أسماء القرآن
في القرآن
الدكتور
محمد محروس المدرس الأعظمي
مدير المدارس الدينيَّة في الأوقاف [ سابقاً ] ، ومدير الدراسات الإسلاميَّة فيها [ سابقاً ] ،
والمشاور القانوني فيها [ سابقاً ] ، والمدرس في كليَّة الإمام الأعظم [ سابقاً ]
والمحاضر في كليَّات : القانون والشرطة والتراث الجامعة [ سابقاً ]
والمدرس في المدرسة الوفائيَّة الدينيِّة [ حاليَّاً ]
1420 هـ 2000 م
الإهداء
إلى مشايخي الكرام ، والعلماء الأعلام ، الذين تشرفت بالتلّقي والأخذ عنهم ، في : العراق ، ومصر ، والحجاز ، والهند ، والشام .
وإلى ... مؤسس المجد العلمي لأجدادنا آل العلقبند
العلاَّمة الشيخ
مصطفى العلقبند الأعظمي الطائي
مفتي الحنفية ببغداد المحمية
و لأولاده ، وأحفاده ، من العلماء الأمجاد الأعلام ،
الذين تنوّر بهم الزمان في بغداد دار السلام .
إليهم جميعا ... أُهدي كتابي هذا.
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدِّمة
الحمد لله الذي منَّ على الأنام ، بالبليغ والقديم من الكلام ، ونصب به للهداية المعالم والأعلام ، وشرَّع فيه الشرائع والأحكام ، ورفع باتِّباعه عن الناس المؤاخذة والملام .
وأصلي وأسلِّم على المضلَّل بالغمام ، الذي خاطب بكلامه ذوي الحجا والأفهام ، وألزمهم الحجة بفهم الخطاب ووصول الإعلام .
وأصلي على آله .. وهم كلُّ تقيٍّ من أمَّة محمدٍ بن عبد الله ، الذين لم يُلهم عن التعلم وذكر الله لاه ، وخصوصاً من هم أهل صحبته من أمتَّه ، والمختارين من صفوته .. وعلى زوجاته الطاهرات ، وبناته المكرّمات ، ومن صلح من أمَّته ممن درج أو ممن هو آت .
وبعد ~~
فلا يرتاب مسلمٌ رسخ إيمانه ، واطمأن جَنانُه ، بتمام القرآن ، وتكفُّل الله - عز وجل - بحفظه من كلِّ زيادةٍ أو نقصان .(1/1)
ولا يرتاب موحِّدٌ بأنَّه بحرٌ لا تُكدِّره الدِلاء ، ولا ينضب منه ولا فيه العطاء ، فأبوابه جمَّةٌ ، ومواضيعه – لا شككت – جدُّ مهمة ، وهي تتنوع تنوُّعاً أوفى الكلام فيه المتصدون لما في القرآن من علوم ، ولا يستوفيها حتى الراسخون المتنوعون في أنواع الفهوم .. ولهذا قد يُضيف المتأخر على ما أتى به المتقدِّم ، فلا يحوز كلَّ الدر مهرة الغوَّاصين من بحرٍ متلاطم ، ولله درُّ من قال : [ كم ترك الأول للآخِر ] ، ولا يحرم إلهنا – وحاشاه - من تأخر ولو من بعض المفاخر ! .
ولعلَّ من مننه - عز وجل - عليَّ – وهي لا تُحصى ولا تُستقصى – أن جعلني بمنِّه متصدياً لتتبع أسماء كتابه في ثنايا كتابه ، فأينع ينع القلب – بفضله – وأمرع بعد يبابه ، " ... قل إنَّ الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله واسعٌ عليم "(1)، و " ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم "(2).
فمن فضله - جل جلاله - عليَّ أنّني هُديت للكتابة عن [ أسماء القرآن في القرآن ] إذ لم أرَ أحداً طرقه ، والإعادة - في بعض الأحيان - تقع على الرأس كالمطرقة ، فجعلت ما كتبت [ ثلاثين ] إسماً ، لكون هذه لمواضيع في أصلها أحاديث ألقيت من دار الإذاعة في رمضان لسنتين متتاليتين ، ثم وفَّق الله - عز وجل - لجمعها كتاباً ..
وأدعوه أن يجعلنا ممن يأخذ كتابه بيمينه ، وممن يحضى بأمنه بشفاعة أمينه ، وأن يجعلنا ممن يبرُّ بيمينه ، في أن نبقى – بعونه – مستقيمين على خدمة دينه ، وأن نكون ممن أمنيته لقاء لربِّه في دعواه وحنينه ، وتأوُّهه وأنينه .. والحمد لله ربِّ العالمين ~~
الدكتور
محمد محروس المدرس الأعظمي
الأعظميَّة – 314 / 88 / 41 .
هاتف الدار – 4225253 و 4228669 .
هاتف المدرسة الوفائيَّة الدينيَّة – 8879723 .
الإسم الأول
القرآن .. !!
__________
(1) آل عمران / 73 .
(2) الحديد / 21 .(1/2)
يقول تعالى : { شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدىً للناسِ وبيناتٍ من الهدى والفرقان }(1).
ولفظ القرآن أشهر من أن يشار لمواضع وروده في آياته وسوره . ولم يسمَ به كتابٌ آخر ، كلفظ الجلالة - الله - لم يسمَّ به أحد من البشر .
وقال الإمام الشافعي - رضي الله عنه - عن هذه اللفظة : إنَّها اسم غير مشتق ، وتقرأ بالتسهيل .. [ القُرَآن ] – هكذا قال في الرسالة - رضي الله عنه - .
وقال آخرون : هو مشتق ، فالقرآن ... مصدر من الفعل الماضي [ قرأ ] .. وهذا المصدر أصبح اسماً علماً على : كلام الله المنزل على نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - بلفظه ومعناه ، المتلو ، والمتعبد بتلاوته ، والمحفوظ في المصاحف والصدور ، والمنقول إلينا نقلاً متواتراً بلا شبهه .
على أنَّ اتِّخاذ المصدر اسماً علماً ليس بمستغرب في لغة العرب ، وإن ارتبت فدونك : رَعد ، ووَعد ، وسَعد ، وتغريد ، سداد .. الخ .
وقرأ - في لغة العرب – لها معنيان :
الأول / قرأ : بمعنى تلاوة وتلفظ الحروف المرسومة ، والنطق بها على هيئتها التي كتبت بها . وقد تطلق على مجرد التلاوة من الحافظة .
الثاني / قرأ : بمعنى جمع ، وضم شيئاً إلى شئ آخر .
فعلى المعنى الأول .. القرآن هو كذلك ، فهو : المقروء المتلو آناء الليل وأطراف النهار ، في أشرف البقاع .. المساجد ، ومعاهد العلم .
وقد قال جبريل - عليه السلام - .. لنبينا - صلى الله عليه وسلم - : إقرأ . في أول خطاب نقله من الله إلى رسوله ، وخيرته من خلقه .
فالقراءة أشرف التكاليف ، وأحسن الأوصاف للإنسان ، وحري أن يوصف عند تعريفه بالحدّ – على رأي المناطقة – بأنه : حيوان قارئ . بدلاً من : ضاحك ، وناطق . فالقراءة أشرف أوصافه ، ولا يشترك معه بها غيره ، فهي وصفٌ ذاتي .
__________
(1) البقرة / 185.(1/3)
وبالقراءة بدأ الوحي ، وهي أول ما سمع المصطفى - عليه السلام - ، من المَلَك إيذاناً ببدء نبوته ، وظهور رسالته ، وفي هذا شرف للإسلام ولنبيه لا يدانيه شرف ، وفيه إيذان بالنكير على سلطة طبقة [ رجال الدين ] في الأديان الأخرى ، والتي ما زال كثير منها يُحرِم القراءة على أتباعه!! .
والله - جل جلاله - هو.. [ القارئ ] يقول تعالى : { .. فاذا قرأناه فاتَّبع قرآنه } .
فنسب تعالى ما يتلوه جبريل - عليه السلام - إلى نفسه جلَّ وعلا ، إضافةً للمُسَبَب إلى سببه ، ثم أمر نبيه أن يتبع ما يتلوه جبريل عليه : { فاتبع قرآنه } .. أي : فاتبع مقروءه .
وفي موضع آخر يقول الحق - عز وجل - : { فإذا قرأتَ القرآن فأستعذ بالله من الشيطان الرجيم }(1).
والقراءة هنا تجوُّزٌ إذا كانت من الصدور أو من السطور ، فما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قارئاً - ما هو معلوم .. وغير خافٍ - .
على أن القراءة في كتاب ملموس هو مطلوب الكفار .. قالوا :
{ ? .. ولن نؤمن لِرُقيِّك حتى تنزل علينا كتاباً نقرؤه .. }(2).
وقراءة المتيسر من القرآن في الصلاة - من غير تحديد - هو صريح منطوق الكتاب .. يقول تعالى : { إنّ ربّك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وتُلُثَه وطائفة من الذين معك والله يقدر الليل والنهار علم أن لّن تُحْصُوه فتاب عليكم فاقرءوا ما تيسر من القرآن عَلِم أنْ سيكونُ منكم مرضى وآخرون يَضرِبون في الأرض يبتغون من فضل الله وآخرون يقاتلون في سبيل الله فافرؤا ما تيسر منه وأقيموا الصلاة .. }(3).
على أن إطلاق صفة [ القراءة ] على القرآن هو كثير فيه .. فعلى المعنى الثاني للفظة [ قرأ ] .. جمع ، فإن القرآن كذلك .. فهو المجموع غير المتفرق ، والمحفوظ غير المبدد ، والمصون غير المضّيع .
__________
(1) النحل / 98 .
(2) الإسراء / 93 .
(3) المزمِّل / 20 .(1/4)
ولقد تكفل الله - عز وجل - بذلك فقال : { إنَّا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون }(1).. ففي الآية سبعة تأكيدات من الله - عز وجل - على الحفظ والجمع .
ويقول تعالى : { لا تحرك به لسانك لتعجل به ( أنَّ علينا جمعه وقرآنه ( فإذا قرأناه فاتبع قرآنه ( ثمّ إنّ علينا بيانه }(2)..
أي : لا تخف يا محمد من ضياع شئ من القرآن منك ، فعلينا جمعه [ قرآنه ] ، فإذا قرأه عليك جبريل - عليه السلام - فهو قراءتنا له ، فاتبع ما يقرؤه
وقيل سمي القرآن قرآناً .. لأنه : الجامع لآيات الوعد والوعيد ، والحِكَم والأمثال ، والقصص والأحكام ، والآيات والسور .
ولا فرق في كل هذا ، وكله مقبول ، فهو : - الجامع ، المجموع ، المقروء ، المتلو ... وهو [ القرآن ] وكفى .
والحمد لله ربِّ العالمين ~~
الإسم الثاني
الفرقان .. !!
الفرقان .. مصدر من : فَرَق ، وفَرَّق . والفعلان ..فَرَق .. وفَرَّق ومشتقاتها ، لا يدلان إلاَّ على الفصل بين أمرين ، أو شيئين فيقال : فَرَق بين شيئين ... أي فصل بينهما .
وفَرّق القاضي بين الخصوم : حَكَمَ .. وفَصَل .. يقول تعالى على لسان سيدنا موسى - عليه السلام - : { قالوا يا موسى إنَّا لن نّدخُلها أبداً ماداموا فيها فاذهب أنت وَرَبُّك فقاتلا إنَّا هاهنا قاعدون ( قال ربِّ إني لا أملك إلاَّ نفسي وأخي فافْرُق بيننا وبين القوم الفاسقين }(3).
ويقال فَرَقَ بين المتشابهين .. إذا بين أوجه الخلاف بينهما .
وفَرَقَ : .. قال تعالى : { وإذ فَرَقْنا بكم البحر .. }(4).
وفَرَقَ الله القرآن : فصّله وبيّنه .. قال تعالى :
{ وقرآناً فَرَقْناه لتقرأه على الناس على مُكثٍ ونزَّلناه تنزيلا }(5). على أن المعنى يجوز أن يكون هنا [ فَرَّقناه ] .. أي أنزلناه مفرّقاً – وسنعود إلى هذا المعنى لاحقاً ..
__________
(1) الحجر / 9 .
(2) القيامة / 16 إلى 19 .
(3) المائدة / 24 إلى 25 .
(4) البقرة / 50 .
(5) الإسراء / 106 .(1/5)
وفرّق ... فهي صيغة مبالغة تدل على زيادة التفريق ، يقال : فرّق بين القوم : أحدث بينهم فُرقةً . يقول تعالى على لسان هرون معتذراً لأخيه موسى : { .. إني خشيت أن تقول فرّقت بين بني إسرائيل ... }(1).
ويقال : فرّق الله القرآن .. أي أنزله مفرّقاً . وقد مرّ الشاهد .
والفارق : ما يميز أمراً من أمر .
والفاروق : من يفرق بين الحق والباطل ، وهو لقب عمر بن الخطاب .
والفرق بين الأمرين هو : المميز أحدهما من الآخر .
والفرق من الرأس هو : الفاصل بين صفين من الشعر .
والفرقان : كلّ ما فُرق به بين الحق والباطل ، ولهذا جعل الله يوم بدر يوم الفرقان : { .. وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان .. .. }(2). والفرقان : الحجة والبرهان .. وهما يفرقان بين الحق والباطل .
وقد سمي القرآن فرقاناً : لأنه فرق بين الحق والباطل ، يقول تعالى :
{ .. وأنزل التوراة والإنجيل ( من قبل هدىً للناس وأنزل الفرقان .. }(3).
ويقول تعالى : { تبارك الذي نزَّل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا ا }(4).
والفرقان سورة من سور القرآن الكريم ، آياتها سبع وسبعون ، وهي مكية إلا الآيات من: 68 إلى 70 فمدنية ، وموضعها في الصحف في [ الجزء الثامن عشر ] ، بعد سورة النور وقبل سورة الشعراء . أما نزولها فكان بعد نزول سورة [ يس ] .
وقد جعل الله [ الفرقان ] وصفاً للقرآن ، وليس اسماً مستقلاً في موضع آخر ، حيث يقول تعالى : { شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدىً للناس وبينات من الهدى والفرقان .. }(5).
فكلمة [ هدىً ] و [ بينات ] .. كل منهما حال من كلمة القرآن ، أي :
__________
(1) طه / 94 .
(2) الأنفال / 41 .
(3) آل عمران / 3 .
(4) الفرقان / 1 .
(5) البقرة / 185 .(1/6)
أنزل الله القرآن وهو هداية بإعجازه المختص به ، وهو آيات واضحات من جملة الكتب الهادية إلى الحق ، و [ الفارقة ] بين الحق والباطل ، وهي المشتملة على المعارف الإلهية ، والأحكام العملية ، فكلمة [ هدى ] الأولى .. غير[ الهدى ] الثانية .
أما قوله تعالى : { وإذ آتينا موسى الكتاب والفرقان لعلكم تهتدون }(1).
وقوله تعالى : { ??لقد آتينا موسى وهرون الفرقان وضياءً وذكرا للمتقين }(2). فالمقصود بكلمة [ الفرقان ] فيهما : الحجج والمعجزات التي أعطياها ، وهي تفرق بين الحق و الباطل .
ويستبعد الإمام الآلوسي [ روّح الله روحه ] قول من قال : إن الله آتى موسى [ الفرقان ] .. أي القرآن ، بمعنى ذكره له حتى آمن به !! . فالقول الأول أظهر .
إن الكتب السماوية كلها فرقت بين الحق والباطل ، و [ الفرقان ] وصف لها جمعاء . وهو اسم اختص به القرآن اصطلاحاً ، فهو الكتاب .. وهو القرآن .. وهو الفرقان .
ولا يمنع أن يكون [ الفرقان ] مع كل أحدٍ ، وهو ما يجعله الله في قلوب .. وبصائر بعض خلقه ، حيث يقول - عز وجل - : : { يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقاناً ويُكفِّر عنكم سيِّئاتكم ويغفر لكم والله ذو الفضل العظيم }(3).
والحمد لله ربِّ العالمين ~~
الإسم الثالث
البرهان .. !!
البرهان : مصدر من الفعل الماضي .. بَرهَنَ ، ومضارعه .. يبرهن والبرهان : في اللغة الحجة .. والدلالة .. والبيان ، يقال : برهن عليه ... أي أتى بالبرهان ، ويقال : برهنه ... أي بينّه بحجة .
وسميت الحجة : برهاناً .. لبيانها ، ووضوحها .
والبرهان بمعنى .. الحجة : من [ البرهونة ] – بقول ابن الأعرابي - وهي البيضاء من الجواري ، كما اشتق اسم السلطان من : السليطة ، أي : الزيت .. لإنارته ! .
والبرهان : يقتضي الصدق دوماً لا محالة .
__________
(1) البقرة / 53 .
(2) الأنبياء / 48 .
(3) الأنفال / 29 .(1/7)
وهو عند علماء أصول الفقه : ما فصل بين الحق والباطل ، وميَّز الصحيح من الفاسد ، بالبيان الذي فيه .
وعند علماء المنطق : قياس مؤلف من مقدمات قطعية لنتيجة قطعية .
وقوله تعالى : { ولقد هّمت به وهّم بها لولا أن رأى برهان ربه .. }(1).
فمن جملة ما قيل فيه : هو ما نصبه ربه له من .. الدلائل العقلية ، والنقلية .. على وجوب اجتناب المحارم والمآثم .
وعن علي بن الحسين زين العابدين - رضي الله عنه - قال : قامت امرأة العزيز إلى الصنم فألقت عليه ثوباً .. فقال لها يوسف : ما هذا ؟ .
قالت : أستحي من الصنم أن يرانا !! .
فقال لها يوسف : تستحين ممن لا يبصر ولا يفقه ، ولا أستحيي ممن خلق الإنسان وعلّمه البيان ؟ ! .
على أنَّ في هذه الرواية تأكيد انصراف نية سيدنا يوسف إلى فعل الفاحشة ! ، وهو مالا يتفق مع عصمته ، وصرف السوء عنه ، لذا قيل إن معناها : فلولا أن رأى برهان ربه ، لكان همّ بها ، بعد أن همت به.
وقيل : همت بقتله لامتناعه ، وهمّ بقتلها دفاعاً عن نفسه !! .
ومعلوم أن من همّ بمعصية ولم يفعلها ، كتبت له حسنة .. .
*******
لقد ورد ذكر - البرهان - على أنه - القرآن - .. في قوله تعالى : { يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا إليكم نوراً مبينا }(2).
واتفقت كلمة المفسرين على أن - النور المبين في الآية .. هو: القرآن ، إلا أنهم اختلفوا في إرادته بكلمة : البرهان .. في الآية .
فذهب ابن عباس وآخرون - كما أخرج ابن عساكر عن سفيان الثوري عن أبيه عن رجل لا يحفظ اسمه - : إن المراد بالبرهان في الآية هو الرسول - صلى الله عليه وسلم - .
وقالوا : عبَّر القرآن عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالبرهان ، لأنه بسبب ما جاء معه من المعجزات التي تشهد بصدقه . وما وهب من براهين .
ولهذا ذهب قوم إلى أن - البرهان - هو : المعجزات .
__________
(1) يوسف / 24 .
(2) النساء / 174 .(1/8)
وقيل : بل البرهان .. دين الحق الذي جاء به محمد - صلى الله عليه وسلم - .
والأحق عندي / أن المراد بالبرهان هنا هو القرآن العظيم ، فهو : البرهان .. وهو الحجة .. وهو المعجزة المقيمة للحجة على كافة الناس .. وإلا كيف يخاطب - عز وجل - كل الناس ، ليقيم عليهم الحجة بمعجزة مادية لم يرها ، ولن يراها الجميع ؟! ، في حين القرآن العظيم : قاطعة حجته .. بينّة معجزته .. دائمة براهينه .. ظاهرة لكل جيل من الناس من لدنه - صلى الله عليه وسلم - إلى يوم القيامة . وإن كل ما أوردناه من معاني - البرهان - اللغوية تنطبق عليه .. فهو :
الحجة .. والدليل .. والقاطع .. والبيِّن .. والساطع .. والناصع .
ويعضد رأينا ما قاله الإمام أبو الثناء الآلوسي – روّح الله روحه – في روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني :
[ .. وإن كان المراد من البرهان القرآن أيضاً ، فقد سلك به مسلك العطف المبني على تغاير الطرفين ، تنزيلاً للمغايرة المعنوية منزلة المغايرة الذاتية ، وإطلاق البرهان عليه ، لأنه أقوى دليل على صدق ما جاء به ، وإطلاق النور المبين لأنه بيِّن بنفسه ، مستغنٍ في ثبوت حقيّته وكونه من الله بإعجازه ، غير محتاج إلى غيره ، مبيِّن لغيره من حقيّة الحق وبطلان الباطل ، مُهدي للخلق بإخراجهم من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان ... ] .
والحمد لله ربِّ العالمين ~~
الإسم الرابع
الحكيم .. !!
يقول تعالى : { يس ، والقرآن الحكيم }(1).
والحكيم : صفة على وزن .. فعيل ، بمعنى .. فعول ، أي .. محكم ، كالقتيل بمعنى .. المقتول ، والشهيد بمعنى .. المشهود .
والحكيم : كما هو اسم للقرآن ، فهو من أسماء الله الحسنى .
والحكيم : مأخوذ إما .. من الفعل الماضي حَكَم ، أو .. من الفعل الماضي - حَكُم - ، ومصدر الأول .. حُكماً ، ومصدر الثاني .. حِكمةً
و حَكَم : بمعنى فصل .. وقضى ، يقول تعالى :
{
__________
(1) يس / 1 و 2 .(1/9)
فالله يحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون }(1).
والله تعالى القاضي في الأمور كلها ، فهو: الحكيم ، بمعنى .. الحاكم .
ومن أسمائه تعالى : الحَكَم ، وهو بمعنى .. الحاكم أيضاً .
وحَكُم : صار .. حكيماً ، أي .. مُحكماً .
والمُحْكَم : المُتْقَنْ .. المضبوط في كل أمر .
والحكيم : من أسمائه تعالى ، إن كان مأخوذاً من .. الحِكمة ، فيكون بمعنى المتقن لكل الأمور ، والمباشر لها بما يناسبها .
والحكمة : مصدر بمعنى .. العلم الذي يرفع الإنسان عن فعل القبيح ، ومن القُبح .. الجهل ، فهي مانعة منه ، يقول تعالى :
{ يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤتَ الحكمة فقد أوتي خيراً كثيرا ... }(2).
وأصلها مأخوذ من : الحَكَمة ، وهي .. الحديدة التي تكون في فم الفرس ، ويتصل بها العذاران ، وتمسك فم الفرس وحِنكه ، فيوجهه الفارس أنى شاء .
والحكمة في الاصطلاح هي : وضع الشيء في محله ، ومنه .. منع الظلم .. ومنع الجهل .. وإتقان العمل وإحكامه .. فهي تمنع القبح وفعله .. ولذلك كانت السن النبوية المطهرة [ حكمة ] .. يقول تعالى :
{ هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين }(3).
وقيل هي : علم الشريعة بعامة ، فما يستفيدوه من علم فهو .. حكمة ، وهو – لا شك – نافع فهو : حكمة .
وسمي كل من : الفيلسوف .. والطبيب .. حكيماً .
بل سمي بها : كل ذي حكمةٍ ، يضع الأمور نصابها ، ويتقن أموره ، ويستفيد مما حوله مما هو أهل له ، فقد يلقي الكلمة الحكيمة من ليس لها بأهل فيلتقطها الحكيم .. ولهذا قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - :
{ الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها التقطها } .
بل قال - عليه السلام - : { إنّ من الشعر لحكمةً ، وإن من البيان لسحرا } .
وفي رواية : { إنّ من البيان حِكَماً } .
__________
(1) البقرة / 113 .
(2) البقرة / 269 .
(3) الجمعة / 2 .(1/10)
وقد وُصف القرآن - بالحكيم - .. في قوله تعالى :
{ ذلك نتلوه عليك من الآيات والذكر الحكيم }(1).
وقوله تعالى : { ? الر تلك آيات الكتاب الحكيم }(2).
وفي أوائل سورة يس : { يس ( والقرآن الحكيم ( إنك لمن المرسلين }(3). ويقول تعالى :
?? { حم ( والكتاب المبين ( إنّا جعلناه قرآناّ عربياً لعلكم تعقلون ( وإنه في أمّ الكتاب لدينا لعليّ حكيم }(4).
فالحكيم صفة للقرآن .. لأنه : المحكم المتقن نظمُهُ .. أو : الممنوع من الباطل .. أو صاحب الحكمة .
وعلى الأخير ، يكون معناه : تشبيه القرآن بناطقٍ بالحكمة – مع أنه منطوق - ، تنزيلاً للسبب منزلة المُسَبَب ، وأسند للمُسَبَب ما هو مسنود للسبب .. فالله هو السبب ، وهو : الناطق بالحكمة القرآنية لأنه .. لفظه .. وخطابه .. وكلامه ، فيوصف هو بالحكمة لا نطقه ، فهو إما .. إسناد مجازي ، أو.. تشبيه في استعارةٍ مكنيةٍ تخيلية ، بان شبّه القرآن بناطق الحكمة ، وأثبت له الوصف [ الحكيم ] تخييلاً !! .
وإذا كانت الحكمة : هي وضع الشيء في محله ، والعلم النافع ، وهي السداد ، وهي التسديد ، ومعرفة النفس مالها وما عليها .. فإن الإفراط فيها .. هو : - الجربزة - ، وهي مذمومة .
