قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ (72)
وقال الآخر:
حَتَّى إذا قمِلت بطونُكم ... ورأيتمُ أبناءكم شبوا
وقلبتم ظهر المجن لنا ... إن اللّئيم العاجزُ الْخَبُّ «1»
قمِلت: سمِنت وكبِرَت.
قوله: قالُوا نَفْقِدُ صُواعَ الْمَلِكِ [72] .
وقوله: الصُّواع ذكر. وهو الإناءُ الَّذِي كَانَ الملكُ يشرب فِيهِ. والصاعُ يؤنَّث ويُذَكَّر. فمن أنَّثه قَالَ: ثلاث أصْوُع مثل ثلاث أَدْؤُر. ومن ذكّره قَالَ: ثلاثة أصواع مثل أبواب. وقوله (وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ) يقول: كفيل. وزعيم القوم سيّدهم.
وقوله: تَاللَّهِ [73] العربُ لا تَقُولُ تالرحمنِ ولا يَجْعلونَ مكانَ الواو تَاء إِلَّا فِي الله عَزَّ وَجَلَّ.
وَذَلِكَ أنَّها أكثرُ الأيْمَانِ مُجْرى فِي الكلام فتوهّموا أنّ الواو منها لكثرتِها فِي الكلام، وأبدلوها تاء كما قالوا: التّراث، وهو من ورث، وكما قَالَ: (رُسُلَنا «2» تَتْرا) وهي من المواترة، وكما قالوا:
التُّخْمَة وهي من الْوَخَامة، والتُّجَاه وهي من واجهك. وقوله (لَقَدْ عَلِمْتُمْ ما جِئْنا لِنُفْسِدَ) يقول القائل: وكيف علموا أنهم لَمْ يأتوا للفساد ولا للسرقة؟ فذُكر أنَّهم كانوا فِي طريقهم لا يُنزلون بأَحد ظلمًا، ولا ينزلونَ فِي بساتين الناس فيُفسدوها فذلك قوله (مَا جِئْنا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَما كُنَّا سارِقِينَ) يقول: لو كنا سارقين ما رددنا عليكم البضاعة التي وجدناها فِي رِحَالِنا.
وقوله: قالُوا جَزاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزاؤُهُ [75] (من) فِي معنى جزاء وموضعها رفع بالهاء التي عادت. وجواب الجزاء الفاء فِي قوله: (فَهُوَ جَزاؤُهُ) ويكون قوله (جَزاؤُهُ) الثانية
__________
(1) المجن: الترس، ويقال: قلب له ظهر المجن إذا كان ووادا له ثم تغير عن مودته. والخب: الخداع. وانظر الخزانة 4/ 414.
(2) الآية 44 سورة المؤمنين.(2/51)
قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ إِنَّا إِذًا لَظَالِمُونَ (79)
مرتفعة بالمعنى المحمَّل فِي الجزاء وجوابه. ومثله فِي الكلام أن تَقُولَ: ماذا لي عندك؟ فيقول: لك عندي إن بشّرتني فلك ألف درهم، كأنه قَالَ: لك عندي هذا. وإن شئت جَعلت (مَن) فِي مذهب (الَّذِي) وتُدخل الفاء فِي خبر (مَنْ) إذا كانت على معنى (الَّذِي) كما تَقُولُ: الَّذِي يقوم فإنَّا نَقوم معه. وإن شئتَ جعلت الجزاء مرفوعًا بِمَنْ خاصَّة وصلتها، كأنك قلت: جزاؤه الموجودُ فِي رَحْله. كأنك قلت: ثوابه أن يُسْتَرقّ، ثُمَّ تستأنف أيضًا فتقول: هُوَ جزاؤه. وكانت سنَّتهم أن يسترقّوا مَن سَرق.
ثُمَّ قَالَ: ثُمَّ اسْتَخْرَجَها [76] ذَهَبَ إلى تأنيثِ السَّرقة. وإن يكن الصُّواع فِي معنى الصَّاع فلعلّ هذا التأنيث من ذَلِكَ. وإن شئت جعلته لتأنيث السِّقَاية.
وقوله (نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ) (مَنْ) فِي موضع نصب، أي نرفعُ مَنْ نَشَاءُ دَرجاتٍ.
يقول: نفضِّل من نشاء بالدرجات. ومن «1» قَالَ (نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ) فيكون (مَنْ) فِي موضع خفض.
وقوله (وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ) يقول: لَيْسَ مِنْ عالِم إِلَّا وفوقه أعلم منه.
وقوله: (فَأَسَرَّها يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ) [77] أَسَرَّ الكلمة. ولو قَالَ: (فأسرَّهُ) ذهب إلى تذكير الكلام كَانَ صَوَابًا كقوله (تِلْكَ «2» مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ) و (ذلِكَ «3» مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ) (وَلَمْ يُبْدِها لَهُمْ) : أضمرها فِي نفسه ولم يظهرهَا.
وقوله: مَعاذَ اللَّهِ [79] نَصْب لأنه مصدر، وكل مصدر تكلّمت العرب فِي معناهُ بفَعَل أو يفعل فالنصبُ فِيهِ جائز. ومن ذَلِكَ الحمدَ لله لأنّك قد تَقُولُ فِي موضعه يَحمد الله. وكذلك أعوذ بالله تصلح فى معنى معاذ الله.
__________
(1) هم غير عاصم وحمزة والكسائي وخلف.
(2) الآية 49 سورة هود.
(3) الآية 44 سورة آل عمران(2/52)
قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (83)
وقوله: خَلَصُوا نَجِيًّا [80] و [نجوى] قَالَ الله عَزَّ وَجَلَّ (مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ) وقوله: (قالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَباكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقاً مِنَ اللَّهِ وَمِنْ قَبْلُ ما فَرَّطْتُمْ) (ما) التي مع (فرّطتم) فِي موضع رفع كأنه قال: ومن قبلِ هذا تفريطكم فِي يوسف.
فإن «1» شئت جعلتها نصبًا، أي ألم تعلموا هذا وتعلموا من قبلُ تفريطكم فِي يوسف. وإن شئت جعلت (ما) صلة كأنه قال «2» : ومن قبلُ فرَّطتم فى يوسف.
وقوله: إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ [81] ويقرأ (سُرِّق) ولا أشتهيها لأنّها شاذَّة. وكأنه ذهب إلى أَنَّهُ لا يستحلّ أن يسرَّقَ ولم يَسرِق: وذُكِرَ أن ميمون بن مِهْران لقي رجاءَ بن حَيوَة بِمكَّة، وَكَانَ رجاء يقول: لا يصلح الكذب فِي جد ولا هزل. وَكَانَ ميمون يقول: ربّ كَذْبة هي خير من صدق كَثِير. قَالَ فقال ميمون لرجاء: من كَانَ زَمِيلَك؟ قَالَ: رجل من قيس. قَالَ: فلو أنك إذ مررت بالبِشْر «3» قالت لك تغلِب: أنت الغاية فِي الصدق فمن زميلك هذا؟ فإن كَانَ مِنْ قيس قتلناه، فقد علمتَ ما قتلتْ قيسٌ مِنَّا، أكنت تَقُولُ: مِنْ قيس أم من غير قيس؟ قال: بَلْ من غير قيس. قَالَ: فهي كانت أفضل أم الصدق؟ قَالَ الفراء: قد جعل الله عَزَّ وَجَلَّ للأنبياء من المكايد ما هُوَ أكثر من هذا. والله أعلم بتأويل ذلك.
وقوله: وَما كُنَّا لِلْغَيْبِ حافِظِينَ يقول: لَمْ نَكُن نَحفظ غيبَ ابنك ولا ندري ما يصنعُ إذا غابَ عنا. ويُقال: لو علمنا أن هذا يكون لَمْ نُخرجه معنا.
وقوله: أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ [83] الصبرُ الجميل مرفوع لأنه عَزَّى نفسَه وقال: ما هُوَ إلا الصبر، ولو أمرهم بالصبر لكان النصب أسهل، كما قال الشاعر:
__________
(1) كذا. والأولى: «وإن» .
(2) سقط فى ا.
(3) البشر: جبل من منازل تغلب. وبين تغلب وقيس حروب وغارات.(2/53)
قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ (85)
يشكو إِليَّ جَمَلي طُول السُّرى ... صَبْرًا جَميلًا فَكِلانا مبتلى «1»
وقوله: (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ) يقول: لا شكوى فِيهِ إلَّا إلى الله جلّ وعزّ.
قالو: تَاللَّهِ تَفْتَؤُا: [85] معناه لا تزال تذكر يوسف و (لا) قد تضمر مع الأيمان لأنّها إذا كانت خبرًا لا يضمر فيها (لا) لَمْ تكن إلا بِلَام ألا ترى أنك تَقُولُ: والله لآتينَّكَ، ولا يَجوز أن تَقُولُ: والله آتيك إِلَّا أن تكون تريد (لا) فلمَّا تبيّن موضعُها وقد فارقت الخبر أُضمرت، قَالَ امرؤ القيس:
فقلتُ يَمينَ الله أبرحُ قاعدًا ... ولو قطعوا رأسي لديكِ وأَوْصَالِي «2»
وأنشدني بعضهم:
فلا وأبي دَهْمَاء زالت عزيزةً ... عَلَى قَوْمها ما فَتَّلَ الزَّنْدَ قادِح
يريدُ: لا زالت. وقوله: (حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً) ] يُقال: رجل حَرَض وامرأة حَرَض وقومٌ حَرَض، يكون موحَّدًا عَلَى كلِّ حَالٍ: الذكر والأنثى، والجميع فِيهِ سَوَاء، ومن العرب من يقول للذكر: حارِض، وللأنثى حارضة، فيثنّى هاهنا ويُجمع لأنه قد خرج على صورة فاعل وفاعل «3» يُجمع. والحارض: الفاسد فِي جسمه أو عقله. ويقال للرجل: إنه لحارض أي أحمق.
والفاسد فِي عقله أيضًا. وأمَّا حَرَض فتُرك جَمعه لأنه مصدر بِمنزلة دَنَف وضَنَى «4» . والعربُ تَقُولُ:
قوم دَنَف، وضَنًى وَعدْل، وَرِضًا، وزَوْر، وعَوْد، وضَيْف. ولو ثُنّي وجمع لكان صَوَابًا كما قالوا: ضيف وأضياف. وقال عزّ وجلّ (أَنُؤْمِنُ «5» لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنا) وقال فِي موضع آخر:
(مَا أَنْتُمْ «6» إِلَّا بَشَرٌ) والعرب إلى التثنية أسرع منهم إلى جَمعه لأن الواحد قد يكون فى معنى
__________
(1) ورد فى كتاب سيبويه 1/ 162.
(2) من قصيدة له فى الديوان 32. [.....]
(3) ا: «الفاعل» .
(4) الضنى فى الأصل المرض المخامر كلما ظن برؤه نكس.
(5) الآية 47 سورة المؤمنين.
(6) الآية 15 سورة يس.(2/54)
فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ (88)
الجمع ولا يكون فِي معنى اثنين ألا ترى أنك تَقُولُ: كم عندك من درهم ومن دراهم، ولا يَجوز:
كم عندك من درهمين. فلذلك كثرت التثنية ولم يُجمع.
وقوله: وَجِئْنا بِبِضاعَةٍ مُزْجاةٍ [88] ذكروا أنَّهم قَدمِوا مصر ببضاعة، فباعوها بدراهم لا تَنْفُق فِي الطعام إِلَّا بغير سعر الجياد، فسألوا يوسف أن يأخذها منهم ولا ينقصهم. فذلك قوله:
(فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنا) بفضل ما بين السِّعرين.
وقوله: يَأْتِ بَصِيراً [93] أي يرجع بَصِيرًا.
وقوله: لَوْلا أَنْ تُفَنِّدُونِ [94] يقول: تكذّبون وتُعَجِّزون وتضعفِّون.
وقوله: سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي [98] قَالَ: حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ «1» (عَن) شريك عَن السُّدِّي فِي هذه الآية أخرهم «2» إلى السّحر (قَالَ أَبُو زَكَرِيَّا «3» وَزَادَنَا حِبَّانُ عَنِ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَخَّرَهُمْ إِلَى السَّحَرِ) لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ.
وقوله: وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ [105] فآيات السَّموات الشمسُ والقمر والنجوم. وآيات الأرض الجبال والأنهار وأشباه ذَلِكَ.
وقوله: وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ [106] يقول: إذا سألتهم مَن خلقكم؟
قالوا: الله، أو من رزقكم؟ قالوا: الله، وهم يشركون بِهِ فيعبدونَ الأصنام. فذلك قوله:
(وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ) .
وقوله: أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي [108] يقول: أنا ومن اتّبعني، فهو يدعو على بصيرة كما أدعو.
وقوله: وَلَدارُ الْآخِرَةِ [109] أُضِيفت الدار إلى الآخرة وهي الآخرة وقد تضيف العرب الشيء
__________
(1) ا: «قال حدثنى» .
(2) أي أخر الاستغفار لهم.
(3) سقط ما بين القوسين فى ا.(2/55)
إلى نفسه إذا اختلف لفظه كقوله (إِنَّ «1» هذا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ) والحق هُوَ اليقين. ومثله أتيتك بارحة الأولى، وعام الأوَّل وليلة الأولى ويوم الخميس. وجميعُ الأيّام تُضافُ إلى أنفسها لاختلاف لفظها. وكذلك شهر ربيع. والعربُ تَقُولُ فِي كلامها- أنشدني بعضهم-:
أَتَمْدَحُ فَقْعَسًا وتَذمّ عَبْسًا ... أَلا لِلَّهِ أُمُّكَ من هَجِين «2»
ولو أقوت «3» عَلََيْكَ ديارُ عَبْس ... عرفتَ الذُّلَّ عِرفان اليقين
وإنَّما معناهُ عرفانًا ويقينًا.
وقوله: حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا [110] .
خفيف. وقرأها أهل المدينة بالتثقيل، وقرأها ابنُ عباس بالتخفيف، وفسّرها: حَتَّى إذا استيأس الرُّسُل من قومهم أن يؤمنوا، وظن قومُهم أن الرسل قد كُذِبوا جاءهم نصرنا. وحُكِيَت عَن عبد الله (كُذِّبُوا) مشدّدة وقوله: (فنجى من نشاء) القراءة بنونين «4» والكتابُ أَتى بنون واحدة. وقد قرأ عاصم (فنجّى من نشاء) فجعلها نونًا، كأنه كره زيادة نون ف (مَنْ) حينئذ فِي موضع رفع. وأمّا الَّذِينَ قرءوا بنونين فإن النون الثانية، تخفى ولا تخرج من موضع الأولى، فلمّا خفيت حذفت، ألا ترى أنك لا تَقُولُ فننجي بالبيان. فلمّا خفيت الثانية حذفت واكتفى بالنون الأولى منها، كما يكتفى بالحرف من الحرفين فيدغم ويكون كتابُهما واحدًا.
وقوله: مَا كانَ حَدِيثاً يُفْتَرى وَلكِنْ تَصْدِيقَ [111] منصوب، يُرادُ بِهِ: ولكن كَانَ تصديقَ ما بين يديه من الكتب: التوراة والإنجيل. ولو رفعت التصديق كَانَ صوابًا كما تَقُولُ: ما كان
__________
(1) الآية 95 سورة الواقعة.
(2) الهجين: عربى ولد من أمة أو من أبوه خير من أمه.
(3) أقوت: أقفرت وخلت.
(4) قرأ «فتنجى» غير ابن عامر وعاصم ويعقوب. أما هؤلاء فقد قرءوا: «فنجى» على صيغة المبنى للمفعول من نجى.(2/56)
المر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ (1)
هذا قَائِمًا ولكن قاعدًا وقاعد. وكذلك قوله: (مَا كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللَّهِ) و (رَسُولَ اللَّهِ) فَمن رفع لَمْ يُضْمر كان «1» أراد: ولكن هو رسول الله.
ومن سورة الرعد
قول الله جلّ وعزّ: الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها «2» .
جاء فِيهِ قولان. يقول: خلقها مرفوعة بلا عمدٍ، ترونها: لا تَحتاجونَ مع الرؤية إلى خبر.
وَيُقال: خلقها بِعَمَدٍ لا ترونها، لا ترون تِلْكَ الْعَمَد. والعربُ قد تقدم الحجة من آخر الكلمة إلى أوّلها: يكون ذَلِكَ جائزًا. أنشدني بعضهم:
إذا أعجبتك الدهر حالٌ من امرئ ... فدَعْه وواكِل حالَه واللياليا
يجئنَ على ما كَانَ من صالِحٍ بِهِ ... وإن كَانَ فيما لا يرى الناس آليا «3»
معناهُ وإن كَانَ (فيما يرى «4» ) الناس لا يألو. وقال الآخر:
ولا أراها تزالُ ظالِمةً ... تُحدث لى نكبة وتنكؤها «5»
ومعناها: أراها لا تزال.
وقوله قبل هذه الآية: وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ [1] فموضع (الَّذِي) رفع تستأنفه على الحق، وترفع كل واحد بصاحبه. وإن شئت جعلت (الَّذِي) فى موضع خفض تريد: تلك
__________
(1) فى الأصول: «كأنه» والمناسب ما أثبت.
(2) ورد الشعر فى شواهد العيتى فى مبحث المفعول معه على هامش الخزانة 3/ 99 من غير عزو.
(3) فى الأصول: «فيما لا يرى» والصواب ما أثبت. [.....]
(4) فى الأصول: «فيما لا يرى» والصواب ما أثبت.
(5) هو إبراهيم بن هرمه.(2/57)
آيات الكتاب وآيات الَّذِي أنزل إليك من ربك فيكون خفضًا، ثُمَّ ترفع (الحق) أي ذَلِكَ الحق، كقوله فِي البقرة (وَإِنَّ «1» فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ) فنرفع على إضمار ذَلِكَ الحق أو هُوَ الحق. وإن شئت جعلت (الَّذِي) خفضًا فخفضت (الحق) فجعلته من صفة الَّذِي ويكون (الَّذِي) نعتًا للكتاب مردودًا عَلَيْهِ وإن كَانَت فِيهِ الواو كما قَالَ الشاعر:
إلى الملكِ الْقَرْمِ وابن الهمام ... وليث الْكَتِيبة فِي الْمُزْدَحَمِ «2»
فعطف بالواو وهو يريدُ واحدًا. ومثله فِي الكلام: أتانا هذا الحديث عَن أبي حَفْص والفاروق وأنت تريد عمر بن الخطاب رَحِمَهُ الله.
وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ [3] أي بسط الأرض عَرْضًا وطولًا.
وقوله: (زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ) الزوجان اثنان الذكر والأنثى والضربان. يُبيّن ذَلِكَ قوله (وَأَنَّهُ خَلَقَ «3» الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى) فتبيّن أنَّهُمَا اثنان بتفسير الذكر والأنثى لَهما.
وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ [4] يقول: فيها اختلاف وهي مُتجاورات: هذه طيّبة تُنبت وهذه سَبَخَة لا تُخرج شيئًا.
ثُمَّ قال: (وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنابٍ وَزَرْعٌ) فلك فِي الزرع وما بعده الرفع. ولو خفضت كَانَ صَوَابًا. فمن رفع جعله مردودًا على الجنات ومن خفض جعله مردودًا على الأعناب أي من أعناب ومن كذا وكذا.
وقوله: (صِنْوانٌ وَغَيْرُ صِنْوانٍ) الرفعُ فِيهِ سَهل لأنه تفسير لحال النخل. والقراءة بالخفض «4» ولو كَانَ رفعًا كَانَ صوابًا. تريد: منه صنوان ومنه غير صنوان. والصّنوان النّخلات يكون
__________
(1) الآيتان 146، 147 سورة البقرة.
(2) سبق هذا الشعر فى ص 105 من الجزء الأول.
(3) الآية 45 سورة النجم.
(4) قرأ بالرفع ابن كثير وأبو عمرو وحفص ويعقوب. وقرأ بالخفض غيرهم، كما فى الإتحاف.(2/58)
وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلَاتُ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ (6)
أصْلُهنَّ واحدًا. وجاء فِي الحديث عَن النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنّ عَمّ الرجل صِنْو أبيه ثُمَّ قَالَ: (تُسْقَى بِماءٍ واحِدٍ) و (يُسْقى) «1» فمن قَالَ بالتاء ذهبَ إلى تأنيث الزروع والجِنَّات والنخل. ومن ذكَّر ذهبَ إلى النبت: ذَلِكَ كله يسقى بِماء واحدٍ، كله مختلف: حامض وحلو.
ففي هذه آية.
وقوله: وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلاتُ [6] يقول: يستعجلونك بالعذاب وهم آمنون لَهُ، وهم يرونَ العقوبات المثُلات فِي غيرهم مِمّن قد مضى.
هي الْمَثُلَات وتَميم تَقُولُ: الْمُثْلات، وكذلك قوله: (وَآتُوا «2» النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ) حجازية. وتَمِيم:
صُدْقَات، واحدها «3» صُدْقَة. قَالَ الفراء: وأهل الحجاز يقولون: أعطها صدقتها، وتميم نقول:
أعطها صُدْقتها فِي لغة تَميم.
وقوله: إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ [7] قَالَ بعضهم: نبيّ. وقال بعضهم: لكل قومٍ هادٍ يَتَّبِعُونَهُ، إِمَّا بِحقٍ أَو بباطل.
وقوله: وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ وَما تَزْدادُ [8] (تَغِيضُ) يقول: فما تنقص من التسعة الأشهر التي هي وقت الحمل (وَما تَزْدادُ) أي تزيد على التسعة أو لا ترى أن العرب تَقُولُ: غاضت المياهُ أي نقصت. وَفِي الحديث «4» : إذا كَانَ الشتاء قيظًا، وَالْوَلَدُ غيظًا، وغاضت الكرامُ غَيْضًا وفاضت اللئامُ فيضًا. فقد تبيّن النقصانُ فِي الغيض.
وقوله: سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ [10] . (من) و (من) فى موضع
__________
(1) هذه قراءة ابن عامر وعاصم ويعقوب.
(2) الآية 4 سورة النساء.
(3) كذا. والأولى: «واحدتها»
(4) هذا الحديث فى أشراط الساعة.(2/59)
رفع، الذي رفعهما جميعا سواء، ومعناهما: أن من أسرَّ القولَ أو جهر بِهِ فهو يعلمه، وكذلك قوله:
(وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسارِبٌ بِالنَّهارِ) أي ظَاهِرٌ بالنهار. يقول: هُوَ يعلمُ الظاهِر والسر وكلٌّ عنده سواء.
وقوله: لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ [11] المعقِّبَات: الملائكة، ملائكة الليل تُعَقِّب ملائكة النَّهار «1» يحفظونه. والمعقِّبَات: ذُكران إِلَّا أَنَّهُ جميع جَمع ملائكة معقبَّة، ثُمَّ جُمِعَتْ معقبَّة، كما قَالَ: أبناوات سَعْدٍ «2» ، ورجالات جَمع رجال.
ثُمَّ قَالَ عزّ وجلّ (يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ) فرجع إلى التذكير الَّذِي أخبرتك وهو المعنى.
والمعقِّبَات من أمر الله عَزَّ وَجَلَّ يَحفظونه، وليس يُحفظ من أمره إنَّما هُوَ تقديم وتأخير والله أعلم، ويكون (يَحْفَظُونَهُ) ذَلِكَ الحفظ من أمر الله وبأمره وبإذنه عَزَّ وَجَلَّ كما تَقُولُ للرجل: أجيئك مِنْ دعائك إِيَّاي وبدعائك إيَّاي وَاللَّهُ أعلم بصواب ذَلِكَ.
وقوله: هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً: [12] خوفًا على المسافر وطمعًا للحاضر.
وقوله: (وَيُنْشِئُ السَّحابَ الثِّقالَ) السحاب وإن كَانَ لفظه واحدًا فإنه جمع، واحدته سَحَابة. جُعل نعته على الجمع كقوله (مُتَّكِئِينَ «3» عَلى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسانٍ) ولم يقل:
أَخضر، ولا حسن، ولا الثقيل، للسحاب. ولو أتى بشيء من ذَلِكَ كَانَ صوابًا كقوله: (جَعَلَ لَكُمْ «4» مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ) فإذا كَانَ نعت شيء من ذا يرجع إلى صغر أو كبر لَمْ تقله إلَّا على تأويل الجمع. فمن ذَلِكَ أن تَقُولُ: هذا تمر طيّب، ولا تقول تمر
__________
(1) بعده فى اللسان فى سوق عبارة الفراء: «وملائكة النهار تعقب ملائكة الليل» .
(2) اسم لأكثر من قبيلة فى العرب، منهم سعد تميم وسعد قيس وسعد هذيل، كما فى القاموس.
(3) الآية 76 سورة الرحمن.
(4) الآية 80 سورة يس. [.....](2/60)
لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ (14)
صغير ولا كبير من قبل أن الطيب عامٌّ فِيهِ، فوحِّد، وأن الصغر والكبر والطول والقِصَر فِي كل تَمرة على حدتها.
قوله: لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ: [14] لا إله إلا الله (وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ) يعني الأصنام لا تُجيبُ داعيها بشيء إلا كما ينال الظمآن المشرف على ماء لَيْسَ معه ما يستقي بِهِ. وَذَلِكَ قوله عَزَّ وجلّ:
(إِلَّا كَباسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْماءِ) ثُمَّ بَيَّن الله عَزَّ وَجَلَّ ذَلِكَ فقال: (لِيَبْلُغَ فاهُ وَما هُوَ بِبالِغِهِ) .
وقوله: وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً: [15] فيقالُ: مَنِ الساجد طوعًا وكرهًا من أهل السموات والأرض؟ فالملائكةُ «1» تسجدُ طوعًا، ومن دخل فِي الإسلام رغبة فِيهِ أو وُلِد عَلَيْهِ من أهل الأرض فهو أيضًا طائع. ومن أُكْرِه على الإسلام فهو يسجدُ كَرْهًا (وَظِلالُهُمْ) يقول: كل شخصٍ فظِلّه بالغداة والعشي يسجد معه. لأن الظلّ يَفِيء بالعَشيّ فيصير فَيْئًا يسجد.
وهو كقوله: (عَنِ الْيَمِينِ «2» وَالشَّمائِلِ) فِي المعنى والله أعلم. فمعنى الجمع والواحد سواء.
قوله: أَمْ هَلْ تَسْتَوِي «3» الظُّلُماتُ وَالنُّورُ [16] : ويقرأ (أَمْ هَلْ يَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ) وتقرأ (تَسْتَوِي) بالتاء. وهو قوله: (وَأَخَذَ الَّذِينَ «4» ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ) وَفِي موضع آخر:
(وَأَخَذَتِ «5» ) .
وقوله: أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها [17] :
ضربه مثلًا للقرآن إذا نَزَلَ عليهم لقوله: (فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها) يقول قبلته القلوب بأقدارها وأهوائها.
__________
(1) هذا شروع فى الجواب.
(2) الآية 48 سورة النحل.
(3) هى قراءة أبى بكر وحمزة والكسائي وخلف.
(4) الآية 67 سورة هود.
(5) فى الآية 94 سورة هود.(2/61)
جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ (23)
وقوله: (فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً) يذهب لا منفعة له، كذلك ما سكن فِي قلب من لَمْ يؤمن وعبد آلهته وصارَ لا شيء فِي يده (وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ) فهذا مَثَلُ المؤمن.
ثُمَّ قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: (وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ) من الذهب والفضة والنُّحاس زَبَد كزَبَد السيل يعني خَبثه الَّذِي تُحصّله النار فتخرجه من الذهب والفضَّة بِمنزلة الزَّبَدِ فِي السيل.
وأمَّا قوله: (ابْتِغاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتاعٍ) يقول: يوقدونَ عَلَيْهِ فِي النار يبتغونَ بِهِ الْحُلِيَّ والمتاع ما يكون من النحاس والحديد هو زبد مثله.
وقوله: (فَيَذْهَبُ جُفاءً) ممدود أصله الْهَمْز يقول: جَفأ الوادي غُثَاءه «1» جَفْئا. وقيل: الجفاء:
كما قيل: الْغُثَاء: وكل مصدر اجتمع بعضه إلى بعض مثل الْقُماش «2» والدُّقاق «3» والغُثَاء والحُطَام فهو مصدر. ويكون فِي مذهب اسم على هذا المعنى كما كَانَ العطاء اسمًا على الإعطاء، فكذلك الْجُفَاءُ والقماش لو أردت مصدره قلت: قمشته قمشًا. والجُفَاء أي يذهب سريعًا كما جاء.
وقوله: وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ [23] سَلامٌ عَلَيْكُمْ [24] .
يقولون: سَلام عليكم. القول مضمر كقوله: (وَلَوْ تَرى إِذِ الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ «4» عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنا [27] أي يقولون: ربنا ثُمَّ تركت
وقوله: اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ [27] .
أي يوسع وَيَقْدِر (أي «5» يَقْدِر ويقَتِّر) ويُقال يبسط الرزق لِمن يشاء ويقدر لَهُ فِي ذلك أي
__________
(1) الغثاء ما يحمله السيل من ورق الشجر البالي والزبد وغيره وجف الوادي له: رميه إياه.
(2) القماش: ما يجمع من هنا وهناك.
(3) الدقاق: فتات كل شىء.
(4) الآية 12 سورة السجدة.
(5) سقط ما بين القوسين فى ا.(2/62)
الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ (29)
يخير «1» لَهُ. قَالَ ابن عباس: إن الله عَزَّ وَجَلَّ خلق الخلق وهو بِهم عالِم، فجعل الغنى لبعضهم صلاحا والفقر لبعضهم صلاحا، فذلك الخيارُ للفريقين.
وقوله: طُوبى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ [29] رفع «2» . وَعَلَيْهِ القراءة. ولو نصب طُوبى والحسن كَانَ صَوَابًا كما تَقُولُ العرب: الحمدُ لله والحمدَ لِلَّهِ. وطوبى وإن كانت اسمًا فالنصبُ يأخذها كما يُقال فِي السبّ: الترابُ لَهُ والترابَ لَهُ. والرفع فِي الأسماء الموضوعة أجود من النصب.
وقوله: وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ [31] لَمْ يأت «3» بعده جواب لِلَوْ فإن «4» شئت جعلت جوابها متقدّما: وهم يكفرون- 86 ب ولو أنزلنا عليهم الَّذِي سألوا. وإن شئت كَانَ جوابه متروكًا لأن أمره معلوم: والعربُ تَحذف جواب الشيء إذا كَانَ معلومًا إرادةَ الإيجاز، كما قال الشاعر:
وأقسم لو شَيْء أتانا رَسولُه ... سواكَ ولكن لَمْ نَجد لك مَدْفَعا
وقوله: (بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا) قَالَ المفسرونَ: ييأس: يعلم. وهو فِي المعنى على تفسيرهم لأن الله قد أوقع إلى المؤمنين أَنَّهُ لو يشاء الله لَهَدى الناس جَميعًا فقال: أفلم ييأسوا عِلْمًا. يقول: يؤيسهم العلم، فكان فيهم «5» العلم مضمرًا كما تَقُولُ فِي الكلام: قد يئست منك ألا تفلح علما كأنك قلت: علمته علما.
__________
(1) يقال: خار الله لك فى الأمر: جعل لك الخير فيه.
(2) أنظر كتاب سيبويه 1/ 166.
(3) ا: «فلم» .
(4) سبق له هذا فى تفسير قوله تعالى فى سورة هود: «أفمن كان على بينه من ربه ... » [.....]
(5) فى عبارة الطبري: «فيه» وكذا فى اللسان (يأس) .(2/63)
أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ أَمْ بِظَاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (33)
وقال الْكَلْبِيِّ عَن أَبِي صالِح عَن ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: ييأس فِي معنى يعلم لغة للنَخَع. قَالَ الفراء: ولم نَجدها فِي العربية إلا على ما فسّرت. وقول الشاعر «1» :
حَتَّى إِذَا يئسَ الرماة وَأَرْسَلُوا ... غُضْفًا دواجِنَ قافِلًا أعصامها
معناهُ حَتَّى إذا يئسوا من كل شيء مما يُمكن إلا الَّذِي ظهرَ لَهُم أرسلوا. فهو معنى حتى إذا علمُوا أن لَيْسَ وجه إلا الَّذِي رأوْا أرسلوا. كَانَ ما وراءه يأسًا.
وقوله: (وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِما صَنَعُوا قارِعَةٌ) القارعة: السريّة من السرايا (أَوْ تَحُلُّ) أنت يا مُحَمَّد بعسكرك (قَرِيباً مِنْ دارِهِمْ) .
وقوله: أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ [33] . ترك جوابه ولم يقل: ككذا وكذا لأن المعنى مَعلوم. وقد بيّنه ما بعده إذ قال: (وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ) كأنه فِي المعنى قَالَ:
كشركائِهم الَّذِينَ اتخذوهم، ومثله قول الشاعر:
تَخَيَّرِي خُيِّرت أُمَّ عالِ ... بين قصير شَبْرُه تِنْبَالِ «2»
أذاكِ أم منخرق «3» السربال ... ولا يزال آخر الليالي
مُتلِفَ مال ومفيدَ مال تخّيري بين كذا وبين منخرق السربال. فلمّا أن «4» أتى بِهِ فِي الذكر كفى من إعادة الإعراب «5» عليه.
__________
(1) هو لبيد فى معلقته والبيت فى وصف كلاب الصيد والغضف كلاب الصيد لغضف آذانهن وهو إقبالها على القفا.
و «دواجن» ألفن البيوت. و «قافلا» يابسا. والأعصام القلائد.
(2) الشير: القد والقامة. والتنبال: القصير.
(3) منخرق السربال كأنه كناية عمن يشتغل فى خدمة أهله، فينخرق سرياله، والسربال الثوب والقميص
(4) سقط فى ا.
(5) أي البيان والتصريح بما هو معلوم(2/64)
مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ (35)
وقوله: (فِي الْأَرْضِ أَمْ بِظاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ) باطل «1» المعنى، أي أَنَّهُ ظاهر فِي القول باطل المعنى.
ويقرأ: (وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ) وبعضهم (وَصَدُّوا) يجعلهم «2» فاعلين.
وقوله: مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ [35] يقول: صفات الجنة. قَالَ الْفَرَّاءُ: وَحَدَّثَنِي بَعْضُ الْمَشْيَخَةِ عَنِ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ أَنَّ عَلِيًّا قَرَأَهَا: (أَمْثَالُ الْجَنَّةِ) قَالَ الْفَرَّاءُ أَظُنُّ دُونَ «3» أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ رَجُلا قَالَ: وَجَاءَ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ ذَلِكَ وَالْجَمَاعَةُ عَلَى كِتَابِ الْمُصْحَفِ.
وقوله: (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) هُوَ الرافع. وإِن شئت للمَثَل الأمثال فِي المعنى كقولك:
حِلْية فلان أسمر وكذا وكذا. فليس الأسمر بِمرفوع بالحلية، إنَّما هُوَ ابتداء أي هُوَ أحمر أسمر، هُوَ كذا.
ولو دخل فِي مِثْل هذا أنّ كَانَ صوابًا. ومثله فِي الكلام مَثَلك أنك كذا وأنك كذا. وقوله:
(فَلْيَنْظُرِ «4» الْإِنْسانُ إِلى طَعامِهِ أَنَّا) من وَجْه (مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) ومن قال (أَنَّا صَبَبْنَا «5» الْماءَ) بالفتح أظهر «6» الاسم لأنه مردودٌ على الطعام بالخفض أو مستأنف أي طعامُه أنا صَببنا ثم فعلنا.
وقوله لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ [38] جاء التفسير: لكل كتاب أجل. ومثله (وَجاءَتْ «7» سَكْرَةُ
__________
(1) فى الأصول: «باطن» والتصويب من تفسير الطبري.
(2) القراءة الأولى لعاصم وحمزة والكسائي وخلف، والأخرى لغيرهم.
(3) أي سقط فى الإسناد رجل بين الكلبي والسلمى.
(4) الآيتان 24، 25 سورة عبس. وكسر (إنا) قراءة غير عاصم وحمزة والكسائي وخلف، والفتح قراءة هؤلاء كما فى الإتحاف.
(5) الآيتان 24، 25 سورة عبس. وكسر (إنا) قراءة غير عاصم وحمزة والكسائي وخلف، والفتح قراءة هؤلاء كما فى الإتحاف.
(6) كذا فى ا. وفى ش: «أضمر» .
(7) الآية 19 سورة ق.(2/65)
الْمَوْتِ بِالْحَقِّ) وَذَلِكَ عَنْ أبي بكر الصديق رَحِمَهُ الله: (وجاءت سكرة الموت بالحقّ) لأن الحقّ 87 اأتى بِهَا وتأتي بِهِ. فكذلك تَقُولُ: لكلِّ أجلٍ مؤجل ولكل مؤجَّل أجل والمعنى واحد والله أعلم.
قوله: يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ [39] (وَيُثَبِّتُ) مشدّد قراءة أصحاب عبد الله وتقرأ و (يُثْبِتُ «1» ) خفيف. ومعنى تفسيرها أَنَّهُ- عَزَّ وَجَلَّ- تُرفع إِلَيْهِ أعمال العبد صغيرها وكبيرها، فيثبت ما كَانَ فِيه عقاب أو ثواب ويَمْحو ما سوى ذَلِكَ.
وقوله: وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ [40] وأنت حىّ.
(أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ) يكون بعد موتك (فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسابُ) .
وقوله: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها [41] جاء: أو لَمْ ير أهل مكة أنا نفتحُ لك «2» ما حولَها. فذلك قوله (نَنْقُصُها) أي أفلا يَخافونَ أن تنالَهم. وقيل (نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها) بموت العلماء.
وقوله: (لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ) يقول: لا رادّ لِحُكْمِهِ إذا حَكَم شيئًا «3» والمعقب الَّذِي يَكُرّ على الشيء. وقول لبيد:
حَتَّى تهجَّر فِي الرَّوَاحِ وَهَاجَهُ ... طلبُ المعقِّب حَقَّهُ المظلومُ «4»
من ذَلِكَ لأن (المعقِّب صاحب الدين يرجع على صاحبه فيأخذه منه، أو من أُخِذَ منه شيء فهو راجع ليأخذه.
__________
(1) هذه قراءة ابن كثير وأبى عمرو وعاصم ويعقوب. [.....]
(2) ا: «عليك» .
(3) شىء: «بيننا» .
(4) هذا من شعره فى وصف الحمار الوحشي وأتانه، يبحث معها عن أرض يستطيبها. والتهجر: السير فى الهاجرة وهى شدة الحر يذكر أنه أثاره على السير طلب ما يرعاه، وقد أجدبت الأماكن التي كان يرتادها فكأنما أصابه ظلم فى ذلك فهو يدفعه بطلب المرعى فى موضع آخر فهو يغذ السير ولا يبالى الهاجرة.(2/66)
الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (1)
وقوله: وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ [42] على الجمع «1» وأهل المدينة (الكافِر) .
وقوله: وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ [43] يُقال عبد الله بن سَلَام. وَ (مِنْ عِنْدِه «2» ) خفض مردود على الله عَزَّ وَجَلَّ. حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: وَحَدَّثَنِي شَيْخٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ رَفَعَهُ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ لَمَّا جَاءَ يُسْلِمُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَتْلُو (وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ) حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ وَحَدَّثَنِي شَيْخٌ عَنْ رَجُلٍ عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ (وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الكتاب) وَيَقْرَأُ (وَمِنْ عِنْدِهِ عِلْمُ الْكِتَابِ) بِكَسْرِ الْمِيمِ من (من) .
ومن سورة إبراهيم
قَوْل الله عَزَّ وَجَلَّ: إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ [1] اللَّهِ الَّذِي [2] .
يُخْفض فِي الإعراب ويُرْفع «3» . الخفضُ على أن تُتبعه (الْحَمِيدِ) والرّفع عَلَى الاستئناف لانفصاله من الآية كقوله عَزَّ وَجَلَّ (إِنَّ «4» اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ) إلى آخر الآية، ثم قال (التَّائِبُونَ «5» ) وفى قراءة عبد الله (التائِبينَ) كل ذَلِكَ صواب.
وقوله: وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ [4] .
يقول: ليفهمهم وتلزمَهم الْحُجَّة. ثُمَّ قَالَ عَزَّ وجلّ (فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشاءُ) فرفع لأن النيّة فِيهِ الاستئنَاف لا العطف عَلَى مَا قَبْلَه. ومثله (لِنُبَيِّنَ «6» لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحامِ مَا نَشاءُ) ومثله
__________
(1) هى قراءة ابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي وخلف.
(2) هى قراءة الحسن والمطوعى، كما فى الإتحاف.
(3) الرفع قراءة نافع وابن عامر وأبى جعفر. والخفض قراءة غيرهم.
(4) الآية 111 سورة التوبة.
(5) فى الآية 112 سورة التوبة.
(6) الآية 5 سورة الحج.(2/67)
فى براءة (قاتِلُوهُمْ «1» يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ) ثم قال (وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلى مَنْ يَشاءُ) فإذا رأيت الفعل منصوبًا وبعده فعل قد نُسِقَ عَلَيْهِ بواو أو فاء أو ثُمَّ أو أوْ فإن كَانَ يشاكل معنى الفعل الذي قبله نسقته عليه. وإن رأيته غير مشاكِل لمعناهُ استأنفته فرفعته.
فمن المنقطع ما أخبرتُكَ بِهِ. ومنه قول الله عَزَّ وَجَلَّ (وَاللَّهُ «2» يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَواتِ) رفعت (وَيُرِيدُ الَّذِينَ) لأنها لا تشاكل (أَنْ يَتُوبَ) ألا ترى أَنَّ ضمّك إيَّاهُمَا لا يَجوز، فاستأنفت أو رددته عَلَى قوله (وَاللَّهُ يُرِيدُ) ومثله (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ «3» ) فيأبَى فِي موضع رفع لا يَجوز إلا ذَلِكَ.
ومثله قوله:
والشعر لا يَسْطيعُه من يظلمه ... يريد أن يعربه فيُعجِمُه «4»
وكذلك تَقُولُ: آتيك أن تأتيني وأكرمك فتردّ (أكرمكَ) عَلَى الفعل الأول لأنه مُشاكل لَهُ وتقول آتيك أن تأتِيَني وتحسنَ إليّ فتجعل (وتحسن) مردودًا عَلَى ما شاكلها ويُقاس عَلَى هذا.
وقوله: وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ [5] .
يقول: خوّفهم بأيَّام عادٍ وثَمُود وأشباههم بالعذاب وبالعفو عَن آخرين. وهو فِي المعنى كقولك:
خذهم بالشدّة واللين.
وقوله هاهنا: وَيُذَبِّحُونَ [6] وفى موضع آخر (يذبحون «5» ) بغير واو وفى موضع آخر
__________
(1) الآية 14 من سورة التوبة.
(2) الآية 27 سورة النساء.
(3) الآية 32 سورة التوبة.
(4) هذا من رجز ينسب إلى الحطيئة قاله حين احتضاره. وانظر الخزانة فى الشاهد 149.
(5) الآية 49 سورة البقرة. [.....](2/68)
أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَقَالُوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (9)
(يقتلون «1» ) بغير واو. فمعنى الواو أنَّهم يَمسُّهم العذابُ غير التذبيح كأنه قَالَ: يعذبونكم بغير الذبح وبالذبح. ومعنى طرح الواو كأنه تفسير لصفات العذاب. وإذا كَانَ الخبر من العذاب أو الثواب مُجْمَلًا فِي كلمة ثُمَّ فسرته فاجعله بغير الواو. وإذا كَانَ أوّله غير آخره فبالواو. فمن المجمل قول الله عَزَّ وَجَلَّ (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ «2» يَلْقَ أَثاماً) فالأثام فِيهِ نيّة العذاب قليله وكثيره. ثُمَّ فسَّره بغير الواو فقال (يُضاعَفْ «3» لَهُ الْعَذابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ) ولو كَانَ غير مُجمل لَمْ يكن ما لَيْسَ بِهِ تفسيرًا لَهُ، ألا ترى أنك تَقُولُ عندي دابتَّان بغلٌ وبِرْذَوْن ولا يَجوز عندي دابتَّان وبغل وبِرذَوْنٌ وأنت تريدُ تفسير الدَّابتين بالبغل والبِرذون، ففي هَذَا كفاية عَمَّا نترك من ذَلِكَ فقس عَلَيْهِ.
وقوله (وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ) يقول: فِيما كَانَ يَصْنعُ بكم فرعونُ مِنْ أصْنَافِ الْعَذَابِ بلاء عظيم من الْبَليَّة. ويُقال: فى ذلكم نعم من ربّكم عظيمة إذ أنجاكم منها. والبَلاء قد يكون نعمًا، وعذابًا. ألا ترى أنك تَقُولُ: إن فلانًا لحسن البلاء عندك تريدُ الإنعام عليك.
وقوله: وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ [7] معناهُ: أعلم ربّكم ورُبَّما قالت العرب فِي معنى أفعلت تفعَّلت فهذا من ذَلِكَ والله أعلم. ومثله: أوعدني وتوعَّدني وهو كَثِير.
وقوله فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ [9] جاء فيها أقاويل. حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ:
حَدَّثَنِي حِبَّانُ عَنِ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانُوا إِذَا جَاءَهُمُ الرَّسُولُ قَالُوا لَهُ:
اسْكُتْ وَأَشَارُوا بِأَصَابِعِهِمْ إِلَى أَفْوَاهِ أَنْفُسِهِمْ كَمَا تُسَكِّتُ أَنْتَ- قَالَ: وأشار لنا الفراء بأصبعه السبابة عَلَى فِيهِ- ردًّا عليهم وتكذيبًا. وقال بعضهم: كانوا يكذّبونهم ويردّونَ القول بأيديهم إلى أفواهِ الرسل وأشار لنا الفراء هكذا بظهر كفه إلى من يُخاطبه. قَالَ: وأرانا ابن عبد الله الإشارة فى الوجهين (وأرانا «4» الشيخ ابن العباس بالإشارة بالوجهين) وقال بعضهم: فردّوا
__________
(1) الآية 141 سورة الأعراف.
(2) الآية 68 سورة الفرقان.
(3) الآية 69 سورة الفرقان.
(4) سقط ما بين القوسين فى ا(2/69)
وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ (13)
أيديهم فى أفواههم يقول رَدُّوا ما لو قبلوه لكان نِعَمًا وأيادي من الله فِي أفواههم، يقول بأفواههم أي بألسنتهم. وقد وجدنا من العرب من يجعل (فِي) موضع الباء فيقول: أدخلك الله بالجنَّة يريد:
فِي الجنة. قَالَ: وأنشدني بعضهم:
وأرغب فيها عَن لَقِيطٍ ورَهْطه ... ولكنني عَن سِنْبِس لستُ أرغبُ
فقال: أرغب فيها يعني بنتا له. أي إنى أرغبُ بِهَا عَن لقيط «1» .
وقوله: وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا [13] قال (أَوْ لَتَعُودُنَّ) فجعل فيها لا ما كجواب اليمين وهي فِي «2» معنى شرط، مثله من الكلام أن تَقُولَ: والله لأضربنّك أو تُقِرَّ لي: فيكون معناهُ معنى حَتَّى أو إلا، إِلَّا أنَّها جاءت بِحرف نَسَق. فمن العرب من يَجعل الشرط مُتْبعًا للذي قبله، إن كانت فِي الأول لام كَانَ فِي الثاني لام، وإن كَانَ الأول منصوبًا أو مجزومًا نَسَقوا عَلَيْهِ كقوله: (أَوْ لَتَعُودُنَّ) ومن العرب من ينصب ما بعد أوْ ليُؤذن نصبُه بالانقطاع عمّا قبله. وقال الشاعر «3» :
لَتقعُدِنَّ مَقعدَ الْقَصِيِّ ... مِنِّي ذي القاذُورة الْمَقْلِيّ
أَوْ تحلفي بربِّك العليِّ ... أَنِّي أَبُو ذيَّالِكِ الصبيّ
فنصب (تحلفي) لأنه أراد: أن تحلفي. ولو قال أو لتحلفنّ كَانَ صوابًا ومثله قول امرئ القيس:
بكى صاحبي لَمَّا رأى الدرب دونه ... وأيقنَ أنّا لاحقان بقيصرا «4»
__________
(1) فى الطبري بعده: «ولا أرغب بها عن قبيلتى» فأفاد أن الشاعر من سنبص. وسنبس حى من طىء.
(2) سقط فى ا.
(3) هو بعض العرب، قدم من سفر فوجد امرأته قد ولدت غلاما فانكره. وانظر اللسان (ذا) فى حرف الألف اللينة فى أواخر الجزء العشرين وفى ب: «ليقعدن» .
(4) من قصيدة له قالها حين ذهب إلى قيصر. وانظر الديوان ص 65 وما بعدها.(2/70)
يَتَجَرَّعُهُ وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ (17)
فقلت له لا تبك عينك إما ... نُحاولُ مُلْكًا أَوْ نَموتَ فَنُعْذرا
فنصب آخره ورفع (نُحاول) عَلَى معنى إِلا أو حَتَّى. وَفِي إحدى القراءتين: (تُقَاتِلُونَهُمْ «1» أَوْ يُسْلِمُوا) والمعنى- والله أعلم- تقاتلونَهم حَتَّى يُسلموا. وقال الشاعر «2» :
لا أستطيعُ نُزوعًا عَن مودّتها ... أَوْ يصنعَ الحبُّ بي غير الَّذِي صَنَعا
وأنت قائل فِي الكلام: لست لأبي إن لَمْ أقتلك أو تسبقَْني فِي الأرض فتنصب (تسبقني) وتجزمها. كأنّ الجزم فِي جوازه: لستُ لأبي إن لَمْ يَكن أحدُ هذين، والنصبُ عَلَى أنّ آخره منقطع عَن أوله كما قالوا: لا يسعُني شيء ويَضيقَ عنك، فلم يَصْلُح أن تردّ (لا) عَلَى (ويضيق) فعلم أنها منقطعة من معناها. كذلك قولُ العرب: لو تُرِكْتَ وَالأسَدَ لأكلك لَمَّا جاءت الواو ترُدُّ اسمًا عَلَى اسم قبله، وقبح أن تردّ الفعل الَّذِي رَفَع الأوّل عَلَى الثاني نصب ألا ترى أنك لا تَقُولُ لو تُركت وتُرك الأسدُ لأكلك. فمِن هاهنا أتاهُ النصب. وجاز الرفع لأن الواو حرف نَسَق معروف فجاز فِيهِ الوجهان للعلتين.
وقوله: ذلِكَ لِمَنْ خافَ مَقامِي [14] معناهُ: ذَلِكَ لمن خاف مقامه بين يَدَيّ ومثله قوله:
(وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ «3» ) معناهُ: رزقي إِيَّاكُم أنكم تكذِّبُون والعرب تُضيف أفعالها إلى أنفسها وإلى ما أوقعت عَلَيْهِ، فيقولون: قد ندمت عَلَى ضربي إيّاك وندمت عَلَى ضربك فهذا من ذَلِكَ وَاللَّهُ أعلم.
وقوله: وَلا يَكادُ يُسِيغُهُ [17] فهو يُسيغه. والعربُ قد تجعل (لا يَكادُ) فيما قد فُعل وفيما لَمْ يُفعل. فأمَّا ما قد فُعِل فهو بَيّن هنا من ذَلِكَ لأن الله عَزَّ وَجَلَّ يقول لَمَّا جعله لهم طعاما
__________
(1) الآية 16 سورة الفتح. وهذه القراءة فى قراءة أبى وزيد بن على كما فى البحر 8/ 94. وهى من القراءات الشاذة.
(2) هو الأحوص.
(3) الآية 82 سورة الواقعة.(2/71)
(إِنَّ «1» شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعامُ الْأَثِيمِ كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ) فهذا أيضًا عذاب فِي بطونِهم يُسيغونه. وأَمَّا ما دخلت فِيهِ (كاد) ولم يفعل فقولك فِي الكلام: ما أتيته ولا كدِتُ، وقول الله عَزَّ وَجَلَّ فِي النور (إِذا «2» أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها) فهذا عندنا- والله أعلم- أَنَّهُ لا يراها. وقد قَالَ ذَلِكَ بعضُ الفقهاء لأنَّها لا تُرى فيما هُوَ دون هَذَا من الظلمات، وكيفَ بِظلمات قد وُصفت بأشدّ الوصف.
وقوله: ويأتيه الموت من كلّ مكان: حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ: قَالَ: حَدَّثَنِي حِبَّانُ عَنِ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: (يأتيه الموت) يَعْنِي: يَأْتِيهِ الْعَذَابُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ وَعَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ. حَدَّثَنِي هشيم عَن العوام بن حوشب عَن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ قَالَ: من كل شَعَرة.
وقوله: (وَما هُوَ بِمَيِّتٍ) العربُ إذا كَانَ الشيء قد مات قالوا: ميْت وميِّت. فإن قالوا:
هُوَ ميت إن ضربته قالوا: مائت وميّت. وقد قرأ بعضُ القراء (إِنَّكَ «3» مَائِتٌ وَإِنَّهُمْ مَائِتُون) وقراءة العوام عَلَى (ميّت) . وكذلك يقولون هَذَا سيّد قومه وما هُوَ بسائدهم عَن قليل، فيقولون:
بسائدهم وسيّدهم، وكذلك يفعلونَ فِي كل نعت مثل طمع، يقال: طَمِعٌ إذا وُصف بالطمع، ويُقال هُوَ طامع أن «4» يُصيب منك خيرًا، ويقولون: هُوَ سكران إذا كَانَ فِي سكره، وما هُوَ ساكر عَن كثرة الشراب، وهو كريم إذا كَانَ موصوفًا بالكرم، فإن نويت كَرَمًا يكون منه فيما يُستقبل قلت: كارم.
وقوله: مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ [18] .
أضافَ الْمَثَلَ إليهم ثُمَّ قَالَ (أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ) والمثل للأعمال والعرب تفعل
__________
(1) الآيات 43- 45 سورة الدخان
(2) الآية 40 سورة النور
(3) فى الآية 30 سورة الزمر. وهذه القراءة قراءة الحسن وابن محيصن، كما فى الإتحاف [.....]
(4) ا: «إذ»(2/72)
ذَلِكَ: قَالَ الله عَزَّ وَجَلَّ (وَيَوْمَ «1» الْقِيامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ) والمعنى تَرَى وجوهَهم مسودّة. وَذَلِكَ عربيّ لأنَّهم يَجدونَ المعنى فِي آخر الكلمة فلا يبالونَ ما وقع عَلَى الاسم المبتدأ. وَفِيهِ أن تكرَّ ما وقع عَلَى الاسم المبتدأ عَلَى الثاني كقوله (لَجَعَلْنا لِمَنْ «2» يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً) فأعِيدَت اللام فِي البيوت لأنَّها التي تُرادُ بالسقف ولو خفضت ولم تظهر اللام كَانَ صوابا كما قال الله عز وجل (يَسْئَلُونَكَ «3» عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ) .
فلو خفض قارئ الأعمال فقال (أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ) كَانَ جائزًا ولم أسمعه في القراءة. وقد أنشدني بعضهم:
ما للجمَالِ مَشْيِهَا وئيدًا ... أجندلًا يحملن أَمْ حديدًا «4»
أرادَ ما للجمال ما لمشيها وئيدًا. وقال الآخر «5» :
ذرِيني إِن أمركِ لن يُطاعا ... وما ألفيتني حِلْمِي مُضَاعَا
فالحلمُ منصوبٌ بالإلقاء عَلَى التكرير ولو رفعته كَانَ صَوَابًا.
وقال (فِي يَوْمٍ عاصِفٍ) فجعل العصوف تابعًا لليوم فِي إعرابه، وإنَّما العصُوف للريح. وَذَلِكَ جائز عَلَى جهتين، إحداهما أن العصوفَ وإن كَانَ للريح فإن اليوم يوصف بِهِ لأن الريح فِيهِ تكون، فجاز أن تَقُولَ يوم عاصف كما تَقُولُ: يوم بارد ويوم حار. وقد أنشدني بعضهم:
يومين غيمين ويوما شمسا
__________
(1) الآية 60 سورة الزمر
(2) الآية 33 سورة الزخرف
(3) الآية 217 سورة البقرة
(4) من رجز للزباء فى قصة لها. ووئيدا: له صوت شديد يريد شدة وطئها الأرض من ثقل ما تحمله فيسمع لوقعها صوت. وانظر شواهد العيني على هامش الخزانة 2/ 448.
(5) هو عدى بن زيد العبادي، كما فى شواهد العيني فى البدل.(2/73)
فوصف اليومين بالغيمين وإنَّما يكون الغيم فيهما. والوجه الآخر أن يريد فِي يوم عَاصِفِ الريحِ فتحذف الريح لأنَّها قد ذكرت فِي أوّل الكلمة كما قَالَ الشاعر:
فيضحكُ عرفانَ الدروع جلودُنا ... إذا جاء يوم مظلمُ الشمس كاسفُ
يريد كاسف الشمس فهذان وجهان. وإن نويت أن تجعل (عاصف) من نعت الريح خاصَّة فلما جاء بعد اليوم أتبعته إعراب اليوم وَذَلِكَ من كلام العرب أن يُتبعوا الخفض الخفض إذا أشبهه.
قَالَ الشاعر:
كأَنَّما ضربت قدّام أعينِها ... قُطْنا بِمستحصِد الأوتارِ محلوج «1»
وقال الآخر «2» :
تريكَ سُنَّة وجه غيرِ مُقرفَةٍ ... مَلْسَاءَ لَيْسَ بِهَا خال وَلَا نَدَبُ
قَالَ: سمعتُ الفراء قَالَ: قلت لأبي ثَرْوان وقد أنشدني هَذَا البيت بِخفض: كيف تَقُولُ: تريكَ سُنَّة وجه غير مقرفة؟ قَالَ: تريكَ سنّة وجه غَيْرَ مقرفة. قلت لَهُ: فأنشد فخفض (غير) فأعدتُ القول عَلَيْهِ فقال: الَّذِي تَقُولُ أنت أجود مِمّا أقول أنا وَكَانَ إنشاده عَلَى الخفض. وقال آخر «3» :
وإيَّاكم وَحَيَّةَ بطنِ وادٍ ... هَمُوزِ النابِ ليسَ لكم بِسِيّ
وَمِمَّا يرويه نحويُّونا الأوَّلون أن العرب تَقُولُ: هَذَا جُحْرُ ضَبّ خَرِبٍ. والوجهُ أن يقول:
سُنَّةَ وجه غيْرَ مقرفة، وحَيَّةَ بطنِ واد هَموزَ النابِ، وهذا جُحْرٍ ضبّ خربٌ. وقد ذكر عن
__________
(1) أراد بمستحصد الأوتار مندفا متينا. وقوله: «محلوج» من صفة (قطنا) وكان حقه النصب، ولكنه جره على المجاورة.
(2) هو ذو الرمة فى بائيته المشهورة. والسنة: الصورة. والمقرفة. التي دنت من الهجنة، وهو عيب. والندب الأثر من الجراح. وانظر الديوان 4
(3) هو الحطيئة كما فى اللسان (سوا) والهمز: العض. وسى: مساو وانظر الخصائص 3 هما 22(2/74)
وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (22)
يَحْيَى بن وثّاب أَنَّهُ قرأ (إِنَّ «1» اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) فخفض المتين وبه أَخَذَ الأعمش.
والوجه أن يرفع (المتين) أنشدني أَبُو الْجَرّاح الْعُقَيْلي:
يا صاحِ بَلِّغ ذَوِي الزوجَاتِ كُلِّهم ... أن لَيْسَ وصلٌ إذا انحلّت عُرا الذَّنْب «2»
فأتبع (كل) خفض (الزوجات) وهو منصوب لأنه نعت لذوي.
وقوله: مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَما أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ [22] أي الياء منصوبة لأن الياء من المتكلم تسكن إذا تَحرك ما قبلها وتُنصب إرادة الْهَاء «3» كما قرئ (لَكُمْ «4» دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) (ولي دين) فنصبت وجُزِمت. فإذا سَكن ما قبلها رُدّت إلى الفتح الَّذِي كَانَ لَهَا. والياء من (مُصْرِخِيّ) ساكنة والياء بعدها من المتكلم سَاكنة فحرِّكت إلى حَركة قد كانت لَهَا. فهذا مُطَّرِد فِي الكلام.
ومثله (يَا بَنِيَّ «5» إِنَّ اللَّهَ) ومثله (فَمَنْ تَبِعَ «6» هُدايَ) ومثله (مَحْيايَ «7» وَمَماتِي) .
وقد خفض الياء من قوله (بِمُصْرِخِيّ) الأعمش «8» ويحيى بن وثَّاب جَميعًا. حَدَّثَنِي القاسم بن مَعْن عَن الْأَعْمَش عَن يَحْيَى أَنَّهُ خفض الياء. قَالَ الفراء: ولعلها من وَهْم القراء طبقة يَحْيَى فإنه قل من سلم منهم من الوهم. ولعله ظَنَّ أن الباء فِي (بِمصرخي) خافضة للحرف كله، والياء من المتكلم خارجة من ذَلِكَ. ومِمّا نرى أنَّهم أوهموا فِيهِ قوله (نُوَلِّهِ «9» مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ) ظنّوا- والله
__________
(1) الآية 58 سورة الذاريات
(2) هو لأبى الغريب وهو أعرابى أدرك دولة العباسيين. وانظر الخزانة 2/ 325.
(3) أي هاء السكت كأن تقول فى غلامى: غلاميه
(4) الآية 6 سورة الكافرين. وهو يريد القراءة بالياء (دينى) وهى قراءة سلام كما فى البحر المحيط، وهى من الشواذ
(5) الآية 132 سورة البقرة [.....]
(6) الآية 38 سورة البقرة
(7) الآية 162 سورة الأنعام
(8) وقرأ به حمزة كما فى الإتحاف
(9) الآية 115 سورة النساء. وهو يريد قراءة تسكين الهاء فى (نوله) و (نصله) وهى قراءة أبى عمرو وأبى بكر وحمزة كما فى الإتحاف(2/75)
وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ (26)
أعلم- أن الجزم فِي الْهَاء وَالْهَاء فِي موضع نصب، وقد انجزم الفعل قبلها بسقوط الياء منه.
ومِمّا أوهموا فِيهِ قوله (وَمَا «1» تَنَزَّلَتْ بِهِ الشّياطونُ) وحدث مَنْدَلُ بن عَليّ الْعَنْزِيّ عَن الأعمش قَالَ: كنتُ عند إِبْرَاهِيم النَّخَعيّ وطلحة بن مُصَرِّف [يقرأ] (قَالَ «2» لِمَنْ حوله ألا تستمعون) بنصب اللام من (حوله) فقال إبراهيم: ما تزال تأتينا بحرف أشنع، إنما هي (لِمَنْ حَوْلَهُ) قال قلت: لا، إنما هي (حوله) قال: فقال إِبْرَاهِيم يا طلحة كيف تَقُولُ؟ قَالَ: كما قلتَ (لِمَنْ حَوْلَهُ) قَالَ الأعمش. قلت: لحنتما لا أجالسكما اليوم. وقد سمعت بعض العرب يُنشد:
قَالَ لَهَا هَلْ لك يا تافيّ ... قالت لَهُ مَا أنتَ بالمرضِيّ «3»
فخفض الياء من (فِيّ) فإن يك ذَلِكَ صحيحًا فهو مِمَّا يلتقي من الساكنين فيُخفض الآخر منهما، وإن كَانَ لَهُ أصل فِي الفتح: ألا ترى أنهم يقولون: لَمْ أره مُذُ اليوم ومُذِ اليوم والرفعُ فِي الذالِ هُوَ الوجه لأنه أصل حركة مُذْ والخفضُ جائز، فكذلك الياء من مصرخيّ خُفضت وَلَهَا أصل فِي النصب.
وقوله (إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ) هَذَا قول إبليس. قَالَ لَهُم: إني كنت كفرت بِما أشركتمون يعني بالله عَزَّ وَجَلَّ (مِنْ قَبْلُ) فجعل (ما) فِي مذهب ما يؤدي عَن الاسم 89 ب.
وقوله: وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ [27] رفعَت المثل بالكاف التي فِي شجرة.
ولو نصبت المثل «4» . تُريد: وضرب الله مثلَ كلمةٍ خبيثة. وهي فِي قراءة أُبَيّ (وضربَ مَثَلًا كَلِمَةً خَبِيثَةً) كشجرة خبيثة وكل صواب.
__________
(1) الآية 210 سورة الشعراء. وهذه القراءة تنسب إلى الحسن
(2) الآية 25 سورة الشعراء
(3) من أرجوزة للأغلب العجلى، وانظر الخزانة 2/ 257
(4) الجواب محذوف أي لجاز. وفى الكشاف أنها قراءة(2/76)
جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ (29)
وقوله: يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا [27] يُقال: بلا إله إلا الله فهذا فِي الدُّنْيَا. وإذا سُئِلَ عنها فِي القبر بعد موته قالَها إذا كَانَ من أهل السعادة، وإذا كَانَ من أهل الشقاوة «1» لَمْ يقلها. فذلك قوله- عَزَّ وَجَلَّ- (وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ) عنها أي عَن قول لا إله إلا الله (وَيَفْعَلُ اللَّهُ ما يَشاءُ) [29] أي لا تنكروا لَهُ قدرةً «2» ولا يُسألُ عما يفعل.
وقوله: جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها [29] منصوبة على تفسير (دارَ الْبَوارِ) فردّ عليها ولو رفعت على الائتناف إذا انفصلت من الآية كَانَ صوابًا. فيكون الرفعُ عَلَى وجهين: أحدهما الابتداء. والآخر أن ترفعها بعائِد ذِكْرها كما قَالَ (بِشَرٍّ «3» مِنْ ذلِكُمُ النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا) .
وقوله: قُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ [31] جُزِمَتْ (يُقِيمُوا) بتأويل الجزاء.
ومعناهُ- والله أعلم- معنى أمر كقولك: قل لعبد الله يذهب عنا، تريد: اذهب عنا فجُزِمَ بِنيّة الجواب للجزم، وتأويله الأمر، ولم يجزم عَلَى الحكاية. ولو كَانَ جَزمُه عَلَى مَحْض الحكاية لَجَازَ أن تَقُولَ: قلت لكَ تذهبْ يا هَذَا «4» وإِنَّما جزمَ كما جُزِمَ قوله: دَعْهُ يَنَمْ، (فَذَرُوها «5» تَأْكُلْ) والتأويل- والله أعلم- ذَروهَا فَلْتَأْكُل. ومثله (قُلْ «6» لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ) ومثله (وَقُلْ «7» لِعِبادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) .
وقوله- تبارك وتعالى-: وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ [34] تضيف (كلّ) إلى (ما) وهي قراءة العامة. وقد قرأ بعضهم «8» (وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ) وكأنَّهم ذهبوا إلى أنا لَمْ نسأل الله
__________
(1) ا: «الشقوة»
(2) ش، ب «قوة»
(3) الآية 72 سورة الحج
(4) ا: «فتى»
(5) الآية 73 سورة الأعراف، والآية 64 سورة هود
(6) الآية 14 سورة الجاثية [.....]
(7) الآية 53 سورة الإسراء
(8) هى قراءة الحسن والأعمش كما فى الإتحاف(2/77)
رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (37)
عَزَّ وَجَلَّ شمسَا ولا قمرًا ولا كثيرًا من نعمه، فقال: وآتاكم من كلٍّ ما لَمْ تسألوهُ فيكون (ما) جحدًا. والوجهُ الأول أعجبُ إليّ لأن المعنى- والله أعلم- آتاكم من كلِّ مَا سَألْتُموهُ لو سألتموه، كأنك قلت: وآتاكم كل سُؤْلكم، أَلا ترى أنك تَقُولُ للرجل لَمْ يسأل شيئًا: والله لأعطينّك سُؤْلَكَ: ما بلغته مسألتك وإن لم تسأل.
وقوله: وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ [35] أَهلُ الحجاز يقولون: جَنبني «1» ، هي خفيفة.
وأهل نَجد يقولون: أَجنبني شرَّه وجَنِّبني شرَّه. فلو قرأ «2» قارئ: (وَأَجْنِبْنِي وَبَنِيَّ) لأصابَ ولم أسمعه من قارئ.
[قوله: إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي.. [37]] وقال (إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي) ولم يأت منهم بشيء يقع عَلَيْهِ الفعل. وهو جائز: أن تَقُولَ: قد أصَبنا من بني فلان، وقتلنا من بني فلان وإن لم تقل: رجالًا، لأن (مِن) تؤدي عَن بَعض القوم كقولك: قد أصبنا من الطعام وشربنا من الماء. ومثله (أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ «3» الْماءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ) .
وقوله (تَهْوِي إِلَيْهِمْ) يقول: اجعل أَفئِدَةً من الناس تريدهم كقولك: رأيتُ فلانًا يَهْوِي نَحوك أي يريدك. وقرأ بعضُ القرّاء (تَهْوِي إِلَيْهِم) بنصب الواو، بِمعنى تهواهم كما قال (رَدِفَ «4» لَكُمْ) يريدُ ردفكم، وكما قالوا: نَقدت لَهَا مائة أي نَقدتها.
وقوله: لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ [43] رفعت الطرف بيرتد واستأنفت الأفئدة فرفعتها بِهواء كما قَالَ فِي آل عمران (وَما يَعْلَمُ «5» تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) استأنفتهم فرفعتهم بيقولون لا بيعلم.
__________
(1) سقط فى ب
(2) فى الكشاف أنه قرئ بها
(3) الآية 50 سورة الأعراف
(4) الآية 72 سورة النمل
(5) الآية 7 سورة آل عمران(2/78)
وقوله: يَأْتِيهِمُ الْعَذابُ فَيَقُولُ: [44] رفع تابع ليأتيهم وليسَ بِجواب للأمر ولو كَانَ جوابًا لَجَازَ نصبه ورفعه، كما قَالَ الشاعر «1» :
يَا ناقَ سِيرِي عَنَقًا فسِيحا ... إلى سليمان فنستريحا
والرفع على الاستئناف. والائتناف بالفاء فِي جواب الأمر حسن، وَكَانَ شيخٌ لنا يُقال لَهُ: العلاء بن سَيابة- وهو الَّذِي علم مُعَاذا الْهَرَّاء وأصحابه- يقول: لا أنصب بالفاء جَوَابًا للأمر.
وقوله: وَتَبَيَّنَ لَكُمْ [45] وأصْحَابُ عبد الله: (وَنُبَيِّنْ «2» لَكُمْ) .
وقوله: وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ [46] .
فأكثر القراء عَلَى كسر اللام ونصب الفعل من قوله (لِتَزُولَ) يريدونَ: ما «3» كانت الجبالُ لتزول من مكرهم. وقرأ عبد الله بن مسعود (وَمَا كانَ مكرُهم لتزولَ منه الجبال) حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ حَدَّثَنِي جاز لَنَا مِنَ الْقُرَّاءِ يُقَالُ لَهُ غَالِبُ بْنُ نَجِيحٍ- وَكَانَ ثِقَةً وَرِعًا- أَنَّ عَلِيًّا كَانَ يَقْرَأُ: (وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لَتَزُولُ مِنْهُ) بِنَصْبِ «4» اللامِ الأُولَى وَرَفْعِ الثَّانِيَةِ. فَمَنْ قَرَأَ:
(وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لَتَزُولُ مِنْهُ) فَعَلَى مَعْنَى قِرَاءَةِ عَلِيٍّ أَيْ مَكَرُوا مَكْرًا عَظِيمًا كَادَتِ الْجِبَالُ تَزُولُ مِنْهُ.
