بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
رب يسر
الْحَمد لله الَّذِي هدَانَا لهَذَا وَمَا كُنَّا لنهتدي لَوْلَا أَن هدَانَا الله لقد جَاءَت رسل رَبنَا بِالْحَقِّ ومقال الصدْق صلى الله عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ وعَلى مُحَمَّد خَاتم النَّبِيين وعَلى آله الْكِرَام الطيبين الأخيار الطاهرين وَبعد فَانِي تدبرت قِرَاءَة الْأَئِمَّة السَّبْعَة من أهل الْأَمْصَار الْخَمْسَة المعروفين بِصِحَّة النَّقْل واتقان الْحِفْظ المأمونين على تأدية الرِّوَايَة(1/61)
سُورَة الْفَاتِحَة وَاللَّفْظ فَرَأَيْت كلا مِنْهُم قد ذهب فِي اعراب مَا انْفَرد بِهِ من حرفه مذهبا من مَذَاهِب الْعَرَبيَّة لَا يدْفع وَقصد من الْقيَاس وَجها لَا يمْنَع فَوَافَقَ بِاللَّفْظِ والحكاية طَرِيق النَّقْل وَالرِّوَايَة غير مُؤثر للاختيار على وَاجِب الْآثَار وَأَنا بعون الله ذَاكر فِي كتابي هَذَا مَا احْتج بِهِ أهل صناعَة النَّحْو لَهُم فِي مَعَاني اخْتلَافهمْ وتارك ذكر اجْتِمَاعهم وائتلافهم مُعْتَمد فِيهِ على ذكر الْقِرَاءَة الْمَشْهُورَة ومنكب عَن الرِّوَايَات الشاذة المنكورة وقاصد قصد الابانة فِي اقْتِصَار من غير اطالة وَلَا اكثار محتذيا لمن تقدم فِي مقالهم مترجما عَن ألفاظهم واعتلالهم جَامعا ذَلِك بلغظ بَين جذل ومقال وَاضح سهل ليقرب على مريده وليسهل على مستفيده وَالله الْمُوفق للسداد وَالْهَادِي الى سَبِيل الرشاد وَهُوَ حسبي واليه معاد
ذكر اخْتلَافهمْ فِي فَاتِحَة الْكتاب
قَوْله تَعَالَى مَالك يَوْم الدّين يقْرَأ باثبات الْألف وطرحها فالحجة لمن أثبتها أَن الْملك دَاخل تَحت الْمَالِك وَالدَّلِيل لَهُ قَوْله تَعَالَى قل اللَّهُمَّ مَالك الْملك وَالْحجّة لمن طرحها أَن الْملك أخص من الْمَالِك وأمدح لِأَنَّهُ قد يكون الْمَالِك غير ملك وَلَا يكون الْملك الا مَالِكًا
قرله تَعَالَى الصِّرَاط تقْرَأ بالصَّاد وَالسِّين واشمام الزَّاي فالحجة لمن قَرَأَ بِالسِّين أَنه جَاءَ بِهِ على أصل الْكَلِمَة وَالْحجّة لمن قرأبالصاد أَنه أبدلها من السِّين لتؤاخي السِّين فِي الهمس والصفير وتؤاخي الطَّاء فِي الاطباق لِأَن السِّين مهموسة والطاء مجهورة(1/62)
سُورَة الْبَقَرَة وَالْحجّة لمن أَشمّ الزَّاي أَنَّهَا تؤاخي السِّين فِي الصفير وتؤاخي الطَّاء فِي الْجَهْر
قَوْله تَعَالَى عَلَيْهِم يقْرَأ بِكَسْر الْهَاء وَضمّهَا واسكان الْمِيم وَضمّهَا والحاق وَاو بعْدهَا فالحجة لمن كسر الْهَاء أَنَّهَا لما جَاوَرت الْيَاء كره الْخُرُوج من كسر الى ضم لِأَن ذَلِك مِمَّا تستثقله الْعَرَب وتتجافاه فِي أسمائها وَالْحجّة لمن ضم الْهَاء أَنه أَتَى بهَا على أصل مَا كَانَت عَلَيْهِ قبل دُخُول حرف الْخَفْض عَلَيْهَا وَالْحجّة لمن ضم الْمِيم وألحقها الْوَاو أَنه جعل الْوَاو علما للْجمع كَمَا كَانَت الْألف علما للتثنية وَالْحجّة لمن أسكنها وَحذف الْوَاو أَن الْوَاو لما وَقعت طرفا وَقبلهَا حَرَكَة حذفهَا اذ لم يُمكنهُ قَلبهَا ونابت الْمِيم عَنْهَا لِأَنَّهَا زَائِدَة وَلَيْسَ قَوْلك قَامُوا كَقَوْلِك عليهمو
الْخلف فِي سُورَة الْبَقَرَة
قَوْله تَعَالَى فِيهِ هدى يقْرَأ بالادغام والاظهار فالحجة لمن أدغم مماثلة الحرفين لِأَن الادغام على وَجْهَيْن مماثلة الحرفين ومقاربتهما فالمماثلة كَونهمَا من جنس وَاحِد والمقاربة أَن يتقاربا فِي الْمخْرج كقرب الْقَاف من الْكَاف وَالْمِيم من الْبَاء وَاللَّام من النُّون وانما وَجب الْإِدْغَام فِي ذَلِك لِأَن النُّطْق بالمتماثلين والمتقاربين ثقيل فخففوه بالادغام اذ لم يُمكن حذف اُحْدُ الحرفين وَالْحجّة لمن أظهر أَنه أَتَى بالْكلَام على أصل مَا وَجب لَهُ ووفاه حق لَفظه لِأَن الاظهار الأَصْل والادغام فرع عَلَيْهِ
فان كَانَ الْحَرْف الأول سَاكِنا لَعَلَّه أَو لعامل دخل عَلَيْهِ كَانَ الادغام أولى من الاظهار(1/63)
سُورَة الْبَقَرَة قَوْله تَعَالَى الَّذين يُؤمنُونَ يقْرَأ بِالْهَمْز وَتَركه فِيهِ وَفِيمَا ضارعه فالحجة لمن همز أَنه أَتَى بِالْكَلِمَةِ على أَصْلهَا وَكَمَال لَفظهَا لِأَن الْهمزَة حرف صَحِيح مَعْدُود فِي حُرُوف المعجم وَالْحجّة لمن تَركه أَنه نحا التَّخْفِيف فأدرج اللَّفْظ وَسَهل ذَلِك عَلَيْهِ سكونها وَبعد مخرجها وَكَانَ طرحها فِي ذَلِك لَا يخل بالْكلَام وَلَا يحِيل الْمَعْنى فان كَانَ سكونها عَلامَة للجزم أَو كَانَ تَركهَا أثقل من الاتيان بهَا أثبتها لِئَلَّا تخرج من لُغَة الى أُخْرَى كَقَوْلِه تَعَالَى أَو ننسأها ان تبد لكم تَسُؤْكُمْ وَكَقَوْلِه تؤوى اليك من تشَاء
فان قيل فان تَارِك الْهَمْز فِي يُؤمنُونَ يهمز الكأس وَالرَّأْس والبأس فَقل هَذِه أَسمَاء وَالِاسْم خَفِيف وَتلك أَفعَال وَالْفِعْل ثقيل فهمز لما استخف وَحذف لما استثقل وَمن الْقُرَّاء من يهمز اذا أدرج وَلَا نهمز اذا وقف ويطرح حَرَكَة الْهمزَة على السَّاكِن قبلهَا أبدا فَيقْرَأ اذا وقف موليا وَأَصْحَاب المشأمة ومنهن جزا لِأَن هَذِه الأحرف فِي السوَاد كَذَلِك فَأَما قرله هزوا وَكفوا فبالواو لِأَنَّهَا ثَابِتَة فِي السوَاد
وَمِنْهُم أَيْضا من يحذف الهمزات ساكنها أَو متحركها وينقل الْحَرَكَة الى السَّاكِن(1/64)
سُورَة الْبَقَرَة قبلهَا فَيقْرَأ قد أَفْلح فَلَنْ يقبل من أحدهم وَالْحجّة لَهُ فِي ذَلِك أَن الْهمزَة المتحركة أثقل من الساكنة فاذا طرحت الساكنة طلبا للتَّخْفِيف كَانَت المتحركة بالطرح أولى
قَوْله تَعَالَى بِمَا أنزل اليك تقرأبمد الْألف وقصرها فالحجة لمن مد أَن الْألف خَفِيفَة والهمزة كَذَلِك فقواها بِالْمدِّ ليَصِح فِي اللَّفْظ وَهَذَا مد حرف لحرف وَالْحجّة لمن قصر أَنه أَتَى بالْكلَام على أَصله لِأَن الحرفين من كَلِمَتَيْنِ فَكَأَن الْوَقْف منوي عِنْد تَمام الْحَرْف
وَقِيَاس هَذَا الْبَاب قِيَاس الادغام فِي الحرفين المثلين اذا أَتَيَا فِي كَلِمَتَيْنِ كنت فِي ادغام الأول بِالْخِيَارِ واظهاره واذا كَانَا فِي كلمة وَاحِدَة وَجب الادغام كَقَوْلِه وَهِي تمر مر السَّحَاب وَكَذَلِكَ الْمَمْدُود اذا كَانَ فِي كَلِمَتَيْنِ كنت مُخَيّرا واذا كَانَ فِي كلمة وَجب مده كَقَوْلِه من السَّمَاء مَاء
والحروف اللواتي يَقع بِهن الْمَدّ ثَلَاثَة وَاو وياء وَألف لكَون مَا قبلهن مِنْهُنَّ قَالُوا وَكَقَوْلِه قَالُوا إِنَّا مَعكُمْ وَالْيَاء كَقَوْلِه وَفِي آذانهم وقرا وَالْألف كَقَوْلِه انما أَنْت مُنْذر
قَوْله تَعَالَى أأنذرتهم يقْرَأ وَمَا شاكله من الهمزتين المتفقتين بتحقيق الأولى(1/65)
سُورَة الْبَقَرَة وتعويض مُدَّة من الثَّانِيَة وبتحقيقهما متواليتين وبهمزتين بَينهمَا مُدَّة فالحجة لمن قرأبالهمز والتعويض أَنه كره الْجمع بَين همزتين متواليتين فَخفف الثَّانِيَة وَعوض مِنْهَا مُدَّة كَمَا قَالُوا آدم وآزر وان تفاضلوا فِي الْمَدّ على قدر أصولهم وَمن حققهما فالحجة لَهُ أَنه أَتَى بالْكلَام محققا على واجبه لِأَن الْهمزَة الأولى ألف التَّسْوِيَة بِلَفْظ الأستفهام وَالثَّانيَِة ألف الْقطع وكل وَاحِدَة مِنْهُمَا دَاخِلَة لِمَعْنى وَالْحجّة لمن حققهما وَفصل بِمدَّة بَينهمَا أَنه استجفى الْجمع بَينهمَا ففصل بالمدة لِأَنَّهُ كره تليين إِحْدَاهمَا فصحح اللَّفْظ بَينهمَا وكل ذَلِك من فصيح كَلَام الْعَرَب
قَوْله تَعَالَى وعَلى أَبْصَارهم تقْرَأ بالامالة والتفخيم وَكَذَلِكَ مَا شاكله مِمَّا كَانَت الرَّاء مَكْسُورَة فِي آخِره فالحجة لمن أماله أَن للْعَرَب فِي امالة مَا كَانَت الرَّاء فِي آخِره مَكْسُورَة رَغْبَة لَيست فِي غَيرهَا من الْحُرُوف للتكرير الَّذِي فِيهَا فَلَمَّا كَانَت الكسرة للخفض فِي آخر الِاسْم وَالْألف قبلهَا مستعلية أمال مَا قبل الْألف لتسهل لَهُ الامالة وَيكون اللَّفْظ من وَجه وَاحِد وَالْحجّة لمن فخم أَنه أَتَى بالْكلَام على أَصله وَوَجهه الَّذِي كَانَ لَهُ لِأَن الأَصْل التفخيم والامالة فرع عَلَيْهِ(1/66)
سُورَة الْبَقَرَة
فان قيل فَيلْزم من أمال النَّار أَن يمِيل الْجَار فَقل لما كثر دور النَّار فِي الْقُرْآن أمالوها وَلما قل دور الْجَار فِي الْقُرْآن أبقوه على أَصله
قَوْله قَوْله تَعَالَى غشاوة وَلَهُم يقْرَأ بِالرَّفْع وَالنّصب فالحجة لمن رفع أَنه اسْتَأْنف الْكَلَام مبتدئا وَنوى بِهِ التَّقْدِيم بِالْخَيرِ التَّأْخِير فَكَأَنَّهُ قَالَ وغشاوة على أَبْصَارهم وَالْحجّة لمن نصب أَنه أضمر مَعَ الْوَاو فعلا عطفه على قَوْله ختم الله على قُلُوبهم وَجعل على أَبْصَارهم غشاوة واضمار الْفِعْل اذا كَانَ عَلَيْهِ دَلِيل كثير مُسْتَعْمل فِي كَلَام الْعَرَب وَمِنْه قَول الشَّاعِر ... وَرَأَيْت زَوجك فِي الوغى ... مُتَقَلِّدًا سَيْفا ورمحا ...
يُرِيد وحاملا رمحا
قَوْله تَعَالَى من يَقُول يقْرَأ مدغما بغنه وَبِغير غنة لِأَن النُّون والتنوين يدغمان عِنْد سِتَّة أحرف يجمعها قَوْلك يرملون وَيظْهر ان عِنْد سِتَّة أحرف وَهن الْهمزَة الْهَاء وَالْعين والحاء والغين وَالْخَاء ويخفيان عِنْد سَائِر الْحُرُوف فالنون الساكنة والتنوين يدغمان فِي اللَّام وَالرَّاء بِغَيْر غنة وَفِي الْوَاو كَذَلِك فِي قِرَاءَة حَمْزَة ويدغمان فِي الْمِيم وَالنُّون بغنة لَا غير فالحجة لمن أدغم فِي اللَّام وَالرَّاء وَالْيَاء وَالْوَاو بِغَيْر غنة أَن اللَّام وَالرَّاء حرفان شديدان والغنة من الْأنف فبعدت مِنْهُمَا وَالْيَاء وَالْوَاو رخوتان فجرتا مَعَ النُّون والتنوين فِي غنة الخياشيم
وَاتَّفَقُوا على ادغام النُّون والتنوين عِنْد الْمِيم بغنة لَا غير لمشاركة الْمِيم لَهما فِي الْخُرُوج(1/67)
سُورَة الْبَقَرَة من الخياشيم وَاسْتَدَلُّوا على ذَلِك بِأَن الْمُتَكَلّم بِالْمِيم وَالنُّون الساكنة لَو أمسك بِأَنْفِهِ لأخل ذَلِك بلفظهما
قَوْله تَعَالَى وَمَا يخادعون يقرأبضم الْيَاء واثبات الْألف وبفتح الْيَاء وَطرح الْألف فالحجة لمن أثبتها أَنه عطف لفظ الثَّانِي على لفظ الأول ليشاكل بَين اللَّفْظَيْنِ وَالْحجّة لمن طرحها أَن فَاعل لَا يَأْتِي فِي الْكَلَام الا من فاعلين يتساويان فِي الْفِعْل كَقَوْلِك قَاتَلت فلَانا وضاربته وَالْمعْنَى بَينهمَا قريب أَلا ترى الى قَوْله تَعَالَى قَاتلهم الله أَي قَتلهمْ فَكَذَلِك يخادعون بِمَعْنى يخدعون
قَوْله تَعَالَى فَزَادَهُم الله مَرضا يقْرَأ بالأمالة والتفخيم وَكَذَلِكَ مَا شاكله كَقَوْلِه شَاءَ وَخَافَ وَجَاء وضاق فالحجة لمن أمال كسر أَوَائِل هَذِه الْأَفْعَال اذا أخبر بهَا الْمخبر عَن نَفسه فَقَالَ زِدْت وَخفت وَمَا أشبه ذَلِك وَالْحجّة لمن فخم أَنه أَتَى بِاللَّفْظِ على أصل مَا يجب للأفعال الثلاثية من فتح أوائلها اذا سمي فاعلوها
فان زِدْت فِي أَوَائِل هَذِه الْأَفْعَال حرفا من حُرُوف المضارعة اتَّفقُوا على التفخيم كَقَوْلِه تَعَالَى أزاغ الله قُلُوبهم فأجاءها الْمَخَاض
وَقد أمال بعض الْقُرَّاء من هَذِه الْأَفْعَال بَعْضًا وفخم بَعْضًا وَالْحجّة لَهُ فِي ذَلِك أَنه اتى باللغتين ليعلم أَن الْقَارئ بهما غير خَارج عَن أَلْفَاظ الْعَرَب
قَوْله تَعَالَى بِمَا كَانُوا يكذبُون يقرأبالتشديد بِالذَّالِ وبضم الْيَاء وبفتح الْيَاء وَتَخْفِيف الذَّال فالحجة لمن شدد أَن ذَلِك تردد مِنْهُم الى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وسلم مرّة بعد أُخْرَى فِيمَا جَاءَ بِهِ وَالْحجّة لمن خفف أَنه أَرَادَ بِمَا كَانُوا يكذبُون عَلَيْك بأنك(1/68)
سُورَة الْبَقَرَة سَاحر وَأَنَّك مَجْنُون فأضمر حرف الْجَرّ لِأَن كذب بِالتَّشْدِيدِ يتَعَدَّى بِلَفْظِهِ وَكذب بِالتَّخْفِيفِ لَا يتَعَدَّى الا بِحرف جر وَمعنى الْقِرَاءَتَيْن قريب لِأَن من كذب بِمَا جَاءَ بِهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وسلم فقد كذب
قَوْله تَعَالَى واذا قيل لَهُم يقرأوما شاكله من الافعال بِالْكَسْرِ وباشمام أَوله الضَّم فالحجة لمن كسر أَوله أَنه استثقل الْكسر على الْوَاو الَّتِي كَانَت عين الْفِعْل فِي الأَصْل فنقلها الى فَاء الْفِعْل بعد أَن أَزَال حَرَكَة الْفَاء فَانْقَلَبت الْوَاو يَاء لانكسار مَا قبلهَا كَمَا قَالُوا ميزَان وميعاد وَمن ضم فالحجة لَهُ أَنه بقى على فعل مَا لم يسم فَاعله دَلِيلا فِي الضَّم لِئَلَّا يَزُول بِنَاؤُه وَقد قرأبعض الْقُرَّاء ذَلِك بِكَسْر بعض وَضم بعض فالحجة لَهُ فِي ذَلِك مَا قدمْنَاهُ من اتيانه باللغتين مَعًا
قَوْله تَعَالَى السُّفَهَاء أَلا يقْرَأ بتحقيق الهمزتين وَتَحْقِيق الأولى وَتَخْفِيف الثَّانِيَة تَلْيِينًا فالحجة لمن حقق اتيانا بِاللَّفْظِ على واجبه ووفاه حَقه وَالْحجّة لمن حقق الأولى ولين الثَّانِيَة انه نحا التَّخْفِيف وأزال عَن نَفسه لُغَة الثّقل فَهَذَا معنى الْقِرَاءَة فِي الهمزتين المختلفتين
فَأَما المتفقتان فهم فيهمَا مُخْتَلفُونَ فَمنهمْ من يحول الأولى فِي الْمَكْسُورَة يَاء والمضمومة واوا وَيتْرك الأولى فِي الْمَفْتُوحَة ويحقق الثَّانِيَة وَمِنْهُم من يُحَقّق الهمزتين مَعًا فالحجة لَهُم فِي ذَلِك أَن الْعَرَب تتسع فِي الْهمزَة مَا لَا تتسع فِي غَيره فتحقق وتلين(1/69)
سُورَة الْبَقَرَة وتبدل وتطرح فَهَذِهِ أَرْبَعَة أوجه وَورد الْقُرْآن بجميعها وَمِنْه قِرَاءَة الصابيون والخاطيون وَالْحجّة لَهُ تَأتي فِي مَوْضِعه ان شَاءَ الله تَعَالَى
قَوْله تَعَالَى فِي طغيانهم يقْرَأ بالامالة والتفخيم وَبَينهمَا فالحجة لمن أمال أَن النُّون مَكْسُورَة للخفض فقربت الْيَاء مِنْهُمَا ليَكُون اللَّفْظ من وَجه وَاحِد وَسَهل ذَلِك عَلَيْهِ لِأَن الطغيان هَا هُنَا مصدر كالطغوى فِي قَوْله تَعَالَى بطغواها فَلَمَّا اتفقَا فِي الْمَعْنى سَاوَى بَينهمَا فِي الامالة وَالْحجّة لمن فتح أَنه أَتَى بالْكلَام على أصل مَا بني عَلَيْهِ وَالْحجّة لمن قرأبين ذَلِك أَنه عدل بَين اللغتين فَأخذ بِأَحْسَن اللَّفْظَيْنِ فَأَما امالة الْكسَائي رَحمَه الله قَوْله تَعَالَى فِي آذانهم من الصَّوَاعِق فان كَانَ أماله سَمَاعا من الْعَرَب فالسؤال عَنهُ ويل وان كَانَ أماله قِيَاسا فقد وهم لِأَن ألف الْجمع فِي أَمْثَال هَذَا لَا تمال وَيلْزمهُ على قِيَاسه أَن يمِيل قَوْله أنبئهم بِأَسْمَائِهِمْ وَيُطَاف عَلَيْهِم بآنية وامالة هَذَا محَال
فان قيل فقد أمال غَيره قد نبأنا الله من أخباركم فَقل قد عرفناك رَغْبَة الْعَرَب(1/70)
سُورَة الْبَقَرَة فِي امالة ذَوَات الرَّاء حَتَّى أمالوا بَرى وترا وَكَذَلِكَ فرق أَبُو عَمْرو بَين ذَوَات الرَّاء وَبَين غَيرهَا وَاللَّفْظ بهما وَاحِد فَقَرَأَ من أصوافها بالتفخيم وأوبارها وَأَشْعَارهَا بالامالة
قَوْله تَعَالَى بِالْهدى فَمَا ربحت تِجَارَتهمْ يقرأبالامالة والتفخيم وَبَينهمَا وَكَذَلِكَ مَا ضارعه من ذَوَات الْيَاء اسْما كَانَ أَو فعلا فَمن فخم فالحجة لَهُ أَنه أَتَى بالْكلَام على أصل مَا وضع لَهُ وَالْحجّة لمن أمال أَنه قرب الْحَرْف المستعلى من الْيَاء ليعْمَل لِسَانه بالنطق مَوضِع وَاحِد وَالْحجّة لمن قَرَأَ بَين بَين أَنه سَاوَى بَين اللَّفْظَيْنِ فَأَما حَمْزَة فأمال ذَوَات الْيَاء وفخم ذَوَات الْوَاو ليفرق بَين الْمَعْنيين
قَوْله تَعَالَى مَشوا فِيهِ قرأابن كثير باشباع كسرة الْهَاء وَوَصلهَا بِالْيَاءِ وَكَذَلِكَ كل هَاء قبلهَا فان كَانَ قبل الْهَاء حرف مَفْتُوح أَو سَاكن ضم الْهَاء وَوَصلهَا بواو نَحْو فقد رهو فَلَمَّا كشفنا عَنهُ ضرهو وَالْحجّة لَهُ فِي ذَلِك أَن الْهَاء حرف خَفِي فقواه بحركته وحرف من جنس الْحَرَكَة وَقَرَأَ الْبَاقُونَ باشارة الى الضَّم وَالْكَسْر من غير اثبات حرف بعد الْهَاء وَالْحجّة لَهُم فِي ذَلِك أَنهم كَرهُوا أَن يجمعوا بَين حرفين ساكنين لَيْسَ بَينهمَا حاجز الا الْهَاء وَهِي حرف خَفِي فأسقطوه(1/71)
سُورَة الْبَقَرَة وبقوا الْهَاء على حركتها وأصل حركتها الضَّم وانما يكسر اذا جَاوز بهَا الْهَاء وَرُبمَا تركت على ضمهَا وَقبلهَا الْيَاء
قَوْله تَعَالَى ان الله على كل شَيْء قدير قَرَأَهُ حَمْزَة باشباع فتح الشين ووقفة على الْيَاء قبل الْهمزَة وَكَذَلِكَ يفعل بِكُل حرف سكن قبل الْهمزَة وَالْحجّة لَهُ فِي ذَلِك أَنه أَرَادَ صِحَة اللَّفْظ بِالْهَمْزَةِ وتحقيقها على أَصْلهَا فَجَعلهَا كالمبتدأ وَسَهل ذَلِك عَلَيْهِ أَنَّهَا فِي حرف عبد الله مَكْتُوبَة فِي السوَاد شاىء بِأَلف
وقرأه الْبَاقُونَ وَمَا شاكله مدرجا على لَفظه بِالْهَمْز من غير وَقْفَة وَلَا سكتة وَالْحجّة لَهُم فِي ذَلِك أَنه لَا يُوقف على بعض الِاسْم دون الاتيان على آخِره وَلذَلِك صَار الاعراب فِي آخر الِاسْم دون أَوله وأوسطه لِأَنَّهُ تَمَامه وانتهاؤه
قَوْله تَعَالَى من السَّمَاء مَاء وَقَوله الا دُعَاء ونداء وَمَا أشبه ذَلِك من الْمَمْدُود الْمَنْصُوب الْمنون يقرأعند الْوَقْف عَلَيْهِ باثبات الْألف عوضا من التَّنْوِين وبالمد على الأَصْل وبالقصر وَطرح الْألف فالحجة لمن مد وَأثبت الْألف أَن الأَصْل فِي الِاسْم ثَلَاث الفات فَالْأَصْل فِي مَاء موه فقلبت من الْوَاو ألفا لتحركها وانفتاح مَا قبلهَا فَصَارَ ماه ثمَّ قلبوا من الْهَاء الْفَا لِأَنَّهَا أجلد مِنْهَا وأحمل للحركة فَصَارَ فِيهِ أَلفَانِ وَالثَّالِثَة الْعِوَض من التَّنْوِين عِنْد الْوَقْف على الْمَنْصُوب وَالدَّلِيل على أَن الأَصْل فِي مَاء مَا ذَكرْنَاهُ جمعه على أمواه وَدُعَاء نِدَاء فيهمَا أَلفَانِ مجهولتان وَأَلْفَانِ أصليتان وَأَلْفَانِ عوض من التَّنْوِين فوفى اللَّفْظ حَقه من النُّطْق وَالْحجّة لمن قصر وَطرح الْألف أَن يَقُول الْوَقْف يزِيل الْحَرَكَة فِي الرّفْع والخفض فاذا زَالَت الْحَرَكَة فِي الرّفْع والخفض سقط التَّنْوِين لِأَنَّهُ تَابع لَهَا فَجعل النصب قِيَاسا على الرّفْع والخفض ويستدل على ذَلِك أَنَّهَا مَكْتُوبَة فِي السوَاد بِأَلف وَاحِد(1/72)
سُورَة الْبَقَرَة
قَوْله تَعَالَى وَالله مُحِيط بالكافرين يقْرَأ بامالة الْكَافرين وبتفخيمها فِي مَوضِع النصب والجر فالحجة لمن أمال أَنه لما اجْتمع فِي الْكَلِمَة أَربع كسرات كسرة الْفَاء وَالرَّاء وَالْيَاء وَالرَّاء يقوم مقَام كسرتين جذبن الْألف لسكونها بقوتهن فأملنها
فان قيل فَيلْزم على هَذَا الأَصْل أَن يمِيل الشَّاكِرِينَ والجبارين فَقل لَا يلْزمه ذَلِك لثلاث علل احداهن الادغام الَّذِي فيهمَا وَهُوَ فرع والامالة فرع وَلَا يجمع بَين فرعين فِي اسْم وَالْأُخْرَى أَن هذَيْن الاسمين قَلِيلا الدّور فِي الْقُرْآن وَلم يكثرا ككثرة الْكَافرين فَترك امالتهما وَالثَّالِثَة أَن الشين وَالْجِيم وَالْيَاء يخْرجن من وسط اللِّسَان بَينه وَبَين وسط الحنك فَلَمَّا كَانَتَا مجاورتين للياء كَرهُوا الامالة فيهمَا كَمَا كَرهُوا فِي الْيَاء
قَوْله تَعَالَى فأحياكم يقْرَأ بالامالة والتفخيم على مَا قدمنَا القَوْل فِي ذَلِك وانما ذكرت هَذَا الْحَرْف لِأَن حَمْزَة يمِيل أَمْثَاله اذا كَانَت قبله الْوَاو وَلَا يميله مَعَ الْفَاء وَالْحجّة لَهُ فِي ذَلِك أَنه فرق بَين الْمُتَّصِل والمنفصل لخفة أَحدهمَا وَثقل الآخر وعلته فِي ذَلِك أَن الثّقل وَاقع فِي اللَّفْظ لَا فِي الْحَظ وَاللَّفْظ بِهَذَيْنِ الحرفين وَاحِد فَمن اسْتعْمل وَجها مَعَ أَحدهمَا لزمَه اسْتِعْمَاله مَعَ الآخر أَيْضا
قَوْله تَعَالَى وَهُوَ بِكُل شَيْء عليم يقْرَأ باسكان الْهَاء مَعَ الْوَاو وَالْفَاء وَثمّ وَاللَّام وبحركتها بِالضَّمِّ فالحجة لمن اسكن أَنه لما اتَّصَلت هَذِه الْهَاء بِهَذِهِ الْحُرُوف أسكنت تَخْفِيفًا كَمَا أسكنت لَام الْأَمر فِي قَوْله تَعَالَى وليعفوا وليصفحوا وَالْحجّة لمن ضم أَنه أَتَى بِلَفْظ الِاسْم على أَصله قبل دُخُوله هَذِه الْحُرُوف عَلَيْهِ(1/73)
سُورَة الْبَقَرَة
وَقد فرق بعض الْقُرَّاء بَين هَذِه الْحُرُوف فأسكن مَعَ مَا لَا يُوقف عَلَيْهِ مِنْهَا وحرك مَا يُوقف عَلَيْهِ وَالْحجّة لَهُ فِي ذَلِك أَن الْحَرْف اذا اتَّصل بِالِاسْمِ اتِّصَالًا لَا يُمكن الْوَقْف عَلَيْهِ دونه ثقل فَخفف بالاسكان واذا قَامَ بِنَفسِهِ قيَاما يُمكن الْوُقُوف عَلَيْهِ كَانَ الِاسْم بعده كالمبتدأ فَلم يُمكن اسكانه
قَوْله تَعَالَى اني أعلم مَا لَا تعلمُونَ يقْرَأ بتحريك الْيَاء واسكانها فالحجة لمن فتحهَا أَنَّهَا هَا هُنَا كالهاء وَالْكَاف فِي قَوْلك إِنَّه وانك وَهِي اسْم مكنى والمكنى مبْنى على حَرَكَة مَا فَكَانَ الْفَتْح أولى بهَا لِأَنَّهَا جَاءَت بعد الْكسر وَالْحجّة لمن أسكن أَن يَقُول الْحَرَكَة على الْيَاء ثَقيلَة وأصل الْبناء السّكُون فأسكنتها تَخْفِيفًا
والقراء يَخْتَلِفُونَ فِي هَذِه الْيَاء وَمَا شاكلها من ياءات الاضافة عِنْد اسْتِقْبَال الْهمزَة فَمنهمْ من يفتحها مَعَ الْمَفْتُوحَة ويسكنها مَعَ المضمومة والمكسورة استثقالا للحركة مَعَهُمَا وَمِنْهُم من يسكنهَا مَعَ المضمومة ويفتحها مَعَ مَا سواهَا لِأَن الضمة أثقل الحركات فَخفف الْكَلِمَة بِالسُّكُونِ لِأَنَّهُ أخف من الْحَرَكَة وَمِنْهُم من يحذفها أصلا ويجتزي بالحركة مِنْهَا
فان اتَّصَلت بِحرف وَاحِد فَالْوَجْه فتحهَا لِئَلَّا تسْقط لالتقاء الساكنين فَتبقى الْكَلِمَة على حرف وَاحِد واسكانها جَائِز
وللعرب فِي ياءات الاضافة أَرْبَعَة أوجه فتحهَا على الأَصْل واسكانها تَخْفِيفًا وَإِثْبَات الْألف بعْدهَا تَلْيِينًا للحركة وحذفها اختصارا
قَوْله تَعَالَى فأزلهما يقرأباثبات الْألف وَالتَّخْفِيف وبطرحها وَالتَّشْدِيد فالحجة لمن أثبت الْألف أَن يَجعله من الزَّوَال والانتقال عَن الْجنَّة وَالْحجّة لمن طرحها أَن يَجعله من الزلل وَأَصله فأزللهما فنقلت فَتْحة اللَّام الى الزَّاي فسكنت اللَّام فأدغمت للمماثلة(1/74)
سُورَة الْبَقَرَة
قَوْله تَعَالَى أنبئهم قَرَأَهُ ابْن عَامر بطرح الْهمزَة واثبات الْبَاء وَكسر الْهَاء فان كَانَ جعله من أنبى ينبى غير مَهْمُوز فَهُوَ لحن وان كَانَ خفف الْهمزَة وَجعلهَا يَاء وَهُوَ يريدها كَانَ وَجها
قَوْله تَعَالَى فَتلقى آدم من ربه كَلِمَات تقْرَأ بِرَفْع آدم وَنصب الْكَلِمَات وبنصب آدم وَرفع الْكَلِمَات فالحجة لمن رفع آدم أَن الله تَعَالَى لما علم آدم الْكَلِمَات فَأمره بِهن تلقاهن بِالْقبُولِ عَنهُ وَالْحجّة لمن نصب آدم أَن يَقُول مَا تلقاك فقد تلقيته وَمَا نالك فقد نلته وَهَذَا يُسَمِّيه النحويون الْمُشَاركَة فِي الْفِعْل
قَوْله تَعَالَى فَمن تبع هُدَايَ رَوَاهُ ورش عَن نَافِع باسكان الْيَاء وَمَا شاكل ذَلِك من الياءات فَجمع بَين ساكنين لِأَن الْألف قبل الْيَاء كالمتحركة للمد الَّذِي قبلهَا وَلذَلِك قَرَأَ أَبُو عَمْرو واللاي يئسن باسكان الْيَاء والإختيار مَا عَلَيْهِ الْقُرَّاء من فتحهَا
فَأَما قَوْله تَعَالَى عَليّ وإلي ولدي فَلَا يجوز فِي يائهن الا الْفَتْح لالتقاء الساكنين
وأمال الْكسَائي هُدَايَ وفتحه الْبَاقُونَ فالحجة لمن أمال أَنَّهَا من ذَوَات الْيَاء لتثنيتهم أياها هديان كَمَا تَقول فتيَان وَالْحجّة لمن فخم أَنَّهَا وان كَانَت فِي(1/75)
سُورَة الْبَقَرَة الاصل من ذَوَات الْيَاء فقد انقلبت الْيَاء فِيهَا بالاضافة الى لفظ الْألف فاستعمال اللَّفْظ أولى من الرُّجُوع الى الأَصْل
قَوْله تَعَالَى يَا بني اسرائيل كَانَ ابْن كثير يمد اسرائيل أَكثر من مد بني وَالْحجّة لَهُ فِي ذَلِك أَن مد بني لأجل اسْتِقْبَال الْهمزَة فَهِيَ مد حرف لحرف وَالْمدّ فِي اسرائيل من أصل بنية الْكَلِمَة لَا لأجل غَيرهَا وَسوى الْبَاقُونَ بَين مدتيهما لِأَنَّهُمَا فِي اللَّفْظ بهما سيان
قَوْله تَعَالَى وَلَا تقبل مِنْهُمَا شَفَاعَة تقْرَأ بِالْيَاءِ وَالتَّاء فالحجة لمن قَرَأَ بِالتَّاءِ أَنه دلّ بهَا على تَأْنِيث الشَّفَاعَة
وَلمن قرأبالياء ثَلَاث حجج أولَاهُنَّ أَنه لما فصل بَين الْفِعْل وَالِاسْم بفاصل جعله عوضا من تَأْنِيث الْفِعْل وَالثَّانيَِة أَن تَأْنِيث الشَّفَاعَة لَا حَقِيقَة لَهُ وَلَا معنى تَحْتَهُ فتأنيثه وتذكيره سيان وَالثَّالِثَة قَول ابْن مَسْعُود اذا اختلفتم فِي التَّاء وَالْيَاء فَاجْعَلُوهُ بِالْيَاءِ
قَوْله تَعَالَى واذ وعدنا هَا هُنَا وَفِي الْأَعْرَاف وطه يقْرَأن باثبات ألف(1/76)
سُورَة الْبَقَرَة بَين الْوَاو وَالْعين وبطرحها فالحجة لمن أثبت الالف أَن الله تَعَالَى وعد مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام وَعدا فَقبله فَصَارَ شَرِيكا فِيهِ فجَاء الْفِعْل ب فاعلت لِأَنَّهُ بنية فعل الِاثْنَيْنِ فاذا جَاءَ للْوَاحِد فَهُوَ قَلِيل وَالْحجّة لمن طرح الْألف أَن يَقُول الله هُوَ الْمُنْفَرد بالوعد والوعيد وانما تكون المواعدة بَين المخلوقين فَلَمَّا انْفَرد الله تَعَالَى بذلك كَانَ فعلت فِيهِ أولى من فاعلت
قَوْله تَعَالَى ثمَّ اتخذتم تقرأبالاظهار والادغام فالحجة لمن أظهر أَنه أَتَى بِالْكَلِمَةِ على أَصْلهَا واغتنم الثَّوَاب على كل حرف مِنْهَا وَالْحجّة لمن أدغم أَن الظَّاء والثاء والذال مخرجهن من طرف اللِّسَان وأطراف الثنايا العلى فَوَجَبَ الادغام لمقاربة الْمخْرج والمجانسة
فان قيل فَيلْزم من أدغم اتخذتم أَن يدغم لبثتم فَقل ان مدغم اتخذتم ومظهر لبثتم أَتَى باللغتين مَعًا ليعلم من قرأبهما أَنه غير خَارج عَن الصَّوَاب
قَوْله تَعَالَى الى بارئكم رَوَاهُ اليزيدي عَن أبي عَمْرو باسكان الْهمزَة فِيهِ وَفِي قَوْله يَأْمُركُمْ وينصركم ويلعنهم ويجمعكم وأسلحتكم يسكن ذَلِك كُله كَرَاهِيَة لتوالي الحركات وَاسْتشْهدَ على ذَلِك بقول امْرِئ الْقَيْس(1/77)
سُورَة الْبَقَرَة ... فاليوم أشْرب غير مستحقب ... اثما من الله وَلَا واغل ...
أَرَادَ أشْرب فأسكن الْبَاء تَخْفِيفًا
وَحكى سِيبَوَيْهٍ عَن هَارُون بارئكم باختلاس الْهمزَة وَالْحَرَكَة فِيمَا رَوَاهُ اليزيدي عَنهُ بالاسكان لِأَن أَبَا عَمْرو كَانَ يمِيل الى التَّخْفِيف فَيرى من سَمعه يختلس بِسُرْعَة أَنه أسكن
وقرأالباقون بالاشباع وَالْحَرَكَة وَالْحجّة لَهُم أَنهم أَتَوا بِالْكَلِمَةِ على أصل مَا وَجب لَهَا
قَوْله تَعَالَى أرنا الله جهرة وأرنا مناسكنا وَمَا شاكله يقرأبكسر الرَّاء واسكانها فالحجة لمن كسر أَنه يَقُول الأَصْل فِي هَذَا الْفِعْل أراينا على وزن أكرمنا فنقلت كسرة الْهمزَة الى الرَّاء وحذفت الْهمزَة تَخْفِيفًا للكلمة وَسَقَطت الْيَاء لِلْأَمْرِ
وَلمن أسكن الرَّاء حجتان احداهما أَنه أسكنها وَالْأَصْل كسرهَا تَخْفِيفًا كَمَا قَالُوا فِي فَخذ فَخذ وَالثَّانيَِة أَنه بقى الرَّاء على سكونها وَحذف الْهمزَة بحركتها وَلم ينقلها
فَأَما مَا رُوِيَ عَن أبي عَمْرو من امالة قَوْله فَلَمَّا رأى الْقَمَر وَمَا شاكله فغلط(1/78)
سُورَة الْبَقَرَة عَلَيْهِ لِأَن الامالة من أجل الْيَاء فَلَمَّا سَقَطت الْيَاء سَقَطت الامالة
فان قيل فَيلْزم على هَذَا أَن لَا يقف على المخفوض بالامالة لِأَن الكسرة قد زَالَت بِالْوَقْفِ فَقل من شَرطه أَن يشم الكسرة فِي الْوَقْف فأمال الاشارة ليعلم أَنه كَذَلِك يصل فان كَانَت هَذِه الرِّوَايَة صحت فانما أَرَادَ أَن يعلم أَنه كَذَلِك يقف وَفِي هَذَا بعض الوهن وَلكنه عذر لَهُ وَالْمَشْهُور عَنهُ فِي ذَلِك الْفَتْح
قَوْله تَعَالَى يغْفر لكم خطاياكم تقرأبالتاء وَالْيَاء وضمهما وبالنون فالحجة لمن قَرَأَهَا بِالتَّاءِ وَالْيَاء مَا قدمْنَاهُ فِي قَوْله وَلَا تقبل مِنْهَا شَفَاعَة وَالضَّم دلَالَة على بِنَاء الْفِعْل لما لم يسم فَاعله
وَلمن قرأبالياء حجَّة رَابِعَة وَهِي أَن خَطَايَا جمع وَجمع مَالا يعقل مشبه لجمع من يعقل من النِّسَاء فَكَمَا ذكر الْفِعْل فِي قَوْله وَقَالَ نسْوَة لتذكير لفظ الْجمع فَكَذَلِك يجوز التَّذْكِير فِي قَوْله يغْفر لِأَنَّهُ فعل للخطايا ولفظها لفظ جمع
فان قيل لم اتّفقت الْقُرَّاء على قَوْله خطاياكم هَا هُنَا وَاخْتلفُوا فِي الْأَعْرَاف وَسورَة نوح فَقل لِأَن هَذِه كتبت بِالْألف فِي الْمُصحف فَأدى اللَّفْظ مَا تضمنه السوَاد وتينك كتبَتَا بِالتَّاءِ من غير ألف وهما فِي الْحَالين جمعان ل خطية فخطايا جمع تكسير وخطيئات جمع سَلامَة وَكَانَ الأَصْل فِي خَطَايَا خطايء على وزن فعائل فاستثقل الْجمع بَين همزتين فقبلوا الثَّانِيَة يَاء لانكسار مَا قبلهَا فَصَارَ خطائي فَوَجَبَ سُقُوط الْيَاء لسكونها وَسُكُون التَّنْوِين فكرهوا ذهَاب الْيَاء مَعَ خَفَاء الْهمزَة(1/79)
سُورَة الْبَقَرَة فقلبوا من الكسرة فَتْحة وَمن الْيَاء ألفا فَصَارَ خطاءا بِثَلَاث ألفات فكرهوا الْجمع من ثَلَاث صور فقلبوا من الْألف الْوُسْطَى يَاء فَصَارَ خَطَايَا
وأدغم أَبُو عَمْرو وَحده الرَّاء فِي اللَّام من يغْفر لكم وَمَا شاكله فِي الْقُرْآن وَهُوَ ضَعِيف عِنْد الْبَصرِيين وَقد روى عَنهُ الاظهار وَالْحجّة لَهُ فِي ذَلِك أَنه لما كَانَت تُدْغَم فِي الرَّاء كَقَوْلِه قل رب بل ران كَانَت الرَّاء بِهَذِهِ المثابة تُدْغَم فِي اللَّام
قَوْله تَعَالَى وَضربت عَلَيْهِم الذلة يقْرَأ بِكَسْر الْهَاء وَالْمِيم وبضمهما وبكسر الْهَاء وَضم الْمِيم فِي كل مَوضِع استقبلتهما فِيهِ ألف وَلَام فالحجة لمن كسرهما أَنه كسر الْهَاء لمجاورة الْيَاء وَكسر الْمِيم لالتقاء الساكنين وَالْحجّة لمن ضمهما أَنه لما ضم الْهَاء على أصل مَا كَانَت عَلَيْهِ حرك الْمِيم ايضا بِالضَّمِّ على الأَصْل لِأَنَّهُ كَانَ همو قبل دُخُول حرف الْجَرّ عَلَيْهِ وَالْحجّة لمن كسر الْهَاء مجاورة الْيَاء وَضم الْمِيم لِأَنَّهُ لم يجد بدا من حركتها فحركها بِمَا قد كَانَ فِي الأَصْل لَهَا
فان قيل فَلم وَافق الْكسَائي حَمْزَة هَا هُنَا وَخَالفهُ فِي قَوْله أَنْعَمت عَلَيْهِم فَقل لما كَانَت الْمِيم سَاكِنة كره الْخُرُوج من يَاء الى ضمة فَكسر الْهَاء لمجاورة الْيَاء هُنَاكَ وبقى الْمِيم على سكونها وَلما لم يجد هَا هُنَا بدا من حَرَكَة الْمِيم لالتقاء الساكنين فَلَو ترك الْهَاء على كسرهَا لمجاورة الْيَاء لخرج من كسر الى ضم رد الْهَاء الى أَصْلهَا وحرك الْمِيم بِالضَّمِّ لالتقاء الساكنين
قَوْله تَعَالَى وَيقْتلُونَ النَّبِيين يقرأبالهمز وَتَركه وَكَذَلِكَ النُّبُوَّة والأنبياء فالحجة لمن همز أَنه أَخذه من قَوْله أنبأبالحق اذا أخبر بِهِ وَمِنْه أنبئوني بأسماء هَؤُلَاءِ وَالْحجّة لمن ترك من ثَلَاثَة أوجه أَولهَا أَن الْهَمْز مستثقل فِي كَلَامهم وَالدَّلِيل عَلَيْهِ قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وسلم لست نبيء الله كَأَنَّهُ كره الْهَمْز لِأَن قُريْشًا(1/80)
سُورَة الْبَقَرَة لَا تهمز وَالثَّانِي أَنه مَأْخُوذ من النُّبُوَّة وَهِي مَا ارْتَفع من الأَرْض وَعلا لِأَنَّهُ أخبر عَن الْعَالم الْعلوِي وأتى بِهِ عَن الله تَعَالَى وَالثَّالِث أَن الْعَرَب تدع الْهمزَة من النَّبِي وَهُوَ من أنبأت وَمن الخابية وَهِي من خبأت وَمن الْبَريَّة وَهِي من برأَ الله الْخلق وَمن الذُّرِّيَّة وَهِي من ذرأهم وَمن الروية وَهِي من روأت فِي الْأَمر
قَوْله تَعَالَى وَالصَّابِئِينَ يقرأوما شاكله بِالْهَمْز وَتَركه فالحجة لمن همز أَنه مَأْخُوذ من صَبأ فلَان اذا خرج من دين الى دين وَالْحجّة لمن لم يهمز أَن يكون أَرَادَ الْهَمْز فلين وَترك أَو يكون أَخذه من صبا يصبو اذا مَال وَبِه سمى الصَّبِي صَبيا لِأَن قلبه يمِيل الى كل لعب لفراغه
فان قيل فَلم أجمع على همز الصابئين وَترك الْهَمْز فِي النَّبِيين فَقل لِأَن من ترك الْهَمْز فِي النَّبِيين بقى خلفا وَهُوَ الْيَاء وَمن ترك الْهَمْز فِي الصابئين لم يبْق خلفا لِأَنَّهُ كتب فِي الْمُصحف بِغَيْر وَاو وَلَا يَاء
قَوْله تَعَالَى أتتخذنا هزوا يقْرَأ هزؤا وكفؤا بِالضَّمِّ والهمز وجزءا باسكان الزَّاي والهمز وَالْحجّة فِي ذَلِك اتِّبَاع الْخط لِأَن هزؤا وكفؤا فِي الْمُصحف مكتوبان بِالْوَاو وجزءا بِغَيْر وَاو فاتبعوا فِي الْقِرَاءَة تأدية الْخط
وقرأحمزة ذَلِك كُله مسكنا مخففا ووقف على هزوا وَكفوا بِالْوَاو(1/81)
سُورَة الْبَقَرَة ووقف على جُزْءا بِغَيْر وَاو ليجتمع لَهُ بذلك الاشراك بَين الْحُرُوف اذ كَانَ الْجُزْء والهزء سيان وَيتبع الْخط فِي الْوَقْف عَلَيْهَا
وَفِي جُزْءا أَربع لُغَات جزؤ بِالضَّمِّ الْهَمْز وجزء بالاسكان والهمز وجزو بالاسكان وَالْوَاو وجزؤ بِضَم الزَّاي وَالْوَاو من غير همز وَهُوَ رَدِيء لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي كَلَامهم اسْم آخِره وَاو قبلهَا حَرَكَة الا الربو وَهَذَا شَاذ فان كَانَ أَرَادَ أَن أصل الْوَاو فِيهِ الْهَمْز جَازَ وَقَرَأَ عَاصِم ذَلِك كُله فِي رِوَايَة أبي بكر بِالْهَمْز والتثقيل وَلم يلْتَفت الى اخْتِلَاف صورهن فِي الْخط لِأَن فِيهِ مَا قد أثبت فِي مَوضِع وَحذف من نَظِيره لغير مَا عِلّة كَقَوْلِه لأعذبنه أَو لاأذبحنه كتب الأول بِغَيْر ألف وَالثَّانِي بِزِيَادَة ألف وَلَفْظهمَا وَاحِد فَحَمله على هَذَا
وروى عَنهُ حَفْص جُزْءا سَاكن الزَّاي مهموزا وهزوا وَكفوا بِالْوَاو من غير همز اتبَاعا للسواد
قَوْله تَعَالَى من خشيَة الله وَمَا الله بغافل عَمَّا تَعْمَلُونَ ن وَقَوله الى أَشد الْعَذَاب وَمَا الله بغافل عَمَّا تَعْمَلُونَ وَقَوله انه الْحق من رَبهم وَمَا الله بغافل عَمَّا يعْملُونَ وَقَوله وانه للحق من رَبك وَمَا الله بغافل عَمَّا يعْملُونَ يقْرَأن بِالْيَاءِ وَالتَّاء فالتاء فِي الأول أَكثر لقَوْله تَعَالَى مُخَاطبا لَهُم ثمَّ قست قُلُوبكُمْ وَالْيَاء وَالتَّاء فِي الثَّانِي معتدلتان فالحجة لمن قَرَأَ بِالتَّاءِ أَنه أَرَادَ وَمَا الله بغافل عَمَّا تَعْمَلُونَ أَنْتُم وهم وَالِاخْتِيَار فِيهِ التَّاء لعلتين احداهما أَن رد اللَّفْظ على اللَّفْظ أحسن وَالثَّانيَِة أَنه لما ثَبت أَن الله لَيْسَ(1/82)
سُورَة الْبَقَرَة بغافل عَمَّا يعْمل كل أحد اعتدلت التَّاء وَالْيَاء فيهمَا وَالْحجّة لمن قرأبالياء أَن الْعَرَب ترجع من المخاطبة الى الْغَيْبَة كَقَوْلِه تَعَالَى حَتَّى اذا كُنْتُم فِي الْفلك وجرين بهم وَلم يقل بكم
وَالْيَاء وَالتَّاء فِي الثَّالِث قريبتان وَالِاخْتِيَار الْيَاء لقَوْله من رَبهم وَالْيَاء وَالتَّاء فِي الرَّابِع متساويتان لِأَنَّهُ لم يتَقَدَّم فِي قَوْله وانه للحق من رَبك مَا تكون احداهما أولى بِالرَّدِّ عَلَيْهِ الى أَن يَجْعَل قَوْله من رَبك إفرادا للنَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام بِالْخِطَابِ وَالْمعْنَى لَهُ ولأمته فَيكون الإختيار على هَذَا الْوَجْه التَّاء كَمَا قَالَ تَعَالَى يأيها النَّبِي اذا طلّقْتُم النِّسَاء
قَوْله تَعَالَى وأحاطت بِهِ خطيئته يقرأبالتوحيد وَالْجمع فَلِمَنْ أَفْرَاد حجتان احداهما أَن الْخَطِيئَة هَا هُنَا يَعْنِي بهَا الشّرك وَالْأُخْرَى أَنه عطف لفظ الْخَطِيئَة على لفظ السَّيئَة قبلهَا لِأَن الْخَطِيئَة سَيِّئَة والسيئة خَطِيئَة وَالْحجّة لمن جمع أَن السَّيئَة والخطيئة وان انفردتا لفظا فمعناهما الْجمع وَدَلِيله على ذَلِك أَن الاحاطة لَا تكون لشَيْء مُفْرد وانما تكون لجمع أَشْيَاء
فَأَما قَوْله أحَاط بهم سرادقها فانه وان كَانَ وَاحِدًا فَهُوَ جمع للشَّيْء الْمُحِيط بِجَمِيعِ أَجزَاء المحاط بِهِ وَيُمكن أَن يكون أَرَادَ بِالْجمعِ هَا هُنَا وأحاطت بِهِ عقوبات خطيئته وَالدَّلِيل على ذَلِك قَول قَتَادَة السَّيئَة الشّرك والخطيئة الْكَبَائِر
قَوْله تَعَالَى لَا تَعْبدُونَ الا الله يقْرَأ بِالْيَاءِ وَالتَّاء فالحجة لمن قَرَأَ بِالتَّاءِ مُوَاجهَة الْخطاب فَيكون أَخذ الْمِيثَاق قولا لَهُم وَالْحجّة لمن قَرَأَ بِالْيَاءِ معنى الْغَيْبَة
قَوْله تَعَالَى وتولوا للنَّاس حسنا يقرا بِضَم الْحَاء واسكان السِّين وبفتح الْحَاء(1/83)
سُورَة الْبَقَرَة وَالسِّين فالحجة لمن ضم أَنه أَرَادَ الْمصدر وَالِاسْم وَدَلِيله قَوْله وَوَصينَا الانسان بِوَالِديهِ حسنا وَالْحجّة لمن فتح أَنه أَرَادَ قولا حسنا فَأَقَامَ الصّفة مقَام الْمَوْصُوف والاول أصوب لِأَن الصّفة مفتقرة الى الْمَوْصُوف كافتقار الْفِعْل الى الِاسْم
قَوْله تَعَالَى تظاهرون يقْرَأ بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيف فالحجة لمن شدد أَنه أَرَادَ تتظاهرون بتائين فأسكن الثَّانِيَة وأدغمها فِي الظَّاء فشددها لذَلِك وَالْحجّة لمن خفف انه أَرَادَ أَيْضا تتظاهرون فأسقط احدى التَّاءَيْنِ تَخْفِيفًا وكراهية للادغام وَثقله
فان قيل فَأَي التَّاءَيْنِ السَّاقِط فَقل قَالَ سِيبَوَيْهٍ السَّاقِط الاول وَقَالَ هِشَام الثَّانِي وَقَالَ الْفراء احداهما بِغَيْر تَعْيِينهَا وَلكُل حجَّة وَدَلِيل
قَوْله تَعَالَى أُسَارَى تفادوهم يقْرَأ باثبات الْألف فيهمَا جَمِيعًا وباسقاطها فيهمَا وباثباتها فِي الأول وطرحها من الثَّانِي فالحجة لمن أثبتها فيهمَا أَنه جعله جمع الْجمع وَجعل تفادوهم فعلا من اثْنَيْنِ لِأَن الْفِدَاء أَن تَأْخُذ مَا عِنْده وَتُعْطِي مَا عنْدك فتفعل بِهِ كَمَا يفعل بك وَالْحجّة لمن أسقطها أَن جمع أَسِير أسرى كَمَا تَقول مَرِيض ومرضى وَجعل الْفِعْل من فدى يفْدي وأصل الْأسر الشد وَبِه سمى الْأَسير وَالْحجّة لمن أثبت وَطرح مَا قدمْنَاهُ من الْوَجْهَيْنِ
قَوْله تَعَالَى بل طبع يقْرَأ بالادغام والاظهار فالحجة لمن أدغم مقاربة مخرج اللَّام من الطَّاء وَالْحجّة لمن أظهر أَنه أَتَى بالْكلَام على الأَصْل ليفرق بَين مَا يتَّصل فَلَا يجوز اظهاره وَلَا الْوُقُوف عَلَيْهِ كَقَوْلِه والطارق وَبَين مَا ينْفَصل وَيُوقف عَلَيْهِ كَقَوْلِه بل طبع(1/84)
سُورَة الْبَقَرَة
فان قيل فَيلْزم من أدغم هَذَا للمقاربة أَن يدغم قَوْله وَمن يفعل ذَلِك للمقاربة أَيْضا فَقل سُكُون اللَّام فِي يفعل عَارض للجزم وَسُكُون اللَّام فِي بل سُكُون بِنَاء فَهَذَا فرقان وَاضح
قَوْله تَعَالَى بِروح الْقُدس قَرَأَهُ ابْن كثير باسكان الدَّال وَالْحجّة لَهُ أَنه كره توالي ضمتين فِي اسْم فأسكن تَخْفِيفًا أَو يكون الاسكان لُغَة وَالْحجّة لمن ضم أَنه أَتَى بِالْكَلِمَةِ على أَصْلهَا وَالروح هَا هُنَا جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام والقدس فِي اللُّغَة الطُّهْر
قَوْله تَعَالَى أَن ينزل الله يقرا بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيف فالحجة لمن شدد أَنه أَخذه من نزل ينزل وَمن خفف أَخذه من أنزل ينزل
والقراء فِيهِ مُخْتَلفُونَ فَقَرَأَ عَاصِم وَنَافِع وَابْن عَامر ذَلِك حَيْثُ وَقع بِالتَّشْدِيدِ وقرأه أَبُو عَمْرو بِالتَّخْفِيفِ الا قَوْله فِي الْحجر وَمَا ننزله الا بِقدر مَعْلُوم وَفِي الْأَنْعَام على أَن ينزل آيَة وَزَاد ابْن كثير حرفا ثَالِثا قَوْله وننزل من الْقُرْآن مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَة وَالْحجّة لَهما فِي ذَلِك تكْرَار النُّزُول ومداومته شَيْئا بعد شَيْء
وَقَرَأَ الْكسَائي وَحَمْزَة ذَلِك كُله بِالتَّشْدِيدِ الا قَوْله فِي لُقْمَان وَينزل الْغَيْث وَفِي عسق وَهُوَ الَّذِي ينزل الْغَيْث وَالْحجّة لَهما فِي ذَلِك قَوْله وأنزلنا من السَّمَاء مَاء طهُورا فمضارع أنزل ينزل بِالتَّخْفِيفِ فاعرفه
قَوْله تَعَالَى وَجِبْرِيل وميكال فيهمَا أَربع قراءات جبرئيل بِفَتْح الْجِيم وَالرَّاء وبالهمز وبكسر الْجِيم وَالرَّاء وَترك الْهَمْز وبفتح الْجِيم وَكسر الرَّاء وَترك الْهَمْز(1/85)
سُورَة الْبَقَرَة وبفتح الْجِيم وَالرَّاء واختلاس الْهَمْز
وميكال يقرأبالمد والهمز وبالألف من غير مد وَلَا همز وبالهمز من غير ألف وبالقصر والهمز وَالْحجّة فِي ذَلِك أَن الْعَرَب اذا أعربت اسْما من غير لغتها أَو بنته اتسعت فِي لَفظه لجهل الِاشْتِقَاق فِيهِ
قَوْله تَعَالَى وَلَكِن الشَّيَاطِين يقرا بتَخْفِيف النُّون وَالرَّفْع وبتشديدها وَالنّصب وَكَذَلِكَ مَا شاكله وَالْحجّة لمن خفف وَرفع أَن لَكِن وَأَخَوَاتهَا انما عملن لشبههن بِالْفِعْلِ لفظا وَمعنى فاذا زَالَ اللَّفْظ زَالَ الْعَمَل وَالدَّلِيل على ذَلِك أَن لَكِن اذا خففت وَليهَا الِاسْم وَالْفِعْل وكل حرف كَانَ كَذَلِك ابتدئ مَا بعده وَالْحجّة لمن شدد وَنصب أَنه أَتَى بِلَفْظ الْحَرْف على أَصله وَالْمعْنَى فِيهِ شدد أَو خفف الِاسْتِدْرَاك بعد النَّفْي
قَوْله تَعَالَى مَا ننسخ من آيَة يقرأبضم النُّون وَفتحهَا فالحجة لمن ضم أَن الْمَعْنى مَا ننسخك يَا مُحَمَّد من آيَة كَقَوْلِك أَنْسَخْت زيدا الْكتاب وَيجوز أَن يكون مَا ننسخ من آيَة أَي نَجْعَلهَا ذَات نسخ كَقَوْلِه تَعَالَى فأقبره أَي جعله ذَا قبر وَالْحجّة لمن فتح أَنه جعله من الْأَفْعَال اللَّازِمَة لمفعول وَاحِد
قَوْله تَعَالَى أَو ننسأها يقْرَأ بِفَتْح النُّون والهمز وَبِضَمِّهَا وَترك الْهَمْز فالحجة لمن فتح النُّون وهمز أَنه جعله من التَّأْخِير أَو من الزِّيَادَة وَمِنْه قَوْلهم نسأالله أَجلك وأنسأفي أَجلك وَالْحجّة لمن ضم وَترك الْهَمْز أَنه أَرَادَ التّرْك يُرِيد أَو نتركها فَلَا ننسخها وَقَوله نأت بِخَير مِنْهَا قيل بأخف مِنْهَا فِي الْعِبَادَة وَقيل نبدل آيَة الْعَذَاب بِآيَة رَحْمَة فَذَلِك خير وَقيل بل بأشد مِنْهَا لِأَنَّهُ تخويف من الله لِعِبَادِهِ وترغيب فِيمَا عِنْده فَذَلِك خير
والنسخ على وُجُوه نسخ اللَّفْظ وَالْحكم وَنسخ اللَّفْظ وابقاء الحكم وَنسخ الحكم وابقاء اللَّفْظ(1/86)
سُورَة الْبَقَرَة
فان قيل مَا معنى قَوْله أَو مثلهَا فَقل الْمُمَاثلَة مُوَافقَة الشَّيْء من وَجه من الْوُجُوه وَلَو ماثله من جَمِيع وجوهه لَكَانَ هُوَ وَلم يكن لَهُ مثلا وَالْمعْنَى هَاهُنَا أَنَّهَا قُرْآن مثلهَا وَهِي فِي الْمَعْنى غَيرهَا لِأَن هَذِه آيَة رَحْمَة وَهَذِه آيَة عَذَاب
قَوْله تَعَالَى وَلَا تسْأَل يقْرَأ بِالرَّفْع والجزم فالحجة لمن رفع أَنه أخبر بذلك وَجعل لَا نَافِيَة بِمَعْنى لَيْسَ وَدَلِيله قِرَاءَة عبد الله وَأبي وَلنْ تسْأَل وَالْحجّة لمن جزم أَنه جعله نهيا وَدَلِيله مَا روى أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وسلم قَالَ يَوْمًا لَيْت شعري مَا فعل أبواي فَأنْزل الله تَعَالَى وَلَا تسْأَل عَن أَصْحَاب الْجَحِيم فانا لَا نؤاخذك بهم والزم دينك
فَأَما من ضم التَّاء فانه جعله فعل مَا لم يسم فَاعله وَمن فتحهَا جعلهَا فعل فَاعل
قَوْله تَعَالَى وَاتَّخذُوا من مقَام ابراهيم مصلى يقْرَأ بِكَسْر الْخَاء وَفتحهَا فالحجة لمن كسر أَنهم أمروا بذلك وَدَلِيله قَول عمر أَفلا نتخذه مصلى فَأنْزل الله ذَلِك مُوَافقا بِهِ قَوْله وَالْحجّة لمن فتح أَن الله تَعَالَى أخبر عَنْهُم بذلك بعد أَن فَعَلُوهُ
فان قيل فان الْأَمر ضد الْمَاضِي وَكَيف جَاءَ الْقُرْآن بالشَّيْء وضده فَقل ان الله تَعَالَى أَمرهم بذلك مبتدئا فَفَعَلُوا مَا أمروا بِهِ فَأثْنى بذلك عَلَيْهِم وَأخْبر بِهِ وأنزله فِي العرضة الثَّانِيَة
قَوْله تَعَالَى فأمتعه قَلِيلا يقرأبتشديد التَّاء وتخفيفها فالحجة لمن شدد(1/87)
سُورَة الْبَقَرَة تَكْرِير الْفِعْل ومداومته وَدَلِيله قَوْله ومتعناهم الى حِين وَالْحجّة لمن خفف أَن تَكْرِير الْفِعْل لَا يكون مَعَه قَلِيلا فَلَمَّا جَاءَ مَعَه ب قَلِيل كَانَ أمتع أولى بِهِ من أمتع على أَن أفعل وَفعل يأتيان فِي الْكَلَام بِمَعْنى وَاحِد كَقَوْلِك أكرمت وكرمت ويأتيان وَالْمعْنَى مُخْتَلف كَقَوْلِك أفرطت تقدّمت وتجاوزت الْحَد وفرطت قصرت وَتَأْتِي فعلت بِمَا لَا يَأْتِي لَهُ أفعلت كَقَوْلِك كلمت زيدا وَلَا يُقَال أكلمت وأجلست زيدا وَلَا يُقَال جَلَست
قَوْله تَعَالَى وَقَالُوا اتخذ الله ولدا قَرَأَهُ ابْن عَامر بِغَيْر وَاو وَالْحجّة لَهُ أَنه اسْتَأْنف القَوْل مخبرا بِهِ وَلم يعطفه على مَا قبله
وقرأه الْبَاقُونَ بِالْوَاو وَالْحجّة لَهُم أَنهم عطفوا جملَة على جملَة وَأتوا بالْكلَام مُتَّصِلا بعضه بِبَعْض وكل من كَلَام الْعَرَب
قَوْله تَعَالَى كن فَيكون قَرَأَهُ ابْن عَامر بِالنّصب وَالْحجّة لَهُ الْجَواب الْفَاء وَلَيْسَ هَذَا من مَوَاضِع الْجَواب لِأَن الْفَاء لَا ينصب الا اذا جَاءَت بعد الْفِعْل الْمُسْتَقْبل كَقَوْلِه لَا تفتروا على الله كذبا فيسحتكم وَمَعْنَاهُ فان تفتروا يسحتكمم وَهَذَا لَا يجوز فِي قَوْله كن فَيكون لِأَن الله تَعَالَى أوجد بِهَذِهِ اللَّفْظَة شَيْئا مَعْدُوما وَدَلِيله حسن الْمَاضِي فِي مَوْضِعه اذا قلت كن فَكَانَ
وقرأه الْبَاقُونَ بِالرَّفْع وَالْحجّة لَهُم مَا قدمْنَاهُ من القَوْل
قَوْله تَعَالَى واذ قَالَ ابراهيم قَرَأَهُ ابْن عَامر بِأَلف مَوضِع الْيَاء هَا هُنَا لِأَنَّهُ فِي السوَاد بِغَيْر يَاء(1/88)
سُورَة الْبَقَرَة
وَفِيه أَربع لُغَات ابراهيم وابراهام واراهم وابراهم قَالَ الشَّاعِر ... عذت بِمَا عاذ بِهِ ابراهم ...
وَقَالَ الآخر ... نَحن آل الله فِي قبلته ... لم يزل ذَاك على عهد ابرهم ...
وَقد عرفتك اتساع الْعَرَب فِي الْأَسْمَاء الأعجمية اذا عربتها
قَوْله تَعَالَى ووصى بهَا ابراهيم يقْرَأ بِالتَّشْدِيدِ من غير ألف وبالتخفيف واثبات الْألف وَقد تقدم القَوْل فِي ذَلِك وأوضحنا الْفرق بَين فعل وأفعل
قَوْله تَعَالَى
قَوْله تَعَالَى أم يَقُولُونَ تقْرَأ بِالتَّاءِ وَالْيَاء فالحجة لمن قَرَأَهُ بِالْيَاءِ أَن الْخطاب للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وسلم وَالْمعْنَى لمن قَالَ ذَلِك لَا للنَّبِي فَأخْبر عَنْهُم بِمَا قَالُوهُ وَالْحجّة لمن قَرَأَ بِالتَّاءِ أَنه عطف بِاللَّفْظِ على معنى الْخطاب فِي قَوْله أتحاجوننا أم تَقولُونَ قل أأنتم فَأتى بالْكلَام على سِيَاقه
قَوْله تَعَالَى لرؤف رَحِيم يقْرَأ باثبات الْوَاو والهمز وبطرحها والهمز فالحجة لمن أثبت الْوَاو أَن صِفَات الله تَعَالَى على هَذَا الْوَزْن جَاءَت كَقَوْلِه غَفُور شكور ودود وَهُوَ أفخم لِأَن ذَلِك لَا يُقَال الا لمن دَامَ الْفِعْل مِنْهُ وَثَبت لَهُ كَقَوْل الشَّاعِر ... نَبِي هدى طيب صَادِق ... رؤف رَحِيم بوصل الرَّحِم ...
وَالْحجّة لمن طرح الْوَاو وهمز أَنه مَال الى التَّخْفِيف لِاجْتِمَاع الْهَمْز وَالْوَاو وَكَانَ(1/89)
سُورَة الْبَقَرَة طرحها لَا يزِيل لفظا وَلَا يحِيل معنى فاستجاز ذَلِك قَالَ الشَّاعِر ... يرى للْمُسلمين عَلَيْهِ حَقًا ... كَفعل الْوَالِد الرءف الرَّحِيم ...
قَوْله تَعَالَى هُوَ موليها قَرَأَهُ ابْن عَامر مَوْلَاهَا وَالْحجّة لَهُ فِي ذَلِك أَنه جعل الْمولى مَفْعُولا بِهِ وَأَصله موليها فَلَمَّا تحركت الْيَاء انقلبت ألفا وَالْحجّة لمن قَرَأَهَا بِالْيَاءِ وَكسر اللَّام أَنه أَرَادَ مولي وَجهه اليها فَتكون الْهَاء كِنَايَة عَن مَحْذُوف لِأَن كلا يَقْتَضِي مُضَافا وَالْمولى هَا هُنَا هُوَ الْفَاعِل
قَوْله تَعَالَى لِئَلَّا يكون يقْرَأ بِالْهَمْز وَتَركه فالحجة لمن همز أَنه أَتَى بِاللَّفْظِ على الأَصْل لِأَنَّهَا أَن دخلت عَلَيْهَا اللَّام وَالْحجّة لمن خفف أَن الْعَرَب تستثقل الْهَمْز وَلَا زِيَادَة مَعَه فَلَمَّا قَارن الْهمزَة لَام مَكْسُورَة وَاجْتمعَ فِي الْكَلِمَة كسر اللَّام وزيادتها ثقل الْهَمْز لينها تَخْفِيفًا وقلبها يَاء للكسرة الَّتِي قبلهَا
قَوْله تَعَالَى فَمن تطوع خيرا يقرأبالتاء وَفتح الْعين وبالياء واسكان الْعين فالحجة لمن قرأبالتاء وَالْفَتْح أَنه جعله فعلا مَاضِيا على بنائِهِ فِي مَوضِع الِاسْتِقْبَال لِأَن الْمَاضِي يقوم مقَام الْمُسْتَقْبل فِي الشَّرْط وَالْجَوَاب الْفَاء فِي قَوْله فَهُوَ خير لَهُ وَالْحجّة لمن قَرَأَ بِالْيَاءِ واسكان الْعين أَنه أَرَادَ يتَطَوَّع فأسكن التَّاء وأدغمها فِي الطَّاء وبقى الْيَاء ليدل بهَا على الِاسْتِقْبَال وجزمه بِحرف الشَّرْط(1/90)
سُورَة الْبَقَرَة
قَوْله تَعَالَى وتصريف الرِّيَاح يقرأبالافراد وَالْجمع اذا كَانَت فِيهِ الْألف وَاللَّام فِي اثْنَي عشر موضعا فالحجة لمن أفرد أَنه جعلهَا عذَابا وَاسْتدلَّ بقول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وسلم اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا رياحا لَا ريحًا وَالْحجّة لمن جمع أَنه فرق بَين ريَاح الرَّحْمَة ورياح الْعَذَاب فَجعل مَا أفرده للعذاب وَمَا جعله للرحمة
والأرواح أَرْبَعَة أسست أسماؤها على الْكَعْبَة فَمَا اسْتَقْبلهَا مِنْهَا فَهِيَ الصِّبَا وَالْقَبُول وَمَا جَاءَ عَن يَمِينهَا فَهِيَ الْجنُوب وَمَا جَاءَ عَن شمالها فَهِيَ الشمَال وَمَا جَاءَ من مؤخرها فَهِيَ الدبور وَهِي ريح الْعَذَاب نَعُوذ بِاللَّه مِنْهَا وباقيها ريح الرَّحْمَة
قَوْله تَعَالَى وَلَو ترى الَّذين ظلمُوا يقْرَأ بِالتَّاءِ وَالْيَاء فالحجة لمن قرا بِالتَّاءِ أَنه أَرَادَ وَلَو ترى يَا مُحَمَّد الَّذين ظلمُوا اذ عاينوا الْعَذَاب لرحمتهم وَالْحجّة لمن قَرَأَ بِالْيَاءِ أَنه جعل الْفِعْل لَهُم وَمَعْنَاهُ وَلَو يرى الَّذين ظلمُوا اذ يرَوْنَ الْعَذَاب أَن الْقُوَّة لله وَلَو ابتدأت ان مَعَ التَّاء بِالْكَسْرِ لَكَانَ وَجها كَقَوْلِه تَعَالَى وَلَو ترى اذ يتوفى الَّذين كفرُوا الْمَلَائِكَة يضْربُونَ أَي لَو عاينتهم فِي هَذَا الْحَال لرحمتهم وترفع الْمَلَائِكَة وتحذف جَوَاب لَو كَقَوْلِه وَلَو أَن قُرْآنًا سيرت بِهِ الْجبَال يُرِيد لَكَانَ هَذَا فَحَذفهُ
قَوْله تَعَالَى وَلَا تتبعوا خطوَات الشَّيْطَان يقْرَأ بِضَم الطَّاء واسكانها فالحجة لمن ضم أَنه أَتَى بِلَفْظ الْجمع على حَقِيقَة مَا وَجب لَهُ لِأَنَّهُ جمع خطْوَة وَدَلِيله قَوْله وهم(1/91)
سُورَة الْبَقَرَة فِي الغرفات آمنون لِأَنَّهُ جمع غرفَة وَالْحجّة لمن أسكن أَنه خفف الْكَلِمَة لِاجْتِمَاع ضمتين متواليتين وواو فَلَمَّا كَانُوا يسكنون مثل ذَلِك مَعَ غير الْوَاو كَانَ السّكُون مَعَ الْوَاو لثقلها أولى وَمعنى خطوَات الشَّيْطَان طرقه والخطوة بِفَتْح الْخَاء الِاسْم وَبِضَمِّهَا قدر مَا بَين قَدَمَيْك
قَوْله تَعَالَى فَمن اضْطر يقْرَأ وَمَا شاكله من النونات الْخَفِيفَة والتنوين والحروف المبنية على السّكُون بِالضَّمِّ وَالْكَسْر فالحجة لمن كسر التقاء السايين وَالْحجّة لمن ضم أَنه لما احْتَاجَ الى حَرَكَة هَذِه الْحُرُوف كره الْخُرُوج من كسر الى ضم فأتبع الضَّم الضَّم ليَأْتِي بِاللَّفْظِ من مَوضِع وَاحِد
فان قيل فَلم وافقهم أَبُو عَمْرو على الْكسر الا فِي الْوَاو وَاللَّام وَحدهمَا فَقل لما احْتَاجَ الى حَرَكَة الْوَاو حركها بحركة هِيَ مِنْهَا لِأَن الضَّم فِيهَا أسهل من الْكسر وَدَلِيله قَوْله اشْتَروا الضَّلَالَة بِالْهدى
فان قيل فَمَا حجَّة ابْن عَامر فِي ضم التَّنْوِين فَقل الْحجَّة لَهُ أَن التَّنْوِين حَرَكَة لَا تثبت خطا وَلَا يُوقف عَلَيْهِ فَكَانَت الْحَرَكَة بِمَا بعده أولى من الْكسر
قَوْله تَعَالَى لَيْسَ الْبر أَن توَلّوا يقرأالبر بِالرَّفْع وَالنّصب فالحجة لمن رفع أَنه جعله اسْم لَيْسَ وَالْخَبَر أَن توَلّوا لِأَن مَعْنَاهُ توليتكم وَالْحجّة لمن قَرَأَ بِالنّصب أَنه جعله خبر لَيْسَ وَالِاسْم أَن توَلّوا وَدَلِيله أَن لَيْسَ وَأَخَوَاتهَا اذا أَتَى بعدهن معرفتان كنت مُخَيّرا فيهمَا وان أَتَى بعدهن معرفَة ونكرة كَانَ الِاخْتِيَار أَن تجْعَل الْمعرفَة الِاسْم والنكرة الْخَبَر(1/92)
سُورَة الْبَقَرَة
قَوْله تَعَالَى من موص يقْرَأ بِفَتْح الْوَاو وَتَشْديد الصَّاد وباسكان الْوَاو وَتَخْفِيف الصَّاد فالحجة لمن شدد أَنه أَخذه من وصّى وَدَلِيله قَوْله وَمَا وصينا بِهِ ابراهيم وَالْحجّة لمن خفف أَنه أَخذه من أوصى وَدَلِيله قَوْله يُوصِيكُم الله
قَوْله تَعَالَى فديَة طَعَام مِسْكين يقْرَأ بِالتَّنْوِينِ والتوحيد وبالاضافة وَالْجمع فالحجة لمن رفع ووحد أَن الْفِدْيَة مُبْتَدأ وَطَعَام بدل مِنْهَا ومسكين وَاحِد لِأَن عَلَيْهِ عَن كل يَوْم يفطره اطعام مِسْكين وَالْحجّة لمن أضَاف وَجمع أَنه جعل الْفِدْيَة عَن أَيَّام متتابعة لَا عَن يَوْم وَاحِد
قَوْله تَعَالَى ولتكملوا الْعدة يقرا بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيف فالحجة لمن شدد تَكْرِير فعل الصّيام فِي الشَّهْر الى اتمام عدته وَالْحجّة لمن خفف أَنه جعل عقد شهر رَمَضَان عقدا وَاحِدًا وَدَلِيله قَوْله تَعَالَى الْيَوْم أكملت لكم دينكُمْ
قَوْله تَعَالَى وَأتوا الْبيُوت من أَبْوَابهَا يقْرَأ وَمَا شاكله من الجموع بِالضَّمِّ وَالْكَسْر فالحجة لمن ضم أَنه أَتَى بالْكلَام على أصل مَا وَجب للْجمع لِأَن هَذَا الْوَزْن يَنْقَسِم فِي الْكَلَام قسمَيْنِ جمعا كَقَوْلِك فلوس ومصدرا كَقَوْلِك قعد قعُودا وَالْحجّة لمن كسر أَنه لما كَانَ ثَانِي الْكَلِمَة يَاء كَرهُوا الْخُرُوج من ضم الى يَاء فكسروا أول الِاسْم لمجاورة الْيَاء وَلم يجمعوا بَين ضمتين احداهما على يَاء
فان قيل فَمَا حجَّة من ضم الْعين من الْعُيُون وَالْجِيم من الْجُيُوب وَكسر الْبَاء من الْبيُوت فَقل الْعين حرف مستعل مَانع من الامالة فاستثقل الْكسر فِيهِ فبقاه على أَصله وَالْجِيم حرف شَدِيد متفش فثقل عَلَيْهِ أَن يخرج بِهِ من كسر الى ضم فأجراه على(1/93)
سُورَة الْبَقَرَة أَصله وَالْحجّة لمن كسر الْبَاء كَثْرَة اسْتِعْمَال الْعَرَب لذَلِك وهم يخففون مَا يكثرون اسْتِعْمَاله اما بِحَذْف واما بامالة واما بتَخْفِيف وَدَلِيل ذَلِك امالتهم النَّار لِكَثْرَة الِاسْتِعْمَال وتفخيم الْجَار لقلَّة الِاسْتِعْمَال
قَوْله تَعَالَى وَلَا تقاتلوهم حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فان قَاتَلُوكُمْ يقْرَأ باثبات الْألف وطرحها ومعناهما قريب وَالْوَجْه فيهمَا لَا تبادؤوهم بِقِتَال وَلَا بقتل حَتَّى يبدؤوكم بهما فان بدءوكم فابدءوهم
قَوْله تَعَالَى فَلَا رفث وَلَا فسوق وَلَا جِدَال فِي الْحَج يقرا بِالرَّفْع والتنوين فِي الفسوق والرفث فَقَط وَبِالنَّصبِ وَترك التَّنْوِين فِي الْجَمِيع فالحجة لمن نصب أَنه قصد التبرئة ب لَا فِي الثَّلَاثَة فَبنى الِاسْم مَعَ الْحَرْف فَزَالَ التَّنْوِين للْبِنَاء وَالْحجّة لمن رفع الرَّفَث وَهُوَ الْجِمَاع والفسوق وَهُوَ الْخُرُوج عَن الْحَد أَنَّهُمَا قد يكونَانِ فِي حَال من أَحْوَال الْحَج فَجعل لَا بِمَعْنى لَيْسَ فيهمَا وَنصب الْجِدَال فِي الْحَج على التبرئة لِأَنَّهُ يُرِيد بِهِ المراء وَالشَّكّ فِي تَأْخِيره وتقديمه على مَا كَانَت الْعَرَب تعرفه من أفعالها
وَاخْتَارَ بعض النَّحْوِيين الرّفْع فِي الْأَوَّلين بِمَعْنى فَلَا يكون مِمَّن فرض الْحَج رفث وَلَا فسوق ثمَّ يَبْتَدِئ بِنَفْي الْجِدَال فِيهِ فينصبه ويبنيه وَالِاخْتِيَار فِي النَّفْي اذا أفرد وَلم يتَكَرَّر النصب واذا تكَرر اسْتَوَى فِيهِ الرّفْع وَالنّصب
قَوْله تَعَالَى ابْتِغَاء مرضات الله أماله الْكسَائي وَالْحجّة لَهُ ان ذَوَات الْوَاو اذا(1/94)
سُورَة الْبَقَرَة زيد فِيهَا ألحقت بذوات الْيَاء فأمالها ليدل بالامالة على ذَلِك
وفخمها الْبَاقُونَ وَالْحجّة لَهُم أَن ألفها منقلبة من وَاو وَأَصلهَا مرضوة من الرضْوَان فقلبت الْوَاو ألفا لتحريكها وانفتاح مَا قبلهَا فَكَانَ التفخيم أولى بهَا من الامالة ووفق حَمْزَة عَلَيْهَا بِالتَّاءِ وَمثله هَيْهَات هَيْهَات ولات وَاللات والتورات وَيَا أَبَت وَالْحجّة لَهُ فِي ذَلِك أَن التَّاء أصل عَلامَة التَّأْنِيث وَدَلِيله على أصل ذَلِك أَن الْهَاء تصير فِي الدرج تَاء وَالتَّاء لاتصير هَاء وَقفا وَلَا درجا
ووقف الْبَاقُونَ بِالْهَاءِ وَلَهُم فِي ذَلِك حجتان احداهما أَنه فرق بَين التَّاء الاصلية فِي صَوت وَبَيت وَبَين الزَّائِدَة لِمَعْنى وَالثَّانيَِة أَنه أَرَادَ أَن يفرق بَين التَّاء الْمُتَّصِلَة بِالِاسْمِ كنعمة وَرَحْمَة وَبَين التَّاء الْمُتَّصِلَة بِالْفِعْلِ كَقَوْلِك قَامَت ونامت
قَوْله تَعَالَى ادخُلُوا فِي السّلم كَافَّة يقْرَأ هَا هُنَا وَفِي الانفال وَفِي سُورَة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وسلم بِفَتْح السِّين وَكسرهَا وَالْحجّة لمن فتح أَنه أَرَادَ الصُّلْح وَمن كسر أَرَادَ الاسلام وانشد ... فِي جاهليات مَضَت أَو سلم ...
قَوْله تَعَالَى والى الله ترجع الامور يقرأبفتح التَّاء وَضمّهَا فالحجةلمن فتحهَا أَنه أَرَادَ تصير وَالْحجّة لمن ضمهَا أَنه أَرَادَ ترد
قَوْله تَعَالَى حَتَّى يَقُول تقْرَأ بِالرَّفْع وَالنّصب فالحجة لمن رفع أَنه أَرَادَ(1/95)
سُورَة الْبَقَرَة بقوله وزلزلوا الْمُضِيّ وَبِقَوْلِهِ حَتَّى يَقُول الْحَال وَمِنْه قَول الْعَرَب قد مرض زيد حَتَّى لَا يرجونه فالمرض قد مضى وَهُوَ الْآن فِي هَذِه الْحَال وَالْحجّة لمن نصب أَنه لم يَجْعَل القَوْل من سَبَب قَوْله وزلزلوا وَمِنْه قَول الْعَرَب قعدت حَتَّى تغيب الشَّمْس فَلَيْسَ قعودك سَببا لغيبوبة الشَّمْس
وتلخيص ذَلِك أَن من رفع الْفِعْل بعد حَتَّى كَانَ بِمَعْنى الْمَاضِي وَمن نَصبه كَانَ بِمَعْنى الِاسْتِقْبَال وأضمرت لَهُ عِنْد الْبَصرِيين مَعَ حَتَّى أَن لِأَنَّهَا من عوامل الْأَسْمَاء فأضمروا مَعَ الْفِعْل مَا يكون بِهِ اسْما
قَوْله تَعَالَى قل فيهمَا اثم كَبِير يقرأبالباء والثاء فالحجة لمن قرأبالياء قَوْله بعد ذَلِك وإثمهما أكبر من نفعهما وَلم يقل أَكثر وَالْحجّة لمن قرأبالثاء أَنه لما وَقع اللَّفْظ على أعداد وَهِي الْخمْرَة المشروبة وَالْميسر وَهُوَ الْقمَار كَانَت الثَّاء فِي ذَلِك أولى وَدَلِيله قَوْله تَعَالَى وَلَا أدنى من ذَلِك وَلَا أَكثر وَلم يقل أكبر
قَوْله تَعَالَى قل الْعَفو يقرأبالرفع وَالنّصب فَمن رفع جعل ذَا مُنْفَصِلَة من مَا فَيكون بِمَعْنى الَّذِي فَكَأَنَّهُ قَالَ مَا الَّذِي يُنْفقُونَ فَقَالَ الَّذِي يُنْفقُونَ الْعَفو فترفعه بِخَبَر الِابْتِدَاء لِأَنَّهُ جعل الْجَواب من حَيْثُ سَأَلُوا وَالْحجّة لمن نصب أَنه جعل مَاذَا كلمة وَاحِدَة وَنصب الْعَفو بقوله يُنْفقُونَ كَأَنَّهُ قَالَ قَالَ يُنْفقُونَ الْعَفو فان قيل فَلم بنيت مَا مَعَ ذَا وَلم تبن من مَعهَا فَقل لما كَانَت مَا عَامَّة لمن يعقل وَلما لَا يعقل وَذَا مثلهَا فِي الابهام والعموم بنوهما للمشاركة وَلما اخْتصّت من بِمن يعقل لم يبنوها مَعَ ذَا لهَذِهِ الْعلَّة
قَوْله تَعَالَى حَتَّى يطهرن يقْرَأ بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيف فالحجة لمن شدد أَنه طابق بَين اللَّفْظَيْنِ لقَوْله فاذا تطهرن وَالْحجّة لمن خفف أَنه أَرَادَ حَتَّى يَنْقَطِع الدَّم لِأَن ذَلِك لَيْسَ من فعلهن ثمَّ قَالَ فاذا تطهرن يعْنى بِالْمَاءِ وَدَلِيله على ذَلِك قَول الْعَرَب طهرت الْمَرْأَة من الْحيض فَهِيَ طَاهِر(1/96)
سُورَة الْبَقَرَة
قَوْله تَعَالَى الا أَن يخافا يقْرَأ بِفَتْح الْيَاء وَضمّهَا فَمن فتح الْيَاء جعل الْفِعْل لَهما وسمى الْفَاعِل وَمن ضم الْيَاء جعله فعل مَا لم يسم فَاعله وَمعنى يخافا هَا هُنَا تَيَقنا لِأَن الْخَوْف يكون يَقِينا وشكا
قَوْله تَعَالَى يبينها يقْرَأ بِالْيَاءِ وَالنُّون فالحجة لمن قَرَأَ بِالْيَاءِ تقدم اسْم الله عز وجلّ ليَأْتِي الْكَلَام على سنَن وَاحِد لمَكَان حرف الْعَطف وَالْحجّة لمن قرأبالنون أَن الله تَعَالَى أخبر بذلك عَن نَفسه مستأنفا بِالْوَاو وَجعل تِلْكَ اشارة الى مَا تقدم من الْأَحْكَام وَالْحُدُود
قَوْله تَعَالَى
لَا تضار يقْرَأ بِالرَّفْع وَالنّصب فالحجة لمن جعله مَرْفُوعا أَنه أخبر ب لَا فَرده على قَوْله لَا تكلّف نفس الا وسعهَا لَا تضار وَالْحجّة لمن نصب أَنه عِنْده مجزوم بِحرف النَّهْي وَالْأَصْل فِيهِ لَا تضارر فأدغم الرَّاء فِي الرَّاء وَفتح لالتقاء الساكنين وَمثله وَلَا يضار كَاتب وَلَا شَهِيد
قَوْله تَعَالَى مَا آتيتم بِالْمَعْرُوفِ يقرأبالمد وَالْقصر وهما فعلان ماضيان فالحجة لمن مد أَنه من الاعطاء ووزنه أفعلتم وَدَلِيله قَوْله اذا سلمتم وَالتَّسْلِيم لايكون الا بالاعطاء وَالْحجّة لمن قصر أَنه من الْمَجِيء ووزنه فَعلْتُمْ وَفِيه اضمار مَعْنَاهُ بِهِ فنابت عَنهُ قَوْله بِالْمَعْرُوفِ
وكل مَا فِي كتاب الله من آتى بِالْمدِّ فَمَعْنَاه الاعطاء وَمَا كَانَ فِيهِ من أَتَى بِالْقصرِ فَهُوَ من الْمَجِيء الا قَوْله فَأَتَاهُم الله من حَيْثُ لم يحتسبوا أَي أَخذهم وَقَوله فِي قِرَاءَة ل مُجَاهِد أَتَيْنَا بهَا جازينا بهَا وَقَوله كم آتَيْنَاهُم من آيَة أَي أريناهم(1/97)
سُورَة الْبَقَرَة
قَوْله تَعَالَى على الموسع قدره وعَلى المقتر قدره يقْرَأ باسكان الدَّال وحركتها فالحجة لمن أسكن أَنه أَرَادَ الْمصدر وَالْحجّة لمن حرك أَنه أَرَادَ الِاسْم وَقيل هما لُغَتَانِ
قَوْله تَعَالَى مَا لم تمَسُّوهُنَّ يقرأبضم التَّاء واثبات الالف بعد الْمِيم وبفتح التَّاء وَطرح الْألف فالحجة لمن أثبت الْألف ان مَاس فعل من اثْنَيْنِ وَدَلِيله قَوْله من قبل أَن يتماسا وَالْحجّة لمن طرحها أَنه جعل الْفِعْل للرِّجَال وَدَلِيله قَوْله وَلم يمسسني بشر
قَوْله تَعَالَى وَصِيَّة لأزواجهم يقرأبالرفع وَالنّصب فالحجة لمن رفع أَنه أَرَادَ فلتكن وَصِيَّة أَو فَأمرنَا وَصِيَّة وَدَلِيله قِرَاءَة عبد الله فَالْوَصِيَّة لأزواجهم مَتَاعا وَالْحجّة لمن نصب أَنَّهَا مصدر والاختبار فِي المصادر النصب اذا هِيَ وَقعت مواقع الْأَمر كَقَوْلِه فَضرب الرّقاب وَمِنْه قَول الراجز ... شكا الي جملي طول السرى ... صبرا جميلا فكلانا مبتلى ...
قَوْله تَعَالَى فيضاعفه يقْرَأ بِالتَّخْفِيفِ واثبات الْألف وبالتشديد وطرحها فالحجة لمن خفف أَن ضاعف أَكثر من ضعف لقَوْله أضعافا كَثِيرَة وَدَلِيله قَوْله عشر أَمْثَالهَا وَالْحجّة لمن شدد التكرير ومداومة الْفِعْل
وَيقْرَأ بِرَفْع الْفَاء ونصبها فَمن رفع عطف على يقْرض وَمن نصب فعلى جَوَاب الِاسْتِفْهَام(1/98)
سُورَة الْبَقَرَة
قَوْله تَعَالَى وَالله يقبض ويبسط وَقَوله وزاده بسطة هَاهُنَا وَفِي الْأَعْرَاف يقْرَأ ذَلِك بِالسِّين وَالصَّاد وَقد ذكرت علله فِي أم الْقُرْآن
قَوْله تَعَالَى الا من اغترف غرفَة يقْرَأ بِالْفَتْح وَالضَّم فالغرفة بِالْيَدِ مَفْتُوح وَفِي الاناء مضموم
قَوْله تَعَالَى لَا بيع فِيهِ وَلَا خلة وَلَا شَفَاعَة يقْرَأ ذَلِك بِالرَّفْع والتنوين وَبِالنَّصبِ وَترك التَّنْوِين فالحجة لمن رفع أَنه جعله جَوَابا لقَوْل قَائِل هَل عنْدك رجل فَقَالَ لارجل فَلم يعْمل لَا لِأَن هَل غير عَامله وَالْحجّة لمن نصب أَنه جعله جَوَابا لقَوْل قَائِل هَل من رجل فَقَالَ لَا رجل لِأَن من لما كَانَت عاملة فِي الِاسْم كَانَ الْجَواب عَاملا فِيهِ النصب وَسقط التَّنْوِين للْبِنَاء كَمَا سقط فِي رام هُرْمُز
قَوْله تَعَالَى
وَلَوْلَا دفع الله النَّاس هَا هُنَا وَفِي الْحَج يقرآن دفع ودفاع فالحجة لمن أسقط الْألف أَنه أَرَادَ الْمصدر من دفع دفعا وَالْحجّة لمن أثبتها أَنه أَرَادَ الْمصدر من دَافع دفاعا وَمعنى الْآيَة أَنه لَوْلَا مجاهدة الْمُشْركين واذلالهم لفسدت الارض
قَوْله تَعَالَى أَنا أحيي وأميت يقْرَأ بِإِثْبَات الْألف فِي كل مَا استقبلته الْهمزَة وطرحها فِي درج فالحجة لمن أثبتها أَنه أَتَى بِالْكَلِمَةِ على أَصْلهَا وَمَا وَجب فِي الأَصْل لَهَا لِأَن الْألف فِي أَنا كالتاء فِي أَنْت وَالْحجّة لمن طرحها أَنه اجتزأ بفتحة النُّون ونابت الْهمزَة عَن إِثْبَات الْألف وَهَذَا فِي الادراج فَأَما فِي الْوَقْف على أنافلا خلف فِي إِثْبَاتهَا(1/99)
سُورَة الْبَقَرَة وَفِي أَنا أَربع لُغَات أَنا فعلت وَأَن فعلت وَأَن فعلت وَأَنه فعلت
قَوْله تَعَالَى كم لَبِثت يقْرَأ بادغام الثَّاء فِي التَّاء وبإظهارها فالحجة لمن أدغم قرب مخرج الثَّاء من التَّاء وَالْحجّة لمن أظهر إِتْيَانه بالْكلَام على أَصله
قَوْله تَعَالَى قَالَ أعلم يقرأبقطع الْألف وَالرَّفْع وبوصلها وَالْوَقْف فالحجة لمن قطع أَنه جعله من اخبار الْمُتَكَلّم عَن نَفسه وَالْحجّة لمن وصل أَنه جعله من أَمر الله تَعَالَى للمخاطب
قَوْله تَعَالَى لم يتسنه يقْرَأ وَمَا شاكله باثبات الْهَاء وطرحها فِي الادراج فالحجة لمن أثبتها أَنه اتبع الْخط فَأدى مَا تضمنه السوَاد وَالْحجّة لمن طرحها أَنه انما أثبت ليتبين بهَا حَرَكَة مَا قبلهَا فِي الْوَقْف فَلَمَّا اتَّصل الْكَلَام صَار عوضا مِنْهَا فغنوا عَنْهَا
وميزانها فِي آخر الْكَلَام كألف الْوَصْل فِي أَوله
وَكَانَ بعض الْقُرَّاء يتَعَمَّد الْوُقُوف على الْهَاء ليجمع بذلك مُوَافقَة الْخط وتأدية اللَّفْظ وَبَعْضهمْ يثبت بَعْضًا ويطرح بَعْضًا لغير مَا عِلّة لَكِن ليعلم أَن كلا جَائِز
وللهاء فِي يتسنه وَجْهَان أَحدهمَا أَن تكون أَصْلِيَّة فتسكن للجزم وَالثَّانِي أَن يكون الأَصْل لم يتسنن فأبدلوا من أحدى النونات ألفا ثمَّ أسقطوها للجزم وألحقت الْهَاء للسكت وهما فِي ذَلِك لِمَعْنى لم تأت عَلَيْهِ السنون فتغيره
فَأَما من جعله من قَوْلهم أسن فقد وهم لِأَنَّهُ لَو كَانَ كَذَلِك لقيل فِيهِ يتأسن
قَوْله تَعَالَى كَيفَ ننشرها يقرأبالراء وَالزَّاي(1/100)
سُورَة الْبَقَرَة
فَمن قَرَأَ بالزاي فالحجة لَهُ أَن الْعِظَام اذا كَانَت بِحَالِهَا لم تبل فالزاي أولى بهَا لِأَنَّهَا ترفع ثمَّ تُكْسَى اللَّحْم وَالدَّلِيل على ذَلِك قَوْله تَعَالَى واليه النشور أَي الرُّجُوع بعد البلى وَالْحجّة لمن قَرَأَ بالراء أَن الاعادة فِي البلى وَغَيره سَوَاء عَلَيْهِ فَإِنَّمَا يَقُول لَهُ كن فَيكون وَدَلِيله قَوْله تَعَالَى ثمَّ اذا شَاءَ أنشره
قَوْله تَعَالَى فصرهن اليك يقرأبضم الصَّاد وَكسرهَا فالحجة لمن ضم أَنه اخذه من صَار يصور اذا مَال وَعطف وَأنْشد شَاهدا لذَلِك ... يصور عنوقها أحوى زنيم ... لَهُ ظأب كَمَا صخب الْغَرِيم ...