والتقصير عنها هو : - الغباوة - ، وهي مذمومة أيضاً .. فاحفظ هذا ولا تضيِّعه .
والحمد لله ربِّ العالمين ~~
الإسم الخامس
المجيد .. !!
يقول تعالى : { ق والقرآن المجيد }(5).
يقسم الله تعالى .. بقاف ، و .. بالقرآن ، الذي وصفه بالمجيد .
والمجيد : اسم مفعول على وزن .. فعيل ، بمعنى .. فاعل ، أي .. ماجد ، وقد أنكر ابن هشام أن يأتي وزن - فعيل - على معنى - فاعل - ، ولكننا نرده بأن .. _ شهيد - تأتي بمعنى .. - شاهد - ، فينخرم ما يقول به ، يقول تعالى: { واستشهدوا شهيدين من رجالكم .. }(6)
__________
(1) آل عمران / 58 .
(2) يونس / 1 .
(3) يس / 1 إلى 3 .
(4) الزخرف / 1 إلى 4 .
(5) ق / 1 .
(6) البقرة / 282 .(1/11)
وقيل المجيد : وصف للمبالغة ، فهو الوافر المجد .
والمجيد : وصف مأخوذ من .. مَجَدَ ، أو .. مَجُدَ ، ومضارعه .. يَمجُد ، والمصدر .. مَجداً ، وجمعها .. [ أمجاد ] للوصف وللمصدر ، شبيه قولهم : أما نحن بنو هاشم فأمجاد .
والمجيد : من كان ذا مجد . وكذا : مَجَدَ ، و مَجُدَ .
والمجد : الشرف الواسع .. والعلو .. والرفعة – وكلها بمعنى - .
وتأتي بمعنى : المكارم المأثورة عن الآباء والأجداد ، أو: الشرف فيهم وفي الأثر : [ المجد : حمل المغارم ، وإيتاء المكارم ] .
والماجد : الشريف الخيّر .. ومن : له آباء متقدمون في الشرف .
ومجَّده وأمجده : عظمه وأثنى عليه .
والمُمَجِّد : الذي يثنى على الله بما هو أهلُه ، ويرفعه بما يُعليه .
والتمجيد : أن يُنسب الرجل إلى المجد ، وهو .. التشريف .. والتعظيم .
والتمجيد : فعل - الممّجد ، وهو .. الذي يُمجِّد الله من المؤذنين على المآذن .. وما زال ذلك معمولاً فيه في العراق ليلة الجمعة .. وصباحها ، وعند وفاة عالمٍ من علماء الإسلام ! .
وتماجدوا : تفاخروا .
واستمجد : صار ماجداً .
والمجيد : اسم من أسماء الله الحسنى . يقول تعالى : { إنه هو يُبديء ويعيد ( وهو الغفور الودود ( ذو العرش المجيد ( فعّال لما يريد }(1).
إن كلمة - المجيد - بالرفع ، تكون إسماً من أسماء الله تعالى ، والرفع هو الأشهر ، وهي قراءة عليها أكثر القرّاء ، وعليها رسم المصحف .. ومعناها : الموصوف بالمجد ، ولأن .. المجيد ، لم يُسمع في غير صفة الله تعالى .
وقرأت بالخفض .. أي – ذو العرش المجيدِ - ، فجعلها من قرأها هكذا صفةً للعرش ، وهو أمر يليق به ، إذ وصفه الله تعالى بالكرم ، في قوله تعالى : { فتعالى الله الملك الحقِّ لا إله إلا هو رب العرش الكريم }(2).
*******
وقوله تعالى : { بل هو قرآن مجيد ( في لوح محفوظ }(3).
__________
(1) البروج / 13 إلى 16 .
(2) المؤمنون / 116 .
(3) البروج / 21 إلى 22 .(1/12)
أي : القرآن هو ذو المجد والشرف ، والمعروف أنَّ الذات الإلهية وصفت بالمجد ، فوصف كلامه ليس ببعيد ، من الإسناد للمسبب ما هو مسنود للسبب .
ولا يخفى أنَّ شرف القرآن هو بالنسبة لسائر الكتب السماوية ، وأما شرفه على غير الإلهية ظاهر .
فشرفه على الكتب الإلهية : فلإعجازه .. وكونه غير منسوخ بغيره .. بل هو ناسخ لغيره .. ولاشتماله – مع إيجازه – على أسرار يضيق كل واحد منها عنها .
وقال الراغب الأصبهاني : المجد .. السعة في الكرم ، وأصله مَجَدتِ الإبل ، إذا وقعت في مرعى كثير واسع . ووصف القرآن به ، لأنه :
أولاً – لكثرة ما يتضمنه من المكارم الدنيوية والأخروية .
وثانياً – لأنه كلام الله المجيد ، فهو وصف بصفة قائلة .
وثالثاً – ولا بد من علم معانيه ، وعمل بما فيه مجد عنه الله تعالى وعند الناس ، فالكلام بتقدير مضاف حذف فارتفع الضمير المضاف إليه
ورابعاً – ووزن [ فعيل ] يأتي بمعنى [ مَفعَل ] ، كبديع بمعنى مُبدَعَ . فهو المجيد بمعنى الممَجَّد .
فتعالى الله بذاته ، وشرفت به كلماته ، ومَجُدت به آياته ، وهو القويّ العزيز ، المجيد .. ذو القول المجيد .
والحمد لله ربِّ العالمين ~~
الإسم السادس
الكتاب ..!!
لقد ورد اسم – الكتاب – في القرآن الكريم مائتان وثلاثون مرَّة ، فأطلق فيه على : كتاب الله المنزَّل على محمد عليه السلام ، والمنزَّل على الأنبياء الآخرين ، وأطلق على معانٍ أخرى غير ما تقدم .. ! .
ويقول تعالى : { آلم ( ذلك الكتاب لا ريب فيه هدىً للمتقين }(1)
ويقول تعالى : { هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلو عليهم الكتاب والحكمة .. }(2)
*******
لقد ورد اسم [ الكتاب ] في القرآن الكريم مائتان وثلاثون مرة ، وأطلق فيه على كلام الله المنّزل على محمد [ ص ] ، وعلى الأنبياء الآخرين ، كما أطلق على معانٍ أخرى أيضاً .
__________
(1) البقرة / 1و 2 .
(2) الجمعة / 2 .(1/13)
يقول تعالى : { آلم ( ذلك الكتاب لا ريب فيه هدىً للمتقين }(1).
ويقول تعالى : { هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة .. }(2).
وتسمية القرآن بالكتاب في مواضع متعددة من القرآن الكريم نفسه ، أمر لا مرية فيه .. فما الكتاب ؟ .
*******
الكتاب : اسم مصدر من .. كتب .. يكتب .. كتابةً ، وكتاباً .
ويطلق الكتاب في اللغة على : مطلق الجمع .. وعلى الغرض .. وعلى الحكم .. وعلى التقدير .. وعلى القضاء .. وعلى الإثبات .. وعلى الثبوت .. وعلى الرسالة .. وعلى الصحف المجموعة .. وعلى ما يكتب - أي : المكتوب - .. وعلى الأجل .
والجمع : [ الكتيبة ] .. فهي المجموعة ، وهي بعض الجيش .
ومن الجمع : سميت [ الخرزات ] كتاباً ، لجمع بعضها على بعض .
يقول تعالى : { لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادُّون من جادَّ الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه .. }(3)
ومن الجمع : تسمية القرآن كتاباً ، لأنه مجموع .. ومنه قوله تعالى :
{ وقالوا أساطثير الأولين اكتتبها فهي تُملى عليه بُكرةً وأصيلا }(4)
أما إطلاقه على .. الفرض ، فمنه قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين قبلكم لعلكم تتقون }(5).. ومثلها كثير .
أما إطلاق الكتاب على : الحكم .. والتقدير.. والقضاء .. والثبوت ، فمنه قوله تعالى : { قل لن يُصيبنا إلاّ ما كتب الله لنا .. }(6)، أي : إلاّ ما حكم وقضى .. أو ثبت .. وقدر .
أما إطلاق الكتاب على لسان بلقيس : { قالت يا أيها الملأ إني ألقي إلي كتاب كريم ، إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم ، ألا تعلوا عليّ وأتوني مسلمين }(7).
__________
(1) البقرة / 1 و 2 .
(2) الجمعة / 2 .
(3) المجادلة / 38 .
(4) الفرقان / 5 .
(5) البقرة / 183 .
(6) التوبة / 51 .
(7) النمل / 29 إلى 31 .(1/14)
أما إطلاق الكتاب على المكتوب : فهو من باب تسمية _ المفعول - باسم المصدر على التوسع الشائع .
إن إطلاق المصدر على المفعول هو للمبالغة ، كإطلاق : الكتاب على .. المكتوب منه ، والخبز على .. المخبوز ، واللبس على .. الملبوس ، والطعام على .. المطعوم .. هكذا .
*******
أما إطلاق – الكتاب – على : الصحف فقط لا مطلق الجمع ، فهذا هو أحد معانيه اللغوية ، وهو الشائع الآن.. وهو مقيدٌ بضم الصحف المكتوبة دون غيرها .
ويقول الراغب الأصبهاني : [ الكتب : ضم أديم إلى أديم بالخياطة ] .
وأما إطلاقه على الأجل ، فمنه قوله تعالى : { وما أهلكنا من قرية إلا ولها كتاب معلوم ( ما تسبق من أمة أجلها وما يستأخرون }(1).
*******
أما في الاصطلاح ، فله معانٍ عدة بحسب اصطلاح كل قوم من المصطلحين ..
فلدى علماء الكلام ، وعلماء أصول الفقه هو : أحد أركان الدين والإيمان فالمؤمن يقول : آمنت بالله ، وملائكته ، وكتبه ، ورسله..الخ .
ولدى النحويين : يطلق الكتاب على مؤلف [ سيبويه ] في النحو .
ولدى الفقهاء : يطلق الكتاب على ما يتضمن الشرائع والأحكام .
وقد جاء ذكر [ الكتاب والحكم ] متعاطفين في عامَّة القرآن الكريم .
أما لدى المصنفين : فيطلق على طائفة من المسائل اعتبرت منفردة عما عداها ، فهو علم جنس الطائفة من ألفاظٍ دالة على مسائل مخصوصة من جنس واحد ، وتحته أما : أبواب ، أو فصول ، أو أنواع
وفي العرف : تقول كتب الكتاب .. إذا خطه بالقلم .
فالكتابة في العرف : ضم الحروف بعضها إلى بعض .
فهي : نظم ، و جمع ، وضم .. وكل ذلك في أمر معين وهي .. الحروف التي تخط بالقلم ، وعلى هذا المعنى العرفي يفصّل الأمر بالآتي .. تقول : استكتب فلاناً ، فهو على معانٍ عدة ..
1. فإما معناها : طلب منه الكتابة . 2. وإما معناها : اتخذه كاتباً .
3. وإما : استملاه ليُملي عليه ما يكتبه .. فتقول : اكتتب فلان فلاناً .. أي استكتبه .
*******
__________
(1) الحجر / 4 و 5 .(1/15)
وأما لفظة - كاتب - ، فلها معانٍ فهي :.
1. إما : من يتعاطى صناعة النثر ، في مقابل الشاعر .
2. وإما : من يتولى الكتابة .
والكتابة : صنعة الكاتب .
وأول من كتب آدم - عليه السلام - ، وقيل إدريس - عليه السلام - .
*******
وقد سمّى الله - عز وجل - قرآنه الكريم بالكتاب ، وذلك لاعتبارات .. فإمَّا :
1. لأنه : المضموم بعضه إلى بعض باللفظ . وهذا يطلق عليه الكتاب فضلاً عن ضم الحروف بالخط .. فهو المضموم غير المتفرق ، وهذا من قبل إنزاله .. وبعده ذلك أيضاً إلى يوم الدين .
2. أو : لأنه كالكتيبة على عساكر شبهات الكفار والزنادقة .
3. أو : لاجتماع كل العلوم فيه ! .
4. أو : لأن الله تعالى ألزم فيه التكاليف على الخلق .
5. أو : لأنه مكتوب عند الله في اللوح المحفوظ .
فالكتاب هو : كلام الله المجموع .. المنزّل على النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - .. المضموم بعضه إلى بعض .. الذي لم يذهب منه شئ .. ولن يذهب بإذن الله .. وهو الداحض للشبه .. والمكتوب عند الله .
والكتاب ورد معرفاً في أول سورة البقرة ، ليدل على هذا الكتاب دون غيره من كتب منزلة على غير نبينا ، فهو الحقيق بأن يختص بهذا الإسم ، لتفوقه على بقية الأفراد – أي : الكتب السابقة - ، وذلك بحيازة كمالات جنس الكتب السماوية ، حتى كأن ما عداه خارج من معناه بتلك الـ [ أل ] ... فكأنه تعالى قد قال : إن هذا الكتاب هو الكتاب .
قال ابن عصفور : كل – أل - وقعت بعد اسم الإشارة .. فهي للعهد الحضوري .
والحمد لله ربِّ العالمين ~~
الإسم السابع
الذِكر .. !!
يقول تعالى : { ذلك نتلوه عليك من الآيات والذكر الحكيم }(1).
ويقول تعالى : { وقالوا يا أيها الذي نُزِّل عليه الذكر إنَّك لمجنون }(2).
والذِكر .. اسم مصدر من : ذَكَرَ .. يَذكُرُ .
والذِكر .. على الحصول بالمصدر .. جمعها [ أذكار ] .
__________
(1) آل عمران / 58 .
(2) الحجر / 6 .(1/16)
والذِكر .. يتعدى إلى مفعوله .. بعن ، أو .. اللام ، أو .. على
يقول تعالى :? { ??فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا ... }(1).
أي : اذكروا الله [ على ] هيئة ذكركم لآبائكم ، أو أشد ذكرا .
وتقول : ذكرهُ على عجل .. أي بلسانه .
أما : إذا تعدى بغير - على - ، دلّ على الذكر القلبي ..
يقول تعالى : { والذين إذا فعلوا فاحشةً أو ظلموا أنفُسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يفغر الذنوب إلا الله ولم يُصروا على ما فعلوا وهم يعلمون }(2).
وتقول : ذكرت فلاناً .. أي بالقلب .
والذكرى : مصدر بمعنى .. الذكر .. يقول تعالى :
" كتاب أُنزل إليك فلا يَكن في صدرك حرج منه لتُنذِرَ بِهِ وذكرى للمؤمنين }(3).
فالذكر.. والذكرى ، يطلقان على :
1. إحضار الشيء في الذهن ، بحيث لا يغيب عنه ، وهو ضد النسيان ، وقد يسمى .. الذُكر .
2. وإما .. هو التلفظ بالشيء .
والفارق بينهما بالحرف الذي يتعدى به المصدر .
والذكر في معناه الأول قد يدل على معنى التفكر ، وهو التأمل .
*******
والفكر : اسم من التفكُر ، وهو لمعنيين :
1. إما : القوة المودّعة في الدماغ .
2. وإما : أثرها ، وهي ترتيب أمور الذهن التي يتوصل بها إلى مطلوب يكوِّن علماً .
وقوله - صلى الله عليه وسلم - : { تُفكر ساعة خير من عبادة ستين سنة } ، ففيه توجيهان : 1. قول الإمام الرازي في توجيهه : إن التفكر يوصل إلى ذات الله ، والعبادة توصلك إلي ثوابه ، وما يوصلك إليه ، خير مما يوصلك إلي غيره !! .
2. أنَّ التفكر عمل القلب ، والعبادة عمل الجوارح .. والأول أفضل . وعمل القلب - في حالته تلك – أفضل من عمل الجوارح ، إلاّ ما خصّ الله بطلب ذكره باللسان ، كقوله تعالى : { واذكر اسم ربِك بكرةً وأصيلا }(4).
ويقول ابن القيم - رضي الله عنه - : اذكره بقلبك ولسانك .. فتنبه !! .
*******
__________
(1) البقرة / 200 .
(2) آل عمران / 135 .
(3) الأعراف / 2 .
(4) الإنسان / 25 .(1/17)
والذكر في الاصطلاح .. قد يراد به :
أولاً / الإتيان بألفاظ ورد الترغيب فيها .
ثانياً / المواظبة على العمل بما أوجب الله ، أو ندب اليه .. كالتلاوة .. وقراءة الحديث .. ودرس العلم .. والنفل في الصلاة .
ثالثاً / الحفظ .. في قوله تعالى :
{ وإذ أخذنا ميثاقَكُم وَرَفعنا فوقكم الطور خُذُوا ما آتيناكم بقوةٍ وأذكروا ما فيه لعلكم تتقون }(1).
رابعاً / الطاعة .. في قوله تعالى : { : اذكروني أذكركم .. }(2).
خامساً / الجَزاء .. في الآية المتقدمة : { فاذكروني أذكركم .. } .
سادساً / الصلاة .. في قوله تعالى :
{ حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين ( فأن خِفتم فرجالاً أو رُكباناً فأذ أمنتم فاذكروا الله كما علّمكم ما لم تكونوا تعلمون }(3).
سابعاً / البيان .. في قوله تعالى :
{ أوَعجبتم أن جاءكم ذكر من ربِكم على رجلٍ منكم ليُنذِرَكم ولتَتّقوا ولعلكم ترحمون }(4).
ثامناً / الموعظة .. حملت كلمة - ذكر - في الآية المتقدمة على ذلك .
تاسعاً / الحديث .. وهو من الذكر اللساني في قوله تعالى :
{ وقال للذّي ظنّ أنّه ناجٍ منهما أذكرني عند ربِك .. }(5).
عاشراً / التوراة .. في قوله تعالى :
{ .. فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون }(6).
الحادي عشر / الشرف والصيت .. في قوله تعالى :
{ وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تُسألون }(7).
الثاني عشر / العيب ، والاحتقار.. في قوله تعالى :
{ .. أهذا الذي يَذكرُ آلهتكم وهم بذكر الرحمن هم كافرون }(8).
الثالث عشر / اللوح المحفوظ .. في قوله تعالى :
{ ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أنّ الأرضَ يَرثها عباديَ الصالحون }(9)
__________
(1) البقرة / 63 .
(2) البقرة / 152 .
(3) البقرة / 238 و 239 .
(4) الأعراف / 63 .
(5) يوسف / 42 .
(6) النحل / 43 .
(7) الزخرف / 44 .
(8) الأنبياء / 36 .
(9) الأنبياء / 105 .(1/18)
الرابع عشر / الثناء .. في قوله تعالى : { فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وأبتغوا من فضل الله وأذكروا الله كثيراً لعلكم تُفلحون }(1).
الخامس عشر / الخِطبة .. يقولون فلان ذكر فلانةً ، أي : خطبها .
السادس عشر / التعريض بالخطبة .. يقولون ذكر فلانٌ فلانة .
السابع عشر / الشكر .. في قوله تعالى : { واذكروا نعمة الله عليكم } في مواضع عدَّة ، ويقولون .. فلان يذكر النعمة ، أي : يشكرها .
الثامن عشر / إعلام الآخرين .. كذكرت لهم كذا ، أي : أعلمتهم .
التاسع عشر / الحفظ .. وعدم التضييع ، تقول : ذكر فلان حق فلان ، أو وُدَّه .. أي حفظه ، ولم يُضيعه .
العشرون / التسبيح .. في قوله تعالى :
{ رجالُ لا تلهيهم تجارةُ ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة ... }(2).
الحادي والعشرون / ذكر الله عباده بالخير .. يقول تعالى :
{ اتلُ ما أوحي إليكَ من الكتاب وأقِم الصلاة إنّ الصلاةَ تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذِكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون }(3).. أي : ذكر الله لكم ، أعظم واكبر من ذكركم إياه بصلواتكم .
الثاني والعشرون / الوحي .. في قوله تعالى : { فالتاليات ذكرا }(4).
الثالث والعشرون / صلاة الجمعة .. في قوله تعالى : { .. فأسعوا إلى ذكر الله .. }(5).
الرابع والعشرون / القرآن .. ومنه ما افتتحنا به الكلام ، مما ورد في آل عمران ، وفي سورة الحجر .
وفي فصلت : { إن الذين كفروا بالذكر لّما جاءهم وإنه لكتابٌ عزيز ( لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد }(6).
ويقول - عز وجل - : { .. قد أنزل الله إليكم ذكرا }(7). وقد صدق ربنا - عز وجل - إذ يقول :
{ إنّا نحن نزّلنا الذكر وإنّا له لَحافظون }(8).
__________
(1) الجمعة / 10 .
(2) النور / 37 .
(3) العنكبوت / 45 .
(4) الصافات / 3 .
(5) الجمعة / 9 .
(6) فصلِّت / 41 و 42 .
(7) الطلاق / 10 .
(8) الحجر / 9 .(1/19)
فمن ادّعى في القرآن نقص كفر ، إذ نقول لهذا : إن أقررت بما في أيدي المسلمين .. فهذه الآية حجة ، وإن أنكرت ما في أيديهم جملةً ، كفرت إذ خالفت إجماعهم .. والعياذ بالله .
والحمد لله ربِّ العالمين ~~
الإسم الثامن
المبين .. !!
يقول تعالى : { .. قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين ( يَهدي به الله من اتبع رضوانه سُبُل السلام ويُخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهدي إلى صراط مستقيم }(1).
وسمي القرآن .. نوراً ، ووصف بكونه .. مبيناً ، بقوله تعالى :
{ يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا إليكم نوراً مبينا }(2).
ويقول تعالى : " تلك آيات الكتاب المبين "(3).
ويقول تعالى : " حم ( والكتاب المبين ( "(4).
و يقول تعالى : " حم ( والكتاب المبين ( إنَّا أنزلناه في ليلةٍ مباركةٍ .. "(5).
والمبين اسم : بان .
وبان الشيء : تبيَّن .. وظه.. واتضح .
والبيان : مصدر بان ، بمعنى .. تبيَّن ، وظهر .
ويأتي البيان : اسماً من تبيًّن .. كالسلام .. والكلام ، من : كَلّم .. وسَلّم ، ثم نقل إلى ما تبين به الأمور من الدلالة وغيرها .
وأبان الشئ : - الرباعي - معناها عين معنى .. بان ، ولكنها تأتي لازمة ، ومتعدية .
فإذا كانت لازمة تكون كلمة – المُبِين – بمعنى : الواضح بنفسه ، المبيِّن لغيره ، بأسلوب كلام العرب .. وبيانهم .
أما المتعدية فإن كلمة - المُبيِّن تكون بمعنى : المبيِِّن لطريق الهدى من طريق الضلالة ، الموضح لأصول ما يحتاج إليه في أبواب الديانة .
وإذا كان الفعل ظاهراً بنفسه – أي لازماً غير متعدٍ – ، فيكون معناه حين وُصف به القرآن الكريم .. بأنه : الظاهر الإعجاز .
أو : المبيِّن .. لنزوله عليهم بلغتهم .
__________
(1) المائدة / 15 و 16 .
(2) النساء / 174 .
(3) الشعراء / 2 .
(4) الزخرف / 1 و 2 .
(5) الدخان / 1 إلى 3 .(1/20)
وأما المتعدي الذي يأتي بمعنى .. الظهور .. والإظهار ، - فالمبيِّن – معناه : المُظهر للناس ما كان خافياً عليهم .
والبّين : الواضح بنفسه .. يقول تعالى :
{ ... لولا يأتون عليهم بسلطان بيِّن فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا }(1).
على أن أقوالاً قيلت في معنى : المبيِّن .. كصفة لكتاب الله ..
فقيل هو : اللوح المحفوظ .
وقالوا هو : علم الله سبحانه .
وما قدمناه أظهر وأوفق .
*******
أما قوله تعالى : { وآتيناهما الكتاب المستبين }(2)..
فمعناه : أنه تعالى آتى موسى وهرون الكتاب البليغ في بيانه ، وذلك في معرض تعداد أفضاله تعالى عليهما .
على ان كلمة .. البيان ، هي نظير : السلطان .. والبرهان و .. الفرقان . وكلها وردت صفات للقرآن الكريم .
والحمد لله ربِّ العالمين ~~
الإسم التاسع
العظيم .. !!
العظيم : اسم مصدر من .. عَظَّم ، وعَظَم ، فهو .. عظيم .
والعظيم : على وزن فعيل ، بمعنى فعول ، أي .. معظوم ، أو معظّم .
والعظيم : الكبير حقيقةً ، والكبير معنىً .. تقول : عَظُم الشيء عِظما .. أي : صار عظيماً حقيقة .
وتقول : عَظُم الرجل .. أي فَخُم ، فهو عظيم .. أي معنىً .
وأعظم : الأمر .. صار عظيماً .
وعظَّمه : كبّره .. وفخمّه .. ووقّر توقيرا .
والعظيم : هو ما جاوزت الحدود قدرته .. وجلت عن حدود العقول مقدرته .. والذي لا يتصور الإحاطة بكنهه وحقيقته ، وهذا يصدق على الله - جل جلاله - في علاه ، الموصوف .. بالعظيم ، فهو من أسمائه الحسنى ، تقدس ربنا في ذاته وصفاته .
والتعظيم : في النفس هو الكبر ، والزهوة ، والنخوة .
والاسم الأعظم : هو الاسم العظيم ، إذ ليس بين أسمائه تعالى ما هو أعظم عن بعض ، إذ أنّ جميعها عظيم .
__________
(1) الكهف / 15 .
(2) الصافات / 117 .(1/21)
والأعظم : لقب الإمام أبي حنيفة النعمان بن ثابت الكوفي - رضي الله عنه - ، دفين مدينة الأعظمية المنسوبة إلى لقبه ، ويسمى [ المعظّم ] أيضاً ، ولذلك أسموا باب سور بغداد القديمة المؤدي إلى بلدته .. بالباب المعظَّم .
