسلم الكسر وفتحت أن لأنها في موضع اسم
81
إن جعلت إن للشرط فكان في موضع جزم وإن جعلتها بمعنى ما فلا موضع لكان وقد روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى ( قل إن كان للرحمن ولد ) قال يقول لم يكن للرحمن ولد قال أبو جعفر جعل إن بمعنى ما كما قال جل وعز { إن الكافرون إلا في غرور } أي ما الكافرون إلا في غرور
84
قال أبو إسحاق أي معبود في السماء ومعبود في الأرض وفي حرف عبد الله ( وهو الذي في السماء الله وفي الأرض الله )
86 في موضع نصب على الاستثناء
88
هذه قراءة المدنيين وأبي عمرو والكسائي وقرأ الكوفيون غير
____________________
(4/122)
الكسائي ( وقيله ) بالخفض وزعم هارون القارىء أن الأعرج قرأ ( وقيله ) بالرفع قال أبو جعفر ( وقيله ) بالنصب من خمسة أوجه قال الأخفش سعيد وقيله بالنصب من وجهين يكون بمعنى أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم وقيله والوجه الثاني أن يكون مصدرا وقال أبو إسحاق المعنى وعنده علم الساعة ويعلم قيله لأن معنى وعنده علم الساعة ويعلم الساعة أي يعلم وقت الساعة وهو الغيب ويعلم قيله وهو الشهادة والقول الرابع أن يكون المعنى إلا من شهد بالحق وهم يعلمون الحق وقيله والقول الخامس ورسلنا لديهم يكتبون ذلك وقيله قال أبو إسحاق والخفض بمعنى وعنده علم الساعة وعلم قيله قال أبو جعفر والرفع بالابتداء قال الفراء كما تقول نداؤه هذه الكلمة وقدره غيره بمعنى وقيله يا رب ويقال قال قولا وقيلا وقالا بمعنى واحد والقراءة البينة بالنصب من جهتين إحداهما أن المعطوف على المنصوب يحسن أن يفرق بينهما وإن تباعد ذلك لانفصال العامل من المعمول فيه مع المنصوب وذلك في المخفوض إذا فرقت بينهما قبيح والجهة الأخرى أن أهل التأويل يفسرون الآية على معنى النصب كما روى ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله تعالى ( وقيله يا رب إن هؤلاء قوم لا يؤمنون ) قال فأخبر الله جل وعز عن محمد صلى الله عليه وسلم وروى معمر عن قتادة وقيله يا رب قال قول النبي صلى الله عليه وسلم أن هؤلاء قوم لا يؤمنون فالهاء في وقيله على هذا عائدة على النبي صلى الله عليه وسلم وقد قيل إن الهاء راجعة إلى قوله { ولما ضرب ابن مريم مثلا } أي ويسمع قول عيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم لما يئس من صلاح قومه
____________________
(4/123)
وإيمانهم ( إن هؤلاء قوم لا يؤمنون ) والأولى بالصواب القول الأول أن تكون الهاء عائدة على نبينا صلى الله عليه وسلم لجهتين إحداهما أن ذكره أقرب إلى المضمر لأن المعنى قل يا محمد إن كان للرحمن ولد فأنا أول العبادين والجهة الأخرى أن الذي بعده مخاطبة للنبي صلى الله عليه وسلم بإجماع وهو
89 أي أعرض عنهم ( وقل سلام ) أي مسالمة ومتاركة والتقدير في العربية أمري سلام زعم الفراء أن التقدير سلام عليكم ثم حذف وهذا خلاف ما قال المتقدمون وقد ذكر مثل هذا سيبويه وقال نزل بمكة من قبل أن يؤمروا بالسلام وأيضا فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نهى أن يبدأ اليهود والنصارى بالسلام وحظر على المسلمين فصح أن معنى { وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما } أنه ليس من التسليم في شيء وإنما هو من المتاركة والتسليم وكذا ( فاصفح عنهم وقل سلام ) ( فسوف تعلمون ) قراءة المدنيين وهو على هذا من كلام واحد وقراءة ابن كثير والكوفيين والبصريين ( فسوف يعلمون ) بالياء على أنه قد تم الكلام عند وقل سلام والمعنى فسوف يعلمون العقوبة على التهديد
____________________
(4/124)
44
قرىء على محمد بن جعفر بن حفص عن يوسف بن موسى عن مهدي بن ميمون قال حدثنا عمران القصير عن الحسن قال من قرأ سورة الدخان ليلة الجمعة غفر له
1
2 مخفوض بالقسم ( المبين ) من نعته
3
قال أبو جعفر وقد ذكرنا عن العلماء أنها ليلة القدر فأما لبركة التي فيها فهي نزول القرآن وقال أبو العالية هي رحمة كلها لا يوافقها عبد مؤمن يعمل إحسانا إلا غفر له ما مضى من ذنوبه وقال عكرمة يكتب فيها الحاج حاج بيت الله جل وعز فلا يغادر منهم أحد ولا يزاد فيهم أحد فقيل لها مباركة لثبات الخير فيها ودوامه والبركة في اللغة الثبات والدوام
4 أي فيه الحكمة من فعل الله جل وعز
5
____________________
(4/125)
في نصبه خمسة أقوال قال سعيد الأخفش نصبه على الحال بمعنى آمرين وقال محمد بن يزيد نصبه نصب المصادر أي أنا أنزلناه إنزالا والأمر مشتمل على الأخبار قال أبو عمر الجرمي هو حال من نكرة وأجاز على هذا هذا رجل مقبلا وقال أبو إسحاق أمرا مصدر والمعنى فيها يفرق فرقا و أمرا بمعنى فرق والقول الخامس أن معنى يفرق يؤمر ويؤتمر فصار مثل هو يدعه تركا
6
في نصبه خمسة أقوال قال الأخفش هو نصب على الحال وقدره الفراء مفعولا على أنه منصوب بمرسلين وجعل الرحمة للنبي صلى الله عليه وسلم وقال أبو إسحاق يجوز أن يكون رحمة مفعولا من أجله وهذا أحسن ما قيل في نصبها وقيل هي بدل من أمر والقول الخامس أنها منصوبة على المصدر ( إنه هو السميع العليم ) يكون هو زائدا فاصلا ويجوز أن يكون مبتدأ و السميع خبره و ( العليم ) من نعته
7 نعت للسميع ويجوز أن يكون مرفوعا على إضمار مبتدأ وهذه قراءة المدنيين والبصريين سوى الحسن فإنه والكوفيين قرءوا ( رب السموات ) على التبدل بمعنى رحمة من ربك رب السموات وكذا
8 بالرفع والخفض
10
____________________
(4/126)
وسمع من العرب في جمع دخان دواخن وزعم القتبي أنه لم يأت على هذا إلا دخان وعثان قال أبو جعفر وهذا القول ليس بشيء عند النحويين الحذاق وإنما دواخن جمع داخنة وهذا قول الفراء نصا وكل من يوثق بعلمه وحكى الفراء دخنت النار فهي داخنة إذا أتت بالدخان
11
قال أبو إسحاق أي يقول الناس الذين أصابهم الجدب هذا عذاب أليم
13
في موضع رفع بالابتداء على قول سيبويه وعلى قول غيره بإضمار فعل قال أبو الحسن بن كيسان أني تجتذب معنى أين وكيف أي من أي المذاهب وعلى أي حال ومنه { قال يا مريم أنى لك هذا } أي من أي المذاهب وعلى أي حال
15 أصله إننا فحذفت النون تخفيفا ( كاشفوا العذاب ) الأصل كاشفون حذفت النون تخفيفا ومن يحذف النون لالتقاء الساكنين نصب العذاب ( قليلا ) نصب لأنه نعت لظرف أو لمصدر قال أحمد بن يحيى إنكم عائدون إلى الشرك وقيل إلى عذاب الآخرة
____________________
(4/127)
16 منصوب بمعنى اذكروا ولا يجوز أن يكون منصوبا بمنتقمين لأن أن لا يجوز فيها مثل هذا وقرأ أبو جعفر وطلحة ( يوم نبطش ) وهي لغة معروفة وقراءة أبي رجاء ( يوم نبطش ) بضم النون وكسر الطاء على حذف المفعول يقال بطش وأبطشه قال أحمد بن يحيى
17 أي عند ربه جل وعز قال وقال كريم من قومه
18
أن في موضع نصب والمعنى بأن ونصبت عباد الله بوقوع الفعل عليهم أي سلموا إلى عباد الله أي أطلقوهم من العذاب ويجوز أن تنصب عباد الله على النداء المضاف ويكون المعنى أن أدوا إلي ما أمركم الله عز وجل به يا عباد الله
19 معطوفة على أن الأولى ( إني آتيكم بسلطان مبين ) قال أبو إسحاق أي بحجة واضحة بينة أني نبي
20
ويجوز إدغام الذال في التاء لقربها منها وأن التاء مهموسة ( أن ترجمون ) قال الضحاك أي أن تشتموني وحذفت الياء لأنها رأس آية وكذا
21
22
____________________
(4/128)
من قال إن هؤلاء فالمعنى عنده قال إن هؤلاء
23 من سرى ومن قال أسرى قال فأسر ( ليلا ) ظرف
24 على الحال قال محمد بن يزيد يقال عيش راه أي خفض وادع فمعنى رهوا أي ساكنا حتى يحصلوا فيه وهو ساكن ولا ينفروا منه وقيل الرهو المتفرق
25
كم في كلام العرب للتكثير و رب للتقليل وزعم الكسائي أن أصل كم كما فإذا قلت كم مالك فالمعنى كأي شيء من العدد مالك وحذفت الألف من ما كما تحذف مع حروف الخفض مثل { لم أذنت لهم } قيل له فلم أسكنت الميم قال لكثرة الاستعمال كما تسكن في الشعر وأنشد
( فلم دفنتم عبيد الله في جدث ** ولم تعجلتم ولم تروحونا ) وذكر أبو الحسن بن كيسان هذا القول فاسد واستدل على ذلك إنما تستعمله العرب في جواب كم لأنهم يقولون في جواب كم مالك ثلاثون
____________________
(4/129)
وما أشبهه ولو كان كما قال لكان الجواب بالكاف لأن قائلا لو قال كمن أخوك لقلت كمحمد ولو قال مثل ما مالك لقلت مثل الثياب ولو قال كأي شيء مالك لقلت كمال زيد وهذا لا يقال في كم فصح أنها ليست ما دخلت عليها كاف التشبيه وأنها مثل من و ما يستفهم بها عن العدد لأنك لو قلت أمالك ثلاثون أم أربعون لم ينتظم معنى كم لاشتماله على ذلك كله وهي اسم غير معرب لأن فيها معنى الحروف قال سيبويه فبعدت عن المضارعة بعد كم و إذ من المتمكنة
26
في رواية أبي صالح عن ابن عباس أن المقام الكريم المنازل الحسنة قال أبو جعفر وهذا معروف في اللغة أن يقال للموضع الذي يقام فيه مقام كريم وفي رواية الضحاك عن ابن عباس أن المقام المنابر وكذا قال سعيد بن جبير وهو مروي عن عبد الله بن عمر وقد ذكرناه بإسناده في سورة الشعراء
27
قال يعقوب بن السكيت النعمة التنعم وروى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال فكهين معجبين وعنه فاكهين فرحين وحكى أبو
____________________
(4/130)
عبيد عن أبي زيد الأنصاري أنه يقال رجل فكه إذا كان طيب النفس ضحوكا وزعم الفراء أن فكها وفاكها بمعنى واحد كما يقال حذر وحاذر فأما محمد بن يزيد ففرق بين فعل وفاعل في مثل هذا تفريقا لطيفا فقال الحذر الذي في خلقته الحذر والحاذر المستعد قال أبو جعفر وهذا قو صيح بين يدل عليه أن حذرا لا يتعدى عند النحويين
28
الكاف في موضع رفع أي الأمر ذلك ويجوز أن يكون في موضع نصب بمعنى كذلك يفعل بمن يهلكه وينتقم منه
29
أكثر أهل التفسير على أنه حقيقة وأنها تبكي على المؤمن موضع مصلاه من الأرض وموضع مصعده من السماء وقيل هو مجاز والمعنى وما بكى عليهم أهل السماء ولا أهل الأرض وقول ثالث نظير قول العرب ما بكاه شيء وجاء بكت على تأنيث السماء وزعم الفراء أن من العرب من يذكره
30
نعت للعذاب وزعم الفراء أن في قراءة عبد الله ( من عذاب
____________________
(4/131)
المهين ) وذهب إلى أنه إضافة الشيء إلى نفسه مثل { وذلك دين القيمة } قال أبو جعفر وإضافة الشيء إلى نفسه عند البصريين محال والقراءة مخالفة لسواد ولو صحت كان تقديرها من عذاب فرعون المهين ثم أقيم النعت مقام المنعوت ويكون الدليل على الحذف
31
روي عن ابن عباس قال من المشركين وعن الضحاك قال من الفتاكين
32 الضمير يعود على بني إسرائيل أي اخترناهم للرسالة والتشريف ( على علم ) لأن من اخترناه منهم للرسالة يقوم بأدائها ( على العالمين ) لكثرة الرسل فيهم وقيل عالم هل زمانهم
33
أصح ما قيل فيه أن البلاء ههنا النعمة مثل وجميل بلائه لديك قال الفراء وقد يكون البلاء ههنا العذاب
34
35
أي يقولون هذا على العادة بغير حجة وقد تبينت لهم البراهين وظهرت الحجج لهم ولهذا لم يحتج عليهم ههنا وخوفوا وهددوا فقيل
____________________
(4/132)
37 أي فقد علموا أنهم كانوا أعزم منهم ( والذين من قبلهم ) عطف على قوم ويجوز أن يكون مرفوعا بالابتداء وما بعده خبره ويجوز أن يكون في موضع نصب بإضمار فعل دل عليه أهلكناهم ( إنهم كانوا مجرمين )
40
وأجاز الكسائي والفراء إن يوم الفصل ميقاتهم بالنصب قال أبو إسحاق يكون يوما منصوب على الظرف ويكون التقدير أن ميقاتهم في يوم الفصل قال أبو جعفر يفرق بين إن واسمها بالظرف فتقول إن حذاءك زيدا وإن اليوم القتال لأن الظرف معناه في الكلام وإن لم تلفظ به فهذا لا اختلاف بين النحويين فيه واختلفوا في الحال فأجاز الأخفش تقديمها ومنعه محمد بن يزيد وأجاز الأخفش إن قائمين فيها إخوتك تنصب قائمين على الحال أجمعين في موضع خفض توكيد للهاء والميم
41
نصب يوما على البدل من يوم الأول قال الضحاك مولى عن مولى أي عن ولي ( إلا من رحم الله ) في إعراب من أربعة أوجه قال الأخفش سعيد من في موضع رفع على البدل تقديره بمعنى ولا ينصر إلا من رحم الله ويجوز أن يكون في موضع رفع على الابتداء أي إلا من رحم الله فيعفى عنه وقال غيره من في موضع رفع بمعنى لا يغني إلا من
____________________
(4/133)
رحم الله أي لا يشفع إلا من رحم الله وهذا قول حسن لأنه قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن يشفع لأمته حتى يخرج من النار من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من الإيمان وصح عنه أن المؤمنين يشفعون والقول الرابع في من أنها في موضع نصب على الاستثناء المنقطع وهذا قول الكسائي والفراء
43
44
وعن أبي الدرداء قال طعام الفاجر وهذا تفسير وليس بقراءة لأنه مخالف للمصحف
45
قراءة أهل المدينة وأهل الكوفة وأهل البصرة وقراءة ابن كثير ( كالمهل يغلي ) وهو اختيار أبي عبيد وهو مخالف لحجة الجماعة من أهل الأمصار والمعنى فيه أيضا بعيد على ما تأوله أبو عبيد لأنه جعل يغلي للمهل لأنه أقرب إليه وليس المهل الذي يغلي في البطون إنما المهل يغلي في القدور كما روي عن عبد الله بن مسعود أنه أخذ فضة من بيت المال فأذابها ثم وجه إلى أهل المسجد فقال هذا المهل وعن ابن عباس قال المهل دردي الزيت قال أبو جعفر إلا أنه لا يكون لدردي الزيت إلا أن يغلي بذلك على ظاهر الآية
47
____________________
(4/134)
قراءة أهل المدينة وقرأ أهل الكوفة ( فاعتلوه ) وهما لغتان إلا أن القياس الكسر لأنه مثل ضربه يضربه وأجاز الخليل وسيبويه خذوهو فاعتلوهو بإثبات الواو في الإدراج إلا أن الاختيار حذفها واختلف النحويون في ذلك فمذهب سيبويه أن الأصل خذوهو بإثبات الواو إلا أنها حذفت لاجتماع حرفين من حروف المد واللين ومذهب غيره أنها حذفت من أجل الساكنين وقال جويبر عن الضحاك أنه نزل في أبي جهل خذوه فاعتلوه إذا أمر به يوم القيامة قال الضحاك فاعتلوه فادفعوه ( إلى سواء الجحيم ) أي إلى وسط الجحيم
48
روي عن ابن عباس الحميم الحار الذي قد انتهى حره
49
كسرت إن لأنها مبتدأ ومن قرأ ( ذق أنك ) جعله بمعنى لأنك وبأنك والقراءة بالكسر عليها حجة الجماعة وأيضا فإن الكفر أكثر من قوله أنا العزيز الكريم لأن تأويل من قرأها بالفتح ذق لأنك كنت تقول أنا العزيز الكريم
50
قيل دل بهذا على أنهم يعذبون على الشك وقيل بل كانوا مع
____________________
(4/135)
شكهم يجحدون ما شكوا فيه ومن شك في شيء فجحده فهو عاص لله تعالى
51
قراءة الكوفيين وأبي عمرو وقرأ المدنيون ( في مقام ) بضم الميم قال الفراء مقام أجود في العربية لأنه لمكان قال أبو جعفر وهذا من ينكر على الفراء أن يقال للقراءات التي قد روتها الجماعة عن الجماعة هذه أجود من هذه لأنها إذا روتها الجماعة عن الجماعة قيل هكذا أنزل لأنهم لا يجتمعون على ضلالة فكيف تكون إحداهما أجود من الأخرى ومقام بالضم معناه صحيح يكون بمعنى الإقامة كما قال
( عفت الديار محلها فمقامها ** ) والمقام أيضا الموضع إذا أخذته من أقام والمقام بالفتح الموضع أيضا إذا أخذته من قام ( أمين ) قال الضحاك أمنوا فيه الجوع والسقم والهرم والموت وأمنوا الخروج منه
قال مجاهد على سرر متقابلين لا يرى بعضهم قفا بعض
____________________
(4/136)
54
الكاف في موضع رفع أي الأمر كذلك ويجوز أن يكون في موضع نصب أي كذلك يفعل بالمتقين ( وزوجناهم بحور عين ) قال الضحاك الحور البيض والعين الكبار الأعين قال الأخفش ومن العرب من يقول بحير عين قال أبو جعفر هذا على اتباع الأول للثاني ونظيره رواية من روى ارجعن مأزورات غير مأجورات والفصيح البين ارجعن موزورات و بحور فأما عين فهو جمع عيناء وهو فعل كسرت منه فاء الفعل لأن بعدها ياء
56
نصب لأنه استثناء ليس من الأول
57 منصوب على المصدر والعامل فيه المعنى واختلف في ذلك المعنى فقال أبو إسحاق فيه أنه
55 قال ويجوز أن يكون العامل فيه ( إن المتقين في مقام أمين ) وقال غيره العامل فيه ( ووقاهم عذاب الجحيم ) وجواب رابع أن يكون هذا كله عاملا فيه لأن معناه كله تفضل من الله جل وعز وكله يحتاج إلى شرح وذلك أن يقال قد قال جل وعز { بما كانوا يعملون } { وبما }
____________________
(4/137)
كانوا يكسبون ) فما معنى التفضل ههنا ففي هذا غير جواب منها أن تكليف الله جل وعز الأعمال ليس لحاجة منها إليها وإنما كلفهم ذلك ليعملوا فيدخلوا الجنة فالتكليف وإدخالهم الجنة تفضل منه جل وعز فأصح الأجوبة في هذا أن للمؤمنين ذنوبا لا يخلون منها وإن كانت لكثير منهم صغائر فلو أخذهم الله جل وعز بها لعذبهم غير ظالم لهم فلما غفرها لهم وأدخلهم الجنة كان ذلك تفضلا منه جل وعز وأيضا فإن لله جل وعز على عباده كلهم نعما في الدنيا فلو قوبل بتلك النعم أعمالهم لاستغرقها فقد صار دخولهم الجنة تفضلا كما قال صلى الله عليه وسلم ما أحد يدخل الجنة بعمله قيل ولا أنت يا رسول الله قال ولا أنا إلا أن يتغمدني الله منه برحمة
58
قيل معنى يسرناه علمناكه وحفظناكه وأوحينا إليك لتتذكروا به وتعتبروا
59
أي فارتقب أن يحكم الله جل وعز بينك وبينهم ( إنهم مرتقبون ) فيه قولان أحدهما أنه مجاز وأن المعنى أنهم بمنزلة المرتقبين لأن الأمر حال بهم لا محالة وقيل هو حقيقة أي أنهم مرتقبون ما يؤملونه
____________________
(4/138)
45
1
2
تنزيل مرفوع بالابتداء وخبره من الله ويجوز أن يكون مرفوعا على أنه خبر ابتداء محذوف أي هذا تنزيل الكتاب ويجوز أن يكون مرفوعا على أنه خبر عن حم العزيز الحكيم نعت وفيه معنى المدح
3
آيات في موضع نصب وكسرت التاء لأنه جمع مسلم ليوافق المؤنث المذكر في استواء النصب والخفض والتاء عند سيبويه بمنزلة الياء والواو وعند غيره الكسرة بمنزلة الياء وقيل التاء والكسرة بمنزلة الياء فأما الألف فزائدة للفرق بين الواحد والجمع
4
هذه قراءة المدنيين أبي عمرو وكذا التي بعدها وقرأ الأعمش وحمزة والكسائي ( آيات ) مخفوضة في موضع نصب وكذا التي بعدها
____________________
(4/139)
واحتج الكسائي لهذه القراءة بأنه في حرف أبي ( لآيات ) فيهن كلهن باللام فاستدل بهذا على أنه معطوف على ما قبله
قال الفراء وفي قراءة عبد الله
5 على أن فيها في واختيار أبي عبيد ما اختاره الكسائي قال أبو جعفر أما قوله جل وعز ( وفي خلقكم وما يبث من دابة آيات ) فلا اختلاف بين النحويين فيه أن النصب والرفع جيدان فالنصب على العطف أي وإن في خلقكم والرفع من ثلاثة أوجه أحدها أن يكون معطوفا على الموضع مثل { وإذا قيل إن وعد الله حق والساعة لا ريب فيها } والوجه الثاني الرفع بالابتداء وخبره وعطفت جملة على جملة منقطعة من الأول كما تقول إن زيدا خارج وأنا أجيئك غدا والوجه الثالث أن تكون الجملة في موضع الحال مثل { يغشى طائفة منكم وطائفة قد أهمتهم أنفسهم } فأما قوله جل وعز ( واختلاف الليل والنهار وما أنزل الله من السماء من رزق فأحيا به الأرض بعد موتها وتصريف الرياح آيات ) فقد اختلف النحويون فيه فقال بعضهم النصب فيه جائز وأجاز العطف على عاملين فممن قال هذا سيبويه والأخفش والكسائي والفراء وأنشد سيبويه
( أكل امرىء تحسبين امرأ ** ونار توقد بالليل نارا )
____________________
(4/140)
ورد هذا بعضهم ولم يجز العطف على عاملين وقال من عطف على عاملين أجاز في الدار زيد والحجرة عمرو وقائل هذا القول ينشد ونارا بالنصب ويقول من قرأ الثالثة آيات فقد لحن وممن قال هذا محمد بن يزيد وكان أبو إسحاق يحتج لسيبويه في العطف على عاملين بأن من قرأ آيات بالرفع فقد عطف أيضا على عاملين لأنه عطف واختلاف على وفي خلقكم وعطف آيات على الموضع فقد صار العطف على عاملين إجماعا والقراءة بالرفع بينة لا تحتاج إلى احتجاج ولا احتيال وقد حكى الفراء في الآية غير ما ذكرناه وذلك أنه أجاز واختلاف الليل والنهار بالرفع فيه وفي آيات يجعل الاختلاف هو الآيات وقد كفى المئونة فيه بأن قال ولم أسمع أحدا قرأ به
6
مبتدأ وخبره ويجوز أن يكون آيات الله بدلا من تلك ويكون الخبر ( نتلوها عليك بالحق ) ( فبأي حديث بعد الله وآياته يؤمنون ) قراءة المدنيين وأبي عمرو وقرأ الكوفيون ( تؤمنون ) بالتاء ورد أبو عبيد قولهم بأن قبله ( إن في السموات والأرض لآيات للمؤمنين ) وكذا لقوم يوقنون و لقوم يعقلون
____________________
(4/141)
فوجب على هذا عنده أن يكون ( فبأي حديث بعد الله وآياته يؤمنون ) ورد عليهم أيضا بأن قبله ( تلك آيات الله نتلوها عليك ) فكيف يكون بعده فبأي حديث بعد الله تؤمنون قال أبو جعفر وهذا الرد لا يلزم لأن قوله جل وعز ( تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق ) وإن كان مخاطبة للنبي صلى الله عليه وسلم فإنه مبلغ عن الله عز وجل كل ما أنزل إليه فلما كان ذلك كذلك كان المعنى قل لهم فبأي حديث بعد الله وآياته تؤمنون فهذا المعنى صحيح قال الله جل وعز { والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم } أي يقولون
7
روي عن ابن عباس أنه قال نزلت في النضر بن كلدة ويل مرفوع بالابتداء وقد شرحناه فيما تقدم
وقرأ أهل مكة وعيسى بن عمر
11 بالرفع على أنه نعت لعذاب قال محمد بن يزيد الرجز أغلظ العذاب وأشده وأنشد لرؤبة
( كم رامنا من ذي عديد مبزي ** حتى وقمنا كيده بالرجز )
12 مبتدأ وخبره
13 نصب على الحال وروي عن ابن عباس أنه
____________________
(4/142)
قرأ ( جميعا منة ) نصب على المصدر وأجاز أبو حاتم ( جميعا منه ) بفتح الميم والإضافة على المصدر أيضا بمعنى منا منه ويروى عن مسلمة أنه قرأ ( جميعا منه ) بالرفع على إضمار مبتدأ
14
يغفروا في موضع جزم قال الفراء هذا مجزوم بالتشبيه بالجزم والشرط كأنه كقولك قم تصب خيرا وليس كذلك قال أبو جعفر يذهب إلى أنه لما وقع في جواب الأمر كان مجزوما وإن لم يكن جوابا وهذا غير محصل والأولى فيه ما سمعت علي بن سليمان يحكيه عن محمد بن يزيد عن أبي عثمان المازني قال التقدير قل للذين آمنوا اغفروا يغفروا وهذا قول محصل لا إشكال فيه وهو جواب كما تقول أكرم زيدا يكرمك وتقديره إن تكرمه يكرمك وقرأ نافع وأبو عمرو وعاصم ( ليجزي قوما ) وقرأ يحيى بن وثاب والأعمش وحمزة والكسائي ( لنجزي قوما ) بالنون وقرأ أبو جعفر القارىء ( ليجزى قوما ) قال أبو جعفر القراءة الأولى والثانية حسنتان معناهما واحد وإن كان أبو عبيد يختار الأولى ويحتج بأن قبله ( قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله ) فيختار ليجزي قوما ليعود الضمير على اسم الله جل وعز وهذا لا يوجب اختيارا لأنه كلام الله جل وعز ووحيه فقوله جل ثناؤه لنجزي إخبارا عنه جل وعز فأما ( ليجزي قوما ) فقال أبو إسحاق هو
____________________
(4/143)
لحن عند الخليل وسيبويه وجميع البصريين وقال الفراء هو لحن في الظاهر وهو عند البصريين لحن في الظاهر والباطن وإنما أجازه الكسائي على شذوذ بمعنى ليجزى الجزاء قوما فأضمر الجزاء ولو أظهره ما جاز فكيف وقد أضمره وقد أجمع النحويون على أنه لا يجوز ضرب الضرب زيدا حتى أنه قال بعضهم لا يجوز ضرب زيدا سوطا لأن سوطا مصدر وإنما يقام المصدر مقام الفاعل مع حروف الخفض إذا نعت فإذا لم يكن منعوتا لم يجز وهذا أعجب أن يقام المصدر مقام الفاعل غير منعوت مع اسم غير مصدر وفيه أيضا علة أخرى أنه أضمر الجزاء ولم يتقدم له ذكر على أن يجزي يدل عليه وهذا وإن كان يجوز فإنه مجاز فأما إنشادهم
( ولو ولدت قفيرة جرو كلب ** لسب بذلك الجرو الكلابا ) فلا حجة فيه ورأيت أبا إسحاق يذهب إلى أن تقديره ولو ولدت قفيرة الكلاب و جرو كلب منصوب على النداء
16
18
قال مالك بن دينار سألت مجاهدا عن الحكم فقال اللب قال
____________________
(4/144)
محمد بن يزيد الشريعة المنهاج والقصد ومنه شريعة النهر وطريق شارع أي واضح بين وشرائع الدين التي شرعها الله جل وعز لعباده ليعرفوها وجمع شريعة شرائع وحكي أنه يقال شرع وحقيقته أن شرعا جمع شرعة
19
بعضهم مرفوع بالابتداء وأولياء خبره والجملة خبر إن ويجوز نصب بعضهم على البدل من الظالمين ( والله ولي المتقين ) مبتدأ وخبره ويجوز النصب بعطفه على إن قال الكسائي قال
20 ولم يقل هذه بصائر لأنه أراد القرآن والوعظ
21
الذين في موضع رفع بحسب ( أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات ) أن وصلتها بمعنى المفعولين والهاء والميم في موضع نصب مفعول أول لنجعلهم ( كالذين آمنوا وعملوا الصالحات ) في موضع المفعول الثاني ( سواء محياهم ومماتهم ) مبتدأ وخبره هذه قراءة أهل الحرمين وأبي عمرو وعاصم وقرأ الأعمش وحمزة والكسائي ( سواء محياهم ومماتهم ) بنصب سواء قال أبو عبيد وكذلك يقرؤها نصبا بوقوع نجعلهم عليها قال أبو إسحاق وأجاز بعض النحويين ( سواء محياهم ومماتهم ) وقد قرىء به قال أبو جعفر القراءة الأولى ( سواء محياهم
____________________
(4/145)
ومماتهم ) هي التي اجتمعت عليها الحجة من الصحابة والتابعين والنحويين كما قرىء على إبراهيم بن موسى عن إسماعيل بن إسحاق عن مسدد عن يحيى عن عبد الملك عن قيس عن مجاهد في قوله جل وعز ( سواء محياهم ومماتهم ) قال المؤمن يموت على إيمانه ويبعث عليه والكافر يموت على كفره ويبعث عليه وعن أبي الدرداء قال يبعث الناس على ما ماتوا عليه ونحو هذا عن تميم وحذيفة فاجتمعت الحجة على أنه لا يجوز القراءة إلا بالرفع وأن من نصب فقد خرج من هذه التأويلات و سواء مرفوع بالابتداء على هذا لا وجه لنصبه لأن المعنى أن المؤمنين مستوون في محياهم ومماتهم والكافرون مستوون في محياهم ومماتهم ثم يرجع إلى النصب فهو يكون من غير هذه الجهة وذلك من وجيه ذكره الأخفش سعيد قال يكون المعنى أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعل محياهم ومماتهم مستويا كمحيا المؤمنين ومماتهم فعلى هذا الوجه يجوز النصب وعلى هذا الوجه الاختيار عند الخليل وسيبويه رحمهما الله الرفع أيضا ومسائل النحويين جميعا على الرفع كلهم تقول ظننت زيدا سواء أبوه وأمه ويجيزون النصب ومسائلهم على الرفع وأعجب ما في هذا إذا كانت مسائل النحويين كذا فكيف قرأ به الكسائي واختاره أبو عبيد فأما القراءة بالنصب سواء محياهم ومماتهم ففيها وجهان قال الفراء المعنى في محياهم وفي مماتهم ثم حذفت في يذهب إلى أنه منصوب على الوقت والوجه الآخر أن يكون محياهم ومماتهم بدلا من الهاء والميم التي في نجعلهم بمعنى أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعل
____________________
(4/146)
محياهم ومماتهم سواء كالذين آمنوا وعملوا الصالحات أي كمحيا الذين آمنوا وعملوا الصالحات ومماتهم ( ساء ما يحكمون ) إن جعلت ما معرفة فموضعها رفع وإن جعلتها نكرة فموضعها نصب على البيان
22
لام كي لا بد من أن تكون متعلقة بفعل إما مضمر وإما مظهر وهو ههنا مضمر أي ولتجزى كل نفس بما كسبت فعل ذلك
23
من في موضع نصب وللعلماء في معناها ثلاثة أقوال فمن أجلها ما رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ( أفرأيت من اتخذ إلهه هواه ) قال الكافر اتخذ دينه بغير هدى من الله جل وعز ولا برهان وقال الحسن هو الذي كلما اشتهى شيئا لم يمتنع منه وقال سعيد بن جبير كان أحدهم يعبد الشيء فإذا رأى غيره أحسن منه عبده وترك الآخر قال أبو جعفر قول الحسن على التشبيه كما قال جل وعز { اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله } والأشبه بنسق الآية أن يكون للكفار ( وأضله الله على علم ) فيه ثلاثة أقوال منها أن المعنى أضله عن الثواب على علم منه بأنه لا يستحقه والقول الثاني أن المعنى على علم منه بأن عبادته لا
____________________
(4/147)
تنفعه وهذان القولان لم يقلهما متقدم وأولى ما قيل في الآية ما رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ( وأضله الله على علم ) قال في سابق علمه قال سعيد بن جبير ( وأضله الله على علم ) أي على علم قد علمه منه ( وختم على سمعه وقلبه ) قال أبو جعفر قد ذكرناه في سورة البقرة ( وجعل على بصره غشاوة ) وفي قراءة عبد الله ( وجعل على بصره غشاوة ) مروية بفتح الغين وهي لغة ربيعة فيما يظن الفراء وقراءة عكرمة غشاوة بضم الغين وهي لغة عكل قال أبو الحسن بن كيسان ويحذف الألف منها فيكون فيها إذا حذفت الألف ثلاث لغات غشوة وغشوة وغشوة وأما المعنى فمتقارب إنما هو تمثيل أي لا يبصر الحق فهو بمنزلة من على بصره غشاوة إلا أن الأكثر في كلام العرب في مثل هذا أن يكون على فعالة وذلك في كل ما كان مشتملا على الشيء نحو عمامة وكذا ولاية
24
قد ذكرناه إلا أن علي بن سليمان قال المعنى ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا على قولكم واستبعد أن يكون المعنى نحيا ونموت على التقديم والتأخير وقال إنما يجوز هذا فيما يعرف معناه نحو { واسجدي واركعي } قال أبو جعفر وأهل العربية يخالفونه في هذا ويجيزون
____________________
(4/148)
في الواو التقديم والتأخير في كل موضع قال الفراء معنى ( وما يهلكنا إلا الدهر ) أي طول الدهر ومر الأيام والليالي والشهور والسنين وتكلم جماعة في معنى الآية فقال بعضهم هؤلاء قوم لم يكونوا يعرفون الله جل وعز ولو عرفوه لعلموا أنه يهلكهم ويميتهم وقال قوم يجوز أن يكونوا يعرفون الله جل وعز وعندهم أن هذه الآفات التي تلحقهم إنما هي بعلل ودوران فلك يقولون هذا بغير حجة ولا علم وقال قوم هؤلاء جماعة من العرب يعرفون الله جل وعز يدل على قولهم { ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى } وفيهم من يؤمن بالبعث قال زهير
( يؤخر فيوضع في كتاب فيدخر ** ليوم الحساب أو يعجل فينقم ) غير أنهم كانوا جهلة لا يعلمون أن الآفات مقدرة من الله عز وجل وهذا أصح ما روي في الآية وأشبه بنسقها وقد قامت به الحجة بالظاهر ولأنه مروي عن ابن عباس أنه قال في قوله جل وعز ( وما لهم بذلك من علم ) قال قالوا لا نبعث بغير عليم فقال الله جل وعز ( وما لهم بذلك من علم إن هم إلا يظنون )
25 خبر كان ( إلا أن قالوا ) اسمها ويجوز ما كان حجتهم بالرفع على أنه اسم كان لأن الحجة والاحتجاج واحد ويكون الخبر إلا أن قالوا أي إلا مقالتهم
____________________
(4/149)
26 حذفت الضمة من الياء لثقلها ( ثم يميتكم ) عطف عليه وكذا ( ثم يجمعكم ) ( ولكن أكثر الناس لا يعلمون ) قيل أي بمنزلة من لا يعلم وقيل عليهم أن يعلموا
27
أي فهو قادر على أن يحييكم ( ويوم تقوم الساعة ) ظرف منصوب بيخسر
28
على الابتداء وأجاز الكسائي كل أمة على التكرير على كل الأولى وقد ذكرنا معنى ( تدعى إلى كتابها ) وإن أولى ما قيل فيه أنه إلى ما كتب عليها من خير وشر كما روي عن ابن عباس يعرض من خميس إلى خميس ما كتبته الملائكة عليهم السلام على بني آدم فينسخ منه ما يجزى عليه من الخير والشر ويلغى سائره فالمعنى على هذا كل أمة تدعى إلى ما كتب عليها وحصل فتلزمه من طاعة أو معصية وإن كان كفرا أوقف عليه وأتبع ما كان يعبد كما قرىء على إسحاق بن إبراهيم بن يونس عن إسحاق بن أبي إسرائيل عن سفيان بن عيينة عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال قالوا يا رسول الله هل نرى ربنا جل وعز يوم القيامة فقال هل تضارون في القمر ليلة البدل ليس دونه سحاب قالوا لا قال فهل تضارون في الظهيرة ليس دونها سحاب قالوا لا قال فوالذي نفس محمد بيده لترونه كما ترونها قال ويلقى العبد ربه يوم
____________________
(4/150)
القيامة فيقول أي قل ألم أكرمك وأسودك وأزوجك وأسخر لك الخيل والإبل وأذرك ترأس وتربع فيقول بلى أي رب قال فيقول هل كنت تعلم أنك ملاقي فيقول لا يا رب فيقول فإني أنساك كما نسيتني ثم يقول للثاني مثل ذلك فيقول له مثل ذلك ويرد عليه مثل ذلك ثم يقول للثالث مثل ذلك فيقول أي رب آمنت بك وبكتابك وصمت وصليت وتصدقت قال فيقول أفلا تبعث شاهدنا عليك قال فيكفر في نفسه فيقول من ذا الذي يشهد علي فيختم الله جل وعز على فيه ويقول لفخذه انطقي فتنطق فخذه وعظامه ولحمه بما كان وذلك ليعذر من نفسه وذلك الذي يسخط عليه وذلك المنافق قال ثم ينادي مناد ألا اتبعت كل أمة ما كانت تبعد فيتبع الشياطين والصلب أولياؤهما وبقينا أيها المؤمنون قال فيأتينا ربنا جل وعز فيقول من هؤلاء فيقولون عبادك المؤمنون آمنا بك ولم نشرك بك شيئا وهذا مقامنا حتى يأتينا ربنا جل وعز فيثيبنا قال فينطلقون حتى يأتوا الجسر وعليه كلاليب من نار تخطف الناس فهناك حلت الشفاعة أي اللهم سلم فإذا جاوزوا الجسر فكل من أنفق زوجا مما يملك من المال في سبيل الله فكل خزنة الجنة تدعوه يا عبد الله يا مسلم هذا خير فتعال قال أبو بكر رضي الله عنه يا رسول الله إن هذا العبد لا ترى عليه يدع بابا ويلج من آخر قال فضرب كتفه وقال والذي نفسي بيده إني لأرجو أن تكون منهم
____________________
(4/151)
وقرىء على أحمد بن شعيب بن عيسى بن حماد قال أخبرنا الليث بن سعد عن إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب عن عطاء بن يزيد عن أبي هريرة قال قال الناس يا رسول الله هل نرى ربنا جل وعز يوم القيامة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هل تضارون في الشمس ليس دونها سحاب وهل تضارون في القمر ليلة البدر قالوا لا قال فكذلك ترونه قال يجمع الله جل وعز الناس يوم القيامة فيقول من كان يعبد شيئا فليتبعه فيتبع من يعبد الشمس الشمس وتبع من يعبد القمر القمر ويتبع من يعبد الطواغيت الطواغيت وتبقى هذه الأمة بمنافقيها فيأتيهم الله جل وعز في الصور التي يعرفون فيقول أنا ربكم فيقولون أنت ربنا فيتبعونه ويضرب الصراط بين ظهراني جهنم فأكون أنا وأمتي أول من يجيز ولا يتكلم إلا الرسل عليهم السلام ودعوة الرسل يومئذ اللهم سلم سلم وفي جهنم كلاليب كشوك السعدان هل رأيتم السعدان فإنه مثل شوك السعدان غير أنه لا يدري ما قدر عظمها إلا الله عز وجل فيخطف الناس بأعمالهم فإذا أراد الله جل وعز أن يخرج من النار برحمته من شاء أمر الملائكة أن يخرجوا من كان لا يشرك بالله شيئا فمن يقول لا إله إلا الله ممن أراد أن يرحمه فيعرفونهم في النار بآثار السجود حرم الله عز وجل النار على ابن آدم أن تأكل آثار السجود فيخرجونهم من النار وقد امتحشوا فيصب عليهم ماء الحياة فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل قال أبو جعفر فأما تفسير تضارون فنمليه مما أخذناه عن أبي إسحاق بشرح كل رواية فيه مما لا يحتاج إلى زيادة قال والذي جاء في الحديث مخفف تضارون
____________________
(4/152)
وتضامون وله وجه حسن في العربية وهذا موضع يحتاج أن يستقصى تفسيره فإنه أصل في السنة والجماعة ومعناه لا ينالكم ضير ولا ضيم في رؤيته أي ترونه حتى تستووا في الرؤية فلا يضير بعضكم بعضا قال وقال أهل اللغة قولين آخرين قالوا لا تضارون بتشديد الراء ولا تضامون بتشديد الميم مع ضم التاء قال وقال بعضهم بفتح التاء وبتشديد الراء والميم على معنى تتضارون وتتضامون وتفسير هذا أنه لا يضار بعضكم بعضا أي لا يخالف بعضكم بعضا في ذلك يقال ضاررت الرجل أضاره مضارة وضرارا إذا خالفته ومعنى لا تضامون في رؤيته لا ينضم بعضكم إلى بعض فيقول واحد للآخر أرينه كما يفعلون عند النظر إلى الهلال
29
ينطق في موضع نصب على الحال ويجوز أن يكون في موضع رفع على خبر هذا و كتابنا بدل من هذا
30
الذين في موضع رفع بالابتداء وخبره ( فيدخلهم ربهم في رحمته )
31
الذين في موضع رفع أيضا وحذف القول كما يحذف في كلام العرب كثيرا فلما حذف حذفت الفاء معه لأنها تابعة له ( فاستكبرتم ) الاستكبار في اللغة الأنفة من اتباع الحق وقد بين الله جل وعز على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم حين سئل ما الكبر كما قرىء على إسحاق بن
____________________
(4/153)
إبراهيم بن يونس عن محمد بن المثنى عن عبد الوهاب عن هشام عن محمد عن أبي هريرة أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم وكان رجلا جميلا فقال يا رسول الله حببت إلي الجمال وأعطيت منه ما ترى حتى ما أحب أن يفوقني أحد إما قال بشراك نعل وإما قال بشسع أفمن الكبر ذلك قال لا ولكن الكبر من بطر الحق وغمص الناس قال إسحاق وحدثنا الوليد بن شجاع قال حدثنا عطاء بن مسلم الخفاف عن محمد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال يحشر المتكبرون أحسبه قال في صور الذر قال إسحاق وحدثنا محمد بن بكار قال حدثنا إسماعيل يعني ابن علية عن عطاء بن السائب عن الأغر عن أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال جل وعز الكبرياء ردائي والعظمة إزاري فمن نازعني واحدا منهما ألقيته في جهنم
32
وقرأ الأعمش وحمزة ( الساعة لا ريب فيها ) عطفا بمعنى وإن الساعة لا ريب فيها والرفع بالابتداء ويجوز أن يكون معطوفا على الموضع أي وقيل ( الساعة لا ريب فيها ) ويجوز أن تكون الجملة في موضع
____________________
(4/154)
الحال وزعم أبو عبيد أنه يلزم من قرأ بالرفع ههنا أن يقرأ { وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين } وفي هذا طعن على جماع الحجة لأنه قد قرأها هنا بالرفع وثم بالنصب من يقوم بقراءتهم الحجة منهم نافع وعاصم قرآ ( والساعة لا ريب فيها ) وقرآ والعين بالعين بالنصب وكذا ما بعده وفيه أيضا طعن على عبد الله بن كثير وأبي عمرو بن العلاء وأبي جعفر القارىء وعبد الله بن عامر لأنهم قرءوا والساعة لا ريب فيها وقرءوا ( والعين بالعين ) بالنصب وكذا ما بعده إلا والجروح قصاص والحديث المروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأ والعين بالعين لا يجوز أن يكون في موضع الحال وقد ذكر أبو عبيد أن مثله { والبحر يمده } وهو مخالف له لأن والبحر أولى الأشياء به عند النحويين أن يكون في موضع الحال وأبعد الأشياء في الساعة لا ريب فيها أن يكون في موضع الحال ( قلتم ما ندري ما الساعة إن نظن إلا ظنا ) وهذا من مشكل الإعراب وغامضه لأنه لا يقال ما ضربت إلا ضربا وما ظننت إلا ظنا لأنه لا فائدة فيه أن يقع بعد حرف الإيجاب لأن معنى المصدر كمعنى الفعل فالجواب عن الآية عن محمد بن يزيد على معنيين أحدهما أن يكون في الكلام تقديم وتأخير أي إن نحن إلا نظن ظنا وزعم أن نظيره من كلام العرب حكاه أبو عمرو بن العلاء وسيبويه ليس الطيب إلا المسك أي ليس إلا الطيب المسك والجواب الآخر أن يكون التقدير إن نظن إلا أنكم تظنون ظنا
قال أبو العباس
33 نزل بهم
____________________
(4/155)
وروى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس
34 قال نترككم ( كما نسيتم لقاء يومكم هذا ) يكون من النسيان أي تشاغلتم عن يوم القيامة بلذاتكم وأمور دنياكم فوبخهم الله عز وجل على ذلك ويجوز أن يكون المعنى كما تركتم العمل للقاء يومكم هذا وحقيقته في العربية كما تركتم عمل لقاء يومك مثل ( وسئل القرية )
36
على البدل ويجوز أن يكون نعتا
37
قال محمد بن يزيد الكبرياء الجلال والعظمة ( وهو العزيز الحكيم ) مبتدأ وخبره
____________________
(4/156)
2 3 4 5 6 7 * من الأرض
____________________
(4/157)
أم لهم ) ولم يقرءوا خلقن ولا خلقت ولا لهن ولا لها ( ائتوني بكتاب من قبل هذا أو أثارة من علم ) وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي ( أو أثرة ) وحكى الفراء لغة ثالثة وهي ( أثرة ) بفتح الهمزة وحكى الكسائي لغة رابعة وهي أو أثرة بضم الهمزة والمعنى في اللغات الثلاث عند الفراء واحد والمعنى عنده بقية من علم ويجوز أن يكون المعنى عنده شيئا مأثورا من كتب الأولين فأثارة عنده مصدر كالسماحة والشجاعة وأثرة عنده بمعنى أثر كقولهم قترة وقتر وأثرة كخطفة فأما الكسائي فإنه قال أثارة وأثرة وأثرة كل ذلك تقول العرب والمعنى فيهن كلهن عنده معنى واحد بمعنى الشيء المأثور قال أبو جعفر ومعنى الشيء المأثور المتحدث به ومما صح سنده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سمع عمر وهو يقول وأبي فقال إن الله جل وعز ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم فمن كان حالفا فليحلف بالله جل وعز أو ليسكت قال عمر فما حلفت بها بعد ذاكرا ولا آثرا وفي بعض الحديث من حلف بغير الله جل وعز فقد أشرك وفي آخر فقد كفر فقوله ذاكرا معناه متكلما بها وقائلا بها كما يقال ذكرت لفلان كذا ومعنى ولا آثرا ولا مخبرا بها عن غيري أنه حلف بها ومن هذا حديث مأثور يقال أثر الحديث يأثره وأثر يفعل ذلك وآثر فلان فلانا إذا فضله وأثار التراب يثره ووثر الشيء ويوثر إذا صار وطيئا ومنه قيل ميثرة انقلبت الواو فيها ياء
____________________
(4/158)
وفي معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم من حلف بغير الله جل وعز فقد أشرك أقوال أصحها أن المعنى فقد أشرك في تعظيم الله جل وعز وعز غير الله لأنه إنما يحلف الإنسان بما يعظمه أكبر العظمة وهذا لا ينبغي أن يكون إلا لله جل وعز وفي قوله صلى الله عليه وسلم فقد كفر أقوال فمن أصحها أن الكفر هو التغطية والمعنى فقد غطى وستر ما يجب أن يظهر من تعظيم الله جل وعز
5
أي ومن أضل عن الحق ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة قال الفراء وفي قراءة عبد الله ( ما لا يستجيب له ) والقول فيه مثل ما تقدم
6
أي يتبرءون منهم ومن عبادتهم
7 نصب على الحال
8
قال محمد بن يزيد أي بما تمضون فيه قال ومنه حديث مستفيض ومستفاض فيه إذا شاع حتى يتكلم الناس فيه ( كفى به شهيدا ) نصب على الحال ويجوز أن يكون نصبا على البيان والباء زائدة جيء بها للتوكيد لأن المعنى اكتفوا به قال فإذا قلت كفى يزيد فمعناه كفى زيد
____________________
(4/159)
9
قال محمد بن يزيد البدع والبديع الأول يقال ابتدع فلان كذا إذا أتى بما لم يكن قبله وفلان مبتدع من البدعة وهي التي لم يتقدم لها شبه وقال عز وجل { بديع السماوات والأرض } أي مبتدئهما ( وما أدري ما يفعل بي ولا بكم ) حذفت الضمة من الياء لثقلها وكذا وإن أدري
10
قيل شاهد بمعنى شهود تشهد جماعة من بني إسرائيل ممن أسلم على أنهم قد قرءوا التوراة وفيها تعريف نزول القرآن من عند الله جل وعز ومن أجل ما روي في ذلك ما رواه مالك بن أنس عن أبي النضر عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه قال ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يشهد لأحد يمشي على الأرض أنه من أهل الجنة إلا عبد الله بن سلام ففيه نزلت ( وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله فآمن واستكبرتم ) قال أبو جعفر ومع هذا فقد عارض هذا الحديث علماء جلة منهم مسروق والشعبي فقالا لم تنزل في عبد الله بن سلام لأن السورة مكية وعبد الله بن سلام بالمدينة وإنما نزلت في غيره والحديث صحيح السند وقد احتج
____________________
(4/160)
على من أنكر ذلك بأن السورة وإن كانت مكية فإنه قد يجوز أن يضم إليها بعض ما أنزل بالمدينة لأن التأليف من عند الله جل وعز يأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم كما أحب وأراد فهذا قول بين وقد قيل إن قريشا وجهت من مكة إلى المدينة لأنه كان بها علماء اليهود يسألون عن أمر النبي صلى الله عليه وسلم فشهد عبد الله بن سلام بنبوته صلى الله عليه وسلم فأنزل الله جل وعز ( قل أرأيتم إن كان من عند الله وكفرتم به وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله ) الآية ومع هذا كله فإن الحديث وإن كان صحيح السند فقد قيل إن الذي في الحديث من قوله وفيه نزلت ليس من كلام سعد وإنما هو من كلام بعض المحدثين خلط بالحديث ولم يفصل
11
روى ابن المبارك عن معمر عن قتادة قال قوم من المشركين نحن ونحن يفتخرون لو كان خيرا ما سبقنا إليه فلان وفلان يعنون عمارا وبلالا وصهيبا وضروبهم فأنزل الله جل وعز { يختص برحمته من يشاء } ( وإذ لم يهتدوا به ) زعم سيبويه أن إذ لا يجازى بها حتى يضم إليها ما وكذا حيث قال أبو جعفر والعلة في ذلك أن ما يفصلها من الفعل الذي بعدها فتعمل فيه وإذا لم تأت بما كان متصلا بها وهي مضافة إليه فلم تعمل فيه ( فسيقولون هذا إفك قديم ) أي تقدم مثله في سالف الدهور
____________________
(4/161)
12
إماما منصوب على الحال أي يؤتم به ورحمة عطف على إمام أي ونعمة ( وهذا كتاب مصدق لسانا عربيا ) منصوب على الحال والضعيف في العربية يتوهم أنه حال من نكرة لأن الذي قبله نكرة والحال من النكرة ليس بجيد ولا يقال في كتاب الله جل وعز ما غيره أجود منه فلسانا منصوب على الحال من المضمر الذي في مصدق والمضمر معرفة وجاز نصب لسان على الحال لأنه بمعنى مبين وكان علي بن سليمان يقول في هذا هو توطئة للحال و عربيا منصوب على الحال كما تقول هذا زيد رجلا صالحا ( لتنذر الذين ظلموا ) بالتاء هذه قراءة المدنيين وقرأ عمرو وحمزة والكسائي { لينذر الذين ظلموا } واختيار أبي عبيد ( لتنذر ) بالتاء واحتج بقوله جل وعز { إنما أنت منذر } قال أبو جعفر والمعنى في القراءتين واحد ولا اختيار فيهما من قرأ لينذر جعله للقرآن أو لله جل وعز وإذا كان للقرآن فالنبي صلى الله عليه وسلم هو المنذر به وكذا إذا كان لله جل وعز فإذا عرف المعنى لم يقع في ذلك اختيار كما قال جل وعز { قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف } فقد علم أن الغافر هو الله جل وعز والقراءة نغفر ويغفر واحد وكذا { وقولوا حطة نغفر لكم } و يغفر واحد ليس أحدهما أولى من الآخر ( وبشرى ) في موضع رفع عطفا
____________________
(4/162)
على كتاب ويجوز أن يكون في موضع نصب على المصدر ( للمحسنين ) قال ابن عيينة الإحسان التفضل والعدل والإنصاف
13
أي على طاعة الله جل وعز ثم أخبر جل ثناؤه بما لهم فقال ( فلا خوف عليهم ) أي في الآخرة ( ولا هم يحزنون ) على ما خلفوا في الدنيا كذا قال أهل التفسير وبعده خبر آخر وهو
14 نصب على الحال ( جزاء بما كانوا يعملون ) مصدر
15
هذه قراءة المدنيين والبصريين وكذا في مصاحفهم وقرأ حمزة والكسائي ( إحسانا ) وروي عن عيسى بن عمر أنه قرأ ( حسنا ) بفتح الحاء والسين فأما حسنى بغير تنوين فلا يجوز في العربية لأن مثل هذا لا تنطق به العرب إلا بالألف واللام الفضلى والأفضل والحسنى والأحسن وإحسان مصدر أحسن وحسنا بمعناه وحسن على إقامة النعت مقام المنعوت أي فعلا حسنا وينشد بيت زهير
( يطلب شأو امرأين قدما حسنا ** فاقا الملوك وبذا هذه السوقا ) أي فعلا حسنا وهذا مثل هذه القراءة ( حملته أمه كرها ووضعته كرها
____________________
(4/163)
هذه قراءة حمزة والكسائي وهي مروية عن الحسن وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي وأبو عمرو وأبو جعفر وشيبة ونافع ( كرها ) بفتح الكاف وعارض أبو حاتم السجستاني هذه القراءة بما لو صح لوجب اجتنابها لأنه زعم أن الكره الغضب والقهر وأن الكره المكروه واحتج بأن الجميع قرءوا { لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها } وذكر أن بعض العلماء سمع رجلا يقرأ ( حملته أمه كرها ووضعته كرها ) فقال لو حملته كرها لرمت به يذهب إلى أن الكره القهر والغضب قال أبو جعفر في هذا طعن على من تثبت الحجة بقراءته وحكايته عن بعض العلماء لا حجة فيها لأنه لم يسمه ولا يعرف ولو عرف لما كان قوله حجة إلا بدليل وبرهان والحجة في هذا قول من يعرف ويقتدى به إن الكره والكره لغتان بمعنى واحد بل قد روي عن محمد بن يزيد أنه قال الكره أولى لأنه المصدر بعينه وقد حكى الخليل وسيبويه رحمهما الله أن كل فعل ثلاثي فمصدره فعل واستدلا على ذلك أنك إذا رددته إلى المرة الواحدة جاء مفتوحا نحو قام قومة وذهب ذهبة فإذا قلت ذهب ذهابا فإنما هو عندهما اسم للمصدر لا مصدر وكذلك الكره اسم للمصدر والكره المصدر ( وحمله وفصاله ثلاثون شهرا ) التقدير وقت حمله مثل { واسأل القرية } وقرأ أبو رجاء وعاصم الجحدري ( وحمله وفصله ) فرويت عن الحسن بن أبي الحسن واحتج
____________________
(4/164)
أبو عبيد للقراءة الأولى بالحديث لا رضاع بعد فصال وأبين من هذه الحجة أن فصالا مصدر مثل قتال وهذا الفعل من اثنين لأن المرأة والصبي كل واحد منهما ينفصل من صاحبه فهذا مثل القتال وإن كان قد يقال فصله فصلا وفصالا ( حتى إذا بلغ أشده ) جمع شدة عند سيبويه مثل نعمة وقد ذكرناه بأكثر من هذا
( إني تبت إليك وإني من المسلمين ) الأصل أنني حذفت النون لاجتماع النونات
17
قال الفراء أي قذرا لكما وقد ذكرنا ما في أف من اللغات ( أتعدانني ) وذكر بعض الرواة أن نافع بن أبي نعيم قرأ ( أتعدانني ) بفتح النون الأولى وذلك غلط غير معروف عن نافع وإنما فتح نافع الياء فغلط عليه وفتح هذه النون لحن ولا يلتفت إلى ما أنشد وهو
____________________
(4/165)
( أعرف منها الأنف والعينانا ** ) وسمعت علي بن سليمان يقول سمعت محمد بن يزيد يقول أن كان مثل هذا يجوز فليس بن الحق والباطل فرق يتركون كتاب الله جل وعز ولغات العرب الفصيحة ويستشهدون بأعرابي بوال ( أن أخرج ) وقرأ الحسن ( أن أخرج ) وتقديره أن أخرج من قبري ( وهما يستغيثان الله ) أي يسألانه ويطلبان إليه أن يلطف لهما بما يؤمن به ( ويلك آمن ) يدلك على أنهما احتجا عليه ووعظاه ونصب ويلك على المصدر وتوهم القائل لهذا القول أن الأمم لما لم تخرج من قبورها أحياء في الدنيا أنها لا تبعث فذلك قوله ( وقد خلت القرون من قبلي )
20
هذه القراءة مروية عن عمر بن الخطاب رحمة الله عليه وهي قراءة نافع وأبي عمرو وعاصم وابن أبي إسحاق وحمزة والكسائي وقرأ يزيد بن القعقاع ( أاذهبتم ) وهذه القراءة مروية عن الحسن والقراءتان عند الفراء بمعنى واحد قال الفراء العرب تستفهم في التوبيخ ولا نستفهم فيقولون ذهبت ففعلت وفعلت ويقولون أذهبت ففعلت وفعلت وكل
____________________
(4/166)
صواب قال أبو جعفر فأما ما روي عن محمد بن يزيد فتحقيق هذا وهو أن الصواب عنده ترك الاستفهام فيقرأ أذهبتم وفيه معنى التقريع وإن كان خبرا والمعنى عنده أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا فذوقوا العذاب والاستفهام إذا قرأ أذهبتم فهو على التوبيخ والتقرير وإنما اختار أذهبتم بغير استفهام لأن الاستفهام إذا كان فيه معنى التقرير صار نفيا إذا كان موجبا كما قال جل وعز { أفرأيتم ما تمنون أأنتم تخلقونه } وإن كان نفيا صار موجبا لأن نفي النفي إيجاب كما قال
( ألستم خير من ركب المطايا ** وأندى العالمين بطون راح ) إلا أنه من قرأ أذهبتم فليس يحمل معناه عنده على هذا ولكن تقديره أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا وتطلبون النجاة في الآخرة ( فاليوم تجزون عذاب الهون ) العامل في اليوم تجزون ينوى به التأخير ( بما كنتم تستكبرون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تفسقون ) أي استكباركم وفسقكم وإذا كانت ما هكذا مصدرا لم تحتج إلى عائد
21
صرف عاد لأنه اسم للحي ولو جعل اسما للقبيلة لم ينصرف وإن كان على ثلاثة أحرف وكذا لو سميت امرأة بزيد لم ينصرف وإن سميتها بهند
____________________
(4/167)
جاز الصرف عند الخليل وسيبويه والكسائي والفراء إلا أن الاختيار عند الخليل وسيبويه ترك الصرف وعند الكسائي والفراء الأجود الصرف فأما أبو إسحاق فكان يقول إذا سميت امرأة بهند لم يجز الصرف البتة وهذا هو القياس لأنها مؤنثة وهي معرفة فأما قول بعض النحويين إنك إذا سميت بفعل ماض لم ينصرف فقد رده عليه سيبويه بالسماع من العرب خلاف ما قال وأن له نصيرا من الأسماء وكذا يقال كتبت أبا جاد بالصرف لا غير ( إذ أنذر قومه بالأحقاف ) قال مجاهد الأحقاف أرض وقال ابن أبي نعيم الأحقاف اسم أرض وقال وهب بن منبه الأحقاف باليمن الأصنام والأوثان وقد قهروا الناس بكثرتهم وقوتهم وقال محمد بن يزيد واحد الأحقاف حقف وهو رمل مكتنز ليس بالعظيم وفيه اعوجاج قال ويقال احقوقف الشيء إذا اعوج حتى كاد يلتقي طرفاه كما قال
( سماوة الهلال حتى احقوقفا ** ) وانصرف الأحقاف وإن كان اسم أرض لأن فيه ألفا ولاما قال سيبويه واعلم أن كل ما لا ينصرف إذا دخلته ألف ولام أو أضيف انصرف ( قد خلت النذر ) جمع نذير وهو الرسول ويجوز أن تكون النذر اسما للمصدر قال
____________________
(4/168)
الفراء ( من بين يديه ) من قبله ( ومن خلفه ) من بعده ( ألا تعبدوا إلا الله ) أن في موضع نصب أي بأن ( إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم ) نعت لليوم ولو كان نعتا لعذاب لنصب ولا يجوز الجوار في كتاب الله تعالى وإنما يقع في الغلط
قال محمد بن يزيد
24 فيه جوابان يكون التقدير فلما رأوا السحاب وإن كان لم يتقدم للسحاب ذكر لأن الضمير قد عرف ودل عليه عارضا والجواب الآخر أن يكون جوابا لقولهم ( فأتنا بما تعدنا ) أي فلما رأوا ما يوعدون عارضا ( مستقبل أوديتهم ) يقدر فيه التنوين وكذا ( قالوا هذا عارض ممطرنا ) أو ممطر لنا كما قال
( يا رب غابطنا لو كان يطلبكم ** ) أي غابط لنا ( بل هو استعجلتم به ) قال الفراء وفي حرف عبد الله قل بل ما استعجلتم به هي ريح فيها عذاب أليم قال وهي وهو مثل { من مني يمنى } ويمنى من قال هو ذهب إلى العذاب ومن قال هي ذهب إلى الريح
____________________
(4/169)
25
هذه قراءة أهل الحرمين وأبي عمرو والكسائي وهي المعروفة من قراءة علي بن أبي طالب رضي الله عنه وابن عباس وقرأ الأعمش وحمزة وعاصم ( فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم ) وهي المعروفة من قراءة ابن مسعود ومجاهد وقرأ الحسن وعاصم الجحدري ( فأصبحوا لا ترى إلا مساكنهم ) بالتاء ورفع المساكن على اسم ما لم يسم فاعله وهذه القراءة عند الفراء بعيدة لأن فعل المؤنث إذا تقدم وكان بعده إيجاب ذكرته العرب فيما زعم وحكى لم يقم إلا هند لأن المعنى عنده لم يقم أحد إلا هند
26
قال محمد بن يزيد ما بمعنى الذي و إن بمعنى ما أي ولقد مكناهم في الذي مكناكم فيه ( وجعلنا لهم سمعا وأبصارا وأفئدة ) فجاء السمع مفردا وما بعده مجموعا ففيه غير جواب منها أنه مصدر فلم يجمع لذلك ومنها أن يكون فيه محذوف أي وجعلنا لهم ذوات سمع ومنها أن يكون واحد يدل على جمع ( فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم ) تكون ما نعتا لا موضع لها من الإعراب وإن جعلتها استفهاما كان موضعها نصبا قال الفراء ( وحاق بهم ما كانوا يستهزئون ) أي عاد قال وأهل التفسير يقولون أحاط ونزل
____________________
(4/170)
27
هذه لام توكيد و قد عند الخليل وسيبويه بمعنى التوقع مع الماضي فإذا كانت مع المستقبل أدت معنى التقليل تقول قد يقوم أي يقل ذلك منه
28 لولا وهلا واحد كما قال
( بني ضوطري لولا الكمي المقنعا ** ) أي هلا ( قربانا آلهة ) يكون قربانا مصدرا ويكون مفعولا من أجله ويكون مفعولا و آلهة بدل منه ( بل ضلوا عنهم ) وإن شئت أدغمت اللام في الضاد وزعم الخليل وسيبويه أن الضاد تخرج من الشق اليمين ولبعض الناس من الشق الشمال ( وذلك إفكهم ) ذلك في موضع رفع بالابتداء إفكهم خبره والهاء والميم في موضع خفض بالإضافة ومثله سواء في الإعراب والمعنى قال الفراء إفك وأفك مثل حذر وحذر أي هما بمعنى واحد ويروى عن ابن عباس أنه قرأ ( أفكهم ) على أنه فعل ماض والهاء والميم على هذه القراءة في موضع نصب وفي إسنادها عن ابن عباس نظر ولكن قرىء على إبراهيم بن موسى عن إسماعيل بن إسحاق عن سليمان بن حرب عن حماد بن سلمة قال حدثنا عطاء بن
____________________
(4/171)
السائب قال سمعت أبا عياض يقرأ ( وذلك أفكهم ) فعلى هذه القراءة يكون ( وما كانوا يفترون ) في موضع رفع على أحد أمرين إما أن يكون معطوفا على المضمر الذي في أفكهم ويكون المعنى وذلك أرداهم وأهلكهم هو وافتراؤهم إلا أن العطف على المضمر المرفوع بعيد في العربية إلا أن يؤكد ويطول الكلام لو قلت قمت وعمرو كان قبيحا حتى تقول قمت أنا وعمرو أو قمت في الدار وعمرو والوجه الثاني أن يكون وما كانوا يفترون معطوفا على ذلك أي وذلك أهلكهم وأضلهم وافتراؤهم أيضا أهلكهم وأضلهم والقراءة البينة التي عليها حجة الجماعة وذلك إفكهم أي وذلك كذبهم وما كانوا يفترون على هذه القراءة معطوف على إفكهم أي وذلك إفكهم وافتراؤهم تكون ما والفعل مصدرا فلا تحتاج إلى عائد لأنها حرف فإن جعلتها بمعنى الذي لم يكن بد من عائد مضمر أو مظهر فيكون التقدير والذي كانوا يفترونه ثم تحذف الهاء ويكون حذفها حسنا لعلل منها طول الاسم وأنه لا يشكل مذكر بمؤنث وأنه رأس آية وأنه ضمير متصل ولو كان منفصلا لبعد الحذف وإن كان بعضهم قد قرأ { تماما على الذي أحسن } بمعنى على الذي هو أحسن وتأول بعضهم قول سيبويه هذا باب علم ما الكلم بمعنى الذي هو الكلم وروى بعضهم هذا باب علم ما الكلم بغير تنوين على أنه حذف أيضا هو وفيه من البعد ما ذكرنا فإذا كان متصلا حسن الحذف كما قرىء { وفيها ما تشتهيه الأنفس }
____________________
(4/172)
) وتشتهيه وحكى أبو إسحاق وذلك أأفكهم أي أكذبهم
29
إذ في موضع نصب قيل مضى صرفنا وقفناهم لذلك فسمي صرفا مجازا ( فلما قضي ) أي فرغ من تلاوته ( ولوا إلى قومهم منذرين ) أي مخوفين من ترك قبول الحق ونصب منذرين على الحال
30
وأجاز سيبويه في بعض اللغات فتح أن بعد القول ( أنزل من بعد موسى مصدقا لما بين يديه يهدي إلى الحق ) يهدي في موضع نصب لأنه نعت لكتاب ويجوز أن يكون منصوبا على الحال وهو مرفوع لأنه فعل مستقبل
31
جواب الأمر وكذا ( ويجركم )
33
ليس من التعب وإنما يقال في التعب أعيا يعيي وعيي بالأمر يعين وعي به إذا لم يتجه له ( بقادر ) هذه قراءة أبي جعفر وشيبة ونافع وابن كثير وأبي عمرو والأعمش وحمزة والكسائي وقرأ عبد الرحمن الأعرج وابن
____________________
(4/173)
أبي إسحاق وعاصم الجحدري ( يقدر ) وقد زعم بعض النحويين أن القراءة بيقدر أولى لأن الباء إنما تدخل في النفي وهذا إيجاب وتعجب من أبي عمرو والكسائي كيف جاز عليهما مثل هذا حتى غلطا فيه مع محلهما من العربية قال أبو جعفر وفي هذا طعن على من تقوم الحجة بقراءته ومع ذلك فقد أجمعت الأئمة على أن قرءوا ( أوليس الذي خلق السموات والأرض بقادر ) ولا نعلم بينهما فرقا ولا تجتمع الجماعة على ما لا يجوز وقد تكلم النحويون في الآية التي أشكلت على قائل هذا فقال الكسائي إنما دخلت الباء من أجل لم وهذا قول صحيح وسمعت علي بن سليمان يشرحه شرحا بينا قال الباء تدخل في النفي فتقول ما زيد بقائم فإذا دخل الاستفهام على النفي لم يغيره عما كان عليه فتقول أما زيد بقائم فكذا بقادر لأن قبله حرف نفي وهو لم وقال أبو إسحاق الباء تدخل في النفي ولا تدخل في الإيجاب تقول ظننت زيدا منطلقا ولا يجوز ظننت زيدا بمنطلق فإن جئت بالنفي قلت ما ظننت زيدا بمنطلق فكذا قوله جل وعز ( أولم يروا أن الله الذي خلق السموات والأرض ولم يعي بخلقهن بقادر ) والمعنى أو ليس الذي خلق السموات والأرض بقادر في رويتهم وفي علمهم قال أبو جعفر فإن قال قائل لم صارت الباء في النفي ولا تكون في الإيجاب فالجواب عند البصريين أنها دخلت توكيدا للنفي لأنه قد يجوز ألا يسمع المخاطب ما أو يتوهم الغلط فإذا
____________________
(4/174)
جئت بالباء علم أنه نفي وأما قول الكوفيين الباء في النفي حذاء اللام في الإيجاب
34 بمعنى واذكر يوما
35
في معناه قولان أحدهما أنه بمعنى قليل يقال ما معه من الزاد إلا بلاغ أي قليل والقول الآخر أن المعنى فيما وعظوا به بلاغ كما قال الأخفش قال بعضهم البلاغ القرآن وهو مرفوع على إضمار مبتدأ أي ذلك بلاغ وممن نصبه جعله مصدرا أو نعتا لساعة ( فهل يهلك إلا القوم الفاسقون ) أي من فسق في الدنيا ويقال إن هذه الآية من أرجى آية في القرآن إلا أن ابن عباس قال أرجى آية في القرآن { وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم }
____________________
(4/175)
47
1
الذين في موضع رفع بالابتداء وهو اسم ناقص كفروا من صلته وصدوا معطوف عليه وصدوا بزيادة ألف بعد الواو وللنحويين في ذلك ثلاثة أقوال فمذهب الخليل رحمه الله أن هذه الألف زيدت في الخط فرقا بين واو الإضمار والواو الأصلية نحو لو فاختيرت الألف لأنها عند آخر مخرج الواو وقال الأخفش لو كتب بغير ألف لقرىء كفر وصد ففرق بين هذه الواو وبين واو العطف وقال أحمد بن يحيى كتب بألف ليفرق بين المضمر المتصل والمنفصل فيكتب صدوهم عن المسجد الحرام بغير ألف ويكتب صدواهم بألف كما تقول قاموا هم قال أبو جعفر فهذه ثلاثة أقوال أصحها القول الأول لأن قول الأخفش يعارض بأنه قد يقال كفر وأفعل فيقع الأشكال أيضا وقول أحمد بن يحيى في الفرق إنما جعله بين المضمرين وليس يقع في قاموا مضمر منصوب فيجب على قوله أن يكتبه بغير ألف وهو لا يفعل هذا ولا أحد غيره ومذهب الخليل رحمه الله
____________________
(4/177)
مذهب صحيح وهذا في واو الجمع خاصة فأما التي في الواحد نحو قولك هو يرجو فبغير ألف لأنها ليست واو الإضمار وهي لام الفعل بمنزلة الواو من لو فكتابتها بالألف خطأ وإن كان بعض المتأخرين قد ذكر ذلك بغير تحصيل ورأيت أبا إسحاق قد ذكره بالنقصان في النحو وذكر أنه خاطبه فيه ومن العرب من يقول اللذون فيجعله جمعا مسلما فأما ما رواه مجاهد عن ابن عباس في قوله جل وعز ( الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله ) أنهم كفار أهل مكة فجعل الآية فيهم خصوصا والظاهر يدل على العموم فيجوز أن تكون نزلت في قوم بأعيانهم ثم صارت عامة لكل من فعل فعلهم وكذا
2 فقول ابن عباس أن هذا نزل في الأنصار خاصة وهو بمنزلة ما تقدم والذين في موضع رفع بالابتداء والخبر ( كفر عنهم سيئاتهم وأصلح بالهم ) قال مجاهد عن ابن عباس أي أمرهم وروى الضحاك عنه أي شأنهم قال أبو جعفر والبال في اللغة يعبر عنه بالأمر والشأن والحال قال محمد بن يزيد وقد يكون للبال موضع آخر يكون بمعنى القلب يقال ما يخطر هذا على بالي أي على قلبي
3
ذلك في موضع رفع على إضمار مبتدأ أي الأمر ذلك ويجوز أن يكون في موضع رفع بالابتداء وما بعده خبره ويكون ذلك إشارة إلى الإضلال والهدى والعرب قد تشير إلى شيئين بذلك فمنهم من يقول
____________________
(4/178)
ذانك وسمعت أبا إسحاق يقول في قول سيبويه ظننت ذلك ولم يعدها إلى مفعول آخر إن ذلك إشارة إلى شيئين كأن قائلا قال ظننت زيدا منطلقا فقال له آخر قد ظننت ذلك
4
مصدر أي فاضربوا الرقاب ضربا وقيل هو على الإغراء هذا قول الفراء ( حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق ) أي لئلا يهربوا أو يلحقكم منهم مكروه والإثخان المبالغة بالضرب مشتق من قولهم شيء ثخين أي متكاثف ( فإما منا بعد وإما فداء ) مصدران وحذف الفعل لدلالة المصدر عليه ولأنه أمر والفداء يمد ويقصر عند البصريين وأما الفراء فحكى أنه ممدود إذا كسر أوله ومقصور إذا فتح أوله وحكى قم فدى لك ( حتى تضع الحرب أوزارها ) أهل التفسير على أن المعنى حتى يزول الشرك والضمير عند الفراء يحتمل معنيين أحدهما حتى تضع الحرب أوزارها أي آثامهم والمعنى الآخر أن يعود على الحرب نفسها قال أبو جعفر الحرب في كلام العرب مؤنثة ويصغرونها بغير هاء فيقولون حريب ومثلها قوس وذود يصغران بغير هاء سماعا من العرب ( ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم ) ذلك في موضع رفع أي الأمر ذلك أنه لو شاء الله لانتصر منهم ولكنه أراد أن يثب المؤمنين وكانت الحكمة في ذلك ليقع الثواب
____________________
(4/179)
والعقاب وقد بين ذلك جل وعز بقوله ( ولكن ليبلو بعضكم ببعض ) ( والذين قاتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالكم ) هذه قراءة أبي جعفر وشيبة ونافع وابن كثير وعاصم والأعمش وحمزة والكسائي وقرأ عاصم الجحدري ( والذين قتلوا في سبيل الله ) وقرأ أبو عمرو والأعرج ( قتلوا ) وعن الحسن أنه قرأ ( قتلوا ) مشددة قال أبو جعفر والقراءة الأولى عليها حجة الجماعة وهي أبين في المعنى وقد زعم بعض أهل اللغة أنه يختار أن يقرأ قاتلوا لأنه إذا قرأ قتلوا لم يكن الثواب إلا لمن قتل وإذا قرأ قتلوا لم يكن الثواب إلا لمن قتل وإذا قرأ قاتلوا عم الجماعة بالثواب وهذه لعمري احتجاج حسن غير أن أهل النظر يقولون إذا قرىء الحرف على وجوه فهو بمنزلة آيات كل واحدة تفيد معنى وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم أوتيت جوامع الكلم
7
قيل المعنى إن تنصروا دين الله وأولياءه فجعل ذلك نصرة له مجازا ينصركم في الآخرة أي يدفع الشدائد عنكم وروى الضحاك عن ابن عباس ينصركم على عدوكم ( ويثبت أقدامكم ) قيل في موضع الحساب بأن يجعل الحجة لكم
8
في موضع رفع بالابتداء ويجوز أن يكون في موضع نصب على
____________________
(4/180)
إضمار فعل يفسره ( فتعسا لهم وأضل أعمالهم ) معطوف على الفعل لمحذوف
9
قال أبو إسحاق كرهوا نزول القرآن ونبوة محمد صلى الله عليه وسلم
10
في موضع نصب على أنه جواب ويجوز أن يكون في موضع جزم على أنه معطوف والجزم والنصب علامتهما حذف النون ( كيف كان عاقبة الذين ) اسم كان ولم يقل كانت لأنه تأنيث غير حقيقي وخبر كان في كيف ( وللكافرين أمثالها ) روى الضحاك عن ابن عباس قال عذاب ينزل من السماء ولم يكن بعد وقال أبو إسحاق في الضمير الذي في أمثالها أنه يعود على العاقبة
11
روى إسرائيل عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس ( ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا ) قال ناصرهم قال الفراء وفي قراءة عبد الله ( ذلك بأن الله ولي الذين آمنوا ) وهذه قراءة على التفسير وقال أبو إسحاق في معنى ذلك بأن الله يتولى الذين آمنوا في جميع أمورهم وهدايتهم والنصر على عدوهم وهذه الأقوال متقاربة ومعروف في اللغة أن المولى الولي وهو معنى ما قال ابن عباس إن المولى الناصر وعلى هذا تؤول قول النبي صلى الله عليه وسلم من كنت مولاه فعلي مولاه أي من كنت أتولاه وأنصره فعلي يتولاه وينصره
____________________
(4/181)
وقيل المعنى من كان يتولاني وينصرني فهو يتولى عليا وينصره ويبين ذلك ما حدثناه علي بن سليمان عن أبي سعيد السكري عن يونس عن محمد بن المستنير قال إن سأل سائل عن قول الله جل وعز ( ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم ) فقال الله جل وعز مولى كل أحد فكيف قال جل وعز وأن الكافرين لا مولى لهم فالجواب أن المولى ههنا الولي وليس الله جل وعز ولي الكافرين وأنشد
( فغدت كلا الفرجين تحسب أنه ** مولى المخافة خلفها وأمامها ) أي ولي المخافة
12
والنار مرفوعة بالابتداء و مثوى في موضع رفع على أنه الخبر وأجاز الفراء أن يكون مثوى في موضع نصب ويكون الخبر لهم
13
التقدير وكم من أهل قرية وهي أي دخلت عليها كاف التشبيه قال الفراء في معنى التي أخرجتك التي أخرجك أهلها إلى المدينة ( أهلكناهم فلا ناصر لهم ) قال الفراء جاء في التفسير فلم يكن لهم ناصر حتى أهلكناهم قال فيكون فلا ناصر لهم اليوم من العذاب
14
____________________
(4/182)
على اللفظ ولو كان على المعنى لقيل كانوا على بينة من ربهم وكذا ( كمن زين له سوء عمله ) ولم يقل لهم سوء أعمالهم وبعده ( واتبعوا أهواءهم ) على المعنى ولو كان على اللفظ لكان واتبع هواه
15
وفي معناه أربعة أقوال قال محمد بن يزيد قال سيبويه أي فيما يتلى عليكم ويقص عليكم مثل الجنة وقال يونس مثل بمعنى صفة ومثله فيما ذكرناه { مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد } قال محمد بن يزيد وكلا القولين حسن جميل وقال الكسائي مثل الجنة كذا وفيها كذا ولهم فيها كذا ( كمن هو خالد في النار ) أي مثل هؤلاء في الخير كمثل هؤلاء في الشر أي هؤلاء كهؤلاء والقول الرابع عن أبي إسحاق قال ( مثل الجنة التي وعد المتقون ) تفسير لقوله جل وعز { إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار } ثم فسر تلك الأنهار فالمعنى ( مثل الجنة التي وعد المتقون ) مما قد عرفتموه في الدنيا من الجنات والأنهار جنة ( فيها أنهار من ماء غير آسن ) وفي قراءة أهل مكة فيما ذكره أبو حاتم ( غير أسن ) على فعل يقال أسن الماء يأسن ويأسن أسنا وأسونا فهو آسن وأسن يأسن أسنا فهو أسن وتحذف الكسرة
____________________
(4/183)
لثقلها فيقال أسن إذا أنتن فإن تغير قالوا أجن الماء يأجن ويأجن ( وأنهار من خمر لذة للشاربين ) نعت خمر بمعنى ذات لذة ويجوز لذة نعت لأنهار ويجوز النصب على المصدر كما تقول هو لك هبة ( كمن هو خالد في النار ) الكاف في موضع رفع وهي مرافعة كمثل عند الكسائي كما بينا وأما الفراء فالتقدير عنده أمن هو في هذه الجنات كمن هو خالد في النار ( وسقوا ماء حميما فقطع أمعاءهم ) جمع معى وهو يذكر ويؤنث وروى أبو أمامة الباهلي عن النبي صلى الله عليه وسلم في قول الله جل وعز ( وسقوا ماء حميما فقطع أمعاءهم ) قال إذا قرب منه تكرهه وإذا أدني منه شوى وجهه ووقعت فروة رأسه ولحم وجهه فيه فإذا شربه قطع أمعاءه وخرج من دبره
16
على لفظ من ( حتى إذا خرجوا من عندك قالوا للذين أوتوا العلم ) على المعنى قال عبد الله بن بريدة قالوا ذلك لعبد الله بن مسعود ( أولئك الذين طبع الله على قلوبهم واتبعوا أهواءهم ) على المعنى أيضا
17 أي قبلوا الهدى وعملوا به ( زادهم هدى ) قال أبو جعفر قد ذكرناه ومن حسن ما قيل في الضمير أن المعنى زادهم الله جل وعز هدى بما ينزل من الآيات والبراهين والدلائل والحجج على رسوله صلى الله عليه وسلم فيزداد المؤمنون بها بصيرة ومعرفة
____________________
(4/184)
18
هذه القراءة التي عليها حجة الجماعة وقد حكى أبو عبيد أن في بعض مصاحف الكوفيين أن تأتيهم وقرىء على إبراهيم بن محمد بن عرفة عن محمد بن الجهم قال حدثنا الفراء قال حدثني أبو جعفر الرؤاسي قال قلت لأبي عمرو بن العلاء ما هذه الفاء في قوله ( فقد جاء أشراطها ) قال هي جواب للجزاء قلت إنما هي ( أن تأتيهم ) فقال معاذ الله إنما هي أن تأتهم قال الفراء فظننته أخذها عن أهل مكة لأنه عليهم قرأ قال وهي في بعض مصاحف الكوفيين إن تأتهم بسنة واحدة ولم يقرأ بها أحد منهم قال أبو جعفر ولا يعرف هذا عن أبي عمرو إلا من هذه الطريق والمعروف عنه أنه قرأ أن تأتيهم وتلك الرواية مع شذوذها مخالفة للسواد والخروج عن حجة الجماعة ومن جهة المعنى ما هو أكثر وذلك أنه لو كان إن تأتهم بغتة لكان المعنى يمكن أن تأتي بغتة وغير بغتة وقد قال الله جل وعز { لا تأتيكم إلا بغتة } ( فقد جاء أشراطها ) جمع شرط أي علاماتها قال الحسن موت النبي صلى الله عليه وسلم من علاماتها وقال غيره بعث النبي صلى الله عليه وسلم من علاماتها لأنه لا نبي بعده إلى قيام الساعة وقد قال عليه السلام أنا والساعة كهاتين قال محمد بن يزيد وإنما قيل شرط لأن لهم علامات وهيئات ليست للعامة ( فأنى لهم إذا جاءتهم ذكراهم ) قال الأخفش أي فأنى لهم ذكراهم إذا جاءتهم الساعة
____________________
(4/185)
ذكراهم في موضع رفع بالابتداء على مذهب سيبويه وبالصفة على قول الكوفيين
19
قال أبو إسحاق الفاء جواب للمجازاة أي قد بينا أن الله جل وعز واحد فاعلم ذلك فأما مخاطبة النبي صلى الله عليه وسلم بهذا وهو عالم به ففي ذلك غير جواب قال أبو إسحاق مخاطبة النبي صلى الله عليه وسلم مخاطبة لأمته وعلى مذهب بعض النحويين أن النبي صلى الله عليه وسلم مأمور أن يخاطب بهذا غيره مثل { فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك } وقيل فاعلم علما زائدا على علمك لأن الإنسان قد يعلم الشيء من جهات وجواب رابع أن المعنى تحذير له من المعاصي أي فاعلم أنه لا إله إلا الله وحده لا يعاقب على العصيان غيره ويدل على هذا أن بعده واستغفر لذنبك كما تقول للرجل تحذره من المعصية إعلم أنك ميت فلست تأمره أن يفعل العلم وإنما تحذره من المعاصي قال أبو إسحاق ( والله يعلم متقلبكم ) أي متصرفكم ( ومثواكم ) أي مقامكم في الدنيا والآخرة قال
20 أي فرض ( فأولى لهم )
21
فيه أجوبة فقال الخليل وسيبويه جوابان أحدهما أن تكون
____________________
(4/186)
( طاعة وقول معروف ) مرفوعين بالابتداء أي طاعة وقول معروف أمثل والثاني على خبر المبتدأ أي أمرنا طاعة وقول معروف وقال غيرهما التقدير منا طاعة وقول رابع أن يكون طاعة نعتا لسورة بمعنى ذات طاعة ( فإذا عزم الأمر ) أي جد الأمر وقيل هو مجاز أي أصحاب الأمر أي فإذا عزم النبي صلى الله عليه وسلم على الحرب ( فلو صدقوا الله ) في القتال ( لكان خيرا لهم ) من التعلل والهرب وقال أبو إسحاق أي لكان صدقهم الله وإيمانهم به خيرا لهم
22
هذه القراءة التي عليها الجماعة قال أبو إسحاق ولو جاز عسيتم لجاز عسي ربكم فهي عنده لا تجوز البتة ويروى عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قرأ ( إن توليتم ) أي تولاكم الناس على مالم يسم فاعله ( أن تفسدوا في الأرض ) أن في موضع نصب خبر عسيتم وهذه اللغة الفصيحة ومن العرب من يحذف أن من الخبر كما قال
( عسى الهم الذي أمسيت فيه ** يكون وراءه فرج قريب ) ومن العرب من يأتي بالاسم في خبرها فينصبه فيقول عسى زيد قائما
____________________
(4/187)
23
ثم قال جل وعز بعد
24 وقد تقدم وصفهم بالصمم والعمى فمن أصح ما قيل في هذا وأحسنه أن المعنى أولئك الذين لعنهم الله فلم ينلهم ثوابا فهم بمنزلة الصم لا يسمعون ثناء حسنا عليهم ولا يبصرون ما يسرون به من الثواب فهذا جواب بين وقد قيل أنه دعاء وقد قيل أنهم لا يسمعون أي لا يعلمون وقد تأول بعض العلماء حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم إن الميت ليسمع خفق نعالهم أي ليعلم وتأول حديث النبي صلى الله عليه وسلم في أهل القليب الذين قتلوا يوم بدر حين خاطبهم فقال هل وجدتم ما وعد ربكم حقا ثم أخبر أنهم يسمعون ذلك فتأول صاحب ذلك التأويل على أنهم يعلمونه واحتج بقول الله عز وجل { إنك لا تسمع الموتى } وهذا التأويل قد رده جماعة من العلماء على متأوليه لأن النبي صلى الله عليه وسلم هو المبين عن الله عز وجل وهو القائل إن الميت ليسمع خفق نعالهم والمخبر بعذاب القبر ومساءلة الميت وكذا أكثر أصحابه على ذلك يخبرون بتأدية الأعمال إلى الموتى فالصواب من ذلك أن يقال إن الله جل وعز يؤدي إلى الموتى من بني آدم ما شاء على ما شاء ويعذب من شاء ممن يستحق بما يشاء فأما قوله جل وعز { وما أنت بمسمع من في القبور } و { إنك لا تسمع الموتى }
____________________
(4/188)
) فليس فيه مخالفة لهذا وإنما المعنى والله أعلم إنك لا تسمع الموتى بقدرتك ولا بقوتك ولكن الله جل وعز يسمعهم كيف يشاء ويدل على هذا أن بعده { وما أنت بهادي العمي عن ضلالتهم } أي لست تهديهم أنت بقدرتك ولكن الله جل وعز يهدي من يشاء بلطفه وتوفيقه
24
أي فيعملون بما فيه ويقفون على دلائله ( أم على قلوب أقفالها ) أي أقفال تمنعها من ذلك
25
قال أبو إسحاق أي رجعوا بعد سماع الهدى وتبيينه إلى الكفر ( الشيطان سول لهم وأملى لهم ) هذه قراءة أكثر الأئمة وقرأ أبو عمرو والأعرج وشيبة وعاصم الجحدري ( وأملي لهم ) على ما لم يسم فاعله وقرأ مجاهد وسلام ويعقوب ( وأملي لهم ) بإسكان الياء فالقراءة الأولى بمعنى وأملى الله جل وعز لهم والقراءة الثانية تئول إلى هذا المعنى لأنه قد علم أن الله تبارك وتعالى هو الذي أملى لهم والقراءة الثالثة بينة أخبر الله جل وعز أنه يملي لهم والكوفيون يميلون ( وأملى لهم ) لأن الألف منقلبة من الياء ومعنى أملى له مد له في العمر ولم يعاجله بالعقوبة وهو مشتق من
____________________
(4/189)
الملاوة وهي القطعة من الدهر ومنه ملاك الله جل وعز نعمته وتمل حبيبك والملوان الليل والنهار
26
قال أبو إسحاق أي الأمر ذلك الإضلال فإنهم قالوا لليهود سنطيعكم في بعض الأمر أي في التضافر على عداوة محمد صلى الله عليه وسلم ( والله يعلم أسرارهم ) هذه قراءة أكثر الأئمة وقرأ يحيى بن وثاب والأعمش وحمزة والكسائي ( والله يعلم إسرارهم ) وهذا مصدر من أسر والأول جمع سر
27
فيه حذف أي فكيف تكون حالهم ( يضربون وجوههم وأدبارهم ) قال مجاهد أي وأستاههم ولكن الله جل وعز كريم يكنى
28
أي ذلك جزاؤهم بأنهم اتبعوا الشيء أسخط الله من ترك متابعة النبي صلى الله عليه وسلم ( وكرهوا رضوانه ) أي اتباع شريعته والإيمان به ( فأحبط أعمالهم ) أي فأحبط ذلك ويجوز أن يكون المعنى فأحبط الله جل وعز ما عملوا من خير بكفرهم
29
عن ابن عباس قال هم المنافقون قال والمرض الشك والتكذيب ( أن لن يخرج الله أضغانهم ) قال عداوتهم للمؤمنين قال محمد بن يزيد الضغن ما تضمره من المكروه وقد ضغنت عليه واضطغنت
____________________
(4/190)
30
ويقال في معناه سيمياء ( ولتعرفنهم في لحن القول ) عن ابن عباس قال فما رأى النبي صلى الله عليه وسلم منافقا فخاطبه إلا عرفه قال محمد بن يزيد في لحن القول في فحواه وفي قصده من غير تصريح قال وقريب من معناه التعريض وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم إنكم تختصمون إلي ولعل بعضكم يكون ألحن بحجته من صاحبه فأقضي له على قدر ما أسمع فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فإنما أقطع له قطعة من النار قال محمد بن يزيد معنى ألحن بحجته أقصد وأمضى فيها قال ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم للسعدين حين وجههما إلى بني قريظة إن أصبتماهم على العهد فأعلنا ذلك وإن أصبتماهم على غير ذلك فالحنا لي لحنا أعرفه ولا تفتا في أعضاد المسلمين
31
الابتلاء في اللغة الاختبار فقيل المعنى لنشددن عليكم في التعبد وذلك في الأمر بالجهاد والنهي عن المعاصي يدل على ذلك
____________________
(4/191)
حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ( ونبلو أخباركم ) أي ما عملتم فيما تعبدتم به
34
دخلت الفاء في خبر إن لأن اسمها الذين وصلته فعل فأشبه المجازاة فدخلت فيه الفاء ولو قلت إن زيدا فمنطلق لم يجز
35 الأصل توهنوا حذفت الواو تباعا ( وتدعوا ) عطف عليه ويجوز أن يكون جوابا قال محمد بن يزيد السلم والسلم والمسالمة واحد ( وأنتم الأعلون ) قال مجاهد الغالبون ( والله معكم ) أي ينصركم ( ولن يتركم أعمالكم ) قال الضحاك أي لن يظلمكم وقدره أبو إسحاق على حذف أي لن ينقصكم ثواب أعمالكم وروى يونس عن الزهري عن سالم عن أبيه وعنبسة يقول عن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله أي نقص وسلب قال أبو جعفر وفي اشتقاقه قولان مذهب الفراء أنه مشتق من الوتر وهو الذحل وهو قتل الرجل وأخذ ماله فالذي تفوته صلاة العصر لما فاته من الأجر والثواب بمنزلة من أخذ أهله وماله أي هو بمنزلة الذي وتر والاشتقاق الآخر
____________________
(4/192)
أن يكون من الوتر وهو الفرد كأنه بمنزلة من قد بقي منفردا وخصت بهذا لأنها في وقت أشغالهم ومعائشهم والأصل في يتركم يوتركم حذفت إلى مفعولين مثل { واختار موسى قومه سبعين رجلا } والتقدير عند الأخفش ولن يتركم في أعمالكم
36
مبتدأ وخبره ( وإن تؤمنوا وتتقوا ) قال أبو إسحاق وقد عرفهم أن أجورهم الجنة قال ويجوز ( ولا يسألكم أموالكم ) يريد على أن يجعله خبرا والجزم على العطف قيل المعنى ولا يأمركم أن تنفقوا أموالكم كلها في الجهاد ومواساة الفقراء
37
أي تمتنعوا مما يجب عليكم قال أبو جعفر وكذا البخل في اللغة ( ويخرج أضغانكم ) قيل أي ويخرج ذلك البخل أضغانكم أي ما تضمرونه من امتناع النفقة خوف الفقر
38
شرط وجوابه ( فإنما يبخل عن نفسه ) أي إنما يعود الضرر عليه والعقوبة ( والله الغني وأنتم الفقراء ) أي فلم يكلفكم ذلك لما علمه منكم ( وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ) قيل إن تتولوا عن نصر النبي صلى الله عليه وسلم يأتي بقوم آخرين بدلا منكم ( ثم لا يكونوا أمثالكم ) فيما فعلتموه
____________________
(4/193)
48
1
الأصل إننا حذفت النون لاجتماع النونات والنون والألف في إنا في موضع نصب وفي فتحنا في موضع رفع وعلامات المضمر تتفق كثيرا إذا كانت متصلة والفتح ههنا فتح الحديبية وقد توهم قوم أنه فتح مكة ممن لا علم لهم بالآثار وقد صح عن ابن عباس والبراء وسهل بن حنيف أنهم قالوا هو فتح الحديبية وهو صحيح عن أنس بن مالك كما قرىء على أحمد بن شعيب عن عمرو بن علي قال حدثنا يحيى قال حدثنا شعبة قال حدثنا قتادة عن أنس بن مالك إنا فتحنا لك فتحا مبينا قال الحديبية وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال عند منصرفه من الحديبية لقد أنزلت علي آية هي أحب إلي من الدنيا وما فيها ثم تلا إنا فتحنا لك فتحا مبينا الآية فإن قيل لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يحب الدنيا فكيف قال في هذا الفضل العظيم الخطير أحب إلي من الدنيا وإنما تقول العرب هذا في الشيء الجليل
____________________
(4/195)
فيقولون هو أسخى من حاتم طي والدنيا لا مقدار لها وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم حين مر بشاة ميتة والله للدنيا أهون على الله جل وعز من هذه على أهلها ففي ذلك غير جواب منها أن المعنى لقد أنزلت علي آية هي أحب إلي من الدنيا وما فيها لو كانت لي فأنفقتها في سبيل الله جل وعز وقيل خوطبوا بما يعرفون فتحا مصدر مبينا من نعته