وَالْحجّة لمن كسر أَنه أَخذه من صَار يصير اذا جمع وَمَعْنَاهُ فقطعهن واجمعهن إِلَيْك(1/101)
سُورَة الْبَقَرَة قَوْله تَعَالَى بِرَبْوَةٍ هَا هُنَا وَفِي الْمُؤمنِينَ يقرآن بِضَم الرَّاء وَفتحهَا وهما لُغَتَانِ فصيحتان وفيهَا سبع لُغَات وَهِي مَا ارْتَفع من الأَرْض وَعلا
قَوْله تَعَالَى فَأَتَت أكلهَا يقْرَأ بِضَم الْكَاف واسكانها فالحجة لمن ضم أَنه أَتَى بالْكلَام على أصل مَا كَانَ عَلَيْهِ وَدَلِيله إِجْمَاعهم على الضَّم فِي قَوْله ذواتي أكل خمط وَالْحجّة لمن أسكن أَن هَذِه اللَّفْظَة لما اتَّصَلت بالمكنى ثقلت وتوالي الضمتين ثقيل أَيْضا فَخفف بالاسكان
قَوْله تَعَالَى فَنعما هِيَ يقْرَأ هَا هُنَا وَفِي النِّسَاء بِكَسْر النُّون وَالْعين وبفتح النُّون وَكسر الْعين وبكسر النُّون وَإِسْكَان الْعين فالحجة لمن كسر النُّون أَنه قربهَا من الْعين ليُوَافق بهَا لفظ أُخْتهَا بئس لِأَن هَذِه فِي الْمَدْح كهذه فِي الذَّم وَالْحجّة لمن فتح النُّون وَكسر الْعين أَنه أَتَى بِلَفْظ الْكَلِمَة على الأَصْل لِأَن أَصلهمَا نعم وَبئسَ وَالْحجّة لمن أسكن الْعين وَجمع بَين ساكنين فَاحْتمل ذَلِك لِأَنَّهُ جعل نعم وَمَا كلمة وَاحِدَة فخففها باسكان وَلَا خلف فِي تَشْدِيد الْمِيم
قَوْله تَعَالَى وَيكفر يقرأبالنون وَالْيَاء وبالرفع والجزم فالحجة لمن قَرَأَ بالنُّون وَالْيَاء قد تقدّمت وَالْحجّة لمن جزم أَنه عطفه على قَوْله وان تخفوها فَجعل التَّكْفِير مَعَ قبُول الصَّدقَات وَالْحجّة لمن رفع أَن مَا أَتَى بعد الْفَاء المجاب بهَا الشَّرْط مُسْتَأْنف مَرْفُوع وَدَلِيله قَوْله تَعَالَى وَمن عَاد فينتقم الله مِنْهُ(1/102)
سُورَة الْبَقَرَة
قَوْله تَعَالَى الى ميسرَة يقْرَأ بِضَم السِّين وَفتحهَا وهما لُغَتَانِ وَالْفَتْح أفْصح وَأشهر
قَوْله تَعَالَى إِلَّا أَن تكون تِجَارَة يقْرَأ بِالرَّفْع وَالنّصب
فَلِمَنْ رفع وَجْهَان أَحدهمَا أَنه جعل تِجَارَة اسْم كَانَ وتديرونها الْخَبَر وَالثَّانِي أَن يَجْعَل كَانَ بِمَعْنى حدث وَوَقع فَلَا يحْتَاج الى خبر كَقَوْلِه وَإِن كَانَ ذُو عسرة وَالْحجّة لمن نصب أَنه أضمر فِي كَانَ الِاسْم وَنصب التِّجَارَة على الْخَبَر وَفِيه ضعف فَأَما قَوْله فِي النِّسَاء إِلَّا أَن تكون تِجَارَة بِالنّصب فَوجه صَحِيح لتقدم ذكر الْأَمْوَال قبل ذَلِك
قَوْله تَعَالَى يَحْسبهُم يقرأبكسر السِّين وَفتحهَا فالحجة لمن فتح أَنه أَتَى بِلَفْظ الْفِعْل الْمُضَارع على مَا أوجبه بِنَاء ماضيه لِأَن فعل بِالْكَسْرِ يَأْتِي مضارعه على يفعل بِالْفَتْح قِيَاس مطرد وَالْحجّة لمن كسر أَن الْعَرَب اسْتعْملت الْكسر وَالْفَتْح فِي مضارع أَرْبَعَة أَفعَال يحْسب وينعم وييئس وييبس حَتَّى صَار الْكسر فيهم أفْصح
قَوْله تَعَالَى فأذنوا يقْرَأ بِالْقصرِ وَفتح الذَّال وبالمد وَكسر الذَّال فالحجة لمن قصر أَنه أَرَادَ فاعلموا أَنْتُم أَي كونُوا على علم وَالْحجّة لمن مد أَنه أَرَادَ فأعلموا غَيْركُمْ أَي اجعلوهم على علم
قَوْله تَعَالَى وَأَن تصدقوا يقْرَأ بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيف وَقد ذكرت عِلّة ذَلِك فِيمَا سلف(1/103)
سُورَة الْبَقَرَة قَوْله تَعَالَى لَا تظْلمُونَ وَلَا تظْلمُونَ يقرا بِتَقْدِيم الْفَاعِل وَتَأْخِير مَا لم يسم فَاعله على التَّرْتِيب وبتقديم مَا لم يسم فَاعله وَتَأْخِير الْفَاعِل على السعَة وَمعنى الظُّلم فِي اللُّغَة وضع الشَّيْء فِي غير مَوْضِعه
قَوْله تَعَالَى أَن تضل احداهما يقرأبكسر الْهمزَة وَفتحهَا فالحجة لمن كسر أَنه جعلهَا حرف شَرط وَجزم بهَا تضل وبناه على الْفَتْح لالتقاء الساكنين وَالْحجّة لمن فتح أَنه أَرَادَ ادخال اللَّام على أَن فَفَتحهَا كَقَوْلِه تَعَالَى يبين الله لكم أَن تضلوا يُرِيد لِئَلَّا تضلوا
قَوْله تَعَالَى فَتذكر يقرا بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيف وبالرفع وَالنّصب فَأَما عِلّة التَّشْدِيد التَّخْفِيف فمذكورة آنِفا وَالْحجّة لمن رفع أَنه اسْتَأْنف الْفِعْل بعد الْجَواب بِالْفَاءِ وَله أَن يجْزم الْفِعْل عاطفا وينصبه مجيبا وَالْحجّة لمن نصب أَنه عطفه على تضل وَقد عملت فِيهِ أَن الْمَفْتُوحَة وَلَا يجوز فِيهِ مَا أُجِيز فِي الْوَجْه الأول
وَمثله فِي الْوُجُوه الثَّلَاثَة قَوْله تَعَالَى فَيغْفر لمن يَشَاء ويعذب من يَشَاء
قَوْله تَعَالَى فرهان مَقْبُوضَة يقْرَأ بِضَم الرَّاء وَالْهَاء وبكسر الرَّاء واثبات الف بعد الْهَاء فالحجة لمن ضم أَنه جمع رهنا رهانا وَجمع رهانا رهنا وَلَيْسَ فِي كَلَام الْعَرَب جمع لاسم على هَذَا الْوَزْن غير رهن وسقف وَالْحجّة لمن كسر وَأثبت الْألف أَنه أَرَادَ جمع رهن(1/104)
سُورَة آل عمرَان
وَقيل لأبي عَمْرو لم اخْتَرْت الضَّم فَقَالَ لأفرق بَين الرَّهْن فِي الدّين وَبَين الرِّهَان فِي سباق الْخَيل
قَوْله تَعَالَى الَّذِي أؤتمن رُوِيَ عَن عَاصِم وَحَمْزَة أَنَّهُمَا قرآ بإشمام الْهمزَة الضمة فِي الْوَصْل وَهَذَا وهم لِأَنَّهَا ألف وصل دخلت على ألف أصل وَوزن اؤتمن افتعل من الأمانه
قَوْله تَعَالَى وَكتبه يقْرَأ بِالتَّوْحِيدِ وَالْجمع فالحجة لمن جمع أَنه شاكل بَين اللَّفْظَيْنِ وحقق الْمَعْنى لِأَن الله تَعَالَى قد أنزل كتبا وَأرْسل رسلًا وَالْحجّة لمن وحد أَنه أَرَادَ الْقُرْآن لِأَن اهل الْأَدْيَان الْمُتَقَدّمَة قد اعْترف بَعضهم لبَعض بكتبهم وآمنوا بهَا إِلَّا الْقُرْآن فَإِنَّهُم أنكروه فَلذَلِك أفرد وَجمع الرُّسُل لأَنهم لم يجمعوا على الايمان بهم
قَوْله تَعَالَى أَو أَخْطَأنَا يقْرَأ بِإِثْبَات الْهَمْز وتخفيفه وبحذفه والتعويض بِالْألف مِنْهُ وَقد ذكرت علل الْهَمْز فِي إثْبَاته وَطَرحه والتعويض مِنْهُ مستقاة فِيمَا تقدم فأغنى عَن إِعَادَته
وَمن سُورَة آل عمرَان
قَوْله تَعَالَى الم الله يقرأبإسكان الْمِيم وَقطع الْألف الَّتِي بعْدهَا وبفتح الْمِيم وَوصل الْألف فالحجة لمن أسكن وَقطع الْألف أَن الْحُرُوف الَّتِي فِي أَوَائِل السُّور علم لَهَا فَوَجَبَ أَن تَأتي سَاكِنة فَقطعت الْألف لِأَنَّهَا عوض من الْهمزَة فِي إِلَه
وَلمن فتح الْمِيم وَجْهَان أَحدهمَا أَنه نقل اليها فَتْحة الْهمزَة ولينها فَعَادَت الف وصل كَمَا يجب لَهَا أَو فتح الْمِيم لسكون الْيَاء قبلهَا وَوصل الْألف على أَصْلهَا
قَوْله تَعَالَى وَأنزل التَّوْرَاة يقرأبالتفخيم والامالة وَبَين ذَلِك فالحجة لمن(1/105)
سُورَة آل عمرَان فخم أَنه أَتَى بالْكلَام على أَصله وَالْحجّة لمن أمال أَنه دلّ بالامالة على الْيَاء المنقلبة ومجيء الرَّاء فِي الْكَلِمَة لِأَن الأَصْل وورية وأبدلت الْوَاو الأولى تَاء وَالثَّانيَِة يَاء وقلب الْيَاء ألفا لِأَنَّهَا مَأْخُوذَة من ورى الزند وَمن قرأبين ذَلِك أَتَى بأعدل اللَّفْظَيْنِ وقارب بَين اللغتين
قَوْله تَعَالَى ستغلبون وتحشرون وترونهم يقْرَأن بِالتَّاءِ وَالْيَاء فالحجة لمن قرأهن بِالتَّاءِ أَنه أَرَادَ قل لَهُم يَا مُحَمَّد مواجها بِالْخِطَابِ ستغلبون وَهَذَا من أدل دَلِيل على نبوته صلى الله عَلَيْهِ وسلم لِأَنَّهُ أخْبرهُم عَن الْغَيْب بِمَا لم يكن أَنه سَيكون فَكَانَ كَمَا قَالَ وَالْحجّة لمن قَرَأَ بِالْيَاءِ أَنه خَاطب نبيه بذلك وهم غيب فَكَانَت الْيَاء أولى لمَكَان الْغَيْبَة وَالِاخْتِيَار فِي ترونهم التَّاء كَقَوْلِه قد كَانَ لكم وَلم يقل لَهُم لِأَن الرُّؤْيَة للْكفَّار وَالْهَاء وَالْمِيم كِنَايَة عَن الْمُسلمين
قَوْله تَعَالَى ورضوان من الله يقْرَأ بِكَسْر الرَّاء وَضمّهَا فالحجة لمن كسرهَا أَنه مصدر وَالْأَصْل فِيهِ رضيت رضى ثمَّ زيدت الْألف وَالنُّون فَردَّتْ الْيَاء الى أَصْلهَا كَمَا كَانَ الأَصْل فِي كفران كفرا
وَلمن ضم حجتان أحداهما أَنه فرق بَين الِاسْم والمصدر وَالثَّانيَِة أَن الضَّم فِي المصادر مَعَ زِيَادَة الْألف وَالنُّون أَكثر وَأشهر كَقَوْلِه فَلَا كفران لسعيه وَالشَّمْس وَالْقَمَر بحسبان
فان قيل فان من قرا بِالضَّمِّ هَا هُنَا قَرَأَ بِالْكَسْرِ فِي قَوْله من اتبع رضوانه فَقل انما أَتَى باللغتين ليعلمك جوازهما(1/106)
سُورَة آل عمرَان
قَوْله تَعَالَى
إِن الدّين عِنْد الله الاسلام يقْرَأ بِفَتْح همزَة إِن وَكسرهَا فالحجة فتح أَنه أوقع عَلَيْهَا الشَّهَادَة فَجَعلهَا بَدَلا من الأولى
وَمن كسرهَا جعلهَا مُبتَدأَة لِأَن الْكَلَام قد تمّ دونهَا بِوُقُوع الشَّهَادَة على الأولى
قَوْله تَعَالَى وَيقْتلُونَ النَّبِيين قُرِئت بِأَلف من الْمُقَاتلَة وَبِغير ألف من الْقَتْل فالحجة لمن قَرَأَهُ بِالْألف أَن الْمَشْهُور من أفعالهم كَانَ الْمُقَاتلَة لَا الْقَتْل وَالْحجّة لمن قَرَأَهُ بِغَيْر ألف مَا أخبر الله تَعَالَى عَنْهُم فِي قَوْله فَلم تقتلون أَنْبيَاء الله لِأَن ذَلِك أبلغ فِي ذمهم وَأثبت للحجة عَلَيْهِم
قَوْله تَعَالَى وَتخرج الْحَيّ من الْمَيِّت يقْرَأ بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيف فالحجة لمن شدد أَن الأَصْل فِيهِ عِنْد الْفراء مويت وَعند سِيبَوَيْهٍ ميوت فَلَمَّا اجْتمعت الْوَاو وَالْيَاء وَالسَّابِق مِنْهُمَا سَاكن قلبت الْوَاو يَاء وأدغمت فِي الْيَاء فالتشديد لأجل ذَلِك وَمثله صيب وَسيد وهين ولين وَالْحجّة لمن خفف أَنه كره الْجمع بَين ياءين وَالتَّشْدِيد ثقيل فَخفف باختزال احدى الياءين اذ كَانَ اختزالها لَا يخل بِلَفْظ الِاسْم وَلَا يحِيل مَعْنَاهُ
قَوْله تَعَالَى تقاة يقْرَأ بالامالة والتفخيم فالحجة لمن أمال أَنه دلّ بالامالة على أَن أصل الْألف الْيَاء لِأَنَّهَا تقية فَانْقَلَبت الْيَاء ألفا لتحركها وانفتاح مَا قبلهَا كَمَا قَالُوا سَار وَبَاعَ وَالْحجّة لمن فخم أَن لفظ الْيَاء قد زَالَ بانقلابها فَزَالَ حكمهَا كَمَا قَالُوا قُضَاة ورماة
فَإِن قيل فَلم أمال حَمْزَة هَذِه وَفتح قَوْله حق تُقَاته فَقل لَهُ فِي ذَلِك حجتان احداهما أَنه اتبع بِلَفْظِهِ خطّ السوَاد فأمال مَا ثَبت فِيهِ بِالْيَاءِ وفخم مَا ثَبت فِيهِ بِالْألف وَالْأُخْرَى أَنه أَتَى باللغتين لجوازهما عِنْده(1/107)
سُورَة آل عمرَان
قَوْله تَعَالَى بِمَا وضعت يقرأبإسكان التَّاء وَضمّهَا فالحجة لم أسكن أَنه جعله من إِخْبَار الله تَعَالَى عَن أم مَرْيَم وَالتَّاء دَلِيل على التَّأْنِيث وَلَيْسَت باسم وَالْحجّة لمن ضم أَنه حكى عَن أم مَرْيَم مَا أخْبرت بِهِ عَن نَفسهَا فالتاء هَا هُنَا اسْم وانما بني على الْحَرَكَة لضَعْفه بِأَنَّهُ حرف وَاحِد
قَوْله تَعَالَى وكفلها يقْرَأ بتَشْديد الْفَاء وتخفيفها فالحجة لمن شدد أَنه عدى بِالتَّشْدِيدِ الْفِعْل الى مفعولين إِحْدَاهمَا الْهَاء والالف المتصلتان بِالْفِعْلِ وَالثَّانِي زَكَرِيَّا وَبِه ينْتَصب زَكَرِيَّا فِي قِرَاءَة من شدد الْفَاء لِأَنَّهُ عطفه على قَوْله فتقبلها رَبهَا وكفلها وَالْحجّة لمن خفف الْفَاء أَنه جعل الْفِعْل ل زَكَرِيَّا فرفعه بِالْحَدِيثِ عَنهُ وَجعل مَا اتَّصل بِالْفِعْلِ من الْكِنَايَة مَفْعُولا لَهُ وَدَلِيله على ذَلِك قَوْله أَيهمْ يكفل مَرْيَم وزَكَرِيا يمد وَيقصر وَلَا يجرى للتعريف والعجمة
قَوْله تَعَالَى فنادته الْمَلَائِكَة يقرأبالتاء وَالْألف فالحجة لمن قَرَأَ بِالتَّاءِ أَن الْمَلَائِكَة جمَاعَة فَدلَّ بِالتَّاءِ على معنى الْجَمَاعَة وَالدَّلِيل على ذَلِك قَوْله وَإِذا قَالَت الْمَلَائِكَة وَالْحجّة لمن قَرَأَ بِالْألف أَن الْفِعْل مقدم فَأثْبت بِالْألف كَمَا أَقُول رَمَاه الْقَوْم وعاداه الرِّجَال وَمَعَ ذَلِك فالملائكة هَاهُنَا جِبْرِيل فَذكر الْفِعْل للمعنى
قَوْله تَعَالَى أَن الله يبشرك يقْرَأ بِضَم الْيَاء مَعَ التَّشْدِيد وَبِفَتْحِهَا مَعَ التَّخْفِيف(1/108)
سُورَة آل عمرَان
وهما لُغَتَانِ فصيحتان وَالتَّشْدِيد أَكثر وَالتَّخْفِيف حسن مُسْتَعْمل
فَإِن قيل لم خَالف أَبُو عَمْرو أَصله فَخفف قَوْله ذَلِك الَّذِي يبشر الله عباده فَقل ان أَبَا عَمْرو فرق بَين الْبشَارَة والنضارة فَمَا صحبته الْبَاء شدد فِيهِ لِأَنَّهُ من الْبُشْرَى وَمَا سَقَطت مِنْهُ الْبَاء خففه لِأَنَّهُ من الْحسن والنضرة وَهَذَا من أدل الدَّلِيل على مَعْرفَته بتصاريف الْكَلَام غير أَن التَّخْفِيف لَا يَقع إِلَّا فِيمَا سر وَالتَّشْدِيد يَقع فِيمَا سر وضر فَإِن قيل فَمَا وَجه قَوْله تَعَالَى وَأَبْشِرُوا بِالْجنَّةِ فَقل كل فعل جَازَ فِيهِ فعل وَفعل اعْترض بَينهمَا أفعل
قَوْله تَعَالَى ونعلمه يقرا بالنُّون وَالْيَاء فالحجة لمن قَرَأَهُ بالنُّون أَنه جعله من إِخْبَار الله تَعَالَى عَن نَفسه عاطفا بِهِ على قَوْله نوحيه إِلَيْك
فَإِن قيل فالنون اخبار عَن الْجَمَاعَة فَقل هَذِه النُّون لَا يخبر بهَا عَن نَفسه إِلَّا ذُو الممالك والاتباع لِأَن من تحويه يَده لَا يخرج عَن أمره فَكَانَ إخْبَاره بالنُّون عَن نَفسه وعنهم وَالْحجّة لمن قَرَأَ بِالْيَاءِ أَنه من أَخْبَار الْملك عَن الله عز وجلّ بِمَا يَفْعَله بِهِ عطفا على قَوْله كَذَلِك الله يخلق مَا يَشَاء
قَوْله تَعَالَى أَنِّي أخلق لكم يقْرَأ بِكَسْر همزَة إِن وَفتحهَا فالحجة لمن كسر أَنه أضمر القَوْل يُرِيد ورسولا يَقُول إِنِّي أَو يبتدئها مستأنفا من غير إِضْمَار وَالْحجّة لمن فتح أَنه جعلهَا بَدَلا من قَوْله أَنِّي قد جِئتُكُمْ(1/109)
سُورَة آل عمرَان
قَوْله تَعَالَى فيوفيهم يقرا بِالْيَاءِ وَالنُّون فالحجة لمن قَرَأَ بالنُّون أَنه رده على قَوْله فأعذبهم وَالْحجّة لمن قَرَأَ بِالْيَاءِ قَوْله بعد ذَلِك وَالله لَا يحب الظَّالِمين
قَوْله تَعَالَى كن فَيكون يقْرَأ بِالرَّفْع وَالنّصب وَقد تقدّمت الْحجَّة للقراءتين فِي الْبَقَرَة
وَجُمْلَة القَوْل فِيهِ أَن الْمَاضِي إِذا صلح لَفظه بعد الْجَواب بِالْفَاءِ لم يجز فِيهِ الا الرّفْع لِأَنَّهُ وَاجِب وانما يَصح النصب فِيمَا لم يجب وَلَيْسَ يمْتَنع فِي قَوْله تَعَالَى أَن يَقُول كن فَكَانَ
قَوْله تَعَالَى هَا أَنْتُم هَؤُلَاءِ يقرا بِالْمدِّ وَالْقصر والهمز وبالمد من غير همز فالحجةلمن مد وهمز أَنه جعل هَا تَنْبِيها ثمَّ اتى بعْدهَا بقوله أَنْتُم على طَرِيق الْإِخْبَار من غير اسْتِفْهَام وَمد حرفا لحرف أَو يكون أَرَادَ الِاسْتِفْهَام والتفرقة بَين الهمزتين بِمدَّة ثمَّ قلب من الْهمزَة الأولى هَاء كَمَا قَالُوا هياك أردْت وبقى الْكَلَام على مَا كَانَ عَلَيْهِ وَالْحجّة لمن قصر وهمز أَنه أَرَادَ أأنتم بهمزتين فَقلب الأولى هَاء كَرَاهِيَة للْجمع بَينهمَا وبقى همزَة أَنْتُم بِحَالِهَا وَالْحجّة لمن مد من غير همز أَنه أَرَادَ آنتم بِهَمْزَة وَمُدَّة فَقلب الْهمزَة هَاء وبقى الْمَدّ وَهَذَا وَالْوَجْه ضَعِيف لِأَنَّهُ إِنَّمَا جعل الْهمزَة مُدَّة لِاجْتِمَاع همزتين فإدا قلب الأولى فقد زَالَ الثّقل
قَوْله تَعَالَى أَن يُؤْتى يقرأبالمد وَالْقصر فالحجة لمن مد أَنه أَرَادَ التَّقْرِير والتوبيخ بِلَفْظ الِاسْتِفْهَام فَمد ملينا للهمزة الثَّانِيَة وَالْحجّة لمن قصر أَنه أَتَى بِلَفْظ(1/110)
سُورَة آل عمرَان أَن على جِهَة الْإِخْبَار وَمَعْنَاهُ إِن الْهدى هدى الله لِأَن يُؤْتى وَبِأَن يُؤْتى
قَوْله تَعَالَى يؤده إِلَيْك يقْرَأ بإشباع كسرة الْهَاء وَلَفظ يَاء بعْدهَا وباختلاس الْحَرَكَة من غير يَاء وبإسكان الْهَاء من غير حَرَكَة فالحجة لمن أشْبع وأتى بِالْبَاء أَنه لما سَقَطت الْيَاء للجزم أفْضى الْكَلَام إِلَى هَاء قبلهَا كسرة فأشبع حركتها فَرد مَا كَانَ يجب فِي الأَصْل لَهَا وَالْحجّة لمن اختلس الْحَرَكَة أَن الأَصْل عِنْده يُؤَدِّيه إِلَيْك فَزَالَتْ الْيَاء للجزم وَبقيت الْحَرَكَة مختلسة على أصل مَا كَانَت عَلَيْهِ وَالْحجّة لمن أسكن أَنه لما أتصلت الْهَاء بِالْفِعْلِ اتِّصَالًا صَارَت مَعَه كبعض حُرُوفه وَلم ينْفَصل مِنْهُ وَكَانَ كالكلمة الْوَاحِدَة خففه بِإِسْكَان الْهَاء كَمَا خفف يَأْمُركُمْ وينصركم وَلَيْسَ بمجزوم وَقد عيب بذلك فِي غير مَوضِع عيب فَهَذَا أصل لكل فعل مجزوم اتَّصَلت بِهِ هَاء فَإِن كَانَ قبل الْهَاء كسرة فاكسره واختلس وأسكن وَإِن كَانَ قبل الْهَاء فَتْحة فاضمم الْهَاء وَألْحق الْوَاو واختلس أَو أسكن وَالْحجّة فِي ذَلِك مَا قدمْنَاهُ فاعرفه فَإِنَّهُ أصل لما يرد من إشكاله إِن شَاءَ الله
قَوْله تَعَالَى وَلَا يَأْمُركُمْ يقْرَأ بِالرَّفْع وَالنّصب والإسكان فالحجة لمن نصب أَنه رده على قَوْله أَن يؤتيه الله الْكتاب وَالْحجّة لمن رفع أَنه اسْتَأْنف مبتدئا وَدَلِيله أَنه فِي قِرَاءَة عبد الله وَلنْ يَأْمُركُمْ فَلَمَّا فقد الناصب عَاد إِلَى أَعْرَاب مَا وَجب لَهُ بالمضارعة وَالْحجّة لمن أسكن تَخْفِيفًا فِي ذَوَات الرَّاء فقد أَتَيْنَا عَلَيْهَا فِيمَا مضى
قَوْله تَعَالَى لما آتيتكم يقْرَأ بِكَسْر اللَّام وَفتحهَا فالحجةلمن كسر أَنه جعلهَا خافضة وَجعل مَا بِمَعْنى الَّذِي وَالْمعْنَى للَّذي أتيتكم وَالْحجّة لمن فتح أَنه جعلهَا لَام التَّأْكِيد وَجعل مَا فاصلة كَقَوْلِه فبمَا رَحْمَة من الله أَو تكون لَام الْيَمين وَمَا(1/111)
سُورَة آل عمرَان بعْدهَا شَرط وَالْجَوَاب لتؤمنن بِهِ
قَوْله تَعَالَى آتيتكم يقرا يالنون وَالْألف وبالتاء من غير ألف فالحجة لمن قرا بالنُّون أَن الله تَعَالَى أخبر عَن نَفسه بنُون الملكوت على مَا قدمْنَاهُ وَالْحجّة لمن قرا بِالتَّاءِ أَنه أَتَى بالْكلَام على مَا يُوجِبهُ الْإِخْبَار عَن الْمُتَكَلّم إِذا أخبر بِفِعْلِهِ عَن نَفسه وَمثله فِي الْحَج فكأين من قَرْيَة أهلكتها وأهلكناها والخبران باللفظين عَن الله عز وجلّ
قَوْله تَعَالَى بِمَا كُنْتُم تعلمُونَ الْكتاب يقْرَأ بِضَم التَّاء وَالتَّشْدِيد وَبِفَتْحِهَا وَالتَّخْفِيف فالحجة لمن شدد أَنه أبلغ وأمدح لأَنهم مَا علمُوا حَتَّى علمُوا فَعَلمُوا غَيرهم ودرسوا لأَنْفُسِهِمْ وَالْحجّة لمن خفف أَنه أَتَى بِاللَّفْظِ الأول ليُوَافق بِهِ اللَّفْظ الثَّانِي وَهَذَا من شَرطه أَنه يحمل بعض الْكَلَام على بعض للموافقة
قَوْله تَعَالَى أفغير دين الله يَبْغُونَ وَإِلَيْهِ يرجعُونَ يقرآن بِالْيَاءِ وَالتَّاء فالحجة لمن قرأهم بِالتَّاءِ أَنه أَرَادَ قل لَهُم يَا مُحَمَّد مُخَاطبا أفغير دين الله تبغون أَي تطلبون وَأَنْتُم عالمون أَنكُمْ إِلَيْهِ ترجعون وَالْحجّة لمن قرا بِالْيَاءِ أَنه إِخْبَار من الْكفَّار كَأَن الله عز وجلّ عجب نبيه عَلَيْهِ السَّلَام مِنْهُم فَقَالَ لَهُ أفغير دين الله يَبْغُونَ مَعَ علمهمْ أَنهم إِلَيْهِ يرجعُونَ وَالْحجّة لمن قرا الأول بِالْيَاءِ وَالثَّانِي بِالتَّاءِ أَنه فرق بَين الْمَعْنيين فَجعل الأول للْكفَّار وأشرك الْمُؤمنِينَ فِي الرُّجُوع مَعَهم وَهَذَا حذق بِالْقِرَاءَةِ وَمَعْرِفَة بمعانيها
قَوْله تَعَالَى وَللَّه على النَّاس حج الْبَيْت يقْرَأ بِكَسْر الْحَاء وَفتحهَا فالحجة لمن كسر أَنه أَرَادَ الِاسْم وَالْحجّة لمن فتح أَنه أَرَادَ الْمصدر ومعناهما فِي اللُّغَة الْقَصْد(1/112)
سُورَة آل عمرَان
قَوْله تَعَالَى وَمَا يَفْعَلُوا من خير فَلَنْ يكفروه يقْرَأ بِالْيَاءِ وَالتَّاء وَالْأَمر فيهمَا قريب
فَمن قرأهما بِالتَّاءِ جعل الْخطاب للحاضرين وَأدْخل الْغَيْب فِي الْجُمْلَة
وَمن قَرَأَ بِالْيَاءِ وَجه الْخطاب إِلَى الْغَيْب وَأدْخل الْحَاضِرين فِي الْجُمْلَة وَلِهَذَا الْمَعْنى كَانَ أَبُو عَمْرو يُخَيّر بَينهمَا
قَوْله تَعَالَى وَلَا يضركم يقْرَأ بِكَسْر الضَّاد وَإِسْكَان الرَّاء وَالتَّخْفِيف وبضم الضَّاد وَالرَّاء وَالتَّشْدِيد فالحجة لمن كسر وخفف أَنه أَخذه من الضير وَدَلِيله قَوْله تَعَالَى لَا ضير إِنَّا إِلَى رَبنَا منقلبون وَسُكُون الرَّاء عَلامَة للجزم لِأَنَّهُ جَوَاب للشّرط وَالْحجّة لمن شدد أَنه أَخذه من الضّر الَّذِي هُوَ ضد النَّفْع وَأَصله يضرركم فَنقل حَرَكَة الرَّاء إِلَى الضَّاد وأسكن الرَّاء الأولى وَدخل الْجَازِم فأسكن الثَّانِيَة فصارتا رَاء مُشَدّدَة وحركت لالتقاء الساكنين فَلَا عَلامَة للجزم فِيهَا وَشَاهد ذَلِك قَول الشماخ ... مَتى مَا تقع أرساغه مطمئنة ... على حجر يرفض أَو يتدحرج ...
قَوْله تَعَالَى منزلين يقْرَأ بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيف فالحجة لمن شدد أَنه أَخذه من نزل فَهُوَ منزل وَالْمَلَائِكَة منزلون وَالْحجّة لمن خفف أَنه أَخذه من أنزل فَهُوَ منزل وَالْمَلَائِكَة منزلون إِلَّا أَن التَّشْدِيد لتكرير الْفِعْل ومداومته كَمَا ذكرت لَك
قَوْله تَعَالَى مسومين يقْرَأ بِكَسْر الْوَاو وَفتحهَا فالحجة لمن كسر أَنه جعل التسويم للخيل وَالْمَلَائِكَة مسومة لَهَا وَالْحجّة لمن فتح أَنه جعل التسويم للْمَلَائكَة وَالله عز وجلّ فَاعل بهَا والتسويم الْإِعْلَام فَهُوَ فِي الْخَيل صوف أَحْمَر وَقيل أَبيض فِي أذنابها وآذانها وَفِي الْمَلَائِكَة بعمائم صفر وَلذَلِك أعلم حَمْزَة فِي ذَلِك الْيَوْم بريشة(1/113)
سُورَة آل عمرَان نعام وَمِنْه قَوْله عز وجلّ سِيمَاهُمْ فِي وُجُوههم
قَوْله تَعَالَى إِن يمسسكم قرح يقْرَأ بِفَتْح الْقَاف وَضمّهَا فالحجة لمن فتح أَنه أَرَادَ الْجرْح بِأَعْيَانِهَا وَالْحجّة لمن ضم أَنه أَرَادَ ألم الْجراح وَقيل هما لُغَتَانِ فصيحتان كالجهد والجهد
قَوْله تَعَالَى وكأين من نَبِي يقرا وكأين على وزن كعين وَيقْرَأ وكائن على وزن كاعن وهما لُغَتَانِ مَعْنَاهُمَا معنى كم الَّتِي يسْأَل بهَا عَن الْعدَد إِلَّا أَنَّهَا لم تقو على نصب التَّمْيِيز قُوَّة كم فألزمت من لِضعْفِهَا عَن الْعَمَل
قَوْله تَعَالَى قَاتل مَعَه يقرا بِفَتْح الْقَاف وَإِثْبَات الْألف وَبِضَمِّهَا وَحذف الْألف فالحجة لمن أثبت الْألف أَنه جعل الْفِعْل للربيين فرفعهم بِهِ لِأَنَّهُ حَدِيث عَنْهُم وَالْحجّة لمن ضم الْقَاف أَنه جعله فعل مَا لم يسم فَاعله وَأخْبر بِهِ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وسلم وَرفع الربيون بِالِابْتِدَاءِ وَالْخَبَر مَعَه وَدَلِيله قَوْله أَفَإِن مَاتَ أَو قتل
قَوْله تَعَالَى الرعب يقرأبإسكان الْعين وَضمّهَا فالحجة لمن أسكن أَن الأَصْل الضَّم فثقل عَلَيْهِ الْجمع بَين ضمتين متواليتين فأسكن وَالْحجّة لمن ضم أَن الأَصْل عِنْده الإسكان فأتبع الضَّم الضَّم ليَكُون اللَّفْظ فِي مَوضِع وَاحِد كَمَا قَرَأَ عِيسَى بن عمر تبَارك الَّذِي بِيَدِهِ الْملك بِضَمَّتَيْنِ وَكَيف كَانَ الاصل فهما لُغَتَانِ
قَوْله تَعَالَى يغشى طَائِفَة مِنْكُم يقْرَأ بِالْيَاءِ وَالتَّاء فالحجة لمن قَرَأَهُ بِالْيَاءِ(1/114)
سُورَة آل عمرَان أَنه رده على النعاس وَالْحجّة لمن قَرَأَهُ بِالتَّاءِ أَنه رده على الأمنة
وكل مَا فِي كتاب الله مِمَّا قد رد آخِره على أَوله يجْرِي على وُجُوه أَولهَا أَنه يرد على أقرب اللَّفْظَيْنِ كَقَوْلِه وَالَّذين يكنزون الذَّهَب وَالْفِضَّة وَلَا يُنْفِقُونَهَا وَالثَّانِي أَن يرد إِلَى الأهم عِنْدهم كَقَوْلِه وَإِذا رَأَوْا تِجَارَة أَو لهوا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَالثَّالِث أَن يرد إِلَى الْأَجَل عِنْدهم كَقَوْلِه وَالله وَرَسُوله أَحَق أَن يرضوه وَالرَّابِع أَن يجتزا بالاخبار عَن أَحدهمَا ويضمر للْآخر مثل مَا أظهر كَقَوْلِه أَن الله بَرِيء من الْمُشْركين وَرَسُوله
قَوْله تَعَالَى قل إِن الْأَمر كُله لله يقرأبالنصب وَالرَّفْع فالحجة لمن نصب أَنه جعله تَأْكِيدًا لِلْأَمْرِ وَللَّه الْخَبَر وَالْحجّة لمن رفع أَنه جعله مُبْتَدأ وَللَّه الْخَبَر وَالْجُمْلَة خبر إِن
قَوْله تَعَالَى وَلَئِن متم أَو قتلتم يقرأبضم الْمِيم وَكسرهَا فالحجة لمن ضم أَنه أجراه على أَصله من ذَوَات الْوَاو كَقَوْلِك قلت تَقول وجلت تجول وَالْحجّة لمن كسر أَنه بناه على خفت تخَاف ونمت تنام وَالضَّم أفْصح وَأشهر
قَوْله تَعَالَى وَالله بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِير يقْرَأ بِالْيَاءِ وَالتَّاء وَقد تقدم من الْحجَّة فِي أَمْثَاله مَا يُغني عَن إِعَادَته
قَوْله تَعَالَى وَمَا كَانَ لنبيي أَن يغل يقْرَأ بِفَتْح الْيَاء وَضم الْغَيْن وبضم الْيَاء وَفتح الْغَيْن فالحجة لمن فتح الْيَاء أَنه جعله من الْغلُول وَمَعْنَاهُ أَن يخون أَصْحَابه بِأخذ شَيْء من الْغَنِيمَة خُفْيَة(1/115)
سُورَة آل عمرَان وَالْحجّة لمن ضم الْيَاء أَنه أَرَادَ أحد وَجْهَيْن إِمَّا من الْغلُول وَمَعْنَاهُ أَن يخون لِأَن بعض الْمُنَافِقين قَالَ يَوْم بدر وَقد فقدت قطيفة حَمْرَاء من الْغَنِيمَة خاننا مُحَمَّد وغلنا فأكذبه الله عز وجلّ وَإِمَّا من الغل وَهُوَ قبض الْيَد إِلَى الْعُنُق وَدَلِيله قَول ابْن عَبَّاس قد كَانَ لَهُم أَن يغلو النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وسلم وَأَن يقتلوه والغل مَعْرُوف والغل الْمصدر والغل الحقد والغلل المَاء فِي اصول الشّجر والغليل حرارة الْعَطش
قَوْله تَعَالَى وَأَن الله لَا يضيع أجر الْمُؤمنِينَ يقْرَأ بِكَسْر الْهمزَة وَفتحهَا فالحجة لمن كسر أَنه جعلهَا مُبتَدأَة وَدَلِيله قِرَاءَة عبد الله وَالله لَا يضيع بِغَيْر إِن وَالْحجّة لمن فتح أَنه عطف على قَوْله يستبشرون بِنِعْمَة من الله وَفضل وَأَن الله يُرِيد وَبِأَن الله
قَوْله تَعَالَى وَلَا يحزنك يقْرَأ بِفَتْح الْيَاء وَضم الزَّاي وبضم الْيَاء وَكسر الزَّاي فالحجةلمن فتح الْيَاء أَنه أَخذه من حزن يحزن حزنا وَالْحجّة لمن ضم الْيَاء أَنه أَخذه من أَحْزَن يحزن حزنا وَلم يسمع إحزانا وَإِن كَانَ الْقيَاس يُوجِبهُ
وَقَالَ الْخَلِيل جَاءَ عَنْهُم ضم الْحَاء فِي مَوضِع الرّفْع والخفض كَقَوْلِه وابيصت عَيناهُ من الْحزن وَجَاء عَنْهُم الْفَتْح فِي مَوضِع النصب كَقَوْلِه أذهب عَنَّا الْحزن قَوْله تَعَالَى وَلَا يَحسبن الَّذين كفرُوا أَنما نملي لَهُم وَمَا بعده فِي الْأَرْبَعَة مَوَاضِع يقْرَأن بِالْيَاءِ وَالتَّاء(1/116)
سُورَة آل عمرَان
فَمن قرأبالتاء جعل الْخطاب للنَّبِي مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وسلم وَكَانَ الَّذين فِي مَوضِع نصب بالحسبان وَهُوَ الْمَفْعُول الأول وَمَا بعده مَوضِع الْمَفْعُول الثَّانِي
وَمن قرا بِالْيَاءِ جعل الَّذين فِي مَوضِع رفع بفعلهم وَمَا بعدهمْ مفعول لَهُم
فَأَما قَوْله يحسبنهم بِالْيَاءِ فَمَعْنَاه فَلَا يَحسبن أنفسهم وَإِنَّمَا يجوز الْإِخْبَار بِالْكِنَايَةِ عَن النَّفس فِي أَفعَال الشَّك لِأَنَّهَا لَيست بِأَفْعَال حَقِيقِيَّة فَأَما قَوْلك ضرب زيد نَفسه فَلَا يجوز فِيهِ ضربهَا لِأَن الْفَاعِل بِالْكُلِّيَّةِ لَا يكون مَفْعُولا بِالْكُلِّيَّةِ وَإِنَّمَا جَاءَ ذَلِك عَن الْعَرَب فِي حسبتني وخلتني ورأيتني وَمِنْه قَوْله أَن رَآهُ اسْتغنى والمفازة هَا هُنَا الْبعد والفوز وَالظفر
فَإِن قيل فَإِذا كَانَت أَفعَال الظَّن لَا بُد لَهَا من مغعولين فَأَيْنَ هما فِي قَوْله أَنما نملي لَهُم على قِرَاءَة من قَرَأَ بِالْيَاءِ فَقل لما كَانَت حسب لَا بُد لَهَا من اسْمَيْنِ أَو مَا قَامَ مقامهما وَكَانَ الظَّن كَذَلِك نَاب شَيْئَانِ عَن شَيْئَيْنِ
قَوْله تَعَالَى لقد سمع الله يقْرَأ بإدغام الدَّال فِي السِّين وإظهارها وَكَانَ الْكسَائي يَقُول إدغامها أَكثر وافصح وَأشهر وإظهارها لكنة ولحن وَقد ذكرت الْعلَّة فِي الْإِدْغَام والإظهار آنِفا
قَوْله تَعَالَى سنكتب مَا قَالُوا يقْرَأ بالنُّون مَفْتُوحَة وبالياء مَضْمُومَة
فَمن قَرَأَ بالنُّون جعله إِخْبَارًا من الله تَعَالَى عَن نَفسه وَهُوَ الْفَاعِل لذَلِك وَمَا فِي مَوضِع نصب يتَعَدَّى الْفِعْل إِلَيْهَا وَهِي وصلتها بِمَعْنى الْمصدر وقتلهم عطف عَلَيْهِ
وَمن قَرَأَ بِالْيَاءِ جعله فعل مَا لم يسم فَاعله فَيكون حِينَئِذٍ مَا وَمَا عطف عَلَيْهَا فِي مَوضِع رفع(1/117)
سُورَة النِّسَاء
قَوْله تَعَالَى حَتَّى يُمَيّز يقرأبضم الْيَاء وَالتَّشْدِيد وَبِفَتْحِهَا وَالتَّخْفِيف فالحجة لمن خفف أَنه أَخذه من ماز يُمَيّز وَالْحجّة لمن شدد أَنه أَخذه من ميز يُمَيّز وَمَعْنَاهُ التَّفْرِقَة بَين الشَّيْئَيْنِ
قَوْله تَعَالَى بِالْبَيِّنَاتِ والزبر يقرا بِإِثْبَات الْبَاء فِي الزبر وطرحها وَهِي فِي مصاحف أهل الشَّام بِالْبَاء
وَاخْتلف النحويون فِي ذَلِك فَقَالَت طَائِفَة إِثْبَاتهَا وطرحها بِمَعْنى وَاحِد
وَفرق الْخَلِيل بَينهمَا فَقَالَ إِذا قلت مَرَرْت بزيد وَعَمْرو فكأنك مَرَرْت بهما فِي مُرُور وَاحِد وَإِذا قلت مَرَرْت بزيد وبعمرو فكأنك قد مَرَرْت بهما فِي مرورين حَتَّى تقع الْفَائِدَة بِإِثْبَات الْحَرْف لِأَنَّهُ جَاءَ لِمَعْنى
وَمن سُورَة النِّسَاء
قَوْله تَعَالَى الَّذِي تساءلون بِهِ والأرحام يقرا بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيف فالحجة لمن خفف أَنه أَرَادَ تتساءلون فأسقط إِحْدَى التَّاءَيْنِ تَخْفِيفًا وَالْحجّة لمن شدد أَنه أسكن التَّاء الثَّانِيَة وأدغمها فِي السِّين للمقاربة فَلَزِمَهُ التَّشْدِيد لذَلِك
قَوْله تَعَالَى والأرحام يقْرَأ بِالنّصب والخفض فالحجة لمن نصب أَنه عطفه على الله تَعَالَى وَأَرَادَ وَاتَّقوا الْأَرْحَام لَا تقطعوها فَهَذَا وَجه الْقِرَاءَة عِنْد الْبَصرِيين لأَنهم أَنْكَرُوا الْخَفْض ولحنوا الْقَارئ بِهِ وأبطلوه من وُجُوه أَحدهَا أَنه لَا يعْطف بِالظَّاهِرِ على مُضْمر المخفوض إِلَّا بِإِعَادَة الْخَافِض لِأَنَّهُ مَعَه كشيء وَاحِد لَا ينْفَرد مِنْهُ وَلَا يُحَال بَينه وَبَينه وَلَا يعْطف عَلَيْهِ غلا بِإِعَادَة الْخَافِض وَالْعلَّة فِي ذَلِك أَنه لما كَانَ الْعَطف على الْمُضمر الْمَرْفُوع قبيحا حَتَّى يُؤَكد لم يكن بعد الْقبْح إِلَّا الِامْتِنَاع وَأَيْضًا فَإِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وسلم نَهَانَا أَن نحلف بِغَيْر الله فَكيف ننهى عَن شَيْء وَيُؤْتى بِهِ وَإِنَّمَا يجوز مثل ذَلِك فِي نظام الشّعْر ووزنه اضطرارا كَمَا قَالَ الشَّاعِر(1/118)
سُورَة النِّسَاء ... فاليوم قد بت تهجونا وتشتمنا ... فَاذْهَبْ فَمَا بك والايام من عجب ...
وَلَيْسَ فِي الْقُرْآن بِحَمْد الله مَوضِع اضطرار هَذَا احتجاج الْبَصرِيين
فَأَما الْكُوفِيُّونَ فأجازوا الْخَفْض وَاحْتَجُّوا للقارئ بِأَنَّهُ أضمر الْخَافِض وَاسْتَدَلُّوا بِأَن العجاج كَانَ إِذا قيل لَهُ كَيفَ تجدك يَقُول خير عافاك الله يُرِيد بِخَير
وَقَالَ بَعضهم مَعْنَاهُ واتقوه فِي الْأَرْحَام أَن تقطعوها
وَإِذا كَانَ البصريون لم يسمعوا الْخَفْض فِي مثل هَذَا وَلَا عرفُوا إِضْمَار الْخَافِض فقد عرفه غَيرهم وَأنْشد ... رسم دَار وقفت فِي طلله ... كدت أَقْْضِي الْحَيَاة من خلله ...
أَرَادَ وَرب رسم دَار إِلَّا أَنهم مَعَ إجازتهم ذَلِك واحتجاجهم للقارئ بِهِ يختارون النصب فِي الْقِرَاءَة
قَوْله تَعَالَى الَّتِي جعل الله لكم قيَاما يقْرَأ بِإِثْبَات الْألف وطرحها وهما لُغَتَانِ وأصل الْيَاء فيهمَا وَاو وقلبت يَاء لكسرة مَا قبلهَا كَمَا قَالُوا ميعاد وميزان فالحجة لمن أثبت الْألف أَن الله تَعَالَى جعل الْأَمْوَال قيَاما لإمور عباده وَالْحجّة لمن طرحها أَنه أَرَادَ جمع قيمَة لِأَن الْأَمْوَال قيم لجَمِيع الْمُتْلفَات
فَإِن قيل فَإِن الَّتِي اسْم وَاحِد وَالْأَمْوَال جمع فَقل إِن كل جمع خَالف الادميين كَانَ كواحده الْمُؤَنَّث لِأَن لَفظه وَإِن كَانَ جمعا كَلَفْظِ الْوَاحِد وَمِنْه قَوْله حدائق ذَات بهجة فَإِن قيل فَهَلا كَانَ فِي التَّثْنِيَة كَذَلِك فَقل لما صَحَّ لفظ التَّثْنِيَة وَمَعْنَاهَا اقتصروا فِيهَا على لفظ وَاحِد وَلما وَقع الْجمع بِأَلْفَاظ فِي الْقلَّة وَالْكَثْرَة اتسعوا فِيهِ لاتساع مَعَانِيه(1/119)
سُورَة النِّسَاء
قَوْله تَعَالَى وسيصلون سعيرا يقرأبضم الْيَاء وَفتحهَا وهما لُغَتَانِ فالحجة لمن ضم أَنه جعله فعل مَا لم يسم فَاعله وَالْحجّة لمن فتح أَنه جعله فعلا لَهُم وَدَلِيله قَوْله إِلَّا من هُوَ صال الْجَحِيم وَقَالَ بعض اللغويين صليته النَّار شويته بهَا واصليته النَّار أحرقته فِيهَا
قَوْله تَعَالَى وَإِن كَانَت وَاحِدَة يقْرَأ بِالنّصب وَالرَّفْع وَالنّصب أصوب إِلَّا أَن يَجْعَل بِمَعْنى حدث وَوَقع وَقد ذكر ذَلِك فِي الْبَقَرَة
قَوْله تَعَالَى فلأمه السُّدس يقْرَأ بِضَم الْهمزَة وَكسرهَا فَمن كسرهَا فلكسرة اللَّام قبلهَا لِئَلَّا يخرج من كسر الى ضم وَمن ضم أَتَى بِالْكَلِمَةِ على أَصْلهَا لِأَنَّهُ لَا خلف بَين الْعَرَب فِي ضمهَا عِنْد إفرادها
قَوْله تَعَالَى يُوصي بهَا يقْرَأ بِكَسْر الصَّاد وَفتحهَا فالحجة لمن كسر أَنه جعل الْفِعْل للْمُوصي لِأَنَّهُ قد تقدم ذكره فِي قَوْله فلأمه وَالْحجّة لمن فتح أَنه جعله فعل مَا لم يسم فَاعله
قَوْله تَعَالَى يدْخلهُ جنَّات يقْرَأ بالنُّون وَالْيَاء وَكَذَلِكَ يدْخلهُ نَارا فالحجة لمن قَرَأَهَا بِالْيَاءِ قَوْله تَعَالَى فِي أول الْكَلَام وَمن يطع الله يدْخلهُ وَلَو كَانَ بالنُّون لقَالَ وَمن يطعنا وَالْحجّة لمن قراهما بالنُّون أَن الْعَرَب ترجع من الْخطاب إِلَى الْغَيْبَة وَمن الْغَيْبَة إِلَى الْخطاب كَقَوْلِه تَعَالَى حَتَّى إِذا كُنْتُم فِي الْفلك وجرين بهم وَلم يقل بكم وَمن ذَلِك قَول عنترة(1/120)
سُورَة النِّسَاء ... حلت بِأَرْض الزائرين فَأَصْبَحت ... عسرا على طلابك ابْنة مخرم ...
قَوْله تَعَالَى واللذان يأتيانها مِنْكُم يقْرَأ بتَشْديد النُّون وتخفيفها وَكَذَلِكَ مَا كَانَ فِي الْقُرْآن من نون التَّثْنِيَة فِي مثل هَذَا فالحجة لمن شدد أَنه جعل التَّشْدِيد عوضا من الْيَاء المحذوفة فِي الَّذِي كَمَا جعلهَا عوضا من الْألف فِي إِن هَذَانِ لساحران ليفرق بَين مَا قد سقط مِنْهُ حرف وَبَين مَا قد بنى على لَفظه وَتَمَامه وَالْحجّة لمن خفف أَن الْعَرَب قد تخذف طلبا للتَّخْفِيف من غير تعويض وتعوض طلبا للإتمام وكل من ألفاظها ومستعمل فِي كَلَامهَا فَأَما قَوْله فذانك فَإِن من شدد النُّون جعله تَثْنِيَة ذَلِك وَتَقْدِيره ذان لَك فَقلب من اللَّام نونا وأدغم
وَمن خفف جعله تَثْنِيَة ذَاك فَأتى بالنُّون الْخَفِيفَة للاثنين فَأَما دُخُول الْكَاف فِيهَا فلمعنى الْخطاب وَلَا مَوضِع لَهَا من الْإِعْرَاب وَالدَّلِيل على ذَلِك أَن النُّون لَا تثبت مَعَ الْإِضَافَة وَإِنَّمَا كسرت اللَّام فِي ذَلِك لسكونها وَسُكُون الْألف قبلهَا واختير لَهَا لِئَلَّا يلتبس بقَوْلهمْ فِي الْإِشَارَة ذالك إِذا أردْت هَذَا لَك ثمَّ خزلت الْهَاء فَأَما جمع ذَلِك ف أُولَئِكَ وَأما جمع ذَاك ف أولاك وَاللَّام فِي ذَلِك زَائِدَة لتراخي الْمشَار إِلَيْهِ
قَوْله تَعَالَى بِفَاحِشَة مبينَة يقْرَأ بِكَسْر الْيَاء وَفتحهَا هَا هُنَا وَفِي الْأَحْزَاب وَالطَّلَاق فالحجة لمن كسر أَنه جعل الْفَاحِشَة هِيَ الفاعلة والمبينة على فاعلها وَالْحجّة لمن فتح أَنه جعل الْفَاحِشَة مَفْعُولا بهَا وَالله تَعَالَى بَينهَا فَأَما قَوْله آيَات مبينات فالفتح فِيهَا بِمَعْنى مفسرات وَالْكَسْر بِمَعْنى مفصلات(1/121)
سُورَة النِّسَاء
قَوْله تَعَالَى أَن ترثوا النِّسَاء كرها يقْرَأ بِفَتْح الْكَاف وَضمّهَا فَقيل هما لُغَتَانِ بِمَعْنى وَقيل الْفَتْح للمصدر وَالضَّم للاسم وَقيل الْفَتْح لما كرهته وَالضَّم لما استكرهت عَلَيْهِ أَو شقّ عَلَيْك
قَوْله تَعَالَى الْمُحْصنَات يقْرَأ بِفَتْح الصَّاد وَكسرهَا فالحجة لمن فتح أَنه جَعلهنَّ مَفْعُولا بِهن لِأَن أَزوَاجهنَّ أحصنوهن وَالْحجّة لمن كسر أَنه جعل الْفِعْل لَهُنَّ أَي أحصن أَنْفسهنَّ فهن محصنات لَهَا أَي عفيفات أَو تكون أحصنت نَفسهَا بِالْإِسْلَامِ من الْفُجُور فَصَارَت مُحصنَة
وكل مَا فِي كَلَام الْعَرَب من أفعل فاسم الْفَاعِل فِيهِ مفعل إِلَّا ثَلَاثَة أحرف فَإِنَّهَا جَاءَت بِفَتْح الْعين أحصن فَهُوَ مُحصن وأسهب فِي القَوْل فَهُوَ مسهب وألفح إِذا أفلس فَهُوَ ملفح
قَوْله تَعَالَى وَأحل لكم يقرأبفتح الْهمزَة وَضمّهَا فالحجة لمن فتح قَوْله كتاب الله عَلَيْكُم لِأَن مَعْنَاهُ كتب الله كتابا عَلَيْكُم وَأحل لكم لِأَن ذَلِك أقرب إِلَى ذكر الله تَعَالَى وَالْحجّة لمن ضم أَنه عطفه على قَوْله حرمت عَلَيْكُم وَجَاز لَهُ ذَلِك لِأَنَّهُ إِنَّمَا يَأْتِي مَحْظُور بعد مُبَاح أَو مُبَاح بعد مَحْظُور وَأحل بعد حرم أحسن وأليق بِمَعْنى الْكَلَام
قَوْله تَعَالَى مدخلًا كَرِيمًا يقْرَأ بِضَم الْمِيم وَفتحهَا وَكَذَلِكَ مِمَّا شاكله فالحجة لمن ضم أَنه جعله مصدرا من أَدخل يدْخل وَدَلِيله قَوْله تَعَالَى وَقل رب أدخلني مدْخل مُصدق وأخرجني مخرج صدق وَالْحجّة لمن فتح أَنه جعله مصدرا من دخل يدْخل(1/122)
سُورَة النِّسَاء مدخلًا ودخولا وَدَلِيله قَوْله تَعَالَى حَتَّى مطلع الْفجْر وَيجوز أَن يكون الْفَتْح اسْما للمكان وَرُبمَا جَاءَ بِالضَّمِّ
قَوْله تَعَالَى واسألوا الله من فَضله يقْرَأ هُوَ وَمَا شاكله من الْأَمر بِالْهَمْز وَتَركه إِذا تقدّمت الْوَاو وَالْفَاء قبل الْفِعْل فالحجة لمن همز أَن الْهمزَة إِنَّمَا تسْقط فِيمَا كثر اسْتِعْمَاله من الْأَفْعَال فِي الْأَمر فَإِذا تقدّمت الْوَاو عَادَتْ الْهمزَة إِلَى أَصْلهَا وَدَلِيله قَوْله تَعَالَى وَأمر أهلك بِالصَّلَاةِ فاتفاقهم على همز ذَلِك يدل على ثبات الْهَمْز فِي هَذَا وَمَا ماثله وَالْحجّة لمن ترك الْهَمْز أَنه لما اتّفقت الْقُرَّاء والخط على حذف الْألف من قَوْله سل بني إِسْرَائِيل وَكَانَ أَصله أسأَل فِي الْأَمر فنقلوا فَتْحة الْهمزَة إِلَى السِّين فغنوا عَن ألف الْوَصْل لحركتها وَسَقَطت الْهمزَة المنقولة الْحَرَكَة لسكونها بالتليين وَسُكُون لَام الْفِعْل فَلَمَّا تقدّمت الْوَاو بَقِي الْكَلَام على مَا كَانَ عَلَيْهِ قبل دُخُولهَا
قَوْله تَعَالَى وَالَّذين عقدت يقْرَأ بِإِثْبَات الْألف وَالتَّخْفِيف وبترك الْألف وَتَخْفِيف الْقَاف فالحجة لمن أثبت الْألف أَنه جعله من المعاقدة وَهِي المحالفة فِي الْجَاهِلِيَّة أَنه يواليه ويرثه وَيقوم بثأره فَأمروا بِالْوَفَاءِ لَهُم ثمَّ نسخ ذَلِك بِآيَة الْمَوَارِيث فحسنت الْألف هَا هُنَا لِأَنَّهَا تَجِيء فِي بِنَاء فعل الِاثْنَيْنِ وَالْحجّة لمن حذف الْألف أَنه يَقُول هَا هُنَا صفة محذوفة وَالْمعْنَى وَالَّذين عقدت أَيْمَانكُم لَهُم الْحلف
قَوْله تَعَالَى ويأمرون النَّاس بالبخل يقْرَأ بِضَم الْيَاء واسكان الْخَاء وبفتحهما وهما لُغَتَانِ كَالْعدمِ والعدم والحزن والحزن وَقيل التحريك الْمصدر والإسكان الِاسْم
قَوْله تَعَالَى وَإِن تَكُ حَسَنَة يُضَاعِفهَا يقْرَأ بِنصب حَسَنَة ورفعها وبإثبات الْألف وطرحها وَقد ذكرت الْحجَّة فيهمَا آنِفا فأغنى عَن الْإِعَادَة هَا هُنَا(1/123)
سُورَة النِّسَاء
قَوْله تَعَالَى لَو تسوى بهم الأَرْض يقرا بِضَم التَّاء وَالتَّخْفِيف وَبِفَتْحِهَا وَالتَّشْدِيد وَقد ذكرت من عِلّة ذَلِك فِيمَا سلف مَا يدل على مَعْنَاهُ
قَوْله تَعَالَى بهم الأَرْض يقْرَأ بِكَسْر الْهَاء وَالْمِيم وبضمهما وبكسر الْهَاء وَضم الْمِيم فالحجة لمن كسرهما أَنه كسر الْهَاء لمجاورة الْبَاء وَالْمِيم لالتقاء الساكنين وَالْحجّة لمن صمهما أَنه ردهما إِلَى الأَصْل الَّذِي كَانَا عَلَيْهِ قبل دُخُول الْبَاء
وَمن كسر الْهَاء فلمجاورة الْبَاء وَبَقِي الْمِيم على أصل مَا كَانَت عَلَيْهِ وَأسْقط الْوَاو بعْدهَا تَخْفِيفًا وحرك الْمِيم بحركة قد كَانَت لَهَا فِي الأَصْل
قَوْله تَعَالَى أَو لامستم النِّسَاء يقرأبإثبات الْألف وطرحها فالحجة لمن أثبتها أَنه جعل الْفِعْل للرجل وَالْمَرْأَة وَدَلِيله أَن فعل الِاثْنَيْنِ لم يَأْتِ عَن فصحاء الْعَرَب إِلَّا ب فاعلت وب المفاعلة وأوضح الْأَدِلَّة على ذَلِك قَوْلهم جامعت الْمَرْأَة وَلم يسمع مِنْهُم جمعت وَالْحجّة لمن طرحها أَنه جعلهَا فعلا للرجل دون الْمَرْأَة وَدَلِيله قَوْله تَعَالَى إِذا نكحتم الْمُؤْمِنَات وَلم يقل ناكحتم
وكل قد ذهب من الْعَرَبيَّة مذهبا أبان بِهِ عَن فَضله وفصاحته
قَوْله تَعَالَى أَن اقْتُلُوا 000 أَو اخْرُجُوا قد تقدم القَوْل فِي الْحجَّة لَهُ
قَوْله تَعَالَى مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيل مِنْهُم تفرد ابْن عَامر بنصبه وَالرَّفْع وَجه الْقِرَاءَة لِأَن من شَرط الْمُسْتَثْنى إِذا أَتَى بعد مُوجب نصب وَإِذا أَتَى بعد منفي رفع فَقَالَ الْفراء محتتجا لَهُ إِنَّمَا نصب لِأَنَّهُ أَرَادَ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قليلالأن إلاعنده مركبة من إِن(1/124)
سُورَة النِّسَاء وَلَا كَمَا كَانَت لولامركبة من لَو وَلَا
وَقَالَ غَيره هُوَ مَنْصُوب بِفعل مُضْمر مَعْنَاهُ اسْتثْنى قَلِيلا مِنْهُم وَهَذَا احتجاج فِيهِ بعض الوهن لِأَنَّهُ يدْخل عَلَيْهِ مَا يُفْسِدهُ
وَالِاخْتِيَار فِي هَذَا أَنه رد لفظ النَّفْي على مَا كَانَ فِي الْإِيجَاب كَأَن قَائِلا قَالَ قد فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلا مِنْهُم فَرد عَلَيْهِ لَفظه مجحودا فَقَالَ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلا مِنْهُم كَمَا يَقُول قد قَامَ زيد فَيرد عَلَيْك مَا قَامَ زيد فَهَذَا وَجه قريب
وَوجه ثَان أَنَّك إِذا قلت مَا قَامَ أحد إِلَّا زيد أبدلت زيدا من أحد فَرَفَعته فكأنك قلت مَا قَامَ إِلَّا زيد وَلم تأت بِأحد فَإِن لم تقدر الْبَدَل فِي كلامك وَجعلت قَوْلك مَا قَامَ أحد كلَاما تَاما لَا تنوي فِيهِ الْإِبْدَال من أحد ثمَّ استثنيت على هَذَا نصبت فَقلت مَا قَامَ أحد إِلَّا زيدا فعلى هَذَا تصح قِرَاءَة ابْن عَامر بِالنّصب كَأَنَّهُ قَالَ مَا فَعَلُوهُ على تَمام الْكَلَام وَترك تَقْدِير الْبَدَل فِيهِ ثمَّ قَالَ بعد ذَلِك إِلَّا قَلِيلا مِنْهُم فَهَذَا وَجه صَحِيح وَمَا قبله لَيْسَ بِخَارِج عَنهُ
قَوْله تَعَالَى كَأَن لم تكن بَيْنكُم يقْرَأ بِالْيَاءِ وَالتَّاء وَقد قُلْنَا فِيمَن قَرَأَهُ وَمَا أشبهه بِالْيَاءِ أَنه أَقَامَ الْفَصْل مقَام عَلامَة التَّأْنِيث أَو أَن تأنيثه لَيْسَ بحقيقي أَو أَن الْمَوَدَّة والود بِمَعْنى وَأَن من قَرَأَهُ بِالتَّاءِ أَتَى بالْكلَام على مَا أوجبه لَهُ من لفظ التَّأْنِيث
قَوْله تَعَالَى وَلَا تظْلمُونَ فتيلا يقْرَأ بِالتَّاءِ وَالْيَاء فالتاء جَامِعَة للخطاب والغيبة يُرِيد بذلك أَنْتُم وهم وَالْيَاء لِمَعْنى الْغَيْبَة فَقَط وَقيل فِي الفتيل هُوَ مَا كَانَ فِي شقّ النواة وَقيل مَا فتلته بَين أصابعك من الْوَسخ والنقير نقطة فِي ظهرهَا والقطمير غشاوتها وَقيل قمعها
قَوْله تَعَالَى حصرت صُدُورهمْ يقرأبالإدغام والإظهار فالحجة لمن أدغم مقاربة التَّاء من الصَّاد لِأَن السّكُون فِي تَاء التَّأْنِيث بنية فَلَمَّا كَانَ السّكُون لَهَا لَازِما كَانَ إدغامها وَاجِبا وَالْحجّة لمن أظهر أَنه أَتَى بالْكلَام على مَا يجب فِي الأَصْل من الْبَيَان(1/125)
سُورَة النِّسَاء قَوْله تَعَالَى فَتَبَيَّنُوا يقرأبالياء من التَّبْيِين وبالتاء من التثبت هَا هُنَا وَفِي الحجرات وَالْأَمر بَينهمَا قريب لِأَن من تبين فقد تثبت وَمن تثبت فقد تبين
قَوْله تَعَالَى وَلَا تَقولُوا لمن ألْقى إِلَيْكُم السَّلَام يقْرَأ بِإِثْبَات الْألف وطرحها فالحجة لمن أثبتها أَنه أَرَادَ التَّحِيَّة وَدَلِيله أَن رجلا سلم عَلَيْهِم فَقَتَلُوهُ لأَنهم قدرُوا أَنه فعل ذَلِك خوفًا فقرعهم الله بِهِ وَالْحجّة لمن طرحها أَنه جعله من الاستسلام وَإِعْطَاء المقادة من غير امْتنَاع
قَوْله تَعَالَى غير أولي الضَّرَر يقرا بِالرَّفْع وَالنّصب فالحجة لمن رفع أَنه جعله من وصف القاعدين وَالْوَصْف تَابع للموصوف وَالْحجّة لمن نصب أَنه جعل غير اسْتثِْنَاء بِمَعْنى إِلَّا فأعربها بإعراب الِاسْم بعد إِلَّا وخفض بهَا مَا بعْدهَا وَدَلِيله على ذَلِك أَنَّهَا نزلت فِي ابْن أم مَكْتُوم الضَّرِير
قَوْله تَعَالَى فَسَوف يؤتيه يقْرَأ بِالْيَاءِ وَالنُّون فالحجة لمن قَرَأَ بِالْيَاءِ أَنه من إِخْبَار الرَّسُول عَلَيْهِ السَّلَام عَن الله عز وجلّ وَالْحجّة لمن قَرَأَ بالنُّون أَنه من إِخْبَار الله عز وجلّ عَن نَفسه بالنُّون
قَوْله تَعَالَى إِلَّا أَن يصالحا يقْرَأ بِفَتْح الْيَاء وَالتَّشْدِيد وَبِضَمِّهَا وَالتَّخْفِيف فالحجة لمن شدد أَنه أَرَادَ يتصالحا فأسكن التَّاء وأدغم فَلذَلِك شدد وَالْحجّة لمن خفف أَنه أَخذه من أصلح
فَإِن قيل فَلَو كَانَ كَذَلِك لجاء الْمصدر على إصْلَاح فَقل الْعَرَب تقيم الِاسْم مقَام الْمصدر كَقَوْلِه من ذَا يقْرض الله قرضا وَلم يقل إقراضا(1/126)
سُورَة النِّسَاء
قَوْله تَعَالَى فأولئل يدْخلُونَ الْجنَّة يقرأبضم الْيَاء وَفتحهَا فالحجة لمن ضم أَنه جعله فعل مَا لم يسم فَاعله طابق بذلك بَين لَفْظِي الْفِعْلَيْنِ وَالْحجّة لمن فتح أَنه جعل الْفِعْل للداخلين لِأَن من أذن لَهُ الله فِي دُخُول الْجنَّة كَانَ هُوَ الدَّاخِل وَخَالف بَين الْفِعْلَيْنِ لِأَن الدُّخُول إِلَيْهِم وَترك الظُّلم لَيْسَ إِلَيْهِم
قَوْله تَعَالَى وَالْكتاب الَّذِي نزل على رَسُوله يقْرَأ بِفَتْح النُّون وَضمّهَا وَالتَّشْدِيد فالحجة لمن فتح أَنه جعل الْفِعْل لله تَعَالَى وَعطف الثَّانِي بِفَتْح الْهمزَة عَلَيْهِ وَالْحجّة لمن ضم أَنه جعله فعلا لما لم يسم فَاعله وَعطف الثَّانِي بِضَم الْهمزَة عَلَيْهِ
قَوْله تَعَالَى وَإِن تلووا يقْرَأ بِإِسْكَان اللَّام وواوين بعده وَبِضَمِّهَا وواو وَاحِدَة سَاكِنة فالحجة لمن قَرَأَ بواوين جعله فعلا من لويت حَقه وَأَصله تلويوا فاستثقلت الضمة على الْيَاء فحذفت وخزلت الْوَاو لالتقاء الساكنين ثمَّ ضمت الْوَاو الأولى لمجاورة الثَّانِيَة وَسَقَطت النُّون عَلامَة للجزم والحجةلمن قَرَأَهُ بواو وَاحِدَة أَنه جعله من الْولَايَة يُرِيد وَإِن تلوا ذَلِك أَو تتركوه مَعْنَاهُ أَو تعرضوا عَنهُ تاركين لَهُ وَأَصله توليوا فخزلت الْوَاو الأولى لوقوعها بَين يَاء وكسرة وخزلت الْيَاء لوُقُوع الْحَرَكَة عَلَيْهَا وضمت اللَّام لمجاورة الْوَاو
قَوْله تَعَالَى فِي الدَّرك الْأَسْفَل يقْرَأ بِإِسْكَان الرَّاء وَفتحهَا فالحجة لمن حرك أَنه أَتَى بالْكلَام على أَصله لِأَن التحريك فِيهِ أيسر وَأشهر وَالْحجّة لمن أسكن أَنه أَتَى بِهِ على طَرِيق التَّخْفِيف والدرجات للنار كالدرجات للجنة والدرجات فِي الْعُلُوّ كالدرجات فِي السّفل(1/127)
سُورَة الْمَائِدَة
قَوْله تَعَالَى فَسَوف يؤتيه وأُولَئِكَ سنؤتيهم يقرآن بالنُّون وَالْيَاء وَقد تقدم القَوْل فِي أَمْثَاله بِمَا يُغني عَن إِعَادَته
قَوْله تَعَالَى لاتعدوا فِي السبت يقرا بِإِسْكَان الْعين وَالتَّخْفِيف وَبِفَتْحِهَا وَالتَّشْدِيد فالحجة لمن فتح وشدد أَنه أَرَادَ تَعْتَدوا فَنقل حَرَكَة التَّاء إِلَى الْعين وادغم التَّاء فِي الدَّال فالتشديد لذَلِك وَأَصله تفتعلوا من الاعتداء وَمثله تخطف وتهدي وَالْحجّة لمن أسكن وخفف أَنه أَرَادَ لَا تَفعلُوا من الْعدوان وروى عَن نَافِع إسكان الْعين وَتَشْديد الدَّال وَهُوَ قَبِيح لجمعه بَين ساكنين لَيْسَ أَحدهمَا بِحرف مد ولين فِي كلمة وَاحِدَة فالحجةله أَنه أسكن وَهُوَ يُرِيد الْحَرَكَة وَذَلِكَ من لُغَة عبد الْقَيْس لأَنهم يَقُولُونَ اسل زيدا فَيدْخلُونَ ألف الْوَصْل على متحرك لأَنهم يُرِيدُونَ فِيهِ الإسكان فعلى ذَلِك أسكن نَافِع وَهُوَ يَنْوِي الْحَرَكَة
قَوْله تَعَالَى وآتينا دَاوُد زبورا يقْرَأ بِفَتْح الزَّاي وَضمّهَا فالحجة لمن فتح أَنه أَرَادَ وَاحِدًا مُفردا وَالْحجّة لمن ضم أَنه أَرَادَ الْجمع فَالْأول كَقَوْلِك عَمُود وَالثَّانِي كَقَوْلِك عمد والزبر الْكتب تَقول الْعَرَب زبرت الْكتاب بالزاي كتبته وذبرته بِالذَّالِ قرأته فَأَما زبر الْحَدِيد فواحدتها زبرة كَقَوْلِك سدفة وسدف
وَمن سُورَة الْمَائِدَة
قَوْله تَعَالَى شنآن قوم يقْرَأ بِإِسْكَان النُّون وَفتحهَا فالحجة لمن أسكن أَنه بنى الْمصدر على أَصله قبل دُخُول الْألف وَالنُّون عَلَيْهِ وَالْحجّة لمن فتح أَنه أَتَى بِهِ على(1/128)
سُورَة الْمَائِدَة مَا تَأتي أَمْثَاله من المصادر الْمَزِيد فِيهَا كَقَوْلِك الضربان والهملان
وَمعنى قَوْله وَلَا يجرمنكم يُرِيد لَا يكسبنكم من قَوْلهم فلَان جريمة أَهله أَي كاسبهم
قَوْله تَعَالَى أَن صدوكم يقْرَأ بِفَتْح الْهمزَة وَكسرهَا فالحجة لمن فتح أَنه أَرَادَ لَا يكسبنكم بعض قوم لِأَن صدوكم أَي لصدهم إيَّاكُمْ وَالْحجّة لمن كسر أَنه جعلهَا حرف شَرط وَجعل الْمَاضِي بعْدهَا بِمَعْنى الْمُضَارع
قَوْله تَعَالَى وأرجلكم يقْرَأ بِالنّصب والخفض فالحجةلمن نصب أَنه رده بِالْوَاو على أول الْكَلَام لِأَنَّهُ عطف محدودا على مَحْدُود لِأَن مَا أوجب الله غسله فقد حصره بِحَدّ وَمَا أوجب مَسحه أهمله بِغَيْر حد وَالْحجّة لمن خفض أَن الله تَعَالَى أنزل الْقُرْآن بِالْمَسْحِ على الرَّأْس وَالرجل ثمَّ عَادَتْ السّنة للْغسْل وَلَا وَجه لمن أدعى أَن الأرجل مخفوضة بالجوار لِأَن ذَلِك مُسْتَعْمل فِي نظم الشّعْر للاضطرار وَفِي الْأَمْثَال وَالْقُرْآن لَا يحمل على الضَّرُورَة وألفاظ الْأَمْثَال
قَوْله تَعَالَى قُلُوبهم قاسية يقْرَأ بِإِثْبَات الْألف وَالتَّخْفِيف وبطرحها وَالتَّشْدِيد فالحجة لمن خفف أَنه قَالَ أَصله قاسوة لِأَنَّهُ من الْقَسْوَة فَانْقَلَبت يَاء لكسرة السِّين وَالْحجّة لمن شدد أَنه قَالَ أَصْلهَا قسيوة فَلَمَّا اجْتمعت الْيَاء وَالْوَاو وَالسَّابِق سَاكن قلبوا الْوَاو يَاء وأدغموها فالتشديد لذَلِك
وَقَالَ بعض اللغويين معنى قاسية شَدِيدَة وَمعنى قسية رَدِيئَة من قَوْلهم دِرْهَم قسى أَي بهرج وَقيل مَعْنَاهُمَا لَا يرق بِالرَّحْمَةِ(1/129)
سُورَة الْمَائِدَة
قَوْله تَعَالَى واخشون وَلَا تشتروا يقرا بِإِثْبَات الْيَاء وحذفها فالحجة لمن أثبت أَنه أَتَى بِهِ على الأَصْل وَالْحجّة لمن حذف أَنه اتبع الْخط وَهَذَا فِي كتاب الله عز وجلّ فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع فِي الْبَقَرَة واخشوني وَصله وَوَقفه بِالْيَاءِ وَفِي الْمَائِدَة واخشون الْيَوْم وَصله وَوَقفه بِغَيْر يَاء وفيهَا واخشوني وَلَا تشتروا قرئَ وصلا بِالْيَاءِ ووقفا بِغَيْر يَاء
قَوْله تَعَالَى من أجل ذَلِك أجمع الْقُرَّاء على إسكان النُّون وَتَحْقِيق الْهمزَة إِلَّا مَا رَوَاهُ ورش عَن نَافِع من فتح النُّون وَحذف الْهمزَة وَطرح حركتها على النُّون وَالْحجّة لَهُ أَنه استثقل الْهمزَة مُحَققَة فَلَمَّا وَقع قبلهَا سَاكن استروح إِلَى نقل حركتها إِلَيْهِ وإلقائها لِأَنَّهُ قد صَار عَلَيْهَا دَلِيل من حَرَكَة السَّاكِن وَمثله فِي قِرَاءَته قد أَفْلح وَمعنى من أجل ذَلِك من أجل قتل ابْن آدم أَخَاهُ
قَوْله تَعَالَى السُّحت يقْرَأ بِضَم الْحَاء وإسكانها وَقد ذكرنَا الْحجَّة للقارئ بهَا فِيمَا سلف
قَوْله تَعَالَى أَن النَّفس بِالنَّفسِ يقْرَأ بِنصب النَّفس فَقَط وَرفع مَا بعْدهَا وبنصب النَّفس وَمَا بعْدهَا إِلَى آخر الْكَلَام وبنصب النَّفس وَمَا بعْدهَا إِلَى قَوْله والجروح قصاص فَإِنَّهُ رفع فالحجة لمن نصب النَّفس وَرفع مَا بعْدهَا أَن النَّفس مَنْصُوبَة بِأَن وبالنفس خَبَرهَا وَإِذا تمت أَن باسمها وخبرها كَانَ الِاخْتِيَار فِيمَا أَتَى بعد ذَلِك الرّفْع لِأَنَّهُ حرف دخل على الْمُبْتَدَأ وَخَبره وَدَلِيله على ذَلِك قَوْله تَعَالَى أَن الله بَرِيء من الْمُشْركين وَرَسُوله وَالْحجّة لمن نصب إِلَى آخر الْكَلَام أَن أَن وَإِن كَانَت حرفا فَهِيَ شَبيهَة(1/130)
سُورَة الْمَائِدَة بِالْفِعْلِ الْمَاضِي لبنائها على فتح آخرهَا كبنائه وَصِحَّة كِنَايَة الِاسْم الْمَنْصُوب فِيهَا كصحة كنايته فِي الْفِعْل إِذا قلت ضَرَبَنِي وأنني فَلَمَّا كَانَت بِهَذِهِ الْمنزلَة وَكَانَ الِاسْم الأول مَنْصُوبًا بهَا كَانَ حق الْمَعْطُوف بِالْوَاو أَن يتبع لفظ مَا عطف عَلَيْهِ إِلَى انتهائه وَالْحجّة لمن نصب الْكَلَام وَرفع الجروح أَن الله تَعَالَى كتب فِي التَّوْرَاة على بني إِسْرَائِيل أَن النَّفس بِالنَّفسِ إِلَى قَوْله وَالسّن بِالسِّنِّ ثمَّ كَأَنَّهُ قَالَ وَالله أعلم وَمن بعد ذَلِك الجروح قصاص وَالدَّلِيل على انْقِطَاع ذَلِك من الأول أَنه لم يقل فِيهِ والجروح بالجروح قصاص فَكَانَ الرّفْع بِالِابْتِدَاءِ أولى لِأَنَّهُ لما فقد لفظ أَن اسْتَأْنف لطول الْكَلَام
قَوْله تَعَالَى وَالْأُذن بالأذن يقْرَأ بِضَم الذَّال وإسكانها فالحجة لمن ضم أَنه أَتَى ذَلِك ليتبع الضَّم الضَّم وَالْأَصْل عِنْده الإسكان
وَمن أسكن فالحجة لَهُ أَنه خفف لثقل توالي الضمتين وَالْأَصْل عِنْده الضَّم وَيُمكن أَن يكون الضَّم والإسكان لغتين
قَوْله تَعَالَى وليحكم أهل الْإِنْجِيل يقرا بِإِسْكَان اللَّام وَكسرهَا فالحجة لمن أسكن أَنه جعلهَا لَام الْأَمر فَجزم بهَا الْفِعْل وأسكنها تَخْفِيفًا وَإِن كَانَ الأَصْل فِيهَا الْكسر وَالْحجّة لمن كسر أَنه جعلهَا لَام كي فنصب بهَا الْفِعْل وَتَقْدِير الْكَلَام وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيل ليحكم أَهله بِمَا أنزل الله فِيهِ
وَالْوَجْه أَن يكون لَام الْأَمر لِأَنَّهَا فِي حرف عبد الله وَأبي وَأَن ليحكم
قَوْله تَعَالَى أَفَحكم الْجَاهِلِيَّة يَبْغُونَ يقْرَأ بِالتَّاءِ وَالْيَاء فالحجة لمن قَرَأَ بِالتَّاءِ أَن مَعْنَاهُ وَالله أعلم قل يَا مُحَمَّد للكفرة إِذا كُنْتُم لَا تحكمون بِمَا فِي كتب الله عز وجلّ أفتبغون حكم الْجَاهِلِيَّة وَالْحجّة لمن قَرَأَهُ بِالْيَاءِ أَنه إِخْبَار من الله تَعَالَى عَنْهُم فِي حَال الْغَيْبَة فَدلَّ بِالْيَاءِ على ذَلِك قَوْله تَعَالَى وَيَقُول الَّذين آمنُوا يقرا بِالرَّفْع وَالنّصب فالحجة لمن رفع(1/131)
سُورَة الْمَائِدَة أَنه ابْتَدَأَ بِالْفِعْلِ فأعربه بِمَا وَجب لَهُ بِلَفْظ المضارعة وَالْحجّة لمن نصب أَنه رده على قَوْله أَن يَأْتِي وَأَن يَقُول
قَوْله تَعَالَى من يرْتَد مِنْكُم تقْرَأ بِالْإِدْغَامِ وَالْفَتْح وبالإظهار والجزم فالحجة لمن أدغم أَنه لُغَة أهل الْحجاز لأَنهم يدغمون الْأَفْعَال لثقلها كَقَوْلِه تَعَالَى إِنَّمَا نعد لَهُم عدا ويظهرون الْأَسْمَاء لخفتها كَقَوْلِه عدد سِنِين ليفرقوا بذلك بَين الِاسْم وَالْفِعْل وَالْحجّة لمن أظهر أَنه أَتَى بالْكلَام على الأَصْل وَرغب مَعَ مُوَافقَة اللُّغَة فِي الثَّوَاب إِذْ كَانَ لَهُ بِكُل حرف عشر حَسَنَات
قَوْله تَعَالَى وَالْكفَّار أَوْلِيَاء يقْرَأ بِالنّصب والخفض فالحجة لمن نصب أَنه رده على قَوْله لَا تَتَّخِذُوا الَّذين أتخذوا دينكُمْ وَالْكفَّار لِأَن معنى الْألف وَاللَّام فِي الْكفَّار بِمَعْنى الَّذِي
وَيجوز أَن يكون مَعْطُوفًا على مَوضِع من فِي قَوْله من الَّذين لِأَن مَوْضِعه نصب فَيكون كَقَوْل الشَّاعِر ... معاوي إننا بشر فَأَسْجِحْ ... فلسنا بالجبال وَلَا الحديدا ...
فعطف الْحَدِيد على مَوضِع الْبَاء وَالْجِبَال لِأَن موضعهما نصب بِخَبَر لَيْسَ وَالْحجّة لمن خفض أَنه عطفه على قَوْله من الَّذين لفظا يُرِيد وَمن الْكفَّار لِأَنَّهُ كَذَلِك فِي حرف عبد الله وَأبي وَالْحجّة لمن أماله كسر الرَّاء فِي آخِره وَالْحجّة لمن فخمه أَنه جمع وَالْجمع يستثقل فِيهِ مَا يستخف فِي الْوَاحِد
قَوْله تَعَالَى وَعبد الطاغوت يقرا بِفَتْح الْبَاء وَنصب التَّاء وبضم الْبَاء وخفض(1/132)
سُورَة الْمَائِدَة التَّاء فالحجة لمن فتح الْبَاء أَنه جعله فعلا مَاضِيا مردودا على قَوْله من لَعنه الله وَمن عبد الطاغوت وَالْحجّة لمن ضم الْبَاء أَنه جعله جمع عبد واضافه إِلَى الطاغوت
وَعبد يجمع على ثَمَانِيَة أوجه هَذَا أقلهَا وَقَالَ الْفراء وَيجوز أَن يكون عبد هَا هُنَا وَاحِدًا ضمت الْبَاء مِنْهُ دلَالَة على الْمُبَالغَة كَمَا قَالُوا حذر ويقظ وَمَعْنَاهُ وخدم الطاغوت والطاغوت يكون وَاحِدًا وجمعا ومذكرا ومؤنثا وَشَاهد ذَلِك فِي الْقُرْآن مَوْجُود
قَوْله تَعَالَى فَمَا بلفت رسَالَته وحَيْثُ يَجْعَل رسَالَته وعَلى النَّاس برسالتي يقْرَأن بِالتَّوْحِيدِ وَالْجمع فالحجة لمن وحد أَنه جعل الْخطاب للرسول عَلَيْهِ السَّلَام وَالْحجّة لمن جمع أَنه جعل كل وَحي رِسَالَة فالاختيار فِي قَوْله حَيْثُ يَجْعَل رسَالَته الْجمع لقَوْله مثل مَا أُوتِيَ رسل الله
قَوْله تَعَالَى وَحَسبُوا أَن لَا تكون يقْرَأ بِالرَّفْع وَالنّصب فالحجة لمن رفع أَنه جعل لَا بِمَعْنى لَيْسَ لِأَنَّهَا يجْحَد بهَا كَمَا يجْحَد ب لَا فحالت بَين أَن وَبَين النصب وَقَالَ البصريون أَن هَذِه مُخَفّفَة من الْمُشَدّدَة وَلَيْسَت أَن الَّتِي وضعت(1/133)
سُورَة الْمَائِدَة لنصب الْفِعْل فَلَا تدخل عَلَيْهِ إِلَّا بفاصلة إِمَّا ب لَا أَو بِالسِّين ليَكُون لَك عوضا من التَّشْدِيد وفاصلة بَينهَا وَبَين غَيرهَا وَمِنْه قَوْله تَعَالَى علم أَن سَيكون مِنْكُم مرضى أَفلا يرَوْنَ أَلا يرجع لم يخْتَلف الْقُرَّاء فِي رَفعه وَلَا النحويون أَنَّهَا مُخَفّفَة من الشَّدِيدَة وَأَن الأَصْل فِيهِ أَنه لَا يرجع وَأَنه سَيكون وَالْحجّة لمن نصب أَنه جعل أَن الناصبة للْفِعْل وَلم يحل ب لَا بَينهَا وَبَين الْفِعْل كَمَا قَالَ تَعَالَى مَا مَنعك أَن تسْجد وأَلا تسْجد
قَوْله تَعَالَى بِمَا عاقدتم يقْرَأ بِإِثْبَات الْألف وبالتخفيف وبطرحها وَالتَّشْدِيد فالحجة لمن أثبتها أَنه فعل من اثْنَيْنِ فَمَا زَاد وَالْحجّة لمن خفف أَنه أَرَادَ فَعلْتُمْ ذَلِك من العقد وَالْحجّة لمن شدد أَنه اراد أكدتم وَقد ذكر فِي النِّسَاء بأبين من هَذَا وَكَذَلِكَ قيمًا وقياما أَيْضا
قَوْله تَعَالَى فجزاء مثل مَا قتل يقْرَأ بِالتَّنْوِينِ وَرفع مثل وبطرح التَّنْوِين وَإِضَافَة مثل فالحجة لمن نون أَنه جعل قَوْله فجزاء مُبْتَدأ وَجعل قَوْله مثل الْخَبَر أَو بِرَفْعِهِ بإضمار يُرِيد فَعَلَيهِ جَزَاء وَيكون مثل بَدَلا من جَزَاء وَالْحجّة لمن أضَاف أَنه رَفعه بِالِابْتِدَاءِ وَالْخَبَر قَوْله من النعم وَمَا هَا هُنَا على وَجْهَيْن أَحدهمَا أَن يكون بِمَعْنى مثل الَّذِي قبل وَالثَّانِي أَن يكون بِمَعْنى مثل الْمَقْتُول
قَوْله تَعَالَى
قَوْله تَعَالَى أَو كَفَّارَة طَعَام يقْرَأ بِالتَّنْوِينِ ورفعهما وبطرح التَّنْوِين وَالْإِضَافَة فالحجة لمن رفع الطَّعَام أَنه جعله بَدَلا من الْكَفَّارَة لِأَنَّهُ هِيَ فِي الْمَعْنى وَهَذَا بدل الشَّيْء من الشَّيْء وَهُوَ هُوَ وَفِيه أَنه بدل معرفَة من نكرَة وَالْحجّة لمن أضَاف أَنه أَقَامَ(1/134)
سُورَة الْمَائِدَة الِاسْم مقَام الْمصدر فَجعل الطَّعَام مَكَان الْإِطْعَام
قَوْله تَعَالَى هَل يَسْتَطِيع رَبك يقْرَأ بِالْيَاءِ وَالرَّفْع وبالتاء وَالنّصب فالحجة لمن قر أبِالرَّفْع أَنه جعل الْفِعْل لله تَعَالَى فرفعه بِهِ وهم فِي هَذَا السُّؤَال عالمون أَنه يَسْتَطِيع ذَلِك فلفظه لفظ الِاسْتِفْهَام وَمَعْنَاهُ معنى الطّلب وَالسُّؤَال وَالْحجّة لمن قَرَأَ بِالنّصب أَنه أَرَادَ هَل تَسْتَطِيع سُؤال رَبك ثمَّ حذف السُّؤَال وَأقَام رَبك مقَامه كَمَا قَالَ واسأل الْقرْيَة يُرِيد أهل الْقرْيَة
وَمَعْنَاهُ سل رَبك أَن يفعل بِنَا ذَلِك فَإِنَّهُ عَلَيْهِ قَادر
قَوْله تَعَالَى إِن هَذَا إِلَّا سحر مُبين بِإِثْبَات الْألف وطرحها فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع هَا هُنَا وَفِي أول يُونُس وَفِي هود وَفِي الصَّفّ فالحجة لمن أثبت الْألف أَنه أَرَادَ بِهِ اسْم الْفَاعِل وَالْحجّة لمن حذفهَا أَنه أَرَادَ الْمصدر
قَوْله تَعَالَى من الَّذين اسْتحق يقْرَأ بِضَم التَّاء وَكسر الْحَاء وَبِفَتْحِهَا فالحجة لمن ضم أَنه جعله فعل مَا لم يسم فَاعله وَالْحجّة لمن فتح أَنه جعله فعلا لفاعل
قَوْله تَعَالَى الأوليان يقْرَأ بالتثنية وَالْجمع فالحجة لمن قَرَأَهُ بالتثنية أَنه رده على قَوْله وآخران فأبدله مِنْهُمَا دلَالَة عَلَيْهِمَا وَالْحجّة لمن قَرَأَهُ بِالْجمعِ أَنه رده على قَوْله يأيها الَّذين آمنُوا
قَوْله تَعَالَى إِنِّي منزلهَا يقْرَأ بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيف فالحجة لمن شدد أَنه(1/135)
سُورَة الْأَنْعَام أَخذه من نزل فَهُوَ منزل وَالْحجّة لمن خفف أَنه أَخذه من أنزل فَهُوَ منزل
قَوْله تَعَالَى فَتكون طيرا يقْرَأ بِإِثْبَات الْألف وطرحها فالحجة لمن أثبت أَنه اراد الْوَاحِد من هَذَا الْجِنْس وَالْحجّة لمن طرح أَنه أَرَادَ الْجمع
قَوْله تَعَالَى هَذَا يَوْم ينفع يقرا بِالرَّفْع وَالنّصب فالحجة لمن رفع أَنه جعل هَذَا مُبْتَدأ وَيَوْم ينفع الْخَبَر وَالْحجّة لمن نصب أَنه جعله ظرفا للْفِعْل وَجعل هَذَا إِشَارَة إِلَى مَا تقدم من الْكَلَام يُرِيد وَالله أعلم هَذَا الغفران وَالْعَذَاب فِي يَوْم ينفع الصَّادِقين صدقهم أَو يكون الْيَوْم هَا هُنَا مَبْنِيا على الْفَتْح لِإِضَافَتِهِ إِلَى أَسمَاء الزَّمَان لِأَنَّهُ مفعول فِيهِ فَإِن قيل فالأفعال لَا تُضَاف وَلَا يُضَاف إِلَيْهَا فَقل إِن الْفِعْل وَإِن أضيف هَا هُنَا إِلَى أَسمَاء الزَّمَان فَالْمُرَاد بِهِ الْمصدر دون الْفِعْل
وَمن سُورَة الْأَنْعَام
قَوْله تَعَالَى من يصرف عَنهُ يقْرَأ بِفَتْح الْيَاء وَضمّهَا فالحجة لمن ضم أَنه جعله فعل مَا لم يسم فَاعله وَالضَّمِير الَّذِي فِي الْفِعْل من ذكر الْعَذَاب مَرْفُوع لِأَنَّهُ قَامَ مقَام الْفَاعِل وَالْحجّة لمن فتح أَنه جعل الْفِعْل لله عز وجلّ وَالْفَاعِل مستتر فِي النِّيَّة وَالْمَفْعُول بِهِ هَاء محذوفة كَانَت مُتَّصِلَة بِالْفِعْلِ هِيَ كِنَايَة عَن الْعَذَاب
قَوْله تَعَالَى ثمَّ لم تكن فتنتهم يقْرَأ بِالْيَاءِ وَالنّصب وبالتاء وَالرَّفْع فالحجة لمن قَرَأَ بِالتَّاءِ أَنه أَرَادَ تَأْنِيث لفظ الْفِتْنَة وَرفع الْفِتْنَة باسم كَانَ وَالْخَبَر إِلَّا أَن قَالُوا لِأَن مَعْنَاهُ إِلَّا قَوْلهم وَالْحجّة لمن قَرَأَ بِالْيَاءِ مَا قدمْنَاهُ آنِفا وَنصب الْفِتْنَة بالْخبر وَجعل(1/136)
سُورَة الْأَنْعَام إِلَّا أَن قَالُوا الِاسْم وَهُوَ الْوَجْه لِأَن الْفِتْنَة قد تكون نكرَة فَهِيَ بالْخبر أولى وَقَوله إِلَّا أَن قَالُوا لَا يكون إِلَّا معرفَة وَمن شَرط كَانَ وَأَخَوَاتهَا إِذا اجْتمع فِيهِنَّ معرفَة ونكرة كَانَت الْمعرفَة أولى بِالِاسْمِ والنكرة أولى بالْخبر إِلَّا فِي ضَرُورَة شَاعِر وَلذَلِك أجمع الْقُرَّاء على قَوْله فَمَا كَانَ جَوَاب قومه إِلَّا أَن قَالُوا وَكَانَت الْيَاء أولى لِأَن الْفِعْل لِلْقَوْلِ لَا للفتنة
فَأَما من قَرَأَ بِالتَّاءِ وَالنّصب فالحجة لَهُ أَن القَوْل فتْنَة والفتنة قَول فَجَاز أَن يحل أَحدهمَا مَحل الآخر وَأَيْضًا فَإِن هَذَا الْمصدر قد يُمكن أَن يؤنث على معنى الْمقَالة وَيذكر على معنى القَوْل
قَوْله تَعَالَى وَيَوْم نحشرهم يقْرَأ بالنُّون وَالْيَاء فالحجة لمن قَرَأَ بالنُّون أَنه جعله من إِخْبَار الله تَعَالَى عَن نَفسه تَعْظِيمًا وتخصيصا وَالْحجّة لمن قَرَأَهُ بِالْيَاءِ أَنه أَرَادَ يَا مُحَمَّد وَيَوْم يحشرهم الله
قَوْله تَعَالَى وَالله رَبنَا يقرا بخفض الْبَاء ونصبها فالحجة لمن قَرَأَهُ بالخفض أَنه جعله تَابعا لاسم الله تَعَالَى لِئَلَّا يذهب الْوَهم إِلَى أَنه غَيره إِذْ قد غير عَن إعرابه وَالْحجّة لمن نصب أَنه جعله منادى مُضَافا يُرِيد يَا رَبنَا مَا كُنَّا مُشْرِكين لِأَن الله تَعَالَى قد تقدم ذكره فَنَادَوْهُ بعد ذَلِك مستغيثين بِهِ
قَوْله تَعَالَى وَلَا نكذب بآيَات رَبنَا ونكون يقرآن بِالرَّفْع وَالنّصب فالحجة لمن قَرَأَ بِالنّصب أَنه جعله جَوَابا لِلتَّمَنِّي بِالْوَاو لِأَن الْوَاو فِي الْجَواب كالفاء كَقَوْل الشَّاعِر(1/137)
سُورَة الْأَنْعَام ... لَا تنه عَن خلق وَتَأْتِي مثله ... عَار عَلَيْك إِذا فعلت عَظِيم ...
وَدَلِيله أَنه فِي حرف عبد الله بِالْفَاءِ فِي الأول وبالواو فِي الثَّانِي وَالنّصب فيهمَا وَالْحجّة لمن رفع أَنه جعل الْكَلَام خَبرا وَدَلِيله أَنهم تمنوا الرَّد وَلم يتمنوا الْكَذِب وَالتَّقْدِير يَا ليتنا نرد وَنحن لَا نكذب بآيَات رَبنَا ونكون وَيحْتَمل أَن يَكُونُوا تمنوا الرَّد والتوفيق وَمن التَّوْفِيق مَعَ الرَّد ترك الْكَذِب
قَوْله تَعَالَى ... وللذين يَتَّقُونَ أَفلا تعقلون يقرأبالتاء وَالْيَاء فِي خَمْسَة مَوَاضِع هَا هُنَا وَفِي الْأَعْرَاف ويوسف والقصص وَيس فالحجة لمن قرأهن بِالتَّاءِ أَنه جعلهم مخاطبين على لِسَان نبيه صلى الله عَلَيْهِ وسلم وَالْحجّة لمن قرأهن بِالْيَاءِ أَنه جعلهم غيبا مبلغين عَن الله عز وجلّ
قَوْله تَعَالَى فَإِنَّهُم لَا يكذبُونَك يقْرَأ بتَشْديد الذَّال وتخفيفها فالحجة لمن شدد أَنه أَرَادَ لَا يجدونك كَاذِبًا لأَنهم مَا كَانُوا يَشكونَ فِي صدقه وَلذَلِك كَانَ يَدعِي فيهم بالأمين وَلَكنهُمْ يكذبُون بِمَا جِئْت بِهِ
وَقيل مَعْنَاهُ فأنهم لَا يأْتونَ بِدَلِيل يدل على كَذبك وَالْحجّة لمن خفف أَنه أَرَادَ فَإِنَّهُم لَا يكذبُونَك فِي نَفسك وَلَكنهُمْ يكذبُونَك فِيمَا تحكيه عَن الله عز وجلّ
قَوْله تَعَالَى إِنَّه ليحزنك يقرأبضم الْيَاء وَكسر الزَّاي وَفتحهَا وَضم الزَّاي وَقد ذكر وَجه علله فِيمَا سلف(1/138)
سُورَة الْأَنْعَام
قَوْله تَعَالَى أَرَأَيْتكُم وَمَا كَانَ مثله من الِاسْتِفْهَام فِي الْقُرْآن يقْرَأ بِإِثْبَات الْهمزَة الثَّانِيَة وطرحها وتليينها فالحجة لن أثبتها أَنَّهَا عين الْفِعْل وَهِي ثَابِتَة فِي رَأَيْت وَالْحجّة لمن طرحها أَن هَذِه الْهمزَة لما كَانَت تسْقط من الْفِعْل الْمُضَارع فِي كَلَام فصحاء الْعَرَب وَلَا تسْتَعْمل إِلَّا فِي ضَرُورَة شَاعِر كَقَوْلِه ... أرِي عَيْني مَا لم ترأياه ... كِلَانَا عَالم بالترهات ...
كَانَ الْمَاضِي فِي الْقيَاس كالمضارع إِذا قاربه همزَة الِاسْتِفْهَام وَالْحجّة لمن لينها أَنه كره اجْتِمَاع همزتين فِي كلمة وَاحِدَة فخخف الثَّانِيَة بالتليين وحقق الأولى لِأَنَّهَا حرف جَاءَ لِمَعْنى
قَوْله تَعَالَى إِنَّه من عمل مِنْكُم سوءا بِجَهَالَة فَإِنَّهُ يقرآن بِكَسْر الهمزتين وفتحهما وبفتح الأولى وَكسر الثَّانِيَة فالحجة لمن كسرهما أَنه جعل تَمام الْكَلَام فِي قَوْله كتب ربكُم على نَفسه الرَّحْمَة ثمَّ ابتدأبقوله إِنَّه وَعطف الثَّانِيَة عَلَيْهَا وَيجوز أَن يَحْكِي مَا كتب كَمَا يَحْكِي مَا قَالَ وَلَا يعْمل كتب فِي ذَلِك كَمَا قَالَ الشَّاعِر ... وجدنَا فِي كتاب بني تَمِيم ... أَحَق الْخَيل بالركض المعار ...