وعَظُم عظامةً : صار عظيماً .. أي كبيراً .
وعُظْم الشيء ومعظمه : أكثره .
واستعظمه : عدّه عظيماً .
والتعظيم : التبجيل .
والعظمة : الكبرياء .
*******
لقد وصف القرآن - بالعظيم - في ذات القرآن مراراً ، يقول تعالى :
{ ولقد آتيناك سبعاً من المثاني والقرآن العظيم }(1).
والمثاني - على الأشهر - هي : سورة الفاتحة لأن آياتها سبع ، وهي تُثنى مرةً بعد مرَّةً في القراءة بالصلاة وغيرها ، فهي مكررة معادة .
وقيل هي : أمور سبع وردت في القرآن : الأمر .. والنهي .. والبشارة .. وضرب الأمثال .. وتَعداد النعم .. وأخبار الأمم .
وقيل هي السبع الطوال : البقرة .. وآل عمران .. والنساء .. والمائدة .. والأنعام .. والأعراف .. والأنفال .. وبراءة .
وقيل غير ذلك ...
وعطف القرآن .. على المثاني ..
من باب : عطف الكل على الجزء .
أو من باب : عطف العام على الخاص .. بأن يراد المعنى المشترك بين الكل والبعض ، وفيه امتياز الخاص ، حتى كأنه غيره ، وليس كما سمعنا من البعض أنَّها تفيد المغايرة .. فهل الفاتحة ليست من القرآن؟!.
والعظيم : الكبير .
وقيل : فوق الكبير ، لأن الكبير يقابله .. الصغير ، والعظيم يقابله .. الحقير ، والحقير دون الصغير ، فالحقير والصغير خسيسان .. والحقير أخسهما ، والعظيم والكبير شريفان .. والعظيم أشرفهما .
والكبير : هو ما كان كذلك في ذاته ، سواء استكبره غيره أم لا .
والعظيم .. والعظمة : فهو كونه بحيث يستعظمه غيره .
فإذا قيل : إنَّ الصفة الأولى أشرف .. لأنها ذاتيَّة .
__________
(1) الحجر / 17 .(1/22)
فسيقال : إنَّ هذا الشرف إذا كان الكلام عن : غير الله - عز وجل - .. أو غير القرآن .. أو إذا خلا الكلام عن قرينةٍ إرادة العكس ، بحيث يكون العظيم أشرف من الكبير ..
يقول الراغب : إن أصل عَظُم الرجل ، إذا كبُر عَظمه ، ثم استعير لكل كبير ، وأجري مجراه محسوساً .. أو معقولاً ، معنىً كان .. أم عيناً .
والعظيم : اذا استعمل في الأعيان ، فأصله أن يقال في الأجزاء المتصلة ، والكبير يقال في .. المنفصلة .
وقد يطلق العظيم على ما يطلق عليه الكبير ، فنقول : جيش عظيم .. أي كبير ، وهو أجزاء منفصلة .
والعذاب العظيم : الذي لا يتخلله فتور ، فهو أعظم من عذابٍ دونه يتخلله الفتور .
*******
فالقرآن العظيم : هو فوق الكبير ، وهو .. الشريف العالي معنىً ، الذي لا يعلو عليه كلام آخر .. وهو المعظّم في نفسه .. العظيم في نظر الآخرين .. الذي ينكص عند أعتابه من يرومون شموخه وإعجازه .
والحمد لله ربِّ العالمين ~~
الإسم العاشر
النور .. !!
يقول تعالى : { يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربّكم وأنزلنا إليكم نوراً مبينا ( فأما الذين آمنوا بالله واعتصموا به فسيدخلهم في رحمة منه و فضلٍ ويَهديِهم إليه صراطاً مستقيماً }(1).
النور : مصدر من .. نَار الثلاثي ، و.. أنار الرباعي ، ومضارع الأول يَنير ، ومضارع الثاني يُنير .
والنور : الضوء وسطوعه ، أو .. ما يُبيّن الأشياء ، ويُري الأبصار حقيقتها .
والنيّر : المضيء ، أو .. الحسن اللون المُشرق .
والمنير : مرسِل النور ، أو .. الواضح البيّن .
والمنارة : الشمعة ذات السراج .. والمأذنة .. وما يُقام في الموانئ لتهتدي به السفن ، ويسمى [ المنار ] أيضاً .. وهو موضع النور .
والنار : عنصر طبيعي فعّال ، يمثله النوُر والحرارة المحرقة ، وقد يصحبها الدخان .. وتطلق على اللهب الذي يبدو للحاسّة .
__________
(1) النساء / 174 إلى 175 .(1/23)
فالجوهر المضيء : نور .. وهو نار ، غير أن ضوء النار مكدر معتمٌ بدخان ، محذور منه بسبب ما يصحبه من فرط الحرارة والإحراق .
فإذا صارت النار مهذبّةً مصفاةً ... كانت محضُ نور . ومتى نكصت عادت الحالة الأولى .. جذوةً ، ولا يزال يتزايد حتى ينطفئ نورها ، ويبقى الدخان الصرف .
والنور والنار من جنس واحد .. بخلاف الظلمة .
وكل جِرم : إلاّ وله ظل .. وظله الظلمة ، ولكن ليس لكل جِرم نور ، ولهذا غالباً ما يرد النور منفرداً ، والظلام مجموعاً لأنه متعدد .. كالهدى فإنه واحد ، والضلال فإنه أنواع .
واستنار : أضاء ، واستنار به .. استمد شعاعه .
والأنور : أفعل تفضيل من النور .. فهو أوضح ، وأبين .
والتنوير : وقت إسفار الصبح ، فيقال .. صلى الفجر في التنوير .
ونوَّر : أضاء ، يقال : نوّر المكان أو الصبح .. أسفر وظهر نوَره ، ونّور المصباح .. أوقده ، ونوّر الأمر .. بيّنَهُ .
ونوَّر الله قلبه : هداه إلى الحق والخير .
*******
والنور : كيفية ظاهرة بنفسها ، مظهرة لغيرها .
والضياء .. أقوى من النور ، ولذلك أضيف للشمس ، يقول تعالى :
{ هو الذي جعل الشمس ضياءً والقمر نوراً وقدرناه منازل لتعلموا عدد السنين والحساب .. }(1).
والضياء ذاتي ، والنور عارضي ، فتسمية - القرآن - بالنور حكمي لأنه يهدي إلى الصواب ، وينير لغيره ..
وهو مظهر للأحكام .. ومبيِّن لطرق الصواب .. وسبل السلام :
{ الذين يتّبعون الرسولَ النَّبيَّ الأميَّ الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل يأمُرُهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويُحِلُّ لهم الطيبات ويُحرم عليهم الخبائث ويضعُ عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم فالذين آمنوا به وعزّروه ونصروه واتبّعوا النورَ الذي أُنزل معه أولئك هم المفلحون }(2).
__________
(1) يونس / 5 .
(2) الأعراف / 157 .(1/24)
على أن كثيراً من المفسرين من التابعين ومن يعدهم ، حملوا لفظ - النور - في مواضع عدة على أنها تعني الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، وهذا غير مستبعد لما في إرساله من الهداية ، وكشف طريق الهدى واليقين ، فالنور المبين : الكاشف بنفسه ، والموضح بذاته .. طرق النجاة ، وسبل الرشاد
وسورة - النور - هي : السورة الرابعة والعشرون في ترتيب السور في المصحف ، وهي مدنية .. آياتها أربع وستون ، نزلت بعد سورة الحشر ، وموضعها يعد سورة - المؤمنون - في المصحف .
وفي سورة النور عقوبات : الزناة .. والقَذَفَة ، الذين يرمون : المحصنات .. المؤمنات .. الغافلات ، بالزنا .
وفيها حكم الملاعنة ، وهي مما أختص به الإسلام حين يرى الزوج من زوجه ما لا يمكن من غيره أن يراه ، ويصعب عليه إثبات فعلها ، وتأبى غيرته أن يعيش معها بعد ما رأى بعينه ، وصعب عليه إثبات ما وقع – لاشتراط الشهود الأربعة - ، فرسم الله - عز وجل - لذلك طريقاً واضحاً في هذه السورة .
وفيها برأ الله [ عائشة ] الصديقة.. زوج الرسول - صلى الله عليه وسلم - .. وأم المؤمنين ، مما نسبه البعض إليها كذباً ، وناهيك بتبرئة الله تبرئةً ، فمن لجّ في لوكِ هذا خيف عليه من مخالفة القرآن - وقانا الله من مخالفته - ، والوقوع في الكفر .. إن لم يتب عن فعلته .
ورسمت السورة سبل - التحصين - من الجريمة ، وهو أمر أبعد من : الوقاية .. ومن المكافحة ، فسدّت الذرائع ، وهدت إلى كل خير نافع ، وبينت كيف تُسدُّ ذرائع – وسائل – الأفعال الجرميَّة ، استعداداً لها قبل وقوعها ، وليس بعد ذلك كما تفعل الأنظمة الوضعيَّة !! .
الحمد لله ربِّ العالمين ~~
الإسم الحادي عشر
المهيمن .. !!
يقول جلّ وعلا في كتابه الكريم :
{(1/25)
وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقاً لما بين يديه من الكتاب ومهيمناً عليه فأحكم بينه بما أنزل الله ولا تتّبع أهواءهم عمّا جاءك من الحق لكل جعلنا منكم شِرعةً ومنهاجاً ... }(1).
لم يوصف القرآن الكريم - بالمهيمن - إلاَّ في هذه الآية !! .
والمهيمن : اسم من الفعل الماضي .. هَيمَنَ - بفتح وسكون وفتح- ، وهذا الفعل بهذه الصيغة ، هو الخامس لأربعة أفعال على وزنه هي :
سَيطرَ .. وبَيطَرَ .. وخَيمَرَ .. وزاد الزجّاج .. بَيّقَرَ .
وقال الإمام أبو الثناء الآلوسي : لا سادس له ، كما صرّح في تفسيره الجليل روح المعاني - روَّح الله روحه - .
وهاء : - هيمن - أصلية ، وهو .. الأصح من الذي قيل في هذا .
وقيل : - هيمن - هاؤها معدولة من الهمزة ، ومادته .. المؤيمن ! .
وقال إبن قتيبة – وهو زنديق - : إن .. المهيمن أصلها ..المؤمن ، فصغّرت فأصبحت .. مؤيمن !! ، ثم أبدلت الهمزة .
وقد تعقبوه بقولهم : إنّ هذا كفر لأن .. المهيمن من أسماء الله الحسنى ، وهذه لا تصغر ، وكذا كل اسم معظم(2).
نقله الإمام الآلوسي .. وسكت عن هذا ابن طريح في : [ مجمعه البحرين ومطلع النيَّرين ] !! .
والمهيمن في اللغة : الشاهد .
وهي أيضاً : الرقيب .. والمسيطر على شئ .. والحافظ له .
وهي أيضاً : المؤتمن .
*******
فإذا علمنا أنّ المهيمن من أسماء الله الحسنى ، حيث يقول تعالى :
{ هو الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم ( هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون ( هو الله الخالق البارئ المصور له الأسماء الحسنى يسبح له ما في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم }(3).
فباعتبارها ذاك تعني : الرقيب على خلقه بأعمالهم ، وآجالهم ، وأرزاقهم .
أو : الرقيب على كل شئ في كونه .
__________
(1) المائدة / 48 .
(2) راجع : روح المعاني للآلوسي .
(3) الحشر / 22 إلى 24 .(1/26)
إو : الأمين الذي لا يضيع لأحدٍ عنده حق .
*******
أما : معناها في الآية التي وصف بها القرآن الكريم ، فقيل أنَّها ..
تعني : أنّ القرآن أمين على كل كتاب قبله .
أو : تعني أنّ القرآن رقيب على سائر الكتب المحفوظة عن التغيير ، حيث يشهد لها بالصحة والثبات ، ويقرر أصول شرائعها ، وما يتأبد من فروعها ، ويعين أحكامها المنسوخة .
وقال : ابن عباس .. والخليل .. والحسن البصري .. ومجاهد .. وقتاده - رضي الله عنه - المهيمن – باعتباره وصفاً للقرآن - هو : الشاهد على الكتب السابقة بالحق ، وقد ذكر في الآية مع حرف العطف [ الواو ] للتأكيد .
وقرأ ابن محيصن .. ومجاهد ، كلمة - مُهيمَن .. بفتح الميم ، بصيغة اسم المفعول ، فيكون الضمير في الحرف - على - في الآية يعود على الكتاب الأول .. وهو : القرآن ، فيكون المعنى في قوله تعالى :
{ وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقاً لما بين يديه من الكتاب ومهيمناً عليه فأحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم .. } _ التي مرَّ ذكرها - ..
معناه : اتبع الكتاب الذي حوفظ عليه من التحريف والتبديل دون سائر الكتب لنه مهيمن عليه ، والحافظ له هو الله ..
بقوله :
{ إنّا نحن نّزلنا الذكر وإنَّا له لحافظون }
وقوله تعالى :
{ لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه وقرآنه } .
والحمد لله ربِّ العالمين ~~
الإسم الثاني عشر
الحقُّ .. !!
وصف الله تعالى قرآنه في قرآنه مراراً بإنه [ الحق ] ، ومنه قوله تعالى : { وإذا قيل لهم آمنوا بما أنزل الله قالوا نؤمن بما أُنزل علينا ويكفرون بما ورآه وهو الحقُّ مصدِّقاً لما معهم قل فلم تقتلون أنبياء الله من قبل إن كنتم مؤمنين }(1)
جعل الله - عز وجل - إنزال الكتاب .. بالحق ، و جعل تلاوته .. بالحق ، وقد تكرر هذا مراراً أيضاً في القرآن العظيم ..
*******
__________
(1) البقرة / 91 .(1/27)
والحق : إسم من أسماء الله الحسنى ، جاء بمعنى اسم الفاعل .. وقد يأتي صفةً مشبهةً ، فيكون من صفاته تعالى .
والحق : مصدر من .. حَقّ .. يَحّقُ .. حقاً ، من باب - ضَرَبَ - ، و - قَتَلَ - .
والحق لغةً هو : للمطابقة .. والموافقة .
وحقّ الشيء : وجَبَ ، وثبت .
وحققتُ الشيء : أثبته .
وكلام محقق : ثابت .. ومبين .
وثوب محقق : محكم النسيج .
وحقيقة الشيء : ذاته .. وكُنهُه .
والحقيقة : مقابل المجاز لأنها ثابتة .
وحقيق بكذا : خليق به .
و حِقّتي : – بكسر الحاء - الحق الواجب .
و حَقي : – بفتح الحاء - له ذات المعنى .
*******
والحق : – كمصدر - يطلق على .. الوجود في الأعيان مطلقاً . ويطلق : أيضاً على الوجود الدائم لذاته . فلهذا كان من أسماء الله تعالى .. الحق ، ومعناه :
الواجب الوجود لذاته أو :
الثابت في ذاته وصفاته أو :
الثابت في ملكوته أو :
لأنه لا يفتقر في وجوده إلى غيره أو :
لأنه الصادق في قوله جلّ وعلا .
*******
والحق : يطلق في الاصطلاح على المعاني أعلاه ..
فالحق : صفةً تطلق لمن لا يقبُحُ منه فعل .. فهو صفةُ .
أو : يوصف بها من لا يفتقر في وجوده إلى غيره .
أو : الصادق في قوله .
والحق : يطلق على : الأديان .. والأقوال .. والمذاهب المشتملة على الأمور الثابتة والمطابقة للواقع ، ويقابله .. - الباطل - .
والحق : ما غلبت حججه ، وأظهر التمويه في غيره .
والحقُّ : مطابقة الحكم - وما يشتمل عليه - للواقع .
والحكم : إثبات شئ لشيء أو نفيه عنه . فإذا قلت .. القرآن كلام الله ، فهذا حكم .. وهو حق ، لمطابقته واقع الحال .
أما : إذا طابق الواقع الحكم : فهو الحكم الصادق .. فالقاضي الذي يعطي المال لمن هو بيده ، فحكمه صادق ، فإذا كان لا يستحقه فهو باطل غير محق ، فخير الأحكام .. الحق الصادق ، ثم الحق .. ولا جدوى من الصادق غير المحق من الأحكام .
والحق : بهذا المعنى عظمة الله ، وأقسم به في قوله تعالى :
{(1/28)
قال فالحقُّ والحقُّ أقول ( لأملأنّ جَهَنم منك ومِمّن تبِعك منهم أجمعين }(1).
أي : فالحق قسمي .
والحاقة : هي يوم القيامة ... سميت بذلك :
لأن : فيها حوّاق الأمور الثابتة من : الحساب .. والعقاب .. والثواب .
أو لأنها : تحقَّ كلّ إنسان بعمله .
أو لأنها : تُحاقُّ الكفار الذين حاقُّوا الأنبياء – أي خاصموهم – .
وحق اليقين : الحق الثابت .. أي الزائد في ثبوته .
******
وسمي القرآن : بالحق ، لما فيه من : الثبات .. والوضوح .. والاستغناء بنفسه على غيره .. وقوله تعالى :
{ بل نقذفُ بالحقِّ على الباطل فيَدْمَغُهُ فإذا هو زاهق ولكم الويلُ ممَّا تصفون }(2).
أي : نقذف بالقرآن على الكفر ، فيكسِرُ دِماغه ، وهو معنى .. يدمَغُهُ .
فالقرآن .. هو كتاب الله .. وكلامه الصادق في كل ما ينطق به .. فهو الحق .. وهو المتحقق الدلالة .. الدافع لا محالة .. أو هو كل ذلك .
******
أما حق المُنْكَر : فهو ما يناسبه ويليق بحاله .
أما الصواب : فهو ما أصاب المقصود . أو أصيب له المقصود .
والحمد لله ربِّ العالمين ~~
الإسم الثالث عشر
النبأ .. !!
النبأ : مصدر من نبأ .
وأنبأ : فمصدرها إنباءً .
ونَبَأَ : بالشئ .. نَبأ .. ونُبُوءةً ، ارتفع .. وظهر .
ونَبَأ : من أرضٍ إلى أرض .. خرج من تلك لهذه .
ونَبَأ : فلان على القوم .. طلع عليهم وهَجَم .
ونَبأ : نَبَئَّاً .. ونبأةً .. صوّت صوتاً خفيفاً .
ونَبَأ : الرجل ، وأنبأ .. أخبر .
والنبأ : الخبر ، يقول أبو البقاء الكفوي الحنفي في كليِّاته : [ كلّ نبأ في القرآن .. فهو الخبر ، إلا قوله تعالى : { فَعَمِيَت عَلَيهِم الأنباءُ يومئذٍ فهم لا يتساءلون }(3).
ونَبَأه : الخبر .. أعلمه إياه .
__________
(1) ص/ 84 إلى 85 .
(2) الأنبياء / 18 .
(3) القصص / 66 .(1/29)
وقوله تعالى : { .. لتنبأنَّهم بأمرهم هذا وهم لا يشعرون }(1).. فإنها تعني : لتجازينَّهم بفعلهم ، والعرب تقول للرجل متوعدةً .. لأُنبئنك .. ولأُعرفنك .. وهذا عين ما تفعله العامة اليوم في وعيدها ! .
والخبر لا يكون نبأً .. إلا بشروط ثلاث – كما قال الراغب - :
1. فالنبأ .. خبر ذو فائدة عظيمة .
2. والنبأ .. خبر يحصل به علم ، أو ظن غالب .
3. والنبأ .. حقه أن يتعرى عن الكذب ، ولهذا قال الكفوي : [ إن النبأ والأنبياء ، لم يرادا في القرآن إلاَّ لما له وقع ، وشان عظيم ] .
والنَبَوءَةُ .. والنبوةُ : سفارةً بين الله - عز وجل - ? وبين ذوي العقول من مخلوقاته ، لبيان ما ينفعها .
والنبي : المخبر عن الله - عز وجل - .
وكلمة – النبي - لا تصغر..لأن تصغير الأسماء المعظمة ممتنع شرعاً.
*******
والنبأ :ً هو القرآن ، وقد ورد هذا المعنى في القرآن بمواضع باعتباره .. خبراً ذا فائدة عظيمة .. عرياً عن الكذب .. يحصل به علم أو ظن غالب – وهذه شروط النبأ كما تقدم - .. من ذلك قوله تعالى :
{ قل إنما أنا منذر وما من إله إلا الله الواحد القهار ( رب السماوات والأرض وما بينهما العزيز الغفار ( قل هو نبأ عظيم ( أنتم عنه معرضون }(2).
وحَمْلُ لفظ - النبأ – في الآية ، على أنه القرآن هو قول : ابن عباس - رضي الله عنه - – وهو ترجمان القرآن - ، وتابعه .. قتادة .. ومجاهد .. من التابعين. وأيَّد البعض هذا الرأي باستدلالين من : أول .. وآخر سورة - ص - المتقدِّمة ..
أما الاستدلال بآخرها .. ففي قوله تعالى :
? { إن هو إلا ذكر للعالمبن ( ولَتَعلَمُنَّ نبأَهُ بعد حين }(3).
__________
(1) يوسف / 15 .
(2) ص / 65 إلى 68 .
(3) ص / 87 إلى 88 .(1/30)
أي : لَتَعلَمُنّ ما أنبأ به هذا القرآن من : الوعد والوعيد .. وإنه هو.. الحق .. والصدق ، وذلك يوم القيامة ، فالآيتان : { قل هو نبأ عظيم ( انتم عنه معرضون } .. أشارتا إلى الإعراض الذي بينت الآيتان الأخريان خطره ، وهما الآيتان المتقدمتان : { إن هو إلا ذكر للعالمين ( ولَتَعلَمنّ نبأه بعد حين } .
وأما استدلاله بأولها فقوله تعالى :
{ ص والقرآن ذي الذكر ( بل الذين كفروا في عزةٍ وشقاق }(1).
على أن هناك من قال : إنّ - النبأ - في قوله تعالى .. " قل هو نبأ عظيم ، أنتم عنه معرضون }(2)، هو .. النبوة ، بدليل قوله تعالى قبلها :
{ قل إنما أنا منذر وما من إله إلا الله الواحد القهار }(3).
وقول ثالث في - النبأ العظيم - : إنها يوم القيامة لقوله تعالى :
{ عمَّ يتساءلون ، عن النبأ العظيم ، الذي هم فيه يختلفون }(4).
وقيل : بل هو نبأ تخاصم أهل النار .
وقيل : نبأ ما تقدم من الأنبياء - عليه السلام - .
وقد جعل الإمام الآلوسي الأمر محصوراً بين كون – النبأ العظيم – في سورة - ص - هو : القرآن ، أو النبوة ... بدلالة السياق بالنسبة للنبوة ، وإلا فالمرجح - القرآن - ، لأنه قول ترجمان القرآن ، ومعه جِلّة التابعين من القراء والمفسرين .
*******
والنبأ سورةُ من القرآن مكيّة – آياتها أربعون - ، نزلت بعد سورة المعارج ، وترتيبها في المصحف بعد سورة المرسَلات ، وقبل النازعات ...
فحقيق بكتاب الله وقرآنه .. أن يكون هو النبأ العظيم ، ومحتوياً على النبأ العظيم ...
والحمد لله ربِّ العالمين ~~
الإسم الرابع عشر
البلاغ .. !!
البلاغ : مصدر بمعنى .. التبليغ ، يقول تعالى : { .. وما على الرسول إلا البلاغ المبين }(5).. تبليغ الرسالة ، وهو في القرآن كثير.
والبلاغ : ما يتوصل به إلى الغاية .
__________
(1) ص / 1 و 2 .
(2) ص / 67 .
(3) ص / 65 .
(4) النبأ / 1 إلى 3 .
(5) النور / 54 ، العنكبوت / 18 .(1/31)
والبلاغ : ما يُتَبَلغُ به ، أي .. الكفاية في حد الضرورة ... .
وبهذا المعنى ورد في التنزيل الحكيم في قوله تعالى :
{ فاصبرِ كما صَبَر أولو العزم من الرسل ولا تستعجل لهم كأنهم يوم يَرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعةً من نهار بلاغ فهل يُهلكُ إلا القومُ الفاسقون }(1).
أي : عِظتهم بها كفاية لو كانوا يسمعون الوعظ .. وهذا المعنى ورد في القرآن للوعظ ، فهو .. البلاغ لما فيه من الكفاية .
و بَلَغَ .. وبَلُغَ : الفعل الماضي الثلاثي ، وهناك الفعل : أبلغَ .
فالفعل : بَلَغَ ... يبلغ .. بلوغاً .. وبلاغاً . له معانٍ :
فبلغ الشيء بلوغاً وبلاغاً : وصل الى غايته .
وبلغ الشجر بلوغاً وبلاغاً : حان إدراك ثمره .
وفعل الأمر هو - بّلغ - .. يقول تعالى مخاطباً نبيه الكريم :
{ يا أيها الرسول بلّغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس إن الله لا يهدي القوم الكافرين }(2).
أما قولنا .. بَلَغَ الغلامُ .. يبلغ .. بلوغاً ، أي : أدرك ، وإدراكه بتمام عقله ، وتمامه لا يعرف لأنه خفي ، فأقام الشارع الظاهر والمنضبط مقامه ، وهو .. بلوغ القدرة على النكاح ، يقول تعالى :
{ وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشداً فادفعوا إليهم أموالهم ... } ?(3).
