قلت ليس بمجهول فقد نسبه غيره إلى الأغلب العجلي الرجز ورأيته أنا في أول ديوانه وأول هذا الزجر
( أقبل في ثوبي معافري % بين اختلاط الليل والعشى )
وهذه اللغة باقية في أفواه الناس إلى اليوم يقول القائل ما في أفعل كذا وفي شرح الشيخ قال حسين الجعفي سألت أبا عمرو بن العلاء عن كسر الياء فأجازه وهذه الحكاية تروى على وجوه ذكرها ابن مجاهد في كتاب الياآت من طرق قال خلاد المقريء حدثنا حسين الجعفي قال قلت لأبي عمرو ابن العلاء إن أصحاب النحو يلحنوننا فيها فقال هي جائزة أيضا إنما أراد تحريك الياء فليس يبالي إذا حركتها وفي رواية لا تبالي إلى أسفل حركتها أو إلى فوق وفي رواية سألت أبا عمرو بن العلاء عنها فقال من شاء فتح ومن شاء كسر وقال خلف سمعت حسين الجعفي يروي عن أبي عمرو بن العلاء فقال إنها بالخفض حسنة وقال محمد بن عمر الرومي حدثني الثقة عن حسين الجعفي قال قدم علينا أبو عمرو بن العلاء فسألته عن القرآن فوجدته به عالما فسألته عن شيء قرأ به الأعمش واستشنعته - وما أنتم بمصرخي - بالجر فقال جائزة قال فلما أجازها أبو عمرو وقرأ بها الأعمش أخذت بها قال وهي عند أهل الأعراب ليست بذاك فهذا معنى قول الناظم مع ولد العلا يعني أن أبا عمرو حكى هذه اللغة ونقلها وعلى ضعفها وشذوذها قد وجهها العلماء بوجهين أحدهما أن ياء الإضافة شبهت بهاء الضمير التي توصل بواو إذا كانت مضمومة وبياء إذا كانت مكسورة وتكسر بعد الكسر والياء الساكنة ووجه المشابهة أن الياء ضمير كالهاء كلاهما على حرف واحد يشترك في لفظه النصب والجر وقد وقع قبل الياء هنا ياء ساكنة فكسرت كما تكسر الهاء في عليه وبنو يربوع يصلونها بياء كما يصل ابن كثير نحو عليه بياء وحمزة كسر هذه الياء من غير صلة لأن الصلة ليست من مذهبه ومعنى المصرخ المغيث وأصل مصرخي مصرخيني حذفت النون للإضافة فالتقت الياء التي هي علامة الجر مع ياء الإضافة فأدغمت فيها وتوجيه هذه اللغة بهذا الوجه هو الذي اعتمد عليه أبو علي في كتاب الحجة فقال وجه ذلك من القياس أن الياء ليست تخلو من أن تكون في موضع نصب أو جر فالياء في النصب والجر كالهاء فيهما وكالكاف في أكرمتك وهذا لك فكما أن الهاء قد لحقتها الزيادة في هذا لهو وضربهو ولحق الكاف أيضا الزيادة في قول من قال أعطيتكاه وأعطيتكيه فيما حكاه سيبويه وهما أختا الياء ولحقت التاء الزيادة في نحو قول الشاعر
( رميتيه فأصميت وما أخطأت الرمية )
كذلك ألحقوا الياء الزيادة من المد فقالوا في ثم حذفت الياء الزائدة على الياء كما حذفت الزيادة من الهاء في قول من قال له أرقان وزعم أبو الحسن أنها لغة
قلت ليس التمثيل بقوله له أرقان مطابقا لمقصوده فإن الهاء ساكنة حذفت حركتها مع حذف صلتها وليس مراده إلا حذف الصلة فقط فالأولى لو كان مثل بنحو عليه وفيه ثم قال أبو علي وكما حذفت الزيادة من الكاف فقيل أعطيتكه وأعطيتكيه كذلك حذفت الياء اللاحقة للياء كما حذفت من أختها وأقرت الكسرة التي كانت تلي الياء المحذوفة فبقيت الياء على ما كانت عليه من الكسر قال فإذا كانت هذه الكسرة في الياء على هذه اللغة وإن كان غيرها أفشى منها وعضده من القياس ما ذكرنا لم يجز لقائل أن يقول إن القراءة
____________________
(2/551)
بذلك لحن لاستقامة ذلك في السماع والقياس وما كان كذلك لا يكون لحنا قلت فهذا معنى قول الشاطبي رحمه الله كها وصل أي نزلت الياء في - مصرخي - منزلة هاء الضمير الموصلة بحرف المد فوصلت هذه الياء أيضا بما يليق بها وهو الياء ثم حذفت الصلة منها كما تحذف من الهاء
الوجه الثاني أشار إليه الناظم بقوله أو للساكنين أي أو يكون الكسر في - بمصرخي - لأجل التقاء الساكنين وذلك بأن تقدر ياء الإضافة ساكنة وقبلها ياء الإعراب ساكنة أيضا ولم يمكن تحريكها لأنها علامة الجر ولأنها مدغمة في الثانية فلزم تحريك ياء الإضافة فكسرت تحريكا لها بما هو الأصل في التقاء الساكنين وهذا الوجه نبه عليه الفراء أولا وتبعه فيه الناس قال الزجاج أجاز الفراء على وجه ضعيف الكسر لأن أصل التقاء الساكنين الكسر قال الفراء ألا ترى أنهم يقولون لم أره منذ اليوم ومذ اليوم والرفع في الذال هو الوجه لأنه أصل حركة منذ والخفض جائز فكذلك الياء من - مصرخي - خفضت ولها أصل في النصب قال الزمخشري كأنه قدر ياء الإضافة ساكنة ولكنه غير فصيح لأن ياء الإضافة لا تكون إلا مفتوحة حيث قبلها ألف في نحو - عصاي - فما بالها وقبلها ياء وقال بعضهم كسرها إتباعا للكسرة التي بعدها كما قرأ بعضهم الحمد لله بكسر الدال إتباعا لكسر اللام بعدها فكما تقول العرب بعير وشعير ورحيم بكسر أوائلها إتباعا لما بعدها فهذا وجه ثالث وكلها ضعيفة والله أعلم
800 [ وضم ( ك ) فا ( حصن ) يضلوا يضل عن % وأفئدة باليا بخلف ( ل ) ه ولا ] (1)
____________________
1- الكفا بكسر الكاف النظير والمثل أي ضم مماثلا لحصن فهو في موضع نصب على الحال وهو ممدود قصره ضرورة كما قصر الهاء في قوله في البيت السابق كها وصل يريد ضموا الياء من - ليضلوا عن سبيله - ومن
{ ليضل عن سبيل الله } في الحج ولقمان و { ليضل عن سبيله } في الزمر
ووجه القراءتين ظاهر وقال صاحب التيسير هشام من قراءتي علي أبي الفتح - أفئدة من الناس - بياء بعد الهمزة قال وكذلك نص عليه الحلواني عنه قال الشيخ وذكر أبو الفتح في كتابه في قراءة السبعة وروى هشام وحده عن ابن عامر - فاجعل أفئدة - بياء ساكنة بعد الهمزة قال وهذه القراءة وجهها الإشباع والإشباع أن تزيد في الحركة حتى تبلغ بها الحرف الذي أخذت منه والغرض بذلك الفرق بين الهمزة والدال لأنهما حرفان شديدان والولاء مصدر ولى ولاء قلت الولاء النصر وهذه أيض
(2/552)
قراءة ضعيفة بعيدة عن فصاحة القرآن وقل من ذكرها من مصنفي القراءات بل أعرض عنها جمهور الأكابر ونعم ما فعلوا فما كل ما يروى عن هؤلاء الأئمة يكون مختارا بل قد روى عنهم وجوه ضعيفة وعجيب من صاحب التيسير كيف ذكر هذه القراء مع كونه أسقط وجوها كثيرة لم يذكرها نحو ما نبهنا عليه مما زاده ناظم هذه القصيدة وهاهنا قراءة صحيحة تروى عن عاصم وأبي عمرو - وإنما نؤخرهم ليوم - بالنون ذكرها ابن مجاهد وغيره من كبار أئمة القراءة ولم يذكرها صاحب التيسير لأنها ليست من طريق اليزيدي وقد أشبعت الكلام في هذا في الشرح الكبير في آخر سورة أم القرآن وما وزان هذه القراءة إلا أن يقال في أعمدة وأتجدة أعميدة وأتجيدة بزيادة ياء بعد الميم والجيم وكان بعض شيوخنا يقول يحتمل أن هشاما قرأها بإبدال الهمزة ياء أو بتسهيلها كالياء فعبر الراوي لها بالياء فظن من أخطأ فهمه أنها بياء بعد الهمزة وإنما كان المراد بياء عوضا من الهمزة فيكون هذا التحريف من جنس التحريف المنسوب إلى من روى عن أبي عمرو - بارئكم - و - يأمركم - ونحوه بإسكان حركة الإعراب وإنما كان ذلك اختلاسا وفي هذه الكلمة قراءة أخرى ذكرها الزمخشري في تفسيره وإن كان قدوهم في توجيهها وهي بكسر الفاء من غير همز ووجهها أنها ألقيت حركة الهمزة على الساكن قبلها وحذفت فهذه قراءة جيدة وهي صورة ما يفعله حمزة في الوقف عليها ولعل من روى قراءة الإشباع كان قد قرأها بلا همز فرد هشام عليه متلفظا بالهمزة وأشبع كسرتها زيادة في التنبيه على الهمزة فظن أن الإشباع مقصود فلزمه ورواه والله أعلم
801 [ وفي لتزول الفتح وارفعه ( ر ) اشدا % وما كان لي إني عبادي خذ ملا ] (1)
____________________
1- يعني فتح اللام الأولى ورفع الثانية فالهاء في ارفعه لهذا اللفظ فإن على قراءة الكسائي مخففة من الثقيلة مبالغة في الإخبار بشدة مكرهم كقوله - ومكروا مكرا كبارا - أي قد كان مكرهم من كبره وعظمه يزيل ما هو مثل الجبال في الامتناع على من أراد إزالتها في ثباتها وعلى قراءة الباقين تكون إن إما شرطية أي وإن كان مكرهم معادلا إزالة أشباه الجبال الرواسي وهي المعجزات والآيات فالله مجازيهم بمكر أعظم منه وإما أن يكون إن نافية واللام في لتزول مؤكدة لها أي وما كان مكرهم بالذي يزيل ما هو بمنزلة الجبال وهي الشرائع ودين الله تعالى فإن قلت على هذا كيف يجمع بين القراءتين
فإن قراءة الكسائي أثبتت أن مكرهم تزول منه الجبال وقراءة غيره نفته
قلت تكون الجبال في قراءة الكسائي إشارة إلى أمور عظيمة غير الإسلام ومعجزاته لمكرهم صلاحية إزالتها والجبال في قراءة الجماعة إشارة لما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم من الدين الحق فلا تعارض حينئذ والله أعلم
وأريد حقيقة الجبال قراءة الكسائي كما قال سبحانه في موضع آخر { تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا أن دعوا للرحمن ولدا >
(2/553)
وفي قراءة غيره أريد بالجبال ما سبق ذكره ثم ذكر الناظم ياءات الإضافة وهي ثلاثة في هذه السورة { وما كان لي عليكم من سلطان }
فتحها حفص وحده { ربنا إني أسكنت }
فتحها الحرميان وأبو عمرو { قل لعبادي الذين آمنوا }
فتحها هؤلاء وعاصم وملا جمع ملاءة أي خذ ذا ملاءة أي ذا حجج ووجوه مستقيمة وفيها ثلاث زوائد ( وخاف وعيد )
أثبتها في الوصل ورش وحده - بما أشركتمون من قبل - أثبتها في الوصل أبو عمر وحده - دعائي - أثبتها في الوصل أبو عمرو وحمزة وورش وأثبتها في الحالين البزي وحده وقلت في ذلك
( دعائي بما أشركتمون وقوله % وخاف وعيدي للزوائد أجملا )
____________________
(2/554)
سورة الحجر
802 [ ورب خفيف ( إ ) ذ ( ن ) ما سكرت ( د ) نا % تنزل ضم التا لشعبة مثلا ] (1) أي واقرأ بالنون في هذه الكلمة موضع التاء واكسر الزاي فيصير - ينزل - على وزن يحول ويلزم من ذلك نصب الملائكة لأنه مفعول به ومن قرأ بالتاء رفع الملائكة لأنه فاعل على قراءة من فتح التاء ومفعول ما لم يسم فاعله على قراءة من ضمها ولم ينبه على ضم النون وكان الأولى أن يذكره فيقول وبالنون ضما أي ضم ولا حاجة إلى قوله فيها لأنه معلوم وقوله المرفوع نعت الملائكة لأنه لفظ وقوله عن شائد علا أي ناقلا له عن عالم هذه صفته أي عن من بنى المناقب العلا ورفعها وحصليا بعلمه ومعرفته ولا خلاف في تشديد الزاي هنا وقد تقدم في البقرة
804 [ وثقل للمكي نون تبشرون % واكسره ( حرميا ) وما الحذف أولا ] + قراءة الجماعة ظاهرة النون مفتوحة لأنها العلامة لرفع الفعل ومن كسرها قدر أصل الكلمة تبشرنني بنونين وياء الضمير المفعولة فحذف نافع نون الوقاية كما حذفها في - أتحاجوني في الله - وأدغم ابن كثير نون علامة الرفع فيها كقراءة الجماعة في - أتحاجوني - ثم حذف نافع وابن كثير الياء كما حذفت في نظائره من رءوس الآي نحو - عقاب - و - متاب - وأبقيا كسرة النون دالة على الياء المحذوفة وقوله حرميا حال من
____________________
1- يريد ( ربما يود الذين كفروا )
التخفيف والتشديد فيها لغتان ومعنى نما بلغ من قول الشاعر ( من حديث نمى إلى عجيب % )
أو من نمى المال إذا زاد لأن لفظة - رب - فيه لغات كثيرة وسكرت بالتخفيف أي حبست من قولهم وسكرت النهر وبالتشديد يجوز أن يكون من هذا شدد للكثرة وأن يكون بمعنى حيرت من السكر ويجوز أن يقرأ في البيت مخففا ومشددا والتخفيف أولى ليطابق الرمز بعده والتشديد قد يوهم من قلت معرفته بهذا النظم أنه من باب وباللفظ استغنى عن القيد فيقرأ لابن كثير بالتشديد وإنما هو مقيد بما تقدمه من ذكر التخفيف كقوله ( وفصل إذ ثنى وفي أحصن عن نفر العلا % )
استغنى عن تقييدهما بالقيد المذكور قبل كل واحد منهما وكذا في هذه السورة - منجوك - وقدرنا - وقوله - ما تنزل الملائكة - بضم التاء ظاهر وبفتحها على حذف إحدى التاءين أصله تتنزل الملائكة والله أعلم
803 [ وبالنون فيها واكسر الزاي وانصب الملائكة % المرفوع عن ( ش ) ائد علا ]
(2/555)
فاعل واكسره أي قارئا يقرؤه الحرمي أو من مفعوله لأنه فعل منسوب إلى الحرمي وقد سبق معنى وما الحذف أولا في سورة الأنعام يعني أن من قرأ بالتخفيف مع الكسرة وهو نافع حذف إحدى النونين وليس الحذف في الأولى منهما بل في الثانية توفيرا على الفعل علامة رفعه والتقدير وما وقع الحذف أولا ولو قال الأول على تقدير وما المحذوف الأول من التنوين لكان جائزا
805 [ ويقنط معه يقنطون وتقنطوا % وهن بكسر النون ( ر ) افقن ( ح ) ملا ] (1) أي ذو خف أي خفيف أراد - إنا لمنجوهم أجمعين - لننجينه وأهله - إنا منجوك وأهلك - التخفيف والتثقيل فيها من أنجى ونجى كأنزل ونزل وهما لغتان خفف الثلاثة حمزة والكسائي ووافقهما أبو بكر وابن كثير على تخفيف منجوك ولو قال لمنجوهم خفف باللام بدل الواو لكان أحسن حكاية لما في الحجر ولا حاجة إلى واو فاصلة لظهور الأمر كما قال بعد ذلك قدرنا بها والنمل وقد مضى معنى دلا في مواضع وفيه ضمير راجع إلى لفظ صحبة لأنه مفرد وهو كما سبق في الرعد صحبة تلا والله أعلم
807 [ قدرنا بها والنمل ( ص ) ف وعباد مع % بناتي وأني ثم إني فاعقلا ] + يريد - إلا أمرأته قدرناها - وفي النمل التخفيف والتشديد فيهما أيضا لغتان واستغنى بقيد التخفيف في منجوهم عن القيد فيهما كما سبق في - سكرت - وهو من التقدير لا من القدرة ومثل ذلك سيأتي في الواقعة والمرسلات والأعلى ثم ذكر ياءات الإضافة وهي أربع - بناتي إن كنتم - فتحها نافع وحده - عبادي إني أنا - وقل إني أنا النذير - فتح الثلاث الحرميان وأبو عمرو
____________________
1- يريد - قال ومن يقنط من رحمة ربه - وفي الروم - { إذا هم يقنطون } - وفي الزمر - { لا تقنطوا من رحمة الله } - فتح النون فيها وكسرها لغتان فماضي المفتوح قنط بالكسر وماضي المكسور قنط بالفتح وهي أفصح اللغتين وقد أجمعوا على الفتح في الماضي في قوله تعالى في الشورى - { من بعد ما قنطوا } - وحملا جمع حامل وقوله ويقنط مبتدأ ومعه يقنطون خبره أي هذه الكلمات اجتمعت واتحد لحكم فيها ثم ابتدأ مبينا حكمها فقال هن بكسر النون وفتحها ولو قال موضع وهن جميعا لكان أحسن وأظهر معنى والله أعلم
806 [ ومنجوهم خف وفي العنكبوت تنجين % ( ش ) فا منجوك ( صحبت ) ه ( د ) لا ]
(2/556)
سورة النحل
808 [ وينبت نون ( ص ) ح يدعون عاصم % وفي شركائي الخلف في الهمز ( ه ) لهلا ] (1)
____________________
1- أي ذو نون يريد - ينبت لكم به الزرع - النون للعظمة والياء زد إلى اسم الله تعالى في قوله تعالى - { أتى أمر الله } - وما بعدها من ضمائر الغيبة إلى قوله وعلى الله قصد السبيل - وهو الذي أنزل - ينبت لكم - ثم قال الناظم يدعون عاصم أي قرأه عاصم بالياء على الغيبة يريد - والذين يدعون من دون الله - لأن قبله - وبالنجم هم يهتدون - بالغيبة والباقون قرءوا بالتاء على الخطاب ووجهه ما قبله من قوله - والله يعلم ما تسرون وما تعلنون -
فإن قلت من أين علمت أن قراءة عاصم بالغيب
قلت لعدم التقييد فهو أحد الأمور الثلاثة التي إطلاقه يغني عن قيدها وهي الرفع والتذكير والغيب
فإن قلت لم لم يحمل هذا الإطلاق على القيد السابق في - وتنبت - نون فيكون كما تقدم في - سكرت - وقدرنا
قلت لا يستقيم لفظ النون في يدعون ولولا ذلك لاتجه هذا الاحتمال وروى البزي ترك الهمز في قوله - أين شركائي الذين كنتم - ولزم من ذلك عدم المد الزائد على الألف لأجل الهمزة وهذا معنى قول بعض المصنفين بغير همز ولا مد قطعا لوهم من عداه أن يظن أن المد يبقى وإن سقطت الهمزة وإنما قرأ كذلك قصرا للمدود ولم يفعل ذلك في الذي في القصص وغيرها ولا يلزم الناظم الاحتراز عن ذلك لما ذكرناه مرارا أن الإطلاق لا يتناول إلا ما في السورة التي هو فيها وما شذ عن ذلك كالتوراة و - كائن - فهو الذي يعتذر عنه وقصر الممدود ضعيف لا يجيزه النحويون إلا في ضرورة الشعر فهذه قراءة ضعيفة أيضا فلم يكن لصاحب التيسير حاجة إلى تضمين كتابه مثل هذه القراءات الضعاف وعن قارئها فيها خلاف وترك ذكر ما ذكره ابن مجاهد وغيره عن أبي بكر عن عاصم - تنزل الملائكة بالروح من أمره - بالتاء المضمومة وفتح الزاي ورفع الملائكة على ما لم يسم فاعله فهذه قراءة واضحة من جهة العربية وقد دونها الأئمة في كتبهم ولم يذكر قصر - شركائي - إلا قليل منهم فترى من قلت معرفته ولم يطلع إلا على كتاب التيسير ونحوه يعقد أن قصر - شركائي - من القرآت السبع وتنزل الملائكة - ليس منها وكذا - إلا بشق الأنفس - ذكر أبو علي الأهوازي وغيره عن أبي عمرو وابن عامر أنه بفتح الشين ولهذا نظائر كثيرة وقول الناظم هلهل من قولهم هلهل النساج الثوب إذا خفف نسجه وثوب هلهل وشعر هلهل من ذلك فإن كان فعلا فمعناه لم يتيقن الخلاف فيه وإن كان اسما وهو منصوب على الحال أي استقر الخلف فيه في الهمز هلهلا يشير إلى ضعف الرواية بترك الهمز وضعف القراءة
فإن قلت من أين تعلم قراءة الجماعة أنها بالهم
(2/557)
قلت لأن تقدير كلامه الخلف في الهمز للبزي هلهلا قصده لا خلف في الهمز عن غير البزي وهو المراد والله أعلم
809 [ ومن قبل فيهم يكسر النون نافع % معا يتوفاهم لحمزة وصلا ] (1) يريد - فإن الله لا يهدي من يضل - كما قال في موضع آخر - من يضلل الله فلا هادي له - أي من يضلله فلا يهدي فالفعل مبني لما لم يسم فاعله فقوله يهدي فاعل سما وكاملا حال منه وقرأ الكوفيون بفتح الياء وكسر الدال على إسناد الفعل إلى الفاعل أي لا يهدي الله من يضله أو يكون يهدي بمعنى يهتدي كما تقدم في يونس ثم قال الناظم وخاطب يروا يريد - أو لم يروا إلى ما خلق الله من شيء - أي اقرأه بالخطاب جعله مخاطبا لما كان الخطاب فيه وشرعا مفعول مطلق أي شرع ذلك شرعا أو في موضع الحال أي ذا شرع فإن كان حالا من المفعول فتقديره مشروعا وإن كان من فاعل خاطب فتقدير ناطقا بما هو مشروع ثم قال والآخر بكسر الخاء يريد - ألم تروا إلى الطير مسخرات الخطاب فيه لحمزة وابن عامر والأول لحمزة والكسائي ولو فتحت الخاء من الآخر لم يتضح الأمر لإبهامه فلم يعلم الذي قرأ الكسائي من الذي قرأه ابن عامر إلا بقرينة تقدم الذكر وذلك قد يخفى وقد ترك الناظم الترتيب في مواضع وقوله في كلا أي في لفظ وحراسة وهو ممدود ووجه القراءتين في الموضعين ظاهر والله أعلم
811 [ ورا مفرطون اكسر ( أ ) ضا يتفيؤا المؤنث % للبصري قبل تقبلا ] + أي ذا أضاء أو مشبها أضاء في الانتفاع بعلمك كما ينتفع بمائه والإضاء جمع أضاة بفتح الهمزة وهو الغدير والجمع بكسر الهمزة والمد كأكام وبفتحها والقصر كفتى ومفرطون بالكسر من أفرط في المعصية إذا تغلغل فيها وبالفتح أي مقدمون إلى النار من أفرطته إذا قدمته في طلب الماء أو هم منسيون من رحمة الله من أفرطت فلانا خلفي إذا تركته ونسبته وأما يتفيؤ ظلاله - فهو في التلاوة قبل مفرطون أخره ضرورة النظم فلهذا قال قبل أي قبل مفرطون ووجه التأنيث والتذكير فيه ظاهر لأن تأنيث الظلال غير حقيقي والله أعلم
____________________
1- يعني نون - تشاقون فيهم - وإنما لم يقله بهذه العبارة لأنها لا تستقيم في النظم إلا مخففة القاف ولم يقرأ أحد بذلك وكسر نافع وحده النون وفتحها الباقون والكلام في ذلك كما سبق في - تبشرون - في الحجر
ولم يشدد أحد النون هنا وقوله معا هو حال من - يتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم - الذين تتوفاهم الملائكة طيبين - قرأهما حمزة بالياء على التذكير وإطلاقه دل على ذلك والباقون قرءوهما بالتأنيث ووجههما ظاهر وفي وصلا ضمير تثنية
810 [ سما ( ك ) املا يهدي بضم وفتحة % وخاطب تروا ( ش ) رعا والآخر ( ف ) ي ( ك ) لا ]
(2/558)
812 [ و ( حق صح ) اب ضم نسقيكمو مما % لشعبة خاطب يجحدون معللا ] (1) إسكان العين في ظعن وفتحها لغتان كمعز ومعز ونهر ونهر وشعر وشعر فلهذا قال ذائع أي مشتهر مستفيض والنون في - ولنجزين الذين صبروا - والياء ظاهران ولا خلاف في التي بعدها - ولنجزينهم - أنه بالنون فلهذا قيد موضع الخلاف بقوله الذين ويجوز النون بالرفع على أنه مبتدأ ثان وبالنصب على أنه مفعول نول أي داعي نجزين نول النون فيه
814 [ ( م ) لكت وعنه نص الاخفش ياءه % وعنه روى النقاش نونا موهلا ]
____________________
1- معا يعني هنا وفي - قد أفلح - ضم النون وفتحها لغتان فالضم من أسقى والفتح من سقى قال الشاعر فجمع بينهما
( سقى قومي بني مجد % وأسقى نميرا والقبائل من هلال )
دعاء للجميع بما يخصب بلادهم وفي التنزيل { وسقاهم ربهم شرابا طهورا }
{ وسقوا ماء حميما }
( وأرسلنا الرياح لواقح فأنزلنا من السماء ماء فأسقيناكموه )
( وأسقيناكم ماء فراتا )
وقيل الأصل في أسقى جعل له سقيا وفي سقى رواه من العطش ثم استعمل في المعنى الواحد لنقارب المعنيين وأجمعوا على الضم في الفرقان في قوله تعالى { لنحيي به بلدة ميتا ونسقيه }
وحكى فيه الفتح عن الأعمش وعاصم من رواية المفضل عنهما ثم قال الناظم لشعبة خاطب يجحدون يريد - أفبنعمة الله يجحدون - وجه الخطاب أن قبله - والله فضل بعضكم على بعض - ووجه الغيب أن قبله - فما الذين فضلوا - وأجاز معللا بفتح اللام وكسرها ووجه الجمع ظاهر
813 [ وظعنكم إسكانه ( ذ ) ائع ونجزين % الذين النون ( د ) اعيه ( ن ) ولا ]
(2/559)
(1) لهم أي لجميع القراء السبعة سوى الشامي فحذف ياء النسبة أو التقدير سوى قاريء الشام فحذف المضاف يريد - ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا - أي فتنهم الكافر بالإكراه على النطق بكلمة الكفر وقلوبهم مطمئنة بالإيمان وذلك نحو ما جرى لعمار بن ياسر وأصحابه بمكة رضي الله عنهم وهو موافق للآية الأولى - والذين هاجروا في الله من بعد ما ظلموا - لم يختلف فيه أنه على ما لم يسم فاعله وقرأ ابن عامر فتنوا بإسناد الفعل إلى الفاعل بفتح الفاء والتاء لأن الفتح ضد الضم والكسر معا ووجه هذه القراءة أن تكون الآية نزلت في الفاتنين الذين عذبوا المؤمنين على الكفر وأوقعوا الفتن في الذين أسلموا وهاجروا وجاهدوا وصبروا وذلك نحو ما جرى لمن تأخر إسلامه كعكرمة بن أبي جهل وعمه الحارث وسهيل بن عمرو وأضرابهم رضي الله عنهم وتكون القراءتان في الطائفتين الفاتنين والمفتونين وقيل التقدير فتنوا أنفسهم حين أظهروا ما أظهروا من كلمة الكفر ومعنى القراءتين متحد المراد بهما المفتونون وقيل معنى فتنوا افتتنوا قال الشيخ روى أبو عبيد عن أبي زيد فتن الرجل يفتن فتونا إذا وقع في الفتنة وتحول من الحال الصالحة إلى السيئة وفتن إلى النساء أراد الفجور بهن وقيل الضمير في فتنوا يعود إلى الخاسرون والمفعول محذوف أي من بعد ما فتنهم أولئك الخاسرون وأما - في ضيق مما يمكرون - هنا وفي النمل ففتح الضاد وكسرها لغتان كالقول والقيل وقيل المفتوح تخفيف ضيق كهين وميت أي في أمر ضيق وقوله سوى الشامي استثنى من الضمير في لهم كما سبق ويجوز أن يكون مبتدأ وما بعده الخبر ويجوز أن يكون في موضع نصب بفعل مضمر كقولك زيدا اكتب الكتاب له أي لابسه وخالطه بذلك ودخللا حال من قوله في ضيق أي هو دخيل مع الذي في النمل مشابه له في الكسر والله أعلم
____________________
1- الميم في ملكت رمز ابن ذكوان أي أنه في جملة من روى عنه النون ثم بين أن الصحيح عنه القراءة بالياء فقال عنه يعني عن ابن ذكوان نص الأخفش على الياء
وهو هارون بن موسى ابن شريك الدمشقي تلميذ ابن ذكوان وكان يعرف بأخفش باب الجابية والهاء في ياءه ترجع إلى لفظ - نجزين - المختلف فيه ثم قال وعنه يعني عن الأخفش روى النقاش وهو محمد بن الحسن بن محمد بن زياد بن هارون بن جعفر ابن سند البغدادي المفسر وهو ضعيف عند أهل النقل روى عن شيخه الأخفش في قراءة ابن ذكوان لهذا الحرف نونا قال صاحب التيسير ابن كثير وعاصم - لنجزين الذين - بالنون وكذلك روى النقاش عن الأخفش عن ابن ذكوان قال وهو عندي وهم لأن الأخفش ذكر ذلك في كتابه عنه بالياء وذكر الأهوازي في كتاب الإيضاح النون عن ابن ذكوان وعن هشام أيضا وعن ابن عامر وأبي عمرو من بعض الطرق وقال قال النقاش أشك كيف قرأته على الأخفش عن ابن ذكوان وقول الناظم موهلا هو حال من النقاش أو صفة للنون أي مغلطا يقال وهل في الشيء وعنه بكسر الهاء إذا غلط وسهى وهل وهلا ووهلت إليه بالفتح أهل وهلا ساكن الهاء إذا ذهب وهمل إليه فأنت تريد غيره مثل وهمت هكذا في صحاح الجوهري قال الشيخ موهلا من قولهم وهله فتوهل أي وهمه فتوهم وهو منصوب على الحال من النقاش أي منسوبا إلى الوهم فيما نقل يريد ما قال صاحب التيسير هو عندي وهم وقد ذكرناه والله أعلم
815 [ سوى الشام ضموا واكسروا فتنوا لهم % ويكسر في ضيق مع النمل ( د ) خللا ]
(2/560)
سورة الإسراء
816 [ ويتخذوا غيب ( ح ) لا ليسوء نون % ( ر ) او وضم الهمز والمد ( ع ) دلا ] (1) أراد كتابه يلقاه - أي يستقبل به وقرأ الباقون يلقاه بفتح الياء والتخفيف وذلك ظاهر المعنى والهاء للكتاب أو للإنسان لأن ما لقيك فقد لقيته - وإما يبلغن عندك الكبر - فمد بعد الغين أي زد ألفا واكسر النون المشددة فيصير يبلغان والضمير للوالدين وأحدهما بدل منه وهو فاعل على قراءة القصر والنون للتأكيد فيها والله أعلم
818 [ وعن كلهم شدد وفا أف كلها % بفتح ( د ) نا ( ك ) فؤا ونون ( ع ) لى ( ا ) عتلا ] + يعني أجمعوا على تشديد النون وهذا منه زيادة في البيان وإلا فهو معلوم مما تقدم لأنه لفظ بقوله يبلغن مشدد النون وأمر بكسرها ولم يتعرض للتشديد بنفي ولا إثبات فدل على أنه لا خلاف فيه وأما أف ففيها لغات كثيرة لم يقرأ فيها إلا بثلاث الفتح والكسر والتنوين مع الكسر وهي قراءة نافع وحفص وهو معنى قوله على اعتلا أي معتمدا على اعتلا قوله كلها بالجر تأكيد لأف يعني حيث جاء وهو هنا وفي الأنبياء والأحقاف والله أعلم
819 [ وبالفتح والتحريك خطأ ( م ) صوب % وحركه المكي ومد وجملا ] + يريد - إن قتلهم كان خطأ - فلفظ بقراءة الجماعة وذكر أن ابن ذكوان فتح الخاء والطاء وعبر عنه
____________________
1- أي ذو غيب حلو لأن قبله - لبني إسرائيل - والخطاب حكاية ما في الكتاب وهما مثل ما في البقرة - لا تعبدون إلا الله - كلاهما في بني إسرائيل والمعنى واحد ولو دخلت أن في الذي في البقرة لكانت - أن لا تعبدوا - مثل - أن لا تتخذوا سواء فاتحد اللفظ والمعنى وأما - ليسوءوا وجوهكم - فقراءة الكسائي بالنون ظاهرة لكثرة ما قبله من نونات العظمة وقرأ غيره بالياء فمن فتح الهمزة وقصره كما فعل الكسائي فالفاعل هو الله تعالى كما قال - سبحان الذي أسرى بعبده - وبعده - عسى ربكم - أو يكون الفاعل الوعد أو البعث وهذه قراءة ابن عامر وحمزة وأبي بكر وضم الهمز ومده حفص وهو المرموز في قوله عدلا والحرميان وأبو عمرو رمز لهم في البيت الآتي بقوله سما فالضمير المرفوع في - ليسوءوا - للعباد الذين هم - أولوا بأس شديد - واللام في - ليسوءوا - على القراءات الثلاث متعلقة بفعل مضمر أي بعثناهم ليقع ذلك وقول الناظم والمد بالرفع عطف على ضم الهمز
817 [ ( سما ) ويلقاه يضم مشددا % ( ك ) فى يبلغن امدده واكسر ( ش ) مردلا ]
(2/561)
بالتحريك المطلق وهو الفتح ليؤخذ للباقين ضده وهو السكون وعبر عن حركة الخاء بلفظ الفتح ليؤخذ للباقين ضده وهو الكسر فدخل ابن كثير مع الباقين في هذا ولم يخالفهم فيه ولما خالفهم في إسكان الطاء تعرض له فقال وحركه المكي وزاد مدا بعد الطاء فقراءة الجماعة خطأ بمعنى إنما يقال خطأ خطأ كإثم إنما وهو في قراءة ابن ذكوان ضد الصواب وقيل هما لغتان كالحذر والحذر والمئل والمثل
قال الزجاج وقد يكون من خطأ خطأ إذا لم يصب وقراءة ابن كثير خاطأ خطاء مثل خاطر خطارا
قال أبو علي وإن لم يسمع خاطأ ولكن قد جاء ما يدل عليه وهو تخاطأ لأنه مطاوعه
قال وقد قالوا أخطى في معنى خطى كما أن خطى في معنى أخطى
قلت فإلى هذا أشار الناظم بقوله مصوب لأن قوما استبعدوا قراءة ابن ذكوان فقالوا الخطأ ما لم يتعمد وجوابه أنه استعمل في التعمد أيضا وقول الناظم خطأ مصوب مبتدأ وخبر أي هو مصوب بالفتح والتحريك فقابل بين لفظي الخطأ والتصويب وإخباره عن الخطأ بالتصويب من عجائب هذا النظم ومحاسنه والله أعلم
820 [ وخاطب في يسرف ( ش ) هود وضمنا % بحرفيه بالقسطاس كسر ( ش ) ذ ( ع ) لا ] (1) يريد - كل ذلك كان سيئة - فقوله ذلك إشارة إلى المنهى عنه وإذا ضممت الهمز والهاء وذكرت أي لم تجعل الهاء للتأنيث بل ضمير مذكر فلا تنوين حينئذ فيكون السيء مضافا إلى ما تقدم أي كان سيء المذكور مكروها فيكون ذلك إشارة إلى جميع ما تقدم مما وصى به الإنسان وفيه حسن وهو المأمور به وسيء وهو المنهي عنه ومكروها على القراءة بالتأنيث خبر لكان بعد خبر وقوله ذكرا مكملا مصدر مؤكد من لفظ ذكر وإن لم يكن مصدره أراد تذكيرا مكملا ويجوز أن يكون فعله مضمرا أي ذكرت ذلك ذكرا مكملا لجميع قيوده وقال الشيخ التقدير أذكر ذكرا والله أعلم
822 [ وخفف مع الفرقان واضمم ليذكروا % ( ش ) فاء وفي الفرقان يذكر فصلا ]
____________________
1- أي قراءة شهود أراد - فلا تسرف في القتل - الخطاب للولي أو الإنسان والياء للولي وضم القسطاس وكسره لغتان والهاء في بحرفيه للقسطاس والباء في بالقسطاس من نفس التلاوة أي وضمنا هذا اللفظ بموضعيه يعني هنا وفي الشعراء فأخبر عن الضم بالكسر على تقدير وموضع ضمنا كسر هؤلاء أي كسر ذوى شذا عال أي ذوى بقية حسنة وطيب فائق والله أعلم
821 [ وسيئة في همزه اضمم وهائه % وذكر ولا تنوين ( ذ ) كرا مكملا ]
(2/562)
(1) بالعكس أي بالتشديد وفتح الكاف يريد أولا يذكر الإنسان ولو كان جرى على سننه ورمز لمن خفف كان أحسن وقلت أنا في ذلك
( وفي كاف نل إذ كم يقولون دم علا % وفي الثاني نل كفا سما وتبجلا )
( وأنث تسبح عن حمى شاع وصله وبعد % اكسروا إسكان رجلك عملا )
ولم يبق في البيت تضمين واجتمع الرمز المفرق وهو قوله هنا نزلا وفي البيت الآتي سما كفله ويقولون في الموضعين بالغيب والخطاب ظاهر أراد بالثاني - سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا -
وقبله - قل لو كان معه آلهة كما يقولون
824 [ ( سما ك ) فله أنث يسبح ( ع ) ن ( ح ) مي % ( ش ) فا واكسروا إسكان رجلك ( ع ) ملا ] + أراد تسبح له السموات السبع التأنيث والتذكير فيه ظاهران ورجلك بإسكان الجيم اسم جمع للراجل كصحب ورجل وبكسر الجيم بمعنى راجل كتعب وتاعب وحذر حاذر وبمعنى رجل بضم الجيم الذي بمعنى راجل فيكون كسر الجيم وضمها لغتين نحو ندس وندس والمعنى وجمعك الرجل واستغنى بالفرد عن الجمع لدلالته عليه بالجنسية وقيل يجوز أن تكون قراءة الإسكان من هذا سكنت الكسرة أو الضمة تخفيفا نحو فخذ وعضد وعملا جمع عامل هو حال من الضمير في اكسروا
825 [ ويخسف ( حق ) نونه ويعيدكم % فيغرقكم واثنان يرسل يرسلا ] + الخلاف في هذه الخمسة دائر بين النون والباء فكلاهما ظاهر أراد - أفأمنتم أن يخسف بكم جانب البر أو يرسل - أم أمنتم أن يعيد فيه تارة أخرى - فيرسل عليكم قاصفا من الريح فيغرقكم - وقوله نرسل نرسل - كلاهما بدل من اثنان ونصهما على الحكاية
826 [ خلافك فافتح مع سكون وقصره % ( سما ص ) ف نآى أخر معا همزه ( م ) لا ]
____________________
1- أي خفف لفظ - ليذكروا - هنا وفي الفرقان أراد - ولقد صرفنا في هذا القرآن ليذكروا - ولقد صرفناه بينهم ليذكروا - والتخفيف في هذين لحمزة والكسائي أراد تخفيف الذال والكاف وهو حذف تشديدهما وهما مفتوحان فنص على ضم الكاف ولم ينص على إسكان الذال لوضوحه وهو مضارع ذكر يذكر والمشدد مضارع تذكر والأصل ليتذكر فأدغمت التاء في الذال وقوله شفاء حال من - ليذكروا - أو من فاعل خفف واضمم أي ذا شفاء ثم ذكر أن في الفرقان موضعا آخر اختص حمزة بتخفيفه وهو - لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا
823 [ وفي مريم بالعكس ( حق ش ) فاؤه % يقولون ( ع ) ن ( د ) ار وفي الثان ( ن ) زلا ]
(2/563)
(1) أي بالتخفيف على وزن تقتل والأولى قوله حتى تفجر لنا من الأرض - احترازا من الثانية - فتفجر الأنهار - فلا خلاف في تشديدها لقوله في مصدرها تفجيرا وفجر وفجر كسجر وسجر يقال فجر الماء وفجره إذا فتح سكره وشقه وقوله تعالى - فانفجرت منه - هو مطاوع فجر بالتخفيف وكسفا بإسكان السين وفتحها لغتان جمع كسفة وهو القطعة ومثلها سدرة وسدر ولقحة ولقح وندى تمييز وكسفا فاعل عم ولا مفعول له أي بتحريكه متابعة للنقل
828 [ وفي سبأ حفص مع الشعراء قل % وفي الروم سكن ( ل ) يس بالخلف مشكلا ] + أراد - أو نسقط عليهم كسفا - فاسقط علينا كسفا - حركهما حفص وحده وفي الروم { ويجعله كسفا }
سكنه ابن عامر ولم يختلف في إسكان الذي في الطور - وإن يروا كسفا من السماء ساقطا - والله أعلم
829 [ وقل قال الأولى ( ك ) يف ( د ) ار وضم تا % علمت ( ر ) ضى والياء في ربي انجلا ]
____________________
1- أراد وإذا لا يلبثون خلافك إلا قليلا - أي افتح الخاء مع سكون اللام وحذف الألف وكلتا القراءتين بمعنى بعدك ونأ وناء مثل أي وراء كلاهما على وزن رعى وراع لغتان وتأخير الهمز من الفعلين على القلب فيصبر وزنهما فلع قال الشاعر
( وكل خليل رآني فهو قائل % )
ونقل الشارح في كتاب الغاية عن أبي بكر بن مقسم قال نأى بوزن نعى لغة قريش وكثير من العرب وناء بوزن باع لغة هوازن بن سعد بن بكر وبني كنانة وهزيل وكثير من الأنصار قال شاعرهم
( نجالد عنه بأسيافنا % وناءت معد بأرض الحرم )
وقول الآخر ( وناء بكلكل % )
قلت ناء في قول امريء القيس ( وأردف أعجازا وناء بكلكل % )
ليس من هذا وذاك معناه نهض ينهض نهوضا ثقيلا لطول صدره وقوله معا يعني هنا وفي سورة فصلت
827 [ تفجر في الأولى كتقتل ( ث ) ابت % و ( عم ن ) دى كسفا بتحريكه ولا ]
(2/564)
(1)
____________________
1- أراد ( قل سبحان ربي )
هذه هي الأولى والثانية قوله ( قل لو كان في الأرض ملائكة )
لا خلاف في قراءة هذه على الأمر وقرأ الأولى بلفظ المضى ابن عامر وابن كثير وقول الناظم الأولى هو نعت لقوله قل لا لقوله قال أي وقل الأولى تقرأ قال لمن رمز له ومثله قوله في أول الأنبياء وقل قال عن شهد وقوله كيف دار أي كيف دار اللفظ فإحدى القراءتين راجعة إلى معنى الأخرى لأنه أمر بالقول فقال وتا علمت بالضم لموسى وبالفتح لفرعون ورضا حال من فاعل ضم أو مفعوله أي ذا رضى ثم ذكر ياء الإضافة في موضع واحد وهو - ربي إذا لأمسكتم - فتحها نافع وأبو عمرو وفيها زائدتان - لئن أخرتن إلى - أثبتها في الوصل نافع وأبو عمرو وأثبتها ابن كثير في الحالين - ومن يهدي الله فهو المهتد - أثبتها في الوصل نافع وأبو عمرو وقلت في ذلك
( وفيها لئن أخرتني زيد ياؤه % كذلك فهو المهتدي قد تكفلا
(2/565)
سورة الكهف
830 [ وسكتة حفص دون قطع لطيفة % على ألف التنوين في عوجا بلا ] (1) أي وسكت في هذه المواضع الثلاثة أيضا أحدها النون من - من راق - في سورة القيامة لما اندغمت النون في الراء بغير غنة وقف على - من - ليعلم أنهما كلمتان وليست اللفظة على وزن فعال وكذا الكلام في لام { بل ران على قلوبهم } وأما { من بعثنا من مرقدنا } فوقف على مرقدنا لئلا يتوهم أن هذا الذي بعده صفة للمرقد وإنما هو مبتدأ قال مكي ولو اختار متعقب الوقف على عوجا وعلى - مرقدنا - لجميع القراء لكان ذلك حسنا لأنه يفرق بين معنيين فهو تمام مختار الوقف عليه قال وقرأ الباقون ذلك كله بغير وقف مروي عنهم لأنه متصل في الخط والإدغام فرع ولا كراهة فيه ولو لزم الوقف على اللام والنون ليظهر للزم في كل مدغم فهذا معنى قول الناظم والباقون لا سكت وموصلا نعت لسكت أي لا سكت لهم منقولا عنهم موصلا إلينا وقال الشيخ موصلا نصب على الحال أي في حال إيصال المذكور في المواضع المذكورة بما بعده قال المهدوي وكان يلزم حفصا مثل ذلك في ما شاكل هذه المواضع وهو لا يفعله فليس لقراءته وجه من الاحتجاج يعتمد عليه إلا اتباع الرواية قلت أولى من هذه المواضع بمراعاة الوقف عليها - ولا يحزنك قولهم إن العزة لله جميعا - فينبغي الوقف على قولهم لئلا يتوهم أن ما بعده هو المفعول وكذا - أنهم أصحاب النار - الذين يحملون العرش - ينبغي الاعتناء بالوقف على النار ثم يبتدأ بما بعده لئلا يوهم الصفة ولذلك نظائر والله أعلم
____________________
1- قال صاحب التيسير قرأ حفص عوجا يسكت على الألف سكتة لطيفة من غير قطع ولا تنوين ثم يقول قيما وقال مكي كان حفص يقف على عوجا وقفة خفيفة في وصله
قلت فهذا معنى قوله دون قطع أي دون قطع نفس لأنه في وقفه واصل وغرضه من ذلك إيضاح المعنى لئلا يتوهم أن قيما نعت عوجا وإنما قيما حال من الكتاب المنزل أو منصوب بفعل مضمر أي جعله قيما ولما التزم صورة الوقف لأجل ذلك لزمه أن يبدل من التنوين ألفا يقف عليها لأن التنوين لا يوقف عليه فهذا معنى قوله على ألف التنوين أي على الألف المبدلة من التنوين وفي ذلك نظر فإنه لو وقف على التنوين لكان أدل على غرضه وهو أنه واقف بنية الوصل وكثير من المصنفين كالأهوازي وابن غلبون يقولون نقف على عوجا ولا يذكرون إبدال التنوين ألفا وقال الأهوازي ليس هو وقفا مختارا لأن في الكلام تقديما وتأخيرا معناه أنزل على عبده الكتاب قيما ولم يجعل له عوجا ومعنى بلا اختبر وفاعله ضمير عائد إلى حفص ثم قال
831 [ وفي نون من راق ومرقدنا ولام % بل ران والباقون لا سكت موصلا ]
(2/566)
832 [ ومن لدنه في الضم أسكن مشمه % ومن بعده كسران عن شعبة اعتلا ] (1) أي ضم الدال وسكن النون ثم ضم الهاء لغير شعبة وأما حكم الهاء في الضم والكسر والصلة فعلى ما عرف من أصولهم في باب هاء الكناية فتكسر الهاء وتصلها بياء في قراءة شعبة لأجل كسر ما قبلها وتضم الهاء في قراءة غيره لعدم الكسر قبلها وابن كثير وحده يصلها بواو كما يقرأ - منهو - و - عنهو - والباقون يضمون ولا يصلون كما يقرءون - منه - وعنه
834 [ وقل مرفقا فتح مع الكسر ( عم ) ه % وتزور للشامي كتحمر وصلا ] + أي عم مرفقا فتح في الميم مع الكسر في الفاء والباقون بعكس ذلك كسروا الميم وفتحوا الفاء وهما لغتان في مرفق اليد وفيما يرتفق به وقيل هما لغتان فيما يرتفق به وأما مرفق اليد فبكسر الميم وفتح الفاء لا غير - وتزور - ظاهر
835 [ وتزاور التخفيف في الزاي ( ث ) ابت % ( وحرمي ) هم ملئت في اللام ثقلا ] + أصله تتزاور فمن شدد أدغم التاء الثانية في الزاي ومن خفف حذفها كما مضى في نحو - تنزل الملائكة - وتذكرون - وهما وقراءة ابن عامر سواء الكل بمعنى العدول والانحراف والتخفيف والتشديد في - ملئت - لغتان ففي التشديد تكثير
____________________
1- أي أسكن ضم الدال في حال كونك مشمه فالهاء في مشمه للضم والكسران في النون والهاء وهذا معنى قول صاحب التيسير قرأ أبو بكر - من لدنه - بإسكان الدال وإشمامها شيئا من الضم وبكسر النون والهاء ويصل الهاء بياء وكذا قال صاحب الروضة إشمامها شيئا من الضم وصرح الأهوازي فقال باختلاس ضمة الدال وأما مكي فقال الإشمام في هذا إنما هو بعد الدال لأنها ساكنة فهي بمنزلة دال زيد المرفوع في الوقف وليس بمنزلة الإشمام في - سيئت - وقيل لأن هذا متحرك ولم يذكر الشيخ في شرحه غير هذا القول فقال حقيقة هذا الإشمام أن يشير بالعضو إلى الضمة بعد إسكان الدال ولا يدركه الأعمى لكونه إشارة بالعضو من غير صوت قال أبو علي وهذا الإشمام ليس في حركة خرجت إلى اللفظ وإنما هو تهيئة العضو لإخراج الضمة ليعلم أن الأصل كان في الدال الضمة فأسكنت كما أسكنت الباء في سبع والكسر من النون لالتقاء الساكنين وكسرت الهاء بعدها لأجل كسرة النون نحو به ومن أجله
833 [ وضم وسكن ثم ضم لغيره % وكلهم في الها على أصله تلا ]
(2/567)
836 [ بورقكم الإسكان ( ف ) ي ( ص ) فو ( ح ) لوه % وفيه عن الباقين كسر تأصلا ] (1) يريد ثلاثمائة سنين من حذف التنوين من مائة أضافها إلى سنين كما يقال ثلاثمائة سنة وإنما أوقع الجمع موقع المفرد كقوله تعالى - { بالأخسرين أعمالا }
وقال الفرزدق
( ثلاث مئين للملوك وفابها داري % )
وقال آخر
( وخمس ميء منها قسى وزائف % )
ونحو ذلك نحو قول عنترة
( فيها اثنتان وأربعون حلوبة % سودا . . . . )
فلفظ الحلوبة يستعمل للواحد والجمع فلما وصفها هنا بالجمع في قوله سود أشعر ذلك بأنه استعملها جمعا فيكون التمييز بالجمع في موضع المفرد وهو الأصل بدليل أن مميز العشرة فما دونها مجموع وإنما أفرد فيما عدا ذلك اختصارا لما كثر المعدود قال الفراء من العرب من يضع سنين في موضع سنة وأما من نون ثلاثمائة فسنين عنده إما تمييز منصوب كقوله إذا عاش الفتى مائتين عاما ووجه جمعها ما سبق وإما أن يكون عطف بيان أو بدلا من ثلاث فهو على هذه الأوجه منصوب وإما أن يكون عطف بيان أو بدلا من مائة فيكون مجرورا وقيل البدل أجود من عطف البيان لأن عطف البيان من النكرة غير سائغ عند البصريين أي ولبثوا في كهفهم سنين ثلاث مائة قال الزجاج سنين عطف على ثلاث عطف البيان والتوكيد قال وجائز أن يكون سنين من نعت المائة وهو راجع في المعنى إلى ثلاث كما قال
( فيها اثنتان وأربعون حلوبة % سودا . . . )
فجعل سودا نعتا لحلوبة وهو في المعنى نعت لجملة العدد وكذا قال أبو جعفر النحاس الخفض رد على مائة لأنها بمعنى مائتين وقال الفراء من نون وهو يريد الإضافة نصب سنين بالتفسير للعدد ونقل الزمخشري في مفصله عن أبي إسحاق أنه قال لو انتصب سنين على التمييز لوجب أن يكونوا قد لبثوا تسع مائة سنة فكأنه قصد بذلك الرد على الفراء وهو غير لازم لأن قراءة الإضافة لا تشعر بذلك وسنقرر ذلك في شرح النظم إن شاء الله وأما - ولا تشرك في حكمه أحدا فقراءة ابن عامر بلفظ النهي وهو ظاهر وقراءة الباقين على الإخبار على لفظ الغيبة أي ولا يشرك الله أحدا في حكمه وقوله خطاب أي ذو خطاب والله أعلم
____________________
1- يعني أن الأصل كسر التاء والإسكان تخفيف نحو كبد وفخذ - والورق الفضة ويقال له الرقة أيضا
837 [ وحذفك للتنوين من مائة شفا % وتشرك خطاب وهو بالجزم ( ك ) ملا ]
(2/568)
838 [ وفي ثمر ضميه يفتح عاصم % بحرفيه والإسكان في الميم حصلا ] (1) يريد خيرا منهما منقلبا أي من الجنتين ومنها على إسقاط الميم رد على قوله - ودخل جنته - والميم ساقطة في الرسم من مصاحف العراق دون غيرها وعلى ذلك قراءة الفريقين وحكم ثابت بالضم على تقدير هو حكم ثابت ويجوز نصبه على أنه مصدر مؤكد نحو - صبغة الله - وصنع الله وأما - لكنا هو الله - فأجمعوا على إثبات ألفه في الوقف واختلفوا في الوصل فأثبتها ابن عامر إجراء للوصل مجرى الوقف وحذفها الباقون لأن هذه الألف هي ألف أنا وقد تقدم في سورة البقرة أنها تحذف في الوصل دون الوقف ونافع أثبتها وصلا وقيل الهمزة خاصة قالوا وأصل هذه الكلمة لكن أنا بإسكان النون من لكن وبعدها ضمير المتكلم منفصلا مرفوعا وهو أنا فألقيت حركة همزة أنا على نون لكن فانفتحت وحذفت الهمزة فاتصلت النونان فأدغمت الأولى في الثانية وحذفت ألف أنا في الوصل على ما عرف من اللغة وثبت في الوقف وخرجوا على هذا التقدير قول الشاعر
( وتقلينني لكن إياك لا أقلي % )
أي لكن أنا قال الزجاج إثبات ألف أنا في الوصل شاذ ولكن من أثبت فعلى الوقف كما يثبت الهاء في قوله - ماهيه - و - كتابيه -
وأجاز أبو علي أن يكون الضمير المتصل بلكن مثل المنفصل الذي هو نحن نحو لم يعننا فأدغمت نون لكن فيها فالألف ثابتة وقفا ووصلا لأن ألف فعلنا لا تحذف قال وعاد الضمير على الضمير الذي دخلت عليه لكن على المعنى ولو عاد على اللفظ لكان لكنا هو الله ربنا قال الزجاج فأما - لكنا هو الله ربي - فهو الجيد بإثبات الألف لأن الهمزة قد حذفت من أنا وصار إثبات الألف عوضا من الهمزة قال وقريء - لكن بإسكان النون ولكنن - بنونين بلا إدغام لأن النونين من كلمتين - ولكننا بنونين وألف قال والجيد البالغ ما في مصحف أبي - لكن أنا هو الله ربي فهذا هو الأصل وجميع ما قريء به جيد بالغ ولا أنكر القراءة بهذا والأجود اتباع القراءة ولزوم الرواية فإن القراءة سنة وكلما كثرت الرواية في الحرف وكثرت به القراءة فهو المتبع وما جاز في العربية ولم يقرأ به قاريء فلا نقر أن به فإن القراءة به بدعة وكل
____________________
1- معنى الكلام في ثمر بضم الثاء والميم وفتحهما في سورة الأنعام وزاد هنا إسكان الميم تخفيفا وكل ذلك لغات وقوله بحرفيه بمعنى موضعيه في هذه السورة وكان له - ثمر وأحيط بثمره - وقد تقدم ذكر الذي في يس في سورة الأنعام فثمر بضمتين جمع ثمار وثمار جمع ثمرة وثمر بفتحتين جمع ثمرة كبقر في جمع بقرة وثمر بسكون الميم جمع ثمرة أيضا كبدنة وبدن ويجوز أن يكون مخففا من مضموم الميم الذي هو جمع ثمار ويجوز أن يكون المضموم الميم مفردا كعنق وطنب وقيل الثمرة بالضم المال وبالفتح المأكول وقيل يقال في المفرد ثمرة بضم الميم كسمرة والله أعلم
[ ودع ميم خيرا منهما ( ح ) كم ( ث ) ابت % وفي الوصل لكنا فمد ( ل ) ه ( م ) لا ]
(2/569)
ما قلت به الرواية وضعف عند أهل العربية فهو داخل في الشذوذ فلا ينبغي أن يقرأ به قال أبو عبيد وكتبت - لكنا - يعني بألف قال هكذا ورأيتها في المصحف الذي يقال إنه الإمام مصحف عثمان والفاء في قوله فمد زائدة وملا جمع ملاءة أشار إلى حججه وعلله وقد سبق تفسيره
840 [ وذكر تكن ( ش ) اف وفي الحق جره % على رفعه ( ح ) بر ( س ) عيد ( ت ) أولا ] (1) يريد - وخير عقبا ضم القاف وإسكانها لغتان وهي العاقبة والعقبى والعقبة ومعناها الآخرة وأما - ويوم نسير الجبال - فقرأه على البناء للمفعول نفر ملا وهو جمع ملى وهو الثقة ثم ذكر تمام تقييد القراءة فقال
842 [ وفي النون أنث والجبال برفعهم % ويوم يقول النون حمزة فضلا ] + أنث أي اجعل دلالة التأنيث موضع النون وهي التاء وإنما نص على النون لتعلم قراءة الباقين ولو لم يذكر ذلك لأخذ التذكير ضدا للتأنيث ورفع الجبال لأنه مفعول فعل ما لم يسم فاعله وقرأ الباقون بالنون وكسر الياء ونصب الجبال لأنه مفعول فعل مسند للفاعل وقد صرح بمعنى ا لقراءة الأولى في { وسيرت الجبال فكانت سرابا } - { وإذا الجبال سيرت }
وقد نسب السير إلى الجبال في يوم تمور السماء مورا وتسير الجبال سيرا ويقوى النون في نسير قوله تعالى بعده - وحشرناهم فلم نغادر - والضمير في برفعهم عائد على نفر - ويوم يقول نادوا شركائي - الياء فيه لله تعالى والنون للعظمة وفضلها حمزة فقرأ بها
____________________
1- يريد - ولم تكن له فئة - تذكير الفعل وتأنيثه ظاهران وأما هنالك الولاية لله الحق - فجر الحق على أنه صفة لله ورفعه على أنه صفة للولاية والحق مصدر فالوصف به على تقدير ذي الحق وذات الحق ويشهد لقراءة الجر قراءة ابن مسعود رضي الله عنه هنالك الولاية لله وهو الحق - وقوله تعالى - ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق - ويشهد لقراءة الرفع قراءة أبي هنالك الولاية الحق لله وقوله سبحانه - الملك يومئذ الحق للرحمن - قال الفراء والولاية الملك ولو نصب الحق على معنى حقا كان صوابا قال أبو علي ومعنى وصف الولاية بالحق أنه لا يشوبها غيره ولا يخاف فيها ما في سائر الآيات من غير الحق وقول الناظم وفي الحق جره مبتدأ وخبره ثم استأنف على رفعه حبر أي عالم سعيد نعت حبر تأول للرفع ما ذكرناه والله أعلم
841 [ وعقبا سكون الضم ( ن ) ص ( ف ) تى ويا % نسير والى فتحها ( نفر ) ملا ]
(2/570)
843 [ لمهلكهم ضموا ومهلك أهله % سوى عاصم والكسر في اللام ( ع ) ولا ] (1) أضاف ها إلى الكسر لما كان الكسر فيها وقصرها ضرورة ويجوز أن يكون من باب القلب لأمن الإلباس أراد وكسر هاء - أنسانيه - ضم والضم هو الأصل في هاء الضمير على ما سبق تقريره في باب هاء الكناية وهذا حكم من أحكام ذلك الباب ومثله ما يأتي في أول طه { لأهله امكثوا }
ووجه الكسر فيهما مجاورة الهاء للياء الساكنة والكسرة نحو فيه وبه وقوله في آخر البيت وصلا ذكره الشيخ بفتح الواو والصاد أي وصله حفص بما قبله وبضم الواو وكسر الصاد أي وصل ذلك ونقل له
845 [ لتغرق فتح الضم والكسر غيبة % وقل أهلها بالرفع ( ر ) اويه ( ف ) صلا ] + يعني فتح ضم الياء وكسر الراء وغيبة حال أي ذا غيبة وفتح خبر - لتغرق - أي هو مفتوح الضم والكسر في حال غيبته أي بالياء مكان التاء أسند الفعل إلى الأهل فارتفع الأهل بالفاعلية أي ليغرقوا
وفي القراءة الأخرى أسند الفعل إلى المخاطب فانتصب أهلها على أنه مفعول به واللام في ليغرق لام العاقبة على القراءتين ومعنى فصل بين والله أعلم
846 [ ومد وخفف ياء زاكية ( س ) ما % ونون لدني خف ( ص ) احبه إلى ]
____________________
1- يريد ضم الميم في وجعلنا لمهلكهم موعدا { ما شهدنا مهلك أهله } في سورة النمل وكلهم سوى عاصم ضموا الميم وفتحوا اللام لأنه يعني الإهلاك وفعله أهلك نحو - { ولقد أهلكنا القرون من قبلكم } وعاصم فتح الميم فيكون من الهلاك وفعله هلك والمصدر مضاف إلى الفاعل وعلى قراءة الضم إلى المفعول ويجوز أن يكون المفتوح الميم بمعنى المضموم فقد قيل إن هلك استعمل لازما ومتعديا نحو رجع ورجعته وفتح اللام مع فتح الميم قراءة أبي بكر عن عاصم وهي أشيع اللغتين وكسر اللام رواية حفص عن عاصم ونظيره مرجع ومحيض والفتح هو الباب والقياس ومعنى عول جوز أي عول عليه
844 [ وها كسر أنسانيه ضم لحفصهم % ومعه عليه الله في الفتح وصلا ]
(2/571)
(1) أي سكن الدال تخفيفا كما تسكن عضد وسبع وأهل هذه اللغة يكسرون نون لدن لالتقاء الساكنين فلم يحتج شعبة إلى إلحاق نون الوقاية لأن نون لدن مكسورة فلهذا جاءت قراءته بتخفيف النون وأما إشمامه ضمة الدال فللدلالة على أن أصلها الضم وفي حقيقة هذا الإشمام من الخلاف ما سبق في من لدنه في أول السورة وصرح ابن مجاهد هنا بما صرح به صاحب التيسير ثم فقال يشم الدال شيئا من الضم وقال هناك بإشمام الدال الضمة وفسره أبو علي بأنه تهيئة العضو لإخراج الضمة وصاحب التيسير قال هنا أبو بكر بإسكان الدال وإشمامها الضم وتخفيف النون وقال هناك وإشمامها شيئا في الضم ونقل الشيخ في شرحه عنه أنه قال يجوز أن يكون هنا الإشارة بالضمة إلى الدال فيكون إخفاء لا سكونا ويدرك ذلك بحاسة السمع وقال الشيخ يشمها الضم على ما تقدم في - من لدنه - من الإشارة بالعضو
قلت وجه اختلاس الضمة هنا أظهر منه هناك من جهة أن كسر النون هناك إنما كان لالتقاء الساكنين فلو لم تكن الدال ساكنة سكونا محضا لم يحتج إلى كسر النون وبقيت على سكونها وهنا كسر النون لأجل إيصالها بياء المتكلم كما أن نافعا يكسرها مع إشباعه لضمة الدال غير أن الظاهر أن قراءته في الموضعين واحدة وقد بان أن الصواب ثم الإشارة بالعضو فكذا هنا والله أعلم
وأما لتخذت عليه أجرا - فخفف التاء وكسر الخاء ابن كثير وأبو عمرو فيكون الفعل تخذ مثل علم قال أبو عبيد هي مكتوبة هكذا وهي لغة هذيل وقرأ الباقون بتشديد التاء وفتح الخاء فيكون الفعل اتخذ نحو - اتخذوا أيمانهم جنة - واتخذوا آياتي ورسلي هزوا - وذلك كثير في القرآن ماضيه ومضارعه نحو - ومن الناس من يتخذ - وتلك اللغة لم يأت مضارعها في القرآن ولا ماضيها في غير هذا الموضع وإعراب قوله دم حلا كإعراب دم يدا أي ذا حلا أو يكون تمييزا نحو طب نفسا والله أعلم
848 [ ومن بعد بالتخفيف يبدل هاهنا % وفوق وتحت الملك ( ك ) افيه ( ظ ) للا ] + أي من بعد لتخذت - أن يبدلهما ربهما - وفوق الملك وتحتها يعني سورتي التحريم ونون - أن يبدله أزواجا
____________________
1- أراد - نفسا زاكية - وكلتا القراءتين ظاهرة الزاكي والزكي واحد ومثل هاتين القراءتين ما سبق في المائدة قاسية - وقسية - وقوله - قد بلغت من لدني عذرا - تشديد نونه من جهة أن نون - لدن - ساكنة الحق بها نون الوقاية لتقي نونها من الكسر الواجب قبل ياء المتكلم في الحروف الصحيحة كما فعل ذلك في من وعن محافظة على سكونها فاجتمع نونان فأدغمت نون لدن في نون الوقاية ونافع لم يلحق نون الوقاية فانكسرت نون لدن وإذا كان قد حذفها من - أتحاجوني - وتبشرون - مع كونها قد اتصلت بنون رفع الفعل فحذفها من هذا أولى وإلى في آخر البيت واحد الآلاء وهي النعم قال الجوهري واحدها ألى بالفتح وقد تكسر وتكتب بالياء مثاله معي وأمعاء وإعراب صاحبة مبتدأ وإلى خبره أي ذو إلى أي ذو نعمة ويجوز أن يكون صاحب فاعل خف وإلى حال أي ذا نعمة ثم بين قراء أبي بكر فقال
847 [ وسكن وأشمم ضمة الدال ( ص ) ادقا % تخذت فخفف واكسر الخاء ( د ) م ( ح ) لا ]
(2/572)
{ عسى ربنا أن يبدلنا }
فحذف الناظم المضاف إليه بعد فوق اكتفاء بذكره له بعد تحت ومثله بين ذراعي وجبهة الأسد قال أبو علي بدل وأبدل يتقاربان في المعنى كما أن نزل وأنزل كذلك إلا أن بدل ينبغي أن يكون أرجح لما جاء في التنزيل من قوله { لا تبديل لكلمات الله }
ولم يجيء فيه الإبدال وقال - وإذا بدلنا آية مكان آية { فبدل الذين ظلموا } - { وبدلناهم بجنتيهم جنتين }
وسيأتي ذكر الخلاف في الذي في سورة النور { وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا }
قال الشيخ والهاء في كافيه عائدة على يبدل بالتخفيف في المواضع الثلاثة وإنما ظلل لأنه بإجماع من أهل للعربية لا مطعن فيه لأنه في المواضع الثلاثة تبديل الجوهرة بأخرى وإنما تكلم النحاة في قراءة التشديد لأنهم زعموا أن التشديد إنما يستعمل في تغير الصفة دون الجوهر
قلت هذا قول بعضهم وليس بمطرد وقد رده أبو علي وقال المبرد يستعمل كل واحد منهما في مكان الآخر والله أعلم
849 [ فأتبع خفف في الثلاثة ( ذ ) اكرا % وحامية بالمد ( صحبت ) ه ( ك ) لا ] (1)
____________________
1- أي خفف الباء من - فأتبع سببا حتى إذا بلغ مغرب الشمس - ثم أتبع سببا حتى إذا بلغ مطلع الشمس - ثم أتبع سببا حتى إذا بلغ بين السدين - فهذا معنى قوله في الثلاثة والأولى أن يقرأ أول بيت الشاطبي وأتبع خفف بالواو وتكون الواو للعطف أنث للفصل ويقع في كثير من النسخ فأتبع بالفاء وليس جيدا إذ ليس الجميع بلفظ فأتبع بالفاء إنما الأول وحده بالفاء والآخران خاليان منهما ولم ينبه على قطع الهمزة ولا بد منه فليته قال وأتبع كل اقطع هنا خفف ذاكر أي كله وذهب التنوين لالتقاء الساكنين والتخفيف والتشديد لغتان وهما بمعنى تبع كعلم قال الله تعالى { فمن تبع هداي }
في البقرة وقال في ط
(2/573)
{ فمن اتبع } وقال { فأتبعه شهاب ثاقب } - { فأتبعوهم مشرقين }
وهذه المواضع مجمع عليها واختلف هنا وفي الذي في آخر الأعراف والشعراء وقيل اتبع يتعدى إلى لمفعولين بدليل { وأتبعناهم في هذه الدنيا لعنة }
فالتقدير أتبع أمره سببا وقيل اتبع الحق واتبع بمعنى واختار أبو عبيد قراءة التشديد قال لأنها من المسير إنما هي افتعل من قولك تبعت القوم وأما الأتباع بهمز الألف فإنما معناه اللحاق كقولك ( فأتبعوهم مشرقين - فأتبعه شهاب )
ونحوه واختار الفراء قراءة التخفيف فقال أتبع أحسن من اتبع لأن اتبعت الرجل إذا كان يسير وأنت تسير وراءه فإذا قلت اتبعته فكأنك قفوته قال أبو جعفر النحاس وغيره الحق أنهما لغتان بمعنى السير فيجوز أن يكون معه اللحاق وأن لا يكون
قلت ومعنى الآية - وآتيناه من كل شيء أي من أسباب كل شيء أراده من أغراضه ومقاصده في ملكه سببا طريقا موصلا إليه والسبب ما يتوصل به إلى المقصود من علم أو قدرة وآلة فأراد بلوغ المغرب ( فأتبع سببا )
يوصله إليه ( حتى بلغ )
وكذلك أراد بلوغ المشرق ( فأتبع سببا )
وأراد بلوغ السدين ( فأتبع سببا )
هذه عبارة الزمخشري في ذلك وقال أبو علي ( وآتيناه من كل شيء )
بالخلق إليه حاجة سببا أي علما ومعونة له على ما مكناه فيه فاتجه في كل وجه وجهناه له وأمرناه به للسبب الذي ينال به صلاح ما مكن منه وقوله
____________________
(2/574)
( في عين حامية )
هذه القراءة بزيادة ألف بعد الحاء وبياء صريحة بعد الميم أي حارة من حميت تحمي فهي حامية قال أبو علي ويجوز أن تكون فاعلة من الحمأ فخففت الهمزة بقلبها ياء محضة قلت لأنها مفتوحة بعد مكسورة فإبدالها ياء وهو قياس تخفيفها على ما سبق في باب وقف حمزة وفي هذا الوجه جمع بين معنى القراءتين كما يأتي ثم تمم الكلام في بيان هذه القراءة في البيت الآتي وأخبر عن لفظ صحبة بقوله كلا أي حفظ كما أخبر عنها فيما تقدم بقوله تلا وفي موضع آخر ولا لأنه مفرد
850 [ وفي الهمز ياء عنهم و ( صحاب ) هم % جزاء فنون وانصب الرفع وأقبلا ] (1) رمز في المواضع الثلاثة لمن فتح السين فيها والفتح والضم لغتان فموضعان منها هنا حتى إذ بلغ بين السدين { على أن تجعل بيننا وبينهم سدا } والذي في يس موضعان { وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا }
أي الضم مفتوح فيهما وفي يس ولولا أن الخلاف في السين واقع بين الضم والفتح دون الرفع والنصب لكان قوله على حق السدين وهما أنه بالضم لإطلاقه ويكون قوله الضم مفتوح مختصا بسدا ولكن ما ذكره في الخطبة من قوله وفي الرفع والتذكير والغيب مختص بالرفع والرفع غير الضم
____________________
1- فالقراءة الأخرى بالقصر والهمز حمئة أي فيها الحمأة وهو الطين الأسود
وروي أن معاوية سأل كعبا أين تجد الشمس تغرب في التوراة
فقال في ماء وطين وفي رواية في حمأة وطين وفي أخرى في طينة سوداء أخرجهن أبو عبيد في كتابه وروى في شعر تبع في ذي القرنين
( فرأى مغيب الشمس عند مائها % في غير ذي خلب دثاط حرمد )
أي في عين ماء ذي طين وحمأ أسود قال الزجاج يقال حميت البئر فهي حمئة إذا صار فيها الحمأة
ومن قرأ حامية بغير همز أراد حارة قال وقد تكون حارة ذات حمأة يعني جمعا بين القراءتين
وقرأ مداول صحاب ( فله جزاء الحسنى ) أي فله الحسنى جزاء فجزاء مصدر منصوب في موضع الحال
المعنى فله الحسنى مجزية أو مجزيا بها
والمراد بالحسنى على هذه القراءة الجنة وقرأ الباقون بإضافة جزاء إلى الحسنى
قال الفراء الحسنى حسناته فله جزاؤها وتكون الحسنى الجنة ويضيف الجزاء إليها وهي هو كما قال دين القيمة ولدار الآخرة
وقال أبو علي له جزاء الخصال الحسنة التي أتاها وعملها واختار أبو عبيد قراءة النصب وقال أبو علي قال أبو الحسن هذا لا تكاد العرب تتكلم مقدما إلا في الشعر وقول الناظم وأقبلا أراد وأقبلن فأبدل من نون التأكيد الخفيفة ألفا
851 [ ( على ح ) ق السدين سدا ( صحاب حقق % الضم مفتوح ويس ( ش ) د ( ع ) لا ]
(2/575)
على ما سبق بيانه هنالك وشد علا من شاد البناء إذا رفعه وطلاه بالشيد وهو الجص وعلا جمع عليا أو مفرد
852 [ ويأجوج مأجوج اهمز الكل ( ن ) اصرا % وفي يفقهون الضم والكسر ( ش ) كلا ] (1) خراجا مفعول حرك أي بهذه السورة وبسورة المؤمنين أراد فتح الراء ومد ذلك الفتح فيصير ألفا والقراءة الأخرى بإسكان الراء لأنه ضد التحريك وإذا بطلت الحركة بطل مدها والخرج والخراج واحد كالنول والنوال
أي جعلا يخرج من الأموال فالذي هنا فهل نجعل لك خرجا والذي في المؤمنين { أم تسألهم خرجا } وقوله واعكس فخرج يعني الثاني في سورة المؤمنين { فخراج ربك خير } أي اقرأه لابن عامر وحده بالإسكان والقصر
أي ما يعطيه الله سبحانه خير مما يعطيه هؤلاء
فقد صار في حرفي المؤمنين ثلاث قراآت مدهما لحمزة والكسائي وقصرهما لابن عامر ومد الأول وقصر الثاني للباقين وأما مد الأول وقصر الثاني فلا والله أعلم وقد مضى معنى ملا وأنه جمع ملاءة وهي الملحفة ويمكن به الحجة لأنها جبة وسترة
____________________
1- يعني بالكل هنا وفي الأنبياء وهما اسمان أعجميان لطائفتين عظيمتين قيل لا يموت الواحد منهم حتى يخلف من صلبه ألفا ومصداق هذا من الحديث الصحيح لما ذكر نعت النار
قال إن منكم واحدا ومن يأجوج ومأجوج ألفا
وقيل يأجوج اسم لذكرانهم ومأجوج اسم لأناثهم وهما على أوزان كثير من أعلام العجمة
كطالوت وجالوت وداود وهاروت وماروت فالألف فيهما كالألف في هذه الأسماء وأما همز هذه الألف فلا وجه له عندي إلا اللغة المحكية عن العجاج أنه كان يهمز العالم والخاتم وقد حاول جماعة من أئمة العربية لهما اشتقاقا كما يفعلون ذلك في نحو آدم ومريم وعيسى على وجه الرياضة في علم التصريف وإلا فلا خفاء أنها كلها أعجمية وهذه طريقة الزمخشري وغيره من المحققين
وأقرب ما قيل في اشتقاقها أن يأجوج من الأج وهو الاختلاط وسرعة العدو أو من أجيج النار فوزن يأجوج يفعول ومأجوج مفعول فيكون الهمز فيهما هو الأصل وتركه من باب تخفيف الهمز وقيل مأجوج من ماج يموج إذا اضطرب ويشهد لهذه المعاني ما وصفهم الله تعالى به فإفسادهم في الأرض على وجه القهر والغلبة يشبه تأجج النار والتهابها عاصية على موقدها وكونهم من كل حدب ينسلون يناسب سرعة العدو
وكون بعضهم يموج في بعض هو الاختلاط فالمانع لهما من الصرف هو العجمة مع العلمية وإن قيل هما عربيان فالتأنيث عوض العجمة لأنهما اسمان لقبيلتين ويفقهون بفتح الياء والقاف
أي لا يفقهون لجهلهم بلسان من يخاطبهم وبضم الياء وكسر القاف لا يفهمون غيرهم قولا لعجمة ألسنتهم فالمفعول الأول محذوف نحو ( لينذر بأسا شديدا ) أو الألف في شكلا للضم والكسر أي جعلا شكلا في يفقهون
853 [ وحرك بها والمؤمنين ومده % خراجا ( ش ) فا واعكس فخرج ( ل ) ه ( م ) لا ]
(2/576)
854 [ ومكنني أظهر ( د ) ليلا وسكنوا % مع الضم في الصدفين عن شعبة الملا ] (1) الهاء في حقه وضماه للفظ الصدفين أي إنه يستحق في الأصل ضمين هذا معنى ظاهر اللفظ وباطنه أن ابن عامر وابن كثير وأبا عمرو قرءوا بضم الصاد والدال معا والكاف في كما نحو التي في قوله تعالى { ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به }
فما بعدها علة لما قبلها في الموضعين والضمان علة الإسكان وقرأ الباقون وهم نافع وحمزة والكسائي وحفص بفتحهما فالفتح فيهما والضم لغتان والإسكان لغة ثالثة والمعنى بالصدفين ناحيتا الجبلين المرتفعين المتقابلين وقوله واهمز مسكنا أي ائت بهمزة ساكنة في لفظ ردما ائتوني وقد لفظ في نظمه بصورة القراءة المقصودة وكسر التنوين قبلها وهو المراد بقوله وقبل اكسر أي وقبل هذا الهمز الساكن اكسر ما وليه ودنا منه وهو التنوين
وإنما كسره لأنه التقى مع الهمز الساكن أي اكسر ذا الولاء يقال وإلى ولاء
____________________
1- دليلا حال من مكنني أي أظهره دليلا على أن القراءة الأخرى بالإدغام هذا أصلها النون الأولى من أصل الفعل والثانية نون الوقاية فلما اجتمع المثلان ساغ الإدغام والإظهار ورسم في مصحف أهل مكة بنونين وفي غيره بنون واحدة فكل قراءة على موافقة خط مصحف وقال الشيخ دليلا حال من الضمير في أظهر المرفوع أو المنصوب أو على أنه مفعول
وقوله وسكنوا يعني المشايخ والرواة سكنوا الدال وضموا الصاد ناقلين ذلك عن شعبة ووجه الإسكان التخفيف لاجتماع ضمتين كما في قراءة غيره كما يأتي وأضاف شعبة إلى الملا وهم الأشراف فلهذا جره وإلا فشعبة غير منصرف كذا ذكره الشيخ في شرحه ويجوز أن يكون غير منصرف ولم يصفه إلى الملا ويكون الملا فاعل وسكنوا على لغة أكلوني البراغيث فيكون فيه من البحث ما في قوله تعالى { عموا وصموا كثير منهم }
وقوله سبحانه { وأسروا النجوى الذين ظلموا }
والملا ليس برمز مع شعبة لأن الرمز لا يجتمع مع مصرح باسمه ولكنه مشكل من جهة ما بعده فإن قوله كما حقه رمز ولا مانع من أن يكون الملا منضما إلى ذلك رمزا للقراءة الآتية إلا كونه أضاف شعبة إليه وفي ذلك نظر وكان يمكنه أن يقول عن شعبة ولا والله أعلم
855 [ ( كما حق ) ه واهمز مسكنا % لدى ردما ائتوني وقبل اكسر الولا ]
(2/577)
وفعلته على الولاء أي شيئا بعد شيء وإلى هذا هذا أي اتصل به ويقع في بعض النسخ اكسروا بضمير الجمع ولا حاجة إليه والإفراد أولى لقوله قبله واهمز ويأتي وابدأ وزد في البيتين الباقيين ووجه هذه القراءة أنها من أتى يأتي أي جيئوني بزبر الحديد وحذفت الباء فتعدى الفعل فنصب قال أبو علي ايتوني أشبه بقوله ( فأعينوني بقوة )
لأنه كلفهم المعونة على عمل السد ولم يقبل الخراج الذي بذلوه له فقوله ائتوني الذي معناه جيئوني إنما هو معونة على ما كلفهم من قوله فأعينوني بقوة ثم ذكر من له هذه القراءة فقال
856 [ لشعبة والثاني ( ف ) شا ( ص ) ف بخلفه % ولا كسر وابدأ فيهما الياء مبدلا ] (1) أي قبل هذه الياء المبدلة من الهمزة الساكنة زد همزة الوصل المكسورة ليمكن النطق بالياء الساكنة قال الفراء قول حمزة صواب من وجهين يكون مثل أخذت الخطام وأخذت بالخطام ويكون على ترك الهمزة الأولى في أتوني فإذا سقطت الأولى همزت الثانية قلت لهذا وجه آخر لأن المقتضى لإبدال الثانية ألفا اجتماعها مع الأولى فإذا حذفت الأولى انهمزت الثانية وهو مثل ما قيل في قراءة قالون عاد الولى في أحد الوجهين وينبغي على هذا الوجه إذا ابتدأت أن تقيد الهمزة المفتوحة التي حذفت فهي أولى من اجتلاب همزة وصل والله أعلم ثم بين قراءة باقي القراء فقال والغير يعني غير حمزة وشعبة فيهما أي في الموضعين بقطعهما أي بقطع الهمزتين ولم يبين فتحهما لأن فعل الأمر لا يكون فيه همزة قطع إلا مفتوحة ثم قال والمد أي
____________________
1- الثاني قوله
قال / < ائتوني أفرغ عليه > /