2
لام كي والمعنى لأن قال مجاهد ( ما تقدم من ذنبك ) قبل النبوة ( وما تأخر ) بعد النبوة وقال الشعبي مثله إلا أنه قال إلى أن مات ( ويتم نعمته عليك . . ) عطف قيل يتم نعمته عليه في الدنيا بالنصر وفي الآخرة بالثواب ( ويهديك صراطا مستقيما ) قيل طريق الجنة قال محمد بن يزيد الصراط المنهاج الواضح قال أبو جعفر التقدير إلى صراط ثم حذفت إلى
3
عطف ( نصرا عزيزا ) مصدر عزيزا من نعته
4
روى ابن أبي طلحة عن ابن عباس قال السكينة الرحمة قال محمد بن يزيد السكينة فعيلة من السكون ومن السكينة الحلم والوقار وترك ما لا
____________________
(4/196)
يعني وروى مالك بن أنس عن الزهري عن علي بن الحسين وبعضهم يقول عن الحسين رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه ومن الرحمة الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قبل الحسن بن علي رضي الله عنهما فقال له الأقرع بن حابس إن لي لعشرة أولاد ما قبلت واحدا منهم قط فقال النبي صلى الله عليه وسلم من لا يرحم لا يرحم وفي بعض الحديث أرأيت إن كان الله سبحانه قلع الرحمة من قلبك فما ذنبي وفي رواية ابن أبي طلحة عن ابن عباس ( ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم ) قال بعث النبي صلى الله عليه وسلم بشهادة أن لا إله إلا الله ثم زاد الصلاة ثم زاد الصيام ثم أكمل لهم دينهم
5
مفعولان ( خالدين ) على الحال ( ويكفر ) عطف وكذا
6 نعت وقرأ مجاهد وأبو عمرو ( دائرة السوء ) بضم السين وفتح السين وإن كانت القراءة به أكثر فإن ضمها فيما زعم الفراء في هذا أكثر والسوء اسم الفعل والسوء الشيء بعينه
8 حال مقدرة قرأ ابن كثير وابن عمر
9
____________________
(4/197)
مردودة على ( هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ) ليؤمنوا والقراءة بالتاء على معنى قل لهم وقيل إن المخاطبة للنبي صلى الله عليه وسلم مخاطبة لأمته ( وتعزروه ) على التكثير ويقال عزره يعزره قال الحسن والضحاك وتعزروه أي تنصروه وتعظموه ( وتسبحوه ) أي تسبحوا الله عز وجل وقال قتادة تعزروه تعظموه ( وتوقروه ) تسودوه وتشرفوه وتأوله محمد بن يزيد على أنه للمبالغة قال ومنه عزر السلطان الإنسان أي بالغ في أدبه فيما دون الحد قال أبو جعفر ورأيت علي بن سليمان يتأوله بمعنى المنع قال فعزرت الرجل الجليل منعت منه ونصرته وعزرت الرجل ضربته دون الحد واشتقاقه منعته من أن يعود إلى ما ضربته من أجله
10
اسم إن ويجوز أن يكون الخبر ( إنما يبايعون الله ) ويجوز أن يكون الخبر ( يد الله فوق أيديهم ) وقرأ ابن أبي إسحاق ( ومن أوفى بما عاهد عليه الله ) جاء به على الأصل ويجوز ( فسنؤتيه أجرا عظيما ) كالأول ( فسنؤتيهو ) بإثبات الواو في الإدراج ويجوز ( فسنؤتيهي ) بإثبات الياء في الإدراج تبدل من الواو ياء حكى هذا كله سيبويه وغيره
11
ويجوز إدغام اللام وإن كان فيه جمع بين ساكنين لأن الأول منهما حرف مد ولين ولا يجوز الإدغام في ( فاستغفر لنا ) عند الخليل وسيبويه لأن في الراء تكريرا فإن أدغمتها في اللام ذهب التكرير ( يقولون بألسنتهم ) جمع
____________________
(4/198)
على أن اللسان مذكر ومن أنثه قال ألسن ( قل فمن يملك من الله شيئا إن أراد بكم ضرا ) هذه قراءة أكثر القراء وقرأ يحيى بن وثاب والأعمش وحمزة والكسائي ( ضرا ) ففرق بينهما جماعة من أصحاب الغريب منهم أبو عبيد فقال الضر ضد النفع والضر البؤس كما قال { أني مسني الضر } فعلى هذا يجب أن يكون الضر هنا أولى ولكن حكى النحويون أن ضره ضرا وضرا جائز مثل شرب شربا وشربا
12
يقال إن البور في لغة أزدعمان الفاسد وحكى الفراء أن البور في كلام العرب لا شيء وأنه يقال أصبحت أعمالهم بورا أي لا شيء
15
وقرأ يحيى بن وثاب والأعمش وحمزة والكسائي ( كلم الله ) جمع كلمة وقول سيبويه هذا باب علم ما الكلم من العربية يريد به جمع كلمة يريد ثلاثة أنحاء من الكلام اسما وفعلا وحرفا والكلام اسم للجنس وقد أجاز بعض النحويين أن يكون الكلام بمعنى التكليم وأجاز سمعت كلام زيد عمرا قال أبو جعفر وحقيقة الفرق بين الكلام والتكليم أن الكلام قد يسمع بغير متكلم به والتكليم لا يسمع إلا من متكلم به ( قل لن تتبعونا كذلكم قال الله من قبل ) وهو قوله جل وعز { ولن تقاتلوا معي عدوا } ثم قال جل ثناؤه بعد هذا
____________________
(4/199)
16 يقال كيف تدعون إلى القتال وقد قال ( ولن تقاتلوا معي عدوا ) ورد عليهم قولهم ( ذرونا نتبعكم ) فالجواب عن هذا أنه إنما قال ( لن تقاتلوا معي عدوا ) وهؤلاء لم يدعو في وقت النبي صلى الله عليه وسلم يدلك على ذلك أن بعده ( وإن تتولوا كما توليتم من قبل ) ويعضد هذا الجواب جماعة الحجة أن أبا بكر وعمر رحمهما الله هما اللذان دعيا الأعراب إلى القتال كما قال ابن عباس في قوله جل وعز ( ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد ) قال إلى بني حنيفة أصحاب مسيلمة قال ويقال إلى فارس والروم قال مجاهد وعطية العوفي إلى قوم أولي بأس شديد قال فارس قال أبو جعفر فكانت في هذه الآية دلالة على إمامة أبي بكر وعمر وفضلهما رضي الله عنهما وأنهما أخذا الإمامة باستحقاق لقول الله جل وعز ( فإن تطيعوا يؤتكم الله أجرا حسنا ) ولا يجوز أن يعطي الله جل وعز أجرا حسنا إلا لمن قاتل على حق مع إمام عادل قال الكسائي ( تقاتلونهم أو يسلمون ) على النسق وقال أبو إسحاق أو يسلمون مستأنف والمعنى أو هم يسلمون قال الكسائي وفي قراءة أبي بن كعب ( أو يسلموا ) بمعنى حتى يسلموا والبصريون يقولون بمعنى إلى أن كما قال
( أو نموت فنعذرا ** )
17 أصل الحرج في اللغة الضيق وعن ابن عباس أن هذا
____________________
(4/200)
في الجهاد وأنه كان في وقعت الحديبية فيمن تخلف عنها
18
قال جابر كنا ألفا وأربع مائة بايعنا على أن لا نفر ( وأثابهم فتحا قريبا ) أكثر أهل التفسير على أنه خيبر كانت لأهل الحديبية وقيل هو فتح الحديبية قال الزهري وكان فتحا عظيما
فأما
20 فأهل التفسير على أنها خيبر ( وكف أيدي الناس عنكم ) عن ابن عباس والحسن قال هو عيينة بن حصن الفزاري وقومه وعوف بن مالك النضري ومن معه جاءوا لينصروا أهل خيبر ورسول الله صلى الله عليه وسلم محاصر لهم فألقى في قلوبهم الرعب قال جل وعز ( ولتكون آية للمؤمنين ) وقيل المعنى ولتكون المغانم آية أي دلالة على صدق النبي صلى الله عليه وسلم وإخباره بالغيب
21 في موضع نصب أي وعدكم أخرى ( لم تقدروا عليها قد أحاط الله بها ) أي علم أنها ستكون
22
عن ابن عباس والحسن أيضا أنه في عيينة وعوف
23 مصدر لأن معنى لولوا الأدبار سن الله عز وجل ذلك قال أبو إسحاق ويجوز سنة الله بالرفع أي تلك سنة الله
24
رويت فيه روايات فمن أحسنها أنه في يوم فتح مكة كف الله جل وعز أيدي الكفار بالرعب الذي ألقاه في قلوبهم وكف أيدي المؤمنين بأنه لم
____________________
(4/201)
يأمرهم بقتالهم يدل على هذا قوله عز وجل ( ببطن مكة ) ولم تنصرف مكة لأنها معرفة اسم للمؤنث ثم بين جل وعز أنه لم يترك أمرهم بقتالهم لأنهم مؤمنون وأخبر أنهم كفار فقال
25 معطوف على الكاف والميم وصدوا الهدي ( معكوفا ) على الحال ( أن يبلغ محله ) أن في موضع نصب أي عن أن يبلغ محله ثم بين جل وعز لم لم يأمرهم بقتالهم فقال ( ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم ) أن تطئوهم ) أن في موضع رفع بدل والمعنى ولولا أن تطئوهم أي تقتلوهم بالوطء وقيل لأذن لكم في دخول مكة ولكنه حال بينكم وبين ذلك ( ليدخل الله في رحمته من يشاء ) من أهل مكة بالوطء وقيل المعنى أن الله سبحانه علم أن هؤلاء الكفار من يسلم ومن يولد له من يسلم فلم يأمر بقتلهم ويقال إن على هذا نهى الله جل وعز عن قتل أهل الكتاب إذا أدوا الجزية قال الله جل وعز ( ليدخل الله في رحمته من يشاء ) فأما معنى ( فتصيبكم منهم معرة بغير علم ) فقيل لئلا يقتل المسلمون خطأ فتؤخذ الديات وقيل معرة أي عيب فيقال لم يتقوا إذ قتلوا أهل دينهم قال الله سبحانه ( لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما ) أي لو انمازوا لأمرناكم أن تعذبوهم بالقتل
26
____________________
(4/202)
روي عن ابن عباس قال هم المشركون صدوا عن المسجد الحرام ومنعوا الهدي أن يبلغ محله فأما حقيقة الحمية في اللغة فهي الأنفة والإنكار فإن كانت لما يجب فهي حسنة ويقال فاعلها حامي الذمار كما قال
( حامي الذمار على محافظة الجلي ** أمين مغيب الصدر ) وإن كانت لما لا يجب فهي ضلال وغلو كما قال جل وعز ( حمية الجاهلية ) فأما ( وألزمهم كلمة التقوى ) فللعلماء فيه قولان روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ( وألزمهم كلمة التقوى ) لا إله إلا الله وهي رأس كل تقوى وكذلك يروى عن علي وابن عمر وأبي هريرة وسلمة بن الأكوع رحمهم الله قالوا كلمة التقوى لا إله إلا الله وروى محمد بن إسحاق عن الزهري عن المسور ومروان ( وألزمهم كلمة التقوى ) قال يعني ( بسم الله الرحمن الرحيم ) قال الزهري لما كتب الكتاب بالمقاضاة وأملاه رسول الله صلى الله عليه وسلم ( بسم الله الرحمن الرحيم ) أنكروا ذلك وقالوا ما نعرف إلا باسمك اللهم فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يكتب كما قالوا وهذان القولان ليسا بمتناقضين لأن الله جل وعز قد ألزم المؤمنين التوحيد وبسم الله الرحمن الرحيم وقد كانوا أنكروا في هذا الكتاب من محمد رسول وقالوا من محمد بن عبد الله ( وكانوا أحق بها ) خبر كان أي أحق بها من غيرهم لأنهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين اختارهم الله جل وعز له
27
ثم بين الرؤيا بقوله عز وجل ( لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله
____________________
(4/203)
آمنين ) وتكلم العلماء في معنى إن شاء الله هنا لأن الاستثناء لا يكون في البشارة فيكون فيها فائدة إنما الاستثناء من المخلوقين لأنهم لا يعرفون عواقب الأمور فقيل الاستثناء من آمنين وقيل إنما حكي ما كان في الرؤيا وقيل خوطب الناس بما يعرفون ومن حسن ما فيه أن يكون الاستثناء لمن قتل منهم أو مات وقد زعم بعض أهل اللغة أن المعنى لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله وزعم أنه مثل قوله { وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين } وأن مثله ( وإنا إن شاء الله بكم لاحقون ) وهذا قول لا يعرج عليه ولا يعرف أحد من النحويين إن بمعنى إذ وإنما تلك أن فغلط وبينهما فصل في اللغة والأحكام عند الفقهاء والنحويين ( محلقين رؤوسكم ومقصرين ) نصب على الحال وهي حال مقدرة وزعم الفراء أنه يجوز محلقون رؤوسكم ومقصرون بمعنى بعضكم كذا وبعضكم كذا وأنشد
( وغودر البقل ملوي ومحصود ** )
28 قيل بالحجج والبراهين وقيل لا بد أن يكون هذا وقيل وقد كان لأن النبي صلى الله عليه وسلم بعث والأديان أربعة فقهرت كلها في وقته وفي خلافة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما وفي رواية علي بن أبي
____________________
(4/204)
طلحة عن ابن عباس أن المعنى ليظهره على أمر الدين كله أي ليبينه له قال أبو جعفر هذا من أحسن ما قيل في الآية لأنه لا معارضة فيه
29
مبتدأ وخبره ( والذين معه أشداء على الكفار ) مثله وروى قرة عن الحسن أنه قرأ ( والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم ) بالنصب على الحال وخبر الذين تراهم ويجوز أن يكون الذين في موضع نصب بإضمار فعل يفسره تراهم ( ركعا سجدا ) على الحال ( سيماهم في وجوههم من أثر السجود ) أي علامتهم وأصح ما قيل فيه أنهم يوم القيامة يعرفون بالنور الذي في وجوههم وفي الحديث تأتي أمتي غرا محجلين ( ذلك مثلهم ) مبتدأ وخبره ( في التوراة ) تمام الكلام على قول الضحاك وقتادة ويكون ( مثلهم في الإنجيل ) مبتدأ وخبره ( كزرع ) وعلى قول مجاهد التمام ( ومثلهم في الإنجيل ) تعطف مثلا على مثل ثم تبتدىء كزرع أي هم كزرع ( أخرج شطأه ) عن ابن عباس قال السنبلة بعد أن كانت وحدها تخرج معها سبع سنابل وأكثر وروى حميد عن أنس ( أخرج شطأه ) قال نباته وفراخه قال أبو جعفر إن خففت الهمزة قلت شطه فألقيت حركتها على الطاء وحذفتها ( فآزره ) قال أهل اللغة أي لحق بالأمهات وأصل آزره قواه ( فاستغلظ فاستوى على سوقه ) جمع ساق على فعول حذف منه ( يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار ) قيل الكفار ههنا
____________________
(4/205)
الزراع لأنهم يغطون الزرع وقيل هم الذين كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم وهذا أولى لأنه لا يجوز يعجب الزراع ليغيظ بهم الزراع ( وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما ) تكون منهم لبيان الجنس أولى لأنها إذا جعلت للتبعيض كان معنى آمنوا ثبتوا وذلك مجاز ولا يحمل الشيء على المجاز ومعناه صحيح على الحقيقة
____________________
(4/206)
49
1
يا حرف ينادى به و أي مضمومة لأنها نداء مفرد و ها للتنبيه الذين في موضع رفع نعت لأي ومن العرب من يقول اللذون ( آمنوا ) صلة الذين ( لا تقدموا ) جزم بالنهي وبعض النحويين يقول جزم بلا لشبهها بلم وبعضهم يقول لقوتها في قلب الفعل إلى المستقبل لا غير وروي في نزول هذه الآية أقوال فمن أصحها سندا وأبينها ما حدثناه علي بن الحسين عن الحسن بن محمد قال حدثنا حجاج عن ابن جريج قال أخبرني ابن أبي مليكة أن بعد الله بن الزبير أخبرهم أنه قدم ركب من بني تميم على النبي صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر رضي الله عنه أمر القعقاع بن معبد وقال عمر رضي الله عنه بل أمر الأقرع بن حابس فقال أبو بكر ما أردت إلي أو إلى خلافي فقال ما أردت خلافك فتماريا حتى ارتفعت أصواتهما فنزل في ذلك { يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم }
2 الآية قال الحسن وحدثنا يزيد بن هارون قال أخبرنا
____________________
(4/207)
سفيان بن حسين عن الحسن ( يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله ) قال لا تذبحوا قبل الإمام وروى الضحاك عن ابن عباس ( لا تقدموا بين يدي الله ورسوله ) قال هذا في القتال والشرائع لا تقضوا حتى يأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أبو جعفر وهذا الأقوال ليست بمتناقضة بل بعضها يشد بعضا لأن هذه الأشياء إذا كانت ونزلت الآية تأولها القوم على ظاهرها في كراهة تقديم القول بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم من قبل أن يتشاوروا وتأولها قوم على منع الذبح قبل الإمام ودل على هذا أن فعل الطاعات قبل وقتها لا يجوز تقديم الصلاة ولا الزكاة وقراءة ابن عباس والضحاك ( لا تقدموا ) وزعم الفراء أن المعنى فيهما واحد قال أبو جعفر وإن كان المعنى وحدا على التساهل فثم فرق بينهما من اللغة قدمت يتعدى فتقديره لا تقدموا القول والفعل بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقدموا ليس كذا لأن تقديره لا تقدموا بالقول والفعل
2
قال إبراهيم التيمي فقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه يا رسول الله لا أكلمك إلا أخا السرار قال ابن أبي مليكة قال عبد الله بن الزبير فكان عمر بعد نزول هذه الآية لا يسمع النبي صلى الله عليه وسلم كلامه حتى يستفهمه وقال أنس تأخر ثابت بن قيس في منزله وقال أخاف أن أكون من أهل النار حتى أرسل إليه النبي صلى الله عليه وسلم لست من أهل النار وعمل جماعة من العلماء على أن كرهوا رفع الصوت عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم وبحضرة العلماء وفي
____________________
(4/208)
المساجد وقالوا هذا أدب الله جل وعز ورسوله عليه السلام واحتجوا في ذلك بحديث البراء وغيره كما قرىء على بكر بن سهل عن عبد الله بن يوسف قال أخبرنا أبو معاوية عن الأعمش عن المنهال عن زاذان أبي عمرو عن البراء قال خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل من الأنصار فانتهينا إلى القبر ولم يلحد فجلس النبي صلى الله عليه وسلم وجلسنا حوله كأن على رءوسنا الطير والنبي صلى الله عليه وسلم مكب في الأرض فرفع رأسه وقال استعيدوا بالله من عذاب القبر مرتين أو ثلاثا وذكر الحديث فكان فيما ذكرناه فوائد منها خروج النبي صلى الله عليه وسلم فدل هذا على أنه لا ينبغي لإمام ولا لأمير ولا قاض أن يتأخر عن الحقوق من أجل ما هو فيه وفيه مجلس النبي صلى الله عليه وسلم وجلسنا حوله كأن على رءوسنا الطير أي ساكنين إجلالا له فدل هذا على أنه كذا ينبغي لمن جالس عالما أو واليا يجب أن يجل كما روى عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ليس منا من لم يجل كبيرنا ويرحم صغيرنا ويعرف لعالمنا ( ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض ) الكاف في وضع نصب أي جهرا كجهر بعضكم لبعض ( أن تحبط أعمالكم ) أن في موضع نصب فقال بعض أهل اللغة أي لئلا تحبط أعمالكم وهذا قول ضعيف إذا تدبر علم أنه خطأ والقول ما قاله أبو إسحاق هو غامض في العربية قال المعنى لأن تحبط وهو عنده مثل { فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا } ( وأنتم لا تشعرون ) قيل أي لا تشعرون أن أعمالكم قد حبطت
____________________
(4/209)
3
اسم إن ويجوز أن يكون الخبر ( أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى ) ويكون أولئك مبتدأ و الذين خبره ويجوز أن يكون ( الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى ) خبر إن و أولئك نعتا للذين ويجوز أن يكون خبر إن ( لهم مغفرة وأجر عظيم )
4
اسم إن والخبر ( أكثرهم لا يعقلون ) ويجوز أن تنصب أكثرهم على البدل من الذين وقرأ يزيد بن القعقاع ( الحجرات ) بفتح الجيم وقد رده أبو عبيد على أنه جمع الجمع على التكثير جمع حجرة على حجر ثم جمع حجرا على حجرات قال أبو جعفر وهذا خلاف قول الخليل وسيبويه ومذهبهما أنه يقال حجرة وحجرات وغرفة وغرفات فتزاد منها فتحة فيقال حجرات وركبات وتحذف فيقال حجرات وركبات كما يقال عضد عضد وروى الضحاك عن ابن عباس إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أعراب من بني تميم منهم عيينة بن حصن صاحوا ألا تخرج إلينا يا محمد اخرج إلينا يا محمد ( أكثرهم لا يعقلون ) ما في هذا من القبح
5 أي عند النداء ( حتى تخرج إليهم لكان خيرا ) أي لكان الصبر خيرا لهم ودل صبروا على المضمر ( والله غفور رحيم ) غفر لهم ورحمهم لأنهم لم يقصدوا بهذا استخفافا وإنما كان منهم سوء أدب
6
____________________
(4/210)
ويقرأ ( فتثبتوا ) وهما قراءتان معروفتان إلا أن فتبينوا أبلغ لأن الإنسان قد يتثبت ولا يتبين ( أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا ) عطفا على تصيبوا
7
العلماء من أهل السنة يقولون معنى ( حبب إليكم الإيمان ) وفقكم له وفعل أفاعيل تحبون معها الإيمان وتستحسنونه فلما أحبوه واستحسنوه نسب الفعل إليه وكذا فعل أفاعيل كرهوا معها الكفر والفسق والعصيان فأما أن يكون معنى حبب أمركم أن تحبوه فخطأ من كل جهة منها أنه إنما يقال حبب فلان إليك نفسه أي إنه فعل أفعالا أحببته من أجلها ومنها أنه قول مبتدع مخالف صاحبه لنص القرآن قال جل وعز { وما توفيقي إلا بالله } ومنه قوله اهدنا من هذا بعينه ومنها أن نص الآية يدل على خلاف ما قال جل وعز ( أولئك هم الراشدون ) فلا اختلاف في هذا أنه يرجع إلى الذين حبب إليهم الإيمان وزينه في قلوبهم وكره إليهم الكفر والفسوق والعصيان فلو كان معنى حبب أمرهم أن يحبوه كان الكفار وأهل المعاصي داخلين في هذا وهذا خارج من الملة و الراشدون الذين رشدوا للإيمان وتركوا المعاصي ثم بين جل وعز أن ذلك فضل منه ونعمة فقال جل وعز
8 قال أبو إسحاق فضلا مفعول من أجله أي للفضل
____________________
(4/211)
( والله عليم حكيم ) أي عليم بمصالح عباده ومنافعهم حكيم في أفعاله
9
طائفتان مرفوعتان بإضمار فعل أي وإن اقتتلت طائفتان ويجوز أن يكون المضمر كان ولا بد من إضمار لأن إن لا يليها إلا الفعل لأنها للشرط وجوابه ( فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى ) شرط أيضا والجواب ( فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله ) أي ترجع فإن قلت تفي بغير همز فمعناه تكثر ( وأقسطوا إن الله يحب المقسطين ) قال محمد بن يزيد قسط إذا جار وأقسط إذا عدل مأخوذ منه أي أزال القسوط وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم كثيرا المقسطون الذين يعدلون في حكمهم وما ولوا على منابر من نور على يمين الرحمن جل وعز
10
مبتدأ وخبره لما اتفقوا في الدين رجعوا إلى أصلهم لأنهم جميعا من بني آدم وقراءة عبد الرحمن بن أبي بكرة وابن سيرين ( فأصلحوا بين إخوانكم ) وقراءة يعقوب ( فأصلحوا بين إخوتكم ) وأخ وإخوة لأقل العدد وإخوان للكثير و ( بين أخويكم ) بين كل مسلمين اقتتلا فقد صار عاما
____________________
(4/212)
11
جزم بالنهي وروى الضحاك عن ابن عباس أن بعضهم كان يقول لبعض أنك لغير رشيد وما أشبه ذلك يستهزىء به فنزل هذا وهو من بني تميم ( ولا تلمزوا أنفسكم ) نهي أيضا قال عكرمة عن ابن عباس أي لا يعب بعضكم بعضا وسمعت علي بن سليمان يقول اللمز في اللغة أن يعيب بالحضرة والهمز في الغيبة وقال أبو العباس محمد بن يزيد اللمز يكون إلا باللسان في الحضرة والغيبة وأكثر ما يكون في الغيبة فهذا شرح بين وقد أنشد أبو العباس لزياد الأعجم
( إذا لقيتك تبدي لي مكاشرة ** وإن تغيبت كنت الهامز اللمزه ) قال محمد بن يزيد واللمز كالغيبة قال والنبز اللقب الثابت قال والمنابزة الإشاعة والإذاعة به قال أبو جعفر فأما اللقب فقد جاء التوقيف فيه عمن حضر التنزيل وعرف نزول الآية فيم نزلت كما قرىء على أحمد بن شعيب عن حميد بن مسعدة قال أخبرنا بشر عن داود عن الشعبي قال قال أبو جبيرة فينا نزلت هذه الآية في بني سلمة قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وللرجل منا اسمان وثلاثة فكان يدعى باسم منها فيقال يا رسول الله إنه
____________________
(4/213)
يغضب منه فنزلت ( ولا تنابزوا بالألقاب ) فأما حديث الضحاك عن ابن عباس كان الرجل يقول للآخر يا كافر يا فاسق فنزلت ( ولا تنابزوا بالألقاب ) فإسناد الأول أصح منه ولو صح هذا لم يكن ناقضا للأول لأن المعنى في اللقب على ما قال محمد بن يزيد وغيره أنه كلما كان ذائعا يغضب الإنسان منه ويكره قائله أن يلقى صاحبه به ويكرهه المقول له به فمحظور التنابز به ( بئس الاسم الفسوق ) رفع بالابتداء والتقدير الفسوق بعد أن آمنتم بئس الاسم ( ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون ) قال الضحاك عن ابن عباس من لم يتب من هذا القول
12 فسر ابن عباس الإثم فيم هو قال أن تقول بعد أن تظن فإن أمسكت فلا إثم والبين في هذا أن الظن الذي هو إثم وهو حرام على فاعله أن يظن بالمسلم المستور شرا وأما الظن المندوب إليه فأن تظن به خيرا وجميلا كما قال جل وعز { لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا } قال ( ولا تجسسوا ) أي لا تبحث عن عيب أخيك بعد أن ستره الله جل وعز عنه ( ولا يغتب بعضكم بعضا ) بين الله جل وعز الغيبة على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم كما قرىء على أحمد بن شعيب عن علي بن حجر قال حدثنا إسماعيل قال حدثنا العلاء عن أبيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أتدرون ما الغيبة قالوا الله جل وعز ورسوله أعلم قال أن تذكر أخاك بما يكره قيل أرأيت إن كان ذلك في أخي قال إن كان فيه فقد اغتبته وإن لم يكن فيه فقد بهته فهذا حديث لا
____________________
(4/214)
مطعن في سنده ثم جرت العلماء عليه فقال محمد بن سيرين إن علمت أن أخاك يكره أن تقول ما أشد سواد شعره ثم قتله من ورائه فقد اغتبته فقالت عائشة رضي الله عنها قلت بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم في امرأة ما أطول درعها فقال النبي صلى الله عليه وسلم قد اغتبتها فاستحلي منها وقال أبو نضرة عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الغيبة أشد من الزنا لأن الرجل يزني فيتوب فيتوب الله عليه والرجل يغتاب الرجل فيتوب فلا يتاب عليه حتى يستحله قال أبو جعفر وفي الغيبة ما لا يقع فيه استحلال وهو أعظم كما روي أن رجلا قال لمحمد بن سيرين إني قد اغتبتك فحللني فقال إني لا أحل ما حرم الله تعالى وروى عقيل عن ابن شهاب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال كلما كرهت أن تقوله لأخيك في وجهه ثم قلته من ورائه فقد اغتبته ( أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا ) هذا الأصل ثم من خفف قال ميتا ( فكرهتموه ) قال الكسائي المعنى فكرهتموه فينبغي أن تكرهوا الغيبة وقال محمد بن يزيد أي فكرهتم أن تأكلوه فحمل على المعنى مثل { ألم نشرح لك صدرك ووضعنا عنك وزرك }
13
عام والذي بعده خاص لأن الشعوب والقبائل في العرب خاصة ( إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) روى عبد الرحمن في العرب خاصة قيل يا رسول
____________________
(4/215)
الله من خير الناس قال من طال عمره وحسن عمله وقالت درة سئل النبي صلى الله عليه وسلم من خير الناس قال أأمرهم بالمعروف وأنهاهم عن المنكر وأوصلهم للرحم وأتقاهم قال ابن عباس ترك الناس هذه الآية ( إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) وقالوا بالنسب وقال أبو هريرة ينادي مناد يوم القيامة إني جعلت نسبا وجعلهم نسبا ( إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) ليقم المتقون فلا يقوم إلا من كان كذلك
14 قال محمد بن يزيد هذا على تأنيث الجماعة أي قالت جماعة الأعراب ( قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ) والإسلام في اللغة الخضوع والتذلل لأمر الله جل وعز والتسليم له والإيمان والتصديق بكل ما جاء من عند الله جل وعز فإذا خضع لأمر الله سبحانه وتذلل له فهو مصدق وإذا كان مصدقا فهو مؤمن ومن كان على هذه الصفة فهو مسلم مؤمن إلا أن للإسلام موضعا آخر وهو الاستسلام خوف القتل ( وإن تطيعوا الله ورسوله لا يلتكم من أعمالكم شيئا ) هذه قراءة أكثر الناس وبها قامت الحجة وقرأ أبو عمرو والأعرج ( لا يألتكم ) وهي مخالفة للسواد إلا أن من قرأ بها يحتج بإجماع الجميع على { وما ألتناهم } والقول في هذا إنهما لغتان معروفتان مشهورتان فإذا كان الأمر كذلك فاتباع السواد أولى
____________________
(4/216)
16 على التكثير من تعلمون
17
أن في موضع نصب بمعنى يمنون عليك إسلامهم ويجوز أن يكون التقدير بأن ثم حذفت الباء ( بل الله يمن عليكم أن هداكم ) أي بأن ولأن ثم حذف الحرف فتعدى الفعل
18
مبتدأ وخبر أي عالم به وإذا علمه جازى عليه
____________________
(4/217)
50
1
غير معربة لأنها حرف تهج قال أبو جعفر قد ذكرناها معناها ( والقرآن ) خفض بواو القسم ( المجيد ) من نعته قال سعيد بن جبير المجيد الكريم فأما جواب القسم ففيه أربعة أجوبة قال الأخفش سعيد ( قد علمنا ما تنقص الأرض منهم ) وقال أبو إسحاق الجواب محذوف أي والقرآن المجيد لتبعثن وقيل بل المحذوف ما دل عليه سياق الكلام لأنهم قالوا إن هذا النبي عجيب تعجبوا من أن يبعث إليهم رجل من بني آدم فوقع الوعيد على ذلك أي والقرآن المجيد لتعلمن عاقبة تكذيبكم يوم القيامة فقالوا ( أإذا متنا ) قال أبو جعفر فهذان جوابان ومن قال معنى قضي الأمر والله فليس يحتاج إلى جواب لأن القسم متوسط كما تقول قد كلمتك والله اليوم والجواب الرابع أن يكون ق اسما للجبل المحيط بالأرض قال ذلك وهب بن منبه فيكون التقدير هو قاف والله فقاف على هذا في موضع رفع قال أبو جعفر وأصح الأجوبة أن
____________________
(4/219)
يكون الجواب محذوفا للدلالة لأن إذا متنا جواب فلا بد من أن يكون إذا متعلقة بفعل أي أنبعث إذا فأما أن يكون الجواب قد علمنا فخطأ لأن قد ليست من جواب الأقسام وقاف إذا كان اسما للجبل فالوجه فيها الإعراب
2
أي لم يكذبوك لأنهم لا يعرفونك بالصدق بل عجبوا أن جاءهم برسالة رب العالمين ( فقال الكافرون هذا شيء عجيب )
3 أي أنبعث إذا متنا ( وكنا ترابا ذلك رجع بعيد ) ومعنى بعيد عند الفراء لا يكون وذلك معروف في اللغة
4 أي من لحومهم وأبدانهم ( وعندنا كتاب حفيظ ) بمعنى حافظ لأنه لا يندرس ولا يتغير
5
أي لم يكذبوك لشيء ظهر عندهم ( فهم في أمر مريج ) روي عن ابن عباس مريج منكر وعنه مريج في ضلالة وعنه مريج مختلف وقال مجاهد وقتادة مريج ملتبس وقال الضحاك وابن زيد مريج مختلط قال أبو جعفر وهذه الأقوال وإن كانت ألفاظها مختلفة فمعانيها متقاربة لأن الأمر إذا كان مختلفا فهو ملتبس منكر في ضلالة لأن الحق بين واضح
____________________
(4/220)
6
أي أفلم ينظر هؤلاء المشركون الذين أنكروا البعث وجحدوا قدرتنا على إحيائهم بعد البلى إلى قدرتنا على خلق السماء حتى جعلناها سقفا محفوظا ( وزيناها ) أي بالكواكب ( وما له من فروج ) يكون جمعا ويكون واحدا أي من فتوق وشقوق
7 أي بسطناها ونصبت الأرض بإضمار فعل أي وبسطنا الأرض والرفع جائز إلا أن النصب أحسن لتعطف الفعل على الفعل ( وألقينا فيها رواسي ) أي جبالا رست في الأرض أي ثبتت ( وأنبتنا فيها من كل زوج ) أي نوع قال ابن عباس ( بهيج ) حسن
8 مصدرا ومفعول له أي فعلنا ذلك لنبصركم قدرة الله سبحانه ( وذكرى ) أي ولتذكروا عظمة الله وسلطانه فيعلموا أنه قادر على أن يحيي الموتى ويفعل ما يريد ( لكل عبد منيب ) أي راجع إلى الإيمان وطاعة الله جل وعز
9
وهو المطر ( فأنبتنا به جنات وحب الحصيد ) زعم الفراء أن الشيء أضيف إلى نفسه لأن الحب هو الحصيد عنده قال أبو جعفر سمعت علي بن سليمان يحكي عن البصريين منهم محمد بن يزيد أن إضافة الشيء إلى نفسه محال ولكن التقدير حب النبت الحصيد
____________________
(4/221)
10 أي وأنبتنا النخل طوالا وهي حال مقدرة باسقات على الحال ( لها طلع نضيد ) رفعت طلعا بالابتداء وإن كان نكرة لما فيه من الفائدة
11 قال أبو إسحاق رزقا مصدر ويجوز أن يكون مفعولا من أجله ( وأحيينا به بلدة ميتا ) أي مجدبة ليس فيها زرع ولا نبات ( كذلك الخروج ) مبتدأ وخبره أي الخروج من قبوركم كذا يبعث الله جل وعز ماء فينبت به الناس كما ينبت الزرع وقال أبو إسحاق المعنى كما خلقنا هذه الأشياء نبعثكم
12
أي كذبت قبل هؤلاء المشركين الذين كذبوا محمد صلى الله عليه وسلم قوم نوح والتاء لتأنيث الجماعة ( وأصحاب الرس وثمود )
13
14 قال مجاهد الرس بئر وقال قتادة الأيكة الشجر الملتف ( وقوم تبع ) عطف كله قال أبو مجلز سأل عبد الله بن عباس كعبا عن تبع فقال كان رجلا صالحا أخذ فتية من الأحبار فاستبطنهم فأسلم فأنكر ذلك قومه عليه وفي حديث سهل بن سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تلعنوا تبعا فإنه كان أسلم ( كل كذب الرسل فحق وعيد ) التقدير عند سيبويه كلهم ثم حذف لدلالة كل وأجاز النحويون جميعا كل منطلق بمعنى كلهم قال أبو جعفر سمعت محمد بن الوليد يجيز حذف
____________________
(4/222)
التنوين فيقول كل منطلق بمعنى كلهم يجعله غاية مثل قبل وبعد قال علي بن سليمان هذا كلام من لم يعرف لم بني قبل وبعد ونظير هذا من الألفاظ لأن النحويين قد خصوا الظروف للعلة التي فيها ليست في غيرها قال أبو جعفر وهذا كلام بين عند أهل العربية صحيح وحذفت الياء من ( وعيد ) لأنه رأس آية لئلا تختلف الآيات فأما من أثبتها في الإدراج وحذفها في الوقف فحجته أن الوقف موضع حذف الدليل على ذلك أنك تقول لم يمض فإذا وصلت كسرت الضاد لا غير ومعنى ( فحق وعيد ) فوجب الوعيد من الله جل وعز للكفار بالعذاب في الآخرة والنقمة
15 يقال عيينا بالأمر وعيي به إذا لم يتجه ولم يحسنه وإذا قلت عيينا لم يجز الإدغام لأن الحرف الثاني ساكن فلو أدغمته في الأول التقى ساكنان فأما المعنى فإنه قيل لهؤلاء الذين أنكروا البعث فقالوا ( ذلك رجع بعيد ) أفعيينا بالابتداء الخلق فنعيا بإحيائكم بعد البلى وروى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس أفعيينا بالخلق الأول قال يقول لم نعي به قال أبو جعفر وهكذا الاستفهام الذي فيه معنى التقرير والتوبيخ يدخله معنى النفي أي لم يعي بالخلق الأول ( بل هم في لبس من خلق جديد ) أي من البعث
16
____________________
(4/223)
الضمير الذي في به يعود على ما وأجاز الفراء أن يعود على الإنسان أي ويعلم ما توسوس إليه نفسه ( ونحن أقرب إليه من حبل الوريد ) قال ابن عباس الوريد حبل العنق وللنحويين فيه تقديران قال الأخفش سعيد ونحن أقرب إليه بالمقدرة من حبل الوريد وقال غيره أي ونحن أقرب إليه في العلم بما توسوس به نفسه من حبل الوريد
17
ولم يقل قعيدان ففيه أجوبة فمذهب سيبويه والكسائي أن المعنى عن اليمين قعيد وعن الشمال قعيد ثم حذف ومذهب الأخفش والفراء أن قعيد واحد يؤدي عن اثنين وأكثر منهما كما قال جل وعز { ثم يخرجكم طفلا } وقال محمد بن يزيد أن التقدير في ( قعيد ) أن يكون ينوى به التقديم أي عن اليمين قعيد ثم عطف عليه وعن الشمال قال أبو جعفر وهذا بين حسن ومثله { والله ورسوله أحق أن يرضوه } وقول رابع أن يكون قعيد بمعنى الجماعة كما يستعمل العرب في فعيل قال جل وعز { والملائكة بعد ذلك ظهير }
18
الضمير الذي فيه يعود على الإنسان أي ما يلفظ الإنسان من قول فيتكلم
____________________
(4/224)
به إلا عند لفظ به ( رقيب ) أي حافظ يحفظ عليه ( عتيد ) معد يكون هذا من متصرفات فعيل يكون بمعنى الجمع وبمعنى مفعل وبمعنى مفعول مثل قتيل وبمعنى فاعل مثل قدير بمعنى قادر
19
أي شدته وغلبته على فهم الإنسان حتى يكون كالسكران من الشراب أو النوم ( بالحق ) أي بأمر الآخرة الذي هو حق حتى يتبينه عيانا وقول آخر أن يكون الحق هو الموت أي وجاءت سكرة الموت بحقيقة الموت وصح عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قرأ ( وجاءت سكرة الحق بالموت ) وكذا عن عبد الله بن مسعود رحمة الله عليه قال وهذه قراءة على التفسير وفي معناها قولان يكون الحق هو الله جل وعز أي وجاءت سكرة الله بالموت والقول الآخر قول الفراء تكون السكرة هي الحق وجاءت السكرة الحق أضيف الشيء إلى نفسه ( ذلك ما كنت منه تحيد ) أي تلك السكرة ما كنت منه تهرب فأما التذكير فبمعنى ذلك السكر
20
أي ما وعد الله عز وجل الكفار وأصحاب المعاصي بالنار
21
محمول على المعنى ولو كان على اللفظ لكان وجاء كل نفس معه
____________________
(4/225)
والتقدير ومعها حذفت الواو للعائد والجملة في موضع نصب على الحال
22
اختلف أهل العلم في هذه المخاطبة لمن هي فقالوا فيها ثلاثة أقوال قال زيد بن أسلم وعبد الرحمن بأن هذه المخاطبة للنبي صلى الله عليه وسلم وحكى عبد الله بن وهب عن يعقوب عن عبد الرحمن قال قلت لزيد بن أسلم وهذه المخاطبة للنبي صلى الله عليه وسلم فقال ما أنكرت من هذا وقد قال الله سبحانه { ألم يجدك يتيما فآوى ووجدك ضالا فهدى } قال فهذا قول وروى ابن أبي طلحة عن ابن عباس ( لقد كنت في غفلة من هذا ) قال هذا مخاطبة للكفار وكذا قال مجاهد وقال الضحاك مخاطبة للمشركين وقال صالح بن كيسان بعد أن أنكر على زيد بن أسلم ما قاله وقال ليس عالما بكلام العرب ولا له رواية وإنما هذه مخاطبة للكفار فهذان قولان والقول الثالث ما قاله الحسن بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس قال هذا مخاطبة للبر والفاجر وهو قول قتادة قال أبو جعفر أما قول زيد بن أسلم فتأويله على أن الكلام تم عنده عند قوله جل وعز ( وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد ) ثم ابتدأ يا محمد لقد كنت في غلة من هذا الدين ومما أوحي إليك من قبل أن تبعث إذ كنت في الجاهلية ( فكشفنا عنك غطاءك ) ( أي فبصرناك فبصرك اليوم حديد ) أي فعلمك نافذ والبصر ههنا بمعنى العلم وأولى ما قيل في الآية أنها على العموم للبر والفاجر يدل على ذلك ( ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ) فهذا عام لجميع الناس برهم
____________________
(4/226)
وفاجرهم فقد علم أن معنى ( وجاءت سكرة الموت بالحق ) وجاءتك أيها الإنسان سكرة الموت ثم جرى الخطاب على هذا في ( لقد كنت في غفلة من هذا ) أي لقد كنت أيها الإنسان في غفلة مما عاينت فإن كان محسنا ندم إذ لم يزدد وإن كان مسيئا ندم إذ لم يقلع هذا لما كشف عنهما الغطاء فبصرك اليوم نافذ لما عاينت وقال الضحاك فبصرك لسان الميزان قيل فتأول بعض العلماء هذا على التمثيل بالعدل أي أنت أعرف خلق الله جل وعز بعملك فبصرك به كلسان الميزان الذي يعرف به الزيادة والنقصان
23 قال عبد الرحمن بن زيد قرينه سائقه الذي وكل به ( هذا ما لدي عتيد ) قال هذا ما أخذه وجاء به هذا في موضع رفع بالابتداء و ما خبر الابتداء و عتيد خبر ثان ويجوز أن يكون مرفوعا على إضمار مبتدأ ويجوز أن يكون بدلا من ما ويجوز أن يكون نعتا لما على أن تجعل ما نكرة ويجوز النصب في غير القرآن مثل { وهذا بعلي شيخا }
24
اختلف النحويون في قوله ألقيا فقال قوم هو مخاطبة للقرين أي يقال للقرين ألقيا فهذا قول الكسائي والفراء وزعم الفراء أن العرب تخاطب الواحد بمخاطبة الاثنين فيقول يا رجل قوما وأنشد
____________________
(4/227)
( خليلي مرا بي على أم جندب ** لنقضي حاجات الفؤاد المعذب )
وإنما خاطب واحدا واستدل على ذلك بقوله
( ألم تر أني كلما جئت طارقا ** وجدت بها طيبا وإن لم تطيب ) وقال قوم قرين للجماعة والواحد والاثنين مثل { والملائكة بعد ذلك ظهير } قال أبو جعفر وحدثنا علي بن سليمان عن محمد بن يزيد عن بكر بن محمد المازني قال العرب تقول للواحد قوما على شرط إذا أرادت تكرير الفعل أي قم قم فجاءوا بالألف لتدل على هذا المعنى وكذا ألقيا وقول آخر يكون مخاطبة لاثنين قال عبد الرحمن بن زيد معه السائق والحافظ جميعا قال مجاهد وعكرمة العنيد المجانب للحق والمعاند لله جل وعز قال محمد بن يزيد عنيد بمعنى معاند مثل ضجيع وجليس
25 أي لما يجب عليه من زكاة وغيرها والخير المال و ( معتد ) على الناس بلسانه ويده قال قتادة ( مريب ) شاك
26
____________________
(4/228)
يكون الذي في موضع نصب بدلا من كل وبمعنى أعني ويكون رفع بإضمار مبتدأ وبالابتداء وخبره ( فألقياه في العذاب الشديد )
27
أي ما جعلته طاغيا أي متعديا إلى الكفر ( ولكن كان في ضلال بعيد ) أي في طريق جائر عن الحق
28
قال ابن أبي طلحة عن ابن عباس قال اعتذروا بغير عذر فأبطل عليهم حجتهم ( وقد قدمت إليكم بالوعيد ) أي بالوعيد الذي لا حيف فيه ولا خلف له فلا تختصموا لدي
29 قال مجاهد أي قد قضيت ما أنا قاض ( وما أنا بظلام للعبيد ) أي لا آخذ أحدا بجرم أحد
30
والعامل في يوم ظلام ( وتقول هل من مزيد ) في معناه قولان أحدهما أن المعنى ما في مزيد ويحتج صاحب هذا القول بقوله جل وعز { لأملأن جهنم } وهذا قول عكرمة ونظيره الحديث حين قيل للنبي صلى الله عليه وسلم ألا تنزل دارا من دورك فقال وهل ترك لنا عقيل
____________________
(4/229)
من دار أي ما ترك لنا دارا حتى باعها وقت الهجرة فهذا قول والقول الآخر فهل من مزيد على الاستدعاء للزيادة وهذا قول أنس بن مالك ويدل عليه الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم لا تزال جهنم تقول هل من مزيد فيقول رب العالمين سبحانه وتعالى فيجعل قدمه فيها فيقول قط قط قال أبو جعفر فهذا الحديث صحيح الإسناد ويدل على خلاف القول الأول والله جل وعز أعلم
31
أي قريب للمتقين معاصي الله جل وعز
32
أي هذا الذين وصفناه للمتقين الذين توعدون ( لكل أواب حفيظ ) قال ابن زيد لكل تائب راجع إلى الله لطاعته وعن ابن عباس ( أواب ) مسبح وعنه ( حفيظ ) حفظ ذنوبه حتى تاب منها وقال قتادة حفيظ حافظ لما ائتمنه الله جل وعز عليه ومعنى هذا أنه حفظ جوارحه عن معاصي الله تعالى
33
في موضع خفض على البدل من كل ويجوز أن يكون في موضع
____________________
(4/230)
رفع بالابتداء و ( خشي ) في موضع جزم بالشرط والتقدير ( من خشي الرحمن بالغيب وجاء بقلب منيب ) فيقال لهم
34 على معنى من وما قبله على لفظها و ( منيب ) تائب راجع إلى الله جل وعز ( ذلك يوم الخلود ) أي ذلك الذي وصفناه للمتقين يوم لا يزولون عنه
35
أي لهم ما يريدون وزيادة في الكرامة وفسر أنس بن مالك معنى ( ولدينا مزيد ) فلما لا يجوز أن يؤاخذ باقتراح ولا يؤخذ إلا عن النبي عليه السلام في ( ولدينا مزيد ) قال قال يتجلى لهم رب العالمين فيقول وعزتي لأتجلين لكم حتى تنظروا إلي فيقول مرحبا بعبادي وجيراني وزواري ووفدي انظروا إلي فذلك نهاية العطاء وفضل المزيد
36
أي قبل مشركي قريش الذين كذبوك ( هم أشد منهم بطشا ) المهلكون أشد من الذين كذبوك منصوب على البيان فنقبوا في البلاد ) وقال ابن أبي طلحة عن ابن عباس ( نقبوا في البلاد ) أثروا وحقيقته في اللغة طوفوا وتوغلوا ( هل من محيص ) قال الفراء أي فهل كان لهم من الموت من محيص وحذف كان للدلالة وقراءة يحيى بن يعمر ( فنقبوا ) شاذة خارجة عن الجماعة وهي على التهديد
37
____________________
(4/231)
أي إن في إهلاكنا القرون التي أهلكناها وقصصنا خبرها ( لذكرى ) يتذكر بها من كان له قلب يعقل به ( أو ألقى السمع ) أي أصغى ( وهو شهيد ) متفهم غير ساه والجملة في موضع نصب على الحال
38
أثبت الهاء في ستة لأنه عدد لمذكر وفرقت بينه وبين المؤنث ومعنى يوم وقت فلذلك ذكر قبل خلق النهار ( وما مسنا من لغوب ) من لغب يلغب ويلغب إذا تعب
39
فأنا لهم بالمرصاد ( وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب ) قال أهل التفسير يعني به اليهود لأنهم قالوا استراح يوم السبت قال جل وعز فاصبر على ما يقولون فأنا لهم بالمرصاد ( وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب ) حمله أهل التفسير على معنى الصلاة وكذا
40 قال ابن زيد العتمة وقال مجاهد الليل كله قيل يعني المغرب والعشاء الآخرة قال وهذا أولى لعموم الليل في ظاهر الآية ( وإدبار السجود ) فيه قولان قال ابن زيد النوافل قال وهذا قول بين لأن الآية عامة فهي على العموم إلا أن يقع دليل غير أن حجة الجماعة جاءت لأن معنى ( وادبار السجود ) ركعتان بعد المغرب قال ذلك عمر وعلي والحسن
____________________
(4/232)
ابن علي وابن عباس وابن مسعود رضي الله عنهم ومن التابعين الحسن ومجاهد والشعبي وقتادة والضحاك وبعض المحدثين يرفع حديث علي عن النبي صلى الله عليه وسلم ( وادبار السجود ) قال ركعتان بعد المغرب وقرأ أبو عمرو وعاصم والكسائي ( وأدبار السجود ) بفتح الهمزة جعلوه جمع دبر ومن قال إدبار جعله مصدرا من أدبر وأجمعوا جميعا على الكسر في { وإدبار النجوم } فذكر أبو عبيد أن السجود لا ادبار له وهذا مما أخذ عليه لأن معنى و ( ادبار السجود ) وما بعده وما بعقبه فهذا للسجود والنجوم والإنسان واحد وقد روى المحدثون الجلة تفسير ( وادبار السجود ) ( وادبار النجوم ) فلا نعلم أحدا منهم فرق ما بينهما
41
وقرأ عاصم والأعمش وحمزة والكسائي ( يوم يناد المناد من مكان قريب ) بغير ياء في الوصل والوقف وهو اختيار أبي عبيد اتباعا للخط وقد عارضة قوم فقالوا ليس في هذا تغيير للخط لأن الياء لام الفعل فقد علم أن حقها الثبات قال سيبويه والجيد في مثل هذا إثبات الياء في الوقف والوصول قال ويجوز حذفها في الوقف قال أبو جعفر ذلك أنك تقول مناد ثم تأتي بالألف واللام فلا تغير الاسم عن حاله فأما معنى ( واستمع يوم ينادي المنادي من مكان قريب )
فقيل فيه أي حين يوم قال كعب المنادي ملك ينادي من مكان قريب من صخرة بيت المقدس بصوت عال يا أيتها العظام البالية والأوصال المتقطعة اجتمعي لفصل القضاء
____________________
(4/233)
42
أي بالاجتماع للحساب ( ذلك يوم الخروج ) من قبورهم
43 حذف المفعول أي نحيي الموتى ونميت الأحياء ( وإلينا المصير ) أي المرجع
44
العامل في يوم المصير أي وإلينا مصيرهم يوم تتشقق و ( تشقق ) أدغمت التاء في الشين ومن قال تشقق حذف التاء ( سراعا ) على الحال قيل من الهاء والميم وقيل لا يجوز الحال من الهاء والميم وقيل لا يجوز الحال من الهاء والميم لأنه لا عامل فيها ولكن التقدير فيخرجون سراعا ( ذلك حشر علينا يسير ) أي سهل
45
أي من الافتراء والتكذيب بالبعث ( وما أنت عليهم بجبار ) أي بمسلط قال الفراء جعل جبار في موضع سلطان ومن قال بجبار معناه لست تجبرهم على ما تريد فمخطىء لأن فعالا لا يكون من أفعل وإن كان الفراء قد حكى أنه يقال دراك من أدرك فهذا شاذ لا يعرف وحكى أيضا جبرت الرجل وهذا من الشذوذ وإن كان بعض الفقهاء مولعا بجبرت ( فذكر بالقرآن من يخاف وعيد ) أي وعيدي لمن عصاني وخالف أمري
____________________
(4/234)
51
1
والذاريات خفض بواو القسم والواو بدل من الباء ( ذروا ) مصدر والتقدير والرياح الذاريات يقال ذرت الريح الشيء إذا فرقته فهي ذارية وأذرت فهي مذرية
2 عطف على الذاريات والتقدير فالسحاب الحاملات المطر هذا التفسير صحيح عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وقيل الحاملات السفن وقيل الرياح لأنها تحمل السحاب ( وقرا ) كل ما حمل على الظهر فهو وقر
3
عطف أي فالسفن الجاريات ( يسرا ) نعت لمصدر أي جريا يسرا
____________________
(4/235)
4 عطف أيضا أي فالملائكة المقسمات ما أمروا به أمرا
5
أي من الحساب والثواب والعقاب وهذا جواب القسم
6 عطف قال ابن زيد لواقع لكائن
7 خفض بالقسم وقيل التقدير ورب السماء وكذا لكل ما تقدم ( ذات الحبك ) نعت قال الأخفش الواحد حباك وقال الكسائي والفراء حباك وحبيكة وجواب القسم
8 قال قتادة في معنى مختلف منكم مصدق بالقرآن ومكذب به وقال ابن زيد يقول بعضهم هذا سحر ويقول بعضهم شيئا آخر قولا مختلفا ففي أي شيء الحق
9 قال الحسن يصرف عن الإيمان والقرآن من صرف وقيل يصرف عن القول أي من أجله لأنهم كانوا يتلقون الرجل إذا أراد الإيمان فيقولون له سحر وكهانة فيصرف عن الإيمان
10 روى ابن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله جل وعز ( قتل الخراصون ) قال يقول لعن المرتابون وقال ابن زيد يخترصون الكذب يقولون شاعر وساحر وجاء بسحر وكاهن وكهانة وأساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا فيخترصون الكذب
____________________
(4/236)
11
( الذين ) في موضع رفع نعت للخراصين وهي مبتدأ و ( ساهون ) خبره والجملة في الصلة وفي غير القرآن يجوز نصب ساهين على الحال و ( في غمرة ) أي في تغطية الباطل والجهل ومنه فلان غمر وماء غمر يغطي من دخله ومنه الغمرة قال ابن زيد ساهون عن ما أنزله الله وعن أمره ونهيه
12
عن ابن عباس يقولون متى يوم الحساب وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي ( ايان ) بكسر الهمزة وهي لغة
13
اختلف النحويون في نصب يوم فقال أبو إسحاق موضعه نصب والمعنى يقع الجزاء يوم هم على النار يفتنون والنحويون غيره يقولون يوم في موضع رفع على البدل من قوله ( أيان يوم الدين ) وتكلموا في نصبه فقال الفراء لأنه أضيف إلى شيئين وأجاز الرفع فيه على أصله وقال غيره لأنها إضافة غير محضة ومذهب الخليل وسيبويه أن ظروف الزمان غير متمكنة فإذا أضيف إلى غير معرب أو إلى جملة مثل هذه بنيت على الفتح وأجازا مضى يوم قام وأنشد النحويون وأصحاب الغريب لامرىء القيس
____________________
(4/237)
( ويوم عقرت للعذارى مطيتي ** ) بنصب يوم وموضعه رفع على رواية من روى ولا سيما يوم وخفض على رواية من روى ولا سيما يوم قال أبو جعفر ولا نعلم أحدا رفعه ولا خفضه والقياس يوجب إجازة هذين روى ابن أبي طلحة عن ابن عباس ( يوم هم على النار يفتنون ) قال يعذبون وقال محمد بن يزيد هو من قولهم فتنت الذهب والفضة إذا أحرقتهما لتختبرهما وتخلصهما وقال بعض المتأخرين لما كانت الفتنة في اللغة هي الاختبار لم تخرج عن بابها والمعنى عليها صحيح والتقدير يوم هم على النار يختبرون فيقال { ما سلككم في سقر }
14 قال مجاهد وعكرمة وقتادة أي عذابكم ( هذا الذي كنتم به تستعجلون ) مبتدأ وخبر لأنهم كانوا يستعجلون في الدنيا بالعذاب تهزؤا وإنكارا
15
أي إن الذين اتقوا الله تعالى بترك معاصيه وأداء طاعته في بساتين وأنهار فكذا المتقي إذا كان مطلقا فإن كان متقيا للسرق غير متق للزنا لم يقل له متق ولكن يقال له متق للسرق فكذا هذا الباب كله
16 نصب على الحال ويجوز رفعه في غير القرآن
____________________
(4/238)
على خبر أن فأما معنى ( ما آتاهم ربهم ) ففيه قولان أحدهما في الجنة والآخر أنهم عاملون في الدنيا بطاعة الله سبحانه وبما افترضه عليهم فهم آخذون به غير متجاوزين له كما روي عن ابن عباس في قوله جل وعز ( آخذين ما آتاهم ربهم ) قال الفرائض وعنه ( أنهم كانوا قبل ذلك محسنين ) قال قبل أن يفرض عليهم الفرائض
17
تكون ما زائدة للتوكيد ويكون المعنى كانوا يهجعون قليلا أي هجوعا قليلا ويجوز أن يكون ما مع الفعل مصدرا ويكون ما في موضع رفع وينصب قليلا على أنه خبر كان أي كانوا قليلا من الليل هجوعهم قال محمد بن يزيد إن جعلت ما اسما رفعت قليلا وروى ابن أبي طلحة عن ابن عباس يهجعون ينامون
18 تأوله جماعة على معنى يصلون لأن الصلاة مسألة استغفار وتأوله بعضهم على أنهم يصلون من أول الليل ويستغفرون آخره واستحب هذا لأن الله سبحانه أثنى عليهم به وقال عبد الرحمن بن زيد السحر السدس الآخر من الليل
19 حق رفع بالابتداء ( للسائل والمحروم ) قال أبو جعفر وقد ذكرنا أقوال جماعة من العلماء في المحروم ثم وحدثنا الزهري محمد بن مسلم أنه قال المحروم الذي لا يسأل وأكثر الصحابة على أنه المحارف وليس هذا بمتناقض لأن المحروم
____________________
(4/239)
في اللغة الممنوع من الشيء فهو مشتمل على كل ما قيل فيه
20
أي عبر وعظات للموقنين تدل على بارئها ووحدانيته
21 قال ابن زيد وفي خلقه إياكم قال وفيها أيضا آيات للسان والعين والكلام والقلب فيه العقل هل يدري أحد ما العقل وما كيفيته ففي ذلك كله آيات ( أفلا تبصرون ) أي أفلا تتفكرون فتستدلوا على عظمة الله جل وعز وقدرته
22
رفع بالابتداء واختلف أهل التأويل في معنى قوله ( رزقكم ) وفي الرزق ما هو هل هو الحلال والحرام أم الحلال خاصة فقال الضحاك ( وفي السماء رزقكم ) أي المطر وقال سعيد بن جبير الثلج وكل عين ذائبة وتأول ذلك واصل الأحدب على أن المعنى ومن عند الله الذي في السماء صاحب رزقكم وقال قوم كل ما كسبه الإنسان سمي رزقا وقال قوم لا يقال رزقه الله جل وعز إلا لما كان حلالا واستدلوا على هذا في القرآن فقال الله جل وعز { وأنفقوا من ما رزقناكم } ولا يأمر بالنفقة إلا من الحلال واختلف أهل التأويل في ( وما توعدون ) فقال الضحاك الجنة والنار وقال غيره توعدون من وعد ووعد إنما يكون للخير فما توعدون للخير فأما في الشر فيقال أوعد وقال آخرون هو من أوعد لأن
____________________
(4/240)
توعدون في العربية يجوز أن يكون من أوعد ومن وعد والأحسن فيه ما قال مجاهد قال ما توعدون من خير وشر لأن الآية عامة فلا يخص بها شيء إلا بدليل قاطع
23
خفض على القسم ( إنه لحق ) أي إن قولنا ( وفي السماء رزقكم وما توعدون ) ( لحق مثل ما أنكم تنطقون ) برفع مثل قراءة الكوفيين وابن أبي إسحاق على النعت لحق وقرأ المدنيون وأبو عمرو ( مثل ما ) بالنصب وفي نصبه أقوال أصحها ما قال سيبويه أنه مبني لما أضيف إلى غير متمكن فبني ونظيره ( ومن خزي يومئذ ) وقال الكسائي مثل ما منصوب على القطع وقال بعض البصريين هو منصوب على أنه حال من نكرة وأجاز الفراء أن يكون التقدير حقا مثل ما وأجاز أن يكون مثل منصوبة بمعنى كمثل ثم حذف الكاف ونصب وأجاز زيد مثلك ومثل من أنت ينصب مثل على المعنى على معنى كمثل فألزم على هذا أن يقول عبد الله الأسد شدة بمعنى كالأسد فامتنع منه وزعم أنه إنما أجازه في مثل لأن الكاف تقوم مقامها وأنشد
____________________
(4/241)
( وزعت بكالهراوة أعوجي ** إذا ونت الركاب جرى وثابا )
قال أبو جعفر وهذه أقوال مختلفة إلا قول سيبويه وفي الآية سؤال أيضا وهو أن يقال جمع ما بين ما و أن ومعناهما واحد قال أبو جعفر ففي هذا جوابان للنحويين الكوفيين أحدهما أنه لما اختلف اللفظان جاز ذلك كما قال
( فما إن طبنا جبن ولكن ** منايانا ودولة آخرينا ) فجمع ما بين ما و إن ومعناهما واحد قال الله جل وعز { بل إن يعد الظالمون } بمعنى ما يعد الظالمون والجواب الآخر أن زيادة ما تفيد معنى لأنه لو لم تدخل ما كان المعنى أنه لحق لا كذب فإذا جئت بما صار المعنى أنه لحق مثل ما إن الآدمي ناطق كما تقول الحق نطقك بمعنى أحق أم كذب وتقول أحق إنك تنطق فتفيد معنى آخر
24
____________________
(4/242)
ولم يقل أضياف لأن ضيفا مصدر وحقيقته في العربية حديث ذوي ضيف مثل { واسأل القرية }
25
أي حين دخلوا ( فقالوا سلاما ) منصوب على المصدر ويجوز أن يكون منصوبا بوقوع الفعل عليه ويدل على صحة هذا الجواب أن سفيان روى عن ابن أبي نجيح عن مجاهد ( قالوا سلاما ) قال سدادا ( قال سلام ) مرفوع بالابتداء والخبر محذوف أي سلام عليكم ويجوز أن يكون مرفوعا على خبر الابتداء والابتداء محذوف أي أمري سلام وقرأ حمزة والكسائي ( قال سلم ) وفيه تقديران أحدهما أن يكون سلام وسلم بمعنى واحد مثل حل وحلال ويجوز أن يكون التقدير نحن سلم ( قوم منكرون ) على إضمار مبتدأ وإنما أنكرهم فيما قبل لأنه لم يعرف في الأضياف مثلهم
26 أي رجع وحقيقته رجع في خفية ( فجاء بعجل سمين ) التقدير فجاء أضيافه ثم حذف المفعول
27
الفاء تدل على أن الثاني يلي الأول و ألا تنبيه
28 أي ستر ذلك وأضمره ( قالوا لا تخف ) حذفت الضمة للجزم والألف لالتقاء الساكنين ( وبشروه بغلام عليم )
____________________
(4/243)
أي يكون عالما وحكى الكوفيون أن عليما إذا كان للمستقبل قيل عالم وكذا نظائره يقال ما هو كريم وإنه لكارم غدا وما مات وإنه لمائت وهذا وإن كان يقال فالقرآن قد جاء بغيره
29
روى ابن أبي طلحة عن ابن عباس قال في صيحة وكذا قال مجاهد والضحاك وابن زيد وابن سابط وقيل في صرة في جماعة نسوة يتبادرن لينظرن إلى الملائكة ( فصكت وجهها ) قال مجاهد ضربت جبهتها تعجبا ( وقالت عجوز عقيم ) زعم بعض العلماء أن عجوزا بإضمار فعل أي أتلد عجوز قال أبو جعفر وهذا خطأ لأن حرف الاستفهام لا يحذف والتقدير على قول أبي إسحاق قالت أنا عجوز عقيم أي فكيف ألد
30
أي كما قلنا لك وليس هذا من عندنا ( إنه هو الحكيم ) في تدبيره ( العليم ) أي بمصالح خلقه وبما كان وبما هو كائن
31
قال إبراهيم لضيفه ما شأنكم يا أيها وحذفت يا كما يقال زيد أقبل و أي نداء مفرد وهو اسم تام و المرسلون من نعمته
32
____________________
(4/244)
أي قد أجرموا بالكفر ويقال جرموا إلا أن أجرموا بالألف أكثر
33 أي لنمطر عليهم
34 في معناه قولان أهل التأويل على أن معناه معلمة قال ابن عباس يكون الحجر أبيض وفيه نقطة سوداء ويكون الحجر أسود وفيه نقطة بيضاء والقول الآخر أن يكون معنى مسومة مرسلة من سومت الإبل ( للمسرفين ) أي للمتعدين لأمر الله جل وعز
35
كناية عن القرية ولم يتقدم لها ذكر لأنه قد عرف المعنى ويجوز أن يكون كناية عن الجماعة
36
قال مجاهد لوط صلى الله عليه وسلم وابنتاه لا غير
37
قول الفراء إن في زائدة والمعنى ولقد تركناها آية ومثله عنده { لقد كان في يوسف وإخوته آيات للسائلين } وهذا المتناول البعيد مستغنى عنه قال أبو إسحاق ولقد تركنا في مدينة قوم لوط عليه السلام آية للخائفين
____________________
(4/244)
38 أي وفي موسى آية واعتبار ( إذ أرسلناه إلى فرعون بسلطان مبين ) بحجة بينة يتبين من رآها أنها من عند الله سبحانه قال قتادة بسلطان مبين أي بعذر مبين
39 فأعرض عن ذكر الله وأدبر ( بركنه ) فيه قولان قال أهل التأويل المعنى بقومه قال ذلك مجاهد وقتادة وقال ابن زيد بجماعته والقول الآخر حكاه الفراء ( بركنه ) بنفسه قال وحقيقة ركنه في اللغة بجانبه الذي يتقوى به ( وقال ساحر أو مجنون ) إلى إضمار مبتدأ وأبو عبيدة يذهب إلى أن أو بمعنى الواو قال وهذا تأويل عند النحويين الحذاق خطأ وعكس المعاني وهو مستغنى عنه ولأ ومعناها وقد أنشد أبو عبيدة لجرير
( أثعلبة الفوارس أو رياحا ** عدلت بهم طهية والخشابا ) فهذا أيضا على ذاك محمول
40
عطف على الهاء ( فنبذناهم في اليم ) أي فألقيناهم في البحر ( وهو مليم ) والأصل مليم ألقيت حركة الياء على اللام اتباعا
41
____________________
(4/246)
أي وفي عاد آية والمعنى معقومة فلذلك حذفت الهاء
42
حذفت الواو من تذر لأنها بمعنى تدع وحذفت من يدع لأن الأصل فيها يودع فوقعت بين ياء وكسرة فحذفت ( إلا جعلته كالرميم ) قال الفراء الرميم النبت إذا يبس وديس وقال محمد بن يزيد أصل الرميم العظم البالي المتقادم ويقال له رمة
43 أي آية ( إذ قيل لهم تمتعوا حتى حين ) زعم الفراء أن الحين ههنا ثلاثة أيام وذهب إلى هذا لأنه قيل لهم تمتعوا في داركم ثلاثة أيام
44 أي غلوا وتركوا أمر ربهم ( فأخذتهم الصاعقة ) ويروى عن عمر بن الخطاب رحمه الله أنه قرأ ( فأخذتهم الصعقة ) وإسناده ضعيف لأنه لا يعرف إلا من حديث السدي ويدلك على أن الصاعقة أولى قوله جل وعز { ويرسل الصواعق } فهذا جمع صاعقة وجمع صعقة صعقات وصعاق ( وهم ينظرون ) قيل المعنى ينتظرون ذلك لأنهم كانوا ينتظرون العذاب لما تغيرت ألوانهم في الأيام الثلاث
45
أي نهوض بالعقوبة قال الفراء ( من قيام ) أي ما قاموا بها وأجاز
____________________
(4/247)
في الكلام من إقامة كأنه تأوله بمعنى ما استطاعوا أن يقوموا بها وزعم أن ( من قيام ) مثل { والله أنبتكم من الأرض نباتا } ( وما كانوا منتصرين ) أي ما كانوا يقدرون على أن يستفيدوا ممن عاقبهم وقال قتادة في معنى ( وما كانوا منتصرين ) وما كانت لهم قوة يمتنعون بها من العقوبة
46
قراءة أهل المدينة وعاصم وقرأ أبو عمرو والأعمش وحمزة والكسائي ( وقوم نوح ) بالخفض معطوفا على وفي ثمود والمعنى في الخفض وفي قوم نوح آية وعبرة والنصب من غير جهة فللفراء فيه قولان وبعدهما ثالث عنه أيضا وهما أن يكون التقدير فأخذتهم الصاعقة وأخذت قوم نوح والتقدير الثاني أن يكون التقدير وأهلكنا قوم نوح والثالث الذي بعدهما أن يكون التقدير واذكروا قوم نوح قال أبو جعفر ورأيت أبا إسحاق قد أخرج قوله هذا الثالث وفيه من كلامه وليس هذا بأبغض إلي من الجوابين وهو يتعجب من هذا ويقول دل بهذا الكلام على أن الأجوبة الثلاثة بغيضة إليه قال وفي هذه الآية قول رابع حسن يكون وقوم نوح معطوفا على ( فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم ) لأن معناه فأغرقناهم وأغرقنا قوم نوح فأما القراءة بالنصب فهي البينة عند النحويين سوى من ذكرنا ممن قرأ بغيرها فاحتج أبو عبيد للنصب بأن قبله فيما كان مخفوضا من القصص
____________________
(4/248)
كلها بيان ما نزل بهم نحو ( وفي عاد إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم ) وليس هذا في قوم نوح فدل هذا على أنه ليس معطوفا على الخفض لأنه مخالف له قال فكيف يكون وفي قوم نوح ولا يذكر ما نزل بهم وقال غيره أيضا العرب إذا تباعد ما بين المخفوض وما بعده لم يعطفوه عليه ونصبوه قال الله جل وعز { وأتبعوا في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة } ولا نعلم أحدا خفض وقال جل وعز { فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب } فرفع أكثر القراء ولم يعطفوه على ما قبله وحجة ثالثة ذكرها سيبويه وهو أن المعطوف إلى ما هو أقرب إليه أولى وحكى خشنت بصدره وصدر زيد وأن الخفض أولى لقربه فكذا هذا فأخذتهم الصاعقة وأخذت قوم نوح أقرب من أن ترده إلى ثمود ( أنهم كانوا قوما فاسقين ) نعت لقوم أي خارجين عن الطاعة
47 نصب بإضمار فعل أي وبنينا السماء ( بنيناها بأيد ) روى ابن أبي طلحة عن ابن عباس ( بأيد ) بقوة
48
بإضمار أيضا ( فنعم الماهدون ) رفع بنعم والمعنى فنعم الماهدون نحن ثم حذف
49
قيل التقدير ومن كل شيء خلقنا خلقنا زوجين قال مجاهد
____________________
(4/249)
في الزوجين الشقاء والسعادة والهدى والضلالة والإيمان والكفر وقال ابن زيد الزوجان الذكر والأنثى وجمعهما الفراء فقال الزوجان والحيوان الذكر والأنثى ومن غيرهم الحلو والحامض وما أشبه ذلك ( لعلكم تذكرون ) أي فتعتبرون وتعلمون أن العبادة لا تصلح إلا لمن خلق هذه الأشياء
50 أي إلى طاعته ورحمته من معصيته وعقابه ( إني لكم منه نذير مبين ) أي مخوف عقابه من عصاه
51
أي معبودا آخر إذا كانت العبادة لا تصلح إلا له ( إني لكم منه نذير مبين ) أي أخوف من عبد غيره عذابه وجاء ( أني لكم منه نذير مبين ) مرتين وليس بتكرير لأنه خوف في الثاني من عبد غير الله جل وعز وفي الأول من لم يفر إلى طاعة الله ورحمته فهذا قد يكون بموحدين
52
تكون الكاف في موضع رفع أي الأمر كذلك ويجوز أن يكون في موضع نصب بمعنى كذلك فعل الذين من قبل قريش ما أتاهم من رسول إلا قالوا له هذا
53 أي هل أوصى بعضهم بعضا بهذا ( بل هم
____________________
(4/250)
قوم طاغون ) المعنى لم يتواصوا به بل هم قوم طغوا واعتدوا فخالفوا أمر الله جل وعز ونهيه
54 قال مجاهد أي أعرض والتقدير أعرض عنهم حتى يأتيك أمرنا فيهم فأتاه الأمر بقتالهم ( فما أنت بملوم ) أي لا تلحقك لائمة من ربك جل وعز في تفريط كان منك في إنذارهم فقد أنذرتهم وبلغتهم
55 أي عظهم ( فإن الذكرى تنفع المؤمنين ) ويجوز ينفع لأن الذكرى والذكر واحد
56
قيل يراد ههنا المؤمنون خاصة واحتج صاحب هذا القول بأنه يلي المؤمنين فإن يكون الضمير يليهم أولى ومعنى هذا يروى عن زيد بن أسلم قال وهذا مذهب أكثر أصحاب الحديث وقال القتبي هو مخصوص فهذا هو ذلك القول إلا أن العبارة عنه ليست بحسنة وقيل في الآية ما روي عن ابن عباس أن العبادة ههنا الخضوع والانقياد وليس مسلم ولا كافر إلا وهو خاضع لله جل وعز منقاد لأمره طائعا أو كارها فيما جبله عليه من الصحة والسقم والحسن والقبح والضيق والسعة
57
ما في موضع نصب و من زائدة للتوكيد ( وما أريد أن يطعمون )
____________________
(4/251)
حذفت النون علامة للنصب وحذفت الياء لأن الكسرة دالة عليها وهو رأس آية فحسن الحذف
58
أي الرزاق خلقه المتكفل بأقواتهم ( ذو القوة المتين ) بالرفع قرأ به من تقوم بقراءته الحجة على أنه نعت للرزاق ولذي القوة أو على أنه خبر بعد خبر أو على إضمار مبتدأ أو نعت لاسم أن على الموضع وروى ابن أبي طلحة عن ابن عباس ( المتين ) الشديد وقرأ يحيى بن وثاب والأعمش ( ذو القوة المتين ) بالخفض على النعت للقوة وزعم أبو حاتم أن الخفض على قرب الجوار قال أبو جعفر والجوار لا يقع في القرآن ولا في كلام فصيح وهو عند رؤساء النحويين غلط ممن قاله من العرب ولكن القول في قراءة من فخض أنه تأنيث غير حقيقي والتقدير فيه عند أبي إسحاق ذو الاقتدار المتين لأن الاقتدار والقوة واحد وعند غيره بمعنى ذو الإبرام المتين
59
اسم إن ( مثل ذنوب أصحابهم ) نعت ( فلا يستعجلون ) أي به
60
رفع بالابتداء ويجوز النصب أي ألزمهم الله ويلا ( من يومهم الذي يوعدون ) أي يوعدون فيه بنزول العذاب
____________________
(4/252)
52
1 خفض بواو القسم
2 واو عطف وليست واو قسم قال الضحاك وقتادة ( مسطور ) مكتوب وأجاز النحويون مصطور تقلب السين صادا تقريبا إلى الطاء
3 من صلة مسطور أي كتب في رق به وقال الراجز
( إني وأسطار سطرن سطرا ** )
4 عطف أي المعمور بمن يدخله يقال عمر المنزل فهو عامر وعمرته فهو معمور وإن أردت متعدي عمر المنزل قلت أعمرته
5 معطوف وكذا
6 وجواب القسم
7 قال
____________________
(4/253)
قتادة أي يوم القيامة أي حال بالكافرين
9 وروى ابن أبي طلحة عن ابن عباس قال تحركا قال أبو جعفر يقال مار الشيء إذا دار وينشد بيت الأعشى
( كأن مشيتها من بيت جارتها ** مور السحابة لا ريث ولا عجل )
ويروى عن ابن عباس تمور تشقق
10 أي من أمكنتها ( سيرا )
11 دخلت هذه الفاء لأن في الكلام معنى المجازاة ومثله فالكلم اسم وفعل وحرف جاء لمعنى فالتقدير إذا انتبهت له فهو كذا وكذا الآية التقدير فيها إذا كان هذا فويل يومئذ للمكذبين
12
أي في فتنة واختلاط يلعبون أي غافلين عما يراد بهم و ( الذين ) في موضع خفض نعته للمكذبين
13
نصب يوم على البدل من يومئذ وروى قابوس عن أبيه عن ابن عباس ( يوم يدعون إلى نار جهنم دعا ) قال يدفع في أعناقهم حتى يردوا إلى النار
____________________
(4/254)
14
أي يقال لهم فحذف هذا
16 أي قاسوا حرها وشدتها ( فاصبروا أو لا تصبروا ) أي على ألمها وشدتها ( سواء عليكم ) مبتدأ أي سواء عليكم الصبر والجزع ( إنما تجزون ما كنتم تعملون )
17 أي الذين اتقوا الله جل وعز في اجتناب معاصيه وأداء فرائضه ( في جنات ونعيم ) في موضع خبر إن
18 على الحال ويجوز الرفع في غير القرآن على أنه خبر إن ( بما آتاهم ربهم ) بما أعطاهم ورزقهم ( ووقاهم ) والمستقبل منه معتل من جهتين من فائه ولامه قال أبو جعفر فأما اعتلاله من فائه فإن الأصل فيه يوقيه حذفت الواو لأنها بين ياء وكسرة واعتلاله من لامه لأنها سكنت في موضع الرفع ولثقل الضمة فيها والتقدير يقال لهم
19 ونصب ( هنيئا ) على المصدر ومعناه بلا أذى ولا غم ولا غائلة يلحقكم في أكلكم ولا شربكم
20
( متكئين ) نصب على الحال ( على سرر مصفوفة ) جمع سرير ويجوز ( سرر ) لثقل الضمة مصفوفة نعت ( وزوجناهم بحور عين ) أي
____________________
(4/255)
قرناهم بهن قال أبو عبيدة الحور شدة سواد سواد العين وشدة بياض بياض العين قال أبو جعفر الحور في اللغة البياض ومنه الخبز الحواري و عين جمع عيناء وهو على فعل أبدل من الضمة كسرة لمجاورتها الياء
21 مبتدأ ( آمنوا ) صلته ( واتبعتهم ذريتهم بإيمان ) داخل معه في الصلة ( ألحقنا بهم ذريتهم ) خبر الابتداء وهذه القراءة مأثورة عن عبد الله بن مسعود وهي متصلة الإسناد من حديث المفضل الضبي عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله بن مسعود أنه رد على رجل ( والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم ) بالتوحيد فيهما جميعا مقدار عشرين مرة وهذه قراءة الكوفيين وقرأ الحسن وأبو عمرو ( ذرياتهم ) بالجمع فيها جميعا وقرأ المدنيون ( واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذرياتهم ) والمعاني في هذا متقاربة وإن كان التوحيد القلب إليه أميل لما روي عن عبد الله بن مسعود وعن ابن عباس وقد احتج أبو عبيدة للتوحيد بقوله جل وعز { من ذرية آدم } ولا يكون أكثر من ذرية آدم عليه السلام قال وهذا إجماع فسبيل المختلف فيه أن يرد إليه ( وما ألتناهم من عملهم من شيء ) يقال ألته يألته ولاته يليته إذا نقصه و من في ( عملهم ) للتبعيض وفي ( من شيء ) بمعنى التوكيد ( كل امرىء بما كسب رهين ) مبتدأ وخبره أي كل إنسان مرتهن بما عمل لا يؤخذ أحد بذنب أحد
22
____________________
(4/256)
وهم هؤلاء المذكورون ( ولحم مما يشتهون ) أي يشتهونه وحذفت الهاء لطول الاسم
23
هذه قراءة أهل الحرمين وأهل المصرين إلا أبا عمرو ويروى عن الحسن ( لا لغو فيها ولا تأثيم ) فالرفع من جهتين إحداهما أن يكون لا بمنزلة ليس والأخرى أن ترفع بالابتداء وشبهه أبو عبيد بقوله جل وعز { لا فيها غول } واختار الرفع قال أبو جعفر وليس يشبهه عند أحد من النحويين علمته لأنك إذا فصلت لم يجز إلا الرفع وكذا ( لا فيها غول ) وإذا لم تفصل جاز الرفع والنصب بغير تنوين فكذلك ( لا لغو فيها ولا تأثيم ) ولو كانا كما قال واحدا لم يجز ( لا لغو فيها ولا تأثيم ) وقد قرأ به أبو عمرو بن العلاء وهو جائز حسن عند الخليل وسيبويه وعيسى بن عمر والكسائي والفراء ونصبه على التبرية عند الكوفيين فأما البصريون فإنهم جعلوا الشيئين شيئا واحدا
24
أي في الصفاء ( مكنون ) فهو أصفى له وأخلص بياضا
25
روى ابن أبي طلحة عن ابن عباس قال هذا عند النفخة الثانية
____________________
(4/257)
26
خبر كان أي قبل هذا وجعلت قبل غاية
27
من الله عليهم بغفران الصغائر وترك المحاسبة لهم بالنعم المستغرقة للأعمال كما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم لا يدخل أحد الجنة بعمله قيل ولا أنت يا رسول الله قال ولا أنا إلا أن يتغمدني الله منه برحمته
28
هذه قراءة أبي عمرو وعاصم والأعمش وحمزة وقرأ أبو جعفر ونافع والكسائي ( أنه هو البر الرحيم ) قال أبو جعفر والكسر أبين لأنه إخبار بهذا فالأبلغ أن يبتدأ والفتح جائز ومعناه ندعوه ( لأنه أو بأنه وقد عارض أبو عبيد هذه القراءة لأنه اختار الكسر ولأن معناها ندعوه ) لهذا وهذه المعارضة لا توجب منع القراءة بالفتح لأهم يدعونه لأنه هكذا وهذا له جل وعز دائم لا ينقطع فنظير هذا لبيك أن الحمد والنعمة لك بفتح إن وكسرها وروى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ( أنه هو البر الرحيم ) قال اللطيف بعباده وقال غيره الرحيم بخلقه ولا يعذبهم بعد التوبة
29
قال أبو إسحاق أي لست تقول قول الكهان ( ولا مجنون ) عطف على
____________________
(4/258)
بكاهن ويجوز النصب على الموضع في لغة أهل الحجاز ويجوز الرفع في لغة بني تميم على إضمار مبتدأ
30
على إضمار مبتدأ ( نتربص به ريب المنون ) قال أبو جعفر قد ذكرناه
31
أي تمهلوا وانتظروا ( فإني معكم من المتربصين ) حتى يأتي أمر الله جل وعز فيكم
32
قال ابن زيد كانوا في الجاهلية يسمون أهل الأحلام فالمعنى أم تأمرهم أحلامهم بأن يعبدوا أوثانا صما بكما وقيل أم تأمرهم أحلامهم أن يقولوا لمن جاءهم بالحق والبراهين والنهي عن المنكر والأمر بالمعروف شاعر نتربص به ريب المنون وزعم الفراء أن الأحلام ههنا العقول والألباب ( أم هم قوم طاغون ) أي لم تأمرهم أحلامهم بهذا بل جاوزوا الإيمان إلى الكفر
33
أي ليس يأتون ببرهان أنه تقول واختلقه بل لا يصدقونه والكوفيون
____________________
(4/259)
يقولون إن بل لا تكون إلا بعد نفي فهم يحملون الكلام على هذه المعاني فإن لم يجدوا ذلك لم يجيزوا أن يأتي بعد الإيجاب
34
أي إن كانوا صادقين في أنه تقوله فهم أهل اللسان واللغة فليأتوا بقرآن مثله
35
فيه أجوبة فمن أحسنها أم خلقوا من غير أب ولا أم فيكونوا حجارة لا عقول لهم يفهمون بها وقيل المعنى أم خلقوا من غير صانع صنعهم فهم لا يقبلون من أحد ( أم هم الخالقون ) أي هم الأرباب فللرب الأمر والنهي
36
أي هل هم الذين خلقوا السموات والأرض فلا يقروا بمن لا يشبهه شيء ( بل لا يوقنون ) قيل المعنى لا يعلمون ولا يستدلون وقيل فعلهم فعل من لا يعلم ومن أحسن ما قيل فيه أن المعنى لا يوقنون بالوعيد وما أعد الله جل وعز من العذاب للكفار يوم القيامة فهم يكفرون ويعصون لأنهم لا يوقنون بعذاب ذلك
37
أي فيستغنوا بها ( أم هم المسيطرون ) روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال المسيطرون المسلطون والمسيطر في كلام العرب المتجبر
____________________
(4/260)
المتسلط المستكبر على الله جل وعز مشتق من السطر كأنه الذي يخطر على الناس منعه مما يريد وأصله السين ويجوز قلب السين صادا لأن بعدها طاء وعلى هذا السواد في هذا الحرف
38
أي يستمعون فيه الوحي من السماء فيدعون أن الذي هم عليه قد أوحى به ( فليأت مستمعهم بسلطان مبين ) أي بحجة بينه كما أتى بها النبي صلى الله عليه وسلم
39
كما تقولون فتلك قسمة جائزة
40
مغرم مصدر أي أم تسألهم مالا فهم من أن يغرموا شيئا مثقلون أي يثقل ذلك عليهم
41 أي هم لا يعلمون الغيب فكيف يقولون لا نؤمن برسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق ويقولون شاعر نتربص به ريب المنون ( فهم يكتبون ) أي يكتبون للناس من الغيب ما أرادوا ويخبرونهم به
42
أي احتيالا إلى إذلال النبي صلى الله عليه وسلم وإهلاكه وعلى المؤمنين ( فالذين كفروا هم المكيدون ) أي المذلون المهلكون الصابرون إلى عذاب الله جل وعز
____________________
(4/261)
34 أي معبود يستحق العبادة ( سبحان الله عما يشركون ) أي تنزيها لله جل وعز مما يعبدونه من دونه
44
جمع كسفة مثل سدرة وسدر روى ابن أبي طلحة عن ابن عباس كسفا قال يقول قطعا ( يقولوا سحاب مركوم ) على إضمار مبتدأ أي يقولوا هذا الكسف سحاب مركوم
45 من يذر حذفت منه الواو وإنما تحذف من يفعل لوقوعها بين ياء وكسرة أو من يفعل إذا كان فيه حرف من حروف الحلق وليس في يذر من هذا شيء يوجب حذف الواو وقال أبو الحسن بن كيسان حذفت منه الواو لأنه بمعنى يدع فأتبعه ( حتى يلاقوا يومهم الذي فيه يصعقون ) وقرأ الحسن وعاصم ( يصعقون ) قال الحسن أي يماتون وحكى الفراء عن عاصم ( يصعقون ) وهذا لا يعرف عنه قال يقال صعق يصعق وهي لغة معروفة كما قرأ الجميع { فصعق من في السماوات ومن في الأرض } ولم يقرءوا فصعق ويقال صعق يصعق وأصعق متعدي صعق
____________________
(4/262)
46
بدل من اليوم الأول ( ولا هم ينصرون ) أي ولا يستقيد لهم أحد ممن عاقبهم ولا يمنع منهم
47
أجل ما قيل فيه إسنادا ما رواه أبو إسحاق عن البراء ( وإن للذين ظلموا عذابا دون ذلك ) قال عذاب القبر وقال ابن زيد المصائب في الدنيا ومعنى ( دون ذلك ) دون يوم يصعقون وهو يوم القيامة ( ولكن أكثرهم لا يعلمون ) أي لا يعلمون أنهم ذائقو ذلك العذاب وقيل فعلهم فعل من لا يعلم
48
أي لحكمه الذي قضى عليك وامض لأمره ونهيه وبلغ رسالته ( فإنك بأعيننا ) أي نراك ونرى عملك ونحوطك ونحفظك وجمعت عين على أعين وهي مثل بيت ولا يقال أبيت لثقل الضمة في الياء إلا أن هذا جاء في عين لأنها مؤنثة وأفعل في جمع المؤنث كثير قالوا شمال أشمل وعناق أعنق وقد قيل أعيان كأبيات ( وسبح بحمد ربك حين تقوم ) في معناه أقوال فقول الضحاك إن معناه حين تقوم إلى الصلاة بعد تكبيرة الإحرام تقول سبحانك اللهم وبحمدك تبارك اسمك وتعالى جدك وقيل التسبيح ههنا تكبيرة الإحرام التي لا تتم الصلاة إلا بها لأن معنى التسبيح في اللغة تنزيه الله جل وعز من كل سوء نسبه إليه المشركون وتعظيمه ومن قال الله أكبر فقد فعل هذا وقول ثالث يكون المعنى حين تقوم من نومك ويكون هذا يوم القائلة يعني صلاة الظهر لأن المعروف من قيام
____________________
(4/263)
الناس من نومهم إلى الصلاة إنما هو من صلاة الفجر وصلاة الظهر وصلاة الفجر مذكورة بعد هذا فأما قول الضحاك إنه في افتتاح الصلاة فبعيد لاجتماع الحجة لأن الافتتاح في الصلاة غير واجب ولو أمر الله جل وعز به لكان واجبا إلا أن تقوم الحجة أنه على الندب والإرشاد
49
قال ابن زيد صلاة العشاء وقال غيره صلاة المغرب والعشاء ( وادبار النجوم ) فيه قولان أحدهما أنه لركعتي الفجر وقال الضحاك وابن زيد صلاة الصبح قال وهذا أولى لأنه فرض من الله تعالى ونصب ( وإدبار النجوم ) على الظرف أي وسبحه وقت إدبار النجوم كما أنا آتيك مقدم الحاج ولا يجوز أنا آتيك مقدم زيد إنما يجوز هذا فيما عرف وهذا قول الخليل وسيبويه
____________________
(4/264)
53
1 خفض بواو القسم والتقدير ورب النجم ( إذا هوى ) في موضع نصب أي حين هوى وجواب القسم
2 أي ما زال عن القصد ( وما غوى ) قيل أي وما خاب فيما طلبه من الرحمة
3
قيل المعنى وما ينطق فيما يخبر به من الوحي ودل على هذا
4 أي ما الذي يخبر به إلا وحي يوحى ويوحى يرجع إلى الياء ولو كان من ذوات الواو لتبع المستقبل الماضي
5
أي الأسباب وحكى الفراء أنه يقرأ ( شديد القوى ) بكسر القاف لأن فعلة وفعلة يتضارعان قال قتادة شديد القوى جبريل صلى الله عليه وسلم
____________________
(4/265)
6
قال مجاهد جبرائيل صلى الله عليه وسلم ذو قوة وقال ابن زيد المرة القوة وروى ابن أبي طلحة عن ابن عباس ( ذو مرة ) أي منظر حسن قال أبو جعفر حقيقة المرة في اللغة اعتدال الخلق والسلامة من الآفات والعاهات فإذا كان كذا كان قويا ( فاستوى ) قيل فاعتدل بعد أن كان ينزل مسرعا
7
في موضع الحال أي فاستوى عاليا هذا قول من تجب به الحجة من العلماء والمعنى عليه والإعراب يقويه وزعم الفراء أن المعنى فاستوى محمد صلى الله عليه وسلم وجبريل عليه السلام فجعل وهو كناية عن جبرائيل صلى الله عليه وسلم وعطف به على المضمر قال أبو جعفر في هذا من الخطأ ما لاحقا به عطف على مضمر مرفوع لا علامة له ومثله مررت بزيد جالسا وعمرو ويعطف به على المضمر المرفوع وهذا ممنوع من الكلام حتى يؤكد المضمر أو يطول الكلام ثم شبهه بقوله { أئذا كنا ترابا وآباؤنا } وهذا التشبيه غلط من جهتين إحداهما أنه قد طال الكلام ههنا وقام المفعول به مقام التوكيد والجهة الأخرى أن النون والألف قد عطف عليهما ههنا وقولك قمنا وزيد أسهل من قولك قام وزيد وأيضا فليس المعنى على ما ذكر
8 شبهه الفراء بقوله جل وعز { اقتربت }
____________________
(4/266)
الساعة وانشق القمر ) لأن المعنى انشق القمر واقتربت الساعة قال أبو جعفر وهذا التشبيه غلط بين لأن حكم الفاء خلاف حكم الواو لأنها تدل على أن الثاني بعد الأول فالتقدير ثم دنا فزاد في القرب
9
قال أبو جعفر وهذا أيضا مما يشكل في العربية لأن أو لا يجوز أن تكون بمعنى الواو لاختلاف ما بينهما ولا بمعنى بل لما ذكرنا وأن الاختصار يوجب غير ذلك فالتقدير فكان بمقدار ذلك عندكم لو رأيتموه قدر قوسين أو أدنى كما روي عن ابن مسعود قال فكان قدر ذراع أو ذراعين قال أبو جعفر القاد والقيد والقاب والقيب والقدر والقدر
10
في معناه قولان روى هشام الدستوائي عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس قال عبده محمد صلى الله عليه وسلم فتأول هذا على المعنى فأوحى إلى عبده محمد صلى الله عليه وسلم والقول الآخر أن المعنى فأوحى جبرائيل إلى محمد صلى الله عليه وسلم عبد الله وهو قول جماعة من أهل التفسير منهم ابن زيد قال وهذا أشبه بسياق الكلام لأن ما قبله وما بعده أخبار عن جبرائيل صلى الله عليه وسلم ومحمد صلى الله عليه وسلم فلا يخرج ذلك عنهما إلى أحد إلا بحجة يجب التسليم بها
11
هذه قراءة أكثر القراءة وقرأ الحسن وقتادة ويزيد بن القعقاع وعاصم
____________________
(4/267)
الجحدري ( ما كذب الفؤاد ) مشددا التقدير في التخفيف ما كذب فؤاد محمد محمدا فيما رآه وحذفت في كما حذفت من في قوله جل وعز من { واختار موسى قومه سبعين رجلا } لأنه مما يتعدى إلى مفعولين أحدهما بحرف قال أبو جعفر وهذا شرح بين ولا نعلم أحدا من النحويين بينه ومن قرأ كذب فزعم الفراء أنه يجوز أن يكون أراد صاحب الفؤاد وأجاز أن يكون معنى ما كذب صدق والقراءة بالتخفيف أبين معنى وبالتشديد يبعد لأن معناها قبله وإذا قبله الفؤاد أي علمه فلا معنى للتكذيب والقراءة بالتخفيف بينه أي صدقه واختلف أهل التأويل في معنى ( ما كذب الفؤاد ما رأى ) فقال ابن عباس وجماعة معه رأى ربه جل وعز قال وخص الله إبراهيم صلى الله عليه وسلم بالخلة وموسى بالتكليم ومحمدا صلى الله عليه وسلم بالرؤية كما جاء في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم رأيت ربي جل وعز فقال فيم يختصم الملأ الأعلى والقول الآخر قول ابن مسعود وعائشة رضي الله عنهما أنه رأى جبرائيل على صورته وقد رفعه زر عن عبدالله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال رأيت جبرائيل على صورته له ستمائة جناح عند سدرة المنتهى ورفعته عائشة أيضا عن النبي صلى الله عليه وسلم وردت على ابن عباس ما قاله
12
صحيحه عن النبي صلى الله عليه وسلم وابن مسعود وابن عباس ومروية عن علي بن أبي
____________________
(4/268)
طالب رضي الله عنه وهي قراءة مسروق وأبي العالية ويحيى بن وثاب والأعمش وحمزة والكسائي وبها قرأ النخعي غير أن أبا حاتم حكى أنه قال لم يماروه وإنما جحدوه قال وفي هذا طعن على جماعة من القراء تقوم بقراءتهم الحجة منهم الحسن وشريح وأبو جعفر والأعرج وشيبة ونافع وأبو عمرو وابن كثير والعاصمان والقول في هذا أنهما قراءتان مستفيضتان قد قرأ بهما الجماعة غير أن الأولى من ذكرناه من الصحابة فأما أن يقال لم يماروه فعظيم لأن الله جل وعز قد أخبر أنهم قد جادلوا والجدال هو المراء ولا سيما في هذه القصة وقد ماروه فيها حتى قالوا له سرت في ليلة واحدة إلى بيت المقدس فصفه لنا وقالوا لنا عير بالشام فأخبرنا خبرها قال محمد بن يزيد يقال مراه بحقه يمريه إذا دفعه به ومنعه منه قال و على بمعنى عن قال أبو جعفر وذلك معروف في اللغة وقد ذكرنا أن لغة بني كعب بن ربيعة رضي الله عليك أي عنك
13
أحسن ما قيل فيه وأصحه أن الضمير يعود على شديد القوى كما حدثنا الحسن بن غليب قال حدثنا محمد بن سوار الكوفي قال حدثنا عبدة بن سليمان عن سعيد عن أبي معشر عن إبراهيم عن مسروق قال قالت عائشة رضي الله عنها ثلاث من قال واحدة منهن فقد أعظم على الله جل وعز الفرية من زعم أنه يعلم ما في غد فقد أعظم الفرية على الله { وما تدري نفس ماذا تكسب غدا } ومن زعم أن محمدا صلى الله عليه وسلم كتم شيئا من أمر