أي : بلغوا القدرة على النكاح .. وكون بلوغ القدرة على النكاح هي أمارة كمال العقل [ الحُلُم ] ، ورد في .. قوله تعالى :
{ وإذا بَلَغ الأطفال منكم الحُلُم فليستأذنوا كما استأذن الذين من قبلهم .. }(4).
ولا عبرة بالسن – العُمُر– في البلوغ إلا في حالة تأخره ولو استثناء.
وقد يأتي البلوغ بمعنى : مقاربة الوصول ، كما في قوله تعالى :
{
__________
(1) الأحقاف / 35 .
(2) المائدة / 67 .
(3) النساء / 6 .
(4) النور / 59 .(1/32)
وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهُن فأمسِكوهُنَّّ بمعروف أو سرحوهنَّ بمعروف ولا تمسكوهن ضراراً لتعتدوا ... . }(1).. وهذا شبيه قوله تعالى :
{ فإذا قرأت القرآن فاسْتَعِذِْ بالله من الشيطان الرجيم }(2).
والاستعاذة قبل القراءة لا بعدها كما هو معلوم .
أما الفعل : بَلُغَ .. فمصدره [ بلاغة ] .
والبلاغة : الفصاحة .. وحسن البيان .. وقوة التأثير .. ومن بلَّغ بلسانه كُنْهَ ما في ضميره .
والبلاغة : مطابقة الكلام لمقتضى الحال ، مع فصاحته .
والبليغ : من كان كلامه بليغاً .
والفعل : أبلَغَ ... فمصدرها - إبلاغ - .
وأبلغَ : أوصل .
وبّلًغَ .. وأبلَغَ .. وبالَغَ في الشيء .. مبالغةً .. وبِلاغاً : إجتهد فيه .. واستقصى الغاية .. وغالى في الشيء .
تبالغ الشيء : تناهى ، أي .. وصل نهايته .
وتبالغ في الكلام : تكلف البلاغة .
والمبلغ : المقدار من المال ، ويأتي بمعنى .. المنتهى ..
قال تعالى : { ذلك مبلغهم من العلم ... }(3).
*******
لقد سمي القرآن - بلاغاً في .. موضعين من القرآن الكريم :
أولهما / في قوله تعالى : { وترى المجرمين يومئذٍ مقرّنين في الأصفاد ( سرابيلهم من قطران ونغشى وجوههم النار ( ليجزيَ الله كلَّ نفسٍ ما كسبت إنَّ الله سريع الحساب ( هذا بلاغ للناس وليُنذروا به وليعلموا أنَّما هو إله واحد وليذَّكَّر أولوا الألباب }(4).
فقوله - عز وجل - هذا بلاغ - ، قيل فيه :
1. أنه القرآن الكريم : ففيه .. العبر والعظات .. والقوارع والزواجر .. وفيه الكفاية لمن أراد أن يتعظ ويعتبر، ووصل إلى الغاية .. وفيه المنتهى بذلك .. بل بلغهما في كل اتجاه دخل تحت خطابه .. وكل باباً من أبوابه .
__________
(1) البقرة / 231 .
(2) النحل / 98 .
(3) النجم / 30 .
(4) إبراهيم / 49 إلى 52 .(1/33)
2. وقبل المقصود - بالبلاغ - : الآيات السابقات المتقدمات وفيها نذير . والنتيجة واحدة ، إذ أطلق لفظ – البلاغ – على بعض القرآن ، وعلى الجزء منه ، وما صدق على الجزء ، يصدق على الكل المتجانس ، فكله قرآن ، فكأنه قال .. إنّ في هذه الآيات – بلاغ - ، أي .. كفاية عمّا في السورة ، أو ما في السورة كفاية عمّا في القرآن العظيم من .. التذكير والعظة .. والوصول إلى الغاية بذلك ... فهذه هي المعاني اللغوية عبر عنها القرآن الكريم ، دفعة بكلمة واحدة ..! . ولا يبعد عن الذهن أن اسم الإشارة – هذا - ، قد يشير إلى القرآن لأنه مذكر ، غير مستبعدين أن يكون مغفرة هذا الكلام ـ بلاغ - أي .. الذي مسبق دون غيره .
ثانيهما / ما ورد فيه كلمة - بلاغ - من الآيات ، لتدل على القرآن فهو.. قوله تعالى : { فاصبر كما صَبَر أولو العزم من الرسل ولا تستعجل لهُّم كأنهم قوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعةً من نهار بلاعُ فهل يهلك إلا القوم الفاسقون }(1).. أي : إن في هذا القرآن كفايةً في الموعظة ، لهؤلاء الذين آذوك يا محمد ، فاصبر لقولهم ، فقد أقيمت عليهم الحجة بهذا القرآن..أي بهذا البلاغ .
على أن - البلاغ - هو فعل الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، كما ورد ذلك في مواضع من القرآن ، فنسبته إلى القرآن العظيم زيادة فضل ، إذ جعل ما فيه كفعل الرسول - صلى الله عليه وسلم - ومهمته .
أو : أن بلاغته - عليه السلام - هو بهذا القرآن لخطورته وموقعه ، وإن كان للرسول بلاغ غيره من سنته - عليه السلام - ... ففي هذا لك بلاغ ..
والحمد لله ربِّ العالمين ~~
الإسم الخامس عشر
المكنون .. !!
المكنون : بوزن اسم المفعول ، من الفعل الماضي .. كنّ و كَنَنَ ، ومضارعه .. يكنُّ .. كِنّاً .
__________
(1) الأحقاف / 35 .(1/34)
وأكنّ .. وأكنن .. كنّاً .. : مضارعه .. أكَنّ .. يُكِنُّ .ز وتُكِنّ – برفع أوله – منه قوله تعالى : { وإنّ ربك ليعلم ما تُكِنُّ صُدُورُهمم وما يُعلِنون }(1).
وقوله تعالى : { وربك يعلم ما تُكِنُّ صدورهم وما يُعلنون }(2).
والكِنُّ : وقاء كل شئ ، وستره .
وكنّ .. وكنَنَ : صان .. وأخفى ، ومضارعه .. يَكِنُّ .. وتَكِنّ .
وأكنَّ .. وأكنن : أخفى .. ووردت في التنزيل الحكيم :
{ ولا جُناح عليكم فيما عَرَّضتم به من خِطبة النساءِ أو أكننتم في أنفسكم علم الله أنكم ستذكرونهن ولكن لا تُواعدوهن سراً إلا أن تقولوا قولاً معروفاً ولا تعزِموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله وأعلموا أنّ الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه وأعلموا أنّ الله غفور رحيم }(3).
فالمرأة المعتدة لا يصرح بخطبتها بل يُعرض لها ، وما أخفته النفس من رغبة - أكننته - فلا ضير فيه ، والله يعلم ما في النفوس .
واكتنّ .. واستكنّ : استقر .
والكِنان : الغِطاء .. معنىً .. ووزناً ، وجمعه [ أكنان ] ، و[ اكنةُ ] ، يقول تعالى : { .. وجعلنا على قلوبهم أكِنَّةٍ أن يفقَهُوًه وفي آذانهم وقرا .. }(4).
ويقول تعالى: { وقالوا قُلوبنا في أكنةٍ مما تدعونا إليه وفي آذاننا وقرُ .. }(5).
والكِنان .. والكِنّةُ : البيت ، وجمعه [ أكنان ] ، يقول تعالى :
{ والله جعل لكم مما خَلَق ظِلالاً وجعل لكم من الجبال أكناناً .. }(6).
والكِنّةُ : البياض ، وكذا .. الاكتنان .
والكَنَّةُ : زوج الإبن .. وجمعها [ كنائن ] .
والكُنَّةُ : فهو ما يخرج من الحائط كالجناح له .
أو : سقيفة فوق باب الدار .
أو : رف في البيت .
أو : المخدع .. جمعها [ كِنان ] .
__________
(1) النمل / 74 .
(2) القصص / 69 .
(3) البقرة / 235 .
(4) الأنعام / 25 ، وفي الإسراء / 46 .. هي بداية آية ) ، وفي الكهف / 57 ( .. إنَّا جعلنا .. ) .
(5) فصلَّت / 5 .
(6) النحل / 81 .(1/35)
والكِنانةُ : حقيبة السهام .. ومحفظة المقاتل يعلقها بكتفه ، وهي إما .. من الجلد لا خشب فيها ، أو .. من الخشب لا جلد فيها .
والكانون: إناء النار ، ويسمى - الكانونةُ - أيضاً .
والكانون: اسم لشهرين ، والشهران هما في الترتيب : الثاني عشر من شهور السنة الرومية الشمسية ، أو ما تسمى بالميلادية ، وهو .. كانون الأول ، والآخر هو .. الشهر الأول من السنة التي تليها ويسمى .. كانون الثاني .
والكانون : الرجل الثقيل .. قال الحطيئة : وكانوناً على المتحدثينا .
والمُستَكَنَّةُ: الحقد .. لأنه في القلب .
والمكنونة: بئر زمزم .. لأنها كانت قد خفيت ثم أظهرها عبد المطلب .
والمكنون: كل مصون مستور عن الخطف .. وفي القرآن في مواضع منها قوله تعالى : { وعندهم قاصرات الطرف عين ( كأنهن بيض مكنون }(1). وقوله تعالى : { وحور عين ( كأمثال اللؤلؤ المكنون }(2).
وقد وصف القرآن العظيم - بالمكنون - في آية واحدة في قوله تعالى : { فلا أقسم بمواقع النجوم ( وإنه لَقَسَم لو تعلمون عظيم ( إنه لقرآن كريم ( في كتاب مكنون ( لا يَمَسُّه إلا المطَهرُّون ( تنزيلٌ من رب العالمين }(3).
قال الإمام الآلوسي : [هذا وصف آخر للقرآن ، أي كائن في كتاب مصونٍ عن غير المقربين من الملائكة عليهم السلام ، لا يطلع عليه من سواهم ، فالمراد به .. اللوح المحفوظ ، وهو المروي عن أنس - رضي الله عنه - .
وقيل : كتاب مصون عن التبديل والتغيير، وهو المصحف الذي بأيدي المسلمين .
وقيل معناه : القرآن المذكور في كتاب مكنون شَرَفُهُ وكرمُهُ ، فالمعنى يكون للكتب المنزلة .
ولعل أريد .. بالمكنون : جلالة الشأن ، وعظم القدر .. فالسَتْر هو كاللازم للشئ الجليل .
وقيل : المحفوظ في قلوب المؤمنين .. وَوّهنّه الآلوسي .
وقيل : كونَه محفوظاً من التغيير والتبديل ليس إلا ، وتؤيده آيات الحفظ .
__________
(1) الصافات / 48 و 49 .
(2) الواقعة / 22 و 23 .
(3) القيامة / 75 إلى 80 .(1/36)
وقيل : يراد به أنه كريم في اللوح المحفوظ ، غير كريم على الكفار ، والوصفية من الأخبار .. وقد يكون الكل مراداً ... .
والحمد لله ربِّ العالمين ~~
الإسم السادس عشر
الكريم .. !!
شاع على الألسن وصف القرآن - بالكريم - أكثر من بقية صفاته ، ولم يوصف به في القرآن إلا مرةً واحدةً ، في قوله تعالى :
{ فلا أُقسم بمواقع النجوم ( وإنه قسم لو تعلمون عظيم ( إنه لقرآن كريم ( في كتاب مكنون ( لا يمسه إلا المطّهرون ( تنزيل من رب العالمين }(1).
فالله - عز وجل - ، يُقْسم قسماً عظيماً على أن هذا القرآن .. كريم ، و.. مكنون ، و .. منزّل .
والكريم : صفة على وزن فعيل ، من : كَرُم .. يَكرُمُ .. كرامةً .. وكَرَماً .. وكَرَمَةً .. فهو كريم ، وهي كريمة ، وجمعها : [ كرام ] و [ كرماء ] ، وجمع الإناث .. [ كريمات ] .
وكَرُمَ : عزّ .. ونَفُسَ .
وكَرُم السحاب .. وكَرَّم : جاد بالغيث المغيث للناس .
وكَرُمَت الأرضُ : زكا نباتُهّا .
وأكرَمَ .. وكَرَّم الرجلَ : عظّمه ، ونزّهه .
وأكرم الرجلُ : أتى بأولاد كرام .
وأكرمَ الرجلُ نفسَه عما يشين : تنزه عن ذلك .
وكرَّم فلان فلاناً : أكرمه .. وفَضّله .. يقول تعالى :
{ ولقد كرّمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيِّبات وفضلناهم على كثير مما خلقنا تفضيلا }(2)
وتكريم الله له بأمور كثيرة ، منها : خلقه بيده .. ونفخه فيه من روحه .. وتحسين قوامه .. وتخصيصه بخطابه - عز وجل - .. وبالنطق .. الخ .
والمُكرّم : الرجل الكريم على كل أحد .
و تكارم الرجل : تكلف الكرم .
وتكارم عن الشيء : تنزَّه عنه .
والكَرَم : ضد اللؤم ، وهو الصفح .
ورجل كَرَمٍ : أي .. كريم ، ويستوي فيه : المفرد .. والجمع .. والمذكر.. والمؤنث ، لأنه وصف بالمصدر ، وإذا وصف به فهذا حكمه
والكَرْم : العِنَبُ .. ، وتطلق على .. القلادة أيضاً .
__________
(1) الواقعة / 75 إلى 80 .
(2) الإسراء / 70 .(1/37)
والكرامة : الغطاء الذي يوضع على رأس الجرة .. ورأس القِدر.
ويقال .. حباً وكرامةً : أي أكرمك كرامةً .
والكرامة – اليوم – أضحت تدل على .. منزلة الإنسان ، وتستعمل ضد الإهانة في عرفنا اليوم .
*******
والكرامة في مصطلح أهل الاعتقاد : هي أمر خارق للعادة ، غير مقرون بالتحدي .. أو دعوى النبوة .. يُظهره الله على أيدي أوليائه .
وكل ما كان معجزةً لنبي ، جاز أن يكون كرامةً للولي بالشروط المتقدمة .
*******
والكريم : وصف على صيغة اسم المفعول ، وهو اسم من أسماء الله الحسنى ، ووصفٌ له - عز وجل - .. وهو وصف للقرآن العظيم أيضاً .
والكريم بمفردها لها .. معانٍ ، ولها عند وصف بعض الأشياء.. معانٍ .
والكريم : هو الكثير الخير ، والمُعطي الذي لا ينفد عطاؤه ، والذي لا يطلب منه شئ إلا أعطاه .
والكريم : وصف لكل ما يُحمد ويُرضى .
والكريم : هو الصفوح ، أو..الجامع لأنواع الخير والشرف والفضائل . والوجه الكريم : أي المرضي في .. حسنه .. وجماله .
والكتاب الكريم : المرضّي في معانيه .. وجزالة لفظه ،. يقول تعالى :
{ قالت يا أيها الملأ إنّي أُلقيَ إليّ كتاب كريم }(1).
والقول الكريم : القول اللين .. يقول تعالى :
{ .. فلا تقل لهما أُفٍ ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريما }(2).
و رزق كريم : كثير .. واستعماله في القرآن الكريم كثير ، منه قوله تعالى : { .. لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم }(3).
ونبات كريم : مرضي .. لما يتعلق به من المنافع .
وقد وصف بهذا الوصف في القرآن : الرسول .. والمقام .. والكتاب .. والرزق .. والمُدخل .. والقول .. والملائكة ... الخ .(4)
وكرائم الأموال : نفائسها .. وخيارها .
والكريمان : الحج .. والجهاد .
و الكريمة : مؤنث الكريم .
__________
(1) النمل / 29 .
(2) الإسراء / 23 .
(3) الأنفال / 4 .. ومواضع أخرى .
(4) راجع المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم – محمد فؤاد عبد الباقي .(1/38)
و الكريمة : الرجل الحسيب كقولهم .. إذا أتاكم كريمة قوم فأكرموه .
و الكريمة : ابنة الرجل .
والكريمة : أنف الرجل .. وكل جارحةٍ – أي : عضوٍ - شريفة .. كالأذن .. واليد .. واللحية .. والعين .
والكريمتان : العينان .
و المَكْرُمةُ : فعل الخير ، جمعها .. [ مكارم ] ، يقول المصطفى - صلى الله عليه وسلم - :
{ إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق } .
والمَكْرَمةُ : أرض مُكَرّمة .
*******
وقد وصف القرآن بأنه الكريم ، إما لأنه :
1. حسن .. مرضي في جنسه من الكتب السماويَّة .
2. أو لأنه : نفّاع .. حتُم النفع ، لاشتماله على أصول العلوم المهمة في .. إصلاح المعاش .. والمعاد .
3. أو لأنه : كريم على الله تعالى ..
أو / لكل ذلك .. والقرآن هو كلُّ ذلك ..
والحمد لله ربِّ العالمين ~~
الإسم السابع عشر
الشفاء .. !!
يقول تعالى : { ونُنَزِّّل من القرآن ما هو شِفاءٌ ورحمةٌ للمؤمنين ولا يَزيد الظالمين إلاَّ خسارا }(1).
ويقول أيضاً : { يا أيها الناس قد جاءتكم موعظةٌ من ربّكم وشفاء لمّا في الصُّدُور وهدىً ورحمةً للمؤمنين }(2).
ويقول - عز وجل - : { ولو جعلناه قرآناً أعجمياً لقالوا لولا فُصِّلت آياتُه أأعجميٌ وعربيٌ قل هو للذين آمنوا هدىً وشفاءٌ والذين لا يؤمنون في آذانهم وقرٌ وهو عليهم عمىً أولئك يُنادَوْن من مكانٍ بعيدٍ }(3)
والشفاء : مصدر من شَفِيَ .. يَشفى .. شِفاءً .
والشِفاء : في الأصل هو الدواء ، وجمعه ، وجمع جمعه .. [ أشفية ] .
وشفِيَ : برئ من مرضه .
وشفاه .. وأشفاه : بَرأه .. وطلب له الشفاء .
واستشفى من علته : برئ وشفي منها ، أو .. طلب الشفاء .. وتداوى بكذا من الأدوية لإشفاء علَّته .
واستشفى من غيضه .. أو تشّفى : شفيَ من هذه ، أي .. برئ منه بنوال قصده ! .
__________
(1) الإسراء / 82 .
(2) يونس / 57 .
(3) فصلت / 44 .(1/39)
وأشفى : قيل .. لا تأتي إلا بالشر ، نقول .. أشفى المريض على الموت .. أشرف عليه . وفي الحديث : { لا تنظروا إلى صلاة أحدكم وصيامه ، ولكن انظروا إلى ورعه إذا أشفى على الدنيا } .
والشّفة .. والشّفا : من كل شئ حَرْفَهُ .. أي طرفه ، يقول تعالى :
{ واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداءً فألَّف بين قُلُوبِكِم فأصبحتُم بنعمتهِ إخواناً وكنتم على شفا حُفرةٍ من النار فأنقذكم منها .. }(1).
ويقول أيضاً : { أ فَمن أسس بُنيانَهُ على تقوى من اللهِ ورضوانٍ خيرٌ أمْ منْ أسَّس بُنيانه على شفا جُرُفٍ هارٍ فانهارَ به في نار جهنم ... }(2).
والشفاء : مصدر أصبحت اسماً علماً ، لتدل على .. البُرء ، لأنها سببه ، إذ هي .. الدواء في حقيقة اللغة .
فالشفاء : البُرء من كل شئ .. مرضاً وغيره ، مادياً أو معنوياً .
وتقول ما شفَّيتني فيما أردت : أي ما بلغنّي مرادي وغرضي .. وهو البُرء معنىً .
أما الُبرء حقيقةً في قوله تعالى :
{ وأوحى رَبُّكَ إلى النّحل أن اتّخذي من الجبال بُيوتاً ومن الشّجر ومما يَعْرِشُوُن ( ثم كُلي من كلِّ الثمرات فاسلكي سُبُل ربك ذُلُلا يّخرُجُ من بطونِها شرابٌ مختلفٌ ألوانه فيه شِفاءٌ للناس إنَّ في ذلك لآيةً لقومٍ يتّفكَّرون }(3).
ففيها شفاء حقيقي لكل الناس : مؤمنِهم وكافرهم .. برِّهم وفاجِرهم .. تقيِّهم وفاسقهم .. فلم يفصل النص ، ولم يفصّل ، فيجري على إطلاقه .
فتنكير الشفاء : إما .. لتعظيمه ، أو .. فيه إشارة للتبغيض ، بدليل قوله - فيه - ، فقد لا يستغرق كل الشفاء .
وفي الاستشفاء بالعسل وغيره كلام لا أراني في موضع الكلام عنه ، أو يستدرجني الكلام إليه .
أما الشفاء المعنوي .. أو النفسي ، فهو علاج النفوس لا الأبدان ، وقد جعل القرآن كذلك في مواضع ثلاثة ، قدمنا آياتها في بدء كلامنا .
__________
(1) آل عمران / 104 .
(2) التوبة / 109 .
(3) النحل / 68 و 69 .(1/40)
على أنّ في شفاء القرآن للأمراض حقيقةً .. قولان :
الأول / ما ذهب إليه السيوطي - رضي الله عنه - حيث قال : [ ان القرآن يشفي من الأمراض البدنية ، كما يشفي من الأمراض القلبية ] ، واستدل لذلك بقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - لمن اشتكى له صدره - : { إقرأ القرآن .. يقول الله شفاء لما في الصدور } . واستدل كذلك بقوله - صلى الله عليه وسلم - لمن شكى إليه وجعاً في حلقه - : { عليك بقراءة القرآن } .
ويقول الآلوسي - رضي الله عنه - : [ إن الاستدلال بها على ذلك مما لا يكاد يسلم ] .. ثم ناقش أدلة السيوطي .
الثاني / قول الحسن البصري - رضي الله عنه - : فقد أنكر ان يكون القرآن شفاءً للأمراض القالبية – أي الجسمانية - ، وقال : [ إن الله جعله شفاءً لما في الصدور .. لا للأمراض ] .
وقال الإمام الآلوسي - بعد رده لأدلة السيوطي - : [ ونحن لا ننكر أن لقراءة القرآن بركة ، يُذهب الله بسببها الأمراض والأوجاع ، وإنما ننكر الاستدلال بالآية على ذلك ] .
على أن الآلوسي .. لا يستبعد أن يكون المرض القلبي ضرر على الجسم القالبي من .. الحسد ، والحقد . وصدق من قال : [ لله درُّ الحسد ما أعدله بدأ يصاحبه فقتله ] .
فالقرآن .. شافٍ لما في الصدور من الأدواء المفضية إلى الهلاك .. كالجهل .. والشك .. والشرك .. والنفاق
وهو مرشد .. إلى بيان ما يليق وما لا يليق ، مما فيه النجاة والنور ، وموصل إلى كل ذلك .
ثم ألا نرى أن الآيات جعلت .. العسل شفاءً لكل الناس ، وذلك في الأمور القالبية التي لا يختلف بها الناس بحجة الإيمان . ولكله القرآن جُعل شفاءٌ للمؤمنين لأنهم .. ينتفعون به .
أما ما ورد في سورة يونس من توجيه الخطاب للناس في قوله تعالى :
{(1/41)
يا أيها الناس قد جاءتكم موعظةٌ من ربّكم وشفاءٌ لما في الصُدُور وهدىً ورحمةٌ للمؤمنين }(1)فقد بدأ بخطاب الناس .. وانتهى بالمؤمنين ، فتوجيهه ما قاله بعضهم : [ إن في ذلك إشارة إلى أن للنفس البشرية مراتب كمال ، من تمسَّك بالقرآن فاز بها :
أحدها / تهذيب الظاهر عن فعل ما لا ينبغي .. وإليه الإشارة .. _ بالموعظة - .
ثانيها / تهذيب الباطن عن العقائد الفاسدة .. وإليه الإشارة .. - بالشفاء لما في الصدور - .
ثالثها / تحلي النفس .. بالعقائد الحقَّة .. والأخلاق الفاضلة .. وإليه الإشارة .. - بالهدى - .
رابعها / تجلي أنوار الرحمة الإلهية ، وتختص بالنفوس الكاملة المستمدة بما حصل لها من الكمال الظاهر والباطن .
فالقرآن : واعظ بما فيه من : الترهيب .. والترغيب .. وهذا للجميع فهو : شافٍ .. ومرشد .. وموصل إلى ذلك .
والحمد لله رب العالمين ~~
الإسم الثامن عشر
البُشرى .. !!
يقول تعالى : { قُل مَن كان عدواً لجبريل فأنَّهُ نَزَّلَهُ على قلبك بإذن الله مُصّدّقاً لما بينَ يديه وهدىً وبُشرى للمؤمنين }(2).
ولقد وصف القرآن بأنه .. بشرى ، في غير هذه الآية الكريمة ، سنأتي على ذكرها مفصلاً .
والبُشرى : اسم من بَاشَر .. يُباشرُ .. بَشَرةً .. وبشارةً .. وبُشرى .
أو من : أبشَر .. يُبشِر .. بِشارةً .. وبُشرى .
وأبشَر : فرح ، ومنه قولهم لمن يطلب شيئاً .. أبشِر بخير .
قلت / وكان عمال البناء خاصة – وإلى عهد قريب - ، يجيبون نداء أساتيذهم بقولهم : أبشِر .
وباشَر الأمر : تولاه بنفسه .
أو : خالطه .. ولامسه .. ومنها قولهم .. باشر بكفيه الأرض .
__________
(1) يونس / 57 .