سكن الهمزة حمزة وعن شعبة خلاف فكأنه في أحد الوجهين جمع بين القراءتين في الموضعين وهذا الموضع الثاني ليس قبله تنوين ولا ساكن غيره فلهذا قال ولا كسر إنما قبله فتحة لام قال والمعنى في الموضع الثاني كما سبق في الأول والياء محذوفة من قطرا إن كان مفعوله وإن كان قطرا مفعول أفرغ فالتقدير ائتوني بقطر أفرغه عليه فحذف الأول لدلالة الثاني عليه ولم يحتج قطرا المذكور إلى باء لأنه مفعول أفرغ فهذا بيان هذه القراءة في الموضعين في حال الوصل ثم شرع يبين الابتداء بالكلمتين على تقدير الوقف قبلها فقال وابدأ فيهما أي في الموضعين بإبدال الباء من الهمزتين لأن في كل موضع همزة ساكنة بعد كسر همزة الوصل فوجب قلبها ياء كما يفعل في ائت بقرآن فهذا معنى قوله
857 [ وزد قبل همز الوصل والغير فيهما % بقطعهما وللمد بدءا وموصلا ]
(2/578)
وبالمد بعد همزة القطع وبدأ وموصلا حالان
أي هذه قراءة غيرهما بادئا وواصلا لا يختلف الحال في ذلك
ومعنى هذه القراءة من الإيتاء وهو الإعطاء فمعنى آتوني أعطوني وهو يحتمل المناولة والاتهاب وقام الدليل على أنه لم يرد الاتهاب لامتناعه عن أخذ الخرج فتعينت الإعانة بالمناولة وتحصيل الأدلة والله أعلم
858 [ وطاء فما اسطاعوا لحمزة شددوا % وأن ينفد التذكير ( ش ) اف تأولا ] (1) ثلاث مبتدأ وهو مضاف إلى كلمة معي وما بعد ثلاث عطف عليه والمضافات خبر المبتدأ أو هو مبتدأ وثلاث خبره مقدم عليه
أي الياآت المضافة في هذه السورة تجتلي أي تكشف في هذه الكلمات وهي معي ثلاث مواضع يريد معي صبرا فتحهن حفص وحده من دوني أولياء فتحها نافع وأبو عمرو وربي في أربع كلمات { قل ربي أعلم بعدتهم } - { فعسى ربي أن يؤتين } - { بربي أحدا ولولا إذ دخلت } - { بربي أحدا ولم تكن له فئة } فتح الأربع الحرميان وأبو عمرو وقوله وما قبل إن شاء أي والذي قبل قوله إن شاء الله وهو { ستجدني إن شاء الله صابرا } فتحها نافع وحده فهذه تسع ياآت إضافة وفيها سبع زوايد المهتد أثبتها في الوصل نافع وأبو عمرو { أن يهدين ربي لأقرب } { فعسى ربي أن يؤتين } على / < أن تعلمني > / أثبتهن في الوصل أيضا نافع وأبو عمرو وأثبتهن في الحالين ابن كثير { إن ترن أنا أقل } أثبتها في الوصل أبو عمرو
____________________
1- يريد ( فما اسطاعوا أن يظهروه )
أي طاء هذه اللفظة فقيده بالفاء لأن الذي بعده بالواو وطاء منصوب لأنه مفعول شددوا والأصل استطاعوا فقراءة الجماعة بحذف التاء
وروي عن حمزة إدغامها في الطاء
قال ابن مجاهد هو رديء لأنه جمع بين ساكنين وقال الزجاج من قرأ بإدغام التاء في الطاء فلاحن مخطيء زعم ذلك النحويون الخليل ويونس وسيبويه وجميع من قال بقولهم لأن السين ساكنة فإذا أدغمت التاء صارت طاء ساكنة ولا يجمع بين ساكنين فإن قال اطرح حركة التاء على السين فخطأ أيضا
لأن سين استفعل لم تحرك قط
قلت إنما قال ذلك
لأنه لا يتحقق محض الإدغام إلا بتحريك السين
قال أبو جعفر النحاس حكى أبو عبيد أن حمزة كان يدغم التاء في الطاء ويشدد الطاء
قال أبو جعفر النحاس ولا يقدر أحد أن ينطق به لأن السين ساكنة والتاء المدغمة ساكنة
قال سيبويه هذا محال
وقال الجوهري في باب روم من جمع بين الساكنين في موضع لا يصح فيه اختلاس الحركة فهو مخطيء كقراءة حمزة فما اسطاعوا لأن سين الاستفعال لا يجوز تحريكها بوجه من الوجوه وأما ( وما استطاعوا له نقبا )
فلم يختلفوا في إظهار التاء فيها
وأما التذكير في أن تنفد كلمات ربي والتأنيث فظاهران وتأولا تمييز
859 [ ثلاث معي دوني وربي بأربع % وما قيل إن شاء المضافات تجتلا ]
(2/579)
وقالون وأثبتها في الحالين ابن كثير { ما كنا نبغ فارتدا } أثبتها في الحالين ابن كثير وفي الوصل نافع وأبو عمرو والكسائي / < فلا تسئلن عن شيء > / أثبتها الجميع في الحالين واختلف عن ابن ذكوان في حذفها وقلت في ذلك
( زوائدها سبع فلا تسئلن أن % تعلمني نبغي وإن ترني تلا )
( ويهدني ربي كذا المهتدي ومن % ويؤتيني خيرا فصادفت منهلا )
____________________
(2/580)
سورة مريم عليها السلام
860 [ وحرفا يرث بالجزم ( ح ) لو ( ر ) ضى وقل % خلقت خلقنا ( ش ) اع وجها مجملا ] (1)
____________________
1- يريد يرثني ويرث الجزم على جواب هب لي والرفع على أن يكون صفة لوليا أي وليا وارثا للعلم والنبوة ومثله فأرسله معي ردأ يصدقني يقرأ أيضا بالجزم والرفع والأقل على الجزم في يرث وعلى الرفع في يصدقني وأجمعوا على رفع { أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا }
واستبعد أبو عبيد قراءة الجزم وقال الذي يجزم يريد الشرط أي إنك إذا وهبت لي وليا ورثني فكيف يخبر بهذا زكرياء ربه وهو أعلم به منه وجوابه أن من يطلب من الأنبياء ولدا من الله سبحانه لا يطلبه إلا صالحا فهذه الصفة مقدرة فجزم بالوراثة بناء على ظاهر الحال نحو ( أخرنا إلى أجل قريب نجب دعوتك ونتبع الرسل )
ثم وجه الجزم مراعاة لفظ الأمر وإن لم تكن الوراثة لازمة من الهبة فهذا أقوى من الجزم في مثل ( وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن )
ونحوه وقال أبو علي أوقع العام موقع الخاص وأراد بالولي وليا وارثا وقول الناظم حلو رضى خبر قوله وحرفا فإن قلت الخبر مفرد والمبتدأ مثنى فكيف يسوغ هذا قلت من وجوه أحدها أن التقدير ولفظ حرفي يرث بالجزم حلو فحذف المضاف وأقيم مقامه والثاني التقدير كل واحد منهما حلو والثالث تنزيل لحرفين منزلة حرف واحد فكأنه قال ويرث في الموضعين حلو وأنشد النحاة على ذلك
( وكان في العين حب قرنفل % أو سنبلا كحلت به فأنهلت )
والرابع مجموع قوله حلو رضى خبر عن الحرفين أي هذا حلو وهذا رضى
ويلزم من اتصاف أحدهما بأحد الوصفين اتصافه بالآخر من حيث المعنى فإن الحلو مرضى والمرضى حلو ويجوز وجه خامس أن يكون بالجزم خبر حرفا أي مستقران بالجزم كما تقول الزيدان بالدار
ثم قال حلو أي الجزم فيهما حلو رضى وأما ( وقد خلقتك من قبل )
بالتاء وبنون العظمة فظاهر ونصب وجها على التمييز مجملا نعت
(2/581)
861 [ وضم بكيا كسره عنهما وقل % عتيا صليا مع جثيا ( ش ) ذا ( ع ) لا ] (1) يريد ( لأهب لك غلاما زكيا )
فالهمز للمتكلم والياء للرب تعالى أو لرسوله وإنما جاز نسبة الهبة إلى الرسول سواء كان بالهمزة أو الباء لكونه أرسل لذلك ويجوز أن تكون الباء بدلا من الهمزة لأنها همزة مفتوحة بعد مكسور فقياس تخفيفها قلبها ياء نحو لئلا فيتفق معنى القراءتين ولفظهما لأن الهمزة المخففة كالمحققة وقد كتبت في المصحف بالألف وقوله جرى حلو بحره عبارة حسنة والباء من أهب مفتوحة ولكنه أدغمها في باء بالياء لما التقا المثلان كما يدغم أبو عمرو لذهب بسمعهم وهذا أولى من حمله على أنه أسكن المتحرك للضرورة ونسيا بالفتح والكسر واحد وهو الشيء الحقير ينسى وقيل ما أغفل من شيء حقير وقيل ما إذا ذكر لم يطلق والكل متقارب المعنى وعلا تمييز
863 [ ومن تحتها اكسر واخفض ( ا ) لدهر ( ع ) ن ( ش ) ذا % وخف تساقط ( ف ) اصلا فتحملا ] + يريد ( فناداها من تحتها )
____________________
1- أي عن حمزة والكسائي ووافقهما حفص على كسر عتيا وصليا وجثيا فبكيا وجثيا جمعا باك وجاث وعتيا وصليا مصدرا عتى وصلى وأصل الجمع فعول وبكيا وصليا - لامهما ياء ويجب إدغام واو فعول فيها لأن اجتماع واو وياء
وقد سبقت إحدهما بالسكون موجب لذلك بعد قلب الواو ياء كقولهم طيا وليا
فإذا انقلبت واو فعول ياء وجب كسر ما قبلها لأن ياء ساكنة قبلها ضمة غير موجود في اللغة
فصار بكيا وصليا على لفظ قراءة الجماعة ومن كسر الياء والصاد فللاتباع وأما عتيا وجثيا فلامهما واو وقد رفضوا أن توجد واو متطرفة بعد متحرك ولم ينظروا إلى حجز واو فعول ففعلوا فيه ما فعلوا في نحو أدل كسروا ما قبل واو فعول فانقلبت ياء فلزم قلب الواو الثانية ياء ثم الإدغام فصار عتيا وجثيا ومن كسر العين والجيم فللاتباع
وهذا الصنيع في الغالب واجب فيما كان جمعا نحو جثيا وغير لازم في المصادر نحو عتيا فيجوز عتوا كقوله تعالى { وعتوا عتوا كبيرا }
واختار أبو عبيد قراءة الضم وقال هي أفصح اللغتين وأفخمها وتقدير البيت كسر عتيا وما بعده على شذا أي ذو شذا عال قال وقد تقدم معنى شذا علا في مواضع وأن معنى الشذا الطيب أو نقية النفس
862 [ وهمز أهب باليا ( ج ) رى ( ح ) لو ( ب ) حره % بخلف ونسيا فتحه ( ف ) ائز ( ع ) لا ]
(2/582)
أي أكسر الميم واخفض التاء أي ناداها المولود من تحتها والقراءة الأخرى بالفتح والنصب أي ناداها الذي تحتها ونصب الدهر على الظرف كقوله ( إذا ما أردت الدهر تقرأ فاستعذ )
وقوله عن شذا أي عن ذي شذا وفي لفظ تساقط قراآت كثيرة المشهور منها في طريقة الناظم ثلاث تساقط بتشديد السين والأصل يتساقط فأدغمت التاء الثانية في السين هذه قراءة الجميع غير حمزة وحفص
وأما حمزة فحذف التاء فخففت السين وقراءة حفص في البيت الآتي وقول الناظم وخف تساقط تساقط فاعل خف وفاصلا حال من تساقط يعني أنه فصل بين المفعول وهو رطبا وبين العامل فيه وهو هزي وهذا قول المبرد في ما حكاه الزجاج وغيره عنه ولهذا قال فتحملا أي تحمله النحويون عنه أو تحملوا ذلك وجوزوه لخفته في الفصل وقال الزمخشري رطبا تمييز أو مفعول على حسب القراءة يعني على قراءة حفص ونحوها
ثم قال وعن المبرد جواز انتصابه بهزي وليس بذاك وقال أبو علي فاعل تساقط النخلة أو جذعها ثم حذف المضاف فأسند الفعل إلى النخلة ويكون سقوط الرطب من الجذع أنه لها ورطبا منصوب على أنه مفعول به ويجوز أن يكون فاعل تساقط ثمرة النخلة ورطبا حال وإن لم يجر للثمرة ذكر فلفظ النخلة يدل عليها والباء في بجذع زائدة مثل ألقى بيده قال ويجوز أن يكون المعنى وهزي إليك بهز جذع النخلة رطبا أي إذا هززت الجذع هززت بهزه رطبا فإذا هززت الرطب سقط قلت يعني هزي إليك رطبا بسبب هزك للجذع وهذا تقرير المعنى الذي ذهب إليه المبرد والله أعلم
864 [ وبالضم والتخفيف حفصهم % وفي رفع قول الحق نصب ( ن ) د ( ك ) لا ] (1) الكسر على الاستئناف أو عطف على قوله ( إني عبد الله )
____________________
1- أي ضم الياء وخفف السين وكسر القاف أي تساقط النخلة رطبا فرطبا مفعول به ونصب قول الحق على أنه مصدر مؤكد لقوله ( ذلك عيسى ابن مريم )
أي قلت قول الصدق أي قولا صدقا حقا وقيل هو نصب على المدح والحق اسم الله تعالى والرفع على تقدير هو قول الحق أي عيسى كلمة الله أو هذا الكلام قول الحق أي الصدق أو كلام الله الذي هو الحق المبين وقوله نصب ند أي قاريء هذه صفته
يقال فلان ند أي جواد وكلا حفظ وحرث
865 [ وكسر وأن الله ( ذ ) اك وأخبروا % بخلف إذا ما مت ( م ) فين وصلا ]
(2/583)
والفتح على تقدير ولأن { الله ربي وربكم فاعبدوه }
أو عطف على { وأوصاني بالصلاة والزكاة }
وبأن ( الله ربي وربكم فاعبدوه )
وقوله ( ذلك عيسى ابن مريم ) إلى قوله ( كن فيكون ) كلام معترض وقوله ذاك من ذكا الطيب يذكوا إذا فاحت ريحه أي وجه الكسر بين ظاهر وأخبروا يعني الرواة باختلاف بينهم عن ابن ذكوان وموفين جمع موف ووصلا جمع واصل هما حالان من فاعل أخبروا يريد قوله تعالى / < أءذا ما مت لسوف أخرج > /
قراءة الجماعة بالاستفهام الذي يقال على وجه الإنكار وهم على أصولهم في ذلك فيما يتعلق بتحقيق لهمزة الثانية وتسهليها وإدخال الألف بين الهمزتين
وروى عن ابن ذكوان حذف همزة الإنكار وهي مرادفة في المعنى وله نظائر ومثل هذا يعبر عنه بالإخبار لأنه على لفظ الخبر المحض ويجوز أن يكون حكاية منه للفظ الذي قيل له بعينه كما قال لسوف وليس بموضع تأكيد بالنسبة إلى حال هذا المنكر وإنما كأنه قيل له لسوف تخرج حيا إذا ما مت فحكى هذا اللفظ منكرا له وقد تقدم تقدير أن ضد الأخبار عند الناظم الاستفهام في سورة الأعراف والرعد والله أعلم
866 [ وننجي خفيفا ( ر ) ض مقاما بضمه % ( د ) نا رءيا ابدل مدغما ( ب ) اسطا ( م ) لا ] (1)
____________________
1- ذكر في هذا البيت ثلاثة أحرف ننجي مقاما رئياء وننجي مفعول رض وخفيفا حال منه ومقاما مبتدأ ورئيا مفعول أبدل وفتح التنوين من رئيا بإلقاء حركة همزة أبدل عليه ومدغما باسطا حالان من فاعل أبدل وملا مفعول باسطا وسبق تفسير ملا والتخفيف والتشديد في { ثم ننجي الذين اتقوا } لغتان
وقد سبق ذكر ذلك في مواضع والمقام بالضم الإقامة وموضعها وبالفتح القيام أو موضعه والخلاف في هذه السورة في قوله تعالى { خير مقاما وأحسن نديا }
وسيأتي الخلاف في الذي بالأحزاب والدخان
ولا خلاف في ضم الذي في آخر الفرقان وأما رئيا في قوله ( هم أحسن أثاثا ورئيا )
فأبدل قالون وابن ذكوان همزة ياء لسكونه وكسر ما قبله كما يفعل حمزة في الوقف فالتقى يا آ
(2/584)
فأدغم الأولى في الثانية وهو أحد الوجهين لحمزة وقد سبق توجيههما في باب وقف حمزة وضعف مكي وجه الإدغام نظرا إلى أن أصل الباء الهمزة وكما أن حمزة لا يدغم - رئيا - إذا خفف همزها في الوقف وواجب في غير ذلك إدغام الواو الساكنة قبل الياء ويمكن الفرق بأن التقاء المثلين أثقل من التقاء واو وياء على أنه قد قيل في قراءة من لم يهمز وأدغم إنها من الري وهو يستعار لمن ظهر عليه أثر النعمة فلا يكون في الكلمة إبدال ولذلك امتنع السوسي من إبدال همزها وقد تقدم والله أعلم
867 [ وولدا بها والزخرف اضمم وسكنن % ( ش ) فاء وفي نوح ( ش ) فا حقه ولا ] (1) التذكير والتأنيث في - يكاد السموات - في السورتين أمرهما ظاهر سبقت أمثاله ورضا حال
أي أتى التذكير ذا رضى أي مرضيا
لأن تأنيث السموات غير حقيقي وطا يتفطرن مفعول اكسروا وقصره ضرورة
وقوله غير أثقلا حال من الطاء أي غير مشدد أثقل بمعنى ثقيلا
ثم ذكر تمام تقييد القراءة فقال
____________________
1- هنا أربعة مواضع { لأوتين مالا وولدا } - { وقالوا اتخذ الرحمن ولدا } - { أن دعوا للرحمن ولدا } - { وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا }
وفي الزخرف { قل إن كان للرحمن ولد }
أي ضم الواو وسكن اللام لحمزة والكسائي والباقون بفتحهما وهما لغتان نحو العرب والعرب والعجم والعجم وقيل ولدا بالضم جمع ولد بالفتح كأسد وأسد ووافق ابن كثير وأبو عمرو لحمزة والكسائي على ضم الذي في نوح وهو { واتبعوا من لم يزده ماله وولده }
وقوله وسكنا أدخل نون التأكيد الخفيفة في فعل الأمر ويجوز كتابتها بالألف اعتبارا بحالة الوقف عليها فإنها بالألف وشفا حال أي ذا شفاء وولا في آخر البيت بالفتح وهو تمييز أو حال أي ذا ولاء
أو هو مفعول شفاكما تقول شفى الله فلانا أي شفى الحق ولاء وذكر الشيخ أن ولا ههنا بالفتح والكسر
قلت الكسر بعيد فإنه سيأتي بعد بيت واحد حلا صفوه ولا بالكسر فلا حاجة إلى تكرار القافية على قرب من غير ضرورة
868 [ وفيها وفي الشورى يكاد ( أ ) تى ( ر ) ضا % وطا يتفطرن اكسروا غير أثقلا ]
(2/585)
869 [ وفي التاء نون ساكن ( ح ) ج ( ف ) ي صف ( ا ) % ( ك ) مال وفي الشورى ( ح ) لا ( ص ) فوه ولا ] (1) فيها ست ياءات إضافة ( من ورائي وكانت )
فتحها ابن كثير وحده { اجعل لي آية }
فتحها نافع وأبو عمرو { إني أعوذ بالرحمن } - { إني أخاف أن يمسك عذاب }
فتحهما الحرميان وأبو عمر { سأستغفر لك ربي إنه }
فتحها نافع وأبو عمرو ( آتاني الكتاب )
سكنها حمزة وحده وقوله مضافاتها خبر قوله وراءيوما بعده والولاء جمع الولياء والولياء تأنيث الأولى أي الولا بالضبط والحفظ ومعرفة الخلف فيها والله أعلم
____________________
1- أي وفي موضع التاء نون ساكن فيصير ينفطرن مضارع انفطر والقراءة الأخرى مضارع تفطر وانفطر وتفطر مطاوعا فطرته فطرته وكلاهما بمعنى شققته وفي التشديد معنى التكرير والتكثير والمبالغة وأكثر ما جاءني القرآن مخففا نحو { إذا السماء انفطرت } - { السماء منفطر به } - { فاطر السماوات والأرض }
ولكن هنا المقصود تعظيم أمر قولهم وتهويله
فناسب التشديد والأكثر على التشديد في الشورى لم يخفف غير أبي بكر وأبي عمرو وولا في آخر البيت بالكسر ومعناه المتابعة وهو تمييز أو حال كما سبق في قوله شفا حقه ولا
لكن لا يستقيم هنا أن يكون مفعولا به لأن حلا فعل لازم بخلاف شفا في ذلك البيت وصفا في قوله صفا كمال ممدود وقصره الناظم ضرورة والله أعلم
870 [ وراءي واجعل لي وإني كلاهما % وربي وآتاني مضافاتها الولا ]
(2/586)
سورة طه
871 [ لحمزة فاضمم كسرها أهله امكثوا % معا وافتحوا إني أنا ( د ) ائما ( ح ) لا ] (1)
____________________
1- قصر لفظ ها ضرورة وقوله معا أي هنا وفي القصص وقد تقدم أن الضم هو الأصل في هاء الكناية وإنما الكسر لأجل كسر ما قبلها وأما فتح ( إني أنا ربك )
فعلى تقدير نودي موسى بكذا والكسر هنا أولى وعليه الأكثر لقوله يا موسى فصرح بلفظ النداء فكان الكسر بعده واضحا نحو { يا زكريا إنا نبشرك } - { يا مريم إن الله اصطفاك }
وليس مثل الذي في آل عمران { فنادته الملائكة } - { أن الله يبشرك بيحيى }
فليس ثم لفظ النداء فأمكن تقدير فنادته بكذا قال أبو علي من كسر فلان الكلام حكاية كأنه نودي فقيل ( يا موسى إني أنا ربك )
فالكسر أشبه بما بعده مما هو حكاية وذلك قوله { إنني أنا الله لا إله إلا أنا }
وقوله { وأنا اخترتك }
فهذه كلها حكاية فالأشبه أن يكون قوله { إني أنا ربك }
كذلك أيضا وقول الناظم دائما حال من مفعول افتحوا
وحلا تمييز أي دائما حلاه أو حال من فاعل دائما
أي دائما ذا حلا ويجوز أن يكون دائما نعت مصدر أي فتحا دائما والله أعل
(2/587)
872 [ ونون بها والنازعات طوى ( ذ ) كا % وفي اخترتك اخترناك ( ف ) از وثقلا ] (1) أي وقراءة ابن عامر قطع همزة اشدد به أزري قرأه بهمزة مفتوحة جعله فعلا مضارعا مجزوما على جواب الدعاء في قوله { واجعل لي وزيرا من أهلي }
أي أشدد أنا ولزم فتح الهمزة لأنها همزة متكلم من فعل ثلاثي كقولك أضرب أنا وأخرج وأذهب وقراءة الباقين على الدعاء وهمزته همزة وصل مضمومة إذا ابتديء بالكلمة ضمت وإذا وصلت الكلمة بما قبلها سقطت لأنه أمر من فعل ثلاثي كما تقول يا زيد اخرج وادخل
فهذا معنى قوله وضم في ابتداء غيره أي ضم الهمزة وابن عامر يفتحها وصلا ووقفا لأنها همزة قطع وأما وأشركه في أمري فالقراءة فيه كما مضى من حيث المعنى بالعطف عليه فالهمزة في قراءة ابن عامر للمتكلم إلا أن فعلها رباعي فلزم ضم الهمزة كما لزم وأحسن أي أشدد أنا به أزري وأشركه أنا أيضا في أمري وقراءة الجماعة على أنه دعاء معطوف على اشدد طلب من الله سبحانه أن يشد به أزره وأن يشركه في أمره ولفظ الأمر من الرباعي بفتح الهمزة وقطعها نحو أكرم زيدا وأحسن إليه
قال أبو علي الوجه الدعاء دون الإخبار لأن ذلك معطوف على ما تقدمه من قوله { رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري }
فكما أن ذلك كله دعاء فكذلك ما عطف عليه فأما الإشراك فيبعد فيه الحمل على غير الدعاء لأن الإشراك في النبوة لا يكون إلا من الله تعالى اللهم إلا أن يجعل أمره شأنه الذي هو غير النبوة وإنما ينبغي أن تكون النبوة لقوله { فأرسله معي ردءا يصدقني }
وقوله { كي نسبحك }
____________________
1- طوى مفعول نون ووجه تنوينه ظاهر لأنه اسم واد وهو مذكر مصروف ومن لم ينونه لم يصرفه جعله اسما لبقعة أو لأرض أو هو معدول عن طاو تقديرا كعمر عن عامر
واختار أبو عبيد صرفه وقال عجبت ممن أجرى سبا وترك إجراء طوى وذلك أثقل من هذا وقرأ حمزة وحده وأنا اخترناك بضمير الجمع في الكلمتين للتعظيم والباقون وأنا اخترتك بضمير المتكلم المفرد ومفعول قوله وثقلا أول البيت الآتي أي شدد لفظ وأنا
873 [ وأنا وشام قطع اشدد وضم في ابتدا % غيره واضمم وأشركه ( ك ) لكلا ]
(2/588)
كالجواب بعد هذه الأشياء التي سألها فأما أشدد به أزري فحمله على الإخبار أسهل
وقول الناظم كلكلا بدل من قوله وأشركه بدل البعض من الكل والكلكل الصدر أي اضمم صدره وهو الهمزة
874 [ مع الزخرف اقصر بعد فتح وساكن % مهادا ( ث ) وى واضمم سوى ( ف ) ي ( ن ) د ( ك ) لا ] (1) ممال بمعنى إمالة في هذين اللفظين سوى وسدى إمالة في الوقف لزوال التنوين المانع من إمالتهما وصلا ثم قال في الأصول تأصل أي تأصل ذلك وتبين في باب الإمالة من أبواب الأصول المقدمة قبل السور في قوله سوى وسدى في الوقف عنهم أي عن صحبة أمالوهما إمالة محضة وأبو عمرو وورش يقرآنهما بين اللفظين
____________________
1- أي اقصر مهادا بعد فتح ميمه وإسكان هائه فيصير مهدا هنا وفي سورة الزخرف / < الذي جعل لكم الأرض مهادا > /
ولا خلاف في التي في عم يتساءلون { ألم نجعل الأرض مهادا }
لتشاكل الفواصل والمهد
والمهاد الشيء الممهد سموا المفعول بالمصدر كقوله في الدرهم ضرب الأمير أي مضروبه ومنه تسمية المكتوب كتابا وفعل وفعال كلاهما مصدر ومنه مهد الصبي والفراش والبساط
قال أبو علي المهد مصدر كالفرش والمهاد كالفراش في قوله { الذي جعل لكم الأرض فراشا } - { والله جعل لكم الأرض بساطا }
وهما اسم ما يفرش ويبسط قال ويجوز أن يكون المهد استعمل استعمال الأسماء فجمع كما يجمع فعل على فعال ويجوز أن يكون المعنى ذا مهد فيكون في المعنى كقول من قال مبادا
ثم قال الناظم واضمم سوى يعني مكانا سوى أي عدلا لا يكون أحد الفريقين فيه أرجح حالا من الآخر
قال أبو عبيد يضم أوله ويكسر مثل طوى وطوى قال أبو علي سوى فعل من التسوية فكان المعنى مكانا تستوي مسافته على الفريقين وهذا بناء يقل في الصفات ومثله قوم عدى
فأما فعل فهو في الصفات أكثر وقوله في ند كلا أي في قراءة جواد حفظه وحرسه من الطعن أو في مكان ند ذي كلاء أي كائنا في خصب يشير إلى ما قاله أبو علي إن الضم أكثر في مثل هذا الوزن في الصفات من الكسر واختار أبو عبيد قراءة الكسر قال لأنها أفشى اللغتين ثم بين قراءة الباقين لأن الكسر ليس ضدا للضم فقال
875 [ ويكسر باقيهم وفيه وفي سدى % ممال وقوف في الأصول تأصلا ]
(2/589)
كغيرهما من رءوس الآي وإنما ذكر ذلك هنا تجديدا للعهد بما تقدم وزيادة بيان وتأكيدا لذلك لئلا يظن أن ضم السين مانع من الإمالة لحمزة وأبي بكر فقال أمر الإمالة على ما سبق سواء في ذلك من كسر السين وهو الكسائي ومن ضمها وهو حمزة وأبو بكر والله أعلم
876 [ فيسحتكم ضم وكسر ( صحاب ) هم % وتخفيف قالوا إن ( ع ) المه ( د ) لا ] (1) أي وقرأ أبو عمرو إن هذين بنصب هذين لأنه اسم إن فهذه قراءة جلية أيضا فلهذا قال حج أي غلب في حجته لذلك ثم قال وثقله دنا أي أن ابن كثير شدد النون من هذان وهذا قد تقدم ذكره في النساء وإنما أعاد ذكره تجديدا للعهد به وتذكيرا بما لعله نسى كما قلنا في سوى وسدى وأما قراءة
____________________
1- أي ذو ضم في الياء وكسر في الحاء وصحابهم فاعل المصدر كأنه قال ضمه وكسره صحابهم فقراءتهم من أسحت وفتح غيرهم الياء والحاء فقراءتهم من سحت وهما لغتان يقال سحته وأسحته إذا استأصله وخفف حفص وابن كثير إن من قوله سبحانه قالوا إن هذان لساحران وهذه قراءة واضحة جيدة غير محوجة إلى تكلف في تأويل رفع هذان بعدها لأن إن إذا خففت جاز أن لا تعمل النصب في الاسم نحو { وإن كل لما جميع }
{ إن كل نفس لما عليها }
ويرتفع ما بعدها على الابتداء والخبر واللام في الخبر هي الفارقة بين المخففة من الثقيلة وبين النافية هذه عبارة البصريين في كل ما جاء من هذا القبيل نحو { وإن نظنك لمن الكاذبين }
{ وإن كنت من قبله لمن الغافلين }
والكوفيون يقولون إن نافية واللام بمعنى إلا
أي ما هذان إلا ساحران وكذلك البواقي فعالم هذه القراءة دلا أي أخرج دلوه ملأى فاستراح خاطره لحصول غرضه وتمام أمره قال الزجاج روى عن الخليل إن هذان لساحران بالتخفيف قال والإجماع أنه لم يكن أحد بالنحو أعلم من الخليل ( إن هذان لساحران )
بالتخفيف قال والإجماع أنه لم يكن أحد بالنحو أعلم من الخليل
877 [ وهذين في هذان ( ح ) ج وثقله % ( د ) نا فاجمعوا صل وافتح الميم ( ح ) ولا ]
(2/590)
غير أبي عمرو وابن كثير وحفص فبتشديد إن وهذان بألف
قال أبو عبيد ورأيتها أنا في الذي يقال إنه الإمام مصحف عثمان بن عفان بهذا الخط - هذان - ليس فيها ألف وهكذا رأيت رفع الاثنين في جميع ذلك المصحف بإسقاط الألف فإذا كتبوا النصب والخفض كتبوهما بالياء ولا يسقطونها
قلت فلهذا قرئت بالألف إتباعا للرسم واختارها أبو عبيد وقال لا يجوز لأحد مفارقة الكتاب وما اجتمعت عليه الأمة وقال الزجاج
أما قراءة أبي عمرو فلا أجيزها
لأنها خلاف المصحف وكلما وجدت إلى موافقة المصحف سبيلا لم أجز مخالفته لأن اتباعه سنة وما عليه أكثر القراء ولكني أستحسن إن هذان بتخفيف إن وفيه إمامان عاصم والخليل وموافقة أبي في المعنى وإن خالفه اللفظ
يروى عنه أنه قرأ / < ما هذان إلا ساحران > / وفي رواية إن ذان إلا ساحران قال ويستحسن أيضا ( إن هذا لساحران )
لأنه مذهب أكثر القراء وبه يقرأ
قال وهذا حرف مشكل على أهل اللغة وقد كثر اختلافهم في تفسيره
قلت مدار الأقوال المنقولة عنهم في ذلك على وجهين
أحدهما أن يكون هذان اسما لأن والآخر أن يكون مبتدأ فإن كان اسما لأن فلا يتوجه إلا على أنه لغة لبعض العرب يقولون هذان في الرفع والنصب والجر كما يلفظون لسائر الأسماء المقصورة
كعصى وموسى
وكذا ما معناه التثنية نحو كلا إذا أضيف إلى الظاهر اتفاقا من الفصحاء وإلى الضمير في بعض اللغات
قال الزجاج حكى أبو عبيد عن أبي الخطاب وهو رأس من رؤساء الرواة إنها لغة كنانة يجعلون ألف الاثنين في الرفع والنصب والخفض على لفظ واحد
يقولون آتاني الزيدان ورأيت الزيدان ومررت بالزيدان ويقولون ضربته من أذناه ومن يشتري مني الحقان قال وكذلك روى أهل الكوفة أنها لغة بني الحارث ابن كعب وقال أبو عبيد كان الكسائي يحكي هذه اللغة عن بني الحارث بن كعب وخيثم وزبيد وأهل تلك الناحية
وقال الفراء أنشدني رجل من الأسد عن بعض بني الحارث
( فاطرق اطراق الشجاع ولو ترى % مساغا لناباه الشجاع لصمما )
قال وحكى عنه أيضا هذا خط يدا أخي أعرفه
قال أبو جعفر النحاس هذا الوجه من أحسن ما حملت عليه الآية إذ كانت هذه اللغة معروفة قد حكاها من يرتضي علمه وصدقه وأمانته منهم أبو زيد الأنصاري وهو الذي يقال إذا قال سيبويه حدثني من أثق به فإنما يعنيه وأبو الخطاب الأخفش وهو رئيس من رؤساء أهل اللغة روى عنه سيبويه وغيره وقال غيره هي لغة بني العنبر وبني الهجيم
ومراد وعذرة وبعضهم يفر من الياء مطلقا في التثنية والأسماء الستة وعلى والي قال الراجز
( أي قلوص راكب تراها % طاروا على هن فطر علاها )
( إن أباها وأبا أباها % قد بلغا في المجد غايتاها )
قال هو بز الحارثي أنشده الكسائي
( تزود منا بين أذناه ضربة % دعته إلى هابي التراب عقيم )
____________________
(2/591)
معناه وإلى موضع هابيء التراب أي ترابه مثل الهباء يريد به القبر ثم وصفه بأنه عقيم أي لا مسكن له بعده وأنشد غيره
( كأن صريف ناباه إذا % ما أمرهما ترنم أخطبان )
وقال أبو حاتم
قال أبو زيد سمعت من العرب من يقلب كل ياء ينفتح ما قبلها ألفا فيقول جئت إلاك وسلمت علاك قلت فإذا ثبتت هذه اللغة فقد وجهها النحاة بوجوه منها ما يشمل جميع مواضع التثنية ومنها ما يختص باسم الإشارة قيل شبهت ألف التثنية بألف يفعلان فلم تغير وقيل لأن الألف حرف الإعراب عند سيبويه وحرف الإعراب لا يتغير وقيل الألف في هذان هي ألف هذا وألف التثنية حذفت لالتقاء الساكنين وقيل جعلوا هذان لفظا موضوعا للتثنية مبنيا على هذه الصفة كما قالوا في المضمر أنتما وهما لأن أسماء الإشارة أسماء مبنيات كالمضمرات فلم تعرب تثنيتهما وقيل فروا من ثقل الياء إلى خفة الألف لما لم يكن هنا على حقيقة التثنية بدليل أنه لم يقل ذيان كما يقال رحيان وحبليان
وقال الفراء الألف من هذا دعامة وليست بلام فعل فلما ثنيته زدت عليها نونا ثم تركت الألف ثابتة على حالها لا تزول في كل حال كما قالت العرب الذي ثم زادوا نونا تدل على الجمع فقالوا الذين في رفعهم ونصبهم وخفضهم كذا تركوا هذان في رفعه ونصبه وخفضه قلت وإنما اكتفوا بالنون في هذين الضربين لأنها لا تحذف لإضافة ولما كانت النون تحذف من غيرهما للإضافة احتاجوا إلى ألف تبقى دلالة على التثنية
قال وكنانة تقول ألذون وقال النحاس سألت أبا الحسن بن كيسان عنها فقال سألني عنها إسماعيل بن إسحاق فقلت لما كان يقال هذا في موضع النصب والخفض والرفع على حال واحد وكانت التثنية يجب أن لا يغير لها الواحد أجريت التثنية مجرى الواحد قلت هذه سبعة أوجه صالحة لتعليل لغة من لا يقلب ألف هذا وهي مفرقة في كتب جماعة من المصنفين يوردونها على أنها وجوه في الاحتجاج لهذه القراءة وليست الحجة إلا في كونها لغة لبعض العرب إذ لو لم يثبت كونها لغة لما ساغ لأحد برأيه أن يفعل ذلك لأجل هذه المعاني أو بعضها فترى بعضهم يقول في تعليل هذه القراءة خمسة أقوال وبعضهم يقول ستة وبعضهم بلغ بها تسعة وليس لها عندي إلا ثلاثة أقوال ذكرنا منها قولا واحدا وهو أنها على لغة هؤلاء القوم ووجهنا هذه اللغة بوجوه سبعة وهذان فيها كلها اسم لأن القول الثاني أن تكون أن بمعنى نعم
وقد ثبت ذلك في اللغة كأنهم لما ( تنازعوا أمرهم بينهم وأسروا النجوى )
أفضى بعضهم إلى بعض ذلك فقال المخاطبون نعم
هو كما تقولون أو قال لهم فرعون وملاؤه ( هذان ساحران )
فانظروا كيف تصنعون في إبطال ما جاءا به فقالوا نعم ثم استأنفوا جملة ابتدائية فقالوا هذا إن لساحران
وهذا القول محكي عن جماعة من النحاة المتقدمين قال النحاس وإلى هذا القول كان محمد بن يزيد وإسماعيل
____________________
(2/592)
ابن إسحاق يذهبان قال ورأيت أبا إسحاق وأبا الحسن علي بن سليمان يذهبان إليه قلت وهذا القول يضعفه دخول اللام في خبر المبتدإ فأنشدوا على ذلك أبياتا وقع فيها مثل ذلك واستنبط الزجاج لها تقديرا آخر وهو لهما ساحران فتكون داخلة على مبتدأ ثم حذف للعلم به
واتصلت اللام بالخبر دلالة على ذلك قال وكنت عرضته على عالمنا محمد بن يزيد وعلى إسماعيل بن إسحاق بن حماد بن يزيد يعني القاضي فقبلاه وذكرا أنه أجود ما سمعناه في هذا وقال أبو علي هذا تأويل غير مرتضى عندي إذ يقبح أن يذكر التأكيد ويحذف تفسير المؤكد
أو شيء من المؤكد القول الثالث قال الزجاج النحويون القدماء
الهاء ههنا مضمرة
المعنى إنه هذان لساحران
يعني إنه ضمير الشأن والجملة بعده مبتدأ وخبر وفيه بعد من جهة اللام كما سبق ومن جهة أخرى
وهي حذف ضمير الشأن فذلك ما يجيء إلا في الشعر ومنهم من قال ضمير الشأن والقصة موجود وهو أنها ذان فيكون اسم الإشارة خاليا من حرف التنبيه ولكن هذا يضعفه مخالفة خط المصحف فبان لمجموع ذلك ضعف هذه القراءة فإنها إن حملت على تلك اللغة فهي لغة مهجورة غير فصيحة ولأن لغة القرآن خلافها بدليل قوله تعالى { إحدى ابنتي هاتين }
وجميع ما فيه من ألفاظ التثنية فإنها إنما جاءت على اللغة الفصيحة التي في الرفع بالألف وبالياء في النصب والجر وإن حملت على أن
إن بمعنى نعم فهي أيضا لغة قليلة الاستعمال ويلزم منه شذوذ إدخال لام التوكيد في الخبر كما سبق وإن حملت على حذف ضمير الشأن فهو أيضا ضعيف ويضعفه أيضا اللام في الخبر وقراءة هذين بالياء ووجهها ظاهر من جهة اللغة الفصيحة لكنها على مخالفة ظاهر الرسم فليس الأقوى من جهة الرسم واللغة معا إلا القراءة بتخفيف إن ورفع هذان والله المستعان وقول الناظم فأجمعوا صل أي ائت بهمزة الوصل في قوله تعالى ( فأجمعوا كيدهم )
وافتح الميم فهو موافق لقوله ( فجمع كيده )
المتفق عليه وقراءة الباقين بهمزة قطع وكسر الميم من أجمع أمره إذا أحكم وعزم عليه وكلاهما متقارب
والذي في يونس بالقطع ( فأجمعوا أمركم وشركاؤكم )
وحولا حال وهو العارف بنحو الأمور والله أعلم
878 [ وقل ساحر سحر ( ش ) فا وتلقف % ارفع الجزم مع أنثى يخيل ( م ) قبلا ]
____________________
(2/593)
يريد إنما صنعوا كيد سحر أي الذي صنعوه كيد من صانعة السحر وقرأ حمزة والكسائي كيد سحر على تقدير كيد من سحر أو كيد لسحر نحو باب ساج وضرب زيد والتقدير كيد ذي سحر أو عبر عن الساحر بالسحر مبالغة فيتحد معنى القراءتين ( وتلقف ما صنعوا )
الرفع على الاستئناف أو في موضع الحال المقدرة من فاعل ألقى أو مفعوله
فالتاء للخطاب على الأول وللتأنيث على الثاني
وإنما أنث والمفعول هو ما بمعنى الذي اعتبارا بالمدلول وهو العصا وجزم تلقف على جواب الأمر وهي قراءة الجماعة ولم يرفع غير ابن ذكوان وحده وهو الذي قرأ تخيل إليه بالتأنيث فقول الناظم مقبلا رمز للحرفين تلقف وتخيل ومقبلا حال من فاعل ارفع
وأقام قوله أنثى مقام تأنيثا إقامة للاسم مقام المصدر وهو استعمال بعيد في مثل هذا أو أراد مع كلمة أنثى أي مؤنثة ثم بينها بقوله تخيل أي هي تخيل وجعلها أنثى لما كان التأنيث فيها ووجه التأنيث أن يكون الضمير في تخيل للحبال والعصى
ويكون قوله أنها تسعى بدل اشتمال منه وعلى قراءة التذكير يكون قوله أنها تسعى وهو مرفوع تخيل أي تخيل إليه سعيها
879 [ وأنجيتكم وأعدتكم ما رزقتكم % ( ش ) فا لا تخف بالقصر والجزم ( ف ) صلا ] (1)
____________________
1- يريد { قد أنجيناكم من عدوكم وواعدناكم } - { يا بني إسرائيل } { كلوا من طيبات ما رزقناكم }
الكل بنون العظمة في قراءة الجماعة وقرأ الثلاثة حمزة والكسائي بتاء المتكلم على ما لفظ به الناظم ولم يبين القراءة الأخرى لظهور أمرها وأجمعوا على النون في قوله ( ونزلنا عليكم المن والسلوى )
وهو متوسط بين هذه الكلم وبه احتج أبو عمرو في اختيار قراءته ووافقه أبو عبيد على صحة الاحتجاج ووجه قراءة التاء قوله بعد ذلك ( فيحل عليكم غضبي )
ولم يقل غضبنا وكل ذلك من باب الالتفات وتلوين الخطاب
وهو باب من أبواب الفصاحة معروف في علم البيان وقرأ حمزة وحده ( لا تخف دركا )
بالجزم على جواب الأمر وهو قول
(2/594)
{ فاضرب لهم طريقا }
أي إن تضرب لا تخف ويجوز أن يكون استئناف نهى
ولما سكنت الفاء للجزم سقطت الألف من تخاف لالتقاء الساكنين فعبر الناظم بالقصر عن حذف الألف وبالجزم عن سكون الفاء وقرأ غير حمزة لا تخاف بإثبات الألف ورفع الفاء وهو في موضع الحال
أي اضرب غير خائف ولا خاش أو يكون مستأنفا أي لست تخاف ولا تخشى وعلى قراءة الجزم يكون ولا تخشى بعده منقطعا أو مشيع الفتحة لأجل الفاصلة والله أعلم
880 [ وحا فيحل الضم في كسره ( ر ) ضا % وفي لام يحلل عنه وافى محللا ] (1) يريد ( ما أخلفنا موعدك ) ضم الميم حمزة والكسائي وفتحها نافع وعاصم وكسرها الباقون فالملك بالضم السلطان وبالفتح مصدر ملك وبالكسر ما حازته اليد
أي بسلطاننا أو بأن ملكنا أمرنا أو باختيارنا
واختار أبو عبيد قراءة الكسر واستبعد الضمة وقال أي ملك كان لبني إسرائيل يومئذ وقوله أولى نهى أي أصحاب عقول وهو حال من فاعل افتحوا أو منادى على حذف حرف الندا وحملنا وحملنا بضم الحاء وكسر الميم وتشديدها ظاهران والله أعلم
882 [ ( ك ) ما ( ع ) ند ( حرمي ) وخاطب تبصروا % ( ش ) ذا وبكسر اللام تخلفه ( ح ) لا ]
____________________
1- يريد { فيحل عليكم غضبي ومن يحلل }
قرأهما الكسائي بضم الحاء من حل يحل إذا نزل وغيره بالكسر من حل يحل إذا وجب من حل الدين يحل
وقد أجمعوا على كسر { أن يحل عليكم غضب من ربكم } - { ويحل عليه عذاب مقيم }
وعلى ضم { أو تحل قريبا من دارهم }
وأشار بقوله وافى محللا إلى جوازه وفاعل وافى ضمير عائد على الضم في كسره
أي وافى ذلك في لام يحلل أيضا
881 [ وفي ملكنا ضم ( ش ) فا وافتحوا ( أ ) ولي % ( ن ) هى وحملنا ضم واكسر مثقلا ]
(2/595)
(1) دراك أي أدرك
ومراده لحق بمن سبق وهو رمز لابن كثير على كسر لام لن تخلفه ثم ذكر - { يوم ينفخ في الصور } - قرأه أبو عمرو بالنون على إسناد الفعل إلى الله تعالى بنون العظمة أي نأمر بالنفخ فيه فهو موافق لقوله بعده وعشر وقرأ الباقون بياء مضمومة
وفتح الفاء على أنه فعل ما لم يسم فاعله والهاء في ضمه الأولى للياء وهو مبتدأ وما قبله خبره كما تقول مع زيد بالدار غلامه والهاء في ضمه الثانية للفظ بنفخ يريد ضم الفاء والله أعلم
884 [ وبالقصر للمكي واجزم فلا يخف % وأنك لا في كسره ( ص ) فوة ( ا ) لعلا ] + يريد - { فلا يخاف ظلما ولا هضما } - الجزم على نهى الغائب والرفع على الإخبار ولا خلاف في الذي في سورة الجن { فلا يخاف بخسا ولا رهقا }
أنه مرفوع وأنك لا تظمؤ بالكسر عطف على إن لك أن لا تجوع - وإن ذلك أن لا تظمأ وبالفتح عطف على أن لا تجوع ولا يلزم من ذلك إدخال إن المكسورة على المفتوحة لأن هذا هنا تقدير ولأن لك قد فصل بينهما والله أعلم
885 [ وبالضم ترضى ( ص ) ف ( ر ) ضا يأتهم مؤنث % ( ع ) ن ( أ ) ولي ( ح ) فظ لعلي أخي حلا ] + يريد لعلك بضم التاء وفتحها ظاهر وكذا أو لم يأتهم بينة بالتاء والياء لأن تأنيث بينة غير حقيقي
أي صف ترضى بالضم إذا رضي ويأتهم مؤنث عن أصحاب حفظ أي منقول عن العلماء الحفاظ ثم ذكر ياءات الإضافة وهي ثلاث عشرة في هذه السورة لعلي آتيكم فتحها الحرميان وأبو عمرو وابن عامر أخي اشدد فتحها ابن كثير وأبو عمرو وقوله حلا أي ذو حلا أو يكون أخبر بلفظ الجمع عن الاثنين لأنهما أقل الجمع على الرأي المختار
____________________
1- هؤلاء هم الذين قرءوا حملنا بالضم والتشديد أي افعل كما في مذهب هؤلاء في هذا الحرف والغيبة في يبصروا به لبني إسرائيل والخطاب لأجل قوله فما خطبك وتبصروا فاعل خاطب لما كان الخطاب فيه وشذا حال
أي ذا شذا
ثم قال وتخلفه حلا بكسر اللام أي لا يقدر على إخلافه وبفتح اللام أي لا يخلفك الله إياه ثم قال
883 [ دراك ومع ياء بننفخ ضمه % وفي ضمه افتح عن سوى ولد العلا ]
(2/596)
886 [ وذكري معا إني معا لي معا حشرتني % عين نفسي إنني راسي انجلا ] (1)
____________________
1- يعني - { وأقم الصلاة لذكري إن الساعة } - فتحها نافع وأبو عمرو في ذكري اذهبا إني آنست نار - { إني أنا ربك } { لي أمري } - لنفسي اذهب إنني أنا الله - فتح الستة هذه الحرميان وأبو عمرو ( ولي فيها مآرب ) فتحها ورش وحفص ( حشرتني أعمى ) فتحها الحرميان - على عيني إذ تمشي ولا برأسي إني خشيت - فتحهما نافع وأبو عمرو وحذف الياء من عيني ضرورة وفيها زائدة واحدة - أن لا تتبعن أفعصيت - أثبتها في الوصل نافع وأبو عمرو وفي الحالين ابن كثير وقلت في ذلك
( فتلك ثلاث بعد عشر وزائد % بتتبعني الآت من بعد لفظ لا )
أي الذي أتى من بعد لفظ ل
(2/597)
سورة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام
887 [ وقل قال ( ع ) ن ( ش ) هد وآخرها ( ع ) لا % وقل أولم لا واو ( د ) اريه وصلا ] (1) يريد ولا تسمع الصم الدعاء - قراءة ابن عامر على الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم فلزم أن تكون التاء مضمومة والميم مكسورة لأنه مضارع اسمع ونصب لفظ الصم لأنه مفعول به وغيره جعل الصم فاعلا فرفعه وأسند نفي السماع إليه فلزم فتح ضم الياء وكسر الميم لأنه مضارع سمع ولزم أن يكون أوله ياء على الغيبة فقوله غيبة
أي ذا غيبة
889 [ وقال به في النمل والروم ( د ) ارم % ومثقال مع لقمان بالرفع ( أ ) كملا ] + به أي بما ذكرناه دارم أي شيخ معمر وقد سبق معناه في سورة النساء
يعني أن ابن كثير وحده قرأ في مثل هذا في النمل والروم بما قرأ به الجماعة هنا ووافق الباقون لابن عامر على ما قرأ به وحده هنا وأما - وإن كان مثقال حبة وفي لقمان { يا بني إنها إن تك مثقال حبة }
فرفعه نافع وحده في الموضعين على أن كان تامة كما قرأ هو وابن كثير في سورة النساء { وإن تك حسنة يضاعفها }
وكما أجمعوا على وإن كان ذو عسرة والنصب على أنه خبر كان والتقدير وإن كان الشيء مثقال حبة وفي لقمان تك المظلمة مثقال
وعلى قراءة نافع يكون تأنيث الفعل على المعنى لأن المثقال سيئة أو حسنة كما قال { فله عشر أمثالها }
بقوله بالرفع أكملا إلى أن الجملة على قراءة الرفع لا تحتاج إلى تقدير اسم لكان والله أعلم
____________________
1- أي مقروء قال يريد - قل ربي يعلم القول - قرأه حمزة والكسائي وحفص على رسمها في مصاحف الكوفة دون غيرهم وفي آخر السورة - قل رب احكم بالحق - قرأه حفص وحده قال أي قال الرسول وقل أمر له بذلك ولما أمر به قاله والواو في أولم ير الذين كفروا لم تكتب في مصاحف أهل مكة فلم تثبت في قراءة ابن كثير وفائدتها العطف ومعنى داريه وصلا أي عالمه وصله أي نقله وعلمه والله أعلم
888 [ وتسمع فتح الضم والكسر غيبة % سوى اليحصبي والصم بالرفع وكلا ]
(2/598)
890 [ جذاذا بكسر الضم ( ر ) او ونونه % ليحصنكم ( ص ) افي وأنث ( ع ) ن ( ك ) لا ] (1) وحرم مفعول وسكن أي صحبة راء هذا اللفظ وقبله كسر الحاء وبعده حذف الألف وهو المعبر عنه بالقصر وقراءة الباقين وحرام بفتح الحاء والراء وإثبات الألف وحرم وحرام لغتان كحل وحلال يريد قوله تعالى - وحرام على قرية أهلكناها وأما - وكذلك ننجي المؤمنين - فكتبت في المصحف بنون واحدة فقرأه ابن عامر وأبو بكر كذلك
فهذا معنى قوله احذف أي احذف نونه الثانية كما قال في سورة يوسف وثان ننج احذف وكلا الموضعين كتب بنون واحدة
وقوله وثقل يعني شدد الجيم وباقي القراء بنونين وتخفيف الجيم من أنجى ينجي وقراءة ابن عامر وأبي بكر من نجى ينجي كما قال قبله - ونجيناه من الغم - واختار أبو عبيد هذه القراءة وضعفها النحاة وعسر تخريج وجهها على معظم المصنفين
قال أبو عبيد هذه القراءة أحب إلي لأنا لا نعلم المصاحف في الأمصار كلها كتبت إلا بنون واحدة ثم رأيتها في الذي يسمى للإمام مصحف عثمان بن عفان أيضا بنون واحد وقال إنما قرأها عاصم كذلك اتباعا للخط وقد كان بعضهم يحمله من عاصم على اللحن
قال ابن مجاهد قرأ عاصم وحده في رواية أبي بكر نجى بنون واحد مشدد الجيم على ما لم يسم فاعله قال وروي عن أبي عمرو نجى مدغمة قال وهذا وهم لا يجوز ههنا الإدغام لأن النون الأولى متحركة والثانية
____________________
1- أي قرأه راو فالمكسور جمع جذيذ بمعنى مجذوذ كخفاف وكرام في جمع خفيف وكريم والمضموم جمع جذاذة كزجاجة وزجاج
وقيل الضم واحد في معنى الجمع كالرفاة والفتاة وهذا بناء ما كسر وفرقت أجزاؤه وقيل هما لغتان
قال أبو علي جذاذ الشيء إذا قطعته ومثل الجذاذ الحطام والرفات والضم في هذا النحو أكثر والكسر فيما زعموا لغة وهي قراءة الأعمش وقرأ أبو بكر وحده لنحصنكم من بأسكم بالنون لقوله وعلمناه صنعة لبوس لكم - فهي نون العظمة وقرأه حفص وابن عامر بالتاء تأنيثا للفعل على الحمل على المعنى أي ليحصنكم اللبوس لأن المراد بها الدروع أو التقدير لتحصنكم الصنعة وقرأ الباقون بالياء على التذكير أي ليحصنكم الله تعالى أو داود أبو اللبوس لأنه بمعنى ملبوس أو التعليم الذي دل عليه وعلمناه كل ذلك قد قيل وهو صحيح واختار أبو عبيد قراءة الياء
قال لأن اللبوس أقرب إلى الفعل وهو ذكر فكان أولى به وقول الناظم ونونه على تقدير ولنحصنكم نونه صافي على التقديم والتأخير ومثله ما سبق في يونس وبنونه ونجعل صف أي ونجعل صف بنونه ويجوز أن يكون لنحصنكم ونجعل كلاهما بدلا من الهاء كما تقول ضربته زيدا واضمر ذلك على شريطة التفسير تفخيما له وصافا فعل من المصافاة وقراءة الجماعة بالياء يجوز أن نأخذها من كونها تذكيرا فهو ضد للتأنيث إن عادت على اللبوس ويجوز أن نأخذها من الضد للنون إن عادت على الله سبحانه أو على داود عليه السلام أو على التعليم
وإنما لم يقل وبالتاء عن كلا لئلا يشتبه بلفظ الياء
891 [ وسكن بين الكسر والقصر ( صحبة ) % وحرم وننجي إحذف وثقل ( ك ) ذي ( ص ) لا ]
(2/599)
ساكنة والنون لا تدغم في الجيم وإنما خفيت النون لأنها ساكنة تخرج من الخياشيم فحذفت من الكتاب وهي في اللفظ ثابتة ومن قال إنها مدغمة فقد غلط قال الزجاج أما ما روي عن عاصم بنون واحدة فلحن لا وجه له لأن ما لم يسم فاعله لا يكون بغير فاعل
قال وقد قال بعضهم المعنى نجى النجاء المؤمنين وهذا خطأ بإجماع النحويين كلهم لا يجوز ضرب زيدا يريد ضرب الضرب زيدا لأنك إذا قلت ضرب زيد فقد علم أن الذي ضربه ضرب فلا فائدة في إضماره وإقامته مقام الفاعل وإنما قال الزجاج ذلك لأن الفراء وأبا عبيد تحيلا في تخريج وجه هذه القراءة على هذا قال الفراء القراء يقرءونها بنونين وكتابتها بنون واحدة وذلك لأن النون الثانية ساكنة ولا تظهر الساكنة على اللسان فلما خفيت حذفت وقد قرأها عاصم فيما أعلم بنون واحدة ونصب المؤمنين كأنه احتمل اللحن لا يعرف لها جهة إلا تلك لأن ما لم يسم فاعله إذا خلا باسم رفعه إلا أن يكون أضمر المصدر في نجى فنوى به الرفع ونصب المؤمنين فيكون كقوله ضرب الضرب زيدا ثم يكنى عن الضرب فتقول ضرب زيدا وكذلك نجى النجاء المؤمنين وقال أبو عبيد الذي عند نافيه أنه ليس بلحن وله مخرجان في العربية
أحدهما أن يريد ننجي مشددة لقوله - ونجيناه من الغم - ثم تدغم الثانية في الجيم
والمخرج الآخر أن يريد نجى فعل فيكون معناه نجى النجاء المؤمنين فيكون نصب المؤمنين على هذا ثم ترسل الياء فلا ينصبها
قلت الوجه للثاني قد أبطله الزجاج على ما سبق والأول فاسد لأنه قدر الكلمة مشددة الجيم ثم جوز أن تدغم النون الثانية في الجيم ولا يتصور الإدغام في حرف مشدد ولم يكن له حاجة إلى تقدير الكلمة مشددة الجيم بل لو ادعى أن الأصل ما قرأ به الجماعة بتخفيف الجيم ثم زعم الإدغام لكان أقرب على أنه أيضا ممتنع قال النحاس هذا القول لا يجوز عند أحد من النحويين لبعد النون من الجيم فلا تدغم فيها فلا يجوز في - من جاء بالحسنة - مجاء بالحسنة وقال الزمخشري النون لا تدغم في الجيم ومن تمحل لصحته فجعله فعل وقال نجى النجاء المؤمنين فأرسل الياء وأسنده إلى مصدره فمتعسف بارد التعسف
قلت ومعنى قولهم أرسل الياء أي أسكنها وقال مكي فيه بعد من وجهين
أحدهما أن الأصل أن يقوم المفعول مقام الفاعل دون المصدر
والثاني أنه كان يجب فتح الياء من نجى لأنه فعل ماض قال وقيل إن هذه القراءة على طريق إخفاء النون في الجيم قلت وهذا تأويل أبي علي في الحجة
قال مكي وهذا أيضا بعيد
لأن الرواية بتشديد الجيم والإخفاء لا يكون معه تشديد قال وقيل أدغم النون في الجيم وهذا أيضا لا نظير له لا يدغم النون في الجيم في شيء من كلام العرب لبعد ما بينهما وإنما تعلق من قرأ هذه القراءة بأن هذه اللفظة في المصاحف بنون واحدة قال فهذه القراءة إذا قرئت بشد الجيم وضم النون وإسكان الياء غير ممكنة في العربية قال أبو علي فأما قول من قال إنه يسند الفعل إلى المصدر ويضمر لأن الفعل دل عليه فذلك مما لا يجوز في ضرورة الشعر والبيت الذي أنشده ابن قتيبة
( ولو ولدت فقيرة جرو كلب % لسب بذلك الجرو الكلابا )
لا يكون حجة في هذه القراءة وإنما وجهها ما ذكرنا لأن الراوي حسب الإخفاء إدغاما
قال الشيخ واحتجوا لإسكان الياء بقراءة الحسن
____________________
(2/600)
{ وذروا ما بقي من الربا }
ويقول النابغة ردت عليه أقاضيه وليده قال وقد قرأ أبو جعفر ليجزي قوما أي ليجزي الجزاء قوما قلت وكل هذا استدلال بقراءات ضعيفة شاذة وبضرورات شعر وكل ذلك مما يشهد بضعف هذه القراءة وعجبت ممن يذكرها ويترك غيرها مما هو شائع لغة نقلا وموافق خطا نحو - ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون - ذكر ابن مجاهد رواية عن أبي عمرو بياء مضمومة ورواية عن ابن عامر بتاء مفتوحة مع كسر الجيم وأجود ما وقفت عليه في توجيه هذه القراءة ما نقله أبو جعفر النحاس قال لم أسمع في هذا بأحسن من شيء سمعته من علي ابن سليمان قال الأصل ننجي فحذف إحدى النونين لاجتماعهما كما تحذف إحدى التاءين لاجتماعهما نحو قوله تعالى - ولا تفرقوا - الأصل تتفرقوا قال والدليل على صحة ما قال أن عاصما يقرأ نجى بإسكان الياء ولو كان على ما تأوله من ذكرنا لكان مفتوحا وقال أبو الفتح ابن جني في كتاب الخصائص في باب امتناع العرب من الكلام بما يجوز في القياس أجاز أبو الحسن ضرب الضرب الشديد زيدا وقتل يوم أخاك قال هو جائر في القياس وإن لم يرد به الاستعمال ثم أنشد ابن جني
( لسب بذلك الجرو الكلابا % ) قال هذا من أقبح الضرورة ومثله لا يعتد به أصلا بل لا يثبت إلا محتقرا شاذا قال وأما قراءة من قرأ - وكذلك نجى المؤمنين - فليس على إقامة المصدر مقام الفاعل لأنه عندنا على حذف إحدى نوني ننجي كما حذف ما بعد حرف المضارعة في قوله تعالى - تذكرون - أي تتذكرون ويشهد لذلك أيضا سكون لام نجى ولو كان ماضيا لانفتحت اللام إلا في الضرورة وقال في كتاب المحتسب روى عن ابن كثير وأهل مكة - ونزل الملائكة تنزيلا - يعني في سورة الفرقان قال وكذلك روى خارجة عن أبي عمرو قال أبو الفتح ينبغي أن يكون محمولا على أنه أراد - وننزل الملائكة - إلا أنه حذف النون الثانية التي هي فاء فعل لالتقاء النونين استخفافا وشبهها بما حذف من أحد المثلين الزائدين في نحو قولك أنتم تفكرون وتظهرون وأنت تريد تتفكرون وتتظهرون
قال ونحوه قراءة من قرأ وكذلك نجى المؤمنين ألا تراه يريد ننجي فحذف النون الثانية وإن كانت أصلا لما ذكرنا قلت ونقل هذه القراءة وتعليلها المذكور الزمخشري في تفسيره وذكره المهدوي في قراءة ننجي المؤمنين وهو وجه سديد غريب لا تعسف فيه ويشهد له أيضا حذف إحدى النونين من أتحاجوني وتبشروني وتأمروني وتأمروني أعبد وعجبت من شيخنا أبي الحسن رحمه الله كيف لم ينقل هذا التعليل في شرحه مع كونه في إعراب النحاس وهو كثير الأخذ منه وقراءة الجماعة ننجي بنونين الثانية ساكنة وبتخفيف الجيم من الإنجاء وقبله ونجيناه من الغم بالتشديد جمعا بين اللغتين كما جمع بينهما في كثير من القرآن نحو { فمهل الكافرين أمهلهم رويدا }
{ ويقول الذين آمنوا لولا نزلت سورة فإذا أنزلت سورة محكمة }
____________________
(2/601)
وقول الناظم كذى صلا إشارة إلى النظر والفكرة في وجه هذه القراءة أي كن في الذكاء والبحث كذى صلا وقد سبق تفسيره ويقال بكسر الصاد وفتحها والله أعلم
892 [ وللكتب اجمع ( ع ) ن ( ش ) ذا ومضافها % معي مسني إني عبادي مجتلا ] (1)
____________________
1- أي عن ذي شذا يريد - كطي السجل للكتاب - فالقراءة دائرة بين الجمع والإفراد قد سبق لهما نظائر فالكتب جمع كتاب والكتاب في الأصل مصدر كتب كتابا مثل بنى بناء ثم قيل للمكتوب كتاب وقد اختلف في معنى السجل فقيل هو ملك يطوى صحائف بني آدم وقيل كاتب كان للنبي صلى الله عليه وسلم فالمعنى على هذين القولين ظاهر أي كما يطوى السجل الكتاب أو الكتب
فالمفرد اسم جنس يغني عن الجمع فهو واحد يراد به الكثرة واللام في الكتب أو للكتاب زائدة وحسنها اتصالها بمعمول المصدر تقوية لتعديته نحو عرفت ضرب زيد لعمرو والأصل ضرب زيد عمرا فكهذا هنا كطي السجل للكتاب فإضافة طي إلى السجل من باب إضافة المصدر إلى فاعله وقيل إن السجل هو اسم الصحيفة فيكون المصدر مضافا إلى مفعوله نحو { بسؤال نعجتك إلى نعاجه }
والمعنى كطي الصحيفة للكتابة فيها أو لأجل المكتوب فيها قال قتادة كطي الصحيفة فيها الكتب قال أبو علي كطي الصحيفة مدرجا فيه الكتب أي لدرج الكتب فيها فإن كان الجمع للمكتوب فظاهر وإن كان للمصدر فلأجل اختلاف أنواعه وقول الناظم مجتلا خبر قوله ومضافها ومع وما بعده عطف بيان لمضافها أو صفة له على تقدير الذي هو كذا وكذا وأراد هذا ذكر من معي فتحها حفص وحده - إني إله من دونه - فتحها نافع وأبو عمرو مسني الضر عبادي الصالحون سكنهما حمزة والله أعل
(2/602)
سورة الحج
893 [ سكارى معا سكرى ( ش ) فا ومحرك % ليقطع بكسر اللام ( ك ) م ( ج ) يده ( ح ) لا ] (1)
____________________
1- يريد - وترى الناس سكارى وما هم بسكارى - قرأهما حمزة والكسائي سكرى كلاهما جمع سكران وأجمعوا على { لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى }
ونظير القراءتين أسارى وأسرى كما سبق في الأنفال والبقرة وجمع سكران على سكارى بضم السين السين وبالألف بعد الكاف هو القياس كعجلان وعجالى وكسلان وكسالى
وإنما جمع على سكرى بفتح السين والقصر حملا له على فعيل بمعنى مفعول إذا كان ذا آفة وبلية فحمل سكران عليه لملاقاته إياه في المعنى كجرحى وقتلى
ونظيره قولهم روبان وروبى وهو الذي سكر من شرب اللبن الرائب والمختلط من كثرة السير والتعب قال الشاعر
( فأما تميم تميم بن مر % فألقاهم القوم روبى نياما )
قال سيبويه قالوا رجل سكران وقوم سكرى وذلك لأنهم جعلوه كالمرضى
قال وقالوا رجال روبي جعلوه بمنزلة سكرى والروبى الذين قد استثقلوا نوما فشبهوه بالسكران
قال أبو علي ويجوز أن يجمع سكران على سكرى من وجه آخر وهو أن سيبويه حكى رجل سكر وقد جمعوا هذا البناء على فعالى فقالوا هرم وهرمى وزمن وزمنى وضمن وضمنى لأنه من باب الأدواء والأمراض التي يصاب بها وأما كسر اللام في ثم ليقطع فهو الأصل لأنها لا أمر فهي مكسورة بدليل أنها إذا لم يدخل عليها أحد الحروف الثلاثة الفاء والواو وثم لا تكون إلا مكسورة وهذه الحروف إذ اتصلت بها فمنهم من سكنها تخفيفا لتوسطها باتصال حرف العطف بها واتصال الفاء والواو بها أشد من اتصال ثم لأن ثم كلمة مستقلة بخلافهما فإنهما يصيران إذا اتصلا بكلمة كأنهما بعض حروفها فلهذا يسكن مع الفاء والواو من لا يسكن مع ثم وذلك نظير ما سبق في أول البقرة في إسكان فهو وهو ثم هو والفاء أشد اتصالا من الواو لأنها متصلة لفظا وخطا والواو منفصلة خطا فلهذا اتفق القراء على إسكان اللام مع الفاء نحو فليمدد ، فلينظر واختلفوا مع الواو وثم كما يأتي فإسكانها مع الفاء أحسن ومع ثم أبعد ومع الواو متوسط فإن قلت فلم اختلف القراء في ترك الإسكان مع الفاء في فهو وفهي وأجمعوا على إسكان اللام مع الفاء قلت لخفة الكلمتين لقلة حروفهما بخلاف ما دخل عليه لام الأمر فإنها أكثر حروفا فناسبت التخفيف ولهذا كان الأكثر على الإسكان هنا مع الواو ومع ثم وفي وهو وفهو الأكثر على التحريك وتقدير البيت وليقطع محرك بكسر اللام وميزكم محذوف
أي كم مرة حلا جيده والجيد العن
(2/603)
894 [ ليوفوا ابن ذكوان ليطوفوا له % ليقضوا سوى بزيهم ( نفر ج ) لا ] (1) أي انصب لؤلؤا هنا مع حرف فاطر يريد { يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا }
فوجه الخفض العطف على أساور من ذهب ووجه النصب العطف على موضع من أساور أو على تقدير ويحلون لؤلؤا ورسم بالألف في الحج خاصة دون فاطر والقراءة نقل فما وافق منها ظاهر الخط كان أقوى وليس اتباع الخط بمجرده واجبا ما لم يعضده نقل فإن وافق فيها ونعمت ذلك نور على نور
قال الشيخ وهذا الموضع أدل دليل على اتباع النقل في القراءة لأنهم لو اتبعوا الخط وكانت القراءة إنما هي مستندة إليه لقرءوا هنا بألف وفي الملائكة بالخفض
قال أبو عبيد ولولا الكراهة لخلاف الناس لكان اتباع الخط أحب إلي فيكون هذا بالنصب والآخر بالخفض وقول الناظم نظم ألفه مصدر وقع وصفا للؤلؤ وحسن ذكر النظم مع ذكر اللؤلؤ وهو إشارة إلى الائتلاف الواقع للمؤمنين في الجنة كقوله تعالى { ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا }
الآية جعلنا الله تعالى بكرمه منهم وقوله ورفع سواء مفعول قوله تنخلا أي غير حفص تنخل أي اختار رفع - سواء العاكف فيه - وحفص وحده نصبه فوجه رفعه أنه خبر والعاكف مبتدأ والجملة ثاني مفعولي جعلناه ونصبه على أن يكون هو المفعول الثاني فالعاكف فاعل لأنه مصدر أي مستويا فيه العاكف والبادي ويجوز أن يكون حالا من الهاء في جعلناه وللناس هو المفعول الثاني أي جعلناه لهم في حال استواء العاكف فيه والبادي فيه وعند هذا يجوز أن يكون حالا من الذكر في المستقر
____________________
1- أراد ليوفوا نذورهم وليطوفوا لم يكسرهما سوى ابن ذكوان وأجمعوا على إسكان ( فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي )
في البقرة وفي النور { وليضربن بخمرهن }
وأما ثم ليقضوا تفثهم فهو بعد ثم فكسر اللام أبو عمرو وابن عامر وقنبل وورش لأنه استثنى البزي من نفر ومدلول نفر ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر ورمز مع نفر لورش بقوله جلا فكسر قنبل ليقضوا ولم يكسر ليقطع جمعا بين اللغتين إعلاما بجوازهما
895 [ ومع فاطر انصب لؤلؤا ( ن ) ظم ( إ ) لفة % ورفع سواء غير حفص تنخلا ]
(2/604)
896 [ وغير ( صحاب ) في الشريعة ثم وليوفوا % فحركه لشعبة أثقلا ] (1) أي وليوفوا في تحريك الخاء بالفتح وتشديد الطاء والأصل فتتخطفه الطير حذفت إحدى التاءين قال الجوهري اختطفه وتخطفه بمعنى وقراءة الباقين من خطف يخطف وتعسف بعضهم في توجيه قراءة نافع وجها ذكره الشيخ في شرحه لا حاجة إليه والنسك بالفتح يقال في المصدر واسم الزمان والمكان وهو جار على القياس والكسر لغة فيه وتقدير البيت وقل مسرعا منسكا مستقر بالكسر في السين معا يعني في موضعين - وكل أمة جعلنا منسكا - ليذكر اسم الله - لكل أمة جعلنا منسكا هم ناسكوه )
898 [ ويدفع ( ح ) ق بين فتحيه ساكن % يدافع والمضموم في أذن ( ا ) عتلا ] + يريد إن الله يدفع فقوله ويدفع حق جملة من مبتدأ وخبر أي قراءة يدفع حق ثم قيد هذه القراءة بقوله بين فتحيه ساكن يعني سكون الدال بين فتح الياء والفاء لأن القراءة الأخرى لا تعلم من ضد هذا القيد فاحتاج إلى بيانها بقوله يدافع فحذف المضاف للعلم به ولم تكن له حاجة إلى تقييد قراءة يدفع لأنه قد لفظ بالقراءتين وكان له أن يقول
( ويدفع حق في يدافع وارد % وفي إذن اضمم ناصرا أنه حلا )
ومن بعد هذا الفتح في نا يقاتلون فيتصل رمز أذن في بيت واحد وقد مضى الكلام في سورة البقرة في مصدر هذين الفعلين - ولولا دفع الله - ودفاع لله ومثله هنا أيضا فقراءة نافع يدافع موافقة لقراءة دفاع
____________________
1- أي وغير صحاب اختاروا رفع الذي في الشريعة يعني في سورة الجاثية وهو - سواء محياهم ومماتهم - لنصبه مع حفص حمزة والكسائي على الحال ومحياهم فاعله ورفع الباقون على أنه خبر مقدم والجملة بدل من الكاف في - كالذين آمنوا - فهي في موضع نصب على المفعولية وقرأ شعبة - وليوفوا نذورهم - بفتح الواو وتشديد الفاء من وفي والباقون من أوفى وهما لغتان وهذا كالخلاف في { ولتكملوا العدة }
في البقرة فقرأ شعبة هنا كما قرأ ثم ونبه الناظم هنا على فتح ما قبل المشدد ولم ينبه على ما سبق ذكره وأثقلا حال من الهاء في فحركه أي ثقيلا وقوله ثم لإقامة الوزن وأجمعوا على - أوفوا بالعقود - بالألف - وإبراهيم الذي وفى - بالتشديد و { اليوم أكملت لكم دينكم } بالألف
897 [ فتخطفه عن نافع مثله وقل % معا منسكا بالكسر في السين ( ش ) لشلا ]
(2/605)
وقراءة ابن كثير وأبي عمرو يدفع لقراتهما ولولا دفع الله والباقون جمعوا بينهما فقرءوا يدافع ولولا دفع إشعارا بتقاربهما في المعنى فإن المراد من يدافع يدفع فهو من باب طارقت النعل وعاقبت اللص وعافاه الله ثم تممم الكلام في أذن فقال
899 [ ( ن ) عم ( ح ) فظوا والفتح في تا يقاتلون % ( عم ع ) لاه هدمت خف ( إ ) ذ ( د ) لا ] (1) يريد فكأين من قرية أهلكناها بنون العظمة قرأه أبو عمرو بتاء مضمومة أهلكتها والغيب في ( كألف سنة مما تعدون ) لقوله قبله ويستعجلونك وهذا هو الدخلل الذي شايعه أي المداخل أي المناسب والخطاب ظاهر
901 [ وفي سبإ حرفان معها % معاجزين ( ح ) ق بلا مد وفي الجيم ثقلا ] + يريد / < والذين سعوا في آياتنا معجزين أولئك لهم عذاب من رجز أليم > /
/ < والذين يسعون في آياتنا معجزين أولئك في العذاب محضرون > /
هذان في سبأ وقوله معها أي مع حرف هذه السورة وهو والذين سعوا في آياتنا معجزين أولئك أصحاب الجحيم فمعنى معجزين ينسبون من تبع النبي صلى الله عليه وسلم إلى العجز وقيل مثبطين الناس عنه وقيل معناه يطلبون تعجيزنا وفي المد معنى أنهم يسابق بعضهم بعضا في التعجيز واختار أبو عبيد قراءة المد ورواها عن ابن عباس وقال معناها مشاقين وقال أبو علي معاجزين ظانين ومقدرين أنهم يعجزوننا لأنهم ظنوا أن لا بعث ولا نشور فيكون ثواب وعقاب وقال الشيخ سعوا معجزين ومعاجزين أي بالطعن فينا وقولهم سحر وشعر وغم ذلك من البهتان
902 [ والأول مع لقمان يدعون غلبوا % سوى شعبة والياء بيتي جملا ]
____________________
1- أي ضم أذن للذين نافع وعاصم وأبو عمر وعلى ما لم يسم فاعله وفتح الباقون على تقدير أذن الله لهميقاتلون بفتح التاء على بناء الفعل للمفعول أيضا وبكسرها على بنائه للفاعل والتخفيف والتشديد في هذين ظاهران وسبق معنى ولا
900 [ وبصري أهلكنا بتاء وضمها % يعدون فيه الغيب ( ش ) ايع ( د ) خللا ]
(2/606)
(1)
____________________
1- يريد بالأول - وأن ما يدعون من دونه - ومثله في لقمان واحترز بقوله الأول من الذي بعده وهو - إن الذين تدعون من دون الله - وأراد يدعون الأول فلما قدم الصفة أتبعها الموصوف بيانا فهو من باب قول النابغة والمؤمن العائدات الطير أي قرأ يدعون في الموضعين بالغيبة أبو عمرو وصحاب والباقون بالخطاب ووجههما ظاهر وفي هذه السورة ياء واحدة للإضافة و - طهر بيتي - فتحها نافع وهشام وحفص وفيها زائدتان و - الباد - أثبتها في الحالين ابن كثير وفي الوصل ورش وأبو عمرو - نكير - أثبتها في الوصل ورش وحده وقلت في ذلك
( زوائدها ياءان والباد بعده % نكير وما شيء إلى النمل أنزلا )
أي وما شيء من الزوائد فيما بعد الحج من السور إلى سورة النمل والله أعل
(2/607)
سورة المؤمنون
903 [ أماناتهم وحد وفي سال ( د ) اريا % صلاتهم ( ش ) اف وعظما ( ك ) ذي ( ص ) لا ] (1) يريد - ثنيت بالدهن - اضمم التاء واكسر الباء فيصير من أنبت وهو بمعنى نبت فيتحد معنى القراءتين أي تنبت ومعها الدهن وقيل المفعول محذوف أي ينبت زيتونها وبالدهن في موضع الحال من الشجرة على الوجه الأول
أي ملتبسة بالدهن وعلى الوجه الثاني يكون حالا إما من الشجرة أو من المفعول المحذوف وقيل الياء زائدة والمعنى تنبت الدهن كقوله - ومن يرد فيه بإلحاد بظلم - ومن قرأه من نبت فالباء للتعدية أو مع مجرورها للحال وقوله حقه أي هو حقه ( وتنبت ) متعلق باضمم أو باكسر أو بالضم وقوله والمفتوح سيناء أي وسيناء المفتوح فقدم الصفة ضرورة وأتى بما بعدها بيانا كالعائدات الطير ومعنى ذلك قرب وسهل أراد بفتح السين والباقون بكسرها وهو اسم أعجمي تكلمت به العرب مفتوحا ومكسورا وقالوا أيضا سنين والمانع له من الصرف مع العلمية العجمة وقيل طور سينا مركب كحضرموت على لغة الإضافة
____________________
1- يريد - والذين هم لأماناتهم - هنا وفي سورة سأل وحدهما ابن كثير وحده - والذين هم على صلاتهم يحافظون - وحده هنا حمزة والكسائي ولا خلاف في إفراد الذي في سورة سأل ولا في الأول هنا وهو قوله - الذين هم في صلاتهم خاشعون - وعلم أن موضع الخلاف هو الثاني لذكره إياه بعد أماناتهم
فالتوحيد يدل على الجنس والجمع لاختلاف الأنواع وقد اتفق على الجمع في - أن تؤدوا الأمانات - وعلى الأفراد في { إنا عرضنا الأمانة }
وعلى جمع { حافظوا على الصلوات }
وعلى الإفراد في - أقيموا الصلاة - قوله وعظما أي ووحد عظما يعني - فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما - وقد ذكره في البيت الآتي في قوله مع العظم وحدهما ابن عامر وأبو بكر
كما قال الراجز في خلقكم عظم وقد شجيناه أي في حلوقكم عظام والعظام بالجمع وموضع كذي صلا نصب على الحال من فاعل وحد وقد سبق تفسيره
904 [ مع العظم واضمم واكسر الضم ( حق ) ه % بتنبت والمفتوح سيناء ( ذ ) للا ]
(2/608)
905 [ وضم وفتح منزلا غير شعبة % ونون تترا ( حق ) ه واكسر الولا ] (1) يريد - وإن هذه أمتكم - الكسر على الاستئناف والفتح على تقدير ولأن هذه على ما تقدم في الأنعام في قوله تعالى { وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه }
وخفف ابن عامر النون في الموضعين كما قال سبحانه { وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين }
وقرأ نافع وحده - سامرا تهجرون - بضم التاء وكسر الجيم من أهجر في منطقه إذا أفحش فيه وقرأ غيره بفتح التاء وضم الجيم من هجر إذا هذى
وقال أبو علي تهجرون آياتي مما يتلى عليكم من كتابي فلا تنقادون له وتهجرون تأتون بالهجر وهو الهذيان وما لا خير فيه من الكلام
وفي الحديث في زيارة القبور ولا تقولوا هجرا وقال أبو عبيد القراءة الأولى أحب إلينا ليكون من الصدود والهجران كقوله { فكنتم على أعقابكم تنكصون }
هذا يشبه الهجران ومن قرأها تهجرون أراد الإفحاش في المنطق
وقد فسرها بعضهم على الشرك وقول الناظم أجملا هو حال من فاعل اكسر أو مفعول أو نعت مصدر محذوف أي كسرا جميلا
907 [ وفي لام لله الأخيرين حذفها % وفي الهاء رفع الجر عن ولد العلا ] + في هذه السورة - سيقولون لله - في ثلاثة مواضع الأول لا خلاف فيه أنه لله بإثبات لام الجر وهو جواب قوله - قل لمن الأرض ومن فيها - والخلاف في الثاني والثالث وهما جواب قوله - قل من رب السموات ( قل من