وقوله: فَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ [47] أضفت (مُخْلف) إلى الوعد ونصبت الرسل عَلَى التأويل «5» . وإذا كَانَ الفعل يقع عَلَى شيئين مختلفين مثل كسوتك الثوب وأدخلتك الدار فابدأ
__________
(1) هو أبو النجم العجلى. كما فى شواهد العيني وكما فى كتاب سيبويه 1/ 421
(2) أي بالجزم، وقد نسب القرطبي هذه القراءة إلى أبى عبد الرحمن السلمى. انظر تفسيره 9/ 379 والجزم بالعطف على قوله: «أو لم تكونوا» وفى البحر المحيط 5/ 436 أنه روى عنه أيضا الرفع
(3) أي أن «إن» نافية
(4) هى قراءة الكسائي
(5) جعله على التأويل إذا كان الأصل تقديمه على «وعده»(2/79)
بإضافة الفعل إلى الرجل فتقول: هُوَ كاسي عَبدِ الله ثوبًا، ومُدْخلُه الدار. ويَجوز: هُوَ كاسي الثوب عبدَ الله وَمُدْخل الدار زيدًا، جاز ذَلِكَ لأن الفعل قد يأخذ «1» الدار كأخذه عبد الله فتقول: أدخلت الدار وكسوت الثوب. ومثله قول الشاعر:
ترى الثور فيها مُدخلَ الظلِّ رأسَه ... وَسائره بادٍ إلى الشمس أجمعُ «2»
فأضافَ (مُدْخل) إلى (الظل) وَكَانَ الوجه أن يضيف (مدخل) إلى (الرأس) ومثله:
رُبّ ابن عمَّ لسُلَيمى مشمعلّ ... طبَّاخَ ساعَاتِ الكرى زاد الكسلْ «3»
ومثله:
فرِشْني بخير لا أكونَنْ ومِدْحتي ... كناحت يوم صخرةً بعَسِيل «4»
وقال آخر:
يا سارقَ الليلةِ أهلَ الدار «5»
فأضافَ سَارقًا إلى الليلة ونصب (أهل الدار) وَكَانَ بعض النحويين ينصب (الليلة) ويَخفض (أهل) فيقول: يا سارق اللَّيْلَةَ أهلِ الدار.
وكناحت يومًا صخرةٍ
__________
(1) أن يعمل وينصب
(2) يصف هاجرة ألجأت الثيران إلى كنسها، فترى الثور قد أدخل رأسه فى ظل كناسه لما يجده من شدة الحرارة وسائر جسده بارز للشمس وانظر سيبويه 1/ 92 [.....]
(3) من رجز لجبار بن جزء ابن أخى الشماخ. والمشمعل: الجاد فى الأمور الخفيف فيما يأخذ فيه. والكرى النوم. وهو يصف عمه الشماخ وسلمى امرأة الشماخ وكان ابن عمها. يمدح الشماخ بخفته فى خدمة إخوانه فهو يطبخ زاد الكسلان فى وقت النوم ويكفيه أمره. وانظر ديوان الشماخ 109، وكتاب سيبويه 1/ 90 والخزانة 2/ 172-
(4) راشه: نفعه وأصلح حاله والعسيل: مكنسة العطار، وهو شعر يكنس به الطيب، والمراد أنه لا فائدة فيه كمن ينحت الصخرة بهذه المكنسة.
(5) رجز ورد فى كتاب سيبويه 1/ 89.(2/80)
وليس ذَلِكَ «1» حسنًا فِي الفعل ولو كَانَ اسمًا لكان الَّذِي قالوا أَجْوز. كقولك: أنت صَاحِبُ اليومَ أَلْفِ دينارٍ، لأن الصَّاحِب إِنَّما يأخذ واحدًا ولا يأخذ الشيئين، والفِعل قد ينصب الشيئين، ولكن إذا اعترضت صفة بين خافض وما خَفَض جاز إضافته مثل قولك: هذا ضارب فى الدار أخيه، ولا يَجوز إلا فِي الشعر، مثل قوله:
تَرَّوَحَ فِي عِمِّيَّةٍ وأَغاثه ... عَلَى الماء قوم بالهراوات هُوجُ «2»
مؤخِّر عَن أنيابه جلدِ رأسه ... لَهُنّ كأشباه الزِّجَاج خُرُوج «3»
وقال الآخر «4» :
وكرَّار دونَ الْمجْحَرِينَ جَوادِه ... إذا لَمْ يُحام دون أنثى حليلُهَا
وزعم الْكِسَائي أنَّهم يؤثرونَ النصب إذا حالوا بين الفعل المضاف بصفة فيقولون: هُوَ ضارِبُ فِي غير شيء أخاهُ، يتوهَّمُونَ إذ حالوا بينهما أنَّهم نوَّنوا. وليس قول من قَالَ (مُخْلِفَ وَعْدَهُ رُسُلِه) ولا (زَيَّنَ «5» لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكاؤُهُمْ) بشيء، وقد فُسِّرَ «6» ذَلِكَ. ونحويُّو أهل المدينة يُنشدونَ قوله:
فَزَجَجَتُها مُتَمكِّنًا ... زَجَّ الْقَلوصَ أبي مزاده «7»
__________
(1) ا: «بحسن» .
(2) العمية: الضلالة والكبر. والهراوات العصى. و «هوج» ضبط في ا: «هوج» وهو لا يستقيم مع البيت الذي بعده «خروج» فالظاهر أن يضبط «هوج» بسكون الواو جمع أهوج، ويراد به المتسرع العجل.
(3) كأنه يريد بتأخير جلد رأسه عن أنيابه أنه كالأسد يكشر عن أسنانه ويبديها ولا يطبق رأسه على أسنانه فيخفيها.
وبذكر أن أنيابه لها خروج أي بروز وظهور كأطراف الزجاج. والزجاج جمع زج، وهو الحديدة فى أسفل الرمح.
(4) هو الأخطل يمدح همام بن مطرف التغلبي. والمحجر: الملجأ الذي غشيه عدوه. يصفه بالشجاعة والإقدام، فاذا فر الرجال عن أزواجهم منهزمين وأسلموهن للعدو كر جواده يدافع عنهم. وانظر كتاب سيبويه 1/ 90.
(5) هذه قراءة ابن عامر.
(6) انظر ص 357 من الجزء الأول.
(7) انظر ص 358 من الجزء الأول من هذا الكتاب، وشرح المفصل 3/ 19.(2/81)
رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ (2)
قَالَ الفراء: باطل والصواب:
زَجَّ الْقَلوصِ أبُو مزاده
قوله: سَرابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرانٍ [50] عَامَّةُ القراء مُجْمِعونَ عَلَى أنَّ القطِران حرف «1» واحد مثل الظَّرِبان. حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: وَحَدَّثَنِي حِبَّانُ عَنِ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ فَسَّرَهَا (مِنْ قَطِرانٍ»
) : قَدِ انْتَهَى حَرُّهُ، قَرَأَهَا ابْنُ عَبَّاسٍ كَذَلِكَ. قَالَ أَبُو زَكَرِيَّا، وَهُوَ مِنْ قوله: (قالَ «3» آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً) .
ومن سورة الحجر
قوله عَزَّ وَجَلَّ: رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ [4] يُقال: كيف دخلت (رب) عَلَى فعل لَمْ يكن لأن مودَّة الَّذِينَ كفروا إِنَّما تكون فِي الآخرة؟ فيقال: إن القرآن نزل وعدُه ووعيده وما كَانَ فِيهِ، حَقًّا «4» فإنه عِيان، فجرى الكلامُ فيما لَمْ يكن منه كمجراهُ فِي الكائن. ألا ترى قوله عَزَّ وَجَلَّ: (وَلَوْ تَرى «5» إِذِ الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ) وقوله: (وَلَوْ تَرى «6» إِذْ فَزِعُوا) كأنه ماض وهو منتظر لصدقه فِي المعنى، وأن القائل يقول إذا نَهَى أو أمر فعصاهُ المأمور:
أما والله لرُبّ ندامةٍ لكَ تَذكرُ قولي فيها، لعلمه أَنَّهُ سيندم ويقول: فقول الله عَزَّ وَجَلَّ أصْدق من قول المخلوقين.
__________
(1) هذا مقابل الوجه الآتي فى القراءة عن ابن عباس فانه حرفان: قطر وآن.
(2) هذا تفسير للآنى. والقطر هو النحاس أو الصفر المذاب.
(3) الآية 96 سورة الكهف.
(4) متعلق بقوله: «نزل» . [.....]
(5) الآية 12 سورة السجدة.
(6) الآية 51 سورة سبأ.(2/82)
وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَهَا كِتَابٌ مَعْلُومٌ (4)
وقوله: وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَها كِتابٌ مَعْلُومٌ [4] لو لَمْ يكن فِيهِ الواو كَانَ صَوَابًا كما قَالَ فِي موضع آخر: (وَما أَهْلَكْنا «1» مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا لَها مُنْذِرُونَ) وهو كما تَقُولُ فِي الكلام:
مَا رأيتُ أحدًا إلا وَعَلَيْهِ ثياب وإن شئت: إلا عَلَيْهِ ثياب. وكذلك كل اسم نكرة جاء خبره بعد إلَّا، والكلام فِي النكرة تام فافعل ذَلِكَ بصلتها بعد إِلَّا. فإن كَانَ الَّذِي وقع عَلَى النكرة ناقصًا فلا يكون إلا بطرح الواو. من ذَلِكَ، ما أظن درهمًا إلا كافيَك ولا يَجوز إلا وهو كافيك، لأن الظنّ يَحتاجُ إلى شيئين، فلا تعترض بالواو فيصير الظن كالمكتفي من الأفعال باسم واحد. وكذلك أخوات ظننت وَكَانَ وأشباهُها وإن وأخواتها (وإنّ «2» ) إذا جاء الفعلُ بعد (إلَّا) لَمْ يكن فِيهِ الواو. فخطأ أن تَقُولُ: إن رجلًا وهو قائم، أو أظن رجلًا وهو قائم، أو ما كَانَ رجل إلا وهو قائم.
ويَجوز فِي لَيْسَ خاصة أن تَقُولَ: لَيْسَ أحد إلا وهو هكذا «3» ، لأن الكلام قد يُتوهم تَمامه بليس وبِحرف نكرة ألا ترى أنك تَقُولُ: لَيْسَ أحد، وما من أحد فجازَ ذَلِكَ فيها ولم يَجُز فِي أَظن، ألا ترى أنك لا تَقُولُ مَا أظنّ أَحدًا. وقال الشاعر:
إذا ما سُتورُ البيت أُرْخين لَمْ يكن ... سراج لنا إلا ووجهُك أنور
فلو قيل: إِلَّا وجهك أَنْور كَانَ صوابًا.
وقال آخر:
وما مَسَّ كفي من يد طاب ريحها ... من الناس إلا ريحُ كفَّيك أَطيبُ
فجاء بالواو وبغير الواو. ومثله قوله: (وَما «4» أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ)
__________
(1) الآية 208 سورة الشعراء.
(2) كذا فى الأصول. ويظهر أنها زيادة من الناسخ.
(3) ش: «كهذا» .
(4) الآية 20 سورة الفرقان.(2/83)
لَوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلَائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (7)
فهذا الموضع لو كَانَ فِيهِ الواو صَلح ذَلِكَ. وإذا أدخلت فِي (كَانَ) جَحْدًا صلح ما بعد (إِلَّا) فيها بالواو وبِغير الواو. وإذا أدخلت الاستفهام وأنت تنوي بِهِ الجحد صلح فيها بعد (إلا) الواو وطرح الواو. كقولك: وَهل كَانَ أحد إِلا وله حرص عَلَى الدُّنْيَا، وإلا لَهُ حرص عَلَى الدُّنْيَا.
فأمّا أصبح وأمسى ورأيت فإن الواو فيهنّ أسهل، لأنهن/ 91 اتوامّ (يعني «1» تامّات) فِي حال، وَكَانَ وليس وأظن بُنينَ عَلَى النقص. ويَجوز أن تَقُولُ: لَيْسَ أحد إلا وله معاش: وإن ألقيت الواو فصواب، لأنَّكَ تَقُولُ: لَيْسَ أحد فتقف فيكون كلاما. وكذلك لا فى التبرئة وغيرها. تَقُولُ:
لَا رجل ولا مِن رجل يَجوز فيما يعود بذكره بعد إِلَّا الواو وغير الواو فِي التمام ولا يجوز ذَلِكَ فِي أظن من قبل أن الظن خِلْقته الإلغاء: أَلَا ترى أنك تَقُولُ: زيد قائم أظن، فدخول (أظن) للشك فكأنه مستغنى عَنْهُ، وليس بنفي ولا يكون عَن النفي مُستغنيًا لأنّك إنّما تُخبر بالخبر عَلَى أَنَّهُ كائن أو غير كائن، فلا يُقال للجحد: إنه فَضل من الكلام كما يُقال للظن.
وقوله: مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَها وَما يَسْتَأْخِرُونَ [5] ولم يقل (تستأخر) لأن الأمَّة لفظها لفظٌ مؤنَّثٌ، فأُخرج أول الكلام عَلَى تأنيثها، وآخره عَلَى معنى الرجال. ومثلها (كُلَّ مَا جاءَ «2» أُمَّةً رَسُولُها كَذَّبُوهُ) ولو قيل: كذبته كَانَ صوابًا وهو كَثِير.
وقوله: لَوْ ما تَأْتِينا [7] ولولا ولو ما لغتان فِي الخبر والاستفهام فأمّا الخبر فقوله (لَوْلا «3» أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ) .
وقال الشاعر:
لو ما هوى عرس كميت لم أبل
__________
(1) سقط ما بين القوسين فى ا.
(2) الآية 44 سورة المؤمنين.
(3) الآية 31 سورة سبأ.(2/84)
إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9)
وهما ترفعانِ ما بعدهما.
وأمّا الاستفهام فقوله: (لَوْ ما تَأْتِينا بِالْمَلائِكَةِ) وقوله (لَوْلا أَخَّرْتَنِي «1» إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ) وَالمعنى- وَاللهُ أعلم-: هلّا أَخَّرْتني.
وقد استعملت العرب (لولا) فى الخبر وكثربها الكلام حَتَّى استجازوا أن يقولوا: لولاك ولولاي، والمعنى فيهما كالمعنى فِي قولك: لولا أنا ولولا أنت فقد توضع الكاف عَلَى أنها خفض والرفع فيها الصواب. وَذَلِكَ أنا لَمْ نَجد فيها حرفًا ظاهرًا خُفِض، فلو كَانَ مِمّا يخفض لأوشكت أن ترى ذَلِكَ فِي الشعر فإنه الَّذِي يأتي بالمستجاز: وإنّما دعاهم إلى أن يقولوا: لولاك فِي موضع الرفع لأنهم يجدونَ المكنّى يستوي لفظه فِي الخفض والنصب، فيقال: ضربتك ومررت بك ويَجدونه يستوي أيضًا فِي الرفع والنصب والخفض، فيقال ضربنا ومريّنا، فيكون الخفض والنصب بالنون ثُمَّ يُقال قمنا ففعلنا فيكون الرفع بالنون. فلمّا كَانَ ذَلِكَ استجازوا أن يكون الكاف فِي موضع (أنت) رفعًا إذْ كَانَ إعراب المكنّى بالدلالات لا بالحركات.
قَالَ الشاعر:
أيطمعُ فينا مَنْ أراقَ دماءَنا ... وَلَوْلاكَ لَمْ يعرض لأحسابنا حَسَمْ
وقال آخر:
وَمنزلةٍ لولَايَ طِحْتَ كَمَا هَوَى ... بِأَجْرامِهِ مِنْ قُلَّةِ النِّيق مُنْهوِي «2»
وقوله: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ [9] يُقال: إنَّ الْهَاء التي فِي (لَهُ) يُراد بِهَا القرآن (حافِظُونَ) أي راعون: ويُقال: إن الْهَاء لِمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وإنا لمحمد لحافظون.
وقوله: كَذلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ [12] الْهَاء فِي (نَسْلُكُهُ) للتكذيب أي كذلك نسلك التكذيب. يقول: نجعله فِي قلوبِهم ألَّا يؤمنوا.
__________
(1) الآية 10 سورة المنافقين.
(2) من قصيدة ليزيد بن الحكم الثقفي يعاتب فيها ابن عمه عبد الرحمن بن عثمان. وانظر كتاب سيبويه 1/ 388.(2/85)
وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ (14)
وقوله: وَلَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّماءِ فَظَلُّوا [14] يعني الملائكة فظلَّت تصعد من ذَلِكَ الباب وتنزل (لَقالُوا إِنَّما سُكِّرَتْ أَبْصارُنا) ويقال (سكرت «1» ) ومعناهما متقارب. فأما سكّرت فحبست، العرب: تَقُولُ: قد سَكَرت الريحُ إذا سَكَنَت وركدت. ويُقال: أُغشيت، فالغشاء والحيس قريبٌ من السّواء.
وقوله: فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ مُبِينٌ [18] يقول: لا يخطنه، إِمّا قَتَلَهُ وَإِمَّا خبَّله.
وقوله: وَالْأَرْضَ مَدَدْناها [19] أي دَحَوْنَاها وهو الْبَسْطُ (وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ وَأَنْبَتْنا فِيها) أي فِي الجبال (مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ) يقول: من الذهب والفضَّة والرَّصَاص والنّحاس والحديد فذلك الموزون.
وقوله: وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ [20] أراد الأرض (وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرازِقِينَ) فمن فِي موضع نصب يقول: جعلنا لكم فيها المعايش والعبيد والإماء.
قد جاء أنَّهم الوحوش والبهائم و (مَن) لا يُفرد بِهَا البهائم ولا ما سوى الناس. فإن يَكن ذَلِكَ عَلَى ما رُوي فَنَرى أنهم أُدخل فيهم المماليك، عَلَى أنا ملّكنا كم العبيد والإبل والغنم وما أشبه ذَلِكَ، فجازَ ذَلِكَ.
وقد يُقال: إن (مَن) فِي موضع خفض يُراد: جعلنا لكم فيها معايش ولِمن. وما أقلّ ما ترد العرب مخفوضًا عَلَى مخفوض قد كُنِيَ عَنْهُ. وقد قَالَ الشاعر «2» :
تُعلَّق فِي مثل السواري سُيُوفنا ... وما بينها والكَعْبِ غَوْط نفانف
فردّ الكعب عَلَى (بينها) وقال آخر:
هلَّا سألت بذي الجماجم عنهم ... وأبى نعيم ذى اللّواء المحرق
__________
(1) هى قراءة بن كثير.
(2) هو مسكين الدارمي كما فى الحيوان. والسواري جمع سارية وهى الأسطوانة يريد أنهم طوال القامات. والغوط:
المتخنض من الأرض. والنفانف جمع نفنف وهو الهواء بين الجبلين.(2/86)
وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ (22)
فردّ (أبي نعيم) عَلَى الْهَاء فِي (عنهم) .
وقوله: وَأَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ [22] وتقرأ (الريح) قرأها حَمْزَةُ «1» . فمن قَالَ الرِّيحَ لَوَاقِحَ) فجمع اللواقحَ والريحُ واحدة لأن الريح فِي معنى جَمع ألا ترى أنك تَقُولُ: جاءت الريح من كل مكان، فقيل: لواقح لذلك. كما قيل: تركته فِي أرض أغفال وسَبَاسب «2» (قَالَ «3» الفراء: أغفال: لا علم فيها) ومهارق «4» وثوب أخلاق. ومنه قول الشاعر:
جاء الشتاءُ وقمِيصِي أخلاقْ ... شراذمٌ يضحكُ مِنْه التَّواقْ «5»
وأمّا من قال (الرياح لواقح) فهو بَيّن. ولكن يُقال: إِنَّما الريح مُلَقِحة تُلْقِح الشجر.
فكيفَ قيل: لواقح؟ ففي ذَلِكَ معنيان أحدهما أن تَجعل الريح هي التي تَلْقَح بِمرورها عَلَى التراب والماء فيكون فيها اللَّقَاح، فيقال: ريح لاقح. كما يُقال: ناقة لاقح. ويشهد عَلَى ذَلِكَ أنَّهُ وصف ريح العذاب فقال:
(عليهم «6» الريح العقيم) فجَعلها عقيمًا إِذْ لَمْ تَلْقَح. والوجهُ الآخر أن يكون وصفها باللَّقْح وإن كانت تُلِقح كما قيل: ليل نائم والنوم فِيهِ، وسرّ كاتم وكما قيل:
الناطق المبروز والمختوم «7»
__________
(1) وهى أيضا قراءة خلف. [.....]
(2) جمع سبسب. وهى المفازة أو الأرض البعيدة المستوية.
(3) سقط ما بين القوسين فى ش.
(4) جمع مهرق. وهو هنا: الصحراء الملساء.
(5) فى اللسان (خلق) أن التواق ابن الراجز.
(6) الآية 41 سورة الذاريات.
(7) هذا عجز بيت للبيد وصدره:
أو مذهب جدد على ألواحه
وقبله:
فكأن معروف الديار بقادم ... براق غول فالرجام وشوم
فقوله: «أو مذهب» عطف على قوله: «وشوم» فقد شبه معروف الديار فى دقته بالوشوم أو بالمذهب أي لوح كتابة مطلى بالذهب عليه خط بارز أو مبرز، وخط مختوم: غير واضح. وانظر الخصائص 1/ 193.(2/87)
وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ (24)
فجعله مبروزًا عَلَى غير «1» فعل، أي إن ذلك من صفاته فجاز مفعول لمُفْعَل، كما جازَ فاعِل لِمفعول إذ لَمْ «2» يردَّ البناء عَلَى الفعل.
وقوله: وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ [24] وَذَلِكَ أنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إن الله وملائكته يُصلُّونَ عَلَى الصفوف الْأُوَلِ فِي الصلاة، فابتدرها الناس وأراد بعض المسلمين أن يبيع داره النائية ليدنو من المسجد فيدركَ الصفّ الأول فأنزل الله- عَزَّ وَجَلَّ- (وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ) «3» فإنَّا نجزيهم عَلَى نيّاتِهم فقرَّ الناسُ.
[قوله: مِنْ صَلْصالٍ [26]] .
ويُقال: إن الصلصال طين حُرّ خُلِطَ برمل فصار يصلصل كالفَخَّار والمسْنون: المتغير والله أعلم أخذ من سَنَنْتُ الْحَجَر عَلَى الحجر، والذي يَخرج مما بينهما يُقال لَهُ: السَّنين.
وقوله: مِنْ نارِ السَّمُومِ [27] .
يُقال: إنَّها نارُ دونها الْحِجَاب. قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ حَدَّثَنِي حبان عَنْ رَجُلٍ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: خَلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ- الْجَانَّ أَبَا الْجِنِّ مِنْ نَارِ السَّمُومِ وَهِيَ نَارٌ دُونَهَا الْحِجَابُ (وَهَذَا الصَّوْتُ الَّذِي تَسْمَعُونَهُ عِنْدَ الصَّوَاعِقِ مِنَ انْعِطَاطِ «4» الْحِجَابِ) .
وقوله: فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ [29] .
سُجود تَحيَّة وطاعة لا لربوبيّة وهو مثل قوله فى يوسف (وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً) «5» .
__________
(1) ولو جاء على الفعل لقال: «مبرز» من أبرزه، ولا يقال: برزه.
(2) هذا الضبط من ا، وهو من الرد. ولو ضبط «يرد» من الإرادة كان له وجه.
(3) ا: «وإنا» .
(4) سقط ما بين القوسين فى ش. والانعطاط: الانشقاق.
(5) الآية 100 سورة يوسف(2/88)
إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (40)
وقوله: إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ [40] ويقرأ (الْمُخْلِصِينَ) «1» فمَن كسر اللام جعل الفعل لَهُم كقوله تبارك وتعالى (وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ) «2» ومن فتح فالله أخلصهم كقوله: (إِنَّا أَخْلَصْناهُمْ «3» بِخالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ) وقوله: هذا صِراطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ [41] .
يقول: مرجعهم إليّ فأجازيهم. وهو كقوله تبارك وتعالى (إِنَّ رَبَّكَ «4» لَبِالْمِرْصادِ) فِي الفجر.
فيجوز فِي مثله من الكلام أن تَقُولَ لِمَن أوعدته: طريقك عَليّ وأنا عَلَى طريقك: ألا ترى أَنَّهُ قَالَ (إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ) فهذا كقولك: أنا على طريقك. (صِراطٌ عَلَيَّ) أي هَذَا طريقٌ عَليّ وطريقُك عَليّ. وقرأ بعضهم «5» (هَذَا صِرَاطٌ عَليٌّ) رَفع يجعله نعتًا للصراط كقولك: صراط مرتفع مستقيم.
وقوله: لَها سَبْعَةُ أَبْوابٍ لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ [44] يعنى: من الكفّار (جُزْءٌ مَقْسُومٌ) يقول:
نصيب معروف. والسبعة الأبواب أطباق بعضها فوق بعض. فأسفلها الهاوية، وأعلاها جهنم.
وقوله: أَبَشَّرْتُمُونِي عَلى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ [54] لو لَمْ يكن فيها (عَلَى) لكان صوابًا أيضًا.
ومثله (حَقِيقٌ «6» عَلى أَنْ لا أَقُولَ) وَفِي قراءة عبد الله (حَقِيقٌ بِأَنْ لَا أَقُولَ) ومثله فِي الكلام أتيتك أنك تعطي فلم أجدك تُعطي، تريد: أتيتكَ عَلَى أنك تعطي فلا أراك كذلك.
وقوله: (فَبِمَ تُبَشِّرُونَ) النون منصوبة لأنه فعل لَهُم لَمْ يذكر مفعول «7» . وهو جائز فى الكلام.
__________
(1) كسر اللام لغير نافع وعاصم وحمزة والكسائي وأبى جعفر وخلف كما فى الإتحاف
(2) الآية 146 سورة النساء.
(3) الآية 46 سورة ص. [.....]
(4) الآية 14.
(5) هى قراءة يعقوب والحسن كما فى الإتحاف.
(6) الآية 105 سورة الأعراف.
(7) كذا. والأولى: «مفعوله» أو سقط «له» والأصل: «له مفعول» .(2/89)
وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلَاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ (66)
وقد كَسَر أهل «1» المدينة يريدونَ أن يجعلوا النون مفعولًا بِهَا. وكأنّهم شدّدوا النون فقالوا (فَبِمَ تُبَشِّرُونَ قالُوا) ثم خفّفوها والنِّيَّة عَلَى تثقيلها كقول عَمْرو بن معدي كرب:
رأته كالثُّغَام يُعَلُّ مِسْكًا ... يسوء الفالياتِ إذا فَلَيْنِي «2»
فأُقسم لو جعلتُ عَليّ نَذْرًا ... بطعنةِ فارس لقضَيتُ دَيْنِي
وقد خففت العرب النون من أن الناصبة ثُمَّ أنفذوا لَهَا نصبها، وهي أشد من ذا. قَالَ الشاعر:
فلو أَنْكِ فِي يوم الرخاء سألتني ... فراقَكِ لَمْ أبخل وأنت صديق
فما رُدَّ تزويج عَليه شهادة ... وما رُدَّ من بعد الْحَرار عَتِيقُ «3»
وقال آخر «4» :
لقد علم الضَّيْفُ والْمُرْمِلُونَ ... إذا اغبرَّ أُفْقٌ وهبَّتْ شَمَالا
بأنْك الربيعُ وغيث مَرِيع ... وقدْمًا هناك تكون الثِّمَالا
وقوله: وَقَضَيْنا إِلَيْهِ ذلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دابِرَ هؤُلاءِ مَقْطُوعٌ [66] أنَّ مفتوحة عَلَى أن ترد عَلَى الأمر فتكون فِي موضع نصب بوقوع القضاء عليها. وتكون نَصْبًا آخر بسقوط الخافض منها أي قضينا ذَلِكَ الأمر بِهذا. وهي فِي قراءة عبد الله (وَقُلْنَا إِنّ دابِرَ) فعلى هَذَا لو قرىء بالكسر لكان وجها.
وأما (مُصْبِحِينَ) إذا أصبحوا، ومشرقين إذا أشرقوا. وَذَلِكَ إذا شرقت الشمس. والدابر: الأصل.
شرقت: طلعت، وأشرقت: أضاءت.
__________
(1) يريد نافعا.
(2) الهاء فى (رأته) لشعره، الثغام ثنت له نور أبيض شبه به الشيب. ويعل: يطيب شيئا بعد شىء. وانظر سيبويه 2/ 154، والخزانة 2/ 445.
(3) مخاطب أو أنه وقد سألته الطلاق. ويريد بيوم الرخاء، ما قبل إحكام عقد لنكاح والحرار الحرقة والخلوص من الرق. وانظر الخزانة 2/ 465.
(4) أي شخص آخر وهو جنوب أخت عمرو ذى الكلب ترثيه. والمرملون: الذين نفدت أزوادهم ويقال:
أرمل، واغبرار الأفق يكون فى الشتاء لكثرة الأمطار وهو زمن الجدب. والمريع الخصيب. والشمال الغياث. وانظر الخزانة 4/ 352.(2/90)
إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ (75)
وقوله: إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ [85] يُقال: للمتفكرين. ويُقال للناظرين المتفرسين.
قوله: الأَيْكَةِ [78] قرأها الأعمش وعاصم والحسن البصرىّ: (الأيكة) بالهمز فِي كل القرآن. وقرأها أهلُ المدينة كذلك إلا فِي الشعراء وَفِي ص فإنَّهم جَعلوها بغير ألف ولام ولم يُجروها.
ونرى- والله أعلم- أنّها كتبت فِي هذين الموضعين عَلَى ترك الْهَمْز فسقطت الألف لتحرك اللام.
فينبغي أن تكون القراءة فيها بالألف واللام لأنَّها موضع واحد فِي قول الفريقين، والأيكة:
الغيضة.
وقوله: وَإِنَّهُما لَبِإِمامٍ مُبِينٍ [79] يقول: بطريق لَهم يَمرونَ عليها فِي أسفارِهم. فجعل الطريق إمامًا لأنّه يُؤَمّ ويُتَّبع.
وقوله تَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً آمنين [82] أن تَخرَّ عليهم. ويُقال: آمنين للموت.
وقوله: وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي [87] يعني فاتحة الكتاب وهي سبع آيات فِي قول أهل المدينة وأهل العراق. أهل المدينة يعدون «1» (أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) آية. حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: وَحَدَّثَنِي حِبَّانُ عَنِ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرّحيم آيَةٌ مِنَ الْحَمْدِ. وَكَانَ حَمْزَةُ يَعُدُّهَا آيَةً وَآتَيْنَاكَ (الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ) .
وقوله: إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ [89] كَما أَنْزَلْنا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ [90] يقول: أنذرتكم ما أُنزل بالمقتسِمين. والمقتسمون رجال من أهل مكَّة بعثهم أهل مكَّة عَلَى عِقَابَها «2» أيَّام الحج فقالوا: إذا سألكم الناس عَن النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقولوا: كاهن. وقالوا لبعضهم قولوا: ساحر، ولبعضهم: يفرق
__________
(1) أي لما لم يعدوا البسملة آية من الفاتحة عدوا أنعمت عليهم آية وبذلك كانت الآيات سبعا أما من عد البسملة آية فلا يعد (أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) آية.
(2) العقاب جمع عقبة وهى المرقى فى الجبل أو الطريق فيه.(2/91)
بين الاثنين ولبعضهم قولوا: مجنون، فأنزلَ الله تبارك وتعالى بِهم خزيًا فماتوا أو خمسة منهم شرَّ مِيتة فسمّوا المقتسمين لأنَّهم اقتسموا طرق مكّة.
وقوله: الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ [91] يقول: فَرَّقُوه إذ جعلوه سِحرًا وكذبًا وأساطيرَ الأولين. والعِضُونَ فِي كلام العرب: السحر بعينه. ويُقال: عضَّوهُ أي فَرَّقُوهُ كَما تُعضَّى الشاة والْجَزور. وواحدة الْعِضِين عِضَة رفعها عِضُون ونصبها وخفضها عِضِين. ومن العرب من يجعلها بالياء عَلَى كل حال ويُعْرِبُ نونها فيقول: عِضِينُك، ومررتُ بعضِينِك وسنينك وهي كثيرة فِي أَسَد وَتَمِيم. وَعَامِر. أنشدني بعض بني عَامِر:
ذرانِي من نَجْدٍ فإن سِنِينَه ... لعبنَ بنا شِيبا وشَّيبننا مُرْدا
مَتى نَنج حَبْوًا من سنينٍ ملحّة ... نشمّر لأخرى تنزل الأعصم الفردا «1»
وأنشدنى فِي بعض بني أسد:
مثل الْمَقَالِي ضُربت قُلينُها «2»
من القلة وهي لُعبة للصبيان، وبعضهم:
إلى بُرين الصُّفْر الْمَلْويات «3»
وواحد الْبُرِينِ بُرة. ومثل ذَلِكَ الثُّبين «4» وعِزِينٌ «5» يَجوز فِيهِ ما جاز فى العضين والسنين.
__________
(1) الشعر للصمة بن عبد الله القشيري كما فى شواهد العيني فى مبحث الإعراب 1/ 170 على هامش الخزانة. والأعصم من الظباء والوعول: ما فى ذراعيه أو إحداهما بياض وسائره أسود أو أحمر. والعصم تسكن أعالى الجبال.
(2) المقالى جمع المقلى أو المقلاء، والقلون جمع القلة. والقلة والمقلاء عودان يلعب بهما الصبيان. فالقلة خشبة قدر ذراع تنصب والمقلاء يضرب به القلة. وفى شفاء العليل فى حرف الناف أنها كات تسمى فى أيام المؤلف عقلة.
(3) البرون جمع البرة وهى الحلقة من صفر أو غيره تجعل فى أنف البعير والصفر النحاس.
(4) جمع ثبة وهى الجماعة والعصبة من الفرسان. وتجمع الثبة أيضا على ثبات. [.....]
(5) العزون جمع العزة وهى العصبة من الناس.(2/92)
فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (94)
وإنَّما جاز ذَلِكَ فِي هَذَا المنقوص الَّذِي كَانَ عَلَى ثلاثة أحرف فنقصت لامه، فلمّا جَمعوهُ بالنون توهّموا أَنَّهُ فُعُول إذ جاءت الواو وهي وَاوُ جماع، فوقعت فِي موضع الناقص، فتوهّموا أنها الواو الأصلية وأَنَّ الحرف عَلَى فُعُول أَلا ترى أنَّهم لا يقولون ذَلِكَ فِي الصالِحين والمسلمين وما أشبهه.
وكذلك قولهم الثبات واللغات، وربُّما «1» عرَّبوا التاء منها بالنصب والخفض وهي تاء جِمَاع ينبغي أن تكون خفضًا فِي النصب والخفض، فيتوهَّمون أنَّها هاء، وأن الألف قبلها من الفعل. وأنشدني بعضهم:
إذا ما جَلَاها بالأيام تحيرت ... ثباتا عليها ذلّها واكتثابها «2»
وقال أَبُو الجراح فِي كلامه: ما من قوم إلا وقد سمعنا لغاتهم- قَالَ قَالَ الفراء: رجع أَبُو الجراح فِي كلامه عَن قول لغاتَهم- ولا يَجوز ذَلِكَ فِي الصالِحات والأخوات لأنّها تامة لَمْ يُنقص من واحدها شيء، وما كَانَ من حرف نُقص من أوّله مثل زِنة ولدة ودِيَة فإنه لا يُقاس عَلَى هَذَا لأن نقصه من أوَّله لا من لامه فما كَانَ منه مؤنثًا أو مُذكرًا فأجرهِ عَلَى التامّ مثل الصالِحين والصالِحات تقولُ رأيت لداتِك ولِدِيكَ ولا تقل لِدِينَك ولا لداتَك إلا أن يغلط بِهَا الشاعر فإنه ربَّما شبّه الشيء بالشيء إذا خرج عَن لفظه، كما لَمْ يُجْرِ «3» بعضهم أَبُو سمَّان والنون من أصله من السمن لشبهه بلفظ رَيّان وشبهه.
وقوله: فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ [94] ولم يقل: بِما تُؤْمر بِهِ- والله أعلم- أراد: فاصدع بالأمر.
ولو كَانَ مكان (ما) مَنْ أو ما مما يرادُ بِهِ الْبَهَائِم لأدخلت بَعدها الباء كما تَقُولُ: اذهب إلى من تؤمر بِهِ واركب ما تؤمر بِهِ، ولكنه فِي المعنى بِمنزلة المصدر ألا ترى أنك تقول: ما أحسن
__________
(1) الأسوغ حذف الواو.
(2) من قصيدة لأبى ذؤيب الهزلى. والبيت فى الحديث عن مشتار العسل. يقول: إنه اجتلى النحل بالأيام وهو الدخان أي أبرزها وأظهرها حين دخن عليها، وحينئذ تجمعت وتحيرت عصبا وفرقا وهى ذليلة إذ أحست أن المشتار غلبها وانظر ديوان الهذليين 1/ 79.
(3) أي يصرف وينون.(2/93)
أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (1)
ما تنطلق لأنك تريد: ما أحسن انطلاقك، وما أحسن ما تأمر إذا أَمَرْتَ لأنَّكَ تريدُ مَا أحسنَ أمرك. ومثله قوله «1» (يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ) كأنه قيل لَهُ: افعل الأمر الَّذِي تؤمر. ولو أريد بِهِ إنسان أو غيره لَجازَ وإن لَمْ يظهر الباء لأن العرب قد تَقُولُ: إني لآمرك وآمر بك وأكفرك وأكفر بك فِي معنى واحد. ومثله كَثِير، منه قولهم:
إذا قَالَتْ حَذَامِ فأنصتُوها ... فإنّ القول ما قالت حَذَامِ «2»
يريدُ: فأنصتوا لَهَا، وقال الله تبارك وتعالى (أَلا إِنَّ «3» ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ) وهي فِي موضع (يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ) و (كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ) واصدع: أظهر دينك.
ومن سورة النحل
[قوله: سبحانه وتعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ] .
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْجَهْمِ قَالَ: حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ حَدَّثَنِي عِمَاد بن الصلت الْعُكْلي عَن سَعِيد بْن مسروق أَبِي سُفْيَان عَن الربيع بن خَيْثَم «4» أَنَّه قرأ (سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا تُشْرِكُونَ) الْأُولى والتي بَعْدَها كلتاهما «5» بالتاء: وتقرأ بالياء. فمن قَالَ بالتاء فكأنه خاطبهم ومن قرأ بالياء فكأنَّ القرآن نَزَلَ عَلَى مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ (سُبْحانَهُ) يعجِّبه من كفرهم وإشراكهم.
وقوله: يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ [2] بالياء، و (تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ) بالتاء «6» . وقراءة أصحاب عبد الله (ينزّل الملائكة) بالياء.
__________
(1) الآية 102 سورة الصافات.
(2) سبق هذا البيت فى ص 215 من الجزء الأول.
(3) الآية 68 سورة هود.
(4) فى ا: «خثيم، بتقدم المثلثة على الياء. والتصويب من الخلاصة. وكانت وفاته سنة 64 هـ
(5) وهى قراءة حمزة والكسائي وخلف.
(6) هذه قراءة ردح عن يعقوب، ووافته الحسن.(2/94)
وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (5)
وقوله: وَالْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ [5] نصبت (الأنعامَ) بخلقها لَمَّا كانت فِي الأنعام واو. كذلك كل فعل عاد عَلَى اسم بِذكرِه، قبل الاسم واو أو فاء أو كلام يُحتمل نُقْلة الفعل إلى ذَلِكَ الحرف الَّذِي قبل الاسم ففيه وجهان: الرفعُ والنصب. أَمَّا النصب فأن تَجْعَل الواو ظَرْفًا للفعل. والرفع أن تَجْعَل الواو ظرفًا للاسم الَّذِي هى معه. ومثله (وَالْقَمَرَ «1» قَدَّرْناهُ مَنازِلَ) (وَالسَّماءَ بَنَيْناها «2» بِأَيْدٍ) وهو كَثِير.
ومثله: (وَكُلَّ إِنسانٍ «3» أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ) (وَكُلَّ شَيْءٍ «4» أَحْصَيْناهُ) .
والوجه فِي كلام العرب رفع كُلّ «5» فِي هذين الحرفين، كَانَ فِي آخره راجع من الذكر أو لَمْ يكن لأنه فِي مذهب ما من شيء إِلَّا قد أحصيناهُ فِي إمام مُبين والله أعلم. سمعت العرب تُنشد:
ما كُلُّ مَنْ يظَّنُّنِي أنا مُعْتب ... ولا كلُّ ما يُرْوَى عَليَّ أقول «6»
فلم يوقع عَلَى (كلّ) الآخرة (أقول) ولا عَلَى الأولى (مُعْتب) . وأنشدني بعضهم:
قد عَلِقت أمُّ الْخِيَار تَدَّعِي ... عليَّ ذَنْبا كلُّه لَمْ أصْنع
وقرأ علىّ بعض العرب بسورة يس. (وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ) رفعًا قرأها غير مَرّة.
وأمّا قوله: (وَكُلُّ شَيْءٍ «7» فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ) فلا يكون إلا رفعًا لأن المعنى- والله أعلم-
__________
(1) الآية 39 سورة يس.
(2) الآية 47 سورة الذاريات.
(3) الآية 13 سورة الإسراء.
(4) الآية 12 سورة يس والآية 29 سورة النبأ. [.....]
(5) أي لفظ كل فى الآيتين الأخيرتين.
(6) انظر ص 140 من الجزء الأول.
(7) الآية 52 سورة القمر.(2/95)
كلُّ فعلهم فِي الزبر مكتوب، فهو مرفوع بِفي و (فَعلوه) صلة لشيء. ولو كانت (فِي) صلة لفعلوه فِي مثل هَذَا من الكلام جاز رفع كل ونصبها كما تَقُولُ: وكلّ رجل ضربوه فِي الدار، فإن أردت ضَرَبوا كلّ رجل فِي الدار رفعت ونصبت. وإن أردت: وكلّ من ضربوه هُوَ فِي الدار رفعت.
وقوله: (لَكُمْ فِيها دِفْءٌ) وهو ما ينتفع بِهِ من أوبارها. وكتبت بغير هَمز لأن الهمزة إذا سكن ما قبلها حذفت من الكتاب، وَذَلِكَ لِخفاء الْهَمْزَة إذا سُكت عليها، فلمّا سكن ما قبلها ولم يقدِروا عَلَى همزها فِي السكت كَانَ سكوتهم كأنه عَلَى الفاء. وكذلك قوله: (يُخْرِجُ الْخَبْءَ) و (النَّشْأَةَ) «1» و (مِلْءُ الْأَرْضِ) واعمل فِي الْهَمْز بِمَا وجدت فِي هذين الحرفين.
وإن كتبت الدِّفء فِي الكلام بواو فِي الرفع وياء فِي الخفض وألف فِي النصب كَانَ صَوَابًا.
وَذَلِكَ عَلَى ترك الْهَمْز ونقل إعراب الْهَمْزَةِ إلى الحرف الَّذِي قبلها. من ذَلِكَ قول العرب. هَؤُلَاءِ نَشء صِدْق، فإذا طرحُوا الْهَمْزَةَ قالوا: هَؤُلَاءِ نَشُو صِدْق ورأيت نَشَا صِدْق ومررتُ بِنَشي صدق. وأجود من ذَلِكَ حذف الواو والألف والياء لأن قولهم: يسل أكثر من يسال، ومسلة أكثر من مسالة وكذلك بين الْمَر وزوجه إذا تركت الْهَمْزَةُ.
والمنافع: حملهم عَلَى ظهورها، وأولادُها وألبانها. والدفء: ما يلبسونَ منها، ويبتنونَ من أوبارها.
وقوله: حِينَ تُرِيحُونَ [6] أي حين تريحونَ إبلكم: تردّونَها بين الرعي ومباركها يُقالُ لها الْمُرَاح. والسروح بالغداة (قَالَ «2» الفرّاء) إذا سعت للرعى.
__________
(1) كذا وقد يكون النشأ حتى تكون الهزة بسكت عليها.
(2) سقط ما بين القوسين فى ا.(2/96)
وقوله: بِشِقِّ الْأَنْفُسِ [7] أكثر الْقُرَّاء عَلَى كسر الشِّين ومعناها: إِلَّا بجَهْد الأنفس. وكأنه اسم وكأن الشَّقّ فِعْل كما تُوهِّم أن الْكُرْه الاسم وأن الْكَرْه الفعل. وقد قرأ بِهِ بعضهم «1» (إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ) وقد يجوز فى قوله: (بِشِقِّ الْأَنْفُسِ) أن تذهب إلى أن الْجَهد ينقص من قوة الرجل ونَفْسه حَتَّى يجعله قد ذَهَب بالنصف من قوّته، فتكون الكسرة عَلَى أَنَّهُ كالنصف والعرب تَقُولُ: خذ هَذَا الشِّقّ لشقّة الشاة ويُقال: المالُ بيني وبينك شَقّ الشعرة وشِقّ الشَّعَرة وهما متقاربان، فإذا قالوا شققت عليْكَ شَقًّا نصبوا ولم نسمع غيره.
وقوله: وَالْخَيْلَ وَالْبِغالَ وَالْحَمِيرَ [8] تنصبها بالردّ عَلَى خَلَق. وإن شئت جعلته منصوبًا عَلَى إضْمَار سَخّر: فيكون فِي جَواز إضماره مثل قوله: (خَتَمَ «2» اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ) من «3» نصب فِي البقرة نصب الغشاوة بإضمار (وجعل) ولو رفعت (الخيلَ والبغالَ والحميرَ) كَانَ صوابًا من وجهين. أحدهما أن تَقُولَ: لَمّا لَمْ يكن الفعل معها ظاهرًا رفعته عَلَى الاستئناف. والآخر أن يُتوهّم أن الرفع فِي الأنعام قد كَانَ يصلح فتردّها عَلَى ذَلِكَ كأنك قلت:
والأنعامَ خلقها، والخيلُ والبغالُ عَلَى الرفع.
وقوله عزّ وجلّ: (لِتَرْكَبُوها وَزِينَةً) ، ننصبها: ونجعلها زينة عَلَى فعل مضمر، مثل وَحِفْظاً «4» مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ) أي جعلناها. ولو لَمْ يكن فِي الزينة ولا فى (وَحِفْظاً) واو لنصبتها بالفعل الَّذِي قبلها لا بالإضمار. ومثله أعطيتك درهمًا ورغبة فِي الأجر، المعنى أعطيتكه رغبةً.
فلو ألقيت الواو لَمْ تَحتج إلى ضَمير لأنه متصل بالفعل الَّذِي قبله.
وقوله: وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ [9] يقال: هداية الطرق. ويقال السبيل، الإسلام
__________
(1) هو أبو جعفر كما فى الإتحاف وقد وافقه اليزيدي راوى أبى عمرو، وخالف فى هذا أبا عمرو.
(2) الآية 7 سورة البقرة.
(3) هو المفضل كما فى البحر المحيط 1/ 49.
(4) الآية 9 سورة الصافات.(2/97)
وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (14)
(وَمِنْها جائِرٌ) ، يقال: الجائر اليهوديّة والنصرانية. يدلّ عَلَى هَذَا أَنَّهُ «1» القول قوله (وَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ) .
وقوله: تُسِيمُونَ [10] ترعون إبلكم.
وقوله: مَواخِرَ فِيهِ [14] واحدها «2» ماخِرة وهو صوت جَرْي الْفُلْك بالرياح، وقد مَخَرت تَمْخَر وتمخُرُ.
وقوله: وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ [16] يُقال: الْجَدْي والفَرْقَدان.
وقوله: أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ [17] جعل (مَنْ) لغير الناس لَمَّا مَيَّزه فجعله مع الخالِق وصَلح، كما قَالَ: (فَمِنْهُمْ «3» مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى أَرْبَعٍ) والعرب تَقُولُ: اشتبه عَليّ الراكب وحمله فما أدرى من ذا من «4» ذا، حيث جمعهما واحدهما إنسان صلحت (مَن) فيهما جَميعًا.
وقوله: أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْياءٍ [21] رفعته بالاستئناف. وإن شئت رددته إلى أَنَّهُ خبر للذين فكأنه قَالَ: والذين تَدْعونَ من دون الله أَمْوات. الأموات فِي غير هَذَا الموضع أنَّها لا رُوح فيها يعني الأصنام. ولو كانت نصبًا عَلَى قولك يُخلقونَ أمواتًا عَلَى القطع «5» وَعَلَى وقوع الفعل أي ويخلقونَ «6» أمواتًا ليسوا بأحياء.
وقوله: (وَما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ) يقول: هي أموات فكيف تشعر متى تُبعث، يعنى
__________
(1) هذا بدل من قوله: «هذا» .
(2) الأولى: «واحدتها» .
(3) الآية 45 سورة النور.
(4) فى تفسير الطبري: «ومن ذا» .
(5) كانه يريد الحال. [.....]
(6) كأن الأصل: لا يخلقون أمواتا، وهذا بالبناء للفاعل وما قبله بالبناء للمفعول.(2/98)
وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْرًا لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ (30)
الأصنام. ويقال للكفار: وما يشعرون أيّان. وقرأ أَبُو عبد الرحمن السُّلَميّ (أَيَّانَ يُبْعَثُونَ) بكسر ألف (إِيَّان) وهي لغة لسُلَيم وقد سمعت بعض العرب يقول: متى إيوان «1» ذاك والكلام أوان ذَلِكَ.
وقوله: وَلَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ [30] جَنَّاتُ عَدْنٍ [31] .
ترفع الجنات لأنه اسم لنعم كما تَقُولُ: نعم الدار دارٌ تنزلها. وإن شئت جَعلت (وَلَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ) مكتفيًا بِما قبله، ثُمَّ تستأنف الجنات فيكون رفعها على الاستئناف. وإن شئت رفعتها بما عاد من ذكرها فى (يَدْخُلُونَها) .
وقوله: إِنْ تَحْرِصْ عَلى هُداهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ [38] قَرأها أصحابُ «2» عبد الله (يَهِّدي) يريدون: يهتدي مَن يُضلّ. والعربُ تَقُولُ للرجل: قد هَدَّى الرجلُ يريدون: اهتدى.
ومثله (أَمَّنْ لا يَهِدِّي «3» إِلَّا أَنْ يُهْدى) ، حَدَّثَنَا «4» مُحَمَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ حَدَّثَنِي الْحَسَن بن عيَّاش أخو أبي بكر بن عَيّاش وقيس بن الربيع وغيرهما عَن الأعمش عَن الشعبي عَن عَلقمة أَنَّهُ قرأ (لا يهدى من يضل) كذلك.
وقرأها أهلُ الحجاز (لا يُهْدَى من يُضلُّ) وهو وجهٌ جيّد لأنّها فِي قراءة أُبَيّ (لا هَادي لِمَن أضلّ الله) ومَنْ فِي الوجهين جَميعًا فِي موضع رفع ومن قَالَ (يُهْدَى) كانت رَفعًا إذ لَمْ يسم فاعلها ومن «5» قَالَ (لا يَهْدِي) يريد: يَهتدي يكون الفعل لمن.
__________
(1) كذا فى الأصول. وفى اللسان (أون) نقلا عن الكسائي، وفيه (أين) نقلا عن الفراء: «أوان» وكأن ما هنا إن صح نشأ من إشباع كسرة الهمزة.
(2) هى قراءة عاصم وحمزة والكسائي وخلف كما فى الإتحاف.
(3) الآية 35 سورة يونس وهو يريد قراءة حمزة والكسائي وخلف بفتح الياء وإسكان الهاء وتخفيف الدال
(4) سقط ما بين القوسين فى ا.
(5) كذا والأولى حذف الواو.(2/99)
إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (40)
وقوله: بَلى وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا [38] بَلى ليبعثنَّهم وعدًا عَلَيْهِ حقًّا. ولو كَانَ رفعًا عَلَى قوله:
بَلى ذَلِكَ وعد عَلَيْهِ حقٌّ كَانَ صوابًا.
وقوله: إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [40] القول مرفوع بقوله:
(أَنْ نَقُولَ) كما تَقُولُ: إِنَّما قولنا الحق. وأَمَّا قوله (فَيَكُونُ) فهي منصوبة «1» بالردّ عَلَى نقول.
ومثلها التي فِي يس منصوبة، وقد رَفعها أكثرُ القراء. وَكَانَ الْكِسَائي يردّ الرفع فِي النحل 94 ب.
وَفِي يس «2» وهو جائز عَلَى أن تجعل (أَنْ تَقُولَ لَهُ) كلامًا تامًا ثُمَّ تُخبر بأنه سيكون، كما تَقُولُ للرجل: إِنَّما يكفيه أن آمره ثُمَّ تَقُولُ: فيفعلُ بعد ذَلِكَ ما يُؤمر.
وقوله: (وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا [41] ذُكِرَ أنَّها نزلت فِي عَمَّار وصُهَيْب وبِلال ونظرائِهم الَّذِينَ عُذِّبُوا بمكّة (لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً) : نزول المدينة، ولنحَلِّلَنَّ لَهُم الغنيمة. و (الذين) موضعها رفع.
وقوله: وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالًا [43] ثم قال: بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ [44] بعد إلا وَصِلَةُ ما قبل إلا لا تتأخر بعد إِلّا. وَذَلِكَ جائز عَلَى كلامين. فمن ذَلِكَ أن تَقُولُ: ما ضربَ زَيْدًا إِلّا أخوك، وما مر بزيد إِلّا أخوك. (فإن قلت ما ضرب [سقط فى ا] إلا أخوك زيدًا أو ما مرّ إلا أخوك بزيد) فإنه عَلَى كلامين تريدُ مَا مَرّ إِلَّا أخوك ثُمَّ تَقُولُ: مَرّ بزيد. ومثله قولُ الأعشى:
وليس مُجيرًا إن أتى الحيَّ خائِفُ ... ولا قائلًا إِلَّا هُوَ المتَعَيَّبَا «3»
__________
(1) النصب قراءة ابن عامر والكسائي.
(2) فى الآية 82.
(3) من قصيدة له يهجو فيها عمرو بن المنذر ويعاتب بنى سعد بن قيس. ويذكر هذا فى وصف الغريب عن قومه وما يلاقيه من هوان وعجز، فهو لا يستطيع أن يجير خائفا، وإذا قيل فى المجلس قول معيب نسب إليه. والمتعيب من تعيبه عابه ونقصه، وهو وصف للقول. وانظر ديوانه نشر الدكتور كامل حسين ص 113.(2/100)
أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (47)
فلو كَانَ عَلَى كلمة واحدة كَانَ خطأ لأن المتعيّب من صلة القائِل فأخّره ونوى كلامين فجازَ ذَلِكَ.
وقال الآخر:
نُبِّئْتُهُمْ عَذَّبُوا بالنار جارتهُمْ ... وهل يعذِّب إِلَّا اللهُ بالنّارِ «1»
ورأيتُ الْكِسَائي يجعل (إِلّا) مع الجحد والاستفهام بِمنزلة غير فينصب ما أشبه هَذَا عَلَى كلمة واحدة، واحتجّ بقول الشاعر «2» :
فلم يَدْرِ إِلَّا اللهُ ما هيَّجت لَنَا ... أَهِلَّةُ أناءِ الديار وشامُهَا
ولا حجَّة لَهُ فِي ذَلِكَ لأنّ (ما) فِي موضع أي «3» فلها فعل مضمر عَلَى كلامين. ولكنه حَسُن قوله، يقول الله عَزَّ وَجَلَّ (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا) «4» فقال: لا أجد المعنى إِلَّا لو كَانَ فيهما آلهة غير الله لفسدتا، واحتجّ بقول الشاعر «5» :
أبنِي لُبَيْنَى لستُم بِيَدٍ ... إِلا يدٍ ليست لَهَا عَضد
فقال لو كَانَ المعنى إِلَّا كَانَ الكلام فاسدًا فِي هَذَا لأنِّي لا أقدر فِي هَذَا البيت عَلَى إعادة خافض بضمير وقد ذهب هاهنا مذهبًا.
وقوله: أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ [47] جاء التفسير بأنه التنقص. والعربُ تَقُولُ: تَحوَّفته بالحاء:
تنقّصته من حَافَاته. فهذا الَّذِي سَمعت. وقد أتى التفسير بالخاء و (هو «6» معنى) . ومثله ممّا قرىء
__________
(1) «جارتهم» كذا فى ا، ش. والمعروف فى الرواية: «جارهم» .
(2) هو ذو الرمة. والأنآء جمع نؤى، وهو ما يحفر حولى البيت يمنع المطر، والأهلة جمع هلال، وهو هنا ما استقوس واعوج من الأنآء، والشام جمع شامة وهى العلامة. وانظر الديوان 636.
(3) يريد أن (ما) استفهامية كأى الاستفهامية وليست موصولة فهى ليست معمولة للفعل السابق لأن الاستفهام له الصدر.
(4) الآية 22 سورة الأنبياء.
(5) هو أوس بن حجر. وانظر الكتاب 1/ 362، وشرح المفصل 2/ 90، واللسان فى (عبد) . [.....]
(6) فى الطبري «هما بمعنى» .(2/101)
بوجهين قوله (إِنَّ «1» لَكَ فِي النَّهارِ سَبْحاً طَوِيلًا) و (سبخا) «2» بالحاء والخاء. والسَّبخ:
السعة. وسمعت العرب تَقُولُ: سَبِّخي صُوفك وهو شبيه بالندف، والسَّبح نحو من ذَلِكَ، وكلّ صَواب بِحمد الله.
وقوله: يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ [48] الظِّلّ يرجع عَلَى كل شيء من جوانبه، فذلك تفيّؤه. ثُمَّ فَسَّر فقال: (عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمائِلِ) فوحّد اليمين وجَمَع الشمائل. وكل ذَلِكَ جائز فِي العربية.
قَالَ الشاعر «3» :
بِفِي الشامتين الصخر إن كَانَ هدّني ... رَزِيّة شِبْلَيْ مُخْدر فِي الضراغم
ولم يقل: بأفواهِ الشامتين. وقال الآخر «4» :
الواردون وثيم فى ذراسبأ ... قد عضَّ أعناقَهم جلدُ الجواميس
وقال الآخر/ 95:
فباست بنى عبس وأستاه طيّئ ... وباست بني دُودان حَاشَا بني نَصْرِ
فجمع وَوَحَّد. وقال الآخر:
كلوا فِي نصف بطنِكم تعيشوا ... فإنَّ زمانكم زَمَنٌ خميصُ «5»
فجاء التوحيد لأن أكثر الكلام يُواجه بِهِ الواحد، فيقال: خذ عَن يمينك وعن شِمالك لأن المكلم واحد والمتكلّم كذلك، فكأنه إذا وَحّد ذهب إلى واحد من القوم، وإذا جَمَع فهو الَّذِي لا مسألة فِيهِ. وكذلك قوله:
__________
(1) الآية 7 سورة المزمل.
(2) هذه قراءة ابن يعمر وعكرمة وابن أبى عبلة كما فى البحر المحيط 8/ 363. وهى قراءة شاذة.
(3) هو الفرزدق يرثى ابنين له. والمخدر: الأسد، والضراغم جمع ضرغم وهو الأسد أيضا. وانظر الديوان 764.
(4) هو جرير فى هجاء عمر بن لجأ التيمي. والرواية فى الديوان طبعة بيروت 252: «تدعوك ثيم وثيم ... أراد بعض جلد الجواميس أنهم أسرى وفى أعناقهم أطواق من جلد الجواميس.
(5) ورد فى أمالى ابن الشجري 1/ 311 و 2/ 38 و 343. وفيه: «تعفوا» فى مكان «تعيشوا» .(2/102)
بنى عقيل ماذه الخنافِقُ ... المالُ هَدْيٌ والنساءُ طالِقُ
وجبل يأوي إِلَيْهِ السارق «1»
فقال: طالق لأن أكثر ما يجري الاستحلاف بين الخصم والخصم، فجرى فِي الجمع عَلَى كثرة الْمُجرى فِي الأصل. ومثله (بِفِي الشامتين) وأشباهه.
وقوله: وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مِنْ دابَّةٍ [49] فقال: (مِنْ دابَّةٍ) لأن (ما) وإن كانت قد تكون عَلَى مذهب (الَّذِي) فإنها غير مؤقّتة، وإذا أبهمت غير موقّتة أشبهت الجزاء، والجزاء تدخل (من) فيما جاء من اسم بعده من النكرة. فيُقال: من ضربه من رجُل فاضربوه. ولا تسقط من فى هَذَا الموضع. وهو كَثِير فِي كتاب الله عزّ وجلّ. قال الله تبارك وتعالى (مَا أَصابَكَ «2» مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ) وقال (وَمَنْ «3» يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ) وقال «4» (أَوَلَمْ «5» يَرَوْا إِلى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ) ولم يقل فِي شيء منه بطرح (مِنْ) كراهية أن تَشبه أن تكون حالًا لِمَن وَمَا، فجعلوهُ بِمَن ليدلّ عَلَى أَنَّهُ تفسير لِمَا ومن لأنهما غير مؤقّتتين، فكان دخول (من) فيما بعدهما تفسيرا لمعناهما، وَكَانَ دخول (مِن) أدلَّ عَلَى ما لَمْ يوقّت مِن مَنْ وما، فلذلك لَمْ تُلْقَيَا «6» . ومثله قول الشاعر:
حاز لك الله ما آتاكَ من حسن ... وحيثما يقض أمرًا صالِحًا تكُنِ
وقال آخر.
عُمرا حَييت ومَن يشناكَ من أحد ... يَلْق الهوان ويلق الذلّ والغِيرا «7»
__________
(1) الخنافق جمع خنفقيق وهى الداهية. وانظر الخصائص 2/ 62.
(2) الآية 79 سورة النساء.
(3) الآية 124 سورة النساء.
(4) فى ا، ش، ب: «قوله» والمناسب ما أثبت وهو متصل بما قبله.
(5) الآية 48 سورة النحل.
(6) فى الطبري: «تلغيا» .
(7) غير الدهر أحداثه وفى ب: «العبرا» ويظهر أنه تحريف.(2/103)
وَلَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ (52)
فدلّ مجيء أحدها هنا عَلَى أَنَّهُ لَمْ يرد أن يكون ما جاء من النكرات حالًا للأسماء التي قبلها، ودلّ عَلَى أَنَّهُ مترجم «1» عَن «2» معنى من وما. ومما يدل أيضًا قول الله عَزَّ وَجَلَّ (وَما أَنْفَقْتُمْ «3» مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ) لأن الشيء لا يكون حالًا، ولكنه اسم مترجم.
وإنَّما ذكرت هَذَا لأن العرب تَقُولُ: لله دَرُّه من رجل، ثُمَّ يُلقون (من) فيقولون لله دره رجلًا.
فالرجل مترجم (لِمَا «4» قبله) وليس بِحال، إنَّما الحال التي تنتقل مثل القيام والقعود، ولم تُرد لله دَرّه فِي حال رجوليته فقط، ولو أردت ذَلِكَ لَمْ تمدحه كل المدح لأنك إذا قلت: لله درّك قائِمًا، فإنَّما تمدحه فِي القيام وحده.
فإن قلت: فكيف جاز سقوط من فِي هَذَا الموضع؟ قلت من قبل أن الَّذِي قبله مؤقت فلم أُبَلْ أن يخرج بطرح من كالحال، وَكَانَ فِي الجزاء غير موقت فكرهُوا أن تفسَّر حال عَن اسم غير موقّت فألزموها من. فإن قلت: 95 ب قد قالت العرب: ما أتاني من أحد وما أتاني أحد فاستجازوا إلقاء من. قلت: جاز ذَلِكَ إذ لَمْ يكن قَبل أحد وما أتى مثله شىء يكون الأحد لَهُ حالًا فلذلك قالوا:
ما جاءني من رجل وما جاءني رجل.
وقوله: وَلَهُ الدِّينُ واصِباً [52] معناهُ: دائمًا. يُقال: وَصَبَ يَصِب: دام. ويُقال: خالِصًا.
وقوله: وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ [53] (ما) فِي معنى جزاء وَلَهَا فعل مضمر، كأنك قلت: ما يكن بكم من نعمة فمن الله لأن الجزاء لا بد لَهُ من فعل مجزوم، إن ظهر فهو جزم وإن لَمْ يظهر فهو مضمر كما قَالَ الشاعر:
__________
(1) ضبط فى ابفتح الجيم والظاهر كسرها. [.....]
(2) ا: «على» .
(3) الآية 39 سورة سبأ.
(4) سقط فى ا.(2/104)
وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ (57)
إنِ الْعَقْلُ فِي أموالنا لا نضق بِهِ ... ذراعًا وإن صبرًا فَنعرفُ للصبر «1»
أراد: إن يكن فأضمرها. ولو جعلت (ما بِكُمْ) فِي معنى (الَّذِي) جاز وجعلت صلته (بِكم) و (ما) حينئذ فِي موضع رفع بقوله (فَمِنَ اللَّهِ) وأدخل الفاء كما قَالَ تبارك وتعالى (قُلْ إِنَّ «2» الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ) وكل اسم وصل، مثل من وما والذي فقد يَجوز «3» دخول الفاء فِي خبره لأنه مضارع للجزاء والجزاء قد يُجاب بالفاء. ولا يَجوز أخوك فهو قائم لأنه اسم غير موصول وكذلك مالك لي. فإن قلت: مالك جاز أن تَقُولَ: فهو لي. وإن ألقيت الفاء فصواب.
وما ورد عليك فقسه عَلَى هَذَا. وكذلك النكرة الموصولة. تَقُولُ: رجل يقول الحق فهو أحب إليّ من قائل الباطل. وإلقاء الفاء أجود فِي كله من دخولها.
والجُؤار «4» : الصوت الشديد. والثور يُقال لَهُ: قد جأرَ يَجْأَرُ جُؤارًا إذا ارتفعَ صوته من جوع أو غيره بالجيم. وكذلك (فَإِلَيْهِ تَجْئَرُونَ)
وقوله: وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ سُبْحانَهُ [57] نصب «5» لأنها مصدر، وفيها معنى من التعوّذ والتنزيه لله عَزَّ وَجَلَّ. فكأنّها بِمنزلة قوله (مَعاذَ «6» اللَّهِ) وبمنزلة (غُفْرانَكَ «7» رَبَّنا) .
وقوله: (لَهُمْ ما يَشْتَهُونَ) (ما) فِي موضع رفع ولو كانت نصبًا عَلَى: ويَجعلونَ لأنفسهم ما يشتهونَ لكان ذَلِكَ صوابًا. وإنمَّا اخترت الرفع لأن مثل ذا من الكلام يجعل مكان لهم لأنفسهم
__________
(1) ورد البيت فى أمالى ابن الشجري 2/ 236، وقال: «أراد» إن يكن العقل أي إن تكن الدية، وقوله:
(وإن صبرا) أي وإن نصبر صبرا بمعنى نحبس حبسا» وقوله: «نحبس» بالبناء للمفعول، وكانه يريد الحبس للقصاص، وقوله: فنعرف للصبر أي نخضع له ونقر.
(2) الآية 8 سورة الجمعة.
(3) ش: «يجاز» .
(4) أي فى قوله تعالى فى الآية (فَإِلَيْهِ تَجْئَرُونَ) .
(5) الحديث عن (سبحانه) .
(6) فى الآيتين 23، 79 سورة يوسف.
(7) فى الآية 285 سورة البقرة.(2/105)
ألا ترى أنك تَقُولُ: قد جعلت لنفسك كذا وكذا، ولا تَقُولُ: قد جعلت لك. وكل فعل أو خافض ذكرته من مكني عائد عَلَيْهِ مكنيًّا فاجعل مخفوضه الثاني بالنفس فنقول أنت لنفسك لا لغيرك، ثُمَّ تَقُولُ فِي المنصوب أنت قتلت نفسك وَفِي المرفوع أهلكتْكَ نفسك ولا تَقُولُ أهْلَكتك.
وإنَّما أراد بإدخال النفس تفرقة ما بين نفس المتكلم وغيره. فإذا كَانَ الفعل واقعًا من مكنيّ عَلَى مكنيّ سواه لَمْ تُدخل النفس. تَقُولُ غلامك أهلك مالك ثُمَّ تكني عَن الغلام والمال فتقول: هُوَ أهلكه، ولا تَقُولُ: هُوَ أهلك نفسه وأنت تريدُ المال، وقد تقوله العرب فِي ظننت وأخواتها من رأيت وعلمت وحسبت فيقولون: أظنُّني قائِمًا، ووجدتُني صالِحًا لنقصانِهما وحاجتهما إلى خبر سوى الاسم. وربما اضطر الشاعر فقال: عدمتُني وفقدتُني فهو جائز، وإن كَانَ قليلًا قَالَ الشاعر- وهو جِرَان الْعَوْد-:
لقد كَانَ بي عَن ضَرَّتين عدِمتُني ... وعمَا ألاقي منهما متَزحَزَح
هي الْغُول والسعلاة حَلْقي منهما ... مُخَدَّشُ ما فوق التراقي مكدَّح
وقوله: ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا [58] ولو كَانَ (ظل وجهه مسودٌّ) لكان صوابًا تجعل الظّلول للرجل ويكون «1» الوجه ومسود فِي موضع نصب كما قَالَ (وَيَوْمَ «2» الْقِيامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ) والظلول إذا قلت [96 ا] (مُسْوَدًّا) للوجه.
وقوله: أَيُمْسِكُهُ عَلى هُونٍ [59] الْهُون فِي لغة قريش: الهوان وبعض بني تَميم يجعل الهون مصدرًا للشيء الهين. قَالَ الْكِسَائي: سمعتُ العرب تَقُولُ: إن كنت لقليل هون المئونة مذ اليوم. وقال: سمعت
__________
(1) فى ش، ر «قد يكون» .
(2) الآية 60 سورة الزمر.(2/106)
وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنَى لَا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ (62)
الهوان فِي مثل هَذَا المعنى من بني «1» إنسان قَالَ قَالَ «2» لبعير لَهُ ما بِهِ بأس غير هوانه، يقول:
إنه هين خفيف الثمن. فإذا قالت العرب: أقبل فلان يَمْشِي على هَوْنه لَمْ يقولوه إلا بفتح الْهَاء، كقوله (يَمْشُونَ «3» عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً) وهي السكينة والوقار. حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ حَدَّثَنِي شُرَيك عَن جابر عَن عِكْرمة ومجاهد في قوله (يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً) قالا: بالسكينة والوقار، وقوله:
(أَيُمْسِكُهُ عَلى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ) يقول: لا يدرى أيّهما يفعل: أيمسكه أم يدسه فِي التراب، يقول:
بدفنها أم يصبر عليها وعلى مكروهها وهى الموؤدة، وهو مثل ضربه الله تبارك وتعالى:
ثم فسر المثل في قوله: لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ [60] ولو كَانَ (مَثَلُ السَّوْءِ) نصبًا لجازَ، فيكون فِي المعنى عَلَى قولك: ضَرَب للذين لا يؤمنون مثل السوء، كما كَانَ فِي قراءة أُبَيّ (وضربَ «4» مَثَلًا كَلِمَةً خَبِيثَةً) وقراءة العوام هاهنا وَفِي إِبْرَاهِيم بالرفع لَمْ نسمع أحدًا نَصَب.
وقوله: وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنى [62] أنّ فِي موضع نصب لأنه عبارة عَن الكذب. ولو قيل «5» : (وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ) تجعل الكذب من صفة الألسنة واحدها كذُوبٌ وكُذُب، مثل رسولُ ورُسُل. ومثله قوله (وَلا تَقُولُوا «6» لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ) ، وبعضهم يخفض (الكذب) يجعله مخفوضًا باللام التي فِي قوله (لِمَا) لأنه عبارة عَن (ما) والنصب فِيهِ وجه الكلام، وبه قرأت العوام. ومعناهُ: ولا تقولوا لوصفها الكذب.
وقوله (وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ) يقول: مَنسيّون فِي النار. والعربُ تَقُولُ: أفرطت منهم ناسا أي
__________
(1) كذا و (إنسان) على هذا أبو قبيلة ولم أقف عليه. وقد يكون «فى» أي فم.
(2) كذا بتكرر (قال) وكأن (قال) الأولى فاعلها الفراء و (قال) الثانية فاعلها العربي. [.....]
(3) الآية 63 سورة الفرقان.
(4) الآية فى قراءة الناس غير أبى: «ومثل كلمة خبيثة» فى الآية 26.