(2) البقرة / 97 .(1/42)
وباشر المرأة : جامعها .. يقول تعالى : { أُحِلَّ لكم ليلة الصيام الرفثُ إلى نسائكم هنّ لباسٌ لكم وأنتم لباسٌ لهنّ عَلِمَ الله أنَّكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهنَّ وابتغوا ما كتَبَ الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتَبين لكم الخيطُ الأبيضُ من الخيطِ الأسودِ من الفجر ثم أتمُوا الصيام إلى الليل ولا تباشروهنَّ وأنتم عاكفون في المساجد تلك حُدود الله فلا تقربوها كذلك يبيِّن اللهُ آياته للناس لعلَّهم يتَّقون }(1).
وقد كنَّى الله بالمباشرة .. عن _ الجماع - تأدباً ، ولم تأتِ هذه اللفظة في القرآن قط .. ويُكنَّى عنها دوماً .
وسميت المباشرة كذلك .. لالتقاء البشرتين في حالة الجماع .
والبشرة : هي ما يعلو .. لحم الإنسان .. وعظمه ، فهي إهابُهُ ، ومنها اشتق اسم – البشر - .. وهو لفظ الجمع لها ، يقول تعالى :
{ سأُصليه سَقَر ( وما أدراك ما سقر ( لا تُبقي و لا تَذَر ( لواحةٌ للبشر }(2). والبشر : هو الإنسان .. ذكراً كان أم أنثى ، للفرد وللجمع ، يقول تعالى: { ومن آياته أنْ خلقكُم من ترابٍ ثم إذا أنتم بشرٌ تنتشرون }(3).. وهذا للجمع .
ويقول تعالى : { قل إنما أنا بشر مثلكم يُوحى إليّ.. }(4).. وهذا للمفرد .
وقد تثنى كلمة البشر .. منه قوله تعالى :
{ فقالوا أ نؤمن لِبَشَرَينِ مثلنا وقومُهُما لنا عابدون }(5).
وسمي البشرُ بشراً : لظهورهم .. وعدم خفائهم .. عكس الجن .
و البُشرى .. والبشارة : هي .. الإخبار بما يُسِر .
فالبشارة : اسم لخبر يُغير بشرةَ الوجه مطلقاً ، ساراً كان أم مُحزناً ...
يقول تعالى : { والله أعلمُ بما يُوعُون ( فَبَشِّرهم بعذاب أليم }(6).
__________
(1) البقرة / 187 .
(2) المدَّثر / 27 إلى 29 .
(3) الروم / 20 .
(4) فصلت / 6 .
(5) المؤمنون / 47 .
(6) الانشقاق / 23 و 24 ، ووردت كلمة – بشرهم - بمواضع أخرى .(1/43)
وقد شاع وغلب استعمال البشارة في : السار دون السيئ ، فأصبح ذلك حقيقةً عرفية ، كما اعتبر الصدق في الخبر السار لكي يُعد بشارة ، فتكون ... .
البِشارةُ - عرفاً – : الخبر السار الصادق ، الذي ليس لدى المُخبَر به علم به عند وصوله إليه .على أن وجود - المبَشَّر به - وقت البشارة غير لازم ، وذلك بدليل قوله تعالى- على لسان سيدنا إبراهيم - :
{ رب هَب لي من الصالحين ( فَبَشَّرناه بغلام حليم }(1).
ومنه .. قوله تعالى : { وبَشَّرناه بإسحاق نبياً من الصالحين }(2).
والبشارة : - إذا أطلقت - قالوا هي في .. الخير خاصته . وإذا أريد بها الشرُّ قُيدت .
والنِذارة : عكسها .. فإنها في حالة الإطلاق تدل على الشر .
وأما قوله تعالى : { .. قال يا بُشرى هذا غلام .. }(3).. فقد قيل فيه .. إن - بشرى - : هو اسم صاحبه فناداه !!. وفيه ما فيه فلا يعول عليه .
وقيل : معناه يا بشراي .. مثل : عصايَ . وهو أصح .
ويقول تعالى : { ألا إنَّ أولياءَ اللهِ لا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنُون ( الذين آمنوا وكانوا يتَّقون ( لهم البُشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة لا تبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم }(4).
والبشرى في الدنيا : الأحلام الصادقة المبشِّرة التي يراها الصالحون .. أو : ما يُرى لهم . وفي الآخرة – بشراهم الجنة .
والمبشِّر .. والبشير : الذي يحمل البشارة .. قال تعالى : { فلما أن جاء البشيرُ ألقاهُ على وجهه فأرتدَّ بصيراً قال ألم أقل لَّكم إنِّي أعلم من الله مالا تعلمون }(5)ويقول تعالى على لسان سيدنا عيسى - عليه السلام - :
{ .. ومبشراً برسولٍ يأتي من بعدي اسْمُهُ أحمد ... }(6)..
وروى كعب الأحبار : أن الحواريين سألوا عيسى - عليه السلام - : هل بعدنا من أمةٍ ؟ .
__________
(1) الصافات / 101 و 102 .
(2) الصافات / 112 .
(3) يوسف / 19 .
(4) يونس / 62 إلى 64 .
(5) يوسف / 96 .
(6) الصف / 6 .(1/44)
قال : نعم ... أمةُ محمد - صلى الله عليه وسلم - ، علماء أنقياء ، كأنهم في الفقه أنبياء ، يرضون باليسير ، ويرضى الله منهم باليسير من العمل .
والاستبشار : الفرح ، أو طلبه بالعمل الجالب له ، منه ..
قوله تعالى: { ... فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم }(1).
وقوله تعالى: { وجوهٌ يومئذٍ مُسفرةٌ ( ضاحكةٌ مستبشرةٌ }(2).
والبشارة : ما يُعطاه البشير .. كالعُمالة للعامل .
والبِشر : طلاقة الوجه ، وبشاشته .
*******
وسمي القرآن .. - بشرى - في سورة البقرة / الآية السابعة والتسعين ، وهي التي افتتحنا بها كلامنا . وسمي كذلك في قوله تعالى :
{ .. ونزّلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شئ وهدىً ورحمةً وبشرى للمسلمين }(3).
وفي قوله تعالى : { قل نَزَّله روح القُدُس من ربكَ بالحق ليُثَبِّتَ الذين آمنوا وهدىً وبشرى للمسلمين }(4).
ويقول تعالى : { طس تلك آيات القرآن وكتاب مبين ( هدىً وبشرىً للمؤمنين }(5).
جعل الله تعالى القرآن بشرىً للمؤمنين .. آمين !! .
والحمد لله ربِّ العالمين ~~
الإسم التاسع عشر
المُنذِر .. !!
يقول تعالى : { قُل أيُّ شئٍ أكبر شهادةً قُل الله شهيدٌ بيني وبينكم وأُوُحيَ إليّ هذا القرآنُ لأنذِرَكُم به ومَن بَلَغَ أئنَّكُم لَتَشهدون أنَّ مع الله آلِهةً أخرى قل لا أشهد قل إنَّما هو إله وإنني برئ مما تُشركون }(6).
لقد ورد - الإنذار - هنا منسوباً إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - لما معه من القرآن .
والمنذِر : أصلاً هو الرسول ، ونستطيع نسبته إلى القرآن الكريم من باب إلحاق المُسَبَب بسببه ، فسبب – الإنذار – هو الرسول ، والمسبب هو مجيء القرآن .. وهذا ورد في القرآن الكريم في مواضع عدة .. منها قوله تعالى :
{
__________
(1) التوبة /111 .
(2) عبس / 38 و 39 .
(3) النحل / 89 .
(4) النحل / 102 .
(5) النمل / 1 و 2 .
(6) الأنعام / 19 .(1/45)
وهذا كتاب أنزلناه مبارك مُّصِدِّّقُ الذي بين يديك لتنذر أمَّ القُرى ومَن حولها .. }(1).
ومنها قوله تعالى :
{ كتابٌ أُنزل إليك فلا يَكُنُ في صدرك حرجٌ منه لتنذر به وذكرى للمؤمنين }(2).
ومواضع كثيرة منها : مريم /97 ، القصص / 46 ، السجدة /3 ، الشورى / 7
*******
على أن نسبة الإنذار إلى القرآن نفسه ، ورد مرةً واحدةً في قوله تعالى : { .. وهذا كتابٌ مصدِّقٌ لساناً عربياً ليُنذِر الذين ظلموا و بُشرى للمُحسنين }(3).
فهو .. منذر ، وهو .. مُبَشر .. في آن واحد .
وكونه - بشرى - .. مما تكلمنا به في حلقة سابقة .
والمُنذِرُ : اسم من : نَذَرَ .. يَنذِرُ .. نَذراً .. ونِذارةً .
والنَذرُ : في اللغة .. الوعد .
ونَذَرَ الشيء على نفسه : أوجبه عليها .. يقول تعالى :
{ وما أنفقتم من نفقة أو نذرتم من نذر فان الله يعلمه ... }(4)
ونَذَرَت : للأنثى ، وفي القرآن الكريم .. قوله تعالى بلسان أم مريم - : { إذ قالت امرأة عِمران رب إني نَذرَت ما في بطني محررا فتَقبل منّي ... }(5).
ويقول تعالى توجيهاً لسيدتنا مريم : { فكلي واشربي وقرِّي عيناً فإمَّا تَرَيِنََّّ من البشر أحداً فقولي إنّي نَذرتُ للرحمن صوماً فلن أكلّمَ الَيوم إنسيا }(6).
فالنَذْر : ما يوجبه المرء على نفسه من .. صدقة .. أو عبادة .. أو ما يجري مجراها ، مما هو من جنس العبادة دون غيرها .
إنَّ الدخول بالنذر مكروه لوجهين ..
الأول / إن كان معلقاً .
الثاني / إن كان مطلقاً .
ففي كليهما : إلزام للنفس من غير مُلزم شرعي ، وقد يَشُقُّ على الناذر الوفاء ، فأتى بالواجب لنفسه بنفسه . ولذلك ورد التأكيد على الوفاء به .. يقول تعالى : { ثُمَّّلْيَقْضُوا تَفَثَهُم وليوُفُوا نُذُورَهَم وليّطَّوَفوا بالبيت العتيق }(7).
__________
(1) الإنعام / 92 .
(2) الأعراف / 2 .
(3) الأحقاف / 12 .
(4) البقرة / 270 .
(5) آل عمران / 35 .
(6) مريم / 26 .
(7) الحج / 29 .(1/46)
ويزيد المقترن بالشرط في الكراهة : لأن فيه نوع مساومةٍ مع الله ، وهذا لا يليق بالعبد ، كأنه يقول .. إن أعطيتني كذا فعلت كذا !! ، وهذا لا يليق مع الله ، فينبغي للعبد أن يستجيب لربه ، والله - عز وجل - تكفل بعدم إضاعة عمل العاملين ، إذ يقول - جل جلاله - : { الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جُنُوبِهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربَّنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار( ربَّنا إنَّك مَنْ تُدْخِل النَّّار فقد أخزيته وما للظالمين من أنصار ( ربَّنا إنَّنا سمعنا منادياً يُنادي للإيمان أن آمنوا برَبِّكُم فآمنَّا فاغفِر لنا ذُنُبَنا وكفِّر عنَّا سيِّئاتنا وتوَفَّنا مع الأبرار ( ربَّنا وآتنا ما وعدتَّنا على رُسُلِك ولا تُخْزِنا يوم القيامةِ إنَّك لا تُخلف الميعاد ( فاستجاب لهم ربُّهُم أنِّ لا أُضيع عمل عاملٍ منكم من ذكرٍ أو أُنثى بَعْضُكُم من بعضٍ فالذين هاجروا واُخرجوا من ديارهم واُذُوا في سبيلي وقاتلوا وقُتِلوا لأُكفِّرَنَّ عنهم سيِّاتهم ولأُدخلنَّهم جنَّاتٍ تجري من تحتها الأنهار ثواباً من عند الله والله عنده حُسْنُ الثواب }(1)
والنذيرة : ما يقدمه المرء نذراً .
ونذيرة الجيش : طليعته التي تُعلمه ، وتنذِره بأمر العدو .
أما أنذَرَهُ الشيء : أعلمه بهِ ، وأبلغه .. مع التخويف .
وهذا المعنى في القرآن كثير ، وبشتى الأساليب ، خطاباً : للمفرد ، والمثنى وللجمع ، وللمخاطب ، والغائب .
وتناذر القومُ : أنذر بعضهم بعضا .
و النِذارة : الإنذار .
والنذيرُ : الإنذار أيضاً ، وجمعهما .. [ نُذُر ] .
والنذير : المنذِر أيضاً . فهو على وزن - فعيل - ، بمعنى - فاعل - .
وتجمع كلمة النذير بمعنى - المُنْذِر - على : [ نُذُر ] ، وفي القرآن وردت بهذا المعنى في مواضع عدة .
__________
(1) آل عمران / 191 إلى 195 .(1/47)
والنذير بمعنى المنذر ، منه .. قوله - صلى الله عليه وسلم - : { إنما أنا النذير العُريان } . فالرسول هو : النذير .. والمنذر ، يقول تعالى :
{ .. إنما أنت منذِرٌ ولكل قومٍ هادْ }(1).
والنذير : الشيب أيضاً .
فالقرآن العظيم هو .. المنذر.. والنذير .. وبه قام إنذار النبي - صلى الله عليه وسلم - . وهو .. البشرى للمؤمنين الطائعين !! .
والحمد لله ربِّ العالمين ~~
الإسم العشرون
البيان .. !!
يقول تعالى : { .. ونزَّلنا عليك الكتاب تِبياناً لكلِّ شئٍ وهدىً ورحمةً وبشرى للمسلمين }(2).
ذكرنا عند كلامنا عن اسم - المبين - ما اشتق من لفظة - بان - ، و - أبان - ، وتصاريف كل ذلك ، فلا نرى ما يدعو لإعادتها .
أما البَيان : فهو مصدر على وزن .. تَفعال ، وهو خلاف القاعدة ، شأنه شأن .. تِلقاء ، جاء بكسر أولَّه ، والأصل أن يأتي مفتوحاً ، مثل : تَذكار ، وتَكرار ، وتَحنان .. وغير ذلك .
والتِبيان : قيل هو اسم ، وليس بمصدر ، وهذه الصيغة من الأسماء القليلة ، فعن ابن مالك في نظم الفرائد : [ جاء على وزن تِفعال – بالكسر - ، وهو غير مصدر مثل ، رجل .. تِكلام ، و.. تِلقام ، ورجل .. تِلعاب ، و.. تِمراد - لبيت الحمام - ، و .. تِلقاف - للثوبين الملفوفين - ، و .. تِجفاف - ما تُجلل به الفرس - ، و .. تِهواء - لجزء ماضٍ من الليل ، و.. تِنبال - للقصير اللئيم - ، و.. تِعشار ، و .. يِتراك - اسم موضعين - ، وزاد بعضهم .. تِمثال ، و.. تِفاق - لموافقة الهلال - .
وأمَّا أبو جعفر النّحاس .. فقد اقتصر في شرح المعلقات على أقل من ذلك ، فقال : ليس في كلام العرب على وزن .. تِفعال إلا أربعة أسماء ، وخامس مختلف فيه : يقال .. تِبيان ، و يقال لقلادة المرأة .. تِعصار ، و .. تِعشار ، و.. يِتراك ، والخامس .. تِمساح !! .
__________
(1) الرعد / 7 .. ومواضع أخرى من الكتاب الكريم .
(2) النحل / 89 .(1/48)
ورجح الإمام أبو الثناء الآلوسي .. مصدرية لفظة - تِبيان - لا إسميته ، رغم وجود القول بإسميته ، وهو قول أكثر النحويين .
وقد جوز الزجَّاج : فتحه في غير القرآن فتقول .. تَبيان ، وهو يدل على كثرة البيان ، وهو رواية ثعلب عن الكوفيين ، ورواية المبَرّد عن البصريين .
فالبيان : جعل الشيء مبيناً مع الحجة .
والتبيان : فهو التحقق ببيِّنة .
وتبيّن : تحقق وظهر ، ومنه .. تبيّن زنا الزانية ، أي – تحقق زناها ببينة ، ومن باب أولى بالرؤية .
وتبيّنَ الشيء لي : ظهر عندي ، وزال خفاؤه عنّي .. وفي المثل : [ قد تبيّن الصبح لذي عينين ] .
وتبينوا : تحققوا .. وتثبتوا ، وقوله تعالى : { يا أيُّها الذين آمنوا إذا ضَرَبتم في سبيل الله فتبيَّنوا .. }(1)منه ، أي .. اطلبوا بيان الأمر وثباته ولا تتعجلوا فيه
وقال تعالى : { .. فلما خرَّ تبيَّنت الجنُّ أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المُهين }(2).
والبيِّن .. والمبين : الواضح .. يقول تعالى : { هؤلاء قومنا اتَّخذوا من دونه آلهةً لَّولا يأتون عليه بسلطان بيِّن فمن أظلم ممن افترى على الله كذباً }(3).
وقوله تعالى عن قرآنه الحكيم { .. تبياناً لكل شئ .. }(4)- وهو ما افتتحنا به كلامنا - فقد قيل فيه : كشف كل شئ وإيضاحه ، ويدخل فيه .. العقائد والقواعد بالدخول الأولى ، وذلك مستمر إلى البعث وما بعده ، فيدخل فيه : ما يتعلق بأمور الدين .. ومن جملته أحوال الأمم مع أنبيائهم .. وبَعث الشهداء .. وبعث النبي - عليه السلام - كما هو في صدرها .. وهذا العموم فيه كلام ، وسنأتي على بيانه في اسم - الجامع - .
__________
(1) النساء / 94 .
(2) سبأ / 14 .
(3) الكهف / 15 .
(4) النحل / 89 .(1/49)
فقيل : أن الآية مخصصة بوصف مقدر ، إذ بعثة الأنبياء لبيان الدين ، وليس لبيان كل شئ ، بل كل شئ يتعلق بوظيفتهم ، ولهذا أجاب الله عن سؤالهم : { يسألونك عن الأهلَّة قل هي مواقيتُ للناس والحج ... }(1)، فلم يبين ما هيئتها .. ولا منازلها .. بل ما يتعلق بالفائدة الدينية فقط !! .
وقال المصطفى - صلى الله عليه وسلم - لأهل المدينة – وهو تشريع للأمة - : { أنتم أعلم بأمور دنياكم } .
فقد يكون تبيان القرآن لكل شئ ، من جهة إحالته على السنة النبوية ..
والسنة أحالت على غيرها ..{ عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين بعدي عضّوا عليهم بالنواجذ } .
والصحابة - رضي الله عنه - قد : اجتهدوا .. وقاسُوا .. ووضعوا طرق الاجتهاد ، فكان .. السنة .. والإجماع .. والقياس ، كلُّها مستندة إلى تبيان القرآن .
وقد جعل البعض : - كل - ليس للاستغراق ، بل للتفخيم والتكبير .. والأول أحسن .
والحمد لله ربِّ العالمين ~~
الإسم الحادي والعشرون
الجامع .. !!
لم يرد في القرآن الكريم وصف القرآن - بالجامع - ، ولا تسميته به ، بل استفدناه من قوله تعالى : ( { ما من دابةٍ في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرّطنا في الكتاب من شئ ثم إلى ربِّهم يُحشرون }(2).
فعدم التفريط من شئ : يشير إلى جمعه لأمورٍ سنبينها .
وفَرَّطَ الشيء : وفرَّط فيه .. قصّر فيه وضيَّعه حتى فات ..
يقول تعالى : ( { أن تقول نفس يا حسرتا على ما فرّطت في جنة الله .. }(3).
ويقول تعالى :( { قال كبيرهم ألم تعلموا أنَّ أباكم قد أخذ عليكم موثقاً من الله ومن قبل ما فرطتم في يوسف .. }(4).
وتأتي فرَّط .. بمعنى : ترك وأغفلَ ، يقول تعالى :
( { .. حتى إذا جاء أحَدَكُمُ الموت توفته رسلنا وهم لا يُفرطون }(5).
وفرّط إليه رسولاً : قدّمه .. وأرسله .
__________
(1) البقرة / 189 .
(2) الأنعام / 38 .
(3) الزمر / 56 .
(4) يوسف / 80 .
(5) الإنعام / 61 .(1/50)
وفَرَطَ .. وفَرُط .. فُرُطاً .. وفَرطاً : عَجلَ وأسرعَ ، يقول تعالى :
( { إذهبا إلى فرعون إنَّه طغى ( فقولا له قولاً ليِّناً لعله يتذكَّر أو يخشى ( قالا ربنا إننا نخاف أن يفرط علينا أو أن يطغى }(1)، أي .. يتعجل العقوبة لنا .
و فَرَطَ منه كلام : سبق من غير رويَّة .
و فَرَطَ في الأمر : قصّر فيه .
والفارِط : المتقدم على قومه .. جمعها [ فُرُّاط ] ، ويستعمل في السبق إلى الماء .
وفَرَطَ له ولد : سبقه إلى الجنة ، ومنه دعاء الرسول - صلى الله عليه وسلم - لمن مات ..
{ .. اللهم إجعله لنا فَرطا } .
والتفريط : التقصير عن الحدّ ، والتأخير فيه .
وأفرط : جاوز الحدَّ والقدر ، والقول المشهور.. [ لا تفريط ، ولا إفراط ] .. أي : لا زيادة ، ولا نقصان .
وأفرَطَ فلانٌ فلاناً : أعجله ، ومنه قوله تعالى :
{ لا جَرَم أنّ لهم النار وأنّهم مُفْرَطون }(2)، أي .. مقدَّمون إلى النار.. ومُعْجَلون إليها .
و تَفَرَط الشيء : فات وقتُه .
والفُرُط من الأمور : المجَاوَز به حدّه ، أو .. المتروك المضيّع ، يقول تعالى :( { ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذِكرنا وأتبع هواه وكان أمره فُرطا }(3).
وتفاريط البلد : أطرافه .
*******
وقوله تعالى :( { ما فرّطنا في الكتاب من شئ } .
أي : ما قصّرنا .. وما تركنا .. ولا ضَيَّعنا .. ولا أغفلنا .. شيئاً قط .
والكتاب .. قيل : اللوح المحفوظ ، وفيه ما كان وما يكون .
وقيل : هو القرآن ، قاله .. البلخي وجماعة .
والذين قالوا هو القرآن ، فريقان :
__________
(1) طه / 45 .
(2) النحل / 62 .
(3) الكهف / 28 .(1/51)
الفريق الأول / قال هو : مشتمل على جميع ما يحتاج إليه العباد ، من الدين والدنيا ، حتى أرشَ الخَدش ، ومعنى الآية عندهم .. ما فرطنا في الكتاب شيئاً ، باعتبار - من - زائدة ، فيستغرق عدم التفريط لكل شئ ، ويقولون .. إن الذي ذُكر في القرآن هو إما .. مجملاً ، وإما .. مفصلاً ، فالمجمل أحيل فيه إلى السنة النبوية ، فاعتبروا ما فيها كأنه فيه ، لأن القرآن أحال عليها في مواضع عدة من القرآن ، فقد قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - : { ألا وإني أوتيت القرآن ومثله معه } ..
وينسب هذا الرأي إلى كل من : ابن عباس - رضي الله عنه - ، وابن مسعود - رضي الله عنه - من الصحابة ، والى الإمام الشافعي - رضي الله عنه - ، والشيخ الأكبر ابن العربي ، ولهم في ذلك أقوال لا يتسع المقام لإيرادها .. حتى قال ابن عباس : [ لو ضاع لي عقال بعير لوَجدتُه في كتاب الله ] ، فعندهم السنة النبوية الذي أحال عليها القرآن ، أحالت على سنة الخلفاء الراشدين المهديين ، وأجاز الكل الاجتهاد ، وهنالك الإجماع ، فهذه هي أدلة الأحكام ، وهي ترجع حينئذٍ في مداليلها ، وأدلتها الى القرآن . وأشرنا إلى هذا في الحلقة العشرين السابقة !! .
ولقد بالغ بعضهم : فاستخرج أسماء سلاطين بني عثمان ، ومدة سلطتهم من سورة الفاتحة ! .
ووقع ابن العربي عن حماره ، ورُضَّت رِجله ، فجاءوا ليحملوه ، فاستمهلهم ، ثم أذن لهم .. فقال : [ راجعت كتاب الله فوجدت خبر هذه الحادثة في الفاتحة !! ] .
واستخرج بعضهم من تفسير .. ابن بُرجان - كما ذكر ابن خلّكان - شهر فتح صلاح الدين للقدس ، بعد فتحه لقلعة حلب في صفر ، فقال شعراً :
وفتحُك القلعة الشهباء في صفرٍ مبشر بفتوح القدس في رجب
وقد استنبط .. ابن كمال باشا ، فتح مصر على يد السلطان سليم العثماني من قوله تعالى :
{ ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون }(1).(1/52)
وقد قال من قال : [..بل ما من حادثةٍ ترسم بقلم الفضاء في لوحٍِ الزمان ، إلا وفي القرآن العظيم إشارةً إليها ، فهو المشتمل على خفايا الملك والملكوت ، وخفايا قدس الجبروت ] ! .
وما في تفسير .. ابن كثير - مما نقل عن ابن عباس - رضي الله عنه - في تفسير قوله تعالى : حم عسق ... ما تداوله الناس زمناً ، وهو ما زال مسطوراً ، واعتبروه إشارةً إلى ما حدث صباح يوم 14 تموز 1958 م .. فراجعه ! .
الفريق الثاني / منهم أبو البقاء الكفوي الحنفي ، الذي قال في كليَّاته : [ إن عبارة – من شئ – المفيدة للعموم ، وقعت في الآية موقع المصدر ، فمعناها .. ما فرطنا تفريطاً ، وهي ليست مفعولاً به .. وعلى هذا لا يبقى في الآية حجة لمن ظن ان الكتاب يحتوي على ذكر كل شئ ] !! .