____________________
1- التقدير غير شعبة ذو ضم وفتح لفظ منزلا فمنزلا مفعول بأحد المصدرين قبله يريد - وقل رب أنزلني منزلا - فضم الميم وفتح الزاي يجعله مصدرا أو اسم مكان من أنزل وقرأه شعبة بفتح الميم وكسر الزاي - على أنه كذلك من نزل ونظير القراءتين ما تقدم في مدخلاوتترى مصدر من المواترة فمن نونه جعل وزنه فعلا كضربا ومن لم ينون جعله فعلى كدعوى من المصادر التي لحقتها ألف التأنيث المقصورة وقد سبق ما يتعلق بإمالتها في باب الإمالة ثم قال واكسر الولا أي ذا الولا يعني الموالي لتترى أي الذي هو قريب منه بعده ثم بينه فقال
906 [ وأن ( ث ) وى والنون خفف ( ك ) فى % وتهجرون بضم واكسر الضم ( أ ) جملا ]
(2/609)
بيده ملكوت كل شيء ) فقرأهما أبو عمرو بحذف حرف الجر فارتفع الاسم الجليل على أنه خبر مبتدأ أي هو الله فهو جواب مطابق للفظ السؤال وكذلك كتب في مصاحف البصرة وقرأهما غيره كالأول بإثبات لام الجر وكذلك كتب في مصاحفهم وهو جواب من حيث المعنى لأن قولك من مالك هذه الدار ولمن هذه الدار معناهما واحد
قال أبو عبيدة كان الكسائي يحكي عن العرب أنه يقال للرجل من رب هذه الدار فيقول لفلان بمعنى هي لفلان وقول الناظم الأخيرين هو مضاف إليه أي وفي لام هذا اللفظ ا لذي في الموضعين الأخيرين كما تقدم في قوله وأخرتني الإسراء وحذفها مبتدأ فهو كقولك في صدر سيد الرجلين علم والله أعلم
908 [ وعالم خفض الرفع ( ع ) ن ( نفر ) % وفتح شقوتنا وامدد وحركه ( ش ) لشلا ] (1) يريد فاتخذتموهم سخريا وفي ص أتخذناهم سخريا من سخرت إذا ضحكت منه وقيل الكسر في سين ذلك وضمها لغتان وقيل الضم من السخرة والعبودية والكسر من الهزؤ واللعب وأجمعوا على ضم الذي في الزخرف { ليتخذ بعضهم بعضا سخريا }
لأن المراد المعنى الأول لينتظم قوام العالم والهاء في قوله
وبصادها تعود على سور القرآن للعلم بذلك كما انه إذا قال حفصهم يعلم أنه أراد حفص القراء والهاء في على ضمه للكسر وقوله بها معمول وكسرك وعلى ضمه خبر المبتدأ ويجوز أن يكون بها خبر قوله وكسرك أي اختص ذلك بهذه السورة وبسورة ص ثم استأنف فقال على ضمه أعطى سخريا شفاء وفاعل أعطى ضمير عائد على سخريا لا على كسرك ولو عاد على كسرك لكان هو خبر المبتدأ ولزم أن يكون الرمز للكسر وليس للرمز إلا للضم وأشار بقوله وأكملا إلى إكمال الضم في مواضع سخريا الثلاثة والله أعلم
قال أبو عبيد وكذلك هي عندنا لأنهن إنما يرجعن إلى معنى واحد وهما لغتان سخرى وسخرى وقد رأيناهم أجمعوا على ضم التي في الزخرف فكذلك الأخريان
____________________
1- يريد سبحان الله عما يصفون عالم الغيب فبالخفض هو نعت لاسم الله تعالى وبالرفع على تقدير هو عالم والشقاوة على لفظ السعادة والشقوة كالردة والفطنة لغتان أي افتح الشين وحرك القاف بالفتح ومدها وقدم ذكر المد على التحريك لضرورة الوزن ولتعين القاف لذلك فليس في حرف شقوتنا ما يقبل التحريك غير القاف لأنها ساكنة والبواقي متحرك
وقوله عن نفر أي منقول عن نفر وفتح شقوتنا كذلك من حيث المعنى أي عن جماعة قرءوا به والله أعلم
909 [ وكسرك سخريا بها وبصادها % على ضمه ( أ ) عطى ( ش ) فاء وأكملا ]
(2/610)
910 [ وفي أنهم كسر ( ش ) ريف % وترجعون في الضم فتح واكسر الجيم واكملا ] (1) يريد { قال كم لبثتم } قرأها ابن كثير وحمزة والكسائي قل على الأمر والذي بعد هذا قال إن لبثتم لم يقرأه على الأمر إلا حمزة والكسائي فجريا على الأمر في الموضعين وهو أمر لمن عينه الله سبحانه للسؤال وقرأ الباقون بالخبر في الموضعين أي قال الله
أو الملك وقرأ ابن كثير الأولى بالأمر والثانية بالخبر فكأنه مردود على المأمور أولا أي قل ذلك المأمور قال أبو علي وزعموا أن في مصحف الكوفة قل في الوضعين
قال أبو عبيد والقراءة عندنا على الخبر كلاهما لأن عليها مصاحف أهل الحجاز وأهل البصرة وأهل الشام ولا أعلم مصاحف مكة أيضا إلا عليها وإنما انفردت مصاحف أهل الكوفة بالأخرى قال أبو عمرو الداني وينبغي أن يكون الحرف الأول بغير ألف في مصاحف أهل مكة والثاني بالألف لأن قراءتهم كذلك ولا خبر عندنا في ذلك عن مصاحفهم إلا ما رويناه عن أبي عبيد ثم قال وبها ياء أي ياء إضافة واحدة ثم بينها بقوله لعلى أراد لعلي أعمل صالحا فتحها الحرميان وأبو عمرو وابن عامر وقوله عللا أي علل قائل هذا الكلام نفسه عند الموت بذلك
فقال علله بالشيء أي ألهاه به والله أعلم
____________________
1- يريد أنهم هم الفائزون الكسر على الاستئناف والفتح على تقدير لأنهم أو بأنهم أو هو مفعول جزيتهم أي جزيتهم الفوز فحمزة والكسائي قرءا بالكسر وهما قرءا ( وأنكم إلينا لا ترجعون ) بفتح التاء وكسر الجيم والباقون بضم التاء وفتح الجيم ووجه القراءتين ظاهر وقد سبق له نظائر ويأتي الخلاف في حرف القصص في موضعه وحمزة والكسائي قرءا ذلك الموضع أيضا كهذا على إسناد الفعل إلى الفاعل ولعله أشار بقوله واكملا إلى هذا أي كملت قراءتهما في الموضعين فلم تختلف أي وأكمل أيها المخاطب في قراءتك لهما لما كان الكمال في قراءته جعله فيه مجازا وأراد وأكملن فأبدل من النون ألفا
911 [ وفي قال كم قل دون ( ش ) ك وبعده % ( ش ) فا وبها ياء لعلي عللا ]
(2/611)
سورة النور
912 [ و ( حق ) وفرضنا ثقيلا ورأفة % يحركه المكي وأربع أولا ] (1) أي وكل القراء غير حفص رفعوا والخامسة أن غضب الله وهو الأخير ولا خلاف في رفع الأول والخامسة أن لعنة الله فالرفع فيها على الابتداء وما بعده خبره أي والشهادة الخامسة هي لفظ كذا ونصب الثاني على وتشهد الخامسة
لأن قبله أن تشهد أربع شهادات ثم أبدل أن غضب الله منه
قال أبو علي ويجوز في القياس النصب في الخامسة الأولى رفع أربع شهادات أو نصب وقول الناظم الأخير هو نعت خامسة ولا نظر إلى التأنيث فيها لأن المراد هذا اللفظ الأخير وأسقط الألف واللام من الخامسة ضرورة وزن النظم وأدخلها في حفص كذلك أيضا فكأنه عوض ما حذف وهما زائدتان في الحفص كقول الشاعر والزيد زيد المعارك وقد وقع في مسند ابن أبي شيبة وغيره حدثنا حسين بن علي الجعفي عن شيخ يقال له الحفص عن أبيه عن جده قال أذن بلال حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال الحافظ أبو القاسم حفص هو بن عمر بن سعد القرظ ولغرابة هذه العبارة بهم كثير فيها ويسبق لسان القاريء لها إلى لفظ الخفض بالخاء والضاد المعجمتين الذي هو أخو الكسر
____________________
1- يريد - وفرضناها - أي فرضنا أحكامها وفي التثقيل إشعار بكثرة ما فيها من الأحكام المختصة بها لا توجد في غيرها من السور كالزنا والقذف واللعان والاستئذان وغض الطرف والكتابة وغير ذلك فسرها أبو عمرو فصلنا ومعناها بالتخفيف أوجبنا حدودها جعلناها فرضا
وقول الناظم وحق هو خبر مقدم وثقيلا حال من المنوي فيه أي وفرضنا حق ثقيلا وأما - { ولا تأخذكم بهما رأفة } - بإسكان الهمزة ففتحها ابن كثير وكلاهما لغة ولا خلاف في إسكان التي في الحديد وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفة قال ابن مجاهد
قال لي قنبل كان ابن أبي بزة قد أوهم وقرأهما جميعا بالتحريك فلما أخبرته إنما هي هذه وحدها رجع
قلت وهذا مما جمع فيه بين اللغتين واختير الإسكان في التي في الحديد لتجانس لفظ رحمة التي بعدها ونظير هاتين القراءتين دأبا ودآبا والمعز وظعنكم من باب الإسكان لأجل حرف الحلق مثل شعرة وشعرة ثم قال وأربع أو لا أي الواقع أولا يريد فشهادة أحدهم أربع شهادات اختلف في رفعه ونصبه وخبر قوله وأربع في أول البيت الآتي وهو صحاب أي وأربع بالرفع قراءة صحاب ودلنا على الرفع إطلاقه ووجه الرفع أنه خبر فشهادة أحدهم ونصبه على المصدر كما تقول شهدت أربع شهادات والخبر محذوف أي فواجب شهادة أحدهم أو المحذوف المبتدأ وهو فالواجب شهادة أحدهم نحو ( والذين يظهرون من نسائهم فتحرير رقبة ) والجملة خبر والذين ولا خلاف في نصب الثاني وهو أن تشهد أربع شهادات لأنه مصدر لا غير للتصريح بالفعل قبله وهو قوله أن تشهد
913 [ صحاب وغير الحفص خامسة % الأخير أن غضب التخفيف والكسر أدخلا ]
(2/612)
لشهرة هذه اللفظة وكثرة دورها في القصيدة
كقوله والأرحام بالخفض جملا والنون بالخفض شكلا
فإن قيل لو أنه قال صحاب وحفص نصب خامسة الأخير لحصل الغرض ولم يبق لفظ موهم
قلت لكن تخيل عليه قراءة الباقين فإنها بالرفع وليس ضد النصب إلا الخفض فاقتحم حزونة هذه العبارة لكونها وافية بغرضه والألف في قوله أدخلا ضمير تثنية يرجع إلى التخفيف والكسر
أي أدخلا في لفظ أن غضب فالتخفيف في أن والكسر في ضاد غضب
أي قرأ نافع وحده ذلك فيكون أن مخففة من الثقيلة وغضب فعل ماض فاعله اسم الله فيجب رفعه فهو معنى قوله في البيت الآتي
ويرفع بعد الجر
أي بعد أن غضب يجعل الرفع موضع الجر في الكلمة المتصلة به وقراءة الجماعة واضحة يكون الغضب اسما مضافا إلى الله تعالى وهو اسم أن المشددة مثل ( أن لعنة الله عليه ) والنحويون يقولون إن ضمير الشأن مقدر
أي أنه لعنة الله وأن غضب الله ولو أن قراءة نافع بفتح ضاد غضب
كقراءة الجماعة فكانت على وزن لعنة الله
فيكون قد خفف أن فيها فقط لكانت أوجه عندهم لأنهم يستقبحون أن يلي الفعل أن المخففة حتى يفصل بينهما بأحد الحروف الأربعة بحرف النفي إن كان الكلام نفيا نحو - أن لا يرجع إليهم قولا - وإن كان إيجابا فبحرف قد في الماضي وبالسين أو سوف في المضارع نحو - علم أن سيكون - وكان القياس عندهم أن يقال أن قد غضب الله
قال أبو علي فإن قيل فقد جاء ( وأن ليس للإنسان إلا ما سعى ) ( نودي أن بورك ) فليس يجري مجرى ما ونحوها مما ليس بفعل وقوله بورك على الدعاء قلت فكذا هنا يحمل غضب الله على الدعاء فلا يحتاج إلى حرف قد
914 [ ويرفع بعد الجر يشهد ( ش ) ائع % وغير أولي بالنصب ( ص ) احبه ( ك ) لا ] (1) أي ضم الدال وحجة حال من فاعل اكسر أو مفعوله
أي اقرأه ذا حجة مرضية
وأخبر عن صحبته بلفظ حلا كما سبق في صحبة كلا والهمز مجرور عطفا على وفي مده ولو رفع لكان له وجه حسن
أي وجلا درى في مده والهمز مصاحب له ولا يمنع كون صحبته رمزا من تقدير هذا المعنى كما لم يمنع في قوله كما حقه ضماه
أي حق أن يضم صاد الصدفين وداله على ما سبق شرحه فحصل من مجموع ما في البيت أن أبا عمرو والكسائي قرءا درى على وزن شريب وسكيت بكسر الدال والمد والهمز وحمزة وأبا بكر بضم الدال والمد والهمز على وزن مريق
قال الجرمي زعم أبو الخطاب أنهم يقولون مريق للعصفر وقرأ الباقون وهم
____________________
1- قد سبق شرح قوله ويرفع بعد الجر فالجر منصوب لأنه مفعول يرفع وليس مضافا إلى بعد لأن بعد مبني على الضم بحذف ما أضيف إليه
أي بعد قوله أن غضب وأما يوم تشهد عليهم ألسنتهم فيقرأ يشهد بالتذكير حمزة والكسائي
والباقون بالتأنيث
لأن تأنيث الألسنة غير حقيقي فجاز فيه الوجهان
قال أبو علي كلاهما حسن
وقد مر نحوه وأما غير { أولي الإربة } فنصبه على الحال أو على الاستثناء وخفضه على أنه صفة للتابعين أي الذين لا إربة لهم في النساء والإربة الحاجة ومعنى صاحبه كلا أي حفظ ذلك ونقله أو حرسه
915 [ ودري اكسر ضمه ( ح ) جة ( ر ) ضى % وفي مده والهمز ( صحبت ) ه ( ح ) لا ]
(2/613)
حفص وابن عامر والحرميان بضم الدال وتشديد الياء فلا مد ولا همز
وهذه أجود القراءات عندهم جعلوها نسبة إلى الدر في الصفا والإضاءة وإنما نسب الكوكب مع عظم ضوئه لي الدر باعتبار أن فضل ضوء ذلك الكوكب على غيره من الكواكب كفضل الدر على غيره من الحب
قال أبو عبيد القراءة التي نختارها دري وهو في التفسير المنسوب إلى الدر في إضاءته وحسنه وفي الحديث المرفوع إن أهل الجنة ليتراءون أهل عليين كما تراءون الكوكب الدري في أفق السماء هكذا نقلته العلماء إلينا بهذا اللفظ
قال أبو علي ويجوز أن يكون فعيلا من الدرء فخفف الهمز فانقلبت ياء كما تنقلب من النسي والنبي إذا خففت ياء
قلت يعني أنها تكون مخففة من القراءة الأخرى المنسوبة إلى حمزة وأبي بكر
قال أبو علي هو فعيل من الدرء الذي هو الدفع
قال ومما يمكن أن يكون من هذا البناء قولهم العلية ألا تراه من علا
فهو فعيل وقال الزجاج النحويون أجمعون لا يعرفون الوجه فيه لأنه ليس في الكلام شيء على فعيل
قال أبو علي هذا غلط
قال سيبويه ويكون على فعيل وهو قليل في الكلام المرتق
حدثنا أبو الخطاب عن العرب
وقالوا كوكب دري وهو صفة هكذا قرأنه على أبي بكر بالهمز في درئ
قال أبو عبيد كان بعض أهل العربية يراه لحنا لا يجوز والأصل فيها عندنا فعول
مثل شيوخ
ثم تستثقل الضمات المجتمعة فيه لو قال دروء فترد بعض تلك الضمات إلى الكسرة فيقال درى
قال وقد وجدنا العرب نفعل هذا في فقول وهو أخف من الأول وذلك كقولهم عتوا وعتيا وكلتا اللغتين في التنزيل
وأما قراءة أبي عمرو والكسائي بكسر الدال والهمزة
فقال الزجاج الكسر جيد بالهمز يكون على وزن فعيل ويكون من النجوم الدراري التي تدرأ
أي تنحط وتسير متدافعة
يقال درأ الكوكب يدرأ إذا تدافع منقضا فتضاعف ضوءه يقال تدارأ الرجلان إذا تدافعا
قال الفراء الدري من الكواكب الناصعة وهو من درأ الكوكب إذا انحط كأنه رجم به الشيطان
قالوا والعرب تسمى الكواكب العظام التي لا تعرف أسماؤها الدراري
قال ومن العرب من يقول كوكب دري ينسبه إلى الدر فيكسر أوله ولا يهمز كما يقال سخرى وسخرى وبحر لجي ولجي قال النحاس ومن قرأ دري بالفتح وتشديد الياء أبدل من الضمة فتحة لأن النسب باب تغيير
قلت وهي قراءة شاذة حكيت عن قتادة وغيره
قال وضعف أبو عبيد قراءة أبي عمرو والكسائي لأنه تأولها من درأت أي وقعت أي كوكب يجري من الأفق وإذا كان التأويل على ما تأوله لم يكن في الكلام فائدة
ولا كان لهذا الكوكب مزية على أكثر الكواكب
قال وروي عن محمد بن يزيد أن المعنى كوكب يندفع بالنور كما يقال اندرأ الحريق
أي اندفع وحكى سعيد بن مسعدة درأ الكوكب بضوئه إذا امتد ضوؤه وعلا - قيل هو من قولهم درأ علينا فلان إذا طلع مفاجأة وكذلك طلوع الكوكب حكاه الجوهري
وقال قال أبو عمرو بن العلاء سألت رجلا من سعد بن بكر من أهل ذات عرف وكان من أفصح الناس ما تسمون الكوكب الضخم فقال الدري وحكى أبو علي عن أبي بكر عن أبي العباس قال أخبرني أبو عثمان عن الأصمعي عن أبي عمرو قال قد خرجت من الخندق لم أسمع أعرابيا يقول إلا كأنه كوكب دري بكسر الدال
قال الأصمعي فقلت أفيهمزون
قال إذا كسروا فبحسبك قال أمحذوة من درأت النجوم تدرأ إذا اندفعت
وهذا فعيل منه قال أبو علي يعني أنهم إذا كسروا أوله دل الكسر على إرادتهم الهمز وتخفيفهم قال صاحب المحكم درأه دفعه ودرأ عليهم خرج فجأة وادرأ الحريق انتشر وكوكب
____________________
(2/614)
دري مندفع في مضيه من المشرق إلى ذلك والجمع درائي على وزن دراعيع
قلت وكونه من درأ إذا دفع أحسن لأنه يدفع الظلام بنوره والله أعلم
916 [ يسبح فتح البا ( ك ) ذا ( ص ) ف ويوقد المؤنث % ( ص ) ف ( ش ) رعا و ( حق ) تفعلا ] (1) يريد ( سحاب ظلمات بعضها فوق بعض ) فقرأه البزي على إضافة سحاب إلى ظلمات أي سحاب ظلمات متراكمة بعضها فوق بعض وهي ما تقدم تفصيله في قوله / < أو كظلمات في بحر لجىء > / قال أبو علي أضاف السحاب إلى الظلمات لاستقلال السحاب وارتفاعه في وقت هذه الظلمات كما تقول سحاب رحمة وسحاب مطر إذا ارتفع في الوقت الذي يكون فيه المطر
ومن نون سحاب ورفع ظلمات وهي قراءة غير ابن كثير كان ظلمات خبر مبتدأ محذوف أي تلك ظلمات مجتمعة وقرأ قنبل بالتنوين وجر ظلمات على أنها وردت تكريرا وبدلا من ظلمات الأولى وقوله ورفعهم لدى ظلمات أي ورفع القراء في ظلمات جره من دري ذلك فقوله جر فعل ماض ودار فاعله وأوصل عطف على جر أي قرأ ذلك وأوصله إلينا ويجوز في قوله ورفعهم بالنصب لأنه مفعول جر والرفع على الابتداء نحو ( وكل وعد الله ) والنصب أقوى عند أهل العربية والله أعلم
918 [ كما استخلف اضممه مع الكسر ( ص ) ادقا % وفي يبدلن الخف ( ص ) احبه ( د ) لا ]
____________________
1- يعني يسبح له فيها بفتح الباء على مالم يسم فاعله وكسرها على تسمية الفاعل وهو رجال وعلى قراءة الفتح يكون رجال فاعل فعل مضمر
أي يسبحه رجال أو مبتدأ خبره مقدم عليه وهو في بيوت وقرأ أبو بكر وحمزة والكسائي توقد بالتأنيث أي توقد الزجاجة أو المشكاة كما تقول أوقدت البيت وقرأ نافع وابن عامر وحفص يوقد بالتذكير أي يوقد المصباح وقرأ ابن كثير وأبو عمرو توقد بفتح التاء والواو وتشديد القاف وفتح الدال على أنه فعل ماض
أي توقد المصباح وهو معنى قوله وحق تفعلا أي قرءا على وزن تفعل مثل تكرم وتبصر والألف للإطلاق لا ضمير تثنية وأعرابه أن يقال حق خبر مقدم وتفعل مبتدأ مؤخر أراد
والقراءة على وزن تفعل حق وحكى ابن مجاهد رواية عن عاصم وأهل الكوفة توقد على وزن قراءة أبي عمرو إلا أن الدال مرفوعة فيكون مضارع قراءة أبي عمرو والأصل تتوقد فحذفت التاء الثانية نحو لا تكلم نفس وحكى أبو عبيد هذه القراءة عن ابن محيصن والضمير فيها للزجاجة كما سبق في القراءة الأولى فهذه أربع قراءات الأولى والأخيرة راجعة إلى الزجاجة والثانية والثالثة إلى المصباح قال أبو علي توقد على أن فاعل توقد المصباح هو الين لأن المصباح هو الذي يتوقد قال ( سموت إليها والنجوم كأنها % مصابيح رهبان تشبه لقفال )
أي ويوقد مثله يعني بالتذكير والله أعلم
917 [ وما نون البزي سحاب ورفعهم % لدى ظلمات جر ( د ) ار وأوصلا ]
(2/615)
(1) يعني ( ثلاث عورات لكم ) فهذا الثاني والأول لا خلاف في نصبه وهو ثلاث مرات لأنه ظرف فرفع الثاني على معنى هذه الأوقات أوقات ثلاث عورات فيجوز لك أن تقف على ما قبلها وهو صلاة العشاء ثم تبتدي ثلاث عورات وأما قراءة النصب فتحتمل وجهين أحدهما أن يكون بدلا من ثلاث مرات فلا وقف على هذا التقدير لأن الكلام لم يتم وليس برأس آية فيغتفر ذلك لأجله نحو { اهدنا الصراط المستقيم }
{ وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم }
{ لنسفعا بالناصية }
فهذا قوله ولا وقف قبل النصب إن قلت أبدلا
أي إن قلت هو بدل من الأول وإن قدرت ثلاث عورات منصوبا بفعل مضمر جاز الوقف مثل قراءة الرفع والتقدير ( ثلاث عورات لكم ) أي احفظوها وراعوها والله أعلم
____________________
1- أي اضمم التاء مع أنك تكسر اللام فيصير فعل ما لم يسم فاعله وقراءة الباقين على إسناد الفعل للفاعل وهو الله تعالى فهو موافق لقراءة ليستخلفنهم والخلاف في وليبدلنهم بالتخفيف والتشديد سبق في الكهف أنهما لغتان وسبق معنى دلا
919 [ وثاني ثلاث ارفع سوى ( صحبة ) وقف % ولا وقف قبل النصب إن قلت أبدلا ]
(2/616)
سورة الفرقان
920 [ ويأكل منها النون ( ش ) اع وجزمنا % ويجعل برفع ( د ) ل ( ص ) افيه ( ك ) ملا ] (1) يريد - ويوم نحشرهم وما يعبدون من دون الله - الياء فيه والنون أيضا ظاهران وأراد ذو يا قاريء دار أي عارف وعملا صفة دار أو صفة يا والخلاف أيضا في فيقول بالياء والنون ظاهر فابن عامر قرأ بالنون فيهما وابن كثير وحفص بالياء فيهما والباقون بالنون في نحشرهم والياء في فيقول لقوله بعد - ءأنتم أضللتم عبادي - وكل ذلك من تلوين الخطاب كما في أول سورة الإسراء والياء في يستطيعون للآلهة والخطاب لعبادها وتستطيعون في البيت مفعول خاطب جعله مخاطبا لما كان الخطاب فيه ومثله في النمل وتخفون خاطب وتقدم في الأنعام وخاطب شام
ويجوز أن يكون في كل هذه المواضع على حذف حرف الجر
أي خاطب بهذا اللفظ وعملا جمع عامل وهو حال من فاعل خاطب وهو وإن كان لفظه أمر المفرد فالمراد به الجمع كأنه قال وخاطب أيها الرهط والقوم أو الفريق القراءة وقال الشيخ يستطيعون بدل من قوله وخاطب أو عطف بيان وعملا مفعول خاطب
قلت لا يبين لي وجه ما ذكر في تستطيعون وأما جعل عملا مفعول خاطب فيجوز على أن يكون يستطيعون مفعولا بعامل مقدر أي قارئا يستطيعون وأراد بالعمل المخاطبين يستطيعون لأنهم كما قال الله تعالى { عاملة ناصبة }
وإن كان مراد الشيخ بما ذكره أن المأمور بالخطاب هو لفظ تستطيعون جعله مخاطبا لهم لما كان الخطاب فيه كقولك قم زيد
فهذا على حذف النداء أي قم يا زيد فكذا التقدير وخاطب يا يستطيعون أي يا هذا اللفظ ولا يبعد في التجوز تمثيل ذلك كما تخاطب الديار والآثار ويطرد هذا الوجه في نحو وخاطب تعصرون وما أشبهه
____________________
1- يريد - أو تكون له جنة يأكل منها - الياء في يأكل والنون ظاهران وأما ( ونجعل لك قصورا ) فرفعه على الاستئناف وجزمه على العطف على موضع جواب الشرط الذي هو جعل لك على لغة من يجزم جواب الشرط إذا كان فعل الشرط ماضيا وهو اللغة الفصيحة ويجوز أن تكون هذه القراءة بالرفع وإنما أدغم اللام من يجعل في لام لك كما يفعل أبو عمرو في غير هذا الموضع فيتحد تقدير القراءتين وكملا جمع كامل وهو مفعول دل أي دل حسن هذا اللفظ وصفاؤه رجالا كاملين عقلا ومعرفة فقرءوا به وإن كانت القراءة الأخرى كذلك والله أعلم
921 [ ونحشر يا ( د ) ار ( ع ) لا فيقول نون % شام وخاطب تستطيعون ( ع ) ملا ]
(2/617)
922 [ ونزل زده النون وارفع وخف والملائكة % المرفوع ينصب دخللا ] (1) يريد ( ويوم تشقق السماء بالغمام ) وفي سورة ق
{ يوم تشقق الأرض عنهم سراعا }
الأصل فيها تتشقق فمن خفف حذف إحدى التاءين ومن شدد أدغم الثانية في الشين قال أبو علي قال أبو الحسن الخفيفة أكثر في الكلام لأنهم أرادوا الخفة فكان الحذف أخف عليهم من الإدغام فهذا معنى قوله غالب أي تخفيف الشين فيه مع حرف قاف أكثر من تشديدها في اللغة ثم قال ويأمر شاف أراد - أنسجد لما تأمرنا - أي بالغيب لإطلاقه والباقون بالخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم والياء إخبار عنه قال ذلك بعضهم لبعض وخاطبه بعضهم به وقيل - لما تأمرنا - المسمى بالرحمن وإن كنا لا نعرفه ثم قال وأجمعوا سرجا يعني ( وجعل فيها سراجا ) يقرؤه حمزة والكسائي بالجمع على إرادة الشمس والنجوم العظام وقال الزجاج أراد الشمس والقمر والكواكب العظام معهما
____________________
1- لفظ بقراءة ابن كثير وبين ما فعل فيها فقال زده النون أي زده النون الساكنة لأن النون المضمومة موجودة في قراءة الباقين وارفع يعني اللام لأنه صار فعلا مضارعا فوجب رفعه وخف يعني تخفيف الزاي لأن قراءة الباقين بتشديدها على أنه فعل ماض لما لم يسم فاعله وهو مطابق للمصدر الذي ختمت به الآية وهو تنزيلا ومصدر قراءة ابن كثير إنزالا إلا أن كل واحد منهما يوضع موضع الآخر أنشد أبو علي
( وقد تطويت انطواء الخصب % )
وقال حيث كان تطويت وانطويت يتقاربان حمل مصدر ذا على مصدر ذا ولا حاجة إلى أن يقال الناظم لم ينبه على إسكان النون ذهابا إلى أن المزيدة هي الأولى بل تجعل المزيدة هي الثانية وتخلص من الاعتراض ومن الجواب بأن خف ينبيء عن ذلك وبأن الزاي إذا خففت لم يكن بد من إسكان النون فهب أن الأمر كذلك فمن أين تعلم قراءة الباقين أنها بالضم وهو لم يلفظ بها
فإن قلت في التحقيق الزائدة هي الأولى لأنها حرف المضارعة والثانية هي أول الفعل الماضي
قلت صحيح إلا أن الناظم لا يعتبر في تعريفه إلا صورة اللفظ ألا تراه كيف قال في يوسف وثان ننج احذف فأورد الحذف على الثانية ليصير الفعل ماضيا وإنما المحذوف حرف المضارعة فكذا هنا ونصب ابن كثير الملائكة لأنه مفعول وننزل ورفعه الباقون لأنه مفعول ونزل ودخللا حال لأن قبله ( لولا أنزل علينا الملائكة ) فهو مداخله ومرافقه في اللفظ والمعنى
923 [ تشقق خف الشين مع قاف ( غ ) الب % ويأمر ( ش ) اف واجمعوا سرجا ولا ]
(2/618)
قلت فعلى هذا يكون قوله بعد ذلك ( وقمرا منيرا ) من باب قوله وملائكته - وجبريل وميكال - والإفراد للشمس كما جاء في سورة النبأ { وجعلنا سراجا وهاجا } وفي سورة نوح { وجعل الشمس سراجا }
وقيل المراد بالسرج النجوم دون الشمس وهي المصابيح المذكورة في الآية الأخرى فكأنه سبحانه أشار إلى ما يظهر في السماء ليلا وهو القمر والنجوم والقراءة بالإفراد تحتمل ذلك على إرادة الجنس كما في نظائره أو أراد به الشمس فيكون مجموع القراءتين الصحيحتين قد أفاد مجموع النجوم والقمرين وولا بالكسر وهو مفعول له أو حال أي لأجل المتابعة أو ذوي متابعة
924 [ ولم يقتروا اضمم ( عم ) والكسر ضم ( ث ) ق % يضاعف ويخلد رفع جزم ( ك ) ذي ( ص ) لا ] (1) يريد ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا إفراد الذرية وجمعها ظاهران
وقد سبق مثلهما في الأعراف
____________________
1- أي اضمم أوله وضم أيضا كسره وهو في الثاني
وإنما قال في الثاني ضم الكسر ولم يقل في الأول ضم الفتح لأن الكسر ليس ضدا للضم والفتح ضده فالذين ضموا الثاني فتحوا الأول والذين ضموا الأول كسروا الثاني والباقون فتحوا الأول وكسروا الثاني وهم ابن كثير وأبو عمرو
قرءا من قتر يقتر مثل ضرب والكوفيون من قتر يقتر مثل يقتل ونافع وابن عامر من أقتر يقتر مثل أكرم يكرم وكل ذلك لغات في تضييق النفقة وقيل أقتر خلاف أيسر يدل عليه على الموسع قدره وعلى المقتر قدره وقال في معنى التضييق وكان الإنسان قتورا فهذا من قتر وفي مضارعه لغتان الكسر والضم مثل يعكفون ويعرشون
وقال أبو حاتم لا وجه للإقتار ههنا
إلا أن يذهب به إلى أن المسرف يفتقر سريعا
قال أبو جعفر النحاس تعجب أبو حاتم من قراءة أهل المدينة هذه لأن أهل المدينة عنده لا يقع في قراءتهم الشاذ وتأول لهم أن المسرف يفتقر سريعا
قال وهذا تأويل بعيد ولكن التأويل لهم أن أبا عمرو الجرمي حكى عن الأصمعي أنه يقال للإنسان إذا ضيق قتر يقتر ويقتر وقتر يقتر وأقتر يقتر
قال فعلى هذا تتضح القراءة وإن كان فتح الياء أصح وأقرب متأولا وأشهر وأعرف
ومن أحسن ما قيل في معناه قول أبي عبد الرحمن الجبلي من أنفق في غير طاعة الله فهو الإسراف ومن أمسك عن طاعة الله فهو الإقتار ومن أنفق في طاعة الله فهو القوام وأما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فالرفع فيهما على الاستئناف والجزم على البدل من يلق أثاما لأنهما في معنى واحد
وقوله رفع جزم
أي ذو رفع جزم فيهما
وقوله كذى صلا في موضع الحال
أي مشتهرا اشتهار ذي الصلاء
أي موقد النار لقصد جمع الأصناف أو يكون التقدير كن كذى صلا أي تقرأ العلم لأضيافك وهم المستفيدون المستحقون لذاك
925 [ ووحد ذرياتنا ( ح ) فظ ( صحبة ) % ويلقون فاضممه وحرك مثقلا ]
(2/619)
وأما - ويلقون فيها تحية - فاضمم ياءه وافتح لامه وثقل قافه لغير صحبة من قوله - ولقاهم نضرة وسرورا - وهو موافق لقوله - يجزون الغرفة - وقرأه صحبة من لقى يلقي نحو - تحيتهم يوم يلقونه سلام - وقال في ضدهم - فسوف يلقون غيا - وهما ظاهران أيضا والله أعلم
926 [ سوى ( صحبة ) والياء قومي وليتني % وكم لو وليت تورث القلب أنصلا ] (1)
____________________
1- سوى صحبة خبر قوله - ويلقون - أي هو قراءة سوى صحبة فحذف المضاف واعترض بين المبتدإ وخبره بقوله فاضممه وحرك مثقلا وحقه أن يتأخر وفيها من ياءات الإضافة ياءان - إن قومي اتخذوا - فتحها نافع وأبو عمرو والبزي - يا ليتني اتخذت - فتحها أبو عمرو وحده ثم أن لفظ ليتني أذكر الناظم رحمه الله قصة الظالم الذي يعض على يديه يوم القيامة ويقول - يا ليتني اتخذت مع الرسول - يا ويلتي لم أتخذ - فيندم ويتأسف ويتمنى في وقت لا ينفعه ذلك فتمم الناظم البيت بما بينه العقلاء على الاستعداد خوفا من وقوع مثل ذلك وأنصلا جمع نصل أي تورث القلب ألما كألم وقوع النصول في القلب فيقول المتندم المتأسف لو أني فعلت كذا ولو أني ما فعلت وهذه كلمة قد نهى الشرع عنها
ففي صحيح مسلم
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن أصابك شيء فلا تقل لولا أني فعلت ولكن قل قدر الله وما شاء فعل فإن لو تفتح عمل الشيطان
وأضاف الناظم كم إلى حرفي لو وليت والمراد المرات المقولة بهذين اللفظين حكى لو بلفظها وأعرب ليت فخفضها ونونها لأنه أجراهما ههنا مجرى الأسماء في الإخبار عنها
وقد استعمل الفصحاء ذلك فتارة حكوا وتارة أعربوا
قال أبو زيد الطائي
( ليت شعري وأين مني ليت % إن ليتا وإن لوا عناء )
وقال أبو تمام
( قولي نعم ونعم إن قلت واجبة % قالت عسى وعسى جسرا إلى نعم )
وأدخل بعضهم الألف واللام فقال
( والمرء مرتهن بسوف وليتني % وهلاكه في السوف ثم الليت )
وأفرد تورث وهو خبر عن اثنين اختصارا واستغناء بالخبر عن أحدهما نحو ولا ينفقونها في سبيل الله - وأنث لفظ تورث باعتبار الكلمة ويجوز تذكيره باعتبار اللفظ والحر
(2/620)
سورة الشعراء
927 [ وفي حاذرون المد ( م ) ا ( ث ) ل فارهين % ( ذ ) اع وخلق اضمم وحرك به ال ( ع ) لا ] (1) يريد - أصحاب الأيكة - هنا وفي صاد قرأهما الحرميان وابن عامر - ليكة - بفتح اللام من غير همز وفتح التاء
وأجمعوا على الذي في الحجر والذي في قاف أنها الأيكة بإسكان اللام وبعده همزة وبخفض التاء وإنما خص ما في الشعراء وص بتلك القراءة
لأن صورته في الرسم كذلك واختارها أبو عبيد وضعفها علماء العربية
قال أبو عبيد لا أحب مفارقة الخط في شيء من القرآن إلا ما تخرج من كلام العرب وهما ليس بخارج من كلامها مع صحة المعنى في هذه الحروف وذاك أنا وجدنا في بعض التفسير الفرق بين الأيكة وليكة فقيل ليكة هي اسم القرية التي كانوا فيها والأيكة البلاد كلها فصار الفرق فيما بينهما شبيها بفرق ما بين بكة ومكة ورأيتهن مع هذا في الذي يقال له الإمام مصحف عثمان مفترقات فوجدت التي في الحجر والتي في ق الأيكة ووجدت التي في الشعراء والتي في صاد ليكة ثم أجمعت عليها مصاحف الأمصار كلها بعد فلا نعلمها إذا اختلفت فيها وقرأها أهل المدينة على هذا اللفظ الذي قصصنا يعني بغير ألف ولام ولا إجراء هذه عبارته وليست سديدة فإن اللام موجودة في ليكة وصوابه بغير ألف وهمزة قال فأي حجة تلتمس أكثر من هذا فبهذه نقرأ على ما وجدناه مخطوطا بين اللوحين
قال أبو العباس المبرد في كتاب الخط كتبوا في بعض المواضع - كذب أصحاب ليكة المرسلين - بغير ألف لأن الألف تذهب في الوصل ولذلك غلط القاريء بالفتح فتوهم أن - ليكة - اسم شيء وأن اللام أصل
____________________
1- يريد - وإنا لجميع حاذرون - قيل الحذر والحاذر سواء وقيل الحذر من طبع على الحذر وقيل المتيقظ والحاذر الذي يحذر ما حدث أو المستعد كأنه أخذ حذره ومعنى قوله مائل أي ما زال من قولهم ثللت الحائط إذا هدمته ويقال للقوم إذا اذهب عزهم قد ثل عرشهم ثم قال فارهين ذاع أي قرأه بالمد من قرأ حاذرون وزاد معهم هشام يريد - وتنحتون من الجبال بيوتا فارهين - وقيل أيضا فارهين وفرهين سواء وقيل فارهين حاذقين وفرهين أشرين أو كيسين أو فرحين
ثم قال وخلق اضمم يريد - إن هذا إلا خلق الأولين - اضمم خاءه وحرك به
أي حرك اللام بالضم وإنما احتاج إلى قوله به لأن مطلق التحريك هو الفتح فيصير خلق أي إن هذا إلا عادة الأولين يشيرون إلى الحياة والموت أو إلى دينهم أو إلى ما جاء به
كما قالوا عنه - أساطير الأولين - وخلق بفتح الخاء وسكون اللام بمعنى كذب الأولين أو يكون إشارة إلى خلقهم
أي ما نحن إلا كالأولين في الحياة والموت ثم رمز لمن ضم الخاء واللام
فقال العلا كما في ند في البيت الآتي فالعلا مبتدأ وما بعده الخبر
أي ذو العلا كالذي في مكان ند أو كالذي في كرم أو أراد أنه خبر مبتدأ محذوف ذاك هو العلا والله أعلم
928 [ ( ك ) ما ( ف ) ي ( ن ) د والأيكة اللام ساكن % مع الهمز واخفضه وفي صاد ( غ ) يطلا ]
(2/621)
فقرأ أصحاب ليكة المرسلين قال الفراء نرى والله أعلم أنها كتبت في هذين الموضعين على ترك الهمزة فسقطت الألف لتحريك اللام
قال مكي تعقب ابن قتيبة على أبي عبيد فاختار الأيكة بالألف والهمزة والخفض وقال إنما كتبت بغير ألف على تخفيف الهمزة
قال وقد أجمع الناس على ذلك يعني في الحجر وق
فوجب أن يلحق ما في الشعراء وص بما أجمع عليه فما أجمعوا عليه شاهد لما اختلفوا فيه قال الزجاج القراءة بجر ليكة وأنت تريد الأيكة أجود من أن تجعلها ليكة وتفتحها لأنها لا تنصرف
لأن - ليكة - لا تعرف وإنما هو أيكة للواحد وأيك للجمع مثل أجمة وأجم والأيكة الشجر الملتف فأجود القراءات فيها الكسر وإسقاط الهمز لموافقة المصحف ولا أعلمه إلا قد قريء به قال النحاس أجمع القراء على خفض التي في الحجر والتي في سورة ق فيجب أن يرد ما اختلفوا فيه إلى ما أجمعوا عليه إذا كان المعنى واحدا
فأما ما حكاه أبو عبيد من أن - ليكة - اسم القرية التي كانوا فيها وأن الأيكة اسم البلد كله فشيء لا يثبت ولا يعرف من قاله ولو عرف من قاله لكان فيه نظر
لأن أهل العلم جميعا من أهل التفسير والعلم بكلام العرب على خلافه لا نعلم بين اللغة اختلافا أن الأيكة الشجر الملتف فما احتجاج بعض من احتج لقراءة من قرأ في هذين الموضعين بالفتح أنه في السواد - ليكة - فلا حجة له فيه
والقول فيه أن أصله الأيكة ثم خففت الهمزة فألقيت حركتها على اللام فسقطت فاستغنت عن ألف الوصل
لأن اللام قد تحركت فلا يجوز على هذا إلا الخفض كما تقول مررت بالأحمر على تحقيق الهمزة ثم تخففها فتقول بلحمر فإن شئت كتبته في الخط على ما كتبته أولا وأن شئت كتبته بالحذف ولم يجز إلا الخفض فكذلك لا يجوز في الأيكة إلا الخفض قال سيبويه واعلم أن كل ما لا ينصرف إذا أدخلته الألف واللام أو أضفته انصرف
قال ولا نعلم أحدا خالف سيبويه في هذا
وقال أبو علي قول من قال ليكة ففتح التاء مشكل لأنه فتح مع لحاق اللام الكلمة وهذا في الامتناع كقول من قال مررت بلحمر فيفتح الآخر مع لحاق لام المعرفة الكلمة
وقال إنما كتبت - ليكة - على تخفيف الهمز والفتح لا يصح في العربية لأنه فتح حرف الإعراب في موضع الجر مع لام المعرفة فهو على قياس من قال مررت بلحمر قال ويبعد أن يفتح نافع ذلك مع ما قاله ورش
قلت يعني أن ورشا مذهبه عنه نقل الحركة
وقد فعل ذلك في الحجر وق مع الخفض فكذا في الشعراء وص
وقال الزمخشري قريء أصحاب الأيكة بالهمز وتخفيفها وبالجر على الإضافة وهو الوجه ومن قرأ بالنصب وزعم أن - ليكة - بوزن ليلة اسم بلد فوهم قاد إليه خط المصحف وإنما كتبت على حكم لفظ اللافظ كما تكتب أصحاب النحو لأن ولولى على هذه الصورة لبيان لفظ المخفف وقد كتب في سائر القرآن على الأصل والقصة واحدة على أن ليكة اسم لا يعرف وروى أن أصحاب الأيكة كانوا أصحاب شجر ملتف وكان شجرهم الدوم قلت يعني فهذا اللفظ مطابق لحالهم وأما لفظ ليكة على أن تكون اللام فاء الكلمة وهي مركبة من لام وياء وكاف فهذا شيء غير موجود في لسان العرب بل هذا التركيب مما أهملته فلم يتلفظ به فهو مشبه بالحاء والدال المعجمتين مع الجيم فإنه مما نص عليه أهل اللغة أنه أهمل فلم تنطق به العرب ولكن لا وجه لهذه القراءة غير ذلك
قال الزجاج أهل المدينة يفتحون على ما جاء في التفسير أن اسم المدينة التي كان فيها شعيب ليكة قال ابن القشيري قال أبو علي لو صح هذا فلم أجمع القراء على الهمز في قوله - { وإن كان أصحاب الأيكة } - في سورة الحجر والأيكة التي ذكرت
____________________
(2/622)
هاهنا هي التي ذكرت هناك وقد قال ابن عباس الأيكة الغيضة ولم يعبرها بالمدينة والبلد قال وهذا الاعتراض مردود إذا ثبتت هذه القراءة ولا يبعد أن تسمى بقعة ليكة ثم يعبر عن ذلك البقعة بالغيضة والأيكة لكثرة أشجارها وقال الخليل الأيكة غيضة تنبت السدر والأراك ونحوهما من ناعم الشجر وقيل الأيك شجر الدوم وهو المقل وهو أكثر شجر مدين وقيل بعث شعيب إلى مدين والأيكة وهما قريتان
قال صاحب الصحاح من قرأ أصحاب الأيكة فهي الغيضة ومن قرأ - ليكة - فهي اسم القرية ويقال هما مثل بكة ومكة
قلت إنما قال ذلك تقليدا لما ذكره أبو عبيد وإلا فلم يذكر في حرف الكاف فصلا للام ولا ذكره غيره فيما علمت وقول الناظم غيطلا منصوب على الحال من مفعول أخفضه أي مفسرا بذلك لأن الغيطل جمع غيطلة وهي الشجر الكبير وجعله الشيخ حالا من الفاعل فقال اخفضه مفسرا أو متأولا ذلك بالغيطل
أي أنك في القراءة الأخرى إنما تتأوله بالبقعة فقد صار للأيكة حالان حال هو فيها بقعة وحال هو فيها غيطلة فافعل ذلك به غيطلا
929 [ وفي نزل التخفيف والروح والأمين % رفعهما ( ع ) لو ( سما ) وتبجلا ] (1) يريد أو لم يكن لهم آية قرأ الجماعة بتذكير يكن ونصب آية على أنها خبر كان واسمها أن يعلمه علماء بني إسرائيل أي أو لم يكن علم العلماء آية لهم على صدقك وعلى قراءة ابن عامر قال الزمخشري جعلت آية اسما وأن يعلمه خبرا
قال وليست كالأولى لوقوع النكرة اسما والمعرفة خبرا
وقد خرج لها وجه آخر ليتخلص من ذلك فقيل في يكن ضمير القصة وآية أن بعلمه جملة واقعة موقع الخبر
قال ويجوز على هذا أن يكون لهم آية هي جملة لشان وأن يعلمه بدل عن آية ويجوز مع نصب الآية تأنيث يكن كقوله ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا قلت ولكن لم يقرأ به
وأما فتوكل على العزيز الرحيم فرسم بالفاء في المدني والشامي وبالواو في غيرهما قال أبو علي الوجهان حسنان قال الشيخ الواو عطف جملة على جملة والفاء على أنه كالجزاء لما قبله وقال الزمخشري له محملان في العطف أن يعطف على فقل أو فلا تدع قلت لا حاجة إلى جعلها عاطفة بل لها حكم قوله فلا تدع فإن عصوك فهي في الجميع تفيد استئناف أمر غير ما تقدم والهاء في قول الناظم ظمآنه تعود إلى الفاء لأن الفاء لما جعلت الواو مكانها هنا ظمئ المكان إليها فقال الواو أيضا خلت هنا والله أعلم
____________________
1- يريد نزل به الروح الأمين فمع التخفيف رفع الروح لأنه فاعل والأمين صفته ومع التشديد نصبهما على المفعولية ويناسب التشديد ما قبله من قوله وإنه لتنزيل رب العالمين وعلو بضم العين وكسرها نقيض السفل بضم السين وكسرها
930 [ وأنث يكن لليحصبي وارفع آية % وفا فتوكل واو ( ظ ) مئانه ( ح ) لا ]
(2/623)
931 [ ويا خمس أجري مع عبادي ولي معي % معا مع أبي إني معا ربي انجلا ] (1)
____________________
1- أضاف لفظ يا إلى خمس وقصره ضرورة كما قصر لفظ فا في البيت السابق في قوله وفافتوكل يريد إن أجرى إلا في خمسة مواضع في قصة نوح وهود وصالح ولوط وشعيب عليهم السلام فتحهن نافع وأبو عمرو وابن عامر وحفص وأراد بعبادي إنكم متبعون فتحها نافع وحده معي ربي سيهدين فتحها حفص وحده ومن معي من المؤمنين فتحها حفص وورش عدولى إلا اغفر لأبي إنه فتحهما نافع وأبو عمرو إني أخاف موضعان في قصة موسى وهود عليهما السلام ربي أعلم في قصة شعيب عليه السلام فتح الثلاث الحرميان وأبو عمرو فتلك ثلاث عشرة ياء إضاف
(2/624)
سورة النمل
932 [ شهاب بنون ( ث ) ق وقل يأتينني % ( د ) نا مكث افتح ضمة الكاف ( ن ) وفلا ] (1) يريد - وجئتك من سبأ - { لقد كان لسبإ }
فهذا معنى قوله معا أي هنا وفي سورة سبأ افتح الهمز من لفظ سبأ دون نون أي من غير تنوين لأنه لا ينصرف وحمى هدى حال وقراءة الباقين بالصرف كسروا الهمزة ونونوا وهما لغتان في لفظ سبأ وثمود الصرف وتركه نص سيبويه وغيره عليهما بناء على أنه يقصد بهما الحي أو القبيلة وحسن لفظ الصرف هنا ليناسب الكلمة التي بعده وهي قوله بنبإ فهو أولى من صرف سلاسلا وقواريرا للتناسب على ما يأتي في موضعه وروى قنبل إسكان الهمزة وقرأ به ابن مجاهد عليه وقال هو وهم وبين الناظم علته بقوله وانو الوقف أي تكون واصلا بنية الوقف وهذا باب لو فتح لذهب الإعراب من كلام العرب واستوى الوقف والوصل ولكن يقع مثل هذا نادرا في ضرورة الشعر قال مكي الإسكان في الوصل بعيد غير مختار ولا قوي وقوله زهرا ومندلا حالان من فاعل سكنه أو مفعوله أي ذا زهر ومندل أي ذا طيب بمعنى طيبا أي خذه بقبول غير متكره له
____________________
1- أراد بشهاب قبس وقوله بنون أي بزيادة تنوين للكوفيين فيكون قبس صفة لشهاب أي مقبوس يقال قبست نارا وقيل هو بدل ومن أضاف فهو من باب ثوب خز لأن القبس الشعلة من النار وكذلك الشهاب لكن الشهاب يطلق أيضا على الكوكب
وعلى كل أبيض ذي نور فأضيف للبيان وحكى أبو علي عن أبي الحسن أن الإضافة أكثر وأجود في القراءة كما تقول دار آجر وسوار ذهب قال ولو قلت سوار ذهب ودار آجر لكان عربيا إلا أن الأكثر في كلام العرب الإضافة
ثم قال وقل يأتينني دنا أي بزيادة نون أيضا فاستغنى بقيد شهاب عن تقييده كما استغنى في التخفيف والتثقيل بقيد المسألة الأولى عن الثانية نحو سكرت فاسعرت عن أولى ملاد وفي اللفظ ما ينبيء عن ذلك فهو فيهما من باب الإثبات والحذف - أراد أو ليأتيني بسلطان مبين - زاده ابن كثير نونا وهو نون الوقاية وقبلها نون التأكيد الشديدة وقراءة الجماعة إما على إسقاط نون الوقاية أو على أن الفعل مؤكد بالنون الخفيفة ثم أدغمت في نون الوقاية وأما مكث ففتح الكاف منه وضمها لغتان ويقوى الفتح أنكم ماكثون ماكثين فيه أبدا ونوفلا حال من فاعل افتح وقد تقدم
933 [ معا سبأ افتح دون نون ( ح ) مى ( ه ) دى % وسكنه وانو الوقف ( ز ) هرا ومندلا ]
(2/625)
934 [ ألا يسجدوا راو وقف مبتلى ألا % ويا واسجدوا وأبدأه بالضم موصلا ] (1)
____________________
1- أي قراءة الكسائي بتخفيف ألا جعله حرف تنبيه نحو { ألا إن أولياء الله } - { ألا إنهم يثنون صدورهم }
وتقدير البيتين ألا يسجدوا قراءة راو فيكون يسجدوا بعده كلمتين تقريرهما يا اسجدوا بحرف النداء وفعل الأمر والمنادى محذوف أي يا قوم اسجدوا وهذه لغة فصيحة مشهورة كثيرة ومنها قول الشماخ
( ألا يا أصيحاني قبل غارة سنجال % )
أي يا صحابي أصجاني إلا أنه لم يكتب في المصحف إلا على هذه الصورة بحذف ألا يا وحذف ألف الوصل من اسجدوا وحذف الألف من يا مطرد في رسم المصاحف نحو ينوح يقوم في يا نوح يا قوم وحذفت ألف الوصل أيضا في نحو بسم الله فلما اجتمعا في هذه الكلمة حذفا ونظيرها في الرسم - يبنؤم - في يا ابن أم حذفت الألف من يا وألف الوصل من ابن فحصل من هذا أن الرسم احتمل ما قرأه الكسائي وما قرأ به غيره واختار أبو عبيد قراءة الجماعة وقال لأنها في بعض التفاسير وزين لهم الشيطان أن لا يسجدوا قال ومن قرأها بالتخفيف جعلها أمرا مستأنفا بمعنى ألا يا أيها اسجدوا وهذا وجه حسن إلا أن فيه انقطاع الجزء الذي كان من أمر ملكة سبأ وقومها ثم رجع بعد إلى ذكرهم والقراءة الأولى خبر يتبع بعضه بعضا لا انقطاع فيه قال أبو علي وهذا هو الوجه ولتجري القصة على سننها ولا يفصل بين بعضها وبعض بما ليس منها وإن كان الفصل بهذا النحو غير ممتنع لأنه يجري مجرى الاعتراض وما يساد القصة وكأنه لما قيل - وزين لهم الشيطان أعمالهم - الآية قد دل هذا الكلام على أنهم لا يسجدون لله تعالى ولا يتدينون بدين فقال ألا يا قوم أو يا مسلمون اسجدوا لله الذي يخرج الخبء في السموات والأرض خلافا عليهم وحمدا لله مكان ما هداهم لتوحيده فلم يكونوا مثلهم في الطغيان والكفر قال الفراء قرأها أبو عبد الرحمن السلمي والحسن وحميد الأعرج مخففة على معنى ألا يا هؤلاء اسجدوا فيضمر هؤلاء ويكتفي بقوله يا وسمع بعض العرب يقول ألا يا أرحمونا ألا يا تصدقوا علينا وحدثني الكسائي أن عيسى الهمداني قال ما كنت أسمع الشيخة يقرءونها إلا بالتخفيف على نية الأمر وهي في قراءة عبد الله هلا تسجدوا بالتاء فهذه حجة لمن خفف لأن قولك ألا تقوم بمنزلة قولك قم وفي قراءة أبي ألا يسجدون لله الذي يعلم سركم وما تعلنون قال وهو وجه الكلام لأنها سجدة ومن قرأ أن لا يسجدوا فشدد فلا ينبغي لها أن تكون سجدة لأن المعنى زين لهم الشيطان أن لا يسجدوا وقول الناظم وقف مبتلا ألا يا أراد أن يبين هذه الكلمات المتصلة لينفصل بعضها من بعض لفظا كما هي منفصلة تقديرا فقال إذا ابتليت بالوقف أي اختبرت وسئلت عن ذلك على وجه الامتحان أو أراد بالابتلا الاضطرار أي إذا اضطررت إلى ذلك لانقطاع نفس أو نسيان فلك أن تقف على ألا لأنه عرف مستقل لا اتصال له بما بعده بخلافها إذا شددت في قراءة الجماعة على ما يأتي ولك أن تقف على يا لأنها حرف النداء والمنادى بها محذوف فهذا موضع الاختبار لأن الياء متصلة بالفع
(2/626)
لفظا وخطا وأما الوقف على ألا فلا يحتاج إلى الاختبار إذ لا يخفى أنه كلمة وكذا الوقف على اسجدوا بل الوقف عليهما من باب الاضطرار لا الاختبار فلما كان قوله مبتلا يحتمل الأمرين ذكر موجبهما على كل واحد من التقديرين ونصب مبتلا على الحال وكذا ما بعده لأن التقدير قائلا ألا ويا واسجدوا ثم قال وابدأه بالضم أي ابدأ اسجدوا بضم همزة الوصل لأنه فعل أمر من المضارع المضموم الوسط كاخرج وادخل فكما تضم الهمزة إذا ابتدأت - ادخلوا مصر - كذلك تضم في - اسجدوا - إذا ابتدأت بها
وغير الناظم من المصنفين لا يذكرون الوقف إلا على ألا يا لأنه موضع الاختبار وفي شرح الغاية لابن مهران روى عن الكسائي أنه وقف ألا يا وابتدأ اسجدوا قال فإن صح ذلك فعلى طريق إظهار الأصل لا على طريق الاختبار في الوقف كأنه قيل له فعلا أثبت النون كما في - ألا يتقون - ألا تقاتلون - ألا تجدون فأخبرهم بأصل الكلمة وقوله موصلا حال من أوصلته أي بلغته أي مبلغا علم ذلك إلى من لا يعرفه وذكر الشيخ فيه وجهين أحدهما أن معنى موصلا ناطقا بهمزة الوصل والثاني في حال وصلك أي إنه ليس بابتداء تستمر عليه إنما أنت تبتدي للضم للاختبار ثم تصله بما قبله تاليا قلت فهي على هذا المعنى حال مقدرة إلا أن في استعمال موصلا بهذا المعنى نظرا وقد سبق التنبيه عليه في باب الهمزتين من كلمة وفي سورة البقرة لأنه بمعنى واصلا ثم
935 [ أراد ألا يا هؤلاء اسجدوا وقف % له قبله والغير أدرج مبدلا ] (1) أي أدرج مفعولا وفي نصب مفعول الوجهان المقدمان إما مفعول به وإما حال أي أعرب - ألا يسجدوا - بأنه مفعول واختلفت في ذلك فقيل هو مفعول به أي فهم لا يهتدون أن يسجدوا ولا زائدة وقيل هو مفعول له أي زين لهم لئلا يسجدوا أو قصدهم لئلا يسجدوا وهذا الوجه والأول الذي هو بدل من أعمالهم يكون فيه لا غير زائدة بخلاف البدل من السبيل والنصب بيهتدون فهي فيهما زائدة فلا يجوز في قراءة الجماعة الوقف على يهتدون لأجل هذا التعلق على الوجوه الأربعة بخلاف قراءة الكسائي فلا تعلق لها بما قبلها وهذا كله يقال إظهار لمعاني الكلام وتعريفا بتعلق بعضه ببعض ليتدرب فيه الطالب وإلا فالمختار عندنا جواز الوقف على رءوس الآي مطلقة
قال وإن أدغموا بلا يعني أن ألا أصلها أن لا فأدغمت النون في اللام إدغاما واجبا لسكونها على ما عرف
____________________
1- أي أراد الكسائي هذا التقدير وقد سبق شرحه
ثم قال وقف له أي للكسائي قبله أي قبل ألا يسجدوا - أي يجوز لك الوقف على - فهم لا يهتدون - إذ لا تعلق لما بعده به ثم قال والغير أدرج أي غير الكسائي أدرج يهتدون مع ألا يسجدوا ولم يقف قبله وجعله بدلا من أعمالهم أو من السبيل على زيادة لا فقوله مبدلا بفتح الدال مفعول أدرج أي أدرج لفظا مبدلا أو حال من المفعول أي أدرجه في حال كونه مبدلا مما قبله ثم ذكر وجها آخر فقال
936 [ وقد قيل مفعولا وإن أدغموا بلا % ولبس بمقطوع فقف يسجدوا ولا ]
(2/627)
في باب النون الساكنة فمن ثم جاء التشديد
ثم قال وليس بمقطوع يعني لم يفصل بين الحرفين في الرسم فلم يكتب أن لا بل لم تكتب النون صورة أصلا بل كتبت على لفظ الإدغام فلأجل ذلك احتمل الرسم قراءة الكسائي وقراءة الجماعة وهي أن الناصبة للفعل ولا بعدها للنفي أو زائدة على ما تقرر من المعاني
ثم قال فقف يسجدوا يعني أنه ليس لك أن تقف في الابتلاء ثلاث وقفات كما ذكرنا للكسائي لأن تلك المواضع كل كلمة مستقلة بمقصودها لأن إلا أفادت الاستفتاح ويا مع المنادى المحذوف أفادت الندا
ثم قال اسجدوا وهو أمر تام وههنا إن وقفت على ألا كنت قد وقفت على أن الناصبة دون منصوبها فلا يتم الكلام إلا بقوله يسجدوا وههنا إشكالان
الأول أن ظاهر قوله أن لا وقف للجماعة إلا على يسجدوا فإن أراد وقف الاختيار فذاك في آخر الآية وإن أراد وقف الاضطرار جاز على ألا وهذا هو المنقول قد صرح به جماعة من المصنفين
قال ابن الأنباري من قرأ بالتثقيل وقف على ألا وابتدأ يسجدوا وهو ظاهر كلام صاحب التيسير فإنه قال الكسائي ألا يسجدوا بتخفيف اللام ويقف ألا يا ويبتديء اسجدوا على الأمر أي ألا يا أيها الناس اسجدوا والباقون يشددون اللام لاندغام النون فيها ويقفون على الكلمة بأسرها
وقال شيخه أبو الحسن ابن غلبون لا ينبغي أن يتعمد الوقف والابتداء ههنا لأن الكلام مرتبط بعضه ببعض من حيث الندا وخطابه فلا يفصل بعضه من بعض
قال ولا يجوز الوقف للباقين إلا على آخر الآية وإن انقطع نفس القاريء لهم على ألا رجع إلى أول الكلام فإن لم يفعل ابتدأ يسجدوا بالياء مفتوحة قال الأهوازي يقفون عليه ألا ويبتدئون يسجدوا كما في الكتاب
وقال صاحب الروضة الوقف عليه قبيح فإن وقف واقف عليه مضطرا ابتدأ بيسجدوا كما يصل
وقال ابن الفحام يبتديء بياء معجمة الأسفل في أول الفعل
وجواب هذا الإشكال أن الناظم استغنى عن ذكر الوقف على ألا لظهور الأمر فيه فلم يكن لهم عنده إلا منع الوقوف على أن من ألا فمنع ذلك بقوله وليس بمقطوع ثم اهتم بمنع فصل الياء من يسجدوا كما فعل الكسائي فقال فقف يسجدوا وضاق عليه البيت فلم يتمكن من التنصيص على التفاصيل كلها ويجوز أن يكون الناظم ما أراد بقوله وليس بمقطوع إلا أن هذا اللفظ متصل في قراءة الجماعة الياء مع السين لأنها حرف المضارعة بخلافها في قراءة الكسائي فإنها مفصولة منها تقديرا لأنها من حرف النداء من الفعل
الإشكال الثاني لم كان حذف النون من أن في الخط مانعا من الوقوف على هذه الكلمة للجماعة ورد النون في الوقف
فإن قلت لأنها لم ترسم فالألف من يا لم ترسم في يسجدوا وقد وقف الكسائي عليها وجوابه أن النون من أن صارت لاما للإدغام والألف من يا حذفت ولم تتعوض لفظا آخر فعادت في الوقف
فإن قلت فقد حفص على اللام من
____________________
(2/628)
{ بل ران }
وهي اللفظ راء لإدغامها في الراء وكذا النون في { من راق }
قلت سببه أن اللام والنون رسمتا ولو رسمت هنا لفعل مثل ذلك والله أعلم
وقول الناظم في آخر البيت ولا هو بفتح الواو أي ذا ولاء أي نصر أي ناصرا للقراءة أن منصورا بها لوضوحها وعدم الكلفة في تقريرها لأن ما يضاف إلى المصدر يكون تارة في المعنى فاعلا وتارة مفعولا كما أن المصدر يضاف مرة إلى فاعله وتارة إلى مفعوله
937 [ ويخفون خاطب يعلنون ( ع ) لى ( ر ) ضا % تمدونني الإدغام ( ف ) از فثقلا ] (1) يريد - بالسوق والأعناق - و - كشفت عن ساقيها { فاستوى على سوقه }
وسوق في الموضعين جمع ساق فوجه الهمز في الجميع إن الواحد مهموز وإن لم يكن الواحد مهموزا فوجهه إن كان على وزن فعل ضمة الواو كما قالوا - أقتت - في وقتت ثم أسكن تخفيفا وإن كان على وزن فعل فوجهه مجاورة الضمة للواو كما تقدم في عادا لولى وأما الهمز في المفرد فقيل هو لغة كهمز رأس وكأس وقيل أجرى على الجمع تابعا له وقيل من العرب من يقلب حرف المد همزة كما يقلب الهمزة حرف مد ومن ذلك همز العجاج والعالم والخاتم ومنه همز - يأجوج ومأجوج - كما سبق فاعلم أن وجه همز الجمع أقوى من همز المفرد قال أبو علي أما الهمز في ساق فلا وجه له وأما على سوقه وبالسوق فهمز ما كان من الواوات الساكنة إذا كان قبلها ضمة قد جاء في كلامهم وإن لم يكن بالفا شيء زعم أبو عثمان أن أبا الحسن أخبره قال أبو حية النميري بهمز كل واو ساكنة قبلها ضمة وينشد
( لحب المؤقدان إلى مؤسى % )
قال ابن مجاهد همز ابن كثير وحده - وكشفت عن ساقيها - في رواية أبي الإخريط ولم يهمز غيره وكذلك بالسوق وسوقه وهكذا قرأت على قنبل عن النبال وحدثني مضر بن محمد عن ابن أبي بزة قال كان
____________________
1- يريد - ويعلم ما يخفون وما يعلنون - قرأهما الكسائي بالخطاب بناء على قراءته بالأمر بالسجود على من قص عليه حكايتهم وقراءة حفص على ابتداء المخاطبة كما ابتدأها الكسائي في ألا يا اسجدوا وقراءة الباقين بالغيب فيهما ظاهرة وقوله على رضا أي كائنا على رضا من ناقليه له وإن كان علا فعلا فرضى تمييز أو حال أي علا رضاه أو على ذا رضى وأما - أتمدونن بمال - ففيه نونان فجاز الإدغام كما في أتحاجوني والإظهار الأصل وعليه الرسم قال أبو عبيد إنما هو نونان في كل المصاحف وقوله الإدغام أي ذو الإدغام فيه أي قارئه فاز فثقلا
938 [ مع السوق ساقيها وسوق اهمزوا ( ز ) كا % ووجه بهمز بعده الواو وكلا ]
(2/629)
وهب بن واضح يهمز ذلك وأنا لا أهمز من ذلك شيئا وكذلك ابن فليح لا يهمز من هذا شيئا قال ولم يهمز أحد - يوم يكشف عن ساق - ولا وجه للهمز في ذلك والصواب بلا همز ثم زاد الناظم ذكر وجه ليس في التيسير يختص بالجمع وهو بواو بعد همز سؤوق على وزن فعول ويهمز الواو الأولى لانضمامها في نفسها قال ابن مجاهد وقال علي ابن نصر عن أبي عمرو سمعت ابن كثير يقرأ بالسؤوق بواو بعد الهمز قال أبو بكر رواية أبي عمرو عن ابن كثير هذه هي الصواب من قبل أن الواو انضمت فهمزت لانضمامها والأول لا وجه له لم يذكر ابن مجاهد هذا الوجه إلا في حرف ص ولم ينقله في حرف الفتح ونقله صاحب الروضة في ص على وجه آخر فقال روى بكار عن ابن مجاهد عن قنبل بالسؤق بضم الهمزة وروى نظيف عن قنبل بهمزة ساكنة وكذا قال ابن الفحام رواه الفارسي عن ابن مجاهد من طريق ابن بكار عن قنبل بهمزة مضمومة وقال ابن رضوان في كتاب الموضح روى بكار عن ابن مجاهد ضم الهمز وإثبات واو بعدها من قوله تعالى - بالسوق - فيصير اللفظ فيها مثل بالسعوق وكذا قال صاحب الشمس المنيرة والشيخ أبو محمد وقالا في قوله بالسوق خاصة يعني في ص دون التي في الفتح وأظن من عبر بهمزة مضمومة ولم يذكر الواو أراد مع الواو لأن مرجع الجميع إلى نقل ابن مجاهد وابن مجاهد صرح في كتاب السبعة له في سورة ص بأنه بواو بعد الهمزة ولم يخصص الناظم بهذا الوجه حرف ص ولكن لم أر من ذكره في حرف الفتح والله أعلم ولا بعد في ذلك فإنه قد خصص ساقيها بالهمز دون { والتفت الساق بالساق } - و { يوم يكشف عن ساق }
وأما قراءة الجماعة من غير همز فواضحة لأن وزن ساق فعل بفتح العين فجمع على فعل بإسكانها كأسد وأسد
939 [ نقولن فاضمم رابعا ونبيتننه % ومعا في النون خاطب ( ش ) مردلا ] (1)
____________________
1- أراد قالوا تقاسموا بالله لنبيتنه وأهله ثم لنقولن فالنون عبارة عنهم والتاء خطاب بعضهم لبعض وقوله اضمم رابعا أي الحرف الرابع في الكلمتين وهو اللام والتاء وإنما وجب ضمه لأن كل واحد من الفعلين خطاب لجماعة والأصل تقولون وتبيتون بضم اللام والتاء فلما لحقت الفعل نون التأكيد حذفت الواو لالتقاء الساكنين ومثله لتؤمنن به ولتنصرنه وعلى القراءة بالنون الفعلان لا واو فيهما لأنهما نقول ونبيت فلما اتصلت بها دون التأكيد بنى أحدهما على الفتح نحو لنصدقن ولنخرجن معكم والفاء في فاضمم زائدة رابعا مفعول لاضمم إن كان تقولن مبتدأ وإن كان تقولن مفعول اضمم فرابعا تمييز لأنه تبيين لأي الحروف بضم أو بدل البعض نحو اضرب زيدا ظهرا أي اضرب ظهره ونبيتنه عطف على نقولن ومعا حال فيهما أي وخاطب فيهما معا في موضع النون أي ائت بتاء الخطاب عوضا عن نون المتكلمين وحركتهما حركة النون فهي في نقولن مفتوحة لأنه مضارع فعل ثلاثي وهو قال وفي نبيتنه مضمومة لأنه مضارع فعل رباعي وهو نبيت وشمردلا حال من فاعل خاطب أو مفعول به أي خاطب من يسرع إلى إجابتك ويخف في قضاء حاجتك وحصل في ضمن ذلك المقصود من تقييد القراءة والتعريف بها والله أعل
(2/630)
940 [ ومع فتح أن الناس ما بعد مكرهم % لكوف وأما يشركون ( ن ) د ( ح ) لا ] (1) أي شدد الدال وصل الهمزة أي اجعلها همزة وصل وامدد بعد الدال ثم لفظ بالقراءة التي قيدها فالقراءة الأخرى بقطع الهمزة وقد سبق أن همزة القطع في الماضي لا تكون إلا مفتوحة وبتخفيف الدال وهو هنا سكونها ولا يلزم من التخفيف السكون ولكن لظهوره تسامح بعدم ذكره وبترك المد فيبقى أدرك مثل أدغم ولو أنه لفظ بالقراءتين كان أسهل فيقول وبل أدرك اجعله بل إدارك الذي ومعنى أدرك بلغ وانتهى وهي قراءة ابن كثير وأبي عمرو وقراءة الباقين أصلها تدارك أي تتابع فأدغمت التاء في الدال فاحتيج إلى همزة الوصل لأن الأول صار ساكنا ومثله - اثاقلتم - اطيرنا بك - وحكم همزة الوصل كسرها في الابتداء بها وحذفها في الوصل فتكسر اللام من بل لالتقاء الساكنين ولام بل ساكنة في قراءة أدرك إذ لم يلقها ساكن وفي هذه الكلمة أيضا عشر قراءات غير هاتين القراءتين ذكرها أبو القاسم الزمخشري في تفسيره ثم قال قبله يذكرون أن قبل - بل أدارك - قليلا ما يذكرون - قرأه بالغيب أبو عمرو وهشام وفهم ذلك من الإطلاق والباقون بالخطاب ووجههما ظاهر والله أعلم
942 [ بهادي معا تهدي ( ف ) شا العمي ناصبا % وباليا لكل قف وفي الروم ( ش ) مللا ] + يريد - وما أنت بهادي العمي عن ضلالتهم - هنا وفي آخر الروم يقرؤه حمزة - تهدي - فيلزم نصب العمى لأنه مفعوله وهو مجرور في قراءة غيره لأنه مضاف إليه وتقدير البيت فشا تهدي في موضع بهادي في حال كونه ناصبا للعمى والقراءتان ظاهرتان
وقال الشيخ صاحب الحال فشا لأنه يريد به حمزة ثم قال وبالياء لكل قف أي في حرف النمل سواء في ذلك من قرأ بهادي ومن قرأ تهدي لأنها رسمت بالياء
ثم قال وفي الروم شمللا أي ووقف بالياء في حرف الروم حمزة والكسائي على الأصل وحذفها الباقون لأنها لم ترسم وهذا الموضع مما يشكل على المتبدى فيظن أن الوقوف بالياء في الموضعين للكل وأن قوله وفي الروم
____________________
1- يريد - أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون - والذي بعد مكرهم - فانظر كيف كان عاقبة مكرهم أنا دمرناهم - أي ومع فتح هذا الذي بعد مكرهم أي فتحهما الكوفيون أما أن الناس فعلى تقدير تكلمهم بأن الناس أي بهذا الكلام والكسر حكاية قول الدابة ويجوز أن يكون على القراءتين من كلام الله تعالى مستأنفا على الكسر وتعليلا على الفتح أي لكونهم كانوا لا يوقنون بالآيات أخرجنا لهم هذه الآية العظيمة الهائلة تخاطبهم بأن هذا مؤمن وهذا كافر ونحو ذلك وأما كسر أنا دمرناهم فعلى الاستئناف والفتح على تقدير لأنا أو هو خبر كان أو بدل من عاقبة أو خبر مبتدإ أي هي أنا والخلاف في أما يشركون بالغيب والخطاب ظاهر والرمز لقراءة الغيب لأنه أطلقها كأنه قال والغيب فيه تدخلوا والله أعلم
941 [ وشدد وصل وامدد بل أدارك ( ا ) لذي % ( ذ ) كا قبله يذكرون ( ل ) ه ( ح ) لا ]
(2/631)
شملل أي قرأ الكسائي وحمزة في الروم بما قرأ به حمزة وحده في النمل وهو - تهدي العمي - وليس كذلك لقوله في أول البيت معا قال ابن مجاهد كتب بهادي العمي بياء في هذه السورة على الوقف وكتب الذي في الروم بغير ياء على الوصل وقال خلف كان الكسائي يقف عليهما بالياء
وقال مكي هذا الحرف في المصاحف بالياء والذي في الروم بغير ياء ووقف عليهما حمزة والكسائي بالياء وهو مذهب شيخنا يعني أبا الطيب ابن غلبون قال وقد روي عن الكسائي أنه وقف عليهما بغير ياء ووقف الباقون ههنا بالياء وفي الروم بغير ياء اتباعا للمصحف ولا ينبغي أن يتعمد الوقف عليهما لأنه ليس بتمام ولا قطع كاف لا سيما الذي في الروم لأنه كتب بغير ياء على نية الوصل فإن وقفت بياء خالفت السواد وإنما ذكرنا مذاهب القراء في الوقف عند الضرورة فأما على الاختيار فلا وكذلك ما شابه هذا فاعلمه
943 [ وآتوه فاقصر وافتح الضم ( ع ) لمه % فشا تفعلون الغيب ( حق ل ) ه ولا ] (1) الياءات خبر قوله ومالي وما بعده أي هذه ياءات الإضافة التي في هذه السورة وبلا بمعنى اختبر أي قل ذلك في جواب من اختبرك وسألك عنها فالقول مصدر أضيف إلى المقول له وهو المفعول والمصدر كما يضاف إلى فاعله يضاف إلى مفعوله ويجوز أن يكون مضافا إلى الفاعل أي عرفت هذا من يريد أن يختبر غيره بها وهي خمس ياءات - مالي لا أرى الهدهد - فتحها ابن كثير وعاصم والكسائي وهشام - أوزعني أن أشكر - فتحها ورش والبزي - إني آنست - فتحها الحرميان وأبو عمرو - إني ألقى ليبلوني أأشكر - فتحهما نافع وحده وفيها زائدتان - أتمدونن بمال - أثبتها في الوصل نافع وأبو عمرو وفي الحالين ابن كثير وحمزة وقد سبق أن حمزة يدغم النون الأولى في الثانية - فما آتاني الله - أثبتها مفتوحة في الوصل ساكنة في الوقف قالون وحفص وأبو عمرو بخلاف عنهم في الوقف وفتحها في الوصل وحذفها في الوقف ورش وقلت في ذلك
( وفيها فما آتاني الله قبله % تمدونني زيدا فلا تك مغفلا )
____________________
1- يريد - وكل أتوه داخرين - هو بالمد جمع آت مضاف إلى الهاء كما في سورة مريم { وكلهم آتيه يوم القيامة فردا }
وهو كقولك عابدوه وداعوه وأتوه بالقصر وفتح التاء فعل وفاعل ومفعول نحو رموه وقضوه والغيب والخطاب في بما يفعلون ظاهران
944 [ ومالي وأوزعني وإني كلاهما % ليبلوني الياءات في قول من بلا ]
(2/632)
سورة القصص
945 [ وفي نري الفتحان مع ألف ويائه % وثلاث رفعها بعد ( ش ) كلا ] (1) قيد في حزنا ما لفظ به ليأخذ ضده للقراءة الأخرى وضد الضم والسكون معا الفتح فيهما فالحزن والحزن لغتان مثل العجم والعجم والعرب والعرب والبخل والبخل قرئ بهما ههنا في قوله - ليكون لهم عدوا وحزنا - وأجمعوا على الفتح في { الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن }
وفي { وأعينهم تفيض من الدمع حزنا }
وعلى الضم في { وابيضت عيناه من الحزن }
{ إنما أشكو بثي وحزني إلى الله }
وادعى بعضهم أن الضم يكون في المرفوع والمجرور والفتح في الذي ظهر فيه النصب وأما - حتى يصدر الرعاء - فأراد ضم يائه وكسر داله فيكون مضارع أصدر والمفعول محذوف أي يصدر الرعاء مواشيهم ويصدر بفتح الياء وضم الدال من صدر وهو فعل لازم والصدر الانصراف وأصدرت الماشية صرفتها وإنما يصدرونها بعد ريها فلهذا قال ظاميه أنهلا ويعني بالظاميء الذي ظمئت ماشيته أي عطشت أو يكون إشارة إلى حال موسى عليه السلام فإنه كان حينئذ ظمآن ذا تعب وجوع وقد سقى المواشي وهو ظمآن منهل أي ساق النهل وهو الشرب الأول
____________________
1- الفتحان في الراء والحرف الذي قبلها والألف بعد الراء والياء مكان النون وهي الحرف الذي قبل الراء فيصير اللفظ ويرى ويلزم من ذلك رفع الكلم الثلاث التي بعدها على الفاعلية وهي - فرعون وهامان وجنودهما - وفي القراءة الأخرى الثلاث منصوبة على المفعولية ويجوز في ويائه الجر عطفا على ألف ويجوز وياؤه بالرفع عطفا على الفتحان ومعنى شكل صور والقراءة بالنون المضمومة وكسر الراء وفتح الياء توجد من تلفظ الناظم بها لا من ضد ما ذكره ووجه القراءتين ظاهر
946 [ وحزنا بضم مع سكون ( ش ) فا ويصدر % اضمم وكسر الضم ( ظ ) اميه ( أ ) نهلا ]
(2/633)
947 [ وجذوة اضمم ( ف ) زت والفتح ( ن ) ل % و ( صحبة ك ) هف ضم الرهب واسكنه ( ذ ) بلا ] (1) الجزم على جواب أرسله معي والرفع على أنها جملة في موضع الحال أي أرسله مصدقا وإنما قال ارفع جزمه لأن الجزم ليس ضدا للرفع وإن كان الرفع ضدا للجزم ومثله ما سبق في الفرقان
يضاعف ويخلد رفع جزم والواو من - وقال موسى ربي أعلم - محذوفة من المصحف المكي دون غيره فلهذا أسقطها ابن كثير وأثبتها غيره ودخللا حال من قال موسى أي هي بحذف الواو مداخل لما قبله وهو - قال رب إني قتلت منهم نفسا - ولو قال الناظم موضع دخللا دم ولا أي ذا ولا لكان أولى لأنه لم يأت بواو فاصلة بين هذه المسئلة والتي بعدها وقد افتتح البيت الآتي بالرمز في كلمتين فالكلمة الأولى وهي نما مترددة بين أن تكون تابعة لما في هذا البيت أو لما بعدها بل نما نفر بجملته يجوز أن يكون من تتمة رمز قال موسى ويكون رمز يرجعون ما بعده وهو ثق الذي هو رمز سحران فيكون للكوفيين الحرفان كنظائر لسبقت والله أعلم
949 [ ( ن ) ما ( نفر ) بالضم والفتح يرجعون % سحران ( ث ) ق في ساحران فتقبلا ] + نما أي نقل فالمعنى نقل جماعة يرجعون بضم الياء وفتح الجيم على بناء الفعل للمفعول والباقون بفتح الياء وكسر الجيم على بناء الفعل للفاعل وقد سبق نظيرهما يريد وظنوا أنهم إلينا لا يرجعون وقرأ الكوفيون - قالوا سحران تظاهرا - والباقون ساحران يعنون موسى وهارون وقيل ومحمدا صلوات الله عليهم أجمعين وسحران كذلك على حذف مضاف أي كل واحد منهما ذو سحر وقيل عنى بذلك التوراة والقرآن ونصب فتقبلا على جواب الأمر بقوله ثق والله أعلم
950 [ ويجبى خليط يعقلون ( ح ) فظته % وفي خسف الفتحتين حفص تنخلا ]
____________________
1- جميع ما في هذا البيت من القراءات لغات والأكثر على كسر الجيم وضمها حمزة وفتحها عاصم وأخذت قراءتهم من ضد الفتح ويقال أيضا جذيه بالياء وفي الجيم الحركات الثلاث وقال أبو عبيد القطعة الغليظة من الخشب كأن في طرفها نارا ولم تكن والرهب الخوف قرأه حفص بفتح الراء وإسكان الهاء وأبو بكر وحمزة والكسائي وابن عامر بضم الراء وإسكان الهاء والباقون بفتحهما لأن الفتح ضد الضم والإسكان المطلق ويجوز ضمهما لغة ووصل الناظم همزه وأسكنه ضرورة وذلك جائز أنشد أبو علي
( إن لم أقاتل فألبسوني برقعا % يابا المغيرة رب أمر مفصل )