فَحكى مَا وجد وَلم يعْمل الْفِعْل فِي ذَلِك وَالْحجّة لمن فتحهما أَنه أعمل الْكِتَابَة فِي الأولى وَجعل الثَّانِيَة معطوفة عَلَيْهَا وَالْمعْنَى كتب ربكُم على نَفسه الرَّحْمَة بِأَنَّهُ أَو لِأَنَّهُ من عمل فَلَمَّا سقط الْخَافِض وصل الْفِعْل إِلَى أَن فَعمل وَالْهَاء فِي قَوْله إِنَّه من عمل كِنَايَة عَن اسْم مَجْهُول وَمَا بعْدهَا من الشَّرْط وَالْجَوَاب الْخَبَر لِأَنَّهُ جملَة والجمل(1/139)
سُورَة الْأَنْعَام تكون أَخْبَارًا وَالْحجّة لمن فتح الأولى أَنه أعمل الْكِتَابَة فِيهَا وَفتحهَا بفقد الْخَافِض عِنْد الْكُوفِيّين وبتعدي الْفِعْل عِنْد الْبَصرِيين
وَلمن كسر الثَّانِيَة أَنَّهَا جَاءَت بعد الْفَاء وَمَا جَاءَ بعْدهَا مُسْتَأْنف كَقَوْلِه تَعَالَى وَمن يعْص الله ورسولة فَإِن لَهُ قَوْله تَعَالَى بِالْغَدَاةِ والعشي يقْرَأ بِالْألف وبالواو فِي مَوضِع الْألف مَعَ إسكان الدَّال هَا هُنَا وَفِي الْكَهْف فالحجة لمن قَرَأَهُ بالالف أَنه حذا أَلْفَاظ الْعَرَب وَمَا تستعمله فِي خطابها إِذا قَالُوا جئْتُك بِالْغَدَاةِ والعشي وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِك الِاخْتِيَار لِأَن قَوْلهم غَدَاة نكرَة فَإِذا عرفت بِالْألف وَاللَّام جَاءَت مُطَابقَة للعشي فاتفقا فِي التَّعْرِيف بِالْألف وَاللَّام وَالْحجّة لمن قَرَأَهُ بِالْوَاو أَنه أتبع الْخط لِأَنَّهَا فِي السوَاد بِالْوَاو وَلَيْسَ هَذَا بِحجَّة قَاطِعَة لِأَنَّهَا إِنَّمَا كتبت بِالْوَاو كَمَا كتبت الصَّلَاة وَالزَّكَاة والحياة وَدلّ على ضعف هَذِه الْقِرَاءَة أَن غدْوَة إِذا أردْت بهَا غدْوَة يَوْمك فَلَا تسْتَعْمل إِلَّا معرفَة بِغَيْر ألف وَلَام كَمَا استعملوا ذَلِك فِي سحر وَمَا كَانَ تَعْرِيفه من هَذَا الْوَجْه فدخول الْألف وَاللَّام عَلَيْهِ محَال لِأَنَّهُ لَا يعرف الِاسْم من وَجْهَيْن وَإِنَّمَا جَازَ فِي الْغَدَاة لِأَنَّهُ لم يقْصد بهَا قصد غَدَاة بِعَينهَا فتعرفت بِالْألف وَاللَّام كَمَا تعرف الْعشي لِأَنَّهُمَا مجولان غير مَقْصُود بهما وَقت بِعَيْنِه وَالْحجّة لَهُ أَنه اراد أَن الْعَرَب قد تجعلها نكرَة فِي قَوْلهم لدن غدْوَة كَمَا يَقُولُونَ عشرُون درهما فعرفها على هَذَا اللَّفْظ بِالْألف وَاللَّام
قَوْله تَعَالَى يقص الْحق يقرا بالضاد وَالصَّاد فالحجة لمن قرا بالضاد أَنه اسْتدلَّ بقوله تَعَالَى عِنْد تَمام الْكَلَام وَهُوَ خير الفاصلين والفصل لَا يكون إِلَّا فِي(1/140)
سُورَة الْأَنْعَام الْقَضَاء وَمِنْه قَوْله تَعَالَى وَفصل الْخطاب وَالْحجّة لمن قَرَأَهُ بالصَّاد أَنه قَالَ لَو كَانَ ذَلِك من الْقَضَاء لَبِثت فِي الْفِعْل الْيَاء عَلامَة للرفع وَاسْتدلَّ على أَنَّهَا بالصَّاد بقوله تَعَالَى نَحن نقص عَلَيْك أحسن الْقَصَص وَبِقَوْلِهِ فاقصص الْقَصَص يُرِيد بِهِ الْقُرْآن فَكَذَلِك الْحق يُرِيد بِهِ الْقُرْآن فَأَما احتجاجه بِحَذْف الْيَاء فَلَا وَجه لَهُ لِأَنَّهُ قد حذف من السوَاد ياءات وواوات هن عَلَامَات الرّفْع لالتقاء الساكنين لِأَنَّهُنَّ لما ذهبن لفظا سقطن خطا
قَوْله تَعَالَى ولتستبين سَبِيل الْمُجْرمين يقْرَأ بِالرَّفْع وَالنّصب فالحجة لمن رفع أَنه جعل الْفِعْل للسبيل فَرَفعهَا بِالْحَدِيثِ عَنْهَا وَمن نصب جعل الْخطاب بِالْفِعْلِ للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وسلم وَكَانَ اسْمه مستترا فِي الْفِعْل وَنصب السَّبِيل بتعدي الْفِعْل إِلَيْهَا
قَوْله تَعَالَى تضرعا وخفية يقرا بِضَم الْخَاء وَكسرهَا وهما لُغَتَانِ فصيحتان
قَوْله تَعَالَى قل من ينجيكم قل الله ينجيكم يقرآن بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيف فالحجة لمن شدد أَنه أَخذه من نجى يُنجي وَهُوَ عَلامَة لتكرير الْفِعْل ومداومته وَالْحجّة لمن خفف أَنه أَخذه من أنجى يُنجي فَأَما من شدد الثَّانِيَة وخفف الأولى فَإِنَّهُ أَتَى باللغتين ليعلم أَن الْقِرَاءَة بكلتيهما صَوَاب
قَوْله تَعَالَى لَئِن أنجيتنا يقْرَأ بِالْيَاءِ وَالتَّاء وبالألف مَكَان الْيَاء فالحجة لمن(1/141)
سُورَة الْأَنْعَام قَرَأَ بِالتَّاءِ أَنه أَتَى بِدَلِيل الْخطاب سَائِلًا لله عز وجلّ ضارعا إِلَيْهِ وَالْحجّة لمن قَرَأَ بِالْألف أَنه أخبر عَن الله عز وجلّ على طَرِيق الْغَيْبَة لِأَنَّهُ عز وجلّ غَائِب عَن الْأَبْصَار وَإِن كَانَ شَاهدا للجهر والأسرار
قَوْله تَعَالَى وَإِمَّا ينسينك الشَّيْطَان يقرا بتَشْديد السِّين وتخفيفها فالحجة لمن شدد أَنه فرق بَين نسي الرجل ونساه غَيره وَاسْتدلَّ بقوله عَلَيْهِ السَّلَام إِنَّمَا أنسى لأسن لكم فَشدد لِأَن غَيره نساه وَالْحجّة لمن خفف أَنه قَالَ هما لُغَتَانِ تسْتَعْمل إِحْدَاهمَا مَكَان الْأُخْرَى وَاسْتدلَّ بقوله تَعَالَى نسوا الله فنسيهم يُرِيد وَالله أعلم تركُوا الله من الطَّاعَة فتركهم من الثَّوَاب لِأَن أصل النسْيَان التّرْك وَقيل فِي قَوْله تَعَالَى وَاذْكُر رَبك إِذا نسيت يُرِيد إِذا عصيت
قَوْله تَعَالَى كَالَّذي استهوته يقرأبالتاء وَالْألف وَقد ذكرت عِلّة ذَلِك فِي قَوْله تَعَالَى فنادته الْمَلَائِكَة وَمعنى استهوته زينت لَهُ هَوَاهُ بالوسوسة وَالْغَلَبَة قَوْله تَعَالَى رأى كوكبا يقرا بالإمالة والتفخيم وَبَين ذَلِك وبكسر الرَّاء والهمزة وفتحهما فالحجة لمن فخم أَنه أَتَى باللفظة على أصل مَا وَجب لَهَا لِأَن الْيَاء قد انقلبت بالحركة ألفا وَإِنَّمَا كتبت فِي السوَاد يَاء للْفرق بَين ذَوَات الْوَاو وَالْيَاء وَالْحجّة لمن أمال أَنه أعمل اللِّسَان من وَجه وَاحِد طلبا للتَّخْفِيف فأمال الْيَاء فِي اللَّفْظ ثمَّ نحا بالكسرة إِلَى الْهمزَة فأمالها للمجاورة لَا لِأَن الإمالة وَاجِبَة لَهَا فِي الأَصْل كَمَا كسرت الْمِيم فِي قَوْله تَعَالَى وَلَكِن الله رمى وَالضَّاد من قَوْله وَقضى رَبك لقربهما من الْيَاء وَالْحجّة لمن قَرَأَهَا بَين بَين أَنه عدل بَين اللَّفْظَيْنِ وَأخذ بأوسط اللغتين(1/142)
سُورَة الانعام وَالْحجّة لمن أمال الْهمزَة وَالرَّاء قبلهَا فَإِنَّهُ أتبع بعض الْحُرُوف بَعْضًا بالإمالة وَكسر الْيَاء بِوَاجِب الإمالة وَكسر الْهمزَة لمجاورة الْيَاء وَكسر الرَّاء لمجاورة الْهمزَة كَمَا فِي قَوْله أم من لَا يهدي لكسر الْهَاء وَالْيَاء مَعًا فَأَما قَوْله رأى الْقَمَر وَمَا شاكله مِمَّا تستقبله ألف وَلَام فَالْوَجْه فِيهِ التفخيم والإمالة مطروحة لِأَنَّهَا إِنَّمَا اسْتعْملت من أجل الْيَاء فَلَمَّا سَقَطت الْيَاء لفظا لالتقاء الساكنين سقط مَا اسْتعْمل من أجل لَفظهَا إِلَّا مَا رُوِيَ عَن بَعضهم أَنه كسر الرَّاء وَفتح الْهمزَة ليدل على أَن أصل الْكَلِمَة ممال وَهَذَا ضَعِيف وَالْوَجْه مَا بدأنا بِهِ
قَوْله تَعَالَى أتحاجوني فِي الله يقرا بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيف فالحجة لمن شدد أَن الأَصْل فِيهِ أتحاجونني بنونين الأولى عَلامَة الرّفْع وَالثَّانيَِة مَعَ الْيَاء اسْم الْمَفْعُول بِهِ فأسكن الأولى وأدغمها فِي الثَّانِيَة فالتشديد لذَلِك كَمَا قَرَأت الْقُرَّاء قَوْله تَعَالَى قل أفغير الله تأمروني بتَشْديد النُّون وَالْحجّة لمن خفف أَنه لما اجْتمعت نونان تنوب إِحْدَاهمَا عَن لفظ الْأُخْرَى خفف الْكَلِمَة بِإِسْقَاط إِحْدَاهمَا كَرَاهِيَة لاجتماعهما كَمَا قَالَ الشَّاعِر ... رَأَتْهُ كالثغام يعل مسكا ... يسوء الفاليات إِذا فليني ...
أَرَادَ فلينني فَحذف إِحْدَى النونين وَمثله فَبِمَ تبشرون بنُون وَاحِدَة يذكر فِي مَوْضِعه(1/143)
سُورَة الْأَنْعَام
قَوْله تَعَالَى وَقد هدان يقْرَأ بالإمالة والتفخيم فالحجة لمن أمال أَنه فِي الأَصْل من ذَوَات الْيَاء وَذَوَات الْيَاء معرضة للإمالة فَلَمَّا اتَّصَلت بِهِ الْكِنَايَة بقاه على أَصله الَّذِي كَانَ لَهُ وَالْحجّة لمن فخم أَنه اتى بِالْكَلِمَةِ على الأَصْل وَلم يلْتَفت إِلَى الْفَرْع
قَوْله تَعَالَى نرفع دَرَجَات من نشَاء يقْرَأ بِالتَّنْوِينِ وَالْإِضَافَة فالحجة لمن نون أَنه نوى التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير فَكَأَنَّهُ قَالَ نرفع من نشَاء دَرَجَات فَيكون من فِي مَوضِع نصب ودرجات مَنْصُوبَة على أحد أَرْبَعَة أوجه إِمَّا مَفْعُولا ثَانِيًا وَإِمَّا بَدَلا وَإِمَّا حَالا وَإِمَّا تمييزا وَالْحجّة لمن أضَاف أَنه أوقع الْفِعْل على دَرَجَات فنصبها وأضافها إِلَى من فخفضه بِالْإِضَافَة وخزل التَّنْوِين للإضافة ونشاء صلَة ل من
قَوْله تَعَالَى وَالْيَسع يقرأبإسكان اللَّام وتخفيفها وَبِفَتْحِهَا وتشديدها فالحجة لمن أسكن أَن الِاسْم كَانَ قبل دُخُول اللَّام عَلَيْهِ يسع ثمَّ دخلت عَلَيْهِ الْألف وَاللَّام فشاكل من الْأَسْمَاء قَول الْعَرَب اليحمد اسْم قَبيلَة واليرمع اسْم حِجَارَة براقه فدخولها على ذَلِك عِنْد الْكُوفِيّين للمدح والتعظيم وأنشدوا ... وجدنَا الْوَلِيد بن اليزيد مُبَارَكًا ... شَدِيدا بأحناء الْخلَافَة كَاهِله ...
ودخولها عِنْد الْبَصرِيين على مَا كَانَ فِي الأَصْل صفة ثمَّ نقل إِلَى التَّسْمِيَة كَقَوْلِهِم الْحَرْث وَالْعَبَّاس فعلى هَذَا إِن كَانَ يسع عَرَبيا فأصله يُوسع سَقَطت مِنْهُ الْوَاو لوقوعها بَين يَاء وكسرة ثمَّ دخلت عَلَيْهِ الْألف وَاللَّام وَإِن كَانَ أعجميا لَا يعرف اشتقاقه فوزنه فعل الْيَاء فِيهِ أصل دخلت عَلَيْهِ الْألف وَاللَّام وَالْحجّة لمن شدد أَن وَزنه عِنْده فيعل مثل صيرف وَأَصله ليسع فَاللَّام فِيهِ أصل وَالْيَاء زَائِدَة فَإِذا دخل عَلَيْهَا لَام التَّعْرِيف وَهِي سَاكِنة أدغمت فِي المتحركة فصارتا لاما مُشَدّدَة(1/144)
سُورَة الْأَنْعَام
قَوْله تَعَالَى فبهداهم أقتده يقْرَأ بِإِثْبَات الْهَاء وحذفها وَقد ذكرت علله فِي الْبَقَرَة فَأَما من كسر هَذِه الْهَاء فِي الْوَصْل فقد وهم لِأَنَّهَا إِنَّمَا جِيءَ بهَا فِي الْوَقْف ليبين بهَا حَرَكَة مَا قبلهَا وَلَيْسَت بهاء كِنَايَة
قَوْله تَعَالَى تجعلونه قَرَاطِيس تبدونها وتخفون كثيرا يقرأبالياء وَالتَّاء فالحجة لمن قراه بِالْيَاءِ أَنه رده إِلَى قَوْله للنَّاس يجعلونه وَالْحجّة لمن قَرَأَهُ بِالتَّاءِ أَنه جعل الْخطاب للحاضرين وَدَلِيله قَوْله تَعَالَى وعلمتم وَلم يقل وَعَلمُوا
قَوْله تَعَالَى ولتنذر أم الْقرى يقرا بِالْيَاءِ وَالتَّاء فالحجة لمن قَرَأَهُ بِالتَّاءِ أَنه أَرَادَ بِهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وسلم وَدَلِيله إِنَّمَا أَنْت مُنْذر وَأم الْقرى مَكَّة وَالْحجّة لمن قَرَأَهُ بِالْيَاءِ أَنه أَرَادَ الْكتاب الْمُقدم ذكره وَهُوَ الْقُرْآن
قَوْله تَعَالَى لقد تقطع بَيْنكُم يقرا بِضَم النُّون وَفتحهَا فالحجة لمن قَرَأَ بِالضَّمِّ أَنه جعله اسْما مَعْنَاهُ وصلكم فرفعه لِأَنَّهُ اسْم هَا هُنَا لَا ظرف قَالَ الشَّاعِر ... كَأَن رماحهم أشطان بِئْر ... بعيد بَين جالبها شطون ...
ويروى جرور وَالْحجّة لمن قَرَأَ بِالْفَتْح أَنه جعله ظرفا وَمَعْنَاهُ الفضاء بَين الغايتين وَدَلِيله قِرَاءَة عبد الله لقد تقطع مَا بَيْنكُم وَمن الْأَسْمَاء مَا يكون ظرفا واسما كَقَوْلِك زيد دُونك وَزيد دون من الرِّجَال وَزيد وسط الدَّار وَهَذَا وَسطهَا(1/145)
سُورَة الْأَنْعَام
قَوْله تَعَالَى وجاعل اللَّيْل يقْرَأ بِإِثْبَات الْألف وخفض اللَّيْل وبطرحها وَنصب اللَّيْل فالحجة لمن أثبت الْألف وخفض أَنه رد لفظ فَاعل على مثله وأضاف بِمَعْنى مَا قد مضى وَثَبت وَهُوَ الْأَحْسَن وَالْأَشْهر وَالْحجّة لمن حذفهَا وَنصب أَنه جعله فعلا مَاضِيا وَعطفه على فَاعل معنى لَا لفظا كَمَا عطفت الْعَرَب اسْم الْفَاعِل على الْمَاضِي لِأَنَّهُ بِمَعْنَاهُ قَالَ الراجز ... يَا لَيْتَني علقت غير خَارج ... أم صبي قد حبا أَو دارج ...
قَوْله تَعَالَى فمستقر يقرأبكسر الْقَاف وَفتحهَا فالحجة لمن كسر أَنه جعله اسْم الْفَاعِل من قَوْلهم قر الشَّيْء فَهُوَ مُسْتَقر وَمَعْنَاهُ مُسْتَقر فِي الأصلاب ومستودع فِي الارحام وَقيل فِي الْأَحْيَاء وَفِي الْأَمْوَات وَالْحجّة لمن فتح أَنه أَرَادَ الْموضع من قَوْلهم هَذَا مستقري وَقيل مَعْنَاهُ مُسْتَقر فِي الدُّنْيَا أَو الْقَبْر ومستودع فِي الْجنَّة أَو النَّار
قَوْله تَعَالَى وجنات من أعناب يقْرَأ بِالرَّفْع وَالنّصب فالحجة لمن رفع أَنه رده على قَوْله قنوان دانية وجنات وَالْحجّة لمن نصب أَنه رده على قَوْله نخرج مِنْهُ حبا متراكبا وجنات
قَوْله تَعَالَى انْظُرُوا إِلَى ثمره يقرا بِضَم الثَّاء وَالْمِيم وفتحهما فالحجة لمن ضم أَنه أَرَادَ بِهِ جمع ثمار وثمر كَمَا قَالُوا إِزَار وأزر وَالْحجّة لمن فتح أَنه أَرَادَ جمع(1/146)
سُورَة الْأَنْعَام ثَمَرَة وثمر فَأَما الَّتِي فِي الْكَهْف فالضم إِلَّا مَا روى من الْفَتْح عَن عَاصِم وَمن الإسكان عَن أبي عَمْرو
فَإِن قيل فَمَا الْفرق بَينهمَا فَقل الْفرق أَن الَّتِي فِي الْأَنْعَام من أثمار الشّجر وَالَّتِي فِي الْكَهْف من تثمير المَال لقَوْله بعد انْقِضَاء وصف الجنتين وَكَانَ لَهُ ثَمَر أَي ذهب وأثاث وَدَلِيله قَوْله أَنا أَكثر مِنْك مَالا
قَوْله تَعَالَى وخرقوا لَهُ يقْرَأ بتَشْديد الرَّاء وتخفيفها وَقد ذكر الْفرق بَين التَّشْدِيد وَالتَّخْفِيف فَأَما مَعْنَاهُ فكمعنى اختلقوا وتلخيصه كذبُوا وَدَلِيله قَوْله إِن هَذَا إِلَّا اخْتِلَاق مَعْنَاهُ إِلَّا كذب لأَنهم قَالُوا مَا لم يعلمُوا
قَوْله تَعَالَى دارست يقْرَأ بِإِثْبَات الْألف وحذفها فالحجة لمن أثبت الْألف أَنه أَرَادَ قارأت وذاكرت غَيْرك فاستفدت وَالْحجّة لمن حذفهَا أَنه أَرَادَ قَرَأت لنَفسك وَعلمت فَأَما من قَرَأَهُ بِضَم الدَّال وَإِسْكَان التَّاء فَلهُ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه أَرَادَ قُرِئت وَعلمت وَهُوَ الْوَجْه وَالثَّانِي أَنه أَرَادَ محيت وَذَهَبت من قَوْلهم درس الْمنزل إِذا ذهبت آثاره ومعالمه
قَوْله تَعَالَى أَنَّهَا إِذا جَاءَت يقرا بِفَتْح الْهمزَة وَكسرهَا فالحجة لمن فتح أَنه جعلهَا بِمَعْنى لَعَلَّ وَكَذَلِكَ لَفظهَا فِي قِرَاءَة عبد الله وَأبي وَالْحجّة لمن كسر أَنه جعل الْكَلَام تَاما عِنْد قَوْله وَمَا يشعركم وابتدأ بإن فَكَسرهَا
قَوْله تَعَالَى لَا يُؤمنُونَ يقْرَأ بِالتَّاءِ وَالْيَاء فالحجة لمن قَرَأَ بِالتَّاءِ معنى المخاطبة وَدَلِيله قَوْله وَمَا يشعركم وَالْحجّة لمن قَرَأَ بِالْيَاءِ أَنه أَرَادَا معنى الْغَيْبَة وَدَلِيله قَوْله نقلب أفئدتهم(1/147)
سُورَة الْأَنْعَام
قَوْله تَعَالَى كل شَيْء قبلا يقرا بِضَم الْقَاف وَالْبَاء وبكسر الْقَاف وَفتح الْبَاء فالحجة لمن ضم أَنه أَرَادَ جمع قبيل يَعْنِي قبيلا قبيلا وَالْحجّة لمن كسر أَنه أَرَادَ مُقَابلَة وعيانا
قَوْله تَعَالَى وتمت كَلِمَات رَبك يقرا بِالتَّوْحِيدِ وَالْجمع فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع هَا هُنَا وَفِي يُونُس فِي موضِعين وَفِي الْمُؤمن وَإِنَّمَا عمِلُوا فِي ذَلِك على السوَاد لِأَنَّهُنَّ مكتوبات فِيهِ بِالتَّاءِ فالحجة لمن جمع قَوْله بعد ذَلِك لَا مبدل لكلماته وَالْحجّة لمن وحد أَنه يَنُوب الْوَاحِد فِي اللَّفْظ عَن الْجَمِيع وَدَلِيله قَوْله وتمت كلمة رَبك الْحسنى وكل قريب
قَوْله تَعَالَى وَقد فصل لكم مَا حرم عَلَيْكُم يقرا بِضَم الْفَاء والحاء وَكسر الصَّاد وَالرَّاء وفتحهن وبفتح الْفَاء وَضم الْحَاء فالحجة لمن ضم أَنه دلّ بِالضَّمِّ على بِنَاء مَا لم يسم فَاعله وَكَانَت مَا فِي مَوضِع رفع وَالْحجّة لمن فتح أَنه جَعلهمَا فعلا لله تَعَالَى لتقدم اسْمه فِي أول الْكَلَام وَكَانَت مَا فِي مَوضِع نصب وَالْحجّة لمن فتح وَضم أَنه أَتَى بِالْوَجْهَيْنِ مَعًا وَكَانَت مَا فِي مَوضِع نصب
قَوْله تَعَالَى ليضلون بأهوائهم يقْرَأ بِضَم الْيَاء وَفتحهَا وَالْحجّة لمن ضم أَنه جعل الْفِعْل مُتَعَدِّيا مِنْهُم إِلَى غَيرهم فَدلَّ بِالضَّمِّ على أَن ماضي الْفِعْل على أَرْبَعَة أحرف
وَالْحجّة لمن فتح أَنه جعل الْفِعْل لَازِما لَهُم غير مُتَعَدٍّ إِلَى غَيرهم فَدلَّ بِالْفَتْح على أَن ماضيه على ثَلَاثَة أحرف وعَلى ذَلِك يقْرَأ مَا كَانَ مثله فِي يُونُس وَإِبْرَاهِيم وَالْحجر(1/148)
سُورَة الْأَنْعَام ولقمان وَالزمر
قَوْله تَعَالَى أومن كَانَ مَيتا فأحييناه يقرا بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيف وَقد ذكرت علته آنِفا وَالْمعْنَى أَفَمَن كَانَ مَيتا بالْكفْر فأحييناه بِالْإِيمَان
قَوْله تَعَالَى ضيقا حرجا يقْرَأ بتَشْديد الْيَاء وتخفيفها وَفتح الرَّاء وَكسرهَا فالحجة لن شدد أَنه أكد الضّيق وَدَلِيله قَوْله تَعَالَى مَكَانا ضيقا فَكَأَنَّهُ ضيق بعد ضيق وَالْحجّة لمن خفف أَنه استثقل الكسرة على الْيَاء مَعَ التَّشْدِيد فَخفف وأسكن كَمَا قَالُوا هَين وهين وَالْحجّة لمن فتح الرَّاء أَنه أَرَادَ الْمصدر وَلمن كسرهَا أَنه أَرَادَ الِاسْم ومعناهما الضّيق
فَإِن قيل فَمَا وَجه إِعَادَته فَقل فِي ذَلِك وُجُوه أَولهَا أَنه أَعَادَهُ لاخْتِلَاف اللَّفْظَيْنِ وَالثَّانِي أَنه أَعَادَهُ تَأْكِيدًا وَالثَّالِث أَن الْحَرج الشَّك فَكَأَنَّهُ قَالَ ضيقا شاكا
قَوْله تَعَالَى كَأَنَّمَا يصعد فِي السَّمَاء يقْرَأ بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيف وَإِثْبَات الْألف فالحجة لمن شدد أَنه أَرَادَ يتَصَعَّد فأسكن التَّاء وأدغمها فِي الصَّاد تَخْفِيفًا فَشدد لذَلِك وَكَذَلِكَ الْحجَّة فِي إِثْبَات الْألف مَعَ التَّشْدِيد وَالْحجّة لمن خفف أَنه أَخذه من قَوْلهم صعد يصعد وَذَلِكَ كُله إِن كَانَ لَفظه من الارتقاء فَالْمُرَاد بِهِ الْمَشَقَّة والتكلف من قَوْلهم عقبَة صعُود إِذا كَانَت لَا ترتقي إِلَّا بِمَشَقَّة وَالْمعْنَى أَن الْكَافِر لَو قدر لضيق صَدره أَن يرتقي فِي السَّمَاء لفعل
قَوْله تَعَالَى اعْمَلُوا على مكانتكم يقْرَأ بِالْإِفْرَادِ وَالْجمع فالحجة لمن أفرد(1/149)
سُورَة الْأَنْعَام أَنه أَرَادَ على تمكينكم وأمركم وحالكم وَمِنْه قَوْلهم لفُلَان عِنْدِي مَكَان ومكانة أَي تمكن محبَّة وَقيل وَزنهَا مفعلة من الْكَوْن فالميم فِيهَا زَائِدَة وَالْألف منقلبة من وَاو وَقيل وَزنه فعال مثل ذهَاب من المكنة وَدَلِيل ذَلِك جمعه أمكنة على وزن أفعلة فالميم هَا هُنَا أصل وَالْألف زَائِدَة وَالْحجّة لمن قراه بِالْجمعِ أَنه جعل لكل وَاحِد مِنْهُم مكانة يعْمل عَلَيْهَا فَجمع على هَذَا الْمَعْنى وَيحْتَمل أَن يكون اراد بِالْجمعِ الْوَاحِد كَقَوْلِه تَعَالَى يأيها الرُّسُل كلوا من الطَّيِّبَات والمخاطب بذلك مُحَمَّد عَلَيْهِ السَّلَام
فَإِن قيل فَكيف أَمرهم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وسلم أَن يثبتوا على عمل الْكفْر وَقد دعاهم إِلَى الْإِيمَان فَقل إِن هَذَا أَمر مَعْنَاهُ التهديد والوعيد كَقَوْلِه اعْمَلُوا مَا شِئْتُم توعدا لَهُم بذلك
قَوْله تَعَالَى من تكون لَهُ عَاقِبَة الدَّار يقرا بِالْيَاءِ وَالتَّاء وَقد تقدم القَوْل فِي علله قبل
قَوْله تَعَالَى بزعمهم يقرا بِضَم الزَّاي وَفتحهَا فَقيل هما لُغَتَانِ وَقيل الْفَتْح للمصدر وَالضَّم للاسم
قَوْله تَعَالَى وَكَذَلِكَ زين لكثير من الْمُشْركين قتل أَوْلَادهم شركاؤهم يقرا بِفَتْح الزَّاي وَنصب قتل وَرفع شركائهم وبضم الزَّاي وَفتح قتل وَنصب أَوْلَادهم وخفض شركائهم فالحجة لمن قرا بِفَتْح الزَّاي أَنه جعل الْفِعْل للشركاء فرفعهم بِهِ وَنصب الْقَتْل بتعدي الْفِعْل إِلَيْهِ وخفض أَوْلَادهم بِإِضَافَة الْقَتْل إِلَيْهِم وَالْحجّة لمن قَرَأَهُ بِضَم الزَّاي أَنه دلّ بذلك على بِنَاء الْفِعْل لما لم يسم فَاعله وَرفع بِهِ الْقَتْل وأضافه إِلَى(1/150)
سُورَة الْأَنْعَام شركائهم فخفضهم وَنصب أَوْلَادهم بِوُقُوع الْقَتْل عَلَيْهِم وَحَال بهم بَين الْمُضَاف والمضاف إِلَيْهِ وَهُوَ قَبِيح فِي الْقُرْآن وَإِنَّمَا يجوز فِي الشّعْر كَقَوْل ذِي الرمة ... كَأَن أصوات من إيغالهن بِنَا ... أَوَاخِر الميس أنقاض الفراريج ...
وَإِنَّمَا حمل الْقَارئ بِهَذَا عَلَيْهِ أَنه وجده فِي مصاحف أهل الشَّام بِالْيَاءِ فَاتبع الْخط
قَوْله تَعَالَى وَإِن تكن ميتَة يقرا بِالْيَاءِ وَالتَّاء وَقد تقدم القَوْل فِي علل ذَلِك وَيقْرَأ بِنصب ميتَة ورفعها فالحجة لمن رفع أَنه جعل كَانَ بِمَعْنى حدث وَوَقع فَلم يَأْتِ لَهَا بِخَبَر وَالْحجّة لمن نصب أَنه أضمر فِي يكون الِاسْم وَجعل ميتَة الْخَبَر لتقدم قَوْله مَا فِي بطُون هَذِه الْأَنْعَام
قَوْله تَعَالَى خَالِصَة لذكورنا يقْرَأ بهاء التَّأْنِيث والتنوين وبهاء الْكِنَايَة وَالضَّم فالحجة لمن قَرَأَ بهاء التَّأْنِيث أَنه رده على معنى مَا لِأَنَّهُ للْجمع وَالْحجّة لمن جعلهَا هَاء كِنَايَة أَنه ردهَا على لفظ مَا
قَوْله تَعَالَى يَوْم حَصَاده يقْرَأ بِفَتْح الْحَاء وَكسرهَا فرقا بَين الِاسْم والمصدر(1/151)
سُورَة الْأَنْعَام على مَا قدمنَا القَوْل فِيهِ أَو على أَنَّهُمَا لُغَتَانِ
قَوْله تَعَالَى وَمن الْمعز يقرا بِفَتْح الْعين وإسكانها وهما لُغَتَانِ وَالْأَصْل الإسكان وَإِنَّمَا جَازَ الْفَتْح فِيهِ لمَكَان الْحَرْف الحلقي
فَإِن قيل فَكَذَلِك يلْزم فِي الضَّأْن فَقل إِن الْهمزَة وَإِن كَانَت حلقية فَهِيَ مستثقلة لخروجها من أقْصَى مخارج الْحُرُوف فَتَركهَا على سكونها أخف من حركتها
قَوْله تَعَالَى وَأَن هَذَا صِرَاطِي يقْرَأ بِفَتْح الْهمزَة وَكسرهَا فالحجة لمن كسرهَا أَنه ابتدأها مستأنفا وَالْحجّة لمن فتح أَنه أَرَادَ وَجْهَيْن أَحدهمَا أَنه رده على قَوْله ذَلِكُم وَصَّاكُم بِهِ وَبِأَن هَذَا صِرَاطِي وَالْآخر أَنه رده على قَوْله أَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئا وَأَن هَذَا صِرَاطِي
قَوْله تَعَالَى فرقوا دينهم يقْرَأ بِإِثْبَات الْألف وَالتَّخْفِيف وبطرحها وَالتَّشْدِيد فالحجة لمن أثبتها أَنه أَرَادَ تَرَكُوهُ وَانْصَرفُوا عَنهُ وَالْحجّة لمن طرحها أَنه أَرَادَ جَعَلُوهُ فرقا وَدَلِيله قَوْله وَكَانُوا شيعًا أَي أحزابا
قَوْله تَعَالَى دينا قيمًا يقْرَأ بِفَتْح الْقَاف وَكسر الْيَاء وَالتَّشْدِيد وبكسر الْقَاف وَفتح الْيَاء وَالتَّخْفِيف فالحجة لمن شدد أَنه أَرَادَ دينا مُسْتَقِيمًا خَالِصا وَدَلِيله قَوْله وَذَلِكَ دين الْقيمَة وَالْحجّة لمن خفف أَنه أَرَادَ جمع قيمَة وقيم كَقَوْلِهِم حِيلَة وحيل
قَوْله تَعَالَى فَلهُ عشر أَمْثَالهَا يقرا بِالتَّنْوِينِ وَنصب الْأَمْثَال وبطرحه والخفض(1/152)
سُورَة الْأَعْرَاف فالحجة لمن نصب أَن التَّنْوِين يمْنَع من الْإِضَافَة فَنصبت على خلاف الْمُضَاف وَالْحجّة لمن أضَاف أَنه أَرَادَ فَلهُ عشر حَسَنَات فَأَقَامَ الْأَمْثَال مقَام الْحَسَنَات وَلِهَذَا الْمَعْنى خزلت الْهَاء من الْعدَد لِأَنَّهُ لمؤنث فاعرفه
وَمن سُورَة الْأَعْرَاف
قَوْله تَعَالَى المص هِيَ آيَة فِي عدد الْكُوفِيّين وَكَذَلِكَ الم
فَإِن قيل فَهَلا عدوا المر فَقل لِأَن الرَّاء حرفان وَأَعْدل الْأَسْمَاء وَالْأَفْعَال مَا كَانَ ثلاثيا لِأَن الْوَقْف يصلح عَلَيْهِ فَمَا كَانَ ثلاثيا عد أَيَّة وَمَا كَانَ حرفين لم يعد
فَإِن قيل فَهَلا عدوا صَاد وفاف وهما ثلاثيان فَقل كل مَا كَانَ من هَذِه الْحُرُوف قد ضم إِلَى غَيره فيعد ثمَّ إِذا انْفَرد لم يعد آيَة كَقَوْلِه المص وعسق وطس لأَنهم قد ضموه إِلَى الْمِيم فِي طسم
قَوْله تَعَالَى قَلِيلا مَا تذكرُونَ يقْرَأ بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيف وَقد مضى ذكر علله فِيمَا سلف(1/153)
سُورَة الْأَعْرَاف
قَوْله تَعَالَى وَمِنْهَا تخرجُونَ يقرا بِضَم التَّاء وَفتح الرَّاء وبفتح التَّاء وَضم الرَّاء هَا هُنَا وَفِي الرّوم والزخرف والجاثية فالحجة لمن ضم التَّاء أَنه جعله فعل مَا لم يسم فَاعله وَالْحجّة لمن فتح التَّاء أَنه أَرَادَ أَن الله عز وجلّ إِذا أخرجهم يَوْم الْقِيَامَة فهم الخارجون وَالتَّاء فِي الْوَجْهَيْنِ دَلِيل المخاطبة
قَوْله تَعَالَى ولباس التَّقْوَى يقرا بِالنّصب وَالرَّفْع وَالْحجّة لمن نصب أَنه عطفه على مَا تقدم بِالْوَاو فأعربه بِمثل إعرابه وَالْحجّة لمن رفع أَنه ابتدأه بِالْوَاو وَالْخَبَر خير وَذَلِكَ نعت ل لِبَاس وَدَلِيله أَنه فِي قِرَاءَة عبد الله وابي ولباس التَّقْوَى خير لَيْسَ فِيهِ ذَلِك وَمَعْنَاهُ أَنه الْحيَاء
قَوْله تَعَالَى خَالِصَة يَوْم الْقِيَامَة يقرا بِالرَّفْع وَالنّصب فالحجة لمن قَرَأَهُ بِالرَّفْع أَنه أَرَادَ قل هِيَ للَّذين آمنُوا فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وَهِي لَهُم خَالِصَة يَوْم الْقِيَامَة وَالْحجّة لمن نصب أَنه لما تمّ الْكَلَام دونهَا نصبها على الْحَال
قَوْله تَعَالَى لَا تفتح لَهُم يقْرَأ بِالتَّاءِ وَالتَّشْدِيد وبالياء وَالتَّخْفِيف وَقد تقدّمت الْعلَّة فِي ذَلِك آنِفا بِمَا يغنى عَن إِعَادَته وَمَعْنَاهُ لَا يرفع عَمَلهم وَلَا يُجَاب دعاؤهم
قَوْله تَعَالَى وَلَكِن لَا تعلمُونَ يقرا بِالْيَاءِ وَالتَّاء على مَا ذكرنَا من الْحجَّة فِي نَظَائِره
قَوْله تَعَالَى قَالُوا نعم يقرا بِكَسْر الْعين وَفتحهَا فالحجة لمن كسر أَنه(1/154)
سُورَة الْأَعْرَاف فرق بَين هَذِه اللَّفْظَة الَّتِي يُوجب بهَا وَبَين النعم من الْإِبِل إِذا نكر ووقف عَلَيْهِ وَالْحجّة لمن فتح أَنه قَالَ هما لُغَتَانِ فاخترت الْفَتْح لخفته وَلم ألتفت إِلَى مُوَافقَة اللَّفْظ
فَإِن قيل فَمَا الْفرق بَين نعم وبلى فَقل الْفرق بَينهمَا أَن نعم يلفظ بهَا فِي جَوَاب الِاسْتِفْهَام وبلى يلفظ بهَا فِي جَوَاب الْجحْد
قَوْله تَعَالَى أَن لعنة الله يقْرَأ بتَشْديد أَن وَالنّصب وبتخفيفها وَالرَّفْع وَقد ذكرت علتيهما فِي الْبَقَرَة
قَوْله تَعَالَى لَا ينالهم الله برحمة يقف بعض الْقُرَّاء على رَحْمَة وَمَا شاكلها مثل الْآخِرَة وَالْقِيَامَة ومرية ومعصية بالإمالة مَا لم يكن فِيهِ حرف مَانع مِنْهَا وَالْحجّة لَهُ فِي ذَلِك أَنه شبه الْهَاء فِي أَوَاخِر هَذِه الْحُرُوف بِالْألف فِي قضى وَرمى فأمال لذَلِك
فَإِن قيل أفتميل جَمِيع مَا كَانَ فِي الْقُرْآن من أَمْثَال ذَلِك فَقل قد دللتك على مَوضِع الإمالة وعرفتك مَا لَا يجوز فِيهِ للحرف الْمَانِع من ذَلِك
فَإِن قيل مَا تَقول فِي شرر وبررة فَقل لَا يمال هَذَا وَمَا ضارعه لِأَن الأَصْل فِي الإمالة لذوات الْيَاء فَإِذا كَانَ قبلهَا حرف من الْحُرُوف الْمَوَانِع وَهن الصَّاد وَالضَّاد والطاء والظاء وَالْخَاء وَالْقَاف امْتنعت الإمالة لاستعلائهن فِي الْفَم واستثقال الإمالة
والحقوا بِهن الرَّاء للتكرير الَّذِي فِيهَا ففتحتها قبل الْألف بِمَنْزِلَة فتحتين كَمَا كَانَت(1/155)
سُورَة الْأَعْرَاف كسرتها بعد الْألف بِمَنْزِلَة كسرتين فَلَمَّا امْتنعت الْألف الَّتِي هِيَ الأَصْل من الأمالة للمانع كَانَت الْهَاء الَّتِي هِيَ مشبهة بهَا من الإمالة أبعد وَأَمْنَع
فَإِن قيل أفتميل الطامة والصاخة كَمَا أملت دَابَّة فَقل لَا لِأَن قبل الْألف حرف من الْحُرُوف الْمَوَانِع
فَإِن قيل فَلم أملت الْمعْصِيَة فَقل لكسرة الصَّاد وَكَذَلِكَ الْآخِرَة لكسرة الْخَاء فاعرف مَا أصلت لَك فَإِنَّهُ يشفى بك على جَوَاز الإمالة وامتناعها
الْبَاقُونَ بالتفخيم على الأَصْل سَوَاء كَانَ الْحَرْف مَانِعا أَو مبيحا
قَوْله تَعَالَى وَمَا كُنَّا لنهتدي يقْرَأ بِإِثْبَات الْوَاو وحذفها فالحجة لمن أثبتها أَنه رد بهَا بعض الْكَلَام على بعض وَالْحجّة لمن طرحها أَنه ابتدأالكلام فَلم تحتج إِلَيْهَا وَكَذَلِكَ هِيَ فِي مصاحف أهل الشَّام بِغَيْر وَاو
قَوْله تَعَالَى أورثتموها وَقَرَأَ بِالْإِدْغَامِ والإظهار فالحجة لمن أدغم مقاربة الثَّاء للتاء فِي الْمخْرج وَالْحجّة لمن أظهر أَن الحرفين مهموسان فَإِذا أدغما خفِيا فضعفا فَلذَلِك حسن الْإِظْهَار فيهمَا
قَوْله تَعَالَى يغشى اللَّيْل النَّهَار يقْرَأ بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيف فالحجة لمن شدد تَكْرِير الْفِعْل ومداومته وَدَلِيله قَوْله تَعَالَى فغشاها مَا غشى وَالْحجّة لمن خفف أَنه أَخذه من أغشى يغشي وَدَلِيله قَوْله فأغشيناهم فهم لَا يبصرون ومعناهما وَاحِد مثل أنزل وَنزل غير أَن التَّشْدِيد أبلغ
قَوْله تَعَالَى وَالشَّمْس وَالْقَمَر والنجوم مسخرات يقْرَأ بِالنّصب وَالرَّفْع(1/156)
سُورَة الْأَعْرَاف
فالحجة لمن نصب أَنه عطفه على قَوْله يغشى فأضمر فعلا فِي معنى يغشى ليشاكل بالْعَطْف بَين الْفِعْلَيْنِ وَالْحجّة لمن رفع أَنه جعل الْوَاو حَالا لَا عاطفة فأستأنف بهَا فَرفع كَمَا تَقول لقِيت زيدا وَأَبوهُ قَائِم تُرِيدُ وَهَذِه حَال أَبِيه
قَوْله تَعَالَى خُفْيَة يقْرَأ بِضَم الْخَاء وَكسرهَا وَقد ذكر فِي الْأَنْعَام
قَوْله تَعَالَى بشرا يقْرَأ بالنُّون وَالْبَاء وبضم الشين وإسكانها فالحجة لمن قَرَأَهُ بالنُّون وَضم الشين أَنه جعله جمعا لريح نشور كَمَا تَقول امْرَأَة صبور وَنسَاء صَبر وَالْحجّة لمن فتح النُّون وأسكن الشين أَنه جعله مصدرا وَدَلِيله قَوْله والناشرات نشرا وَهِي الرِّيَاح الَّتِي تهب من كل وَجه لجمع السَّحَاب الممطرة وَالْحجّة لمن قَرَأَهُ بِالْبَاء وَضم الشين أَنه جعله جمع ريح بشور وَهِي الَّتِي تبشر بالمطر وَدَلِيله قَوْله تَعَالَى الرِّيَاح مُبَشِّرَات وَالْحجّة لمن أسكن الشين فِي الْوَجْهَيْنِ أَنه كره الْجمع بَين ضمتين متواليتين فأسكن تَخْفِيفًا
قَوْله تَعَالَى مَا لكم من إِلَه غَيره يقْرَأ بِالرَّفْع والخفض فالحجة لمن قَرَأَهُ بِالرَّفْع أَنه جعله حرف اسْتثِْنَاء فأعربه بِمَا كَانَ الِاسْم يعرب بِهِ بعد إِلَّا كَقَوْلِه تَعَالَى لَو كَانَ فيهمَا آلِهَة إِلَّا الله وَيجوز الرّفْع فِي غير على الْوَصْف ل إِلَه قبل دُخُول من عَلَيْهِ كَقَوْلِه تَعَالَى هَل من خَالق غير الله وَالْحجّة لمن خفض أَنه جعله وَصفا لإله وَلم يَجعله اسْتثِْنَاء فَهُوَ قَوْلك معي دِرْهَم غير زائف وَسيف غير كهام
قَوْله تَعَالَى أبلغكم رسالات رَبِّي يقرا بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيف فالحجة لمن شدد أَنه أَرَادَ تَكْرِير الْفِعْل ومداومته وَدَلِيله قَوْله تَعَالَى يأيها الرَّسُول بلغ مَا أنزل(1/157)
سُورَة الْأَعْرَاف إِلَيْك وَالْحجّة لمن خفف أَنه أَخذه من أبلغ وَدَلِيله قَوْله تَعَالَى لقد أبلغتكم رِسَالَة رَبِّي
قَوْله تَعَالَى أئنكم لتأتون الرِّجَال يقراها هُنَا بالاستفهام والإخبار فالحجة لمن استفهم ثَانِيًا أَنه جعله جَوَابا وَاسْتدلَّ بقوله آللَّهُ أذن لكم أم على الله تفترون فَأَعَادَ الِاسْتِفْهَام ثَانِيًا وَالْعرب تتْرك ألف الِاسْتِفْهَام إِذا كَانَ عَلَيْهَا دَلِيل من أم كَقَوْل أمرئ الْقَيْس ... تروح من الْحَيّ أم تبتكر ... وماذا يضيرك لَو تنْتَظر ...
وَالْحجّة لمن قَرَأَهُ بالإخبار أَنه اجترأ بِالْأولِ من الثَّانِي وَدَلِيله قَوْله أَفَإِن مت فهم الخالدون
قَوْله تَعَالَى فِي قصَّة صَالح قَالَ الْمَلأ يقرا بِإِثْبَات الْوَاو وحذفها فحذفها على الِابْتِدَاء وإثباتها للْعَطْف
قَوْله تَعَالَى أَو أَمن أهل الْقرى يقرا بِإِسْكَان الْوَاو وتحريكها فالحجة لمن أسكن أَنه جعل الْعَطف بِأَو الَّتِي تكون للشَّكّ وَالْإِبَاحَة وَالْحجّة لن حرك أَنه جعل الْعَطف بِالْوَاو وَأدْخل عَلَيْهَا ألف الِاسْتِفْهَام ليَكُون الأول من لفظ الثَّانِي فِي قَوْله أفأمن(1/158)
سُورَة الاعراف
قَوْله تَعَالَى لفتحنا عَلَيْهِم يقرا بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيف فالحجة لمن شدد أَنه أَرَادَ مرّة بعد مرّة وَالْحجّة لمن خفف أَنه أَخذه من فتح يفتح إِذا فعل ذَلِك مرّة وَاحِدَة
قَوْله تَعَالَى حقيق على يقرا بإرسال الْيَاء وبتشديدها فالحجة لمن أرسلها أَنه جعل على حرفا وأوقعها على أَلا أَقُول فَكَانَ بهَا فِي مَوضِع خفض وَالْحجّة لمن شدد أَنه أضَاف الْحَرْف إِلَى نَفسه فَاجْتمع فِيهِ ياءان الأولى من أصل الْكَلِمَة وَالثَّانيَِة يَاء الْإِضَافَة فأدعمت الأولى فِي الثَّانِيَة وَفتحت لالتقاء الساكنين كَمَا قَالُوا لدي وَإِلَى وَيكون أَلا أَقُول فِي مَوضِع رفع بِخَبَر الِابْتِدَاء
قَوْله تَعَالَى أرجه وأخاه يقرا بِالْهَمْز وَتَركه وبإشباع الضمة والهمز وباختلاس الْحَرَكَة وبكسر الْهَاء وإسكانها مَعَ ترك الْهَمْز
فَأَما تَحْقِيق الْهَمْز وَتَركه فلغتان فاشيتان قرئَ بهما ترجئ من تشَاء وترجى من تشَاء
وَأما إشباع الضمة واختلاس حركتها فالحجة فِيهِ أَن هَاء الْكِنَايَة غذا أسكن مَا قبلهَا لم يجز فِيهَا إِلَّا الضَّم لِأَن مَا بعد السَّاكِن كالمبتدأ يدلك على ذَلِك قَوْلك مِنْهُ وَعنهُ بالاختلاس ومنهمو وعنهمو بالإشباع فَمن أشْبع فعلى الأَصْل(1/159)
سُورَة الْأَعْرَاف وَمن أختلس أَرَادَ التَّخْفِيف فاجتزأبالضمة من الْوَاو
وَأما من ترك الْهَمْز وَكسر الْهَاء فَإِنَّهُ أسقط الْيَاء عَلامَة للجزم وَكسر الْهَاء لانكسار مَا قبلهَا وَوَصلهَا بياء لبَيَان الْحَرَكَة وَأما من أسكن الْهَاء فَلهُ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه توهم أَن الْهَاء آخر الْكَلِمَة فأسكنها دلَالَة على الْأَمر أَو تَخْفِيفًا لما طَالَتْ الْكَلِمَة بِالْهَاءِ
وروى هِشَام بن عمار عَن ابْن عَامر أرجئه بِالْهَمْز وَكسر الْهَاء وَهُوَ عِنْد النَّحْوِيين غلط لِأَن الْكسر لَا يجوز فِي الْهَاء إِذا سكن مَا قبلهَا كَقَوْلِه وأشركه فِي امري وَله وَجه فِي الْعَرَبيَّة وَذَلِكَ أَن الْهمزَة لما سكنت لِلْأَمْرِ وَالْهَاء بعْدهَا سَاكِنة على لُغَة من يسكن الْهَاء كسرهَا لالتقاء الساكنين
قَوْله تَعَالَى بِكُل سَاحر عليم يقْرَأ بِإِثْبَات الْألف وَالتَّخْفِيف وبطرحها وَالتَّشْدِيد فِي كل الْقُرْآن إِلَّا فِي الشُّعَرَاء فَإِنَّهُ بِالتَّشْدِيدِ إِجْمَاع فالحجة لمن شدد أَنه أَرَادَ تَكْرِير الْفِعْل والإبلاغ فِي الْعَمَل وَالدّلَالَة على أَن ذَلِك ثَابت لَهُم فِيمَا مضى من الزَّمَان كَقَوْلِهِم هُوَ دخال خراج إِذا كثر ذَلِك مِنْهُ وَعرف بِهِ وَالْحجّة لمن أثبت الْألف وخفف أَنه جعله اسْما للْفَاعِل مأخوذا من الْفِعْل(1/160)
سُورَة الْأَعْرَاف
وكل مَا أَتَى بعده عليم فَهُوَ سَاحر إِلَّا الَّتِي فِي الشُّعَرَاء فَإِنَّهَا فِي السوَاد قبل الْألف فَلم يخْتَلف فِيهَا أَنَّهَا سحار وَمَا كَانَ بعده مُبين فَهُوَ سحر
قَوْله تَعَالَى أئن لنا لأجرا يقْرَأ بتحقيق الهمزتين وبتحقيق الأولى وتليين الثَّانِيَة وبطرح الأولى وَتَحْقِيق الثَّانِيَة
فالحجة لمن أثبت الهمزتين أَنه اتى بِهِ على الأَصْل لِأَن الأولى للأستفهام وَالثَّانيَِة همزَة إِن وَالْحجّة لمن لين الثَّانِيَة أَنه تجافى أَن يخرج من فتح الْهمزَة إِلَى كسرة ثَانِيَة فقلبها إِلَى لفظ الْيَاء تَلْيِينًا وَالْحجّة لمن طرح الأولى أَنه أخبر بإن وَلم يستفهم فَأثْبت همزَة إِن وأزال همزَة الِاسْتِفْهَام
قَوْله تَعَالَى تلقف يقْرَأ بِفَتْح اللَّام وَتَشْديد الْقَاف وبإسكان اللَّام وَتَخْفِيف الْقَاف فالحجة لمن شدد أَنه أَرَادَ تتلقف فخزل إِحْدَى التَّاءَيْنِ وبقى الْقَاف على تشديدها وَالْحجّة لمن أسكن وخفف أَنه أَخذه من لقف يلقف ومعناهما تلتقم وتلتهم أَي تبتلع
قَوْله تَعَالَى أآمنتم بِهِ يقْرَأ بتحقيق الهمزتين وَمُدَّة بعدهمَا وبهمزة وَمُدَّة بعْدهَا وبواو وهمزة بعْدهَا سَاكِنة وبواو وَلَا همزَة بعْدهَا فالحجة لمن حقق الهمزتين وَمد أَنه جمع بَين ثَلَاث همزات الأولى همزَة التوبيخ بِلَفْظ الِاسْتِفْهَام وَالثَّانيَِة ألف الْقطع وَالثَّالِثَة همزَة الأَصْل ووزنه أأفعلتم فالفاء هِيَ مَوضِع الْمدَّة وَالْحجّة لمن همز وَمد أَنه لين ألف الْقطع فوصل مدها بِمد ألف الأَصْل وَالْحجّة لمن أَتَى بِلَفْظ الْوَاو وهمزة سَاكِنة بعْدهَا أَنه لين ألف الْقطع فَصَارَت واوا لانضمام النُّون قبلهَا فَرَجَعت الْهمزَة الَّتِي هِيَ فَاء الْفِعْل إِلَى أَصْلهَا قبل التليين
فَإِن قيل فَيجب أَن تكون الْوَاو سَاكِنة لِأَنَّهَا ملينة من همزَة فَقل إِن الْوَاو الساكنة(1/161)
سُورَة الْأَعْرَاف
إِذا لقيها سَاكن حركت لالتقاء الساكنين كَقَوْلِه فَلَا تخشوا النَّاس وَقد نسب القارىء بذلك إِلَى الْوَهم وَالْحجّة لمن قَرَأَ بِلَفْظِهِ كالواو وَلَا همزَة مَعهَا فَإِنَّهُ أشْبع ضمة النُّون فَصَارَت كَلَفْظِ الْوَاو وخزل الْهمزَة الثَّانِيَة وَخَلفهَا بِمدَّة وَدلّ بِالْفَتْح على سُقُوط الْهمزَة الْمَفْتُوحَة
قَوْله تَعَالَى سنقتل أَبْنَاءَهُم وَمثله يقتلُون أبناءكم يقْرَأ بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيف فالحجة لمن شدد أَنه أَرَادَ تَكْرِير الْقَتْل بأبناء بعد أَبنَاء وَدَلِيله قَوْله وَقتلُوا تقتيلا وَالْحجّة لمن خفف أَنه أَرَادَ فعل الْقَتْل مرّة وَاحِدَة وَدَلِيله قَوْله تَعَالَى واقتلوهم حَيْثُ ثقفتموهم
قَوْله تَعَالَى يُورثهَا من يَشَاء يقْرَأ بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيف فالحجة لمن شدد أَنه أَرَادَ تَكْرِير الْمِيرَاث لقرن بعد قرن وَدَلِيله قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وسلم من عمل بِمَا علم وَرثهُ الله عئم مَا لم يعلم وَالْحجّة لمن خفف أَنه أَخذه من أورث وَدَلِيله قَوْله تَعَالَى كَذَلِك وأورثناها قوما آخَرين
قَوْله تَعَالَى وَمَا كَانُوا يعرشون ويعكفون يقرآن بِضَم عين الْفِعْل وَكسرهَا وهما لُغَتَانِ وَالْحجّة لذَلِك أَن كل فعل انفتحت عين مَا ضيه جَازَ كسرهَا وَضمّهَا فِي الْمُضَارع قِيَاسا إِلَّا أَن يمْنَع السماع من ذَلِك وَمَا كَانَت عين ماضيه مَضْمُومَة لَزِمت الضمة عين مضارعه إِلَّا أَن يشذ شَيْء من الْبَاب فَلَا حكم للشاذ فَالْأَصْل مَا ذكرته لَك فاعرفه إِن شَاءَ الله
قَوْله تَعَالَى وَإِذ أنجيناكم يقرا بِإِثْبَات الْيَاء وَالنُّون وبحذفهما فالحجة لمن(1/162)
سُورَة الْأَعْرَاف أثبتهما أَنه من إِخْبَار الله تَعَالَى عَن نَفسه بنُون الملكوت وَعَلَيْهَا جَاءَ قَوْله رب ارْجِعُونِ وَالْحجّة لن حذفهَا أَنه من إِخْبَار النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام عَن الله وَالْفَاعِل مستتر فِي الْفِعْل وَإِذ فِي أول الْكَلَام مُتَعَلقَة بِفعل دَلِيله قَوْله تَعَالَى واذْكُرُوا إِذْ أَنْتُم قَلِيل وَإِنَّمَا وعظهم الله تَعَالَى بِمَا أمتحن بِهِ من كَانَ قبلهم وَذكرهمْ نعمه عَلَيْهِم وحذرهم من حُلُول النقم عِنْد مُخَالفَته
قَوْله تَعَالَى جعله دكا يقرا بِالْقصرِ والتنوين وبالمد وَترك التَّنْوِين هَا هُنَا وَفِي الْكَهْف فالحجة لمن قصر وَنون أَنه جعله مصدرا كَقَوْلِه إِذا دكت الأَرْض دكا دكا وَهَذَا اللَّفْظ لَا يثنى وَلَا يجمع لِأَنَّهُ مصدر والمصدر اسْم للْفِعْل فَلَمَّا كَانَ الْفِعْل لَا يثنى وَلَا يجمع كَانَ الأَصْل بِتِلْكَ المثابة وَالْحجّة لمن مد وَلم ينون أَنه صفة قَامَت مقَام الْمَوْصُوف وَأَصله أَرضًا ملساء من قَول الْعَرَب نَاقَة دكاء أَي لَا سَنَام لَهَا فَهَذَا يثني وَيجمع وَلم ينون لِأَنَّهُ وزن لَا ينْصَرف فِي معرفَة وَلَا نكرَة لِاجْتِمَاع عَلامَة التَّأْنِيث وَالْوَصْف فِيهِ
فَإِن قيل فَقَوله دكت الأَرْض خرج لفظ الْمصدر فِيهِ على فعله وَلَيْسَ هَا هُنَا لفظ لفعل يخرج الْمصدر عَلَيْهِ فَقل إِن الْمصدر هَا هُنَا يخرج على الْمَعْنى لَا على اللَّفْظ لِأَنَّهُ يُرِيد بقوله تَعَالَى جعله دكه وَذَلِكَ مَعْرُوف عِنْد الْعَرَب قَالَ ذُو الرمة ... والودق يستن عَن أَعلَى طَرِيقَته ... جول الجمان جرى فِي سلكه الثقب ...
فنصب جول الجمان لِأَنَّهُ أَرَادَ بقوله يستن يجول
قَوْله تَعَالَى برسالاتي يقْرَأ بِالتَّوْحِيدِ وَالْجمع فالحجة لمن وحد أَن الله تَعَالَى إِنَّمَا أرْسلهُ مرّة وَاحِدَة بِكَلَام كثير وَالْحجّة لمن جمع أَنه طابق بَين اللَّفْظَيْنِ لتَكون(1/163)
سُورَة الْأَعْرَاف رسَالَاتي مُطَابقَة لكلامي وَإِن أَرَادَ بِالْجمعِ معنى الْوَاحِد كَمَا قَالَ يَا أَيهَا الرُّسُل كلوا من الطَّيِّبَات يُرِيد نَبينَا عَلَيْهِ السَّلَام
قَوْله تَعَالَى وَإِن يرَوا سَبِيل الرشد يقرا بِضَم الرَّاء وَإِسْكَان الشين وبفتحهما فالحجة لمن ضم أَنه أَرَادَ بِهِ الْهدى الَّتِي هِيَ ضد الضلال وَدَلِيله قَوْله تَعَالَى قد تبين الرشد من الغي والغي هَا هُنَا الضلال وَالْحجّة لمن فتح أَنه أَرَادَ بِهِ الصّلاح فِي الدّين وَدَلِيله قَوْله تَعَالَى وهيء لنا من أمرنَا رشدا أَي صلاحا وَقيل هما لُغَتَانِ كَقَوْلِهِم السقم والسقم
قَوْله تَعَالَى من حليهم يقرا بِضَم الْحَاء وَكسرهَا وهما جمع حلي فالحجة لمن ضم أَنه أَتَى بِهِ على أصل مَا يجب لجمع فعل وَأَصله حلوي كَمَا قَالُوا فلوس فَلَمَّا تقدّمت الْوَاو بِالسُّكُونِ قلبوها إِلَى الْيَاء وأدغموها للمماثلة فتشديد الْيَاء لذَلِك وَالْحجّة لمن كسر أَنه استثقل الْخُرُوج من ضم إِلَى كسر فَكسر الْحَاء ليقرب بهَا بعض اللَّفْظ من بعض طلبا للتَّخْفِيف
قَوْله تَعَالَى لَئِن لم يَرْحَمنَا رَبنَا يقْرَأ بِالْيَاءِ وَالرَّفْع وبالتاء وَالنّصب فالحجة لمن قَرَأَ بِالتَّاءِ أَنه جعلهَا دَلِيلا لخطاب الله تَعَالَى لِأَنَّهُ حَاضر وَإِن كَانَ عَن الْعُيُون غَائِبا وَنصب مرِيدا للنداء كَقَوْلِه تَعَالَى ذُرِّيَّة من حملنَا يُرِيد نِدَاء الْمُضَاف وَالْحجّة لمن قرا بِالْيَاءِ أَنه أخبر عَن الله تَعَالَى فِي حَال الْغَيْبَة وَرَفعه بِفِعْلِهِ الَّذِي صِيغ لَهُ وَجعل مَا اتَّصل بِالْفِعْلِ من الْكِنَايَة مَفْعُولا بِهِ
قَوْله تَعَالَى ابْن أم يقرا بِفَتْح الْمِيم وَكسرهَا فالحجة لمن فتح أَنه جعل الاسمين اسْما وَاحِدًا كخمسة عشر فبناه على الْفَتْح(1/164)
سُورَة الْأَعْرَاف
وَقَالَ الزّجاج إِنَّمَا جَازَ الْفَتْح فِي هَذَا وَفِي ابْن عَم لِكَثْرَة الِاسْتِعْمَال أَلا ترى أَن الرجل يَقُول ذَلِك لمن لَا يعرفهُ فَكَأَنَّهُ لِكَثْرَة الِاسْتِعْمَال عِنْدهم يخرج عَمَّن هُوَ لَهُ فَخفف الكلمتان بِأَن جعلتا وَاحِدَة وبنيتا على الْفَتْح وَلَا يجوز ذَلِك فِي غَيرهمَا وَقَالَ الْمبرد أَرَادَ يَا بن أُمِّي فَقلب من الْيَاء ألفا فَقَالَ يَا بن أما ثمَّ حذف الْألف اسْتِخْفَافًا كَمَا حذف الْيَاء من قَوْله يَا بن أُمِّي فَقَالَ يَا بن أم وَجَاز لَهُ قلب الْيَاء ألفا لِأَن النداء قريب من الندبة وهما قِيَاس وَاحِد إِذا قلت يَا أُمَّاهُ وَأنْشد ... يَا بنت عَمَّا لَا تلومي واهجعي ...
وَالْحجّة لمن كسر الْمِيم أَنه أَرَادَ يَا بن أُمِّي فَحذف الْيَاء واجتزأ مِنْهَا بالكسرة لِأَن النداء بَاب بني على الْحَذف واختص بِهِ فاتسعوا فِيهِ بالحذف وَالْقلب والإبدال وَالْوَجْه فِي الْعَرَبيَّة إِثْبَات الْيَاء هَا هُنَا لِأَن الِاسْم الَّذِي فِيهِ مُضَاف إِلَى المنادى وَلَيْسَ بمنادى قَالَ الشَّاعِر ... يَا بن أُمِّي وَلَو شهدتك إِذْ ... تَدْعُو تميما وَأَنت غير مجاب ...
قَوْله تَعَالَى وَيَضَع عَنْهُم إصرهم يقْرَأ بِالتَّوْحِيدِ وَالْجمع فالحجة لمن وحد أَنه أَرَادَ ثقل مَا اجترموه فِي الْجَاهِلِيَّة وَدَلِيله قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام محا الْإِسْلَام مَا قبله(1/165)
سُورَة الْأَعْرَاف وَالْحجّة لمن قراه بِالْجمعِ أَنه طابق بذلك بَينه وَبَين قَوْله تَعَالَى والأغلال الَّتِي كَانَت عَلَيْهِم
قَوْله تَعَالَى يغْفر لكم خطاياكم يقْرَأ بِضَم التَّاء وَجمع خَطِيئَة وتوحيدها وَالرَّفْع وبالنون وَالْجمع فالحجة لمن قَرَأَهُ بِضَم التَّاء أَنه جعله فعل مَا لم يسم فَاعله وَدلّ بِالتَّاءِ على تَأْنِيث مَا يَأْتِي بعْدهَا وَرفع ذَلِك باسم مَا لم يسم فَاعله سَوَاء أفرد أَو جمع لِأَنَّهُ قَامَ مقَام الْفَاعِل وَالْحجّة لمن قَرَأَهُ بالنُّون أَنه جعل الْفِعْل إِخْبَارًا عَن الله تَعَالَى وَنصب قَوْله خطاياكم بتعدي الْفِعْل إِلَيْهَا وَلم يبن للنصب فِيهَا دَلِيل لِأَن آخرهَا ألف وَالْألف لَا تقبل شَيْئا من الحركات وَالْحجّة لمن قَرَأَهُ بالنُّون وَجمع السَّلامَة أَنه كسر التَّاء فِي مَوضِع النصب لِأَنَّهَا فِي التَّأْنِيث بِمَنْزِلَة الْيَاء فِي التَّذْكِير فَكَمَا نابت فِي الْجمع عَن النصب والخفض كَذَلِك نابت الكسرة فِي التَّأْنِيث عَن النصب والخفض
قَوْله تَعَالَى قَالُوا معذرة يقرا بِالرَّفْع وَالنّصب فالحجة لمن قَرَأَهُ بِالرَّفْع أَنه أَرَادَ أحد وَجْهَيْن من الْعَرَبيَّة إِمَّا أَن يكون أَرَادَ قَالُوا موعظتنا إيَّاهُم معذرة فَتكون خبر إبتداء مَحْذُوف أَو يضمر قبل ذَلِك مَا يرفعهُ كَقَوْلِه سُورَة أنزلناها يُرِيد هَذِه سُورَة وَالْحجّة لمن نصب أَن الْكَلَام جَوَاب كَأَنَّهُ قيل لَهُم لم تعظون قوما هَذِه سبيلهم قَالُوا نعظهم اعتذارا ومعذرة
قَوْله تَعَالَى بِعَذَاب بئس يقرا بئيس بِالْهَمْزَةِ على وزن فعيل وَبئسَ بِإِثْبَات الْهَمْز وَحذف الْيَاء على وزن فعل وبيس بِكَسْر الْيَاء وَفتحهَا من غير همز وبيأس بِفَتْح الْبَاء وَإِسْكَان الْيَاء وهمزة مَفْتُوحَة على وزن فيعل فَهَذِهِ خمس لُغَات مشهورات مستعملات فِي الْقِرَاءَة
قَوْله تَعَالَى وَالَّذين يمسكون بِالْكتاب هَا هُنَا وَفِي الممتحنة يقرآن بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيف فالحجة لمن شدد أَنه أَخذه من مسك يمسك إِذا عاود فعل التَّمَسُّك بالشَّيْء(1/166)
سُورَة الْأَعْرَاف وَدَلِيله أَنه فِي حرف أبي وَالَّذين مسكوا بِالْكتاب وَالْحجّة لمن خفف أَنه أَخذه من أمسك يمسك وَدَلِيله قَوْله تَعَالَى أمسك عَلَيْك زَوجك وَلم يقل مسك
قَوْله تَعَالَى من ظُهُورهمْ ذرياتهم يقْرَأ بِالتَّوْحِيدِ وَالْجمع فالحجة لمن وحد أَنه جعله موحدا فِي اللَّفْظ مجموعا فِي الْمَعْنى وَدَلِيله قَوْله تَعَالَى أَو الطِّفْل وَالْحجّة لمن جمع أَنه طابق بذلك بَين اللَّفْظَيْنِ لقَوْله من ظُهُورهمْ وَمعنى الْآيَة أَن الله مسح ظهر آدم فَأخْرج الْخلق مِنْهُ كأمثال الذَّر فَأخذ عَلَيْهِم الْعَهْد بعقل رَكبه فيهم وناداهم أَلَسْت بربكم قَالُوا بلَى شَهِدنَا فَكل أحد إِذا بلغ الْحلم علم بعقله أَن الله عز وجلّ خالقه وَاسْتدلَّ بذلك عَلَيْهِ
فَإِن قيل فَمَا وَجه بعث الرُّسُل فَقل إِيضَاح للبراهين وتأكيد للحجة عَلَيْهِم
قَوْله تَعَالَى أَن تَقولُوا يقرا بِالْيَاءِ وَالتَّاء وَقد ذكر من الْحجَّة فِي نَظَائِره مَا يدل عَلَيْهِ ويغني عَن إِعَادَته
قَوْله تَعَالَى وذروا الَّذين يلحدون يقْرَأ بِضَم الْيَاء وَكسر الْحَاء وبفتحهما هَا هُنَا وَفِي النَّحْل والسجدة فالحجة لمن ضم الْيَاء وَكسر الْحَاء أَنه أَخذه من ألحد يلْحد وَالْحجّة لمن فتحهما أَنه أَخذه من لحد يلْحد وهما لُغَتَانِ مَعْنَاهُمَا الْميل والعدول وَمِنْه أَخذ لحد الْقَبْر
قَوْله تَعَالَى ونذرهم بالنُّون وَالرَّفْع وبالياء والجزم فالحجة لمن قرأبالنون وَالرَّفْع أَنه اسْتَأْنف الْكَلَام لِأَنَّهُ لَيْسَ قبله مَا يردهُ بِالْوَاو عَلَيْهِ وَالْحجّة لمن قَرَأَهُ بِالْيَاءِ والجزم أَنه عطفه على مَوضِع الْفَاء فِي الْجَواب من قَوْله فَلَا هادي لَهُ(1/167)
سُورَة الْأَعْرَاف
قَوْله تَعَالَى جعلا لَهُ شُرَكَاء يقرا بِضَم الشين وَالْمدّ وَطرح التَّنْوِين وبكسر الشين وَإِسْكَان الرَّاء والتنوين فالحجة لمن قَرَأَهُ بِضَم الشين أَنه جعله جمع شريك فَمَنعه من الصّرْف لِأَن الْهمزَة الَّتِي فِي آخِره مشاكلة لهمزة حَمْرَاء وَمَا أشبههَا وَالْحجّة لمن قَرَأَهُ بِكَسْر الشين أَنه أَرَادَ الْمصدر وَمعنى الْآيَة أَن ابليس لَعنه الله أَتَى حَوَّاء وَهِي عِنْد أول حمل حملت فَقَالَ لَهَا مَا هَذَا الَّذِي فِي بَطْنك أبهيمة أم حَيَّة قَالَت لَا أَدْرِي قَالَ لَهَا إِن دَعَوْت الله تَعَالَى أَن يَجعله بشرا سويا تسمينه باسمي قَالَت نعم فَلَمَّا أتاهما الله ولدا صَالحا جعلا لَهُ شُرَكَاء فِيهِ فسمياه عبد الْحَرْث باسم إِبْلِيس لَعنه الله
قَوْله تَعَالَى ان وليي الله إِجْمَاع الْقُرَّاء على قِرَاءَته بِثَلَاث ياءات الأولى يَاء فعيل زَائِدَة وَالثَّانيَِة لَام الْفِعْل أَصْلِيَّة وَالثَّالِثَة يَاء الْإِضَافَة فأدغمت الزَّائِدَة فِي الْأَصْلِيَّة واتصلت بهَا يَاء الْإِضَافَة ففتحت لالتقاء الساكنين
هَذَا لفظ الْقُرَّاء إِلَّا مَا رَوَاهُ ابْن اليزيدي عَن أَبِيه عَن أبي عَمْرو إِن ولي الله بياء مُشَدّدَة مَفْتُوحَة فَإِن صَحَّ ذَلِك عَنهُ فَإِنَّهُ حذف الْوُسْطَى وأدغم فِي الْإِضَافَة وَفتحهَا كَمَا قَالُوا إِلَى وَعلي وَلَدي بِفَتْح الْيَاء
قَوْله تَعَالَى إِذا مسهم طيف يقْرَأ بِإِثْبَات الْألف وحذفها فالحجة لمن أثبتها أَنه جعله اسْم الْفَاعِل من طَاف الخيال إِذا طرق النَّائِم وهما لُغَتَانِ طَاف طوفا وأطاف مطافا وَمعنى طائف الشَّيْطَان وساوسه ولممه وختله قَالَ الشَّاعِر ... وتضحى على غب السرى وكأنما ... أطاف بهَا من طائف الحن أولق ...
وَالْحجّة لمن حذفهَا أَنه أَرَادَ بِهِ رده إِلَى الأَصْل وَأَصله طويف فَلَمَّا تقدّمت الْوَاو(1/168)
سُورَة الْأَنْفَال بِالسُّكُونِ قلبت يَاء وأدغمت فِي الْيَاء فثقل عَلَيْهِم تَشْدِيد الْيَاء مَعَ كسرهَا فخففوه بِأَن طرحوا إِحْدَى الياءين وأسكنوا كَمَا قَالُوا هَين لين قَالَ حسان بن ثَابت ... جنية أرقني طيفها ... يذهب صبحا وَترى فِي الْمَنَام ...
قَوْله تَعَالَى لَا يتبعوكم يقْرَأ بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيف فالحجة لمن شدد أَنه أَرَادَ بِهِ لَا يَسِيرُونَ على أثركم وَلَا يركبون طريقتكم فِي دينكُمْ وَالْحجّة لمن خفف أَنه أَرَادَ بِهِ لَا يلحقوكم وَمِنْه قَول الْعَرَب اتبعهُ إِذا سَار فِي أَثَره وَتَبعهُ إِذا لحقه وَقيل هما لُغَتَانِ فصيحتان
قَوْله تَعَالَى ثمَّ كيدوني يقرا بِإِثْبَات الْيَاء وحذفها فالحجة لمن أثبتها أَنَّهَا غير فاصلة وَلَا آخر آيَة وَالْحجّة لمن حذفهَا أَنه أدّى مَا وجده فِي السوَاد فَأَما قَوْله فِي سُورَة المرسلات فكيدون فَأكْثر الْقُرَّاء على حذفهَا لِأَنَّهَا فاصلة فِي آخر آيَة
وَمن سُورَة الْأَنْفَال
قَوْله تَعَالَى مُردفِينَ يقرا بِكَسْر الدَّال وَفتحهَا فالحجة لمن كسر الدَّال أَنه جعل الْفِعْل للْمَلَائكَة فَأتى باسم الْفَاعِل من أرْدف وَالْحجّة لمن فتح الدَّال أَنه جعل الْفِعْل لله عز وجلّ فَأتى باسم الْمَفْعُول بِهِ من أرْدف وَالْعرب تَقول أردفت الرجل أركبته على قطاة دَابَّتي خَلْفي وردفته إِذا ركبت خَلفه
قَوْله تَعَالَى إِذْ يغشاكم النعاس يقرا بِفَتْح الْيَاء وَالْألف وَالرَّفْع وبضم الْيَاء الأولى(1/169)
سُورَة الْأَنْفَال وبياء فِي مَوضِع الْألف مخففا ومشددا وَالنّصب فالحجة لمن قَرَأَهُ بِالْألف وَالرَّفْع أَنه جعل الْفِعْل للنعاس فرفعه وَأَخذه من غشي يغشى وَالْكَاف وَالْمِيم فِي مَوضِع نصب وَالْحجّة لمن ضم الْيَاء الأولى وَنصب النعاس وخفف أَنه جعل الْفِعْل لله عز وجلّ وعداه إِلَى المفعولين وَأَخذه من أغشى يغشي وَمن شدد أَخذه من غشى يغشي وَمعنى الْمُسلمين أَصْبحُوا يَوْم بدر جنبا على غير مَاء وعدوهم على المَاء فوسوس لَهُم الشَّيْطَان فَأرْسل الله عَلَيْهِم مَطَرا فطهرهم بِهِ
قَوْله تَعَالَى موهن كيد الْكَافرين يقْرَأ بتَشْديد الْهَاء وَفتح الْوَاو وبإسكان الْوَاو وَتَخْفِيف الْهَاء وَالْحجّة لمن شدد أَنه أَخذه من وَهن فَهُوَ موهن وَالْحجّة لمن خفف أَنه أَخذه من أوهن فَهُوَ موهن وهما لُغَتَانِ وَالتَّشْدِيد أبلغ وأمدح
قَوْله تَعَالَى موهن يقْرَأ بِالتَّنْوِينِ وَنصب كيد وبترك التَّنْوِين وخفض كيد فالحجة لمن نون أَنه أَرَادَ الْحَال أَو الأستقبال وَالْحجّة لمن اضاف أَنه اراد مَا ثَبت وَمضى من الزَّمَان
قَوْله تَعَالَى وَأَن الله مَعَ الْمُؤمنِينَ يقْرَأ بِكَسْر الْهمزَة وَفتحهَا فالحجة لمن كسر أَنه أبتدأ الْكَلَام وَدَلِيله انه فِي قِرَاءَة عبد الله وَالله مَعَ الْمُؤمنِينَ وَالْحجّة لمن فتح أَنه رد بِالْوَاو على قَوْله وَأَن الله موهن أَو أضمر اللَّام بعد الْوَاو
قَوْله تَعَالَى إِذْ أَنْتُم بالعدوة وهم بالعدوة يقرآن بِكَسْر الْعين وَضمّهَا فالحجة لمن ضم أَو كسر أَنَّهُمَا لُغَتَانِ مَعْنَاهُمَا جَانب الْوَادي وَالدُّنْيَا الْقَرِيبَة والقصوى الْبَعِيدَة وهما من ذَوَات الْوَاو(1/170)
سُورَة الْأَنْفَال
فَإِن قيل فَلم جاءتا بلفظين مُخْتَلفين فَقل فِي ذَلِك وَجْهَان أَحدهمَا أَن الدُّنْيَا بنيت على فعلهَا فَلَمَّا جَاوَزت ثَلَاثَة أحرف بنيت على الْيَاء وَهُوَ الْقيَاس والقصوى اسْم مُخْتَلف لَيْسَ بمبني على فعله وَالْآخر أَن الِاسْم إِذا ورد على وزن فعلى بِفَتْح الْفَاء صحت فِيهِ الْوَاو كَقَوْلِهِم الْفَتْوَى وَالتَّقوى وَإِن كَانَ صفة انقلبت واوه يَاء نَحْو الصديا والحبلى فَأَما القصوى فَجَاءَت على الأَصْل
قَوْله تَعَالَى ويحيا من حَيّ يقْرَأ بياءين الأولى مَكْسُورَة وَالثَّانيَِة مَفْتُوحَة وبياء وَاحِدَة شَدِيدَة مَفْتُوحَة فالحجة لمن قَرَأَهُ بياءين أَنه أَتَى بِهِ على الأَصْل وَمَا أوجبه بِنَاء الْفِعْل وَالْحجّة لمن أدغم أَنه استثقل اجْتِمَاع ياءين متحركتين فأسكن الأولى وأدغمها فِي الثَّانِيَة
قَوْله تَعَالَى وَمَا كَانَ صلَاتهم عِنْد الْبَيْت إِلَّا مكاء وتصدية يقْرَأ بِرَفْع صلَاتهم وَنصب قَوْله مكاء وتصدية وبنصب صلَاتهم وَرفع قَوْله مكاء وتصدية
فَالْوَجْه فِي الْعَرَبيَّة إِذا اجْتمع فِي اسْم كَانَ وخبرها معرفَة ونكرة أَن ترفع الْمعرفَة وتنصب النكرَة لِأَن الْمعرفَة أولى بِالِاسْمِ والنكرة أولى بِالْفِعْلِ وَالْوَجْه الآخر يجوز فِي الْعَرَبيَّة اتساعا على بعد أَو لضَرُورَة شَاعِر قَالَ حسان ... كَأَن سبيئة من بَيت رَأس ... يكون مزاجها عسل وَمَاء ...
قَوْله تَعَالَى ليميز الله يقْرَأ بِفَتْح الْيَاء وَالتَّخْفِيف وَبِضَمِّهَا وَالتَّشْدِيد وَالْمعْنَى بَين ذَلِك قريب وَقد ذكرت عله ذَلِك وَمَعْنَاهُ التَّفْرِقَة والتخليص(1/171)
سُورَة الْأَنْفَال
قَوْله تَعَالَى وَلَا تحسبن يقرأبالياء وَالتَّاء وبكسر السِّين وَفتحهَا وَقد ذكرت علله فِي آل عمرَان
قَوْله تَعَالَى أَنهم لَا يعجزون يقرأبفتح الْهمزَة وَكسرهَا فالحجة لمن فتحهَا أَنه جعل يَحسبن فعلا للَّذين كفرُوا وأضمر مَعَ سبقوا أَن الْخَفِيفَة ليَكُون اسْما مَنْصُوبًا مَفْعُولا لتحسبن وَأَنَّهُمْ لَا يعجزون الْمَفْعُول الثَّانِي فَكَأَنَّهُ قَالَ وَلَا تحسبن الَّذين كفرُوا سبقهمْ إعجازهم وَالْحجّة لمن كسر أَنه جعل قَوْله وَلَا تحسبن خطابا للنَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام وَجعل الَّذين كفرُوا مفعول تحسبن الأول وسبقوا الثَّانِي واستأنف إِن فَكَسرهَا مبتدئا
قَوْله تَعَالَى وَإِن جنحوا للسلم يقرا بِفَتْح السِّين وَكسرهَا وَقد ذكرت علته فِي الْبَقَرَة
قَوْله تَعَالَى إِذْ يتوفى يقرا بِالْيَاءِ وَالتَّاء وَقد ذكرت علله فِيمَا مضى
قَوْله تَعَالَى وَإِن يكن مِنْكُم مائَة وفَإِن يكن مِنْكُم مائَة صابرة يقرآن بِالْيَاءِ وَالتَّاء فالحجة لمن قرأهما بِالتَّاءِ أَنه جَاءَ بِهِ على لفظ مائَة وَمن قَرَأَهُ بِالْيَاءِ أَتَى بِهِ على لفظ الْمَعْدُود لِأَنَّهُ مُذَكّر وَالْحجّة لمن قرأهما بِالْيَاءِ وَالتَّاء أَنه أَتَى بالمعنيين مَعًا وَجمع بَين اللغتين
قَوْله تَعَالَى وَعلم أَن فِيكُم ضعفا يقْرَأ بِضَم الضَّاد وَفتحهَا وهما لُغَتَانِ(1/172)
سُورَة التَّوْبَة وَقد ذكرت الْحجَّة فِي امثال ذَلِك بِمَا يُغني عَن الْإِعَادَة
قَوْله تَعَالَى أَن يكون لَهُ أسرى يقْرَأ بِالْيَاءِ وَالتَّاء فالحجة لمن قَرَأَهُ بِالْيَاءِ أَنه رده إِلَى الْمَعْنى وَالْحجّة لمن قَرَأَهُ بِالتَّاءِ أَنه رده على اللَّفْظ
قَوْله تَعَالَى من الْأُسَارَى يقرا بِضَم الْهمزَة وَإِثْبَات الْألف وَبِفَتْحِهَا وَطرح الْألف فالحجة لمن أثبتها أَنه أَرَادَ جمع الْجمع وَالْحجّة لمن طرحها أَنه أَرَادَ جمع أَسِير وَقَالَ أَبُو عَمْرو الأسرى من كَانُوا فِي أَيْديهم أَو فِي الْحَبْس وَالْأسَارَى من جَاءَ مستأسرا
قَوْله تَعَالَى من وَلَا يتهم يقْرَأ بِفَتْح الْوَاو وَكسرهَا هَا هُنَا وَفِي الْكَهْف فالحجة لمن فتح أَنه أَرَادَ ولَايَة الدّين وَالْحجّة لمن كسر أَنه أَرَادَ ولَايَة الإمرة وَقيل هما لُغَتَانِ وَالْفَتْح أقرب
وَمن سُورَة التَّوْبَة
قَوْله تَعَالَى فَقَاتلُوا أَئِمَّة الْكفْر يقرا بهمزتين مَفْتُوحَة ومكسورة وبهمزة وياء فالحجة لمن حقق الهمزتين أَنه جعل الأولى همزَة الْجمع وَالثَّانيَِة همزَة الأَصْل الَّتِي كَانَت فِي إِمَام أأممة على وزن أفعلة فنقلوا كسرة الْمِيم إِلَى الْهمزَة وأدغموا الْمِيم فِي الْمِيم للمجانسة وَالْحجّة لمن جعل الثَّانِيَة يَاء أَنه كره الْجمع بَين همزتين فَقلب الثَّانِيَة يَاء لكسرها بعد أَن لينها وحركها لالتقاء الساكنين
وروى الْمسَيبِي عَن نَافِع أَنه قَرَأَ أآيمة بِمدَّة بَين الْهمزَة وَالْيَاء وَالْحجّة لَهُ فِي(1/173)
سُورَة التَّوْبَة ذَلِك أَنه فرق بَين الهمزتين بِمدَّة ثمَّ لين الثَّانِيَة فَبَقيت الْمدَّة على أَصْلهَا
قَوْله تَعَالَى إِنَّهُم لَا أَيْمَان لَهُم يقرا بِفَتْح الْهمزَة وَكسرهَا فالحجة لمن فتح أَنه أَرَادَ جمع يَمِين وَالْحجّة لمن كسر أَنه أَرَادَ مصدر آمن يُؤمن إِيمَانًا وَإِنَّمَا فتحت همزَة الْجمع لثقله وَكسرت همزَة الْمصدر لخفته وَالْفَتْح هَا هُنَا أولى لِأَنَّهَا بِمَعْنى الْيَمين والعهد أليق مِنْهَا بِمَعْنى الْإِيمَان
قَوْله تَعَالَى أَن يعمروا مَسْجِد الله يقرا بِالتَّوْحِيدِ وَالْجمع فالحجة لمن وحد أَنه أَرَادَ بِهِ الْمَسْجِد الْحَرَام وَدَلِيله قَوْله تَعَالَى فَلَا يقربُوا الْمَسْجِد الْحَرَام وَالْحجّة لمن جمع أَنه أَرَادَ جَمِيع الْمَسَاجِد وَدَلِيله قَوْله تَعَالَى إِنَّمَا يعمر مَسَاجِد الله وَهَذَا لَا خلف فِيهِ وَاحْتَجُّوا أَن الْخَاص يدْخل فِي الْعَام وَالْعَام لَا يدْخل فِي الْخَاص
قَوْله تَعَالَى وَقَالَت الْيَهُود عُزَيْر بن الله يقرا بِالتَّنْوِينِ وَتَركه فَلِمَنْ نون حجتان إِحْدَاهمَا أَنه وَإِن كَانَ أعجميا فَهُوَ خَفِيف وَتَمَامه فِي الابْن وَالْأُخْرَى أَن يَجْعَل عَرَبيا مُصَغرًا مشتقا وَهُوَ مَرْفُوع بِالِابْتِدَاءِ وَابْن خَبره وَإِنَّمَا يحذف التَّنْوِين من الِاسْم لِكَثْرَة اسْتِعْمَاله إِذا كَانَ الِاسْم نعتا كَقَوْلِك جَاءَنِي زيد بن عَمْرو
فَإِن قلت كَانَ زيد بن عَمْرو فَلَا بُد من التَّنْوِين لِأَنَّهُ خبر وَهَذَا إِنَّمَا يكون فِي الِاسْم الَّذِي قد عرف بِأَبِيهِ وَشهر بنسبه إِلَيْهِ وَالْحجّة لمن برك التَّنْوِين أَنه جعله اسْما أعجميا وَإِن كَانَ لَفظه مُصَغرًا لِأَن من الْعَرَب من يدع صرف الثلاثي من الأعجمية مثل لوط ونوح وَعَاد
قَوْله تَعَالَى يضاهون يقْرَأ بطرح الْهمزَة وإثباتها فالحجة لمن همز أَنه أَتَى بِهِ على الأَصْل وَالْحجّة لمن ترك الْهَمْز أَنه أَرَادَ التَّخْفِيف فأسقط الْيَاء لحركتها(1/174)
سُورَة التَّوْبَة بِالضَّمِّ وَالضَّم لَا يدخلهَا وَمثله لترون الْجَحِيم وهما لُغَتَانِ ضاهأت وضاهيت
قَوْله تَعَالَى إِنَّمَا النسيء يقرا بِالْهَمْز وَتَخْفِيف الْيَاء وبتركه وتشديدها فَمن همز فعلى الأَصْل لِأَنَّهُ من قَوْلهم نسأالله فِي أَجلك وَمَعْنَاهُ التَّأْخِير وَالْحجّة لمن شدد أَنه ابدل الْهمزَة يَاء وأدغمها فِي الْيَاء الساكنة قبلهَا
وروى عَن ابْن كثير أَنه قرا إِنَّمَا النسؤ بِهَمْزَة سَاكِنة السِّين وَالْوَاو بعد الْهمزَة جعله مصدرا
مَعْنَاهُ أَن الْعَرَب فِي الْجَاهِلِيَّة كَانَت تحرم الْقِتَال فِي الْمحرم فَإِذا احْتَاجَت إِلَيْهِ أخرت الْمحرم إِلَى صفر
قَوْله تَعَالَى يضل بِهِ الَّذين كفرُوا يقْرَأ بِضَم الْيَاء وَفتح الضَّاد وَكسرهَا وبفتح الْيَاء وَكسر الضَّاد فالحجة لمن ضم الْيَاء وَفتح الضَّاد أَنه جعله فعل مَا لم يسم فَاعله وَالَّذين فِي مَوضِع رفع وَكَفرُوا صلَة الَّذين وَالْحجّة لمن كسر الضَّاد مَعَ ضم الْيَاء أَنه جعله فعلا لفاعل مستتر فِي الْفِعْل وَهُوَ مَأْخُوذ من أضلّ يضل وَالْحجّة لمن فتح الْيَاء أَنه جعل الْفِعْل للَّذين فرفعهم بِهِ وَإِن كَانَ الله تَعَالَى الْفَاعِل ذَلِك بهم لِأَنَّهُ يضل من يَشَاء وَيهْدِي من يَشَاء فَمَعْنَاه أَنه أضلهم عُقُوبَة لضلالهم فاستوجبوا الْعقُوبَة بِالْعَمَلِ وَقيل صادفهم كَذَلِك وَقيل أضلهم سماهم ضَالِّينَ(1/175)
سُورَة التَّوْبَة
قَوْله تَعَالَى وَمَا مَنعهم أَن يقبل مِنْهُم يقرا بِالْيَاءِ وَالتَّاء وَقد ذكرت الْحجَّة فِيهِ آنِفا
قَوْله تَعَالَى من يَلْمِزك يقْرَأ بِضَم الْمِيم وَكسرهَا وحجته مَذْكُورَة فِي قَوْله يعكفون ويعرشون
قَوْله تَعَالَى قل أذن خير لكم يقرا بِضَم الذَّال فِي جَمِيعه وإسكانها فالحجة لمن ضم أَنه أَتَى بِهِ على الأَصْل وَالْحجّة لمن أسكن أَنه ثقل عَلَيْهِ توالى الضَّم فَخفف وهما لُغَتَانِ فصيحتان
والقراء فِي هَذَا الْحَرْف مجمعون على الْإِضَافَة إِلَّا مَا رُوِيَ عَن نَافِع من التَّنْوِين وَرفع خير فالحجة لَهُ فِي ذَلِك أَنه ابدل قَوْله خير من قَوْله أذن
قَوْله تَعَالَى وَرَحْمَة يقرا بِالرَّفْع والخفض فالحجة لمن رفع أَنه رده بِالْوَاو على قَوْله أذن وَالْحجّة لمن خفض أَنه رده على قَوْله خير وَرَحْمَة وَمعنى الْآيَة أَن الْمُنَافِقين قَالُوا إِنَّا نذْكر مُحَمَّدًا من وَرَائه فَإِذا بلغه اعتذرنا إِلَيْهِ فَقبل لِأَنَّهُ إِذن فَقَالَ الله تَعَالَى أذن خير لَا أذن شَرّ
قَوْله تَعَالَى إِن يعف عَن طَائِفَة مِنْكُم تعذب يقرا بِالْيَاءِ فِي الأول وبالتاء فِي الثَّانِي وضمهما مَعًا وبنون مَفْتُوحَة فِي الأول وَنون مَضْمُومَة فِي الثَّانِي فالحجة لمن قَرَأَهُ بِالْيَاءِ وَالتَّاء وَالضَّم أَنه جعله فعل مَا لم يسم فَاعله فَرفع الطَّائِفَة لذَلِك وَالْحجّة لمن قَرَأَهُ بالنُّون فيهمَا أَنه جعله من إِخْبَار الله تَعَالَى عَن نَفسه بنُون الملكوت فَكَانَ الْفَاعِل فِي الْفِعْل عز وجلّ وَطَائِفَة مَنْصُوبَة بِوُقُوع الْفِعْل عَلَيْهَا
فَأَما فتح النُّون الأولى فَلِأَن ماضيها ثلاثي وَأما ضم الثَّانِيَة فَلِأَنَّهَا من فعل ماضيه(1/176)
سُورَة التَّوْبَة رباعي لِأَن التَّشْدِيد فِي الذَّال يقوم مقَام حرفين والطائفة فِي اللُّغَة الْجَمَاعَة وَقيل أَرْبَعَة وَقيل أَرْبَعَة وَقيل وَاحِد
قَوْله تَعَالَى عَلَيْهِم دَائِرَة السوء يقرا بِضَم السِّين وَفتحهَا هَا هُنَا وَفِي سُورَة الْفَتْح فالحجة لمن ضم أَنه أَرَادَ دَائِرَة الشَّرّ وَالْحجّة لمن فتح أَنه أَرَادَ الْمصدر من قَوْلك سَاءَنِي الْأَمر سوءا ومساءة ومساية
قَوْله تَعَالَى أَن صَلَاتك يقْرَأ بِالتَّوْحِيدِ وَالْجمع هَا هُنَا وَفِي هود وَالْمُؤمنِينَ فالحجة لمن وحد أَنه اجتزأ بِالْوَاحِدِ عَن الْجَمِيع لِأَن مَعْنَاهَا هَا هُنَا الدُّعَاء عِنْد أَخذ الصَّدَقَة بِالْبركَةِ فَالصَّلَاة من الله عز وجلّ الْمَغْفِرَة وَالرَّحْمَة وَمن عباده الدُّعَاء وَالِاسْتِغْفَار وَالْحجّة لمن جمع أَنه أَرَادَ الدُّعَاء للْجَمَاعَة وترداده ومعاودته فَأَما الَّتِي فِي سَأَلَ سَائل فبالتوحيد لَا غير لِأَنَّهَا مَكْتُوبَة بِهِ فِي السوَاد
قَوْله تَعَالَى أَلا إِنَّهَا قربَة لَهُم يقرا بِإِسْكَان الرَّاء وَضمّهَا فالحجة فِي ذَلِك كالحجة فِي أذن
قَوْله تَعَالَى هار فانهار بِهِ يقرا بالتفخيم والإمالة فالحجة لمن فخم أَنه أَتَى بِهِ على الأَصْل وَالْحجّة لمن أمال فلكسرة الرَّاء وَالْأَصْل فِي هار هاير قلبت ياؤه من مَوضِع الْعين إِلَى مَوضِع اللَّام ثمَّ سَقَطت لمقارنة التَّنْوِين
قَوْله تَعَالَى إِلَّا أَن تقطع قُلُوبهم يقْرَأ بِضَم التَّاء وَفتحهَا فالحجة لمن ضم أَنه جعله فعل مَا لم يسم فَاعله وَرفع بِهِ الْقُلُوب وَالْحجّة لمن فتح أَنه أَرَادَ تتقطع فَألْقى(1/177)
سُورَة التَّوْبَة
إِحْدَى التَّاءَيْنِ تَخْفِيفًا وَرفع الْقُلُوب بِفِعْلِهَا وَمَعْنَاهُ إِلَّا أَن يتوبوا فتتقطع قُلُوبهم ندما على مَا فرطوا وَقيل إِلَّا أَن يموتوا
قَوْله تَعَالَى أَفَمَن أسس بُنْيَانه يقرا بِضَم الْهمزَة وَكسر السِّين وَرفع الْبُنيان وبفتحهما وَنصب الْبُنيان فالحجة لمن ضم أَنه لم يسم الْفَاعِل فِي الْفِعْل فَرفع لذَلِك وَالْحجّة لمن فتح أَنه سمى الْفَاعِل فنصب بِهِ الْمَفْعُول وَمَعْنَاهُ أَفَمَن أسس بُنْيَانه على الْإِيمَان كمن أسس بُنْيَانه على الْكفْر لِأَن الْمُنَافِقين بنوا لَهُم مَسْجِدا لينفض أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من مصلاهم إِلَى مَسْجِدهمْ
قَوْله تَعَالَى فيقتلون وَيقْتلُونَ يقْرَأ بِتَقْدِيم الْفَاعِل وَتَأْخِير الْمَفْعُول وبتأخير الْفَاعِل وَتَقْدِيم الْمَفْعُول وَقد ذكرت علته فِي آل عمرَان
قَوْله تَعَالَى أَولا يرَوْنَ يقْرَأ بِالْيَاءِ وَالتَّاء فالحجة لمن قَرَأَهُ بِالْيَاءِ أَنه أَرَادَ أَن يَجْعَل الْفِعْل لَهُم وَدلّ بِالْيَاءِ على الْغَيْبَة وَالْحجّة لمن قَرَأَهُ بِالتَّاءِ أَنه جعل الْخطاب للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَدلَّ بِالتَّاءِ على ذَلِك وَأدْخل أمته مَعَه فِي الرُّؤْيَة وَمعنى الافتتان هَا هُنَا الاختبار وَقيل الْمَرَض
قَوْله تَعَالَى من بعد مَا كَاد يزِيغ يقرا بِالتَّاءِ وَالْيَاء وبإدغام الدَّال فِي التَّاء وإظهارها فالحجة لمن قَرَأَهُ بِالتَّاءِ أَنه أَرَادَ تَقْدِيم الْقُلُوب قبل الْفِعْل فَدلَّ بِالتَّاءِ على التَّأْنِيث لِأَنَّهُ جمع وَالْحجّة لمن قَرَأَهُ بِالْيَاءِ أَنه حمله على تذكير كَاد أَو لِأَنَّهُ جمع لَيْسَ لتأنيثه حَقِيقَة وَالْحجّة لمن أدغم مقاربة الحرفين وَلمن أظهر الْإِتْيَان بِهِ على الأَصْل
قَوْله تَعَالَى وَالَّذين اتَّخذُوا مَسْجِدا ضِرَارًا يقْرَأ بِإِثْبَات الْوَاو وحذفها فالحجة لمن أثبتها أَنه رد بهَا الْكَلَام على قَوْله وَآخَرُونَ مرجون أَو على قَوْله(1/178)
سُورَة يُونُس
وَمِمَّنْ حَوْلكُمْ وَالْحجّة لمن حذفهَا أَنه جعل الَّذين بَدَلا من قَوْله وَآخَرُونَ أَو من قَوْله وَمِمَّنْ حَوْلكُمْ وَهِي فِي مصاحف أهل الشَّام بِغَيْر وَاو
قَوْله تَعَالَى ضِرَارًا وَكفرا وَتَفْرِيقًا وَإِرْصَادًا ينْتَصب على أَنه مفعول لَهُ مَعْنَاهُ اتخذوه لهَذَا أَو ينْتَصب على أَنه مصدرا أضمر فعله
قَوْله تَعَالَى غلظة يقْرَأ بِكَسْر الْغَيْن وَفتحهَا وهما لُغَتَانِ وَالْكَسْر أَكثر وَأشهر
وَمن سُورَة يُونُس
قَوْله تَعَالَى الر يقْرَأ بِكَسْر الرَّاء وَفتحهَا فالحجة لمن أمال أَنه أَرَادَ التَّخْفِيف وَالْحجّة لمن فتح أَنه أَتَى بِاللَّفْظِ على الأَصْل وَكلهمْ قصروا الرَّاء وَأهل الْعَرَبيَّة يَقُولُونَ فِي حُرُوف المعجم إِنَّه يجوز إمالتها وتفخيمها وقصرها ومدها وتذكيرها وتأنيثها
قَوْله تَعَالَى لسحر مُبين يقْرَأ بِإِثْبَات الْألف وحذفها فالحجة لمن أثبتها أَنه أَرَادَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْحجّة لمن حذفهَا أَنه أَرَادَ الْقُرْآن
قَوْله تَعَالَى يفصل الْآيَات يقرا بِالْيَاءِ وَالنُّون فالحجة لمن قَرَأَهُ بِالْيَاءِ أَنه أخبر بِهِ عَن الله عز وَجل لتقدم اسْمه قبل ذَلِك وَالْحجّة لمن قَرَأَهُ بالنُّون أَنه جعله من إِخْبَار الله تَعَالَى عَن نَفسه بنُون الملكوت لِأَنَّهُ ملك الْأَمْلَاك
قَوْله تَعَالَى لقضي إِلَيْهِم اجلهم يقْرَأ بِضَم الْقَاف وَالرَّفْع وَبِفَتْحِهَا وَالنّصب فالحجة لمن ضم الْقَاف أَنه بنى الْفِعْل لما لم يسم فَاعله فَرفع بِهِ الْمَفْعُول وَالْحجّة لمن فتح الْقَاف أَنه أَتَى بِالْفِعْلِ على بِنَاء مَا سمي فَاعله وأضمر الْفَاعِل فِيهِ وَنصب الْمَفْعُول بتعدي الْفِعْل إِلَيْهِ(1/179)
سُورَة يُونُس
قَوْله تَعَالَى الشَّمْس ضِيَاء يقرا بهمزتين وبياء وهمزة فالحجة لمن قَرَأَهُ بهمزتين أَنه أَخذه من قَوْلهم ضاء الْقَمَر ضوءا أَو أَضَاء
وَمن قَرَأَهُ بياء وهمزة جعله جمعا ل ضوء وضياء كَقَوْلِك بَحر وبحار وهما لُغَتَانِ أَضَاء الْقَمَر وضاء
فَإِن قيل فَمَا معنى قَوْله وَقدره منَازِل وَكِلَاهُمَا مُقَدّر فَقل لما كَانَ انْقِضَاء الشُّهُور وَالسّنة وحسابهما بالقمر مَعْلُوما كَانَ لذَلِك مُقَدرا وَيجوز أَن يكون أرادهما فاجتزأ بِأَحَدِهِمَا من الآخر
قَوْله تَعَالَى وَلَا أدراكم بِهِ يقْرَأ بالتفخيم والإمالة فالحجة لمن قَرَأَهُ بالتفخيم أَنه أَرَادَ أَن يَأْتِي بِهِ على أصل الْكَلَام وَالْحجّة لمن أمال أَنه دلّ على الْيَاء المنقلبة إِلَى لفظ الْألف
فَأَما مَا روى عَن ابْن كثير أَنه قَرَأَ ولأدراكم بِهِ بِالْقصرِ فالحجة لَهُ أَنه لَا يمد حرفا لحرف وَقد ذكر ذَلِك فِي أول الْبَقَرَة
قَوْله تَعَالَى وَتَعَالَى عَمَّا يشركُونَ يقْرَأ بِالْيَاءِ وَالتَّاء هَا هُنَا وَفِي النَّحْل فِي موضِعين وَفِي النَّمْل وَفِي الرّوم فالحجة لمن قرأهن بِالْيَاءِ أَنه أخبر بهَا عَن الْمُشْركين فِي حَال الْغَيْبَة وَالْحجّة لمن قَرَأَهُ بِالتَّاءِ أَنه أَرَادَ قل لَهُم يَا مُحَمَّد تَعَالَى الله عَمَّا تشركون يَا كفرة(1/180)
سُورَة يُونُس
قَوْله تَعَالَى مَتَاع الْحَيَاة الدُّنْيَا يقرأبالرفع وَالنّصب
فَلِمَنْ رفع وَجْهَان أَحدهمَا بالْخبر لقَوْله إِنَّمَا بَغْيكُمْ مَتَاع الْحَيَاة وَالْآخر أَن يَجْعَل تَمام الْكَلَام عِنْد قَوْله على أَنفسكُم ثمَّ يرفع مَا بعده بإضمار هُوَ كَمَا قَالَ بشر من ذَلِكُم النَّار أَي هِيَ النَّار وَالْحجّة لمن نصب أَنه أَرَادَ الْحَال وَنوى بِالْإِضَافَة الِانْفِصَال أَو الْقطع من تَمام الْكَلَام
قَوْله تَعَالَى قطعا من اللَّيْل مظلما يقْرَأ بِفَتْح الطَّاء وإسكانها فالحجة لمن فتحهَا أَنه أَرَادَ جمع قِطْعَة على التكسير وَالْحجّة لمن أسكنها أَنه أَرَادَ سَاعَة من اللَّيْل وَدَلِيله قَوْله فَأسر بأهلك بِقطع من اللَّيْل أَو أَرَادَ الْفَتْح فأسكن تَخْفِيفًا
قَوْله تَعَالَى هُنَالك تبلو يقْرَأ بِالْبَاء وَالتَّاء فالحجة لمن قَرَأَهُ بِالْبَاء أَنه أَرَادَ تختبر وَدَلِيله قَوْله يَوْم تبلى السرائر وَالْحجّة لمن قَرَأَهُ بِالتَّاءِ أَنه أَرَادَ بِهِ التِّلَاوَة من الْقِرَاءَة وَمَعْنَاهُ تقرؤه فِي صحيفتها وَدَلِيله وَمَا كنت تتئو من قبله من كتاب
قَوْله تَعَالَى حقت كلمة رَبك يقْرَأ بِالتَّوْحِيدِ وَالْجمع وَإِنَّمَا حمل من قَرَأَهُ بِالْجمعِ على ذَلِك كِتَابَته فِي السوَاد بِالتَّاءِ وَقد ذكرت علله آنِفا
قَوْله تَعَالَى أَمن لَا يهدي يقْرَأ بِفَتْح الْيَاء وَإِسْكَان الْهَاء وَكسر الدَّال وَالتَّخْفِيف وبفتح الْهَاء وَكسر الدَّال وَالتَّشْدِيد وبكسر الْيَاء وَالْهَاء وَالدَّال وبفتح الْيَاء وَإِسْكَان الْهَاء وَتَشْديد الدَّال فيهمَا فالحجة لمن أسكن الْهَاء وخفف أَنه أَخذه من هدى فِي الْمَاضِي بتَخْفِيف الدَّال وَالْحجّة لمن فتح الْهَاء وشدد أَنه أَخذه من اهْتَدَى فِي الْمَاضِي(1/181)
سُورَة يُونُس فَأَرَادَ يهتدى ثمَّ نقل فَتْحة التَّاء إِلَى الْهَاء فَبَقيت التَّاء سَاكِنة فأدغمها فِي الدَّال للمقاربة فَشدد لذَلِك وَالْحجّة لمن كسر الْهَاء وَالْيَاء قبلهَا وشدد أَنه أَرَادَ مَا ذَكرْنَاهُ فِي التَّاء إِلَّا أَنه لم ينْقل الْحَرَكَة بل حذفهَا وأسكن التَّاء فَالتقى ساكنان فَكسر الْهَاء لالتقائهما وَكسر الْيَاء لمجاورة الْهَاء وَالْحجّة لمن أسكن الْهَاء وشدد الدَّال فَجمع بَين ساكنين أَنه أَرَادَ نِيَّة الْحَرَكَة فِي الْهَاء وَمثل هَذَا إِنَّمَا يحسن فِيمَا كَانَ أحد الساكنين حرف مد أولين لِأَن الْمَدّ الَّذِي فِيهِ يقوم مقَام الْحَرَكَة
فَأَما مَا رَوَاهُ اليزيدي عَن أبي عَمْرو أَنه كَانَ يسكن الْهَاء ويشمها شَيْئا من الْفَتْح فَإِنَّهُ وهم فِي التَّرْجَمَة لِأَن السّكُون ضد الْحَرَكَة وَلَا يجْتَمع الشَّيْء وضده وَلكنه من إخفاء الفتحة واختلاسها لَا من الإسكان
قَوْله تَعَالَى هُوَ خير مِمَّا يجمعُونَ يقرا بِالْيَاءِ وَالتَّاء فالحجة لمن قَرَأَهُ بِالْيَاءِ أَنه رده على قَوْله فبذلك فليفرحوا فجَاء بِالْيَاءِ على وَجه وَاحِد وَالْحجّة لمن قَرَأَهُ بِالتَّاءِ أَنه أَرَادَ بهَا مُوَاجهَة الْخطاب للصحابة
وَاحْتج بِأَنَّهُ قد قرئَ فلتفرحوا بِالتَّاءِ وَهُوَ ضَعِيف فِي الْعَرَبيَّة لِأَن الْعَرَب لم تسْتَعْمل الْأَمر بِاللَّامِ للحاضر إِلَّا فِيمَا لم يسم فَاعله كَقَوْلِهِم لتعن بحاجتي وَمعنى فبذلك إِشَارَة إِلَى الْقُرْآن لقَوْله قد جاءتكم موعظة من ربكُم وشفاء لما فِي الصُّدُور يعْنى بِهِ الْقُرْآن لقَوْله هُوَ خير مِمَّا يجمع الْكَفَرَة
قَوْله تَعَالَى وَمَا يعزب يقرا بِضَم الزَّاي وَكسرهَا وَمعنى يعزب يبعد ويغيب وَمِنْه قَوْلهم المَال عَازِب فِي المرعى وَقد تقدم القَوْل فِي الضَّم وَالْكَسْر فأغنى عَن الأعادة
قَوْله تَعَالَى وَلَا أصغرمن ذَلِك وَلَا أكبر يقرآن بِالنّصب وَالرَّفْع فالحجة لمن نصبهما أَنَّهُمَا فِي مَوضِع خفض بِالرَّدِّ على قَوْله وَمَا يعزب عَن رَبك من مِثْقَال وَلم يخفضا لِأَنَّهُمَا على وزن أفعل مِنْك وَمَا كَانَ على هَذَا الْوَزْن لم ينْصَرف فِي معرفَة(1/182)
سُورَة يُونُس وَلَا نكرَة وَالْحجّة لمن قَرَأَهُ بِالرَّفْع أَنه رده على قَوْله مِثْقَال ذرة قبل دُخُول من عَلَيْهَا فَرد اللَّفْظ على الْمَعْنى لِأَن من هَا هُنَا زَائِدَة
قَوْله تَعَالَى فَأَجْمعُوا أَمركُم يقرا بِقطع الْألف وَوَصلهَا فالحجة لمن قطع أَنه أَخذه من قَوْلهم أَجمعت على الْأَمر إِذا أحكمته وعزمت عَلَيْهِ وَأنْشد ... يَا لَيْت شعري والمنى لَا تَنْفَع ... هَل أغدون يَوْمًا وأمري مجمع ...