وفي الحلقة السابقة - وهي العشرون - حين تكلمنا عن البيان ، نقلنا رأي من قال أن آيات العموم مثل :( { .. تبياناً لكل شئ } ، و( { .. تفصيلاً لكل شئ ... } .. وأضرابهما ، مخصوصة بالأمور الدينية .. أي : الأحكام الفقهية ، وليست .. العلوم التطبيقية ، ولا .. الأحداث ، ولا .. أخبار الملاحم والفتن ، ولا.. أخبار ما سيأتي !! ، فتذكر ما نقلناه في ذلك المقام .
أما وجه استيعاب القرآن للأحكام الدينية الفقهية ، فسلكوا فيه سبيل الفرق الأول ، أي : طريق السنة النبوية المطهرة ، وما أحال القرآن الكريم ، والسنة المطهَّرة عليه من أدلة .. كالاجماع .. والقياس ، وغيرهما . وبهذا يتم لهما استيعاب القرآن لذلك كلِّه .
وما تقدَّم لا غبار عليه .. بل وعليه الإجماع ، وإنَّما الخلاف فيما عدا ذلك .
والفريق الثاني أحق .. والله أعلم .
والحمد لله ربِّ العالمين ~~
الإسم الثاني والعشرون
المُبارَك .. !!
يقول تعالى :( { وهذا كتابٌ أنزلناه مباركٌ مُّصَدِّقُا لذي بين يديه ولتُنذِر أمَّ القُرى ومن حولها ... }(1).
المبارك : مصدر ميمي من .. بارك ... يبارك .. بركةً .
__________
(1) الأنعام / 92 .(1/53)
و بارك الله الشيء .. وفيه ... وعليه : جعل فيه الخير . يقول تعالى :
{ قل أئِنَّكُم لَتَكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أنداداً ذلك ربُّ العالمين ( وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواءً للسائلين }(1).
وبارك على الشيء : واظب .
و بارك لك .. وعليك .. وفيك : باركك .
وبارِك على محمد - صلى الله عليه وسلم - – الواردة في الصلاة الإبراهيمية في القعدة الأخيرة من الصلاة – فمعناها : أدِمْ عليه الشرف .. والكرامة .. المُعطيان له من الله .
والبركة : النماء .. والزيادة .. حسية كانت أم معنوية .. والسعادة من كل خير مقيم .. وكل منفعة .. وكل كرم ، تقول .. أنزل عليّ من بركاتك ، فهي تدُلُّ على .. ثبوت الخبر الإلهي في الشيء .. ودوامه فيه
.. وجمعها [ بركات ] ، وقد وردت في التنزيل العزيز ، منها قوله تعالى . { ولو أنَّ أهل القرى آمنوا واتَّقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ويكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون }(2).
وقوله تعالى : ( { قيلَ يا نوحُ أهْبِطْ بسلامٍ منَّا وبركاتٍ .. ثم يمَسُّهم منا عذاب أليم }(3).
وقوله تعالى - عند الكلام عن إبراهيم وزوجه - :
( { ... فَبَشَّرناها بإسحق ومن وراء إسحقَ يعقوبَ ( قالت يا ويلتا أ ألِد وأنا عجوزٌ وهذا بعلي شيخاً إنّ هذا لشيءٌ عجيبٌ ( قالوا أ تعجبين من أمر الله رحمةُ الله وبركاتُهُ عليكم أهل البيت إنه حميدٌ مجيدٌ }(4).
وأهل بيت إبراهيم .. وأهل بيت كل رجل : زوجته .
وحبة البركة : الحبة السوداء ، وورد فيها عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أخبار في منافعها .
وبُركة الماء : موضع لبثه ، ودوام بقائه ، وتسميتها لإقامة الماء فيها .
وبَرَّك البعير : أناخ .. وأقام في موضع ، وجمعها [ مَبَارِك ] .
__________
(1) فصلت / 9 و 10 .
(2) الإنعام / 96 .
(3) هود / 48 .
(4) هود / 71 إلى 73 .(1/54)
وبرّك السحابُ : اشتد مَطَرُهُ حتى قشّر الأرض ، فهو .. مطر مقيم .. ومفيد .
وبورك فيك : تقولها العرب رداً على السائل ، لا دعاءً له .
وتقول : بورك فيك .. وفي فيك .. ولا فُضَّ فوك .
وتبارك : ارتفع .
وتبارك الله : تقدس ، أي .. تطهر .. وتنزه .. وعلا .. وتعظّم .. واتسعت رحمته .. وكثرت نعمته ، وفي التنزيل العزيز :
( { تبارك الذي بيده المُلك وهو على كل شئ قدير }(1)
وورد مثل ذلك في ثمانية مواضع أخرى في القرآن الكريم .
وتَباركَ الله : قيل .. بارَكَ الله ، مثل قابَلَ .. وتقابَلَ .
وتَبَارك به : تفاءَل وتيمَّن .
و التبريك : الدعاء بالبركة .
والمُبارك : ما فيه الخير .
والمُبارك .. والمباركة : هما وصف في القرآن الكريم لكلٌّ من : البيت الحرام .. وأنبيائه .. والمنزِل .. والماء .. والشجرة .. والتحية .. والبقعة .. والليلة .
*******
وسميّ القرآن – مباركا - : لما فيه من .. زيادة البيان على الكتب السماوية السابقة .. فهو ناسخ لها .. ولا يرد عليه نسخ قط .. وهو باقٍ إلى آخر التكاليف .
أو : لأنه كل من تمسك به .. فهو ممدوح .
أو : لما فيه من .. كثرة الفائدة .. والنفع .. والخير ، لاشتماله على منافع الدارين .. وعلوم الأولين والآخرين ، فهو كثير المنافع الدينية والدنيوية .
أو : أن الباحث فيه ، والمتمسك به .. يحصل له عزَّ الدنيا ، وسعادة الآخرة .
ويقول الإمام الآلوسي - رضي الله عنه - : [ .. وقد شاهدتُ – والحمد لله – ثمرة خِدمَتنا(2)في الدنيا ، فنسأله ألا يحرمنا سعادة الآخرة ، انه هو البَّرُ الرحيم ] .. وصدق القرآن الكريم إذ ..
يقول :( { وهذا كتابٌ أنزلناه مباركٌ فاتَّبِعُوُه واتَّقوا لَعَلَّكم تُرحمُون }(3).
__________
(1) الملك / 1 .
(2) أي : للقرآن العظيم في تفسيره الشهير .. [ روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني ] .
(3) الأنعام / 155 .(1/55)
ويقول - عز وجل - :( { وهذا ذكرٌ مباركٌ أنزلناه أ فأنتم له مُنكرون }(1)0
ويقول - عز وجل - :( { كتابٌ أنزلناه إليك مباركٌ لِيَدَّبروا آياته ولِيَتَذَكَرَ أولوا الألباب }(2).
اللهم وبارك لنا في ..
القرآن .. وباركنا به ..
وبارك لنا فيما .. نقول .. ونعلم .. ونعمل .
تباركت ربنا .. فباركنا ببركاتك .. آمين .
والحمد لله ربِّ العالمين ~~
الإسم الثالث والعشرون
المُيَسَّر .. !!
يقول تعالى :( { فإنما يَسَّرناه بلسانِكَ لِتُبَشِرَ به المتقين وتُنذر به قوماً لُّدَّا }(3).
ويقول تعالى :( { فإنَّما يَسَرناه بلسانك لعلَّهم يَتَذَكرون }(4).
هاتان الآيتان تشيران مباشرةً إلى تيسير الله للقرآن بلسان النبي - صلى الله عليه وسلم - لأجل ان يتّذكّر الكفار ، ويُنذَروُا على عنادهم .
على أن تيسير القرآن بلسان النبي - صلى الله عليه وسلم - هو تيسير له بلسان قومه لأن لسانهم لسانه ، فهو مذكِّر لهم مباشرةً إن أنصتوا وسمعوا ..
يقول تعالى : ( { ولقد يَسّرنا القرآن للذِّكر فهل من مدَّكِر }(5).
فتكرر هذا في - سورة القمر - أربع مرات ، كلما ذكر القرآن مصير المعاندين ، من قوم : عادٍ .. وثمود .. ولوط .. وآل فرعون .. فكأنما يقول للعرب مصيركم كمصيرهم ، إذ قامت عليكم الحجة ، لأن القرآن ميسور لكم للأدّكار .. والقرآن يقول :( { وما أرسلنا من رسول إلاّ بلسان قومه ليبيِّن لهم فيُضِلُّ الله من يشاء ويهدي من يشاء وهو العزيز الحكيم }(6).
فالميّسر : على صيغة اسم المفعول ، وفعله الماضي ثلاثي ، ورباعي .
أما الثلاثي .. فهو مثلث - عين الفعل - : يَسَرَ .. ويَسِرَ.. ويَسُرَ .
ويَسَرَ ... يَيْسَرُ .. يَسراً : سَهُلَ .. وأمكَنَ ، أي .. أصبح سهلاً ممكناً .
ويَسَرت الحامل : سَهُلَت ولادتها .
__________
(1) الأنبياء / 50 .
(2) ص / 29 .
(3) مريم / 97 .
(4) الدخان / 58 .
(5) القمر / الآيات – 17 و 22 و 32 و 40 .
(6) إبراهيم / 4 .(1/56)
ويَسَرَ : لان ، وانقادَ .
ويَسَرَ له في الأمر يُسرا .. ويَساراً : جعله له ميسوراً.. سهلاً حاضراً .
ويَسَرَ الشيء .. تَيسَرُ .. و يُسراً .. ويَسَارةً .. فهو : يَسِرُ .. ويسير.
ويَسِرَ فلان يَساراً .. ويُسراً : استغنى .
ويَسُرَ .. يَيسرُ .. يُسراً .. ويَسَارةً : يَسِرَ .. وحقّ .. قلّ ... فهو يسير.
أما الرباعي .. أيسَرَ : فمعناه يَسِرَ .
وأيسرت الحاملُ : يَسَرت .. وقد مرّ .
وأيسَرَ إبلَهُ : مال بها يساراً .
أما يَسَّر الشيء : سهّلَهُ وجعله ميسورا . ومنه الحديث الشريف :
{ يسروا ولا تُعسّروا } .
وتَيَاسَرَ : تساهل ، ومنه حديث المصطفى - صلى الله عليه وسلم - { تياسروا في الصِداق } .
وتَيسَّر الشئُ : تَسَهَّل ، أو تهيأ للقتال ونحوه .
وما زال الناس يقولون .. لمن نوى السفر أو ذهاباً : تَيَسَّر .
والمتَيَّسِر : هو ما تَيَسّر .. وما أمكنَ .. وسَهُل .
وفي التنزيل العزيز :( { .. عَلِم أن لن تُحصوه فتاب عليكم فاقرءُوا ما تيسر من القرآن علمَ أن سيكونُ منكم مرضى وآخرون يضرِبون في الأرض يبتغُون من فضل الله وآخرون يقاتلون في سبيل الله فاقرءُوا ما تيسر منه .. }(1).
والأيسر : هو خلاف الأيمن .. ومَن يعمل بيده اليُسرى ، يقال .. هذا أيسر .. أعسر .
والمُيسَّر : ذو اليَسار والغنى .. وجمعه [ مياسير ] .
والمَيسَرة : خلاف الميمنة .. والغِنى ، يقول تعالى :( { وإن كان ذو عُسرةٍ فنَظرة إلى ميسرة .. }(2)
واليَسار : الغنى .. والسهولة .. والسَعَة .. والرخاء .. وخلاف اليمين .
واليسير : السهل .. والقليل .. والحقير .. والليّن ، منه قوله تعالى :
( { .. وتزدادُ كيلَ بعيرٍٍ ذلك كيلٌ يسيرٌ }(3).
والميسُور : ضد المعسور ، يقول تعالى :
( { وإمَّا تُعرِضَنَّ مَنهُم ابتغاءَ رحمةٍ من ربِّك تَرجوها فقل لهم قوةً مَّيْسوُرا }(4).
__________
(1) المزَّمل / 20 .
(2) البقرة / 280 .
(3) يوسف / 65 .
(4) الإسراء / 28 .(1/57)
أما المُيَسَّر : فهو ما وقع عليه التيسير ، والتسهيل .. مع المبالغة ، فهو أكبر تيسيراً من الميسور .
أما قول المصطفى - صلى الله عليه وسلم - : {.. كلُّ ميسَّر لما خَلِقَ له } فمعناه .. المهيّأ ، فالله يَسَّر سبيل السعادة للعبد ، ومثله للشقي ، وفي التنزيل العزيز :
( { ونُيَسِّرك لليُسرى }(1).. وفيه أيضاً :
{ فأمَّا من أعطى واتَّقى ( وصَدَّقَّ بالحُسنى ( فسنيسِّره لليسرى ( وأما من بَخِل واستغنى ( وكذَّب بالحسنى ( فسنيسِّره للعُسرى }(2).
واليَسّر : نوع طعام كان يسمى قديماً .. - لقمة القاضي - ، أو - لقمة الخليفة - !! .
وكلَّ شئ يَسّرتَهُ : فقد جَزَأتَهُ .
و الياسِر : الذي يُقَسِم لهم الناقة .
*******
فالقرآن يَسَّره الله تعالى : للذكر .. وللتلاوة ... وللحفظ ... وقد جَزأه الله ، وجعله بِلُغةِ العرب ميسوراً عليهم : { ولقد يَسّرنا القرآن للذّكر فهل من مدّكِر } ، وفيه يقسم الله - عز وجل - على تيسيره ، مع إيراده القصص الأربع للأنبياء السابقين وأقوامهم – كما تقدم - ، وذلك مما تقوم به الحجة على العرب إن لم يؤمنوا به ، فأنزله بلغتهم مع أنواع .. المواعِظِ والعِبَر .. والوعد والوعيد ، ليتّذكروا ويتعظوا ، وقد .. سَهُل عليهم لفظُه .. وحَسُنَ نظمُهُ .. وشرفت معانيه .. وصحت أحكامه .. وجاء عريّاَ عن وحشي اللفظ .. وعن حوشيِّه .. وعمَّا هو من نحوهما .. وله تعلق بالقلوب .. وحلاوة في السمع .. ولم يستظهر من الكتب السماوية غير هذا القرآن .
*******
وقال البعض تيسيره : تهوين قراءته .
وقال ابن عباس - رضي الله عنه - : يَسّرهُ على لسان الآدميين ، ولولا ذلك لما استطاع أحد أن أن يتكلم بكلام الله .
ولذلك تقول : هذه سورة يسيرة ، ولا تقول سورةً خفيفة .
وقد يكون معنى التيسير : التهيئة لأداء ما اُريد منه من .. تذكير .. وإقامة للحجة .
__________
(1) الأعلى / 8 .
(2) الليل / 5 إلى 10 .(1/58)
أما قوله تعالى : ( { يسرناه بلسانك .. } ، أي .. بلغتك .
وقيل : أنزلناه على لسانك بدون كتابةً .. لأنك أميُّ .
والأصل أن يكون القرآن : مُذكِّراً .. ومُقيماً للحجَّة .. ومُيسَّراً لمن يتّبِعُهُ
*******
وبالتيسير لكل ما ورد في القرآن من معانٍ .. فقد حصل به المقصود .. لأنه ميسور غير معسور .. ميسَّر غير مُعسَّر .. وهو بلغة من نزل فيهم .. ونزل عليهم قبل غيرهم ، وهو قائمٌ : بالبشارة .. والنِذارة .. والتفقه فيه .
والحمد لله ربِّ العالمين ~~
الإسم الرابع والعشرون
الهُدى .. !!
يقول تعالى : ( { ألم ( ذلك الكتاب لا ريب فيه هدىً للمتقين }(1).
لقد وصف الله - عز وجل - القرآن ، أو ما أُنزل على الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، أو الكتاب ، أو آيات الكتاب .. وغير ذلك من أسماء القرآن - بالهدى - في كتابه الكريم كثيراً ، مما لا يتسع المقام لإيراده هنا .
فالهُدى : مصدر قليل الورود بهذا الوزن في العربية ، وهو مثل .. التُقى .. والسُرى .. والبُكى – بالقَصر – .. وغيرها .
والمراد بالمصدر هنا : معنى اسم الفاعل .. أي : الهادي .
وقد اعتبره - البعض – لفظاً مؤنثاً ، في حين اعتبره آخرون .. لفظاً مذكراً .
والهُدى : مصدر فعله الماضي .. إما :
هَدَى .. يَهدي ... هُدىً .. وهدايةً .. وهَدياً .. فهو ثلاثي ، وإما :
اهتدى .. يهتدي .. ويَهدِي .. ويَهَدَّى ... هُدىً .. وهداية .. وهَدياً.. فهو رباعي .
و هَدَى فلانٌ : استرشد .
و هَدَى فلانٌ .. هَدْيَ فلانٍ : سار سيره .
و هَدَى فلانٌ .. فلاناً : أرشده .. ودلّه .. منها قوله تعالى :( { ووجدك ضالاً فهدى }(2).
و هَدَى فلانٌ فلاناً .. الطريق ، .. وهَدَاه لَهُ .. وإليه : عَرَّفَه .. وبيّنه ... يقول تعالى : ( { وهَديناه النجدين }(3).
ويقول تعالى :( { إنَّا هَدَيناهُ السبيلَ إمَّا شاكراً وإمَّا كَفُورا }(4).
__________
(1) البقرة / 1 و 2 .
(2) الضحى / 7 .
(3) البلد / 10 .
(4) الإنسان / 3 .(1/59)
واهدني : هو دعاء بطلب الهداية .. يقول تعالى :
{ اهدنا الصراط المستقيم } .
وقوله تعالى : { .. فاحكم بيننا بالحقّ ولا تُشطِط واهدنا إلى سواء الصراط }(1): طَلَبَ الهداية .
و الهادي : الدليل .. وجمعها [ هداة ] ، وحين سُئِل سيِّدنا أبو بكر الصدِّيق - رضي الله عنه - في الهجرة من بعض من رأوه في الطريق ، عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - .. من معك ؟ - وهم يعرفونه ولا يعرفون الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال .. هو هادٍ يهديني السبيل !! ، وقصد به .. سبيل الدين والإيمان ، وظنوه دليل الطريق !!0
والهادي : من أسماء الله الحسنى .
والهادي : العُنُق .. لأنه يهدي الجسد ! .
و الهادية : المتقدمة من كل شئ ، وتطلق على .. العصا .. وعلى الخيل المتقدمة .. وأوائل الليل .. وأوائل الإبل .
والهُدى : النهار .. والطريق .. والرَّشاد ، وكلُّ هذه المعاني ممَّا في التنزيل العزيز ، فقد مرَّ آنفاً .. فراجعه .
والهُدى : الدلالة بلطفٍ إلى ما يُوصِل إلى المطلوب ، وفي التنزيل العزيز .. { إنّ علينا لَلْهُدى }(2).
والهُدى : الطاعة ، يقول تعالى { أولئك الذين هدى الله فَبهداهُم اقْتَدِه .. }(3).
والهُدى : الرشاد .. والبيان ، ويذكر ويؤنث .
واهتَدى : بمعنى [ هَدَى ] التي مَرّت .. أي استرشد ، ومضارعه .. يهتدي .. ويهدّي .. ويَهدّى . يقول تعالى :
{ ... أَ فَمنْ يَهدي إلى الحقّ أحقُّ أن يُتَبَع أمَّن لا يَهِدِّّي إلا أن يُهدى فمالكم كيف تَحكُمُون }(4).
واهتدى : طلب الهداية ، أو .. أقام عليها .
وتهادى : الرجُل .. سار بين اثنين معتمداً عليهما ، وورد هذا في الخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مرض موته ، إذ ورد فيه أنه : [ ..خرج إلى الصلاة يهادى بين رجلين ] .
وأهْدى : يُهدي .. هديةً : هي غير ما تقدم .
__________
(1) ص /22 .
(2) الليل / 12 .
(3) الأنعام / 90 .
(4) يونس / 35 .(1/60)
وأهدى : قدَّم .. للصديق .. والقريب .. وغيرهما ، من .. التُحف والألطاف .. إلى غيره ، وبلا مقابل .
وأهدى : ساق الهدية .
والهدية : ما يقدمه الصديق وغيرُهُ إلى غيره بلا مقابل ، بل لمجرد .. الصلة .. وإدخال السرور على الغير ، وتسمى - الهبة - .
والصدقة : هي هبة لأجل نوال الأجر .
وعن الهدية يقول تعالى : { وإنِّي مُرسِلة إليهم بهديَّةٍ فناظرةٌ بِمَ يرجِع المرسلون ( فلما جاء سليمانَ قال أتُمِدّونَني بمالٍ فما آتانيَ الله خيرٌ مما آتاكم بلْ أنتم بهدِيَنِكُم تفرحون }(1).
و تهادى القوم : أهدى بعضهم لبعض .. يقول - صلى الله عليه وسلم - : { تهادوا تحابوا } .
و الهَديُّ : ما يُهدى إلى الحَرَم – أي حرم الكعبة – من الأنعام .. للمتمتع .. والقارن(2)، وهو غير الهُدى – بالمقصورة - .
*******
و الهُدى : الدلالة ، ووردت في القرآن الكريم تسع وسبعون مرةً ، وأطلقت على .. القرآن الكريم .. وعلى التوراة .. وعلى الإنجيل .. وعلى ما جاء به نبيُّنا محمد - صلى الله عليه وسلم - .. وعلى ما جاء به الأنبياء .. وعلى مطلق الهداية الإلهية .
و الهدى هديان :
الأول / هُدى دلالة .. فالخلق به مَهديون ، وهو اذي تَقدر عليه الرُسُل .. يقول تعالى : { .. وإنَكَ لَتَهدي إلى صراطٍ مستقيمٍ }(3).
فأثبتت لنبيِّنا .. الدلالة .. والدعوة .. والبينة . وقد ورد بهذا المعنى كثيراً في القرآن الكريم .
الثاني / هُدى توفيق وتأييد .. وهو خاص بالله تعالى ، ومنه قوله تعالى : { إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين ( وقالوا إن نَّتَّبع الهدى معك نُتَخَطَّفُ من أرضنا .. }(4).
ويقول تعالى : { .. والذين قاتلوا في سبيل الله فلن يُضلَّ أعمالهم ( سَيَهديِهم ويُصلح بالَهَم }(5).
*******
__________
(1) النحل / 35 و 36 .
(2) تفصيل ذلك محلُّه كب الفقه .. وليس هذا محلِّه .
(3) الشورى / 52 .
(4) القصص / 56 .
(5) محمد / 4 و 5 .(1/61)
والقرآن الكريم : هُدى ، قال ابن عباس - رضي الله عنه - : [ ضَمِنَ الله تعالى لمن تَبَع القرآن لا يَضِلَّ في الدنيا ، ولا يَشقى في الآخرة ] .
فالهدى مطلقاً : الدلالة ، ويجوز في الخير والشر .. منه قوله تعالى :
{ احشرُوُا الذين ظلمُوا وأزواجَهُم وما كانوا يَعْبُدُونْ ( من دون الله فاهْدُوُهُم إلى صراط الجحيم }(1)، وقد يكون ذكر الهدى في الشر ، هو على سبيل التهكم !! .
ووصف القرآن بالهُدى : قيل معناه كلفظ - الهداية - .. لأنه دلالة .
وذهب البعض إلى أن .. الهدى .. والهداية : دلالة موصلة إلى البُغية ، وما لا يوصل لا يسمى كذلك .
والأصح هي : الدلالة الموصلة إلى الطريق الموصل إلى البُغية ، فإذا لم يوصل القرآن ، فحسبه أنه وضعك على الطريق .
وهداية القرآن لا توصل إلاَّ إلى الدلالة الموصلة إلى الخير ، لأن الله - عز وجل - وصفه بأنه : هدىً للمتقين .. وهدىً للمهتدين .. وشبيه ذلك ، والمتقون والمهتدون .. ممدوحون ، فالقرآن ساقهم إلى ما يُمْدح .
وكذلك حين وصفه .. بالهدى ، فقد قرَنه بالرحمة .. والتبيان .. والبيان .. وكل ذلك ممدوح مقبول .
وجعل الله القرآن : هدىً .. وهدايةً لنا .. ونوراً يسعى بين أيدينا .. وشاهدٌ يشهد لنا يوم القيامة .. وندعوه أن يكون لنا كذلك .
والحمد لله ربِّ العالمين ~~
الإسم الخامس والعشرون
الرحمة .. !!
قُرن وصف القرآن بوصفي : الرحمة .. والهدى .. كثيراً .
وقُرن بأوصاف : البيان .. والَتبيّان .. والبيّنة .. والشفاء ، وذلك مع الهدى أحياناً وبدونه ، ومن ذلك قوله تعالى :
{ .. ونّزَّلنا عليك الكتاب تِبياناً لكلِّ شئٍ وهدىً ورحمةً وبُشرى للمسلمين }(2). وقال تعالى : { ونُنَزل من القُرآنِ ما هو شفاءٌ ورحمةٌ للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلاَّ خسارا }(3).
__________
(1) الصافات / 22 و 23 .
(2) النحل / 89 .
(3) الإسراء / 82 .(1/62)
وذكرت الرحمة في كل من سورة : الأنعام /157 ، وآل عمران /52 ، ويونس /57 ، ويوسف/111 ، والنمل /77 ، والقصص/86 ، والعنكبوت/51 ، ولقمان /3 .
والرحمة : مصدر من .. رَحِمَ .. ورَحَم – بالفتح .. والكسر - ، يرحم .. رحمةً .
والرحمن .. والرحيم .. والرَّحِم : هي الإسم من ذلك المصدر .