قال وهذا النحو في الشعر غير ضيق وذبل جمع ذابل وهي الرماح ونصبه على الحال أي ذا ذبل يشير إلى الحجج والأدلة والله أعلم
948 [ يصدقني ارفع جزمه ( ف ) ي ( ن ) صوصه % وقل قال موسى واحذف الواو ( د ) خللا ]
(2/634)
(1) فيها اثنتا عشرة ياء إضافة عندي أو لم يعلم فتحها نافع وأبو عمرو واختلف فيها عن ابن كثير - ستجدني إن شاء الله - فتحها نافع وحده وهي التي عبر عنها بقوله وذو الثنيا أي واللفظ المصاحب للثنيا والثنيا الاسم من الاستثناء وإنما عبر عنها بذلك لأن بعدها إن شاء الله وهذا اللفظ يطلق عليه علماء الشريعة وغيرهم لفظ الاستثناء باعتبار أصل اللغة لأنها ثبت اللفظ المعلق بها عن القطع بوقوع موجبه وفي الحديث إذا حلف الرجل فقال إن شاء الله فقد استثنى وقد تقدم في باب ياءات الإضافة التعبير عنها بقوله وما بعده إن شاء وإنما لم ينص عليها بلفظها كما فعل في أخواتها لأنها لفظة لا يمكن أن تدخل في وزن الشعر أصلا لاجتماع خمس حركات فيها متوالية ثم قال وإني أربع أي أربع كلمات فتارة يؤنث هذه الألفاظ باعتبار الكلمات كقوله بعده ربي ثلاث وتارة يذكر باعتبار اللفظ كقوله وذو الثنا وذلك على حسب ما يؤاتيه نظمه أراد - إني آنست - إني أنا الله رب العالمين - إني أخاف أن يكذبون - فتح الثلاث الحرميان وأبو عمرو - وإني أريد أن أنكحك - فتحها نافع وحده - لعلي آتيكم لعلي أطلع فتحهما الحرميان وأبو عمرو وابن عامر - عسى ربي أن يهديني - ربي أعلم بمن - ربي أعلم من فتح الثلاث الحرميان وأبو عمرو - فأرسله معي ردأ - فتحها حفص وحده وقوله في آخر البيت اعتلا
هو خبر وعندي وما بعده أي اعتلا المذكور في تبين ياآت الإضافة في هذه السورة وكان الواجب على هذا التقدير نصب أربعا وثلاثا على الحال أي اعتلا هذا وذا في حال كونهما على هذا العدد كما قال في آخر سورة هود وياءاتها عني وإني ثمانيا وإن جعل إني أربع مبتدأ وخبر وكذا ربي ثلاث احتاج كل واحد من هذه الألفاظ إلى خبر فيرك الكلام ويكثر الإضمار فلا حاجة إلى ذلك وفيها زائدة واحدة - يكذبون - قال سنشد أثبتها في الوصل ورش وحده وقلت في ذلك
( وواحدة فيها تزاد يكذبون % قال وما شيء إلى سبأ تلا )
أي لم يبق شيء من الزوائد إلى سورة سبأ وتلا بمعنى تبع ما تقدم من ياءآت الزوائد والله أعلم
____________________
1- الخلاف في - يجبى إليه - بالتذكير والتأنيث ظاهر لأن تأنيث الثمرات غير حقيقي ومعنى قوله خليط أي مألوف معروف ليس بغريب أي تذكير يجبى خليط لم يؤنثه سوى نافع وأما وما عند الله خير وأبقى أفلا تعقلون فقرأه أبو عمرو وحده بالغيب وغيره بالخطاب وهما أيضا ظاهران وأما - لخسف بنا فقرأه على بناء الفعل للفاعل حفص على معنى لخسف الله بنا وقرأ غيره على بناء الفعل للمفعول بضم الخاء وكسر السين ومعنى تنخلا اختار حفص في خسف الفتحين يعني فتح الخاء والسين ولم يذكر قراءة الباقين ولا يؤخذ من الضد إلا كسر السين وأما ضم الخاء فإن الضم ضد الجزم ونظير القراءتين هنا { استحق عليهم }
في المائدة وعبارته هناك جيدة وضم استحق افتح لحفص وكسره وكأنه أشار هنا بالفتحين إلى قراءته هناك أو إلى قوله في أول السورة وفي نرى الفتحان فإنهما فتحا ضم وكسر فكذا في خسف والله أعلم
951 [ وعندي وذو الثنيا وإني أربع % لعلي معا ربي ثلاث معي اعتلا ]
(2/635)
سورة العنكبوت
952 [ يروا ( صحبة ) خاطب وحرك ومد في الننشاءة % ( حقا ) وهو حيث تنزلا ] (1) رفع مودة على أنها خبر إن إن كانت ما موصولة أي إن الذي اتخذتموه من دون الله أوثانا ذو مودة بينكم وإن كانت ما كافة فمودة خبر مبتدأ محذوف أي هي مودة بينكم أو مبتدأ والخبر في الحياة الدنيا ومن نصب مودة فلا يكون ما في إنما إلا كافة ونصبها على أنها مفعول من أجله ويكون اتخذ على هذا الوجه وعلى قراءة الرفع متعديا إلى مفعول واحد نحو { أتخذتم عند الله عهدا فلن }
ويجوز أن يكون مودة ثاني مفعولي اتخذوا أيمانهم جنة وبينكم بالنصب ظرف منصوب بالمصدر الذي هو مودة ويجوز أن يكون صفة له أي مودة كائنة بينكم وخفض بينكم بالإضافة إلى مودة المنصوبة والمرفوعة على وجه الاتساع في الظروف نحو { شهادة بينكم }
____________________
1- أي تروا قراءة صحبة فحذف المضاف للعلم به ثم بين القراءة ما هي فقال خاطب أي بالخطاب ولم ولو لم يبينها لما حملت إلا على ضد الخطاب وهو الغيب لإطلاقه يريد - أو لم يروا كيف يبدئ الله الخلق - وجه الخطاب أن قبله - وإن تكذبوا - ووجه الغيبة - فقد كذب أمم من قبلكم - والنشأة بإسكان الشين والقصر على وزان الرأفة والرحمة والنشاءة بفتح الشين والمد على وزان الكآبة كلاهما لغة وقد حكى فتح همزة الرأفة ومدها أيضا ولغة القصر أقوى قال أبو عبيد هي اللغة السائرة والقراءة المعروفة قال أبو علي حكى أبو عبيد النشأة لم يذكر الممدود قال وهو في القياس كالرأفة والرآفة والكأبة والكآبة قال مكي وهو مصدر من غير لفظ ينشيء والتقدير ثم الله ينشئ الأموات فينشئون النشأة الآخرة وقوله وهو حيث تنزلا يعني هنا وفي سورتي النجم والواقعة وأن عليه النشأة { ولقد علمتم النشأة الأولى }
قال صاحب التيسير ووقف حمزة على وجهين في ذلك أحدهما أن يلقى حركة الهمزة على الشين ثم يسقطها طردا للقياس والثاني أن يفتح الشين ويبدل الهمزة ألفا اتباعا للخط قال ومثله قد سمع من العرب والله أعلم
953 [ مودة المرفوع ( ح ) ق ( ر ) واته % ونونه وانصب بينكم ( عم ص ) ندلا ]
(2/636)
والمعنى على ما تعطيه قراءة النصب ولم يقرأ أحد برفع مودة ونصب بينكم ولو قرئ لجاز وإنما كل من رفع مودة خفض بينكم وهم ابن كثير وأبو عمرو والكسائي ومن نصب مودة اختلفوا فمنهم من خفض بينكم أيضا وهم حمزة وحفص ومنهم من نصبهما معا وهو نافع وابن عامر وأبو بكر ولا يستقيم النصب إلا بتنوين مودة وكل من خفض بينكم أسقط التنوين من مودة لأجل الإضافة سواء في ذلك من رفع ومن نصب وقد سبق معنى صندلا في سورة الأنعام ونصبه هنا على التمييز أو الحال على تقدير ذا صندل يشير إلى حسنه وطيبه والله أعلم
954 [ ويدعون ( ن ) جم ( ح ) افظ وموحد % هنا آية من ربه ( صحبة د ) لا ] (1) يرد - ويقول ذوقوا ما كنتم تعملون - الثاء والنون فيه ظاهرتان وقد سبق لهما نظائر والغيب في قوله - ثم إلينا يرجعون - لأن قبله - يوم يغشاهم العذاب - والخطاب لقوله تعالى - يا عبادي الذين آمنوا - والذي في الروم / < ثم يعيده ثم إليه يرجعون > /
وقيد الناظم بقوله الياء لأن ضده النون وأطلق يرجعون لأن ضده الخطاب ولا يجوز أن يكون استغنى عن تقييد يرجعون بالياء بتقييد يقول كما قال في سورة النساء ويا سوف يؤتيهم عزيز وحمزة سنؤتيهم لأن الضد ثم في القراءتين متحد وهو النون وهنا اختلف الضد فالقراءة بالغيب لا يقيدها بالياء أبدا إنما بطلقها ويقول بالغيب وهذا من دقاق ما اشتمل عليه هذا النظم فاعرفه وما أحسن قوله صافيه حللا أي كثير الحلول فيه لأجل صفائه
956 [ وذات ثلاث سكنت با نبوئنن % مع خفه والهمز بالياء ( ش ) مللا ] + أي با قوله تعالى - لنبوئنهم من الجنة غرفا - فقصر لفظ با ضرورة وهو مبتدأ وذات ثلاث خبره مقدم عليه أي
____________________
1- أي قراءة نجم حافظ والعالم يعبر عنه بالنجم للاهتداء به أراد - إن الله يعلم ما يدعون من دونه من شيء - فالغيب فيه والخطاب ظاهران فالغيبة تعود إلى مثل الذين اتخذوا والخطاب لهم وأما التوحيد والجمع في وقالوا لولا أنزل عليه آيات من ربه - فقد تقدم مثلهما مرارا وموحد خبر مقدم وآية من ربه مفعول به وصحبة مبتدا وقد سبق معنى دلا وذكر الخبر ولفظ دلا مفرد باعتبار لفظ صحبة لأنه مفرد ويجوز أن يكون موحد مبتدأ وصحبة فاعله على رأي من يقول اسم الفاعل غير معتمد والله أعلم
955 [ وفي ونقول الياء ( حصن ) ويرجعن % ( ص ) فو وحرف الروم ( ص ) افيه ( ح ) للا ]
(2/637)
صارت ذات ثلاث نقط وإذا نقطت صورة الباء بثلاث صارت ثاء وقوله سكنت صفة لذات ثلاث كما تقول هند امرأة حسنة أي هذه الباء ثاء ساكنة والهاء في خفة تعود على لفظ نبوئن أراد تخفيف الواو وهو مشكل فإن في لفظ نبوئن حرفين مشددين الواو والنون وليس في تشديد النون خلاف والواو في قوله والهمز واو الحال أي صار ثاء ساكنة مع خفة الواو في حال كون الهمزة أسرع بالياء أي أتى بالياء في مكانه أي أبدل الهمز ياء فصارت القراءة لنثوينهم من الثواء وهو الإقامة قال الزجاج يقال ثوى الرجل إذا أقام وأثويته إذا أنزلته منزلا يقيم فيه قال الفراء
( وكل حسن بوأته وأثويته منزلا )
سواء معناه أتزلته قال الزمخشري ثوى غير متعد فإذا تعدى بزيادة همزة النقل لم يتجاوز مفعولا واحدا نحو ذهب وأذهبته والوجه في تعديته إلى ضمير المؤمنين وإلى الغرف إما إجراؤه مجرى لننزلهم ونبوئنهم أو حذف الجار واتصال الفعل أو تشبيه الظرف المؤقت بالمبهم
قلت فهذا جواب ما روي عن اليزيدي أنه قال لو كان لنثوينهم لكان في غرف واختار أبو عبيد القراءة الأخرى لإجماعهم على التي في النحل { لنبوئنهم في الدنيا حسنة }
قال لا نعلم الناس يختلفون فيه فهذا مثله وإن كان ذاك في الدنيا وهذا في الآخرة فالمعنى فيهما واحد قال ورأيت هذا الحرف الذي هو في العنكبوت في الذي يقال له الإمام مصحف عثمان بالياء معجمة
قلت وهذا بعد ما نقطت المصاحف وكثر هذا اللفظ في القرآن نحو { ولقد بوأنا بني إسرائيل مبوأ صدق }
{ وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت }
وقال { يتبوأ منها حيث يشاء }
وقال { نتبوأ من الجنة حيث نشاء }
وقال { أن تبوآ لقومكما بمصر بيوتا }
وقيل لفظ الثواء لائق بأهل الآخرة هي دار القرار وروى عن الربيع بن خيثم أنه قرأها كذلك وقال الثواء في الآخرة والتبوة في الدنيا وقد قال الله تعالى في حق الكفرة { أليس في جهنم مثوى للكافرين }
وهو في آخر هذه السورة فناسب أن يقال للمؤمنين نحو ذلك في الجنة وقال سبحانه وتعالى
____________________
(2/638)
{ وما كنت ثاويا في أهل مدين }
أي مقيما عندهم مستمرا بين أظهرهم والله أعلم
957 [ وإسكان ول فاكسر ( ك ) ما ( ح ) ج ( ج ) ا ( ن ) دى % وربي عبادي أرضي ألبابها انجلا ] (1)
____________________
1- يعني كسر لام وليتمتعوا وقد تقدم في الحج أن لام الأمر يجوز كسرها وإسكانها وهي معطوفة على - ليكفروا - وهي أيضا لام الأمر بدليل إسكان ما عطف عليها وهو أمر تهديد نحو - اعملوا ما شئتم - وقيل الأولى لام كي والثانية لام الأمر ونظير ذلك قوله تعالى في النحل { ليكفروا بما آتيناهم فتمتعوا }
قال أبو عبيد إنما يجوز هذا لو كانت فليتمتعوا بالفاء لأن الفاء قد يستأنف بها الخبر وإنما معنى الواو والعطف فكيف يترك العطف ويرجع إلى الأمر والفاء في قوله فاكسر زائدة وفيها ثلاث ياآت إضافة مهاجر إلى ربي إنه - فتحها نافع وأبو عمرو - يا عبادي الذين آمنوا - أسكنها حمزة والكسائي وأبو عمرو - إن أرضي واسعة - فتحها ابن عامر وحد
(2/939)
ومن سورة الروم إلى سورة سبأ
إنما ذكر هذا الترجمة على هذه الصورة لأنه لم يتمحض بيت لآخر سورة من هذه السور الأربع فإن آخر ما يتعلق بالروم قوله وينفع كوفي فتمم البيت بذكر رحمة التي من لقمان ثم ذكر البحر من لقمان مع أخفى من سورة السجدة ثم ذكر لما صبروا من سورة السجدة مع يعملون من سورة الأحزاب في بيت وكل موضع جمع فيه سورا في ترجمة فهذا سببه وسيأتي إن شاء الله تعالى
958 [ وعاقبة الثاني ( سما ) وبنونه % نذيق ( ز ) كا للعالمين اكسروا ( ع ) لا ] (1)
____________________
1- يريد - ثم كان عاقبة الذين أساءوا - هذا هو الثاني المختلف في رفعه ونصبه
والأول لا خلاف في رفعه وهو كيف كان عاقبة الذين من قبلهم - فوصف عاقبة وهو مؤنث بالثاني على تأويل وهذا اللفظ الثاني وإنما لم ينونه لأنه حكى لفظه في القرآن وهو غير منون لأنه مضاف إلى الذين واعتذر الشيخ عن كونه لم ينونه بأنه حذف التنوين لالتقاء الساكنين أو أراد - وعاقبة - الموضع الثاني ولا حاجة إلى هذا الاعتذار فالكلمة نفي القرآن لا تنوين فيها وقد قال بعد هذا يذيق ذكا بالنصب فأي عذر لنصبه لولا أنه حكى لفظه في القرآن وهو لنذيقهم بعض الذي عملوا وهو ملبس بقوله تعالى - وليذيقكم من رحمته - ولم يقيد القراءة في عاقبة وكان ذلك إشارة إلى رفعها لمدلول سما والباقون بنصبها فهي إن رفعت اسم كان وإن نصبت خبرها والسوأى بعد ذلك هو الخبر أو الاسم وهو كناية عن العذاب وهو تأنيث الأسوأ وإن كذبوا على تقدير لأن كذبوا ويجوز أن يكون السوأى مصدر كالرجعى والبشرى أي أساءوا الإساءة الشنيعة وهي الكفر أو نعتا لموصوف محذوف أي أساء والخلال السوأى والخبر أو الاسم قوله - أن كذبوا - ومعنى الذين أساءوا أي أشركوا والتقدير - ثم كان عاقبة المسيء التكذيب بآيات الله تعالى أي لم يظفر في كفره وشركه بشيء إلا بالتكذيب بآيات الله ويجوز أن يكون السوأى هو الخبر أو الاسم لا على المعنى المتقدم بل على تقدير الفعلة السوأى ثم بينها بقوله - أن كذبوا - فيكون - أن كذبوا عطف بيان أو بدلا ويجوز على هذا التقدير على قراءة الرفع أن لا يكون للسوأى خبرا بل معنى أساءوا السوأى أي فعلوا الخطيئة السوأى وخبر كان محذوف إرادة الإبهام ليذهب الوهم إلى كل مكروه كل هذه الأوجه منقولة وهي حسنة وقيل يجوز أن تكون إن في قوله - أن كذبوا - مفسرة بمعنى أي كذبوا
وهذا فيه نظر فإن من شرط أن المفسرة أن يأتي بعدها فعل في معنى القول ثم قال
وبنونه نذيق أي ونذيق زكا وهي نون العظمة وقراءة الباقين بالياء أي ليذيقهم الله وكسر حفص اللام من قوله - إن في ذلك لآيات للعالمين - جعله جمع عالم واحد العلماء وكما قال تعالى في آية أخرى { وما يعقلها إلا العالمون }
وفي موضع آخر / < إن في ذلك لآيات لقوم يعلمون >
(2/640)
وفتح الباقون اللام جعلوها جمع عالم أي لكافة الناس وعلا حال أي ذو علا
959 [ ليربوا خطاب ضم والواو ساكن % ( أ ) تى واجمعوا آثار ( كم ) ( ش ) رفا ( ع ) لا ] (1) يريد - فيومئذ لا ينفع الذين ظلموا معذرتهم - وفي غافر { يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم }
تذكير الفعل في ذلك وتأنيثه ظاهران من قبل أن لفظ معذرة مؤنث ولكنه تأنيث غير حقيقي ونافع أنث هنا وذكر في سورة الطور جمعا بين اللغتين وأما - ورحمة - في أول لقمان فهي معطوفة على هدى وهدى في موضع نصب على الحال أو المدح أو في موضع رفع على تقدير هو هدى ورحمة أو خبر بعد خبر أي تلك هدى ورحمة أو يكون هدى منصوبا ورحمة مرفوعا أي وهو رحمة والله أعلم
961 [ ويتخذ المرفوع غير ( صحابه ) م % تصعر بمد خف ( إ ) ذ ( ش ) رعه ( ح ) لا ] + يريد - ويتخذها هزوا - النصب عطف على ليضل والرفع على يشتري أو على الاستئناف والهاء في يتخذها لآيات الكتاب أو للسبيل وتقدير البيت قراءة غير صحابهم على حذف مضاف وصاعر خده وصعره واحد كضاعف وضعف ومعناهما الإعراض عن الناس تكبرا والصعر الميل في الخد خاصة وقوله خف ليس صفة للمد ولكنه خبر بعد خبر لأن الخف في العين أي تصاعر ممدود خفيف
____________________
1- أي ذو خطاب مضموم يعني تاء مضمومة
وقال الشيخ يجوز أن يكون ضم أمرا
قلت خطاب على هذا التقدير يكون حالا أي ضم لتربوا ذا خطاب فكان الواجب نصبه أي - وما أتيتم من ربا لتربوا - أنتم سكنت الواو لأنها واو الضمير في تربون وحذفت النون للنصب وهذه - قراءة نافع وحده وقراءة الباقين على الغيب بياء مفتوحة وواو منصوبة لأنه فعل مضارع خال من ضمير بارز مرفوع فظهر النصب في آخره والتقدير ليربوا ذلك الربا
وأما - فانظر إلى آثار رحمة الله - فالإفراد فيه والجمع سبق لهما نظائر مثل - رسالته ورسالاته وكلمة وكلمات وذرية وذريات - الإفراد يراد به الجنس ووجه الجمع ظاهر ومعنى كم شرفا علا كم علا شرفا والمميز محذوف أي كم مرة وقع ذلك والله أعلم
960 [ وينفع كوفي وفي الطول ( حصنه ) % ورحمة ارفع ( ف ) ائزا ومحصلا ]
(2/641)
962 [ وفي نعمة حرك وذكر هاؤها % وضم ولا تنوين ( ع ) ن ( ح ) سن ( ا ) عتلا ] (1) والبحر مبتدأ خبره سوى ابن العلا على تقدير قراءة غير أبي عمرو فأبو عمرو وحده نصبه عطفا على اسم أن أي ولو أن البحر يمده والرفع على وجهين منقولين ذكرهما الزجاج والزمخشري وغيرهما
أحدهما أنه مبتدأ ويمده الخبر والجملة في موضع الحال
والثاني أن يكون عطفا على موضع إن واسمها وخبرها لأن الجميع في موضع رفع لأنه فاعل فعل مضمر أي ولو وقع ذلك والبحر ممدودا بسبعة أبحر فيمده على هذا الوجه حال من البحر وهذا العطف جائز بلا خلاف وإنما الممتنع العطف محل على اسم أن المفتوحة فقط دون محل المجموع منها ومن اسمها وخبرها وإنما يجوز العطف بالرفع على محل الاسم فقط مع إن المكسورة والفرق أن اسم المفتوحة بعض كلمة في التقدير بخلاف اسم المكسورة فمهما وقعت المفتوحة في موضع رفع جاز العطف بالرفع على محل المجموع منها ومن اسمها وخبرها كما أن العطف على محل المكسورة إنما كان من أجل ذلك وعليه يحمل قوله تعالى { أن الله بريء من المشركين ورسوله }
لأن أن وما بعدها مبتدأ ورسوله عطف عليه - وأذان من الله - خبر مقدم عليه وقد سبق تقرير هذا الفصل في سورة المائدة ولذلك قال أبو عبيد الرفع هنا حجة لمن قرأ التي في المائدة العين بالعين رفعا فكذلك كان يلزم أهل هذه القراءة أن يرفعوا تلك وأما فلا تعلم نفس ما أخفي بفتح الياء فعلى أنه فعل ماض
____________________
1- يريد - وأسبغ عليكم نعمه - حرك أي افتح العين وذكر هاؤها أي جعلت هاء الضمير التي للمذكر المفرد في مثل { فأكرمه ونعمه }
وليست هاء تأنيث ثم قال وضم أي وضم ذلك الهاء ولا تنوين لتأخذ بضد ذلك للقراءة الأخرى وهي التي لفظ بها فحاصل الخلاف أن هذا الحرف يقرأ بالإفراد والجمع كنظائر له سلفت وقوله - ظاهرة وباطنة - صفة لنعمة في قراءة الإفراد وحال في قراءة الجمع وقد قال تعالى { وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها }
لم يختلف في افراده
963 [ سوى ابن العلا والبحر أخفى سكونه % ( ف ) شا خلقه التحريك ( حصن ) تطولا ]
(2/642)
وبسكونها هو فعل مضارع مسند إلى المتكلم سبحانه وأما - أحسن كل شيء خلقه - بفتح اللام فعل أن يكون جملة واقعة صفة لشيء قبله فيكون في موضع خبر ويجوز أن يكون صفة لقوله - كل شيء - فتكون في موضع نصب وإذا سكنت اللام بقي لفظه مصدرا ونصبه على البدل من كل شيء أو هو منصوب على أنه مصدر دل عليه ما تقدم من قوله - أحسن كل شيء - فكأنه قال خلق كل شيء فهو من باب اقتران المصدر بغير فعله اللفظي ولكن بما هو في معناه والهاء في خلقه على هذا تعود إلى الله تعالى
964 [ لما صبروا فاكسر وخفف ( ش ) ذا وقل % بما يعملون اثنان عن ولد العلا ] (1) أي حيث جاء هنا - وما جعل أزواجكم اللاء وفي المجادلة / < إلا اللاء ولدنهم > /
____________________
1- أي اكسر اللام وخفف الميم فالمعنى لصبرهم كما قال في الأعراف { وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا }
أي بصبرهم والقراءة الأخرى لما بفتح اللام وتشديد الميم أي حين صبروا وقوله شذا أي ذا شذاء وقرأ أبو عمرو / < بما يعملون خبيرا > /
في أول الأحزاب وبعده { بما تعملون بصيرا إذ جاؤوكم }
بالغيب فيهما والباقون بالخطاب ووجههما ظاهر فهذا معنى قوله بما يعملون اثنان وفي سورة الفتح أيضا اثنان { بما تعملون خبيرا بل ظننتم } { بما تعملون بصيرا هم الذين كفروا }
والخلاف في الثاني كما يأتي في موضعه والأول بتاء الخطاب أجماعا والله أعلم
965 [ وبالهمز كل اللاء والياء بعده % ( ذ ) كا وبياء ساكن ( ح ) ج ( ه ) ملا ]
(2/643)
وفي الطلاق / < واللاء يئسن > / - / < واللاء لم يحضن > /
قرأ الجميع الكوفيون وابن عامر بهمزة بعدها ياء ساكنة اللاءى على وزن القاضي والداعي فهذا هو أصل الكلمة أي كل اللاء بالهمز والياء بعده ويجوز والياء بالرفع على الابتداء ثم ذكر أن أبا عمرو والبزي قرأ بياء ساكنة من غير همز فكأنهما حذفا الهمز وبقيت الياء الساكنة إلا أنهم لا يوجهون هذه القراءة بهذا إنما يقولون حذفت الياء لتطرفها كما تحذف من القاضي ونحوه ثم أبدل من الهمزة ياء ساكنة وهذه القراءة على هذا الوجه ضعيفة لأن فيها جمعا بين ساكنين فالكلام فيها كما سبق في - محياي - في قراءة من سكن ياء وشبهه جوز ذلك ما في الألف من المد ولكن شرط جواز مثل هذا عند أئمة اللغة المعتبرين أن يكون الساكن الثاني مدغما ولا يرد على هذا ص ن ق لأن أسماء حروف التهجي موضوعة على الوقف والوقف يحتمل اجتماع الساكنين فإن وقف على - محياي - أو اللائي - فهو مثله وإنما الكلام في الوصل وأما إجازة بعضهم اضربان واضربنان بإسكان النون والتقت حلقتا البطنان بإثبات الألف فشاذ ضعيف عندهم والله أعلم
وقوله حج هملا أي غلبهم في الحجة وقد تقدم شرح هملا في باب ياءات الإضافة في قوله إلا مواضع هملا وهو جمع هامل والهامل البعير المتروك بلا راع أي غلب في الحجة قوما غير محتفل بهم يشير إلى تقوية الإسكان وأنه له ضعف
966 [ وكالياء مكسورا لورش وعنهما % وقف مسكنا والهمز ( ز ) اكيه ( ب ) جلا ] (1)
____________________
1- أي وسهل ورش الهمزة بين بين وهو المراد بقوله كالياء مكسورا لأنها صارت بين الهمزة والياء المكسورة وهذا قياس تخفيفها لأنها همزة مكسورة بعد ألف وهذه القراء مروية عنهما أي عن أبي عمرو والبزي وهو وجه قوى لا كلام فيه ذكره جماعة من الأئمة المصنفين كصاحب الروضة قال قرأ أبو عمرو وورش والبزي وذكر غيرهم بتليين الهمزة من غير ياء بعدها وهو ظاهر كلام ابن مجاهد فإنه قال قرأ ابن كثير ونافع - اللاء - ليس بعد الهمزة ياء وقرأ أبو عمرو شبيها بذلك غير أنه لا يهمز وكذا قال أبو عبيد قرأ نافع وأبو عمرو - اللاء - مخفوضة غير مهموزة ولا ممدودة ونص مكي على الإسكان ولم يذكر صاحب التيسير غيره لهما وقال في غيره قرأت على فارس ابن أحمد بكسر الياء كسرة مختلسة من غير سكون وبذلك كان يأخذ أبو الحسين بن المنادي وغيره وهو قياس تسهيل الهمز قال الشيخ وقد قيل إن الفراء عبروا عن التليين لهؤلاء بالإسكان
قالوا وإظهار أبي عمرو في - اللاء يئسن - مما يدل على أنه تليين وليس بإسكان
قلت قد سبق في باب الإدغام الكبير تقرير هذا وذكر أبو علي الأهوازي الوجهين عنهما
قوله وقف مسكنا أي مسكنا للياء لهؤلاء لأن الوقف يحتمل اجتماع الساكنين
قال في التيسير وإذا وقف يعني ورشا صيرها ياء ساكنة قال وحمزة إذا وقف جعل الهمزة بين بين عل
(2/644)
أصله ومن همز منهم ومن لم يهمز أشبع التمكين للألف في الحالين إلا ورشا فإن المد والقصر جائزان في مذهبه لما ذكرناه في باب الهمزتين
قلت هو ما نظمه الشاطبي رحمه الله بقوله
( وإن حرف مد قبل همز مغير . . . . البيت
ثم ذكر أن قنبلا وقالون قرأ بالهمز من غير ياء بعده فإذا وقفا أسكنا الهمز وفي قراءة أبي عمرو والبزي من المد والقصر مثل ما في قراءة ورش والله أعلم
967 [ وتظاهرون اضممه واكسر لعاصم % وفي الهاء خفف وامدد الظاء ( ذ ) بلا ] (1) أي خفف الظاء قاريء ثبت وهم الكوفيون وفي قد سمع الله موضعان حكمهما ما ذكر هنا إلا أن الظاء تم لم يخففه إلا عاصم وحده لأنه يقرأ يظاهرون من ظاهر ولم يخفف الظاء حمزة والكسائي لأنه لم يجتمع تاآن فتحذف الثانية منهما لأن موضعي سورة قد سمع فعلهما للغيبة لا للخطاب الذين يظهرون منكم والذي يظاهرون من نسائهم ولكن أدغما التاء في الظاء كما يقرأ ابن عامر والنوفل السيد المعطاء ونصبه على الحال أي ذا نوفل أي قاريء سيد
969 [ و ( حق صحاب ) قصر وصل الظنون والرسول % السبيلا وهو في الوقف ( ف ) ي ( ح ) لا ] + أي قصروا هذه الكلمات الثلاث في الوصل وهي - وتظنون بالله الظنونا - يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا - وبعده - فأضرنا السبيلا - رسمت هذه الثلاثة بالألف هنا ولم ترسم في قوله - وهو يهدي السبيل - وإثبات الألف في تلك المواضع لتشاكل الفواصل وهو مطلوب مراعا في أكثر القرآن وقد يندر في بعض الصور مالا يشاكل ومنه { أن لن يحور }
____________________
1- أي اضمم التاء واكسر الهاء لعاصم وهو داخل أيضا في رمز من خفف الهاء ومد الظاء وخففها كما في البيت الآتي فقراءة عاصم تظاهرون مضارع ظاهر مثل قاتل وقرأ ابن عامر تظاهرون على اللفظ الذي في بيت الناظم وهو مضارع تظاهر مثل تقاتل والأصل تتظاهرون فأدغم التاء في الظاء وقرأ حمزة والكسائي مثله إلا أنهما خففا الظاء لأنهما حذفا الياء التي أدغمها ابن عامر وقرأ الباقون - تظهرون - بتشديد الظاء والهاء من تظهر مثل تكلم وأدغموا التاء في الظاء
968 [ وخففه ( ث ) بت وفي قد سمع كما % هنا وهناك الظاء خفف ( ن ) وفلا ]
(2/645)
في سورة الاشتقاق فإنه بغير ألف بعد الراء - و { كل يوم هو في شأن } بالهمز وكذا - { بالخاطئة } في الحاقة وخاطئة في اقرأ كلتاهما مهموز
وأنا أختار ترك الهمز في هذه الثلاثة على قراءة حمزة في الوقف لتشاكل الفواصل ثم قال وهو في الوقف أي والقصر في الوقف لحمزة وأبي عمرو فهما يقصران وقفا ووصلا على الأصل ومد نافع وابن عامر وشعبة في الحالين تبعا لخط المصحف وابن كثير والكسائي وحفص جمعوا بين الخط والأصل في الحالين فمدوا في الوقف لأنه يحتمل ذلك كما في القوافي كقوله
( وولى اللامة الرجلا % )
وقصروا في الوصل ونحوا بذلك منحى هاء السكت وهذه القراءة هي المختارة
قال أبو عبيد والذي أحب فيه هذه الحروف أن يتعمد الوقف عليهن تعمدا وذلك لأن في إسقاط الألفات منهن مفارقة الخط وقد رأيتهن في الذي يقال ل الإمام مصحف عثمان مثبتات كلهن ثم أجمعت عليها مصاحف الأمصار فلا نعلها اختلفت فكيف يمكن التقدم على حذفها وأكره أيضا أن أثبتهن مع إدماج القراءة لأنه خروج من العربية لم نجد هذا عندهم جائزا في اضطرار ولا غيره فإذا صرت إلى الوقف عليها فأثبت الألفات كنت متبعا للكتاب ويكون مع هنا فيها موافقة لبعض مذاهب العرب وذلك أنهم يثبتون مثل هذه الألفات في قوافي أشعارهم ومصاريعها لأنها مواضع قطع وسكت فأما في حشو لأبيات فمعدوم غير موجود على حال من الحالات وقال الزجاج الذي عليه حذاق النحويين والمتبعون السنة من حذاقهم أن يقرءوا - الظنونا - ويقفوا على الألف ولا يصلوا وإنما فعلوا ذلك لأن أواخر الآيات عندهم فواصل يثبتون في آخرها في الوقف ما يحذف مثله في الوصل فهؤلاء لا يتبعون المصحف ويكرهون أن يصلوا فيثبتوا الألف لأن الآخر لم يقفوا عليه فيجروه مجرى الفواصل ومثل هذا في كلام العرب في القوافي نحو قوله
( أقلى لوم عاذل والعتابا % وقولي إن أصبت لقد أصابن )
فأثبت الألف لأنها في موضع فاصلة وهي القافثة وأنشد أبو عمرو الداني في كتاب الإيجاز
( إذا الجوزاء أردفت الثريا % ظننت بآل فاطمة الظنونا )
ومن ذلك قول الأعشى
( استأثر الله بالوفاء وبالعدل % وولى الملامة الرجلا )
وقال أبو علي وجه من أثبت في الوصل أنها في المصحف كذلك وهي رأس آية ورءس الآى تشبه بالقوافي من حيث كانت مقاطع كما كانت القوافي مقاطع فكما شبه - أكرمن وأهانن - بالقوافي في حذف الياء منهن نحو
( من حذر الموت أن يأتين % وإذا ما انتسبت له أتكون )
كذلك يشبه هذا في إثبات الألف بالقوافي وأما في الوصل فلا ينون ويحمل على لغة من لا ينون ذلك إذا وصل في الشعر لأن من لا ينون أكثر قال أبو الحسن وهي لغة أهل الحجاز فأما من طرح الألف في الوصل فإنهم ذهبوا إلى أن ذلك في القوافي وليس رءوس الآي بقواف فيحذف في الوصل كما يحذف غيرها فما يثبت في الوقف نحو التشديد الذي يلحق الحرف الموقوف عليه
____________________
(2/646)
قال وهذا إذا أثبت في الخط فينبغي أن لا تحذف هاء الوقف من - حسابيه - وكتابيه - وأن يجري مجرى الموقوف عليه فهو وجه
وإذا ثبت ذلك في القوافي في الوصل فشأنه في الفواصل حسن
قال غيره وأما من قرأ بغير ألف فهو الأصل المشتهر في كلامهم تقول رأيت الرجل بإسكان اللام ومن العرب من يجري القوافي في الإنشاد مجرى الكلام الموزون فيقول
( أقلى اللوم عاذل والعتاب % )
( واسئل بمصقله البكري ما فعل % )
فإذا كانوا يجرون القوافي مجرى الكلام غير الموزون فلأن يتركوا الكلام غير الموزون على حالته ولم يشبهوه بالموزون أولى والله أعلم
970 [ مقام لحفص ضم والثان ( عم ) في الد % دخان وآتوها على المد ( ذ ) و ( ح ) لا ] - يريد - لا مقام لكم فارجعو - والثاني في الدخان { إن المتقين في مقام أمين }
والأول فيها لا خلاف في فتحه وهو { وزروع ومقام كريم }
كما أجمعوا على فتح مقام إبراهيم وقد سبق في مريم الكلام على القراءتين وإن المفتوح موضع القيام والمضموم بمعنى الإقامة وأراد ضم الميم الأولى ولا جائز أن تحمل على الميم الثانية لوجهين
أحدهما أن ذلك في الميم الثانية لو كان لعبر عنه بالرفع لا بالضم لأنها حركة إعراب
والثاني لو أريد ذلك لذكر معه التنوين لأنه من باب وبالرفع نونه - فلا رفث - ولا بيع - نونه - ولا خلة - ولا شفاعة - وارفعهن
وأما لآتوها - بالمد فإنه بمعنى أعطوها أي أجابوا إلى ما سئلوه وأتوها بالقصر بمني فعلوها وجاءوها يقال اثبت الخبر إذا فعلته والمعنى ثم سئلوا فعل الفتنة لفعلوها واختار أبو عبيد قراءة المد وقال قد جاءت الآثار في الذين كانوا يفتنون بالتعذيب في الله أنهم أعطوا ما سألهم المشركون غير بلال وليس في شيء من الحديث أنهم جاءوا ما سألهم المشركون ففي هذا اعتبار للمد في قوله - لآتوها - بمعنى أعطوها
قال أبو علي ومما يحسن المد قوله - سئلوا - والإعطاء مع السؤال حسن والمعنى لو قيل لهم كونوا على المسلمين مع المشركين لفعلوا ذلك وحلا في آخر البيت مصدر مفتوح الحاء وليس بفعل ماض
حكى الشيخ في شرحه عن الناظم رحمهما الله يقال ذو حلا أي ذو حسن من حلى في عينه وصده يحلى قال ويقال أيضا حلى بالشيء أي ظفر به يحلى وقد قال ابن ولاد إن حلا لا يعرف يعني أن المصدر المعروف من هذين الفعلين إنما هو حلاوة
____________________
(2/647)
قال الشيخ ويجوز أن يكون ذو بمعنى الذي أي على المد الذي حلا كقول الطائي ( وبئري ذو حفرت وذو طويت % )
قلت وكأنه أشار بقوله حلا إلى ما ذكره أبو عبيد وأبو علي
971 [ وفي الكل ضم الكسر في أسوة ( ن ) دى % وقصر ( ك ) فا ( ح ) ق يضاعف مثقلا ] (1) الواو في وبالياء فاصلة لأن هذه مسئلة غير المتقدمة وإن كان الجميع متعلقا بكلام واحد فالذي تقدم بيان الخلاف في القصر والتشديد وهذا بيان قراءة من يقرأ بالياء وفتح العين ورفع العذاب وضدها وهي القراءة بالنون وكسر العين ونصب العذاب
فكأنه قال ويضاعف بالياء وفتح العين على ما لم يسم فاعله ورفع العذاب لأنه مفعول ما لم يسم فاعله
فأسقط حرف العطف من ورفع العذاب ضرورة للعلم به وقوله حصن حسن أي رمز ذلك وهو خبر المبتدأ المقدر
وهو يضاعف وما عطف عليه وهو رفع العذاب أي المجموع حصن حسن فاجتمع أبو عمرو مع حصن في الياء وفتح العين وخالفهم في المد فقرءوا - يضاعف - وقرأ هو وحده يضعف وكلا الفعلين لما لم يسم فاعله فاتفق معهم على رفع العذاب فبقي ابن كثير وابن عامر على النون وكسر العين على بناء الفعل للفاعل فلزم نصب العذاب لأنه مفعوله والنون للعظمة هما من أهل القصر والتشديد فقرأا - نضعف لها العذاب - والقراءات ههنا ثلاث
ووجوهها ظاهرة إنما كان مشكلا استخراجها من هذا النظم وقد سهله الله تعالى فاتضح ولله الحمد
قوله ويعمل يؤت أراد - ويعمل صالحا نؤتها - قرأهما حمزة والكسائي بالياء أما الياء في يعمل - فعطف على يقنت - وأجمعوا في يقنت على لفظ التذكير ردا على لفظ من فكذا ما عطف عليه وهو - يعمل - وقرأ الباقون بالتاء على التأنيث ردا على معنى من لأنها عبارة عن النساء ولهذا رجعت الضمائر بلفظ التأنيث في نؤتها أجرها مرتين وأعتدنا لها - وأما الياء في يؤتها فلله تعالى وقرأ الباقون بالنون للعظمة فقول الناظم بالياء تقييد لقوله يؤت ليكون النون للباقين لأنها أخت الياء في اصطلاحه ولا تكون تقييد ليعمل أيضا وإن
____________________
1- الضم والكسر في أسوة لغتان ومثله قدوة وعدوة بضم القاف والعين وكسرهما وقوله في الكل يعني هنا وفي الممتحنة موضعان ويجوز ضم الكسر على الأمر وضم الكسر على الابتدا ويضاعف مبتدأ وقصر كفاحق خبره ومثقلا حال منه أي يضعف لها العذاب بالقصر مع تشديد العين وقد تقدم في سورة البقرة أن ضاعف وضعف لغتان فابن كثير وابن عامر قرأ من لغة ضعف هناك وهنا وأبو عمرو شدد هنا دون ثم والباقون قروا من لغة ضاعف في الموضعين والله أعلم
قال أبو عبيد كان أبو عمرو يقرأ هذه وحدها يضعف مشددة بغير ألف لقوله - ضعفين - وقال ما كان أضعافا كثيرة فإنه يضاعف وما كان ضعفين فإنه يضعف
قال أبو عبيد لا نعلم بين ما فرق أبو عمرو فرقا فرقا
972 [ وباليا وفتح العين رفع العذاب ( حصن ) % حسن وتعمل نؤت بالياء ( ش ) مللا ]
(2/648)
كان صحيحا من حيث المعنى واللفظ فإنها بالياء أيضا ولكن امتنع ذلك خوفا من اختلال القراءة الأخرى فإنها ليست بالنون فلا يكون هذا إلى من باب التذكير والتأنيث فيكون قوله ويعطل مطلقا من غير تقييد ليدل إطلاقه له على أنه أراد به التذكير فيأخذ للباقين ضده وهو التأنيث وشمللا خبر عن يعمل ويؤت على حذف حرف العطف
973 [ وقرن افتح ( ا ) ذ نصوا يكون ( ل ) ه ( ث ) وى % يحل سوى البصري وخاتم وكلا ] (1)
____________________
1- يريد افتح القاف من - وقرن في بيوتكن - والباقون بكسرها وكلاهما فعل أمر لجماعة النساء فالمفتوح من قررت بالمكان أقر بكسر الراء في الماضي وفتحها في المضارع في قول من أجاز ذلك ونظيره عض من عضضت وقيل من قار يقار إذا اجتمع فيكون مثل خفن الله أي اجتمعن في بيوتكن والمكسور من قررت بالمكان أقر بفتح الراء في الماضي وكسرها في المضارع وهي اللغة المعروفة في قررت بالمكان فيكون مثل جدن في الأمر من جددت فيه أو من وقر يقر فيكون مثل عدن من وعد فإن أخذنا ذلك من قررت بفتح فاء وكسرها فتكون عين الفعل حذفت لأنه ألقيت حركتها على الفاء فحذفت لالتقاء الساكنين هي ولام الفعل وحذفت همزة الوصل استغناء عنها بتحريك الفاء والأصل أقررن بفتح الراء الأولى وكسرها وإن قلنا إن قرن بالكسر من وقر يقر فالمحذوف فاء الفعل وهي الواو وإن قلنا إن قرن بالفتح من قار يقار فالمحذوف عين الفعل وهي واو أيضا وهذا الوجه حكاه الزمخشري عن أبي الفتح الهمداني
وقال أبو علي الوجه في - وقرن - بالكسر لأنه يجوز من وجهين لا إشكال في جوازه منهما وهما من القرار والوقار وفتح القاف على ما ذكرت من الخلاف زعم أبو عثمان أن قررت في المكان لا يجوز وقد حكى ذلك بعض البغداديين فيجوز الفتح في القاف على هذه اللغة إذا ثبتت وقال أبو عبيد والقراءة التي نختارها بكسر القاف فيكون مأخوذا من الوقار فأما الفتح فإن أشياخنا من أهل العربية كانوا ينكرونه ويقولون إن كان من الوقار فهو بالكسر على قراءتنا وإن كان من القرار فينبغي أن يكون من أقررنا أو أقررنا قال وقد وجدناها تخرج في العربية من وجه فيه بعد وهو شبيه بقوله { فظلتم تفكهون }
وأصلها من المضاعف ظللت قال مكي وقيل إن هذه القراءة مشتقة من قررت به عينا أقر قال وليس المعنى على هذا لم يؤمرن أن تقر أعينهن في بيوتهن إنما أمرن بالقرار أو بالوقار في بيوتهن قال والاختيار كسر القاف لأن عليه المعنى الصحيح
وأما - أن يكون لهم الخيرة - ولا يحل لك النساء - فالتذكير فيهما والتأنيث ظاهران وأبو عبيد يختار التذكير في هذا ونحوه والثرى بالقصر التراب الندي وبالمد المال الكثير فيجوز أن يكون قصره ضرورة وقد تقدم أن الناظم يستعير هذه الأشياء ونحوها كناية عن وضوح القراءة وكثرة الحجج لها وردا لكلام م
(2/649)
تكلم فيها وأما وخاتم النبيين - فوجه الفتح فيه أن الذي يختم به يقال بفتح التاء وكسرها فكأنه صلى الله عليه وسلم جعل كخاتم لما ختم به الأنبياء قال أبو عبيد وبالكسر نقرأ لأن التأويل أنه صلى الله عليه وسلم ختمهم فهو خاتمهم وكذلك رويت الآثار عنه في صفة نفسه أنه قال أنا خاتم النبيين لم نسمع واحدا من فقهائنا يروي هذا الحرف في حديثه إلا بكسر التاء قال الزجاج من كسر فمعناه ختم النبيين ومن فتح فمعناه آخر النبيين لا نبي بعده والواو في قول الناظم وقرن وخاتم ليست فاصلة بل هي من نفس الكلمة في القرآن كالياء في يكون ويحل وأما الواو في - وكلا - فليست فاصلة أيضا ولا معنى لها هنا فلو أتى بكلمة أولها نون رمزا لقراء الفتح لكان أولى فيقول نولا أو نحو ذلك ويستغنى عن الرمز بعد قوله في البيت الآتي ويأتي بالواو الفاصلة ثم يقول وخاتم نزلا بفتح وقل ساداتنا اجمع إلى آخره
فإن قلت لو قال كذلك لكان قد رمز قبل تقييد القراءة وهو قد قال ومن بعد ذكرى الحرف أسمى رجاله قلت الذي التزمه أن لا يتقدم الرمز على الحرف المختلف فيه أما تقدمه على التقييد فلا كقوله سما العلا شذا الجزم
974 [ بفتح ( ن ) ما ساداتنا اجمع بكسرة % ( ك ) فى وكثيرا نقطة تحت ( ن ) فلا ] (1)
____________________
1- يريد - إنا أطعنا سادتنا - هو جمع سيد وسادات جمع هذا الجمع وكسر تائه علامة النصب لأنه جمع سلامة وفتح تاء سادة علامة نصبه لأنه جمع تكسير ومثله كتبة وفجرة وأما - والعنهم لعنا كبيرا - فقراءة عاصم وحده بالباء الموحدة والقراءتان وجههما كما سبق في البقرة في - إثم كبير - قال أبو علي الكير مثل العظم والكثرة أشبه بالمعنى لأنهم يلعنون مرة بعد مرة وقوله نفل معناه أعطى نقطة من تحته والتنفيل الإعطاء فقوله نقطة بالنصب ثاني مفعول نفلا وجعل النقطة نفلا لأنها دون الثلاث التي للثاء فتلك بمنزلة النفل في قسم الغنيمة لأنها دون سهم الغانم والله أعل
(2/650)
سورة سبأ وفاطر
975 [ وعالم قل علام ( ش ) اع ورفع خفضه % ( عم ) من رجز أليم معا ولا ] (1) خفض الميم من - أليم - على أنه صفة لرجز ورفعها على أنه نعت لعذاب أي لهم عذاب أليم من رجز والياء والنون في قوله تعالى - إن نشأ نخسف بهم الأرض أو نسقط - ظاهران معنى شمللا أي حكم على الياء بالشمول لهذه الثلاثة
977 [ وفي الريح رفع ( ص ) ح منسأته سكون % همزته ( م ) اض وأبدله ( إ ) ذ ( ح ) لا ] + يريد - ولسليمان الريح - رفع الريح على الابتداء ولسليمان خبره كما يقول لزيد المال والنصب على إضمار وسخرنا لسليمان الريح عطفا على معنى - وألنا له الحديد - لأن ذلك تسخير لداود عليه السلام والمنسأة العصا العظيمة التي تكون مع الراعي على وزن محبرة وأصلها الهمز لأنها من نسأت البعير زجرته وسقته وطردته فهي اسم آلة من ذلك كالمقدحة والمجرفة فقرأتها الجماعة كذلك على الأصل
____________________
1- أي قرأه علام وعالم وعلام كلاهما من الصفات كضارب وضراب وفي التشديد مبالغة وفي القرآن عالم الغيب - في مواضع مجمع عليها - و { علام الغيوب } في المائدة وفي آخر هذه السورة ولم يجئ علام الغيب إلا في قراءة حمزة والكسائي ههنا والخفض في عالم وعلام على اتباع وربي أو لله في قوله - الحمد لله - ورفع عالم على المدح أي هو عالم الغيب أو مبتدأ وخبره - لا يعزب عنه - ومن رجز أليم - موضعان هنا وفي الجاثية والرجز أشد العذاب وسيئه وقيل إنه كالرجس بمعنى القذر فهذا فائدة جعل العذاب فيه باعتبار صفته والواو في قوله ولا ليست فاصلة كالواو في وكلا التي سبق ذكرها وأما أقل ما اتفق له في هذه القصيدة من أمثال هذا نحو وخاتم وكلا وإلياسين بالكسر وصلا فإن الواوات في أوائل هذه الكلم توهم الفصل لأنها كلمات لم تسبق تقييدا بخلاف الواو في قوله
( وبالضم واقصر واكسر التاء فاتلوا % )
فهذه الكلمات كلها تقييد فلم تضر الواوات في أوائلها ومعنى ولا بكسر الواو متابعة وهو مفعول من أجله من الكلام الذي يأتي بعده أي رفع متابعة ومن رجز أليم مبتدأ وخبره أول البيت الآتي وهو
976 [ على رفع خفض الميم ( د ) ل ( ع ) ليمه % ونخسف نشأ نسقط بها الياء ( ش ) مللا ]
(2/651)
وأبدل الهمزة ألفا نافع وأبو عمرو والهمز المتحرك لا يبدل حرف مد إلا سماعا وهذا مسموع قال الشاعر
( إذا دليت على المنساة من كبر % )
وأسكن ابن ذكوان الهمز تخفيفا وهو عند النحاة ضعيف فإنه يلزم منه أن يوجد ساكن غير الألف قبل هاء التأنيث وهذا لا يوجد وقال بعضهم يمكن أن تكون القراءة بها بين بين وهو القياس في تخفيف هذه الهمزة لكن الراوي لم يضبط وقال صاحب التيسير ابن ذكوان بهمزة ساكنة ومثله قد يجيء في الشعر لإقامة الوزن وأنشد الأخفش الدمشقي زاد الشيخ لبعض الأعراب
( صريع خمر قام من وكاته % كقومة الشيخ إلى منسأته )
فقوله ماض إشارة إلى جوازه أي قد مضى حكمه والهاء في أبدله للهمز أي أبدل ذلك الهمز الساكن إذ خلا إبداله والله أعلم
978 [ مساكنهم سكنه واقصر على ( ش ) ذا % وفي الكاف فافتح ( ع ) الما ( ف ) تبجلا ] (1) يجازي إلا الكفور على بناء الفعل للمفعول ونجازي بالنون ليكون الفعل مسندا للفاعل والكفور منصوب لأنه مفعول وهو موافق لما قبله - ذلك جزيناهم بما كفروا - وصاب أي نزل يعني قد نزل نظائر في القرآن فيها الفعل مبني لما لم يسم فاعله نحو - هل يجوزن إلا - وقوله سما هو خبر يجازي والكفور رفع جملة حالية وكم صاب جملة أخرى خبرية عنه أي كم مرة ورد وسيأتي في فاطر { كذلك نجزي كل كفور }
ثم قال أكل أضف حلا أي ذا حلا يريد - ذواتي أكل خمط - أضاف أبو عمرو أكل إلى خمط فانحذف التنوين من أكل والباقون لم يضيفوا فبقي منونا وأما الخلاف في إسكان الكاف وضمها فقد سبق في سورة البقرة واختار أبو عمرو التنوين قال لأن الأكل ههنا هو الخمط في التفسير فالتنوين أولى به من الإضافة مع أن أهل هذه القراءة أكثر
قلت الأكل المأكول وهو الجنا كما قال
____________________
1- يريد - لقد كان لسبأ في مساكنهم - هذه قراءة الجماعة بالجمع وأفرده حمزة والكسائي وحفص فقرءوا - مسكنهم - إلا أن الكسائي كسر الكاف وفتحها حمزة وحفص وكلاهما لغة والفتح أقيس والجمع يجوز أن يكون لكل واحد منهما والله أعلم
979 [ نجازي بياء وافتح الزاي والكفور % رفع ( سماك ) م ( ص ) اب أكل أضف ( ح ) لا ]
(2/652)
{ تؤتي أكلها كل حين }
وثمر كل شيء يطلق عليه اسم شجرته وعلى الشجرة اسم ثمرها فكما تقول عندي ثمرتان وعنب ورمان برفع الجميع وتنوينه فكذا تقول هذا أكل خمط وأثل وسدر والإضافة على تقدير ثمرة هذا النوع من الشجر وإنما ذكر سبحانه الأكل تصريحا بأن هذا صار مأكولهم بعد ما كانوا مخولين في ما شاءوا من ثمار الجنتين المقدم ذكرهما - كلوا من رزق ربكم واشكروا له - قال أبو عبيد الخمط كل شجرة مرة ذات شوك وقال الزجاج كل نبت أخذ طعما من مرارة فلم يمكن أكله خمط وقيل في كتاب الخليل الخمط شجرة الأراك وقال الجوهري هو ضرب من الأراك له حمل يؤكل والأثل شجر يشبه الطرفاء أعظم منه قال الزمخشري وجه من نون أن أصله ذواتى أكل أكل خمط فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه أو وصف الأكل بالخمط كأنه قيل ذواتى أكل شفيع
قلت هو نحو قولهم مررت بقاع عرفج كله أو على تقدير ذي خمط كما قيل ذلك في قوله تعالى { ويسقى من ماء صديد }
أي ذي صديد وأجاز جماعة أن يكون بدلا ومنعه أبو علي فاختار أن يكون عطف بيان ورجح قراءة الإضافة فقال ما ذهب إليه أبو عمرو في قراءته بالإضافة حسن فإن الأكل إذا كان الجناء فإن جناء كل شجرة منه قال وخير الإضافة ليس في حسن الإضافة وذلك لأن الخمط إنما هو اسم شجرة وليس بوصف وإذا لم يكن وصفا ولم يجري على ما قبله كما يجري الوصف على الموصوف والبدل ليس بالسهل أيضا لأنه ليس هو هو ولا بعضه لأن الجناء من الشجرة وليس الشجرة من الجناء قال فيكون إجراؤه عليه على وجه عطف البيان كأنه بين أن الجناء لهذا الشجر ومنه وكان الذي حسن ذلك أنهم قد استعملوا هذه الكلمة استعمال الصفة قال الشاعر في صفته
( القفار ليست بخطمه )
قال أبو الحسن الأحسن في كلام العرب أن يضيفوا ما كان من نحو هذا مثل دار آجر وثوب خز قال وأكل خمط قراءة كثيرة وليست بالجيدة في العربية وقال الفراء الخمط في التفسير هو الأراك وهو البربر قال النحاس قال محمد بن يزيد الخمط كل ما تغير إلى ما لا تشتهي واللبن خمط إذا حمض والأولى عنده في القراءة - ذواتى أكل خمط - بالتنوين على أنه نعت لأكل أو بدل منه لأن الأكل هو الخمط بعينه عنده فأما الإضافة فباب جوازها أن يكون تقديرها ذواتى أكل حموضة وأكل مرارة والله أعلم
980 [ و ( حق ) لوا باعد بقصر مشددا % وصدق للكوفي جاء مثقلا ] (1)
____________________
1- باعد مبتدأ وخبره حق لوا ويقصر مشددا حالان من باعد عاملهما حق لأنه مصدر وقصر لفظ اللواء ضرورة وكنى بذلك عن شهرة القراءة وكلتاهما واضحة باعد وبعد مثل ضاعف وضع
(2/653)
يريد قوله سبحانه - باعد بين أسفارنا - وصدق عليهم إبليس ظنه - بالتخفيف والتشديد قيل هما سواء - وظنه - مفعول به يقال وعد مصدوق ومكذوب قال الله تعالى { ذلك وعد غير مكذوب }
ومن أبيات الحماسة
( فوارس صدقوا فيهم ظنوني % )
أي كان منهم ما ظننت فيهم وكذا إبليس ظن أنه يقويهم إلا قليلا فوقع ذلك وقيل التقدير في قراءة التخفيف في ظنه فحذف الجار متعدي الفعل فنصب وقبل التقدير ظن ظنه نحو فعلته جهدك وقيل في التشديد حق عليهم ظنه أو وجده صادقا وروى ظنه بالرفع على تخفيف صدق فيكون ظنه بدلا من إبليس وقيل أيضا بجواز نصب إبليس ورفع ظنه فكما صدق إبليس ظنه فكذا صدق ظنه وظنه هو قوله لأغوينهم أجمعين قال ذلك ظنا
981 [ وفزع فتح الضم والكسر ( ك ) امل % ومن أذن اضمم ( ح ) لو ( ش ) رع تسلسلا ] (1) يريد - وهم في الغرفات آمنون - ووجه الجمع ظاهر كما جاء في موضع آخر { لهم غرف من فوقها غرف مبنية } - { لنبوئنهم من الجنة غرفا }
ووجه الإفراد قوله - أولئك يجزون الغرفة بما صبروا - فهو اسم جنس يراد به الجمع والكثرة والتناوش
____________________
1- الخلف في هذين الفعلين في إسناد الفعل إلى الفاعل وهو الله عز وجل أو لما لم يسم فاعله وكلاهما ظاهر فإن أسند فزع إلى الفاعل فالفاعل هو الله تعالى أو ما هناك من الحال قال ابن جني إضمار الفاعل لدلالة الحال عليه كثير منه ما حكاه سيبويه من قولهم
( إذا كان غدا فائتني % )
وكذلك قول الشاعر
( فإن كان لا يرضيك حتى تردني % إلى قطري لا أخالك راضيا )
أي إن كان لا يرضيك ما جرى أو ما الحال عليه
قلت وقريء شاذا فزع بتخفيف الزاي مع البناء للمفعول وقريء أيضا بالراء المهملة والعين المعجمة مع البناء للفاعل أو المفعول والراء مشددة ومخففة فهذه ست قراءات مع البناء للمفعول واثنان مع البناء للفاعل ومفعول ما لم يسم فاعله قوله - عن قلوبهم - نحو سير عن البلد
قال ابن جني المعنى في جميع ذلك إذا كشف عن قلوبهم وقوله حلو شرع حال من مفعول اضمم
982 [ وفي الغرفة التوحيد ( ف ) از ويهمز التتناوش % ( ح ) لوا ( صحبة ) وتوصلا ]
(2/654)
التناول بغير همز ووجه الهمز ضم الواو مثل أقتت وأدؤر وأجوه وقيل هو من ناشت إذا تأخرت وأبطأت وإذا وقف حمزة جعل الهمزة بين بين على أصله وذكر صاحب التيسير له وجها آخر هنا أنه يقف بضم الواو على تعليل الهمز بأن سببه ضمة الواو فقال فعلى هذا يقف بضم الواو ويرد ذلك إلى أصله ولم يتعرض الناظم رحمه الله لهذا الوجه في نظمه هنا واعتذر عن ذلك فيما وجدته في حاشية النسخة المقروة عليه فقال تركه لضعف هذا التأويل قال ثم لو صح كيف يرد الوقف الشيء إلى أصله وهو عارض وأين له نظير حتى يبني عليه ويلزمه ذلك في عطاء وجزاء
قلت وهذا الوجه صحيح لحمزة ولكن مأخذه اتباع الرسم كما سبق في بابه واستغنى الناظم بذلك عن ذكره هنا والله أعلم
وقوله حلوا حال من التناؤش وصحبه وتوصلا تمييزان من الحال أي حلوا صحبته وتوصله
983 [ وأجرى عبادي ربي اليا مضافها % وقل رفع غير الله بالخفض ( ش ) كلا ] (1) يريد - كذلك نجزي كل كفور - قرأه أبو عمرو بضم الياء على بناء الفعل للمفعول وقرأه الباقون بفتح النون على بنائه للفاعل والهاء في به تعود على يجزي لأن كل مرفوع به لأنه مفعوله الذي أقيم مقام فاعله ونصبه الباقون على المفعولية
985 [ وفي السيئ المخفوض همزا سكونه % ( ف ) شا بينات قصر ( حق ف ) تى ( ع ) لا ] + همزا منصوب على التمييز أي المخفوض همزه يريد ومكر السيئ - احترازا من المرفوع بعده وهو
____________________
1- يريد الياء في هذه الكلمات الثلاث هي مضافها أي الذي يجري عليه أحكام ياءات الإضافة بالفتح والإسكان فقوله - إن أجري إلا على الله وهو على كل - فتحها نافع وأبو عمرو وابن عامر وحفص - عبادي الشكور - فتحها كلهم غير حمزة - ربي إنه سميع قريب - فتحها نافع وأبو عمرو وفي سبأ زائدتان كالجواري أثبتها أبو عمرو وورش في الوصل وابن كثير في الحالين - فكذبوا رسلي فكيف كان نكير - أثبتها في الوصل ورش وحده وأما { هل من خالق غير الله }
في سورة فاطر فالخفض صفة الخالق على اللفظ والرفع صفة على المعنى لأن التقدير هل خالق غير الله ومعنى شكل صدر والله أعلم
984 [ ونجزي بياء ضم مع فتح زايه % وكل به ارفع وهو عن ولد العلا ]
(2/655)
- ولا يحيق المكر السيئ - فإنه لا خلاف في تحريك همزه وأما ذلك المخفوض فروى عن حمزة سكون همزه تخفيفا لأجل كثرة الحركات وقد سبق ما في هذا في قراءة - بارئكم - ويأمركم ونحوه وقيل إنه وصل بنية الوقف وعندي أنه أسكنه وقفا فظن الراوي أنه يفعل ذلك وصلا وسبب كونه أسكن هذه الهمزة وقفا أن من مذهبه تخفيف الهمز في الوقف على الطريقة المذكورة في بابه وقياسها أن تبدل هذه الهمزة ياء لأنها تسكن للوقف وقبلها مكسور فيجب قلبها ياء إذا خففت فكأنه استثقل اجتماع ثلاث ياءات الوسطى مكسورة فترك الهمز ساكنا على حاله فهو أخف من إبداله فهو نظير ما فعله أبو عمرو في - تؤوى - وتؤوبه حين لم يبدل همزه استثقالا للإبدال وهو معنى قول الناظم فيما سبق أخف بهمزة وقال الزمخشري لعله اختلس فظن سكونا أو وقف وقفة خفيفة ثم ابتدأ ولا يحيق قال أبو جعفر النحاس قال الأعمش وحمزة - ومكر السيئ ولا يحيق المكر السيئ - فحذف الإعراب من الأول وأثبته في الثاني قال أبو إسحق وهو لحن قال أبو جعفر
وإنما صار لحنا لأنه حذف الإعراب منه وزعم محمد بن يزيد أن هذا لا يجوز في كلام ولا شعر لأن حركات الإعراب لا يجوز حذفها دخلت للفرق بين المعاني وقد عظم بعض النحويين أن يكون الأعمش يقرأ بهذا وقال إنما كان يقف عليه فغلط من أدى عنه قال والدليل على هذا أنه تمام الكلام وأن الثاني لما لم يكن الكلام أعربه والحركة في الثاني أثقل منها في الأول لأنها ضمة بين كسرتين قال واحتج بعض النحويين لحمزة في هذا بأن سيبويه أنشد
( إذا اعوججن قلت صاحب قوم % فاليوم أشرب غير مستحقب )
قال وهذا لا حجة فيه لأن سيبويه لم يجزه وإنما حكاه على الشذوذ وضرورة الشعر وقد خولف فيه وقيل إنما هو صاح قوم وفاليوم فاشرب
قال الزجاج - ومكر السيئ - موقوفا وهذا عند النحويين من الحذاق بالنحو وإنما يجوز في الشعر في الاضطرار وأنشدوا
قلت ( صاحب قوم اليوم اشرب غير % )
قال وهذان البيتان قد أنشدهما جميع النحويين المذكورين وزعموا كلهم أن هذا من الاضطرار في الشعر ولا يجوز مثله في كتاب الله تعالى أنشدناهما أبو العباس محمد بن يزيد رحمه الله تعالى
( إذا اعوجحن قلت صالح قوم % وهذا جيد بالغ وأنشدنا )
( فاليوم فاشرب غير مستحقب % )
فأما ما يروى عن أبي عمرو بن العلا - إلى بارئكم - فإنما هو أن يختلس الكسر اختلاسا ولا يجزم بارئكم قال وهذا إنما رواه عن أبي عمرو من لا يضبط النحو كضبط سيبويه والخليل ورواه سيبويه باختلاس الكسر كأنه يقلل صوته عند الكسر وأكثر أبو علي في الحجة من الاستشهاد والاحتجاج للإسكان لأجل توالي الكسرات والاضطرار وللوصل بنية الوقف ثم قال وإذا ساغ ما ذكرنا في هذه القراءة من التأويل لم يسغ لقائل أن يقول إنه لحن ألا تر أن العرب قد استعملوا ما في قياس ذلك
ثم قال وهذه القراءة وإن كان لها مخلص من الطعن فالوجه قراءة الحرف على ما عليه الجمهور
____________________
(2/656)
في الدرج وقال ابن القشيري ما ثبت بالاستفاضة والتواتر أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأه فلا بد من جوازه ولا يجوز أن يقال إنه لحن ولعل مراد من صار إلى التخطئة أن غيره أفصح منه وإن كان هو فصيحا
قلت وعلى الجملة فإسكان - السيئ أهون من إسكان بارئكم لإمكان حمل ذلك على الوقف كما سبق ولا يمكن تقدير ذلك في بارئكم ويأمركم والله أعلم
وقال مكي لو نوى الوقف لخفف الهمزة على أصله وهذا قد سبق الاعتذار عنه
وقوله بينات قصر حق فتى بإضافة حق إلى فتى علا يريد قوله تعالى - فهم على بينة منه - فالإفراد فيه والجمع قد سبق لهما نظائر وليس في سورة فاطر ياء إضافة وفيها زائدة واحدة - فكيف كان نكيري - أثبتها في الوصل ورش وحده
وقلت في ذلك مع الياءين اللتين ذكرناهما في سورة سبأ
( وزاد نكيري والجواري لذي سبأ % وفي فاطر أيضا نكيري تقبلا )
____________________
(2/657)
سورة يس
986 [ وتنزيل نصب الرفع ( ك ) هف ( ص ) حابه % وخفف فعززنا لشعبة مجملا ] (1) اختلفت المصاحف في إثبات الهاء وحذفها وهي ضمير راجع إلى ما إن كانت بمعنى الذي وقد أجمع في القرآن على إثبات الهاء في { كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان }
وعلى حذفها في مواضع { أهذا الذي بعث الله رسولا } { وسلام على عباده الذين اصطفى } { إلا من رحم }
ويجوز على حذف الهاء أن تكون ما مصدرية أي ومن عمل أيديهم ويجوز على إثبات الهاء أن تكون ما نافية أي وما عملت أيديهم ذلك ورفع والقمر ونصبه من باب زيد ضربته وفيه اللغتان وحسن للنصب ما قبله من الجملة الفعلية من قوله - أحييناها وأخرجنا منها حبا - وجعلنا - ونسلخ منه النهار - فهو مثل - والسماء بنيناها بأبد
____________________
1- النصب على المصدر أي نزل الله ذلك تنزيلا يعني الرسالة إليه التي دل عليها قوله تعالى - إنك لمن المرسلين - أو يكون تفسيرا للصراط المستقيم وجعله الزمخشري منصوبا بإضمار أعني وهو نصب على المدح ووجه الرفع أنه خبر مبتدأ محذوف الخبر قدر أبو على الأمرين فقال من رفع فعلى هو - تنزيل العزيز الرحيم - أو تنزيل العزيز الرحيم - هذا وقال الفراء القراءة بالنصب يريد - إنك لمن المرسلين - تنزيلا حقا ومن رفع جعله خبر إنك لتنزيل العزيز أو على الاستئناف أي ذلك تنزيل وقال أبو عبيد هي مثل صنع الله وصبغة الله والرافعون يريدون هنا - تنزيل العزيز الرحيم - ومن خفف فعززنا فمعناه غلبنا وهو مطاوع عازني فعززته أي غالبني فغلبته ومعناه بالتشديد قوينا قال أبو عبيد وهذا أشبه بالمعنى وقول الناظم محملا أي معينا على الحمل يقال أحملته أي أعنته على الحمل فمعناه مكثرا حملة هذه القراءة والله أعلم
987 [ وما عملته يحذف الهاء ( صحبة ) % ووالقمر ارفعه ( سما ) ولقد حلا ]
(2/658)
{ والأرض فرشناها } - { والأرض بعد ذلك دحاها }
أجمعوا على نصب كل ذلك وحسن الرفع أن المعنى وآية لهم القمر كما قال تعالى قبله - وآية لهم الأرض - وآية لهم الليل - فكذا التقدير وآية لهم الشمس وآية لهم القمر فيكون مبتدءا وخبره ما بعده أو ما قبله على اختلاف في ذلك لاحتمال المعنى كلا منه ونستقصي إن شاء الله توجيه ذلك في شرح نظم المفصل في النحو وإلى هذا أشار الناظم بقوله ولقد حلا وكذا قال الفراء الرفع أحب إلي من النصب لأنه قال - وآية لهم الليل - ثم جعل الشمس والقمر متبعين الليل فهما في مذهبه آيات مثله
988 [ وخا يخصمون افتح ( سما ل ) ذ وأخف ( ح ) لو % بر وسكنه وخفف ( ف ) تكملا ] (1)
____________________
1- قرأ حمزة ما لفظ به الناظم سكن الخاء وخفف الضاد فهي من خصم يخصم إذا غلب في الخصومة أي يخصم بعضهم بعضا وقيل يجوز أن يكون الأصل يختصمون كما هو أصل قراءة غيره فحذف هو التاء وغيره أدغمها في الصاد فلهذا شددت الصاد ثم لما أدغمت التاء في الصاد اجتمع ساكنان التاء المدغمة والخاء فمنهم من كسر الخاء لالتقاء الساكنين وهم عاصم والكسائي وابن ذكوان ومنهم من فتح الخاء بنقل حركة التاء المدغمة إليها مثل هذا الاختلاف ما سبق في سورة يونس في قوله تعالى / < أمن لا يهدي > /
فعاصم طرد مذهبه في كسر ما قبل التاء المدغمة وزعم الفراء أن الكسر أكثر وأجود وخالفه غيره وحكى ابن مجاهد وغيره عن أبي بكر كسر التاء في - يخصمون - تبعا للخاء كما كسر ياء يهدي وأبو عمرو وقالون أخفيا فتحة الخاء كما أخفيا فتحة الياء في يهدي ووجه الدلالة على أنه أصل هذا الحرف السكون وقال صاحب التيسير النص عن قالون الإسكان فيهما وكذا ذكر ابن مجاهد وغيره وضعف ذلك الحذاق لما فيه من الجمع بين الساكنين قال الزجاج هي ردية وكان بعض من روى قراءة أهل المدينة يذهب إلى أن هذا لم يضبط عن أهل المدينة كما لم يضبط عن أبي عمرو { إلى بارئكم }
وإنما زعم أن هذا يختلس فيه الحركة اختلاسا وهي فتحة الخاء والقول كما قال والقراءة الجيدة بفتح الخاء وكسرها جيد أيضا وقال النحاس إسكان الخاء لا يجوز لأنه جمع بين الساكنين وليس الأول حرف مد ولين وإنما يجوز في هذا إخفاء الحركة فلم يضبط الراوي كما لم يضبط عن أبي عمرو { فتوبوا إلى بارئكم }
إلا من رواية من يضبط اللغة كما روى سيبويه عنه أنه كان يختلس الحرك
(2/659)
وقال بعض المتأخرين ليس هذا بمنكر لأن الساكن الثاني مدغم في حرف آخر والحرفان اللذان أدغم أحدهما في الآخر يرتفع اللسان عنهما ارتفاعة واحدة فيصيران كحرف واحد متحرك فكأنه لم يلتق ههنا ساكنان
قلت هذا خلاف ما يشهد به الخبر لفظا ووزنا في الشعر بل الحرف المشدد حرفان حقيقة ولا يمكن الجمع بين الأول منهما وساكن قبله غير حرف مد وأما قول أبي علي من زعم أن ذلك ليس في طاقة اللسان يعلم فساده بغير استدلال فمقابل بمثله وقوله حلوبر منصوب على الحال من فاعل أخف أو مفعوله أي أخف الفتحة في حال حلاوتها وبر يجوز بفتح الباء وكسرها وكلاهما له حلاوة شبه بها حلاوة الإخفاء ولكونه بين المنزلتين دال على كل واحد من الأمرين الحركة والسكون
989 [ وساكن شغل ضم ( ذ ) كرا وكسر في % ظلال بضم واقصر اللام ( ش ) لشلا ] (1) أي مع كسر الجيم والباء ثقل اللام أي ثقلها يقال ثقل وثقل بسكون القاف وفتحها وتقدير النظم ثقله مع كسر ضميه أخو نصرة فهذه قراءة نافع وعاصم جمع جبلة وقرأ ابن عامر وأبو عمرو بضم الجيم وسكون الباء وهو تخفيف قراءة الباقين بضمهما قال الجوهري جميع ذلك لغات وهو الجماعة من الناس وقيل جبلا جمع جبيل كرغف ورغيف والجبل الخلق وحلا في آخر البيت بفتح الحاء ومعناه الظفر وهو منصوب وقد سبق في سورة الأحزاب مثله فمعنى كذى حلا أي كذى ظفر وهو في موضع الحال من فاعل وسكن
991 [ وتنكسه فاضممه وحرك لعاصم % وحمزة واكسر عنهما الضم أثقلا ] + أي ضم نونه الأولى وافتح الثانية واكسر الكاف وشددها فيصير - ننكسه - من نكسه مثله كسله وهو
____________________
1- أي ضم الغين ذا ذكر وضمها وإسكانها لغتان وإذا ضم الكسر من قوله
في ظلال وهو كسر الظاء وقصر اللام أي لم تشبع فتحها فتصير ألفا وصارت الكلمة في ظلل جمع ظلة كحلة وحلل وظلال جمع ظل كقدح وقداح أو يكون أيضا جمع ظلة كبرمة وبرام وأجمعوا على أن { يأتيهم الله في ظلل }
بالضم والقصر وعلى - يتفيؤا ظلاله - بالكسر والمد وشلشلا حال من فاعل اقصر أي خفيفا
990 [ وقل جبلا مع كسر ضميه ثقله % ( أ ) خو ( ن ) صرة واضمم وسكن ( ك ) ذي ( ح ) لا ]
(2/660)
مبالغة في نكسه بالتخفيف وقيل المخفف أكثر استعمالا وفي المشدد موافقة - نعمره - في اللفظ وأرادوا كسر ذا الضم وهو الكاف وأثقلا حال منه بمعنى ثقيلا
992 [ لينذر ( د ) م ( غ ) صنا والأحقاف هم % بها بخلف ( ه ) دى مالي وإني معا حلا ] (1)
____________________
1- أي مشبها غصنا في حملك للعلم المشفع به كما يحمل الغصن الثمر يريد - لينذر من كان حيا - الغيب للقرآن والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم وفي الأحقاف { لينذر الذين ظلموا }
وقوله هم بها أي قرءوا فيها بما قرءوا به هنا وهو الغيب الذي دل عليه إطلاقه للحرف وعدم تقييده واختلف عن البزي في الأحقاف فقط ثم ذكر ياءات لإضافة في يس وهي ثلاث - ومالي لا أعبد - سكنها حمزة وحده - إني إذا لفي ضلال - فتحها نافع وأبو عمرو و - إني آمنت بربكم فاسمعون - فتحها الحرميان وأبو عمرو وفيها زائدة واحدة - ولا ينقذون - أثبتها في الوصل ورش وحده وقلت في ذلك
( ويس زد فيها ولا ينقذون مع % لتردين فيما فوق صاد تنزلا
(2/661)
سورة والصافات
993 [ وصفا وزجرا ذكرا ادغم حمزة % وذروا بلا روم بها التا فثقلا ] (1) أي وأدغم خلاد بخلاف عنه - فالملقيات - في سورة - والمرسلات - في ذال ذكر وتاء - فالمغيرات - في
____________________
1- أي وذكرا فحذف حرف العطف وذروا عطف عليها أيضا فصل بينهما بقوله أدغم حمزة وقوله بلا روم أي إدغاما محضا بخلاف ما سبق ذكره في مذهب أبي عمرو في الإدغام في شرح قوله واشمم ورم في غير باء وميمها وقوله بها أي في أوائل هذه الكلمات الأربع التاء مفعول أدغم أي أدغم حمزة التاء الموجودة قبل كل واحد من هذه الألفاظ في هذه الألفاظ في أوائلها فثقل أي فشدد لأن الإدغام بوجب ذلك أراد إدغام والصافات صفا - فالزجرات زجرا فالتاليات ذكرا - هذه الثلاثة هنا والرابعة { والذاريات ذروا }
فإن قلت ما للناظم لم يذكر أبا عمرو مع حمزة في إدغام هذه المواضع وهو مشاركه في هذا المذهب وتقدم ذكر باب الإدغام لأبي عمرو وغير مانع له من ذلك كما ذكره معه في قوله إدغام بيت في حلا وقد تقدم في سورة النساء
قلت مذهب أبي عمرو في الإدغام غير مذهب حمزة وذلك أن المنقول عن أبي عمرو أنه كان يفعل ذلك عند الإدراج والتخفيف وترك الهمز الساكن فإذا همز أو حقق لم يدغم من الحروف المتحركة شيئا إلا { بيت طائفة }
فلما كان يدغم - بيت طائفة - مطلقا أشبه ذلك مذهب حمزة فذكره معه فيها ولما كان أمره في - والصافات صفا - على خلاف ذلك لم يذكره معه ولهذا قال ابن مجاهد قرأ أبو عمرو وإذا أدغم وحمزة على كل حال - والصافات صفا - فقيد ذكر أبي عمرو بقوله إذا أدغم وقال في حمزة على كل حال وترك الإدغام هو المختار في ذلك قال الفراء كان ابن مسعود يدغم التاء من - والصافات فالزاجرات فالتاليات والتبيان أجود لأن القراءة ثبتت على التمكين والتفصيل والبيان وقال أبو عبيد وكان الأعمش يدغمهن والقراءة التي نختارها هي الأولى بالتحقيق والبيان على ما ذكرنا من مذهبنا في جميع القرآن إلا ما كان يخالف الخط ويخرج من لغات العرب وقال النحاس وهذه القراءة التي نفر منها أحمد بن حنبل لما سمعها يعني الإدغام والله أعلم
994 [ وخلادهم بالخلف فالملقيات فالمغيرات % في ذكرا وصبحا فحصلا ]
(2/662)
سورة والعاديات - في صاد - صبحا - وزاد أبو عمرو في مذهب الإدغام على ذلك إدغام - والعاديات ضبحا وإدغام - والسابحات سبحا فالسابقات سبقا - في سورة والنازعات وابن مجاهد وغيره من أكابر المصنفين لم يذكروا لحمزة إدغاما إلا في الكلمات الأربع المتقدمة ولم يذكر أبو عبيد سوى الثلاث التي في الصافات وأما هذا المذكور عن خلاد في إدغام هذين الموضعين فقريب وعنى به قول صاحب التيسير واقرأني أبو الفتح في رواية خلاد - فالملقيات ذكرا فالمغيرات صبحا - بالإدغام أيضا من غير إشارة وذكر في غير التيسير أن حمزة لم يدغم إلا الأربعة الأول
قال الشيخ وكذا ذكر ابن غلبون وغيره ولم يذكر أبو الفتح في كتابه إلا المواضع الأربعة عن حمزة والفاء في فحصلا ليست برمز لأنه قصد صرح أولا بالقاريء وهو خلاد
فإن قلت يحتمل أنه أراد الخلف عن خلاد في المواضع المتقدمة كما قال في آخر يس بخلف هدى ويكون إدغام هذين الموضعين لحمزة
قلت يمنع من ذلك أن الواو في وخلادهم فاصلة
فإن قلت قد جاء أشياء على هذه الصورة والخلف لما مضى نحو وقالون ذو خلف ووجهان فيه لابن ذكوان ههنا وخلف فيهما مع مضمر مصيب
قلت قوله فيه وفيهما بيان لموضع الخلاف والواو بعد ذلك فاصلة أيضا في المواضع الثلاثة المذكورة
995 [ بزينة نون ( ف ) ى ( ن ) د والكواكب انصبلوا % ( ص ) فوة يسمعون ( ش ) ذ ا ( ع ) لا ] (1)
____________________
1- أي كائنا في مكان ند وفي بعض النسخ في ندا بزيادة ألف أي كائنا في ندا وهو الكرم وأشار بذلك إلى وجوه هذه القراءة وصفوة حال من الكواكب أو من المخاطبين وهو جمع صفي مثل صبي وصبية شذا حال من فاعل علا أو هو مفعول به أي علاه نحو علا زيدنا يوم النقا زيدكم
وهو تمييز مقدم على عامله على رأى من جوز ذلك أي على شذاه أي طيبه والقراءات في - بزينة الكواكب ثلاث قرأ حمزة وحفص بتنوين زينة وخفض الكواكب وأبو بكر بتنوين زينة ونصب الكواكب والباقون بإضافة زينة إلى الكواكب والزينة مصدر كالنسبة واسم لما يتزين به كما قوله سبحانه { المال والبنون زينة الحياة الدنيا }