وَالْحجّة لمن وصل أَنه أَخذه من قَوْلهم جمعت وَدَلِيله قَوْله تَعَالَى رَبنَا إِنَّك جَامع النَّاس فَهُنَا من جمعت لَا من أَجمعت
قَوْله تَعَالَى مَا جئْتُمْ بِهِ السحر يقرا بالاستفهام وبتركه فالحجة لمن استفهم أَنه جعل مَا فِيهِ بِمَعْنى أَي شَيْء جئْتُمْ بِهِ السحر هُوَ دَلِيله قَوْله تَعَالَى أَسحر هَذَا وَهِي ألف التوبيخ بِلَفْظ الِاسْتِفْهَام لأَنهم قد علمُوا أَنه سحر وَالْحجّة لمن ترك الِاسْتِفْهَام أَنه جعل مَا بِمَعْنى الَّذِي يُرِيد الَّذِي جئْتُمْ بِهِ السحر ف مَا مُبتَدأَة وجئتم صلَة مَا وَبِه عائدها وَالسحر خبر الِابْتِدَاء ف مَا وَالَّذِي هَا هُنَا بِمَعْنى
قَوْله تَعَالَى وَلَا تتبعان يقرا بِإِسْكَان التَّاء وتخفيفها وَبِفَتْحِهَا وتشديدها فالحجة لمن خفف أَنه اخذه من تبع يتبع وَالْحجّة لمن شدد أَنه أَخذه من أتبع يتبع وهما لُغَتَانِ مَعْنَاهُمَا وَاحِد وَالنُّون مُشَدّدَة لتأكيد النَّهْي ودخولها على الْفِعْل مُخَفّفَة(1/183)
سُورَة يُونُس ومشددة فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع للتَّأْكِيد فِي الْأَمر وَالنَّهْي والاستفهام وَالْجَزَاء وَتخرج مِنْهُ وَلها أَحْكَام
قَوْله تَعَالَى آمَنت أَنه يقْرَأ بكسرة الْهمزَة وَفتحهَا فالحجة لمن كسر أَنه جعل تَمام الْكَلَام عِنْد قَوْله تَعَالَى آمَنت ثمَّ ابْتَدَأَ إِن فَكَسرهَا وَالْحجّة لمن فتح أَنه وصل آخر الْكَلَام بأوله وَهُوَ يُرِيد آمَنت بِأَنَّهُ فَلَمَّا أسقط الْبَاء وصل الْفِعْل إِلَى أَن فَعمل فِيهَا
قَوْله تَعَالَى الْآن يقرا بِإِسْكَان اللَّام وَتَحْقِيق الْهمزَة بعْدهَا وبفتح اللَّام وَتَخْفِيف الْهمزَة الثَّانِيَة فالحجة لمن حقق أَنه أَتَى بالْكلَام على اصل مَا وَجب لَهُ ووفاه حَقه وَالْحجّة لمن خفف أَنه نقل حَرَكَة الْهمزَة إِلَى اللَّام الساكنة فحركها بحركتها وأسقطها كَمَا قَرَأَ قد أَفْلح الْمُؤْمِنُونَ قد أَفْلح بِفَتْح الدَّال وَتَخْفِيف الْهمزَة
فَإِن قيل لم بني الْآن وَفِيه الْألف وَاللَّام فَقل قَالَ الْفراء أَصله أَوَان أَن فقلبوا الْوَاو ألفا فَصَارَ آان ثمَّ دخلت اللَّام على مَبْنِيّ فَلم تغيره عَن بنائِهِ وَاسْتشْهدَ على ذَلِك بقول الشَّاعِر ... فَإِنِّي حبست الْيَوْم والأمس قبله ... ببابك حَتَّى كَادَت الشَّمْس تغرب ...
فَأدْخل الْألف وَاللَّام على مَبْنِيّ وَلم يُغَيِّرهُ عَن بنائِهِ
وَقَالَ سِيبَوَيْهٍ الْآن إِشَارَة إِلَى وَقت أَنْت فِيهِ بِمَنْزِلَة هَذَا وَالْألف وَاللَّام تدخل لعهد قد تقدم فَلَمَّا دخلت هَا هُنَا لغير عهد ترك مَبْنِيا
وَقَالَ الْمبرد إِنَّمَا بني الْآن مَعَ الآلف وَاللَّام لِأَن مَعْرفَته وَقعت قبل نكرته وَلَيْسَ يشركهُ غَيره فِي التَّسْمِيَة فَتكون الْألف وَاللَّام معرفَة لَهُ وَإِنَّمَا تَعْنِي بِهِ الْوَقْت الَّذِي أَنْت فِيهِ(1/184)
سُورَة يُونُس من الزَّمَان فَلذَلِك بني وَخَالف نَظَائِره من الْأَسْمَاء
قَوْله تَعَالَى وَيَوْم نحشرهم يقرا بِالْيَاءِ وَالنُّون وعلته قد أَتَى عَلَيْهَا فِيمَا تقدم
قَوْله تَعَالَى ننجي الْمُؤمنِينَ يقرا بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيد وَالْحجّة لمن خفف أَنه أَخذه من أنجينا ننجي وَدَلِيله قَوْله تَعَالَى أنجينا الَّذين ينهون عَن السوء وَالْحجّة لمن شدد أَنه أَخذه من نجينا ننجي وَدَلِيله قَوْله تَعَالَى ونجيناهم من عَذَاب غليظ وَالتَّشْدِيد أولى لإجماعهم عَلَيْهِ فِي الأولى
قَوْله تَعَالَى وَيجْعَل الرجس على يقرا بِالْيَاءِ وَالنُّون فالحجة لمن قَرَأَ بِالْيَاءِ أَنه رده على قَوْله إِلَّا بِإِذن الله وَيجْعَل وَالْحجّة لمن قَرَأَهُ بالنُّون أَنه رده على قَوْله فاليوم ننجيك ببدنك ونجعل
قَوْله تَعَالَى أَن تبوءا وَزنه تفعلا يُوقف عَلَيْهِ بِالْهَمْزَةِ وَألف بعْدهَا وبترك الْهَمْز وبياء مَكَان الْهمزَة وَألف بعْدهَا فالحجة لمن همز أَنه أَتَى بِهِ على أَصله فَوقف عَلَيْهِ كَمَا وَصله وَالْحجّة لمن أسقطها أَنه قنع بِالْإِشَارَةِ مِنْهَا لوقوعها طرفا فَجرى على أَصله وَالْحجّة لمن قَلبهَا يَاء أَنه لينها فَصَارَت ألفا وَالْألف لَا تقبل الْحَرَكَة فقلبها يَاء لِأَن الْيَاء أُخْت الْألف فِي الْمَدّ واللين إِلَّا أَنَّهَا تفضلها بِقبُول الْحَرَكَة(1/185)
وَمن سُورَة هود قَوْله تَعَالَى إِنِّي لكم نَذِير مُبين يقرا بِفَتْح الْهمزَة وَكسرهَا فالحجة لمن فتح أَنه أَرَادَ وَلَقَد أرسلنَا نوحًا إِلَى قومه بِأَنِّي لكم فَلَمَّا حذف الْبَاء وصل الْفِعْل فَعمل وَالْحجّة لمن كسر انه جعل الْكَلَام تَاما عِنْد قَوْله إِلَى قومه ثمَّ ابتدا مستأنفا فَكسر
قَوْله تَعَالَى بَادِي الرَّأْي يقرا بياء مَفْتُوحَة وبالهمز فالحجة لمن قَرَأَهُ بِالْيَاءِ أَنه أَخذه من بَدَأَ يبْدَأ إِذا أَخذ فِي فعل الشَّيْء فَإِن وقف عَلَيْهِ وَاقِف اسْتَوَى المهموز فِيهِ وَغَيره فَكَانَ بياء سَاكِنة لِأَن الْهمزَة تسكن فِي الْوَقْف وَقبلهَا كسرة فتقلب يَاء والهمزة عِنْد الْوَقْف جَائِزَة لَا تمْتَنع لِأَنَّهَا حرف صَحِيح وَإِنَّمَا تسْقط فِي الْوَقْف إِذا كَانَ قبلهَا سَاكن
قَوْله تَعَالَى فعميت عَلَيْكُم يقْرَأ بِضَم الْعين وَالتَّشْدِيد وَبِفَتْحِهَا وَالتَّخْفِيف فالحجة لمن ضم وشدد أَنه دلّ بذلك على بِنَاء الْفِعْل لما لم يسم فَاعله وَدَلِيله أَنَّهَا فِي حرف عبد الله وَأبي فعماها عَلَيْكُم وَالْحجّة لمن فتح وخفف انه جعل الْفِعْل للرحمة ومعناهما قريب يُرِيد فخفيت
قَوْله تَعَالَى من كل زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يقْرَأ بِالتَّنْوِينِ وَالْإِضَافَة هَا هُنَا وَفِي سُورَة الْمُؤمنِينَ فالحجة لمن نون أَنه أَرَادَ من كل جنس وَمن كل نوع زَوْجَيْنِ فَجعل التَّنْوِين دَلِيلا على المُرَاد وَالْحجّة لمن أضَاف أَنه أَرَادَ أَن يَجْعَل الزَّوْجَيْنِ محمولين وَجمع بَين سَائِر الْأَصْنَاف وعنى بقوله زَوْجَيْنِ ذكر وَأُنْثَى لِأَن كل اثْنَيْنِ لَا ينْتَفع بِأَحَدِهِمَا إِلَّا أَن يكون صَاحبه مَعَه فَكل وَاحِد مِنْهُمَا زوج للْآخر وأكد بقوله اثْنَيْنِ كَمَا قَالَ لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ فأكد من غير لبس(1/186)
سُورَة هود
قَوْله تَعَالَى باسم الله مجْراهَا يقرأبضم الْمِيم وَفتحهَا وبالإمالة والتفخيم فالحجة لمن ضم أَنه أَرَادَ الْمصدر من قَوْلك أجْرى يجْرِي مجْرى وَالْحجّة لمن فتح أَنه أَرَادَ الْمصدر من قَوْلك جرت مجْرى فَأَما ضم الْمِيم فِي مرْسَاها فإجماع وَفِيه من الإمالة مَا فِي قَوْله مجْراهَا وَالْحجّة فِي ذَلِك مَذْكُورَة فِيمَا سلف
قَوْله تَعَالَى يَا بني اركب مَعنا يقرأبكسر الْيَاء وَفتحهَا وبإدغام الْبَاء فِي الْمِيم وإظهارها فالحجة لمن كسر الْيَاء أَنه أضَاف إِلَى نَفسه فَاجْتمع فِي الِاسْم ثَلَاث ياءات يَاء التصغير وياء الأَصْل وياء الْإِضَافَة فحذفت يَاء الْإِضَافَة اجتزاء بالكسرة الَّتِي قبلهَا لِأَن النداء مُخْتَصّ بالحذف لِكَثْرَة اسْتِعْمَاله وَالْحجّة لمن فتح أَنه أَرَادَ يَا بنياه فأسقط الْألف وَالْهَاء وبقى الْيَاء على فتحهَا ليدل بذلك على مَا أسقط وَالْحجّة لمن أدغم مقاربة مخرج الحرفين وَبِنَاء الْبَاء على السّكُون لِلْأَمْرِ فَحسن الْإِدْغَام لحسنه فِي قَوْله تَعَالَى ودت طَائِفَة وَالْحجّة لمن أظهر أَنه أَتَى بالْكلَام على الأَصْل لِأَن الأَصْل الْإِظْهَار والإدغام فرع عَلَيْهِ
قَوْله تَعَالَى إِنَّه عمل غير صَالح يقْرَأ بِالتَّنْوِينِ وَرفع غير وبالفتح وَنصب غير فالحجة لمن نون وَرفع غير أَنه جعله اسْما أخبر بِهِ عَن إِن وَرفع غير إتباعا لَهُ على الْبَدَل وَمَعْنَاهُ إِن سؤالك إيَّايَ أَن أنجي كَافِرًا لَيْسَ من أهلك عمل غير صَالح وَالْحجّة لمن فتح أَنه جعله فعلا مَاضِيا وفاعله مستتر فِيهِ وَغير مَنْصُوب لِأَنَّهُ وصف قَامَ مقَام الْمَوْصُوف وَمَعْنَاهُ أَنه عمل عملا غير صَالح
قَوْله تَعَالَى فَلَا تَسْأَلنِي يقْرَأ بِإِسْكَان اللَّام وَنون وياء بعْدهَا وبفتح اللَّام وَنون شَدِيدَة وياء بعْدهَا فالحجة لن أسكن اللَّام أَنه جعل السّكُون عَلامَة للجزم بِالنَّهْي وَالنُّون وَالْيَاء كِنَايَة عَن اسْم الله تَعَالَى فِي مَحل نصب وَالْحجّة لمن فتح اللَّام وشدد النُّون أَنه أَرَادَ تَأْكِيد النَّهْي فَالتقى ساكنان سُكُون اللَّام للجزم وَسُكُون النُّون المدغمة(1/187)
سُورَة هود فحركت اللَّام لالتقاء الساكنين وَبقيت النُّون على فتحهَا وقرأه بعض الْقُرَّاء بِكَسْر النُّون وَالْحجّة لَهُ أَنه خزل يَاء الْإِضَافَة واجتزأ بالكسرة مِنْهَا
قَوْله تَعَالَى وَمن خزي يَوْمئِذٍ يقْرَأ وَمَا شاكله فِي قَوْله من فزع يَوْمئِذٍ ومن عَذَاب يَوْمئِذٍ بِالتَّنْوِينِ وَفتح يَوْم وبترك التَّنْوِين وخفض يَوْم وببناء يَوْم مَعَ ترك التَّنْوِين فالحجة لمن نون وَنصب أَنه اراد بِالنّصب خلاف الْمُضَاف لِأَن التَّنْوِين دَلِيل وَالْإِضَافَة دَلِيل وَلَا يجْتَمع دليلان فِي اسْم وَاحِد وَالْحجّة لمن ترك التَّنْوِين وأضاف أَنه أَتَى بِهِ على قِيَاس مَا يجب للأسماء وَلمن بناه مَعَ ترك التَّنْوِين وَجْهَان أَحدهمَا أَنه جعل يَوْم مَعَ إِذْ بِمَنْزِلَة اسْمَيْنِ جعلا اسْما وَاحِدًا فبناه على الْفَتْح كَمَا بني خَمْسَة عشر
وَالثَّانِي أَنه لما كَانَت إِذْ اسْما للْوَقْت الْمَاضِي وَالْيَوْم من أَسمَاء الْأَوْقَات أضفتهما إِضَافَة الْأَوْقَات إِلَى الْجمل كَقَوْلِك جئْتُك يَوْم قَامَ زيد فَيكون كَقَوْلِك جئْتُك إِذْ قَامَ زيد فَلَمَّا كَانَت إِذْ بِهَذِهِ المثابة بني الْيَوْم مَعهَا على الْفَتْح لِأَنَّهُ غير مُتَمَكن من الظروف وَجعل تَنْوِين إِذْ عوضا من الْفِعْل الْمَحْذُوف بعْدهَا لِأَن مَعْنَاهُ يَوْم إِذْ قدم الْحَاج وَمَا شاكل ذَلِك
قَوْله تَعَالَى أَلا إِن ثمودا كفرُوا رَبهم يقْرَأ وَمَا شاكله من الْأَسْمَاء الأعجمية مصروفا وَغير مَصْرُوف
فَلِمَنْ صرفه وَجْهَان أَحدهمَا أَنه جعله اسْم حَيّ أَو رَئِيس فَصَرفهُ وَالْآخر أَنه جعله فعولًا من الثمد وَهُوَ المَاء الْقَلِيل فَصَرفهُ وَالْحجّة لمن لم يصرفهُ أَنه جعله اسْما للقبيلة فَاجْتمع فِيهِ عِلَّتَانِ فرعيتان منعتاه من الصّرْف إِحْدَاهمَا للتأنيث وَهُوَ فرع للتذكير وَالْأُخْرَى التَّعْرِيف وَهُوَ فرع للتنكير
والقراء مُخْتَلفُونَ فِي هَذِه الْأَسْمَاء وَأَكْثَرهم يتبع السوَاد فَمَا كَانَ فِيهِ بِأَلف أجراه وَمَا كَانَ بِغَيْر ألف مَنعه الإجراء(1/188)
سُورَة هود
فَأَما قَوْله وآتينا ثَمُود النَّاقة فَإِنَّمَا ترك إجراؤه لاستقبال الْألف وَاللَّام فَطرح تنوينه كَمَا قرءوا قل هُوَ الله أحد الله الصَّمد
قَوْله تَعَالَى قَالُوا سَلاما قَالَ سَلام يقْرَأ بِإِثْبَات الْألف وَفتح السِّين وبكسرها وَحذف الْألف فالحجة لمن أثبت وَفتح أَنه جعله من التَّحِيَّة وَالسَّلَام وَمَعْنَاهُ تسلما مِنْكُم تسئما أَو يُرِيد تركناكم تركا فَكَأَنَّهُ قَالَ قَالُوا تركا فَرد عَلَيْهِم ترك وَمِنْه قَوْلهم لَا تكن من فلَان إِلَّا سَلاما تسلم مَعْنَاهُ إِلَّا مباينا لَهُ متاركا فَالْأول مَنْصُوب على الْمصدر وَالثَّانِي مَرْفُوع بِالِابْتِدَاءِ وَالْحجّة لمن حذف الْألف وَكسر السِّين أَنه جعله من الصُّلْح والمسالمة يُرِيد قَالُوا نَحن سلم
قَوْله تَعَالَى وَمن وَرَاء إِسْحَق يَعْقُوب يقْرَأ بِرَفْع الْبَاء ونصبها فالحجة لمن رفع أَنه أَرَادَ الِابْتِدَاء وَجعل الظّرْف خَبرا مقدما كَمَا تَقول من ورائك زيد وَالْحجّة لمن نصب أَنه رده بِالْوَاو على قَوْله وبشرناها وَجعل الْبشَارَة بِمَعْنى الْهِبَة فَكَأَنَّهُ قَالَ وَوَهَبْنَا لَهَا من وَرَاء إِسْحَق يَعْقُوب وَكَانَ بعض النُّحَاة يَقُول هُوَ فِي مَوضِع خفض إِلَّا أَنه لَا ينْصَرف وَهَذَا بعيد لِأَنَّهُ عطفه على عاملين الْبَاء وَمن
قَوْله تَعَالَى فَأسر بأهلك يقْرَأ بِقطع الْألف وَوَصلهَا فالحجة لمن قطع أَنه أَخذه من أسرى وَدَلِيله قَوْله تَعَالَى سُبْحَانَ الَّذِي أسرى وَالْحجّة لمن وصل أَنه أَخذه من سرى وهما لُغَتَانِ أسرى وسرى وَبَيت النَّابِغَة شَاهد لَهما(1/189)
سُورَة هود ... سرت عَلَيْهِ من الجوزاء سَارِيَة ... تزجى الشمَال عَلَيْهِ جامد الْبرد ...
ويروي أسرت عَلَيْهِ وَقيل معنى اسرى سَار من أول اللَّيْل وسرى سَار من آخِره
قَوْله تَعَالَى إِلَّا امْرَأَتك يقرا بِالرَّفْع وَالنّصب فالحجة لمن رفع أَنه استثناها من قَوْله وَلَا يلْتَفت مِنْكُم أحد وَالْحجّة لمن نصب أَنه استثناها من قَوْله فَأسر بأهلك
قَوْله تَعَالَى وَأما الَّذين سعدوا يقْرَأ بِفَتْح السِّين وَضمّهَا فالحجة لمن فتحهَا أَنه بنى الْفِعْل لَهُم فرفعهم بِهِ وَالْحجّة لمن ضمهَا أَنه بنى الْفِعْل لما لم يسم فَاعله وَسعد يصلح أَن يتَعَدَّى إِلَى مفعول وَأَن لَا يتَعَدَّى كَقَوْلِك سعد زيد وسعده الله وجبر زيد وجبره الله قَالَ العجاج فَأتى باللغتين ... قد جبر الدّين الْإِلَه فجبر ... وعور الرَّحْمَن من ولى العور ...
قَوْله تَعَالَى وَإِن كلا لما ليوفينهم يقْرَأ بتَشْديد إِن وتخفيفها فالحجة لمن شدد أَنه أَتَى بالحرف على أصل مَا بني عَلَيْهِ فنصب بِهِ الأسم وَالْحجّة لمن خفف أَنه جعلهَا مُخَفّفَة من المثقلة فأعملها عمل المثقلة لِأَنَّهَا مشبهة بِالْفِعْلِ فَلَمَّا كَانَ الْفِعْل يحذف مِنْهُ(1/190)
سُورَة يُوسُف فَيعْمل عمله تَاما كَقَوْلِك سل زيدا أَو قل الْحق كَانَت إِن بِهَذِهِ المثابة
وَلَو رفع مَا بعْدهَا فِي التَّخْفِيف لَكَانَ وَجها وَاحْتج أَنه لما كَانَت إِن مشبهة بِالْفِعْلِ لفظا وَمعنى عملت عمله والمشبه بالشَّيْء أَضْعَف من الشَّيْء فَلَمَّا خففت عَاد الِاسْم بعْدهَا إِلَى الِابْتِدَاء وَالْخَبَر لِأَنَّهَا عَلَيْهِ دخلت
قَوْله تَعَالَى لما ليوفينهم يقرا بتَشْديد الْمِيم وتخفيفها فالحجة لمن خفف أَنه جعل اللَّام دَاخِلَة على خبر إِن وليوفينهم لَام تحتهَا قسم مُقَدّر وَمَا صفة عَن ذَات الْآدَمِيّين كَقَوْلِك إِن عِنْدِي لما غَيره خير مِنْهُ وَالْحجّة لمن شدد إِنَّه أَرَادَ لمن مَا فَقلب لفظ النُّون ميما ثمَّ أدغمها فِي الْمِيم بعد أَن أسقط إِحْدَى الميمات تَخْفِيفًا واختصارا لِأَنَّهُنَّ ثَلَاث فِي الأَصْل
قَوْله تَعَالَى وَإِلَيْهِ يرجع الْأَمر كُله يقْرَأ بِفَتْح الْيَاء وَكسر الْجِيم وبضم الْيَاء وَفتح الْجِيم فالحجة لمن ضم أَنه أَرَادَ يرد الْأَمر وَالْحجّة لمن فتح أَنه أَرَادَ يصير الْأَمر ومعناهما قريب
قَوْله تَعَالَى وَمَا رَبك بغافل عَمَّا يعْملُونَ يقْرَأ بِالْيَاءِ وَالتَّاء وَقدمنَا من ذكره فِي نَظَائِره مَا يُغني عَن إِعَادَته إِن شَاءَ الله
وَمن سُورَة يُوسُف
قَوْله تَعَالَى يَا أَبَت يقْرَأ بِفَتْح التَّاء وَكسرهَا فالحجة لن فتح أَنه أَرَادَ يَا أَبَة بِالْهَاءِ ثمَّ رخم الْهَاء فَبَقيَ يَا أَب ثمَّ أعَاد إِلَى الِاسْم هَاء السكت وأدرج فَبَقيت(1/191)
سُورَة يُوسُف الْهَاء على فتحهَا كَقَوْلِك يَا طلح فِي التَّرْخِيم ثمَّ تَأتي بِالْهَاءِ فَتَقول يَا طَلْحَة أقبل قَالَ النَّابِغَة ... كليني لَهُم يَا أُمَيْمَة ناصب ... وليل أقاسيه بطيء الْكَوَاكِب ...
فَهَذِهِ الْهَاء لَيست الَّتِي كَانَت فِي الِاسْم وَلكنهَا الْمَرْدُودَة بعد الْحَذف وَالدَّلِيل على ذَلِك فتحهَا وَالْحجّة لمن كسرهَا أَنه أَرَادَ الْإِضَافَة إِلَى النَّفس فاجتزأ بالكسرة من الْيَاء لِكَثْرَة الْحَذف فِي النداء فَأَما الْوَقْف على يَا ابت فبالهاء وَالتَّاء وَالْحجّة لمن وقف بِالْهَاءِ أَنه شبهها بِالْهَاءِ الَّتِي فِي عمَّة وَخَالَة فَإِذا وقف على هَذِه أخْلص لَفظهَا هَاء وَإِنَّمَا الْهَاء هَا هُنَا عوض عَن يَاء الْإِضَافَة لأَنهم كَانُوا يحذفونها كَمَا يحذفون التَّنْوِين فَجَاءُوا بِهَذِهِ الْهَاء فِي الْأُم توكيدا للتأنيث وَفِي الْأَب إِذْ لم يكن لَهُ تَأْنِيث من لَفظه لِأَنَّك تَقول أَبَوَانِ لأم وَأب وَلَا تَقول لَهما أَمَان فَصَارَ أَب وأبه اسْمَيْنِ للْأَب مَعًا وَلَا يَقع هَذَا فِي غير النداء وَالْحجّة لمن وقف عَلَيْهَا بِالتَّاءِ أَن أصل كل هَاء وَقعت للتأنيث فرقا أَن ترد إِلَى التَّاء فِي الْوَقْف والدرج لِأَن التَّاء الأَصْل وَالدَّلِيل على ذَلِك قَوْلك قَامَت جاريتك فالتاء الأَصْل لِأَنَّهُ قد تدخل الْهَاء فِي أَسمَاء الْمُذكر وَصِفَاته فَلذَلِك ردَّتْ الْهَاء إِلَى التَّاء
قَوْله تَعَالَى آيَات للسائلين يقْرَأ بِالتَّوْحِيدِ وَالْجمع فالحجة لمن وحد أَنه جعل أَمر يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام كُله عِبْرَة وَآيَة وَدَلِيله قَوْله لقد كَانَ فِي قصصهم عِبْرَة(1/192)
سُورَة يُوسُف يقل عبرا وَيكون قد نَاب بِالْوَاحِدِ عَن الْجَمِيع كَقَوْلِه أَو الطِّفْل وَالْحجّة لمن جمع أَنه جعل كل فعل من أَفعاله آيَة فَجمع لذَلِك وسهله عَلَيْهِ كتبهَا فِي السوَاد بِالتَّاءِ
وَوزن آيَة عِنْد الْفراء فعلة أَيَّة وَعند الْكسَائي فاعلة آيية وَعند سِيبَوَيْهٍ فعلة أيية
قَوْله تَعَالَى مُبين اقْتُلُوا يقرا بِضَم التَّنْوِين وكسره وَقد ذكرت علته فِي النِّسَاء
قَوْله تَعَالَى إِن كُنْتُم للرؤيا تعبرون يقرا بالتفخيم والإمالة فالحجة لمن فخم أَنه أَتَى بِهِ على الأَصْل وَالْحجّة لمن أمال أَنه دلّ بالإمالة على أَن ألفها ألف تَأْنِيث لِأَنَّهَا رَاجِعَة إِلَى التَّاء لفظا
وَرُوِيَ عَن الْكسَائي أَنه أمال هَذِه وَفتح قَوْله لَا تقصص رُؤْيَاك فَإِن كَانَ فعل ذَلِك ليفرق بَين النصب والخفض فقد وهم وَإِن كَانَ أَرَادَ الدّلَالَة على جَوَاز اللغتين فقد أصَاب لِأَن اللَّفْظ بهما للقصر الَّذِي فيهمَا وَاحِد فِي جَمِيع وُجُوه الْإِعْرَاب
قَوْله تَعَالَى فِي غيابة الْجب يقرا بِالتَّوْحِيدِ وَالْجمع فالحجة لمن وحد أَنه أَرَادَ مَوضِع وُقُوعه فِيهِ وَمَا غيبه مِنْهُ لِأَنَّهُ جسم وَاحِد شغل مَكَانا وَاحِدًا وَالْحجّة لمن جمع أَنه أَرَادَ ظلم الْبِئْر ونواحيه فَجعل كل مَكَان فِي غيابة
قَوْله تَعَالَى نرتع وَنَلْعَب يقرآن بالنُّون وَالْيَاء وبكسر الْعين وإسكانها فالحجة لمن قرأهما بالنُّون أَنه أخبر بذلك عَن جَمَاعَتهمْ وَالْحجّة لمن قَرَأَهُ بِالْيَاءِ أَنه أخبر بذلك عَن يُوسُف دون إخْوَته وَالْحجّة لمن أسكن الْعين أَنه أَخذه من رتع يرتع(1/193)
سُورَة يُوسُف إِذا اتَّسع فِي الأَرْض مرحا ولهوا وَنَلْعَب نَلْهُو ونسر وَالْحجّة لمن كسرهَا أَنه أَخذه من الرعى واصله إِثْبَات الْيَاء فِيهِ فحذفها دلَالَة على الْجَزْم لِأَنَّهُ جَوَاب للطلب فِي قَوْلهم أرْسلهُ مَعنا فَبَقيت الْعين على الْكسر الَّذِي كَانَت عَلَيْهِ
فَإِن قيل كَيفَ يَلْعَبُونَ وهم أَنْبيَاء فَقل لم يَكُونُوا إِذْ ذَاك أَنْبيَاء
قَوْله تَعَالَى لَئِن أكله الذِّئْب يقْرَأ الذِّئْب بِإِثْبَات الْهمزَة وَتركهَا فالحجة لمن همز أَنه اتى بِهِ على أَصله لِأَنَّهُ مَأْخُوذ من تذؤب الرّيح وَهُوَ هبوبها من كل وَجه فَشبه بذلك لِأَنَّهُ إِذا حذر من وَجه أَتَى من آخر وَالْحجّة لمن ترك الْهمزَة أَنَّهَا سَاكِنة فَأَرَادَ بذلك التَّخْفِيف
قَوْله تَعَالَى يَا بشراي يقرأبإثبات الْألف وَفتح الْيَاء وبطرحها وَإِسْكَان الْيَاء فالحجة لمن أثبتها أَنه أَرَادَ الْإِضَافَة إِلَى نَفسه كَقَوْلِه يَا حسرتي وَيَا ويلتي وَالْحجّة لمن طرح أَنه جعله اسْم غُلَام مَأْخُوذ من الْبشَارَة مَبْنِيّ على وزن فعلى
فَأَما الإمالة فِيهِ فلمكان الرَّاء وحقيقتها على الْيَاء فَأَشَارَ بِالْكَسْرِ إِلَى الرَّاء ليقرب من لفظ الْيَاء
قَوْله تَعَالَى هيت لَك يقرأبفتح الْهَاء وَكسرهَا وبضم التَّاء وَفتحهَا فالحجة لمن فتح الْهَاء وَضم التَّاء أَنه شبهه ب حَيْثُ وَمن كسر الْهَاء وَفتح التَّاء فَإِنَّمَا كسرهَا لمَكَان الْيَاء وَالْحجّة لمن فتح الْهَاء وَالتَّاء أَنه جعله مثل الْهَاء فِي هَلُمَّ وَفتح التَّاء لِأَنَّهَا جَاءَت بعد الْيَاء الساكنة كَمَا قَالُوا أَيْن وليت وَكَيف
قَوْله تَعَالَى إِنَّه من عبادنَا المخلصين يقرأبفتح اللَّام وَكسرهَا فالحجة لمن فتح أَنه أَرَادَ أسم الْمَفْعُول بِهِ من قَوْلك أخلصهم الله فهم مخلصون وَالْحجّة لمن كسر أَنه أَرَادَ اسْم الْفَاعِل من أخْلص فَهُوَ مخلص وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي سُورَة مَرْيَم إِنَّه كَانَ مخلصا(1/194)
سُورَة يُوسُف
قَوْله تَعَالَى حاشى لله يقْرَأ بِإِثْبَات الْألف فِي آخِره وصلا ووقفا وبحذفها فِي الْوَجْهَيْنِ مَعًا فالحجة لمن أثبتها أَنه اخذه من قَوْلك حاشى يحاشي وَالْحجّة لمن حذف أَنه اكْتفى بالفتحة من الْألف فحذفها وَاتبع فِيهَا خطّ السوَاد
وَمَعْنَاهَا هَا هُنَا معَاذ الله وَهِي عِنْد النَّحْوِيين بِمَعْنى أستثني واستشهدوا بقول النَّابِغَة ... وَمَا أحاشي من الأقوام من أحد ...
قَوْله تَعَالَى دأبا يقرأبإسكان الْهمزَة وَفتحهَا فالحجة لمن أسكن أَنه أَرَادَ الْمصدر وَالْحجّة لمن فتح أَنه أَرَادَ الِاسْم وَيجوز أَن يكون أَصله الْفَتْح فأسكن تَخْفِيفًا وَالْعرب تسْتَعْمل ذَلِك فِيمَا كَانَ ثَانِيه حرفا من حُرُوف الْحلق مثل النَّهر والمعز والدأب مَعْنَاهُ المداومة على الشَّيْء وملازمته وَالْعَادَة قَالَ الْكُمَيْت ... هَل تبلغنيكم المذكرة ال ... وجناء وَالسير مني الدأب(1/195)
سُورَة يُوسُف وَالِاخْتِيَار السّكُون لإجماعها عَلَيْهِ فِي قَوْله كدأب آل فِرْعَوْن
قَوْله تَعَالَى وَفِيه يعصرون يقْرَأ بِالْيَاءِ وَالتَّاء فالحجة لمن قَرَأَ بِالْيَاءِ أَنه رده على قَوْله فِيهِ يغاث النَّاس
وَمن قَرَأَهُ بِالتَّاءِ فحجته أَنه خصهم بذلك دون النَّاس
قَوْله تَعَالَى حَيْثُ يَشَاء يقْرَأ بِالْيَاءِ وَالنُّون فالحجة لمن قَرَأَهُ بِالْيَاءِ أَنه جعل الْفِعْل ليوسف وَالْحجّة لمن قَرَأَهُ بالنُّون أَنه جعل الْإِخْبَار بِالْفِعْلِ لله تَعَالَى لِأَن الْمَشِيئَة لَهُ لَا ليوسف إِلَّا بعد مَشِيئَته عز وجلّ
قَوْله تَعَالَى وَقَالَ لفتيته يقرأبالياء وَالتَّاء وبالألف وَالنُّون فالحجة لمن قَرَأَهُ بِالْيَاءِ أَنه أَرَادَ الْجمع الْقَلِيل مثل غلمة وصبية وَالْحجّة لمن قَرَأَهُ بِالْألف وَالنُّون أَنه أَرَادَ الْجمع الْكثير مثل غلْمَان وصبيان
فَإِن قيل وزن فَتى فعل وَفعل لَا يجمع على فعلة فَقل لما وَافق غلمانا فِي الْجمع الْكثير جمعُوا بَينهمَا فِي الْقَلِيل ليوافقوا بَينهمَا
قَوْله تَعَالَى نكتل يقْرَأ بالنُّون وَالْبَاء فالحجة لمن قَرَأَهُ بِالْيَاءِ أَنه أَرَادَ انْفِرَاد كل وَاحِد مِنْهُم بكيله وَالْحجّة لمن قَرَأَهُ بالنُّون أَنه أخبر بذلك عَن جَمَاعَتهمْ وَأدْخل أَخَاهُم فِي الْكَيْل مَعَهم
وَأَصله نفتعل فاستثقلوا الكسرة على الْيَاء فحذفت فَانْقَلَبت الْيَاء ألفا لانفتاح مَا قبلهَا فَالتقى ساكنان فحذفت لالتقاء الساكنين(1/196)
سُورَة يُوسُف
قَوْله تَعَالَى فَلَمَّا استيأسوا مِنْهُ يقرأبتقديم الْيَاء قبل الْهمزَة فَيكون الْيَاء فَاء الْفِعْل وبتقديم الْهمزَة قبل الْيَاء فَيكون الْيَاء عين الْفِعْل وَمثله حَتَّى إِذا استيأس الرُّسُل فالحجة لمن جعل الْيَاء فَاء الْفِعْل أَنه أَخذه من قَوْلهم يئس ييأس يأسا وَالْحجّة لمن جعل الْهمزَة فَاء الْفِعْل أَنه أَخذه من قَوْلهم أيس يأيس إياسا
وَقد قرئَ بتَخْفِيف الْهمزَة فالحجة لمن خففها وَجعل الْيَاء فَاء الْفِعْل أَنه يَجْعَلهَا يَاء مُشَدّدَة لِأَنَّهُ أدغم فَاء الْفِعْل لسكونها فِي الْعين وحركها بحركتها وَالْحجّة لمن خففها والهمزة فَاء الْفِعْل أَنه يَجْعَلهَا ألفا خَفِيفَة للفتحة قبلهَا
قَوْله تَعَالَى خير حَافِظًا يقْرَأ بِإِثْبَات الْألف بعد الْحَاء وبحذفها وَالْأَصْل فيهمَا وَالله خَيركُمْ حفظا وحافظا فنصب قَوْله حفظا على التَّمْيِيز وَنصب قَوْله حَافِظًا على الْحَال وَيحْتَمل التَّمْيِيز وَإِنَّمَا كَانَ أَصله الْإِضَافَة فَلَمَّا حذفهَا خلفهَا بِالتَّنْوِينِ
فَإِن قيل فَمَا الْفرق بَين قَوْلهم زيد أفره عبد بالخفض وَزيد أفره عبدا بِالنّصب فَقل إِذا خفضوا فالفاره هُوَ العَبْد وَإِنَّمَا مدحته فِي ذَاته وَإِذا نصبوا فَالْعَبْد غير زيد وَمَعْنَاهُ زيد أفرهكم عبدا أَو أفره عبدا من غَيره فَهَذَا فرقان بَين(1/197)
سُورَة يُوسُف
قَوْله تَعَالَى إِلَّا رجَالًا يُوحى إِلَيْهِم يقرا بِالْيَاءِ وَالنُّون وَفتح الْحَاء مَعَ الْيَاء وَكسرهَا مَعَ النُّون فالحجة لمن قَرَأَهُ بِالْيَاءِ أَنه جعله فعل مَا لم يسم فَاعله وَالْحجّة لمن قَرَأَهُ بالنُّون أَنه جعله من إِخْبَار الله تَعَالَى عَن نَفسه بالنُّون
قَوْله تَعَالَى أئنك يقْرَأ بهمزتين محققتين وبهمزة وَمُدَّة وياء بعْدهَا وبالإخبار من غير اسْتِفْهَام فالحجحة لم حقق أَن الأولى للاستفهام وَالثَّانيَِة همزَة إِن فَأتى بهما على أَصلهمَا وَالْحجّة لمن همزه وَمد وأتى بِالْيَاءِ أَنه فرق بَين الهمزتين بِمدَّة ثمَّ لين الثَّانِيَة فَصَارَت يَاء لانكسارها وَالْحجّة لمن أخبر وَلم يستفهم أَجَابَتْهُ لَهُم بقوله أَنا يُوسُف وَلَو كَانُوا مستفهمين لأجابهم بنعم أَولا وَلَكنهُمْ أنكروه فأجابهم محققا
قَوْله تَعَالَى إِنَّه من يتق ويصبر الْقِرَاءَة بِكَسْر الْقَاف وَحذف الْيَاء عَلامَة للجزم بِالشّرطِ إِلَّا مَا رَوَاهُ قنبل عَن ابْن كثير بِإِثْبَات الْيَاء وَله فِي إِثْبَاتهَا وَجْهَان أَحدهمَا أَن من الْعَرَب من يجرى الْفِعْل المعتل مجْرى الصَّحِيح فَيَقُول لم يَأْتِي زيد وَأنْشد ... ألم يَأْتِيك والأنباء تنمى ... بِمَا لاقت لبون بني زِيَاد ...
وَالِاخْتِيَار فِي مثل هَذَا حذف الْيَاء للجازم لِأَن دُخُول الْجَازِم على الْأَفْعَال يحذف الحركات الدَّالَّة على الرّفْع إِذا وجدهَا فَإِن عدمهَا لعِلَّة حذفت الْحُرُوف الَّتِي تولدت مِنْهَا(1/198)
سُورَة الرَّعْد الحركات لِأَنَّهَا قَامَت مقَامهَا ودلت على مَا كَانَت الحركات تدل عَلَيْهِ وَإِنَّمَا يجوز إِثْبَاتهَا مَعَ الْجَازِم فِي ضَرُورَة الشَّاعِر
وَالْوَجْه الثَّانِي أَنه أسقط الْيَاء لدُخُول الْجَازِم ثمَّ بقى الْقَاف على كسرتها وأشبعها لفظا فَحدثت الْيَاء للإشباع كَمَا قَالَ الشَّاعِر ... أَقُول إِذْ خرت على الكلكال ... يَا نَاقَتي مَا جلت من مجَال ...
قَوْله تَعَالَى أَنهم قد كذبُوا يقْرَأ بتَشْديد الذَّال وتخفيفها فالحجة لمن شدد أَنه جعل الظَّن للأنبياء بِمَعْنى الْعلم يُرِيد وَلما علمُوا أَن قَومهمْ قد كذبوهم جَاءَ الرُّسُل نصرنَا وَالْحجّة لمن خفف أَنه جعل الظَّن للكفرة بِمَعْنى الشَّك وَتَقْدِيره وَظن الْكَفَرَة أَن الرُّسُل قد كذبُوا فِيمَا وعدوا بِهِ من النَّصْر
قَوْله تَعَالَى فننجي يقْرَأ بجيم مُشَدّدَة وَفتح الْيَاء وبنونين وَسُكُون الْيَاء فالحجة لمن قَرَأَهُ بنُون وَاحِدَة أَنه جعله فعلا مَاضِيا بني لما لم يسم فَاعله وَسَهل ذَلِك عَلَيْهِ كِتَابَته فِي السوَاد بنُون وَاحِدَة لِأَنَّهَا خفيت للغنة لفظا فحذفت خطا وَالْحجّة لمن قَرَأَهُ بنونين أَنه دلّ بِالْأولَى على الِاسْتِقْبَال وبالثانية على الأَصْل وأسكن الْيَاء علما للرفع
وَمن سُورَة الرَّعْد
قَوْله تَعَالَى يغشى اللَّيْل النَّهَار يقْرَأ بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيف وَقد ذكرت علته فِي الْأَعْرَاف
قَوْله تَعَالَى وَزرع ونخيل صنْوَان وَغير صنْوَان يقْرَأ ذَلِك كُله بِالرَّفْع(1/199)
سُورَة الرَّعْد والخفض فالحجة لمن رفع أَنه رده على قَوْله وَفِي الأَرْض قطع متجاورات وجنات وَالْحجّة لمن خفض أَنه رده على قَوْله من أعناب وَزرع
فَإِن قيل لم ظَهرت الْوَاو فِي صنْوَان وحقها الْإِدْغَام فَقل عَن ذَلِك جوابان أَحدهمَا أَنَّهَا لَو أدغمت لأشبه فعلان فعالا وَالْآخر أَن سُكُون النُّون هَا هُنَا وَفِي قَوْله بُنيان وقنوان عَارض لانها قد تتحرك فِي الْجمع والتصغير فَلَمَّا كَانَ السّكُون فِيهَا غير لَازم كَانَ الْإِدْغَام كَذَلِك
قَوْله تَعَالَى تسقى بِمَاء وَاحِد يقْرَأ بِالْيَاءِ وَالتَّاء فالحجة لمن قَرَأَهُ بِالْيَاءِ أَنه أَرَادَ يسقى الْمَذْكُور وَالْحجّة لمن قَرَأَهُ بِالتَّاءِ أَنه رده على لفظ جنَّات ولفظها مؤنث
قَوْله تَعَالَى ونفضل يقْرَأ بِالْيَاءِ وَالنُّون فالحجة لمن قَرَأَهُ بِالْيَاءِ أَنه جعله إِخْبَارًا عَن الله تَعَالَى من الرَّسُول وَالْحجّة لمن قَرَأَهُ بالنُّون أَنه جعله من إِخْبَار الله تَعَالَى عَن نَفسه
وَقَوله تَعَالَى أئذا كُنَّا تُرَابا أئنا يقرآن بالاستفهام فيهمَا وباستفهام الأول والإخبار فِي الثَّانِي وَقد تقدم ذكر علله والاحتجاج لمن قَرَأَ بِهِ
قَوْله تَعَالَى المتعال يقرأبإثبات الْيَاء وصلا ووقفا وبإثباتها وصلا وحذفها وَقفا وبحذفها وصلا ووقفا فالحجة لمن أثبتها وصلا ووقفا أَنه أَتَى بِالْكَلِمَةِ على مَا أوجبه الْقيَاس لَهَا لِأَن الْيَاء إِنَّمَا كَانَت تسْقط لمقارنة التَّنْوِين فِي النكرَة فَلَمَّا دخلت الْألف وَاللَّام زَالَ التَّنْوِين فَعَاد لزواله مَا سقط لمقارنته وَالْحجّة لمن أثبتها وصلا وحذفها وَقفا أَنه اتبع خطّ السوَاد فِي الْوَقْف وَأخذ بِالْأَصْلِ فِي الْوَصْل فَأتى بِالْوَجْهَيْنِ مَعًا وَالْحجّة لمن(1/200)
سُورَة الرَّعْد حذفهَا فيهمَا أَن النكرَة قبل الْمعرفَة فَلَمَّا سَقَطت فِيهَا الْيَاء ثمَّ دخلت الْألف وَاللَّام دخلتا على شَيْء مَحْذُوف فَلم يكن لَهما سَبِيل إِلَى رده وَله أَن يَقُول إِن الْعَرَب تجتزئ بالكسرة من الْيَاء فَلذَلِك سَقَطت الْيَاء فِي السوَاد
وَوزن متعال متفاعل من الْعُلُوّ لَام الْفِعْل منن وَاو انقلبت يَاء لوقوعها طرفا وَكسر مَا قبلهَا
وَالدَّلِيل على أَن اللُّغَة لَا تقاس وَإِنَّمَا تُؤْخَذ سَمَاعا قَوْلهم الله متعال من تَعَالَى وَلَا يُقَال متبارك من تبَارك
فَأَما قَوْلهم تعال يَا رجل فَكَانَ أَصله ارْتَفع ثمَّ كثر اسْتِعْمَاله حَتَّى قيل لمن كَانَ فِي أَعلَى الدَّار تعال إِلَى اسفل
فَإِن قيل كَيفَ تنهي من قَوْلك تعال لِأَن نقيض الْأَمر النَّهْي فَقل إِن الْعَرَب إِذا غيرت كلمة عَن جِهَتهَا أَو جمعت بَين حرفين أَو أَقَامَت لفظا مقَام لفظ الزمته طَريقَة وَاحِدَة كالأمثال الَّتِي لَا تنقل عَن لفظ من قيلت فِيهِ أبدا كَقَوْلِهِم فِي الْأَمر هَلُمَّ وهات يَا رجل وصه ومه فَأمرت بذلك وَلم تنه مِنْهُ لانها حُرُوف أَفعَال وضعت مَعَانِيهَا لِلْأَمْرِ فَقَط فأجريت مجْرى الْأَمْثَال اللَّازِمَة طَريقَة وَاحِدَة بلفطها
قَوْله تَعَالَى أم هَل يستوى يقْرَأ بِالتَّاءِ وَالْيَاء وَقد مضى الْجَواب فِي علته آنِفا وَمثله وَمِمَّا توقدون عَلَيْهِ بِالتَّاءِ وَالْيَاء
قَوْله تَعَالَى وصدوا عَن السَّبِيل يقْرَأ يفتح الصَّاد وَضمّهَا فالحجة لمن قَرَأَهَا بِالْفَتْح أَنه دلّ بذلك على بِنَاء الْفِعْل لفَاعِله وَالْحجّة لمن قَرَأَهَا بِالضَّمِّ أَنه دلّ بذلك على بِنَاء الْفِعْل لما لم يسم فَاعله
قَوْله تَعَالَى وَيثبت يقرأبالتخفيف وَالتَّشْدِيد فالحجة لمن خفف أَنه أَخذه(1/201)
سُورَة ابراهيم من أثبت يثبت وَالْحجّة لمن شدد أَنه أَخذه من ثَبت يثبت
وَمَعْنَاهُ يبقيه ثَابتا فَلَا يمحوه وَمِنْه يثبت الله الَّذين آمنُوا
والنحويون يختارون التَّخْفِيف لموافقته للتفسير لِأَن الله تَعَالَى إِذا عرضت أَعمال عَبده عَلَيْهِ أثبت مَا شَاءَ ومحا مَا شَاءَ
فَإِن قيل كَيفَ يمحو مَا قد أخبر نبيه عَلَيْهِ السَّلَام بِأَنَّهُ قد فرغ مِنْهُ فَقل إِنَّمَا فرغ مِنْهُ علما وَعلمه لَا يُوجب ثَوابًا وَلَا عقَابا إِلَّا بِالْعَمَلِ فَإِذا كتب الْملك ثمَّ تَابَ العَبْد فمحاه الله تَعَالَى قبل ظُهُور الْعَمَل كَانَ ذَلِك لَهُ لِأَن علمه بِهِ قبل الظُّهُور كعلمه بِهِ بعده
قَوْله تَعَالَى وَسَيعْلَمُ الْكَافِر يقْرَأ بِالتَّوْحِيدِ وَالْجمع فالحجة لمن وحد أَنه أَرَادَ بِهِ أَبَا جهل فَقَط وَالْحجّة لمن جمع أَنه أَرَادَ كل الْكفَّار وَدَلِيله أَنه فِي حرف أبي وَسَيعْلَمُ الَّذين كفرُوا وَفِي حرف عبد الله وَسَيعْلَمُ الَّذين كفرُوا وَإِنَّمَا وَقع الْخلف فِي هَذَا الْحَرْف لِأَنَّهُ فِي خطّ الإِمَام بِغَيْر ألف وَإِنَّمَا هُوَ الْكفْر
وَمن سُورَة إِبْرَاهِيم
قَوْله تَعَالَى إِلَى صِرَاط الْعَزِيز الحميد الله يقرأبالرفع والخفض فالحجة لمن رفع أَنه جعل الْكَلَام تَاما عِنْد قَوْله الحميد ثمَّ ابْتَدَأَ قَوْله الله الَّذِي فرفعه بِالِابْتِدَاءِ وَإِنَّمَا حسن ذَلِك لِأَن الَّذِي قبله رَأس آيَة وَالْحجّة لمن خفض أَنه جعله بَدَلا من قَوْله الحميد أَو نعتا لَهُ
والبصريون يفرقون بَين الْبَدَل والنعت فَمَا كَانَ حلية للْإنْسَان جَاءَت بعد اسْمه ليفرق بذلك بَينه وَبَين غَيره مِمَّن لَهُ هَذَا الِاسْم فَهُوَ النَّعْت كَقَوْلِك مَرَرْت بزيد الظريف(1/202)
سُورَة ابراهيم وَمَا بدأت فِيهِ بالحلية ثمَّ أتيت بعْدهَا بِالِاسْمِ فَهُوَ الْبَدَل كَقَوْلِك مَرَرْت بالظريف زيد فاعرف الْفرق فِي ذَلِك
قَوْله تَعَالَى ألم تَرَ أَن الله خلق يقرأبإثبات الْألف وطرحها فالحجة لمن أثبتها أَنه جعله اسْما للْفَاعِل وَرَفعه بِخَبَر إِن وأضافه إِلَى السَّمَوَات فَكَانَ بِالْإِضَافَة فِي معنى مَا قد مضى وَثَبت وَالْحجّة لمن طرحها أَنه جعله فعلا مَاضِيا وعداه إِلَى السَّمَوَات فنصبها وَإِن كَانَ النصب فِيهَا كالخفض لِأَن الكسرة فِي جمع الْمُؤَنَّث السَّالِم كالياء فِي جمع الْمُذكر السَّالِم
قَوْله تَعَالَى وَمَا أَنْتُم بمصرخي تقْرَأ بِفَتْح الْيَاء وَكسرهَا فالحجة لمن فتح أَنه يَقُول الأَصْل بمصرخيني فَذَهَبت النُّون للإضافة وأدغمت الْيَاء فِي الْيَاء فَالتقى ساكنان فَفتح الْيَاء لالتقائهما كَمَا تَقول على ومسلمي وعشري وَالْحجّة لمن كسر أَنه جعل الكسرة بِنَاء لَا إعرابا وَاحْتج بِأَن الْعَرَب تكسر لالتقاء الساكنين كَمَا تفتح وَإِن كَانَ الْفَتْح عَلَيْهِم أخف وَأنْشد شَاهدا لذَلِك ... قَالَ لَهَا هَل لَك يَا تا فِي ... قَالَت لَهُ مَا أَنْت بالمرضي ...
قَوْله تَعَالَى لتزول مِنْهُ الْجبَال ... يقْرَأ بِفَتْح اللَّام الأولى وَرفع الْفِعْل وبكسرها وَنصب الْفِعْل فالحجة لمن فتح أَنه جعلهَا لَام التَّأْكِيد فَلم تُؤثر فِي الْفِعْل وَلم تزله عَن أصل إعرابه وَهَذِه الْقِرَاءَة توجب زَوَال الْجبَال لشدَّة مَكْرهمْ وعظمه وَقد جَاءَ بِهِ التَّفْسِير وَالْحجّة لمن كسر أَنه جعلهَا لَام كي وَهِي فِي الْحَقِيقَة لَام الْجحْد وَإِن(1/203)
سُورَة الْحجر هَا هُنَا بِمَعْنى مَا وَمثله قَوْله وَمَا كَانَ الله لِيُضيع إيمَانكُمْ وَمعنى ذَلِك أَن مَكْرهمْ لأضعف من أَن تَزُول مِنْهُ الْجبَال
قَوْله تَعَالَى وَتقبل دعائي وَيقْرَأ بِإِثْبَات الْيَاء وصلا ووقفا وبطرحها وَقفا وإثباتها وصلا وبطرحها من الْوَجْهَيْنِ مَعًا وَقد ذكرت عِلّة ذَلِك فِيمَا سلف
وَمن سُورَة الْحجر
قَوْله تَعَالَى رُبمَا يود يقرأبتخفيف الْبَاء وتشديدها فالحجة لمن خفف أَن الأَصْل عِنْده فِي التَّشْدِيد باءان أدغمت إِحْدَاهمَا فِي الْأُخْرَى فأسقط وَاحِدَة تَخْفِيفًا وَالْحجّة لمن شدد أَنه أَتَى بلفظها على الأَصْل وَهُوَ الِاخْتِيَار قَالَ الشَّاعِر ... يَا رب سَار بَات لن يوسدا ... تَحت ذِرَاع العنس أَو كف اليدا ...
اخْتلف النحويون فِي نصب الْيَد هَا هُنَا فَقَالَ قوم موضعهَا خفض وَلَكِن الشَّاعِر أَتَى بهَا على الأَصْل واصلها يَدي ثمَّ قلب من الْيَاء ألفا فَقَالَ اليدا كَمَا قَالُوا الرحا والعصا وَالْعرب تقلب الْألف عِنْد الضَّرُورَة يَاء ذكر ذَلِك سِيبَوَيْهٍ وَأنْشد(1/204)
سُورَة الْحجر ... قواطنا مَكَّة من ورق الْحمى ...
أَرَادَ الْحمام فأسقط الْمِيم الْأَخِيرَة ثمَّ قلب الْألف يَاء فَلَمَّا قلبوا هَا هُنَا من الْألف يَاء قلبوا هُنَاكَ الْيَاء ألفا
وَقَالَ الْأَصْمَعِي معنى كف هَا هُنَا قبض وَهُوَ فعل مَاض وَالْيَد مَنْصُوبَة بتعدي الْفِعْل إِلَيْهَا
فَإِن قيل رب مَوْضُوعَة للتقليل كَمَا وضعت كم للتكثير فَمَا وَجه الْإِتْيَان بهَا هَا هُنَا فَقل إِن الْعَرَب اسْتعْملت إِحْدَاهمَا فِي مَوضِع الآخرى وَمِنْه قَوْلهم إِذا أَنْكَرُوا على أحدهم حَالا فنهوه فَلم ينْتَه رُبمَا نهيت فلَانا فَأبى
فَإِن قيل فَمَا مَوضِع مَا بعد رب فَقل فِي ذَلِك أجوبة مِنْهَا أَن تكون نائبة عَن اسْم منكور فَهِيَ فِي مَوضِع خفض أَو تكون كَافَّة لعمل رب ليَقَع بعْدهَا الْفِعْل لِأَنَّهَا من عوامل الْأَسْمَاء أَو تكون مَا وَمَا وصلت بِهِ بِمَعْنى الْمصدر يُرِيد رب وداد الَّذين كفرُوا
فَأَما قَوْله لَو كَانُوا مُسلمين فَقيل عِنْد مُعَاينَة الْمَوْت وَقيل عِنْد مُعَاينَة أهوال يَوْم الْقِيَامَة عِنْد إِخْرَاج أمة مُحَمَّد عَلَيْهِ السَّلَام من النَّار بِشَفَاعَتِهِ لَهُم
قَوْله تَعَالَى مَا تنزل الْمَلَائِكَة يقْرَأ بِفَتْح التَّاء وَضمّهَا وبالتشديد وَالرَّفْع وبالنون وَكسر الزَّاي وَالتَّشْدِيد وَالنّصب فالحجة لمن فتح التَّاء أَنه أَرَادَ تتنزل فأسقط(1/205)
سُورَة الْحجر إِحْدَى التائين وَرفع الْمَلَائِكَة بفعلهم وَالْحجّة لمن ضم التَّاء أَنه دلّ بذلك على نقل الْفِعْل عَن بنائِهِ للْفَاعِل إِلَى مَا لم يسم فَاعله وَرفع بِهِ الْمَلَائِكَة لِأَن الْفِعْل صَار حَدِيثا عَنْهُم لما اختزل الْفَاعِل وكل من حدثت عَنهُ بِحَدِيث رفعته بذلك الحَدِيث وَالْحجّة لمن قرأبالنون أَنه أخبر بذلك عَن إِخْبَار الله بِالْفِعْلِ عَن نَفسه وَنصب الْمَلَائِكَة بتعدي الْفِعْل إِلَيْهِم
قَوْله تَعَالَى سكرت أبصارنا يقْرَأ بتَشْديد الْكَاف وتخفيفها فالحجة لمن شدد أَنه أَرَادَ سدت وغطيت وَالْحجّة لمن خفف أَنه أَرَادَ سحرت ووقفت كَمَا تَقول سكرت المَاء فِي النَّهر إِذا وقفته
وَقَالَ الْكسَائي هما لُغَتَانِ وَإِن اخْتلف تفسيرهما
قَوْله تَعَالَى فَبِمَ تبشرون يقرأبتشديد النُّون وتخفيفها مَعَ الْكسر وبتخفيفها مَعَ الْفَتْح فالحجة لمن شدد أَنه أَرَادَ تبشرونني بنونين الأولى عَلامَة الرّفْع وَالثَّانيَِة مَعَ الْيَاء اسْم الْمَفْعُول بِهِ فأسكن الأولى وأدغمها فِي الثَّانِيَة تَخْفِيفًا وَدلّ بالكسرة على الْيَاء فكفت مِنْهَا وَالْحجّة لمن خفف النُّون وَكسرهَا أَنه حذف إِحْدَى النونين تَخْفِيفًا من غير إدغام واجتزأ بالكسرة من الْيَاء وَيسْتَشْهد لَهُ بقول الشَّاعِر ... رَأَتْهُ كالثغام يعل مسكا ... يسوء الفاليات إِذا فليني ...
قَالَ البصريون أَرَادَ فلينني فَحذف إِحْدَى النونين وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ أدغم النُّون ثمَّ حذفهَا وَاحْتَجُّوا بقوله تَعَالَى وكادوا يقتلونني وأتعدانني قَالُوا لما ظَهرت(1/206)
سُورَة الْحجر النونات لم يحذفها وَإِنَّمَا الْحَذف فِي المدغمات كَقَوْلِه تَعَالَى تأمروني وأتحاجوني وَالْحجّة لمن فتح النُّون وخففها أَنه أَرَادَ نون الْإِعْرَاب الدَّالَّة على الرّفْع وَلم نضفها إِلَى نَفسه
قَوْله تَعَالَى وَمن يقنط يقْرَأ بِفَتْح النُّون وَكسرهَا فالحجة لمن فتح النُّون أَن بنية الْمَاضِي عِنْده بِكَسْرِهَا كَقَوْلِك علم يعلم وَالْحجّة لمن كسر النُّون أَن بنية الْمَاضِي عِنْده بِفَتْحِهَا كَقَوْلِك ضرب يضْرب وَهَذَا قِيَاس مطرد فِي الْأَفْعَال
وَالِاخْتِيَار فِيهِ هَا هُنَا كسر النُّون لإجماعهم على الْفَتْح فِي ماضيه عِنْد قَوْله تَعَالَى من بَعْدَمَا قَنطُوا
قَوْله تَعَالَى إِنَّا لمنجوهم أَجْمَعِينَ يقرأبالتشديد وَالتَّخْفِيف وَقد تقدم القَوْل فِي علته آنِفا
وَأَصله لمنجوهم بِكَسْر الْجِيم وواين بعْدهَا الأولى لَام الْفِعْل وَالثَّانيَِة وَاو الْجمع فَانْقَلَبت الأولى يَاء لانكسار مَا قبلهَا كَمَا انقلبت فِي نجا ألفا لانفتاح مَا قبلهَا فَصَارَ لمنجيوهم فاستثقلت الضمة على الْيَاء فحذفت عَنْهَا فَبَقيت سَاكِنة وَالْوَاو سَاكِنة فحذفت الْيَاء لالتقاء الساكنين وضمت الْجِيم لمجاورة الْوَاو
قَوْله تَعَالَى إِلَّا امْرَأَته قَدرنَا يقْرَأ بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيف على مَا تقدم القَوْل فِي أَمْثَاله فَأَما قدر بِالتَّخْفِيفِ فَيكون من التَّقْدِير والتقتير كَقَوْلِه فِي التَّقْدِير فقدرنا فَنعم القادرون وَكَقَوْلِه فِي التقتير وَمن قدر عَلَيْهِ رزقه(1/207)
سُورَة النَّحْل
قَوْله تَعَالَى أَصْحَاب الأيكة يقرأبإسكان اللَّام وَتَحْقِيق الْهمزَة وبفتح اللَّام وتشديدها وَطرح الْهمزَة هَا هُنَا وَفِي الشُّعَرَاء وصاد وقاف فالحجة لمن أثبت الْهمزَة أَن الأَصْل عِنْده فِي النكرَة أيكة ثمَّ أَدخل عَلَيْهَا الْألف وَاللَّام للتعريف فبقى الْهمزَة على أصل مَا كَانَت عَلَيْهِ وَالْحجّة لمن ترك الْهَمْز أَن أَصْلهَا عِنْده ليكة على وزن فعلة ثمَّ أَدخل الْألف وَاللَّام فَالتقى لامان الأولى سَاكِنة فأدغم الساكنة فِي المتحركة فَصَارَت لاما مُشَدّدَة وَقد قَرَأَهَا بَعضهم على أَصْلهَا ليكة الْمُرْسلين وَترك صرفهَا للتعريف والتأنيث أَو لِأَنَّهَا معدولة عَن وَجه التَّعْرِيف الْجَارِي بِالْألف وَاللَّام
وَقد فرق بعض الْقُرَّاء بَين الْهَمْز وَتَركه فَقَالَ الأيكة اسْم الْبَلَد وليكة اسْم الْقرْيَة وَقيل هِيَ الغيضة
وَمن سُورَة النَّحْل
قَوْله تَعَالَى أَتَى أَمر الله يقْرَأ بالإمالة والتفخيم فالحجة لمن أمال أَنه دلّ على الْيَاء وَالْحجّة لن فخم أَنه أجْرى الْكَلَام على أَصله وأتى هَا هُنَا مَاض فِي معنى مُسْتَقْبل وَدَلِيله قَوْله فَلَا تستعجلوه يُرِيد بِهِ السَّاعَة
قَوْله تَعَالَى فَلَا تستعجلوه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يشركُونَ يقرأبالياء وَالتَّاء فالحجة لمن قَرَأَهُ بِالْيَاءِ أَنه جعله مِمَّا أَمر الله نبيه عَلَيْهِ السَّلَام أَن يخبر بِهِ وَالْحجّة لمن قَرَأَهُ بِالتَّاءِ أَنه أَرَادَ معنى الْخطاب وأتى بِهِ تَنْزِيها لله تَعَالَى من عِنْده فأنزله الله تَصْدِيقًا لقَوْله
وَالتَّسْبِيح يَنْقَسِم فِي اللُّغَة أَرْبَعَة أَقسَام تَنْزِيها صَلَاة واستثناء ونورا فالتنزيه كَقَوْلِه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَالصَّلَاة كَقَوْلِه فلولا أَنه كَانَ من المسبحين(1/208)
سُورَة النَّحْل وَالِاسْتِثْنَاء كَقَوْلِه لَوْلَا تسبحون والنور كَقَوْل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وسلم فلولا سبحات وَجهه أَي نور وَجهه
قَوْله تَعَالَى ينزل الْمَلَائِكَة يقرا بِالْيَاءِ وَالتَّاء وضمهما وبالتشديد وَالتَّخْفِيف فالحجة لمن قَرَأَهُ بِالتَّاءِ وَالتَّشْدِيد أَنه جعل الْفِعْل لما لم يسم فَاعله ورفعهم بذلك وَالْحجّة لمن قَرَأَهُ بِالْيَاءِ مشددا أَو مخففا أَنه جعل الْفِعْل لله عز وجلّ فأضمره فِيهِ لتقدم اسْمه وَنصب الْمَلَائِكَة بتعدي الْفِعْل إِلَيْهِم وَأخذ المشدد من نزل والمخفف من أنزل
قَوْله تَعَالَى ينْبت لكم بِهِ يقرأبالياء وَالنُّون فالحجة لمن قَرَأَهُ بِالْيَاءِ أَنه أخبر بِهِ عَن الله عز وجلّ لتقدم اسْمه فِي أول الْكَلَام وَالْحجّة لن قَرَأَهُ بالنُّون أَنه جعله من إِخْبَار الله عز وجلّ عَن نَفسه بنُون الملكوت وَقد تقدم لذَلِك من الِاحْتِجَاج مَا فِيهِ بَلَاغ
قَوْله تَعَالَى وَالشَّمْس وَالْقَمَر والنجوم مسخرات يقْرَأ كُله بِالنّصب وبالرفع وَبِالنَّصبِ إِلَّا قَوْله والنجوم مسخرات فَإِنَّهُ رفع فالحجة لمن نَصبه أَنه عطفه بِالْوَاو على أول الْكَلَام فَأتى بِهِ على وَجه وَاحِد وَالْحجّة لمن رَفعه أَنه جعل الْوَاو حَالا لَا عاطفة كَقَوْلِك كلمت زيدا وَعَمْرو قَائِم فَترفع عمرا بِالِابْتِدَاءِ وقائم خَبره وَكَذَلِكَ قَوْله وَالشَّمْس وَالْقَمَر والنجوم مبتدآت ومسخرات خبر عَنْهُن وَالْحجّة لمن رفع قَوْله والنجوم مسخرات أَنه لما عطف وَالشَّمْس وَالْقَمَر على قَوْله وسخر لكم لم يستحسن أَن يَقُول وسخر النُّجُوم مسخرات فَرَفعهَا قَاطعا لَهَا مِمَّا قبلهَا
فَإِن قيل فَمَا حجَّة من نصبها فَقل بِفعل مُقَدّر مَعْنَاهُ وَجعل النُّجُوم مسخرات فَإِن قيل فَمَا معنى قَوْله وبالنجم هم يَهْتَدُونَ فوحدها هُنَا وَقد جمع فِي أول الْكَلَام فَقل إِن الله عز وجلّ جعل النُّجُوم ثَلَاثَة أَصْنَاف مِنْهَا رجوم الشَّيَاطِين وَمِنْهَا مَا تهتدى بهَا كالجدي والفرقدين وَمِنْهَا مصابيح وزينة فَأَما النَّجْم الثاقب فَقيل الثريا(1/209)
سُورَة النَّحْل وَقيل المتوقد نورا لقَولهم أثقب نارك والنجم الْقُرْآن لقَوْله تَعَالَى والنجم إِذا هوى قيل هُوَ نزُول جِبْرِيل بِهِ والنجم من النَّبَات مَا لَا يقوم على سَاق
قَوْله تَعَالَى وَالله يعلم مَا تسرون وَمَا تعلنون وَالَّذين يدعونَ يقرآن بِالتَّاءِ وَالْيَاء وَقد تقدم من القَوْل فِي مِثَاله مَا يُغني عَن إِعَادَته
قَوْله تَعَالَى تشاقون فيهم يقْرَأ بِفَتْح النُّون وَكسرهَا وَالْقَوْل فِيهِ كالقول فِي قَوْله فَبِمَ تبشرون
قَوْله تَعَالَى الَّذين تتوفاهم الْمَلَائِكَة يقرا بِالْيَاءِ وَالتَّاء وَقد أَتَيْنَا على علته فِي قَوْله فنادته الْمَلَائِكَة
قَوْله تَعَالَى تتوفاهم يقْرَأ بالإمالة والتفخيم فالحجة لمن أمال أَنه دلّ على أصل الْيَاء وَالْحجّة لمن فخم أَنه لما زَالَت الْيَاء عَن لَفظهَا لانفتاح مَا قبلهَا زَالَت الإمالة بِزَوَال اللَّفْظ
قَوْله تَعَالَى إِلَّا أَن تأتيهم يقْرَأ بِالتَّاءِ وَالْيَاء على مَا قدمنَا من القَوْل فِي أَمْثَاله
قَوْله تَعَالَى فَإِن الله لَا يهدي من يضل يقْرَأ بِضَم الْيَاء وَفتح الدَّال وبفتح الْيَاء وَكسر الدَّال فالحجة لمن قَرَأَ بِضَم الْيَاء أَنه أَرَادَ لَا يهدى من يضله الله فاسم الله مَنْصُوب بإن ويهدى الْخَبَر وَهُوَ فعل مَا لم يسم فَاعله وَمن فِي مَحل رفع ويضل صلَة من وَقد حذفت الْهَاء مِنْهُ لِأَن الْهَاء عَائِدَة على من وَلَا بُد ل من(1/210)
سُورَة النَّحْل ومَا والَّذِي وَالَّتِي وَأي من صلَة وعائد ومعرب لِأَنَّهُنَّ أَسمَاء نواقص وَالْحجّة لمن فتح الْيَاء أَنه أَرَادَ فَإِن الله لَا يهدي من يضله أحد إِلَّا هُوَ فيهدي فعل لله عز وجلّ ومن فِي مَوضِع نصب بتعدي الْفِعْل إِلَيْهِ
قَوْله تَعَالَى كن فَيكون يقْرَأ بِالرَّفْع وَالنّصب فالحجة لمن رفع أَنه أَرَادَ فَإِنَّهُ يكون وَالْحجّة لمن نصب أَنه عطفه على قَوْله أَن نقُول لَهُ وَمثلهَا الَّتِي فِي آخر يس
قَوْله تَعَالَى أَو لم يرَوا إِلَى مَا خلق الله أَو لم يرَوا إِلَى الطير أَو لم يرَوا كَيفَ يبدئ الله الْخلق يقْرَأن بِالتَّاءِ وَالْيَاء فالحجة لمن قرأهن بِالتَّاءِ أَنه أَرَادَ معنى مخاطبتهم وتقريرهم بآيَات الله وبدائع خلقه وَالْحجّة لمن قرأهن بِالْيَاءِ أَنه جعل الْألف للتوبيخ فَكَانهُ قَالَ موبخا لَهُم ويحهم كَيفَ يكفرون بِاللَّه وَيُنْكِرُونَ الْبَعْث ويعرضون عَن آيَاته وهم يرَوْنَ الطير مسخرات وَمَا خلق الله من شجر ونباتا وَمَا بدأه من الْخلق أفليس من خلق شَيْئا من غير شَيْء فأنشأه وَكَونه ثمَّ أَمَاتَهُ فأفناه قَادِرًا على إِعَادَته بِأَن يَقُوله لَهُ عد إِلَى حالتك الأولى
قَوْله تَعَالَى تتفيؤ ظلاله يقْرَأ بِالْيَاءِ وَالتَّاء فالحجة لمن قَرَأَ بِالتَّاءِ أَنه جمع ظلّ وكل جمع خَالف الْآدَمِيّين فَهُوَ مؤنث وَإِن كَانَ واحده مذكرا وَدَلِيله قَوْله عز وجلّ فِي الْأَصْنَام رب إنَّهُنَّ أضللن فأنث لمَكَان الْجمع وَالْحجّة لمن قَرَأَهُ بِالْيَاءِ أَنه وَإِن كَانَ جمعا فلفظه لفظ الْوَاحِد كَقَوْلِك جِدَار وعذار وَلذَلِك ناسب جمع التكسير الْوَاحِد لِأَنَّهُ مُعرب بالحركات مثله(1/211)
سُورَة النَّحْل
فَإِن قيل أجَاز مثل ذَلِك فِي قَوْله أم هَل تستوي الظُّلُمَات فَقل هَذَا لَا يلْزم وَإِن كَانَا جمعين لِأَن عَلامَة التَّأْنِيث فِي قَوْله الظُّلُمَات مَوْجُودَة وَفِي قَوْله ظلال مَعْدُومَة
قَوْله تَعَالَى إِلَّا رجَالًا نوحي إِلَيْهِم يقْرَأ بِالْيَاءِ وَفتح الْحَاء وبالنون وَكسر الْحَاء وَقد ذكر ذَلِك مَعَ أَمْثَاله
قَوْله تَعَالَى وَأَنَّهُمْ مفرطون يقْرَأ بِفَتْح الرَّاء وَكسرهَا فالحجة لمن فتح أَنه جعلهم مَفْعُولا بهم لما لم يسم فَاعله وَمَعْنَاهُ منسيون من الرَّحْمَة وَقيل مقدمون إِلَى النَّار وَالْحجّة لمن كسر أَنه جعل الْفِعْل لَهُم وَأَرَادَ أَنهم فرطوا فِي الْكفْر والعدوان فهم مفرطون وَالْعرب تَقول أفرط فلَان فِي الْأَمر إِذا قصر وَإِذا جَاوز الْحَد
قَوْله تَعَالَى نسقيكم يقرأبضم النُّون وَفتحهَا هَا هُنَا وَفِي الْمُؤمنِينَ وهما لُغَتَانِ بِمَعْنى سقى وأسقى وَأنْشد ... سقى قومِي بني مجد وأسقى ... نميرا والقبائل من هِلَال ...
وَقَالَ قوم سقيته مَاء بِغَيْر ألف وَدَلِيله قَوْله وسقاهم رَبهم شرابًا طهُورا وأسقيته بِالْألف سَأَلت الله أَن يسْقِيه وَقَالَ آخَرُونَ مَا كَانَ مرّة وَاحِدَة فَهُوَ بِغَيْر ألف وَمَا كَانَ دَائِما فَهُوَ بِالْألف
قَوْله تَعَالَى يَوْم ظعنكم يقْرَأ بتحريك الْعين وإسكانها فالحجة لمن حرك الْعين(1/212)
سُورَة النَّحْل فَلِأَنَّهَا من حُرُوف الْحلق وَالْحجّة لمن أسكن أَنه أَرَادَ الْمصدر وَمثله طعنته بِالرُّمْحِ طَعنا
قَوْله تَعَالَى ولنجزين الَّذين صَبَرُوا يقرأبالياء وَالنُّون فالحجة لمن قَرَأَهُ بِالْيَاءِ أَنه رده على قَوْله مَا عنْدكُمْ ينْفد وَمَا عِنْد الله بَاقٍ ولنجزين وَالْحجّة لمن قَرَأَهُ بالنُّون أَنه أَرَادَ أَن يَأْتِي بِأول الْكَلَام مَحْمُولا على آخِره فَوَافَقَ بَين قَوْله تَعَالَى ولنجزين وَقَوله فلنحيينه ولنجزينهم
قَوْله تَعَالَى يلحدون إِلَيْهِ أعجمي يقْرَأ بِضَم الْيَاء وَفتحهَا وَقد ذكرت علته فِيمَا سلف
قَوْله تَعَالَى من بَعْدَمَا فتنُوا يقرأبفتح التَّاء وبضم الْفَاء وَكسر التَّاء فالحجة لمن فتح أَنه جعل الْفِعْل لَهُم وَالْحجّة لمن ضم الْفَاء أَنه دلّ بذلك على بِنَاء مَا لم يسم فَاعله وَمَعْنَاهُ أَن عمار بن يَاسر وَجَمَاعَة من أهل مَكَّة أَرَادَهُم كفار قُرَيْش على الْكفْر وأكرهوهم فَقَالُوا بألسنتهم وَقُلُوبهمْ مطمئنة بِالْإِيمَان ثمَّ هَاجرُوا إِلَى الْمَدِينَة فَأخْبر الله عَن وَجل عَنْهُم بِمَا كَانَ من إضمارهم وَمن إظهارهم وَالْحجّة لمن جعل الْفِعْل لَهُم أَن ذَلِك كَانَ مِنْهُم قبل الْإِسْلَام فمحا الْإِسْلَام مَا قبله
قَوْله تَعَالَى وَلَا تَكُ فِي ضيق يقرأبفتح الضَّاد وَكسرهَا وَقد ذكرت حجَّته آنِفا وَقُلْنَا فِيهِ مَا قَالَه أهل اللُّغَة
وَالِاخْتِيَار هَا هُنَا الْفَتْح لِأَن الضّيق بِالْكَسْرِ فِي الْموضع والضيق بِالْفَتْح فِي الْمَعيشَة وَالَّذِي يُرَاد بِهِ هَا هُنَا ضيق الْمَعيشَة لَا ضيق الْمنزل(1/213)
سُورَة الْإِسْرَاء
وَمن سُورَة بني إِسْرَائِيل الْإِسْرَاء
قَوْله تَعَالَى أَلا يتخذوا يقرأبالياء وَالتَّاء فالحجة لمن قَرَأَهُ بِالْيَاءِ أَنه رده على بني إِسْرَائِيل وَالْحجّة لمن قَرَأَهُ بِالتَّاءِ أَنه جعل النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام مواجها لَهُم بِالْخِطَابِ
قَوْله تَعَالَى ليسوءوا وُجُوهكُم يقرأبفتح الْهمزَة عَلامَة للنصب وَبِضَمِّهَا وواو بعْدهَا وبالياء وَالنُّون فالحجة لمن قَرَأَ بِفَتْح الْهمزَة أَنه جعله فعلا للوعد وللعذاب وَالْحجّة لمن قَرَأَهُ بِالضَّمِّ أَنه جعله فعلا للعباد فِي قَوْله عبادا لنا ليسوءوا وُجُوهكُم وَدَلِيله قَوْله وليدخلوا الْمَسْجِد وليتبروا وَالْقِرَاءَة بِالْيَاءِ فِي هذَيْن الْوَجْهَيْنِ فَأَما النُّون فإخبار عَن الله عز وجلّ أخبر بِهِ عَن نَفسه
وَخص الْوُجُوه وَهُوَ يُرِيد الْوُجُوه والأبدان وَدَلِيله قَوْله تَعَالَى كل شَيْء هَالك إِلَّا وَجهه يُرِيد إِلَّا هُوَ وَالْفِعْل فِي الْإِفْرَاد وَالْجمع مَنْصُوب بلام كي
قَوْله تَعَالَى كتابا يلقاه يقْرَأ بتَخْفِيف الْقَاف وَسُكُون اللَّام وبتشديدها وَفتح اللَّام فالحجة لمن خفف أَنه جعل الْفِعْل للْكتاب وَالْهَاء للْإنْسَان وَالْحجّة لمن شدد أَنه جعل الْفِعْل لما لم يسم فَاعله واسْمه مستتر فِيهِ وَالْهَاء للْكتاب
قَوْله تَعَالَى أمرنَا مُتْرَفِيهَا يقْرَأ بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيف فالحجة لمن شدد أَنه أَرَادَ بِهِ الْإِمَارَة وَالْولَايَة مِنْهَا وَالْحجّة لمن خفف أَنه أَرَادَ أمرناهم بِالطَّاعَةِ فخالفوا إِلَى الْعِصْيَان وَأما قَول الْعَرَب أَمر بَنو فلَان فَمَعْنَاه كَثُرُوا وَالله آمُرهُم أَي كثرهم وَبَارك فيهمم(1/214)
سُورَة الْإِسْرَاء
قَوْله تَعَالَى فَلَا تقل لَهما أُفٍّ يقرا بِالْكَسْرِ منونا وَغير منون وبالفتح من غير تَنْوِين فالحجة لمن نون أَنه أَرَادَ بذلك الْإِخْبَار عَن نكر مَعْنَاهُ فَلَا تقل لَهما الْقَبِيح وَالْحجّة لمن كسر وَلم ينون أَنه أَرَادَ إسكان الْفَاء فَكسر لالتقاء الساكنين وفيهَا سبع لُغَات الْفَتْح والتنوين وَالْكَسْر والتنوين وَالضَّم والتنوين وأفى على وزن فعلى وَزَاد ابْن الْأَنْبَارِي أُفٍّ بتَخْفِيف الْفَاء وبإسكانها
وَهِي كلمة تقال عِنْد الضجر وَلَو علم الله تَعَالَى أوجز مِنْهَا فِي ترك العقوق لأتى بهَا وَمَعْنَاهَا كِنَايَة عَن كل قَبِيح
فَإِن قيل فَلم جَازَ إِجْرَاء الْفَاء فِي أُفٍّ لجَمِيع الحركات فَقل لِأَن حركتها لَيست بحركة إِعْرَاب إِنَّمَا هِيَ لالتقاء الساكنين فأجروها مجْرى مَا انْضَمَّ أَوله من الْأَفْعَال عِنْد الْأَمر بهَا وإدغام آخرهَا كَمَا قَالَ ... فغض الطّرف إِنَّك من نمير ... فَلَا كَعْبًا بلغت وَلَا كلابا ...
فالضاد تحرّك بِالضَّمِّ اتبَاعا للضم وبالفتح لالتقاء الساكنين وبالكسر على أصل مَا يجب فِي تَحْرِيك الساكنين إِذا التقيا
فَإِن قيل إفيجوز مثل ذَلِك فِي رب وَثمّ فَقل لَا لِأَن هذَيْن حرفان وَحقّ الْحُرُوف الْبناء على السّكُون فَلَمَّا التقى فِي أواخرها ساكنان حركت بأخف الحركات واتسع فِي أُفٍّ لِأَنَّهَا لمنهى عَنهُ كَمَا وَقعت إيه لمأمور بِهِ كَمَا اتسعوا فِي حركات أَوَاخِر الْأَفْعَال عِنْد الْأَمر وَالنَّهْي(1/215)
سُورَة الْإِسْرَاء
قَوْله تَعَالَى إِمَّا يبلغن عنْدك الْكبر يقرأبإثبات الْألف بعد الْغَيْن وبطرحها وبتشديد النُّون فِي الْوَجْهَيْنِ فالحجة لمن أثبت الْألف أَنه جعلهَا ضميرا للْوَالِدين وكناية عَنْهُمَا لتقدمهما وَأسْقط النُّون الَّتِي هِيَ عَلامَة الْإِعْرَاب لدُخُول حرف الشَّرْط وأتى بنُون التَّأْكِيد الشَّدِيدَة وَبني الْفِعْل مَعهَا لِأَنَّهَا مَانِعَة من الْإِعْرَاب وَكسرت تَشْبِيها بنُون الأثنين وَالْحجّة لمن طرح الْألف أَنه صاغ الْفِعْل لقَوْله أَحدهمَا وَنصب الْكبر بتعدى الْفِعْل إِلَيْهِ وأتى بالنُّون الشَّدِيدَة لدُخُول إِمَّا على الْفِعْل لِأَنَّهَا قَلما تدخل على فعل إِلَّا أَتَى فِيهِ بالنُّون الشَّدِيدَة للتَّأْكِيد
فَإِن قيل فَإِذا رفعت أَحدهمَا هَا هُنَا بِفِعْلِهِ فَبِمَ ترفعه مَعَ الْألف فَقل فِي ذَلِك غير وَجه أَحدهمَا أَنه يرْتَفع بَدَلا من الْألف الَّتِي فِي الْفِعْل وَالثَّانِي أَنه يرْتَفع بتجديد فعل مُضْمر يَنُوب عَنهُ الظَّاهِر وَالثَّالِث أَنه يرْتَفع على إِعَادَة سُؤال وَإجَابَة كانه قيل من يبلغ الْكبر فَقل أَحدهمَا أَو كِلَاهُمَا وعَلى هَذَا الْوَجْه يحمل قَوْله تَعَالَى وأسروا النَّجْوَى الَّذين ظلمُوا
فَإِن قيل فَلم خصا بِالْبرِّ عِنْد الْكبر فَقل إِنَّمَا خصا بذلك وَإِن كَانَ لَهما وَاجِبا فِي سَائِر الْأَوْقَات لِأَنَّهُمَا عِنْد الْكبر يثقل عَلَيْهِمَا الِاضْطِرَاب والخدمة فخصا بِالْبرِّ فِيهِ لذَلِك وَتقول الْعَرَب فلَان أبر بِوَالِديهِ من النسْر لِأَن أَبَاهُ إِذا كبر وَلم ينْهض للطيران لزم وَكره وَعَاد الفرخ عَلَيْهِ فزقه كَمَا كَانَ أَبوهُ يفعل بِهِ
قَوْله تَعَالَى كَانَ خطأ يقْرَأ بِكَسْر الْخَاء وَإِسْكَان الْخَاء وَإِسْكَان الطَّاء وَالْقصر وبفتحهما وَالْقصر وبكسر الْخَاء وَفتح الطَّاء وَالْمدّ فالحجة لمن كسر وأسكن وَقصر أَنه جعله مصدرا لقَولهم خطئت خطأومعناه أثمت إِثْمًا وَالْحجّة لمن فتحهما وَقصر أَنه أَرَادَ الْخَطَأ الَّذِي هُوَ ضد الْعمد وَدَلِيله قَوْله تَعَالَى وَمَا كَانَ لمُؤْمِن أَن يقتل مُؤمنا إِلَّا خطأ وَقَالَ بعض أهل اللُّغَة هما لُغَتَانِ بِمَعْنى كَمَا قَالُوا قتب وقتب وَبدل وَبدل(1/216)
سُورَة الْإِسْرَاء وَالْحجّة لمن كسر الْخَاء وَفتح الطَّاء وَمد فوزنه فعال من الْخَطِيئَة وَهُوَ مصدر كالصيام وَالْقِيَام وَالْعرب تَقول هَذَا مَكَان مخطوء فِيهِ من خطئت ومخطا فِيهِ من أَخْطَأت هَذَانِ بِالْهَمْز وَمَكَان مخطو فِيهِ من الْمَشْي بتَشْديد الْوَاو من غير همز
قَوْله تَعَالَى فَلَا يسرف فِي الْقَتْل يقْرَأ بِالْيَاءِ وَالتَّاء فَمن قَرَأَهُ بِالْيَاءِ رده على الْوَلِيّ لِأَنَّهُ غير مَقْصُود بمواجهة الْخطاب وَالْحجّة لمن قَرَأَهُ بِالتَّاءِ فَالْمَعْنى للْوَلِيّ وَالْخطاب لَهُ وللحاضرين أَي فَلَا تسرف يَا ولي وَلَا أَنْتُم يَا من حضر وَدَلِيله قِرَاءَة أبي فَلَا تسرفوا فِي الْقَتْل
وَمعنى الْإِسْرَاف أَن تقتل عشرَة بِوَاحِد أَو يقتل غير الْقَاتِل لشرفه فِي قومه وخمول الْقَاتِل فيهم
قَوْله تَعَالَى وزنوا بالقسطاس يقرأبكسر الْقَاف وَضمّهَا وهما لُغَتَانِ فصيحتان وَالضَّم أَكثر لِأَنَّهُ لُغَة أهل الْحجاز وَمَعْنَاهُ الْمِيزَان وَأَصله رومي وَالْعرب إِذا عربت اسْما من غير لغتها اتسعت فِيهِ كَمَا قُلْنَا فِي إِبْرَاهِيم وَمَا شاكله
قَوْله تَعَالَى كَانَ سيئه يقرأبفتح الْهمزَة وإعراب الْهَاء وتنوينها وبرفع الْهمزَة وَضم الْهَاء لِأَنَّهَا هَاء كِنَايَة فالحجة لمن فتح الْهمزَة وأعرب الْهَاء أَنه جعلهَا وَاحِدَة من السَّيِّئَات وَدَلِيله أَن كل مَا نهى الله عز وجلّ عَنهُ سيئ مَكْرُوه لَيْسَ فِيهِ مستحسن لقَوْله خلطوا عملا صَالحا وَآخر سَيِّئًا فالسيئ ضد الصَّالح وَالْحجّة لمن قَرَأَهُ بِالْإِضَافَة قَوْله مَكْرُوها وَلَو أَرَادَ السَّيئَة لقَالَ مَكْرُوهَة لِأَنَّهَا أقرب من ذَلِك دَلِيله أَنه فِي قِرَاءَة أبي كل ذَلِك كَانَ سيئاته عِنْد رَبك(1/217)
سُورَة الْإِسْرَاء
فَإِن قيل لفظ كل يَقْتَضِي الْجمع فَلم لم يُؤْت بعده بِجمع فَقل مَا بعده بِمَعْنى الْجمع وَإِن أَتَى بِلَفْظ الْوَاحِد فَمن أَتَى بعده بِالْجمعِ فعلى مَعْنَاهُ وَمن أَتَى بعده بِالْوَاحِدِ فعلى لَفظه
قَوْله تَعَالَى لِيذكرُوا وَمَا يزيدهم يقرأبالتشديد وَالتَّخْفِيف وَقد ذكر القَوْل فِيهِ آنِفا
قَوْله تَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ وَعَما تَقولُونَ يسبح لَهُ يقْرَأن بِالتَّاءِ وَالْيَاء فالحجة لمن قَرَأَهُ يَقُولُونَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ بِالْيَاءِ وَالتَّاء مَذْكُورَة فِيمَا مضى وَالْحجّة لمن قَرَأَ تسبح بِالتَّاءِ قِرَاءَة أبي سبحت لَهُ السَّمَوَات وَالْحجّة لمن قَرَأَهُ بِالْيَاءِ أَنه جمع قَلِيل وَالْعرب تذكره وَدَلِيله قَوْله تَعَالَى فَإِذا انْسَلَخَ الْأَشْهر الْحرم وَقَالَ نسْوَة وَالْعلَّة فِي ذَلِك أَن الْجمع الْقَلِيل قبل الْكثير والتذكير قبل التَّأْنِيث يحمل الأول على الأول وَالْحجّة لمن قَرَأَ بَعْضًا بِالتَّاءِ وبعضا بِالْيَاءِ مَا قدمنَا هـ من الْعلَّة فِي الْجمع
قَوْله تَعَالَى أئذا كُنَّا عظاما ورفاتا أئنا مَذْكُور فِي الْأَعْرَاف والعلل فِيهِ
قَوْله تَعَالَى لَئِن أخرتن يقرأبإثبات الْيَاء وحذفها فالحجة لمن أثبتها أَنه أَتَى بِهِ على الأَصْل وَالْحجّة لمن حذفهَا أَنه أجتزأ بالكسرة مِنْهَا
فَإِن قيل لَئِن حرف شَرط وحروف الشَّرْط لَا يَليهَا إِلَّا مُسْتَقْبل أَو مَاض فِي(1/218)
سُورَة الْإِسْرَاء معنى الْمُسْتَقْبل فَقل إِن اللَّام حرف تَأْكِيد يرفع بعده الْفِعْل وَإِن حرف شَرط ينجزم بعده الْفِعْل فَلَمَّا جمعُوا بَينهمَا لم يجز اجْتِمَاع الرّفْع والجزم فِي فعل وَاحِد فعدلوا عَن الْمُسْتَقْبل إِلَى فعل لَا يتَبَيَّن فِيهِ رفع وَلَا جزم فوجدوه الْمَاضِي فأولوه لَئِن فِي جَمِيع الْمَوَاضِع فاعرفه
قَوْله تَعَالَى بخيلك ورجلك يقْرَأ بِإِسْكَان الْجِيم وَكسرهَا فالحجة لمن أسكن أَنه أَتَى بِالْجمعِ على حَقه لِأَنَّهُ جمع راجل وَالْحجّة لمن كسر فلمجاورة اللَّام لِأَن اللَّام كسرت للخفض وَكسرت الْجِيم للقرب مِنْهَا كَمَا قَالُوا حجل وَأنْشد ... أرتني حجلا على سَاقهَا ... فهش الْفُؤَاد لذَلِك الحجل ...
قَوْله تَعَالَى أفأمنتم أَن نخسف أَو فَيُرْسل فيغرقكم يقرأكله بالنُّون وَالْيَاء فالحجة لمن قَرَأَهُ بالنُّون أَنه جعله من إِخْبَار الله عَن نَفسه وَالْحجّة لمن قَرَأَهُ بِالْيَاءِ أَنه جعله من إِخْبَار النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ عَن ربه
قَوْله تَعَالَى وَمن كَانَ فِي هَذِه أعمى فَهُوَ فِي الْآخِرَة أعمى يقرآن بالإمالة والتفخيم مَعًا وبإمالة الأول وتفخيم الثَّانِي فالحجة لمن أمالهما أَنه دلّ بالإمالة على أَنَّهُمَا من ذَوَات الْيَاء لأَنهم يميلون الرباعي وَإِن كَانَ من ذَوَات الْوَاو فذوات الْيَاء بذلك أولى وَالْحجّة لمن فخمها أَنه أَتَى بالْكلَام على أَصله لِأَنَّهُ قد انقلبت الْيَاء ألفا لفتح مَا قبلهَا فاستعمال اللَّفْظ أولى من اسْتِعْمَال الْمَعْنى
وَمعنى ذَلِك وَمن كَانَ فِيمَا وَصفنَا من نعيم الدُّنْيَا أعمى فَهُوَ فِي نعيم الْآخِرَة أعمى وأضل وَالْحجّة لمن أمال الأول وفخم الثَّانِي أَنه جعل الأول صفة وَالثَّانِي بِمَنْزِلَة أفعل مِنْك وَمَعْنَاهُ وَمن كَانَ فِي هَذِه أعمى فَهُوَ فِي الْآخِرَة أعمى مِنْهُ فِي الدُّنْيَا(1/219)
سُورَة الْإِسْرَاء
قَوْله تَعَالَى وَإِذا لَا يلبثُونَ خَلفك يقْرَأ بِفَتْح الْخَاء وَإِسْكَان اللَّام وبكسر الْخَاء وَألف بعد اللَّام ومعناهما بعْدك وهما لُغَتَانِ وَلَيْسَ من الْمُخَالفَة قَالَ الشَّاعِر ... نؤي أَقَامَ خلاف الْحَيّ أَو وتد ...