(5) جواب لو محذوف أي لجاز. وهى قراءة معاذ بن جبل وبعض أهل الشام كما فى البحر 5/ 506
(6) الآية 116 سورة النحل. وجاءت قراءة الكذب جمع الكذوب عن معاذ وابن أبى عبلة وبعض أهل الشام كما فى البحر 5/ 545(2/107)
وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ (66)
خلفتهم ونسيتهم. وتقرأ «1» (وأَنَّهُمْ مُفْرِطُونَ) بكسر الرَّاء، كانوا مُفرطين فِي سوء العمل لأنفسهم فِي الذنوب. وتقرأ «2» (مفرِّطُونَ) كقوله (يَا حَسْرَتى «3» عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ) يقول:
فيما تركت وضيّعت.
وقوله: نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ [66] العرب تَقُولُ لكل ما كَانَ من بطون الأنعام ومن السماء أو نَهر يَجري لقوم: أسْقَيت. فإذا سَقَاكَ الرَّجُلُ ماء لِشَفَتِكَ قالوا: سَقَاه. ولم يقولوا: أسْقَاهُ كما قَالَ الله عزّ وجل (وَسَقاهُمْ «4» رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً) وقال (وَالَّذِي «5» هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ) وربما قالوا لِمَا فِي بطون الأنعام ولماء السماء سَقى وأسقى، كما قَالَ لبيد:
سَقَى قومي بني مَجْد وأسقى ... نُميرا والقبائل من هلال «6»
رعوه مربعا وتصيّفوه ... بلا وبإ سُمَيّ ولا وَبَالِ
وقد اختلف الْقُراء فقرأ بعضهم «7» (نُسْقِيكُمْ) وبعضهم (نُسْقِيكم) .
وَأمَّا قوله (مِمَّا فِي بُطُونِهِ) ولم يقل بطونها فإنه قيل- والله أعلم- إنَّ النَّعَمَ والأنعام شيء واحد، وهما جَمعان، فرجع التذكير إلى معنى النَّعم إذ كَانَ يؤدي عَن الأنعام أنشدني بعضهم:
إذا رَأَيْت أنجمًا من الأسد ... جَبْهته أو الخرَاة والكَتَدْ
بال سُهَيْل فِي الفضيح. ففسد ... وطاب أَلْبَانُ اللقاح وبرد «8»
__________
(1) هى قراءة نافع.
(2) هى قراءة أبى جعفر.
(3) الآية 56 سورة الزمر.
(4) الآية 21 سورة الإنسان.
(5) الآية 79 سورة الشعراء.
(6) مجد: أم كلب وكلاب ابني ربيعة بن عامر بن صعصعة. وانظر الخصائص 1/ 370.
(7) هى قراءة نافع وابن عامر وأبى بكر عن عاصم ويعقوب. وقراءة الباقين بضم النون.
(8) انظر ص 129 من الجزء الأول.(2/108)
فرجع إلى اللبن لأن اللبن والألبان يكون فِي معنى واحد. وقال الْكِسَائي (نُسْقِيكُمْ مِمَّا بطونه) : بطون ما ذكرناهُ، وهو صواب، أنشدني بعضهم:
مثل الفراخ نَتَقَتْ حَواصلهْ»
وقال الآخر:
كذاك ابنة الأعيار خافى بسالة الرجال وأصلال الرجال أقاصِرُهْ «2» ولم يقل أقاصرهم. أصلال «3» الرجال: الأقوياء منهم.
وقوله (سائِغاً لِلشَّارِبِينَ) يقول: لا يَشرَق باللبن ولا يُغَصّ بِهِ.
وقوله تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً [67] هي الخمر قبل أن تُحَرَّم. والرزق الْحَسَن الزبيب والتمر وما أشبههما.
وقوله: وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ [68] ألهمَها ولم يأتها رسول.
وقوله: (أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ) وهي سقوف البيوت.
وقوله: (ذُلُلًا) [69] نعت للسبل. يُقال: سبيل ذَلُول وذُلُل للجمع ويقال: إن الذلل نعت للنحل أي ذللت لأن يخرج الشراب من بطونها.
وقوله (شِفاءٌ لِلنَّاسِ) يعني العسل دواء ويقال (فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ) يرادُ بالهاء القرآن، فِيهِ بيان الحلال والحرام:
__________
(1) انظر ص 130 من الجزء الأول.
(2) الأعيار جمع العير ومن معانيه السيد والملك، وكأن هذا هو المراد هنا. وقوله: «كذاك» فى اللسان (قصر) :
«إليك» وأقاصره جمع الأقصر. يقول لها: لا تعيبينى بالقصر فإن أصلال الرجال ودهاتهم أقاصرهم. وانظر ص 129 من الجزء الأول. [.....]
(3) هو جمع صل، وهو فى الأصل الحية.(2/109)
وقوله: لِكَيْلا يَعْلَمَ [70] .
يقول: لكيلا يعقل من بعد عقله الأول (شَيْئاً) وقوله: فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلى ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ [71] فهذا مثل ضرب الله للذين قالوا: إن عيسى ابنه تعالى الله عَمَّا يقول الظالِمونَ عُلُوًّا كبيرًا، فقال: أنتم لا تشركون عبيدكم فيما ملكتم فتكونون «1» سواء فِيهِ، فكيف جعلتم عبده شريكًا لَهُ تبارك وتعالى.
وقوله: وَحَفَدَةً [72] : والحفدة الأختان «2» ، وقالوا الأعوان. ولو قيل: الْحَفَد: كَانَ صوابًا لأن واحدهم حافد فيكون بِمنزلة الغائب والغَيْب والقاعد والقَعَد.
وقوله: وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ شَيْئاً [73] نصبت (شَيْئاً) بوقوع الرزق عَلَيْهِ، كما قَالَ تبارك وتعالى (أَلَمْ نَجْعَلِ «3» الْأَرْضَ كِفاتاً أَحْياءً وَأَمْواتاً) أي تكفت «4» الأحياء والأموات. ومثله (أَوْ إِطْعامٌ «5» فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيماً) ولو كَانَ الرزق مع الشيء لَجازَ خفضه: لا يملك لَهم رزق شيء من السموات.
ومثله قراءة من قرأ (فجزاءُ «6» مِثلِ ما قتلَ من النَّعَمِ) .
وقوله: (وَلا يَسْتَطِيعُونَ) وقال فِي أول الكلام (يَمْلِكُ) وَذَلِكَ أنَّ (ما) فى مذهب جمع لآلهتم التي يَعبدون، فوُحِّد (يَمْلِكُ) عَلَى لفظ (ما) وتوحيدها، وجُمع فِي (يَسْتَطِيعُونَ) عَلَى المعنى.
ومثله قوله (وَمِنْهُمْ «7» مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ) وَفِي موضع آخر (وَمِنْهُمْ «8» مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ)
__________
(1) فى الطبري: «فتكونوا» بالنصب فى جواب النفي، وقد جاء الرفع هنا على الاستئناف.
(2) فى الطبري عن بعضهم: «هم الأختان أختان الرجل على بنانه» وفيه عن بعضهم: «هم الأصهار» فالأختان على هذا: أزواج البنات. وفى القاموس أن الختن الصهر أو كل من كان من قبل المرأة كالأب والأخ.
(3) الآيتان 25، 26 سورة المراسلات.
(4) أي تضم وتجمع.
(5) الآيتان 14، 15 سورة البلد.
(6) الآية 95 سورة المائدة، وهو يريد القراءة بإضافة (جزاء) إلى (مثل) وهى قراءة غير عاصم وحمزة والكسائي ويعقوب وخلف كما فى الإتحاف.
(7) الآية 25 سورة الأنعام، والآية 16 سورة محمد.
(8) الآية 42 سورة يونس.(2/110)
ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (75)
ومثله (وَمَنْ «1» يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صالِحاً) و (يَعْمَلْ صالِحاً) فمن ذكره رَدّ آخره عَلَى أوّله «2» ، ومن أنَّثَ ذهب إلى أن (مَن) فِي موضع تأنيث، فذهبَ إلى تأنيثها. وأنشدنا بعضُ العرب:
هَيَا أُمَّ عَمْرو مَنْ يكن عُقْرَ دارِهِ ... جواءُ عدِيّ يأكلِ الحشرات «3»
ويسودَّ من لفح السّموم جبينُهُ ... ويَعْرَ وإن كانوا ذوي نَكرات «4»
فرجع فِي (كانوا) إلى معنى الجمع وَفِي قراءة عبد الله- فيما أعلم- (ومنكم «5» من يكون شيوخًا) ولم يقل (شَيْخًا) وقد قَالَ الفرزدق:
تَعَشَّ فإن واثقتني لا تَخونُني ... نكن مثل مَن يا ذئبُ يصطحبان
وأنت امرؤ يا ذئب والغدرُ كنتما ... أُخَيَّيْنِ كانا أُرضِعَا بِلِبانِ «6»
فثنى (يصطحبان) وهو فعل لمن لأنه نواه ونفسه.
وقوله: ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْداً مَمْلُوكاً [75] ضرب مثلًا للصنم الَّذِي يعبدون أَنَّهُ لا يقدر عَلَى شيء، (وَهُوَ كَلٌّ عَلى مَوْلاهُ) أي يحمله، فقال: هَلْ يستوي هَذَا الصنم (وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ) فقال: لا تُسوُّوا بين الصنم وبين الله تبارك وتعالى.
وقوله: وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعامِ [80] يعنى الفساطيط «7» للسفر، وبيوت العرب التي
__________
(1) الآية 31 سورة الأحزاب. وقراءة الياء لحمزة والكسائي وخلف، وقراءة التاء لغيرهم
(2) هو التذكير فى (يقنت) .
(3) عقر الدار أصلها، ويفسر بمحلة القوم. وقوله: «جواء عدى» ففى ش: «حوى» والجواء الواسع من الأودية، وهو أيضا موضع بالصمان فى نجد كما فى معجم البلدان، والحوى من معانيه الحوض الصغير.
(4) «نكرات» جمع نكرة- بالتحريك- وهو اسم من الإنكار، يراد به استنكار ما لا يوافقهم وذلك من سمات القدرة والحفيظة.
(5) كأن ذلك بدل قوله تعالى: «ومنكم من يرد إلى أرذل العمر» في الآيتين 70 سورة النحل، 5 سورة الحج. [.....]
(6) كان الفرزدق طرقه فى سفره ذئب فألقى إليه كتف شاة مشوية وذكر ذلك فى هذه القصيدة، واللبان الرضاع.
وانظر الديوان 870، وأمالى ابن الشجري 2/ 311
(7) جمع الفسطاط وهو بيت من الشعر.(2/111)
يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ (83)
من الصوف والشعر. والظعن يثقل فِي القراءة ويخفف «1» لأن ثانيه عين، والعربُ تفعل ذَلِكَ بِما كَانَ ثانيه أحد الستة «2» الأحرف مثل الشعر والبحر والنهر. أنشدني بعضُ العرب:
لَهُ نَعْل لا تَطَّبي الكلبَ ريحُها ... وَإِن وُضِعْتَ بين المجالس شمّت «3»
وقوله (أَثاثاً وَمَتاعاً) المتاع إلى حين يقول يكتفون بأصوافها إلى أن يَموتوا. ويُقال إلى الحين بعد الْحين.
وقوله: سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ [81] .
ولم يقل: البرد، وهي تقي الحر والبرد، فترك لأن معناهُ معلومٌ- والله أعلم- كقول الشاعر:
وما أدْرِي إِذَا يَمَّمْتُ وجهًا ... أريدُ الخيرَ أيُّهما يليني
يريد أي الخير والشر يليني لأنه إذا أراد الخير فهو يتقي الشرّ وقوله (لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ) وبلغنا عَن ابن عباس أَنَّهُ قرأ (لعلكم تَسْلمون) من الجراحات.
وقوله: يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ [83] يعني الكفارَ إذا قيل لَهُم، من رزقكم؟ قالوا: الله، ثُمَّ يقولون:
بشفاعة آلهتنا فيُشركونَ فذلك إنكارهم (نِعْمَتَ «4» اللَّهِ) .
[قوله] : فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ [86] آلهتهم ردّت عليهم قولهم (إِنَّكُمْ لَكاذِبُونَ) أي لَمْ ندعكم إلى عبادتنا.
وقوله: وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ [92] : من بعد إبرام. كانت تغزل
__________
(1) التخفيف أي إسكان العين لابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي وخلف. والتثقيل أي فتح العين للباقين.
(2) يريد أحرف الحلق. وهى الهمزة والهاء والعين والحاء والغين والخاء.
(3) من قصيدة لكثير فى رثاء عبد العزيز بن مروان. و «تطبى» : تدعو وتستميل يريد أن نعله من جلد مدبوغ فلا يقبل عليها الكلب. يصفه برقة نعله وطيب ريحها. وانظر الخصائص 2/ 9
(4) ا: «نعمته»(2/112)
وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (101)
الغزل من الصوف فتُبْرمه ثُمَّ تأمر جارية لَهَا بنقضه. ويُقال: إنها رَيطة (تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ) يقول: دَغَلا وخديعة.
قوله (أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبى مِنْ أُمَّةٍ) يقول: هي أكثر، ومعناهُ لا تغدروا بقوم لقلّتهم وكثرتكم أو قلّتكم وكثرتهم، وقد غررتموهم بالأيمان فسكنوا إليها 97 ب. وموضع (أدنى) نصب. وإن شئت رفعت كما تَقُولُ: ما أظن رجلًا يكون هُوَ أفضل منك وأفضل منك، النصب عَلَى الْعِمَاد «1» ، والرفع عَلَى أن تجعل (هُوَ) اسمًا. ومثله قول الله عَزَّ وَجَلَّ (تَجِدُوهُ «2» عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً) نَصْب، ولو كَانَ رفعًا كَانَ صَوَابًا.
وقوله: وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ [101] إذا نسخنا آية فيها تشديد مكان «3» آية ألين منها قَالَ المشركون: إنما يتقوله من نفسه ويتعلّمه من عائش مملوك كَانَ لِحُوَيطب بن عبد العزى كَانَ قد أسلم فحسن إسلامه وَكَانَ أعجم، فقال الله عَزَّ وَجَلَّ: لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ [103] يَميلونَ إِلَيْهِ ويهوونه (أَعْجَمِيٌّ) فقال الله: وَهَذَا لِسَانُ مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والقرآن عربيّ.
وقوله «4» : فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكاذِبُونَ [86] فكسرت «5» لأنّها من صلة القول.
ومن فَتَحها لو لَمْ تكن فيها لام فِي قوله لكاذبون جعلها تفسيرا للقول: ألقو إليهم إنكم كاذبون فيكون نصبًا لو لَمْ يكن فيها لام كما تَقُولُ: ألقيت إليك أنك كاذب. ولا يَجوز إلا الكسر عند دخول اللام، فتقول: ألقيت إليك إنك لكاذب.
وقوله: ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا مِنْ بَعْدِ ما فُتِنُوا [110] يقول: عذّبوا. نزلت فى عمّار
__________
(1) هو ضمير الفصل عند البصريين
(2) الآية 20 سورة المزمل
(3) كذا. وكأن الأصل: «بمكان» أي بوجود آية ألين منها، فسقطت الباء فى «بمكان» من الناسخ.
(4) سبق كلام على هذه الآية
(5) أي (إنكم)(2/113)
وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (112)
بن ياسر وأصحابه الَّذِينَ عُذبوا، حَتَّى أشرك بعضهم بلسانه وهو مؤمنٌ بقلبه فغفر الله لَهُم، فذلك قوله (إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) بعد الفعلة «1» .
وقوله: قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً [112] يعني مكة أنها كانت لا يُغارُ عليها كما تفعل العرب:
كانوا يتغاورون (مُطْمَئِنَّةً) : لا تنتقل كما تنتجع العرب الخصب بالنُّقْلة.
وقوله (مِنْ كُلِّ مَكانٍ) : من كلّ ناحية (فَكَفَرَتْ) ثم قال (بِما كانُوا يَصْنَعُونَ) ومثله فِي القرآن كَثِير. منه قوله (فَجاءَها «2» بَأْسُنا بَياتاً أَوْ هُمْ قائِلُونَ) ولم يقل: قائلة. فإذا قَالَ (قائِلُونَ) ذهب إلى الرجال، وإذا قَالَ (قائلة) فإنّما يعني أهلها، وقوله (فَحاسَبْناها «3» حِساباً شَدِيداً وَعَذَّبْناها عَذاباً نُكْراً فَذاقَتْ) .
وقوله (لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ) ابتُلوا بالجوع سبع سنين حَتَّى أكلوا العظامَ المحرقة والجِيفَ.
والخوفَ بُعُوث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وسراياه. ثُمَّ إن النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَقَّ لَهم فحمل إليهم الطعام وهم مشركون. قال الله عَزَّ وَجَلَّ لَهُم، كُلُوا (وَاشْكُرُوا «4» ) .
وقوله: لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهالَةٍ [119] كل من عمل سوءًا فهو جاهل إذا عمله.
وقوله: أُمَّةً قانِتاً [120] : مُعلمًا للخير.
وقوله: إِنَّما جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ [124] أتى موسى أصحابه فقال: تفرّغوا لله يوم الجمعة فلا تعلموا فيه شيئا، فقالوا: لا، بَلْ يوم السبت، فرغ الله فِيهِ من خَلْق السموات والأرض، فشُدد عليهم فِيهِ. وأتى عيسى النصارى بالجمعة أيضًا فقالوا: لا يكون عيدهم بعد عيدنا فصاروا إلى الأحد. فذلك اختلافهم وتقرأ «5» (إنما جَعَل 98 السبتَ نصبًا، أي جعل الله تبارك وتعالى.
__________
(1) يريد تفسير الضمير فى «بعدها»
(2) الآية 4 سورة الأعراف.
(3) الآيتان 8، 9 سورة الطلاق. [.....]
(4) ورد ذلك في الآية 114
(5) هى قراءة الحسن والمطوعى.(2/114)
سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (1)
وقوله: وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ [126] (نزلت فِي حَمْزَةَ «1» ) لِمّا مَثَّل المشركون بحمزة يوم أحد فقال النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لأمثّلَنّ بسبعين شيخًا من قريش فأنزل الله عَزَّ وَجَلَّ (وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ) ثُمَّ أمره بالصبر فقال (وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ ثُمَّ أمره بالصبر عزمًا فقال:
وَاصْبِرْ وَما صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ [127] .
وقوله (وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ) فالضيق ما ضاق عَنْهُ صدرك، والضيق ما يكون فِي الَّذِي يتسع مثل الدار والثوب وأشباه ذَلِكَ وإذا رأيت الضَّيق وقع فِي موقع الضيق كَانَ عَلَى وجهين: أحدهما أن يكون جَمعًا واحدته ضَيْقَة كما قَالَ «2» :
كَشَف الضَّيْقة عَنّا وَفَسَحْ
والوجهُ الآخر أن يُراد بِهِ شيء ضَيِّق فيكون مخففًا، وأصله التشديد مثل هين ولين تريد هيّن ليّن.
ومن سورة بنى إسرائيل
قوله: سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ. الحرم كله مسجد، يعني مكة وحرمها (إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى) : بيت المقدس (الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ) بالثمار والأنهار.
وقوله: (لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا) يعني النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين أُسْرِيَ بِهِ ليريه تِلْكَ الليلة العجائب. وأُري الأنبياء حَتَّى وصفهم لأهل مكة، فقالوا: فإن لنا إبلا فى طريق الشام فأخبرنا
__________
(1) هذه الجملة فى ا، ش، ب بعد «يوم أحد» والمناسب وضعها حيث وضعت
(2) هو الأعشى. وصدره:
فلئن ربك من رحمته(2/115)
بأمرها، فأخبرهم بآيات وعلامات، فقالوا: متى تقدَمُ؟ فقال: يوم كذا مع طلوعِ الشمس يقدُمها جَمل أورق. فقالوا: هَذِه علامات نعرف بِهَا صِدْقه من كذبه. فغدوا من وراء العقبة يستقبلونها، فقال قائل: هَذِه والله الشمسُ قد شَرَقت ولم تأتِ. وقال آخر: هَذِه والله العيرُ يقدُمها جَمل أورق كما قَالَ مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ثُمَّ لَمْ يؤمنوا.
وقوله: أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا [2] يُقال: رَبًّا، ويُقال: كافيًا.
وقوله: ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا [3] منصوبة عَلَى النداء ناداهم: يا ذُرِّية من حملنا مع نوح، يعني فِي أصلاب الرجال وأرحام النساء مِمّن لَمْ يُخْلَق.
وقوله: وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ [4] .
أعلمناهم أنهم سيفسدون مرتين.
وقوله: (فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما) يقول: عقوبة أولى المرتين، وهو أول الفسادين (بَعَثْنا عَلَيْكُمْ «1» عِباداً لَنا) يعني بُخْتَنصر فسَبَى وقتل.
وقوله: (فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ) يعني: قتلوكم بين بيوتكم (فَجاسُوا) فِي معنى أخذوا وحاسوا أيضًا بالحاء فِي ذَلِكَ المعنى.
وقوله: ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ [6] يعني عَلَى بختنصَّر جاء رجل بعثه الله عَزَّ وَجَلَّ عَلَى بختنصر فقتله وأعاد الله إليهم ملكهم وأمرهم، فعاشوا، ثُمَّ أفسدوا وهو آخر الفسادين.
وقوله: فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ [7] يقول القائل: أين جواب (إذا) ؟
ففيه وجهان. يقال: فإذا جاء وعد الآخرة بعثناهم ليسُوء الله وجوهكم «2» لِمن قرأ بالياء. وقد يكون
__________
(1) ا: «عليهم»
(2) هى قراءة ابن عامر وأبى بكر وحمزة وخلف، كما في الإتحاف.(2/116)
إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا (9)
ليسوء العذاب وجوهكم. وقرأها أبي بن كعب 98 ب (لِنَسُوءن وجوهَكم) بالتخفيف يعني النون.
ولو جعلتها مفتوحة اللام كانت جَوَابًا لإذا بلا ضمير فعل. تَقُولُ إذا أتيتني لأسُوءَنَّك ويكون دخول الواو فيما بعد (لنسوءن) بِمنزلة قوله (وَكَذلِكَ نُرِي «1» إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ) نريه «2» الملكوت، كذلك الواو فى (وَلِيَدْخُلُوا) تضمر لَهَا فعلًا «3» بعدها، وقد قُرئت (لِيَسُوءُوا وجوهكم) الذين «4» يدخلون.
وقوله: إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ [9] . يقول: لشهادة أن لا إله إلا الله.
(وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ) أوقعت البشارة عَلَى قوله (أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً) ويَجوز أن يكون المؤمنون بُشروا أيضًا بقوله (وَأَنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً) لأن الكلام يحتمل أن تَقُولُ: بشرت عبد الله بأنه سيعطى وأن عدّوه سيُمنع، ويكون «5» . ويبشر الَّذِينَ لا يؤمنون بالآخرة أنا أعتدنا لَهم عذابًا أليمًا، وإن لَمْ يوقع التبشير عليهم كما أوقعه عَلَى المؤمنين قبل (أنَّ) فيكون بِمنزلة قولك فِي الكلام بَشّرت أن الغيث آتٍ فِيهِ معنى بشرت الناس أن الغيث آتٍ وإن لَمْ تذكرهم. ولو استأنفْت (وَأَنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ) صلح ذَلِكَ ولم أسمع أحدًا.
قرأ بِهِ.
وقوله: وَيَدْعُ الْإِنْسانُ [11] حذفت الواو منها فِي اللفظ ولم تُحذف فِي المعنى لأنَّها فِي موضع رفع، فكان حذفها باستقبالها اللام السَّاكنة. ومثلها (سَنَدْعُ «6» الزَّبانِيَةَ) وكذلك
__________
(1) الآية 75 سورة الأنعام
(2) يريد أن متعلق الجار والمجرور فى قوله: «وليكون» هو فعل مقدر مؤخر وهو (نريه الملكوت)
(3) أي وليد خلوا المسجد قدرنا ذلك وكتبناه
(4) هذا تفسير للضمير فى (ليسوءوا)
(5) هذا وجه آخر والمراد بالتبشير هنا الإخبار، ولا يراعى فى الخير أنه سار
(6) الآية 18 سورة العلق(2/117)
(وَسَوْفَ «1» يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ) وقوله (يَوْمَ «2» يُنادِ الْمُنادِ) وقوله (فَما تُغْنِ «3» النُّذُرُ) ولو كن بالياء والواو كَانَ صَوَابًا. وهذا من كلام العرب. قَالَ الشاعر:
كفاكَ كفٌّ ما تُليق دِرْهمًا ... جُودًا وأخرى تُعْطِ بالسيف الدَّمَا «4»
وقال بعضُ الأنصار:
لَيْسَ تَخفى بشارتي قَدْر يومٍ ... ولقد تُخْفِ شِيمتي إعساري «5»
وقوله: (وَيَدْعُ الْإِنْسانُ بِالشَّرِّ دُعاءَهُ بِالْخَيْرِ) يريد كدعائه بالخير فِي الرغبة إلى الله عَزَّ وَجَلَّ فيما لا يحب الداعي إجابته، كدعائه عَلَى ولده فلا يُستجابُ لَهُ فِي الشر وقد دعا بِهِ. فذلك أيضًا من نِعَم الله عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ.
وقوله: فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ [12] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْجَهْمِ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ حَدَّثَنِي مِنْدَلُ بْنُ عَلِيٍّ عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنْ أَبِي حَرْبِ بْنِ أبى الأسود الدّؤلي رَفَعَهُ إِلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ: هُوَ اللَّطْخُ الَّذِي فِي الْقَمَرِ.
وقوله: وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ [13] وهو عمله، إن خيرًا فخيرًا وإن شرًا فشرًا (وَنُخْرِجُ لَهُ) قرأها يَحْيَى بن وثّاب بالنون «6» وقرأها غيره بالياء «7» مفتوحة: (وَيَخْرُجُ لَهُ) طائره، منهم مجاهدو الحسن. وقرأ أَبُو جَعْفَر المدني (ويُخرج ... له كتابًا) معناهُ: ويُخْرِج لَهُ عمله كتابًا.
وكلٌّ حسن.
__________
(1) الآية 146 سورة النساء
(2) الآية 41 سورة ق. [.....]
(3) الآية 5 سورة القمر
(4) تليق: تمسك. يصفه بالكرم والشجاعة. وقد ورد البيت فى اللسان (لوق) من غير عزو
(5) «بشارتى» كذا فى ا، ش. وفى اللسان (يسر) : يسارتى» واليسارة الغنى. وهذه الرواية ظاهرة. والبشارة الجمال وحسن المظهر. يريد أنه لا تظهر عليه الكآبة نوما.
(6) وكذا قرأها أكثر المفسرين.
(7) هى قراءة يعقوب، وقد وافقه الحسن وابن محيصن(2/118)
وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا (16)
وقوله: اقْرَأْ كِتابَكَ [14] : فيها- والله أعلم- (يُقال) مضمرة. مثل قوله (وَيَوْمَ تَقُومُ «1» السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ) ومثل قوله (فَأَمَّا الَّذِينَ «2» اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ) المعنى- والله أعلم-:
فيقال: أكفرتم.
وقوله: أَمَرْنا مُتْرَفِيها
[16] قرأ الأعمش 99 اوعاصم ورجال من أهل المدينة (أَمَرْنا)
خفيفة حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ حَدَّثَنِي سفيان بن عيينة عن حميد الأعرج عن مجاهد (أَمَرْنا)
خفيفة.
وفسّر بعضهم (أَمَرْنا مُتْرَفِيها)
بالطاعة (فَفَسَقُوا)
أي إن المترف إذا أُمر بالطاعة خالفَ إلى الفسوق «3» .
وَفِي قراءة أُبي بن كعب (بعثنا فيها أكابر مجرميها) وقرأ الْحَسَن (آمرَنا) وروى عَنْهُ (أمِرنا) ولا ندري أنّها حُفظت عَنْهُ لأنا «4» لا نعرف معناها هاهنا. ومعنى (آمرنا) بالمد: أكثرنا. وقرأ أَبُو العالية الرياحي (أمَّرنا مُتْرفيها) وهو موافق لتفسير ابن عباس، وَذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ: سلَّطْنَا رؤساءها ففسقوا فيها.
قوله: كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً [14] وكل ما فِي القرآن من قوله (وَكَفى بِرَبِّكَ) (وَكَفى بِاللَّهِ) و (كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ) فلو ألقيت الباء كَانَ الحرف مرفوعًا كما قَالَ الشاعر «5» :
ويُخبرني عَن غائب الْمَرْء هَدْيُه ... كَفَى الْهَدْيُ عَمَّا غَيَّب المرءُ مُخْبِرا
وإنّما يَجوز دخول الباء فِي المرفوع إذا كَانَ يُمدح بِهِ صاحبه ألا ترى أنك تَقُولُ: كفاكَ بِهِ ونَهاكَ بِهِ وأكرم بِهِ رجلًا، وبئس بِهِ رجلًا، ونعم بِهِ رجلًا، وطاب بطعامك طعامًا، وجادَ بثوبك ثوبًا. ولو لَمْ يكن مدحًا أو ذمًا لَمْ يجز دخولها ألا ترى أن الَّذِي يقول: قامَ أخوكَ أو قعد أخوك
__________
(1) الآية 46 سورة غافر
(2) الآية 106 سورة آل عمران.
(3) ب: «الفسق»
(4) روى عن أبى زيد أن (أمر) بكسر الميم كأمر بفتحها بمعنى أكثر. وانظر البحر 6/ 20
(5) هو زيادة بن زيد العدوى كما فى اللسان (هدى) . والهدى: السيرة والسمت.(2/119)
مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا (18)
لا يَجوز لَهُ أن يقول: قام بأخيك ولا قعد بأخيك إلا أن يُريد قام بِهِ غيره وقعد بِهِ.
وقوله: عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ [18] أي ذَلِكَ منا لِمن نريد.
وقوله: كُلًّا نُمِدُّ هؤُلاءِ أوقعت عليهما نُمد أي نُمدهم جَميعًا أي نرزق المؤمن والكافر من عطاء ربّك.
وقوله: وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا [23] كقولك: أمر ربك وهي فِي قراءة عبد الله (وَأَوْصَى ربَك) وقال ابن عباس هي (وَوَصَّى) التصقت واوها. والعربُ تَقُولُ تركته يقضي أمور الناس أي يأمر فيها فينفذ أمره.
وقوله (وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً) معناهُ: وأوصى بالوالدين إحسانًا. والعرب تَقُولُ أوصيكَ بِهِ خيرًا، وآمرك بِهِ خيرًا. وَكَانَ معناهُ: آمرك أن تفعل بِهِ ثُمَّ تحذف (أنْ «1» ) فتوصل الخير بالوصية وبالأمر، قَالَ الشاعر:
عجبتُ من دَهْمَاء إذ تشكونا ... ومن أبي دهماء إذ يوصينا
خيرًا بِهَا كأننا جافونا
وقوله: (إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ) فإنه ثنى «2» لأن الوالدين قد ذكر قبله فصار الفعل عَلَى عددهما، ثُمَّ قَالَ (أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما) على الائتناف «3» كقوله (ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا «4» ) ثم استأنف فقال: (كَثِيرٌ مِنْهُمْ) وكذلك قوله (لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا «5» النَّجْوَى) ثم استأنف فقال:
(الَّذِينَ ظَلَمُوا) وقد قرأها ناس كَثِير (إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ) جعلت (يَبْلُغَنَّ) فعلًا لأحدهما. فكررت «6» ب فكرت عَلَيْهِ كلاهما.
__________
(1) يريد (أن) ومعمولها من الفعل
(2) هى قراءة حمزة والكسائي وخلف.
(3) كأن المراد أن يكون الكلام على تقدير فعل أي إن يبلغ أحدهما أو كلاهما كما جاء فى إعراب العكبري والمعروف أن (أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما) بدل من الضمير فى (يَبْلُغَنَّ) ، وكذا ما بعده مما جعله على الائتناف هو يدل من الضمير فى الفعل قبله عند الكثير، وعند الفراء فاعل لفعل مقدر.
(4) الآية 71 سورة المائدة [.....]
(5) الآية 3 سورة الأنبياء
(6) يريد: عطفت. وفى ا، ش: «فكرت»(2/120)
وقوله (فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ) قرأها عَاصِم بن أبي النجود والأعمش (أُفِّ) خفضًا بغير نون. وقرأ العوامّ (أفّ) فالذين خفضوا ونوَّنوا ذهبوا إلى أنها صوت لا يُعرف معناهُ إلا بالنطق بِهِ فخفضوه كما تُخفض الأصوات. من ذَلِكَ قول العرب: سمعت طاقٍ طاقٍ لصوت الضرب، ويقولون:
سمعت تغٍ تغٍ لصوت الضحك. والذين لَمْ ينونوا وخفضوا قالوا: أفّ عَلَى ثلاثة أحرف، وأكثر الأصوات إنما يكون عَلَى حرفين مثل صَهْ ومثل يغ ومَهْ، فذلك الَّذِي يُخفض ويُنَوَّن فِيهِ لأنه متحرك الأول. ولسنا بمضطرين إلى حركة الثاني من الأدوات وأشباهِها فيُخْفَض «1» فخفض بالنون:
وشبهت أفَّ بقولك مُدَّ ورُدَّ إذ كانت عَلَى ثلاثة أحرف. ويدل عَلَى ذَلِكَ أن بعض العرب قد رفعها فيقول أفُّ لك. ومثله قول الراجز:
سألتُها الوصلَ فقالت مِضِّ ... وحَرَّكت لي رأسها بالنَغْض «2»
كقول «3» القائل (لا) يقولها بأضراسه. ويُقال: ما علّمك أهلك إلا (مضِّ «4» ومِضُّ) وبعضهم:
إلا مِضّا يوقع عليها الفعل. وقد قَالَ بعضُ العرب: لا تقولن له أُفا ولا تُفّا يجعل كالاسم فيصيبه الخفض والرفع [والنصب] ثبت فِي ب والنصب «5» بلا نون يَجوز كما قالوا رُدّ. والعربُ تَقُولُ: جعل يتأفف من ريح وجدها، معناهُ يقول: أفِّ أفِّ. وقد قَالَ الشاعر «6» فيما نُوّن:
وقفنا فقلنا إِيهِ عَن أمّ سالِمٍ ... وَمَا بال تكليم الديار البلاقع
__________
(1) فى الأصول: «فخفض» والمناسب ما أثبت. ويريد بالأدوات نحو ليت
(2) النغض تحريك الرأس
(3) فى اللسان (مضض) فى نقل عبارة الفراء: «مض كقول القائل ... » وهى ظاهرة.
(4) فى ا: «مض» وفى ش، ب «إض ومض» وما أثبت من اللسان فى (مضض)
(5) ا، ش: «إحنا» وما أثبت من اللسان فى الموضع السابق
(6) هو هو ذو الرمة، وإيه استزادة فى الحديث وأصلها التنوين. ولذلك يقول الفراء: «فيما نون» . وانظر الديوان 356.(2/121)
وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا (28)
فحذف النون لأنها كالأداة، إذ كانت عَلَى ثلاثة أحرف، شُبِّهت بقولِهم: جَيْر «1» لا أفعل ذَاك، وقد قَالَ الشاعر «2» :
فقُلْن عَلَى الفردوس أوَّل مشرب ... أجل جير إن كانت أبيحت دعاثره
وقوله: وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ [24] بالضم قرأها العوام. حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ حَدَّثَنِي هُشيم عَنْ أبي بشر جَعْفَر بن إياس عَن سعيد بن جبير أَنَّهُ قرأ (واخفض لهما جناحَ الذِّلّ) بالكسر. قَالَ: حَدَّثَنَا الفراء وَحَدَّثَنِي الحكم بن ظُهير عَن عَاصِم بن أبي النجود أَنَّهُ قرأها (الذِّلّ) بالكسر. قَالَ أَبُو زكريا: فسألتُ أبا بكر عنها «3» فقال: قرأها عَاصِم بالضم. والذُلّ من الذلة أن يتذلل وليس بذليل فِي الخلقة، والذلة والذل مصدر «4» الذليل والذِّل مصدر للذلول مثل الدابَّة والأرض. تَقُولُ: جَمَل ذَلُول، ودابة ذَلُول، وأرض ذَلول بينة الذل.
وقوله: وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ [28] يقول: إذا أتتك قرابتك أو سواهم من المحتاجين يسألونك فأعرضت لأنه لا شيء عندك تعطيهم فقل لهم: قولا ميسورا، يقول: عِدْهُم عِدة حَسَنةً. ثُمَّ نَهاهُ «5» أن يعطي كل ما عنده حَتَّى لا يبقى محسورًا لا شيء عنده. والعرب تَقُولُ للبعير:
هُوَ محسور إذا انقطعَ سيره وحسرت الدابة إذا سرتها حَتَّى ينقطع سيرها. وقوله: (يَنْقَلِبْ «6» إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ) يحسر عند أقصى بلوغ المنظر.
__________
(1) جبر بمعنى نعم أو حتا. وهو يجرى مجرى القسم.
(2) هو مضرس بن ربعى الأسدى. والفردوس موضع فى بلاد بنى يربوع. والدعائر جمع دعثور وهو الخوض المتهدم وأصله دعاثيره فحذف الياء للضرورة، والضمير فى «دعائره» للفردوس أو للمشرب. يقول: إن النسوة ارتحلن وذكرن أن أول منهل يصادفنه فى رحلتهن فى الفردوس، فأجابهن الشاعر: حقا ذلك تشربن من هذا الموضع إن أبيحت حياضه ولم تمنع. هذا ويذكر البغدادي فى شرح شواهد المغني فى مبحث جير أن الرواية فى البيت:
وقلن ألا الفردوس أول محضر ... من الحي إن كانت أبيرت دعاثره
وانظر أبياتا مع هذا فى معجم البلدان فى (الفردوس)
(3) فى ش: «عنهما» والمناسب ما أثبت أي عن هذه القراءة. وأبو بكر هو أحد رواة عاصم.
(4) أي كلاهما مصدر الذليل. والأولى: «مصدرا الذليل» .
(5) أي فى قوله تعالى فى الآية التالية: «وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا»
(6) الآية 4 سورة الملك. [.....](2/122)
وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا (31)
وقوله: خِطْأً كَبِيراً [31] وقرأ الْحَسَن خَطَاء «1» كبيرًا بالمد. وقرأ أَبُو جَعْفَر المدني (خَطَأ كبيرًا) قَصَر وهمز. وكل صواب. وكأن الخطأ الإثم. وقد يكون فِي معنى خَطَأ بالقصر.
كما قالوا: قِتْب «2» وقَتَب، وحِذْرٌ وَحَذَرٌ، ونجسٌ ونَجَسٌ. ومثله قراءة من قرأ (هم «3» أولاء على أثرى) و (إثرى) .
وقوله: وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً [33] فِي الاقتصاص أو قبول الدية.
ثُمَّ قَالَ: (فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ) فقرئت بالتاء «4» والياء. فمن قَالَ بالياء ذهبَ إلى الولي أي لا يقتلنَّ غير قاتله. يقول فلا يُسرف لولي فِي القتل. قَالَ: حدّثنا القراء قَالَ وَحَدَّثَنِي غَيْرُ وَاحِدٍ، مِنْهُمْ مِنْدَلٌ وَجَرِيرٌ وَقَيْسٌ عَنْ مُغِيرَةَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ أَنَّهُ قَرَأَ (فَلا تُسْرِفْ) بِالتَّاءِ.
وَفِي قراءة أُبَيّ (فلا يُسْرِفوا فِي القتل) .
وقوله (إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً) يُقال: إن وليَّه كَانَ منصورًا. ويُقال الْهَاء للدم. إن دم المقتول كَانَ منصورًا لأنه ظلم. وقد تكون الْهَاء للمقتول نفسه، وتكون للقتل لأنه فعل فيجري مجرى الدم والله أعلمُ بصواب ذَلِكَ.
وقوله: حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ [34] حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ وَحَدَّثَنِي حِبَّانُ بْنُ عَلِيٍّ عَنِ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الأَشُدُّ. مَا بَيْنَ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ إِلَى ثَلاثِينَ.
وقوله: وَلا تَقْفُ [36] أكثر القراء يجعلونها من قفوت، فتحرَّك الفاء إلى الواو، فتقول (وَلا تَقْفُ) وبعضهم قَالَ (ولا تَقُفْ «5» ) والعربُ تَقُولُ قُفْت أثره وقفوته. ومثله يعتام ويعتمى «6»
__________
(1) المنسوب إلى الحسن فى الإتحاف فتح الخاء وسكون الطاء.
(2) القتب والقتب: إكاف البعير.
(3) الآية 84 سورة طه.
(4) القراءة بالتاء لحمزة والكسائي وخلف، وبالياء لغيرهم.
(5) فى البحر نسبتها إلى معاذ القارئ.
(6) أي يختار.(2/123)
كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا (38)
وقاع الجمل الناقة وقعا إذا ركبها، وعاث وعَثَى من الفساد. وهو كَثِير، منه شاك السلاح وشاكي السلاح، وجُرْف هارٌ وهارٍ. وسمعت بعض قُضَاعة يقول: اجتحى ماله واللغة الفاشية اجتاح ماله.
وقد قَالَ الشاعر:
ولو أني رأيتك من بعيد ... لعاقكَ من دعاء النِّيب عَاقِي
يريد: عائق
حَسِبْتَ بُغَامَ راحِلَتي عَنَاقًا ... وما هِيَ وَيْبَ غَيْرِكَ بالعَنَاق «1»
وقوله: كُلُّ ذلِكَ كانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً [38] وقرأ بعض «2» أهل الحجاز (كانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً) .
وقوله: تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ [44] .
أكثر القراء عَلَى التاء. وهي فِي قراءة عبد الله (سبَّحت لَهُ السموات السبع) فهذا يقوِّي الَّذِينَ قرءوا بالتاء. ولو قرئت «3» بالياء لكان صوابا كما قرءوا (تَكادُ «4» السَّماواتُ) و (يكادُ) «5» وإنَّما حسنت الياء لأنه عدد قليل، وإذا قلَّ العدد من المؤنث والمذكر كانت الياء فِيهِ أحسن من التاء قَالَ الله عَزَّ وَجَلَّ فِي المؤنث القليل (وَقالَ نِسْوَةٌ «6» فِي الْمَدِينَةِ) ، وقال فِي المذكر (فَإِذَا «7» انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ) فجاء بالتذكير. وَذَلِكَ أن أول فعل المؤنث إذا قلّ يكون بالياء، فيقال:
النسوة يقمن 100 ب. فإذا تقدم الفعل سقطت النون من آخره لأن الاسم ظاهر فثبت الفعل من أوله على
__________
(1) انظر ص 62 من الجزء الأول.
(2) القراءة الأولى لابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي وخلف وافقهم الحسن والأعمش والقراءة الآخرة للباقين.
(3) هى قراءة نافع وابن كثير وابن عامر وأبى بكر وأبى جعفر ورويس كما فى الإتحاف.
(4) الآية 90 سورة مريم.
(5) هى قراءة نافع والكسائي.
(6) الآية 30 سورة يوسف.
(7) الآية 5 سورة التوبة.(2/124)
وَقَالُوا أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا (49)
الياء، ومن أنث ذهبَ إلى أن الجمع يقع عَلَيْهِ (هَذِه) فأنَّث لتأنيث (هَذِه) والمذكر فِيهِ كالمؤنث ألا تَرى أنك تَقُولُ: هَذِه الرجال، وهذه النساء. حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: حَدَّثَنِي قيس بن الربيع عن عمار الدهني عَن سعيد بن جبير قَالَ: كل تسبيح فِي القرآن فهو صلاة، وكل سلطان حُجّة، هَذَا لقوله (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ) .
وقوله: عِظاماً وَرُفاتاً: الرفات: التراب لا واحد لَهُ، بِمنزلة الدُّقَاق والحطام.
وقوله: أَوْ خَلْقاً مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ [51] قالوا للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أرأيت لو كُنّا الموت من يميتنا؟ فأنزل الله عَزَّ وَجَلَّ (أَوْ خَلْقاً مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ) يعني الموت نفسه أي لبعث الله عليكم من يميتكم.
وقوله (فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُسَهُمْ) يُقال أنغض رأسه أي حرَّكه إلى فوق وإلى أسفل.
وأرانا ذَلِكَ أَبُو زكريا «1» فقال برأسه، فألصقه بِحَلْقِه ثُمَّ رفعه كأنه ينظرُ إلى السّقف. والرأس ينغض وينغض. والثنيّة إذا تحركت: قيل نغضت سنة. وإنما يسمى الظليم نَغضًا لأنه إذا عجل مشيه ارتفع وانخفض.
وقوله: (وَيَقُولُونَ مَتى هُوَ) يعني البعث.
وقوله: وَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا [54] يقول: حافظا وربّا.
وقوله: زَبُوراً [55] قال الفراء وَحَدَّثَنِي أَبُو بكر قَالَ كَانَ عَاصِم يقرأ (زَبُوراً) بالفتح فِي كل القرآن. وقرأ حَمْزَةُ بالضم.
وقوله: أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ [57] يعني الجن الَّذِينَ كانت خُزاعة تعبدهم. فقال الله عز وجل (أُولئِكَ) يعني الجن الَّذِينَ (يَدعونَهم) يبتغونَ إلى الله. ف (يَدْعُونَ) فعل للذين يعبدونهم. و (يَبْتَغُونَ) فعل للجنّ به «2» ارتفعوا.
__________
(1) أي أشار برأسه وفعل. وفى النهاية: العرب تجعل القول عبارة عن جميع الأفعال، وتطلقه على غير الكلام واللسان فتقول: قال بيده أي أخذ وقال برجله أي مشى.» [.....]
(2) يريد أن الضمير فى (يبتغون) ارتفع بالفعل.(2/125)
وقوله: وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوها [58] بالموت (أَوْ مُعَذِّبُوها عَذاباً شَدِيداً) بالسيف.
وقوله: وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ [59] (أنْ) فِي موضع نصب (إِلَّا أَنْ كَذَّبَ) أن فِي موضع رفع كما تَقُولُ: ما منعهم الإيمان إلَّا تكذيبهم.
وقوله (النَّاقَةَ مُبْصِرَةً) جعل الفعل لَهَا. ومن «1» قرأ (مَبْصَرة) أراد: مثل قول عنترة.
والكفر مَخبثَة لنفس المنعم «2»
فإذا وضعت مفعلة فِي معنى فاعل كفت من الجمع والتأنيث، فكانت موحدة مفتوحة الْعَين، لا يجوز كسرها. العرب تَقُولُ: هَذَا عُشْب مَلْبَنَة «3» مسمنة «4» ، والولد مبخلة مجبنة. فما ورد عليك منه فأخرجه عَلَى هَذه الصورة. وإن كَانَ من الياء والواو فأظهرهما. تَقُولُ: هَذَا شراب مَبْولة، وهذا كلام مهيبة للرجال «5» ، ومتيهة، وأشباه ذَلِكَ. ومعنى (مبصرة) مضيئة، كما قَالَ الله عز وجل (والنَّهارَ مُبْصِراً) : «6» مضيئا.
وقوله: إِنَّ رَبَّكَ أَحاطَ بِالنَّاسِ [60] يعني أهل مكة أي أَنَّهُ سيفتح لك (وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً) يريد: ما أريناكَ ليلة الإسراء إلا فتنة لَهُم، حَتَّى قَالَ بعضهم: ساحر، وكاهن، وأكثروا. (وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ) هي شجرة الزَّقوم، نصبتها بجعلنا. ولو رُفعت تُتْبَع الاسم «7» الَّذِي فِي فتنة من الرؤيا كَانَ صوابًا. ومثله فِي الكلام جعلتك عاملًا وزيدا وزيد.
__________
(1) هو قتادة كما فى البحر 6/ 53
(2) صدره:
نبئت عمرا غير شاكر نعمتى
وهو من معلقته.
(3) أي يغزر عليه اللبن إذا رعى.
(4) أي يكثر السمن فى لبن المال إذا رعاه.
(5) ش، ب: «للرجل»
(6) الآيات 67 سورة يونس، 86 سورة النمل، 61 سورة غافر.
(7) كأنه يريد الضمير فى (فتنة) وعند الكوفيين أن الخبر الجامد يتحمل ضميرا. وفى العكبري أن الرفع قراءة شاذة وأنه على جعل (الشجرة) مبتدأ محذوف الخبر أي فتنة(2/126)
قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا (62)
وقوله: لَأَحْتَنِكَنَّ 101 ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا [62] يقول: لأستولينّ عليهم (إِلَّا قَلِيلًا) يعنى المعصومين.
وقوله: وَاسْتَفْزِزْ [64] يقول استخفّ (بِصَوْتِكَ) بدعائك (وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ) يعني خيل المشركين ورجالهم.
وقوله (وَشارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ) كل مال خالطه حرام فهو شركُهُ. وقوله (وَعِدْهُمْ) أي قل لَهُم: لا جنّة ولا نار. ثُمَّ قَالَ الله تبارك وتعالى (وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلَّا غُرُوراً) .
وقوله: لا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنا بِهِ تَبِيعاً [69] يُقال: ثائرًا وطالبًا. فتبيع فِي معنى تابع.
وقوله: يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ [71] قراءة العوامّ بالنون. و (يدعوا «1» ) أيضًا لله تبارك وتعالى. حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا الفراء قَالَ: وسألني هُشيم فقَالَ: هَلْ يجوز (يوم يدعوا كُلُّ أناس) روَوه عَن الْحَسَن فأخبرته أني لا أعرفه، فقال: قد سألتُ أهل العربية عَن ذَلِكَ فلم يعرفوه «2» .
وقوله: وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى [72] يعنى: فى نعم الدُّنْيَا التي اقتصصناها عليكم (فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ) فى نعم الآخرة (أَعْمى وَأَضَلُّ سَبِيلًا) .
والعرب إذا قالوا: هُوَ أفعل منك قالوه فِي كل فاعل وفَعِيل، وما لا يزاد فِي فعله شيء عَلَى ثلاثة أحرف. فإذا كان على فعللت مثل زخرفت، أو أفعلت مثل احمررت واصفررت لَمْ يقولوا: هُوَ أفعل منك إلا أن يقولوا: هُوَ أشد حمرةً منك، وأشد زخرفةً منك. وإنما جازَ فِي العمى لأنه لَمْ يُرد بِهِ عمى الْعَين، إنّما أراد بِهِ- والله أعلم- عَمَى القلب. فيُقال: فلان أعمى من فلان فِي القلب
__________
(1) هى قراءة الحسن.
(2) فى الكشاف أن هذا جاء على قلب الألف واوا فى لغة من يقول: أفعو فى أفعى.(2/127)
وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا وَإِذًا لَا يَلْبَثُونَ خِلَافَكَ إِلَّا قَلِيلًا (76)
و (لا تقل) «1» : هُوَ أعمى منه فِي الْعَين. فذلك أَنَّهُ لَمَّا جاء عَلَى مذهب أحمر وحمراء تُركَ فِيهِ أفعل منك كما تُرِكَ فِي كثيره «2» . وقد تَلْقَى بعض النحويين يقول: أُجيزه فِي الأعمى والأعشى والأعرج والأزرق، لأنا قد نقول: عمي وزرق وعرج وعَشِي ولا نقول: صَفِر ولا حَمِر ولا بيض. وليس ذَلِكَ بشيء، إنما ينظر فِي هَذَا إلى ما كَانَ لصاحبه فِيهِ فعل يقلّ أو يكثر، فيكون أفعل دليلًا عَلَى قلة الشيء وكثرته ألا ترى أنك قد تَقُولُ: فلان أقوم من فلان وأجمل لأن قيام ذا وجَمَالَه قد يزيد عَلَى قيام الآخر وجماله، ولا تَقُولُ لأعميين: هَذَا أعمى من هَذَا، ولا لميتين: هَذَا أموت من هَذَا.
فإن جاءك منه شيء فِي شعر فأجزته احتمل النوعان «3» الإجازة: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ حَدَّثَنِي شيخ من أهل البصرة أَنَّهُ سمع العرب تَقُولُ: ما أسود شعره. وسئل الفراء عَن الشيخ فقال: هَذَا بشار الناقط. وقال الشاعر «4» :
أمّا الملوك فأنتَ اليومَ ألأمهم ... لُؤمًا وأبيضهم سِرْبَالَ طبَّاخ
فمن قَالَ هَذَا لزمه أن يقول: الله أبيضك والله أسْوَدك وما أسْوَدَك. ولُعبة للعرب يقولون أبيضي حالا «5» وأسيدي حالا «6» والعربُ تَقُولُ مُسْوِدة مُبيضة إذا ولدت السُّودان والبيضان وأكثر ما يقولون: مُوضحة إذا ولدت البيضان وقد يقولون مسيدة 101 ب.
وقوله: وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ [76] لَمّا قدم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة حسدته اليهود وثَقُلَ عليهم مكانه، فقالوا: إنك لتعلم أن هَذِه البلاد ليست ببلاد الأنبياء، إنما بلادهم
__________
(1) ا: «لم يقل» .
(2) كأنه يريد مازاد على ثلاثة أحرف كاحمر.
(3) كأنه يريد بالنوعين ما ليس له فعل ثلاثى، وماله فعل ثلاثى ولا تفاوت فيه ولا تفاضل.
(4) هو طرفة بن العبد، يقوله فى هجاء عمرو بن هند، كما فى التاج. والسربال: الثوب. كنى ببياض سربال طباخه عن قلة طبخه فيبقى سرباله نظيفا، وهذا يراد به البخل وأنه لا يبذل طعامه، إذ لو كان كذلك لاسود سربال طباخه ويقول ابن الكلبي: إن هذا الشعر منحول لطرفة. وانظر الخزانة 3/ 484 [.....]
(5، 6) فى القاموس: «حبالا» وقد نقل هذا عن الصاغاني. وفى التكملة له «حالا» كما هنا فيبدو أنه الصواب.
ولم أقف على وصف هذه اللعبة.(2/128)
الشام. فإن كنت نبيًّا فاخرج إِلَيْهِ، فإن الله سينصرك. قَالَ: فعسكر النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أميالٍ من المدينة فأنزل الله: (وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ) ليستخفونك وإذا لا يلبثون من الأرض (خِلافَكَ إِلَّا قَلِيلًا) يقول: إنك لو خرجت ولم يؤمنوا لنزل بِهم العذاب.
وقوله: سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنا قَبْلَكَ [77] نصب السنة عَلَى العذاب المضمر، أي يُعذبون كسنة من قد أرسلنا (وَلا تَجِدُ لِسُنَّتِنا تَحْوِيلًا) .
وقوله: أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ [78] .
جاء عَن ابن عباس قَالَ: هُوَ زَيغوغتها وزوالها للظهر. قَالَ أَبُو زكريّا: ورأيت العرب تذهب بالدلوك إلى غياب الشمس أنشدني بعضهم:
هَذَا مَقَام قدَمَيْ رَبَاحِ ... ذبَّبَ حَتَّى دَلَكتْ بِراحِ
يعني الساقي ذبَّب: طرد الناس. براح يقول: حَتَّى قَالَ «1» بالراحة عَلَى الْعَين فينظر هَلْ غابت قَالَ: هكذا فسَّروه.
وقوله (إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ) : أوّل ظلمته للمغرب والعشاء.
وقوله (وَقُرْآنَ الْفَجْرِ) أي وأقم قرآن الفجر (إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً) يعني صلاة الفجر تشهدها ملائكة الليل وملائكة النهار.
وقوله: نافِلَةً لَكَ [79] ليست لأحد نافلة إلا للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لأنه لَيْسَ من أحد إلا يخاف عَلَى نفسه، والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد غُفِرَ لَهُ ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فعمله نافلة.
وقوله: وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ [80] قَالَ لَهُ فِي المنصرف لِمَا رجع من معسكره إلى المدينة حين أراد الشام (وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ) إلى مكة.
__________
(1) ا: «يقال» وقال بالراحة: أشار بها. ورواه غير الفراء: «براح» بفتح الباء. وبراح اسم الشمس.
وانظر اللسان (برح)(2/129)
وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَئُوسًا (83)
وقوله: كانَ يَؤُساً [83] إذا تركت الهمزة من قوله (يؤوسا) فإن العرب تَقُولُ يَوْسًا ويَووسًا تجمعون «1» بين ساكنين وكذلك (وَلا يَؤُدُهُ «2» حِفْظُهُما) وكذلك (بِعَذابٍ «3» بَئِيسٍ) يقول بيس و (بييس) و (يؤوده) يجمعون بين ساكنين. فهذا كلام العرب: والقراء يقولون (يووسا) و (يووده) فيحركون الواو إلى الرفع و (بَيِيسٍ) يحركون الياء الأولى إلى الخفض. ولم نَجد ذَلِكَ فِي كلامهم، لأن تَحريك الياء والواو أثقل من ترك الْهَمْزَةِ، فلم يكونوا ليَخْرجوا من ثقل إلى ما هُوَ أثقل منه.
وقوله: قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ [84] : ناحيته. وهي الطريقة والجديلة. وسمعت بعض العرب من قضاعة يقول: وعبد الملك إذا ذاك عَلَى جديلته وابن الزبير عَلَى جديلته. والعربُ تَقُولُ: فلان عَلَى طريقة صالِحة، وخيْدَبة صالِحة، وسُرْجُوجة. وعُكْل تَقُولُ: سِرْجيجة.
وقوله: قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي [85] يقول: مِن علم ربي، لَيْسَ من علمكم.
وقوله: إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ [87] استثناء «4» كقوله (إِلَّا حاجَةً «5» فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضاها) .
وقوله: عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ [88] جواب «6» لقوله (لئن) والعربُ إذا أجابت (لئن) ب (لا) جعلوا ما بعد لا رفعًا لأن (لئن) كاليمين، وجواب اليمين ب (لا) مرفوع.
وربما جَزَم الشاعر، لأن (لئن) «7» إن التي يُجازي بِهَا زيدت عليها لام، فوجّه الفعل فيها إلى فعل، ولو أُتي بيفعل لجاز جزمه. وقد جزم بعضُ الشعراء بلئن، وبعضهم بلا التي هى جوابها.
قال الأعشى:
__________
(1) أي إذا حذفت الهمزة خلفتها واو ساكتة فتجتمع ساكنة مع الواو الأولى، وهذا الرأى من الفراء لا يعرف لغيره.
(2) الآية 255 سورة البقرة
(3) الآية 165 سورة الأعراف
(4) يريد أنه استثناء منقطع بمعنى لكن الاستدراكية، كما فى آية يوسف
(5) الآية 68 سورة يوسف
(6) أي قوله: لا يأتون»
(7) ا: «بعد إن»(2/130)
وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا (90)
لَئِنْ مُنِيتَ بِنا عَن غِبِّ مَعْرَكةٍ ... لا تلفنا من دماء القوم ننتفل «1»
102 اوأنشدتنى امرأة عقيلية فصيحة:
لئِن كَانَ ما حُدِّثْتُهُ اليومَ صادِقًا ... أَصُمْ فِي نهار الْقَيْظِ للشَّمسِ بادِيَا
وأَرْكَبْ حمارًا بين سرجٍ وفروةٍ ... وأعْرِ من الخاتام صُغْرَى شماليا «2»
قَالَ وأنشدني الْكِسَائي للكميت بن معروف:
لئن تَكُ قد ضاقْت عليكم بُيوتُكُمْ ... لَيَعْلَمُ ربي أن بيتي واسعُ «3»
وقوله (لِبَعْضٍ ظَهِيراً) الظهير العون.
وقوله: مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً [90] .
الَّذِي ينبع، ويقال: ينبع لغتان. و (تَفْجُرَ) قرأها يَحْيَى بن وثاب وأصحاب عبد الله بالتخفيف «4» . وكأن الفجر مرة واحدة و (فَتُفَجِّرَ) فكأن التفجير من أماكن. وهو بِمنزلة فتحت الأبواب وفتحتها.
وقوله: كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً [92] .
و (كِسَفاً) الكسف «5» : الجماع. قَالَ: سمعت أعرابيًا يقول لبزاز ونحن بطريق مكة:
أعطنى كشفة أي قطعة. والكشف مصدر. وقد تكون الكسف جمع كسفة وكسف.
وقوله (أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلًا) أي كفيلًا.
وقوله: أَوْ تَرْقى فِي السَّماءِ [93] . المعنى: إلى السماء. غير أن جوازه أنهم قالوا: أو تضع سُلَّمًا فترقى عَلَيْهِ إلى السماء، فذهبت (فى) إلى السلّم.
__________
(1) البيت فى معلقته، والانتفال: التبرؤ، ومنيت: ابتليت.
(2) انظر ص 67 من الجزء الأول
(3) انظر ص 66 من الجزء الأول
(4) قراءة التخفيف العاصم والكسائي وحمزة ويعقوب وخلف وافقهم الحسن والأعمش. وقراءة التشديد للباقين
(5) قرأ بفتح السين نافع وابن عامر وعاصم وأبو جعفر، وقرأ الباقون بإسكانها [.....](2/131)
قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا (102)
وقوله: وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا [94] أن فِي موضع نصب (إِلَّا أَنْ قالُوا) (أن) فِي موضع رفع.
(أَوْ يَكُونَ «1» لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ) حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ حَدَّثَنِي حبّان عن الكلبىّ قال: الزخرف: الذهب.
وقوله: لَقَدْ عَلِمْتَ ما أَنْزَلَ [102] قرأها ابن عباس وابن مسعود (علمت) بنصب التاء.
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: وَحَدَّثَنِي هشيم عَن أبي بشر عَن سعيد بن جبير (لَقَدْ عَلِمْتَ) مثله بنصب التاء. حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: وَحَدَّثَنِي قَيْسٌ وَأَبُو الأَحْوَصِ جَمِيعًا عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ شَيْخٍ مِنْ مُرَادٍ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ: وَاللَّهِ مَا عَلِمَ عَدُوُّ «2» اللَّهِ، إِنَّمَا عَلِمَ مُوسَى. وَكَانَ يَقْرَأُ (عَلِمْتُ) بِرَفْعِ التَّاءِ. وفسره الكلبي بإسناده عَلَى قراءة عليّ وتفسيره. وأما ابن عباس وابن مسعود فقالا: قد قَالَ الله عَزَّ وَجَلَّ (وَجَحَدُوا «3» بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ) قَالَ الفراء: والفتح أحبّ إِليَّ وقال «4» بعضهم: قرأ الْكِسَائي بالرفع، فقال: أخالفه أشدَّ الخلاف.
وقوله: يا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً [102] ممنوعًا من الخير. والعرب تَقُولُ: ما ثَبَرك عَن ذا أي ما منعك منه وصرفك عنه.
وقوله: جِئْنا بِكُمْ لَفِيفاً [104] من هاهنا وهاهنا وكلّ جانب.
وقوله: وَقُرْآناً فَرَقْناهُ [106] نصبت القرآن بأرسلناك أي ما أرسلناك إلا مبشّرا ونذيرا وقرآنا أيضًا كما تَقُولُ: ورحمة لأن القرآن رحمة. ويكون نصبه بفرقناهُ عَلَى راجع ذكره. فلما كانت الواو قبله
__________
(1) هذا وتفسيره فى الآية 93 السابقة. ومكانه قبل قوله: «أو ترقى فى السماء»
(2) يريد فرعون
(3) الآية 14 سورة النمل
(4) الظاهر أن هذا من المستملي، أي قال المستملي للفراء: إن بعض القراء نسب إلى الكسائي القراءة بالضم فقال الفراء إنى أخالفه فى هذا ولا أقبل قراءته(2/132)
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا (1)
نصب. مثله (وَفَرِيقاً «1» حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ) وأما (فَرَقْناهُ) بالتخفيف فقد قرأه أصحاب «2» عبد الله.
والمعنى أحكمناهُ وفصَّلناهُ كما قال (فِيها «3» يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) أي يفصل. وروي عَن ابن عباس (فَرَّقْنَاهُ يقول: لَمْ ينزل فِي يوم ولا يومين. حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: وَحَدَّثَنِي الْحَكَمُ بْنُ ظُهَيْرٍ عَنِ السُّدِّيِّ عَنْ أَبِي مالك عن ابن عباس (وَقُرْآناً فَرَقْناهُ) مخففة.
وقوله: أَيًّا ما تَدْعُوا [110] (ما) قد يكون صلة، كما قَالَ تبارك وتعالى (عَمَّا قَلِيلٍ «4» لَيُصْبِحُنَّ نادِمِينَ) وتكون فِي معنى أي معادة لِمَا اختلف لفظهما:
وقوله: (وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلًا) أي قصدا.
ومن سورة الكهف
قوله تبارك وتعالى: وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً قَيِّماً المعنى: الحمد لله الَّذِي أنزل عَلَى عبده الكتاب قَيّما، ولم يجعل لَهُ عوجًا. ويُقال فى القيّم: قيّم على الكتب أي أنه بصدّقها.
وقوله (لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً) مع البأس أسماء «5» مضمرة يقع عليها الفعل قبل أن يقع عَلَى البأس. ومثله فِي آل عمران (إِنَّما ذلِكُمُ «6» الشَّيْطانُ يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ) معناهُ:
يخوفكم أولياءه.
وقوله: مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلا لِآبائِهِمْ معناهُ ولا لأسلافهم: آبائهم وآباء آبائهم [ولا] يعنى الآباء الذين هم لأصلابهم فقط.
__________
(1) الآية 30 سورة الأعراف
(2) هى قراءة عامة القراء. وقرأ بالتشديد ابن محيصن
(3) الآية 4 سورة الدخان
(4) الآية 40 سورة المؤمنين
(5) والأصل لينذركم أو لينذر المشركين. وكأن المراد بالأسماء الجنس فيصدق بالواحد
(6) الآية 175 سورة آل عمران(2/133)
وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا (8)
وقوله: (كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ) نصبها أصحاب عبد الله، ورفعها الْحَسَن وبعض «1» أهل المدينة. فمن نصب أضمر فِي (كَبُرَتْ) : كبرت تِلْكَ الكلمة كلمة. ومن رفع لَمْ يضمر شيئًا كما تَقُولُ: عظم قولك وكبر كلامك.
وقوله فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ [6] أي مخرج نفسك قاتل نفسك.
وقوله: (إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا) تكسرها «2» إذا لَمْ يكونوا آمنوا عَلَى نيّة الجزاء، وتفتحها إذا أردت أنها قد مضت مثل قوله فِي موضع آخر: (أَفَنَضْرِبُ «3» عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً أَنْ كُنْتُمْ) و (أن كنتم) .
ومثله قول الشاعر:
أتجزع أن بان الخليط المودّع ... وجبل الصّفا من عزّة المتقطع
وقوله: صَعِيداً [8] الصعيد التراب. والجُرز: أن تكون الأرض لا نبات فيها. يُقال:
جرِزَت الأرض وهي مجروزة. وجرزَها الجرادُ أو الشاء أو الإبل فأكلن ما عليها.
وقوله: أَمْ حَسِبْتَ [9] يخاطب محمدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ) الكهف:
الجبل «4» الَّذِي أَوَوْا إِلَيْهِ. والرقيم: لوح رصاص كتبت فِيهِ أنسابهم ودينهم وممَّ هربوا.
وقوله: هَيِّئْ [10] كتبت الْهَمْزَةُ بالألف (وهَيَّأ) بهجائه. وأكثر ما يكتب الْهَمْز عَلَى ما قبله. فإن كان ما قبله مفتوحا كتبت بالألف. وإن كَانَ مضمومًا كتب بالواو، وإن كَانَ مكسورًا كُتِبت بالياء. وربما كتبتها العرب بالألف فِي كل حال لأن أصلها ألف. قالوا نراها إذا ابتدئت
__________
(1) وقد نسبت هذه القراءة إلى ابن محيصن
(2) الكسر قراءة العامة
(3) الآية 5 سورة الزخرف والكسر قراءة نافع وحمزة والكسائي وأبى جعفر وخلف، وافقهم الحسن والأعمش، والباقون بالفتح
(4) فى الطبري: «الكهف كهف الجبل» وهى أولى. فالكهف هو المغارة فى الجبل [.....](2/134)
تكتب بالألف فِي نصبها وكسرها وضمّها مثل قولك: أُمِرُوا، وأمرت، وقد جئت «1» شيئًا إمرًا فذهبوا هَذَا المذهب. قَالَ: ورأيتها «2» فِي مصحف عبد الله (شَيْأً) فِي رفعه وخفضه بالألف.
ورأيتُ يستهزءون يستهزأون بالألف وهو القياس. والأول أكثر فِي الكتب، وقوله: فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ [11] بالنوم «3» .
وقوله: (سِنِينَ عَدَداً) العدد هاهنا فِي معنى معدودة والله أعلم. فإذا كَانَ ما قبل العدد مُسَمًّى مثل المائة والألف والعشرة والخمسة كَانَ فِي العدد وجهان:
أحدهما: أن تنصبه عَلَى المصدر فتقول: لك عندي عشرة عَدَدًا. أخرجت العدد من العشرة لأن فِي العشرة معنى عُدَّت، كأنك قلت: أُحصيت وعُدَّت عَدَدًا وَعَدّا. وإن شئت رفعت العدد، تريد: لك عشرة معدودة فالعدد هاهنا مع السنين بِمنزلة قوله تبارك وتعالى فِي يوسف (وَشَرَوْهُ «4» بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ) لأن الدراهم ليست بِمسمَّاة «5» بعدد. وكذلك ما كَانَ يُكال ويوزن تخرجه (إذا جاء «6» ) بعد أسمائه عَلَى الوجهين «7» . فتقول لك عندي عشرة أرطال وزنًا ووزن وكيلًا وكيلٌ عَلَى ذَلِكَ.
وقوله: 103 ا- لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى [12] رفعت أيَّا بأحصى لأن العلم لَيْسَ بواقع عَلَى أيّ إنَّما هُوَ: لتعلم بالنظر والمسألة وهو كقولك اذهب فاعلم لي أيُّهم قام، أفلا ترى أنك إنما توقع العلم عَلَى من تستخبره. ويُبين ذَلِكَ أنك تَقُولُ: سل عبد الله أيهم قام فلو حذفت عبد الله لكنت لَهُ مريدًا، ولمثله من المخبرين.
__________
(1) فى الآية 71 سورة الكهف: «لقد جئت شيئا إمرا»
(2) أي الهمزة
(3) ش: «فى النوم»
(4) الآية 20 سورة يوسف
(5) ش، ب: «بمسميات»
(6) سقط ما بين القوسين فى ا
(7) ب: «وجهين»(2/135)
وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقًا (16)
وقوله: (أَيُّ الْحِزْبَيْنِ) فيقال: إن طائفتين من المسلمين فِي دهر أصحاب الكهف اختلفوا فِي عددهم. ويُقال: اختلف الكفار والمسلمون. وأما (أَحْصى) فيقال: أصوب: أي أيهم قَالَ بالصواب.
وقوله: (أَمَداً) الأمد يكون نصبه عَلَى جهتين إن شئت جعلته خرج من (أَحْصى) مفسِّرًا، كما تَقُولُ: أيّ الحزبين أصوب قولًا وإن شئت أوقعت عَلَيْهِ اللُّبَاث: للباثهم أمدًا.
وقوله: وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَما يَعْبُدُونَ [16] يعني أصحاب الكهف «1» فقال: وإذ اعتزلتم جَميع ما يعبدون من الآلهة إلّا الله. و (ما) فِي موضع نصب. وَذَلِكَ أنهم كانوا يشركون بالله، فقال:
اعتزلتم الأصنام ولم تعتزلوا الله تبارك وتعالى ولا عبادته:
وقوله: (فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ) جواب لإذْ كما تَقُولُ: إذ فعلت ما فعلت فتُبْ.
وقوله: (مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقاً) كسر «2» الميم الأعمش والحسن، ونصبها أهلُ المدينة وَعَاصِم.
فكأن الَّذِينَ فتحوا الميم وكسروا الفاء أرادوا أن يفرقوا بين المرفق من الأمر والمرفق من الْإِنْسَان وأكثر العرب عَلَى كسر الميم من الأمر ومن الْإِنْسَان. والعرب أيضًا تفتح الميم من مرفق الْإِنْسَان.