____________________
(4/269)
الوحي فقد أعظم على الله الفرية والله جل وعز يقول { يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته } ومن زعم أن محمدا رأى ربه فقد أعظم على الله جل وعز الفرية والله جل ثناؤه يقول { وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب } والله يقول { لا تدركه الأبصار } قلت يا أم المؤمنين ألم يقل ( ولقد رآه نزلة أخرى ) { ولقد رآه بالأفق المبين } قالت أنا سألت عن ذلك نبي الله صلى الله عليه وسلم فقال رأيت جبرائيل صلى الله عليه وسلم نزل سادا الأفق على خلقه وهيبته أو خلقه وصورته وقال الفراء نزلة أخرى مرة أخرى قال أبو جعفر نزلة مصدر في موضع الحال كما تقول جاء فلان مشيا أي ماشيا والتقدير ولقد رآه نازلا نزلة أخرى أي في نزوله
14 متصل برآه قال عكرمة عن ابن عباس سألت كعبا عن سدرة المنتهى فقال إليها ينتهي علم العلماء لا يعلم أحد ما وراءها إلا الله جل وعز وقال الربيع بن أنس سميت سدرة المنتهى لأنه تنتهي إليها أرواح المؤمنين ومذهب الضحاك أنه ينتهي إليها ما كان من أمر الله من فوقها أو من تحتها قال أبو جعفر وليس قول من هذه إلا وهو محتمل لذلك ولا خبر يقطع العذر في ذلك والله جل وعز أعلم
15
____________________
(4/270)
قال كعب مأوى أرواح الشهداء وقال قتادة مأوى أرواح المؤمنين ويقال إنها الجنة التي آوى إليها آدم صلى الله عليه وسلم وإنها في السماء السابعة فأعلم الله جل وعز أن محمد صلى الله عليه وسلم قد أسري به إلى السماء السابعة على هذا فأما من قرأ ( جنة المأوى ) فتقديره جنة سواد الليل وهي قراءة شاذة قد أنكرها الصحابة سعد بن أبي وقاص وابن عباس وابن عمر وقال ابن عباس هي مثل { جنات المأوى } قال أبو جعفر فهذه حجة بينة مع إجماع الجماعة الذين تقوم بهم الحجة وأيضا فإنه يقال أجنه الليل وجن عليه ولغة شاذة جنه الليل
16
إذ متصلة برآه قال الربيع بن أنس غشيها نور الرب والملائكة واقعة على الأشجار كالغربان وكذا قال أبو العالية ويقال أنه عن أبي هريرة مثله وزاد فيه فهنالك كلمه ربه جل وعز قال له سل
17 أي ما حاد يمينا وشمالا متحيرا ( وما طغى ) أي وما تجاوز ذلك من غير أن يتبينه
18
قال ابن زيد رأى جبريل صلى الله عليه وسلم على صورته في السماء
19
____________________
(4/271)
قال الكسائي الوقوف عليه اللاه وقال غيره الوقوف عليه اللات اشتقوه من اسم الله جل وعز وهو مكتوب في الصحف بالتاء واشتقوا العزى من العزيز
20 من منى الله عز وجل عليه الشيء أي قدره ( الثالثة الأخرى ) نعت لمناة
21
يجوز أن يكون مقدما ما ينوى به التأخير ويكون المعنى أن الذين لا يؤمنون بالآخرة ليسمون الملائكة تسمية الأنثى أي يقولون هم بنات الله عز وجل ألكم الذكر الذي ترضونه وله الأنثى التي لا ترضونها
22
يقال ضازه يضيزه ويضوزه إذا جار عليه
23
قولهم الأوثان آلهة والملائكة بنات الله ( ما أنزل الله بها من سلطان ) أي من حجة ولا وحي وإنما هو شيء اخترفتموه ( إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ) أي ما يتبعون في هذه التسمية إلا الظن وهواهم ( ولقد جاءهم من ربهم الهدى ) أي البيان بأن لا معبود سواه وأن عبادة هذه الأشياء شرك وكفر
____________________
(4/272)
24
قيل أي ليس له ذلك وقال ابن زيد أي إن كان محمد صلى الله عليه وسلم تمنى شيئا فهو له وشرح هذا القول إن كان محمد صلى الله عليه وسلم تمنى الرسالة فقد أعطاه الله جل وعز فلا تنكروه
25 يعطي من شاء ما يشاء
26
لو حذفت من لخفضت أيضا لأنه خبر و كم تخفض ما بعدها في الخبر مثل رب إلا أن كم للكثير ورب للقليل ( لا تغني شفاعتهم شيئا إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى ) في هذا تنبيه لهم وتوبيخ لأنهم قالوا { ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى } فأخبر الله جل وعز أن الملائكة صلوات الله عليهم وسلم الذين هم أفضل الخلق عند الله جل وعز وأكثرهم عملا بالطاعة لا تغني شفاعتهم شيئا إلا من بعد إذن الله عز وجل ورضاه فكيف تشفع الأصنام لهم
27
28 هو قولهم هم بنات الله عز وجل مالهم بذلك من علم من زائدة للتوكيد والموضع موضع رفع ( إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئا ) أي لا ينفع من الحق ولا يقوم مقامه
____________________
(4/273)
29
أي فدع من تولى عن ذكرنا ولم يؤمن ولم يوحد ولم يرد ثواب الآخرة ولم يرد إلا زينة الحياة الدنيا
30
قال ابن زيد ليس لهم علم إلا الذي هم فيه من الشرك والكفر ومكابرتهم ما جاء من عند الله جل وعز وقال غيره ذلك مبلغهم من العلم أنهم آثروا ما يفنى من زينة الدنيا ورياستها على ما يبقى من ثواب الآخرة ( إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله ) يكون أعلم بمعنى عالم ويجوز أن يكون على بابه بالحذف وسبيل الإسلام ( وهو أعلم بمن اهتدى ) أي إلى طريق الحق وهو الإسلام وذلك في سابق علمه
31
تكون لام كي متعلقة بالمعنى أي ولله ما في السموات وما في الأرض من شيء يهدي من يشاء ويضل من يشاء ( ليجزي الذين أسئوا ) أي كفروا وعصوا بما عملوا ويجوز أن يكون اللام متعلقة بقوله جل وعز ( لا تغني شفاعتهم شيئا ) ليجزي الذين أسئوا بما عملوا ويجزي الذي أحسنوا بالحسنى ) عطف قيل الحسنى الجنة وقال زيد بن أسلم الذين
____________________
(4/274)
أسئوا الكفار و الذين أحسنوا المؤمنون
32 بدل من الذين قبله ( يجتنبون كبائر الإثم ) قال أبو جعفر قد ذكرناه في سورة حم عسق ( والفواحش ) عطف على الكبائر ( إلا اللمم ) قد ذكرنا ما فيه من قول أهل التفسير وهو منصوب على أنه استثناء ليس من الأول ومن أصح ما قيل فيه وأجمعه لأقوال العلماء أنه الصغائر ويكون مأخوذا من لممت بالشيء إذا قللت نيله ( إن ربك واسع المغفرة ) أي لأصحاب الصغائر ونظيره { إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم } ( هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض وإذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم ) أي هو أعلم بما تعملون وما أنتم صائرون إليه حين ابتدأ خلق أبيكم من تراب وحين أنتم أجنة في بطون أمهاتكم منكم لما إن كبرتم ويجوز أن يكون أعلم بمعنى عالم ( فلا تزكوا أنفسكم ) قال زيد بن أسلم أي لا تبرئوها من المعاصي قال وشرح هذا لا تقولوا إنا أزكياء ( هو أعلم بمن اتقى ) المعاصي وخاف وأدى الفرائض
33
أي عن الإيمان قال ابن زيد نزلت في رجل أسلم فلقيه صاحبه فغيره وقال له أضللت أباك ونسبته إلى الكفر وأنت بتنصيرهم أولى فقال خفت عذاب الله فقال أعطني شيئا وأنا أتحمل عنك العذاب فأعطاه شيئا قليلا فتعاسر وأكدى وكتب له كتابا وأشهد له على نفسه أنه
____________________
(4/275)
يتحمل عنه العذاب فنزلت أفرأيت الذي تولى
34 أي عاسره وعن ابن عباس أكدى منع وقال مجاهد قطع
35
أي أعلم أن هذا يتحمل عنه العذاب كما قال ويرى بمعنى يعلم حكاه سيبويه
36
37
أنه لا يعذب أحد عن أحد وروى عكرمة عن ابن عباس ( وإبراهيم الذي وفى ) قال كان قبل إبراهيم صلى الله عليه وسلم فيؤخذ موضع رفع أي ذلك ألا تزر وازرة وزر أخرى والتقدير عند مجاهد وفى بما افترض عليه قال محمد بن كعب وفى بذبح ابنه وأولى ما قيل في معنى الآية بالصواب ما دل عليه عمومها أي وفى بكل ما افترض عليه بشرائع الإسلام ووفى في العربية للتكثير
38
أن في موضع نصب على البدل من ما ويجوز أن يكون في موضع رفع أي ذلك ألا تزر وازرة وزر أخرى والتقدير عند سيبويه أنه لا تزر وازرة يقال وزر يزر حمل الوزر
____________________
(4/276)
39
بمعنى وأنه أيضا أي لا يجازي إنسان إلا بما عمل
40
أن يظهر الناس يوم القيامة على ما عمله من خير أو شر لأنه يجازى عليه قال أبو إسحاق ويجوز ( وأن سعيه سوف يرى ) قال وهذا عند الكوفيين لا يجوز منعوا أن زيدا ضربت واعتلوا في ذلك بأنه خطأ لأنه لا يعمل في زيد عاملان وهما أن و ضربت وأجاز ذلك الخليل وسيبويه وأصحابهما ومحمد بن يزيد قال أبو جعفر وسمعت علي بن سليمان يقول سألت محمد بن يزيد فقلت له أنت لا تجيز زيد ضربت وتخالف سيبويه فيه فكيف أجزت أن زيدا ضربت وإن تدخل على المبتدأ فقال هذا مخالف لذاك لأن إن لما دخلت اضطررت إلى إضمار الهاء لأن في الكلام عاملين
41
مصدر والهاء كناية عن السعي الأوفى لأن الله عز وجل أوفى لهم بما وعد وأوعد
42
في موضع نصب اسم أن إلا أنه مقصور لا يتبين فيه الإعراب والمعنى وأن إلى ربك انتهاء جميع خلقه ومصيرهم فيجازيهم بأعمالهم الحسنة والسيئة
____________________
(4/277)
43
هو زائدة للتوكيد ويجوز أن تكون صفة للهاء فأما معنى أضحك وأبكى فقيل فيه أضحك أهل الجنة بدخولهم الجنة وأبكى أهل النار بدخولهم النار وقيل أضحك من شاء في الدنيا بأن سره وأبكى من شاء بأن غمه والآية عامة
44
أي أمات من مات وأحيا من حيي بأن جعل فيه الروح بعد أن كان نطفة
45
كل واحد منهما زوج لصاحبه والذكر والأنثى بدل من الزوجين
46
أي إذا أمناها الرجل والمرأة وقيل هو من منى الله عليه الشيء إذا قدره له فالأول من أمنى وهذا من منى ويفعل في الثلاثي والرباعي واحد لأن الرباعي يحذف منه حرف فتقول هو يكرم والأصل يؤكرم فحذفت الهمزة اتباعا لقولك أنا أكرم وحذفت من أكرم لأنه لا يجتمع همزتان
____________________
(4/278)
47
أي عليه أن ينشىء الزوجين بعد الموت
48
روى ابن أبي طلحة عن ابن عباس قال أقنى أرضى وقال ابن زيد أغنى بعض خلقه وأفقر بعضهم قال أبو جعفر يقال أقنيت الشيء أي اتخذته عندي وجعلته مقيما فأقنى جعل له مالا مقيما
49
قال مجاهد هي الشعرى التي خلف الجوزاء وقال غيره هما شعريان فالتي عبرت هي الشعرى العبور الخارجة عن المجرة التي عبدها أبو كبشة في الجاهلية وقال رأيتها قد عبرت عن المنازل
50
قراءة الكوفيين وبعض المكيين وهي القراءة البينة في العربية حرك التنوين لالتقاء الساكنين وقراءة أبي عمرو وأهل المدينة ( وأنه أهلك عادا الولى ) بإدغام التنوين في اللام وتكلم النحويون في هذا فقال محمد بن يزيد هو لحن وقال غيره لا يخلو من إحدى جهتين أن يصرف عادا فيقول عادا الأولى أو يمنعه الصرف يجعله اسما للقبيلة فيقول عاد الأولى فأما عادا الأولى فمتوسط فأما الاحتجاج بقراءة أهل المدينة
____________________
(4/279)
وأبي عمرو فنذكره عن أبي إسحاق قال فيه ثلاث لغات يقال الأولى بتحقيق الهمزة ثم تخفف الهمزة فتلفى حركتها على اللام فتقول الولى ولا تحذف ألف الوصل لأنها تثبت مع ألف الاستفهام نحو { آلله أذن لكم } فخالفت ألفات الوصل فلم تحذف أيضا ههنا واللغة الثالثة أن يقال لولى فتحذف ألف الوصل لأنها إنما اجتلبت لسكون اللام فلما تحركت اللام حذفت فعلى هذا قراءته ( عادا الولي ) أدغم التنوين في اللام قال وسمعت محمد بن الوليد يقول لا يجوز إدغام التنوين في هذه اللام لأن هذه اللام أصلها السكون والتنوين ساكن فكأنه جمع بين ساكنين قال وسمعته يقول سمعت محمد بن يزيد يقول ما علمت أن أبا عمرو بن العلاء لحن في صميم العربية في شيء من القرآن إلا في { يؤده إليك } وفي ( وإنه أهلك عادا الأولى ) قال وأبي هذا أبو إسحاق واحتج بما قدمنا فأما الأولى فيقال لا يكون أولي إلا وثم أخرى فهل كان ثم عاد آخرة فتكلم في هذا جماعة من العلماء فمن أحسن ما قيل فيه ما ذكره محمد بن إسحاق قال عاد الأولى عاد بن إرم بن عوض بن سام بن نوح صلى الله عليه وسلم وعاد الثانية بنو لقيم بن هزال بن هزيل من ولد عاد الأكبر وكانوا بمكة في وقت أهلكت عاد الأولى مع بني عملاق قال أبو إسحاق فبقوا بعد عاد الأولى حتى بغى بعضهم على بعض وقتل بعضهم بعضا قال وسمعت علي بن سليمان يقول سمعت محمد بن يزيد يقول عاد الآخرة ثمود واستشهد على ذلك بقول زهير
____________________
(4/280)
( كأحمر عاد ثم ترضع فتفطم ** ) يريد عاقر الناقة وجواب ثالث أنه قد يكون شيء له أول ولا آخر له من ذلك نعيم أهل الجنة
51
قال بعض العلماء أي فلم يبقهم على كفرهم وعصيانهم حتى أفناهم وأهلكم وهذا القول خطأ لأن الفاء لا يعمل ما بعدها فيما قبلها فلا يجوز أن تنصب ثمودا بأبقى وأيضا فإن بعد الفاء ما وأكثر النحويين لا يجيز أن يعمل ما بعد ما فيما قبلها والصواب أن ثمودا منصوب على العطف على عاد
52
عطف أيضا ( من قبل ) أي من قبل هؤلاء ( إنهم كانوا هم أظلم وأطغى ) أي أظلم لأنفسهم من هؤلاء وأطغى وأشد تجاوزا للظلم وقد بين ذلك قتادة وقال كان الرجل منهم يمشي بابنه إلى نوح عليه السلام فيقول يا بني لا تقبل من هذا فإن أبي مشى بي إليه وأوصاني بما أوصيتك به فوصفهم الله جل وعز بالظلم والطغيان
53 منصوبة بأهوى
____________________
(4/281)
54
الفائدة في هذا معنى التعظيم أي ما غشى مما قد ذكر لم قال قتادة غشاها الصخور أي بعد ما رفعها وقلبها
55
أي قل يا محمد لمن يشك ويجادل بأي نعم ربك تمتري أي تشك وواحد الآلاء إلى ويقال ألى وإلي وألي أربع لغات قال قتادة أي فبأي نعم ربك تتمارى المعنى يا أيها الإنسان فبأي نعم ربك تتشكك لأن المرية الشك
56
مبتدأ وخبره ومذهب قتادة أن المعنى هذا محمد نذير وشرحه أن المعنى هذا محمد من المنذرين أي منهم في الجنس والصدق والمشاكلة وإذا كان مثلهم فهو منهم ومذهب أبي مالك أن المعنى هذا الذي أنذرتكم به من هلاك الأمم نذير ( من النذر الأولى ) قال أبو جعفر وهذا أولى بنسق الآية لأن قبله ( أم لم ينبأ بما في صحف موسى وإبراهيم الذي وفى ) فالتقدير هذا الذي أنذرتكم به من النذر المتقدمة
57
____________________
(4/282)
روى ابن أبي طلحة عن ابن عباس قال الآزفة من أسماء القيامة قال يقال أزف الشيء إذا قرب كما قال
( أزف الترحل غير أن ركابنا ** لما نزل برحالنا وكأن قد )
58
قيل معنى كاشفة المصدر أي كاشفة مثل { ليس لوقعتها كاذبة } وقال أبو إسحاق كاشفة من يتبين متى هي وقيل كاشفة من يكشف ما فيها من الجهد أي لوقعتها كاشف إلا الله عز وجل ولا يكشفه إلا عن المؤمنين وتكون الهاء للمبالغة
59
أي من أن أوحى إلى محمد صلى الله عليه وسلم تعجبون
60 استهزاء ( ولا تبكون ) لما فيه من الوعيد وذكر العقاب
61 أي لاهون معرضون عن آياته
قال أبو إسحاق المعنى
62 ولا تسجدوا للات والعزى ومناة ( واعبدوا ) أي واعبدوا الله جل وعز وحده
____________________
(4/283)
54
1
كسرت التاء لالتقاء الساكنين ووجب أن تكون التاء ساكنة لأنها حرف جاء لمعنى هذا قول البصريين فأما قول الكوفيين فإنه لما كانت التاءات أربا فضمت تاء المخاطب وفتحت تاء المخاطب المذكر وكسرت تاء المخاطبة المؤنثة فلم تبق حركة فسكنت تاء المؤنثة الغائبة والمعنى اقتربت الساعة التي تقوم فيها القيامة فاحذروا منها لئلا تأتيكم فجأة وأنتم مقيمون على المعاصي ( وانشق القمر ) معطوف على اقتربت معناه المضيء
2
شرط وجوابه والمعنى أنهم سألوا آية فأروا القمر منشقا فرأوا آية تدل على حقيقة أمر النبي صلى الله عليه وسلم وأن ما جاء به صدق فأعرضوا عن التصديق ( ويقولوا سحر مستمر ) على إضمار مبتدأ أي هذا سحر مستمر
3
____________________
(4/285)
أي كذبوا بحقيقة ما رأوه وتيقنوه وآثروا اتباع أهوائهم في عبادة الأوثان وترك ما أمرهم الله به ( وكل أمر مستقر ) مبتدأ وخبر والمعنى وكل أمر من خير أو شر مستقر قراره ومتناه منتهاه
4
أي ولقد جاء هؤلاء المشركين من أخبار الأمم الذين فعلوا كفعلهم فأهلكوا ما فيه منتهى عما هم عليه كما قال مجاهد مزدجر منتهى والأصل عند سيبويه مزتجر بالتاء إلا أن التاء مهموسة والزاي مجهورة فثقل الجمع بينهما فأبدل من التاء ما هو من مخرجها وهو الدال قال أبو جعفر وهذا من أوجز قوله ولطيفه
5 بدل من ما والتقدير ولقد جاءهم حكمة ( بالغة ) أي ليس فيها تقصير ويجوز أن تكون حكمة مرفوعة على إضمار مبتدأ ( فما تغني النذر ) ويجوز أن تكون ما في موضع نصب بتغني والتقدير فأي شيء تغني النذر عمن اتبع هواه وخالف الحق ويجوز أن تكون ما نافية لا موضع لها وزعم قوم أن الياء حذفت من تغن في السواد لأن ما جعلت بمنزلة لم قال أبو جعفر هذا خطأ قبيح لأن ما ليست من حروف الجزم وهي تقع على الأسماء والأفعال فمحال أن تجزم ومعناهما أيضا مختلف لأن لم تجعل المستقبل ماضيا و ما تنفي الحال فأما حذف الياء من تغن في السواد فإنه على اللفظ في الإدراج ومثله
____________________
(4/286)
6 تكتب بغير واو على اللفظ في الإدراج فأما الداعي إذا حذفت منه الياء فالقول فيه أنه بني على نكرته فأما البين فأن يكون هذا كله مكتوبا بغير حذف
7
منصوب على الحال ( أبصارهم ) مرفوع بفعله هذه قراءة أهل الحرمين وقرأ أهل الكوفة وأهل البصرة ( خاشعا أبصارهم ) وعن ابن مسعود ( خاشعة أبصارهم ) فمن قال خاشعا وحد لأنه بمنزلة الفعل المتقدم ومن قال خاشعة أنث كتأنيث الجماعة ومن قال خشعا جمع لأنه جمع مكسر فقد خالف الفعل ولو كان في غير القرآن جاز الرفع على التقديم والتأخير ( يخرجون ) في موضع نصب على الحال أيضا ( من الأجداث ) واحدها جدث ويقال جدف للقبر مثل فوم وثوم ( كأنهم جراد منتشر ) في موضع نصب على الحال وكذا قوله
8 مبتدأ وخبره
9
على تأنيث الجماعة ( فكذبوا عبدنا ) يعين نوحا ( وقالوا مجنون ) على إضمار مبتدأ ( وازدجر ) أي زجر وتهدد بقولهم لئن لم تنته لنرجمنك
____________________
(4/287)
10
أي بأني قد غلبت وقهرت وقرأ عيسى بن عمر ( فدعا ربه إني مغلوب ) بكسر الهمزة قال سيبويه أي قال إني مغلوب ( فانتصر ) أي لي بعقابك إياهم
11
التقدير فنصرناه ففتحنا أبواب السماء لأن ما ظهر من الكلام يدل على ما حذف ( بماء منهمر ) أي مندفق قال سفيان منهمر ينصب انصبابا وقال الشاعر
( راح تمريه الصبا ثم انتحى ** فيه شؤبوب جنوب منهمر )
12
جمع عين في العدد وقراءة الكوفيين ( عيونا ) بكسر العين والأصل الضم فأبدل من الضمة كسرة استثقالا للجمع بين ضمة وياء ( فالتقى الماء ) والتقى لا يكون إلا لاثنين المعنى فالتقى ماء الأرض وماء السماء وهما جميعا يقال لهما ماء لأن ماء اسم للجنس قال أبو الحسن بن
____________________
(4/288)
كيسان الأصل في ماء ماه فأبدلوا من الهاء همزة فإذا جمعوا ردوه إلى أصله فقالوا أمواه ومياه ومويه في التصغير ( على أمر قد قدر ) قيل أي قدره الله جل وعز في اللوح المحفوظ وقيل قدر ماء الأرض كماء السماء
13
أي على سفينة ذات ألواح ( ودسر ) روى ابن أبي طلحة عن ابن عباس قال الدسر المسامير وكذا قال محمد بن كعب وقتادة وابن زيد وقال الحسن الدسر صدر السفينة وقال الضحاك الدسر طرف السفينة قال وأصل هذا من دسره يدسره ويدسره دسرا إذا شده ورفعه
14
أي بمرأى منا ومسمع وقيل بأمرنا وأعين جمع في القليل ويقال أعيان مثل بيت وأبيات ( جزاء ) مصدر ( لمن كان كفر ) في معناه أقوال قال ابن زيد من بمعنى ما وتقديره عنده للذي كفر من النعم وجحد قال وهذا يمنعه أهل العربية جميعا ومذهب مجاهد أن المعنى جزاء لله قال أبو جعفر وهذا قول حسن أي عاقبناهم وعرفناهم جزاء لله جل وعز حين كفروا به وجحدوا وحدانيته فقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا وقيل جزاء لمن كان كفر على لفظ من ولو كان في غير القرآن لجاز على هذا القول كفروا على المعنى
____________________
(4/289)
15
قيل المعنى ولقد تركنا هذه العقوبة لمن كفر وجحد الأنبياء صلى الله عليهم وسلم عظة وعبرة ومذهب قتادة ولقد تركنا السفينة آية ( فهل من مدكر ) هذه قراءة الجماعة وهي صحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم كما رواه شعبة وغيره عن ابن إسحاق عن الأسود عن عبد الله قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ فهل من مدكر بالدال غير معجمة وقال يعقوب القارىء قرأ قتادة ( فهل من مذكر ) بالذال معجمة قال أبو جعفر مدكر أولى لما ذكرنا من الاجتماع في العربية والأصل عند سيبويه مذتكر فاجتمعت الذال وهي مجهورة أصلية والتاء وهي مهموسة زائدة فأبدلوا من التاء حرفا مجهورا من مخرجها فصار مذدكر فأدغمت الذال في الدال فصار مدكر ممن قال مذكر أدغم الدال في الذال وليس على هذا كلام العرب إنما يدغمون الأول في الثاني
16
أي فكيف كان عقابي لمن كفر بي وعصاني وبإنذاري وتحذيري من الوقوع في مثل ذلك
17
قال ابن زيد أي بينا وقال مجاهد هونا وقيل التقدير ولقد سهلنا
____________________
(4/290)
القرآن بتبييننا إياه وتفصيلنا لمن أراد أن يتذكره فيعتبر به ( فهل من مدكر ) يتذكر ما فيه وقيل هل من طالب خيرا أو علما فيعان عليه فهذا قريب من الأول لأن الأول أبين على ظاهر الآية
18 قال أبو جعفر في هذا حذف قد عرف معناه أي كذبت عاد هودا كما كذبت قريش محمدا صلى الله عليه وسلم فليحذروا مثل ما نزل بهم ( فكيف كان عذابي ونذر ) فكيف في موضع نصب على خبر كان إلا أنها مبنية لأن فيها معنى الاستفهام وفتحت لالتقاء الساكنين
19
أهل التفسير يقولون الصرصر الباردة وقال بعض أهل اللغة إنما يقال لها صرصر إذا كان لها صوت شديد من قولهم صر الشيء إذا صوت والأصل صرر فأبدل من إحدى الراءات صاد ( في يوم نحس مستمر ) قال بعض أهل التفسير النحس الشديد ولو كان كما قال لكان يوم منونا ولقيل نحس ولم يضف
20 قيل تنزعهم من الحفر التي كانوا حفروها ( كأنهم أعجاز نخل منقعر ) النخل تذكر وتؤنث لغتان جاء بها القرآن وزعم محمد بن جرير أن في الكلام حذفا وأن المعنى تنزع الناس فتتركهم كأعجاز نخل قال فتكون الكاف على هذا في موضع نصب بالفعل المحذوف وهذا لا يحتاج إلى ما قاله من الحذف والقول فيه ما قاله أبو
____________________
(4/291)
إسحاق قال هو في موضع نصب على الحال أي تنزع الناس أمثال نخل منقعر أي في هذه الحال قال أبو جعفر وهذا القول حقيقة الإعراب فإن كان على تساهل المعنى فالمعنى يؤول إلى ما قاله محمد بن جرير وقد روى محمد بن إسحاق قال لما هاجت الريح قام نفر سبعة من عاد فاصطفوا على باب الشعب فسدوا الريح عمن في الشعب من العيال فأقبلت الريح تجيء من تحت واحد واحد ثم تقلعه فتقلبه على رأسه فتدق عنقه حتى أهلكت ستة وبقي واحد يقال له الخلجان فجاء إلى هود صلى الله عليه وسلم فقال ما هؤلاء الذين أراهم كالبخاتي تحت السحاب قال هؤلاء الملائكة عليهم السلام قال إن أسلمت فمالي قال تسلم قال أيقيدني ربك من هؤلاء الذين في السحاب قال ويلك هل رأيت ملكا يقيد من جنده قال لو فعل ما رضيت قال فرجع إلى موضعه وأنشأ يقول
( لم يبق إلا الخلجان نفسه ** يا شر يوم قد دهاني أمسه )
ثم لحقه ما لحق أصحابه فصاروا كما قال جل وعز كأنهم أعجاز نخل منقعر وقال مجاهد في تشبيههم بأعجاز نخل منقعر لأنه قد بانت أجسادهم من رؤوسهم فصاروا أجساما بلا رءوس وقال بعض أهل النظر التشبيه للحفر التي كانوا فيها قياما صارت الحفر كأنها أعجاز نخل قال أبو
____________________
(4/292)
جعفر وهذا القول قول خطأ ولو كان كما قال كان كأنها أو كأنهن وأيضا فإن الحفر لم يتقدم لها ذكر فيكنى عنها وأيضا فالتشبيه بالقوم أولى ولا سيما وهو قول من يحتج بقوله
21 أي فكيف كان عذابي إياهم على الكفر وإنذاري إياكم أن ينزل بكم ما نزل بهم قال أبو إسحاق نذر جمع نذير
23
لم يصرف ثمود لأنه اسم للقبيلة ويجوز صرفه على أنه اسم للحي
24
نصبت بشرا بإضمار فعل والمعنى أنتبع بشرا منا وحدا ونحن جماعة ( إنا إذا لفي ضلال وسعر ) أي في حيرة عن الطريق المستقيم وأخذ على العوج ولا تعمل إذن إذا لم يكن الكلام معتمدا عليها ( وسعر ) يكون جمع سعير ويكون مصدرا من قولهم سعر الرجل إذا طاش
25
استفهام فيه معنى التوقيف ( بل هو كذاب أشر ) الكوفيون يقولون بل لا تكون إلا بعد نفي فيحملون مثل هذا على المعنى لأن معنى ألقي عليه الذكر لم يلق عليه
____________________
(4/293)
26
الأصل عند سيبويه غدو حذفت منه الواو ( من الكذاب الأشر ) مبتدأ وخبره في موضع نصب بسيعلمون وقرأ يحيى بن وثاب والأعمش وحمزة ( ستعلمون غدا ) وأبو عبيد يميل إلى القراءة بالياء لأن بعده
27 ولم يقل لكم قال أبو جعفر التقدير لمن قرأ بالياء قال الله جل وعز سيعلمون غدا والقول يحذف كثيرا والأصل إنا مرسلون حذفت النون تخفيفا وأضيف فتنة لهم قال أبو إسحاق فتنة مفعول له وقال غيره هو مصدر أي فتناهم بذلك وابتليناهم وكان ابتلاؤهم في ذلك أن الناقة خرجت لهم من صخرة صماء ناقة عظيمة فآمن بعضهم وكانت لعظمها كثيرة الأكل فشكوا ذلك إلى صالح صلى الله عليه وسلم فقالوا قد أفنت الحشائش والأعشاب ومنعتنا من الماء فقال ذروها تأكل في أرض الله ولا تمسوها بسوء ترد الماء يوما وتردون يوما فكانت هذه الفتنة ( فارتقبهم واصطبر ) أي فاصبر على ارتقابك إياهم والأصل واصتبر أبدل من التاء طاء لأن الطاء أشبه بالصاد لأنهما مطبقتان قال أبو إسحاق ينطبق الحنك على اللسان بهما قال أيضا وهما أيضا مطبقتان في الخط
28
أي ذو قسمة مثل قولك رجل عدل ( كل شرب محتضر ) مبتدأ وخبر أي تحضر الناقة يوما وهم يوما وغلب المذكر على المؤنث فقيل بينهم
____________________
(4/294)
29
وهم التسعة الذين انفردوا لعقر الناقة فنادى ثمانية منهم قدارا فقالوا هذه الناقة قد أقبلت ( فتعاطى فعقر ) قيل أي فتعاطى قتلها وحقيقته في اللغة فتناول الناقة فقتلها من قولهم عطوت إذا تناولت كما قال
( وتعطو برخص غير ششن كأنه ** أساريع ظبي أو مساويك إسحل )
30
أي عقابي إياهم على عصيانهم أي فاحذروا المعاصي ( ونذر ) أي إنذاري إياكم أن ينزل بكم ما نزل بهم
31
وهذا من التمثيل العجيب لأن الهشم ما يبس من الشجر وتهشم فصار يحظر به بعد أن كان أخضر ناضرا أي صاروا بعد النعمة رفاتا وبعد البهجة حطاما كهيئة الشجر وروي عن ابن عباس كهشيم المحتظر أي كالعظام المحترقة قال أبو جعفر وحقيقة هذا القول في اللغة كهشيم قد حظر به وأحرق وقال ابن زيد هو الشوك تجعله العرب حوالي الغنم مخافة السبع والتقدير في العربية كهشيم الرجل المحتظر ومن قرأ
____________________
(4/295)
( كهشيم المحتظر ) فتقديره كهشيم الشيء الذي قد احتظر
33
أي بالآيات التي أنذروا بها
34
أي حجارة تحصبهم ( إلا آل لوط ) نصب على الاستثناء وآل الرجل كل من كان على دينه ومذهبه كما قال جل وعز لنوح صلى الله عليه وسلم { إنه ليس من أهلك } وهو ابنه وآل بمعنى واحد إلا أن النحويين يقولون الأصل في آل أهل والدليل على ذلك أن العرب إذا صغرت آلا قالت أهيل ( نجيناهم بسحر ) قال الفراء سحر ههنا يجري لأنه نكرة كقولك نجيناهم بليل قال أبو جعفر وهذا القول قول جميع النحويين لا نعلم فيه اختلافا إلا أنه قال بعده شيئا يخالف فيه قال فإذا ألقت العرب من سحر الباء لم يجروه فقالوا فعلت هذا سمر يا هذا قال أبو جعفر وقول البصريين أن سحر إذا كان نكرة انصرف وإذا كان معرفة لم ينصرف ودخول الباء وخروجها واحد والعلة فيه عند سيبويه أنه معدول عن الألف واللام لأنه يقال أتيتك أعلى السحر فلما حذفت الألف واللام وفيه نيتهما اعتل فلم ينصرف تقول سير بزيد سحر يا هذا غير مصروف ولا يجوز رفعه لعلة ليس هذا موضع ذكرها
35
____________________
(4/296)
قال أبو إسحاق نصبت نعمة لأنها مفعول لها قال ويجوز الرفع بمعنى تلك نعمة من عندنا ( كذلك نجزي من شكر ) الكاف في موضع نصب أي نجزي من شكر جزاء كذلك النجاء
36
أي التي بطشنا بهم ( فتماروا بالنذر ) أي كذبوا بها شكا كما قال قتادة في فتماروا بالنذر أي لم يصدقوا بها
37
وضيف بمعنى أضياف لأنه مصدر فلذلك لا تكاد العرب تثنية ولا تجمعه وحقيقته في العربية عن ذوي ضيفه ( فطمسنا أعينهم ) يقال طمس عينه وعلى عينه إذا فعل بها فعلا يصير به مثل وجهه لا شق فيها ويقال طمست الريح الأعلام إذا سفت عليها التراب فغطتها به كما قال
( من كل نضاحة الذفرى إذا عرقت ** عارضها طامس الأعلام مجهول ) ( فذوقوا عذابي ونذر ) أي فقالت لهم الملائكة صلى الله عليهم وسلم فذوقوا عذاب الله وعقابه ما أنذركم به
____________________
(4/297)
38
قال سفيان كان مع الفجر صرفت بكرة ههنا لأنها نكرة وزعم الفراء أن غدوة وبكرة يجريان ولا يجريان وزعم أن الأكثر في غدوة ترك الصرف وفي بكرة الصرف قال أبو جعفر قول البصريين أنهما لا ينصرفان في المعرفة وينصرفان في النكرة فإن زعم زاعم أن الأولى ما قال الفراء لأن بكرة ههنا مصروف قيل له هذا لا يلزم لأن بكرة ههنا نكرة وكذا سحر والدليل على ذلك أنه لم يقل أهلكوا في يوم كذا من شهر كذا من سنة كذا بكرة فتكون معرفة فلما وجب أن تكون نكرة لم يكن فيها ذكر حجة ولا سيما وفيه الهاء قيل عذاب مستقر أي يستقر عليهم حتى أهلكناهم
41
أي أهل دينه والقائلين بقوله كما مر قد إذا وقعت مع الماضي دلت على التوقع وإذا كانت مع المستقبل دلت على التقليل نقول قد يكرمنا فلان أي ذلك يقل منه
42
في معناه قولان أحدهما أن المعنى كذبوا بآياتنا التي أريناهم إياها كلها والآخر أنه على التكثير كما حكى سيبويه ما بقي منهم مخبر ( فأخذناهم أخذ عزيز مقتدر ) قال قتادة عزيز في انتقامه وقال لي غيره عزيز لا يغلب مقتدر على ما يشاء
43
____________________
(4/298)
مبتدأ وخبره قال وهذا على التوقيف كما حكى سيبويه الشقاء أحب إليك أم السعادة ( أم لكم براءة في الزبر ) أي أكتب لكم أنكم لا تعذبون
44
على اللفظ ولو كان على المعنى قيل منتصرون
45
قال أهل التفسير ذلك يوم بدر ( ويولون الدبر ) واحد بمعنى الجمع كما يقال كثر الدرهم
46
من قال بل لا يكون إلا بعد نفي قال المعنى ليس الأمر كما يقولون أنهم لا يبعثون بل الساعة موعدهم ( والساعة أدهى وأمر ) أي من هزيمتهم وتوليهم
47
أي ذهب عن الحق ( وسعر ) أي نار تسعر
48
وفي قراءة ابن مسعود ( إلى النار ) وهذه القراءة على التفسير كما
____________________
(4/299)
روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم يحضر المقتول بين يدي الله جل وعز فيقول له فيم قتلت فيقول فيك فيقول كذبت أردت أن يقال فلان شجاع فقد قيل فيؤمر به فيسحب على وجهه إلى النار ( ذوقوا مس سقر ) أي يقال لهم
49
فدل بهذا على أنهم يعذبون على كفرهم بالقدر وزعم سيبويه أن نصب كل على لغة من قال زيدا ضربته وفي نصبه قولان آخران أما الكوفيون فقالوا إنا تطلب الفعل والفعل بها أولى من الاسم والمعنى إنا خلقنا كل شيء قالوا وليس هذا مثل قولنا زيدا ضربته لأنه ليس ههنا حرف هو بالفعل أولى ألا ترى أنك تقول أزيدا ضربته فيكون النصب أولى لأن ههنا حرفا هو بالفعل أولى والقول الثالث أنه إنما جاز هذا بالنصب وخالف زيد ضربته ليدل ذلك على خلق الأشياء فيكون فيه رد على من أنكر خلق الأفعال
50
مبتدأ وخبره وقال علي بن سليمان المعنى إلا أمرة واحدة وزعم
____________________
(4/300)
الفراء أنه روي ( وما أمرنا إلا واحدة ) بالنصب كما يقال ما فلان إلا ثيابه ودابته أي لا يتعهد ثيابه ودابته وكما حكى الكسائي ما فلان إلا عمته أي يتعهد عمته ( كلمح بالبصر ) أي في سرعته
51
فيه قولان أحدهما أن أشياعهم هم الذين أهلكوا من قبلهم لأنهم كفروا كما كفروا فهل من متعظ بذلك وسموا أشياعهم لأنهم كذبوا كما كذبوا والقول الآخر أن أشياعهم هم الذين كانوا يعاونونهم على عداوة النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين فأهلكوا فهل من متعظ منكم بذلك والقول الأول عليه أهل التأويل
52
الهاء في فعلوه تعود على الأشياع في الزبر مكتوب عليهم قد كتبته الحفظة
53 يقال سطر واستطر إذا كتب سطرا
54 أي الذين اتقوا عقاب الله جل وعز باجتناب محارمه وأداء فرائضه ( في جنات ونهر ) قال أبو إسحاق نهر بمعنى أنهار قال أبو جعفر وأنشد الخليل وسيبويه
____________________
(4/301)
( في حلقكم عظم وقد شجينا ** )
55
أي في مجلس حق لا لغو فيها ولا باطل ( عند مليك مقتدر ) أي يقدر على ما يشاء
____________________
(4/302)
55
1
رفع بالابتداء وخبره
2 أي من رحمته علم القرآن فبصر به رضاه الذي يقرب منه وسخطه الذي يباعد منه ومن رحمته
3
4
فهو خبر بعد خبر
5
مبتدأ وقيل الخبر محذوف أي يجريان ( بحسبان ) وقيل الخبر بحسبان
6
روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال النجم ما تبسط على الأرض من الزرع يعني البقل ونحوه قال والشجر ما كان على ساق قال أبو
____________________
(4/303)
جعفر وهذا أحسن ما قيل في معناه أي يسجد له كل شيء أي ينقاد لله جل وعز
7
نصبت بإضمار فعل يعطف ما عمل فيه لفعل على مثله ( ووضع الميزان ) قال الفراء أي العدل وقال غيره هو الميزان الذي يوزن به
8
أن في موضع نصب والمعنى بأن لا تطغوا و تطغوا في موضع نصب بأن ويجوز أن يكون أن بمعنى أي فلا يكون لها موضع من الإعراب ويكون تطغوا في موضع جزم بالنهي قال أبو جعفر وهذا أولى لأن بعده
9 ( ولا تخسروا الميزان ) وقرأ بلال بن أبي بردة ( ولا تخسروا ) بفتح التاء وهي لغة معروفة
10
نصب الأرض بإضمار فعل
11 مبتدأ ( والنخل ذات الأكمام ) عطف عليه الواحد كم وهو ما أحاط بها من ليف وسعف وغيرهما
12
____________________
(4/304)
مرفوع على أنه عطف على فاكهة أي وفيها الحب ( ذو العصف ) نعت له ( والريحان ) عطف أيضا وقراءة الأعمش وحمزة والكسائي ( ذو العصف والريحان ) بالخفض بمعنى وذو الريحان
13
روى ابن أبي طلحة عن ابن عباس قال فبأي نعم ربكما قال أبو جعفر فإن قيل إنما تقدم ذكر الإنسان فكيف وقعت المخاطبة لشيئين ففي هذا غير جواب منها أن الأنام يدخل فيه الجن والإنس فخوطبوا على ذلك وقيل لما قال جل وعز { والجان خلقناه } وقد تقدم ذكر الإنسان خوطب الجميع وأجاز الفراء أن يكون على مخاطبة الواحد بفعل الاثنين وحكى ذلك عن العرب
14
روى ابن أبي طلحة عن ابن عباس قال الصلصال الطين اليابس فالمعنى على هذا خلق الإنسان من طين يابس يصوت كما يصوت الطين الذي قد مسته النار وهو الفخار وقيل الصلصال المنتن فعلال من صل اللحم إذا أنتم ويقال أصل
15
____________________
(4/305)
قيل المارج مشتق من مرج الشيء إذا اختلط والمارج من بين أصفر وأخضر وأحمر وكذا لسان النار وروى ابن أبي طلحة عن ابن عباس من مارج من نار قال هو من خالص النار
17
رفع على إضمار مبتدأ يجوز أن يكون بدلا من المضمر الذي في خلق ويجوز الخفض بمعنى فبأي آلاء ربكما رب المشرقين ورب المغربين ويجوز النصب بمعنى أعني
18
ليس بتكرير لأنه إنما أتى بعد نعم أخرى سوى التي تقدمت
19
روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال مرج أرسل واختلف العلماء في معنى البحرين ههنا فقال الحسن وقتادة هما بحر الروم وبحر فارس وقال سعيد بن جبير وابن أبزى هما بحر السماء وبحر الأرض وكذا يروى عن ابن عباس إلا أنه قال يلتقيان كل عام وقول سعيد بن جبير وابن أبزى يذهب إليه محمد بن جرير لعلة أوجبت ذلك عنده نذكرها بعد هذا
20
قال بعض أهل التفسير لا يبغيان على الناس وقال بعضهم لا يبغي
____________________
(4/306)
أحدهما على الآخر وظاهر الآية يدل على العموم
22
وقراءة يحيى بن وثاب والأعمش وحمزة ( يخرج ) والضم أبين لأنه إنما يخرج إذا أخرج وتكلم العلماء في معنى يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان فمذهب الفراء أنه إنما يخرج من أحدهما وجعله مجازا وفي هذا من البعد ما لا خفاء به على ذي فهم أن يكون منهما من أحدهما وقيل يخرج إنما هو للمستقبل فيقول أنه يخرج منهما بعد هذا وقيل يخرج منهما حقيقة لا مجازا لأنه إنما يخرج من المواضع التي يلتقي فيها الماء الملح والماء العذب وقول رابع هو الذي اختاره محمد بن جرير وحمله على ذلك التفسير لما كان من تقوم الحجة بقوله قد قال في قوله جل وعز مرج البحرين يلتقيان أنهما بحر السماء وبحر الأرض وكان اللؤلؤ والمرجان إنما يوجد في الصدف إذا وقع المطر عليه ويدلك على هذا الحديث عن ابن عباس قال إذا مطرت السماء فتحت الصدف أفواهها
24
الجواري في موضع رفع حذفت الضمة من الياء لثقلها وحذفه الياء بعيد ومن حذف الياء قال الكسرة تدل عليها وقد كانت تحذف قبل دخول الألف واللام وقراءة الكوفيين غير الكسائي ( وله الجواري
____________________
(4/307)
المنشآت ) يجعجلونها فاعلة و المنشأات قراءة أهل المدينة وأبي عمرو وهي أبين فأما ما روي عن عاصم الجحدري أنه قرأ ( المنشيات ) فغير محفوظ لأنه إن أبدل الهمزة قال المنشيات وإن خففها جعلها بين الألف والهمزة فقال المنشاات وهذا المحفوظ من قراءته ( كالأعلام ) في موضع نصب على الحال
26
الضمير يعود على الأرض وضعها أي كل من على الأرض يفنى ويهلك والأصل فإني استثقلت الحركة في الياء فسكنت ثم حذفت لسكونها وسكون التنوين بعدها
27
ذو من نعت وجه لأن المعنى ويبقى ربك كما تقول هذا وجه الأرض وفي قراءة ابن مسعود ( ويبقى وجه ربك ذي الجلال والإكرام ) من نعت ربك
29
مذهب قتادة وليس بنص قوله يفزع إليه أهل السموات وأهل الأرض في حاجاتهم لا غناء بهم عنه ( كل يوم هو في شأن ) أي في شأنهم وصلاحهم وتدبير أمورهم
____________________
(4/308)
31
فيه خمس قراءات ذكر أبو عبيد منها اثنتين قد قرأ بكل واحدة منهما خمسة قراء وهما ( سنفرغ ) و ( سيفرغ ) فقرأ بالأولى أبو جعفر وشيبة ونافع وأبو عمرو وعاصم وقرأ طلحة بن مصرف ويحيى بن وثاب والأعمش وحمزة والكسائي ( سيفرغ ) ولم يذكر أبو عبيد طلحة وقرأ عبد الرحمن الأعرج وقتادة ( سنفرغ لكم ) بفتح النون والراء وقرأ عيسى بن عمر ( سنفرغ ) بكسر النون وفتح الراء وذكر الفراء أنه يقرأ ( سيفرغ ) بضم الياء وفتح الراء قال أبو جعفر القراءتان الأوليان بمعنى واحد وحكى أبو عبيد أن لغة أهل الحجاز وتهامة فرغ يفرغ وأن لغة أهل نجد فرغ يفرغ وأنه لا يعرف أحدا من القراء قرأ بها قال أبو جعفر وقد ذكرنا من قرأ بها فمن قال فرغ يفرغ جاء به على الأصل لأن فيها حرفا من حروف الحلق وحروف الحلق الهمزة والعين والغين والحاء والخاء والهاء وحروف الحلق يأتي منها فعل يفعل كثيرا نحو ذهب يذهب وصنع يصنع ويأتي ما فيه لغتان نحو صبغ يصبغ ويصبغ ورعف يرعف ويرعف ويأتي منهما ما لا يكاد يفتح نحو نحت ينحت وإنما يرجع في هذا إلى اللغة
____________________
(4/309)
33
نداء مضاف ( إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السموات والأرض فانفذوا ) على مذهب الضحاك أن المعنى سنفرغ لكم أيها الثقلان فيقال لكم يا معشر الجن والإنس وذكر أن هذا يوم القيامة تنزل ملائكة سبع السموات فيحيطون بأقطار الأرض فيأتي الملك الأعلى جل وعز وقرأ الضحاك { وجاء ربك والملك صفا صفا } ثم يؤتى بجهنم فإذا رآها الناس هربوا وقد اصطفت الملائكة على أقطار الأرض سبعة صفوف وقرأ الضحاك { يوم التناد يوم تولون مدبرين } وقرأ إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السموات والأرض فانفذوا وروي عنه أنه قال إن استطعتم أن تهربوا من الموت وروي عن ابن عباس إن استطعتم أن تعلموا ما في السموات وما في الأرض ( لا تنفذون إلا بسلطان ) قال عكرمة أي بحجة قال وكل سلطان في القرآن فهو حجة وقال قتادة بسلطان أي بملكة
35
هذه قراءة أبي جعفر وشيبة ونافع وأبي عمرو وعاصم والأعمش وحمزة والكسائي وقرأ ابن كثير وابن أبي إسحاق وهي مروية عن الحسن ( شواظ ) بكسر الشين والفراء يذهب إلى أنهما لغتان بمعنى واحد كما يقال صوار وصورا ( ونحاس ) قراءة أبي جعفر وشيبة ونافع
____________________
(4/310)
والكوفيين بالرفع وقرأ ابن كثير وابن أبي إسحاق وأبو عمرو ( ونحاس ) بالخفض وقرأ مجاهد ( ونحاس ) بكسر النون والسين وقرأ مسلم بن جندب ( ونحس ) بغير ألف وبالرفع قال أبو جعفر الرفع في و نحاس أبين في العربية لأنه لا إشكال فيه يكون معطوفا على شواظ وإن خفضت عطفته على نار واحتجت إلى الاحتيال وذلك أن أكثر أهل التفسير منهم ابن عباس يقولون الشواظ اللهب والنحاس الدخان فإذا خفضت فالتقدير شواظ من نار ومن نحاس والشواظ لا يكون من النحاس كما أن اللهب لا يكون من الدخان إلا على حيلة واعتذار والذي في ذلك من الحيلة وهو قول أبي العباس محمد بن يزيد أنه لما كان اللهب والدخان جميعا من النار كان كل واحد منهما مشتملا على الآخر وأنشد للفرزدق
( فبت أقد الزاد بيني وبينه ** على ضوء نار مرة ودخان ) فعطف ودخان على نار وليس للدخان ضوء لأن الضوء والدخان من النار وإن عطفت ودخان على ضوء لم تحتج إلى الاحتيال وأنشد غيره في هذا بعينه
( شراب ألبان وتمر وأقط ** ) وإنما الشروب الألبان ولكن الحلق يشتمل على هذه الأشياء وقال آخر
____________________
(4/311)
في مثله
( يا ليت زوجك قد غدا ** متقلدا سيفا ورمحا ) لأنهما محمولان وقد قال الحسن ومجاهد وقتادة في قوله جل وعز ونحاس قالوا يذاب النحاس فيصب على رءوسهم ( فلا تنتصران ) أي ممن عاقبكما بذلك ولا تستفيدان منه
36
أي فبأي نعم ربكما الذي جعل الحكم واحدا في المنع من النقود ولم يخصص بذلك أحدا دون أحد
37
وهو يوم القيامة ( فكانت وردة ) قال قتادة هي اليوم خضراء ويوم القيامة حمراء وزاد غيره وهي من حديد ( كالدهان ) أصح ما قيل فيه وهو قول مجاهد والضحاك أنه جمع دهن أي صافية ملساء
39 جواب إذا ( لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان ) قول ابن عباس لا يسألون سؤال اختبار لأن الله جل وعز قد حفظ عليهم أعمالهم وقول قتادة أنهم يعرفون بسواد الوجوه وزرق الأعين ويدل على هذا أن بعده
41 والسيما والسيمياء العلامة ( فيؤخذ بالنواصي والأقدام ) يكون بالنواصي في موضع رفع اسم ما
____________________
(4/312)
لم يسم فاعله ويجوز أن يكون مضمرا
43
أي يقال لهم هذه جهنم التي كانوا يكذبون بها في الدنيا
44
أي بين أطباقها ( وبين حميم آن ) حكى عبد الله بن وهب عن ابن زيد قال الآني الحاضر وروى ابن أبي طلحة عن ابن عباس بين حميم آن قال يقول قد انتهى حره قال أبو جعفر وكذا هو في كلام العرب قال النابغة
( وتخضب لحية غدرت وخانت ** بأحمر من نجيع الجوف آن )
45
أي فبأي نعم ربكما التي أنعم بها عليكم فلم يعاقب منكم إلا المجرمين وجعل لهم سيمياء يعرفون بها حتى لا يختلط بهم غيرهم
46
رفع بالابتداء وبإضمار فعل بمعنى تجب أو تستقر والتقدير ولمن خاف مقام ربه فأدى فرائضه واجتنب معاصيه خوف المقام الذي يقفه الله تعالى
____________________
(4/313)
للحساب ويبين هذا قوله { وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى } ولا يقال لمن اقتحم على المعاصي خائف وروى ابن أبي طلحة عن ابن عباس ولمن خاف مقام ربه جنتان قال وعد الله المؤمنين الذين أدوا فرائضه الجنة
48
نعت للجنتين والجنة عند العرب البستان قال أبو جعفر واحد الأفنان فنن على قول من قال هي الأغصان ومن قال هي الألوان ألوان الفاكهة فواحدها وعندهم فن والأول أولى بالصواب لأن أكثر ما يجمع فن فنون فيستغنى بجمعه الكثير كما يقال شسع وشسوع ومنه أخذ فلان في فنون من الحديث
50
أي في خلالهما نهران يجريان
52
أي من كل نوع من الفاكهة صنفان
54
نصب متكئين على الحال والعالم فيه من غامض النحو قال أبو
____________________
(4/314)
جعفر ولا أعلم أحدا من النحويين ذكره إلا شيئا ذكره محمد بن جرير قال هو محمول على المعنى أي يتنعمون متكئين وجعل ما قبله يدل على المحذوف قال أبو جعفر ويجوز أن يكون بغير حذف ويكون راجعا إلى قوله جل وعز ولمن خاف مقام ربه جنتان كما تقول لفلان تجارة حاضرا أي في هذه الحال ومتكئين على معنى من ولو كان على اللفظ لكان متكئا ( وجنى الجنتين ) في موضع رفع بالابتداء ( دان ) خبره
56 قال أبو جعفر قد ذكرنا هذا الضمير وعلى من يعود وفيه إشكال قد بيناه والتقدير فيهن حور ( قاصرات الطرف لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان ) وقراءة طلحة ( لم يطمثهن ) وهما لغتان معروفتان
58
أن في موضع خفض بالكاف والكاف في موضع رفع بالابتداء والخبر محذوف وهن في موضع نصب اسم أن وشددت لأنها بمنزلة حرفين في المذكر الياقوت خبر والمرجان عطف عليه
60
مبتدأ وخبره أي على جزاء من أحسن في الدنيا إلا أن يحسن إليه في الآخرة
62
____________________
(4/315)
في معناه قولان أحدهما ومن دونهما في الدرج وهذا مذهب ابن عباس وتأول أن هاتبن الجنتين هما اللتان قال الله جل وعز فيهما { فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين } والقول الآخر ومن دونهما في الفضل وهذا مذهب ابن زيد قال وهم لأصحاب اليمين
64 قال أبو حاتم ويجوز في الكلام مدهمتان لأنه يقال ادهم وادهام ومدهامتان من نعت الجنتين
66
روى ابن أبي طلحة عن ابن عباس نضاختان قال فياضتان وقال الضحاك ممتلئتان وقال سعيد بن جبير نضاختان بالماء والفاكهة قال أبو جعفر والمعروف في اللغة أنهما بالماء
68
فيها ثلاثة أقوال منها أنه قيل إن النخل والرمان ليسا من الفاكهة لخروجهما منها في هذه الآية وقيل هما منها ولكن أعيد إشادة بذكرهما لفضلهما وقيل العرب تعيد الشيء بواو العطف اتساعا لا لتفضيل والقرآن نزل بلغتهم والدليل على ذلك { ألم تر أن الله يسجد له من في السماوات ومن في الأرض }
____________________
(4/316)
) ثم قال جل وعز وكثير من الناس وقال جل ثناؤه { حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى } قال أبو جعفر وهذا بين لا لبس فيه
70
وحكى الفراء خيرات وخيرات فأما البصريون فقالوا خيرة بمعنى خيرة فخفف كما قيل ميت وميت وفيهن يعود على الأربع الأجنة
72 بدل وإن شئت كان نعتا ( مقصورات ) قال مجاهد قصرن طرفهن وأنفسهن على أزواجهن فلا يردن غيرهم وقال أبو العالية مقصورات محبوسات وقال الحسن مقصورات محبوسات لا يطفن في الطرق قال أبو جعفر والصواب في هذا أن يقال أن الله جل وعز وصفهن بأنهن مقصورات فعم فنعم كما عم جل وعز فيقول فصرن طرفهن وأنفسهن على أزواجهن فلا يرين غيرهم وهن محبوسات في الخيام ومصونات
74
فدل بهذا على أن الجن يطؤون
____________________
(4/317)
76
فخضر جمع أخضر ورفرف لفظه لفظ واحد وقد نعت بجمع لأنه اسم للجمع كما قال مررت برهط كرام وقوم لئام وكذا هذه إبل حسان وغنم صغار ( وعبقري ) مثله غير أنه يجوز أن يكون جمع عبقرية وقد قرأ عاصم الجحدري ( متكئين على رفارف خضر وعباقري حسان ) وقد روى بعضهم هذه القراء عن عاصم الجحدري عن أبي بكرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وإسنادها ليس بالصحيح وزعم أبو عبيد أنها لو صحت لكانت وعباقري بغير إجراء وزعم أنه هكذا يجب في العربية قال أبو جعفر وهذا غلط بين عند جميع النحويين لأنهم قد أجمعوا جميعا أنه يقال رجل مدائني بالصرف وإنما توهم أنه جمع وليس في كلام العرب جمع بعد ألفه أربعة أحرف لا اختلاف بينهم أنك لو جمعت عبقرا لقلت عباقر ويجوز على بعد عباقير ويجوز عباقرة فأما عباقري في الجمع فمحال والعلة في امتناع جواز عباقري أنه لا يخلو من أن يكون منسوبا إلى عبقر فيقال عبقري أو يكون منسوبا إلى عباقر فيرد إلى الواحد فيقال أيضا عبقري كما شرط النحويون جميعا في النسب إلى الجمع أنك تنسب إلى واحده فتقول في النسب إلى المساجد مسجدي وإلى العلوم علمي وإلى الفرائض فرضي فإن قال قائل فما يمنع من أن يكون عباقرا اسم موضع ثم ينسب إليه كما يقال معافري قيل له إن كتاب الله جل وعز لا يحمل على ما لا يعرف وتترك حجة الإجماع
____________________
(4/318)
78
أي البركة في اسمه جل وعز البركة في اللغة بقاء النعمة وثباتها فحضهم بهذا على أن يكثروا ذكر اسمه جل وعز ودعاءه وأن يذكروه بالإجلال والتعظيم له فقال ( ذي الجلال والإكرام ) أي الجليل الكريم وفي الحديث ألظوا بياذا الجلال والإكرام
____________________
(4/319)
56
1
إذا في موضع نصب لأنها ظرف زمان والعامل فيها وقعت لأنها تشبه حروف الشرط وإنما يعمل فيها ما بعدها وقد حكى سيبويه أن من العرب من يجزم بها قال وشبهها بحروف الشرط متمكن قوي وذلك أنها تقلب الماضي إلى المستقبل وتحتاج إلى جواب غير أنه لا يجازى بها إلا في الشعر فأما مخالفتها حروف المجازاة فإن ما بعدها يكون محددا تقول أجيئك إذا حمر البسر ولا يجوز ههنا أن وكسرت التاء من وقعت لالتقاء الساكنين لأنها حرف فحكمها أن تكون ساكنة وروى ابن أبي طلحة عن ابن عباس قال الواقعة والطامة والصاخة ونحو ذلك من أسماء القيامة عظمها الله جل وعز وحذرها عباده وقال غيره هي الصيحة وهي النفخة الأولى
2
____________________
(4/321)
اسم ليس وذكرت كاذبة عند أكثر النحويين لأنها بمعنى الكذب أي ليس لوقعتها كذب قال الفراء مثل عاقبة وعافية
3 على إضمار مبتدأ والتقدير الواقعة خافضة رافعة وقرأ اليزيدي ( خافضة رافعة ) بالنصب وهذه القراءة شاذة متروكة من غير جهة منها أن الجماعة الذين تقوم بهم الحجة على خلافها ومنها أن المعنى على الرفع في قول أهل التفسير والمحققين من أهل العربية فأما أهل التفسير فإن ابن عباس قال خفضت أناسا ورفعت آخرين فعلى هذا لا يجوز إلا الرفع لأن المعنى خفضت قوما كانوا أعزاء في الدنيا إلى النار ورفعت قوما كانوا أذلاء في الدنيا إلى الجنة فإذا نصب على الحال اقتضت الحال جواز أن يكون الأمر على غير ذلك كما أنك إذا قلت جاء زيد مسرعا فقد كان يجوز أن يجيء على خلاف هذه الحال وقال عكرمة والضحاك خافضة رافعة خفضت فأسمعت الأدنى ورفعت فأسمعت الأقصى فصار الناس سواء قال أبو جعفر وأما أهل العربية فقد تكلم منهم جماعة في النصب فقال محمد بن يزيد لا يجوز وقال الفراء يجوز بمعنى إذا وقعت الواقعة وقعت خافضة رافعة فأضمر وقعت وهو عند غيره من النحويين بعيد قبيح ولو قلت إذا جئتك زائرا تريد إذا جئتك
____________________
(4/322)
جئتك زائرا لم يجز هذا الإضمار لأنه لا يعرف معناه وقد يتوهم السامع أنه قد بقي من الكلام شيء وأجاز أبو إسحاق النصب على أن يعمل في الحال وقعت قد بينا فساده على أن كل من أجازه فإنه يحمله على الشذوذ فهذا يكفي في تركه
4
إذا في موضع نصب قال أبو إسحاق المعنى إذا وقعت الواقعة في هذا الوقت رجا مصدر وكذا
5
6
هباء خبر كان منبثا من نعته وأصح ما قيل في معناه ما روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال الهباء المنبث رهج الدواب وعن ابن عباس هو الغبار وعنه هو الشرر الذي يطير من النار
7
عن ابن عباس قال أصنافا ثلاثة قال أبو إسحاق يقال للأصناف التي بعضها مع بعض أزواج واحدها زوج كما يقال زوج من الخفاف لأحد الخفين
8 رفع الابتداء ( ما أصحاب الميمنة )
____________________
(4/323)
مبتدأ وخبره في موضع خبر الأول وقيل التقدير ما هم فلذلك صلح أن يكون خبرا عن الأول لما عاد عليه ذكره وكذا { القارعة ما القارعة } يظهر الاسم على سبيل التعظيم والتشديد وهذا قول حسن لأن إعادة الاسم فيه معنى التعظيم وكذا فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة قيل إنما قيل لهم أصحاب الميمنة لأنهم أعطوا كتبهم بأيمانهم وقيل لأنهم أخذ بهم ذات اليمين وهذه علامة في القيامة لمن نجا وقيل إن الجنة على يمين الناس يوم القيامة وعلى هذا
9 لأن اليد اليسرى يقال لها الشومى
10
11
قال محمد بن سيرين السابقون الذين صلوا القبلتين وأبو إسحاق يذهب إلى أن فيه تقديرين في العربية أحدهما أن يكون السابقون الأول مرفوعا بالابتداء والثاني من صفته وخبر الابتداء أولئك المقربون ويجوز عنده أن يكون السابقون الأول مرفوعا بالابتداء والسابقون خبره وتقديره والسابقون إلى طاعة الله هم السابقون إلى رحمة الله قال أولئك المقربون صفة قال أبو جعفر قوله أولئك صفة غلط عندي لأن ما فيه الألف واللام لا يوصف بالمبهم لا يجوز عند سيبويه مررت
____________________
(4/324)
بالرجل ذلك ولا مررت بالرجل هذا على النعت والعلة فيه أن المبهم أعرف مما فيه الألف واللام وإنما ينعت الشيء عند الخليل وسيبويه بما هو دونه في التعريف ولكن يكون أولئك المقربون بدلا أو خبرا بعد خبر
12 من صلة المقربين أو خبر آخر
13 قال أبو إسحاق المعنى هم ثلة من الأولين
14 عطف عليه
15 من العرب من يقول سرر لثقل الضمة وتكرير الحرف وفي الراء أيضا تكرير ( موضونة ) نعت
16
قال أبو إسحاق هما منصوبان على الحال
17
ذكر الفراء معناه على سن واحد لا يتغيرون كأنه مشتق من الولادة إلا أنه يقال وليد بن الولادة بفتح الواو
18 اجتزىء بالجمع القليل عن الكثير ( وأباريق )
____________________
(4/325)
لم ينصرف لأنه جمع لا نظير له في الواحد ( وكأس ) واحد يؤدي عن الجمع وروى ابن أبي طلحة عن ابن عباس ( وكأس من معين ) قال الخمر وقال الضحاك كل كأس في القرآن فهي الخمر وقال قتادة من معين من خمر ترى بالعيون
19
فنفى عن الخمر ما يلحق من آفاتها من السكر والصداع وقيل يصدعون عنها يفرقون عن قلى
20 أي يتخيرونها وحذفت الهاء لطول الاسم
21
أهل التفسير منهم من يقول يخلق الله جل وعز لهم لحما على ما يشتهون من شواء أو طبيخ من جنس الطير ومنهم من يقول بل هو لحم طير على الحقيقة وبهذا جاء الحديث عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم
____________________
(4/326)
قال ما هو إلا أن تشتهي الطائر في الجنة وهو يطير فيقع بين يديك مشويا
22 قراءة ابن كثير وأبي عمرو وعاصم وشيبة ونافع وقرأ الأعمش وحمزة والكسائي ( وحور عين ) بالخفض وحكى سيبويه والفراء أن في قراءة أبي بن كعب ( وحورا عينا ) بالنصب وزعم سيبويه أن الرفع محمول على المعنى لأن المعنى فيها أكواب وأباريق وكأس من معين وفاكهة ولحم طير وحور أي ولهم حور عين وأنشد
( بادت وغير آيهن مع البلى ** إلا رواكد جمرهن هباء )
( ومشجج أما سواء قذاله ** فبدا وغير ساره المعزاء ) فرفع ومشجج على المعنى لأن المعنى بها رواكد وبها مشجج والقراءة بالرفع اختيار أبي عبيد لأن الحور لا يطاف بهن واختار الفراء الخفض واحتج بأن الفاكهة واللحم أيضا لا يطاف بهما وإنما يطاف بالخمر وهذا الاحتجاج لا ندري كيف هو إذ كان القراء قد أجمعوا على القراءة بالخفض
____________________
(4/327)
في قوله جل وعز وفاكهة مما يتخيرون ولحم طير مما يشتهون فمن أين له أنه لا يطاف بهذه الأشياء التي ادعى أنه لا يطاف بها وإنما يسلم في هذا لحجة قاطعة أو خبر يجب التسليم له واختلفوا في قوله جل وعز وحور عين كما ذكرت والخفض جائز على أن يحمل على المعنى لأن المعنى ينعمون بهذه الأشياء وينعمون بحور عين وهذا جائز في العربية كثير كما قال
( علفتها تبنا وماء باردا ** حتى شتت همالة عيناها )
فحملت على المعنى وقال آخر
( يا ليت زوجك قد غدا ** متقلدا سيفا ورمحا )
وقال الآخر
إذا ما الغانيات برزن يوما ** وزججن الحواجب والعيونا )
____________________
(4/328)
والعيون لا تزجج فحمله على المعنى فأما وحورا عينا فهو أيضا محمول على المعنى لأن معنى الأول يعطون هذا ويعطون حورا كما قال
( جئني بمثل بني بدر لقومهم ** أو مثل أسرة منظرو بن سيار )
( أو عامر بن طفيل في مركبه ** أو حارثا يوم نادى القوم يا حار ) قال الحسن البصري الحور الشديدات سواد سواد العين وهذا أحسن ما قيل في معناهن والحور البياض ومنه الحواري وروي عن مجاهد أنه قال قيل حور لأن العين تحار فيهن وقال الضحاك العين العظيمات الأعين قال أبو جعفر عين جمع عيناء وهو على فعل إلا أن الفاء كسرت لئلا تنقلب الياء واوا فيشكل بذوات الواو وقد حكى الفراء أن من العرب من يقول حير عين على الاتباع
وروي عن أم سلمة قالت قلت يا رسول الله أخبرني عن قول الله عز وجل
23 قال كصفاء الدر الذي في الصدف الذي لا تمسه الأيدي
24
____________________
(4/329)
قال أبو إسحاق نصبت جزاء لأنه مفعول له أي لجزاء أعمالهم قال ويجوز أن يكون مصدرا لأن معنى يطوف عليهم ولدان مخلدون يجزيهم ذلك جزاء أعمالهم
25
اللغو ما يلغى قيل معناه لا يسمعون فيها صخبا ولا ضجرا ولا صياحا فنفى الله عز وجل عن أهل الجنة كل ما يلحق الناس في الدنيا في نعيمهم من الضجر وفي كل ما يلحق في طعامهم وشرابهم من الآفات وكل ما يلحقهم من العناء والتعب وفي المأكول والمشروب في هذه السورة وفي بعض الحديث من دوام قراءة سورة الواقعة كل يوم لم يفتقر أبدا
قال أبو إسحاق
26 منصوب بيسمعون أي لا يسمعون إلا قيلا وقال غيره هو منصوب على الاستثناء ( سلاما سلاما ) يكون نعتا لقيل أي إلا قيلا يسلم فيه من الصياح والصخب وما يؤثم فيه ويجوز أن يكون منصوبا على المصدر ويجوز وجه ثالث وهو أن يكون منصوبا بقيل ويكون معنى قيل أن يقولوا وأجاز الكسائي والفراء الرفع في سلام بمعنى سلام عليكم وأنشد الفراء
( فقلنا السلام فاتقت من أميرها ** فما كان إلا ومؤها بالحواجب )
____________________
(4/330)
27 في معناه ثلاثة أقوال منها أنه إنا قيل لهم أصحاب اليمين لأنهم أعطوا كتبهم بأيمانهم ومنها أنه يؤخذ بهم يوم القيامة ذات اليمين وذلك أمارة من نجا والقول الثالث أنهم الذين أقسم الله جل وعز أن يدخلهم الجنة ( ما أصحاب اليمين ) مبتدأ وخبره في موضع خبر الأول وقول قتادة إن المعنى أي شيء هو وما أعد لهم من الخيرات
28
29
مخضود أصح ما قيل فيه أنه خضد شوكه وقيل هو مخلوق كذا والعرب تعرف الطلح أنه الشجر كثير الشوك قال أبو إسحاق يجوز أن يكون في الجنة وقد أزيل عنه الشوك وأهل التفسير يقولون إن الطلح الموز قال أبو جعفر وسمعت علي بن سليمان يقول يجوز أن يكون هذا مما لم ينقله أصحاب الغريب وأسماء النبت كثيرة حتى إن أهل اللغة يقولون ما يعاب على من صحف في أسماء النبت لكثرتها
30
31
أي لا يتعب في استقائه
32
33
نعت وجاز أن يفرق بين النعت والمنعوت بقولك لا لكثرة
____________________
(4/331)
تصرفها وأنها تقع زائدة قال قتادة في معنى ( ولا ممنوعة ) لا يمنع منها شوك ولا بعد
34 أي عالية ومنه بناء رفيع
35
قال مجاهد خلقن من زعفران قال أبو إسحاق إنشاء من غير ولادة
36
مفعول ثان وقال أبو عبيدة في الضمير الذي في أنشأناهن أنه يعود على وحور عين وقال الأخفش سعيد هو ضمير لم يجر له ذكر إلا أنه قد عرف معناه
37 جمع عروب ولغة تميم ونجد عربا يحذفون الضمة لثقلها ( أترابا ) جمع ترب
38 قيل المعنى إنا أنشأناهن لأصحاب اليمين وفي الحديث عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وابن عمر رحمة الله عليهما أنهما قالا أصحاب اليمين أطفال المؤمنين وقدره الفراء بمعنى لأصحاب اليمين ثلة من الأولين وثلة من الآخرين وقدره غيره المعنى هم ثلة من الأولين أي جماعة ممن تقدم قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم وجماعة من أتباع النبي صلى الله عليه وسلم وقال صاحب هذا القول إنما قيل في الأول ثلة
____________________
(4/332)
من الأولين وقليل من الآخرين وفي الثاني ثلة من الأولين وثلة من الآخرين لأن الأول للسابقين إلى اتباع الأنبياء صلى الله عليهم وسلم والسابقون إلى اتباعهم قبل النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من السابقين إلى اتباع النبي صلى الله عليه وسلم يدلك على صحة هذا أن قوم يونس صلى الله عليه وسلم آمنوا وهم مائة ألف أو يزيدون والسحرة اتبعوا موسى صلى الله عليه وسلم وهم يروى أكثر من هؤلاء فلهذا قيل وقليل من الآخرين والثلة الثانية لأصحاب اليمين وليست للسابقين وأصحاب اليمين قد يدخل فيهم المسلمون إلى يوم القيامة هذا على هذا القول وقد ذكرنا غيره والله جل وعز أعلم
41 أي الذين أعطوا كتبهم في شمالهم وقيل الذين أخذ بهم ذات الشمال قال قتادة ( ما أصحاب الشمال ) أي ماذا لهم وما أعد لهم
42 أي في حسر النار وما يلحق من لهبها وحكى ابن السكيت في جمع سموم سمام وقال أبو جعفر فهذا على حذف الزائد وهو الواو وحميم وهو ما يعذبون به من الماء الحار يجرعونه ويصب على رءوسهم كما قال جل وعز ( يطوفون بينها وبين حميم آن )
43 ينصرف في المعرفة والنكرة لأنه ليس في الأفعال يفعلو
____________________
(4/333)
44 أي لا ظل له يستر ( ولا كريم ) لأنه مؤلم وخفضت ( لا بارد ) على النعت ولم تفرق لا بين النعت والمنعوت لتصرفها ( ولا كريم ) عطف عليه وأجاز النحويون الرفع على إضمار مبتدأ كما قال
( وتريك وجها كالصحيفة لا ** ظمآن مختلج ولا جهم )
45
أي في الدنيا روى ابن أبي طلحة عن ابن عباس يقول منعمين
46
قال ابن زيد لا يتوبون ولا يستغفرون والإصرار في اللغة الإقامة على الشيء وترك الإقلاع عنه ( على الحنث العظيم ) قال الفراء يقول الشرك هو الحنث العظيم
47
تعجبوا من هذا فلذلك جاء بالاستفهام قال أبو جعفر من قال إذا متنا جاء بالهمزة الثانية بين بين فهي متحركة كما كانت قبل التخفيف وهكذا قال محمد بن يزيد وقال أحمد بن يحيى ثعلب همزة بين بين لا
____________________
(4/334)
متحركة ولا ساكنة قال أبو جعفر فأما كتابها فبالألف لا غير لأنها مبتدأة ثم دخلت عليها ألف الاستفهام فإذا في موضع نصب على الظرف ولا يجوز أن يعمل فيه لمبعوثون لأنه خبر إن فلا يعمل فيما قبله والعامل فيه متنا ويقال متنا على لغة من قال مات يموت وهي فصيحة ومن قال متنا فهو على لغة من قال مات يمات مثل خاف يخاف وقد قيل هو على فعل يفعل جاء شاذا
48
معطوف على الموضع ويجوز أن يكون معطوفا على المضمر المرفوع
49
50
حكى سيبويه عن العرب سماعا ادخلوا الأول فالأول وزعم أنه منصوب على الحال وفيه الألف واللام وقال ابن كيسان لا نعلم شيئا يصح في كلام العرب منصوبا على الحال وفيه الألف واللام إلا هذا والعلة فيه أنه وقع فرقا بين معنيين لأنك إذا قلت د خلوا أولا أولا فمعناه دخلوا متفرقين فإذا قلت دخلوا الأول فالأول فمعناه أعرفهم الأول فالأول وقال محمد بن يزيد التعريف إنما وقع بعد فلذلك جيء بالألف واللام زائدتين كسائر الزوائد وحكى سيبويه عن عيسى بن عمر أدخلوا الأول فالأول يحمله على
____________________
(4/335)
المعنى وقد خطأه سيبويه لأنه لا يجوز ادخلوا الأول فالأول فالأول أي إنما يقال باللام واحتج غيره لعيسى بن عمر لأنه محمول على المعنى كما روي عن أبي بن كعب أنه قرأ / < فبذلك فلتفرحوا > / وكان يجب أن ينطق في الأول بفعل لأنه بمنزلة الأفضل ولكن يرد ذلك لأن فاءه وعينه من موضع واحد ولا يوجد في كلام العرب فعل هكذا وهو في الأسماء قليل قالوا كوكب لمعظم الشيء وقالوا للهو واللعب ددا وددن ودد وقالوا للسيف الكليل ددان لا يعرف في الدال غير هذه وفي الحديث عن عمر رضي الله عنه حتى يصير الناس ببانا واحد أي شيئا واحد وبية لقب لا يعرف غير هذين في كلام العرب في الباء أما قولهم في الطائر ببغاء ولسبع ببر فأعجميان ولا يكاد يعرف ذلك في غير هذه الحروف إلا يسيرا أن جاء فقد قالوا لضرب من النبت آء ولا يعرف له نظير فلهذا لم يستعمل في أول فعل وحكى سيبويه أن أول يجوز أن يصرف على أنه اسم غير نعت كما يقال ما ترك أولا ولا آخرا وحكى ترك الصرف على أنه نعت
51
____________________
(4/336)
أي الجائرون عن طريق الهدى ( المكذبون ) بالوعيد والبعث
52
53
على تأنيث الجماعة ولو كان منه على تذكير الجميع لجاز ( البطون ) جمع بطن وهو مذكر فأما قول الشاعر
( فإن كلابا هذه عشر أبطن ** وأنت بريء من قبائلها العشر ) فمؤنث لتأنيث القبيلة محمول على المعنى ولو ذكر على اللفظ لجاز
54
عليه على الشجر على تذكير الجميع ويجوز أن يكون على الجمع الأكل
55
هذه قراءة أكثر القراء وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر والكسائي ( فشاربون شرب الهيم ) بفتح الشين وزعم أبو عبيد أنها لغة النبي صلى الله عليه وسلم كلام هائل فقال بعض العلماء قوله لغة النبي صلى الله عليه وسلم كلام هائل لا ينبغي لأحد أن يقوله إلا بتيقن والحديث الذي رواه أصحاب الحديث والناقلون له عن النبي صلى الله عليه وسلم يقولون فيه إنها أيام أكل وشرب بضم الشين سواه أو من
____________________
(4/337)
قال منهم ونظير هذا قوله لغة النبي صلى الله عليه وسلم الحرب خدعة وقد سمع خدعة وخدعة والقول في هذا على قول الخليل وسيبويه أن شربا بفتح الشين مصدر وشربا بضمها اسم للمصدر يستعمل ههنا أكثر ويستعمل شرب في جمع شارب كما قال
( فقلت للشرب في درنا وقد ثملوا ** شيموا وكيف يشيم الشارب الثمل ) والهيم جمع هيماء وأهيم وهو على فعل كسرت الهاء لأنها لو ضمت انقلبت الياء واوا وقد أجاز الفراء أن يكون الهيم جمع هائم
56 أي الذي ينزلهم الله إياه يوم القيامة وهو يوم الدين الذي يجازي الناس فيه بأعمالهم
57
أي نحن خلقناكم ولم تكونوا شيئا فأوجدناكم بشرا فلولا تصدقون من فعل ذلك أنه يحييكم ويبعثكم
58 أي أيها المكذبون بالبعث والمنكرون لقدرة الله جل وعز على إحيائهم ( ما تمنون ) في أرحام النساء قال الفراء يقال أمنى ومنى وأمنى أكثر
____________________
(4/338)
59 أي أنتم تخلقون ذلك المني حتى تصير فيه الروح ( أم نحن الخالقون )
60 أي فمنكم قريب الأجل وبعيده كل ذلك بقدر ( وما نحن بمسبوقين ) أي في آجالكم وما يفتات علينا فيها بل هي على ما قدرنا
61
أحسن ما قيل في معناه نحن قدرنا بينكم الموت على أن نبدل أمثالكم أي نجيء بغيركم من جنسكم ( وننشئكم في ما لا تعلمون ) أحسن ما قيل في معناه وننشئكم في غير هذه الصور فينشىء الله جل وعز المؤمنين يوم القيامة في أحسن الصور وإن كانوا في الدنيا قبحاء وينشىء الكافرين والفاسقين في أقبح الصور وإن كانوا في الدنيا نبلاء
62
أي علمتم إنا أنشأناكم ولم تكونوا فهلا تذكرون فتعلمون أن الذي فعل ذلك لقادر على إحيائكم والأصل تتذكرون فأدغمت التاء في الذال
63
تكون ما مصدرا أي حرثكم ويجوز أن يكون بمعنى الذي أي أفرأيتم الحرث الذي تحرثون
____________________
(4/339)
64
معنى تزرعونه تجعلون زرعا ولهذا جاء الحديث عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تقل زرعت ولكن قل حرثت ثم تلا أبو هريرة أفرأيتم ما تحرثون أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون
65
أي متهشما لا ينتفع به ( فظلتم تفكهون ) اختلف العلماء في معناه فقال الحسن وقتادة تفكهون أي تندمون على ما سلف منكم من المعاصي التي عوقبتم من أجلها بهذا وقال عكرمة تفكهون تلاومون أي على ما فاتكم من طاعة الله جل وعز وقيل تفكهون تنعمون فيكون على التقدير على هذا أرأيتم ما تحرثون فظلتم به تفكهون قال أبو جعفر وأولى الأقوال ما قاله مجاهد قال تفكهون تعجبون أي يعجب بعضكم بعضا مما نزل به وأصله من تفكه القوم بالحديث إذا عجب بعضهم بعضا منه ويروى أنها قراءة عبد الله ( فظلتم ) بكسر الظاء والأصل ظللتم كما قال
( ظللت بها أبكي وأبكي إلى الغد ** ) فمن قال ظلتم حذف اللام المكسورة تخفيفا ومن قال ظلتم ألقى
____________________
(4/340)
حركة اللام على الظاء بعد حذفها والأصل تتفكهون والمعنى تقولون
66 قال عكرمة إنا لمولع بنا وقال قتادة لمعذبون وقيل قد غرمنا في زرعنا وقول قتادة حسن بين لأنه معروف في كلام العرب إنه يقال للعذاب والهلاك غرام قال الأعشى
( إن يعاقب يكن غراما وإن يعط ** جزيلا فإنه لا يبالي )
67 أي ليس نحن مغرمين لكنا قد حرمنا وحورفنا
68 الذي في موضع نصب و تشربون صلته والتقدير تشربونه حذفت الهاء لطول الاسم وحسن ذلك لأنه رأس آية
69 الأصل أأنتم خففت الهمزة الثانية فجيء بها بين بين والدليل على أنها متحركة وهي بين بين أن النون بعدها ساكنة والاختيار عند الخليل وسيبويه أن يؤتى بها بين بين لثقل اجتماع الهمزتين ( أم نحن المنزلون ) مبتدأ وخبره
70 قال الفراء الأجاج الملح الشديد
____________________
(4/341)
المرارة ( فلولا تشكرون ) أي فهلا تشكرون الذي لم نجعله ملحا فلا تنتفعون به في مشرب ولا زرع
71
قال بعض العلماء أي ترونها بأبصاركم قال أبو جعفر وهذا غلط ولو كان كما قال لكان ترون إنما هو من أوريت الزند أوريه إذا قدحته
72
أي اخترعتموها وأحدثتموها ( أم نحن المنشئون ) وإن شئت جئت بهمزة بين بين أي بين الهمزة والواو ولهذا قال محمد بن يزيد لا يجوز أن تكتب إلا بالواو أي بواوين وكذا يستهزئون ومن كتبها بالياء فقد أخطأ عنده لأن الضمة أقوى الحركات فإذا كانت الهمزة مضمومة متوسطة لم يكن قبلها حكم ومن أبدل من الهمزة قال المنشون والمستهزون قال أبو جعفر وهذه لغة رديئة شاذة لا توجد إلا في يسير من الشعر وسمعت علي بن سليمان يحكي أن الصحيح من قول سيبويه أنه لا يجيز إبدال الهمزة يعني في غير الشعر قال لأن أبا زيد قال له من العرب من يقول قرأ بغير همز فقال له سيبويه فكيف يقولون في المستقبل فقال يقرأ فقال هذا إذن خطأ لأنه كان يجب أن يقولوا يقري حتى يكون مثل رمى يرمي قال أبو
____________________
(4/342)
الحسن فهذا من سيبويه يدل على أنه لا يجيزه
73 مفعولان أي ذات تذكرة ( ومتاعا للمقوين ) روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال المقوون المسافرون وقال ابن زيد المقوي الجائع قال أبو جعفر أصل هذا من أقوت الدار أي خلت كما قال
( حييت من طلل تقادم عهده ** أقوى وأقفر بعد أم الهيثم ) ويقال أقوى إذا نزل بالقي أي الأرض الخالية وأقوى إذا قوي أصحابه أي خلوا من الضعف
74 أي بذكره وأسمائه الحسنى
75 قول ابن عباس أنه نزول القرآن واستدل الفراء على صحة ذلك لأن بعده
76 وقول الحسن أي بمساقط النجوم وزعم محمد بن جرير أن هذا القول أولى بالصواب لأنه المتعارف من النجوم أنها هي الطالعة
77
78 أي مصون
79 من نعت الكتاب
80 من نعت القرآن
____________________
(4/343)
أي ذو تنزيل أي منزل ( من رب العالمين )
81
أي تلينون الكلام لمن كفر بهذا الكتاب المكنون
82
وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قرأ ( وتجعلون شكركم أنكم تكذبون ) وعن ابن عباس ( وتجعلون شكركم أنكم تكذبون ) قال أبو جعفر وهاتان القراءتان على التفسير ولا يتأول على أحد من الصحابة أنه قرأ بخلاف ما في المصحف المجمع عليه وكذا التفسير والمعنى على قراءة الجماعة وتجعلون شكر رزقكم ثم حذف مثل وسئل القرية وقد فسر ابن عباس هذا التكذيب كيف كان منهم قال يقولون مطرنا بنوء كذا وكذا وقد سمى النبي صلى الله عليه وسلم هذا كفرا قال أبو إسحاق ونظيره قول المنجم إذا طلع نجم كذا ثم سافر إنسان كان كذا فهذا التكذيب بإنذار الله جل وعز
83
84
مخاطبة لمن حضر ميتا فالتقدير فلا ترجعونها إن كنتم
____________________
(4/344)
صادقين يقال رجع ورجعته فعلى هذا قال
87 في أنكم لستم مملوكين مدبرين قال أبو جعفر هكذا حكى الفراء في معنى ( مدينين ) قال مملوكين وروى ابن أبي طلحة عن ابن 7 عباس
86 أي غير محاسبين وقال الحسن غير مبعوثين وقيل غير مجازين من قوله عز وجل { مالك يوم الدين } فأما جواب لولا الثانية ففيه قولان قال الفراء أجيبتا جميعا بجواب واحد وقيل حذف من أحدهما ودل عليه الآخر
88 أي فأما إن كان المتوفى من المقربين إلى رحمة الله جل وعز فله روح وريحان قال أبو جعفر وهذا الموضع مشكل من الإعراب لأن أما تحتاج إلى جواب ويسأل لم صار لا يلي أما إلا الاسم وهي تشبه حروف المجازاة وإنما يلي حروف المجازاة الفعل وهذا أشكل ما فيها فأما جواب أما و إن ففيه اختلاف بين النحويين فقول الأخفش والفراء أنهما أجيبا بجواب واحد وهو الفاء وما بعدها وأما قول سيبويه فإن إن لا جواب لها ههنا لأن بعدها فعلا ماضيا كما تقول أنا أكرمتك إن جئتني وقول محمد بن يزيد إن جواب إن محذوف لأن بعدها ما يدل عليه قال أبو جعفر وسمعت
____________________
(4/345)
أبا إسحاق يسأل عن معنى أما فقال هي للخروج من شيء إلى شيء أي دع ما كنا فيه وخذ في شيء آخر فأما القول في العلة لم لا يليها إلا الاسم فذكر فيه أبو الحسن بن كيسان أن معنى أما مهما يكن من شيء فجعلت أما مؤدية عن الفعل ولا يلي فعل فعلا فوجب أن يليها الاسم وتقديره أن يكون بعد جوابها فإذا أردت أن إعراب الاسم الذي يليها فاجعل موضعها مهما وقدر الاسم بعد الفاء تقول أما زيدا فضربت معناه مهما يكن من شيء فضربت زيدا وروى بديل بن ميسرة عن عبد الله بن شقيق عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ
89 بضم الراء وهكذا قرأ الحسن البصري قال أبو جعفر وهذا الحديث إسناده صالح وبعضهم يقول فيه عن بديل عن أبي الجوزاء عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم ومعنى الضم حياة دائمة وروى ابن أبي طلحة عن ابن عباس فروح وريحان قال مستراح وقال سعيد بن جبير الروح الفرح وروى هشيم عن جويبر عن الضحاك فروح قال استراحة وروى غيره عن الضحاك فروح قال مغفرة ورحمة قال والروح عند أهل اللغة الفرح كما قال سعيد بن جبير والمغفرة والرحمة من الفرح فأما وريحان ففي معناه ثلاثة أقوال منها أنه الرزق ومنها أنه الراحة ومنها أنه الريحان الذي يشم هذا قول الحسن وقتادة وأبي العالية وأبي الجوزاء وهو يروى عن عبد الله بن عمر قال إذا قرب خروج روح المؤمن جاءه الملك بريحان فشمه فتخرج روحه قال أبو إسحاق الأصل في ريحان وريحان والياء الأولى منقلبة
____________________
(4/346)
من واو وأصله روحان أدغمت الواو في الياء ثم خففت كما يقال ميت إلا أنه لا يؤتى به على الأصل إلا على بعد لأن فيه ألفا ونونا زائدتين ( وجنة نعيم ) أي وله مع ذلك جنة نعيم
90 أي ممن أخذ به ذات اليمين إلى الجنة
91 فيه أقوال قال قتادة فسلام لك من أصحاب اليمين سلموا من عذاب الله جل وعز وسلمت عليهم الملائكة وقيل ( فسلام لك من أصحاب اليمين ) أي لك منهم سلام أي يسلمون عليك وهذا قول نظري لأن المخاطبة للنبي صلى الله عليه وسلم فلا يخرج إلى غيره إلا بدليل قاطع وقيل ( فسلام لك ) فمسلم لك أنك من أصحاب اليمين وحذفت أن والمعنى لأنك من أصحاب اليمين وحذف أن خطأ في العربية لأن ما بعدها داخل في صلتها وإن كان قائل هذا القول الفراء وقد ذهب إليه محمد بن جرير
92 أي الجائرين عن الطريق
93 أي عذاب ( من حميم ) وهو الماء الحار
94 أي إحراقه
____________________
(4/347)
95 الكوفيون يجيزون إضافة الشيء إلى نفسه ويجعلون هذا منه وذلك عند البصريين خطأ لأنه يبين الشيء بغيره والمضاف إليه يبين به قال مجاهد حق اليقين حق الخبر اليقين وقال أبو إسحاق المعنى أن هذا الذي قصصناه في هذه السورة يقين حق اليقين كما تقول فلان عالم حق العالم إذا بالغت في التوكيد
96
أي فنزه الله جل وعز عن كفرهم بأسمائه الحسنى
____________________
(4/348)
57
1
سبح عظم ورفع مشتق من السباحة وهي الارتفاع والتقدير ما في السموات وما في الأرض وحذفت ما على مذهب أبي العباس وهي نكرة لا موصولة لأنه لا يحذف الاسم الموصول وأنشد النحويون
( لو قلت ما في قومها لم تبثم ** يفضلها في حسب وميسم ) فالتقدير من يفضلها ( وهو العزيز الحكيم ) مبتدأ وخبره أي العزيز في انتقامه ممن عصاه الذي لا ينتصر منه من عاقبه من أعدائه الحكيم في تدبره خلقه الذي لا يدخل في تدبيره خلل
____________________
(4/349)
2 رفع بالابتداء ( يحي ويميت ) في موضع نصب على الحال ومرفوع لأنه فعل مستقبل ( وهو على كل شيء قدير ) مبتدأ وخبره
3 مثله ولم ينطق من الأول بفعل وهو على أفعل لأن فاءه وعينه من موضع واحد فاستثقل ذلك والآخر ليس بجار على الفعل لأنه من تأخر ( والظاهر والباطن ) قيل معنى الظاهر الذي ظهرت صنعته وحكمته وقيل العالم بما ظهر وما بطن ومن أحسن ما قيل فيه أنه من ظهر أي قوي وعلا فالمعنى الظاهر على كل شيء العالي فوقه فالأشياء دونه الباطن جميع الأشياء فلا شيء أقرب إلى شيء منه ومثله ونحن أقرب إليه من حبل الوريد ويدل على هذا أن بعده ( وهو بكل شيء عليم ) أي لا يخفى عليه شيء
4
يكون الذي في موضع رفع على إضمار مبتدأ لأنه أول آية قال ويجوز أن يكون نعتا لما تقدم ويجوز أن يكون في موضع نصب على المدح أعني بهذا المدح الذي خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش ( يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها ) يقال ولج يلج إذا دخل والأصل يولج حذفت الواو
____________________
(4/350)
لأنها بين ياء وكسرة ( وهو معكم ) نصب على الظرف والعامل فيه المعنى أي وهو شاهد معكم حيث كنتم ( والله بما تعملون بصير ) أي بما تعملونه من حسن وسيء وطاعة ومعصية حتى يجازيكم عليها
5 أي سلطانهما فأمره وحكمه نافذ فيهما وإلى الله ترجع الأمور أي إليه مصيركم ليجازيكم بأعمالكم
6 أي يدخل نقصان الليل في النهار فتكون زيادة ( ويولج النهار في الليل ) يدخل نقصان النهار في الليل فتكون زيادة فيه كما قال عكرمة وإبراهيم هذا في القصر والزيادة ولم يحذف الواو من يولج وهي بين ياء وكسرة لأن الفعل رباعي لا يجوز أن يغير هذا التغيير ( وهو عليم بذات الصدور ) أي بما تخفونه في صدوركم من حسن وسيء أو تهمون به في أنفسكم وفي الحديث إن الدعاء يستجاب بعد قراءة هذه الآيات الست
7
أي يخلفون من كان قبلهم وحضهم على الإنفاق لأنهم يفنون كما فني الذين من قبلهم ويورثون ( فالذين آمنوا منكم وأنفقوا ) فالذين مبتدأ أي الذين آمنوا منكم بالله ورسوله ( لهم أجر كبير ) أي ثواب عظيم
____________________
(4/351)
8 في موضع نصب على الحال والمعنى أي شيء لكم إن كنتم تاركين الإيمان ( والرسول يدعوكم ) قد أظهر البراهين والحجج ( لتؤمنوا بربكم وقد أخذ ميثاقكم ) قال الفراء القراء جميعا على ( وقد أخذ ميثاقكم ) قال ولو قرئت ( وقد أخذ ميثاقكم ) لكان صوابا قال أبو جعفر هذا كلامه نصا في كتابه وهو غلط وقد قرأ أبو عمرو ( وقد أخذ ميثاقكم ) غير أن أبا عبيد قال والقراءة عندنا هي الأولى ( وقد أخذ ميثاقكم ) لأن الأمة عليها ولأن ذكر الله جل وعز قبل الآية وبعدها قال أبو جعفر أما قوله لأن الأمة عليها فحجة بينة لأن الأمة الجماعة وأما قوله لأن ذكر الله عز وجل اسمه قبل الآية وبعدها فلا يلزم لأنه قد عرف المعنى وللعلماء في أخذ الميثاق قولان أحدهما أنه أخذ الميثاق حين أخرجوا من ظهر آدم صلى الله عليه وسلم بأن الله عز وجل ربهم لا إله لهم سواه وهذا مذهب العلماء من أصحاب الحديث منهم مجاهد والقول الآخر أنه مجاز لما كانت آيات الله جل وعز بينة والدلائل واضحة وحكمته ظاهرة يشهد بها من رآها كان علمه بذلك بمنزلة أخذ الميثاق منه ( إن كنتم مؤمنين ) قيل المعنى إن كنتم عازمين على الإيمان فهذا أوانه لما ظهر لكم من البراهين والدلائل ويدل على هذا أن بعده هو الذي ينزل على عبده آيات بينات
9 أي من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان كما قال مجاهد من الضلالة إلى الهدى ( وإن الله بكم لرءوف رحيم ) أي حين بين لكم هداكم
____________________
(4/352)
10 إن في موضع نصب على المعنى وأي عذر لكم في أن لا تنفقوا في سبيل الله ( ولله ميراث السموات والأرض ) فحضهم بهذا على الإنفاق لأنهم يموتون ويخلفون ما بخلوا به ويورثونه ( لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل ) اختلف العلماء في معنى هذا الفتح فقال قتادة الذين أنفقوا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل فتح مكة وقاتلوا أفضل من الذين أنفقوا من بعد فتح مكة وقاتلوا وكذا قال زيد بن أسلم وقال الشعبي الذين أنفقوا قبل الحديبية وقاتلوا أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد فتح الحديبية وقاتلوا قال أبو جعفر وهذا القول أولى بالصواب لأن عطاء بن يسار روى عن أبي سعيد الخدري قال قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح الحديبية يأتون أقوام تحقرون أعمالكم مع أعمالهم قلنا يا رسول الله أمن قريش هم قال لا هم أهل اليمن أرق أفئدة وألين قلوبا قلنا يا رسول الله أهم خير منا قال لا لو أن لأحدهم جبل ذهب ثم أنفقه ما بلغ مد أحدكم ولا نصيفه هذا فضل ما بيننا وبين الناس ( لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى والله بما تعملون خبير ) حكى أبو حاتم ( وكل وعد الله الحسنى ) بالرفع قال أبو جعفر وقد أجاز سيبويه مثل هذا على إضمار الهاء وأنشد
( فنوب نسيت وثوب أجر ** )
____________________
(4/353)
وأبو العباس محمد بن يزيد لا يجيز هذا في منثور ولا منظوم إلا أن يكون يجوز فيه غير ما قدره سيبويه وهو أن يكون الفعل نعتا فيكون التقدير فثم ثوب نسيت فعلى هذا لا يجوز في ثوب إلا الرفع ولا يجيز زيد ضربت لأنه ليس فيه شيء من هذا فيكون كل بمعنى وأولئك كل وعد الله فيكون نعتا ( والله بما تعملون خبير ) مبتدأ وخبره أي من إنفاق وبخل حتى يجازيكم عليه
11
من في موضع رفع بالابتداء و ذا خبره و الذي نعت لذا وفيه قولان آخران أحدهما أن يكون ذا زائدة مع الذي والقول الآخر أن يكون ذا زائدا مع من وهذا قول الفراء وزعم أنه رأى في بعض مصاحف عبد الله منذا بوصل النون مع الذال جعلا شيئا واحدا ولا يجيز البصريون أن تزاد ذا مع من ويجيزون ذلك مع ما لأن ما مبهمة فذا تجانسها وعلى هذا قرىء { ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو } بالنصب وزيادة ذا مع الذي أقرب ألا ترى أن الذي تصغر كما تصغر ذا فيقال اللذيا يقال ذيا وقد عورض سيبويه في قوله الذي بمنزلة العمي فقيل كيف هذا وإنما يقال في تصغير العمي والعمي ويقال في تصغير الذي اللذيا ويقال اللذيان والعميان فيوخذ هذا
