{إِبْدَالُ صًوْتُ الضَّادِ اللَّسَانِيَّةِ بِصَوْتِ اللاَّمِ الْمُغَلَّظَةِ}
هناك ترابط بين صوت الضاد واللام من حيث أن بينهما قاسم مشترك لخروجهما من الحافتين فإن مخرج صوت اللام وفق ترتيب سيبويه وابن الجزري يأتي تاليا لمخرج الضاد كما يشتركان في أنهما من أصوات حافة اللسان يقول سيبويه في كتابه ج 2 ص 405 ( ومن بين أول حافة اللسان وما يليه من الأضراس مخرج الضاد ومن حافة اللسان من أدناها إلى منتهى طرف اللسان ما بينها وبين ما يليها من الحنك الأعلى فويق الضاحك والناب والرباعية والثنية مخرج اللام ) اهـ وقال ابن الجزري في المقدمة (
.....................والضاد من حافته إذ وليا .
لاضراس من أيسر أو يمناها واللام أدناها لمنتهاها(1/1)
وتشارك الضاد اللام في الجهر . أما من ناحية الشدة والرخاوة فإن سيبويه عد الضاد التي نزل بها القرآن من الحروف الرخوة في حين عد اللام من الحروف المتوسطة بين الشدة والرخاوة ووصفها بصفة الانحراف يقول سيبويه ( ومن الحروف الشديد .... وهي الهمزة والقاف والكاف والجيم والباء والطاء والتاء والدال والباء .....ومنها الرخوة وهي الهاء والحاء والغين والخاء والشين والصاد والضاد والزاي والسين والظاء والذال والفاء .... أما العين فبين الرخوة والشديدة تصل إلى الترديد فيها لتشبها بالحاء ومنها المنحرف وهو حرف شديد جرى فيه الصوت لانحراف اللسان مع الصوت ولم يعترض على الصوت كاعتراض الحروف الشديد وهو اللام وإن شئت مددت فيها الصوت وليس كالرخوة لأن طرف اللسان لا يتجافى عن موضعه ) اهـ وقد أدى اجتماع خروجهما من الحافتين واشتراكهما في التفخيم إلى الخلط بينهما والاشتباه في القراءة بين الضاد واللام المغلظة ومقاربة اللام المغلظة الضاد في اللفظ عند بعض من حاولوا نطق الضاد العربية القديمة الفصحى بصفاتها القوية وإخراجها من مخرجها الصحيح في القرنين السادس والسابع الهجري فنطقوا الضاد شبيهة باللام المفخمة وفي ذلك يقول المقرئ النحوي علم الدين السخاوي المصري في قصيدته النونية :
1. والضادُ عالٍ مُستطيلُ مُطَبَقٌ * جَهِرٌ يَكِلٌّ لديه كلُّ لسانِ
2. حاشا لسانِ بالفصاحةِ قَيِّمٍ * ذَربٍ لأحكام الحروف مُعانِ
3. كمْ رامَهُ قومُ فما أبدَوا سِوى * لامِ مُفخَمَةٍ بِلا عِرفانِ(1/2)
أما في القرن السابع والثامن الهجري فإننا نجد ابن الجزري يشير إلى بعض مظاهر التغير والتحول في نطق الضاد في عصره والخلط بين الضاد والظاء والذال والزاي واللام المغلظة دون تحديد للمكان أو الأقوام الذين يقع منهم هذا الخلط وذلك في كتابه النشر في القراءة العشر ونوها أيضا بذلك في تمهيده ص 130 / 131(واعلم أن هذا الحرف ليس من الحروف حرف يعسر على اللسان غيره، والناس يتفاضلون في النطق به.(1/3)
فمنهم من يجعله ظاء مطلقاً، لأنه يشارك الظاء في صفاتها كلها، ويزيد عليها بالاستطالة، فلولا الاستطالة واختلاف المخرجين لكانت ظاء، وهم أكثر الشاميين وبعض أهل المشرق. وهذا لا يجوز في كلام الله تعالى، لمخالفة المعنى الذي أراد الله تعالى، إذ لو قلنا ) الضَّالِّينَ)(البقرة: من الآية198) بالظاء كان معناه الدائمين، وهذا خلاف مراد الله تعالى، وهو مبطل للصلاة، لأن (الضلال) هو ضد (الهدى)، كقوله: ) ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ)(الاسراء: من الآية67) ، )ْ وَلا الضَّالِّينَ)(الفاتحة: من الآية7) ونحوه، وبالظاء هو الدوام كقوله: ) ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً)(النحل: من الآية58) وشبهه، فمثال الذي يجعل الضاد ظاء في هذا وشبهه كالذي يبدل السين صاداً في نحو قوله: ) وَأَسَرُّوا النَّجْوَى)(طه: من الآية62) وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا)(نوح: من الآية7) فالأول من السر، والثاني من الإصرار. وقد حكى ابن جني في كتاب التنبيه وغيره أن من العرب من يجعل الضاد ظاء مطلقاً في جميع كلامهم. وهذا غريب، وفيه توسع للعامة.ومنهم من لا يوصلها إلى مخرجها بل يخرجها دونه ممزوجة بالطاء المهملة، لا يقدرون على غير ذلك، وهم أكثر المصريين وبعض أهل المغرب. ومنهم من يخرجها لاماً مفخمة، وهم الزيالع ومن ضاهاهم. واعلم أن هذا الحرف خاصة إذا لم يقدر الشخص على إخراجه من مخرجه بطبعه لا يقدر عليه بكلفة ولا بتعليم. ) اهـ ومدينة زيلع تقع جنوب مدينة جيبوتي بجمهورية الصومال قرب باب المندب وهما يطلان على خليج عدن وجنوب غرب اليمن وهم عبارة عن جيل من السودان في طرف أرض الحبشة وقد أشار بعض الباحثين لمشكلة التداخل اللغوي في تعليم العربية لغير الناطقين بها ومنهم الصوماليون إلى ما يؤكد ملاحظة ابن الجزري في نطق الزيالع للضاد لاما وتغيير مخرجها وصفتها بقوله ( فالناطق بلغة الأوردو لا يجعل الضاد دالا بل زايا ....(1/4)
أما الناطق باللغة الصومالية فهو يغير من مخرج الصوت وصفته كليهما عند نطقه الصوت " ض " لاما في المواقع النهائية ) اهـ وقد أشار ابن الجزري في نصه السابق إلى نطق الزيالع ومن ضاهاهم للضاد لاما مفخمة ولمعرفة من ضاهاهم من هم ؟ فسنجد الجواب عند بعض المستشرقين في مطلع القرن العشرين في كتاب دراسات في لهجات جنوب الجزيرة العربية اليمنية أن الضاد في عدد من الكلمات نطقا قريبا من نطق الضاد العربية القديمة عند أهل حضر موت وهو كاللام المطبقة وكذلك عند أهل دثينة .
{إِشْمَامُ صَوْتُ الضَّادِ اللِّسَانِيَّةِ بِصَوْتِ الزَّايِ وَ الذَّالِ}(1/5)
أشار علامة القراءات بلا منازعٍ إلى وقتنا المعاصر شمس الدين ابن الجزري في كتابه النشر أن بعض الظواهر الصوتية الخاطئة التي لاحظها في عصره أن بعض العوام كان يخلط الضاد الفصيحة بصوت الزاي والبعض الآخر يمزجه بصوت الذال اللسانية وكان انتشار هذه الظواهر الصوتية في القرن الثامن الهجري وبيَّن ذلك بقوله في نشره ج 1 ص 219 ( والضاد انفرد بالاستطالة وليس في الحروف ما يعسر على اللسان مثله ومنهم من يمزجه بالذال ..... ومنهم من يشمه الزاي وكل ذلك لا يجوز ) اهـ وأكد الدكتور احمد عبد المجيد هريدي في بحثه صوت الضاد وتغيراته أن قبل الإسلام يوجد الخلط قِبل الضاد والزاي في النطق بقوله ص 77 / 78 ( .... ومثل هذا الخلط في النطق بين الضاد والزاي نجد ما يماثله _ قبل الإسلام _ في نقوس الكتابات العربية الجنوبية القديمة التي وجدت في اليمن وفي نقوش الكتابات الثمودية والصفوية واللحيانية التي وجدت في شمال الحجاز ....(1/6)
وفي ذلك يذكر د / خليل يحيي نامي أن " رسم الضاد في الكتابات العربية الجنوبية الثمودية والصفوية يكاد يكون قريبا في الشكل من رسم حرفي الصاد والذال وقد يدل هذا على أن الضاد كانت قريبة في المخرج في زمن هذه الكتابات من مخرجي الذال والصاد كما أن إبدال الضاد بالزاي في نقش سبأى متأخر يدل على أن مخرج الضاد عند العرب الجنوبيين كان عبارة عن ذال مطبقة وكذلك عند الثموديين والصفويين ) اهـ وقد أشار أبو الحسن الصفاقسي ( ت 1118 هـ) إلى بعض أشكال التغيير الصوتي للضاد التي نزل بها القرآن بتحويلها إلى صوت الذال اللسانية حال تلاوة القرآن الكريم وعده من اللحن الفاحش الجلي وذلك عند مجاورة الذال أحد حروف الاستعلاء السبعة وهي القاف والظاء والخاء والصاد والضاد والغين والطاء وفي ذلك يقول الصفاقسي في كتابه الرائع تنبيه الغافلين ص 58 في سياق تنبيهاته على الأخطاء والأمراض اللفظية التي تقع في نطق صوت الذال بقوله ( وبعضهم يجعلها عند حروف الاستعلاء ضادا وهو لحن فاحش ) اهـ أما في الوقت المعاصر لا يوجد ظاهرة صوتية في اللهجات العامية من إبدال الضاد بصوت الذال أو خلط بصوت الزاي إلا في القليل من الكلام .
{جَمْعُ الْكَلِمَاتِ الضَّادِيَّةِ لِتَتَمَيَّزَ مِنْ غَيْرِهَا الظَّائِيَّةِ}(1/7)
في فترة تواجدي بالمدينة المنورة ونزولي الدائم للحرم النبوي وجلوسي الدائم مع أهل الأسانيد وشيوخ الأداء لتلقي القرآن كان هناك أمر شديد النكير ينشره ويقول به الشيخ عبيد الله الأفغاني وهو تقريره أن الضاد العربية الفصيحة عنده هي حرف الظاء وكان يتعصب جدا لهذا الرأي ولذا أحذر من التأثر بالمقرئ عبيد الله الأفغاني الذي ينشر هذه البدعة في القراءة في المسجد النبوي الشريف، وله أشرطة في الدعوة إليها فكان الشيوخ ينصحونه بالتي هي أحسن ولكنه لم يستجب فاحذروا من كلامه أو التلقي منه وهناك من يدعو إلى هذه البدعة الصوتية أيضا في بلاد المغرب العربي وللرد على أمثال هذا الشيخ ومن على شاكلته من أهل المغرب العربي الذي يصرون أن الضاد الفصيحة هي حرف الظاء أنقل لهم كلام العلامة ابن الجزري كاملا فلا غنى لأي قارئ عنه فقد ميز رحمه الله بين صوت الحرفين بالمخرجين وخص الضاد بالاستطالة فقال رحمه الله في كتابه التمهيد ص 86/ 87/ 88(1/8)
( ( وأما الضاد: فتقدم الكلام على أنها تخرج من المخرج الرابع من مخارج الفم، من أول حافة اللسان وما يليه من الأضراس، وهي مهجورة رخوة مطبقة مستعلية مستطيلة. واعلم أن هذا الحرف ليس من الحروف حرف يعسر على اللسان غيره، والناس يتفاضلون في النطق به. فمنهم من يجعله ظاء مطلقاً، لأنه يشارك الظاء في صفاتها كلها، ويزيد عليها بالاستطالة، فلولا الاستطالة واختلاف المخرجين لكانت ظاء، وهم أكثر الشاميين وبعض أهل المشرق. وهذا لا يجوز في كلام الله تعالى، لمخالفة المعنى الذي أراد الله تعالى، إذ لو قلنا ) الضَّالِّينَ)(الفاتحة: من الآية7) بالظاء كان معناه الدائمين، وهذا خلاف مراد الله تعالى، وهو مبطل للصلاة، لأن (الضلال) هو ضد (الهدى)، كقوله:) ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ)(الإسراء: من الآية67) ) وَلا الضَّالِّينَ)(الفاتحة: من الآية7)ونحوه، وبالظاء هو الدوام كقوله:) ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ)(النحل: من الآية58) وشبهه، فمثال الذي يجعل الضاد ظاء في هذا وشبهه كالذي يبدل السين صاداً في نحو قوله:) وَأَسَرُّوا النَّجْوَى)(طه: من الآية62) و) وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا )(نوح: من الآية7) فالأول من السر، والثاني من الإصرار. وقد حكى ابن جني في كتاب التنبيه وغيره أن من العرب من يجعل الضاد ظاء مطلقاً في جميع كلامهم. وهذه غريب، وفيه توسع للعامة. ومنهم من لا يوصلها إلى مخرجها بل يخرجها دونه ممزوجة بالطاء المهملة، لا يقدرون على غير ذلك، وهم أكثر لمصريين وبعض أهل المغرب. ومنهم من يخرجها لاماً مفخمة، وهم الزيالع ومن ضاهاهم. واعلم أن هذا الحرف خاصة إذا لم يقدر الشخص على إخراجه من مخرجه بطبعه لا يقدر عليه بكلفة ولا بتعليم.)(1/9)
اهـ وعنون أيضا في بحثه المفصل في جمع الكلمات الضادية لتتميز من غيرها الظائية فقال (باب في معرفة الظاء وتمييزها من الضاد حسبما وقع القرآن الكريم ) وهذا الباب يحتاج القارئ إليه، ولا بد من معرفته. وقد عمل المتقدمون فيه كتباً نثراً ونظماً، ومن أحسن ما نظم فيه ما أخبرني به الشيخ عبد الكريم التونسي ، قراءة مني عليه، قال أخبرنا أبو عبد الله محمد بن بزال الأنصاري ، قال أخبرنا ابن الغماز ، قال أخبرنا ابن سلمون ، قال أخبرنا ابن هذيل، قال أخبرنا أبو داود، قال أملى علينا الشيخ أبو عمرو الداني من نظمه:
( ظفرت شواظ بحظها من ظلمنا** فكظمت غيظ عظيم ما ظنت بنا )
( وظعنت أنظر في الظهيرة ظلةً** وظللت أنتظر الظلال لحفظنا )
( وظمئت في الظما ففي عظمي لظى** ظهر الظهار لأجل غلظة وعظنا )
( أنظرت لفظي كي تيقظ فظه** وحظرت ظهر ظهيرها من ظفرنا )(1/10)
ذكر هذه الأبيات الأربعة جميع ما وقع في القرآن من لفظ الظاء، وميزه مما ضارعه لفظا، وهي اثنتان وثلاثون كلمة، وقيل جميع ما في القرآن من ذلك ثمانمائة وأحد عشر موضعا. ولنتكلم الآن على هذه الأبيات كلمة كلمة، ونذكر وقوع كل في القرآن ومعناه بالإيجاز والاختصار، فمن أراد الإحاطة بالظاءات فعليه بـ ( رفع الحجاب عن تنبيه الكتاب ) الذي ألفه شيخنا الإمام أبو جعفر نزيل حلب فأقول مستعيناً بالله: أما قوله: ( ظفرت ) أي فازت، يقال ظفر الرجل بحاجته يظفر ظفراً إذا فاز بها، والظافر الغالب. والذي وقع في القرآن من هذا اللفظ موضع واحد في سورة الفتح: ) مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ)(الفتح: من الآية24) وأما الشواظ فهو اللهب الذي لا دخان معه، وقيل الذي معه دخان، وفيه لغتان: ضم الشين وكسرها، وقرئ بهما. ووقع في القرآن في موضع واحد في سورة الرحمن: )يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ )(الرحمن: من الآية35). وأما الحظ فهو النصيب، وهو بالظاء، وضارعه في اللفظ الحض الذي معناه التحريض، يقال حضضت فلانا على الشيء، أحضه أي أحرضه عليه. قال الخليل : الفرق بين الحث والحض، الحث يكون في السير والسوق وكل شيء، والحض لا يكون في سير ولا في سوق فأما الأول ففي القرآن منه ستة مواضع، والثاني ثلاثة مواضع في الحاقة والماعون )وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ) (الحاقة:34) وفي الفجر) وَلا تَحَاضُّونَ )(الفجر: من الآية18) هذه الثلاثة بالضاد وأما الظلم فهو وضع الشيء في غير موضعه، ووقع في القرآن في مائتي موضع واثنين وثمانين موضعاً متنوعاً. وأما الكظم فهو مخرج النفس، والكظيم مجترع الغيظ، ووقع منه في القرآن ستة ألفاظ. وأما الغيظ فهو الامتلاء والحنق، وهو شدة الغضب، فهو بالظاء، ووقع في القرآن في أحد عشر موضعاً.(1/11)