قَوْله تَعَالَى ونأى بجانبه يقْرَأ بِفَتْح النُّون والهمزة وبكسرها وبفتح النُّون وَكسر الْهمزَة وَإِثْبَات الْهمزَة فِي ذَلِك كُله وبفتح النُّون وَتَأْخِير الْهمزَة وفتحة قبلهَا كالمدة فالحجة لمن قَرَأَهُ بفتحهما أَنه أَتَى بِالْكَلِمَةِ على أَصْلهَا لِأَنَّهَا فِي حَقِيقَة اللَّفْظ نأي على وزن فعل وَالْحجّة لمن قَرَأَهُ بكسرهما أَنه أمال الْيَاء للدلالة عَلَيْهَا فَكسر لَهَا الْهمزَة لِيُقِر بهَا مِنْهَا بالمجاورة وَكسر النُّون لمجاورة الْهمزَة كَمَا قَالُوا شعير وبعير وَالْحجّة لمن فتح النُّون أَنه بقاها على أَصْلهَا وَكسر الْهمزَة لمجاورة الْيَاء وَمعنى ذَلِك كُله بعد وَالِاسْم مِنْهُ النأي وَالْحجّة لمن قَرَأَهُ بِتَأْخِير الْهمزَة أَنه أَرَادَ معنى ناء ينوء إِذا نَهَضَ بثقل مطيقا لحمله وَدَلِيله قَوْله تَعَالَى لتنوء بالعصبة وَأَصله نوأ فَانْقَلَبت الْوَاو ألفا لتحركها وانفتاح مَا قبلهَا ومدها تمكينا للهمزة بعْدهَا
قَوْله تَعَالَى حَتَّى تفجر لنا يقرأبالتشديد وَالتَّخْفِيف فالحجة لمن شدد أَنه أَخذه من فجر يفجر وَدَلِيله قَوْله تفجيرا كَمَا قَالَ وكلم الله مُوسَى تكليما وَالْحجّة لمن خفف أَنه أَخذه من فجر يفجر إِذا شقّ الْأَنْهَار وأجرى فِيهَا المَاء
قَوْله تَعَالَى كسفا يقرأبفتح السِّين وإسكانها فالحجة لمن فتح أَنه أَرَادَ بِهِ جمع كسفة كَقَوْلِك قِطْعَة وَقطع وَالْحجّة لمن أسكن أَنه شبهه بِالْمَصْدَرِ فِي قَوْلهم علم وحلم(1/220)
سُورَة الْكَهْف
قَوْله تَعَالَى قل سُبْحَانَ رَبِّي يقرأبإثبات ألف على الْإِخْبَار وبطرحها على الْأَمر فالحجة لمن أَتَى بِهِ على الْإِخْبَار أَنه اتى بِهِ على الْحِكَايَة عَن الرَّسُول عَلَيْهِ السَّلَام وَهِي بِالْألف فِي مصاحف أهل مَكَّة وَالشَّام وَالْحجّة لمن قَرَأَهُ على الْأَمر أَنه أَرَادَ مَا لفظ بِهِ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام فَكَأَنَّهُ قَالَ قل يَا مُحَمَّد تَنْزِيها لله رَبِّي من قَوْلكُم
قَوْله تَعَالَى لقد علمت يقرأبفتح التَّاء وَضمّهَا فالحجة لمن فتح أَنه جعل التَّاء لفرعون دلَالَة على المخاطبة وَالْحجّة لمن ضم أَنه جعل التَّاء لمُوسَى دلَالَة على إِخْبَار الْمُتَكَلّم عَن نَفسه
فَإِن قيل فَمَا وَجه الْخلف فِي هَذِه الْآيَة فَقل الْخلف فِي الْقُرْآن على ضَرْبَيْنِ خلف الْمُغَايرَة وَهُوَ فِيهِ مَعْدُوم وَخلف الْأَلْفَاظ وَهُوَ فِيهِ مَوْجُود
وَوجه الْخلف فِي هَذِه الْآيَة أَن مُوسَى قَالَ لفرعون لما كذبه وَنسب آيَاته إِلَى السحر لقد علمت أَنَّهَا لَيست بِسحر وَأَنَّهَا منزلَة فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْن أَنْت أعلم فَأَعَادَ عَلَيْهِ مُوسَى لقد علمت أَنا أَيْضا أَنَّهَا من عِنْد الله
قَوْله تَعَالَى قل ادعوا يقرأبالضم وَالْكَسْر وَقد ذكر فِي الْبَقَرَة
قَوْله تَعَالَى فَهُوَ الْمُهْتَدي يقرأبإثبات الْيَاء وحذفها وَقد ذكر فِي الْأَعْرَاف
وَمن سُورَة الْكَهْف
قَوْله تَعَالَى من لَدنه يقرأبضم الدَّال وَإِسْكَان النُّون وَضم الْهَاء وإلحاق الضمة واوا وباختلاس الصمَّة مَعَ غير وَاو وبالإشارة إِلَى ضمة الدَّال وَكسر النُّون وَالْهَاء وإلحاق يَاء بعد الْهَاء فالحجة لمن أسكن النُّون وَألْحق ضمة الْهَاء واوا أَنه أَتَى بِالْكَلِمَةِ على أَصْلهَا ووفاها مَا وَجب لَهَا ولهاء الْكِنَايَة إِذا جَاءَت بعد حرف سَاكن كَقَوْلِه منهو وعنهو(1/221)
سُورَة الْكَهْف وَالْحجّة لمن أختلس حَرَكَة الْهَاء أَنه اكْتفى بالضمة من الْوَاو لثقلها فِي أَوَاخِر الْأَسْمَاء إِذا انْضَمَّ مَا قبلهَا وَالْحجّة لمن أَشَارَ إِلَى حَرَكَة الدَّال بالضمة وَكسر النُّون وَالْهَاء وألحقها يَاء أَنه استثقل الضمة على الدَّال فأسكنها وَأَشَارَ بالضمة إِلَيْهَا دلَالَة عَلَيْهَا فَالتقى ساكنان فَكسر النُّون وأتبعها الْهَاء وَبَين كسرتها بإلحاق الْيَاء كَمَا تَقول مَرَرْت بهي يَا فَتى
ولدن فِي جَمِيع أحوالها بِمَعْنى عِنْد لَا يَقع عَلَيْهَا إِعْرَاب وَهِي ظرف مَكَاني فَإِن قيل فَإِذا كَانَت بِمَعْنى عِنْد فَيجب أَن تخفضها ب من كَمَا تَقول من عِنْده فَقل وَقع الاتساع فِي عِنْد مَا لم يَقع فِي لدن لِأَنَّك تَقول المَال عِنْدِي وَهُوَ بحضرتك أَو بعيد عَنْك وَتقول القَوْل عِنْدِي أَي فِي تمييزي وَهَذَا لَا يكون فِي لدن
فَأَما عملهما فالخفض إِلَّا فِي قَوْلهم لدن غدْوَة فَإِنَّهُم خصوه بِالنّصب
قَوْله تَعَالَى تزاور يقرأبالتشديد وَالتَّخْفِيف فالحجة لمن شدد أَنه أَرَادَ تتزاور فأسكن التَّاء وادغمها فِي الزَّاي لِأَنَّهَا تفضلها بالصفير وَالْحجّة لمن خفف أَنه أَرَادَ تتزاور أَيْضا ب تاءين فثقل عَلَيْهِ إجتماعهما فَحذف إِحْدَاهمَا وَاكْتفى بِمَا أبقى مِمَّا ألْقى
قَوْله تَعَالَى وَلَمُلئت يقْرَأ بتَشْديد اللَّام وتخفيفها وبالهمز وَتَركه فالحجة لمن شدد أَنه اراد تَكْرِير الْفِعْل والدوام عَلَيْهِ وَالْحجّة لمن خفف أَنه أَرَادَ مرّة وَاحِدَة فَأَما إِثْبَات الْهَمْز فِيهِ فعلى الأَصْل وَأما تَركه فتخفيف فَأَما تمليت الْعَيْش فبغير همز
قَوْله تَعَالَى بورقكم هَذِه بِكَسْر الرَّاء وإسكانها فالحجة لمن كسر أَنه أَتَى بِهِ على أَصله وَالْحجّة لمن أسكن أَنه أستثقل توالى الكسرات فِي الرَّاء وَالْقَاف للتكرير الَّذِي فيهمَا(1/222)
سُورَة الْكَهْف
قَوْله تَعَالَى ثلثمِائة سِنِين يقرأبإثبات التَّنْوِين وبطرحه وَالْإِضَافَة فالحجة لمن اثْبتْ التَّنْوِين أَنه نصب سِنِين بقوله وَلَبِثُوا ثمَّ أبدل ثلثمِائة مِنْهَا فَكَأَنَّهُ قَالَ وَلَبِثُوا سِنِين ثلثمِائة كَمَا تَقول صمت أَيَّامًا خَمْسَة وَوجه ثَان أَنه ينصب ثلثمِائة بلبثوا وَيجْعَل سِنِين بَدَلا مِنْهَا أَو مفسرة عَنْهَا وَالْحجّة لمن أضَاف أَنه أَتَى بِالْعدَدِ على وَجهه وأضافه على خفَّة بالمفسر مجموعا على أَصله لِأَن إِجْمَاع النَّحْوِيين على أَن الْوَاحِد الْمُفَسّر عَن الْعدَد مَعْنَاهُ الْجمع فَأَما سنُون هَا هُنَا فمجموعة جمع سَلامَة فَلذَلِك فتحت نونها
وَمن الْعَرَب من يقرها على لفظ الْيَاء وَيجْرِي النُّون بِوُجُوه الْإِعْرَاب تَشْبِيها بقَوْلهمْ قنسرين وبيرين
قَوْله تَعَالَى بِالْغَدَاةِ والعشي مَذْكُور بعلله فِي الْأَنْعَام
قَوْله تَعَالَى وَلَا يُشْرك فِي حكمه أحدا يقرأبالياء وَالرَّفْع وبالتاء والجزم فالحجة لمن قَرَأَهُ بِالْيَاءِ وَالرَّفْع أَنه أخبر بذلك عَن الله تَعَالَى وَجعل لَا فِيهِ بِمَعْنى لَيْسَ وَالْحجّة لمن قَرَأَهُ بِالتَّاءِ والجزم أَنه قصد الرَّسُول عَلَيْهِ السَّلَام وَوَجهه إِلَى غَيره وَجعل لَا للنَّهْي فَجزم بهَا
قَوْله تَعَالَى وأحيط بثمره يقرأبضم التَّاء وَالْمِيم وبفتحهما وبضم التَّاء وَإِسْكَان الْمِيم فالحجة لمن ضمهما أَنه جعله جمع الْجمع وَالْحجّة لمن فتحهما أَنه جعله من الْجمع الَّذِي يفرق بَينه وَبَين واحده بِالْهَاءِ وَالْحجّة لمن أسكن أَنه جعله من تثمير المَال(1/223)
سُورَة الْكَهْف لقَوْله بعد ذَلِك أَنا أَكثر مِنْك مَالا وَقد ذكر هَذَا مستقصى فِي الْأَنْعَام
قَوْله تَعَالَى لَكنا هُوَ الله رَبِّي يقرا بِإِثْبَات الْألف وصلا ووقفا وبحذفها وصلا وإثباتها وَقفا فالحجة لمن أثبتها أَن الأَصْل فِيهِ لَكِن أَنا فحذفت الْهمزَة تَخْفِيفًا فَبَقيَ لكننا فأدغمت النُّون فِي النُّون فصارتا نونا مُشَدّدَة وَالْحجّة لمن حذفهَا وصلا أَنه اجتزأ بفتحة النُّون من الْألف لاتصالها بالْكلَام ودرج بعضه فِي بعض وَاتبع خطّ السوَاد فِي إِثْبَاتهَا وَقفا
قَوْله تَعَالَى مرفقا بِكَسْر الْمِيم وَفتح الْفَاء وبفتح الْمِيم وَكسر الْفَاء فالحجة لمن كسر الْمِيم أَنه جعله من الارتفاق وَالْحجّة لمن فتح أَنه جعله من الْيَد وَقيل هما لُغَتَانِ فصيحتان
قَوْله تَعَالَى وَلم يكن لَهُ فِئَة يقرأبالياء وَالتَّاء فالحجة لمن قَرَأَهُ بِالْيَاءِ مَا ذَكرْنَاهُ آنِفا من الْفَصْل بَين الْفِعْل وَالِاسْم وَأَن التَّأْنِيث فِيهَا لَيْسَ بحقيقي وَدَلِيله قَوْله ينصرونه وَالْحجّة لمن قَرَأَهُ بِالتَّاءِ ظُهُور علم التَّأْنِيث فِي الِاسْم وَأَنه جمع وَالتَّاء ثَابِتَة فِي فعل الْجمع كَقَوْلِه قَالَت الْأَعْرَاب
والطائفة والفئة يكونَانِ وَاحِدًا وجمعا فَإِن قيل لفظ مائَة وَفِئَة سيان فَلم زيدت الْألف فِي مائَة خطا فَقل إِنَّمَا زيدت الْألف فِي قَوْلك أَخذ مائَة دِرْهَم لِئَلَّا يلتبس فِي الْخط بِأخذ مِنْهُ دِرْهَم وَكتب فِئَة على أَصْلهَا لِأَنَّهُ لَا لبس فِيهَا
قَوْله تَعَالَى الْولَايَة يقْرَأ بِفَتْح الْوَاو وَكسرهَا فالحجة لمن فتح أَنه جعله مصدرا من قَوْلك ولى بَين الْولَايَة وَالْحجّة لمن كسر أَنه جعله مصدرا من قَوْلك وَآل بَين الْولَايَة أَو من قَوْلك واليته مُوالَاة وَولَايَة وَقيل هما لُغَتَانِ كَقَوْلِك الْوكَالَة وَالْوكَالَة
قَوْله تَعَالَى لله الْحق يقرأبالرفع والخفض فالحجة لمن رفع أَنه جعله وَصفا(1/224)
سُورَة الْكَهْف للولاية وَدَلِيله أَنه فِي قِرَاءَة أبي هُنَالك الْولَايَة الْحق لله وهنالك إِشَارَة إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَالْحجّة لمن خفض أَنه جعله وَصفا لله عز وجلّ وَدَلِيله قَوْله تَعَالَى ثمَّ ردوا إِلَى الله مَوْلَاهُم الْحق وقرأه عبد الله هُنَالك الْولَايَة لله وَهُوَ الْحق
فَالْحق الله عز وجلّ وَالْحق صدق الحَدِيث وَالْحق الْملك بِاسْتِحْقَاق وَالْحق الْيَقِين بعد الشَّك
وَيجوز فِي النَّحْو وَالنّصب بإضمار فعل على الْمصدر مَعْنَاهُ أَحَق الْحق
قَوْله تَعَالَى وَيَوْم نسير الْجبَال يقرأبالتاء وَالرَّفْع وبالنون وَالنّصب فالحجة لمن قَرَأَهُ بِالتَّاءِ أَنه جعل الْفِعْل لما لم يسم فَاعله فَرفع الْجبَال بِهِ وأتى بِالتَّاءِ لتأنيث الْجبَال لِأَنَّهَا جمع لغير الْآدَمِيّين وَدَلِيل ذَلِك قَوْله تَعَالَى وسيرت الْجبَال فَكَانَت سرابا فمستقبل هَذَا تسير وَالْحجّة لمن قَرَأَهُ بالنُّون أَنه جعله من إِخْبَار الله تَعَالَى عَن نَفسه وَنصب الْجبَال بتعدي الْفِعْل إِلَيْهَا وَدَلِيله قَوْله تَعَالَى وحشرناهم فَلم نغادر وَلم يقل وحشروا فَلم يُغَادر فَرد اللَّفْظ على مثله لمجاورته لَهُ أولى وَأحسن وَيَوْم مَنْصُوب بإضمار فعل مَعْنَاهُ وَاذْكُر يَا مُحَمَّد يَوْم نسير الْجبَال أَو يكون مَنْصُوبًا لِأَنَّهُ ظرف لقَوْله تَعَالَى خير عِنْد رَبك ثَوابًا فِي يَوْم تسير الْجبَال وَمعنى قَوْله بارزة أَي ظَاهِرَة لَا يسْتَتر مِنْهَا شَيْء لاستوائها وَيحْتَمل أَن يُرِيد تبرز مَا فِيهَا من الْكُنُوز والأموات
قَوْله تَعَالَى وَيَوْم يَقُول نادوا يقرأبالياء وَالنُّون فالحجة لمن قَرَأَهُ بِالْيَاءِ أَنه(1/225)
سُورَة الْكَهْف جعله من إِخْبَار النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وسلم عَن الله عز وجلّ بأَمْره وَالْحجّة لمن قَرَأَهُ بالنُّون أَنه جعله من أَخْبَار الله تَعَالَى عَن نَفسه
قَوْله تَعَالَى قبلا يقْرَأ بِضَم الْقَاف وَالْبَاء وبكسرها وَفتح الْبَاء فالحجة لمن ضم أَنه أَرَادَ جمع قبيل كَقَوْلِك فِي جمع قميض قمص وَدَلِيله قَوْله كل شَيْء يُرِيد قبيلا قبيلا وَالْحجّة لمن كسرهَا وَفتح الْبَاء أَنه أَرَادَ عيَانًا ومقابلة وَقَالَ بعض أهل اللُّغَة الْقَبِيلَة بنوأب والقبيل الْجَمَاعَة وَاسْتدلَّ بقوله أَو تَأتي بِاللَّه وَالْمَلَائِكَة قبيلا وَبقول الشَّاعِر ... جوانح قد أَيقَن أَن قبيلهم ... إِذا مَا التقى الْجَمْعَانِ أول غَالب ...
قَوْله تَعَالَى وَمَا أنسانيه يقرأبضم الْهَاء وَكسرهَا مختلستين فالحجة لمن ضم أَنه أَتَى بِلَفْظ الْهَاء على اصل مَا وَجب لَهَا وَالْحجّة لمن قَرَأَهُ بِالْكَسْرِ فلمجاورة الْيَاء وَمثله وَمن أوفى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهِ الله وأمال الْكسَائي الْألف فِي أنسانيه ليدل بذلك على أَنَّهَا مبدلة من الْيَاء
قَوْله تَعَالَى مِمَّا علمت رشدا يقْرَأ بِضَمَّتَيْنِ وفتحتين وبضم الرَّاء وَإِسْكَان الشين فالحجة لمن قَرَأَهُ بِضَمَّتَيْنِ أَنه اتبع الضَّم كَمَا ترى الرعب السُّحت وَالْحجّة لمن قَرَأَهُ بِفتْحَتَيْنِ أَنه أَرَادَ بِهِ الصّلاح فِي الدّين وَالْحجّة لمن قَرَأَهُ بِضَم الرَّاء وَإِسْكَان الشين أَنه أَرَادَ الصّلاح فِي المَال وحد الْبلُوغ وَدَلِيله قَوْله تَعَالَى فَإِن آنستم مِنْهُم رشدا أَي صلاحا(1/226)
سُورَة الْكَهْف
قَوْله تَعَالَى وَجَعَلنَا لمهلكهم موعدا يقرأبفتح الْمِيم وَضمّهَا وبفتح اللَّام وَكسرهَا فالحجة لمن فتحهَا أَنه جعله مصدرا من قَوْلهم هَلَكُوا مهْلكا كَمَا قَالُوا طلعوا مطلعا وَالْحجّة لمن قَرَأَهُ بِكَسْر اللَّام وَفتح الْمِيم أَنه جعله وقتا لهلاكهم أَو موضعا لذَلِك وَدَلِيله قَوْله تَعَالَى حَتَّى إِذا بلغ مفرب الشَّمْس أَي الْموضع الَّذِي تغرب فِيهِ وَالْحجّة لمن قَرَأَهُ بِضَم الْمِيم وَفتح اللَّام أَنه جعله مصدرا من قَوْلهم أهلكهم الله مهْلكا يُرِيد إهلاكا فَجعل مهْلكا فِي مَوْضِعه وَدَلِيله قَوْله تَعَالَى أدخلني مدْخل صدق
قَوْله تَعَالَى ليغرق أَهلهَا يقْرَأ بِالتَّاءِ مَضْمُومَة وَنصب الْأَهْل وبالياء مَفْتُوحَة وَرفع الْأَهْل فالحجة لمن قَرَأَهُ بِالتَّاءِ مَضْمُومَة أَنه جعله من خطاب مُوسَى للخضر عَلَيْهِمَا السَّلَام وَنسب الْفِعْل إِلَيْهِ وَدلّ بِالتَّاءِ على حد المواجهة والحضور وَنصب الْأَهْل بتعدي الْفِعْل إِلَيْهِم وَالْحجّة لمن قَرَأَهُ بِالْيَاءِ أَنه جعل الْفِعْل للأهل فرفعهم بِالْحَدِيثِ عَنْهُم
فَإِن قيل فَمَا وَجه قَول مُوسَى للخضر عَلَيْهِمَا السَّلَام هَل أتبعك على أَن تعلمن فَقل عَن ذَلِك أجوبة أَحدهَا أَن يكون مُوسَى أعلم من الْخضر بِمَا يُؤَدِّي عَن الله تَعَالَى إِلَى خلقه مِمَّا هُوَ حجَّة لَهُم وَعَلَيْهِم بَينهم وَبَين خالقهم إِلَّا فِي هَذِه الْحَال
وَالثَّانِي أَنه استعلم من الْخضر علما لم يكن عِنْده علم مِنْهُ وَإِن كَانَ عِنْده عُلُوم سوى ذَلِك
وَالثَّالِث أَنه قد يُمكن أَن يكون الله تَعَالَى أعْطى نَبيا من الْعلم أَكثر مِمَّا أعْطى غَيره هَذَا جَوَاب من جعل الْخضر نَبيا
قَوْله تَعَالَى أقتلت نفسا زاكية يقْرَأ زاكية بِالْألف وزكية بِغَيْر ألف فالحجة لمن قرأزاكية أَنه اراد أَنَّهَا لم تذنب قطّ وَالْحجّة لمن قَرَأَهَا زكية أَنه أَرَادَ أَنَّهَا أذنبت ثمَّ تابت وَقيل هما لُغَتَانِ بِمَعْنى كَقَوْلِه قاسية وقسية(1/227)
سُورَة الْكَهْف
قَوْله تَعَالَى لقد جِئْت شَيْئا نكرا يقرأوما كَانَ مثله فِي كتاب الله تَعَالَى بِضَم النُّون وَالْكَاف وبضم النُّون وَإِسْكَان الْكَاف
فَمن قَرَأَهُ بِالضَّمِّ أَتَى بِهِ على الأَصْل وَالْحجّة لمن أسكن أَنه خفف الْكَلِمَة استثقالا بِضَمَّتَيْنِ متواليتين وَأولى مَا اسْتعْمل الإسكان مَعَ النصب وَالضَّم مَعَ الرّفْع والخفض كَقَوْلِه إِلَى شَيْء نكر أَكثر وَأشهر وَكَقَوْلِه وعذبناها عذَابا نكرا الإسكان هَا هُنَا أَكثر لموافقة رُءُوس الْآي
قَوْله تَعَالَى من لدني يقرأبضم الدَّال وَتَشْديد النُّون وَبِضَمِّهَا وَتَخْفِيف النُّون فالحجة لمن شدد أَن الأَصْل عِنْده لدن بِسُكُون النُّون وَمن شان يَاء الْإِضَافَة أَن يكسر مَا قبلهَا فزادوا على النُّون نونا ليسلم لَهُم السّكُون فَالتقى نونان فأدغمت إِحْدَاهمَا فِي الْأُخْرَى ثمَّ جَاءُوا بياء الْإِضَافَة وَالْحجّة لمن خفف أَنه حذف إِحْدَى النونين تَخْفِيفًا كَمَا قَرَأَ أتحاجوني فِي الله وتأمروني أعبد بنُون وَاحِدَة وَأنْشد شَاهدا لذَلِك ... أَيهَا السَّائِل عَنهُ وعني ... لست من قيس وَلَا قيس مني ...
وَجرى عَاصِم على أَصله فِي إسكان الدَّال وَالْإِشَارَة إِلَى الضَّم وَتَخْفِيف النُّون وَقد ذكرت حجَّته فِي ذَلِك فَإِذا أفردت لدن فَفِيهَا ثَلَاث لُغَات لدن ولدن ولدن
قَوْله تَعَالَى لتخذت عَلَيْهِ أجرا يقرأبفتح التَّاء وَكسر الْخَاء وَإِظْهَار الذَّال وإدغامها وبألف الْوَصْل وَتَشْديد التَّاء بعْدهَا وإدغام الذَّال فِي التَّاء فالحجة لمن قَرَأَهُ بِفَتْح التَّاء وَكسر الْخَاء والإظهار أَنه أَخذه من تخذ يتَّخذ كَمَا تَقول شرب يشرب فَأتى(1/228)
سُورَة الْكَهْف بالْكلَام على أَصله مُبينًا غير مدغم وَالْحجّة لمن قَرَأَ بذلك وأدغم مقاربة الذَّال للتاء وَقد ذكر فِي الْبَقَرَة وَالْحجّة لمن قرأبألف الْوَصْل أَن وَزنه افتعلت من الْأَخْذ وَأَصله ايتخذت لِأَن همزَة الْوَصْل تصير يَاء لانكسار مَا قبلهَا ثمَّ تقلب تَاء وتدغم فِي تَاء افتعلت فتصيران تَاء شَدِيدَة
قَوْله تَعَالَى فأردنا أَن يبدلهما يقْرَأ بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيف فالحجة لمن شدد أَنه اخذه من قَوْلك بدل وَدَلِيله قَوْله وَإِذا بدلنا آيَة وَالْحجّة لمن خفف أَنه أَخذه من أبدل وَدَلِيله قَول الْعَرَب أبدلت الشَّيْء من الشَّيْء إِذا أزلت الأول وَجعلت الثَّانِي مَكَانَهُ وَمِنْه قَول أبي النَّجْم ... عذل الْأَمِير للأمير الْمُبدل ...
فَكَذَلِك الْوَلَد الَّذِي أَرَادَ الله تَعَالَى إِبْدَال أَبَوَيْهِ بِهِ غير الأول فَهَذَا مَذْهَب الْعَرَب ولفظها إِذا قَالُوا بدلت الشَّيْء من الشَّيْء فَمَعْنَاه غيرت حَاله وعينه وَالْأَصْل بَاقٍ كَقَوْلِك بدلت قَمِيصِي جُبَّة وخاتمي حَلقَة وَدَلِيل ذَلِك قَوْله تَعَالَى بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيرهَا فالجلد الثَّانِي هُوَ الأول وَلَو كَانَ غَيره لم يجب عَذَابه لِأَنَّهُ لم يُبَاشر مَعْصِيّة وَهَذَا أوضح
فَأَما إِذا قَالُوا أبدلت غلامي جَارِيَة وقرسي نَاقَة لم يقولوه إِلَّا بِالْألف فاعرف فرق مَا بَين اللَّفْظَيْنِ فَإِنَّهُ لطيف
فَأَما قَوْله تَعَالَى وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا فالتشديد لتكرير الْفِعْل من الْأَمْن بعد الْخَوْف مرّة بعد مرّة وَأمنا بعد أَمن
قَوْله تَعَالَى وَأقرب رحما يقْرَأ بِضَم الْحَاء وإسكانها وهما لُغَتَانِ كالعمر(1/229)
سُورَة الْكَهْف والعمر وَمَعْنَاهُ رَحْمَة وَعطف وقربى
قَوْله تَعَالَى فَاتبع ثمَّ أتبع سَببا يقرآن بِأَلف الْوَصْل وَتَشْديد التَّاء وبألف الْقطع وَإِسْكَان التَّاء فالحجة لمن قَرَأَهَا بِأَلف الْوَصْل أَن وَزنه افتعل وَأَصله اتتبع فأدغمت التَّاء فِي التَّاء وَالْحجّة لمن قَرَأَهَا بِأَلف الْقطع أَنه جعله من أفعل يفعل أتبع يتبع وَقَالَ بعض اللغويين معنى اتبعهُ بِأَلف الْوَصْل سرت فِي أَثَره وَمعنى أتبعته بِأَلف الْقطع لحقته وَدَلِيل ذَلِك قَوْله تَعَالَى فَأتبعهُ شهَاب ثاقب أَي لحقه وَالسَّبَب هَا هُنَا الطَّرِيق وَفِي غير هَذَا الْحَبل والقرابة
قَوْله تَعَالَى فِي عين حمئة يقْرَأ بِغَيْر ألف وبالهمزة وبالألف من غير همز فالحجة لمن قَرَأَهَا بِغَيْر ألف وبالهمز أَنه اراد فِي عين سَوْدَاء وَهِي الحمأة الَّتِي تخرج من الْبِئْر وَقيل مَعْنَاهُ فِي مَاء وطين وَالْحجّة لمن قَرَأَهَا بِالْألف من غير همز أَنه أَرَادَ فِي عين حارة من قَوْله تَعَالَى وَمَا أَدْرَاك ماهيه نَار حامية
قَوْله تَعَالَى فَلهُ جَزَاء الْحسنى يقْرَأ بِالرَّفْع وَالْإِضَافَة وَبِالنَّصبِ والتنوين فالحجة لمن رفع وأضاف أَنه رفع الْجَزَاء بِالِابْتِدَاءِ واضافه إِلَى الْحسنى فتم بِالْإِضَافَة اسْما وَقَوله لَهُ الْخَبَر يُرِيد بِهِ فجزاء الْحسنى لَهُ وَدَلِيله قَوْله لَهُم الْبُشْرَى وَالْحُسْنَى هَا هُنَا بِمَعْنى الْإِحْسَان والحسنات وَالْحجّة لمن قَرَأَهُ بِالنّصب أَنه أَرَادَ بِهِ وضع الْمصدر فِي مَوضِع الْحَال كَأَنَّهُ قَالَ فَلهُ الْجنَّة مجزيا بهَا جَزَاء وَله وَجه آخر أَنه ينصبه على التَّمْيِيز وَفِيه ضعف لِأَن التَّمْيِيز يقبح تَقْدِيمه سِيمَا إِذا لم يَأْتِ مَعَه فعل متصرف وَقد أجَازه بعض النَّحْوِيين على ضعفه وَاحْتج لَهُ بقول الشَّاعِر ... أتهجر ليلى للفراق حبيبها ... وَمَا كَانَ نفسا بالفراق تطيب(1/230)
سُورَة الْكَهْف
قَوْله تَعَالَى بَين السدين يقْرَأ بِضَم السِّين وَفتحهَا فالحجة لمن ضم أَنه جعله من السد فِي الْمعِين وَالْحجّة لمن فتح أَنه جعله من الحاجز بَيْنك وَبَين الشَّيْء وَقَالَ بَعضهم مَا كَانَ من صنع الله فَهُوَ الضَّم وَمَا كَانَ من صنع الْآدَمِيّين فَهُوَ بِالْفَتْح وَالَّذِي فِي يس مثله
قَوْله تَعَالَى لَا يكادون يفقهُونَ قولا يقْرَأ بِضَم الْيَاء وَكسر الْقَاف وبفتحهما فالحجة لمن ضم الْيَاء أَنه أَخذه من أفقه يفقه يُرِيد بِهِ لَا يكادون ينسون قولا لغَيرهم وَلَا يفهمونه وَهَا هُنَا مفعول مَحْذُوف وَالْحجّة لمن فتح أَنه أَرَادَ لَا يفهمون مَا يخاطبون بِهِ وَأَخذه من قَوْله فقه يفقه إِذا علم مَا يَقُول وَمِنْه أَخذ الْفِقْه فِي الدّين قَوْله تَعَالَى إِن يَأْجُوج وَمَأْجُوج يقرآن بِالْهَمْز وَتَركه فالحجة همز أَنه أَخذه من أجيج النَّار أَو من قَوْلهم ملح أجاج فَيكون وَزنه يفعول ومفعول من أحد هذَيْن فِيمَن جعله عَرَبيا مشتقا وَمنعه الصّرْف للتعريف والتأنيث لِأَنَّهُ اسْم للقبيلة
فَأَما من جعله أعجميا فَلَيْسَ لَهُ اشتقاق وَالْحجّة لمن لم يهمز أَنه جعله عجميا وقاسه على مَا جَاءَ من الْأَسْمَاء الأعجمية على هَذَا الْوَزْن نَحْو طالوت وجالوت وهاروت وماروت
قَوْله تَعَالَى هَل نجْعَل لَك خرجا يقْرَأ بِإِثْبَات الْألف وطرحها هَا هُنَا وَفِي الْمُؤمنِينَ فالحجة لمن أثبتها أَنه أَرَادَ بذلك مَا يَأْخُذهُ السُّلْطَان كل سنة من الإتاوة والضريبة وَالْحجّة لمن طرحها أَنه أَرَادَ بذلك الْجعل فَأَما قَوْله(1/231)
سُورَة الْكَهْف فخراج رَبك فبالألف إِجْمَاع لِأَنَّهُ مَكْتُوب فِي السوَاد بِالْألف
قَوْله تَعَالَى مَا مكني يقْرَأ بنُون شَدِيدَة وبنونين ظاهرتين فالحجة لمن أدغم أَنه أَرَادَ التَّخْفِيف والإيجاز وَجعل مَا بِمَعْنى الَّذِي وَخير خَبَرهَا وَالْحجّة لمن أظهر أَنه أَتَى بِهِ على الأَصْل لِأَن النُّون الأولى لَام الْفِعْل وَالثَّانيَِة زَائِدَة لتسلم بنية الْفِعْل على الْفَتْح وَالْيَاء اسْم الْمَفْعُول بِهِ
قَوْله تَعَالَى بَين الصدفين يقْرَأ بِضَم الصَّاد وَالدَّال وفتحهما وبفتح الصَّاد وَإِسْكَان الدَّال فالحجة لمن قَرَأَهُ بِالضَّمِّ أَنه أَتَى بِاللَّفْظِ على الأَصْل وَاتبع الضَّم الضَّم وَالْحجّة لمن فتحهما خفَّة الْفَتْح وَالْوَاحد عِنْده صدف وَدَلِيله أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وسلم مر بصدف مائل فأسرع الرِّوَايَة بِالْفَتْح وَالْحجّة لمن أسكن الدَّال أَنه جعله اسْما للجبل بِذَاتِهِ غير مثنى وانشد الراجز ... قد أخذت مَا بَين أَرض الصدفين ... ناصيتيها وأعالى الرُّكْنَيْنِ ...
قَوْله تَعَالَى آتوني زبر الْحَدِيد يقْرَأ بِالْمدِّ وَالْقصر فالحجة لمن مد أَنه جعله من الْإِعْطَاء وَالْحجّة لمن قصر أَنه جعله من الْمَجِيء وَالْوَجْه أَن يكون هَا هُنَا من الْإِعْطَاء لِأَنَّهُ لَو أَرَادَ الْمَجِيء لأتى مَعَه بِالْبَاء كَمَا قَالَ تَعَالَى وأتوني بأهلكم أَجْمَعِينَ
قَوْله تَعَالَى فَمَا اسطاعوا يقرأبالتخفيف إِلَّا مَا رُوِيَ عَن حَمْزَة من تَشْدِيد الطَّاء وَقد عيب بذلك لجمعه بَين الساكنين لَيْسَ فيهمَا حرف مد ولين وَلَيْسَ فِي(1/232)
سُورَة الْكَهْف ذَلِك عَلَيْهِ عيب لِأَن الْقُرَّاء قد قرأوا بِالتَّشْدِيدِ قَوْله لَا تعدوا فِي السبت أَمن لَا يهدي وَنِعما يعظكم بِهِ
فَإِن قيل فَإِن الأَصْل فِي الْحَرْف الأول الَّذِي ذكرته الْحَرَكَة وَإِنَّمَا السّكُون عَارض فَقل إِن الْعَرَب تشبه السَّاكِن بالساكن لاتِّفَاقهمَا فِي اللَّفْظ وَالدَّلِيل على ذَلِك أَن الْأَمر للمواجهة مَبْنِيّ على الْوَقْف وَالنَّهْي مجزوم بِلَا وَاللَّفْظ بهما سيان فالسين فِي اسْتَطَاعُوا سَاكِنة كَلَام التَّعْرِيف وَمن الْعَرَب الفصحاء من يحركها فَيَقُول اللبكة والاحمر فجاوز تَشْبِيه السِّين بِهَذِهِ اللَّام وايضا فَإِنَّهُم يتوهمون الْحَرَكَة فِي السَّاكِن والسكون فِي المتحرك كَقَوْل عبد الْقَيْس اسل فَيدْخلُونَ ألف الْوَصْل على متحرك توهما لسكونه
وَالِاخْتِيَار مَا عَلَيْهِ الْإِجْمَاع لِأَنَّهُ يُرَاد بِهِ اسْتَطَاعُوا فتحذف التَّاء كَرَاهِيَة لِاجْتِمَاع حرفين متقاربي الْمخْرج فيلزمهم فِيهِ الْإِدْغَام
قَوْله تَعَالَى دكاء مَذْكُور الْعِلَل فِي سُورَة الْأَعْرَاف
قَوْله تَعَالَى قبل أَن ينْفد يقْرَأ بِالْيَاءِ وَالتَّاء وَقد ذكرت حجَّته آنِفا فِي غير مَوضِع(1/233)
سُورَة مَرْيَم
وَمن سُورَة مَرْيَم
قَوْله تَعَالَى كهيعص يقرأبفتح جَمِيع حُرُوفه وبإمالتها وَبَين الإمالة وَالْفَتْح وبإمالة الْيَاء وَفتح الْهَاء وبكسر الْهَاء وَفتح الْيَاء فالحجة لمن فتحهن أَنه أَتَى بالْكلَام على أَصله ووفاه حق مَا وَجب لَهُ لِأَن الْحُرُوف إِذا قطعت كَانَت أولى بِالْفَتْح فرقا بَينهَا وَبَين مَا يمال من الْأَسْمَاء والحروف وَالْأَفْعَال وَالْحجّة لمن أمالهن أَنه فرق بَين هَاء التَّنْبِيه وهاء الهجاء وَبَين مَا إِذا كَانَت نِدَاء وَإِذا كَانَت هجاء وَالْحجّة لمن قرأهن بَين بَين أَنه عدل بَين اللَّفْظَيْنِ وَأخذ بأقرب اللغتين وَالْحجّة لمن أمال بَعْضًا وفخم بَعْضًا أَنه كره توالي الكسرات أَو الفتحات فأمال بَعْضًا وفخم بَعْضًا وَقد قُلْنَا فِيمَا تقدم إِن الْعَرَب تذكر حُرُوف الهجاء وتؤنثها وتميلها وتفخمها وتمدها وتقصرها وَلها مَرَاتِب فَمَا كَانَ مِنْهَا على حرفين مد مدا وسطا وَمَا كَانَ على ثَلَاثَة أحرف مد فَوق ذَلِك
وَقيل فِي معناهن إِن الله تَعَالَى أقسم بحروف المعجم لِأَنَّهَا أصل لتأليف أَسْمَائِهِ فاجتزا بِمَا فِي أَوَائِل السُّور مِنْهَا وَقيل هِيَ شعار للسورة وَقيل هِيَ سر الله تَعَالَى عِنْد نبيه وَقيل كل حرف مها نَائِب عَن اسْم من أَسمَاء الله عز وجلّ فالكاف من كَاف وَالْهَاء من هاد وَالْعين من عليم وَالصَّاد من صَادِق
قَوْله تَعَالَى صَاد ذكر يقرأباظهار على الأَصْل وبالإدغام للمقاربة بَين الحرفين
قَوْله تَعَالَى ذكر رَحْمَة رَبك يقرأبالإدغام وَطرح الْحَرَكَة من الرَّاء لمجانسة الحرفين وَطلب التَّخْفِيف وبالإظهار لِأَن الحرفين من كَلِمَتَيْنِ وَالْحَرَكَة تمنع من الْإِدْغَام وَإِنَّمَا يجوز الْإِدْغَام مَعَ السّكُون لَا مَعَ الْحَرَكَة
قَوْله تَعَالَى من ورائي يقرأبإسكان الْيَاء لطول الِاسْم وَثقله بِالْهَمْز إِلَّا مَا رُوِيَ عَن ابْن كثير أَنه فتح الْيَاء مَعَ الْمَدّ لِئَلَّا يجمع بَين يَاء إِضَافَة سَاكِنة وهمزة مَكْسُورَة فَفَتحهَا طلبا للتَّخْفِيف
قَوْله تَعَالَى وليا يَرِثنِي يقرأبالجزم وَالرَّفْع فالحجة لمن جزم أَنه جعله(1/234)
سُورَة مَرْيَم جَوَابا لِلْأَمْرِ لِأَن معنى الشَّرْط مَوْجُود فِيهِ يُرِيد فَإِن تهب لي وليا يَرِثنِي وَالْحجّة لمن رفع أَنه جعل قَوْله يَرِثنِي صلَة لوَلِيّ لِأَنَّهُ نكرَة عَاد الْجَواب عَلَيْهَا بِالذكر وَدَلِيله قَوْله تَعَالَى أنزل علينا مائدة من السَّمَاء تكون وَلَو قيل إِنَّه إِنَّمَا جَازَ الرّفْع فِي قَوْله يَرِثنِي وَمَا أشبهه لِأَنَّهُ حَال حل مَحل اسْم الْفَاعِل لَكَانَ وَجها بَينا وَدَلِيله قَوْله تَعَالَى ثمَّ ذرهم فِي خوضهم يَلْعَبُونَ يُرِيد لاعبين وَفِيه بعض الضعْف لِأَن الأول حَال من ولي وَهُوَ نكرَة وَهَذَا حَال من الْهَاء وَالْمِيم وهما معرفَة
قَوْله تَعَالَى وَيَرِث من آل يَعْقُوب يقْرَأ بِالرَّفْع والجزم عطفا على مَا تقدم من الْوَجْهَيْنِ فِي أول الْكَلَام
قَوْله تَعَالَى وَقد بلغت من الْكبر عتيا يقْرَأ بِالْكَسْرِ وَالضَّم وَمَا شاكله من قَوْله صليا وجثيا وبكيا فالحجة لمن قرأبالكسر أَنه نحا ذَلِك لمجاورة الْيَاء وجذبها مَا قبلهَا إِلَى الْكسر ليَكُون اللَّفْظ بِهِ من وَجه وَاحِد لِأَنَّهُ يثقل عَلَيْهِم الْخُرُوج من ضم إِلَى كسر وَالْحجّة لمن ضم أَن الأَصْل عِنْده فِي هَذِه الْأَسْمَاء الضَّم لِأَنَّهَا فِي الأَصْل على وزن فعول فَانْقَلَبت الْوَاو فِيهِنَّ يَاء لسكونها وَكَون الْيَاء بعْدهَا فصارتا يَاء مُشَدّدَة
فَإِن قيل فَهَلا كَانَت هَذِه الْأَسْمَاء بِالْوَاو كَمَا كَانَ قَوْله وعتوا عتوا كَبِيرا بِالْوَاو فَقل الأَصْل فِي الْوَاحِد من هَذَا الْجمع عاتو وجاثو لِأَنَّهُ من يعتو ويجثو فَانْقَلَبت فِيهِ الْوَاو يَاء لانكسار مَا قبلهَا كَمَا قَالُوا غاز وَالْأَصْل غازو لِأَنَّهُ من يَغْزُو فجَاء الْجمع فِي ذَلِك تاليا للْوَاحِد فِي بنائِهِ لِأَن الْجمع أثقل من الْوَاحِد(1/235)
سُورَة مَرْيَم وَالْوَاو أثقل من الْيَاء فَإِذا كَانَ الْقلب فِي الْوَاحِد وَاجِبا كَانَ فِي الْجمع لَازِما
فَأَما قَوْله عتوا فَإِنَّمَا صَحَّ بِالْوَاو لِأَنَّهُ مصدر والمصدر يجْرِي مجْرى الِاسْم الْوَاحِد حكما وَإِن شَارك الْجمع لفظا فَصحت الْوَاو فِيهِ لخفته واعتلت فِي الْجمع لثقله واعتلالها فِي واحده
فَإِن قيل فَيلْزم على هَذَا أَن يُجِيز فِي قَوْله فَمَا اسْتَطَاعُوا مضيا كسر الْمِيم فَقل هَذَا لَا يلْزم لِأَنَّهُ مصدر وَالْفِعْل مِنْهُ مضى يمْضِي مضاء ومضيا وَقد بَينا وَجه صِحَة لفظ الْمصدر وَإِنَّمَا كَانَ يلْزم ذَلِك لَو أَنه جمع لماض فَأَما وَهُوَ مصدر فَلَا
قَوْله تَعَالَى وَقد خلقتك يقرا بِالتَّاءِ وبالنون وَالْألف فالحجة لمن قَرَأَهُ بِالتَّاءِ أَنه رده على قَوْله هُوَ على هَين وَقد خلقتك وَالْحجّة لمن قَرَأَهُ بالنُّون والالف أَنه حمله على قَوْله وَحَنَانًا من لدنا وَقد خلقناك وَكِلَاهُمَا من إِخْبَار الله تَعَالَى عَن نَفسه
فَإِن قيل فَمَا معنى قَوْله وَلم تَكُ شَيْئا فَقل مَعْنَاهُ وَلم تَكُ شَيْئا مرئيا مخلوقا مَوْجُودا عِنْد المخلوقين فَأَما فِي علم الله فقد كَانَ شَيْئا وَإِنَّمَا سمي يحيى لِأَنَّهُ حييّ من عقمين قد نيفا على التسعين ويئسا من الْوَلَد
وَقَوله لم نجْعَل لَهُ من قبل سميا قيل لم يسم باسمه غَيره وَقيل لم يُولد لِأَبَوَيْهِ ولد قبله وَقَوله هَل تعلم لَهُ سميا يحْتَمل الْوَجْهَيْنِ
قَوْله تَعَالَى ليهب لَك يقرأبالياء والهمزة فالحجة لمن قَرَأَهُ بِالْيَاءِ أَنه جعله من إِخْبَار جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام عَن الله عز وجلّ وَمَعْنَاهُ ليهب لَك رَبك وَالْحجّة لمن قَرَأَهُ بِالْهَمْز أَنه أَرَادَ بذلك حِكَايَة جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام عَن الله تَعَالَى إِنِّي أَنا رَسُول رَبك وَهُوَ يَقُول لأهب لَك فَأَرَادَ أَن جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام أخبر بذلك عَن نَفسه(1/236)
سُورَة مَرْيَم لِأَنَّهُ هُوَ كَانَ الْمُخَاطب لَهَا والنافخ بِأَمْر الله فِي حيها
قَوْله تَعَالَى وَكنت نسيا يقْرَأ بِفَتْح النُّون وَكسرهَا فالحجة لمن فتح أَنه أَرَادَ الْمصدر من قَوْلك نسيت وَالْحجّة لمن كسر أَنه أَرَادَ كنت شَيْئا ألقِي فنسي وَالْعرب تَقول هَذَا الشَّيْء لقى وَنسي وَمِنْه قَول الشَّاعِر يصف امْرَأَة بِالْحَيَاءِ والخفر وغض الطّرف ... كَأَن لَهَا فِي الأَرْض نسيا تقصه ... إِذا مَا غَدَتْ وَإِن تحدثك تبلت ...
يُرِيد كَأَنَّهَا تطلب شَيْئا ألقته لتعرف خَبره وَمعنى تبلت تقص وَتصدق
قَوْله تَعَالَى فناداها من تحتهَا يقْرَأ بِفَتْح الْمِيم وَالتَّاء وبكسرهما فالحجة لمن فتح أَنه جعله اسْم عِيسَى وَفتح التَّاء لِأَنَّهُ ظرف مَكَاني مُتَضَمّن لجثة من وَمن مُسْتَقر فِيهِ والأستقرار كَون لَهُ والكون مُشْتَمل على الْفِعْل فانتصب الظّرْف لِأَنَّهُ مفعول فِيهِ بِمَا قدمْنَاهُ من القَوْل فِي مَعْنَاهُ وَالْحجّة لمن كسر الْمِيم وَالتَّاء أَنه جعلهَا حرفا خَافِضًا للظرف لِأَنَّهُ اسْم للموضوع والظرف فِي الْحَقِيقَة الْوِعَاء فَلذَلِك جعل الْمَكَان ظرفا لِأَن الْفِعْل يَقع فِيهِ فيحويه وَالْمرَاد بالنداء جِبْرِيل فَأَما مواقع من فِي الْكَلَام فَتَقَع ابْتِدَاء غَايَة وَتَقَع تبعيضا وَتَقَع زَائِدَة مُؤَكدَة
قَوْله تَعَالَى تساقط يقْرَأ بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيف فالحجة لمن شدد أَنه أَرَادَ تتساقط فأسكن التَّاء الثَّانِيَة وادغمها فِي السِّين فَشدد لذَلِك وَالْحجّة لمن خفف أَنه(1/237)
سُورَة مَرْيَم حذف التَّاء تَخْفِيفًا لِأَنَّهُ يثقل عَلَيْهِم اجْتِمَاع حرفين متجانسين متحركين فَمنهمْ من يُخَفف بِالْإِدْغَامِ وَمِنْهُم من يُخَفف بالحذف
قَوْله تَعَالَى وأوصاني يقْرَأ بالتفخيم والإمالة وَقد ذكر فِي أَمْثَاله من الِاحْتِجَاج مَا يُغني عَن إِعَادَته هَا هُنَا
قَوْله تَعَالَى قَول الْحق يقْرَأ بِالرَّفْع وَالنّصب فالحجة لمن نصب أَنه وَجهه إِلَى نصب الْمصدر كَمَا يَقُول هَذَا قولا حَقًا وَقَول الْحق وَالْحجّة لمن رفع أَنه جعله بَدَلا من عِيسَى أَو أضمر لَهُ ذَلِك ثَانِيَة فعيسى كلمة الله لانه بكلمته كَانَ وَقَوله لِأَنَّهُ بقوله كن تكون وروحه لِأَنَّهُ كَانَ رَحْمَة على من بعث إِلَيْهِ إِذْ آمنُوا بِهِ فنجوا
قَوْله تَعَالَى وَأَن الله رَبِّي وربكم يقرأبفتح الْهمزَة وَكسرهَا فالحجة لمن فتحهَا أَنه رد الْكَلَام بِالْوَاو على قَوْله وأوصاني بِالصَّلَاةِ وَبِأَن الله رَبِّي وَالْحجّة لمن كسرهَا أَنه اسْتَأْنف الْكَلَام بِالْوَاو وَدَلِيله أَنَّهَا فِي قِرَاءَة أبي وَإِن الله بِغَيْر وَاو
قَوْله تَعَالَى أَولا يذكر الْإِنْسَان يقْرَأ بتَشْديد الْكَاف وَفتح الذَّال وبضم الْكَاف وَإِسْكَان الذَّال وَقد تقدم من القَوْل فِي نَظَائِره مَا يُغني عَن إِعَادَته
قَوْله تَعَالَى إِنَّه كَانَ مخلصا يقْرَأ بِفَتْح اللَّام وَكسرهَا وَالْحجّة فِيهِ كالحجة فِي المخلصين وَقد ذكرت آنِفا
قَوْله تَعَالَى هَل تعلم يقْرَأ بِالْإِدْغَامِ للمقاربة وبالإظهار على الأَصْل وانفصال الحرفين(1/238)
سُورَة مَرْيَم
قَوْله تَعَالَى ثمَّ ننجي يقْرَأ بِالتَّشْدِيدِ من نجى وبالتخفيف من أنجى
قَوْله تَعَالَى خير مقَاما يقْرَأ بِفَتْح الْمِيم وَضمّهَا فالحجة لمن ضم أَنه جعله من الْإِقَامَة وَلمن فتح أَنه جعله اسْما للمكان
قَوْله تَعَالَى أثاثا ورئيا يقرا بِالْهَمْز وَتَخْفِيف الْيَاء وبترك الْهَمْز وَتَشْديد الْيَاء فالحجة لمن همز أَنه أَخذه من رُؤْيَة المنظر وَالْحسن وَالْحجّة لمن شدد انه أَخذه من الرّيّ وَهُوَ امتلاء الشَّبَاب وتحير مَائه فِي الْوَجْه أَو يكون أَرَادَ الْهَمْز فَتَركه وَعوض التَّشْدِيد مِنْهُ
قَوْله تَعَالَى مَالا وَولدا يقْرَأ بِفَتْح الْوَاو وَاللَّام وبضم الْوَاو وَإِسْكَان اللَّام هَا هُنَا فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع وَفِي الزخرف وَفِي نوح فالحجة لمن فتح أَنه أَرَادَ الْوَاحِد من الْأَوْلَاد وَالْحجّة لمن ضم أَنه أَرَادَ جمع ولد وَقيل هما لُغَتَانِ فِي الْوَاحِد كَقَوْلِهِم عدم وَعدم وسقم وسقم
قَوْله تَعَالَى تكَاد السَّمَوَات يتفطرن يقرأتكاد بِالتَّاءِ وَقد تقدم ذكره فَأَما ينفطرن فَيقْرَأ بالنُّون وَالتَّخْفِيف وبالتاء وَالتَّشْدِيد هَا هُنَا وَفِي عسق فالحجة لمن قَرَأَهُ بِالتَّخْفِيفِ أَنه مَأْخُوذ من قَوْله إِذا السَّمَاء انفطرت وَدَلِيله قَوْله السَّمَاء منفطر بِهِ وَالْحجّة لمن قَرَأَهُ بِالتَّشْدِيدِ أَنه اخذه من تفطرت السَّمَاء تتفطر وهما لُغَتَانِ فصيحتان مَعْنَاهُمَا التشقق وَمِنْه قَوْلهم تفطر الشّجر إِذا تشقق ليورق وَمِنْه قَوْله تَعَالَى هَل ترى من فطور(1/239)
سُورَة طه
وَمن سُورَة طه
قَوْله تَعَالَى طه يقرأبفتح الحرفين وكسرهما وَبَين ذَلِك وَهُوَ إِلَى الْفَتْح اقْربْ وبفتح الطَّاء وَكسر الْهَاء وَقد تقدم فِي كهيعص من الِاحْتِجَاج مَا فِيهِ بَلَاغ
قَوْله تَعَالَى إِنِّي أَنا رَبك يقْرَأ بِفَتْح الْهمزَة وَكسرهَا فالحجة لمن فتحهَا أَنه أوقع عَلَيْهَا نُودي فموضعها على هَذِه الْقِرَاءَة نصب وَالْحجّة لمن كسر أَنه استأنفها مبتدئا فَكَسرهَا وَلَيْسَ لَهَا على هَذِه الْقِرَاءَة مَوضِع من الْإِعْرَاب لِأَنَّهَا حرف ناصب
قَوْله تَعَالَى لأَهله امكثوا يقرأبضم الْهَاء وَكسرهَا وَقد ذكرت علته فِي الْبَقَرَة
قَوْله تَعَالَى طوى يقْرَأ بِإِسْكَان الْيَاء من غير صرف وبالتنوين وَالصرْف فالحجة لمن أسكن وَلم يصرف أَنه جعله اسْم بقْعَة فَاجْتمع فِيهِ التَّعْرِيف والتأنيث وهما فرعان لِأَن التنكير أصل والتعريف فرع عَلَيْهِ والتذكير أصل والتأنيث فرع عَلَيْهِ فَلَمَّا اجْتمع فِيهِ عِلَّتَانِ شبه بِالْفِعْلِ فَمنع مَا لَا يكون إعرابا فِي الْفِعْل
وَقَالَ بعض النَّحْوِيين هُوَ معدول عَن طاو كَمَا عدل عمر عَن عَامر فَإِن صَحَّ ذَلِك فَلَيْسَ فِي ذَوَات الْوَاو اسْم عدل عَن لَفظه سواهُ وَالِاخْتِيَار ترك صرفه ليُوَافق الْآي الَّتِي قبله وَالْحجّة لمن أجراه ونونه أَنه اسْم وَاد مذكرا فَصَرفهُ لِأَنَّهُ لم تَجْتَمِع فِيهِ عِلَّتَانِ تمنعانه الصّرْف
قَوْله تَعَالَى وَأَنا اخْتَرْتُك يقرأبتخفيف أَنا وَفتح الْهمزَة وبالتاء فِي اخْتَرْتُك وبكسر الْهمزَة وَفتحهَا وَتَشْديد النُّون وبنون مَكَان التَّاء والف بعْدهَا فِي اخْتَرْتُك فالحجة لمن فتح الْهمزَة وخفف وأتى بِالتَّاءِ أَنه جعل أَنا اسْما لله تَعَالَى مقدما على الْفِعْل(1/240)
سُورَة طه مَرْفُوعا بالإبتداء واخترت الْخَبَر وَالتَّاء اسْم للْفَاعِل وَالْكَاف اسْم الْمَفْعُول بِهِ وَالْحجّة لمن كسر الْهمزَة وشدد النُّون أَنه جعلهَا حرفا ناصبا مُبْتَدأ وشدد النُّون لِأَنَّهَا فِي الأَصْل نونان أدغمت إِحْدَاهمَا فِي الْأُخْرَى تَخْفِيفًا وَالْحجّة لمن فتحهَا أَنه رد الْكَلَام على قَوْله أَنِّي أَنا رَبك وَأَنا اخترناك كَمَا تخبر الْمُلُوك عَن أَنْفسهَا بنُون الملكوت
قَوْله تَعَالَى أخي أشدد بِهِ أزري وأشركه يقرآن بوصل الْألف الأولى وَقطع الثَّانِيَة وَفتحهَا وبقطع الأولى وَفتحهَا وبقطع الثَّانِيَة وَضمّهَا وَالْفِعْل فِي الْقِرَاءَتَيْن مجزوم لِأَنَّهُ جَوَاب الطّلب فالحجة لمن وصل الأولى وَفتح الثَّانِيَة أَنه أَتَى بالْكلَام على طَرِيق الدُّعَاء بِلَفْظ الْأَمر فوصل الأولى لِأَنَّهَا من فعل ثلاثي وَقطع الثَّانِيَة لِأَنَّهَا من فعل رباعي وَالْحجّة لمن قطعهمَا أَنه أخبر بذلك عَن نَفسه وَقِيَاس ألف الْمخبر عَن نَفسه قِيَاس النُّون وَالتَّاء وَالْيَاء الزَّوَائِد مَعَ الْألف فِي أول الْفِعْل الْمُضَارع فَمَتَى انضممن حكم على الْألف بِالضَّمِّ وَمَتى انفتحن حكم على الْألف بِالْفَتْح لِأَن الْألف إِحْدَاهُنَّ عِنْد الْأَمر بِالْفِعْلِ والطلب وَالدُّعَاء وَالْمَسْأَلَة
قَوْله تَعَالَى الأَرْض مهادا يقرأبإثبات الْألف وحذفها فالحجة لمن أثبت الْألف هَا هُنَا وَفِي الزخرف أَنه جعله اسْما للْأَرْض أَي جعلهَا لَهُم فراشا وَالْحجّة لمن حذف الْألف أَنه جعله مصدرا من قَوْلك مهدتها مهدا كَمَا تَقول فرشتها فرشا فَأَما الَّتِي فِي عَم يتساءلون فبالألف إِجْمَاع لموافقة رُؤُوس الْآي
قَوْله تَعَالَى مَكَانا سوى يقْرَأ بِضَم السِّين وَكسرهَا فالحجة لمن ضم أَنه أَرَادَ مَكَانا مُسَاوِيا بَيْننَا وَبَيْنك وَالْحجّة لمن كسر أَنه أَرَادَ مَكَانا مستويا أَي لَا مَانع فِيهِ من النّظر وَقيل هما لُغَتَانِ فصيحتان إِلَّا أَنه اسْم مَقْصُور لَا يبين فِيهِ إِعْرَاب لِأَنَّهُ قصر(1/241)
سُورَة طه عَنهُ أَو لِأَنَّهُ مَأْخُوذ من قَوْله مقصورات فِي الْخيام أَي محبوسات فَكَأَنَّهُ حبس عَن الْإِعْرَاب
قَوْله تَعَالَى فيسحتكم يقرأبفتح الْيَاء والحاء وبضم الْيَاء وَكسر الْحَاء وهما لُغَتَانِ فالفتح من سحت وَالضَّم من أسحت ومعناهما استأصل
قَوْله تَعَالَى إِن هَذَانِ لساحران أجمع الْقُرَّاء على تَشْدِيد نون إِن إِلَّا ابْن كثير وحفصا عَن عَاصِم فَإِنَّهُمَا خففاها وَأَجْمعُوا على لفظ الْألف فِي قَوْله هَذَانِ إِلَّا أَبَا عَمْرو فَإِنَّهُ قَرَأَهَا بِالْيَاءِ وَأَجْمعُوا على تَخْفيف النُّون فِي التَّثْنِيَة إِلَّا ابْن كثير فَإِنَّهُ شددها فالحجة لمن شدد النُّون فِي إِن واتى بِأَلف فِي هَذَانِ أَنه احْتج بِخَبَر الضَّحَّاك عَن ابْن عَبَّاس أَن الله تَعَالَى أنزل هَذَا الْقُرْآن بلغَة كل حَيّ من أَحيَاء الْعَرَب وَهَذِه اللَّفْظَة بلغَة بلحارث بن كَعْب خَاصَّة لأَنهم يجْعَلُونَ التَّثْنِيَة بِالْألف فِي كل وَجه لَا يقلبونها لنصب وَلَا خفض قَالَ شَاعِرهمْ ... إِن أَبَاهَا وَأَبا أَبَاهَا ... قد بلغا فِي الْمجد غايتاها ...
فَلَمَّا ثبتَتْ هَذِه اللَّفْظَة فِي السوَاد بِالْألف وَافَقت هَذِه اللُّغَة فقرؤوا بهَا وَلم يُغيرُوا(1/242)
سُورَة طه مَا ثَبت فِي الْمُصحف وَالْحجّة لمن خفف النُّون أَنه جعلهَا خَفِيفَة من الشَّدِيدَة فأزال عَملهَا ورد مَا كَانَ بعْدهَا مَنْصُوبًا إِلَى أَصله وَهُوَ الْمُبْتَدَأ وَخَبره فَلم يُغير اللَّفْظ وَلَا لحن فِي مُوَافقَة الْخط
فَإِن قيل إِن اللَّام لَا تدخل على خبر الْمُبْتَدَأ لَا يُقَال زيد لقائم فَقل من الْعَرَب من يفعل ذَلِك تَأْكِيدًا للْخَبَر وَأنْشد شَاهدا لذَلِك ... خالى لأَنْت وَمن جرير خَاله ... ينل الْعَلَاء وَيكرم الأخوالا ...
وَالْوَجْه الآخر أَن يكون إِن هَا هُنَا بِمَعْنى مَا وَاللَّام بِمَعْنى إِلَّا كَقَوْلِه تَعَالَى إِن كل نفس لما عَلَيْهَا حَافظ مَعْنَاهُ وَالله أعلم مَا كل نفس إِلَّا عَلَيْهَا حَافظ
وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس الْمبرد أولى الْأُمُور بإن الْمُشَدّدَة أَن تكون هَا هُنَا بِمَعْنى نعم كَمَا قَالَ ابْن الزبير للأعرابي لما قَالَ لَهُ لعن الله نَاقَة حَملتنِي إِلَيْك فَقَالَ لَهُ إِن وراكها أَرَادَ نعم وراكبها وَأنْشد ... بكر العواذل بالضحى ... يلحينني وألومهنه ... وَيَقُلْنَ شيب قد علا ... ك وَقد كَبرت فَقلت إِنَّه ...
أَرَادَ فَقلت نعم فوصلها بهاء السكت فَقيل لَهُ إِن اللَّام لَا تدخل على خَبَرهَا إِذا كَانَت بِمَعْنى نعم فَقَالَ إِنَّمَا دخلت اللَّام على اللَّفْظ لَا على الْمَعْنى وَالْحجّة لمن قَرَأَهَا بِالْيَاءِ مَا رُوِيَ عَن عَائِشَة وَيحيى بن يعمر أَنه لما رفع الْمُصحف إِلَى(1/243)
سُورَة طه عُثْمَان قَالَ أرى فِيهِ لحنا وستقيمه الْعَرَب بألسنها
فَإِن قيل فعثمان كَانَ أولى بتغيير اللّحن فَقل لَيْسَ اللّحن هَا هُنَا أخطاء الصَّوَاب وَإِنَّمَا هُوَ خُرُوج من لُغَة قُرَيْش إِلَى لُغَة غَيرهم وَالْحجّة لمن شدد النُّون فِي التَّثْنِيَة مَذْكُورَة فِي النِّسَاء
قَوْله تَعَالَى فاجمعوا كيدكم يقْرَأ بوصل الْألف وقطعها فالحجة لمن وصل أَنه جعله بِمَعْنى اعزموا وَالْحجّة لمن قطع أَنه أَرَادَ فَأَجْمعُوا الكيد وَالسحر وَدَلِيل الْوَصْل قَوْله تَعَالَى فَجمع كَيده وَلم يقل فأجمع
قَوْله تَعَالَى يخيل إِلَيْهِ يقْرَأ بِالتَّاءِ وَالْيَاء وَالْحجّة لمن قَرَأَ بِالتَّاءِ أَنه رده على الحبال والعصي لِأَنَّهُ جمع مَا لَا يعقل وَالْحجّة لمن قَرَأَهُ بِالْيَاءِ أَنه رده على السحر
قَوْله تَعَالَى تلقف يقْرَأ بِفَتْح اللَّام وَتَشْديد الْقَاف وَالرَّفْع والجزم وبإسكان اللَّام وَتَخْفِيف الْقَاف والجزم فالحجة لمن شدد وَرفع أَنه أَرَادَ تتلقف فأسقط إِحْدَى التَّاءَيْنِ تَخْفِيفًا وَجزم بِجَوَاب الْأَمر فقد روى عَن ابْن كثير بتَشْديد هَذِه التَّاء وَمَا شاكلها فِي نَيف وَثَلَاثِينَ موضعا وَالْحجّة لمن خفف وَجزم أَنه أَخذه من لقف يلقف وجزمه بِالْجَوَابِ أَيْضا وَالْحجّة لمن شدد وَرفع أَنه أضمر الْفَاء فَكَأَنَّهُ قَالَ الق مَا فِي يَمِينك فَإِنَّهَا بلقف أَو يَجعله حَالا من مَا كَمَا قَالَ وَلَا تمنن تستكثر
قَوْله تَعَالَى إِنَّمَا صَنَعُوا كيد سَاحر يقرأبإثبات الْألف وحذفها فالحجة لمن(1/244)
سُورَة طه أثبتها أَنه جعله اسْما لفاعل مشتقا من فعله وَالْحجّة لمن حذفهَا أَنه أَرَادَ اسْم الْفِعْل وَهُوَ الْمصدر
قَوْله تَعَالَى لَا تخَاف دركا أجمع الْقُرَّاء على الرّفْع إِلَّا حَمْزَة فَإِنَّهُ قَرَأَهُ بِالْجَزْمِ على طَرِيق النَّهْي فالحجة لمن رفع أَنه جعله خَبرا وَجعل لَا فِيهِ بِمَعْنى لَيْسَ
فَإِن قيل فَمَا حجَّة حَمْزَة فِي إِثْبَات الْيَاء فِي تخشى وحذفها علم الْجَزْم فَقل لَهُ فِي ذَلِك وَجْهَان أَحدهمَا أَنه اسْتَأْنف وَلَا تخشى وَلم يعطفه على أول الْكَلَام فَكَانَت لَا فِيهِ بِمَعْنى لَيْسَ كَمَا قَالَ تَعَالَى فَلَا تنسى وَالْوَجْه الآخر أَنه لما طرح الْيَاء أشْبع فَتْحة السِّين فَصَارَت ألفا ليُوَافق رُؤُوس الْآي الَّتِي قبلهَا بِالْألف
قَوْله تَعَالَى فأتبعهم فِرْعَوْن يقرأبقطع الْألف وَإِسْكَان التَّاء وبوصلها وَتَشْديد التَّاء فالحجة لمن قطع أَنه أَرَادَ فألحقهم وهما لُغَتَانِ لحق وَالْحق وَالْحجّة لمن وصل أَنه أَرَادَ سَار فِي أَثَرهم
قَوْله تَعَالَى قد أنجيناكم من عَدوكُمْ وواعدناكم يقرآن بِالتَّاءِ وبالألف وَالنُّون إِلَّا مَا قَرَأَهُ أَبُو عَمْرو من طرح الْألف فِي ووعدناكم فَمن قَرَأَهُ بِالتَّاءِ فالحجة لَهُ أَنه جعله من إِخْبَار الله تَعَالَى عَن نَفسه لِأَن التَّاء اسْم الْفَاعِل الْمُنْفَرد بِفِعْلِهِ وَالْحجّة لمن قَرَأَهُ بالنُّون وَالْألف أَنه جعله من إِخْبَار الله عز وجلّ عَن نَفسه بنُون الملكوت لِأَنَّهُ ملك الْأَمْلَاك وعَلى هَذِه اللُّغَة يتَوَجَّه قَوْله قَالَ رب ارْجِعُونِ لِأَنَّهُ خاطبه بِلَفْظ مَا أخبر بِهِ عَن نَفسه فَأَما قَوْله وعدناكم وأوعدناكم فَالْفرق بَينهمَا مَذْكُور فِي الْبَقَرَة
قَوْله تَعَالَى آمنتم لَهُ يقْرَأ بالاستفهام والإخبار وَقد ذكرت علله فِي الْأَعْرَاف
قَوْله تَعَالَى فَيحل عَلَيْكُم غَضَبي وَمن يحلل يقرآن بِالْكَسْرِ مَعًا وبالضم فالحجة لمن كسر أَنه أَرَادَ نزل وَوَقع وَالْحجّة لمن ضم أَنه أَرَادَ وَجب وَالْوَجْه الْكسر لإجماعهم على قَوْله تَعَالَى وَيحل عَلَيْهِ عَذَاب مُقيم(1/245)
سُورَة طه فَإِن قيل مَا وَجه الْإِدْغَام فِي قَوْله فَيحل والإظهار فِي قَوْله وَمن يحلل فَقل إِنَّمَا يكون الْإِدْغَام فِي متحركين فسكن الأول لاجتماعهما ثمَّ يدغم فَإِن كَانَ الأول متحركا وَالثَّانِي سَاكِنا بَطل الْإِدْغَام فَالْأَصْل المدغم فِيمَن ضم فيحلل وفيمن كسر فيحلل فنقلت الْحَرَكَة من اللَّام إِلَى الْحَاء وأسكنت اللَّام ثمَّ أدغمت فَهَذَا فرقان مَا بَين المدغم والمظهر
قَوْله تَعَالَى بملكنا يقْرَأ بِكَسْر الْمِيم وَضمّهَا وَفتحهَا فالحجة لمن كسر أَنه أَرَادَ اسْم الشَّيْء الْمَمْلُوك كَقَوْلِك هَذَا الْغُلَام ملكي وَهَذِه الْجَارِيَة ملك يمينى وَالْحجّة لمن ضم أَنه أَرَادَ بسلطاننا وَدَلِيله قَوْله تَعَالَى لمن الْملك الْيَوْم يُرِيد السُّلْطَان وَالْحجّة لمن فتح أَنه أَرَادَ الْمصدر من قَوْلهم ملك يملك ملكا
قَوْله تَعَالَى وَلَكنَّا حملنَا يقرأبالتخفيف وَالتَّشْدِيد فالحجة لمن خفف أَنه أَرَادَهُم بِالْفِعْلِ وَجعل النُّون وَالْألف المتصلين بِهِ فِي مَوضِع رفع وَالْحجّة لمن شدد أَنه جعل الْفِعْل لما لم يسم فَاعله وَدلّ عَلَيْهِ بِضَم أَوله وَكَانَ أَصله وَلَكنَّا حملنَا السامري فَلَمَّا خذل الْفَاعِل أقيم الْمَفْعُول مقَامه فَرفع لِأَن الْفِعْل الَّذِي كَانَ حَدِيثا عَن الْفَاعِل صَار عَن الْمَفْعُول فارتفع بِهِ
قَوْله تَعَالَى أَلا تتبعني يقرا بِإِثْبَات الْيَاء وصلا ووقفا على الأَصْل وبإثباتها وصلا وحذفها درجا اتبَاعا لِلْخَطِّ فِي الْوَصْل وَالْأَصْل فِي الدرج وبحذفها وصلا ووقفا اجتزاء بالكسرة مِنْهَا
قَوْله تَعَالَى يَا بن أم يقْرَأ بِكَسْر الْمِيم وَفتحهَا فالحجة لمن كسر أَنه أَرَادَ يَا بن أُمِّي فَحذف الْيَاء اجتزاء بالكسرة مِنْهَا وَالْوَجْه إِثْبَاتهَا لِأَن هَذِه الْيَاء إِنَّمَا تحذف فِي النداء الْمُضَاف إِلَيْك إِذا قلت يَا غلامي لِأَنَّهَا وَقعت موقع التَّنْوِين والتنوين لَا يثبت فِي النداء(1/246)
سُورَة طه فَأَما الْيَاء هَا هُنَا فالتنوين ثَبت فِي موضعهَا إِذا قلت يَا بن أم زيد وَإِنَّمَا حذفت الْيَاء لما كثر بِهِ الْكَلَام فَصَارَ الْمُضَاف والمضاف اليه كالشيء الْوَاحِد فحذفت الْيَاء كَذَلِك وَالْحجّة لمن فتح أَنه أَرَادَ يَا بن أُمَّاهُ فرخم فَبَقيت الْمِيم على فتحهَا أَو بنى ابْنا مَعَ الْأُم بِنَاء خَمْسَة عشر أَو قلب من الْيَاء ألفا وَقد ذكرت وجوهه فِي الْأَعْرَاف مستقصاة بِمَا يُغني عَن إِعَادَته هَا هُنَا
قَوْله تَعَالَى بصرت بِمَا لم يبصروا بِهِ يقرا بِالْيَاءِ وَالتَّاء فالياء لِمَعْنى الْغَيْبَة وَالتَّاء لِمَعْنى الحضرة
قَوْله تَعَالَى لن تخلفه يقْرَأ بِكَسْر اللَّام وَفتحهَا فالحجة لمن كسر أَنه جعل الْفِعْل للسامري وَالْهَاء كِنَايَة عَن الْموعد وَالْحجّة لمن فتح أَنه أَرَادَ الدّلَالَة على أَنه مُسْتَقْبل مَا لم يسم فَاعله وَالْهَاء على أَصْلهَا فِي الْكِنَايَة وَهِي فِي مَوضِع نصب فِي الْوَجْهَيْنِ
قَوْله تَعَالَى يَوْم ينْفخ فِي الصُّور إِجْمَاع الْقُرَّاء فِيهِ على الْيَاء وَضمّهَا على مَا لم يسم فَاعله إِلَّا مَا اخْتَارَهُ أَبُو عَمْرو من النُّون وَفتحهَا وَله فِي ذَلِك وَجْهَان أَحدهمَا أَنه أَتَى بالنُّون فِي ننفخ ليُوَافق بِهِ لفظ نحْشر فَيكون الْكَلَام من وَجه وَاحِد وَالثَّانِي أَن النافخ فِي الصُّور وَإِن كَانَ إسْرَافيل فَإِن الله عز وجلّ هُوَ الْآمِر لَهُ بذلك والمقدر والخالق لَهُ فنسب الْفِعْل إِلَيْهِ لهَذِهِ الْمعَانِي وَدَلِيله قَوْله تَعَالَى الله يتوفى الْأَنْفس حِين مَوتهَا والمتوفي لَهَا ملك الْمَوْت عَلَيْهِ السَّلَام
قَوْله تَعَالَى وَأَنَّك لَا تظمأ فِيهَا يقْرَأ بِفَتْح أَن وَكسرهَا فالحجة لمن فتحهَا أَنه رده على قَوْله أَلا تجوع يُرِيد وَأَنَّك لَا تظمأ فَرده على الْمَعْنى لَا على اللَّفْظ وَالْحجّة لمن كسر أَنه اسْتَأْنف وَلم يعْطف وَمعنى لَا تظمأ أَي لَا تعطش وَلَا تضحي أَي لَا تبرز للشمس
قَوْله تَعَالَى فَلَا يخَاف ظلما يقرأبالياء وَإِثْبَات الْألف وَالرَّفْع وبالتاء وَحذف(1/247)
سُورَة الْأَنْبِيَاء الْألف والجزم فالحجة لمن قَرَأَ بِالْيَاءِ وَالرَّفْع أَنه جعله خَبرا وَالْحجّة لن قَرَأَ بِالتَّاءِ والجزم أَنه جعله نهيا وَمعنى الظُّلم فِي اللُّغَة وضع الشَّيْء فِي غير مَوْضِعه والهضم النُّقْصَان
قَوْله تَعَالَى أعمى فِي الْمَوْضِعَيْنِ يقرآن بالتفخيم والإمالة فالحجة لمن فخم أَنه أَتَى بِهِ على الأَصْل وَالْحجّة لمن أمال أَنه دلّ بذلك على الْيَاء وَقيل فِي مَعْنَاهُ أعمى عَن حجَّته وَقيل عَن طَرِيق الْجنَّة
قَوْله تَعَالَى لَعَلَّك ترْضى يقْرَأ بِفَتْح التَّاء وَضمّهَا فالحجة لمن فتحهَا أَنه قَصده بِكَوْن الْفِعْل لَهُ فَفتح لِأَنَّهُ من فعل ثلاثي وَالْحجّة لمن ضم أَنه دلّ بذلك على بِنَاء الْفِعْل لما لم يسم فَاعله وَالْأَمر فيهمَا قريب لِأَن من أرضي فقد رَضِي وَدَلِيله قَوْله تَعَالَى راضية مرضية
قَوْله تَعَالَى أولم تأتهم يقْرَأ بِالْيَاءِ وَالتَّاء وَالْحجّة فِيهِ مَا قدمْنَاهُ فِي أَمْثَاله وَالِاخْتِيَار التَّاء لإجماعهم على قَوْله حَتَّى تأتيهم الْبَيِّنَة
وَمن سُورَة الْأَنْبِيَاء
قَوْله تَعَالَى قل رَبِّي يعلم يقْرَأ بِإِثْبَات الْألف وحذفها فالحجة لمن أثبت أَنه جعله فعلا مَاضِيا أخبر بِهِ وَالْحجّة لمن حذف أَنه جعله من أَمر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وسلم
قَوْله تَعَالَى يوحي إِلَيْهِم يقرا بالنُّون وَكسر الْحَاء وبالياء وَفتحهَا فالحجة لمن قرا بِالْيَاءِ أَنه اراد بذلك من شكّ فِي نبوة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وسلم وَكفر بِهِ وَقَالَ هلا كَانَ ملكا فَأَمرهمْ الله أَن يسْأَلُوا أهل الْكتب هَل كَانَت الرُّسُل إِلَّا رجَالًا يُوحى إِلَيْهِم وَالْحجّة لمن قَرَأَهُ بالنُّون أَنه اراد أَن الله تَعَالَى أخبر بِهِ عَن نَفسه ورده على قَوْله أرسلنَا ليَكُون الْكَلَام من وَجه وَاحِد فيوافق بعضه بَعْضًا
قَوْله تَعَالَى وَلَا يسمع الصم الدُّعَاء يقْرَأ بياء مَفْتُوحَة وَرفع الضَّم وبتاء(1/248)
سُورَة الْأَنْبِيَاء مَضْمُومَة وَنصب الصم فالحجة لمن قَرَأَ بِالْيَاءِ أَنه أفردهم بِالْفِعْلِ فرفعهم بِالْحَدِيثِ عَنْهُم وَالْحجّة لمن قَرَأَ بِالتَّاءِ أَنه قصد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وسلم بِالْفِعْلِ وَنصب الصم بتعدي الْفِعْل إِلَيْهِم وَدَلِيله قَوْله تَعَالَى وَمَا أَنْت بمسمع من فِي الْقُبُور لِأَن من لم يلْتَفت إِلَى وعظ الرَّسُول عَلَيْهِ السَّلَام وَلم يسمع عَن الله مَا يخاطبه بِهِ كَانَ كالميت الَّذِي لَا يسمع وَلَا يُجيب
قَوْله تَعَالَى أَو لم ير الَّذين كفرُوا يقرا بِإِثْبَات الْوَاو وحذفها فالحجة لمن ثبتها أَنه جعلهَا وَاو الْعَطف دخلت على ألف التوبيخ كَمَا تدخل الْفَاء وَالْحجّة لمن حذفهَا أَنه اتبع خطّ مصاحف أهل الشَّام وَمَكَّة واجتزأ مِنْهَا بِالْألف لِأَن دُخُولهَا مَعَ الْألف وخروجها سيان وَمعنى قَوْله رتقا مغلقة وَمعنى الفتق تشقق السَّمَاء بالمطر وَالْأَرْض بالنبات
قَوْله تَعَالَى وَإِن كَانَ مِثْقَال حَبَّة يقْرَأ بِالرَّفْع وَالنّصب فالحجة لمن رفع أَنه جعل كَانَ بِمَعْنى حدث وَوَقع فَلم يحْتَج إِلَى خبر وَالْحجّة لمن نصب أَنه أضمر فِي كَانَ اسْما مَعْنَاهُ وَإِن كَانَ الشَّيْء مِثْقَال حَبَّة
فَإِن قيل فَلم قَالَ أَتَيْنَا بهَا وَلم يقل بِهِ فَقل لِأَن مِثْقَال الْحبَّة هُوَ الْحبَّة ووزنها
قَوْله تَعَالَى وضياء وذكرا يقْرَأ بياء وهمزة وبهمزتين وَقد ذكرت علته فِي يُونُس وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ الْوَاو فِي قَوْله وضياء زَائِدَة لِأَن الضياء هُوَ الْفرْقَان فَلَا وَجه للواو
وَقَالَ البصريون هِيَ وَاو عطف مَعْنَاهَا واتيناهما ضِيَاء ودليلهم قَوْله فِيهِ هدى وَنور والنور هُوَ الْهدى وَسميت التَّوْرَاة فرقانا لِأَنَّهَا فرقت بَين الْحق وَالْبَاطِل
قَوْله تَعَالَى وإلينا ترجعون يقْرَأ بِضَم التَّاء وَفتحهَا فالحجة لمن ضم أَنه أَرَادَ تردون وَالْحجّة لمن فتح أَنه أَرَادَ تصيرون(1/249)
سُورَة الْأَنْبِيَاء
قَوْله تَعَالَى جذاذا يقْرَأ بِضَم الْجِيم وَكسرهَا فَمن ضم أَرَادَ بِهِ معنى حطام ورفات وَلَا يثنى فِي هَذَا وَلَا يجمع وَالْحجّة لمن كسر أَنه أَرَادَ جمع جذيذ بِمَعْنى مجذوذ كَقَوْلِهِم خَفِيف وخفاف
قَوْله تَعَالَى أُفٍّ لكم مَذْكُور فِي بني إِسْرَائِيل
قَوْله تَعَالَى ليحصنكم يقْرَأ بِالتَّاءِ وَالْيَاء وَالنُّون فالحجة لمن قَرَأَهُ بِالتَّاءِ أَنه رده على الصَّنْعَة واللبوس لِأَن اللبوس الدرْع وَهِي مُؤَنّثَة وَالْحجّة لمن قَرَأَهُ بِالْيَاءِ أَنه رده على لفظ اللبوس لَا على مَعْنَاهُ وَالْحجّة لمن قَرَأَهُ بالنُّون أَنه أخبر بِهِ عَن الله عز وجلّ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُحصن لَا الدرْع
قَوْله تَعَالَى وَكَذَلِكَ ننجي الْمُؤمنِينَ إِجْمَاع الْقُرَّاء على إِثْبَات النونين الأولى عَلامَة الِاسْتِقْبَال وَالثَّانيَِة فَاء الْفِعْل إِلَّا مَا قَرَأَهُ عَاصِم بنُون وَاحِدَة مَضْمُومَة وَتَشْديد الْجِيم فالحجة لمن قَرَأَهُ بنونين وَإِن كَانَ فِي الْخط بنُون وَاحِدَة أَن النُّون تخفى عِنْد الْجِيم فَلَمَّا خفيت لفظا سَقَطت خطا وَدلّ نصب الْمُؤمنِينَ على أَن فِي الْفِعْل فَاعِلا هُوَ الله عز وجلّ
ولعاصم فِي قِرَاءَته وَجه فِي النَّحْو لِأَنَّهُ جعل نجي فعل مَا لم يسم فَاعله وَأرْسل الْيَاء بِغَيْر حَرَكَة لِأَن الْحَرَكَة لَا تدخل عَلَيْهَا فِي الرّفْع وَهِي سَاقِطَة فِي الْجَزْم إِذا دخلت فِي الْمُضَارع وأضمر مَكَان الْمَفْعُول الأول الْمصدر لدلَالَة الْفِعْل عَلَيْهِ وَمِنْه قَوْلهم من كذب كَانَ شرا لَهُ يُرِيدُونَ كَانَ الْكَذِب فَلَمَّا دلّ كذب عَلَيْهِ حذف فَكَأَنَّهُ قَالَ وَكَذَلِكَ نجي النَّجَاء الْمُؤمنِينَ وَأنْشد شَاهدا لذَلِك ... وَلَو ولدت قفيرة جرو كلب ... لسب بذلك الجرو الكلابا(1/250)
سُورَة الْأَنْبِيَاء
قَوْله تَعَالَى حَتَّى إِذا فتحت يَأْجُوج وَمَأْجُوج يقرآن بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيف وبالهمز وَتَركه وَقد ذكرت علل ذَلِك فِيمَا سلف
قَوْله تَعَالَى وَحرَام على قَرْيَة يقْرَأ بِفَتْح الْحَاء وَالرَّاء وَإِثْبَات الْألف وبكسر الْحَاء وَإِسْكَان الرَّاء وَحذف الْألف فالحجة لمن فتح وَأثبت الْألف أَنه أَرَادَ ضد الْحَلَال وَالْحجّة لمن كسر الْحَاء وَحذف الْألف أَنه أَرَادَ وواجب على قَرْيَة وَلَا فِي قَوْله لَا يرجعُونَ صلَة وَمَعْنَاهُ وَاجِب عَلَيْهِم الرُّجُوع للجزاء وَقيل هما لُغَتَانِ حرم وَحرَام وَحل وحلال
قَوْله تَعَالَى للْكتاب يقْرَأ بِالتَّوْحِيدِ وَالْجمع وَقد ذكرت علل ذَلِك آنِفا وَقَالَ بَعضهم السّجل الْكَاتِب
قَوْله تَعَالَى فِي الزبُور من بعد الذّكر يقْرَأ بِضَم الزَّاي وَفتحهَا وَقد ذكر فِيمَا مضى
قَوْله تَعَالَى من بعد الذّكر يُرِيد بِهِ من قبل الذّكر وَالذكر الْقُرْآن وَالْأَرْض أَرض الْجنَّة لقَوْله الصالحون(1/251)
سُورَة الْحَج
قَوْله تَعَالَى قل رب احكم بِالْحَقِّ يقْرَأ بِإِثْبَات الْألف على الْخَبَر وبطرحها على الْأَمر
فَإِن قيل مَا وَجه قَوْله بِالْحَقِّ فَقل يُرِيد احكم بحكمك الْحق ثمَّ سمى الحكم حَقًا
قَوْله تَعَالَى عَمَّا يصفونَ يقرأبالياء وَالتَّاء وَقد تقدّمت الْعلَّة فِي ذَلِك من الْغَيْبَة وَالْخطاب فاعرفه إِن شَاءَ الله
وَمن سُورَة الْحَج
قَوْله تَعَالَى وَترى النَّاس سكارى وَمَا هم بسكارى يقرآن بِضَم السِّين وَإِثْبَات الْألف وَبِفَتْحِهَا وَطرح الْألف وهما جمعان لسكران وسكرانة فالحجة لمن ضم السِّين وَأثبت الْألف أَنه لما كَانَ السكر يضعف حَرَكَة الْإِنْسَان شبه بكسلان وكسالى وَالْحجّة لمن فتح وَحذف الْألف أَنه لما كَانَ السكر آفَة دَاخِلَة على الْإِنْسَان شبه بمرضى وهلكى
فَإِن قيل فَمَا وَجه النَّفْي بعد الْإِيجَاب فَقل وَجهه أَنهم سكارى خوفًا من الْعَذَاب وهول المطلع وَمَا هم بسكارى كَمَا كَانُوا يعهدون من الشَّرَاب فِي دَار الدُّنْيَا
قَوْله تَعَالَى ولؤلؤ يقْرَأ بالخفض وَالنّصب وبهمزتين وبهمزة وَاحِدَة فالحجة لمن خفض أَنه رده بِالْوَاو على أول الْكَلَام لِأَن الِاسْم يعْطف على الِاسْم وَالْحجّة لمن نصب أَنه أضمر فعلا كَالْأولِ مَعْنَاهُ وَيحلونَ لؤلؤا وَسَهل ذَلِك عَلَيْهِ كتابها فِي السوَاد هَا هُنَا وَفِي الْمَلَائِكَة بِأَلف وَالْحجّة لمن همز همزتين أَنه أَتَى بِالْكَلِمَةِ على أَصْلهَا وَلمن قَرَأَهُ بِهَمْزَة وَاحِدَة أَنه ثقل عَلَيْهِ الْجمع بَينهمَا فَخفف الْكَلِمَة بِحَذْف إِحْدَاهمَا وَقد اخْتلف عَنهُ فِي الْحَذف فَقيل الأولى وَهِي أثبت وَقيل الثَّانِيَة وَهِي أَضْعَف
قَوْله تَعَالَى ثمَّ ليقضوا يقْرَأ بِكَسْر اللَّام وإسكانها مَعَ ثمَّ وَالْوَاو وَالْفَاء(1/252)
سُورَة الْحَج وَالْكَسْر مَعَ ثمَّ أَكثر فالحجة لمن كسر أَنه أَتَى بِاللَّامِ على أصل مَا وَجب لَهَا قبل دُخُول الْحَرْف عَلَيْهَا وَالْحجّة لمن أسكن أَنه أَرَادَ التَّخْفِيف لثقل الْكسر وَإِنَّمَا كَانَ الِاخْتِيَار مَعَ ثمَّ الْكسر وَمَعَ الْوَاو وَالْفَاء الإسكان أَن ثمَّ حرف مُنْفَصِل يُوقف عَلَيْهِ وَالْوَاو وَالْفَاء لَا ينفصلان وَلَا يُوقف عَلَيْهِمَا وكل من كَلَام الْعَرَب
قَوْله تَعَالَى سَوَاء العاكف فِيهِ والبادي يقْرَأ بِالرَّفْع وَالنّصب فالحجة لمن رفع أَنه أَرَادَ الِابْتِدَاء والعاكف الْخَبَر وَالْحجّة لمن نصب أَنه أَرَادَ مَفْعُولا ثَانِيًا لقَوْله جَعَلْنَاهُ وَرفع العاكف بِفعل يُرِيد بِهِ اسْتَوَى العاكف فِيهِ والبادي
قَوْله تَعَالَى هَذَانِ يقْرَأ بتَشْديد النُّون وتخفيفها وَقد ذكرت علله آنِفا
قَوْله تَعَالَى والبادي يقْرَأ بِإِثْبَات الْيَاء وحذفها وَقد ذكرت الْحجَّة فِيهِ
قَوْله تَعَالَى وليوفوا يقْرَأ بتَشْديد الْفَاء وتخفيفها فالحجة لمن شدد أَنه اسْتدلَّ بقوله وَإِبْرَاهِيم الَّذِي وفى وَالْحجّة لمن خفف أَنه اسْتدلَّ بقوله أَوْفوا بِالْعُقُودِ وَقد ذكرت علته آنِفا
قَوْله تَعَالَى فتخطفه يقْرَأ بِفَتْح الْخَاء وَتَشْديد الطَّاء وبإسكان الْخَاء وَتَخْفِيف الطَّاء فالحجة لمن شدد أَنه أَرَادَ فتختطفه فَنقل فَتْحة التَّاء إِلَى الْخَاء وأدغم التَّاء فِي الطَّاء فَشدد لذَلِك وَالْحجّة لمن خفف أَنه أَخذه من قَوْله تَعَالَى إِلَّا من خطف الْخَطفَة وهما لُغَتَانِ فصيحتان
قَوْله تَعَالَى منسكا يقْرَأ بِفَتْح السِّين وَكسرهَا فالحجة لمن فتح أَنه أَتَى بِالْكَلِمَةِ على أَصْلهَا وَمَا أوجبه الْقيَاس لَهَا لِأَن وَجه فعل يفعل بِضَم الْعين أَن يَأْتِي الْمصدر مِنْهُ والموضع مفعلا بِالْفَتْح كَقَوْلِك مدخلًا ومخرجا ومنسكا وَمَا كَانَ مَفْتُوح الْعين اتى الْمصدر مِنْهُ بِالْفَتْح وَالِاسْم بِالْكَسْرِ كَقَوْلِك ضربت مضربا وَهَذَا مضربي(1/253)
سُورَة الْحَج وَالْحجّة لمن كسر السِّين أَنه أَخذه من الْموضع الَّذِي تذبح فِيهِ النسيكة وَهِي الشَّاة الْمُوجبَة لله
قَوْله تَعَالَى لهدمت يقْرَأ بتَشْديد الدَّال وتخفيفها فالحجة لمن شدد أَنه أَرَادَ تَكْرِير الْفِعْل وَالْحجّة لمن خفف أَنه أَرَادَ الْمرة الْوَاحِدَة من الْفِعْل وهما لُغَتَانِ فاشيتان
قَوْله تَعَالَى وَلَوْلَا دفع الله وإِن الله يدْفع يقرآن بِفَتْح الدَّال من غير ألف وبكسرها وَإِثْبَات الْألف وَقد ذكرت علته فِي الْبَقَرَة
قَوْله تَعَالَى أذن للَّذين يُقَاتلُون يقرأبضم الْهمزَة وَفتحهَا فالحجة لمن ضم أَنه دلّ بذلك على بِنَاء الْفِعْل لما لم يسم فَاعله وَالْحجّة لمن فتح أَنه جعل الْفِعْل لله عز وجلّ
قَوْله تَعَالَى يُقَاتلُون بِأَنَّهُم يقرا بِفَتْح التَّاء وَكسرهَا على لما قدمْنَاهُ من بِنَاء الْفِعْل لفَاعِله بِالْكَسْرِ وَلما لم يسم فَاعله بِالْفَتْح
قَوْله تَعَالَى أهلكتها يقْرَأ بِالتَّاءِ وبالنون وَالْألف فالدليل لمن قَرَأَ بِالتَّاءِ قَوْله فَكيف كَانَ نَكِير وَلم يقل نكيرنا وَالْحجّة لمن قَرَأَ بالنُّون وَالْألف أَنه اعْتبر ذَلِك بقوله تَعَالَى قسمنا بَينهم وَهُوَ الْمُتَوَلِي لذَلِك
قَوْله تَعَالَى وبئر معطلة يقْرَأ بِالْهَمْز على الأَصْل وبتركه تَخْفِيفًا
قَوْله تَعَالَى مِمَّا تَعدونَ يقْرَأ بِالْيَاءِ وَالتَّاء على مَا قدمنَا القَوْل فِي أَمْثَاله
قَوْله تَعَالَى معجزين يقرأبتشديد الْجِيم من غير ألف وبتخفيفها وَإِثْبَات الْألف فالحجة لمن قَرَأَهُ بِالتَّشْدِيدِ أَنه أَرَادَ مبطئين مثبطين وَالْحجّة لمن قَرَأَهُ بِالتَّخْفِيفِ أَنه أَرَادَ معاندين فالتثبيط والتعجيز خَاص لِأَنَّهُ فِي نوع وَاحِد وَهُوَ الإبطاء عَن الرَّسُول عَلَيْهِ السَّلَام والعناد عَام لِأَنَّهُ يدْخل فِيهِ الْكفْر والمشاقة على أَن مَعْنَاهُمَا قريب عِنْد النّظر لِأَن من أَبْطَا عَن الرَّسُول فقد عانده وشاقه(1/254)
سُورَة الْمُؤمنِينَ
فَأَما قَوْله تَعَالَى أُولَئِكَ لم يَكُونُوا معجزين لِأَنَّهُ يصير بِمَعْنى لم يَكُونُوا معاندين وَهَذَا خطأ وَمعنى معجزين سابقين فائتين وَمِنْه أعجزني الشَّيْء
قَوْله تَعَالَى ثمَّ قتلوا يقرأبتشديد التَّاء وتخفيفها وَقد ذكر وَقَوله مدخلًا يرضونه يقْرَأ بِضَم الْمِيم وَفتحهَا وَقد تقدم ذكره
قَوْله تَعَالَى وَأَن مَا تدعون يقْرَأ بِالتَّاءِ وَالْيَاء هَا هُنَا وَفِي لُقْمَان وَفِي العنكبوت وَالْمُؤمن وَقد ذكرت الْأَدِلَّة فِيهِ مُقَدّمَة فِيمَا سلف
وَمن سُورَة الْمُؤْمِنُونَ
قَوْله تَعَالَى لأمانتهم يقرا بِالتَّوْحِيدِ وَالْجمع فَمن وحد اسْتدلَّ بقوله وَعَهْدهمْ وَلم يقل وعهودهم وَمن جمع اسْتدلَّ بقوله أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَات إِلَى أَهلهَا
قَوْله تَعَالَى على صلواتهم فالحجة لمن وحد أَنه أجتزأ بِالْوَاحِدِ عَن الْجَمِيع كَمَا قَالَ تَعَالَى أَو الطِّفْل وَالْحجّة لمن جمع أَنه أَرَادَ الْخمس المفروضات والنوافل المؤكدات وَقد ذكر معنى الصَّلَاة فِي بَرَاءَة(1/255)
سُورَة الْمُؤمنِينَ
قَوْله تَعَالَى فكسونا الْعِظَام لَحْمًا يقرأبالتوحيد وَالْجمع على مَا ذكرنَا فِي قَوْله صلواتهم
قَوْله تَعَالَى سيناء يقرا بِكَسْر السِّين وَفتحهَا وهما لُغَتَانِ واصله سرياني فالحجة لمن كسر قَوْله تَعَالَى وطور سينين والحجةل من فتح أَنه يَقُول لم يَأْتِ عَن الْعَرَب صفة فِي هَذَا الْوَزْن إِلَّا بِفَتْح أَولهَا كَقَوْلِهِم حَمْرَاء وصفراء فَحَملته على الْأَشْهر من الفاظهم وَمَعْنَاهُ ينْبت الثِّمَار
قَوْله تَعَالَى تنْبت بالدهن يقْرَأ بِضَم التَّاء وَكسر الْبَاء وبفتح التَّاء وبضم الْبَاء فالحجة لمن ضم التَّاء أَنه أَرَادَ تخرج الدّهن وَلم يَتَعَدَّ بِالْبَاء لِأَن أصل النَّبَات الْإِخْرَاج وَالْحجّة لمن فتح التَّاء أَنه اراد أَن نباتها بالدهن وَهُوَ كَلَام الْعَرَب إِذا أثبتوا الْألف فِي الْمَاضِي خزلوا الْبَاء وَإِذا خزلوا الْألف أثبتوا الْبَاء وَعلة ذَلِك أَن نبت فعل لَا يتَعَدَّى إِلَّا بِوَاسِطَة فوصلوه بِالْبَاء ليتعدى وَأنْبت فعل يتَعَدَّى بِغَيْر وَاسِطَة فغنوا عَن الْبَاء فِيهِ
قَوْله تَعَالَى نسقيكم بِضَم النُّون وَفتحهَا وَقد ذكرت علته فِي النَّحْل
قَوْله تَعَالَى منزلا مُبَارَكًا يقرأبضم الْمِيم وَفتحهَا على مَا تقدم من ذكر الْعلَّة فِيهِ(1/256)
سُورَة الْمُؤمنِينَ
قَوْله تَعَالَى من كل زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يقْرَأ بِالْإِضَافَة والتنوين وعلته مستقصاة فِي هود
قَوْله تَعَالَى تترى يقْرَأ بِالتَّنْوِينِ وَتَركه فالحجة لمن نون أَنه جعله مصدرا من قَوْلك وترا يتر وترا ثمَّ أبدل من الْوَاو تَاء كَمَا أبدلوها فِي تراث وَدَلِيل ذَلِك كتَابَتهَا فِي السوَاد بِأَلف وَكَذَلِكَ الْوُقُوف عَلَيْهِ بِأَلف وَلَا تجوز الإمالة فِيهِ إِذا نون وصلا وَلَا وَقفا لِأَنَّهُ جعل الْألف فِيهِ ألف إِلْحَاق كَمَا جعلوها فِي أرطى ومعزى وَالْحجّة لمن لم ينون أَنه جعلهَا ألف التَّأْنِيث كَمثل سكرى فَفِي هَذِه الْقِرَاءَة تجوز فِيهَا الإمالة والتفخيم وصلا ووقفا
قَوْله تَعَالَى زبرا يقْرَأ بِضَم الْبَاء وَفتحهَا وَقد ذكرت علته
قَوْله تَعَالَى نسارع لَهُم أماله الْكسَائي لمَكَان كسرة الرَّاء وفخمه الْبَاقُونَ
قَوْله تَعَالَى إِلَى ربوة يقْرَأ بِضَم الرَّاء وَفتحهَا وَقد ذكرت علته فِي الْبَقَرَة
قَوْله تَعَالَى وَأَن هَذِه أمتكُم يقْرَأ بِفَتْح الْهمزَة وَكسرهَا وبتخفيف النُّون وبشديدها مَعَ الْفَتْح فالحجة لمن فتح أَنه رده على قَوْله أَنِّي بِمَا تعلمُونَ عليم وَبِأَن هَذِه أَو لِأَن هَذِه وَالْحجّة لمن كسر أَنه جعل الْكَلَام تَاما عِنْد قَوْله عليم ثمَّ(1/257)
سُورَة الْمُؤمنِينَ اسْتَأْنف إِن فَكَسرهَا وَقد ذكرت الْعلَّة فِي تَشْدِيد النُّون وتخفيفها فِي هود
قَوْله تَعَالَى تهجرون يقرا بِفَتْح التَّاء وَضم الْجِيم وبضم التَّاء وَكسر الْجِيم فالحجة لمن فتح التَّاء أَنه أَرَادَ بِهِ هجران المصادمة لتركهم سَماع الْقُرْآن وَالْإِيمَان بِهِ وَالْحجّة لمن ضم أَنه جعله من قَوْلهم أَهجر الْمَرِيض إِذا أَتَى بِمَا لَا يفهم عَنهُ وَلَا تَحْتَهُ معنى يحصل لأَنهم كَانُوا إِذا سمعُوا الْقُرْآن لَغوا فِيهِ وَتَكَلَّمُوا بالفحش وهذوا وَسبوا فَقَالَ الله عز وجلّ مستكبرين بِهِ قيل بِالْقُرْآنِ وَقيل بِالْبَيْتِ الْعَتِيق
قَوْله تَعَالَى سيقولون لله فِي الثَّلَاثَة مَوَاضِع فَالْأولى لَا خلف فِيهَا والأخريان تقرآن بلام الْإِضَافَة والخفض وبطرحها وَالرَّفْع فالحجة لمن قرأهما بلام الْإِضَافَة أَنه رد آخر الْكَلَام على أَوله فَكَأَنَّهُ قَالَ هِيَ لله ودليلهم أَنَّهُمَا فِي الإِمَام بِغَيْر ألف وَالْحجّة لمن قرأهما بِالْألف أَنه أَرَادَ بِهن الله قل هُوَ الله وَترك الأولى مَرْدُودَة على قَوْله لمن الأَرْض قل لله وَالْأَمر بَينهمَا قريب أَلا ترى لَو سَأَلَ سَائل من رب هَذِه الضَّيْعَة فَإِن قلت فلَان أردْت رَبهَا وَإِن قلت لفُلَان أردْت هِيَ لفُلَان وكل صَوَاب وَمن كَلَام الْعَرَب
قَوْله تَعَالَى خرجا فخراج رَبك مَذْكُور بعلله فِي الْكَهْف وَلَا خلف فِي الثَّانِيَة أَنَّهَا بِالْألف لِأَنَّهَا بِهِ مَكْتُوبَة فِي السوَاد
قَوْله تَعَالَى عَالم الْغَيْب يقرا بِالرَّفْع والخفض
فالرفع بِالِابْتِدَاءِ والخفض بِالرَّدِّ على قَوْله سُبْحَانَ الله عَالم الْغَيْب
قَوْله تَعَالَى غلبت علينا شِقْوَتنَا يقْرَأ بِكَسْر الشين من غير ألف وبفتح الشين وَإِثْبَات الْألف وَكِلَاهُمَا مصدران أَو اسمان مشتقان من الشَّقَاء فَأَما الشقاوة فكقولهم سلم سَلامَة وَأما الشقوة فكقولهم فديته فديَة
قَوْله تَعَالَى سخريا يقْرَأ بِكَسْر السِّين وَضمّهَا فالحجة لمن كسر أَنه أَخذه(1/258)
سُورَة النُّور من السخريا وَالْحجّة لمن ضم أَنه أَخذه من السخرة وَكَذَلِكَ الَّتِي فِي صَاد فَأَما الَّتِي فِي الزخرف فبالضم لَا غير
قَوْله تَعَالَى أَنهم هم الفائزون يقْرَأ بِفَتْح الْهمزَة وَكسرهَا فالحجة لمن فتح أَنه اراد الِاتِّصَال بقوله إِنِّي جزيتهم الْيَوْم بِمَا صَبَرُوا لأَنهم وَالْحجّة لمن كسر أَنه جعل الْكَلَام تَاما عِنْد قَوْله بِمَا صَبَرُوا ثمَّ ابْتَدَأَ إِن فَكَسرهَا
قَوْله تَعَالَى قَالَ كم لبثتم قَالَ إِن لبثتم يقرآن بِإِثْبَات الْألف وحذفها وبالحذف فِي الأول وَالْإِثْبَات فِي الثَّانِي فالحجة لمن أثبت أَنه أَتَى بِهِ على الْخَبَر وَالْحجّة لمن حذف أَنه أَتَى بِهِ على الْأَمر ويقرآن أَيْضا بِالْإِدْغَامِ للمقاربة وبالإظهار على الأَصْل
قَوْله تَعَالَى وأنكم إِلَيْنَا لَا ترجعون يقْرَأ بِضَم التَّاء على معنى تردون وَبِفَتْحِهَا على معنى تصيرون
وَمن سُورَة النُّور
قَوْله تَعَالَى وفرضناها يقْرَأ بتَشْديد الرَّاء وتخفيفها فالحجة لمن شدد أَنه أَرَادَ بيناها وفصلناها وأحكمناها فَرَائض مُخْتَلفَة وآدابا مستحسنة
قَالَ الْفراء وَجه التَّشْدِيد أَن الله تَعَالَى فَرْضه عَلَيْهِ وعَلى من يَجِيء بعده فَلذَلِك شدده وَالْحجّة لمن خفف أَنه جعل الْعَمَل بِمَا أنزل فِي هَذِه السُّورَة لَازِما لجَمِيع الْمُسلمين(1/259)
سُورَة النُّور لَا يفارقهم أبدا مَا عاشوا فَكَأَنَّهُ مَأْخُوذ من فرض الْقوس وَهُوَ الحز لمَكَان الْوتر
قَوْله تَعَالَى وَلَا تأخذكم بهما رأفة يقْرَأ بِإِسْكَان الْهمزَة وَفتحهَا وَهِي مصدر فِي الْوَجْهَيْنِ فالحجة لمن أسكن أَنه حذا بهَا طرف يطرف طرفا وَالْحجّة لمن فتح أَنه حذا بهَا كرم يكرم كرما وَأدْخل الْهَاء دلَالَة على الْمرة الْوَاحِدَة وَمعنى الرأفة رقة الْقلب وَشدَّة الرَّحْمَة
قَوْله تَعَالَى أَربع شَهَادَات يقْرَأ بِالرَّفْع وَالنّصب فالحجة لمن رفع أَنه جعله خَبرا لقَولهم فشهادة أحدهم وَالْحجّة لمن نصب أَنه أضمر فعلا لَهُ مَعْنَاهُ فشهادة أحدهم أَن يشْهد أَربع شَهَادَات
فَإِن قيل فالشهادة الأولى وَاحِدَة وَالثَّانيَِة أَربع فَقل مَعْنَاهَا معنى الْجمع وَإِن كَانَت بِلَفْظ الْوَاحِد كَمَا تَقول صَلَاتي خمس وصيامي عشر
قَوْله تَعَالَى وَالْخَامِسَة أَن لعنة الله عَلَيْهِ وَأَن غضب الله عَلَيْهَا يقرآن بتَشْديد أَن وَنصب اللَّعْنَة وَالْغَضَب إِلَّا مَا قَرَأَ بِهِ نَافِع من التَّخْفِيف وَالرَّفْع للعنة وَجعله غضب فعلا مَاضِيا وَالله تَعَالَى رفع بِهِ فالحجة لمن شدد وَنصب أَنه أَتَى بالْكلَام على أصل مَا بني عَلَيْهِ وَالْحجّة لمن خفف أَن وَرفع بهَا مَا قدمْنَاهُ آنِفا وَهُوَ الْوَجْه وَلَو نصب لجَاز
قَوْله تَعَالَى إِذْ تلقونه يقْرَأ بِالْإِدْغَامِ والإظهار فالحجة لمن أدغم مقاربة الحرفين فِي الْمخْرج وَالْحجّة لمن أظهر أَنه أَتَى بِهِ على الأَصْل إِلَّا مَا رُوِيَ عَن ابْن كثير من تَشْدِيد التَّاء وَإِظْهَار الذَّال وَلَيْسَ ذَلِك بمختار فِي النَّحْو لجمعه بَين ساكنين
قَوْله تَعَالَى يَوْم تشهد عَلَيْهِم يقرأبالتاء وَالْيَاء فالحجة لمن قَرَأَ بِالْيَاءِ قَالَ(1/260)
سُورَة النُّور اللِّسَان مُذَكّر فَذكرت الْفِعْل كَمَا أَقُول يقوم الرِّجَال وَالْحجّة لمن قَرَأَ بِالتَّاءِ أَنه أَتَى بِهِ على لفظ الْجَمَاعَة وَاللِّسَان يذكر فَيجمع أَلْسِنَة وَيُؤَنث فَيجمع ألسن فَأَما قَوْله ... إِنِّي أَتَتْنِي لِسَان لَا أسر بهَا ... من علو لَا عجب فِيهَا وَلَا سخر ...