____________________
(4/354)
كله مختلفا فكيف يكون الذي بمنزلة العمي وهذا لا يلزم منه شيء وليس هذا موضع شرحه قرضا منصوب على أنه اسم للمصدر كما يقال أجابه إجابة ويجوز أن يكون مفعول به كما تقول أقرضته مالا حسنا من نعت قرض قيل معنى الحسن ههنا الحلال فإن الإقراض أن ينفق محتسبا لله عز وجل مبتغيا ما عنده ( فيضاعفه ) له قال الفراء جعله عطفا على يقرض كما تقول مني جيء فيكرمني ويحسن إلي وقال أبو إسحاق يجوز أن يكون مقطوعا من الأول مستأنفا ومن قرأ ( فيضاعفه ) جعله جواب الاستفهام فنصبه بإضمار أن عند الخليل وسيبويه والجرمي ينصبه بالفاء ( وله أجر كريم ) قيل الجنة
12
نصبت يوما على الظرف أي لهم أجر في ذلك اليوم و ترى في موضع خفض بالإضافة يسعى في موضع نصب على الحال فأما قوله جل وعز ( بين أيديهم وبأيمانهم ) ولم يذكر الشمائل فللعلماء فيه ثلاثة أقوال قال الضحاك نورهم هداهم وما إلى هذا القول محمد بن جرير قال لأن المؤمنين نورهم حواليهم من كل جهة فلما خص الله جل وعز بين أيديهم وبأيمانهم علم أنه ليس بالضياء والباء بمعنى في وقال بعض نحويي البصريين هي بمعنى عن قال أبو جعفر وقيل النور ههنا
____________________
(4/355)
نور كتبهم وإنما يعطون كتبهم بأيمانهم من بين أيديهم فلهذا وقع الخصوص قال أبو جعفر وأجل ما قيل في هذا ما قاله عبد الله بن مسعود رحمة الله عليه قال يعطى المؤمنون أنوارا على قدر أعمالهم فمنهم من يعطى نورا مثل الجبل وأقل ذلك أن يعطى نورا على إبهامه يضيء مرة ويطفأ مرة ( بشراكم اليوم جنات تجري من تحتها الأنهار ) أي يقال لهم وحذف القول بشراكم في موضع رفع بالابتداء جنات خبره وأجاز الفراء في جنات النصب من جهتين إحداهما على القطع ويكون اليوم في موضع الخبر وإن كان ظرفا وأجاز رفع اليوم على أنه خبر بشراكم وأجاز أن يكون بشراكم في موضع نصب يعني يبشرونهم بالبشرى وأن بنصب جنات بالبشرى قال أبو جعفر ولا نعلم أحدا من النحويين ذكر هذا غيره وهو متعسف لأن جنات إذا نصبها على القطع وليست بمعنى الفعل بعد ذلك وإن نصبها بالبشرى فإن كان نصبها ببشراكم فهو خطأ بين لأنها داخلة في الصلة فيفرق بين الصلة والموصول باليوم وليس هو في الصلة وهذا لا يجوز عند أحد النحويين وإن نصبت جنات بفعل محذوف فهو شيء متعسف ومع هذا فلم يقرأ به أحد ( خالدين ) نصب على الحال ( ذلك هو الفوز العظيم )
____________________
(4/356)
قال الفراء وفي قراءة عبد الله ( ذلك الفوز العظيم ) ليس فيها هو قال أبو جعفر ذلك مبتدأ و هو زائدة للتوكيد ( الفوز العظيم ) خبر ذلك ويجوز أن يكون هو مبتدأ ثانيا والجملة خبر ذلك
13
نصبت يوما على الظرف أي وذلك الفوز العظيم في ذلك اليوم ويجوز أن يكون بدلا من اليوم الذي قبله انظرونا من نظر ينظر بمعنى النظر وهذه القراءة البينة وقرأ يحيى بن وثاب والأعمش وحمزة ( وأنظرونا ) بفتح الهمزة وزعم أبو حاتم أن هذا خطأ قال وإنما يأتينا هذا من شق الكوفة قال أبو جعفر وسمعت علي بن سليمان يقول إنما لحن حمزة في هذا لأن الذي لحنه قدر أنظرنا بمعنى أخرنا وأمهلنا فلم يجز ذلك ههنا وهو عندي يحتمل غير هذا لأنه يقال أنظرني بمعنى تمهل علي وترفق فالمعنى على هذا يصح ( نقتبس من نوركم ) مجزوم لأنه جواب ( قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا ) أي قال المؤمنون للمنافقين ارجعوا إلى الموضع الذي كنا فيه فاطلبوا ثم النور قال أبو جعفر وشرح هذا ما روي عن ابن عباس قال يغشى الناس ظلمة المؤمنين والمنافقين والكافرين فيبعث الله جل وعز نورا يهتدي به المؤمنون إلى الجنة فإذا تبعه المؤمنون تبعهم المنافقون فيضرب الله جل وعز بينهم بسور باطنه فيه
____________________
(4/357)
الرحمة وظاهره من قبله العذاب فينادي المنافقون المؤمنين ( انظرونا نقتبس من نوركم ) فيقول لهم المؤمنون ( ارجعوا وراءكم ) إلى الموضع الذي كنا فيه وفيه الظلمة فجاء النور فالتمسوا منه النور قال أبو جعفر ( فضرب بينهم بسور ) في موضع رفع على أنه اسم ما لم يسم فاعله والباء زائدة وعلى قول محمد بن يزيد هي متعلقة بالمصدر الذي دل عليه الفعل وضمت الضاد في ضرب للفرق فإن قيل فلم لا كسرت فالجواب عند بعض النحويين أنها ضمت كما ضم أول الاسم في التصغير وهذا الجواب يحتاج إلى جوابين أحدهما الجواب لم ضم أول الاسم المصغر ولم ضم أول فعل ما لم يسم فاعله والجواب أن أول فعل ما لم يسم فاعله ضم لأنه لما وجب الفرق بينه وبين الفعل الذي سمي فاعله لم يجز أن يكسر إلا لعلة أخرى لأن بينه ما سمي فاعله قد يأتي مكسورا في قول بعضهم أنت تعلم ونحن نستعين ويأتي مفتوحا وهو الباب فلم يبق إلا الضم وليس هذا موضع جواب التصغير ( له باب ) قال كعب الأحبار باب الرحمة الذي في بيت المقدس هو الذي ذكره الله جل وعز قال قتادة ( باطنه فيه الرحمة ) الجنة وما فيها ( وظاهره من قبله العذاب ) النار
14 أي نصلي معكم ونصوم ونوارثكم ونناكحكم ( قالوا بلى ) أي قد كنتم معنا كذلك ( ولكنكم فتنتم أنفسكم ) قال مجاهد بالنفاق ( وتربصتم ) قال ابن زيد بالإيمان ( وارتبتم ) قال شكوا وقال غيره ارتبتم فعلتم فعل المرتابين بوعد الله جل وعز ووعيده ( وغرتكم الأماني ) أي خدعتكم أماني أنفسكم فصددتم عن
____________________
(4/358)
سبيل الله جل وعز ( حتى جاء أمر الله ) قيل قضاؤه بمناياكم ( وغركم بالله الغرور ) قال مجاهد وقتادة الغرور الشيطان قال أبو جعفر فعول في كلام العرب للتكثير وهو يتعدى عند البصريين تقول هذه غرور زيدا وغفور الذنب وأنشد سيبويه في تعديه إلى مفعول
( ثم زادوا أنهم في قومهم ** غفر ذنبهم غير فخر )
15 وقرأ يزيد بن القعقاع ( تؤخذ ) بالتاء لأن الفدية مؤنثة ومن ذكرها فلأنها والفداء واحد وهي البدل والعوض ( ولا من الذين كفروا ) أي لا يؤخذ من الذين كفروا بدل ولا عوض من عذابهم ( مأواكم النار ) أي مسكنكم النار مبتدأ وخبره وكذا ( هي مولاكم ) ( وبئس المصير ) أي وبئس المصير النار ثم حذف هذا
16
وعن الحسن ( ألم يئن ) يقال أإن يئين وأني يأنى وحان يحين ونال ينال وأنال ينيل بمعنى واحد و أن في موضع رفع بيأن ( وما نزل من الحق ) ما في موضع خفض أي ولما نزل هذه قراءة شيبة ونافع وقرأ أبو جعفر وأبو عمرو وابن كثير والكوفيون ( وما نزل من الحق ) وعن عبد الله بن مسعود أنه قرأ ( وما أنزل من الحق ) وأبو عبيد يختار التشديد لأن قبله ذكر الله جل وعز قال أبو جعفر والمعنى واحد لأن الحق لا ينزل حتى ينزله
____________________
(4/359)
الله عز وجل وليس يقع في هذا اختيار وله جاز أن يقال في مثل هذا اختيار لقيل الاختيار نزل لأن قبله ( لذكر الله ) ولم يقل لتذكير الله ( ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل ) يكونوا في موضع نصب معطوف على تخشع أي وألا يكونوا ويجوز أن تكون في موضع جزم والأول أولى لأنها واو عطف ولا يقطع ما بعدها مما قبلها إلا بدليل ( فطال عليهم الأمد ) قال مجاهد الدهر ( فقست قلوبهم ) أي لم تلن ولم تقبل الوعظ ( وكثير منهم فاسقون ) مبتدأ وخبره ولم يعموا بالفسق لأن منهم من قد آمن ومنهم من لم تبلغه الدعوة وهو مقيم على ما جاء به نبيه صلى الله عليه وسلم
17 قيل فالذي فعل هذا هو الذي يهدي ويسدد من أراد هدايته ومن ضل عن طريق الحق ( قد بينا لكم الآيات لعلكم تعقلون ) أي بالحجج والبراهين لتكونوا على رجاء من أن تعقلوا ذلك هذا قول سيبويه وغيره يقول لعل بمعنى كي ولو كان كذلك لكان تعقلوا بغير نون
18 الأصل المتصدقين ثم أدغمت التاء في الصاد وفي قراءة أبي ( إن المتصدقين ) وفي قراءة ابن كثير وعاصم ( إن المصدقين ) أي المؤمنين من التصديق والأول من الصدقة ( ولهم أجر كريم ) قيل الجنة
19 مبتدأ ( أولئك ) يكون مبتدأ
____________________
(4/360)
ثانيا ويجوز أن يكون بدلا من الذين ولا يكون نعتا لأن المبهم لا يكون نعتا لما فيه الألف واللام لا يجوز مررت بالرجل هذا على النعت عند أحد علمته ولو قلت مررت بزيد هذا على النعت لجاز وخير الابتداء ( الصديقون ) قال أبو إسحاق صديق على التكثير أي كثير التصديق وقال غيره هذا خطأ لأن فعيلا لا يكون إلا من الثلاثي مثل سكيت من سكت وصديق للكثير الصدق ومن هذا قيل لأبي بكر رضي الله عنه الصديق حتى كان يعرف بذلك في وقت النبي صلى الله عليه وسلم وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه إن الله جل وعز سمى أبا بكر صديقا ( والشهداء ) على هذا معطوفون على الصديقين يدل على صحة ذلك ما رواه ابن عجلان عن زيد بن أصم عن البراء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال مؤمنوا أمتي شهداء ثم تلا ( والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون والشهداء عند ربهم ) الآية قال أبو جعفر فهذا القول أولى من جهة الحديث والعربية لأن الواو واو عطف فسبيل ما بعدها أن يكون داخلا فيما قبلها إلا أن يمنع مانع من ذلك أو يكون حجة قاطعة وقد قيل إن التمام أولئك هم الصديقون وإن الشهداء ابتداء وهذا يروى عن ابن عباس وهذا اختيار محمد بن جرير وزعم أنه أولى بالصواب لأن المعروف من معنى الشهداء أنه المقتول في سبيل الله جل وعز ثم استثنى فقال إلا أن يراد بالشهداء أنه يشهد لنفسه عند ربه بالإيمان قال أبو جعفر وإذا كان و الشهداء مبتدأ فخبرها ( عند ربهم ) ويجوز أن يكون خبره ( لهم أجرهم ونورهم ) وهذا عطف جملة على جملة والأول على خلاف هذا يكون والشهداء معطوفا
____________________
(4/361)
على الصديقين ويكون ( لهم أجرهم ونورهم ) للجميع ( والذين كفروا وكذبوا بآياتنا ) مبتدأ ( أولئك أصحاب الجحيم ) مبتدأ وخبره في موضع خبر الأول
20 ما كافة لأن عن العمل ولو جعلتها صلة لنصبت الحياة والدنيا من نعتها لعب خبر والمعنى مثل لعب أي يفرح الإنسان بحياته فيها كما يفرح باللعب ثم تزول حياته كما يزول لعبه وزينته وما يفاخر به الناس ويباهيهم به من كثرة الأموال والأولاد ( كمثل غيث أعجب الكفار نباته ) قال أبو إسحاق الكاف في موضع رفع على أنها نعت أي وتفاخر مثل غيث قال ويجوز أن يكون خبرا بعد خبر والكفار الزراع وإذا أعجب الزراع كان على نهاية من الحسن قال ويجوز أن يكونوا الكفار بأعيانهم لأن الدنيا للكفار أشد إعجابا لأنهم لا يؤمنون بالبعث قال و يهيج يبتدىء في الصفرة ( ثم يكون حطاما ) قال متحطما فضرب الله جل وعز هذا مثلا للحياة الدنيا وزوالها ثم خبر جل وعز بما في الآخرة فقال ( وفي الآخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان ) ( وما لحياة الدنيا إلا متاع الغرور ) قال محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لموضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها فاقرءوا إن شئتم { وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور }
21 أي سابقوا بالأعمال التي
____________________
(4/362)
توجب المغفرة إلى مغفرة من ربكم ( وجنة عرضها كعرض السماء والأرض ) قال أبو جعفر قد تكلم قوم من العلماء في معنى هذا فمنهم من قال العرض ههنا السعة ومنهم من قال هو مثل الليل والنهار إذا ذهبا فالله جل وعز أعلم أين يذهبان وأجاب بهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه ومنهم من قال هذه هي الجنة التي يدخلها المؤمنون يوم القيامة والسماء مؤنثة ذكر ذلك الخليل رحمه الله وغيره من النحويين سوى الفراء وبذلك جاء القرآن { إذا السماء انشقت } { إذا السماء انفطرت } وحكى الفراء أنها تؤنث وتذكر وأنشد
( فلو رفع السماء إليه قوما ** لحقنا بالسماء مع السحاب ) وهذا البيت لو كان حجة لحمل على غير هذا وهو أن يكون يحمل على تذكير الجميع ذكر محمد بن يزيد أن سماء تكون جمعا لسماوة وأنشد هو وغيره
( سماوة الهلال حتى احقوقفا ** ) ويدل على صحة هذا قوله جل وعز { ثم استوى إلى السماء فسواهن }
____________________
(4/363)
وإذا كانت السماء واحدة فتأنيثها كتأنيث عناق وتجمع على ستة أوجه منهن جمعان مسلمان وجمعان مكسران لأقل العدد وجمعان مكسران لأكثره وذلك قولك سموات وسماآت وأسم وأسمية وسمايا وسمي وإن شئت كسرت السين من سمي وقد جاء فيها آخر في الشعر كما قال
( سماء الإله فوق سبع سمائيا ** ) فعلى هذا جمع سماء على سماء وفيه من الأشكال والنحو اللطيف غير شيء فمن ذلك أنه شبه سماء برسالة لأن الهاء في رسالة زائدة ووزن فعال وفعال واحد فكان يجب على هذا أن يقول سمايا فعمل شيئا آخر فجمعها على سماء على الأصل لأن الأصل في خطايا خطاء ثم عمل شيئا ثالثا كان يجب أن يقول فوق سبع سماء فأجرى المعتل مجرى السالم وجعله بمنزلة ما لا ينصرف من السالم وزاد الألف للإطلاق والأرض مؤنثة وقد حكي فيها التذكير كما قال
( فلا مزنة ودقت ودقها ** ولا أرض أبقل ابقالها ) قال أبو جعفر وقد رد قوم هذا ورووا ولا أرض أبقلت ابقالها بتخفيف الهمزة قال ابن كيسان في قولهم أرضون حركوا هذه الراء لأنهم أرادوا أرضات فبنوه على ما يجب من الجمع بالألف والتاء قال وجمعوه بالواو
____________________
(4/364)
والنون عوضا من حذف الهاء في واحدة ( ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ) مبتدأ وخبره أي ذلك الفضل من التوفيق والهداية والثواب فضل الله يؤتيه من يشاء أي يؤتيه إياه من خلقه ( والله ذو الفضل العظيم ) مبتدأ وخبره
22
قال قتادة ( في الأرض ) يعني السنين أي الحرب والقحط ( ولا في أنفسكم ) الأوصاب والأمراض إلا في كتاب ( من قبل أن نبرأها ) يكون من قبل أن نخلق الأنفس هذا قول ابن عباس والضحاك والحسن وابن زيد وقيل الضمير للأرض وقيل للمصائب والأول أولاها لأن الجلة قالوا به وهو أقرب إلى الضمير وقال بعض العلماء هذا معنى قضاء الله وقدره أنه كتب كل ما يكون ليعلم الملائكة عظيم قدرته جل وعز ( أن ذلك على الله يسير ) لأنه جل وعز أنما يقول للشيء كن فيكون
23 أي من أمر الدنيا إذ أعلمكم الله جل وعز أنه مفروغ منه مكتوب ( ولا تفرحوا بما آتاكم ) وهو الفرح الذي يؤدي إلى المعصية وقرأ أبو عمرو ( ولا تفرحوا بما أتاكم ) وهو اختيار أبي عبيد واحتج أنه لو آتاكم لكان الأول أفاتكم قال أبو جعفر وهذا الاحتجاج مردود عليه من العلماء وأهل النظر لأن كتاب الله عز وجل لا يحمل على المقاييس وإنما يحمل بما تؤديه الجماعة فإذا جاء
____________________
(4/365)
رجل فقاس بعد أن يكون متبعا وإنما تؤخذ القراءة كما قلنا أو كما قال نافع ابن أبي نعيم ما قرأت حرفا حتى يجتمع عليه رجلان من الأئمة أو أكثر فقد صارت قراءة نافع عن ثلاثة أو أكثر ولا نعلم أحدا قرأ بهذا الذي اختاره أبو عبيد إلا أبا عمرو ومع هذا فالذي رغب عنه معروف المعنى صحيح قد علم كل ذي لب وعلم أن ما فات الإنسان أو أتاه فالله عز وجل فاته إياه أو آتاه إياه ولو لم يعلم هذا إلا من قوله جل وعز ( ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها ) والله ( لا يحب كل مختال فخور ) أي في مشيته تكبر وتعظما فخور على الناس بماله ودنياه وإنما ينبغي أن يتواضع لله جل وعز ويشكره ويثني عليه
24 أي بحقوق الله جل وعز عليهم ( ويأمرون الناس بالبخل ) أي بما يفعلونه من ذلك وفي إعراب الذين خمسة أوجه منها ثلاثة للرفع واثنان للنصب يكون الذين في موضع رفع على إضمار مبتدأ ويجوز أن يكون في موضع رفع على الابتداء وخبره محذوف يدل عليه الإخبار عن نظائره والوجه الثالث أن يكون مرفوعا بالابتداء ودل على خبره ما بعده من الشرط والمجازاة لأنه في معناه ويجوز أن يكون في موضع نصب على البدل من كل أو بمعنى أعني ( ومن يتول فإن الله هو الغني الحميد ) أي الغني عن خلقه وعما ينفقونه الحميد إليهم بإنعامه عليهم ومن قرأ ( فإن الله هو الغني الحميد ) جعل هو زائدة فيها معنى
____________________
(4/366)
التوكيد أو مبتدأ وما بعدها خبرا والجملة خبر إن
25 أي بالدلائل والحجج ( وأنزلنا معهم الكتاب ) أي بالأحكام والشرائع ( والميزان ) قال ابن زيد هو الميزان الذي يتعامل الناس به وقال قتادة الميزان الحق ( ليقوم الناس بالقسط ) منصوب بلام كي وحقيقته أنها بدل من أن ( وأنزلنا الحديد ) أي للناس ( فيه بأس شديد ومنافع للناس ) قال ابن زيد البأس الشديد السلاح والسيوف يقاتل الناس بها قال والمنافع التي يحفر بها الأرضون والجبال ( وليعلم الله من ينصره ورسله ) معطوف على الهاء ( بالغيب إن الله قوي عزيز ) أي قوي على الانتصار ممن بارزه بالمعاداة عزيز في انتقامه منه لأنه لا يمنعه منه مانع
26 إلى قومهما ( وجعلنا في ذريتهما النبوة والكتاب فمنهم مهتد ) أي متبع لطريق الهدى مستبصر ( وكثير منهم فاسقون ) أي خارجون إلى الكفر والمعاصي
27 أي أتبعنا ويكون الضمير يعود على الذرية أو على نوح وإبراهيم عليهما السلام لأن الاثنين جمع ( وقفينا بعيسى بن مريم ) أي أتبعنا ( وآتيناه الإنجيل ) يروى أنه نزل جملة ( وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة ) ويقال رآفة وقد رؤف ورأف ( ورهبانية ابتدعوها ) نصبت رهبانة بإضمار فعل أي فابتدعوا رهبانية أي أحدثوها وقيل هو معطوف على الأول ( ما كتبناها عليهم ) قال ابن زيد أي ما افترضناها ( إلا ابتغاء رضوان الله ) نصب على الاستثناء الذي ليس من
____________________
(4/367)
الأول ويجوز أن يكون بدلا من المضمر أي ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله ( فما رعوها حق رعايتها ) لفظه عام ويراد به الخاص لا نعلم في ذلك اختلافا ويدل على صحته ( فآتينا الذين آمنوا منهم أجرهم ) وفي الذين لم يرعوها قولان مذهب الضحاك وقتادة أنهم الذين ابتدعوها تهود منهم قوم وتنصروا وهذا يروى عن أبي أمامة فأما الذي روي عن ابن عباس فإنهم كانوا من بعد من ابتدعها بأنهم كفار ترهبوا وقالوا نتبع من كان قبلنا ويدل على صحة هذا حديث ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم فآتينا الذين آمنوا منهم أجرهم قال من آمن بي وكثير منهم فاسقون قال من جحدني
28 قال الضحاك من أهل الكتاب ( اتقوا الله ) أي في ترك معاصيه وأداء فرائضه ( وآمنوا برسوله ) يعني محمدا صلى الله عليه وسلم ( يؤتكم كفلين من رحمته ) يعني حظين كما روى أبو بردة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين من كان من أهل الكتاب فآمن بالتوراة والإنجيل ثم آمن بالقرآن ورجل كانت له جارية فأدبها فأحسن أدبها ثم تزوجها وعبد نصح مولاه وأدى فرض الله جل وعز عليه ( ويجعل لكم نورا تمشون به ) عن ابن عباس قال القرآن واتباع النبي صلى الله عليه وسلم وقال مجاهد الهدى قال أبو إسحاق ويقال إنه النور الذي يكون للمؤمنين يوم
____________________
(4/368)
القيامة ( ويغفر لكم ) أي يصفح عنكم ويستر عليكم ذنوبكم ( والله غفور رحيم ) ذو مغفرة ورحمة لا يعذب من تاب
29
لا زائدة للتوكيد ودل على هذا ما قبل الكلام وما بعده أي لأن يعلم ويروى عن ابن عباس أنه قرأ ( لأن يعلم أهل الكتاب ) وكذا يروى عن عاصم الجحدري وعن ابن مسعود ( لكي يعلم أهل الكتاب ) وكذا عن سعيد بن جبير وهذه قراءات على التفسير لا يقدرون فرفعت الفعل لأن المعنى أنه لا يقدرون يدل على هذا أن بعده ( وأن الفضل بيد الله ) وبعض الكوفيين يقول لا بمعنى ليس والأول قول سيبويه وروى المعتمر عن أبيه عن ابن عباس قال اقرءوا بقراءة ابن مسعود ( ألا يقدروا ) بغير نون فهذا على أنه منصوب بأن قال أبو جعفر وهذا بعيد في العربية أن تقع أن معملة بعد يعلم وهو من الشواذ ومن الشواذ أنه روي عن الحسن أنه قرأ ( لئلا يعلم أهل الكتاب ) بالرفع ومجازه ما ذكرناه من أن التقدير فيه أنه وأن الفضل بيد الله أي بيد الله دونهم لأنه كما روي قالوا الأنبياء منا فكفروا بعيسى صلى الله عليه وسلم وبمحمد فأعلم الله جل وعز أن الفضل بيده
____________________
(4/369)
يرسل من شاء وينعم على من أراد إلا أن قتادة قال لما أنزل الله جل وعز ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نورا تمشون به ) حسد اليهود المسلمين فأنزل الله جل وعز ( لئلا يعلم أهل الكتاب ألا يقدرون على شيء من فضل الله وأن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء ) أي من خلقه ( والله ذو الفضل العظيم ) أي على عباده
____________________
(4/370)
58
1
قال أبو جعفر ابن محمد إن شئت أدغمت الدال في السين فقلت قد سمع لأن مخرج الدال والسين جميعا من طرف اللسان وإن شئت بينت فقلت قد سمع الله لأن الدال والسين وإن كانتا من طرف اللسان فليستا من موضع واحد لأن الدال والتاء والطاء من موضع واحد والسين والصاد والزاي من موضع واحد يسمين حروف الصفير وأيضا فإن السين منفصلة من الدال ( وتشتكي إلى الله ) أي تشتكي المجادلة إلى الله جل وعز ما بظهار زوجها وتسأله الفرج ( والله يسمع تحاوركما ) أي تحاور النبي صلى الله عليه وسلم والمجادلة ( إن الله سميع ) أي لما يقولانه وغيره ( بصير ) بما يعملانه وغيره
2 رفع بالابتداء ويجوز على قول سيبويه أن يكون في موضع نصب ببصير ( يظهرون ) قراءة الحسن وأبي عمرو ونافع وقرأ
____________________
(4/371)
أبو جعفر وشيبة ويحيى بن وثاب والأعمش وحمزة والكسائي ( يظاهرون ) وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي وعاصم ( يظاهرون ) وحكى الكسائي أن في حرف أبي ( يتظاهرون ) حجة لمن قرأ ( يظاهرون ) لأن التاء مدغمة في الظاء وأصح من هذا ما رواه نصر بن علي عن أبيه عن هارون قال في حرف أبي ( يتظهرون ) حجة لمن قرأ ( يظهرون ) لأن التاء أدغمت في الظاء أيضا ( ما هن أمهاتهم ) خبر ما شبهت بليس وقال الفراء بأمهاتهم فلما حذفت الباء بقي لها أثر فنصب الاسم ( إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم ) مبتدأ وخبر و إن بمعنى ما ( وإنهم ليقولون منكرا من القول ) أي ما لا يصح ( وزورا ) قال قتادة أي كذبا ونصبت منكرا وزورا ويقولون لو رفعته لا نقلب المعنى ( وإن الله لعفو ) أي ذو عفو وصفح عمن تاب ( غفور له لا يعذبه بعد التوبة وقيل هذا لأنهم كانوا يطلقون في الجاهلية بالظهار قال أبو قلابة كان الرجل في الجاهلية إذا ظاهر من امرأته فهو طلاق بتات فلا يعود إليه أبدا فأنزل الله عز وجل هذا
3
قال أبو جعفر اختلف العلماء في معنى العود فقال قوم ممن يقول بالظاهر لا يجب عليه الكفارة حتى يظاهر مرة ثانية وحكوا ذلك عن بكير بن عبد الله بن الأشج وقال قتادة ( ثم يعودون لما قالوا ) هو أن يعزم بعد الظهار على وطئها وغشيانها وقال بعض الفقهاء عوده أن يمسكها ولا
____________________
(4/372)
يطلقها بعد الظهار فتجب عليه الكفارة وقال القتبي هو أن يعود لما كان يقال في الجاهلية وقال أبو العالية لما قالوا أي فيما قالوا وقال الفراء لما قالوا والى ما قالوا وفيما قالوا واحد يريد يرجعون عن قولهم وقال الأخفش فيه تقديم وتأخير أي فتحرير رقبة لما قالوا ومن أبينها قول قتادة أي ثم يعودون إلى ما قالوا من التحريم فيحلونه ( فتحرير رقبة ) أو فعليهم تحرير رقبة ويجوز عند النحويين البصريين فتحرير رقبة ( من قبل أن يتماسا ) من قبل أن يمس الرجل المرأة ومن قبل أن تمس المرأة الرجل وهذا عام غير أن سفيان كان يقول له ما دون الجماع
4
من في موضع رفع بالابتداء أي فمن لم يجد الرقبة والمفعول يحذف إذا عرف المعنى فعليه صيام شهرين ويجوز صيام شهرين على أن شهرين ظرف وإن شئت كان مفعولا على السعة فإذا قلت صيام شهرين لم يجز أن يكون ظرفا وعلى هذا حكى سيبويه فيما يتعدى إلى مفعولين
____________________
(4/373)
( يا سارق الليلة أهل الدار ** ) ( فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا ) أي فمن لم يستطع الصوم لهرم أو زمانة فعليه إطعام ستين مسكينا ويجوز تنوين إطعام وليس ههنا من قبل أن يتماسا ولكنه يؤخذ من جهة الإجماع ذلك ليؤمنوا بالله ورسوله قال أبو إسحاق أي ذلك التغليظ وقال غيره فعلنا ذلك لتؤمنوا بالله ورسوله أي لتصدقوا بما جاءكم فتؤمنوا ( وتلك حدود الله ) أي هذه فرائض الله جل وعز التي حدها ( وللكافرين عذاب أليم ) أي لمن كفر بها
5 أي يخالفون الله ورسوله ويصيرون في حد أعدائه ( كبتوا ) أي غيظوا وقال بعض أهل اللغة أي هلكوا قال والأصل كبدوا من قولهم كبده إذا أصابه بوجع في كبده ( كما كبت الذين من قبلهم ) الكاف في موضع نصب لأنها نعت لمصدر ولهم عذاب مهين
6 العامل في يوم عذاب ولا يجوز عند البصريين أن يكون مبنيا إذا كان بعده فعل مستقبل وإنما يبنى إذا كان بعده ماض أو ما ليس بمعرب فإذا كان هكذا بني لأنه لما كان يحتاج إلى ما بعده ولا بد له منه أجري مجراه فأما الكوفيون فيقولون إنما بني لأنه بمعنى إذا فيبنى لبنائها ( جميعا ) منصوب على الحال أي يوم يبعثهم الله من قبورهم إلى القيامة في حال اجتماعهم ( فينبئهم بما عملوا ) أي
____________________
(4/374)
فيخبرهم بما أسروه وأخفوه وغير ذينك من أعمالهم ( أحصاه الله ونسوه ) أي عده وأثبته وحفظه ونسيه عاملوه ( والله على كل شيء شهيد ) أي على كل شيء من أعمالهم شاهد عالم به
7
أي ألم تنظر بعين قلبك فتعلم أن الله جل وعز يعلم ما في السموات وما في الأرض لا يخفى عليه شيء من صغيرة ولا كبيرة فكيف يخفى عليه أعمال هؤلاء ( ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ) قال مقاتل بن حيان عن الضحاك قال هو تعالى فوق عرشه وعلمه معهم وخفض ثلاثة على البدل من نجوى ويجوز أن يكون مخفوضا بإضافة نجوى إليه ويجوز رفعه على موضع نجوى ويجوز نصبه على الحال من المضمر الذي في نجوى ( إلا هو رابعهم ) مبتدأ وخبره وحكى الفراء أن في حرف عبد الله ( ولا أربعة إلا هو خامسهم ) وحكى أبو حاتم أن في حرف عبد الله ما يكون من نجوى ثلاثة إلا الله رابعهم ولا خمسة إلا الله سادسهم ولا أقل من ذلك ولا أكثر إلا الله معهم إذا انتجوا قال أبو جعفر وهذه القراءة إن صحت فإنما هي على التفسير لا يجوز أن يقرأ بها إلا على ذلك وقرأ يزيد بن القعقاع ( ما تكون من نجوى ثلاثة ) وهذه القراءة وإن كانت مخالفة لحجة الجماعة فهي موافقة للسواد جائزة في العربية لأن نجوى مؤنثة باللفظ و من فيها زائدة كما تقول ما جاءني من رجل وما جاءتني من
____________________
(4/375)
امرأة والتقدير ولا يكون من نجوى أربعة إلا هو خامسهم وحكى هارون عن عمرو عن الحسن أنه قرأ ( ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم ) عطفة على الموضع ( ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة ) أي ثم ينبئهم بما تناجوا به ( إن الله بكل شيء عليم ) من نجواهم وسرارهم وغير ذلك من أعمالهم وأعمال عباده
8
قال مجاهد هم قوم من اليهود وقرأ يحيى بن وثاب والأعمش وحمزة ( ينتجون بالإثم والعدوان ) و يتناجون أبين لأنهم قد أجمعوا على أن قرءوا ( إذا تناجيتم فلا تتناجوا ) إلا شيئا روي عن ابن مسعود أنه قرأ أيضا ( وينتجون بالإثم والعدوان وعصيان الرسول ) ( وإذا جاءوك حيوك بما لم يحيك به الله ) قال أبو جعفر قد ذكرنا معناه ( ويقولون في أنفسهم لولا يعذبنا الله بما نقول ) أي هلا يعاقبنا على ذلك في وقت قولنا ( حسبهم جهنم يصلونها فبئس المصير ) مبتدأ وخبره وحكى النحويون أنه يقال حسبك ولا يلفظ له بخبر لأنه قد عرف معناه وقيل فيه معنى الأمر لأن معناه اكفف فلما كان الأمر لا يؤتى له بخبر حذف خبر ما هو بمعناه
9 فيه ثلاثة أجوبة فلا تتناجوا بتاءين ولا تناجوا بتاء
____________________
(4/376)
واحدة ولا تناجوا بإدغام التاء في التاء فمن جاء به بتاءين قال هي كلمة مبتدأ بها ويه منفصلة مما قبلها ومن جاء به بتاء واحدة حذف لاجتماع التاءين مثل تذكرون وتتذكرون ومن أدغم قال اجتمع حرفان مثلان وقبلهما ألف والحرف المدغم قد يأتي بعد الألف مثل دواب ( وتناجوا بالبر ) أي بما يقربكم من الله جل وعز ( والتقوى ) أي باتقائه بأداء فرائضه واجتناب ما نهى عنه ( واتقوا الله الذي إليه تحشرون ) أي الذي إليه مصيركم ومجمعكم فيجزيكم بأعمالكم
10 أصح ما قيل فيه قول قتادة قال كان المنافقون يتناجون بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم فيسوء ذلك المسلمين ويكبر عليهم فأنزل الله جل وعز ( إنما النجوى من الشيطان ليحزن الذين آمنوا ) الآية ويدل على صحة هذا القول ما قبله وما بعده من القرآن وقال ابن زيد كان الرجل يناجي النبي صلى الله عليه وسلم في الحاجة ويفعل ذلك ليرى الناس أنه ناجى النبي صلى الله عليه وسلم فيوسوس إبليس للمسلمين فيقول إنما هذه المناجاة لجموع قد اجتمعت لكم وأمر قد حضر ترادون به فيحزنون لذلك وفي الآية قول ثالث ذكره محمد بن جرير قال حدثنا محمد بن حميد قال حدثنا يحيى بن واضح قال حدثنا يحيى بن داود البجلي قال سئل عطية العوفي وأنا أسمع عن الرؤيا فقال الرؤيا على ثلاثة منازل منها ما يوسوس به الشيطان فذلك قوله الله جل وعز ( إنما النجوى من الشيطان ليحزن الذين آمنوا ) ومنها ما يحدث الرجل به نفسه فيراه في منامه ومنها أخذ باليد ويقرأ
____________________
(4/377)
( ليحزن ) والأول افصح ( وليس بضارهم شيئا إلا بإذن الله ) قال محمد بن جرير أي بقضاء الله وقدره وقيل ( بإذن الله ) بما أذن الله جل وعز فيه وهو غمهم بالمؤمنين لأنه جل ثناؤه قد أذن في ذلك ( وعلى الله فليتوكل المؤمنون ) أي ليكلوا أمرهم إليه ولا تحزنهم النجوى وما يتسار به المنافقون إذا كان الله جل وعز يحفظهم ويحوطهم
11 وروي عن الحسن وقتادة أنهما قرأا ( إذا قيل لكم تفاسحوا ) قال الفراء مثل تعهدت ضيعتي وتعاهدت وقال أهل اللغة تعهدت أفصح لأنه فعل من واحد وقال الخليل لا يقال إلا تعهدت لأنه فعل من واحد وقرأ الحسن وعاصم ( في المجالس ) وقراءة العامة ( في المجلس ) وقال أبو جعفر واختلف العلماء في معناه فصح عن مجاهد أنه قال هو مجلس النبي صلى الله عليه وسلم خاصة وصح عن قتادة أنه قال كان الناس يتنافسون في مجلس النبي صلى الله عليه وسلم لا يكاد بعضهم يوسع لبعض فأنزل الله جل وعز يعني هذا وروي عن قتادة أنه في مجلس الذكر وقال الحسن ويزيد ابن أبي حبيب هذا في القتال خاصة قال أبو جعفر وظاهر الآية للعموم فعليه يجب أن يحمل ويكون هذا لمجلس النبي صلى الله عليه وسلم خاصة وللحرب ولمجالس الذكر ولا نعلم قولا رابعا والمعنى يؤدي عن معنى مجالس
____________________
(4/378)
وأيضا فإن الإنسان إذا خوطب أن يوسع مجلسه ومعه جماعة قد أمروا بما أمر به فقد صرت مجالس ( يفسح الله لكم ) جواب الأمر وفيه معنى المجازاة ومكان فسيح أي واسع ( وإذا قيل انشزوا فأنشزوا ) قراءة أبي جعفر ونافع وشيبة وقراءة ابن كثير وأبي عمرو وأهل الكوفة ( انشزوا فانشزوا ) وهما لغتان بمعنى واحد وأبو عبيد يختار الثانية ولو جاز أن يقع في هذا اختيار لكان الضم أولى لأنه فعل لا يتعدى مثل قعد يقعد لأن الأكثر في كلام العرب فيما لا يتعدى أي يأتي مضموما وفيما يتعدى أن يأتي مكسورا مثل ضرب يضرب وأما المعنى فأصح ما قيل فيه أنه النشوز إلى كل خير من مر بمعروف ونهي عن منكر أو قتال عدو أو تفرق عن النبي صلى الله عليه وسلم لئلا يلحقه أذى ( يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات ) قيل أي يرفعهم في الثواب والكرامة وقيل يرفعهم من الارتفاع أي يرفعهم على غيرهم ممن لا يعلم ليبين فضلهم ( والله بما تعلمون خيبر ) أي يخبره فيجازي عليه
12 روى ابن أبي طلحة عن ابن عباس قال كانوا قد آذوا النبي صلى الله عليه وسلم بكثرة سرارهم فأراد الله جل وعز أن يخفف عنه فأمرهم بهذا فتوقفوا عن السرار ثم وسع عليهم ولم يضيق قال مجاهد لم يعمل أحد بهذه الآية إلا علي بن أبي طالب رضي الله عنه تصدق بدينار ثم سار النبي صلى الله عليه وسلم ثم نسخت وقال رحمة الله عليه بي خفف عن هذه الأمة قال لي النبي صلى الله عليه وسلم ما ترى أيتصدق من سار بدينار قلت لا قال فبدرهم قلت
____________________
(4/379)
لا قال بكم قلت بحبة من شعير فقال إنك لزهيد ثم نزل التخفيف ( فإن لم تجدوا فإن الله غفور رحيم ) أي لا يكلف من لا يجد
13 أصل الاشفاق في اللغة الحذر والخوف ومن هذا لا يحل لأحد أن يصف الله جل وعز بالاشفاق ولا يقول يا شفيق قال مجاهد أأشفقتم أي أشق عليكم ( فإذا لم تفعلوا وتاب الله عليكم ) فإذا تاب عليكم لم يؤاخذهم فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة أي فافعلوا ما لم يسقط عنكم فرضه ( وأطيعوا الله ورسوله ) أي فيما أمركم به ( والله خبير بما تعلمون ) أي فيجازيكم عليه
14
أي ألم تنظر بعين قلبك فتراهم ( ما هم منكم ولا منهم ) الضمير يعود على الذين وهم المنافقون ليسوا من المؤمنين أي من أهل دينهم وملتهم ولا من الذين غضب الله عليهم وهم اليهود ( ويحلفون على الكذب وهم يعلمون ) يحلفون أنهم مؤمنون
15
ما في موضع رفع أي ساء الشيء الذي يعلمونه وهو غشهم المؤمنين ونصحهم الكافرين
16 أي اتخذوا حلفهم للمؤمنين أنهم منهم حاجزا لدمائهم وأموالهم وهذا معنى ( فصدوا عن سبيل الله ) لأن
____________________
(4/380)
سبيل الله جل وعز في أهل الأوثان أن يقتلوا وفي أهل الكتاب أن يقتلوا إلا أن يؤدوا الجزية فلما أظهر هؤلاء الإيمان وهم كفار صدوا المؤمنين بما أظهروه عن قتلهم
17
أي لن تنتفعوا بالأموال فتفتدوا بها ولن ينفعهم أولادهم فينصروهم ويستنقذوهم مما هم فيه من العذاب ( أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ) ويجوز النصب على الحال في غير القرآن
18
أي فيحلفون له على الباطل وهذا دليل بين على بطلان قول من قال إن أحدا لا يتكلم يوم القيامة إلا بالحق لما يعاين ( ويحسبون أنهم على شيء ) أي على شيء ينفعهم ( ألا إنهم هم الكاذبون ) كسرت إن لأنها مبتدأة وسمعت علي بن سليمان يجيز فتحها لأن معنى ألا حقا
19
هذا مما جاء على أصله ولو جاء على الإعلال لكان استحاذ كما يقال استصاب فلان رأي فلان ولا يقال استصوب قال أبو جعفر إنما جاء على أصله مما يؤخذ سماعا من العرب لا مما يقاس عليه وقيل يعل الرباعي اتباعا للثلاثي فلما كان يقال استحوذ عليه إذا غلبه ولا يقال حاذ في هذا المعنى وإنما يقال حاذ الإبل إذا جمعها فلما لم يكن له
____________________
(4/381)
ثلاثي جاء على أصله ( أولئك حزب الشيطان ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون ) حزبه أولياؤه وأتباعه وجموعه والخاسر الذي قد خسر في صفقته
20
قال قتادة يعادونه وقال مجاهد يشاقون وقيل معناه يخالفون حدود الله جل عز فيما أمر به وحقيقته في العربية يصيرون في حد غيره حده الذي حده والأصل يحاددون فأدغمت الدال في الدال ( أولئك في الأذلين ) أي ممن يلحقه الذل وأولئك وما بعد خبر عن الذين
21
قيل أي كتب في اللوح المحفوظ وجعله الفراء مجازا جعل كتب بمعنى قال أي الله لأغلبن أنا ورسلي أي من حادنا ورسلي معطوف على المضمر الذي في لأغلبن و أنا توكيد قال أبو جعفر وهذه اللغة الفصيحة وأجاز النحويون جميعا في الشعر لأقومن وزيد وأجاز الكوفيون وجماعة من أهل النظر أن يعطف على المضمر المرفوع من غير توكيد لأنه يتصل وينفصل فخالف المضمر المخفوض ( إن الله قوي ) أي ذو قوة وقدرة على أن كتب فيمن خالفه وخالف رسله ( عزيز ) في انتقامه لا يقدر أحد أن ينتصر منه
____________________
(4/382)
22 أصح ما روي في هذا أنه نزل في المنافقين الذين والوا اليهود لأنهم لا يقرون بالله جل وعز على ما يجب الإقرار به ولا يؤمنون باليوم الآخر فيخافون العقوبة ويوادون في موضع نصب لأنه خبر تجد أو نعت لقوم ( ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم ) أي ولو كان الذين حادوا الله ورسوله آباءهم جمع أب على الأصل والأصل فيه أبو والتثنية أيضا على الأصل عند البصريين لا غير وحكى الكوفيون جاءني أبان أو أبناءهم جمع ابن على الأصل والأصل فيه بني الساقط منه ياء والساقط من أب واو فأما أب فقد دل عليه التثنية وأما ابن فدل عليه الاشتقاق قال أبو إسحاق هو مشتق من بناه أبوه يبينه قال أبو جعفر وقد غلط بعض النحويين فقال الساقط منه واو لأنه قد سمع البنوة ( أو إخوانهم ) جمع أخ على الأصل كما تقول ورل وورلان ( أولئك كتب في قلوبهم الإيمان ) قيل هو مجاز و في بمعنى اللام أي كتب لقلوبهم الإيمان وقد علم أن المعنى كتب لهم وقيل هو حقيقة أي كتب في قلوبهم سمة الإيمان ليعلم أنهم مؤمنون ( وأيدهم بروح منه ) قيل بنور وهدى وقيل بجبرائيل صلى الله عليه وسلم ينصرهم ويؤيدهم ويوفقهم ( يدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ) على الحال ( رضي الله عنهم ) أي بطاعتهم في الدنيا ( وروضا عنه ) بإدخالهم الجنة ( أولئك حزب الله ) أي جنده وجماعته وتحزب القوم تجمعوا ( ألا إن حزب الله هم المفلحون ) قيل أي الذين ظفروا بما أرادوا
____________________
(4/383)
59
1
أي في انتقامه ممن عصاه ( الحكيم ) في تدبيره و هو مبتدأ و العزيز خبره و الحكيم نعت للعزيز ويجوز أن يكون خبرا ثانيا
2 أي بمحمد صلى الله عليه وسلم ( من أهل الكتاب ) من اليهود وهم بنو النضير ( من ديارهم لأول الحشر ) صرفت أولا لأنه مضاف ولو كان مفردا كان ترك الصرف فيه أولى على أنه نعت ومن جعله غير نعت صرفه ( ما ظننتم أن يخرجوا ) أن في موضع نصب بظننتم وهي تقوم مع صلتها مقام المفعولين عند النحويين إلا محمد بن يزيد فإن أبا الحسن حكى لنا عنه أن المفعول الثاني محذوف وكذا القول في ( وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا ) أي لم يظنوا من قولهم ما كان هذا في حسباني أي في ظني ولا يقال في حسابي لأنه لا معنى له ههنا ويجوز أن يكون معنى لم يحتسبوا لم
____________________
(4/385)
يعلموا وكذا قيل في قول الناس حسيبه الله أي العالم بخبره والذي يجازيه الله جل وعز وقيل معنى قولك حسيبك الله كافي إياك الله من قولهم أحسبه الشيء إذا كفاه وقيل حسيبك أي محاسبك مثل شريب بمعنى مشارب وقيل حسيبك أي مقتدر عليك ومنه وكان الله على كل شيء حسيبا
( وقذف في قلوبهم الرعب ) ومن قال في قلوبهم الرعب جاء به على الأصل ( يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين ) ويخربون على التكثير وقد حكى سيبويه أن فعل يكون بمعنى أفعل كما قال
( ومن لا يكرم نفسه لا يكرم ** )
( فاعتبروا يا أولي الأبصار ) أي فاتعظوا واستدلوا على صدق النبي صلى الله عليه وسلم بأن الله جل وعز ناصره لما يريكم في أعدائه وبصدق ما أخبركم به واشتقاقه من عبر إلى كذا إذا جاز إليه والعبرة هي المتجاوزة من العين إلى الخد قال الأصمعي وقولهم فلان عبر أي يفعل أفعالا يورث بها أهله العبرة وفي معنى ( يا أولي الأبصار ) قولان أحدهما أنه من بصر
____________________
(4/386)
العين والآخر أنه من بصر القلب قال أبو جعفر وهذا أولى بالصواب لأن الاعتبار إنما يكون بالقلب وهو الاتعاظ والاستدلال بما مر فقد قيل إن النبي صلى الله عليه وسلم خبرهم بهذا أنه يكون فكان على ما وصف فيجب أن تعتبروا بهذا وغيره كما قال جل وعز { لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين } فكان كما قال وقال جل ذكره { سيصلى نارا ذات لهب } فكان ذلك وقال { ولن يتمنوه أبدا } فلم يتمنه أحد منهم وكذا { ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله } فقالوا ذلك وكذا { وهم من بعد غلبهم سيغلبون } كذا قوله صلى الله عليه وسلم لعمار تقتلك الفئة الباغية وقوله عليه السلام لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه يوم كتب
من محمد رسول الله فساموه محوها فاستعظم ذلك علي رضي الله عنه فقال له النبي صلى الله عليه وسلم إنك ستسام مثلها فكان ذلك على ما قال وكذلك قوله في ذي الثدية ومن ينجو من الخوارج فكان
____________________
(4/387)
الأمر كما قال وكذلك قوله في كلاب الحوأب قولا محددا وكذلك قوله في فتح المدينة البيضا وفي فتح مصر وأوصى بأهلها خيرا فهذا كله مما يعتبر به وقال جل وعز { والله يعصمك من الناس } فعصمه حتى مات على فراشه وقال { وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم } فاستخلف ممن خوطب بهذا أربعة أبا بكر وعمر وعثمان وعليا رضي الله عنهم وكان هذا موافقا لقوله صلى الله عليه الخلافة بعدي ثلاثون ومما يعتبر به تمثيلاته التي لا تدفع منها حديث أبي رزين العقيلي أنه قال يا رسول الله كيف يحيي الله الموتى وما آية ذلك في خلقه فقال يا أبا رزين أما مررت بوادي أهلك محلا ثم مررت به يهتز خضرا فكذلك يحي الله الموتى وكذلك آيته تعالى فتي خلقه فهذا التشبيه الباهر الذي لا يلحق ولذلك قوله في تمثيل الميت بالنائم وبعثه باليقظة وهذا أشكل شيء بشيء فبهذا يعتبر أولو الأبصار
____________________
(4/388)
3
حكى أهل اللغة أنه يقال جلا القوم عن منازلهم وأجليتهم هذا الفصيح وحكى أحمد بن يحيى ثعلب أجلوا وحكى غيره جلوا عن منازلهم يجلون واستعمل فلان على الجالية والجالة وقرأ أكثر الناس وهي اللغة الفصيحة المعروفة من كلام العرب التي نقلتها الجماعة التي تجب بها الحجة ( ولولا أن كتب الله عليهم الجلاء ) بكسر الهاء وضم الميم فممن قرأ بها أبو جعفر وشيبة ونافع وعبد الله ابن عامر وعاصم وقرأ الأعمش وحمزة والكسائي ( عليهم الجلاء ) بضم الهاء والميم وقرأ أبو عمرو ابن العلاء ( عليهم الجلاء ) بكسر الهاء والميم قال أبو جعفر والقراءة الأولى كسرت فيها الهاء لمجاوزتها الياء فأستثقلت ضمة بعد ياء وأيضا فإن آخر مخرج الهاء عند مخرج الياء وضمت الميم لأن أصلها الضم فردت إلى أصلها وهذه القراءة البينة والقراءة الثانية على الأصل إلا أن الأعمش والكسائي لا يقرآن ( عليهم ) إلا أن يلقى الميم ساكن ولا يعرف عن أحد من القراء من جهة صحيحة أنه قرأ ( عليهم ) إلا حمزة ثم أنه خالف ذلك فقرأ فيهم ولم يضم إلا في عليهم وإليهم ولديهم إلا ابن كيسان احتج له في تخصيصه هذه الثلاثة فقال عليهم وإليهم ولديهم ليست الياء فيهن ياء محضة وأصلها الألف لأنك تقول على القوم فلهذا أقروها على ضمتها لأن الياء أصلها الألف والياء في في ياء محضة قال وسألت أبا العباس لم قرأ الكسائي عليهم بكسر الهاء فلما قال ( عليهم ) ضمها فقال إنما كسرها اتباعا للياء لأن الكسرة أخت الياء فلما اضطر
____________________
(4/389)
إلى ضم الميم لالتقاء الساكنين لأن الضم أصلها كان الأولى أن يتبع الهاء الميم فيضمها أي لأن أصلها الضم وبعدها مضموم قال أبو جعفر وهذا أحسن ما قيل في هذا فأما قراءة أبي عمرو ( عليهم الجلاء ) ففيها حجتان إحداهما أنه كسر الميم لالتقاء الساكنين وهذه حجة لا معنى لها لأنه إنما يكسر لالتقاء الساكنين ما لم يكن له أصل في الحركة فأما أن تدع الأصل وتجتلب حركة أخرى فغير جائز والحجة الأخرى صحيحة وهو إنما كسر الهاء اتباعا للياء لأنه استثقل ضمة بعد ياء وكذلك أيضا استثقل ضمة بعد كسرة فأبدل منها كسرة اتباعا كما فعل بالهاء فقال ( عليهم الجلاء ) ( لعذبهم في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب النار ) أي مع الخزي الذي لحقهم في الدنيا من الجلاء قال قتادة الجلاء الخروج من بلد إلى بلد وقيل معنى كتب حتم وهو مجاز وقيل كتبه في اللوح المحفوظ
4
يكون ذلك في موضع رفع على إضمار مبتدأ أي الأمر ذلك ويجوز أن يكون في موضع نصب أي فعلنا بهم ذلك ويجوز أن يكون في موضع رفع أيضا أي ذلك الخزي وعذاب النار لهم بأنهم خالفوا الله ورسوله ( ومن يشاق الله ) في موضع جزم بالشرط وكسرت القاف لالتقاء الساكنين ويجوز فتحها لثقل التشديد والكسر إلا أن الفتح إذا لم يلقها ساكن أجود مثل { من يرتد منكم عن دينه } وإذا لقيها ساكن كان الكسر
____________________
(4/390)
أجود كما قال
( فغض الطرف أنك من نمير ** فلا كعبا بلغت ولا كلابا ) ( فإن الله شديد العقاب ) جواب الشرط أي شديد عقابه لمن حاده وحاد رسوله
5
في معنى اللينة ثلاثة أقوال عن أهل التأويل روى سفيان عن داود بن أبي هند عن عكرمة بن عباس قال اللينة النخل سوى العجوة وهذا قول سعيد بن جبير وعكرمة والزهري ويزيد بن رومان وقول مجاهد وعمر بن ميمون إنه لجميع النخل وكذا روى ابن وهب عن ابن زيد قال اللينة النخل كانت فيها عجوة أو لم تكن وقال سفيان هي كرائم النخل وهذه الأقوال صحيحة لأن الأصمعي حكى مثل القول الأول فيكون لجميع النخل ويكون ما قطعوا منها مخصوصا فتنفق الأقوال ولنة مشتقة عند جماعة من أهل العربية من اللون وانقلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها وفي الجمع ليان كما قال
( وسالفة كسحوق الليان ** أضرم فيها الغوي السعر )
____________________
(4/391)
وقال بعضهم هي مشتقة من لان يلين ولو كانت من اللون قيل في الجميع لوان ( وليخزي الفاسقين ) أي وليذل من خرج من طاعته جل وعز
6
هذا عند أهل التفسير في بني النضير لأنه لم يوجف عليهم بخيل ولا جمال وإنما صولحوا على الجلاء فملك الله تعالى مالهم النبي صلى الله عليه وسلم يحكم فيه بما أراد وكان فيه فدك فصح عن الصحابة منهم عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأخذ منه ما يكفيه وأهله ويجعل الباقي في السلاح الذي يقاتل به العدو وفي الكراع فلما توفي النبي صلى الله عليه وسلم طالبت فاطمة رضي الله عنها به على أنه ميراث فقال لها أبو بكر رضي الله عنه أنت أعز الناس علي غير أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إنا معاشر الأنبياء لا نورث ما تركنا صدقة ولكني أقره على ما كان يفعله فيه وتابعه أصحابه بالشهادة على أن النبي صلى الله عليه وسلم كذا قال حتى صار ذلك إجماعا وعمل به الخلفاء الأربعة لم يغيروا منه شيئا وأجروه مجراه في وقت النبي صلى الله عليه وسلم فأما معنى لا نورث ما تركنا صدقة فقد تكلم فيه العلماء فقال بعضهم معنى لا
____________________
(4/392)
نورث كمعنى لا أورث كما يقول الرجل الجليل فعلنا كذا وقيل هو لجميع الأنبياء لأنه لم يورث أحد منهم شيئا من المال وقالوا معنى { خفت الموالي من ورائي } معناه خفت ألا يعملوا بطاعة الله جل وعز ويدل على هذا { واجعله رب رضيا } ومعنى يرثني النبوة والشريعة وكذلك { وورث سليمان داود } ومعنى ما تركنا صدقة فيه أقوال فمن أصحها أنه بمنزلة الصدقة لأنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يملك شيئا وإنما أباحه الله جل وعز هذا فكان ينفق منه على نفسه ومن يعوله ويجعل الباقي في سبيل الله فهذا قول وقيل بل قد كان تصدق بكل ما يملكه وقيل ما بمعنى الذي أي لا نورث الذي تركناه صدقة وحذفت الهاء لطول الاسم ويقال وجف إذا أسرع وأوجفه غيره ( ولكن الله يسلط رسله على من يشاء ) أي كما سلطه على بني النضير
7
في هذه الآية أربعة أقوال منها أنه الفيء الأول وأن ما صولح عليه المسلمون من غير قتال فهذا حكمه وقيل بل هذا غير الأول وهذا حكم ما كان من الجزية ومال الخراج أن يقسم وهذا قول معمر وقيل بل هذا ما قوتل عليه أهل الحرب وهذا قول يزيد بن رومان والقول الرابع أن هذا
____________________
(4/393)
حكم ما أوجف عليه بخيل وركاب وقوتل عليه فكان هذا حكمه حتى نسخ بالآية التي في سورة الأنفال والصواب أن يكون هذا الحكم مخالفا للأول لأنه قد صح عمن تقوم به الحجة أن الأول في بني النضير وأنه جعل حكمه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهذا الثاني على خلاف ذلك لأن فيه ( لذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل ) ويدلك على هذا حديث عمر مع صحة إسناده واستقامة طريقته قرىء على أحمد بن شعيب عن عبيد الله بن سعيد ويحيى بن موسى وهارون بن عبد الله قالوا حدثنا سفيان عن عمرو عن الزهري عن مالك بن أويس بن الحدثان عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال كانت أموال بني النضير مما أفاء الله على رسوله مما لم يوجف عليه المسلمون بخيل ولا ركاب فكان ينفق منها على أهله نفقة سنة وما بقي جعله في السلاح والكراع عدة في سبيل الله فقد دل هذا على أن الآية الثانية حكمها خلاف حكم الأولى لأن الأولى تدل على هذا إن ذلك شيء للنبي صلى الله عليه وسلم والآية الثانية على خلاف ذلك قال الله جل وعز ( ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله ) قيل هذا افتتاح كلام وكل شيء لله والتقدير فلسبل الله و ( للرسول ولذي القربى ) وهم بنو هاشم وبنو المطلب واليتامى وهم الذين لم يبلغوا الحلم وقد مات آباؤهم والمساكين وهم الذين قد لحقهم ذل المسكنة مع الفاقة وابن السبيل
____________________
(4/394)
وهم المسافرون في غير معصية المحتاجون ( كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم ) الضمير الذي في يكون يعود على ما أي لا يكون ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى دولة يتداوله الأغنياء فيعملون فيه ما يحبون فقسمه الله جل وعز هذا القسم وقرأ يزيد بن القعقاع ( كي لا تكون دولة ) بالرفع وتأنيث تكون دولة اسم تكون بين الأغنياء الخبر ويجوز أن يكون بمعنى يقع فلا يحتاج إلى خبر مثل { إلا أن تكون تجارة } وأغنياء جمع غني وهكذا جمع لمعتل وإن كان سالما جمع على فعلاء وفعال نحو كريم وكرماء وكرام وقد قالت العرب في السالم نصيب وأنصباء شبه بالمعتل وشبهوا بعض المعتل أيضا بالسالم حكى الفراء نفي ونفواء بالفاء شبه بالسالم وقلبت ياؤه واوا ( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ) حكى بعض أهل التفسير أن هذا في الغنائم واحتج بأن الحسن قال وما آتاكم الرسول من الغنائم فخذوه وما نهاكم عنه من الغلول قال أبو جعفر فهذا ليس يدل على أن الآية فيه خاصة بل الآية عامة وعلى هذا تأولها أصحاب رسول الله فقال عبد الله بن مسعود أن الله لعن الواشمة والمستوشمة والنامصة والمتنمصة فقيل له قد قرأنا القرآن فما رأينا فيه هذا فقال قد لعنهن رسول الله وقال الله ( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ) وعن ابن عباس نحو من هذا في النهي
____________________
(4/395)
عن الانتباذ في النقير والمزفت ( واتقوا الله ) أي احذروا عقابه في عصيانكم رسوله ( إن الله شديد العقاب ) أي شديد عقابه لمن خالف رسوله صلى الله عليه وسلم
8 قيل هو بدل ممن قد تقدم ذكره بإعادة الحرف مثل { للذين استضعفوا } لمن آمن منهم وقيل التقدير كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم لكي يكون للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم أي أخرجهم المشركون ( يبتغون فضلا من الله ورضوانا ) في موضع نصب على الحال وكذا ( وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون ) مبتدأ وخبره
9
الذين في موضع خفض أي للذين ويجوز أن يكون في موضع رفع بالابتداء والخبر ( يحبون من هاجر إليهم ) أي انتقل إليهم وإذا كان الذين في موضع خفض كان يحبون في موضع نصب على الحال أو مقطوعا مما قبله ( ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ) معطوف عليه وكذا ( ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ) أي فاقة إلى ما آثروا به وكل كوة أو خلل في حائط فهو خصاصة ( ومن يوق شح نفسه ) جزم بالشرط فلذلك حذفت الألف منه ولا يجوز إثباتها إذا كان شرطا عند البصريين
____________________
(4/396)
ويجوز عند الكوفيين وشبهوه بقول الشاعر
( ألم يأتيك والأنباء تنمي ** )
والفرق بين ذا والأول أن الألف لا تتحرك في حال والياء والواو قد يتحركان وهذا فرق بين ولكن الكوفيين خلطوا حروف المد واللين فجعلوا حكمها حكما واحدا وتجاوزوا ذلك من ضرورة الشعر إلى أن أجازوه في كتاب الله جل وعز وحملوا قراءة حمزة / < لا تخف دركا ولا تخشى > / عليه في أحد أقوالهم وأهل التفسير على أن الشح أخذ المال بغير الحق وقد ذكرنا أقوالهم والمعروف في كلام العرب أن الشح أزيد من البخل وأنه يقال شح فلان يشح إذا اشتد بخله ومنع فضل المال كما قال
( ترى اللحز الشحيح إذا أمرت ** عليه لماله فيها مهينا )
10
يكون الذين في موضع خفض معطوفا على ما قبله أي والذين وعلى هذا كلام أهل التفسير والفقهاء كما قال مالك ليس لمن شتم أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم في الفيء نصيب لأن الله تعالى قال ( والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ) الآية وقال قتادة لم تؤمروا بسب أصحاب النبي
____________________
(4/397)
وإنما أمرتم بالاستغفار لهم وقال ابن زيد في معنى قوله ( ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ) لا تورث قلوبنا غلا لمن كان على دينك ( ربنا إنك رؤوف رحم ) أي بخلقك ( رحيم ) لمن تاب منهم
11
حذفت الألف للجزم والأصل فيه الهمز لأنه من رأى والأصل رأى ( يقولون لإخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب ) يقولون في موضع نصب على الحال وعن ابن عباس الذين نافقوا عبد الله بن أبي وأصحابه وأخوانهم من أهل الكتاب بنو النضير ( لئن أخرجتم ) أي من دياركم ومنازلكم ( لنخرجن معكم ) من ديارنا ( ولا نطيع فيكم أحدا أبدا ) أي لا نطيع من سألنا خذلانكم ( والله يشهد إنهم لكاذبون ) كسرت إن لمجيء اللام وحكى لنا علي بن سليمان عن محمد بن يزيد أنه أجاز فتحها في خبرها اللام لأن اللام للتوكيد فلا تغير ههنا شيئا
12
أي لئن أخرج بنو النضير لا يخرج المنافقون معهم فخبر بالغيب وكان الأمر على ذلك ( ولئن قوتلوا لا ينصرونهم ولئن نصروهم ليولن الأدبار ) فخبر جل وعز بما يعلمه فإن قيل فما وجه رفع ( لئن أخرجوا لا يخرجون معهم ) وظاهره أنه جواب الشرط وأنت تقول إن أخرجوا لا يخرجوا معهم ولا يجوز غير ذلك واللام توكيد فلم رفع الفعل فالجواب عن هذا
____________________
(4/398)
وهو قول الخليل وسيبويه رحمهما الله على معناهما أنه قسم والمعنى والله لا يخرجون معهم إن أخرجوا كما تقول والله لا يقومون ودخلت اللام في الأول لأنه شرط للثاني وكذا ما بعده وكذا ( ثم لا ينصرون ) معطوف عليه ويجوز أن يكون مقطوعا منه
13
أي في صدور بني النضير من اليهود ونصبت رهبة على التمييز ذلك بأنهم قوم لا يفقهون ) أي من أجل أنهم قوم لا يفقهون قدر عظمة الله جل وعز فهم يجترئون على معاصيه ولا يتخوفون عقابه
14
نصبت جميعا على الحال وقرية وقرى عند الفراء شاذ كان يجب أن يكون جمعه قراء مثل غلوة وغلاء قال أبو جعفر وأنكر أبو إسحاق هذا وإن يقال شاذ لما نطق به القرآن ولكنه مثل ضيعة وضيع جاء بحذف الألف
وقيل هو اسم للجميع ( أو من وراء جدر بأسهم بينهم شديد ) وقرأ أبو عمر وابن كثير ( أو من وراء جدار ) وحكي عن المكيين ( أو من وراء جدر ) بفتح الجيم وإسكان الدال ويجوز جدر على أن الأصل جدر فحذفت الضمة لثقلها وجدر لغة بمعنى جدار وجدار واحد يؤدي عن جمع إلا أن
____________________
(4/399)
الجمع أشبه بنسق الآية لأن قبله ( إلا في قرى ) ولم يقل إلا في قرية ( تحسبهم جميعا ) مفعول ثان لتحسب وليس على الحال ( وقلوبهم شتى ) قال قتادة أهل الباطل مختلفة أهواؤهم مختلفة أعمالهم وهم مجتمعون على معاداة أهل الحق قال مجاهد ( وقلوبهم شتى ) لأن بني النضير يهود والمنافقين ليسوا بيهود وفي حرف ابن مسعود ( وقلوبهم أشت ) يكون أفعل بمعنى فاعل أو يحذف منه من ( ذلك بأنهم قوم لا يعقلون ) أي لا يعقلون ما لهم فيه الحظ مما عليهم فيه النقص
15
المعنى مثلهم كمثل الذين من قبلهم حين تمادوا على العصيان فأهلكوا واختلف أهل التأويل في الذين من قبلهم ههنا فقال ابن عباس هم بنو قينقاع وقال مجاهد هم أهل بدر والصواب أن يقال في هذا إن الآية عامة وهؤلاء جميعا ممن كان قبلهم ( قريبا ) نعت لظرف ( ذاقوا وبال أمرهم ) أي ذاقوا عذاب الله على كفرهم وعصيانهم ( ولهم عذاب أليم ) أي في الآخرة
16
الكاف في موضع رفع أي مثل المنافقين في غرورهم بني النضير ومثل بني النضير في قلوبهم منهم كمثل الشيطان وفي معناه قولان
____________________
(4/400)
أحدهما أنه شيطان بعينه غرا راهبا وفي هذا حديث مسند قد ذكرناه وهكذا روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه والقول الآخر أن يكون الشيطان ههنا اسما للجنس وكذا الإنسان كما روى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال هي عامة
17
عاقبتهما خبر كان و أن وصلتها أاسمها وقرأ الحسن ( فكان عاقبتهما ) بالرفع جعلها اسم كان وذكرها لأن تأنيثها غير حقيقي ( خالدين فيها ) على الحال وقد اختلف النحويون في الظرف إذا كرر فقال سيبويه هذا باب ما يثنى فيه المستقر توكيدا فعلى قوله نقول أن زيدا في الدار جالسا فيها وجالس لا يختار أحدهما على صاحبه وقال غيره الاختيار النصب لئلا يلغى الظرف مرتين وقال الفراء أن النصب ههنا هو كلام العرب قال تقوم هذا أخوك في يده درهم قابضا عليه والعلة عنده في وجوب النصب أنه لا يجوز أن يقدم من أجل الضمير فإن قلت هذا أخوك في يده درهم قابض على دينار جاز الرفع والنصب وأنشد في ما يكون منصوبا
( والزعفران على ترائبها ** شرقا به اللبات والنحر )
____________________
(4/401)
قال أبو جعفر وهذا التفريق عند سيبويه لا يلزم منه شيء وقد قال سيبويه لو كانت التثنية تنصب لنصبت في قولك عليك زيد حريص عليك وهذا من أحسن ما قيل في هذا وأبينه لأنه بين أن التكرير لا يعمل شيئا ( وذلك جزاء الظالمين ) قيل يعني به بني النضير لأن نسق الآية فيهم وكل كافر ظالم
18
أي بأداء فرائضه واجتناب معاصيه ( ولتنظر نفس ما قدمت لغد ) والأصل ولتنظر حذفت الكسرة لثقلها واتصالها بالواو أي لتنظر نفس ما قدمت ليوم القيامة من حسن ينجيها أو قبيح يوبقها والأصل في غد غدو وربما جاء على أصله ثم كرر توكيدا فقال جل وعز ( واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون )
19
يكون نسي بمعنى ترك أي تركوا طاعة الله جل وعز ( فأنساهم أنفسهم ) قال سفيان أي فأنساهم حظ أنفسهم ومن حسن ما قيل فيه أن المعنى أن الله لما عذبهم شغلهم عن الفكرة في أهل دينهم أو في خواصهم كما قال
____________________
(4/402)
( فاقتلوا أنفسكم ) ( أولئك هم الفاسقون ) أي الخارجون عن طاعة الله جل وعز
20 أي لا يعتدل ( أصحاب النار وأصحاب الجنة ) وفي حرف ابن مسعود ( ولا أصحاب الجنة ) تكون لا زائدة للتوكيد ( أصحاب الجنة هم الفائزون ) أي الذين ظفروا بما طلبوا
21
نصب على الحال أي فزعا لتعظيمه القرآن ( من خشية الله ) ودل بهذا على أنه يجب أن يكون من معه القرآن خائفا حذرا معظما له منزها عمن يخالفه ( وتلك الأمثال نضربها للناس ) أي يعرفهم بهذا ( لعلهم يتفكرون ) فينقادون إلى الحق
22
هو مبتدأ ومن العرب من يسكن الواو فمن أسكنها حذفها ههنا لالتقاء الساكنين اسم الله جل وعز خبر الابتداء الذي من نعته ( لا إله إلا هو ) في الصلة أي الذي لا تصلح الألوهة إلا له لأن كل شيء له هو خالقه فالألوهة له وحده ( عالم الغيب والشهادة ) نعت ولو كان بالألف واللام في الأول لكان الثاني منصوبا وجاز الخفض ( هو الرحمن الرحيم ) والرحمة من
____________________
(4/403)
الله جل وعز التفضل والإحسان إلى من يرحمه
23
ومن نصب قال إلا إياه وأجاز الكوفيون الاه على أن الهاء في موضع نصب وأنشدوا
( فما نبالي إذا ما كنت جارتنا ** ألا يجاورنا إلاك ديار ) قال أبو جعفر وهذا خطأ عند البصريين لا يقع بعد إلا ضمير منفصل لاختلافه وأنشد محمد بن يزيد ألا يجاورنا سواك ديار ( الملك القدوس ) نعت والملك مشتق من الملك والمالك مشتق من الملك و القدوس مشتق من القدس وهو الطهارة كما قال
( وجبريل أمين الله فينا ** وروح القدس ليس له كفاء ) قال كعب روح القدس جبرئيل عليه السلام قال أبو زيد القدس الله جل وعز وكذا القدوس وقال غيره قيل لجبرئيل صلى الله عليه وسلم روح الله لأنه خلقه من غير ذكر وأنثى ومن هذا قيل لعيسى صلى الله عليه وسلم روح الله جل وعز لأنه خلقه من غير ذكر والله القدوس أي مطهر مما نسبه إليه المشركون وقرأ أبو
____________________
(4/404)
الدينار الأعرابي ( الملك القدوس ) بفتح القاف قال أبو جعفر ونظير هذا من كلام العرب جاء مفتوحا نحو سمور وشبوط ولم يجيء مضموما إلا السبوح و القدوس وقد فتحا ( السلام ) أي ذو السلامة من جميع الآفات والسلام في كلام العرب يقع على خمسة أوجه السلام التحية والسلام السواد من القول قال الله تعالى { وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما } ليس يراد به التحية والسلام جمع سلامة والسلام بمعنى السلامة كما تقول اللذاذ واللذاذة السلام اسم الله من هذا أي صاحب السلامة والسلام شجر قوي واحدها سلامة قال أبو إسحاق سمي بذلك لسلامته من الآفات ( المؤمن ) فيه ثلاثة أقوال منها أن معناه الذي آمن عباده من جوره وقيل المؤمن الذي آمن أولياءه من عذابه وقال أحمد بن يحيى ثعلب الله جل وعز المؤمن لأنه يصدق عباده المؤمنين قال أبو جعفر ومعنى هذا أن المؤمنين يشهدون على الناس يوم القيامة فيصدقهم الله جل وعز ( المهيمن ) روى ابن أبي طلحة عن ابن عباس قال المهيمن الأمين وبهذا الإسناد قال الشهيد وقال أبو عبيدة المهيمن الرقيب الحفيظ قال أبو جعفر وهذه كلها من صفات الله جل وعز فالله شاهد أعمال عباده حافظ لها أمين عليها لا يظلمهم ولا يلتهم من أعمالهم شيئا وحكى لنا علي بن سليمان عن أبي العباس قال الأصل مؤيمن وليس في أسماء الله تعالى شيء مصغر إنما هو مثل مسيطر أبدل من الهمزة هاء لأن الهاء أخف ( العزيز ) أي العزيز في انتقامه المنيع فلا
____________________
(4/405)
ينتصر منه من عاقبه ( الجبار ) فيه أربعة أقوال قال قتادة الجبار الذي يجبر خلقه على ما يشاء قال أبو جعفر وهذا خطأ عند أهل العربية لأنه إنما يجيء من هذا مجبر ولا يجيء فعال من أفعل وقيل جبار من جبر الله خلقه أي نعتهم وكفاهم وهذا قول حسن لا طعن فيه وقيل جبار من جبرت العظم فجبر أي أقمته بعد ما انكسر فالله تعالى أقام القلوب لتفهمها دلائله وقيل هو من قولهم تجبر النخل إذا علا وفات اليد كما قال
( أطافت به جيلان عند قطاعه ** وردت عليه الماء حتى تجبرا ) فقيل جبار لأنه لا يدركه أحد ( المتكبر ) أي العالي فوق خلقه ( سبحان الله عما يشركون ) نصبت سبحان على أنه مصدر مشتق من سبحته أي نزهته وبرأته مما يقول المشركون وهو إذا أفردته يكون معرفة ونكرة فإن جعلته نكرة صرفته فقلت سبحانا وإن جعلته معرفة كما قال
( أقول لما جاءني فخره ** سبحان من علقمة الفاخر )
24
____________________
(4/406)
معنى خلق الشيء قدره كما قال
( ولأنت تفري ما خلقت وبعض ** القوم يخلق ثم لا يفري ) إلا أن محمد بن إبراهيم بن عرفة قال معنى خلق الله الشيء قدره مخترعا على غير أصل بلا زيادة ولا نقصان فلهذا ترك استعماله الناس هذا معنى قوله ( البارىء ) قيل معنى البارىء الخالق وهذا فيه تساهل لضعف من يقوله في العربية أو على أن يتساهل فيه لأنه قبله الخالق وحقيقة هذا أن معنى برأ الله الخلق سواهم وعدلهم ألا ترى اتساق الكلام أن قبله خلق أي قدر وبعده برى أي عدل وسوى وبعده ( المصور ) فالصورة بعد هذين وقد قيل أن المصور مشتق من صار يصير ولو كان كذا لكان بالياء ولكنه مشتق من الصورة وهي المثال ( له الأسماء الحسنى ) قال أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم لله تسعة وتسعون اسما ( يسبح له ما في السموات والأرض ) لأنه دال على أن له محدثا ومدبرا لا نظير له فقد صار بهيئته يسبح لله أي منزها له عن الأشياء ( وهو العزيز ) أي في انتقامه ممن كفر به ( الحكيم ) فيما خلقه لأن حكمته لا يرى فيها خلل وقيل الحكيم بمعنى الحاكم
____________________
(4/407)
60
1
أي نداء مفرد و الذين من نعته في موضع رفع وبعض النحويين يجيز النصب على الموضع وقال بعضهم أي اسم ناقص وما بعده صلة له وهذا خطأ على قول الخليل وسيبويه والقول عندهما أنه اسم تام إلا أنه لا بد له من النعت مثل من و ما إذا كانتا نكرتين وأنشد سيبويه
( فكفى بنا فضلا على من غيرنا ** حب النبي محمد إيانا ) قوله غيرنا نعت لمن لا يفارقه ( لا تتخذوا عدوي وعدوكم ) بمعنى أعدائي فعدو يقع للجميع والواحد والمؤنث على لفظ واحد لأنه غير جار على الفعل وإن شئت جمعته وأنثته ( أولياء ) مفعول ثان ولم يصرف أولياء
____________________
(4/409)
لأن في آخره ألفا زائدة وكل ما كان في آخره ألف زائدة فهو لا ينصرف في معرفة ولا نكرة نحو عرفاء وشهداء وأصدقاء وأصفياء ومرضى وتعرف أن الألف زائدة أن نظر فعله فإن وجدت بعد اللام من فعله ألفا فهي زائدة ألا ترى أن عرفاء فعلاء وأصفياء أفعلاء فبعد اللام ألف وكذلك مرضى فعلى وما كان من الجمع سوى هذا من الجمع فهو ينصرف نحو غلمان ورجال وأعدال وفلوس وشباب إلا أن أشياء وحدها لا ينصرف في معرفة ولا نكرة لثقل التأنيث فاستثقلوا أن يزيدا التنوين مع زيادة حرف التأنيث لأنها أريد بها أفعلاء نحو أصدقاء كأنهم أرادوا أشياء وهو الأصل فثقل لاجتماع الياء والهمزتين فحذفوا إحدى الهمزتين وما أشبهها مصروف في المعرفة والنكرة نحو أسماء وأحياء وأفياء ينصرف لأنه أفعال فمن ذلك أعدال وأجمال وكذلك عدو وأعداء مصروف وكذلك قوله تعالى
2 مصروف لأنه أفعال ليس فيه ألف زائدة ( تلقون إليهم بالمودة ) مذهب الفراء أن الباء زائدة وأن المعنى تلقون إليهم المودة قال أبو جعفر تلقون في موضع نصب على الحال ويكون في موضع نعت لأولياء قال الفراء كما تقول لا تتخذ رجلا تلقي إليه كل ما عندك ( وقد كفروا بما جاءكم من الحق يخرجون الرسول وإياكم ) عطف على الرسول أي ويخرجونكم ( أن تؤمنوا بالله ربكم ) في موضع نصب أي لأن تؤمنوا وحقيقته كراهة أن تؤمنوا بالله ربكم ( إن كنتم خرجتم جهادا في سبيلي ) نصبت جهادا لأنه مفعول من أجله أو على المصدر أي إن كنتم خرجتم مجاهدين في
____________________
(4/410)
طريقي الذي شرعته وديني الذي أمرت به ( وابتغاء مرضاتي ) عطف ( تسرون إليهم بالمودة ) مثل تلقون ( وأنا أعلم ) قراءة أهل المدينة يثبتون الألف في الإدراج وقراءة غيرهم ( وأن أعلم ) بحذف الألف في الإدراج وهذا هو المعروف في كلام العرب لأن الألف لبيان الحركة فلا تثبت في الإدراج لأن الحركة قد ثبتت و أعلم بمعنى عالم كما يقال الله أكبر الله أكبر بمعنى كبير ويجوز أن يكون المعنى وأنا أعلم بكم بما أخفاه بعضكم من بعض وبما أعلنه ( ومن يفعله منكم ) ومن يلق إليهم بالمودة ويتخذهم أولياء ( فقد ضل سواء السبيل ) أي عن قصد طريق الجنة ومحجتها
2
شرط ومجازاة فلذلك حذفت النون وكذا ( ويبسطوا إليكم أيديهم وألسنتهم بالسوء ) تم الكلام
3
لأن أولادهم وأقرباءهم كانوا بمكة فلذلك تقرب بعضهم إلى أهل مكة وأعلمهم الله جل وعز أنهم لن ينفعوهم يوم القيامة يكون العامل في الظرف على هذا لن تنفعكم ويكون يفصل بينكم في موضع نصب على الحال ويجوز أن يكون العامل في الظرف ( يفصل بينكم ) وهذه قراءة أهل الحرمين وأهل البصرة وقد عرف أن المعنى يفصل الله جل وعز بينكم وقرأ عبد الله بن عامر ( يفصل ) على التكثير وقرأ عاصم ( يفصل ) وقرأ
____________________
(4/411)
يحيى بن وثاب والأعمش وحمزة والكسائي ( يفصل بينكم ) على تكثير يفصل ( والله بما تعملون بصير ) مبتدأ وخبره
4
وحكى الفراء في جمعها أسى بضم في الجمع وأن كانت الواحدة مكسورة ليفرق بين ذوات الواو وذوات الياء وعند البصريين أنه يجوز الضم على تشبيه فعلة بفعلة ويجوز الكسر على الأصل ( في إبراهيم والذين معه ) قال عبد الرحمن بن زيد الذين معه الأنبياء عليهم السلام ( قالوا لقومهم ) أي حين قالوا لقومهم ( انا برآء منكم ) هذه القراءة المعروفة التي قرأ بها الأئمة كما تقول كريم وكرماء وأجاز أبو عمرو وعيسى ( إنا براء منكم ) وهي لغة معروفة فصيحة كما تقول كريم وكرام وأجاز الفراء ( إنا براء منكم ) قال أبو جعفر وهذا صحيح في العربية يكون براء في الواحد والجميع على لفظ واحد مثل أنني براء منكم وحقيقته في الجمع أنا ذوو براء كما تقول قوم رضى فهذه ثلاث لغات معروفة وحكى الكوفيون لغة رابعة وحكي أن أبا جعفر قرأ بها وهو ( أنا برآء منكم ) على تقدير براع وهذه لا تجوز عند البصريين لأنه حذف شيء لغير علة قال أبو جعفر وما أسحب هذا عن أبي جعفر إلا غلطا لأنه يروى عن عيسى أنه قرأ بتخفيف الهمزة انا برأا وأحسب أن أبا جعفر قرأ كذا ( ومما تعبدون من دون الله ) معطوف بإعادة حرف الخفض كما تقول أخذته منك ومن زيد ولا يجوز
____________________
(4/412)
أخذته منك وزيد ألا ترى كيف السواد فيه ومما ولو كان على قراءة من قرأ ( والأرحام ) لكان وما تعبدون من دون الله بغير من ( كفرنا بكم ) أي أنكرنا كفركم ( وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا ) لأنه تأنيث غير حقيقي أي لا نودكم ( حتى تؤمنوا بالله وحده ) ( إلا قول إبراهيم لأبيه لأستغفرن لك ) استثناء ليس من الأول أي لا تستغفروا للمشركين وتقولوا يتأسى بإبراهيم صلى الله عليه وسلم إذ كان إنما فعل ذلك عن موعدة وعدها إياه قيل وعده أنه يظهر إسلامه ولم يستغفر له إلا بعد أن أسلم ( وما أملك لك من الله من شيء ) أي ما أقدر أن أدفع عنك عذابه وعقابه ( ربنا عليك توكلنا ) في معناه قولان أحدهما أن هذا قول إبراهيم ومن معه من الأنبياء والآخر أن المعنى قولوا ربنا عليك توكلنا أي وكلنا أمورنا كلها إليك وقيل معنى التوكل على الله جل وعز أن يعبد وحده ولا يعبى ويوثق بوعده لمن أطاعه ( وإليك أنبنا ) أي رجعنا مما تكره إلى ما تحب ( وإليك المصير ) أي مصيرنا ومصير الخلق يوم القيامة
5
روى ابن أبي طلحة عن ابن عباس قال تقول لا تسلطهم علينا فيفتنونا ( واغفر لنا ) ولا يجوز إدغام الراء في اللام لئلا يذهب تكرير الراء ( إنك أنت العزيز ) في انتقامك ممن انتقمت منه ( الحكيم ) في تدبيرك عبادك
6
ولم يقل كانت لأن التأنيث غير حقيقي معناه التأسي ( لمن كان يرجو الله ) أي ثوابه ( واليوم الآخر ) أي نجاته ( ومن يتول ) جزم بالشرط فلذلك حذفت منه الياء والجواب ( فإن الله هو الغني الحميد )
____________________
(4/413)
7
ومن العرب من يحذف أن بعد عسى قال ابن زيد ففتحت مكة فكانت المودة بإسلامهم ( والله قدير ) أي على أن يجعل بينكم وبينهم مودة ( والله غفور رحيم ) أي لمن اتخذهم أولياء وألقى إليهم بالمودة إذا تاب رحيم به لمن يعذبه بعد التوبة والرحمة من الله جل وعز قبول العمل والإثابة عليه
8
قال أبو جعفر قد ذكرناه وليس لقول من قال إنها منسوخة معنى لأن البر في اللغة إنما هو لين الكلام والمواساة وليس هذا محظورا أن يفعله أحد بكافر وكذا الإقساط إنما هو العدل والمكافأة بالحسن عن الحسن ألا ترى أن بعده ( إن الله يحب المقسطين ) و أن في موضع خفض على البدل من الذين ويجوز أن يكون في موضع نصب أي لا ينهاكم كراهة هذا
9
والأصل تتولوهم ( ومن يتولهم ) أي ينصرهم ويودهم ( فأولئك هم الظالمون ) أي الذين جعلوا المودة في غير موضعها والظلم في اللغة
____________________
(4/414)
وضع الشيء في غير موضعه
10
على تذكير الجمع ( مهاجرات ) نصب على الحال ( فامتحنوهن ) أي اختبروهن هل خرجن لسبب غير الرغبة في الإسلام ( الله أعلم بإيمانهن ) أي منكم ثم حذف لعلم السامع ( فإن علمتموهن مؤمنات ) مفعول ثان ( فلا ترجعوهن إلى الكفار ) وذلك لسبب هدنة كانت بينهم ( لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن ) لأنه لا تحل مسلمة لكافر بحال ( ولا جناح عليكم أن تنكحوهن إذا آتيتموهن أجورهن ) أي له أن ينكحها إذا أسلمت وزوجها كافر لأنه قد انقطعت العصمة بينهما وذلك بعد انقضاء العدة وكذا إذا ارتد وآتوهم ما أنفقوا وهو المهر ( ولا تمسكوا بعصم الكوافر ) وقرأ أبو عمرو ( ولا تمسكوا ) يكون بمعناه أو على التكثير وعن الحسن ( ولا تمسكوا ) والأصل تتمسكوا حذفت التاء لاجتماع التاءين و عصم جمع عصمة يقال أخذت بعصمتها أي بيدها وهو كناية عن الجماع و الكوافر جمع كافرة مخصوص به المؤنث ( وسئلوا ما أنفقتم وليسئلوا ما أنفقوا ) وذلك في المهر ( ذلكم حكم الله يحكم بينكم والله عليم حكيم ) قال الزهري فقال المسلمون رضينا بحكم الله جل وعز أبى الكفار أن يرضوا بحكم الله ويقروا أنه من عنده
____________________
(4/415)
11
في معناه قولان قال الزهري الكفار ههنا هم الذين كانت بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم الذمة وقال مجاهد وقتادة هم أهل الحرب ممن لا ذمة له ( فعاقبتم ) وقرأ حميد الأعرج وعكرمة ( فعقبتم ) هما عند الفراء بمعنى واحد مثل ولا تصاعر { ولا تصعر } وحكي أن في حرف عبد الله ( وإن فاتكم أحد من أزواجكم ) وإذا كان للناس صلح فيه أحد وشيء وإذا كان لغير الناس لم يصلح فيه أحد وعن مجهد ( فأعقبتم ) وكله مأخوذ من العاقبة والعقبى وهو ما يلي الشيء ( فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا ) اختلف العلماء في حكمها فقال الزهري أيعطى الذي ذهبت امرأته إلى الكفار الذين لهم ذمة مثل صداقها ويؤخذ ممن تزوج امرأة ممن جاءت منهم فتعطاه وقال مسروق ومجاهد وقتادة بل يعطى من الغنيمة قال أبو جعفر وهذا التأويل على أن تذهب امرأته إلى أهل الحرب ممن لا ذمة له ( واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون ) أي اتقوه فيما أمركم به ونهاكم عنه
12
في موضع نصب على الحال ( على ألا يشركن بالله شيئا ) أي على ألا يعبدون معه غيره ولا يتخذن من دونه إلها و يشركن في موضع نصب بأن ويجوز أن يكون في موضع رفع بمعنى على أنهن وكذا ( ولا يسرقن ولا
____________________
(4/416)
يزنين ولا يقتلن أولادهن ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن ولا يعصينك في معروف ) وهذا الفعل كله مبني فلذلك كان رفعه ونصبه وجزمه كله واحدا وروى ابن أبي طلحة عن ابن عباس ( ولا يعصينك في معروف ) يقول لا ينحن وقال ابن زيد لا يعصينك في كل ما تأمرهن به من الخير ( فبايعهن واستغفر لهن الله إن الله غفور رحيم ) ولا يجوز إدغام الراء في اللام ويجوز الإخفاء وهو الصحيح عن أبي عمرو ويتوهم من سمعه أنه إدغام
13
قال ابن زيد هم اليهود ( قد يئسوا من الآخرة كما يئس الكفار من أصحاب القبور ) قد ذكرناه فمن أحسن ما قيل فيه وهو معنى قول ابن زيد وقد يئسوا من ثواب الآخرة لأنهم كفروا بالنبي صلى الله عليه وسلم وجحدوا صفته وهي مكتوبة عندهم وقد وقفوا عليها كما يئس الكفار الذين قد ماتوا من ثواب الآخرة أيضا لأنهم قد كفروا وجحدوا لكفر هؤلاء
____________________
(4/417)
61
قال أبو جعفر قوله
1
أي أذعن له وانقاد ما أراد جل وعز فهذا داخل فيه كل شيء لأن ما عامة في كلام العرب ( وهو العزيز ) في انتقامه ممن عصاه ( الحكيم ) في تدبيره
2
الأصل لما حذف الألف لاتصال الكلمة بما قبلها وأنه استفهام
3
نصبت مقتا على البيان والفاعل مضمر في كبر أي كبر ذلك القول ( أن تقولوا ما لا تفعلون ) أن في موضع رفع بالابتداء أو على إضمار مبتدأ
____________________
(4/419)
والذي يخرج من هذا ألا يقول أحد شيئا إلا ما يعتقد أن يفعله ويقول إن شاء الله لئلا يخترم دونه
4
والمحبة منه جل وعز قبول العمل والإثابة عليه صفا في موضع الحال قيل فدل بهذا على أن القتال في سبيل الله جل وعز والإنسان راجلا أفضل منه راكبا ( كأنهم بنيان مرصوص ) أي قد أحكم وأتقن فليس فيه شيء يزيد على شيء وقيل مرصوص مبني بالرصاص
5
أي واذكر ( يا قوم لم تؤذونني ) نداء مضاف وحذفت الياء لأن النداء موضع حذف ( وقد تعلمون أني رسول الله إليكم ) والأصل أنني ( فلما زاغوا ) أي مالوا عن الحق ( أزاغ الله قلوبهم ) مجازاة على فعلهم وقيل أزاغ قلوبهم عن الثواب ( والله لا يهدي القوم الفاسقين ) أي لا يوفق للصواب من خرج من الإيمان إلى الكفر روي عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه وأبي أمامة أن هؤلاء هم الحرورية
6
أي واذكر هذا ( مصدقا لما بين يدي من التوراة ) منصوب على الحال وكذا ( ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد ) هذه قراءة أهل
____________________
(4/420)
المدينة وأبي عمرو وابن كثير وقراءة ابن محيصن وحمزة والكسائي ( من بعد اسمه أحمد ) حذف الياء في الوصل لسكونها وسكون السين بعدها وهو اختيار أبي عبيد واحتج في حذفها بأنك إذا ابتدأ قلت اسمه فكسرت الهمزة وهذا من الاحتجاج الذي لا يحصل منه معنى والقول في هذا عند أهل العربية أن هذه ياء النفس فمن العرب من يفتحها ومنهم من يسكنها قد قرىء بهاتين القراءتين وليس منهما إلا صواب غير أن الأكثر في ياء بنفس إذا كان بعدها ساكن أن تحرك لئلا تسقط وإذا كان بعدها متحرك أن ولكن ويجوز في كل واحدة منهما ما جاز في الأخرى ( فلما جاءهم بالبينات ) أي فلما جاءهم أحمد بالبينات أي بالبراهين والآيات الباهرة ( قالوا هذا سحر مبين )
7
أي ومن أشد ظلما ممن قال لمن جاءه بالبينات هو ساحر وهذا سحر مبين أي مبين لمن رآه أنه سحر ( وهو يدعى إلى الإسلام ) وهو إذا دعى إلى الإسلام قال هذا سحر مبين وقراءة طلحة ( وهو يدعي إلى الإسلام ) ( والله لا يهدي القوم الظالمين ) وهم الذين يقولون في
____________________
(4/421)
البينات هذا سحر مبين
8
أي بقولهم هذا ( والله متم نوره ) أي مكمل الإسلام ومعليه هذه قراءة أهل المدينة وأبي عمرو وعاصم وقرأ ابن كثير والأعمش وحمزة والكسائي ( متم نوره ) والأصل التنوين والحذف على التخفيف ( ولو كره الكافرون ) وحذف المفعول
9 قول أبي هريرة في هذا أنه يكون إذا نزل المسيح صلى الله عليه وسلم وصار الدين كله دين الإسلام
10
قال قتادة فلولا أنه بين التجارة لطلبت قال
11 وكان أبو الحسن علي بن سليمان يذهب إلى هذا ويقول تؤمنون على عطف البيان الذي يشبه البدل وحكى لنا عن محمد بن يزيد أن معنى تؤمنون آمنوا على جهة الإلزام قال أبو العباس والدليل على ذلك
12 جزم لأنه جواب الأمر وعطف عليه ( ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار )
فأما قول الأخفش سعيد إن
13 في موضع خفض
____________________
(4/422)
على أنه معطوف على تجارة فهو يجوز وأصح منه قول الفراء إن أخرى في موضع رفع بمعنى لكم أخرى يدل على ذلك ( نصر من الله وفتح قريب ) بالرفع ولم يخفضا وعلى قول الأخفش الرفع بإضمار مبتدأ ( وبشر المؤمنين ) أي بالنصر والفتح والنصر في اللغة المعونة
14
قراءة أهل المدينة وأبي عمرو وقرأ الكوفيون ( كونوا أنصار الله ) بالإضافة وهو اختيار أبي عبيد وحجته في ذلك ( قال الحواريون نحن أنصار الله ) ولم يقولوا أنصار لله وهذه الحجة لا تلزم لأنهما مختلفان لأن الأول كونوا ممن ينصرون الله فمعنى هذا النكرة فيجب أن يكون أنصارا لله وإن كانت الإضافة فيه تجوز أي كونوا الذين يقال لهم هذا والثاني معناه المعرفة ألا ترى أنك إذا قلت فلان ناصر لله فمعناه ممن يفعل هذا وإذا عرفته فمعناه المعروف بهذا كما قال
( هو الجواد الذي يعطيك نائله ** حينا ويظلم أحيانا فيظلم ) فأما قول القتبي معنى ( من أنصاري إلى الله ) أي مع الله فلا يصح ولا يجوز قمت إلى زيد مع زيد قال أبو جعفر وتقديره من يضم نصرته إياي إلى
____________________
(4/423)
نصرة الله إياي ( فآمنت طائفة من بني إسرائيل وكفرت طائفة ) قد بيناه قال مجاهد ( فأيدنا ) فقوينا قال إبراهيم النخعي في معنى ( فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم فأصبحوا ظاهرين ) أيدهم الله محمد صلى الله عليه وسلم وتصديقه إياهم أن عيسى صلى الله عليه وسلم كلمة الله
____________________
(4/424)
62
1
يسبح يكون للمستقبل والحال ( الملك القدوس العزيز الحكيم ) نعت وفيه معنى المدح ويجوز النصب في غير القرآن بمعنى أعني ويجوز الرفع على إضمار مبتدأ ويجوز على غير إضمار ترفعه بالابتداء والذي الخبر وقد يكون التقدير هو الملك القدوس ويكون ( الذي ) نعتا للملك فإذا خفضت كان ( هو ) مرفوعا بالابتداء و ( الذي ) خبره ويجوز أن يكون هو مرفوعا على أنه توكيد لما في الحكيم ويكون الذي نعتا للحكيم
2 داخل في الصلة ( يتلوا عليهم ) في موضع نصب أي تاليا عليهم نعت لرسول ( ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة ) معنى يزكيهم يدعوهم إلى طاعة الله عز وجل فإذا أطاعوه فقد تزكوا وزكاهم ( وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين ) ويجوز إدغام اللام في اللام
3 في موضع خفض لأنه عطف على
____________________
(4/425)
الأميين ويجوز أن يكون في موضع نصب معطوفا على هم من يعلمهم أو على هم من يزكيهم ويجوز أن يكون معطوفا على معنى ( يتلو عليهم آياته ) أي يعرفهم بها ( لما يلحقوا بهم ) قال ابن زيد أي لمن يأتي من العرب والعجم إلى يوم القيامة وقال مجاهد لمن ردفهم من الناس كلهم قال أبو جعفر هذا أصح ما قيل به لأن الآية عامة ولما هي لم زيدت إليها ما تؤكيدا قال سيبويه لما جواب لمن قال قد فعل و لم جواب لمن قال فعل قال أبو جعفر إلا أن الجازم عند الجميع لم ولذلك حذفت النون ( وهو العزيز الحكيم ) ومن أسكن الهاء قال الضمة ثقيلة وقد اتصل الكلام بما قبله