لغتان فيهما.
وقوله تَتَزاوَرُ [17] وقرئت (تزَّاوَرُ) «3» وتريد (تَتَزاور) فتدغم التاء عند الزَّاي. وقرأ بعضهم (تَزْوَرّ) «4» وبعضهم «5» (تَزْوَارّ) مثل تَحْمَر وتَحْمَارّ. والازورار فِي هَذَا الموضع أنها كانت تطلع
__________
(1) أي فقال الله فى الحديث عن قولهم. أو فقال بعضهم. وقد يكون الأولى: فقالوا.
(2) فى الإتحاف أن فتح الميم قراءة نافع وابن عامر وأبى جعفر، وأن الكسر للباقين، ومنهم عاصم. وقد نسب الفراء الفتح إلى عاصم، فكأنه فى بعض الروايات عنه.
(3) قرأ (تزوار) ابن عامر ويعقوب، وقرأ عاصم وحمزة والكسائي وخلف (تزوار) بتخفيف الزاى وافقهم الأعمش. وقرأ الباقون (تزاور) بتشديد الزاى.
(4) قرأ (تزوار) ابن عامر ويعقوب، وقرأ عاصم وحمزة والكسائي وخلف (تزوار) بتخفيف الزاى وافقهم الأعمش. وقرأ الباقون (تزاور) بتشديد الزاى.
(5) فى البحر 6/ 107 أن هذه قراءة أبى رجاء وأيوب السختياني وابن أبى عبلة. وهى قراءة شاذة.(2/136)
وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا (21)
عَلَى كهفهم ذات اليمين ولا تدخل عليهم، وذات الشمال. والعربُ تَقُولُ: قرضته ذات اليمين وحذوته وكذلك ذات الشمال وقُبُلًا ودُبُرًا، كل ذَلِكَ أي كنت بِحذائه من كل ناحية.
وقوله: ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ [18] الْوَصِيد: الفناء. والوصيد والأصيد لغتان مثل الإكاف «1» والوكاف «2» ، ومثل أرَّخت الكتاب وورخته، ووكدت الأمر وأكدّته، ووضعته يتنا «3» وأَتْنا «4» ووتْنَا «5» يعني الْوَلد. فأمّا قول العرب: واخيت ووامرت وواتيت وواسيت فإنها بنيت على المواخاة والمواساة والمواتاة والمؤامرة، وأصلها الهمز كما قيل: هو سول منك، وأصله الْهَمْز فبُدِّل وَاوًا وبُني على السؤال.
وقوله «6» : (فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ) أي ناحية متّسعة.
وقوله: (وَلَمُلِئْتَ) بالتخفيف قرأه عَاصِم والأعمش وقرأ «7» أهل المدينة (وَلَمُلِّئْتَ مِنْهُمْ) مشددًا. وهذا خوطب بِهِ مُحَمَّد صلّى الله عليه وسلم.
وقوله: بِوَرِقِكُمْ [19] قرأها عَاصِم والأعمش بالتخفيف «8» وهو الْوَرِق. ومن العرب من يقول الْوِرْق، كما يقال كَبِد وكِبْدٌ وكَبْدٌ، وَكَلِمَةٌ وَكَلْمَةٌ وكِلْمَة.
وقوله (فَلْيَنْظُرْ أَيُّها أَزْكى) يُقال: أحَلّ ذَبيحة لأنهم كانوا مَجوسًا.
وقوله: أَعْثَرْنا عَلَيْهِمْ [21] أظهرنا وأطلعنا. ومثله فِي المائدة (فَإِنْ عُثِرَ «9» ) : اطّلع (واحد «10» الأيقاظ يقظ ويقظ) .
__________
(1) هو برذعة الحمار.
(2) هو برذعة الحمار. [.....]
(3) هو أن تخرج رجلا المولود قبل يديه.
(4) هو أن تخرج رجلا المولود قبل يديه.
(5) هو أن تخرج رجلا المولود قبل يديه.
(6) هذا فى الآية 17
(7) ش، ب: «قرأها» .
(8) أي بإسكان الراء. والتخفيف عند عاصم فى رواية أبى بكر، أما رواية حفص عنه فكسر الراء.
(9) الآية 107 سورة المائدة.
(10) ما بين القوسين مكانه فى الآية 17 السابقة ففيها: «وتحسبهم أيقاظا وهم رقود» .(2/137)
قوله: وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ [22] قَالَ ابن عباس: كانوا سبعة وثامنهم كلبهم.
وقال ابن عباس: أنا من القليل الَّذِينَ قَالَ الله عَزَّ وَجَلَّ: (مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ) .
ثم قال الله تبارك وتعالى لنبيه عَلَيْهِ السَّلَام (فَلا تُمارِ فِيهِمْ) يا محمد (إِلَّا مِراءً ظاهِراً) إلا أن تحدّثهم بِهِ حديثًا.
وقوله: (وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ) فِي أهل الكهف (مِنْهُمْ) من النصارى (أَحَداً) وهم فريقان أتوه من أهل نجران: يعقوبي ونُسطوري. فسألهم النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَن عددهم، فنُهِيَ.
فذلك قوله (وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَداً) .
وقوله: وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً [23] إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ [24] إلا أن تَقُولَ:
إن شاء الله (ويكون مع القول «1» : ولا تقولنه إلا أن يشاء الله) أي إلا ما يُريد الله.
وقوله (وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ) قَالَ ابن عباس: إذا حلفت فنسيت أن تستثني فاستثن متى ما ذكرت ما لَمْ تَحْنَث.
وقوله: ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ [25] مضافة «2» . وقد قرأ كَثِير من القراء (ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ) يريدونَ ولبثوا فِي كهفهم سنين ثلاثمائة فينصبونها بالفعل.
ومن العرب من يضع السنين فِي موضع سنة فهي حينئذ فِي موضع خفض لمن أضاف. ومن نَوَّن عَلَى هَذَا المعنى يريدُ الإضافة نصب السنين بالتفسير للعدد كقول عنترة:
فيها اثنتان وأربعونَ حَلُوبةً ... سُودا كخافية الْغُرابِ الْأَسْحَمِ «3»
فجعل (سودًا) وهي جمع مفسِّرة كما يفسّر الواحد.
__________
(1) سقط ما بين القوسين فى ا.
(2) هذه قراءة حمزة والكسائي وخلف، وافقهم الحسن والأعمش.
(3) هذا من معلقته. وقوله: «فيها» أي في حمولة أهل محبوبته التي يتغزل بها. والحلوبة: المحلوبة يريد؟؟؟.
وخافية الغراب آخر ريش الجناح مما يلى الظهر. والأسحم: الأسود.(2/138)
وقوله: أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ [26] يريدُ الله تبارك وتعالى كقولك فِي الكلام: أكرم بعبد الله ومعناهُ: ما أكرم عبد الله وكذلك قوله (أَسْمِعْ «1» بِهِمْ وَأَبْصِرْ) : ما أسمعهم ما أبصرهم. وكل ما كَانَ فِيهِ معنى من المدح والذم فإنك تَقُولُ «2» فِيهِ: أظرف بِهِ وأكرم بِهِ، ومن الياء والواو: أطيب بِهِ طعامًا، وأجود بِهِ ثوبًا، ومن المضاعف تظهر فِيهِ التضعيف ولا يجوز الإدغام، كما لَمْ يجز نقص الياء ولا الواو لأن أصله ما أجوده وما أشده وأطيبه فترك عَلَى ذَلِكَ، وأمّا أشدد بِهِ فإنه ظهر التضعيف لسكون اللام من الفعل، وترك فِيهِ التضعيف فلم يدغم لأنه لا يثنى ولا يؤنث، لا تقول للاثنين:
أشدَّا بِهما، ولا للقوم أشِدُّوا بِهم. وإنّما استجازت العرب أن يقولوا مُدّ فِي موضع أمدد لأنهم قد يقولون فِي الاثنين: مُدَّا وللجميع: مُدُّوا، فبُني الواحدُ عَلَى الجميع.
وقوله (وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً) ترفع إذا كَانَ «3» بالياء عَلَى: وليس يُشرك. ومن «4» قَالَ (لا تُشْرِكْ) جزمها لأنها نَهْي.
وقوله: مُلْتَحَداً [27] الْمُلْتَحد: الملجأ.
وقوله: بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ [28] قرأ «5» أَبُو عبد الرحمن السلمي (بالغُدْوةِ والْعَشِيِّ) ولا أعلمُ أحدًا قرأ غيره. والعربُ لا تُدخل الألف واللام فِي الغدوة لأنها معرفة بغير ألف ولام سمعت أبا الجراح يقول: ما رأيتُ كغُدْوة قَطُّ، يعني غداة يومه. وذاك أنَّها كانت باردة ألا ترى أن العرب لا تضيفها فكذلك لا تُدخلها الألف واللام.
إنّما يقولون: أتيتك غَدَاة الخميس، ولا يقولون: غُدْوَة الخميس. فهذا دليل على أنها معرفة.
__________
(1) الآية 38 سورة مريم.
(2) سقط فى ا.
(3) ا: «كانت» . [.....]
(4) هو ابن عامر، وافقه المطوعى والحسن.
(5) هى قراءة ابن عامر من السبعة. وقد ورد تنكير غدوة حكاه سيبويه والخليل عن العرب، فعلى هذا جاءت هذه القراءة ولا يصح إنكارها. وانظر البحر المحيط 4/ 136(2/139)
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا (30)
وقوله (وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ) الفعل للعينين: لا تنصرف عيناك عنهم. وهذه نزلت فِي سلمان وأصحابه.
وقوله (وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً) متروكًا قد تُرك فِيهِ الطاعة وغُفِلَ عنها. ويُقال إنه أفرط فِي القول فقال: نحن رءوس مُضَر وأشرافها، وليس كذلك. وهو عيينة ابن حصن. وقد ذكرنا «1» حديثه فى سورة الأنعام.
وقوله: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ [30] خبر (الَّذِينَ آمَنُوا) فِي قوله (إِنَّا لا نُضِيعُ) وهو مثل قول الشاعر:
إن الخليفة إنّ الله سَرْبله ... سِرْبَالَ مُلْكٍ بِهَا تُزْجَى الخواتيمُ «2»
كأنه فِي المعنى: إنا لا نضيعُ أجر من عمل صالِحًا فتُرِكَ الكلام الأول واعتُمد على الثاني بنيّة التكرير كما قال (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ «3» ) ثم قال (قِتالٍ فِيهِ) يريد: عَن قتال فِيهِ بالتكرير ويكون أن تجعل (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا) فِي مذهب جزاء، كقولك: إن من عمل صالِحًا فإِنّا لا نضيع أجره، ب: فتضمر فتضمّن الفاء فِي قوله (فإنّا) وإلقاؤها جائز. وهو أحبُّ الوجوه إليّ.
وإن شئت جعلت خبرهم مؤخّرًا كأنك قلت: إن الَّذِينَ آمنوا وعملوا الصالِحات أولئكَ لَهم جنَّات عدن.
وقوله: يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ [31] لو ألقيت (مِنْ) مِنَ الأساور كانت نصبًا. ولو ألقيت (مِنْ) مِنَ الذهب جاز نصبه عَلَى بعض القبح، لأن الأساورَ لَيْسَ بِمعلوم عددها، وإنما يحسن «4»
__________
(1) انظر ص 336 من الجزء الأولى.
(2) «بها» كذا والسربال مذكر فكأنه أراد الحلة. وفى الطبري: «به» وقوله: «تزجى» أي تدفع وتساق. وفى الطبري: «ترجى» .
(3) الآية 217 سورة البقرة.
(4) ا: «حسن» .(2/140)
النصب فِي المفسر إذا كَانَ معروف العدد، كقولك: عندي جُبَّتان خَزّا، وأسواران ذهبًا، وثلاثة أساور ذهبًا. فإذا قلت: عندي أساورُ ذهبًا فلم تبيّن عددها كَانَ بِمن، لأن المفسر ينبغي لِمَا قبله أن يكون معروف المقدار. ومثله قَوْل الله تبارك وتعالى (وَيُنَزِّلُ «1» مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ) المعنى: فيها جبال بَرد، فدخلت (من) لأن الجبال غير معدودة فِي اللفظ. ولكنه يَجوز كأنك تريد بالجبال والأساور الكثيرة، كقول القائل: ما عنده إلا خاتمان ذهبًا قلت أنت: عنده خواتم ذهبًا لمّا أن كَانَ ردًّا عَلَى شيء معلوم العدد فأنزل الأساورَ والجبال من بَرد عَلَى هَذَا المذهب.
فأما (يُحَلَّوْنَ) فلو قَالَ قائل: يَحْلَون لجازَ، لأن العرب تَقُولُ: امرأة حالية، وقد حليت فهي تحلى إذا لبست الْحُلِيّ فهي تحلى حُلِيًّا وحَلْيًا.
وقوله (نِعْمَ الثَّوابُ) ولم يقل: نعمت الثواب، وقال (وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً) فأنَّثَ الفعل عَلَى معنى الجنَّة ولو ذكر بتذكير المرتفق كَانَ صوابًا، كما قَالَ (وَبِئْسَ «2» الْمِهادُ) ، وبئس «3» القرار) ، (وَبِئْسَ «4» الْمَصِيرُ) وكما قال (بِئْسَ «5» لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا) يريد إبليس وذريته، ولم يقل بئسوا.
وقد يكون (بئس) لإبليس وحده أيضًا. والعرب تُوحد نعم وبئس وإن كانتا بعد الأسماء فيقولون:
أما قومك فنعموا قومًا، ونعم قومًا، وكذلك بئس. وإنما جازَ توحيدها لأنهما ليستا «6» بفعل يلتمس معناه، إنما أدخلوهما لتدلا عَلَى المدح والذم، ألا ترى أن لفظهما لفظ فَعَل «7» وليس معناهما كذلك، وأنه لا يُقال منهما يبأس الرجل زيد، ولا ينعم الرجل أخوك، فلذلك استجازوا الجمع
__________
(1) الآية 43 سورة النور.
(2) الآية 197 سورة آل عمران. وورد فى مواضع أخر.
(3) الآية 29 سورة إبراهيم.
(4) الآية 126 سورة البقرة. وورد فى مواطن أخر.
(5) الآية 50 سورة الكهف.
(6) ا: «ليسا» .
(7) يريد لفظ الفعل الماضي.(2/141)
كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا (33)
والتوحيد فِي الفعل. ونظيرهما (عَسى أَنْ يَكُونُوا «1» خَيْراً مِنْهُمْ) وَفِي قراءة عبد الله (عسوا أن يَكونوا خيرًا منهم) ألا ترى أنك لا تَقُولُ، هُوَ يَعْسِي كما لَمْ تقل يَبْأَس.
وقوله: كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَها [33] ولم يقل: أتتا. وَذَلِكَ أن (كِلْتَا) ثنتان لا يُفرد واحدتهما، وأصله كُلّ كما تَقُولُ للثلاثة: كل: فكان القضاء أن يكون للثنتين ما كَانَ للجمع، لا أن يفرد للواحدة شىء فجاز توحيده 104 ب عَلَى مذهب كلّ. وتأنيثه جائز للتأنيث الَّذِي ظهر فِي كلتا. وكذلك فافعل بكلتا وكِلا وكُلّ إذا أضفتهنّ إلى معرفة وجاء الفعل بعدهن، فاجمع ووحِّد.
من التوحيد قوله (وَكُلُّهُمْ آتِيهِ «2» يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً) ومن الجمع (وَكُلٌّ أَتَوْهُ «3» داخِرِينَ) و (آتوه) مثله. وهو كَثِير فِي القرآن وسائر الكلام. قَالَ الشاعر:
وكلتاهما قد خُطّ لي فِي صحيفتي ... فلا العيشُ أهواهُ ولا الموتُ أرْوح
وقد تفرد العربُ إحدى كلتا وهم يذهبونَ بإفرادها إلى اثنتيها، أنشدني بعضهم.
فِي كِلْت رجليها سُلَامَى واحدة ... كلتاهما مقرونة بزائده «4»
يريد بكلت كلتا.
والعرب تفعل ذَلِكَ أيضًا فِي (أىّ) فيؤنثون ويذكّرون، والمعنى التأنيث، من ذلك قول الله تبارك
__________
(1) الآية 11 سورة الحجرات. [.....]
(2) الآية 95 سورة مريم.
(3) الآية 87 سورة النمل.
(4) ورد هذا الرجز فى الخزانة فى الشاهد الثالث عشر. وفيها أنه فى وصف نعامة. والسلامى: عظم فى فرسن البعير، وعظام صغار طول إصبع أو أقل فى اليد والرجل والفرسن للبعير بمنزلة الحافر للفرس والضمير فى كلتاهما للرجلين.
والشطر الأخير مؤكد لما فى الشطر الأول فالزائدة هى السلامى. وقد ضبط «كلت» بالكسر، والذي فى الخزانة والإنصاف ضبطه بالفتح، وقد يسر هذا للبصريين أن يقولوا: الأصل كلتا فحذفت الألف. والأقرب إلى مذهب الفراء والكوفيين الجر بالكسر إذ يجعلونها مفرد كلتا. وفى الخزانة أورد عبارة الفراء هكذا. «وقد تفرد العرب إحدى كلتى بالإحالة وهم يذهبون بافرادها إلى اثنينيتها وأنشد فى بعضهم البيت. يعنى الظليم يريد بكلت كلّى» .(2/142)
وتعالى (وَما تَدْرِي «1» نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ) ويَجوز فِي الكلام بأيَّة أرض. ومثله (فِي أىّ «2» صورة) يجوز فِي الكلام فِي أيَّة صورة. وقال الشاعر:
بأيّ بلاء أَمْ بأيَّة نعمة ... يقدّم قبلي مسلم والمهلب
ويجوز أيتهما قَالَ ذاك. وقالت ذاك أجود. فتذكر وقد أدخلت الْهَاء، تتوهم أن الْهَاء ساقطة إذا جاز للتأنيث (بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ) وكذلك يَجوز أن تَقُولُ للاثنتين «3» : كلاهما وكلتاهما.
قَالَ الشاعر:
كلا عقبيه قد تشعّب رأسُهَا ... من الضرب فِي جنْبِي ثَفال مباشر
الثفال: البعير البطيء فإن قَالَ قائل: إنما استجزت توحيد (كِلْتَا) لأن الواحد منهما لا يُفرد فهل تجيز: الاثنتان قام وتوحد، والاثنان قام إذ لَمْ يفرد لَهُ واحد؟
قلت: إن الاثنين بنيا عَلَى واحد ولم يُبن (كلا) عَلَى واحد، ألا ترى أن قولك: قام عبد الله كلُّه خطأ، وأنك تَجد معنى الاثنين عَلَى واحد كمعنى الثلاثة وزيادات «4» العدد، ولا يَجوز إلا أن تَقُولُ: الاثنان قاما والاثنتان قامَتَا.
وهي فِي قراءة عبد الله.
كُلّ الجنتين آتى أُكُله
ومعناه كل شيء من ثمر الجنتين آتى أكله. ولو أراد جمع الثنتين ولم يرد كل الثمر لَمْ يجز إلا كلتاهما، ألا ترى أنك لا تَقُولُ: قامت المرأتان كلهما، لأن (كل) لا تصلح لإحدى المرأتين وتصلح لإحدى الجنتين. فقس عَلَى هاتين كل ما يتبعض مما يقسم أولا يقسم.
__________
(1) الآية 34 سورة لقمان.
(2) الآية 8 سورة الانفطار.
(3) ا، ش، ب «للاثنين» والمناسب ما أثبت.
(4) يريد أربعة فما قوقها.(2/143)
وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا (36)
وقوله (وَفَجَّرْنا خِلالَهُما نَهَراً) يقال: كيف جَازَ التشديد وإنَّما النهر واحد؟ قلت: لأن النهر يمتد حَتَّى صار التفجر كأنه فِيهِ كله فالتخفيف فِيهِ والتثقيل جائزان. ومثله (حَتَّى تَفْجُرَ «1» لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً) يثقّل ويخفّف «2» .
(قوله: وَكانَ لَهُ ثَمَرٌ [34] ) حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: وَحَدَّثَنِي المعلَّى بن هلال الْجَعَفِيّ عَن ابن أبي نجيح عَن مجاهد قَالَ: ما كَانَ فِي القرآن من ثُمُر بالضم «3» فهو مال، وما كَانَ من ثَمَر مفتوح فهو من الثمار.
وقوله: خَيْراً مِنْها مُنْقَلَباً [36] مردودة عَلَى الجنة وَفِي بعض مصاحف «4» أهل المدينة (منْهُمَا مُنْقَلَبًا) مردودة عَلَى الجنتين.
وقوله: لكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي [38] معناهُ: لكن أنا هُوَ الله ربي تُرك همزة الألف من أنا، وكثر بِهَا الكلام «5» ، فأدغمت النون من (أنا) مع النون من (لكن) ومن العرب من يقول:
أنا قلت ذاك بِتمام الألف فقرئت لكنّا عَلَى تِلْكَ اللغة وأثبتوا الألف فِي اللغتين فِي المصحف: كما قالوا: رأيت يزيدا وقواريرا فثبتت «6» فيهما الألف فِي القولين «7» إذا وقفت. ويَجوز الوقوف بغير ألف فِي غير القرآن فِي أنا. ومن العرب من يقول إذا وقف: أَنَّهُ وهي فِي لغة جيدة. وهي فِي علياتميم وسُفْلَى قيس وأنشدني أَبُو ثروان:
وترمينني بالطّرْف أيْ أنت مذنب ... وتقلينني لكن إيّاك لا أَقلي
يريد: لكن أنا إياك لا أقلي، فترك الْهَمْز فصار كالحرف الواحد. وزعم الْكِسَائي
__________
(1) الآية 90 سورة الإسراء.
(2) التخفيف لعاصم وحمزة والكسائي ويعقوب وخلف وافقهم الحسن والأعمش، والتثقيل للباقين.
(3) قرأ بالفتح هنا، وفى الآية الآتية «وأحيط بثمره» عاصم وأبو جعفر وروح، وقرأ الباقون بالضم. وفى اللسان (ثمر) أن يونس لم يقبل هذه التفرقة فكأنهما عنده سواء.
(4) هى قراءة نافع وابن كثير وابن عامر وأبى جعفر وافقهم ابن محيصن.
(5) فى ا: فى «الكلام» .
(6) ا: «تثبت» .
(7) أي عند من يقول فى الوصل: «لكنا» بالألف وهم ابن عامر وأبو جعفر ورويس، وعند من يقول فى الوصل: «لكنا» بدون ألف وهم الباقون. [.....](2/144)
أَنَّهُ سمع العرب تَقُولُ لكن والله، يريدون: لكن أنا والله. وقال الْكِسَائي: سمعتُ بعض العرب يقول: إنّ قائم يريد إن أنا قائم فترك الْهَمْز: وأدغم فهي نظير «1» للكن.
وقوله: ما شاءَ اللَّهُ [39] مَا، فِي موضع رفع، إن شئت رفعته بإضمار (هُوَ) تريد:
هُوَ ما شاء الله. وإن شئت أضمرت ما شاء الله كَانَ فطرحت (كان) وكان موضع (ما) نصبا بشاء، لأن الفعل واقع عَلَيْهِ. وجاز طرحُ الجواب كما قَالَ (فَإِنِ «2» اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي السَّماءِ) لَيْسَ لَهُ جواب لأن معناهُ «3» معروف.
وقوله: (إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ) (أنا) إذا نصبت (أقلَّ) عماد «4» . وإذا رفعت (أقل) فهي اسم والقراءة بِهما «5» جائزة.
وقوله: صَعِيداً زَلَقاً [40] الزلق: التراب الَّذِي لا نبات فِيهِ محترق «6» رميم [قوله:] ماؤُها غَوْراً [41] العرب تَقُولُ: ماء غَوْر، وماءان غَوْر، ومياه غور بالتوحيد فِي كل شيء.
وقوله: خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها [42] عَلَى سقوفها.
وقوله: وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ ينصرنه [43] ذهب إلى الرجال. ولو قيل: تنصره يذهب إلى الفئة- كما قَالَ (فِئَةٌ) تُقَاتِلُ فِي «7» سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ- لجاز:
وقوله: هُنالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ [44] رفع «8» من نعت (الْوَلايَةُ) وَفِي قراءة أُبَيّ
__________
(1) ش: «نظيرة» .
(2) الآية 35 سورة الأنعام.
(3) يريد أن معنى الجواب لا يحتاج إلى ذكره وهو: «فافعل» كما ذكره المؤلف فى ص 331 من الجزء الأول.
(4) هو ضمير الفصل عند البصريين.
(5) قراءة النصب للجمهور. وقراءة الرفع لعيسى بن عمر. وهى قراءة شاذة. وانظر البحر 6/ 129.
(6) كذا. وكأن الأصل. «فما فيها محترق رميم» أي الشجر الذي كان فى الجنة.
(7) الآية 13 سورة آل عمران.
(8) الرفع قراءة أبى عمر والكسائي والباقون بالجر.(2/145)
(هُنَالِكَ الْوَلايةُ الحقُّ َّلِلَّهِ) وإن شئت خفضت تجعله من نعت (الله) والولاية «1» الملك. ولو نصبت «2» (الْحَقِّ) عَلَى معنى حقًّا كَانَ صوابًا.
وقوله: تَذْرُوهُ الرِّياحُ [45] من ذَرَوْت وذَرَيْت لغة، وهي كذلك فِي قراءة عبد الله (تَذْرِيهِ الريح) ولو قرأ قارئ (تذريه الريح) من أذريت أي تلقيه كَانَ وجهًا وأنشدني المفضل:
فقلتُ لَهُ صوِّب ولا تجهدنَّه ... فيُذرك من أُخرى القطاة فتزلق «3»
تَقُولُ «4» : أذريت الرجل عَن الدابة وعن «5» البعير أي ألقيته.
وقوله: وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ [46] يُقال هي الصلوات الخمس ويُقال هي سبحان الله والحمدُ لله ولا إله إلا الله والله أكبر.
وقوله: (وَخَيْرٌ أَمَلًا) (يقول خير ما يؤْمَل) والأمل للعمل الصالِح خير من الأمل للعمل السيّء.
وقوله وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبالَ [47] و (تَسِيرُ «6» الْجِبالُ) .
وقوله: (وَتَرَى الْأَرْضَ بارِزَةً) يقول: أبرزنا أهلها من بطنها. ويُقال: سُيرت عنها الجبال فصارت كلها بارزة لا يستر بعضها بعضا.
__________
(1) هذا على القراءة بكسر الواو. وهى لحمزة والكسائي وخلف. فأما على فتح الواو فمعناها الموالاة والنصرة.
(2) هى قراءة عمرو بن عبيد كما فى الكشاف.
(3) من قصيدة لامرىء القيس. وهو فى البيت يخاطب غلامه وقد حمله على فرس جواد للصيد ويقال: صوب الفرس إذا أرسله للجرى. والقطاة من الفرس: موضع الردف. يقول لا تجهده فى العدو فيصرعك. وانظر الديوان 174، ص 206 من الجزء الأول.
(4) ا: «يقال» .
(5) سقط فى ا.
(6) هى قراءة ابن كثير وأبى عمرو وابن عامر. [.....](2/146)
وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا (50)
وقوله (فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ) هذه القراءة (ولو «1» قرئت «ولم نغْدِرْ» كَانَ صوابًا) ومعناهما واحد يقال: ما أغدرت منهم أحدًا، وما غادرت وأنشدني بعضهم «2» :
هَلْ لك والعائض منهم عائِض ... فِي هجمة يغدر منها القابض
سُدْسا ورُبعا تحتها فرائض قَالَ، الفراء سدس ورُبْع من أسنان الإبل.
وقوله فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ [50] أي خرج «3» عَن طاعة ربه. والعربُ تَقُولُ، فَسقت الرُّطَبة من (جلدها «4» ) وقشرها لخروجها منه وكأن الفأرة إنها سميت فويسقة لخروجها من جحرها عَلَى الناس.
وقوله: وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ مَوْبِقاً [52] يقال: جعلنا تواصلهم فِي الدُّنْيَا (مَوْبِقاً) يقول مَهْلِكًا لَهُم فِي الآخرة ويُقال: إنه وادٍ فى جهنم.
وقوله: فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُواقِعُوها [53] أي علموا.
وقوله: وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا [55] يُقال: الناس هاهنا فِي معنى رجل واحد. وقوله (إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ) أن فِي موضع رَفع وقوله (سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ) يقول: سنتنا فِي إهلاك الأمم المكذبة. وقوله (أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ قُبُلًا) : عيانا. وقد تكون (قُبُلًا «5» ) لهذا المعنى.
وتكون (قُبُلًا) كأنه جمع قَبيل وقُبُل أي عذاب متفرق يتلو بعضه بعضا.
__________
(1) ما بين القوسين فى ش وفى ابدله: «ولم تغدر جائزة لو قرئت» .
(2) ا، ب «بعض بنى فقعس» والرجز لأبى محمد الفقعسي كما فى اللسان (عرض) وهو يخاطب امرأة خطبها إلى نفسه ورغبها أن تنكحه. والهجمة من الإبل أولها الأربعون إلى ما زادت وأراد أنها إبل كثيرة لا يقدر القابض على سوقها فهو يترك بعضها. وقوله: والعائض منك عائض أي الذي يعطيك عوضا أوقع الشيء موقعه فهو عائض. وبروى: والعارض منك عائض والسدس جمع سدبس وهو فى أسنان الإبل قبل البازل والبازل يكون فى تاسع سنيه والربع جمع رباع للذى ألقى الرباعية وهى السن بين الثنية والناب وهو فى الإبل فى السنة السابعة. والفرائض ما يؤخذ من الإبل فى الزكاة وكأنه يريد أن معها ما يؤخذ فى زكاتها.
(3) ا: «من» .
(4) سقط فى ا.
(5) هذه قراءة غير عاصم وحمزة والكسائي وأبى جعفر وخلف والأعمش أما هؤلاء فقراءتهم ضم القاف والباء.(2/147)
وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا (58)
وقوله: لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا [58] (الموئل «1» الْمَنْجَى) وهو الملجأ فِي المعنى واحد.
والعربُ تَقُولُ: إنه ليوائل إلى موضعه يريدون: بذهب إلى موضعه وحِرْزه.
وقال الشاعر:
لا وألت نفسك خلَّيتها ... للعامريّين ولم تُكْلَم «2»
(يريد «3» : لا نجت) .
وقوله: لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِداً [59] يقول: لإهلاكنا إيّاهم (مَوْعِداً) أجلًا وقرأ «4» عَاصِم (لَمهْلَكهِمْ) فتح الميم واللام ويَجوز (لمهِلكهم) بكسر اللام تبنيه عَلَى هَلَك يَهْلِك. فمن أراد الاسم «5» مِمّا يُفْعَل منه مكسور الْعَين كسر مفعلًا.
ومن أراد المصدر فتح الْعَين. مثل المضرب والمضرب والمدبّ والمدبّ والمفرّ المفرّ فإذا كَانَ يفعل مفتوح الْعَين آثرت العرب فَتَحها فِي مفعل، اسمًا كَانَ أو مصدرًا. وربما كسروا الْعَين فِي مفعل إذا أرادوا بِهِ الاسم. منهم من قَالَ (مَجْمَعَ «6» الْبَحْرَيْنِ) وهو القياس «7» وإن كَانَ قليلًا.
فإذا كَانَ يفعل مضموم الْعَين مثل يدخل ويخرج آثرت العرب فِي الاسم منه والمصدر فتح الْعَين إلا أحرفًا من الأسماء ألزموها كسر الْعَين فِي مفعل. من ذَلِكَ المسجد والمطلع والمغرب والمشرق والمسقط والمفرق والمجزر والمسكن والمَرْفِق من رَفَق يَرْفُق والمنسِك من نسك ينسك، والمنبت.
__________
(1) فى افى مكان ما بين القوسين: «منجى مقصور» .
(2) ورد فى اللسان (وأل) وفيه ا: «واءلت» .
(3) فى ا: «يقول: لا نجت نفسك» .
(4) أي فى رواية أبى بكر أما فى رواية حفص فيفتح الميم وكسر اللام والباقون بضم الميم وفتح اللام
(5) أي اسم الزمان والمكان.
(6) ورد فى الآية 60 سورة الكهف. وقرأ بكسر الميم الضحاك وعبد الله بن مسلم كما فى البحر 6/ 144.
(7) كذا وكأنه يريد بالقياس أن الأصل الفرق بين المصدر والاسم فالفتح للمصدر والكسر للاسم فهذا هو القياس فى الأصل، ولكن خولف فى بعض المواطن.(2/148)
فجعلوا الكسر علامة للاسم، والفتح علامة للمصدر. وربما فتحه بعض العرب (فِي الاسم «1» ) وقد قرئ مسكن «2» ومسكَن. وقد سمعنا المسجد والمسجَد وهم يريدون الاسم، والمطلَع والمطلِع.
والنصب فِي كلّه جائزِ وإن لَمْ تسمعه فلا تنكرنه إن أتى.
وما كَانَ من ذوات الياء والواو من دعوت وقضيت فالمفعل منه فِيهِ مفتوح اسمًا كَانَ أو مصدرًا، إلا المأقِي من الْعَين فإن العرب كسرت هَذَا الحرف. وبعضُ العرب يُسمّي مأوَى الإبل مَأوِي فهذان نادران. وإنّما امتنعوا من (كسر «3» الْعَين) فِي الياء والواو لأن الياء والواو تذهبان فِي السكت للتنوين الَّذِي يلحق، فردّوها إلى الألف إذ كانت لا تسقط فِي السكوت.
وإذا كَانَ المفعل من كال يكيل وشبهه من الفعل فالاسم منه مكسور، والمصدر مفتوح من ذلك مال مميلا ومما لا تذهب بالكسر إلى الأسماء، وبالفتح إلى المصادر. ولو فتحتهما جَميعًا أو كسرتهما فِي المصدر والاسم لَجاز. تَقُولُ العرب: المعاش. وقد قالوا: المعيش. وقال رؤبة ابن العجّاج:
إليك أشكو شدّة المعيش 106 ا ... ومرّ أعوام نتَفْن ريشي
نتف الْحُبَارَى عَن قَرَا رَهِيشِ «4» القَرَا: الظهر، وقال الآخر:
أنا الرجل الَّذِي قد عبتموهُ ... وما فيكم لَعيّاب معاب «5»
__________
(1) سقط فى ا.
(2) ورد فى الآية 15 سورة سبأ «لقد كان سبأ. فى مسكنهم آية جنتان» قرأ بفتح الكاف حفص وحمزة، وقرأ بكسرها الكسائي وخلف. [.....]
(3) ا: «الكسر» .
(4) الرهيش من الإبل: المهزولة.
(5) ورد البيت فى اللسان والتاج (عيب) . وفيهما: «فيه» فى مكان «فيكم» . وكأن المعنى هنا أنكم ليس عندكم شىء تعابون به إذ إن العيب يكون للاديم الصحيح، فأما الأديم الفاسد فلا مجال للعيب فيه.(2/149)
ومثله مَسَار ومَسِير، وما كَانَ يشبهه فهو مثله.
وإذا كَانَ يفعل مفتوحًا من ذوات الياء والواو مثل يخاف ويَهاب فالاسم والمصدر منه مفتوحان مثل المخاف والمهاب:
وما كَانَ من الواو مضمومًا مثل يقوم ويقول ويعود ويقود وأشباهه فالاسم والمصدر فِيهِ «1» مفتوحان، وإنّما فتحوهُ إذا نووا الاسم ولم يكسروه كما كُسِرَ المغرب لأنهم كرهوا تَحول الواو إلى الياء فتلتبس الواو بالياء.
وما كَانَ أوّله وَاوًا مثل وزنت وورثت ووجِلت فالمفعل فِيهِ اسمًا كَانَ أو مصدرًا مكسور مثل قولهَ لَّنْ
«2» جْعَلَ لَكُمْ مَوْعِداً) وكذلك يَوْحَل ويَوْجَل المفعل منهما مكسور (فِي الوجهين «3» ) وزعم الْكِسَائي أَنَّهُ سمع مَوْجَل ومَوْحَل. قَالَ الفراء: وسمعت أنا موضع. وإنّما كسروا ما أوّله الواو، لأن الفعل فِيهِ إذا فتح يكون عَلَى وجهين. فأما الَّذِي يقع «4» فالواو منه ساقطة مثل وَزَن يَزِنُ. والذي لا يقع «5» تثبت «6» واوه فِي يفعل. والمصادر تستوي فِي الواقع وغير الواقع. فلم يَجعلوا فِي مصدريهما فرقًا «7» ، إنَّما تكون الفروق فِي فعل يفعل.
وما كَانَ من الْهَمْز فإنه مفتوح فِي الوجهين. وكأنَّهم بَنَوه عَلَى يفعل لأن ما لامه همزة يأتي بفتح الْعَين من فَعَل ومن فَعِل. فإن قلت: فلو «8» كسروه إرادة الاسم كما كسروا مجمعًا «9» . قلت:
__________
(1) ا: «منه» .
(2) الآية 48 سورة الكهف.
(3) سقط فى ا. ويريد الاسم والمصدر.
(4) يريد الكوفيون بالفعل الواقع المتعدى، وبالذي لا يقع اللازم.
(5) يريد الكوفيون بالفعل الواقع المتعدى، وبالذي لا يقع اللازم.
(6) مثل وجل يوجل.
(7) كأنه يريد أنه لو أريد الفرق لكان المصدر من وزن الموزن بكسر العين، ومن وجل الموجل بفتحها. «وقد يقال: هلا استويا فى فتح العين، كما هو الأصل فى المصدر.
(8) جواب لو محذوف أي فماذا يكون مثلا.
(9) ش، ب: «مجمع» على حكاية الرفع.(2/150)
لَمْ يأت. وكأنهم أنزلوا المهموز. بِمنزلة الياء والواو لأن الْهَمْز قد يُترك فتلحقهما «1» .
وما كَانَ مفعل مُشتقًا من أفعلت فلك فِيهِ ضم الميم من اسمه ومصدره. ولك أن تُخرجه عَلَى أوَّليته قبل أن تزاد عَلَيْهِ «2» الألف. فتقول: أخرجته مُخرجًا ومَخْرَجًا، وأنزلته مُنْزَلًا ومَنْزِلًا.
وقرئ (أَنْزِلْنِي «3» مُنْزَلًا «4» مُبارَكاً) (وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ) و (مُنْزَلًا «5» ) .
وما كَانَ مما يعمل بِهِ من الآلة مثل «6» المروحة والمطرقة وأشباه ذَلِكَ مما تكون فِيهِ الْهَاء «7» أو لا تكون فهو مكسور الميم منصوب الْعَين مثل المدرع والملحف والمطرق وأشباه ذَلِكَ. إلا أنهم. قالوا: المطهرة والمِطهرة، والمرقاة والمرقاة والمسقاة والمسقاة. فمن كسرها شبّهها بالآلة التي يُعمل بِهَا. ومن فتح قَالَ: هَذَا موضع يُفعل فِيهِ فجعله مخالفًا ففتح «8» الميم ألا ترى أن المروحة وأشباهها آلة يعمل بِهَا، وأن المطهرة والمرقاة فِي موضعهما لا تزولان يعمل «9» فيهما.
وما كَانَ مصدرًا مؤنثًا فإن العرب قد ترفع عينه مثل المقدرة وأشباهه «10» . ولا يفعلون ذَلِكَ فِي مذكر ليست فِيهِ الْهَاء لأن الْهَاء إذا أدخلت «11» سقط عنها بناء فعل يفعل فصارت اسمًا مختلفًا، ومفعل يبنى عَلَى يفعل، فاجتنوا الرَّفعة فِي مفعل، لأن خِلقة يفعل التي يلزمها الضم كرُم يكرُم فكرهوا «12» أن يُلزموا الْعَين من 106 ب مفعل ضمَّة فيَظنَّ الجاهل أن فِي مفعل فرقًا يلزم كما يلزم فَعِلَ يَفعَل الْفُروق، ففتحت إرادة أن تَخلط بِمصادر الواقع. فأمّا قول الشاعر:
__________
(1) أي تدركهما فى الحكم، وهو فتح العين فى المفعل.
(2) ا: «عليها» أي على أوليته. [.....]
(3) الآية 29 سورة المؤمنين.
(4، 5) قراءة فتح الميم لأبى بكر، وقراءة الضم للباقين.
(6) ا: «نحو» .
(7) ا: «و» .
(8) ا: «بفتح» .
(9) ا: «بفعل» .
(10) ا: «أشباهها» .
(11) ا: «دخلت» .
(12) ا: «فتركوا» .(2/151)
لِيوم رَوْعٍ أو فَعَال مَكْرُم «1»
فإنه جمع مَكْرُمة ومَكْرُم. ومثله قول الآخر «2» :
بثين الزمي لا إنه إن لزمتِه ... عَلَى كثرة الواشينَ أيُّ مَعُونِ
أراد جمع معونة. وَكَانَ الْكِسَائي يقول: هما مفعل نادران «3» لا يُقاس عليهما وقد ذهب مذهبًا. إلا أني أجد الوجه الأول أجمل للعربية مِمّا قَالَ. وقد تقلب فِيهِ الياء إلى الواو فيقال:
وكنت إذا جارى دعا لمضُوفةٍ ... أشمِّر حَتَّى يَنْصُف الساق مئزري «4»
جعلها مفعُلة وهي من الياء فقلبها إلى الواو لضمّة ما قبلها، كما قالوا: قد سُور بِهِ.
وقد قالت العرب فِي أحرف فضمّوا الميم والعين، وكسروا الميم والعين جميعًا. فمِمّا ضموا عينه وميمه قَوْلهم: مُكْحُلة ومُسْعُط ومُدْهُن ومُدُقّ. ومما «5» كسروا ميمه وعينه مِنْخِر ومِنْتِن.
ومما زادوا عَلَيْهِ ياء للكسر، وواوًا للضم مسكين ومِنديل ومنطيق. والواو نَحو مُغْفُور وَمُغْثُور وهو الَّذِي يسقط عَلَى الثُّمام ويقال «6» للمنخر: منخور وهم «7» طيّىء. والذين ضمّوا أوله وعينه شبهوا الميم بِما هُوَ من الأصل، كأنه فُعلول. وكذلك الَّذِينَ كسروا الميم والعين شبّهوه بفعليل وفعلل.
__________
(1) هو لأبى الأخزر الحماني: وقبله:
مروان مروان أخو اليوم اليمى
وانظر شرح شواهد الشافية للبغدادى 68
(2) هو جميل. وانظر المرجع السابق 68
(3) ا: «نادرتان» .
(4) هو لأبى جندب الهذلي. والمضوفة: الأمر يشفق منه ويخاف، وانظر ديوان الهذليين 3/ 92
(5) ا: «ما» . [.....]
(6) ا: «تقول» .
(7) يريد أصحاب هذه اللغة.(2/152)
وما كَانَ من ميم زائدة أدخلتها عَلَى فعل رباعى قد زيد على ثلاثيّه شيء من الزيادات فالميم منه فِي الفاعل والمفعول بِهِ والمصدر مضمومة. من ذَلِكَ قولك رجل مُستضرَبٌ (ومُسْتضَربٌ «1» ) ومستطعِم ومستطعَم.
يكون المستطعم- بالفتح- مصدرًا ورجلًا وكذلك المضارب هُوَ الفاعل والمضارب- بالفتح- مصدر ورجل. وكل الزيادات عَلَى هَذَا لا ينكسر، ولا يَختلف فِيهِ فِي لغات ولا غيرها إلا أن من العرب- وهم قليل- من يقول في المتكبِّر: متكبَّر كأنهم بنوه عل يتكبَّر. وهو من لغة الأنصار.
وليس مِمَّا يُبنى عَلَيْهِ. قَالَ الفراء: وحدّثت أن بعض العرب يكسر الميم فِي هَذَا النوع إذا أدغم فيقول هم المطّوّعة والمسّمع المستمع. وهم من الأنصار. وهي من المرفوض. وقالت العرب: مَوْهَب فجعلوه اسمًا موضوعًا عَلَى غير بناء، ومَوْكَل «2» اسمًا موضوعًا. ومنه مَوْحَد لأنهم لَمْ يريدوا مصدر وَحَد، إنَّما جُعل اسمًا فِي معنى واحد مثل مَثْنَى وثُلاث ورُبَاع. وأمّا قولهم: مَزيد ومَزْوَد فهما أيضًا اسمان مختلفان عَلَى غير بناء الفعل ولك فِي الاختلاف أن تفتح ما سبيله الكسر إذا أشبه بعض الْمُثُل، وتضم المفتوح أو تكسره إذا وجهته «3» إلى مثال من أسمائهم كما قيل معفور للدى يسقط عَلى الثمام وميمه زائدة فشبه «4» بفُعلول، وكما قالت العرب (فِي المصير وهو «5» من صِرْت مُصْران للجميع) ومَسيلِ الماء وهو مفعِل: مُسْلان للجميع فشبَّهوا مفعلا بفَعِيل ألا ترى أنهم قالوا سُؤته مسائية وإنَّما هي مساءة عَلَى مَفْعَلة فزيدت عليها الياء من آخرها كما تزاد عَلَى فعالة نَحو كراهة وكراهية وطَبَانة «6» وطبانِيَة.
وقوله: وَإِذْ قالَ مُوسى لِفَتاهُ لا أَبْرَحُ [60] يريد: لا أزال حتى أبلغ، لَمْ يرد: لا أبرح مكاني.
وقوله (فَلَنْ أَبْرَحَ «7» الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي) غير معنى أزال، هَذِه إقامة. وقوله (لَنْ نَبْرَحَ «8» عَلَيْهِ عاكِفِينَ)
__________
(1) سقط فى ا.
(2) هو اسم حصن أو جبل.
(3) ا: «واجهته» .
(4) ا: «فيشبه» .
(5) فى ش: «مصير وهو من صرت فجمعوه مصران» .
(6) الطبانة والطبانية «الفطنة» وفى هامش ا: «رجل طبن أي فطين» .
(7) الآية 80 سورة يوسف.
(8) الآية 91 سورة طه.(2/153)
: لن نزال عَلَيْهِ عاكفين. ومثلها ما فتئت وما فتأت- لغة- ولا أفتأ أذكرك.
وقوله (تَاللَّهِ «1» تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ) معناهُ: لا تزال تذكر يوسف. ولا يكون تزال وأفتأ وأبرح إذا كانت فِي معناهما إلا بجحد ظاهر أو مضمر. فأمّا الظاهر فقد تراهُ فِي القرآن (وَلا يَزالُونَ «2» مُخْتَلِفِينَ) (وَلا يَزالُ «3» الَّذِينَ كَفَرُوا) (فَما زالَتْ تِلْكَ «4» دَعْواهُمْ) وكذلك (لا أَبْرَحُ) والمضمر فِيهِ الجحدُ قول الله (تَفْتَؤُا) ومعناهُ: لا تفتأ. لا تزال تذكر يوسف: ومثله قول الشاعر:
فلا وأبي دَهْمَاء زالت عزيزةً ... عَلَى قَوْمها ما فتَّل الزَّنْدَ قادِحُ»
وكذلك قول امرئ القيس:
فقلتُ يَمينَ الله أبرحُ قاعدًا ... ولو قطعُوا رأسي لديك وأوصالِي
قوله: (أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً) الْحُقُب فِي لغة قيس: سنَة. وجاء التفسير أَنَّهُ ثَمانون سنة. وأما قوله:
مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ فبحر فارس والروم. وإنّما سمي فتى موسى لأنه كَانَ لازمًا لَهُ يأخذ عَنْهُ العلم. وهو يوشع بن نون.
وقوله: (نَسِيا حُوتَهُما [61] وإنّما نسيه يوشع فأضافه إليهما، كما قَالَ (يَخْرُجُ «6» مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ) وإنَّما يخرج من الملح دون العذب. وقوله (فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَباً) كَانَ مالِحًا فلمّا حَيِيَ بالماء «7» الَّذِي أصابه من الْعَين فوقع فِي البحر جمد طريقه فى البحر فكان كالسرب.
وقول: واتّخذ سبيله.
يقول: اتخذ موسى سبيل الحوت (فِي الْبَحْرِ عَجَباً) .
__________
(1) الآية 85 سورة يوسف.
(2) الآية 118 سورة هود.
(3) الآية 31 سورة الرعد، والآية 55 سورة الحج.
(4) الآية 15 سورة الأنبياء. [.....]
(5) آخر هذا البيت فى اعن بيت امرئ القيس. وسبق البيتان فى سورة يوسف.
(6) الآية 220 سورة الرحمن.
(7) ش: «فى الماء» .(2/154)
قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا (64)
ثُمَّ قَالَ حين أخبره بقصَّة الحوت: ذلِكَ ما كُنَّا نَبْغِ [64] أي هَذَا الَّذِي كُنَّا نبغي.
وقوله حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً [70] يقول: حَتَّى أكون أنا الَّذِي أسألك.
وقوله: لِيَغْرَق أهلها [71] قرأها يَحْيَى «1» بن وثّاب والحسن بالرفع والياء وقرأها سائرُ الناس (لِتُغْرِقَ أَهْلَها) .
وقوله: لا تُؤاخِذْنِي بِما نَسِيتُ [73] حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ الْمُهَلَّبِ- وَكَانَ مِنْ أَفَاضِلِ أَهْلِ الْكُوفَةِ- عَنْ رَجُلٍ عَنِ الْمِنْهَالِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ: لَمْ يَنْسَ وَلَكِنَّهَا مِنْ مَعَارِيضِ الْكَلامِ.
وقوله (وَلا تُرْهِقْنِي) يقول: لا تُعجلني.
وقوله: أَقَتَلْتَ نَفْساً (زَكِيَّةً) [74] مَرَّ بغلام لَمْ تجن جناية رآها موسى فقتله. وقوله (زَكِيَّةً) قرأها عَاصِم ويحيى بن وثاب والحسن (زَكِيَّةً) وقرأها أهل الحجاز وأبو الرحمن السُّلَمي (زَاكيةً) بألف «2» . وهي مثل قوله (وَجَعَلْنا «3» قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً) (وقسيّة) «4» .
وقوله: فَلا تُصاحِبْنِي [76] و (فَلَا تَصْحَبْنِي «5» ) نَفْسُكَ ولا تصحبني أنت كل ذَلِكَ صواب والله مَحْمُود.
وقوله: فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُما [77] (سألوهم الْقِرَى: الإضافة فلم يفعلوا. فلو قرئت «6» (أَنْ يُضَيِّفُوهُما) كَانَ صَوَابًا. ويُقال القرية أنطاكية) [وقوله] (يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ) يقال: كيف يريد
__________
(1) هى قراءة حمزة والكسائي وخلف وافقهم الأعمش.
(2) ا: «بالألف» .
(3) الآية 13 سورة المائدة. والقراءة الأخيرة لحمزة والكسائي وافقهما الأعمش. والأولى للباقين.
(4) هذه القراءة تروى عن روح عن يعقوب.
(5) جاء نظم الكلام فى اهكذا: «وقال: القرية انطاكية. القرى: الإضافة. سألوهم الإضافة فلم يفعلوا.
فلو قرئت يضيفوهما كان صوابا» .
(6) وردت هذه القراءة عن ابن محيصن والمطوعى.(2/155)
الجدار أن ينقض؟ وَذَلِكَ «1» من كلام العرب أن يقولوا: الجدارُ يريد أن يسقط. ومثله قول الله (وَلَمَّا سَكَتَ «2» عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ) والغضب لا يسكت (إنما يسكت «3» صاحبه) وإنّما معناه:
سكن، وقوله: (فَإِذا «4» عَزَمَ الْأَمْرُ) [و] إنما يعزم الأمر أهلهُ وقد قَالَ الشاعر:
إن دهرًا يَلُفَّ شملي بجُمْلٍ ... لزمان يَهُمُّ بالإحسانِ «5»
107 ب وقال الآخر:
شكا إِليَّ جَمَلي طُول السُّرى ... صَبْرًا جَميلًا فَكِلانا مُبْتَلَى «6» .
والجملُ لَمْ يَشْك، إنما تُكلم بِهِ عَلَى أَنَّهُ لو نطق لقال ذَلِكَ. وكذلك قول عنترة.
فازوَرَّ من وَقْع الْقَنَا بِلبانه ... وشكا إليّ بعبرة وتَحمحُمِ «7»
وقد ذكرت (يَنْقَاض) للجدار والانقياض: الشِّقّ فِي طول الجدار «8» وَفِي طيّ البئر وَفِي سِنّ الرَّجُل يقال: انقاضت سِنَّة إذا انشقت طولًا. فقال موسى لو شئت [لَمْ تُقِمه حَتَّى يَقرونا فهو الأجر. وقرأ «9» مُجاهد] (لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً) وأنشدني القنانِيّ.
تَخِذَهَا سُرِّيَّةً تُقَعِّده «10»
وأصلها اتّخذ: افتعل.
وقوله: هَذَا فِراقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ [78] .
[ولو نصبت الثانية كَانَ صوابًا، يتوهم أَنَّهُ كان (فراق ما بينى «11» وبينك) ] .
__________
(1) هذا جواب السؤال.
(2) الآية 154 سورة الأعراف.
(3) سقط ما بين القوسين فى ا.
(4) الآية 21 سورة محمد.
(5) يعزى إلى حسان. [.....]
(6) سبق هذا البيت فى سورة يوسف.
(7) هذا البيت من معلقته. وهو فى الحديث عن فرسه فى حومة الحرب. والازورار: الميل. والقنا: الرماح.
واللبان: الصدر، والتحمحم: صوت مقطع ليس بالصهيل.
(8) ا: «الحائط» .
(9) هى قراءة ابن كثير وأبى عمرو ويعقوب وافقهم ابن محيصن واليزيدي والحسن:
(10) تقعده: تخدمه. والسرية: الأمة تتخذ للفراش وبعد لها بيت.
(11) ا: «بينى وبينك فراق بغير نون» .(2/156)
وقوله: وَكانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ [79] يقول: أمامهم مَلِك. وهو كقوله (مِنْ «1» وَرائِهِ جَهَنَّمُ) أي أنها بين يديه. ولا يَجوز أن تَقُولَ لرجل وراءك: هُوَ بين يديك، ولا لرجل هُوَ بين يديك: هُوَ وراءك، إنما يَجوز ذَلِكَ فِي المواقيت من الأيام والليالي والدهر أن تَقُولَ: وراءك بَرد شديد: وبين يديك بَرْد شديد لأنك أنت وراءه فجاز لأنه شيء يأتي، فكأنه إذا لحقك صارَ من ورائك، وكأنك إذا بلغته صار بين يديك. فلذلك جاز الوجهان.
وقوله: فَخَشِينا [80] : فعلمنا. وهي فِي قراءة أُبَيّ (فخافَ ربُّك أن يرهقهما) عَلَى معنى: علم ربُّكَ. وهو مثل قوله (إِلَّا أَنْ «2» يَخافا) قَالَ: إلا أن يعلما ويظنّا. والخوفُ والظن يُذهب بِهما مذهب العلم.
وقوله: خَيْراً مِنْهُ زَكاةً [81] صلاحا «3» (وَأَقْرَبَ رُحْماً) يقول: أقرب أن يُرْحما بِهِ. وهو مصدر رحمت.
وقوله: كَنْزٌ لَهُما [82] يقال: علم.
وقوله (رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ) نصب: فَعَل ذَلِكَ رحمة منه. وكل فعل رأيته مفسِّرًا للخبر الَّذِي قبله فهو منصوب. وتعرفه بأن ترى هُوَ وهي تصلحان قبل المصدر، فإذا ألقيتا اتّصل المصدر بالكلام الَّذِي قبله فنصب، كقوله (فَضْلًا «4» مِنْ رَبِّكَ) وكقوله (إِنَّكَ لَمِنَ «5» الْمُرْسَلِينَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ) معناهُ: إنك من المرسلين وهو تنزيل العزيز (وهذا «6» تنزيل العزيز الرحيم) وكذلك قوله (فِيها «7» يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ أَمْراً مِنْ عِنْدِنا) معناهُ: الفرق فيها أمر من عندنا.
فإذا ألقيت ما يرفع المصدر اتصل بِما قبله فنصب.
__________
(1) الآية 16 سورة إبراهيم.
(2) الآية 229 سورة البقرة.
(3) سقط فى ا.
(4) الآية 57 سورة الدخان.
(5) الآيات 3- 5 سورة يس.
(6) سقط ما بين القوسين فى ا.
(7) الآيتان 4، 5 سورة الدخان.(2/157)
فَأَتْبَعَ سَبَبًا (85)
وقوله: فَأَتْبَعَ سَبَباً [85] قرئت (فأتبع «1» ) و (اتَّبَع «2» ) وأَتْبَع أحسن من اتَّبع، لأن اتبعت الرجل إذا كَانَ يسير وأنت تسير وراءه. وإذا قلت أتبعته بقطع الألف فكأنك قفوته.
وقوله: حَمِئَةٍ [86] حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ حَدَّثَنِي حِبَّانُ عَنِ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ (حَمِئَةٍ) قَالَ: تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ سَوْدَاءَ. وَكَذَلِكَ قَرَأَهَا ابْنُ عَبَّاسٍ حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ حَدَّثَنِي سفيان ابن عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أنه قرأ (حمئة) حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ مُغِيرَةَ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ قَرَأَ (حَامِيَةٍ) وذكر بعض المشيخة عَن خُصيف عَن أبي عبيدة (أن ابن «3» مسعود قرأ) (حامِيَةٍ) .
وقوله (إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً) موضع «4» أن كلتيهما نَصب. ولو رفعت كَانَ صوابًا أي فإنما هُوَ هَذَا أو هَذَا. وأنشدنى بعض العرب:
فسيرا فإما حاجة تقضيانها ... وإما مقيل صالح وصديق
108 اولو كَانَ قوله (فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ «5» وَإِمَّا فِداءً) رفعًا كَانَ «6» صوابًا والعرب تستأنف بإمّا وَإِمَّا.
أنشدني بعض بني عُكْلٍ:
ومن لا يزل يستودع الناس مَاله ... تَرِبْهُ عَلَى بعض الخطوبِ الودائع
ترى الناس إمّا جاعلوه وقاية ... لمالهم أو تاركوه فضائع
__________
(1) القراءة بقطع الهمزة لابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي وخلف، وافقهم الأعمش. والقراءة بوصل الهمزة للباقين. [.....]
(2) وهى قراءة نافع وابن كثير وأبى عمرو وحفص ويعقوب. وافقهم اليزيدي. والباقون عندهم (حامية) .
(3) ا: «عن ابن مسعود» .
(4) ا: «فموضع» .
(5) الآية 4 سورة محمد.
(6) ا: «لكان» .(2/158)
وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا (88)
وقايةً ووِقاءَهُمْ. والنصبُ عَلَى افعل بنا هَذَا أو هَذَا، والرفعُ عَلَى هُوَ «1» هَذَا أو هذا.
وقوله: فَلَهُ جَزاءً الْحُسْنى [88] أي فله جزاءً الحسنى نَصَبت الجزاء عَلَى التفسير وهذا مما فسرت لك. وقوله (جَزاءً الْحُسْنى) مضاف «2» . وقد تكون الحسنى حسناته فهو جزاؤها. وتكون الحسنى الجنة، تضيف الجزاء إليها، وهي هو، كما قال (حَقُّ «3» الْيَقِينِ) و (دِينُ «4» الْقَيِّمَةِ) (وَلَدارُ «5» الْآخِرَةِ خَيْرٌ) ولو جعلت (الْحُسْنى) رفعًا وقد رفعت الجزاء ونوَّنت فِيهِ كَانَ وجهًا. ولم يقرأ بِهِ «6» أحد. فتكون كقراءة مسروق (إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ «7» الدّنيا بزينة الكواكب) فخفض الكواكب ترجمة عَن «8» الزينة.
وقوله: لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِها سِتْراً [90] يقول: لا جبل ولا ستر ولا شجر هم عراة.
وقوله: يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ [94] همزهما عَاصِم ولم يهمزهما غيره [وقوله: (فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً) ] الخراج «9» الاسم الأول. والخرج كالمصدر كأنه الْجُعْلُ.
وقوله: ما مَكَّنِّي [95] أدغمت نونه فِي النون التي بعدها. وقد ذكر عَن مجاهد (ذكره أَبُو طلحة «10» الناقط ما يحضرني عَن غيره) قَالَ: (ما مَكَّنَني) بنونين ظاهرتين وهو الأصل.
وقوله: حَتَّى إِذا ساوى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ [96] .
__________
(1) سقط فى ا.
(2) القراءة الأولى لحفص وحمزة والكسائي وخلف ويعقوب، وافقهم الأعمش. وقراءة الإضافة هذه للباقين.
(3) الآية 95 سورة الواقعة.
(4) الآية 5 سورة البينة.
(5) الآية 109 سورة يوسف.
(6) ش «فيه» .
(7) الآية 6 سورة الصافات. وهذه القراءة بتنوين (زينة) قراءة حمزة وحفص، وافقهما الحسن والأعمش.
(8) ش: «على» .
(9) قراءة الخراج بالألف لحمزة والكسائي وخلف وافقهم الحسن والأعمش. وقراءة الخرج للباقين. [.....]
(10) سقط ما بين القوسين فى ا.(2/159)
قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا (98)
و (الصَّدَفَيْنِ) «1» و (الصّدفين «2» ) سَاوَى وسوَّى بينهما واحد.
[قوله: آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ] : قرأ حمزة والأعمش (قال أتوني) (مقصورة) قنصبا «3» القطر بها وجعلاها «4» (من «5» جيئونى) و (آتوني) أعطوني. إذا طولت الألف كَانَ جيدًا (آتِنا غَداءَنا «6» ) : آتوني قِطرا أفرغ عَلَيْهِ. وإذا لَمْ تطوّل الألف أدخلت الياء فِي المنصوب فقلت «7» ائتنا بغدائنا. وقول حَمْزَةَ والأعمش صواب جائز من وجهين. يكون مثل قولك: أخذت الْخِطَام وأخذت بالخطام. ويكون عَلَى ترك الهمزة الأولى فِي (آتُونِي) فإذا أسقطت الأولى همزت الثانية.
وقوله: جَعَلَهُ دَكَّاءَ [98] حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ حَدَّثَنِي قيس بن الربيع عَن سعيد بن مسروق عَن الشعبي عَن الربيع بن خَيْثم الثوري أن رجلًا قرأ عليه (دكا «8» ) فقال (دكّاء) «9» فخّمها. قَالَ الفراء: يعني: أطلها.
وقوله: وَعَرَضْنا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ [100] : أبرزناها حَتَّى نظر إليها الكفار وأعرضت هي:
استبانت وظهرت.
وقوله: لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً [101] كقولك: لا يستطيعونَ سمع الهدى فيهتدوا.
وقوله: أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا [102] قراءة أصحاب عبد الله ومجاهد (أفحسب) حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ «10» الْخُرَاسَانِيُّ عن الصلت
__________
(1) قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر ويعقوب بضم الصاد والدال، وافقهم اليزيدي وابن محيصن والحسن. وقرأ أبو بكر بضم الصاد وإسكان الدال، وقرأ الباقون بفتح الصاد والدال.
(2) قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر ويعقوب بضم الصاد والدال، وافقهم اليزيدي وابن محيصن والحسن. وقرأ أبو بكر بضم الصاد وإسكان الدال، وقرأ الباقون بفتح الصاد والدال.
(3) ا: «فنصب» «وجعلها» .
(4) ا: «فنصب» «وجعلها» .
(5) أي بمعنى جيئونى.
(6) الآية 62 سورة الكهف.
(7) ا: «قلت» .
(8) هذه قراءة غير عاصم وحمزة والكسائي وخلف.
(9) هذه قراءة غير عاصم وحمزة والكسائي وخلف.
(10) ش، ب: «الفضل» .(2/160)
ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (2)
بْنِ بَهْرَامَ عَنْ رَجُلٍ قَدْ سَمَّاهُ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَرَأَ (أَفَحَسْبُ الَّذِينَ كَفَرُوا) فَإِذَا قُلْتَ (أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا) . فَأَنْ رَفْعٌ وَإِذَا قلت (أَفَحَسِبَ) كانت أن تصبا.
قوله: عَنْها حِوَلًا [108] : تحوّلا.
ومن سورة مريم
قوله: ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا [1] الذكر مرفوع بكهيعص. وإن شئت أضمرت:
هَذَا ذكر رحمة ربِّك. والمعنى ذكر ربك عبده برحمته فهو تقديم وتأخير. (زَكَرِيَّا) فِي موضع نصب.
وقوله: وَلَمْ أَكُنْ بِدُعائِكَ رَبِّ شَقِيًّا [4] يقول: لَمْ أشق بدعائك، أجبتني إذ دعوتك.
وقوله: الْمَوالِيَ [5] هم بنو (عم «1» الرجل) وورثته والَولِيّ وَالْمَوْلَى «2» فِي كلام العرب واحد «3» وَفِي قراءة عبد الله (إِنَّما مَوْلاكُمُ اللهُ «4» ورَسُولُهُ) مكان (وَلِيُّكُمُ) وذكر فِي خَفَّتِ «5» الموالي أَنَّهُ قلَّت، ذُكِرَ عن عثمان (بن عفان «6» ) .
وقوله 108 ب: يرثنى [6] تقرأ جزمًا ورفعًا: قرأها يَحْيَى «7» بن وثاب جزما والجزم الوجه لأن
__________
(1) ا: «العم» .
(2) ا: «الموالي» .
(3) وهو هنا ابن العم. [.....]
(4) الآية 55 سورة المائدة.
(5) كذا. وكأن الأصل: «ذكر فى خفت خفت» والمراد أن هذه الصيغة «خفت» من الخفة رويت عن عثمان رضى الله عنه.
(6) ا: «رحمه الله» .
(7) وهى قراءة أبى عمرو والكسائي وافقهما اليزيدي والشنبوذى. وقرأ الباقون بالرفع.(2/161)
(يَرِثُنِي) من آية سوى الأولى فحسن الجزاء. وإذا رفعت كانت صلة للوليّ: هب لي الذي يرثنى.
ومثله (ردءا «1» يصدّقنى) و (يُصَدِّقْنِي) .
وإذا أوقعت الأمر عَلَى نكرة: بعدها فعل فِي أوّله الياء والتاء والنون والألف «2» كَانَ فِيهِ وجهان: الجزمُ عَلَى الجزاء والشرط، والرفع عَلَى أَنَّهُ صلة للنكرة بِمنزلة الَّذِي، كقول القائل: أعِرْنِي دابَّة أركبها، وإن شئت أركبُها: وكذلك (أَنْزِلْ «3» عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ تَكُونُ لَنا) ولو قَالَ (تَكُنْ «4» لَنَا) كَانَ صوابًا. فإذا كَانَ الفعلُ الَّذِي بعد النكرة لَيْسَ للأوّل ولا يصلح فِيهِ إضمار الْهَاء إن كَانَ الفعل واقعًا عَلَى الرجل فليس إلا الجزم كقولك: هَبْ لي ثوبًا أَتَجَمّل «5» مع الناس لا يكون (أَتجمَّل) إِلَّا جَزْمًا لأن الْهَاء لا تصلح فِي أتجمل. وتقول: أَعِرْنِي دابَّة أركب يا هذا لأنك تقول أركبها فتضمر الْهَاء فيصلح ذَلِكَ.
وقوله: لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا [7] لَمْ يسم أحد بيحيى قبل يَحْيَى بن زكريّا.
وقوله: مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا «6» و (عِتِيًّا) «7» وقرأ ابن عباس (عُسِيًّا) وأنت قائل للشيخ إذا كبر، قد عَتَا وعسا كما يُقال للعود إذا يَبِس.
وقوله: قالَ كَذلِكَ قالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ [9] أي خَلْقُه عَليّ هَيِّن.
وقوله: آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيالٍ [10] (أن) فِي موضع رفع أي آيتك هَذَا.
و (تُكَلِّمَ) منصوبة بأن ولو رُفعت (كما قَالَ «8» : أَفَلا يرون إن لا يرجع إليهم قولا:) كان صوابا.)
__________
(1) الآية 34 سورة القصص. وقراءة الرفع لحمزة وعاصم، وقراءة الجزم للباقين.
(2) ا: «الأول» والألف أول حروف الهجاء.
(3) الآية 114 سورة المائدة.
(4) ورد الجزم عن المطوعى أحد رواة الأعمش فى القراءات الشاذة.
(5) فى ش: «أتجمل به» ولو كان كذلك لصح الرفع لوجود الرابط.
(6) كسر العين لحمزة والكسائي وحفص عن عاصم وافقهم الأعمش، والضم للباقين.
(7) كسر العين لحمزة والكسائي وحفص عن عاصم وافقهم الأعمش، والضم للباقين.
(8) فى ابدل ما بين القوسين: «تكلم كان صوابا كما قال: افلا يرون أن لا يرجع إليهم قولا» .(2/162)
وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا (13)
وإذا رأيت (أن) الخفيفة «1» معها (لا) فامتحنها بالاسم المكنّي مثل الْهَاء والكاف. فإن صلحا كَانَ فِي الفعل الرفع والنصب وإن لَمْ يصلحا لَمْ يَكن فِي الفعل إلا النصب ألا ترى أَنَّهُ جائز أن تَقُولَ: آيتك أنك لا تكلم الناس والذي لا يكون إلا نصبًا.
قوله (يُرِيدُ اللَّهُ «2» أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا) لأن الْهَاء لا تصلح فِي (أن) فقس على هذين.
وقوله (ثَلاثَ لَيالٍ سَوِيًّا) يُقال: من غير خَرَس.
وقوله وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا [13] الحنان: الرحمة (ونصب «3» حَنَانًا أي) وفعلنا ذَلِكَ رحمةً لأبويه «4» (وَزَكاةً) يقول: وصلاحًا. ويُقال: وتزكية لهما.
وقوله: إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِها مَكاناً شَرْقِيًّا
[16] يقال «5» : فِي مَشْرُقَة «6» دارِ أهلها. والعربُ تَقُولُ: هُوَ مني نَبْذَة «7» ونُبْذَة.
وقوله. فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجاباً
[17] كانت إذا أتاها الحيض ضربت حِجابَا.
وقوله «8» : فَأَوْحى إِلَيْهِمْ [11] أي أشار إليهم. والعربُ تَقُولُ: أوحى إليّ ووَحَى وأومأ إليّ وَوَمَى بِمعنى واحد، ووَحَى يحى و (ومِي يَمِي) «9» وإنه ليحي إلى وَحْيا ما أعرفه.
وقوله: لِأَهَبَ لَكِ
[19] الْهِبَة من الله، حكاها جبريل لَهَا، كأنه هُوَ الواهب. وَذَلِكَ كَثِير فِي القرآن خاصة. وَفِي قراءة «10» عبد الله (لِيَهَبَ لَكِ) والمعنى: ليهب الله لك. وأما تفسير
__________
(1) ا: «المخففة» .
(2) الآية 176 سورة آل عمران. [.....]
(3) سقط ما بين القوسين في ا.
(4) ا: «لأبويك» .
(5) ا: «يقول» .
(6) المشرقة- مثلثة الراء-: موضع القعود فى الشمس بالشتاء.
(7) أي فى ناحية.
(8) هذا فى الآية 11، فهو مذكور فى غير مكانه.
(9) هما فى الأصل: ومأ يمأ دخلهما التخفيف.
(10) هى قراءة أبى عمرو ويعقوب. وفى بعض الروايات عن نافع.(2/163)
(لِأَهَبَ لَكِ)
فإنه كقولك أرسَلني بالقول لأهب لك فكأنه قال: قَالَ: ذا لأهب لك والفعل لله تعالى.
وقوله وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا [20] البغيّ: الفاجرة.
وقوله: هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ [21] خلقه علىّ هيّن.
وقوله: مَكاناً قَصِيًّا [22] (قاصيًا) بِمعنى واحد. أنشدني بعضهم.