وضارعه في اللفظ الغيض الذي معناه التفرقة، ووقع في موضعين ) وَغِيضَ الْمَاءُ)(هود: من الآية44) ، ) وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَام)(الرعد: من الآية8). وما العظيم فهو الجليل أي الكبير، وأعظم الأمر أكبره، ووقع في القرآن في مائة موضع وثلاثة مواضع. وأما الظن فهو تجويز أمرين أحدهما أقرب من الآخر، يقال ظن يظن ظناً، ويكون شكاً ويقيناً، فالشك نحو: ) وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ )(الفتح: من الآية12) ، و ) وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا)(الأحزاب: من الآية10) ، واليقين نحو: )الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو رَبِّهِمْ )(البقرة: من الآية46) ، ) فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا)(الكهف: من الآية53) ووقع منه في القرآن سبعة وستون لفظاً، وضارعه في اللفظ قوله تعالى: )وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ) (التكوير:24) وفيه خلاف، فقرأه بالظاء ابن كثير و أبو عمرو و الكسائي ، بمعنى متهم، والباقون يقرؤونه بالضاد بمعنى بخيل. وأما الظعن فهو السفر والشخوص، يقال ظعن يظعن ظعناً إذا شخص أو سافر، ووقع منه في القرآن لفظ واحد في سورة النحل يوم ) يَوْمَ ظَعْنِكُمْ )(النحل: من الآية80) . وأما النظر فهو من نظرت الشيء أنظره فأنا ناظر، قال المجنون:
نظرت كأني من وراء زجاجة** إلى الدار من ماء الصبابة أنظر(1/12)
والنظير المثيل، وهو الذي إذا نظر إليه وإلى نظيره كانا سواء، ووقع في القرآن منه ستة وثمانون موضعاً. وضارعه في اللفظ النضر الذي معناه الحسن، ومنه قوله عليه الصلاة والسلام: نضر الله امرأً سمع مقالتي فوعاها، وأداها كما سمعها ووقع في القرآن منه ثلاثة مواضع، في القيامة )وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ) (القيامة:22) وفي الإنسان) وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورا)(الإنسان: من الآية11) وفي المطففين )تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ) (المطففين:24) . وأما الظهيرة فسيأتي الكلام عليه عند قوله ظهر ظهيرها. وأما الظلة فهو كل ما أظلك ووقع في القرآن منها موضعان) كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ )(لأعراف: من الآية171) في الأعراف، و ) يَوْمِ الظُّلَّةِ )(الشعراء: من الآية189) . وأما ظللت فهو من قولك ظل فلان يفعل كذا إذا دام على فعله نهاراً، وهو من ظل يظل وهي أخت كان، ووقع في القرآن منه تسعة ألفاظ ) فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ)(الحجر: من الآية14) بالحجر، ) ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً)(النحل: من الآية58) في النحل والزخرف. ) ظَلْتَ عَلَيْه)(طه: من الآية97) . ) فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ)(الشعراء: من الآية4) ، ) فَنَظَلُّ لَهَا )(الشعراء: من الآية71) كلاهما بالشعراء. ) لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ)(الروم: من الآية51) في الروم. ) فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ )(الشورى: من الآية33) بالشورى، ) فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ)(الواقعة: من الآية65) في الواقعة. وظلت وفظلتم أصله بلامين، لكن خفف مثل مست ومسست. وضارع هذا اللفظ في اللفظ الضلال الذي هو ضد الهدى، نحو ) وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ)(الأنعام: من الآية24) وكذا ما معناه البطانة والتغيب نحو ) أَإِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْض)(السجدة: من الآية10) أي غبنا وبطننا فيها، فكذلك عيناه في مواضعه ليمتاز من هذا فاعلمه.(1/13)
وأما الانتظار فهو التوقع، تقول: انتظرت كذا، أي توقعته، وأتى في أربعة عشر موضعاً. وأما الظلال بكسر الظاء فهو جمع ظل، وهو معروف، كظل الشجرة وغيرها، ويقال له ظل في أول النهار، فإذا رجع فهو فيء، والظل الظليل الدائم، فهو وما اشتق منه بالظاء، نحو ) مَدَّ الظِّلّ)(الفرقان: من الآية45) و ) وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ )(لأعراف: من الآية160) ، ) يَتَفَيَّأُ ظِلالُهُ)(النحل: من الآية48) ، ) فِي ظُلَل )(البقرة: من الآية210) ، ) مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَل)(الزمر: من الآية16). وتقدم ذكر الظلة، وجمعها ظلل أو ظلال كخلة وخلل، وبرمة وبرام، ووقع منه في القرآن اثنان وعشرون موضعاً. وأما الحفظ فهو ضد النسيان، وهو بالظاء كيف تصرف، نحو) عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ)(هود: من الآية57) و) حَافِظَاتٌ)(النساء: من الآية34) و) حَفَظَةً)(الأنعام: من الآية61) و) مَحْفُوظٍ)(البروج: من الآية22) و ) يَحْفَظُونَهُ)(الرعد: من الآية11) . وقع في اثنين وأربعين موضعا وأما الظمأ بالهمز فهو العطش، ووقع في ثلاثة مواضع، في براءة) لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأ)(التوبة: من الآية120) وفي طه ) تَظْمَأُ)(طه: من الآية119) وفي النور) الظَّمْآنُ)(النور: من الآية39) وأما الظلماء فهي من الظلمة، وجمعها ظمأت، ووقعت في ستة وعشرين موضعاً. وأما العظم فهو معروف، وجمعه عظام، ووقع في أربعة عشر موضعاً جمعاً وفرداً. وأما لظى فأصله اللزوم والإلجاج، تقول: ألظ بكذا، أي ألزمه ولج به، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: ألظوا بياذا الجلال والإكرام أي الزموا أنفسكم وألجوا بكثرة الدعاء بها، وسميت بعض طباق النار به للزومها العذاب، قال الله تعالى: ) وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ)(الحجر: من الآية48) ، ووقع في القرآن منه موضعان ) إِنَّهَا لَظَى)(المعارج: من الآية15) في المعارج )فَأَنْذَرْتُكُمْ نَاراً تَلَظَّى) (الليل:14) في والليل.(1/14)
وأما الظهار فيأتي الكلام عليه عند قوله ظهر ظهيرها. وأما الغلظ فهو معروف، وفي القرآن منه ثلاثة عشر موضعاً وأما الوعظ فهو التخويف من عذاب الله، والترغيب في العمل القائد إلى الجنة. قال الخليل : هو التذكير بالخير فيما يرق له القلب، انتهى فهو بلا ظاء كيف تصرف، وجمع الموعظة مواعظ، وجمع العظة عظات وضارعه في اللفظ قوله تعالى :) جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ)(الحجر: من الآية91) في الحجر وهو بالضاد، ومعناه أنهم فرقوه، وقالوا: هو سحر وشعر وكهانة ونحو ذلك. وأما الإنظار فهو التأخير والمهلة، تقول أنظرته أي أمهلته، وهو اثنان وعشرون موضعاً. وأما اللفظ فهو الكلام، وهو مصدر من لفظ يلفظ، وهو موضع واحد )مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ)(قّ: من الآية18) في ق . وأما الإيقاظ فهو من اليقظة، وهو ضد الغفلة أو النوم، وهو موضع واحد في الكهف )وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظاً)(الكهف: من الآية18) وأما الفظ فقيل هو الرجل الكريه الخلق، مشتق من فظ الكرش وهو ماؤه، وهو موضع واحد في آل عمران ) وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً)(آل عمران: من الآية159). وضارعه في اللفظ الغض الذي معناه الفك والتفرقة، تقول فضضت الطابع أي فككته، وانفض الجماعة أي تفرقوا، قال الله تعالى: ) لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ)(آل عمران: من الآية159) ، ( انْفَضُّوا إِلَيْهَا )(الجمعة: من الآية11) أي تفرقوا. وأما الحظر فمعناه المنع والحيازة، لأن كل حائز لشيء مانع غيره منه، وهو موضعان: في الإسراء ) وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً)(الإسراء: من الآية20) أي ممنوعاً، وفي القمر ) كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ)(القمر: من الآية31) والمحتظر الذي يعمل الحظيرة. وضارعه في اللفظ الحضر الذي هو ضد الغيبة، ومعناه الإتيان إلى المكان، ولا معنى فارق بينهما، فافهم. وأما قوله ظهر ظهيرها، وقوله في الظهيرة، وقوله ظهر الظهار، فنتكلم عليهن الآن.(1/15)
فالظهيرة هي شدة الحر، ومنه قوله: ) وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَة)(النور: من الآية58) . وأما الظهر فهو خلاف البطن، ومنه قوله: ) إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا)(الأنعام: من الآية146) . والظهار هو من ظاهر الرجل من زوجته، وهو أن يقول لها أنت علي كظهر أمي، ومنه قوله تعالى: )الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ)(المجادلة: من الآية2) الآية. وأما قوله ظهر هو بضم الظاء، وهو اسم لوقت زوال الشمس، وهو وقت صلاة الظهر، تقول أظهرنا أي صرنا في وقت الظهر، قال الله تعالى: ) وَعَشِيّاً وَحِينَ تُظْهِرُونَ)(الروم: من الآية18). وأما الظهير فهو المعين، والتظاهر التعاون، ومنه قوله تعالى: ) وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ)(التحريم: من الآية4). فإذا علم ذلك ففي كتاب الله تعالى منها وما تصرف منها سبعة وخمسون موضعاً، والله أعلم. وأما الظفر فهو الذي بالأيدي والأرجل، قال أبو حاتم: يقال ظفر وظفر بضمة واحدة وبضمتين، ولا يقال بالكسر كما تقول العامة، وقد يقال للظفر ...... وجمع الظفر أظفار وأظافيرن وقيل أظافير جمع الجمع، كما قيل أقوال وأقاويل، وقيل جمع أظفور. والتظفير هو أخذك الشيء بأطراف أظفارك وتخذيشك إياه بها. ووقع في موضع في الأنعام قوله تعالى: )وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ)(الأنعام: من الآية146) والله أعلم. اهـ
{الرّّدُّ عَلَى مَنْ أَبْدَلَ صَوْتُ الضَّادِ بِصَوْتِ الظَّاءِ}(1/16)
قرأت مقالة جميلة حول صوت الضاد العربية وهي لشيخٍ فاضل وصديق عزيز على قلبي وهو الشيخ عبد الرحمن الشهري المحاضر بكلية أصول الدين جامعة الملك خالد بالسعودية من خلال هذه المقالة ناقش مواضيع ونقاط مهمة ونقل كلاما مفصلا حول صوت الضاد أنقله كاملا لتعم الفائدة للجميع .. قال حفظه الله : (حرف الضاد في اللغة العربية حرف دار حوله جدل طويل ، ولا تكاد تجد في كتب التجويد ولا في كتب الصوتيات العربية أكثر إثارة للجدل من حرف الضاد ، ومن أجل ذلك سميت اللغة العربية بلغة الضاد!! ولا تكاد تجد بين علماء التجويد خلافاً في غيره. وقد ترددتُ على كثير من المقرئين ولم نكن نتوقف عند أي حرف أكثر من توقفنا عند حرف الضاد. ومنذ التقيت بالشيخ الكريم عبيد الله الأفغاني في أبها عام 1409هـ مع أحد تلاميذه سمعت لأول مرة نقاشاً حول حرف الضاد في منزل الشيخ عبيد الله ، وأذكر أنه قام إلى مكتبته فتناول جزءاً من فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية لكي يحتج بكلامه في حرف الضاد ، وكذلك إلى تفسير الألوسي. ثم مرت الأيام بعد ذلك ، وسمعت الكثير وقرأت الكثير حول مشكلة حرف الضاد .....وهذه القضية قد أخذت أبعاداً كثيرة في وسط القراء على وجه الخصوص ، فكل يذهب إلى سداد رأيه وخطأ رأي مخالفه ، مع احتجاج كلٍّ بتلقيه ذلك بالإسناد ، فكلُّ فريق يكتب تأييداً لرأيه ، وتسفيهاً لرأي مخالفه ، وهذا في كتب المتأخرين على وجه الخصوص.(1/17)
وقد كُتب العديد من الكتب في هذا الموضوع يتبنى رأياً واحداً هو القول بأن النطق الصحيح للضاد هو كما يقرأه القراء المصريون الآن كالشيخ الحصري ، ومحمد رفعت رحمهم الله جميعاً ، وكما يقرأ أئمة الحرمين في هذا الزمن ، وتفند هذه المؤلفات الرأي الآخر في نطق الضاد ، بل وتسفهه تسفيهاً شديداً وتلمز القائلين به بأعيانهم والله المستعان ومن تلك المؤلفات كتاب : إعلام السادة النجباء أنه لا تشابه بين الضاد والظاء دراسة تجويدية ، لغوية ، تاريخية ، أصولية. للدكتور أشرف محمد فؤاد طلعت.و الظائيون الجدد ، ردود على شبهات لخالد بن مأمون آل محسوبي. وقد قرأت هاتين الرسالتين مراراً وأكثر ما فيها سب وشتم للمخالف ، ونقل لما يوافق القول الذي ذهب إليه المؤلف ، وربما نقل ما يخالف قوله ثم استدل به للرأي الذي يذهب إليه كاستدلاله بقول ابن يعيش مثلاً في شرح المفصل !! وإلى عهد قريب كانت المصادر التي يمكن الاعتماد عليها في تتبع حرف صوت الضاد لا تزال مخطوطة ، ثم حقق عدد كبير من كتب التجويد المتقدمة على يد الدكتور البصير غانم قدوري الحمد .... فانكشفت للباحثين الكثير من النصوص التي توضح رحلة صوت الضاد الحقيقية عبر الأجيال حتى وقتنا القريب. ويمكن إجمال الحديث حول هذا الأمر في مسائل : الأولى: أن الأصل في القراءة الاتباع ، فهي سنة متبعة يأخذها اللاحق عن السابق ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم :(اقرءوا كما عُلِّمتُم). الثانية: أن أقدم وصف مكتوب للضاد وصل إلينا هو وصف إمام النحاة سيبويه رحمة الله عليه في كتابه العظيم (الكتاب) ، وكل من جاء بعده ينقل عنه. ويمكن تلخيص ما ذكره سيبويه عن الضاد في النقاط التالية: 1- مخرج الضاد ، ذكر سيبويه أنها تخرج (من بين أول حافة اللسان وما يليها من الأضراس).[الكتاب 4/433].(1/18)