4
أي ذلك الذي أعطيه هؤلاء تفضل من الله جل وعز يؤتيه من يشاء ( والله ذو الفضل العظيم ) أي لا يذم في صرف من صرفه عنه لأنه لم يمنعه حقا له قبله ولا ظلمة بمنعه إياه ولكنه علم أن غيره أولى به منه فصرفه إليه
5 أي حملوا القيام بها والانتهاء إلى ما فيها ( ثم لم يحملوها ) أي لم يفعلوا ذلك ( كمثل الحمار يحمل أسفارا ) يحمل في موضع نصب على الحال أي حاملا فإن قيل فكيف جاز هذا ولا يقال جاءني غلام هند مسرعة فالجواب أن المعنى مثلهم
____________________
(4/426)
مثل الذين حملوا التوراة وزعم الكوفيون أن يحمل صلة للحمار لأنه بمنزلة النكرة وهم يسمون نعت النكرة صلة ثم نقضوا هذا فقالوا المعنى كمثل الحمار حاملا أسفارا ( بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله ) أي هذا المثل ثم حذف هذا لأنه قد تقدم ذكره ( والله لا يهدي القوم الظالمين ) المعنى لا يوفقهم ولا يرشدهم إذ كان في علمه أنهم لا يؤمنون وقيل لا يهديهم إلى الثواب
6
يقال هادي هود إذا تاب وإذا رجع ( إن زعمتم أنكم أولياء لله من دون الناس ) أي سواكم ( فتمنوا الموت إن كنتم صادقين ) أي إن كنتم صادقين أنكم أولياء فإنه لا يعذب أولياءه فتتمنوه لتستريحوا من كرب الدنيا وهمها وغمها وتصيروا إلى روح الجنة
7 فكان حقا كما قال جل وعز وكفوا عن ذلك ( بما قدمت أيديهم ) أي من الآثام ( والله عليم بالظالمين ) أي ذو علم بمن ظلم نفسه فأوبقها وأهلكها بالكفر
8
أي تأبون أن تتمنوه ( الذي ) في موضع نصب نعت للموت ( فإنه ملاقيكم ) خبر إن وجاز أن تدخل الفاء ولا يجوز إن أخاك فمنطلق لأن في الكلام معنى الجزاء وأجاز الكوفيون إن ضاربك فظالم لأن في
____________________
(4/427)
الكلام معنى الجزاء عندهم وفيه قول آخر ويكون الذي تفرون منه خبر أن الموت هو الذي تفرون منه ( ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة ) عطف جملة على جملة ( فينبئكم بما كنتم تعملون ) عطف على تردون
9
وقرأ الأعمش ( الجمعة ) بإسكان الميم ولغة بني عقيل من يوم الجمعة بفتح الميم فمن قرأ ( الجمعة ) قدره تقديرات منها أن يكون الأصل الجمعة ثم حذف الضمة لثقلها ويجوز أن تكون هذه لغة بمعنى تلك وجواب ثالث يكون مسكنا لأن التجميع فيه فهو يشبه المفعول به كما يقال رجل هزأة أي يهزأ به ولحنة أي يلحن ومن قال ( الجمعة ) نسب الفعل إليها أي يجمع للناس كما يقال رجل لحنة أي يلحن الناس وقرأة أي يقرىء الناس ( فاسعوا إلى ذكر الله ) قال قتادة أي بقلوبكم وأعمالكم أي امضوا ( وذروا البيع ) ولا يقال في الماضي وذر قال سيبويه استغنوا عنه بترك وقال غيره لأن الواو ثقيلة فعدلوا إلى ترك لأن معناه ( ذلكم خير لكم ) أي السعي إلى ذكر الله قال سعيد بن المسيب وهي الخطبة خير لكم من البيع والشراء قال الضحاك إذا زالت الشمس حرم البيع والشراء وقال غيره ظاهر القرآن يدل على أن ذلك إذا أذن المؤذن والإمام على المنبر ( إن كنتم تعلمون ) ما فيه منفعتكم ومضرتكم
____________________
(4/428)
10 أي صلاة الجمعة ( فانتشروا في الأرض ) أي إن شئتم يدل على ذلك ما قبله وإن أهل التفسير قالوا هو إباحة وفي الحديث عن أنس بن مالك مرفوعا
10 قال أبو جعفر لعيادة مريض أو شهود جنازة أو زيارة أي في الله وظاهر الآية يدل على إباحة الانتشار في الأرض لطلب رزق في الدنيا أو ثواب في الآخرة ( واذكروا الله كثيرا ) أي لما عليكم ووفقكم ( لعلكم تفلحون ) أي تدخلون الجنة فتقيمون فيها والفلاح البقاء
11
اختلف العلماء في اللهو ههنا فروى سليمان بن بلال عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر قال كانت المرأة إذا أنكحت حركت لها المزامير فابتدر الناس إليها فأنزل الله جل وعز هذا وقال مجاهد اللهو الطبل قال أبو جعفر والقول الأول أولى بالصواب لأن جابرا مشاهد للتنزيل ومال الفراء إلى القول الثاني لأنهم فيما ذكر كانوا إذا وافت تجارة ضربوا لها بطبل فبدر الناس إليها وكان الفراء يعتمد في كتابه في المعاني على الكلبي والكلبي متروك الحديث فأما قوله جل وعز انفضوا إليها ولم يقل إليهما فتقديره على قول محمد بن يزيد وإذا رأوا تجارة انفضوا إليها ثم عطف الثاني على الأول فدخل فيما دخل فيه وزعم الفراء أن الاختيار أن يعود الضمير على الثاني ولو كان كما قال فكان
____________________
(4/429)
انفضوا إليه ولكنه يحتج في هذا بأن المقصود التجارة وهذا كله جائز أن يعود على الأول أو على الثاني أو عليهما قال جل وعز { ومن يكسب خطيئة أو إثما ثم يرم به بريئا } فعاد الضمير على الثاني وقال جل وعز { إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما } فعاد عليهما جميعا ( وتركوك قائما ) نصب على الحال أي قائما تخطب ( قل ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة ) أي ما عنده من الثواب ( والله خير الرازقين ) أي فإياه فاسألوا وإليه فارغبوا أن يوسع عليكم
____________________
(4/430)
63
1 إذا في موضع نصب بجاءك إلا أنها غير معربة لتنقلها وفي آخرها ألف والألف لا تحرك وجواب إذا ( قالوا نشهد إنك لرسول الله ) كسرت إن لدخول اللام وانقطع الكلام فصارت أن مبتدأ فكسرة ( والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد أن المنافقين لكاذبون ) وأعيد اسم الله تعالى ظاهرا لأن ذلك أفخم قيل أكذبهم الله جل وعز في ضميرهم ومن أصح ما قيل في ذلك أنهم أخبروا أن أنفسهم تعتقد الإيمان وهم كاذبون فأكذبهم الله
2 قال الضحاك هو حلفهم بالله أنهم لمنكم وقال قتادة جنة أنهم يعصمون به دماءهم وأموالهم وقرأ الحسن ( اتخذوا إيمانهم ) أي تصديقهم سترة يستترون به كما يستتر بالجنة في الحرب فامتنع من قتلهم وسبي ذراريهم لأنهم أظهروا الإيمان ( فصدوا عن سبيل الله ) يجوز أن يكون المفعول محذوفا أي صدوا الناس ويجوز أن
____________________
(4/431)
يكون الفعل لازما أي أعرضوا عن سبل الله أي دينه الذي ارتضاه وشريعته التي بعث بها نبيه صلى الله عليه وسلم ( إنهم ساء ما كانوا يعملون ) من حلفهم على الكذب ونفاقهم و ما في موضع رفع على قول سيبويه أي ساء الشيء وفي موضع نصب على قول الأخفش أي ساء شيئا يعملون
3 في موضع رفع أي ذلك الحلف والنفاق من أجل أنهم ( آمنوا ثم كفروا ) فطبع على قلوبهم ويجوز إدغام العين في العين وترك الإدغام أجود لبعد مخرج العين ( فهم لا يفقهون ) حقا من باطل ولا صوابا من خطأ لغلبة الهوى عليهم
4
وأجاز النحويون جميعا الجزم بإذا وأن تجعل بمنزلة حروف المجازاة لأنها لا تقع إلا على فعل وهي تحتاج إلى جواب وهكذا حروف المجازاة وأنشد الفراء
( واستغن ما أغناك ربك بالغنى ** وإذا تصبك خصاصة فتجمل )
وأنشد الآخر
( نارا إذا ما خبت نيرانهم تقد ** ) والاختبار عند الخليل وسيبويه والفراء أن لا يجزم بإذا لأن ما بعدها موقت
____________________
(4/432)
فخالفت حروف المجازاة في هذا كما قال
( وإذا تكون شديدة أدعى لها ** وإذا يحاس الحيس يدعى جندب ) ( وإن يقولوا تسمع لقولهم ) لأن منطقهم كمنطق أهل الإيمان ( كأنهم خشب مسندة ) أي لا يفهمون ولا عندهم فقه ولا علم فهم كالخشب وهذه قراءة أبي جعفر وشيبة ونافع وعاصم وحمزة وقرأ أبو عمرو والأعمش والكسائي ( خشب ) بإسكان الشين وإليه يميل أبو عبيد وزعم أنه لا يعرف فعلة تجمع على فعل بضم الفاء والعين قال أبو جعفر وهذا غلط وطعن على ما روته الجماعة وليس يخلو ذلك من إحدى جهتين إما أن يكون خشب جمع خشبة كقولهم ثمرة وثمر فيكون غير ما قال من جمع فعلة على فعل أو يكون كما قال حذاق النحويين خشبة وخشاب مثل جفنة وجفان وخشاب وخشب مثل حمار وحمر أيضا فقد سمع أكمه وأكم وأكم وأجمة وأجم فأما خشب فقد يجوز أن يكون الأصل فيه خشبا حذفت الضمة لثقلها ويجوز وهو أجود أن يكون مثل أسد وأسد في المذكر قال سيبويه ومثل خشبة وخشب بدنة وبدن ومثل مذكرة وثن ووثن قال وهي قراءة وأحسب من تأول على سيبويه وهي قراءة يعني كأنهم خشب لأن قوله وهي قراءة تضعيف لها ولكنه يريد فيما يقال / < إن تدعون من دونه إلا
____________________
(4/433)
وثنا ) فهذه قراءة شاذة تروى عن ابن عباس ( يحسبون كل صيحة عليهم ) أي لجبنهم وقلة يقينهم وإنهم يبطنون الكفر كلما نزل الوحي فزعوا أن يكونوا قد فضحوا ( هم العدو ) لأن ألسنتهم معكم وقلوبهم مع الكفار فهم عين لهم وعدو بمعنى أعداء ( فاحذرهم قاتلهم الله ) أي عاقبهم فأهلكهم فصاروا بمنزلة من قتل ( أنى يؤفكون ) أي من أين يصرفون عن الحق بعد ظهور البراهين
5
هذا على إعمال الفعل الثاني كما تقول أقبل يكلمك زيد فإن أعملت الأول قلت أقبل يكلمك إلى زيد وتعالوا يستغفر لكم إلى رسول الله ( لووا رءوسهم ) يكون للقليل ولووا على التكثير ( ورأيتهم يصدون ) في موضع الحال ( وهم مستكبرون ) أي معرضون عن المصير إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليستغفر لهم
6 رفع بالابتداء ( أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم ) في موضع الخبر والمعنى الاستغفار وتركه ( لن يغفر الله لهم ) لأنهم كفار وإنما استغفر لهم النبي صلى الله عليه وسلم لأن ظاهرهم الإسلام فمعنى
____________________
(4/434)
استغفاره لهم اللهم اغفر لهم إن كانوا مؤمنين ( إن الله لا يهدي القوم الفاسقين ) قيل أي لا يوفقهم وقيل لا يهديهم إلى الثواب والجنة
7
أي يتفرقوا قال قتادة الذي قال هذا عبد الله بن أبي قال لولا أنكم تنفقون عليهم لتركوه وخلوا عنه قال أبو الحسن علي بن سليمان هم كناية عنهم وعن من قال بقوله قال أبو جعفر وهذا أحسن من قول من قال هم كناية عن واحد ( ولله خزائن السموات والأرض ) أي بيده مفاتيح خزائن السموات والأرض فلا يعطي حد أحدا شيئا إلا بإذنه ولا يمنعه إلا بمشيئته ( ولكن المنافقين لا يفقهون ) أن ذلك كذا فلهذا يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا
8
وحكى الكسائي والفراء أنه يقرأ ( لنخرجن الأعز منها الأذل ) بالنون وأن ذلك بمعنى لنخرجن الأعز منها ذليلا وحكى الفراء ليخرجن الأعز منها الأذل بمعنى ذليلا أيضا وأكثر النحويين لا يجيز أن تكون الحال بالألف واللام غير أن يونس أجاز مررت به المسكين
____________________
(4/435)
وحكى سيبويه ادخلوا الأول فالأول وهي أشياء شاذة لا يجوز أن يحمل القرآن عليها إلا أن علي بن سليمان قال يجوز أن يكون ليخرجن تعمل عمل لتكونن فيكون خبره معرفة والأعز والعزيز واحد أي القوي الأمين المنيع كما قال
( إذا ابتدر القوم السلاح وجدتني ** عزيزا إذا بلت بقائمه يدي ) ويروى منيعا والمعنى واحد ( ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون ) أي فكذلك قالوا هذا
9
أي لا توجب لكم اللهو كأنه من ألهيته فلهي كما قال
( ومثلك حبلى قد طرقت ومرضع ** فألهيتها عن ذي تمائم محول )
( ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون ) أي المغبونون الرحمة والثواب
10 قيل دل بهذا على أنه لا يقال رزقه الله جل وعز إلا الحلال ( من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق ) جواب ( وأكن من الصالحين ) عطف على موضع الفاء لا على ما بعد الفاء وقرأ الحسن وابن محيصن وأبو عمرو
____________________
(4/436)
( وأكون ) بالنصب عطفا على ما بعد الفاء وقد حكي أن ذلك في قراءة أبي وابن مسعود كذا وأكون إلا أنه مخالف للسواد الذي قامت به الحجة وقد احتج بعضهم فقال الواو تحذف من مثل هذا كما يقال كلمن فتكتب بغير واو وحكي عن محمد بن يزيد معارضة عن هذا القول بأن الدليل على أنه ليس بصحيح أن كتب المصحف في نظيره على غير ذلك نحو يكون وتكون ونكون كلها بالواو في موضع الرفع والنصب ولا يجوز غير ذلك وقال غيره حكم كلمن غير هذا لأنه إنما حذف منه الواو لأنهم إنما أرادوا أن يروا أن صورة الواو متصلة فلما تقدمت في هوز لم تحتج إلى إعادتها وكذلك لم يكتبوها في قولهم أبجد فأما في الكلام فلا يجوز من هذا شيء ولا يحتاج إليه لأن العطف على الموضع موجود في كلام العرب كثير قال سيبويه لو لم تكن الفاء لكان مجزوما يعني لأنه جواب الاستفهام الذي فيه معنى التمني كما قال أنشد غير سيبويه
( فأبلوني بليتكم لعلي ** أصالحكم وأستدرج نويا )
____________________
(4/437)
وأنشد سيبويه في العطف على الموضع
( فإن لم تجد من دون عدنان والدا ** ودون معد فلتزعك العواذل )
لأن معنى من دون عدنان دون عدنان وأنشد
( معاوي إننا بشر فأسجح ** فلسنا بالجبال ولا الحديدا )
وكذا قوله
( لا أم لي إن كان ذاك ولا أب ** )
وكذا قوله
( لا نسب اليوم ولا خلة ** إتسع الخرق على الراقع ) على الموضع وإن جئت به على اللفظ قلت ولا خلة ومثله من القرآن { من }
____________________
(4/438)
يضلل الله فلا هادي له ويذرهم ) على موضع الفاء وبالرفع على ما بعد الفاء وأصل فأصدق فأتصدق أدغمت التاء في الصاد وحسن ذلك لأنهما في كلمة واحدة ولتقاربهما وروى الضحاك عن ابن عباس فأصدق وأزكي ( وأكن من الصالحين ) أحج وقال غيره أكن من الصالحين أؤدي الفرائض وأجتنب المحارم والتقدير وأكن صالحا من الصالحين
11
نصب بلن عند سيبويه وعند الخليل الأصل لا أن وحكي عنه لا ينتصب فعل إلا بأن مضمرة أو مظهرة ورد سيبويه ذلك بأنه يجوز زيدا لن أضرب ولا يجوز زيدا يعجبني أن تضرب لأنه داخل في الصلة فلا يتقدم قال أبو جعفر وسمعت علي بن سليمان يقول لا يجوز عندي زيدا لن أضرب لأن لن لا يتصرف فلا يتقدم عليها ما كان من سبب ما عملت فيه كما لا يجوز زيدا إن عمرا يضرب وكذا لم عنده وحكيت هذا لأبي إسحاق فأنكره وقال لم يقل هذا أحد وزعم أبو عبيدة أن من العرب من يجزم بلن وهذا لا يعرف يؤخر مهموز لأن أصله من أخر وتكتب الهمزة واوا وإن كانت مفتوحة لعلتين إحداهما أن قبلها ضمة والضمة أغلب لقوتها والأخرى أنه لا يجوز أن تكتب ألفا لأن الألف لا ينون قبلها إلا مفتوحا ومن خفف الهمزة قلبها واوا فقال يؤخر فإن قيل لم لا تجعل بين بين فالجواب أنها لو جعلت بين بين نحي بها نحو الألف
____________________
(4/439)
فكان ذلكم خطأ لأن الألف لا يكون ما قبلها إلا مفتوحا ( إذا جاء أجلها ) على تحقيق الهمزتين فإن شئت خففت وأبو عمرو يحذف للدلالة لما كانت حركتهما واحدة وكانت الهمزة مستقلة ( والله خبير بما تعملون ) أي ذو خبرة بعملكم فهو يحصيه عليكم وليجازيكم عليه وهذا ترتيب الكلام أن يكون الخافض والمخفوض طرفا لأنهما تبيين فإن تقدم من ذلك شيء فهو ينوى به التأخير ولهذا أجمع النحويون أنه لا يجوز لبست ألينها من الثياب لأن الخافض والمخفوض متأخران في موضعهما فلا يجوز أن ينوى بهما التقديم وتصحيح المسألة لبس من الثياب ألينها فإن قدرت ما بمعنى الذي فالهاء محذوفة أي خبير بما تعملون حذفت لطول الاسم وإن قدرت ما بمعنى المصدر لم تحتج إلى حذف أي والله ذو خبرة بعملكم
____________________
(4/440)
64
1
يكون هذا تمام الكلام وقد يكون متصلا ويكون له ما في السموات ويكون ( له الملك وله الحمد ) في موضع الحال أي سلطانه وأمره وقضاؤه نافذ فيهما ( وهو على كل شيء قدير ) أي ذو قدرة على ما يشاء يخلق ما يشاء ويحيي ويميت ويعز ويذل لا يعجزه شيء لأنه ذو القدرة التامة
2 إن شئت أدغمت القاف في الكاف ( فمنكم كافر ومنكم مؤمن ) أي مصدق يوقن أنه خالقه وإلهه لا إله له غيره ( والله بما تعملون بصير ) أي عالم بأعمالكم فلا تخالفوا أمره ونهيه فيسطو بكم
3
أي بالعدل والإنصاف ( وصوركم فأحسن صوركم ) وعن أبي رزين ( صوركم ) شبه فعلة بفعلة كما أن فعلة تشبه بفعلة قالوا كسوة وكسى ورشوة
____________________
(4/441)
ورشى ولحة ولحى ولحى أكثر وقالوا قوة وقوى قال أبو جعفر وهذا لمجانسة الضمة الكسرة ( وإليه المصير ) أي مصير جميعكم فيجازيكم على أفعالكم
4
ويجوز إدغام الميم في الميم وكذا ( ويعلم ما تسرون وما تعلنون ) والمعنى ويعلم ما تسرونه وما تعلنونه بينكم من قول وفعل ( والله عليم بذات الصدور ) أي عالم بضمائر صدوركم وما تنطوي عليه نفوسكم الذي هو أخفى من السر
5
الأصل يأتيكم حذفت الياء للجزم ومن قال ألم يأتيك الأصل عنده يأتيك فحذفت الضمة للجزم إلا أن اللغة الفصيحة الأولى قال سيبويه واعلم أن الآخر إذا كان يسكن في الرفع حذف في الجزم قال أبو جعفر وسمعت أبا إسحاق يقول قرأنا على محمد بن يزيد واعلم أن الآخر إذا كان يسكن في الرفع والجر حذف في الجزم لئلا يكون الجزم بمنزلة الرفع والجر ( فذاقوا وبال أمرهم ) أي مستهم العقوبة بكفرهم ( ولهم عذاب أليم ) أي في الآخرة
6 الهاء كناية عن الحديث وما بعده مفسر له خبر عن أن ( كانت تأتيهم رسلهم بالبينات ) أي بالحجج والبراهين ( فقالوا أبشر
____________________
(4/442)
يهدوننا ) فقال يهدوننا ولفظ بشر واحد تكلم النحويون في نظير هذا فقال بعضهم يهدوننا على المعنى ويهدينا على اللفظ وقال المازني وذكر عللا في مسائل في النحو منها أن النحويين أجازوا أن يقال جاءني ثلاثة نفر وثلاثة رهط وهما اسمان للجميع ولم يجيزوا جاءني ثلاثة قوم ولا ثلاثة بشر وهما عند بعض النحويين اسمان للجميع فقال المازني إنما جاز جاءني ثلاثة نفر وثلاثة رهط لأن نفرا ورهطا لأقل العدد فوقع في موقعه وبشر للعدد الكثير وقوم للقليل والكثير فلذلك لم يجز فيهما هذا وخالفه محمد بن يزيد في اعتلاله في بشر ووافقه في غيره فقال بشر يكون للواحد والجميع قال الله جل وعز { ما هذا بشرا } قال فلذلك لم يجز جاءني ثلاثة بشر ( فكفروا ) أي جحدوا أنبياء الله جل وعز وآياته ( وتولوا ) أي أدبروا عن الإيمان ( واستغنى الله ) عن إيمانهم ( والله غني ) عن جميع خلقه ( حميد ) أي محمود عندهم بما يعرفونه من نعمه وتفضله
7
أن وما بعدها تقوم مقام مفعولين ( قل بلى وربي لتبعثن ) من قبوركم ( ثم لتنبؤن بما عملتم ) أي تخبرون به وتحاسبون عليه ( وذلك على الله يسير ) أي سهل لأنه لا يعجزه شيء
8
أي القرآن ( والله بما تعلمون خبير ) مبتدأ وخبره
____________________
(4/443)
9 العامل في يوم لتنبؤن والضمير الذي في يجمعكم يعود على اسم الله ولا يجوز أن يعود على اليوم لو قلت جئت يوم يوافقك لم يجز لا يضاف اليوم إلى فعل يعود عليه منه ضمير لعلة ليس هذا موضع ذكرها ( ذلك يوم التغابن ) مبتدأ وخبره ويجوز في غير القرآن نصب يوم على الظرف ( ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا ) معطوف ويجوز رفع ويعمل على أنه في موضع الحال ( يكفر عنه سيئاته ) أي نمح عنه سيئاته ( ويدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ) نصب على الحال ( أبدا ) على الظرف ( ذلك الفوز العظيم ) مبتدأ وخبره والفوز النجاء
10
أي بدلائلنا وحججنا وأي كتابنا ( والذين ) رفع بالابتداء ( أولئك ) مبتدأ ثان ( أصحاب النار ) خبر الثاني والجملة خبر الذين ( خالدين فيها ) على الحال ( وبئس المصير ) رفع ببئس المصير مصيرهم إلى النار
11
ما ههنا نفي لا موضع له من الإعراب ( ومن يؤمن بالله يهد قلبه ) وقراءة عكرمة ( يهد قلبه ) بفتح الدال ورفع قلبه على أن الأصل فيه يهدى قلبه أي يسكن فأبدل من الهمزة ألفا ثم حذفها للجزم كما قال
____________________
(4/444)
( سريعا وإلا يبد بالظلم يظلم ** ) ( والله بكل شيء عليم ) أي بما كان وبما هو كائن
12 أي فيما أمركم به ونهاكم عنه ( والرسول ) عطف ( فإن توليتم ) أي أدبرتم واستكبرتم عن طاعته وعصيتموه ( فإنما على رسولنا البلاغ المبين ) أي أن يبلغ والمحاسبة والعقوبة إلى الله جل وعز
13 أي لا تصلح الألوهية إلا له ( وعلى الله فليتوكل المؤمنون ) أمر والأصل كسر اللام
14
اسم إن وعدو يكون بمعنى أعداء قيل أي يأمرونكم بالمعاصي وينهونكم عن الطاعة وهذا أشد العداوة ( فاحذروهم ) أي أن تقبلوا منهم ( وأن تعفوا ) حذفت النون للجزم ( وتصفحوا ) عطف عليه وكذا ( وتغفروا ) أي أن تعفوا عما سلف منهم وتصفحوا عن عقوبتهم وتغفروا ذنوبهم من غير ذلك ( فإن الله غفور رحيم ) أي لمن تاب رحيم أي يعذبه بعد التوبة
15
قال قتادة أي بلاء روى ابن زيد عن أبيه قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب فرأى الحسن والحسين يعبران فنزل من على المنبر وضمهما إليه
____________________
(4/445)
وتلا ( إنما أموالكم وأولادكم فتنة ) قال قتادة ( والله عنده أجر عظيم ) أي الجنة
16 ما في موضع نصب أي فاتقوا الله قدر ما استطعتم أي قدر استطاعتكم مثل { واسأل القرية } وقول قتادة أن هذه الآية ناسخة لقوله جل وعز { اتقوا الله حق تقاته } قول لا يصح ولا يقع الناسخ والمنسوخ إلا بالتوقيف أو إقامة الحجة القاطعة والآيتان متفقتان لأن الله جل وعز لا يكلف ما لا يستطاع فمعنى اتقوا الله حق تقاته هو فيما استطعتم ( واسمعوا ) أي ما تؤمرون به ( وأطيعوا وأنفقوا خيرا لأنفسكم ) في نصب خيرا أربعة أقوال مذهب سيبويه أن المعنى وآتوا خيرا لأنفسكم وقيل المعنى يكن خيرا لأنفسكم والقول الثالث إنفاقا خيرا لأنفسكم والقول الرابع أن تنصب خيرا بأنفقوا ويكون الخير المال ( ومن يوق شح نفسه ) وحكى الفراء أنه قرىء ( ومن يوق شح نفسه ) بكسر الشين وهي شاذة ( فأولئك هم المفلحون ) أي الذين ظفروا بما طلبوا
17
أي بإنفاقكم في سبيله ( يضاعفه لكم ) مجازاة ( ويغفر لكم )
____________________
(4/446)
عطف ويجوز رفعه بقطعه من الأول ونصبه على الصرف ( والله شكور حليم ) أي يشكر من أنفق في سبيله ومعنى شكره إياه إثابته له وقبوله عمله حليم في ترك العقوبة في الدنيا
18
يجوز أن يكون العزيز الحكيم هو نعت اسم الله جل وعز ويكون عالم الغيب خبرا ثانيا أو نعتا إن كان بمعنى المضي لأنه يكون معرفة ويجوز أن يكون كله بدلا لأن المعرفة تبدل من النكرة
____________________
(4/447)
65
1 نعت لأي فإن همزته فهو مشتق من أنبأ أي أخبر وإن لم تهمز جاز أن يكون من أنبأ وخففت الهمزة وفيه شيء لطيف من العربية وذلك أن سبيل الهمزة إذا خففت وقبلها ساكن أن تلقى حركتها على ما قبلها ولا يجوز ذلك ههنا والعلة فيه أن هذه الياء لا تتحرك بحال فلما لم يجز تحريكها قيل نبي وخطية ولو كان على القياس لقيل خطية وإن جعلته من نبا ينبو لم يهمز وكانت الياء الأخيرة منقلبة من واو ( إذا طلقتم النساء ) أي إذا أردتم ذلك وهو مجاز فأما القول في ( إذا طلقتم ) وقبله ( يا أيها النبي ) فقد ذكرنا فيه أقوالا وقد قيل هو مخاطبة للنبي صلى الله عليه وسلم بمخاطبة الجميع على الإجلال له كما يقال للرجل الجليل أنتم فعلتم والمعنى إذا طلقتم النساء اللاتي دخلتم بهن ( فطلقوهن لعدتهن ) فبين الله جل وعز هذا على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم بأنه الطلاق في الطهر الذي لم يجامعها فيه ( وأحصوا العدة ) قال السدي أي احفظوها ( واتقوا الله ربكم ) أي لا تتجاوزوا ما أمركم به ( لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن ) ثم استثنى ( إلا
____________________
(4/449)
أن يأتين بفاحشة مبينة ) أن في موضع نصب واختلف العلماء في هذه الفاحشة ما هي فمن أجمع ما قيل في ذلك أنها معصية الله جل وعز فهذا يدخل فيه كل قول لأنها إن زنت أو سرقت فأخرجت لإقامة الحد فهو داخل في هذا وكذلك إن بذؤت أو نشزت ( وتلك حدود الله ) أي الأشياء التي حدها من الطلاق والعدة وإلا تخرج الزوجة ( ومن يتعد حدود الله ) حذفت الألف للجزم ( فقد ظلم نفسه ) قيل أي منعها مما كان أبيح له لأنه إذا طلقها ثلاثا على أي حال كان لم يحل له أن يرتجعها حتى تنكح زوجا غيره فقد ظلم نفسه بهذا الفعل ( لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا ) أكثر أهل التفسير على أن المعنى أنه إذا طلقها واحدة كان أصلح له ( لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا ) من محبته لها
2 أي قاربن ذلك ( فأمسكوهن بمعروف ) أي بما يجب لهن عليكم من النفقة وترك البذاء وغير ذلك ( أو فارقوهن بمعروف ) بدفع صداقهن إليهن وما يجب لهن ( وأشهدوا ذوي عدل منكم ) أكثر أهل التفسير على أن هذا في الرجعة وعن ابن عباس يشهد على الطلاق والرجعة إلا أنه إن لم يشهد لم يكن عليه شيء ( وأقيموا الشهادة لله ) أي اشهدوا بالحق إذا شهدتم وإذا أديتم الشهادة كما قال السدي ذلك في الحق ( ذلكم يوعظ به من كان يؤمن بالله واليوم الآخر ) فلكم مخاطبة لجميع وأخبار عن واحد لأن آخر الكلام لمن تخاطبه وأوله لمن
____________________
(4/450)
تخبر عنه أو تسأل ( ومن يتق الله يجعل له مخرجا ) أهل التفسير على أن المعنى أنه إن اتقى الله جل وعز وطلق واحدة فله مخرج إن أراد أن يتزوج تزوج وإن لم يتق الله جل وعز وطلق ثلاثا فلا مخرج له وهذا قول صحيح عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وابن عباس بالأسانيد التي لا تدفع روى ابن علية عن أيوب عن عبد الله بن كثير عن مجاهد قال كنت عند ابن عباس فجاءه رجل فقال يا ابن عباس إني طلقت امرأتي ثلاثا فأطرق ابن عباس مليا ثم رفع رأسه إلى الرجل فقال يأتي أحدكم الحموقة ثم يقول يا ابن عباس طلقت ثلاثا فحرمت عليك حتى تنكح زوجا غيرك ولم يجعل الله لك مخرجا ولو اتقيته لجعل لكم مخرجا لهم تلا ( ومن يتق الله يجعل له مخرجا ) وقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه الذي لا تدفع صحته أنه قال رضي الله عنه في الحرام أنه ثلاث لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره
3 قال قتادة من حيث لا يرجو ولا يأمل ( ومن يتوكل على الله فهو حسبه ) أي كافيه وأحسبني الشيء كفاني وهذا تمام الكلام ثم قال ( إن الله بالغ أمره ) قال مسروق أي بالغ أمره توكل عليه أم لم يتوكل أي منفذ قضاؤه قال هارون القارىء في رواية عصمة يقرأ ( إن الله بالغ أمره ) وهذا على
____________________
(4/451)
حذف التنوين تخفيفا وأجاز الفراء ( إن الله بالغ أمره ) بالرفع بفعله بالغ ويجوز أن يكون مبتدأ وخبره في موضع خبر إن ( قد جعل الله لكل شيء قدرا ) أي للطلاق والعدة منتهى ينتهي إليه
4
اللائي في موضع رفع بالابتداء فمن جعل إن ارتبتم متعلقا بقوله ( لا تخرجوهن من بيوتهن ) فخبر الابتداء عنده ( فعدتهن ثلاثة أشهر ) ومن جعل التقدير على ما روي أن أبي بن كعب قال يا رسول الله الصغار والكبار اللائي يئسن من المحيض ( واولات الاحمال ) لم يذكر عدتهن في القرآن فأنزل الله جل وعز ( واللائي يئسن من المحيض من نسائكم ) الآية قال خبر الابتداء إن ارتبتم وما بعده ويكون المعنى إن لم تعلموا وارتبتم في عدتهن فحكمهن هذا وأما قول عكرمة في معنى إن ارتبتم أنه إن ارتبتم في الدم فلم تدروا أهو دم حيض أم استحاضة ( فعدتهن ثلاثة أشهر ) يقول قد رد من غير جهة وذلك أنه لو كان الارتياب بالدم لقيل إن ارتبتن لأن الارتياب بالدم للنساء وأيضا فإن اليأس في العربية انقطاع الرجاء والارتياب وجود الرجاء فمحال أن يجتمعا ( واللائي لم يحضن ) معطوف على الأول وتم الكلام ثم قال ( وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن ) قال أبو جعفر في هذا قولان أحدهما أنه لكل حامل مطلقة مدخول بها أو متوفى عنها زوجها إذا ولدت فقد حلت وهذا قول أبي بن كعب
____________________
(4/452)
وابن مسعود والقول الثاني أن هذا للمطلقات فقط وأن المتوفى عنها زوجها إذا ولدت قبل انقضاء الأربعة الأشهر والعشر لم تحلل حتى تنقضي أربعة أشهر وعشر وكذا إن انقضت أربعة أشهر ولم تلد لم تحلل حتى تلد وهذا قول علي وابن عباس رضي الله عنهما والقول الأول أولى بظاهر الكلام لأنه قال جل وعز ( وأولات الأحمال ) على العموم فلا يقع خصوص إلا بتوقيف من الرسول صلى الله عليه وسلم ( أولات الأحمال ) رفع بالابتداء ( أجلهن ) مبتدأ ثان ( أن يضعن حملهن ) خبر الثاني والجملة خبر الأول ويجوز أن يكون أجلهن بدلا من أولات والخبر أن يضعن حملهن ( ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا ) أهل التفسير على أن المعنى من يتق الله إذا أراد الطلاق فيطلق واحدة كما حد له ( يجعل له من أمره يسرا ) بأن يحل له التزوج لا كمن طلق ثلاثا
5 أي ذلك المذكور من أمر الطلاق والحيض والعدد ( أمر الله أنزله إليكم ) لتأتمروا به ( ومن يتق الله ) أي خفه بأداء فرائضه واجتناب محارمه ( يكفر عنه سيئاته ) أي يمح عن ذنوبه ( ويعظم له أجرا ) أي يجزل له الثواب قال أبو جعفر ولا نعلم أحدا قرأ إلا هكذا على خلاف قول عظم الله أجرك
6 قيل هذا الضمير يعود على النساء جمع المدخول بهن وقيل على المطلقات أقل من ثلاث وإن المطلقات ثلاثا لا
____________________
(4/453)
سكنى لهن ولا نفقة وبذلك صح الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم رواه الأوزاعي عن يحيى ابن أبي كثير عن أبي سلمة عن فاطمة بنت قيس عن النبي صلى الله عليه وسلم ويستدل على ذلك أيضا بقوله ( وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن ) فخص الحوامل وحدهن وأيضا فإنهن إذا طلقن ثلاثا فهن أجنبيات ( فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن ) شرط ومجازاة ( وأتمروا بينكم بمعروف ) قال سفيان أي ليحث بعضكم بعضا ( وإن تعاسرتم ) قال السدي أي إن قالت المطلقة لا أرضعه لم تكره قال تعالى ( فسترضع له أخرى )
7
جاءت لام الأمر مكسورة على بابها وسكنت في ( فلينفق ) لاتصالها بالفاء ويجوز كسرها أيضا فأجاز الفراء ( ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما أتاه الله ) أي على قدر ما رزقه الله من التضييق وقد روى عن ابن عباس ( فلينفق مما آتاه الله ) إن كان له ما يبيعه من متاع البيت باعه وأنفقه ( لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها ) قال السدي لا يكلف الله الفقير نفقة الغني وقال ابن زيد لا يكلف الفقير أن يزكي ويصدق ( سيجعل الله بعد عسر يسرا ) أي إما في الدنيا وإما في الآخرة ليرغب المؤمنون في فعل الخير
8
أي مخفوض بالكاف وصارت كأي بمعنى كم للتكثير والمعنى
____________________
(4/454)
وكم من أهل قرية عتوا عن أمر ربهم ثم أقيم المضاف إليه مقام المضاف وقال ابن زيد عتوا ههنا عصوا كفروا والعتو في اللغة التجاوز في المخالفة والعصيان وقد روى عمرو بن أبي سلمة عن عمر بن سليمان في قوله جل وعز ( وكأين من قرية عتت عن أمر ربها ) الآية قال هؤلاء قوم عذبوا في الطلاق ( فحاسبناها ) أي بالنعم والشكر ( حسابا ) مصدر ( شديدا ) من نعته قال ابن زيد الحساب الشديد الذي ليس فيه من العفو شيء ( وعذبناها عذابا نكرا ) أي ليس بمعتاد قال الفراء فيه للتقديم والتأخير أي عذبناها عذابا نكرا في الدنيا وحاسبناها حسابا شديدا في الآخرة
9 قال السدي أي عقوبة أمرها وأمرها الكفر والعصيان ( وكان عاقبة أمرها خسرا ) أي غبنا لأنهم باعوا نعيم الآخرة بحظ خسيس من الدنيا باتباع أهوائهم
10
وهو عذاب النار ( فاتقوا الله يا أولي الألباب ) نداء مضاف و ( الذين آمنوا ) في موضع نصب على النعت لأولي الألباب ( قد أنزل الله إليكم ذكرا ) قال السدي الذكر القرآن والرسول محمد صلى الله عليه وسلم والتقدير في العربية على هذا ذكرا ذا رسول ثم حذف مثل وسئل القرية ويجوز أن يكون
____________________
(4/455)
رسول بمعنى رسالة مثل { أنا رسول ربك } فيكون رسولا بدلا من ذكر ويجوز أن يكون التقدير أرسلنا رسولا فدل على المضمر ما تقدم من الكلام ويجوز في غير القرآن رفع رسول لأن قوله ذكرا رأس آية والاستئناف بعد مثل هذا أحسن كما قال جل وعز { وتركهم في ظلمات لا يبصرون صم بكم عمي } وكذا { إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم } فلما كملت الآية قال جل وعز { التائبون العابدون } وكذا { ذو العرش المجيد فعال لما يريد }
11
نعت لرسول ( ليخرج الذين آمنوا وعملوا الصالحات من الظلمات إلى النور ) أي من الكفر إلى الإيمان ( ومن يؤمن بالله ) جزم بالشرط ( ويعمل ) عطف عليه ويجوز رفعه على أن يكون في موضع الحال ( صالحا ) أي بطاعة الله جل وعز ( يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار ) مجازاة ( خالدين فيها ) على الحال ( أبدا ) ظرف زمان ( قد أحسن الله له رزقا ) أي وسع عليه في المطعم والمشرب
12
يكون اسم الله تعالى بدلا أو على إضمار مبتدأ والذي نعت ويجوز أن يكون الله خلق سبع سموات مبتدأ وخبره ( ومن الأرض مثلهن )
____________________
(4/456)
عطف وحكى أبو حاتم أن عاصما قرأ ( ومن الأرض مثلهن ) قطعه من الأول ورفع بالابتداء ( يتنزل الأمر بينهن ) قيل الضمير يعود على السموات والأكثر في كلام العرب إن ما كان بالهاء والنون فهو للعدد القليل فعلى هذا يكون الضمير يعود على السموات وعلى قول مجاهد يعود على السموات والأرض ( لتعلموا أن الله على كل شيء قدير ) تكون لام كي متعلقة بيتنزل ويجوز أن تكون متعلقة بخلق أي خلق السموات والأرض لتعلموا كنه قدرته وسلطانه وأنه لا يتعذر عليه شيء أراده ولا يمتنع منه شيء شاءه ( وأن الله قد أحاط بكل شيء علما ) أي ولتعلموا مع علمكم بقدرته أنه يعلم جميع ما يفعله خلقه فاحذروا أيها المخالفون أمره وسطوته لقدرته عليكم وأنه عالم بما تفعلون وجاز إظهار الاسم ولم يقل وأنه وقال وأن الله أفخم وعلى هذا يتأول قول الشاعر
( لا أرى الموت يسبق الموت شيء ** نغص الموت ذا الغنى والفقيرا )
____________________
(4/457)
66
1
هذه ما دخلت عليها اللام فحذفت الألف فرقا بين الاستفهام والخبر وأنها قد اتصلت باللام والوقوف عليها في غير القرآن لمه ويؤتى بالهاء لبيان الحركة وفي القرآن لا يوقف عليها واختلفوا في الذي حرمه رسول الله صلى الله عليه وسلم فروى مالك بن أنس عن زيد بن أسلم قال حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم أم إبراهيم وقال والله لا أمسك قال أبو جعفر فعلى هذا القول إنما وقعت الكفارة لليمين لا لقوله أنت علي حرام وكذا قال مسروق والشعبي وروى ابن أبي طلحة عن ابن عباس قال من قال في شيء حلال هو علي حرام فعليه كفارة يمين وكذا قال قتادة وقال مسروق إذا قال لامرأته أنت علي حرام فلا شيء عليه من الكفارة ولا الطلاق لأنه كاذب في هذا وقيل عليه كفارة يمين وتأول صاحب هذا القول الآية وقيل هي طالق ثلاثا إذا كانت مدخولا بها وواحدة إذا لم يدخل بها وقيل هي واحدة باينة وقيل واحدة غير باينة وقد روي عن عائشة رضي الله عنها في هذه
____________________
(4/459)
الآية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما كان حرم على نفسه عسلا وروى داود بن أبي هند عن الشعبي عن مسروق عن عائشة قالت حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم وآلى فعوتب في التحريم وعاتب في الإيلاء قال أبو جعفر ولا يعرف في لغة من اللغات أن يقال فيمن جعل الحلال حراما حالف ( تبتغي ) في موضع نصب على الحال ( مرضاة أزواجك ) هذه تاء التأنيث ولو كانت تاء جمع لكسرت ( والله غفور ) أي لخلقه وقد غفر لك ( رحيم ) لا يعذب من تاب
2
أي بينها ( والله مولاكم ) مبتدأ وخبره أي يتولاكم بنصره ( وهو العليم ) بمصالح عباده ( الحكيم ) في تدبيره
3
وحذف المفعول أي نبأت به صاحبتها وهما عائشة وحفصة لا اختلاف في ذلك واختلفوا في الذي أسره إليها فقيل هو الذي خبرها به من شربه العسل عند بعض أزواجه وقيل هو ما كان بينه وبين أم إبراهيم وقيل هو إخباره إياها بأن أبا بكر الخليفة بعده وقد ذكرناه بإسناده ( فلما نبأت به وأظهره الله عليه عرف بعضه وأعرض عن بعض ) وحذف المفعول أيضا عرفها بعضه فقال قد عرفت كذا بالوحي وأعرض عن بعض فلم
____________________
(4/460)
يذكره تكرما واستحياء وقراءة الكسائي ( عرف بعضه ) وردها أبو عبيد ردا شنيعا قال لو كان كذا لكان عرف بعضه وأنكر بعضا قال أبو جعفر وهذا الرد لا يلزم والقراءة معروفة عن جماعة منهم أبو عبد الرحمن السلمي وقد بينا صحتها ( فلما نبأها به قالت من أنبأك هذا ) نبأ وأنبأ بمعنى واحد فجاء باللغتين جميعا وبعده ( قال نبأني العليم الخبير )
4
أي مالت إلى محبة ما كرهه النبي صلى الله عليه وسلم من تحريمه ما أحل له ( وإن تظاهرا عليه ) والأصل تتظاهرا أدغمت التاء في الظاء وقرأ الكوفيون ( تظاهرا ) بحذف التاء ( فإن الله هو مولاه ) أي وليه بالنصرة ( وجبريل وصالح المؤمنين ) واختلفوا في صالح المؤمنين فمن أصح ما قيل فيه أنه لكل صالح من المؤمنين ولا يخص به واحد إلا بتوقيف وقد روي أنه يراد به عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو كان الداخل في هذه القصة المتكلم فيها ونزل القرآن ببعض ما قاله في هذه القصة وقيل هو أبو بكر وعمر رضي الله عنهما وقيل هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه وقد ذكرنا ذلك بإسناده ومذهب الفراء القول الذي بدأنا به قبله واحد
____________________
(4/461)
يدل على جميع وكذا ( والملائكة بعد ذلك ظهير ) يكون ظهير يؤدي عن الجمع وقد ذكرنا فيه غير هذا
5
أن في موضع نصب بعسى والشرط معترض وقراءة الكوفيين ( أن يبدله أزواجا خيرا منكن ) وقيل خيرا منكن إنهن لو دمن على الذي كان حتى يحوجنه إلى طلاقهن لأبدل خيرا منهن ( مسلمات مؤمنات قانتات تائبات عابدات سائحات ثيبات ) كله نعت لأزواج والواحدة زوج ولغة شاذة زوجة ( وأبكارا ) عطف داخل في النعت أيضا
6
الفعل من هذا وقى يقي عند جميع النحويين والأصل عندهم وقى يوقي ثم اختلفوا في العلة لحذف الواو فقال البصريون حذفت الواو لوقوعها بين ياء وكسرة وهي ساكنة ولم تحذف في يؤجل لأن بعدها فتحة والفتحة لا تستثقل وقال الكوفيون حذفت الواو للفعل المتعدي وأثبت في اللازم فرقا فقالوا في المتعدي وعد يعد وفي اللازم وجل يوجل وعارضوا البصريين بقول العرب وسع يسع فحذفت الواو بعدها فتحة
____________________
(4/462)
وكذا ولغ يلغ والاحتجاج للبصريين أن الأصل وسع يوسع وحذفت الواو لما تقدم وفتحت السين لأن فيه حرفا من حروف الحلق وقال الكوفيون حذفت الواو لأنه فعل متعد ورد عليهم البصريون بقول العرب ورم يرم فهذا لازم قد حذفت منه الواو وكذا يثق فقد انكسر قولهم أنه إنما يحذف من المتعدي قال أبو جعفر وهذا رد بين ولو جاء قوا على الأصل لكان ايقيوا ( أنفسكم ) منصوب بقوا كما يقال أكرم نفسك ولا يجوز أكرمك فقول سيبويه لأنهم استغنوا عنه بقولهم أكرم نفسك وقال محمد بن يزيد لم يجز هذا لأنه لا يكون الشيء فاعلا مفعولا في حال فأما الكوفيون فخلطوا في هذه فمرة يقولون لا يجوز كما يقول البصريون ومرة يحكون عن العرب إجازته حكوا عدمتني ولا يجيز البصريون من هذا شيئا وأهليكم في موضع نصب معطوف على أنفسكم ومن مسائل الفراء في وأهليكم لم صار مسكنا وهو في موضع النصب فالجواب أن الياء علامة النصب كقولك رأيت الزيدين وحذفت النون للإضافة وحكى الفراء أن من العرب من يقول أهله في المؤنث نارا مفعول ثان ( وقودها الناس ) مبتدأ وخبره في موضع نصب نعت للنار ( والحجارة ) عطف على الناس ( عليها ملائكة غلاظ شداد ) أي غلاظ على العصاة أشداء
____________________
(4/463)
عليهم وقيل شداد أقوياء ( لا يعصون الله ما أمرهم ) مفعولان على حذف الحرف أي فيما أمرهم ( ويفعلون ما يؤمرون ) وحذف المضمر الذي يعود على ما وإن جعلتها مصدرا لم تحتج إلى عائد
7
حذفت النون للجزم بالنهي ( إنما تجزون ما كنتم تعملون ) في إنما معنى التحقيق والإيجاب
8
مصدر ( نصوحا ) من نعته أي تنصحون لأنفسكم فيها ( عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار ) وأجاز الفراء ( ويدخلكم ) على الموضع بالجزم لأن عسى في موضع جزم في المعنى لأنها جواب الأمر وقدره بمعنى فعسى وعطف ويدخلكم على مرضع الفاء قال أبو جعفر وهذا تعسف شديد ( يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه ) الذين في موضع نصب على العطف ويجوز أن يكون في موضع رفع بالابتداء ( نورهم يسعى بين أيديهم ) قيل هذا التمام والمعنى ( وبأيمانهم ) يعطون كتبهم وقد روي معنى هذا عن ابن عباس ( يقولون ربنا أتمم لنا نورنا ) ظهر التضعيف لما سكن الثاني ( واغفر لنا ) ولا يجوز إدغام الراء في اللام لما فيها من التكرير ( إنك على كل شيء قدير ) خبر إن وكل مخفوض حقه أن يكون في آخر الكلام لأنه تبيين
9
____________________
(4/464)
قيل مجاهدة المنافقين باللسان والانقباض وأنه كذا يجب أن يستعمل مع أهل المعاصي إذا لم يوصل إلى منعهم منها لأن الانبساط إليهم يجرئهم على إظهارها فأمر الله جل وعز بمجاهدتهم بهذا وأصل المجاهدة في اللغة بلوغ الجهد في رضوان الله جل وعز ( ومأواهم جهنم ) أي هي منزلهم ومسكنهم ( وبئس المصير ) أي بئس الذي يصلون إليه النار
10
مفعولان ( كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئا ) فكانت الفائدة في هذا أنه لا ينفع أحدا إيمان أحد ولا طاعة أحد بنسب ولا غيره إذا كان عاصيا الله جل وعز كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمته صفية أي لا أغني عنكم من الله شيئا وكذا قال لفاطمة رضي الله عنها ( وقيل ادخلا النار مع الداخلين ) ولم يقل مع الداخلات لأن المعنى مع القوم الداخلين
11 فلم يضرها كفر فرعون شيئا والأصل ربي حذفت الياء لأن النداء موضع حذف وإثباتها وفتحها جائز
12 عطف أي وضرب الله للذين آمنوا مثلا مريم ( ابنة ) من نعتها وإن شئت على البدل يقال ابنة وبنت ( التي
____________________
(4/465)
أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا ) الهاء تعود على الفرج قال أبو جعفر قد ذكرنا في معناه قولين أحدهما أنه جيبها والآخر أنه الفرج بعينه والحجة لمن قال أنه الفرج بعينه استعمال العرب أحصنت فرجها على هذا النعت والحجة لمن قال هو جيبها أن معنى أحصنت فرجها منعت جيبها حتى { قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا } و ( من روحنا ) فيه قولان أحدهما من الروح الذي لنا والذي نملكه كما يقال بيت الله والآخر من روحنا من جبرئيل صلى الله عليه وسلم قال جل ثناؤه { نزل به الروح الأمين } ( وصدقت بكلمات ربها وكتبه ) من وحده قال لأنه مصدر ومن جمعه جعله على اختلاف الأجناس ( وكانت من القانتين ) أي من القوم القانتين أقيمت الصفة مقام الموصوف
____________________
(4/466)
67
1
أي يعطيه من يشاء ويمنعه من يشاء ودل على هذا الحذف ( وهو على كل شيء قدير )
2
في موضع رفع على البدل من الذي الأول أو على إضمار مبتدأ ويجوز النصب بمعنى أعني ( ليبلوكم أيكم أحسن عملا ) أي مرفوع بالابتداء وهو اسم تام وأحسن خبره والتقدير ليبلوكم فينظر أيكم أحسن عملا ( وهو العزيز الغفور ) مبتدأ وخبره
3 فيه مثل الذي في الأول ويجوز أن يكون خبرا بعد خبر وأن يكون نعتا للعزيز ( طباقا ) نعت لسبع ويكون جمع طبقة مثل رحبة ورحاب أو جمع طبق مثل جمل
____________________
(4/467)
وجمال ويجوز أن يكون مصدرا ( ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت ) قراءة المدنيين وأبي عمرو وعاصم وقراءة يحيى والأعمش وحمزة والكسائي ( من تفوت ) وهو اختيار أبي عبيد ومن أحسن ما قيل فيه قول الفراء أنهما لغتان بمعنى واحد ولو جاز أن يقال في هذا اختيار لكان الأول أولى لأنه المشهور في الله أن يقال تفاوت الأمر مثل تباين أي خالف بعضه بعضا فخلق الله جل وعز غير متباين ولا متفاوت لأنه كله دال على حكمة لا على عبث وعلى بارىء له ( فارجع البصر ) وليس قبله فانظر ولكن قبله ما يدل عليه وهو ( ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت ) ( هل ترى من فطور ) في موضع نصب
4 بمعنى المصدر أو الظرف ( ينقلب إليك البصر ) جواب الأمر ( خاسئا ) نصب على الحال ( وهو حسير ) مبتدأ وخبره في موضع نصب على الحال
5
على لغة من قال مصباح ( وجعلناها رجوما للشياطين ) يكون رجوما مصدر يرجم ويجوز أن يكون جمع راجم على قول من قال النجوم هي التي يرجم بها والقول الآخر على قول من قال أن النجوم لا تزول من مكانها وإنما يرجم بالشهب ( وأعتدنا لهم عذاب السعير ) أي مع ذلك
____________________
(4/468)
6
رفع بالابتداء وحكى هارون عن أسيد أنه قرأ ( وللذين كفروا بربهم عذاب جهنم ) عطفه على الأول ( وبئس المصير ) رفع ببئس
7 أي صوتا مثل الشهيق
8 الأصل تتميز قال الفراء أي تقطع ( كلما ألقي فيها فوج ) نصب على الظرف بمعنى إذا ( سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير ) أي قالوا لهم
9
نذير بمعنى منذر ( إن أنتم إلا في ضلال كبير ) ان بمعنى ما
10
فيه قولان أحدهما لو كان نقبل كما يقال سمع الله لمن حمده أي قيل أو نعقل أي نفكر ونتبين والقول الآخر أنهم إذا سمعوا لم ينتفعوا بما سمعوا فهم بمنزلة الصم
11 ولم يقل بذنوبهم لأنه مصدر يؤدي عن الجنس ( فسحقا لأصحاب السعير )
____________________
(4/469)
12
من أحسن ما قيل فيه أن المعنى إن الذين يخشون ربهم إذا غابوا عن أعين الناس لأنه الوقت الذي تكثر فيه المعاصي فإذا خشوا ربهم جل وعز عند غيبة الناس عنهم فاجتنبوا المعاصي كانوا بحضرة الناس أكثر اجتنابا ( لهم مغفرة وأجر كبير ) خبر إن
13
كسرت الواو لالتقاء الساكنين واختير لها الكسر لأنها أصلية ( إنه عليم بذات الصدور ) أي بحقيقتها
14 قال أبو جعفر ربما توهم الضعيف في العربية أن من في موضع نصب ولو كان موضعها نصبا لكان ألا يعلم ما خلق لأنه راجع إلى ( بذات الصدور ) وإنما التقدير ألا يعلم من خلقها سرها وعلانيتها ( وهو اللطيف الخبير ) مبتدأ وخبره
وكذلك
15 أي سهلة تمشون عليها يقال ذلول بينة الذل وذليل بين الذل ( فامشوا في مناكبها ) جمع منكب وهو الناحية ( وكلوا من رزقه ) حذف منه
____________________
(4/470)
ولو كان على قياس نظائره لقيل أو كلوا كما تقول أوجروا ( وإليه النشور ) رفع بالابتداء
16 وحكى الفراء أن لغة بني تميم أن يزيدوا ألفا بين الألفين قال أبو جعفر يعني يزيدون ألفا لئلا يجمعوا بين همزتين فيقولون أاأمنتم من في السماء ( أن يخسف بكم الأرض ) في موضع نصب على أنها مفعولة ( فإذا هي تمور ) في موضع رفع ويجوز النصب أي فإذا هي مائرة
17
وهو التراب والحصى ويكون السحاب الذي فيه البرد والصواعق ( فستعلمون كيف نذير ) في موضع رفع لأن الاستفهام لا يعمل فيما قبله وحذفت الياء لأنه رأس آية وكذا
18
19
نصب على الحال ( ويقبضن ) عطف عليه ويجوز أن ينون مقطوعا منه ( ما يمسكهن إلا الرحمن ) لأنه جل وعز خلق الجو فاستمسكن فيه ( إنه بكل
____________________
(4/471)
شيء بصير ) خبر إن
20
أي يدفع عنكم إن أراد بكم سوءا ( إن الكافرون إلا في غرور ) أي ما الكافرون في ظنهم أي عبادتهم غير الله جل وعز ينفعهم إلا في غرور
21
وحذف جواب الشرط لأن الأول يدل عليه أي إن أمسك رزقه فهل يرزقكم من تعبدون من دونه ( بل لجوا في عتو ونفور ) والأصل لججوا ثم أدغم
22
من في موضع رفع بالابتداء أهدى خبره ( أم من يمشي سويا على صراط مستقيم ) عطف عليه
23 مبتدأ وخبره ( وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة ) ولم يقل الأسماع لأن السمع في الأصل مصدر
24 مثل الأول
25
متى في موضع رفع لأنها خبر الابتداء هذا على قول سيبويه وعلى قول غيره في موضع نصب لأنه لا يرفع هذا بالابتداء وأبو
____________________
(4/472)
العباس يرفعه بمعنى متى يستقر هذا الوعد
26 رفعت العلم بالابتداء ولا يجوز النصب عند سيبويه على أن يجعل ما زائدة وكذا ( وإنما أنا نذير مبين )
27 يجوز أن تكون الهاء تعود على الوعد ( سيئت وجوه الذين كفروا وقيل هذا الذي كنتم به تدعون ) أصح ما قيل فيه أنه تفتعلون من الدعاء ثم أدغم قال أبو عبيد تدعون مشتق من يدعون
28
وإن خففت همزة أرأيتم جئت بها بين بين والياء ساكنة بحالها ( فمن يجير الكافرين من عذاب أليم ) من في موضع رفع بالابتداء وهو اسم تام
29
أي خالقكم ورازقكم والفاعل لهذه الأشياء الرحمن ( فستعلمون من هو في ضلال مبين ) من في موضع رفع بالابتداء والجملة خبره لأنها استفهام ولا يعمل في الاستفهام ما قبله ويجوز أن يكون في موضع نصب ويكون بمعنى الذي
30
قال الفراء لا يثنى غور ولا يجمع لأنه مصدر مثل رضى وعدل
____________________
(4/473)
فيقال ماءان غور قال أبو جعفر بابه ألا يثنى ولا يجمع فإن أردت اختلاف الأجناس ثنيت وجمعت والتقدير إن أصبح ماؤكم ذا غور مثل وسئل القرية وقيل غور بمعنى غائر ( فمن يأتيكم بماء معين ) يكون فعيلا من معن الماء إذا كثر ويجوز أن يكون مفعولا ويكون الأصل فيه معيونا مثل مبيع ويكون معناه على هذا الماء يرى بالأعين
____________________
(4/474)
5
____________________
(5/1)
68
1
في هذه الكلمة نيف وثلاثون جوابا منها ستة معان وست قراءات في إحداهن ستة أجوبة روى الحكم بن ظهير عن أبيه عن أبي هريرة قال
الأرضون على نون ونون على الماء والماء على الصخرة والصخرة لها أربعة أركان على كل ركن منها ملك قائم في الماء وروى يزيد عن عكرمة عن ابن عباس قال المر وحم ون حروف الرحمن مقطعة وفي حديث معاوية بن قرة عن أبيه مرفوعا قال ن لوح من نور وقال قتادة نون الدواة قال أبو جعفر فهذه أربعة أقوال وقيل التقدير ورب نون وقيل هو تنبيه كما تقدم في ألم وأما القراءات فهي ست كما ذكرنا قرأ أكثر الناس ( نون والقلم ) ببيان نون وقرىء بإخفائها وقرىء بإدغامها بغنة وبغير غنة وروي عن عيسى بن عمر أنه قرأ ( نون والقلم ) وقرأ ابن أبي إسحاق ( نون والقلم ) بالخفض فهذه ست قراءات في
____________________
(5/3)
المنصوبة منها ستة أجوبة منها أن تكون منصوبة بوقوع الفعل عليها أي أذكر نون ولم تنصرف لأنها اسم للسورة وجواب ثان أن تكون لم تنصرف لأنها اسم أعجمي هذان جوابان عن الأخفش سعيد وقول سيبويه إنها شبهت بأين وكيف وقول الفراء إنها شبهت بثم وقيل شبهت بنون الجميع وقال أبو حاتم حذفت منها واو القسم فانتصبت بإضمار فعل كما تقول الله لقد كان كذا قال أبو جعفر فهذه ثمانية عشر جوابا وفي إسكانها قولان فمذهب سيبويه أن حروف المعجم إنما سكنت لأنها بعض حروف الأسماء فلم يجز إعرابها كما لا يعرب وسط الاسم ورد عليه هذا القول بعض الكوفيين فقال إذا قلت زاي فقد زدت على الحرف ألفا وياء وقال أصح من هذا قول الفراء قال لم تعرب حروف المعجم لأنك إنما أردت تعليم الهجاء قال أبو جعفر وهذا قول صحيح لأنك إذا أردت تعليم الهجاء لم يجز أن تزيد الإعراب فيزول ذلك عن معنى الهجاء إلا أن تنعت أو تعطف فتعرب ومن بين النون قال سبيل حروف الهجاء أن يوقف عليها وأيضا فإن النون بعيدة المخرج من الواو فأشبهت حروف
____________________
(5/4)
الحلق ولهذا لم يقرأ أحد بتبيين النون في كهيعص لقرب الصاد من النون فأدغمها الكسائي لأنه بنى الكلام على الوصل ومن أدغم بغتة أراد ألا يزل رسم النون ومن حذف الغنة قال المدغم قد صار حكمه حكم ما أدغم فيه ومن قرأ ( نون والقلم ) كسر لالتقاء الساكنين قال أبو حاتم أضمر واو القسم وإن جمعت نون قلت نونات على أنه حرف هجاء فإن جمعته على أنه اسم للحوت قلت في الجمع الكثير نينان وفي القليل أنوان ويجوز نونة مثل كوز وكوزة ( والقلم ) خفض بواو القسم وهو القلم الذي يكتب به غير أن التوقيف جاء أنه القلم الذي كتب به في اللوح المحفوظ ما هو كائن إلى يوم القيامة روى ذلك القاسم بن أبي بزة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ومعاوية بن قرة عن أبيه يرفعه ( وما يسطرون ) واو عطف لا واو قسم وما والفعل مصدر ويجوز أن يكون بمعنى الذي وجواب القسم
2 أي ما أنت بما أنعم الله عليك من العقل والفهم إذا كان أعقل أهل زمانه بمجنون وهو المستور العقل ومن هذا جن عليه الليل وأجنه ومنه قيل جنين وللقبر جنن وللترس مجن قال عمر بن أبي ربيعة
____________________
(5/5)
( وكان مجني دون من كنت أتقي ** ثلاث شخوض كاعبان ومعصر ) وقيل جن لأنهم مستترون عن أعين الناس مسموع من العرب على غير قياس أجن فهو مجنون والقياس مجن قال أبو جعفر وحكى لنا علي بن سليمان عن محمد بن يزيد أنه كان يذهب إلى القياس في هذا كأنه يقال مجنون من جن
3 أي على أداء الرسالة ( غير ممنون ) قيل لا يمن به عليك وقيل غير مقطوع
4
روى ابن أبي طلحة عن ابن عباس قال على دين قال أبو جعفر فيكون هذا مثل قوله صلى الله عليه وسلم أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا أي أحسنهم دينا وطريقة ومذهبا وطاعة وسئلت عائشة رضي الله عنها ما الخلق العظيم الذي كان عليه قالت القرآن وقيل هو ما كان فيه من البشاشة والسعي في قضاء حاجات الناس وإكرامهم والرفق بهم
5 أي يوم القيامة قال محمد بن يزيد سألت أبا عثمان المازني عن هذا فقال هذا التمام وقال الأخفش
____________________
(5/6)
المعنى فستبصر ويبصرون بأيكم الفتنة وقال محمد بن يزيد التقدير بأيكم فتنة المفتون وقال الفراء الباء بمعنى في قال أبو جعفر فهذه أقوال النحويين مجموعة ونذكر أقوال أهل التأويل روى سفيان عن خصيف عن مجاهد
6 قال بأيكم المجنون وقال الحسن والضحاك بأيكم الجنون وقول قتادة أيكم أولى بالشيطان فهذه ثلاثة أقوال لأهل التأويل فقول مجاهد تكون الباء فيه بمعنى في كما يقال فلان بمكة وفي مكة والمعنى عليه فستعلم وسيعلمون في أي الفريقين المجنون الذي لا يتبع الحق أفي فريقك أم في فريقهم وعلى قول الحسن والضحاك فستعلم وسيعلمون بأيكم الفتنة والمفتون بمعنى الفتنة والفتون كما يقال ليس له معقول ولا معقود رأي قال أبو جعفر وهذا من أحسن ما قيل فيه وقول قتادة أن الباء زائدة
7
أي هو أعلم بمن ضل عن سبيله من كفار قريش ( وهو أعلم بالمهتدين ) بك وبمن اتبعك
8
9
معطوف وليس بجواب ولو كان جوابا حذفت منه النون روى ابن
____________________
(5/7)
أبي طلحة عن ابن عباس ( ودوا لو تدهن فيدهنون ) قال يقول لو ترخص لهم فيرخصون والمعنى على هذا ودوا لو تلين لهم فلا تنكر عليهم الكفر والمعاصي فيلينون لك وينافقونك ويجترئون على المعاصي وفي اللين في مثل هذا فساد الدين وهو مأخوذ من الدهن شبه التلين به
10 أي كل معروف بالحلف على الكذب فإذا كان كذلك كان مهينا عند الله جل وعز وعند المؤمنين قال مجاهد مهين ضعيف قال أبو جعفر يكون مهين فعيل على بابه من هذا القول فيجوز أن يكون بمعنى مهان
11 من همزه إذا عابه وأصل الهمز الغمز ( مشاء بنميم ) مشاء ممدود لأنها ألف بعدها همزة فالألف خفية والهمزة لبعد مخرجها تخفى فقويت بالمدة وكذا الواو إذا كان ما قبلها مضموما مثل السوأي وكذلك الياء إذا كان ما قبلها مكسورا نحو سيء بهم هذا في المتصل فللنحويين فيه ثلاثة أقوال منهم من قال لا مد فيه إذا كان منفصلا ومنهم من قال هو ممدود بمنزلة المتصل وإلى هذا كان يذهب أبو إسحاق ومنهم من قال المد في المنفصل أولى منه في المتصل ليبين بالمد انفصال الحرف من الآخر نحو قوله جل وعز { بما أنزل إليك } وكذا { فلما أن جاء البشير } وفي الواو والياء { قوا أنفسكم } و { في أنفسكم }
____________________
(5/8)
) والقراء من أحوج الناس إلى معرفة هذا وربما وقع الغلط فيه فكان ذلك لحنا فمن قرأ { دائرة السوء } لم يجز له أن يمد هذا لأن الواو ما قبلها مفتوح ومن قرأ دائرة السوء مد لأن الواو ما قبلها مضموم وإنما وجب هذا في الواو إذا انضم ما قبلها والياء إذا انكسر ما قبلها لأنهما أشبهتا الألف فصارتا حرفي مد ولين كالألف فوجب فيهما المد كما كان في الألف ولما انضم ما قبل الواو وانكسر ما قبل الياء فصارت الحركة التي قبلهما منهما ضعفتا فقويتا بالمدة ومن قرأ { ولو أنهم آمنوا } لم يجز له أن يمد هذا لانفتاح ما قبل الواو ويقال إن أكثر من يلغط في هذا من القراء الذين يقرءون بقراءة حمزة قال أبو جعفر من قال نميم قال قد نم ثلاثة أنمة ومن قال نميمة قال نمائم
12 نعت وكذا ( معتد ) ولو كانا منصوبين لجاز على النعت لكل أي معتد على الناس في معاملاتهم ( أثيم ) مخالف لربه في أمره ونهيه كما قال قتادة أثيم بربه
13 قال أهل التأويل منهم أبو رزين والشعبي العتل الشديد وقال الفراء أي شديد الخصومة بالباطل وقال غيره هو شديد الكفر الجافي وجمعه عتال ( بعد ذلك ) قيل أي مع ذلك ( زنيم ) نعت أيضا
14
____________________
(5/9)
أن في موضع نصب أي بأن كان وقرأ الحسن وأبو جعفر وحمزة ( أأن كان ذا مال وبنين ) قال أبو جعفر هذا على التوبيخ أي الآن كان ذا مال وبنين يكفر أو تطيعه
15 استهزاء وإنكارا
16
قال أبو جعفر قد ذكرنا فيه أقوالا منها ما رواه معمر عن قتادة قال على أنفه ومما يذكره أن سعيدا روى عن قتادة ( سنسمه على الخرطوم ) قال شين لا يفارقه وهذا من أحسن ما قيل فيه أي سنبين أمره ونشهره حتى يتبين ذلك ويكون بمنزلة الموسوم على أنفه على أنه قد روي عن ابن عباس ( سنسمه على الخرطوم ) قال قاتل يوم بدر فضرب بسيف ضربة فكانت سمة له
17 أي تعبدناهم بالشكر على النعم وإعطاء الفقراء حقوقهم التي أوجبناها في أموالهم ( كما بلونا أصحاب الجنة ) قال ابن عباس هم أهل الكتاب ( إذ أقسموا ليصرمنها ) أي ليجذنها والجذاذ القطع ومنه صرم فلان فينا وسيف صارم ( مصبحين ) نصب على الحال وأصبح دخل في الإصباح
18 ولا يقولون إن شاء الله فذموا بهذا لأن
____________________
(5/10)
الإنسان إذا قال لأفعلن كذا لم يأمن أن يصرم عن ذلك فيكون كاذبا فعليه أن يقول إن شاء الله
19
قيل أرسلت عليها نار فأحرقت حروثهم ( وهم نائمنون ) في موضع الحال
20 أي كالشيء المصروم المقطوع وصريم بمعنى مصروم مثل قتيل بمعنى مقتول
21 نصب على الحال
22 أن في موضع نصب أي بأن ويجوز أن يكون لا موضع لها تفسيرا ( إن كنتم صارمين ) كنتم في موضع جزم بالشرط استغني عن الجواب بما تقدم لأنه فعل ماض
23 في موضع الحال
24
الجواب في أن كما تقدم وفي قراءة عبد الله بغير أن لأن معنى يتخافتون يقولون سرا
25
أصح ما قيل في معناه على قصد كما قال مجاهد قد أسسوا ذلك
____________________
(5/11)
بينهم أي عملوه على قصد وتأسيس ومؤامرة بينهم قادرين عليه عند أنفسهم
26
أي قد ضللنا الطريق وليست هذه جنتنا لما رأواها محترقة
27 قيل فقال من يعرفها ويعلم أنهم لم يضلوا الطريق ( بل نحن محرومون ) أي حرمنا ثمارها لما فعلنا
روى ابن أبي طلحة عن ابن عباس
28 أي أعدلهم ( ألم أقل لكم لولا تسبحون ) أي هلا
29 نصب على المصدر ( إنا كنا ظالمين ) أي جعلنا الشيء في غير موضعه بمنعنا ما يجب علينا وكذا الظلم في اللغة وضع الشيء في غير موضعه
30 في موضع نصب على الحال
31 نداء مضاف والفائدة فيه أن معناه هذا وقت حضور الويل ( إنا كنا طاغين ) أي في مخالفتنا أمر ربنا وتجاوزنا إياه
____________________
(5/12)
32
وحكى سيبويه أن من العرب من يحذف أن مع عسى تشبيها بلعل ( إنا إلى ربنا راغبون ) أي في أن يبدلنا خيرا منها
33 مبتدأ وخبره وكذا ( ولعذاب الآخرة أكبر ) وسميت آخرة لأنها آخرة بعد أولى وقيل لتأخرها عن الناس ( لو كانوا يعلمون ) لو لا يليها إلا الفعل لشبهها بحروف الشرط
34
نصب بإن وعلامة النصب كسرة التاء إلا أن الأخفش كان يقول هي مبنية غير معربة في موضع النصب
35 الكاف في موضع نصب مفعول ثان
36 ما في موضع رفع بالابتداء وهي اسم تام و لكم الخبر و كيف في موضع نصب بتحكمون
37
أي هل لكم كتاب جاءكم من عند الله تدرسون فيه
38 أي لأنفسكم علينا وكسرت إن
____________________
(5/13)
لمجيء اللام بعدها وكذا
39 أي أم لكم أيمان حلفنا لكم بها منتهية إلى يوم القيامة إن لكم حكمكم وفي قراءة الحسن ( بالغة ) بالنصب قال الفراء على المصدر أي حقا وقال غيره على الحال من المضمر الذي في علينا
40 أي ضمين
41 أي شركاء يعينونهم ويشهدون لهم
42
هذه القراءة التي عليها جماعة الحجة وما يروى من غيرها يقع فيه الاضطراب وكذا أكثر القراءات الخارجة عن الجماعة وإن وقعت في الأسانيد الصحاح إلا أنها من جهة الآحاد فمن ذلك ما قرىء على إبراهيم بن موسى عن محمد بن الجهم قال حدثنا الفراء قال حدثنا سفيان عن عمرو بن دينار عن ابن عباس أنه قرأ ( يوم تكشف عن ساق ) يريد
____________________
(5/14)
القيامة والساعة لشدتها قال أبو جعفر وهذا إسناد مستقيم ثم وقع فيه ما ذكرناه كما قرىء على أحمد بن محمد بن الحجاج عن أبي عبد الله المخزومي وجماعة من أصحاب سفيان قالوا حدثنا سفيان عن عمرو عن ابن عباس أنه قرأ ( يوم نكشف عن ساق ) بالنون وروى سفيان الثوري عن سلمة كهيل عن أبي صادق عن ابن مسعود أنه قرأ ( يوم نكشف عن ساق ) بالنون وروى سفيان الثوري عن سلمة أيضا عن أبي الزعراء عن ابن مسعود أنه قرأ ( يوم يكشف عن ساق ) بفتح الياء وكسر الشين والذي عليه أهل التفسير أن المعنى يوم يكشف عن شدة وذلك معروف في كلام العرب ويجوز أن يكون المعنى يوم يكشف الناس عن سوقهم لشدة ما هم فيه ذلك مستعمل في كلام العرب وساق مؤنثة تصغر بالهاء ( ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون ) قيل إنما يدعون إلى السجود ليوبخوا بذلك فيقال لهم قد دعيتم إلى السجود الذي ينفعكم في الدنيا فأبيتم فهلم فاسجدوا الساعة لأنها ليست دار محنة ولا ينفع فيها السجود فيكون المعنى على هذا وهم لا يستطيعون أن يسجدوا سجودا ينتفعون به وقيل بل تجف أصلابهم عقوبة فلا يستطيعون السجود
43 نصب على الحال ( أبصارهم ) رفع بالخشوع ويجوز رفعهما جميعا على المبتدأ وخبره ( ترهقهم ذلة ) في موضع نصب أيضا على الحال ويجوز قطعه من الأول ( وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون ) أي في الدنيا
____________________
(5/15)
44
من في موضع نصب عطف وإن شئت كان مفعولا معا ( سنستدرجهم من حيث لا يعلمون ) في معناه قولان أحدهما سنمتعهم ونوسع عليهم في الدنيا حتى يتوهموا أن لهم خيرا ويغتروا بما هم فيه من النعمة والسرور فنأخذهم بغتة كما روى أبو موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم إن الله عز وجل ليمهل الظالم حتى إذا أخذه لم يفلته ثم قرأ وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة وقيل سنستدرجهم من قبورهم إلى النار
45 بإسكان الياء والأصل ضمها لأنه فعل مستقبل فحذفت الضمة لثقلها ( إن كيدي متين ) أي قوي شديد
46
وقراءة نافع بضم الميم الأولى وإسكان الثانية قال أبو جعفر جاء بالأولى على الأصل فاختار هذا لأنها إذا لقيت ألف وصل ضمت لا غير فأجرى ألف القطع مجراها وقيل جاء باللغتين جميعا كما قرأ { من بعد ما قنطوا } وقرأ { لا تقنطوا } وقل مني يحتج له من أصحابه أو غيرهم
47
____________________
(5/16)
قال أبو جعفر وهذه الآية من مشكل ما في السورة وتحصيل معناها فيما قيل والله أعلم أم عندهم اللوح المحفوظ الذي فيه الغيوب كلها فهم يكتبون منه ما يجادلونك به ويدعون إنهم مع كفرهم بالله جل وعز وردهم عليك بعد البراهين خير منك وأنهم على الحق
48 أي اصبر على أداء الرسالة واحتمل أذاهم ولا تستعجل لهم العذاب ( ولا تكن كصاحب 0 الحوت ) في ما عمله من خروجه عن قومه وغمه بتأخر العذاب عنهم ( إذ نادى وهو مكظوم ) روى ابن أبي طلحة عن ابن عباس وهو مكظوم قال مغموم قال أبو جعفر والمكظوم في كلام العرب الذي قد اغتم لا يجد من يتفرج إليه فقد كظم غيظه أي أخفاه
49
وفي قراءة ابن مسعود ( لولا أن تداركته ) على تأنيث النعمة والتذكير لأنه تأنيث غير حقيقي وروي عن الأعرج ( لولا أن تداركه ) بتشديد الدال والأصل تتداركه أدغمت التاء في الدال ( لنبذ بالعراء وهو مذموم ) في موضع نصب على الحال
50
قيل المعنى فوصفه جل وعز أنه من الصالحين وقد حكى سيبويه
____________________
(5/17)
جعل بمعنى وصف وقيل جعله من الصالحين وفقه الله تعالى لطاعته حتى صلح
51
الكوفيون يقولون إن بمعنى ما واللام بمعنى إلا والبصريون يقولون هي أن المشددة لما خففت وقع بعدها الفعل ولزمته لام التوكيد ليفرق بين النفي والإيجاب وذكر بعض النحويين الكوفيين أن هذا من إصابة العين واستجهله بعض العلماء وقال إنما كانوا يقولون إنا نصيب بالعين ما نستحسنه ونتعجب من جودته وهذا ليس من ذاك إنما كانوا ينظرون إلى النبي صلى الله عليه وسلم نظر الإبغاض والنفور فالمعنى على هذا أنهم لحدة نظرهم إليه يكادون يزيلونه من مكانه يقال أزلق الحجام الشعر وزلفه إذا حلقه وقد قرىء ليزلقونك من أزلق وزلق أي باللغتين جميعا
52
مبتدأ وخبره والضمير يعود على الذكر المتقدم
____________________
(5/18)
69
1 رفع بالابتداء
2 مبتدأ وخبره وهما خبر عن الحاقة وفيه معنى التعظيم والتقدير الحاقة ما هي إلا أن إعادة الاسم أفخم وكذا
3
4 عاد منون لخفته و ثمود لا بنون على أنه اسم للقبيلة وينون على أنه اسم للحي قال قتادة بالقارعة أي بالساعة قال غيره لأنها تقرع قلوب الناس بهجومها عليهم
5
وقال قتادة بعث الله جل وعز عليهم صيحة فأهدتهم وقيل فأهلكوا بالطغيان وقيل بالجماعة الطاغية قال أبو جعفر وقول قتادة أصحها أخبر الله بالمعنى الذي أهلكهم به لا بالسبب الذي أهلكهم من أجله كما أخبر في قصة عاد فقال جل ثناؤه
6 قال قتادة أي باردة وقال غيره أي شديد الصوت ( عاتية ) زائدة على مقدار هبوبها
____________________
(5/19)
7
أنثت الهاء في ثمانية وحذفت من سبع فرقا بين المذكر والمؤنث ( حسوما ) أصح ما قيل فيه متتابعة لصحته عن ابن مسعود وابن عباس وحسوم نعت ومن قال معناه أتباع جعله مصدرا ( فترى القوم فيها صرعى ) في موضع نصب على الحال ( كأنهم أعجاز نخل ) قال قتادة أصول النخل وقال غيره كأنهم أسافل النخل قد تأكلت وخوت وتبددت ( خاوية ) على تأنيث النخل
8 أي من الجماعة باقية وقيل من بقاء
9 قراءة الحسن وأبي رجاء وعاصم الجحدري وأبي عمرو والكسائي وهو اختيار أبي عبيد وقراءة أبي جعفر وشيبة ونافع وابن كثير والأعمش وحمزة ( ومن قبله ) وهما منصوبان على الظرف قال الحسن ومن قبله ومن معه ورد أبو عبيد على من قرأ ومن قبله لأنه قد كان فيهم مؤمنون قال أبو جعفر وهذا لا يلزم لأنه قد عرف المعنى بقوله جل وعز ( والمؤتفكات بالخاطئة )
10 نعت أي زائدة
11
____________________
(5/20)
مجاز لأن الجارية سفينة نوح صلى الله عليه وسلم والمخاطبون بهذا إنما حمل أجدادهم فيها فكانوا بمنزلة من حمل معهم
12 قال قتادة بقيت السفينة عظة وآية وتذكرة حتى رآها أوائل هذه الأمة ( وتعيها ) أي التذكرة ويروى عن عاصم أنه قرأ ( وتعيها ) وهو لحن لأنه من وعى يعي وعن طلحة أنه قرأ ( وتعيها ) وهو لحن لأنه من وعى يعي وعن طلحة أنه قرأ ( وتعيها ) بإسكان العين حذف الكسرة لثقلها وهو مثل ( أرني ) ( أذن واعية ) ويقال أذن وهي مؤنثة تصغيرها أذينة
13 لما نعت المصدر حسن رفعه ولو كان غير منعوت كان منصوبا لا غير
14
لأنهما جمعان ولو قيل فدككن أو فدكت في الكلام لجاز
15 العامل في الظرف وقعت
____________________
(5/21)
16 مبتدأ وخبره
17 أي على أرجاء السماء والرجاء الناحية مقصور يكتب بالألف والرجاء من الأمل ممدود والملك بمعنى الملائكة يدلك على ذلك ( ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية ) روى السدي عن أبي مالك عن ابن عباس قال ثمانية صفوف لا يعلم عددهم إلا الله جل وعز وكذا قال الضحاك وقال ابن إسحاق وابن زيد ثمانية أملاك وهم اليوم أربعة
18
على تأنيث اللفظ وقراءة الكوفيين ( يخفى ) لأنه تأنيث غير حقيقي وقد فصل بينه وبين فعله
19
رفع بالابتداء وخبره ( فيقول هاؤم اقرءوا كتابيه ) قال بعضأهل اللغة الأصل هاكم ثم أبدل من الكاف وروى ابن طلحة عن ابن عباس
20 قال أيقنت
21 على النسب أي ذات رضى
22 بدل بإعادة الحرف
23 روى شعبة عن أبي إسحاق عن البراء قال
____________________
(5/22)
يأكل من فواكهها وهو قائم
24 وهي أيام الدنيا من خلا إذا مضى
25
ومن العرب من يقول ليتني فيحذف النون كما يحذفها في إن
26 بإثبات الهاء في الوقف وكذا ما لبيان الحركة وإثباتها في الوصل لحن لا يجوز عند أحد من أهل العربية علمته ومن اتبع السواد وأراد السلامة من اللحن وقف عليها فكان مصيبا من الجهتين
27
اسم كان فيها مضمر والتاء ليست باسم إنما هي علامة للتأنيث
28 ما في موضع نصب بأغنى ويجوز أن تكون نافية لا موضع لها
29 كما تقدم في حسابيه
30
31
ويجوز إثبات الواو على الأصل وممن حذفها فلسكون الواو والهاء ليست بحاجز حصين
32 الذراع مؤنثة كما قال
____________________
(5/23)
( وهي ثلاث أذرع واصبع ** )
وحكى الفراء أن بعض عكل يذكرها وقد حكى ذلك غيره ( إنه كان لا يؤمن بالله العظيم ) في موضع نصب ورفع لأنه فعل مستقبل وكذا
34
35
قال أبو زيد الحميم القريب في كلام العرب
36
يجوز أن يكون استثناء من الأول
37 وقراءة موسى بن طلحة ( إلا الخاطبون ) على إبدال الهمزة وهي لغة شاذة
38
39
لا زائدة للتوكيد
40
____________________
(5/24)
قيل هو مجاز لأنه سمعه منه الرسول صلى الله عليه وسلم
41
نصب قليلا لأنه نعت لمصدر أو لظرف وكذا
42
43 على إضمار مبتدأ
44 أي من الباطل
45 في معناه قولان أحدهما بالقوة والآخر أهناه كما تقول خذ بيده فأقمه
46 فأخبر الله جل وعز بحكمه في أوليائه ومن يعز عليه ليعتبر غيرهم
47 نعت لأحد على المعنى
48 قال قتادة القرآن
49 اسم أن
50 أي يتحسرون يوم القيامة على تركهم الإيمان به
____________________
(5/25)
51 أي محضه وخالصه والكوفيون يقولون هذا إضافة الشي إلى نفسه
52 أي نزهه وبرئه مما نسب إليه من الأنداد والأولاد والشبه العظيم الذي كل شيء صغير دونه
____________________
(5/26)
70
1 هذه قراءة أهل الكفة وأهل البصرة يهمزها جميعا وقرأ أبو جعفر والأعرج ونافع ( سال سائل ) الأول بغير همز والثاني مهموز وهذه القراءة لها وجهان أحدهما أن يكون سأل من السبل أي انصب والآخر أن يقال سال بمعنى سأل لا أنه منه لأن هذا ليس بتخفيف الهمز لو كان منه إنما يكون على البدل من الهمز وذلك بعيد شاذ قال أبو جعفر ورأيت علي بن سليمان يذهب إلى أنه من الهمز وأنه إنما غلط فيه على نافع وأنه إنما كان يأتي بالهمزة بين بين قال أبو جعفر وهذا تأويل بعيد وتغليط لكل من روى عن نافع والقول فيه أن سيبويه حكى سلت أسأل بمعنى سألت فالأصل في سال سول فلما تحركت الواو وتحرك ما قبلها قلبت ألفا ومثله خفت وسائل مهموز على أصله إن كان من سأل وإن كان من سال فالأصل في ساول فاعل فقلبت
____________________
(5/27)
الواو ألفا وقبلها ألف ساكنة ولا يلتقي ساكنان فأبدل من الألف همزة مثل صائم وخائف ( بعذاب واقع )
2 قول الفراء أن التقدير بعذاب للكافرين ولا يجوز عنده أن يكون للكافرين متعلقا بواقع قال أبو جعفر وظاهر القرآن على غير ما قال وأهل التأويل على غير قوله قال مجاهد وواقع في الآخرة وقال الحسن أنزل الله جل وعز ( سأل سائل بعذاب واقع ) فقالوا لمن هو وعلى من يقع فأنزل الله تعالى ( للكافرين ليس له دافع )
3 نعت قيل المعارج درج الجنة وروى ابن نجيح عن مجاهد قال السماء
4
وفي قراءة عبد الله ( يعرج ) على تذكير الجميع ( في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ) قال أبو جعفر قد ذكرنا فيه أقوالا وأعلى ما قيل فيه عن ابن عباس أنه قال هو يوم القيامة وأن المعنى مقدار محاسبة الله جل وعز الخلق فيه وإثابته ومعاقبته إياهم مقدار ذلك خمسون ألف سنة لو كان غيره المحاسب ويدل على هذا حديث أبي سعيد الخدري قيل يا رسول الله ما أطول هذا اليوم فقال إنه على المؤمن أخف من صلاة مكتوبة يصليها
____________________
(5/28)
5 على أذاهم ( صبرا جميلا ) لا جزع فيه
6 لأنهم لا يؤمنون به قيل الضمير في أنهم للكافرين وفي يرونه للعذاب
7 لأنه كائن وكل كائن قريب
8 يكون التقدير يقع هذا أو يبصرونهم يوم تكون السماء كالمهل وأضيف يوم إلى الفعل لأنه بمعنى المصدر وعطف عليه
9 جمع عهنة ويقال عهون
10
11
في هذا المضمر اختلاف عن العلماء فعن ابن عباس يبصر الحميم حميمه أي يراه ويعرفه ثم يفر منه فهذا قول وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد يبصر المؤمنون الكافرين وعن ابن زيد يبصر في النار التابعون للمتبوعين قال أبو جعفر وأولى هذه الأقوال بالصواب القول
____________________
(5/29)
الأول لأنه قد تقدم ذكر الحميم فيكون الضمير راجعا عليه أولى من أن يعود على ما لم يجر له ذكر ( يود المجرم لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه ) بنيت يومئذ لما أضيفت إلى غير معرب وإن شئت خفضتها بالإضافة فقرأت ( من عذاب يومئذ ببنيه )
12
13
والجمع فصائل وفصل وفصلان
14
أي ثم ينجيه الافتداء لأن يفتدى يدل على الافتداء
15 تمام حسن ( إنها لظى )
16 بين النحويين في هذا اختلاف تكون لظى في موضع نصب على البدل من قولك ها ونزاعة خبر إن وقيل ( لظى ) في موضع رفع على خبر أن و نزاعة خبر ثان أو بدل على إضمار مبتدأ وقيل أن ها كناية عن القصة و لظى نزاعة مبتدأ وخبره وهما خبر عن أن وأجاز أبو عبيد ( نزاعة ) بالنصب وحكى أنه لم يقرأ به قال أبو جعفر وأبو العباس محمد بن يزيد لا يجيز النصب في هذا لأنه لا يجوز أن يكون إلا نزاعة للشوى وليس كذا سبيل الحال
____________________
(5/30)
17 مجاز لأنه يروى أن خزنتها ينادون إيتونا بمن أدبر وتولى عن طاعة الله وروى سعيد عن قتادة تدعو من أدبر عن طاعة الله وتولى عن كتابه وحقه
18 أي جعل المال في وعاء ولم يؤد منه الحقوق ويقال وعيت العلم وأوعيت المتاع
19
خلق في موضع خبر إن ونصبت ( هلوعا ) على الحال المقدرة والهلوع فيما حكاه أهل اللغة الذي يستعمل في حال الفقر ما لا ينبغي أن يستعمله من الجزع وقلة التأسي وفي الغنى ما لا ينبغي أن يستعمله من منع الحق الواجب وقلة الشكر وقد بين هذا بقوله
20
21 ونصبت جزوعا و منوعا على النعت لهلوع ويجوز أن يكون التقدير صار كذا
22 نصب على الاستثناء
23 نعت
24
____________________
(5/31)
عطف عليه روى سعيد بأن قتادة قال الصدقة المفروضة وروى ابن أبي طلحة عن ابن عباس ( والذين في أموالهم حق معلوم ) قال يقول سوى الصدقة يصل بها رحما ويقوي بها ضعيفا أو يحمل بها كلا أو يعين بها محروما
25 قال أبو جعفر صح عن ابن عباس قال المحروم المحارف وعن قتادة السائل الذي نسأل بكفه والمحروم المتعفف أي الذي لا يسأل ولكل عليك حق يا ابن آدم وعن ابن زيد المحروم الذي احترق زرعه
26
27 في موضع نصب كله معطوف على نعت المصلين وكذا
29 وكذا
33 قال أبو جعفر وقراءة أبي عبد الرحمن والحسن ( بشهاداتهم ) قال أبو جعفر شهادة مصدر ذلك قرأها جماعة على التوحيد ويجوز أن يكون واحدا يدل على جمع وكذا
34
35 مبتدأ وخبره
____________________
(5/32)
36
نصب على الحال وكذا
37 جمع عزة جمع بالواو والنون وفيه علامة التأنيث عوضا مما حذف منه وفيه لغة أخرى يقال مررت بقوم عزين يجعل الإعراب في النون
38
وقراءة الحسن وطلحة ( أن يدخل ) بفتح الياء وضم الخاء قال أبو جعفر والآية مشكلة فمما قيل فيها إن المعنى فما للذين كفروا قبلك مسرعين بالتكذيب لك وقيل بالاستماع منك ليعيبوك ( عن اليمين وعن الشمال عزين ) أي متفرقين في أديانهم وهم مخالفون للإسلام أيطمع كل امرىء منهم أن يثاب على هذا فيدخل الجنة وقيل أيطمع كل امرىء منهم أن ينجو من العذاب على هذا الفعل لأن معنى يدخل الجنة ينجو من العذاب
39 رد عليهم ( إنا خلقناهم مما يعلمون ) ذكرهم مهانتهم وأنهم إنما خلقوا من نطفة فكيف يستحقون الثواب إذا لم يعملوا عملا صالحا كما قال قتادة خلقت من قذر يا ابن آدم فاتق الله جل وعز
40
____________________
(5/33)
قال أبو ظبيان عن ابن عباس للشمس كل يوم مشرق ومغرب لم يكونا لها بالأمس فذلك قوله جل وعز ( فلا أقسم برب المشارق والمغارب ) ولا زائدة للتوكيد لا نعلم في ذلك اختلافا فإنما اختلفوا في لا أقسم لأنه أول السورة فكرهوا أن يقولوا زائد في أول السورة وقد أجمع النحويون أنه لا تزاد لا و ما في أول الكلام فكان الكلام في هذا أشد وجواب القسم ( إنا لقادرون )
41
أي ليس يعجزوننا ولا يفوتوننا لأن من فاته الشيء ولم يلحقه فقد سبقه
42 جواب وفيه معنى الشرط وفي موضع آخر { ثم ذرهم في خوضهم يلعبون } لأن هذا ليس بجواب وزعم الأخفش سعيد أن الفرق بينهما أنه إذا كان بالنون فهم في تلك الحال وإذا لم يكن بالنون فهو للمستقبل ( يومهم الذي يوعدون )
43 بدل منه ( من الأجداث سراعا ) نصب على الحال ( كأنهم إلى نصب يوفضون ) وقراءة الحسن ( إلى نصب ) وكذا يروى عن زيد بن ثابت وأبي العالية أي إلى غايات يستبقون
____________________
(5/34)
وقال الحسن كانوا يجتمعون غدوة فيجلسون فإذا طلعت الشمس تبادروا إلى أنصابهم فقال الأعرج إلى نصب إلى علم قال أبو جعفر وتقديره في العربية إلى علم قد نصب نصبا
44 أي ذليلة خاضعة لما نزل بهم ونصب خاشعة بترهقهم أو بيخرجون ( ترهقهم ذلة ) أي تغشاهم ( ذلك اليوم الذي كانوا يوعدون ) قيل الذي كانوا مشركو قريش يوعدون به فلا يصدقون ذلك
____________________
(5/35)
____________________
(5/36)
71
1 الأصل إننا حذفت النون تخفيفا ( أرسلنا ) سكنت اللام في الأصل لاجتماع الحركات وأنه مبني ( نوحا ) اسم أعجمي انصرف لأنه على ثلاثة أحرف ( إلى قومه ) اسم للجمع وقيل قوم جمع قائم مثل تاجر وتجر ( أن أنذر قومك ) أن بمعنى التبيين تقول أي أنذر قومك ويجوز أن يكون في موضع نصب ويكون المعنى بأن أنذر قومك ( من قبل أن يأتيهم عذاب أليم ) خفضت قبل بمن وأعربتها لأنها مضافة إلى أن
2
3
يكون أن أيضا بمعنى أي ويكون بمعنى نذير بأن اعبدوا الله وصلتها ابعدوا ( واتقوه وأطيعون ) عطف عليه
4
جزم لأنه جواب الأمر ( ويؤخركم إلى أجل مسمى ) عطف عليه ( إن
____________________
(5/37)
أجل الله إذا جاء لا يؤخر لو كنتم تعلمون ) لم يجزم بلو الفعل المستقبل لمخالفتها حروف الشرط في أنها لا ترد الماضي إلى المستقبل
5 على الظرف
6 مفعول ثان
7 منصوب على الظرف و ما متصلة مع كل إذا كانت بمعنى إذا والجواب ( جعلوا أصابعهم في آذانهم ) الواحدة إصبع مؤنثة ويقال أصبع ( واستغشوا ثيابهم وأصروا ) عطف عليه قال الفراء أصروا سكتوا على الكفر ( واستكبروا استكبارا ) مصدر فيه معنى التوكيد وكذا
8 ويجوز أن يكون التقدير ذا جهار
9
مصدر أيضا فيه معنى التوكيد
10 أي استدعوا منه المغفرة ( أنه كان غفارا ) أي ستارا على عقوبات الذنوب لمن تاب
11 جواب الأمر ( مدرارا ) نصب على الحال من السماء ومفعال للمؤنث بغير هاء لأنه جار على الفعل يقال
____________________
(5/38)
أمراة مذكرا ومئناث بغير هاء
12
يروى أنهم قيل لهم هذا لأنهم كانوا شديدي المحبة للمال
13 قد ذكرناه
14 أكثر أهل التفسير على أن الأطوار خلقكم نطفة ثم علقة ثم مضغة وقيل اختلاف المناظر لأنك ترى الخلق فتميز بينهم في الصور والكلام ولا بد من فرق وإن اشتبهوا وذلك دال على مدبر وصانع
15
مصدر ويجوز أن يكون نعتا لسبع وأجاز الفراء الخفض في غير القرآن
16 قال أبو جعفر أجل ما روي فيه قول عبد الله بن عمرو إن وجه القمر إلى السموات فهو فيهن على الحقيقة ( وجعل الشمس سراجا ) مفعولان
____________________
(5/39)
17
ومصدر أنبت إنبات إلا أن التقدير فنبتهم نباتا قيل هذا لأن آدم صلى الله عليه وسلم خلق من طين وقيل النطفة مخلوقة من تراب
18 بالاقبار ( ويخرجكم إخراجا ) إلى البعث
19 ويجوز بصاد لأن بعدها طاء
20
روى ابن أبي طلحة عن ابن عباس ( سبلا فجاجا ) قال طرقا مختلفة
21
وقرأ الكوفيون وأبو عمرو ( وولده ) ويجوز والده مثل أقتت وروى شبل عن مجاهد قال ولده زوجه وأهله وروى خارجة عن أبي عمرو بن العلاء قال ولده عشيرته وقومه قال أبو جعفر أما أهل اللغة سوى هذه الرواية عن أبي عمرو فيقولون ولد وولد مثل بخل وبخل وفلك
____________________
(5/40)
وفلك ويجوز عندهم أن يكون ولد جمع ولد وثن ووثن
22 و ( كبارا ) هي قراءة بمعنى واحد
23
هذه قراءة أهل المدينة وقرأ الكوفيون وأبو عمرو ( ودا ) بفتح الواو وهو اختيار أبي عبيد واحتج بقولهم عبد ود وأن الصنم اسمه ود قال أبو جعفر وهذا من الاحتجاجات الشاذة والمتعارف عكس ما قال إنما يقال عبد ود فإن كان من جهة التعارف فهو هذا وإن كان من جهة الأشبه فالأشبه أن يسمى بود مشتق من الوداد وهو السهولة واللين ومنه وددت الرجل أحببته ووددته إبرا بررته ووددت أن ذلك الشيء لي أي تمنيت بسهولة وتسميتهم الصنم ودا من هذا ( ولا يغوث ويعوق ونسرا ) لم ينصرف يغوث ويعوق لشبههما الفعل المستقبل وقرأ الأعمش ( ولا يغوثا ويعوقا ) بالصرف وفي حرف عبد الله فيما روى ( ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوثا ويعوقا ونسرا ) قال أبو جعفر هذا عند الخليل وسيبويه لحن وهو أيضا مخالف للسواد الأعظم وزعم الفراء أن ذلك يجوز صرفه لكثرته أو كأنه نكرة وهذا ما لا
____________________
(5/41)