والرحمن : الكثير الرحمةِ ، بصيغة المبالغة ، ولا تقال لغير الله .
والرحيم : الكثير الرحمة أيضاً ، وهي صيغة مبالغة أيضاً ، وجمعها [ رحماء ] .. وورودها في القرآن كثير ، أشهرها في .. البسملة .. والفاتحة ، وعن عبد الله المبارك - رضي الله عنه - : الرحمن .. إذا سئل أعطى ، والرحيم .. إذا لم يُسأل غضِب .
ورَحَم : أحسن .. وعَفى .. وغَفر .. ورقّ .. ، يقال .. رحمتَ الرجلَ .. أي رققت له .. وأحسنت إليه .
وراحِم : صيغة اسم فاعل .
واسترحمه : طلب منه الرحمة .
وتراحَم القوم : رَحِمَ بعضهم بعضا .
والرَّحِم .. والرُّحْم .. والرِّحْمُ .. وفي لغةٍ الرحِم - واللفظ مؤنث وقبل يذكر - : هو ما ينشأ به الجنين ، ويكون فيه الحمل .. وجمعه [ أرحام ] ، يقول تعالى : { هو الذي يُصَوّركم في الأرحامِ كيفَ يَشاء .. }(1).
والأرحام : القرابة ، يقول تعالى :
{ .. واتَّقُوا اللهَ الذي تَسَاءَلوُن به والأرحامَ إنَّ الله كان عليكم رقيبا }(2).
والرَّحم : الرحمة .. ومنه قوله تعالى :
{ فأَرَدْنا أن يُبدِلَهما ربُهُما خيراً منه زكاةً وأقربَ رُحما } ?(3).
والرحموت : الرحمة .
والرحمن : الرحمة .
والمرحَمةُ : الرحمة أيضاً .. يقول تعالى :
{ .. ثُمَّ كان من الذين آمنوا وتَوَاصَوْا بالصبرِ وتَواصَوْا بالمَرْحَمةِ }(4).
والرحمة : في بني آدم .. رقّةُ القلب .. وعطفهم .
__________
(1) آل عمران / 6 .
(2) النساء / 1 .
(3) الكهف / 81 .
(4) البلد / 17 .(1/63)
والرحمة : في الله - عز وجل - .. برَّه .. ورزقه .. وإحسانه .. والخير .. والنعمة ، ومنها قوله تعالى : { .. وإنَّا إذا أذَقنا الإنسانَ منَّا رحمةً فرِح بها وإن تُصِبْهُم سيئةً بمَّا قدَّمت أيْدِيِهِم فإنَّ الإنسانَ كفُوُرُ }(1).
وهذا المعنى ورد في القرآن كثيراً.
على أن في وصف الله - عز وجل - بالرحمة .. كلام لعلماء علم الكلام ، لا نرانا بحاجة له هنا .
أما قوله - صلى الله عليه وسلم - : { اختلاف أمتي رحمة } .. فنقول فيه /
أولاً / هو اختلافهم الفقهي المؤدي إلى كثرة الأقوال في المسألة الواحدة ، مما يجعل المكلفين في سعةٍ من أمرهم ، ويجعل الدولة أمام خيارات عدة ، لتختار لكل بقعةٍ ، أو في كل فترة ، ما هو أصلح للعباد.
ثانيَّاً / هو اختلاف المسلمين إلى العلماء لطلب العلم .. ويستدل أصحاب هذا الرأي .. بقوله تعالى : { وما كان المؤمنون لِيَنْفِرُوا كافة فلولا نَفَر من كلِّ فرقةٍ منهم طائفةٌ ليتفقهوا في الدِّين ولِيُنْذِروا قومَهَم إذا رَجَعُوا إليهم لعلَّهم بَحذرُون "(2).
ثالثاً / قول قوم .. الرحمة هي : أن يُوصل إليك السّار .
رابعاً / قول قومٍ .. الرحمة هي : دفع المضّار ، وتكون بإفاضة السعادات .. والكمالات .. التي بها يُستحق الثواب ، وهي مبالغة في رحمةٍ مخصوصة ، هي دفع الضّر .. وإزالة المكروه ، وغالباً ما يذكران في القرآن أحدهما يرادف الآخر .
فالرحمة : من باب التزكية .
والرأفة : من باب التخلية .
ورحمة الله - عز وجل - عامة ، وعذابه يُصيب به من يشاء .. يقول تعالى :
{ .. قال عذابي أُصيبُ به مَنْ أَشاءُ ورحمتي وسِعَت كلَّ شئ ... }(3).
*******
والرحمة - في القرآن - وردت بمعانٍ عدة :
الأول / الإسلام .. قال تعالى : { ... والله يختص برحمته من يشاء .. }(4).
__________
(1) الشورى / 48 .
(2) التوبة / 122 .
(3) الأعراف / 156 .
(4) البقرة / 105 .(1/64)
الثاني / الإيمان .. قال تعالى : { ? .. وآتاني رحمةً مِنْ عِنْدِه }(1).
الثالث / الجنّة .. قال تعالى : ? { .. ففي رحمة الله هم فيها خالدون }(2).
الرابع / المطر .. قال تعالى : { هو الذي يرسل الرياح بشرى بين يدي رحمته .. }(3).
الخامس / النعمة .. قال تعالى : { ولولا فضل الله عليكم ورحمته وأن الله تواب حكيم }(4).
السادس / النبوة .. قال تعالى : { وقالوا لولا نُزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم ( أَ هُم يقسمون رحمة ربك .. }(5).
السابع / القرآن .. قال تعالى : { يا أيَّها الناس قد جاءتكم موعظةٌ من ربِّكُم وشفاءٌ لِمَا في الصُّدُُور وهدىً ورحمةٌ للمؤمنين ( قل بفضل الله وبرحمته .. }(6)
الثامن / الرزق .. قال تعالى : { أم عندهم خزائنُ رحمةِ ربِّك العزيزِ الوهَّاب }(7).
التاسع / النصر.. قال تعالى : { ? قل من الذي يَعْصِمُكُم من الله إن أراد بكم سوءاً أو أراد بكم رحمة .. }(8)، وتُطلق على الفتح أيضاً .
العاشر / المودة .. قال تعالى : { محمدٌ رسولُ اللهِ والذين مَعَه أشِدَّاءُ على الكُفارِ رحماءُ بينهم ... }(9).
الحادي عشر/ السعة .. قال تعالى : { .. ذلك تخفيفٌ من رَّبِّكُم ورحمة .. }(10).
الثاني عشر / المغفرة .. قال تعالى : { .. كتب على نفسه الرحمة }(11).
الثالث عشر / العصمة من عذاب الله .. قال تعالى : { .. قال لا عاصم اليوم من أمر الله إلاّ مَن رَّحِمَ وحال بينهُما الموجُ فكان من المُغْرَقِين }(12).
*******
فالقرآن الكريم / هو .. الرحمة المهداة من الله إلى الناس كافة ، ليخرجهم من الظلمات إلى النور .
__________
(1) هود / 28 .
(2) آل عمران / 107 .
(3) الأعراف / 57 .
(4) النور / 10 .
(5) الزخرف / 31 و 32 .
(6) يونس / 57 و 58 .
(7) ص/ 9 .
(8) الأحزاب / 17 .
(9) الفتح 29 .
(10) البقرة / 178 .
(11) الأنعام / 12 .
(12) هود / 43 .(1/65)
والقرآن الكريم / هو .. سبب رحمة الله في : العفو .. والغفران .. والمودة .. والعافية .. وفي التنعم بنعمة الإسلام والإيمان .. وبه يُستنزل النصر .. ويدفع البلاء .. ويحل الشفاء ...
فهو رحمة الله جلَّ وعلا .. وكفى .
والحمد لله ربِّ العالمين ~~
الإسم السادس والعشرون
المُصَدِّق .. !!
لقد ورد وصف القرآن – بالمصدِّق – كثيراً ، فهو .. مصدِّق لما سبقه من الكتب السماوية السابقة .. ومؤكداً لما ورد فيها ، وذلك إقامةً للحجة على أصحاب الكتب السماوية السابقة . من ذلك قوله تعالى :
{ وأنزلنا إليكَ الكتابَ بالحقِّ مصدِّقاً لما بينَ يديهِ من الكتاب ومُهيْمناً عليه فأحكم بينهم بما أنزل الله ولا تَتَّبِعْ أهواءَهَم عمّا جآءَكَ من الحقِّ لكلٍّّ جعلنا منكم شِرْعَةً ومنهاجا ... }(1).
والمصدِّق : اسم الفاعل ، للقائم بالتصديق ، من .. صَدَقّ .. يَصدُقَ ... صِدقاً .. فهو صادق .
وصدَّق .. يُصدِّق .. تصديقاً .. فهو مصدِّق ، هو : المقرّ بصدق غيره
وصَدَقَ فلان في الحديث : أخبر بالواقع على ما هو عليه .
وصَدَقَ فلانٌ فلاناً : أنبأه بالصدق .
وصَدَقَهُ النصيحة والإخاء : أخلصهما له .
وصَدَقَ الوَعد : أوفى به ، يقول تعالى :
{ ولقد صدقكم الله وعده ... }(2).
وصدَّق فلان فلاناً ... تَصديقاً .. وتَصدَاقاً : اعترف بصدق قوله .
والصِّدِّيق : كثير التصديق ، أو دائم التصديق .. وهو لقب سيِّدنا أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - .. وقد وصفه القرآن به .. بقوله تعالى :
{ .. والذي جاء بالصِدق وصدّق به ... }(3).. فالذي جاء بالصدق محمد - صلى الله عليه وسلم - ، وصدّق به أبوبكر الصدِّق - رضي الله عنه - .
والصّدِّيق : الذي يصدّق قوله بالعمل .
وصدَّقه : حققه.. يقول تعالى : { ولقد صدَّق عليهم إبليسُ ظنَّه فاتبعوه إلاَّ فريقاً من المؤمنين }(4).
__________
(1) المائدة / 48 .
(2) آل عمران / 152 .
(3) الزمر / 33 .
(4) سبأ / 20 .(1/66)
والصادق : وصف للمخبر بالخبر الموافق للواقع .
وصادق : الحلاوة .. شديدها .
وصادق : الحكم .. المخلص فيه بلا هوى .
وفجر صادق : شديد البياض المعترض في الأفق ، وقبله الفجر الكاذب الذي يكون مستطيلاً في الأفق .. ثم لا يلبث أن يزول ، ليظهر الصادق.
والصّادقة : مؤنث الصّادق ، يقال .. جمل عليه حلةً صادقة .
الصّدق : مطابقة الكلام للواقع بحسب اعتقاد المتكلم .
والصّدق : الصلابة .. والشدة ، يقال : رجل صدق ، وامرأة صدق .
والصِدقُ : الأمر الصادق لا شية فيه .. من نقص .. ولا كذب . يقول تعالى : { وقل ربِّ أدخلني مُدْخَلَ صدقٍ وأخرجني مُخرَج صدقٍ ... }(1).
والصَّدْقُ : الكامل من كل شئ ، يقال : رجل صَّدْقَ اللقاء .. ثبتٌ فيه . والصّديق: الصاحب الصادق الود . جمعها [ أصدقاء ] و [ وصُدَقاء ] .
وقد يستعمل لفظ .. الصديق .. للواحد .. وللجمع .. وللمؤنث .. وللمذكر . تقول : هي صديق .. وهُنَّ صديق .. وهم صديق .. وهو صديق ، وفي القرآن : { ليس على الأعمى حرجٌ ولا على الأعرج حرجٌ ولا على المريض حرجٌ ولا على أنفُسِكِم أن تأكلوا من بُيوتكم .. ... .. أو ما مَلَكتم مَفَاتِحَه أو صَديِقِكِم ... }(2).
ومصداق الأمر : دليله .
ولا نريد أن نتكلم عن .. الصدَّقة .. ولا تصاريفها .
وقوله تعالى: { يا بني إسرائيل اذْكُرُوا نِعمتيَ التي أنعمتُ عليكم وأَوْفُوا بعهديِ أوُفِِ بعَهدِكم وإيايّ فارْهَبُونِ ( وآمنوا بما أنزلتُ مُصدِّقاً لِمَا مَعَكَم ولا تكونوا أوَّل كافرٍ به .. }(3).
فالمراد به : التصديق .. والإيمان .. بالقرآن الكريم ، فهو .. مصِدق لما معهم من التوراة ، وهم يعلمون بتصديقه لها ، ومع ذلك كفروا به .
والتصديق لها : نزوله حسبما نُعت فيها .
أو : مطابق لها في أصل الدين والملة .. مطابق لما لم يُنسخ كالقصص .. والمواعظ .. وبعض المحرمات ... كالكذب ... والزنا ... والربا.. .
__________
(1) الإسراء / 80 .
(2) النور / 61 .
(3) البقرة / 40 و 41 .(1/67)
أو : لجميع ما فيها .. وأما المخالفة في بعض الجزيئات التي هي للأمراض القلبية .. كالأدوية الطبية للأمراض البدنية ، المختلفة بحسب الأزمان والأشخاص – والمريض واحد - ، فذلك ليس بمخالفة حقيقةً ، بل هي موافقة ، من حيث أن كلاً منها حق في عصره ، متضمن للحكمة التي يدور عليها ذلك التشريع .
وليس في التوراة ما يدل على أبدية أحكامها المنسوخة ، حتى يخالفها القرآن بنَسخها ، بل إن نطقها بصحة القرآن الناسخ لها ، وليس هذا من - البَدَاء - في شئ .. كما يتوهم البعض ، فالاختلاف هو اختلاف الزمان والعصر ، حتى لو تأخر نزول المتقدم لنزل على وفق المتقدم ، وعن المصطفى - صلى الله عليه وسلم - : { لو كان موسى حياً لما وسعه إلاَّّ اتِّباعي } .. فتقييد المنزَّل بكونه مصدقاً لما معهم ، لتأكيد وجوب الامتثال ، فإن إيمانهم بما معهم ، يقتضي الإيمان بما يصدقه قطعاً !!.
والحمد لله ربِّ العالمين ~~
الإسم السابع والعشرون
المُنَزَّل .. !!
يقول تعالى : { أ فَغَير الله أبتَغي حَكَماَ وهو الذي أنزل إليكم الكتابَ مُفصَّلاً والذين آتيناهُمُ الكتابَ يعلمون أنَّه مُنَزَّّلٌ من ربِّك بالحق .. }(1).
ويقول تعالى : { وبالحقِّ أنزلناهُ وبالحقِّ نَزَل وما أرسلناك إلا مُبشِّراً ونذِيراً ( وقرآناً فَرَقْناه لِتقْرأه على الناس على مُكث ونزَّلناه تنزيلاً }(2).
__________
(1) الأنعام / 114 .
(2) الإسراء / 105 و 106 .(1/68)
لقد وردت .. الإشارة والعبارة في القرآن الكريم إلى نزول القرآن .. وإلى نزول الحق .. وإلى ما أنزله الروح الأمين .. وإلى تنزيل الكتاب .. وإلى تنزيل الفرقان .. وإلى إنزال أحسن الأحاديث .. وإلى ما أنزله على عبده .. وإلى ما أنزله مصّدقاً لما مع أصحاب الأديان السابقة .. وإلى تنزيل الذكر .. وإلى ما أُنزل على قلب الرسول - صلى الله عليه وسلم - .. وما أُنزل على الروح القدس .. وما أنزله الله .. وما أُنزل على النبي - صلى الله عليه وسلم - .. وإنزال الآيات البينات .. و إلى تنزيل القرآن تنزيلاً !! .
فكلُّ ما تقدَّم ورد في القرآن ، مشيراً إلى .. التنزيل .. فما هو ؟ ؟! .
فالمنَزَّل : صيغة مبالغة لاسم المفعول ، فهو كثير النزول .. من نَزَلَ .. ونَزِلَ .. ينزِل .. نُزُولاً .. فهو مُنزَل .. والمبالغة - مُنَزّل - .
ونَزَلَ : هبط من أعلى إلى أسفل .
ونَزَل : عن الأمر .. تركه .
ونَزَلَ : بالمكان ، وفيه .. حلَّ بذلك المكان .
ونّزّل : على القوم .. حلَّ بهم ضيفاً .
ونَزَلَ : به مكروه .. أصابه ، أو حلَّ به .
وتَنَزَلَ : على رأيه .. وافقه فيه .
ونَزَل : الحاجُّ .. أتَوا - مِنى - .
ونَزَل : ينَزِل .. نَزلةً .. أصابه زكام .
وأنزل : الشيء .. جعله ينزلُ .
وأنزل : الله كلامه على أنبيائه .. أوحى به .
ونَزّل : الشيء .. أنزله مع المبالغة .
ونَزَّل : القوم .. أحلهم المنازل .
وتَنَزَّل : نزل في مهلةٍ ، يقول تعالى : { إنَّا أنزلناه في ليلةِ القدْرِ ( وما أدراك ما ليلةُُ القدر ( ليلةُ القدر خيرٌ من ألف شَهْرٍ ( تَنَزَّل الملائكةُ والروحُ فيها بإذن ربِّهم من كلِّ أمرٍ ( سلام هي حتى مطلعِ الفجر }(1).
والمَنزِل : الدار .
والمُنَزَل : النّزُول .
والمُنَزل : الإنزال .. والموضِع الذي ينزل فيه ، يقول تعالى :
{ وَقُل رّبِِّ أنْزِلْنِي مُنْزَلاً مُباركاً وأنتَّ خيرُ المُنْزِلين }(2).
__________
(1) سورة القدر .
(2) المؤمنون / 29 .(1/69)
والمنزلة : المرتبة .
والنُزُل : منزل الضيف ، يقول تعالى :
{ وأمَّا إن كان من المُكَذِّبين الضَّاليِن ( فنُزُلٌ من حميمٍ ( وتَصْلِيَةُ جحيم }(1).
والنازلة : المصيبة .
*******
وأنزل : فقد ورد في القرآن الكريم بمعانٍ منها :
الأول / الخَلق .. والإنشاء ، منها قوله تعالى : { .. وأنزلنا الحديد فيه بأسٌ شديدٌ ومنافعُ للناس .. }(2)، وقوله : { .. وأنزلَ لكم من الأنعام ثمانيةَ أزواجٍ .. }(3).
والمراد بإنزال الحديد .. وإنزال الأنعام هنا ، هو نزول أمر الله بخلقهما .
الثاني / وقد يأتي بمعنى الابتلاء ، منه قوله تعالى :
{ ... وما أنزل على المَلَكين ببابلَ هاروتَ وماروت ... }(4)، وهو .. السحر ، ممن تعلمه وعمل به مؤمناً به .. فقد كفر ، ومن تعلمه ليتوقاه ... جاز .
*******
لقد عبر - عز وجل - عن إنزال التوراة والإنجيل بقوله : { .. وأنزلَ التوراةَ والإنجيلَ }(5).. للإشارة إلى أنه لم يكن لهما إلا نزول واحد ، وهذا بخلاف القرآن الكريم .. فإن له نزولين :
1 – نزول من اللوح المحفوظ .. إلى بيت العّزة من السماء الدنيا جملةً واحدةً .
2- ونزوله منجَّماًً – أي مجزءً – في ثلاثٍة وعشرين عاماً .
ولهذا يقال له .. نَزَل ، وأنزلَ .
على أن هناك من قال إن - نَزَلَ - تقتضي .. التدريج ، و - أنزل - يقتضي .. الإنزال الدُُفعي ، وهذا الرأي الأخير استشكله البعض بما لا مجال لذكره .
وقد حقق بعضهم المقام ، بأن - الإنزال - يمكن أن يراد به التدرج ، فيكون - نَزّل - يمكن أن يراد به الإنزال الجمعي.. أو مطلق الإنزال .
__________
(1) الواقعة / 92 إلى 94 .
(2) الحديد / 25 .
(3) الزمر / 6 .
(4) البقرة / 102 .
(5) آل عمران / 3 .(1/70)
وقد حاز الرأي القائل بأن نزول القرآن في ليلة القدر من شهر رمضان قبولاً وانتشاراً .. غير أن رأياً آخر يقول : إن نزوله كان في ليلة النصف من شعبان ، المسماة - بليلة براءة - ، و - ليلة الصك - ، و - ليلة الرحمة - ، و - الليلة المباركة - .
وإلى الرأي الأول ذهب : ابن عباس ، وقتادة ، وابن جُبير ، ومجاهد ، وابن زيد ، والحسن ، وأكثر المفسرين - رضي الله عنه - ، وتؤيدهم الظواهر .
وإلى الرأي الثاني ذهب : عكرمة .
وهذا الخلاف عن الليلة المباركة ، هي المذكورة في أول – الدخان - بقوله تعالى: { حم ( والكتاب المبين ( إنا أنزلناه في ليلةٍ مباركةٍ أنا كُنا مُنذرين } .
وقالوا : المراد بالإنزال في الآية هو .. إنزاله فيها جملةً من اللوح المحفوظ إلى - البيت المعمور - ، ويسمى - ببيت العزة - في السماء الدنيا ، وهو موضع الكعبة الشريفة في السماء ، إذ لو نزل إلى الأرض لنزل عليها ! .
وعلامة ليلة القدر أنها ليلة : بلجة .. صافية .. ساكنة .. لا حارةً .. ولا باردة .. كأن فيها قمراً ساطعاً .. لا يُرمى فيها نجم إلى الصباح .
وليلة القدر هي : ليلة التقدير ، إذ يقدر الله فيها ما يكون في تلك السنة من : مطر .. ورزق .. وإحياء .. وإماتة ، إلى السنة القابلة .
وهي : في الليالي الوتر من العشر الأواخر من رمضان .
وأما بدء نزول القرآن إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - في الأرض ، ففيه خلاف ..
قيل : في شهر ربيع الأول .
وقيل : في ليلة النصف من شعبان .
وقيل : في ليلة القدر .
وقيل : غير ذلك .. مما استوفاه المفسرون رحمهم الله .
والحمد لله ربِّ العالمين ~~
الإسم الثامن والعشرون
المُفرَّق .. !!
يقول جلَّ وعلا : { وقرآناً فرَقناهُ لِتَقَرأهُ على الناس على مُكثٍ ونَزلناه تنزيلا }(1).
__________
(1) الإسراء / 106 .(1/71)
تكلمنا في الحلقة الثانية عن - الفرقان - .. بإعتباره إسماً من أسماء القرآن العظيم ، وأتينا فيها على كلمة _ فَرَقَ - ، و - فَرَّق- .. وتصاريفهما .. ومعانيهما .. مما لا نرى ضرورة لاستعادته هنا . وكنا قد استشهدنا بالآية التي افتتحنا بها الكلام على بعض تصاريف .. فَرَقَ .. وقلنا : إنّ من معاني قوله تعالى : { وقرآناً فَرَقناه ... } .. هو : أنزلناه مفرَّقاً .
كما أشرنا في حلقة - المنَزَّل - .. باعتباره اسماً من أسماء القرآن ، إلى أن القرآن ذكر فيه أنه .. نّزّلّ .. و .. أُنزِلَ .. ، وفيه الدلالة على نزولين – ذكرناهما – آنفاً ، في حين أن التوراة والإنجيل أنزلتا دفعةً واحدة ، فاستعمل الله في القرآن للكلام عنهما الفعل .. نَزَلَ و .. أنَزَّل.
إن إنزال القرآن إلى الأرض مجزءً ، كان يتُّم بصور شتى ، ولأسباب شتى ..
أما الصُوَر / فقد تَنزِل منه الآية الواحدة .. أو الآيتان .. أو مجموعة الآيات .. أو تنزل منه سورة كاملة .
أما الأسباب / لصور النُزُل هذه .. فهي :
1. قد تكون هناك واقعة تتطلب حكماً ، فتتضمن الآية الواحدة .. أو الآيتان .. أو لآيات حكماً لتلك الواقعة .
ومن المعلوم في علم الأصول .. [ أنَّ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ] ، إذا كانت ألفاظ الحكم عامَّةً ، رغم خصوصيَّة السبب ، مثل .. المرأة التي ظاهر منها زوجها ، وجادلت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ! ، فنزلت بسببها أحكام .. الظهار ] ، في سورة – المجادلة - .
2. وقد تنزل الآيات ، أو السورة بكاملها ابتداءً ، من غير وجود حاثة بعينها لأن الله - عز وجل - أراد لهذا الحكم الذي ورد في تلك السورة ، أن يكون وقت نزولها هو أوان تشريع الحكم .. ولله الحكمة البالغة .(1/72)
3. وقد تنزل الآيات جواباً لسؤال ، ويرد العدد منها ما يجيب على السؤال دون غيره . ولكل ذلك شواهد من القرآن ، ليس هذا مجال إيرادها .. وقد فصل كل ذلك علماء المسلمين المشتغلين بعلوم القرآن الكريم .
لقد اختار الله - عز وجل - هذا الإسلوب لحِكَمٍ سنذكرها ...
فكان - عز وجل - أن أنزل أولا ما يختص بالعقيدة وتثبيتها ، وذكر الجنة والنار ، والحساب والعقاب ، وأخبار الرسل .. وما حلَّ بأقوامهم الذين كذبوهم .
ثم نزلت آيات وسور الحلال والحرام ، والشرائع والأحكام ، وتنظيم المجتمعات الإنسانية ، وضبط التصرفات الإنسانية .
فإنزال القرآن مفرقاً ، لِحِكَم منها :
1- لأن فيه الناسخ والمنسوخ . والناسخ ما يأتي لاحقاً ، والمنسوخ ما أنزل أولاً .. ووجود الناسخ والمنسوخ له حِكَم جمة ليس هذا موضع إيرادها .