فالضاد تميزت بمخرجها ، فهي من حافة اللسان من أقصاها ، مع ما يقابلها من الأضراس ، وكان سيبويه قد ذكر الضاد قبل الجيم حين رتب الحروف ، لكنه جعل مخرج الضاد بعد مخرج حروف وسط اللسان (ج ش ي ) باتجاه طرف اللسان.[الكتاب 4/433]. 2-صفات الضاد . وقد ذكر سيبويه منها : الجهر ، والرخاوة ، والإطباق ، والاستعلاء ،والاستطالة. ولكل صفة من هذه الصفات تفصيلات ليس هذا مكان بسطها. فالضاد التي وصفها سيبويه صوت رخو لا ينحبس النفس في مخرجه ، مجهور يتذبذب الوتران عند النطق به ، مطبق ، مستعل ، تميز بالاستطالة. 3- كل حرف فيه زيادة صوت لا يدغم في ما هو أنقص صوتاً منه. وفي الضاد استطالة ليست لشيء من الحروف فلم يدغموها في شيء من الحروف المقاربة لها ، إلا ما روي من إدغامها في الشين في قوله تعالى :(لبعض شأنهم) وسوغ ذلك ما في السين من تفش يشبه الاستطالة يقربها من الضاد. ومن ثم أدغمت اللام والتاء والدال والطاء والثاء والذال والظاء في الضاد ، ولم تدغم هي فيها. 4- الضاد بهذه الصفات التي ذكرها سيبويه صوت متفرد ، ولهذا قال سيبويه :(لولا الإطباق... لخرجت الضاد من الكلام لأنه ليس من موضعها شيء غيرها). وقد بقي ما كتبه سيبويه نبراساً للعلماء الذين جاءوا بعده ، وفي القرن الرابع الهجري بدأ الأمر يأخذ منحى آخر ، حيث بدأ الانحراف يظهر في النطق بالضاد وخاصة التباسها بصوت الظاء ؛ مما جعل العلماء يكتبون الكتب في التفريق بين الضاد والظاء ، وذلك بجمع الألفاظ التي تكتب بالضاد والتي تكتب بالظاء. وقد أحصى الدكتور حاتم الضامن في مقدمة تحقيقه لكتاب الإمام محمد بن مالك رحمه الله (الاعتماد في نظائر الظاء والضاد) تسعة وثلاثين تصنيفاً في ذلك ، ما بين كتاب ورسالة ومنظومة.انظر[ص 6-12] من مقدمة تحقيق كتاب الاعتماد لابن مالك.(1/19)
وقد زاد عليه في الإحصاء الدكتور محمد بن صالح البراك في مقدمة تحقيقه لمنظومة (درة القارئ للفرق بين الضاد والظاء) لعز الدين الرسعني (661هـ). حيث ذكر 48 مصنفاً ، ولم يشر إلى صنيع حاتم الضامن ولا تحقيقه لكتاب ابن مالك ، ولا لعمل الدكتور رمضان عبد التواب من قبلهما في إحصاء المصنفات في تحقيقه لكتاب (زينة الفضلاء في الفرق بين الضاد والظاء) لأبي البركات الأنباري ، مع اشتهارها. وقد استأثر الاهتمام بجمع الألفاظ التي تنطق بالضاد والظاء بجهود العلماء ، فكل المصنفات التي كتبت تعالج هذا الأمر ،فهي تعالج مسألة كتابة الضاد والظاء ، ولم تتعرض للجانب الصوتي. وهناك مؤلفات أخرى لعدد من العلماء تناولت الجانب الصوتي ، فتحدثت عن خصائص صوت الضاد النطقية ، والانحرافات التي تلحقه على ألسنة الناطقين ، والأصوات التي يختلط بها أو يقترب منها ، وكان لعلماء التجويد مشاركة واضحة في هذا الأمر ، ومن أهم هذه المصنفات: - رسالة (غاية المراد في إخراج الضاد) لابن النجار (870هـ) التي حققها الدكتور طه محسن في مجلة المجمع العلمي العراقي في عدد ذي القعدة عام 1408هـ. - ورسالة (بغية المرتاد لتصحيح الضاد) لابن غانم المقدسي (1004هـ) ، التي حققها الدكتور محمد عبد الجبار المعيبد ، ونشرها في مجلة المورد العراقية. - ورسالة في كيفية الضاد لساجقلي زاده (1150هـ). وقد طبعت بتحقيق الدكتور حاتم الضامن ، وحدثني الأخ إبراهيم الميلي أنه يقوم بتحقيقها كذلك في الكويت ، ... وقد أكدت هذه الرسائل والمؤلفات على حقيقتين :الأولى: أن هناك تغيراً حصل في نطق الضاد. الثانية: أن علماء التجويد كانوا مشغولين بتحديد ملامح ذلك التغير ، وأنهم كانوا حريصين على التمسك بالصورة الأولى لنطق الضاد.(1/20)
وأختم بالإشارة إلى كلام سيبويه حول ما سماها بـ(الضاد الضعيفة) ، وهي أحد الحروف الفرعية غير المستحسنة في قراءة القرآن ولا في الشعر ، وهو قوله:(إلا أن الضاد الضعيفة تتكلف من الجانب الأيمن ، وإن شئت تكلفتها من الجانب الأيسر ، وهو أخف ، لأنها من حافة اللسان مطبقة ، لأنك جمعت في الضاد تكلف الإطباق مع إزالته عن موضعه ، وإنما جاز هذا فيها لأنك تحولها من اليسار إلى الموضع الذي في اليمين وهي أخف ، لأنها من حافة اللسان وأنها تخالط مخرج غيرها بعد خروجها ، فتستطيل حين تخالط حروف اللسان ، فسهل تحويلها إلى الأيسر ، لأنها تصير في حافة اللسان في الأيسر إلى مثل ما كانت في الأيمن ، ثم تنسلُّ من الأيسر حتى تتصل بحروف اللسان ، كما كانت كذلك في الأيمن).[الكتاب 4/432 بتحقيق عبد السلام هارون]. وأنقل لكم بعضاً من كلام العلماء رحمهم الله في الضاد لتعلموا أن الانحراف في نطق هذا الحرف قديم . قال مكي بن أبي طالب القيسي (ت 437هـ) :(ولا بد للقارئ من التحفظ بلفظ الضاد حيث وقعت ، فهو أمر يقصر فيه أكثر من رأيت من القراء والأئمة ... ومتى فرط في ذلك أتى بلفظ الظاء أو بلفظ الذال فيكون مبدلاً ومغيراً ، والضاد أصعب الحروف تكلفاً في المخرج ، وأشدها صعوبة على اللافظ ، فمتى لم يتكلف القارئ إخراجها على حقها أتى بغير لفظها ، وأخل بقراءته). الرعاية 158-159 وقال أبو عمرو الداني (444هـ) عن نطق الضاد :(ومن آكد ما على القراء أن يخلصوه من حرف الظاء بإخراجه من موضعه ، وإيفائه حقه من الاستطالة). التحديد 164 وقال عبد الوهاب القرطبي (461هـ) :(وأكثر القراء اليوم على إخراج الضاد من مخرج الظاء ، ويجب أن تكون العناية بتحقيقها تامة ، لأن إخراجها ظاءً تبديلٌ). الموضح 114وقال ابن وثيق الأندلسي (654هـ) عن الضاد :(وقَلَّ مَنْ يُحكمُها من الناس).(1/21)
وكان ابن الجزري (833هـ) قد حدد الأصوات التي يتحول إليها الضاد على ألسنة المعاصرين له فقال في النشر :(والضاد انفرد بالاستطالة ، وليس في الحروف ما يعسر على اللسان مثله ، فإن ألسنة الناس فيه مختلفة ، وقل من يحسنه ، فمنهم من يخرجه ظاءً. ومنهم من يمزجه بالذال. ومنهم من يجعله لاماً مفخمة. ومنهم من يشمه بالزاي. وكل ذلك لا يجوز). النشر 1/219 وقال ابن الجزري في التمهيد 140-141 :(واعلم أن هذا الحرف ليس من الحروف حرف يعسر على اللسان غيره ، والناس يتفاضلون في النطق به: فمنهم من يجعله ظاء مطلقاً... وهم أكثر الشاميين وبعض أهل المشرق. ومنهم من لا يوصلها إلى مخرجها ، بل يخرجها دونه ممزوجة بالطاء المهملة ، لا يقدرون على غير ذلك ، وهم أكثر المصريين وبعض أهل المغرب. ومنهم من يخرجها لا ماً مفخمة ، وهم الزيالع ومن ضاهاهم). ويقول ابن غانم المقدسي في (بغية المرتاد لتصحيح الضاد) :(فليعلم أن أصل هذه المسألة أنهم ينطقون بالضاد ممزوجة بالدال المفخمة والطاء المهملة ، وينكرون على من ينطقون بها قريبة من الظاء المعجمة ، بحيث يتوهم بعضهم أنها هي ، وليس كما توهمه). وجعل الفصل الثاني من رسالته (في ما يدل بالتصريح على أن التلفظ بالضاد شبيهة بالظاء هو الصحيح ، وهو المنقول من كلام العلماء الفحول المتلقى كلامهم بالقبول). وختم ابن غانم المقدسي الرسالة بقوله : " إن من ينطق بالضاد من مخرجها الخالص ، مع صفاتها المميزة لها حتى عن الظاء ، فهو في أعلى مراتب النطق بها ومن الفصاحة. ودونه من ينطق بها من مخرجها مشوبة بالظاء ، لكن من مخرجها وبينها نوع فرق. ودونه من ينطق بها ظاء خالصة. ومن يشمها الدال. ومن يشمها الزاي. ومن يجعلها لاماً مفخمة. وكذا من ينطق بالضاد طائية ، فهو في أسفل مراتب النطقية بالنسبة إلى من سبق ذكره. أهـ.(1/22)
وأكد محمد المرعشي ساجقلي زاده هذا الاتجاه في رسالته (كيفية أداء الضاد) ، فقال:( وأما المقصد فهو أن ما شاع في أكثر الأقطار من تلفظ الضاد المعجمة كالطاء المهملة في السمع بسبب إعطائها شدة وإطباقاً كإطباق الطاء وتفخيماً بالغاً كتفخيمها خطأ بوجوده). وقال المرعشي في كتابه النفيس (جهد المقل)ص169-170 :(ليس بين الضاد المعجمة والطاء المهملة تشابه في السمع ، وإلا صرحوا به ، ولا تقارب في الصفة لأنهما وإن اشتركا في الإطباق والاستعلاء والتفخيم لكنَّ إطباق الطاء أقوى كما سبق ، وإن الضاد رخو والطاء شديد ، وليس في الضاد قلقلة بخلاف الطاء ، وأن الضاد تجد منفذاً بين من بين الأضراس ، ولا ينضغط فيها الصوت ضغط حروف القلقلة كما صرح به الرضي ، وفي الضاد استطالة بخلاف الطاء المهملة مع أنهما غير متحدين في المخرج. وليس الفارق بين الضاد والظاء المعجمتين إلا الاستطالة والمخرج ، ولذا قال ابن الجزري :
((والضاد باستطالة ومخرج ** ميز عن الظاء...))
فما اشتهر في زماننا هذا من قراءة الضاد المعجمة مثل الطاء المهملة فهو عجب لا يعرف له سبب). ويمكن أن نلخص أقوال العلماء في كيفية النطق بالضاد في القرون السابقة فيما يلي:(1/23)
أولاً: صعوبة نطق الضاد التي وصفها سيبويه.ثانياً: انحراف ألسنة الناطقين عن نطق الضاد القديمة إلى نطق أصوات أخرى مكانها. ثالثاً: لم يتحول صوت الضاد على ألسنة الناطقين بالعربية في العصور المتلاحقة إلى صوت معين واحد ، وإنما ظهر في أصوات متعددة ، منها ( الظاء )) اللام المفخمة) (مزجها بالذال ، أو بالزاي)-( مزجها بالدال والطاء (الضاد الطائية). رابعأً: كان علماء التجويد المتأخرين أشد إنكاراً لنطق (الضاد الطائية) مكان الضاد القديمة ، من إنكارهم لنطق الأصوات الأخرى البديلة عن الضاد. خامساً: إن اعتبار (الضاد الطائية) في زماننا هي الضاد التي يجب أن ينطقها قراء القرآن يثير مفارقة كبيرة بين موقف علماء القراءة في زماننا وموقفهم قبل قرنين أو ثلاثة ، من هذه المسألة. وأختم بأن القراء المصريين قد انتشروا في الأرض وأصبح غالب القراء يقرأ بقراءة أهل مصر ، ولذلك تجد التثريب الشديد على من يخالفهم ، والسخرية منه ، ومن يقرأ ما كتب في الرد على مخالفهم في النطق بالضاد يجد مصداق ذلك ، والأمر فيه سعة ، والخلاف في نطق الضاد قديم كما لاحظنا ، والفقهاء اختلفوا في ذلك كذلك كما نقل الشيخ عبد الله بلقاسم وفقه الله. فلماذا لا تناقش مثل هذه المسألة بطريقة علمية تورد فيها الأدلة ، وتتبادل فيها الآراء بدون تعصب لرأي بغير دليل. ولا سيما أن دافع الفريقين هو المحافظة على كتاب الله ، ودفع الشبهة عنه. وكل فريق يقول أنه تلقى هذه الضاد بالإسناد ، والذين يشككون في عدم وجود إسناد للضاد المخالفة للنطق السائد غير منصفين ، لأن كل من يقرأها كذلك يقول هكذا أخذتها عن شيخي. والأخذ عن الشيخ في هذه المسألة ليس دليلاً فاصلاً لأن كل فريق يستدل به ، ولا سيما أن الخلاف مسطور في كتب العلماء من قديم ، وليس ابن غانم المقدسي ولا ساجقلي زاده هما أول من قال بذلك كما ذكر صاحب (إعلام السادة النجباء).(1/24)
بل رأينا كلام مكي بن أبي طالب وغيره في ذلك. وقد قال ابن مكي الصقلي المتوفى سنة 501هـ في كتابه تثقيف اللسان :(حتى لا نكاد نرى أحداً ينطق بضاد ، ولا يميزها من ظاء ، وإنما يوقع كل واحدة منهما موقعها ، ويخرجها من مخرجها الحاذق الثاقب ، إذا كتب أو قرأ القرآن لا غير ، فأما العامة وأكثر الخاصة فلا يفرقون بينهما في كتاب ولا قرآن). ص 91 وللحديث عن الضاد عند القراء المعاصرين مشاركة أخرى ، بعد أن نقرأ رأي المشايخ الكرام كالدكتور إبراهيم الدوسري حفظه الله ، وهو صاحب خبرة بالشيخ المتولي الذي حدثت له حادثة مع أحد من ينطقون الضاد بخلاف الضاد التي يقرأ بها القراء المصريون المشهورون عام 1293هـ ، وكان المتولي وقتها شيخاً للمقارئ المصرية فرفع أمره إلى الأستاذ الأكبر الشيخ محمد المهدي العباسي ، فاستحضره واستتابه فلم يتب فحكم بنفيه !!! [انظر إعلام السادة النجباء ص 29-31]. والغرض من هذه المناقشة الوصول إلى رأي مقنع منصف في هذه المسألة إن شاء الله ، بدون تعصب لرأي سابق ، ...) اهـ بورك في الشيخ عبد الرحمن الشهري لعدم التعصب والإنصاف الجيد الذي لا يسفه ولا يطعن في أحد ولا يرم غيره بالسباب أو الفسوق وإن كنت أميل إلى المحافظة على تعليم الناس لكيفية نطقها الصحيح على ما سطَّره الأئمة المعتبرين .