فَإِنَّهُ أَرَادَ بِاللِّسَانِ هَا هُنَا الرسَالَة
قَوْله تَعَالَى غير أولى الإربة يقْرَأ بِالنّصب والخفض فالحجة لمن قَرَأَهُ بِالنّصب أَنه اسْتَثْنَاهُ أَو جعله حَالا وَالْحجّة لمن خفض أَنه جعله وَصفا للتابعين والإربة الْكِنَايَة عَن الْحَاجة إِلَى النِّسَاء وَمِنْه وَكَانَ أملككم لاربه أَي لعضوه القَاضِي للْحَاجة
قَوْله تَعَالَى أَيهَا الْمُؤمنِينَ يقْرَأ وَمَا أشبهه من النداء بهاء التَّنْبِيه بِإِثْبَات الْألف وطرحها وَإِسْكَان الْهَاء فالحجة لمن أثبت أَنَّهَا عِنْده هَذَا الَّتِي للْإِشَارَة طرح مِنْهَا ذَا فَبَقيت الْهَاء الَّتِي كَانَت للتّنْبِيه فإثبات الْألف فِيهَا وَاجِب وَالدَّلِيل على ذَلِك قَوْله ... أَلا أيهذا الْمنزل الدارس أسلم ...
فَأتى بِهِ تَاما على الأَصْل وَالْحجّة لمن حذف وأسكن الْهَاء أَنه اتبع خطّ السوَاد وَاحْتج بِأَن النداء مَبْنِيّ على الْحَذف وَإِنَّمَا فتحت الْهَاء لمجيء ألف بعْدهَا فَلَمَّا ذهبت الْألف(1/261)
سُورَة النُّور عَادَتْ الْهَاء إِلَى السّكُون وَإِنَّمَا يُوقف على مثل هَذَا اضطرارا لَا اخْتِيَارا
قَوْله تَعَالَى كمشكاة يقرأبالتفخيم إِلَّا مَا رُوِيَ عَن الْكسَائي من أمالته وَقد ذكر الِاحْتِجَاج فِي مثله آنِفا
قَوْله تَعَالَى دري يقرأبكسر الدَّال والهمز وَالْمدّ وَبِضَمِّهَا والهمز وَالْمدّ وَبِضَمِّهَا وَتَشْديد الْيَاء فالحجة لمن كسر وهمز أَنه أَخذه من الدّرّ وَهُوَ الدّفع فِي الأنقضاض وَشد الضَّوْء وَكسر أَوله تَشْبِيها بقَوْلهمْ سكيت أَي كثير السُّكُوت وَالْحجّة لمن ضم أَوله أَنه شبهه ب مريق وَإِن كَانَ عجميا وَالْحجّة لمن ضم وشدد أَنه نسبه إِلَى الدّرّ لشدَّة ضوئه
قَوْله تَعَالَى توقد يقْرَأ بِالتَّاءِ وَالتَّشْدِيد وبالياء وَالتَّاء وَالتَّخْفِيف وَالرَّفْع فالحجة لمن قَرَأَهُ بِالتَّشْدِيدِ أَنه جعله فعلا مَاضِيا أخبر بِهِ عَن الْكَوْكَب وَأَخذه من التوقد وَالْحجّة لمن قَرَأَهُ بِالتَّاءِ وَالرَّفْع أَنه جعله فعلا للزجاجة وَالْحجّة لمن قَرَأَهُ بِالْيَاءِ أَنه جعله فعلا للكوكب وَكِلَاهُمَا فعل لما لم يسم فَاعله مأخوذان من الإيقاد
قَوْله تَعَالَى يسبح لَهُ فِيهَا يقْرَأ بِفَتْح الْبَاء وَكسرهَا فالحجة لمن فتح أَنه جعله فعلا لما لم يسم فَاعله وَرفع الرِّجَال بِالِابْتِدَاءِ وَالْخَبَر لَا تُلْهِيهِمْ وَالْحجّة لمن كسر أَنه جعله فعلا للرِّجَال فرفعهم بِهِ وَجعل مَا بعدهمْ وَصفا لحالهم
قَوْله تَعَالَى وَالله خلق يقْرَأ بِإِثْبَات الْألف وخفض كل وبحذفها وَنصب كل فالحجة لمن أثبتها أَنه أَرَادَ الْإِخْبَار عَن الله تَعَالَى باسم الْفَاعِل فخفض مَا بعده بِالْإِضَافَة لِأَنَّهُ بِمَعْنى مَا قد مضى وَثَبت وَالْحجّة لمن حذف أَنه أخبر عَن الله تَعَالَى بِالْفِعْلِ الْمَاضِي وَنصب مَا بعده بتعديه إِلَيْهِ(1/262)
سُورَة النُّور
قَوْله تَعَالَى وليبدلنهم يقْرَأ بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيف وَقد ذكرت علته فِيمَا مضى
قَوْله تَعَالَى ويتقه يقْرَأ بِكَسْر الْقَاف وَإِسْكَان الْهَاء وبإسكان الْقَاف وَكسر الْهَاء بياء وباختلاس حَرَكَة الْهَاء فالحجة لمن كسر الْقَاف وأسكن أَن الْهَاء لما اخْتلطت بِالْفِعْلِ اختلاطا لَا تنفصل مِنْهُ فِي حَال ثقلت الْكَلِمَة لجمعها فعلا وفاعلا ومفعولا فَخفف بالإسكان وَالْحجّة لمن كسر الْهَاء وأتبعها يَاء أَنه كسر الْهَاء لمجاورة كسرة الْقَاف وقواها بِالْيَاءِ إشباعا لكسرتها وَالْحجّة لمن حذف الْيَاء واختلس الْحَرَكَة أَن الأَصْل كَانَ قبل الْجَزْم يتقيه فَلَمَّا سَقَطت الْيَاء للجزم بقيت الْهَاء على مَا كَانَت عَلَيْهِ وَالْحجّة لمن أسكن الْقَاف وَكسر الْهَاء أَنه كره الْكسر فِي الْقَاف لشدتها وتكريرها فأسكنها تَخْفِيفًا أَو أسكن الْقَاف وَالْهَاء مَعًا فَكسر الْهَاء لالتقاء الساكنين أَو توهم أَن الْجَزْم وَقع على الْقَاف لِأَنَّهَا آخر حُرُوف الْفِعْل ثمَّ أَتَى بِالْهَاءِ سَاكِنة بعْدهَا فَكسر لالتقاء الساكنين وَالدَّلِيل على توهمه ذَلِك قَول الشَّاعِر ... وَمن يتق فَإِن الله مَعَه ... ورزق الله مؤتاب وغاد ...
قَوْله سُبْحَانَهُ سَحَاب ظلمات يقرآن مَعًا بِالتَّنْوِينِ وَالرَّفْع وبرفع الأول وَإِضَافَة الثَّانِي إِلَيْهِ وبرفع الأول وتنوينه وخفض الثَّانِي وَالْحجّة لمن نونهما وَرَفعه أَنه رفع السَّحَاب بِالِابْتِدَاءِ وَالْخَبَر من فَوْقه وظلمات تَبْيِين لقَوْله موج من فَوْقه موج من فَوْقه سَحَاب فَهَذِهِ ثَلَاث ظلمات وَحَقِيقَة رَفعهَا على الْبَدَل وَالْحجّة لمن أضَاف أَنه جعل الظُّلُمَات غير السَّحَاب فأضافه كَمَا تَقول مَاء مطر وَالْحجّة لمن نون وخفض أَنه رفع قَوْله سَحَاب بِالِابْتِدَاءِ وخفض الظُّلُمَات بَدَلا من قَوْله أَو كظلمات(1/263)
سُورَة الْفرْقَان
قَوْله تَعَالَى وَلَا يَحسبن يقْرَأ بِالْيَاءِ وَالتَّاء وَكسر السِّين وَفتحهَا وَقد ذكرت علله فِي آل عمرَان
قَوْله تَعَالَى إِنَّمَا كَانَ قَول الْمُؤمنِينَ يقْرَأ بِالنّصب وَالرَّفْع على مَا ذَكرْنَاهُ آنِفا
قَوْله تَعَالَى اسْتخْلف يقْرَأ بِضَم التَّاء وَكسر اللَّام وبفتحهما فالحجة لمن ضم أَنه جعله فعل مَا لم يسم فَاعله وَالَّذين فِي مَوضِع رفع وَالْحجّة لمن فتح أَنه جعله فعلا لله عز وجلّ لتقدمه فِي أول الْكَلَام وَالَّذين فِي موضق نصب
قَوْله تَعَالَى ثَلَاث عورات يقْرَأ بِالرَّفْع وَالنّصب فالحجة لمن رفع أَنه ابْتَدَأَ فرفعه بِالِابْتِدَاءِ وَالْخَبَر لكم أَو رَفعه لِأَنَّهُ خبر ابْتِدَاء مَحْذُوف مَعْنَاهُ هَذِه الْأَوْقَات ثَلَاث عورات لكم وَالْحجّة لمن نصب أَنه جعله بَدَلا من قَوْله ثَلَاث مَرَّات
وَمن سُورَة الْفرْقَان
قَوْله تَعَالَى يَأْكُل مِنْهَا يقْرَأ بِالْيَاءِ وَالنُّون فالحجة لمن قَرَأَهُ بِالْيَاءِ أَنه أفرد الرَّسُول بذلك وَالْحجّة لمن قَرَأَهُ بالنُّون أَنه أخبر عَنْهُم بِالْفِعْلِ على حسب مَا أخبروا بِهِ عَن أنفسهم
قَوْله تَعَالَى وَيجْعَل لَك يقْرَأ بِالْجَزْمِ وَالرَّفْع فالحجة لمن جزم أَنه رده على معنى قَوْله جعل لَك لِأَنَّهُ جَوَاب الشَّرْط وَإِن كَانَ مَاضِيا فَمَعْنَاه الِاسْتِقْبَال وَالْحجّة لمن استأنفه أَنه قطعه من الأول فاستأنفه(1/264)
سُورَة الْفرْقَان
قَوْله تَعَالَى وَيَوْم يحشرهم فَيَقُول يقرآن بِالْيَاءِ وَالنُّون على مَا تقدم من الْغَيْبَة والإخبار عَن النَّفس
قَوْله تَعَالَى مَكَانا ضيقا يقْرَأ بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيف فَقيل هما لُغَتَانِ وَقيل أَرَادَ التَّشْدِيد فَخفف وَقيل الضّيق فِيمَا يرى وَيحد يُقَال بَيت ضيق وَفِيه ضيق والضيق فِيمَا لَا يحد وَلَا يرى يُقَال صدر ضيق وَفِيه ضيق
قَوْله تَعَالَى تشقق السَّمَاء يقْرَأ بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيف وَقد تقدم القَوْل فِيهِ آنِفا
قَوْله تَعَالَى وَنزل الْمَلَائِكَة يقرأبنون وَاحِدَة وَتَشْديد الزَّاي وَرفع الْمَلَائِكَة وبنونين وَتَخْفِيف الزَّاي وَنصب الْمَلَائِكَة فالحجة لمن شدد وَرفع أَنه جعله فعل مَا لم يسم فَاعله مَاضِيا فَرفع بِهِ وَدَلِيله قَوْله تَنْزِيلا لِأَنَّهُ من نزل كَمَا كَانَ قَوْله تَعَالَى تقتيلا من قتل وَالْحجّة لمن قَرَأَهُ بنونين أَنه أَخذه من أنزلنَا فَالْأولى نون الأستقبال وَالثَّانيَِة نون الأَصْل وَهُوَ من إِخْبَار الله تَعَالَى عَن نَفسه وَلَو شدد الزَّاي مَعَ التَّنْوِين لوافق ذَلِك الْمصدر
قَوْله تَعَالَى يَا ويلتي يقْرَأ بالإمالة والتفخيم فالحجة لمن أمال أَنه أوقع الإمالة على الْألف فأمال لميل الْألف وَالْحجّة لمن فخم أَنه أَتَى بِهِ على الأَصْل وَأَرَادَ فِيهِ الندبة فأسقط الْهَاء وَبَقِي الْألف على فتحهَا
قَوْله تَعَالَى أرسل الرِّيَاح نشرا يقْرَأ بِالتَّوْحِيدِ وَالْجمع وَقد ذكر فِي الْبَقَرَة(1/265)
سُورَة الْفرْقَان وَيقْرَأ بِالْيَاءِ وَالنُّون وبالضم والإسكان وَقد ذكر فِي الْأَعْرَاف
قَوْله تَعَالَى لِيذكرُوا يقْرَأ بتَشْديد الذَّال وَفتحهَا وبتخفيفها وإسكانها وَالْحجّة لمن شدد أَنه أَرَادَ ليتعظوا وَدَلِيله فَذكر إِنَّمَا أَنْت مُذَكّر وَالْحجّة لمن خفف أَنه أَرَادَ بذلك الذّكر بعد النسْيَان
قَوْله تَعَالَى لما تَأْمُرنَا يقرأبالتاء وَالْيَاء على مَا ذَكرْنَاهُ فِي معنى المواجهة والغيبة
قَوْله تَعَالَى سِرَاجًا يقرأبالتوحيد وَالْجمع فالحجة لمن وحد أَنه أَرَادَ الشَّمْس لقَوْله بعْدهَا وقمرا وَالْحجّة لمن جمع أَنه أَرَادَ مَا أَسْرج وأضاء من النُّجُوم لِأَنَّهَا مَعَ الْقَمَر تظهر وتضيء
قَوْله تَعَالَى وَلم يقترُوا يقرأبفتح الْيَاء وَكسر التَّاء وَضمّهَا وبضم الْيَاء وَكسر التَّاء فالحجة لمن فتح الْيَاء وَكسر التَّاء أَنه أَخذه من قتر يقتر مثل ضرب يضْرب وَمن ضم التَّاء أَخذه من قتر يقتر مثل خرج يخرج وَالْحجّة لمن ضم الْيَاء وَكسر التَّاء أَنه أَخذه من أقتر يقتر وهما لُغَتَانِ مَعْنَاهُمَا قلَّة الْإِنْفَاق
قَوْله تَعَالَى يُضَاعف يقْرَأ بِإِثْبَات الْألف وَالتَّخْفِيف وبحذفها وَالتَّشْدِيد وَقد ذكرت علته فِيمَا سلف
وَيقْرَأ بِالرَّفْع والجزم فالحجة لمن رفع أَنه لما اكْتفى الشَّرْط بجوابه كَانَ مَا أَتَى بعده مستأنفا فرفعه وَالْحجّة لمن جزم أَنه لما اتَّصل بعض الْكَلَام بِبَعْض جعلت يُضَاعف بَدَلا من قَوْله يلق فجزمته ورددت عَلَيْهِ ويخلد بِالْجَزْمِ عطفا بِالْوَاو
قَوْله تَعَالَى فِيهِ مهانا يقرأبكسر الْهَاء وإلحاق يَاء بعْدهَا وباختلاس الْحَرَكَة من غير يَاء وَقد تقدم القَوْل فِيهِ بِمَا يُغني عَن إِعَادَته
قَوْله تَعَالَى وَذُرِّيَّاتنَا يقْرَأ بِالْجمعِ والتوحيد فالحجة لمن جمع أَنه رد أول(1/266)
سُورَة الشُّعَرَاء الْكَلَام على آخِره وزاوج بَين قَوْله أَزوَاجنَا وَذُرِّيَّاتنَا وَالْحجّة لمن وحد أَنه أَرَادَ بِهِ الذُّرِّيَّة وَإِن كَانَ لَفظهَا لفظ التَّوْحِيد فمعناها معنى الْجمع وَدَلِيله قَوْله بعد ذكر الْأَنْبِيَاء ذُرِّيَّة بَعْضهَا من بعض
قَوْله تَعَالَى ويلقون فِيهَا تَحِيَّة يقْرَأ بتَشْديد الْقَاف وتخفيفها فالحجة لمن شدد أَنه أَرَادَ تَكْرِير تَحِيَّة السَّلَام عَلَيْهِم مرّة بعد أُخْرَى وَدَلِيله قَوْله ولقاهم نَضرة وسرورا وَالْحجّة لمن خفف أَنه جعله من اللِّقَاء لَا من التلقي كَقَوْلِه لَقيته أَلْقَاهُ ويلقاه مني مَا يسره
من سُورَة الشُّعَرَاء
قَوْله تَعَالَى طسم يقرأبالتفخيم والإمالة وَبَينهمَا وَقد ذكرت علته فِي مَرْيَم
قَوْله سين مِيم يقرأبالإظهار والإدغام فالحجة لمن أدغم أَنه أجراه على أصل مَا يجب فِي الْإِدْغَام عِنْد الِاتِّصَال وَالْحجّة لمن أظهر أَن حُرُوف التهجي مَبْنِيَّة على قطع بَعْضهَا من بعض فَكَأَن النَّاطِق بهَا وَاقِف عِنْد تَمام كل حرف مِنْهَا
قَوْله تَعَالَى إِن معي رَبِّي يقْرَأ بِفَتْح الْيَاء وإسكانها فالحجة لمن فتحهَا أَنَّهَا اسْم على حرف وَاحِد اتَّصَلت بِكَلِمَة على حرفين فَقَوِيت بالحركة وَالْحجّة لمن أسكن أَنه خفف لِأَن حَرَكَة الْيَاء ثَقيلَة
قَوْله تَعَالَى لجَمِيع حاذرون يقْرَأ بِإِثْبَات الْألف وحذفها فالحجة لمن أثبت أَنه أَتَى بِهِ على أصل مَا أوجبه الْقيَاس فِي اسْم الْفَاعِل كَقَوْلِك علم فَهُوَ عَالم وَالْحجّة لمن حذف الْألف أَنه قد جَاءَ اسْم الْفَاعِل على فعل كَقَوْلِك حذر وَنحر وَعجل وَقد فرق بَينهمَا بعض أهل الْعَرَبيَّة فَقيل رجل حاذر فِيمَا يسْتَقْبل لَا فِي وقته وَرجل حذر إِذا كَانَ الحذر لَازِما لَهُ كالخلقة
قَوْله تَعَالَى فَلَمَّا ترَاءى الْجَمْعَانِ الْخلف فِي الْوَقْف عَلَيْهِ فَوقف حَمْزَة(1/267)
سُورَة الشُّعَرَاء تري بِكَسْر الرَّاء وَمد قَلِيل لِأَن من شَرطه حذف الْهَمْز فِي الْوَقْف فَكَانَ الْمَدّ إِشَارَة إِلَيْهَا وَدلَالَة عَلَيْهَا
ووقف الْكسَائي بالإمالة والتمام
ووقف الْبَاقُونَ بالتفخيم والتمام على الأَصْل فَإِن كَانَت الْهمزَة للتأنيث أُشير إِلَيْهَا فِي مَوضِع الرّفْع وحذفت فِي مَوضِع النصب
قَوْله تَعَالَى إِلَّا خلق الْأَوَّلين يقْرَأ بِفَتْح الْخَاء وَضمّهَا فالحجة لمن فتح أَنه أَرَادَ الْمصدر من قَوْلهم خلق واختلق بِمَعْنى كذب وَالْحجّة لمن ضم أَنه أَرَادَ عَادَة الْأَوَّلين مِمَّن تقدم
قَوْله تَعَالَى فرهين يقرأبإثبات الْألف وحذفها فالحجة لمن أثبتها أَنه أَرَادَ حاذقين بِمَا يَعْمَلُونَهُ وَالْحجّة لمن حذفهَا أَنه أَرَادَ أشرين بطرين
قَوْله تَعَالَى نزل بِهِ الرّوح الْأمين يقْرَأ بِالتَّشْدِيدِ وَنصب الرّوح وبالتخفيف وَالرَّفْع فالحجة لمن شدد أَنه جعل الْفِعْل لله عز وجلّ وَدَلِيله قَوْله وَإنَّهُ لتنزيل رب الْعَالمين وَالْحجّة لمن خفف أَنه جعل الْفِعْل لجبريل عَلَيْهِ السَّلَام فرفعه بِفِعْلِهِ فَأَما قَوْله فَإِنَّهُ نزله على قَلْبك بِإِذن الله فالتشديد لَا غير لاتصال الْهَاء بِاللَّامِ وَحذف الْبَاء
قَوْله تَعَالَى أولم يكن لَهُم آيَة يقْرَأ بِالْيَاءِ وَالنّصب وبالتاء وَالرَّفْع فالحجة لمن رفع الْآيَة أَنه جعلهَا اسْم كَانَ وَالْخَبَر أَن يُعلمهُ وَالْحجّة لمن نصب أَنه جعل الْآيَة الْخَبَر وَالِاسْم أَن يُعلمهُ لِأَنَّهُ بِمَعْنى علم عُلَمَاء بني إِسْرَائِيل فَهُوَ أولى بِالِاسْمِ لِأَنَّهُ معرفَة وَالْآيَة نكرَة وَهَذَا من شَرط كَانَ إِذا اجْتمع فِيهَا معرفَة ونكرة كَانَت الْمعرفَة بِالِاسْمِ أولى من النكرَة(1/268)
سُورَة النَّمْل وَمعنى الْآيَة أولم يكن علم عُلَمَاء بني إِسْرَائِيل لمُحَمد عَلَيْهِ السَّلَام فِي الْكتب الْمنزلَة إِلَى الْأَنْبِيَاء قبله أَنه نَبِي آيَة بَيِّنَة وَدلَالَة ظَاهِرَة وَلَكِن لما جَاءَهُم مَا كَانُوا يعْرفُونَ كفرُوا بِهِ على عمد لتأكد الْحجَّة عَلَيْهِم
قَوْله تَعَالَى وتوكل على الْعَزِيز يقْرَأ بِالْفَاءِ وَالْوَاو على حسب مَا ثَبت فِي السوَاد فالحجة لمن قَرَأَ بِالْفَاءِ أَنه جعله جَوَابا لقَوْله تَعَالَى فَإِن عصوك فتوكل وَالْحجّة لمن قَرَأَهُ بِالْوَاو أَنه جعل الْجَواب فِي قَوْله فَقل ثمَّ ابْتَدَأَ قَوْله وتوكل بِالْوَاو مستأنفا وَمعنى التَّوَكُّل قطع جَمِيع الآمال إِلَّا مِنْهُ وَإِزَالَة الرَّغْبَة عَن كل إِلَّا عَنهُ
قَوْله تَعَالَى يتبعهُم الْغَاوُونَ يقْرَأ بتَشْديد التَّاء وَفتحهَا وبالتخفيف وإسكانها وَقد تقدم من القَوْل فِي علل ذَلِك مَا يُغني عَن إِعَادَته
وَمن سُورَة النَّمْل
قَوْله تَعَالَى بشهاب قبس يقْرَأ بِالتَّنْوِينِ وَالْإِضَافَة فالحجة لمن أضَاف أَنه جعل الشهَاب غير القبس فأضافه أَو يكون أَرَادَ بشهاب من قبس فأسقط من وأضاف أَو يكون أضَاف والشهاب هُوَ القبس لاخْتِلَاف اللَّفْظَيْنِ كَمَا قَالَ تَعَالَى ولدار الْآخِرَة خير وَالْحجّة لمن نون أَنه جعل القبس نعتا لشهاب فأعربه بإعرابه وأصل الشهَاب كل أَبيض نوري
قَوْله تَعَالَى وبشرى يقرا بالتفخيم على الأَصْل وبالإمالة لمَكَان الْيَاء وَمثله فَلَمَّا رَآهَا تهتز يقْرَأ بالتفخيم والإمالة فَأَما كسر الرَّاء والهمزة فتسمى إمالة الإمالة
قَوْله تَعَالَى مَالِي لَا أرى الهدهد وَمَالِي لَا أعبد فِي يس يقرآن بِالتَّحْرِيكِ والإسكان فالحجة لمن فتح أَن كل اسْم مكنى كَانَ على حرف وَاحِد مَبْنِيّ على حَرَكَة كالتاء فِي قُمْت وَالْكَاف فِي ضربك فَكَذَلِك الْيَاء وَالْحجّة لمن أسكن أَن(1/269)
سُورَة النَّمْل الْحَرَكَة على الْيَاء ثَقيلَة فأسكنها تَخْفِيفًا وَهَذَا لَا سُؤال فِيهِ وَإِنَّمَا السُّؤَال على أبي عَمْرو لِأَنَّهُ أسكن فِي النَّمْل وحرك فِي يس
وَله فِي ذَلِك ثَلَاث حجج إِحْدَاهُنَّ مَا حكى عَنهُ أَنه فرق بَين الِاسْتِفْهَام فِي النَّمْل وَبَين الانتفاء فِي يس وَالثَّانيَِة أَنه اتى باللغتين ليعلم جوازهما وَالثَّالِثَة أَن الِاسْتِفْهَام يصلح الْوَقْف عَلَيْهِ فأسكن لَهُ الْيَاء كَقَوْلِك مَا لي وَمَا لَك والانتفاء يبْنى على الْوَصْل من غير نِيَّة وقُوف فحركت الْيَاء لهَذَا الْمَعْنى
قَوْله تَعَالَى اوليأتيني بسُلْطَان مُبين يقرأبإظهار النونين وبالإدغام فالحجة لمن أظهر أَنه أَتَى بِاللَّفْظِ على الأَصْل لِأَن الأولى نون التَّأْكِيد مُشَدّدَة وَالثَّانيَِة مَعَ الْيَاء اسْم الْمَفْعُول بِهِ وَالْحجّة لمن أدغم أَنه استثقل الْجمع بَين ثَلَاث نونات مُتَوَالِيَات فَخفف بِالْإِدْغَامِ وَحذف إِحْدَاهُنَّ لِأَن ذَلِك لَا يخل بِلَفْظ وَلَا يحِيل معنى وَالسُّلْطَان هَا هُنَا الْحجَّة
قَوْله تَعَالَى فَمَكثَ غير بعيد يقْرَأ بِضَم الْكَاف إِلَّا مَا رُوِيَ عَن عَاصِم من فتحهَا وهما لُغَتَانِ وَالِاخْتِيَار عِنْد النَّحْوِيين الْفَتْح لِأَنَّهُ لَا يَجِيء اسْم الْفَاعِل من فعل يفعل بِالضَّمِّ إِلَّا على وزن فعيل إِلَّا الْأَقَل كَقَوْلِهِم حامض وفاضل
قَوْله تَعَالَى من سبأبنبأ يَقِين يقرا بالإجراء والتنوين وبترك الإجراء وَالْفَتْح من غير تَنْوِين وبإسكان الْهمزَة فالحجة لمن أجراه أَنه جعله اسْم جبل أَو اسْم أَب للقبيلة وَالْحجّة لمن لم يجره أَنه جعله اسْم ارْض أَو امْرَأَة فثقل بالتعريف والتأنيث وَالْحجّة لمن أسكن الْهمزَة أَنه يَقُول اسْم الْهمزَة أَنه يَقُول هَذَا اسْم مؤنث وَهُوَ أثقل من الْمُذكر وَمَعْرِفَة وَهُوَ أثقل من النكرَة ومهموز وَهُوَ أثقل من الْمُرْسل فَلَمَّا اجْتمع فِي الِاسْم مَا ذَكرْنَاهُ من الثّقل خفف بالأسكان
وَسُئِلَ أَبُو عَمْرو عَن تَركه صرفه فَقَالَ هُوَ اسْم لَا أعرفهُ وَمَا لم تعرفه الْعَرَب لم تصرفه
قَوْله تَعَالَى الا يسجدوا يقْرَأ بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيف فالحجة لمن شدد أَنه(1/270)
سُورَة النَّمْل جعله حرفا ناصبا للْفِعْل وَلَا للنَّفْي وَأسْقط النُّون عَلامَة للنصب وَمَعْنَاهُ وزين لَهُم الشَّيْطَان أَلا يسجدوا لله وَالْحجّة لمن خفف أَنه جعله تَنْبِيها واستفتاحا للْكَلَام ثمَّ نَادَى بعده فاجتزأ بِحرف النداء من المنادى لإقباله عَلَيْهِ وحضوره فَأَمرهمْ حِينَئِذٍ بِالسُّجُود
وتلخيصه أَلا يَا هَؤُلَاءِ اسجدوا لله وَالْعرب تفعل ذَلِك كثيرا فِي كَلَامهَا قَالَ الشَّاعِر ... أَلا يَا اسلمي يَا دَار مي على البلى ... وَلَا زَالَ منهلا بجرعائك الْقطر ... أَرَادَ يَا هَذِه اسلمي وَدَلِيله أَنه فِي قِرَاءَة عبد الله هلا يَسْجُدُونَ وَإِنَّمَا تقع هلا فِي الْكَلَام تحضيضا على السُّجُود
قَوْله تَعَالَى وَيعلم مَا يخفون وَمَا يعلنون يقرآن بِالْيَاءِ وَالتَّاء وَقد تقدم ذكر علله فِيمَا مضى
قَوْله تَعَالَى أتمدونني بِمَال يقرأبإدغام النُّون فِي النُّون وَالتَّشْدِيد وَإِثْبَات الْيَاء وصلا ووقفا وبإظهار النونين وَإِثْبَات الْيَاء وصلا وبحذفها مَعَ الْإِظْهَار وصلا ووقفا وَقد ذكرت علله فِي نَظَائِره مُقَدّمَة
قَوْله تَعَالَى فَمَا أَتَانِي الله يقْرَأ بِالْمدِّ وَالْقصر وَإِثْبَات الْيَاء وَفتحهَا وإسكانها وحذفها وبالأمالة والتفخيم فالحجة لمن مد أَنه جعله من الْإِعْطَاء وَبِه قَرَأت الْأَئِمَّة وَالْحجّة لمن قصر أَنه جعله من الْمَجِيء وَمن أثبت الْيَاء وَفتحهَا كره إسكانها فتذهب لالتقاء الساكنين وَالْحجّة لمن حذفهَا أَنه اجتزأ بالكسرة مِنْهَا وَقد تقدم القَوْل فِي الِاحْتِجَاج لمن فخم وأمال(1/271)
سُورَة النَّمْل
قَوْله تَعَالَى وكشفت عَن سَاقيهَا قَرَأَهُ الْأَئِمَّة بإرسال الْألف إِلَّا مَا قَرَأَهُ ابْن كثير بِالْهَمْز مَكَان الْألف وَله فِي ذَلِك وَجْهَان أَحدهمَا أَن الْعَرَب تشبه مَالا يهمز بِمَا يهمز فتهمزه تَشْبِيها بِهِ كَقَوْلِهِم حلات السويق وَإِنَّمَا أَصله فِي قَوْلهم حلات الْإِبِل عَن الْحَوْض إِذا منعتها من الشّرْب وَالْآخر أَن الْعَرَب تبدل من الْهَمْز حُرُوف الْمَدّ واللين فأبدل ابْن كثير من حُرُوف الْمَدّ واللين همزَة تَشْبِيها بذلك فَأَما همزه فِي صَاد لقَوْله بِالسوقِ فَقيل كَانَ أَصله سؤوق على مَا يجب فِي جمع فعل فَلَمَّا اجْتمع واوان الأولى مَضْمُومَة همزها واجتزأ بهَا من الثَّانِيَة فحذفها
قَوْله تَعَالَى لنبيتنه وَأَهله ثمَّ لنقولن يقرآن بِالتَّاءِ وَالنُّون فالحجة لمن قَرَأَهُ بِالتَّاءِ أَنه أَرَادَ بِهِ كَأَن مُخَاطبا خاطبهم فَقَالَ تحالفوا من الْقسم لتبيتنه ثمَّ لتقولن فَأتى بِالتَّاءِ دلَالَة على خطاب الحضرة واسقطت نون التَّأْكِيد وَاو الْجمع لالتقاء الساكنين
قَوْله تَعَالَى مهلك أَهله يقرا بِضَم الْمِيم وَفتحهَا وبكسر اللَّام وَفتحهَا وَقد أَتَيْنَا على علله فِي الْكَهْف
قَوْله تَعَالَى أَنا دمرناهم يقرا بِكَسْر الْهمزَة وَفتحهَا فالحجة لمن كسر أَنه استأنفها بعد تَمام الْكَلَام وَالْحجّة لمن فتحهَا أَنه جعلهَا مُتَّصِلَة بِالْأولِ من وَجْهَيْن أَحدهمَا أَنه جعلهَا وَمَا اتَّصل بهَا خبر كَانَ وَالْآخر أَنه وَصلهَا بِالْبَاء ثمَّ أسقطها فوصل الْفِعْل إِلَيْهَا(1/272)
سُورَة النَّمْل
قَوْله تَعَالَى أئنكم لتأتون الرِّجَال يقْرَأ بِهَمْزَة وياء وبالمد وَغير الْمَدّ وبهمزتين وَقد ذكرت علله محكمَة فِيمَا سلف
قَوْله تَعَالَى إِلَّا امْرَأَته قدرناها يقْرَأ بتَشْديد الدَّال وتخفيفها وَقد تقدم القَوْل فِيهِ
قَوْله تَعَالَى قَلِيلا مَا تذكرُونَ يقْرَأ بِالتَّاءِ وَالْيَاء وبالتشديد وَالتَّخْفِيف وَقد ذكر آنِفا
قَوْله تَعَالَى بل ادارك يقْرَأ بِقطع الْألف وَإِسْكَان الدَّال وبوصل الْألف وَتَشْديد الدَّال وَزِيَادَة ألف بَين الدَّال وَالرَّاء فالحجة لمن قطع الْألف أَنه جعله مَاضِيا من الْأَفْعَال الرّبَاعِيّة وَمِنْه قَوْله إِنَّا لمدركون وَالْحجّة لمن وصل وشدد وَزَاد ألفا أَن الأَصْل عِنْده تدارك ثمَّ أسكن التَّاء وأدغمها فِي الدَّال فصارتا دَالا شَدِيدَة سَاكِنة فَأتى بِأَلف الْوَصْل ليَقَع بهَا الِابْتِدَاء وَكسر لَام بل لذهاب ألف الْوَصْل فِي درج الْكَلَام والتقائها مَعَ سُكُون الدَّال وَمثله فادارأتم فِيهَا قَالُوا اطيرنا بك وازينت وَظن أَهلهَا
قَوْله تَعَالَى أئذا كُنَّا تُرَابا وآباؤنا مَذْكُور فِيمَا تقدم
فَأَما قَوْله أئنا يقرا بالاستفهام والإخبار فالحجة لمن استفهم أَنه أَرَادَ أإنا(1/273)
سُورَة النَّمْل بهمزتين فَقلب الثَّانِيَة يَاء لانكسارها تَخْفِيفًا لَهَا وَالْحجّة لمن أخبر أَنه أَرَادَ إننا فاستثقل الْجمع بَين ثَلَاث نونات فَحذف إِحْدَاهُنَّ تَخْفِيفًا ثمَّ أدغم النُّون فِي النُّون للماثلة وَالْحجّة لمن أظهر النونات فِي الْإِخْبَار أَنه أَتَى بالْكلَام على أَصله ووفاه مَا أوجبه الْمَعْنى لَهُ فَأَما الِاسْم المكنى فَفِي مَوضِع نصب بإن فِي كل الْوُجُوه
قَوْله تَعَالَى وَلَا تسمع الصم يقرأبالياء مَفْتُوحَة وَرفع الصم وبالتاء مَضْمُومَة وَنصب الصم وَقد بَين الْوَجْه فِي ذَلِك مشروحا فِي سُورَة الْأَنْبِيَاء فَإِن قيل فَأَي حجَّة تثبت عَلَيْهِم إِذا كَانُوا صمًّا فَقل هَذَا مثل وَإِنَّمَا نسبوا إِلَى الصمم لِأَن الرَّسُول عَلَيْهِ السَّلَام لما وعظهم فتكبروا عَن الْوَعْظ ومجته آذانهم وَلم ينجح فيهم كَانُوا بِمَنْزِلَة من لم يسمع أَلا ترى إِلَى قَول الشَّاعِر ... أَصمّ عَمَّا سَاءَهُ سميع ...
قَوْله تَعَالَى وَلَا تكن فِي ضيق يقرا بِفَتْح الضَّاد وَكسرهَا وَقد ذكر فِيمَا سلف
قَوْله تَعَالَى بهادي الْعمي يقرأبالياء وَاسم الْفَاعِل مُضَافا وخفض الْعمي وبالتاء مَكَان الْبَاء عَلامَة للمضارعة وَنصب الْعمي فالحجة لمن أَدخل الْبَاء أَنه شبه مَا بليس فأكد بهَا الْخَبَر فَإِن أسقط الْبَاء كَانَ لَهُ فِي الِاسْم الرّفْع وَالنّصب وَالْحجّة لمن قَرَأَهُ بِالتَّاءِ أَنه جعله فعلا مضارعا لاسم الْفَاعِل لِأَنَّهُ ضارعه فِي الْإِعْرَاب وَقَامَ مقَامه فِي الْحَال فَأعْطِي الْفِعْل بشبهه الْإِعْرَاب وَأعْطِي اسْم الْفَاعِل بشبهه الإعمال(1/274)
سورةالنمل
وَالْفِعْل هَا هُنَا مَرْفُوع بِاللَّفْظِ فِي مَوضِع نصب بِالْمَعْنَى والعمي منصوبون بتعديه إِلَيْهِم وعَلى هَذَا تَأتي الْحجَّة فِي سُورَة الرّوم إِلَّا فِي الْوَقْف فَإِن الْوَقْف هَا هُنَا بِالْيَاءِ وَفِي الرّوم بِغَيْر يَاء اتبَاعا لخط السوَاد
قَوْله تَعَالَى تكلمهم أَن النَّاس يقْرَأ بِكَسْر الْهمزَة وَفتحهَا فالحجة لمن كسر أَنه جعل الْكَلَام تَاما عِنْد قَوْله تكلمهم ثمَّ ابتدأإن مستأنفا فَكسر وَالْحجّة لمن فتح أَنه أعمل تكلمهم فِي أَن بعد طرح الْخَافِض فوصل الْفِعْل إِلَيْهَا فموضعها على هَذَا نصب بتعدي الْفِعْل إِلَيْهَا فِي قَول الْبَصرِيين وَنصب بفقدان الْخَافِض فِي قَوْله الْفراء وخفض فِي قَول الْكسَائي وَإِن فقد الْخَافِض
قَوْله تَعَالَى وكل أَتَوْهُ يقْرَأ بِالْمدِّ وَضم التَّاء وبالقصر وَفتح التَّاء فالحجة لمن مد أَنه جعله جمعا سالما ل آتٍ وَأَصله آتونه فَسَقَطت النُّون لمعاقبة الْإِضَافَة فالهاء فِي مَوضِع خفض وَالْحجّة لمن قصر أَنه جعله فعلا مَاضِيا بِمَعْنى جَاءَ وَالْوَاو دَالَّة على الْجمع وَالرَّفْع والتذكير وَالْهَاء فِي مَوضِع نصب بتعدي الْفِعْل إِلَيْهَا
فَإِن قيل لم اخْتصَّ مَا يعقل بِجمع السَّلامَة دون مَا لَا يعقل فَقل لفضيلة مَا يعقل على مَا لَا يعقل فضل فِي اللَّفْظ بِهَذَا الْجمع كَمَا فضل بالأسماء الْأَعْلَام فِي الْمَعْنى وَحمل مَا لَا يعقل فِي الْجمع على مؤنث مَا يعقل لِأَن الْمُؤَنَّث الْعَاقِل فرع على الْمُذكر والمؤنث مِمَّا لَا يعقل فرع على الْمُؤَنَّث الْعَاقِل فتجانسا بالفرعية فاجتمعا فِي لفظ الْجمع بِالْألف وَالتَّاء
قَوْله تَعَالَى بِمَا يَفْعَلُونَ يقْرَأ بِالتَّاءِ وَالْيَاء على مَا قدمْنَاهُ من مُشَاهدَة الحضرة والغيبة
قَوْله تَعَالَى من فزع يَوْمئِذٍ يقْرَأ بِالتَّنْوِينِ وَالنّصب وبالأضافة وَكسر الْمِيم(1/275)
سُورَة الْقَصَص وَفتحهَا مَعًا وَقد ذكر علله فِي آخر الْمَائِدَة بِمَا يُغني عَن إِعَادَة القَوْل فِيهِ
قَوْله تَعَالَى وَمَا رَبك بغافل عَمَّا يعْملُونَ يقْرَأ بِالْيَاءِ وَالتَّاء وَقد ذكرت علله فِي عدَّة مَوَاضِع
وَمن سُورَة الْقَصَص
قَوْله تَعَالَى ونرى فِرْعَوْن وهامان وجنودهما يقْرَأ بالنُّون وَالنّصب وبالياء وَالرَّفْع فالحجة لمن قَرَأَهُ بالنُّون وَالنّصب أَنه رده على قَوْله تَعَالَى ونريد أَن نمن وأَن نرى فَأتى بالْكلَام على سنَن وَاحِد وَنصب فِرْعَوْن وَمن بعده بتعدي الْفِعْل إِلَيْهِم وَالله هُوَ الْفَاعِل بهم عز وجلّ لِأَنَّهُ بذلك أخبر عَن نَفسه وَالْحجّة لمن قَرَأَهُ بِالْيَاءِ أَنه اسْتَأْنف الْفِعْل بِالْوَاو وَدلّ الْإِخْبَار عَن فِرْعَوْن وَنسب الْفِعْل إِلَيْهِ فرفعه بِهِ وَعطف من بعده بِالْوَاو عَلَيْهِ
قَوْله تَعَالَى وحزنا يقْرَأ بِضَم الْحَاء وَإِسْكَان الزَّاي وبفتحهما مَعًا وَقد تقدّمت الْحجَّة فِيهِ فِيمَا سلف مستقصاة
قَوْله تَعَالَى حَتَّى يصدر الرعاء يقرأبفتح الْيَاء وَضم الدَّال وبضم الْيَاء وَكسر الدَّال وبإشمام الصَّاد الزَّاي وخلوصها صادا فالحجة لمن ضم الْيَاء أَنه جعله فعلا هم فاعلوه يتَعَدَّى إِلَى مفعول مَعْنَاهُ حَتَّى يصدر الرعاء مَوَاشِيهمْ وَالْحجّة لمن فتح الْيَاء أَنه جعله فعلا لَهُم غير مُتَعَدٍّ إِلَى غَيرهم وَالْحجّة لمن أَشمّ الصَّاد الزَّاي أَنه قربهَا بذلك من الدَّال لسكون الصَّاد ومجيء الدَّال بعْدهَا
والرعاء بِكَسْر الرَّاء وَالْمدّ جمع رَاع وَفِيه وَجْهَان آخرَانِ رَاعُونَ على السَّلامَة ورعاة على التكسير وَهُوَ جمع مُخْتَصّ بِهِ الِاسْم المعتل فأصله عِنْد الْبَصرِيين رعية(1/276)
سُورَة الْقَصَص انقلبت ياؤه ألفا لتحركها وانفتاح مَا قبلهَا وَأَصله عِنْد الْكُوفِيّين رعى فحذفوا حرفا كَرَاهِيَة للتشديد وألحقوا الْهَاء عوضا مِمَّا حذفوا فَانْقَلَبت الْيَاء ألفا لِأَن مَا قبل الْهَاء لَا يكون إِلَّا مَفْتُوحًا
قَوْله تَعَالَى أَو جذوة من النَّار يقْرَأ بِكَسْر الْجِيم وَفتحهَا وَضمّهَا وَهن لُغَات كَمَا قَالُوا فِي اللَّبن رغوة ورغوة ورغوة وَالْكَسْر أفْصح وَمعنى الجذوة عود فِي رَأسه نَار
قَوْله تَعَالَى من الرهب يقْرَأ بِضَم الرَّاء وَفتحهَا وبفتح الْهَاء وإسكانها فَقيل هن لُغَات ومعناهن الْفَزع والجناح من الْإِنْسَان الْيَد
وَالْمعْنَى إِنَّه لما ألْقى الْعَصَا فَصَارَت جانا فزع مِنْهَا فَأمر بِضَم يَده إِلَى أضلاعه ليسكن من روعه
وَقيل الرهب هَا هُنَا الْكمّ تَقول الْعَرَب أَعْطِنِي مَا فِي رهبتك فَإِن صَحَّ ذَلِك فإسكانه غير وَاجِب لِأَن الْعَرَب تسكن المضموم والمكسور وَلَا تسكن المفتوح أَلا ترى إِلَى حِكَايَة الاصمعي عَن أبي عَمْرو وَقَالَ قلت لَهُ أَنْت تميل فِي قراءتك إِلَى التَّخْفِيف فَلم لم تقرأيدعوننا رغبا ورهبا بالإسكان فَقَالَ لي وَيلك أجمل أخف أم جمل
قَوْله تَعَالَى فذانك برهانان يقْرَأ بتَشْديد النُّون وتخفيفها قد ذكرت علله فِي سُورَة النِّسَاء
فَأَما البرهانان فاليد الْبَيْضَاء من غير سوء أَي من غير برص والعصا المنقلبة جانا(1/277)
سُورَة الْقَصَص
وَأما قَوْله وَلَقَد آتَيْنَا مُوسَى تسع آيَات بَيِّنَات فَقيل خمس فِي الْأَعْرَاف قَوْله فَأَرْسَلنَا عَلَيْهِم الطوفان وَالْجَرَاد وَالْقمل والضفادع وَالدَّم وَالْيَد والعصا وَحل عقد لِسَانه وفلق الْبَحْر لَهُ ولأمته
قَوْله تَعَالَى
ردْءًا يصدقني يقْرَأ بِإِسْكَان الدَّال وَتَحْقِيق الْهمزَة وبفتح الدَّال وَتَخْفِيف الْهمزَة فالحجة لمن حقق أَنه أَتَى بالْكلَام على أَصله وَمَعْنَاهُ العون وَالْحجّة لمن خفف أَنه نقل حَرَكَة الْهمزَة إِلَى الدَّال فحركها ولين الْهمزَة تَخْفِيفًا
فَأَما يصدقني فأجمع على جزمه خَمْسَة من الْأَئِمَّة جَوَابا للطلب وَرَفعه حَمْزَة وَعَاصِم وَلَهُمَا فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنَّهُمَا جعلاه صلَة للنكرة وَالثَّانِي أَنَّهُمَا جعلاه حَالا من الْهَاء وَقد ذكر ذَلِك مشروحا فِي اول سُورَة مَرْيَم
قَوْله تَعَالَى وَقَالَ مُوسَى رَبِّي أعلم يقْرَأ بِإِثْبَات الْوَاو وحذفها فالحجة لمن أثبتها أَنه رد بهَا القَوْل على مَا تقدم من قَوْلهم وَالْحجّة لمن حذفهَا أَنه جعل قَول مُوسَى مُنْقَطِعًا من قَوْلهم
قَوْله تَعَالَى وَمن تكون لَهُ عَاقِبَة الدَّار يقْرَأ بِالْيَاءِ وَالتَّاء وَالْحجّة فِيهِ مَا قدمْنَاهُ فِي امثاله
قَوْله تَعَالَى لَا يرجعُونَ يقرأبضم الْيَاء على معنى يردون وَبِفَتْحِهَا على معنى يصيرون
قَوْله تَعَالَى ساحران تظاهرا يقْرَأ بِإِثْبَات الْألف وطرحها فالحجة لمن أثبتها أَنهم كنوا بذلك عَن مُوسَى وَمُحَمّد عَلَيْهِمَا السَّلَام وَالْحجّة لمن طرحها أَنه أَرَادَ كنايتهم بذلك عَن التَّوْرَاة وَالْفرْقَان
قَوْله تَعَالَى تجى إِلَيْهِ يقرأبالياء وَالتَّاء على مَا بَيناهُ آنِفا(1/278)
سُورَة العنكبوت قَوْله تَعَالَى لخسف يقْرَأ بِضَم الْخَاء ادلالة على بِنَاء مَا لم يسم فَاعله وَبِفَتْحِهَا دلَالَة على الْإِخْبَار بذلك عَن الله عز وجلّ وَمعنى قَوْله ويك أَنه ألم تَرَ أَنه وفيهَا وَجْهَان فَأهل الْبَصْرَة يختارون الْوَقْف على وي لِأَنَّهَا عِنْدهم كلمة حزن ثمَّ يبتدئون كَأَنَّهُ وَأهل الْكُوفَة يختارون وَصلهَا لِأَنَّهَا عِنْدهم كلمة وَاحِدَة أَصْلهَا وَيلك أَنه فحذفت اللَّام ووصلت بقوله أَنه
وَمن سُورَة العنكبوت
قَوْله تَعَالَى أولم يرَوا كَيفَ يبدئ الله الْخلق يقْرَأ بِالْيَاءِ وَالتَّاء فالحجة لمن قَرَأَهُ بِالتَّاءِ أَنه أَرَادَ معنى المواجهة بِالْخِطَابِ لما أَنْكَرُوا الْبَعْث والنشور فَقيل لَهُم فإنكاركم لابتداء الْخلق أولى بذلك فإمَّا أَن تنكروهما جَمِيعًا أَو تقروا بهما جَمِيعًا وَالْحجّة لمن قَرَأَهُ بِالْيَاءِ فعلى طَرِيق الْغَيْبَة والبلاغ لَهُم
فَأَما قَوْله يبدئ فَيقْرَأ بِضَم الْيَاء وَكسر الدَّال وبفتح الْيَاء وَالدَّال مَعًا فالحجة لمن ضم أَنه أَخذه من أبدأ وَمن فتح أَخذه من بَدَأَ وهما لُغَتَانِ
قَوْله تَعَالَى النشأة يقْرَأ بِالْمدِّ وَالْقصر والهمز فيهمَا وَالْقَوْل فِي ذَلِك كالقول فِي رأفة فإسكانها كقصرها وحركتها كمدها وَهِي فِي الْوَجْهَيْنِ مصدر
قَوْله تَعَالَى مَوَدَّة بَيْنكُم يقْرَأ بِالْإِضَافَة وَالرَّفْع مَعًا وَالنّصب وبالتنوين وَالرَّفْع مَعَه وَالنّصب فالحجة لمن رفع مَعَ الْإِضَافَة أَنه جعل إِنَّمَا كَلِمَتَيْنِ منفصلتين إِن الناصبة وَمَا بِمَعْنى الَّذِي واتخذتم صلَة مَا وَفِي اتخذتم هَا محذوفة تعود على الَّذِي واوثانا مفعول بِهِ ومودة خبر إِن وتلخيصه إِن الَّذِي اتخذتموه أوثانا موده بَيْنكُم وَمثله قَول الشَّاعِر(1/279)
سُورَة العنكبوت ... دريني إِنَّمَا خطئي وصوبي ... عَليّ وَإِنَّمَا أهلكت مَال ...
وَله فِي الرّفْع وَجه آخر أَن يرفع قَوْله مَوَدَّة بِالِابْتِدَاءِ لِأَن الْكَلَام قد تمّ عِنْد قَوْله أوثانا وَقَوله فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا الْخَبَر وَالْحجّة لمن نصب أَنه جعل الْمَوَدَّة مفعول اتخذتم سَوَاء أضَاف أَو نون وَجعل إِنَّمَا كلمة وَاحِدَة أَو جعل الْمَوَدَّة بَدَلا من الاوثان وَمن نصب بَيْنكُم مَعَ التَّنْوِين جعله ظرفا وَمن خفضه مَعَ الْإِضَافَة جعله اسْما بِمَعْنى وصلكم وَقد ذكر ذَلِك فِي الْأَنْعَام
قَوْله تَعَالَى ولوطا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أئنكم لتأتون الْفَاحِشَة أئنكم لتأتون الرِّجَال يقرآن مَعًا بالاستفهام وَيقْرَأ الأول بالاخبار وَالثَّانِي بالاستفهام وبتحقيق الهمزتين مَعًا وبتحقيق الأولى وتليين الثَّانِيَة وَقد تقدم من القَوْل فِي تَعْلِيله مَا يُغني عَن إِعَادَته
قَوْله تَعَالَى لننجينه وَأَهله وَإِنَّا منجوك وَأهْلك يقرآن بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيف وبتشديد الأول وَتَخْفِيف الثَّانِي فالحجة فِي ذَلِك كُله مَا قدمْنَاهُ من أَخذ المشدد من نجى وَأخذ المخفف من أنجى وَمثله قَوْله إِنَّا منزلون يقْرَأ بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيف
قَوْله تَعَالَى إِن الله يعلم مَا يدعونَ يقْرَأ بِالْيَاءِ وَالتَّاء على مَا قدمْنَاهُ من القَوْل فِي أَمْثَاله
قَوْله تَعَالَى لَوْلَا أنزل عَلَيْهِ آيَة يقْرَأ بِالتَّوْحِيدِ وَالْجمع فالحجة لن وحد أَنه اجتزأ بِالْوَاحِدِ من الْجمع لِأَنَّهُ نَاب عَنهُ وَقَامَ مقَامه وَالْحجّة لمن جمع أَنه أَتَى بِاللَّفْظِ(1/280)
سُورَة العنكبوت على حَقِيقَته وَدَلِيله قَوْله بعد ذَلِك إِنَّمَا الْآيَات عِنْد الله
قَوْله تَعَالَى وَيَقُول ذوقوا يقْرَأ بالنُّون وَالْيَاء وهما إِخْبَار عَن الله عز وجلّ فالنون إخْبَاره تَعَالَى عَن نَفسه وَالْيَاء إِخْبَار نبيه عَلَيْهِ السَّلَام عَنهُ
قَوْله تَعَالَى يَا عباد الَّذين آمنُوا هَا هُنَا يَا عباد الَّذين أَسْرفُوا فِي الزمر يقرآن بِإِثْبَات الْيَاء وحذفها فالحجة لمن أثبت أَنه أَتَى بالْكلَام على أَصله لِأَن أصل كل يَاء الْإِثْبَات وَالْفَتْح لالتقاء الساكنين وَالْحجّة لمن أسكنها وحذفها لفظا أَنه اجتزأ بالكسرة مِنْهَا وحذفها لِأَن بِنَاء النداء على الْحَذف وَالِاخْتِيَار لمن حرك الْيَاء بِالْفَتْح أَن يقف بِالْيَاءِ لِأَنَّهَا ثَابِتَة فِي السوَاد فَأَما قَوْله يَا عبَادي لَا خوف عَلَيْكُم فَيَأْتِي فِي مَوْضِعه إِن شَاءَ الله
قَوْله تَعَالَى إِن أرضي وَاسِعَة أجمع الْقُرَّاء على إسكانها إِلَّا ابْن عَامر فَإِنَّهُ فتحهَا على الأَصْل
قَوْله تَعَالَى ثمَّ إِلَيْنَا يرجعُونَ يقْرَأ بِالتَّاءِ وَالْيَاء على مَا قدمْنَاهُ من القَوْل فِي أَمْثَاله
قَوْله تَعَالَى لنبوئنهم يقرأبالنون وَالْبَاء وبالنون والثاء ومعناهما قريب فالحجة لمن قَرَأَ بالنُّون وَالْبَاء أَنه أَرَادَ لننزلنهم من الْجنَّة غرفا وَدَلِيله قَوْله وَالَّذين تبوءوا الدَّار وَالْإِيمَان من قبلهم وَالْحجّة لمن قَرَأَ بالنُّون والثاء أَنه أَرَادَ النُّزُول وَالْإِقَامَة وَمِنْه قَوْله وَمَا كنت ثاويا فِي أهل مَدين(1/281)
سُورَة مَرْيَم
قَوْله تَعَالَى وليتمتعوا يقْرَأ بِإِسْكَان اللَّام وَكسرهَا فالحجة لمن أسكن أَنه جعلهَا لَام وَعِيد فِي لفظ الْأَمر كَقَوْلِه اعْمَلُوا مَا شِئْتُم
وَلمن كسر وَجْهَان أَحدهمَا أَن تكون لَام الْوَعيد أجراها على أَصْلهَا فَكَسرهَا مَعَ الْوَاو وَالْآخر أَن تكون لَام كي مَرْدُودَة بِالْوَاو على قَوْله ليكفروا بِمَا آتَيْنَاهُم فَيكون الْفِعْل بهَا مَنْصُوبًا وبالأولى مَجْزُومًا
وَمن سُورَة الرّوم
قَوْله تَعَالَى ثمَّ كَانَ عَاقِبَة الَّذين أساءوا السوءى أَن كذبُوا يقرا بِنصب عَاقِبَة وَرفع السوءى وبرفع عَاقِبَة وَنصب السوءى وبالتفخيم فِي السوءى والإمالة على مَا قدمْنَاهُ من الِاحْتِجَاج فِي أَمْثَاله
وَوزن السوءى فعلى من السوء وَهِي هَا هُنَا الْعَذَاب وَقَوله أَن كذبُوا فِي مَوضِع نصب لِأَنَّهُ مفعول لَهُ مَعْنَاهُ لكذبهم
قَوْله تَعَالَى ثمَّ إِلَيْهِ ترجعون يقْرَأ بِالْيَاءِ وَالتَّاء وَالْفَتْح وَالضَّم وَقد تقدم ذكر مَعْنَاهُ
قَوْله تَعَالَى لآيَات للْعَالمين يقْرَأ بِفَتْح اللَّام وَكسرهَا فالحجة لن فتح أَنه جعله جمع عَالم والعالم يحتوي على كل الْمَخْلُوقَات من إنس وجان وجماد وحيوان وَالْحجّة لمن كسر أَنه جعله جمع عَالم لِأَن الْعَالم أقرب إِلَى الِاعْتِبَار من الْجَاهِل وَدَلِيله قَوْله وَمَا يَعْقِلهَا إِلَّا الْعَالمُونَ
فَإِن قيل فَمَا وَجه دُخُول الْحَيَوَان والجماد فِي جملَة من يعتبروهما لَا يعقلان ذَلِك فَقل إِن اللَّفْظ وَإِن كَانَ عَاما فَالْمُرَاد بِهِ الْخَاص مِمَّن يعقل وَدَلِيله قَوْله تَعَالَى وَهُوَ فَضلكُمْ على الْعَالمين جَاءَ التَّفْسِير أَنه اراد عَالم أهل زمانكم من الرِّجَال وَالنِّسَاء(1/282)
سُورَة الرّوم
قَوْله تَعَالَى وَكَذَلِكَ تخرجُونَ يقْرَأ بِفَتْح التَّاء وَضم الرَّاء وبضم التَّاء وَفتح الرَّاء فالحجة لمن فتح التَّاء أَنه جعله الْفِعْل لَهُم وَالْحجّة لمن ضم أَنه جعله لما لم يسم فَاعله
قَوْله تَعَالَى وَمَا آتيتم من رَبًّا يقْرَأ بِالْمدِّ من الْإِعْطَاء وَدَلِيله إِجْمَاعهم على مد قَوْله بعده وَمَا آتيتم من زَكَاة إِلَّا مَا رُوِيَ عَن ابْن كثير من الْقصر يُرِيد بِهِ معنى الْمَجِيء
قَوْله تَعَالَى ليربوا فِي أَمْوَال النَّاس أجمع الْقُرَّاء على قِرَاءَته بِالْيَاءِ وَفتح الْوَاو لِأَنَّهُ فعل مضارع دخلت عَلَيْهِ لَام كي والربا فَاعله إِلَّا مَا انْفَرد بِهِ نَافِع من التَّاء فِي مَوضِع الْيَاء مَضْمُومَة وَإِسْكَان الْوَاو لِأَنَّهُ جعل التَّاء دَلِيلا للخطاب وَضمّهَا لِأَنَّهَا من أربى وأسكن الْوَاو لِأَنَّهَا للْجمع وَجعل عَلامَة النصب سُقُوط النُّون وَحمله على ذَلِك كتَابَتهَا فِي السوَاد بِأَلف بعد الْوَاو
قَوْله تَعَالَى كسفا يقرا بِإِسْكَان السِّين وَفتحهَا وَقد ذكرت علته فِي سُورَة بني إِسْرَائِيل
قَوْله تَعَالَى إِلَى آثَار رَحْمَة الله يقْرَأ بِالتَّوْحِيدِ وَالْجمع فالحجة لمن وحد أَنه أكتفى بِالْوَاحِدِ من الْجمع لنيابته عَنهُ وَدَلِيله قَوْله هم أولاء على أثري وَلم يقل آثاري وَالْحجّة لمن جمع أَنه أَرَادَ بِهِ أثار الْمَطَر فِي الأَرْض مرّة بعد مرّة وَالْمرَاد بِهَذَا من الله عز وجلّ تَعْرِيف من لَا يقر بِالْبَعْثِ وَلَا يُوقن بحياة بعد موت فَأَرَاهُم الله تَعَالَى إحْيَاء بعد موت ليعرفوا مَا غَابَ عَنْهُم بِمَا قد شاهدوه عيَانًا فَتكون أبلغ فِي الْوَعْظ لَهُم وَأثبت للحجة عَلَيْهِم
قَوْله تَعَالَى وَلَا تسمع الصم الدُّعَاء يقْرَأ بِفَتْح التَّاء وَالرَّفْع وَبِضَمِّهَا وَالنّصب وَقد ذكرت علله آنِفا(1/283)
سُورَة لُقْمَان
قَوْله تَعَالَى من ضعف يقْرَأ بِضَم الضَّاد وَفتحهَا وَقد ذكر وَجهه فِي الْأَنْفَال
قَوْله تَعَالَى لَا ينفع الَّذين ظلمُوا معذرتهم يقرأبالياء وَالتَّاء على مَا ذكر فِي أَمْثَاله
قَوْله تَعَالَى ليذيقهم بعض الَّذِي عمِلُوا أجمع الْقُرَّاء فِيهِ على الْيَاء إِلَّا مَا رَوَاهُ قنبل عَن ابْن كثير بالنُّون يخبر بذلك الله عز وجلّ عَن نَفسه بنُون الملكوت
وَمن سُورَة لُقْمَان
قَوْله تَعَالَى هدى وَرَحْمَة أجمع الْقُرَّاء على نصبهما على الْحَال أَو الْقطع من الْآيَات لِأَنَّهَا معرفَة وَالْهدى وَالرَّحْمَة نكرتان وَقد تمّ الْكَلَام دونهمَا إِلَّا مَا قَرَأَهُ حَمْزَة بِالرَّفْع وَله فِي ذَلِك وُجُوه أَحدهَا أَن يكون هدي مَرْفُوعَة بِالِابْتِدَاءِ وَرَحْمَة معطوفة عَلَيْهَا للمحسنين الْخَبَر وَالثَّانِي أَن يكون بَدَلا من قَوْله آيَات الْكتاب هدى وَرَحْمَة لِأَن آيَات الْكتاب كَذَلِك هِيَ أَو يكون أضمر لَهَا مثل مَا أظهر للآيات فَرَفعهَا بذلك لِأَن الْآيَات جَامِعَة للهدى وَالرَّحْمَة
قَوْله تَعَالَى ويتخذها يقْرَأ بِالرَّفْع وَالنّصب فالحجة لمن رفع أَنه رده على قَوْله يَشْتَرِي
وَالْوَجْه أَن يضمر لَهَا هُوَ لِأَن الْهَاء وَالْألف كِنَايَة عَن السَّبِيل وَالْحجّة لمن نصب أَنه رده على قَوْله ليضل عَن سَبِيل الله وليتخذها هزوا
قَوْله تَعَالَى يَا بني لَا تشرك بِاللَّه يَا بني إِنَّهَا يَا بني أقِم الصَّلَاة يقْرَأن بِالتَّشْدِيدِ وَكسر الْيَاء وَفتحهَا وبالتخفيف والإسكان فالحجة لمن شدد وَكسر أَنه أَرَادَ يَا بنيي بِثَلَاث ياءات الأولى يَاء التصغير وَالثَّانيَِة أَصْلِيَّة وَهِي لَام الْفِعْل وَالثَّالِثَة يَاء الْإِضَافَة إِلَى النَّفس فَحذف الْأَخير اجتزاء بِالْكَسْرِ مِنْهَا وتخفيفا للاسم لما اجْتمع فِيهِ ثَلَاث ياءات(1/284)
سُورَة لُقْمَان
وَلمن فتح الْيَاء مَعَ التَّشْدِيد وَجْهَان أَحدهمَا أَنه أَرَادَ يابنياه فرخم فَسَقَطت الْألف وَالْهَاء للترخيم لِأَنَّهُمَا زائدتان فالألف زيدت لبعد الصَّوْت وَالْهَاء للسكت فَبَقيَ الِاسْم على الْفَتْح الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ قبل التَّرْخِيم
وَالثَّانِي أَنه شبه هَذِه الْيَاء لما رَآهَا مُشَدّدَة وَمَعَهَا يَاء الْإِضَافَة بياء الِاثْنَيْنِ إِذا أضيفت إِلَيْهَا فَفَتحهَا كَمَا فتحُوا قَوْله إِحْدَى ابْنَتي هَاتين
فَإِن قيل فَمَا الْفرق بَين قَوْلك ابْنَتي وَبَين قَوْلك يَا بني وَكِلَاهُمَا مُضَاف إِلَى النَّفس بِالْيَاءِ الشَّدِيدَة فَقل الْفرق بَينهمَا لطيف فاعرفه وَذَلِكَ أَن الْيَاء فِي قَوْلك ابْنَتي سَاكِنة طبعا لِأَنَّهَا بدل من الْألف الَّتِي لَا يُمكن الْحَرَكَة فِيهَا بِوَجْه ثمَّ يدْخل يَاء الْإِضَافَة لِأَن النُّون تذْهب لمعاقبتها لَهَا وَالْأَصْل فِي يَاء الْإِضَافَة الْحَرَكَة فَكَانَ الْفَتْح أولى بهَا ففتحت لذَلِك وأدغمت فِيهَا يَاء التَّثْنِيَة لسكونها فَهَذَا وَجه الْفَتْح فِي الْيَاء الْمُضَاف إِلَيْهَا التَّثْنِيَة
وَأما وَجه كسر الْيَاء فِي قَوْلك يَا بني فَإِن وزن ابْن كوزن حصن فَإِذا قلت فِي التصغير حُصَيْن كَانَ كَقَوْلِك بني فَاجْتمع فِيهِ يَاء التصغير وياء الأَصْل الَّتِي هِيَ لَام الْفِعْل وَكَانَ الْإِعْرَاب عَلَيْهَا جَارِيا كَمَا جرى على النُّون من حُصَيْن ثمَّ دخلت عَلَيْهَا يَاء الْإِضَافَة فاجتذبت الْيَاء الشَّدِيدَة لقوتها إِلَى الْكسر لِأَن من شَرطهَا أَن تزيل الاعراب عَمَّا وليته وترده إِلَى الْكسر كَقَوْلِك حصيني فَتسقط يَاء الْإِضَافَة فِي بني لِكَثْرَة الياءات فَتبقى كَقَوْلِك حُصَيْن بِكَسْر النُّون وَسُقُوط الْيَاء فَأَنت الْآن تعلم ضَرُورَة أَن الْيَاء من حُصَيْن سَاكِنة وَهِي يَاء التصغير وَمثلهَا فِي قَوْلك بني وَالنُّون الْمَكْسُورَة فِي قَوْلك حُصَيْن مثلهَا يَاء الأَصْل فِي بني وَهِي مَكْسُورَة كالنون لتدل بِالْكَسْرِ على يَاء الْإِضَافَة الساقطة فَهَذَا تَلْخِيص الْفرق بَين يَاء الْإِضَافَة فِي التصغير والتثنية وَالدّلَالَة على فتح الْيَاء فِي التَّثْنِيَة وَكسرهَا فِي التصغير وَأما الْحجَّة لمن خفف الْيَاء وأسكن فَإِنَّهُ صغر وَلم يضف فَلَمَّا اجْتمع فِي آخر الِاسْم ياءان حذف إِحْدَاهمَا وَبَقِي الأولى وَهِي يَاء التصغير على سكونها فأجحف بِالِاسْمِ وَلَو أَتَى بِهِ منادى على أصل المواجهة لقَالَ يَا بني لِأَنَّهُ نِدَاء مُفْرد(1/285)
سُورَة لُقْمَان
قَوْله تَعَالَى وَلَا تصاعر خدك يقْرَأ بِإِثْبَات الْألف وَالتَّخْفِيف وبحذفها وَالتَّشْدِيد وَقد ذكر فِي أَمْثَاله مَا يُغني عَن إِعَادَته وَمعنى قَوْله لَا تصاعر خدك أَي لَا تمل بِوَجْهِك وَلَا تعرض تكبرا وَأَصله من الصعر وَهُوَ دَاء يُصِيب الْبَعِير فيلتوي لَهُ عُنُقه
قَوْله تَعَالَى إِن تَكُ مِثْقَال حَبَّة أجمع الْقُرَّاء على نصب مِثْقَال إِلَّا نَافِعًا فَإِنَّهُ رَفعه وَالْحجّة لمن لَهُ أَنه جعل كَانَ مِمَّا حدث وَوَقع وَلَا خبر لَهَا إِذا كَانَت كَذَلِك
قَوْله تَعَالَى وأسبغ عَلَيْكُم نعْمَة يقْرَأ بِالْجمعِ وَالْإِضَافَة وبالتوحيد فالحجة لمن جمع أَنه أَرَادَ بذلك جَمِيع النعم الَّتِي ينعم الله بهَا على عباده وَدَلِيله قَوْله شاكرا لأنعمه فالهاء هَا هُنَا كِنَايَة عَن اسْم الله عز وجلّ وَالْحجّة لمن وحد أَنه أَرَادَ نعْمَة الْإِسْلَام لِأَنَّهَا جَامِعَة لكل النعم وَمَا سواهَا يصغر فِي جنبها فالهاء هَا هُنَا عَلامَة للتأنيث فَأَما قَوْله ظَاهِرَة وباطنة فالظاهرة نعْمَة الْإِسْلَام والباطنة ستر الذُّنُوب
قَوْله تَعَالَى وَالْبَحْر يمده يقْرَأ بِالرَّفْع وَالنّصب فالحجة لمن رفع أَنه رده على مَا قبل دُخُول إِن عَلَيْهَا أَو استأنفه بِالْوَاو كَمَا قَالَ يغشى طَائِفَة مِنْكُم وَطَائِفَة وَالْحجّة لمن نصب أَنه رده على اسْم إِن
فَإِن قيل فَإِن من شَرط أبي عَمْرو أَن يرفع الْمَعْطُوف على إِن بعد تَمام الْخَبَر كَقَوْلِه والساعة لَا ريب فِيهَا فَقل حجَّته فِي ذَلِك أَن لَو تحْتَاج إِلَى جَوَاب يَأْتِي بعد الِابْتِدَاء وَالْخَبَر فَكَانَ الْمَعْطُوف عَلَيْهَا كالمعطوف على إِن قبل تَمام خَبَرهَا وَالدَّلِيل على ذَلِك أَن تَمام الْخَبَر هَاهُنَا فِي قَوْله مَا نفدت كَلِمَات الله وَهَذَا أدل(1/286)
سُورَة السَّجْدَة دَلِيل على دقة تَمْيِيز أبي عَمْرو ولطافة حذقه بِالْعَرَبِيَّةِ
قَوْله تَعَالَى بِمَا يعْملُونَ خَبِير إِجْمَاع الْقُرَّاء على التَّاء إِلَّا مَا رَوَاهُ عَيَّاش عَن أبي عَمْرو بِالْيَاءِ وَلم يروه اليزيدي
وَمن سُورَة السَّجْدَة
قَوْله تَعَالَى الَّذِي أحسن كل شَيْء خلقه يقرأبإسكان اللَّام وَفتحهَا فالحجة لمن أسكن أَنه أَرَادَ الَّذِي جعل عباده يحسنون خلق كل شَيْء وَيحْتَمل أَن يكون أَرَادَ الْمصدر فَكَأَنَّهُ قَالَ الَّذِي أحسن كل شَيْء خلقا وَابْتِدَاء وَالْحجّة لمن فتح أَنه أَرَادَ الْفِعْل الْمَاضِي وَالْهَاء الْمُتَّصِلَة بِهِ فِي مَوضِع نصب لِأَنَّهَا كِنَايَة عَن مفعول بِهِ وَمَعْنَاهُ أَنه أحسن خلق كلا شَيْء خلقه فكونه على إِرَادَته ومشيئته فَلهُ فِي كلا شَيْء صَنْعَة حَسَنَة تدل بأثارها على وحدانيته وحكمته وَدَلِيل ذَلِك قَوْله تَعَالَى إِنَّا جعلنَا مَا على الأَرْض زِينَة لَهَا وَعَلَيْهَا الْحسن والقبيح
قَوْله تَعَالَى أئذا ضللنا فِي الأَرْض أئنا يقرا بالاستفهام والإخبار وَقد تقدم ذكره
قَوْله تَعَالَى مَا أخْفى لَهُم أجمع الْقُرَّاء على فتح الْيَاء إِلَّا حَمْزَة فَإِنَّهُ أسكنها فالحجة لمن فتح أَنه جعلهَا فعلا مَاضِيا لما لم يسم فَاعله وألفه ألف قطع وَالْحجّة لِحَمْزَة أَنه جعله إِخْبَارًا عَن الْمُتَكَلّم فأسكن الْيَاء عَلامَة للرفع(1/287)
سُورَة الْأَحْزَاب
قَوْله تَعَالَى لما صَبَرُوا يقرأبفتح اللَّام وَالتَّشْدِيد وبكسرها وَالتَّخْفِيف فالحجة لمن شدد أَنه أَرَادَ حِين صَبَرُوا وَوقت صَبَرُوا وَدَلِيله قَوْلك ولاك السُّلْطَان لما صبرت وَالْحجّة لمن خفف أَنه أَرَادَ لصبرهم لِأَنَّهُ جعل مَا مَعَ صلتها بِمَعْنى الْمصدر وَمَا فِي قِرَاءَة من شدد فِي مَوضِع نصب على الظّرْف
وَمن سُورَة الْأَحْزَاب
قَوْله تَعَالَى بِمَا يعْملُونَ خَبِيرا يقرأبالياء وَالتَّاء فالحجة لمن قَرَأَهُ بِالْيَاءِ أَنه أتبع آخر الْكَلَام أَوله وَدَلِيله قَوْله وَلَا تُطِع الْكَافرين وَالْمُنَافِقِينَ إِن الله كَانَ بِمَا يعْملُونَ خَبِيرا وَالْحجّة لمن قَرَأَهُ بِالتَّاءِ أَنه جعله خطابا من الرَّسُول عَلَيْهِ السَّلَام لَهُم فِي حَال الْحُضُور
قَوْله تَعَالَى اللائي يقرأبهمزة مَكْسُورَة من غير يَاء وبكسرة الْيَاء من غير همز وَلَا إتْمَام يَاء وبهمزة مَكْسُورَة ممدودة وَهَذِه كلهَا لُغَات فِي جمع الَّتِي فالحجة لن همز وَكسر من غير يَاء أَنه أجتزا بِالْهَمْزَةِ من الْيَاء وَالْحجّة لمن كسر من غير همز وَلَا يَاء أَنه خفف الِاسْم وَجمع بَين ساكنين وَسَهل ذَلِك عَلَيْهِ أَن الأول حرف مد ولين فالمد الَّذِي فِيهِ يقوم مقَام الْحَرَكَة وَالْحجّة لمن همز وَمد أَنه أَتَى بِالْكَلِمَةِ على أصل مَا وَجب لَهَا
قَوْله تَعَالَى تظاهرون يقرأبإثبات الْألف وَتَشْديد الظَّاء وبالتخفيف مَعَ فتح التَّاء وَضمّهَا وبحذف الْألف وَتَشْديد الظَّاء فالحجة لمن شدد أَنه أَرَادَ تتظاهرون فأسكن التَّاء الثَّانِيَة وإدغمها فِي الظَّاء فَشدد لذَلِك وَالْحجّة لمن خفف وَضم التَّاء أَنه أَخذه من ظَاهر ثمَّ تظاهرون وَلمن فتح أَنه أَرَادَ تتظاهرون فأسقط إِحْدَى التَّاءَيْنِ وَقد ذكر الْخلف فِي أَيهمَا السَّاقِط وَالْحجّة لمن حذف الْألف وشدد الظَّاء أَنه أَخذه من تظهر ثمَّ تتظهرون فأسكن التَّاء وادغمها فِي الظَّاء فشددها وَبقيت(1/288)
سُورَة الْأَحْزَاب الْهَاء على مَا كَانَت عَلَيْهِ من التَّشْدِيد وَمَعْنَاهُ أَن الرجل كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّة إِذا قَالَ لامْرَأَته أَنْت عَليّ كَظهر أُمِّي حرمت عَلَيْهِ فَجعل الله فِيهَا على الْمُسلم الْكَفَّارَة
قَوْله تَعَالَى الظنونا والرسولا والسبيلا يقْرَأن بِإِثْبَات الْألف وصلا ووقفا وبحذفها وصلا ووقفا وبإثباتها وَقفا وطرحها وصلا فالحجة لمن أثبتها وصلا ووقفا أَنه اتبع خطّ الْمُصحف لِأَنَّهَا ثَابِتَة فِي السوَاد وَهِي مَعَ ذَلِك مشاكلة لما قبلهَا من رُؤُوس الْآي وَهَذِه الألفات تسمى فِي رُؤُوس أَبْيَات الشّعْر قوافي وترنما وخروجا وَالْحجّة لمن طرحها أَن هَذِه الْألف إِنَّمَا تثبت عوضا من التَّنْوِين فِي الْوَقْف وَلَا تَنْوِين مَعَ الْألف وَاللَّام فِي وصل وَلَا وقف وَالْحجّة لمن أثبتها وَقفا وحذفها وصلا أَنه اتبع الْخط فِي الْوَقْف وَأخذ بمحض الْقيَاس فِي الْوَصْل على مَا أوجبته الْعَرَبيَّة فَكَانَ بذلك غير خَارج من الْوَجْهَيْنِ
قَوْله تَعَالَى وَكَانَ الله بِمَا يعْملُونَ بَصيرًا يقرأبالياء وَالتَّاء على مَا ذكرنَا فِي أول السُّورَة
قَوْله تَعَالَى لَا مقَام لكم يقرا بِضَم الْمِيم وَفتحهَا وَقد تقدم ذكر الأحتجاج عَلَيْهِ آنِفا
قَوْله تَعَالَى لأتوها يقْرَأ بِالْمدِّ من الْإِعْطَاء وبالقصر من الْمَجِيء وَقد ذكر فِيمَا مضى
قَوْله تَعَالَى أُسْوَة يقْرَأ بِكَسْر الْهَمْز وَضمّهَا وهما لُغَتَانِ كَمَا قَالُوا رشوة ورشوة
قَوْله تَعَالَى يضعف لَهَا الْعَذَاب يقرأبتشديد الْعين وَفتحهَا وَكسرهَا ويضاعف بِالْيَاءِ وَالنُّون وَإِثْبَات الْألف وَالتَّخْفِيف فالحجة لمن قَرَأَهُ بِالْيَاءِ وَالتَّشْدِيد مَعَ الْفَتْح(1/289)
سُورَة الْأَحْزَاب أَنه جعله فعل مَا لم يسم فَاعله وَحذف الْألف لقَوْله ضعفين وَدَلِيله قَول الْعَرَب ضعفت لَك الدِّرْهَم مثلَيْهِ وَالْحجّة لمن قَرَأَهُ بالنُّون وَالتَّشْدِيد وَكسر الْعين أَنه جعله فعلا أخبر بِهِ عَن الله تَعَالَى كإخباره عَن نَفسه وَنصب الْعَذَاب بِوُقُوع الْفِعْل عَلَيْهِ كَمَا رَفعه فِي الأول بِمَا لم يسم فَاعله وَالْحجّة لمن خفف وَأثبت الْألف مَعَ الْيَاء أَنه أَخذه من ضوعف يُضَاعف وَهُوَ فعل مَا لم يسم فَاعله وَالْحجّة لمن قَرَأَهُ بالنُّون وَإِثْبَات الْألف مَعَ التَّخْفِيف أَنه جعله من إِخْبَار الله تَعَالَى عَن نَفسه
قَوْله تَعَالَى وتعمل صَالحا يقرأبالتاء وَالْيَاء فالتاء على الْمَعْنى لِأَنَّهُ اسْم لمؤنث وَالْيَاء للفظ من لِأَنَّهُ مُذَكّر لفظا وَمن تكون اسْما لوَاحِد وَجمع ولمذكر ومؤنث
قَوْله تَعَالَى نؤتها أجرهَا يقْرَأ بالنُّون وَالْيَاء فالحجة لمن قَرَأَهُ بالنُّون أَنه جعله من إِخْبَار الله تَعَالَى عَن نَفسه وَالْحجّة لمن قَرَأَهُ بِالْيَاءِ أَنه جعله من إِخْبَار رَسُوله عَنهُ
قَوْله تَعَالَى وَقرن فِي بيوتكن يقْرَأ بِكَسْر الْقَاف وَفتحهَا فالحجة لمن كسر أَنه جعله من الْوَقار وَالْحجّة لمن فتح أَنه جعله من الِاسْتِقْرَار
قَوْله تَعَالَى أَن تكون لَهُم الْخيرَة يقْرَأ بِالْيَاءِ وَالتَّاء وَقد ذكر الْوَجْه فِي ذَلِك آنِفا
قَوْله تَعَالَى وَخَاتم النَّبِيين يقْرَأ بِكَسْر التَّاء وَفتحهَا فالحجة لمن كسر أَنه أَرَادَ اسْم الْفَاعِل من قَوْلك ختم النَّبِيين فَهُوَ خاتمهم وَدَلِيله قِرَاءَة عبد الله وَختم النَّبِيين وَالْحجّة لمن فتح أَنه أَخذه من الْخَاتم الملبوس لِأَنَّهُ جمال وَفِيه أَربع لُغَات خَاتم وَخَاتم وخاتام وخيتام
قَوْله تَعَالَى من قبل أَن تمَسُّوهُنَّ يقْرَأ بِالتَّاءِ مَضْمُومَة وَإِثْبَات الْألف وبفتح التَّاء وَطرح الْألف وَقد ذكرت علله فِي الْبَقَرَة مستقصاة(1/290)
سُورَة نبأ
قَوْله تَعَالَى ترجى من تشَاء يقْرَأ بتحقيق الْهمزَة وإعراب الْيَاء وبحذفه وإرسال الْيَاء وَقد ذكر
قَوْله تَعَالَى لَا تحل لَك النِّسَاء إِجْمَاع الْقُرَّاء على الْيَاء إِلَّا مَا رُوِيَ عَن أبي عَمْرو من التَّاء فِيهِ يُرِيد لَا يحل لَك شَيْء من النِّسَاء
قَوْله تَعَالَى غير ناظرين إناه يقْرَأ بإشباع الضمة وإلحاقها واوا وباختلاس حَرَكَة الصَّنَم فِيهَا وَقد مضى القَوْل فِيهِ مَعَ أَمْثَاله
قَوْله تَعَالَى إِنَّا أَطعْنَا سادتنا وكبراءنا يقْرَأ بِالْجمعِ وَيجمع الْجمع فالحجة لمن قَرَأَهُ بِالْجمعِ أَنه لما جَاءَ بعده كبراء وَهُوَ جمع كَبِير وَجب أَن يكون الَّذِي قبله سادة وَهُوَ جمع سيد ليُوَافق الْجمع فِي الْمَعْنى وَالْحجّة لمن قَرَأَهُ بِجمع الْجمع أَن السَّادة كَانُوا فيهم أكبر من الكبراء فأبانوهم مِنْهُم بِجمع يتميزون بِهِ عَنْهُم
قَوْله تَعَالَى وألعنهم لعنا كثيرا بالثاء وَالْبَاء وَقد ذكرت علله فِي الْبَقَرَة
وَمن سُورَة سبأ
قَوْله تَعَالَى عَالم الْغَيْب يقْرَأ علام الْغَيْب وعالم الْغَيْب بالخفض وعالم بِالرَّفْع فالحجة لمن خفض أَنه جعله وَصفا لقَوْله بلَى وربي لِأَنَّهُ مخفوض بواو الْقسم فَأَما علام فَهُوَ أبلغ فِي الْمَدْح من عَالم وَعَلِيم وَدَلِيله قَوْله فِي آخرهَا قل إِن رَبِّي(1/291)
سُورَة سبأ يقذف بِالْحَقِّ علام الغيوب وَقيل بل شدد دلَالَة على التكثير لِأَنَّهُ مُضَاف إِلَى جمع وَالْحجّة لمن قَرَأَهُ بِالرَّفْع أَنه جعله خبر ابْتِدَاء مَحْذُوف مَعْنَاهُ هُوَ عَالم الْغَيْب
قَوْله تَعَالَى لَا يعزب يقْرَأ بِضَم الزَّاي وَكسرهَا وَقد ذكر
قَوْله تَعَالَى من رجز أَلِيم يقْرَأ بالخفض وَالرَّفْع فالحجة لمن خفض أَنه جعله وَصفا للرجز وَالْحجّة لمن رفع أَنه جعله وَصفا لقَوْله لَهُم عَذَاب وَمعنى أَلِيم مؤلم موجع
قَوْله تَعَالَى إِن نَشأ نخسف أَو نسقط يقرآن بالنُّون وَالْيَاء فالحجة لمن قَرَأَ بالنُّون أَنه جعله من إِخْبَار الله تَعَالَى عَن ذَاته وَالْحجّة لمن قَرَأَ بِالْيَاءِ أَنه جعله من إِخْبَار النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وسلم عَن ربه عز وجلّ وَاتفقَ الْقُرَّاء على إِظْهَار الْفَاء عِنْد الْبَاء إِلَّا مَا قَرَأَهُ الْكسَائي مدغما وحجته أَن مخرج الْبَاء من الشفتين ومخرج الْفَاء من بَاطِن الشّفة السُّفْلى وأطراف الثنايا العلى فاتفقا فِي الْمخْرج للمقاربة إِلَّا أَن فِي الْفَاء تفشيا يبطل الْإِدْغَام فَأَما إدغام الْبَاء فِي الْفَاء فصواب
قَوْله تَعَالَى ولسليمان الرّيح اتِّفَاق الْقُرَّاء على نصب الرّيح إِلَّا مَا رَوَاهُ أبوبكر عَن عَاصِم بِالرَّفْع فالحجة لمن نصب إِضْمَار فعل مَعْنَاهُ وسخرنا لِسُلَيْمَان الرّيح فَأَما الْحجَّة لعاصم فَإِنَّهُ رَفعه بِالِابْتِدَاءِ ولسليمان الْخَبَر(1/292)
سُورَة سبأ
قَوْله تَعَالَى كالجوابي اتّفق الْقُرَّاء على حذف الْيَاء فِي الْوَقْف إِلَّا ابْن كثير فَإِنَّهُ أثبتها على الأَصْل
قَوْله تَعَالَى تَأْكُل منسأته يقْرَأ بِالْهَمْز وَتَركه فالحجة لمن همز أَنه اتى بِاللَّفْظِ على أصل الِاشْتِقَاق لِأَن الْعَصَا سميت بذلك لِأَن الرَّاعِي ينسئ بهَا الْإِبِل عَن الْحَوْض أَي يؤخرها وَالْحجّة لمن ترك الْهَمْز أَنه أَرَادَ التَّخْفِيف
قَوْله تَعَالَى لقد كَانَ لسبأ فِي مساكنهم يقْرَأ سبأ بالإجراء وَتَركه وَقد ذكرت علله فِي سُورَة النَّمْل وَفِي مساكنهم يقْرَأ بِالتَّوْحِيدِ وَالْجمع فالحجة لمن وحد أَنه اجتزأ بِالتَّوْحِيدِ من الْجمع وَالْحجّة لمن جمع أَنه جعل كل مَوضِع مِنْهُمَا مسكنا
قَوْله تَعَالَى ذواتي أكل خمط أجمع الْقُرَّاء فِيهِ على التَّنْوِين إِلَّا أَبَا عَمْرو فَإِنَّهُ أضَاف فالحجة لمن نون أَنه جعل الخمط والأثل بَدَلا من الْأكل وَهُوَ هُوَ فِي الْمَعْنى وَلذَلِك كَرهُوا إِضَافَته لِأَن الشَّيْء لَا يُضَاف إِلَى نَفسه وَالْحجّة لأبي عَمْرو أَنه جعل الْأكل أَشْيَاء كَثِيرَة والخمط جِنْسا من المأكولات فأضاف كَمَا يضيف الْأَنْوَاع إِلَى الْأَجْنَاس والخمط ثَمَر الْأَرَاك فَأَما أكل فَيقْرَأ بِضَم الْكَاف على الأَصْل وإسكانها تَخْفِيفًا
قَوْله تَعَالَى حَتَّى إِذا فزع عَن قُلُوبهم أجمع الْقُرَّاء على ضم الْفَاء دلَالَة على بِنَاء مَا لم يسم فَاعله إِلَّا ابْن عَامر فَإِنَّهُ فتحهَا دلَالَة على بِنَاء الْفِعْل للْفَاعِل وَهُوَ الله عز وجلّ وَمعنى ذَلِك أَن الْمَلَائِكَة لما سَمِعت صليل الْوَحْي إِلَى مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وسلم بعد الفترة الَّتِي كَانَت بَينه وَبَين عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام فزعت لَهُ خوفًا من قيام السَّاعَة فَقَالُوا مَاذَا قَالَ ربكُم فأجيبوا قَالُوا الْحق أَي قَالَ ربكُم الْحق(1/293)
سُورَة سبأ
قَوْله تَعَالَى وَهل يجازى إِلَّا الكفور يقرأبالياء وَفتح الزَّاي وبالنون وَكسر الزَّاي فالحجة لمن قَرَأَهُ بِالْيَاءِ وَالْفَتْح أَنه جعله فعل مَا لم يسم فَاعله فَرفع لذَلِك الكفور وَالْحجّة لمن قَرَأَهُ بالنُّون أَنه جعل الْفِعْل لله عز وجلّ وعداه إِلَى الكفور فنصبه بِهِ
وَهل يَجِيء فِي الْكَلَام على أَرْبَعَة أوجه يكون جحدا كَقَوْلِه وَهل يجازى إِلَّا الكفور وَدَلِيل ذَلِك مَجِيء التَّحْقِيق بعْدهَا وَتَكون استفهاما كَقَوْلِه هَل يسمعونكم إِذْ تدعون وَيكون أمرا كَقَوْلِه فَهَل أَنْتُم مُنْتَهُونَ وَيكون بِمَعْنى قد كَقَوْلِه تَعَالَى هَل أَتَى على الْإِنْسَان حِين من الدَّهْر
قَوْله تَعَالَى رَبنَا بعد بَين أسفارنا يقْرَأ بتَشْديد الْعين وَكسرهَا من غير ألف وبالتخفيف وَإِثْبَات الْألف بَين الْبَاء وَالْعين فالحجة لمن شدد أَنه أَرَادَ التكرير يَعْنِي بعد بعد وَهُوَ ضد الْقرب وَالْحجّة لمن أَدخل الْألف وخفف أَنه استجفى أَن يَأْتِي بِالْعينِ مُشَدّدَة فَأدْخل الْألف وخفف كَقَوْلِه تَعَالَى عقدتم وعاقدتم وَقد ذكرت علله هُنَاكَ بأبين من هَذَا وهما فِي حَال التَّشْدِيد وَالتَّخْفِيف عِنْد الْكُوفِيّين مجزومان بلام مقدرَة حذفت مَعَ حرف المضارعة وَعند الْبَصرِيين مَبْنِيا على معنى الطّلب بِلَفْظ الْأَمر على مَا وَجب للْفِعْل فِي الأَصْل
قَوْله تَعَالَى وَلَقَد صدق عَلَيْهِم إِبْلِيس ظَنّه يقْرَأ بتَشْديد الدَّال وتخفيها ومعناهما قريب وَذَلِكَ أَن إِبْلِيس لَعنه الله قَالَ ولآمرنهم فليبتكن آذان الآنعام ظَانّا لذَلِك(1/294)
سُورَة سبأ لَا متيقنا فَلَمَّا تَابعه عَلَيْهِ من سبقت لَهُ الشقوة عِنْد الله عز وجلّ صدق ظَنّه عَلَيْهِم
قَوْله تَعَالَى إِلَّا لمن أذن لَهُ يقْرَأ بِضَم الْهمزَة دلَالَة على مَا لم يسم فَاعله ونصبها إِخْبَارًا بِالْفِعْلِ عَن الله عز وجلّ
قَوْله تَعَالَى وهم فِي الغرفات يقرأبالتوحيد وَالْجمع فالحجة لمن وحد أَنه أجتزأ بِالْوَاحِدِ عَن الْجمع كَقَوْلِه تَعَالَى وَالْملك على ارجائها يُرِيد بِهِ الْمَلَائِكَة وَالْحجّة لمن جمع قَوْله تَعَالَى لَهُم غرف من فَوْقهَا غرف وكل صَوَاب اللَّفْظ قريب الْمَعْنى
قَوْله تَعَالَى وأنى لَهُم يقرأبالتفخيم على الأَصْل وبالإمالة لمَكَان الْيَاء وَبَين بَين تعديلا بَين اللغتين
قَوْله تَعَالَى التناوش يقرأبتحقيق الْهَمْز وإبداله فالحجة لمن همز أَنه أَرَادَ التباعد وَالْحجّة لمن ترك الْهَمْز أَنه اراد التَّنَاوُل وَأنْشد لرؤبة فِي الْهَمْز الَّذِي هُوَ بِمَعْنى الْبعد قَوْله ... كم سَاق من دَار امْرِئ جحيش ... إِلَيْك نأش الْقدر النؤوش ...