يحصل لأنه ليس إذا كثر الشيء صرف فيه ما لا ينصرف على أنه لا معنى لقوله لكثرته في اسم صنم ولا معنى لأن يكون نكرة ما كان مخصوصا مثل هذا وقد زاد الكسائي على هذا فقال العرب تصرف كل ما لا ينصرف إلا أفعل منك قال محمد بن يزيد هذا خطأ لأنهم قد صرفوا خيرا منك وشرا منك ومعها منك
24 ويجوز في غير القرآن وقد أضللن وقد أضلت ( ولا تزد الظالمين إلا ضلالا ) قيل المعنى لا توفقهم وقيل إلا ضلالا عن الثواب وطريق الجنة
25
ما زائدة للتوكيد ولا يجوز عند البصريين غير ذلك والكوفيون يقولون صلة ثم يرجعون في بعض المواضع إلى الحق وهذا منها زعم الفراء أن ما ههنا تفيد لأن المعنى من أجل خطيئاتهم أغرقوا واحتج بأن ما تدل على المجازاة وذكر حيثما تكن أكن وذكر كيف وأين هذا في كتابه معاني القرآن ومذهبه في هذا حسن لولا ما فيه من التخطيط ذكر حيثما وهي لا يجازى بها إلا ومعها ما وذكر كيف وهي لا يجازى بها البتة وذكر أين وهي يجازى بها مع ما وبغير ما فجمع بين ثلاثة أشياء مختلفة
____________________
(5/42)
26
أي أحدا وهو من دار يدور أي أحدا يدور وقيل ديار صاحب دار
27 شرط ( يضلوا عبادك ) مجازاة ( ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا ) عطف عليه
28
بفتح الياء لأنها ياء النفس لا يجوز كسرها وهي نظيرة بمصرخي وكذا قراءة من قرأ ولوالدي ومن قرأ ولوالدي جاز أن يسكن الياء وأن يفتحها ( ولمن دخل بيتي مؤمنا وللمؤمنين ) عطف بإعادة الحرف ( والمؤمنات ) عطف بغير إعادة الحرف ( ولا تزد الظالمين إلا تبارا ) قال الفراء إلا ضلالا وأولى منه قول مجاهد إلا هلاكا مشتق من التبر وتبرت الشيء وتبرته كسرته
____________________
(5/43)
72
1
قرأ جوية بن عائذ الأسدي ( قل أحي إلي ) قال أبو جعفر هذا على لغة من قال وحى يحي قال العجاج
( وحى لها القرار فاستقرت ** )
والأصل وحي إلي فأبدل من الواو همزة مثل أقتت أنه في موضع رفع اسم مالم يسم فاعله والنفر ثلاثة وأكثر ( قالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا ) كسرت ان لأنها بعد القول فهي مبتدأ ومعنى عجب عجيب في اللغة على ما ذكره محمد بن يزيد أنه الشيء يقل ولا يكاد يوجد مثله
2
____________________
(5/45)
لن تدل على المستقبل والأصل فيها عند الخليل لا أن وزعم أبو عبيدة أنه قد يجزم بها
3 هذه قراءة المدنيين في السورة كلها إلا في ( قل أوحي إلي أنه ) وفي ( وأن المساجد لله ) وفي و ( أن لو استقاموا على الطريقة ) وقد زعم بعض أهل اللغة أن قراءة المدنيين لا يجوز غيرها وطعن على من قرأ بالفتح لأنه توهم أنه معطوف على ( أنه استمع ) قال أبو جعفر وذلك غلط لأنه قد قرأ بالفتح من تقوم الحجة بقراءته روى الأعمش عن إبراهيم بن علقمة أنه قرأ و أن في السورة كلها وقرأ يحيى بن وثاب والأعمش وحمزة والكسائي بالفتح في السورة كلها إلى قوله { قل إنما أدعو ربي } فلما أشكل عليه هذا عدل إلى قراءة أهل المدينة لأنها بينة واضحة والقول في الفتح أنه معطوف على المعنى والتقدير فآمنا به وآمنا أنه تعالى جد ربنا فإنه في موضع نصب وأحسن ما روي في معنى جد ربنا قول ابن عباس أنه الغني والعظمة والرفعة وأصل الجد في اللغة الارتفاع من ذلك الجد أبو الأب ومنه الجد الحظ وباللغة الفارسية البخت ويقال إن الجن قصدوا إلى هذا وأنهم أرادوا الرفعة والحظ أي ارتفع ربنا عن أن ينسب إلى الضعف الذي في خلقه
____________________
(5/46)
من اتخاذ المرأة وطلب الولد والشهوة يدل على هذا أن بعده ( ما اتخذ صاحبة ولا ولدا ) وقد زعم بعض الفقهاء أنه يكره أن تقول
وتعالى جدك واحتج بأن هذا إخبار عن الجن وذلك غلط لأنه قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم ذلك ولم يذم الله الجن على هذا القول وروى عن عكرمة ( وأنه تعالى جدا ربنا )
4
السفه رقة الحلم وثوب سفيه أي رقيق وفتح أن أيضا حملا على المعنى أي صدقنا وشهدنا والشطط البعد كما قال
( شطت مزار العاشقين فأصبحت ** )
5
لاستعظامهم ذلك والظن ههنا الشك
6
اسم كان وخبرها ( يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا ) مفعول ثان
____________________
(5/47)
7 وإن فتحت أن حملته أيضا على المعنى أي علمنا أنهم ظنوا كما ظننتم ( أن لن يبعث الله أحدا ) أن وما بعدها في موضع المفعولين لظننتم أن أعملته وأن أعلمت الأول نويت بها التقدم
8
إن عديت وجدنا إلى مفعولين فملئت في موضع المفعول الثاني وإن عديتهما إلى واحد أضمرت قد قال أبو جعفر والأول أولى وشهب في الكثير وفي القليل أشهبة
9
لم ينصرف لأنه لا نظير له في الواحد وهو نهاية الجمع ( فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا ) شرط ومجازاة
10
أحسن ما قيل فيه إن المعنى لا ندري أشرا أراد الله بمن في الأرض حين منعنا الاستماع من السماء أم أراد بهم ربهم أن يرسل إليهم رسولا فيرشدهم هذا مذهب ابن زيد وكانت هذه من علامات نبوته صلى الله عليه وسلم أنه شدد على الشياطين في استماعهم من السماء ورموا بالشهب
11
____________________
(5/48)
لما سكنت النون من من استغنيت عن زيادة نون أخرى فإذا قلت مني فالاسم الياء وزدت النون لئلا تكسر نون من ( كنا طرائق قددا ) الواحدة طريقة ويقال طريق وطريقة وفلان على طريقة فلان وفلان طريقة القوم أي رئيسهم والقوم طريقة أيضا وإن شئت جمعت
12
الظن ههنا يقين ( ولن نعجزه هربا ) مصدر في موضع الحال
13
على تذكير الهدى وهي اللغة الفصيحة وقد تؤنث ( فمن يؤمن بربه فلا يخاف بخسا ولا رهقا ) وقراءة يحيى بن وثاب والأعمش ( فلا يخف ) على النهي
14
قسط إذا جار هذا الأصل ثم يزاد عليه الألف فيقال أقسط إذا أزال القسوط أي عدل
16
وقراءة يحيى بن وثاب والأعمش ( وأن لو استقاموا ) بضم الواو لالتقاء الساكنين ولأن الضمة تشبه الواو إلا أن سيبويه لا يجيز إلا الكسر في الواو الأصلية فرقا بينها وبين الزائدة ( لأسقيناهم ماء غدقا ) حكى أبو عبيدة
____________________
(5/49)
سقيته وأسقيته لغة وأما الأصمعي فقال سقيته لفيه وأسقيته جعلت له شربا قال أبو جعفر وعلى ما قال الأصمعي اللغة الفصيحة منها لأسقيناهم أي أدمنا لهم ذلك غير أن أبا عبيدة أنشد للبيد وهو غير مدافع عن الفصاحة
( سقى قومي بني مجد وأسقى ** نميرا والقبائل من هلال ) فسئل الأصمعي عن هذا البيت فقال هو عندي معمول ولا يكون مطبوع يأتي للغتين في بيت واحد
17 حكى أبو زيد وأبو عبيدة فتنته وأفتنته قال أبو زيد لغة بني تميم أفتنته قال الأصمعي فتنه يفتنه فهو فاتن وفتان قال الله جل وعز { ما أنتم عليه بفاتنين } قال ولا يقال أفتنه وأنكر هذه اللغة ولم يعرفها فأنشدهم
( لئن فتنتني لهي بالأمس أفتنت ** سعيدا فأمسى قد قلا كل مسلم ) قال أبو جعفر وهذا شعر قديم غير أن الأصمعي قال لا بأس هذا قد سمعناه من مخنث فلا يلتفت إليه وإن كان قد قيل قديما قال
____________________
(5/50)
أبو جعفر قد حكى الجلة من أهل اللغة ممن يرجع إلى قوله في الصدق فتنه وأفتنه غير أن سيبويه فرق بينهما فذهب إلى أن المعتدي أفتن وأن معنى فتنة جعل فيه فتنة كما تقول كحله ( ومن يعرض عن ذكر ربه يسلكه عذابا صعدا ) وقرأ مسلم بن جندب ( نسلكه ) بضم النون قال أبو جعفر سلكه وأسلكه لغتان عند كثير من أهل اللغة وقال الأصمعي سلكه بغير ألف قال الله جل وعز { ما سلككم في سقر } وكما قال
( أما سلكت سبيلا كنت سالكها ** فاذهب فلا يبعدنك الله منتشر ) وسلك وسلكته مثل رجع ورجعته وأسلكته لغة معروفة أنشد أبو عبيدة وغيره لعبد مناف بن ربع
( حتى إذا أسلكوهم في قتائدة ** شلا كما تطرد الجمالة الشردا ) ولم يطعن الأصمعي في هذا البيت غير أنه قال أسلكه حمله على أن يسلك وزعم أبو عبيدة أن الجواب محذوف وخولف في هذا وقيل الجواب شلوا وشلا يقوم مقامه
____________________
(5/51)
18 أن في موضع نصب بمعنى ولأن وعلى قول بعضهم في موضع رفع عطفا على ( قل أوحي إلي أنه ) ( فلا تدعوا مع الله أحدا ) نهي لجماعة وحذفت منه النون للجزم
روى ابن أبي طلحة عن ابن عباس لبدا أعوانا وقال مجاهد
19 لبدا جماعات ومالا لبدا كثيرا قال أبو جعفر وهذا قول بين وإن كان هذا قد قرىء ( لبدا ) فهو بعيد والمعنى على الجماعة الأعلى الكثرة كما قال مجاهد من تلبد الشيء على الشيء إذا تجمع عليه ولصق به وعليه لبدة أي شعر وما أشبهه كما قال
( لدى أسد شاكي السلاح مقاذف ** له لبد أظفاره لم تقلم )
20
ويقرأ ( قل إنما أدعو ربي ) والقراءة يقال متسقة ويقال منقطعة والمعنيان صحيحان أي قل لهم فقال إنما أدعو ربي ( ولا أشرك به أحدا ) نسق ويجوز أن يكون مستأنفا
21
____________________
(5/52)
أي لا أملك أن أضركم في دينكم ولا دنياكم إلا أن أرشدكم كرها أي إلا أن أبلغكم وفيه قول آخر يكون نصبا على إضمار فعل ويكون مصدرا أي قل إني لن يجيزني من الله أحد إلا أن أبلغ رسالته فيكون أن منفصلة من لا والمعنى إلا بلاغا ما أتاني من الله ورسالاته ( ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيه أبدا ) شرط ومجازاة وهو في كلام العرب عام لكل من عصى الله جل وعز إلا من استثني بآية من القرآن أو توقيف من الرسول صلى الله عليه وسلم أو بإجماع من المسلمين والذي جاء مستثنى منه من تاب وآمن ومن عمل صغيرة واجتنب الكبائر وسائر ذلك داخلون في الآية إلا ما صح عن النبي من خروج الموحدين من النار
22
لن تجعل الفعل مستقبلا لا غير ( ولن أجد من دونه ملتحدا ) أي ملجأ ألجأ إليه وأميل واللحد في القبر من هذا لأنه مائل ناحية منه ويمال الميت إليه
23
نصب على الاستثناء والمعنى فيه إذا كان استثناء
24 إذا ظرف ولا تعرب
____________________
(5/53)
لشبهها بالحروف بتنقلها وأن فيها معنى المجازاة وجوابها ( فسيعلمون من أضعف ناصرا ) من في موضع رفع لأنها استفهام ولا يعمل في الاستفهام ما قبله هذا الوجه وإن جعلتها بمعنى الذي كانت في موضع نصب وأضمرت مبتدأ وكان أضعف خبره ( وأقل ) عطف عليه ( عددا ) نصب على البيان
25
أدري في موضع رفع حذفت الضمة منه ومن نصبه فقد لحن لحنا لا يجوز ( أم يجعل له ) عطف عليه
26 نعت ( فلا يظهر على غيبه أحدا )
27
في موضع نصب على الاستثناء من أحد لأن أحدا بمعنى جماعة ( فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا ) بمعنى جماعة أي ذوي رصد من الملائكة يحفظونه ويحفظون ما ينزل من الوحي لا يغير ولا يسترق
28
قد ذكرناه ( وأحاط بما لديهم ) عطف جملة لأن الذي قبله مستقبل وهو ماض وكذا ( وأحصى كل شيء عددا )
____________________
(5/54)
73
1 الأصل المتزمل أدغمت التاء في الزاي وفي معناه ثلاثة أقوال فمذهب الزهري أنه تزمل من فزع أصابه أول ما رأى الملك ومذهب قتادة أنه تزمل متأهبا للصلاة تأولا على قتادة وليس بنص قوله ومذهب عكرمة أن المعنى يا أيها المتزمل النبوة والرسالة مجازا وتأولا على عكرمة ونص قوله قد زملت هذا الأمر فقم به قال أبو جعفر والبين قول الزهري قال إبراهيم النخعي كان متزملا في قطيفة
2 كسرت الميم لالتقاء الساكنين ولم تردد الواو لأن الحركة ليست بلازمة في معنى ( قم الليل إلا قليلا ) ثلاثة أقوال إن هذا ليس بفرض يدل على ذلك أن بعده
3 وليس كذلك تكون الفروض والقول الثاني إنه منسوخ نسخة آخر السورة وهذا قول ابن عباس والقول الثالث إنه كان فرضا فالمخاطب
____________________
(5/55)
به النبي صلى الله عليه وسلم ولم يقل عز وجل قوموا نصفه منصوب على إضمار فعل أي قسم نصفه ( أو انقص منه قليلا ) ضمت الواو لالتقاء الساكنين وإن شئت كسرت على الأصل
4 تخيير ( ورتل القرآن ترتيلا ) حقيقته في كلام العرب تلبث في قراءته وافصل الحرف من الحرف الذي بعده ولا تستعجل فيدخل بعض الحروف في بعض مشتق من الرتل قال الأصمعي وفي الأسنان الرتل وهو أن يكون بين الأسنان الفرج لا يركب بعضها بعضا يقال ثغر رتل قال أبو جعفر وهذا قول صحيح بين وقيل هو من الرتل الذي هو الضعف واللين فالمعنى لين القراءة ولا تستعجل بالانكماش
5
في معناه قولان قال عروة كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أوحي إليه وهو على ناقته ثقل عليها حتى تضع جرانها وقيل لما فيه من الفرائض والمنع من الشهوات كما قال قتادة ثقله في الميزان كثقله على الإنسان في الدنيا
6 من نشأ إذا ابتدأ ( هي أشد وطأ ) كذا يقرأ أكثر القراء وهذا نصب على البيان ووطأ مصدر واطأ مواطأة ووطاء
____________________
(5/56)
( وأقوم قيلا ) بيان أيضا
7
وعن يحيى بن يعمر أنه قرأ ( سبخا ) بخاء معجمة أي راحة ونوما وفي الحديث لا تسبخي عنه أي لا تخففي
8
تبتيل مصدر بتل لأن المعنى واحد وقد تبتل تبتلا
9
بالرفع والكوفيون يقرءون ( رب المشرق والمغرب ) بالخفض والرفع حسن لأنه أول الآية بمعنى هو رب المشرق ويجوز أن يكون مرفوعا بالابتداء وخبره ( لا إله إلا هو ) ولو كان خبره ( فاتخذه وكيلا ) لكان النصب أولى به
10 أي مما يؤذيك ( واهجرهم هجرا جميلا ) وهو الهجر في ذات الله جل وعز كما قال { وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره }
____________________
(5/57)
11 عطف على النون والياء ويجوز أن يكون مفعولا معه ( أولي النعمة ) كتبت بزيادة واو بعد الألف فرقا بين أولي والى ( ومهلهم قليلا ) نعت لمصدر أو ظرف
12 اسم إن الواحد نكل ( وجحيما )
13 نسق كله والمعنى عندنا هذا
14
قال الفراء هلت التراب إذا حركت أسفله فسقط أعلاه وقال أبو عبيد يقال لكل شيء أرسلته إرسالا من رمل أو تراب أو طعام أو نحوه قد هلته أهيله هيلا إذا أرسلته فهو مهيل قال أبو جعفر الأصل مهيول فأعل فألقيت حركة الياء على الهاء فالتقى ساكنان واختلف النحويون بعد هذا فقال الخليل وسيبويه حذفت الواو لالتقاء الساكنين لأنها زائدة وكسرت الهاء لمجاورتها الياء فقيل مهيل وزعم الكسائي والفراء والأخفش أن هذا خطأ والحجة لهم أن الواو جاءت لمعنى فلا تحذف ولكن حذفت الياء فكان يلزمهم على هذا أن يقولوا مهول فاحتجوا بأن الهاء كسرت لمجاورتها الياء فلما حذفت الياء انقلبت الواو ياء لمجاورتها الكسرة قال أبو جعفر وهذا باب التصريف وغامض النحو وقد أجمعوا جميعا على أنه يجوز مهيول ومبيوع ومكيول ومغيوم
____________________
(5/58)
قال أبو زيد هي لغة لتميم وقال علقمة بن عبدة
( يوم رذاذ عليه الدجن مغيوم ** )
فهذا جائز في ذوات الياء ولا يجيزه البصريون في ذوات الواو ولا يجوز عندهم خاتم مصووغ ولا كلام مقوول لثقل هذا لأنه قد اجتمعت واوان وضمة وهم يستثقلون الواحدة ويفرون منها قال جل وعز وإذا الرسل أقتت كذا في المصحف المجتمع عليه قال الشاعر
( لكل دهر قد لبست أثؤبا ** )
فأبدل من الواو همزة وأجاز النحويون رمل مهول وثوب مبوع ينوه على بوع الثوب فأبدل من الياء واو لضمة ما قبلها وأنشد الفراء
( ألم تر أن الملك قد شون وجهه ** وبنع بلاد الله قد صار عوسجا )
____________________
(5/59)
يريد شين وأنشد الكسائي والفراء
( ويأوي إلى زغب مساكين دونهم ** فلا لا تخطاه الركاب مهوب )
واللغة العالية التي جاء بها القرآن قال عائد بن محصن بن ثعلبة
( فأبقى باطلي والحد منها ** كدكان الدرابنة المطين )
15
النون والألف الثانية في موضع رفع والأولى في موضع نصب واتفق المكنيان لأنهما غير معربين ( شاهدا عليكم ) نعت لرسول ( كما أرسلنا إلى فرعون رسولا ) الكاف في موضع نصب
16
رسول الأول نكرة لأنه لم يتقدم ذكره والثاني معرفة لأنه قد تقدم ذكره ولهذا يكتب في أول الكتب سلام عليك وفي آخرها والسلام ولهذا
____________________
(5/60)
اختار بعض العلماء في التسليمة الأولى من الصلاة سلام عليكم وفي الثانية السلام عليكم وذلك المختار في كلام العرب ( فأخذناه أخذا وبيلا ) نعت لأخذ روى ابن أبي طلحة عن ابن عباس وبيلا أي شديدا قال أبو جعفر يقال كلأ مستوبل أي لا يستمرأ قال الفراء وفي قراءة ابن مسعود
17 قال أبو جعفر وهذه القراءة على التفسير وفي يجعل ضمير يعود على اليوم ويجوز أن يكون الضمير يعود على اسم الله ويكون في الكلام حذف أي يجعل الولدان فيه شيبا
18 ولم يقل منفطرة والسماء مؤنثة في هذا ثلاثة أقوال قال الخليل رحمه الله وهو كما تقول معضل يريد على النسب وقيل حمل التذكير على معنى السقف والقول الثالث قول الفراء إن السماء تؤنث وتذكر فجاء هذا على التذكير وأنشد
( فلو رفع السماء إليه قوما ** لحقنا بالنجوم مع السحاب ) ( كان وعده مفعولا ) أي ليس لوعده خلف وقد وعد بكون هذا الأشياء في القيامة
____________________
(5/61)
19 أي هذه الأشياء التي تكون في القيامة عظة وقال قتادة يعني القرآن ( فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا ) قال أي بطاعتهم
20
عطف على ثلثي الليل وهي قراءة الحسن وأبي عمرو وأبي جعفر وشيبة ونافع وقرأ عاصم والأعمش وحمزة والكسائي ( نصفه وثلثه ) عطفا على أدنى وقرأ ابن كثير ( ونصفه وثلثه ) حذف الضمة لثقلها واختار أبو عبيد الخفض واحتج أن بعده ( علم أن لن تحصوه ) قال فكيف يقومون نصفه قال أبو جعفر القراءتان قد قرأ بهما الجماعة وتقدير الخفض ويقوم أدنى من نصفه وأدنى من ثلثه وتقدير النصب أدنى من ثلثي الليل وذلك أكثر من النصف مرة وتقوم نصفه مرة وتقوم ثلثه مرة والاحتجاج بعلم أن لن تحصوه لا معنى له لأنه لم يخبر أنهم قالوا قمنا نصفه وإنما أخبر بحقيقة ما يعلمه وقد عكس الفراء قوله فاختار النصب لأن المعنى عنده عليه أولى لأنه يستبعد وأقل من نصفه لأنه إنما يبين القليل عنده لا أقل القليل ولو كان كما قال لكان نصفه بغير واو حتى يكون تبيينا لأدنى والسلامة من هذا عند أهل الدين إذا صحت القراءتان عن الجماعة أن لا يقال إحداهما أجود من الأخرى لأنهما جميعا عن النبي صلى الله عليه وسلم فيأثم من قال ذلك وكان رؤساء الصحابة رحمهم الله ينكرون مثل هذا وقد أجاز الفراء ( إن ربك يعلم أنك
____________________
(5/62)
تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه ) نصب ثلثه عطفا على أدنى وخفض ( نصفه ) عطفا على ثلثي الليل واحتج بالحديث انتهت صلاة النبي إلى ثلث الليل وهذا أيضا مما يكره أن تعارض به قراءة الجماعة بما لم يقرأ به وبحديث إن صح لم تكن فيه حجة ( وطائفة من الذين معك ) احتج بعض العلماء بهذا واستدل على أن صلاة الليل ليست بفرض قال ولو كانت فرضا لقاموا كلهم ( والله يقدر الليل والنهار ) أي يقدر ساعاتهما وأوقاتهما ( علم أن لن تحصوه ) قال الحسن وسعيد بن جبير أن لن تطيقوه وقال الفراء أن لن تحفظوه ( فتاب عليكم ) رجع لكم إلى ما هو أسهل عليكم والتوبة في اللغة الرجوع ( فاقرءوا ما تيسر من القرآن علم أن سيكون منكم مرضى ) والتقدير عند سيبويه أنثه وذكر سيكون لأنه تأنيث غير حقيقي ( وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله ) عطف على مرضى وكذا ( وآخرون يقاتلون في سبيل الله فاقرءوا ما تيسر منه ) فلهذا استحب جماعة من العلماء قيام الليل ولو كان أدنى شيء والحديث فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم مؤكد ( وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأقرضوا الله قرضا حسنا ) قال ابن زيد النوافل سوى الزكاة ( وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيرا وأعظم أجرا ) أي مما أنفقتم ونصبت خيرا لأنه خبر تجدوه و ( هو ) زائدة للفصل ( واستغفروا الله ) أي من ذنوبكم وتقصيركم ( إن الله غفور ) أي على سائر عقوبة من تاب ( رحيم ) به لا يعذبه بعد التوبة
____________________
(5/63)
74
1 الأصل المتدثر أدغمت التاء في الدال لأنها من موضع واحد قال إبراهيم النخعي كان متدثرا بقطيفة وقال عكرمة أي دثرت هذا الأمر فقم به
2 قال قتادة أي أنذر عذاب الله وقائعه بالأمم قال أبو جعفر فالتقدير على قول قتادة فأنذرهم بهذه الأشياء ثم حذف هذا للدلالة
3 أي عظمه بعبادته وحده وهو نصب بكبر
4 نصب بطهر
5 نصب ب فاهجر ولو كانت في الأفعال الهاء لكان النصب أولى أيضا لأن الأمر بالفعل أولى
6 جزم بالنهي وأظهرت التضعيف لسكون الثاني ولو كان في الكلام لجاز لاتمن بفتح النون وكسرها وضمها وروى
____________________
(5/65)
حصيف عن مجاهد قال لا تمنن لا تضعف قال أبو جعفر ويكون مأخوذا من المنين وهو الضعيف ويكون التقدير ولا تضعف أن تستكثر من الخير فحذفت أن ورفع الفعل وقال ابن زيد ولا تمنن على الناس بتأدية الرسالة لتستكثر منهم قال أبو جعفر وأولى ما قيل في المعنى والله جل وعز أعلم ولا تمنن بطاعتك وتأديتك الرسالة تستكثر ذلك وهذا معنى قول الحسن قال أبو جعفر فقلنا هذا أولى لأنه أشبه بسياق الكلام لأن في الكلام تحذيرا وأمرا بالصبر والجد في الطاعة
7 أي على طاعته
8 اسم ما لم يسم فاعله على قول سيبويه في الناقور وعلى قول أبي العباس مضمر دل عليه الفعل
9 مبتدأ ( يومئذ ) يكون بدلا منه وفتح لأنه مبني كما قرىء { من عذاب يومئذ } ويجوز أن يكون منصوبا بمعنى أعني ( يوم ) خبر الابتداء ( عسير ) من نعته وكذا
10
11 من في موضع نصب على أنها مفعول معه أو عطف على النون والياء وحيدا نصب على الحال
____________________
(5/66)
12 له في موضع المفعول الثاني
13 لما تحركت حذفت ألف الوصل وعلى هذا قالوا في النسب بنوي وأجاز سيبويه ابني ومنعه بعض الكوفيين
14 مصدر مؤكد
15
16
رد لطمعه وردع له ( إنه كان لآياتنا عنيدا ) بمعنى معاند
17 روى عطية عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال يكلف صعود عقبة إذا جعل يده عليها ذابت وإذا جعل رجله عليها ذابت
18 أي فكر في رد آيات الله جل وعز وقد رجع مرة بعد مرة ينظر هل يقدر أن يردها وهو الوليد بن المغيرة بلا اختلاف قال قتادة زعموا أنه فكر فيما جاء به النبي فقال والله ما هو بشعر وإن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة وما هو عندي إلا سحر فأنزل الله تعالى
19 قال أبو جعفر قول الفراء قتل بمعنى
____________________
(5/67)
لعن قال أبو جعفر هذا يجب على كلام العرب أن يكون قتل بمعنى أهلك لأن المقتول مهلك
21
22
أي قبض بين عينيه وقطب لما عسر عليه الرد على النبي صلى الله عليه وسلم
23 عن الحق ( واستكبر ) فأخبر الله بجهله أنه تكبر أن يصدق بآيات الله ورسوله بعد أن يتهيأ له رد ما جاء به ولم يتكبر أن يسجد لحجارة لا تنفع ولا تضر
24
لما لم يجد حجة كفر ثم قال
25 فزاد في جهله ما لم يخف لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد تحداهم وهم عرب مثله على أن يأتوا بسورة من مثله فعجزوا عن ذلك ولو كان قول البشر لساغ لهم ما ساغ له
26 قيل لم ينصرف لأنها اسم لمؤنث وقيل إنها اسم أعجمي والأول الصواب لأن الأعجمي إذا كان على ثلاثة أحرف انصرف وإن كان متحرك الأوسط وأيضا فإنه اسم عربي مشتق يقال سقرته الشمس إذا أحرقته والساقور حديدة تحمى ويكوى بها الحمار
____________________
(5/68)
27
الجملة في موضع نصب بأدراك إلا أن الاستفهام لا يعلم فيه ما قبله
28 يقال لم حذفت الواو من تذر وإنما تحذف في يذر فإن قيل أصله يفعل قيل فتح وليس فيه حرف من حروف الحلق فالجواب قاله ابن كيسان لما كان يذر بمعنى يدع في أنه لا ينطق منه بماضي ومعناهما واحد اتبعوه إياه
29 على إضمار مبتدأ أي هي لواحة للبشر أي للخلق ويجوز أن يكون جمع بشرة
30
في موضع رفع بالابتداء إلا أنه فتح لأن واو العطف حذفت منه فحرك بحركتها وقيل ثقل فأعطي أخف الحركات لأنهما اسمان في الأصل واختلف النحويون في النسب إليهما فمذهب سيبويه و جماعة من النحويين إنك إذا نسبت إليهما حذفته الثاني ونسبت إلى الأول فقلت تسعي وأحدي إلى أحد عشر وبعلي في النسب إلى بعلبك والقول الآخر أن النسب إليهما جميعا لا غير وأنه يقال تسعة عشري وبعلبكي ورد أبو العباس أحمد بن يحيى القول الأول وقال هما اسمان يؤديان عن معنى فإذا أسقطت الثاني ذهب معناه ولم يجز إلا النسب إليهما جميعا
____________________
(5/69)
واحتج بما أجمع عليه النحويون من قولهم هذا حب رماني وجحر ضبي فأضاف إلى الثاني ولم يحذف وكذا هذا أبو عمري قال أحمد بن يحيى فهذا في النسب أوكد يعني هذا تسعة عشري ومعد يكربي وبعلبكي وأجاز الفراء جاءني أحد عشر بإسكان العين وكذا ثلاثة عشر إلى تسعة عشر ولا يجيز هذا في اثني عشر لئلا يجمع بين ساكنين ولا يجيزه في المؤنث لئلا يجمع بين ساكنين قال أبو جعفر والذي قاله لا يبعد قد روي عن أبي جعفر أنه قرأ ( عليها تسعة عشر )
31
أصحاب جمع صاحب على حذف الزائد لأن أفعالا ليس بجمع فاعل بغير حذف وأفعال جمع ثمانية أمثلة ليس منها فاعل ولا فعل ( وما جعلنا عدتهم إلا فتنة للذين كفروا ) أي شدة وتعبدا ليكفروا فيعلموا أن الله قادر على تقوية هؤلاء الملائكة وتأييدهم ( ليستيقن الذين أوتوا الكتاب ) لام كي وأصلها أنها لام الخفض لأن المعنى لاستيقان الذين أوتوا الكتاب ( ويزداد الذين آمنوا إيمانا ) عطف على الأول وكذا ( ولا يرتاب الذين أوتوا الكتاب والمؤمنون ) ثم أعيدت اللام ولو لم يؤت بها لجاز في ( وليقول الذين في قلوبهم مرض والكافرون ماذا أراد الله بهذا مثلا ) ما في موضع نصب بأراد وهي وذا بمنزلة شيء واحد فإن جعلت ذا بمعنى الذي فما
____________________
(5/70)
في موضع رفع بالابتداء وذا خبره وما بعده صلة له ( كذلك يضل الله من يشاء ويهدي من يشاء ) الكاف في موضع نصب نعت لمصدر ( وما يعلم جنود ربك إلا هو ) رفع بيعلم ولا يجوز النصب على الاستثناء وكذا ( وما هي إلا ذكرى للبشر ) قال مجاهد أي وما النار إلا ذكرى للبشر وذكر محمد بن جرير أن التمام
32 على أن المعنى ليس القول على ما قال المشرك لأصحابه المشركين أنا أكفيكم أمر خزنة النار ( والقمر ) قسم أي ورب القمر
33 قراءة ابن عباس وسعيد بن جبير ومجاهد وعمر بن عبد العزيز وأبي جعفر وشيبة وابن كثير وأبي عمرو وعاصم وقرأ الحسن وابن محيصن وحمزة ونافع ( والليل إذ أدبر ) قال أبو جعفر الصحيح أن دبر وأدبر بمعنى واحد على هذا كلام أهل التفسير وأكثر أهل اللغة و إذا للمستقبل و إذ للماضي وأما قول أبي عبيد أنه يختار إذا دبر لأن بعده والصبح إذا أسفر لأن الله تعالى يقسم بما شاء ولا يتحكم في ذلك بأن يكونا جميعا مستقبلين أو ماضيين
35 أن أن النار لأحدى الأمور العظام قال أبو رزين أنها أي أن جهنم و الكبر بالألف واللام لا يجوز حذفهما عند
____________________
(5/71)
أحد من النحويين ولم يجيء في كلام العرب شيء من هذا بغير الألف واللام إلا أخر ولذلك منعت من الصرف
36 قال الحسن ليس نذير أدهى من النار أو معنى هذا قال أبو رزين يقول الله تعالى أنا نذير للبشر وقال ابن زيد محمد صلى الله عليه وسلم نذير للبشر قال أبو جعفر فهذه أقوال أهل التأويل وقد يستخرج الأقراب منها وفي نصب نذير سبعة أقوال يكون حالا من المضمر في أنا ويجوز أن يكون حالا من إحدى الكبر وهذان القولان مستخرجان من قول الحسن لأنه جعل النار هي المنذرة ويجوز أن يكون التقدير وما يعلم جنود ربك إلا هو نذيرا للبشر ويجوز أن يكون التقدير صيرها الله جل وعز كذلك نذيرا للبشر وهذان القولان مستخرجان من قول أبي رزين وقال الكسائي أي قم نذيرا وهذا يرجع إلى قول ابن زيد ويجوز أن يكون نذير بمعنى إنذار كما قال فكيف كان نذير ويكون التقدير وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة إنذارا قال أبو جعفر وسمعت علي بن سليمان يقول يكون التقدير أعني نذيرا قال أبو جعفر وحذف الياء من نذير إذا كان للنار بمعنى النسب
37
بدل بإعادة اللام ولو كان بغير اللام لجاز
38
____________________
(5/72)
محمول على المعنى ولو كان على اللفظ كان رهين
39
نصب على الاستثناء وقد صح عن رجلين من أصحاب النبي أنه يراد بأصحاب اليمين ههنا الملائكة والأطفال ويدل على هذا أن بعده
40
41
42 فهذا كلام من لم يعمل خطيئة وروى ابن عيينة عن عمرو بن دينار قال سمعت ابن الزبير يقرأ ( يتساءلون عن المجرمين يا فلان ما سلكك في سقر ) وهذه القراءة على التفسير والإسناد بها صحيح
43
44
حذفت النون لكثرة الاستعمال ولو جيء بها لكان جيدا في غير القرآن وقال محمد بن يزيد أشبهت النون التي تحذف في الجزم في قولنا يقومان ويقومون وقال أحمد بن يحيى ثعلب أخطأ ولو كان كما قال لحذفت في قولنا لم يصن زيد نفسه
45
جيء بالكاف مضمومة ليدل ذلك على أنها من ذوات الواو فنقل فعل إلى فعل وكذا
46
47 أي إلى أن و أن مضمرة بعد حتى
____________________
(5/73)
48
أي ليس يشفع فيهم الشافعون ودل بهذا على أن الشفاعة تنفع غيرهم
49 منصوب على الحال
50 قراءة أهل المدينة والحسن وقراءة ابن كثير وعاصم والأعمش وحمزة وأبي عمرو ( مستنفرة ) وعن الكسائي القراءتان جميعا قال أبو جعفر مستنفرة في هذا أبين أي مذعورة ومستنفرة مشكل لأن أكثر ما يستعمل استفعل إذا استدعى الفعل كما تقول استسقى إذا استدعى أن يسقى والحمر لا تستدعي هذا ولكن مجاز القراءة أن يكون استنفر بمعنى نفر فيكون المعنى نافرة
51
فعولة من القسر قال أبو جعفر وقد ذكرنا ما قال أهل التفسير فيها
52
على تأنيث الجماعة ووحد لأنه أكثر في العدد
53
لا يجوز إلا الإدغام لأن الأول ساكن
54 أي إن القرآن
____________________
(5/74)
56 قراءة نافع على تحويل المخاطبة وأكثر الناس يقرأ ( وما يذكرون ) ليكون مردودا على ما تقدم وما تشاءون ( إلا أن يشاء الله ) على حذف المفعول لعلم السامع ( هو أهل التقوى ) مبتدأ وخبره ( وأهل المغفرة ) أعيدت أهل للتوكيد والتفخيم ولو لم تعد لجاز
____________________
(5/75)
75
1
كذا يقرأ أكثر القراء وعن الحسن والأعرج ( لأقسم بيوم القيامة ) على أنها لام قسم لا ألف فيها قال أبو جعفر وهذا لحن عند الخليل وسيبويه وإنما يقال بالنون لأقومن والقراءة الأولى فيها أقوال منها أن لا زائدة للتوكيد مثل { ما منعك ألا تسجد } وهذا القول عند الفراء خطأ من جهتين إحداهما أن لا إذا كانت زائدة لم يبتدأ بها والأخرى أنه أن لا إنما تزاد في النفي كما قال
( ما كان يرضى رسول الله فعلهما ** والطيبان أبو بكر ولا عمر )
____________________
(5/77)
أي أبو بكر وعمر و لا زائدة قال أبو جعفر أما قوله إن لا لا تزاد في أول الكلام فكما قال لا اختلاف فيه لأن ذلك يشكل ولكنه قد عورض فيما قال كما سمعت علي بن سليمان يقول إن هذا القول صحيح يعني قول من قال إن لا زائدة قال وليس قوله بأنها في أول الكلام مما يرد هذا القول لأن القرآن كله بمنزلة سورة واحدة وعلى هذا نظمه ورصفه وتأليفه وقد صح عن ابن عباس أن الله جل وعز أنزل القرآن جملة واحدة إلى السماء الدنيا في شهر رمضان ثم نزل متفرقا من السماء وإنما يرد هذا الحديث أهل البدع قال أبو جعفر وأما قول الفراء إن لا لا تزاد إلا في النفي فمخالف فيه حكى ذلك من يوثق بعلمه من البصريين منهم أبو عبيدة وأنشد
( في بئر لا حور سرى وما شعر ** ) قال يريد في بئر حور أي هلكة فزاد لا في الإيجاب وخالفه الفراء في هذا فجعل لا نفيا ههنا أي في بئر لا ترد شيئا وزعم الفراء أن لا من قوله لا أقسم رد لكلامهم كما تقول لا والله ما أفعل فالوقوف عنده ( لا أقسم بيوم القيامة ) مستأنف
2 لا اختلاف في هذا أن الألف فيه بعد لا فقول الحسن أن لا نافية وقد بينا قول غيره
____________________
(5/78)
3
وقراءة الكوفيين ( أيحسب ) والماضي حسب بلا اختلاف فالقياس في المستقبل يحسب إلا أنه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم الكسر
4
قادرين في موضع نصب وفي نصبه أقوال منها أنه قيل التقدير بلى نقدر فلما حول نقدر إلى قادرين نصب كما قال الفرزدق
( على حلفة لا أشتم الدهر مسلما ** ولا خارجا من في زور كلام ) بمعنى ولا يخرج فلما حول يخرج إلى خارج نصبه وهذا خطأ لأن لكل إعرابه تقول جاءني زيد يضحك وجاءني زيد ضاحكا ومررت برجل يضحك وبرجل ضاحك ولا خارجا معطوف على موضع لا أشتم قال أبو جعفر هذا أصح ما قيل فيه وقيل التقدير بلى نقوى على ذلك قادرين هذا قول الفراء وقال سيبويه أي بلى نجمعها قادرين وقول الفراء مستخرج من هذا وبنان جمع بنانة ومن حسن ما قيل فيه قول
____________________
(5/79)
ابن عباس نحن نقدر أن نجعل بنانه شيئا واحدا كخف البعير وحافر الحمار فلا يقدر يأكل بها كالبهائم فتفضل الله جل وعز عليه وفضله وقال الحسن كنا نقدر أن نجعل أصابعه قدرا واحدا ولا يكون لها حسن ولا يكاد ينتفع بها
5
هذه لام كي وقولهم لام إن لا معنى له ولكن يريد يدل على الإرادة أي إرادته ليفجر أمامه
6
التقدير أي وقت يوم القيامة وفتحت النون من أيان لالتقاء الساكنين
7 قراءة أبي عمر وعاصم وشيبة وحمزة والكسائي وقرأ نصر بن عاصم وابن أبي إسحاق وأبو جعفر ونافع ( فإذا برق البصر ) بفتح الراء ومعنى الكسر بين أي حار وفزع من الموت ومن أمر القيامة وبرق لمع قال الحسن وقتادة
8 ذهب ضوءه
9
يقال الشمس مؤنثة بلا اختلاف فكيف لم يقل وجمعت ففي هذا أجوبة منها أن التقدير وجمع بين الشمس والقمر فحمل التذكير على بين
____________________
(5/80)
وقيل لما كان وجمع الشمس لا يتم به الكلام حتى يقال والقمر وكان القمر مذكرا كان المعنى جمعا فوجب أن يذكر فعلهما في التقديم كما يكون في التأخير وأولى ما قيل فيه قول الكسائي قال المعنى وجمع النوران أي الضياءان وفي موضع آخر { فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي } وأما محمد بن يزيد فيقول هذا كله تأنيث غير حقيقي لأنه لم يؤنث للفرق بين شيء وشيء فلك تذكيره لأنه بمعنى شخص وشيء
10
فهذا مصدر بلا اختلاف أي أين الفرار وروى ابن عيينة عن عمرو بن دينار قال سمعت ابن عباس يقرأ ( أين المفر ) قال أبو جعفر هذا إسناد مستقيم وهو عند البصريين اسم للمكان وزعم الفراء أنه يجيز في المصدر الكسر
11 وهو الملجأ فقيل وزير مشتق من هذا لأن صاحبه قد سلم إليه أموره فلجأ إليه واعتمد عليه وقيل لأن أوزار ما يتقلده صاحبه بيده والأوزار ما كان من الذهب والفضة وغيرهما
____________________
(5/81)
12 قال قتادة المنتهى
13
من حسن ما قيل فيه قول قتادة قال بما قدم من طاعة الله جل وعز وأخر من حقه ينبأ به كله وقد روى ابن أبي طلحة عن ابن عباس بما قدم من خير أو شر بعده
14
مشكل الإعراب والمعنى فقول ابن عباس سمعه وبصره ويداه ورجلاه وجوارحه شاهدة عليه قال أبو جعفر فعلى هذا القول الإنسان مرفوع بالابتداء و وبصيرة ابتداء ثان و على نفسه خبر الثاني والجملة خبر الأول وشرحه بل الإنسان على نفسه من نفسه رقباء تحفظه وتشهد عليه فهذا قول وقول سعيد بن جبير وقتادة أن الإنسان هو البصيرة قال سعيد بن جبير الإنسان والله بصيرة على نفسه وقال قتادة تراه والله عارفا بذنب غيره وعيبه متغافلا عن نفسه فعلى هذا القول الإنسان مرفوع بالابتداء و بصيرة خبره فإن قيل لم دخلت الهاء والإنسان مذكر ففيه جوابان أحدهما أن الهاء للمبالغة كما يقال رجل راوية وعلامة وقيل دخلت الهاء لأن المعنى بل الإنسان حجة على نفسه
15 جمع على غير قياس عند سيبويه لأن عذرا ليس جمعه معاذير وإنما معاذير جمع معذار
____________________
(5/82)
16
17
فيضمن الله جل وعز جمعه فبهذا كفر الفقهاء من زعم أنه قد بقي منه شيء لأنه رد على ظاهر التنزيل وسئل سفيان بن عيينة كيف غيرت التوراة والإنجيل وهما من عند الله فقال أن الله جل وعز وكل حفظهما إليهم فقال جل ثناؤه { بما استحفظوا من كتاب الله } ولم يكل حفظ القرآن إلى أحد فقال { إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون } وما حفظه لم يغير
18
اختلف العلماء في معنى هذا فروى سعيد بن جبير عن ابن عباس فإذا أنزلناه فاستمع له وقال قتادة أي فاتبع حلاله وحرامه ومن حسن ما قيل فيه ما رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس فإذا قرأناه قال يقول فإذا بيناه فاتبع قرآنه قال يقول فاعمل بما فيه
19
قال قتادة بيان الحلال من الحرام عن ابن عباس بيانه بلسانك
20 أي الحال العاجلة أو الدنيا العاجلة
____________________
(5/83)
21 لأنها بعد أولى
22
23
وجوه رفع بالابتداء ناصرة نعت لها و ( ناظرة ) خبر الابتداء ويجوز أن يكون ناضرة خبر وجوه و ( ناظرة ) خبرا ثانيا ويجوز أن يكون ناضرة نعتا لناظرة أو لوجوه ويقال أجوه وهو جمع للكثير وللقليل أوجه وفي ناظرة ثلاثة أقوال منها أن المعنى منتظرة ومنها أن المعنى إلى ثواب ربها ومنها أنها تنظر إلى الله جل وعز قال ويعرف الصواب في هذه الأجوبة من العربية فلذلك وغيره أخرنا شرحه لنذكره في الإعراب قال أبو جعفر أما قول من قال معناه منتظرة فخطأ سمعت علي بن سليمان يقول نظرت إليه بمعنى انتظرته وإنما يقال نظرته وهو قول إبراهيم بن محمد بن عرفة وغيره ممن يوثق بعلمه وأما من قال إن المعنى إلى ثواب ربها فخطأ أيضا على قول النحويين الرؤساء لأنه لا يجوز عندهم ولا عند أحد علمته نظرت زيدا أي نظرت ثوابه ونحن نذكر الاحتجاج في ذلك من قول الأئمة والعلماء وأهل اللغة إذا كان أصلا من أصول السنة ونذكر ما عارض به أهل الأهواء ونبدأ بالأحاديث الصحيحة عن الرسول صلى الله عليه وسلم إذا كان المبين عن الله جل وعز كما قرىء على أحمد بن شعيب بن علي عن إسحاق بن راهويه ثنا بقية بن الوليد ثنا بحير بن سعد عن
____________________
(5/84)
خالد بن معدان عن عمرو بن الأسود أن قتادة بن أبي أمية حدثهم عن عبادة بن الصامت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إني حدثتكم عن المسيح الدجال حتى خفت ألا تعقلوه إنه قصير أفحج جعد أعور مطموس العين اليسرى ليست بناتئة ولا جحرا فإن التبس عليكم فاعلموا أن ربكم ليس بأعور إنكم لن تروا ربكم جل ثناؤه حتى تموتوا قال أحمد بن شعيب ثنا محمد بن بشار قال ثنا أبو عبد الصمد ثنا أبو عمران الجوني عن أبي بكر بن عبد الله بن قيس الأشعري عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم جنتان من فضة آنيتهما وما فيهما وجنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم جل ثناؤه إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن وقرىء على أبي القاسم عبد الله بن محمد البغوي عن هدبة بن خالد عن حماد بن سلمة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن صهيب قال قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية ( للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ) قال إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار نادى مناد يا أهل الجنة إن لكم عند الله موعدا يريد أن ينجزكموه فيقولون ما هو ألم يثقل موازيننا ويبيض وجوهنا ويدخلنا الجنة ويجرنا من النار فيكشف لهم عن الحجاب فينظرون إلى الله عز وجل فما شيء أعطوه أحب إليهم من النظر إليه وهي الزيادة قال أبو القاسم وحدثني جدي قال ثنا يزيد بن هارون أن حماد بن سلمة بإسناده مثله قال
____________________
(5/85)
أبو القاسم وحدثني هارون بن عبد الله قال سمعت يزيد يعني ابن هارون لما حدث بهذا الحديث قال من كذب بهذا الحديث فهو زنديق أو كافر قال أبو القاسم حدثنا عبد الله بن عمر وأبو عبد الرحمن الكوفي عن حسين بن علي الجعفي عن زائدة ثنا بيان البجلي عن قيس بن أبي حازم قال حدثنا جرير قال خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إنكم ترون ربكم يوم القيامة كما ترون هذا لا تضامون في رؤيته يعني القمر قال حسين الجعفي على رغم أنف جهيم والمريسي قال أبو القاسم وحدثنا أحمد بن إبراهيم العبدي وأبو بكر بن أبي شيبة قالا حدثنا عبد الله بن إدريس ثنا الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد الخدري قال قلنا يا رسول الله أنرى ربنا جل ثناؤه قال أتضارون في رؤية الشمس في الظهيرة في غير سحاب قلنا لا قال أفتضارون في رؤية القمر ليلة البدر في غير سحاب قلنا لا قال فإنمكم لا تضارون في رؤيته كما لا تضارون في رؤيتهما قال أبو القاسم وحدثت عن أحمد بن حنبل عن يحيى بن آدم عن أبي بكر بن عياش قال قال الأعمش لا تضارون يعني لا تمارون قال أبو القاسم وحدثنا هدبة بن خالد ثنا وهيب بن خالد ثنا مصعب بن محمد عن أبي صالح السمان عن أبي هريرة قال قيل يا رسول الله أكلنا يرى ربه جل ذكره يوم القيامة قال أكلكم يرى الشمس نصف النهار وليس في السماء سحابة قالوا نعم قال أفكلكم يرى القمر ليلة البدر وليس في السماء سحابة قالوا نعم قال فوالذي نفسي بيده لترون ربكم جل وعز يوم القيامة لا تضارون
____________________
(5/86)
في رؤيته كما لا تضارون في رؤيتهما قال أبو القاسم وحدثنا عثمان ابن أبي شيبة ثنا أبو أسامة ثنا الأعمش أخبرني خيثمة بن عبد الرحمن عن عدي بن حاتم الطائي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من أحد منكم إلا سيكلمه ربه جل وعز ليس بينه وبينه ترجمان ولا حاجب يحجبه فينظر أيمن منه فلا يرى إلا شيئا قدمه ثم ينظر أشأم منه فلا يرى إلا شيئا قدمه ثم ينظر أمامه فلا يرى شيئا إلا النار فاتقوا النار ولو بشق تمرة لم يقل في هذا الحديث عن الأعمش ولا حاجب يحجبه إلا أبو أسامة وحده ومن ذلك ما حدثناه أحمد بن علي بن سهيل ثنا زهير يعني ابن حرب ثنا إسماعيل عن هشام الدستوائي عن قتادة عن صفوان بن محرر قال قال رجل لابن عمر كيف سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في النجوى قال سمعته يقول يدنى المؤمن يوم القيامة من ربه جل وعز حتى يضع عليه كنفه فيقرره بذنوبه فيقول هل تعرف فيقول رب أعرف قال فإني قد سترتها عليك في الدنيا وإني أغفرها لك اليوم قال فيعطى صحيفة حسابه وأما الكفار والمنافقون فينادي بهم على رؤوس الخلائق هؤلاء الذين كذبوا على الله قال أبو جعفر وهذا الباب عن أنس وعن أبي رزين عن النبي صلى الله عليه وسلم وفيه عن الصحابة رضي الله عنهم منهم أبو بكر الصديق وحذيفة عن التابعين إلا أنا كرهنا الإطالة إذ كان ما ذكرناه من الحديث كفاية وقد حدثنا عبد الله بن أحمد بن عبد
____________________
(5/87)
السلام سمعت محمد بن يحيى النيسابوري يقول السنة عندنا وهو قول أئمتنا مالك بن أنس وأبي عبد الرحمن بن عمر والأوزاعي وسفيان بن سعيد الثوري وسفيان بن عيينة الهلالي وأحمد بن حنبل وعليه عهدنا أهل العلم أن الله جل وعز يرى في الآخرة بالأبصار يراه أهل الجنة فأما سواهم من بني آدم فلا قال والحجة في ذلك أحاديث مأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قيل له يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة وذكر الحديث قال محمد بن يحيى وأن الإيمان بهذه الأحاديث المأثورة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في رؤية الرب في القيامة والقدر والشفاعة وعذاب القبر والحوض والميزان والدجال والرجم ونزول الرب تبارك وتعالى في كل ليلة بعد النصف أو الثلث الباقي والحساب والنار والجنة أنهما مخلوقتان غير فانيتين وأنه ليس أحد سيكلمه الله يوم القيامة ليس بينه وبينه ترجمان يترجم له ونحوها من الأحاديث والتصديق بها لازم للعباد أن يؤمنوا بها وإن لم تبلغه عقولهم ولم يعرفوا تفسيرها فعليهم الإيمان بها والتسليم بلا كيف ولا تنقير ولا قياس لأن أفعال الله لا تشبه بأفعال العباد قال أبو جعفر فهذا كلام العلماء في كل عصر المعروفين بالسنة حتى انتهى ذلك إلى أبي جعفر محمد بن جرير فذكر كلام من أنكر الرؤية واحتجاجه وتمويهه ورد ذلك عليه وبينه ونحن نذكر كلامه نصا إذ كان قد بلغ فيه المراد إن شاء الله فذكر اعتراضهم بقوله تعالى { لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار } فأما قوله جل وعز { قال رب أرني أنظر إليك قال لن تراني }
____________________
(5/88)
) فمما لا يحتاج إلى حجة لأن فيه دليلا على النظر إذ كان موسى صلى الله عليه وسلم مع محله لا يجوز أن يسأل ما لا يكون فدل على أن هذا جائز أن يكون وكان الوقت الذي سأله في الدنيا فالجواب أنه لا يراه في الدنيا أحد واحتج في تمويههم بقوله عز وجل لا تدركه الأبصار بقول عطية العوفي في قول الله جل وعز ( وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة ) قال هم ينظرون إلى الله عز وجل لا تحيط أبصارهم به من عظمته وبصره يحيط بهم فذلك قوله ( لا تدركه الأبصار ) قال واعتل قائلو هذه المقالة بقوله جل وعز { حتى إذا أدركه الغرق } والغرق غير موصوف بأنه رآه قالوا فمعنى لا تدركه الأبصار من معنى لا تراه بعيدا لأن الشيء قد يدرك الشيء ولا يراه مثل حتى إذا أدركه الغرق فكذا قد يرى الشيء الشيء ولا يدركه ومثله { قال أصحاب موسى إنا لمدركون } وقد كان أصحاب فرعون رأوهم ولم يدركوهم وقد قال جل ثناؤه { لا تخاف دركا } فإذا كان الشيء قد يرى الشيء لا يدركه ويدركه ولا يراه علم أن لا تدركه الأبصار من معنى لا تراه الأبصار بمعزل وأن معنى ذلك لا تحيط به الأبصار لأن الإحاطة به غير جائزة والمؤمنون وأهل الجنة يرون ربهم جل وعز ولا تدركه أبصارهم بمعنى لا تحيط به إذ كان غير جائز أن يكون يوصف الله بأن شيئا يحيط به ونظير جواز وصفه بأنه يرى ولا يدرك جواز وصفه بأنه يعلم ولا يحاط به قال تبارك وتعالى { ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما }
____________________
(5/89)
شاء ) ومعنى العلم هنا المعلوم فلم يكن في نفيه عن خلقه أن يحيطوا بشيء من علمه إلا بما شاء نفي عن أن يعلموه وإنما هو نفي الإحاطة به كذا ليس في نفي إدراك الله جل وعز البصر في رؤيته له نفي رؤيته له فكما جاز أن يعلم الخلق شيئا ولا يحيطون به علما كذا جاز أن يروا ربهم بأبصارهم ولا تدركه أبصارهم إذ كان معنى الرؤية غير معنى الإدراك ومعنى الإدراك غير معنى الرؤية لأن معنى الإدراك الإحاطة كما قال ابن عباس لا تحيط به الأبصار وهو يحيط بها فإن قيل وما أنكرتم أن يكون معنى لا تدركه الأبصار لا تراه قلنا له أنكرنا ذلك لأن الله أخبر في كتابه أن وجوها في القيامة إلى الله سبحانه ناظرة وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنهم سيرون ربهم جل وعز يوم القيامة كما يرون القمر ليلة البدر وكما يرون الشمس ليس دونها سحابة فكتاب الله يصدق بعضه بعضا فعلم أن معنى لا تدركه الأبصار غير معنى إلى ربها ناظرة قال وقيل المعنى لا تدركه أبصار الخلق في الدنيا وتدركه في الآخرة فجعلوا هذا مخصوصا قال وقيل المعنى لا تدركه أبصار الظالمين في الدنيا والآخرة وتدركه أبصار المؤمنين وقيل لا تدركه الأبصار بالنهاية والإحاطة فأما الرؤية فنعم وقيل لا تدركه الأبصار كإدراكه الخلق لأن أبصارهم ضعيفة وقال آخرون الآية على العموم ولن يدرك الله جل ثناؤه بصر أحد في الدنيا والآخرة ولكن الله جل وعز يحدث لأوليائه يوم القيامة حاسة سادسة سوى حواسهم الخمس فيرونه بها والصواب
____________________
(5/90)
من القول في ذلك عندنا ما تظاهرت به الأخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم أنكم سترون ربكم فالمؤمنون يرونه والكافرون عند يومئذ محجوبون ولأهل هذه المقالة أشياء يلبسون بها فمنهم من يدفع الحديث مكابرة وطعنا على أهل الإسلام ومنهم من يأتي بأشياء نكرة ذكرها قال محمد بن جرير وإنما ذكرنا هذا ليعرف من نظر نعني فيه أنهم لا يرجعون من قولهم إلا إلى ما لبس عليهم الشيطان مما يسهل على أهل الحق البيان عن فساده ولا يرجعون في قولهم إلى آية من التنزيل ولا رواية عن الرسول صحيحة ولا سقيمة فهم في الظلماء يخبطون وفي العمياء يترددون نعوذ بالله من الحيرة والضلالة قال أبو جعفر فأما شرح تضارون واختلاف الرواية فيه فنمليه فيه ثمانية أوجه يروى تضارون بالتخفيف و تضامون مخففا ويجوز تضامون وتضارون بضم التاء وتشديد الميم والراء ويجوز تضامون على أن الأصل تتضامون حذفت التاء كما قال جل وعز { ولا تفرقوا } ويجوز تضامون تدغم التاء في الضاد ويجوز تضارون على حذف التاء ويجوز تضارون على إدغام التاء في الضاد والذي رواه المتقنون مخفف تضامون وتضارون سمعت أبا إسحاق يقول معناه لا ينالكم ضيم ولا ضير في رؤيته أي ترونه حتى تستووا في الرؤية فلا يضيم بعضكم بعضا ولا يضير بعضكم بعضا وقال أهل اللغة قولين آخرين قالوا لا تضارون بتشديد الراء ولا تضامون بتشديد الميم مع ضم التاء وقال
____________________
(5/91)
بعضهم بفتح التاء وتشديد الراء والميم على معنى تتضامون وتتضارون ومعنى هذا أنه لا يضار بعضكم بعضا أي لا يخالف بعضكم بعضا في ذلك يقال ضاررت فلانا أضاره مضارة وضرارا إذا خالفته ومعنى لا تضامون في رؤيته أنه لا يضم بعضكم إلى بعض فيقول واحد للآخر أرنيه كما يفعلون عند النظر إلى الهلال قال أبو جعفر الذي ذكرناه من تفسير الأعمش أن معناه لا تضارون يوجب أن تكون روايته لا تضارون والأصل لا تضارون ثم أدغمت الراء في الراء ومن قال معناه لا تضارون فالأصل عنده لا تضاررون ثم أدغم وهذا كله من ضاره إذا خالفه كما حكاه أبو إسحاق وخالفه وما رآه واحد ويقال نضر وجهه نضرا ونضارة ونضرة ونضره الله ينضره وأنضره ينضره من الإشراق والنعمة وحسن العيش والغنى
24 مبتدأ وخبره
25
ولا يجوز رفع يفعل وجاز في { وحسبوا ألا تكون فتنة } لأن لا عوض والفاقرة الداهية والأمر العظيم
26 تكون بمعنى حقا وتكون مبتدأ على هذا ههنا وزعم محمد بن جرير أن التمام ههنا كلا وأن المعنى ليس الأمر كما يقول المشركون من أنهم لا يجازون على شركهم ومعصيتهم ( إذا بلغت التراقي ) يكون العامل في إذا باسرة أو بلغت فإذا كان العامل فيها
____________________
(5/92)
بلغت كان الجواب فيما بعد وحذفت الياء من
27 لسكونها وسكون التنوين وأثبتت في التراقي لأنه لا تنوين فيه
30 في موضع جواب إذا
31
لا ههنا نفي وليست بعاطفة ولا يجوز عند النحويين ضربت زيدا لا ضربت عمرا والعلة في ذلك أنه كره أن يشبه الثاني الدعاء وفي الآية المعنى لم يصدق ولم يصل يدل على هذا
32
33 أي ذهب معرضا عن طاعة الله جل وعز متهاونا بالموعظة و يتمطى في موضع نصب على الحال
34
35
يقال لمن وقع في هلكة أو قاربها
36
في موضع نصب أيضا على الحال وروى ابن أبي طلحة عن ابن عباس أن معنى أن يترك سدى يقول مهملا
37
على تذكير المني وهو أقرب إليه و تمنى للنطفة
____________________
(5/93)
38 أي فخلقه الله جل وعز فسواه بشرا ناطقا سميعا بصيرا
39
قيل المعنى فجعل من الإنسان أولادا ذكورا وإناثا الذكر والأنثى على البدل من الزوجين
40
فدل جل وعز دلالة بينة أن إحياءه إياه بعد الموت ليس بأكثر من خلقه إياه من نطفة ثم سواه إنسانا إلى أن ولد له وأجاز الفراء ( على أن يحيي الموتى ) بقلب حركة الياء الأولى على الحاء ويدغم الياء في الياء وهذا خطأ عند الخليل وسيبويه والعلة في ذلك وهو معنى كلام أبي إسحاق أنك إذا قلت يحيى لم يجز الإدغام بإجماع النحويين لئلا يلتقي ساكنان فإذا قلت أن يحيي لم يجز الإدغام أيضا لأن الياء وإن كانت قد تحركت فحركتها عارضة وأيضا فكيف يجوز أن يكون حرف واحد يدغم في موضع لعامل دخل عليه غير ملازم ولا يجوز أن يدغم وهو في موضع رفع والرفع الأصل
____________________
(5/94)
76
1
2
الإنسان الأول عند أهل التفسير يراد به آدم عليه السلام وقد يجوز أن يراد به الجنس والثاني للجنس لا غير والنطفة عند العرب الماء القليل في وعاء ( أمشاج ) من نعت نطفة على غير حذف في قول من قال الأمشاج العروق التي تكون في النطفة كما تقول الإنسان أعضاء مجموعة ومن قال الأمشاج ماء الرجل وماء المرأة فهو على هذا أيضا سماها جميعا نطفة وهما يختلطان ويخلق الإنسان منهما ومن قال الأمشاج العلقة والمضغة فالتقدير عنده من نطفة ذات أمشاج وواحدتهما مشيج مثل شريف وأشراف ويقال مشج مثل عدل وأعدال ( نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا ) قال الفراء هو على التقديم والتأخير والمعنى عنده جعلنا الإنسان سميعا بصيرا لنبتليه أي لنختبره وقال من خالفه في هذا هو خطأ من غير جهة فمنها أنه لا يكون مع الفاء تقديم ولا تأخير لأنها تدل على أن الثاني بعد الأول ومنها أن الإنسان إنما يبتلى أي يختبر ويؤمر وينهى إذا كان سوي
____________________
(5/95)
العقل كان سميعا بصيرا ولم يكن كذلك ومنها أن سياق الكلام يدل على غير ما قال وليس في الكلام لام كي وإنما سياق الكلام تعديد الله جل وعز نعمه علينا ودلالته إيانا على نعمه
3
منصوبان على الحال أي إنا خلقنا الإنسان شاكرا أو كفورا ومعنى إما أو وإن كانت تجيء في أول الكلام ليدل على المعنى ويدلك على ذلك قول أهل التفسير أن المعنى إنا هديناه السبيل إما شقيا وإما سعيدا والشقاء والسعادة بفرع منهما وهو في بطن أمه وهكذا خبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وقيل هي حال مقدرة وأجاز الفراء أن يكون ما ههنا زائدة وتكون أن للشرط والمجازاة على أن يكون المعنى إنا هديناه السبيل إن شكر أو كفر قال أبو جعفر وهذا القول ظاهره خطأ لأن ان التي للشرط لا تقع على الأسماء وليس في الآية إما شكر إنما فيها إما شاكرا وإما كفورا فهذان اسمان ولا يجازى بالأسماء عند أحد من النحويين
4
هذه قراءة أبي عمرو وحمزة بغير تنوين إلا أن الصحيح عن حمزة أنه كان يقف ( سلاسلا ) بالألف اتباعا للسواد لأنها في مصاحف أهل المدينة وأهل الكوفة بالألف وقراءة أهل المدينة وأهل الكوفة غير حمزة ( إنا
____________________
(5/96)
أعتدنا للكافرين سلاسلا وأغلالا وسعيرا ) والحجة لأبي عمرو وحمزة أن سلاسل لا ينصرف لأنه جمع لا نظير له في الواحد وهو نهاية الجمع فثقل فمنع الصرف والوقوف عليه بالألف والحجة فيه أن الرؤاسي والكسائي حكيا عن العرب الوقوف على ما لا ينصرف بالألف لبيان الفتحة فقد صحت هذه القراءة من كلام العرب والحجة لمن نون ما حكاه الكسائي وغيره من الكوفيين أن العرب تصرف كل ما لا ينصرف إلا أفعل منك فهذه حجة وحجة أخرى أن بعض أهل النظر يقول كل ما يجوز في الشعر فهو جائز في الكلام لأن الشعر أصل كلام العرب فكيف نتحكم في كلامها ونجعل الشعر خارجا عنه وحجة ثالثة أنه لما كان إلى جانبه جمع ينصرف فأتبع الأول الثاني
5
واحد الأبرار بر ربما غلط الضعيف في العربية فقال هو جمع فعل شبه بفعل وذلك غلط إنما هو جمع فعل يقال بررت والدي فأنا بار وبر فبر فعل مثل حذرت فأنا حذر وفعل وأفعال قياس صحيح وقيل إنما سموا أبرارا لأنهم بروا الله جل وعز بطاعته في أداء فرائضه واجتناب محارمه وقيل معنى كان مزاجها كافورا في طيب ريحها
6 في نصبها غير وجه غير أني سمعت علي بن سليمان بقول سمعت محمد بن يزيد يقول نظرت في نصبها فلم يصح لي فيه إلا
____________________
(5/97)
أنها منصوبة بمعنى أعني وكذا الثانية فهذا وجه ووجه ثان أن يكون بمعنى الحال من المضمر في مزاجها ووجه رابع يكون مفعولا بها والتقدير يشربون عينا يشرب بها عباد الله كان مزاجها كافورا وفي يشرب بها وجهان قال الفراء يشرب بها ويشربها واحد قال أبو جعفر وأحسن من هذا أن يكون المعنى يروى بها وقد ذكرته ( يفجرونها تفجيرا ) مصدر ويروى أن أحدهم إذا أراد أن ينفجر له الماء شق ذلك الموضع بعود يجري فيه الماء
7
وهو كل ما وجب على الإنسان أن يفعله نذره أو لم ينذره قال جل وعز { وليوفوا نذورهم } قال عنترة
( الشاتمي عرضي ولم أشتمهما ** والناذرين إذا لم ألقهما دمي )
وقول الفراء كان فيه إضمار كان أي كانوا يوفون بالنذر في الدنيا وكذا ( يخافون يوما كان شره مستطيرا )
8
____________________
(5/98)
اختلف العلماء في الأسير ههنا فقال بعضهم هو من أهل الحرب لأنه لم يكن في ذلك الوقت أسير إلا منهم وقال بعضهم هو لأهل الحرب وللمسلمين وهذا أولى بعموم الآية فلا يقع فيها خصوص إلا بدليل قاطع فيكون لمن كان في ذلك الوقت ولمن بعد كما كان يوفون بالنذر
9
أي يقولون لا نريد منكم جزاء ولا شكورا يكون جمع شكر ويكون مصدرا
10
قال الفراء القمطرير والقماطر الشديد وأنشد
( بني عمنا هل تذكرون بلاءنا ** عليكم إذا ما كان يوم قماطر )
11
نعت لذلك وإن شئت كان بدل ( ولقاهم نضرة وسرورا ) قال الحسن النضرة في الوجه والسرور في القلب
____________________
(5/99)
12
قال قتادة بما صبروا عن المعاصي فهذا أصح قول يقال لمن صبر عن المعاصي صابر مطلقا فإن أردت لغير المعاصي قلت صابر على كذا
13
قال الفراء نصب متكئين على القطع وهو عند البصريين منصوب على الحال من التاء والميم والعامل فيه جزاء ولا يجوز أن يعمل فيه صبروا لأن متكئين إنما هو في الجنة والصبر في الدنيا ويجوز أن يكون منصوبا على أنه نعت لجنة ولذلك حسن لأنه قد عاد الضمير عليها ( لا يرون فيها شمسا ولا زمهريرا ) القول فيه كالقول في متكئين ويكون معناه غير رائعين
14
فيه ستة أوجه يجوز أن يكون معطوفا على جنة أقيمت الصفة مقام الموصوف أي وجزاهم جنة دانية عليهم ظلالها ويجوز أن يكون معطوفا على متكئين ويجوز أن يكون معطوفا على لا يرون لأن معناه غير رائين ويجوز أن يكون منصوبا على المدح مثل { والمقيمين الصلاة } وإن
____________________
(5/100)
كان نكرة فهو يشبه المعرفة فهذه أربعة أوجه وفي قراءة ابن مسعود ( ودانيا عليهم ظلالها ) على تذكير الجمع وفي قراءة أبي ( ودان عليهم ظلالها ) دان في موضع رفع أصله داني استثقلت الحركة في الياء فحذفت الضمة وحذفت الياء لسكونها وسكون التنوين ولم تستثقل الحركة في ودانيا لخفة الفتحة وظلالها مرفوع بالدنو في قول من نصب الأول ومن قال ودان ظلالها عنده مرفوع بالابتداء ودان خبره كما تقول مررت بزيد جالس أبوه أي أبوه جالس ( وذللت قطوفها تذليلا ) عطف جملة على جملة فذلك صلح أن يأتي بالماضي وقبله اسم الفاعل وبعده
15 أهل التفسير منهم مجاهد يقولون الكوب الكوز الذي لا عروة له إلا قتادة فإنه قال هو القدح ( كانت قواريرا ) قراءة أبي عمرو الثاني بغير ألف وفرق بينهما 3 لجهتين إحداهما أنه كذا في مصاحف أهل البصرة والثانية أن الأولى رأس آية فحسن إثبات الألف فيها فأما حمزة فقرأ ( كانت قوارير قوارير من فضة ) لأنهما لا ينصرفان فهذا شيء بين لولا مخالفة السواد وقرأ المدنيون فيهما جميعا والذي يحتج به لهم لا يوجد إلا من قول الكوفيين وهو أن الكسائي والفراء أجازا صرف ما لا ينصرف ألا أفعل منك واحتج الفراء بكثرة ذلك في الشعر
16 وعن الشعبي وقتادة وابن أبزى وعبد الله
____________________
(5/101)
ابن عبيد بن عمير أنهم قرءوا ( قدروها ) أي قدروا عليها أي على قدر ربهم لا يزيد ذلك ولا ينقص
17
قال أبو الحسن بن كيسان لا يقال للقدح كأس حتى تكون فيه الخمر وكذا لا يقال مائدة للخوان حتى يكون عليه طعام وكذا الظعينة ( كان مزاجها زنجبيلا ) أي كالزنجبيل في لذعه وكانوا يستطيبون ذلك فخوطبوا على ما يعرفون
18 قد تقدم ما يغني عن الكلام في نصبها ( تسمى سلسبيلا ) فعلليل من السلاسلة ومن قال هو اسم العين صرف ما لا يجب أن ينصرف
19
أي بما يحتاجون إليه ( إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤا منثورا ) أهل التفسير على أن المعنى في هذا التشبيه لكثرتهم وحسنهم وقال عبد الله بن عمر ما أحد من أهل الجنة إلا له ألف غلام كل غلام على عمل ليس عليه صاحبه
20 لأهل العربية فيه ثلاثة أقوال فأكثر
____________________
(5/102)
البصريين يقول ثم ظرف ولم تعد رأيت كما تقول ظننت في الدار فلا تعدى ظننت على قول سيبويه وقال الأخفش وهو أحد قولي الفراء ثم مفعول بها أي فإذا نظرت ثم وقول آخر للفراء قال التقدير وإذا رأيت ما ثم وحذف ما قال أبو جعفر وثم عند جميع النحويين مبني غير معرب لتنقله وحذف ما خطأ عند البصريين لأنه يحذف الموصول ويبقى الصلة فكأنه جاء ببعض الاسم ( رأيت نعيما وملكا كبيرا ) جواب إذا ويبين لك معنى هذا كما حدثنا أحمد بن علي بن سهل قال حدثنا زهير يعني ابن حرب ثنا محمد بن حازم ثنا عبد الملك بن أبجر عن ثوير بن أبي فاختة عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن أدنى أهل الجنة منزلة لينظر في ملكه ألفي عام ينظر أزواجه وسرره وخدمه وإن أفضلهم منزلة لينظر في وجه الله جل وعز في كل يوم مرتين
21
مبتدأ وخبره والأصل عاليهم حذفت الضمة لثقلها وهذه قراءة بينة وهي قراءة أبي جعفر ونافع ويحيى بن وثاب والأعمش وحمزة وقرأ أبو عبد الرحمن والحسن وأبو عمرو والكسائي وابن كثير وعاصم
____________________
(5/103)
( عاليهم ) بالنصب على أنه ظرف ومثله الفراء بقوله زيد داخل الدار قال أبو جعفر أما عاليهم فبين أنه منصوب على الظرف وفي معناه قولان أحدهما أن الخضرة تعلو ثياب أهل الجنة والقول الآخر أن هذه النبات الخضر فوق حجالهم لا عليهم وأما زيد داخل الدار فلا يجوز عند جماعة من النحويين كما لا يقال زيد الدار ولكن لو قلت زيد خارج الدار جاز وروى عبد الوارث عن حميد عن مجاهد أنه قرأ ( عليهم ثياب سندس ) قال أبو جعفر وهذا لا يحتاج إلى تفسير وفي قراءة ابن مسعود ( عاليتهم ثياب سندس ) على تأنيث الجماعة وقرأ الحسن ونافع ( ثياب سندس خضر واستبرق ) وقرأ الأعمش وحمزة ( ثياب سندس خضر واستبرق ) بخفضهما وقرأ أبو عمرو وأبو جعفر ( ثياب سندس خضر واستبرق ) برفع خضر وخفض استبرق وقرأ ابن كثير وعاصم ( ثياب سندس خضر واستبرق ) وقرأ ابن محيصن ( واستبرق ) بوصل الألف وبغير تنوين قال أبو جعفر القراءة الأولى حسنة متصل الرفع بعضه ببعض فخضر نعت للثياب واستبرق معطوف عليها وانصرف لأنه نكرة وقطعت الألف لأنه اسم ولو سميت رجلا باستكبر لقلت جاءني استكبر هذا قول الخليل وسيبويه والقراءة الثانية على أن من قرأ بها نعت سندسا بخضر
____________________
(5/104)
وفي ذلك بعد لأنه إنما يقال هذا سندس أخضر كما يقال هذا حرير أخضر إلا أن ذلك جائز لأنه جنس والجنس يؤدي عن الجميع كقولك سندس وسندسات واحد وعطف واستبرق على سندس أي وثياب واستبرق والقراءة الثالثة حسنة أيضا جعله خضر نعتا للثياب وهو الوجه البين الحسن وخفض استبرق نسقا على سندس أيضا والقراءة الرابعة خفض فيها خضر على أنها نعت لسندس كما مر ورفع واستبرق لأنه عطف على ثياب وقراءة ابن محيصن عند كل من ذكر القراءات ممن علمناه من أهل العربية لحن لأنه منع استبرق من الصرف وهو نكرة ولا يخلو منعه إياه من إحدى وجهين إما أن يكون منعه من الصرف لأنه أعجمي وإما أن يكون ذلك لأنه على وزن الفعل والعجمي وما كان على وزن الفعل ينصرفان في النكرة وأيضا فإنه وصل الألف وذلك خطأ عند الخليل وسيبويه لما ذكرنا ونصب استبرق وإن كان هذا يتهيا أن يحتال في نصبه فهذا ما فيه مما قد ذكر بعضه قال أبو جعفر ولو احتيل فيه فقيل هو فعل ماض أي وبرق هذا الجمع لكان ذلك عندي شيئا يجوز وإن كنت لا أعلم أحدا ذكره ( وحلوا أساور من فضة ) وقد طعن في هذا بعض الملحدين إما لجهله باللغة وإما لقصده الكفر اجتراء على الله عز وجل وأخذ شيء
____________________
(5/105)
من حطام الدنيا وذلك أن الجنة لا بيع فيها ولا شراء ولا معنى لطعنه لقلة قيمة الفضة ولأن هذا لا يحسن للرجال فجهل معنى التفسير لأن في التفسير أن هذا يكون لأزواجهن ولو كان لهم ما دفع حسنه وقد طعن في الاستبرق ولم يدر معناه أو دراه وتعمد الكفر والاستبرق عند العرب ما كان متينا وغلظ في نفسه لا غلظ خيوطه قال أبو جعفر فقد ذكرنا أن هذا الإستبرق يكون فوق حجالهم ( وسقاهم ربهم شرابا طهورا ) أي طاهرا من الأقذار والأدناس والأوساخ
22 ويجوز رفع جزاء على خبر إن وتكون كان ملغاة ( وكان سعيكم مشكورا ) خبر كان ولو كان مرفوعا جاز أن يكون اسم كان فيها مضمرا ولا تلغى إذا كانت مبتدأ لأن الكلام مبني عليها
23
يكون نحن في موضع نصب صفة لاسم إن ويجوز أن تكون فاصلة لا موضع لها ويجوز أن يكون في موضع رفع بالابتداء والخبر نزلنا ( تنزيلا ) مصدر جيء به للتوكيد
24 أي اصبر على أذاهم وكان السبب
____________________
(5/106)
في نزول هذا على ما ذكر قتادة أن أبا جهل قال لئن رأيت محمدا صلى الله عليه وسلم لأطأن عنقه ( ولا تطع منهم آثما أو كفورا ) قال الفراء أو بمنزلة لا أي لا تطع من أثم ولا كفر قال أبو جعفر و أو تكون في الاستفهام والمجازاة والنفي بمنزلة لا قال أبو جعفر ويجوز أن يكون المعنى لا تطيعن من أثم وكفر بوجه فتكون قريبة المعنى من الواو قال أبو جعفر فالقول الأول صواب على قول سيبويه والثاني خطأ لا يكون أو بمعنى الواو لأنك إذا قلت لا تكلم زيدا أو عمرا فمعناه لا تكلم واحدا منهما ولا تكلمهما إن اجتمعا وليس كذا الواو إذا قلت لا تكلم المأمور واحدا منهما لم يكن عاصيا أمره أو إذا كلم واحدا منهما كان عاصيا أمره وكذا الآية لا يجوز أن يطاع الآثم ولا الكفور
25
بكرة يكون معرفة فلا ينصرف ويكون نكرة فينصرف فهي ههنا نكرة فلذلك صرفت لأن بعدها وأصيلا وهو نكرة ولا تكون معرفة إلا أن تدخل فيه الألف واللام
26
التقدير فاسجد له من الليل ( وسبحه ليلا طويلا ) قيل هو منسوخ
____________________
(5/107)
بزوال فرض صلاة الليل وقيل هو على الندب وقيل هو خاص للنبي صلى الله عليه وسلم
27
أي يحبون خير الدنيا ( ويذرون وراءهم يوما ثقيلا ) قال سفيان يعني الآخرة قال أبو جعفر وقيل وراء بمعنى قدام ومن يمنع من الأضداد يجيز هذا لأن وراء مشتق من توارى فهو يقع لما بين يديك وما خلفك وقيل التقدير ويذرون وراءهم عمل يوم ثقيل أي لا يعملون للآخرة
28
عن أبي هريرة قال المفاصل وقال ابن زيد القوة وقيل هو موضع الحديث ومن أحسن ما قيل فيه قول ابن عباس ومجاهد وقتادة قالوا أسرهم خلقهم قال أبو جعفر يكون من قولهم ما أحسن أسر هذا الرجل أي خلقه ومن هذا أخذه بأسره أي بجملته وخلقته لم يبق منه شيئا ( وإذا شئنا بدلنا أمثالهم تبديلا ) قال ابن زيد يعني بني آدم الذين خالفوا طاعة الله جل وعز وأمثالهم من بني آدم أيضا
29
____________________
(5/108)
قيل أي هذه الأمثال والقصص ( فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا ) أي فمن شاء اتخذ إلى رضاء ربه طريقا بطاعة الله عز وجل والانتهاء عن معاصيه
30
اتخاذ السبيل إلا بأن يشاء الله ذلك لأن المشيئة إليه وحذفت الباء فصارت أن في موضع نصب ومن النحويين من يقول هي في موضع خفض ( إن الله كان عليما ) أي بما يشاء أن يتخذ إلى رضاه طريقا ( حكيما ) في تدبيره لا يقدر أحد أن يخرج عنه
31
أي بأن يوفقه للتوبة فيتوب فيدخل الجنة ( والظالمين أعد لهم عذابا أليما ) نصب الظالمين عند سيبويه بإضمار فعل يفسره ما بعده أي ويعذب الظالمين وأما الكوفيون فقالوا نصبت لأن الواو ظرف للفعل أي ظرف لأعد قال أبو جعفر وهذا يحتاج إلى أن يبين ما الناصب وقد زاد الفراء في هذا إشكالا فقال يجوز رفعه وهو مثل { والشعراء يتبعهم الغاوون } قال أبو جعفر وهذا لا يشبه من ذلك شيئا إلا على بعد لأن قبل هذا فعلا فاختير فيه النصب ليضمر فعلا ناصبا فيعطف ما عمل فيه
____________________
(5/109)
الفعل على ما عمل فيه الفعل والشعراء ليس يليهم فعل وإنما يليهم مبتدأ وخبره قال جل وعز { وأكثرهم كاذبون } وههنا يدخل من يشاء في رحمته ويجوز الرفع على أن يقطعه من الأول قال أبو حاتم حدثني الأصمعي قال سمعت من يقرأ ( والظالمون أعد لهم عذابا أليما ) بالرفع وفي قراءة عبد الله ( وللظالمين أعد لهم عذابا أليما ) بتكرير اللام
____________________
(5/110)
77
1 قال أبو جعفر قد ذكرنا في هذه الآيات أقوالا ونزيد ذلك شرحا وبيانا قرىء على محمد بن جعفر بن حفص عن يوسف بن موسى ثنا وكيع عن سفيان عن سلمة بن كهيل عن مسلم البطين عن أبي العبيدين عن ابن مسعود في قول الله عز وجل والمرسلات عرفا قال الرياح
2 قال الريح
3 قال الريح قال أبو جعفر وقد روي عن ابن مسعود أنه قال المرسلات الملائكة والقول بأنها الرياح قول ابن عباس وأبي صالح ومجاهد وقتادة و العاصفات الرياح وذلك عن ثلاثة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب وابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهم والناشرات قد روي عن ابن مسعود أنها الملائكة والرواية الأولى أنها الريح قول ابن عباس وعن أبي صالح أن الناشرات المطر
4 عن ابن مسعود وابن عباس أنها الملائكة
____________________
(5/111)
وروى سعيد عن قتادة فالفارقات فرقا قال القرآن فرق بين الحق والباطل والتقدير على هذا فالآيات الفارقات
5
عن ابن مسعود وابن عباس قالا الملائكة قال قتادة الملائكة تلقي الذكر إلى الأنبياء عليهم السلام وعن أبي صالح في بعض هذه قال الأنبياء قال أبو جعفر قد ذكرنا أن الصفة في هذا أقيمت مقام الموصوف فلهذا وقع الاختلاف فإذا كان التقدير ورب المرسلات فالمعنى واحد والقسم بالله جل وعز وإذا زدنا هذا شرحا قلنا قد ذكرنا ما قيل أنها الرياح وأنها الملائكة وأنها الرسل عليهم السلام ولم نجد حجة قاطعة تحكم لأحد هذه الأقوال فوجب أن يرد إلى عموم الظاهر فيكون عاما لهذه الأشياء كلها عرفا منصوب على الحال إذا كان معناه متتابعة وإذا كان معناه والملائكة المرسلات بالعرف أي بأمر الله جل وعز وطاعته وكتبه فالتقدير بالعرف فحذف الباء فتعدى الفعل كما أنشد سيبويه
( أمرتك الخير فافعل ما أمرت به ** فقد تركتك ذا مال وذا نشب ) عصفا و نشرا و ( فرقا ) مصادر تفيد التوكيد ( فالملقيات ذكرا ) مفعول به
____________________
(5/112)
6 قراءة أبي عمرو والأعمش وحمزة والكسائي وقرأ أهل الحرمين وابن عامر وعاصم ( عذرا ) بإسكان الذال ( أو نذرا ) بضم الذال ويروى عن زيد بن ثابت والحسن ( عذرا أو نذرا ) بضم الذالين فإسكانهما جميعا على أنهما مصدران كما تقول شكرته شكرا ويجوز أن يكون الأصل فيهما الضم فحذفت الضمة استثقالا لها وضمهما جميعا على أنهما جمع عذير ونذير ويجوز أن يكونا مصدرين مثل شغلته شغلا وعذير بمعنى اعذرا كما قال
( أريد حباءه ويريد قتلي ** عذيرك من خليلك من مراد ) أي أعذارك وكما قال
( نذير الحي من عدوا كانوا حية الأرض ** ) قال أبو جعفر هكذا ينشد هذان البيتان بالنصر وأنشد سيبويه
____________________
(5/113)
( عذيرك من مولى إذا نمت لم ينم ** يقول الخنا أو تعتريك زنابره ) أي عذيرك من هذا
7 أي من البعث والحساب والمجازاة وهذا جواب القسم و ما ههنا بمعنى الذي مفصولة من إن ولا يجوز أن تكون ههنا فاصلة و لا زائدة ألا ترى أن في خبرها اللام المؤكدة لخبر إن وحذفت الهاء لطول الاسم والتقدير أن الذي توعدونه لواقع من الحساب والثواب والعقاب
8
رفعت النجوم بإضمار فعل مثل هذا لأن إذا ههنا بمنزلة حروف المجازاة فإن قال قائل قد قال سيبويه في قول الله جل وعز { وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم إذا هم يقنطون } إذا جواب بمنزلة الفاء وإنما صارت جوابا بمنزلة الفاء لأنها لا يبتدأ بها كما لا يبتدأ بالفاء فقد ابتدىء بها ههنا وأنت تقول إذا قمت قمت مبتدأ قال أبو جعفر فلم أعلم أحدا غلط سيبويه في هذا والحجة له أن إذا كانت للمفاجأة لم يبتدأ
____________________
(5/114)
بها نحو قوله إذا هم يقنطون وإذا كانت بمعنى المجازاة ابتدىء بها ولكن قد عورض سيبويه بأن الفاء تدخل عليها فكيف تكون عوضا منها فالجواب أنها إنما تدخل توكيدا وجواب فإذا النجوم طمست ويل يومئذ للمكذبين وقيل الفاء محذوفة وقيل الجواب محذوف
وقرأ نافع وعاصم وحمزة والكسائي
11 بهمزة وتشديد القاف وقرأ عيسى بن عمر النحوي وخالد بن الياس ( أقتت ) بهمزة وتحفيف القاف وقرأ أبو عمرو ( وقتت ) بواو وتشديد القاف وقرأ الحسن وأبو جعفر ( وقتت ) بواو وتخفيف القاف قال أبو جعفر الأصل فيها الواو لأنه مشتق من الوقت قال جل وعز { كانت على المؤمنين كتابا موقوتا } فهذا من وقتت مخففة إلا أن الواو تستثقل فيها الضمة فتبدل فيها همزة وقد ذكرنا سيبويه اللغتين وقتت وأقتت فلم يقدم إحداهما على الأخرى فإذا كانتا فصيحتين فالأولى اتباع السواد
12
13
قيل حذف الفعل الذي تتعلق به اللام والتمام لأي يوم أجلت ثم أضمر فعل أجلت ليوم الفصل وقيل ليوم الفصل بدل وأعدت اللام
____________________
(5/115)
مثل ( لبيوتهم سقفا من فضة ) وقيل اللام بمعنى إلى
14 ما الأولى والثانية في موضع رفع بالابتداء
15 أي الذين يكذبون بيوم القيامة وما فيه
وقرا الأعرج
16
17 جزم نتبعهم لأنه عطف على نهلك قال أبو جعفر هذا لحن وقال أبو حاتم هذا لحن وذكر إسماعيل أنه لا يجوز قال أبو جعفر ثم من حروف العطف وإنما معناه من جهة المعنى وهو في المعنى غير مستحيل لأنه قد قيل في معنى ألم نهلك الأولين أنهم قوم نوح وعاد وثمود وأن الآخرين قوم إبراهيم صلى الله عليه وسلم وأصحاب مدين وفرعون قال أبو جعفر فعلى هذا تصح القراءة بالجزم
18
أي كذلك سنتي فيمن أقام على الإجرام أن أهلكه بإجرامه
19 أي لمن كذب بما أخبر الله جل وعز وبقدرته على ما يشاء
20
____________________
(5/116)
ويجوز إدغام القاف في الكاف وعن ابن عباس مهين ضعيف وقرأ أبو عمرو وعاصم والأعمش وحمزة
23 مخففة وقرأ أبو جعفر وشيبة ونافع والكسائي ( فقدرنا ) مشددة والأشبه التخفيف لأن بعده ( فنعم القادرون ) وليس بعده المقدرون على أن القراءة بالتشديد حسنة لأنه قد حكي أنهما لغتان بمعنى واحد يقال قدر وقدره وقد قال { نحن قدرنا بينكم الموت } ولا ينكر أن تأتي لغتان بمعنى واحد في موضع واحد قال { فمهل الكافرين أمهلهم رويدا } وقال الشاعر
( وأنكرتني وما كان الذي نكرت ** من الحوادث إلا الشيب والصلعا ) وقد قيل معنى فقدرنا النطفة والعلقة والمضغة وقال الضحاك فقدرنا فملكنا ( فنعم القادرون ) رفع بنعم والتقدير فنعم القادرون نحن
24 بقدرة الله جل وعز على هذه الأشياء وغيرها
25
يقال كفته إذا جمعه وأحرزه فالأرض تجمع الناس على ظهرها
____________________
(5/117)
أحياء وفي بطنها أمواتا واشتقاق هذا من الكفتة وهي وعاء الشيء وكذا الكفتة
26 نصب على الحال أي نكفتهم في هذه الحال ويجوز أن يكون منصوبا بوقوع الفعل عليه أي تكفت الأحياء والأموات
27
روى ابن أبي طلحة عن ابن عباس قال يقول جبالا مشرفات قال و ( ماء فراتا ) عذبا وروى عنه عكرمة ماءا فراتا سيحان وجيحان والفرات والنيل قال وكل ماء عذب في الدنيا فمن هذه الأنهار الأربعة
28
29
أي يقال لهم وزعم يعقوب الحضرمي أن بعض القراء قرأ ( انطلقوا ) بفتح اللام على أنه فعل ماضي وأما الأول فلم يختلف فيها
31 نعت لظل أي غير ظليل من الحر ولا يقي لهب النار
32 لغة أهل الحجاز كما قال
____________________
(5/118)
( وتوقد ناركم شررا ويرفع ** لكم في كل مجمعة لواء ) ولغة بني تميم شرار كالقصر يقرأ على ثلاثة أوجه فقراءة العامة ( كالقصر ) وعن ابن عباس وجماعة من أصحابه ( كالقصر ) بفتح الصاد وعن سعيد بن جبير روايتان في إحداهما ( كالقصر ) والأخرى ( كالقصر ) كما قرىء على إبراهيم بن موسى عن إسماعيل بن إسحاق قال نصر بن علي قال ثنا يزيد بن زريع ثنا يونس عن الحسن أنها ترمي بشرر ( كالقصر ) بكسر القاف قال نصر وحدثنا أبي ثنا يونس عن الحسن بشرر كالقصر قال أصول النخل قال أبو جعفر والقصر بفتح القاف وإسكان الصاد في معناه قولان روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس كالقصر قال يقول كالقصر العظيم وكذا قال محمد بن كعب هو القصر من القصور وقال أبو عبيد عن حجاج عن هارون قال القصر الخشب الجزل مثل جمرة وجمر وتمرة وتمر قال أبو جعفر وأصح من هذا عن الحسن كما قرىء على إبراهيم بن موسى عن إسماعيل عن نصر قال ثنا يزيد ثنا يونس عن الحسن قال كالقصر واحد القصور قال أبو جعفر فهذا قول بين والعرب تشبه الناقة والجمل بالقصر كما قال
( كأنها برج رومي يشيده ** بان بجص وآجر وأحجار )
____________________
(5/119)
فأما القصر فقال مجاهد وقتادة هو أصول النخل وروى عبد الرحمن بن عابس عن ابن عباس قال القصر الخشبة تكون ثلاثة أذرع أو أكثر ودون ذلك قال أبو جعفر وهذا أصح ما قيل فيه ومنه قيل قصار لأنه يعمل بمثل هذا الخشب والقصر بهذا المعنى يكون جمع قصرة وقد سمع من العرب حاجة وحوج ويجوز أن يكون جمع قصرة وقد سمع حلقة وحلق فقال الشرر جماعة والقصر واحد فكيف شبهت به الجواب أن يكون واحدا يدل على جمع أو جمع قصرة أو يراد به الفعل أي كعظيم القصر وتكلم الفراء في أن الأولى أن يقرأ كالقصر بإسكان الصاد لأن الآيات على هذا ألا ترى أن بعده صفر واحتج بقراءة القراء { يوم يدع الداع إلى شيء نكر } بضم الكاف لأن الآيات كذا وفي موضع آخر { فحاسبناها حسابا شديدا وعذبناها عذابا نكرا } بإسكان الكاف فقال فقد أجمع القراء على تحريك الأولى وإسكان الثانية قال أبو جعفر وهذا غلط قبيح قد قرأ عبد الله بن كثير يوم يدعو الداعي إلى شيء نكر بإسكان الكاف وهذا الذي جاء به من اتفاق الآيات لا يستتب ولا ينقاس
33
قراءة أهل المدينة وأبي عمرو وعاصم وقرأ يحيى بن وثاب والأعمش بن عيسى وطلحة وحمزة والكسائي ( كأنه جمالة صفر ) وعن ابن عباس
____________________
(5/120)
( جمالات صفر ) بضم الجيم فالقراءة الأولى تكون جمع جمال أو جمالة وجمالة جمع جمل كحجر وحجارة وجمالات يجوز أن يكون بمعنى جمال كما يقال رخل ورخال وظئر وظؤار والتاء لتأنيث الجماعة إلا أن أهل التفسير يقولون هي حبال السفن منهم ابن عباس وسعيد بن جبير إلا أن علي بن أبي طلحة روى عن ابن عباس قال قطع النحاس ويجوز أن يكون مشتقا من الشيء المجمل
35
مبتدأ وخبره وزعم الفراء أن القراء اجتمعت على رفع يوم قال أبو جعفر وهذا قريب مما تقدم روي عن الأعرج والأعمش أنهما قرآ ( هذا يوم لا ينطقون ) بالنصب وفي نصبه قولان أحدهما أنه ظرف أي هذا الذي ذكرنا في هذا اليوم والقول الآخر ذكره الفراء يكون يوم مبنيا وهذا خطأ عند الخليل وسيبويه لا تبنى الظروف عندهما مع الفعل المستقبل لأنه معرب وإنما يبنى مع الماضي كما قال
( على حين عاتبت المشيب على الصبا ** )
36
____________________
(5/121)
عطف وزعم الفراء أنه اختير فيه الرفع لتتفق الآيات
38
مبتدأ وخبره ( جمعناكم والأولين ) نسق على الكاف والميم
39 حذفت الياء لأن النون صارت عوضا منها لأنها مكسورة وهو رأس آية
41 ومن كسر العين كسره الضمة مع الياء
42 الأصل يشتهونه حذفت الهاء الاسم
43 أي يقال لهم هذا
44 الكاف في موضع نصب أي جزاء كذلك
45
46
متصل بما يليه أي قيل للمكذبين كلوا وتمتعوا قليلا أي وقتا قليلا وتمتعا قليلا
48
قال الفراء وإذا قيل لهم صلوا وقال غيره كان الركوع أشد
____________________
(5/122)
الأشياء على العرب حتى أسلم بعضهم وامتنع من أن يركع
50
وقعت الباء قبل أي والاستفهام له صدر الكلام لأن حروف الخفض مع ما بعدها بمنزلة شيء واحد ألا ترى أن قولك نظرت إلى زيد ونظرت زيدا بمعنى واحد
____________________
(5/123)
78
1
الأصل عن ما حذفت الألف فرقا بين الاستفهام والخبر لأن المعنى عن أي شيء يتساءلون وحكى الفراء أن المعنى لأي شيء يتساءلون قال أبو جعفر و عن بمعنى اللام لا يعرف والتقدير يتساءلون عن النبأ العظيم وحذف لدلالة الكلام
3 في موضع خفض
4 قيل هو التمام أي ليس الأمر على ما زعم المشركون من إنكار البعث ( ستعلمون ) تهديد لهم على قراءة الحسن التقدير قل لهم ستعلمون ( ثم كلا ستعلمون ) يعلمون معطوف عليه وقراءة العامة بالياء
6 يكون واحدا ويكون جمع مهده
7 معطوف عليه جمع وتد ومن أدغم قال ود ولا
____________________
(5/125)
يجوز الإدغام في الجميع لأن الألف قد فصلت بين الحرفين
8 نصب على الحال أي أصنافا أي ذكورا وإناثا وقصارا وطوالا فنبههم جل وعز على قدرته
9 مفعولان وكذا
10 أي يغشيكم ويغطيكم كالثياب أي فعلنا هذا لتناموا فيه وتسكنوا كما قال قتادة لباسا سكنا
11 أي ذا معاش أي جعلناه مضيئا ليعيشوا فيه ويتصرفوا كما قال مجاهد معاشا تتصرفون فيه وتبتغون من فضل الله جل وعز
12 حذفت الهاء لأن اللغة الفصيحة تأنيث السماء شدادا جمع شديدة ولا تجمع على فعلاء استثقالا للتضعيف
13
روى ابن أبي طلحة عن ابن عباس ( وهاجا ) أي مضيئا
14 قال أبو جعفر قد ذكرنا قولين لأهل التفسير أن المعصرات الرياح والسحاب وأولاهما أن يكون السحاب لقوله جل وعزت من المعصرات ولم يقل بالمعصرات وكما قرىء على أحمد بن شعيب عن الحسين بن حريث قال حدثني علي بن الحسين عن أبيه قال حدثني الأعمش عن المنهال عن قيس بن السكن عن ابن مسعود
____________________
(5/126)
قال يرسل الله سبحانه الرياح فتأخذ الماء فتجريه في السحاب فتدر كما تدر اللقحة وروي عن ابن أبي طلحة عن ابن عباس ماء ثجاجا قال يقول منصبا وقال ابن زيد ثجاجا كثيرا قال أبو جعفر القول الأول المعروف في كلام العرب يقال ثج الماء ثجوجا إذا انصب وثجه فلان ثجا إذ صبه صبا متتابعا وفي الحديث أفضل الحج العج والثج فالعج رفع الصوت بالتلبية والثج صب دماء الهدي
15 فالحب كل ما كان له قشر والنبات الحشيش والكلأ ونحوهما
16 أي ثمر جنات ( ألفاف ) قال أبو جعفر قد ذكرنا قول من قال هو جمع لف وقول من قال هو جمع الجمع أراد أنه يقال لفاء وألف مثل حمراء وأحمر ثم تقول ألف كما يقال حمر ثم يجمع لفا ألفافا كما تقول خف وأخفاف والقول الأول أولى بالصواب لأن أهل التفسير قالوا وجنات ألفافا أي جميعا لا نعلم بينهم اختلافا في ذلك فهذا جمع لف ويقال لفيف بمعناه ونخلة لفاء معناه غليظة فلهذا قلنا الأول أولى بالصواب