{الْفَرْقُ بَيْنَ صُورَةِ الضَّادِ وَالظَّاءِ في الرَّسْمِ}(1/25)
ما الفرق بين رسم الضاد والظاء قديما وحديثا ؟ الجواب يختلف اختلافا بيِّنا فقد كانت العرب لا تفرق بين أربعة أحرف في الرسم وهي ( ص ض ط ظ ) وهذه الأحرف الأربعة تسمى بأحرف الإطباق وكانت تكتب قديما جميعها بشكل حرف الصاد ( ص ) والذي فرق بين هذه الحرف الأربعة في الخط نصر بن عاصم الليثي حيث أهمل الصاد وأعجم الضاد بنقطة من فوق فتميزت الصاد من أختها الضاد وجاء إلى سنّ الصاد وأطاله وجعله كالألف فصار رسمها هكذا ( ط ) وفعل في الظاء كذلك كما فعل في الطاء إلا أنه أعجم الظاء بنقطة من فوق فتميزت هذه الأحرف عن بعضها فجزاه الله عنا خير الجزاء من نقطه للمصحف الشريف . وحرف الضاد: وهو من الحروف الشجرية مخرجه من منفتح الفم، يذكر ويؤنث يقال: ضودت ضادا حسنة وحسنا؛ وجمعه على التذكير أضواد وعلى التأنيث ضادات وهو اسم لعدد الثمانمائة من حساب الجمل وله أنواع: 1-الضاد الكافية كما يكتنفون عن ضماد ؛ وأضداد بذكر الضاد قال الشاعر: فهم فى الحي أحباب وعند الملتقى ضاد 2- الضاد المكررة نحو:فضض؛ وقضض 3-الضاد المدغمة نحو: رضَّ ؛ فضَّ 4- ضاد العجز والضرورة فبعض الناس ينطق بالضاد على حقيقة الدال و هم المصريين عامة وأهل خراسان قاطبة على صيغة الزاي 5-الضاد المشددة المبنية بالفتح تقول: ضاده أي خالفه 6-الضاد الأصل نحو : ضرب؛حضر ؛فرض 7-الضاد المبدلة : إما عن الصاد كالنصنصة والنضنضة للحركة 0 8-الضاد اللغوى :قال الخليل:الضاد عندهم الهدهد الضعيف قال الشاعر: كأنى ضاد يوم فارقت مالكا أنوء إذا رمت القيام فأكسل .(1/26)
وأما حرف الظاء: وهو حرف لثوى مخرجه من رءوس الأسنان العليا مجانس مخرج الذال يمد ويقصر؛ويذكر ويؤنث ؛ جمعه على التذكير أظواء وعلى التأنيث ظاءات وهو اسم للعدد التسعمائة من حساب الجمل وله أنواع: 1-الظاء الكافية : وهى التي تقتصر عليها من ذكر الظلام 2-الظاء المدغمة : نحو كظَّ الطعام بطنه إذا ملأه حتى لا يطيق النفس والكظة شئ يعتري من الامتلاء 3-ظاء العجز والضرورة : فبعض الناس ينطق بها في صورة الذال 4-الظاء اسم موضع 5-الظاء الأصل : نحو ظلم؛ نظر؛ لمظ 6-الظاء المبدلة نحو وقيظ ووقيذ 7-الظاء اللغوي قال الخليل: الظاء عندهم العجوز المثنية ثديها قال الشاعر: (نكحت من حيى عجوزا هرمه** ظاء الثدي كالحسنى هذرمه) وفى سر صناعة الإعراب:أنها لا توجد في كلام النبط وإذا وقعت فيه قلبوها طاء يقولون :ناطور وإنما هو ناظور فاعول من نظر ينظر ثانيا: مسيس الحاجة إلى إتقان الفصل بين هذين الحرفين: يقول الإمام أبو عمرو الداني في كتابه التحديد ( فإن مما يكمل به لطالب القرآن تجويد التلاوة؛ ويحصل لهم به اسم الدراية معرفة الفرق بين الضاد والظاء في كتاب الله عز وجل واستعمال اللغة ومتى لم يعرف القارئ الفرق بينهما في لفظه صار لاحنا مبدلا للتلاوة ومغيرا لمعنى كلام الله عز وجل لاختلاف ما بينهما ويقول الأصمعي :تتبعت لغات العرب كلها فلم أجد فيها أشكل من الفرق بين الضاد والظاء ) اهـ ويقول صاحب العين ( إتقان الفصل بينهما واجب ) اهـ وأخيرا يقول الزمخشرى( وإتقان الفصل بين الضاد والظاء واجب ومعرفة مخرجهما لابد منه للقارئ فإن أكثر العجم لا يفرقون بين الحرفين ..) اهـ .
{أَبْيَاتُ عَلَمُ الدَّينِ السَّخَاوِيِّ في الضَّادِ وَشَرْحُهَا}
وقبل الشرح لأبيات القصيدة لا بد من ترجمة مفصلة لعلم الدين السَّخَاوِيُّ، وهذه القصيدة مطلعها يقول فيه الناظم :
(( يَا مَنْ يَرومُ تلاوةََ القرآنِ * و يرودُ شَأْوَ أئمةَ الإتقانِ ))(1/27)
(( لا تَحْسبِ التَّجْويدَ مَدًّا مُفرٍطا * أوْ مدَّ مالا مدََّ فيه لَوَانِ ))
(( أو أنْ تُشدِّدَ بعد مدٍّ همزةً * أوْ أنْ تَلُوكَ الحرفَ كالسّكْرانِ ))
(( أو أن تَفُوهَ بهمزةِ مُتَهوِّعاً * فَيَفِرَّ سامعُها من الغَثيانِ ))
(( للحرفِ ميزانٌ فلا تكُ طاغياً * فيه ولا تكُ مُخْسِرَ الميزانِ ))(1/28)
وهو أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الصَّمَد وهذه الترجمة نقلا من كتاب سير أعلام النبلاء ج 23 ص123 ( الشَّيْخُ، الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، شَيْخُ القُرَّاءِ وَالأُدَبَاءِ، عَلَمُ الدِّيْنِ، أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الصَّمَدِ بنِ عَطَّاسِ الهَمْدَانِيُّ، المِصْرِيُّ، السَّخَاوِيُّ، الشَّافِعِيُّ، نَزِيْلُ دِمَشْقَ. وُلِدَ: سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِيْنَ، أَوْ سَنَة تِسْع. وَقَدِمَ الثَّغْرَ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِيْنَ. وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي طَاهِرٍ السِّلَفِيِّ، وَمِنْ أَبِي الطَّاهِرِ بنِ عَوْفٍ، وَبِمِصْرَ مِنْ أَبِي الجُيُوْش عَسَاكِرَ بنِ عَلِيٍّ، وَأَبِي القَاسِمِ البُوصِيْرِيِّ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ يَاسينَ، وَبِدِمَشْقَ مِنِ ابْنِ طَبَرْزَذَ، وَالكِنْدِيِّ، وَحَنْبَلٍ. وَتَلاَ بِالسَّبْعِ عَلَى: الشَّاطِبِيِّ، وَأَبِي الجُوْدِ، وَالكِنْدِيِّ، وَالشِّهَابِ الغَزْنَوِيِّ. وَأَقرَأَ النَّاسَ دَهْراً، وَمَا أَسندَ القِرَاءاتِ عَنِ الغَزْنَوِيِّ وَالكِنْدِيِّ، وَكَانَا أَعْلَى إِسْنَاداً مِن الآخَرِيْنَ، امْتَنَعَ مِنْ ذَلِكَ لأَنَّه تَلاَ عَلَيْهِمَا بِـ (المُبْهِج)، وَلَمْ يَكُنْ بِأَخرَةٍ يَرَى الإِقْرَاءَ بِهِ وَلاَ بِمَا َ زَادَ عَلَى السَّبْع، فَقِيْلَ: إِنَّهُ اجْتنبَ ذَلِكَ لِمَنَامٍ رَآهُ. وَكَانَ إِمَاماً فِي العَرَبِيَّةِ، بَصِيْراً بِاللُّغَةِ، فَقِيْهاً، مُفْتِياً، عَالِماً بِالقِرَاءاتِ وَعِلَلِهَا، مُجَوِّداً لَهَا، بَارِعاً فِي التَّفْسِيْرِ. صَنَّفَ وَأَقرَأَ وَأَفَاد، وَرَوَى الكَثِيْرَ، وَبَعُدَ صِيتُه، وَتَكَاثَرَ عَلَيْهِ القُرَّاءُ.(1/29)
تَلاَ عَلَيْهِ: شَمْسُ الدِّيْنِ أَبُو الفَتْحِ الأَنْصَارِيُّ، وَشِهَابُ الدِّيْنِ أَبُو شَامَةَ، وَرَشِيدُ الدِّيْنِ ابْنُ أَبِي الدُّرِّ، وَزَيْنُ الدِّيْنِ الزوَاوِيُّ، وَتَقِيُّ الدِّيْنِ يَعْقُوْبُ الجَرَائِدِيُّ، وَالشَّيْخُ حسنٌ الصَّقَلِّيّ، وَجَمَال الدِّيْنِ الفَاضِلِيُّ، وَرَضِي الدِّيْنِ جَعْفَر بن دَنُوقَا، وَشَمْسُ الدِّيْنِ مُحَمَّدُ ابْن الدِّمْيَاطِيّ، وَنظَامُ الدِّيْنِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الكَرِيْمِ التِّبْرِيْزِيُّ، وَالشِّهَابُ ابْن مزهرٍ، وَعِدَّةٌ. وَحَدَّثَ عَنْهُ: الشَّيْخُ زَيْنُ الدِّيْنِ الفَارِقِيُّ، وَالجَمَالُ ابْنُ كَثِيْرٍ، وَالرَّشِيْدُ بنُ المُعَلِّمِ، وَمُحَمَّدُ بنُ قَايْمَازَ الدَّقِيْقِيُّ، وَالخَطِيْبُ شَرَفُ الدِّيْنِ الفَزَارِيُّ، وَإِبْرَاهِيْمُ ابْنُ المُخَرِّمِيِّ، وَأَبُو عَلِيِّ ابْنُ الخَلاَّلِ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ النّصِيْرِ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ مَكْتُوْمٍ، وَالزَّيْنُ إِبْرَاهِيْمُ ابْنُ الشيرَازِيِّ، وَآخَرُوْنَ. وَكَانَ مَعَ سَعَةِ عُلُوْمِهِ وَفَضَائِلِهِ دَيِّناً، حَسنَ الأَخْلاَقِ، مُحبَّباً إِلَى النَّاسِ، وَافِرَ الحُرْمَةِ، مُطَّرحاً لِلتَّكَلُّفِ، لَيْسَ لَهُ شغلٌ إِلاَّ العِلْمُ وَنشرُهُ. شَرَحَ (الشَّاطبيَةَ) فِي مُجَلَّدَيْنِ، وَ(الرَّائِيَةَ) فِي مُجَلَّدٍ، وَلَهُ كِتَابُ (جَمَالِ القُرَّاءِ)، وَكِتَابُ (مُنِيْر الدّيَاجِي فِي الآدَابِ)، وَبلغَ فِي التَّفْسِيْرِ إِلَى الكَهفِ، وَذَلِكَ فِي أَرْبَعِ مُجَلَّدَاتٍ، وَشَرَحَ (المُفَصّلَ) فِي أَرْبَعِ مُجَلَّدَاتٍ، وَلَهُ النّظمُ وَالنَّثْرُ. وَكَانَ يَترخّصُ فِي إِقْرَاءِ اثْنَيْنِ فَأَكْثَر كُلّ وَاحِدٍ فِي سُوْرَةٍ، وَفِي هَذَا خِلاَفُ السُّنَّةِ، لأَنَّنَا أُمرنَا بِالإِنصَاتِ إِلَى قَارِئٍ لِنَفْهَمَ وَنعقلَ وَنَتَدَبَّرَ.(1/30)
وَقَدْ وَفَدَ علَى السُّلْطَان صَلاَحِ الدِّيْنِ بِظَاهِرِ عَكَّا فِي سَنَةِ سِتٍّ وَثَمَانِيْنَ زَمَنَ المحَاصرَةِ، فَامْتَدَحَهُ بِقَصيدَةٍ طَوِيْلَةٍ، وَاتَّفَقَ أَنَّهُ امْتَدَحَ أَيْضاً الرَّشِيْدَ الفَارِقِيَّ، وَبَيْنَ المَمْدُوحَيْنِ فِي المَوْتِ أَزْيَدُ مِنْ مائَةِ عَامٍ. قَالَ الإِمَامُ أَبُو شَامَةَ: وَفِي ثَانِي عشرَ جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، تُوُفِّيَ شَيْخُنَا عَلَمُ الدِّيْنِ علاَمَةُ زَمَانِهِ وَشَيْخُ أَوَانِهِ بِمَنْزِلِهِ بِالتُّرْبَةِ الصَّالِحيَّةِ، وَكَانَ عَلَى جِنَازَتِهِ هَيبَةٌ وَجَلاَلَةٌ وَإِخبَاتٌ، وَمِنْهُ اسْتَفَدْتُ عُلُوْماً جَمَّةً كَالقِرَاءات، وَالتَّفْسِيْرِ، وَفُنُوْنِ العَرَبِيَّة. قُلْتُ: كَانَ يُقْرِئُ بِالتُّرْبَةِ، وَلَهُ حَلْقَةٌ بِالجَامِعِ ) اهـ.