ويحتمل الأمرين قراءة الإضافة فإن فسر بالمصدر كان مضافا إلى فاعله أو مفعوله أي بأن زانتها الكواكب أو بأن زان الله الكواكب وحسنها لأنها إنما زينت السماء لحسنها هي في أنفسها وإن فسر الزينة بالاسم فالإضافة للبيان نحو خاتم حديد لأن الزينة مبهمة في الكواكب وغيرها فما يزان به أو يراد بما زينت به الكواكب أي بحليتها وهو ضوءها وأشكالها المختلفة كالثريا والجوزاء وبنات نعش وأم
(2/663)
قراءة التنوين وجر الكواكب فالكواكب عطف بيان أو بدل والزينة فيها اسم لما يتزين به ونكر للتعظيم أي بزينة لها شأن عظيم ثم بينها بما هو مشاهد معلوم حسنه وزينه فقال الكواكب وقيل يجوز على هذه القراءة أن تكون الزينة مصدرا وتجعل الكواكب بزينة مبالغة أو على تقدير زينة الكواكب فحذف المضاف وأما القراءة بنصب الكواكب مع التنوين فالزينة فيها مصدر والكواكب مفعول به وجوز الزجاج وغيره أن يكون بدلا من موضع بزينة وقيل هو منصوب بإضمار أعني بعد التنكير المشعر بالتعظيم فعلى هذين القولين يجوز أن تكون الزينة اسما لا مصدرا ويجوز أن تكون مصدرا على المبالغة إن قلنا الكواكب بدلا من الموضع وعلى تقدير أعني زينة الكواكب إن قلنا هو منصوب بإضمار أعني وجوز الشيخ أبو عمرو أن تكون الكواكب بدلا من السماء بدل الاشتمال قال كأنه قيل إنا زينا الكواكب في السماء الدنيا بزينة فيكون الزينة مصدرا قال الزجاج بزينة الكواكب يعني بتنوين زينة ورفع الكواكب قال ولا أعلم أحدا قرأ بها فلا تقرأن إلا بها إلا أن تثبت رواية صحيحة لأن القراءة سنة والرفع في الكواكب على معنى إنا زينا السماء الدنيا بأن زينتها الكواكب أو بأن زينت الكواكب
قال النحاس هو على ما حكى النحويون عجبت من قراءة في الحمام القرآن بمعنى إن قريء وأما - لا يسمعون إلى الملأ الأعلى - فنشرحها في البيت الآتي وهو
996 [ بثقليه واضمم تا عجبت ( ش ) ذا وساكن % معا لو آباؤنا ( ك ) يف ( ب ) للا ] (1)
____________________
1- أي على بثقليه أراد تشديد السين والميم على ما لفظ به وأصله يتسمعون فأدغمت التاء في السين وقراءة الباقين - لا يسمعون - من سمع إليه إذا أصغى مع الإدراك ولم ينبه على إسكان السين لظهوره وإلا فلا يلزم من ضد النقل الإسكان بل يكفي ترك النقل وذلك يكون تارة مع حركة كما في الميم وتارة مع سكون واختار أبو عبيد قراءة التشديد لأجل تعدية الفعل بإلى وإنما عدى بها على قراءة التخفيف لتضمين الفعل معنى الإصغاء قوله واضمم تاء عجبت شذا أي ذا شذا فهو حال من الفاعل أو المفعول وإضافة العجب إلى الله تعالى وكذا سائر ما أضيف إليه مما لا يصح إنصافه بأعيانه المراد منه لوازمه وثمراته فالمعنى هنا أن حال هؤلاء انتهت في القبح إلى حد يتعجب منه تعجب الإفكار والذم وذكر أبو عبيد أنها قراءة ابن مسعود وابن عباس وعبد الله بن مقفل وإبراهيم ويحيى بن وثاب والأعمش رضي الله عنهم ويشهد لها - وإن تعجب فعجب - فأخبر الله جل جلاله أنه عجب والحديث المرفوع لقد عجب الله البارحة من فلان
قلت وفي حديث آخر يعجب ربكم من إلكم وقنوطكم
واختار أبو عبيد قراءة الرفع وقال الفراء الرفع أحب إلينا لأنها قراءة علي وعبد الله وابن عباس رضي الله عنهم قال والعجب وإن أسند إلى الله تعالى فليس معناه منه كمعناه من العباد كما أنه قا
(2/664)
{ سخر الله منهم } { الله يستهزئ بهم }
وعجبت بالفتح خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم وقيل التقدير في الضم قل يا محمد بل عجبت وأما - أوآباؤنا الأولون - هنا وفي الواقعة وإلى ذلك الإشارة بقوله معا فإسكان الواو وفتحها كما مضى في { أو أمن }
في سورة الأعراف وتقدير النظم أوآباؤنا ساكن معا فالواو للعطف نحو { أوعجبتم أن جاءكم }
قال الشيخ ومعنى كيف بللا أي على تبليله وقلته أي لم يقرأ به سوى ابن عامر وقالون
997 [ وفي ينزفون الزاي فاكسر ( ش ) ذا وقل % في الأخرى ( ث ) وى واضمم يزفون ( ف ) اكملا ] (1) أي قرأ حمزة والكسائي بضم التاء وكسر الراء من غير لفظ إمالة على وزن رمى ودعى لفظا ومعناه ماذا تظهر من الإذعان والانقياد لأمر الله تعالى وقراءة الباقين بفتح التاء والراء وهو من الرأي اختبروا رأيه في ذلك فوجد كما يحب صلى الله عليه وسلم وأمال الراء أبو عمرو على أصله وورش بين اللفظين وإلياس سرياني تكلمت به العرب على وجوه كما فعلوا في جبريل وميكال فقالوا إلياسين كجبرائيل وإلياس كإسحاق ووصلوا همزته كأنه في الأصل ياس دخلته آلة التعريف وموضع هذا الخلاف - وإن إلياس - وصل همزته ابن ذكوان وقطعها غيره
____________________
1- هو بكسر الزاي من أنزف إذا سكر وذهب عقله كما قال لعمري لئن أنزفتم أو صحوتم أو من أنزف إذا نفد شرابه وبفتح الزاي بني الفعل لما لم يسم فاعله وليس هو الفعل المذكور فإنه لازم ولكن يقال نزف فهو منزوف ونزيف إذا سكر وعنى بالأخرى التي في الواقعة ثم قال واضمم يزفون يعني ضم الياء لحمزة وافتحها لغيره ولا خلاف في كسر الزاي والخلاف الذي مضى في ينزفون في الزاي فتحا وكسرا ولا خلاف في ضم الياء أراد - فأقبلوا إليه يزفون - ومعناه بفتح الياء يسرعون من زف الظليم والبعير يزف زفيفا ويزفون بالضم يصيرون إلى الزفيف أو من أزف غيره إذا حمله على الزفيف والألف في قوله فأكملا كالألف السابقة في فحصلا كلاهما بدل من نون التأكيد الخفيفة وقد سبق مثله مرارا
998 [ وماذا ترى بالضم والكسر ( ش ) ائع % وإلياس حذف الهمز بالخلف ( م ) ثلا ]
(2/665)
999 [ وغير ( صحاب ) رفعه الله ربكم % ورب وإلياسين بالكسر وصلا ] (1) عنى بالقصر حذف المد بين الهمزة المفتوحة واللام المكسورة فقرأ مدلول قوله دنا غنا على ما لفظ به في البيت السابق وغنا في موضع نصب على التمييز أو الحال أي دنا غناه أو ذا غناء لأن هذه القراءة استغنت بوضوحها عن تأويل القراءة الأخرى لأن هذا لغة في اسم إلياس على ما سبق وقرأه نافع وابن عامر - آل ياسين - كما جاء - آل عمران - وكتبت كذا مفصولة في المصحف كأن اسمه يس على وزن ميكال فيكون اسمه جاء في القرآن بأربع لغات وكذا سبق في قراءة اسم جبريل وهي إلياس بقطع الهمزة ووصلها وياسين وإلياسين وتكون القراءتان قد تضمنتا التسليم عليه وعلى آله وقيل أريد بآله نفسه وقيل سلم عليهم من أجله تنبيها على استحقاقهم لذلك لعدم شهرتهم بخلاف آل باقي الأنبياء المسلم عليهم في هذه السورة وقيل المراد بالقراءتين آله وإلياسين جمع فهو من باب قول الراجز
( قدني من نصر الخبيس قدني % )
ورد هذا بأنه لو أريد لكان الوجه تعريفه فيقال الإلياسين كقوله الخبييين وقريء على إلياسين بوصل الهمزة فهذا يمكن فيه ذلك لأن فيه آلة التعريف وقيل ياسين اسم أبي إلياس أضيف الآل إليه فدخل إلياس فيهم ثم ذكر ياءات الإضافة في هذه السورة وهي ثلاث - إني أرى من المنام أني أذبحك - فتحهما الحرميان وأبو عمرو - ستجدني إن شاء الله - فتحهما نافع وحده وهي المراد بقوله وذو الثنيا وقد سبق معنى ذلك في آخر سورة القصص وفيها زائدة واحدة - لتردين - أثبتها ورش وحده في الوصل وقد سبق نظمها مع زائدة - { ولا ينقذون } - في آخر سورة يس والألف في قوله أجملا للإطلاق لا للتثنية لأن المذكور ثلاث ياءات نبهت على المذكور على وجه الإجمال دون التفصيل كما قال في باب ياءات الإضافة أحكيه مجملا ويجوز أن تكون الألف للتثنية ويكون الضمير لأني وإني فهما المجملان بين ألفاظ السورة أما - ستجدني فلا فإنها بقوله وذو الثنيا متميزة فكأنها مذكورة بعينها
____________________
1- الهاء في رفعه لغير صحاب أي مرفوعه أي الذي رفعه غير صحاب هو قوله - الله ربكم ورب - جعلوه مبتدأ وخبرا ولو قال برفع - الله ربكم - لحصل الغرض وكان أبين لفظا ونصب الثلاث صحاب جعلوا ذلك بدلا من - أحسن الخالقين - أو عطف بيان وأما - سلام على إلياسين - فكسر همزتها وقصرها وأسكن كسر لامها من ذكره في قوله
1000 [ مع القصر مع إسكان كسر ( د ) نا ( غ ) نى % وإني وذو الثنيا وأني اجملا ]
(2/666)
سورة ص
1001 [ وضم فواق ( ش ) اع خالصة أضف % له ( ا ) لرحب وحد عبدنا قبل ( د ) خللا ] (1) يريد - هذا ما توعدون ليوم الحساب - وجه الغيب أن قبله - وعندهم - والخطاب للمؤمنين وفي ق { هذا ما توعدون لكل أواب حفيظ }
لم يقرأه بالغيب إلا ابن كثير وحده لأن قبله { وأزلفت الجنة للمتقين }
وقوله دم حلا أي ذا حلا أو دامت حلاك نحو طب نفسا فهو حال أو تمييز والجملة دعا له بذلك والغساق بتخفيف السين وتشديدها واحد وهو ما يسيل من صديد أهل النار أعاذنا الله بكرمه منها وقوله شائد علا فاعل ثقل أي قاريء هذه صفته شاد العلا فيما حصل من العلم والمعرفة وقوله معا يعني هنا - هذا فليذوقوه حميم وغساق - وفي سورة النبأ { إلا حميما وغساقا }
____________________
1- فواق بضم الفاء وفتحها لغتان وقيل الفتح بمعنى الإفاقة والضم ما بين شخب الحلبتين أي مالها من رجوع أو ما يمهلهم ولا مقدار فواق - وخالصة ذكرى الدار - بالإضافة أي بما خلص من ذكراها أي لا يخلطون ذكر الآخرة بالدنيا وتقدير قراءة التنوين يخلصه خالصة ثم بينها فقال هي - ذكرى الدار - وقوله وحد عبدنا قبل أي الذي قبل خالصة احترازا من توحيد غيره فإنه مجمع عليه وعبادنا بالجمع ظاهر
لأن بعده إبراهيم وإسحق ويعقوب ووجه الإفراد تمييز إبراهيم عليه السلام على ولده بتشريفه بوصفه بالعبودية كما ميز بالخلة وعطف عليه ما بعده ولهذا قال دخللا أي هو خاص دخللا لإبراهيم ودخيل الرجل ودخلله الذي يداخله في أموره ويختص به ويجوز أن يكون المراد به أنه مداخل لما قبله في الإفراد وهو قوله تعالى - { واذكر عبدنا أيوب } { نعم العبد } - وقبل ذلك - { واذكر عبدنا داود } - فصرح لهؤلاء بوصف العبودية لفظا وهي مراده للكل تقديرا لأنهم جميعهم من الطبقة العليا المصطفين من الخلق
فإن قلت مفهوم قوله أضف أن قراءة الباقين بترك الإضافة وترك الإضافة تارة يكون لأجل التنوين وتارة لأجل الألف واللام فمن أين تعين التنوين لقراءة الباقين
قلت من وجهين أحدهما أنه لفظ بها منونة في نظمه فكأنه قال أضف هذا اللفظ فضده لا تضف هذا اللفظ والثاني أن الألف واللام زيادة على رسم الكلمة فلا يذهب وهم إليها
1002 [ وفي يوعدون ( د ) م ( ح ) لا وبقاف ( د ) م % وثقل غساقا معا ( ش ) ائد ( ع ) لا ]
(2/667)
1003 [ وآخر للبصري بضم وقصره % ووصل اتخذناهم ( ح ) لا ( ش ) رعه ولا ] (1) أي فالحق أنا أو فالحق مني والنصب على الأخرى أي فالتزموا الحق أو على حذف حرفي القسم نحو والله لأفعلن ولا خلاف في نصب والحق أقول وفيها ست ياءات إضافة ولي نعجة - ما كان لي من - ثم فتحهما حفص وحيث إني أحببت وفتحها وكان أبو عمر وجدتان وأبو عمر لأحد من بعدي إناءة فتحها نافع وأبو عمرو مسنى الضر سكنها حمزة وحده - لعنتي إلى يوم الدين - وفتحها نافع وحده
____________________
1- يريد - وآخر من شكله - أي وعذاب آخر وقرأه أبو عمرو وأخر بضم الهمزة ولا مد بعدها فصار على وزن كبر جمع أخرى أي وعقوبات أخر وقوله بعد ذلك أزواج خبر وأخر على القراءتين وجاز أن يكون لفظ المبتدإ واحدا والخبر جمعا لأن العذاب يشتمل على ضروب كما تقول عذاب فلان أنواع شتى وقريء - اتخذناهم سخريا - بوصل الهمزة
فتذهب في الدرج وتكسر إذا ابتديء بها وقرئت بالقطع فتفتح مطلقا
فإن قلت من أين علم أن همزة القطع هنا مفتوحة
قلت من جهة أنها همزة في أول فعل ماض فلا تكون إذا كانت للقطع إلا مفتوحة لأنها همزة استفهام هنا وتقع في غير الاستفهام في نحو أكرم لا تخرج همزة الفعل الماضي المقطوعة عن ذلك و - اتخذناهم - بالوصل جملة صفة واقعة لرجالا بعد صفة وبالقطع على أنه استفهام إنكار على أنفسهم وأم بعد الاستفهام متصلة وبعد الحبر منقطعة وولا بالكسر حال أي ذا ولاء أي متابعة أو يكون مفعولا من أجله أي حلا شرعه من أجل ما لزمه من المتابعة ويجوز أن يكون تمييزا أي حلت متابعة شرعه
1004 [ وفالحق ( ف ) ى ( ن ) صر وخذ ياء لي معا % وإني وبعدي مسني لعنتى إلى ]
(2/668)
سورة الزمر
1005 [ أمن خف ( حرمي ف ) شا مد سالما % مع الكسر ( حق ) عبده اجمع ( ش ) مردلا ] (1) يريد - كاشفات ضره - و - ممسكات رحمته - قراءة أبي عمرو على الأصل بالتنوين ونصب ضره ورحمته لأنهما مفعولا كاشفات ممسكات وقراءة الباقين على الإضافة فهما مثل زيد ضارب عمرا وضارب عمرو وفي قوله حملا ضمير تثنية وهو الألف يرجع إلى رحمته وضره والنصب مفعول ثان لحملا أي حملا النصب ومنونا حال من فاعل قال
1007 [ وضم قضى واكسر وحرك وبعد رفع % ( ش ) اف مفازات اجمعوا ( ش ) اع ( ص ) ندلا ] + أي ضم القاف واكسر الضاد وافتح الياء وارفع ما بعد ذلك وهو الموت لأنه مفعول قضى المبنى لما لم يسم فاعله وقراءة الباقين على بناء الفعل للفاعل والموت مفعول به منصوب وقوله رفع شاف أي رفع قارئ شاف وأما بمفازاتهم فالجمع والإفراد فيه ظاهران مثل مكاناتكم ومكانتكم وصندلا حال أو تمييز أي ذا صندل أو شاع صندله أي طيبه
____________________
1- يريد - أمن هو قانت - من خفف جعل الهمزة للنداء أو الاستفهام والخبر محذوف أي كغيره كقوله تعالى - { أفمن شرح الله صدره للإسلام } - فهي أم دخلت على من فأدغمت الميم في مثلها والمعادل لأن محذوف تقديره الكافر المتخذ من دون الله أندادا خير أم من هو قانت ومثلها - اتخذناهم سخريا أم زاغت - على قراءة الوصل معناه مفقودون هم أم زاغت الأبصار عنهم ونحوه - مالي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين - أي أحاضر هو أم غائب ويجوز أن تكون أم منقطعة في جميع ذلك وتقدير موضعها بل وهمزة الاستفهام فيتحد تقدير المحذوف في القراءتين هنا وهو الخبر وعلى التقدير الأول يكون المحذوف هو المبتدأ ونظيره قوله تعالى في سورة محمد صلى الله عليه وسلم - كمن هو خالد في النار - أي أهؤلاء كمن هو خالد في النار ومن الاتفاق العجيب أنه لو جمع بين اللفظين في السورتين لانتظم مضى ما قدر في كل واحد منهما وهو - أمن هو قانت - كمن هو خالد وقول الناظم أمن مبتدأ خبره - حرمى فشا وخف في موضع الحال من أمن أي أمن لفظ حرمي فشا خفيفا ثم استأنف جملة أخرى فعلية أو اسمية فقوله مد إما فعل ماض فاعله حق وإما مبتدأ خبره حق أراد و - رجلا سلما لرجل - فقوله سلما مصدر سلم ذا سلامة يقال سلم سلما وسلما وسلامة ومن قرأ بالمد وكسر اللام فظاهر و - أليس الله بكاف عبده - الإفراد للجنس ووجه الجمع ظاهر وشمردلا أي خفيفا وهو حال من الفاعل أو المفعول
1006 [ وقل كاشفات ممسكات منونا % ورحمته مع ضره النصب ( حملا ) ]
(2/669)
1008 [ وزد تأمروني النون ( ك ) هفا و ( عم ) خففه % فتحت خفف وفي النبإ العلا ] (1) محصلا حال من فاعل خذ ياء هذه الكلمات محصلا لها فهي التي اختلف في إسكانها وفتحها أراد - تأمروني أعبد - فتحها الحرميان - أرادني الله بضر - أسكنها حمزة وحده ولا خلاف في إسكان - أو أرادني برحمة - وقوله وإني معا أراد - إني أمرت - فتحها نافع وحده - إني أخاف إن عصيت - فتحها الحرميان وأبو عمرو - يا عبادي الذين أسرفوا - أسكنها أبو عمرو وحمزة والكسائي وفيها زائدة واحدة - فبشر عبادي الذين يستمعون القول - أثبتها السوسي وقفا ووصلا وفتحها في الوصل هذا على رأي صاحب القصيدة وأما صاحب التيسير فعدها في ياءات الإضافة فلهذا قال الناظم مع يا عبادي فزاد حرف الندا وهو يا ليميز بينهما وقلت في ذلك
( فبشر عبادي زائد في نظومنا % مضاف لذي التيسير والكل قد جلا ) + أي ولكل قول من ذلك وجه صحيح
____________________
1- يريد أفغير الله تأمروني قرأه بنونين ابن عامر على الأصل وهما نون رفع الفعل ونون الوقاية وحذف نون الوقاية نافع وحده وأدغم الباقون نون الرفع في نون الوقاية ولما أظهر ابن عامر النون زال الإدغام فزال التشديد في قراءته فلهذا ذكره مع نافع في تخفيف النون ولو لم يقل ذلك لزيدت نون مع بقاء الأخرى على تشديدها وأما - فتحت أبوابها - في الموضعين فخفف الكوفيون تاءه وشددها غيرهم وكذا في سورة النبأ { وفتحت السماء }
وقد سبق في الأنعام والأعراف نظير ذلك والعلا نعت لسورة النبأ وليس برمز لأنه قد صرح بصاحب هذه القراءة في البيت الآتي وهو
1009 [ لكوف وخذ يا تأمروني أرادني % وإني معا مع يا عبادي فحصلا ]
(2/670)
سورة غافر
1010 [ ويدعون خاطب ( إ ) ذ ( ل ) وى هاء منهم % بكاف ( ك ) فى زد الهمز ( ث ) ملا ] (1) أي سكن الواو للكوفيين كما تقدم ثم تكلم في خلاف كلمة يظهر فقال ضم تاء واكسر هاءه فيصير يظهر من أظهر فهو فعل متعد فلزم نصب الفساد لأنه مفعوله وفاعله ضمير يرجع إلى موسى عليه السلام وقراءة الباقين بفتح الياء والهاء ورفع الفساد على أنه فاعل يظهر فقوله واضمم بيظهر أي بهذا اللفظ والنون في واكسرن للتأكيد وإلى عاقل متعلق بحال محذوف أي وانصب رفع الفساد مضيفا ما ذكرت إلى قاريء عاقل حلا
1012 [ فأطلع ارفع غير حفص وقلب نوونوا % ( م ) ن ( ح ) ميد ادخلوا ( نفر ص ) لا ] + فاطلع بالرفع عطف على أبلغ وبالنصب لأنه في جواب الترجي ونظيره ما يأتي في سورة عبس وأما - على كل قلب متكبر - فمن نون قلب فمتكبر صفة له لأنه محل الكبر ومن أضاف كان متكبر صفة للجملة والتقدير على قلب لمتكبر وقدر أبو علي على كل قلب كل متكبر فحذفت كل الثانية وقدر الزمخشري على قراءة التنوين على كل ذي قلب ولا حاجة إلى شيء من ذلك فالمعنى في القراءتين أوضح من أن تحتاج إلى حذف وإنما قدر أبو علي كل الثانية لتقيد العموم في أصحاب القلوب لأنه ظن أن ظاهر
____________________
1- أراد - والذين تدعون من دونه - الخلاف فيه في الغيب والخطاب ظاهر وقوله إذ لوى أي أعرض لأنه عدل إلى الخطاب فأعرض عن إجراء الكلام على الغائبين في قوله - ما للظالمين من حميم ولا شفيع - وأما - أشد منهم قوة - فكتب في مصاحف الشام موضع منهم بالهاء منكم بالكاف فكل قرأ بما في مصحفه والكلام فيه كما في يدعون لأنه خطاب وغيب وأما - إني أخاف أن يبدل دينكم وأن - فقراءة الجماعة بواو العطف وزاد الكوفيون قبل الواو همزة وأسكنوا الواو فصارت أو أن بحرف أو وهو للعطف أيضا إلا أنه للترديد بين أمرين والواو للجمع بينهما وكذلك هي في مضاعف الكوفة بزيادة همزة وكل واحد من الأمرين مخوف عنده فوجه الجمع ظاهر ووجه الترديد أن كل واحد منهما كان في التحذير فكيف إذا اجتمعا وقوله ثملا هو جمع ثامل وهو المصلح والمقيم وقد سبق شرحه في المائدة ونصبه هنا على أنه ثاني مفعولي زد كما تقول زد الدراهم قوما صالحين ويجوز أن يكون حالا من الهمزة على تقدير ذا ثمل أي جماعة مصلحين للمعنى مقيمين على القراءة به ويجوز أن يكون حالا من فاعل زد لأنه لم يرد به واحدا وإنما هو خطاب لكل قاريء فهو كما تقدم في الفرقان وخاطب يستطيعون عملا والله أعلم
1011 [ وسكن لهم واضمم بيظهر واكسرن % ورفع الفساد انصب ( إ ) لى ( ع ) اقل ( ح ) لا ]
(2/671)
الآية لا تفيد إلا الطبع على جملة القلب وجوابه أن عموم كل المضاف إلى القلب للقلوب وأصحابها لأنه شامل لقلوب المتكبرين فاسترسل العموم على الكلمتين لأن المضاف إلى المضاف إلى كل كالمضاف إليها نفسها والدليل عليه أن ما من قلب لمتكبر إلا وهو داخل في هذا اللفظ وذلك هو المقصود فلا فرق بين أن تقول كل قلب متكبر أو قلب كل متكبر وروى أن ابن مسعود قرأها كذلك فهو شاهد لقراءة الإضافة قال أبو عبيد معنى على قلب متكبر وعلى قلب كل متكبر يرجعان إلى معنى واحد وقال الفراء المعنى في تقدم القلب وتأخره واحد سمعت بعض العرب يقول يرجل شعره يوم كل جمعة يريد كل جمعة والمعنى واحد وقوله غير حفص يحتمل أمرين أحدهما أن يكون على حذف حرف النداء أي يا غير حفص كأنه نادى القارئين لذلك والثاني أن يكون حالا أي غير قاريء لحفص أي إذا قرأت لغيره فارفع وقوله من حميد أي هو تنزيل من حميد يعني الله تعالى كما قال - تنزيل من حكيم حميد - ويجوز أن يقدر آخذين للتنوين من قاريء حميد أي محمود الطريقة في الثقة والعلم ثم قال ادخلوا أي ادخلوا آل فرعون نفر صلا أي ذو صلا يريد الذكاء على ما سبق تفسيره في سورة الأنعام وغيرها وهو خبرا ادخلوا ثم ذكر ما يفعل فيه هؤلاء فقال
1013 [ على الوصل واضمم كسره يتذكرون % ( كهف سما ) واحفظ مضافاتها العلا ] (1) يريد - ذروني أقتل موسى - ادعوني أستجب - فتحهما ابن كثير وحده - إني أخاف - ثلاثة مواضع واحد من قول فرعون - إني أخاف أن يبدل دينكم - واثنان من قول مؤمن آل فرعون - إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب - إني أخاف عليكم يوم التناد - فتحهن الحرميان وأبو عمرو - لعلي أبلغ الأسباب - فتحها الحرميان وأبو عمرو وابن عامر - مالي أدعوكم إلى النجاة - كذلك إلا ابن ذكوان وأفوض أمري إلى الله فتحها نافع وأبو عمرو وهذا معنى قوله مع إلي وموضع هذه الكلمات رفع أي هي ذروني وكذا وكذا أو نصب على البدل من مضافاتها في البيت السابق وقوله وإني ثلاثة ينبغي أن يكون ثلاثة منصوبا على الحال وهو كما سبق تقريره في سورة القصص وأنث العدد هناك وذكره هنا باعتبار الكلمات والألفاظ وقوله لعلي على حذف حرف العطف وفي مالي أي وياء الإضافة في مالي أيضا وهو عطف على المعنى لأن ما تقدم فيه كذلك ياءات الإضافة فهو قريب من قوله تعالى
____________________
1- أي على وصل همزته وضم خاءه المكسورة فيكون فعل أمر من دخل وقرأ الباقون بقطع الهمزة وفتحها على ما سبق في نظائره وبكسر الخاء فيكون فعل أمر من دخل فعلى الأول هو أمر لهم أي ادخلوا يا آل فرعون وعلى الثاني هو أمر للملائكة وآل فرعون مفعول به والغيب والخطاب في - قليلا ما يتذكرون - ظاهران ثم ذكر الياءات
1014 [ ذروني وادعوني وإني ثلاثة % لعلي وفي مالي وأمري مع إلى ]
(2/672)
{ إنما الصدقات للفقراء }
إلى أن قال وفي الرقاب أي وتدفع أيضا في فك الرقاب وفي الإنفاق في سبيل الله تعالى وموضع قوله مع إلى نصب على الحال أي مصاحبا للفظ إلى والله أعلم
وفيها ثلاث زوائد يوم التلاق - يوم التناد أثبتهما نافع في الوصل وابن كثير في الحالين اتبعوني أهدكم أثبتها في الوصل أبو عمرو وقالون وفي الحالين ابن كثير وقلت في ذلك
( يا اتبعوني أهدكم والتلاق والتناد % ثلاث في الزوائد تجتلا )
____________________
(2/673)
سورة فصلت
1015 [ وإسكان نحسات به كسره ( ذ ) كا % وقول مميل السين لليث أخملا ] (1) أي ذوياء وأعداء بالرفع لأنه مفعول ما لم يسم فاعله وهو يحشر بضم الياء وفتح الشين وأما نافع وحده فقرأ بفتح النون وضم الشين أي نحشر نحن أعداء الله بالنصب لأنه مفعول به وأما - وما تخرج من ثمرات من أكمامها - فقريء بالإفراد وبالجمع ووجههما ظاهر
قال الجوهري العقنقل الكثيب العظيم المتداخل الرمل وقال غيره في قول امريء القيس
( بنا بطن غبت ذي حقاف % ) ويروي بطن حقف ذي قفاف عقنقل
أي رمل منعقد داخل بعضه في بعض وقال ابن سيدة العقنقل من الأودية ما عظم واتسع ونصبه الناظم على الحال أي عم الجميع مشبها عقنقلا في الكثرة والاجتماع والعظمة والسعة بخلاف الأفراد ثم ذكر الكلمة المختلف في جمعها فقال
1017 [ لدى ثمرات ثم ياشركائى المضاف % ويا ربي به الخلف ( ب ) جلا ] + أي المضاف في هذه السورة من الياءات يا شركائي ويا ربي فقصر لفظ يا في الموضعين ضرورة أراد - أين شركائي - قالوا فتحها ابن كثير وحده - ولئن رجعت إلى ربي - فتحها نافع وأبو عمرو ثم قال به أي بياربي الخلف عن قالون في فتحه وهذا لم يذكر في ياءات الإضافة لأن صاحب التيسير ذكر هنا وقال في غير التيسير بالوجهين أقرأنبها فارس بن أحمد
____________________
1- النحس بالإسكان مصدر نحس نحسا نقيض سعد سعدا واسم الفاعل نحس بكسر الحاء والقراءة بالكسرة ظاهرة لأنها نعت لأيام وأما القراءة بالإسكان فإما مخففه منه أو صفة على فعل نحو صعب وسهل أو وصف بالمصدر نحو عدل وقوله سبحانه - في يوم نحس - لا دلالة فيه على قراءة الإسكان لأنه مضاف إلى المصدر قال أبو علي قال المفسرون في نحسات قولين أحدهما الشديدات البرد والآخر أنها المشؤومات عليهم فتقدير قوله في يوم نحس مستمر في يوم شؤم قال صاحب التيسير وروى للفارسي عن أبي طاهر عن أصحابه عن أبي الحارث إمالة فتحة السين قال ولم أقرأ بذلك وأحسبه وهما فهذا معنى قول الناظم أخمل أي ترك قول من نقل ذلك عن الليث وهو أبو الحارث راوي الكسائي وإنما أضاف الإمالة إلى السين وهي للألف في التحقيق أميلت للكسرة بعدها لما تقدم من أنه يلزم من إمالة كل ألف إمالة الآخر إذ يلزم في إمالة الفتحة إمالة فتحة الحرف الذي قبلها وإذا كان كذلك فيجوز الاقتصار على ذكر أحدهما لدلالته على الألف وقد ذكرنا في شرح قوله وراء تراء فاز وفي إمالة رأى في سورة الأنعام
1016 [ ونحشر ياء ضم مع فتح ضمه % وأعداء ( خ ) ذ والجمع ( عم ع ) قنقلا ]
(2/674)
سورة الشورى والزخرف والدخان
1018 [ ويوحى بفتح الحاء ( د ) ان ويفعلون % غير ( صحاب ) يعلم ارفع ( ك ) ما ( ا ) عتلا ] (1)
____________________
1- يريد كذلك يوحي إليك وإلى الذين من قبلك الله - ومن فتح الحاء بني الفعل لما لم يسم فاعله ورفع اسم الله تعالى على الابتداء أو بفعل مضمر كما تقدم في { يسبح له } - { رجال }
في سورة النور ومعنى دان انقاد وأطاع وقيل يقال دان الرجل إذا عز ويفعلون بالغيب لأن قبله - يقبل التوبة عن عباده - وبالخطاب ظاهر وتقدير النظم وغيب يفعلون قراءة غير صحاب فحذف المضاف من المبتدأ والخبر للعلم بهما
وأما يعلم المختلف في رفع ميمه ونصبه فهو - ويعلم الذين يجادلون - ولا خلاف في رفع ويعلم ما تفعلون - لأنه عطف على - يقبل التوبة ويعفو - ويعلم - وأما المختلف فيه فرفعه على الاستئناف والذي بعده فاعل أو مفعول فهذه قراءة ظاهرة فلهذا قال فيها كما اعتلا وقراءة النصب مشكلة أجود ما تحمل عليه ما قاله أبو عبيد قال وكذلك نقرؤها بالنصب على الصرف كالتي في آل عمران { ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين }
قلت معنى الصرف أن المعنى كان على جهة فصرف إلى غيرها فتغير الإعراب لأجل الصرف وتقديره أن يقال كان العطف يقتضي جزم - ويعلم - في الآيتين لو قصد مجرد العطف وقد قريء به فيهما شاذا لكن قصد معنى آخر فتعين له النصب وهو معنى الاجتماع أي يعلم المجاهدين والصابرين معا أي يقع الأمران مقترنا أحدهما بالآخر ومجرد العطف لا يتعين له هذا المعنى بل يحتمله ويحتمل الافتراق في الوجود كقولك جاء زيد وعمرو يحتمل أنهما جاءا معا ويحتمل تقدم كل منهما على الآخر وإذا ذكر بلفظ المفعول معه كان وقوع الفعل منهما معا في حالة واحدة فكذا النصب في قوله ويعلم أفاد الاجتماع فلهذا أجمع على النصب في آية آل عمران قال الزمخشري فيها - ويعلم الصابرين - نصب بإضمار أن والواو بمعنى الجمع كقولك لا تأكل السمك وتشرب اللبن
قلت والعبارة عن هذا بالصرف هو تعبير الكوفيين ومثله لا يسعني شيء ويضيق عنك أي لا يجتمع الأمران ولو رفعت الواو للعطف تغير المعنى فهذا الجمع معنى مقصود وضع النصب دليلا عليه فكذا النصب في - ويعلم الذين يجادلون في آياتنا - أي يقع إهلاكهم والعلم معا مقترنين
واعتراض النحاس على أبي عبيد في تسويته بين الآيتين وقال - ويعلم الصابرين - جواب لما فيه النفي فالأولى به النصب وهذا وهم ليس هو بجواب للنفي بل المعنى على ما ذكرناه ولو كان جوابا لما ساغت قراءة الحسن بالجز
(2/675)
وقال الزجاج النصب على إضمار أن لأن قبلها جزاء تقول ما تصنع أصنع مثله وأكرمك على معنى وأن أكرمك وإن شئت وأكرمك بالرفع على معنى وأنا أكرمك ويجوز وأكرمك جزما
قلت النصب في هذا المثال على ما قررناه من معنى الجمعية أي أصنعه مكرما لك فالنصب يفيد هذا المعنى نصا والرفع يحتمله على أن تكون الواو للحال ويحتمل الاستئناف
وقال الزمخشري ما قاله الزجاج فيه نظر لما أورده سيبويه في كتابه قال واعلم أن النصب بالفاء والواو في قوله إن تأتني آتك وأعطيك ضعيف وهو نحو من قوله
وألحق بالحجاز فأستريحا
فهذا يجوز وليس بحد للكلام ولا وجهه إلا أنه في الجزاء صار أقوى قليلا لأنه ليس بواجب أن يفعل إلا أن يكون من الأول فعل فلما ضارع الذي لا يوجبه كالاستفهام ونحوه أجازوا فيه هذا على ضعفه قال ولا يجوز أن تحمل القراءة المستفيضة على وجه ضعيف ليس بحد الكلام ولا وجهه ولو كانت من هذا الباب لما أخلى سيبويه منها كتابه وقد ذكر نظائرها من الآيات المشكلة
قلت النصب بالواو في هذا المعنى ليس بضعيف بل هو قوى بدليل الإجماع على نصب ما في آل عمران وأما بالفاء فضعيف لأن الفاء لا تفيد ما تفيده الواو من معنى الجمعية فلهذا كانت قراءة من قرأ في آخر البقرة يحاسبكم به الله فيغفر - بالنصب شاذة وقد أنشد الأعشى في بيتين نصب ما عطف بالواو لهذا المعنى
( ومن يغترب عن أهله لا يزل يرى % وتدفن منه الصالحات )
مع أنه لا ضرورة إلى النصب فالرفع كان ممكنا له فما عدل إلى النصب إلا لإرادة هذا المعنى وهذا النصب بالواو لهذا المعنى كما يقع في العطف على جواب الشرط يقع أيضا في العطف على فعل الشرط نحو إن تأتني وتعطيني أكرمك قال أبو علي فينصب تعطيني وتقديره إن يكن إتيان منك وإعطاء أكرمك
قلت مراده أن يجتمعا مقترنين ولو أراد مجرد وقوع الأمرين معرضا عن صفة الجمعية لكان الجزم يفيد هذا المعنى فقد اتضحت ولله الحمد قراءة النصب على هذا المعنى من العطف - إن يشإ يسكن الريح - فتقف السفن أو إن يشأ يعصف الريح فيغرقها وينج قوما بطريق العفو عنهم ويحذر آخرين بعلمهم ما لهم من محيد
فإن قلت كيف يوقف العفو على الشرط وهذا الكلام خارج مخرج الامتنان ولهذا قيده بقوله عن كثير ولو كان معلقا على المشيئة لأطلق العفو عن الكل نحو - ولو شاء الله لجمعهم على الهدى
قلت إنما علقه على الشرط ليتبين أنه إنما يفعل ذلك بمشيئته وإرادته لا بالاستحقاق عليه وأما ويعلم فإن جعلنا الذين بعده فاعلا سهل دخوله في حيز الشرط وإن جعلناه مفعولا فالمعنى يعلمه واقعا نحو إلا لنعلم من يتبع الرسول - أي نبقيهم على الكفر ولا يسهل لهم الإيمان - حتى يؤتوا - ولهذا للإشكال قال ابن القشيري رحمهما الله في تفسيره ويعف معطوف على المجزوم من حيث اللفظ لا من حيث المعنى قال وقريء ويعفو بالرفع
قلت فيكون مستأنفا ويعلم عطف عليه إن كان مرفوعا ونظيره في هذه السور - فإن يشأ الله يختم على قلبك ثم استأنف فقال - ويمحو الله الباطل ويحق - الحق - وبعضهم جعل يمح مجزوما عطفا على يختم واستدل بأنه كتب في المصحف بغير واو فيكون الاستئناف بقوله ويحق كقوله في براءة - ويتوب الله على من يشاء - ويجوز أن تكون قراءة القراء ويعف بغير واو لمعنى الأخبار المستأنف وحذف الواو ليس للجزم بل للتخفيف كما
____________________
(2/676)
تحذف الألف والياء لذلك فالجميع حرف علة والواو أثقلها فالحذف لها أقيس وأولى قال الفراء كل ياء أو واو تسكنان وما قبل الياء مكسور وما قبل الواو مضموم فإن العرب تحذفها وتجتريء بالضمة من الواو وبالكسرة من الياء قال أبو علي حذفت الألف كما حذفت الياء وإن كان حذفهم لها أقل منه في الياء لاستحقاقهم لها وذلك في نحو قولهم أصاب الناس جهد ولوتر ما أهل مكة عليه وقولهم حاش لله ورهط ابن المعلى فحذفها في الوقف للقافية كما حذفت الياء وقد حذفوا من لم يك ولا أدر قلت وفي القرآن - يوم يأتي وما كنا نبغي - وإذا كان الأمر كذلك فحذف الواو من يعفو أولى لأنها أثقل وليشاكل ما قبله من المجزوم فهو كما قالوا في صرف - سلاسلا وقواريرا - كما يأتي وكما رووا رجعن مأزورات غير مأجورات ولما لم يمكن صورة الجزم في ميم ويعلم حركت بالحركات الثلاث وذكر الزمخشري لقراءة النصب وجها آخر فقال هو عطف على تعليل محذوف تقديره لينتقم منهم ويعلم الذين يجادلون ونحوه في العطف على التعليل المحذوف غير عزيز في القرآن منه قوله تعالى - ولنجعله آية للناس - وقوله - وخلق الله السموات والأرض بالحق - ولتجزى كل نفسي بما كسبت - قلت ومثله - وكذلك نرى إبراهيم ملكوت السموات والأرض وليكون ولتنذر أم القرى ولكن كل هذه المواضع ذكر فيها حرف التعليل بعد الواو ولم يذكر في ويعلم الذين
وقال ابن القشيري في تفسيره في بعض المصاحف وليعلم باللام فهذا يقوي قراءة النصب ويؤيد الوجه الذي ذهب إليه الزمخشري
1019 [ بما كسبت لا فاء ( عم ) كبير في % كبائر فيها ثم في النجم ( ش ) مللا ] (1) أي فارفع الفعلين ألا أن فيوحي لما كان لا تظهر فيه علامة الرفع ألحق ذلك قوله مسكنا وهو حال من فاعل ارفع أي ارفعه مسكنا له فهو مثل قوله ناصبا كلماته بكسر لما كان المعلوم من النصب أن علامته الفتح بين هناك أن علامته الكسر ورفع يرسل على تقدير أو هو يرسل والنصب بإضمار أن فيكون عطفا على وحيا عطف مصدر على مثله من جهة المعنى وقوله فيوحي عطف على يرسل رفعا ونصبا وانتهى الخلاف في حروف عسق - وليس فيها من ياآت الإضافة شيء وإنما فيها زائدة واحدة وهي - ومن آياته الجوار - أثبتها في الوصل نافع وأبو عمرو وفي الحالين ابن كثير ثم تمم البيت بذكر حرف من سورة الزخرف وهو
____________________
1- سقطت الفاء من فيها في المصحف المدني والشامي وثبتت في مصاحف العراق ووجه دخولها تضمين ما في قوله وما أصابكم من مصيبة معنى الشرط وهي بمعنى الذي وإذا تضمن الذي معنى الشرط جاز دخول الفاء في حيزه وجاز حذفها وأما كبائر الإثم بالجمع فظاهر وقراءة الإفراد تقدم لها نظائر فهو في اللفظ إفراد يراد به الجمع لأنه للجنس واختار أبو عبيد الجمع فإن الآثار التي تواترت كلها بذكر الكبائر لم نسمع لشيء منها بالتوحيد ومعنى شملل أسرع
1020 [ ويرسل فارفع مع فيوحي مسكنا % ( أ ) تانا وأن كنتم بكسر ( ش ) ذا العلا ]
(2/677)
{ أن كنتم قوما مسرفين }
تقرأ أن بالفتح والكسر فالفتح ظاهر على التعليل أي لأن كنتم والكسر على لفظ الشرط قال الزمخشري هو من الشرط الذي يصدر عن المستدل بصحة الأمر المتحقق لثبوته كما يقول الأجير إن كنت عملت فوفني حقي وهو عالم بذلك ولكنه يخيل في كلامه أن تفريطك في الخروج عن الحق فعل من له شك في الاستحقاق مع وضوحه استجهالا له قال الفراء تقول أسبك أن حرمتني تريد إذ حرمتني وتكسر إذا أردت إن تحرمني ومثله { ولا يجرمنكم شنآن قوم أن صدوكم }
بكسر أن وبفتح ومثله ( فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا ) و { إن لم يؤمنوا }
والعرب تنشد قول الفرزدق ( أتجزع أن أذنا قبيبة جزنا % )
وأنشدوني ( أنجزع أن بان الخليط المودع % )
وفي كل واحد من البيتين ما في صاحبه من الكسر والفتح وقول الناظم وإن كنتم مبتدأ وشذا العلا خبره وبكسر في موضع الحال من المبتدأ وإن كان منونا وإن كان مضافا إلى مثله فهو الخبر
1021 [ وينشأ في ضم وثقل ( صحابه ) % عباد برفع الدال في عند ( غ ) لغلا ] (1)
____________________
1- أي ضم الياء وشدد الشين ويلزم من ذلك فتح النون ومعنى ينشأ بالفتح والتخفيف يربي وينشأ يربي كلاهما ظاهر ولفظ بالقراءتين في - عباد الرحمن - وعند الرحمن - ونص على حركة الدال لأن اللفظ لا ينبى عنها أي عباد مرفوع الدال يقرأ في موضع عند والتعبير عن الملائكة بأنهم عباد الرحمن ظاهر وأما عبارة عند فأشار إلى شرف منزلتهم وقد جاء في القرآن التعبير عنهم بكل واحد من اللفظين - بل عباد مكرمون إن الذين عند ربك لا يستكبرون - ومن عنده لا يستكبرون عن عبادته - وغلغل من قولهم تغلغل الماء في النبات إذا تخلله وقد غلغلته أنا والمعنى أن عباد تخلل معناه معنى عند فكان له كالماء للشجر لا بد للشجر منه فكذا صفة العبودية لا بد منها لكل مخلوق وإن اتصف بإطلاق ما يشعر برفع المنزلة كلفظ عند وما أشبهها
1022 [ وسكن وزد همزا كواو أؤشهدوا % ( أ ) مينا وفيه المد بالخلف ( ب ) للا
(2/678)
(1) يعني - قل أو لو جئتكم - قرأه حفص وابن عامر - قال - على الخبر أي قال النذير وقراءة الباقين على حكاية ما أمر به النذير أي قلنا له إذ ذاك قل لهم هذا كلام وتقدير البيت وقل يقرأ ثم قال وسقفا بضمه أي بضم السين وتحريك القاف جمعا قال أبو علي سقف جمع سقف كرهن ورهن قال وسقف واحد يدل على الجمع ألا ترى أنه قد علم بقوله - لبيوتهم - أن لكل بيت سقفا قال أبو عبيد ولم تجد مثال فعل بجمع على فعل غير حرفين سقف وسقف ورهن ورهن
قلت وأجمعوا على إفراد التي في النحل { فخر عليهم السقف من فوقهم }
{ وجعلنا السماء سقفا محفوظا }
وقوله ذكر أنبلا أي نبيلا أي ذكر هذا اللفظ في حال نبله أو ذكر شخصا نبيلا أي أفهمه أنه أحد الحرفين المجموعين على هذا الوزن
1024 [ و ( ح ) كم ( صح ) اب قصر همزة جاءنا % وأسورة سكن وبالقصر عدلا ] + الحاء من وحكم رمز أبي عمرو وقد سبق استشكاله والتنبيه عليه في مواضع يريد - حتى إذا جاءنا قال - فقراءة القصر على أن الجائي واحد وهو الذي عشى عن ذكر الرحمن عز وجل وقراءة المد على أن الجائي اثنان هو وقرينه وهو القائل لقرينه - يا ليت بيني وبينك - الآية وأسورة جمع سوار كأخمرة في جمع خمار وأساورة جمع الجمع وأجمع أساور وهو لغة في السور وهو موافق لقوله - يحلون فيها من أساور - فهو بالهاء وبغير الهاء واحد والله أعلم
____________________
1- أشهدوا مفعول وسكن يعني سكن الشين المفتوحة من قوله تعالى - أشهدوا خلقهم - وزد بعد همزة الاستفهام همزة مسهلة كالواو أي همزة مضمومة مسهلة بين بين كما يقرأ - أؤنبئكم - فيكون أصله أشهدوا أي حضروا ثم دخلت عليه همزة الاستفهام التي بمعنى الإنكار فهو من معنى قوله تعالى - { ما أشهدتهم خلق السماوات والأرض } - الآية وعن قالون خلاف في المد بين هاتين الهمزتين وهو يمد بلا خلاف بين الهمزتين من كلمة مطلقا ومعنى بلل قلل وقراءة الباقين من شهدوا بمعنى حضروا ثم دخلت على الفعل همزة الإنكار وفي معنى هذه الآية قوله سبحانه في سورة والصافات منكرا عليهم
{ أم خلقنا الملائكة إناثا وهم شاهدون }
1023 [ وقل قال ( ع ) ن ( ك ) فؤ وسقفا بضمه % وتحريكه بالضم ( ذ ) كر ( أ ) نبلا ]
(2/679)
1025 [ وفي سلفا ضما ( ش ) ريف وصاده % يصدون كسر الضم ( ف ) ى ( ح ) ق ( ن ) هشلا ] (1) يريد آلهتنا خير أم هو - فيها ثلاث همزات ثنتان مفتوحتان والثالثة ساكنة فأجمع على إبدالها ألفا لسكونها وفتح ما قبلها واختلف في الثانية فحققها الكوفيون على أصلهم في باب الهمزتين من كلمة وسهلها الباقون بين بين على أصولهم في قراءة - آمنتم - وحفص يسقط الأولى من - آمنتم - وأثبتها هنا والكلام في التحقيق والتسهيل والإبدال وعدم المد بين الهمزتين كما سبق في مسئلة - ءآمنتم - في الأصول وقوله ءآلهة مبتدأ وكوف خبره أي قراءة كوف ثم بينها بقوله يحقق ثانيا أي ثاني حروفه وإنما قال ذلك لأنه يمكن اتزان البيت بقراءة آلهة على لفظ التسهيل وهذا مما استدل به على أن الهمزة المسهلة برنة المحققة ويجوز أن يكون كوف مبتدأ ثانيا وما بعده خبره والجملة خبر الأول وقوله ألفا ثاني مفعولي أبدل والمفعول الأول هو مرفوع أبدل العائد علىءآلهة وثالثا نصب على التمييز من ذلك الضمير على قول من أجاز تقديم التمييز على عاملة أي أبدل هذا اللفظ ثالثا أي ثالث حروفه أبدل ألفا فيكون تقدير هذا النظم أبدل ثالثا ألفا كما لو قلت ريد كسى رأسا قلنسوة ولو قال ثالثه أبدلا لكان أظهر ووصل همزة
____________________
1- أي ضما قاريء شريف يريد ضم السنن واللام قالوا هو جمع سليف كرغف في جمع رغيف وبفتح السين واللام جمع سالف كخدم في جمع خادم وكلاهما بمعنى واحد وقال أبو علي سلف جمع سلف مثل أسد وأسد ووثن ووثن وسلف اسم من أسماء الجمع كخدم وطلب وحرس وكذلك المثل يراد به الجمع فمن ثم عطف على سلف في قوله - فجعلناهم سلفا مثلا - واختار أبو عبيد قراءة الفتح وقال هي التي لا تكاد العامة تعرف غيرها لأن الآثار التي نقلتها الفقهاء إلينا إنما بقفا فيها كلها السلف كذلك ذكرهم معاد ويبدأ ولم يسمع فى شيء منها السلف وقوله وصاد يصدون قال الشيخ الهاء في وصاده إضمار على شربطة التفسير قلت يكون قوله يصدون بدلا من الضمير كما تقول ضرب زيدا ومررت به زيد ويجوز أن يكون على التقديم وللتأخير أي ويصدون صاده كما قيل نحو ذلك في قوله تعالى - ومن وراء إسحاق يعقوب - على قراءة من رفع يعقوب أن التقدير ويعقوب من وراء إسحاق وقوله كسر إما مبتدأ ثان أو بدل اشتمال والعائد على يصدون محذوف أي كسر الضم منه أو كسر ضمه على قيام الألف واللام مقام الضمير نحو - مفتحة لهم الأبواب أي أبوابها وقد سبق معنى في حق نهشلا في سورة النساء وكسر الصاد وضمها في يصدون هنا لغتان مثل الخلاف في كاف يعكفون وراء يعرشون وهو من الصديد الذي هو الجلبة والصياح والضجيج وقيل الضم من الصدود الذي هو الإعراض قال أبو علي لو كانت من هذا لكان إذا قومك عنه يصدون ولم يكن منه وجوابه أن المعنى من أجل هذا المثل صدوا عن الحق وأعرضوا عنه وقرأت بخط ابن مجاهد في معاني القرآن يصدون منه وعنه سواء وقال الفراء العرب تقول يصد ويصد مثل يشد ويشد وينم وينم لغتان
1026 [ ءآلهة كوف يحقق ثانيا % وقل ألفا للكل ثالثا ابدلا ]
(2/680)
القطع جائز للضرورة وفي عبارة الناظم نقل حركة همزة أبدل إلى التنوين فانضم وانحذف الهمزة كما يقرأ ورش - غرووا - أولئك مأواهم - وقد سبق شرح مثل هذا البيت في باب الهمزتين من كلمة
1027 [ وفي تشتهيه تشتهي ( حق صحبة ) % وفي ترجعون الغيب ( ش ) ايع ( د ) خللا ] (1) هكذا وقع في الرواية في جميع النسخ وفي - قيله - اكسر اللام وهو سهو والصواب على ما مهده في خطبته أن تكون اخفض لأنها حركة إعراب ثم قال واكسر الضم يعني في الهاء وهذا على بابه لأنه حركة بناء وإنما قال في الثانية اكسر الضم وقال في الأولى اكسر ولم يقل اكسر الفتح لأن الفتح ضد الكسر فكفى الإطلاق والضم ليس ضدا للكسر فاحتاج إلى بيان القراءة الأخرى وقوله بعد أي بعد ذلك الكسر وقوله في نصير في موضع الحال أي كائنا في رهط نصير أي في جملة قوم ينتصرون لتوجيه القراءتين فوجه الجر العطف على لفظ الساعة في قوله - وعنده علم الساعة - و - قيله - أي وعلم قيله وقيل الواو في وقيله للقسم وجوابه - إن هؤلاء - وأما النصب فعطف على موضع الساعة فإنه في موضع نصب أي يعلم الساعة ويعلم قيله وقيل عطف على - سرهم ونجواهم - وقيل هو نصب على المصدر أي وقال قيله أي شكا شكواه والقيل والقول واحد ومنه قول كعب بن زهير
( يسعى الوشاة جنابتها وقيلهم % إنك يا ابن أبي سلمى لمقتول )
ذكر الوجهين الأخيرين الأخفش والفراء وذكر هذه الأوجه الثلاثة أبو علي وسبقه إليها الزجاج واختار العطف على موضع الساعة وصدق لأن الجر عطف على لفظها فيتحد معنى القراءتين وذكر النحاس وجهين آخرين أن يكون عطفا على مفعول محذوف أي ورسلنا يكتبون ذلك وقيله أو وهم يعلمون الحق وقيله واختار أبو عبيد قراءة النصب قال لكثرة من قرأ بها ولصحة معناها إنما هي في التفسير - أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم - ونسمع - قيله يا رب - وقال النحاس القراءة البينة بالنصب من جهتين إحداهما أن المعطوف على المنصوب يحسن أن يفرق بينهما وإن تباعد ذلك لانفصال العامل والمعمول فيه مع المنصوب وذلك في المخفوض إذا فرقت بينهما قبيح والجهة الأخرى أن أهل التأويل يفسرون الآية على معنى النصب قال والهاء في قيله تعود إلى النبي محمد أو إلى عيسى بن مريم عليهما السلام
قلت وإذا كان المعنى يصح على عطف وقيله المنصوب على مفعول - وهم يعلمون - المحذوف أي إلا من
____________________
1- اختلف المصاحف الأئمة في هذه الكلمة فكتبت الهاء في مصاحف المدينة والشام وحذفت من غيرها ووجه القراءتين ظاهر لأن الجملة صلة ما وحذف العائد من الصلة إلى الموصول جائز والغيب في قوله - وعنده علم الساعة وإليه ترجعون - شايع دخللا قبله وهو - فذرهم يخوضوا - والخطاب على الالتفات واختار أبو عبيد الغيب
1028 [ وفي قيله اكسر واكسر الضم بعد ( ف ) ي % ( ن ) صير وخاطب تعلمون ( ك ) ما ( ا ) نجلا ]
(2/681)
شهد بالحق وهم يعلمونه ويعلمون قيله فيجوز أن يقال إن القراءتين عطف على بالحق النصب على الموضع والجر على اللفظ والذي شهد بالحق ذكر في التفسير أنهم الملائكة والمسيح وعزير عليهم السلام وقال الزمخشري بعد حكايته للوجوه الثلاثة المتقدمة والذي قالوه ليس بقوي في المعنى مع وقوع الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه بما لا يحسن اعتراضا ومع تنافر اللفظ وأقوى من ذلك وأوجه أن يكون الجر والنصب على إضمار حرف القسم وحذفه
قلت أما على قراءة الجر فواضح جوازه وقد تقدم ذكرنا له وأما على قراءة النصب فغلط لأن حرف القسم موجود وهو الواو فلا نصب مع وجودها والله أعلم
ثم قال وخاطب - تعلمون - يعني الذي هو آخر السورة ووجه الخطاب فيه والغيب ظاهر وقد سبقت نظائرهما والله أعلم
1029 [ بتحتي عبادي اليا ويغلي ( د ) نا ( ع ) لا % ورب السموات اخفضوا الرفع ( ث ) ملا ] (1) أي ذا غنى والضم والكسر في تا - فاعتلوه - لغتان وهو القود بعنف والفتح في - ذق إنك - أي لأنك أنت والكسر ظاهر وهما على وجه التهكم والاستهزاء وربيعا حال أي ذوي ربيع أو ذا ربيع على أن يكون حالا من الفاعل أو المفعول والربيع النهر الصغير فحسن من جهة اللفظ قوله افتحوا ربيعا والألف في آخر حملا ضمير يرجع إلى إني ولي والياء بالنصب مفعول ثان لجملا أي أتت ياء الإضافة المختلف فيها فيهما أراد - إني آتيكم بسلطان - فتحها الحرميان وأبو عمرو - وإن لم تؤمنوا لي - فتحها ورش وحده وفيها زائدتان - أن ترجمون - وإن لم تؤمنوا لي فاعتزلون - أثبتهما في الوصل ورش وحده وقلت فيهما مع - الجوار - في الشورى - واتبعوني - في الزخرف
( وواتبعوني والجوار وترجمون % فاعتزلون زائدات لدى العلا )
____________________
1- أي هاتين الكلمتين في سورة الزخرف الياء يعني ياء الإضافة المختلف في فتحها وإسكانها الأولى - من تحتي أفلا تبصرون - فتحها نافع والبري وأبو عمرو والثانية - يا عبادي لا خوف عليكم - فتحها في الوصل أبو بكر وسكنها في الحالين نافع وأبو عمرو وابن عامر وحذفها الباقون في الحلين وفيها زائدة واحدة واتبعون هذا صراط أثبتها في الوصل أبو عمره وحده ثم ذكر الخلاف في آخر سورة الدخان فقال ويغلي يعني كالمهل تغلي في البطون قرأه بالتذكير ابن كثير وحفص أي يغلي الطعام والباقون بالتأنيث أي تغلي الشجرة وعلا حال أو تمييز أي دنا ذا علاء أو دنا علاه والخفض في - رب السموات - في أول السورة على البدل من قوله - رحمة من ربك - والرفع على الابتداء وخبره - لا إله إلا هو - أو يكون خبر مبتدأ محذوف أي هو رب السموات وثملا حال من فاعل اخفضوا أي مصلحين وقد تقدم
1030 [ وضم اعتلوه اكسر ( غ ) نى إنك افتحوا % ( ر ) بيعا وقل إني ولي الياء حملا ]
(2/682)
سورة الشريعة والأحقاف
1031 [ معا رفع آيات على كسره ( ش ) فا % وإن وفي أضمر بتوكيد أولا ] (1)
____________________
1- يعني - آيات لقوم يوقنون - آيات لقوم يعقلون - قرءا بالرفع والنصب وعلامة النصب الكسر ولا خلاف في الأول وهو - إن في السموات والأرض لآيات للمؤمنين - أنه منصوب بالكسر لأنه اسم إن وأما - آيات لقوم يوقنون - فرفعها ونصبها أيضا ظاهران كقولك إن في الدار زيد وفي السوق عمرو وعمرا فهذا جائز باتفاق فالنصب على تقدير وإن في السوق عمرا فحرف إن مقدر قبل في والرفع عطف على موضع اسم إن أو على استئناف جملة ابتدائية أو يكون عمرو فاعل في السوق على رأى من يجوز ذلك فكذا قوله تعالى - وفي خلقكم وما يبث من دابة آيات - وذلك لظهور حرف في من قوله - وفي خلقكم - وأما قوله تعالى - { واختلاف الليل والنهار } - فلم يأت فيه حرف إن ولا حرف في فهنا اختلف النحاة فقيل إن الواو نائبة عنهما وإن اختلف عملهما لفظا ومعنى وهذا هو الذي يسمى عندهم العطف على عاملين أي على عمل عاملين أو معمولي عاملين نحو إن في الدار زيدا والحجرة عمرا أي وإن في الحجرة عمرا أي وإن في اختلاف الليل والنهار آيات وعلى قراءة الرفع تكون الواو نائبة عن حرف في أي وفي اختلاف الليل والنهار آيات عطفا على قوله - وفي خلقكم آيات - فمنهم من يقول هو على هذه القراءة أيضا عطف على عاملين وهما حرف في والابتداء المقتضي للرفع ومنهم من لا يطلق هذه العبارة في هذه القراءة لأن الابتداء ليس بعامل لفظي وقد استدل أبو الحسن الأخفش بهذه الآية على جواز العطف على عاملين وصوبه أبو العباس في استدلاله بهذه دون غيرها وقال أبو بكر بن السراج العطف على عاملين خطأ في القياس غير مسموع من العرب ثم حمل ما في هذه الآية على التكرار للتأكيد قال أبو الحسن الرماني هو كقولك إن في الدار زيدا والبيت زيدا فهذا جائز بالإجماع لأنه بمنزلة إن زيدا في الدار والبيت فهما قال فتدبر هذا الوجه الذي ذكره ابن السراج فإنه حسن جدا لا يجوز حمل كتاب الله تعالى إلا عليه وقد يثبت القراءة بالكسر ولا عيب في القرآن على وجه وللعطف على عاملين عند من أجازه عيب ومن لم يجزه فقد تناهى في العيب فلا يجوز حمل هذه الآية إلا على ما ذكره ابن السراج دون ما ذهب إليه غيره
قلت ولا ضرر فيما ذهب إليه من ذهب من العطف على عاملين وسنتكلم إن شاء الله تعالى عليه في شرح النظم من النحو ونبين وجهه من القياس وقد استدل على ذلك بأبيات تكلف المانعون له تأويلها قال الزجاج ومثله في الشعر
( أكل امريء تحسبين امرءا % ونار توقد بالليل نارا )
أهل قال عطف على ما عملت فيه كل وما عملت فيه تحسبين وأنشد أبو علي الفرزدق
( وباشر راعيها العلا بلسانه % وجنبيه حر النار ما يتحرف )
قال فهذا عطف على الفعل والهاء وأنشد أيضا
( أوصيت من سره قلبا حرا % بالكلب خيرا والحماة شرا
(2/683)
واختار أبو عبيد قراءة الكسر اعتبارا بقراءة أبي بن كعب لآيات في المواضع كلها قال لأنها دالة على أن الكلام نسق على الحرف الأول
وقول الناظم وإن وفي أضمر قال الشيخ قال رحمه الله لم أرد بقولي اضمر الاضمار الذي هو كالمعطوف به وإنما أردت أن حرف العطف ناب في قوله - وفي خلقكم - عن أن وفي قوله واختلاف عن أن وفي وإذا كانت الآيات توكيدا خرج عن العطف على عاملين الذي يأباه أكثر البصريين وخرج عن إضمار حرف الجر الذي هو قليل في الكلام
قلت فهذا معنى قوله بعد ذلك بتوكيد أولا وكأنه جمع بين القولين فإن من يرى العطف على عاملين أضمر أن وفي بخلاف من أكد وقال الزمخشري هو من العطف على عاملين سواء نصبت أو رفعت فالعاملان إذا نصبت هما أن وفي أقيمت الواو مقامهما فعملت الجر في - واختلاف - والنصب في - آيات - إذا رفعت فالعاملان الابتداء وفي وهو على مذهب الأخفش سديد لا مقال فيه وقد أباه سيبويه فهو على مذهبه على إضمار في والذي حسنه تقدم ذكره في الآيتين قبلها أو ينتصب آيات على الاختصاص بعد انقضاء المجرور معطوفا على ما قبله أو على التكرير ورفعها بإضمار هي
قلت التكرير هو التوكيد الذي ذكره ابن السراج وإضمار في هو قول أبي علي في الحجة وقد بسطه وتكلف بيانه وحاصله أنه أعمل حرف الجر مضمرا وذلك قليل في كلامهم مستضعف وليس القول بالعطف على عاملين بأضعف من هذا وأما النصب على الاختصاص والرفع بإضمار هي فوجه آخر زاده من تصرفه وتقدير الكلام على العطف على عاملين - إن في السموات والأرض لآيات للمؤمنين - وإن في خلقكم آيات وإن في اختلاف الليل والنهار آيات وعلى قول التأكيد إن في السموات والأرض وفي خلقكم واختلاف الليل لآيات آيات آيات وتفرقت كما تفرق بين الفواصل - فبأي آلاء ربكما تكذبان - ويل يومئذ للمكذبين - ءإله مع الله - إن في ذلك لآيات - في سورة الروم أي إن في كل واحد من هذه المذكورات آيات وتارة تقصد الجملة كما في آل عمران - إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات - وفي البقرة زاد على ذلك - والفلك التي تجري في البحر - إلى قوله - لآيات لقوم يعقلون - والتقدير في قراءة الرفع على قول التأكيد وفي خلقكم وما يبث من دابة واختلاف الليل إلى آخره آيات آيات
1032 [ لنجزي يا نص ( سما ) وغشاوة % به الفتح والإسكان والقصر ( ش ) ملا ] (1)
____________________
1- أي ذو ياء نص سما أي منصوص على الباء نصا رفيعا لأن الضمير في الفعل يرجع إلى اسم الله تعالى قبله من قوله - أيام الله - وقراءة الباقين بنون العظمة وغشوة وغشاوة واحد وهو ما يغطي العين عن الأبصار وفيها لغات أخر ولم يختلفوا في التي في البقرة أنها غشاوة وقول الناظم غشاوة مبتدأ وحكى لفظ القرآن فأتى به منصوبا وشملا به خبر أي شمل بهذا اللفظ الفتح في الغين والإسكان في الشين والقصر وهو حذف الألف وفي شرح الشيخ في شمل ضمير يرجع إلى غشاوة ولو أراد ذلك لم يحتج إلى قوله به والله أعل
(2/684)
1033 [ ووالساعة ارفع غير حمزة حسنا % المحسن إحسانا لكوف تحولا ] (1) أي وقراءة غير صحاب أحسن ثم بينها بقوله ارفع أي بالرفع وقال الشيخ التقدير أحسن ارفع لهم قال ويجوز نصب غير على إسقاط الخافض وتقديرا حسن ارفع لغير صحاب
فإن قلت لو أراد ذلك لقال لغير صحاب
قلت إنما عدل إلى الواو لأنها تفصل بين المسألتين يريد - أحسن ما عملوا - وقبل أحسن وبعده فعلان وصلا بياء ضمت هذا تقدير النظم ومعناه أن الجماعة قرءوا يتقبل ويتجاوز على بناء الفعلين لما لم يسم فاعله فأولهما ياء مضمومة وأحسن مرفوع لأنه مفعول ما لم يسم فاعله وقراءة صحاب بنون العظمة المفتوحة على بناء الفعلين للفاعل وأحسن منصوب لأنه مفعول يتقبل الذي قبله ومفعول يتجاوز قوله عن سيئاتهم
____________________
1- إعراب غير حمزة كما سبق في قوله فأطلع ادفع غير حفص يريد - والساعة لا ريب فيها - نصبها عطف على لفظ - إن وعد الله حق - ورفعها عطف على موضع اسم إن أو على الابتداء قال أبو الحسن الأخفش الرفع أجود في المعنى وأكثر في كلام العرب إذا جاء بعد خبر إن اسم معطوف أو صفة أن يرفع قال أبو علي يقوى ما ذهب إليه أبو الحسن قوله - إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين - لم تقرأ العاقبة فيما علمت إلا مرفوعة
قلت والأولى في تقدير قراءة الرفع العطف على موضع اسم إن ليتحد معنى القراءتين ويكون قوله لا ريب فيها جملة مستقلة فهي على وزان الآية التي في سورة الحج - وإن الساعة آتية لا ريب فيها - والمعنى وإذا قيل إن وعد الله حق وإن الساعة حق وذلك على وفق ما في الصحيحين من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام يتهجد أنت الحق ووعدك حق والساعة حق
وأما - ووصينا الإنسان بوالديه حسنا - فهذه قراءة الجماعة كالتي في العنكبوت سواء وقراءة الكوفيين هنا - إحسانا - اعتبارا بالتي في سورة البقرة والأنعام وسبحان وذكر أبو عبيد أنها في المصاحف مختلفة أيضا فكل قرأ بما في مصحفه ومعنى إحسانا أي تحسن إليهما إحسانا ومعنى حسنا أي وصية ذات حسن أي تفعل بهما فعلا ذا حسن ولم يقرأ هنا بفتح الحاء والسين كما قرأ في البقرة - وقولوا للناس حسنا - إلا في قراءة شاذة ووجهها ظاهر أي يفعل بهما فعلا حسنا وقول الناظم تحولا هو خبر حسنا أي تحولا حسنا إحسانا في قراءة الكوفيين وقوله المحسن كلمة حشو لا تعلق لها بالقراء لا رمزا ولا تقييدا وهي صفة حسنا أي المحسن شرعا وعقلا وإنه ليوهم أنه رمز لنافع وتكون قراءة غيره وغير الكوفيين حسنا بفتح الحاء والسين كما قرأ به في البقرة وترك قيدها لظهورها فليس بأبعد من قوله في سورة طه - وأنجيتكم - واعدتكم - ولو أنه قال حسنا الذي بعد إحسانا لم يوهم شيئا من ذلك لأنه كالتقييد للحرف
1034 [ وغير ( صحاب ) أحسن ارفع وقبله % وبعد بياء ضم فعلان وصلا ]
(2/685)
1035 [ وقل عن هشام أدغموا تعدانني % نوفيهم باليا ( ل ) ه ( حق ن ) هشلا ] (1) قوله بالغيب أي بسورة الغيب وإنما هو من باب التذكير لأجل الاستثناء المفرغ نحو ما يقوم إلا هند ولا يجوز في هذا التأنيث إلا في شذوذ وضرورة وإنما ذكر لفظ الغيب دون التذكير لأن القراءة الأخرى بالخطاب لا بالتأنيث ولهذا فتحت التاء أي لا نرى أيها المخاطب لا مساكنهم بالنصب لأنه مفعول ترى المبني للفاعل ومن قرأ يرى بضم الياء رفع مساكنهم لأنه مفعول ما لم يسم فاعله ثم ذكر ياءات الإضافة فقال
1037 [ وياء ولكني ويا تعدانني % وإني وأوزعني بها خلف من بلا ] + أي بهذه الأربعة خلاف القراء في الفتح والإسكان أراد - ولكني أراكم - فتحها نافع وأبو عمرو والبزي - أتعدانني إن أخرج - فتحها الحرميان - إني أخاف عليكم - فتحها الحرميان وأبو عمرو - أوزعني أن أشكر - فتحها ورش والبزي
____________________
1- القراءة بنونين مكسورتين هو الأصل لأن الأولى علامة رفع الفعل بعد ضمير التثنية مثل تضربان والثانية نون الوقاية وهشام أدغم الأولى في الثانية كما أدغم في - أتحاجوني - لوجود المثلين ورويت أيضا عن ابن ذكوان مع أنهما قرءا في الزمر تأمرونني بنونين فأظهرا ما أدغم غيرهما وكثير من المصنفين لم يذكروا هذا الإدغام في - أتعدانني - ولم يقرأ أحد بحذف إحدى النونين كما في - تأمرونني - و - تحاجوني - وحكى الأهوازي رواية أخرى بفتح النون الأولى وهي غلط فلهذا يقال في ضبط قراءة الجماعة بنونين مكسورتين وأما - ليوفيهم أعمالهم - فقراءته بالياء والنون ظاهرة وقد سبق معنى نهشلا
1036 [ وقل لا ترى بالغيب واضمم وبعده % مساكنهم بالرفع ( ف ) اشيه ( ن ) ولا ]
(2/686)
ومن سورة محمد صلى الله عليه وسلم إلى سورة الرحمن جل وعز
لم تكن له ضرورة تلجئه إلى جمع هذه الترجمة فلم يتصل نظم ما في هذه السورة بما في الفتح ولا ما في الفتح بما في الحجرات ولا ما في الذاريات بما في الطور ومهما أمكن الفصل كان أبين فكان ينبغي إفراد هذه السورة والفتح ثم يقول سورة الحجرات وق والذاريات ثم يقول سورة الطور والنجم والقمر ويكون لهذه السورة وسورة الفتح أسوة بإفراده سورة فصلت مما قبلها وبعدها فكل واحدة ثلاثة أبيات والله أعلم
1038 [ وبالضم واقصر واكسر التاء قاتلوا % ( ع ) لى ( ح ) جة والقصر في آسن ( د ) لا ] (1) أي والقصر في آنفاذ وخلف عن البري يريد قوله تعالى - ماذا قال آنفا - أي الساعة قال أبو علي يجوز أن يكون توهمه مثل حاذر وحذر وفاكه وفكه والوجه المد وأما - وأملي لهم - على بناء الفعل للفاعل فالضمير فيه لله تعالى كما قال تعالى - إنما نملي لهم ليزدادوا إثما - وقيل يجوز أن يعود على ما قبله مجازا أي الشيطان سول لهم وأملي وقراءة أبي عمرو على بناء الفعل لما لم يسم فاعله وهو يحتمل الأمرين فضم الهمز وكسر اللام وحرك الياء بالفتح فقوله وبضمهم وما بعده متعلق بقوله حصلا وأملي مبتدءا وحصلا خبره أي حصل بالضم والكسر والتحريك والله أعلم
1040 [ وأسرارهم فاكسر ( صحابا ) ونبلوننكم % نعلم اليا ( ص ) ف ونبلو واقبلا ] + صحابا حال من فاعل اكسرا ومفعوله أي ذا صحاب ويجوز أن يكون على تقدير اكسروا صحابا فهو أمر لمفرد لفظا وهو لجماعة تقديرا وهذا كما سبق في قوله
( زد الهمز ثملا وخاطب يستطيعون عملا % )
وأسرار بفتح الهمزة جمع سر وبالكسر مصدر أسر وأما الياء والنون في هذه الكلمات الثلاث هي - وليبلونكم حتى يعلم - ويبلو - فالنون للعظمة والياء لأن قبله - والله يعلم أعمالكم - وأراد الناظم ويبلونكم ويعلم ويبلو الياء صف فيها فقدم وأخر للضرورة أو يكون أراد ويبلو كذلك أي بالياء وأراد وأقبلن فأبدل من نون التأكيد ألفا أي صف وأقبل وفرغ الكلام في سورة القتال
____________________
1- يريد - والذين قاتلوا في سبيل الله - قرأها حفص وأبو عمرو - قتلوا - وكلاهما ظاهر فصفة المجموع أنهم قاتلوا وقتلوا أي قتل منهم والماء الآسن هو المتغير فمن قصر فهو من أسن بكسر السين يأسن يفتحها فهو أسن كحذر ومن مد فهو من أسن بفتح السين يأسن بكسر السين وضمها فهو آسن على وزن فاعل كضارب وقاتل وكل ذلك لغات وقد سبق معنى دلا
1039 [ وفي آنفا خلف ( ه ) دى وبضمهم % وكسر وتحريك وأملي ( ح ) صلا ]
(2/687)
1041 [ وفي يؤمنوا ( حق ) وبعد ثلاثة % وفي ياء يؤتيه ( غ ) دير تسلسلا ] (1) يريد - إن أراد بكم ضرا - قال أبو علي الضر بالفتح خلاف النفع وفي التنزيل - { ما لا يملك لكم ضرا ولا نفعا } - والضر بالضم سوء الحال وفي التنزيل - فكشفنا ما به من ضر - والأبين في هذا الفتح عندي ويجوز أن يكونا لغتين في معنى كالفقر والفقر والضعف والضعف وقوله عنهما أي عن حمزة والكسائي المدلول عليهما بالشين شاع وكلام إذا كسرت لامه وقصر أي حذفت ألفه صار كلم وهو بمعنى كلام كقوله - يحرفون الكلم عن من مواضعه - والأكثر في المضاف إلى الله استعمال الكلام نحو - برسالاتي وبكلامي - حتى يسمع كلام الله - وقوله والقصر عطف على والكسر وقوله وكلا خبر عنهما فالألف فيه ضمير التثنية أي وكل الكسر والقصر بلام كلام فكسرت ولم تمد الفتحة فيها فقصرت كما قال وفي يتناجون اقصر النون مكانات مد النون
1043 [ بما يعملون ( ح ) ج حرك شطأه % ( د ) عا ( م ) اجد فآزره ( م ) لا ] + يريد - بما يعملون بصيرا -
هم الذين كفروا - قرأه أبو عمرو وحده بالغيب والباقون بالخطاب ولا خلاف في الذي - بما تعملون خبير - بل ظننتم أنه بتاء الخطاب والخلاف في الحرفين في الأحزاب وشطأه بسكون الطاء وفتحها لغتان وهو فراخ الزرع وآزره وأزره بالمد والقصر أي قواه وأعانه وقيل المد بمعنى ساواه أي ساواه الشطء والزرع وعلى الأول يجوز أن تكون الهاء في فآزره للشطأ أو للزرع لأن كل واحد منهما مقو للآخر
وملا جمع ملاء وهو الملحفة وقد سبق ذكرها في مواضع وهي هنا حسنة المعنى على تقدير ذا ملأ لأن تقويت طافات للزرع والتفافها يشبه الاشتمال بالملا والله أعلم
وانتهى إلى هنا ذكر الخلاف في سورة الفتح ثم ذكر ما في الحجرات وما بعدها فقال
1044 [ وفي يعملون ( د ) م يقول بياء ( إ ) ذ % ( ص ) فا واكسروا أدبار ( إ ) ذ ( ف ) از ( د ) خللا ] + يريد آخر الحجرات - والله بصير بما تعملون - قرأه ابن كثير وحده بالغيب والباقون بالخطاب وكلاهما
____________________
1- يريد - لتؤمنوا بالله ورسوله - وبعدها ثلاثة ألفاظ أيضا وهي - وتعزروه وتوقروه وتسبحوه - قرأ الأربعة بالغيب حق أي ليؤمن المرسل إليهم ويفعلوا كيت وكيت وقرأ الباقون بالخطاب وهو ظاهر وأما - فسنؤتيه أجرا عظيما - فالياء فيه والنون كما سبق في - ولنبلونكم - وقوله غدير تسلسلا عبارة حسنة حلوة وأشار إلى كثرة أمثال ذلك وقد تقدم والله أعلم
1042 [ وبالضم ضرا ( ش ) اع والكسر عنهما % بلام كلام الله والقصر وكلا ]
(2/688)
ظاهر وأما - يوم يقول لجهنم - فالخلاف فيه بالياء والنون ظاهر وأما - أدبار السجود - فهو بالكسر مصدر أدبر وبالفتح جمع دبر أي وقت أدبار السجود وإنما قال في الكسر فاز دخلل لموافقته الذي في آخر الطور فهو مجمع على كسره
1045 [ وباليا ينادى قف ( د ) ليلا بخلفه % وقل مثل ما بالرفع ( ش ) مم ( ص ) ندلا ] (1) هذا تقييد لما لفظ به فالقصر حذف الألف من الصاعقة وفي قوله مسكن العين نظر وصوابه مسكن الكسر فإن الإسكان المطلق ضده الفتح على ما تقرر في الخطبة وغيرها فما وقع ذلك إلا سهوا عما التزمه
____________________
1- يريد - واستمع يوم ينادي المناد - ياء ينادي محذوفة في الرسم لأنها محذوفة في الوصل لالتقاء الساكنين فإذا وقف عليها فكلهم يحذفها اتباعا للوصل والرسم وابن كثير أثبتها في أحد الوجهين عنه على الأصل وليست هذه معدودة من الياءات الزوائد وإن كانت محذوفة في الرسم لأن تلك شرطها أن يكون مختلفا في إثباتها وصلا ووقفا وهذه وإن اختلف في إثباتها وقفا فلم يختلف في حذفها وصلا وإنما عد من الزوائد - فما أتاني الله - فبشر عباد الذين - لأن من فتحهما أثبتهما وصلا وهي ياء إضافة قابلة للفتح وهذه ياء ينادي لام الفعل فهي ساكنة في حال الرفع ولكن في قاف ثلاثة زوائد المناد بعد ينادي أثبتها في الوصل نافع وأبو عمرو وفي الحالين ابن كثير - فحق وعيد - من يخاف وعيد - أثبتهما في الوصل ورش وحده وأما - { مثل ما أنكم تنطقون } - في سورة والذاريات فشمم صندلا أي شمم قارئه وسامعه طيبا لظهور الوجه فيه لأنه صفة لحق أي إنه لحق مثل نطقكم وما زائدة ووجه الفتح أنه في موضع رفع ولكنه فتح فتحة بناء لإضافته إلى غير متمكن كقوله
( وتداعا منخراه بدم % مثل ما أثمر حماض الخيل )
هكذا أنشده أبو عثمان وأبو عمرو بالفتح وهو نعت مجرور ومنه قوله
( لم يمنع الشرب منها غير أن نطقت % )
بفتح غير فهو فاعل يمنع وقيل هو نعت مصدر محذوف أي لحق حقا مثل ما وقيل حال من الضمير في لحق لأنه مصدر وصف به وأجاز الجرمي أن بكون حالا من لحق نفسه وإن كان بكسرة وأجاز هذا رجل مقبلا أي لحق كأنها مثل نطقكم وقال أبو عبيد وقال بعض العرب يجعل مثل نصبا أبدا
فيقولون هذا رجل مثلك وقال الفراء العرب تنصبها إذا رفع بها الاسم يعني المبتدأ فيقولون مثل من عبد الله ويقولون عبد الله مثلك وأنت مثله لأن الكاف قد تكون داخلة عليها فتنصب إذا لقيت الكاف قلت وهذه لغة غريبة وفيها نظر
1046 [ وفي الصعقة اقصر مسكن العين ( ر ) اويا % وقوم بخفض الميم ( ش ) رف ( ح ) ملا ]
(2/689)