لَتقعُدِنَّ مَقعدَ الْقَصِيِّ ... مِنِّي ذي القاذُورة الْمَقْلِيّ «1»
وقوله: فَأَجاءَهَا الْمَخاضُ [23] من جئت كما تَقُولُ: فجاء بِهَا المخاض إلى جذع النخلة. فلمّا ألقيت الباء جعلت فِي الفعل ألفًا كما تَقُولُ: آتيتك زيدًا تريد: أتيتك بزيد. ومثله «2» (آتُونِي زُبَرَ «3» الْحَدِيدِ) فلمّا ألقيت الباء زدت ألفًا «4» وإِنَّما هُوَ ائتوني بزُبَر الحديد. ولغة أخرى لا تصلح فِي الكتاب «5» وهي تَميمية: فأشاءها المخاض، ومن أمثال العرب «6» : شرٌّ ما ألجأك إلى مُخَّة عُرْقُوبِ. وأهل الحجاز وأهل العالية يقولون: شرّ ما أجاءك إلى مُخَّة عرقوب، والمعنى واحد.
وتَميم تَقُولُ: شرّ ما أشاءك إلى مُخّة عرقوب.
وقوله (وَكُنْتُ نَسْياً) 109 أصحاب عبد الله قرءوا «7» نسيا) بفتح «8» النون. وسائر العرب تكسر النون وهما لغتان مثل الجسر والجسر والحجر والْحَجْر والْحِجْر والوَتْر والوِتْر. والنِّسْي: ما تلقيه المرأة
__________
(1) سبق هذا الرجز فى سورة إبراهيم (ص 66) .
(2) ا: «منه» .
(3) الآية 96 سورة الكهف.
(4) سقط الواو فى ا.
(5) ا: «القراءة» .
(6) فى اللسان عن الأصمعى: «وذلك أن العرقوب لامخ فيه، وإنما يحوج إليه من لا يقدر على شىء» . [.....]
(7) ش: «يقولون» .
(8) الفتح قراءة حفص وحمزة. والكسر قراءة الباقين.(2/164)
من خرق اعتلالها (لأنه «1» إذا رُمي بِهِ لَمْ يُرَدّ) وهو اللَّقي مقصور. وهو النَّسي «2» ولو أردت بالنَّسْي مصدر النسيان كَانَ صوابًا.
بِمنزلة قولك: حِجْرًا محجورًا: حرامًا محرمًا، نسيًا منسيًا. والعربُ تَقُولُ: نسيته نِسْيَانًا، ونسيا، أنشدني بعضهم:
من طاعة الربّ وعَصْي الشيطان
يريد: وعصيان الشيطان «3» . وكذلك أتيته إتيانًا وأتْيًا. قَالَ الشاعر:
أَتْيُ الفواحش فيهم معروفة ... ويرون فعل المكرُمات حَرَامَا «4»
وقوله: فَناداها مِنْ تَحْتِها [24] و (نَادَاها مَنْ «5» تَحْتها) وهو الملك فِي الوجهين جَميعًا. أي فناداهَا جبريل من تحتها، وناداها من تحتها: الَّذِي تحتها وقوله (سَرِيًّا) السرِيّ: النهر.
وقوله: وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ [25] العربُ تَقُولُ: هَزّ بِهِ وهزَّه، وخذ الْخِطَام وخذ بالخطام، وتعلق زيدًا وتعلق بزيد، وخُذْ برأسه وخذ رأسه، وامدد بالحبل (وامدد الحبل «6» ) قال الله (فَلْيَمْدُدْ «7» بِسَبَبٍ إِلَى السَّماءِ) معناه: فليمدد سببا (إلى السّماء) وكذلك فِي قوله (وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ) لو كانت: وهُزّي جذع النخلة كَانَ صوابًا.
__________
(1) ما بين القوسين ورد فى ابعد قوله بعد: «وهو النسى» .
(2) بعده فى ش: «والنسى مثله» ولا حاجة إليه.
(3) سقط فى ا.
(4) «معروفة» جاء تأنيثها وهى خبر عن (أتى» لاكتسابه التأنيث من إضافته إلى «الفواحش» .
(5) القراءة الأولى بكسر الميم من (من) لنافع وحفص وحمزة والكسائي وأبى جعفر وروح وخلف وافقهم الحسن والأعمش. والقراءة بالفتح للباقين.
(6) الخطام: ما يوضع فى أنف البعير ليقتاد به.
(7) الآية 15 سورة الحج.(2/165)
وقوله: (يَسَّاقط) ويُقرأ (تسَّاقط «1» عَلَيْكِ) وتَسَاقط «2» وتُسَاقِط «3» (بالتاء) «4» فمن قرأها يَسَّاقط ذهب إلى الجذع. وقد قرأها البراء بن عازب بالياء، وأصحاب عبد الله (تساقط) يريدونَ النخلة، فإن شئت شدّدت وإن شئت خففت. وإن قلت (تُسَاقِطْ عليك) كَانَ صوابًا. والتشديد والتخفيف فِي المبدوء بالتاء والتشديد فِي المبدوء بالياء خاصَّة. ولو قرأ قارئ تُسْقِط عليك رطبًا يذهب إلى النخلة أو قَالَ يَسْقط عليك رُطبًا يذهب إلى الجذع كان صوابا.
وقوله (جَنِيًّا) الْجَنِيِّ والْمَجْنِيّ واحد وهو مفعول بِهِ.
وقوله: وَقَرِّي عَيْناً [26] جاء فِي التفسير: طِيبي نَفسًا. وإنما نصبت الْعَين لأن الفعل كَانَ لَهَا، فصيرته للمرأة. معناهُ: لتقرر عينك، فإذا حول الفعل عَن صاحبه إلى ما قبله نصب صاحب الفعل عَلَى التفسير. ومثله (فَإِنْ طِبْنَ «5» لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً) وإِنَّما معناه: فإن طابت أنفسهن لكم، وَضَاقَ بِهِ ذرعًا وضقت بِهِ ذَرْعًا، وسؤت بِهِ ظَنًّا إنَّما (معناهُ «6» : ساء به ظنّي) وكذلك مررت برجل حسنٍ وجهًا إنما كَانَ «7» معناه: حسن وجهه، فحولت فعل الوجه إلى الرجل فصار الوجه مفسرًا.
فابن عَلَى ذا ما شئت. وقوله: (إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً) أي صمتًا.
وقوله: لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيًّا [27] الْفِريّ: الأمر العظيم. والعربُ تَقُولُ: يَفْرِي الْفَرِيّ إذا هُوَ أجادَ العمل أو السَّقْيَ ففضل الناس قيل هذا فيه. وقال الراجز «8» .
__________
(1، 2، 3) قراءة (يساقط) بالياء وتشديد السين لأبى بكر فى بعض طرقه وليعقوب. (تساقط) بفتح التاء، وتخفيف السين لحمزة وافقه الأعمش. وقرأ حفص (تساقط) بضم التاء وتخفيف السين. وقرأ الباقون بفتح التاء وتشديد السين (تساقط) .
(4) سقط ما بين القوسين فى ا.
(5) الآية 4 سورة النساء.
(6) فى ش: «إنما هو ساء به ظنا» وقد يكون الأصل: «ظنه» فى مكان «ظنه» ليستقيم الكلام.
(7) سقط فى ش. [.....]
(8) فى اللسان عن الفراء أنه زرارة بن صعب يخاطب العامرية.(2/166)
وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا (31)
قد أَطعمتني دَقَلًا حَجْرِيَّا ... قد كنت تفرين به الْفَرِيَّا «1»
أي قد كنت تأكلينه أكلًا كثيرا «2» .
وقوله: يا أُخْتَ هارُونَ [28] كَانَ لَهَا أخ يُقالُ لَهُ هَارونَ من خيار بني إسرائيل ولم يكن من أبويها فقيل: يا أخت هارون فِي صلاحه. أي إن أخاك صالح وأبواك أبواك كالتغيير لَها. أي أهل بيتك صالِحون وقد أتيتِ أمرا عظيما.
وقوله: فَأَشارَتْ إِلَيْهِ [29] إلى ابنها. ويُقال إن المهد حِجْرهَا وحَجْرها. ويُقال: سَريره والحِجْر أجود «3» .
وقوله: وَجَعَلَنِي مُبارَكاً [31] يتعلم منى حيثما كنت.
وقوله جَبَّاراً [32] الجبَّار: الَّذِي يقتل عَلى الغضب، ويضرب عَلَى الغضب.
وقوله وَبَرًّا بِوالِدَتِي نصبته عَلَى وجعلني نبيًّا وجعلني بَرًّا. مُتبع للنبي كقوله (وَجَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً «4» ) ثم قال (وَدانِيَةً «5» عَلَيْهِمْ ظِلالُها) (دانية) مردودة على (مُتَّكِئِينَ «6» فِيها) كما أن البر مردودة عَلَى قوله (نَبِيًّا) .
وقوله: وَالسَّلامُ عَلَيَّ [33] جاء فِي التفسير السَّلامة علَيّ.
وقوله: قَوْلَ الْحَقِّ [34] فِي قراءة عبد الله (قَالُ اللهِ الحقّ) والقول والقال فى معنى واحد.
__________
(1) ورد الرجز فى اهكذا:
قد أطعمتنى دقلا حوليا ... مسوسا مدودا حجريا
قد كنت تفرين به الفريا
والحولي: الذي أتى عليه حول أي عام. والدقل: نوع من التمر ردىء. والحجر منسوب إلى حجر وهى قصبة اليمامة.
(2) ا: «شديدا» وفى اللسان عقب إيراد الرجز: «أي كنت تكثرين فيه القول وتعظيمينه» .
(3) أي فى اللغة.
(4) الآية 12 سورة الإنسان.
(5) فى الآية 14.
(6) فى الآية 13.(2/167)
وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا (41)
والحق فِي هَذَا الموضع يُرادُ بِهِ الله. ولو أريدَ بِهِ قول الحق فيضاف القول إلى الحق ومعناهُ القول الحق كَانَ صوابًا كما قيل: (إِنَّ «1» هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ) فيضاف الشيء إلى مثله ومثله قَوْل الله (وَعْدَ الصِّدْقِ «2» الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ) ومعناهُ الوعد الصدق. وكذلك (وَلَدارُ «3» الْآخِرَةِ خَيْرٌ) إِنَّما هُوَ: والدار الآخرة.
وقد قرأت القراء بالنصب «4» (قَوْلَ الْحَقِّ) وهو كَثِير يريدون بِهِ: حقًّا. وإن نصبت القول وهو فِي النيَّة من نعت عيسى كَانَ صَوَابًا، كأنك قلت: هَذَا عبد الله أخاهُ بعينه. والعربُ تنصب «5» الاسم المعرفة فِي هَذَا وَذَلِكَ وأخواتهما. فيقولون: هَذَا عبدُ الله الأسد عاديًا «6» كما يقولون:
أسدًا عاديًا.
وقوله: مَا كانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ [35] (أن) فِي موضع رفع.
وقوله: وَإِنَّ اللَّهَ [36] تقرأ (وَأَنَّ «7» اللَّهَ) فمن فتح أراد: ذَلِكَ أنّ الله ربي وربكم. وتكون رفعًا وتكون (فِي تأويل «8» ) خفض عَلَى: ولأن الله كما قَالَ (ذلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ «9» مُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ) ولو فتحت (أنّ) على قوله (وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ. (وأن الله) كَانَ وجهًا. وَفِي قراءة أُبَيّ (إن الله ربي وربكم) بغير واو فهذا دليل على أنها مكسورة.
وقوله: وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِبْراهِيمَ [41] اقصص قِصَة إِبْرَاهِيم: اتْلُ عليهم. وكذلك قوله فيمن ذكر من الأنبياء (أي) «10» اقصُصْ عليهم قصصهم.
__________
(1) الآية 95 سورة الواقعة.
(2) الآية 16 سورة الأحقاف.
(3) الآية 109 سورة يوسف.
(4) النصب قراءة ابن عامر وعاصم ويعقوب وافقهم الحسن والشنبوذى والباقون قرءوا بالرفع.
(5) هذا النصب عند الكوفيين على التقريب، وهو عندهم من العوامل. وانظر ص 12 من الجزء الأول.
(6) ا: «غاديا» .
(7) الفتح لنافع وابن كثير وأبى عمرو وأبى جعفر ورويس وافقهم ابن محيصن واليزيدي. والكسر للباقين. [.....]
(8) ا: «بتأويل» .
(9) الآية 131 سورة الأنعام.
(10) سقط فى ا.(2/168)
يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا (45)
وقوله: إِنِّي أَخافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذابٌ [45] يريد: إني أعلم. وهو مثل قوله (فَخَشِينا «1» أَنْ يُرْهِقَهُما) أي فعلمنا.
وقوله: لَأَرْجُمَنَّكَ [46] لأسبّنّك.
وقوله: (وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا) طويلًا يُقال كنت عنده مَلْوةً من دهر ومُلْوةً ومِلْوةً ومُلَاوَةً من دهر وهذيل تَقُولُ: مِلاوة، وبعض العرب مَلاوة. وكله من الطول.
وقوله: كانَ بِي حَفِيًّا [47] : كَانَ بي عالِمًا لطيفًا يُجيبُ دعائي إذا دعوته.
وقوله: عَسى أَلَّا أَكُونَ بِدُعاءِ رَبِّي شَقِيًّا [48] يقول: إن دعوته لَمْ أَشْقَ بِهِ.
وقوله: وَجَعَلْنا لَهُمْ لِسانَ صِدْقٍ عَلِيًّا [50] : ثناء حسنا فى كلّ الأديان. حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ حَدَّثَنِي عَمْرو بن أبي المقدام عَن الحكم بن عُتيبة عَن مُجاهد فِي قوله (وَاجْعَلْ لِي لِسانَ «2» صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ) قَالَ: ثناء حَسَنًا.
وقوله: وَنادَيْناهُ مِنْ جانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ [52] (من «3» الجبل) لَيْسَ للطور يمين ولا شِمال، إنَّما هُوَ الجانب الَّذِي يلي يمينك كما تقول: عن يمين القبلة وعن شمالها.
وقوله (وَقَرَّبْناهُ نَجِيًّا) (اسم لَيْسَ بِمصدر «4» ولكنه) كقولك: مُجالس وجَليس. والنجيّ وَالنَّجْوَى قد يكونان اسمًا ومصدرًا.
وقوله: وَكانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا [55] ولو أتت: مرضَوّا كَانَ صَوَابًا لأن أصلها
__________
(1) الآية 80 سورة الكهف.
(2) الآية 84 سورة الشعراء.
(3 و 4) سقط فى ا.(2/169)
وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا (57)
الواو ألا ترى أنّ الرضوان بالواو. والذين قالوا مرضيّا بنوه عَلَى رضِيت (ومَرْضُوًّا «1» لغة أهل الحجاز) .
وقوله: وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا [57] ذُكِرَ أن إدريس كَانَ حُبِّبَ إلى ملك الموت حَتَّى استأذنَ ربَّهُ فِي خُلّته. فسأل إدريس ملك الموت أن يريه النار فاستأذنَ ربه فأراها إياهُ ثُمَّ (استأذنَ «2» ربَّه) فِي الجنّة فأراها إيّاه فدخلها. فقال له ملك الموت: اخرج فقال: والله لا أخرج منها أبدًا لأن الله قَالَ (وَإِنْ «3» مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها) فقد وردتها يعني النار وقال (وَما هُمْ مِنْها بِمُخْرَجِينَ «4» ) فلستُ بِخارج منها إلا بإذنه. فقال الله: بإذني دخلها فدعه. فذلك قوله (وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا) .
وقوله: فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خلف: الخلف يُذهَب بِهِ إلى الذم. والخَلَف الصالِح. وقد يكون فى الرديء خلف وَفِي الصالِح خَلْف لأنهم قد يذهبون بالخلف إلى القرن بعد القرن.
وقوله: جَنَّاتِ عَدْنٍ [61] نَصْب. ولو رفعت عَلى الاستئناف كَانَ صوابًا.
وقوله (إِنَّهُ كانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا) ولم يقل: آتيا. وكل ما أتاك فأنت تأتيه ألا ترى أنك تَقُولُ أتيت عَلَى خمسين سنة وأتت عَليّ خمسون سنة. وكل ذَلِكَ صواب.
وقوله: وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا [62] ليس هنالك بكرة ولا عشي، ولكنهم يُؤتَون بالرزق عَلَى مقادير من «5» الْغُدُوّ والعشيّ فِي الدُّنْيَا.
وقوله: وَما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ [64] يعني الملائكة وقوله: لَهُ (مَا بَيْنَ أَيْدِينا) من أمر الدنيا (وَما خَلْفَنا) من أمر الآخرة (وَما بَيْنَ ذلِكَ) يُقال ما بين النفختين، وبينهما أربعون سنة.
__________
(1) سقط ما بين القوسين فى ا.
(2) ا: «استأذنه» .
(3) الآية 71 سورة مريم.
(4) الآية 48 سورة الحجر.
(5) سقط فى ا.(2/170)
وَيَقُولُ الْإِنْسَانُ أَإِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا (66)
وقوله: لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا [66] و (أَخْرُجُ) قراءتان «1» .
وقوله: أَوَلا يَذْكُرُ الْإِنْسانُ [67] وهي فِي قراءة أُبَيّ (يَتَذَكَّرُ) وقد قرأت القراء (يَذْكُرُ) عَاصِم وغيره «2» .
وقوله: خَيْرٌ مَقاماً وَأَحْسَنُ نَدِيًّا [73] : مجلسًا. والندِيّ والنادي لغتان.
وقوله: أَحْسَنُ أَثاثاً وَرِءْياً [74] الأثاث: المتاع. والرِّئي: المنظر، والأثاث لا واحد لَهُ، كما أن المتاع لا واحد لَهُ. والعرب تجمع المتاع أمتعة وأماتيع ومُتُعًا. ولو جمعت الأثاث لقلت:
ثلاثة آثّة، وأثت لا غير. وأهل المدينة يقرءونها بغير همز (وَرِيًّا) وهو وجه جَيّد لأنه مع آيات لسن بِمهموزات الأواخر. وقد ذُكِرَ عَن بعضهم أَنَّهُ ذهب بالريِّ إلى رَويت «3» . وقد قرأ بعضهم (وَزِيًّا) بالزاي. والزِّيُّ: الهيئة والمنظر. والعربُ تَقُولُ: قد زَيَّيْت الجارية أي زَيَّنْتَها وهَيَّأتها.
وقوله: وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً [76] بالناسخ والمنسوخ.
قرىء: أَفَرَأَيْتَ الَّذِي [77] بغير «4» هَمز.
وقوله: وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ [80] يعني ما يزعم الْعَاصي»
بن وائل أَنَّهُ لَهُ فِي الجنة فتجعله لغيره (وَيَأْتِينَا فَرْدًا: خاليًا من المال والولد.
وقوله: لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا [81] يقول: ليكونوا لهم شفعاء فى الآخرة.
__________
(1) القراءة الأولى بضم الهمزة قراءة الجمهور. والقراءة الأخرى للحسن وأبى حيوة كما فى البحر 6/ 207.
(2) هى نافع وابن عامر. وقرأ الباقون بالتشديد.
(3) أي رويت أبدانهم وأجسامهم من التنعم والرفاهية. [.....]
(4) هى قراءة الكسائي.
(5) كتب بالياء. وهو أحد وجهين فيه. وانظر شرح القاري على الشفاء 1/ 54.(2/171)
أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا (83)
فقال الله: كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا [82] يكونون عليهم أعوانًا «1» .
وقوله: أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّياطِينَ عَلَى الْكافِرِينَ [83] (فى الدنيا) (تَؤُزُّهُمْ أَزًّا) : تزعجهم إلى المعاصي وتغريهم بِهَا.
وقوله: إِنَّما نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا [84] يُقال: الأيَّام «2» والليالي والشهور والسنون. وقال بعضُ المفسرين: الأنفاس.
وقوله: نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً [85] الوفد: الركبان.
وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلى جَهَنَّمَ وِرْداً [86] مشاة عطاشا.
وقوله: لا يَمْلِكُونَ الشَّفاعَةَ [87] : لا يملكون أن يشفعوا (إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً) والعهد لا إله إلا الله. و (من) فِي موضع نصب عَلَى الاستثناء ولا تكون خفضًا بضمير اللام ولكنها تكون نصبًا عَلَى معنى الخفض كما تَقُولُ فِي الكلام: أردت المرور اليوم إلا العدوّ فإني لا أمُرّ بِهِ فتستثنيه من المعنى ولو أظهرت الباء فقلت: أردت المرور إلا بالعدو لخفضت. وكذلك لو قيل: «3» لا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعةَ إِلَّا لمن اتّخذ عند الرحمن [110 ب] عهدا.
[قوله: لَأُوتَيَنَّ مالًا وَوَلَداً [77]] حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ حَدَّثَنِي المغيرة عَن إِبْرَاهِيم أَنَّهُ كَانَ يقرأ (مَالُهُ «4» وَوُلْدُهُ) وَفِي كهيعص (مالًا وَوَلَداً) قال الفراء وكذلك
__________
(1) ا: «عونا» .
(2) أي الذي يعد الأيام ...
(3) فى الطبري أن هذا الكلام على هذا الوجه يكون متصلا بقوله: «يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا» أي لا يملك هؤلاء الشَّفَاعةَ إِلَّا لمن اتّخذ عند الرحمن عهدًا.
(4) الآية 21 سورة نوح. وضم الواو فى (ولده) قراءة غير نافع وابن عامر وعاصم وأبى جعفر أما هؤلاء فعندهم فتح الواو واللام.(2/172)
لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا (89)
قرأ يَحْيَى بن وَثّاب. ونصب عَاصِم الواو. وثقّل فِي كل القرآن. وقرأ مُجاهد (مالُه ووُلْدُه إلَّا خَسَارًا) بالرفع ونصب سائر «1» القرآن. وقال الشاعر:
ولقد رأيت معاشرا ... قد ثَمّروا مَالًا وَوُلْدًا
فخفف (وثَمروا) «2» والوُلْد والوَلَد لغتان مثل (ما قالوا) «3» : الْعَدمَ وَالْعُدْمُ (والوُلْد والولد) «4» وهما واحد. (وليس «5» بِجمع) ومن أمثال العرب وُلْدُكِ مَن دَمَّى عقبيك. وقال بعضُ الشعراء:
فليتَ فلانًا مات فِي بطن أمه ... وليت فلانا كان وُلْدَ حمار
فهذا واحد. وقَيْس تَجعل الْوُلْد جَمْعًا وَالْوَلَدَ وَاحدًا.
وقوله: وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا [90] : كسرا.
وقوله: أَنْ دَعَوْا [91] لأن دَعَوا، ومن أَن دَعَوا، وموضع (أن) نصب لاتصالِها. وَالْكِسَائي كَانَ يقول: (موضع أن) خفض.
وقوله: إِلَّا آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً [93] ولو قلت: آتٍ الرحمن عبدًا كَانَ صوابًا. ولم أسمعهُ من قارئ.
وقوله: لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا [89] قرأت القرَّاء بكسر الألف، إلا أبا عبد الرحمن السُّلَمِي فإنه قرأها بالفتح (أَدّا) ومن العرب من يقول: لقد جئت بشيء آدٍ مثل مادّ. وهو فِي الوجوه كلها:
بشيء عظيم.
__________
(1) كذا. والاولى: «فى سائر القرآن» .
(2) سقط فى ش، ب وضبط فى ا: «ثمروا» فى النظم بالبناء للمعقول وهنا بالبناء للفاعل.
(3) ا: «قولهم» .
(4) سقط فى ا.
(5) سقط فى ا.(2/173)
طه (1)
وقوله: يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ [90] ويَنْفَطِرْنَ. وَفِي قراءة عبد الله (إن تكاد السّماوات لتتصَدَّع منه) وقرأها حَمْزَةُ (يَنْفَطِرْنَ) عَلَى هَذَا المعنى.
وقوله: وُدًّا [96] يقول: يجعل الله لَهم وُدّا فِي صدور المؤمنين.
وقوله: أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً [98] الركز: الصوت.
من سورة طه
قوله طه [11] حرف «1» هجاء. وقد جاء فِي التفسير طه: يا رجل، يا إنسان حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ حَدَّثَنِي قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ قَالَ حَدَّثَنِي عَاصِمٌ عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ قَالَ:
قَرَأَ رجل على ابن مسعود طه بِالْفَتْحِ «2» قَالَ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ طِهِ «3» بِالْكَسْرِ قَالَ فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ يَا با عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَلَيْسَ أَنَّمَا أُمِرَ أَنْ يَطَأَ قَدَمُهُ. قَالَ: فَقَالَ لَهُ طِهِ. هَكَذَا أَقْرَأَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَكَانَ بعضُ القراء يقطّعها طِ هِـ قرأها أَبُو عَمْرو بن العلاء طاهي «4» هكذا.
وقوله: إِلَّا تَذْكِرَةً [3] نصبها على قوله: وما أَنْزَلْنا إِلَّا تَذْكِرَةً.
وقوله: تَنْزِيلًا [4] ولو كانت (تنزيلٌ) (عَلَى الاستئناف) «5» كَانَ صوابًا.
وقوله: يَعْلَمُ السِّرَّ [7] : ما أسررته (وَأَخْفى) : ما حَدَّثت بِهِ نفسك.
وقوله: إِنِّي آنَسْتُ ناراً [10] : وَجدْتُ نارًا. والعربُ تَقُولُ: اخْرُج فاستأنس هَل ترى شيئًا.
ومن أمثال العرب بعد اطّلاع إيناس «6» . وبعضهم يقول بعد طلوع إيناس.
__________
(1) المراد الجنس فهما حرفان وفى الطبري: «حروف هجاء» .
(2) سقط فى ا. والمراد عدم الإمالة.
(3) سقط فى ش. والمراد بالكسر الإمالة. [.....]
(4) أي بفتح الطاء وإمالة الهاء للكسر.
(5) ما بين القوسين مؤخر فى ش عن قوله: «كان صوابا» .
(6) الاطلاع هنا: النظر. والإيناس الوجود واليقين.(2/174)
وقوله: (لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِقَبَسٍ) الْقَبَس مثل النار فِي طَرَف العود أو فِي الْقَصَبة. وقوله:
(أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً) يعني هاديًا. فأجزأ المصدر من الهادي. وَكَانَ موسى قد أخطأ الطريق.
وقوله «1» : يَا مُوسى [11] إنى [12] إن جَعَلت النداء واقعًا عَلَى (موسى) كسرت «2» (إِنِّي أَنَا رَبُّكَ) وإن شئت أوقعت النداء عَلَى (أنِّي) وَعَلَى (موسى) وقد قرىء «3» بذلك.
وقوله: (فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ) ذُكِر أنهما كانتا من جلد حمارٍ ميّتٍ فأمر بخلعهما 111 الذلك. وقوله (طوى) قد تكسر طاؤه فيُجرَى. ووجه الكلام (الإجراء إذا كسرت «4» الطَّاء) وإن جعلته اسمًا لِمَا حول الوادي جَازَ «5» ألا يُصرف كما قيل «6» (وَيَوْمَ حُنَيْنٍ «7» إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ) فأجرو حنينًا لأنه اسم للوادي. وقال الشاعر «8» فِي ترك إجرائه:
نصروا نبِيَّهمُ وشَدّوا أَزْرَهُ ... بِحُنَيْنَ يوم تواكُلِ الأبطال
نوى أن يجعل (حنين) اسمًا للبلدة فلم يُجْرِه. وقال الآخر «9» :
ألَسْنَا أكرم الثقلين رَحْلا ... وأعظمه ببَطن حِراء نارَا
فلم يُجر حراء وهو جبل لأنه جعله اسما للبلدة التي هو بها.
__________
(1) فى ش مكان «وقوله» : «نودى» وسقط فيها «إنى» .
(2) الفتح قراءة ابن كثير وأبى عمرو وأبى جعفر وافقهم ابن محيصن واليزيدي، والكسر قراءة الباقين.
(3) الكسر مع الإجراء أي التنوين عن الحسن والأعمش.
(4) ا: «إذا كسر إجراؤه» .
(5) هى قراءة أبى زيد عن أبى عمرو كما فى البحر 6/ 231.
(6) ا: «قالوا» .
(7) الآية 25 سورة التوبة.
(8) هو حسان بن ثابت كما فى اللسان.
(9) نسبه فى معجم البلدان (حراء) إلى جرير. وفيه: «وأعظمهم» . وما هنا: وأعظمه» أي أعظم من ذكر وهو جائز فى كلامهم.(2/175)
وأمَّا من ضمَّ «1» (طُوَى) فالغالبُ عَلَيْهِ الانصراف. وقد يَجوز ألا يُجرى يُجعل عَلَى جهة فُعل مثل زُفَر وعُمَر ومُضَر قَالَ الفراء «2» : يقرأ (طوى) مجراة.
وقوله: وَأَنَا اخْتَرْتُكَ [13] وتقرأ [وَأَنَّا اخترناكَ] مردودة عَلَى [نودي] نودي أنَّا اخترناكَ، «3» وَإِنَّا اخترناكَ فإذا كسرها استأنفها «4» .
وقوله: وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي [14] ويقرأ: (لِذِكْرَا) بالألف فمن قَالَ (ذِكْرَا) فجعلها بالألف كَانَ عَلَى جهة «5» الذكرى. وإن شئت جَعَلْتَها ياء إضافة حُوِّلَت ألفًا لرءوس الآيات كما قَالَ الشاعر:
أطوِّف ما أطوِّف ثُمَّ آوِي ... إِلَى أمَّا ويُرِويني النقيعِ «6»
والعربُ تَقُولُ بأبا وَأُمَّا يريدون: بأبي وَأُمِّي. ومثله (يَا وَيْلَتى أَعَجَزْتُ «7» ) وإن شئت جعلتها ياء»
إضافة وإن شئت ياء»
نُدْبة و (يَا «10» حَسْرَتى عَلى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ) [قوله: أَكادُ أُخْفِيها [15] قرأت القراء (أَكادُ أُخْفِيها) بالضَمِّ. وَفِي قراءة أُبَيّ (إِنّ الساعة آتية أكاد أخفيها من نفسي فكيف أظهركم عليها) وقرأ سعيد بن جُبير (أَخْفِيها) بفتح الألف حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ حَدَّثَنِي الْكِسَائي عَن مُحَمَّد بن سهل عن وقاء عَن سعيد بن جُبَيْر أَنَّهُ قرأ (أَخْفِيها) بفتح الألف من خفيت. وخفيت: أظهرت وخفيت: سترت.
قَالَ الفراء قَالَ الْكِسَائي والفقهاء يقولون «11» . قال الشاعر «12» :
__________
(1) الضم مع التنوين لابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي وخلف. وقرأ الباقون بالضم بلا تنوين. وهذا غير من سبق لهم الكسر.
(2) ش: «وأبو زكريا» وهو الفراء. [.....]
(3) هذه قراءة حمزة بفتح الهمزة.
(4) ا: «إذا» والكسر قراءة السلمى وابن هرمز كما فى البحر 6/ 231.
(5) ا: «وجه» .
(6) النقيع: المحض من اللبن يبرد.
(7) الآية 31 سورة المائدة.
(8 و 9) أي الياء فى الأصل قبل قلبها ألفا. وقبله «ياء ندبة» الأولى: ألف ندبة.
(10) الآية 56 سورة الزمر.
(11) ما بعده فى امطموس لم أتمكن من قراءته.
(12) هو امرؤ القيس بن عابس الكندي. كما فى اللسان.(2/176)
قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى (21)
فإن تدفنوا الداء لا نخفِه ... وإن تبعثوا الحرب لا نَقْعُدِ
يريد لا نُظهره.
وقوله: فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْها [16] يريدُ الإيمان ويُقال عَن الساعة: عَن إتيانها. وجازَ أن تَقُولَ:
عنها وأنت تريد الإيمان كما قَالَ (ثُمَّ «1» إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا) ثُمَّ قَالَ (إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) يذهب إلى الْفَعْلةِ.
وقوله: وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى [17] يعني عصاهُ. ومعنى (تِلْكَ) هَذِه.
وقوله: (بِيَمِينِكَ) فِي مذهب صلة لتلك لأن تِلْكَ وهذه توصلان كما توصل الذي قال الشاعر «2» .
عدش ما لعبادٍ عليكِ إمارة ... أمِنتِ وهذا تحملين طليقُ
وعَدَسْ «3» زجر للبغل يريد الَّذِي تحملين طليق.
وقوله: وَأَهُشُّ بِها عَلى غَنَمِي [18] أضرب بِهَا الشجر اليابس ليسقط ورقها فترعاهُ غنمه «4» (وَلِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى) يعني حوائج «5» جعل أخرى نعتًا للمآرب وهي جمع. ولو قَالَ: أُخَر، جاز كما قَالَ الله (فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ «6» ) ومثله (وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى «7» ) .
وقوله. سِيرَتَهَا الْأُولى [21] أي طريقتها الأولى. يقول: يردّها عصا كما كانت.
__________
(1) الآية 110 سورة النحل.
(2) هو يزيد بن مفرغ الحميرى. وكان هجا عباد بن زياد والى سجستان فسجته فى العذاب فأمر الخليفة معاوية رضي الله عنه فأطلق، وقدمت إليه بغلة ليركبها فقال قصيدة فيها هذا البيت. وقوله «أمنت» كتب فوقها فى ا:
«نجوت» وهى رواية أخرى. وانظر اللسان (عدس) .
(3) والمراد هنا البغلة إذ هو يخاطبها ويناديها.
(4) كذا. والأولى. غنمى.
(5) سقط فى ا. [.....]
(6) الآية 185 سورة البقرة.
(7) الآية 180 سورة الأعراف.(2/177)
وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي (27)
وقوله: وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلى جَناحِكَ [22] الْجَنَاح فِي هَذَا الموضع من أسفل الْعَضد إلى الإبط.
وقوله: (تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ) أي برص.
وقوله: آية أخرى، المعنى هي آية أخرى وهذه آية أخرى، فلمّا لَمْ يأت بهي ولا بِهذه قبل الآية اتّصلت بالفعل فنصبت.
وقوله: مِنْ آياتِنَا الْكُبْرى [23] ولو قيل: الكبر كان صوابا، هى بِمنزلة (الْأَسْماءُ الْحُسْنى) و (مَآرِبُ أُخْرى) .
وقوله. وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي [27] كانت فِي لسانه رُتَّة «1» .
وقوله: هارُونَ أَخِي [30] إِن شئت أوقعت (اجْعَلْ) عَلَى (هارُونَ أَخِي) وجعلت الوزير «2» فعلًا لَهُ. وإن شئت جعلت (هارُونَ أَخِي) مترجمًا عَن «3» الوزير، فيكون نصبًا بالتكرير. وقد يَجوز فِي (هارون) الرفع عَلَى الائتناف لأنه معرفة مفسر لنكرة كما قَالَ الشاعر:
فإن لَهَا جَارين لن يَغْدِرا بِهَا ... رَبيبُ النَّبِيّ وابن خير الخلائق
وقوله: اشْدُدْ بِهِ [31] دعاء: «4» (اشْدُدْ بِهِ) يا ربّ (أَزْرِي وَأَشْرِكْهُ) يا رب (فِي أَمْرِي) .
دعاء من موسى وهي فِي إحدى القراءتين (أَشْدُدْ بِهِ أَزْرِي وَأُشْرِكْهُ فِي أمري) بضم «5» الألف. وذكر عَن الْحَسَن «6» (اشْدُدْ بِهِ) جزاء للدعاء لقوله (اجْعَلْ لِي) (وأشركه) بضم الألف فى (أشركه) لأنها فعل لموسى.
__________
(1) الرتة: حبسة فى اللسان.
(2) يريد أن فيه وصف هارون والحديث المنسوب إليه. وهو فى اصطلاح البصريين هنا المفعول الثاني.
(3) هو فى الاصطلاح البصري هنا: بدل.
(4) ش، ب: «على» .
(5) سقط فى ش، ب.
(6) هى قراءة ابن عامر سواء هى القراءة السابقة وكأنهما فى الأصل من نسختين جمعتا.(2/178)
وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَى (37)
وقوله: وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرى [37] قبل هَذِه. وهو ما لطف لَهُ إذ وقع إلى فرعون فحببّه إليهم حَتَّى غَذَوه. فتلك المنَّة الأخرى (مع هَذِه الآية) .
وقد فسَّره إذ قَالَ: إِذْ أَوْحَيْنا إِلى أُمِّكَ مَا يُوحى [38] أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فى اليمّ ثم قال: (فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ) هُوَ جزاء أخرج «1» مُخرج الأمر كَانَ البحر أُمر. وهو مثل قوله:
(اتَّبِعُوا «2» سَبِيلَنا وَلْنَحْمِلْ) المعنى. والله أعلم: اتبعُوا سبيلنا نَحمل عنكم خطاياكم. وكذلك وعدها الله: ألقيه فِي البحر يُلْقِه اليمّ بالساحل. فذكر أن البحر ألقاهُ إلى مشرَعة «3» آل فرعون، فاحتمله جواريه إلى امرأته.
وقوله: (وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي) حُبِّبَ إِليّ (كلّ «4» من رآه) .
وقوله: (وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي [39] إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ) [40] ذكر المشي وحده، ولم يذكر أنها مشت حَتَّى دخلت عَلَى آل فرعون فدلتهم عَلَى الظِّئر وهذا فِي التنزيل كَثِير مثله قوله:
(أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ يُوسُفُ) ولم يقل فأرسل فدَخَل فقال يوسف. وهو من كلام العرب: أن تجتزىء (بحذف «5» كَثِير) من الكلام وبقليله إذا كَانَ المعنى معروفا.
وقوله: (وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً) ابتليناكَ بالغم: غمّ القتل ابتلاء.
وقوله (عَلى قَدَرٍ يا مُوسى) يريدُ عَلَى ما أراد الله من تكليمه.
وقوله: وَلا تَنِيا [42] يريد: ولا تَضعُفا ولا تفتُرا عَن ذكري وفى ذكرى سواء.
__________
(1) ا: «خرج» .
(2) الآية 12 سورة العنكبوت.
(3) المشرعة: الموضع من النهر يكون موردا للشاربة.
(4) ش: «من كان يراه» .
(5) ش: «بالحذف» .(2/179)
فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى (44)
وقوله: قَوْلًا لَيِّناً [34 حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّد بن أبان القرشي قَالَ: كَنَّياه. قَالَ مُحَمَّد بن أبان قَالَ يكنى: أبا مُرّة، قَالَ الفراء. ويُقال: أبو الوليد.
وقوله: أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا 45 و (يَفْرُطَ) يريد فِي العجلة إلى عقوبتنا. والعربُ تَقُولُ: فَرَطَ منه أمر. وأفرط: أسْرَف، وَفَرَّطَ: تَوانى ونسي.
وقوله: إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ 47 ويجوز رَسُول ربك لأن الرسول قد يكون للجمع وللاثنين والواحد. قَالَ الشاعر «1» :
أَلِكْني إليها وخير الرسو ... ل أعلمهم بنواحي الخبَرْ
أراد: الرُّسْلَ.
وقوله: وَالسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى [47] يريد: والسلامة عَلَى من اتّبع الهدى، ولِمن اتبع الهدى سواء «2» قَالَ أمر موسى أن يقول لفرعون (وَالسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى) .
وقوله: إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنا أَنَّ الْعَذابَ عَلى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى [48] دليلٌ «3» عَلَى معنى قوله:
يَسْلم من اتبع الهدى.
وقوله: قالَ فَمَنْ رَبُّكُما يَا مُوسى [49] يكلم الاثنين ثُمَّ يجعل الخطاب لواحد لأن لكلام إنما يكون من الواحد لا من الجميع. ومثله مما جُعِل الفعل عَلَى اثنين وهو لواحد.
قوله: (نَسِيا «4» حُوتَهُما) وإنّما نسيه واحد ألا ترى أَنَّهُ قَالَ لموسى (فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ) ومثله (يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ «5» ) وإنما يخرج من الملح.
__________
(1) هو أبو ذؤيب. وانظر ديوان الهذليين 1/ 146. وألكنى إليها: كن رسولى إليها. [.....]
(2) ا: «والمعنى واحد» .
(3) ا: «يدلك» .
(4) الآية 61 سورة الكهف.
(5) الآية 22 سورة الرحمن.(2/180)
الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى (53)
وقوله: (أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ) [يُقال: أعطى الذكر من الناس امرأة مثله من صنفه، والشاة شاة، والثور بقرة.
وقوله: (ثُمَّ هَدى) ألهم الذكر المأْتَى.
وقوله: فِي كِتابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي أي لا ينساه و (رَبِّي) فِي موضع رفع تضمر الْهَاء فِي يضله (وَلا يَنْسى) وتقول: أضللت الشيء إذا ضاع مثل الناقة والفرس وما انفلت منك. وإذا أخطأت الشيء الثابت موضعه مثل الدار والمكان قلت: ضلَلته وضللته لغتان ولا تقل «1» أضللت ولا أضللته.
وقوله: أَزْواجاً مِنْ نَباتٍ شَتَّى [53] مختلف الألوان الطعوم «2» .
وقوله: إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى [54] يقول: فِي اختلاف ألوانه وَطَعِمه آيات لذوي العقول. وتقول للرجل. إنه لذو نُهْية إذا كان ذا عقل.
وقوله: تارَةً أُخْرى [55] مردودة على قوله (مِنْها خَلَقْناكُمْ) لا مردودة على (نُعِيدُكُمْ) لأن الأخرى والآخر إنما يردّان «3» عَلَى أمثالهما. تَقُولُ فِي الكلام: اشتريت ناقةً ودارًا وناقة أخرى فتكون (أُخْرى) مردودة عَلَى الناقة التي هي مثلها ولا يَجوز أن (تكون «4» مردودة) على الدار. وكذلك قوله منها خلقناكم كقوله (منها أخرجناكم، ونخرجكم بعد الموت (مرة أخرى «5» )
وقوله: فَاجْعَلْ بَيْنَنا وَبَيْنَكَ مَوْعِداً يَقول: اضرب بيننا أجلًا فضَربَ. وقوله (مَكاناً سُوىً) و (سوى) وأكثر كلام العرب سواء بالفتح وللدّ إذا كَانَ فِي معنى نِصْفٍ وَعدْلٍ فتحوه ومدّوه
__________
(1) ا: «تقول» .
(2) ش: «الطعام» .
(3) ا: «هو يردان» وهو ضمير الحال والشأن.
(4) ا: «ترد» .
(5) ا: «تارة أخرى والتارة هى المرة» .(2/181)
قَالَ لَهُمْ مُوسَى وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى (61)
كقول الله (تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ) والكسر والضم بالقصر عربيّان ولا يكونان إلا مقصورين وقد قرىء «1» بهما:
وقوله: يَوْمُ الزِّينَةِ [59] ذكر أَنَّهُ جعل موعدهم يوم عيد، ويُقال: يوم سوق كانت تكون لَهُم يتزينونَ فيها.
وقوله: (وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى) يقول: إذا رأيت الناس يُحشرونَ من كل ناحيةٍ ضَحًى فذلك الموعد. وموضع (أن) رفع تردّ عَلَى اليوم، وخفضٌ ترد عَلَى الزينة أي يوم يحشر الناس.
وقوله: (فَيُسْحِتَكُمْ) [61] «2» وسحت «3» أكثر وهو الاستئصَال «4» : يستأصلكم بعذاب.
وقال الفرزدق:
وعض زمان يا ابن مروَانَ لَمْ يدع ... من المال إلا مُسْحَتًا أو مُجَلَّف «5»
والعربُ تَقُولُ سَحَتَ وَأَسْحَت بِمعنى واحد «6» . قَالَ: قيل للفراء: إن بعض الرواة يقول:
ما بِهِ من المال إلا مسحت أو مجلف:
قَالَ لَيْسَ هَذَا بشيء حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ حَدَّثَنِي. أَبُو جَعْفَر الرؤاسيّ عَن أبي عَمْرو بن العلاء قَالَ: مرّ الفرزدق بعبد الله بن أبي إسحاق الحضرميّ النحوي فأنشده هَذِه القصيدة.
عَزَفتَ بأعشاش وما كدت تعزف ... حتى انتهى إلى هذا البيت ...
__________
(1) الضم لابن عامر وعاصم وحمزة ويعقوب وخلف والكسر للباقين.
(2) ا: «إلى» .
(3) فى اللسان: «يسحت» بضم الياء.
(4) ش: «الاستئصال» .
(5) المجف: الذي بقيت منه بقية. [.....]
(6) أي المستملي. وهو محمد بن الجهم يريد أن بعض الرواة استنكر الرواية التي أوردها الفراء وفيها عطف المرفوع (مجلف) على المنصوب (مسحتا) فذكر قولا ليس فيه هذا الخلاف فقال الفراء إن هذا ليس الرواية ولرفع (مجلف) وجه إذ المراد: أو هو مجلف.(2/182)
وعضّ زمان يا ابن مروان لَمْ يَدَع ... من المال إلا مُسْحَت أو مجلّف «1»
فقال عبد الله للفزدق: علام رفعت؟ فقال لَهُ الفرزدق: عَلَى ما يسوءك.
وقوله: فَتَنازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ [62] يعني السَّحَرة قَالَ بَعضهم لبعض: إن غَلَبَنَا موسى اتَّبعناهُ وأسرُّوها من فرعون وأصحابه.
وقوله: إِنْ هذانِ لَساحِرانِ [83] قد اختلف فِيهِ القراء فقال بعضهم: هُوَ لحن ولكنا نمضي عَلَيْهِ لئلا نُخالف الكتاب. حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو مُعَاوِيَةَ الضَّرِيرُ «2» عَنْ هَاشِمِ بْنِ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا سُئِلَتْ عَنْ قوله فِي النِّسَاءِ (لكِنِ «3» الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ.... وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ) وَعَنْ قوله فِي الْمَائِدَةِ (إِنَّ الَّذِينَ «4» آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئُونَ) وعن قوله ( «5» إِنْ هذانِ لَساحِرانِ) فقالت: يا ابن أَخِي هَذَا كَانَ «6» خَطَأً مِنَ الْكَاتِبِ. وقرأ أَبُو عمرو (إِنَّ هَذَيْنِ لساحران) واحتج أَنَّهُ بلغه عَن «7» بعض أصحاب مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: إن فِي المصحف لحنًا وستقيمه العرب.
قَالَ الفراء: ولست أشتهي عَلَى (أن أخالف «8» الكتاب وقرأ بعضهم «9» (إِنْ هذان لساحران)
__________
(1، 2) هذه رواية أخرى فى البيت فيها رفع (مسحت) وقد خرج على أن (لم يدع) فيها معنى لم يتقار ولم يبق فجاء الرفع لهذا. وانظر اللسان فى سحت والخزانة 2/ 347. ويريد الفراء إدحاض ما روى له فى البيت وأنه خلاف الرواية.
(3) سقط فى ا.
(4) الآية 162
(5) الآية 69 سورة طه
(6) ليس هنا خطأ فلكل ما ورد فى هذه الآيات وجه عربى صحيح. وسيذكر المؤلف توجيها لما هنا.
(7) فى هامش ا: هو عثمان بن عفان رضي الله عنه.
(8) ا: «خلاف» .
(9) هو حفص، وابن كثير غير أنه يشدد نون (هذان) .(2/183)
خفيفة «1» وَفِي قراءة عبد الله: (وأسروا النجوى أن هذان ساحران) وَفِي قراءة أُبَيّ (إنْ ذان إلا ساحران) فقراءتنا «2» بتشديد (إنّ) وبالألف عَلَى جهتين.
إحداهما عَلَى لغة بني الحارث بن كعب: يجعلونَ الاثنين فِي رفعهما ونصبهما وخفضهما بالألف.
وأنشدني رجلٌ من الأسد عنهم. يريد بني الحارث:
فأَطرق إطراق الشجاع ولو يرى ... مسَاغًا لِناباه الشجاعُ لصَمّما «3»
قَالَ: وما رأيت أفصح من هَذَا الأسدي وحكى هَذَا الرجل عنهم: هَذَا خطُّ يَدَا أخي بعينه.
وَذَلِكَ- وإن كَانَ قليلًا- أقيس لأن العرب قالوا: مسلمون فجعلوا الواو تابعة للضمة (لأن الواو «4» لا تُعرب) ثُمَّ قالوا: رأيت المسلمين فجعلوا الياء تابعة لكسرة الميم. فلمّا رأوا أن «5» الياء من الاثنين لا يمكنهم كسر ما قبلها، وثبت مفتوحًا: تركوا الألف تتبعه، فقالوا: رجلانِ فِي كل حَالٍ.
وقد اجتمعت العرب عَلَى إثبات الألف فِي كِلا الرجلين فِي الرفع والنصب والخفض وهما اثنان، إلا بنى كنانة فإنهم يقولون: رأيت كلى الرجلين ومررت بكلَيِ الرجلين. وهي قبيحة قليلة، مَضَوْا عَلَى القياس.
والوجهُ الآخر أن تَقُولُ: وجدت الألف (من «6» هَذَا دِعامة وليست بلام فعل، فلمّا ثنّيت زدتُ عليها نونًا ثُمَّ تركت الألف) ثابتة عَلَى حالِها لا تزول عَلَى «7» كل حال كما قالت العرب (الَّذِي) ثُمَّ زادوا نونًا تدل عَلَى الجماع، فقالوا: الَّذِينَ فِي رفعهم ونصبهم وخفضهم كما تركوا (هذان) فِي رفعه ونصبه وخفضه. وكنانة يقولون (اللّذون) .
__________
(1) سقط فى ا.
(2) هى قراءة نافع وابن عامر وأبى بكر وحمزة والكسائي وأبى جعفر ويعقوب وخلف.
(3) هو للمتلمس كما فى اللسان (صمم) والشجاع: الذكر من الحيات. وصمم: عض فى العظم.
(4) هى قراءة نافع وابن عامر وأبى بكر وحمزة والكسائي وأبى جعفر ويعقوب وخلف.
(5) سقط فى ا. [.....]
(6) سقط ما بين القوسين فى ا.
(7) ا: «فى» .(2/184)
وقوله: وَيَذْهَبا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلى [63] الطريقة: الرجال الأشراف وقوله (المثلى) يريد الأمثل «1» يذهبون بأشرافكم فقال المثلى ولم يقل المثل مثل (الْأَسْماءُ الْحُسْنى) وإن شئت جعلت (المثلى) مؤنثة لتأنيث الطريقة. والعرب تقول للقوم: هَؤُلَاءِ طريقة قومهم وطرائق قومهم: أشرافهم، وقوله (كُنَّا طَرائِقَ «2» قِدَداً) من ذَلِكَ. ويقولون للواحد أيضًا: هَذَا طريقة قومه ونَظُورة قومه وبعضهم: ونظيرة قومه، ويقولون للجمع بالتوحيد والجمع: هَؤُلَاءِ نَظُورة قومهم ونظائر قومهم.
وقوله: فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ [64] الإجماع: الإحكام والعزيمة على 113 االشيء. تَقُولُ أجمعت الخروج وَعَلَى الخروج مثل أزمعت قَالَ الشاعر:
يا ليت شِعْرِي والمنى لا تنفع ... هَلْ أَغْدُوَنَّ يومًا وأمري مُجْمَعُ
يريد قد أُحكم وعُزِم عَلَيْهِ. ومن «3» قرأ (فاجْمَعوا) يقول: لا تتركوا من كيدكم شيئًا إِلَّا جئتم به.
وقوله (مَنِ اسْتَعْلى) من غلب.
وقوله: إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقى [65] و (أن) فِي موضع نصب.
والمعنى اختر إحدى هاتين. ولو رفع إذ لَمْ يظهر الفعل كَانَ صوابا، كأنه خبر، كقول الشاعر:
فسيرا فإما حاجة تقضيانها ... وإما مقيل صالح وصديق
ولو رفع قوله (فإمّا مَنٌّ «4» بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءٌ) كانَ أيضًا صَوَابًا. ومذهبه كمذهب قوله (فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ «5» أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ) والنصب فى قوله (إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ) وَفِي قوله (فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً)
__________
(1) فى الطبري: «تأنيث الأمثل» .
(2) الآية 11 سورة الجن.
(3) ا: «تدعوا» .
(4) التلاوة «فإما منا بعد وإما فداء» فى الآية 4 سورة محمد.
(5) الآية 229 سورة البقرة.(2/185)
وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى (69)
أجود من الرفع لأنه شيء لَيْسَ بعام مثل ما ترى من معنى قوله (فَإِمْساكٌ) و (فَصِيامُ «1» ثَلاثَةِ أَيَّامٍ) لَمّا كَانَ المعنى يعم الناس فِي الإمساك بالمعروف وَفِي صيام الثلاثة الأيام فِي كفارة اليمين كان كالجزاء فرفع لذلك. والاختيار إنما هي فعلة واحدة، ومعنى (أفلح) عاش ونَجا.
وقوله: يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى [66] (أنّها) فِي موضع رفع. ومن قرأ (تُخَيَّلُ) أو (تَخَيَّل) فإنها فِي موضع نصب لأن المعنى تتخيل بالسعي لَهُم وتُخَيِّل كذلك، فإذا ألقيت الباء نصبت كما تَقُولُ: أردت بأن أقوم ومعناهُ: أردت القيام، فإذا ألقيت الباء نصبت. قَالَ الله (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ «2» ) ولو ألقيت الباء نصبت فقلت: ومن يُرد فِيهِ إلحادًا بظلمٍ.
وقوله: فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى [67] أحسّ ووجد.
وقوله: إِنَّما صَنَعُوا كَيْدُ سِحْرٍ [69] جعلت (ما) فِي مذهب الَّذِي: إن الَّذِي صنعوا كيد سحر، وقد قرأه «3» بعضهم (كَيْدُ ساحِرٍ) وكل صواب، ولو نصبت (كَيْدَ سحر) كَانَ صوابًا، وجعلت (إنَّما) حرفًا واحدًا كقوله (إِنَّما تَعْبُدُونَ «4» مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثاناً) .
وقوله: (وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتى) جاء فِي التفسير أَنَّهُ يُقتل حيثما وُجِد.
وقوله: فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ [71] ويصلح فِي مثله من الكلام عَن وَعَلَى والباء.
وقوله (وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ) يصلح (عَلَى) فِي موضع (فِي) وإِنَّما صَلحت (فِي) لأنه يرفع فِي الخشبة فِي طولها فصلحت (فِي) وصلحت (عَلَى) لأنه يرفع فيها فيصير عليها، وقد
__________
(1) الآية 196 سورة البقرة والآية 89 سورة المائدة.
(2) الآية 25 سورة الحج.
(3) القراءة الأولى لحمزة والكسائي وخلف. والأخيرة للباقين.
(4) الآية 17 سورة العنكبوت.(2/186)
وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى (77)
قال الله (وَاتَّبَعُوا «1» ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ) ومعناهُ فِي ملك سُلَيْمَان. وقوله (أَشَدُّ عَذاباً وَأَبْقى) يقول: وأدْوَم.
وقوله: لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلى مَا جاءَنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالَّذِي فَطَرَنا [72] فالذي «2» فِي موضع خفض:
وَعَلَى الَّذِي. ولو أرادوا بقولهم (وَالَّذِي فَطَرَنا) القسم بها كانت خفضًا وَكَانَ صوابًا، كأنَّهم قالوا:
لن نؤثرك والله.
وقوله (فَاقْضِ مَا أَنْتَ قاضٍ) : افعل ما شئت. وقوله (إِنَّما تَقْضِي هذِهِ الْحَياةَ الدُّنْيا) إنما حرف واحد، لذلك نصبت (الحياة) ولو قرأ قارئ برفع (الحياة) لَجازَ، يجعل (ما) فِي مذهب الَّذِي كأنه قَالَ: إن الَّذِي تقضيه هَذِه الدُّنْيَا.
وقوله: وَما أَكْرَهْتَنا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ [73] مَا فِي موضع نصب مردودة «3» عَلَى معنى الخطايا. وذُكِرَ فِي التفسير أن فرعون كَانَ أكره السّحرة 113 ب عَلَى تَعلّم السحر «4» .
وقوله: لا تَخافُ دَرَكاً وَلا تَخْشى [77] رفع عَلَى الاستئناف بلا كما قَالَ (وَأْمُرْ أَهْلَكَ «5» بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْها لا نَسْئَلُكَ رِزْقاً) وأكثر ما جاء فِي جواب الأمر بالرفع مع لا.
وقد قرأ حَمْزَةُ (لا تَخَفْ دَرَكًا) فجزمَ عَلَى الجزاء ورفع (ولا تخشى) عَلَى الاستئناف، كما قَالَ (يُوَلُّوكُمُ «6» الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ) فاستأنفَ «7» بثم، فهذا مثله. ولو نوى حَمْزَةُ بقوله (وَلا تَخْشى) الجزم وإن كانت فِيهِ الياء كَانَ صَوَابًا كما قَالَ الشاعر:
هُزِّي إليك الجذع يجنيك الجنى «8»
__________
(1) الآية 102 سورة البقرة.
(2) ا: «والذي» .
(3) ا: «مردود» : [.....]
(4) ا: «تعليم» .
(5) الآية 132 سورة طه.
(6) الآية 111 سورة آل عمران.
(7) ا: «استأنف» .
(8) انظر ص 161 من الجزء الأول.(2/187)
كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى (81)
ولم يَقل: يَجنك الجنى. وقال الآخر «1» :
هَجَوْتَ زَبَّان ثُمَّ جئتَ معتذِرًا ... من سبّ زَبَّان لَمْ تهجو ولم تَدَعِ «2»
وقال الآخر «3» :
أَلَمْ يأتيك والأنباء تنمي ... بما لاقت لبون بني زيادِ «4»
فأثبت فِي (يأتيك) الياء وهي فِي موضع جزم لسكونِها فجازَ «5» ذَلِكَ.
وقوله: فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي [81] الكسرُ فِيهِ أحبّ إليّ «6» من الضم لأن الحلول ما وقع من يَحُلّ، ويَحِلُ: يجب، وجاء التفسير بالوجوب لا بالوقوع. وكل صواب إن شاء الله. وَالْكِسَائي جعله عَلَى الوقوع وهي فِي قراءة الفراء بالضم مثل الْكِسَائي سُئِلَ عَنْهُ فقاله، وَفِي قراءة «7» عبد الله أو أبي (إن شاء الله) (ولا يَحُلَّنَّ عليكم غضبي ومن يحلل عَلَيْهِ) مضمومة. وأما قوله (أَمْ أَرَدْتُمْ «8» أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ) فهى مكسورة. وهي مثل الماضيتين، ولو ضُمَّت كَانَ صَوَابًا فإذا قلت حَل بِهم العذاب كانت يحل بالضم لا غير، فإذا قلت: عَلَى أو قلت يحل لك كذا وكذا فهو بالكسر.
وقوله: ثُمَّ اهْتَدى [82] : علم أن لذلك ثوابا وعقابا.
وقوله: قالَ هُمْ أُولاءِ عَلى أَثَرِي [84] وقد قرأ بعضُ القراء (أُولايَ عَلَى أَثَرِي) بترك
__________
(1) ا: «آخر» .
(2) الشعر لأبى عمرو بن العلاء وهو زبان. يخاطب الفرزدق وكان هجاه ثم اعتذر إليه. وانظر معجم الأدباء 11/ 158. وانظر ص 162 من الجزء الأول.
(3) ا: «آخر» .
(4) هو لقيس بن زهير العبسي. وانظر ص 161 من الجزء الأول.
(5) ا: «جاز» .
(6) سقط فى ا.
(7) ا: «حرف» .
(8) الآية 86 سورة طه.(2/188)
قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ (87)
الْهَمْز، وشبِّهت بالإضافة إذا تُرك الْهَمْز، كما قرأ يَحْيَى بن وثاب (مِلّة آبايَ «1» إِبْرَاهِيم) (وَتَقَبَّل «2» دُعَايَ رَبَّنَا) .
وقوله: مَا أَخْلَفْنا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنا [87] برفع الميم. (هَذَا قراءة القراء) ولو قرئت بِمَلْكِنا (وملكنا «3» ) كَانَ صوابًا. ومعنى (مُلكنا) فِي التفسير أنا لَمْ نملك الصواب إِنَّما أخطأنا.
وقوله (وَلكِنَّا حُمِّلْنا أَوْزاراً مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ) يعني ما أخذوا من قوم فرعون حين قَذَفَهم البحرُ من الذهب والفضة والحديد، فألقيناه فِي النار. فكذلك فعل السامري فاتَّبَعناهُ. فلما خلصت فضّة ما ألقوا وذهبه صوره السامري عجلًا وَكَانَ قد أخذ قبضة من أثر فرس كانت تحت جبريل (قَالَ «4» السامري لموسى «5» : قُذِفَ فِي نفسي أني إن ألقيت تِلْكَ القبضة عَلَى ميت حيي، فألقى تِلْكَ القبضة فِي أنف الثور وَفِي دبره فحيي وخار) قَالَ الفراء: وَفِي تفسير الكلبي أن الفرس كانت الحياة فذاك قوله (وَكَذلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي) يقول زيَّنته لي نفسي.
ومن قرأ بملكنا بكسر الميم فهو الملك يملكه الرجل تَقُولُ لكل شيء ملكته: هَذَا ملك يميني للمملوك وغيره مما مُلك والملك مصدر ملكته مَلْكًا ومَلَكة: مثل غلبته غَلْبًا وغَلَبَةً. والملك السلطان وبعض بني أسد يقول مالي مُلْك، يقول: مالي شيء أملكه وملك الطريق ومَلْكه: وجهه «6» .
قَالَ الشاعر:
أقامت عَلَى ملك الطريق فَمَلكه ... لها ولمنكوب المطايا جوانبه «7»
__________
(1) الآية 38 سورة يوسف. [.....]
(2) الآية 40 سورة ابراهيم.
(3) ا: «بكسر الميم وفتح الميم» .
(4) ما بين القوسين جاء فى ابعد قوله. «كانت الحياة» .
(5) سقط فى ا.
(6) فى اللسان: «وسطه» .
(7) يصف ناقة أنها تمشى فى وسط الطريق، وأن غيرها من المطايا يمشى فى جانبه لما أصابها من الحجارة والحصى فى أخفافها. والمنكوب ما أصاب الحجر رجله وظفره.(2/189)
قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي (96)
114 اويقال «1» مع ملك الطريق: فَمِلكه. أقامت عَلَى عُظم الطريق وَعَلَى سجح الطريق وَعَلَى سننه وسنُنَه:
وقوله: فَنَسِيَ [88] يعني أن موسى نسي: أخطأ الطريق فأبطأ عنهم فاتخذوا العجل فعَيَّرهم الله فقال. أفلا يرونَ أن العجل لا يتكلم ولا يملك لَهم ضرًّا ولا نفعًا.
وقوله: فَقَبَضْتُ قَبْضَةً [96] القبضة بالكف «2» كلّها. والقبضة بأطراف الأصابع. وقرأ الْحَسَن قبصة بالصاد والقُبْصَة والقبضة جميعًا «3» : اسم التراب بعينه فلو قرئتا كَانَ وجهًا: ومثله مما قد قرئ بِهِ (إِلا من «4» اغترف غرفة بيده) و (غُرْفَةً) . والغُرْفة: المغروف، والغَرفة: الْفَعلة. وكذلك الْحُسْوة والحَسْوة والخُطْوة والخَطْوة والأُكلة والأَكلة. والأُكلة المأكول «5» والأكلة المرة. والخُطوة ما بين القدمين فِي المشي، والخَطْوة: المرَّة. وما كَانَ مَكسورًا فهو مصدر مثل إنه لحسن المشية والجلسة والقِعدة.
وقوله: فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَياةِ أَنْ تَقُولَ لا مِساسَ [97] أي لا أُمَسّ ولا أَمَسُ، أُوِّلَ ذَلِكَ أن موسى أمرهم ألا يؤاكلوهُ ولا يخالطوهُ ولا يبايعوه. وتقرأ (لا مَسَاسِ) وهي لغة فاشية: لا مَسَاسِ لا مَسَاسِ مثل نزال ونظار من الانتظار. وقوله (الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عاكِفاً) و (ظَلْتَ) «6» و (فَظَلْتُمْ «7» تَفَكَّهُونَ) و (فَظَلْتُمْ) إنما جاز الفتح والكسر لأن معناهما ظللتم، فحذفت اللام الأولى: فمن كسر الظاء جعل كسرة اللام الساقطة فِي الظاء. ومن فتح الظاء قَالَ: كانت مفتوحة فتركتُها على فتحها.
__________
(1) الظاهر أنه يريد أن فى البيت رواية أخرى بكسر الميم. وفى ش: وملكه» .
(2) ش: «فى الكف» .
(3) سقط فى: ا
(4) الآية 249 سورة البقرة. وقراءة فتح (غرفة) لنافع وابن كثير وأبى عمرو وأبى جعفر. والضم للباقين.
(5) ا: «الطعام» .
(6) الكسر رواية المطوعى عن الأعمش.
(7) الآية 65 سورة الوقعة. وقد قرأ، بالكسر أبو حيوة، وجاء فى رواية عن أبى بكر كما فى البحر 8/ 211(2/190)
يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا (102)
ومثله مسَسْت ومسِست تَقُولُ العرب قد مَسْتُ ذَلِكَ ومِسْته، وهممت بذلك وهَمْت، وَوَدِدْتُ وَوَدَدْتُ «1» كذا فى ب أنك فعلت ذاكَ، وهل أحسست صاحبك وهل أحسْت.
وقوله (لَنُحَرِّقَنَّهُ) بالنار و (لَنُحَرِّقَنَّهُ) «2» لنَبْرُدَنَّه بالحديد بَرْدًا من حرقت أحرُقه وأَحرِقه لغتان. وأنشدني المفضل:
بذي فَرِقَيْنِ يوم بَنُو حَبيبٍ ... نيُوبَهَمُ علينا يَحْرِقُونا «3»
حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ حَدَّثَنِي حِبَّانُ بْنُ عَلِيٍّ عَنِ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ (لَنُحَرِّقَنَّهُ) لنبردنّه.
وقوله: يَوْمَئِذٍ زُرْقاً [102] يُقال نحشرهم عِطَاشًا ويُقال نحشرهم عُميًا.
وقوله: يَتَخافَتُونَ بَيْنَهُمْ [102] التخافت: الكلام المخفي.
وقوله أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً [104] أجودهم قولًا فِي نفسه وعندهم (إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْماً) وكذب.
وقوله: يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفاً [105] يقلعها.
وقوله: قاعاً صَفْصَفاً [106] القاع مستنقع الماء والصفصف الأملس الَّذِي لا نبات فيه.
وقوله: وَلا أَمْتاً [107] الأمتُ: موضع النبك من الأرض: ما ارتفعَ «4» منها ويُقال: مسايل الأودية (غير «5» مهموز) ما نسفّل وقد سمعت العرب يقولون: ملأ الْقِرْبَةَ مَلأ لا أمْتَ فيها إذا لَمْ يكن فيها استرخاء. ويُقال سِرْنَا سيرًا لا أَمْت فيه ولا وهن «6» فيه ولا ضعف.
__________
(1) لم يذكر الصيغة بعد الحذف. وهى: ودت، ودت. [.....]
(2) هى رواية عن أبى جعفر وقراءة الأعمش.
(3) هو لعامر بن شقيق الضبي كما فى اللسان (حرق) . فى ا: «بنى حبيب» . وذو فرقين: موضع. وفى ياقوت أنه علم بشمالى قطر.
(4) هذا تفسير للنبك.
(5) سقط فى ا. وهو يريد أن مسايل غير مهموز وليس مسائل.
(6) ب. «ونى» .(2/191)
وقوله: يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ [108] يتَّبِعونَ صوت الداعي للحشر (لا عِوَجَ لَهُ) يقول لا عوج لَهُم عَن الداعي فجازَ أن يقول (لَهُ) لأن المذهب إلى الداعي وصوته. وهو كما تَقُولُ فِي الكلام:
دَعَوْتني دعوةً لا عِوَج لك عنها أي إني لا أعوج لك ولا عنك.
وقوله: (إِلَّا هَمْساً) يُقال: نقل الأقدام إلى المحشر. ويُقال: إنه الصّوت الخفىّ. وذكر عن 114 ب ابن عباس أَنَّهُ تَمثَّل:
وَهُنَّ يمشينَ بنا هميسًا ... إن تصدق الطير ننِك لَميسا
فهذا «1» صوت أخفاف الإبل فِي سيرها.
وقوله: يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ [109] (من) فِي موضع نصب لا تنفع إلا من أذن لَهُ أن يشفع فِيهِ.
وقوله: (وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا) كقولك «2» : ورضي منه عمله وقد يقول الرجل. قد رضيت لك عملك ورضيته منك.
وقوله: يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ [110] يعني ملائكته الَّذِين عَبَدهم من عبدهم. فقال:
هم «3» لا يعلمون ما بين أيديهم وما خلفهم، هُوَ الَّذِي يعلمه. فذلك قوله: (وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً) .
وقوله: وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ [111] .
يُقال نصبت لَهُ وعملت لَهُ وذُكر أيضًا أَنَّهُ وضع المسلم يديه وجبهته وركبتيه إذا سجد وركع وهو فِي معنى العربية أن يقول الرجل عنوت لك: خضعت لك وأطعتك. ويُقال الأرض لَمْ تَعْنُ بشيء أي لَمْ تُنبت شيئًا، ويُقال: لَمْ تَعْنِ بشيء والمعنى واحد كما قيل: حَثوت عَلَيْهِ «4» التراب وحثيت
__________
(1) ا: «وهو» .
(2) ا: «كذلك» .
(3) ا: «فهم» .
(4) ا: «عليك» .(2/192)
التراب. والعَنْوة فِي قول العرب: أخذت هَذَا الشيء عَنْوة يكون غلبة ويكون عَن تسليم وطاعة ممن يؤخذ منه الشيء قَالَ الشاعر «1» .
فما أخذوها عَنْوة عَن موَّدةٍ ... ولكن بضرب المشرفي استقالَها
فهذا عَلَى معنى الطاعة والتسليم بلا قتال.
وقوله: فَلا يَخافُ ظُلْماً وَلا هَضْماً [112] تَقُولُ العرب: هضمت لك من حَقّي أي حططته، وجاء عَن عَليّ بن أبي طالب فِي يوم الْجَمَل أَنَّهُ قيل لَهُ «2» أهضم أم قصاصٌ قَالَ: ما عُمِل بِهِ فهو تَحت قديَّ هاتين فجَعَله هَدرًا وهو النقص.
وقوله: أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً [113] . شرفًا وهو مثل قول الله (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ) أي شرفٌ ويُقال (أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً) عذابًا أي يتذكرون حلول العذاب الَّذِي وُعِدُوه.
وقوله: وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ [114] كَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا أتاهُ جبريل بالوحي عَجِلَ بقراءته قبل أن يستتم جبريل تلاوته، فأُمِرَ ألَّا يعجل حَتَّى يستتمّ جبريل تلاوته، وقوله (فَنَسِيَ) ترك ما أُمِرَ بِهِ.
وقوله: وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً [115] صَريمةً ولا حَزْمًا فيما فَعَل.
وقوله: فَلا يُخْرِجَنَّكُما مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقى [87] ولم يقل: فتشقيا لأنّ آدم هُوَ المخاطب، وَفِي فعله اكتفاء من فعل المرأة. ومثله قوله فِي ق (عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ «3» ) اكتفى «4» بالقَعِيد من صَاحِبه لأن المعنى معروف. ومعنى (فَتَشْقى) تأكل من كدّ يدك وعملك.
__________
(1) هو كثير كما فى اللسان. وفيه: «ولكن ضرب المشرفي» .
(2) سقط فى ا.
(3) الآية 17 سورة ق.
(4) والأصل: عن اليمين قعيد وعن الشمال قعيد، فحذف أحدهما. والمنقول عن الفراء فى البحر 8/ 123 أن لفظ (قعيد) يدل على الاثنين والجمع. فلا حذف.(2/193)
إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى (118)
وقوله: إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيها [118] أن فيها فِي موضع نَصْبٍ لأن إنّ وليت ولعل إذا ولين صفةً نَصبت «1» ما بعدها فأنّ من ذَلِكَ.