قال رحمه الله في نونيته في التجويد :
1. (( والضادُ عالٍ مُستطيلُ مُطَبَقٌ * جَهِرٌ يَكِلٌّ لديه كلُّ لسانِ ))
2. (( حاشا لسانِ بالفصاحةِ قَيِّمٍ * ذَربٍ لأحكام الحروف مُعانِ ))
3. (( كمْ رامَهُ قومُ فما أبدَوا سِوى * لامِ مُفخَمَةٍ بِلا عِرفانِ ))
4. (( مَيِّزْهُ بالإيضاح عن ظاءٍ ففي * (أضْلَلْنَ) أو في (غِيضَ) يشْتَبِهانِ ))
5. (( وكذاك (مُحْتضَرُ) (وناضِرَةُ إلى) * و (ولا يَحُضُّ) وخُذْهُ ذا إِذْعان ))ِ
6. (( وأَبِنْهُ عند التاء نحوُ (أفَضْتُمْ) * والطاءِ نحوُ (اضْطرَّ) غيرَ جِبانِ ))
7. (( والجيمِ نحوُ (اخفضْ جناحَك) مِثلَه * والنونِ نحوُ (يَحِضْنَ) قِسْهُ وعانِ ))
8. (( والرا كـ (وَلْيضْرِبْنَ) أو لامٍ كـ (فَضْـ * ـلِ اللهِ) بَيِّنْ حيثُ يْلتَقِيان ))ِ
9. (( وبيانُ (بعضِ ذُنوبِهِم) و(اغْضُضْ) و(أنْـ * ــقَضَ ظَهْرَك) أَعْرِفْهُ تكنْ ذا شانِ ))
البيت الأول والثاني : قال الناظم رحمه الله(1/31)
(( والضادُ عالٍ مُستطيلُ مُطَبَقٌ * جَهِرٌ يَكِلٌّ لديه كلُّ لسانِ ))
(( حاشا لسانِ بالفصاحةِ قَيِّمٍ * ذَربٍ لأحكام الحروف مُعانِ ))
الشرح : أقول وبالله التوفيق والسداد يبين الناظم رحمه الله أن الضاد التي نزل بها القرآن يشترط فيها العلو والاستطالة والإطباق والجهر وقوله عالِ إشارة إلى صفة الاستعلاء لعلو مؤخرة اللسان عند التلفظ بها و الاستطالة ذكرها الناظم ليبين تمييز الضاد على غيرها بهذه الصفة والإطباق يقصد به انطباق اللسان وغار الحنك الأعلى على بعض عند التلفظ بها ويؤدي ذلك العمل لحصر الصوت بين اللسان والغار . ووضح أن الضاد الفصيحة مجهورة بحبس هواء النفس معها والحذر من تدفق هواء النفس عند التلفظ بها وإلا تحولت إلى مهموس الضاد والقرآن لم ينزل بمهموس الضاد بل بمجهورها . وقوله ( يَكِلٌّ لديه كلُّ لسان ) يَكِّلُ : فعل مضارع من الكلالة وهي التعب ومعني يكل أي لا يستطيع العامي الذي لم يتدرب عليها أن يخرجها كما كان ينطق بها فصحاء العرب فهي صعبة على العامي الذي لم يتمرس ويتدرب عليها وسهلة لمن تدرب عليها برياضة الفم .(1/32)
والبعض الآخر يعتقد أن كون مخرج الضاد صعبة يجوز إخراجها حسب ما تيسر لأي شخص فإن كون الضاد صعبة في نطقها على من لم يتدرب عليها لا يعني إسقاط التكليف عن القراء في إخراجها من غير مخرجها بل هم مكلفون بإخراجها من مخرجها والمولى عز وجل لم يؤمر الإنسان إلا بما يسهل عليه قال تعالى )وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) (القمر:17) والواجب على القارئ إخراجها من مخرجها لأننا متعبدون بتلاوة القرآن وإقامة حروفه كما نزل بها الوحي وليس حسب ما تيسر لكل عامي أو شيخ متساهل ويظن البعض أن المطالبة بإخراج هذا الحرف من مخرجه يحدث فتنة والحق أن الفتنة في قراءة القرآن بغير ما نزل به قال صلى الله عليه وسلم ( اقرءوا كما علمتم ) قال كما علمتم ولم يقل كما تيسر لكل واحد منا أو حسب ما يرى كل من تصدر للإقراء والتعليم بل قراءة الضاد بغير ما نزل بها الوحي فيه فتنة ومخالفة للنبي صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى ) فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)(النور: من الآية63) فالفتنة الكبيرة في عدم تحقيق مخرج هذا الحرف كما كان ينطق به النبي صلى الله عليه وسلم وكما علم صحابته . ولمعرفة التلفظ بالضاد الفصيحة لابد للقارئ من معرفة ثلاثة أمور : الأول معرفة من أين تخرج في الفم وحدودها. والثاني : معرفة صفاتها التي تتميز بها عن غيرها والثالث : معرفة ما يتشابه معها من الناحية المخرجية والصوتية من أصوات الأحرف وقد بين مخرجها وصفاتها وما يشابهها من الأصوات حسن بن قاسم المرادي ( ت749 هـ) شارح نونية السخاوي بقول ص 108/ 109 ( ....(1/33)
فأما مخرج الضاد فقد تقدم أنه يخرج من أول حافة اللسان وما يليها من الأضراس وينبغي أن يعلم أنه ليس المراد بأول الحافة ما يحاذي أقصى اللسان فإن الضاد ليست محاذية لمخرج القاف والكاف بل هي منهما إلى الفم ولذلك عدها الخليل في الحروف الشجريات ولا يخرج من مخرج الضاد حرف غيرها وتخرج من الجانب الأيمن ومن الجانب الأيسر وإخراجها من الأيسر أيسر على أكثر الناس مع أن في إخراجها من الجانبين صعوبة . وأما صفات الضاد فاعلم أن فيها من صفات القوة أربع صفات ومن صفات الضعف صفة واحدة فالأربعة التي من صفات القوة هي الاستعلاء والاستطالة والإطباق والجهر وهي المشار إليها بقوله ( والضاد عال مستطيل مطبق جهر ) والصفة التي من صفات الضعف الرخاوة فإن الضاد حرف رخو ..... وأما ما يشتبه بلفظ الضاد من الحروف فحرفان وهما الظاء واللام وذلك لأن الظاء يشارك الضاد في أوصافه المذكورة غير الاستطالة ولذلك اشتد شبهه به وعسر التمييز بينهما واحتاج القارئ في ذلك إلى الرياضة التامة ولكن مخرج الظاء متميز عن مخرج الضاد لا اتصال بين مخرجيهما ولولا اختلاف المخرجين وما في الضاد من الاستطالة لاتحدا في السمع واللام تشارك الضاد في المخرج لأن الضاد من أقصى الحافة واللام من أدنى الحافة والضاد حرف مستطيل استطال في مخرجه وامتد صوته حتى اتصل بمخرج اللام فلذلك شابه لفظه لفظ اللام المفخمة وربما أخرجه بعض الناس لاما مفخمة واللام تشارك الضاد في مخرجه لا في أوصافه إذ ليس فيها شئ من صفات الضاد المذكورة إلا أنها بين الرخاوة والشدة فتوافقه في شئ من الرخاوة فهي بعكس الظاء لأن الظاء تشارك الضاد في أوصافه لا في مخرجه ...) اهالبيت الثالث والرابع والخامس :
(( مَيِّزْهُ بالإيضاح عن ظاءٍ ففي * (أضْلَلْنَ) أو في (غِيضَ) يشْتَبِهانِ ))
(( وكذاك (مُحْتضَرُ) (وناضِرَةُ إلى) * و (ولا يَحُضُّ) وخُذْهُ ذا إِذْعانِ ))(1/34)
(( وأَبِنْهُ عند التاء نحوُ (أفَضْتُمْ) * والطاءِ نحوُ (اضْطرَّ) غيرَ جِبانِ ))
الشرح : يشير الناظم في هذه الأبيات إلى أمثلة يمكن أن يشتبه بها صوت الضاد مع الظاء فأشار أن الضاد في قوله تعالى )َّ أَضْلَلْنَ )(إبراهيم: من الآية36) تلفظ بالضاد المعجمة لا بالظاء وكذلك قوله ) تَغِيضُ الْأَرْحَامُ)(الرعد: من الآية8) غيض فإنها بالضاد وكذلك إن دلت على نقص نحو ) وَغِيضَ الْمَاءُ)(هود: من الآية44) وبالظاء إن دلت على غيظ نحو ) عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ)(آل عمران: من الآية119) ) وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ)(آل عمران: من الآية134) )تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ)(الملك: من الآية8) أما لفظ () مُحْتَضَرٌ)(القمر: من الآية28) فهو بالضاد وكذلك يقرأ لفظ ) نَاضِرَةٌ)(القيامة: من الآية22) بالضاد وكذلك )وَلا يَحُضُّ )(الحاقة: من الآية34) بالضاد وأشار الناظم إلى تبيين صوت الضاد من صوت التاء والطاء فيما لو وقعا بعد الضاد الساكنة مثال الأول قوله تعالى ) أَفَضْتُمْ )(النور: من الآية14) ومثال الثاني قوله تعالى ) اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ)(البقرة: من الآية173) ) فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)(المائدة: من الآية3) ) فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)(الأنعام: من الآية145) ) فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)(النحل: من الآية115)
البيت السابع والثامن والتاسع :
(( والجيمِ نحوُ (اخفضْ جناحَك) مِثلَه * والنونِ نحوُ (يَحِضْنَ) قِسْهُ وعانِ ))
(( والرا كـ (وَلْيضْرِبْنَ) أو لامٍ كـ (فَضْـ * ـلِ اللهِ) بَيِّنْ حيثُ يْلتَقِيان ))ِ
(( وبيانُ (بعضِ ذُنوبِهِم) و(اغْضُضْ) و(أنْـ * ــقَضَ ظَهْرَك) أَعْرِفْهُ تكنْ ذا شانِ ))(1/35)
الشرح : يرشد الناظم في هذه الأبيات إلى إظهار الضاد الساكنة عند هذه الأحرف وهي : والجيم والنون واللام والذال وإذا تكررت الضاد وجب البيان كذلك لثقل المكرر على اللسان ومثال مجاورة الضاد للجيم قوله تعالى ) وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ)(الحجر: من الآية88) )وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ)(الشعراء: من الآية215) ومثال مجاورة الضاد للنون قوله تعالى )ي لَمْ يَحِضْنَ )(الطلاق: من الآية4) ومثال مجاورة الضاد الساكنة للراء قوله تعالى ) وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنّ)(النور: من الآية31) ومثال مجاورة الضاد للام قوله تعالى ) فَضْلُ اللَّهِ)(البقرة: من الآية64) ومثال مجاورة الضاد للذال ) بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ )(المائدة: من الآية49) ومثال ما تكرر فيه الضاد قوله تعالى ) وَاغْضُضْ )(لقمان: من الآية19) ) يَغْضُضْن)(النور: من الآية31) وتظهر الضاد لو جاورت الظاء نحو قوله تعالى )الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ) (الشرح:3) قال ابن الباذش في كتابه الإقناع في القراءات السبع ( ... لا خلاف في إظهار الضاد عند التاء والجيم واللام والطاء ولا يجوز الإدغام لمزية الضاد ) اهـ وقول الناظم تكن ذا شأن أي تكن ذا شأن جيد بالإتقان في تلاوة أحرف الوحي كما نزلت على قلبك النبي محمد صلى الله عليه وسلم قال تعالى )قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدىً وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ) (البقرة:97) )قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدىً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ) (النحل:102) . {أَمْرَاضُ التَّلَفُّظِ بِصَوْتِ الضَّادِ اللِّسَانِيَّةِ الْفَصِيحَةِ}(1/36)
أمراض التلفظ بصوت الضاد أقصد بها الأخطاء التي تقع للقارئ حال تلاوته وكل خطئ داء والداء يوصف عند الأطباء بالمرض ولكل داء علاج وكل عيب من عيوب التلفظ علاج وسوف أذكر تتممة للبحث الأخطاء التي تقع للقارئ حال تلفظه بصوت الضاد اللسانية وعلاجها لتصحب الصحة والكمال لأصوات الحروف القرآنية وهي كالآتي :
1. إبدالها بصوت الظاء المشالة وهذا هو الكثير الغالب على الظواهر الصوتية في الخليج العربي وبعض بلاد المغرب العربي وأهل المغرب الأدنى كلهم عليه لأنهما تقاربا في المخرج وتشاركا في جميع الصفات إلا الاستطالة فلولا الاختلاف في المخرج وهذه الاستطالة لكانا حرفا واحدا وكون القارئ يلفظ الضاد التي نزل بها القرآن بصوت الظاء فلحن فاحش ظاهر يغير اللفظ والمعنى ويغير مراد الله لمعنى الآية وقرر ذلك ابن الجزري بقوله ( وإذا قلنا ( الضَّالِّينَ)(الفاتحة: من الآية7) بالظاء كان معناه الدائمين وهذا خلاف مراد الله وهو مبطل للصلاة لأن الضلال بالضاد ضد الهدى ) اهـ وقال عبد الوهاب القرطبي في الموضح ص 182 / 183 عن الضاد ( وكذلك إذا لقيتها ظاء أو قاربتها في مثل قوله تعالى )الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ) (الشرح:3) ) يَعَضُّ الظَّالِم)(الفرقان: من الآية27) وما أشبه ذلك وجب إفراد كل منهما بتحقيق مخرجه لأنهما تشتركان في الأطباق وتنفرد الضاد بالتفشي والاستطالة ومتى لم يضبط المخرج ويحفظ التفشي انقلبت ظاء بانجذابها إلى إطباقها ) اهـ وقال الصفاقسي في تنبيه الغافلين ( أن من أبدل الضاد ظاء في الفاتحة سهوا فلا شك أن صلاته لا تبطل إذ غاية ما فيه أنت تكلم بكلمة من غير القراءة والذكر في الصلاة سهوا وذلك لا يبطلها , .... ورجح بعض العلماء في إمامة اللحَّان وهو من يبدل حرف بحرف أن صلاته مكروهة ...... والمسألة خلافية وفيها تفاصيل في كتب الأصول الفقهية ) اهـ .(1/37)
2. قال عبد الوهاب القرطبي في الموضح ص 169 ( الصاد والضاد : إذا سكنت أمام الطاء في مثل قوله تعالى ) لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ)(النمل: من الآية7) )وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ)(فاطر: من الآية37) ) فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ)(القمر: من الآية27) ) فَمَنِ اضْطُرّ)(البقرة: من الآية173) ينبغي أن يجاد تخليصهما من الطاء لأن الإطباق يجذب الصاد والضاد إلى مخرج الطاء فربما انقلبتا إليها فطرأ الإدغام وذلك قبيح لما بينهما من التباعد فإن الصاد والضاد من الحروف الرخوة والطاء شديدة ولأن في الصاد صفيرا وفي الضاد تفشيا واستطالة وذلك يمنع الإدغام ويقتضي الإظهار ) اهـ .
3. والبعض الآخر ينفخ أوداجه عند تلفظه بالضاد المشددة ودليله أنها من أحرف الانتفاخ التي لا بد للقارئ أن ينفخ خدوده عند التلفظ بها وينتج سبب هذا الفعل انحباس كمية كبيرة من هواء النفس داخل الفم وعندما ينطق القارئ بالضاد يتدفق معها هذا الهواء المحبوس داخل الفم فتخرج الضاد مهموسة سبب تدفق الهواء الناتج من انتفاخ الخدود والقرآن نزل بمجهور الضاد وليس بمهموسها ويترتب على هذا النفخ للخدود استدارة الشفتين قبل التلفظ بالضاد مما فيه إشارة للإشمام حسب ما رأيت من أداء بعض شيوخ العصر وحسبانهم أن النفخ الذي ذكره سبيويه هو انتفاخ الخدود والأمر غير ذلك بل يرجع لنص سيبويه ليعرف هل مراد النفخ ما نفسره نحن ونعرفه في اللغة المعاصرة أم النفخ المذكور للضاد شئ آخر ينتج سبب الإطباق والإطباق يؤدي إلى انحصار الصوت بين اللسان وغار الحنك الأعلى مما يشبه الشيء المنتفخ وشيوخنا في الحرم النبوي كان لهم أعلى الأسانيد لم نر أحدا منهم ينفخ خدوده عند التلفظ بصوت الضاد كما نسمع ونرى من بعض شيوخ العصر .(1/38)
4. من الظواهر الصوتية العامية عند بعض المصريين لا يستطيعون أن يوصلوها إلى مخرجها بل يخرجونها دونه ممزوجة بالطاء المهملة ولا يقدرون على غير ذلك بل الواجب تحقيق مخرجها من الحافتين . نحو ) ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً )(إبراهيم: من الآية24) ) بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلا)(الزخرف: من الآية17) ) أَضْلَلْن)(إبراهيم: من الآية36) .
5. والبعض الآخر من المصريين يلفظها دالا مفخمة وهو الغالب على ظواهر اللهجة العامية المصرية وقلما تجد إماما في محراب الصلاة أو عاميا متقنا لها ممن لم يتقن قواعد التجويد وحجة البعض أن علماء الصوتيات قالوا أن الضاد قد تطور نطقها إلى أن صارت مفخم الدال . وإبدال الضاد التي نزل بها القرآن بصوت الدال المفخمة لحن في كتاب الله بل يجب أن يقرأ كما نزل والأمر يحتاج إلى مشافهة وتدريب نحو )وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ)(الفرقان: من الآية27) )أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ )(النمل: من الآية62) )نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلاً ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَى عَذَابٍ غَلِيظٍ) (لقمان:24) فإذا عرفت الخطأ فابتعد عنه واحذر منه وحذر منه غيرك مع مطالبة نفسك بفعل ما يحبه الله ويرضاه .
6. والبعض الآخر من المتساهلين عند قلعه لمخرجها يصحب صوتها بكمية تتدفق كبيرة لهواء النفس جهلا منه بكيفيتها الصحيحة التلفظية نحو ) الضَّالِّينَ)(الواقعة: من الآية92) ) اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ )(البقرة: من الآية16) .(1/39)
7. على القارئ أن يحذر من حبس الصوت معها وإلحاقها بشديد الأصوات بل الضاد التي نزل بها القرآن رخو وأي تغيير لهذه الصفة فقد تحول الضاد لضاد عامية كما زعم علماء الأصوات وصنفوها من الأصوات الشديدة التي ينحبس الصوت بها وهي ساكنة وقد سمعت ذلك كثيرا من بعض قراء العصر ممن تصدر للتعليم والإقراء ونصحت البعض الآخر ولكنه لم يقبل ودليله أنه معتمد كمدرس في أكبر مؤسسة قرآنية في بلدي . فيعتقد أنه قد بلغ بذلك الاعتماد قمة الإتقان في لفظ التلاوة والله المستعان الأمثلة ) ثُمَّ أَضْطَرُّهُ )(البقرة: من الآية126) .
8. زعم بعض علماء الأصوات المحدثين أن الضاد صوت انفجاري بمعنى خروج الصوت فجأة في صورة انفجار لهواء الصوت عند احتباسة في المخرج وهذا الوصف يطابق إلى حد كبير صفة الإطباق ولكن يجب على القارئ من بيان رخاوتها عند انحصار صوتها مع استطالة وامتداد اللسان بها وألا لحقت بالأصوات الشديدة . والسبب أن معنى الانفجار عند علماء الأصوات المحدثين يقابل صفة الشدة عند علماء التجويد فكل صوت انحبس الصوت به ولم يجر يسمى عند علماء الأصوات بصوت انفجاري .
9. ذكر ابن الجزري رحمه الله في كتابه التمهيد أن البعض يخلطها بصوت الزاي وذلك لحن لا تحل به القراءة نحو ) الضَّالِّينَ)(الشعراء: من الآية20) )بِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ)(إبراهيم: من الآية36) وهذا المثال يحتاج لنقل صوتي لكي يستبين .(1/40)
10. إذا أتى بعد صوت الضاد حرف إطباق وجب إظهار الضاد جيدا وتخليصها لئلا يسبق اللسان إلى ما هو أخف وهو الإدغام نحو ) ثُمَّ أَضْطَرُّهُ )(البقرة: من الآية126) )الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ) (الشرح:3) ) إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ)(الأنعام: من الآية119) فالبيان هنا آكد ولازم وإن غفل القارئ عن ذلك ما اللفظ واندغمت في الطاء لاجتماعهما في الصفات والقوة وأكد ذلك عبد الوهاب القرطبي في كتابه الموضح ص 162 بقوله ( الضاد إذا سكنت وكان بعدها طاء فأحسن تخليص الضاد منها بالإظهار وحاذر سبق التشديد إليها فيذهب التفشي وتصير طاء وذلك لاجتماعهما في الإطباق في مثل قوله تعالى ) فَمَنِ اضْطُرّ)(المائدة: من الآية3) ) إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ )(الأنعام: من الآية119) لئلا تصير : اطُّرَّ واطُّررتم .....) اهـ .