وَأنْشد لغيره فِي ترك الْهَمْز الَّذِي هُوَ بِمَعْنى التَّنَاوُل قَوْله ... فَهِيَ تنوش الْحَوْض نوشا من علا ... نوشا بِهِ تقطع أجواز الفلا(1/295)
سُورَة فاطر
من سُورَة فاطر
قَوْله تَعَالَى هَل من خَالق غير الله يقرأبالرفع والخفض فالحجة لمن رفع أَنه أَرَادَ هَل غير الله من خَالق أَو يَجعله نعتا لخالق قبل دُخُول من أَو يَجْعَل هَل بِمَعْنى مَا وغيرا بِمَعْنى إِلَّا كَقَوْلِه مَا لكم من إِلَه غَيره وَالْحجّة لمن خفض أَنه جعله نعتا لخالق أَرَادَ هَل من خَالق غير الله يرزقكم
قَوْله تَعَالَى كَذَلِك يَجْزِي كل كفور يقرا بِضَم الْيَاء وَفتح الزَّاي وَالرَّفْع وبالنون مَفْتُوحَة وَكسر الزَّاي وَالنّصب فالحجة لمن ضم أَنه دلّ بِالْفِعْلِ على بنائِهِ لما لم يسم فَاعله فَرفع مَا أَتَى بعده بِهِ وَالْحجّة لمن قَرَأَهُ بالنُّون وَالْفَتْح أَنه أَرَادَ حِكَايَة مَا أخبر الله عز وجلّ عَن نَفسه وَنصب قَوْله كل كفور بتعدي الْفِعْل إِلَيْهِ
قَوْله تَعَالَى يدْخلُونَهَا يقرا بِفَتْح الْيَاء وَضم الْخَاء وبضم الْيَاء وَفتح الْخَاء فالحجة لمن قَرَأَهُ بِفَتْح الْيَاء أَنه جعل الدُّخُول فعلا لَهُم والتحلية إِلَى غَيرهم فَفرق بَين الْفِعْلَيْنِ لهَذَا الْمَعْنى وَالْحجّة لمن قَرَأَهُ بِضَم الْيَاء أَنه جعله فعل مَا لم يسم فَاعله وزاوج بذلك بَين هَذَا الْفِعْل وَبَين قَوْله يدْخلُونَهَا وَيحلونَ ليشاكل بذلك بَين اللَّفْظَيْنِ
قَوْله تَعَالَى ولؤلؤا يقْرَأ بِالْهَمْز وَتَركه وَبِالنَّصبِ والخفض وَقد ذكر بِجَمِيعِ وجوهه فِي سُورَة الْحَج
قَوْله تَعَالَى فهم على بَيِّنَة مِنْهُ يقرأبالتوحيد وَالْجمع فالحجة لمن وحد قَوْله(1/296)
سُورَة يس فقد جَاءَكُم بَيِّنَة من ربكُم وَالْحجّة لمن قَرَأَهُ بِالْجمعِ أَنه وجده مَكْتُوبًا فِي السوَاد بِالتَّاءِ فَأخذ بِمَا وجده فِي الْخط
وَفرق بَينهمَا بعض أهل النّظر بفرقان مستحسن فَقَالَ من وحد أَرَادَ الرَّسُول عَلَيْهِ السَّلَام وَدَلِيله قَوْله تَعَالَى حَتَّى تأتيهم الْبَيِّنَة رَسُول من الله وَمن جمع أَرَادَ الْقُرْآن وَدَلِيله قَوْله تَعَالَى وبينات من الْهدى وَالْفرْقَان
قَوْله تَعَالَى ومكر السَّيئ أجمع الْقُرَّاء فِيهِ على كسر الْيَاء وخفض الْهمزَة إِلَّا مَا قَرَأَهُ حَمْزَة بوقف الْهمزَة كالجزم فِي الْفِعْل وَإِنَّمَا فعل ذَلِك تَخْفِيفًا للحرف لِاجْتِمَاع الكسرات وتواليها مَعَ الْهمزَة كَمَا خفف أَبُو عَمْرو فِي قَوْله بارئكم
فَإِن قيل فَهَلا فعل فِي الثَّانِي كَمَا فعل فِي الأول فَقل لم تتوال الكسرات فِي الثَّانِي كَمَا توالت فِي الأول لِأَنَّهُ لما انضمت الْهمزَة للرفع زَالَ الاستثقال فَأتى بِهِ على أصل مَا أوجبه الْإِعْرَاب لَهُ من الرّفْع فاعرف حجَّته فِي ذَلِك فقد نسب إِلَى الْوَهم
وَمن سُورَة يس
قَوْله تَعَالَى يس وَالْقُرْآن يقرأبإدغام النُّون فِي الْوَاو وإظهارها فالحجة لمن أدغم أَنه أَتَى بِهِ على الأَصْل وَالْحجّة لمن أظهر أَن حُرُوف التهجي لَيست كَغَيْرِهَا لِأَنَّهَا ينوى بهَا الْوَقْف على كل حرف مِنْهَا فَكَأَنَّهُ بذلك مُنْفَرد مِمَّا بعده
فَإِن قيل فَيلْزم من أدغم النُّون هَا هُنَا فِي الْوَاو أَن يدغم فِي قَوْله ن والقلم فَقل هَذَا لَا يلْزم لِأَن الْيَاء أخف من الْوَاو وأسهل فِي اللَّفْظ وَقد ذكرت الإمالة والتفخيم فِيمَا تقدم
قَوْله تَعَالَى تَنْزِيل الْعَزِيز الرَّحِيم يقْرَأ بِرَفْع اللَّام ونصبها فالحجة لمن رفع(1/297)
سُورَة يس أَنه جعله خبر ابْتِدَاء مَحْذُوف مَعْنَاهُ هَذَا تَنْزِيل الْعَزِيز وَالْحجّة لمن نصب أَنه أَرَادَ الْمصدر كَمَا قَالَ تَعَالَى صنع الله الَّذِي أتقن كل شيئ
قَوْله تَعَالَى من بَين أَيْديهم سدا وَمن خَلفهم سدا يقرآن بِضَم السِّين وَفتحهَا وَقد ذكرت علله فِي الْكَهْف
قَوْله تَعَالَى فعززنا بثالث أجمع الْقُرَّاء على تَشْدِيد الزَّاي فِيهِ إِلَّا مَا رَوَاهُ أبوبكر عَن عَاصِم من التَّخْفِيف فَمَعْنَى التَّشْدِيد قوينا وَمِنْه أعزّك الله وَمعنى التَّخْفِيف غلبنا وَمِنْه من عز بز أَي من غلب أَخذ السَّلب
قَوْله تَعَالَى أئن ذكرْتُمْ يقْرَأ بهمزتين محققتين وبهمزة وياء وَقد ذكر فِيمَا مضى
قَوْله تَعَالَى وَمَا عملته أَيْديهم يقرا بِإِثْبَات الْهَاء وطرحها فالحجة لمن أثبتها أَنه اتى بالْكلَام على أصل مَا وَجب لِأَن الْهَاء عَائِدَة على مَا فِي صلتها لِأَنَّهَا من أَسمَاء النواقص الَّتِي تحْتَاج إِلَى صلَة وعائد وَالْحجّة لمن حذفهَا أَنه لما اجْتمع فِي الصِّلَة فعل وفاعل ومفعول خفف الْكَلِمَة بِحَذْف الْمَفْعُول لِأَنَّهُ فضلَة فِي الْكَلَام
قَوْله تَعَالَى وَالْقَمَر قدرناه يقْرَأ بِالرَّفْع وَالنّصب فالحجة لمن رفع أَنه ابتدأه وَجعل مَا بعده خَبرا عَنهُ وَالْهَاء عَائِدَة عَلَيْهِ وَبهَا صلح الْكَلَام وَالْحجّة لمن نصب أَنه اضمر فعلا فسره مَا بعده فَكَأَنَّهُ فِي التَّقْدِير وقدرنا الْقَمَر قدرناه
فَإِن تقدم قبل الِاسْم حرف هُوَ بِالْفِعْلِ أولى وَتَأَخر بعده مَا لَهُ صدر الْكَلَام كالامر وَالنَّهْي والاستفهام كَانَ وَجه الْكَلَام النصب لِأَنَّك بِالْفِعْلِ تَأمر وَعنهُ تنهي وتستفهم وَدَلِيل ذَلِك إِجْمَاع الْقُرَّاء على نصب قَوْله أبشرا منا وَاحِدًا نتبعه وَالرَّفْع عِنْد النَّحْوِيين جَائِز وَإِن كَانَ ضَعِيفا
قَوْله تَعَالَى وهم يخصمون يقرا بِإِسْكَان الْخَاء وَالتَّخْفِيف وبتشديد الصَّاد(1/298)
سُورَة يس أَيْضا مَعَ الإسكان وبفتح الْيَاء وَالْخَاء وَكسر الصَّاد وَالتَّشْدِيد وبفتح الْيَاء وَكسر الْخَاء وَالصَّاد وبكسر الْيَاء وَالْخَاء وَالصَّاد وَقد ذكرت علله مستقصاة فِي نَظَائِره
قَوْله تَعَالَى فِي شغل يقرا بِضَمَّتَيْنِ متواليتين وبضم الشين وَإِسْكَان الْغَيْن فَقيل هما لُغَتَانِ فصيحتان وَقيل الأَصْل الضَّم والإسكان تَخْفيف وَقيل معنى شغلهمْ افتضاض الْأَبْكَار وَقيل اسْتِمَاع النغم والألحان
قَوْله تَعَالَى فِي ظلال يقرأبضم الظَّاء وَفتح اللَّام من غير ألف بَين اللامين وبكسر الظَّاء والف بَين اللامين فالحجة لمن ضم الظَّاء أَنه جعله جمع ظلة وَدَلِيله قَوْله تَعَالَى فِي ظلل من الْغَمَام وَالْحجّة لمن كسر الظَّاء أَنه جعله جمع ظلّ وَهُوَ مَا ستر من الشَّمْس فِي أول النَّهَار إِلَى وَقت الزَّوَال وَمَا ستر بعد ذَلِك فَهُوَ فَيْء لِأَنَّهُ ظلّ فَاء من مَكَان إِلَى مَكَان أَي رَجَعَ وَدَلِيله قَوْله تَعَالَى وظل مَمْدُود
قَوْله تَعَالَى وَأَن اعبدوني يقْرَأ بِضَم النُّون وَكسرهَا وَقد تقدم القَوْل فِيهِ آنِفا فَأَما الْيَاء فثابتة وصلا ووقفا لانها مَكْتُوبَة فِي السوَاد
قَوْله تَعَالَى جبلا كثيرا يقرأبضم الْجِيم وَالْبَاء وبإسكانها مَعَ التَّخْفِيف وبكسر الْجِيم وَالْبَاء وَتَشْديد اللَّام وَكلهَا لُغَات مَعْنَاهَا الْخلقَة والطبع وَمَا جبل الْإِنْسَان عَلَيْهِ
قَوْله تَعَالَى ننكسه فِي الْخلق يقرأبضم النُّون وَالتَّشْدِيد وَبِفَتْحِهَا وَالتَّخْفِيف فَقيل هما لُغَتَانِ بِمَعْنى وَاحِد وَقيل معنى التَّشْدِيد التكثير والترداد وَمعنى التَّخْفِيف الْمرة الْوَاحِدَة وَفرق أَبُو عَمْرو بَينهمَا فَقَالَ نكست الرجل عَن دَابَّته بِالتَّشْدِيدِ(1/299)
سُورَة الصافات ونكس فِي مَرضه رد فِيهِ وَمَعْنَاهُ نعيده إِلَى أرذل الْعُمر يُرِيد بِهِ الْهَرم
قَوْله تَعَالَى أَفلا يعْقلُونَ يقرا بِالْيَاءِ وَالتَّاء على مَا قدمْنَاهُ
قَوْله تَعَالَى أَنا حملنَا ذُرِّيتهمْ يقْرَأ بِالتَّوْحِيدِ وَالْجمع وَقد تقدم الِاحْتِجَاج فِي نَظَائِره بِمَا يُغني عَن إِعَادَته وَمثله لمسخناهم على مكانتهم ومكاناتهم
قَوْله تَعَالَى لينذر من كَانَ حَيا يقرأبالياء وَالتَّاء فالحجة لمن قَرَأَهُ بِالْيَاءِ قَوْله وَمَا علمناه الشّعْر وَالْحجّة لمن قَرَأَهُ بِالتَّاءِ أَنه جعله عَلَيْهِ السَّلَام مُخَاطبا وَوجه الْيَاء أَن يكون لِلْقُرْآنِ لقَوْله تَعَالَى لأنذركم بِهِ
قَوْله تَعَالَى كن فَيكون يقْرَأ بِالرَّفْع وَالنّصب وَقد ذكر وَجه ذَلِك وَمن سُورَة الصافات
قَوْله تَعَالَى وَالصَّافَّات صفا فالزاجرات زجرا فالتاليات ذكرا يقْرَأن بإدغام التَّاء فِي الصَّاد وَالزَّاي والذال وإظهارها فالحجة لمن أدغم قرب مخرج التَّاء مِنْهُنَّ وَالْحجّة لمن أظهر أَن التَّاء متحركة وَالْألف سَاكِنة قبلهَا فالإظهار أحسن من الْجمع بَين ساكنين
فَإِن قيل مَا وَجه قَوْله فالتاليات ذكرا وَلم يقل تلوا كَمَا قَالَ صفا وزجرا فَقل إِن تَلَوت لَهُ فِي الْكَلَام مَعْنيانِ تَلَوت الرجل مَعْنَاهُ اتبعته وَجئْت بعده وَدَلِيله قَوْله وَالْقَمَر إِذا تَلَاهَا وتلوت الْقُرْآن إِذا قرأته فَلَمَّا الْتبس لَفْظهمَا أبان الله عز وجلّ بقوله ذكرا أَن المُرَاد هَاهُنَا التِّلَاوَة لَا الِاتِّبَاع
فَإِن قيل مَا وَجه التَّأْنِيث فِي هَذِه الْأَلْفَاظ فَقل ليدل بذلك على معنى الْجمع وَقيل التاليات هَا هُنَا جِبْرِيل وَحده كَمَا قَالَ فِي قَوْله فنادته الْمَلَائِكَة
قَوْله تَعَالَى بزينة الْكَوَاكِب يقْرَأ بِالتَّنْوِينِ وَالنّصب والخفض مَعًا وبترك(1/300)
سُورَة الصافات التَّنْوِين وَالْإِضَافَة فالحجة لمن نون وَنصب أَنه عِنْد أهل الْبَصْرَة شَبيه بِالْمَصْدَرِ لِأَن الْمصدر عِنْدهم إِذا نون عمل عمل الْفِعْل وَكَذَلِكَ إِذا أضيف إِلَى الْفَاعِل أَو الْمَفْعُول وَهُوَ عِنْد أهل الْكُوفَة مَنْصُوب بمشتق من الْمصدر
وَالْحجّة لمن نون وخفض أَنه أبدل الْكَوَاكِب من الزِّينَة لِأَنَّهَا هِيَ الزِّينَة وَهَذَا يدل الشَّيْء من الشَّيْء وَهُوَ هُوَ فِي الْمَعْنى وَالْحجّة لمن حذف التَّنْوِين وأضاف أَنه اتى بالْكلَام على أصل مَا وَجب لَهُ لِأَن الِاسْم إِذا ألفى الِاسْم بِنَفسِهِ وَلم يكن الثَّانِي وَصفا للْأولِ وَلَا بَدَلا مِنْهُ وَلَا مُبْتَدأ بعده أَزَال التَّنْوِين وَعمل فِيهِ الْخَفْض لِأَن التَّنْوِين معاقب للإضافة فَلذَلِك لَا يَجْتَمِعَانِ فِي الِاسْم
قَوْله تَعَالَى لَا يسمعُونَ يقْرَأ بتَشْديد السِّين وَالْمِيم وبإسكان السِّين وَالتَّخْفِيف فالحجة لمن شدد أَنه اراد يتسمعون فأسكن التَّاء وأدغمها فِي السِّين فصارتا سينا مُشَدّدَة وَالْحجّة لمن خفف أَنه أَخذه من سمع يسمع وَمَعْنَاهُ أَن الشَّيَاطِين كَانَت تسرق السّمع من السَّمَاء فتلقيه إِلَى أوليائها من الْإِنْس قبل مولد مُحَمَّد عَلَيْهِ السَّلَام فتبديه فَلَمَّا ولد صلى الله عَلَيْهِ وسلم رجموا بالنجوم فامتنعوا من الِاسْتِمَاع وَهَذَا من أدل دَلِيل على صِحَة نبوته صلى الله عَلَيْهِ وسلم
قَوْله تَعَالَى بل عجبت يقْرَأ بِضَم التَّاء وَفتحهَا فالحجة لمن ضم أَنه من إِخْبَار الله تَعَالَى عَن نَفسه وَدَلِيله قَوْله النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وسلم عجب ربكُم من ألكم وَقُنُوطِكُمْ فالعجب من الله عز وجلّ إِنْكَار لأفعالهم من إنكارهم الْبَعْث وسخرياتهم من الْقُرْآن وازدرائهم بالرسول جرْأَة على الله وتمردا وعدوانا وتكبرا فَهَذَا الْعجب من الله عز وجلّ وَالْفرق بَينه وَبَين عجب المخلوقين أَن الْمَخْلُوق لَا يعجب إِلَّا عِنْد نظره إِلَى مَا لم يكن فِي علمه وَلَا جرت الْعَادة بِمثلِهِ فبهره مَا رأى من ذَلِك فيتعجب من ذَلِك وَقد جَاءَ فِي الْقُرْآن مَا يُقَارب معنى ذَلِك كَقَوْلِه تَعَالَى ومكروا ومكر الله وَكَقَوْلِه(1/301)
0 سُورَة الصافات الله يستهزئ بهم وَكَقَوْلِه فَاتبعُوني يحببكم الله فالمكر من الله والاستهزاء والمحبة على غير مَا هِيَ من الْخلق وبخلافها فَكَذَلِك الْعجب مِنْهُ بِخِلَاف مَا هُوَ من المخلوقين لِأَنَّهَا مِنْهُ على طَرِيق المجازاة بأفعالهم وإتيان اللَّفْظ مردودا على اللَّفْظ وَالْحجّة لمن فتح أَنه جعل التَّاء للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وسلم
وَمَعْنَاهُ بل عجبت يَا مُحَمَّد من وَحي الله إِلَيْك وهم يسخرون
قَوْله تَعَالَى وَلَا هم عَنْهَا ينزفون يقْرَأ هَا هُنَا وَفِي الْوَاقِعَة بِكَسْر الزَّاي وَفتحهَا فالحجة لمن قَرَأَهُ بِالْكَسْرِ أَنه اراد لَا ينْفد شرابهم وَالْحجّة لمن فتح أَنه أَرَادَ لَا تَزُول عُقُولهمْ إِذا شَرِبُوهَا بالسكر وَفرق عَاصِم بَينهمَا فقرأها هُنَا بِالْفَتْح وَفِي الْوَاقِعَة بِالْكَسْرِ فَقيل إِنَّه جمع بَين اللغتين ليعلم بجوازهما وَفرق بَعضهم بَين ذَلِك فَقَالَ إِنَّمَا فتح هَاهُنَا لقَوْله لَا فِيهَا غول وَهُوَ كل مَا اغتال الْإِنْسَان فَأَهْلَكَهُ وَذهب بعقله وَكسر فِي الْوَاقِعَة لِأَن الله تَعَالَى وصف الْجنَّة وفاكهتها وَجعل شرابها من معِين والمعين لَا ينْفد فَكَانَ ذهَاب الْعقل فِي الصافات أشبه ونفاد الشَّرَاب فِي الْوَاقِعَة أشكل
قَوْله تَعَالَى فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يزفون إِجْمَاع الْقُرَّاء على فتح الْيَاء إِلَّا مَا قَرَأَهُ حَمْزَة من ضمهَا فَمن فتح أَخذه من زف يزف وَمن ضم أَخذه من أزف يزف وهما لُغَتَانِ مَعْنَاهُمَا الْإِسْرَاع فِي الْمَشْي
قَوْله تَعَالَى مَاذَا ترى يقْرَأ بِفَتْح التَّاء وإمالة الرَّاء وتفخيمها وبضم التَّاء وَكسر الرَّاء بياء الأمالة فالحجة لمن فتح التَّاء أَنه أَرَادَ بِهِ معنى الروية والرأي وَقد ذكر وَجه الإمالة والتفخيم فِيمَا سلف وَالْحجّة لمن ضم وَكسر الرَّاء أَنه أَرَادَ بِهِ المشورة وَالْأَصْل فِيهِ ترائي فَنقل كسرة الْهمزَة إِلَى الرَّاء وَحذف الْهمزَة لسكونها(1/302)
سُورَة الصافات وَسُكُون الْيَاء واشتقاق المشورة من قَوْلهم شرت الْعَسَل إِذا أخرجته من الخلية وَمَعْنَاهُ اسْتِخْرَاج الرَّأْي
قَوْله تَعَالَى وَإِن إلْيَاس أجمع الْقُرَّاء على فتح النُّون وَقطع الْألف بعْدهَا إِلَّا ابْن عَامر فَإِنَّهُ وَصلهَا فالحجة لمن قطع أَنه شاكل بِهَذِهِ الْألف أخواتها فِي أَوَائِل الْأَسْمَاء الأعجمية وَالْحجّة لمن وَصلهَا أَنَّهَا الدَّاخِلَة مَعَ اللَّام للتعريف فَكَانَ الِاسْم عِنْده قبل دُخُولهَا عَلَيْهِ ياس
قَوْله تَعَالَى سَلام على إلياسين يقرأبكسر الْهمزَة وقصرها وَإِسْكَان اللَّام بعْدهَا وبفتح الْهمزَة ومدها وَكسر اللَّام بعْدهَا فالحجة لمن كسر الْهمزَة أَنه اراد إلْيَاس فَزَاد فِي آخِره الْيَاء وَالنُّون ليساوي بِهِ مَا قبله من رُؤُوس الْآي وَدَلِيله مَا قَرَأَهُ ابْن مَسْعُود سَلام على إدراسين يُرِيد إِدْرِيس وَالْحجّة لمن فتح الْهمزَة أَنه جعله اسْمَيْنِ أَحدهمَا مُضَاف إِلَى الآخر مَعْنَاهُ سَلام على آل مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وسلم وَعَلَيْهِم لِأَنَّهُ قيل فِي تَفْسِير قَوْله يس يُرِيد يَا مُحَمَّد وَاخْتلف النَّاس فِي قَوْلهم آل مُحَمَّد فَقيل مَعْنَاهُ من آل إِلَيْهِ بِنسَب أَو قرَابَة
وَقيل من كَانَ على دينه وَدَلِيله قَوْله تَعَالَى وأغرقنا آل فِرْعَوْن وَقيل آله أَصْحَابه واهله وَذريته
فَأَما أهل صناعَة النَّحْو فَأَجْمعُوا أَن الأَصْل فِي آل أهل فقلبت الْهَاء همزَة ومدت ودليلهم على صِحَة ذَلِك أَنَّك لَو صغرت آلا لَقلت أهيلا وَلم تقل أويلا لأَنهم صغروه على أَصله لَا على لَفظه
وَقَالَ حذاق النَّحْوِيين الْحجَّة لمن قرأإدراسين وإلياسين فَإِنَّمَا جمع لِأَنَّهُ أَرَادَ بذلك اسْم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وسلم وَضم إِلَيْهِ من تَابعه على دينه كَمَا قَالُوا المسامعة والمهالبة(1/303)
سُورَة ص
قَوْله تَعَالَى الله ربكُم وَرب آبائكم الْأَوَّلين يقرأبالنصب وَالرَّفْع فالحجة لمن نصب أَنه جعله بَدَلا من قَوْله وتذرون أحسن الْخَالِقِينَ الله ربكُم وَرب آبائكم الْأَوَّلين يحْتَمل أَن يكون أضمر فعلا كَالَّذي أظهر فنصب بِهِ أَو أضمر أَعنِي فَإِن الْعَرَب تنصب بإضماره مدحا وتعظيما وَالْحجّة لمن رفع أَنه أضمر اسْما ابْتَدَأَ بِهِ وَجعل اسْم الله تَعَالَى خَبرا لَهُ لِأَن الْكَلَام الَّذِي قبله قد تمّ فَكَأَنَّهُ قَالَ هُوَ الله ربكُم وَدَلِيله قَوْله سُورَة أنزلناها وبَرَاءَة من الله يُرِيد بهما هَذِه سُورَة وَهَذِه بَرَاءَة من الله أَو يَبْتَدِئ باسم الله عز وجلّ مستأنفا لَهُ فيرفعه وَيجْعَل قَوْله ربكُم الْخَبَر ويعطف عَلَيْهِ مَا بعده
وَمن سُورَة ص
قَوْله تَعَالَى مَالهَا من فوَاق يقرأبضم الْفَاء وَفتحهَا
فَقيل هما لُغَتَانِ بِمَعْنى وَاحِد وَقيل من ضم أَرَادَ قدر مَا بَين الحلبتين للناقة وَمن فتح أَرَادَ من رَاحَة
قَوْله تَعَالَى بِالسوقِ إسكان الْوَاو إِجْمَاع إِلَّا مَا رُوِيَ عَن ابْن كثير من الْهَمْز وَقد ذكر آنِفا
قَوْله تَعَالَى بِنصب أجمع الْقُرَّاء على ضم النُّون إِلَّا مَا رَوَاهُ حَفْص عَن عَاصِم بِالْفَتْح وهما لُغَتَانِ مَعْنَاهُمَا مَا يُصِيب الْبدن من تَعب الضّر وألم الوجع وَمعنى الْعَذَاب هَا هُنَا ذهَاب المَال وَالْولد(1/304)
سُورَة ص
فَإِن قيل مَا وَجه مدحه بِالصبرِ وَقد شكا بِهَذَا القَوْل فَقل إِن شكواه هَا هُنَا على طَرِيق الاستغاثة بِاللَّه وَالسُّؤَال لَهُ وَإِنَّمَا وَجه الذَّم أَن يشكوإلى مَخْلُوق مثله لَا يملك لَهُ ضرا وَلَا نفعا وَدَلِيل ذَلِك قَول يَعْقُوب عَلَيْهِ السَّلَام إِنَّمَا أَشْكُو بثي وحزني إِلَى الله لِأَن كل غَنِي فَقير إِلَيْهِ وكل قوي ضَعِيف لَدَيْهِ وَلم يُعْط أحد الاسترجاع عِنْد المصائب إِلَّا نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ وسلم وَأمته وَدَلِيل ذَلِك قَول يَعْقُوب لما تولى عَن أَوْلَاده يَا أسفي على يُوسُف
قَوْله تَعَالَى ولي نعجة وَاحِدَة إسكان الْيَاء إِجْمَاع إِلَّا مَا رَوَاهُ حَفْص عَن عَاصِم بِالْفَتْح لقلَّة الِاسْم وَكَذَلِكَ قَوْله وعزني بِالتَّشْدِيدِ إِجْمَاع إِلَّا مَا رَوَاهُ أَيْضا عَنهُ بِالتَّشْدِيدِ وَإِثْبَات الْألف وهما لُغَتَانِ مَعْنَاهُمَا غالبتني وغلبتني
قَوْله تَعَالَى أأنزل عَلَيْهِ الذّكر يقْرَأ بهمزتين الأولى مَفْتُوحَة وَالثَّانيَِة مَضْمُومَة وبهمزة وَاحِدَة وبهمزة وواو بعْدهَا وَمثله أالقي الذّكر عَلَيْهِ من بَيْننَا فالحجة لمن أثبت الهمزتين أَنه أَتَى بالْكلَام على أَصله ووفاه مَا أوجبه الْقيَاس لَهُ الأولى همزَة الِاسْتِفْهَام وَالثَّانيَِة ألف الْقطع وَالْحجّة لمن قَرَأَهُ بِهَمْزَة وَاحِدَة أَنه أخبر وَلم يستفهم وَالْحجّة لمن قَرَأَهُ بِهَمْزَة وواو أَنه حقق الاولى وخفف الثَّانِيَة وَكَانَت مَضْمُومَة فَصَارَت فِي اللَّفْظ واوا
قَوْله تَعَالَى وَاذْكُر عبادنَا إِبْرَاهِيم إِجْمَاع الْقُرَّاء على لفظ الْجمع إِلَّا مَا قَرَأَهُ ابْن كثير من التَّوْحِيد فالحجة لمن جمع أَنه أَتَى بالْكلَام على مَا أوجب لَهُ من تَفْصِيل الْجمع بعده وَالْحجّة لمن وحد أَنه اجتزأ بِلَفْظ الْوَاحِد من الْجمع لدلَالَة مَا يَأْتِي عَلَيْهِ(1/305)
سُورَة ص
قَوْله تَعَالَى بخالصة ذكرى الدَّار يقرأبالتنوين وَالْإِضَافَة فَمن نون أبدل ذكرى من خَالِصَة وموضعها على هَذَا خفض وَمن حذف التَّنْوِين أضَاف لاخْتِلَاف اللَّفْظ كَقَوْلِه ولدار الْآخِرَة وَلَا يبين فِيهَا إِعْرَاب لحلول ألف التَّأْنِيث فِيهَا طرفا وَلم يَأْتِ على بنائها إِلَّا شعري اسْم نجم
قَوْله تَعَالَى هَذَا مَا يوعدون يقْرَأ هَا هُنَا بِالْيَاءِ وَالتَّاء فالتاء لِمَعْنى مُخَاطبَة الْحَاضِر وَالْيَاء للإخبار عَن الغائبين وَقد شرحت علله فِي موَاضعه
قَوْله تَعَالَى وغساق يقرأبتشديد السِّين وتخفيفها هَا هُنَا وَفِي عَم يتساءلون وهما لُغَتَانِ وَقيل مَعْنَاهُ شراب قَاتل بِبرْدِهِ ونتنه وَقيل مَا يسيل من صديد أهل النَّار
قَوْله تَعَالَى وَآخر من شكله أَزوَاج
إِجْمَاع الْقُرَّاء على فتح الْهمزَة والتوحيد إِلَّا مَا قَرَأَهُ أَبُو عَمْرو من ضمهَا دلَالَة على الْجمع فالحجة لمن قَرَأَهُ بِالتَّوْحِيدِ قَوْله تَعَالَى من شكله وَلم يقل من شكلهم وَالْحجّة لمن جمع أَنه شاكل بِالْجمعِ بَينه وَبَين قَوْله أَزوَاج وَلم يقل زوج وهما فِي الْوَجْهَيْنِ لَا ينصرفان لِأَن آخر وَزنه أفعل فَفِيهِ عِلَّتَانِ الصّفة وَمِثَال الْفِعْل وَأخر وَزنه فعل فَفِيهِ عِلَّتَانِ الْجمع وَالْعدْل وَوجه عدله أَن أَصله أَن يعرف بِالْألف وَاللَّام فَلَمَّا عرف بِغَيْرِهِمَا تركُوا صرفه وَمثله سحر(1/306)
سُورَة ص إِذا أردْت بِهِ سحر يَوْمك بِعَيْنِه لم تصرفه لِأَنَّهُ معدول عَن مثل ذَلِك
قَوْله تَعَالَى من الأشرار اتخذناهم يقرأبقطع الْألف وَوَصلهَا فالحجة لمن قطع أَنه جعلهَا ألف الِاسْتِفْهَام دخلت على ألف الْوَصْل فَسَقَطت لدخولها
وَلمن وصل وَجْهَان أَحدهمَا أَنه أخبر بِالْفِعْلِ وَلم يدْخل عَلَيْهِ استفهاما وَالثَّانِي أَنه طرح ألف الِاسْتِفْهَام لدلَالَة قَوْله أم زاغت عَنْهُم الْأَبْصَار عَلَيْهَا وَهَذَا من كَلَام الْعَرَب قَالَ امْرُؤ الْقَيْس ... تروح من الْحَيّ أم تبتكر ... وماذا يضيرك لَو تنْتَظر ...
أَرَادَ أتروح فَحذف الْألف وَيحْتَمل أَن يكون حذف الْألف لتقدم الِاسْتِفْهَام فِي قَوْله مَا لنا لَا نرى رجَالًا
قَوْله تَعَالَى سخريا يقرأبضم السِّين وَكسرهَا وَقد ذكر فِيمَا سلف
قَوْله تَعَالَى قَالَ فَالْحق وَالْحق أَقُول يقرآن بِالنّصب مَعًا وبرفع الْحق الأول وَنصب الثَّانِي فالحجة لمن نصبهما أَنه اراد فِي الأول الإغراء مَعْنَاهُ فاتبعوا الْحق وأعمل الْفِعْل الْمُؤخر فِي الثَّانِي وَالْحجّة لمن رفع الأول أَنه اضمر لَهُ مَا يرفعهُ يُرِيد فَهَذَا الْحق وَنصب الثَّانِي بِالْفِعْلِ الْمُؤخر أَو يكون أَرَادَ فَأَنا الْحق وَأَقُول الْحق فَأَقَامَ الْفَاء فِي الأول مقَام أَنا وَهَذَا بعيد(1/307)
وَمن سُورَة الزمر قَوْله تَعَالَى يرضه لكم يقْرَأ بِضَم الْهَاء وَإِثْبَات وَاو بعْدهَا وباختلاس الضمة من غير وَاو وَالْهَاء بالإسكان فالحجة لمن أشْبع الْهَاء وَلَفظ الْوَاو أَنه لما ذهبت الْألف من يرضى عَلامَة للجزم أَتَت الْهَاء وَقبلهَا فَتْحة فَرد حركتها إِلَى مَا كَانَ لَهَا فِي الأَصْل وأتبعها الْوَاو تبيينا للحركة وَشَاهد ذَلِك قَول ذِي الرمة ... كَأَنَّهُ كَوْكَب فِي إِثْر عفرية ... مُسَوَّم فِي سَواد اللَّيْل منقضب ...
وَالْحجّة لمن اختلس أَن الأَصْل عِنْده يرضاه لكم فَلَمَّا حذفت الْألف للجزم بقيت الْهَاء على الْحَرَكَة الَّتِي كَانَت عَلَيْهَا قبل حذف الْألف وَأنْشد ... لَهُ زجل كَأَنَّهُ صَوت حاد ... إِذا طلب الوسيقة أَو زمير ...
وَالْحجّة لمن أسكن أَنه لما اتَّصَلت الْهَاء بِالْفِعْلِ اتِّصَالًا لَا يُمكن انفصالها مِنْهُ توهم أَنَّهَا آخر الْفِعْل فأسكنها تَخْفِيفًا ليدل بذلك على الْجَزْم فَأَما الْهَاء فِي قَوْله يرضه لكم فكناية عَن الشُّكْر لقَوْله أَولا وَإِن تشكروا فالشكر من العَبْد رِضَاهُ بِمَا قسم الله لَهُ وَالثنَاء عَلَيْهِ بِمَا أولاه وَالشُّكْر من الله تَعَالَى الزِّيَادَة فِي النعم وجزيل الثَّوَاب
قَوْله تَعَالَى أم من هُوَ قَانِت يقرأبتشديد الْمِيم وتخفيفها فالحجة لمن شدد أَنه رده على قَوْله تمتّع بكفرك قَلِيلا فَكَأَنَّهُ قَالَ أَهَذا خير أَمن هُوَ قَانِت أَي(1/308)
سُورَة الزمر مصل وَالْقَانِت فِي اللُّغَة الدَّاعِي والساكت وَالْمُصَلي وَهُوَ هَا هُنَا الْمُصَلِّي لقَوْله سَاجِدا وَقَائِمًا وَالْحجّة لمن خفف أَنه أَقَامَ الالف مقَام حرف النداء فَكَأَنَّهُ قَالَ يَا من هُوَ قَانِت وَهُوَ مَشْهُور فِي كَلَام الْعَرَب لِأَنَّهَا تنبه المنادى بِخمْس أدوات وَهن يَا زيد وأيا زيد وهيا زيد وَأي زيد وأزيد
قَوْله تَعَالَى فبشر عبَادي الَّذين يقْرَأ بِحَذْف الْيَاء وإثباتها وَفتحهَا فالحجة لمن حذف أَنَّهَا لما سَقَطت لالتقاء الساكنين خطأ سَقَطت لفظا وَالْحجّة لمن أثبتها أَنه إِنَّمَا تسْقط يَاء الْإِضَافَة فِي النداء لِكَثْرَة الْحَذف فِيهِ والاستعمال فَأَما فِي غَيره فَلَا وَفتحهَا لالتقاء الساكنين
فَإِن قيل فَمَا معنى قَوْله فيتبعون أحْسنه وَلَيْسَ فِيهِ إِلَّا حسن فَقل إِن الله ذكر الطَّاعَة فِي كِتَابه وَأمر بهَا وَوصف الْجنَّة وَرغب فِيهَا وَذكر الْمعْصِيَة وَنهى عَنْهَا وَالنَّار وحذر مِنْهَا فَإِذا تَلا الْقَارئ كتاب ربه تبع الطَّاعَة فَعمل بهَا وارتاح إِلَى الْجنَّة فتقرب مِنْهَا فَهَذَا معنى أحْسنه
قَوْله تَعَالَى ورجلا سالما لرجل يقْرَأ بِإِثْبَات الْألف وَكسر اللَّام وبحذفها وَفتح اللَّام فالحجة لمن أثبتها أَنه أَرَادَ بِهِ خَالِصا لَا شركَة فِيهِ وَالْحجّة لمن حذفهَا أَنه أَرَادَ الْمصدر من قَوْلك سلم سلما كَمَا تَقول حذر حذرا وَلَيْسَ بِمَعْنى الصُّلْح الَّذِي هُوَ ضد الْحَرْب لِأَنَّهُ لَا وَجه لذَلِك هَا هُنَا لِأَن هَذَا مثل ضربه الله للْكَافِرِ المعاند وَمعنى شُرَكَاء متشاكسين أَي متنازعين مُخْتَلفين وللمؤمن الَّذِي عبد إِلَهًا وَاحِدًا
قَوْله تَعَالَى بكاف عَبده يقْرَأ بِالتَّوْحِيدِ وَالْجمع فالحجة لمن وحد أَنه(1/309)
سُورَة الزمر قصد بذلك النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وسلم وَدَلِيله قَوْله تَعَالَى مُخَاطبا لَهُ ويخوفونك بالذين من دونه يَعْنِي الْأَصْنَام وَالْحجّة لمن جمع أَنه أَرَادَ بذلك كِفَايَة الله لجَمِيع أنبيائه لِأَن كل أمة قد كَادَت نبيها كَمَا كيد مُحَمَّد عَلَيْهِ السَّلَام فَدخل فِي الْجُمْلَة مَعَهم وَدَلِيله قَوْله تَعَالَى حِكَايَة عَن قوم هود إِن نقُول إِلَّا اعتراك بعض آلِهَتنَا بِسوء
قَوْله تَعَالَى هَل هن كاشفات ضره وممسكات رَحمته يقرآن بِالتَّنْوِينِ وَالنّصب وبحذف التَّنْوِين والخفض فالحجة لمن نون أَنه أَرَادَ الْحَال والاستقبال وَلمن أضَاف أَنه أَرَادَ مَا ثَبت وَمضى وَقد ذكر هَذَا فِيمَا مضى بأبين من هَذَا الشَّرْح
قَوْله تَعَالَى الَّتِي قضى عَلَيْهَا الْمَوْت يقْرَأ بِضَم الْقَاف وَفتح الْيَاء وَرفع الْمَوْت وبفتح الْقَاف وَإِسْكَان الْيَاء وَنصب الْمَوْت فالحجة لمن ضم الْقَاف أَنه دلّ بذلك على بِنَاء الْفِعْل لما لم يسم فَاعله وَفتح الْيَاء لكسرة الضَّاد قبلهَا وَرفع الْمَوْت لِأَنَّهُ قَامَ مقَام الْفَاعِل وَالْحجّة لمن فتح أَنه أخبر بِالْفِعْلِ عَن الله تَعَالَى لتقدم اسْمه فِي قَوْله الله يتوفى الْأَنْفس وأسكن الْيَاء للفتحة قبلهَا وَنصب الْمَوْت بتعدي الْفِعْل إِلَيْهِ
قَوْله تَعَالَى بمفازتهم يقْرَأ بِالتَّوْحِيدِ وَالْجمع وَقد ذكر فِي نَظَائِره من الْعِلَل مَا يُغني عَن إِعَادَته
قَوْله تَعَالَى يَا عبَادي الَّذين أَسْرفُوا يقرأبحذف الْيَاء وإثباتها فالحجة لمن حذف أَنه اسْتعْمل الْحَذف فِي النداء لِكَثْرَة دوره فِي الْكَلَام وَالْحجّة لمن أثبت أَنه اتى بِهِ على الأَصْل وَقيل هَذِه أَرْجَى آيَة فِي كتاب الله لمن يئس من التَّوْبَة وَقيل بل قَوْله وَإِن رَبك لذُو مغْفرَة للنَّاس على ظلمهم وَقيل بل قَول إِبْرَاهِيم وَلَكِن(1/310)
سُورَة الزمر لِيَطمَئِن قلبِي فَقيل بتحقيق الْإِجَابَة وَقيل بل بالعيان لِأَن الْمخبر لَيْسَ كالمعاين
قَوْله تَعَالَى تأمروني أعبد يقْرَأ بإدغام النُّون وتشديدها وبالتخفيف وإظهارها وبتحريك الْيَاء وإسكانها وَقد تقدم من الأحتجاج فِي ذَلِك مَا فِيهِ كِفَايَة
قَوْله تَعَالَى فتحت أَبْوَابهَا وَفتحت أَبْوَابهَا يقرآن بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيف فالحجة لمن شدد أَنه أَرَادَ تَكْرِير الْفِعْل لِأَن كل بَاب مِنْهَا فتح وَدَلِيله إِجْمَاعهم على التَّشْدِيد فِي قَوْله وغلقت الْأَبْوَاب ومفتحة لَهُم الْأَبْوَاب وَالْحجّة لمن خفف أَنه دلّ بذلك على فتحهَا مرّة وَاحِدَة فَكَانَ التَّخْفِيف أولى لِأَن الْفِعْل لم يتَرَدَّد وَلم يكثر فَإِن قيل فَمَا وَجه دُخُول الْوَاو فِي إِحْدَاهمَا دون الآخر فَقل فِيهِ غير وَجه قَالَ قوم هِيَ زَائِدَة فدخولها وخروجها وَاحِد كَمَا يُزَاد غَيرهَا من الْحُرُوف
وَقَالَ آخَرُونَ الْعَرَب تعد من وَاحِد إِلَى سَبْعَة وتسميه عشرا ثمَّ يأْتونَ بِهَذِهِ الْوَاو فيسمونها وَاو الْعشْر ليدلوا على انْقِضَاء عدد وَذَلِكَ فِي مثل قَوْله تَعَالَى التائبون العابدون فَلَمَّا سمي سَبْعَة أَتَى بعد ذَلِك بِالْوَاو وَمثله قَوْله وَيَقُولُونَ سَبْعَة وثامنهم كلبهم وَمثله قَوْله تَعَالَى فِي صفة الْجنَّة وَفتحت أَبْوَابهَا لِأَن للجنة ثَمَانِيَة أَبْوَاب وللنار سَبْعَة(1/311)
سُورَة الْمُؤمن
وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس الْمبرد إِذا وجدت حرفا فِي كتاب الله عز وجلّ لَهُ معنى حسن لم أجعله ملغى وَلَكِن التَّقْدِير حَتَّى إِذا جاءوها وصلوا وَفتحت لَهُم أَبْوَابهَا وَمثله فَلَمَّا أسلما وتله للجبين مَعْنَاهُ وَالله أعلم أذعن لأمر الله
وَمن سُورَة الْمُؤمن
قَوْله تَعَالَى حم يقْرَأ بتفخيم الْحَاء وإمالتها وَبَين ذَلِك وَقد تقدم القَوْل فِيهِ عِنْد ذكر حُرُوف المعجم فِيمَا سلف
فَإِن قيل فَمَا مَوضِع حم من الْإِعْرَاب فَقل قَالَ قوم مَوضِع حم نصب بإضمار فعل مَعْنَاهُ اتل أَو اقرا حم وَقيل موضعهَا خفض بالقسم إِلَّا أَنَّهَا لَا تَنْصَرِف وَمَا لَا ينْصَرف فالنصب أولى بِهِ من الْخَفْض لِأَنَّهُ مشبه بِالْفِعْلِ فَمنع مَا لَا يكون إعرابا فِي الْفِعْل وَهُوَ الْخَفْض قَالَ الْكُمَيْت ... وجدنَا لكم فِي آل حَامِيم آيَة ... تأولها منا تَقِيّ ومعرب ... 4
وَقيل هِيَ اسْم للسورة وَدَلِيل عَلَيْهَا
قَوْله تَعَالَى وَالَّذين تدعون من دونه بِالتَّاءِ وَالْيَاء وَقد تقدم القَوْل فِيهِ آنِفا
قَوْله تَعَالَى يَوْم التلاق وَيَوْم التناد يقرآن بِإِثْبَات الْيَاء وصلا وبحذفها وَقفا وبإثباتها وصلا ووقفا وبحذفها وصلا ووقفا وَقد تقدّمت الْحجَّة فِي أَمْثَاله(1/312)
سُورَة الْمُؤمن بِمَا يدل عَلَيْهِ وَمعنى التلاق التقاء السَّمَاء والارض وَمعنى التناد قيل تناديهم من قُبُورهم وَقيل يُنَادي اصحاب الْجنَّة أَصْحَاب النَّار وَأَصْحَاب الاعراف
قَوْله تَعَالَى اشد مِنْهُم قُوَّة يقرا بِالْهَاءِ فِي مِنْهُم وَنصب اشد بعده الاما قراه ابْن عَامر با لكاف فِي مَوضِع الْهَاء وَرفع اشد وَلَيْسَ فِي نصب اشد خلاف بَين النَّاس وَرفع ذَلِك لحن فالحجة لمن قراه بِالْهَاءِ انه اتى بالْكلَام على سِيَاقه وَدَلِيل قَوْله اَوْ لم يَسِيرُوا فِي الارض وَنصب اشد لانه جعله الْخَبَر لَكَانَ السَّابِقَة وَجعل هم فاصلة عِنْد الْبَصرِيين وعمادا عِنْد الْكُوفِيّين ليفرق بذلك بَين الْوَصْف لاسم كَانَ وَبَين الْخَبَر كَقَوْلِك كَانَ زيد الظريف قَائِما فِي الْوَصْف وَكَانَ زيد هُوَ الظريف فِي الْخَبَر وَدَلِيل ذَلِك قَوْله تَعَالَى ان كُنَّا نَحن الغالبين
فان قيل فان الفاصلة لاتدخل على خبر كَانَ الا اذا كَانَ معرفَة فَقل ان افْعَل مَتى وصل ب من كَانَ معرفَة وَالْحجّة لمن قَرَأَهُ بِالرَّفْع وَالْكَاف انه جعل هم اسْما مبتدا واشد الْخَبَر فرفعهما وجعلهما جملَة فِي مَوضِع نصب بِخَبَر كَانَ فاما الْكَاف فحجته فِيهَا ان الْعَرَب ترجع منا الْغَيْبَة فِي الْخطاب الى الحضرة وَدَلِيله قَوْله تَعَالَى حَتَّى اذا كُنْتُم فِي الْفلك وجرين بهم وَقد تقدم من هَذَا مَا يسْتَدلّ بِهِ على مَعْنَاهُ
قَوْله تَعَالَى أَو أَن يظْهر فِي الارض الْفساد يقْرَأ بِأَو وبالواو وبضم الْيَاء وَفتحهَا وبنصب الْفساد وَرَفعه فالحجة لمن قَرَأَ بِأَو أَنه جعل الْحَرْف لأحد الْحَالين على طَرِيق الشَّك اَوْ الْإِبَاحَة لَان لأو فِي الْكَلَام اربعة اوجه الشَّك والاباحة والتخيير وايجاد اُحْدُ الشَّيْئَيْنِ مِنْهَا كَقَوْلِه وأرسلناه الى مائَة الف اَوْ يزِيدُونَ وَالْحجّة لمن قَرَأَ بِالْوَاو انه جعل الْحَرْف للحالين مَعًا فَاخْتَارَ الْوَاو لانها جامعةبين الشَّيْئَيْنِ(1/313)
سُورَة الْمُؤمن لانه جمع بهَا هَا هُنَا بَين التبديل وَبَين ظُهُور الْفساد وَالْحجّة لمن ضم الْيَاء انه رد الْكَلَام على اوله واتى بِهِ على سِيَاقه فاضمر الْفَاعِل فِيهِ كَمَا أضمره فِي قَوْله ان يُبدل دينكُمْ فنصب الْفساد بتعدي الْفِعْل اليه وَالْحجّة لمن فتح الْيَاء انه قطع الْفساد وظهوره من التبديل فافرده وَرَفعه بِهِ
وَمَعْنَاهُ فان يُبدل دينكُمْ ظهر فِي الارض الْفساد قَوْله تَعَالَى اني عذت يقرا بادغام الذَّال فِي التَّاء لقرب الْمخْرج وباظهار الذَّال على الاصل لَان الحرفين غير متجانسين
قَوْله تَعَالَى على كل قلب متكبر جَبَّار اجماع الْقُرَّاء هَا هُنَا على الاضافةالا اباعمرو فانه نون الْقلب فالحجة لمن اضاف انه جعل الْقلب خلفا من اسْم مَحْذُوف فاقامه مقَامه عِنْد الْكُوفِيّين وهوعند الْبَصرِيين صفة قَامَت مقَام الْمَوْصُوف وَمَعْنَاهُ عِنْدهم على كل قلب رجل متكبر اَوْ يُرِيد بِهِ التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير كَمَا حكى عَن بعض فصحاء الْعَرَب ان فلَانا لمن يرجل شعره كل يَوْم جمعه اراد كل يَوْم جمعه فَقدم واخر والحجه لأبي عَمْرو انه جعل الْفِعْل للقلب لانه ملك الْبدن ومستقر الْكبر لَان الْكبر اذا سكنه تكبر لَهُ صَاحبه وَدَلِيل ذَلِك قَوْله فظلت اعناقهم لَهَا خاضعين لَان الاعناق اذا ذلت وخضعت ذل لذَلِك وخضع اربابها
وَمعنى تكبر الْقلب قسوته لِأَنَّهُ إِذا قسا ترك الطَّاعَة والجبار فِي اللُّغَة الَّذِي يقتل علىالغضب وَدَلِيله قَوْله بطشتم جبارين
فان قيل فقد مدح الله نَفسه بِهَذَا الِاسْم الَّذِي ذمّ بِهِ خلقه فَقل مَوضِع الْمَدْح لله تَعَالَى انه اجبر عباده على مَا اراد مِنْهُم واحياهم واماتهم فَهِيَ صفة لَا تلِيق إِلَّا بِهِ ومدح لَا يجب إِلَّا لَهُ فاذا اكتسى ذَلِك من لَا يجب لَهُ كَانَ مذموما بِهِ(1/314)
سورةالمؤمن وَلم يات فعال من افْعَل الا فِي ثلَاثه افعال قَالُوا اجبر فَهُوَ جَبَّار وادرك فَهُوَ دراك وأسأر فَهُوَ سآر
قَوْله تَعَالَى فَاطلع الى اله مُوسَى اجْمَعْ الْقُرَّاء على رَفعه عطفا على قَوْله ابلغ إِلَّا مَا روى حَفْص عَن عَاصِم بِالنّصب لِأَنَّهُ جعل الْفَاء فِيهِ جَوَابا للْفِعْل فنصب بهَا تَشْبِيها ل لَعَلَّ بليت لِأَن لَيْت فِي التَّمَنِّي أُخْت لَعَلَّ فِي الترجي وَمثله مَا رَوَاهُ عَنهُ أَيْضا فِي عبس فتنفعه الذكرى
قَوْله تَعَالَى وَصد عَن السَّبِيل يقرأبضم الصَّاد وَفتحهَا فالحجة لمن ضم أَنه دلّ بِالضَّمِّ على بِنَاء مَا لم يسم فَاعله وَعطفه على قَوْله وَكَذَلِكَ زين لفرعون سوء عمله وَالْحجّة لمن فتح أَنه جعل الْفِعْل لفرعون فاستتر اسْمه فِيهِ لتقدمه قبل ذَلِك وَفِيه حجَّة لأهل السّنة
قَوْله تَعَالَى أدخلُوا آل فِرْعَوْن يقرا بِقطع الْألف وَوَصلهَا فالحجة لمن قطع أَنه جعله أمرا من الله عز وجلّ للزبانية فنصب آل فِرْعَوْن بتعدي الْفِعْل إِلَيْهِم لِأَن دُخُول النَّار لَيْسَ مِمَّا يختارونه وَلَا ذَلِك إِلَيْهِم وَإِنَّمَا يكْرهُونَ عَلَيْهِ وَالْحجّة لمن وصل أَنه جعل الْفِعْل حِكَايَة عَمَّا يُقَال لَهُم وأضمر القَوْل هَا هُنَا كَمَا أضمر فِي قَوْله تَعَالَى وَأما الَّذين كفرُوا أفلم يُرِيد وَالله أعلم فَيُقَال لَهُم أفلم وَنصب آل فِرْعَوْن على هَذِه الْقِرَاءَة بالنداء الْمُضَاف كَمَا قَالَ تَعَالَى ذُرِّيَّة من حملنَا يُرِيد وَالله أعلم يَا ذُرِّيَّة من حملنَا مَعَ نوح
قَوْله تَعَالَى يدْخلُونَ الْجنَّة يقْرَأ بِضَم الْيَاء وَفتح الْخَاء وبفتح الْيَاء وَضم الْخَاء(1/315)
سُورَة فصلت فالحجة لمن ضم أَنه أَتَى بِالْفِعْلِ على بِنَاء مَا لم يسم فَاعله ليقربه من قَوْله يرْزقُونَ فيتفقا بِلَفْظ وَاحِد فِي بنائهما وَالْحجّة لمن فتح الْيَاء أَنه أَرَادَ أَنهم إِذا أدخلُوا دخلُوا فنسب الدُّخُول إِلَيْهِم وَدَلِيله قَوْله تَعَالَى وماتوا وهم كفار وَإِنَّمَا الله أماتهم لقَوْله تَعَالَى وَأَنه هُوَ أمات وَأَحْيَا فنسب الْفِعْل إِلَيْهِم على هَذَا الْوَجْه سَعَة ومجازا وَمثله سيدخلون جَهَنَّم يقرأبضم الْيَاء وَفتحهَا وَمعنى داخرين صاغرين
قَوْله تَعَالَى لَا ينفع الظَّالِمين معذرتهم يقرأبالتاء دلَالَة على تَأْنِيث المعذرة وبالياء لحائل بَين الْفِعْل وَالِاسْم أَو لِأَن تَأْنِيث الِاسْم لَيْسَ بحقيقي
قَوْله تَعَالَى مَا يتذكرون يقرأبالياء وَالتَّاء وَيقْرَأ بتاءين فالحجة لمن قَرَأَهُ بِالْيَاءِ وَالتَّاء أَنه جعل الْيَاء دلَالَة على الِاسْتِقْبَال وعلامة للغيبة وَالتَّاء دَاخِلَة على فعل لتدل على استفادة الذّكر شَيْئا بعد شَيْء كَمَا تَقول تحفظت الْقُرْآن وتنجزت حوائجي وَالْحجّة لمن قَرَأَهُ بالتاءين أَنه دلّ بِالْأولَى على الِاسْتِقْبَال والحضور وبالثانية على مَا قدمْنَاهُ وقليلا ينْتَصب بقوله يتذكرون وَالْوَقْف تَامّ على قَوْله عز وجلّ وَلَا الْمُسِيء ثمَّ يَبْتَدِئ بِمَا بعده
وَمن سُورَة حم السَّجْدَة فصلت
قَوْله تَعَالَى فِي أَيَّام نحسات يقْرَأ بِإِسْكَان الْحَاء وَكسرهَا فالحجة لمن أسكن أَنه اراد جمع نحس وَدَلِيله قَوْله تَعَالَى فِي يَوْم نحس مُسْتَمر وَيحْتَمل أَن يكون أَرَادَ كسر الْحَاء فأسكنها تَخْفِيفًا وَالْحجّة لمن كسر انه جعله جمعا للصفة من قَول الْعَرَب هَذَا يَوْم نحس وزن هَذَا رجل هرم(1/316)
سُورَة فصلت قَالَ الشَّاعِر ... أبلغ جذاما ولخما أَن إِخْوَتهم ... طيا وبهراء قوم نَصرهم نحس ...
قَوْله تَعَالَى وَيَوْم يحْشر أَعدَاء الله يقْرَأ بِالْيَاءِ وَالرَّفْع وبالنون وَالنّصب فالحجة لمن قَرَأَ بِالْيَاءِ أَنه اراد الْإِخْبَار بِفعل مَا لم يسم فَاعله فَرفع الإسم بِهِ وَالْحجّة لمن قَرَأَ بالنُّون أَنه جعله من إِخْبَار الله تَعَالَى عَن نَفسه فنصب الِاسْم بتعدي الْفِعْل إِلَيْهِ
قَوْله تَعَالَى من ثَمَرَة من أكمامها يقْرَأ بِالتَّوْحِيدِ وَالْجمع وَقد ذكر من الْحجَّة فِي أَمْثَاله مَا يُغني عَن إِعَادَة قَول فِيهِ
قَوْله تَعَالَى أأعجمي وعربي يقرأبهمزتين محققتين وبهمزة وَمُدَّة بعْدهَا فالحجة لمن حقق أَنه أَتَى بالْكلَام على واجبه لِأَن الْهمزَة الأولى للإنكار لقَولهم والتوبيخ لَهُم وَالثَّانيَِة ألف قطع وَالْحجّة لمن أبدل من ألف الْقطع مُدَّة أَنه استثقل الْجمع بَين همزتين فَخفف إِحْدَاهمَا بِالْمدِّ وَمَعْنَاهُ لَو فعلنَا هَذَا لقالوا أقرآن أعجمي وَنَبِي عَرَبِيّ هَذَا محَال
وَالْفرق بَين الأعجمي والعجمي أَن الأعجمي الَّذِي لَا يتَكَلَّم بِالْعَرَبِيَّةِ وَإِن كَانَ عَرَبِيّ الأَصْل والعجمي مَنْسُوب إِلَى الْعَجم وَإِن كَانَ فصيحا
قَوْله تَعَالَى أرنا الَّذين يقْرَأ بِكَسْر الرَّاء باختلاس حركتها وبإسكانها وَقد ذكر فِيمَا مضى
قَوْله تَعَالَى ونأى بجانبه مَذْكُور فِي بني إِسْرَائِيل بِوُجُوه الْقِرَاءَة فِيهِ وَشرح علله(1/317)
سُورَة الشورى
وَمن سُورَة حم عسق الشورى
قَوْله تَعَالَى عسق أجمع الْقُرَّاء على إدغام النُّون فِي الْقَاف وَبَينهمَا متباعد فِي الْمخْرج وَأظْهر حَمْزَة النُّون عِنْد الْمِيم فِي طسم فالحجة فِي الْإِظْهَار أَن الْمِيم قد أفردت من السِّين فِي أول سُورَة النَّمْل وألحقت بهَا فِي اول الشُّعَرَاء والقصص فَبين فيهمَا ليعلم أَن الْمِيم زَائِدَة على هجاء السِّين وَلم تنفرد السِّين من الْقَاف فَيحْتَاج فِي ذَلِك إِلَى فصل فَبنى فِيهِ الْكَلَام على الأَصْل وَالنُّون تُدْغَم عِنْد الْمِيم وتخفى عِنْد الْقَاف والمخفي بِمَنْزِلَة الْمظهر فَلَمَّا ثقل عَلَيْهِ التَّشْدِيد وَكَرِهَهُ فِي طسم أظهر وَلما كَانَ المخفي بِمَنْزِلَة الْمظهر لم يحْتَج إِلَى إِظْهَار ثَان
قَوْله تَعَالَى كَذَلِك يوحي إِلَيْك وَإِلَى الَّذين من قبلك الله يقرأبكسر الْحَاء وَفتحهَا فالحجة لمن كسر أَنه جعله فعلا لله عز وجلّ فَرفع لفظ الِاسْم بِفِعْلِهِ وَالْحجّة لمن فتحهَا أَنه جعل الْفِعْل مَبْنِيا لما لم يسم فَاعله وَرفع اسْم الله تَعَالَى بَدَلا من الضَّمِير الَّذِي فِي الْفِعْل أَو بِإِعَادَة فعل مُضْمر أَو بإضمار اسْم مُبْتَدأ يكون اسْم الله تَعَالَى خَبرا لَهُ
قَوْله تَعَالَى يتفطرن من فوقهن يقْرَأ بِالْيَاءِ وَالتَّاء فِيهِ وَفِي تكَاد وَالنُّون مَعَ التَّاء وَالْيَاء وَالتَّخْفِيف وبالتاء فِي مَكَان النُّون بعد التَّاء وَالْيَاء وَالتَّشْدِيد وَتقدم شرح جَمِيع علل ذَلِك فِي سُورَة مَرْيَم بِمَا يُغني عَن إِعَادَة قَول فِيهِ
قَوْله تَعَالَى وَيعلم مَا يَفْعَلُونَ يقْرَأ بِالتَّاءِ وَالْيَاء على مَا قدمْنَاهُ فِي أَمْثَاله
قَوْله تَعَالَى وَمن آيَاته الْجَوَارِي اتّفقت الْمَصَاحِف على حذفهَا خطا وَاخْتلف الْقُرَّاء فِي اللَّفْظ بهَا(1/318)
سُورَة الشورى فَمنهمْ من أثبتها وصلا ووقفا وَاحْتج أَنه إِنَّمَا كَانَ حذفهَا لمقارنة التَّنْوِين فَلَمَّا زَالَ التَّنْوِين بِدُخُول الْألف وَاللَّام عَادَتْ إِلَى أَصْلهَا
وَمِنْهُم من حذفهَا وَقفا وأثبتها وصلا ليَكُون مُتبعا لِلْخَطِّ وَقفا وللأصل وصلا
وَمِنْهُم من حذفهَا وَقفا ووصلا وَاحْتج بِأَن النكرَة الأَصْل والمعرفة فرع عَلَيْهَا فَلَمَّا حذفت الْيَاء فِي النكرَة لمقارنة التَّنْوِين ثمَّ لما دخلت الْألف وَاللَّام دخلتا على شَيْء قد حذف أصلا فَلم يعيداه لِأَن الأَصْل أقوى من الْفَرْع
قَوْله تَعَالَى وَيعلم الَّذين يجادلون يقْرَأ بِالنّصب وَالرَّفْع فالحجة لمن نصب أَنه صرفه عَن المجزوم وَالنّصب بِالْوَاو عِنْد الْكُوفِيّين وبإضمار أَن عِنْد الْبَصرِيين وَدَلِيل ذَلِك قَوْله تَعَالَى وَلما يعلم الله الَّذين جاهدوا مِنْكُم وَيعلم الصابرين بِالنّصب وَالْحجّة لمن رفع أَنه اسْتَأْنف بِالْوَاو لتَمام الشَّرْط وَالْجَزَاء بابتدائه وَجَوَابه
قَوْله تَعَالَى كَبَائِر الْإِثْم يقْرَأ بِالتَّوْحِيدِ وَالْجمع فالحجة لمن وحد أَنه أَرَادَ بِهِ الشّرك بِاللَّه فَقَط لِأَن الله تَعَالَى أوجب على نَفسه غفران مَا سواهُ من الذُّنُوب وَلذَلِك سَمَّاهُ ظلما عَظِيما وَالْحجّة لمن جمع أَنه أَرَادَ بذلك الشّرك وَالْقَتْل وَالزِّنَا وَالْقَذْف وَشرب الْخمر والفرار من الزَّحْف وعقوق الْوَالِدين فَذَلِك سبع
وَقَالَ ابْن عَبَّاس هِيَ إِلَى سبعين أقرب مِنْهَا إِلَى سبع وَقيل هِيَ من أول النِّسَاء إِلَى قَوْله إِن تجتنبوا كَبَائِر مَا تنهون عَنهُ وَإِذا ثَبت أَن أكبر الْمعاصِي الشّرك بِاللَّه فأكبر الطَّاعَات الْإِيمَان بِاللَّه وَهُوَ الْإِقْرَار بِاللِّسَانِ والتصديق بِالْقَلْبِ وَقيل أكبر من الشّرك مَا أدعاه فِرْعَوْن لنَفسِهِ من الربوبية وَقيل إِذا اجْتمعت صغائر الذُّنُوب صَارَت كَبِيرَة
قَوْله تَعَالَى أَو يُرْسل رَسُولا فيوحى يقرآن بِالرَّفْع وَالنّصب فالحجة لمن رفع أَنه اسْتَأْنف ب أَو فَخرج من النصب إِلَى الرّفْع وَالْحجّة لمن نصب أَنه عطفه على معنى قَوْله إِلَّا وَحيا لِأَنَّهُ بِمَعْنى أَن يوحي إِلَيْهِ أَو يُرْسل رَسُولا فيوحى فيعطف(1/319)
سُورَة الزخرف بَعْضًا على بعض ب أَو وبالفاء وَمعنى قَوْله إِلَّا وَحيا يُرِيد إلهاما أَو من وَرَاء حجاب كَمَا كلم مُوسَى أَو يُرْسل رَسُولا يُرِيد بِهِ جِبْرِيل صلى الله عَلَيْهِ وسلم وعَلى جَمِيع النَّبِيين وَالْمَلَائِكَة والمقربين
وَمن سُورَة الزخرف
قَوْله تَعَالَى أَن كُنْتُم قوما مسرفين يقرأبفتح الْهمزَة وَكسرهَا فالحجة لمن فتح أَنه قدر أَن تَقْدِير إِذْ وَدَلِيله قَوْله أَن جَاءَهُ الْأَعْمَى يُرِيد إِذْ جَاءَهُ الْأَعْمَى وَقدر كُنْتُم بعده تَقْدِير الْفِعْل الْمَاضِي لفظا وَمعنى وَمَوْضِع أَن على هَذَا نصب وخفض وَقد ذكر وَالْحجّة لمن كسر أَنه جعل أَن إِن حرف شَرط وَجعل الْفِعْل بِمَعْنى الْمُسْتَقْبل وَحذف الْجَواب علما بالمراد
قَوْله تَعَالَى أَو من ينشأ فِي الْحِلْية يقْرَأ بِفَتْح الْيَاء وَإِسْكَان النُّون وَالتَّخْفِيف وبضم الْيَاء وَفتح النُّون وَالتَّشْدِيد فالحجة لمن خفف أَنه جعل الْفِعْل من قَوْلهم نَشأ الْغُلَام فَهُوَ نَاشِئ وَالْحجّة لمن شدد أَنه جعل الْفِعْل لمفعول بِهِ لم يسم فَاعله وَدَلِيله قَوْله تَعَالَى إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إنْشَاء فأنشأت ونشأت بِمَعْنى وَاحِد
قَوْله تَعَالَى الَّذين هم عباد الرَّحْمَن يقرأبالباء وَالْألف جمع عبد وبالنون من غير ألف على أَنه ظرف فالحجة لمن قَرَأَهُ بِالْجمعِ أَن الْمَلَائِكَة عباد الله وَدَلِيل ذَلِك قَوْله لن يستنكف الْمَسِيح أَن يكون عبدا لله وَلَا الْمَلَائِكَة المقربون وَالْحجّة لمن قَرَأَهُ بالنُّون على معنى الظّرْف قَوْله تَعَالَى إِن الَّذين عِنْد رَبك لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَن عِبَادَته وَالْجمع هَا هُنَا أولى لِأَن الله عز وجلّ إِنَّمَا أكذبهم فِي قَوْلهم إِن الْمَلَائِكَة بَنَاته بِأَن عرفهم أَنهم عباده لَا بَنَاته(1/320)
سُورَة الزخرف
قَوْله تَعَالَى أشهدوا خلقهمْ يقرأبفتح الْهمزَة والشين وَبِضَمِّهَا وَإِسْكَان الشين فالحجة لمن فتح أَنه جعل الالف للتوبيخ وَأخذ الْفِعْل من شهد يشْهد فَجعله فعلا لفاعل وَالْحجّة لم ضم أَن جعله فعل مَا لم يسم فَاعله وَدَلِيله قَوْله تَعَالَى مَا أشهدتهم خلق السَّمَوَات الَّتِي ينظرُونَ وَلَا خلق الأَرْض الَّتِي يَمْشُونَ عَلَيْهَا وَلَا خلق انفسهم وَهَذَا من أوكد الْحجَج عَلَيْهِم لِأَن من لم يشْهد خلق مَا يعاينه وَيقرب مِنْهُ فَكيف يعرف خلق مَا بعد مِنْهُ وَغَابَ عَنهُ
قَوْله تَعَالَى قل اَوْ لَو جِئتُكُمْ يقرأبألف بَين الْقَاف وَاللَّام على الْإِخْبَار وَطرح الْألف على طَرِيق الْأَمر وَقد تقدّمت الْحجَّة فِي نَظَائِره بِمَا فِيهِ كِفَايَة
قَوْله تَعَالَى لبيوتهم سقفا من فضَّة يقرأبفتح السِّين وَإِسْكَان الْقَاف على التَّوْحِيد وبضمهما على الْجمع فالحجة لمن وحد أَنه أَرَادَ اعلاهم وأظلهم وَدَلِيله قَوْله تَعَالَى فَخر عَلَيْهِم السّقف من فَوْقهم وَالْحجّة لمن جمع أَنه وَافق بذلك بَين اللَّفْظَيْنِ فِي قَوْله معارج عَلَيْهَا يظهرون
قَوْله تَعَالَى لما مَتَاع الْحَيَاة الدُّنْيَا يقرأبتشديد الْمِيم وتخفيفها وَقد ذكرت علله فِيمَا مضى
قَوْله تَعَالَى حَتَّى إِذا جَاءَنَا يقْرَأ بِالتَّوْحِيدِ وبالتثنية فالحجة لمن وحد أَنه أفرد العاشي عَن ذكر الرَّحْمَن بِالْفِعْلِ وَدَلِيله تَوْحِيد الْفِعْل بعده فِي قَوْله قَالَ يَا لَيْت بيني وَبَيْنك بعد المشرقين وَالْحجّة لمن قَرَأَهُ بالتثنية أَنه أَرَادَ والشيطان المقيض لَهُ الَّذِي قارنه لِأَنَّهُمَا جَمِيعًا جَاءَا فَكَانَ الْخطاب من أَحدهمَا بعد الْمَجِيء وَأَرَادَ بالمشرقين هَا هُنَا بعد مَا بَين الْمشرق وَالْمغْرب فَأتى بِالْأَشْهرِ من الاسمين
قَوْله تَعَالَى أساور من ذهب إِجْمَاع الْقُرَّاء على إِثْبَات الْألف بَين السِّين وَالْوَاو إِلَّا مَا رَوَاهُ حَفْص عَن عَاصِم من حذفهَا وَإِسْكَان السِّين فالحجة لمن أثبت الْألف(1/321)
سُورَة الزخرف أَنه أَرَادَ جمع الْجمع وَالْحجّة لمن حذفهَا أَنه اراد الْجمع فَقَط فَأَما الْفرق بَين السوار والأسوار فالسوار لليد والأسوار من أساورة الْفرس
قَوْله تَعَالَى فجعلناهم سلفا يقرأبفتح السِّين وَاللَّام وبضمهما فالحجة لمن فتح أَنه اراد جمع سالف وَالْحجّة لمن ضم أَنه أَرَادَ جمع سليف
قَوْله تَعَالَى يصدون يقرأبكسر الصَّاد وَضمّهَا فالحجة لمن ضم أَنه أَرَادَ يعدلُونَ ويعرضون وَدَلِيله قَوْله وَإِن كَانَ كبر عَلَيْك إعراضهم وَالْحجّة لمن كسر أَنه أَرَادَ يصيحون وَدَلِيله على ذَلِك مَجِيء مِنْهُ قبلهَا وَلَو كَانَت بِمَعْنى الْإِعْرَاض لجاءت مَعهَا عَن كَقَوْلِه أَو أعرض عَنْهُم وَقيل كسر الصَّاد وَضمّهَا وَإِدْخَال الْألف فِي أول الْفِعْل وإخراجها بِمَعْنى وَاحِد
قَوْله تَعَالَى يأيها السَّاحر يقْرَأ بطرح الْألف وَالْوُقُوف على الْهَاء سَاكِنة وبإثبات الْألف وَالْوُقُوف عَلَيْهَا وَقد تقدم القَوْل فِي علله آنِفا
فَإِن قيل لم نحلوه اسْم السحر وَقد سَأَلُوهُ الدُّعَاء لَهُم فَقل فِي ذَلِك جوابان أَحدهمَا أَن السحر فِي اللُّغَة دقة الْعلم بالشَّيْء ولطافة النّظر وَحسن الْعبارَة بأطرف الْأَلْفَاظ وَمِنْه قَوْلهم فلَان يسحر بِكَلَامِهِ ويسمون هَذَا الضَّرْب السحر الْحَلَال وَالثَّانِي أَنهم خاطبوه بِمَا كَانَ قد تقدم لَهُ عِنْدهم من تَشْبِيه بالساحر لِأَن الْأَغْلَب عَلَيْهِم كَانَ السحر فِي زَمَانه
قَوْله تَعَالَى أَنكُمْ فِي الْعَذَاب مشتركون يقْرَأ بِكَسْر الْهمزَة وَفتحهَا فالحجة لمن كسر أَنه جعل الْكَلَام تَاما عِنْد قَوْله إِذْ ظلمتم ثمَّ اسْتَأْنف إِنَّكُم فَكَسرهَا وَالْحجّة لمن فتح أَنه جعل آخر الْكَلَام مُتَّصِلا بأوله فَكَأَنَّهُ قَالَ وَلنْ ينفعكم الْيَوْم(1/322)
سُورَة الزخرف اشتراككم فِي الْعَذَاب إِذْ ظلمتم أَنفسكُم فِي الدُّنْيَا فَيكون مَوضِع أَنكُمْ هَا هُنَا رفعا وَالْكَاف وَالْمِيم فِي مَوضِع نصب
قَوْله تَعَالَى يَا عبَادي لَا خوف عَلَيْكُم الْيَوْم يقْرَأ بِإِثْبَات الْيَاء وحذفها وَقد تقدم ذكره
قَوْله تَعَالَى وَقَالُوا أآلهتنا خير أم هُوَ يقْرَأ بالاستفهام على طَرِيق التوبيخ وبالإخبار وَقد ذكرت علل ذَلِك فِيمَا سلف
قَوْله تَعَالَى مَا تشْتَهي الْأَنْفس يقْرَأ بِإِثْبَات هَاء بعد الْبَاء وبحذفها فالحجة لمن أثبتها أَنه أظهر مفعول تشْتَهي لِأَنَّهُ عَائِد على مَا وَالْحجّة لمن حذفهَا أَنه لما أجتمع فِي كلمة وَاحِدَة فعل وفاعل ومفعول خففها بطرح الْمَفْعُول لِأَنَّهُ فضلَة فِي الْكَلَام
قَوْله تَعَالَى وَإِلَيْهِ يرجعُونَ يقْرَأ بِالْيَاءِ وَالتَّاء على مَا قدمْنَاهُ فِي أَمْثَاله فَأَما ضم أَوله فإجماع
قَوْله تَعَالَى وقيله يَا رب يقْرَأ بِالنّصب والخفض فالحجة لمن نصب أَنه عطفه على قَوْله أم يحسبون أَنا لَا نسْمع سرهم ونجواهم وقيله وَالْحجّة لمن خفض أَنه رده على قَوْله وَعِنْده علم السَّاعَة وَعلم قيله(1/323)
سُورَة الدُّخان
قَوْله تَعَالَى فَسَوف يعلمُونَ يقرأبالياء وَالتَّاء على مَا تقدم من القَوْل فِي أَمْثَاله
وَمن سُورَة الدُّخان
قَوْله تَعَالَى رب السَّمَوَات وَالْأَرْض يقرا بِالرَّفْع والخفض هَا هُنَا وَفِي المزمل وَعم يتساءلون فالحجة لمن خفض أَنه جعله بَدَلا من الِاسْم الَّذِي قبله وَالْحجّة لمن رفع أَنه جعله مُبْتَدأ أَو خَبرا لمبتدأ أَو أبدله من قَوْله هُوَ السَّمِيع الْعَلِيم رب
قَوْله تَعَالَى فاعتلوه يقرأبكسر التَّاء وَضمّهَا وهما لُغَتَانِ كَقَوْلِه يعرشون يعكفون وَقد ذكرت علله فِيمَا مضى
قَوْله تَعَالَى ذُقْ إِنَّك يقْرَأ بِكَسْر الْهمزَة وَفتحهَا فالحجة لمن كسر أَنه جعل تَمام الْكَلَام عِنْد قَوْله ذُقْ وابتدأ إِن بِالْكَسْرِ وَالْحجّة لمن فتحهَا أَنه أَرَادَ حرف الْخَفْض فَحَذفهُ فَفتح لذَلِك
وَقيل معنى قَوْله إِنَّك أَنْت الْعَزِيز الْكَرِيم يُرِيد عِنْد نَفسك فَأَما عندنَا فَلَا وَقيل هُوَ كِنَايَة من الله عز وجلّ بِأَحْسَن الْأَلْفَاظ وَالْمرَاد بِهِ السَّفِيه الأحمق أَو الذَّلِيل كَقَوْل قوم شُعَيْب لَهُ إِنَّك لأَنْت الْحَلِيم الرشيد
قَوْله تَعَالَى يغلى فِي الْبُطُون يقرأبالياء ردا على الْمهل وبالتاء ردا على الشَّجَرَة والأثيم هَا هُنَا أَبُو جهل
قَوْله تَعَالَى فِي مقَام أَمِين يقْرَأ بِضَم الْمِيم وَفتحهَا وَقد ذكر معنى ذَلِك بِمَا فِيهِ كِفَايَة(1/324)
وَمن سُورَة الجاثية
قَوْله تَعَالَى وَمَا يبث من دَابَّة آيَات وتصريف الرِّيَاح آيَات يقرآن بِالرَّفْع وَالنّصب وَدَلِيل النصب فِيهِ كسرة التَّاء فالحجة لمن رفع أَنه جعل الْآيَات مُبتَدأَة وَمَا تقدم من الصّفة وَمَا تعلّقت بِهِ خَبرا عَنْهَا
وَلمن نصب وَجْهَان أَحدهمَا الْعَطف على الأول وَفِيه ضعف عِنْد النَّحْوِيين لِأَنَّهُ عطف على معمولي عاملين مُخْتَلفين على إِن وَهِي تنصب وعَلى فِي وَهِي تخْفض وَالثَّانِي أَن تبدل الْآيَات الثَّانِيَة من الأولى ويعطف بالثالثة على الثَّانِيَة وَإِن اخْتلفت الْآيَات فَكَانَت إِحْدَاهُنَّ فِي السَّمَاء وَالْأُخْرَى فِي الأَرْض فقد اتفقَا فِي أَنَّهُمَا خلق لله عز وجلّ
قَوْله تَعَالَى وآياته يُؤمنُونَ يقْرَأ بِالْيَاءِ وَالتَّاء على مَا قدمْنَاهُ فِي أَمْثَاله
قَوْله تَعَالَى ليجزي قوما يقرأبالياء إِخْبَارًا من الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وسلم عَن ربه وبالنون إِخْبَارًا من الله عز وجلّ عَن نَفسه
قَوْله تَعَالَى لَهُم عَذَاب من رجز أَلِيم يقْرَأ بِرَفْع الْمِيم وخفضها وَقد تقدم ذكر الْعلَّة فِيهِ
قَوْله تَعَالَى سَوَاء محياهم ومماتهم يقرأبالنصب وَالرَّفْع فالحجة لمن نصب انه عدى إِلَيْهِ قَوْله أَن يجعلهم سَوَاء وَالْحجّة لمن رفع أَنه جعل قَوْله كَالَّذِين(1/325)
سُورَة الْأَحْقَاف آمنُوا هُوَ الْمَفْعُول الثَّانِي وَرفع سَوَاء بِالِابْتِدَاءِ ومحياهم الْخَبَر وَقد يجوز لمن جعل كَالَّذِين آمنُوا الْمَفْعُول الثَّانِي أَن ينصب سَوَاء على الْحَال وَيقف عَلَيْهِ
قَوْله تَعَالَى وَجعل على بَصَره غشاوة يقرأبكسر الْغَيْن وَإِثْبَات الْألف وَبِفَتْحِهَا وَحذف الْألف فالحجة لمن كسر الْغَيْن أَنه جعله مصدرا مَجْهُولا كَقَوْلِك الْولَايَة والكفاية وَالْحجّة لمن فتح الْغَيْن أَنه جعله كالخطفة وَالرَّجْعَة وَقَالَ بعض أهل النّظر إِنَّمَا قَالَ غشاوة لاشتمالها على الْبَصَر بظلمتها فَهِيَ فِي الْوَزْن مثل الْهِدَايَة
قَوْله تَعَالَى والساعة لَا ريب فِيهَا إِجْمَاع الْقُرَّاء على الرّفْع إِلَّا حَمْزَة فَإِنَّهُ قَرَأَهُ بِالنّصب فالحجة لمن رفع أَن من شَرط إِن إِذا تمّ خَبَرهَا قبل الْعَطف عَلَيْهَا كَانَ الْوَجْه الرّفْع وَدَلِيله قَوْله تَعَالَى أَن الله بَرِيء من الْمُشْركين وَرَسُوله
فَأَما حجَّة حَمْزَة فَإِنَّهُ عطف بِالْوَاو لفظ السَّاعَة لِأَنَّهَا من تَمام حِكَايَة قَوْلهم وعَلى ذَلِك كَانَ الْجَواب لَهُم فِي قَوْله قُلْتُمْ مَا نَدْرِي مَا السَّاعَة
قَوْله تَعَالَى فاليوم لَا يخرجُون يقرأبفتح الْيَاء وَضمّهَا وَقد ذكر
وَمن سُورَة الْأَحْقَاف
قَوْله تَعَالَى بِوَالِديهِ حسنا يقرا بِضَم الْحَاء من غير ألف وبألف قبل الْحَاء وإسكانها وَألف بعد السِّين وهما مصدران فَالْأول من حسن يحسن حسنا وَالثَّانِي من أحسن يحسن إحسانا
قَوْله تَعَالَى لينذر الَّذين ظلمُوا يقرأبالياء وَالتَّاء فالياء لله عز وجلّ أَو للنَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَو لِلْقُرْآنِ وَالتَّاء للنَّبِي خَاصَّة
قَوْله تَعَالَى حَملته أمه كرها وَوَضَعته كرها يقرآن بِضَم الْكَاف وَفتحهَا وَقد تقدم ذكره(1/326)
سُورَة الْأَحْقَاف
قَوْله تَعَالَى أُولَئِكَ الَّذين نتقبل عَنْهُم أحسن مَا عمِلُوا ويتجاوز يقرآن بِالْيَاءِ مَضْمُومَة وَرفع أحسن بِمَا لم يسم فَاعله وبالنون مَفْتُوحَة فيهمَا وَنصب أحسن على أَنه إِخْبَار من الْفَاعِل عَن نَفسه
قَوْله تَعَالَى أُفٍّ لَكمَا مَذْكُور بعلله فِي بني إِسْرَائِيل
قَوْله تَعَالَى وليوفيهم أَعْمَالهم يقْرَأ بِالْيَاءِ وَالنُّون على مَا تقدم
قَوْله تَعَالَى لَا ترى إِلَّا مساكنهم يقْرَأ بِفَتْح التَّاء وَنصب مساكنهم وبضم التَّاء وَرفع مساكنهم فالحجة لمن فتح التَّاء وَنصب أَنه جعل الْخطاب للرسول عَلَيْهِ السَّلَام وَنصب مساكنهم بتعدي الْفِعْل إِلَيْهِ وَالْحجّة لمن ضم أَنه دلّ بذلك على بِنَاء مَا لم يسم فَاعله وَرفع الِاسْم بعده لِأَن الْفِعْل صَار حَدِيثا عَنهُ
قَوْله تَعَالَى أَذهَبْتُم طَيِّبَاتكُمْ يقْرَأ بِهَمْزَة وَاحِدَة مَقْصُورَة كَلَفْظِ الْأَخْبَار مَعْنَاهُ وَيَوْم يعرض الَّذين كفرُوا على النَّار فَيُقَال أَذهَبْتُم أَو يُرِيد بِهِ التوبيخ ثمَّ يحذف الْألف ويقتصر مِنْهَا على الْهمزَة الْبَاقِيَة
وَانْفَرَدَ ابْن كثير بِقِرَاءَة هَذَا الْحَرْف بِهَمْزَة وَمُدَّة فَالْأولى ألف التوبيخ والمدة عوض من ألف الْقطع وَاللَّفْظ بِالْألف كَلَفْظِ الِاسْتِفْهَام
وكل لفظ اسْتِفْهَام ورد فِي كتاب الله عز وجلّ فَلَا يَخْلُو من أحد سِتَّة أوجه إِمَّا أَن يكون توبيخا أَو تقريرا أَو تَعَجبا أَو تَسْوِيَة أَو إِيجَابا أَو أمرا فَأَما اسْتِفْهَام صَرِيح فَلَا يَقع من الله تَعَالَى فِي الْقُرْآن لِأَن المستفهم مستعلم مَا لَيْسَ عِنْده طَالب للْخَبَر من غَيره وَالله عَالم بالأشياء قبل كَونهَا فالتوبيخ أَذهَبْتُم طَيِّبَاتكُمْ والتقرير(1/327)
سُورَة مُحَمَّد أَأَنْت قلت للنَّاس والتعجب كَيفَ تكفرون بِاللَّه والتسوية سَوَاء عَلَيْهِم أأنذرتهم والإيجاب كَقَوْلِه أَتجْعَلُ فِيهَا من يفْسد فِيهَا وَالْأَمر أأسلمتم فعلى هَذَا يجْرِي مَا فِي كتاب الله فاعرف موَاضعه
وَمن سُورَة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وسلم
هَذِه السُّورَة أول الْمفصل وَإِنَّمَا سمي مفصلا لِكَثْرَة تَفْصِيل بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم بَين سوره
قَوْله تَعَالَى وَالَّذين قتلوا فِي سَبِيل الله يقْرَأ بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيف وَضم الْقَاف وبإثبات ألف بَين الْقَاف وَالتَّاء مَعَ فتح الْقَاف فالحجة لمن خفف اَوْ شدد أَنه دلّ بِضَم الْقَاف على بِنَاء الْفِعْل لما لم يسم فَاعله وَالْحجّة لمن أثبت الْألف وَفتح الْقَاف أَنه دلّ بذلك على بِنَاء الْفِعْل لَهُم والكنايتان فِي مَوضِع رفع
قَوْله تَعَالَى غير آسن يقْرَأ بِالْمدِّ على وزن فَاعل وبالقصر على وزن فعل فالحجة لمن قَرَأَهُ بِالْمدِّ أَنه أَخذه من قَوْلهم أسن المَاء يأسن فَهُوَ آسن كَمَا تَقول خرج يخرج فَهُوَ خَارج وَالْحجّة لمن قصر أَنه أَخذه من قَوْلهم أسن المَاء يأسن فَهُوَ أسن كَمَا تَقول حذر يحذر فَهُوَ حذر وهرم يهرم فَهُوَ هرم والهمزة فيهمَا مَعًا همزَة أصل
قَوْله تَعَالَى وأملي لَهُم يقرا بِضَم الْهمزَة وَكسر اللَّام وَفتح الْيَاء وبفتح الْهمزَة وَاللَّام وَإِسْكَان الْيَاء فالحجة لمن ضم الْهمزَة أَنه دلّ على بِنَاء الْفِعْل لما لم يسم فَاعله لِأَنَّهُ جعل التسويل للشَّيْطَان والإملاء لغيره وَالْحجّة لمن فتح الْهمزَة أَنه(1/328)
سُورَة الْفَتْح جعل الْفِعْل مَبْنِيا للْفَاعِل فَكَأَنَّهُ قَالَ الشَّيْطَان سَوَّلَ لَهُم وَالله أمْلى لَهُم
قَوْله تَعَالَى وَالله يعلم أسرارهم يقرأبفتح الْهمزَة وَكسرهَا فالحجة لمن فتح أَنه اراد جمع سر وَالْحجّة لمن كسر انه أَرَادَ الْمصدر وَقد ذكرنَا الْعلَّة فِي فتح همزَة الْجمع وَكسر همزَة الْمصدر ذكرا يُغني عَن إِعَادَته
قَوْله تَعَالَى ولنبلونكم حَتَّى نعلم ونبلو أخباركم يقرآن بِالْيَاءِ وَالنُّون فالحجة لمن قَرَأَ بِالْيَاءِ أَنه جعله من إِخْبَار النَّبِي عَن الله عز وجلّ وَالْحجّة لمن قَرَأَهُ بالنُّون أَنه جعله من إِخْبَار الله عز وجلّ عَن نَفسه
فَإِن قيل فَمَا وَجه قَوْله حَتَّى نعلم وَعلمه سَابق لكَون الْأَشْيَاء فَقل الْإِخْبَار عَنهُ وَالْمرَاد بذلك غَيره مِمَّن لَا يعلم وَهَذَا من تَحْسِين اللَّفْظ ولطافة الرَّد
قَوْله تَعَالَى وَتَدْعُو إِلَى السّلم يقرأبفتح السِّين وَكسرهَا وَقد تقدم القَوْل فِيهِ
وَمن سُورَة الْفَتْح
قَوْله تَعَالَى لتؤمنوا بِاللَّه وَرَسُوله وتعزروه وتوقروه وتسبحوه يقْرَأ ذَلِك بِالْيَاءِ على طَرِيق الْغَيْبَة وبالتاء دلَالَة على المخاطبة
قَوْله تَعَالَى عَلَيْهِم دَائِرَة السوء يقْرَأ بِضَم السِّين وَفتحهَا فالحجة لمن ضم أَنه أَرَادَ الْإِثْم أَو الشَّرّ أَو الْفساد وَالْحجّة لمن فتح أَنه أَرَادَ الْمصدر
قَوْله تَعَالَى فسيؤتيه يقرأبالياء وَالنُّون وَقد تقدم القَوْل فِي امثاله
قَوْله تَعَالَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهِ الله إِجْمَاع الْقُرَّاء على كسر الْهَاء لمجاورة الْيَاء إِلَّا(1/329)
سُورَة الحجرات مَا رَوَاهُ حَفْص عَن عَاصِم من ضمهَا على اصل مَا يجب من حركتها بعد السَّاكِن
قَوْله تَعَالَى إِن أَرَادَ بكم ضرا يقْرَأ بِضَم الضَّاد وَفتحهَا وَقد تقدم ذكر علتها
قَوْله تَعَالَى بِمَا يعْملُونَ بَصيرًا إِجْمَاع الْقُرَّاء على الْيَاء بِمَعْنى الْغَيْبَة إِلَّا مَا اخْتَارَهُ أَبُو عَمْرو من التَّاء بِمَعْنى الحضرة
قَوْله تَعَالَى أخرج شطأه يقْرَأ بِإِسْكَان الطَّاء وَفتحهَا وَالْحجّة فِيهِ كالحجة فِي قَوْله رأفة فِي إسكانها وتحريكها وَمَعْنَاهُ فراخ الزَّرْع
قَوْله تَعَالَى فآزره يقْرَأ بِالْمدِّ وَالْقصر فالمد بِمَعْنى أَفعلهُ وَالْقصر بِمَعْنى فعله فالالف فِي الْمَمْدُود قطع وَفِي الْمَقْصُور أصل
قَوْله تَعَالَى على سوقه يقْرَأ بِالْهَمْز وَتَركه وَقد تقدم ذكر علته فِيمَا مضى وَالله أعلم
وَمن سُورَة الحجرات
قَوْله تَعَالَى فأصلحوابين أخويكم يقْرَأ بِالْيَاءِ وَالتَّاء فالحجة لمن قَرَأَهُ بِالْيَاءِ أَنه رده على اللَّفْظ لَا على الْمَعْنى وَالْحجّة لمن قَرَأَهُ بِالتَّاءِ أَنه رده على الْمَعْنى لَا على اللَّفْظ
قَوْله تَعَالَى لَا يلتكم يقْرَأ بِالْهَمْز وَتَركه فالحجة لمن همز أَنه أَخذه(1/330)
سُورَة ق من ألت يألت وَالْحجّة لمن ترك الْهَمْز انه اخذه من لات يليت ومعناهما لَا ينقصكم
قَوْله تَعَالَى لحم اخيه مَيتا يقْرَأ بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيف وَقد تقدم القَوْل فِيهِ وَمَعْنَاهُ ان ذَاكر اخيه بالسوء فِي غيبته وَهُوَ لَا يحس بِهِ كآكل لَحْمه مَيتا
قَوْله تَعَالَى وَالله بَصِير بِمَا تَعْمَلُونَ اجماع الْقُرَّاء على التَّاء خطابا للحاضرين إِلَّا ابْن كثير فانه قَرَأَهُ بِالْيَاءِ على معنى الْغَيْبَة
وَمن سُورَة ق
قَوْله تَعَالَى يَوْم نقُول لِجَهَنَّم يقْرَأ بِالْيَاءِ اخبار من الرَّسُول عَن الله عز وَجل وبالنون اخبار من الله تَعَالَى عَن نَفسه عز وَجل
وَنصب يَوْم يتَوَجَّه على وَجْهَيْن احدهما بقوله مَا يُبدل القَوْل لدي يَوْم نقُول أَي فِي يَوْم قَوْلنَا وَالثَّانِي بإضمار فعل مَعْنَاهُ وأذكر يَوْم نقُول
فَأَما قَول جَهَنَّم فَعِنْدَ اهل السّنة بِآلَة وعقل يركبه الله فِيهَا على الْحَقِيقَة وَعند غَيرهم على طَرِيق الْمجَاز وانها لَو نطقت لقالت ذَلِك
قَوْله تَعَالَى وأدبار السُّجُود يقْرَأ بِفَتْح الْهمزَة على الْجمع وبكسرها على الْمصدر
قَوْله تَعَالَى المنادى يقْرَأ بِالْيَاءِ وحذفها على مَا تقدم من الْقَوْم فِي نَظَائِره والمنادى هَا هُنَا إسْرَافيل وَالْمَكَان الْقَرِيب بَيت الْمُقَدّس
قَوْله تَعَالَى يَوْم تشقق الارض يقْرَأ بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيف فالحجة لمن شدد(1/331)
سُورَة الذاريات أَنه أَرَادَ تشقق فأسكن التَّاء الثَّانِيَة وادغمها فِي الشين فَشدد لذَلِك وَالْحجّة لمن خفف انه اراد ايضا تشقق فَحذف احدى التائين تَخْفِيفًا
قَوْله تَعَالَى فَنقبُوا فِي الْبِلَاد يقْرَأ بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيف فالحجة لمن شدد انه دلّ بذلك على مداومة الْفِعْل وتكراره وَالْحجّة لمن خفف انه اراد الْمرة الْوَاحِدَة واصله التطواف فِي الْبِلَاد
وَمن سُورَة الذاريات
قَوْله تَعَالَى لحق مثل مَا يقْرَأ بِالرَّفْع وَالنّصب فالحجة لمن رفع انه جعله صفة للحق وَالْحجّة لمن نصب انه بناه مَعَ مَا بِنَاء لَا رجل عنْدك
فَإِن قيل كَيفَ جعل نطقهم حَقًا وهم كفرة فَقل مَعْنَاهُ انه لحق مثل نطقكم كَمَا تَقول انه لحق كَمَا انك هَا هُنَا
قَوْله تَعَالَى الصاعقة يقْرَأ بِإِثْبَات الالف بَين الصَّاد وَالْعين وحذفها فالحجة لمن اثْبتْ انه اراد الِاسْم من الْفِعْل وَالْحجّة لمن حذف انه اراد الْمصدر اَوْ الْمرة من الْفِعْل
قَوْله تَعَالَى وَقوم نوح من قبل يقْرَأ بِالنّصب والخفض فالحجة لمن نصب انه رده على قَوْله فأخذناه وَجُنُوده فنبذناهم فِي اليم أَي واغرقنا قوم نوح اَوْ اهلكنا قوم نوح وَالْحجّة لمن حفض انه رده على قَوْله وَفِي ثَمُود(1/332)
وَمن سُورَة وَالطور
قَوْله تَعَالَى وأتبعناهم يقْرَأ بالنُّون والالف وبالتاء فِي مَوضِع النُّون وَحذف الالف ذرياتهم يقْرَأ بِالتَّوْحِيدِ وَالْجمع فيهمَا وبالرفع فِي الاولى وَالنّصب فالحجة لمن قَرَأَهُ بِالتَّاءِ انه جعله فعلا للذرية سَوَاء افرد اَوْ جمع فَرَفعهَا بِفِعْلِهَا وَالْحجّة لمن قَرَأَ بالنُّون انه جعل الْفِعْل لله تَعَالَى فنصب الذُّرِّيَّة فِي الافراد وَالْجمع لتعدي الْفِعْل اليها
فَأَما الذُّرِّيَّة الثَّانِيَة فَلَا خلف فِي نصبها بقوله ألحقنا فالحجة لمن وحد أَنه اجتزأ بِالْوَاحِدِ من الْجمع وعلامة النصب فِيهِ فَتْحة التَّاء وَالْحجّة لمن جمع انه اتى بِاللَّفْظِ على مَا اوجبه الْمَعْنى وعلامة النصب فِي الْجمع كسرة التَّاء لانها نابت فِي جمع الْمُؤَنَّث مناب الْيَاء فِي جمع الْمُذكر فاعتدل النصب والخفض فِي جمع الْمُؤَنَّث بِالْكَسْرِ كَمَا اعتدل فِي جمع الْمُذكر بِالْيَاءِ
وَاصل ذُرِّيَّة فِي الْوَزْن فعلولة من الذَّر فقلبوا من الْوَاو يَاء وادغموها فِي الْيَاء فَصَارَت فِي وزن فعلية
وَمعنى الْآيَة ان الله تَعَالَى يبلغ الْوَلَد فِي الْجنَّة مرتبَة وَالِده وان لم يَسْتَحِقهَا بِعَمَلِهِ ويبلغ الْوَالِد فِي الْجنَّة مرتبَة وَلَده وان لم يستوجبها بِعَمَلِهِ اذا تَسَاويا فِي الدُّخُول اليها نسْأَل الله فوزا بهَا برحمته وفضله وَدَلِيله قَوْله تَعَالَى آباؤكم وأبناؤكم لَا تَدْرُونَ أَيهمْ اقْربْ لكم نفعا
قَوْله تَعَالَى وَمَا ألتناهم اجْمَعْ الْقُرَّاء على فتح اللَّام الا مَا قَرَأَ بِهِ ابْن كثير(1/333)
سُورَة الطّور من كسرهَا وَقد علل ذَلِك فِي الحجرات
قَوْله تَعَالَى لَا لَغْو فِيهَا وَلَا تأثيم يقْرَأ بِالنّصب وَطرح التَّنْوِين وَالرَّفْع والتنوين فالحجة لمن نصب انه بنى الِاسْم مَعَ لَا كبناء خَمْسَة عشر فَحذف التَّنْوِين وبناه على الْفَتْح وَالْحجّة لمن رفع انه لم يعْمل لَا واعمل معنى الِابْتِدَاء وَجعل الظّرْف الْخَبَر
وَمعنى يتنازعون هَا هُنَا يتعاطون ويتداولون وَمِنْه قَول الاخطل ... نازعته طيب الراح الشُّمُول وَقد ... صَاح الدَّجَاج وحانت وقْعَة الساري ...