وقوله: وَأَنَّكَ لا تَظْمَؤُا فِيها [119] . نصب أيضًا. ومن «2» قرأ (وَإِنَّكَ لا تَظْمَأُ) جعله مردودًا عَلَى قوله (إنَّ) التي قبل (لك) ويَجوز أن تستأنفها فتكسرها بغير عَطف عَلَى شيء ولو جعلت (وَأَنَّكَ لا تَظْمَأُ) بالفتح مستأنفة تنوي بِهَا الرفع عَلَى قولك ولك أنك لا تظمأ فيها ولا تضحَى كان صوابا.
وقوله: (وَلا تَضْحى) : لا تُصيبك شمس مؤذية وذكر فِي بعض التفسير (وَلا تَضْحى) :
لا تَعْرق والأول أشبه بالصواب «3» قَالَ الشاعر:
رأت رجلًا أمَّا إذا الشمس أعرضت ... فيَضْحَى وأمّا بالعشي فيخصر
فقد بيّن. ويُقال: ضحِيت.
وقوله: وَطَفِقا يَخْصِفانِ [121] هُوَ فِي العربية: أقبلَا يخصفانِ وجعلا يَخْصِفَانِ. وكذلك قوله (فَطَفِقَ «4» مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْناقِ) (وقيل «5» ههنا) : جعلَا يُلصقان عليهما ورق التين وهو يتهافت عنهما.
وقوله: ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ «6» [122] ، اختاره (فَتابَ عَلَيْهِ وَهَدى) أي هداه للتوبة.
وقوله: (مَعِيشَةً ضَنْكاً) [124] والضَّنْكُ: الضّيِّقَة الشديدة.
وقوله: (وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى) أعمى عَن الحجة، ويُقال: إنه يخرج من قبره بصيرا فيعمى فى حشره.
__________
(1) ا: «نصب» . [.....]
(2) هما نافع وأبو بكر.
(3) هو عمر بن أبى ربيعة. وانظر ديوانه (شرح الشيخ محيى الدين) 94.
(4) الآية 33 سورة ص.
(5) سقط فى ا.
(6) الآية 193 سورة الأعراف.(2/194)
أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى (128)
وقوله: (أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ [128] يبيّن لهم إذا نظروا (كَمْ أَهْلَكْنا) و (كم) فِي موضع نصب لا يكون غيره. ومثله فى الكلام: أو لم يبين لك من يعمل خيرًا يُجزَ بِهِ، فجملة الكلام فيها معنى رفع. ومثله أن تَقُولُ: قد تبيّن لي أقام عبد الله أم زيد، فِي الاستفهام معنى رفع. وكذلك قوله:
(سَواءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صامِتُونَ) فيه شىء برفع (سَواءٌ عَلَيْكُمْ) ، لا يظهر مع الاستفهام.
ولو قلت: سواء عليكم صمتكم ودعاؤكم تبيّن الرفع الَّذِي في الجملة.
وقوله: يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ) يعنى أهل مكّة. وكانوا يتّجرون ويسيرن فِي مساكن عادٍ وثَمود، فيمرونَ فيها. فالمشيُ لكفار أهل مكة (والمساكن «1» ) للمهلكين. فقال: أفلم يخافوا أن يقع بهم ما وقع بالذين رأوا مساكنهم وآثار عذابهم.
وقوله: (وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكانَ لِزاماً وَأَجَلٌ مُسَمًّى [129] يريد: ولولا كلمة وأجل مُسمى لكان لِزامًا (مقدم «2» ومؤخر) وهو- فيما ذكروا- ما نزل «3» بهم فِي وقعة بدر من القتل.
وقوله: وَأَطْرافَ النَّهارِ [130] وإنَّما للنهار طرفان فقال المفسرون: (وَأَطْرافَ النَّهارِ) صلاة الفجر والظهر والعصر (وهو) «4» وجه: أن تَجعل الظهر والعصر من طرف النهار الآخر، ثُمَّ يضم إليهما الفجر فتكون أطرافًا. ويكون لصلاتين فيجوز «5» ذَلِكَ: أن يكونا طرفين فيخرجا مخرج الجماع، كما قَالَ (إِنْ تَتُوبا «6» إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما) وهو أحب الوجهين إليّ، لأنه قَالَ (وَأَقِمِ الصَّلاةَ «7» طَرَفَيِ النَّهارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ) وتنصب لأطراف بالردّ على قبل طلوع الشمس وقبل
__________
(1) ا: «لا» .
(2) سقط فى ا.
(3) ش: «وقعة بدر ما نزل بهم فى وقعة بدر» وهو جمع بين نسخين.
(4) ا: «فهو» .
(5) ا: «ويجوز» .
(6) الآية 5 سورة التحريم.
(7) الآية 114 سورة هود.(2/195)
الغروب. وإن شئت خفضت أطراف تريد وسبّحه من الليل ومن أطراف النهار، ولم أسمعها «1» فِي القراءة، ولكنها مثل قوله (وَمِنَ اللَّيْلِ «2» فَسَبِّحْهُ وَأَدْبارَ السُّجُودِ) (وإدبارَ السجودِ) وقرأ حَمْزَةُ «3» وإدبارَ السجود. ويَجوز فِي الألف الفتح والكسر ولا يحسن كسر الألف إلا فِي القراءة.
وقوله (لَعَلَّكَ تَرْضى) و (ترضى) ومعناهما واحد لأنك إذا رضيت فقد أرضيت. وَكَانَ حَمْزَةُ وأصحاب عبد الله يقرءونها ترضَى. حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو بكر وأخوه الْحَسَن بن عياش عَن عَاصِم عَن أبي عبد الرحمن أَنَّهُ قرأ لعلك (تُرضَى بضم التاء) .
وقوله: وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى مَا مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ [131] يريد: رجالًا منهم.
وقوله (زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا) نصبت الزهرة عَلَى الفعل «4» متعناهم بِهِ زهرةً فى/ 115 ب الحياة وزينة فيها. و (زهرة) وإن كَانَ معرفة فإن العرب تَقُولُ: مررتُ بِهِ الشريف الكريم. وأنشدني بعض بني فَقْعس:
أبعد الَّذِي بالسَّفح سفح كُواكبٍ ... رهينةَ رَمْس من تراب وجندل «5»
فنصب الرهينة بالفعل، وإنما وقع عَلَى الاسم الَّذِي هُوَ الرهينة خافض فهذا أضعف من (متَّعنا) وأشباهه.
وقوله: لا نَسْئَلُكَ رِزْقاً [132] . أجرًا عَلَى ذَلِكَ. وكذلك قوله (وَرِزْقُ «6» رَبِّكَ) يريد:
وثواب ربك.
__________
(1) رويت عن الحسن كما فى الإتحاف.
(2) الآية 40 سورة ق. قرأ نافع وابن كثير وحمزة وأبو جعفر وخلف بكسر الهمزة وافقهم ابن محيصن والأعمش. وقرأ الباقون بفتح الهمزة. وظاهر كلام المؤلف أن بعضهم قرأ بخفض الراء عطفا على (الليل) ولم أقف عليه. [.....]
(3) سقط ما بين القوسين فى ا.
(4) يريد أنها نصبت على الحال.
(5) كواكب: جبل. والرمس: القبر.
(6) فى الآية 131 سورة طه.(2/196)
مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ (2)
وقوله: أَنَّا أَهْلَكْناهُمْ بِعَذابٍ مِنْ قَبْلِهِ [134] من قبل الرسول (لَقالُوا) كيف أهلكنا من قبل أن أرسلَ إلينا رسولٌ. فالهاء لِمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ويُقال إن الْهَاء للتنزيل. وكلٌّ صواب وقوله: فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحابُ الصِّراطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدى [135] مَنْ ومَنْ فِي موضع رفع.
وكلّ ما كَانَ فِي القرآن مثله فهو مرفوع إذا كَانَ بعده رافع مثل قوله (فَسَتَعْلَمُونَ «1» مَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) ومثله «2» «لِنَعْلَمَ «3» أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى» ومثله (أَعْلَمُ مَنْ «4»
جاءَ بِالْهُدى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) ولو نصب كَانَ صوابًا، يكون بِمنزلة قول الله (اللَّهُ يَعْلَمُ «5» الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ) .
وقوله: (فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحابُ الصِّراطِ السَّوِيِّ) الذين لم يضلّوا (وَمَنِ اهْتَدى) ممّن كان ضالا فهدى.
ومن سورة الأنبياء
وقوله: مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ [2] لو كَانَ المحدث نصبًا أو رفعًا لكان «6» صوابًا.
النصبُ عَلَى الفعل: ما يأتيهم مُحْدثًا. والرفعُ عَلَى الردّ عَلَى تأويل «7» الذكر لأنك لو ألقيت (من)
__________
(1) الآية 29 سورة الملك.
(2) سقط ما بين القوسين فى ا.
(3) الآية 12 سورة الكهف.
(4) الآية 85 سورة القصص.
(5) الآية 220 سورة البقرة.
(6) ا: «كان» .
(7) يريد بتأويله ما يصير إليه وهو الرفع إذ حرف الجر زائد.(2/197)
لرفعت الذكر. وهو كقولك: ما من أحدٍ قائم «1» وقائمٌ وقائمًا. النصب فِي هَذِه «2» عَلَى استحسان «3» الباء، وَفِي الأولى عَلَى الفعل.
وقوله: لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ [3] منصوبة «4» عَلَى العطف عَلَى قوله (وَهُمْ يَلْعَبُونَ) لأن قوله وهم يلعبون بِمنزلة لاعبين، فكأنه: إلا استمعوه لاعبين لاهيةً قلوبهم. ونصبه أيضًا من إخراجه «5» من الاسم المضمر فِي (يَلْعَبُونَ) يلعبون كذلك لاهية قلوبهم. ولو رفعت (لاهِيَةً) تُتبعها «6» يلعبون كَانَ صوابًا كما تقول: عبد الله يلهو ولا عب. ومثله قول الشاعر:
يَقْصِدُ فِي أَسْوُقها وجائر «7»
ورفع أيضًا عَلَى الاستئناف لا بالرد عَلَى يلعبون.
وقوله (وَأَسَرُّوا النَّجْوَى) إنما قيل: وأسروا لأنها للناس الَّذِين وصفوا باللهو واللعب و (الَّذِينَ) تابعة للناس مخفوضة كأنك قلت: اقترب للناس الَّذِينَ هَذِه حالهم. وإن شئت جعلت (الَّذِينَ) مستأنقة مرفوعة، كأنك جعلتها تفسيرًا للأسماء «8» التي فِي أسروا كما قَالَ (فَعَمُوا «9» وَصَمُّوا ثُمَّ تابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ.)
__________
(1) سقط فى ش.
(2) ا: «هذا» والمراد المثال: ما من أحد قائما
(3) كذا. والمراد حذف الباء وسقوطها، وفى اما يقرب من «استحساف» وكأن معناه الإزالة والإسقاط، فان من معانى إعادة القشر. يقال: حسف الجلدة: قشرها، وتحسفت أوبار الإبل: تطايرت. [.....]
(4) يريد أنه حال كما أن الجملة السابقة حال من الضمير فى (استمعوه) .
(5) يريد أنه حال من الضمير فى (يلعبون) .
(6) يريد أن تكون خبرا لهذه الجملة.
(7) هو رجز قبله:
بات يعشيها بعضب باتر
والظاهر أنه يريد إبلا أخذ يعقرها وينحرها فيضرب بالسيف فى سوقها فيقصد السيف ويصيب السوق تارة وتارة يجور عن القصد. وانظر شواهد العيني فى العطف، وأمالى ابن الشجري 2/ 167.
(8) يريد الضمير فى (أسروا) وجعله أسماء لأنه جمع يقوم مقام الأسماء.
(9) الآية 71 سورة الأنعام.(2/198)
وقوله: قالَ رَبِّي [4] و (قُل «1» ربي) وكل صواب.
وقوله: أَضْغاثُ أَحْلامٍ، بَلِ افْتَراهُ بَلْ هُوَ شاعِرٌ [5] رُدّ ببل «2» عَلَى معنى تكذيبهم، وإن لَمْ يظهر قبله الكلام بِجحودهم، لأن معناهُ خطاب وإخبار عَن الجاحدين.
وقوله: (فَلْيَأْتِنا بِآيَةٍ كَما أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ) كالآيات التي جاء بِهَا الأولون.
فقال الله «ما آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها [6] ممن جاءته آية فكيف يؤمن هَؤُلَاءِ.
وقوله: فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ [7] أي أهل الكتب «3» التوراة والإنجيل.
وقوله: وَما جَعَلْناهُمْ جَسَداً لا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ [8] وحد الجسد ولم يجمعه وهو عربي لأن الجسد كقولك شيئًا مجسدًا لأنه مأخوذ من فعل «4» فكفى من الجمع، وكذلك قراءة من قرأ (لِبُيُوتِهِمْ «5» سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ) والمعنى سقوف ثم قال «6» (لا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ) يقول: لَمْ نجعلهم جسدًا إلا ليأكلوا الطعام (وَما كانُوا خالِدِينَ) بأكلهم وشربهم، يعنى الرجال المرسلين 116 اولو قيل: لا يأكل الطعام كَانَ صوابًا تجعل الفعل للجسد، كما تَقُولُ. أنتما شيئان صالِحان، وشيء صالِح وشيء صالِحان. ومثله (أَمَنَةً «7» نُعاساً تغشى طائفة) و (يَغْشى) مثله (إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ «8» طَعامُ الْأَثِيمِ)
__________
(1) القراءة الأولى لحفص وحمزة والكسائي وخلف وافقهم الأعمش. والأخيرة للباقين.
(2) يريد أن (بل) واردة على كلام مفهوم من المقام وهو جحد ونفى. وفى الطبري: «يقول تعالى ذكره:
ما صدقوا بحكمة هذا القرآن ولا أنه من عند الله ولا أقروا بأنه وحي أوحاه الله إلى محمد صلّى الله عليه وسلّم بل قال بعضهم ... » .
(3) كأن المراد الجنس إذ هما كتابان. وقد يكون الأصل: الكتاب فكتب بحذف الألف.
(4) ا: «الفعل» .
(5) فى ا: «لبيوتهم فيمن قرأ. سقفا من فضة» وهو فى الآية 33 سورة الزخرف وقراءة «سقفا» بالإفراد لابن كثير وأبى عمرو وأبى جعفر وافقهم الحسن وابن محيصن.
(6) ا: «يقول» .
(7) الآية 154 سورة آل عمران. والقراءة بالتاء لحمزة والكسائي وخلف وافقهم الأعمش. وقراءة الياء للباقين.
(8) الآيتان 43، 44 سورة الدخان. وقراءة (يغلى) بالياء لابن كثير وحفص ورويس. وقراءة (تغلى) بالتاء للباقين. [.....](2/199)
لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (10)
ثُمَّ قَالَ (كَالْمُهْلِ تَغْلِي) للشجرة و (يَغْلِي) للطعام وكذلك قوله (أَلَمْ يَكُ «1» نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنى) وتمنى.
وقوله: كِتاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ [10] شرفكم.
وقوله: إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ [12] : يهربون وينهزمون.
وقوله: فَما زالَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ [15] يعنى قولهم: إنا كنّا ظالمين، أي لَمْ يزالوا يردِّدونَها.
وَفِي هَذَا الموضع يصلح التذكير. وهو مثل قوله (ذلِكَ «2» مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ) و (تِلْكَ «3» مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ) .
وقوله: لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً [17] قَالَ الْفَرَّاءُ حَدَّثَنِي «4» حِبَّانُ عَنِ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: اللَّهْوُ: الْوَلَدُ بِلُغَةِ حَضْرَمَوْتَ.
وقوله: (إِنْ كُنَّا فاعِلِينَ) جاء فى «5» التفسير: ما كنا فاعلين و (إن) قد تكون فِي معنى (ما) كقوله (إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ) «6» وقد تكون إن «7» التي فِي مذهب جزاء «8» فيكون: إن كنا فاعلين ولكنا لا نفعل. وهو أشبه الوجهين بِمذهب العربية والله أعلم.
وقوله: لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا [22] إلا فِي هَذَا الموضع بِمنزلة سوى كأنك قلت:
لو كَانَ فيهما آلهة سوى (أو غير) «9» الله لفسد أهلهما «10» (يعني أهل السماء والأرض) .
__________
(1) الآية 37 سورة القيامة. وقراءة الياء لحفص ويعقوب وهشام وافقهم ابن محيصن والحسن. وقراءة الياء للباقين.
(2) الآية 44 سورة آل عمران.
(3) الآية 49 سورة هود.
(4) ا: «حدثنا» .
(5) سقط فى ا.
(6) الآية 23 سورة فاطر.
(7) ا: «على إن» .
(8) ا: «الجزاء» .
(9) سقط فى ا.
(10) ا: «أهلها» .(2/200)
وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ (26)
وقوله: سُبْحانَهُ بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ [26] معناه: بَلْ هم عبادٌ مكرمون. ولو كانت: بَلْ عبادًا مكرمين مردودة عَلَى الولد أي لَمْ نتَّخذهم ولدًا ولكن اتخذناهم عبادًا مكرمين (قالَ صَواباً) .
وقوله: أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما [30] فُتِقت السماء بالقطر والأرض بالنبت (وقال «1» ) (كانَتا رَتْقاً) ولم يقل: رتقين (وهو) كما قال (ما جَعَلْناهُمْ جَسَداً) .
وقوله: (وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ) خفض ولو كانت «2» : حيّا كَانَ صَوَابًا أي جعلنا كل شيء حيًّا من الماء.
وقوله: وَجَعَلْنَا السَّماءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً [32] ولو «3» قيل: محفوظا يُذهب بالتأنيث إلى السماء وبالتذكير إلى السقف كما قَالَ (أَمَنَةً نُعاساً تَغْشى) و (يَغْشى) وقيل (سَقْفاً) وهي سموات لأنها سقف عَلَى الأرض كالسقف عَلَى البيت. ومعنى قوله (مَحْفُوظاً) : حُفظت (مِنَ الشَّياطِينِ «4» ) بالنجوم.
وقوله: (وَهُمْ عَنْ آياتِها مُعْرِضُونَ) فآياتها قمرها وشمسها ونجومها. قد قرأ مجاهد (وهم عَن آيتها معرضون) فَوَحد (وجعل «5» ) السماء بِما فيها آية وكلٌّ صواب.
وقال «6» : فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ [33] لغير الآدميين للشمس والقمر «7» والليل والنهار، وَذَلِكَ أن السباحة من أفعال الآدميين فقيلت بالنون كما قيل: (وَالشَّمْسَ «8» وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ) لأن السجود من أفعال الآدميين. ويُقال: إن الفلك موج مكفوف «9» يجرين فيه.
__________
(1) ا: «فقال» .
(2) ا: «نصب» .
(3) الجواب محذوف أي لكان صوابا مثلا.
(4) فى اتأخير ما بين القوسين عما بعده. [.....]
(5) ا: «فجعل» .
(6) ش، ب: «قوله» .
(7) سقط فى ا.
(8) الآية 4 سورة يوسف.
(9) كأن المراد أنه محفوظ من التسفل.(2/201)
وقوله أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ [34] دخلت «1» الفاء فِي الجزاء وهو (إن) وَفِي جوابه لأن الجزاء متصل بقرآن قبله. فأدخلت فِيهِ ألف الاستفهام عَلَى الفاء من الجزاء. ودخلت الفاء فِي قوله (فهم) لأنه جواب للجزاء. ولو حُذفت الفاء من قوله (فهم) كَانَ صوابًا من وجهين أحدهما أن تريد الفاء فتضمرها، لأنها لا تغير (هم) عَن رفعها فهناك يصلح الإضمار. والوجهُ الآخر أن يراد تقديم (هم) إلى الفاء فكأنّه 116 ب قيل: أفهم الخالدون إن مت.
وقوله: كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ [35] ولو نوَّنت فِي (ذائقة) ونصبت (الموت) كَانَ صوابًا.
وأكثر ما تختار العرب التنوين والنصب فِي المستقبل. فإذا كَانَ معناهُ ماضيًا لَمْ يكادوا يقولون إلا بالإضافة. فأمّا المستقبل فقولك: أنا صائم يوم الخميس إذا كَانَ خميسًا مستقبلًا. فإن أخبرت عَن صوم يوم خميس ماض قلت: أنا صائم يوم الخميس فهذا وجه العمل. ويختارون أيضًا التنوين. إذا كَانَ مع الجحد. من ذَلِكَ قولهم: ما هُوَ بتارك حقّه، وهو غير تارك حقه، لا يكادونَ يتركونَ التنوين.
وتركه كَثِير جائز وينشدونَ قول أبي الأسود:
فألفيته غير مستعتب ... ولا ذاكرِ الله إلا قليلَا «2»
فمن حذف النون ونصب قَالَ: النية التنوين مع الجحد، ولكني أسقطت النون للساكن الَّذِي لقيها وأعملت معناها. ومن خفض أضاف.
وقوله: أَهذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ [36] يريد: يعيب آلهتكم. وكذلك قوله: سمعنا «3» فثى
__________
(1) ش: «ودخلت» .
(2) كان أبو الأسود تزوج امرأة فلم ير فيها ما يرضيه فقال شعرا لذويها منه هذا البيت يذكر فى شعره أن خال امرأ لم يبله فخانه وأفشى سره فما جزاؤه أليس. جزاؤه الصوم والهجران فقالوا: نعم فقال: تلك صاحبتكم وهى طالق.
وانظر الأغانى 12/ 310 من طبعة الدار.
(3) الآية 60 سورة الأنبياء.(2/202)
يذكرهم يقال له إبراهيم) أي يعيبهم. وأنت قائل للرجل: لئن ذكرتني لتند منّ وأنت تريد: بسوء قَالَ عنترة:
لا تذكري مُهْرِي وما أطعمتُهُ ... فيكونَ جِلْدُكِ مثل جلدِ الأشهبِ «1»
أي لا تعيبيني بأثرة مهري فجعل الذكر عيبًا.
وقوله: خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ [37] وَعَلَى عجلٍ «2» كأنك قلت: بنيته وخلقته من العجلة وَعَلَى العجلة.
وقوله: وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ [38] (مَتى) فِي موضع نصب، لأنك لو أظهرت جوابها رأيته منصوبًا فقلت: الوعد يوم كذا وكذا (ولو «3» ) جعلت (متى) فِي موضع رفع كما تَقُولُ: متى الميعاد؟ فيقول: يومُ الخميس وَيَوْمَ الخميس. وقال الله (مَوْعِدُكُمْ «4» يَوْمُ الزِّينَةِ) فلو نصبت «5» كَانَ صوابًا. فإذا جعلت الميعاد فِي نكرة من الأيام والليالي والشهور والسنين رفعت فلقت: ميعادك يوم أو يومان، وليلة وليلتان كما قال الله (غُدُوُّها «6» شَهْرٌ وَرَواحُها شَهْرٌ) والعربُ تَقُولُ: إنّما البرد شهران وإنما الصيف شهران. ولو جاء «7» نصبًا كَانَ صوابًا. وإنما اختاروا الرفع لأنك أبهمت الشهرين فصارا جميعًا كأنهما وقت للصيف.
وإنما اختاروا النصب فِي المعرفة لأنها حينٌ معلومٌ مسند إلى الَّذِي بعده، فحسنت الصفة، كما أنك تَقُولُ:
عبد الله دونٌ من الرجال، وعبد الله دونكَ فتنصب. ومثله اجتمع الجيشان فالمسلمون جانبٌ والكفار
__________
(1) كانت لعنترة زوجة لا تزال تلومه فى فرس كان يؤثره ويطعمه ألبان إبله فقال فيها هذا الشعر. ورواية ديوانه:
«الأجرب» فى مكان «الأشهب» . والأشهب من الشهبة وهى بياض يصدعه سواد، وقد يكون من الجرب. يريد أنك إن دمت على هذا نفرت منك وكان جلدك كجلد الأجرب فلا أقربك.
(2) يريد أنه يقال فى اللغة ما فى الآية وهذا أيضا. ولا يريد أن هذا قراءة.
(3) : «فلو» .
(4) الآية 59 سورة طه.
(5) ا: «نصب» .
(6) الآية 12 سورة سبا. [.....]
(7) ا: «كان» .(2/203)
قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ (42)
جانب. فإذا أضفت نصبت فقلت: المسلمون جانب صاحبهم، والكفار جانب صاحبهم فإذا «1» لَمْ تضف الجانب صيرتهم هم كالجانب لا أنهم فِيهِ فقس عَلَى ذا «2» وقوله: وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ [39] .
وقوله: (فَمَنْ يَنْصُرُنِي «3» مِنَ اللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ) : فمن يمنعني. ذَلِكَ معناهُ- والله أعلم- فِي عامّة القرآن.
وقوله: قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ [42] . مهموزة (ولو «4» ) تركت 117 اهمز مثله فِي غير القرآن قلت: يكلوكم بواو ساكنة أو يكلاكم بألف ساكنة مثل يَخشاكم: ومن جعلها وَاوًا ساكنة قَالَ كَلان بالألف تترك منها النبرة «5» . ومن قَالَ: يكلاكم قَالَ: كليت مثل قضيت. وهي من لغة قريش. وكلٌّ حسن، إلا أنهم يقولون فِي الوجهين مكلوَّةٌ بغير همز، ومكلوٌّ بغير همز أكثر مما يقولون مكليَّة. ولو قيل مَكْلِيّ فِي قول الَّذِينَ يقولون كليتُ كَانَ صوابًا. وسمعتُ بعض العرب ينشد قول الفرزدق:
وما خاصم الأقوام من ذى خصومة ... كورها، مَشْنِيّ إليها حليلُها «6»
فبنى عَلَى شنيت بترك النبرة. وقوله (مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ مِنَ الرَّحْمنِ) يريدُ: من أمر الرحمن، فحذف الأمر وهو يراد كما قَالَ فِي موضع آخر (فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ) يريدُ: من يمنعني من عذاب الله. وأظهر المعنى فِي موضع آخر فقال (فَمَنْ يَنْصُرُنا «7» مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جاءَنا) .
__________
(1) ا: «وإذا» .
(2) ا: «هذا» .
(3) الآية 63 سورة هود.
(4) ا: «فلو»
(5) النبرة: الهمزة.
(6) الورهاء: الحمقاء. والشنآن: البغض. كانت النوار امرأة الفرزدق كرهته وأرادت فراقه فخاصمته عند ابن الزبير فقال قصيدة فى هذا المعنى. وانظر الديوان 606.
(7) الآية 29 سورة غافر.(2/204)
قُلْ إِنَّمَا أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ وَلَا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعَاءَ إِذَا مَا يُنْذَرُونَ (45)
وقوله: لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ [43] يعني الآلهة لا تمنع أنفسها (وَلا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ) يعني الكفار يعني يُجارون (وهي «1» منا لا تُجار) ألا ترى أن العرب تَقُولُ (كَانَ لنا «2» جارًا) ومعناهُ يُجيرك ويمنعك فقال (يُصْحَبُونَ) بالإجارة «3» .
وقوله: وَلا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعاءَ [45] ترفع (الصم) لأن الفعل لَهُم. وقد قرأ أَبُو عبد الرحمن «4» السلمي (ولا تسمع الصم الدعاء) ، نصب (الصم) بوقوع الفعل عَلَيْهِ.
وقوله: وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ [47] القسط من صفة الموازين وإن كَانَ موحدًا. وهو بِمنزلة قولك للقوم: أنتم رضًا وَعَدْلٌ. وكذلك الحق إذا كَانَ من صفة واحدٍ أو اثنين أو أكثر من ذَلِكَ كَانَ واحدا.
وقوله: (لِيَوْمِ الْقِيامَةِ) وَفِي «5» يوم القيامة.
وقوله: عَزَّ وَجَلَّ (أَتَيْنا بِها) ذهب إلى الحبَّة، ولو كَانَ أتينا بِهِ (كَانَ «6» صوابًا) لتذكير المثقال. ولو رفع المثقال كما قَالَ (وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ «7» فَنَظِرَةٌ) كَانَ صوابًا، وقرأ مجاهد (آتَيْنَا بِهَا) بِمدّ الألف يريدُ: جازينا بِهَا عَلَى فاعلنا. وهو وجهٌ حسنٌ:
وقوله: وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى وَهارُونَ الْفُرْقانَ وَضِياءً [48] هُوَ من صفة الفرقان ومعناهُ- والله أعلم- آتينا موسى وهارونَ الفرقان ضياء وذكرًا، فدخلت الواو كما قَالَ (إِنَّا زَيَّنَّا «8» السَّماءَ الدُّنْيا بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ وَحِفْظاً) جعلنا ذلك، وكذلك (وَضِياءً وَذِكْراً) آتينا ذلك.
__________
(1) سقط فى ا.
(2) ا: «أنالك جار» .
(3) ا: «للاجارة» .
(4) هى قراءة ابن عامر. وقد وافقه الحسن.
(5) يريد أن اللام بمعنى فى.
(6) أخر فى اعن «لتذكير المثقال» . [.....]
(7) الآية 280 سورة البقرة وقد قرأ بالرفع نافع وأبو جعفر. وقرأ الباقون بالنصب.
(8) يريد أن الضياء من صفة الفرقان وإن عطف عليه بالواو. وفى ابعد قوله: ضياء: «هو من صفة الفرقان.
وهو كقولك: آتينا موسى وهارون الفرقان ضياء وذكرا» . والآيتان 6 و 7 من سورة الصافات.(2/205)
وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (50)
وقوله: وَهذا ذِكْرٌ مُبارَكٌ أَنْزَلْناهُ [50] المبارك رفع من صفة الذكر. ولو كَانَ نصبًا عَلَى قولك: أنزلناهُ مباركًا كَانَ صوابًا.
وقوله: وَلَقَدْ آتَيْنا إِبْراهِيمَ رُشْدَهُ [51] هُداهُ، إذ كان فِي السرب «1» حَتَّى بلغه الله ما بلّغه.
ومثله (وَلَوْ شِئْنا «2» لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها) : رُشدها.
وقوله: وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ [57] كانوا أرادوا الخروج إلى عيدلهم، فاعتلّ عليهم إبراهيم، فتخلّف (فَقالَ «3» ) : إِنِّي سَقِيمٌ) ، فلما مضوا كسر آلهتهم إلا أكبرها، فلما رجعوا قَالَ قائل منهم: أنا سمعت إبراهيم يقول: وتالله لأكيدنّ أصنامكم. وهو قوله (سَمِعْنا فَتًى «4» يَذْكُرُهُمْ يُقالُ لَهُ إِبْراهِيمُ) : يذكرهم بالعيب (والشتم «5» ) وبِما قَالَ من الكيد.
وقوله: فَجَعَلَهُمْ جُذاذاً [58] قرأها يَحْيَى «6» بن وثاب (جِذَاذًا) وقراءة الناس بعد 117 ب (جُذاذاً) بالضم. فمن قال (جُذاذاً) فرفع الجيم فهو واحد مثل الْحُطَام والرُفات. ومن قَالَ (جِذَاذًا) بالكسرِ فهو جمع كأنه جَذِيذ وجِذَاذ مثل خفيف وخِفَاف.
وقوله: عَلى أَعْيُنِ النَّاسِ [61] : على رءوس الناس (لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ) عَلَيْهِ بما شهد بِهِ الواحد.
ويُقال: لعلهم يشهدونَ أمره وما يُفعل بِهِ.
وقوله: بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا [63] هَذَا، قَالَ بعضُ «7» الناس بَلْ فَعَلَّهُ كبيرهم مشدّدة يريد: فلعلّه
__________
(1) السرب: بيت فى الأرض لا منفذ له. والمراد المغارة التي ولدته أمه فيها خوفا من نمرود وكان يذبح الأبناء وقد مكث فيها زمنا. وانظر تاريخ الطبري (طبعة المعارف) 1/ 234.
(2) الآية 13 سورة السجدة.
(3) ا: «فقال» .
(4) فى الآية 60 من سورة الأنبياء.
(5) سقط فى ا.
(6) وهى قراءة الكسائي وافقه الأعمش وابن محيصن.
(7) هو محمد بن السميقع فى النيسابورى(2/206)
ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ (65)
كبيرهم، وقال بعض الناس: بَلْ فَعَله كبيرهم إن كانوا ينطقون. فجعل فِعْلَ الكبير مُسندًا إِلَيْهِ إن كانوا ينطقون وهم لا ينطقون. والمذهب الذي العوامّ عليه: بل فعله كما قَالَ يوسف (أَيَّتُهَا «1» الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ) ولم يسرقوا. وقد أيّد الله أنبياءه بأكثر من هذا.
وقوله: ثُمَّ نُكِسُوا عَلى رُؤُسِهِمْ [65] يقول: رجعوا عند ما عرفوا من حجة إِبْرَاهِيم فقالوا:
(لَقَدْ عَلِمْتَ ما هؤُلاءِ يَنْطِقُونَ) (والعلم «2» والظن بِمنزلة اليمين. فلذلك لقيت العلم بما) فقال: (عَلِمْتَ ما هؤُلاءِ) كقول القائل: والله ما أنت بأخينا. وكذلك قوله: (وَظَنُّوا «3» ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ.)
ولو أدخلت العرب (أنْ) قبل (ما) فقيل: علمتُ أن ما فيك خير وظننت أن ما فيك خير كَانَ صوابًا. ولكنهم إذا لقي شيئًا من هَذِه الحروف أداة مثل (إن) التي معها اللام أو استفهام كقولك «4» : اعلم لي «5» أقامَ «6» عبد الله أم زيد (أو لئن) «7» ولو اكتفوا بتلك الأداة فلم يُدخلوا عليها (أَنْ) ألا ترى قوله (ثُمَّ بَدا «8» لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ) لو قيل: أن ليسجُنُنَّه كَانَ صوابًا كما قَالَ الشاعر:
وخَبَّرْتُمَا أَن إِنَّمَا بَيْنِ بيَشَةٍ ... ونَجْرَان أَحْوَى والمحلُّ خَصِيب «9»
فأدخل أن عَلَى إنما فلذلك أجزنا دخولها عَلَى ما وصفت لك من سائر الأدوات.
وقوله: وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ نافِلَةً «10» [72] النافلة ليعقوب خاصَّة لأنه ولد الولد، كذلك بلغني.
وقوله: وَلُوطاً آتَيْناهُ [74] نصب لوط من الْهَاء التي رجعت عَلَيْهِ من (آتَيْناهُ) ، والنصب الآخر
__________
(1) الآية 70 سورة يوسف
(2) سقط ما بين القوسين فى ا.
(3) الآية 48 سورة فصلت.
(4) ش: «كقولهم» .
(5) ش: «أن لى» . وفى ا: «أقام لى» . وما هنا عن ج. وقوله: «أو لئن» سقط فى ا [.....]
(6) ش: «أن لى» . وفى ا: «أقام لى» . وما هنا عن ج. وقوله: «أو لئن» سقط فى ا
(7) ش: «أن لى» . وفى ا: «أقام لى» . وما هنا عن ج. وقوله: «أو لئن» سقط فى ا
(8) الآية 35 سورة يوسف
(9) سبق هذا البيت فى تفسير قوله تعالى فى سورة يوسف «وشهد شاهد من أهلها» ص 37.
(10) ا: «فالنافلة» .(2/207)
وَنُوحًا إِذْ نَادَى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (76)
عَلَى إضمار (واذكر لوطا) أو (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا) أو ما يذكر فى أوّل السورة وإن لَمْ يذكر فإن الضمير إنَّما هُوَ من الرسالة أو من الذكر ومثله (وَلِسُلَيْمانَ «1» الرِّيحَ) فنصب (الريح) بفعل مضمر معلوم معناهُ: إمّا سخرنا، وإما آتيناهُ.
وكذلك قوله: (وَنُوحاً «2» إِذْ نادى) فهو عَلَى ضمير الذكر.
وقوله: (وَداوُدَ «3» وَسُلَيْمانَ) وجميع ما يأتيك من ذكر الأنبياء فِي هذه السورة نصبتهم عَلَى النَّسَق عَلَى المنصوب بضمير الذكر.
وقوله: إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ [78] النفش بالليل، وكانت غنمًا لقوم وقعت «4» فِي كرْمِ آخرين فارتفعوا إلى داود، فقضى لأهل الكرم بالغنم، ودفع الكرم إلى أهل الغنم فبلغ ذَلِكَ سُلَيْمَان ابنه، فقال: غيرُ هَذَا كَانَ أرفق بالفريقين. فعزم عَلَيْهِ داود ليَحْكُمنّ. فقال: أرى أن تُدفعَ الْغَنَم إلى أهل الكرم فينتفعوا بألبانِها وأولادها وأصوافِها، ويُدفعُ الكرم إلى أرباب الشاء 118 افيقوموا عَلَيْهِ حَتَّى يعود كهيئته يوم أُفسد، فذُكر أن القيمتين كانتا فِي هَذَا الحكم مستويتين: قيمة ما نالوا من الغنم وقيمة ما أفسدت الغنم من الكرم. فذلك قوله: (فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ) .
وقوله «5» : (وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ) .
وَفِي بعض «6» القراءة: (وَكُنَّا لِحُكْمِهِمَا شَاهِدِين) وهو «7» مثل قوله: (فَإِنْ كانَ «8» لَهُ إِخْوَةٌ) يريد: أَخَوين فما زاد. فهذا كقوله: (لِحُكْمِهِمْ شاهِدِينَ) إذ جمع اثنين.
__________
(1) الآية 81 سورة الأنبياء
(2) الآية 76 سورة الأنبياء
(3) الآية 78 سورة الأنبياء
(4) ا: «فوقعت»
(5) زيادة يقتضيها السياق
(6) هى قراءة ابن عباس، كما فى البحر 6/ 331
(7) أي قراءة الجمهور: «لحكمهم»
(8) الآية 11 سورة النساء(2/208)
وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87)
وقوله: وَعَلَّمْناهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ [80] و (ليُحْصِنَكُم) «1» و (لنحْصِنَكُم «2» ) فمن قَالَ: (ليُحصنكم) بالياء كان لتذكير الّلبوس. ومن قال: (لِتُحْصِنَكُمْ) بالتاء ذهب إلى ثأنيث الصنعة. وإن شئت جَعَلته لتأنيث الدروع لأنّها هي اللبوس. ومن قرأ: (لنُحصنكم) ، بالنون يقول:
لنحصنكم نحنُ: وَعَلَى هَذَا المعنى يَجوز (ليُحصنكم) بالياء الله من بأسكم أيضًا.
وقوله: تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلى الْأَرْضِ [81] كانت تجري بسليمان إلى كلّ موضع ثُمَّ تعود بِهِ من يومه إلى منزله. فذلك قوله (تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلى الْأَرْضِ) .
وقوله: وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذلِكَ [82] دون الْغَوْص. يريدُ سوى الغوص.
من البناء.
وقوله: (وَكُنَّا لَهُمْ حافِظِينَ) للشياطين «3» . وَذَلِكَ أنهم كانوا يُحفظون من إفساد ما يعملون فكان «4» سُلَيْمَان إذا فرغ بعض الشياطين من عمله وكّله بالعمل الآخر، لأنه كَانَ إذا فرغ مِمّا يعمل فلم يكن لَهُ شُغُل كَرَّ عَلَى تَهديم ما بَنَى فذلك قوله: (وَكُنَّا لَهُمْ حافِظِينَ) .
وقوله: وَآتَيْناهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ [84] ذُكر «5» أَنَّهُ كَانَ لأيُّوب سبعة بنين وسبع بنات فماتوا فِي بلائه. فلمّا كشفه الله عَنْهُ أحيا الله لَهُ بنيه وبناتِهِ، وولد لَهُ بعد ذَلِكَ مثلهم. فذلك قوله:
(أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً) فعلنا ذَلِكَ رَحمة.
وقوله: فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ [87] يريد أن لن نقدر عَلَيْهِ من العقوبة ما قَدرنا.
وقوله: (فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ) يُقال: ظلمة البحر، وبطن الحوت «6» ومِعاها (مقصور) الذي كان فيه يونس فتلك الظلمات.
__________
(1) قراءة التاء لابن عامر وحفص وأبى جعفر وافقهم الحسن وقراءة النون لأبى بكر ورويس وقراءة الياء للباقين: [.....]
(2) قراءة التاء لابن عامر وحفص وأبى جعفر وافقهم الحسن وقراءة النون لأبى بكر ورويس وقراءة الياء للباقين:
(3) سقط فى ا
(4) ا: «وكان»
(5) ش: «ذلك»
(6) أي معى الحوت وكأنه أنثه ذهابا به إلى السمكة(2/209)
فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ (90)
وقوله: وَكَذلِكَ نُنْجِي «1» الْمُؤْمِنِينَ [88] القراء يقرءونها بنونين، وكتابها بنون واحدة. وَذَلِكَ أن النون الأولى متحركة والثانية ساكنة، فلا تظهر الساكنة عَلَى اللسان، فلمّا خفيت حُذفت.
وقد قرأ عَاصِم «2» - فيما أعلم- (نُجِّي) بنون واحدة ونصب (المؤمنين) كأنه احتمل اللحن ولا نعلم «3» لَهَا جهة إلا تِلْكَ لأن ما لَمْ يسم فاعله إذا خلا باسم رفعه، إلا أن يكون «4» أضمر المصدر فِي نُجّي فنوى بِهِ الرفع ونصب (المؤمنين) فيكون كقولك: ضُرب الضربُ زيدًا، ثُمَّ تُكنى عَن الضرب فتقول: ضُرِبَ زيدًا. وكذلك نُجِّيَ النجاءُ المؤمنين.
وقوله: وَأَصْلَحْنا لَهُ زَوْجَهُ [90] يقول: كانت عقيمًا فجعلناها تَلد فذلك صلاحها.
وقوله: أَحْصَنَتْ فَرْجَها [91] ذكر المفسرون أَنَّهُ جَيب درعها «5» ومنه نُفخ فيها.
وقوله: وَجَعَلْناها وَابْنَها آيَةً (ولم يقل آيتين) لأن شأنهما واحد. ولو قيل: آيتين لكان صوابًا لأنها وَلدت وهي بكر، وتكلّم عيسى فِي المهد فتكون آيتين إذ اختلفتا.
وقوله: إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً [92] تنصب (أُمَّةً واحِدَةً) عَلَى القطع «6» . وقد رفع الْحَسَن (أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحدة) عَلَى أن يجعل الأمة خبرًا ثُمَّ يَكُرّ عَلَى الأمة الواحدة بالرفع عَلَى نية الخبر أيضًا كقوله: (كَلَّا إِنَّها «7» لَظى نَزَّاعَةً لِلشَّوى) .
__________
(1) رسمت فى المصحف بنون واحدة (نجى) ، كما ذكر المؤلف
(2) هى رواية أبى بكر عنه أما رواية حفص عنه فتنجى بنونين وقد قرأ أيضا بنون واحدة ابن عامر
(3) ا: «نعرف»
(4) لم يرتض هذا الوجه ابن جنى وخرج القراءة على أن أصلها: ننحى بنون مضمومة فنون مفتوحة من التنجية ثم حذفت النون الثانية إذ لو كان ماضيا كما يقدر الفراء لا نقحت اللام. وانظر الخصائص 1/ 398
(5) درع المرأة: قميصها
(6) ا: فقيل: آية»
(7) الآيتان 15، 16 سورة المعارج وقراءة رفع (نزاعة) لغير حفص فعنده النصب(2/210)
وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ (95)
وَفِي قراءة أُبَيّ فيما أعلم: (إنها لإحدى «1» الكبر نذير للبشر) الرفع عَلَى التكرير ومثله:
(ذُو الْعَرْشِ «2» الْمَجِيدُ فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ) .
وقوله: وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها [95] قرأها ابن عباس. حَدَّثَنِي بذلك غير واحد، منهم هُشيم عَن داود عَن عكرمة عَن ابن عباس، وسفيان عَن عمير وعن ابن عباس. وَحَدَّثَنِي عَمْرو بن أبي المقدام عَن أبيه عَن سعيد بن جبير (وَحِرْمٌ) وَحَدَّثَنِي بعضهم عَن يَحْيَى بن وثاب وإبراهيم النخعىّ (وحرم على) وأهل المدينة والحسن (وَحَرامٌ) «3» بألف. وحرام أفشى فِي القراءة. وهو بِمنزلة قولك: حِلّ وحلال، وحرم وحرام.
وقوله: وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ [96] والحدب كل أكمة (ومكان «4» مرتفع) .
وقوله: وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ [97] معناهُ- والله أعلم-: حَتَّى إذا فتحت اقترب. ودخول الواو فِي الجواب فِي (حَتَّى إِذا) بمنزلة قوله (حَتَّى «5» إِذا جاؤُها وَفُتِحَتْ أَبْوابُها) . وَفِي قراءة عَبْد اللَّه فَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمْ «6» جَعَل السَّقَايَةَ) وَفِي قراءتنا بغير واو. ومثله فِي الصافات (فَلَمَّا أَسْلَما «7» وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ وَنادَيْناهُ) معناهُ ناديناهُ، وقال امرؤ القيس:
فلمّا أَجزنا سَاحة الحيَّ وانتحى ... بنا بطنُ خَبْت ذي قِفافٍ عقنقل «8»
يريد انتحى.
__________
(1) الآيتان 35، 36 سورة المدثر
(2) الآيتان 15، 16 سورة البروج [.....]
(3) وهى قراءة أبى بكر وحمزة والكسائي وافقهم الأعمش والباقون بفتح الحاء والراء وبألف بعد هى (حرام) .
(4) فى ا: «مرتفعة»
(5) الآية 73 سورة الزمر
(6) الآية 70 سورة يوسف
(7) الآيتان 103، 104 من سورة الصافات
(8) البيت من معلقته. وانتحى: اعترض. والخبت: المتسع من بطون الأرض. والقفاف جمع القف: ما ارتفع من الأرض والعقنقل: الوادي العظيم المتسع وانظر الديوان 15(2/211)
وقوله: (فَإِذا هِيَ شاخِصَةٌ أَبْصارُ الَّذِينَ كَفَرُوا) تكون (هي) عمادًا يصلح فِي موضعها (هُوَ) فتكون كقوله: (إِنَّهُ أَنَا «1» اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) ومثله قوله: (فَإِنَّها «2» لا تَعْمَى الْأَبْصارُ) فجاء التأنيث لأن الأبصار مؤنثة والتذكير للعماد. وسمعت بعض العرب يقول: كَانَ مرة وهو ينفع الناس أحسابهم فجعل (هُوَ) عمادًا. وأنشدني بعضهم:
بِثَوْبٍ ودِينارٍ وشاةٍ ودِرهمٍ ... فَهَل هُوَ مَرفوعٌ بِما هاهنا راسُ
وإن شئت جعلت (هي) للأبصار كنيت عنها ثُمَّ أظهرت الأبصار لتفسرها كما قَالَ الشاعر «3» :
لعمرُ أبيها لا تَقُولُ ظَعينتي ... ألا فَرّعني مالكُ بن أبي كعب
فذكر الظعينة وقد كَنَى عنها فِي (لعمر) «4» .
وقوله: حَصَبُ جَهَنَّمَ [98] ذُكر أن الحصب فِي لغة أهل اليمن الحطب. حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: حَدَّثَنِي قيس بن الرَّبِيعِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَكَمِ الْكَاهِلِيِّ عَنْ رَجُلٍ سَمِعَ عَلِيًّا يَقْرَأُ (حَطَبُ) بِالطَّاءِ. حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي يَحْيَى الْمَدَنِيُّ عَنْ أَبِي الْحُوَيْرِثِ رَفَعَهُ إِلَى عَائِشَةَ أَنَّهَا قَرَأَتْ «5» (حَطَبُ) كَذَلِكَ. وبإسنادٍ لابن أبي يَحْيَى عَن ابن عباس أَنَّهُ قرأ «6» (حَضَب) بالضاد. وكلُّ ما هيَّجت بِهِ النار أو أوقدتها بِهِ فهو حَضَب.
وأمّا الْحَصب فهو فِي معنى لغة نَجد: ما رميت بِهِ فِي النار، كقولك: حصبت الرجل أي رميته.
__________
(1) الآية 9 سورة النمل
(2) الآية 46 سورة الحج.
(3) هو مالك بن أبى كعب من شعر يقوله فى حرب كانت بينه وبين رجل من بنى ظفر وانظر الأغانى الدار 16/ 234 وما بعدها.
(4) أي في قوله. «لعمر أبيها»
(5) ا: «قرأته»
(6) ا: «قرأها»(2/212)
يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ (104)
وقوله: يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ [104] بالنون وبالتاء (تُطْوَى «1» ) ولو قيل (يَطْوِي) كما قيل (نَطْوِي) بالنون جَاز.
واجتمعت القراء عَلَى (السِّجِلِّ «2» ) بالتثقيل.
وأكثرهم يقول (للكتابِ) وأصحاب «3» عبد الله (لِلْكُتُبِ) والسجل: الصحيفة. فانقطعَ الكلام عند الكتب، ثُمَّ استأنف فقال (كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ) فالكاف للخلق «4» كأنك قلت «5» : نعيد الخلق كما بدأناهم (أَوَّلَ مَرَّةٍ «6» ) .
وقوله (وَعْداً عَلَيْنا) كقولك حقًّا علينا.
وقوله: أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ [105] يقال: أرض الجنّة. ويقال: إنها الأرض التي وعدها بنو إسرائيل، مثل قوله: (وَأَوْرَثْنَا «7» الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشارِقَ الْأَرْضِ وَمَغارِبَهَا.
وقوله: إِنَّ فِي هذا لَبَلاغاً [106] أي فِي القرآن.
وقوله: يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ [108] وجه الكلام (فتح أنَّ «8» ) لأن (يُوحى) يقع عليها.
و (إنّما) بالكسر يَجوز. وَذَلِكَ أنها أداة كما وصفت لك من قول الشاعر:
... أَنْ إِنَّما بَيْنَ بيشةٍ
فتلقى (أن) كأنه قيل: إنما يوحى إلى أن إنّما إلهكم إله واحد.
__________
(1) هى قراءة أبى جعفر
(2) عن الحسن فيه تسكين الجيم وتخفيف اللام كما فى الإتحاف والسين أيضا مكسورة كما فى القاموس [.....]
(3) هى قراءة حفص وحمزة والكسائي وخلف. وافقهم الأعمش.
(4) يريد أنها متعلقة في المعنى بضمير الخلق فى (نعيده) .
(5) ا: «كأنك قدمتها فقلت» .
(6) سقط فى ا.
(7) الآية 137 سورة الأعراف.
(8) ا: «الفتح» .(2/213)
يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ (2)
وقوله: قالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ [112] جَزم «1» : مسألة سألها ربه. وقد قيل «2» : قل ربّي «3» أحكم بالحق ترفع (أحكم) وتَهمز ألفها. ومن قَالَ قل ربي «4» أحكم بالحق كَانَ موضع ربي رفعًا ومن قال:
ربّ احكم موصولة كانت فِي موضع نصب بالنداء.
وقوله: إِنْ أَدْرِي [111] رفع على معنى ما أدرى.
ومن سورة الحج
قوله: تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ
[2] رفعت القراء (كُلُّ مُرْضِعَةٍ)
لأنّهم جعلوا الفعل لهما.
ولو قيل: تُذْهِل كلَّ مرضعة وأنت تريد الساعة أنها تُذهل أهلها كَانَ وجهًا. ولم أسمع «5» أحدًا قرأ بِهِ والمرضعة: الأمّ «6» . والمرضِع: التي معَها صَبّي تُرضعه. ولو قيل «7» فِي الأم: مرضع لأنّ الرضاع لا يكون إلا من الإناث فيكون مثل قولك: طامث «8» وحائض. ولو قيل فِي التي معَها صبي: مرضعة كَانَ صوابًا.
وقوله: (وَتَرَى النَّاسَ سَكْرَى وَمَا هُمْ بسَكْرَى) اجتمع الناس والقراء عَلَى (سُكارى وَما هُمْ بِسُكارى)
حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ حَدَّثَنِي هشيم عَن مغيرة عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَرَأَ «9» (وَتَرَى النَّاسَ سَكْرَى وَمَا هُمْ بسكرى) وهو وجه
__________
(1) سقط فى ا. وهو يريد سكون الميم فى احكم وقد جرى على (قل) بصيغة الأمر وهى قراءة غير حفص. أما هو فيقرأ بصيغة الماضي.
(2) هى قراءة ابن عباس وعكرمة والجحدري وابن محيصن كما فى البحر 6/ 345.
(3 و 4) رسم فى ش: «رب» .
(5) قرأ به ابن أبى عبلة واليماني كما فى البحر 6/ 350.
(6) سقط فى ا.
(7) الجواب محذوف أي جاز. وقوله: «لأنّ الرضاع لا يكون إلا من الإناث» دليل عليه.
(8) الطامث: الحائض.
(9) هى قراءة حمزة والكسائي وخلف، وافقهم الأعمش. [.....](2/214)
كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ (4)
جيدّ فِي العربية: (لأنه بِمنزلة الْهَلكى والجرحى، وليس بمذهب النشوان والنشاوى «1» . والعرب تذهب بفاعل وفَعِيل وفَعِل إذا كانَ صاحبه كالمريض أو الصريع أو الجريح فيجمعونه عَلَى الفعلى فجعلوا الفعلى علامةً لِجمع كل ذي زمانةٍ وضرر وهلاك. ولا يبالونَ أكان واحده فاعلًا أم «2» فعيلًا أم «3» فعلان فاختير سكرى بطرح الألف من هول ذَلِكَ اليوم وفزعه. ولو قيل (سَكْرى) عَلى أن الجمع يقع عَلَيْهِ «4» التأنيث فيكون كالواحدة كَانَ وجهًا، كما قَالَ الله: (وَلِلَّهِ «5» الْأَسْماءُ الْحُسْنى) (والْقُرُونِ «6» الْأُولى) والناسَ. جماعة فجائز أن يقع ذَلِكَ عليهم. وقد قالت العرب: قد جاءتك الناس:
وأنشدني بعضهم:
أضحت بنو عامر غضبى أنوفهم ... أتى عفوت فلا عارٌ ولا باس
فقال: غضبي للأنوف عَلَى ما فسرت لك.
وقد ذُكِرَ أن بعض القراء قرأ (وَتَرَى النَّاسَ)
وهو وجه جيد يريد: مثل قولك رُئِيتَ «7» أنك قائم ورُئيتُك قائِمًا فتجعل (سُكارى)
فِي موضع نصب لأن (تُرَى) تَحتاج إلى شيئين تنصبهما.
كما يحتاج الظنّ.
وقوله: كُتِبَ عَلَيْهِ [4] الهاء للشيطان المريد فى (عليه) وفى (أنّه يضلّه) ومعناهُ قُضِي عَلَيْهِ أَنَّهُ يضلّ من اتبعه.
وقوله: مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ [5] يقول: تماما «8» وسقطا. ويجوز 119 ب مخلّقة وغير مخلّقة على الحال:
__________
(1) ا: «النشوي» .
(2) ش، ب: «أو» .
(3) ش، ب: «أو» .
(4) ش، ب: «على» .
(5) الآية 180 سورة الأعراف.
(6) الآية 43 سورة القصص.
(7) كذا. وكأن الصواب: أريت. وكذا قوله بعد: «رئيتك قائما» كأن الصواب: أريتك قائما.
(8) ضبط فى ابكسر التاء وفيها الفتح أيضا. يقال ولدته لتمام بالوجهين.(2/215)
ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ (9)
والحال تُنصَب فِي معرفة الأسماء ونكرتها. كما تَقُولُ: هَلْ من رجل يُضرب مجرَّدًا. فهذا حال وليس بنعت.
وقوله: (لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحامِ مَا نَشاءُ) استأنف (وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحامِ) ولم يرددها عَلَى (لنبين) ولو قرئت (ليُبَيِّن) يريد الله ليُبَيِّن لكم كَانَ صوابًا ولم أسمعها «1» .
وقوله: (وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ) : إلى أسفل العمر (لِكَيْلا يَعْلَمَ) يقول لكيلا يعقل من بعد عقله الأول (شَيْئاً) .
قوله: (وَرَبَتْ) قرأ «2» القراء (وربت) من تَرْبو. حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو عبد الله التميمي عَن أبي جَعْفَر المدني أَنَّهُ قرأ (اهتَّزت ورَبَأت) مهموزة فإن كَانَ ذهب إلى الرَّبيئة الَّذِي يحرس القوم فهذا مذهب، أي ارتفعت حَتَّى صَارت كالموضع للربيئة.
فإن لَمْ يكن أراد (من «3» هَذَا) هَذَا فهو من غلط قد تغلطه العرب فتقول: حَلأت «4» السَّوِيق، ولبَّأت «5» بالحجّ، ورثأت «6» الميّت. وهو كما قرأ الْحَسَن (وَلَأَدْرَأتكم «7» بِهِ) يهمز. وهو مِمّا يُرفَض من القراءة.
وقوله: ثانِيَ عِطْفِهِ [9] منصوب عَلَى: يُجادل ثانيًا عطفه: معرضًا عَن الذكر.
وقوله: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلى حَرْفٍ [11] نزلت فى أعاريب من بنى أشد انتقلوا إلى المدينة بذراريهم، فامتنوا بذلك عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقالوا: إنما يُسلم الرجل (بعد «8» الرجل) من القبيلة. وقد أتيناك بذرارينا. وكانوا إذا أعطوا من الصدقة وسَلمت مواشيهم وخيلهم قالوا: نعم الدين هَذَا. وإن لم يعطوا من الصدقة ولم تسلم مواشيهم انقلبوا عَن الإسلام. فذلك قوله
__________
(1) هى قراءة ابن أبى عبلة كما فى البحر.
(2) ا: «قرأت»
(3) سقط في ا.
(4) أي حليت السويق وليست بالحج ورثيت الميت. والسويق طعام يتخذ من الحنطة والشعير.
(5) أي حليت السويق وليست بالحج ورثيت الميت. والسويق طعام يتخذ من الحنطة والشعير.
(6) أي حليت السويق وليست بالحج ورثيت الميت. والسويق طعام يتخذ من الحنطة والشعير. [.....]
(7) الآية 16 سورة يونس
(8) سقط فى ا.(2/216)
(يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطمأنّ به) يقول: أقام عَلَيْهِ (وَإِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ) «1» ورجع.
وقوله: (خَسِرَ الدُّنْيا وَالْآخِرَةَ) غُبِنهما. وذُكِرَ عَن حُمَيْد الأعرج وحده أَنَّهُ قرأ (خاسِر الدُّنْيَا والآخرة) وكلّ صواب: والمعنى واحد.
وقوله: يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ [12] يعنى الأصنام.
ثم قال: يَدْعُوا لَمَنْ ضَرُّهُ [13] فجاء التفسير: يَدْعو من ضرّه أقرب من نفعه. وقد حالت اللام بينهما. وكذلك هي فِي قراءة عبد الله (يَدْعو من ضَرُّه) ولم نَجد العرب تَقُولَ ضربت لأخاكَ ولا رأيتُ لزيدًا أفضل منك. وقد اجتمعت القراء على ذلك. فترى أن جواز ذَلِكَ لأن (مَنْ) حرف لا يتبيّن فيه الاعراب، فأجيز «2» ب: فاستجيز الاعتراض باللام دون الاسم إذ لَمْ يتبين فِيهِ الإعراب.
وذُكِرَ عَن العرب أنهم قالوا: عندي لَما غيرُه خير منه، فحالوا باللام دون الرافع. وموقع اللام كَانَ ينبغي أن يكون فى (ضَرُّه) وَفِي قولك «3» : عندي ما لغيره خيرٌ منه. فهذا وجه القراءة للاتباع. وقد يكون قوله: (ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ يَدْعُوا) فتجعل (يَدْعُوا) من صلة (الضَّلالُ الْبَعِيدُ) وتضمر فى (يَدْعُوا) الْهَاء، ثُمَّ تستأنف الكلام باللام، فتقول لَمَنْ ضرّه أقرب من نفعه لبئس المولي) كقولك فِي مذهب الجزاء لَمَا فعلت لهو خير لك. وهو وجه قويّ فِي العربية.
ووجهٌ آخر لَمْ يُقرأ بِهِ. وَذَلِكَ أن تكسر اللام فِي (لِمن) وتريد يدعو إلى من 120 اضرّه أقرب من نفعه، فتكون اللام بِمنزلة إلى، كما قَالَ (الْحَمْدُ «4» لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا) وإلى هَذَا وأنت قائل فِي الكلام: دعوت إلى فلانٍ ودعَوت لفلانٍ بمعنى واحد. ولولا كراهية خلاف الآثار والاجتماع
__________
(1) سقط فى ا
(2) ا: «فاستجيز»
(3) ا: «قوله»
(4) الآية 43 سورة الأعراف(2/217)
مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ (15)
لكان وجهًا جيدًا من القراءة. ويكون «1» قوله (يَدْعُوا) التي بعد (الْبَعِيدُ) مكرورة على قوله (يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ) يدعو مكرّرة، كما تَقُولُ: يدعو يدعو دائبًا، فهذا قوّه لمن نضب اللام ولم يوقع (يدعو) عَلَى (مَنْ) والضلال البعيد الطويل.
وقوله: مَنْ كانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ [15] جزاء جوابه فى قوله (فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ) والهاء فى (قوله «2» ) (يَنْصُرَهُ اللَّهُ) للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. أي من كَانَ منكم يظن أن الله لن ينصر محمدًا بالغلبة حَتَّى يظهر دين الله فليجعل فِي سماء بيته حبلًا ثُمَّ ليختنق بِهِ «3» فذلك «4» قوله (ثُمَّ لْيَقْطَعْ) اختناقًا وَفِي قراءة عبد الله (ثُمَّ ليقطعه) يعني السبب وهو الحبل: يقول (فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ) إذا فعل ذَلِكَ غَيظه. وَ (مَا يَغِيظُ) فِي موضع نصب:
وقوله: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا [17] إلى قوله (وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا) ثم قال (إِنَّ اللَّهَ) فجعل فِي خبرهم (إنّ) وَفِي أول الكلام (إنّ) وأنت لا تَقُولُ فِي الكلام: إن أخاكَ إنه ذاهب، فجاز ذَلِكَ لأن المعنى كالجزاء، أي من كَانَ مؤمنًا أو عَلَى شيء من هَذِه الأديان ففصلُ بينهم وحسابُهم عَلَى الله. وربما قالت العرب: إنّ أخاكَ إن الدين عَلَيْهِ لكثير، فيجعلونَ (إنّ) فِي خبره إذا كَانَ إنما يرفع باسم مضاف إلى ذكره «5» كقول الشاعر «6» :
إن الخليفة إن الله سربَله ... سربال مُلكٍ بِهِ ترجَى الخواتيم
ومن قَالَ «7» هَذَا لَمْ يقل: إنك إنك قائم، ولا يقول: إنّ أباكَ إنه قائم لأن الاسمين قد اختلفا فحسن رفض الأول، وجعل الثاني كأنه هُوَ المبتدأ فحسُن للاختلاف وقبح للاتّفاق.
__________
(1) هذا الوجه غير ما قبله.
(2) ا: «أن لن ينصره» .
(3) سقط في ا.
(4) ش، ب: «كذلك» .
(5) أي الضمير العائد عليه.
(6) هو جرير من قصيدة يمدح بها بنى مروان والرواية فى الديوان 431 (طبع بيروت) :
يكفى الخليفة أن الله سربله
(7) ا: «ذلك» .(2/218)
وقوله: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ [18] يريد: أهل السموات (وَمَنْ فِي الْأَرْضِ) يعني كل خلق من الجبال ومن الجن وأشباه ذَلِكَ (وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ) من أهل الطاعة (وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذابُ) فيقال. كيف رفع الكثير وهو لَمْ يسجد؟ فالجواب فِي ذَلِكَ أَنَّ قوله (حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذابُ) يدلّ عَلَى أَنَّهُ: وكثير أبَى السّجود، لأنه لا يحِقّ عَلَيْهِ العذاب إلا بترك «1» السجود والطاعة. فترفعه بما عاد من ذكره فِي قوله (حَقَّ عَلَيْهِ) فتكون (حَقَّ عَلَيْهِ) بمنزلة أَبَى. ولو نصبت: وكثيرًا حق العذاب كَانَ وجهًا بمنزلة قوله (فَرِيقاً هَدى «2» وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ) ينصب «3» إذا كَانَ فِي الحرف واو وعاد ذكره بفعل قد وقع عَلَيْهِ. ويكون فِيهِ الرفع لعودة ذكره كما قَالَ الله (وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ) «4» وكما قال (وَأَمَّا ثَمُودُ «5» فَهَدَيْناهُمْ) .
وقوله (وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ) يقول: ومن يشقه الله فما لَهُ من مُسعد. وقد تقرأ «6» (فَما لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ) يريد: من إكرام.
وقوله: هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ [19] فريقين «7» أهل دينين. فأحد الخصمين المسلمون، والآخر اليهود والنصارى.
وقوله (اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ) فِي دين ربهم. فقال اليهود والنصارى للمسلمين: ديننا خيرٌ من دينكم لأنا سبقناكم. فقال المسلمون: بَلْ ديننا خيرٌ من دينكم. لأنّا آمنّا بنبينا والقرآن، وآمنّا بأنبيائكم وكتبكم، وكفرتم بنبيِّنا وكتابنا. فعلاهم المسلمون بالحجة وأنزل الله هذه الآية.
__________
(1) ا: «بتركه» . [.....]
(2) الآية 30 سورة الأعراف.
(3) ا: «فينصب» .
(4) الآية 224، سورة الشعراء.
(5) الآية 17 سورة فصلت.
(6) هى قراءة ابن أبى عبلة كما فى البحر 6/ 359.
(7) هو حال من الضمير فى «اختصموا» .(2/219)
إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (23)
وقوله: (اخْتَصَمُوا) ولم يقل: اختصما لأنهما جَمعان ليسا برجلين، ولو قيل: اختصما كَانَ صَوَابًا. ومثله (وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا) يذهب إلى الجمع. ولو قيل «1» اقتتلتا لجازَ، يذهب إلى الطائفتين.
وقوله: يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ: [20] يُذابُ بِهِ. تَقُولُ: صَهَرْت الشحم بالنار.
وقوله: وَلَهُمْ مَقامِعُ مِنْ حَدِيدٍ [21] ذُكِرَ أنهم يطمعونَ (فِي الخروج) «2» من النار حَتَّى إذا همّوا بذلك ضربت الخزنة رءوسهم بالمقامع «3» فتخسف رءوسهم فيُصب فِي أدمغتهم الحميم فيَصْهَر شحوم بطونِهم، فذلك قوله فِي إِبْرَاهِيم (وَيُسْقى «4» مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ) مِمّا يذوبُ من بطونِهم وجلودهم.
وقوله: (يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكادُ يُسِيغُهُ) يكره عليه.
وقوله: وَلُؤْلُؤاً [23] قرأ «5» أهل المدينة هَذِه والتي فِي الملائكة «6» (وَلُؤْلُؤاً) بالألف «7» وقرأ الأعمش «8» كلتيْهما بالخفض. ورأيتها فِي مصاحف عبد الله والتي فِي الحج خاصَّة (ولُؤْلُأ) (وَلَا تَهَجَّأْه) . «9»
وَذَلِكَ أن مصاحفه قد أجرى الْهَمْز فيها بالألف فِي كل حال إن كَانَ ما قبلها مكسورًا أو مفتوحًا أو غير ذَلِكَ. والتي فِي الملائكة كتبت فِي مصاحفنا (ولؤلؤ) بغير ألف والتي فى الحج (وَلُؤْلُؤاً) بالألف فخفضهما ونصبُهما جائز. ونصب التي فِي الحج أمكن- لمكان الألف- من التي فِي الملائكة.
وقوله: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [25] ردّ يفعلون «10» على فعلوا «11» لأن
__________
(1) ا: «قال» .
(2) ا: «بالخروج» .
(3) سقط فى ا.
(4) الآيتان، 16، 17 من سورة إبراهيم.
(5) ش: «قرأها» .
(6) أي سورة فاطر.
(7) وهى قراءة نافع وعاصم وأبى جعفر، وقراءة يعقوب هنا.
(8) وهى قراءة غير من ذكر. [.....]
(9) سقط فى ا. أي لا تراع فى النطق هجاء هذه الحروف فتقول: لولا بالألف من غير همز.
(10) يريد بيفعلون المضارع ويفعلوا الماضي.
(11) يريد بيفعلون المضارع ويفعلوا الماضي.(2/220)
معناهما كالواحد فِي الَّذِي «1» وغير الَّذِي. ولو «2» قيل: إن الَّذِينَ كفروا وصدُّوا لَمْ يكن فيها ما يُسأل عَنْهُ. وردُّكَ يفعلون عَلَى «3» فَعلوا لأنك أردت إن الَّذِينَ كفروا يصدون بكفرهم.
وإدخالك الواو كقوله (وَلِيَرْضَوْهُ «4» وَلِيَقْتَرِفُوا) أضمرت فعلًا «5» فِي الواو مع الصدّ كما أضمرته هاهنا «6» . وإن شئت قلت: الصد منهم كالدائم فاختيرَ لَهُم يفعلونَ كأنك قلت: إن الَّذِينَ كفروا ومن شأنهم الصد. ومثله (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ «7» بِآياتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ) وَفِي قراءة عبد الله (وقاتَلوا الَّذِينَ يأمرون «8» بالقسط) وقال (الَّذِينَ آمَنُوا «9» وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ) مثل ذَلِكَ. ومثله فِي الأحزاب فِي قراءة عبد الله (الَّذِينَ «10» بَلَّغُوا رِسَالات اللهِ ويَخْشَوْنَهُ) فلا بأس أن تردّ فَعَل عَلَى يفعل كما قَالَ (وَقَاتلُوا الَّذِينَ يأمرونَ) ، وأن ترد يفعل عَلَى فعل، كما قَالَ (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ) .
وقوله: (سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ) فالعاكف من كَانَ من أهل مكّة. والبادِ مَن نَزع إِلَيْهِ بحج أو عمرة. وقد اجتمعَ «11» القراء عَلَى رفع (سَواءً) هَاهُنا. وأما قوله 121 افى الشريعة «12» :
__________
(1) ش: «الذين» .
(2) ش: «فلو» .
(3) ش، ب: «إلى» .
(4) الآية 113 سورة الأنعام. والأولى أن يذكر صدر الآية: «وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وليرضوه» :
(5) كأنه يريد أن التقدير: إن الذين كفروا يخالفون ويصدون «وهذا جواب غير السابق» .
(6) أي فى قوله «وليرضوه» والأصل: «ليغروهم ولتصغى ... وليرضوه» .
(7) الآية 21 سورة آل عمران.
(8) والآية في قراءة الجمهور: «إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ» .
(9) الآية 28 سورة الرعد.
(10) الآية 39 من سورة الأحزاب وقراءة الجمهور: «الذين يبلغون» .
(11) خالف فى هذا حفص فقرأه بالنصب. [.....]
(12) ا: «الجاثية» وهما واحد.(2/221)
(سَواءً مَحْياهُمْ
«1» مَماتُهُمْ) فقد نصبها الأعمش وحده، ورفعها سائرُ القراء. فمن نصبَ «2» أوقع عَلَيْهِ (جَعَلْناهُ) ومن رفع جَعل الفعل واقعًا عَلَى الْهَاء واللام التي فِي الناس، ثُمَّ استأنف فقال:
(سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ) ومن شأن العرب أن يستأنفوا بسواء إذا جاءت بعد حرف قد تم بِهِ الكلام فيقولون: مررت برجلٍ سواء عنده الخير والشر. والخفض جائز. وإنما اختاروا الرفعَ لأن (سَواءً) فِي مذهب واحد، كأنك قلت: مررت عَلَى رجل واحد عنده الخير والشر. ومن خفض أراد: معتدل عنده الخير الشرّ. ولا يقولون: مررت عَلَى رجل معتدلٌ عنده الخير والشر لأن (معتدل) فعل مصرَّح، وسواء فِي مذهب مصدر. فإخراجهم «3» إيّاه إلى الفعل كإخراجهم مررت برجلٍ حَسْبِك من رجل إلى الفعل.