11. يجب على القارئ أن ينتبه إذا وقع بعد الضاد الفصيحة حرفا مشددا نحو )وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ)(الفرقان: من الآية27) )وكذلكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً )(الأنعام: من الآية129) فهذا لا نخاف على القارئ أن يدخل الإدغام فيه لأن المشدد لا يدغم في شئ أبدا ولأن التشديد الذي فيه عن الإدغام كافٍ ولا يدخل إدغام على إدغام أبدا ولكن الخوف على القارئ أن يلفظ الأول بصوت الثاني لتقارب التشابه بين الضاد و الظاء .(1/41)
12. بعض القراء المبتدئين لا يبين صوت الضاد المشددة ويهمل نبر ورخاوة الضاد الأولى من الضاد المشددة وسبب هذا الإهمال في أداء صوت الضاد تكرر الإطباق والاستعلاء والجهر والسان من عادته يحب اليسير والسهولة . فعلى القارئ إحكام ذلك التلفظ بمشدد الضاد لئلا يسبق اللسان إلى ما هو أخف وايسر عليه نحو )يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ )(آل عمران: من الآية106) و ) لَانْفَضُّوا)(آل عمران: من الآية159) و ) عَضُّوا )(آل عمران: من الآية119) و ) وَابْيَضَّتْ)(يوسف: من الآية84) ) يَغُضُّوا )(النور: من الآية30) وشبهه .
13. كثير من القراء لا يحسن التلفظ بها كما أنزل بها القرآن هذا حال إفرادها فإذا تكررت في كلمة كانت أثقل عليه فيهمل بيانها وصفاتها التي تمييزها عن ظواهر التحريفات الصوتية المعاصرة للضاد نحو ) وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ)( لقمان : من الآية19) و )وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنّ)(النور: من الآية31) وشبهه .
14. وقوع لفظ الضاد في كلمة يمكن أن يؤثر على صفات الأحرف المجاورة لها وهذا التأثر إما يؤثر تأثيرا كليا أو جزئيا وكما يفعل ذلك بعض القراء عند الياء إذا وقعت قبل أو بعد الضاد وصوت الياء من الأصوات الخفية الضعيفة والضاد بضد ذلك فربما ضعف صوت الضاد لضعف صوت الياء وربما العكس خفيت الياء وتفخمت لقوة الضاد فيجب تمييز أصوات الأحرف عن بعض وألا يؤثر القوي على الضعيف أو العكس نحو )ثُمَّ أَفِيضُوا )(البقرة: من الآية199) و )ا تَرَاضَيْتُمْ )(النساء: من الآية24) و )ً إِذْ تُفِيضُونَ)(يونس: من الآية61) و ) وَغِيضَ الْمَاءُ)(هود: من الآية44) و كذلك إذا تحركت الياء وهي مشددة نحو )وَقَيَّضْنَا )(فصلت: من الآية25) و )ِ نُقَيِّضْ )(الزخرف: من الآية36) وشبهه .(1/42)
15. بعض المتساهلين يدغم الضاد في التاء الواقعة بعدها وخاصة لو كانت الضاد ساكنة فيجب الانتباه لذلك لئلا تندغم في التاء ولاسيما إذا كانت التاء ساكنة وذلك لشدة التاء نحو ) عَرَّضْتُمْ بِهِ )(البقرة: من الآية235) و ) فَرَضْتُمْ )(البقرة: من الآية237) و ) وَأَقْرَضْتُمُ )(المائدة: من الآية12) و ) فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ )(البقرة: من الآية198) و ) أَعْرَضْتُمْ )(الإسراء: من الآية67) ) فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ )(البقرة: من الآية235) ) وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنّ)(البقرة: من الآية237) )وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ )(آل عمران: من الآية107) ) وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضاً )(المائدة: من الآية12) ) وَخُضْتُمْ كَالَّذِي )(التوبة: من الآية69) )َ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ )(يوسف: من الآية84) ) أَعْرَضْتُمْ)(الاسراء: من الآية67) ) فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ )(طه: من الآية96) ) فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ)(النور: من الآية14) )وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ) (الشعراء:80) .(1/43)
16. بعض القراء يدغم الضاد في الجيم الواقعة بعدها نحو ) وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ)(الحجر: من الآية88) )وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) (الشعراء:215) وذلك لحن ليسر الإدغام على تحقق الأحرف بل الثابت بالرواية إدغامها في الشين خاصة ولا يقاس على ذلك نحو ) لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ )(النور: من الآية62)وأكد عبد الوهاب القرطبي في كتابه الموضح التحذير من إدغام الضاد في الجيم بقوله ص162( .... وكذلك إذا وليها جيم في مثل قوله تعالى ) وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ)(الحجر: من الآية88) ينبغي أن تحسن تخليصها من الجيم بالإظهار وتحفظ تفشيها بإبراز السكون وما لم تفعل ذلك ربما تصير جيما وتندغم في الجيم وذلك لا يجوز لتباعد ما بين الجيم والطاء وبين الضاد في الخاصية لأن في الضاد مزية على الطاء بالتفشي والاستطالة وهما مشتركان في الإطباق والإطباق مظنة الإدغام فوجب الإظهار لحفظ مزيتها ودفع الإدغام المخل بها وكذلك حالها أيضا مع الجيم لأنهما وإن تقاربتا في المخرج فللضاد عليها مزية كما ذكرنا ) اهـ .
17. قال عبد الوهاب القرطبي في الموضح ص 167 إلم تراع المجاورة بين الحرف اندغمت بقوله ( ..... وكذلك الضاد مع اللام والراء والنون في مثل ) اضْرِبْ بِعَصَاكَ )(البقرة: من الآية60) )ُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ )(الإنسان: من الآية21) و ) نَضْرَةَ النَّعِيمِ)(المطففين: من الآية24) ) وَيَقْبِضْنَ)(الملك: من الآية19) و )ِ يَغْضُضْنَ)(النور: من الآية31) و) لَمْ يَحِضْنَ )(الطلاق: من الآية4) ) كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَه)(هود: من الآية3) )ُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ)(الفرقان: من الآية17) ) تَضْلِيلٍ)(الفيل: من الآية2) )وَاخْفِضْ لَهُمَا )(الإسراء: من الآية24) وما أشبه ذلك متى لم يراع فكه ويخلص بيانه اندغم .) اهـ .(1/44)
18. على القارئ أن يحذر من تأثير شوائب الحروف عليها وخاصة لو وقع بعد الضاد صوت مستفل مرق منفتح مثل الذال فإن الكثيرين يقلبون الضاد بصوت مفخم الدال في هذا الموضع نحو ) مِلءُ الْأَرْضِ ذَهَباً )(آل عمران: من الآية91) و )ْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ)(المائدة: من الآية49) قال عبد الوهاب القرطبي في كتابه الموضح في التجويد ص 182 ( الضاد : متى وليتها ذال وجب تخليص إحداهما من الأخرى في مثل ) لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً )(الملك: من الآية15) و ) مِلءُ الْأَرْضِ ذَهَباً)(آل عمران: من الآية91) و )وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ) (الطارق:12) لقرب مخرج الذال من الظاء وانفراد الضاد بالإطباق فربما شاب الذال إطباق الضاد فتصير ظاء أو قريبة من الظاء ) اهـ قلت وربما العكس يشوب الضاد صوت الدال .
19. من الظواهر الأدائية الخاطئة عند التلفظ بصوت الضاد إهمال هيئة الشفتين عند التلفظ بها وبغيرها من الأحرف فنجد البعض يضم الشفتين عند التلفظ بالضاد الساكنة تباعا لضم الحرف الذي قبلها وذلك فيه إشارة للإشمام نحو ) غَيْرَ مُضَارٍّ )(النساء: من الآية12) .(1/45)
20. حروف القلقلة يجمعها قول ( قطب جد ) فبعض العوام وبعض مشاهير قراء الخليج يقفون على الضاد بصوت القلقلة والسبب في هذا الداء إهمال صفة الرخاوة والاستطالة مع الضاد فحولها القارئ كالحرف الشديد المجهور ومن شروط القلقلة أن يتصف الحرف بالجهر أولا فالشدة ثانيا فعندما أهمل القارئ الرخاوة والاستطالة تخلص من الشدة التي نطق بها خطأ في الضاد بالقلقلة وهذا الأداء الصوتي من قلقلة الضاد لا تفعله العرب في وقت نزول القرآن لأنه تعالى أنزله قرآنا عربيا قال تعالى )بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) (الشعراء:195) و )إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) (يوسف:2) و )وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْماً عَرَبِيّاً)(الرعد: من الآية37) )وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً) (طه:113) )قُرْآناً عَرَبِيّاً غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) (الزمر:28) )كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) (فصلت:3) )وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا )(الشورى: من الآية7) )إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) (الزخرف:3) ) وَهَذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ لِسَاناً عَرَبِيّاً لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ)(الأحقاف: من الآية12) .
21. على القارئ فيما لو انفحت حركة الضاد بالفتح المباعدة بين الفكين وفتح الشفتين على هيئة الألف وأن يحذر من إعمال مخرج الضمة عند التلفظ بالضاد المتحركة الحركة فإن ذلك يخلط الضاد بصوت الضم وهذا مرض من أمراض التلفظ ومنتشر ومشاع مع جميع الأصوات المستعلية عند التلفظ بها نحو ) مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ)(الأنعام: من الآية77) .(1/46)
22. ومن أمراض التلفظ بصوت الضاد أن تخلط بشائبة من صوت الغنة وهذا الداء يسمى عند علماء التجويد قديما بمصطلح ( الخنخنة ) ومعناها نطق الحروف ممزوجة بصوت من الأنف ومرض شوائب الحرف الصوتي فسوف أفصل فيه القول في نهاية هذا الفصل , فمثلا لو جاء قبل الضاد صوت أغن مثل الغنة على القارئ أن يحذر من انسحاب جريان صوت الغنة على صوت الضاد نحو ) مَنْ ضَلَّ )(المائدة: من الآية105) ) مِنْ ضُرٍّ )(الأنبياء: من الآية84) ) مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا )(المؤمنون: من الآية75) وهذه ملحوظة عامة يقع فيها كبار القراء فضلا عن صغارهم فيلفظون الغنة من الخيشوم ويؤثر صوتها على الحرف الذي قبل الغنة والذي بعدها وهذه دقيقة من دقائق علم التجويد قلما تجد من يعرفها ويطبقها وبورك في الشيخ أيمن سويد كان يحذر طلابه من ذلك فجزاه الله عني وعن طلابه وعن الأمة خير الجزاء .(1/47)
أما من ناحية الكلام على شوائب الحروف فسوف أذكره لتعم فائدة هذا البحث والشوب في اللغة : الخلط والشائبة واحدة الشوائب وفي المعجم الوسيط ج1 ص 501 ( الشائبة : الشيء الغريب يختلط بغيره . ومصطلح شوائب الحروف هذا المصطلح استخدمه عبد الوهاب القرطبي ليدل به على معنى خاص يتعلق بصفات الحروف التي يمكن أن تؤثر في الأصوات المجاورة فالصوت المجهور يمكن أن يؤثر على الصوت المهموس والصوت المطبق يمكن أن يؤثر على الصوت المنفتح والصوت الأنفي الخيشومي الأغن يمكن أن يؤثر على الفموي وقد خصص القرطبي مبحثا طويلا لدراسة الظواهر المتعلقة بهذا الموضوع وقد وضح القرطبي في مطلع كلامه السبب الذي من اجله دخلت شوائب الحروف على بعضها على بعض فقال ص 176 / 178 ( فأحسن التخلص من دخول شوائب الحروف بعضها على بعض فيكون التنبيه عليه بعد ذكر السبب الموجب له فنقول : السبب في ذلك أن يجتمع حرفان امتاز أحدهما على الآخر بمزية ما إما بتفخيم أو إطباق أو تفش أو غير ذلك مع إمكان تلك المزية فيه لأن الحرف بسبب اتحاده بما جاوره يجذبه إلى حيزه ويسلبه المزية الخاصة به أو يدخل معه فيها أو يحدث بينهما حرف يشبههما والذي ينبغي أن يعتمده القارئ في ذلك حسن التخلص منه بإفراد كل منهما بمزية والتعمل لا يراده بخاصيته ) اهـ ولم يكن عبد الوهاب القرطبي الوحيد من بين علماء التجويد المتقدمين الذي عالج موضوع الشوائب فهناك عدد من العلماء لاسيما من المتقدمين يشاركونه في ذلك ولكن يمكن أن يقال أنه انفرد باستخدام هذا المصطلح عن غيره من العلماء .(1/48)
وإن عناية علماء التجويد بما تحدثه الحروف بعضها في بعض إذا تجاورت في الكلمة الواحدة أو عند اتصال الكلمات أو الكلام المتصل من تأثير يدل على الملاحظة الدقيقة لظواهر ضبطهم لخصائص صوت الحرف القرآني وكان لاهتمام علماء التجويد بوصف تلك الظواهر الصوتية أثر في ترسيخ النطق الصحيح واجتناب بوادر اللحن والوقوع في الخلل ونطق الحرف القرآني بعوج قال تعالى )قُرْآناً عَرَبِيّاً غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) (الزمر:28) وقد ساهم منهجهم في حفظ وصون العربية إلى وقتنا المعاصر من تغيير ملامحها الصوتية ولو ترك علماء التجويد المتقدمين الأمر من غير ضوابط لأدى ذلك إلى تراكم الانحرافات إلى تغيير النطق العربي وابتعاده عن صورته الأولى التي كانت سائدة في وقت نزول القرآن الكريم لكن جهود علماء القراءة في التلقي الشفوي وجهود علماء التجويد في دراسة الأصوات العربية وتوضيح خصائص النطق الفصيح قد تكاملت مع جهود علماء العربية التي أدت مجتمعة إلى المحافظة على اللغة العربية حية بعيدة عن التطور الصوتي الذي يؤدي إلى تغيير ملامحها الأساسية . {مُؤَلَّفَاتُ تَحْقِيقُ مَخْرَجُ صَوْتُ الضَّادِ وَالظَّاءِ}(1/49)
من المعروف للباحثين أن القرن الثاني الهجري شهد في بغداد عاصمة الخلافة العباسية بدايات ظهور المؤلفات التي تعالج مشكلة نطق صوت الضاد والخلط بينه وبين الظاء وقد تمثل ذلك في كتاب ( الضاد والظاء ) لأبي سعيد عبد الملك بن قريب الأصمعي ( ت 216 هـ) أما التأليف في مشكلة الضاد ونطقها في القرآن الكريم والخلط بينها وبين الظاء فقد كانت بداياته فيما يرى الباحثون في القرنين الرابع والخامس في كنف دولة الفاطميين التي قامت في تونس 279 هـ وكانت عاصمتها مدينة المهدية إلى أن فتحت مصر 358 هـ وصارت القاهرة عاصمة الدولة الفاطمية التي امتد سلطانها من صحراء سوريا ونهر العاصي في أسيا إلى حدود المغرب الأقصى في أفريقيا ويمكن القول بان مسار التأليف قد أخذ اتجاهين رئيسيين أما الاتجاه الأول فقد بدأ في النصف الثاني من القرن الرابع الهجري ممثلا في صورة رسائل أو كتب صغيرة تعالج مشكلة الخطأ في نطق الضاد ببيان تحقيق مخرجها الصحيح وبيان ما اختلط معها في النطق من الحروف كالظاء في العصور الأولى وما توالى على نطق الضاد من أخطاء وأمراض تلفظية في العصور التالية واشتباهها في النطق عند المتأخرين ومزجها بالطاء المهملة أو اللام وغيرها وأما الاتجاه الثاني فيشترك مع الاتجاه اللغوي السابق في حصره للألفاظ الظائية أو الألفاظ الضادية والظائية في اللغة بعامة ويختلف عنه بتخصيص مجال الحصر في كلمات القرآن الكريم وقد بدا التأليف في هذا الاتجاه في القرن الخامس الهجري والمؤلفات كالآتي :
أولا : مؤلفات تحقيق مخرجي الضاد والظاء في تلاوة القرآن المنزل :(1/50)
1. كانت رسالة القاضي اللغوي المصري أبي الفتح أحد بن مطرف بن إسحاق ( ت 413 هـ) في الضاد والظاء من أوائل المؤلفات التي ارتبطت بأداء نطق الضاد والظاء في القرآن الكريم ولم تصل إلينا هذه الرسالة ولكن بعض من اطلع عليها وصفها بقوله " هذه الرسالة في تحقيق مخرجيهما المختلفين المشتبهين على اكثر العوام بل كثير من العلماء الأعلام بحيث نقل عن أبي عمرو بن العلاء الذي هو إمام اللغة القول باتحاد مخرجيهما " وذكر ياقوت الحموي في ترجمة بن مطرف أنه كان في أيام الحاكم بأمر الله الخليفة الفاطمي ( حكم مصر من 386 إلى 411 هـ) وقد وُصف ابن مطرف بأن كان أديبا فاضلا له مصنفات في اللغة والأدب وأنه ولي القضاء في دمياط كما ذكر ياقوت أن لابن مطرف " رسالة في الضاد والظاء " كتب بها إلى الشريف أبي الحسن محمد بن قاسم الحسيني عامل تنيس ) انظر ياقوت الحموي إرشاد الأديب ج 2 ص 115 .