____________________
(5/127)
17
خبر كان ولو كان في غير القرآن جاز الرفع على الغاء كان
18
بدل ( فتأتون أفواجا ) على الحال ويقال فوج وفوجة
19
في معناه قولان قيل معناه انشقت فكانت طرقا وقيل تقطعت فكانت قطعا كالأبواب ثم حذفت الكاف كما تقول رأيت فلانا أسدا أي كالأسد وكذا
20
21
أي ترصد من عصى الله سبحانه وترك طاعته وقال الحسن لا يدخل أحد الجنة حتى يرد النار ومرصاد في العربية من رصدت فأنا راصد ومرصاد على التكثير وقال كانت ولم يقل مرصادة لأنه غير جار على الفعل فصار على النسب
22 أي مرجعهم إليها وآب يؤوب رجع كما قال
( وكل ذي غيبة يئوب ** وغائب الموت لا يئوب )
____________________
(5/128)
23 هذه قراءة أبي جعفر وشيبة ونافع وأبي عمرو وعاصم والكسائي وقرأ علقمة ويحيى بن وثاب والأعمش وحمزة ( لبثين ) بغير ألف وقد اعترض في هذه القراءة فقيل هي لحن لا يجوز هو حذر زيدا وإن كان سيبويه قد أجازه وأنشد
( حذر أمورا لا تضير وآمن ** ما ليس منجيه من الأقدار )
وأنشد الفراء
( أو مسحل عمل عضادة سمحج ** بسراته ندب لها وكلوم )
إلا أن سيبويه أنشده أو مسحل شنج وقال قوم هو لحن لأنه إنما يقال حذر وكذا باب فعل لمن كان في خلقته الحذر فأما اللابث فليس من ذلك في شيء قال أبو جعفر أما القول الأول فغلط ولا يشبه هذا قولك حذر زيدا لأن أحقابا ظرف وما لا يتعدى يتعدى إلى الظرف وأما الثاني فهو يلزم إلا أنه يجوز على بعد والقراءة بلابثين بينة حسنة فأما حجة من احتج بلبثين بما رواه شعبة عن أبي إسحاق قال في قراءة عبد
____________________
(5/129)
الله ( لبثين ) فلا حجة فيه لأن أبا إسحاق لم يلق عبد الله ولو كان إسناده متصلا كانت فيه حجة وهذه الأشياء تؤخذ من قراءة عبد الله بما لا تقوم به حجة من إسناد منقطع أو من صحف قد يكتب فيها لابثين بغير ألف فيتوهم قارئه أنه لبثين وفي هذه الآية إشكال لقوله جل وعز ( لابثين فيها أحقابا ) وهم لا يخرجون منها فمن أحسن ما قيل فيها أن قتادة قال لابثين فيها أحقابا لا انقطاع لها فعلى هذا التقدير يكون الجمع وحقبة حقب وأحقاب جمع الجمع كما قال
( وكنا كندماني جذيمة حقبة ** من الدهر حتى قيل لن يتصدعا ) ويجوز أن يكون أحقاب جمع حقب وقد ذكرنا ما قال أهل التفسير في معناه فأما أهل اللغة فقولهم إن الحقب والحقبة يقعان للقليل من الدهر والكثير قال أبو جعفر وسمعت علي بن سليمان يقول سألنا أبا العباس محمد بن يزيد عن قول الله جل وعز لابثين فيها أحقابا فقال ما معنى هذا التحديد ونحن إذا حددنا الشيء فقلنا أنا أقيم عندك يوما كان في قوة الكلام أنك لا تقيم بعد اليوم ثم لم يجبنا عنها مذ نيف وثلاثون سنة ونظرت فيها فوقع لي أنه يعني به الموحدون العصاة ثم نظرة فإذا بعده أنهم كانوا لا يرجون حسابا فعلمت أن ذلك ليس هو الجواب قال فالجواب
____________________
(5/130)
عندي أن المعنى لابثين في الأرض أحقابا فعاد الضمير على الأرض لأنه قد تقدم ذكرها والضمير في
24 يعود على النار لأنه قد تقدم أيضا ذكرها قال ولم أعرف لأبي العباس فيها جوابا قال أبو جعفر فسألت أبا إسحاق عنها فقال سمعت أبا العباس محمد بن يزيد يقول المعنى لابثين فيها أحقابا هذه صفتها أي يعذبون بهذا العذاب في هذه الأحقاب لا يذوقون فيها إلا الحميم والغساق ويعذبون بعد هذا العذاب بأصناف من العذاب غير هذا وهذا جواب نظري بين وهو قول ابن كيسان يكون لا يذوقون من نعت الأحقاب واختلف العلماء في قوله جل وعز ( لا يذوقون فيها بردا ) فقيل أي لا يذوقون فيها بردا يبرد عنهم السعير وقيل نوما كما قال
( بردت مراشفها علي فصدني ** عنها وعن قبلاتها البرد ) أي النوم والنعاس وقد يكون البرد الهدو والثبات كما قال الشاعر
( اليوم يوم بارد سمومه ** ) وقد يكون البرد ما ليس فيه شدة كما روي الصوم في الشتاء الغنيمة الباردة وهي التي ليس فيها حر السلاح ويقال بردت حره كما قال
____________________
(5/131)
( وعطل قلوصي في الركاب فإنها ** ستبرد أكبادا وتبكي بواكيا ) وأصح هذه الأقوال القول الأول لأن البرد ليس باسم من أسماء النوم وإنما يحتال فيه فيقال للنوم برد لأنه يهدي العطش والواجب أن يحمل تفسير كتاب الله جل وعز على الظاهر والمعروف من المعاني إلا أن يقع دليل على غير ذلك
25 قال أبو رزين وإبراهيم الغساق ما يسيل من صديد وقال عبد الله بن بردة الغساق المنتن وروى ابن أبي طلحة عن ابن عباس قال الغساق الزمهرير قال أبو جعفر وهذه الأقوال ليست بمتناقضة لأنه يكون ما يسيل من جلودهم منتنا شديد البرد وسمعت علي بن سليمان يقول غساق بالتشديد أولى لأنه يقال غسقت عينه أي دمعت فغساق مثل سيال تكثير غاسق وقال غيره من هذا قيل لليل غاسق لتغطيته وهجومه كما يهجم السيل وقيل الحميم مستثنى من الشراب والغساق مستثنى من البرد
26 مصدر دل على فعله ما قبله ( وفاقا ) من نعته
27
قيل يرجون بمعنى يخافون لأن من رجا شيئا يلحقه خوف من
____________________
(5/132)
فواته فغلب إحدى الخيفتين كما قال
( إذا لسعته النحل لم يرج لسعها ** وخالفها في بيت نوب عواسل ) وقيل الرجاء ههنا على بابه أي لا يرجون ثواب الحساب
28
مصدر وقد روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ( وكذبوا بآياتنا كذابا ) بتخفيف الأول والثاني وهي رواية شاذة ولكنه قد صح عن الكسائي أنه قرأ الثانية بالتخفيف كما قال
( فصدقتهم وكذبتهم والمر ينفعه كذابه ** )
وكذاب التشديد على قول بعض الكوفيين لغة يمنية وهذا ما لا يحصل منه كثير فائدة ولكن قول سيبويه أنه مصدر كذب على الحقيقة وإن كان الكلام يكذب تكذيبا كثيرا وفيه من النحو ما يدق من المجيء بهذه التاء في تكذيب وليس لها في الفعل أصل ويقال ما الدليل على أن الأصل
____________________
(5/133)
كذاب ونحن نشرحه على مذهب سيبويه إن شاء الله سبيل الفعل إذا كان رباعيا أن يزاد على ماضيه ألف في المصدر فتقول أكرم إكراما وانطلق انطلاقا فهذا قياس مستتب وكذا كذب كذابا وتكلم كلاما ثم أنهم قالوا كذب تكذيبا فقال سيبويه أبدلوا من العين الزائدة تاء وقلبوا الألف ياء فغيروا أوله كما غيروا آخره قال أبو جعفر فأما تكلم تكلما فجاءوا بالماضي ولم يزيدا ألفا لكثرة حروفه وضموا اللام قال سيبويه لأنه ليس في الأسماء تفعل
29
نصب كلا بإضمار فعل ليعطف ما عمل فيه الفعل على ما عمل فيه الفعل كما قال
( أصبحت لا أحمل السلاح ولا ** أملك رأس البعير أن نفرا )
( والذئب أخشاه إن مررت به ** وحدي وأخشى الرياح والمطرا )
ويجوز الرفع بالابتداء والكوفيون يقولون بالعائد عليه ( كتابا ) مصدر فمن النحويين من يقول العالم فيه مضمر أي كتبناه كتابا أي كتبنا عدده ومبلغه ومقداره فلا يغيب عنا منه شيء كتابا وقيل العامل فيه أحصيناه لأن أحصيناه وكتبناه واحد قال الحسن سألت أبا بردة عن أشد آية في القرآن على أهل النار فقال تلا رسول الله
30 فقال أهلك القوم بمعصيتهم لله جل وعز وقال عبد الله بن
____________________
(5/134)
عمر ولم ينزل على أهل النار أشد من قوله ( فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذابا )
31
32
بدل من مفاز والمفاز الظفر بما يحبه الإنسان قال ابن عباس الحدائق الشجر الملتف وقال الضحاك الذي عليه الحيطان قال أبو جعفر وكذلك هو في اللغة وقد حدق بالقوم كما قال
( وقد حدقت بي المنية ** )
33 معطوف الواحدة كاعب وكواعب للجمع والمؤنث
34 أي ممتلئة مشتق من دهقه إذا تابع عليه الشدة
35
وقرأ الكسائي ( كذابا ) وهي خارجة من قراءة الجماعة يجوز أن يكون مصدرا من كاذب كذابا ويجوز أن يكون مصدرا من كذب كما تقول صام صياما وهذا أشبه أي لا يسمعون فيها باطلا يلغى ولا كذبا
____________________
(5/135)
36
مصدر وكذا ( عطاء ) ( حسابا ) من نعته أي عطاء كافيا كما قال
( ونغني وليد الحي إن كان جائعا ** ونحسبه إن كان ليس بجائع )
وقال مجاهد حسابا بأعمالهم
37
قراءة أبي جعفر وشيبة ونافع وأبي عمرو وقرأ عبد الله بن أبي إسحاق وعاصم بخضهما جميعا وقرأ ابن محيصن ويحيى بن وثاب وحمزة بخفض الأول ورفع الثاني وهو اختيار أبي عبيد لقرب الأول وبعد الثاني وخالفه قوم من النحويين قالوا ليس بعده مما يوجب الرفع لأنه لم يفرق بينهما ما يوجب هذا فرفعهما جميعا على أن يكون الأول مرفوعا بالابتداء والثاني نعت له والخبر ( لا يملكون منه خطابا ) ويجوز أن يكون الأول مرفوعا بإضمار هو ومن خفض الاثنين جعلهما نعتا أو بدلا من الاسم المخفوض ومن خفض الأول ورفع الثاني جعل الثاني مبتدأ أو أضمر مبتدأ
____________________
(5/136)
38 روى ابن أبي طلحة عن ابن عباس قال الروح ملك عظيم الخلق وروى عنه غيره قال الروح أرواح الناس تقوم مع الملائكة في ما بين النفختين من قبل أن ترد إلى الأبدان وقال الشعبي والضحاك الروح جبرئيل صلى الله عليه وسلم وقال الحسن وقتادة الروح بنو آدم وقال ابن زيد الروح القرآن وقال مجاهد الروح على صور بني آدم وليسوا منهم قال أبو جعفر لا دليل فعلمه يدل على أصح هذه الأقوال يكون قاطعا من توقيف من الرسول أو دلالة بينة وهو شيء لا يضر الجهل به ولو قال قائل هذه الأشياء التي ذكرها العلماء ليست بمتناقضة ويجوز أن يكون هذا كلها لها لما عنف ( والملائكة صفا ) نصب على الحال وكذا ( لا يتكلمون ) في موضع نصب ( إلا من أذن له الرحمن ) يكون من في موضع رفع على البدل من الواو وفي موضع نصب على الاستثناء أي إلا من أذن له الرحمن في الكلام ( وقال صوابا ) من الحق وتأول عكرمة المعنى على غير هذا قال أبو جعفر وقال صوابا في الدنيا أي قال لا إله إلا الله
39
نعت لليوم أي ذو الحق ( فمن شاء اتخذ إلى ربه مآبا ) أي نجاء مآب أي عملا صالحا في الدنيا
40
نعت لعذاب أو لظرف أي وقتا قريبا ( يوم ينظر المرء ما قدمت يداه ) الجملة في موضع خفض أي يوم نظره ( ويقول الكافر يا ليتني كنت ترابا ) خبر كنت وأجاز بعض النحويين ليتني قائما قال لأن كان تنثر بعد ليت فحذفت
____________________
(5/137)
79
1
خفض بواو القسم وقيل التقدير ورب النازعات وروى شعبة عن سليمان عن أبي الضحى عن مسروق عن عبد الله و النازعات قال ملائكة وروى شعبة عن السدي عن أبي صالح عن ابن عباس والنازعات قال ينزع نفسه فصار التقدير والملائكة النازعات ( غرقا ) مصدر قال سعيد بن جبير تنزع نفوسهم ثم تغرق ثم تحرق ثم يلقى بها في النار والتقدير ورب النازعات والمعنى فتغرق النفوس فتغرق غرقا { والله أنبتكم من الأرض نباتا }
2 معطوف على النازعات أي الجاذبات الأرواح بسرعة يقال نشطه إذا جذبه بسرعة إلا أن الفراء حكى نشطه إذا ربطه وأنشطه حله وحكى عن العرب كأنما أنشط من عقال وخولف في هذا واستشهد مخالفه بقوله
____________________
(5/139)
( أضحت همومي تنشط المناشطا ** )
3 معطوف أي والملائكة السابحات أي السريعات وقال عطاء السابحات السفن سبحا مصدر
4 معطوف أي والملائكة السابقات الشياطين بالوحي وقال عطاء السابقات الخيل ( سبقا ) مصدر
5 عطف أي والملائكة قال ولا اختلاف بين أهل العلم في هذا أنه يراد به الملائكة وهو مجاز لأن الله جل وعز هو المدبر الأشياء قال { يدبر الأمر من السماء إلى الأرض } فلما كانت الملائكة صلوات الله عليهم ينزلون بالوحي والأحكام وتصريف الأمطار قيل لهم مدبرات على المجاز قال الفراء كما قال { فإنه نزله على قلبك } فنسب التنزيل إلى جبرئيل صلى الله عليه وسلم والله الذي نزله وكذا { نزل به الروح الأمين } ( أمرا ) منصوب على المصدر ويجوز أن يكون التقدير فالمدبرات بأمر من الله حذفت الباء فتعدى الفعل وأنشد سيبويه
( أمرتك الخير فافعل ما أمرت به ** فقد تركتك ذا مال وذا نشب )
____________________
(5/140)
فأما جواب القسم ففيه أربعة أقوال أصحها وأحسنها أنه محذوف دل عليه دلالة واضحة والمعنى والنازعات لتبعثن فقالوا أنبعث إذا كانا عظاما نخرة فقولهم
11 يدل على ذلك المحذوف وقيل الجواب
26 وهذا بعيد لأنه قد تباعد ما بينهما وقيل حذفت اللام فقط والتقدير ليوم ترجف لراجفة وهذا أيضا أبعد من ذاك لأن اللام ليست مما يحذف لأنها تقع على أكثر الأشياء فلا يعلم من أين حذفت ولو جاز حذفها لجاز والله زيد منطلق بمعنى اللام وروى بن أبي طلحة عن ابن عباس الراجفة النفخة الأولى والرادفة الثانية روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم بينهما أربعون
8 مبتدأ وخبر قال عطاء واجفة متحركة وقال غيره خائفة
9 مبتدأ وخبره أنهم أذلاء لفضيحتهم يوم القيامة من معاصيهم وتم الكلام
10 أي في الدنيا ( أإنا لمردودون في الحافرة ) روى ابن أبي طلحة عن ابن عباس في الحافرة قال يقول في الحياة وقال ابن زيد في النار وقال مجاهد في الأرض والتقدير على قول مجاهد في الأرض المحفورة أي في القبر مثل { من ماء دافق } أي مدفوق وحقيقته
____________________
(5/141)
في العربية من ماء ذي دفق وعلى قول ابن عباس في الحافرة نحيا كما حيينا أول مرة
11
صحيحة عن ابن عباس رواها ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن ابن عباس وصحيحة عن ابن الزبير ومروية عن عمر وابن مسعود فهؤلاء أربعة من الصحابة وهي مع هذا قراءة ابن وثاب والأعمش وحمزة والكسائي وهي أشبه برؤوس الآيات التي قبلها وبعدها وقراءة ( نخرة ) أهل الحرمين والحسن وأبو عمرو فالقراءتان حسنتان لأن الجماعة نقلتهما
12
قيل المعنى رجعة وردة وجعلوها خاسرة لأنهم وعدوا فيها بالنار
13
14
قال سفيان الساهرة أرض بالشام وقال سعيد عن قتادة الساهرة جهنم قال أبو جعفر والساهرة في كلام العرب الأرض الواسعة المخوفة التي يسهر فيها للخوف وزعم أبو حاتم أن التقدير فإذا هم بالساهرة والنازعات وهذا غلط بين لأن الفاء لا يبتدأ بها والنازعات أول السورة وهذا القول الرابع في جواب القسم
____________________
(5/142)
15
تكون هل بمعنى قد وقد حكى ذلك أهل اللغة وقد تكون على بابها
16
بالتنوين وضم الطاء قراءة ابن عامر والكسائي وقراءة أهل المدينة وأبي عمرو بغير تنوين وبضم الطاء وقراءة الحسن ( طوى ) بكسر الطاء والتنوين ومعناه عنده بالوادي الذي قدس مرتين ونودي فيه والقراءة بضم الطاء والتنوين على أنه اسم للوادي وليس بمعدول إنما هو مثل قولك حطم فلذلك صرف ومن لم يصرفه جعله كعمر معدولا إلا أن الفراء ينكر ذلك لأنه زعم أنه لا يعرف في كلام العرب اسما من ذوات الياء والواو معدولا من فاعل إلى فعل قال أبو جعفر يجوز أن يكون ترك الصرف على أنه اسم للبقعة فيكون على غير ما تأول وقد قرأ به غير منون من تقوم الحجة بقوله
17 من قال في المستقبل يطغى قال طغيت وهو الطغيان ومن قال يطغو قال طغوت
18
____________________
(5/143)
قراءة أهل المدينة وقراءة أبي عمرو ( تزكى ) بتخفيف الزاي والمعنى والتقدير في العربية واحد لأن أصل تزكى تتزكى فحذفت التاء ومن قال تزكى أدغمها ولا يعرف التفريق بينهما قال ابن زيد تزكى تسلم قال وكل تزكية في القرآن إسلام
19
عطف وكذا ( فتخشى ) أي فتخشى عقابه بترك معاصيه
20
مما لا يجوز حذف الألف واللام منه ولا يؤتى به نكرة
21 معنى الفاء أنها تدل على أن الثاني بعد الأول والواو للاجتماع هذا أصلها
22 في موضع الحال
23 وحذف المفعول أي وحشر قومه كما قال ابن زيد جمع قومه ( فنادى ) فيهم
24
25
قال الفراء أي فأخذه الله أخذا نكالا للآخرة والأولى
____________________
(5/144)
26 أي يخشى عقاب الله كما نزل بغيره لما عصى
27 أي لم تنكرون البعث وخلق السماء أشد من بعثكم
28 أي سقفا للأرض
29 إضافة مجاز لأن معنى الليل ذهاب الشمس فلما كانت تغيب في السماء قيل ليلها كما يقال سرج الدابة وكذا ( وأخرج ضحاها )
30 منصوب بإضمار فعل أي ودحا الأرض وزعم الفراء أن النصب والرفع جائزان وأنه مثل { والقمر قدرناه منازل } يعني في الرفع والنصب قال أبو جعفر بينهما فرق لأن قوله ( والقمر قدرناه منازل ) الرفع فيه حسن لأن تقديره وآية لهم القمر ( والأرض بعد ذلك دحاها ) الرفع فيها بعد لأن قبلها ما عمل فيه الفعل ولا يتعلق بشيء مرفوع فهذا فرق بين ولا نعلم أحدا قرأ والأرض بالرفع والقمر بالرفع قرأ به الأئمة وفي الآية إشكال لأنه قال تعالى { قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين } وبعده ( ثم استوى إلى السماء ) فدل على خلق السماء كان بعد خلق الأرض وههنا ( والأرض بعد ذلك دحاها ) فمن أصح ما قيل في هذا وأحسنه ما رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس قال خلق الله جل
____________________
(5/145)
وعز الأرض قبل السماء فقدر فيها أقواتها ولم يدحها ثم خلق السماء ثم دحا الأرض بعدها وقال مجاهد والسدي ( والأرض بعد ذلك دحاها ) أي مع ذلك دحاها كما قال جل وعز { عتل بعد ذلك زنيم } قال أبو جعفر القول الأول أولى أن يكون الشيء على بابه ومعنى الدحو في اللغة البسط يقال دحوت أدحور ودحيت أدحي ومن الثاني سمي دحية
32 على إضمار فعل أيضا
33
قال الفراء أي خلق ذلك منفعة لكم ومتعة قال ويجوز الرفع مثل { متاع قليل }
34
روى ابن أبي طلحة عن ابن عباس قال القيامة عظم الله أمرها وحذر منه قال أبو جعفر العرب إذا عظمت الشيء وصفته بالطامة
35
أي إذا قرأ كتابه ورأى محله تذكر عمله
36
أنث الجحيم لمعنى النار وهو نعت لها ههنا
____________________
(5/146)
37
من في موضع رفع بالابتداء وخبره
39 والتقدير عند الكوفيين فهي مأواه والألف بدل من الضمير والتقدير عند البصريين هي المأوى له
40
أي مقام الحساب على معاصيه ( ونهى النفس عن الهوى ) وهو الميل إلى ما لا يحسن
41 كالذي تقدم
42
قال الفراء يقال إنما الإرساء للسفينة والجبال وما أشبههن فكيف وصفت الساعة بالإرساء فالجواب أنها كالسفينة إذا جرت ثم رست ورسوها قيامها وليس كقيام القائم على رجله ونحوه ولكن كما تقول قام العدل وقام الحق أي ظهر وثبت
43 أي ليس إليك ذكرها لأنك لم تعرف وقتها والأصل في ما حذفت الألف فرقا بين الاستفهام والخبر فإن قبل ما حرفا خافضا والوقوف عليه فيمه لا يجوز غيره لئلا تذهب الألف
____________________
(5/147)
وحركة الميم والصواب أن لا يوقف عليه لئلا يخالف السواد في زيادة الهاء أو يلحن إن وقف عليه بغير الهاء
44
في موضع رفع بالابتداء أي منتهى علمها
45
وقرأ أبو جعفر وابن محيصن وطلحة ( منذر من يخشاها ) بالتنوين وهو لأصل وإنما يحذف تخفيفا
46
أي زال عنهم ما كانوا فيه فلم يفكروا في ما مضى وقل عندهم وكان في هذا معنى التنبيه لمن اغتر بالدنيا وسلامته فيها في أنه سيتركها عن قليل ويذهب عنه ما كان يجد فيها من اللذة والسرور فكأنه لم يلبث فيها إلا عشية أو ضحاها
____________________
(5/148)
80
1 ويقال في التكثير عبس
2 أن في موضع نصب أي لأن ومن النحويين من يقول موضعها خفض على إضمار اللام ومنهم من يقول أن بمعنى إذ
3 والأصل يتزكى أدغمت في التاء في الزاي
4 الأصل يتذكر دغمت التاء في الذال لقربها منها ( فتنفعه الذكرى ) وزعم الفراء أنه يجوز النصب ولم يقرأ به قال أبو جعفر الرواية معروفة عن عاصم أنه قرأ ( فتنفعه الذكرى ) بالنصب والكوفيون يقولون هو جواب لعل ولا يعرف البصريون جواب لعل بالنصب وقد حكوا هم والكوفيون وإيجاب النصب وهو الأمر والنهي والنفي والتمني والاستفهام وزاد الكوفيون الدعاء ولم يذكروا جواب لعل مع هذه الأجوبة وسألت عنها أبا الحسن علي بن سليمان فقال ما أعرف للنصب
____________________
(5/149)
وجها وإن كان عاصم مع جلالته قد قرأ به إلا أن أو يجوز أن تنصب ما بعدها كما قال
( فقلت له لا تبك عينك إنما ** نحاول ملكا أو نموت فنعذرا ) فقد يجوز أن يعطفه على ما ينتصب بعد أو
5
6
قراءة المدنيين والأصل تتصدى ثم أدغم وقراءة الكوفيين وأبي عمرو ( تصدى ) بحذف التاء لئلا يجمع بين تاءين
7 والأصل يتزكى
8 في موضع نصب على الحال وكذا
9 ويجوز أن تكون الجملة خبرا آخر
10 والأصل تتلهى أي تتشاغل وفعل هذا صلى الله عليه وسلم طلبا منه لإسلام المشرك
11 خبر إن
12 لأنه تأنيث غير حقيقي
13
14
____________________
(5/150)
قيل يعني به اللوح المحفوظ هذا على تفسير ابن عباس لأن سعيد بن جبير روي عنه في معنى
15 أنهم الملائكة وروى عنه علي بن أبي طلحة أنهم الكتبة وقال قتادة هم القرأة والصحيح القول الأول ومعروف في كلام العرب أنه يقال سفر الرجل بين القوم إذا ترسل بينهم بالصلح والملائكة سفرة لأنهم رسل الله تعالى إلى أنبيائه صلوات الله عليهم وهم أيضا كتبة يكتبون أفعال العباد فهذا كله غير متناقض إلا أن وهب بن منبه قال السفرة الكرام البررة أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وبررة جمع بار وأبرار جمع بر
17
قال مجاهد إذا قال الله تعالى قتل الإنسان أو فعل به فهو الكافر ومعنى قتل أهلك لأن المقتول مهلك وقيل قتل لعن ما أكفره الأولى أن تكون ما استفهاما أي ما الذي أكفره مع ظهور آيات الله جل وعز وأنعامه عليه وقيل هو تعجب
18
19
أي وإنما خلق من قذر وإنما ينبل بطاعة الله وأولى ما قيل في معنى
20 قول عبد الله بن الزبير رحمه الله أنه يسره أي سهل عليه حتى خرج من الرحم والتقدير في العربية ثم للسبيل
____________________
(5/151)
وحذف اللام لأنه مما يتعدى إلى مفعولين أحدهما بحرف
21 أي صيره ذا قبر أي أن نقبر وأما الدافن فيقال له قابر كما قال
( لو أسندت ميتا إلى ونحرها ** عاش ولم ينقل إلى قابر )
22
أي أحياه والتقدير إذا شاء أنشره يقال أنشره الله فنشر فهو منشر وناشر كما قال
( حتى يقول الناس مما رأوا ** يا عجبا للميت الناشر )
33
من النحويين من يجعل كلا تماما في جميع القرآن أي كلا ليس الأمر كما يقول الكافر قد قضيت ما علي ومن النحويين من يجعلها في جميع القرآن مبتدأ ومنهم من يفصلها وهذا يمر في التمام
____________________
(5/152)
مشروحا إن شاء الله
24
تمام على قراءة المدنيين وأبي عمرو وعلى قراءة الكوفيين ليس بتمام لأنهم يقرءون
25 بمعنى لأنا ولا يجوز أن يكون بدلا من طعام على ما تأوله أبو عبيد لأن وجوه البدل قد بينها النحويون ولا يدخل فيها هذا ومعنى صبا
26 التوكيد وكذا هذه المصادر
وعن ابن عباس أنه قال بين يدي عمر نبات الأرض السبعة فقال له ما أفهم ما تقول فقال
27 - 30 أي ملتفة
31 وأي مرعى الأنعام قال عمر هكذا فتكلموا كما تكلم هذا الفتى وروى عنه ابن أبي طلحة الأب ما لان من الثمار
32 نصب على المصدر
32
روى ابن أبي طلحة عن ابن عباس قال القيامة وقال عكرمة النفخة الأولى وقال الحسن يصيخ لها كل شيء أي يصمت لها كل شيء
34
35
36
____________________
(5/153)
قيل يفرون لما بينهم من المطالبة فيخافون ذلك وقيل يفرون لأن بعضهم يستحي من بعض فيكره أن يرى ما ينزل به من الفضيحة
37 أي يشغله عن غيره
38
رفع بالابتداء وإن كان نكرة للفائدة التي فيه والخبر ( مسفرة )
39 نعت قال ابن زيد القترة ما علا من الغبار ويروى أنه إذا قيل للبهائم كوني ترابا صار ذلك التراب غبرة في وجوه الكفار
42 تكون هم فاصلة أو مبتدأة و الفجرة خبر والجملة خبر أولئك
____________________
(5/154)
81
1
رفعت الشمس بإضمار فعل مثل الثاني لأن إذا بمنزلة حروف المجازاة لا يليها إلا الفعل مظهرا أو مضمرا وعن أبي بن كعب كورت ذهب ضوءها وعن ابن عباس أظلمت قال أبو جعفر يقال كور الشيء وكبر الشيء إذا لف ورمي به وفي الحديث نعوذ بك من الحور بعد الكون أي من الرجوع بعد أن كان أمرنا ملتئما ويروى بعد الكور
2
رفعت النجوم بإضمار فعل أيضا قال أبي انكدرت تناثرت وقال ابن عباس بعثرت
3 بإضمار فعل أيضا
____________________
(5/155)
4
قال أي أهملت قال الأصمعي العشراء الناقة إذا أتى عليها من حملها عشرة أشهر وقال أبو عبيدة الناقة إذا أتى عليها من حملها ستة أشهر إلى أن تضع وبعد ذلك وهم يتفقدونها وتعز عليهم
5
فيه قولان أحدهما حشرت يوم القيامة ليعوضها الله مما لحقها من الألم في الدنيا وقال قتادة حشرت جمعت
6
وقرأ أبو عمرو ( سجرت ) مخففا واحتج بالبحر المسجور وخالفه جماعة من أهل العلم من أهل اللغة قالوا البحر المسجور واحد والبحار جمع الجمع أولى بالتكثير والتشديد قالوا والبحر المسجور بحر هذه صفته وليس هذا مثل ( وإذا البحار سجرت ) قال أبو جعفر وقد ذكرنا معناه ومعروف في اللغة أن يقال سجرت الشيء ملأته كما قال
( فتوسطا عرض السري وصدعا ** مسجورة متجاورا قلامها )
____________________
(5/156)
وقال
( إذا شاء طالع مسجورة ** يرى حولها النبع والساسما ) أي مملوءة وقيل هذه بحار في جهنم إذا كان يوم القيامة سجرت أي ملئت بأنواع العذاب إلا أن أبا العالية قال إذا الشمس كورت إلى ست منها يراها الناس قبل أن تقوم القيامة وست في الآخرة بعد قيام القيامة قال وحدثني أبي بن كعب قال بينما الناس في أسواقهم إذ ذهب ضوء الشمس فبينا هم على ذلك تناثرت النجوم وبيناهم على ذلك إذ وقعت الجبال وتزلزلت الأرض وهربت الجن إلى الإنس والإنس إلى الجن وعطلت العشاء أي أهملها أهلها واختلطت الوحوش بالناس فذلك حشرها وقالت الجن للإنس نحن نعرف لكم الخبر فمضوا إلى البحار فوجدوها قد سعرت نيرانا ثم تصدعت الأرض إلى الأرض السفلى إلى السماء العليا ثم أرسلت عليهم الريح فأماتتهم
7
أي قربت الصالح مع الصالح هذا معنى قول عمر بن الخطاب رضي
____________________
(5/157)
الله عنه
8 يقال وأدها يئدها وأدا فهو وائد وهي موءودة إذا دفنها حية وألقى عليها التراب واشتقاقه من وأده إذا أثقله قال هارون القارىء في حرف أبي ( وإذا الموءودة سألت ) قال أبو عبيد هذا أبين معنى قال أبو جعفر خولف في هذا لأنها قراءة شاذة مخالفة للمصحف مشكلة لأنه يجوز أن يكون التقدير سألت ربها جل وعز وسألت قاتلها فهذا معنى مستغلق فكيف يكون بينا وفي معنى سئلت قولان أحدهما أن المعنى طلب منها من قتلها توبيخا له فقيل لها من قتلك والمعنى الآخر أنها سئلت فقيل لها لم قتلت بغير ذنب توبيخا لقاتلها كما يقال لعيسى صلى الله عليه وسلم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله وزعم الفراء أن مثل هذا قوله
( الشاتمي عرضي ولم أشتمهما ** والناذرين إذا لم القهما دمي ) ليس المعنى أنهما إذا لقياه فعلا هذا وإنما المعنى والنادرين يقولان إذا لقيناه قتلناه وصح عن ابن عباس أنه استدل بهذه الآية على أن الأطفال كلهم في الجنة قال لأن الله جل وعز قد انتصر لهم ممن ظلمهم قال صلى الله عليه وسلم الله أعلم بما كانوا عاملين
10 كذا قرأ أبو جعفر وشيبة ونافع وعاصم وقرأ أبو عمرو وابن كثير ويحيى والأعمش وحمزة والكسائي
____________________
(5/158)
( نشرت ) والحجة لهم { صحفا منشرة } وهذا ليس من الحجج الموجبة لترك ما قرأ به من تقوم بقراءته الحجة لأن نشرت يقع للقليل والكثير عند النحويين والقراءتان صحيحتان
11
وقال الفراء نزعت وطويت قال وكذا قشطت كما تقول كافور وقافور
12
قراءة أبي جعفر وشيبة ونافع وقراءة أبي عمرو والكوفيين ( سعرت ) ويحتج لهم بأن الجحيم واحد ويحتج عليهم بأن الجحيم وإن كان واحدا فالتكثير أولى به لكثرة سعرت قال أحمد بن عبيد يقال جحمت النار أي أكثرت وقودها وقال الفراء جحمت الجمر جعلت بعضه على بعض ورجل جاحم بخيل ضنين
13
بإضمار فعل كالثاني وجواب إذا
14 قيل معناه ما وجدته حاضرا كما تقول أحمدت فلانا أي أصبته محمودا قال قتادة ما أحضرت من عمل
____________________
(5/159)
15
لا زائدة للتوكيد أي فأقسم بالخنس وفي معنى الخنس ثلاثة أقوال قد مر منها ما روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنها النجوم الخمسة وروى سعيد عن سماك قال سمعت خالد بن عرعرة يقول سمعت علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول الخنس النجوم تخنس بالنهار وتكنس بالليل فظاهر هذا القول عام لجميع النجوم وهو قول الحسن ومجاهد وقتادة وبكر بن عبد الله المزني وعبد الرحمن بن زيد وروى عكرمة عن ابن عباس قال الخنس الظباء وهو قول سعيد بن جبير والضحاك وقال جابر بن زيد وإبراهيم النخعي الخنس بقر الوحش قال أبو جعفر إذا كان التقدير فأقسم برب الخنس فالمعنى واحد إلا أن القول الأول أجلها وأعرفها وإنما يقال لبقر الوحش والظباء خنس الواحد أخنس وخنساء كما قال
( خنساء ضيعت الغرير فلم ترم ** عرض الشقائق طرفها وبغامها ) وواحد الخنس خانس والجمع خنس وخناس
____________________
(5/160)
16 في موضع خفض حذفت الكسرة من الياء لثقلها فإن كان بغير ألف ولام حذفت الياء لسكونها وسكون التنوين إذ كان جمع جارية وكذا إن سميت به على قول الخليل وسيبويه وأما الكوفيون ويونس فيقولون إذا سميت رجلا بجوار لم تصرفها في النصب والخفض فقلت رأيت بواري ومررت بجواري وقيل في الرفع هؤلاء جواري بإسكان الياء قال الخليل هذا خطأ لأنه كان يجب أن يقال على هذا هذا جواري فأعلم بضم الياء قال ولا يكون أثقل من فواعل إذا سميت به قال سيبويه سألت الخليل عن امرأة تسمى بقاض فقال هي مجراة في الرفع والخفض تقول مررت بقاض وهذه قاض قال أبو جعفر وقول يونس والكوفيين مررت بقاضي وهذا قاضي فاعلم ( الكنس ) جمع كانس ويقال كناس
17 عطف على الخنس وليست الواو واو قسم ( إذا عسعس ) قال الفراء أجمع المفسرون على أنه إذا أقبل وهذا غلط روى مجاهد عن ابن عباس إذا عسعس إذا أدبر قال الضحاك
18 إذا أضاء وأقبل
____________________
(5/161)
19 جواب القسم وأجاز الكسائي أنه بالفتح أي أقسم أنه وتابعه على ذلك محمد بن يزيد النحوي
20 نعت لرسول أي ذي قوة على أمر الله جل وعز وطاعته ( عند ذي العرش مكين ) نعت أيضا أي ذي منزلة رفيعة
21 أي مطاع في السموات ( أمين ) على وحي الله جل وعز ورسالاته فهذا التمام
22 أي ليس خطابه ولا بيانه ولا فعله فعل مجنون
23
الهاء تعود على الرسول وهو جبريل صلى الله عليه وسلم كما قرىء على محمد بن جعفر بن حفص عن يوسف بن موسى عن يزيد بن هارون ثنا داود بن أبي هند عن الشعبي عن مسروق قال قلت لعائشة رضي الله عنها يا أم المؤمنين الله تعالى يقول ( ولقد رآه بالأفق المبين ) فقالت أنا أول من سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ذاك جبريل صلى الله عليه وسلم لم أره على صورته التي خلق عليها إلا مرتين قد هبط من السماء قد سد عظم خلقه ما بين السماء والأرض
____________________
(5/162)
24
قراءة أبي جعفر وشيبة ونافع ويحيى والأعمش وحمزة ويقال أنها في حرف أبي بن كعب كذلك وقرأ ثلاثة من الصحابة ( بظنين ) كما قرىء على إبراهيم بن موسى عن إسماعيل عن علي بن عبد الله المديني عن سفيان عن عمرو قال سمعت ابن عباس يقرأ ( بظنين ) بالظاء وروى شعبة عن مغيرة عن مجاهد قال سمعت عبد الله بن الزبير يقرأ بظنين بالظاء وقال عروة سمعت عائشة تقرأ بالظاء وهي قراءة ابن كثير وأبي عمرو والكسائي ولا اختلاف بين أهل التفسير واللغة أن معنى بظنين بمتهم و بضنين ببخيل فالقراءتان صحيحتان قد رواهما الجماعة إلا أنه في السواد بالضاد وعدل أبو عمرو والكسائي وهما نحويا القراءة إلى القراءة ( بظنين ) لأنه يقال فلان ظنين على كذا أي متهم عليه وظنين بكذا وإن كانت حروف الخفض يسهل فيها مثل هذا وعدل أبو عبيد أيضا إليها لأنه ذكر أنه جواب لأنهم كذبوه وهذا الذي احتج به لا نعلم أحدا من أهل العلم يعرفه ولا يرى أنه جواب ولا هو عندهم إلا مبتدأ وخبر وقد قلنا إن القراءتين صحيحتان ومجاز ضنين أن من العلماء من يضن بعلمه وفي الحديث من كتم علما لجمه الله بلجام من نار فأخبر الله عن نبيه صلى الله عليه وسلم أنه ليس بضنين بشيء من أمر الدين وأنه لا يخص به
____________________
(5/163)
أحدا دون أحد على خلاف ما يقول قوم أنه خص الإمام بما لم يلقه إلى غيره
25 لو حذفت الباء لنصبت لشبه ما بليس
26
ذكر الفراء أن المعنى فإلى أين تذهبون وحذفت إلى كما يقال ذهبت الشام وذهبت إلى الشام وانطلقت إلى السوق وانطلقت السوق وخرجت الشام وإلى الشام وحكى الكسائي انطلق به الغور والتقدير عنده إلى الغور فحذفت إلى فجعل الكوفيون هذه الأفعال الثلاثة انطلق وذهب وخرج يجوز معها حذف إلى وقاسوا على ما سمعوا من ذلك زعموا فأما سيبويه فحكى منها واحدا ولا يجيز غيره وهو ذهبت الشام ولا يجيز ذهبت مصر وعلى هذا قول البصريين لا يقيسون من هذا شيئا وروى أبو العباس على هذا شيئا فزعم أن قولهم ذهبت الشام ومعناه الإبهام أي ذهبت شامة الكعبة غير أن هذا إنما يجرع فيه إلى قول من حكى ذلك عن العرب ولم يحكه سيبويه إلا على أنه الشام بعينها
27
____________________
(5/164)
أي ما في القرآن إلا عظة وتذكرة للعالمين
28 بدل من العالمين على إعادة اللام ولو كان بغير لام لجاز قال مجاهد ( لمن شاء منكم أن يستقيم ) أي أن يتبع الحق
29
في معناه قولان أحدهما وما تشاءون أن تستقيموا أي تتبعوا الحق ( إلا أن يشاء الله ) والقول الآخر أنه منهم أي ما تشاءون يشاء من الطاعة والمعصية ( إلا أن يشاء الله رب العالمين ) ذلك منكم ولو لم يشأ لحال بينكم وبينه
____________________
(5/165)
82
1
لتأنيث السماء على اللغة الفصيحة وقد حكى الفراء فيها التذكير فمن أنثها صغرها سميت وإن كانت رباعية في الأصل لأنه قد حذف منها حرف والسماء مرفوعة بإضمار فعل وكذا
2 وكذا
3 ولا يجوز أن تكون مرفوعة بالفعل الآخر إلا على شيء حكاه لنا علي بن سليمان عن أحمد بن يحيى ثعلب قال زيد قام مرفوع بفعله ينوى به التأخير قيل معنى ( وإذا البحار فجرت ) فجر بعضها إلى بعض لاضطراب الأرض بزوال الجبال والزلازل فاختلط بعض البحار ببعض
4
روى بن أبي طلحة عن ابن عباس قال يقول بحثرت وتأوله الفراء على أن الأرض بحثرت فألقت ما فيها من الكنوز والموتى واحتج الحديث
____________________
(5/167)
تلقي الأرض أفلاذ كبدها قال أبو جعفر وهذا غلط وليس في القرآن وإذا الأرض وفيه خصوص القبور وتلقي أفلاذ كبدها لا اختلاف بين أهل العلم أنه في آخر الزمان وليس هو يوم القيامة
5
تمام الكلام وهو جواب إذا وفي معناه قولان قال ابن زيد ما قدمت ما عملت وما أخرت تركت وضيعت وأخرت مما أمرت بتقديمه من أمر الله جل وعز والقول الآخر أن معنى ما أخرت ما سنت من سنة فعمل بها بعدها قال أبو جعفر هذا عن ابن عباس وهو أولى وبه يقول أصحاب الحديث وينكره بعض أهل الأهواء والدليل على صحته أن الإنسان إذا ضيع ما أمر به وأخره كان ذلك مما قدم من الشر لا مما أخره
6
ما في موضع رفع بالابتداء وهو اسم تام والكاف في موضع نصب بغر
7
قراءة أهل الحرمين وأهل البصرة وأهل الشام وقرأ الكوفيون ( فعدلك ) مخففا واستبعدها الفراء وإن كانت قراءة أصحابه لأنه إنما يقال عدلته إلى كذا وصرفته إليه ولا يكاد يقال عدلته في كذا ولا صرفته قال أبو
____________________
(5/168)
جعفر فيه وهذا غلط لأن الكلام تام عند فعدلك و في متعلقة بركبك لا بعدلك فيكون كما قال ومعنى عدلك في اللغة خلقاك معتدلا لا يزيد رجل على رجل وكذا سائر خلقك وقد يكون عدلك تكثير عدلك فيكونان بمعنى واحد كما قال ابن الزبعري
( وعدلنا مثل بدر فاعتدل ** )
أي قتلنا منهم مثل من قتلوا منا وقد قيل عدلك أمالك إلى ما شاء من حسن وقبيح وقبح وصحة وسقم
8
ما زائدة قال مجاهد في صورة أب أو أم أو عم أو خال
9
وحكى الفراء عن بعض أهل المدينة ( بل يكذبون ) وردها لأن بعدها
10 قال أبو جعفر ولا أعرف ما حكاه عن بعض أهل المدينة ولا أعلم أحدا رواه غيره
11 نعت لحافظين وكذا
12
____________________
(5/169)
13 أي الذين بروا بطاعة الله واجتناب معاصيه وقال الحسن الأبرار الذين لا يؤذون الذر
14
15 على تأنيث النار وإن كان الجحيم مذكرا
16 قال الفراء أي إذا أدخلوها فليسوا بخارجين منها قال قتادة يوم يدان الناس بأعمالهم
18
قيل ليس هذا تكريرا والمعنى وما أدراك ما في يوم الدين من العذاب والنكال للفجار ثم ما أدراك ما في يوم الدين من النعيم للأبرار
19
قراءة أبي جعفر وشيبة ونافع وابن كثير وعاصم والأعمش وحمزة والكسائي وقال الفراء في كتابه في المعاني اجتمع القراء على نصب يوم لا تملك قال أبو جعفر وهذا غلط قرأ أبو عمرو وعبد الله بن أبي إسحاق وعبد الرحمن الأعرج وهو أحد أستاذي نافع ( يوم لا تملك ) بالرفع فمن رفع فتقديره هو ( يوم لا تملك ) ويجوز أن يكون بدلا مما قبله ( وما أدراك ما يوم الدين يوم لا تملك نفس لنفس شيئا ) ومن نصب فتقديره الدين يوم لا تملك ومثله { وما أدراك ما القارعة يوم يكون الناس } أي القارعة يوم يكون
____________________
(5/170)
الناس ويجوز أن يكون التقدير يصلونها يوم الدين ( يوم لا تملك نفس لنفس شيئا ) فهذان قولان الأول أولاهما وللفراء قول ثالث أجاز أن يكون يوم في موضع رفع فبناه كما قال
( على حين عاتبت المشيب على الصبا ** )
قال أبو جعفر وهذا غلط لا يجوز أن يبنى الظروف عند الخليل وسيبويه مع شيء معرب والفعل المستقبل معرب فأما الكسائي فأجاز ذلك في الشعر على الاضطرار ولا يحمل كتاب الله جل وعز على مثل هذا ولكن تبنى ظروف الزمان مع الفعل الماضي كما مر في البيت لأن ظروف الزمان منقضية غير ثابتة فلك أن تبنيها مع ما بعدها إذا كان غير معرب وأن تعربها على أصلها نحو قول الله جل وعز { ومن خزي يومئذ } بإعراب يوم وإن شئت ( ومن خزي يومئذ ) وعلى هذا تبنى يوم مع إذ في موضع الرفع والخفض والنصب على الفتح وكذا ( والأمر يومئذ لله )
____________________
(5/171)
83
1
رفعت ويلا بالابتداء للمطففين خبره أي تأنيب ويجوز النصب في غير القرآن لأن ويلا بمعنى المصدر وكان الاختيار الرفع لأنه لا ينطق منه بفعل إلا شيئا شاذا أنشده محمد بن الوليد وهو
( فما وال ولا واح ** ولا واس أبو هند )
فإن كان مشتقا من فعل فالاختيار النصب عند النحويين نحو بؤسا له وإن لم يأت بالخبر في الأول نصبت فقلت ويله وويحه
2
الذين في موضع خفض نعت للمطففين أو نصب على الذم وهو
____________________
(5/173)
أولى بالآية وربما توهم الضعيف في العربية أن معنى اكتلت عليه واكتلت منه واحد وتقديرهما مختلف فمعنى اكتلت عليه أخذت ما عليه ومعنى اكتلت منه استوفيت منه
3
اختلف النحويون في موضع الهاء والميم فقال جلتهم أبو عمرو بن العلاء والكسائي والأخفش وغيرهم موضع الهاء والميم موضع نصب وهو مذهب سيبويه قياسا على قوله كلتك وصدتك ولا يجيز وهبتك لأنه يشكل فإن قلت وهبتك دينارا جاز وقال عيسى بن عمر الهاء والميم في موضع رفع وعبر عنه أبو حاتم بأن المعنى عنده هم إذا كالوا أو وزنوا يخسرون لأن عيسى قال الوقف وإذا كالوا ثم تبتدىء هم أو وزنوا وعبر غيره أن هم توكيد كما تقول قاموا هم قال أبو جعفر والصواب أن الهاء والميم في موضع نصب لأنه في السواد بغير ألف ونسق الكلام يدل على ذلك لأن قبله ( إذا اكتالوا على الناس ) فيجب أن يكون بعده وإذا كالوا لهم وحذفت اللام كما قال أنشده أبو زيد
( ولقد جنيتك أكموءا وعساقلا ** ولقد نهيتك عن بنات الأوبر )
وحرف الخفض يحذف فيما يتعدى إلى مفعولين أحدهما بحرف كما قال
____________________
(5/174)
( أمرتك الخير فافعل ما أمرت به ** فقد تركتك ذا مال وذا نشب ) وقال آخر
( نبيت عبد الله بالجو أصبحت ** كراما مواليها لئيما صميمها ) وقال آخر
( أستغفر الله ذنبا لست محصيه ** رب العباد إليه الوجه والعمل )
4
أن وما عملت فيه في موضع المفعولين
5
6
في نصبه أقوال يكون التقدير لمبعوثون يوم يقوم الناس لرب العالمين وقال الأخفش سعيد هو مثل قولك الآن وجعله الفراء مبنيا قال أبو جعفر وذلك غلط أن يبنى مع الفعل المستقبل ويجوز في العربية
____________________
(5/175)
خفضه على البدل ورفعه بإضمار مبتدأ فهذا ما فيه من الإعراب وقرىء على بكر بن سهل عن عبد الله بن يوسف عن عيسى بن يونس عن ابن عون عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم في قول الله تعالى ( يوم يقوم الناس لرب العالمين ) قال يقومون في رشحهم إلى أنصاف آذانهم قال أبو جعفر فهذا حديث مجمل صحيح الإسناد وروى عقبة بن عامر عن النبي صلى الله عليه وسلم مشروحا قال تدنو الشمس يوم القيامة من الأرض فمن الناس من يغرق إلى كعبيه ومنهم من يغرق إلى أنصاف ساقيه ومنهم من يغرق إلى منكبيه ومنهم من يغرق إلى عنقه ومنهم من يغرق إلى نصفه فمه ملجما به ومنهم يشتمله الغرق
7
من قال إن كلا تمام في كل القرآن قال المعنى ليس الأمر كما يذهب إليه الكافرون من أنهم لا يبعثون ولا يعذبون وتكلم العلماء في معنى سجين فقال أبو هريرة سجين جب في جهنم مفتوح وقال سعيد بن جبير سجين تحت حد إبليس وقيل سجين من السجل والنون مبدلة من اللام أي في ما كتب عليهم وقال أبو عبيدة في سجين في حبس فقيل من السجن وقال بعض النحويين سجين الصخرة التي تحت الأرض السفلى وزعم أن هذا يروى وأنه صفة لأنه لو كان اسما للصخرة لم ينصرف قال ويجوز أن تجعله اسما للحجر فتصرفه قال أبو جعفر
____________________
(5/176)
وأولى ما قيل في سجين ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قرىء على أحمد بن محمد بن الحجاج عن يحيى بن سليمان عن ابن فضيل وأبي معاوية عن الأعمش عن المنهال عن زاذان عن البراء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن العبد الكافر أو الفاجر إذا مات صعد بروحه إلى السماء الدنيا فيقول الله جل وعز اكتبوا كتابه في سجين قال وهي الأرض السفلى
8 على التعظيم وهو مبتدأ وخبره
9 إضمار مبتدأ أي هو كتاب مرقوم
10
11
نعت للمكذبين ويجوز النصب على ما مر
12
قال الحسن بن واقد أي معتد في قوله أثيم عند ربه
13 على إضمار مبتدأ
بإدغام اللام في الراء وترك الإمالة قراءة أبي جعفر وشيبة ونافع وأبي عمرو وقرأ الأعمش وعاصم وحمزة والكسائي بإدغام غير أنهم أمالوا وقرأ الحسن وابن أبي إسحاق ( بل ران ) بغير إدغام قال أبو جعفر
____________________
(5/177)
والإدغام في هذا أولى لقرب اللام من الراء وترك الإمالة أولى لأنه لا ياء فيه ولا كسرة وإنما الإمالة محمولة على المعنى لأنه من ران يرين مشتق من الرين كما قرىء على إبراهيم بن موسى عن إسماعيل عن عارم قال سألت الأصمعي عن حديث النبي صلى الله عليه وسلم إنه ليغان على قلبي حتى أستغفر الله عز وجل مئة مرة فقال التوقي في الكلام في حديث رسول الله كالتوقي في القرآن ولكن العرب تسمى الغيم إذا كان دون الغيم رقيقا الغين والرين قال أبو جعفر فهذا الإعراب والاشتقاق فأما المعنى فقال فيه مجاهد للقلب أصابع فإذا أذنب عبد انقبض منها اصبع ثم إن أذنب انقبضت منها أخرى حتى تنقبض كلها ويطبع على قلبه فلا ينفع فيه موعظة قال أبو جعفر وأولى ما قيل في هذا ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم كما قرىء على أحمد بن شعيب عن قتيبة عن الليث عن محمد بن عجلان عن القعقاع عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي قال إذا أخطأ العبد خطيئة وكت في قلبه وكتة يعني سوداء فإن نزع واستغفر وتاب صقل قلبه وإن عاد زيد فيها حتى يعلو قلبه فذلك الرين الذي ذكره جل وعز ( كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون )
15
في معناه قولان أحدهما أنه دل بهذا على أن المؤمنين لا يحجبون عن النظر إليه جل وعز قال أبو جعفر وقد ذكرنا ما قاله مالك بن أنس في ذلك وسئل الشافعي رحمه الله عن النظر إلى الله جل وعز يوم القيامة فقال يدل عليه ( كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ) والقول الآخر أن التقدير
____________________
(5/178)
عن كرامة ربهم مثل ( وسئل القرية ) قال أبو جعفر وهذا خطأ على مذهب النحويين منهم الخليل وسيبويه ولا يجوز عندهما ولا عند غيرهما من النحويين جاءني زيد بمعنى جاءني غلامه وجاءتني كرامته
16 لأنه للمستقبل فمن حذف النون تخفيفا قال لصالو الجحيم بالخفض على الإضافة ومن حذفها لالتقاء الساكنين نصب
17
اسم ما لم يسم فاعله على قول سيبويه في الجملة وكذا قال في ( ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه ) في موضع الفاعل وهذا عند أبي العباس خطأ لأن الجملة لا تقوم مقام الفاعل ولكن الفعل دل على المصدر وقام المصدر مقام الفاعل
18
19
فيه خمسة أقوال وفي إعرابه قولان فأكثر أهل التفسير منهم كعب ومجهد وزيد بن أسلم يقولون عليون السماء السابعة وحكى الفراء
____________________
(5/179)
إنه السماء الدنيا وقال قتادة قائمة العرش اليمني وقال الضحاك عليون سدرة المنتهى وقيل عليون الملائكة قال أبو جعفر القول الأول عليه الجماعة فأما الإعراب فالقولان اللذان فيه أحدهما أن عليين أشبه عشرين وما أشبهها لأنه لا واحد له وإنما هو بمعنى من علو إلى علو فأعرب كإعراب عشرين قال أبو جعفر فهذا قول موافق لتأويل الذين قالوا عليون السماء السابعة والقول الآخر أن عليين صفة للملائكة فلذلك جمع بالواو والنون
20
أي ذلك الكتاب كتاب أي مكتوب وفسر ذلك الضحاك قال إذا خرج روح المؤمن أخذه الملك فصعد به إلى السماء الدنيا فتبعه الملائكة المقربون ثم كذلك من سماء إلى سماء حتى ينتهي به إلى السماء السابعة إلى سدرة المنتهى فيوافيهم كتاب من الله جل وعز مختوم فيه أمان من الله لفلان ابن فلان من عذاب النار يوم القيامة وبالفوز الجنة قال ابن زيد المقربون الملائكة
22 قيل سموا أبرارا لكثرة ما يأتونه من الصدق لأن الصدق يقال له بر
23
____________________
(5/180)
أي إلى ما لهم من القصور والحور وغير ذلك قال أبو جعفر
24 وأجاز الفراء يعرف لأنه تأنيث غير حقيقي
25
من رحيق في موضع نصب على خبر ما لم يسم فاعله على غير قول الأخفش
26 مبتدأ وخبره هذا قراءة أكثر الناس وقرأ الكسائي رواه عنه أبو عبيد ( خاتمه مسك ) وزعم أن هذه القراءة قراءة علي بن أبي طالب رضي الله عنه وذكر إسماعيل بن إسحاق أنه لم يجد أحدا يعرف هذا عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وقرىء على إبراهيم بن موسى عن محمد بن الجهم عن يحيى بن زياد عن محمد بن الفضل عن عطاء بن السائب عن أبي عبد الرحمن السلمي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قرأ ( خاتمه مسك ) قال أبو جعفر ختامه بمعنى واحد إلا أن ختاما مصدر وخاتم اسم الفاعل وأكثر كلام العرب في الناس وما أشبههم هو خاتمهم كما قال جل وعز ( ولكن رسول الله وخاتم النبيين ) وكذا خاتم وفي غير الناس ختام كما قال
____________________
(5/181)
( أغلى السباء بكل أدكن عاتق ** أو جونة قدحت وفض ختامها ) ( وفي ذلك فليتنافس المتنافسون ) أي فليحرص وليطلب وأصل هذا من نفست عليه بالشيء أي أردت أن يكون لي دونه واشتقاقه من النفس أي الذي تفرح به النفس وتميل إليه
27
28
في نصب عين خمسة أقوال قول الأخفش إنها منصوبة بيسقون وقال محمد بن يزيد حكاه لنا علي بن سليمان لا يصح لي أن تكون منصوبة إلا بمعنى أعني وقال الفراء أي من تسنيم عين ثم نونت فتنصب مثل { أو إطعام في يوم ذي مسغبة يتيما ذا مقربة } والقول الرابع تسنيم عينا والقول الخامس أن يكون تسنيم اسما للماء معرفة وعين نكرة فنصب لذلك قال أبو جعفر وهذا القول أولى بالصواب لأنه صحيح على قول أهل التأويل كما قرأ محمد بن جعفر عن حفص بن يوسف بن موسى ثنا سلمة ثنا نهشل عن الضحاك قال تسنيم عين تتسنم من أعلى الجنة ليس في الجنة عين أشرف منها قال أبو جعفر وقول مجاهد أيضا
____________________
(5/182)
يدل على هذا قال تسنيم علو وكذا الاشتقاق يقال تسنمت الماء أتسنمه تسنيما إذا أجريته من موضع عال وقبر مسنم أي مرتفع ومن هذا سنام البعير فإن قال قائل فلم انصرف تسنيم وهو معرفة اسم للمؤنث قيل تقديره أنه اسم لمذكر للماء الجاري من ذلك الموضع العالي ومعنى عينا جاريا فقد صارت في موضع الحال
29
أي اكتسبوا الإثم يقال جرم وأجرم إذا اكتسب إلا أن الأكثر في اكتساب الإثم أجرم وفي غيره جرم الذين اسم إن أجرموا صلته ( كانوا ) خارج من الصلة لأنه خبر إن أي كانوا في الدنيا ( من الذين ) صدقوا بتوحيد الله ( يضحكون ) استهزءوا بهم ويروى أن أبا جهل وأصحابه ضحكوا واستهزءوا بعلي بن أبي طالب رضي الله عنه وأصحابه
30 استهزءوا بهم
31
وروى ابن أبي طلحة عن ابن عباس فاكهين يقول معجبين قال أبو جعفر أي معجبين بما يفعلون مسرورين به وقال ابن زيد فاكهين ناعمين وزعم الفراء أن فاكهين وفكهين بمعنى واحد وحكى أبو عبيد أن أبا زيد الأنصاري حكى عن العرب أن الفكه الضحوك الطيب النفس قال
____________________
(5/183)
محمد بن يزيد كان الأصمعي يرفع بأبي زيد في اللغة ويذكر محله وتقدمه ويذكر صدقه وأمانته قال وكان خلف بن حيان أبو محرز على جلالته يحضر حلقته
32
هذا قول الكفار في الدنيا أي لضالون عن طريق الصواب
33 أي لم يرسلوا ليحفظوا عليهم أعمالهم وإنما أمروا بطاعة الله تعالى
34
وذلك بعد دخولهم الجنة قال ابن عباس يفتح لهم أبواب إلى النار فينظرون إلى الذين كانوا يسخرون في الدنيا ويضحكون بهم فإذا رأوهم في النار سروا بانتقام الله تعالى من أعدائه وضحكوا بهم إذ ذاك
35 إليهم وقال غيره على الأرائك ينظرون إلى قصورهم وأزواجهم ويقول بعضهم لبعض
36 وقيل هل مبتدأ منقطعة مما قبلها أي هل جزي الكفار بأعمالهم و ما في موضع نصب على هذا المعنى
____________________
(5/184)
84
1
إذا في موضع نصب وقد ذكرنا قول النحويين في جواب إذا وقد قيل المعنى اذكروا إذا السماء انشقت فعلى هذا لا تحتاج إلى جواب أي اذكر خبر ذلك الوقت
2
قال سعيد بن جبير حق لها أن تأذن قال أبو جعفر حقيقة هذا أن المعنى حقق الله جل وعز عليها فانقادت إلى أمره وانشقت أي تصدعت فصارت أبوابا
3 رفعت الأرض بإضمار فعل يفسره الثاني
4 معطوف على الأول وكذا
5
____________________
(5/185)
6
نعت لأي والأخفش يقول صلة لأنه لا بد منه ( إنك كادح إلى ربك كدحا ) مصدر فيه معنى التوكيد ( فملاقيه ) في موضع رفع والأصل ضم الياء فحذفت الضمة لثقلها فهذا قول وقيل حذفت لأن الياء ههنا حرف مد ولين فأشبهت الألف فحذفت منه الضمة والكسرة ومن العرب من يحذف منها الفتحة فيجريها مجرى الألف فلا يحركها بحال
7
8
أي يثاب بحسناته ويتجاوز عن سيئاته
9 نصب على الحال
10
11
مفعول به أي يقول يا ثبوراه قال سيبويه في نظير هذا أي احضر فهذا من إبانك
12 من صلي يصلى ويصلى من صلاه يصليه إذا أحرقه وكذا أصلاه
13
____________________
(5/186)
خبر كان ويبعد أن يكون منصوبا على الحال إلا أنه جائز كما نقول زيد في أهله ضاحكا
14
أن وما بعدها تقوم مقام المفعولين وروى ابن أبي طلحة عن ابن عباس أن لن يحور قال يقول أن لن يبعث وقال مجاهد أن لن يرجع إلينا يقال حار يحور إذا رجع وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم اللهم إني أعوذ بك من الحور بعد الكور قيل معناه أعوذ بك من الرجوع إلى الكفر بعد الإيمان وقيل أعوذ بك من النقصان بعد الزيادة
15
أي بلى ليحورن وليبعثن أن ربه كان به بصيرا بعمله وبما يصير إليه لأنه كان يرتكب المعاصي مجترئا عليها إذ كان عنده أنه لا يبعث
16
الباء هي الأصل في القسم وتبدل منها الواو
17 واو عطف لا واو قسم ( وما وسق )
18 كله معطوف
19
____________________
(5/187)
مفتوحة الباء صحيحة عن ابن عباس كما قرىء على إبراهيم بن موسى عن إسماعيل عن علي بن عبد الله عن سفيان عن عمرو عن ابن عباس أنه قرأ ( لتركبن ) بفتح الباء وهي قراءة عبد الله بن مسعود والشعبي ومجاهد والأعمش وحمزة والكسائي وقرأ المدنيون ( لتركبن ) بضم الباء وهي قراءة الحسن وأبي عمرو وقال الفراء وقرئت ( ليركبن ) قال أبو جعفر القراءة الأولى مخاطبة للواحد وبني الفعل مع النون على الفتح لخفته وأكثر أهل التفسير يقول المخاطبة للنبي صلى الله عليه وسلم ومنهم من يقول المخاطبة لجميع الناس والمعنى يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا ( لتركبن طبقا عن طبق ) أي حالا بعد حال وقيل سماء بعد سماء إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم والكادح العامل وقد كدح لأهله إذا اكتسب لهم وأنشد سيبويه
( وما الدهر إلا تارتان فمنهما ** أموت وأخرى أبتغي العيش أكدح )
و لتركبن بضم الباء مخاطبة للجماعة والضمة تدل على الواو المحذوفة وليركبن إخبار عن جماعة لأن بعده
20 وقبله ذكر من يؤتى كتابه بيمينه ومن يؤتاه كتابه من وراء ظهره ( فما لهم لا يؤمنون ) في موضع نصب على الحال
21
أهل التفسير على أن المعنى لا يخضعون ولا يذلون بالانتهاء إلى طاعة
____________________
(5/188)
الله جل وعز
22 بالخروج من حديث إلى حديث يقع بعد الإيجاب والنفي عند البصريين
23 من أوعى الشيء إذا جمعه ووعى حفظه
24
25 الذين في موضع نصب استثناء من الهاء والميم ويجوز أن يكون استثناء ليس من الأول كما روى عكرمة عن ابن عباس إلا الذين آمنوا قال الشيخ الكبير إذا كبر وضعف وقد كان يعمل شيئا من الخير وقت قوته كتب له مثل أجر ما كان يعمل قال ( لهم أجر غير ممنون ) أي لا يمن به عليهم
____________________
(5/189)
85
1
خفض بواو القسم ( ذات البروج ) نعت للسماء واختلف النحويون في جواب القسم فمنهم من قال هو محذوف ومنهم من قال التقدير لقتل أصحاب الأخدود وحذفت اللام ومنهم من قال الجواب ( إن بطش ربك لشديد ) وقال أبو حاتم التقدير قتل أصحاب الأخدود والسماء ذات البروج قال أبو جعفر وهذا غلط بين وقد أجمع النحويون على أنه لا يجوز والله قام زيد بمعنى قام زيد والله وأصل هذا في العربية أن القسم إذا ابتدىء به لم يجز أن يلغى ولا ينوى به التأخير وإذا توسط أو تأخر جاز أن يلغى وفيها جواب خامس أن يكون التقدير ( والسماء ذات البروج ) ( إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ) الآية وما اعترض بينهما معطوف وتوطئة للقسم قال محمد بن يزيد واعلم أن القسم قد يؤكد بما يصدق الخبر قبل ذكر المقسم عليه ثم يذكر ما يقع عليه القسم فمن ذلك
____________________
(5/191)
( والسماء ذات البروج ) ثم ذكر قصة أصحاب الأخدود وإنما وقع القسم على قوله إن بطش ربك لشديد
2
واو عطف لا واو قسم وكذا
3 قال أبو جعفر قد ذكرنا معناه وقد قيل لا يخلو الناس يوم القيامة من شاهد ومشهود فالمعنى ورب الناس
5
خفض على بدل الاشتمال وفيه تقديران أحدهما نارها والألف واللام عوض من المضمر والآخر النار التي فيها وهذا بدل الاشتمال وفي معنى
4 قولان أحدهما أنهم المؤمنون قتلهم الكفار والآخر أنهم الكفار ويكون معنى قتلوا أو لعنوا أو أهلكوا وأجاز النحويون قتل أصحاب الأخدود النار ذات الوقود بالرفع كما قرأه أبو عبد الرحمن السلمي { وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم } قال أبو جعفر وهذا باب من النحو دقيق قد ذكره سيبويه وذلك أنه يجوز ضرب زيد عمرو لأنك إذا قلت ضرب زيد دل على أنه له ضاربا والتقدير ضربه عمرو وكذا ( قتل أصحاب الأخدود ) قتلتهم النار وأنشد سيبويه
____________________
(5/192)
( ليبك يزيد ضارع لخصومة ** وأشعث ممن طوحته الطوائح ) أي يبكيه ضارع قال الأخفش الوقود بالفتح الحطب والوقود بالضم الفعل يريد المصدر أي الإيقاد
6 قال قتادة المؤمنون وهذا على أحد التأولين
7 أي ليس هم بغيب
8
ويقال نقموا أي وما وجدوا عليهم في شيء إلا في إيمانهم بالله العزيز الحميد بانتقامه ( الحميد ) أي المحمود عند عباده بأفعاله الجميلة
9
نعت فيه معنى المدح في موضع خفض ويجوز أن يكون في موضع نصب على المدح ورفع على إضمار مبتدأ ( والله على كل شيء شهيد ) أي قد شهد على فعلهم وفعل غيرهم وعلمه ليجازيهم عليه
10
____________________
(5/193)
قال قتادة أحرقوهم ( ثم لم يتوبوا ) أي من فعلهم ذلك ( فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق ) قال محمد بن إسحاق احترقوا في الدنيا وكذا قال أبو العالية ولهم عذاب جهنم في الآخرة
11 أي أمروا بتوحيد الله سبحانه ( وعملوا الصالحات ) انتهوا إلى أمر الله ونهيه ( لهم جنات تجري من تحتها الأنهار ) وهي أنهار الماء وأنهار الخمر واللبن والعسل ( ذلك الفوز الكبير ) أي الظفر بما طلبوا
12
أي كما بطش بأصحاب الأخدود تحذيرا منه عقابه
13
في معناه قولان قال ابن زيد يبتدىء خلق الخلق ثم يعيدهم يوم القيامة وعن ابن عباس يبدىء العذاب في الدنيا ثم يعيده عليهم في الآخرة قال أبو جعفر وهذا أشبه بالمعنى لأن سياق القصة أنهم أحرقوا في الدنيا ولهم عذاب جهنم فإن قيل كيف يوافق هذا الحديث من عوقب في الدنيا فإن الله أكرم من أن يعيد عليه العقوبة فالجواب عن هذا أنه ينقص من عقوبته يوم القيامة بمقدار ما لحقه في الدنيا لا أن الكل يزال عنه يوم القيامة ويدل على ذلك الجواب المروي عن ابن عباس أن بعده
14 مبتدأ وخبره
____________________
(5/194)
15
بالرفع قراءة أبي جعفر ونافع وابن كثير وأبي عمرو وعاصم وقرأ يحيى بن وثاب وحمزة والكسائي ( ذو العرش المجيد ) بالخفض فبعض النحويين يستبعد الخفض لأن المجيد معروف من صفات الله جل وعز فلا يجوز الجواب في كتاب الله بل على مذهب سيبويه لا يجوز في كلام ولا شعر وإنما هو غلط في قولهم هذا جحر ضب خرب ونظيره في الغلط الإقواء ولكن القراءة بالخفض جائزة على غير الجوار على أن يكون التقدير إن بطش ربك المجيد نعت
16 يكون خبرا بعد خبر كما حكى سيبويه هذا حلو حامض ويجوز أن يكون مرفوعا على إضمار مبتدأ ولا يكون نعتا لأنه نكرة ولكن يجوز أن يكون بدلا أيضا
17
أي الذين تجندوا على عصيان الله جل وعز والرد على رسله
18 بدل
19 مبتدأ وخبره وكذا
20 وكذا
21
22
____________________
(5/195)
بالخفض قراءة أبي جعفر وابن كثير وأبي عمرو وعاصم ويحيى وحمزة والكسائي وهو المعروف في الحديث والروايات أنه اللوح المحفوظ أي المحفوظ من أن يزاد فيه أو ينقص منه مما رسمه الله فيه وقرأ نافع وابن محيصن ( في لوح محفوظ ) بالرفع على أنه نعت لقرآن أي بل هو قرآن مجيد محفوظ من أن يغير ويزاد فيه أو ينقص منه قد حفظه الله جل وعز من هذه الأشياء فقد صحت القراءة أيضا بالرفع ولهذا قال كثير من العلماء من زعم أن القرآن قد بقي شيء منه فهو راد على الله كافر بذلك والنص الذي لا اختلاف فيه { إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون } فنظير هذا محفوظ بالرفع
____________________
(5/196)
86
1
خفض بالقسم ( والطارق ) عطف عليها من قولهم طرق طروقا إذا أتى ليلا
2
3
بمعنى هو النجم الثاقب ويجوز أن يكون ( الثاقب ) نعتا للطارق وأصح ما قيل في معنى الثاقب ما رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس الثاقب قال يقول المضيء وحكى الفراء ثقب أي ارتفع وأنه زحل قيل له الثاقب لارتفاعه وقال غيره لطلوعه من المشرق كأنه يثقب موضعه
4
قراءة أبي عمرو ونافع والكسائي وقرأ أبو جعفر والحسن ( إن
____________________
(5/197)
كل نفس لما عليها حافظ ) قال أبو جعفر القراءة الأولى بينة في العربية تكون ما زائدة و إن مخففة من الثقيلة هذا مذهب سيبويه وهو جواب القسم والقراءة الثانية تكون لما بمعنى إلا عليها قال أبو جعفر حكى سيبويه أقسمت عليك لما فعلت بمعنى ألا فعلت
5
من نظر القلب والأصل فلينظر حذفت الكسرة لثقلها وجزم الفعل بلام الأمر وكسرت الراء لالتقاء الساكنين ( مم خلق ) الأصل مما حذفت الألف لأنها استفهام وتم الكلام
6
قال أبو جعفر قول الكسائي والفراء أن معنى دافق مدفوق قال وأهل الحجاز أفعل الناس لهذا يأتون بفاعل بمعنى مفعول إذا كان نعتا مثل ماء دافق وسر كاتم أي مكتوم قال أبو جعفر فاعل بمعنى مفعول فيه بطلان البيان ولا يصح ولا ينقاس ولو جاز هذا لجاز ضارب بمعنى مضروب والقول عند البصريين أنه على النسب كما قال
____________________
(5/198)
( كليني لهم يا أميمة ناصب ** )
وكما قال
( وليس بذي سيف فيقتلني به ** وليس بذي رمح وليس بنبال )
7
وقراء عيسى ( من بين الصلب ) وحكى الأصمعي الصلب بمعنى الصلب ( والترائب ) جمع تربية ويقال تريب واختلف العلماء في معناه فمن أصح ما قيل فيه ما رواه عطية عن ابن عباس قال الترائب موضوع القلادة وروى ابن أبي طلحة عن ابن عباس قال الترائب بين ثدي المرأة وقال سعيد بن جبير الترائب الأضلاع إلى أسفل الصلب وقال مجاهد ما بين المنكبين والصدر وقال الضحاك الترائب اليدان والرجلان والعينان وقال قتادة الترائب نحو الصلب وروى الليث بن سعد عن معمر بن أبي حبية قال الترائب غضارة القلب ومنه يكون الولد قال أبو جعفر هذه الأقوال ليست بمتناقضة لأنه يروى أن الماء يخرج من البدن كله حتى من كل شعره إلا أن القول الأول مستعمل في كلام العرب كما قال
( ومن ذهب يلوح على تريب ** كلون العاج ليس بذي غضون )
____________________
(5/199)
وكما قال
( مهفهفة بيضاء غير مفاضة ** ترائبها مصقولة كالسجنجل ) وزعم الفراء أن معنى بين الصلب والترائب من الصلب والترائب لا يجعل بين زائدة ولكن كما يقول فلان هالك بن هذين
8
اختلف العلماء في هذا الضمير فمن أصح ما قيل فيه قول قتادة قال على بعثه وإعادته فالضمير على هذا للإنسان قال أبو جعفر وقرىء على إبراهيم بن موسى عن محمد بن الجهم عن يحيى بن زياد عن مندل بن علي عن ليث عن مجاهد ( إنه على رجعه لقادر ) قال على رد الماء في الإحليل وهو مذهب ابن زيد قال على رجعه لقادر على حبسه حتى لا يخرج هذان قولان وعن الضحاك كمعناهما وعنه قول ثالث على رجعه لقادر قال على رجعه بعد الكبر إلى الشباب وبعد الشباب إلى الصبا وبعد الصبا إلى النطفة قال أبو جعفر والقول الأول أبينهما واختاره محمد بن جرير غير أنه احتج بحجة لتقويته هي خطأ في العربية زعم أن قوله تعالى ( يوم تبلى السرائر ) من صلة رجعه يقدره أنه على رجعه يوم تبلى السرائر لقادر قال أبو جعفر وهذا غلط ولو كان كذا لدخل في صلت
____________________
(5/200)
رجعه ولفرقت بين الصلة والموصول بخبر إن وذلك غير جائز ولكن يعمل في يوم ناصر
9 أي تختبر وتظهر قيل يعني الصلاة والصيام وغسل الجنابة
10 قال قتادة من قوة تمنعه من الله عز وجل ( ولا ناصر ) ينصره منه وقال الثوري من قوة من عشيرة ولا ناصر حليف
11
قال أبو جعفر أهل التفسير على أنه المطر لأنه يرجع كل عام إلا ابن زيد فإنه قال ( والسماء ذات الرجع ) شمسها وقمرها ونجومها وجمع رجع رجعان سماع من العرب على غير قياس ولو قيس لقيل أرجع ورجوع
12 لأنها تصدع بالنبات
13 جواب القسم الثاني أي ذو فصل وكذا
14
15 أي للنبي صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين
____________________
(5/201)
16 أمهلهم
17 نعت لمصدر أي إمهالا رويدا روى ابن أبي طلحة عن ابن عباس رويدا قال يقول قريبا وقال الحسن قليلا
____________________
(5/202)
87
1
قال الفراء سبح اسم ربك وسبح باسم ربك كل صواب قال أبو جعفر إن كان قدر هذا على حذف الباء فلا يجوز مررت زيدا وإن كان قدره مما يتعدى بحرف وغير حرف فالمعنى واحد فليس كذلك لأن معنى سبح باسم ربك ليكن تسبيحك باسم ربك وقد تكلم العلماء في معنى ( سبح اسم ربك الأعلى ) بأجوبة كلها مخالف لمعنى ما فيه الباء فمنهم من قال معناه نزه اسم ربك الأعلى وعظمه عن أن تنسبه إلى ما نسبه إليه المشركون لأنه الأعلى أي القاهر لكل شيء أي العالي عليه ومنهم من قال أي لا تقل العزى لأنها مشتقة من العزيز ولا اللات لأنهم اشتقوا من من قولهم الله ومنهم من قال معنى سبح اسم ربك أي اذكر اسم ربك وأنت معظم له خاشع متذلل ومنهم من قال معناه سبح اسم ربك في صلاتك متخشعا مشغولا بها قال أبو جعفر والجواب الأول أبينها كما قرىء على محمد بن
____________________
(5/203)
جعفر عن يوسف بن موسى عن وكيع ثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قرأ ( سبح اسم ربك الأعلى ) قال سبحان ربي الأعلى الأعلى في موضع خفض نعت لربك أو لاسم والأولى أن يكون نعتا لما عليه
2
في موضع جر نعت للأعلى وإن شئت لربك وجاز أن ينعت النعت لأنه المنعوت في المعنى وعلى هذا جاز يا يزيد الكريم ذو الجمة ومعنى ( الذي خلق فسوى ) الذي خلق الخلق فعدل خلقه فصار كله حسنا في المفعول
3 أي قدر صورهم وأرزاقهم وأعمالهم ( فهدى ) قيل فبين لهم وقيل المعنى فهدى وأضل وقيل فهداهم إلى مصالحهم
4
في موضع خفض عطف والمرعى ما تأكله البهائم
5
مفعولان وفيه قولان أحدهما والذي أخرج المرعى أحوى أي أخضر يضرب إلى السواد فجعله غثاء والقول الآخر والذي أخرج المرعى فجعله غثاء أسود وهذا أولى بالصواب وإنما يقع التقديم والتأخير إذا لم يصح المعنى على غيره ولا سيما وقد روى ابن أبي طلحة عن ابن عباس فجعله
____________________
(5/204)
غثاء أحوى يقول هشيما متغيرا
6
فيه قولان أحدهما فلا تترك والآخر أن يكون من النسيان فهذا أولى لأن عليه أهل التأويل قال مجاهد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في نفسه لئلا ينسى وقال عبد الله بن وهب حدثني مالك بن أنس في قوله ( سنقرئك فلا تنسى ) قال تحفظ إلا ما شاء الله والمعنى في القولين جميعا فليس تنسى وهو خبر وليس بنهي ولا يجوز عند أكبر أهل اللغة أن ينهى إنسان عن أن ينسى لأن النسيان ليس إليه
7
في موضع نصب على الاستثناء وفي معناه أقوال فعلى الجواب الأول لست تترك شيئا مما أمرك الله به إلا ما شاء الله جل وعز أن ننسخه فيأمرك بتركه فتتركه وقيل فلست تنسى إلا ما شاء الله أن تنساه ولا يشاء الله أن تنسى منه شيئا وهذا قول الفراء وشبهه بقوله { خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك } وقيل المعنى فلست تنسى إلا ما شاء الله مما يلحق الآدميين وقيل لست تنسى إلا ما شاء الله أن يرفعه ويرفع تلاوته فهذه أربعة أجوبة وجواب خامس أن يكون المعنى فجعله غثاء أحوى إلا ما شاء الله والله أعلم بما أراده ( إنه يعلم الجهر ) أي ما ظهر
____________________
(5/205)
وعلن ( وما يخفى ) ما كتم وما ستر أي فلا تعملوا بمعاصيه فإنه يعلم ما ظهر وما بطن
8 أي للحال اليسرى
9
فيه قولان أحدهما فذكر في كل حال إن نفعت الذكرى وإن لم تنفع مثل { سرابيل تقيكم الحر } والجواب الآخر أن الذكر تنفع بكل حال فيكون المعنى كما تقول فذكر إن كنت تفعل ما أمرت به
10 قال الحسين بن وقاد هو أبو بكر الصديق رضي الله عنه قال
11 قال عتبة بن ربيعة والوليد بن المغيرة وأمية بن خلف
12
قال جهنم وقال الفراء السفلى من أطباق النار
13
في معناه أقوال قيل نفوس أهل النار في حلوقهم لا تخرج فيموتوا ولا ترجع إلى مواضعها من أجسادهم فيحيوا وقيل لا يموتون فيستريحوا ولا يحيون حياة ينتفعون بها وقيل هو من قول العرب إذا كان في شدة شديدة ليس بحي ولا ميت كما قال
____________________
(5/206)
( ليس من مات فاستراح بميت ** إنما الميت ميت الأحياء )
14
في معناه قولان روى ابن أبي طلحة عن ابن عباس قال من تزكى من الشرك أي تطهر وقال الحسن من تزكى من كان عمله زاكيا والقول الآخر عن قتادة قال من تزكى أدى زكاة ماله
15
روى ابن أبي طلحة عن ابن عباس قال وحده قال ( فصلى ) يقول فصلى الصلوات الخمس وقال غيره صلى ههنا دعا والصواب عند محمد بن جرير أن يكون المعنى صلى فذكر اسم ربه في صلاته بالتحميد والتمجيد قال أبو جعفر وهذا غلط على قول أهل العربية لأنه جعل ما قبل الفاء بعدها وهذا عكس ما قاله النحويون والصواب قول ابن عباس
16
وإن شئت أدغمت اللام في التاء وفي قراءة أبي ( بل أنتم تؤثرون الحياة الدنيا ) وهذه قراءة على التفسير وقرأ أبو عمرو ( بل يؤثرون ) بالياء على أنه مردود على الأشقى
____________________
(5/207)
17 مبتدأ وخبره
18
في معناه ثلاثة أقوال أحدها أن قوله جل وعز والآخرة خير وأبقى في الصحف الأولى وهذا كأنه مذهب قتادة وقيل الفلاح لمن تزكى وذكر اسم ربه فصلى في الصحف الأولى والقول الثالث أنه يعني به السورة كما قرىء على محمد بن جعفر بن حفص عن يوسف بن موسى عن وكيع عن شريك عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال سبح اسم ربك الأعلى من صحف إبراهيم وموسى والله أعلم بما أراد إلا أن قول قتادة حسن لأنه لما يليه وسبيل الشيء أن يكون لما يليه إلا أن تأتي حجة قاعة تغير ذلك
19 على البدل والصحيفة الكتاب
____________________
(5/208)
88
1
أهل التفسير على أن معنى حديث وخبر واحد ودل هذا على أن معنى حدثنا وأخبرنا واحد ويدل على هذا { يومئذ تحدث أخبارها } لأن معنى تحدث وتخبر واحد ولأهل التأويل في الغاشية قولان روى ابن أبي طلحة عن ابن عباس قال الغاشية من أسماء يوم القيامة وقال سعيد بن جبير الغاشية النار قال أبو جعفر والقولان متقاربان لأن القيامة تغشى الناس بأهوالها والنار في القيامة تغشى الناس بما فيها
2
مبتدأ وخبره قال قتادة خاشعة في النار يعني ذليلة واختلف أهل التأويل في قوله جل وعز
3 فمنهم من قال عاملة ناصبة في الدنيا وهذا يتأول لأنه قول عمر رضي الله عنه وتقديره في العربية وجوه يومئذ خاشعة وتم الكلام ثم قال عاملة أي هي في الدنيا
____________________
(5/209)
عاملة ناصبة ويجوز أن يكون التقدير وجوه عاملة ناصبة يومئذ خاشعة أي يوم القيامة خاشعة خبر الابتداء وجاز أن يبدأ بنكرة لأن المعنى للكفار وإن كان الخبر جرى عن الوجوه وقال عكرمة عاملة في الدنيا بمعاصي الله جل وعز ناصبة في النار التقدير على هذا أن يكون التمام عاملة وقول الحسن وقتادة إن هذه الوجوه في القيامة خاشعة عاملة ناصبة وإنها لما لم تعمل في الدنيا أعملها الله في النار وأنصبها فعلى هذا يكون عاملة ناصبة من نعت خاشعة أو يكون خبرا وهو جواب حسن لأنه لا يحتاج فيه إلى إضمار ولا تقديم ولا تأخير
4
قراءة الجماعة إلا أبا عمرو فإنه قرأ ( تصلى ) لا نعلم غيره قرأ به واحتج بتسقى والمعنيان واحد لأنها تصلى فتصلى
5
قال عطاء قد انتهى حرها وقال ابن زيد آنية حاضرة قال أبو جعفر والمعروف القول الأول وآنية ههنا مخالفة للتقدير لقوله { ويطاف عليهم بآنية } وإن كان اللفظ بها واحدا لأن بآنية الألف الثانية فيها بدل من الهمزة والألف في غير الآنية زائدة ووزنها فاعلة ووزن تلك أفعلة
____________________
(5/210)
6
اختلف أهل التأويل في تفسير الضريع فروى ابن أبي طلحة عن ابن عباس قال الضريع شجر من نار وقال ابن زيد الضريع الشوك من النار وهو عند العرب شوك يابس لا ورق فيه وعن عكرمة الضريع الحجارة وعن الحسن قولان أحدهما الضريع الزقوم والآخر أن الضريع الذي يضرع ويذل من أكله لمرارته وخشونته قال أبو جعفر وهذا القول جامع للأقوال كلها وقد قال عطاء الضريع الشبرق قال أبو جعفر وهذا القول الذي حكاه أهل اللغة الشبرق شجر كثير الشوك تعافه الإبل
7 أي لا يشبع
8 مبتدأ وخبره وجاء بغير واو ولو كان بالواو كان عطف جملة على جملة
8 قال أبو جعفر يكون التقدير بثواب عملها راضية يجوز النصب في راضية
10 أي بستان رفيع
11
قال أبو جعفر فيها أربع قراءات إحداها شاذة وأربعة أقوال أحدها شاذ قرأ ابن كثير ونافع ( لا تسمع فيها لاغية ) بالتاء ورفع لاغية وقرأ ابن
____________________
(5/211)
محيصن ( لا يسمع فيها لاغية ) بالياء والرفع وقرأ أبو جعفر وعاصم والأعمش وحمزة والكسائي ( لا تسمع فيها لاغية ) بفتح التاء والقراءة الشاذة ( لا تسمع فيها لاغية ) بمعنى لا تسمع الوجوه فيها والمراد أصحابها وقد تقدم ذكر الوجوه والقراءة الأولى أجمعها للمعاني والقراءة الثانية بالتذكير لأن لاغية ولغوا واحد والقراءة الثالثة لا تسمع الوجوه والأقوال الأربعة منها عن ابن عباس لاغية أذى وباطل وقال مجاهد لاغية شتم وقال قتادة لاغية باطل وتأثم وقال أبو جعفر وهذه الأقوال الثلاثة متقاربة المعاني أي كله لغو باطل وقيل لاغية على المجاز قال الأخفش سعيد كما قال الخطيئة
( وغررتني وزعمت أنك لابن بالصيف تامر ** )
وقال الفراء لاغية أي حالفا بكذب قال أبو جعفر وهذا القول شاذ لأنه خارج عن قول أهل التفسير ولا يطلق لأحد أن يخرج عن جملتهم في ما قالوه وإن كان قوله محتملا
12
العين مؤنثة وقد حكى تذكيرها كما قال
____________________
(5/212)
( والعين بالأثمد الحاري مكحول ** )
ولا يعرف الأصمعي في العين إلا التأنيث قال أبو جعفر وهو الصحيح وفي هذا البيت قولان قال محمد بن يزيد ما لم يكن فيه علامة التأنيث وكان غير حقيقي التأنيث فلك تذكيره نحو هذا نار وذاك دار وأما الأصمعي فقال مكحول للحاجب لأنه قد تقدم ذكره
13
أي لينظروا إلى الله من فوق سريره إلى ما خوله الله جل وعز من نعمه
14 قيل على جوانب العين مملوءة
15 أي بعضها إلى جنب بعض
16
الواحد زريبة قال الفراء هي الطنافس التي لها خمل قال مبثوثة كثيرة
17 في معناها قولان أحدهما أنها السحاب والصحيح أنها الجمال وذلك المعروف في كلام العرب قال قتادة لما نعت الله نعيم الجنة عجب أهل الضلالة من
____________________
(5/213)
ذلك فأنزل الله جل وعز ( أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت ) وكانت الإبل من عيش العرب ومرجوهم قال أبو جعفر المعنى أفلا يفكرون فيعملوا أن من خلق هذه الأشياء قادر على خلق ما يريد
18
أي كيف رفعت فوقهم بغير عمد يرونها ليستدلوا على عظيم قدرته
19 أي أقيمت منتصبة لا تسقط
20 قال قتادة بسطت
21 وحذفت المفعول لعلم السامع أي فذكر عبادي حججي وآياتي ( إنما أنت مذكر ) أي ليس عليك إلا التذكير
22
قال ابن زيد أي لست تردهم إلى الإيمان وعن ابن عباس بمسيطر بجبار قال أبو جعفر أصله السين مشتق من السطر لأن معنى السطر هو الذي لا يخرج عن الشيء قد منع من ذلك ويقال تسيطر إذا تسلط وتبدل من السين صاد لأن بعدها طاء وقيل
____________________
(5/214)
إنها منسوخة بقوله جل وعز { فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم } وقيل ليست منسوخة لأنهم إذا أظهروا الإسلام تركوا على جملتهم ولم يتسلط عليهم كما قرىء على أحمد بن شعيب عن عمرو بن منصور عن أبي نعيم عن سفيان عن أبي الزبير عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوا لا إله إلا الله عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله ثم تلا ( إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر )
23
في موضع نصب استثناء ليس من الأول أي لكن من تولى وأعرض عن ذكر الله ( وكفر ) يعذبه الله ويجوز أن يكون في موضع نصب استثناء من المفعول المحذوف أي فذكر عبادي إلا من تولى وكفر كما تقول عظ الناس إلا من تولى عنك ولم يقبل منك ويجوز أن يكون استثناء بمعنى أنت مذكر الناس إلا من تولى وقول رابع أني يكون من في موضع خفض على البدل من الهاء والميم في عليهم
24 وهو عذاب جهنم
25
وقرأ أبو جعفر ( إن إلينا إيابهم ) بالتشديد وقيل هو لحن لأنه من آب
____________________
(5/215)
يئوب فلو كان مشددا كان إوابهم وكان يكون ايوابهم كما يقال ديوان الأصل دوان فالدليل على ذلك قولهم في الجمع دواوين
26
أي حسابهم على كفرهم ليجازيهم على ذلك
____________________
(5/216)
89
1
خفض بواو القسم وعن ابن عباس في معناه ثلاثة أقوال منها أنه فجر السنة المحرم وأنه النهار وأنه صلاة الفجر وأما مسروق فقال هو فجركم هذا قال واختلف العلماء في الفجر فأهل الكوفة يقولون هو البياض وأهل المدينة يقولون هو الحمرة وقد حكي عن العرب ثوب مشفق ومشفق أي مصبوغ بالحمرة
2 عطف والأصل فيها ليالي ولو جاء على الأصل لقلت وليالي يا هذا لا ينصرف كما قال الشاعر
( قد عجبت مني ومن يعيليا ** )
فكره أن يختلف المعتل فجيء بالتنوين بعد أن حذفت الياء عوضا
____________________
(5/217)
منها وقيل من الحركة ( عشر ) نعت لليال
3
قراءة أبي جعفر وشيبة ونافع وبان كثير وأبي عمرو وعاصم وقرأ يحيى بن وثاب والأعمش وحمزة والكسائي ( والشفع والوتر ) قال أبو جعفر هو اختيار أبي عبيد واحتج بأشياء منها أنه الأكثر في عادة الناس وأن المحدثين كذا يقولونه قال أبو جعفر لو قال قائل الأكثر في عادة الناس الفتح لكان أشبه وإن كان لا حجة في كليهما ولا في قول المحدثين لأن المحدث لا يضبط مثل هذا ولا يحتاج إلى ضبطه ولو قال قائل إن الفتح أولى لأن قبله والشفع وهو مفتوح لكان قد قال قولا يشبه الاحتجاجات ولكنهما لغتان حسنتان كما قرىء على إبراهيم بن موسى عن إسماعيل بن إسحاق قال قرأت على أبي عثمان المازني وأبي إسحاق الزيادي عن الأصمعي قال كل فرد وتر أهل الحجاز يفتحون الوتر ويكسرون الوتر من الذحل ومن تحتهم من قيس وتميم يسوون بينهما قال أبو جعفر وقد بين الأصمعي أنهما لغتان وفي حديث عمر وابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم الذي تفوته صلاة العصر كأنما وتر أهله وماله يجوز أن يكون مشتقا من الوتر وهو الذحل فيكون المعنى فكأنما سلب أهله وماله بما فاته من الفضل بأن فاتته صلاة يقال وتره يتره وترا وترة إذا سلبه والاسم
____________________
(5/218)
الوتر ويجوز أن يكون مشتقا من الوتر أي الفرد فيكون المعنى كأنما نقص أهله وماله أي بقي فردا وخص رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العصر بهذا في ما قيل لأنها كانت وقت أشغالهم ومبايعاتهم فكان حضورها يصعب عليهم وقال { حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى } الصحيح أنها صلاة العصر وذلك موافق للحديث
4
والأصل يسري حذفت الياء في الخط لأنها رأس آية ومن أثبتها في الإدراج جاء بها على الأصل وحذفها في الوقف اتباعا للمصحف الذي لا يحل خلافه وحسن ذلك لأن كل ما يوقف عليه يسقط إعرابه ومن حسن ما قيل في معنى يسري أنه إذا أقبل عند إدبار النهار
5
قيل أي مقنع ومن حسن ما قيل فيه أن المعنى هل في ذلك مما يقسم به أهل العقل تعظيما لما أقيم به وتوكيدا لما أقسم عليه واستدل بعض العلماء بهذا وبتعظيمه على أن المعنى ورب الفجر لأن أهل العقل والإيمان لا يقيمون إلا بالله جل وعز وقد حظر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول أحد والكعبة بل خبر عن الله جل وعز كما روى عمر وابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم
____________________
(5/219)
أنه قال إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم فمن كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت قال عمر فما حلفت بها ذاكرا ولا آثرا وفي حديث آخر من حلف بغير الله فقد أشرك وفي آخر فقد كفر قال أبو جعفر قوله فما حلفت بها كناية عن اليمين ولم يتقدم لها ذكر لعلم السامع وقوله ذاكرا أي قائلا كما يقال ذكر لي فلان كذا ولا آثرا أي مخبرا ومعنى من حلف بغير الله فقد أشرك فعل فعل المشركين وكذا فقد كفر فهذا قول وقيل فقد أشرك فقد جعل لله شريكا في التعظيم وقيل معنى فقد كفر فقد غطى وستر أمر الله لأنه أمر أن لا يحلف إلا بالله
6
صرف عادا جعله اسما للحق وقراءة الضحاك ( بعاد ) بغير صرف جعله اسما للقبيلة وفي قراءة الحسن ( بعاد إرم ) أضاف عاد إلى
7 ولم يصرف ارم وهذه الآية مشكلة على كثير من أهل العربية يقول كثير من الناس إن إرم اسم موضع فكيف يكون نعتا لعاد أو بدلا منه ويقال كيف صرف عاد ولم يصرف ارم فقد زعم محمد بن كعب القرطبي أن إرم الإسكندرية وقال المقبري ارم دمشق وكذا قال مالك بن أنس
____________________
(5/220)
بلغني أنها دمشق رواه عنه ابن وهب وقال مجاهد ارم القديمة وقد روي عنه غير هذا وعن ابن عباس ارم الهالك وعن قتادة ارم القبيلة قال أبو جعفر والكلام في هذا من جهة العربية أن أبين ما فيه قول قتادة أن ارم قبيل من عاد فأما أن يكون ارم الإسكندرية أو دمشق فبعيد لقول الله تعالى ( واذكر أخا عاد إذ أنذر قومه بالأحقاف ) والحقف ما التوى من الرمل وليس كذا دمشق ولا الإسكندرية وقد قيل ( ارم ذات العماد ) مدينة عظيمة موجودة في هذا الوقت فإن صح هذا فتلخيصه في النحو ( الم تر كيف فعل ربك بعاد ) صاحبة ارم مثل وسئل القرية ( ذات العماد ) نعت لعاد على معنى القبيلة أو لأرم وكذا
8
وفي قراءة ابن الزبير ( التي لم يخلق مثلها في البلاد ) أي لم يخلق ربك مثل عاد في البلدان على عظم أجسادهم وقوتهم فلم يغن ذلك عنهم شيئا لما خالفوا أمر الله جل وعز فأهلكهم
9 في موضع خفض والتقدير وبثمود لم ينصرف لأنه اسم للقبيلة ومن صرفه جعله اسما للحي ومن خفضه بغير تنوين حذف التنوين لالتقاء الساكنين ( الذين ) في موضع خفض على النعت ويجوز أن يكون في موضع نصب بمعنى أعني وفي موضع رفع بمعنى هم الذين جابوا الصخر بالوادي وجابوا من ذوات الواو جاب الشيء يجوبه إذا قطعه ودخل
____________________
(5/221)
فيه وحذفت الياء من الواو لأنه رأس آية والكسرة تدل عليها
10 في موضع خفض والمعنى وبفرعون ولم ينصرف لأنه اسم أعجمي ( ذي الأوتاد ) من نعته وعن ابن عباس ذي الأوتاد ذي الجنود قال أبو جعفر قد ذكرنا فيه غير هذا أي ذي الجنود الكثيرة المحتاجة لضرب الأوتاد في أسفارها
11 أي تجاوزوا أمر الله جل وعز في البلاد أي الذين كانوا فيه
12
على تأنيث الجماعة يكون جمع بلد والتذكير جائز يراد به الجمع أو الواحد