وقوله: (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ) دخلت الباء فِي (إلحاد) لأن تأويله: ومن يُرد بأن يُلحد فِيهِ بظلم. ودخول الباء فِي (أن) أسهل منه فِي الإلحاد وما أشبهه لأن (أن) تضمر الخوافض معها كثيرًا، وتكون كالشرط فاحتملت دخول الخافض وخروجه لأن الإعراب لا يتبيّن فيها، وقلّ فِي المصادر لتبين الرفع والخفض فيها «4» . أنشدني أَبُو الجراح:
فلمّا رَجَت بالشُّرب هَزّلها العصا ... شَحِيح لَهُ عند الإزاء نَهِيم «5»
(قَالَ الفراء «6» : نَهِيم من الصوت) . وقال امرؤ القيس:
ألا هَلْ أتاها والحوادِثُ جَمَّة ... بأن امرأ القيس بنَ تَمْلِك بيقرا «7»
__________
(1) الآية 21 سورة الجاثية.
(2) أي سواء هنا، وقد علمت أنه حفص.
(3) ا: «وإخراجهم» .
(4) سقط فى ا.
(5) الإزاء: مصب الحوض. والنهيم: صوت توعد وزجر.
(6) سقط فى ا.
(7) بيقر: هاجر من أرض إلى أرض، وبيقر: خرج إلى حيث لا بدري، وبيقر: نزل الحضر وأقام هناك وترك قومه بالبادية وخص بعضهم به العراق وكلام امرئ القيس يحتمل جميع ذلك كما فى اللسان.(2/222)
فأدخل الباء عَلَى (أنّ) وهي فِي موضع رفع كما أدخلها على (بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ) وهو فِي موضع نصب. وقد أدخلوها عَلَى (مَا) إذا أرادوا بِهَا المصدر، يعني الْبَاء. وقال قيس بن زُهَير:
ألم يأتيك والأنباء تنمي ... بما لاقت لبون بني زياد «1»
وهو فِي (ما) أقل منه فِي (أن) لأنّ (أن) أفل شَبَهًا بالأسماء من (ما) . وسمعتُ أعرابيًا من ربيعة وسألته عَن شيء فقال: أرجو بذاك، يريد: أرْجُو ذاكَ. وقد قرأ بعضُ القراء (وَمَن تَرِدْ فِيهِ بإلحادٍ) من الورود، كأنه أراد: مَن وَرَده أو تورَّده. ولست أشتهيهَا، لأن (وردت) يطلب الاسم، ألا ترى أنك تَقُولُ: ورَدنا مكة ولا تَقُولُ: وردنا فِي مكة. وهو جائز تريد النزول «2» . وقد تَجوز فِي لغة الطائيين لأنهم يقولون: رغبت «3» فيك، يريدون: رغبت بك.
وأنشدني بعضهم فِي بنت لَهُ:
وأرغب فيها عَن لَقِيطٍ ورَهْطه ... ولكنني عَن سنْبس لست أرغبُ «4»
(يعني «5» بنته) .
وقوله: وَإِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ [26] ولم يقل: بَوَّأنا إِبْرَاهِيم. ولو كَانَ بمنزلة قوله (وَلَقَدْ بَوَّأْنا بَنِي «6» إِسْرائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ) فإن شئت أنزلت (بَوَّأْنا) بمنزلة جعلنا. وكذلك سمعت فِي التفسير.
وإن شئت كَانَ بمنزلة قوله (قُلْ عَسى «7» أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ) معناه: ردفكم.
وكلّ صواب.
__________
(1) سبق البيت.
(2) ش، ب: «أردنا النزول» .
(3) أي يقولون: رغبت فيك عن فلان أي رغبت بك عنه أي رأيت لك فضلا على فلان فزهدت فى فلان ولم أرده.
(4) سنبس أبو حي من طيئ.
(5) سقط فى اكما سقط فى ش، ب: «فى بنت لم» .
(6) الآية 93 سورة يونس. [.....]
(7) الآية 72 سورة النمل.(2/223)
ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (29)
وقوله: يَأْتُوكَ رِجالًا وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ يَأْتِينَ [27] (يأتين) فعل النوق وقد/ 121 ب قرئت (يأتون) يذهب إلى الركبان. ولو قَالَ: وَعَلَى كل ضامر تأتي تَجعله فعلًا موحدًا لأن (كل) أضيفت «1» إلى واحدة، وقليل فِي كلام العرب أن يقولوا: مررت عَلَى كل رجل قائمين وهو صواب. وأشدّ منه فِي الجواز قوله (فَما مِنْكُمْ مِنْ «2» أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ) وإنّما جاز الجمع فِي أحد، وَفِي كل رجل لأن تأويلهما قد يكون فِي النية موحدًا وجمعًا. فإذا كَانَ (أحدًا) وكل متفرقة من اثنين لَمْ يَجز إلا توحيد فعلهما من ذَلِكَ أن تَقُولُ: كلُّ رجل منكما قائم. وخطأ أن تَقُولُ قائمون أو قائمان لأن المعنى قد رَدّه إلى الواحد. وكذلك ما منكما أحد قائمون أو قائمان، خطأ لتلك «3» العلة.
وقوله: ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ [29] (اللام ساكنة) «4» (وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا) اللامات سواكن. سَكَّنهن أهل المدينة وَعَاصِم والأعمش، وكسرهن أبو عبد الرحمن السلمى والحسن فِي الواو وغير الواو. وتسكينهم إيّاها تخفيف كما تَقُولُ: وهو قَالَ ذَلِكَ، وهي قالت ذاك، تسكن الْهَاء إذا وصلت بالواو. وكذلك ما كَانَ من لام أمر وصلت بواو أو فاء، فأكثر كلام العرب تسكينها. وقد كسر بعضهم (ثُمَّ لْيَقْضُوا) وَذَلِكَ لأن الوقوف عَلَى (ثُمَّ) يحسن ولا يحسن فِي الفاء ولا الواو: وهو وجه، إلا أن أكثر القراءة عَلَى تسكين اللام فِي ثُمَّ:
وأمّا التَّفث فنحر البدن وغيرها من البقر والغنم وحَلق الرأس، وتقليم الأظافر «5» وأشباهه.
وقوله: وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعامُ إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ [30] فى سورة المائدة. من المنخنقة والموقوذة والمتردّية والنطيحة إلى آخر الآية.
__________
(1) ا: «أضيف» .
(2) الآية 47 سورة الحاقة.
(3) ا: «بتلك» .
(4) سقط فى ا.
(5) فى الطبري أن هذه قراءة أبى عمرو.(2/224)
الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (35)
وقوله: فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ [31] مما رد من يفعل عَلَى فعل. ولو نصبتها فقلت «1» : فتخطفه الطير كَانَ وجهًا. والعرب قد تُجيب بكأنما. وَذَلِكَ أنها فِي مذهب يُخَيَّل إليّ وأظنّ فكأنها مردودة عَلَى تأويل (أنّ) ألا ترى أنك تَقُولُ: يخيل إليّ أن تذهب فأذهب معك. وإن شئت جعلت فِي (كأنما) تأويل جحد كأنك قلت: كأنك عربي فتكرمَ، والتأويل: لست بعربي فتكرم:
وقوله: فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ [32] يريد: فإن الْفَعْلةَ كما قَالَ (إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ «2» ) ومن بعده جائز. ولو قيل: فإنه من تَقْوَى القلوب كَانَ جائزًا.
وقوله: لَكُمْ فِيها مَنافِعُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى [33] يعني الْبُدْن. يقول: لكم أن تنتفعوا بألبانها وركوبها إلى أن تُسَمّى «3» أو تُشعر «4» فذلك الأجل المسمى.
وقوله: (ثُمَّ مَحِلُّها إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ) ما كَانَ من هدْي للعمرة أو للنذر «5» فإذا بلغ البيت نُحر. وما كَانَ للحج نُحر بِمنى. جعل ذَلِكَ بِمنى لتطهر مكة.
وقوله: (الْعَتِيقِ) أعتق من الجبابرة. حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: حَدَّثَنِي حِبَّانُ عَنِ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: العتيق: أُعْتِقَ مِنَ الْجَبَابِرَةِ.
ويُقال: من الغرق زمن نوح.
وقوله: وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ [35] خفضت (الصَّلاةِ) لَمَا حذفت النون وهي فِي قراءة عبد الله (والمقيمين الصلاة) ولو نصبت (الصلاة) وقد حذفت النون كَانَ «6» صوابًا. أنشدني بعضهم:
__________
(1) فى الطبري أن هذه قراءة أبى عمرو.
(2) الآية 153 سورة الأعراف.
(3) أي تعين للهدى.
(4) أي يحز سنامها حتى يسيل منه الدم فيعلم أنها شعيرة.
(5) ش: «لنذر» .
(6) ا: «لكان» .(2/225)
أسَيِّدُ ذو خُرَيِّطَةٍ نَهارًا ... من المتلقِّطي قَرَدَ القمام «1»
(وقرد «2» ) وإنما 122 اجاز النصب مع حذف النون لأن العرب لا تَقُولُ فِي الواحد إلا بالنصب.
فيقولون: هُوَ الآخذ حقّه فينصبون «3» الحق، لا يقولون إلا ذَلِكَ والنون مفقودة، فبنَوا الاثنين والجميع عَلَى الواحد، فنصبوا بحذف النون. والوجه فِي الاثنين والجمع الخفض لأن نونهما قد تظهر إذا شئت، وتحذف إذا شئت، وهي فِي الواحد لا تظهر. فلذلك نصبوا. ولو خُفِض فِي الواحد لجاز ذَلِكَ. ولم أسمعه إلا فِي قولهم: هُوَ الضاربُ الرجلِ، فإنهم يخفضونَ الرجل وينصبونه فمن خفضه شبَّهه بِمذهب قولهم: مررت بالحسن الوجه فإذا أضافوهُ «4» إلى مكني قالوا: أنت الضاربة وأنتما الضارباهُ، وأنتم الضاربوه. وَالْهَاء فِي القضاء عليها خفض فِي الواحد والاثنين والجمع. ولو نويت بِهَا النصب كَانَ وجهًا، وَذَلِكَ أن المكني لا يتبين فِيهِ الإعراب. فاغتنموا الإضافة لأنّها تتصل بالمخفوض أشد مما تتصل بالمنصوب، فأخذوا بأقوى الوجهين فِي الاتصال. وَكَانَ ينبغي لِمَن نصب أن يقول: هُوَ الضارب إياه، ولم أسمع ذَلِكَ.
وقوله: صَوافَّ [36] : معقولة وهي فِي قراءة عبد الله (صَوافِنَ) وهي القائمات. وقرأ الْحَسَن (صوافِيَ) يقول: خوالصَ لله.
وقوله: (الْقانِعَ وَالْمُعْتَرَّ) القانع: الَّذِي يَسْألك (فما أعطيته من شيء «5» ) قبله. والمعتر: ساكت يتعرض لك عند الذبيحة، ولا يسألك.
__________
(1) من قصيدة للفرزدق يمدح فيها هشام بن عبد الملك. وقبله:
سيبلغهن وحي القول عنى ... ويدخل رأسه تحت القرام
فقوله: «أسيد» فاعل «سيبلغهن» وهو تصغير أسود ويريد الرسول بينه وبين حبائبه وعنى به امرأة فقوله: أسيد أي شخص أسود. والخريطة: وعاء من أدم أو غيره يشد على ما فيه. والقرد: ما نلبد من الوبر والصوف. والقمام الكناسة وانظر اللسان (قرد) والديوان 835.
(2) سقط فى ا. يريد أنه روى بنصب (قرد) وكسره. [.....]
(3) ا: «ينصبون» .
(4) ش: «أضافوا» .
(5) ا «فإذا أعطيته شيئا» .(2/226)
وقوله: لَنْ يَنالَ اللَّهَ لُحُومُها [37] اجتمعوا عَلَى الياء. ولو قيل (تنال) كَانَ صوابًا. ومعنى ذَلِكَ أن أهل الجاهلية كانوا إذا نحروها نضحوا الدماء حول البيت. فلما حَجّ المسلمونَ أرادوا مثل ذَلِكَ فأنزلَ الله عَزَّ وَجَلَّ لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم:
الإخلاص إليه.
وقوله: إِنَّ اللَّهَ يُدافِعُ [38] و (يدفع «1» ) وأكثر القراء عَلَى (يُدافِعُ) وبه أقرأُ. وقرأ أَبُو عبد الرحمن السلمي (يدافع) ، (وَلَوْلا دِفَاعُ الله) وكلّ صواب.
وقوله: أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ [39] (يُقاتَلُونَ «2» ) ومعناهُ: أذِنَ الله للذين يقاتلون أن يقاتلوا. هذا إذا أنزلت (فَاقْتُلُوا»
الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) وقرئت (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا) والمعنى أذن لَهُم أن يقاتلوا وكلٌّ صواب.
وقوله: الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ [40] يقول لَمْ يخرجوا إلا بقولهم: لا إله إلا الله.
فإن شئت جعلت قوله: (إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ) فِي موضع خَفض تَردَّه عَلَى الباء فِي (بِغَيْرِ حَقٍّ) وإن شئت جَعلت (أنْ) مستثناةً كما قَالَ (إِلَّا ابْتِغاءَ «4» وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى) .
وقوله: لهدّمت صوامع وبيع وهي مُصَلّى النصارى والصوامع للرهبان وأما الصلوات فهي كنائس اليهود والمساجد (مساجد «5» الإسلام) ومعنى التهديم أن الله قَالَ قبل ذَلِكَ (وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ) يدفع بأمره وأتباعه عَن دين كل نبيّ إلى أن بعث الله محمدًا صَلَّى اللهُ عليه وسلم.
__________
(1) هى قراءة ابن كثير وأبى عمرو وعاصم وأبى جعفر ويعقوب. ووافقهم ابن محيصن واليزيدي. والباقون قرءوا: «يدافع» .
(2) فتح التاء لنافع وابن عامر وحفص وأبى جعفر وكسرها للباقين. أما (أذن) فقد ضم الهمزة نافع وأبو عمرو وعاصم وأبو جعفر ويعقوب، وفى رواية عن خلف، وفتحها الباقون.
(3) الآية 5 من سورة التوبة.
(4) الآية 20 سورة الليل.
(5) ا: «مساجدنا» .(2/227)
فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ (45)
وقوله: فَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ [45] البئر والقصر يخفضان عَلَى العطف عَلَى العروش وإذا نظرت فِي معناها وجدتها ليست تحسن فيها «1» (عَلَى) لأن العروش أعالي البيوت، والبئر فِي الأرض وكذلك القصر، لأن القرية لَمْ تَخْوِ عَلَى القصر. ولكنه أتبع «2» بعضه بعضًا، كما قَالَ (وَحُورٌ «3» عِينٌ كَأَمْثالِ اللُّؤْلُؤِ) ولو «4» خفضت البئر 122 ب والقصر- إذا نويت أنهما ليسا من القرية- بِمن كأنك قلت: كم من قرية أهلكت، وكم من بئر ومن قصر. والأول أحُبّ إليّ.
وقوله: وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ [47] . ويُقال يوم من أيام عذابِهم فِي الآخرة كألف سنة مما تَعدون فِي الدُّنْيَا.
وقوله: فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ [46] الْهَاء (هاء عماد «5» ) تُوَفَّى «6» (بِهَا) إنّ. يَجوز مكانها (إنّه) وكذلك هي قراءة عبد الله (فإنه لا تعمى الأبصَار ولكن تعمى القلوب التي فِي الصّدور) والقلبُ لا يكون إلا فِي الصدر، وهو توكيد مما تزيده العرب عَلَى المعنى المعلوم كما «7» قيل (فَصِيامُ «8» ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ) والثلاثة والسبعة معلوم أنهما عشرة. ومثل ذَلِكَ نظرت إليك بعيني. ومثله قول الله (يَقُولُونَ «9» بِأَفْواهِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ) وَفِي قراءة «10» عبد الله (إِنَّ «11» هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ أنثى) فهذا أيضا من التوكيد وإن
__________
(1) فى الطبري: «فيهما» .
(2) أي اتباعا فى اللفظ من غير أن يكون اتباعا فى المعنى كما فى قول الشاعر:
علفتها تبنا وماء باردا
ويخرج النحويون هذا على إضمار عامل مناسب للمعطوف.
(3) الآيتان 22، 23 سورة الواقعة. وهو يريد قراءة خفض (حور) عطفا على قوله. «بأكواب وأباريق» فهذا عطف فى اللفظ لا فى المعنى لأن المعنى أن يطاف عليهم بالأكواب وبالحور، وهذا لا يليق بالحور.
(4) جواب الشرط محذوف أي لجاز.
(5) ش، ب: «الهاء عماد» .
(6) أي تكف عن أن تطلب غيرها. وهى عند البصريين ضمير الشأن. [.....]
(7) ا: «كما» .
(8) الآية 196 سورة البقرة.
(9) الآية 167 سورة آل عمران.
(10) ا: «حرف» .
(11) الآية 23 سورة ص. وقراءة الجمهور: «نعجة واحدة» وقراءة (أنثى) من الشواذ المخالفة لرسم المصحف.(2/228)
وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (51)
قَالَ قائل. كيف انصرفَ من العذاب إلى أن قال: (وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ) فالجواب فِي ذَلِكَ أنهم استعجلوا العذاب فِي الدُّنْيَا فأنزل الله عَلَى نبيه (وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ) أي فِي أن ينزل بِهم العذاب فِي الدنيا. فقوله (وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ) من عذابِهم أيضًا. فهو متّفق: أنهم يعذَّبون فِي الدُّنْيَا والآخرة أشدّ.
وقوله: مُعاجِزِينَ [51] قراءة العوامّ (معاجزين) ومعنى معاجزين معاندين ودخول (فِي) كما تَقُولُ: سعيت فِي أمرك وأنت تريد: أردت بك خَيْرًا أو شرًا. وقرأ مجاهد «1» وعبد الله بن الزبير (مُعجِّزِينَ) يقول: مثبِّطينَ.
وقوله: وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا [52] فالرسول النَّبِيّ المرسل، والنبي:
المحدث «2» الَّذِي لَمْ يرسل.
وقوله (إِلَّا إِذا تَمَنَّى) التمني: التلاوة، وحديث النفس أيضًا.
وقوله: فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً [63] رفعت (فَتُصْبِحُ) لأن المعنى فِي (أَلَمْ تَرَ) معناهُ خبر كأنك قلت فِي الكلام: اعلم أن الله يُنزل من السماء ماء فتصبح الأرض. وهو مثل قول الشاعر «3» :
ألم تسأل الربع القديم فينطقُ ... فهل تُخبرنك اليوم بَيْداء سَمْلَق
أي قد سألته فنطق. ولو جعلته استفهامًا وجعلت الفاء شرطًا لنصبت: كما قَالَ الآخر:
ألم تسأل فتخبرك الديارا ... عَن الحي المضلل حَيْثُ سارا «4»
والجزم فِي هَذَا البيت جائز كما قَالَ:
فقلت لَهُ صَوِّب ولا تجهدنّه ... فيذرك من أخرى العطاة فتزلق «5»
__________
(1) هى قراءة ابن كثير وأبى عمرو.
(2) المحدث. الملهم الذي يلقى فى نفسه الشيء فيخبر به.
(3) هو جميل وفى ا: «وهل يخبرنك» . والسملق القاع الأملس لا شجر فيه.
(4) ا: «حيث صارا» .
(5) سبق فيما سبق.(2/229)
لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ فَلَا يُنَازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُسْتَقِيمٍ (67)
فجعل الجواب بالفاء كالمنسوق عَلَى ما قبله.
وقوله (مَنْسَكاً) «1» و (مَنْسِكًا) [67] قد قرئ بِهما «2» جَميعًا. والمنسك لأهل الحجاز والمنسك لبني أسد، والمنسَك فِي كلام العرب: الموضع الَّذِي تعتاده وتألفه ويقال: إن لفلان مَنْسِكًا يعتاده فِي خير كَانَ أو غيره. والمناسك بذلك «3» سميت- والله أعلم- لترداد الناس عليها بالحج والعمرة.
وقوله: يَكادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آياتِنا [72] يعني مشركي أهل مكة، كانوا إِذَا سَمِعوا الرجل 213 امن المسلمين يتلو القرآن كادوا يبطشون بِهِ.
وقوله (النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ) ترفعها لأنها معرفة فسرت الشر وهو نكرة. كما تَقُولُ: مررتُ برجلين أبوك وأخوكَ. ولو نصبتها بما عاد من ذكرها ونويت بِهَا الاتصال بما قبلها كَانَ وجهًا. ولو خفضتها على الباء «4» (فأنبئكم) «5» بشرّ من ذلكم بالنار كَانَ صوابًا. والوجه الرفع.
وقوله: الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ [73] الطالب الآلهة والمطلوب الذباب. وَفِيهِ معنى المثل.
وقوله: ما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ [74] أي ما عظَّموا الله حقّ تعظيمه. وهو كما تَقُولُ فِي الكلام: ما عرفت لفلان قَدْره أي «6» عظمته وقصَّر بِهِ «7» صاحبه.
وقوله: اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا [75] اصطفى منهم جبريل وميكائيل وملك الموت وأشباههم. ويصطفى من الناس الأنبياء.
__________
(1) ا: «المنسك والمنسك» .
(2) الكسر لحمزة والكسائي وخلف ووافقهم الأعمش. والفتح للباقين.
(3) . 2: «لذلك» .
(4) يريد أن تكون بدلا من شر. [.....]
(5) ا: «أنبئكم» .
(6) ب: «إذا» .
(7) كأن هذه جملة حالية أي وقد قصر به صاحبه وفى ش، ب: «صاحبك» .(2/230)
وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5)
وقوله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا [77] كَانَ الناس يسجدون بلا ركوع، فأمروا أن تكون صلاتهم بركوع قبل السجود.
وقوله: فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [78] من ضيق.
وقوله: (مِلَّةَ أَبِيكُمْ) نصبتها عَلَى: وسَّع عَليكم كملَّة أبيكم إِبْرَاهِيم لأن قوله (وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) يقول: وسّعه وسمَّحه كملة إِبْرَاهِيم، فإذا ألقيت الكاف نصبت. وقد تنصب (مِلَّة إِبْرَاهِيمَ) عَلَى الأمر بِهَا لأن أول الكلام أمر كأنه «1» قَالَ: اركعوا والزموا مِلّة إِبْرَاهِيم.
وقوله: (مِنْ قَبْلُ وَفِي هذا) يعنى القرآن.
ومن سورة المؤمنين
قوله: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ [5] إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ [6] المعنى: إِلَّا من أزواجهم اللاتي أَحَلَّ الله لهم من الأربع لا تجاوز «2» .
وقوله: (أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ) (ما) فِي موضع خفض. يقول: لَيْسَ عليهم فِي الإماء وقت «3» ، ينكحون ما شاءوا. فذلك قوله: حفظوا فروجهم إلا من هذين (فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ) فيه. يقول: غير مذنبين.
وقوله: الْفِرْدَوْسَ [11] قَالَ الكلبي: هُوَ البستان بلغة الروم. قَالَ الفراء: وهو عربي أيضًا.
العرب «4» تسمي البستان الفردوس. وقوله: [من سلالة] [12] والسّلالة التي تسلّ من كلّ تربة.
__________
(1) فى الأصول «لأنه» وما أثبت عن الطبري.
(2) ش: «تجاوزوا» .
(3) أي حد. يقال: وقت الشيء إذا بين حده ومقداره.
(4) ش: «والعرب» .(2/231)
ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (14)
وقوله: فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً [14] و (العظم «1» ) وهي فِي قراءة عبد الله (ثُمَّ جعلنا «2» النطفة عظمًا وعَصَبًا فكسوناهُ لَحمًا) فهذه حُجّة لِمَن قَالَ: عَظْمًا وقد قرأها بعضهم (عظمًا) .
وقوله: (ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ) يذهب إلى الْإِنْسَان وإن شئت: إلى العظم والنطفة»
والعصب، تجعله كالشيء الواحد.
وقوله: بَعْدَ ذلِكَ لَمَيِّتُونَ [15] تقرأ (لَمَيِّتُونَ) و (لمائتون «4» ) وميّتون أكثر، والعرب تَقُولُ لمن لم يَمت: إنك ميّت «5» عَن قليل ومائت. ولا يقولونَ للميت الَّذِي قد مات، هَذَا مائت إنما يقال فِي الاستقبال، ولا يجاوز بِهِ الاستقبال. وكذلك يُقال: هَذَا سيد قومه اليوم، فإذا أخبرت أَنَّهُ يكون سيدهم عَن قليل قلت: هَذَا سائد قومه عَن قليل وسيد. وكذلك الطمع، تَقُولُ: هُوَ طامع فيما قِبلك غدًا. فإذا 123 ب وصفته بالطمع قلت: هُوَ طمع. وكذلك الشريف تقول: إنه لشريف قومه «6» ، وهو شارف عن قليل. وهذا الباب كله فِي العربية عَلَى ما وصفت لك «7» .
وقوله: وَلَقَدْ خَلَقْنا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرائِقَ [17] يعني السموات كل سماء طريقة (وَما كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غافِلِينَ) عما خلقنا (غافِلِينَ) يقول: كنا لَهُ حافظين.
وقوله: وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْناءَ [20] وهى شجرة الزيتون (تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ) وقرأ الْحَسَن (تُنْبِتُ بالدهنِ) وهما لغتانِ يُقال نبتت وأنبتت كقول زهير:
__________
(1) هذه قراءة لابن عامر وأبى بكر.
(2) فى الطبري: «خلقنا» .
(3) أخذت فى اعن (العصب) .
(4) هى قراءة زيد بن على وابن أبى عبلة وابن محيصن كما فى البحر 6/ 399
(5) أخرى في اعن (مائت) .
(6) ا: «القوم» .
(7) سقط فى ث، ب. [.....](2/232)
رأيتُ ذوي الحاجات حول بيوتهم ... قَطِينًا لَهم حَتَّى إِذَا أنبت البقلُ «1»
(ونبت) «2» وهو كقولك: مَطَرت السماء وأمطرت. وقد قرأ أهلُ «3» الحجاز. (فَأَسْرِ «4» بِأَهْلِكَ) موصولة من سريت. وقراءتُنا (فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ) (من أسريت) وقال الله (سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا)
(وهو «5» أجود) وَفِي قراءة عبد الله (تُخْرجُ الدهن) .
وقوله: (وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ) يقول: (الآكلون يصطبغون «6» بالزيت. ولو كَانَ (وصِبْغًا) عَلَى (وَصِبْغًا أنبتناه) فيكون. بِمنزلة قوله (إِنَّا زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ وَحِفْظاً «7» ) . وَذَلِكَ أن الصبغ هُوَ الزيت بعينه. ولو كَانَ خلافه لكان خفضًا لا يجوز غيره. فمن ذَلِكَ أن تَقُولَ: مررت بعبد الله ورجلًا ما شئت من رجل، إِذَا جعلت الرجل من صفة عبد الله نصبته. وإن كَانَ خلافه خفضته لأنك تريد: مررت بعبد الله وآخر.
وقرأ أهلُ «8» الحجاز (سِيناء) بكسر السّين والمدّ، وقرأ عاصم وغيره (سيناء) ممدودة مفتوحة السِّين. والشجرة منصوبة بالرد عَلَى الجنات، ولو كانت مرفوعة إذ لَمْ يصحبها الفعل كَانَ صَوَابًا، كمن قرأ (وَحُورٌ عِينٌ «9» ) أنشدنى بعضهم:
__________
(1) من قصيدة فى مدح هرم بن سنان وقومه. وقبله:
إذا السنة الشهباء بالناس أجحفت ... وقال كرام المال فى السنة الأكل
والشهباء: البيضاء من الجدب لكثرة الثلج ليس فيها نبات. والقطين: الساكن النازل فى الدار، يكون للواحد والجمع كما فى البيت. يقول: إن ذوى الحاجات يقصدونهم فى زمن الجدب، حتى يأتى الربيع وينبت البقل.
(2) هذه رواية فى البيت وقد سقط هذا فى ش.
(3) هم نافع وابن كثير وأبو جعفر.
(4) الآية 65 سورة الحجر.
(5) سقط فى ش، ب.
(6) أي يتخذونه إداما. والصبغ: الإدام المائع كالخل والزيت.
(7) الآيتان 6، 7 سورة الصافات.
(8) هم نافع وابن كثير وأبو جعفر. وقرأ بالكسر أيضا أبو عمرو البصري.
(9) الآية 22 سورة الواقعة. يريد المؤلف أن التقدير: ولهم حور عين. وهو وجه فى الآية. والرفع قراءة حمزة والكسائي وأبى جعفر. وقرأ الباقون بالجر.(2/233)
إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ (25)
ومن يأت مَمْشَانا يصادِف غنيمةً ... سِوَارًا وخَلخالا وبُرْدً مُفَوَّفِ «1»
كأنه قَالَ: ومع ذَلِكَ برد مفوف. وأنشدني آخر:
هزئت حُمَيدة أن رأت بي رُتّة ... وفمًا بِهِ قَصَم وجلدٌ أسودُ «2»
كأنه قَالَ: ومع ذَلِكَ جلد «3» أسود.
وقوله: جِنَّةٌ [25] هُوَ الجنون. وقد يقال للجن الْجِنَّة، فيتفق الاسم والمصدر.
وقوله (فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ) لَمْ يُرَد بالحين حين موَقّت. وهو فِي المعنى كقولك. دعه إلى يوم «4» ولم ترد: إلى يوم معلوم واحدٍ من ذي «5» قَبل: ولا إلى مقدار يوم معلوم. إنما هُوَ كقولك إلى يوم ما.
وقوله: وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ [33] المعنى مما تشربون منه. وجاز حذف (منه) لأنك تَقُولُ: شربت من مائك «6» . فصارت (ما تشربون) بمنزلة شرابكم. ولو حذفت (من «7» ) (تأكلون) «منه» كَانَ صوابًا.
وقوله: أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُراباً وَعِظاماً أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ [35] أعيدت (أنكم) مرتين ومعناهما «8» واحد. إلا أن ذَلِكَ حَسن لَمَّا فرقت بين (أنكم) وبين خبرها بإذا. وهي فِي قراءة عبد الله (أيعدكم إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ) وكذلك تفعل «9» بكل اسم أوقعت عَلَيْهِ (أنّ) بالظن وأخوات الظن، ثُمَّ اعترض عَلَيْهِ الجزاء دون خبره. فإن
__________
(1) ش. «ممسانا» والبرد المفوف: الرقيق.
(2) الرتة: حبسة فى اللسان. وعن المبرد: هى كالريح تمنع الكلام فاذا جاء شىء منه اتصل كما فى المصباح. والقصم:
انكار السن. يقال: رجل أقصم الثنية إذا كان منكسرها من النصف.
(3) ش. «جلدى» .
(4) سقط فى ا.
(5) افيما يستانف ويجىء من الأيام. [.....]
(6) ا: «شرابك» .
(7) ش، ب: «منه مما تأكلون»
(8) ا: «معناها» .
(9) ا: «فافعل» .(2/234)
شئت كرّرت اسمه، وإن شئت حذفته/ 124 اأوّلا وآخِرًا. فتقول: أظنّ أنك إن خرجت أنك نادم. فإن حذفت (أنك) الأولى أو الثانية صلح. وإن ثبتتا صلح. وإن لَمْ تعرض بينهما بشىء لم يجز. فحطأ أن تقول أظن أنك أنك نادم «1» إلا أن تُكرِّرَ كالتوكيد.
وقوله: هَيْهاتَ هَيْهاتَ لِما تُوعَدُونَ [36] لو لَمْ تكن فِي (ما) اللام كَانَ صوابًا. ودخول اللام عربي. ومثله فِي الكلام هَيْهَات لك، وهيهات أنت مِنّا، وهيهات لأرضك.
قَالَ الشاعر «2» :
فأيْهات أيهات العقِيقُ ومَن بِهِ ... وأيهات وصل بالعقيق نُواصله
فمن لَمْ يدخل اللام رَفع الاسم. ومعنى هيهات بعيد كأنه قال: بعيد (لِما تُوعَدُونَ) «3» وبعيد العقيق وأهله. ومن أدخل اللام قَالَ هيهات أداة ليست بِمأخوذة من فعل بمنزلة بعيد وقريب، فأدخلت لَهَا اللام كما يقال: هَلُمّ لك إذ لَمْ تكن مأخوذة من فعل. فإذا قَالوا: أقبِل لَمْ يقولوا: أقْبِل لك لأنه يحتمل ضَمير الاسم.
فإذا وقفت عَلَى هيهات وقفت بالتاء «4» فِي كلتيهما لأن من العرب من يخفض التاء، فدل ذَلِكَ عَلَى أنها ليست بِهَاء التأنيث «5» فصارت بمنزلة دراك «6» ونظار. ومنهم من يقف عَلَى الْهَاء لأن من شأنه نصبها فيجعلها كالهاء. والنصب الَّذِي فيهما «7» أنهما أداتان جُمِعتا فصارتا بمنزلة خمسة عشر. وإن
__________
(1) ا: «قادم» .
(2) أي جرير. وأيهات لغة فى هيهات. وقوله: «وصل» فى ا: «حبا» وكأنه مصحف عن «حب» أي: أي محبوب. وانظر ديوانه طبعة بيروت 385
(3) آخر فى اعن «أهله»
(4) ا: «على التاء»
(5) ا: «تأنيث»
(6) دراك اسم فعل أمر بمعنى أدرك، ونظار كذلك اسم فعل أمر بمعنى انتظر
(7) أي فى هيهات هيهات. وفى ا: «فيها»(2/235)
فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَاءً فَبُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (41)
قلت إن كل واحدة مستغنية بنفسها يجوز الوقوف عليها فإن نصبها كنصب قوله «1» : قمت ثمّت جلست، وبمنزلة قول الشاعر «2» :
ماويّ بَلْ رُبَّتما غارةٍ ... شَعْوَاءَ كاللذْعة بالميِسَم
فنصب هَيْهَات بمنزلة هَذِه الْهَاء التي فِي رُبَّت لأنها دخلت عَلَى رُبّ وَعَلَى ثُمَّ، وكانا أداتين، فلم يغيرهما عَن أداتهما فنُصبا «3» . قَالَ الفراء: واختار «4» الْكِسَائي الْهَاء، وأنا أقف عَلَى التاء.
وقوله: فَجَعَلْناهُمْ غُثاءً [41] كغُثَاء الوادي يُبَّسًا «5» بالعذاب.
وقوله: ثُمَّ أَرْسَلْنا رُسُلَنا تَتْرا [44] أكثر العرب عَلَى ترك التنوين، تنزل بمنزلة تقوى ومنهم من نون فيها وجعلها ألفًا كألف الإعراب، فصارت فِي تغير «6» واوها بمنزلة التراث والتُجاه. وإن شئت جعلت بالياء منها كأنها أصلية «7» فتكون بمنزلة المعزَى تنون ولا تنون «8» .
ويكون الوقوف «9» عليها حينئذ بالياء وإشارة «10» إلى الكسر. وإن جعلتها ألف إعراب لَمْ تُشر لأنك لا تشير إلى ألفات الإعراب بالكسر، ولا تَقُولُ رأيت زيدي «11» ولا عمري.
وقوله: وَآوَيْناهُما إِلى رَبْوَةٍ [50] الربوة: ما ارتفع من الأرض. وقوله: (ذاتِ قَرارٍ)
__________
(1) ا: قولك»
(2) هو ضمرة بن ضمرة النهشلي كما فى شواهد العيني فى مبحث حروف الجر. وماوى مرخم ماوية اسم امرأة.
والغارة الشعواء: الفاشية المتفرقة. والميسم: الأداة يكوى بها
(3) ا: «فنصبت» [.....]
(4) فى ا: «وكان الكسائي يختار الوقوف على الهاء، وأنا أختار التاء فى الوقف على هيهات» .
(5) جمع يابس
(6) يريد أن التاء أصلها واو فأبدلت تاء كما فى تاءى التراث والتجاه أصلهما واو
(7) أي ملحقة
(8) إنما يترك التنوين إذا قدرت الألف للتأنيث ولم تجعل كالأصلية.
(9) ا: «الوقف»
(10) يريد الإماتة
(11) كتبت الألف فيهما ياء للامالة كما يكتب الفتى والندى. ورسما فى ا: «زيدا وعمرا» وكتب فوق كل «منهما: بمال»(2/236)
منبسطة وقوله (وَمَعِينٍ) : الماء الظاهر والجاري. ولك أن تَجعل المعين مفعولًا من العيون، وأن تجعله فَعيلًا من الماعون ويكون أصله المعن. قَالَ الفراء: (المعنُ «1» الاستقامة) ، وقال عُبَيْد بن الأبرص:
واهية أو معين مَعْنٍ ... أو هضبة دونَها لُهُوب «2»
وقوله: يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ [51] أراد النَّبِيّ «3» فجمع كما يُقال فِي الكلام للرجل الواحد: أيّها 124 ب القوم كفوا عنا أذاكم. ومثله (الَّذِينَ «4» قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ) الناس واحد (معروف كَانَ «5» رجلًا من أشجع يقال له نعيم ابن مسعود) .
وقوله: وَإِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ [52] قرأها عَاصِم «6» والأعمش بالكسر عَلَى الائتناف «7» .
وقرأها أهل الحجاز والحسن (وأنّ هَذِه أمتكم) والفتحُ على قوله (إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) وعليم «8» بأن هَذِه أمتكم. فموضعها خفض لأنها مردودة عَلَى (مَا) وإن شئت كانت منصوبة بفعل مضمر كأنك قلت: واعلم هَذَا.
وقوله: فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ [53] : فرَّقوه. تفرقوا يهود ونصارى. ومن قَالَ (زُبُراً)
__________
(1) سقط فى ا
(2) من معلقته. وقبله فى وصف دمعه:
عيناك دمعاهما سروب ... كأن شأنيهما شعيب
وسروب: جار.. والشأن: مجرى الدمع. والشعيب: القربة المنشقة، فقوله: «واهية» وصف «شعيب» واللهوب جمع لهب وهو مهواة ما بين الجبلين. يشبه مجارى دمعه بقربة واهية منشقة أو ماء حار أو ماء هضبة عالية ودونها مهاو ومهابط
(3) فى الطبري أنه عيسى عليه السلام
(4) الآية 173 سورة آل عمران
(5) فى ا: «وهو نعيم بن مسعود كان رجلا من أشجع» :
(6) وكذلك حمزة والكسائي وخلف [.....]
(7) ا: «الاستئناف»
(8) سقط فى ا(2/237)
نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَلْ لَا يَشْعُرُونَ (56)
أراد: قطعًا مثل قوله (آتُونِي «1» زُبَرَ الْحَدِيدِ) والمعنى فِي زُبُر وزُبَر واحدٌ «2» . والله أعلم. وقوله (كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) يقول: معجبون بدينهم. يرون أنهم عَلَى الحق.
وقوله: فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حتّى حين) : فِي جهالتهم.
وقوله: أَيَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مالٍ وَبَنِينَ [55] (ما) فِي موضع الَّذِي، وليست بحرف واحد.
وقوله: نُسارِعُ لَهُمْ [56] يقول: أيحسبون أن ما نعطيهم فى هَذِه الدُّنْيَا من الأموال والبنين أنا جعلناهُ لَهُم ثوابًا. ثُمَّ قَالَ (بَلْ لا يَشْعُرُونَ) أنما هُوَ استدراج منا لهم:
وقوله: وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا [60] الفراء عَلَى رفع الياء ومد الألف فِي (آتَوْا) حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: حَدَّثَنِي مِنْدَلٌ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَرَأَتْ أَوْ قَالَتْ مَا كُنَّا نَقْرَأُ إِلا (يَأْتُونَ مَا أَتَوْا) وَكَانُوا أَعْلَمَ بِاللَّهِ مِنْ أَنْ تَوْجَلَ قُلُوبُهُمْ.
قَالَ الْفَرَّاءُ يَعْنِي بِهِ الزَّكَاةَ تَقُولُ: فَكَانُوا أَتْقَى لِلَّهِ مِنْ أَنْ يُؤْتُوا زَكَاتَهُمْ وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ.
وقوله (وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ) : وَجِلَةٌ «3» من أنهم. فإذا ألقيت (مِن) نصبت. وكل شيء فِي القرآن حذفت منه خافضًا فإن الْكِسَائي كَانَ يقول: هُوَ خفض عَلَى حَالِهِ. وقد فسرنا أَنَّهُ نصب إِذَا فُقِدَ الخافض.
وقوله: أُولئِكَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ [61] يبادرون بالأعمال (وَهُمْ لَها سابِقُونَ) يقول:
إليها سابقون. وقد يقال (وَهُمْ لَها سابِقُونَ) أي سبقت لهم السّعادة.
__________
(1) الآية 96 سورة الكهف
(2) أي كلاهما جمع زبرة بمعنى قطعة
(3) يريد أن الكلام على تقدير من داخلة على (أنهم)(2/238)
بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هَذَا وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ (63)
وقوله: وَلَهُمْ أَعْمالٌ مِنْ دُونِ ذلِكَ هُمْ لَها عامِلُونَ [63] يقول: أعمال منتظرة مما سيعملونَها، فقال (مِنْ دُونِ ذلِكَ) .
وقوله: يَجْأَرُونَ [64] : يضجّون. وهو الْجُؤار.
وقوله: عَلى أَعْقابِكُمْ تَنْكِصُونَ [66] وَفِي قراءة عبد الله (عَلَى أدباركم تنكصُون) يقول:
ترجعون وهو النكوص.
وقوله: مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ [67] «1» (الْهَاء للبيت العتيق) تقولون: نحن أهله، وإذا كَانَ الليل وسمرتم هجرتم القرآن والنبي فهذا من الْهِجران، أي تتركونه وترفضونه. وقرأ ابن عباس «2» (تَهْجُرُونَ) من أهجرت. والهُجْر أنهم كانوا يسبّون النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا خَلَوا حول البيت ليلًا. وإن «3» قرأ قارئ (تَهْجُرُونَ) يجعله كالهَذَيان، يقال: قد هَجَرَ الرجل فِي منامه إِذَا هذى، أي إنكم تقولون فِيهِ ما لَيْسَ فِيهِ ولا يضره فهو كالهذيان.
وقوله: أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ [69] أي نسب رسولهم.
وقوله: وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْواءَهُمْ [71] يقال: إن الحق هُوَ الله. ويُقال: إنه التنزيل، لو نزل بما يريدون (لَفَسَدَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ) قال الكلبىّ (وَمَنْ فِيهِنَّ) من خَلْق. وَفِي قراءة عبد الله (لفسدت السّماوات والأرض وما بينهما) وقد يجوز فِي العربية أن يكون ما فيهما ما بينهما 125 الآن السماء كالسقف عَلَى الأرض، وأنت قائل: فِي البيت كذا وكذا، وبين أرضه وسمائه كذا وكذا، فلذلك جازَ أن تُجعل الأرض والسماء كالبيت.
وقوله (بَلْ أَتَيْناهُمْ بِذِكْرِهِمْ) : بشرفهم.
__________
(1) ا: «البيت العتيق»
(2) وهى قراءة نافع، وافقه ابن محيصن
(3) جواب الشرط محذوف أي كان مصيبا، مثلا.(2/239)
وَإِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ (74)
وقوله: أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً «1» [72] يقول: عَلَى ما جئت بِهِ، يريد: أجرًا، فأجر ربّك خير.
وقوله: لَناكِبُونَ [74] يقول: لَمُعْرِضُون عَن الدين. والصراط هاهنا الدين.
وقوله: وَلَهُ اخْتِلافُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ [80] يقول: هُوَ الَّذِي جعلهما مختلفين، كما تَقُولُ فِي الكلام:
لك الأجر والصلة أي إنك تؤجَر «2» وتصل.
وقوله: قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيها إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ [84] (سَيَقُولُونَ لِلَّهِ [85] هَذِه «3» لا مسألة «4» فيها لأنه قد استفهم بلام فرجعت فِي خبر المستفهم. وأما الأخريان «5» فإن أهل المدينة وعامة أهل الكوفة يقرءونها (لِلَّهِ) ، (لله) وهما فِي قراءة أبي كذلك (لِله) (لِلَّهِ) (لله) ثلاثهنَّ. وأهل «6» البصرة يقرءونَ الأخريين (اللهُ) (اللهُ) وهو فِي العربية أبين لأنه مردود مرفوع ألا ترى
[أن] قوله: (قُلْ مَنْ رَبُّ «7» السَّماواتِ) مرفوع لا خفض فِيهِ، فجرى جوابه عَلَى مبتدأ بِهِ.
وكذلك هي فِي قراءة عبد الله (لِلَّهِ) (الله) . والعلة فِي إدخال اللام فِي الأخريين فِي قول أبيّ وأصحابه أنك لو قلت لرجل: من مولاك؟ فقال: أنا لفلان، كفاك من أن يقول: مولاي فلان. فلما كَانَ المعنيان واحدًا أُجري ذَلِكَ فِي كلامهم. أنشدني بعض بني عَامِر:
وأعلمُ أنني سأكون رمسًا ... إِذَا سار النواجع لا يسير «8»
(يعني»
الرمس)
فقال السائلونَ لمن حفرتم ... فقال المخبرون لهم: وزير
__________
(1) أثبت (خراجا) كما فى الكتاب. وهى قراءة حمزة والكسائي وخلف. وقراءة غيرهم (حرجا)
(2) كذا وقد يكون: «تأجر»
(3) ا: «هذا»
(4) يريد أن الكلام جاء على مقتضى الظاهر فلا يقال فيه: لم أي هكذا؟
(5) يريد قوله تعالى: «سيقولون لله قل أفلا تتقون» وقوله: «سيقولون لله قل فأنى تسحرون»
(6) الذي قرأ كذلك أبو عمرو ويعقوب البصريان [.....]
(7) الآية 86 سورة آل عمران
(8) الرمس: القبر يريد: سأكون ملازم رمس. والنواجع يريد الفرق النواجع. وهم الذين يطلبون الكلأ ومساقط الغيث، يقال فى ذلك: نجع الأرض وأنجعها. وفى الطبري: «النواعج» والنواعج من الإبل: البيض الكريمة
(9) سقط فى ش. وهو يعنى الضمير فى (يسير) أنه الرمس.(2/240)
سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ (89)
فرفع أراد: الميت وزير.
وقوله: فَأَنَّى تُسْحَرُونَ [89] : تصرفون. ومثله تؤفكون. أُفِك وسُحر وصُرف سَوَاء.
وقوله: وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ [91] إِذًا جواب لكلام مضمر. أي لو كانت معه آلهة (إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ) يقول: لاعتزل كل إله بخلقه، (وَلَعَلا بَعْضُهُمْ) يقول:
لبغى بعضهم عَلَى بعض ولغلب بعضهم بعضا.
وقوله: عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ [92] وجه الكلام الرفع «1» عَلَى الاستئناف. الدليل عَلَى ذَلِكَ دخول الفاء فِي قوله (فَتَعالى) ولو خفضت لكان وجه الكلام أن يكون (وتَعالى) بالواو لأنه إِذَا خفض فإنما أراد: سُبْحان الله عالم الغيب والشهادة وتعالى. فدلّ دخول الفاء أَنَّهُ أراد: هُوَ عالم الغيب والشهادة فتعالى ألا ترى أنك تَقُولُ: مررتُ بعبد الله المحسن وأحسنت إِلَيْهِ. ولو رفعت (المحسن) لَمْ يكن بالواو لأنك تريد: هُوَ المحسن فأحسنت إِلَيْهِ. وقد يكون الخفض فِي (عالم) تُتبعه ما قبله «2» وإن كَانَ بالفاء لأن العرب قد تستأنف بالفاء كما يستأنفونَ بالواو.
وقوله: رَبِّ فَلا تَجْعَلْنِي [94] هَذِه الفاء جواب للجزاء لقوله (إِمَّا تُرِيَنِّي) اعترض النداء بينهما كما: تَقُولُ إن تأتني يا زيد فعجِّل. ولو لَمْ يكن قبله جزاء لَمْ يجز أن تَقُولَ: يا زيد فقم، ولا أن تَقُولُ يا رب فاغفر لي لأن النداء مستأنف، وكذلك الأمرُ بعده مستأنف لا تدخله الفاء ولا الواو.
لا تَقُولُ: يا قوم فقوموا، إلا أن يكون جوابًا لكلام قبله، كقول قائل: قد أقيمت الصلاة، فتقول: يا هَؤُلَاءِ فقوموا. فهذا جَوازه.
وقوله: قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ [99] فجعل الفعل كأنه لجميع «3» وإنما دعا ربه. فهذا ممّا جرى على
__________
(1) الرفع لنافع وأبى بكر وحمزة والكسائي وخلف وأبى جعفر. والخفض للباقين
(2) ا: «مما»
(3) ا: «لجمع»(2/241)
قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ (106)
ما وصف الله بِهِ نفسه من قوله (وقد خلقناكَ «1» من قبل) فِي غير مكان من القرآن. فجرى هَذَا عَلَى ذَلِكَ.
وقوله: وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ [100] البرزخ من يوم يَموت إلى يوم يبعث. وقوله (وَجَعَلَ بَيْنَهُما بَرْزَخاً) يقول حاجزًا. والحاجز والمهلة متقاربان فِي المعنى، وَذَلِكَ أنك تَقُولُ: بينهما حاجز أن يتزاورا، فتنوي بالحاجز المسافة البعيدة، وتنوي الأمر المانع، مثل اليمين والعداوة. فصار المانع فِي المسافة كالمانع فِي الحوادث، فوقع عليهما البرزخ.
وقوله: قالُوا رَبَّنا «2» غَلَبَتْ عَلَيْنا شقاوتُنا [106] حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ حَدَّثَنِي شَرِيكٌ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ (وَقَيْسٌ «3» ) عن أبى إسحاق، وزهير ابن مُعَاوِيَةَ أَبُو خَيْثَمَةَ الْجُعْفِيُّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَرَأَ (شَقَاوَتِنَا «4» ) بِأَلِفٍ وَفَتْحِ الشِّينِ. قيل للفراء أأخبرك زهير؟ فقال:
يا هَؤُلَاءِ إني لَمْ أسمع «5» من زهير شيئًا. وقرأ أهل المدينة وَعَاصِم (شِقْوَتُنا) وهي كثيرة.
أنشدني أَبُو ثرْوان:
كُلِّف من عَنائه وشِقْوته ... بنتَ ثمانِي عَشْرَةٍ من حِجَّتِه «6»
قَالَ الفراء: لولا عبد الله ما قرأتُها إلا (شِقْوَتُنا) .
__________
(1) الآية 9 سورة مريم. وقد أورد المؤلف قراءة حمزة والكسائي وقد وافقهما الأعمش. أما الباقون فقراءتهم «خلقتك» . وقوله: «فى غير مكان من القرآن» فكأنه يريد لفظ (خلقنا) فهو الذي يتكرر في القرآن واقعا على الإنسان أو على غيره.
(2) الآية 106 سورة المؤمنون
(3) ا: «قال الفراء: وحدثنا قيس» . وهذه أسانيد عن أبى إسحاق. والظاهر أنه السبيحى عمرو بن عبد الله من التابعين. وكانت وفاته سنة 127 كما فى الخلاصة
(4) هذه قراءة حمزة والكسائي وخلف وافقهم الحسن والأعمش. والباقون (شِقْوَتُنا) بكسر الشين وإسكان القاف بلا ألف
(5) كانه يستجيز فى (حدثنى) أن يكون الحديث بالواسطة
(6) يرد هذا الرجز فى كتب النحو فى مبحث العدد. وفي العيني أنه قيل إن قائله نفيع بن طارق. وقوله. «من حجته» ففى كتابة يس على التصريح ما يفيد أن المراد: فى حجته أي أنه علقها حين كان فى الحج(2/242)
سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنْزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (1)
وقوله: سِخْرِيًّا (110) و (سخريّا) . وقد قرىء «1» بِهما جَميعًا. والضم أجود. قَالَ الَّذِينَ كسروا ما كَانَ من السُّخرة «2» فهو مرفوع، وما كَانَ من الْهُزُؤ فهو مكسور.
وقال الْكِسَائي: سمعت العرب تقول: بحر لجّى ولجّى، ودُريّ ودِريٌّ منسوب إلى الدُّرّ، والكُرْسِيّ والكِرْسِيّ. وهو كَثِير. وهو فِي مذهبه بمنزلة قولهم الْعُصِيّ «3» والعِصيّ والأُسوة والإسوة.
وقوله: أَنَّهُمْ هُمُ الْفائِزُونَ (111) كسرها «4» الأعمش عَلَى الاستئناف، ونصبها من سواه عَلَى:
إني جزيتهم الفوز بالجنة، فأنّ فِي موضع نصب. ولو جعلتها نصبًا من إضمار الخفض جزيتهم لأنهم «5» هم الفائزونَ بأعمالِهم فِي السّابق.
وقوله: لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ (113) أي لا ندرى (فاسأل) الحفظة هم العادون.
وقوله: قُل كم لبثتم (112) قراءة أهل «6» المدينة (قالَ كَمْ لَبِثْتُمْ) وأهل الكوفه (قل كم لبثتم) .
ومن سورة النور
قوله: سُورَةٌ أَنْزَلْناها [1] ترفع السّورة بإضمار هَذِه سورة أنزلناها. ولا ترفعها براجع ذكرها لأن النكرات لا يُبتدأُ بِهَا قبل أخبارها، إلا أن يكون ذَلِكَ جوابًا ألا ترى أنك لا تقول: رجل
__________
(1) الضم لنافع وحمزة والكسائي وأبي جعفر وخلف وافقهم الأعمش، والكسر للباقين.
(2) أي الاستعباد وتكليف المشاق. [.....]
(3) أي فى جمع العصا.
(4) الكسر لحمزة والكسائي، والفتح للباقين.
(5) كذا. والأولى: «بأنهم» .
(6) قرأ (قل) ابن كثير وحمزة والكسائي. وافقهم ابن محيصن والأعمش. وقرأ الباقون (قال) .(2/243)
قام، إنما الكلام أن تَقُولَ: قام رجل. وقَبُح تقديم النكرة قبل خبرها «1» أنها توصل «2» ثُمَّ يخبر عنها بخبر سوى الصلة. فيقال: رجل يقوم أعجب إليّ من رجل لا يقوم: فقبح إذ كنت كالمنتظر للخبر بعد الصلة. 126 او حسن فِي الجواب لأن القائل يقول: من فِي الدار؟ فتقول: رَجُل (وإن قلت «3» (رَجُلٌ فيها) فلا بأس لأنه كالمرفوع بالردّ لا بالصفة.
ولو نصبت «4» السورة عَلَى قولك: أنزلناها سورة وفرضناها كما تَقُولُ: مُجرَّدًا ضربته كَانَ وجهًا. وما رأيت أحدًا «5» قرأ بِهِ.
ومن قَالَ (فرضناها) يقول: أنزلنا فيها فرائض مختلفة. وإن شاء: فرضناها عليكم وَعَلَى من بعدكم إلى يوم القيامة. والتشديد لهذين الوجهين حسن.
وقوله: الزَّانِيَةُ والزّانى فاجلدوا كلّ واحد منهما «6» رفعتهما بِما عاد من ذكرهما فِي قوله (كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما) ولا ينصب مثل هَذَا لأن تأويله الجزاء (ومعناهُ «7» ) - والله أعلم- من زَنَى فافعلوا بِهِ ذلك. ومثله (وَالشُّعَراءُ «8» يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ) معناهُ- والله أعلم: من قَالَ الشعر اتّبعه الغواة. وكذلك (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ) ، (وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ فَآذُوهُما «9» ) ولو أضمرت قبل كل ما ذكرنا فعلًا كالأمر جاز نصبه، فقلت: الزانية والزاني فاجلدوا:
__________
(1) أي لأنها.
(2) يريد وصفها.
(3) سقط فى أ.
(4) النصب قراءة عمر بن عبد العزيز ومجاهد وعيسى بن عمر الثقفي وغيرهم كما فى البحر 6/ 427. وهى من الشواذ.
ويريد الفراء أنها تنصب على الحال. وفى البحر: «وقال الفراء: سورة حال من الهاء والألف. والحال من المكنى يجوز أن يتقدم عليه» . ولم نر هذا النص فى نسخنا.
(5) قد علمت أنه قرىء به فى الشواذ.
(6) قرأ بالتخفيف من العشرة غير ابن كثير وأبى عمرو. أما هما فقرءا بالتشديد.
(7) ش: «المعنى» .
(8) الآية 224 سورة الشعراء.
(9) الآية 16 سورة النساء.(2/244)
وهي فِي قراءة عبد الله محذوفة الياء (الزانِ) مثل ما جرى فِي كتاب الله كثيرا من حذف الياء من الداع والمناد والمهتد وما أشبه ذَلِكَ. وقد فُسّر.
وقوله: (وَلا تَأْخُذْكُمْ) اجتمعت القراء عَلَى التاء إلا أبا عبد الرحمن فإنه قرأ (ولا يَأخُذْكم) بالياء. وهو صواب كما قَالَ (وَأَخَذَ «1» الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ) وَفِي الرأفة والكأبة والسَّأمة لغتان السَّأمة فعلة والسَّآمة مثل فعالة والرأفة والرآفة والكابة والكآبة وَكَانَ السَّأمة والرأفة مرة، والسآمة المصدر، كما تَقُولُ: قد ضَؤُل ضآلةً، وقُبح قباحَة.
حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ حَدَّثَنِي قَيْسٌ وَمِنْدَلٌ عَنْ لَيْثٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: الطَّائِفَةُ: الْوَاحِدُ فَمَا فَوْقَهُ قَالَ الْفَرَّاءُ: وَكَذَلِكَ حَدَّثَنِي حِبَّانُ عَنِ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ وَاحِدٌ فَمَا فَوْقَهُ. وَذَلِكَ للبكرين لا للمحصنين ومعنى الرأفة يقول: لا ترأفوا بالزانية والزاني فتعطلوا حدود الله.
وقوله: الزَّانِي لا يَنْكِحُ «2» يُقال: الزاني لا يزني إلا بزانية من بغايا كن بالمدينة، فهم أصحاب الصفة أن يتزوجوهنّ فيأووا إليهن ويُصيبوا من طعامهن، فذكروا ذَلِكَ للنبي عَلَيْهِ السَّلَام فأنزل الله عَزَّ وَجَلَّ هَذَا، فأمسكوا عَن تزويجهن لَمَّا نزل (وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) يعنى الزاني.
وقوله: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ «3» (وبالكسر «4» ) بالزنى (ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا) الْحُكَّامِ (بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً) القاذف لا تُقبل لَهُ شهادة، توبته فيما
__________
(1) الآية 67 سورة هود. [.....]
(2) النصب قراءة عيسى الثقفي ويحيى بن يعمر وشيبة وغيرهم وهى شاذة.
(3) الآية 4 سورة النور.
(4) سقط فى ش. ويريد كسر الصاد فى المحصنات. وهى قراءة الكسائي وقراءة غيره فتح الصاد:(2/245)
وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (6)
بينه وبين ربه، وشهادته «1» ملقَاة. وقد كَانَ بعضهم يرى شهادته جائزةً إِذَا تابَ ويقول: يقبل «2» الله توبته ولا نقبل نحنُ شهادته!
وقوله: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ [6] بالزنَى نزلت فِي عَاصِم بن عدي لَمَّا أنزل الله الأربعة الشهود، قَالَ: يا رسول الله إن دخل أحدنا فرأى عَلَى بطنها رجلًا (يعني امرأته) احتاج أن يخرج فيأتي بأربعة شهداء إلى ذَلِكَ «3» ما قد قضى حاجته وخرج. وإن قتلته قتلت 126 ب بِهِ. وإن قلت: فُعِل بِهَا جُلدت الحد. فابتُلِي بِهَا. فدخل عَلَى امرأته وَعَلَى بطنها رجل، فلا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بينهما. وَذَلِكَ أنها كذبته فينبغي أن يبتدئ الرجل فيشهد فيقول: والله الَّذِي لا إله إلا هُوَ إني صادق فيما رميتها بِهِ من الزنى، وَفِي الخامسة، وإن عَلَيْهِ لعنة الله إن كَانَ من الكاذبين فيما رماها بِهِ من الزنى: ثُمَّ تَقُولُ المرأة فتفعل مثل ذَلِكَ، ثُمَّ تقوم فِي الخامسة فتقول:
إن عليها غضب الله إن كَانَ من الصادقين فيما رماها بِهِ من الزنى. ثُمَّ يفرق بينهما فلا يجتمعانِ أبدًا.
وأما رفع قوله (فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ) فإنه من جهتين. إحداهُما: فعليه أن يشهد فهي «4» مضمرة، كما أضمرت ما يرفع (فَصِيامُ «5» ثَلاثَةِ) وأشباهه، وإن شئت جعلت رفعه بالأربع الشهادات: فشهادته أربع شهادات كأنك قلت والذي يوجب من الشهادة أربع، كما تَقُولُ: من أسلم فصلاته خمس.
وَكَانَ الأعمش وَيَحْيَى يرفعان «6» الشهادة والأربع، وسائر القراء يرفعونَ الشهادة وينصبونَ الأربع لأنهم يضمرون للشهادة ما يرفعها، ويوقعونها عَلَى الأربع. ولنصب الأربع وجه آخر. وَذَلِكَ أن
__________
(1) أي مطروحة لا اعتداد بها. وقد يكون الأصل: «ملغاة» .
(2) الكلام على الاستفهام الإنكارى فالهمزة محذوفة.
(3) أي إلى أن يحصل ذلك وهو الإتيان بأربعة شهداء، وقوله: «ما قد قضى حاجته» أي يكون الزاني قضى حاجته وخرج فكلمة (ما) زائدة.
(4) أي (عليه) .
(5) الآية 196 سورة البقرة، والآية 89 سورة المائدة.
(6) قرأ برفع (أربع) حفص وحمزة والكسائي وخلف. وقرأ الباقون بالنصب(2/246)
وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ (10)
يجعل (بالله إنّه لمن الصّادقين) رافعة «1» للشهادة كما تَقُولُ: فشهادتي «2» أن لا إله إلا الله، وشهادتي إن الله لواحد. وكل يمين فهي تُرفع بجوابها، العرب تَقُولُ: حِلفٌ صادقٌ لأقومن، وشهادة عبد الله لتقومن. وَذَلِكَ أن الشهادة كالقول. فأنت تراهُ حسنًا أن تَقُولَ: قَوْلي لأقومن وقولي إنك لقائم «3» .
و (الخامسة) فِي الآيتين مرفوعتان «4» بِما بعدهما من أنّ وأنّ. ولو نصبتهما عَلَى وقوع الفعل كَانَ صوابًا: كأنك قلت: وليشهد الخامسة بأن لعنة الله عَلَيْهِ. وكذلك فعلها «5» يكون نصب الخامسة بإضمار «6» تشهد الخامسة «7» بأن غضبت الله عليها.
وقوله: وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ [10] متروك الجواب لأنه معلوم المعنى. وكذلك كل ما كَانَ معلوم الجواب فإن العرب تكتفي بترك جوابه ألا ترى أن الرجل يشتم صاحبه فيقول المشتوم: أما والله لولا أبوك، فيعلم أَنَّهُ يريد لشتمتك، فمثل هَذَا يُترك جوابه. وقد قَالَ بعد ذَلِكَ فبيَّن جوابه فقال (لَمَسَّكُمْ فِيما أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذابٌ عَظِيمٌ) (وما زَكى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ) فذلك يُبين لك المتروك.
وقوله: وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ [11] اجتمع القراء عَلَى كسر الكاف. وقرأ حُميد «8» الأعرج، كُبْره بالضم. وهو وجه جيد فِي النحو لأن العرب تَقُولُ: فلان تولى عُظْم كذا وكذا يريدون أكثره.
وقوله: إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ [15] كَانَ الرجل يلقى الآخر فيقول: أما بلغك كذا كذا
__________
(1) أي خبر عنها. ومذهب الكوفيين أن المبتدأ والخبر يترافعان.
(2) أ: «شهادتى» .
(3) أ: «قائم» .
(4) أنفق فى القراءة على رفع الأولى. أما الأخيرة فقد نصبها حفص.
(5) أ، ش، ب: «فعله» والمناسب ما أثبت. [.....]
(6) ش، ب: «فى تشهد» .
(7) ش: «فى الخامسة» .
(8) وهى أيضا قراءة يعقوب وسفيان الثوري.(2/247)
وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (22)
فيذكر قصة عائشة لتشيع الفاحشة. وَفِي قراءة عبد الله (إذ تَتَلَقَّوْنه) وقرأت عائشة (إِذْ تَلَقَّوْنَهُ) وهو الْوَلْق أي تردّدونه. والوَلْق فِي السير والوَلْق فِي الكذب بِمنزلته إِذَا استمر فِي السير والكذب فقد وَلَق. وقال الشاعر «1» :
إنّ الْجُلَيد زَلِق وزُمَّلقْ ... جاءت بِهِ عَنْس من الشام تَلِقْ
مجوَّع البطن كِلابيّ الْخُلُقْ ويقال فِي الْوَلْق من الكذب: هُوَ الْأَلْق والإِلْق! وفعلت منه: ألقت وأنتم تألقونه. وأنشدني بعضهم:
من لي بالمزرَّرِ اليلامق ... صاحب إدهان وألق آلق «2»
وقوله: وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ [22] والائتلاء: الْحِلف. وقرأ بعض «3» أهل المدينة (ولا يَتَأَلَّ أولو الفضل) وهي مخالفة للكتاب، من تألّيت. وَذَلِكَ أن أبا بكر حلف ألا يُنفق عَلَى مسطح بن أُثاثة وقرابته الَّذِينَ ذكروا عائشة. وكانوا ذوي جَهد «4» فأنزل الله (أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ) فقال أَبُو بكر: بلى يا رب. فأعادهم إلى نفقته.
وقوله: يَوْمَ تَشْهَدُ [24] القراء على التاء (يَوْمَ تَشْهَدُ) وقرأ يَحْيَى «5» بْن وثاب وأصحاب عَبْد اللَّه (يشهد) التاء لتأنيث الألسنة والياء لتذكير اللسان، ولأن الفعل «6» إِذَا تقدم كَانَ كأنه لواحد الجمع.
وقوله: الْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ [26] الخبيثاتُ من الكلام للخبيثين من الرجال. أي ذَلِكَ من فعلهم ومِمَّا «7» يليقُ بِهم. وكذلك قوله (وَالطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ) الطّيّبات من الكلام للطّيّبين من الرجال.
__________
(1) هو الشماخ. يقوله فى هجو جليد الكلابي على ما فى اللسان فى (ولق) . ونسب فيه فى (زلق) إلى القلاخ ابن حزن المنقري. والزملق: الذي ينزل قبل أن يجامع. والزملق: الخفيف الطائش. والعنس: الناقة الصلبة. وفى ش، ب: «عيس» وهى الإبل البيض.
(2) اليلامق جمع اليلمق. وهو القباء المحشو. والإدهان: الغش والخداع.
(3) هو أبو جعفر وافقه الحسن. وهى قراءة ابن عياش بن ربيعة وزيد بن أسلم.
(4) الجهد: كثرة العيال والفقر.
(5) وهى قراءة حمزة والكسائي وخلف.
(6) أي الذي هو واحد الألسنة فروعى فى فعل الألسنة مفردها. وقوله: «ولأن الفعل» فكان الأصل سقوط الواو ليكون تعليلا لما قبله.
(7) أ: «ما» .(2/248)
لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ (29)
ثم قال (أُولئِكَ مُبَرَّؤُنَ) يعني عائشة وصفوان بن الْمُعَطَّل الَّذِي قُذِفَ معها. فقال (مبرّءون) للاثنين كما قَالَ (فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فلكلّ واحد) يريدُ أخوين فما زاد، لذلك حُجِبَ بالاثنين.
ومثله (وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شاهِدِينَ) يريد داود وسليمان. وقرأ ابن عباس (وكُنّا لحكمهما شاهدين) فدلّ عَلَى أنهما اثنان.
وقوله: حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا [27] يقول: تستأذنوا. حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ حَدَّثَنِي حِبَّانُ عَنِ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عباس (حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا) : تَسْتَأْذِنُوا قَالَ:
هَذَا مُقَدَّمٌ وَمُؤَخَّرٌ إِنَّمَا هُوَ حَتَّى تُسَلِّمُوا وَتَسْتَأْذِنُوا. وأمروا أن يقولوا: السَّلَام عليكم أأدخل؟
والاستئناسُ فِي كلامِ العرب: اذهب فاسْتأنس هَلْ ترى أحدًا. فيكون هَذَا المعنى: انظروا «1» من فِي الدار.
وقوله: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ [29] وهي البيوت التي تُتخذ للمسافرين: الخانات وأشباهها.
وقوله (فِيها مَتاعٌ لَكُمْ) أي منافع لكم. يقول تنتفعونَ بِهَا وتستظلونَ بِهَا من الحر والبرد (قَالَ الفراء الفندقُ مثل الخان «2» قَالَ: وسمعتُ أعرابيًا من قُضاعة يقول فنتق) .
وقوله: وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ [31] الزينة: الوشاح والدُّمْلُج «3» (إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْها) مثل الكحل والخاتم والخَضَاب (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ) يقول لتُخَمِّر نَحرها وصدرها بِخمار. وَذَلِكَ أن نساء الجاهلية كنّ يسدلن خُمرهن من ورائهن فينكشفُ ما قدامها، فأمرن بالاستتار. ثُمّ قَالَ مكرّرا (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ) يعني الوشاح والدملوج «4» لغة (إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبائِهِنَّ) من النسب إلى قوله (أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ) .
__________
(1) ا: «انظر» .
(2) سقط ما بين القوسين في ا.
(3) الدملج: المعضد وهى حلية تلبس فى العضد.
(4) يريد أنه لغة فى الدملج. [.....](2/249)
وقوله (أَوْ نِسائِهِنَّ) يقول: نساء أهل دينهن. يقول: لا بأسَ أن تنظر المسلمة إلى جسد المسلمة. ولا تنظرْ إليها يهودية ولا نصرانية.
ورُخّص أن يرى ذَلِكَ من لَمْ يكن لَهُ فِي النساء أَرَب، مثل الشيخ الكبير والصبي الصغير الَّذِي لَمْ يدرك، والعنين. وَذَلِكَ قوله (أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ) : التُّبَّاع والأجراء (قَالَ الفراء يُقال إِرْب وأَرَب) .
وقوله (لَمْ يَظْهَرُوا عَلى عَوْراتِ النِّساءِ) لَمْ يبلغوا أن يطيقوا النساء. وهو كما تَقُولُ: ظهرت عَلَى القرآن أي أخذته وأطقته. وكما تَقُولُ للرجل: صارع فلان فلانًا وظهر عَلَيْهِ أي أطاقه وغالبه.
وقوله (وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ ما يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ) يقول: لا تضربن رجلها بالأخرى فيسمع صوت الخلخال. فذلك قوله (لِيُعْلَمَ ما يُخْفِينَ) وَفِي قراءة عبد الله (لِيُعْلَمَ مَا سُرَّ «1» 127 ب مِنْ زِينَتِهِنَّ) .
وأمّا قوله (غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ) فإنه يُخفض «2» لأنه نعت للتابعين، وليسوا بموَقتينَ «3» فلذلك صَلحت (غير) نعتًا لَهُم وإن كانوا معرفة. والنصب جائز قد قرأ بِهِ عَاصِم «4» وغير عَاصِم. ومثله (لا يَسْتَوِي «5» الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ) والنصب فيهما جَميعًا عَلَى القطع «6» لأن (غير) نكرة. وإن شئت جعلته عَلَى الاستثناء فتوضع «7» (إلا) فِي موضع (غير) فيصلح.
والوجه الأول أجود.
__________
(1) كذا. وكأنه محرف عن (أسر) .