2. ولأبي محمد: سعيد بن مبارك بن الدهان النحوي. ( ت 569 هـ) رسالة تسمى ( الغنية في الضاد والظاء ) .
3. .و لأبي البركات: عبد الرحمن بن محمد الأنباري، النحوي. ( ت 577هـ)رسالة ( زينة الفضلاء، في الفرق بين الضاد والظاء ) أوله: (الحمد لله مولى النعم والآلاء...). وذكر السيوطي رحمه الله في كتابه بغية الوعاة ج 2 ص 236 أن النحوي المقرئ المصري موفق الدين أبا القاسم عيسى بن عبد العزيز بن عيسى اللخمي الاسكندارني ( ت 629 هـ) له رسالة بعنوان ( المراد في كيفية النطق بالضاد ) .
4. ولأبي الفتوح: نصر بن محمد الموصلي. ( ت 630 هـ) رسالة في الضاد الظاء .
5. ولأبي الحسن: علي بن يوسف القفطي.( ت 646 هـ) كتاب في الضاد والظاء .
6. كتاب ( رفع الحجاب عن تنبيه الكتاب ) للإمام أبو جعفر نزيل حلب .(1/51)
7. وللشيخ، المفسر، عز الدين، أبي محمد: عبد الرزاق بن رزق الله الرسعني ( ت 661 هـ) قصيدة تائية، من البسيط هي أنفع ما صنف في الفرق بين الضاد والظاء. شرحها بعض القراء، وسماه: (كاشف محاسن الغرة، لطالب منافع الدرة) أوله: (الحمد لله، الذي لا نحصي ثناء عليه... الخ).
8. ولجمال الدين: محمد بن عبد الله بن مالك النحوي. ( ت 672 هـ) قصيدة في الضاد والظاء وهي ( الاعتضاد في الضاد والظاء ) وقصيدة أخرى في ( المقصور و الممدود ) .
9. وفي سنة 769 هـ يؤلف بالقاهرة شمس الدين أبو الخير ابن الجزري كتابه التمهيد في علم التجويد وفيه نلحظ أول إشارة إلى الخلاف في نطق الضاد بين أهل المشرق والمغرب وحال نطقها في القرن الثامن الهجري .
10. وفي القرن العاشر الهجري يؤلف في مصر أيضا نور الدين على بن محمد بن على المعروف بابن غانم المقدسي الأصل القاهري المولد والممات ( ت 1004 هـ) كتابه ( بغية المرتاب لتصحيح الضاد ) وقد بين المؤلف _ كما ذكر تفصيل ذلك سابقا _ دافعه إلى تأليف كتابه وهو أن يرد على إنكار بعض المصريين على غيرهم نطق الضاد قريبة من الظاء على عكس نطق أكثر المصريين بالضاد ممزوجة بالدال المفخمة أو الطاء المهملة .
11. وفي القرن الثاني عشر الهجري يقوم المقرئ النحوي المصري على بن سليمان عبد الله المنصوري ( ت 1134 هـ) باسكدار بالآستانة للرد على من تابعوا دعوى ابن غانم المقدسي في تخطئة المصريين في نطق الضاد ويؤلف رسالته ( رد الإلحاد في النطق بالضاد ) ويحدد المنصوري غرضه من الرسالة بقوله ( قد سألني بعض الطالبين الراغبين أن أكتب رسالة في الرد على المبتدعين الذين اتبعوا العناد ونطقوا بالضاد بين الظاء والضاد مخالفين لأهل الرشاد في جميع البلاد ) اهـ .(1/52)
12. وفي القرن الثاني عشر أيضا وفي تركيا حيث كان المنصوري نجد بعض المؤلفين من الترك مثل محمد المرعشي المعروف بساجقلي زادة ( ت 1150 هـ) يؤلف ( رسالة في الضاد وكيفية أدائها ) وفي رسالته يتابع رأي ابن غانم السابق الإشارة إليه في تخطئة نطق المصريين .
13. ونجد تركيا آخر ينتصر للمصريين ويرد على المرعشي ومعه ابن غانم بعدم جواز نطق الضاد بصوت الظاء وهذا التركي الذي رد عليهما هو محمد ابن إسماعيل الأزميري ( ت 1160 هـ) وعنوان رسالته ( رسالة في الرد على رسالة المرعشي في الضاد ) .(1/53)
14. وفي النصف الثاني من القرن الثالث الهجري وعلى وجه التحديد في أواخر شعبان 1281 هـ يناير 1865 م يذكر محمد بن أحمد مقيبل المالكي المصري أنه ( قد ثارت فتنة في الجامع الأزهر أثارها بعض المضللين المجاورين في أواخر شعبان ... حيث زعم أن ظفر برسالة ألفها بعض قدماء العجم في تخطئة ألف مصري في نطقهم بالضاد المعجمة لعدم تمكنهم من إخراجها من مخرجها المخصوص وأن ما عليه قراء الديار المصرية وعلمائها وعوامها لحن لا يجوز لمخالفته ما هو بتلك الرسالة منصوص ) ويذكر ابن مقيبل أن هذا المضل مثير الفتنة أراد بدعوته إلى التمسك برسالة العجمي أن يكون له شأن وأن ينال مرتبة سنية وأن بدعة هذا المضل قد فشت وعلت بمصر وانتشرت حتى كان يصلي أحدهم الفريضة مرتين احتياطا ويذكر ابن مقيبل أنه في مواجهة هذه البدعة قد قام البعض يستفتي رؤساء أهل العلم بالجامع الأزهر من الحنفية والشافعية والمالكية حول صحة صلاة المصريين وأن البعض طاف بسؤاله على هؤلاء العلماء فلم يجد منهم من للحق ينتصر لقصور همته والبعض لخوفه على منصبه وجبايته ظانا أن أمراء الدولة والوزير ينتصر لهذا المبتدع الضال . ويقول ابن مقيبل أنه اهتدى إلى من لم يخشى في الله لومة لائم وهو الشيخ عبد الله محمد عليش رئيس السادة المالكية وبعد أن أوقفه على السؤال أجاد الشيخ عليش في المقال وكتب جوابا وفُتيا على السؤال ثم أورد ابن مقيبل نسخة ما رسمه الشيخ بقلمه ووسمه وبختمه وقد جاء في صدر الجواب (( الحمد لله والصلاة والسلام على من لا نبي بعده : ... لا يخفى على من ترك الاغنساف ورجع إلى مستقيم سبيل الاتصاف أن نطق قراءة أهل المدينة المنورة ومكة المشرفة ومصر بالضاد المعجمة وتمييزها من الظاء المعجمة المشالة تمييزا بينا وإبعادها منها إبعادا كليا هو الصواب المحقق الذي لا شك فيه ... )(1/54)
اهـ وقد دلل الشيخ عليش في فتواه إجابته على صحة نطق المصريين بنصوص أقوال العلماء السابقين من القراء والنحويين وغيرهم مثل أبي حيان وابن الجزري والقسطلاني وابن مكي الصقلي وكتب الفقه المختلفة فيما يتعلق بصحة الصلاة .
ثانيا : مؤلفات حصر ظاءات وضادات القرآن الكريم
كانت وسائل العلماء للتخفيف من حدة مشكلة الخلط في النطق بين حرفي الضاد والظاء في القرآن متمثلة في الجانب التعليمي وهو تأليف الرسائل في تبيين مخرج صوت الضاد وكيفية نطقه الصحيحة وعدم تعرضه للخلط في نطقه بينه وبين الظاء وقد واكب هذا العمل عمل آخر مشابه لعمل اللغويين الذين ألفوا رسائل في حصر الألفاظ الضادية والظائية في الكلام المتداول ونظمها في أبيات شعرية ليسهل على الناس حفظها وتذكرها وقد بدأ التأليف في نظم الظاءات لأن جذور الكلمات التي بها حرف الظاء يعادل ربع جذور الكلمات التي بها حرف الضاد وقد أشار بعض الباحثين إلى أن عدد الكلمات الظائية بالقرآن تعود إلى واحد وعشرين أصلا وردت في 853 موضعا في القرآن في حين بلغ عدد الأصول الضادية واحدا وثمانين أصلا وردت في 1684 موضعا من القرآن مما جعل الباحثين يفردون مصنفات مستقلة لحصر ظاءات القرآن ليعلم أن ما عداها إنما هو بالضاد ولم يمنع هذا من إفراد بعض المؤلفين للأصول الضادية والظائية في القرآن بالتأليف فيما بعد .(1/55)
ومن خلال ما عرفناه من مؤلفات ظاءات القرآن نلاحظ أن معظم تلك المؤلفات جاءت في صورة منظومات شعرية اختلف عدد أبياتها فتراوح ما بين الثلاثة إلى السبعة كما يلاحظ أيضا أن السابق إلى التأليف في موضوع حصر ظاءات القرآن هو أبو العباس أحمد بن عمار المهدوي نسبة إلى مدينة المهدية عاصمة الدولة الفاطمية الأولى سنة 300 هـ قبل تأسيس القاهرة عاصمة الدولة فيما بعد والمهدوي مقرئ نحوي ( ت 440 هـ) وأخذت هذه الترجمة عن المهدوي مما ذكره تلميذه وشارح قصيدته أبو الطاهر إسماعيل بن أحمد بن زيادة الله التجيبي البرقي اللغوي المصري كان حيا 423 هـ . يقول أبو الطاهر البرقي في صدر شرح قصيدة المهدوي ( هذه أبيات نظمها أبو العباس أحمد بن عمار المقرئ أيده الله في جميع أجناس الظاءات , ما سبق إليها ليعول طالبو معرفة الفرق بين الظاء والضاد في القرآن عليها .... والأبيات :
(( ظنَّت عظيمة ظلمنا من حظها *** فظللت أوقظها لكاظم غيظها ))
(( وظعنت أنظر في الظلام وظله *** ظمآن أنتظر الظهور لو عظها ))
(( ظهري وظُفري ثم عظمي في لظى *** لأظاهرن لحظرها ولحفظها ))
(( لفظي شواظ أو كشمس ظهيرة *** ظفر لدى غلظ القلوب وفظها )) اهـ
وقد توالى بعد ذلك قيام بعض القراء والنحاة بنظم ظاءات القرآن الكريم وسوف أكتفي بذكر المصنف طلبا للاختصار وهي كالآتي :
1. أبو عمرو عثمان بن سعيد الداني ( ت 444 هـ) وشرحها الداني بنفسه .
2. أبو القاسم بن فيرُّه الشاطبي ( ت 560 هـ)
3. ونظم علم الدين السخاوي المصري ( ت 643 هـ) تلميذ الشاطبي منظومة ظائية للفرق بين الظاء والضاد ) في القرآن .
4. أحمد بن دلة الواسطي ( 653 هـ)
5. عبد الرازق بن رزق الله الرسعني ( ت 661 هـ) له قصيدة نونية في 36 بيتا سماها ( درة القارئ ) .
6. جمال الدين بن مالك الأندلسي ( ت 672 هـ)
7. إسماعيل بن على بن سعدان بن الكدا الواسطي ( 690 هـ)(1/56)
8. إبراهيم بن عمر بن إبراهيم الجعبري ( 732 هـ) وقصيدته ميمية في 69 بيتا وسماها ( المرصاد الفارق بين الظاء والضاد ) .
9. عبد الله بن أحمد بن على الكوفي الهمذاني ( 745 هـ) وقصيدته رائية في 27 بيتا سماها ( عمدة القراء وعدة الإقراء ).
10. محمد بن على بن حسين القارئ البهشمي ( كان حيا 1247 هـ)
11. على بن أبي أحمد بن أبي سعد الواسطي وقصيدته بائية في 20 بيتا .