13
ويجوز بالصاد لأن بعد السين طاء
14
من أحسن ما قيل فيه إنه مجاز أي يرصد أعمال العباد أي لا يفوته شيء وقال سفيان المرصاد القنطرة الثالثة من جهنم
15
____________________
(5/222)
أي اختبره ( فأكرمه ونعمه فيقول ربي أكرمني ) في معنى هذا وما بعده قولان أحدهما وهو قول قتادة أن الإنسان إذا أنعم الله عليه ووسع قال أكرمني ربي بهذا فإذا ضيق عليه رزقه قال أهانني فزجر الله الإنسان عن هذا وعرفه أنه ليس التوسيع عليه من إكرامه ولا التضييق عليه من إهانته قال قتادة وإنما إكرامه إياه بطاعته وإهانته إليه بمعصيته والقول الآخر أن الإنسان إذا وسع الله عليه حمد الله جل وعز فإذا ضيق عليه لم يحمده فزجره الله لأنه يجب أن يحمده في الحالين والزجر في قوله
17 ويدل على صحة الجواب الأول ما بعد الآية ( بل لا تكرمون اليتيم ) وما بعده أي فبهذا الإهانة وبضده الكرامة
18
حذف المفعول لعلم السامع أي ولا تحضون الناس ومن قرأ ( تحاضون ) قدره بمعنى تتحاضون حذفت إحدى التائين كما قال { ولا تفرقوا }
19
التاء مبدلة من الواو لأنها أقرب الزوائد إليها ( أكلا ) مصدر ( لما ) من نعته قال الفراء شديدا
20
____________________
(5/223)
قال كثيرا قال أبو جعفر
21 تماما في كل القرآن قال المعنى لا ينبغي أن يكونوا هكذا وانزجروا عن هذا الفعل ( إذا دكت الأرض دكا ) عن ابن عباس أي حركت وهو مصدر مؤكد وكذا الذي بعده
22 يعني الملائكة ( صفا صفا ) مصدر في موضع الحال
23
في موضع اسم ما لم يسم فاعله ويجوز أن يكون الاسم المصدر ( يومئذ يتذكر الإنسان ) ويجوز إدغام التاء في الذال ( وأنى له الذكرى ) قال الضحاك التوبة وقيل المعنى من أي جهة له منفعة الذكرى
24 ومن العرب من يقول ليتي يشبهه بأني قال الضحاك ( قدمت لحياتي ) في الآخرة قال الحسن علم أن ثم حياة لا نفاذ لها
25
هذه قراءة أبي عبد الرحمن السلمي والحسن وأبي جعفر وشيبة ونافع وابن كثير وأبي عمرو وعاصم والأعمش وحمزة وهي القراءة التي قامت بها الحجة من جهة الإجماع وقرأ الكسائي ( فيومئذ لا يعذب عذابه أحد ولا يوثق وثاقه أحد ) قال وهذا اختيار أبي عبيد واحتج بحجتين واهيتين
____________________
(5/224)
إحداهما الحديث زعم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال أبو جعفر والحديث لا يصح سنده حدثناه محمد بن الوليد عن علي بن عبد العزيز عن أبي عبيد قال ثنا هشام وعباد بن عباد عن خالد عن أبي قلابة عمن أقرأه النبي صلى الله عليه وسلم ( فيومئذ لا يعذب عذابه أحد ولا يوثق وثاقه أحد ) بفتح الذال والثاء قال أبو جعفر وهذا الحديث بين لأنه إذا وقع في الحديث مجهول لم يحتج به في غير القرآن فكيف في كتاب الله ومعارضته الجماعة الذين قراءتهم عن النبي وحجته الأخرى أنه قد علم المسلمون أنه ليس أحد يوم القيامة يعذب إلا الله فكيف يكون لا يعذب أحد عذابه هذه حجته قال أبو جعفر وأغفل ما قاله العلماء في تأويل الآية لأنهم قالوا منهم الحسن لا يعذب أحد في الدنيا بمثل عذاب الله يوم القيامة وتأول أبو عبيد معنى ( لا يعذب عذابه أحد ) لا يعذب عذاب الكافر أحد وخولف أيضا في هذا التأويل وممن خالفه الفراء ذهب إلى أن المعنى لا يعذب أحد في الدنيا مثل عذاب الله في الآخرة وفيه قول ثالث أنه يراد به رجل بعينه
27
ويجوز يا أيها لإبهام أي النفس نعت لأي والمطمئنة نعت للنفس فإن جعلتها نعتا لأي جاز نصبها لأنه قد تم الكلام كما تقول يا زيد الكريم أقبل والمعنى المطمئنة بوعد الله جل وعز ووعيده
28
____________________
(5/225)
في معناه قولان قال سعيد بن جبير إلى جسدك فالمعنى على هذا أن النفس خوطبت قال الضحاك إلى الله فالمعنى على هذا أن المخاطبة للإنسان وإليه يذهب الفراء وإلى أن المعنى أن الملائكة تقول لهم إذا أعطوا كتبهم بأيمانهم هذا أي ارجعي إلى ثواب ربك
29 أي في عبادي الصالحين أي كوني معهم قال الفراء وقرأ ابن عباس وحده ( فادخلي في عبدي ) قال أبو جعفر وهذا غلط أعني قوله وحده هذه قراءة مجاهد وعكرمة وأبي جعفر والضحاك وتقديرها في العربية على معنى الجنس أي لتدخل كل روح في عبد وقيل هو واحد يدل على جمع وعلامة الجزم في ادخلي عند الكوفيين حذف النون والبصريون يقولون ليس بمعرب لأنه غير مضارع ولا عامل معه فيجزمه وزعم الفراء أن العامل فيه اللام وهي محذوفة
____________________
(5/226)
90
1
في لا ثلاثة أقوال قال الأخفش تكون صلة فهذا قول وقيل هي بمعنى ألا ذكره أيضا الأخفش والقول الثالث قول أهل التأويل روى الحسن عن مجاهد قال لا رد لكلامهم ثم ابتدأ أقسم بهذا البلد قال أبو جعفر في قوله جل وعز البلد ثلاثة أقوال يكون نعتا لهذا ويكون بدلا وأولاها الثالث أن يكون عطف البيان والنحويون يذكرون عطف البيان على جملته وما علمت أن أحدا بينه والفرق بينه وبين البدل إلا ابن كيسان قال الفرق بينهما أن معنى البدل أن تقدر الثاني في موضع الأول وكأنك لم تذكر الأول ومعنى عطف البيان أن يكون تقدر أنك إن ذكرت الاسم الأول لم يعرف إلا بالثاني وإن ذكرت
____________________
(5/227)
الثاني لم يعرف إلا بالأول فجئت مبينا للأول قائما له مقام النعت والتوكيد قال وبيان هذا في النداء يا أخانا زيد أقبل على التبدل كأنك رفعت الأول وقلت يا زيد فإن أردت عطف البيان قلت يا أخانا زيدا أقبل
2
قال الأخفش حل وحلال وحرم حرام
3 واو عطف لا واو قسم وكذا ( وما ولد ) وقال أبو عمران الجوني ووالد إبراهيم صلى الله عليه وسلم وولده وروي عن ابن عباس الوالد الذي ولد وما ولد ولده قال أبو جعفر وهذا على أنه عام وكأنه أبين ما يقال ويكون التقدير ووالد وولادته حتى يكون ما للمصدر
4
قال أبو جعفر قد ذكرناه ومن أبين ما قيل في معناه قول عطاء قال في كبد في مكابدة للأمور قال الحسن يكابد السراء والضراء وليس أحد يكابد الأمور ما يكابد ابن آدم وقال سعيد بن أبي الحسن يكابد أمر الدنيا وأمر الآخرة وقال مجاهد يكون نطفة وعلقة ولا يزال في مكابدة فهذه الأقوال ترجع إلى معنى واحد وهو أبين ما قيل فيها أي يكابد الأمور ويعالجها فهذا الظاهر من كلام العرب في معنى كبد قال ذو الأصبع العدواني
____________________
(5/228)
( لي ابن عم لو أن الناس في كبد ** لظل محتجرا بالنبل يرميني )
وقال لبيد
( قمنا وقام الخصوم في كبد ** )
5
قيل يعني بهذا الكافر أي أيحسب أن لن يقدر الله عليه فيعاقبه فخبر جل ثناؤه بجهله
6
قيل يدافع بهذا عن فعل الخيرات وقيل قال هذا تندما ويدل على هذا الجواب ما بعده قال أبو جعفر يكون لبد جمع لبدة وقد يكون واحدا مثل حطم وروي عن أبي جعفر أنه قرأ لبدا جمع لابد وعن مجاهد أنه قال قرأ لبدا جمع لبود ولا نعلم اختلافا في معناه أنه الكثير
7
والأصل يرأه قلبت حركة الهمزة على الراء فانفتحت وسقطت الهمزة قال أبو جعفر وما علمت أحدا من النحويين تكلم في علة الهمزة لم تسقط إذا ألقيت حركتها على ما قبلها إلا علي بن سليمان سألته عنه قال لما سقطت حركة الهمزة وسكنت وكانت الراء قبلها ساكنة فحركت حركة عارضة
____________________
(5/229)
فكان حكمها حكم الساكن وبعدها ساكن فحذف ما بعدها وهو الهمزة
8
9
اللسان يذكر ويؤنث فمن ذكره جمعه ألسنة ومن أنثه قال ألسن قال وفي تصغيره لسين بتشديد الياء ولسينة بتخفيفها والأصل في شفة شفهة والدليل على ذلك جمعها وتصغيرها واشتقاق الفعل منها
10
مفعول ثان حذفت منه إلى على قول البصريين وكذا أنشد سيبويه
( كما عسل الطريق الثعلب ** ) عنده أنه حذف منه الحرف وعند الكوفيين أنه ظرف مثل أمام وقدام
11
يقال سبيل لا في مثل هذا أن تأتي متكررة مثل { فلا صدق ولا صلى } وأن سيبويه قد أجاز إفرادها وأنشد
( من صد عن نيرانها ** فأنا ابن قيس لا براح )
____________________
(5/230)
وخالفه محمد بن يزيد وجعل هذا اضطرارا فأما الآية ففيها معنى التكرير لأنه جل وعز قد بين معنى العقبة بما هو مكرر قال قتادة النار عقبة دون الجنة
12
13
التقدير اقتحام العقبة أن يفك رقبة كما روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم من أعتق رقبة أعتق الله سبحانه بكل عضو منها عضوا منه من النار قال أبو هريرة حتى ذكره بذكره وقرأ الحسن وأبو رجاء وأبو عمرو وابن كثير والكسائي ( فك رقبة أو أطعم في يوم ذي مسغبة ) ثم تكلم النحويون في هذا فاختار الفراء هذه القراءة واحتج بأن بعده ثم كان أي فلما عطف بكان وهي فعل ماض على الأول وجب أن يكون فك ليعطف فعلا ماضيا على فعل ماض واختار الأخفش وأبو حاتم وأبو عبيد القراءة الأخرى قال أبو جعفر الديانة تحظر الطعن على القراءة التي قرأ بها الجماعة ولا يجوز أن تكون مأخوذة إلا عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد قال عليه السلام أنزل القرآن على سبعة أحرف فهما قراءتان حسنتان لا يجوز أن تقدم إحداهما على الأخرى
____________________
(5/231)
فأما اعتراض الفراء بكان وبالنسق على الأول فلا يلزم لأنه لا يجوز أن يكون معطوفا على المعنى لأن المعنى فعل هذا وقد نقض هو قوله بأن أجاز القراءة الأخرى على إضمار أن وأنشد
( ألا أيهذا اللائمي أحضر الوغى ** وأن اشهد اللذات هل أنت مخلدي )
يريد أن أحضر ولو كان الأمر كما قال لنصب أحضر وإضمار أن لا يجوز إلا بعوض لأنها بعض اسم واعترض أبو عبيد فقال الاختيار فك رقبة لأنه يتبين للعقبة وحكي عن سفيان بن عيينة أنه قال كل ما قال جل وعز وما أدراك فقد بينه وما قال فيه وما يدريك فلم يبينه قال أبو جعفر فهذا غلط قد قال الله عز وجل ( وما أدراك ما القارعة ) وقال تعالى ذكره { وما أدراك ما الحاقة } وليس بعد هذا يتبين وروي عن الحسن وأبي رجاء أنهما قرأا ( وأطعم في يوم ذا مسغبة ) قال الفراء وإن
____________________
(5/232)
كان لم يذكر من قرأ ذا مسغبة هو صفة ليتيم أي يتيما ذا مسغبة قال أبو جعفر والغلط في هذا بين جدا لأنه لا يجوز أن تتقدم الصفة قبل الموصوف ولست أدري كيف وقع هذا له حتى ذكره في كتاب المعاني ولكن يكون ذا مسغبة منصوبا بأطعم ويتيما بدلا منه
17
أي ثبت على الإيمان وقيل ثم للإخبار ( وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة ) أعيد الفعل والباء توكيدا
18 أي يؤخذ بهم ذات اليمين إلى الجنة وبأهل النار ذات الشمال إلى النار
20 من أخذه من أصد فسبيله أن يهمز ومن أخذه من أوصد لم يجز همزة
____________________
(5/233)
91
1
المعروف في اللغة أن الضحى أول طلوع الشمس إذا أشرقت وإن كان مجاهد قد قال الضحى النهار وهو قول الفراء
2 المعروف في اللغة أن تلاها تبعها وإن كان الفراء قد حكى تلاها أخذ منها يذهب إلى أن القمر أخذ من ضوء الشمس
3
الظاهر من معناه والبين إذا جلى الشمس أي إذا أظهرها وأبداها لأن الشمس لا تكون إلا فيه وإن كان الفراء قد قال والنهار إذا جلى الظلمة هو قول بعيد لأن الظلمة لم يتقدم لها ذكر
4 يعود الضمير على الشمس أيضا
5
____________________
(5/235)
ما في موضع خفض أي وبنائها وكذا
6
روى إسماعيل عن أبي خالد عن أبي صالح طحاها بسطها وروى ابن أبي طلحة عن ابن عباس طحاها قسمها
7 أي تسويتها قال أبو جعفر ومن قال المعنى الذي سواها أراد الله جل وعز ولو كان كما قال لكان ومن
8 مفعولان
9 روى ابن أبي طلحة عن ابن عباس قال قد أفلح من زكى الله نفسه
10
فأضلها وقال قتادة قد أفلح من زكى نفسه بالعمل الصالح قال أبو جعفر في هذا شيء من النحو غامض لم يذكره الفراء وإن كان قد ذكر القولين في المعنى وذلك أنه إذا كان الضمير يعود على الله جل وعز لم يعد على من من صلته شيء إلا على حيلة بعيدة وذلك أنك إذا قدرت قد أفلح الإنسان الذي زكى النفس لم يعد على الذي شيء من صلته وإن قدرته قد أفلح الإنسان الذي زكى الله نفسه لم يجز أن يكنى عن النفس لأنه لا يعود على النفس شيء ولو قدرت من للنفس كان بعيدا لأن من لا
____________________
(5/236)
تكاد تقع في مثل هذا والحيلة التي يجوز عليه أن يحمل على المعنى أن تؤنث من لأنها بمعنى النفس أو يكون المعنى قد أفلحت الفرقة التي زكاها الله فيكون من للجميع ومعنى زكاها الله طهرها بالتوفيق لطاعته وزكى فلان ماله في اشتقاقه قولان أحدهما أنه من زكا الزرع إذا زاد ونما أي كثر ماله بإخراجه الزكاة والقول الآخر بين حسن يكون زكى ماله طهره وخلصه بإخراج سهمان المساكين منه ومنه ( اقتلت نفسا زكية ) أي طاهرة مخلصة من الذنوب ومنه عبد زكي أي طاهر وقد خاب أي لم يظفر بما يريد من دسى نفسه الله أي خذلها فارتكبت المعاصي وعلى القول الآخر من دسى نفسه أي سترها لركوب المعصية فاشتقاقه من دس ودسس فأبدل من أحد السينين ياء كما قال
( رأت رجلا أيما إذا الشمس عارضت ** )
يريد ما
11
الطغوى الطغيان واحد إلا أن عطاء الخراساني روى عن ابن عباس قال بطغواها بعذابها والطغوى اسم العذاب قال أبو جعفر وهذا يصح على حذف أي بعذاب طغواها مثل وسئل القرية
12
____________________
(5/237)
حكى الفراء أنهما اثنان وأنشد
( ألا بكر الناعي بخير بني أسد ** بعمرو بن مسعود وبالسيد الصمد )
يريد أنه جعل خبر الاثنين وشبهه بقولهم هذان أفضل الناس وهذان خير الناس قال أبو جعفر هذا الذي حكاه خلاف ما قال الله جل وعز قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم وقاله أهل التأويل قال الله أشقاها فخبر عن واحد فحكى أنهما اثنان وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم انتدب لها رجل ولم يقل رجلان وقال أهل التأويل انتدب لها قدار بن سالف قال أبو جعفر وله نظير أو أعظم منه في سورة الرحمن
13
أي احذروا ناقة الله قال الفراء ولو قرأ قارىء ناقة الله بالرفع أي هذه ناقة الله لجاز قال أبو جعفر ولا يجوز الابتداع في القراءات
14
____________________
(5/238)
قال الفراء أراد فعقروها فكذبوه وهذا خطأ في الفاء لأنها تدل على أن ثانيا بعد الأول وهذا عكس اللغة ومع هذا فليست ثم حال يضطر إليه لأنهم كذبوا صالحا بأن قال لهم إن عقرتموها انتقم الله منكم فكذبوه في ما قال فعقروها وقد قيل فكذبوه كلام تام ثم عطف عليه فعقروها قال أبو جعفر وفي هذا من المشكل أن يقال قد كانوا آمنوا وصدقوا وجعلوا للناقة يوما ولهم يوما في الشرب فزعم الفراء أن الجواب عن هذا أنهم أقروا به ولم يؤمنوا وهذا القول الذي قاله مما لا يجب أن يجترأ عليه إلا برواية لأنه مغيب والرواية بخلافه روى سعيد عن قتادة قال توقف أحيمر ثمود عن عقر الناقة حتى اجتمعوا كلهم معه على تكذيب صالح صغيرهم وكبيرهم وذكره وأنثاهم فلهذا عمم الله بالعذاب ( فدمدم عليهم ربهم بذنبهم ) قال الفراء أي أرجف وقال غيره أي عذبهم ( فسواها ) قال أبو جعفر سألت علي بن سليمان عن هذا الضمير فقال يعود على الدمدمة التي دل عليها دمدم وقال غيره أي سوى بينهم في العقوبة فأهلكهم جميعا
15
هكذا قرأ أهل البصرة وأهل الكوفة وقرأ أهل الحجاز ( فلا يخاف
____________________
(5/239)
عقباها ) وزعم الفراء أن الواو أجود وهذا عظيم من القول أن يقال في ما قرأت به الجماعة ووقع للسواد المنقول عن الصحابة الذين أخذوه عن النبي صلى الله عليه وسلم أجود أو خير والقراءتان جميعا نقلهما الجماعة عن الجماعة فهما بمنزلة آيتين لأن معناهما مختلف قال أبو جعفر سمعت إبراهيم بن محمد نفطويه يقول من قرأ بالفاء فالمعنى لله لا غير وهذا كما قال وعليه أهل التأويل وهو صحيح عن ابن عباس قال إبراهيم بن محمد ومن قرأ بالواو ذهب إلى أن المعنى للعاقر أي انبعث أشقاها ولا يخفا عقباها أي وهذه حاله والذي قال حسن غير أنه لا يجوز أن يكون بالواو لله جل وعز الذي قاله بين والله أعلم بما أراد
____________________
(5/240)
92
1
حذف المفعول كما يقال ضرب زيد ولا يجيء بالمضروب إما لمعرفة السامع وإما أن تريد أن تبهم عليه قيل المعنى والليل إذا يغشى كل شيء بظلمته فيصير له كالغشاء وليس كذا النهار وعلى هذا قول الذبياني
( فإنك كالليل الذي هو مدركي ** وإن خلت أن المنتأى عنك واسع )
2 خفض على العطف وليست بواو قسم
3
ما مصدر أي وخلقه الذكر والأنثى قيل ما بمعنى الذي وأجاز الفراء وما خلق الذكر والأنثى بمعنى والذي خلق الذكر والأنثى قال أبو
____________________
(5/241)
جعفر وجه بعيد أن تكون ما بمعنى من وأيضا لا نعرف أحدا قرأ به ولكن روي عن النبي صلى الله عليه وسلم والنهار إذا تجلى وما خلق الذكر والأنثى وهو عطف
4
جواب القسم قال محمد بن كعب سعيكم عملكم
5
6
من في موضع رفع بالابتداء عند البصريين وعند الكوفيين بالهاء العائدة عليه قال الحسين بن واقد فأما من أعطى زكاته واتقى ربه ومن أحسن ما قيل في معنى وصدق بالحسنى ما قرىء على محمد بن جعفر بن حفص بن راشد عن يوسف بن موسى عن ابن علية قال أخبرنا داود بن أبي هند عن عكرمة عن ابن عباس وصدق بالحسنى قال بالحلف فهذا إسناد مستقيم ومعنى ملائم لسياق الكلام
7 قال جويبر عن الضحاك قال للجنة
8 على ذلك القول بخل بزكاته واستغنى عن ثواب ربه جل وعز
قال الضحاك
10 قال النار فإن قيل
____________________
(5/242)
التيسير إنما يكون للخير فكيف جاء للعسر فالجواب أنه مثل { فبشرهم بعذاب أليم } أي اجعل ما يقوم لهم مقام البشارة وأنشد سيبويه
( تحية بينهم ضرب وجيع ** ) هذا قول البصريين وقول الفراء إنه إذا اجتمع خير وشر فوقع للخير تبشير جاز أن يقع للشر مثله
11
ما في موضع نصب بيغني أي وأي شيء يدفع عنه ماله إذا سقط في النار وذهب مجاهد إذا هلك وإنما يقال في الهلاك ردى يردي وتردى إذا سقط وردؤ الرجل يردؤ رداءة وهو رديء مردىء
12 لام توكيد دخلت على الهدى فحذفت الألف لئلا يشبه لا التي للنفي ولاتصال اللام بما بعدها
وكذا
13
14 فعل مستقبل الأصل تتلظى وروى ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن عبيد بن عمير أنه قرأ ( تتلظى ) وبعض الحفاظ يروي عن ابن عيينة بهذا الإسناد إدغام التاء في التاء قال أبو
____________________
(5/243)
جعفر ويجب أن يحرك التنوين لالتقاء الساكنين قال مجاهد تلظى توهج
15
فيه قولان قال أبو عبيدة الأشقى بمعنى الشقي وقال الفراء الأشقى الشقي في علم الله سبحانه فالقول الآخر فأنذرتكم نارا تلظى لا يصلاها إلا أشقى أهل النار وأشقى أهل النار الكفار ودل بهذا على أن غير الكفار يدخلون النار بذنوبهم قال الفراء
16 أي قصر أخذه من قول العرب حمل فلان على فلان فما
17
18
أي يتطهر من الذنوب
19
أي ليس يتصدق ليكافىء إنسانا على نعمة أنعم بها عليه وفي معناه قول آخر ذكره الفراء يكون للمستقبل أي ليس يتصدق ليكافأ على صدقته على أن الفراء جعله من المقلوب بمعنى وماله عند أحد نعمة تجزى وأنشد
____________________
(5/244)
( وقد خفت حتى ما تزيد مخافتي ** على وعل في ذي المطارة عاقل ) وتأوله بمعنى حتى ما تزيد مخافة وعل على مخافتي قال أبو جعفر لا يجوز أن يحمل كتاب الله على القلب والاضطرارات البعيدة
20
منصوب لأنه استثناء ليس من الأول لم يذكر البصريون غير هذا وأجاز الفراء أن يكون التقدير ما ينفق إلا ابتغاء وجه ربه وأجاز ( إلا ابتغاء وجه ربه ) بالرفع لأن المعنى وما لأحد عنده من نعمة تجزى إلا ابتغاء وجه ربه قال أبو جعفر ولم يقرأ بهذا وهو أيضا بعيد وإن كان النحويون قد أجازه كما قال
( وبلدة ليس بها أنيس ** إلا اليعافير وإلا العيس )
وأنشد بعضهم للنابغة
____________________
(5/245)
( وقفت فيها أصيلا كي أسائلها ** عيت جوابا وما بالربع من أحد )
( إلا أواري لأيا ما أبينها ** والنؤي كالحوض بالمظلومة الجلد ) والرفع في هذا مثل و ( وما لأحد عنده من نعمة تجزى إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى ) وهذا مجاز أي إلا طلب رضوانه
21 أي بالثواب
____________________
(5/246)
93
قال الفراء
1 النهار كله قال أبو جعفر والمعروف عند العرب ما رواه أبو روق عن الضحاك قال الضحى ضحى النهار قال أبو جعفر قال محمد بن يزيد والضحى يكتب بالألف لا غير لأنه من ضحا يضحو قال أبو جعفر وقول الكوفيين إنه بالياء لضم أوله وهذا قول لا يصح في معقول ولا قياس لأنه إن كتب على اللفظ فلفظه الألف وإن كتب على المعنى فهو راجع إلى الواو وعلى أنه قد حدثنا علي بن سليمان قال سمعت محمد بن يزيد يقول لا يجوز أن يكتب شيء من ذوات الياء مثل رمى وقضى إلا بالألف والعلة في ذلك بينة من جهة المعقول والقياس واللغة لأنا قد عقلنا أن الكتابة إنما هي نقل ما في اللفظ كما أن اللفظ نقل ما في القلب فإذا قلنا رمى فليس في اللفظ إلا الألف فإن قيل أصلها الياء فكتبها بالياء قيل هذا خطأ من غير جهة فمنها أنه لو وجب أن تكتب على أصلها لوجب أن تكتب غزا بالواو لأن أصلها الواو وأيضا فقد أجمعوا على أن كتبوا رماه بالألف والألف منقلبة من ياء وهذه مناقضة
____________________
(5/247)
وأيضا فإن في هذا بابا من الإشكال لأنه يجوز أن يقال رمي ثم نقضوا هذا كله فكتبوا ذوات الواو بالياء نحو ضحى وكسى جمع كسوة قال أبو إسحاق وهذا معنى كلامه وما أعظم هذا الخطأ يعني قولهم يكتب ذوات الياء بالياء وذوات الواو بالألف فلا هم اتبعوا اللفظ كما يجب في الخط ولا هم اتبعوا المصحف فقد كتب في المصحف ما زكى بالياء قال أبو إسحاق وأعظم من خطأهم في الخط خطؤهم في التثنية لأنهم يثنون ربا ربيان وهذا مخالف على كتاب الله جل وعز قال { وما آتيتم من ربا ليربو في أموال الناس فلا يربو عند الله } أي فجاء القرآن بالواو وجاءوهم بالياء قال أبو جعفر وسمعت علي بن سليمان يقول قلت لأبي العباس محمد بن يزيد لما احتج بهذه الحجج التي لا تدفع ما هذا الذي قد وقع للكتاب وأنس به الخاص والعام من كتب ذوات الياء بالياء حتى صار التعارف عليه فقال الأصل في هذا أن أبا الحسن الأخفش كان رجلا محتالا لشيء يأخذه فقال لأبي الحسن الكسائي قد استغنى من نحتاج إليه من النحو فنحتاج أن نجتمع على شيء نضطرهم إليه فاتفقا على هذا وأحدثاه ولم يكن قبلهما وشاع في الناس لتمكن الكسائي من السلطان ولعل بعض من لا يحصل يتوهم أن هذا مذهب سيبويه لأنه أشكل عليه شيء من كلامه في مثله قوله الياء في مثل سكرى وإنما أراد سيبويه أنها تثنى بالياء وليس من كلام سيبويه الاعتلال في الخطوط قال أبو جعفر ثم رجعنا
____________________
(5/248)
إلى الإمالة فحمزة يميل ما كان من ذوات الياء ويفخم ما كان من ذوات الواو والكسائي يميل الكل وأبو عمرو بن العلاء يتبع بعض الكلام بعضا فإن كانت السورة فيها ذوات الياء وذوات الواو أمال الكل والمدنيون يتوسطون فلا يميلون كل الميل ولا يفخمون كل التفخيم قال أبو جعفر وليس في هذه المذاهب خطأ لأن ذوات الواو في الأفعال جائز إمالتها لأنها ترجع إلى الياء فيجوز والضحى
2 ممالا وإن كان يقال سجا يسجو لأنه يرجع إلى الياء في قولك سجيت
3
قال الضحاك وما قلاك قال أبو جعفر العرب تحذف من الثاني لدلالة الأولى يقال أعطيتك وأكرمت وروى ابن أبي طلحة عن ابن عباس ما ودعك ربك وما قلى قال يقول ما تركك وما أبغضك وحكى أبو عبيدة ودعك مخففا ومنع سيبويه أن يقال ودع قال استغنوا عنه بترك قال أبو جعفر والعلة عند غيره أن العرب تستثقل الواو في أول الكلمة لثقلها يدل على ذلك أنها لا توجد زائدة في أول الكلام وتوجد أختها الياء نحو يعملة ويربوع وأنك إذا صغرت واصلا قلت أو يصل لا غير وفي الجمع أواصل ويقال قلاه يقليه إذا أبغضه ويقال أيضا يقلاه
4
الأصل أخير ثم خفف لكثرة الاستعمال
____________________
(5/249)
5
وفي حرف عبد الله ( وسيعطيك ) وهما واحد عند سيبويه وقال الفراء حذفت الواو والفاء كما قالوا أيش عندها وكما قالوا لاب لشانئك ولاب لك يريدون لا أب لشانئك ولا أب لك قال أبو جعفر حذف المفعول الثاني كما تقول أعطيت زيدا ولا تبين العطية
6
مفعولا يجد ويجد في كلام العرب تنقسم أقساما منها أن يكون بمعنى يرى وتعلم وكذا
7
8 وقد عال يعيل عيلة إذا افتقر وأعال يعيل إذا كثر عياله لا نعلم بين أهل اللغة فيه اختلافا
9 نصب بتقهر ولو كان تقهره بالهاء لكان الاختيار النصب أيضا لأنه نهي وكذا
10
11
قيل أي بلغ أي أظهرها واحمد الله عز وجل عليها فإن ذلك من الشكر
____________________
(5/250)
94
1
نشرح جزم بلم وعلامة الجزم حذف الضمة من النحويين من يقول ألم من حروف الجزم وذلك خطأ لأن الألف للاستفهام والمعنى على الإيجاب لأن ألف الاستفهام ههنا يؤدي عن معنى التقرير والتوقيف فيصير النفي إيجابا والإيجاب نفيا قال الفراء أي ألم نلن لك قلبك وقال الحسين بن واقد ألم نوسع لك صدرك قال أبو جعفر وهذا قول بين ومنه يقال فلان ضيق الصدر وصدره واسع وقد شرح الله صدور الأنبياء صلوات الله عليهم والمؤمنين ثوابا على أعمالهم الحسنة فصاروا يقبلون الحق ولا تضيق له صدورهم ومن هذا الحديث المستقيم الإسناد رواه يونس عن الزهري عن أنس عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال فرج سقف بيتي وأنا بمكة فنزل جبرئيل صلى الله عليه وسلم ففرج صدري ثم غسله بماء زمزم ثم أتى بطست مملوءة حكمة وإيمانا فأقره في صدري ثم عرج بي إلى السماء ( لك ) الكاف في موضع جر باللام وفتحت اللام على
____________________
(5/251)
أصلها ومن النحويين من يقول أصلها الكسر ولكن فتحت في قولهم له لئلا يجمع بين كسرة وضمة ثم أتبع لك له وإن لم يكن فيه تلك العلة ( صدرك ) منصوب بنشرح وقال العلماء الصدر محل القرآن والعلم واستدلوا في ذلك بقول الله عز وجل { بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم }
2
قال الحسن وزره ذنبه في الجاهلية يقال وزر يزر وزرا والمفعول موزور وفي الحديث ارجعن موزورات غير مأجورات ومن أهل الحديث من يقول مأزورات فإن صح نقله فهو اتباع
3
أهل التفسير يقولون أثقله فإن قال قائل كيف وصف هذا الوزر بالثقل وهو مغفور غير مطالب به فالجواب أن سبيل الأنبياء صلوات الله عليهم والصالحين إذا ذكروا ذنوبهم أن يشتد غمهم وبكاؤهم فلهذا وصف ذنوبهم بالثقل قال أبو جعفر وهذا الجواب عن سؤال السائل لم يغتم الصالحون إذا ذكروا ذنوبهم التي قد تابوا منها وقد علموا أن المغفرة بعد التوبة واجبة وفي هذا جواب آخر وهو أنهم يخافون أن يكونوا قد بقي عليهم شيء بلزمهم من تمام التوبة
4
____________________
(5/252)
بيان هذا في الحديث المسند عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال قال لي جبرئيل صلى الله عليه وسلم إن ربي وربك عز وجل يقول لك كيف رفعت ذكرك قال قلت الله أعلم قال إذا ذكرت معي
5
6
وقرأ عيسى بن عمر بضم السين فيهما قيل المعنى أن نعم الله تعالى وهي اليسر أكثر من الشدائد وهي العسر وقيل خوطب النبي صلى الله عليه وسلم بأنه سيظفر فذلك الظفر وهو اليسر بالمشركين الذين لحقت منهم الشدة
قال أبو جعفر وقد ذكرنا ما قيل في التكرير وما قيل في معنى
7 ومن أحسن ما قيل فيه وهو جامع لجميع الأقوال أنه ينبغي إذا فرغ الإنسان من شغله أن ينتصب لله جل وعز وأن يرغب إليه وأن لا يشتغل بما يلهيه عن ذكر الله سبحانه فهذا أدب الله عز وجل وقد قال عبد الله بن مسعود ما يعجبني الإنسان أراه فارغا لا يشتغل بأمر الدنيا ولا بأمر الآخرة
____________________
(5/253)
95
1
أدغمت اللام في التاء والزاي لقربها منهما ولا يجوز الإظهار مع لام التعريف لكثرتها في الكلام ويجوز في غيرها وإن كانت هذه اللام قد قيل أنها مع ما هي ههنا اسم علم قال محمد بن كعب التين مسجد أصحاب الكهف والزيتون مسجد ايليا فإن أصلها التعريف ثم وقعت التسمية وكذا قول من قال التين دمشق والزيتون بيت المقدس وقول من قال هما مسجدان أحدهما الذي كلم الله عز وجل عليه موسى صلى الله عليه وسلم فأما داود بن أبي هند فروى عن عكرمة وعن ابن عباس قال التين تينكم هذا والزيتون زيتونكم قال أبو جعفر وهذه الأقوال إذا حصلت آلت إلى معنى واحد لأن القسم إنما هو برب العالمين جل وعز فالتقدير ورب التين والزيتون
2
قيل هو طور سينا جاء بلغات وقيل غير هذا مما ذكرناه
____________________
(5/254)
3 وهذه اللغة الفصيحة والاسم منه ذا عند البصريين وها للتنبيه وعند الكوفيين الاسم الذال ولم يعرب لأنه اسم غير متمكن ينتقل فأشبه الحروف لأنه غير ثابت على مسمى فوجب أن لا يعرب وقال بعض النحويين لأن في آخره ألفا والألف لا يتحرك قال الفراء ولو حركت صارت همزة وقال الخليل رحمه الله الألف حرف هوائي فمحال أن يحرك لأنه بمنزلة الحركة ولا تحرك الحركة قال أبو جعفر و ذا اسم ظاهر يدل على ذلك كسر اللام معه وقد قال بعض النحويين جوابا لمن سأل لم حركت المضمرات ولم تحرك المبهمة أن المضمرات في مواضع الأسماء المعربة وكانت لها مزية فحركت قال أبو جعفر وسمعت أبا بكر بن شقير يحكي هذا وهو جواب حسن محصل فأما الفراء فخلط الجميع فقال من قال هو زيد بإسكان الواو قال هذا زيد ومن قال هو زيد قال هذا أي زيد ومن قال هو زيد بتشديد الواو قال هذاه زيد قال أبو جعفر وبيان التخطيط في هذا بين لأن قولك هو بإسكان الواو لغة شاذة وقولك هذا لغة بها جاء القرآن فكيف تحاذي إحداهما الأخرى إلا أن يتجازيا من جهة أخرى على قوله وذلك أن قولك هو الاسم منه عنده الهاء والاسم من هذا الذال وهذا قوله بلا اختلاف عنه ومن التخليط أن قولك هذاه الهاء عنده فيه لبيان الحركة وقد أثبتها في الوصل وزعم الفراء أن الدليل على أن الاسم الذال في هذا قول العرب
____________________
(5/255)
في التثنية هذان فأسقطوا الألف وهذا لا يلزم لأن الألف إنما سقطت في التثنية لالتقاء الساكنين ولم يجز قلبها فيقال هذيان ولا هذوان لأنه لا يعلم أنها منقلبة من ياء ولا واو فتقلب إلى إحداهما فلم يبق إلا الحذف ( البلد الأمين ) نعت وإن شئت بدل وإن شئت عطف البيان وزعم الفراء أن الأمين بمعنى الآمن وأنشد
( ألم تعلمي يا اسم ويحك أنني ** حلفت يمينا لا أخون أميني ) قال أبو جعفر وخولف الفراء في هذا فقيل أمين بمعنى مأمون في الآية والبيت جميعا
4
تكلم العلماء في معناه فعن ابن عباس قال خلق كل شيء منكبا إلا الإنسان وقال عكرمة ( في أحسن تقويم ) الشباب والقوة والجلد وقال مجاهد والنخعي ( في أحسن تقويم ) في أحسن صورة وهذا أحسن ما قيل فيه لأن التقدير في العربية في تقويم أحسن تقويم أقيم مقام المنعوت أي في تقويم أعدل تقويم وصورة
5
فيه اختلاف أيضا فعن ابن عباس إلى أرذل العمر وعن عكرمة إلى
____________________
(5/256)
النار وزعم محمد بن جرير أن الصواب إلى أرذل العمل أي إلى الهرم ويكون هذا لخاص من الناس واستدل على صواب هذا أن الله جل وعز إنما عدد ما شاهدوه من قدرته من خروج الإنسان من الشباب إلى الهرم ولا يعدد عليهم ما لا يقرون به من دخول النار وقال غيره هذا لا يلزم لأن حجج الله ظاهرة وقد ظهرت آيات نبيه صلى الله عليه وسلم فوجب أن يكون كل ما أخبر به بمنزلة المعاين
6
من قال المعنى إلى أسفل سافلين إلى النار جعل الذين آمنوا في موضع نصب استثناء من الهاء التي في رددناه لأنها بمعنى جمع ومن قال إلى أسفل سافلين إلى أرذل العمر جعل الذين استثناء ليس من الأول وقيل في الكلام حذف الاستثناء منه والتقدير ثم رددناه إلى الهرم والخرف حتى صار لا يقدر على عبادة الله جل وعز وأداء فرائضه ولا يكتب له شيء لهم مثل ما كانوا يعملون روى ابن أبي طلحة عن ابن عباس ( فلهم أجر غير ممنون ) قال يقول غير منقوص
7
تكلم النحويون في هذه الكلمة وفي بيانها واختلاف حركتها وتنوينها وغير تنوينها ببضعة عشر جوابا فمن ذلك أن النحويين مجمعون على أن قبل وبعد إذا كانا غايتين فأصلهما ألا يعربا وأجابوا في علة ذلك بأجوبة فمن
____________________
(5/257)
أصحها أن سبيل تعريف الأسماء أن تكون الألف واللام أو بالإضافة إلى معرفة فلما كانتا قد عرفتا بغير تعريف الأسماء وجب بناؤهما وقال علي بن سليمان لما كانتا متعلقتين بما بعدهما وقيل لما لم يتصرفا بوجوه الإعراب ولم يتمكنا وجب لهما البناء فهذه ثلاثة أجوبة فإن قيل لم وجبت لهما الحركة فالجواب أن سيبويه قال وأما المتمكن الذي جعل في موضع بمنزلة غير المتمكن فقولهم أبدأ بهذا أول ويا حكم أقبل وشرح هذا أن أول وقبل وبعد لما وجب ألا يعربن في موضع وقد كن يعربن في غيره كره أن يخلين من حركة فضممن فإن قيل فلم لا فتحن أو كسرن في هذا السؤال خمسة أجوبة منها أن الظروف يدخلها النصب والخفض إذا لم تعتل فلا يدخلها الرفع فلما اعتلت ضمت لأن الضمة من جنس الرفع الذي لا يدخلها في حال سلامتها وقيل لما أشبهت المنادى المفرد أعطيت حركته وقيل لما كانت غاية أعطيت غاية الحركات فهذه ثلاثة أجوبة في الضم لبصريين لا نعلم لهم غيرها والجوابان الآخران للكوفيين قال الفراء لما تضمنت قبل وبعد معنيين ضمتا قال أبو جعفر وشرح هذا أنهما تضمنتا معناهما في أنفسهما ومعنى ما بعدهما فأعطيتا أثقل الحركات وقال هشام لم يجز أن يفتحا فيكونا كأنهما مضافتان إلى ما بعدهما ولا يكسران فيكونا كالمضاف إلى
____________________
(5/258)
المخاطب فلم يبق إلا الضم قال أبو جعفر فهذه تسعة أجوبة وأجاز الفراء آتيك بعد يا هذا بالضم والتنوين وأنشد
( ونحن قتلنا الأزد أزد شنوءة ** فما شربوا بعد على لذة خمرا ) قال أبو جعفر وهذا خراج عما جاء به القرآن وكلام العرب والمعقول لا حجة له في البيت إن كان يعرف قائله لأنه بغير تنوين جائز عند أهل العلم بالعروض كما أنشدوا
( شاقتك أحداج سليمى بعاقل ** فعيناك للبين تجودان بالدمع )
وأجاز أيضا رأيتك بعدا يا هذا قال أبو جعفر فهذا نظير ذلك أن يكون أراد النكرة وأجاز هشام رأيتك بعد يا هذا جعله منصوبا وأضمر المضاف إليه فكأنه زعم أن قد نطق به لما كان في النية وزعم الفراء والأخفش أن المعنى فمن يكذبك بعد بالدين قال أبو جعفر وهذا لا يعرج عليه ولا تقع ما بمعنى من إلا في شذوذ والمعنى ههنا صحيح أي فما يحملك يا أيها المكذب فأي شيء يحملك على
____________________
(5/259)
التكذيب بعد ظهور البراهين والدلائل بالدين الذي جاء بخبره من أظهر البراهين
8 أي في تدبيره وصنعه لا يدخل دينك فساد ولا تفاوت وليس كذا غيره
____________________
(5/260)
96
1
في موضع جزم على قول الكوفيين والعامل فيه عند الفراء لام محذوفة وعلامة الجزم حذف الضمة وهو عند البصريين غير معرب لأنه لا يضارع الأسماء فيعرب وحكى أبو زيد والكسائي ( اقر ) على بدل الهمزة فيصير كقولك اخش ومثل هذا قول زهير
( وإن لا يبد بالظلم يظلم ** ) وقد قيل إن على هذا قراءة الجماعة ( أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير ) وأنه مأخوذ من الدناءة ( الذي خلق ) في موضع خفض نعت لربك أو في موضع رفع على إضمار مبتدأ أو في موضع نصب بمعنى أعني
____________________
(5/261)
2
الإنسان بمعنى جماعة فلذلك قال علق وهو جمع علقة
3
وحذف المفعول أي اقرأ ما أنزل إليك وربك الأكرم لا يخليك من الثواب على قراءتك
4 نعت للذي الأول
5
مفعولان ومن قال إن
6 تمام في جميع القرآن قال المعنى ليس يجب أن يدعو التفكر فيما بينه الله من خلقكم مما يدل على وحدانيته وأنه لا شبه له ( إن الإنسان ليطغى ) جاء على فعل يفعل لأن فيه الغين
7
فجاء المفعول متصلا ولم يستع 4 مل رأى نفسه لأنه من أخوات ظننت
8
في موضعه نصب ولم يتبين فيه الإعراب لأن في آخره ألفا
9
10
____________________
(5/262)
وحذف الجواب لعلم السامع وكذا
11
12
13
أي مع منعه من الصلاة أن كذب الله ورسوله وتولى عن طاعته
14
أي يراه ويعلم فعله فيعاقبه عليه ومن قال
15 التمام قال المعنى ليس الأمر على ما قدره من أنه يتهيأ له أن يمنعه من الصلاة ( لئن لم ينته ) حذفت الياء للجزم ومن أثبتها في غير القرآن قدرها متحركة ( لنسفعا ) الوقف عليه بالألف فرقا بينه وبين النون الثقيلة ولأنه بمنزلة قولك رأيت زيدا كما قال
( ولا تحمد الشيطان والله فاحمدا ** )
( بالناصية )
16
على البدل والفراء يقول على التكرير وأجاز ( ناصية كاذبة خاطئة ) لأنها نكرة بعد معرفة
17
____________________
(5/263)
حذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه اتساعا أي أهل ناديه
18
كتب بغير واو على الإدراج ولا يجوز الوقف عليه
19
أي في ما ينهاك عنه من الضلالة ( واسجد واقترب ) إلى الله جل وعز بطاعته فإنه يعظمك ويمنع منك وفي الحديث أقرب ما يكون العبد من الله تعالى إذا كان ساجد فأكثروا من الدعاء في السجود فإنه قمن أن يستجاب لكم
____________________
(5/264)
97
1
أصله أننا فحذفت النون لاجتماع النونات ولأنها زائدة ( أنزلناه ) النون والألف في موضع رفع بالفعل وأسكنت اللام لاتصالها بالمضمر المرفوع اتباعا لما تتوالى فيه الحركات والهاء في موضع نصب وحذفت الواو بعدها لسكونها وسكون الألف وإن الهاء ليست بحاجز حصين لخفائها وبعدها وقيل لاجتماع حرفي مد ولين فحذف أحدهما والهاء كناية عن القرآن وإن كان لم يتقدم له ذكر في هذه السورة وأكثر النحويين يقولون لأنه قد عرف المعنى كما قال
( ألا ليتني أفديك منها وأفتدي ** ) ومن العلماء من يقول جازت الكناية في أول السورة لأن القرآن كله
____________________
(5/265)
بمنزلة سورة واحدة لأنه أنزل جملة إلى السماء الدنيا وسنذكر هذا بإسناده وقول ثالث بين حسن وهو إنا أنزلناه يدل على الإنزال والمنزل كما حكى النحويون من كذب كان شرا له لأن كذب يدل على الكذب وأخفيت ليلة القدر على الناس إلا ما جاء في الحديث من أنها في العشر الأواخر من شهر رمضان فقيل إنما أخفيت لفضل العمل فيها لئلا يدع الناس العمل في غيرها والاجتهاد ويتكلوا على فضل العمل فيها وقيل لأنها مختلفة تكون في سنة لثلاث وعشرين ثم يكون في غيرها وأما الحديث في تنزيل القرآن جملة واحدة إلى السماء الدنيا في ليلة القدر فصحيح غير مدفوع عند أهل السنة وإنما يدفعه قول من أهل الأهواء كما قرىء على محمد بن جعفر بن حفص عن يوسف بن موسى قال حدثنا جرير عن منصور عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله ( إنا أنزلناه في ليلة القدر ) قال أنزل القرآن جملة واحدة إلى السماء الدنيا فكان بموقع النجوم وكان الله ينزله على رسوله بعضه في إثر بعض فقالوا { لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا }
____________________
(5/266)
فأما تسميتها بليلة القدر ففيه قولان أحدهما أنها ليلة الجلالة والتعظيم من قولهم لفلان القدر والقول الآخر وهو الذي عليه العلماء المتقدمون أنها سميت ليلة القدر لأنها تقدر فيها آجال العباد وأرزاقهم كما قال قتادة يقدر في ليلة القدر ما يكون إلى السنة الأخرى من الآجال والأرزاق
2
ما في موضع رفع بالابتداء و ( أدراك ) فعل ماض في موضع الخبر والكاف في موضع نصب ( ما ليلة القدر ) مبتدأ وخبره فيه معنى التعظيم
3
مبتدأ وخبره أي العمل فيها خير من العمل في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر هذا البين وإن كان قد روي عن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما أنه قال هي ألف شهر وليت فيها بنو أمية قال وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد أريهم على المنابر فهاله ذلك فأحصيت ولايتهم بعد ذلك فكانت كذلك فهذا حديث مروي ليس في ظاهر التلاوة ما يدل عليه والله أعلم
____________________
(5/267)
4
الأصل تتنزل فحذفت التاء لاجتماع تاءين وقال أهل التفسير بإذن ربهم بأمر ربهم ( من كل أمر ) هذا تمام الكلام عند النحويين منهم الفراء والمعنى على قولهم تنزل الملائكة والروح فيها بأمر ربهم أي ينزلون بأمر الله الذي فيه الآجال والأرزاق إلى السماء الدنيا من كل أمر أي من كل أمر فيه الرزق والأجل والحج لمن يحج وغير ذلك وحكى أبو عبيد أنه روي عن ابن عباس وعكرمة أنهما قرآ ( من كل امرىء ) قال إسماعيل بن إسحاق لم يذكر أبو عبيد إسناده ولعله ضعيف قال أبو جعفر إسناده ضعيف بغير لعل رواها الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس وهذا إسناد لا يعرج عليه وهو مخالف للمصحف الذي تقوم به الحجة فمن جاء به هكذا قال التمام من كل امرىء سلام كما قال الشعبي من كل امرىء من الملائكة سلام على المؤمنين والمؤمنات وقيل المعنى من كل أمر مخيف سلام أي سلامة وعلى قراءة الجماعة ( سلام ) مرفوع على خبر هي كما تقول قائم زيد أي هي سلام أي دار سلامة أي ذات سلامة كما قرىء على محمد بن حفص عن يوسف بن موسى قال حدثنا جرير عن الأعمش عن المنهال بن عمرو عن عبد الرحمن بن أبي ليلى سلام هي قال لا تعمل فيها الشياطين ولا يجوز فيها السحر ولا يحدث
____________________
(5/268)
فيها شيء إلى الفجر قال يوسف وحدثنا تميم بن زياد قال حدثنا أبو جعفر الرازي عن الربيع عن أبي العالية سلام هي قال خير كلها إلى مطلع الفجر وروى الضحاك عن ابن عباس قال تصفد فيها مردة الشياطين وتقبل فيها التوبة فهذه أقوال المتقدمين من أهل التفسير وقال بعد المتأخرين معنى سلام هي إنما يقضى فيها الخير من الأرزاق والحج والشر يقضى في غيرها يذهب إلى أن ليلة النصف من شعبان قد جاء فيها حديث من تقدير الأشياء فهذه أقوال المتقدمين والمتأخرين والله أعلم بما أراد ( حتى مطلع الفجر ) بفتح اللام قراءة العامة وقال الفراء وقرأ يحيى بن وثاب وحده ( حتى مطلع الفجر ) قال أبو جعفر وهي قراءة أبي رجاء العطاردي وأحسن ما قيل في هذا قول سيبويه قال وقد كسروا المصدر قالوا أتيتك عند مطلع الشمس أي عند طلوع الشمس هذه لغة بني تميم وأما أهل الحجاز فيقولون مطلع والمطلع المكان قال أبو جعفر شرح هذا أنه ما كان على فعل يفعل فالباب فيه أن يكون المصدر منه واسم المكان مفعلا بالفتح وكان يجب أن يكون اسم المكان منه بالضم إلا أنه ليس في كلام العرب مفعل فلم يكن بد من تحويله إلى الفتحة أو الكسرة فكانت الفتحة أولى لأنها أخف والدليل على ما قلناه أنه ما كان على فعل يفعل فالمصدر منه مفعل بالفتح اسم المكان والزمان بالكسر قالوا جلس مجلسا وهو في مجلسك وفي الزمان أتت الناقة على مضربها بالكسر فهذا يبين لك أن الأصل مطلع في المكان ثم حول إلى الفتح ثم
____________________
(5/269)
سمع من العرب أشياء تؤخذ سماعا بغير قياس قالوا مطلع للمكان الذي تطلع فيه الشمس وقال بعضهم مطلع للمصدر والفتح أولى لأن الفتح في المصدر قد كان لفعل يفعل فكيف يكون في فعل يفعل وأيضا فإن قراءة الجماعة الذين تقوم بهم الحجة حتى مطلع هذا في قوته في العربية وشذوذ الكسر وخروجه من القياس قال أبو حاتم وفي حرف أبي ( سلام هي إلى مطلع الفجر ) قال أبو جعفر وهذه القراءة على التفسير ولا يجوز لأحد أن يقرأ بها لمخالفتها السواد الأعظم
____________________
(5/270)
98
1
يكن في موضع جزم بلم وعلامة الجزم فيه حذف الضمة من النون وحذفت الواو لالتقاء الساكنين فإن قيل قد تحركت النون فلم لأردت الواو فالجواب أنها حركة عارضة غير ثابتة فكأنها لم يكن ولا تعرج على قول من قال حذفت الواو والضمة للجزم ولا يجوز عند الخليل وسيبويه والكسائي والفراء حذف النون على لغة من قال لم يك زيد جالسا لأنها قد تحركت وأجاز غيرهم حذفها كما قال
( ولاك اسقني إن كان ماؤك ذا فضل ** )
والمشركين عطف على أهل ولو كان عطفا على الذين لكان مرفوعا منفكين خبر يكن في معناه قولان قال عطاء منفكين بارحين
____________________
(5/271)
وبرح وزال في منهاج واحد وقال غيره منفكين متفرقين قال أبو جعفر معنى القول الأول لم يكن الكفار زائلين عما هم عليه حتى يجيئهم الرسول فيبين لهم ضلالتهم ومعنى القول الثاني لم يكن الكفار متفرقين إلا من عبد أن جاءهم الرسول لأنهم فارقوا ما عندهم من صفة النبي صلى الله عليه وسلم فكفروا بعد البيان وهذا القول في العربية أولى لأن منفكين لو كان بمعنى زائلين لاحتاج إلى خبر ولكن يكون من انفك الشيء من الشيء أي فارقه كما قال ذو الرمة
( قلائص ما تنفك إلا مناخة ** على الخسف أو يرمي بها بلدا قفرا ) وزعم الأصمعي أن ذا الرمة أخطأ في هذا قال أبو جعفر تأول الأصمعي ما تنفك ما تزال والصواب ما قال المازني قال أخطأ الأصمعي وما تنفك كلام تام ثم قال إلا مناخة على الاستثناء المنقطع حتى تأتيهم البينة
2
على البدل ويجوز أن يكون بمعنى هي رسول من الله قال الأخفش سعيد وفي حرف أبي ( رسولا من الله ) على الحال قال الضحاك الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ( يتلو صحفا مطهرة ) قال القرآن
3 قال ابن زيد مستقيمة معتدلة
____________________
(5/272)
4
يدل على أن الجواب الثاني في منفكين
5
من القراء من يقول هذه لام أن أي إلا أن يعبدوا الله وأصل هذا للفراء فأما البصريون فهي عندهم لام كي أي أمروا بهذا كي يعبدوا الله مخلصين له الدين ( حنفاء ) على الحال قال قتادة الحنفية الختان وتحريم الأمهات والبنات والأخوات والعمات والمناسك قال الضحاك الحج قال أبو جعفر أصل هذا أن الحنف الميل فقيل حنيف للمائل إلى الإسلام ميلا لا خلل فيه ولا رجوع ( ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة ) وهذا دليل قاطع على أن الإسلام قول وعمل قال جل وعز { إن الدين عند الله الإسلام } ويبين أن إقام الصلاة وإيتاء الزكاة دين القيمة قال الفراء وفي حرف ابن مسعود ( الدين القيمة ) وزعم أنه إضافة الشيء إلى نفسه وذلك محال عند البصريين لأنك إنما تضيف الشيء إلى ما تبينه به فتضمه إليه فمحال أن تبينه بنفسه أو تضمه إلى نفسه فالتقدير عندهم دين الجماعة القيمة وقيل دين الملة القيمة ولهذا وقع التأنيث
6
في موضع خفض عطف على أهل ويجوز النصب عطفا على الذين
____________________
(5/273)
( في نار جهنم ) في موضع الخبر ( خالدين فيها ) على الحال ( أولئك هم شر البرية ) خبر بعد خبر ويجوز أن تكون الجملة خبر إن مثل
7 بغير همز قراءة الجماعة وهو المعروف من كلام العرب وقرأها نافع بالهمز أخذها من برأ الله الخلق ومن لم يهمزها أخذها من البرا وهو التراب وترك الهمز وهو الأصل عنده والبرية الخلق كما قرىء على أحمد بن شعيب بن علي عن أبي كريب ثنا عبد الله بن إدريس سمعت المختار بن فلفل سمعت أنس بن مالك يقول قال رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم يا خير البرية فقال ذلك إبراهيم صلى الله عليه وسلم قال أبو جعفر ولا معنى لاحتجاج من احتج بأن الأنبياء صلوات الله عليهم والمؤمنين أفضل من الملائكة صلوات الله عليهم بهذه الآية لأن الملائكة من الذين آمنوا وعملوا الصالحات
8
مبتدأ وخبره قال ابن مسعود جنات عدن بطنان الجنة أي وسطها قال أبو جعفر يقال عدن بالمكان إذا أقام به ( خالدين فيها ) حال ( أبدا ) ظرف ( رضي الله عنهم ورضوا عنه ) من ذوات الواو انقلبت الواو ياء لكسرة ما قبلها والرضى بالألف والتثنية بالواو ورضوان ولا معنى لحكاية من حكى رضيان ( ذلك لمن خشي ربه ) قيل أي لمن اتقى الله في الدنيا في سره وعلانيته فأدى فرائضه واجتنب معاصيه
____________________
(5/274)
99
1
إذا في موضع نصب ظرف زمان والعامل فيها زلزلت زلزالها مصدر كما قال أكرمتك كرامتك والمعنى كرامة وكذا المعنى زلزلت زلزالا وحسنت الإضافة لتتفق الآيات والكسائي والفراء يذهبان إلى أن الزلزال مصدر والزلزال اسم وأنه يقال وسوسه وسواسا والوسواس الاسم وقرأ عاصم الجحدري { وزلزلوا زلزالا شديدا } بالفتح وقرأ ( إذا زلزلت الأرض زلزالها )
2 جمع ثقل والثقل في الأذن
3
ما في موضع رفع بالابتداء وهو اسم تام
____________________
(5/275)
4
قال أبو جعفر لأن معنى تحدث وتخبر واحد ودل هذا على أن معنى حدثنا وأخبرنا واحد
5 ويقال وحى له وإليه فيهما
6
نصب على الحال قال الفراء اجتمع القراء على ( ليروا أعمالهم ) قال أبو جعفر حكى أبو حاتم أن عباد بن كثير قال بلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ ( ليروا أعمالهم ) قال أبو جعفر في الكلام تقديم وتأخير عند النحويين أي يومئذ تحدث أخبارها ليروا أعمالهم
7
من في موضع رفع بالابتداء وهو اسم تام ويعمل جزم بالشرط و ( خيرا ) منصوب على البيان أو بدل من مثقال يره جواب الشرط حذفت الألف منه للجزم وكذا
8 فدل ظاهر الكلام على أن كل من عمل شيئا رآه من مؤمن وكافر وأن الكافر يجازى على عمله الحسن في الدنيا من دفع مكروه وكذا الأحاديث على هذا إن الكافر يجازى على حسن عمله في الدنيا ولا يكون له في الآخرة خير وإن المؤمن على الضد من ذلك نصيبه المصائب في الدنيا وأجره موفر عليه في الآخرة
____________________
(5/276)
100
1
خفض بواو القسم وللعلماء في معناها قولان روى مجاهد وعكرمة عن ابن عباس أنها الخيل وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه إنها الإبل وكذا قال ابن مسعود وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس سألني رجل عن ( والعاديات ضبحا ) فقلت هي الخيل فمضى إلى علي بن أبي طالب فأخبره فبعث لي فأحضرني فقال لي أتتكلم في كتاب الله بغير علم والله إن أول غزوة كانت لبدر وما كان معنا إلا فرسان فرس للزبير وفرس للمقداد بن الأسود إنما العاديات من عرفة إلى المزدلفة ومن المزدلفة إلى منى ونظير هذا ما حدثناه البهلول بن إسحاق بن البهلول بن حسان ثنا إسماعيل بن أبي أويس ثنا كثير بن عبد الله المزني قال كنت عند محمد بن كعب القرظي فجاءه رجل فقال يا أبا حمزة إني رجل صرورة لم أحجج قط فعلمني مما علمك الله سبحانه قال أتقرأ القرآن قال نعم قال فاستفتح فاقرأ بسم الله الرحمن الرحيم خمس آيات
1 -
____________________
(5/277)
5 أتدري ما هذا قال لا قال والعاديات ضبحا الرفع من عرفة فالموريات قدحا إلى المزدلفة فالمغيرات صبحا لا تغير حتى تصبح فأثرن به نقعا فوسطن به جمعا يوم منى قال أبو جعفر اختلف العلماء في معنى الموريات قدحا فمذهب علي بن أبي طالب وابن مسعود أنها الإبل وروى مجاهد وعكرمة عن ابن عباس قال الناس يورون النار ليراها غيرهم وروى غيرهما عن ابن عباس الخيل وقال قتادة الخيل تشعل الحرب وقال عكرمة الموريات الألسن قال أبو جعفر ولا دليل يدل على تخصيص شيء من هذه الأقوال فالصواب أن يقال ذلك لكل من أورى على أن المعنى واحد إذا كان التقدير ورب العاديات ونصبت ضبحا لأنه مصدر في موضع الحال وعن ابن عباس الضبح نفخها بمشافرها ونصبت قدحا على المصدر لأن معنى فالموريات فالقادحات فالمغيرات عن ابن عباس أنها الخيل وعن ابن مسعود أنها الإبل ضبحا ظرف زمان فأثرن به نقعا قال الفراء الهاء كناية عن الوادي ولم يتقدم له ذكر لأنه قد عرف المعنى وروى أبو الجوزاء عن ابن عباس النقع الغبار وسطن ووسطن وتوسطن واحد وعن ابن عباس فوسطن به جمعا من العدو عن ابن مسعود جمعا المزدلفة
6 أهل التفسير على أن معناه لكفور أي كفور لنعمه قال الحسن يتسخط على ربه جل وعز ويلومه فيما يلحقه من المصائب وينسى النعم
____________________
(5/278)
7 أي وإن ربه ( على ذلك لشهيد )
8 أي وإن الإنسان ( لحب الخير لشديد ) في معناه أقوال قيل لشديد القوى وقول الفراء أن المعنى أن الإنسان للخير لشديد الحب فالتقدير عنده إنه لحب الخير لشديد الحب ثم حذف ما بعد شديد والقول الثالث سمعت علي بن سليمان يقول كما تقول أن أكرم فلانا لك أي من أجلك أي وإنه من أجل حب الخير أي المال لشديد أي لبخيل
9
لا يجوز أن يعمل في إذا يعلم ولا لخبير ولكن العامل فيها عند محمد بن يزيد بعثر وروى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس
10 يقول أبرز
11
كسرت إن من أجل اللام حكى علي بن سليمان عن محمد بن يزيد أنه يجوز فتحها مع اللام لأنها زائدة دخولها كخروجها إلا أنها أفادت التوكيد
____________________
(5/279)
101
1
مرفوعة بالابتداء والخبر في الجملة وقيل هي مرفوعة بإضمار فعل والتقدير ستأتي القارعة روى ابن أبي طلحة عن ابن عباس القارعة من أسماء القيامة عظم الله وحذر منه
قال أبو جعفر
3 تعظيم لها ونصب يوم ستأتي على قول من أضمره ومن لم يضمره فالتقدير عنده القارعة
4
الكافر في موضع نصب خبر يكون وكذا
5 وفي قراءة عبد الله ( كالصوف ) والعهن جمع عهنة
6
____________________
(5/280)
من في موضع رفع بالابتداء والجملة الخبر قال الفراء موازينه أي وزنه
7
قال مجاهد يرضى بها قال أبو جعفر التقدير في العربية ذات رضى على النسب
8
9
قول الأخفش إن معنى أمه مستقرة وهاوية نار وأنشد
( هوت أمه ما يبعث الصبح غاديا ** وماذا يؤدي الليل حين يؤوب ) وقال غيره فأمه هاوية أصله هاو أي هالك لأن أم الشيء أصله ومعظمه ومنه قيل للحمد أم القرآن ومنه قول الشاعر
( لأم الأرض ويل ما أجنت ** غداة أضر بالحسن السبيل )
10
____________________
(5/281)
جيء بالهاء لأن من العرب من يقول هي بإسكان الياء فتثبت الهاء على لغة من حركها ليفرق بينها وبين لغة من أسكن فإن وصلت لم يجز إثبات الهاء لأن الحركة قد تثبت والصواب أن يوقف عليه يتبع السواد ولا يلحن وسمعت علي بن سليمان يقول من قال أصل وأريد الوقوف فقد أخطأ لأنه يلزمه أن لا يعرب الأسماء في الإدراج ويريد الوقوف قال أبو جعفر وهذا حجة بينة صحيحة
11 بإضمار مبتدأ
____________________
(5/282)
102
1
2
أصوب ما قيل في معناه أن المعنى ألهاكم التكاثر عن طاعة الله جل إلى أن صرتم إلى المقابر فدفنتم ودلت هذه الآية على عذاب القبر لا بعدها
3 أي إذا صرتم إلى المقابر وروي عن زر عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه نزل في عذاب القبر ألهاكم التكاثر وقرأ إلى ( كلا سوف تعلمون ) قال الفراء واحد المقابر مقبرة ومقبرة وبعض أهل الحجاز يقول مقبرة وقد سمعت مشرقة ومشرقة ومشرقة
3
4
تكرير عند الفراء وأحسن منه ما قاله الضحاك قال الأولى للكفار وذهب إلى أن الثانية للعصاة من المؤمنين
5
مصدر وحذف جواب لو والتقدير لو تعلمون أنكم ترون الجحيم لما
____________________
(5/283)
تكاثرتم في الدنيا بالأموال وغيرها قال الكسائي جواب لو في أول السورة أي لو تعلمون علم اليقين ما ألهاكم التكاثر وقرأ الكسائي
6 بضم التاء حكاه أبو عبيد عنه وقرىء على إبراهيم بن موسى عن محمد بن الجهم عن أبي عبد الرحمن عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قرأ ( لترون الجحيم ثم لترونها ) الأولى بضم التاء والثانية بفتحها قال أبو جعفر والأولى عند الفراء وأبي عبيد فتحها لأن التكرير يكون متفقا قال أبو جعفر والأحسن ألا يكون تكريرا ويكون المعنى لترون الجحيم في موقف القيامة
7
إذا دخلتم النار ( عين اليقين ) مصدر لأن المعنى لتعايننها عيانا
8
قيل أي عن النعيم الذي يشغل عن طاعة الله جل وعز وظاهر الكلام يدل على أنه عام وأن الإنسان مسئول عن كل نعيم تنعم به في الدنيا من أين اكتسبه وما قصد به وهل فعل ما غيره أولى منه ويسند
____________________
(5/284)
الظاهر للأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كما قرىء على محمد بن جعفر بن حفص عن يوسف بن موسى قال حدثنا هشام بن عبد الملك قال حدثنا حماد بن سلمة قال حدثنا عمار بن أبي عمار قال سمعت جابر بن عبد الله يقول جاءني النبي صلى الله عليه وسلم فأخرجنا أو قدمنا إليه رطبا أو بسرا وماء فقال هذا من النعيم الذي تسألون عنه وحدثنا علي بن الحسين عن الحسن بن محمد قال حدثنا داود بن مهران عن داود بن عبد الرحمن عن محمد بن عيثم عن ابن عباس ثم ( لتسألن يومئذ عن النعيم ) قال الأمن والصحة
____________________
(5/285)
103
1
التقدير ورب العصر ويدخل فيه كل ما يسمى بالعصر لأنه لم يقع اختصاص تقوم به حجة فالعصر الدهر والعصر العشي والعصر الملجأ
2
الإنسان بمعنى الناس والخسر دخول النار فهو أكبر الخسران
3
الذين في موضع استثناء من موجب ( آمنوا ) صلته وكذا ( وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر ) لأنه معطوف
____________________
(5/286)
104
1
رفع بالابتداء ويجوز نصبه لأنه بمعنى المصدر كما يجوز قبوحا له منصوب إلا أن الرفع في ويل أحسن لأنه غير مأخوذ من فعل والنصب في قبوح أجود لأنه مأخوذ من فعل وفي نصب ويل قول آخر يكون التقدير قولوا الزم الله ويلا لكل همزة وهذا مذهب سيبويه قال مجاهد ليست هذه خاصا لأحد قال أبو جعفر وهذا قول صحيح في العربية لأن سبيل كل أن تكون غير خاصة قال أبو العالية الهمزة الذي يعيب الناس في وجوههم واللمزة الذي يعيبهم من ورائهم وسمعت علي بن سليمان يستحسن هذا القول وقال ابن زيد الهمزة الذي يهمز الناس ويضربهم بيده واللمز الذي يلمزهم ويعيبهم بلسانه
3
الذي في موضع رفع بمعنى هو الذي ويجوز النصب بمعنى أعني الذي ويجوز الخفض على البدل من كل قرأ أبو جعفر ويحيى بن وثاب
____________________
(5/287)
والأعمش وحمزة والكسائي ( جمع ) بالتشديد وقرأ الحسن وابن كثير وعاصم وأبو عمرو وشيبة ونافع ( جمع ) قال أبو جعفر جمع بالتخفيف يكون للقليل والكثير وجمع لا يكون إلا للكثير وروي عن الحسن ( وعدده ) بالتخفيف وهي قراءة شاذة إن كان يريد عده ثم أظهر التضعيف كما قال
( إني أجود لأقوام وإن ضننوا ** )
وهو بعيد وإنما يجوز في الشعر وإن كان يريد جمع مالا وجمع عدده على أنه مفعول أي أحصى عدده فهو جائز
3
يقال هي لغة النبي صلى الله عليه وسلم بكسر السين جاء على فعل يفعل وله نظائر يسيرة قد ذكرناها أن وما عملت فيه في موضع المفعولين والمعروف من قراءة الحسن
4 بعينه وماله وقد روي عنه ( لينبذن ) بضم الذال فقيل لا يجوز لأنه إنما تقدم ذكر اثنين وقيل هو لمهمزة واللمزة والذي جمع مالا
5
قال الفراء اسم للنار ولو كانت بغير ألف ولام لم تنصرف قال أبو
____________________
(5/288)
جعفر يقال حطمه إذا كسره كما قال
( قد لفها الليل بسواق حطم ** ) ورجل حطم أي أكول
6 أي هي نار الله الموقدة نعت للنار وكذا
7 اطلعت على فلان وطلعت أي بلغت وواحد الأفئدة فؤاد
8
خبر إن يقال آصدت أوصد فمن قال أوصدت قال موصدة فلم يهمز ومن قال آصدت قال مؤصدة وجاز أن يخفف الهمزة فيقول موصدة واللغتان حسنتان كثيرتان وكذا أكدت ووكدت وهو التأكيد والتوكيد وكذا أرخت وورخت وهو التأريخ والتوريخ وأكفت وأوكفت وهو الأكاف والوكاف
9
هكذا روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وابن مسعود وزيد بن ثابت وهي قراءة عاصم ويحيى بن وثاب والأعمش وحمزة والكسائي وقرأ
____________________
(5/289)
المدنيون وأبو عمرو ( في عمد ) وإذا جاء الشيء على هذا الاجتماع حظر في الديانة أن يقال إحداهم أولى من الأخرى وأجود ما قيل هكذا أنزل كما قال النبي صلى الله عليه وسلم أنزل القرآن على سبعة أحرف كلها شاف كاف ولكن تلخص القراءات من العربية فيقال عمود وعمد هكذا فعول وفعيل وفعال يجمعن على فعل نحو كتاب وكتب ورغيف ورغف وقد قالوا أديم وأدم وهذا كعمود وعمد اسم للجميع لا جمع على الحقيقة وكذا أفيق وأفق وإهاب وأهب ونعيم ونعم وقال خادم وخدم فأما معنى في عمد فقد تكلم فيه أهل التفسير وأهل العربية قال عطاء الخراساني يعني عمدا من نار ممددة عليهم وقال ابن زيد في عمد ممددة أي هم مغللون بعمد من حديد قد احترقت فصارت نارا وقيل توصد عليهم الأبواب أي تطبق ويقام عليها عمد من حديد ليكون ذلك أشد ليأسهم من الخروج وقيل في عمد أي بين عمد كما تقول فلان في القوم أي بينهم وقيل مع عمد كما قال
( وهل ينعمن من كان آخر عهده ** ثلاثين شهرا في ثلاثة أحوال ) أي مع وسمعت علي بن سليمان يقول في على بابها أي ثلاثين شهرا داخلة في ثلاثة أحوال قال أبو جعفر ومن أجل ما يروى في الآية ما يروى عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال أتدرون كيف أبواب النار قلنا مثل أبوابنا هذه فقال لا إن بعضها فوق بعض ممدة بالخفض نعت لعمد وبالرفع نعت لموصدة أو خبر بعد خبر
____________________
(5/290)
105
1
حذفت الألف من ترى للجزم والأصل الهمزة فألقيت حركة الهمزة على الراء فحذفت الهمزة كيف في موضع نصب بفعل وهي غير معربة لأنها في معنى الحروف وإن كانت اسما وفتحت الفاء لالتقاء الساكنين
2 أي في تضليل عما أرادوه
3
من أحسن ما روي فيه عن المتقدمين ما حدثناه علي بن الحسين عن الحسن بن محمد قال حدثنا عفان قال حدثنا حماد عن عاصم عن زر عن عبد الله طيرا أبابيل قال فرقا وقرىء على محمد بن جعفر عن يوسف بن موسى قال حدثنا شهاب عن إبراهيم عن حميد عن أبي خالد عن أبي صالح طيرا أبابيل قال جمعا بعد جمع قال أبو جعفر ومعروف في كلام العرب جاءوا أبابيل أي جماعة بعد جماعة عظيمة كثيرة بعد جماعة
____________________
(5/291)
مشتق من أبل عليه إذا كثر وجمع ومنه سميت الإبل لعظم خلقها وقد قيل أن معنى { أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت } أنها السحاب لعظمها وإن كان القتبي رد هذا التفسير بغير حجة تثبت وأصح ما قيل في واحد الأبابيل ما قاله محمد بن يزد قال واحدها ابيل كسكين وسكاكين
4 جمعه سجاجيل
5 الكاف في موضع نصب مفعول ثان أي مأكول ما فيه وهو قشر الحنطة ويجوز أن يكون بمعنى مأكول للبهائم
____________________
(5/292)
106
1
مذهب الأخفش أن المعنى فعل بهم ذلك ليؤلف قريشا وهذا القول الخطأ فيه بين لو كان كما قال لكانت لإيلاف بعض آيات ألم تر وفي إجماع المسلمين على الفصل بينهما ما يدل على غير ما قال وأيضا فلو كان كما قال لم يكن آخر السورة تماما وهذا غير موجود في شيء من السور وقيل في الكلام حذف والمعنى أعجبوا لإيلاف قريش
2 وتركهم عبادة رب هذا البيت وهذا أعني الحذف مذهب الفراء ويحتج له بأن العرب تقول لله أبوك فيكون في اللام معنى التعجب وأصبح من هذين القولين وهو قول الخليل بن أحمد أن المعنى لأن يؤلف الله قريشا إيلافا
3
أي لهذا فليعبدوه قال أبو جعفر فهذا لا حذف فيه وهو من حسن
____________________
(5/293)
النحو ودقيقه وإن كان أصحاب كتب المعاني قد أغفلوه
2 مخفوض على البدل كما تقول عجبت من إحسانك إحسانك إلى زيد فأبدلت الثاني من الأول وزدت في الفائدة للبيان وروي عن يزيد بن القعقاع أنه قرأ ( إلفهم ) وروي عنه ( إلافهم ) وهما مصدران من ألف يألف على فعل وفعال ففعل مثل قولهم حلم حلما وعلم علما وسخر سخرا وفعال مثل لقيته لقاء وصمت صياما وكتبت كتابا أجاز الفراء ( لإيلاف قريش إيلافهم ) على المصدر قال أبو جعفر ويجوز النصب أيضا في الفهم وإيلافهم بمعنى يألفون إلفا ( رحلة الشتاء والصيف ) منصوبة بإيلاف وأجاز الفراء إيلافهم رحلة الشتاء والصيف قال أبو جعفر يكون هذا على البدل وتقديره إيلافهم إيلاف رحلة الشتاء والصيف
3
وإن شئت كسرت اللام على الأصل
4
في موضع نصب نعت لرب ويجوز أن يكون في موضع رفع أي هو الذي ( أطعمهم من جوع ) صلة الذي ( وآمنهم من خوف ) داخل في الصلة
____________________
(5/294)
107
1
هذه القراءة البينة ويجوز أن تأتي الهمزة بين بين فتقول أرأيت ويجوز أريت بحذف الهمزة وعن عبد الله بن مسعود ( أرأيتك ) والكاف زائدة للخطاب وهمزة بين بين متحركة بوزنها مخففة كذا قال سيبويه فأما قول من قال هي لا ساكنة ولا متحركة فمحال لأنها إذا لم تكن ساكنة فهي متحركة وإذا لم تكن متحركة فهي ساكنة فيجب على قوله أن تكون ساكنة متحركة والدليل على أنها متحركة قول
( أان رأت رجلا أعشى أضر به ** ريب المنون ودهر مفند خبل ) فلو قلت أأن لكان الوزن واحدا وهمزة بين بين كثيرا ما يغلط فيها وهي
____________________
(5/295)
من أصعب ما في النحو ومن دليل ما قلنا قوله عز وجل { سواء عليهم أأنذرتهم } فلو كانت همزة بين بين ساكنة لاجتمع ساكنان وكذا أرأيت الياء ساكنة وهمزة بين بين متحركة ومن أسكنها وكسر الياء فقد جاء بما لا يجوز وما لا وجه له ولا تقدير في العربية ويجوز أن يكون أرأيت من رؤية العين فلا يكون في الكلام حذف وأن يكون من رؤية القلب فيكون التقدير أرأيت الذي يكذب بالدين بعد ما ظهر له من البراهين أليس مستحقا عذاب الله
2
وقرأ أبو رجاء ( يدع اليتيم ) مخففة أي يتركه
3
قال الفراء أي لا يحافظ على طعام المسكين ولا يأمر به
4
5
قال أبو العالية هو الذي يسجد ويقول هكذا وهكذا أو التفت عن يمينه وشماله قال أبو جعفر وأولى من هذا القول لعلو من قال به ولصحته في العربية ما حدثناه علي بن الحسين عن الحسين عن الحسن بن محمد قال حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن طلحة بن مصرف عن مصعب بن سعد عن سعد بن مالك قال له رجل ( الذين هم عن صلاتهم ساهون ) أهو حديث النفس في الصلاة قال كلنا نجد ذلك ولكنه يضيعها لوقتها وفي غير
____________________
(5/296)
رواية طلحة بن مصرف أن سعدا قال سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الذين هم عن صلاتهم ساهون قال الذين يؤخرونها عن وقتها
6 أي لا يصلون خوفا من عقاب ولا رجاء لثواب ولكن لينظرهم المسلمون فلا يسفكون دماءهم وهم المنافقون
7 قد تكلم العلماء في معناه كما قرىء على إبراهيم بن موسى عن محمد بن الجهم عن الفراء حدثني قيس بن الربيع عن السدي عن عبد خير عن علي رضي الله عنه قال الماعون الزكاة ويروى هذا عن ابن عمر وابن عباس باختلاف وعن ابن عباس الماعون ما يتعاطاه الناس وحكى الفراء عن بعض العرب الماعون الماء وأنشد
( يمج صبيره الماعون صبا ** ) صبيره سحابه قال أبو جعفر وهذه الأقوال ترجع إلى أصل واحد وإنما هو الظن بالشيء اليسير الذي يجب ألا يظن به مشتق من المعن وهو الشيء القليل والله أعلم
____________________
(5/297)
108
1
النون والألف الأوليان في موضع نصب اسم إن والأخريان في موضع رفع و الكوثر مفعول ثان وهي في اللغة فوعل من الكثرة وقد اختلف العلماء في معناه فعن النبي صلى الله عليه وسلم إنه الحوض ولما قال سعيد بن جبير الكوثر الخير الكثير قيل له فقد قيل إنه الحوض فقال الحوض من الخير الكثير وقال الحسن وقتادة الكوثر القرآن وقرىء على محمد بن جعفر بن حفص عن يوسف بن موسى ثنا عبيد الله بن موسى ثنا شعبة عن عمارة بن أبي حفصة عن عكرمة قال ( إنا أعطيناك الكوثر ) قال النبوة والقرآن
2
اختلف العلماء في معناها فمن أجل ذلك ما حدثنا محمد بن أحمد بن جعفر قال ثنا أبو بكر بن شيبة ثنا وكيع عن يزيد بن أبي زيادة بن أبي الجعد عن عصام الجحدري عن عقبة بن ظهير عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه في قول الله جل وعز ( فصل لربك وانحر ) قال وضع اليمين على الشمال
____________________
(5/298)
في الصلاة قال أبو جعفر وقد اختلف عنه في ذلك فروي عنه أنه قال يضع اليمين على الساعد الأيسر على صدره وعنه وعن أبي هريرة يجعلهما تحت السرة وهذا مذهب الكوفيين ويحتج للقول الأول أنه أشبه بالآية لأن معنى وانحر أي اجعل يدك نحو نحرك وقد روى سفيان لشعبة عن عاصم بن كليب عن ابنه عن وائل بن حجر قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم اجعل يدك نحو نحرك وقد روى سفيان وشعبة عن عاصم بن أنس عن أبي حازم عن سهل بن سعد قال كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل يده اليمنى على اليسرى في الصلاة قال أبو جعفر فعلى هذا القول فصل لربك أي الصلوات كلها وانحر اجعل يدك نحو نحرك فهذا قول وعن أبي جعفر محمد بن علي وانحر ارفع يدك نحو نحرك إذا كبرت للإحرام وقال الضحاك وانحر واسأل وقول رابع وانحر واستقبل القبلة بنحرك كما حكي عن العرب هما يتناحران أي يتقاتلان قال أبو جعفر وليس هذا قول أحد من المتقدمين وقول خامس عن أنس بن مالك قال كان النبي ينحر ثم يصلي حتى نزلت فصل لربك وانحر فصار يصلي ثم ينحر وقول سادس عليه أكثر التابعين قال الحسن وعطاء أي صل العيد وانحر البدن قال أبو جعفر وهذا قول مجاهد وسعيد بن جبير وهو مروي عن ابن عباس رضي الله عنه وبعض أهل النظر يميل إليه لأنه ظاهر المعنى أي انحر البدن ولا تذبحها وبعض الفقهاء يرده لأن صلاة العيد ليست بفرض عند أحد
____________________
(5/299)
من المسلمين الضحية ليست بواجبة عنه أكثر العلماء كما روي أن أبا بكر وعمر كانا لا يضحيان مخافة أن يتوهم الناس أنها واجبة وكذا ابن عباس قال ما ضحيت إلا بلحم اشتريته وفي الآية قول سابع وهو أبينها وهو مذهب محمد بن كعب قال أخلص صلاتك لله وانحر له وحده وهو قول حسن لأن الله جل وعز عرفه ما أكرمه به وأعطاه إياه فأمره أن يشكره على ذلك لئلا يفعل كما يفعل المشركون وأن تكون صلاته خالصة لله وحده ويكون نحره قاصدا به ما عنده الله جل وعز لا كما يفعل الكفار
3
قال ابن عباس عدوك أبا جهل وقيل العاصي بن وائل ( هو الأبتر ) أي المنقطع الذكر من الخير لا أحد يقوم بدينه ولا يذكره بخير فكان هذا من علامات نبوته صلى الله عليه وسلم أنه خبر بما لم يقع فكان كما أخبر به وقد قل لما أنزل الله ( إن شانئك هو الأبتر ) لم يولد له بعد ذلك والأول أصح وأصله من بتره أي قطعه
____________________
(5/300)
109
1 في موضع جزم عند الفراء على حذف اللام وسمعت علي بن سليمان يقول لو كان كما قال لكان بالتاء وهو عند البصريين غير معرب ( يا أيها ) يا حرف نداء وضممت أيا لأنه منادى مفرد قد مرت العلة فيه ( الكافرون ) نعت لأي أو عطف البيان قال محمد بن يزيد ليس في هذا تكرير وإنما جهل من قال إنه مكرر اللغة والمعنى ( قل يا أيها الكافرون )
2 في هذا الوقت وكذا
3 انقضى هذا ثم قال
4 فيما استقبل
5 مثله وكان في هذا دلالة على نبوته صلى الله عليه وسلم لأن كل من خاطبه بهذه المخاطبة لم يسلم منهم أحد وكذا الذين خاطبهم بقولهم { سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون } ( أنتم عابدون )
____________________
(5/301)
مبتدأ وخبر وكذا أنا عابد على حذف الواو ومعناها ولم تنصب لا كما تنصب ما لأن ما أدخل في شبه ليس فنصبت كما نصبت ليس
6 مبتدأ وكذا ( ولي دين ) وحذفت الياء من ديني لأنه رأس آية فحسن الحذف لتتفق الآيات ومن فتح الياء في قوله ولي قال هي اسم فكرهت أن أخل به ومن أسكنها قال قد اعتمدت على ما قبلها في موضع نصب
____________________
(5/302)
110
1
ظرف زمان نصب بجاء ( نصر الله ) رفع بجاء ويجمع على أنصار والقياس أنصر ( والفتح ) عطف عليه
2
يدخلون في موضع نصب على الحال أو على خبر رأيت أفواجا نصب على الحال جمع فوج والقياس فوج أفوج استثقل الحركة في الواو فشبهوا فعلا بفعل
3
أي اجعل تسبيحك بالحمد ( واستغفره ) وكان يقول صلى الله عليه وسلم إني لأستغفر الله في اليوم والليلة مائة مرة ( إنه كان توابا ) خبر كان والجملة خبر إن
____________________
(5/303)
وكانت في هذه السورة دلالة على نبوته صلى الله عليه وسلم لأنها نزلت قبل الفتح قال ابن عباس فعرف أنه إذا كان الفتح فعددنا أجله صلى الله عليه وسلم قال قتادة نزلت سورة الفتح ( إذا جاء نصر الله ) بالمدينة
____________________
(5/304)
111
1
في تب الأولى قولان أحدهما أنه دعاء والآخر أنه خبر وفي إسكان التاء قولان أحدهما أنها لما كانت حرفا وجب لها السكون والآخر أنه لم تبق لها حركة فأمسكت يدا فيه قولان أحدهما أنه مجاز أي تب والآخر أنه على الحقيقة كما يروى أن أبا لهب أراد أن يرمي النبي صلى الله عليه وسلم فمنعه الله جل وعز من ذلك وأنزل تبت يدا أبي لهب أي خسرت يدا أبي لهب فيه قولان أحدهما أن علامة الخفض الياء والقول الآخر أنه معرب من جهتين هذا قول الكوفيين وتب فيه قولان أحدهما أن فيه قد مضمرة كما روي عن ابن مسعود أنه قرأ ( تبت يدا أبي لهب وقد تب ) والقول الآخر أنه خبر وأن قد لا تضمر لأنها حرف معنى
2 في ما قولان أحدهما أنها في موضع نصب بأغنى والقول الآخر أنها لا موضع لها من الإعراب وأنها نافية ( وما كسب ) فيه قولان أحدهما أنه يراد به ولده هذا قول ابن
____________________
(5/305)
عباس والقول الآخر ما كسبه من شيء
3
فيه قولان أحدهما أن الوقوف عليه ذاه بالهاء لأن تأنيث الأسماء بالهاء والآخر أن الوقوف ذات لأنه لا ينفصل مما بعده في المعنى
4 فيه قولان أحدهما أنها مرفوعة لأنها معطوفة على المضمر الذي في سيصلى وحسن العطف على المضمر لطول الكلام والقول الآخر أنها مرفوعة بالابتداء ( حمالة الحطب ) بالرفع فيه قولان أحدهما أنه نعت لامرأته والآخر أنه خبر الابتداء وفي نعتها هذا قولان وهي أم جمل أخت أبي سفيان بن حرب أحد القولين أنها نعتت بهذا تخسيسا لها عقوبة لإيذائها النبي صلى الله عليه وسلم والقول الآخر أن يكون له زوجات غيرها فنعتت بهذا للفرق بينها وبينهن وفي موضع الجملة قولان أحدهما أنها في موضع الحال والتقدير ما أغنى عنه ماله وما كسب وامرأته حمالة الحطب والقول الآخر أنها خبر ما في موضع الحال ومن قرأ ( حمالة الحطب ) ففي قراءته قولان أحدهما أنه منصوب على الحال لأنه يجوز أن تدخل فيه الألف واللام فلما حذفتهما نصب على الحال والقول الآخر أنه منصوب على الذمي أي أعني حمالة الحطب كما قال
( نحن بني ضبة أصحاب الجمل ** )
وقال رؤبة
____________________
(5/306)
( أنا ابن سعد أكرم السعدينا ** )
5
فيه قولان أحدهما أنه خبر بعد خبر عن وامرأته والقول الآخر أن يكون خبرا منقطعا من الأول ( حبل من مسد ) فيه قولان أحدهما أنه يراد به السلسلة التي تكون في عنقها في النار والآخر أنه الحبل الذي كانت تحمل به الحطب
____________________
(5/307)
112
1
هو في موضع رفع بالابتداء كناية عن الحديث على قول أكثر البصريين والكسائي أي الحديث الذي هو الحق الله أحد
2
فيه ست تقديرات أحسنها أن يكون قولك الله رفعا بالابتداء الصمد نعته وما بعده خبره والقول الثاني أن يكون الصمد الخبر والقول الثالث أن يكون على إضمار مبتدأ والرابع أن يكون خبرا بعد خبر والخامس أن يكون بدلا من أحد والسادس أن يكون بدلا من قولك الله الأول فإن قيل ما معنى التكرير فالجواب أن فيه التعظيم هكذا كلام العرب كما قال
( لا أرى الموت يسبق الموت شيء ** نغص الموت ذا الغنى والفقيرا )
____________________
(5/308)
فعظم أمر الموت لما كرره ولم يضمره ومثله { واستغفروا الله إن الله غفور رحيم } فلا يجز الفراء أن يكون كناية عن الحديث إلا أن يكون قبلها شيء وهذا تحكم على اللغة وقال الله جل وعز { يا موسى إنه أنا الله العزيز الحكيم } وإني الابتداء وإن إنما تدخل على المبتدأ بإجماع وأيضا فإن هو إن لم يكن كناية عن الحديث فهي مبتدأة في أول السورة فإن قال القائل فعلام تعود فحجته الحديث أن اليهود سألوا النبي صلى الله عليه وسلم أن يصف لهم ربه جل وعز وينسبه فأنزل الله جل وعز ( قل هو الله أحد ) قال أبو جعفر وقد أمليت هذا الحديث ليعرف على ما سمعته وفيه أشياء منها أنه من حديث جرير عن الضحاك لم يسمع عن ابن عباس وقال أحمد بن شعيب جويبر بن سعيد خراساني يروي عن الضحاك متروك الحديث وفيه إسماعيل بن زياد ضعيف وذكرناه على ما فيه ليعرف وفيه البعلبكي على ما قال الشيخ والأجود البعلي وهذا جائز عند الكوفيين وقد بينا في قوله جل وعز { عليها تسعة عشر } والأخفش سعيد قوله كقول الفراء في أنه كناية عن مفرد الله خبر قال الأخفش أحد بدل من الله قرأ نصر بن عاصم وعبد الله بن أبي إسحاق ( أحد الله ) بغير تنوين وكذا يروى
____________________
(5/309)
عن أبان بن عثمان حذفوا التنوين لالتقاء الساكنين وأنشد سيبويه
( ولا ذاكر الله إلا قليلا ** )
وأنشد الفراء
( كيف نومي على الفراش ولما ** تشمل الشام غارة شعواء )
( تذهل الشيخ عن بنيه وتلوي ** عن خدام العقلة العذراء ) يريد عن خدام العقيلة فحذف التنوين لالتقاء الساكنين كما قرءوا ( أحد الله ) والأجود تحريك التنوين لالتقاء الساكنين لأنه علامة فحذفها قبيح وقراءة الجماعة أولى وفي أحد ثلاثة أقوال منها أن يكون أحد بمعنى وحد ووحد بمعنى واحد كما قال
( كأن رحلي وقد زال النهار بنا ** يوم الجليل على مستأنس وحد ) فأبدل من الواو همزة والقول الثاني أن يكون الأصل واحدا أبدل من الواو همزة وحذفت الهمزة لئلا يلتقي همزتان والقول الثالث أن أحدا بمعنى
____________________
(5/310)
ول كما تقول اليوم الأحد واليوم الأول مسموع من العرب وقال بعض أهل النظر في أحد من الفائدة ما ليس في واحد لأنك إذا قلت فلان لا يقوم له واحد جاز أن يقوم له اثنان وأكثر فإذا قلت فلان لا يقوم له أحد تضمن معنى واحد وأكثر قال أبو جعفر وهذا غلط لا اختلاف بين النحويين أن أحدا إذا كان كذا لم يقع إلا في النفي كما قال
( وقفت فيها أصيلا كي أسائلها ** عيت جوابا وما بالربع من أحد ) فإذا كان بمعنى واحد وقع في الإيجاب تقول ما مر بنا أحد أي وحد فكذا ( قل هو الله أحد )
3
ثبتت الواو في الثاني وحذفت في الأول لأنها في الأول وقعت بين ياء وكسرة وفي الثاني وقعت بين ياء وفتحة
4
وقراءة حمزة ( كفوا ) وزعم هارون القارىء أن سليمان بن علي الهاشمي قرأ ( ولم يكن له كفاء أحد ) والمعنى واحد كما قال
( لا تقذفني بركن لا كفاء له ** وإن تأثفك الأعداء بالرفد )
____________________
(5/311)
وكذا كفي وجمعها أكفيه فإذا قلت كفوءا وكفء فجمعها أكفاء يقال فلان يمنع بناته إلا من الأكفاء فيجوز أن يكون كفو وكفء لغتين بمعنى واحد ويجوز أن يكون كفء مخففا من كفؤ كما يقال رسل وكتب كفوا خبر يكن و أحد اسم يكن هذا قول أكثر النحويين على أن محمد بن يزيد غلط سيبويه في اختياره أن يكون الظرف خبرا إذا قدم لأنه يختار أن في الدار زيدا جالسا فخطأه بالآية لأنه لو كان له الخبر لم ينصب كفوا على أنه خبر يكن على أن سيبويه قد أجاز أن يقدم الظرف ولا يكون خبرا وأنشد
( ما دام فيهن فصيل حيا ** ) والقصيدة منصوبة وفي نصب كفو قول آخر ما علمت أن أحدا من النحويين ذكره وهو أن يكون منصوبا على أنه نعت نكرة متقدم فنصب على الحال كما تقول جاءني مسرعا رجل وكما قال
( لمية موحشا طلل ** ) ولكن ذكر الفراء أنه يقال ما كان ثم أحد نظير لزيد فإن قدمت قلت ما كان ثم نظيرا لزيد أحد ولم يذكر العلة التي أوجبت هذا
____________________
(5/312)
113
1
قد اختلف العلماء في معناه فقال جابر بن عبد الله هو الصبح وقال أبو عبد الرحمن الحبلي هي جهنم وقيل هو الخلق وقيل هو واد في جهنم قال أبو جعفر وإذا وقع الاختلاف وجب أن يرجع إلى اللسان الذي نزل به القرآن والعرب تقول هو أبين من فلق الصبح وفرقه يعنون الفجر
2 تكون ما مصدرا فلا تحتاج إلى عائد ويجوز أن تكون بمعنى الذي فتكون الهاء العائدة عليه محذوفة
3
تكلم العلماء في معنى الغاسق فعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه القمر وقد ذكرناه بإسناده وروى عقيل عن الزهري قال الغاسق إذا وقب الشمس إذا
____________________
(5/313)
غربت قال أبو جعفر وأكثر أهل التفسير أن الغاسق الليل ومنهم من قال الكواكب فإذا رجع إلى اللغة عرف منها أنه يقال غسق إذا أظلم فاتفقت الأقوال لأن الشمس إذا غربت دخل الليل والقمر بالليل يكون والكوكب لا يكاد يطلع إلا ليلا فصار المعنى ومن شر الليل إذا دخل بظلمته فغطى كل شيء يقال وقب إذا دخل وقول قتادة وقب ذهب لا يعرف
4
جمع نفاثة وفي المكسر نوافث يقال أنهن نساء سواحر كن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالاستعاذة منهن لأنهن يوهمن أنهن ينفعن أو يضررن فربما لحق الإنسان في دينه ما يأثم به فأما لسحر فباطل
5
قال ابن زيد هم اليهود وقال غيره هو لبيد بن أعصم وبناته هن لسواحر قال أبو جعفر أولى ما قيل في هذا قول قتادة قال هو لكل من
____________________
(5/314)
114
1
الأصل عند سيبويه أناس والألف واللام بدل من الهمزة
2
نعت يقال ملك بين الملك ومالك بين الملك والملك
3 نعت أو بدل
4 هو الذي يوسوس الصدور كما قال الأعشى
( تسمع للحلي وسواسا إذا انصرفت ** كما استعان بريح عشرق زجل ) ( الخناس ) عن ابن عباس روايتان إحداهما أنه يوسوس ويجثم على صدر الإنسان فإذا ذكر الله جل وعز يخنس والرواية الأخرى أنه يوسوس فإذا أطيع
____________________
(5/315)
انخنس والقولان متفقان
5
في موضع خفض على النعت ويجوز الرفع على إضمار مبتدأ
6 يقال جني وجن وجنة الهاء لتأنيث الجماعة مثل حجار وحجارة قال أبو جعفر وسألت علي بن سلمان عن قوله عز وجل والناس فكيف يعطفون على الجنة وهم لا يوسوسون فقال هم معطوفون على الوسواس والتقدير قل أعوذ برب الناس من شر الوسواس والناس والذي قال حسن لأن التقديم والتأخير في الواو جائز حسن كثير كما قال
( جمعت وفحشا غيبة ونميمة ** ثلاث خصال لست عنها بمرعوي )
وقال حسان
( وما زال في الإسلام من آل هاشم ** دعائم غر ما ترام ومفخر )
____________________
(5/316)
( وهم جبل الإسلام والناس حولهم ** رضام إلى طود يروق ويقهر )
( بهاليل منهم جعفر وابن أمه ** علي ومنهم أحمد المتخير ) فبدأ اللفظ بجعفر ثم جاء بعده بعلي ثم جاء بعده بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو المقدم على الحقيقة
صلى الله عليه وعلى آله الطاهرين وسلم تسليما كثيرا تم كتاب شرح إعراب القرآن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد النبي وعلى آله وسلم تسليما حسبنا الله وكفى ونعم الوكيل
____________________
(5/317)