باصطلاحه فإن قيل الصعقة لا كسر فيها فكيف يقول مسكن الكسر قلت وكذلك لا بد فيها فكيف قال اقصر إنما ذلك باعتبار القراءة الأخرى أي أسكن في موضع الكسر ولم يتعرض الشيخ لهذا في شرحه أولا ثم في آخر عمره زاد في شرحه نكتا في مواضع هذا منها فقال قوله مسكن العين أراد به عين الفعل كما قال لا عين راجع وهذا زيادة إغراب في البيت وغير مخلص من الإشكال والصاعقة اسم النازلة والصعقة مصدر صعقتهم فقوله فأخذتهم الصعقة كما قال - فأخذتهم الصيحة - قال أبو علي قيل إن الصعقة مثل الزجرة وهو الصوت الذي يكون عن الصاعقة قوله وقوم يريد وقوم نوح بالخفض عطف على وفي موسى - وقوله - وفي موسى - عطف على - وتركنا فيها آية - أي وفي موسى وفي عاد وفي ثمود وقوم نوح آيات والنصب على وأهلكنا قوم نوح أو واذكر قوم نوح وانقضى النظم لما في الذاريات ثم شرع في حروف والطور فقال
1047 [ وبصر وأتبعا بواتبعت وما % ألتنا اكسروا ( د ) نيا وإن افتحوا ( ا ) لجلا ] (1) أي اضمم ياءه فيبقى فعلا لم يسم فاعله من أصعقهم فيكون مثل يكرمون وقيل يقال صعقهم فيكون مثل يضربون ومن فتح الياء فهو مضارع صعق اللازم لقوله تعالى - فصعق من في السموات - وكلتا الآيتين إشارة إلى صعقة تقع يوم القيامة شهد ذلك ما في صحيح البخاري من قول النبي صلى الله عليه وسلم فإن الناس يوم القيامة يصعقون وقد بينا ذلك في مسألة مفردة مذكورة في الكراسة الجامعة وقوله كم نص أي كم قاريء نص عليه أو كم مرة وقع من قارئه وناقله وقوله لسان أي لغة والزمل الضعيف أي قرأه بالسين هشام وقنبل وحفص بخلاف عنه ثم بين قراءة غيرهم فقال
____________________
1- أي قرأ أبو عمرو - والذين آمنوا واتبعناهم - موضع قراءة غيره - واتبعتهم - وكلاهما واضح وقد مضى ذكر الخلاف في ذرياتهم الذي بعد اتبعناهم والذي بعد - ألحقنا بهم - في سورة الأعراف وأما - وما ألتناهم - فكسر اللام ابن كثير وحده وفتحها غيره وهما لغتان وفيها لغات أخر ذكرها الشيخ في شرحه والكل بمعنى النقصان وقوله دنيا من قولهم هو ابن عمي دنيا ودنيا وإذا كسرت الدال نونت وإذا ضممتها لم تنون أي قريبا يشير إلى أنه قريب من الحرف المذكور قبله وهو - واتبعناهم - وقال الشيخ يعني إن ألتنا بالكسر قريب من ألتنا بالفتح كابني العم ثم قال وأن افتحوا الجلا بفتح الجيم وقصر الممدود أي ذا الجلا يعني الجلى ورضى في أول البيت الآتي متصل به معنى ورمزا فهو في موضع نصب على التمييز أي الجلى رضاه ويجمعهم أن يكون خبر مبتدأ محذوف أي هو رضى وموضع الخلاف هو قوله - إنه هو البر الرحيم - وهو مشكل فإن قبله موضعين لا خلاف في كسرهما وهما - إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين - إنا كنا من قبل ندعوه إنه - ولا يليق الفتح لا بقوله - إنه هو البر - على تقدير لأنه أو ندعوه بأنه أي نصفه بهاتين الصفتين فالذي فتحه نافع والكسائي وكسره الباقون على الابتداء فلهذا قال الجلا رضاه أي الواضح أمره بجواز ذلك فيه وكأنه قيده بذلك والله أعلم
1048 [ رضا يصعقون اضممه ( ك ) م ( ن ) ص والمسيطرون % ( ل ) سان ( ع ) اب بالخلف ( ز ) ملا ]
(2/690)
1049 [ وصاد كزاي ( ق ) ام بالخلف ( ض ) بعه % وكذب يرويه هشام مثقلا ] (1) هذا مثل قوله سكارى معا سكرى أي قراءة حمزة والكسائي اللفظ الثاني وهو تمرونه وسكرى وقوله وافتحوا زيادة بيان هنا أي افتحوا التاء وكان له أن لا يذكره كما لم يذكر فتحه السين في سكرى وشذا حال من الفاتحين أو من المفتوح أي ذوى شذا أو ذا شذا ومعنى - أفتمارونه - أفتجادلونه وبخهم سبحانه في مجادلتهم للنبي صلى الله عليه وسلم فيما ذكره لهم صلى الله عليه وسلم من الإسراء به وتمرونه بمعنى تجحدونه قال الزمخشري أفتمارونه من المراء وهو الملاحاة والمجادلة واشتقاقه من مري الناقة كأن كل واحد من المتجادلين يمري ما عند صاحبه وقريء أفتمرونه أي أفتغلبونه في المراء من ماريته فمريته ولما فيه من معنى الغلبة عدي بعلى كما يقول غلبته على كذا وقيل أفتمرونه أفتجحدونه وأنشدوا
( لئن هجرت أخا صدق ومكرمة % لقد مريت أخا ما كان يمريكا )
وقال يقال مريته حقه أي جحدته وتعديته بعلى لا تصح إلا على مذهب التضمين وقال النحاس قال قال محمد بن زيد يقال مراه عن حقه وعلى حقه إذا منعه منه ودفعه عنه وعلى بمعنى عن قال بنو كعب
____________________
1- أي قرأه الباقون بالصاد وأشم الصاد زايا خلف وخلاد بخلاف عنه والكلام في هذا كما سبق في الصراط تعليلا وشرحا لعبارة الناظم فإنه استغنى باللفظ عن القيد وفيه نظر نبهنا عليه هنا والضبع العضد أي أشد وأقوى وانتهى ذكر ما في الطور من الحروف ثم انتقل إلى سورة والنجم فقال وكذب يعني - ما كذب الفؤاد ما رأى - شدده هشام أي لم يكذب ما رآه بعينه قال أبو علي كذب يتعدى إلى مفعول بدله قوله
( كذبتك عينك أم رأيت بواسط % )
ومعنى كذبتك أي أرتك ما لا حقيقة له فمعنى - ما كذب الفؤاد ما رأى - أي لم يكذب فؤاد ما أدركه بصره أي كانت رؤية صحيحة غير كاذبة وإدراكا على الحقيقة قال ويشبه أن يكون الذي شدد أكد هذا المعنى - أفتمارونه على ما يرى - أي أترومون إزالته عن حقيقة ما أدركه وعلمه قال الزمخشري
ما كذب فؤاد محمد صلى الله عليه وسلم ما رآه ببصره من صورة جبراءيل عليه السلام أي ما قال فؤاده لما رآه لم أعرفك ولو قال ذلك لكان كاذبا لأنه عرفه يعني أنه رآه بعينه وعرفه بقلبه ولم يشك في أن ما رآه حق وقريء ما كذب أي صدقه ولم يشك أنه جبريل بصورته وقال أبو عبيد وبالتخفيف نقرأ وهي في التفسير ما كذب في رؤيته يقول إن رؤيته قد صدقت
قلت قد سبق في قوله تعالى - { ولقد صدق عليهم إبليس ظنه } - أي في ظنه فكذا هنا ما كذب فيما رأى أي في رؤيته أي صدق فيها
1050 [ تمارونه تمرونه وافتحوا ( ش ) ذا % مناءة للمكي زد الهمز وأحفلا ]
(2/691)
ابن ربيعة يقولون رضي الله عليك أي عنك ومناة على وزن نجاة ومناءة بزيادة همزة بعد الألف على وزن مجاعة لغتان قال جرير ( أزيد مناة توعدنا ابن تيم % )
وأنشد الكسائي ( ألا هل أتى التيم ابن عبد مناءة % )
وقوله واحفلا أرادوا حفلن فأبدل من نون التوكيد الخفيفة ألفا للوقف أي احتفل بهذه القراءة فاحتج لها لأن من الناس من أنكر المد قال أبو علي قال أبو عبيد اللات والعزى ومناة أصنام من حجارة ولعل مناءة بالمد لغة لم أسمع بها عن أحد من رواة اللغة وقد سمع زيد مناة عبد مناة ولم أسمع بالمد
قال الزمخشري في اشتقاق اللفظين على القراءتين كأنها سميت مناءة لأن دماء النسائك كانت تمنى عندها أي كانت تراق ومناة مفعلة من النوء كأنهم كانوا يستمطرون عندها الأنواء تبركا بها
قلت ومن الأول تسمية منى لكثرة ما يراق فيها من دماء الأضاحي والنسك في الحج وقال الجوهري عبد مناة بن أد بن طابخة وزيد مناة بن تميم بن مرة يمد ويقصر قال هو ابن الحارثي
( الأهل أتى التيم بن عبد مناءة % )
1051 [ ويهمز ضيزى خشعا خاشعا ( ش ) فا % ( ح ) ميدا وخاطب تعلمون ( ف ) طب ( ك ) لا ] (1)
____________________
1- أي ويهمز المكي ياء ضيزى والهمز في ذلك وتركه لغتان يقال ضازه حقه يضازه أي إذا نقصه وجار فيه على وزن حساه يحساه ويقال ضازه يضيزه مثل باعه يبيعه فوزن ضئزى بالهمز فعلى بكسر الفاء قالوا هي مصدر وصف به كالذكرى وإذا لم تهمز فوزنها عندي كذلك وهي مصدر أيضا والتقدير قسمة ءات ضيزى وقال النحاة وزنها فعلى بضم الفاء وإن كانت في لفظ ضيزى مكسورة اعتبارا بالأصل كما يقال في وزن يبض فعل وفي وزن بيوت فعول قال أبو علي لأنهم لم يجدوا في الصفات شيئا على فعلى يعني بكسر الفاء مع ألف التأنيث قلت لا نجعلها صفة بل مصدرا كالمهموز قال أبو علي حكى التوزى الهمز في هذه ضأزه يضأزه إذا ظلمه وأنشد
( إذا ضأزانا حقنا في غنيمة % )
قلت وانتهى الكلام في حروف سورة النجم ثم قال الناظم خشعا خاشعا مثل سكارى معا سكرى أي قوله تعالى - { خشعا أبصارهم } - يقرأه شفا حميدا خاشعا وهما لغتان في اسم الفاعل إذا وقع فاعلا مجموعا هل يفرد في نفسه أو يجمع جمع تكسير تقول مررت بزيد قاعدا غلمانه وقعودا غلمانه سواء في ذلك الحال والصفة نحو مررت برجل قاعد غلمانه وقعود غلمانه وسنوضح ذلك في شرح الناظم إن شاء الله تعالى قال الزمخشري وفي خشعا بالجمع هو لغة تقول أكلوني البراغيث وليس كذلك فإن أكلوني لغة ضعيفة وتلك فصيحة قال أبو علي يرجح مررت برجل حسان قومه على حسن قومه قال الزمخشري ويجوز أن يكون في خشعا ضميرهم ويقع أبصارهم بدلا عنه
قلت يعني - يخرجون من الأجداث خشعا - فهو حال وقيل يجوز أن يكون مفعول - يدع الداع - أ
(2/692)
يدعو قوما - خشعا أبصارهم - ثم قال وخاطب يعلمون بمعنى قوله - سيعلمون غدا من - الخطاب فيه والغيب ظاهران وكلا تمييز وهو المرعى وأبدل الهمزة ألفا لما سكنت للوقف وكنى به عن العلم المقتبس من المخاطب ويجوز أن يكون كلا مصدر كلأه أي حرسه وحفظه كلأ كضرب ضربا ثم نقل حركة الهمزة إلى اللام وحذفت الهمزة ثم يكون هذا المصدر تمييزا أو في موضع الحال ليطيب حفظك أو طب واحفظ وفي هذه السورة ثماني زوائد و - يوم يدع الداع - أثبتها في الوصل ورش وأبو عمرو وفي الحالين البزي - مهطعين إلى الداع - أثبتها في الوصل نافع و أبو عمرو وفي الحالين ابن كثير ونذر في ستة مواضع واحد في قصة نوح واثنان في قصة عاد وواحد في قصة ثمود واثنان في قصة لوط أثبت الستة في الوصل ورش وحده وتقدم ثلاث زوائد في سورة ق فقلت فيه
( وزد نذري ستا كذا الداع فيهما % بقاف المنادي مع وعيدي معا علا ]
____________________
(2/693)
سورة الرحمن عز وجل
1052 [ ووالحب ذو الريحان رفع ثلاثها % بنصب ( ك ) فى والنون بالخفض ( ش ) كلا ] (1) يريد - منهما اللؤلؤ - قرأه الجماعة على إسناد الفعل إلى الفاعل وقرأه نافع وأبو عمرو على أنه فعل ما لم يسم فاعله فضما الياء وفتحا الراء - المنشآت - بكسر الشين وفتحها نعت للجوار وهي السفن فقراءة الفتح ظاهرة لأنها أنشئت وأجريت وقيل المرفوعات الشرع وقيل في معنى الكسر إنها تنشيء الموج بجريها أو ترفع الشرع أو تنشيء السير على طريق المجاز نحو مات زيد ومرض فمات يضاف الفعل إليه إذا وجد فيه وهو في الحقيقة لغيره والفاء في فاحملا زائدة وهي رمز والشين مفعول به أي احمل الشين بالكسر أي انقلها كذلك وأراد احملن بنون التأكيد فأبدلها ألفا كما سبق في نظائر له ثم تمم الرمز فقال
1054 [ ( ص ) حيحا بخلف نفرغ الياء ( ش ) ائع % شواظ بكسر الضم مكيهم جلا ] + أي كسر الشين حمزة وأبو بكر بخلاف عنه وأما - سنفرغ لكم أيها الثقلان - فالخلاف فيه بالياء والنون ظاهر قال أبو علي وليس الفراغ هنا فراغا من شغل ولكن تأويله القصد كما قال جرير
( الآن قد فرغت إلى تميم % )
وقال الزمخشري المراد التوفر على النكاية أي لا يكون له شغل سواه ستنقضي شؤن الدنيا فلا يبقى إلا شأن واحد وهو جزاؤكم والشواظ بكسر الشين وضمها لغتان وهو اللهب وقوله جلا ليس برمز لأنه قد صرح بالقاريء وهو مكيهم فلا رمز معه والله أعلم
____________________
1- ثلاثها بمنزلة كلها في صحة الإضافة وأنث العدد قصدا إلى الكلمات وأطلق الرفع والنصب في الثلاث على حسب ما يليق بكل منها فرفع الحب والريحان بالضمة فيهما ونصبهما بالفتحة فيهما ورفع ذو بالواو ونصبها بالألف
وفي قوله في البقرة ناصبا كلماته بكسر لم يجتز بلفظ النصب حتى يبين أنه بالكسر لتيسر ذلك عليه ثم وتعسره هنا وإلا فالمعهود في عبارته بالنصب إنما هو الفتحة ورفع الثلاثة بالعطف على فاكهة أي فيها فاكهة والحب والريحان وذو صفة للحب ونصبها بفعل مضمر أي وخلق الحب ذا العصف والريحان ورسمت ذا بالألف في المصحف الشامي وخفض حمزة والكسائي النون من الريحان على تقديمه ذو العصف وذو الريحان والريحان الورق الذي يشم والعصف ورق الزرع ولا خلاف في جره لأنه مضاف إليه صريحا وقوله شكل من شكلت الكتاب إذا قيدته بالضبط بما يدل على الحركات مأخوذ من شكال الدابة لأن اللفظ قبل شكله متردد من جهات يتعين بالشكل بعضها
1053 [ ويخرج فاضمم وافتح الضم ( إ ) ذ حمى % وفى المنشآت الشين بالكسر ( ف ) احملا ]
(2/694)
1055 [ ورفع نحاس جر ( حق ) وكسر ميم % يطمث في الأولى ضم ( ت ) هدى وتقبلا ] (1) به أي بالضم والثاني هو الذي قبله - حور مقصورات - وإلا ولا نصب بالضم كقوله عن الضرب مسمعا
قال صاحب التيسير أبو عمر عن الكسائي - لم يطمثهن - في الأول بضم الميم وأبو الحارث عنه في الثاني كذلك هذه قراءتي والذي نص عليه أبو الحارث كرواية الدوري وقال في غيره قرأت على فارس ابن أحمد في رواية أبي الحارث كرواية الدوري وقال طاهر بن غلبون إن الضم في الأول للدوري وعكس ذلك لأبي الحارث اختيار من أهل الأداء
1057 [ وقول الكسائي ضم أيهما تشا % وجيه وبعض المقرئين به تلا ] + قال الداني في غير التيسير على أن الكسائي خير فيهما فقال ما أبالي أيهما قرأت بالضم أو الكسر بعد أن لا أجمع بينهما قال أبو عبيد كان الكسائي يروي فيهما الضم والكسر وربما كسر إحداهما وضم الأخرى فقول الكسائي هذا وجيه أي له وجاهة لأن فيه الجمع بين اللغتين وبعض المقرئين به تلا يعني بهذا التخيير كابن أشتة وغيره ممن لم يذكر غير التخيير
1058 [ وآخرها ياذي الجلال ابن عامر % بواو ورسم الشام فيه تمثلا ]
____________________
1- رفع مفعول جر وحق فاعله ورأيت في بعض النسخ رفع بالضم على الابتداء وجر بالرفع خبره وحق مجرور بالإضافة كلا اللفظين صواب ووجهه ظاهر ووجه رفع نحاس العطف على شواظ وجره عطف على نار أي الشواظ من نار ونحاس وفي النحاس قولان أحدهما أنه الدخان والثاني أنه الصفر المذاب وفي الشواظ أيضا قولان لأهل اللغة قال أبو عبيد هو اللهب لا دخان فيه وقال بعضهم لا يكون الشواظ إلا من النار والدخان جميعا فإن قلنا النحاس بمعنى الدخان والشواظ ما لا دخان فيه ظهرت قراءة الرفع وعلى القول الآخر تظهر قراءة الجر وإن قلنا النحاس هو الصفر المذاب ظهرت أيضا قراءة الرفع واستخرج أبو علي وجها لقراءة الجر على قولنا الشواظ ما لا دخان فيه وهو أن التقدير وشيء من نحاس فيحذف الموصوف وتقام الصفة مقامه ثم حذفت من من قوله ومن نحاس لأن ذكره قد سبق في من نار ويقال طمث البكر يطمثها ويطمثها بفتح الميم في الماضي وبكسرها وبضمها في المضارع إذا دماها بالجماع وعني بالأولى التي بعدها - كأنهن الياقوت - ضم الميم الدوري عن الكسائي وإعراب قوله نهدي وتقبلا سبق في شرح قوله في باب الإمالة أمل تدعي حميدا وتقبلا
1056 [ وقال به الليث في الثان وحده % شيوخ ونص الليث بالضم الاولا ]
(2/695)
(1)
____________________
1- أي يا ذو الجلال آخر السورة قرأها ابن عامر بواو أي جعل مكانها واوا ولزم من ذلك ضم الذال قبلها فلهذا لم ينبه عليه وقصر لفظ يا ضرورة يعني قوله سبحانه - تبارك اسم ربك ذي الجلال - فهو بالياء نعت للرب وبالواو نعت للاسم لأن المراد بالاسم هنا لمسمى لأنه إشارة إلى الأوصاف الذاتية وهي المراد تسبيحها وتنزيهها والثناء عليها بقوله - سبح اسم ربك الأعلى - وقد استقصينا بيان ذلك وتحقيقه في آخر كتاب البسملة الأكبر وقوله تمثل أي تشخص الواو في رسم المصحف الشامي وقد أجمعوا على الأول أنه بالواو وهو - ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام
(2/696)
سورة الواقعة والحديد
1059 [ وحور وعين خفض رفعهما ( ش ) فا % وعربا سكون الضم ( ص ) حح ( ف ) عتلى ] (1) يعني - نحن قدرنا بينكم الموت - التخفيف والتشديد في قدرنا لغتان وقد سبق ذلك في سورة الحجرات وشرب الهيم بضم الشين وفتحها مصدر شربت الإبل
وقيل الضم الاسم كالشغل والفتح المصدر وجاء المفتوح جمع شارب كركب وصحب في غير هذا الموضع وقوله تعالى - ءإنا لمغرمون - على الخبر قرأه شعبة بزيادة همزة الاستفهام الذي بمعنى التقدير وقوله صفا ولا أي شديد متابعة أوصاف متابعته أو هو صفا ذا ولاء أي متابعة فنصبه على الحال
وعلى الأول تمييز وصفا بمعنى شديد مقصور والذي بمعنى صاف ممدود فقصر
ضرورة فإن كان من الصفاء الممدود فالتقدير الاستفهام ذو صفا وإن كان مقصورا فالتقدير مشبه صفا في قوته
1061 [ بموقع بالإسكان والقصر ( ش ) ائع % وقد أخذ اضمم واكسر الخاء ( ح ) ولا ] + يعني إسكان الواو وحذف الألف بعدها من قوله سبحانه - بمواقع النجوم - فهو من باب الإفراد والجمع وقد سبق لهما نظائر
وتم الكلام في حروف سورة الواقعة ثم شرع في سورة الحديد قرأ أبو عمرو وحده - وقد أخذ ميثاقكم - على بناء الفعل للمفعول والباقون بفتح الهمزة والخاء على بنائه للفاعل وهو الله تعالى وحولا حال وهو العالم بتحول الأمور
1062 [ وميثاقكم عنه وكل ( ك ) فى وأنظرونا % بقطع واكسر الضم ( ف ) يصلا ]
____________________
1- الخفض عطف على - فاكهة ولحم طير - من باب تقلدت بالسيف والرمح أي إنهم جامعون بين هذه الأشياء
وفاكهة ولحم طير معطوفان إما على أكواب وإما على جنات النعيم فإن كانا على أكواب فالمعنى أنه ينعمون بحور عين كما نعموا بما قبله وإن كانا على جنات فالمعنى أنهم في مقارنة بحور عين أو معاشرة حور عين وأما وجه الرفع فعلى تقدير ولهم حور عين أو وفيها حور عين أو عطف على ولدان وجوز أبو علي أن تكون عطفا على الضمير في متقابلين ولم يؤكد لطول الفصل وجوز أيضا أن تكون على تقدير وعلى سرر موضونة حور عين وأما عربا فضم الراء وإسكانها لغتان وسبق لها نظائر مثل نذرا ونذرا وهو جمع عروب وهي المرأة المتحببة إلى زوجها
1060 [ وخف قدرنا ( د ) ار وانضم شرب ( ف ) ى % ندى الصفو واستفهام إنا ( ص ) فا ولا ]
(2/697)
(1) يريد - لا يؤخذ منكم فدية - قراءة الجماعة بالتذكير لأن تأنيث الفدية غير حقيقي وأنث ابن عامر على اللفظ - وما نزل من الحق - بالتخفيف والتشديد ظاهران لأن ما نزله الله فقد نزل هو ومعنى إذا عز أي هذا قليل في الكتاب العزيز نحو - وبالحق نزل - والأكثر ذكر التنزيل والإنزال مسند إلى اسم الله تعالى وقوله ما نزل مبتدأ والخفيف خبره وقوله ويؤخذ غير الشام على تقدير تذكير يؤخذ قراءة غير أهل الشام فحذفت هذه المضافات للعلم بها ثم قال والصادان من بعد أي من بعد ما نزل يريد الصادين من قوله - إن المصدقين والمصدقات - أي والصادان كذلك يريد بالتخفيف لابن كثير وأبي بكر وهما بالتخفيف بمعنى الذين صدقوا الله ورسوله والتشديد بمعنى المتصدقين فأدغمت التاء في الصاد فهو مثل المزمل والمدثر وروى عن أبي بن كعب رضي الله عنه إظهار التاء فيهما وقوله - وأقرضوا الله - عطف على الفعل المفهوم من هذا اللفظ تقديره إن الذين صدقوا أو اصدقوا وأقرضوا فمعناه على التخفيف إن الذين آمنوا وعملوا هذا النوع من الخير وهو الإقراض الحسن ومعناه على التشديد إن الذين تصدقوا وكان إقراضهم لله تعالى على الوجه الأحسن وهو من أطيب الكسب صادرا عن نية خالصة ومقصد صالح وقوله دم صلا أي ذا صلاء والصلاء عبر به عن الذكاء - وعن القرى بالعلم وقد سبق تحقيق المعنيين من هذا اللفظ
1064 [ وآتاكم فاقصر ( ح ) فيظا وقل هو الغني % هو احذف ( عم ) وصلا موصلا ] + يريد - ولا تفرحوا بما آتاكم - القصر بمعنى جاءكم والمد بمعنى أعطاكم الله واختار أبو عبيد قراءة أبي عمرو لموافقته لقوله فاتكم ولم يقل أفاتكم ووجه المد إضافة الخبر إليه دون ضده كما قال - بيده الخير - وقوله ولا تفرحوا استئناف نهي وقيل عطف على - لكيلا تأسوا - والأول أجود أما - فإن الله هو الغني - فاحذف لفظ هو في قراءة نافع وابن عامر كما هو محذوف في مصاحف المدينة والشام وأثبته غيرهما كما هو ثابت في مصاحفهم ولا خلاف في إثبات الذي في سورة الممتحنة وهو مثل هذا وهو في هذين الموضعين للفصل فحذفه غير مخل بأصل المعنى وقوله وصلا نصب على التمييز وموصلا نعته أي عم وصله الموصل إلينا أي عم نقله وخبره فذكره الأئمة في كتبهم
____________________
1- عنه أي عن أبي عمرو ورفع القاف من ميثاقكم لأنه مفعول أخذ الذي لم يسم فاعله ونصبه غيره لأنه مفعول أخذ المسمى للفاعل وأما - وكل وعد الله الحسنى - فرفعه على الابتداء كبيت الكتاب كله لم أصنع وكتب كذلك في مصحف الشام وهو في الأصل مفعول وعد ولكن إذا تقدم المفعول على الفعل ضعف عمله فيه فيجوز رفعه وقراءة الجماعة بالنصب على الأصل وقد أجمعوا على نصب الذي في سورة النساء وأما - انظرونا نقتبس - بقطع الهمزة المفتوحة وكسر الظاء قراءة حمزة وحده فبمعنى أمهلونا أي ارفقوا بنا كي ندرككم وقراءة الباقين بوصل الهمزة وضم الظاء بمعنى انتظرونا أو التفتوا إلينا يقال نظرته إذا انتظرته وأنظرته إذا أخرته وأمهلته وفيصلا حال بمعنى حاكما
1063 [ ويؤخذ غير الشام ما نزل الخفيف % ( إ ) ذ ( ع ) ز والصادان من بعد ( د ) م ( ص ) لا ]
(2/698)
ومن سورة المجادلة إلى سورة ن
كان ينبغي أن يقول سورة المجادلة والحشر ثم يقول ومن سورة الممتحنة إلى سورة الطلاق ثم يقول سورة الطلاق والتحريم والملك فكانت تنقسم الجملة التي ذكرها ثلاثة أقسام لأنها منفصلة في المواضع التي ذكرتها على ما نظمه والله أعلم
1065 [ وفي يتناجون اقصر النون ساكنا % وقدمه واضمم جيمه ( ف ) تكملا ] (1) يريد - وإذا قيل انشروا فانشروا - كسر الشين فيهما وضمها لغتان يقال نشز ينشز أي انهضوا وهمزة انشزوا همزة وصل إذا ابتدئ بها حركت بحركة الشين وصفو خلفه مبتدأ وخبره علا عم والتوحيد والجمع في المجالس والمجلس ظاهران والنوفل الكثير العطا
1067 [ وفي رسلي اليا يخربون الثقيل ( ح ) ز % ومع دولة أنث يكون بخلف ( ل ) لا ] + يريد ياء الإضافة في قوله تعالى - { ورسلي إن الله قوي عزيز } - فتحها نافع وابن عامر وانتهى الكلام في سورة المجادلة
وأما - يخربون بيوتهم - فالتخفيف فيها والتشديد لغتان من أخرب وخرب مثل أنزل ونزل وقيل الإخراب أن تترك الموضع ربا والتخريب الهدم وقيل معنى التخفيف أنهم يعطلونها ويعرضونها للخراب بخروجه منها ويخربون مفعول خرب الثقيل نعته ثم قال ومع دولة أي ومع رفع دولة أنث تكون التي قبله بخلف عن هشام يريد - كي لا يكون دولة - والذي في كتابي التيسير والتبصرة لمكي أن هشاما رفع دولة واختلف عنه في تأنيث يكون وتذكيره والذي ذكره أبو الفتح فارس أن الخلاف في الموضعين أحد الوجهين مثل قراءة الجماعة بتذكير يكون ونصب دولة وهو قول صاحب الروضة والثاني تأنيث تكون ورفع دولة وهو الذي ذكره طاهر ابن غلبون وأوه ولم يذكر المهدوي وابن شريح لهشام إلا رفع دولة ولم يتعرضا للخلاف في يكون وابن مجاهد وغيره لم يذكروا الخلاف في الكلمتين أصلا وتوجيه هذه القراءات ظاهر
____________________
1- أراد بقصر النون حذف الألف التي بعدها في حال سكونه النون وتقديمه على التاء فإذا فصلت ذلك وضممت الجيم صار ينتجون على وزن يذهبون هذه قراءة حمزة وقراءة الباقين ما لفظ به وأصلهما يفتعلون ويتفاعلون على وزن يختصمون ويتخاصمون فحذفت لام الكلمة منهما لأنها في يتناجون ياء تحركت وانفتح ما قبلها فقلبت ألفا ثم حذفت للساكن بعدها وفعل في يتناجون ما فعل في قاضون فقيل ينتجون كما قيل قاضون ومعنى القراءتين واحد إلا أن يتناجون موافق لقوله تعالى - إذا تناجيتم فلا تتناجو - وتناجوا بالبر قال أبو علي يفتعلون ويتفاعلون يجريان مجرى واحد
1066 [ وكسر انشزوا فاضمم معا ( ص ) فو خلفه % ( ع ) لا ( ع ) م وامدد في المجالس ( ن ) وفلا ]
(2/699)
من رفع دولة جعل كان تامة ومن نصب قدر كيلا يكون الفيء دولة أي يتداوله الأغنياء بينهم مختصين به دون الفقراء وتأنيث دولة ليس بحقيقي فجاز تذكير يكون المسند إليها وذكر الأهوازي في بعض الروايات فتح الدال والمشهور ضمها بلا خلاف وحكى أبو عبيد فتح الدال عن أبي عبد الرحمن السلمي قال ولا نعلم أحدا فتحها قال والفرق بين الضم والفتح أن الدولة بالضم اسم الشيء الذي يتداول بعينه والدولة بالفتح الفعل وقرأت في حاشية النسخة المقروءة على الناظم رحمه الله قوله بخلف لا أراد لائيا أي مبطئا وجاء هذا من اللأى قال الشيخ وسألته عن قوله بخلف لا فقال إن شئت قلت سمي بلا النافية لأنه قد أثبت التأنيث ونافية يثبت التذكير وإن شئت قلت بخلف لاء اسم فاعل من لاء إذا أبطأ لأن التذكير عن هشام أقل من الرواية من التأنيث ولأنه لا فصل هنا فيحسن من جهة العربية
قلت يقال لأي لأيا مثل رمي رميا أي أبطأ واللأى مثله فاسم الفاعل من لأي لاء مثل رام وقاض والوقف عليه كالوقف على ماء والله أعلم
1068 [ وكسر جدار ضم والفتح واقصروا % ( ذ ) وى ( أ ) سوة إني بياء توصلا ] (1) يعني - يوم القيامة يفصل بينكم - قرأ عاصم يفصل مضارع فصل بالتخفيف على بناء الفعل للفاعل ومثله قراءة حمزة والكسائي إلا أنه مضارع فصل بالتشديد وقرأ الباقون على بناء الفعل للمفعول وخففوا الصاد المفتوحة سوى ابن عامر فإنه شددها ولم ينبه الناظم على فتح الفاء لمن قرأ بالتشديد لأن التشديد يرشد إليه ووجه هذه القراءات ظاهر
1070 [ وفى تمسكوا ثقل ( ح ) لا ومتم لا % تنونه واخفض نوره ( ع ) ن ( ش ) ذا ( د ) لا ] + أمسك ومسك من باب أنزل ونزل ويشهد لقراءة أبي عمرو - والذين يمسكون بالكتاب - شددها الأكثر ومتم نوره - في سورة الصف من نون ونصب نوره فهو الأصل مثل زيد مكرم عمرا ومن أضاف فحذف التنوين وخفض المفعول فللتخفيف وقوله عن شذا أي شذا دلا وقد سبق معناهما
____________________
1- يجوز في وكسر الرفع على الابتداء وخبره ضم إن كان فعل ما لم يسم فاعله وإن كان فعل أمر فالنصب في وكسر لأنه مفعول والفتح عطف عليه رفعا ونصبا أي ضم الجيم والدال واحذف الألف فيصير جدر وهو جمع جدار وهو كما سبق في المواضع المختلف فيها في إفرادها وجمعها وذوي أسوة حال من فاعل اقصروا أي متأسين بمن سبق من القراء ثم ذكر ياء الإضافة في الحشر وهي - إني أخاف الله - فتحها الحرميان وأبو عمرو ثم ذكر حروف سورة الممتحنة فقال
1069 [ ويفصل فتح الضم ( ن ) ص وصاده % بكسر ( ث ) وى والثقل شافيه كملا ]
(2/700)
1071 [ ولله زد لاما وأنصار نونا % ( سما ) وتنجيكم عن الشام ثقلا ] (1) أي في الصف لفظان كل واحد منهما ياء إضافة مختلف في إسكانها وفتحها الأول - من بعدي اسمه - فتحها الحرميان وأبو عمرو وأبو بكر والثاني - من أنصاري إلى الله - فتحها نافع وحده وليس في سورة الجمعة شيء من الحروف التي لم تذكر بعد ولكن فيها أشياء مما يتعلق بما سبق كلفظ هو والإمالة وصلة ميم الجمع وهذا قد علم مما تقدم فيها وخشب بإسكان الشين وضمها لغتان كثمر وثمر أي سكون الضم فيه زاد حلاه رضى أو هو ذو حلا
1073 [ وخف لووا ( إ ) لفا بما يعملون ( ص ) ف % أكون بواو وانصبوا الجزم ( ح ) فلا ] + يريد - لووا رءوسهم - لوى رأسه ولواه إذا عطفه وأماله أي أعرض معناهما واحد وفي التشديد زيادة تكثير قال أبو علي التخفيف يصلح للقليل والكثير والتكثير يختص بالكثرة وإلفا حال من لووا أو هو أليف للمشدد لأن معناهما واحد - يعملون في آخر السورة الغيب فيه والخطاب ظاهران وقرأ أبو عمرو - وأكون من الصالحين - عطفا على - فأصدق - لفظا وهي قراءة واضحة وقرأ غيره بإسكان النون وحذف الواو لالتقاء الساكنين ووجه ذلك أنه مجزوم عطفا على موضع فأصدق لأن الفاء لو لم تدخل لكان أصدق مجزوما لأنه جواب التحضيض الذي هو في معنى التمني والعرض والكل فيه معنى الأمر وما كان كذلك ينجزم جوابه على قاعدة في علم العربية مقررة وإن كان فيه فاء انتصب قال أبو علي أعني السؤال عن ذكر الشرط والتقدير أخرني فإن تؤخرني أصدق فلما كان الفعل المنتصب بعد الفاء في موضع فعل مجزوم كأنه جزاء الشرط حمل قوله وأكن عليه مثل ذلك قراءة من قرأ - من يضلل الله فلا هادي له - ونذرهم - وأنشد
( أيا سلكت فإنني لك كاشح % وعلى انتقاصك في الحياة وازدد )
قال حمل ازدد على موضع الفاء وما بعدها ومثله
____________________
1- يعني قوله تعالى - كونوا أنصار الله - زد لام الجر على اسم الله ونون أنصار فيصير أنصارا لله وقراءة الباقين على الإضافة كما أجمعوا على الإضافة في الحرف الثاني وهو - قال الحواريون نحن أنصار الله - لم يقرأ أحد منهم أنصارا لله لأنهم أخبروا عن تحقق ذلك فيهم واتصافهم بصحة الإضافة والنسبة
فإن قلت فمن أين يعلم أن الخلاف في الأول دون الثاني
قلت هو غير مشكل على من تدبر صورة الخط فإن الثاني لو نون لسقطت الألف من اسم الله وهي ثابتة في الرسم وأما الأول فأمكن جعل الألف صورة التنوين المنصوب فلم تخرج القراءتان عن صورة الرسم والنون في قوله نونن للتأكيد وأنجى ونجى كأمسك ومسك وقوله عن الشام أي عن قاريء الشام
1072 [ وبعدي وأنصاري بياء إضافة % وخشب سكون الضم ( ز ) اد ( ر ) ضا ( ح ) لا ]
(2/701)
( قابلوني بليتكم لعلي % أصالحكم واستدرج نويا )
قال حمل واستدرج على موضع الفاء المحذوفة وما بعدها من - لعلى - واختار أبو عبيد هذه القراءة لاتفاق المصاحف على كتابة هذا الحرف بحذف الواو قال وفي القرآن ما لا يحصى من تكون ويكون في موضع الرفع والنصب لم تحذف الواو في شيء منها إنما حذفوا في موضع الجزم خاصة قال وكان من حجة أبي عمرو فيها أن قال إنما حذفت الواو اختصار في الخط كما حذفوها في كلمن وكان أصلها أن تكون بالواو
قلت وكذلك كان يقول في - إن هذان لساحران - إن الياء حذفت في الرسم فلهذا يحكي عنه أنه قال ما وجدت في القرآن لحنا غير - إن هذان - وأكن من الصالحين - يعني في كتابة القرآن ووجه حذفهما على قراءته أنهما من حروف المد فكما تحذف الألف كثيرا اختصارا فيكذ أختاها وقد قال الفراء العرب قد تسقط الواو في بعض الهجاء كما أسقطوا الألف من سليمان وأشباهه قال ورأيت في مصاحف عبد الله - فقولا - فقلا بغير واو ف ق ل ا
قلت والاعتماد في القراءتين على صحة النقل فيهما وإنما هذا اعتذار عن الخط وقوله حفلا جميع حافل وهو حال من فاعل وانصبوا أي متمكنين بكثرة العلم وسعته من توجيه القراءتين
1074 [ وبالغ لا تنوين مع خفض أمره % لحفص وبالتخفيف ( ع ) رف ( ر ) فلا ] (1) قال أبو الحسن والأخفش نصحته في معنى صدقته توبة نصوحا أي صادقة وقال الفتح كلام العرب
____________________
1- أي لا تنوين فيه لأنه مضاف إلى ما بعده والكلام في - بالغ أمره - كما سبق في - متم نوره والتشديد في { عرف بعضه }
سورة التحريم بمعنى أعلم إعلام متابعة فأعرض عن بعض أو أغضا عنه إحسانا وتكرما ولهذا قيل ما زال التثاقل من شأن الكرام
ومعنى عرف بالتخفيف جازى وهو إشارة إلى ذلك القدر من المعاتبة أو إلى غيره ومنه { وما تفعلوا من خير يعلمه الله }
ويطلق هذا اللفظ أيضا مشعرا بالوعد والوعيد فيقال عرفت ما صنع فلان ومنه { أولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم }
قال الفراء عرف بالتخفيف أي غضب من ذلك وجازى عليه كما تقول للرجل يسيء إليك لأعرفن لك ذلك وهو وجه حسن وتقدير النظم وعرف رفل بالتخفيف أي عظم
1075 [ وضم نصوحا شعبة من تفوت % على القصر والتشديد ( ش ) ق تهللا ]
(2/702)
وقراءة الناس ولا أعرف الضم قال أبو علي يشبه أن يكون مصدرا قال الفراء كأن الذين قرءوا نصوحا أرادوا المصدر مثل قعودا والذين قالوا نصوحا جعلوه من صفة التوبة ومعناها أن يحدث نفسه إذا تاب من ذنب أن لا يعود إليه أبدا وذكر الزمخشري في تفسيره وجوها حسنة في ذلك وقال النصوح مصدر نصح كالنصح مثل الشكور والشكر أي ذات نصوح أو انتصح نصوحا ثم شرع الناظم في سورة الملك فقال من تفوت يريد - ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت - أي تباين واختلاف فإذا حذفت الألف وشددت الواو صار تفوت وهو بمعناه تفاوت وتفوت مثل تظاهر وتظهر والقراءتان مصدرا هذين الفعلين وقوله تفاوت مبتدأ وشق تهللا خبره وقوله على القصر والتشديد شق في موضع الحال أي مقصورا مشددا أي هذا اللفظ على ما فيه من القصر والتشديد شق تهلله وهو من قولهم شق ناب البعير إذا طلع والمعنى طلع تهلله أي لاح وظهر أو يكون من شق البرق إذا سطع من خلال السحاب ومعنى تهلل تلألأ وأضاء ويجوز أن يكون تهللا حال أي ذا تهلل والله أعلم
1076 [ وآمنتمو في الهمزتين أصوله % وفي الوصل الأولى قنبل واوا ابدلا ] (1) يعني أن الكسائي وحده ضم حاء - فسحقا لأصحاب السعير - وقرأ - فستعلمون من هو في ضلال - بالياء على الغيبة وإنما قال من إحترازا من الذي قبله - فستعلمون كيف نذير - فإنه بالخطاب بغير خلاف وقرأ
____________________
1- يريد - ءأمنتم من في السماء - حكمه مذكور في باب الهمزتين من كلمة فهو مثل - ءأنذرتهم - داخل في عموم قوله وتسهيل أخرى همزتين بكلمة البيت فقد عرف حكم هذه الكلمة من هناك ومعنى أصوله أي أصول حكمه وسبق أيضا في الباب المذكور أن قنبلا أبدل الهمزة الأولى واوا لانفتاحها وانضمام ما قبلها في قوله - النشور -
ويسهل الثانية على أصله وهذا لإبدال إنما يكون عند اتصال هذه الكلمة بالنشور فإذا وقف على النشور حقق الهمزة إذا ابتدأ كغيره فهذا معنى قوله وفي الوصل أي إبدال قنبل الهمزة الأولى واوا في حالة الوصل دون الوقف
فإن قلت لهذا البيت فائدة غير الأذكار بما تقدم بيانه والمتقدمات كثيرة فلم خصص الناظم الأذكار بهذا دون غيره
قلت له فائدتان غير الأذكار إحداهما لما ذكر مذهب قنبل هذا في باب الهمزتين لم يبين أنه يفعل ذلك في الوصل بل أطلق فنص على الوصل هنا ليفهم أنه لا يفعل ذلك في الوقف على ما قبل - ءأمنتم - لزوال المقتضى لقلب الهمزة واوا وهو الضمة ولم يقنع بقوله ثم موصلا فإن استعمال موصل بمعنى واصل غريب على ما نبهنا عليه هناك والفائدة الأخرى النصوصية على الكلمة فإنه لما ذكر الحكم هناك كان كلامه في - ءآمنتم - بزيادة ألف بعد الهمزتين وفتح الميم وهذه الكلمة لفظها غير ذلك فإن بعد الهمزتين فيها ميما مكسورة
1077 [ فسحقا سكونا ضم مع غيب يعلمون % من ( ر ) ض معي باليا وأهلكني انجلا ]
(2/703)
غير الكسائي بإسكان حاء - فسحقا - وخطاب - فستعلمون - من وجه القراءتين في الموضعين ظاهر وسكونا في البيت بدل من فسحقا بدل اشتمال أي ضم فسحقا سكونه ويجوز أن يكون سكونا مفعول ضم وقوله فسحقا مبتدأ أو مفعول فعل مضمر فهو من باب زيدا اضرب رأسه يجوز فيه الرفع والنصب والنصب أقوى في العربية والعائد محذوف على التقديرين أي سكونا فيه أو سكونه وقوله رض فعل أمر من راض الأمر رياضة أي رض نفسك في قبول دقائق العلم واستخرج المعاني ثم ذكر ما في سورة الملك من ياءات الإضافة فقال - معي انجلا باليا وكذا - أهلكني - يريد - معي أو رحمنا - سكنها حمزة والكسائي وأبو بكر - إن أهلكني الله - سكنها حمزة وحده وفيها زائدتان نذير ونكير أثبتهما معا في الوصل ورش وحده ولم يبق من ياءات الزوائد إلا أربع في سورة الفجر وسيأتي بيانها في موضعها وقد نظمت الجميع في بيت هنا فقلت
( نذيري نكيري الملك في الفجر أكرمني % أهانني بالوادي ويسرى تكملا )
أضاف الكلمتين إلى الملك أي حرفا هذه السورة واكتفى بذكر الملك بعد نكيري عن ذكره بعد نذيري فهو كقوله
( بين ذراعي وجبهة الأسد % )
وهما مبتدأ والخبر محذوف أي زائدتان ثم قال في الفجر زوائد وهي كيت وكيت ويجوز أن يكون الملك مرفوعا على أنه خبر المبتدأ على حذف المضاف أي زائدا الملك والله أعلم
____________________
(2/704)
ومن سورة ن إلى سورة القيامة
1078 [ وضمهم في يزلقونك ( خ ) الد % ومن قبله فاكسر وحرك ( ر ) وى ( ح ) لا ] (1) يعني - لا تخفى منكم خافية - تذكير تخفى وتأنيثه ظاهران وحذف حمزة هاء السكت من قوله - ما أغنى عني ماليه هلك عني سلطانية خذوه - إذا وصل الكلام بعضه ببعض وكذلك - ماهية نار حامية - في سورة القارعة وهذا نظير ما فعل هو والكسائي في - يتسنه - واقتده أو أثبتها الباقون لثباتها في خط المصحف فهو وصل بنية الوقف وكلهم أثبتها وقفا وفي سورة الحاقة أربع أخر كتابيه مرتين - وحسابيه مرتين أثبت حمزة هاء هن كالجماعة جمعا بين الأمرين ويعقوب الحضرمي حذف الجميع وصلا وحذف الكسائي في يتسنه واقتده لخفاء هاء السكت فيهما لأنهما فعلا جزم وقد قيل ليسا للسكت وترك الحذف هنا لوضوح الأمر
1080 [ ويذكرون يؤمنون ( م ) قاله % بخلف ( ل ) ه ( د ) اع ويعرج ( ر ) تلا ] + يعني - قليلا ما تؤمنون ولا بقول كاهن قليلا ما تذكرون - الغيب فيهما لمن رمز له والخطاب للباقين و - يعرج الملائكة - بالتذكير للكسائي والباقون بالتأنيث ووجه القراءتين في الحرفين ظاهر وقد سبق لهن نظائر
1081 [ وسال بهمز ( غ ) صن ( د ) ان وغيرهم % من الهمز أو من واو أو ياء ابدلا ] + أي غصن ثمر دان يعني همز - سأل سائل - جعله لظهور أمره كغصن ثمر داني من يد من يجنيه ونافع وابن عامر قرءا بالألف من غير همز وتلك الألف تحتمل ثلاثة أوجه أحدها أن يكون بدلا من الهمز وهو الظاهر وهو من البدل السماعي - قال حسان
____________________
1- أي ضمهم في ياء - ليزلقونك بأبصارهم - خالد أي مقيم ونافع وحده فتح الياء يقال إذا أزال قدمه ويقال زلقه أيضا فزلق هو والمعنى إنهم لعدوانهم له ينظرون إليه نظرا يكاد يهلكه
وأما - وجاء فرعون ومن قبله - بفتح القاف وسكون الياء فمعناه والطغاة الذين قبله ومعناه بكسر القاف وفتح الباء والذين معه من أشياعه وأتباعه وقوله ومن قبله مفعول فاكسروا الفاء زائدة وروى حال منه أو من الفاعل أي ذا روى حلو أي اكسر من قبله وحركه مرويا له بالحركات التي يستحقها وبالاحتجاج له بما يوافقه
1079 [ ويخفى ( ش ) فاء ماليه ماهيه فصل % وسلطانيه من دون هاء ( ف ) توصلا ]
(2/705)
( سألت هذيل رسول الله فاحشة % ضلت هذيل بما سالت ولم تصب )
فيكون بمعنى قراءة الهمز
الوجه الثاني أن تكون الألف منقلبة عن واو فيكون من سأل يسأل وأصله سول كخول قال أبو زيد سمعت من يقول هما يتساولان وقال المبرد يقال سلت أسأل مثل خفت أخاف وهما يتساولان وقال الزجاج يقال سألت أسأل وسلت أسال والرجلان يتساولان ويتساءلان بمعنى واحد
والوجه الثالث أن تكون الألف منقلبة عن ياء من سال يسيل أي سال عليهم واد يهلكهم روى ذلك عن ابن عباس فهو من باب باع يبيع فتقدير البيت سال همز ألفها غصن دان وغيرهم أبدل هذه الألف من الهمز الذي قرأ به غصن دان أبو أبدلها من واو أو من ياء وقد تبين كل ذلك
1082 [ ونزاعة فارفع سوى حفصهم وقل % شهاداتهم بالجمع حفص تقبلا ] (1) أي اضمم النون وحرك بالضم الصاد وهو اسم مفرد وجمعه أنصاب وكذلك النصب بفتح النون وسكون الصاد وهو قراءة الباقين وهو ما نصب ليعبد من دون الله تعالى وقيل نصب جمع نصب مثل سقف في جمع سقف وقيل هو جمع نصاب وقيل النصب العلم وقيل الغاية وقيل شبكة الصائد
وقال أبو علي يمكن أن يكون النصب والنصب لغتين كالضعف والضعف ويكون التثقيل كشغل وشغل وطنب وطنب ودا اسم الصنم بفتح الواو وضمها لغتان واختار أبو عبيد الفتح وقال كانوا يتسمون بعبد ود وأما الود فالغالب عليه المودة
1084 [ دعائي وإني ثم بيتي مضافها % مع الواو فافتح إن ( ك ) م ( ش ) رفا ( ع ) لا ] + يريد - دعائي إلا فرارا - أسكنها الكوفيون - ثم إني أعلنت لهم - فتحها الحرميان وأبو عمرو - وبيني مؤمنا - فتحها
____________________
1- ذكر الزجاج في توجيه كل قراءة من الرفع والنصب ثلاثة أوجه
أما الرفع فعلى أن - نزاعة - خبر لأن بعد خبر أو هي خبر لظى والضمير في أنها ضمير القصة أو خبر مبتدأ محذوف أي هي نزاعة
وأما النصب فعلى الاختصاص أو على تقدير تتلظى نزاعة أو على الحال المؤكدة قال يكون نزاعة منصوبا مؤكدا لأمر النار وجوز الزمخشري أن تكون نزاعة بالرفع صفة لظى أن أريد به اللهب ولم يكن علما على النار إلا أن هذا القول باطل بدليل أنه لم يصرف
وأما - والذين هم بشهاداتهم قائمون - فالإفراد فيه والجمع كما سبق في نظائره والإفراد أنسب لقوله بعده - والذين هم على صلاتهم يحافظون - وهو مجمع عليه
1083 [ إلى نصب فاضمم وحرك به ( ع ) لا % ( ك ) رام وقل ودا به الضم ( أ ) عملا ]
(2/706)
حفص وهشام ثم شرع في سورة الجن فقال افتح إن مع الواو يعني مهما جاء وإن فالخلاف في فتحها وكسرها احترز بذلك عن أن يأتي مع الفاء نحو - فإن له نار جهنم - فهو متفق على كسره وعن أن المجردة عن الواو نحو - وأنه استمع - فهو متفق على فتحه - فقالوا إنا سمعنا - متفق على كسره فإن كانت مع الواو ليست مشددة فمتفق أيضا على فتحها نحو - وإن لو استقاموا - فضابط مواضع الخلاف أن تكون أن مشددة بعد واو وذلك في اثنى عشر حرفا متوالية أوائل الآي جميعها لا يخرج عن أنه إنا أنهم
وهي - وأنه تعالى جد ربنا - وإنه كان يقول - وأنا ظننا أن لن تقول - وأنه كان رجال - وأنهم ظنوا - وأنا لمسنا - وإنا كنا نقعد - وأنا لا ندري - وأنا منا الصالحون - وأنا ظننا أن لن نعجز - وأنا لما سمعنا الهدى - وأنا منا المسلمون - وأما - وأن المساجد - وأنه لما قام فسيأتي ذكرهما فهذه الاثنا عشر فتحها ابن عامر وحمزة والكسائي وحفص وهم نصف القراء وكسرها الباقون ومضى معنى قوله كم شرفا علا في أول سورة الأعراف فوجه الكسر العطف على - أنا سمعنا - فالكل في حيز القول أي - فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا - وقالوا إنه تعالى جد ربنا - وأنه كان يقول - وأنا ظننا - إلى آخر ذلك
وقيل إن قوله - وأنه كان رجال - وأنهم ظنوا - آيتان معترضتان في كلام الله تعالى في أثناء الكلام المحكي عن الجن وقيل بل هما أيضا من كلامهم يقوله بعضهم لبعض وأما الفتح فقيل عطف على أنه استمع فيلزم من ذلك أن يكون الجميع داخلا في حيز أوحى أي أوحى إلى أنه استمع نفر من الجن وأنه تعالى جد ربنا فهذا وإن استقام معناه في هذا فلا يستقيم في - وأنه كان يقول سفيهنا - وأنا لمسنا - وأنا كنا - إذ قياسه سفيههم ولمسوا وكانوا
وقال الزجاج ذكر بعض النحويين أنه معطوف على الهاء المعنى عنده فآمنا به وبأنه تعالى جد ربنا وكذلك ما بعدها
قال وهذا رديء في القياس لا يعطف على الهاء المكنية المخفوضة إلا بإظهار الخافض
قال مكي وهو في أن أجود منه مع غيرها لكثرة حذف حرف الجر مع أن
ثم قال الزجاج لكن وجهه أن بكون محمولا على معنى آمنا به لأن معنى آمنا به صدقناه وعلمناه فيكون المعنى وصدقنا أنه تعالى جد ربنا قال الفراء فتحت أن لوقوع الإيمان عليها وأنت مع ذلك تجد الإيمان يحسن في بعض ما فتح دون بعض فلا يمنعك ذلك من إمضائهن على الفتح فإنه يحسن منه فعل مضارع الإيمان فوجب فتح أن نحو صدقنا وألهمنا وشهدنا كما قالت العرب
وزججن الحواجب والعيونا فنصب العيون لاتباعها والحواجب وهي لا تزجج إنما تكحل فأضمر لها الكحل
1085 [ وعن كلهم أن المساجد فتحه % وفي أنه لما بكسر ( ص ) وى ( ا ) لعلا ] (1)
____________________
1- فتحه بدل من المساجد نحو أعجبني زيد حسنه وعن كل القراء افتح - وأن المساجد لله - لأنه معطوف على أنه استمع وكذا - وإن لو استقاموا - وقيل تقديره ولأن المساجد لله فلا تدعوا كما سبق - وأن هذا صراطي مستقيما - وأن الله ربي وربكم - وأن هذه أمتكم - وإنما نص الناظم على هذا المجمع عليه لئلا يظن أن فيه خلافا لأنه يشمله قوله مع الواو فافتح أ
(2/707)
وأما قوله - وأنه لما قام عبد الله - فلم يكسره إلا أبو بكر ونافع على الاستئناف والباقون فتحوا عطفا على - أنه استمع - وهذا مما يقوى أن فتح - وأن المساجد - على ذلك وقيل إن فتح - وإنه لما قام - وكسره على ما سبق في الاثنى عشر وأنه من تمام كلام الجن المحكي ويشكل عليه - كادوا يكونون - لأن قياسه كدنا نكون إلا أن يقال أخبر بعضهم عن فعل بعض وقوله صوى العلا مبتدأ تقدم عليه خبره أي وصوى العلا في - أنه لما - أي في هذا اللفظ المكسور والصوى العلا بالصاد المهملة المضمومة وفتح الواو الربى ونحوها وهي أيضا أعلام من حجارة منصوبة في الفيافي المجهولة يستدل بها على الطريق الواحدة صوة مثل قوة وقوى أي أعلام العلا في هذا
قال الشيخ وفي قراءة الكسر ارتفاع كارتفاع الصوى ودلالة كدلالتها لظهور المعنى فيها والله أعلم
وقرأت في حاشية النسخة المقروءة على الناظم رحمه الله قال نبه بهذا على أن الكسر فصيح بالغ لقوة دلالته على الاستئناف قال وانظر فصاحة القراءة واهتمامهم في نقلهم حين أجمعوا على فتح - وإن المساجد - ليبينوا أنه غير معطوف وأن معناه واعلموا أو نحوه من الإضمار لما دل عليه - فلا تدعوا - فيكون - وأنه لما قام - معطوفا عليه قال ويكاد الفتح والكسر يتقابلان في الحسن
1086 [ ونسلكه يا كوف وفي قال إنما % هنا قل ( ف ) شا ( ن ) صا وطاب تقبلا ] (1) لم يذكر في التيسير عن هشام سوى الضم وقال في غيره وروى عنه كسرها وبالضم آخذ
قال الفراء المعنى فيها واحد لبده ولبده أي كادوا يركبون النبي صلى الله عليه وسلم رغبة في القرآن وشهوة له يعني الجن
وقال الزجاج المعنى أن النبي صلى الله عليه وسلم لما صلى الصبح ببطن نخلة كاد الجن لما سمعوا القرآن وتعجبوا منه أن يسقطوا على النبي صلى الله عليه وسلم وقيل - كادوا - يعني به جميع الملل تظاهرات على النبي صلى الله عليه وسلم
قال ومعنى لبدا يركب بعضهم بعضا وكل شيء ألصقته لشيء إلصاقا شديدا فقد لبدته ومن هذا اشتقاق هذه اللبود التي تفرش ثم ذكر أن كسر اللام وضمها في معنى واحد وكذا قال الزمخشري وقال هو ما يلبد بعضه على بعض ومنه لبدة الأسد وحكى أبو علي عن أبي عبيد لبدا بالكسر أي جماعات واحدها لبدة قال قتادة تلبد الجن والإنس على هذا الأمر ليطفئوه فأبى الله إلا أن ينصره ويمضيه ويظهره على من ناوأه قال واللبد بالضم الكثير من قوله - أهلكت مالا لبدا - وكأنه قيل له لبد لركوب بعضه على بعض ولصوق بعضه ببعض لكثرته فكأنه أراد كادوا يلصقون به من شدة دنوهم للاستماع مع كثرتهم فيكون على هذا
____________________
1- الياء والنون في نسلكه ظاهران وقال - إنما ادعوا ربي - يعني عبد الله قراءة حمزة وعاصم قل على الأمر مثل الذي بعده - قل إني لا أملك لكم - وقوله نصا وتقبلا منصوبان على التمييز
1087 [ وقل لبدا في كسره الضم ( ل ) لازم % بخلف ويا ربي مضاف تجملا ]
(2/708)
قريب المعنى من قوله لبدا إلا أن لبدا أعرف بهذا المعنى وأكثر ثم قال ويا ربي أي وياء ربي فقصره ضرورة أي هذه ياء الإضافة في سورة الجن يريد - ربي أمدا - فتحها الحرميان وأبو عمرو
1088 [ ووطئا وطاء فاكسروه ( ك ) ما ( ح ) كوا % ورب بخفض الرفع ( صحبت ) ه ( ك ) لا ] (1) يجوز وثا ثلثه بإسكان اللام وصلة الهاء ويجوز ثلثه بضم اللام وسكون الهاء وكلاهما لضرورة الوزن وفي كل وجه منها إخلال بلفظ الكلمة في القرآن من جهة إسكان اللام في الأول وإسكان الهاء في الثاني إلا أن الوجه الثاني أقرب فإنه لفظ الوقف على هذه الكلمة فهو واصل بنية الوقف
وأما إسكان اللام من ثلثه فلم ينقل في هذه القراءات المشهورة وقد حكاه أبو عبيد ثم الأهوازي بعده عن ابن كثير ووجهه ظاهر كما قرأ هشام بإسكان اللام من ثلثي الليل للتخفيف
فكلاهما سواء فلو كانت هذه القراءة مما ذكر في هذه القصيدة لكان الاختيار وثا ثلثه بإسكان اللام وقصر لفظ ثا ضرورة
____________________
1- لم تكن له حاجة إلى قوله فاكسروه فإنه قد لفظ بالقراءتين فهو مثل خشعا خاشعا وقل قال وما أشبه ذلك فالرمز فيه للفظ الثاني ولكنه قال فاكسروه زيادة في البيان مثل ما ذكرناه في قوله تمارونه تمرونه وافتحوا ولو قال هنا واكسروه بالواو كان أولى من الفاء كما قال ثم وافتحوا
وسببه أن الفاء تشعر بأن هذه مواضع الخلاف وليس ذلك كله بل هو جزء منه فإن لفظ وطاء يشتمل على كسر الواو وفتح الطاء والمد بعدها وإذا قاله بالواو بعد الإشعار بذلك وصار من باب التخصيص بعد التعميم للاهتمام بالمخصص نحو وجبرئيل وميكائيل ونخل ورمان
بيانه أن لفظ وطاء يغني عن قيوده لأنه كالمصرح بالقيو الثلاثة فإذا نص بعد ذلك على قيد منها كان من ذلك الباب ولو قال موضع فاكسروه فاقرءوه لكان رمزا لحمزة فعدل إلى لفظ يفهم قيدا من قيود القراءة وكان له أن يقول ووطأ كضرب قل وطاء كما حكوا كقوله إذا قل إذ ويحصل له تقييد القراءة الأولى ومعنى القراءة بالكسر والمد أن عمل - ناشئة الليل أشد - مواطأة أي موافقة لأنه يواطأ فيها السمع القلب للفراغ من الأشغال بخلاف أوقات النهار وقوله - وطأ - بفتح الواو وسكون الطاء والقصر بمعنى الشغل أي هو أشق على الإنسان من القيام بالنهار وفي الحديث
اللهم اشدد وطئتك على مضر
وهو - أقوم قيلا - أي أشد استقامة وصوابا لفراغ البال والمعنى أشد ثبات قدم في العبادة من قولهم وطأ على الأرض وطاء والناشئة القيام بعد النوم فهو مصدر بمعنى النشأة وقيل هي الجماعة الناشئة أي القائمون بالليل لأنها تنشأ من مضجعها إلى العبادة أي تنهض وترتفع وقيل هي ساعات الليل والكلام في خفض - رب المشرق - ورفعه كما سبق في سورة الدخان الخفض على البدل من ربك في قوله - واذكر اسم ربك - والرفع على أنه خبر أي هو رب المشرق وكلا بمعنى حفظ وحرس وأفرده على لفظ صحبة وسبق مثله
1089 [ وثاثلثه فانصب وفا نصفه ( ظ ) بى % وثلثى سكون الضم ( ل ) لاح وجملا ]
(2/709)
وكذا لفظ فانصفه وظبى جمع ظبة السيف وهو حده أي ذا ظبا أي صاحب حجج تحميه عن الطعن والاختيان عليه فإن أبا عبيد قال قراءتنا التي نختار الخفض كقوله سبحانه - علم أن لن تحصوه - فكيف يقدرون على أن يعرفوا نصفه وثلثه وهم لا يحصونه ووجه النصب في ونصفه وثلثه العطف على محل أدنى أي تقوم أقل من الثلثين وتقول نصفه وتقوم ثلثه والخفض عطف على ثلثي الليل أي وأقل من نصفه وثلثه ومجموع القراءتين محمول على اختلاف الأحوال لتكرر الليالي واختلافها فمرة يقوم نصف الليل محررا ومرة أقل منه وكذلك الثلث وتارة أقل من الثلثين أي إن ربك يعلم أنكم تأتون بالواجب مرة وبدونه أخرى
لكن الثلثين ما تكملون لطوله فيقع منكم الغلط فيه وجعل الفراء والزجاج قوله - ونصفه وثلثه - على قراءة النصب تفسيرا للأدنى المذكور وهو مشكل من جهة أن واو العطف تمنع من ذلك وكان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه مخيرين بين هذه التقديرات الثلاثة في قيام الليل على اختلاف مراتبها في الأجر وأقرب شيء لهذا الحكم التخيير بين خصال كفارة اليمين على تفاوت مراتبها والتخيير بين نفري الحجج وقيل إنما وقع التخيير بين هذه الثلاثة باعتبار تفاوت الأزمان فالنصف عند الاعتدال وما قاربه وقيام الثلثين أو الأدنى من ثلثي الليل عند الطول وقيام الثلث عند قصر الليل والدليل على التخيير قوله تعالى في أول السورة - قم الليل إلا قليلا نصفه - وللعلماء في إعراب نصفه قولان مشكلان
أحدهما أنه بدل من الليل ويلزم منه التكرير فإن قوله قم نصف الليل إلا قليلا هو الثلث فأي حاجة إلى قوله - أو انقص منه قليلا - وإن كان البدل بعد الاستثناء كأنه قال قم أكثر الليل نصفه أي نصف أكثر الليل أو انقص منه كان ذلك ردا إلى تنصيف مجهول فقوله قم ثلث الليل كان أخصر فأولى
الوجه الثاني أن نصف بدل من قليلا وهو مشكل من جهة استثناء النصف وتسميته قليلا فكيف يكون نصف الشيء قليلا بالنسبة إلى الباقي وهما متساويان فإن كان الباقي كثيرا فالآخر مثله وإن كان المستثنى قليلا فالآخر مثله فلا يستقيم في إعراب نصفه إلا أن يكون مفعول فعل مضمر دل عليه ما تقدم أي قم نصفه أو انقص أو زد
ويكون في فائدة الآية التي قبلها وجهان
أحدهما أنه إرشاد إلى المرتبة العليا وهي قيام أكثر الليل ثم خير بينه وبين ما دونه تخفيفا لأنه تكليف في ابتداء أمر لم يعتادوه ومنه ما جاء في صفة عبد الله بن عمر رضي الله عنه لما سمع قول النبي صلى الله عليه وسلم في حقه
نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل
قال نافع فكان عبد الله بعد ذلك لا ينام من الليل إلا قليلا وهذا موافق لما دلت عليه آية أخرى في سورة والذاريات في صفة المؤمنين - كانوا قليلا من الليل ما يهجعون - وذلك أن الموفقين إذا أخذوا أنفسهم بقيام الليل واعتادوه صار أشهى إليهم من راحة النوم لولا حظ الطباع البشرية من ذلك القدر القليل
الوجه الثاني أن يكون المراد من الليل جنس الليالي لا كل ليلة بانفرادها على الصفة التي بينت في الآية الأخرى وهذا كما يوصى بعض المسافرين لخوف الحر فيقال سر الليل ثم يبين له فيقال ارحل من نصف الليل أو ثلثه أو أوله ويكون قوله تعالى - إلا قليلا - استثناء لليالي الأعذار من مرض أو غلبة نوم أو نحو من ذلك ثم انتقل إلى سورة المدثر فقال
____________________
(2/710)
1090 [ ووالرجز ضم الكسر حفص إذا قل إذ % وأدبر فاهمزه وسكن ( ع ) ن ( ا ) جتلا ] (1)
____________________
1- يعني راء - والرجز فاهجر - وفسر المضموم بالأوثان والمكسور بالعذاب
وقال الفراء إنهما لغتان وإن المعنى فيهما واحد وقال أبو عبيد الكسر أفشى اللغتين وأكثرهما
وقال الزجاج معناهما واحد وتأويلهما اهجر عبادة الأوثان والرجز في اللغة العذاب قال لله تعالى - فلما وقع عليهم الرجز - فالمعنى ما يؤدي إلى عذاب الله - فاهجر - قال أبو علي المعنى وذا العذاب فاهجر وقوله إذا قل إذ يعني اجعل موضع إذا بالألف إذ بغير ألف واهمز أدبر وسكن الدال لحفص ونافع وحمزة ورمزه في أول البيت الآتي يعني - والليل إذا أدبر - كتب في المصحف بألف واحدة بين الذال والدال فجعلها هؤلاء صورة الهمزة من أدبر وجعلوا إذ ظرفا لما مضى وجعل باقي القراء الألف من تمام كلمة إذ وهي ظرف لما يستقبل وقرءوا دبر بفتح الدال على وزن رفع
قال الفراء هما لغتان يقال أدبر النهار ودبر ودبر الصيف وأدبر وكذلك قبل وأقبل فإذا قالوا أقبل الراكب أو أدبر لم يقولوه إلا بألف
قال وإنهما عندي في المعنى لواحد لا أبعد أن يأتي في الرجال ما يأتي في الأزمنة
وقال الزجاج كلاهما جيد في العربية يقال دبر الليل وأدبر
وفي كتاب أبي علي عن يونس دبر انقضى وأدبر تولى وقالوا كأمس الدابر وكأمس المدبر قال والوجهان حسنان
وقال أبو عبيد كان أبو عمرو ويقول هي لغة قريش قد دبر الليل
حدثنا حجاج عن هارون أخبرني حنظلة السدوسي عن شهر بن حوشب عن ابن عباس أنه قرأها - والليل إذا أدبر - بجعل الألف مع إذا
قال حنظلة وسألت الحسن عنها فقال إذا أدبر فقلت يا أبا سعيد إنما هي ألف واحدة فقال فهي إذا والليل إذا دبر
قال أبو عبيد جعل الألف مع أدبر وبالقراءة الأولى نأخذ إذا بالألف دبر بغير ألف لكثرة قرائها ولأنها أشد موافقة للحرف الذي يليه ألا تراه قال - والصحيح إذا أسفر - فكيف يكون في أحدهما إذا وفي الآخر إذ
قال وفي حرف عبد الله وأبي حجة لمن جعلها إذا ولمن جعلها أدبر جميعا حدثنا حجاج عن هرون قال في حرف أبي وابن مسعود - إذا أدبر - قال أبو عبيد بألفين
قلت هذه القراءة هي الموافقة لقوله - إذا أسفر - موافقة تامة بلفظ إذا والإتيان بالفعل بعدها على وزن أفعل وأما كل واحدة من القراءتين المشهورتين فموافقة له من وجه دون وجه والموافقة بلفظ إذا أولى من الموافقة بلفظ أفعل فإن أفعل وفعل قد ثبت أنهما لغتان بمعنى واحد فكانا سواء وأما إذ وإذا فمتغايران ولا يعرف بعد القسم في القرآن إلا مجيء إذا دون إذ - نحو والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى - وإذ وإذا في كل ذلك لمجرد الزمان مع قطع النظر عن مضى واستقبال فهو مثل - وأنذرهم يوم الآزفة إذ القلوب - فسو
(2/711)
يعلمون
إذ الأغلال في أعناقهم - وقد حكى الأهوازي عن عاصم وأبي عمرو رواية - إذا أدبر - بألفين والله أعلم
وقول الناظم قل إذ بكسر اللام على إلقاء حركة همزة إذ عليها بخلاف كسرة النون في قوله عن اجتلا فإنها كسرت لأجل الساكن بعدها والمعنى عن اجتلاء أي عن كشف وظهور من توجيهه وهو ممدود فلما وقف عليه سكنت الهمزة فأبدلت ألفا فاجتمع ألفان فحذفت إحداهما وقد سبق ذكر ذلك في شرح أول الخطبة في قوله أجذم العلا والفاء في قوله فاهمز زائدة
1091 [ فبادر وفا مستنفره ( عم ) فتحه % وما يذكرون الغيب ( خ ) ص وخللا ] (1)
____________________
1- فبادر من تتمة رمز القراءة السابقة أي فبادر إليه وقصر لفظ وفا ضرورة - ومستنفرة - بكسر الفاء بمعنى نافرة وبالفتح نفرها غيرها
قال أبو علي قال أبو الحسن الكسر في مستنفرة أولى ألا ترى أنه قال - فرت من قسورة - فهذا يدل على أنها هي استنفرت ويقال نفر واستنفر مثل سخر واستسخر وعجب واستعجب ومن قال مستنفرة فكأن القسورة استنفرها أو الرامي قال أبو عبيد مستنفرة ومستنفرة مذعورة قال والقسورة الأسد وقالوا الرماة
قال ابن سلام سألت أبا سوار العنبري وكان أعرابيا فصيحا قارئا للقرآن فقلت - كأنهم حمر - ماذا فقال كأنهم حمر مستنفرة طردها قسورة فقلت إنما هو فرت من قسورة فقال أفرت فقلت نعم قال فمستنفرة
والخلاف في - وما يذكرون - بالياء والتاء ظاهر وقد سبق في أول آل عمران معنى قوله خص وخللا يقال عم بدعوته وخلل أي خص فجمع الناظم بينهما لاختلاف اللفظي
(2/712)
ومن سورة القيامة إلى سورة النبأ (1) يريد - فإذا برق البصر - أي شخص وتحير قال الأخفش المكسورة في كلام العرب أكثر والمفتوحة لغة
قال أبو عبيدة القراءة عندنا بالكسر لأنها اللغة السائرة المتعالية والغيبة في - تحبون العاجلة وتذرون الآخرة - والخطاب فيهما ظاهران ومعنى آمنا أي آمنا من البرق يوم القيامة أو آمنا من النازع فيه وقوله حق كف لأن الحق أبدا يدفع الباطل لأن في أول الجملة حرف الردع وهو - كلا - ومعناه الزجر والكف وأما تمنى فالضمير فيه للمنى إن قريء بالياء على التذكير وإن قريء بالتأنيث فالضمير للنطفة كما أنه في سورة النجم كذلك وهو - من نطفة إذا تمنى - ومعناه تصب وتراق في الرحم وعلا بالضم مفعول علا مقدم عليه أو هو خبره - يمنى - أي ذو علا أي عال بالتذكير
1093 [ سلاسل نون ( إ ) ذ رووا ( ص ) رفه ( ل ) نا % وبالقصر قف ( م ) ن ( ع ) ن ( ه ) دى خلفهم ( ف ) لا ] + سلاسل على وزن دراهم وهو ممنوع من الصرف على اللغة المشهورة ولكنه كتب في المصاحف بألف بعد اللام كما كتب في الأحزاب - الظنونا - و - الرسولا - و - السبيلا - فالمتابعة لخط المصحف اقتضت إثبات تلك الألف في الأحزاب في الوصل ولم يمكن تنوينها لأجل أن كل كلمة منها فيها الألف واللام فالتنوين لا يجتمع معها وأما في - سلاسلا - فأمكن قبوله للتنوين على لغة من يصرف ذلك
قال أبو علي قال أبو الحسن - سلاسلا - منونة في الوصل والسكت على لغة من يصرف نحو ذا من العرب قال وسمعنا من العرب من يصرف هذا ويصرف جميع ما لا ينصرف وقال هذا لغة الشعراء لأنهم اضطروا إليه في الشعر فصرفوه فجرت ألسنتهم على ذلك وقال مكي حكى الكسائي أن بعض العرب يصرفون كل ما لا ينصرف إلا أفعل منك قال ابن القشيري صرف ما لا ينصرف سهل عند العرب قال الكسائي هو لغة من يجري الأسماء كلها إلا قولهم هو أظرف منك فإنهم لا يجرونه
قلت القرآن العربي فيه من جميع لغات العرب لأنه أنزل عليهم كافة وأبيح لهم أن يقرءوه على لغاتهم المختلفة فاختلفت القراءات فيه لذلك فلما كتبت المصاحف هجرت تلك القراءات كلها إلا ما كان منها موافقا لخط المصحف فإنه بقي كقراءة - إن هذان - كما سبق ومثل هذا التنوين فإن كتابة الألف في آخر الاسم المنصوب يشعر بالتنوين وقد بينا هذه القاعدة وقررناها في كتاب الأحرف السبعة الملقب بالمرشد الوجيز وقد وجهت هذه اللغة بأنه أصل الكلام وعلة الجمع ضعيفة في اقتضاء منع الصرف بدليل صرف باقي أبنية الجموع
____________________
1- لا تعلق لسورة القيامة بما بعدها فكان ينبغي إفرادها ثم يقول هل أتى والمرسلات لاتصالهما في نظمة والله أعلم
1092 [ ورا برق افتح ( آ ) منا يذرون مع % يحبون ( حق ك ) ف يمنى ( ع ) لا علا ]
(2/713)
وكونه لا نظير له في الآحاد غير مقتض لمنع الصرف بدليل العلم المرتجل الذي لا نظير له في أسماء الأجناس يقاس عليه لا بمنع الصرف وفيه علتان العلمية وكونه لا نظير له وهذا كان أولى بالمانعية لان العلمية مانعة في مواضع بشرطها والجمع غير معروف منه منع الصرف إلا في هذا الموضع المتنازع فيه فهذا الوجه من القياس مقو لهذه اللغة المسموعة
ووجه آخر قال أبو علي إن هذه الجموع أشبهت الآحاد لأنهم قد قالوا صواحبات يوسف فلما جمع جمع الآحاد المنصرفة جعلوه في حكمها فصرفوها فهذا معنى قوله إذ رووا صرفه لنا وقال الزجاج الأجود في العربية أن لا يصرف سلاسل ولكن لما جعلت رأس آية صرفت ليكون آخر الآى على لفظ واحد
قلت ادعاء أن سلاسل رأس آية بعيد ولكن الممكن أن يقال المعرف به في القرآن هو اللغة الفصيحة وهو منع صرف هذا الوزن من المجموع بدليل صوامع ومساجد وإنما عدل عن اللغة المشهورة في سلاسل إرادة التناسب لما ذكر معها من قوله - وأغلالا وسعيرا -
فإن قلت فكان ينبغي على هذا صرف صوامع ومساجد ليشاكلا لفظ - بيع وصلوات - من قوله تعالى - لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد -
قلت إنما فعل ذلك في المنصوب خاصة لأن المناسبة تحصل فيه وقفا ووصلا فإن المنون بوقف عليه بالألف فكان الرسم الألف دالا على الأمرين أما غير المنصوب فإنه يوقف عليه بالسكون منونا كان أو غير منون فلا حاجة تدعوا إلى صرفه لأجل المناسبة وصلا والمناسبة في الوقف مهمة بل هي العمدة في ذلك بدليل أن جماعة ممن لم ينون في الوصل يثبت الألف في الوقف ونظير هذا الموضع قراءة من قرأ في سورة نوح - ولا يغوثا ويعوقا - بالتنوين لأجل أن قبله - ودا ولا سواعا - وبعده - ونسرا - وهذا تعليل الزمخشري في ذلك فإنه قال لعله قصد الازدواج فصرفهما لمصادفته أخواتهما منصرفات كما قريء - وضحاها - بالإمالة لوقوعه مع الممالات للازدواج هذا قوله هنا ويجيء مثل ذلك في - سلاسلا - وهو وجه سائغ فعدل عن ذلك لما وصل إليه وقال فيه وجهان
أحدهما أن تكون هذه النون بدلا من حرف الإطلاق ويجري الوصل مجرى الوقف
والثاني أن يكون صاحب هذه القراءة ممن ضرى برواية الشعر ومرن لسانه على صرف غير المنصرف
قال الشيخ هذا كلام صدر عن سوء الظن بالقراءة وعدم معرفته بطريقتهم في اتباع النقل
قلت هذا جواب الوجه الثاني
وأما الوجه الأول فالتنوين الذي حمله عليه يسمى بتنوين الترنم النائب مناب حرف الإطلاق ولا يستقيم ذلك هنا فإن ذلك التنوين ثابت وقفا وهذا مبدل منه ألف في الوقف وكل تنوين أبدل منه ألف في الوقف فهو تنوين الصرف ولو كان هذا التنوين في كلمات الأحزاب - الظنونا - و - الرسولا - و - السبيلا - لكان تنوين الترنم فإن الألف في الوقف ألف الإطلاق فلتكن النون القائمة مقامه كذلك ولو كان هذا التنوين ثابتا في سلاسل وقفا كما هو ثابت وصلا لأمكن فيه ذلك على أنه لغة ضعيفة أيضا قال أبو الحسن الأخفش لا يجوز في - الظنونا - وشبهه تنوين الأعلى لغة من ينون في القوافي قال ولا تعجبني تلك اللغة لأنها ليست لغة أهل الحجاز
____________________
(2/714)
قلت فكل من نون - سلاسلا - في الوصل وقف عليه بالألف ومن لم ينون وصلا اختلفوا فمنهم من وقف على اللام ساكنة وهو الذي عبر عنه بالقصر وهذا قياس قراءتهم في الوصل وهم حمزة وقنبل بلا خلاف والبزي وحفص وابن ذكوان بخلاف عنهم ومنهم من وقف بألف اتباعا للرسم وهم أبو عمرو وهؤلاء الرواة الثلاثة في وجههم الثاني وتكون ألف الوقف عند هؤلاء ألف الإطلاق كالتي في - الظنونا - وشبهه وعن في قول الناظم من عن اسم كالتي في قول القطامي
( من عن يمين الجبيا % )
أي نشأ للواقف بالقصر القصر من جانب هدى خلفهم وفلا من قولهم فلوته أي ربيته أو بمعنى فصل من فلوته عن أمه أي فصلته وفطمته أو بمعنى تدبر من فليت الشعر إذا تدبرته واستخرجت معناه قال الفراء كتبت - سلاسلا - بالألف فأجراها بعض القراء لمكان الألف التي في آخرها ولم يجرها بعضهم وقال الذي لم يجرها العرب تثبت فيما لا يجري الألف في النصب فإذا وصلوا حذفوا الألف قال وكل صواب
1094 [ ( ز ) كا وقواريرا فنونه ( إ ) ذ ( د ) نا % ( ر ) ضا ( ص ) رفه واقصره في الوقف ( ف ) يصلا ] (1) يعني - قوارير من فضة - ولكونه ليس برأس آية لم يقف عليه بالألف ممن لم ينون في الوصل إلا هشام وأما من نونه فوقف عليه بالألف المبدلة من التنوين فلهذا قال واقفا معهم أي مع المنونين وولا بالكسر أي متابعة للرسم فإنه بالألف في أكثر المصاحف كالذي قبله قال الفراء ثبتت الألف في الأولى لأنها رأس آية والأخرى ليس برأس آية فكان ثبات الألف في الأولى أقوى وكذلك رأيتها في مصحف عبد الله بن مسعود وقرأ بها أهل البصرة وكتبوها في مصاحفهم
كذلك وأهل الكوفة وأهل المدينة يثبتون الألف فيها جميعا وكأنهم استوحشوا أن يكتب حرف واحد في معنى نصب بكتابتين مختلفتين قال وإن شئت أجريتهما جميعا وإن شئت لم تجرهما وإن شئت أجريت الأولى لمكان الألف في كتاب أهل البصرة ولم تجر الثانية إذ لم تكن فيها الألف
واختار أبو عبيد - سلاسلا - وقواريرا قوارير - كلهن بإثبات الألف والتنوين قال وكذلك هي في مصاحف أهل الحجاز والكوفة بالألف ورأيتها في الذي يقال إنه الإمام مصحف عثمان بن عفان - قواريرا - الأولى مثبتة والثانية كانت بالألف فحكت ورأيت أثرها بينا هناك وقال الزجاج قرئت - قورير - غير مصروفة وهذا الاختيار عند النحويين ومن قرأ بصرف الأول فلأنه رأس آية وترك صرف الثاني لأنه ليس بآخر آية ومن صرف الثاني أتبع اللفظ اللفظ لأن العرب ربما قلبت إعراب الشيء ليتبع اللفظ اللفظ