{الضَّادُ الْقُرْآنِيَّةُ تُؤْخَذُ مِنْ الْمُقْرِئِ الْمُسْنَدِ لا الْمُصْحَفِيِّ}
( فما كل من يتل الكتاب يقيمه *** وما كل من في الناس يقرئهم مقري )
(وإنّ لنا أخذ القراءة سنّة *** عن الأولين المقرئين دوي السّتر)
هذان البيتان لصاحب أول مصنف في التجويد وهو أبو مزاحم الخاقاني ( ت 325هـ)
والمقصود بالمقرئ المسند : من أخذ القراءة عن شيخه بالسند المتصل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ومن هنا جاءت الإجازة القرآنية .(1/57)
والمقصود بالحافظ المصحفي : من تلقى القراءة من المصحف أو الكاسيت أو من شيخ لا سند له فيما حفظ. وللشيخ محمد بن علي بن خلف الحسيني الشهير بالحداد شيخ القراء المقارئ بالديار المصرية في وقته كلام نفيس حول هذا المعنى المتعلق بالسند والتلقي في كتابه القول السديد في بيان حكم التجويد ص 9 بقوله ( ...وإذ قد علمت أن التجويد واجب وعرفت حقيقته علمت أن معرفة الأداء والنطق بالقرآن على الصفة التي نزل بها متوقفة على التلقي والأخذ بالسماع من أفواه المشايخ الآخذين لها كذلك المتصل سندهم بالحضرة النبوية لأن القارئ لا يمكنه معرفة كيفية الإدغام والإخفاء والتفخيم والترقيق والإمالة المحضة أو المتوسطة والتحقيق والتسهيل والروم والإشمام ونحوها إلا السماع حتى يمكنه أن يحترز عن اللحن والخطأ وتقع القراءة على الصفة المعتبرة شرعا إذا علمت ذلك تبين لك أن التلقي المذكور واجب لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب كما هو معلوم ولأن صحة السند عن النبي صلى الله عليه وسلم عن روح القدس عن الله عز وجل بالصفة المتواترة أمر ضروري للكتاب العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ليتحقق بذلك دوام ما وعد به تعالى في قوله جل ذكره )إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (الحجر:9) وحينئذ فأخذ القرآن من المصحف بدون موقف لا يكفي بل لا يجوز ولو كان المصحف مضبوطا . قال الإمام السيوطي : ( والأمة كما هم متعبدون بفهم معاني القرآن وأحكامه متعبدون بتصحيح ألفاظه وإقامة حروفه على الصفة المتلقاة من الأئمة القراء المتصلة بالحضرة النبوية ) اهـ فقوله على الصفة المتلقاة من الأئمة إلخ صريح في أنه لا يكفي الأخذ من المصاحف بدون تلق من أفواه المشايخ المتقنين ....(1/58)
فإن الإنسان يعجز عن أداء الحروف بمجرد معرفة مخارجها وصفاتها من المؤلفات ما لم يسمعه من فم الشيخ فكيف لا نتعلم القرآن مع كثرة جهلنا وعدم فصاحتنا وبلاغتنا من المشايخ الماهرين في علم التجويد فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم مع كمال فصاحته ونهاية بلاغته تعلم القرآن عن جبريل عليه السلام في جمع من السنين خصوصا في السنة الأخيرة التي توفي فيها ومع أفضليته على جبريل والعجب من بعض علماء زماننا فإنه إذا وجد أهل الأداء في أعلى المراتب تعلم منه وفي أدنى المراتب لا يتعلم منه استكبارا عن الرجوع إليه ...ولذا قيل
(( من يأخذ العلم عن شيخ مشافهة *** يكن عن الزيغ والتصحيف في حرم ))
(( ومن يكن آخذا للعلم من صحف *** فعلمه عند أهل العلم كالعدم )) اهـ
.(1/59)
ولعل سائلا يسال هل هناك فائدة لاتصال أسانيد الإقراء اليوم؟ والجواب هناك كلام لأبي عمرو الداني نفيس جداً ذكره في شرح قصيدة أبي مزاحم الخاقاني فيما يتعلق بذلك، قال أبو عمرو (( عرض القرآن على أهل القراءة المشهورين بالإمامة المختصين بالدراية سنة من السنن التي لا يسع أحداً تركها رغبة عنه، ولا بد لمن أراد الإقراء والتصدر منها، والأصل في ذلك ما أجمع العلماء على قبوله وصحة وروده وهو عرض النبي صلى الله عليه وسلم القرآن في كل عام على جبريل عليه السلام وعرضه على أبي بن كعب بأمر الله عز وجل له بذلك وعرض أبي عليه وعرض غير واحدٍ من الصحابة على أبي وعرض الصحابة بعضهم على بعض ثم عرض التابعين ومن تقدم من أئمة المسلمين جيلاً فجيلاً وطبقةً بعد طبقة إلى عصرنا هذا، فكل مقرئ أهمل العرض واجتزئ بمعرفته -أي اكتفي -أو بما تعلم في المكتب من معلمه الذي اعتماده على المصحف أو على الصحائف دون العرض أو تمسك فيما يأخذ به ويعلمه بما يظهر له من جهة إعراب أو معنى أو لغة دون المروي عن أئمة القراءة بالأمصار المجتمع على إمامتهم فمبتدع مذموم مخالف لما عليه الجماعة من علماء المسلمين تارك لما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم قراء القرآن من تلاوته بما علمه وأقرئ به، وذلك لا يوجد إلا عندما يكون متواتراً ويرويه متصلاً فلا يقلد القراءة من تلك الصفة ولا يحتج بأخذه ...)(1/60)
اهـ وذكر أستاذي وشيخي عميد كلية القرآن بالمدينة المنورة عبد العزيز قارئ في كتابه الرائع ( سنن القراء ) كلام مهم عن التلقي من أهل الأسانيد والحذر من التعلم أو القراءة على أهل الحفظ من المصحف فحسب قال ص 45 ( تلقي القرآن من القراء الضابطين قال تعالى )وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ) (النمل:6) أي يُلقَى إليك وحيا من الله تعالى ومادة ( تلقى ) من اللُِقْيا فيها لقاء بين اثنين هما المُتلقِي بكسر القاف والمتلقَى بفتح القاف والمتلقِي هنا هو الرسول صلى الله عليه وسلم والمتلقَى منه هو الله عز وجل ولكن بواسطة جبريل كقوله )فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ) (القيامة:18) أي فإذا قرأه عليك رسولنا وسفير وحينا جبريل وبُنى الفعل للمفعول (لَتُلَقَّى ) إشارة إلى أهمية المقرئ الذي تؤخذ عنه القراءة وقال ) مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ)(هود: من الآية1) مع أن التلقي ليس من الله مباشرة بل بالواسطة وهذا أول السلسلة سلسلة الرواية والإسناد فأمر هذا القرآن في تلقيه مبني على ذلك لكن منتهى السلسلة إلى مقام رب العلمين كما نَوَّهْنا سابقا .... هذا بداية التنبيه على أهمية تلقي القرآن من الحافظين الضابطين المتقنين الذين تلقوه بالأسانيد المتصلة .(1/61)
أخرج البخاري في فضائل القرآن من صحيحه عن مسروق : ذكر عبد الله بن عمرو, عبد الله بن مسعود فقال : لا أزال أحبه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ( خذوا القرآن من أربعة : من عبد الله بن مسعود وسالم ومعاذ وأبي بن كعب ) فهؤلاء المذكورون اثنان منهم من المهاجرين وهما الأولان : عبد الله بن مسعود الهذلي رضى الله عنه وهو الملقب في الحديث بابن أم عبد وقد ورد فيه من جهة القراءة قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( من أحب أن يقرا القرآن غضا كما أنزل فليقرأه بقراءة ابن أم عبد ) وذلك أنه تلقى القراءة مشافهة من في رسول الله صلى الله عليه وسلم وأتقنها وكان مع ذلك حسن الصوت قوي التأثير بكى رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سمع منه آيات منها قوله تعالى )فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيداً) (النساء:41) وثبت عنه في الصحيح أنه رضى الله عنه قال : ( والله لقد أخذت من في رسول الله صلى الله عليه وسلم بضعا وسبعين سورة والله لقد علم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أني أعلمهم بكتاب الله وما أنا بخيرهم ) فابن مسعود رضى الله عنه كان من أقرأ الصحابة وأعلمهم بالقرآن وأحسنهم إتقانا لقراءته وأعلمهم بالعرضة الأخيرة ولعل هذا هو السر في تقديم النبي صلى الله عليه وسلم له على باقي الأربعة ولما رأي عبد الله بن عمرو النبي صلى الله عليه وسلم قدمه في الذكر أدرك فضله وإمامته في قراءة القرآن التي هي متعلق هذا الخبر فأحبَّه . وأما سالم بن معقل : فهو أبي حذيفة بن عتبة بن عبد شمس وكان سالم من السابقين الأولين وقد روى البخاري أنه كان يؤم المهاجرين بقباء لما قدموا من مكة وفيهم عمر بن الخطاب وسلمة بن عبد الأسد واستدل البخاري بذلك على جواز إمامة العبد .(1/62)
واثنان من المذكورين من الأنصار وهما معاذ وأُبي : أما معاذ : فهو ابن جبل الخزرجي الأنصاري أبو عبد الرحمن وأما أُبي : فهو ابن كعب النجاري الخزرجي الأنصاري أبو المنذر سيد القراء بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم .وقد مات ابن مسعود وأُبى في خلافة عثمان ومات معاذ في خلافة عمر واستشهد سالم مع مولاه أبي حذيفة في موقعة اليمامة في خلافة أبي بكر رضى الله عن الجميع . وهذا الحديث يدل على مشروعية تحرِّي الضابطين من أهل القرآن للأخذ عنهم والتلقي منهم فهذا القرآن لا يؤخذ عن كل أحد . ويدل قبل ذلك على أن قراءة القرآن تؤخذ بالتلقي من أفواه المقرئين أتدري من خاطب النبي صلى الله عليه وسلم بقوله ( خذوا القرآن من أربعة ) ؟ خاطب الصحابة وهم عرب فصحاء بل هم أفصح الأمة ومع ذلك لم يَكِلْهُم إلى فصاحتهم بل أمرهم بالتلقي وما ذاك إلا لأن قراءة القرآن لها هيئة مخصوصة توقيفية فلم يُبَح للصدر الأول وهم عرب أقحاح أن يقرأ كل منهم حسبما يتيسر على لسانه ...... بقى أن نجيب على سؤال يرد هنا عادة وهو لم َ خص النبي صلى الله عليه وسلم هؤلاء الأربعة بينما في الصحابة قراء كثيرون غيرهم ؟ برز من جيل الصحابة من القراء غير هؤلاء المذكورين كثيرون مثل زيد بن ثابت وأبي موسى الأشعري وأبي الدرداء ومن الخلفاء الأربعة قرا الناس على عثمان بن عفنان ثم شغلته الخلافة وعلى علي بن أبي طالب والأسانيد في رواية حفص وغيرها متصلة به . إذن فقوله ( خذوا القرآن من أربعة ) ليس على وجه الحصر إنما خص هؤلاء الأربعة بالذكر تقديما لهم على غيرهم في ذلك الوقت أي وقت صدور هذا الحديث منه صلى الله عليه وسلم وهذا لا يمنع أن يوجد بعدهم من هم مثلهم أو أقرأ منهم .(1/63)
زيد بن ثابت من أقرأ الصحابة وأعلمهم بالقرآن وأعرفهم بالعرضة الأخيرة إضافة ً إلى خبرته بكتابة القرآن حيث كان يكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم وعاش زمنا حتى قرأ عليه كثيرون وانتفع به أمم فقد توفي سنة اثنين وأربعين وقيل ثلاث وقيل خمس . وأبو موسى الأشعري عبد الله بن قيس من أهل اليمن من بني الأشعر قدم المدينة بعد فتح خبير مات سنة اثنين وأربعين وهو ابن نيف وستين سنة بالكوفة وقيل مكة وأبو الدرداء : واسمه عويمر بن عامر اختلف في اسم أبيه كما اختلف في اسمه الخزرجي الأنصاري مات في خلافة عثمان قيل لسنتين بقيتا من خلافته . ) اهـ ومن شروط صحة القراءة ما تواتر ووافقت الرسمي العثماني المجمع عليه بين الصحابة ولا عبرة بكون القراءة وافقت وجها من العربية أم لا والسبب أن القرآن حجة على اللغة العربية وليست اللغة العربية حجة على ثبوت القراءة القرآنية والدليل أن علماء النحو والصرف لم يدونوا كل ما تكلمت به العرب بل أثبتوا ما اشتهر من هذه القواعد وليس الأمر ا كما شرط ابن الجزري رحمه الله بقوله
فكلما ما وافق وجه نحو وكان للرسم احتمالاً يحوي
وصحَّ إسناداً هو القرآن فهذه الثلاثة الأركان
وحيثما يختل ركن أثبت شذوذه لو أنه في السبعة(1/64)
القول بالتواتر هو الذي عليه العلماء وابن الجزري رحمه الله تعالى ذكر هذا الشرط أولاً في كتابه المنجد ثم رجع وعدل عنه في النشر وقال بصحة السند، ولكن الإمام النويري رحمه الله تعالى لما شرح الطيبة أقام الدنيا عليه وأقعدها وجاء بالأدلة والبراهين على عدم رجحان ما قال ابن الجزري وأن الصحيح والذي عليه العمل القول بالتواتر، والتواتر كما هو معلوم هو أن يروي عن طبقة عن طبقة ولاشك أن القرآن الكريم يرويه آلاف ومئات عن آلاف عن آلاف فعزو القراءة إلى فلان من الناس إلى قالون أو إلى ورش ليس معنى هذا أنه انفرد بها، إنما هو لأنه اشتهر بها، فنسبت إليه نسبة اشتهار لا نسبة انفراد، فيشترط في ثبوت القراءات التواتر وليس كما قال ابن الجزري صحة السند ومن أراد أن يرى القول الفصل في ذلك فعليه بشرح الإمام النويري رحمه الله ( شرح الطيبة في سبع مجلدات ) فقد أجاد وأفاد ورد بالأدلة وذكر أقوال الأئمة المعتبرين في ذلك.(1/65)
ولو ثبت تواتر القراءة فلا حجة للغة العربية في كونها وافقت القراءة أم لا بل القرآن وجد قبل تدوين قواعد اللغة العربية فكيف يجعل السابق حجة على اللاحق فمثلا الآيتان الأُخريان ) وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ)(النساء: من الآية162) و )إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ )(المائدة: من الآية69) فقد اتفق الجمهور على قراءة (وَالْمُقِيمِين ) بالياء منصوبا على نحو ما هو مرسوم إلا رواية يونس وهارون عن أبي عمرو لها بالواو وقراءة عاصم الجحدري لها بالواو كذلك مع محافظته على رسمها بالياء واتفقوا على قراءة (َالصَّابِئُونَ ) بالواو على نحو ما هو مرسوم إلا ابن محيصن فقد قرأها بالياء والجحدري كذلك وما دامت قراءة عامة القراء قد جاءت موافقة للرسم على هذا النحو وقد تواترت فلا مجال – إذن – للكلام هنا هل وافقت العربية أم لا وخاصة أن النحاة قد تكلموا على ما في الآيتين من تخالف إعرابي ووجهوا ذلك بوجوه كثيرة رغم أن القراءة إذا صحت روايتها وتواترت لا ينظر في موافقتها قواعد النحاة ولا يطلب لها التعليل أو ذكر الأمثلة لها من كلام العرب فصحة روايتها وتواترها هي في نفسها أقوى في الدلالة على علوها في الفصاحة والعربية من التماس موافقتها للعربية بقول مجهول أو شعر منحول لتوجيهها وما أجل قول الفخر الرازي في هذا المعنى حين يقول (( إذا جوزنا إثبات اللغة بشعر مجهول فجواز إثباتها بالقرآن العظيم أولى وكثيرا ما ترى النحويين متحرين في تقرير الألفاظ الواردة في القرآن فإذا استشهدوا في تقريرها ببيت مجهول فرحوا به وأنا شديد التعجب منهم فإنهم إذا جعلوا ورود ذلك البيت المجهول على وفقها دليلا على صحتها فلأن يجعلوا القرآن دليلا على صحتها كان أولى ) اهـ فهذا الكلام من الفخر الرازي رحمه الله حق له أن يكتب بماء الذهب ويخلد فقد أثبت بالبرهان البين الواضح أن القراءة القرآنية لو تواترت(1/66)
وصحت هذا كافي في كونها فصيحة ولا نحتاج في إثبات قرآنيتها كونها وافقت قواعد العربية أو لا بل يستأنس بها لا يحتج بكونها وافقت اللغة العربية أو لا , وهذا الوجه كان الأولى أن يأخذ به ابن الجزري رحمه الله . إذن تقرر من شروط صحة القراءة ما تواترت ووافقت الرسم العثماني فحسب أم كونها وافقت قواعد اللغة العربية مما وضعة النحويين فلا حجية فيه بدليل أن القران حجة على العربية لا العكس .
{خاتمة البحث}
من النتائج التي توصلت لها لمعرفة كيفية مخرج وصفات صوت الضاد التي نزل بها القرآن أن مخرجها كما قرره العلماء من إحدى الحافتين اليمنى أو اليسرى أو منهما معا وهو الأفضل والأكمل . وتحديد مخرج الحرف لا يكفي لمعرفة خصائصه الصوتية التي تمييزه عن غيره بل لابد من صفاته ومن صفات صوت الضاد التي نزل بها القرآن أنها مجهورة رخوة مستعلية مطبقة مستطيلة متفشية .(1/67)
وكانت أغلب مراجعي التي اعتمدت عليها في هذا البحث ذكرتها داخل مادة البحث وهناك مراجع أخرى نقلت عنها بالمعنى وبتصريف في بعض ألفاظها ومن ذلك بحث صوت الضاد وتغييراته في ضوء في المعجم العربي للدكتور أحمد عبد المجيد وكتاب الدراسات الصوتية لغانم قدروي الحمد وغيرهما وأسأل الله تعالى أن يجعله خالصا لوجهه الكريم ومن أبحاثي التي نشرت بالموقع سابقا بحث ( صوت الميم الساكنة المخفاة بإطباق الشفتين ) وبحث( التحذير من تلاوة القرآن بهذه الأحرف الإنجليزية) وبحث ( أمراض التلفظ بأصوات الجوف ) وبحث ( أمراض التلفظ بأصوات الحلق ) وبحث ( أمراض التلفظ بأصوات اللسان ) وبحث ( أمراض التلفظ بأصوات الشفتين ) وبحث ( شروط وضوابط الإجازة القرآنية ) وبحث( أصوات القلقلة بين المتقدمين والمتأخرين ) وتحت الإنشاء بحث ( أمراض التلفظ بأصوات الحركات الثلاث الضمة والفتحة والكسرة) وهو من أهم أبحاث علم التجويد الصوتية وبحث ( طرق حفظ ومراجعة وتدريس القرآن ) وبحث ( الغنة ومراتبها بين المتقدمين والمتأخرين ) وبحث ( مراتب التفخيم بين المتقدمين والمتأخرين ) وبحث ( الظواهر الصوتية القرآنية والظواهر الصوتية العامية ) وهذا الأخير مهم جدا لكل قارئ ليميز بين صوت الحرف القرآني وصوت الحرف العامي وغير ذلك كثير وأسأله تعالى بأسماءه الحسنى وصفاته العلى أن يجعل لي من لدنه سلطانا نصير ويزدني بسطة في العلم وجميع المسلمين آمين .
للباحث أ / فرغلي سيد عرباوي
باحث في علم الصوتيات التجويدية القرآنية
Fargh22@yahoo.com
Fargh22@hotmail.com(1/68)