2- ولأن في التفريق .. التدرج في التشريع ، ويستتبعه التدرج في التطبيق ، لأجل .. لتأليف ، وللتعليم ، والتعويد ، وهو أسلوب تربوي .. وقانوني .. وتشريعي حكيم .
3 - التفريق يجعل اختيار الوقت الأنسب لتشريع الحكم ، بعد تهيئة النفوس ، وفتح أبواب القبول ، وموافقة التشريع للوقت المناسب فيه دفع لحرج التكاليف التي تشرع دفعة واحدة .
4 - التفريق يربط الأحكام بأسباب لنُزولها ، وبحوادث تستدعي ورود الحكم فيها ، وهذا يستدعي أن يفهم الحُكم من اللاحقين ، ويرسخ في ذهن الجميع سابقيهم .. ولاحقيهم ، ويكون أوضح عند التطبيق ، وأذكر له عند المراجعة .
5 - تفريق نزول القرآن أدعى .. لحفظه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ومن الصحابة الكرام - رضي الله عنه - ، وأدعى لثبوته في الفؤاد ، ووعيه في القلب ، وإدراك معناه في العقل(1/73)
6 - وأسلوب التفريق موافق .. للعقل ، إذ بدأ القرآن بالعقيدة ، وهي أساس الدين ، ثم الفروع المبنيَّة عليها ، ولو أنزلت الأصول مع الفروع لما كان ذلك مقبولاً ، إذ كيف يمتثل لأداء الصلاة والزكاة .. وغيرها ، من لا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر ؟؟ ! .
7 - هذا التسلسل أدعى لقبول الإسلام .. وهو أدعى للتأليف على التكليف ، وإلى الرأفة فيه .. وإلى التخفيف .
فجلت حكم ربنا إذ أنزله - مفرَّقاً - ، وهو مفرِّق بين الحق والباطل ، وهو منجَّم .. مجزء .. والله هو العزيز الحكيم .
والحمد لله ربِّ العالمين ~~
الإسم التاسع والعشرون
المحفوظ .. !!
يقول تعالى : { بل هو قرآنٌ مجيدٌ ( في لوح محفوظ }(1).
ويقول تعالى : { ? إنَّا نحن نزّلنا الذكر وإنَّا له لحافظون }(2).
ومعنى الآية الأولى قيل فيه : أنَّ هو هذا القرآن المجيد ، في اللوح المحفوظ ، [ فالمحفوظ ] صفة للوح .
ونستطيع أن نقول : يجوز فيها أن تكون صيغة [ محفوظ ] صفة للقرآن ، فيكون المعنى .. هو قرآن مجيد محفوظ .. وهو في لوحٍ .
على أن الآية الثانية ، التي تعهد بها الله - عز وجل - بحفظ القرآن تُبيح لنا أن نسميه [ المحفوظ ] بحفظ الله تعالى له ، وتعهده - عز وجل - بذلك .
وقد تأكَدَت صفة الحفظ في قوله تعالى :
{ لا تُحَرِّك به لسانَك لتَعْجَلَ به ( إنَّ علينا جَمْعَهُ وقُرأنه ( فإذا قرأناه فاتَّبِع قُرآنَه }(3).
فعدم التعجل بالقرآن تأكَّد أيضاً في قوله تعالى :
{ وكذلك أنزَلناهُ قرآناً عربياً وصرَّفنا فيه من الوعيد لعلَّهم يَتَّقوُنً أو يُحدِثَ لهم ذكرا ( فتعالى الله المَلك الحقُ ولا تعجل بالقرآن من قبلِ ان يُقضى إليك وَحْيُهُ وقل ربي زدني علماً }(4).
__________
(1) البروج / 21 و 22 .
(2) الحجر / 9 .
(3) القيامة / 16 إلى 18 .
(4) طه / 113 إلى 115 .(1/74)
إن طلب الله - عز وجل - من نبيه .. ألا يعجل به قبل ان يُتم المَلك الوحيَ إليه ، هو تأكيد على أن القرآن محفوظ من الله ، وفيه تطمين للرسول - صلى الله عليه وسلم - بأنه لن يذهب منه .. ولا من القرآن شئ .. فألا يكون محفوظاً ؟ .
والمحفوظ : اسم مفعول من .. حَفِظَ .. يحفَظُ .. حِفظاً .
وحَفِظَ : الشئَ صانه وحرسه ، ويقال .. حَفِظَ المالَ .. وحَفِظَ العَهد .. إذا لم يَخنه وصَانَه .
وحَفِظَ : العِلمَ .. والكلام .. ضبطه .. ووعاه . فهو حافظ ، وحفيظ .. ويقال : [ من حَفِظَ حُجَّة على من لم يحفظ ] .
وأحفَظَهُ : أغضَبَهُ
وحافَظَ : على الشيء .. محافَظَةً .. وحِفَاظاَ : رعاه ، وذبَّ عنه .
وحافَظَ : واظب .. يقول تعالى : { حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى .. }(1)
ويُحافِظ على المحارم : أي يذبُّ عنها .
وفلان ذو محافظة .. وحِفاظ : أي له أنَفَة .
وحَفّظَهُ العلم والكلام : فمعناها جملة من يَحفَظَه .
واحتفظ : بالشيء .. خَصَّ نَفسه به .
واستَحفَظَ : الشيء .. سأل غيره أن يحفظه له .
واستحفظه : ائتَمَنَهُ عليه .. وفي التنزيل العزيز :
{ إنّا أنزلنا التوراة فيها هُدىً ونورٌ يَحكُمُ بها النَّبِيُّون الذين أسلَموا للذين هادوا والرّبانِيُّون والأحبار بما استُحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء فلا تَخشُوُا الناس واخشونِ ولا تشتروا بآياتي ثمناً قليلا ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون }(2).
والحَفظ : هو ما يكون في الحافظة عن ظهر قلب .. ويسمى - الاستظهار - ، وهو ضد النسيان .
و الحافِظ : الحارس .. يقول تعالى : { إنْ كلُّ نفسٍ لمَّا عليها حافِظٌ }(3).
و الحافظ : الطريق المستقيم البيِّن .
والحافظ : من يحفظ القرءان الكريم .
__________
(1) البقرة / 238 .
(2) المائدة / 44 .
(3) الطارق / 4 .(1/75)
أو : من يحفظ عدداً عظيماً من الحديث الشريف .. ولجمع المذكر – حُفّاظ .. وحفظه .. وحافظون - ، وللأنثى .. حافظة .. وحافظات .. يقول تعالى : { وهو القاهر فوق عباده ويُرسِل عليكم حَفَظَةً .. }(1).
ويقول تعالى : { .. فالصالحاتُ قانِتاتٌ حافظاتٌ للغيبِ بما حَفِظَ الله .. }(2).
ويقول تعالى : { والذين هم لفُرُوجهم حافظون }(3).
والحافظة : تطلق على الذاكرة .. أو الذهن .
والحفيظ : من أسماء الله الحسنى .. وهي من صفاته - عز وجل - ، يقول تعالى : { ... وربُّك على كلِّ شئٍ حفيظ }(4)
ويقول تعالى: { والذين اتَّخذوا من دونه أولياءَ اللهُ حفيظٌ عليهِم وما أنت عليهم بوكيل }(5)
ويقول تعالى: { .. إنّ ربي على كلِّ شئٍ حفيظ }(6).
والحفيظ : الأمين .. يقول تعالى :
{ قال اجْعللني على خزائنِ الأرض إنّي حفيظٌ عليمٌ }(7).
و الحفيظ : الحارس الموكَّل بالشيء .. يقول تعالى :
{ من يُطِعِ الرسول فقد أطاع الله فما أرسلناك عليهم حفيظا }(8).
و الحفيظ : من يرعى حدود الله تعالى . يقول جل وعلا ..
{ هذا ما توعدون لكل أوّابٍ حفيظ }(9).
والمَحْفَظة : كيس النقود .
والمُحْفِظة : الحرمة التي يُغضب لها .
والحفيظة : الغضب .. والحمية .. والتّقِيّة .. والحذر .. والحِرز يعلّقُ على الصبي ، جمعها [ حفائظ ] .
وأهل الحفائظ : المدافعون عن أعراضهم .
والتّحفظ : التيقَظ .. والتّحرز .. وقِلَّة الغفلة .
*******
فالمحفوظ – كصفة للقرآن - .. الذي حُفِظ من كل شئ ، ومنها قوله تعالى : { وجعلنا السماءَ سقفاً محفوظاً وهم عن آياتها مُعْرِضُون }(10).
__________
(1) الإنعام / 61 .
(2) النساء / 34 .
(3) المؤمنون / 5 ، والمعارج / 29 .
(4) سبأ / 21 .
(5) الشورى / 6 .
(6) هود / 57 .
(7) يوسف / 55 .
(8) النساء / 80 .
(9) ق / 32 .
(10) الأنبياء / 32 .(1/76)
أي : َحفَظها الله عن أن يصلها الشياطين .. والمردة ، ويؤيده قوله تعالى : { ولقد زّيَّنَّا السماءَ الدُنيا بمصابيحَ وجعلناها رُجوماً للشياطين ... }(1)ا.
إن هذا القرآن محفوظ في السطور في المصاحف .. وفي الصدور في قلوب المؤمنين .. وحفظه الرسول - صلى الله عليه وسلم - في صدره .. وقيَّده بالكتابة عن طريق كتاب الوحي .. سادتنا : أبي بكر الصدِّيق .. وعمر الفاروق .. وعثمان ذي النورين .. وعلي الكرار .. و زيد .. ومعاوية بن أبي سفيان .. وسعد بن أبي وقَّاص .. وسعيد بن زيد .. والزبير بن العوَّام .. وطلحة بن عبيد الله .. وعبد الرحمن بن عوف .. وعبد الله بن عمر .. وعبد الله بن عبَّاس .. وغيرهم رضي الله عنهم أجمعين ، فقد زاد عدد كتاب الوحيِّ عن الأربعين ممن ائتمنهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على كتابة الوحيِّ ، ولم يختص بواحد .. أو آحاد ، فالقرآن لكلِّ المسلمين ، وليس في الإسلام كهنوتيَّة .. ولا وصاية ، فهو علمٌ مباح ، والصحابة كلُّهم عدولٌ ، لا مطعن فيهم حينذاك .. إلاَّ من ارتدَّ فلم يبقَ على صحبته ، ولا يُسمَّى حينذاك صحابيَّاً ، فمن صدق عليه وصف الصحابي ، وأثبت تلك الصفة له أصحاب العلم بالسيَر والعقائد .. فهو يتمتع بكلِّ بصفة العدالة ، وهو موضع ثقة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وموضع اعتقاد المسلمين الحسن به .. فحاشا لرسول الله أن يؤثر أحداً من أقربائه – لمجرد القرابة - ، أو أن يسلب أصحابه حقَّهم في التعلم ، وأنَّ الله - عز وجل - خاطبهم من غير تمييز .. حاشا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يُمييز بينهم ، فاحذر تلبيسات الملبسين ، الذين يريدون الدين – ملكيَّة - .. و – كهنوتيَّة - ، وتمييز للأقارب على من .. ضحّى كتضحيتهم ، وحفظ كحفظهم .. وإلاَّ لم ذُمَّ أبو لهب ؟؟ !.
__________
(1) الملك / 5 .(1/77)
لقد حفظ القرآن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .. وجمهور المسلمين .. إلى يوم الدين ، فما حُفظ كتاب كما حُفظ القرآن .. فحقيقٌ بما تعهد الله جلَّ وعلا بحفظه أن يكون .. محفوظاً .
ولا تُصدِّقنَّ من ادَّعى النقص ، فكلامه مخالفٌ لصريح القرآن .
ولا تصدِّقنَّ من ادَّعى حفظه عند فردٍ واحدٍ ، فليس هذا الدين محكوراً على أحدٍ دون أحدٍ .. !! ، ولا – معقوراً للبعض دون المسلمين !!(1).
هدانا الله وإيَّاك للفهم الصحيح .. آمين .
والحمد لله ربِّ العالمين ~~
الإسم الثلاثون
الخَاتَم !!
يقول تعالى : { وكذلك أنزلنا إليكَ الكتابَ فالَّذينَ آتيناهم الكتّابَ يؤمنونَ بهِ ومِنِْ هؤلاءِ مَنْ يُؤمن بِهِ وما يَجحَدُ بآياتنا إلاّ الكافرون ( وما كُنتَ تَتلُو من قبله كتّابٍ ولا تِخَّطُّه بيمينك إذاً لارتابَ المُبْطِلُون ( بل هو آياتٌ بيِّناتٌ في صُدُورِ الذين أوتوا العلم وما يَجحَدُ بآياتِنا إلاّ الظالمون ( وقالوا لولا أُنْزِل عليه آياتٌ من ربِّه قُل إنَّما الآيات عِند الله وإنَّما أنا نذيرٌ مُبينٌ ( أوَ لَمْ يَكْفِهم أنَّا أنزلنا عليك الكتاب يُتلى عليهم إن في ذلك لرحمةً وذكرى لقومٍ يؤمنون }(2).
فقوله تعالى : أو لَم يكفِهم أنّا أنزلنا عليك الكتاب يُتلى عليهم .. إشارة إلى أنه يُتلى في عصره عليه السلام وفي العصور التالية .. لأنه ورد بصيغة المضارع التي تدل على الحال والاستقبال.
ويؤيده قوله تعالى : { .. إن في ذلك لرحمةً وذكرى لقومٍ يؤمنون } ..
__________
(1) المحكور : المحتكر .. والمعقور : الأراضي المثقلة بحق – العُقُر - ، وهو نظام خاص في الأراضي الزراعيَّة .. أُلغي في العقود الأخيرة ، مقتضاه أن يكون – لأصحاب العقر – حصّةً من الحاصل من غير سببٍ إلاَّ كونهم كانوا أصحاب الملكيَّة في الأصل أو – حقِّ التصرف - ، ولا يتحملون ما يتحمَّله .. الملاك ، أو الفلاح ، فامتيازهم من غير مغرم !! .
(2) العنكبوت / 47 إلى 51 .(1/78)
أي .. يؤمنون الآن ومستقبلاً . فهو ذكرى لهم جميعاً .
فإشارة النص تدل على أن هذا القرآن يبقى متلواً إلى يوم القيامة .
وكذلك ما عرف من الدين بالضرورة ، أن هذا القرآن خاتم الكتب المنزلة من الله - عز وجل - .. فهو ناسخ لها ، غير منسوخ بغيره . وما ذلك إلا لأنه [ خاتم ] الكتب . وفي آي الكتاب الكريم إشارات بالغات لمن تذوق العربية . منها :
1. قوله تعالى : { قلْ أيُّ شئٍ أكبرُ شهادةً قُلِ اللهُ شهيدٌ بيني وبينكم وأوحيَ أليَّ هذا القرآن لأُنذِرَكَم به ومَنْ بلَغَ .. }(1).. فكل من يبلغه القرآن يكون منذراً به ، فهو باقٍ لا يأتيه بعده كتاب فينهي وقته .
2. ويقول تعالى : { وإذا تُتلى عليهم آياتُنا بيناتٍ قال الذين لا يَرجُون لقاءَنا إِئتٍ بقرآنٍ غير هذا أو بَدِّلهُ قل ما يكون لي ان أُبدله من تِلقاء نفسي إن أتبٍعُ إلاَّ ما يوُحى إليّ .. }(2).
فلما انتقل المصطفى - صلى الله عليه وسلم - إلى الرفيق الأعلى ، ولم يُبَدل .. فهو الباق إلى يوم التلاق ، ما دام لا نبي بعد محمد - عليه السلام - .
3. وهنالك إشارات في : سورة الإسراء / 9 و 88 .. وغيرهما .. يُفهم منها الدوام لمن كانت له بصيرة في لغة العرب .
*******
فهذا القرآن هو مِسك ختام الكتب المنزلة ، وهو مختوم بالخير والبركة ، فهو كلام ربنا - جل جلاله - في علاه ، فما كان مصنوعاً منه - عز وجل - فقد وُصف بهذه الأوصاف .. فما ظنك بما لم يُخلق بل هو قديم قِدم ذاته ، ونفسيِ كلامه .. عزَّ في عليائه ؟! .
يقول تعالى : { إنّ الأبرار لفي نعيم ( على الأرائِك يَنظُرُون ( تَعرِفُ في وُجُوهِهِمِم نَظرةَ النعيم ( يُسْقَوْنَ من رحيقٍٍ مختومٍ ( ختامُهُ مِسْكٌ وفي ذلك فليتنافس المتنافسون }(3)
__________
(1) الأنعام / 19 .
(2) يونس / 15 .
(3) المطففين / 22 إلى 26 .(1/79)
اللهم أختم بالصالحات أعمالنا ، وبالقبول طاعاتنا ، وبالثبات إيماننا .. وأعِد أيام الخير علينا مفعمةً ببركات القرآن .. يا رحيم و يا رحمن.
والحمد لله ربِّ العالمين ~~
انتهيت من تنضيده .. ومراجعته .. قبيل فجر 1 ربيع الأول 1421 على المولود فيه أزكى سلامٍ وتحيَّة ، الموافق 4 / 6 / 2000 ... ولله الفضل والمنَّة ، داعياً قبوله وجعله شافعاً لي في قيري ، وفي يوم الدين .. آمين ~~
الفهرست
الصفحة الموضوع
2 الإهداء
3 المقدِّمة
5 الإسم الأول ... ... ... ... القرآن
8 الإسم الثاني ... ... ... ... الفرقان
11 الإسم الثالث ... ... ... ... البرهان
14 الإسم الرابع ... ... ... ... الحكيم
17 الإسم الخامس ... ... ... . المجيد
20 الإسم السادس ... ... ... . الكتاب
25 الإسم السابع ... ... ... ... الذكر
32 الإسم التاسع ... ... ... ... العظيم
35 الإسم العاشر ... ... ... ... النور
38 الإسم الحادي عشر ... ... المهيمن
41 الإسم الثاني عشر ... ... الحقُّ
44 الإسم الثالث عشر ... ... النبأ
47 الإسم الرابع عشر ... ... البلاغ
51 الإسم الخامس عشر ... .. المكنون
54 الإسم السادس عشر ... .. الكريم
59 الإسم السابع عشر ... ... الشفاء
62 الإسم الثامن عشر ... ... البشرى
66 الإسم التاسع عشر ... ... المُنذِر
69 الإسم العشرون ... ... . البيان
72 الإسم الحادي والعشرون..الجامع
77 الإسم الثاني والعشرون .. المبارك
81 الإسم الثالث والعشرون .. الميسَّر
85 الإسم الرابع والعشرون .. الهدى
90 الإسم الخامس والعشرون .. الرحمة
95 الإسم السادس والعشرون .. المصدِّق
98 الإسم السابع والعشرون .. المنزَّل
102 الإسم الثامن والعشرون .. المفرِّق
105 الإسم التاسع والعشرون .. المحفوظ
109 الإسم الثلاثون .. الخاتَّم
[ كتب وبحوث للمؤلف ]
1. مشايخ بلخ من الحنفية وما انفردوا به من المسائل الفقهية / طبعته الأوقاف العراقية – 1978
2. الشخصية الإسلامية وموقعها بين النظم والعقائد / الطبعة الأولى – دار البشير / عمان ، والطبعة الثانية – دار الراشدون - / الموصل .(1/80)
3. رفع أكف الضَّراعة لجمع كلمة أهل السنة والجماعة / طبع في بغداد 1977 .
4. الزكاة ومصرف [ في سبيل الله ] والدعوة الإسلامية ، وتأسيس البنوك الإسلامية / مقدَّم إلى المجمع الفقهي الهندي ـ طبع / بغداد 1997 .
5. المرة والتكرار في أوامر النصوص الشرعية / مستل من مجلة المجمع العلمي العراقي 1997
6. نثار العقول في علم الأصول / مطبوع على الآلة مع التصوير.
7. كشف اللثام وبلغ المرام في قوله تعالى : [ إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام ] / مطبوع – بغداد 1999 م .
8. العقل والنفس والروح / مخطوط .
9. مكانة الحرب العربي في الإسلام / مخطوط .
10. البُهرة من الفرق الإسماعيلية / مخطوط.
11. الخوارق في الشريعة الإسلامية [ بحث في الباراسايكولوجيا الإسلامية ] / مخطوط .
12. الصحوة الإسلامية والدعوة الإسلامية / مخطوط [ مقدّم لمؤتمر الدعوة في لكنهؤ ] .
13. بيع الحقوق والمنافع / مخطوط [ مقدَّم للمجمع الفقهي الهندي ] .
14. قراءة قانونية في سورة يوسف / مطبوع .
15. توازن التبعات في الشريعة الإسلامية / مخطوط .
16. الإيضاح والبيان الظهوري على التسهيل الضروري لمسائل القدوري / طبع بغداد 1999 .
17. شرح وصية الإمام الأعظم لتلميذه أبي يوسف ، في [ آداب العالم والمتعلم ] / مخطوط .
18. التصوف في الإسلام / مخطوط .
19. بين الإسلام وأمثلة العوام في دار السلام / مخطوط .
20. المدخل لدراسة الشريعة الإسلامية / مخطوط .
21. مصطلحات رمضانية / طبع في بغداد – 1999 م .
22. أسماء القران في القران / مطبوع – بغداد - 2000 / أحاديث من الراديو [ هذا الكتاب ].
23. كليات القرآن الكريم / مخطوط .
24. المسؤوليات الإدارية في الأسرة المسلمة / مطبوع – بغداد - 2000 م .
25. التحصين ضد الجريمة في الشريعة الإسلامية / مقدم إلي الندوة المشتركة بين وزارة الداخلية ومنتدى الإمام أبي حنيفة - رضي الله عنه - / تحت الطبع .(1/81)
26. مبادءات ومتابعات / مجموعة مقالات صحفية في شتى العلوم .
27. نقد قانون الأحوال الشخصية العراقي / مخطوط .
28. العامي الفصيح / مخطوط .
29. عظمة التشريع الإسلامي / مخطوط .
30. الشركات في الفقه الحنفي / مخطوط .
31. ظهور الفضل والمنَّة في بعض مسائل الأجنَّة .. [ نقل الدم ، نقل الأعضاء ، التكرير -الاستنساخ - ، الإجهاض ] / مخطوط .
32. أفضليَّة المرأة في التشريع الإسلامي / مخطوط .
33. المنهجيَّة البحثيَّة الإسلامية / مخطوط .
34. الأعظميَّة .. وآل العلقبند / مخطوط .
35. مقالات ومقدمات كتب ومحاضرات وتعقيبات في مواضع شتى .
[ المؤلف في سطور ]
- هو .. محمد محروس بن عبد اللطيف بن مصطفى بن الشيخ عبد الغني مدرس الحضرتين والوفائيَّة بن الشيخ محمد المدرس فيما ذكر بن الشيخ مصطفى نائب الشرع ببغداد والمدرس فيما ذكر بن الشيخ أحمد نائب الشرع والمدرس فيما ذكر بن الوليِّ الكامل والعلاَّمة الكبير الشيخ مصطفى العلقبند الكبير مفتي الحنفيَّة ببغداد المحميَّة ومؤسس الطريقة العلقبندية العليَّة الطائي الأعظمي الحنفي، المعروفة عائلته بآل المدرس لتدريسهم في الحضرتين : الأعظمية الحنفيَّة .. و القادرية الكيلانيَّة ، وفي المدرسة الوفائية الدينيَّة .
- ولد في الأعظمية 1360 هـ الموافق 1941 م ، درس على علماء بغداد الشيوخ الأجلاء : محمد القزلجي ، عبد القادر الخطيب ، نجم الدين الواعظ ، أمجد الزهاوي ، محمد فؤاد الآلوسي .. [ و أختص به في المدرسة المرجانية إلى حين وفاته فيها ساجداً بين العشائين سنة 1963]، والدكتور عبد الكريم زيدان ، وأخيراً على العلامة عبد الكريم محمد المدرس [ متع المسلمين بحياته ] .(1/82)
- تلقى على علماء مصر الأجلاء الشيوخ الأفاضل : محمد أبو زهرة ، محمد سلام مدكور ، محمد الزفزاف ، أحمد هريدي - مفتي الجمهورية - ، محمد أحمد فرج السنهوري ، زكريا البّري ، زكريا البرديسي ، علي الخفيف ، واختص أخيراً بالشيخ عبد الغني عبد الخالق المشرف على رسالته للدكتوراه وعنوانها :
[ مشايخ بلخ من الحنفيَّة وما انفردوا به من المسائل الفقهيَّة ] .
- حاز بكالوريوس الحقوق من بغداد سنة 2691 م .
- وحاز دبلوم الشريعة من حقوق القاهرة سنة 1967 ، و ماجستير الفقه المقارن من كلية الشريعة و القانون بالأزهر سنة 1968، والدكتوراه بذات الاختصاص ، سنة 1977 .
- عمل محامياً ، و مدير ناحية ، و مديراً للمدارس الدينية العراقيَّة في الأوقاف ، ومشاوراً قانونياً لها ، ومديراً للدراسات الإسلامية فيها ، ورأس أول بعثة عراقية عليا إلى الحج سنة 1975.
- ثم درّس في كليّات : الإمام الأعظم ، والقانون ، والشرطة ، والتراث الجامعة ، وفي القسم العالي في ندوة العلماء في لكنهؤ / الهند .
- عضو دائم في المجمع الفقهي في الهند .
- رأس منتدى الإمام أبي حنيفة في مدينة الأعظميَّة .. لسنوات عديدة .
- شارك في مؤتمرات علميّة وفقهيّة في : العراق .. والهند .. والحجاز .. وبلاد الشام .(1/83)