____________________
1- زكا من تتمة رمز الواقفين بالقصر في سلاسل والكلام في تنوين - كانت قواريرا - والوقف عليها بالألف وبالقصر كما سبق في سلاسلا وزاد الوقف بالألف هنا حسنا كونه رأس آية فلهذا لم يقصره في الوقف إلا حمزة وحده وأجمعوا على ترك صرف الذي في النمل - صرح ممرد من قوارير
1095 [ وفي الثان نون ( إ ) ذ ( ر ) ووا ( ص ) رفه وقل % يمد هشام واقفا معهم ولا ]
(2/715)
فيقولون جحر ضب خرب وإنما الخرب من نعت الجحر فكيف بما يترك صرفه وجميع ما يترك صرفه يجوز صرفه في الشعر يعني فأمره في المتابعة أخف من غيره وقال الزمخشري هذا التنوين بدلا من ألف الإطلاق لأنه فاصلة وقد سبق بيان فساد هذا القول ثم قال وفي الثاني لإتباعه الأول وذكر أبو عبيد وغيره أن في مصاحف البصرة الأول بألف والثاني بغير ألف وبعضهم ذكر أن الأول أيضا بغير ألف في بعض المصاحف وهذا هو الظاهر
1096 [ وعاليهم اسكن واكسر الضم ( إ ) ذ ( ف ) شا % وخضر برفع الخفض ( ع ) م ( ح ) لا ( ع ) لا ] (1) أي ورفع خفض استبرق لهؤلاء ووجه الرفع العطف على ثياب أي وثياب استبرق فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه وقرأ الباقون بالجر عطفا على سندس أي ثياب هذين النوعين فصار في هاتين الكلمتين خضر واستبرق أربع قراءات رفعهما لنافع وحفص خفضهما لحمزة والكسائي خفض خضر ورفع استبرق لابن كثير وأبي بكر عكسه رفع خضر وجر استبرق لأبي عمرو وابن عامر وهو أجود هذه القراءات الأربع واختاره أبو عبيد قال أبو علي هو أوجه هذه الوجوه لأن خضر صفة مجموعة لموصوف
____________________
1- يجوز أن يحرك الميم من عاليهم في البيت بالحركات الثلاثة لضرورة الوزن وإلا فهي ساكنة في لفظ القرآن أو موصولة بواو عند من مذهبه ذلك وإنما لفظ به الناظم على قراءة من أسكن الياء وكسر الهاء وليست الصلة من مذهب من قرأ كذلك فلم يبق أن يكون لفظ به إلا على قراءة إسكان الميم وحينئذ يجوز فتحها بنقل حركة همزة أسكن إليها وكسرها لالتقاء الساكنين على تقدير أن يكون وصل همزة القطع وضمها لأنها حركتها الأصلية عند الصلة فهي أولى من حركة مستعارة يريد - عاليهم ثياب سندس - أي الذي يعلوهم ثياب من سندس فهو مبتدأ وخبر وقراءة الباقين بنصب الياء وضم الهاء وهو حال من قوله - ولقاهم نضرة وسرورا - ومن - وجزاهم بما صبروا - هذا قول أبي علي وأجاز الزجاج أن يكون حالا من الضمير في عليهم أو من الولدان وتبعه الزمخشري في ذلك وزاد وجها آخر وهو أن يكون التقدير رأيت أهل نعيم عاليهم وثياب سندس مرفوع به وقد أجيز أن يكون عاليهم ظرفا كأنه لما كان عال بمعنى فوق أجرى مجراه فهو كقولك فوقهم ثياب وخضر بالرفع صفة لثياب وبالجر صفة لسندس وجاز ذلك وإن كان سندس مفردا وخضر جمعا لما كان السندس راجعا إلى جمع وهو الثياب والمفرد إذا أريد به الجمع جاز وصفه بالجمع نحو - على رفرف خضر وعبقري حسان - ومن هذا الإخبار عن المفرد والجمع نحو ما سبق في قراءة نافع وحمزة - عاليهم ثياب - وعكسه قول الشاعر ( ألا إن جيران العشية رابح % )
وحلا البيت تمييز أو حال أي عمت حلاة أو عم ذا حلاه أخبر عن خضر بأنه عم حلاه وبأنه علا فهما جملتان وقوله برفع الخفض متعلق بأحدهما والله أعلم
1097 [ وإستبرق ( حرمي ن ) صر وخاطبوا % تشاءون ( حصن ) وقتت واوه ( ح ) لا ]
(2/716)
مجموع واستبرق جنس أضيف إليه الشاب كما أضيف إلى سندس كما تقول ثيابا خز وكتان ودل على ذلك قوله تعالى في سورة الكهف { ويلبسون ثيابا خضرا من سندس وإستبرق }
وأما - وما تشاءون - بالغيب والخطاب فظاهر وحصنا حال من فاعل خاطبوا أو مفعوله وهو تشاءون جعله مخاطبا لما كان الخطاب فيه أي ذوي حصن أو ذا حصن وقرأ أبو عمرو وحده - وإذا الرسل وقتت - بالواو وهو أصل الكلمة لأنها من الوقت قال الفراء أي جمعت لوقتها يوم القيامة وقال الزجاج جعل لها وقت وأجل للفصل والقضاء بين الأمم وقال أبو علي جعل يوم الدين والفصل لها وقتا كما قال { إن يوم الفصل ميقاتهم أجمعين }
وقال الزمخشري معنى توقيت الرسل أي تبيين وقتهم الذي يحضرون فيه للشهادة على أممهم
قلت كأنه والله أعلم بعد الوقوف من طول ذلك اليوم ومعاينة ما فيه من الأهوال الواقعة بالسماء والكواكب والجبال وغيرها ووقوع الخلائق في ذلك الكرب العظيم الذي يطلبون الخلاص منه لسرعة الفصل بينهم فيقصدون الرسل لذلك على ما جاء في حديث الشفاعة فحينئذ والله أعلم يبين لهم وقت الفصل بينهم وقوله - لأي يوم أجلت - تعظيم للوقت الذي يقع فيه الفصل والجزاء والمراد باليوم الحين والزمان ولطول يوم القيامة يعبر عن الوقت فيه ثم بين الناظم قراءة الباقين فقال
1098 [ وبالهمز باقيهم قدرنا ثقيلا ( إ ) ذ % ( ر ) سا وجمالات فوحد ( ش ) ذا ( ع ) لا ]
أي همزوا الواو من وقتت فصارت همزة مضمومة وتلك لغة في كل واو مضمومة قالوا في وجوه أجوه وفي وعد أعد واختار هذه القراءة أبو عبيد لموافقة الكتاب مع كثرة قرائها وهي أيضا موافقة لقوله أجلت وثقل نافع والكسائي - فقدرنا - وخفف الباقون لقوله - فنعم القادرون - ووجه التثقيل قوله - من نطفة خلقه فقدره - أجمع على تشديده أي - فنعم القادرون - نحن على تقديره وقيل المخفف والمشدد بمعنى واحد وجمالات جمع جمالة وجمالة جمع جمل كجارة في جمع حجر وقيل جمالات جمع جمال كرجالات في جمع رجال ووجه القراءتين ظاهر ومضى معنى شذا علا
____________________
(2/717)
ومن سورة النبأ إلى سورة العلق
لا نعلق لما نظمه في سورة النبأ بما بعدهما والنازعات وعبس متصلتان وكذا التكوير والانفطار وسورة المطففين منفردة وكذا الانشقاق ومن سورة البروج إلى العلق متصل وفيها سور لم يذكر لها خلفا متجددا كما سبق التنبيه عليه في سورة الجمعة وهي والطارق والليل والضحى وألم نشرح والتين ولكنها لا تخلو من خلاف من ذكره في الأصول وغيرها والله أعلم
1099 [ وقل لابثين القصر ( ف ) اش وقل ولا % كذابا بتخفيف الكسائي أقبلا ] (1) أي خفض الباء من - رب السموات - للكوفيين وابن عامر وحفص النون من - الرحمن - لعاصم وابن عامر فخفضهما على البدل من ربك ويجوز في - الرحمن - أن يكون صفة أو عطف بيان ومن رفعهما كان على تقدير هو رب السموات الرحمن أو يكون - رب - مبتدأ - والرحمن - خبره أو - الرحمن - نعته أو عطف بيان له - ولا يملكون - خبره ومن غاير بينهما وهو حمزة والكسائي خفضا باء - رب - على البدل ورفع - الرحمن - على الابتداء - ولا يملكون - خبره أو على تقدير هو الرحمن واستئناف لا يملكون وتقدير البيت وخفض الرفع في الرحمن ناقله كملا لأنه كمل الخفض في الحرفين معا يقال نميت الحديث إذا بلغته والله أعلم
1101 [ وناخرة بالمد ( صحبت ) هم وفي % تزكى تصدى الثان ( حرمي ) اثقلا ] + نخزة وناخزة واحد أي بالية وفي قراءة القصر زيادة مبالغة وفي قراءة المد مؤاخاة رءوس الآي قبلها
____________________
1- أي القصر فيه يريد - لابثين فيها أحقابا - فلابث ولبث من باب حاذر حذر وفاره وفره وقد مضيا في سورة الشعراء ومنه طامع وطمع وقال الزمخشري اللبث أقوى لأن اللابث من وجد منه اللبث ولا يقال لبث إلا لمن شأنه اللبث
كالذي يجثم بالمكان لا يكاد ينفك منه وقال الفراء أجود الوجهين بالألف يعني لأجل نصب ما بعده لأن إعمال ما كان على وزن فاعل أكثر من إعمال فعل وأما - كذابا - بالتخفيف فمصدر كذب مثل كتب كتابا وبالتشديد مصدر كذب مثل كلم كلاما وفسر فسارا وموضع الخلاف قوله تعالى - لا يسمعون فيها لغوا ولا كذابا - يعني أهل الجنة جعلنا الله منهم لا يسمعون فيها كذبا ولا تكذيبا وقيده الناظم بقوله ولا احترازا من النهي قبله - وكذبوا بآياتنا كذابا - فهو مجمع على تشديده لأن فعله معه وقال الزمخشري فعال في باب فعل كله فاش في كلام فصحاء من العرب لا يقولون غيره وسمعني بعضهم أفسر آية فقال لقد فسرتها فسارا ما سمع بمثله
1100 [ وفي رفع يا رب السموات خفضه % ( ذ ) لول وفى الرحمن ( نا ) ميه ( ك ) ملا
(2/718)
وبعدها وأما - فقل هل لك إلى أن تزكى - وفي سورة عبس - فأنت له تصدى - فثقل الحرميان الحرف الثاني من الكلمتين وهما الزاي والصاد فهذا معنى قوله الثاني أي ثاني حروفهما والأصل تتزكى وتتصدى بتاءين فمن ثقل أدغم ومن خفف حذف على ما سبق في - تظاهرون - وتقدير حرمي أثقل الحرف الثاني في تزكى وتصدى فقوله الثاني مفعول أثقلا والألف في أثقل يجوز أن تكون للإطلاق وأن تكون ضمير التثنية حملا على لفظ حرمي فإنه مفرد وعلى معناه الآن مدلوله اثنان وألقى حركة همزة أثقلا على تنوين حرمي وحذف الياء من الثان ولم يفتحها وهو مفعول به ضرورة وجاء لفظ الثاني منها ملبسا على المبتديء يظن أن تصدى موضعان الخلاف في الثاني فيهما وإنما ذكر الثاني هنا كقوله ءآلهة كوف يحقق ثانيا أي ثاني حروفه ولأجل أن مراده أثقلا الحرف الثاني في هاتين الكلمتين عدل إلى حرف في عن أن يقول وأن تزكي على لفظ التلاوة والله أعلم
1102 [ فتنفعه في رفعه نصب عاصم % وأنا صببنا فتحه ( ث ) بته تلا ] (1)
____________________
1- الرفع عطف على يذكروا والنصب على أنه جواب الترجي من لعله يزكي كما تقدم من { فاطلع }
في سورة غافر و { أنا صببنا }
كسرة على الابتداء وفتحه على أنه بدل من طعامه أي فلينظر إلى أصل طعامه قال أبو علي هو بدل اشتمال لأن هذه الأشياء تشتمل على كون الطعام وحدوثه فهو على نحو { يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه }
{ قتل أصحاب الأخدود } بالنار
{ وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره }
لأن الذاكرة كالمشتمل على المذكور وقال - إلى طعامه - والمعنى إلى كونه وحدوثه وهو موضع الاعتبار وأنا صببنا في البيت مبتدأ وثبته مبتدأ ثان وفتحه مفعول تلا ومعنى ثبته أي ناقله وقارئه الثبت يقال رجل ثبت بسكون الباء أي ثابت القلب ويقال هذا شيء ليس بثبت بفتح الباء أي ليس بحجة والله أعل
(2/719)
1103 [ وخفف ( حق ) سجرت ثقل نشرت % ( ش ) ريعة ( حق ) سعرت ( ع ) ن ( أ ) ولى ( م ) لا ] (1) الأولى أن نكتب بضنين بالضاد لوجهين
أحدهما أنها هكذا كتبت في المصاحف الأئمة قال الشاطبي رحمه الله في قصيدة الرسم والضاد في بضنين تجمع البشر
والثاني أن يكون قد لفظ بالقراءة الأخرى فإن الضاد والظاء ليسا في اصطلاحه ضدين
فإن قلت فكيف تصح حينئذ إضافة الظاء إلى هذا اللفظ وليس فيه ظاء
قلت يصح ذلك من جهة أن هذا اللفظ يستحق هذا الحرف باعتبار القراءة الأخرى ولهذا يجوز لك أن تقرأ قوله في سورة النساء - ويا سوف تؤتينهم - عزير بالنون ومعنى بظنين بالظاء من الظنة وهي التهمة أي ما هو بمتهم على ما لديه من علم الغيب الذي يأتيه من قبل الله تعالى ومعناه بالضاد ببخيل أي لا يبخل بشيء منه بل يبلغه كما أمر به امتثالا لأمر الله تعالى وحرصا على نصح الأمة وعلى على هذه القراءة بمعنى الباء وذلك ثابت لغة وقد سبق في شرح قول وليس على قرانه متأكلا ويكون سبب العدول عن الباء إليها استقامة معناها على القراءتين أو كراهة لتكرار الباء لو قيل - بالغيب بضنين - وقال الفراء في تفسير بضنين يقول يأتيه غيب السماء وهو منقوش فيه فلا يبخل به عليكم ولا يضن به عنكم وقيل المعنى إنه جامع لوصفين جليلين وهما الاطلاع على علم الغيب وعدم البخل كما تقول هو على علمه شجاع أي جامع للوصفين واختار أبو عبيد القراءة بالظاء وقال إنهم لم يبخلوه فيحتاج إلى أنه ينفي عنه ذلك البخل إنما كان المشركون يكذبون به فأخبرهم الله تعالى أنه ليس بمتهم على الغيب وجواب هذا أن يقال وصفه الله تعالى بذلك لحرصه على التبليغ وقيامه لما أمر به ولا يتوقف نفي البخل عنه على رميهم إياه به
فإن قلت إذا كانت الكتابة بالضاد فكيف ساغ مخالفتها إلى الظاء
قلت باعتبار النقل الصحيح كما قرأ أبو عمرو - وقتت - بالواو مع أن أبا عبيد قد أجاب عن هذا فقال ليس هذا بخلاف الكتاب لأن الضاد والظاء لا يختلف خطهما في المصاحف إلا بزيادة رأس إحداهما على رأس الأخرى قال فهذا قد يتشابه في خط المصحف ويتدانا قال الشيخ صدق أبو عبيد فإن الخط القديم على ما وصف وقال الزمخشري هو في مصحف عبد الله بالطاء وفي مصحف أبي بالضاد وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بهما وإتقان الفصل بين الضاد والظاء واجب ومعرفة مخرجيهما مما لا بد
____________________
1- التخفيف في هذه الكلمات الثلاثة والتشديد سبق لها نظائر ولم يبين القراءة المرموزة في سعرت إحالة على ما نص عليه في الحرف قبلها وهو الثقل فهو مثل ما أحال - سكرت - في أول الحجر على ما قبله وهو ورب خفيف والملأ الأشراف والرؤساء يشير إلى أن هذه القراءة مأخوذة عن جماعة أصحاب شيوخ أكابر أخذوها عنهم
1104 [ وظا بضنين ( ح ) ق ( ر ) او وخف في % فعدلك للكوفي و ( حق ) ك يوم لا ]
(2/720)
منه للقاريء فإن أكثر العجم لا يفرقون بين الحرفين فإن فرقوا ففرقا غير صواب وبينهما بون بعيد ثم ذكر مخرجيهما على ما سيأتي بيانه في باب مخارج الحروف ثم قال ولو استوى الحرفان لما ثبت في هذه الكلمة قراءتان اثنتان ولا اختلاف بين جبلين من جبال العلم والقراءة ولما اختلف المعنى والاشتقاق والتركيب قلت وقد صنفت مصنفات في الفرق بين الضاد والظاء مطلقا وحصرت كلمات الحرفين ونظم جماعة من شيوخ القراءة ما في القرآن العظيم من الظاءات فيعلم بذلك أن ما عدا ما نظموه يكون بالضاد وقد ذكرت في ذلك فصلا بديعا في مختصر تاريخ دمشق في ترجمة عبد الرزاق بن علي في حرف العين وقوله فعدلك بالتخفيف أي عدل بعضك ببعض فكنت معتدل الخلقة متناسبها فلا تفاوت فيها
قال عبد الله بن الزبعري قبل إسلامه ( وعدلنا ميل بدر فاعتدل % )
وبالتشديد معناه قومك وحسنك وجعلك معتدلا فهما متقاربان ومعنى البيت خف الكوفي في قراءة فعدلك بالتخفيف ثم قال وحقك - يوم لا - يعني رفع - يوم لا تملك - لأنه بدل من يوم الذي قبله أو على تقدير هو يوم لا تملك والنصب على تقدير تدانون أي تجازون يوم كذا لأن لفظ الدين بدل عليه أو بإضمار أعني أو على تقدير اذكر وقيل بدل من - يوم الدين - الذي بعد - يصلونها - وقيل ومبنى لإضافته إلى لا كما تقدم في مثل ما فيجوز على هذا أن تكون على ما تقدم من وجهي الرفع ووجوه النصب قال الشيخ وقوله وحقك يوم لا أضاف يوم إلى لا لأن اليوم مصاحب لها
قلت لا حاجة إلى هذا الاعتذار فإنه حكاية لفظ القرآن وقيدها بذلك احترازا من ثلاثة قبلها مضافة إلى الدين
1105 [ وفي فاكهين اقصر ( ع ) لا وختامه % بفتح وقدم مده ( ر ) اشدا ولا ]
فاكهين وفكهين واحد المد والقصر كما سبق في لابثين ولبثين وفارهين وفرهين أي انقلبوا معجبين متنعمين متلذذين فرحين
وأما - ختامه مسك - فقرأه الكسائي بفتح الخاء وقدم الألف على التاء فصار خاتمه كما قرأ عاصم وخاتم النبيين - قال الفراء الخاتمة والختام متقاربان في المعنى إلا أن الخاتم الاسم والختام المصدر قال أبو علي خاتمه آخره وختامه عاقبته والمراد لذاذة المقطع وذكاء الرائحة وأرجها مع طيب الطعم وعن سعيد بن جبير ختامه آخر طعمه وقوله ولا بفتح الواو أي ذا ولاء أي نصر لهذه القراءة لأن أبا عبيد كرهها وقال حجة الكسائي فيها حديث كان يرويه عن علي ولو ثبت عن علي لكان فيها حجة ولكنه عندنا لا يصح عنه قلت قد أسند الفراء في كتاب المعاني عن علي وعلقمة فقال حدثني محمد بن الفضل عن عطاء بن السائب عن أبي عبد الرحمن عن علي أنه قرأ خاتمه مسك قال وحدثنا أبو الأحوص عن أشهب بن أبي الشعثا المحاربي قال قرأ علقمة بن قيس خاتمة مسك وقال أما رأيت المرأة تقول للعطار اجعل لي خاتمه مسكا تريد آخره وتفسيره أن الشارب يجد آخر كأسه ريح المسك والله أعلم
____________________
(2/721)
1106 [ يصلى ثقيلا ضم ( عم ر ) ضا ( د ) نا % وبا تركبن اضمم ( ح ) يا ( عم ن ) هلا ] (1) الخفض نعت للوح وهو موافق لما يطلقه الناس من قولهم اللوح المحفوظ قرأه نافع بالرفع جعله صفة لقرآن في قوله - بل هو قرآن مجيد - أي هو قرآن مجيد محفوظ في لوح والضمير في قوله هو للخفض أي اخفض رفع - ذو العرش المجيد - فيكون نعتا للعرش ورفعه على أنه خبر بعد ثلاثة أخبار لقوله - وهو الغفور - والتخفيف والتشديد في - قدر فهدى - سبق مثله في - والمرسلات - قوله والخف على تقدير وذو الخف وقدر عطف بيان له أو يكون قدر مفعول والخف نحو الضرب زيدا أعلم
1108 [ وبل يؤثرون ( ح ) ز وتصلى يضم ( ح ) ز % ( ص ) فا يسمع التذكير ( حق ) وذو جلا ] + الغيب والخطاب في تؤثرون ظاهران وكذلك - تصلى نارا - بضم التاء وفتحها وتأنيث - لاغية - غير حقيقي فجاز تذكير الفعل المسند إليها وهو يسمع هذا على قراءة من رفعها وأما من نصبها على المفعولية ففتح التاء من تسمع على ما يأتي وقوله وذو جلا أي جلاء بالمد بمعنى انكشاف وظهور وهو تتمة للبيت والرمز حق وحده
1109 [ وضم ( أ ) ولوا ( حق ) ولاغية لهم % مسيطر اشمم ( ض ) اع والخلف ( ق ) للا ] + يعني ضم التاء من تسمع نافع وضم الياء ابن كثير وأبو عمرو فالمجموع ضم أول يسمع ولاغية لهم بالرفع
____________________
1- ضم فعل ما لم يسم فاعله في موضع الحال أيضا أي مضموم الياء وعم خبر يصلى أي عم رضاه أو ذا رضى وقراءة الباقين يصلى سعير مضارع صلى كما قال تعالى - سيصلى نارا - ثم قال اضمم باء - لتركبن طبقا - ذا حيا ولحيا بالقصر الغيث ونهلا جمع ناهل وهو الشارب أي مشبها حيا عام النفع وهو خطاب للإنسان فهو يفتح الباء على اللفظ وبضمها لأن المراد بالإنسان المخاطب الجنس ومعنى - طبقا عن طبق - أي حالا بعد حال من شدائد أحوال القيامة وأهوال مواقفها قيل هي خمسون موقفا كل حالة منها مطابقة للأخرى في الشدة والهول وقيل غير ذلك والله أعلم
وفي نظم هذا البيت نظر في موضعين أحدهما يصلى فإنه لم ينص على فتح الصاد ولا سكونها والثاني قوله وبا - تركبن - ولم يقيد لفظ الباء بما تتميز به من التاء وكلمة تركبن فيها الحرفان وكل واحد منهما قابل للخلاف المذكور وكان يمكنه أن يقول
( يصلى بيصلى عم دم رم وتركبن % بالضم قبل النون حز عم نهلا )
1107 [ ومحفوظ اخفض رفعه ( خ ) ص وهو في المجيد % ( ش ) فا والخف قدر ( ر ) تلا ]
(2/722)
لأن تسمع على قراءة الثلاثة فعل ما لم يسم فاعله وإن كان أوله مختلفا فيه بينهم دائرا بين التاء والياء وقراءة الباقين بتاء الخطاب أي لا تسمع أنت وأيها السامع فيها لاغية فإن قلت من أين علم ذلك وهو إنما ذكر التذكير فضده التأنيث وهو حاصل في قراءة نافع أما قراءة غيره فبالخطاب
قلت لما اشتركوا مع نافع في القراءة بالتاء وإن اختلف مدلولها تأنيثا وخطابا تجوز في أن جعل قراءتهم ضدا للتذكير فهو كما سبق في - ولتستبين - في سورة الأنعام ويجوز أن تكون التاء في قراءة الجماعة للتأنيث أيضا على أن يكون فاعلها ضميرا عائدا على الوجوه في قوله تعالى - { وجوه يومئذ ناعمة } - أي لا تسمع تلك الوجوه فيها لاغية وقوله أولوا حق أي أصحاب حق وأما - لست عليهم بمصيطر - فاشم الصاد زايا خلف كما فعل في الصراط وفي المصيطرون في الطور وعن خلاد في ذلك خلاف ولكون هذه القراءة قد عرفت لخلف وخلاد من سورتي الفاتحة والطور أطلق الإشمام ولم يبين أنه بالزاي فيحمل هذا المطلق على ذلك المقيد ومعنى ضاع فاح وانشر والخلف قللا لأن من المصنفين من لم يذكر لخلاد إلا أحد الوجهين إما الصاد الخالصة كالجماعة وإما الإشمام مثل خلف فذكر الخلاف قليل
1110 [ وبالسين ( ل ) ذ والوتر بالكسر ( ش ) ائع % فقدر يروي اليحصبي مثقلا ] (1) أي وأربع كلمات تقرأ بالغيبة ثم بين مواضعها فقال حصولها بعد لفظ - بل لا - يريد - كلا بل لا تكرمون اليتيم ولا تحضون - وتأكلون - وتحبون - انفرد أبو عمرو بقراءة الغيب والباقون بالخطاب ووجهها ظاهر وقرأ الكوفيون - تحاضون - من المحاضة أي يحض بعضكم بعضا وأصلها تتحاضون فحذفت التاء الثانية كما في نظائره ومعنى ثملا أي أصلح أي فتح ضمه أصلح بالمد لأنه لا يستقيم إلا به ويعني بفتح الضم فتح الحاء المضمومة من تحضون في قراءة الباقين
1112 [ يعذب فافتحه ويوثق ( ر ) اويا % وياءان في ربي وفك ارفعن ولا ] + يعني فتح ذال يعذب وثاء يوثق على بناء الفعلين للمفعول والهاء في عذابه للإنسان على قراءة الكسائي
____________________
1- أي وقرأ بمصيطر بالسين هشام وحده على أصل الكلمة والباقون بالصاد وتعليل هذه القراءات كما سبق في الصراط والوتر بكسر الواو وفتحها لغتان قال أبو عبيد وبكسر الواو نقرؤها لأنها أكثر في العامة وأفشى ومع هذا إنا تدبرنا الآثار التي جاء فيها ذكر وتر الصلاة فوجدناها كلها بهذه اللغة لم نسمع في شيء منها الوتر يعني بالفتح قال والمعنى فيهما واحد إنما تأويله الفرد الذي هو ضد الشفع وقال مكي وغيره الفتح لغة أهل الحجاز والكسر لغة بني تميم
وأما - فقدر عليه رزقه - فالتخفيف والتشديد فيه لغتان وهو بمعنى ضيق والتخفيف أكثر في القرآن
1111 [ وأربع غيب بعد بل لا ( ح ) صولها % يحضون فتح الضم بالمد ( ث ) ملا ]
(2/723)
هذه وقراءة الباقين بكسرهما على بناء الفعلين للفاعل وهو أحد والهاء في عذابه عائدة على الله تعالى أي هو متولي الأمور كلها لا معذب سواه أي إن عذاب من يعذب في الدنيا ليس كعذاب الله ويجوز أن يكون الها عائدة على الإنسان أيضا واختاره الشيخ أبو عمرو ليفيد المعنى زيادة عذاب هذا الإنسان على غيره وإذا عاد الضمير إلى الله تعالى لم يفد هذا المعنى بخلاف قراءة الفتح فإن على كلا التقديرين يحصل هذا المعنى فإن الهاء إن عادت على الإنسان فظاهر على ما سبق وإن عادت على الله تعالى كان المعنى لا يعذب أحد مثل تعذيب الله تعالى لهذا الإنسان واختار أبو عبيد قراءة الفتح وأسند فيها حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم قال مع صحة المعنى فيها لأن تفسيرها لا يعذب عذاب الكافر أحد ومن قرأ بالكسر فإنه يريد لا يعذب عذاب الله عز وجل أحد قال وقد علم المسلمون أنه ليس يوم القيامة معذب سوى الله تعالى فكيف يكون لا يعذب أحد مثل عذابه وأراد بقوله وياءان في ربي أن هذا اللفظ الذي هو ربي تكرر في هذه السورة في موضعين ففيه ياءان من ياءات الإضافة يريد - ربي أكرمن - و - ربي أهانن - فتحهما الحرميان وأبو عمرو وفيها أربع زوائد تقدم نظمها في آخر سورة تبارك - يسر - أثبتها في الوصل نافع وأبو عمرو وفي الحالين ابن كثير - بالواد - أثبتها في الوصل ورش وفي الوقف ابن كثير على اختلاف عن قنبل أكرمن وأهانن أثبتهما في الوصل نافع وأبو عمرو على اختلاف عنه وفي الوقف البزي والنون في قوله ارفعن نون التوكيد الخفيفة التي تبدل ألفا في الوقف ومثلها في القرآن - لنسفعن بالناصية - و - ليكونا من الصاغرين - وولا بالكسر أي متابعا فهو مفعول من أجله أو التقدير ذو ولاء فيكون حالا وليست الواو فاصلة فإن المسألة لم تتم بعد أي ارفع الكاف من قوله تعالى في سورة البلد - { فك رقبة } - لمن يأتي ذكره ثم ذكر ما يفعله هذا الرافع في رقبة فقال
1113 [ وبعد اخفضن واكسر ومد منونا % مع الرفع إطعام ( ن ) دا ( عم ف ) انهلا ] (1) معا يعني في سورتي البلد والهمز والهمز في مؤصدة وتركه لغتان وقد تقدم الكلام فيها في باب الهمز المفرد ومعنى مؤصدة مطبقة وقوله عن فتى أي ناقلا له عن فتى حماه وأما - ولا يخاف عقباها - في سورة والشمس فقرأها
____________________
1- النون في اخفضن للتوكيد أيضا يريد اخفض الكلمة التي بعد فك وهي رقبة فهي مخفوضة بإضافة فك إليها لأن فك بعد أن كان فعلا ماضيا في القراءة بفتح الكاف صار برفعها اسما مضافا إلى رقبة وقوله واكسر يعني همزة إطعام والمد زيادة ألف بعد العين والتنوين مع الرفع في الميم فيبقى إطعام معطوفا على فك فهما اسمان في هذه وفي الأخرى هما فعلان ماضيان فقوله إطعام مفعول اكسر ومد أي افعل فيه الكسر والمد والتنوين والرفع وقوله ندا أي ذا نداء وقوله عم فانهلا أراد فانهلن فأبدل من النون ألفا أي فاشرب يقال منه نهل بكسر الهاء ينهل فوجه هذه القراءة أنها تفسير للعقبة والتقدير هي فك رقبة أو إطعام وعلى قراءة الباقين يكون فك رقبة بدلا من - فلا اقتحم - وما بينهما اعتراض كما قيل في يوم لا تملك المنصوب أنه بدل من يوم الدين وقد اعترض بينهما جمل في ثلاث آيات
1114 [ ومؤصدة فاهمز معا ( ع ) ن ( ف ) تى ( ح ) مى % ولا ( عم ) في والشمس بالفاء وانجلا ]
(2/724)
نافع وابن عامر بفاء موضع الواو على ما في المصحف المدني والشامي وهو عطف على ما قبله من الجمل المعطوفات بالفاء فقال لهم - فكذبوه فعقروها فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسواها ولا يخاف عقباها - وقرأ الباقون بالواو على ما في مصاحفهم وهي واو الحال أي فسواها غير خايف والضمير في ولا يخاف يرجع إلي من رجع إليه الضمير في فسواها وقيل يرجع إلى الرسول وقيل يرجع إلى العاقل وقراءة الفاء ترد هذه القول ومعنى فدمدم عليهم أرجف بهم وقيل أطبق العذاب عليهم والضمير في فسوها للدمدمة أو لآية ثمود أي فسوى الدمدمة بينهم أو فسواهم في ذلك لم يفلت منهم أحدا فقول الناظم ولا مبتدأ وعم خبره أي ولا في والشمس عم بالفاء وأنجلا أي كفا
____________________
(2/725)
ومن سورة العلق إلى آخر القرآن
لا تعلق لسورة العلق بما بعدها في نظمه وسورة القدر ولم يكن متصلتان وكذا التكاثر والهمزة ولإيلاف والكافرون متصلات في نظمه ثم سورة تبت وما بين ذلك كله من السور لا خلف فيها إلا ما سبق ذكره في الأصول وغيرها وكذا ما بعد تبت
1115 [ وعن قنبل قصرا روى ابن مجاهد % رآه ولم يأخذ به متعملا ] (1)
____________________
1- قصرا مفعول روى ورآه مفعول قصرا لأنه مصدر أي روى ابن مجاهد عن قنبل قصرا في هذه الكلمة وهي - أن رآه استغنى - فحذف الألف بين الهمزة والهاء وابن مجاهد هذا هو الإمام أبو بكر أحمد بن موسى بن العباس ابن مجاهد شيخ القراء بالعراق في وقته وهو أول من صنف في القراءات السبع على ما سبق بيانه في خطبة هذا الكتاب وأوضحناه في كتاب الأحرف السبعة وقد ذكرت من أخباره في ترجمته في مختصر تاريخ بغداد ومات رحمه الله سنة أربع وعشرين وثلاث مائة وقد ضعف بعضهم قراءته على قنبل وقال إنما أخذ عنه وهو مختلط لكبر سنه على ما ذكرناه في ترجمة قنبل في الشرح الكبير لهذه القصيدة وقال ابن مجاهد في كتاب السبعة له قرأت على قنبل أن رآه قصرا بغير ألف بعد الهمزة في وزن رعه قال وهو غلط لا يجوز إلا رآه في وزن رعاه ممالا وغير ممال فهذا معنى قول الناظم ولم يأخذ به لأنه جعله غلطا ومعنى متعملا أي عاملا يقال عمل واعتمل وتعمل فيجوز أن يكون حالا من ابن مجاهد وهو ظاهر ويجوز أن يكون مفعولا به أي لم يأخذ به على أحد قرأ عليه والمتعمل طالب العلم الآخذ نفسه به يقال تعمل فلان لكذا وسوف أتعمل في حاجتك أي أتعني وهذا كالمتفقه والمتنسك أي لم يطالب أحدا من تلامذته بالقراءة به وهذه العبارة غالبة في ألفاظ شيوخ القراء يقول قائلهم به قرأت وبه آخذ أي وبه أقريء غيري
وقال الشيخ الشاطبي رحمه الله فيما قرأته بخط شيخنا أبي الحسن رحمه الله رأيت أشياخنا يأخذون فيه بما ثبت عن قنبل من القصر خلاف ما اختاره ابن مجاهد
وقرأت في حاشية النسخة المقروءة على الناظم رحمه الله زعم ابن مجاهد أنه قرأ بهذا عليه أي على قنبل ورده ورآه غلطا هكذا في السبعة ولم يتعرض في الكتاب له لما علم من صحة الرواية فيه قال وإذا صح تصرف العرب في رأيا لقلب ويحفظ الهمزة فكيف ينكر قصر الهمزة إذا صحت به الرواية
وقال الشيخ في شرحه وكذلك رواه أبو عون يعني محمد بن عمر الواسطي عن قنبل والرواية عنه صحيحة وقد أخذ له الأئمة بالوجهين وعول صاحب التيسير على القصر يعني لأنه لم يذكر فيه غير فإنه قال قرأ قنبل - أن رآه - بقصر الهمزة والباقون بمدها وقال في غيره وبه قرأت وأثبت بن غلبون وأبوه الوجهين واختار إثبات الألف قال الشيخ وهي لغة في رآه ومثله في الحذف قول رؤبة وصاني العجاج فيما وصني قال وما كان ينبغي لابن مجاهد إذا جاءت القراءات ثابتة عن إمام من طريق لا يشك فيه أن يردها لأن وجهها لم يظهر له وقد سبق في - حاشا - ذكر هذا الحذف ونحوه وإذا كانوا يقولون لا أدر من المستقبل الذي يلبس الحذف فيه قراءة أول
(2/726)
قلت وأنشدني الشيخ أبو الحسن رحمه الله لنفسه بيتين بعد هذا البيت حالة قراءتي لشرحه عليه في الكرة الأخيرة التي لم نقرأ عليه بعدها
( ونحن أخذنا قصره عن شيوخنا % بنص صحيح صح عنه فبجلا )
( ومن ترك المروي من بعد صحة % فقد زل في رأي رآى متخيلا )
قلت لعل ابن مجاهد رحمه الله إنما نسب هذا إلى الغلط لأخذه إياه عن قنبل في زمن اختلاطه مع ما رأى من ضعف هذا الحذف في العربية لأنه وإن جاء نحوه ففي ضرورة شعر أو ما يجري مجرى ذلك من كلمة كثر دورها على ألسنتهم فلا يجوز القياس على ذلك وقد صرح بتضعيف هذه القراءة جماعة من الأئمة قال أبو علي إن الألف حذفت من مضارع رأى في قولهم
( أصاب الناس جهد ولو تر أهل مكة % )
فهلا جاز حذفها أيضا من الماضي
قيل إن الحذف لا يقاس عليه لا سيما في نحو هذا إن كان على غير قياس
فإن قلت فقد جاء - حاشا لله - يكون إلا فعلا لأن الحرف لا يحذف منه وقال رؤبة فيما وصني قيل إن ذلك في القلة بحيث لا يصار يسوغ القياس عليه ومما يضعفه إن الألف ثبتت حيث تحذف الياء والواو ألا ترى أن من قال - إذا يسر - فحذف الياء في الفاصلة لم يحذف من نحو - والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى - وقال مكي هو بعيد في القياس والنظر والاستعمال هذا مع كونه علل هذه القراءة بخمس علل كلها ضعيفة ومن أغربها أن الألف حذفت لأجل الساكن بعد الهاء ولم يعتد بالهاء حاجزا ولو كان ذلك مسوغا هذا لكان في قراءة الجماعة أولى فإنهم لم يعتدوا بالهاء حاجزا في امتناعهم في صلة هاء الكتابة لأجل الساكن قبلها على ما سبق في بابه والله أعلم
1116 [ ومطلع كسر اللام ( ر ) حب وحرفي البرية % فاهمز ( آ ) هلا ( م ) تأهلا ] (1)
____________________
1- يريد - حتى مطلع الفجر - كسر لامه رحب أي واسع أي لم تضق وجوه الفربية عن توجيهه خلافا لمن استبعده ووجهه أنه قد جاء في أسماء الزمان والمكان مفعل بكسر العين فما مضارعه يفعل بضمها أسماء محصورة وهذا منها نحو المشرق والمغرب والمسجد ومنها ما جاء فيه الوجهان نحو المنسك والمسكن والمطلع وقد قريء بهما في هذه الثلاثة فالمفتوح والمكسور المراد بهما زمن الطلوع ومنهم من جعلهما مصدرين فاحتاج إلى تقدير أي حذف مضاف إلى زمن طلوع الفجر إذا قدرنا هما اسمي زمان لم تحتج إلى هذا والزجاج جعل المفتوح مصدرا والمكسور اسم زمان وهمز البرية هو الأصل لأنها من برأ الله الخلق ومن لم يهمزها فإما أن يكون خفف الهمز كما تقدم في النبيء وهو الأولى أو يكون مأخوذا من البرأ وهو التراب فلا همز فيه ولكن قراءة الهمز ترد هذا الوجه قال أبو علي البرية من برأ الله الخلق فالقياس فيه الهمز إلا أنه مما ترك همزه كقولهم النبي والذرية والخابية في أنه ترك الهمز فالهمز فيه كالرد إلى الأصل المتروك في الاستعمال كما أن من همز النبي كان كذلك وترك الهمز فيها أجود وإن كان الأصل الهمز لأنه لما ترك فيه الهمز صار كرده إلى الأصول المرفوضة مثل ضننوا وما أشبه ذلك من الأصول التي لا تستعمل قال قال وهمز من همز البرية يدل على فساد قول من قال إنه من البراء الذي هو التراب ألا ترى أنه لو كان كذلك لم يجز همز من همز على حال إلى على وجه الغلط كما حكوا امتلئت الحجر ونح
(2/727)
ذلك من الغلط الذي لا وجه له في الهمز والفاء في قوله فاهمزه زائدة وحرفي البرية مفعول باهمز واهلا متأهلا حالان من فاعل اهمز ومعنى آهلا ذا أهل من قولهم أهل المكان إذا كان له أهل ومكان مأهول فيه أهله وقد أهل فلان بفتح الهاء يأهل بضمها وكسرها أهولا أي تزوج وكذا تأهل فيكون دعاء له أي اهمزه مزوجا إن شاء الله تعالى في الجنة نحو اذهب راشدا أو اهمزه كائنا في جماعة يريدونه وينصرونه أي لست منفردا بذلك وإنما قال ذلك إشارة إلى خلاف من يرد الهمز في هذا ومعنى متأهلا أي متصديا للقيام بحجته محصلا لها أي لك أهلية ذلك وقال الشيخ آهلا حال من مفعول اهمز ويشكل عليه أن مفعول اهمز مثنى والحال مفردة ونافع مذهبه همز النبي والبرية معا ووافقه ابن ذكوان على همز البرية فقط فقد صار همز البرية له أهل أكثر من أهل الهمز في النبي وبابه والله أعلم
1117 [ وتا ترون اضمم في الأولى ( ك ) ما ( ر ) سا % وجمع بالتشديد ( ش ) افيه ( ك ) لا ] (1) وعوا أي حفظوا الضمين في هذه العلة وهما ضم العين والميم والباقون بفتحهما وكلاهما جمع عمود وقد أجمعوا على الفتح في - بغير عمد - في الرعد ولقمان وأما - لإيلاف قريش - فقراءة ابن عامر بحذف الياء وكلتا القراءتين مصدر وهما لغتان يقال آلف إيلافا وألف الآفا فمن الأول قول ذي الرمة من المؤلفات الرهل أما حره ومن الثاني ما أنشده أبو علي
( زعم أن إخواتكم قريش % لهم إلف وليس لكم إيلاف )
وقراءة ابن عامر حسنة فإن فيها جمعا بين اللغتين باعتبار الحرفين فإن الثاني بالياء بغير خلاف وهو معنى قوله
1119 [ وإيلاف كل وهو في الخط ساقط % ولى دين قل في الكافرين تحصلا ]
____________________
1- يعني لترون الجحيم فالضم من أرى والفتح من رآى ولا خلاف في فتح الثاني و هو لترونها وجمع مالا بالتخفيف والتشديد واحد وفي لفظ التشديد موافقة لقوله وعدده وقيل التشديد لما يكون شيئا بعد شيء والتخفيف لما يجمع في قرب وسرعة كقوله تعالى - { ونفخ في الصور فجمعناهم جمعا } - وقد جاء التخفيف بمعنى التشديد وهو لما يجمع شيئا بعد شيء كقوله ولها بالماطرون إذا أكل النمل الذي جمعا والنمل لا يجمع ما يدخره في وقت واحد وكذلك الظاهر من أداء الحرب في قول الأعشى
( لأمر يجمع الأداة لريب % الدهر لا مسند ولا زمال )
ذكر ذلك أبو علي المسند بفتح النون الدعى والزمال الجبان وقوله في أولى أي في الكلمة الأولى ورسا بمعنى ثبت واستقر
1118 [ ( وصحبة ) الضمين في عمد وعوا % لإيلاف باليا غير شاميهم تلا ]
(2/728)
(1) أي أثبتوا هاءه بالإسكان لابن كثير وفتحها الباقون ولعلهما لغتان كالنهر ولم يختلفوا في فتح الهاء من قوله تعالى - ذات لهب - وكذا ولا يغني من اللهب قال أبو علي هذا يدل على أنه أوجه عن الإسكان وقال الزمخشري الإسكان في أبي لهب من تغيير الأعلام كقولهم شمس بن مالك بالضم
قلت وفي الإسكان مغايرة بين اللفظين في الموضعين وخفف العلم بالإسكان لثقل المسمى على الجنان والاسم على اللسان وحمالة الحطب بالرفع صفة وامرأته وفي جيدها الخبر أو هما خبران لها إن كانت مبتدأ وإن كانت عطفا على ضمير سيصلى تعين حمالة الحطب للصفة وكان في جيدها في موضع الحال أو خبرا ومبتدأ جملة مستأنفة ونصب حمالة الحطب على الذم والشتم قال الزمخشري وأنا استحب هذه القراءة وقد توسل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بجميل من أحب شتم أم جميل قلت حمالة الحطب اسمها أم جميل عليها وعلى أبي لهب لعنة الله
____________________
1- أي وكلهم أثبت الياء في الحرف الثاني وهو إيلافهم رحلة وهذه الياء ساقطة في خط المصحف والأولى ثابتة والألف بعد اللام فيهما ساقطة وصورتهما لإيلف قريش الفهم فأجمعوا على قراءة الثاني بالياء وهو بغير ياء في الرسم واختلفوا في الأول وهو بالياء وهذا مما يقوي أمر هؤلاء القراء في اتباعهم فيما يقرءونه النقل الصحيح دون مجرد الرسم وما يجوز في العربية وقد روى حذف الياء من الثاني أيضا وفي سورة الكافرين ياء إضافة وهي ولي دين فتحها نافع وهشام وحفص والبزي بخلاف عنه وأسكنها الباقون
1120 [ وها أبي لهب بالإسكان ( د ) ونوا % وحمالة المرفوع بالنصب ( ن ) زلا ]
(2/729)
& باب التكبير &
إنما أخر ذكر هذا الباب لأن حكمه متعلق بالسور الأخيرة ومن المصنفين من لم يذكره أصلا كابن مجاهد وقدم الناظم قبل بيان حكمه عند القراء أبياتا في فضل الذكر مطلقا من تكبير وغيره فقال
1121 [ روى القلب ذكر الله فاستسق مقبلا % ولا تعد روض الذاكرين فتمحلا ] (1)
____________________
1- هذا البيت مقفي مثل أول القصيدة وأول سورة الرعد والأنبياء وغيرها وهو حسن كما نبهنا عليه في شرح الذي في أول الرعد وروى القلب ريه يقال روى من الماء يروي على وزن رضى يرضى ويقال في مصدره أيضا ريا وريا بفتح الراء وكسرها نص عليه الجوهري ولما جعل ذكر الله تعالى ريا للقلب أمر بالازدياد من الري فاتبع ذلك اللفظ المجاز ما يناسبه فقال فاستسق أي اطلب السقي مقبلا على ذلك أي أكثر من الذكر والتمس محله ومواضعه ولا تعد أي ولا تتجاوز رياضه والروض جمع روضة فتمحلا أي فتصادف محلا فلا يحصل ري ولا شرب وأشار بذلك وما يأتي بعده إلى أحاديث كثيرة جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضل ذكر الله تعالى والحث عليه وهي مفرقة في الصحيحين وغيرهما
وقد جمع جعفر الغرياني الحافظ فيه مصنفا حسنا وما أحسن ما قال بلال بن سعيد وهو من تابعي أهل الشام الذكر ذكران ذكر الله باللسان حسن جميل وذكر الله عند ما أحل وحرم أفضل وكيف لا يكون ذكر الله تعالى روى للقلب وقد روى أبو هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول الله تعالى أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه حين يذكرني فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول
إن لكل شيء صقالة وإن صقالة القلوب ذكر الله تعالى أخرجه الحافظ البيهقي في كتاب الدعوات
وأما تعبيره عن مجالس الذكر بالروض فلما جاء في حديث جابر بن عبد الله قال خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال
يا أيها الناس إن لله تعالى سرايا من الملائكة تقف وتحل على مجالس الذكر فارتعوا في رياض الجنة قلنا أين رياض الجنة يا رسول الله قال مجالس الذكر فاغدوا وروحوا في ذكر الله واذكروه بأنفسكم من كان يحب أن يعلم كيف منزلته من الله عز وجل فلينظر منزلة الله عنده فإن الله تبارك وتعالى ينزل العبد حيث أنزله من نفسه أخرجه البيهقي في كتاب الدعوات وشعب الإيمان
وأخرجه الغرياني وأخرج أيضا في معناه أحاديث كثيرة منها عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحب أن يرتع في رياض الجنة فليكثر من ذكر الله عز وجل
1122 [ وآثر عن الآثار مثراة عذبه % وما مثله للعبد حصنا وموئلا
(2/730)
آثر من الإيثار أي قدم مثراة عذب الذكر على كل شيء والمثراة من قولهم هذا مثراة للمال أي مكثرة له أي قدم مكتسب عذبه ومكثرته والمثراة أيضا مصدر ثرى المكان يثري ثرى ومثراة إذا كثر نداه فبلله أي قدم ندى عذبه على كل شيء وذلك مما يستعار للوصلة والذكر وصلة بين العبد وبين ربه عز وجل ومنه قوله صلى الله عليه وسلم بلوا أرحامكم ولو بالسلام أي صلوها وتقول العرب بيني وبين فلان مثرى أي وصلة لم تنقطع وهو مثل كأنه قال لم ييبس ما بيني وبينه ومنه قول جرير
( فلا توبسوا بيني وبينكم الثرى % فإن الذي بيني وبينكم مثرى )
وقوله عن الآثار أي آخذا بذلك الإيثار عن الآثار والأخبار الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم أي مستمدا أدلة الإيثار من الآثار نحو ما في صحيح مسلم عن الأغر أبى مسلم أنه شهد على أبي هريرة وأبي سعيد أنهما شهدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال ما جلس قوم يذكرون الله إلا حفت بهم الملائكة وغشيتهم الرحمة وذكرهم الله تعالى في من عنده
وفي جامع الترمذي عن عبد الله بن بشر أن رجلا قال يا رسول الله
إن شرائع الإسلام قد كثرت علي فأخبرني بشيء أتشبث به قال لا يزال لسانك رطبا بذكر الله تعالى قال هذا حديث (1) وعن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
إن لله ملائكة سيارة فضلاء يلتمسون مجالس الذكر فإذا أتوا على قوم يذكرون الله تعالى جلسوا فأظلوهم بأجنحتهم ما بينهم وبين السماء الدنيا فإذا قاموا عرجوا إلى ربهم فيقول تبارك وتعالى وهو أعلم من أين جئتم فيقولون جئنا من عند عباد لك يسبحونك ويحمدونك ويهللونك ويكبرونك ويستجيرونك من عذابك ويسألونك جنتك فيقول الله تعالى وهل رأوا جنتي وناري فيقولون لا فيقول فكيف لو رأوهما فقد أجرتهم مما استجاروا وأعطيتهم ما سألوا فيقال إن فيهم رجلا مر بهم فقعد معهم فيقول وله فقد غفرت إنهم القوم لا يشقى بهم جليسهم وعن الحارث الأشعري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
إن الله تعالى أوحى إلى يحيى بن زكريا بخمس كلمات أن يعمل بهن ويأمر بني إسرائيل أن يعملوا بهن أن لا يشركوا بالله شيئا وإذا قمتم إلى الصلاة فلا تلتفتوا وأمركم بالصيام والصدقة وضرب لكل واحدة مئلا ثم قال وأمركم بذكر الله تعالى كثيرا ومثل ذلك كمثل رجل طلب العدو سراعا من أثره حتى أتى حصنا حصينا فأحرز نفسه فيه وكذلك العبد لا ينجوا من الشيطان إلا بذكر الله عز وجل
وعن أبي الدرداء قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها من درجاتكم وخير لكم من إعطاء الذهب والورق وأن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم قالوا وما ذاك يا رسول الله قال ذكر الله عز وجل أخرجه البيهقي في كتاب الدعوات ففي ذلك تفسير قوله وما مثله للعبد حصنا وموئلا أي وما للعبد مثل الذكر نافعا له هذه المنفعة المشار إليها في الحديث ونصب حصنا وموئلا على التمييز أي ما للعبد حصن وموئل مثل الذكر ويجوز نصبهما على الحال أي مشبها حصنا وموئلا هنا اسم مكان أي موضعا يؤول إليه أي يرجع ويأوى فيه وكل ذلك استعارات حسنة وقد سبق في أول القصيدة تفسير الموئل بالمرجع وهو بهذا المعنى فكل ما تستند إليه فهو موئل لك ولا يجوز نصب حصنا على أنه خبر ما النافية على لغة أهل الحجاز لاختلاف المعنى حينئذ لأنه كان يفيد ضد المقصور من هذا الكلام
____________________
1- حسن غريب
(2/731)
1123 [ ولا عمل أنجى له من عذابه % غداة الجزا من ذكره متقبلا ] (1) جعل الشيخ رحمه الله تفسير هذا البيت الحديث الذي أخرجه الترمذي عن أبي سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الرب عز وجل
من شغله القرآن عن ذكري ومسئلتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين وفضل كلام الله تعالى على سائر الكلام كفضل الله على خلقه قال هذا حديث + حسن غريب + وقد ذكر طريق هذا الحديث وتكلم عليه الحافظ المقريء أبو العلا الهمذاني في أول كتابه في الوقف والابتداء وقال من شغله قراءة القرآن وفي آخره أفضل ثواب السائلين وفي رواية من شغله القرآن في أن يتعلمه أو يعلمه عن دعائي ومسئلتي وذكره أبو بكر بن الأنباري في أول كتاب الوقف أيضا وأخرجه البيهقي أيضا وأخرجه البيهقي في شعب الإيمان عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله تعالى يقول من شغله ذكري عن مسئلتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين
قال البيهقي وكذا رواه البخاري في التاريخ
قلت فبان من مجموع هذه الروايات أن الاشتغال بالذكر يقوم مقام الدعاء وأن قراءة القرآن من جملة الاشتغال بالذكر بل هو أفضل وإليه أشار الناظم بقوله خير أجر الذاكرين ومكملا حال إما من خير وإما من أجر وقد نص الإمام الشافعي رضي الله عنه على ذلك فقال أستحب أن يقرأ القرآن يعني في الطواف لأنه موضع ذكر والقرآن من أعظم الذكر والهاء في قوله عنه يجوز أن تعود على الذكر يعني ومع ما ذكرنا من
____________________
1- له أي للعبد ولهاء في عذابه وذكره لله تعالى وغداة الجزاء يعني يوم القيامة - لأن النجاة المعتبرة هي المطلوبة ذلك اليوم فنصب غداة على الظرف وقصر الجزاء ضرورة ومتقبلا حال من الذكر فإنه إن لم يكن متقبلا لم يفد الذكر شيئا وضمن هذا البيت حديثا روى مرفوعا وموقوفا
أما المرفوع فعن ابن عمر في الحديث الذي سبق في أوله
صقالة القلوب ذكر الله تعالى قال بعد ذلك وما شيء أنجى من عذاب الله من ذكر الله تعالى قالوا ولا الجهاد في سبيل الله قال ولا أن يضرب بسيفه حتى ينقطع وأما الموقوف ففي آخر الحديث الذي سبق أوله ألا أنبئكم بخير أعمالكم
قال وقال معاذ بن جبل ما عمل آدمي من عمل أنجى له من عذاب الله تعالى من ذكر الله تعالى أخرجهما البيهقي من كتاب الشعب والدعوات الكبير وأخرجه الفريابي في كتابه عن معاذ وزاد قالوا ولا الجهاد في سبيل الله عز وجل قال لا ولو ضرب بسيفه زاد في رواية حتى ينقطع ثلاثا قال الله تعالى - { ولذكر الله أكبر } - والله أعلم
1124 [ ومن شغل القرآن عنه لسانه % ينل خير أجر الذاكرين مكملا ]
(2/732)
فضيلة الذكر فمن اشتغل عنه بالقرآن فهو أفضل ويجوز أن تعود على من أي من كف لسانه عنه أي أذاه لأن أكثر كلام الإنسان عليه لا له فإذا اشتغل بالقرآن أو الذكر انكف عما يتوقع منه الضرر فصح معنى عنه بهذا التفسير
وفي الحديث عن أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
كل كلام ابن آدم عليه لا له إلا أمرا بمعروف أو نهيا عن منكر وذكر الله وفي الكتاب المذكور للحافظ أبي العلا عن أبي هريرة مرفوعا أعبد الناس أكثرهم تلاوة للقرآن وفيه عن أنس مرفوعا أفضل العبادة قراءة القرآن وتلاوة القرآن أحب إلي قال أبو يحيى الحمامي سألت سفيان الثوري عن الرجل يقرأ القرآن أحب إليك أم يغزو قال يقرأ القرآن فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال
خيركم من تعلم القرآن وعلمه
قلت هذا (1) أخرجه البخاري وقد جمع الحافظ أبو العلا طرقه في أول كتاب الوقف المذكور قال عبد الله بن أحمد بن حنبل سمعت أبي يقول رأيت رب العزة في المنام فقلت يا رب ما أفضل ما يتقرب به المتقربون إليك فقال كلامي يا أحمد فقلت يارب بفهم أو بغير فهم فقال بفهم وبغير فهم
قلت فكل هذا مما يوضح لنا أن تلاوة القرآن من أعظم الذكر كما قال الشافعي رضي الله عنه لأنه يجمع الذكر باللسان وملاحظة القلب أنه يتلوا كلام الله عز وجل ويؤجر عليه بكل حرف عشر حسنات على ما ثبت في أحاديث أخر
1125 [ وما أفضل الأعمال إلا افتتاحه % مع الختم حلا وارتحالا موصلا ] + أي افتتاح القرآن مع ختمه أي حاله ختمه للقرآن يشرع في أوله فقوله موصلا حال من الضمير في افتتاحه العائد على القرآن أي في حال وصل أوله بآخره وقوله حلا وارتحالا من باب المصدر المؤكد لنفسه لأن الحل والارتحال المراد بهما افتتاحه مع الختم فهو نحو له على ألف درهم عرفا وأشار بذلك إلى حديث روى من وجوه عن صالح عن قتادة عن زرارة بن أبي أوفى عن ابن عباس قال قال رجل يا رسول الله أي الأعمال أحب إلى الله عز وجل قال الحال المرتحل أخرجه أبو عيسى الترمذي في أبواب القراءة في أواخر كتابه فقال حدثنا نصر بن على الجهضمي قال حدثنا الهيثم بن الربيع حدثني صالح المري فذكره ثم قال هذا + حديث غريب + لا نعرفه عن ابن عباس إلا من هذا الوجه حدثنا محمد بن بشار حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا صالح المري عن قتادة عن زرارة بن أبي أوفى عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يذكر فيه عن ابن عباس قال وهذا عندي أصح يعني أنه من حديث زرارة وليس له صحة إلا من حديث ابن عباس وكيف ما كان الأمر فمدار الحديث على صالح المري وهو وإن كان عبدا صالحا فهو ضعيف عند أهل الحديث قال البخاري في تاريخه هو منكر الحديث وقال النسائي صالح المري متروك الحديث
ثم على تقدير صحته فقد اختلف في تفسيره فقيل المراد به ما ذكره الفراء على ما يأتي بيانه وقيل بل هو إشارة إلى تتابع الغزو وترك الإعراض عنه فلا يزال في حل وارتحال وهذا ظاهر اللفظ إذ هو حقيقة في ذلك وعلى ما أوله به الفراء يكون مجازا وقد رووا التفسير فيه مدرجا في الحديث ولعله من بعض رواته
____________________
1- حديث صحيح
(2/733)
قال أبو محمد بن قتيبة في آخر غريب الحديث له في ترجمة أحاديث لا تعرف أصحابها جاء في الحديث أي الأعمال أفضل قال الحال المرتحل قيل ما الحال المرتحل قال الخاتم والمفتتح
قال ابن قتيبة الحال هو الخاتم للقرآن شبه برجل سافر فسار حتى إذا بلغ المنزل حل به كذلك تالي القرآن يتلوه حتى إذا بلغ آخره وقف عنده والمرتحل المفتتح للقرآن شبه برجل أراد سفرا فافتتحه بالمسير قال وقد يكون الخاتم المفتتح أيضا في الجهاد وهو أن يغزو ويعقب وكذلك الحال المرتحل يريد أنه يصل ذلك بهذا
قلت هذا هو الظاهر من تفسير هذا اللفظ لوجهين
أحدهما حمل اللفظ على حقيقته فيكون التفسير الأول الذي ذكره ابن قتيبة في الحديث من كلام بعض الرواة وهو مفصول من الحديث ولهذا لم يكن في كتاب الترمذي إلا قوله الحال المترحل من غير تفسير وكان السائل عن التفسير بعض الرواة لبعض فأجابه المسئول بما وقع له وتقدير الحديث عمل الحال المرتحل وحذف المضاف لدلالة السؤال عليه
الوجه الثاني أن المحفوظ في الأحاديث الصحيحة غير ذلك فإنه سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن أفضل الأعمال فقال إيمان بالله ثم جهاد في سبيله ثم حج مبرور
وفي حديث آخر الصلاة لوقتها ثم بر الوالدين ثم الجهاد في سبيل الله
وقال لأبي أمامة عليك بالصوم فإنه لا مثل له وفي حديث آخر واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة
وإذا فسر الحال المرتحل بمتابعة الغزو وافق قوله ثم جهاد في سبيله أي أنه من أفضل الأعمال كنظائر لذلك يعبر عن الشيء لأنه الأفضل أي هو من جملة الأفضل أي المجموع في الطبقة العليا التي لا طبقة أعلى منها وهذا المعنى قد قررناه في مواضع من كتبنا
1126 [ وفيه عن المكين تكبيرهم مع الخواتم % قرب الختم يروى مسلسلا ] (1)
____________________
1- أي وفي القرآن أو في ذلك العمل الذي عبر عنه بالحل والارتحال وهو وصل آخر كل ختمة بأول أخرى على ما سيأتي بيانه في عرف القراء وقوله عن المكين جمع مك كما قال في مواضع كثيرة ومك ومراد مكي بياء النسب ولكنه حذفها ضرورة عند العلم بها تخفيفا وقد قرأ في الشواذ - هو الذي بعث في الأمين - كأنه جمع أم قال الزمخشري في تفسيره وقريء في الأمين بحذف ياء النسب قلت ومثل قول عقبة الأسدي ( وأنت امرؤ في الأشعرين مقاتل % )
وقول لقيط الإيادي ( زيد الفنا حين لا في الحارثين معا % )
كأنهما جمع أشعر وحارث وإنما هما جمع أشعري وحارثي
وقد ذكرت هذين البيتين في ترجمة عامر بن أبي بردة عن أبي موسى الأشعري وترجمة المهلب بن أبي صفرة في مختصري تاريخ دمشق وقوله تكبيرهم أي تكبير المكيين أي وفي القرآن تكبير المكيين مع الخوات
(2/734)
جمع خاتمة يعني خواتم السور إذا قرب ختم القرآن في قراءة القاريء على ما سيبين في موضعه قال مكي في التبصرة والتكبير سنة كانت بمكة ولا يعتبر في التكبير قراء مكة ابن كثير ولا غيره كانوا لا يتركون التكبير في كل القراءات من خاتمة والضحى قال ولكن عادة القراء الأخذ بالتكبير لابن كثير في رواية البزي خاصة ومن المصنفين من حكى التكبير لجميع القراء في جميع سورة القرآن ذكره أبو القاسم الهذلي في كتابه الكامل وذكره أيضا الحافظ أبو العلاء وقوله يروي مسلسلا أي يروي التكبير رواية مسلسلة على ما هو المسلسل في اصطلاح المحدثين أنبأنا القاضي أبو القاسم الأنصاري أنبأنا عبد الله الفراوي أنبأنا أبو بكر البيهقي سماعا وأجازة أنبأنا الحاكم أبو عبد الله الحافظ أنبأنا أبو يحيى محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن يزيد المقرئ الإمام بمكة في المسجد الحرام أنبأنا أبو عبد الله محمد بن علي بن زيد الصائغ أنبأنا أحمد بن محمد بن القاسم عن أبي بزة قال سمعت عكرمة بن سليمان يقول قرأت على إسمعيل بن عبد الله بن قسطنطين فلما بلغت والضحى قال لي كبر عند خاتمة كل سورة وإني قرأت على عبد الله بن كثير فلما بلغت والضحى قال كبر حتى تختم وأخبره عبد الله بن كثير أنه قرأ على مجاهد وأمره بذلك وأخبره مجاهد أن ابن عباس أمره بذلك وأخبره ابن عباس أن أبي بن كعب أمره بذلك وأخبره أبي بن كعب أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره بذلك قال الحاكم في كتابه المستدرك على الصحيحين هذا (1) الإسناد ولم يخرجاه
قلت وأنبأنا به أعلى من هذا أبو اليمن الكندي أنبأنا أبو عبد الله الحسين بن علي بن أحمد بن عبد الله سبط أبي منصور الحياط أنبأنا أبو الحسين أحمد بن محمد بن عبد الله بن النقور أنبأنا أبو طاهر المخلص أنبأنا يحيى بن محمد ابن صاعد أنبأنا البزي فذكره
قال الحافظ أبو العلاء الهمداني لم يرفع التكبير أحد من القراء إلا البزي فإن الروايات قد تطارقت عنه برفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ومدار الجميع على رواية البزي كما ذكرناه ثم أسند عن البزي قال دخلت على الشافعي رضي الله عنه إبراهيم بن محمد وكنت قد وقفت عن هذا الحديث يعني حديث التكبير فقال له بعض من عنده إن أبا الحسن لا يحدثنا بهذا الحديث فقال لي يا أبا الحسن والله لئن تركته لتركت سنة نبيك قال وجاءني رجل من أهل بغداد ومعه رجل عباسي وسألني عن هذا الحديث فأبيت أن أحدثه إياه فقال والله لقد سمعناه من أحمد بن حنبل عن أبي بكر الأعين عنك فلو كان منكرا ما رواه وكان يجتنب المنكرات ثم أسند الحافظ أبو العلاء الروايات الموقوفة فأسند عن حنظلة بن أبي سفيان قال قرأت على عكرمة بن خالد المخزومي فلما بلغت والضحى قال لي هيها
قلت وما تريد بهيها قال كبر فإني رأيت مشايخنا ممن قرأ على ابن عباس فأمرهم ابن عباس أن يكبروا إذا بلغوا والضحى وأسند عن إبراهيم بن يحيى بن أبي حية التميمي قال قرأت على حميد الأعرج فلما بلغت والضحى قال لي كبر إذا ختمت كل سورة حتى تختم فإني قرأت على مجاهد فأمرني بذلك وقال قرأت على ابن عباس رضي الله عنه فأمرني بذلك وفي رواية أنبأنا حميد الأعرج قال قرأت على مجاهد القرآن فلما بلغت - ألم نشرح لك صدرك - قال لي كبر إذا فرغت من السورة فلم أزل أكبر حتى ختمت القرآن ثم قال مجاهد قرأت على ابن عباس فلما بلغت هذا الموضع أمرني بالتكبير فلم أزل أكبر حتى ختمت وقال أيضا حدثني حميد الأعرج عن مجاهد قال ختمت على ابن عباس تسع عشرة ختمة فكلها
____________________
1- حديث صحيح
(2/735)
يأمرني فيها أن أكبر من سورة ألم نشرح ثم أسند الحافظ أبو العلا عن شبل بن عباد قال رأيت محمد بن عبد الله ابن محيصن وعبد الله بن كثير الداري إذا بلغا ألم نشرح كبرا حتى يختما ويقولان رأينا مجاهدا فعل ذلك وذكر مجاهد أن ابن عباس كان يأمره بذلك ثم أسند عن قنبل حديث النبال حدثنا عبد المجيد عن ابن الجريح عن مجاهد أنه كان يكبر من أول والضحى إلى الحمد قال ابن جريح وأرى أن يفعله الرجل إماما كان أو غير إمام قال أبو يحيى ابن أبي ميسرة ما رفعه أحد إلى النبي صلى الله عليه وسلم غير ابن أبي بزة ولو كان أحد رفعه غيره لكان الواجب اتباعه إذ كان أمرا من النبي صلى الله عليه وسلم قال الحافظ أبو العلا فأما الرواية والإجماع في ذلك فعن عبد الله ابن عباس ومجاهد وقد روى عن علي رضي الله عنه أنه كان يقول إذا قرأت القرآن فبلغت بين المفصل فاحمد الله وكبر بين كل سورتين وفي رواية فتابع بين المفصل في السور القصار واحمد الله وكبر بين كل سورتين ثم ذكر الحافظ أبو العلا عن البزي بإسناده أن الأصل في التكبير أن النبي صلى الله عليه وسلم انقطع عنه الوحي وقد اختلف في سبب ذلك وفي قدر مدة انقطاعه فقال المشركون قلى محمدا ربه فنزلت سورة والضحى فقال النبي صلى الله عليه وسلم الله أكبر وأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يكبر إذا بلغ والضحى مع خاتمة كل سورة حتى يختم قال أبو الحسن بن غلبون فلما قرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم كبر حتى ختم شكرا لله تعالى لما كذب المشركون فيما زعموه وقال الشيخ في شرحه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الله أكبر تصديقا لما أنا عليه وتكذيبا للكفار وذكر عن أبي عمر والداني بسنده إلى البزي قال قال لي محمد بن إدريس الشافعي رضي الله عنه إن تركت التكبير فقد تركت سنة من سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال وروى بعض علمائنا عن الحسن بن محمد بن عبد الله ابن أبي يزيد القرشي قال صليت بالناس خلف المقام بالمسجد الحرام في التراويح في شهر رمضان فلما كان ليلة الختمة كبرت من خاتمة والضحى إلى آخر القرآن في الصلاة فلما سلمت التفت وإذا أنا بأبي عبد الله محمد ابن إدريس الشافعي رضي الله عنه قد صلى ورائي فلما بصرني قال لي أحسنت أصبت السنة قال أبو الطيب عبد المنعم ابن غلبون وهذه سنة مأثورة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن الصحابة والتابعين وهي سنة بمكة لا يتركونها ألبتة ولا يعتبرون رواية البزي ولا غيره قال ومن عادة القراء في غير مكة أن لا يأخذوا بها إلا في رواية البزي وحدها
1127 [ إذا كبروا في آخر الناس أردفوا % مع الحمد حتى المفلحون توسلا ] (1)
____________________
1- الضمير في كبروا للمكيين بين في هذا البيت آخر مواضع التكبير وكان قد أجمل ذلك في قوله مع الخواتم قرب الختم وفي البيت الآتي يبين أول ذلك ومفعولا أردفوا محذوفان أي أردفوا التكبير مع قراءة سورة الحمد قراءة أول سورة البقرة حتى يصلوا إلى قوله - وأولئك هم المفلحون - وهذا يعبر عنه بعض المصنفين بأنه أربع آيات ويعبر عنه آخرون بأنه خمس آيات ووجه ذلك الاختلاف في لفظ ألم فعدها الكوفي آية ولم يعدها غيره وحكى الناظم لفظ القرآن بقوله حتى المفلحون وتوسلا مفعول من أجله أي تقربا إلى الله تعالى بطاعته وذكره ولا تكبير بين الحمد والبقرة قال مكي يكبر في أول كل سورة من - ألم نشرح - إلى أول الحمد ثم يقرأ الحمد فإذا تم لم يكبر وابتدأ بالبقرة من غير تكبير فقرأ منها خمس آيات قال وروى أن أهل مكة كانوا يكبرون في آخر كل ختمة من خاتمة والضحى لكل القراء لابن كثير وغيره سنة نقلوها عن شيوخهم لكن الذي عليه العمل عند القراء أ
(2/736)
يكبروا في قراءة البزي عن ابن كثير خاصة وبذلك قرأت قال وحجته في التكبير أنها رواية نقلها عن شيوخه من أهل مكة في الختم يجعلون ذلك زيادة في تعظيم الله عز وجل مع التلاوة لكتابه والتبرك بختم وحيه وتنزيله والتنزيه له من السوء لقوله - وربك فكبر - ولتكبروا الله - وكبره تكبيرا - ولذكر الله أكبر - قال وحجته في الابتداء في آخر ختمه بخمس آيات من البقرة أنه اعتمد في ذلك على حديث صحيح مروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل أي الأعمال أفضل فقال الحال المرتحل يعني الذي ارتحل من ختمة أتمها ويحل في ختمة أخرى أي يفرغ من ختمة ويبتديء بأخرى وعلى ذلك أدرك أهل بلدة مكة قلت قد سبق الكلام على هذا الخبر وبيان ضعفه فلا يغتر بقول مكي إنه صحيح وأحسن من عبارته عبارة أبي الحسن ابن غلبون قال فإذا قرأ قل أعوذ برب الناس كبر ثم قرأ فاتحة الكتاب وخمسا من سورة البقرة لأنه يقال أن النبي صلى الله عليه وسلم سمى من فعل ذلك الحال المرتحل كما حدثني أبي رحمه الله وساق الحديث عن صالح المزي عن قتادة عن زرارة عن ابن عباس أن رجلا قام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أي الأعمال أحب إلى الله فقال الحال المرتحل فقال يا رسول الله وما الحال المرتحل قال فتح القرآن وختمه صاحب القرآن يضرب من أوله إلى آخره ومن آخره إلى أوله كلما حل ارتحل قال فقيل إنه صلى الله عليه وسلم يعني بذلك أنه يختم القرآن ثم يقرأ فاتحة الكتاب وشيئا من البقرة في وقت واحد قلت أصل الحديث ضعيف كما سبق ثم زاد بعضهم فيه التفسير غير منسوب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فحملناه على أن بعض رواته المذكورين في سنده فسره على ما وقع له في معناه وهذا الحديث قد بين فيه أن المفسر له هو النبي صلى الله عليه وسلم وهي زيادة غير معروفة فقد روى الأهوازي هذا التفسير بعينه ولم يقل في الحديث يا رسول الله ثم ولو صح هذا الحديث والتفسير لكان معناه الحث على الإكثار من قراءة القرآن والمواظبة عليها فكلما فرغ من ختمة شرع في أخرى أي إنه لا يضرب عن القراءة بعد ختمة يفرغ منها بل تكون قراءة القرآن دأبه وديدنه وفي رواية أخرى أخرجها الأهوازي في كتاب الإيضاح الحال المرتحل الذي إذا ختم القرآن رجع فيه ثم هذا الفعل من التكبير وقراءة الحمد إلى المفلحون مروي عن ابن كثير نفسه مأخوذ به عن طريق البزي وقنبل على ما سنوضحه قال أبو الطيب ابن غلبون ولم يفعل هذا قنبل ولا غيره من القراء أعني التكبير وهذه الزيادة من أول سورة البقرة في قراءة الختمة سوى البزي وحده قال أبو الفتح فارس ابن أحمد ولا نقول إن هذا سنة ولا أنه لا بد لمن ختم أن يفعله فمن فعله فحسن جميل ومن ترك فلا حرج قال صاحب التيسير وهذا يسمى الحال المرتحل وفي جميع ما قدمناه أحاديث مشهورة يرويها العلماء يؤيد بعضها بعضا تدل على صحة ما فعله ابن كثير قلت لم يثبت شيء من ذلك وأكثر ما في الأمر أن ابن كثير كان يفعله والحديث المسند في ذلك هو في بيان سند قراءة ابن كثير أي أخذ ابن كثير عن درباس عن ابن عباس عن أبي عن النبي صلى الله عليه وسلم وفيه وقرأ النبي صلى الله عليه وسلم على أبي فالسند المذكور إنما هو لبيان ذلك ثم قرأ في آخر الحديث وأنه كان إذا قرأ قل أعوذ برب الناس افتتح من الحمد ثم قرأ البقرة إلى وأولئك هم المفلحون ثم دعا بدعاء الختم ثم قال يعني بذلك ابن كثير والله أعلم
وقد قال أبو طالب صاحب أحمد ابن حنبل سألت أحمد إذا قرأ قل أعوذ برب الناس يقرأ من البقرة شيئا قال لا يقرأ فلم يستحب أن يصل ختمه بقراءة شيء ولعله لم يثبت فيه عنده أثر صحيح يصير إليه ذكره شيخنا أبو محمد ابن قدامة في كتابه المغنى وذكر أبو الحسن ابن غلبون وغيره رواية عن الأعمش عن إبراهيم قال كانوا يستحبون إذا ختموا القرآن أن يقرءوا من أوله آيات
قلت ولكل من المذهبين وجه ظاهر
____________________
(2/737)
1128 [ وقال به البزي من آخر الضحى % وبعض له من آخر الليل وصلا ] (1) ذكر في هذا البيت حكم التكبير في اتصاله بالسورة الماضية أو بالبسملة التي من السورة الآتية فنقل ثلاثة أوجه كلها متجهة وهي مذكور في التيسير وغيره أحدها أنه يقطع آخر السورة من التكبير أي لا يصل التكبير بآخر السورة فهذا معنى قوله فاقطع دونه أي دون التكبير وهذا اختيار صاحب الروضة والحافظ أبي العلاء وهو الذي اختاره لما فيه من الفصل بين القرآن وغيره وقال صاحب الروضة اتفق أصحاب ابن كثير على أن التكبير منفصل من القرآن
____________________
1- اتبع في ذلك ما في كتاب التيسير من نسبة ذلك إلى البزي وحده على ما حكاه أبو الطيب ابن غلبون وابنه أبو الحسن ولا يختص ذلك بالبزي عند جماعة من مصنفي كتب القراءات بل هو مروي عن قنبل كما هو مروي عن البزي لكن شهرته عن البزي أكثر وعنه انتشرت الآثار في ذلك على ما سبق بيانه وقوله به أي بالتكبير بين بهذا البيت أول مواضع التكبير التي أجملها في قوله قرب الختم فأكثر أهل الأداء على أنه من آخر والضحي وهو الصحيح لأن الآثار في ذلك ألفاظها كما سبق مصرحة في بعض الروايات بألم نشرح وذلك آخر والضحى وفي بعضها إطلاق لفظ والضحى وهو يحتمل الأول والآخر فيحمل هذا المطلق على ذلك التقييد ويتعين الآخر لذلك قال أبو الحسن ابن غلبون اعلم أن القراء أجمعوا على ترك التكبير من سورة والضحي إلا البزي وحده فإنه روى عن ابن كثير أنه يكبر من خاتمة والضحى إلى آخر القرآن ثم روى عن أبي الحسن اللغوي أجازة قال أخبرنا ابن مجاهد حدثنا عبد الله بن سليمان حدثنا يعقوب ابن سفيان حدثنا الحميد حدثنا سفيان حدثنا إبراهيم ابن أبي حية أنبأنا حميد عن مجاهد قال ختمت على ابن عباس بضعا وعشرين ختمة كلها يأمرني أن أكبر من ألم نشرح وبه عن سفيان قال رأيت حميد الأعرج يقرأ والناس حوله فإذا بلغ والضحى كبر إذا ختم كل سورة حتى يختم ولم يذكر صاحب التيسير التكبير إلا من آخر والضحى فقول الناظم وبعض له أي للبزي وصل التكبير من آخر سورة والليل يعني من أول والضحى فهذا الوجه من زيادة هذه القصيدة وهو قول صاحب الروضة قال روى البزي التكبير من أول سورة والضحى إلى خاتمة الناس ولفظه الله أكبر تبعه الزينبي عن قنبل بلفظ التكبير وخالفه في الابتداء به فكبر من أول سورة ألم نشرح قال ولم يختلفوا أنه منقطع مع خاتمة الناس وحكى ابن الفحام وجها عن السوسي أنه يكبر من أول ألم نشرح إلى خاتمة النص والله أعلم وقال الحافظ أبو العلا كبر البزي وابن فليح وابن مجاهد وابن الصلت عن قنبل من فاتحة والضحى وفواتح ما بعدها من السور إلى سورة الناس وكبر الباقون من فاتحة ألم نشرح إلى سورة الناس قال وأجمعوا على ترك التكبير بين خاتمة الناس وبين الفاتحة إلا ما رواه فلان عن قنبل زاد بعضهم قراءة أربع آيات من أول البقرة