قَوْله تَعَالَى انه هُوَ الْبر الرَّحِيم يقْرَأ بِفَتْح الْهمزَة وَكسرهَا فالحجة لمن فتح انه اراد حرف الْجَرّ فَلَمَّا حذفه تعدى الْفِعْل فَعمل وَالْحجّة لمن كسر انه جعل تَمام الْكَلَام عِنْد قَوْله نَدْعُوهُ ثمَّ ابْتَدَأَ ان بِالْكَسْرِ على مَا اوجبه الِابْتِدَاء لَهَا
قَوْله تَعَالَى يصعقون يقْرَأ بِفَتْح الْيَاء وَضمّهَا فالحجة لمن فتح انه جعل الْفِعْل لَهُم وَلم يعده الى غَيرهم فالواو ضمير الفاعلين وَالنُّون عَلامَة رفع الْفِعْل وَالْحجّة لمن ضم انه جعل الْفِعْل لما لم يسم فَاعله فَرفع الْمَفْعُول بذلك
فان قيل مَا وَجه رفع الْمَفْعُول هَا هُنَا بعد مَا كَانَ النصب اولى بِهِ فَقل لانه اشبه الْفَاعِل فِي الْمَعْنى لَان الْفِعْل الَّذِي كَانَ حَدِيثا عَن الْفَاعِل صَار حَدِيثا عَن الْمَفْعُول فَقَامَ مقَامه فأعرب بإعرابه
فَإِن قيل فعلامة الاعراب انما تقع فِي آخر الْفِعْل بِغَيْر حَائِل كوقوعها على آخر حُرُوف الِاسْم فَلم جعلت النُّون فِي الْفِعْل الْمُضَارع اعرابا وَقد حَالَتْ الالف وَالْوَاو بَينهمَا(1/334)
سُورَة الطّور وَبَين الْفِعْل فَقل لانه لما كنى عَن الْفَاعِل فِي الْفِعْل مثنى ومجموعا اخْتَلَط بِالْفِعْلِ اختلاطا لَا يُمكن فَصله فَصَارَ كبعض حُرُوفه فكأنك لم تحل بَين الْفِعْل وعلامة الرّفْع بِشَيْء
قَوْله تَعَالَى ام هم المصيطرون يقْرَأ بالصَّاد وَالسِّين واشمام الزَّاي هَا هُنَا وَفِي الغاشية وَقد ذكرت علل ذَلِك فِيمَا سلف
وَمعنى المصيطر الْمُسَلط فَأَما لفظ مسيطر ومبيقر ومبيطر ومهيمن وكميت وثريا فمصغرات جَاءَت عَن الْعَرَب لَا مكبر لَهُم فاعرفهن
وَمن سُورَة النَّجْم
قَوْله تَعَالَى اذا هوى وغوى وَمَا أشبه ذَلِك من اواخر آي هَذِه السُّورَة يقْرَأ بالامالة والتفخيم وَبَين ذَلِك وَقد ذكرت وُجُوه علله وَعلل رأى فِيمَا تقدم فأغني ذَلِك عَن الاعادة
قَوْله تَعَالَى أفتمارونه يقْرَأ بِضَم التَّاء واثبات ألف بَين الْمِيم وَالرَّاء وبفتح التَّاء وَحذف الالف فالحجة لمن اثْبتْ انه اراد أفتجادلونه ووزنه تفاعلونه من المماراة والمجادلة بِالْبَاطِلِ وَمِنْه قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام لَا تماروا بِالْقُرْآنِ فَإِن مراء فِيهِ كفر وَالْحجّة لمن حذفهَا انه أَرَادَ افتجحدونه(1/335)
سُورَة النَّجْم
قَوْله تَعَالَى وَمَنَاة الثَّالِثَة الاخرى يقْرَأ بِالْقصرِ من غير همز وبالمد والهمز فالحجة لمن قصر ان الاصل فِيهَا منوة فَلَمَّا تحركت الواز وَقبلهَا فَتْحة انقلبت ألفا وَذَلِكَ حَقّهَا وقياسها وَالْحجّة لمن مد انه جعل الالف زَائِدَة لَا منقلبة واتى بِالْهَمْزَةِ بعْدهَا لِئَلَّا يجمع بَين الفين فاللات اسْم صنم كَانَ ل ثَقِيف والعزى اسْم سَمُرَة كَانَت ل غطفان وَمَنَاة اسْم صَخْرَة كَانَت لخزاعة
فَأَما الْوَقْف على اللات فبالتاء اجماع الا مَا تفرد بِهِ الْكسَائي من الْوُقُوف عَلَيْهَا بِالْهَاءِ وَالِاخْتِيَار التَّاء لَان الله تَعَالَى لما مَنعهم ان يحلفوا بِاللَّه قَالُوا اللات وَلما مَنعهم ان يحلفوا بالعزيز قَالُوا الْعُزَّى
قَوْله تَعَالَى قسْمَة ضيزى يقْرَأ بِالْهَمْز وَتَركه وهما لُغَتَانِ ضأز وضاز ومعناهما جَار والاصل ضم الضَّاد فَلَو بقوها على الضَّم لانقلبت الْيَاء واوا فكسروا الضَّاد لتصبح الْيَاء كَمَا قَالُوا فِي جمع ابيض بيض لتصح الْيَاء
فَأَما من كسر اولها وهمز فَإِن كَانَ اراد ان يَجْعَلهَا اسْما ك ذكرى وشعرى فقد اصاب وان كَانَ جعلهَا وَصفا فَلَا وَجه لذَلِك لانه لم يَأْتِ عَن الْعَرَب وصف لمؤنث على وزن فعلى بِكَسْر الْفَاء
قَوْله تَعَالَى كَبَائِر الاثم يقْرَأ بِالتَّوْحِيدِ وَالْجمع وَقد ذكرت وجوهه فِي عسق(1/336)
سُورَة الْقَمَر
قَوْله تَعَالَى وانه اهلك عادا الاولى يقْرَأ بِالتَّنْوِينِ مكسورا واسكان اللَّام وهمزة بعْدهَا وبطرح التَّنْوِين والهمزة وَتَشْديد اللَّام فالحجة لمن نون واسكن اللَّام وحقق الْهمزَة انه اتى بالْكلَام على اصله ووفى اللَّفْظ حَقِيقَة مَا وَجب لَهُ وَكسر التَّنْوِين لالتقاء الساكنين وَالْحجّة لمن حذف التَّنْوِين والهمزة وشدد اللَّام انه نقل حَرَكَة الْهمزَة الى اللَّام الساكنة قبلهاثم حذفهَا فَالتقى سُكُون التَّنْوِين وَسُكُون اللَّام فأدغم التَّنْوِين فِي اللَّام فالتشديد من اجل ذَلِك وَمثله من كَلَامهم زِيَاد الْعَجم وَرُوِيَ عَن نَافِع الادغام وهمزة الْوَاو فَإِن صَحَّ ذَلِك عَنهُ فَإِنَّمَا همز ليدل بذلك على الْهمزَة الَّتِي كَانَت فِي الْكَلِمَة قبل الادغام
قَوْله تَعَالَى وثمودا فَمَا أبقى يقْرَأ بالاجراء وَتَركه وَقد تقدم القَوْل فِي عِلّة ذَلِك وَغَيره من الاسماء الاعجمية
وَمن سُورَة الْقَمَر
قَوْله تَعَالَى يَوْم يدع الداع ومهطعين الى الداع يقرآن بِإِثْبَات الْيَاء وحذفها وَقد ذكرت علله وَمعنى مهطعين مُسْرِعين
قَوْله تَعَالَى الى شَيْء نكر يقْرَأ بِضَم الْكَاف واسكانها وَالِاخْتِيَار الضَّم لموافقة رُؤُوس الْآي ولانه الاصل وان كَانَ الاسكان تَخْفِيفًا
قَوْله تَعَالَى خشعا أَبْصَارهم يقْرَأ بِضَم الْخَاء وَتَشْديد الشين من غير ألف وبفتح الْخَاء والف بعْدهَا وَتَخْفِيف الشين وَكسرهَا فالحجة لمن ضم الْخَاء وَحذف الالف انه اراد جمع التكسير على خاشع فَقَالَ خشع كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي جمع رَاكِع والركع(1/337)
سُورَة الرَّحْمَن السُّجُود وَالْحجّة لمن فتح الْخَاء واثبت الالف انه اراد بِاللَّفْظِ التَّوْحِيد وبالمعنى الْفِعْل للمضارعة الَّتِي بَينهمَا لَان مَا بعده مُرْتَفع بِهِ كَمَا قَالَ الشَّاعِر ... وشباب حسن اوجههم ... من اياد بن نزار بن معد ...
فَأَما النصب فِي قَوْله خَاشِعًا وخشعا فعلى الْحَال
قَوْله تَعَالَى ففتحنا ابواب السَّمَاء يقْرَأ بِالتَّخْفِيفِ اجماع الا مَا اخْتَارَهُ ابْن عَامر من التَّشْدِيد فَوجه التَّخْفِيف ان الْفَتْح انما كَانَ فِي وَقت وَاحِد وَوجه التَّشْدِيد ان التفتح من السَّمَاء كَانَ كالتفجير من الارض شَيْئا بعد شَيْء ودام وَكثر
قَوْله تَعَالَى سيعلمون غَدا يقْرَأ بِالتَّاءِ وَالْيَاء وَقد تقدم القَوْل فِيهِ
وغَد هَا هُنَا يَوْم الْقِيَامَة وانما كنى عَنهُ ب غَد لقَوْله عز وجلّ وَمَا أَمر السَّاعَة الا كلمح الْبَصَر أَو هُوَ اقْربْ عِنْد الله تَعَالَى من ذَلِك
وَمن سُورَة الرَّحْمَن
قَوْله تَعَالَى وَالْحب ذُو العصف اجماع الْقُرَّاء على الْوَاو الا ابْن عَامر فانه قَرَأَهُ بالف وَالنّصب فالحجة لمن قَرَأَهُ بِالْوَاو انه رده على قَوْله فِيهَا فَاكِهَة وَالنَّخْل ذَات الاكمام وَالْحب ذُو العصف وَالْحجّة لمن قَرَأَهُ بالالف وَالنّصب انه رده على قَوْله وَالسَّمَاء رَفعهَا وَوضع الْمِيزَان وانبت الْحبّ ذَا العصف
قَوْله تَعَالَى وَالريحَان يقْرَأ بِالرَّفْع والخفض فَوجه الرّفْع بِالرَّدِّ على قَوْله وَالْحب وَالريحَان وَوجه الْخَفْض بِالرَّدِّ على قَوْله ذُو العصف وَالريحَان لَان العصف التِّبْن وَالريحَان مَا فِيهِ من الرزق وَهُوَ الْحبّ(1/338)
سُورَة الرَّحْمَن قَوْله تَعَالَى يخرج مِنْهُمَا يقْرَأ بِفَتْح الْيَاء وَضم الرَّاء وبضم الْيَاء وَفتح الرَّاء فالحجة لمن فتح الْيَاء انه جعل الْفِعْل للؤلؤ والمرجان وَالْحجّة لمن ضم الْيَاء انه دلّ بذلك وبفتح الرَّاء على بِنَاء الْفِعْل لما لم يسم فَاعله
قَوْله تَعَالَى سنفرغ لكم يقْرَأ بالنُّون مَفْتُوحَة وَضم الرَّاء وبالياء مَضْمُومَة وَفتح الرَّاء وَقد تقدم القَوْل فِي امثاله مَا يدل عَلَيْهِ
فَأَما ضم الرَّاء وَفتحهَا مَعَ النُّون فلغتان فصيحتان فَأَما الضَّم فعلى الاصل واما الْفَتْح فلاجل الْحَرْف الحلقي وَالْفَرغ هَا هُنَا الْقَصْد قَالَ جرير ... الان وَقد فرغت الى نمير ... فَهَذَا حِين كنت لَهَا عذَابا ...
اما الْفَرَاغ من الشّغل فوجهه غير هَذَا الَّذِي ذَكرْنَاهُ
قَوْله تَعَالَى الْمُنْشَآت يقْرَأ بِفَتْح الشين وَكسرهَا فالحجة لمن فتح انه اراد اسْم الْمَفْعُول الَّذِي لم يسم فَاعله وَالْحجّة لمن كسر انه اراد بذلك اسْم الْفَاعِل كَمَا تَقول اكرمن فهن مكرمات وَهن السفن والاعلام هَا هُنَا الْجبَال وَاحِدهَا علم
قَوْله تَعَالَى شواظ يقْرَأ بِضَم الشين وَكسرهَا وهما لُغَتَانِ وَالْمرَاد بهما اللهب الَّذِي لَا دُخان فِيهِ
قَوْله تَعَالَى ونحاس يقْرَأ بِالرَّفْع والخفض فالحجة لمن رفع انه رده على(1/339)
سُورَة الْوَاقِعَة قَوْله شواظ ونحاس وَالْحجّة لمن خفض انه رده على قَوْله من نَار ونحاس والنحاس هَا هُنَا الدُّخان
قَوْله تَعَالَى لم يطمثهن يقْرَأ بِضَم الْمِيم وَكسرهَا وهما لُغَتَانِ مَعْنَاهُمَا الافتضاض للإبكار وَهَذَا دَلِيل على أَن الْجِنّ تنْكح
قَوْله تَعَالَى تبَارك اسْم رَبك ذِي الْجلَال اجماع الْقُرَّاء هَا هُنَا على الْيَاء الا مَا تفرد بِهِ ابْن عَامر فِيهِ من الْوَاو لانه جعله وَصفا للاسم وَجعله الْبَاقُونَ وَصفا لقَوْله رَبك وَالْوَصْف تَابع للموصوف كالبدل والتوكيد وَعطف الْبَيَان
وَمن سُورَة الْوَاقِعَة
قَوْله تَعَالَى وحور عين يقْرَأ بِالرَّفْع والخفض فالحجة لمن رفع انه قَالَ الْحور لَا يُطَاف بِهن فقطعهن من اول الْكَلَام واضمر لَهُنَّ رَافعا مَعْنَاهُ وَمَعَ ذَلِك حور عين وَالْحجّة لمن حفض انه اشركهن فِي الْبَاء الدَّاخِلَة فِي قَوْله يطوف عَلَيْهِم بكأس من معِين وبحور عين فقطعهن بِالْوَاو وَلم يفرق بَين ان يُطَاف بِهِ وَبَين ان يطوف بِنَفسِهِ
قَوْله تَعَالَى عربا اجماع الْقُرَّاء على ضم الرَّاء الا مَا تفرد بِهِ حَمْزَة وابو بكر عَن عَاصِم من اسكانها فالحجة لمن ضم انه اتى بِالْكَلِمَةِ على اصلها ووفاها مَا أوجبه الْقيَاس لَهَا لانها جمع عروب وَهِي الغنجة الْمحبَّة لزَوجهَا وَالْحجّة لمن اسكن انه استثقل الْجمع بَين ضمتين متواليتين فَخفف بِإِسْكَان احداهما(1/340)
سُورَة الْحَدِيد
قَوْله تَعَالَى أئذا متْنا وَكُنَّا تُرَابا وعظاما ائنا يقْرَأ بالاستفهام والاخبار وَقد تقدم ذكره
قَوْله تَعَالَى بمواقع النُّجُوم يقْرَأ بِالْجمعِ والتوحيد وَقد ذكرت علله فِيمَا سلف
وَالِاخْتِيَار هَا هُنَا الْجمع لانه يُرَاد بِهِ مواقع نُجُوم الْقُرْآن ونزوله نجوما من السَّمَاء الدُّنْيَا على مُحَمَّد عَلَيْهِ السَّلَام
قَوْله تَعَالَى شرب الهيم يقْرَأ بِفَتْح الشين وَضمّهَا فالحجة لمن فتح انه اراد بِهِ الْمصدر وَالْحجّة لمن ضم انه اراد الِاسْم وَقيل هما لُغَتَانِ مَعْنَاهُمَا وَاحِد والهيم جمع اهيم وهيماء وَهن العطاش
قَوْله تَعَالَى نَحن قَدرنَا بَيْنكُم الْمَوْت اجْمَعْ الْقُرَّاء على التَّشْدِيد للدال الا ابْن كثير فانه خفف وَقد ذكر الْفرق بَينهمَا
وَمن سُورَة الْحَدِيد
قَوْله تَعَالَى وَقد اخذ ميثاقكم يقْرَأ بِفَتْح الْهمزَة وَنصب ميثاقكم وبضم الْهمزَة وَرفع ميثاقكم فالحجة لمن فتح انه جعله فعلا لفاعل فنصب ميثاقكم بتعدي الْفِعْل اليه وَالْحجّة لمن ضم انه بنى الْفِعْل لما لم يسم فَاعله فَدلَّ بالضمة عَلَيْهِ وَرفع ميثاقكم باسم مَا لم يسم فَاعله والالف فِي الْوَجْهَيْنِ الف اصل
قَوْله تَعَالَى وكلا وعد الله الْحسنى يقْرَأ بِالنّصب وَالرَّفْع فالحجة لمن نصب(1/341)
سُورَة الْحَدِيد كلا انه اعْمَلْ فِيهِ وعد مُؤَخرا كَمَا يعملها مقدما وَالْحجّة لمن رفع انه ابْتَدَأَ كلا وَجعل الْفِعْل بعده خَبرا عَنهُ وعداه الى الضَّمِير بعده يُرِيد وكل وعده الله الْحسنى ثمَّ خزل الْهَاء تَخْفِيفًا لانها كِنَايَة عَن مفعول وَهُوَ فضلَة فِي الْكَلَام قَالَ الشَّاعِر ... ثَلَاث كُلهنَّ قتلت عمدا ... فأخزى الله رَابِعَة تعود ...
اراد قتلتهن
قَوْله تَعَالَى فيضاعفه يقْرَأ بِإِثْبَات الالف وَالتَّخْفِيف وبحذفها وَالتَّشْدِيد فالحجة لَهما مَذْكُورَة فِيمَا تقدم
قَوْله تَعَالَى انظرونا يقْرَأ بوصل الالف وَضم الظَّاء وبقطعها وَكسر الظَّاء الْحجَّة لمن وصل انه جعله من الِانْتِظَار وَالْحجّة لمن قطع انه جعله بِمَعْنى التَّأْخِير
قَوْله تَعَالَى وَمَا نزل من الْحق يقْرَأ بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيف وَقد ذكر فِيمَا مضى
قَوْله تَعَالَى ان المصدقين والمصدقات يقرآن بتَشْديد الصَّاد وتخفيفها فالحجة لمن شدد انه اراد المتصدقين فأسكن التَّاء وادغمها فِي الصَّاد فالتشديد لذَلِك وَالْحجّة لمن خفف انه حذف التَّاء تَخْفِيفًا واختصارا
قَوْله تَعَالَى فَإِن الله هُوَ الْغَنِيّ الحميد يقْرَأ بِإِثْبَات هُوَ بَين الِاسْم وَالْخَبَر وبطرحه فالحجة لمن اثبته انه جعله فاصلة عِنْد الْبَصرِيين وعمادا عِنْد الْكُوفِيّين ليفصل بَين النَّعْت وَالْخَبَر وَله وَجه آخر فِي الْعَرَبيَّة وَهُوَ ان يَجْعَل هُوَ اسْما مُبْتَدأ والغني خبر فيكونا جملَة فِي مَوضِع رفع خبر ان وَمثله ان شانئك هُوَ الابتر(1/342)
سُورَة المجادلة
وَمَا ورد عَلَيْك من امثال هَذَا فَأَجره على اُحْدُ هذيه الْوَجْهَيْنِ وَالْحجّة لمن طَرحه انه جعل الْغَنِيّ خبر ان بِغَيْر فاصلة والحميد نعتا لَهُ
قَوْله تَعَالَى لَا يُؤْخَذ مِنْكُم فديَة اجْمَعْ الْقُرَّاء فِيهِ على الْيَاء الا ابْن عَامر فَإِنَّهُ قَرَأَهُ بِالتَّاءِ وَقد ذكرت علله فِيمَا تقدم
قَوْله تَعَالَى بِمَا آتَاكُم بِالْمدِّ وَالْقصر فالحجة لمن مد وَهُوَ الاكثر انه جعهله من الاعطاء وَالْحجّة لمن قصر وَهُوَ اخْتِيَار ابي عَمْرو انه لما تقدم قبله مَا فاتكم رد عَلَيْهِ وَلَا تفرحوا بِمَا جَاءَكُم لانه بِمَعْنَاهُ اليق
وَمن سُورَة المجادلة
قَوْله تَعَالَى الَّذين يظهرون مذكوران بِوُجُوه قراءاتها وعللهما فِي سُورَة الاحزاب
قَوْله تَعَالَى يتناجون بالاثم يقْرَأ بالنُّون قبل التَّاء وَطرح الالف وبالتاء قبل النُّون واثبات الالف فالاول وَزنه يفتعلون وَالثَّانِي وَزنه يتفاعلون وَكِلَاهُمَا من الْمُنَاجَاة وَمَعْنَاهَا الحَدِيث وَالْكَلَام
قَوْله تَعَالَى فِي الْمجْلس اجْمَعْ الْقُرَّاء فِيهِ على التَّوْحِيد الا عَاصِمًا فَإِنَّهُ قَرَأَهُ بِالْجمعِ فالحجة فِي التَّوْحِيد انه اريد بِهِ فِي مجْلِس النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَيكون الْخطاب خَاصّا للصحابة وَالْحجّة فِي الْجمع انه اريد بِهِ مجْلِس الْعلم وَالذكر فَيكون الْخطاب عَاما لكافة الْمُؤمنِينَ(1/343)
سُورَة الْحَشْر والممتحنة
قَوْله تَعَالَى واذا قيل انشزوا فانشزوا يقْرَأ بِضَم الشين وَكسرهَا وهما لُغَتَانِ مثل يَلْمِزُونَ ويلمزون وَقد ذكر وَاصل النُّشُوز التحرك والارتفاع والتحول
وَمن سُورَة الْحَشْر
قَوْله تَعَالَى يخربون بُيُوتهم يقْرَأ بِإِسْكَان الْخَاء وَالتَّخْفِيف وَبِفَتْحِهَا وَالتَّشْدِيد فالحجة لمن خفف انه اراد يرحلون ويخلونها تَقول الْعَرَب اخربنا الْمنزل اذا هم ارتحلوا عَنهُ وان كَانَ صَحِيحا وَالْحجّة لمن شدد انه اراد يهدمونها وينقضونها تَقول الْعَرَب خربنا الْمنزل اذا هم هدموه وان كَانُوا فِيهِ مقيمين
قَوْله تَعَالَى اَوْ من وَرَاء جِدَار يقْرَأ بِكَسْر الْجِيم واثبات الالف بَين الدَّال وَالرَّاء على التَّوْحِيد وبضم الْجِيم وَالدَّال وَحذف الالف على الْجمع وَمَعْنَاهُ من وَرَاء حَائِط وَقد ذكرت علل التَّوْحِيد وَالْجمع
وَمن سُورَة الممتحنة
قَوْله تَعَالَى يفصل بَيْنكُم يقْرَأ بِضَم الْيَاء وَفتح الصَّاد وبفتح الْيَاء وَكسر الصَّاد وبالتشديد فيهمَا وَالتَّخْفِيف فالحجة لمن فتح الْيَاء وَكسر الصَّاد وخفف انه اراد يفصل الله بَيْنكُم ودليه قَوْله وَهُوَ خير الفاصلين وَالْحجّة لمن قَرَأَهُ بِضَم الْيَاء وَفتح الصَّاد وَالتَّخْفِيف انه جعله فعل مَا لم يسم فَاعله وَكَذَلِكَ القَوْل فِي التَّشْدِيد فابنه عَلَيْهِ
قَوْله تَعَالَى وَلَا تمسكوا اجماع الْقُرَّاء على التَّخْفِيف الا مَا انْفَرد بِهِ ابو عَمْرو من التَّشْدِيد وَقد ذكر الِاحْتِجَاج فِي ذَلِك بِمَا يُغني عَن اعادته(1/344)
سُورَة الصَّفّ
قَوْله تَعَالَى قد كَانَت لكم اسوة حَسَنَة يقْرَأ بِضَم الْهمزَة وَكسرهَا وَقد تقدم ذكر علل ذَلِك فِي سُورَة الاحزاب
وَمن سُورَة الصَّفّ
قَوْله تَعَالَى من بعدِي اسْمه احْمَد يقْرَأ بِفَتْح الْيَاء واسكانها فالحجة لمن فتح التقاء الساكنين سكونها وَسُكُون السِّين وَالْحجّة لمن اسكنها استثقال الْحَرَكَة فِيهَا
وَاحْمَدْ هَا هُنَا نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمن الانبياء من لَهُ اسمان اتى بهما الْقُرْآن خَمْسَة مُحَمَّد وَاحْمَدْ واسرائيل وَيَعْقُوب وَذُو النُّون وَيُونُس وَعِيسَى والمسيح والياس وَذُو الكفل
قَوْله تَعَالَى متم نوره يقْرَأ بِالتَّنْوِينِ وَالنّصب وبحذف التَّنْوِين والخفض وَقد ذكرت علته فِي غير مَوضِع
قَوْله تَعَالَى ننجيكم من عَذَاب أَلِيم اجماع الْقُرَّاء على التَّخْفِيف الا ابْن عَامر فَإِنَّهُ شدد ومعناهما قريب وهما لُغَتَانِ فالدليل على التَّخْفِيف قَوْله انجينا الَّذين ينهون عَن السوء وَالدَّلِيل على التَّشْدِيد قَوْله تَعَالَى ونجيناه واهله من الكرب الْعَظِيم
قَوْله تَعَالَى كونُوا انصار الله يقْرَأ بِالتَّنْوِينِ على انه نكرَة وبطرح التَّنْوِين وإضافته الى اسْم الله تَعَالَى على انه معرفَة(1/345)
سُورَة الْجُمُعَة والمنافقون
وَمن سُورَة الْجُمُعَة لَا خلف فِيهَا إِلَّا التفخيم والإمالة فِي قَوْله تَعَالَى كَمثل الْحمار يحمل اسفارا وَقد ذكر
وَمن سُورَة المُنَافِقُونَ
قَوْله تَعَالَى كَأَنَّهُمْ خشب مُسندَة يقْرَأ بِإِسْكَان الشين وَضمّهَا فالحجة لمن أسكن أَنه شبهه فِي الْجمع بِبدنِهِ وبدن وَدَلِيله قَوْله وَالْبدن جعلناها لكم أَو يكون أَرَادَ الضَّم فأسكن تَخْفِيفًا وَالْحجّة لمن ضم الشين أَنه أَرَادَ جمع الْجمع كَقَوْلِهِم ثمار وثمر
قَوْله تَعَالَى لووا رؤوسهم يقْرَأ بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيف وَقد ذكرت علله وَمَعْنَاهُ حركوها كالمستهزئين بِالْقُرْآنِ
قَوْله تَعَالَى وأكن من الصَّالِحين يقْرَأ بِإِثْبَات الْوَاو وَالنّصب وبحذفها والجزم وَالْإِجْمَاع على الْجَزْم إِلَّا مَا تفرد بِهِ أَبُو عَمْرو من النصب فالحجة لمن جزم أَنه رده على مَوضِع الْفَاء وَمَا اتَّصل بهَا قبل دُخُولهَا على الْفِعْل لِأَن الأَصْل كَانَ لَوْلَا أخرتني أَتصدق وأكن كَمَا قَالَ الشَّاعِر
... فأبلوني بليتكم لعَلي ... أصالحكم وأستدرج نويا(1/346)
سُورَة التغابن وَالطَّلَاق
فَجزم واستدرج عطفا على مَوضِع أصالحكم قبل دُخُول لَعَلَّ عَلَيْهِ وَمَعْنَاهُ فأبلوني بليتكم أصالحكم وَالْحجّة لمن نصب أَنه رده على قَوْله أصدق لِأَن الْمَعْنى لَوْلَا هَا هُنَا معنى هلا وَهِي للإستفهام والتحضيض وَالْجَوَاب فِي ذَلِك بِالْفَاءِ مَنْصُوب وَفِيمَا شاكله من الْأَمر وَالنَّهْي وَالتَّمَنِّي والجحد وَالْعرض فعطف لفظا على لفظ ليَكُون الْكَلَام فِيهِ من وَجهه وَاحِد فأعرف ذَلِك أَن شَاءَ الله
وَمن سُورَة التغابن
قَوْله تَعَالَى يكفر عَنهُ سيئاته ويدخله يقرآن بِالْيَاءِ وَالنُّون فالحجة لمن قَرَأَهُ بِالْيَاءِ تَقْدِيم اسْم الله عز وجلّ فِي أول الْكَلَام عِنْد قَوْله وَمن يُؤمن بِاللَّه وَالْحجّة لمن قَرَأَهُ بالنُّون أَن الله تَعَالَى أخبر بذلك عَن نَفسه
قَوْله تَعَالَى يضاعفه يقْرَأ بِإِثْبَات الْألف وَالتَّخْفِيف وبحذفها وَالتَّشْدِيد وَقد ذكر تقدم ذكر الْعلَّة فِيهِ فأغنى عَن إِعَادَته
وَمن سُورَة الطَّلَاق
قولهه تَعَالَى إِلَّا أَن يَأْتِين بِفَاحِشَة مبينَة يقْرَأ بِكَسْر الْيَاء وَفتحهَا وَقد ذكر فِي النِّسَاء
قَوْله تَعَالَى إِن الله بَالغ أمره يقْرَأ بِالتَّنْوِينِ وَالنّصب وبحذفه وَالْإِضَافَة وَقد ذكر(1/347)
سُورَة التَّحْرِيم
قَوْله تَعَالَى وعذبناها عذَابا نكرا يقْرَأ بِضَم الْكَاف وإسكانها على مَا قدمْنَاهُ من القَوْل فِي سُورَة الْقَمَر والإختيار هَا هُنَا الإسكان وَهُنَاكَ التحريك ليوفق بذلك مَا قبله من رُؤُوس الاي
قَوْله تَعَالَى وكأي من قَرْيَة يقْرَأ بِالْهَمْز وَالتَّشْدِيد للياء بعد الْهَمْز وبألف ممدودة قبل الْهمزَة وَنون سَاكِنة بعْدهَا وَمَعْنَاهَا معنى كم وَقد ذكرنَا الْحجَّة فِيهَا فِيمَا مضى
قَوْله تَعَالَى يدْخلهُ جنَّات يقْرَأ بِالْيَاءِ وَالنُّون وَقد تقدم القَوْل فِي أَمْثَاله بِمَا يدل عَلَيْهِ
وَمن سُورَة التَّحْرِيم
قَوْله تَعَالَى عرف بعضه يقْرَأ بتَشْديد الرَّاء وتخفيفها فالحجة لمن خفف انه أَرَادَ عرف بعضه من نَفسه وَغَضب بِسَبَبِهِ وجازى عَلَيْهِ بِأَن طلق حَفْصَة تَطْلِيقَة لإذاعتها مَا إئتمنها عَلَيْهِ من سره وَالْعرب تَقول لمن يسيء إِلَيْهَا أما وَالله لأعرفن لَك ذَلِك وَالْحجّة لمن شدد أَنه أَرَادَ ترداد الْكَلَام فِي محاورة التَّعْرِيف فَشدد لذَلِك وَمَعْنَاهُ عرف بعض الحَدِيث وَأعْرض عَن بعضه وَاحْتج بِأَنَّهُ لَو كَانَ مخففا لأتى بعده بالإنكار لِأَنَّهُ ضِدّه بِالْإِعْرَاضِ
قَوْله تَعَالَى وَإِن تظاهرا عَلَيْهِ يقْرَأ بتَشْديد الظَّاء وتخفيفها وَقد ذكرت علل ذللك فِي عدَّة مَوَاضِع فأغنى عَن الْإِعَادَة(1/348)
سُورَة الْملك
قَوْله تَعَالَى تَوْبَة نصُوحًا يقْرَأ بِضَم النُّون فالحجة لمن ضم أَنه أَرَادَ الْمصدر من قَوْلهم نصح نصُوحًا كَمَا قَالُوا صلح صلوحا وَالْحجّة لمن فتح أَنه حعله صفة للتَّوْبَة وَحذف الْهَاء لِأَنَّهَا معدولة عَن أَصْلهَا لِأَن الأَصْل فِيهَا ناصحة فَلَمَّا عدلت من فَاعل إِلَى فعول حذفت الْهَاء مِنْهَا دلَالَة على الْعدْل
وَالتَّوْبَة النصوح الَّتِي بعتقد فاعلها أَنه لَا يعاود فِيمَا تَابَ مِنْهُ أبدا
قَوْله تَعَالَى أَن يُبدلهُ أَزْوَاجًا يقْرَأ بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيف وَقد ذكرت وُجُوه علله فِي سُورَة الْكَهْف
قَوْله تَعَالَى وَكتبه وكَانَت يقْرَأ بِالتَّوْحِيدِ وَالْجمع وَقد ذكرت علله فِيمَا تقدم فَإِن قيل مَا وَجه قَوْله تَعَالَى من القانتين وَلم يقل من القانتات فَقل أَرَادَ من الْقَوْم القانتين وَمعنى القانت هَا هُنَا الْمُطِيع وَفِي غير هَذَا السَّاكِن والداعي وَالْمُصَلي وَمعنى التَّذْكِير فِي قَوْله فنفخنا فِيهِ اراد فِي جيب درعها فَذكر للمعنى
وَمن سُورَة الْملك
قَوْله تَعَالَى من تفَاوت يقْرَأ بِإِثْبَات الْألف وَالتَّخْفِيف وبحذفها وَالتَّشْدِيد فالحجة لمن أثبت الْألف وخفف أَنه جعله مصدرا لقَولهم تفَاوت الشَّيْء تَفَاوتا وَالْحجّة لمن حذفهَا وشدد أَنه أَخذه من تفوت الشَّيْء تفوتا مثل تكرم تكرما وَقيل هما لُغَتَانِ بِمَعْنى وَاحِد كَقَوْلِهِم تعاهد وتعهد ومعناهما الإختلاف
قَوْله تَعَالَى هَل ترى من فطور وفَهَل ترى لَهُم من بَاقِيَة يقرآن بِالْإِدْغَامِ(1/349)
سُورَة الْقَلَم والإظاهر وَقد ذكرت علله فِيمَا تقدم
فَإِن قيل فَإِن أَبَا عَمْرو لم يدغم من أَمْثَال هذَيْن سواههما فَقل أحب أَن يعرف جَوَاز اللغتين ليعلمك أَنَّهُمَا مستعملتان
قَوْله تعالة أأمنتم يقْرَأ بهمزتين وبهمزة وَمُدَّة وَقد تقدّمت الْعلَّة فِي ذَلِك آنِفا
قَوْله تَعَالَى فسحقا يقْرَأ بِضَم الْحَاء وأسكانها وَقد تقدم ذكره فَأَما نَصبه فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا بِالدُّعَاءِ يُرِيد بِهِ ألزمهم الله ذَلِك وَالْآخر على الْمصدر وَإِن لم يتَصَرَّف من فعل كَقَوْلِك سقيا ورعيا وويحا وويلا وَلَو رفع لجَاز رَفعه يُرِيد ثَبت لَهُم ذَلِك ولزمهم وَمِنْه قَول الشَّاعِر
... فترب لأفواه الوشاة وجندل ...
قَوْله تَعَالَى إِن أهلكني الله وَمن معي يقرآن بِالْفَتْح مَعًا والإسكان وبإسكان الأولى وَفتح الثَّانِيَة على مَا قدمْنَاهُ من القَوْل فِي أَمْثَاله
قَوْله تَعَالَى فستعلمون من هُوَ فِي ضلال مُبين يقْرَأ بِالتَّاءِ على معنى المخاطبة وبالياء على معنى الْغَيْبَة
وَمن سُورَة ن الْقَلَم
قَوْله تَعَالَى ن والقلم وَمَا يسطرون يقْرَأ بِالْإِدْغَامِ والإظهار وَقد تقدم ذكر علله فِي يس(1/350)
سُورَة الحاقة
قَوْله تَعَالَى أَن كَانَ ذَا مَال يقرا بهمزتين وبهمزة وَمُدَّة وبهمزة وَاحِدَة على لفظ الْإِخْبَار وَقد ذكرت علله فِيمَا سلف
قَوْله تَعَالَى ليزلقونك يقرا بِضَم الْيَاء وَفتحهَا فالحجة لمن ضم أَنه ماخوذ من فعل رباعي وَالْحجّة لمن فتح أَنه ماخوذ من فعل ثلاثي ومعناهما ليصيبونك بِأَبْصَارِهِمْ لَا بأعينهم وَكَانَ أحدهم إِذا أَرَادَ ذَلِك من شَيْء تجوع لَهُ ثَلَاثًا ثمَّ مر عَلَيْهِ مُتَعَجِّبا مِنْهُ فَبلغ مَا يُريدهُ فَفَعَلُوا ذَلِك بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وسلم فوقاه الله شرهم
قَوْله تَعَالَى عَن سَاق يقْرَأ بِأَلف إِجْمَاع إِلَّا مَا روى من الْهَمْز عَن ابْن كثير
وَمن سُورَة الحاقة
قَوْله تَعَالَى وَمن قبله يقْرَأ بِكَسْر الْقَاف وَفتح الْبَاء وبفتح الْقَاف وَسُكُون الْبَاء فالحجة لمن كسر الْقَاف أَنه جعلهَا بِمَعْنى عِنْده وَمَعَهُ وَالْحجّة لمن فتحهَا انه أَرَادَ وَمن تقدمه من أهل الْكفْر والضلال
قَوْله تَعَالَى لَا يخفى مِنْكُم خافية يقْرَأ بِالْيَاءِ وَالتَّاء فَأَما قَوْله خافية فَقيل أَرَادَ نفس خافية وَقيل أَرَادَ فعلة خافية
قَوْله تَعَالَى قَلِيلا مَا يُؤمنُونَ وقَلِيلا مَا يذكرُونَ يقرآن بِالْيَاءِ وَالتَّاء وقَلِيلا مَنْصُوب بِمَا بعده
فَإِن قيل مَا هَذَا الْإِيمَان الْقَلِيل وهم فِي النَّار قيل إقرارهم بِأَن الله تَعَالَى خلقهمْ فَهَذَا إِيمَان وكفرهم بنبوة مُحَمَّد عَلَيْهِ السَّلَام أبطل إِيمَانهم بِاللَّه عز وجلّ وَأوجب النَّار لَهُم(1/351)
وَمن سُورَة السَّائِل المعارج
قَوْله تَعَالَى سَأَلَ سَائل يقرآن بِإِثْبَات الْهَمْز وَطَرحه فالحجة لمن همز أَنه أَتَى بِهِ على الأَصْل وَالْحجّة لمن ترك الْهَمْز أَنه أَرَادَ التَّخْفِيف وَيحْتَمل أَن يكون أَرَادَ الْفِعْل الْمَاضِي من السَّيْل فَلم يهمزه وهمز الإسم لِأَنَّهُ جعله إسم الْفَاعِل أَو إسم وَاد فِي جَهَنَّم كَمَا قَالَ تَعَالَى فَسَوف يلقون غيا فَيكون الْبَاء فِي الْقِرَاءَة الأولى بِمَعْنى عَن وَفِي الثَّانِيَة بِمَعْنى الْبَاء لأيصال الْفِعْل فَأَما همز سَائل فَوَاجِب من الْوَجْهَيْنِ
قَوْله تَعَالَى نزاعة للشوى يقْرَأ بِالرَّفْع وَالنّصب فالحججة لمن رفع أَنه جعله بَدَلا من لظى أَو أضمر لَهَا مَا يرفعها بِهِ وَالْحجّة لمن نصب انه نصب على الْحَال أَو الْقطع وَمَعْنَاهُ أَن لظى معرفَة ونزاعة نكرَة وهما جِنْسَانِ فَلَمَّا لم تتبع النكرَة الْمعرفَة فِي النَّعْت قطعت مِنْهَا فَنصبت وَمعنى الْحَال أَنَّهَا وصف هَيْئَة الْفَاعِل وَالْمَفْعُول فِي حَال اتِّصَال الْفِعْل طَال أَو قصر ودليلها إِدْخَال كَيفَ على الْفِعْل وَالْفَاعِل فَيكون فِي الْحَال الْجَواب كَقَوْلِك كَيفَ أقبل زيد فَتَقول مَاشِيا أَو رَاكِبًا وَمَا اشبه ذَلِك فَأَما الشوى فالأطراف وجلدة الرَّأْس
قَوْله تَعَالَى لِأَمَانَاتِهِمْ وبشهاداتهم يقرآن بِالتَّوْحِيدِ وَالْجمع وَقد ذكرت علله فِي الْمُؤمنِينَ
قَوْله تَعَالَى يَوْم يخرجُون يقْرَأ بِضَم الْيَاء وَفتحهَا وَقد ذكرت علله فِي غير مَوضِع
قَوْله تَعَالَى إِلَى نصب يقرا بِضَم النُّون وَفتحهَا وَإِسْكَان الصَّاد وَضمّهَا(1/352)
سُورَة نوح فالحجة لمن قَرَأَهُ بِضَمَّتَيْنِ أَنه أَرَادَ جمع نصب وَنصب كرهن وَرهن وَالْحجّة لمن فتح وأسكن أَنه جعله مَا نصب لَهُم كَالْعلمِ أَو الْغَايَة الْمَطْلُوبَة وَمعنى يوفضون يسرعون
وَمن سُورَة نوح عَلَيْهِ السَّلَام
قَوْله تَعَالَى أَن اعبدوا الله يقْرَأ بِضَم النُّون وَكسرهَا وَقد ذكر فِيمَا تقدم قَوْله تَعَالَى مَاله وَولده يقْرَأ بِضَم الْوَاو وَإِسْكَان اللَّام وبفتحهما مَعًا فالمفتوح وَاحِد وَالضَّم جمع كَمَا قَالُوا أَسد وَأسد وَقيل هما لُغَتَانِ فِي الْوَاحِد كَمَا قَالُوا عدم وَعدم وَمِنْه الْمثل ولدك من دمي عقبيك أَي من وَلدته
قَوْله تَعَالَى ودا يقْرَأ بِفَتْح الْوَاو وَالضَّم وهما لُغَتَانِ فِي إسم الصَّنَم وَقيل الضَّم فِي الْمحبَّة وَالْفَتْح فِي إسم الصَّنَم
قَوْله تَعَالَى مِمَّا خطياتهم إِجْمَاع الْقُرَّاء على جمع السَّلامَة إِلَّا أَبَا عَمْرو فَإِنَّهُ قَرَأَهُ خطاياهم على جمع التكسير وَقَالَ إِن قوما كفرُوا ألف سنة لم يكن لَهُم إِلَّا خطيات بل خَطَايَا وَاحْتج أَصْحَاب الْقِرَاءَة الأولى بِأَن الْألف وَالتَّاء قد تَأتي على الْجمع الْقَلِيل وَالْكثير وَدَلِيله قَوْله تَعَالَى مَا نفذت كَلِمَات الله وَلَا يُقَال هَذَا جمع قَلِيل
قَوْله تَعَالَى دعائي إِلَّا يقرا بِالْمدِّ وَفتح الْيَاء وإسكانها وَمثله الْيَاء فِي بَيْتِي وَقد ذكر(1/353)
سُورَة الْجِنّ والمزمل
وَمن سُورَة الْجِنّ
قَوْله تَعَالَى أَنه اسْتمع وان لَو استقاموا وأَن الْمَسَاجِد وأَنه لما قَامَ هَذِه الْأَرْبَعَة تقْرَأ بِالْفَتْح وَبَاقِي مَا قبلهَا بِالْكَسْرِ فالفتح بالْعَطْف على قَوْله قل أُوحِي إِلَيّ أَنه وَالْكَسْر بالْعَطْف على قَوْله فَقَالُوا إِنَّا سمعنَا فَأَما إِذا جَاءَت أَن بعد الْفَاء الَّتِي فِي جَوَاب الشَّرْط كَانَت بِالْكَسْرِ لَا غير
قَوْله تَعَالَى نسلكه يقْرَأ بِالْيَاءِ وَالنُّون فالحجة لمن قَرَأَهُ بِالْيَاءِ أَنه رده على قَوْله وَمن يعرض عَن ذكر ربه يسلكه ربه وَالْحجّة لمن قَرَأَهُ بالنُّون انه أَرَادَ بِهِ إِخْبَار الله تَعَالَى عَن نَفسه عز وجلّ
قَوْله تَعَالَى قل إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي يقْرَأ بِإِثْبَات الْألف على وَجه الْإِخْبَار وبطرحها على الْأَمر فالحجة لمن أثبت أَنه أَرَادَ الْأَمر أَولا فَلَمَّا فعل أخبر بذلك عَنهُ وَالْحجّة لمن طرحها أَنه أَتَى بِلَفْظ مَا خاطبه الله بِهِ من الْأَمر لَهُ
قَوْله تَعَالَى لبدا يقْرَأ بِكَسْر اللَّام وَضمّهَا فالحجة لمن كسر أَنه جعله جمع لبدة ولبد كَمَا قَالُوا قربه وَقرب وَالْحجّة لمن ضمن انه جعله لبده ولبد كَمَا قَالُوا غرفَة وغرف ومعناهما اجْتِمَاع الْجِنّ على اكتاف النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وسلم لاستماع الْقُرْآن وَهُوَ مَأْخُوذ من الشّعْر المتكاثف بَين كَتِفي الْأسد
وَمن سُورَة المزمل
قَوْله تَعَالَى هِيَ أَشد وطأ يقْرَأ بِكَسْر الْوَاو وَفتح الطَّاء وَالْمدّ وبفتح الْوَاو وَإِسْكَان الطَّاء وَالْقصر فالحجة لمن مد أَنه جعله مصدر واطأ يواطىء مواطأة وطاء وَمَعْنَاهُ يواطىء السّمع الْقلب لِأَن صَلَاة اللَّيْل أثقل من صَلَاة النَّهَار لما يغشي الْإِنْسَان من النعاس وَمَعْنَاهُ أَشد مكابدة وَمِنْه قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام اللَّهُمَّ أشدد وطأتك على مُضر(1/354)
سُورَة المدثر
قَوْله تَعَالَى رب الْمشرق يقْرَأ بِالرَّفْع والخفض وَقد ذكر فِي الدُّخان قَوْله تَعَالَى وَنصفه وَثلثه يقرآن بِالنّصب والخفض فالحجة لمن نصب أَنه أبدله من قَوْله تقوم أدنى أَو أضمر لَهُ فعلا مثله وَالْحجّة لمن خفض أَنه رده على قَوْله من ثُلثي اللَّيْل
وَمن سُورَة المدثر
قَوْله تَعَالَى وَالرجز فاهجر يقرا بِكَسْر الرَّاء وَضمّهَا فَمن كسر أَرَادَ الشّرك وَمن ضم أَرَادَ إسم الصنمين إساف ونائلة وَقيل الرجز بِالْكَسْرِ الْعَذَاب لِأَنَّهُ عَن الشّرك يكون وَقيل أصل الزَّاي فِي الرجز السِّين كَمَا تَقول الْعَرَب الأزد والأسد فَأَما الرجس فَمَا يعاف من الْمطعم وَالْمشْرَب والمعبودات من دون الله عز وجلّ
قَوْله تَعَالَى وَاللَّيْل إِذْ أدبر يقْرَأ بِإِسْكَان الذَّال وَقطع الْألف بعْدهَا وبفتح الذَّال وَالْوُقُوف على الْألف بعْدهَا وَحذف الْهمزَة من أدبر فالحجة لمن قَرَأَهُ بِقطع الْألف أَنه زاوج بذلك بَين لفظ ادبر وأسفر وَالْحجّة لمن حذف الْهمزَة أَنه أَرَادَ بِهِ معنى ولى وَذهب وَالْعرب تَقول أدبر عني أَي ولى ودبر جَاءَ خَلْفي وَقيل هما لُغَتَانِ بِمَعْنى وَاحِد أدبر ودبر وَأَقْبل وَقبل
قَوْله تَعَالَى كَأَنَّهُمْ حمر مستنفرة يقْرَأ بِكَسْر الْفَاء وَفتحهَا فالحجة لمن كسر أَنه جعل الْفِعْل لَهَا وَأنْشد
... اربط حِمَارك إِنَّه مستنفر ... فِي إِثْر أحمرة عمدن لغرب(1/355)
سُورَة الْقِيَامَة
فَلَا يجوز فتح الْفَاء هَا هُنَا لِأَن الْفِعْل لَهُ وَلم يفعل ذَلِك أحد بِهِ وَالْحجّة لمن فتح أَنه جَعلهنَّ مَفْعُولا بِهن لم يسم فاعلهن
وَسمع أَعْرَابِي قَارِئًا يقْرَأ كأنهن حمر مستنفرة بِفَتْح الْفَاء فَقَالَ طلبَهَا قسورة فَلَمَّا سمع فرت من قسورة قَالَ مستنفرة إِذا فالقسمورة الرُّمَاة والقسورة الْأسد فَأَما قَول أمرىء الْقَيْس
... وَعَمْرو بن درماء الْهمام إِذْ مَشى ... بِذِي شطب عضب كمشية قسورا ...
فَإِنَّهُ أَرَادَ قسورة ثمَّ رخم الْهَاء وأتى بِأَلف القافية
قَوْله تَعَالَى كلا بل لَا يخَافُونَ يقْرَأ بِالْيَاءِ وَالتَّاء فالحجة لمن قَرَأَهُ بِالْيَاءِ أَنه رده على قَوْله بل يُرِيد كل امرىء مِنْهُم وَالْحجّة لمن قَرَأَهُ بِالتَّاءِ أَنه جعلهم مخاطبين فَدلَّ عَلَيْهِم بِالتَّاءِ
قَوْله تَعَالَى وَمَا يذكرُونَ يقْرَأ بِالْيَاءِ إِجْمَاعًا إِلَّا مَا تفرد بِهِ نَافِع من التَّاء على معنى الْخطاب فَأَما تخفيفه فإجماع
وَمن سُورَة الْقِيَامَة
قَوْله تَعَالَى لَا أقسم يقْرَأ بِالْمدِّ وَالْقصر فالحجة لمن مد أَنه أَرَادَ دُخُول لَا على أقسم وَفِي دُخُولهَا غير وَجه
قَالَ قوم هِيَ زَائِدَة صلَة للْكَلَام وَالتَّقْدِير أقسم بِيَوْم الْقِيَامَة(1/356)
سُورَة الْقِيَامَة
وَقَالَ من يرد ذَلِك الْعَرَب لَا تزيد لَا فِي أول الْكَلَام وَلكنهَا هَاهُنَا رد لقَوْل من أنكر الْبَعْث وَكفر بالتنزيل فَقيل لَهُ لَا لَيْسَ كَمَا تَقول اقْسمْ بِيَوْم الْقِيَامَة وَالْحجّة لمن قصر انه جعلهَا لَام التَّأْكِيد دخلت على أقسم وَالِاخْتِيَار لجاعلها لَام التَّأْكِيد ان يدْخل عَلَيْهَا النُّون الشَّدِيدَة كَقَوْلِه لأعذبنه عذَابا شَدِيدا وَاحْتج ان الله عز وجلّ اقْسمْ بِيَوْم الْقِيَامَة وَلم يقسم بِالنَّفسِ اللوامة
قَوْله تَعَالَى اذا برق الْبَصَر اجماع الْقُرَّاء كسر الرَّاء الا نَافِعًا فَإِنَّهُ فتحهَا فالحجة لمن كسر ان الْكسر لَا يكون الا فِي التحير وانشد ... لما أَتَانِي ابْن صبيح طَالبا ... أَعْطيته عيساء مِنْهَا فَبَرَق ...
أَي تحير فَأَما الْفَتْح فَلَا يكون الا الضياء وظهوره كَقَوْلِهِم برق الصُّبْح والبرق اذا لمعا وأضاءا وَقَالَ أهل اللُّغَة برق وبرق فهما بِمَعْنى وَاحِد وَهُوَ تحير النَّاظر عِنْد الْمَوْت وَالْعرب تَقول لكل دَاخل برقة أَي دهشة وحيرة
قَوْله تَعَالَى بل تحبون العاجلة ويذرون يقرآن بِالْيَاءِ وَالتَّاء فالحجة لمن قرأهما بِالْيَاءِ انه ردهما على معنى قَوْله ينبأ الانسان لانه بِمَعْنى النَّاس وَالْحجّة لمن قرأهما بِالتَّاءِ انه اراد قل لَهُم يَا مُحَمَّد بل تحبون العاجلة وتذرون الْآخِرَة
قَوْله تَعَالَى من راق اجْمَعْ الْقُرَّاء على قرَاءَتهَا بالوصل والادغام الا مَا رَوَاهُ حَفْص عَن عَاصِم بقطعها وسكتة عَلَيْهَا ثمَّ يبتديء راق وَمعنى راق فَاعل من الرّقية وَقيل من الرقي بِالروحِ الى السَّمَاء وَكَانَ ابو بكر بن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ يقْرَأ بِهَذِهِ السُّورَة فِي صَلَاة الصُّبْح فيعتمد الْوَقْف على الْيَاء من قَوْله التراقي وَيبين الْيَاء(1/357)
قَوْله تَعَالَى من مني يمنى اجْمَعْ الْقُرَّاء فِيهِ على التَّاء ردا على الْمَعْنى الا مَا رَوَاهُ حَفْص عَن عَاصِم بِالْيَاءِ ردا على النُّطْفَة وَمثله يغشى طَائِفَة وتغلى بِالْيَاءِ وَالتَّاء
وَمن سُورَة الانسان
قَوْله تَعَالَى سلاسل يقْرَأ بِالتَّنْوِينِ وَتَركه فالحجة لمن نون انه شاكل بِهِ مَا قبله من رُؤُوس الْآي لانها بالالف وان لم تكن رَأس آيَة ووقف عَلَيْهِمَا بالالف وَالْحجّة لمن ترك التَّنْوِين قَالَ هِيَ على وزن فعالل وَهَذَا الْوَزْن لَان ينْصَرف الا فِي ضَرُورَة شَاعِر وَلَيْسَ فِي الْقُرْآن ضَرُورَة وَكَانَ ابو عَمْرو يتبع السوَاد فِي الْوَقْف فيقف بالالف ويحذف عِنْد الادراج
قَوْله تَعَالَى كَانَت قَوَارِير قواريرا يقرآن مَعًا بِالتَّنْوِينِ وبالالف فِي الْوَقْف وبطرح التَّنْوِين فيهمَا وَالْوَقْف على الاول وعَلى الثَّانِي بِغَيْر ألف الا مَا رُوِيَ عَن حَمْزَة انه كَانَ يقف عَلَيْهِمَا بِغَيْر الف فالحجة لمن قرأهما بِالتَّنْوِينِ انه نون الاولى لانها رَأس آيَة وكتابتها فِي السوَاد بِأَلف وأتبعها الثَّانِيَة لفظا لقربها مِنْهَا وكراهية للمخالفة بَينهمَا وهما سيان كَمَا قَالَ الْكسَائي أَلا إِن ثمودا كفرُوا رَبهم الا بعدا لثمود فصرف الثَّانِي لقُرْبه من الاول وَالْحجّة لمن ترك التَّنْوِين انه اتى بمحض قِيَاس الْعَرَبيَّة لانه(1/358)
سُورَة الْإِنْسَان على وزن فواعيل وَهَذَا الْوَزْن نِهَايَة الْجمع الْمُخَالف لبِنَاء الْوَاحِد فَهَذَا ثقل وَهُوَ مَعَ ذَلِك جمع وَالْجمع فِيهِ ثقل ثَان فَلَمَّا اجْتمع فِيهِ ثقلان منعاه من الصّرْف
فَأَما الْوَقْف عَلَيْهِ فِي هَذِه الْقِرَاءَة بالالف فاتباع لِلْخَطِّ ولان من الْعَرَب من يَقُول رَأَيْت عمرا فيقف على مَا لَا ينْصَرف بالالف وَلزِمَ حَمْزَة الْقيَاس وصلا ووقفا
وَأَرَادَ بقوله من فضَّة صفاء لَوْنهَا وانها تُؤدِّي مَا داخلها كَمَا يُؤَدِّي الزّجاج
قَوْله تَعَالَى عاليهم يقْرَأ بِفَتْح الْيَاء وسكونها فالحجة لمن فتح انه جعله ظرفا من الْمَكَان لَان الثَّانِي فِيهِ غير الاول كَمَا تَقول فَوْقك السّقف وامامك الْخَيْر وَالْحجّة لمن اسكن انه جعله اسْما واراد بِهِ ان الاول هُوَ الثَّانِي كَمَا تَقول فَوْقك رَأسك وامامك طهرك فَهَذَا فرق مَا بَين الظّرْف وَالِاسْم فِي هَذَا الْقَبِيل وَمَا اشبهه فَمن فتح الْيَاء ضم الْهَاء وَمن اسكنها كسر الْهَاء
قَوْله تَعَالَى خضر واستبرق يقرآن بِالرَّفْع والخفض فالحجة لمن رفع انه جعل الْخضر نعتا للثياب وَعطف الاستبرق عَلَيْهَا وَدَلِيله قَوْله يلبسُونَ ثيابًا خضرًا على النَّعْت وَالْحجّة لمن خفض انه جعل الْخضر نعتا للسندس وَجعل الاستبرق عطفا على سندس واصله بالعجمية استبره فعربته الْعَرَب فَقَالَت استبرق وَهُوَ الديباج الغليظ
قَوْله تَعَالَى وَمَا يشاؤون يقْرَأ بِالْيَاءِ وَالتَّاء وَقد تقدم ذكره فِيمَا سلف(1/359)
وَمن سُورَة المرسلات
قَوْله تَعَالَى عذرا اَوْ نذرا يقرآن بِضَم الذالين واسكانهما وبإسكان الذَّال الاولى وَضم الثَّانِيَة فالحجة لمن ضم انه اراد جمع عذير ونَذِير وَدَلِيله فَمَا تغن النّذر وَالْحجّة لمن اسكن الاولى وحرك الثَّانِيَة انه اتى باللغتين ليعلم جوازهما واجماعهم على تَخْفيف الاولى يُوجب تَخْفيف الثَّانِيَة
قَوْله تَعَالَى أقتت يقْرَأ بِالْهَمْزَةِ وبالواو فالحجة لمن همز انه استثقل الضمة على الْوَاو فقلبها همزَة كَمَا يستثقلون كسرهَا فيقلبونها همزَة فِي قَوْلهم وشاح واشاح وَالْقلب شَائِع فِي كَلَامهم وَالْحجّة لمن قَرَأَ بِالْوَاو انه اتى بالْكلَام على اصله لَان وزن وقتت فعلت من الْوَقْت وَدَلِيله قَوْله تَعَالَى ووفيت بِالْوَاو اجماع
قَوْله تَعَالَى فقدرنا بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيف فالحجة لمن خفف انه اتى بِالْفِعْلِ على مَا اتى بِهِ اسْم الْفَاعِل بعده فِي قَوْله القادرون لَان وزن اسْم الْفَاعِل من فعل فَاعل وَمن افْعَل مفعل وَمن فعل مفعل وَمن فعل فعيل وَمن فعل فعل وَالْحجّة لمن شدد انه اتى باللغتين مَعًا وَدَلِيله قَوْله تَعَالَى فمهل الْكَافرين أمهلهم وَلم يقل مهلهم وَالْعرب تَقول قدرت الشَّيْء مخففا بِمَعْنى قدرته مشددا
قَوْله تَعَالَى كَأَنَّهُ جمالات يقْرَأ جمالة بِلَفْظ الْوَاحِد وجمالات بِلَفْظ الْجمع فالحجة لمن قَرَأَهُ بِلَفْظ الْوَاحِد انه عِنْده بِمَعْنى الْجمع لانه منعوت بِالْجمعِ فِي قَوْله صفر وَالْحجّة لمن قَرَأَهُ جمالات انه اراد بِهِ جمع الْجمع كَمَا قَالُوا رجال ورجالات
وَالْهَاء فِي قَوْله كَأَنَّهُ كِنَايَة عَن الشرر وَالْقصر هَا هُنَا قيل شبه(1/360)
الشرر فِي عظمه بِالْقصرِ المبنى وَقيل كأصول الشّجر الْعِظَام والصفر هَا هُنَا السود فَأَما فِي الْبَقَرَة فصفر لقَوْله فَاقِع لَوْنهَا
سُورَة النبأ
وَمن سُورَة عَم يتساءلون
قَوْله تَعَالَى كلا سيعلمون فِي الْمَوْضِعَيْنِ يقرآن بِالْيَاءِ الا مَا رَوَاهُ ابْن مُجَاهِد عَن ابْن عَامر من التَّاء وَالِاخْتِيَار الْيَاء لقَوْله تَعَالَى الَّذِي هم فِيهِ مُخْتَلفُونَ وَلم يقل أَنْتُم
قَوْله تَعَالَى وَفتحت السَّمَاء يقْرَأ بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيف وَقد ذكر وَجه ذَلِك فِي الزمر
وَقَوله تَعَالَى وغساقا يقْرَأ بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيف وَقد ذكرت علته فِي صَاد
قَوْله تَعَالَى لَا بثين فِيهَا يقْرَأ بِإِثْبَات الالف الا حَمْزَة فَإِنَّهُ حذفهَا فالحجة لمن اثْبتْ انه اتى بِهِ على الْقيَاس كَقَوْلِهِم عَالم وقادر وَالْحجّة لمن حذف انه اتى بِهِ على وزن فَرح وحذر وَمعنى اللّّبْث طول الاقامة
قَوْله تَعَالَى لَا يسمعُونَ فِيهَا لَغوا وَلَا كذابا يقْرَأ بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيف فالحجة لمن شدد انه اراد الْمصدر من قَوْله وكذبوا وَهُوَ على وَجْهَيْن تَكْذِيبًا وكذابا فدليل الاولى قَوْله وكلم الله مُوسَى تكليما وَدَلِيل الثَّانِي وكذبوا بِآيَاتِنَا كذابا وَالْحجّة لمن خفف انه اراد الْمصدر من قَوْلهم كاذبته مكاذبة وكذابا كَمَا قَالُوا قَاتلته مقاتلة وقتالا(1/361)
سُورَة النازعات
قَوْله تَعَالَى رب السَّمَوَات والارض وَمَا بَينهمَا الرَّحْمَن يقْرَأ رب والرحمن بِالرَّفْع والخفض فيهمَا وبخفض رب وَرفع الرَّحْمَن فالحجة لمن رفعهما انه استأنفهما مبتدئا ومخبرا فرفعهما وَالْحجّة لمن خفضهما انه ابدلهما من قَوْله تَعَالَى جَزَاء من رَبك رب السَّمَوَات والارض الرَّحْمَن وَالْحجّة لمن خفض الاول انه جعله بَدَلا وَرفع الثَّانِي مستأنفا وَالْخَبَر قَوْله لَا يملكُونَ مِنْهُ لَان الْهَاء الَّتِي فِي مِنْهُ عَائِدَة عَلَيْهِ
وَمن سُورَة النازعات
قَوْله تَعَالَى أئذا كُنَّا عظاما مَذْكُور فِي نَظَائِره
قَوْله تَعَالَى ناخرة يقْرَأ بِإِثْبَات الالف وحذفها فالحجة لمن اثْبتْ انه اراد عظاما عَارِية من اللَّحْم مجوفة وَالْحجّة لمن حذف انه اراد بالية قد صَارَت تُرَابا وَقيل هما لُغَتَانِ مثل طمع وطامع والاجود اثبات الالف ليُوَافق اللَّفْظ مَا قبلهَا وَبعدهَا من رُؤُوس الْآي
قَوْله تَعَالَى طوى اذْهَبْ يقْرَأ بِالتَّنْوِينِ وكسره لالتقاء الساكنين وبحذف التَّنْوِين واسكان الْيَاء وَقد ذكرت علله فِي سُورَة طه مستقصاة
قَوْله تَعَالَى الى ان تزكي يقْرَأ بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيف على مَا ذَكرْنَاهُ فِي نَظَائِره وَمعنى التَّخْفِيف هَا هُنَا ان يكون زاكيا وَمعنى التَّشْدِيد ان يتفعل من الزَّكَاة أَي يتَصَدَّق ومُوسَى لَا يَدْعُو فِرْعَوْن مَعَ علمه بِكُفْرِهِ الى ان يتَصَدَّق وَدَلِيله قَوْله أقتلت نفسا زاكية وزكية وَلم يقل متزكية
قَوْله تَعَالَى أئنا يقْرَأ بهمزتين محققتين وَتَشْديد النُّون وبهمزة وياء وَنون مُشَدّدَة وبهمزة ونونين الاولى مُشَدّدَة وَقد ذكرت علله فِيمَا سلف بِمَا يُغني عَن اعادة قَول فِيهِ فِي هَذَا الْموضع(1/362)
وَمن سُورَة عبس
قَوْله تَعَالَى فتنفعه الذكرى الرّفْع فِيهِ اجماع الا مَا روى من نَصبه عَن عَاصِم وَقد ذكر فِي سُورَة الْمُؤمن
قَوْله تَعَالَى فَأَنت لَهُ تصدى يقْرَأ بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيف وَقد تقدم ذكر علته وَمَعْنَاهُ فتتعرض لَهُ وَمعنى تلهى تعرض عَنهُ
قَوْله تَعَالَى إِنَّا صببنا يقْرَأ بِكَسْر الْهمزَة وَفتحهَا فالحجة لمن كسر انه جعل الْكَلَام تَاما عِنْد قَوْله الى طَعَامه ثمَّ اسْتَأْنف فَكَسرهَا للابتداء بهَا وَالْحجّة لمن فتح انه اراد اعادة الْفِعْل وادخال حرف الْخَفْض والحدائق جمع حديقة وَهِي الْبَسَاتِين والغلب الملتفة بِالشَّجَرِ والنبات والاب المرعى
وَمن سُورَة التكوير
قَوْله تَعَالَى واذا الْبحار سجرت يقْرَأ بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيد فالحجة لمن حفف انه اراد بِهِ ملئت مرّة وَاحِدَة وَدَلِيله قَوْله وَالْبَحْر الْمَسْجُور وَالْحجّة لمن شدد انه اراد انها تفتح فيفضي بَعْضهَا الى بعض فَتَصِير بحرا وَاحِدًا
وَالْفرق بَين الْخلف فِي هَذَا والاتفاق على تَخْفيف واذا الوحوش حشرت ان حشر الوحوش انما هُوَ مَوتهَا وفناؤها اَوْ حشرها لتقْتَص لبعضها من بعض ثمَّ يُقَال لَهَا كوني تُرَابا وَالتَّشْدِيد انما هُوَ للمداومة وتكرير الْفِعْل وَلَا وَجه لذَلِك فِي حشر الوحوش
قَوْله تَعَالَى نشرت يقْرَأ بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيف فالحجة لمن شدد انه اراد نشر كل صحيفَة مِنْهَا فقد دَامَ الْفِعْل وتكرر وَدَلِيله قَوْله ان يُؤْتى صحفا منشرة(1/363)
سُورَة الإنفطار وَالْحجّة لمن حفف انه اراد نشرها مرّة وَاحِدَة وَدَلِيله قَوْله فِي رق منشور وَالْحجّة فِي قَوْله واذا الْجَحِيم سعرت كالحجة فِيمَا تقدم
قَوْله تَعَالَى وَمَا هُوَ على الْغَيْب بظنين يقْرَأ بالضاد والظاء فَوجه الضَّاد يُرَاد بِهِ مَا هُوَ بخيل وَوجه الظَّاء يُرَاد بِهِ مَا هُوَ بمتهم والغيب هَا هُنَا مَا غَابَ عَن المخلوقين واستتر مِمَّا أوحى الله عز وَجل اليه واعلمه بِهِ واما قَوْله يُؤمنُونَ بِالْغَيْبِ قيل بِاللَّه عز وَجل وَقيل بِمَا غَابَ عَنْهُم مِمَّا أنبأهم بِهِ الرَّسُول عَلَيْهِ السَّلَام من أَمر الْآخِرَة والبعث والنشور وَقيل بِيَوْم الْقِيَامَة والغيب عِنْد الْعَرَب اللَّيْل لظلمته وستره كل شَيْء بهَا
وَمن سُورَة الانفطار
قَوْله تَعَالَى اذا السَّمَاء انفطرت وَمَا اشبهها مِمَّا اخبر فِيهِ عَن مُسْتَقْبل بِلَفْظ الْمَاضِي فَمَعْنَاه انه كَائِن عِنْده لَا محَالة وواقع لَا شكّ فِيهِ
وَالْفِعْل الْمَاضِي يَأْتِي بِلَفْظِهِ وَمَعْنَاهُ الِاسْتِقْبَال فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع فِيمَا اخبر الله عز وَجل بِهِ وَفِي الشَّرْط وَفِي الدُّعَاء فَمَا اتاك فِي هَذِه الثَّلَاثَة بِلَفْظ الْمَاضِي فَمَعْنَاه الِاسْتِقْبَال وَدَلِيله وَاضح بَين
قَوْله تَعَالَى فعد لَك يقْرَأ بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيف فَوجه التَّشْدِيد فِيهِ قَوْمك وساوى بَين مَا ازدوج من اعضائك وَوجه التَّخْفِيف انه صرفك الى أَي صُورَة شَاءَ من طَوِيل وقصير وَحسن وقبيح
فَأَما قَوْله هُوَ الَّذِي يصوركم فِي الارحام كَيفَ يَشَاء فَمَعْنَاه ان النُّطْفَة اذا قَامَت اربعين يَوْمًا صَارَت علقَة اربعين يَوْمًا ومضغة اربعين يَوْمًا ثمَّ يُرْسل الله تَعَالَى اليها ملكا مَعَه تُرَاب من تربة العَبْد فيعجنه بهَا ثمَّ يَقُول يَا رب طَوِيل ام قصير غَنِي(1/364)
سُورَة المطففين أم فَقير شقي ام سعيد فَهَذَا معنى قَوْله كَيفَ يَشَاء
قَوْله تَعَالَى وَمَا أَدْرَاك يقْرَأ بالإمالة والتفخيم وَبَين ذَلِك وَقد ذكرت الْحجَّة فِيهِ
وَمَا كَانَ فِي كتاب الله تَعَالَى من قَوْله وَمَا أَدْرَاك فقد ادراه وَمَا كَانَ فِيهِ من قَوْله وَمَا يدْريك فَلم يدره بعد
قَوْله تَعَالَى يَوْم لَا يملك يقْرَأ بِالرَّفْع وَالنّصب فالحجة لمن رفع انه جعله بَدَلا من الْيَوْم الاول واضمر لَهُ هُوَ اشارة الى مَا تقدم وكناية عَنهُ فرفعه بِهِ وَالْحجّة لمن نصب انه جعله ظرفا للدّين وَالدّين الْجَزَاء
فَإِن قيل فَمَا معنى قَوْله والامر يَوْمئِذٍ لله وكل الامور لَهُ تَعَالَى فِي ذَلِك الْيَوْم وَغَيره فَقل لما كَانَ الله تَعَالَى قد اسْتخْلف قوما فِيمَا هُوَ ملك لَهُ وَنسب الْملك اليهم مجَازًا عرفهم انه لَا يملك يَوْم الدّين اُحْدُ وَلَا يسْتَخْلف فِيهِ من عباده سواهُ
وَمن سُورَة المطففين
قَوْله تَعَالَى بل ران على قُلُوبهم اتّفق الْقُرَّاء على ادغام اللَّام فِي الرَّاء لقر بهَا مِنْهَا فِي الْمخْرج الا مَا رَوَاهُ حَفْص عَن عَاصِم من وُقُوفه على اللَّام وَقفه خَفِيفَة ثمَّ يبتديء ران على قُلُوبهم ليعلم بانفصال اللَّام من الرَّاء وَأَن كل وَاحِدَة مِنْهُمَا كلمة بذاتها فرقا بَين مَا ينْفَصل من ذَلِك فَيُوقف عَلَيْهِ وَبَين مَا يتَّصل فَلَا يُوقف عَلَيْهِ كَقَوْلِك الرَّحْمَن الرَّحِيم
فاما الامالة فِيهِ والتفخيم فقد ذكرت علل ذَلِك فِي عدَّة مَوَاضِع
قَوْله تَعَالَى ختامه مسك اجماع الْقُرَّاء فِيهِ على كسر الْخَاء وَكَون التَّاء قبل(1/365)
سُورَة الإنشقاق الالف يُرَاد بِهِ آخر شرابهم مسك أَي مختوم بمسك والختام اسْم مَا يطبع عَلَيْهِ الْخَاتم من كل مختوم عَلَيْهِ الا مَا اخْتَارَهُ الْكسَائي من فتح الْخَاء وَتَأْخِير التَّاء مَفْتُوحَة بعد الالف يُرِيد بِهِ آخر الكأس الَّتِي يشربونها مسك كَمَا تَقول خاتمته مسك وَكسر التَّاء ايضا جَائِز وَقد ذكر فِي الاحزاب
قَوْله تَعَالَى ان كتاب الابرار يقْرَأ بالامالة والتفخيم وَقد ذكر مَعَ نَظَائِره
قَوْله تَعَالَى فاكهين يقْرَأ بِإِثْبَات الالف وحذفها وَالْحجّة فِيهِ كالحجة فِي قَوْله فارهين ولابثين وَالْمعْنَى فِيهِ معجبين وَمِنْه الفكاهة وَهِي المزاح والدعابة
وَمن سُورَة الانشقاق
قَوْله تَعَالَى وَيصلى سعيرا يقْرَأ بِضَم الْيَاء وَفتح الصَّاد وَتَشْديد اللَّام وبفتح الْيَاء واسكان الصَّاد وَتَخْفِيف اللَّام فالحجة لمن شدد انه اراد بذلك دوَام الْعَذَاب عَلَيْهِم وَدَلِيله قَوْله وتصلية جحيم لَان وَزنهَا تفعلة وتفعلة لَا تَأتي الا مصدرا ل فعلته بتَشْديد الْعين كَقَوْلِك عزيته تَعْزِيَة وَالْحجّة لمن خفف انه اخذه من صلى يُصَلِّي فَهُوَ صال وَدَلِيله قَوْله تَعَالَى الا من هُوَ صال الْجَحِيم والسعير فِي اللُّغَة شدَّة حر النَّار وَسُرْعَة توقدها
فَأَما قَوْله زدناهم سعيرا فَقيل وقودا وتلهبا وَقيل قلقا كالجنون(1/366)
سُورَة البروج
قَوْله تَعَالَى لتركبن طبقًا عَن طبق يقْرَأ بِضَم الْبَاء وَفتحهَا فالحجة لمن قَرَأَهُ بِالضَّمِّ انه خَاطب بِالْفِعْلِ جمعا واصله لتركبون فَذَهَبت الْوَاو لسكونها وَسُكُون النُّون المدغمه فَبَقيت الْبَاء على اصلها الَّذِي كَانَت عَلَيْهِ وَالْحجّة لمن قَرَأَهُ بِالْفَتْح انه افرد النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام بِالْخِطَابِ واراد بِهِ لتركبن يَا مُحَمَّد طبقًا من اطباق السَّمَاء بعد طبق ولترتقين حَالا بعد حَال
وَهَذِه اللَّام دخلت للتأكد اَوْ لجواب قسم مُقَدّر وَالنُّون للتَّأْكِيد ايضا وَهِي تدخل فِي الْفِعْل ثَقيلَة وخفيفة فِي مَوَاضِع قد ذكرت فِي يُونُس
وَكَانَ المحمدان ابْن مُجَاهِد وَابْن الانباري يتعمدان الْوَقْف اذا قرآ بِهَذِهِ السُّورَة فِي صَلَاة الصُّبْح على قَوْله فبشرهم بِعَذَاب أَلِيم ثمَّ يبتدئان بِقَوْلِك الا الَّذين آمنُوا فسئلا عَن ذَلِك فَقَالَا الِاسْتِثْنَاء هَا هُنَا مُنْقَطع مِمَّا قبله غير مُتَّصِل بِهِ وانما هُوَ بِمَعْنى لَكِن الَّذين آمنُوا واذا كَانَ الِاسْتِثْنَاء مُنْقَطِعًا مِمَّا قبله كَانَ الِابْتِدَاء مِمَّا يَأْتِي بعده وَجه الْكَلَام
وَمن سُورَة البروج
قَوْله تَعَالَى ذُو الْعَرْش الْمجِيد يقْرَأ بِكَسْر الدَّال وَضمّهَا فالحجة لمن قَرَأَهُ بالخفض انه جعله وَصفا للعرش وَمعنى الْمجِيد الرفيع ودليه قَوْله تَعَالَى رفيع الدَّرَجَات ذُو الْعَرْش وَالْحجّة لمن قَرَأَهُ بِالرَّفْع انه جعله نعتا لله عز وجلّ مردودا على قَوْله وَهُوَ الغفور الْوَدُود الْمجِيد ذُو الْعَرْش فَأَخَّرَهُ ليُوَافق رُؤُوس الْآي وَدَلِيله(1/367)
سُورَة الطارق والأعلى قَوْله انه حميد مجيد واما قَوْله بل هُوَ قرأن مجيد فَلَا خلاف فِي رَفعه
قَوْله تَعَالَى فِي لوح مَحْفُوظ اجماع الْقُرَّاء على قِرَاءَته بالخفض الا مَا اخْتَارَهُ نَافِع من الرّفْع فِيهِ وَالْعلَّة فِي الْوَجْهَيْنِ كالعلة فِي الْمجِيد
وَمن سُورَة الطارق
قَوْله تَعَالَى لما عَلَيْهَا حَافظ يقْرَأ بتَشْديد الْمِيم وتخفيفها فالحجة لمن شدد انه جعل ان بِمَعْنى مَا الجاحدة وَجعل لما بِمَعْنى الا للتحقيق وَالتَّقْدِير مَا كل نفس الا عَلَيْهَا حَافظ من الله تَعَالَى وَالْحجّة لمن خفف انه جعل ان خَفِيفَة من الثَّقِيلَة وَجعل مَا صلَة مُؤَكدَة وَالتَّقْدِير ان كل نفس لعليها حَافظ
ولان الْمَكْسُورَة الْخَفِيفَة اقسام تكون خَفِيفَة من الشَّدِيدَة وَبِمَعْنى مَا وحرف شَرط وزائدة وَبِمَعْنى اذ وَبِمَعْنى قد وَبِمَعْنى لم
ولان المخففة الْمَفْتُوحَة اقسام ايضا تكون خَفِيفَة من الشَّدِيدَة وحرفا ناصبا للْفِعْل الْمُضَارع وَتَكون زَائِدَة وَتَكون بِمَعْنى أَي
وَمن سُورَة الاعلى
كل مَا كَانَ من اواخر آي هَذِه السُّورَة فانه يقْرَأ بالامالة والتفخيم وَبَين ذَلِك وَقد ذكرت علله فِيمَا سلف
قَوْله تَعَالَى وَالَّذِي قدر فهدى يقْرَأ بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيف فالحجة لمن شدد قَوْله تَعَالَى وَخلق كل شَيْء فقدره تَقْديرا وَالْحجّة لمن خفف انه طابق بَين اللَّفْظَيْنِ فَجعل قدرك هدى وَقيل مَعْنَاهُ فهدى وأضل فَحذف اضل للدلالة ولموافقة رُؤُوس الْآي كَمَا قَالَ عَن الْيَمين وَعَن الشمَال قعيد يُرِيد(1/368)
سُورَة الغاشية وَالْفَجْر قعيدا وَقيل قدر الذّكر للانثى وهداه لاتيانها
قَوْله تَعَالَى بل يؤثرون يقْرَأ بِالْيَاءِ وَالتَّاء وبالاظهار والادغام وَقد ذكر ذَلِك فِيمَا مضى واوضحت الْحجَّة فِيهِ بِمَا يغنى عَن اعادته هَا هُنَا
وَمن سُورَة الغاشية
قَوْله تَعَالَى تصلى نَارا حامية يقْرَأ بِضَم التَّاء وَفتحهَا فالحجة لمن قَرَأَهُ بِالضَّمِّ انه طابق بذلك بَين لَفظه وَلَفظ قَوْله يسقى وَالْحجّة لمن فتح انه اتى بِالْفِعْلِ على اصله وبناه لفَاعِله
قَوْله تَعَالَى لَا تسمع فِيهَا لاغية يقْرَأ بِالتَّاءِ وَالْيَاء وَضمّهَا وَالرَّفْع وَيقْرَأ بِالتَّاءِ مَفْتُوحَة وَالنّصب وَالْحجّة لمن قَرَأَهُ بِضَم الْيَاء وَالتَّاء انه جعله مَبْنِيا لما لم يسم فَاعله وَرفع الِاسْم بعده وَالْحجّة لمن قَرَأَهُ بِفَتْح التَّاء انه قصد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْخِطَابِ وَنصب لاغية بتعدي الْفِعْل اليها
قَوْله تَعَالَى لست عَلَيْهِم بمصيطر يقْرَأ بالصَّاد وَالسِّين واشمام الزَّاي وَقد ذكرت علل ذَلِك فِي الطّور
وَمن سُورَة الْفجْر
قَوْله تَعَالَى وَالشَّفْع وَالْوتر يقْرَأ بِفَتْح الْوَاو وَكسرهَا فالحجة لمن كسر أَنه جعل الشفع الزَّوْج وهما آدم وحواء وَالْوتر الْفَرد وَهُوَ الله عز وَجل وَقيل بل الشفع مَا ازدوج من الصَّلَوَات كالغداة وَالظّهْر وَالْعصر وَالْوتر مَا انْفَرد مِنْهَا كَصَلَاة الْمغرب وركعة الْوتر وَالْحجّة لمن فتح انه طابق بَين لفظ الشفع وَلَفظ الْوتر وَقيل الْفَتْح وَالْكَسْر فِيهِ اذا كَانَ بِمَعْنى الْفَرد لُغَتَانِ فصيحتان فالفتح لاهل الْحجاز(1/369)
سُورَة الْفجْر وَالْكَسْر لتميم فَأَما من الترة والذحل فبالكسر لَا غير وَهُوَ الْمُطَالبَة بِالدَّمِ وَلَا يسْتَعْمل فِي غَيره
قَوْله تَعَالَى اذا يسري يقْرَأ بِإِثْبَات الْيَاء وصلا ووقفا وبحذفها كَذَلِك وبإثباتها وصلا وحذفها وَقفا وَقد تقدم الِاحْتِجَاج لذَلِك بِمَا يُغني عَن اعادته هَا هُنَا وَمثله قَوْله بالوادي
قَوْله تَعَالَى فَقدر عَلَيْهِ رزقه يقرا بتَشْديد الدَّال وتخفيفها وَقد تقدّمت الْحجَّة فِي ذَلِك مستقصاة فِي غير مَوضِع
قَوْله تَعَالَى اكرمن وأهانن يقْرَأ بِإِثْبَات الْيَاء فيهمَا وصلا وحذفها وَقفا واسكان النُّون من غير كسر وَاحْتج قاريء ذَلِك بقول الاعشي ... وَمن شأنيء ظَاهر غمره ... اذا مَا انتسبت لَهُ أنكرن ...
قَوْله تَعَالَى كلا بل لَا تكرمون الْيَتِيم وَلَا تحضون ويأكلون وتحبون يقْرَأن كُلهنَّ بِالْيَاءِ وَالتَّاء الا مَا قَرَأَهُ اهل الْكُوفَة وَلَا تحاضون بِزِيَادَة الف بَين الْحَاء وَالضَّاد فالحجة لمن قَرَأَهُ بِالْيَاءِ انه رده على مَا قبله وَالْحجّة لمن قَرَأَهُ بِالتَّاءِ(1/370)
سُورَة الْبَلَد انه دلّ بذلك على ان النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خاطبهم بِهِ وَالْحجّة للكوفيين فِي زِيَادَة الالف قرب معنى فاعلته من فعلته
قَوْله تعال فَيَوْمئِذٍ لَا يعذب عَذَابه اُحْدُ وَلَا يوثق وثَاقه اُحْدُ يقرآن بِكَسْر الذَّال والثاء وفتحهما فالحجة لمن كسرهما انه جَعلهمَا فعلين لفاعل هُوَ الله عز وَجل وَمَعْنَاهُ لَا يعذب عَذَاب الله اُحْدُ وَلَا يوثق وثاق الله اُحْدُ كَمَا كَانُوا يعهدون فِي الدُّنْيَا فالهاء كِنَايَة عَن الله عز وَجل فِي مَوضِع خفض وَالْحجّة لمن فتح انه جَعلهمَا فعلين لم يسم فاعلهما وَرفع احدا لانه اقامه مقَام الْفَاعِل وَالْهَاء فِي مَوضِع خفض لانها للمعذب
وَمن سُورَة الْبَلَد
قَوْله تَعَالَى فك رَقَبَة أَو اطعام يقرآن بِالرَّفْع لانهما مصدران فالاول مُضَاف فَحذف التَّنْوِين مِنْهُ لمَكَان الاضافة وَالثَّانِي مُفْرد فَثَبت التَّنْوِين فِيهِ لمَكَان الافراد ويقرآن بِالْفَتْح لانهما فعلان ماضيان فالحجة لمن جَعلهمَا مصدرين مَعْنَاهُ عِنْده فاقتحام الْعقبَة وَهِي الصِّرَاط فك رَقَبَة اَوْ اطعام فِي يَوْم ذِي مسغبة وَهِي المجاعة يَتِيما ثمَّ علق ذَلِك بِشَرْط الايمان
وَفِي نصب الْيَتِيم هَا هُنَا خلف بَين النَّحْوِيين قَالَ البصريون الْمصدر اذا دخله التَّنْوِين اَوْ الالف وَاللَّام عمل عمل الْفِعْل بِمَعْنَاهُ لانه اصل للْفِعْل وَالْفِعْل مُشْتَقّ مِنْهُ مَبْنِيّ للازمنه الثَّلَاثَة فَهُوَ يعْمل بِالْمَعْنَى عمل الْفِعْل بِاللَّفْظِ
وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ الْمصدر اذا نون اَوْ دخلت عَلَيْهِ الالف وَاللَّام لم يعْمل فِي الاسماء لانه قد دخل فِي جملَة الاسماء وَحصل فِي حيزها وَالِاسْم لَا يعْمل فِي الِاسْم نصبا فَقيل لَهُم فَبِمَ تنصبون يَتِيما هَا هُنَا فَقَالُوا بمشتق من الْمصدر وَهُوَ الْفِعْل وَيكون قَوْله مِسْكينا مَعْطُوفًا على قَوْله يَتِيما وَالْحجّة لمن فتحهما انه بناهما بِنَاء الْفِعْل الْمَاضِي وَجعل فاعلهما الانسان الْمُقدم ذكره والرقبة واليتيم منصوبان بتعدي(1/371)
سُورَة الشَّمْس الْفِعْل اليهما والمقربة هَا هُنَا الْقَرَابَة اتى بهَا بِهَذَا اللَّفْظ لمَكَان مسغبة ومتربة
قَوْله تَعَالَى عَلَيْهِم نَار مؤصدة هَا هُنَا وَفِي الْهمزَة يقرآن بتحقيق الْهَمْز وحذفه فالحجة لمن حقق الْهَمْز انه اخذه من آصدت النَّار فَهِيَ مؤصدة وَالْحجّة لمن حذف الْهَمْز انه اخذه من اوصدت النَّار فَهِيَ موصدة الا ان حَمْزَة اذا وصل همز واذا وقف لم يهمز وهما لُغَتَانِ فصيحتان مَعْنَاهُمَا اغلقت عَلَيْهِم فَهِيَ مغلقة والمشأمة الشمَال هَا هُنَا وَفِي الْوَاقِعَة بلغَة بني غطيف
وَمن سوة الشَّمْس
مَا كَانَ فِي اواخر آيَات هَذِه السُّورَة يقْرَأ بالامالة والتفخيم وَبَينهمَا الا مَا تفرد بِهِ حَمْزَة من امالة ذَوَات الْيَاء وتفخيم ذَوَات الْوَاو وَلم يفرق الْبَاقُونَ بَينهمَا لمجاورة ذَوَات الْوَاو ذَوَات الْيَاء هَا هُنَا وَفِيمَا شاكله من امثاله وقذ ذكرت الْحجَّة فِيهِ
قَوْله تَعَالَى كذبت ثَمُود يقْرَأ بالادغام والاظهار وَقد ذكرت علل ذَلِك فِيمَا مضى
قَوْله تَعَالَى وَلَا يخَاف عقباها يقْرَأ بِالْوَاو وَالْفَاء فالحجة لمن قَرَأَهُ بِالْوَاو انه انْتهى بالْكلَام عِنْد قَوْله فسواها الى التَّمام ثمَّ اسْتَأْنف بِالْوَاو لانه لَيْسَ من فعلهم وَلَا مُتَّصِلا بِمَا تقدم لَهُم وَالْحجّة لمن قَرَأَهُ بِالْفَاءِ انه اتبغ الْكَلَام بعضه بَعْضًا وَعطف آخِره على اوله شَيْئا فَشَيْئًا فَكَانَت الْفَاء بذلك اولى لانها تَأتي بالْكلَام مُرَتبا وَيجْعَل الآخر بعد الاول وَمعنى قَوْله فدمدم أَي فهدم وَمعنى فسواها أَي سوى بُيُوتهم قُبُورهم وعقباها يُرِيد عَاقِبَة امرها يُرِيد بِالْهَاءِ والالف يخَاف عُقبى من اهلك فِيهَا(1/372)
سُورَة الضُّحَى والعلق
وَمن سُورَة وَالضُّحَى لَان سُورَة وَاللَّيْل لَا خلاف فِيهَا الا الامالة والتفخيم
قَوْله تَعَالَى وَالضُّحَى قسم وَكَانَ ابْن كثير يكبر من اول هَذِه السُّورَة الى ان يخْتم فَيَقُول اذا انْقَضتْ السُّورَة الله اكبر بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم الى آخر الْقُرْآن يخْتم وحجته فِي ذَلِك ان النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يفعل ذَلِك
وَوَجهه ان الْوَحْي ابطأ عَنهُ اربعين صباحا فَقَالَ كفار قُرَيْش ومنافقوها قلاه ربه وودعه الناموس فأهبط الله عز وَجل عَلَيْهِ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ لَهُ يَا مُحَمَّد السَّلَام عَلَيْك فَقَالَ وَعَلَيْك السَّلَام فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سُرُورًا بموافاة جِبْرِيل وابطال قَول الْمُشْركين الله اكبر فَقَالَ جِبْرِيل اقْرَأ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم وَالضُّحَى وَاللَّيْل اذا سجى مَا وَدعك رَبك وَمَا قلى ثمَّ عدد عَلَيْهِ انعامه وَذكره احسانه وادبه بِأَحْسَن الْآدَاب
وَمن سُورَة العلق
قَوْله تَعَالَى ان رَآهُ اسْتغنى يقْرَأ بِفَتْح الرَّاء وَكسر الْهمزَة وبكسرهما مَعًا وبفتحهما مَعًا وَقد ذكرت علل ذَلِك قبل وروى قنبل هَذَا الْحَرْف عَن ابْن كثير رأه بِفَتْح الرَّاء والهمزة وَالْقصر على وزن رعه قَالَ ابْن مُجَاهِد لَا وَجه لَهُ لانه حذف لَام الْفِعْل الَّتِي كَانَت مبدله من الْيَاء وَقَالَ بعض اهل النّظر احسن احوال ابْن كثير ان يكون قَرَأَ هَذَا الْحَرْف بِتَقْدِيم الالف الَّتِي بعد الْهمزَة وَتَأْخِير الْهمزَة الى(1/373)
سُورَة الْقدر وَالْقيمَة مَوضِع الالف ثمَّ خفف الْهمزَة فَحذف الالف لالتقاء الساكنين فَبَقيَ رَاه بِأَلف سَاكِنة غير مَهْمُوزَة الا ان النَّاقِل لذَلِك عَنهُ لم يضْبط لَفظه بِهِ هَذِه لُغَة مَشْهُورَة للْعَرَب يَقُولُونَ فِي رءاني راءني فِي سأاني سَاءَنِي قَالَ شَاعِر هَذِه اللُّغَة ... أَو وليد مُعَلل رَاء رُؤْيا ... فَهُوَ يهذي بِمَا رأى فِي الْمَنَام ...
وَمن سُورَة الْقدر
قَوْله تَعَالَى حَتَّى مطلع الْفجْر اجْمَعْ الْقُرَّاء على فتح اللَّام الا الْكسَائي فَإِنَّهُ قَرَأَهَا بِالْكَسْرِ فالحجة لمن فتح انه اراد بذلك الْمصدر وَمَعْنَاهُ حَتَّى طُلُوع الْفجْر وَالْحجّة لمن كسر انه اراد الِاسْم اَوْ الْموضع وَقد شرح فِيمَا تقدم بأبين من هَذَا وَحَتَّى هَا هُنَا بِمَعْنى الى
وَمن سُورَة الْقيمَة
قَوْله تَعَالَى خير الْبَريَّة وشَرّ الْبَريَّة يقرآن بتحقيق الْهَمْز والتعويض مِنْهُ مَعَ التليين فالحجة لمن حقق الْهَمْز انه اخذه من برأَ الله الْخلق وَدَلِيله قَوْله هُوَ الله الْخَالِق الباريء وَالْحجّة لمن ترك الْهَمْز وشدد انه اراد الْهَمْز فَحَذفهُ وَعوض التَّشْدِيد مِنْهُ اَوْ يكون اخذ ذَلِك من البرى وَهُوَ التُّرَاب كَمَا قيل ... بفيك من سَار الى الْقَوْم البرى(1/374)
سُورَة الزلزلة القارعة وَالتَّكَاثُر والهمزة
وَمن سُورَة الزلزلة
وَقَوله تَعَالَى خيرا يره وشرا يره بإشباع الضمة واختلاسها وَقد ذكر فِي آل عمرَان
وَمن سُورَة القارعة
قَوْله تَعَالَى وَمَا أَدْرَاك مَا هيه يقْرَأ بِإِثْبَات الْهَاء وحذفها وَعلله مَذْكُورَة فِي الانعام
وَمن سُورَة التكاثر
قَوْله تَعَالَى لترون الْجَحِيم يقْرَأ بِفَتْح التَّاء وَضمّهَا فالحجة لمن فتح انه دلّ بذلك على بِنَاء الْفِعْل لَهُم فجعلهم بِهِ فاعلين وَالْحجّة لمن ضم انه دلّ بذلك على بِنَاء الْفِعْل لما لم يسم فَاعله والاصل فِي الْفِعْل لترأيون على وزن لتفعلون فنقلوا فَتْحة الْهمزَة الى الرَّاء وَهِي سَاكِنة ففتحوها وحذفوا الْهمزَة تَخْفِيفًا فَبَقيت الْيَاء مَضْمُومَة وَالضَّم فِيهَا مستثقل فحذفوا الضمة عَنْهَا فَبَقيت سَاكِنة وواو الْجمع سَاكِنة فحذفوا الْيَاء لالتقاء الساكنين فَالتقى حِينَئِذٍ ساكنان وَاو الْجمع وَالنُّون المدغمة فحذفوا الْوَاو لالتقائهما فَأَما قَوْله ثمَّ لترونهاعين الْيَقِين بِفَتْح التَّاء لَا خلاف بَينهم فِيهِ
وَمن سُورَة الْهمزَة
قَوْله تَعَالَى الَّذِي جمع مَالا يقْرَأ بتَشْديد الْمِيم وتخفيفها فالحجة لمن شدد انه اراد تكْرَار الْفِعْل ومداومة الْجمع وَالْحجّة لمن خفف انه اراد جمعا وَاحِدًا لمَال وَاحِد(1/375)
قَوْله تَعَالَى مؤصدة يقْرَأ بِالْهَمْز وَتَركه وَقد ذكرت علته فِي سُورَة الْبَلَد
قَوْله تَعَالَى فِي عمد يقْرَأ بِضَم الْعين وَالْمِيم وفتحهما فالحجة لمن ضم انه جعله جمع عماد فَقَالَ عمد وَدَلِيله جِدَار جدر وَالْحجّة لمن فتح انه جعله جمع عَمُود فَقَالَ عمد كَمَا قَالُوا اديم وادم وافيق وَافق فَإِن قيل قإن ذَلِك بِالْوَاو وَهَذَانِ بِالْيَاءِ فَكيف اتفقَا فَقل لِاتِّفَاق حُرُوف الْمَدّ واللين فِي مَوضِع وَاحِد الا ترى انك تَقول فرَاش وفرش وعمود وَعمد وسرير وسرر فيتفق لفظ الْجمع وان كَانَت ابنية الْوَاحِد مُخْتَلفَة لِاتِّفَاق حُرُوف الْمَدّ واللين فِي مَوضِع وَاحِد
وَمن سُورَة قُرَيْش
قَوْله تَعَالَى لِإِيلَافِ قُرَيْش اتّفق الْقُرَّاء على كسر اللَّام وهمزة مَكْسُورَة بعْدهَا وياء بعد الْهمزَة الا ابْن عَامر فَإِنَّهُ قَرَأَ بلام مكسروة وهمزة بعْدهَا مَقْصُورَة من غير يَاء وَلَا مد فالاصل عِنْد من همز وَمد لائلاف قُرَيْش لعفلاف قُرَيْش فَجعل الْهمزَة الساكنة يَاء لانكسار مَا قبلهَا ثمَّ لينها فالمد فِيهَا لذَلِك كَمَا قَالُوا ايمان فِي مصدر آمن وَالْحجّة لمن قصر انه اراد ايضا لِإِيلَافِ قُرَيْش فَحذف الْمدَّة تَخْفِيفًا لمَكَان ثقل الْهمزَة فَبَقيَ على وزن لعلاف قُرَيْش فَأَما ايلافهم فَلَا خلف فِي همزَة ومده واما اللَّام فَقيل هِيَ لَام التَّعَجُّب وَمَعْنَاهَا اعْجَبْ يَا مُحَمَّد لايلاف الله عز وجلّ لقريش رحلتهم فِي الشتَاء ورحلتهم فِي الصَّيف لَان الله كفاهم ذَلِك وجبى اليهم ثَمَرَات كل شَيْء
وَقيل لَام اضافة وصلت آخر ألم تَرَ بِأول لِإِيلَافِ فَكَأَنَّهُ قَالَ فجعلهم كعصف مَأْكُول لايلاف قُرَيْش(1/376)
سُورَة الماعون الْكَافِرُونَ والمسد
وَقيل هِيَ مُتَّصِلَة بقوله فليعبدوا رب هَذَا الْبَيْت لايلافه لَهُم ذَلِك على معنى التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير وكل حسن مُحْتَمل
وَمن سُورَة أَرَأَيْت الماعون
قَوْله تَعَالَى أَرَأَيْت يقْرَأ بتحقيق الهمزتين وبتحقيق الاولى وتليين الثَّانِيَة وبتحقيق الاولى وَحذف الثَّانِيَة فالحجة لمن حققهما انه اتى بِاللَّفْظِ على الاصل وَالْحجّة لمن لين الثَّانِيَة انه كره حذفهَا فأبقى دَلِيلا عَلَيْهَا وَالْحجّة لمن حذف الثَّانِيَة أَنه اجتزأ بِهَمْزَة الِاسْتِفْهَام من همزَة الاصل لانها فِي الْفِعْل الْمُضَارع سَاقِطَة بِإِجْمَاع
وَمن سُورَة الْكَافِرُونَ
قَوْله تَعَالَى ولي دين يقْرَأ بحركة الْيَاء الى الْفَتْح وسكونها فالحجة لمن حركها انها حرف وَاحِد اتَّصَلت بِحرف مكسور فَقَوِيت بالحركة لانها اسْم وَالْحجّة لمن اسكن انها يَاء اضافة اتَّصَلت بلام مَكْسُورَة وحركتها تثقل فخففت بالاسكان
وَمن سُورَة تبت
قَوْله تَعَالَى تبت يدا أبي لَهب يقْرَأ بِإِسْكَان الْهَاء وَفتحهَا وهما لُغَتَانِ كَمَا قَالُوا وهب ووهب ونهر ونهر وَالِاخْتِيَار الْفَتْح لموافقة رُؤُوس الْآي فَأَما ذَات لَهب فَلَا خلف فِي تحريكه
قَوْله تَعَالَى حمالَة الْحَطب يقْرَأ بِالرَّفْع وَالنّصب فالحجة لمن رفع انه جعله خبر الِابْتِدَاء وَالْحجّة لمن نصب انه اراد الذَّم وَالْعرب تنصب بالذم والمدح والترحم بإضمار اعني وَمَعْنَاهُ انها كَانَت تمشي بالنميمة فذمت بذلك(1/377)
سُورَة الْإِخْلَاص والفلق وَالنَّاس
وَمن سُورَة الاخلاص
معنى قَوْله فِي اول هَذِه السُّورَة قل وَمَا شاكلها ان الله تَعَالَى انْزِلْ الْقُرْآن الْكَرِيم على نبيه بِلِسَان جِبْرِيل عَلَيْهِمَا السَّلَام فَحكى لَفظه فَقَالَ ان جِبْرِيل قَالَ لي قل هُوَ الله اُحْدُ
قَوْله تَعَالَى كفوا اُحْدُ يقْرَأ بِضَم الْكَاف وَالْفَاء والهمز وَطَرحه وبضم الْكَاف واسكان الْفَاء والهمز وَقد ذكرت علله فِي الْبَقَرَة ذكرا يُغني عَن اعادته هَا هُنَا
وَمن سُورَة الفلق
لَا خلاف فِيهَا الا مَا رَوَاهُ احْمَد بن مُوسَى عَن ابي عَمْرو حَاسِد بالامالة وَالْمَشْهُور عَنهُ التفخيم
وَمن سُورَة النَّاس
لَا خلف فِيهَا الا مَا رَوَاهُ الْحلْوانِي عَن ابي عمر عَن الْكسَائي انه امال النَّاس فِي الْخَفْض دون غَيره(1/378)