قلت وهكذا حكى الهذلي أن التكبير إلى أول قل أعوذ برب الناس وقال بعضهم إلى خاتمتها فقول الناظم إذا كبروا في آخر الناس اتبع فيه قول صاحب التيسير وهو يوهم أنه متفق عليه عند كل من يردف ذلك بقراءة الفاتحة وشيء من أول البقرة بل فيه الاختلاف كما ترى
1129 [ فإن شئت فاقطع دونه أو عليه أو % صل الكل دون القطع معه مبسملا ]
(2/738)
لا يخلط به وقال أبو العلاء الحافظ أجمعوا غير المطوعي والفحام على الوقف في آخر كل سورة ثم الابتداء بالتكبير متصلا بالتسمية فأما المطوعي والفحام فإنهما خيرا بين الوقف على آخر السورة ثم الابتداء بالتكبير وبين وصل آخر السورة بالتكبير قال والفصل أولى
قلت لما ذكرته وينبني على ذلك أن يختار فصل التكبير أيضا من التسمية على المذهب الأصح وهو أن البسملة في أوائل السور من القرآن على ما قررنا في كتاب البسملة ووجه ذلك ما ذكره صاحب الروضة من أن التكبير منفصل من القرآن لا يخلط به ولا يكون وصل التكبير بالبسملة أولى إلا على رأي من لا يراها من القرآن في أوائل السور فيكون حكمها وحكم التكبير واحدا كلاهما ذكر الله تعالى مأمور به فاتصاله أولى من قطعه الوجه الثاني أنه يصل التكبير بآخر السورة ويقف عليه ثم يبتديء بالبسملة وهذا معنى قوله أو عليه يعني أو تقطع على التكبير ومأخذ هذا الوجه أن التكبير إنما شرع في أواخر السور فهو من توابع السورة الماضية لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما كبر لما تليت عليه سورة والضحى فرأى صاحب هذا الوجه أن وصله بآخر السورة والقطع عليه أولى لتبين الغرض بذلك وهذا لا يتجه إلا تعريفا على القول بأن أول مواضع التكبير آخر الضحى فإن قلنا هو مشروع من أولها فهو للسورة الآتية فيتجه القول الأول واختار صاحب التيسير هذا الوجه وبدأ به فيه وهو وصل التكبير بآخر السورة لكنه خير بين الوقوف عليه ووصله بالبسملة قال والأحاديث الواردة عن المكيين بالتكبير دالة عليه لأن فيها مع وهي تدل عن الصحبة والاجتماع وقال في غير التيسير على ما نقله الشيخ في شرحه الحذاق من أهل الأداء يستحبون في مذهب البزي أن يوصل التكبير بآخر السورة من غير قطع ولا سكت على آخرها دونه ويقطع عليه ثم يقرأ بعد ذلك بسم الله الرحمن الرحيم موصلا بالسورة الثانية إلى آخر القرآن ومنع مكي من هذا الوجه فقال في التبصرة ولا يجوز أن تقف على التكبير دون أن تصل بالبسملة وقال في الكشف ليس لك أن تصل التكبير بآخر السورة وتقف عليه الوجه الثالث أن يوصف التكبير بآخر السورة وبالبسملة وهذا هو المراد من قوله أوصل الكل واختار هذا الوجه أبو الطيب ابن غلبون وابنه أبو الحسن ومكي مع تجويز غيره قال أبو الطيب وهو المشهور من هذه الوجوه وبه قرأت وبه آخذ وقال ابنه أبو الحسن واعلم أن القاريء إذا أراد التكبير فإنه يكبر مع فراغه من آخر السورة من غير قطع ولا سكت في وصله ولكنه يصل آخر السور بالتكبير ثم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم وهو الأشهر الجيد إذ لم يذكر في شيء من الحديث فصل ولا سكت بل ذكر في حديث ابن عباس مع وهي تدل على الصحبة والاجتماع
قلت ولا ضرورة إلى هذه المضايقة فالمعية حاصلة وإن قطع على آخر السورة بوقفة يسيرة فلا يراد بالمعية في مثل ذلك إلا الاتصال المعروف في القراءة كما أن وقوف القاريء على مواضع الوقف من أواخر الآي وغيرها لا يخرجه ذلك عن اتصال قراءته بعضها ببعض فإذا ليس الأولى إلا الوجه الأول وهو فصل السورة من التكبير لما ذكرناه وفصل التكبير من البسملة مبني أيضا على ما ذكرناه من الخلاف في البسملة قال صاحب التيسير ولا يجوز القطع على التسمية إذا وصلت بالتكبير وهذا صحيح وقد مضى شرح ذلك في آخر باب البسملة وهو قوله ومهما تصلها مع أواخر سورة فلا تقفن فلا فرق بين وصلها بآخر السورة أو بالتكبير أما إذا لم تصلها بالتكبير بل وقفت عليه فإنه يجوز لك أن تقف على البسملة أيضا كما إذا وقفت على آخر سورة وقد وقع لي في التكبير ثلاث احتمالات عليها تخرج هذه الوجوه كلها أحدها أن التكبير من توابع السورة الماضية فعلى هذا
____________________
(2/739)
وصله بها أولى الثاني أنه من مقدمات السورة الآتية فعلى هذا قطعه من الأولى ووصله بالثانية أولى والثالث أنه ذكر مشروع بين كل سورتين من هذه السور فعلى هذا يجوز وصله بهما وقطعه عنهما فمن كبر من أول والضحى لحظ الوجه الثاني ومن كبر من آخرها لحظ الأول وعلى هذا يبين الخلاف في انتهاء التكبير إلى أول الناس أو آخرها
فإن قلت فما وجه من كبر من أول الضحى وكبر آخر الناس
قلت كأنه أعطى لسورة الناس حكم ما قبلها من السور إذ كل سورة منها بين التكبيرتين وليس التكبير في آخر الناس لأجل أول الفاتحة لأن الختمة قد انقضت ولو كان للفاتحة لشرع التكبير بين الفاتحة والبقرة ولم يفعله هؤلاء لأن التكبير للختم لا لافتتاح أول القرآن والله أعلم
وقوله معه مبسملا أي مبسملا مع التكبير فنصب مبسملا على الحال من فاعل صل الكل
1130 [ وما قبله من ساكن أو منون % فللساكنين اكسره في الوصل مرسلا ] (1) يعني ما سوى الساكن والمنون وهو المحرز أنزله على إعرابه أي وصله على حركته سواء كانت فتحة كآخر التين والماعون والفلق أو كسرة كآخر القدر والتكاثر والعصر والكافرين والناس أو ضمة كآخر الكوثر ولم يكن والزلزلة ولكن هاتان السورتان آخرهما هاء الضمير فلا يصلها لأجل الساكن بعدهما على ما تمهد في شرح قوله ولم يصلوها مضمر قبل ساكن فإذا لم تصلها وصلت ولم تقطع لأن ذلك يدل على علمك وفضلك وإن وصلتها قطعت لدلالة ذلك على الجهل فما أحلى ما وافقه ولا تصلن لتوصلا والنون في ولا تصلن للتأكيد قوله وادرج من
____________________
1- المذكور في هذا البيت مفرع على قولنا إن التكبير يوصل بآخر السورة وهو معنى قوله في الوصل ومعنى مرسلا مطلقا أي الحكم في الكسر مطلقا في النوعين أما إذا قلنا لا يوصل وهو الوجه المختار كما سبق فلا حاجة إلى ما في هذا البيت والذي بعده فإن الكسر يبتديء بفتح همزته وكذا إن قلنا إن التهليل يشرع قبل التكبير ووصلناه بآخر السورة فلا يتغير أمر مما يتعلق بأواخر السور لأن أول التهليل حرف متحرك وأول التكبير همز وصل قبل ساكن فهمزة الوصل تسقط في الدرج فيبقى الساكن فينظر في أواخر السور وهي على أربعة أقسام ما آخره متحرك أو هاء ضمير وهذان القسمان يأتي ذكرهما في البيت الآتي وذكر في هذا البيت قسمين ما آخره ساكن وما آخره تنوين فالذي آخره ساكن الضحى ألم نشرح اقرأ والذي آخره تنوين العاديات القارعة الهمزة الفيل قريش النصر تبت الإخلاص فحكم هذين القسمين كسر ما قبل التكبير لالتقاء الساكنين وهذان القسمان كقسم واحد لاتحاد حكمهما ولأن سكون التنوين كسكون غيره وإنما أراد أن ينص على ساكن مرسوم حرفا في الخط وساكن يثبت لفظ لا خطا وهو التنوين ونزل تغيير أوآخر هذه السورة لأجل ساكن أول التكبير منزلة تغييره إذا وصل آخر سورة بأول أخرى على قراءة حمزة فإن تنوين آخر والعاديات يكسر وكذا ورش إذا وصل ويفتح آخر الضحى ويكسر آخر اقرأ بإلقاء حركة همزة ما بعدهما عليهما والله أعلم
1131 [ وأدرج على إعرابه ما سواهما % ولا تصلن هاء الضمير لتوصلا ]
(2/740)
قولهم أدرجت الكتاب أي طويته وأدرجت الدلو إدراجا إذا متحتها ومتح من باب نفع يقال متحت الدلو إذا استخرجتها برفق فكأن القارئ إذا قرأ كلمة وتعداها إلى غيرها قد أدرجها وطواها وقوله على إعرابه أي حركة إعرابه وفي حركات أواخر السور المذكورة ما هو حركة إعراب كآخر القدر والتكاثر والعصر والماعون والكوثر والناس وباقيها حركة بناء كالتين ولم يكن والزلزلة والكافرين والفلق فلم يرد بقوله إعرابه إلا مجرد الحركة وكان يغنيه عن ذلك أن يقول وادرج على تحريكه ما سواهما
1132 [ وقل لفظه الله أكبر وقبله % لأحمد زاد ابن الحباب فهيللا ] (1) أي بما نقله ابن الحباب وهو معنى قول الداني وبهذا قرأت على أبي الفتح وقال في غير التيسير حدثنا أبو الفتح شيخنا حدثنا عبد الباقي بن الحسن حدثنا أحمد بن صالح عن ابن الحباب عنهم يعني بالتهليل قال أبو عمرو وبذلك قرأت على فارس أعني بالتهليل والتكبير وأبو الفتح هذا هو فارس بن أحمد بن موسى بن عمران الضرير الحمصي سكن مصر قال الداني في تاريخ الفراء أخذ القراءة عرضا وسماعا عن غير واحد من أصحاب ابن مجاهد وابن شنبوذ وغيرهم ثم قال لم يلق مثله في حفظه وضبطه وحسن تأديته وفهمه بعلم صناعته واتساع روايته مع ظهور نسكه وفضله وصدق لهجته وسمعته يقول ولدت بحمص سنة ثلاث وثلاثين وثلاث مائة وتوفي رحمه الله بمصر في ما بلغني سنة إحدى وأربع مائة وقد ذكره أبو عمرو الداني أيضا في أرجوزته التي نظمها في علم القراءة فقال
( ممن أخذت عنهم ففارسوا % وهو الضرير الحاذق الممارس )
( أضبط من لقيت للحروف % وللصحيح السائر المعروف )
____________________
1- أي لفظ التكبير وسكن الراء من أكبر حكاية للفظ المكبر لأنه واقف عليه فهذا هو المختار في لفظة التكبير قال ابن غلبون والتكبير اليوم بمكة الله أكبر لا غير كما ذكرنا في الأحاديث التي تقدمت وهو مشهور في رواية البغي وحده وقال مكي الذي قرأت وهو المأخوذ به في الأمصار الله أكبر لا غير وقوله وقبله يعني قبل التكبير لأحمد يعني البزي زاد بن الحباب وهو أبو علي الحسن ابن الحباب بن مخلد الدقاق قرأ على البزي وروى عنه التهليل قبل التكبير وقوله فهيللا أي فقال لا إله إلا الله والأصل أن يقال فهللا وأنما الياء بدل من أحد حرفي التضعيف نحو قولهم تطنيت يقال قد أكثرت من الهيللة أبدلت الياء من عين الكلمة لتكرير اللامات حكى أبو عمرو الداني في كتاب التيسير عن الحسن بن الحباب قال سألت البزي عن التكبير كيف هو فقال لي لا إله إلا الله والله أكبر قال الداني وابن الحباب هذا من الإتقان والضبط وصدق اللهجة بمكان لا يجهله أحد من علماء هذه الصنعة وبهذا قرأت على أبي الفتح وقرأت على غيره بما تقدم وحكى عن ابن الحباب أيضا أبو طاهر ابن أبي هاشم ذكره الحافظ أبو العلاء فقال لا إله إلا الله والله أكبر بسم الله الرحمن الرحيم
1133 [ وقيل بهذا عن أبي الفتح فارس % وعن قنبل بعض بتكبيره تلا ]
(2/741)
وجميع ما ذكرناه مأخوذ به في رواية البزي وأما قنبل فلم يذكر له صاحب التيسير تكبيرا وقال في غيره وقد قرأت أيضا لقنبل بالتكبير وحده من غير طريق ابن مجاهد قال وبغير تكبير آخذ في مذهبه فقول الشاطبي
( وعن قنبل بعض بتكبيره % )
من زيادات هذه القصيدة على ما في التيسير والهاء في تكبيره عائد على البزي أي وبعض الشيوخ تلا عن قنبل بمثل تكبير البزي ويحتمل أن تكون الهاء عائدة على قنبل أو على بعض ولكن قوة المعنى على ما ذكرناه أولا وقد حكى صاحب الروضة التهليل أيضا عن قنبل فقال وروى قنبل في غير رواية الزينبي عنه التهليل والتكبير من أول سورة ألم نشرح إلى خاتمة الناس ولفظه لا إله إلا الله والله أكبر وكذلك حكى الحافظ أبو العلاء التهليل والتكبير للبزي ولقنبل وحكى الهذلي صاحب الكامل رواية عن قنبل في تقديم التسمية على التكبير وهذا مما يقوى أن التكبير للسورة الآتية لا للسابقة وإن كان وجها بعيدا والله أعلم
____________________
(2/742)
& باب مخارج الحروف وصفاتها التي يحتاج القاريء إليها &
هذا الباب من زيادات هذه القصيدة على ما في التيسير ولكن ذكره أبو عمرو الداني في آخر كتاب الإيجاز وعلى ما فيه نظم الشاطبي رحمهما الله تعالى ولا تعلق له بعلم القراءات إلا من جهة التجويد وهو علم مخارج الحروف مقدمة له وهي جمع مخرج وهو موضع خروج الحرف من الفم وهي مختلفة على ما يأتي بيانه قال مكي اللحن لحنان جلي وخفي فالجلي ترك الإعراب والخفي ترك إعطاء الحروف حقوقها وذلك إنما يكون بإخراجها من غير مخارجها وإدراجها في غير مدارجها وتحليتها بغير صفاتها الواردة على ألسنة القراء الذين خصهم الله تعالى بنقل شريعة القراءة وإقامتهم لضبط ما اشتمل عليه من الألفاظ فالقراءة سنة يأخذها الآخر عن الأول ولا عذر للجاهل لأن فرضه السؤال
1134 [ وهاك موازين الحروف وما حكى % جهابذة النقاد فيها محصلا ] (1) في عينهن أي في نفسهن والريبة الشك والربا الزيادة أي لا شك في أنهن متعينات مخارج وصفات يتميز بها بعضها من بعض يدرك ذلك بالحس فهو ضروري لا شك فيه ولا يمكن الزيادة في التعريف بها بما يكذبه الحس وكذا النقصان وإنما ترك ذكره لظهوره فإن لفظ الزيادة يدل عليه فهو من باب قوله تعالى تقيكم الحر أي والبرد وإلا فلا مناسبة بين قوله ولا ريبة ولا ربا إلا المجانسة اللفظية يعني أنه أتى بها خالصة العبارة في الدلالة على المقصود ثم تمم البيت بما معناه أن هذا الذي ادعيته لا يخفى لأن الزيف صليله شاهد عليه وها هي معروضة عليك أي عند نطق الناطق بالحرف يبين للناقد العارف بالمخارج والصفات أن نطقه به على صحة أو فيه خلل فصوت المختل كصليل الزيف والصليل الصوت والزيف مصدر زاف الدرهم إذا رديء ويقال أيضا درهم زائف وزيف أي رديء وصفوه بالمصدر وغلب ذلك عليه نحو رجل عدل فيجوز أن يكون الزيف في البيت بمعنى الزائف ويجوز أن يكون المصدر والابتلاء الاختبار أي الناقد إذا اختبره وهما ينقده عند الريبة فيه فيظهر فيه صوت
____________________
1- هاك أي خذها اسم فعل والكاف للخطاب والموازين جمع ميزان وموازين الحروف مخارجها سماها بذلك لأنها إذا أخرجت منها لم يشارك صوتها شيء من غيرها فهي تميزها وتعرف مقدارها كما يفعل الميزان وقوله وما حكى في موضع نصب عطفا على موازين أي وخذ الذي حكى فيها الجهابذة من التعبير عنها واستخراج صفاتها والجهابذة جمع جهبذ وهو الحاذق في النقد والنقاد جمع ناقد يقال نقدت الدراهم إذا استخرجت منها الزيف وكنى بجهابذة النقاد عن الحاذقين بهذا العلم المتضلعين منه ومحصلا بفتح الصاد حال من مفعول حكى أي والذي حكاه العلماء محصلا وحسنت استعارة لفظ النقاد والجهابذة بعد ذكر الموازين وللشيخ رحمه الله في علم التجويد قصيدة يقول
( للحرف ميزان فلا تك طاغيا % فيه ولا تك مخسر الميزان )
1135 [ ولا ريبة في عينهن ولا ربا % وعند صليل الزيف يصدق الابتلا ]
(2/743)
الرداءة صدق اختباره والاستعارات التي في هذا البيت أيضا تابعة للمجازاة السابقة فهو من باب المجاز المرشح وله نظائر
1136 [ ولا بد في تعيينهن من الأولى % عنوا بالمعاني عاملين وقولا ] (1) منها أي من المعاني إن كان أراد بقوله عنوا بالمعاني المخارج والصفات وإن كان أراد مطلق المعاني فالهاء في منها عائدة على الحروف وهذا مما يقوي أن الضمير في تعيينهن للحروف وفي قوله
( وما هاك موازين الحروف % )
ويكون منها على حذف مضاف أي في أحكام الحروف وقوله مردفا لهن للمخارج بذكر ما اشتهر من صفات الحروف مفصلا ذلك أي مبينا ثم شرع في ذكر المخارج وقال
1138 [ ثلاث بأقصى الحلق واثنان وسطه % وحرفان منها أول الحلق جملا ] + أي منها ثلاثة أحرف حلت بأقصى الحلق وحرفان في وسطه وحرفان أوله وجملا نعت لحرفان فالألف ضمير التثنية ذكر في هذا البيت سبعة أحرف وهي المسماة حروف الحلق وإنما قال ثلاث ولم يقل ثلاثة ومراده ثلاثة أحرف لأن الأحرف عبارة عن حروف المعجم وتلك يجوز معاملة ألفاظها بالتأنيث والتذكير فقال ثلاث بلفظ التأنيث العددي اعتبارا لذلك المعنى ثم قال واثنان فاعتبر اللفظ فذكر وقد تقدم الكلام في ذلك أيضا في شرح قوله في الأصول غير عشر ليعدلا ومثله قول عمر بن أبي ربيعة ثلاث شخوص كاعبات ومعصرا أنث عدد شخوص وهو لفظ مذكر لما أراد به نساء ذكر سيبويه رحمه الله أن مخارج الحروف ستة عشر مخرجا وهي دائرة على ثلاثة الحلق والفم والشفة ويقال الحلق واللسان والشفتان والمعنى واحد وكل ذلك على التقريب وإلحاق ما اشتد تقاربه بمقاربه وجعله معه من مخرج واحد والتحقيق أن كل حرف له مخرج يخالف الآخر باعتبار الصفات وإلا كان إياه فللحلق ثلاثة مخارج أقصاه وأوسطه وأدناه إلى الفم وهو المراد بقوله أول الحلق ولهذا سميت هذه الحروف السبعة لحروف الحلق إضافة لها إلى مخرجها فالثلاثة التي لأقصى الحلق الهمزة والألف والهاء وهي على هذا الترتيب فالهمزة أقصى الحروف مخرجا تكاد تخرج من الصدر والحلق فإن اللذان من أوسط الحلق هما العين والحاء
____________________
1- أي لا بد لنا في حصول تعيينهن والتعريف بهن من نقل أقوال الذين اعتنوا بالمعاني فاستنبطوها وأحكموها أي إني أذكر ما ذكر أئمة العلماء بذلك فالأولى بمعنى الذين وعاملين حال منهم وقولا عطف عليه وهو جمع قائل أي قائلها عاملين بها والضمير في تعيينهن قال الشيخ للموازيين وكذا ولا ريبة في عينهن ويجوز أن يكون للحروف على معنى ولا بد في تعيين ما تتميز به من المخارج والصفات من الاستعانة بعبارة المتقدمين وإن كان الحس يشهد بذلك
1137 [ فابدأ منها بالمخارج مردفا % لهن بمشهور الصفات مفصلا ]
(2/744)
المهملتان والحرفان اللذان من أدنى الحلق هما الغين والخاء المعجمتان ويتبين لك مخرج كل حرف بأن تنطق بالحرف ساكنا وقبله همزة وصل ثم شرع في الحروف التي تخرج من الفم وفيه عشرة مخارج لثمانية عشر حرفا في أربعة مواضع من اللسان أقصاه ووسطه وحافته وطرفه ففي الأقصى مخرجان وفي الوسط واحد وفي الحافة مخرجان وفي الطرف خمسة مخارج فقال
1139 [ وحرف له أقصى اللسان وفوقه % من الحنك احفظه وحرف بأسفلا ] (1) أي وسط اللسان والحنك منه يخرج ثلاثة أحرف وهي الجيم والشين المعجمة والياء المثناة من تحت فقوله منه ثلاث جملة ابتدائية هي خبر وسطها ثم ابتدأ قائلا وحافة اللسان لحرف تطولا وقوله فأقصاها بدل من حافة اللسان على زيادة الفاء ويعني بذلك أولا حافة اللسان كما ذكر الأئمة والحرف الذي يطول هو الضاد المعجمة لأنه استطال حتى اتصل بمخرج اللام على ما سيأتي بيانه وهو يخرج من أول حافة اللسان وما يليها من الأضراس فهذا معنى قوله لحرف تطولا إلى ما يلي الأضراس على ما تراه في البيت الآخر وهو
1141 [ إلى ما بلى الأضراس وهو لديهما % يعز وباليمنى يكون مقللا ] + أي تطول إلى الموضع الذي يلي الأضراس وقوله وهو يعني أيضا ولديهما أي لدى الجهتين اليمنى واليسرى فاضمر ما لم يجر له ذكر لأن في قوة الكلام دليلا عليه وهو قوله ما يلي الأضراس فإن الأضراس موجودة في الجانبين وقوله يعز أي يقل ويضعف خروجها منهما ولهذا قال سيبويه إنها تتكلف من الجانبين بل من الناس من يخرجها من الجانب الأيمن وهو قليل وهو معنى قوله وباليمنى أي وبالجهة اليمنى يكون مقللا والأكثر على إخراجها من الجانب الأيسر على حسب ما يسهل على المتكلم وقيل إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يخرجها من الجانبين ومنهم من يجعل مخرج الضاد قبل مخرج الجيم والشين والياء
1142 [ وحرف بأدناها إلى منتهاه قد % بلى الحنك الأعلى ودونه ذو ولا ]
____________________
1- أي ومنها حرف مخرجه أقصى اللسان وهو الذي يلي أول الحلق فقوله وفوقه أي وما فوقه في الحنك فحذف الموصول ضرورة وهذا الحرف هو القاف ثم قال وحرف بأسفلا أي ومنها حرف بأسفل الحنك مع كونه في أقصى اللسان وهو الكاف يقال لها أقصى اللسان وما تحته من الحنك ومنهم من يقول وما فوقه من الحنك مما يلي مخرج القاف قال الشيخ أبو عمرو رحمه الله والأمر في ذلك قريب لأنه قد يوجد على كل واحد من الأمرين بحسب اختلاف الأشخاص مع سلامة الذوق فعبر كل واحد على حسب وجدانه
1140 [ ووسطهما منه ثلاث وحافة اللسان % فأقصاها لحرف تطولا ]
(2/745)
(1) يعني يداني النون وهو الراء يخرج من مخرجها لكنه أدخل في ظهر اللسان قليلا من مخرج النون لإنحرافه إلى اللام فهذا معنى قوله إلى الظهر مدخل أي وحرف مدخل إلى الظهر يدانيه وأورد الشيخ أبو عمرو أن هذه العبارة تقتضي أن يكون مخرج الراء قبل النون لأن الراء أدخل منها إلى ظهر اللسان وأجاب بأن المخرج بعد مخرج النون وإنما يشاركه ذلك لا على أنه يستقل به ألا ترى أنك إذا نطقت بالنون والراء ساكنتين وجدت طرف اللسان عند النطق بالراء فبما هو بعد مخرج النون هذا هو الذي يجده المستقيم الطبع قال وقد يمكن إخراج الراء مما هو داخل من مخرج النون أو من مخرجها ولكن يتكلف لا على حسب إجراء ذلك على الطبع المستقيم والكلام في المخارج إنما هو على حسب اشتقاق الطبع لا على التكلف والهاء في به يعود على الظهر أي إن سيبويه وجماعة من الحذاق يجعلون الراء من ظهر اللسان وأنهم ثم اجتلوه أي كشفوه هكذا قال الشيخ ويحتمل أن تكون الهاء عائدة على المذكور أي وكم من حاذق في صناعة العربية أي ماهر بها اجتلا هذا الحرف بهذا المخرج المذكور وهو نص ما في كتاب سيبويه الذي هو إمام نحاة البصريين قال رحمه الله ومن مخرج النون غير أنه أدخل في ظهر اللسان قليلا لإنحرافه إلى اللام مخرج الراء زاد غيره وقال غير أن في الراء تكريرا وكذا ما ذكرناه في اللام والنون هو قول سيبويه ثم قال
1144 [ ومن طرف هن الثلاث لقطرب % ويحيى مع الجرمي معناه قولا ] + قال أبو عمرو الداني وقال الفراء وقطرب والجرمي وابن كيسان مخارج الحروف أربعة عشر مخرجا فجعلوا اللام والراء والنون من مخرج واحد وهو طرف اللسان قلت أما قطرب فهو أبو علي محمد بن المستنير البصري أحد العلماء بالنحو واللغة أخذ عن سيبويه وغيره ويقال إن سيبويه لقبه قطربا لمباكرته إياه في الأسحار قال له يوما ما أنت إلا قطرب ليل والقطرب دويبة تدب ولا تفتر ومنه حديث ابن مسعود لا أعرفن أحدكم جيفة ليل قطرب نهار قال أبو عبيد يقال إن القطرب دويبة لا تستريح نهارها سعيا وحكى ثعلب أن القطرب الخفيف وكان
____________________
1- أي بأدنى حافة اللسان إلى منتها طرف اللسان بينها وبين ما يليها من الحنك الأعلى ومنهم من يزيد على هذا فيقول فويق الضاحك والناب والرباعية والثنية وهو حرف اللام قال الشيخ أبو عمرو وكان يغني أن يقال فويق الثنايا إلا أن سيبويه ذكر ذلك فمن أجل ذلك عددوا وإلا فليس في الحقيقة فوق لأن مخرج النون يلي مخرجها وهي فوق الثنايا فكذلك هذا على أن الناطق باللام يبسط جوانب طرفي لسانه مما فوق الضاحك إلى الضاحك الآخر وإن كان المخرج في الحقيقة ليس إلا فوق الثنايا وإنما ذاك يأتي لما فيها من شبه الشدة ودخول المخرج في ظهر اللسان فيبسط الجانبان لذلك فلذلك عدد الضاحك والناب والرباعية والثنية وقوله ودونه بقصر الهاء أي دون هذا الحرف وهو حرف اللام حرف ذو ولاء أي متابعة له يعني النون مخرجها مما بين طرف اللسان وفويق الثنايا وهي تخرج قليلا من مخرج اللام وقال مكي ومن أدنى طرفه وما يليه في الحنك الأعلى تخرج النون والتنوين ومن ذلك الأدنى داخلا إلى ظهر اللسان قليلا تخرج الراء ثم ذكر مخرج الراء فقال
1143 [ وحرف يدانيه إلى الظهر مدخل % وكم حاذق مع سيبويه به اجتلا ]
(2/746)
محمد بن المستنير يبكر إلى سيبويه فيفتح سيبويه بابه فيجده هنالك فيقول له ما أنت إلا قطرب ليل فلقب بذلك وأما يحيى فهو أبو زكريا بن يحيى بن زياد الفراء إمام نحاة الكوفة بعد الكسائي ذكر الخطيب أنه كان ثقة إماما وأنه كان يقال الفراء أمير المؤمنين في النحو وأما الجرمي فهو أبو عمرو صالح بن إسحاق أحد نحاة البصرة قرأ على الأخفش وأخذ اللغة عن أبي عبيدة وأبي زيد والأصمعي وكان ذا دين وورع فهذا معنى قوله ومن طرف اللسان والثلاث بدل من قوله هن أو عطف بيان كقولك في الدار هو زيد أضمرته أولا اعتمادا على أن السامع يعرفه ثم اعترضك شك في معرفته به فأتيت بما يكشفه ويوضحه ويؤكده ومعنى لقطرب أي في قوله ومذهبه فهي لام البيان نحو هيت لك ثم ابتدأ قوله ويحيى وفي قولا ضمير تثنية راجع إلى يحيى والجرمي أي نسب إليهما قول بمعنى ما ذكر قطرب وقال صاحب العين هذه الحروف الثلاثة ذلقية تبتديء من ذلق اللسان وهو تحديد طرفه
1145 [ ومنه ومن عليا الثنايا ثلاثة % ومنه ومن أطرافها مثلها انجلى ] (1) أي ومن طرف اللسان ومن بين الثنايا لا أصولها ولا أطرافها ثلاثة أخرى وهي الصاد والسين المهملتان والزاي وقدم سيبويه ذكر هذه الثلاثة التي قبلها وعبارته فيها ومما بين طرف اللسان وفوق الثنايا مخارج الزاي والسين والصاد قال الشيخ وعبر عن ذلك غيره فقال من طرف اللسان وفويق الثنايا السفلى كذا قال وسيبويه لم يصف الثنايا في عبارته في جميع هذه المواضع فلم يقل العليا ولا السفلى وقال الشيخ أبو عمرو قولهم الثنايا في هذه المواضع إنما يعنون الثنايا العليا وليس ثم إلا ثنيتان وإنما عبروا عنها بلفظ الجمع لأن اللفظ به أخف مع كونه معلوما وإلا فالقياس
____________________
1- يعني ومن طرف اللسان ومن الثنايا العليا يعني بينهما ثلاثة أحرف وهي الطاء والدال المهملتان والتاء المثناة من فوق وعبارة سيبويه مما بين طرف اللسان وأصول الثنايا زاد غيره مصعدا إلى الحنك وقال الشيخ أبو عمرو وقوله وأصول الثنايا ليس بحتم بل قد يكون ذلك من أصول الثنايا ويكون مما بعد أصولها قليلا مع سلامة الطبع من التكليف ثم قال ومنه يعني ومن طرف اللسان ومن أطرافها أي أطراف الثنايا المذكورة أي مما بينهما وهي عبارة سيبويه مثلها أي ثلاثة أحرف وهي الظاء والذال المعجمتان والثاء المثلثة فهي مثلها في العدية وقال مكي ومن طرفه وما يليه من أطراف الثنايا علياها وسفاها تخرج الظاء والذال والثاء ومعنى انجلا انكشف أي انجلا المذكور بمعنى بأن كل فريق من هذه الستة وظهر مخرجه ويجوز أن يكون الضمير في انجلا عائدا على لفظ مثل لأنه مفرد وإن عنى به ثلاثة أي انجلا مثلها من المخرج المذكور وقوله عليا الثنايا من باب إضافة الصفة إلى موصوفها والأصل الثنايا العليا ولم يذكر سيبويه في عبارته العليا وهي مراده وهذه إضافة صحيحة لأن الثنايا قسمان سفلى وعليا فميز بالإضافة نحو علماء القوم وفضلاء الرجال وليس في كل جهة إلا ثنيتان فالمجموع أربع وجوز التعبير عن المثنى بالجمع تخفيفا وهو هنا أولى من غيره لا من الإلباس ونظيره قولهم هو عظيم المناكب وغليظ الحواجب وشديد المرافق وضخم المناخر
1146 [ ومنه ومن بين الثنايا ثلاثة % وحرف من اطراف الثنايا هي العلا ]
(2/747)
أن يقال وأطراف الثنيتين وقال في الزاي وأختيها هي تفارق مخرج الطاء وأختيها لأنها بعد أصول الثنايا أو بعد ما بعد أصولها وتفارق الطاء وأختيها لأنها قبل أطراف الثنايا وقال غيره هي من حانته قليلا من مخرج الظاء بحيث لا تلصق اللسان بالثنايا عند إخراجها ثم بين الناظم مخرج الفاء بقوله
بيان للثنايا والعلا جمع العليا وبتمام هذا البيت تم الكلام في المخارج المتعلقة بالفم وبقي مخرج الشفة وفيها مخرجان لأربعة أحرف ثم تمم الكلام في مخرج الفاء فقال
( ومنه من بين الثنايا ثلاثة % وحرف من أطراف الثنايا هي العلا )
1147 [ ومن باطن السفلى من الشفتين قل % وللشفتين اجعل ثلاثا لتعدلا ] (1) لما أجمل ذكر الحروف عند مخارجها أتى بها مضمنة في أوائل كلمات بيتين على ترتيب ما بينه من المخارج فقوله وفي أول أي في حروف أول وأول جمع أولى ووجه هذا التأنيث ما سبق ذكره في قوله ثلاث بأقصى الحلق لأنه نعت لحروف والحروف عبارة عن أسماء حروف التهجي وتلك الأسماء يجوز تأنيثها فكأنه قال وفي أوائل من كلمات بيتين جمع هذه الحروف ذوات هذه المخارج فقوله كلم بكسر الكاف وسكون اللام هو تخفيف كلم بفتح الكاف وكسر اللام مثل قولهم فخذ في فخذ وكبد في كبد ثم قال سوى أربع أي سوى أربع أحرف فإنك لا تأخذهما من أوائل الكلمات وإنما تأخذها من مجموع الكلمة الأولى من البيت الأول من البيتين المذكورين وقوله فيهن أي في جمعهن جمع كلمة أول البيتين فأولا مخفوض بإضافة كلمة إليه لكنه لا ينصرف هكذا قال الشيخ وهو مشكل فإن الكلمة حينئذ تبقى مجهولة في البيت الأول فما من كلمة فيه إلا ويصدق عليها هذه العبارة فالوجه أن يكون كلمة منونة وأولا ظرف ألقيت حركة همزته على التنوين فهذا أولى لتتعين الكلمة الأولى من البيتين لجميع الحروف الأربعة على ما نبينه ثم ذكر البيتين فقال
1149 [ ( أهاع ) ( ح ) شا ( غ ) او ( خ ) لا ( ق ) ارئ ( ك ) ما % ( ج ) رى ( ش ) رط ( ي ) سرى ( ض ) ارع ( ل ) لاح ( ن ) وفلا ] + أهاع هي الكلمة المضمنة أربعة أحرف من حروف الحلق وهي الثلاثة التي بأقصى الحلق وواحد من وسطه والثاني أول حشا والحرفان اللذان من أول الحلق هما أول غاو خلا وهكذا أخذ الباقي من الحروف من أوائل الكلمات إلى آخر البيت وهو النون الذي عبر عنه بقوله ودونه ذو ولا وكان الوجه تقديم ذكر الألف على الهاء
____________________
1- أي مخرج الفاء من باطن الشفة السفلى وأطراف الثنايا العليا هذه عبارة سيبويه وبقي ثلاثة أحرف وهي الواو والفاء الموحدة والميم مخرجها مما بين الشفتين فهذه حروف الشفة وحروف الحلق هي السبعة المبتدأ بذكرها والبواقي حروف الفم والفاء مشتركة بين الثنايا والشفة فمن حيث تعلقها بالثنايا فارقت حروف الشفة ومن حيث لا تعلق لها باللسان فارقت حروف الفم فالتحقيق أنها قسم برأسها ونصب لتعدلا بلام التعليل فإن كانت فتعدلا يكون نصبها بالفاء في جواب الأمر
1148 [ وفي أول من كلم بيتين جمعها % سوى أربع فيهن كلمة أولا ]
(2/748)
عند ذكر الحروف الحلقية فقال الهمزة والألف والهاء كذلك عبر عنه سيبويه وغيره فعدل الناظم إلى تقديم الهاء على الألف لأنه لم يطاوعه كلمة مستعملة على ذلك الترتيب ولو فرض أن أهع له معنى لما كان محصلا للغرض لأن المدة بعد الهمزة لا يتفطن لها أنها مقصودة حرفا ولهذا يسقط من الرسم ألا ترى أنه إذا كتب اسم آدم لم يكتب بعد الهمزة إلا الدال وسقطت المدة وإذا قيل أهاع كان ستافي تعداد الحروف ومعنى أهاع أفزع من قولهم هاع ويهيع ويهاع إذا جبن ومنه الهيعة لكل ما أفزعك من صوت أو فاحشة تشاع ويقال هاع يهوع إذا فاء وكلاهما محتمل هنا في قوله هاع على ما نبينه والحشاء ما انضمت الضلوع عليه والجمع أحشاء والغاوي اسم فاعل من غوى يغوي غيا أي ضل وحشى غاو هو مفعول أهاع مقدم على فاعله والفاعل قوله خلا قاريء والخلا بالقصر الرطب من الحشيش والرطب بضم الراء الكلأء ويقال فلان حسن الخلاء أي طيب الكلام يكنى بذلك عن جودة قراءته وطيب حديثه وكنى به الناظم عن جودة قراءة القاريء وما بجنيه ساقها من التلذذ بها أي إن قراءة هذا القاريء أفرغت حشا القاريء الضال المنهمك في طغيانه فألقى ما في باطنه من الأخلاق الذميمة واستبدل بها غيرها فقد ظهر وجه التجوز بالمعنيين في أهاع ثم قال كما جرى شرط يسري ضارع وهكذا جرى شرط قراءة من كان ضارعا خاشعا أي ييسر من سمع منه ذلك لليسرى ويحكي عن قراءة صالح المري من هذا الباب عجائب وهو أحد الأئمة المتقدمين السادة رحمه الله تعالى والنوفل الكثير العطاء أي لاح هذا القاريء كثير الفوائد والله أعلم
1150 [ ( ر ) عى ( ط ) هر ( د ) ين ( ت ) مه ( ظ ) ل ( ذ ) ي ( ث ) نا % ( ص ) فا ( س ) جل ( ز ) هد ( ف ) ى ( و ) جوه ( ب ) نى ( م ) لا ] (1) وغنة تنوين مبتدأ وفي الأنف تجتلا خبره كما تقول هند في الدار تكرم أي ثم يكشف ويجلي أمرها وأراد
____________________
1- أي رعى هذا القاريء طهارة دين أتم ذلك الدين ظل شيخ ذي ثناء قال الشيخ يقال تم الله عليك النعمة وأتمها أي هو من باب فعل وأفعل بمعنى واحد كلاهما متعد إلى المفعول ويحتمل أن يقال أرادتم به ظل ذي ثناء ثم حذف حرف الجر وهو الباء فصار تمه أي تم بذلك الدين ظل ذي ثناء وهذا أحسن معنى من أن يكون الظل أتم الدين وقد حكى صاحب المحكم تم بالشيء جعله تاما وأنشد ابن الأعرابي
( إن قلت يوما نعم فنم بها % )
أي أتمها فيكون مثل ذهبت به أي أذهبته فقول الشاطبي ه ا تمه على حذف الباء وحصر لفظ الثناء ضرورة ورأيت في حاشية نسخة قرئت على الناظم رحمه الله حكى ابن طريف تمه وأتمه ويقال صفوت القدر إذا أخذت صفوتها والسجل في الأصل الدلو العظيمة إذا كان فيها ماء وجعل ههنا للزهد سجلا كأنه مجتمع في وعاء فأخذ هذا الرجل المشار إليه صفوته فقوله سجل زهد مفعول صفا وفاعله ضمير عائد على موصوف ذي ثناء محذوف وقال الشيخ التقدير صفا سجل زهده ثم قال في وجوه أي هو كائن في جماعة وجوه والوجوه أشراف القوم والملأ كذلك أي هم أشراف بنو أشراف ضمن هذا البيت باقي الحروف من الراء إلى الميم ثم قال
1151 [ وغنة تنوين ونون وميم ان % سكن ولا إظهار في الأنف يجتلى ]
(2/749)
أن يبين مخرج فبين أولا الحروف التي تصحبها الغنة بأن أضاف الغنة إليها وهي التنوين والنون والميم فهذه ثلاثة وفي الحقيقة حرفان النون والميم لأن التنوين نون حقيقة في المخرج والصفة وإنما الفرق بينهما عدم ثبات التنوين في الوقف وفي صورة الخط وأنه لا يكون إلا زائدا على هجاء الكل فلهذا يعتني الفراء بالتنصيص عليه كقولهم باب أحكام النون الساكنة والتنوين وقد مضى في باب التكبير وما قبله من ساكن أو منون وأما سيبويه وأتباعه فلم يذكروا إلا النون والميم قال سيبويه في ذكره الحروف التي بين الشديدة والرخوة ومنها حرف يجري معه الصوت لأن ذلك الصوت غنة من الأنف فإنما تخرجه من أنفك واللسان لازم لموضع الحرف لأنك لو أمسكت أنفك لم يجر معه صوت وهو النون وكذلك الميم وقال قبل ذلك ومن الخياشيم تخرج النون الخفيفة وأراد بالنون الخفيفة الغنة وتسمى الخفيفة أيضا لخفتها وخفائها وقال نصر بن علي الشيرازي ومنها حروف الغنة وهي النون والميم سميتا بذلك لأن فيهما غنة تخرج من الخياشيم وهي الصوت المحصور فيها كأصوات الحمائم والقمارى وقوله إن سكن ولا إظهار بيان للحالة التي تصحب الغنة لهذه الأحرف لأن هذه الحروف ليست لازمة للغنة لا تنفك عنها فقال شرطها أن تكن سواكن وأن تكن مخفيات أو مدغمات إلا في موضع نصوا على الإدغام فيه يعبر عنه أو اختلف في ذلك على مضى شرحه في باب أحكام النون الساكنة والتنوين فإن كن مظهرات أو متحركات فلا غنة فالعمل في النون للسان وفي الميم للشفتين على ما سبق وكان يجزئه إن يشترط عدم الإظهار ويلزم من ذلك أن تكن سواكن قال الشيخ أبو عمرو في شرح هذه الغنة المسماة بالنون الخفيفة هذه النون التي قد مر ذكرها فإن تلك من الفم وهذه من الخيشوم قال وشرط هذه أن يكون بعدها حرف الفم ليصح إخفاؤها فإن كان بعدها حرف من حروف الحلق أو كانت آخر الكلام وجب أن تكون الأولى فإذا قلت عنك ومنك فمخرج هذه النون من الخيشوم وليست تلك النون في التحقيق فإذا قلت من خلق ومن أبوك فهذه هي النون التي مخرجها من الفم وكذلك إذا قلت أعلن وشبهه مما يكون آخر الكلام وجب أن تكون هي الأولى أيضا
قلت وحروف العربية الأصول هي التسعة والعشرون التي مر ذكر مخارجها ويتفرع منها حروف أخر مركبة من ألفاظ بعضها يجري مجرى اللغات منها ما هو فصيح ومنها ما هو مستحسن وهذا سنوضحه إن شاء الله تعالى في شرح النظم في النحو ونبين هنا ما وقع من الفصيح في قراءة القراء وهي همزة بين بين التي تأتي على ثلاثة ألفاظ بين الهمزة والواو وبين الهمزة والياء وبين الهمزة والألف واختلاف ذلك بحسب اختلاف حركتها وقد تقدم بيان ذلك في شرح قوله والمسهل بين ما هو الهمز والحرف الذي منه أشكلا ومنها الصاد التي كالزاي وهي التي مر ذكرها في قراءة حمزة في الصراط وأصدق والمصيطرون وبمصيطر وغير ذلك ومنها الألف الممالة إمالة محضة أو بين بين وقد مضى تحقيق ذلك في بابه ومنها هذه النون المخفاة المسماة بالغنة وقد اتضح أمرها في شرح هذا البيت بتوفيق الله تعالى والله أعلم
وقال مكي أما النون المخفاة فهو صوت مركب على جسم الخيشوم خاصة لاحظ للجزء من اللسان فيه وهو نوعان التنوين والنون الخفيفة الداخلة على الفعل للتوكيد وقال قبل ذلك الغنة الصوت الزائد على جسمي النون والميم منبعثا عن الخيشوم المركب فوق غار الفم الأعلى يصدق هذا إنك لو أمسكت أنفك لم يمكن خروج الغنة ولا يتغير الصوت بالنون لعدم الغنة المقدرة بها
قلت وانقضى الكلام في المخارج ثم ذكر مشهور الصفات فقال
____________________
(2/750)
1152 [ وجهر ورخو وانفتاح صفاتها % ومستفل فاجمع الاضداد اشملا ] (1) أي مهموس الحروف عشرة أحرف وإنما أنث العدد على ما ذكرناه من شرح قوله ثلاث بأقصى الحلق ثم بين العشرة بأن جميعها في هذه الكلمات الثلاثة وقال غيره سحته كف شخص وقيل كست شخصه فحث وقيل ستشحكثك حصفه على الوقف بالهاء ومعنى ستشحثك ستردعك وحصفه اسم امرأة هكذا وجدته في حاشيتي كتاب أحسن من الجميع سكت فحثه شخص ثم جمع الحروف الشديدة من قوله أجدت كقطب وقال غيره أجدت طبقك والفاء للتأنيث أو للخطاب وقيل أيضا في جمعها أجدك قطبت وقوله مثلا أي مثل هذا اللفظ وشخص لجميع الحروف الشديدة وسميت هذه الحروف شديدة لأنها قويت في موضعها ولزمته ومنع الصوت أن يجري معها حال النطق بها لأن الصوت انحصر في المخرج فلم يجر أي اشتد وامتنع قبوله للتليين بخلاف الرخوة فهذه الحروف الشديدة هي ثمانية منها ستة من المجهورة ومنها اثنان من المهموسة التاء والكاف والستة الباقية مجهورة شديدة اجتمع فيها أن النفس لا يجرى معها ولا الصبوت في مخرجها وهو معنى الجهر والشدة جميعا
1154 [ وما بين رخو والشديدة ( عمرنل ) % و ( واي ) حروف المد والرخو كملا ] + أي وما بين حرف رخو والحروف الشديدة حروف قولك عمر نل أي هذه الحروف الخمسة لا رخوة ولا شديدة فهي بين القبيلين ولا ينبغي أن تكتب هنا بالواو لئلا تصير الحروف ستة وهو منادى مفرد حذف
____________________
1- أي صفاتها كذا وكذا فذكر أربعة يأتي ذكر أضدادها وعبر عن اثنين من الأربعة بلفظ المصدر وهما الجهر والانفتاح وعن اثنين بلفظ الصفة وهما رخو ومستفل ولفظ الصفة في الأولين مجهورة منفتحة ولفظ المصدر في الآخرين رخاوة واستفال وبكل ذلك وقعت العبارة في كتب الأئمة والجهر ضده الهمس فالمجهورة تسعة عشر حرفا سميت بذلك من قولهم جهرت بالشيء إذا أعلنته وذلك أنه لما امتنع النفس أن يجري معها انحصر الصوت لها فقوى التصويت بها والمهموسة عشرة أحرف وهي ما عدا المجهورة سميت بذلك أخذا من الهمس الذي هو الحس الخفي وقيل في قوله تعالى - فلا تسمع إلا همسا - هو حس الأقدام ومنه قول أبي زيد في صفة الأسد
( يصير بالدجى هاد هموس % )
فالهمس الضعف فسميت مهموسة لضعف الصوت بها حين جرى النفس معها فلم يقو التصويت بها قوته في المجهورة فصار في التصويت بها نوع خفاء لانقسام النفس عند نطقها والرخاوة ضدها الشدة والانفتاح ضده الإطباق والاستفال ضده الاستعلاء وسيأتي بيان كل ذلك وقوله فأجمل بالأضداد أشملا أي بمعرفة أضداد ما ذكرت يجتمع شمل جميع الحروف ويعرف صفاتها لأن ما نذكره منها بصفة فالباقي بخلافه فجميع الحروف منقسمة إلى كل ضدين من هذه الأضداد الثمانية فهي أربع تقسيمات واشملا جمع شمل وهو مفعول فاجمع
1153 [ فمهموسها عشر ( حثت كسف شخصه ) % ( أجدت كقطب ) للشديدة مثلا ]
(2/751)
حرف ندائه أي يا عمرو نل ما ذكرته لله ثم ذكر أن حروف المد يجمعها قولك وأي وهي ثلاثة أحرف الواو والألف والياء والوأى بهمزة الألف معناه الوعد ولكنه سهل الهمزة ليأتي بلفظ الألف وسميت حروف المد لامتداد الصوت بها عند ساكن أو همزة ثم قال والرخو كملا أد وهذا اللفظ الذي هو وأي كملت حروفه الثلاثة الحروف الرخوة التي هي ضد الشديدة أي إنها معدودة منها وإنما قال ذلك لأن غيره يجعلها من جملة الحروف التي بين الرخوة والشديدة فلما لم يذكرها من حروف عمر نل بين أنه لم يخل بتركها وإنما هي عنده من قسم الرخوة والذين جعلوها بين الرخوة والشديدة فيصير حروفها عندهم ثمانية يجمعها قولك لم يروعنا أو لم يرعونا أو لم يروعنا أو ولينا عمرا ولم يروعنا وهو ظاهر كلام سيبويه فإنه لما عد الحروف الرخوة لم يعد حروف المد وذكر بعدها العين واللام والنون والميم والراء وبينها واحدة واحدة بعبارة تقتضي أنها بين الشديدة والرخوة لم يتم لصوتها الانحصار ولا الجري ثم قال ومنها اللينة فوصفهن ثم قال وهذه الثلاثة أخفى الحروف لاتساع مخارجها وإخفائهن وأوسعهن مخرجا الألف ثم الياء ثم الواو وظاهر كلام أبي الحسن الرماني في شرح الأصول موافق لما نظمه الشاطبي فإنه قال وما عدا الشديدة على وجهين شديد يجري فيه الصوت ورخوة أما الشديد الذي يجري فيه الصوت فحرف يشتد لزومه لموضعه ثم يتجافى به اللسان عن موضعه فيجري فيه الصوت لتجافيه وهي الراء واللام والنون والميم والعين وكذا ذكر أبو عمرو الداني في كتاب الإيجاز وقال يجمعها قولك لم يرع وقال مكي في بعض تصانيفه الرخاوة فيما عدا الشديدة إلا سبعة أحرف يجمعها قولك يولى عمرو فإنها بين الرخاوة والشدة فأدخل فيها الواو والياء ولم يدخل الألف
1155 [ و ( قظ خص ضغط ) سبع علو ومطبق % هو الضاد والظا أعجما وإن اهملا ] (1)
____________________
1- أي حروف هذه الكلم الثلاث هي حروف الاستعلاء وهي سبعة سميت بذلك لارتفاع اللسان بها إلى الحنك وما عداها المستفلة لأنها لا يعلو بها اللسان إلى جهة الحنك وقد مضى في باب ترقيق الراءات معنى هذه الكلمات وبعضهم ألحق العين والحاء المهملتين بالحروف المستعلية فصارت تسعا وأضاف سبعا إلى علو كأنه قال حروف العلو أي حروف الاستعلاء ويجوز ضم عين علو وكسرها وقوله ومطبق مبتدأ خبره محذوف قبله أي وفيها مطبق أي ومن هذه الأحرف السبعة المستعلية حروف الإطباق وهي أربعة ثم بينها بقوله أهملا الضاد والظاء المعجمتان والمهملتان يعني الصاد والطاء والمعجم المنقوط والمهمل الذي لا نقط له وألقى حركة همزة أهملا على نون وإن والألف في آخر أهملا ضمير التثنية وسميت هذه الأربعة مطبقة لأنه انطبق على مخرجها من اللسان ما حاذاه من الحنك وما عدا هذه الأربعة من الحروف كلها يقال له المنفتحة لأنك لا تطبق لسانك منها على الحنك وذكر الشيخ أبو عمرو أن تسمية هذه الحروف بالمطبقة والمنفتحة فيها تجوز لأن المطبق إنما هو اللسان والحنك وأما الحرف فهو مطبق عنده فاختصر فقيل مطبق كما قيل للمشترك فيه مشترك وكذا المنفتحة لأن الحرف لا ينفتح وإنما ينفتح عنده اللسان عن الحنك وكذا المستعلية لأن اللسان يستعلي عندها قال ابن مريم الشيرازي ولولا الإطباق لصارت الطاء دالا والظاء ذالا والصاد سينا ولخرجت الضاد من الكلام لأنه ليس من موضعها شيء غيرها وموضعها موضع الإطباق فإذا عدم الإطباق عدمت الضاد ولأجل أنها غير مشاركة في المخرج لم يوجد في شيء من كلام الأمم إلا في العربية وإنما أخذ ذلك من كلام ابن السراج وفي كلام الرماني زيادة فإنه قال لولا الإطباق لصارت الطاء دالا لأنه ليس بينهما فرق إلا بالإطباق ولم تصر تاء للفرق بينهما من جهة الجهر والهمس وكذلك سبيل الصا
(2/752)
والسين لأنهما مهموستان ولم يجب مثل ذلك للزاي لأنها مجهورة وكذلك الظاء والذال ولم يجب في الثاء لأنها مهموسة
1156 [ وصاد وسين مهملان وزايها % صفير وشين بالتفشي تعملا ] (1) منحرف خبر مقدم أي وحرف اللام منحرف أي مسمى بالمنحرف قال سيبويه ومنها المنحرف أي ومما بين الرخو والشديد وهو حرف شديد جرى فيه الصوت لانحراف اللسان مع الصوت ولم يعترض على الصوت كاعتراض الحروف الشديدة وهي اللام إن شئت مددت فيها الصوت وليس كالرخوة لأن طرف اللسان لا يتجافى عن موضعه وليس يخرج الصوت من موضع اللام ولكنه من ناحيتي مستدق اللسان خولف ذلك قال ابن مريم مخرج الصوت على الناحيتين وما فوقهما وقال الشيخ أبو عمرو اللسان عند النطق باللام ينحرف إلى داخل الحنك قليلا ولذلك سمى منحرفا وجرى فيه الصوت وإلا فهو في الحقيقة لولا ذلك حرف شديد إذ لولا الانحراف لم يجر الصوت وهي معنى الشدة ولكنه لما حصل الانحراف مع التصويت كان في حكم الرخوة لجرى الصوت وكذلك جعل بين الشديدة والرخوة وقوله وراء أي والراء لذلك فوصف بالانحراف قال مكي والراء انحرف عن مخرج النون الذي هو أقرب المخارج إليه إلى مخرج اللام قال الشيخ والراء أيضا فيها انحراف قليل إلى ناحية اللام ولذلك يجعلها الألثغ لاما
____________________
1- الذي سبق من الصفات كان له ضد يطلق على باقي الحروف ومن هاهنا صفات لبعض الحروف ليس يطلق على باقيها اسم مشعر بضد تلك الصفات بل يسليها فهذه الثلاثة الصاد والسين المهملتان والزاي تسمى حروف الصفير لأنها يصير بها وباقي الحروف لا صفير فيها وهذه الثلاثة هي الحروف الأسلية التي تخرج من أسلة اللسان قال ابن مريم ومنهم من الحق بها الشين وإنما يقال لها حروف الصفير لأنك تصفر عند اعتمادك على مواضعها قال مكي والصفر حد الصوت كالصوت الخارج من ضغطة ثقب قال والتفشي انتشار خروج الريح وانبساطه حتى يتخيل أن الشين انفرشت حتى لحقت بمنشا الطاء وهي أخص بهذه الصفة من الفاء قال وقد ذكر بعضهم الضاد من هذا المعنى لاستطالتها لما اتصلت بمخرج اللام وقال ابن مريم الشيرازي ومنها حروف التفشي وهي أربعة مجموعة في قولك مشفر وهي حروف فيها غنة ونفش وتأفف وتكرار وإنما قيل لها حروف التفشي وإن كان التفشي في الشين خاصة لأن الباقية مقاربة له لأن الشين بما فيه من التفشي ينتشر الصوت منه ويتفشى حتى يتصل إلى مخارج الباقية وقال الشيخ سمي الشين المتفشي لأنه انتشر في الفم برخاوته حتى اتصل بمخرج الطاء والتفشي الانتشار وقوله صغير أي ذات صغير والضمير في زايها يرجع إلى الحروف ومهملان نعت صاد وسين وأتى بلفظ صاد وسين وشين على التنكير لأن المعبر عنه لا يختلف منكرا كان أو معرفا ومعنى تعمل هنا اتصف لأن من عمل شيئا اتصف به ولهذا عداه بالياء في قوله بالتفشي أي اتصف الشين به ومنه قوله كن متعملا
1157 [ ومنحرف لام وراء وكررت % كما المستطيل الضاد ليس بأغفلا ]
(2/753)
قلت وأكثر المصنفين من النحاة والقراء لا يصفون بالانحراف إلا اللام وحدها وعبارة سيبويه دالة على ما قال الناظم فإنه قال لما ذكر اللام والنون والميم وبين أنها من الرخوة والشديدة ومنها المكرر وهو حرف شديد جرى فيه الصوت لتكريره وانحرافه إلى اللام فتجافى الصوت كالرخوة ولو لم يكرر لم يجر فيه الصوت وهو الراء فهذا معنى قول الناظم وراء وكررت أي جمعت بين صفتي الانحراف والتكرير قال مكي التكرير تضعيف يوجد في جسم الراء لارتعاد طرف اللسان بها ويقوى مع التشديد ولا يبلغ به حد بفتح وقال ابن مريم إذا وقف الواقف على الراء وجد طرف اللسان يتغير بما فيه من التكرير ولذلك يعد في الإمالة بحرفين والحركة فيه تنزل منزلة حركتين وقال الشيخ أبو عمرو والمكرر الراء لما تحسه من شبه ترديد اللسان في مخرجه عند النطق به ولذلك أجرى مجرى الحرفين في أحكام متفددة فحسن إسكان ينصركم ويشعركم ولم يحسن إسكان يقتلكم ويسمعكم وحسن إدغام مثل وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم أحسن منه في إن يمسكم ولم يمل طالب وغانم وأميل طارد وغارم وامتنعوا من إمالة راشد ولم يمتنعوا من إمالة راشد وكل هذه الأحكام راجعة في المنع والتسويغ إلى التكرير الذي في الراء قال الشيخ وسمى الضاد مستطيلا لأنه استطال حتى اتصل بمخرج اللام قال مكي والاستطالة تمدد عند بيان الضاد للجهر والإطباق والاستعلاء وتمكنها من أول حافة اللسان إلى منتهى طرفه فاستطالت بذلك فلحقت بمخرج اللام ومعنى ليس بأغفلا أي معجم احترز بذلك من الاشتباه بالصاد
1158 [ كما الألف الهاوي و ( آوي ) لعلة % وفي ( قطب جد ) خمس قلقلة علا ] (1)
____________________
1- أي ويقال لحرف الألف الهاوي قال سيبويه هو حرف تسع لهواء الصوت مخرجه أشد من اتساع مخرج الياء والواو لأنك قد تضم شفتيك في الواو وترفع في الياء لسانك قبل الحنك وقال الشيخ أبو عمرو الهاوي الألف لأنه في الحقيقة راجع إلى الصوت الهاوي الذي بعد الفتحة وهذا وإن شاركه الواو والياء فيه إلا أنه يفارقها من وجهين أحدهما ما تحسه عند الواو والياء من التعرض لمخرجيهما والآخر اتساع هواء الألف لأنه صوت بعد الفتحة فيكون الفم فيه مفتوحا بخلاف الضمة والكسرة فإنه لا يكون كذلك فلذلك اتسع هواء صوت الألف أكثر في الواو والياء وقوله وآوى لعلة أي حروف كلمة آوى وهو فعل مضارع للإخبار عن المتكلم من آوى ويؤاوي فهو أربعة أحرف همزة ثم ألف وواو وياء ومعنى لعلة أي هي حروف العلة أي متهيئة لذلك معدة له يريد أنها حروف العلة أي الاعتلال لما يعتريها من القلب والإبدال على ما هو معروف في علم التصريف ولم يعد أكثر المصنفين حروف العلة إلا ثلاثة وزاد الناظم فيها الهمزة لما يدخلها من أنواع التخفيف بالحذف والتسهيل والقلب ومنهم من عد الهاء منها لانقلابها همزة في نحو ماء وأيهات وتسمى أيضا الحروف الثلاثة الهوائية لأنها تخرج في هواء الفم قال ابن مريم الشيرازي وقد يقال لها أيضا الهاوية لأنها تهوى في الفم وليس لها حياز من الفم يعتمد في خروجها عليها قال وبعض النحويين يجعل الألف وحده هو الهاوي قال ولا شك في أن الألف أشد هويا في الفم لأنه أشد امتدادا واستطالة فهو يتمحض للمد ثم ذكر الناظم حروف القلقلة وهي خمسة وجمعها في قوله قطبجد وهذا جمع حسن وقال غيره جد بطق وقد طبج ومعنى طبج حمق وهو بكسر الباء ومنهم من يفتحها وفسره بعاب وأضاف خمس إلى القلقلة كما أضاف في سبع ما سبق علو وعلا نعت لقوله خمس قلقلة أي خمس عالية أي معروفة ظاهرة لأن العالي أبدا ظاهرا قال الداني هي حروف مشربة ضغطت من مواضعها فإذا وقف عليها خرج معها صوت من الفم ونبا اللسان عن موضعه وقال مكي القلقلة صويت حادث عند خروج حرفها لضغطه عن موضعه ولا يكون إلا عن
(2/754)
الوقف ولا يستطاع أن يوقف عليه دونها مع طلب إظهار ذاته وهي مع الروم أشد قال الشيخ سميت بذلك لأنك إذا وقفت عليها تقلقل اللسان حتى تسمع عند الوقف على الحرف منها نبرة تتبعه وقال الشيخ أبو عمرو سميت بذلك إما لأن صوتها صوت أشد الحروف أخذا من القلقلة التي هي صوت الأشياء اليابسة وإما لأن صوتها لا يكاد يتبين به سكونها ما لم يخرج إلى شبه التحريك يشبه أمرها من قولهم قلقله إذا حركه وإنما حصل لها ذلك لاتفاق كونها شديدة مجهورة فالجهر يمنع النفس أن يجري معها والشدة تمنع أن يجري صوتها فلما اجتمع لها هذان الوصفان وهو امتناع جرى النفس معها وامتناع جرى صوتها احتاجت إلى التكلف في بيانها فلذلك يحصل من الضغط للمتكلم عند النطق بها ساكنة حتى تكاد تخرج إلى شبه تحركها لقصد بيانها إذ لولا ذلك لم يتبين لأنه إذا امتنع النفس والصوت تقدر بيانها ما لم يتكلف بإظهار أمرها على الوجه المذكور وقال ابن مريم الشيرازي وهي حروف مشربة في مخارجها إلا أنها لا تضغط ضغط الحروف المطبقة غير أنها قريبة منها فإن فيها أصواتا كالحركات تتقلقل عند خروجها أي تضطرب ولهذا سميت حروف القلقلة قال وزعم بعضهم أن الضاد والزاي والذال والطاء منها لثبوتها وضغطها في مواضعها إلا أنها وإن كانت مشربة في مخارجها فإنها غير مضغوطة كضغط الحروف الخمسة المذكورة ولكن يخرج معها عند الوقف عليها شبه النفخ قال وامتحان حروف القلقلة أن تقف عليها فإذا وقفت خرج منها صويت كالنفح لنشرها في اللها واللسان
1159 [ وأعرفهن القاف كل يعدها % فهذا مع التوفيق كاف محصلا ] (1)
____________________
1- أي أعرف القلقلة القاف أي هي المشهورة بذلك المتضح فيها هذا الوصف فاعرف هذا الموضع هو من التفضيل في باب المفعول وهو مما شذ في كلامهم مثل هو أحد منه وأشهر ثم قال كي يعدها أي هي مجمع على عدها من حروف القلقلة قال الشيخ أبو الحسن قالوا أصل القلقلة للقاف لأن ما يحس به من شدة الصوت المتصعد من الصدر مع الضغط والحقر فيه أكثر من غيره قال وعد المبرد منها الكاف إلا أنه جعلها دون القاف لأن حصر القاف أشد قال المبرد وهذه القلقلة بعضها أشد من بعض فإذا وصلت ذهبت تلك النبرة لأنك أخرجت لسانك عنها إلى صوت آخر فحال بينه وبين الاستقرار
فهذا آخر الكلام في صفات الحروف التي تعرض الناظم لذكرها وهي منقسمة إلى ما يشعر بقوة وإلى ما يشعر بضعف والجهر والشدة والاستعلاء والإطباق والصفير والقلقلة والتكرير والتفشي والاستطالة والانحراف علامات القوة وأما الهمس والرخاوة والتسفل والانفتاح والمد والاعتلال والهوى فعلامات الضعف فلا تغفل في تطلب تجويد القراءة من مراتب الحروف على حسب تمكنها من القوة والضعف وليست صفات القوة ولا صفات الضعف متساوية فكل قسم منها مختلف المراتب وقد اتفق له اللفظ بجميع الحروف في هذه الصفات التي ذكرها سوى الزاي المعجمة وفيها من الصفات ما ذكره في البيت الأول وهو وجهر ورخو وانفتاح صفاتها ومستفل وعرف ذلك وغيره من ضد ما ذكره والله أعلم وقوله فهذا مع التوفيق كاف أي فهذا الذي ذكرته إذا وفق الله من عرفه يكفيه في هذا العلم ومحصلا مفعول كاف أي يكفي الطالب المشتغل المحصل ويجوز أن يكون حالا من الضمير في كاف أي في حال كونه محصلا لغرض الطالب محتويا علي
(2/755)
1160 [ وقد وفق الله الكريم بمنه % لإكمالها حسناء ميمونة الجلا ] (1) فاعل تزيد ضمير راجع إلى الأبيات لا إلى الألف فإن الألف تذكر وثلاثة نصب على التمييز وسبعين عطف عليه والتقدير وتزيد أيضا سبعين مع مائة فصار المجموع ألفا ومائة وثلاثة وسبعين وزهرا وكملا حالان من الضمير في تزيد الراجع إلى الأبيات أي هي زاهرة كاملة يعني مضيئة كاملة الأوصاف ويجوز أن يكونا صفتين للتمييز أي تزيد أبياتها على الألف أبياتا زاهرة وكاملة والوجه الأول أولى لأنه أعم وصفا لأنه يفيد وصف الجميع بخلاف الوجه الثاني
1162 [ وقد كسيت منها المعاني عناية % كما عريت عن كل عوراء مفصلا ] + أثنى في هذا البيت على معانيها وألفاظها فنصب عناية على أنه مفعولي كسيت أي أنه اعتنى بها فجاءت شريفة المعاني حسنة المباني وقابل بين الكسوة والعرى فقال كسيت معانيها عناية وعريت في التعبير عنها عن كل جملة عورا أي لا تنبيء عن المعنى المقصود فهي ناقصة معينة ونصب مفصلا على التمييز أي عن كل جملة عابت مفصلا والمفصل العضو أي عن كل ما قبح مفصله ويجوز أن يكون فاعل عريت ضميرا عائدا على القصيدة ومفصلا تمييز منه أي كما عريت مفاصلها عن العيوب وعني بذلك القافية أو جميع أجزاء القصيدة جعلها عروسا حسناء ميمونة الجلوة منزهة المفاصل عن العيوب على طولها وصعوبة مسلكها قال الشيخ رحمه الله وغيره ينظم أرجوزة يعني على قواف شتى فيضطره النظم إلى أن يأتي في قوافيها ومقاطعها وأجزائها بما تمجه الأسماع
1163 [ وتمت بحمد الله في الخلق سهلة % منزهة عن منطق الهجر مقولا ] + سهولة خلقها انقيادها لمن طلبها أي إن كل أحد ينقل منها القراءات إذا عرف رموزها من غير صعوبة ولا كلفة ونصب سهلة ومنزهة على الحال ومقولا تمييز وهو اللسان والهجر الفحش أي ليس فيها كلمة قبيحة يستحي من سماعها
1164 [ ولكنها تبغي من الناس كفؤها % أخائقة يعفو ويغضي تجملا ]
____________________
1- المن الأنعام وحسناء ميمونة حالان ومعنى ميمونة الجلا مباركة البروز أي كما ظهرت للناس كانت مباركة الطلعة وقد صدق رضي الله عنه فإن بركتها عمت كل من حفظها وأتقنها ولو لم يكن إلا كثرة الفوائد الحاصلة من ناظمها
1161 [ وأبياتها ألف تزيد ثلاثة % ومع مائة سبعين زهرا وكملا ]
(2/756)
الكفؤ المماثل وأخائفة صفة للكفؤ أو بدل منه والإغضاء الستر ونصب تجملا على أنه مفعول من أجله جعل كفؤها من كان بهذه الصفة لأنه لثقته يعترف بأحسن ما فيها ويقف ويقضي عن الازدراء لما لا بد للبشر منه قال الله تعالى - ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا - ثم إذا كان هذا الكفؤ أهلا لانتقادها فهو عالم وحينئذ يرى فيها من الفوائد والغرائب ما يغضي معه عن شيء يراه ولا يعجبه منها إلا أن يذكره على سبيل التنبيه على الفائدة كما أشرنا إليه في مواضع منها فإن هذه طريقة العلماء نصحا لمن يقف عليه ممن لا يبلغ درجته في العلم ذلك والمعاملة مع الله سبحانه والأعمال بالنيات سهل الله تعالى لمن يقف على كلامنا أن يعاملنا تلك المعاملة لكن الزمان قد فسد وكثر من أهله النكد فما يرضون عن أحد والمستعان عليهم ربنا الواحد الصمد
1165 [ وليس لها إلا ذنوب وليها % فيا طيب الأنفاس أحسن تأولا ] (1) فتى مفعول رحم وحيا وميتا حالان منه متقدمان عليه وهذا اللفظ وجدته للإمام أبي عبد الله أحمد بن حنبل لما أرسل إليه آدم بن أبي إياس يعظه ويقوي نفسه على الصبر في أيام المحنة إذ كان محبوسا فقال أحمد حيا وميتا يعني آدم ذكره الخطيب أبو بكر في تاريخه في ترجمة آدم ثم وصف المفتي بقوله للإنصاف والحلم معقلا أي حصنا
____________________
1- وليها أي ناظمها أي أنها لما تكاملت صفات حسنها يعرو مفاصلها عن كل عوراء وكونها سهلة الخلق واعتنى بمعانيها ابتغت عند ذلك كفؤا يصلح للاتصال بها فما فيها ما يمنع الكفؤ منها إلا ذنوب وليها المتولي أمرها وكل هذه استعارات حسنة ملائم بعضها لبعض يعني أن صد الناس عنها أمر فما هو إلا ما يعلمه وليها في نفسه وإنما قال ذلك رحمه الله تواضعا لله والمؤمن يهجم نفسه بين يدي الله تعالى ويعترف بتقصيره في طاعته ولو بلغ منها ما بلغ وإلا فوليها رحمه الله كان أحد أولياء الله تعالى وقد لقيت جماعة من أصحابه مشايخ أئمة أكابر في أعيان هذه الأمة بمصر والشام وكلهم يعتقد فيه ذلك وأكثر منه مع إجلال له وتعظيم وتوقير حتى حملني ذلك منهم على أن قلت
( لقيت جماعة فضلاء فازوا % بصحبة شيخ مصر الشاطبي )
( وكلهم يعظمه كثيرا % كتعظيم الصحابة للنبي )
وكأنه رحمه الله أشار بقوله فيا طيب الأنفاس أحسن تأولا إلى ذلك أي احمل كلامي على أحسن محامله وهو ما حملناه عليه من التواضع وهو كما قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه وليت عليكم ولست بخيركم وكقول عمر ابن عبد العزيز رضي الله عنه في خطبته بعد ما وعظ وذكر أما أني أقول لكم ولا أعلم عند أحد من الذنوب أكثر مما عندي أو كما قال وكان الناظم يقول الغرض بها أن ينفع الله بها عباده وينفع بالتعب عليها قائلها فإذا كان مذنبا عاصيا خشي أن يخمد الله علمه فلا ينتفع به أحد ثم إنه رحمه الله قال فيما أخبرني عنه شيخنا أبو الحسن وغيره لا يقرأ أحد قصيدتي هذه إلا وينفعه الله تعالى بها لأني نظمتها لله وتأولا مفعول أحسن أو تمييز كما تقول طب نفسا وقر عينا لتطيب نفسك ولتقر عينك وليحسن تأويلك للكلام وذلك بحمله على أحسن محامله
1166 [ وقل رحم الرحمن حيا وميتا % فتى كان للإنصاف والحلم معقلا ]
(2/757)
أو موضعا لعقل الإنصاف والحلم وقد حمل الشيخ وغيره هذا البيت على أن الناظم عنى بالفتى نفسه ومدحها بذلك فاستبعدت ذلك من جهة أنه غير ملائم لتواضعه بقوله وليس إلا ذنوب وليها ولا هو مناسب لطلب الترحم عليه فإن اللائق أن يقال اللهم ارحم عبدك الفقير إليك وهو ذلك فيما إذا أريد به شخص معين ولا نزكي ذلك الشخص أما إذا كان الدعاء لعموم من اتصف بتلك الصفة فإنه سائغ نحو اللهم ارحم أهل الحلم والكرم والعلم فاستنبطت له وجهين آخرين أحدهما أنه أمر بالترحم على من كانت هذه صفته لأنه ندب إلى الإنصاف بنحو ذلك من قبل حين قال أخائقة يعفو ويغضي تجملا وبقوله ( فياطيب الأنفاس أحسن تأولا % )
فكأنه قال وقل رحم الله من كان بهذه الصفة ثم قال عسى الله يدني سعيه أي سعى وليها المذكور في قوله وليس لها إلا ذنوب وليها فيكون الابتداء ترج منه أو يكون داخلا في المقول أي قل هذا وهذا أي ادع لمن اتصف بتلك الصفة وادع لناظم القصيدة ووليها الوجه الثاني أن يكون المأمور به في قوله وقل البيت الآخر وهو عسى الله يدني سعيه أي قل ذلك وترجه من الله تعالى ويكون قوله رحم الرحمن حيا وميتا دعاء من المصنف لمن اتصف بهذه الصفات وهو كلام معترض بين فعل الأمر والمأمور به وكلاهما وجه حسن
1167 [ عسى الله يدني سعيه بجواره % وإن كان زيفا غير خاف مزللا ] (1) الجد بالقصر العطية وبالمد الغنا والنفع فيجوز أن يكون قصر الممدود وهو تفضلا منصوبان على التمييز
1169 [ أقل عثرتي وانفع بها وبقصدها % حنانيك يا الله يا رافع العلا ] + العبرة الزلة والإقالة فيها الخلاص من تبعها وأنفع بها أي بهذه القصيدة من طلب النفع بها وبقصدها يعني
____________________
1- يدني أي يقرب سعيه أي ما سعى له من عمل البر بجوازه أي بأن يجعله جائزا فلا يرده بل يتقبله على ما فيه من الخلل فأومأ إلى ذلك بقوله وإن كان زيفا أي رديئا يقال للدرهم الرديء زيف وزايف وأراد بقوله غير خاف أي زيفه ظاهر لا يخفى على من له بصيرة بالأعمال الصالحة ومزللا مثل زيفا يقال زلت الدراهم أي نفقت في الوزن فمزلل بمعنى منقوص هذا كله إن كان اسم كان ضميرا عائدا على السعي وإن عاد على الناظم صاحب السعي فالمعنى أنها منسوب إلى الزلل والزلة الخطيئة وكل ما ذكرناه على أن تكون الهاء في بجوازه للسعي ويجوز أن تكون للساعي أي يدني سعيه بأن يجوز وليه الصراط يقال جزت الموضع أجوزه جوازا إذا سلكته فالمصدر في بجوازه مضافا إلى فاعله ويجوز أن يكون مضافا إلى مفعوله على أن يكون من الجواز بمعنى السقي أي لسقيه من الحوض يوم العطش الأكبر أي يكون ذلك من علامة إدناء سعيه وتقريبه وقبوله جعلنا الله كذلك آمين
1168 [ فيا خير غفار ويا خير راحم % ويا خير مأمول جدا وتفضلا ]
(2/758)
من قصد الانتفاع بها وإن لم يقو عليها فانفعه بقصده ويدخل الناظم في هذا الدعاء لأنه قصد نظمها ونفع الناس بها وقد حقق الله رجاءه واستجاب دعاءه ثم قال حنانيك فطلب التحنن من الله تعالى وهذا أحد المصادر التي جاءت بلفظ التثنية المضافة إلى المخاطب نحو لبيك وسعديك والمراد بها المداومة والكثرة أي تحنن علينا تحننا بعد تحنن وقطع همزة اسم الله في النداء جائز تفخيما له واستعانة به على مد حرف النداء مبالغة في الطلب والرغبة ثم كرر النداء بقوله يا رافع العلا أي يا رافع السموات العلى كما قال تعالى تنزيلا ممن خلق الأرض والسموات العلى
1170 [ وآخر دعوانا بتوفيق ربنا % أن الحمد لله الذي وحده علا ] (1) أي وبعد تحميد الله تعالى وذكره فنصلي ونسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقوله صلاة الله ثم سلامه مبتدأ وخبره على سيد الخلق أي حالان عليه والرضى نعت أي المرتضي ومتنخلا نصب على الحال أي مختارا ثم بينه فقال
1172 [ محمد المختار للمجد كعبة % صلاة تباري الريح مسكا ومندلا ] + محمد عطف بيان وكعبة ثاني مفعولي المختار لأنه اسم مفعول واقع صلة للألف أو اللام والتقدير الذي اختير كعبة واللام في للمجد يجوز أن تكون للتعليل أي اختير كعبة تؤم وتقصد من أجل المجد الحاصل له في الدارين ويجوز أن تكون من تتمة قوله كعبة أي كعبة للمجد أي لا مجد أشرف من محمد كما أن كعبة مكة شرفها الله تعالى أشرف ما فيها أو على معنى أن المجد طائف كما يطاف بالكعبة وقول الناس هو كعبة الكرم إنما يراد به أن يحج إليه ويقصد من أجل كرمه كالكعبة وهذه المعاني كلها موجودة في المصطفى صلى الله عليه وسلم وصلاة نصب على المصدر أي أصلي صلاة هذه صفتها أو يكون منصوبا على المدح لأن ما تقدم من قوله صلاة الله يغني عن هذا التقدير ومعنى تباري الريح تعارضها وتجري جريها في العموم والكثرة ومسكا ومندلا حالان أي ذات مسك ومندل وهو العود أو صلاة طيبة فيكونان صفة لها والطيب يكنى به عن الثناء الحسن ويجوز أن يكونا تمييز بن كمال يقال فلان تيار الريح سخاء أي يجري سخاوة جريها وتعم عموم هبوبها فالمعنى تباريها مسكها أو مندلها والريح أيضا تحمل الرائحة الطيبة مما تمر به من النبات الطيب الريح فقد اتضحت مباراة الصلاة للريح في حالة الطيب من الجهتين
____________________
1- ختم دعاءه بالحمد كما قال الله تعالى إخبارا عن أهل الجنة جعلنا الله بكرمه منهم - وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين - فالباء في بتوفيق ربنا يجوز أن يتعلق بدعوانا لأنه مصدر كما تقول دعوت بالرحمة والمغفرة ويجوز أن تكون باء السبب أي إنما كان آخر دعوانا أن الحمد لله بسبب توفيق ربنا لاتباع هذه السنة التي لأهل الجنة
1171 [ وبعد صلاة الله ثم سلامه % على سيد الخلق الرضا متنخلا ]
(2/759)
1173 [ وتبدي على أصحابه نفحاتها % بغير تناه زرنبا وقرنفلا ] (1)
____________________
1- أي وتشهر هذه الصلاة على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم نفحاتها بغير تناه أي لا نهاية لها ولا تناهي لإصابتها إياهم أي دائمة سرمدية وزرنبا وقرنفلا حالان أي مشبهة ذلك وهذا مما يقوي أن مسكا ومندلا في البيت السابق أيضا حالان فالقرنفل معروف والزرنب ضرب من النبات طيب الرائحة كرائحة الأترج ورقه كورق الطرفاء وقيل كورق الخلاف وفي حديث أم زرعة زوجي المس مس أرنب والريح ريح زرنب
وقال الشاعر
( بأبي أنت وقول الأشيب % كأنما زر عليه الزرنب )
أو زنجبيل وهو عندي أطيب والزرنب والقرنفل دون المسك والمندل من الطيب فحسن تشبيه الصلاة على الصحابة بذلك لأنهم في الصلاة تبع للنبي صلى الله عليه وسلم فلهذا أصابتهم نفحاتها وبركاتها رضي الله عنهم وأرضاهم آمين آمين آمين وقد تم الكتاب والحمد لله رب العالمي
(2/760)