(2) الخفض لغير ابن عامر وأبى بكر عن عاصم وأبى جعفر، أما هؤلاء فقراءتهم النصب.
(3) أي بمعينين.
(4) أي فى رواية أبى بكر. أما فى رواية حفص فالخفض، كما علم آنفا.
(5) الآية 95 سورة النساء. قرأ بالرفع ابن كثير وأبو عمرو وعاصم وحمزة ويعقوب. وقرأ الباقون بالنصب.
(6) يريد الحال.
(7) أ، ب: «فتضع» .(2/250)
وقوله: وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ [32] يعني «1» الحرائر. والأيامى القرابات نَحو البنت والأخت وأشباههما «2» . ثُمَّ قَالَ (وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ) يقول: من عبيدكم وإمائكم ولو كانت (وإماءكم) تردة عَلَى الصالِحين لَجاز.
وقوله (إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ) للأحرار خاصة من الرجال والنساء.
وقوله: وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتابَ [33] يعني المكاتبة. و (الذينَ) فِي موضع رفع كما قال (وَالَّذانِ «3» يَأْتِيانِها مِنْكُمْ فَآذُوهُما) والنصبُ جائز. وقوله (إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً) يقول «4» إِذَا رجوتم عندهم وفاء وتأديةً للمكاتبة (وَآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللَّهِ الَّذِي آتاكُمْ) حث الناس عَلَى إعطاء المكاتبين. حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حدثنا الفراء قَالَ حَدَّثَنَا حِبَّانُ عَنِ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: يُعْطِيهِ ثُلُثَ مُكَاتَبَتِهِ. يَعْنِي الْمَوْلَى يَهِبُ لَهُ «5» ثُلُثَ مُكَاتَبَتِهِ.
وقوله (وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ) الْبِغَاء: الزنى. كَانَ أهل الجاهلية يُكرهون الإماء ويلتمسون منهن الْغَلَّةَ فيفجُرن، فنُهي أهل الإسلام عَن ذَلِكَ (وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْراهِهِنَّ) لهنّ (غَفُورٌ رَحِيمٌ) .
وقوله: وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ آياتٍ مُبَيِّناتٍ [34] قرأ يحيى بن وثّاب (مبيّنات) بالكسر.
والناس بعد (مُبَيِّناتٍ «6» ) بفتح الياء، هَذِه والتي فى سورة النساء «7» الصغرى. فمن قَالَ (مُبَيِّناتٍ) جعل الفعل واقعًا عليهنّ، وقد بيّنهن الله وأوضحهنّ (ومبيّنات) : هاديات واضحات.
__________
(1) سقط فى ا.
(2) ا: «شبهها» .
(3) الآية 16 سورة النساء.
(4) ا: «إن» .
(5) ا: «للمكاتب» .
(6) قرأ بالفتح نافع وابن كثير وأبو عمرو وأبو بكر وأبو جعفر ويعقوب، وقرأ بالكسر الباقون.
(7) يريد سورة الطلاق. وهو يريد ما فى الآية 11 منها «رَسُولًا يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِ اللَّهِ مُبَيِّناتٍ» قرأ بالفتح نافع وابن كثير وأبو عمرو وشعبة وأبو جعفر ويعقوب. وقرأ بالكسر غيرهم. [.....](2/251)
وقوله: كَمِشْكاةٍ [35] المشكاة الْكُوّة التي ليست بنافذة. وهذا مثل ضربه الله لقلب المؤمن والإيمان فِيهِ. وقوله (الزُّجاجَةُ) اجتمعَ القراء عَلَى ضم الزجاجة. وقد يُقال زجاجة وزجاجة.
وقوله (كوكب درّىء) يخفض «1» أوله يهمز، حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ حَدَّثَنِي بذلك المفضل الضبي قَالَ قرأها عَاصِم كذلك (دِرِّيء) بالكسر. وقال أبو بكر بن عيّاش: قرأها عاصم «2» (درّىء) بضم الدَّال وَالْهَمْز. وذُكر عَن الأعمش أنه قرأ (درّىء) و (درّىّ) بِهمزٍ وغير همز رُويا عَنْهُ جَميعًا ولا تُعرف جهة ضم أوله وهمزه لا يكون فِي الكلام فُعيل إلا عجميًا. فالقراءة إِذَا ضممت أوله بترك الْهَمْز. وإذا همزته كسرت أوّله. وهو من قولك: دَرَأ الكوكب إِذَا انحط كأنه رُجم «3» بِهِ الشيطان فدمَغه «4» . ويُقال فِي التفسير: إنه واحد من الخمسة: المشترِي وزُحَل وعطارد والزُهرة والمريخ.
والعربُ «5» قد تسمي الكواكب العظام التي لا تعرف أسماءها الدراريّ بغير همز.
ومن العرب من يقول: كوكب دِرِّيٌّ فينسبُهُ إلى الدُّرّ فيكسر أوَّله ولا يهمز كما قالوا: سُخْرِيّ وسِخْرِيّ، ولُجّيّ ولِجّيّ.
وقوله (تُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ) (تذهب «6» إلى الزجاجة. إذا قال (توقد) «7» . ومن قال (يُوقَدُ) «8» ذهب إلى المصباح ويقرأ (تَوَقَّدُ) «9» مرفوعة مشددة. ويقرأ (تَوَقّدَ) بالنصب والتشديد. من قَالَ (تَوَقَّدُ) ذهب إلى الزجاجة. ومن قَالَ (توقّد) نصبًا ذهب إلى المصباح) وكلّ صواب.
__________
(1) هى قراءة أبى عمرو والكسائي.
(2) أي فى رواية أبى بكر لا فى رواية حفص. وهذه أيضا قراءة حمزة.
(3) ش، ب: «زجر» .
(4) سقط فى ا.
(5) ا: «يعد» .
(6) من هنا إلى قوله: «نصب ذهب إلى المصباح» هو ما فى ا. وفى ش، ب بدله: «مرفوعة. وتقرأ تَوَقّدَ) بالنصب والتشديد. من قَالَ (تَوَقَّدُ) ذهب إلى الزجاجة. ومن قال (توقد) فنصب ذهب إلى المصباح» .
(7) وهى قراءة أبى بكر وحمزة والكسائي وخلف، وافقهم الأعمش.
(8) هى قراءة نافع وابن عامر وحفص
(9) هى قراءة ابن محيصن والحسن.(2/252)
وقوله (شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ) وهي شجرة الزيت تَنْبُت عَلَى تَلْعة «1» من الأرض، فلا يسترها عَن الشمس شيء. وهو أجود لزيتها فيما ذُكر. والشرقية: التي تأخذها الشمس إِذَا شرقت، ولا تصيبها إِذَا غربت لأن لَهَا سترًا. والغربية التي تصيبها الشمس بالعشي ولا تصيبها بالغداة، فلذلك قَالَ لا شرقية وحدها ولا غربية وحدها ولكنها شرقية غربية 128 ا. وهو كما تَقُولُ فِي الكلام: فلان لا مسافر ولا مقيم إِذَا كَانَ يسافر ويقيم، معناه: أَنَّهُ لَيْسَ بمنفرد بإقامة ولا بسفر.
وقوله (وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ) انقطع الكلام هاهنا ثُمَّ استأنف فقال (نُورٌ عَلى نُورٍ) ولو كَانَ:
نورًا عَلَى نورٍ كَانَ صوابًا تَخرجه من الأسماء المضمرة من الزجاجة والمصباح.
وقوله: يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ [36] قرأ الناس «2» بكسر الباء. وقرأ عَاصِم (يُسَبِّحُ) بفتح الباء. فمن قَالَ (يُسَبِّحُ) رفع الرجال بنيَّة فعل مجدد. كأنه قَالَ يُسبِّح لَهُ رجال لا تلهيهم تِجَارة.
ومن قَالَ (يُسَبِّحُ) بالكسر جَعَله فعلًا للرجال ولم يضمر سواهُ.
وقوله: لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ [27] فالتجارة لأهل الجلب، والبيع ما باعه الرجل عَلَى يديه.
كذا جاء فِي التفسير «3» .
وقوله (تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصارُ) يقول: من كَانَ فِي دنياه شاكًّا أبصر ذَلِكَ فِي أمر آخرته، ومن كَانَ لا يشك ازداد قلبُه بصرًا لأنه لَمْ يره فِي دنياهُ: فذلك تقلبها.
وأما قوله: فِي بيوت أذن الله أن ترفع [36] .
فإن دخول (فِي) لذكر «4» المصباح الَّذِي وصفه فقال: كمثل مصباح فِي مسجد. ولو جَعلت (فى)
__________
(1) التلعة هنا: ما ارتفع من الأرض.
(2) هم غير ابن عامر وأبى بكر. أما هما فقراءتهما بالفتح. وقراءة أبى بكر هى المرادة بقوله: «وقرأه عاصم» .
(3) سقط فى ا.
(4) ش، ب: «لذكره» .(2/253)
وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (39)
لقوله (يُسَبِّحُ) كَانَ جائزًا «1» ، كأنه: قَالَ فِي بيوت أذن الله أن ترفع يسبج لَهُ فيها رجال.
وأمّا قوله (أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ) أي تبنى.
وأمّا قوله (وَإِقامِ «2» الصَّلاةِ) فإن المصدر من ذوات الثلاثة إِذَا قلت: أفعلت كقيلك: أقمت وأجرت وأجبت يقال فيه كله: إقامة وإجارة وإجابة لا يسقط منه الْهَاء. وإنّما أدخلت لأن الحرف قد سقطت منه الْعَين، كَانَ ينبغي أن يُقال: أقمته إقوامًا وإجوابًا فلمّا سُكنت «3» الواو وبعدها ألف الإفعال فسكنتا سقطت «4» الأولى منهما. فجعلوا فِيهِ الْهَاء كأنها تكثير للحرف. ومثله مما أسقط منه بعضه فجعلت فِيهِ الْهَاء قولهم: وعدته عِدة ووجدت فِي المال جِدَةَ، وزِنَة ودِيَة وما أشبه ذَلِكَ، لِمَا أسقطت الواو من أوّله كُثر من آخره بالهاء. وإنما استجيزَ سقوط الْهَاء من قوله (وَإِقامِ الصَّلاةِ) لإضافتهم إيّاه، وقالوا: الخافض وما خَفَض بِمنزلة الحرف الواحد. فلذلك أسقطوها فِي الإضافة.
وقال الشاعر:
إن الخليطَ أجَدّوا البين فانجرَدُوا ... وأخلفُوكَ عِدَ الأمر الَّذِي وَعَدوا
يريدُ عِدَة الأمر فاستجازَ إسقاط الْهَاء حين أضافها.
وقوله: وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ [39] القيعة جِماع القاع واحدها قاع كما قالوا: جارٌ وجيرة. والقاعُ من الأرض: المنبسط الَّذِي لا نبت فِيهِ، وَفِيهِ يكون السراب. والسراب ما لصق بالأرض، والآل الَّذِي يكون ضحى كالماء بين السماء والأرض.
وقوله (حَتَّى إِذا جاءَهُ) يعنى السّراب (لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً) وهو مثل للكافر كَانَ يحسب أَنَّهُ عَلَى شيء فلمّا قدم عَلَى ربه لَمْ يجد له عملا، بمنزلة السراب (وَوَجَدَ اللَّهَ) عند عمله يقول: قدم عَلَى الله فَوَفَّاهُ حسابه.
__________
(1) ا: «صوابا» . [.....]
(2) فى الآية 37 سورة النور.
(3) أي يعد نقل حركتها إلى ما قبلها
(4) ش، ب: «فسقطت» .(2/254)
قوله: أَوْ كَظُلُماتٍ [40] والظلمات مثل لقب الكافر، أي أَنَّهُ لا يعقل ولا يُبصر، فوصف قلبه بالظلمات. ثُمَّ قَالَ: (إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها) فقال بعضُ المفسرين: لا يراها، وهو المعنى لأن أقل من الظلمات التي وصفها الله لا يَرَى فيها الناظر كفّه. وقال بعضهم إنما هُوَ «1» مثل ضربه الله فهو يراها ولكنه لا يرها إلا بطيئًا كما تَقُولُ: ما كدت أبلغ إليك وأنت قد بلغت. وهو وجه العربية. ومن العرب 128 ب من يُدخل كاد ويكاد فِي اليقين فيجعلها بمنزلة الظن إِذَا دخل، فيما هُوَ يقين كقوله (وَظَنُّوا «2» ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ) فِي كثيرٍ من الكلام.
وقوله: وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ [41] وتسبيحه ترفع كلا بِما عاد إِلَيْهِ من ذكره وهى الهاء فى (صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ) وإن شئت جعلت العلم لكل، أي كل قد عاد صلاته وتسبيحه فإن شئت جعلت الهاء صلاة نفسه وتسبيحا. إن شئت: تسبيح الله وصلاته التي نُصليها لَهُ وتسبيجها، وَفِي القول الأول: كل قد علم الله صلاته وتسبيحه. ولو أتت كُلًّا قَد علم بالنصب عَلَى قولك: علم الله صَلاة كُلٍّ وتسبيحه فتنصب لوقوع الفعل عَلَى راجع ذكرهم. أنشدني بعض العرب:
كُلًّا قَرعنا فِي الحروب صَفَاته ... ففررتم وأطلتم الْخِذلانَا «3»
ولا يَجوز أن تَقُولُ: زيدًا ضربتَهُ. وإنّما جاز فِي كل لأنّها لا تأتي إلا وقبلها كلام، كأنها مُتَّصِلَةٌ بِهِ كما تَقُولُ: مررت بالقوم كلهم ورأيتُ القوم كلا يقول ذَلِكَ، فلما كانت نعتًا مستقصًى بِهِ كانت مسبوقَةً بأسمائها وليس ذَلِكَ لزيد ولا لعبد «4» الله ونحوهما لأنها أسماء مبتدآت.
وقد قَالَ بعضُ النحويين: زيدًا ضربته، فنصَبَهُ بالفعلِ كما تنصبه إِذَا كان قبله كلامٌ. ولا يَجوز ذَلِكَ إلا أن تنوي التكرير، كأنه نوى أن يوقع ب: يقع الضرب عَلَى زيد قبل أن يقع عَلَى الْهَاء، فلمّا تأخر الفعل أدخل الْهَاء على التكرير. ومثله ممّا يوضحه.
__________
(1) ا: «هذا» .
(2) الآية 48 سورة فصلت.
(3) الصفاة: الصخرة الملساء. ويقال: قرع صفاته إذا آذاه ونال منه.
(4) ا: «عبد الله» .(2/255)
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ (43)
قولك: بزيد مررت بِهِ. ويدخل عَلَى من قَالَ زيدًا ضَربتُهُ عَلَى كلمة «1» أن يقول: زيدًا مَررتُ بِهِ وليس ذَلِكَ بشيء لأنه لَيْسَ قبله شيء يكون طرفًا للفعل.
وقوله: يُزْجِي سَحاباً [43] يسوقه حيثُ يريد. والعرب تَقُولُ: نحنُ نُزْجي المطىّ أي نسوقه.
وقوله (يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ) يقول القائل: بين لا تصلح «2» إلا مضافة إلى اثنين فما زاد، فكيف قَالَ (ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ) وإنما هُوَ واحدٌ؟ قلنا: هُوَ واحد فِي اللفظ ومعناه جمع ألا ترى قوله (يُنْشِئُ «3» السَّحابَ الثِّقالَ) ألا ترى أن واحدته سحابة، فإذا ألقيت الْهَاء كَانَ بمنزلة نخلة ونخل وشجرة وشجر، وأنت قائل: فلان بين الشجر وبين النخل، فصلحت (بين) مع النخل وحده لأنه جمع فِي المعنى. والذي لا يصلح من ذَلِكَ قولك: المال بين زيد، فهذا خطأ حَتَّى تَقُولَ: بين زيد وعمرو وإن نويت بزيد أَنَّهُ اسم لقبيلة جاز ذَلِكَ كما تَقُولُ: المال بين تَميم تريد: المال «4» بين بني تَميم وقد قَالَ الأشهب بن رُمَيلة:
قفا نسألْ منازل آل ليلى ... بتُوضِح بين حَوْمَل أو عرادا «5»
أرادَ بِحومَل منزلًا جامعًا فصلحت (بين) فِيهِ لأنه أراد بين أهل حومل أو بين أهل عراد.
وقوله (فَتَرَى الْوَدْقَ) الْوَدْق: المطَرُ.
وقوله (فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ) يعذب بِهِ من يشاء.
قوله (مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ) والمعنى- والله أعلم- أن الجبال فِي السماء من برد خلقة مخلوقة، كما تقول فى الكلام، الآدمىّ من لحم ودم ف (من) هاهنا تسقط فتقول: الآدمىّ لحم ودم،
__________
(1) أي على أن يكون جملة واحدة لا على نية التكرير.
(2) ا: «يصلح.. مضافا» .
(3) الآية 12 سورة الرعد.
(4) سقط في ا.
(5) توضح وحومل وعراد مواضع.(2/256)
وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (45)
والجبال بَرد. وكذا سمعت تفسيره. وقد يكون فِي العربية أمثال الجبال ومقاديرُهَا من الْبَرَد، كما نقول: عندي بيتان تِبنًا، والبيتان ليسا من التبن، إنما تريد: عندي «1» قدر بيتين من التبن. فمن فِي هَذَا الموضع إِذَا أسقطت نصبت ما بعدها، كما قَالَ (أَوْ عَدْلُ «2» ذلِكَ صِياماً) وكما قال (مِلْءُ «3» الْأَرْضِ ذَهَباً) .
وقوله (يَكادُ سَنا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصارِ) وقد قرأها أبو جعفر (يَذْهَبُ بِالْأَبْصارِ) 129 اوقوله: وَاللَّهُ خَالِقُ كُلِّ دَابَّةٍ [45] و (خَلَق «4» ) وأصحاب عبد الله قرأوا (خالق) ذُكِرَ عَن أبي إسحاق السبيعي- قَالَ الفراء: وهو الهمداني- أَنَّهُ قَالَ: صليت إلى جنب عبد الله بن مَعْقل فسمعته يقول (وَاللَّهُ خَالِقُ كل دابَّة) والعوام بعدُ (خَلَقَ كُلَّ) .
وقوله (كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ) يُقال: كيف قَالَ (مَنْ يَمْشِي) وإنما تكون (مَن) للناس وقد جعلها هاهنا للبهائم؟
قلت: لَمَّا قَالَ (خالق كل دابَّة) فدخل فيهم الناسُ كنى عنهم فقال (منهم) لِمخالطتهم الناس، ثم فسّرهم بِمن لَمّا كنى عنهم كناية الناس خاصة، وأنت قائل فِي الكلام: من هذان المقبلان لرجل ودابَّته، أو رجل وبعيره. فتَقوله بِمن وبِما لاختلاطهما، ألا ترى أنك تَقُولُ: الرجل وَأباعِرهُ مقبلون فكأنهم «5» ناس إِذَا قلت: مقبلونَ.
وقوله: مُذْعِنِينَ [49] : مطيعينَ غير مستكرَهينَ. يقال: قد أذعنَ بِحقي وأمعنَ بِهِ واحِدٌ، أي أقرّ بِهِ طائِعًا.
وقوله عَزَّ وَجَلَّ: أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ الله عليهم ورسوله [50] فجعل الحيف منسوبا إلى الله
__________
(1) ش: «قدر بيتبن» .
(2) الآية 95 سورة المائدة. [.....]
(3) الآية 91 سورة آل عمران.
(4) قراءة (خالق) لحمزة والكسائي وخلف. وقراءة (خلق) للباقين.
(5) ا: «كأنهم» .(2/257)
قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (54)
وإلى رسوله، وإنما المعنى للرسول، ألا ترى أَنَّهُ قَالَ (وَإِذا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ) ولم يقل (ليحكما) وإنّما بدئ بالله إعظامًا لَهُ، كما تَقُولُ: ما شاء الله وشئت وأنت تريد ما شئت، وكما تَقُولُ لعبدك: قد أعتقك الله وأعتقتك.
وقوله: إِنَّما كانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ [51] لَيْسَ هَذَا بخبر ماض يُخبر عَنْهُ، كما تَقُولُ: إنَّما كنتُ صبيًّا، ولكنه: إنَّما كَانَ ينبغى أن يكون قول المؤمنين إذ دُعُوا أن يقولوا سمعنا. وهو أدب من الله. كذا جاء التفسير.
وقوله: فَإِنْ تَوَلَّوْا [54] واجه القوم ومعناه: فإن تتَولَّوا. فهي فِي موضع جزم. ولو كانت لقومٍ غير مخاطبين كانت نَصْبًا لأنها بِمنزلة قولك: فإن قَامُوا. والجزاء يصلح فِيهِ لفظ فَعَل ويَفعل، كما قال (فَإِنْ فاؤُ «1» فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) .
وقوله (فَإِنْ تَوَلَّوْا «2» فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ) هَؤُلَاءِ غير مُخاطبين. وأنت تعرف مجزومه من منصوبه بالقراءة بعده ألا ترى قوله (فَإِنَّما عَلَيْهِ ما حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ ما حُمِّلْتُمْ) ولم يقل: وعليهم. وقال (وَإِنْ «3» تَوَلَّوْا فَإِنَّما هُمْ فِي شِقاقٍ) فهذا يدل عَلَى فعلوا.
وقوله: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ [55] الْعِدَة قول يصلح فيها أنْ وجواب اليمين. فتقول: وعدتك أن آتيك، ووعدتك لآتينَّكَ. ومثله (ثُمَّ «4» بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ) وإنّ أنْ تصلح فِي مثله من الكلام. وقد فُسِّرَ فِي غير هَذَا الموضع.
وقوله (وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ) قرأها عَاصِم بن أبي النجود والأعمش (وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ) بالتشديد. وقرأ
__________
(1) الآية 226 سورة البقرة
(2) الآية 129 سورة التوبة.
(3) الآية 137 سورة البقرة.
(4) الآية 35 سورة يوسف.(2/258)
لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ (57)
الناس «1» (وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ) خَفيفة وهما متقاربان. وإذا قلت للرجل قد بُدّلت فمعناه غُيِّرت وغَيِّرت حالك ولم يأت مكانك آخر. فكل ما غُيِّر عَن حاله فهو مُبَدَّل بالتشديد. وقد يَجوز مُبْدَل بالتخفيف وليس بالوجه: وإذا جعلت الشيء مكان الشيء قلت: قد «2» أبدلته كقولك (أبدل لي «3» ) هَذَا الدرهم أي أعطني مَكَانه. وبَدّل جائزة «4» فمن قال (وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً) فكأنه جعل سبيل الخوف أمْنًا. ومن قَالَ (وليُبْدِلَنّهم) بالتخفيف قَالَ: الأمن خلاف الخوف فكأنه جَعل «5» مكان الخوف أَمْنًا أي ذهبَ بالخوفِ وَجَاءَ بالأمن. وهذا من سعة العربية وقال أَبُو النجم:
عزل الأمير للأَمير المبدَل
فهذا يوضح الوجهين جَميعًا.
وقوله: لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا [57] قرأها حَمْزَةُ «6» (لا يَحْسَبنَّ) بالياء هاهنا «7» . وموضع (الَّذِينَ) رفع. وهو قليلٌ أن تعطل (أظنّ) من الوقوع عَلَى أن أو عَلَى اثنين سِوَى مرْفوعها.
وكأنه جَعَلَ (مُعْجِزِينَ) اسمًا وجعل (فِي الْأَرْضِ) خبرًا لَهم كما تَقُولُ: لا تحسبنّ 129 ب الَّذِينَ كفروا رجالًا فِي بيتك، وهم يريدون أنفسهم. وهو ضعيف فِي العربية. والوجه أن تُقرأ بالتاء لكون الفعل واقعًا عَلَى (الَّذِينَ) وَعَلَى (معجزين) وكذلك قرأ حَمْزَةُ فِي الأنفال (ولا يحسبن «8» الذين كفروا سبقوا) .
__________
(1) قرأ بالتخفيف ابن كثير وأبو بكر ويعقوب.
(2) سقط في ا.
(3) ش، ب: «أبدلنى» .
(4) ا: «جائز» .
(5) ا: «قال جعل» .
(6) وكذا ابن عامر.
(7) بعده فى ش: «وفى الأنفال» وقد أثبتنا ما فى امن التصريح بالآية بعد. [.....]
(8) الآية 59. وقد قرأ (يحسبن) بالياء ابن عامر وحمزة وحفص.(2/259)
وقوله: لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ [58] يعني الرجال والنساء. ثُمَّ قَالَ (وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ) الصبيان (ثَلاثَ مَرَّاتٍ) ثُمَّ فسرهُنَّ فقال (مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشاءِ) عند النوم. ثم قال (ثَلاثُ عَوْراتٍ لَكُمْ) فنصبها عَاصِم «1» والأعمش، ورفع غيرهما. والرفع فِي العربية أحبُّ إليّ. وكذلك أقرأ. وَالْكِسَائي يقرأ بالنصب لأنه قد فسرها فِي المرات وفيما بعدها فكرهت أن تُكر ثالثة «2» واخترت الرفع لأن المعنى- والله أعلم- هَذِه الخصال وقت العورات لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ. فمعها ضمير يرفع الثلاث. كأنك قلت: هَذِه ثلاث خصال كما قال (سُورَةٌ «3» أَنْزَلْناها) أي هذه سورة، وكما قَالَ (لَمْ يَلْبَثُوا «4» إِلَّا ساعَةً مِنْ نَهارٍ بَلاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفاسِقُونَ) .
وأمّا قوله (طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ) فإنه أيضا مُستأنف كقولك فِي الكلام: إنما هم خَدَمكم، وطوَّافون عليكم. ولو كَانَ نصْبًا لكان صوابًا تخرجه «5» من (عليهم) لأنها معرفةو (طَوَّافُونَ) نكرة ونصبه «6» كما قَالَ (مَلْعُونِينَ «7» أَيْنَما ثُقِفُوا) فنصب لأن فِي الآية قبلها ذكرهم «8» معرفة، و (مَلْعُونِينَ) نكرة.
وقوله: وَإِذا بَلَغَ الْأَطْفالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ [59] يقول:
لا يدخلن عليكم فِي هَذِه الساعات إلا بإذن ولا فِي غير هَذِه الساعات إلا بإذن. وقوله (كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) يريد الأحرار.
__________
(1) أي فى رواية أبى بكر لا في رواية حفص. وكذلك قرأ بالنصب حمزة والكسائي:
(2) ش: «ثلاثة» .
(3) أول سورة النور.
(4) الآية 35 سورة الأحقاف.
(5) أي يكون حالا.
(6) سقط في ا.
(7) الآية 61 سورة الأحزاب.
(8) أي ذكر أصحاب الحال فى قوله: «لنغرينك بهم ثم لا يجاورونك» .(2/260)
وقوله: وَالْقَواعِدُ مِنَ النِّساءِ اللَّاتِي لا يَرْجُونَ نِكاحاً [60] لا يطمعن فِي أن يتزوجن من الكبر (فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُناحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيابَهُنَّ) و (من ثيابِهنّ) وهو الرداء. فرخّص للكبيرة أن تضعه، لا تريدُ لذلك التزين. ثُمَّ قال (وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ) فلا يضعن الأردية (خَيْرٌ لَهُنَّ) وَفِي قراءة عبد الله (أن يضعن من ثيابهم) .
وقوله: لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ [61] إلى آخر الآية، كانت الأنصار يتنزهون عَن مؤاكلة الأعمى والأعرج والمريض، ويقولون: نُبصر طيب الطعام ولا يبصره فنسبقه إِلَيْهِ، والأعرج لا يستمكن من القعود فينال ما ينال الصحيح، والمريض يضعف عَن الأكل. فكانوا يعزلونَهم.
فنزل: ليس عليكم فى مؤاكلتهم حرج. و (فى) تصلح مكان (على) هاهنا كما تقول: ليس عَلَى صلة الرحم وإن كانت قاطعة إثم، وليس فيها إثم، لا تبالي «1» أيَّهما قلت.
ثُمَّ قَالَ (وَلا عَلى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ) إلى آخر الآية. لَمّا أنزل الله (لا تَأْكُلُوا «2» أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً) ترك الناس مؤاكلة الصغير والكبير ممن أذن الله فِي الأكل معه ومنه، فقال: وليس عليكم (فِي أنفسكم «3» ) فِي عيالكم أن تأكلوا منهم ومعهم إلى قوله (أَوْ صَدِيقِكُمْ) معناهُ: أو بيوت صديقكم، وقبلها (أَوْ بُيُوتِ ما مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ) يعني بيوت عبيدكم وأموالهم «4» فذلك قوله (مَفاتِحَهُ) خزائنه وواحد المفاتِح مَفتح إِذَا أردت بِهِ المصدر وإِذَا كَانَ من المفاتيح التي يفتح بِهَا- وهو الإقليد- فهو مِفْتَح ومفتاح.
وقوله (فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ) إِذَا دخلَ عَلَى أهله فليُسَلّم. فإن لَمْ يكن فى بيته أحد فليقل السّلام
__________
(1) ا: «ولا تبال» .
(2) الآية 29 سورة النساء.
(3) سقط في ا.
(4) ش: «أموالكم» .(2/261)
تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا (1)
علينا من ربنا، وإذا دخل المسجد قَالَ: السلامُ عَلَى رسول الله، السلامُ علينا وَعَلَى خيار «1» عباد الله الصالِحين، ثُمَّ قَالَ: (تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ) أي من أمر الله أمركم بِها تفعلون تَحيَّة منه وطاعةً لَهُ. ولو كانت رفعًا 130 اعلى قولك: هي تَحيَّةٌ من عند الله (كَانَ صوابًا) وقوله: وَإِذا كانُوا مَعَهُ عَلى أَمْرٍ جامِعٍ [62] كَانَ المنافقونَ يشهدونَ الْجُمُعَةَ مع النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيذكرهم ويعيبهم بالآيات التي تنزل فيهم، فيضجرونَ من ذَلِكَ. فإن خفي لأحدهم القيام قامَ فذلك قوله: قَدْ يَعْلَمُ الله الذين يتسلّلون منكم لواذا [63] أي يستتر (هذا «2» بهذا) وإنّما قالوا: لو إذا لأنها مصدر لاوَذت، ولو كانت مصدرًا لِلُذْتُ لكانت لِيَاذًا أي لذت لياذًا، كما تَقُولُ:
قمت إِلَيْهِ قيامًا، وقاومتك قِوَامًا طويلًا. وقوله: (لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً) يقول: لا تَدْعوه يا مُحَمَّد كما يدعو بعضكم بعضًا. ولكن وقِّروه فقولوا: يا نبي اللَّه يا رَسُول اللَّه يا أبا القاسم.
ومن سورة الفرقان
قوله: تَبارَكَ [1] : هُوَ من البركة. وهو فِي العربية كقولك تقدَّس ربُّنا. البركة والتقدس «3» العظمة وهما بعد سواء.
وقوله: لَوْلا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ [7] جواب بالفاء لأن (لولا) بمنزلة هلّا.
__________
(1) سقط في ا. [.....]
(2) ا: «ذا بذا» .
(3) ا: «التقديس» .(2/262)
إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا (12)
قوله: أَوْ يُلْقى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ [8] له مرفوعان عَلَى الردِّ عَلَى (لولا) كقولك «1» فِي الكلام أو هلّا يُلقى إِلَيْهِ كنز وقد قرئت (نأكُلُ منها) و (يأكلُ بالياء «2» والنون) .
وقوله: فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا [9] يقول: لا يستطيعونَ فِي أمرك حيلةً.
وقوله: تَبارَكَ الَّذِي إِنْ شاءَ جَعَلَ لَكَ [10] جزاء (وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُوراً) مجزومة مردودة على (جعل) و (جعل) فِي معنى جَزْمِ، وقد تكون رفعًا وهي فى ذلك مجزومة لأنها لام لقيت لام فسكنت. وإن رفعتها «3» رفعًا بيّنًا فجائز (ونصبها «4» جائز على الصّرف) .
وقوله: تَغَيُّظاً وَزَفِيراً [12] هُوَ كتغيظ الآدميّ إِذَا غضب فَغَلَى صَدْرُه وظهر فى كلامه.
وقوله: ثُبُوراً واحِداً [13] الثبور مصدر، فلذلك قال (ثُبُوراً كَثِيراً) لأن المصادر لا تُجمع:
ألا ترى أنك تَقُولُ: قعدت قُعُودًا طويلًا، وضربته ضربًا كثيرًا فلا تُجمع. والعربُ تَقُولُ: ما ثَبَرَك عَن ذا؟ أي ما صَرفك عَنْهُ. وكأنهم دَعَوا بما فعلوا، كما يقول الرجل: وا ندامتاه.
وقوله: كانَ عَلى رَبِّكَ وَعْداً مَسْؤُلًا [16] يقول: وعدهم الله الجنة فسألوها إيّاهُ فِي الدُّنْيَا إذ قالوا (رَبَّنا «5» وَآتِنا مَا وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ) يريدُ عَلَى ألسنة رسلك، وهو يوم القيامة غير مسئول. وقد يكون فِي الكلام أن تَقُولَ: لأعطينَّكَ ألفًا وعدًا مسئولًا أي هُوَ واجبٌ لك فتسأله لأن المسئول واجب، وإن لَمْ يُسْأَلْ كالدَّين.
وقوله: سُبْحانَكَ مَا كانَ يَنْبَغِي لَنا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِياءَ [18] .
__________
(1) ش، ب: «كقيلك» .
(2) فى ا: «نأكل بالنون ويأكل بالياء» . وقد قرأ حمزة والكسائي وخلف بالنون وافقهم الأعمش، وقرأ الباقون بالياء.
(3) والرفع قراءة أبى بكر وابن كثير وابن عامر.
(4) فى ا: «قال قيل للفراء: فهل تجيز (ويجعل) بالنصب على الصرف؟ قال: نعم» . والنصب على الصرف هنا هو عند البصريين النصب بأن مضمرة بعد واو المعية.
(5) الآية 194 سورة آل عمران.(2/263)
وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا (20)
قالت الأصنام: ما كَانَ لنا أن نعبد غَيْرَكَ فكيفَ ندعُو إلى عبادتنا! ثُمَّ قالت: ولكنك يا رب متَّعْتَهُمْ بالأموال والأولاد حَتَّى نَسُوا ذكرك. فقال الله للآدميين (فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ) يقول: (كذّبتكم الآلهة بما تقولون) وتقرأ (بِما يقولون) بالياء (والتاء «1» ) فمن قرأ بالتاء فهو كقولك كذّبكَ يكذّبك. ومن قرأ بالياء قَالَ: كذّبوكم بقولهم. والقراء مجتمعة عَلَى نصب النون فِي (نَتَّخِذَ) إلا أبا جَعْفَر المدنيّ فإنه قرأ (أن نُتَّخَذَ) بضم النون (من دُونِكَ) فلو لَمْ تكن فِي الأولياء (مِنْ) كَانَ وَجهًا جيدًا، وهو عَلَى (شذوذه «2» و) قلّة من قرأ بِهِ قد يَجوز عَلَى أن يَجعل الاسم «3» فِي (من أولياء) وإن كانت قد وقعت فى موقع الفعل 130 ب وإنَّما آثرت قول الجماعة لأن العرب إنما تُدخل (من) فِي الأسماء لا فِي الأخبار ألا ترى أنهم يقولون: ما أخذت من شيء وما عندي من شيء، ولا يقولون ما رأيتُ عبد الله من رجل. ولو أرادوا ما رأيت من رجل عبد الله فجعلوا عبد الله هُوَ الفعل جاز ذَلِكَ. وهو مذهب أبي جَعْفَر المدني.
وقوله (قَوْماً بُوراً) والبور مصدر واحد وجمع والبائر الَّذِي لا شيء فِيهِ. تَقُولُ: أصبحت منازلهم بورًا أي لا شيء فيها. فكذلك أعمال الكفار باطل. ويُقال: رجل بُور وقوم بُور.
وقوله: إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ [20] (لَيَأْكُلُونَ) صلة لاسم «4» متروك اكتفى بِمن المرسلين منه كقيلك فِي الكلام: ما بعثت إليك من الناس إلا من إنه ليطيعُكَ، ألا ترى أن (إنه ليطيعَكَ) صلة لمن. وجازَ ضميرها «5» كما قَالَ (وَما مِنَّا «6» إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ) معناه- والله أعلم- إلا من له مقام وكذلك قوله (وَإِنْ «7» مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها) ما منكم إلا من يردها، ولو لَمْ تكن اللام جوابا لإنّ كانت إنّ مكسورة أيضا، لأنها مبتدأة، إذ كانت صلة.
__________
(1) سقط فى ا.
(2) سقط فى ا.
(3) أي يكون هو المفعول الثاني.
(4) يريد من الموصولة.
(5) أي حذفها.
(6) الآية 164 سورة الصافات.
(7) الآية 71 سورة مريم. [.....](2/264)
وقوله (وَجَعَلْنا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ) كَانَ الشريف من قريش يقول: قد أسلم هَذَا من قبلي- لمن هُوَ دونه- أفأسْلم بعده فتكون لَهُ السابقة فذلك افتتان بعضهم ببعض. قال الله (أَتَصْبِرُونَ) قَالَ الفراء يقول: هُوَ هَذَا الَّذِي ترون.
وقوله: لا يَرْجُونَ لِقاءَنا [21] .
لا يَخافونَ لقاءنا وهي لغة تِهامية: يضعونَ الرجاء فِي موضع الخوف إِذَا كَان معه جحد «1» . من ذَلِكَ قول الله (مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ «2» لِلَّهِ وَقاراً) أي لا تخافون له عظمة. وأنشدنى بعضهم:
لا ترتجِي حِينَ تلاقي الذائدا ... أسَبْعَةً لاقَتْ مَعًا أم وَاحِدَا «3»
يريد: لا تَخاف ولا تبالي. وقال لآخر:
إِذَا لسعته النحل لَمْ يَرْج لَسْعَهَا ... وحَالَفَها فِي بيتِ نُوب عَوَامِلِ «4»
يُقال: نَوْب «5» ونُوب. ويُقال: أَوْب وأُوب من الرجوع قَالَ الفراء: والنُّوب ذكر النحل.
وقوله (وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيراً) جاء الْعُتُوُّ بالواو لأنه مصدر مصرح. وقال فِي مريم (أَيُّهُمْ أَشَدُّ «6» عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا) فَمَن جَعَله بالواو كَانَ مصدرًا محضًا. ومن جعله بالياء قَالَ: عاتٍ وعُتِيّ فلمّا جَمَعُوا بُني جمعهم عَلَى واحدهم. وجازَ أن يكون المصدر بالياء أيضًا لأن المصدر والأسماء تتفق فِي هَذَا المعنى: ألا ترى أنهم يقولون: قاعد وقوم قعود، وقعدت قعودًا. فلمّا استويا هَاهُنَا فِي الْقُعُود لَمْ يبالوا أن يستويا فى العتو والعتىّ.
__________
(1) ا: «الجحد»
(2) الآية 13 سورة نوح
(3) انظر ص 286، من الجزء الأول
(4) ش: «حالفها» وا: خالفها» وهما روايتان وانظر ص 286 من الجزء الأول
(5) المعروف فى كتب اللغة ضم النون ولم أقف على فتحها للنحل، وكذا لم أقف على الأوب فيه
(6) الآية 69 من سورة مريم(2/265)
وقوله: يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرى يَوْمَئِذٍ [22] اليوم لَيْسَ بصلة للبشرى فيكون نصبهُ بِهَا. ولكنك مضمر للفاء كقيلك فِي الكلام: أمّا اليوم فلا مال. فإذا ألقيت الفاء فأنت مضمر لمثل اليوم بعد لا «1» . ومثله فِي الكلام: عندنا لا مال إن أردت لا مال عندنا فقدّمت (عندنا) لَمْ يجز. وإن أضمرت (عندنا) ثانية بعد (لا مالَ) صلح ألا ترى أنك لا تَقُولُ: زيدًا لا ضارب (يا هَذَا «2» ) كما تَقُولُ: لا ضارِبَ زيدا.
وقوله: (وَيَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً) حَرَامًا محرّمًا أن يكون لَهم البشرى. وَالْحِجْرُ: الحرام، كما تَقُولُ: حَجَر التاجر عَلَى غُلامه، وحجر عَلَى أهله. وأنشدني بعضهم:
فهممتُ أن ألقى إليها مَحْجَرًا ... وَلِمثلِها يُلْقى إِلَيْهِ المحجرُ «3»
قال الفراء: ألقى وإلقى «4» من لقيت أي مثلها يُركب منه المحرم.
وقوله: وَقَدِمْنا إِلى 131 مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ [23] عمدنا بفتح العين: (فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً) أي باطلا، والهباء ممدود غير مهموز فِي الأصل يصغر هُبَيٌّ كما يصغر الكساء كُسَيّ. وجُفَاء الوادي مهموز فِي الأصل إن صغرته قلت هذا جفىء. مثل جُفَيع ويُقاس عَلَى هذين كلُّ ممدود من الْهَمْز ومن الياء ومن الواو «5» .
وقوله: أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا [24] قَالَ: بعض المحدثين يُرَون أَنَّهُ يفرغ من حساب الناس فِي نصف ذَلِكَ اليوم فيقيل أهل الجنة فِي الجنة وأهل النار فِي النار. فذلك قوله (خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا) وأهل الكلام إِذَا اجتمع لَهُم أحمق وعاقل لَمْ يستجيزوا أن يقولوا: هَذَا أحمق الرجلين ولا أعقل الرجلين، ويقولون لا نَقُولُ: هَذَا أعقل الرجلين إلا
__________
(1) ب، وش: «بعده»
(2) سقط فى ا
(3) هو لحميد بن ثور والرواية فى الديوان 84: «أغشى» و «يغشى»
(4) يريد أن بعض العرب يكسر حرف المضارعة فيقول: إلقى
(5) سقط من ا(2/266)
لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا (29)
لعاقلين تفضّل أحدهما عَلَى صاحبه. وقد سمعت قول الله (خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا) فجعل أهل الجنة خيرًا مستقرًا من أهل النار، وليس فِي مستقر أهل النار شيء من الخير فاعرف ذَلِكَ من خَطائهم.
وقوله: وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ [25] ويقرأ (تَشَقَّقُ) بالتشديد وقرأها الأعمش «1» وَعَاصِم (تَشَقَّقُ السَّماءُ) بتخفيف الشِّين فمن قَرَأ تَشَّقق أراد تتشقق بتشديد الشِّين والقاف فأدغم كما قَالَ (لا يَسَّمَّعُونَ «2» إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلى) ومعناهُ- فيما ذكروا- تشُّقق السماء (عَن الغمام «3» ) الأبيض ثُمَّ تنزل «4» فِيهِ الملائكة وَعَلَى وعن والياء فِي هَذَا الموضع (بمعنى «5» واحد) لأن العرب تَقُولُ:
رميت عَن القوس وبالقوس وَعَلَى القوس، يُراد بِهِ معنًى واحد.
وقوله: لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ [29] يُقال: النَّبِيّ ويُقال: القرآن. فِيهِ قولان.
وقوله: وَقالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً [30] مَتروكًا.
ويُقال: إنهم جعلوهُ كالهَذيان والعربُ تَقُولُ (هَجَر «6» الرجل) فِي منامه إِذَا هَذَى أو رَدَّدَ الكلمة.
وقوله: وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا [31] يقول: جعلنا بعض أمة كل نبي أشدَّ عَلَيْهِ من بعض وَكَانَ الشديد العداوة للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبُو جهل بن هشام.
وقوله: لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً كَذلِكَ [32] يُقال: إنها «7» من قول المشركين.
أي هلا أنزل عَلَيْهِ القرآن جملةً، كما أنزلت التوراة على موسى. قال الله (وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلًا) لنثبّت به فؤادك. كان ينزّل الآية والآيتين فمكان بَيْنَ نُزول أوله وَآخره عشرون سنة (وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلًا)
__________
(1) وكذا أبو عمرو وحمزة والكسائي وخلف.
(2) الآية 9 سورة الصافات
(3) ش: «بالغمام» [.....]
(4) ا: «تتنزل»
(5) ا: «كالواحد»
(6) ا: «الرجل يهجر»
(7) يريد قوله: «كذلك» فى التلاوة(2/267)
فَقُلْنَا اذْهَبَا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيرًا (36)
نَزلناهُ تنزيلًا. ويُقال: إن (كذلك) من قول الله، انقطعَ الكلام من قِيلهم (جُمْلَةً وَاحِدَةً) قَالَ الله: كذلك أنزلناهُ يا مُحَمَّد متفرقًا لنثبّت به فؤادك.
وقوله: وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً [33] بمنزلة قوله (أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا) فِي معنى الكلام والنصب.
وقوله: فَقُلْنَا اذْهَبا [36] وَإِنَّما أُمِر موسَى وحده بالذهاب فِي المعنى، وهذا بمنزله قوله (نَسِيا «1» حُوتَهُما) ، وبمنزلة قوله (يَخْرُجُ «2» مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ) وإنَّما يَخرج من أحدهما وقد فُسِّرَ شأنه.
وقوله: وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْناهُمْ [37] نصبتهم بأغرقناهم وإن شئت بالتدمير المذكور قبلهم.
وعادا وثمود وأصحاب الرّسّ وقرونا [38] منصوبون بالتدمير قَالَ الفراء يُقال: إن الرس بئر.
وقوله: وَكُلًّا تَبَّرْنا تَتْبِيراً [39] أهلكناهم وأبدناهم إبادَةً.
وقوله: أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ [43] كَانَ أحدهم يَمرُّ بالشيء الْحَسَن من الحجارة فيعبده فذلك قوله (اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ) .
وقوله: كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ [45] ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس. وقوله (وَلَوْ شاءَ لَجَعَلَهُ ساكِناً) يقول دائمًا. وقوله (ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا) يقول: إذا كان فى موضع 131 ب شمس كَانَ فِيهِ قبل ذَلِكَ ظِلّ، فجعلت الشمس دليلًا عَلَى الظل.
ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قبضا يسيرا [46] يعني الظل إِذَا لحقته الشمس قُبِضَ الظل قبضا يسيرا، يقول: هيّنا خفيّا.
__________
(1) الآية 61 سورة الكهف
(2) الآية 22 سورة الرحمن(2/268)
وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا (48)
وقوله: وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ بُشْراً [48] قرأ أصحاب عبد الله (الرياح) ثلاثة مواضع.
منها حرفان فِي قراءتنا، وحرف فِي النحل وليس فِي قراءتنا، مكان قوله (وَالنُّجُومَ «1» مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ) (والرياح مُسَخَّراتٍ بأمرِهِ) وَهذَا وَاحدٌ يعني «2» الَّذِي فِي الفرقان. والآخر فِي الروم (الرِّياحَ «3» مُبَشِّراتٍ) وَكَانَ عَاصِم يقرأ ما كَانَ من رحمة الرياح «4» وما كَانَ من عذاب «5» قرأه ريح.
وقد اختلف القراء فِي الرحمة فمنهم من قرأ الريح ومنهم من قرأ الرياح ولم يختلفوا فِي العذاب بالريح ونرى أنهم اختاروا الرياح للرحمة لأن رياح الرحمة تكون من الصبا والجنوب والشمال من الثلاث) «6» المعروفة. وأكثر ما تأتي بالعذاب وما لا مطر فِيهِ الدَّبُورُ لأن الدَّبُور لا تكاد تُلْقِح فسميت ريحًا موحدة لأنها لا تدور كما تدور اللواقح.
حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ حَدَّثَنِي قيس بْن الربيع عَن أَبِي إِسْحَاقَ عَن الْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ ومسروق بن الأجدع أنهما قرءا (نَشْرًا «7» ) وقد قرأت القراء (نُشُرًا «8» ) و (نُشْرًا «9» ) وقرأ عاصم (بُشْراً) حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ حَدَّثَنِي قَيْس عَن أبي إسحاق عَن أبي عبد الرحمن أَنَّهُ قرأ (بُشُرًا) كأنه بشيرة وبُشُر.
وقوله: وَأَناسِيَّ كَثِيراً [49] واحدهم إنْسِيّ وإن شئت جعلته إنسانًا ثُمَّ جَمَعته أناسيّ فتكون الياء عوضًا من النون والإنسان فِي الأصل إنْسِيَان لأن العرب تصغره أنيسيان. وإذا قالوا: أناسين
__________
(1) الآية 12 سورة النحل
(2) الذي قرأ بالإفراد ابن كثير
(3) الآية 46
(4) ا: «بالرياح» .
(5) ا: «العذاب»
(6) ش، ب: «الثلاثة» .
(7) ضبط فى ابفتح النون وسكون الشين. وهى قراءة حمزة والكسائي وخلف
(8) هذه قراءة نافع وابن كثير وأبى عمرو وأبى جعفر ويعقوب. [.....]
(9) هذه قراءة ابن عامر.(2/269)
وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا (53)
فهو بيِّن مثل بُستانٍ وبَساتِينَ، وإذا قالوا (أَناسِيَّ كَثِيراً) فخففوا الياء أسقطوا الياء التي تكون فيما بين عين الفعل ولامه مثل قراقير «1» وقراقر، ويبين جواز أناسي بالتخفيف قول العرب أناسيةٌ كثيرة ولم نسمعه فِي القراءة.
وقوله: وَجَعَلَ بَيْنَهُما بَرْزَخاً [53] البرزخ: الحاجز، جعل بينهما حاجزًا لئلا تغلب الملوحة العذوبة.
وقوله: (وَحِجْراً مَحْجُوراً) (من ذَلِكَ «2» أي) حرامًا مُحرّمًا أن يغلب أحدهما صاحبه.
وقوله: وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً [54] فأما النسب فهو النَّسَب الَّذِي لا يحل نكاحه، وأما الصهر فهو النسب الَّذِي يحل نكاحه كبنات العم والخال وأشباههن من القرابة التي يَحل تزويجها.
وقوله: وَكانَ الْكافِرُ عَلى رَبِّهِ ظَهِيراً [55] المظاهر المعاون والظهير الْعَوْن.
وقوله: قالُوا وَمَا الرَّحْمنُ [60] ذكروا أن مسيلمة كَانَ يُقالُ لَهُ الرحمن، فقالوا: ما نعرفُ الرحمن إلا الَّذِي باليمامة، يعنون مسيلمة الكذاب، فأنزلَ الله (قُلِ ادْعُوا «3» اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى) .
وقوله: (أَنَسْجُدُ لِما يأمُرُنا) و (تَأْمُرُنا «4» ) فمن قرأ بالياء أراد مُسيلمة: ومن قرأ بالتاء جاز أن يريد (مسيلمة أيضًا) ويكون للأمر أنَسْجُدُ لأمرك إيّانا ومن قرأ بالتاء والياء يُراد بِهِ مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وهو بِمنزلة قوله «5» ) (قُلْ لِلَّذِينَ «6» كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ) و (سَيغلبونَ) والمعنى لمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم.
__________
(1) جمع قرقور وهى السفينة، أو هى العظيمة من السفن.
(2) سقط فى ا.
(3) الآية 110 سورة الإسراء.
(4) قرأ بالياء حمزة والكسائي وافقهما الأعمش. وقرأ الباقون بالتاء.
(5) ا: «ذلك المذهب» .
(6) الآية 12 سورة آل عمران وقد قرأ بالياء حمزة والكسائي وخلف وافقهم الأعمش، وقرأ الباقون بالتاء(2/270)
وقوله: وجَعَلَ فيها سُرُجًا [61] قراءة العوام (سِراجاً «1» ) حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا [الْفَرَّاءُ] قَالَ حَدَّثَنِي هُشَيْم عَن مُغِيرَة «2» عَن إِبْرَاهِيم أَنَّهُ قرأ (سُرُجًا) . وكذلك قراءة أصحاب عبد الله فمن قرأ (سراجًا) ذهبَ إلى الشمس وهو وجه حسَن لأنه قد قال (وَجَعَلَ «3» الشَّمْسَ سِراجاً) ومن قَالَ (سُرُجًا) ذهب إلى المصابيح إذ كانت يُهتدى بِهَا، جعلها كالسُرُج والمصباح كالسراج «4» فى كلام العرب 132 اوقد قال الله (الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ) «5» وقوله: جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً [62] يذهب هَذَا ويجيء هَذَا، وقال زُهير فِي ذَلِكَ:
بِها العينُ والآرام يَمْشِينَ خِلْفَةً ... وأطلاؤهَا يَنْهَضْنَ من كل مَجْثَم «6»
فمعنى قولُ زهير: خلفة: مختلفتات فِي أنها ضربان فِي ألوانِها وهيئتها، وتكون خلفة فِي مشيتها. وقد ذُكِرَ أن قوله (خِلْفَةً لِمَنْ أَرادَ) أي من فاته عمل من الليل استدركه بالنهار فجَعَل هَذَا خَلَفًا من هَذَا.
وقوله: (لِمَنْ أَرادَ أَنْ يَذَّكَّرَ) وهي فِي قراءة أُبَيّ (يَتَذكَّر) حجة لِمن شدّد وقراءة أصحاب عبد الله وَحَمْزَة وكثير من الناس (لِمَنْ أراد أن يَذْكُرَ) بالتخفيف، ويَذْكُر ويتذكر يأتيان بِمعنى واحدٍ، وَفِي قراءتنا (وَاذْكُرُوا «7» ما فِيهِ) وَفِي حرف عبد الله (وتَذكَّروا ما فِيهِ) .
وقوله: عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً [63] حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ حَدَّثَنِي
__________
(1) قرأ حمزة والكسائي وخلف (سرجا) بضم السين والراء وافقهم الأعمش. وقرأ الباقون (سراجا) .
(2) ا: «المغيرة»
(3) الآية 16 سورة نوح
(4) ا: «السراج»
(5) الآية 35 سورة النور.
(6) هذا البيت من معلقته. وقوله: «بها» أي بديار من يتغزل بها، والعين: البقر واحدها أعين وعيناء أطلق عليها هذا لسعة عيونها، والآرام: الظباء الخوالص البياض، والأطلاء الصغار من البقر والظباء، والمجثم ما تربض فيه وترقد.
(7) الآية 63 سورة البقرة. [.....](2/271)
وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا (67)
شَريك عَن جابر الْجُعْفِيّ عَن عكرمة ومُجاهد في قوله (الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً) قَالَ:
بالسكينة والوقار.
وقوله (وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً) كَانَ أهل مكة إِذَا سَبُّوا المسلمين رَدُّوا عليهم رَدًّا جَميلًا قبل أن يؤمروا بقتالِهم.
وقوله: وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِياماً [64] جاء فِي التفسير أن من قرأ شيئًا من القرآن فِي صلاة وإن قلت، فقد بات ساجدًا وقائمًا. وذكروا أنَّهما الركعتان بعد المغرب وبعد العشاء ركعتان.
وقوله: إِنَّ عَذابَها كانَ غَراماً [65] يقول مُلِحًّا دائمًا. والعرب تَقُولُ: إن فلانًا لَمُغْرَم بالنِّسَاء إِذَا كَانَ مولعًا بهنّ، وإني بك لمغرمٌ إِذَا لَمْ تصبر عَن الرجل ونُرَى أن الغريم إنما سُمّي غريمًا «1» لأنه بطلب حَقّه ويُلح حَتَّى يقبضه.
وقوله: وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا [67] بكسر التاء. قرأ أَبُو عبد الرحمن وَعَاصِم «2» (ولم يُقْتِروا) من أقترت. وقرأ الْحَسَن (وَلَمْ يَقْتُرُوا) وهي من قَتَرت كقول من قرأ يَقْتُروا بضم الياء. واختلافهما كاختلاف قوله (يَعْرِشُونَ «3» ) و (يعرشون) و (يَعْكُفُونَ) و (يعكفون) ومعناهُ (لَمْ يُسْرِفُوا «4» ) فيجاوزوا فِي الإنفاق إلى المعصية (وَلَمْ يَقْتُرُوا) : لَمْ يقصروا عمّا يَجب عليهم (وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً) ففي نصب القوام وجهان إن شئت نصبت القوام بضمير اسم فِي كَانَ (يكون ذَلِكَ «5» الاسم من الإنفاق) أي وَكَانَ الإنفاق «6» (قَوَامًا بين ذلك) كقولك:
__________
(1) ش، ب: «لذلك» وكان الأصل: «بذلك» .
(2) الذي فى الإتحاف أن هذه قراءة نافع وابن عامر وأبى جعفر. وفيه أن (يقتروا) بفتح الياء وكسر التاء قراءة ابن كثير وأبى عمرو ويعقوب وافقهم ابن محيصن والحسن واليزيدي. وقرأ بضم التاء الباقون ومنهم عاصم.
(3) الآية 137 سورة الأعراف والآية 68 سورة النحل.
(4) الآية 138 سورة الأعراف
(5) سقط فى ش
(6) ا: «انفاقهم» .(2/272)
وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا (72)
عدلًا بين ذَلِكَ أي بين الإسراف والإقتار. وإن شئت جعلت (بين) فِي معنى رفع كما تَقُولُ:
كَانَ دونَ هذا كافيًا لك، تريد: أقلُّ من هَذَا كَانَ كافيًا لك، وتجعل (وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ) كَانَ الوسط من ذَلِكَ قَوَامًا. والقوَام قَوَام الشيء بين الشيئين. ويُقال للمرأة: إنَّها لحسنة الْقَوَام فِي اعتدالها. ويُقال: أنت قِوَام أهلِكَ أي بك يَقوم أمرُهم وشأنهم وقيَام وَقِيَمٌ وَقَيِّمٌ فِي معنى قِوَامٍ.
وقوله: وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً [68] يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ [69] قرأت القراء بِجزم (يُضاعَفْ) ورفعه عَاصِم «1» بن أبي النجود. والوجه الجزم. وَذَلِكَ أن كُلّ مجزوم فسَّرته ولم يكن فعلًا «2» لِما قبله فالوجه فِيهِ الجزم، وما كَانَ فعلًا لِما قبله رَفَعْته. فأما المفسر للمجزوم فقوله (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً) ثُمَّ فسر الأثام، فقال (يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ) ومثله فِي الكلام:
إن تكلمني تُوصِني بالخير والبِرّ أقبل منك ألا ترى أنك فسّرت الكلام بالبر ولم يكن فعلًا لَهُ، فلذلك جزمت. ولو كَانَ الثاني فِعلًا للأوّل لرفعته، كقولك إن تأتنا تطلب الخير تَجده ألا ترى أنك تجد «3» (تطلب) فعلا للاتيان 132 ب كقيلك: إن تأتنا طالبًا للخير تَجده.
قَالَ الشاعر «4» :
مَتَى تَأْتِهِ تَعْشُو إلى ضَوْءِ نَارِهِ ... تَجِد خير نار عندَهَا خَيْرُ موقِد
فرفع (تَعْشو) لأنه أراد: متى تأته عاشيًا. ورفع عاصم (يضاعف له) لأنه أراد الاستئناف كما تَقُولُ: إن تأتنا نُكرمك نعطيك كل ما تريد، لا عَلَى الجزاء.
وقوله: وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ [72] يقول: لا يحضرون مجالس الكذب والمعاصي.
__________
(1) أي فى رواية أبى بكر. وقرأ بالرفع أيضا ابن عامر.
(2) يريد ألا يكون مطلوبا لما قبله فى المعنى، ومن المطلوب لما قبله أن يكون حالا كما فى الشواهد الآتية.
(3) ا: «أن تطلب فعل للإتيان» .
(4) أي الخطيئة. ويقال: عشا إلى النار: رآها ليلا من بعيد فقصدها مستضيئا.(2/273)
ويُقال (أعياد المشركين «1» لا يشهدونها) لأنها زُور وكذب إذ كانت لغير الله. وقوله (بِاللَّغْوِ مرّوا كراما) ذُكِر أنهم كانوا إِذَا أجَروا ذكر النساء كَنَّوْا عَن قبيح الكلام فيهنَّ. فذلك مرورهم بِهِ.
وقوله: (لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْها صُمًّا وَعُمْياناً) [73] يُقال: إِذَا تُلي عليهم القرآن لَمْ يقعدوا عَلَى حالِهم الأولى كأنهم لَمْ يسمعُوه. فذلك الخرور. وسمعتُ العرب تَقُولُ: قَعَدَ يشتمني، وأقبلَ يشتمني.
وأنشدني بعض العرب:
لا يُقنع الجارية الْخِضَابُ ... ولا الوشاحَان ولا الْجِلْبَابُ
من دون أن تلتقِيَ الأرْكَابُ ... وَيَقْعُدَ الْهَنُ لَهُ لُعَابُ
قَالَ الفراء: يُقال لموضع المذاكير: رَكَب. ويقعد كقولك: يصير.
وقوله: وَذُرِّيَّاتِنا [74] قرأ أصحابُ عبد الله (وَذُرِّيَّتِنَا) والأكثر (وَذُرِّيَّاتِنَا) وقوله (قُرَّةَ أَعْيُنٍ) ولو قيل: (عَيْنٍ) كَانَ صَوَابًا كما قالت (قُرَّتُ عَيْنٍ «2» لِي وَلَكَ) ولو قرئت: قُرَّاتِ أَعْيُن لأنَّهم كَثِير كَانَ صَوَابًا. والوجه التقليل (قُرَّةَ أَعْيُنٍ) لأنه فعلٌ والفِعْلُ لا (يَكاد يجمع «3» ) ألا ترى أَنَّهُ قَالَ (لا تَدْعُوا «4» الْيَوْمَ ثُبُوراً واحِداً وَادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً) فلم يجمعه وهو كثيرٌ.
والقُرَّة مَصْدَرٌ. تَقُولُ: قرّت عينك قرّة.
وقوله (لِلْمُتَّقِينَ إِماماً) ولم يقل: أئمةً وهو واحد يَجوز فِي الكلام أن تَقُولَ: أصحاب مُحَمَّد أئمة الناس وإمام الناس كما قالِ نَّا رَسُولُ
«5» بِّ الْعالَمِينَ) للاثنين ومَعناهُ: اجعلنا أئمة يُقتدى بنا. وقال مجاهد: اجعلنا يقتدى بِمن قبلنا حَتَّى يَقْتَدِي بنا من بعدنا.
__________
(1) ا: «لا يشهدون أعياد المشركين»
(2) الآية 9 سورة القصص.
(3) ا: «يكادون يجمعونه» .
(4) الآية 14 سورة الفرقان. [.....]
(5) الآية 16 سورة الشعراء.(2/274)
لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (3)
وقوله: وَيُلَقَّوْنَ [75] و (يلقّون فيها) «1» كل قد قُرئ بِهِ و (يَلْقَوْنَ) أَعْجَبُ إِليّ لأن القراءة لو كانت عَلَى (يُلقَّون) كانت بالباء فِي العربية لأنك تَقُولُ: فلان يُتَلقّى بالسلام وبالخير.
وهو صواب يُلَقَّوْنه ويلقون بِهِ كما تَقُولُ: أخذت بالخطام وأخذته.
وقوله: ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي [77] ما استفهام أي ما يصنعُ بكم (لَوْلا دُعاؤُكُمْ) لولا دعاؤُه إياكم إلى الإسلام (فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزاماً) نصبت اللزام لأنك أضمرت فِي (يكون) اسمًا إن شئت كَانَ مجهولًا فيكون بمنزلة قوله فِي قراءة أُبَيّ (وإنْ كَانَ «2» ذَا عُسْرَةٍ) وإن شئت جعلت «3» فسوف يكون تكذيبكم عذابًا لازمًا «4» ذكر أنه ما نزل بهم يوم بَدْر. والرفعُ فِيهِ جائز لو أتى. وقد تَقُولُ الْعَرب: لأضربَنَّكَ ضَرْبةً تكون لَزَام يا هَذَا، تخفض كما تَقُولُ:
دَراكِ ونَظَار. وأنشد.
لا زلت مُحتمِلًا عليّ ضغينةً ... حَتَّى المماتِ تكونُ مِنْكَ لَزَامِ
قَالَ «5» : أنشدناهُ فِي المصادر.
ومن سورة الشعراء
قوله: باخِعٌ نَفْسَكَ [3] قاتل نفسك (أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) موضع (أن) نصب لأنها جزاء، كأنك قلت: إن لَمْ يؤمنوا فأنتَ قاتل نفسك. فلمّا كَانَ ماضيًا نصبت (أن) كما تَقُولُ أتيتك أن أتيتني. ولو لَمْ يكن ماضيًا لقلت: آتيك إن تأتنِي. ولو كانت مجزومة وكسرت
__________
(1) القراءة الأولى لأبى بكر وحمزة والكسائي وخلف وافقهم الأعمش. والقراءة الأخرى للباقين.
(2) الآية 280 سورة البقرة.
(3) أ: «كان» .
(4) فى أبعده: «يوم بدر» .
(5) أي مستملى الكتاب وهو؟؟؟ بن الجهم.(2/275)
(إن فيها كَانَ صوابًا.) ومثله قول الله (وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ «1» شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ) و (إن صدّوكم) . وقوله (من الشهداء «2» أن تضلّ) و (إن تَضِلّ) وكذلك (أَفَنَضْرِبُ «3» عَنْكُمُ الذكر صَفْحًا إن كنتم) و (أن كنتم) وَجْهَان جَيِّدَان.
وقوله: إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً [4] ثم قال (فظلّت) ولم يقل (فَتَظلل) كما قَالَ (ننزل) وَذَلِكَ صواب: أن تعطف عَلَى مجزوم الجزاء بِفَعَلَ لأن الجزاء يصلح فِي موضع فعل يفعل، وَفِي موضع يفعَل فعل، ألا ترى أنك تَقُولُ: إن زرتني زرتكَ وإن تَزرني أزركَ والمعنى واحد. فلذلك صلح قوله (فَظَلَّتْ) مَرْدودة عَلَى يفعل، وكذلك قوله (تَبارَكَ «4» الَّذِي إِنْ شاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِنْ ذلِكَ جَنَّاتٍ) ثم قال (وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُوراً) فردّ يفعل عَلَى فعل وهو بمنزلة رده (فظلّت) على (ننزّل) وكذلك جواب الجزاء يُلقى يفعْل بِفَعَل، وفَعَل بيفعل كقولك: (إن قمت أقم، وإن تقم قمت. وأحسن الكلام أن تَجعل جواب يفعل بمثلها، وفعل بمثلها كقولك: إن تَتْجُرْ تَرْبَح، أحسن من أن تَقُولُ: إن تَتْجُر ربِحْتَ. وكذلك إن تجرت ربجت أحسن من أن تَقُولُ: إن تَجَرت تربح. وهما جائزان. قَالَ الله (مَنْ كانَ «5» يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ) فقال (نُوَفِّ) وهي جواب لكان. وقال الشاعر «6» :
إن يَسْمَعُوا سُبَّةً طارُوا بِهَا فرَحًا ... مني وما يَسْمَعُوا من صَالِح دَفَنوا
فَرَدّ الجواب بفعل وقبله يَفْعَل قَالَ الفراء «7» : إن يسمعوا سُبّة عَلَى مثال غيَّة) .
وقوله: فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ [4] والفعْل للأعناق فيقول القائل: كيف لَمْ يقل:
__________
(1) الآية 2 سورة المائدة.
(2) الآية 282 سورة البقرة.
(3) الآية 5 سورة الزخرف.
(4) الآية 10 سورة الفرقان.
(5) الآية 15 سورة هود.
(6) هو قعنب بن أم صاحب. وقوله: «سبة» فى ش «سيئة» مخفف سيئة.
(7) سقط ما بين القوسين في ش وسية مخفف سيئة.(2/276)
خاضعة: وَفِي ذَلِكَ وُجُوه كلها صواب. أوّلها أن مُجاهدًا جعلَ الأعناق: الرجال الكبراء. فكانت الأعناق هاهنا بمنزلة قولك: ظلت رءوسهم رءوس القوم وكبراؤهم لَهَا خاضعين للآية «1» . والوجه الآخر أن تجعل الأعناق الطوائف، كما تَقُولُ: رأيتُ الناس إلى فُلان عُنقًا واحدة فتجعل الأعناق الطوائف والعُصَبَ وأحبُّ إليّ من هذين الوجهين فِي العربية أن الأعناق إِذَا خضعت فأربابها خاضعونَ فجعلت الفعل أولًا للأعناق ثُمَّ جعلت (خاضِعِينَ) للرجال كما قَالَ الشاعر:
عَلَى قَبْضة مَوْجُوءة ظهرُ كَفّه ... فلا المرء مُسْتحيٍ ولا هُوَ طَاعِمُ «2»
فأنث فعل الظهر لأن الكف تَجمع الظهر وتكفي منه: كما أنك تكتفي بأن تَقُولَ: خَضَعت لك رَقبتي ألا ترى أن العرب تَقُولُ: كلُّ ذي عينٍ ناظرٌ وناظِرَةٌ إليك لأن قولك: نظرت إليك عيني ونظرتُ إليك بِمعنى واحد فتُركَ (كُلّ) وله الفعل ورُدّ إلى الْعَين. فلو قلت: فظلت أعناقهم لَهَا خاضعة كَانَ صوابًا. وقد قَالَ الْكِسَائي: هَذَا بمنزلة قول الشاعر:
تَرى أرْباقَهُم متقلّديها ... إذا صدىء الحديدُ على الْكُمَاةِ «3»
ولا يشبه هَذَا ذَلِكَ لأن الفعل فِي المتقلدين قد عاد بذكر الأرباق فصلح ذَلِكَ لعودة الذكر. ومثل هَذَا قولك: ما زالت يدُك باسطها لأن الفعل مِنْكَ عَلَى اليد واقعٌ فَلَا بُدَّ من عودة ذكر الَّذِي فِي أول الكلام. ولو كانت فظلت أعناقهم لَهَا خاضعيها كَانَ هَذَا البيت حُجّة لَهُ. فإذا أوقعت الفعل عَلَى الاسم ثُمَّ أضفته فلا تكتف بفعل المضاف إلا أن يوافق فعل الأول كقولك ما زالت يدُ عبد الله منفقًا ومنفقة فهذا من الموافق 133 ب لأنك تَقُولُ يدُه منفقة وهو منفقٌ ولا يجوز كانت يده باسطًا لأنه باسط لليد واليد مبسوطة، فالفعل مختلف، لا يكفي فعل ذا من ذا، فإن أعدت ذكر اليد صلح فقلت: ما زالت يده باسطها.
__________
(1) هذا تفسير قوله: «لها» . [.....]
(2) سبق هذا البيت فى 187 من الجزء الأول. وفيه «مرجوة» فى مكان «موجوءة» .
(3) الأرباق جمع الربق وهو حبل فيه عدة عرا يشد فيها صغار الشاء لئلا ترضع. والكماة: الشجعان(2/277)
أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (7)
وقوله: أَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ [7] يقول: حسن، يقال: هُوَ كما تَقُولُ للنخلة:
كريمة إِذَا طابَ حِمْلها، أو أكثر كما يُقال للشاة وللناقة كريمة إِذَا غَزُرتا. قَالَ الفراء: مِن كل زوجٍ من كل لَون.
وقوله: فى كلّ هذه السّورة (وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ) فِي علم الله. يقول: لَهم فِي القرآن وتنزيله آية ولكن أكثرهم فِي «1» علم الله لن يؤمنوا.
وقوله: قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلا يَتَّقُونَ [11] .
فقوله: (أَلا يَتَّقُونَ) لو كَانَ مكانها: ألا تتقون كَانَ صوابًا لأن موسى أُمِرَ أن يقول لَهم ألا تتقون. فكانت التاء تَجوز لِخطابِ موسى إياهم. وجازت الياء لأن التنزيل قبل الخطاب، وهو بمنزلة قول الله (قُلْ «2» لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ) و (سيغلبون) .
وقوله: وَيَضِيقُ صَدْرِي [13] مرفوعة لأنها مردودة عَلَى (أخاف) ولو نُصبت بالرد على (يكذبون) كانت نصبًا صوابًا. والوجه الرفع لأنه أخبر أن صدره يضيق وذكر العلة التي كانت بلسانه، فتلك مِمَّا لا تَخاف لأنَّها قد كانت.
وقوله: (فَأَرْسِلْ إِلى هارُونَ) ولم يذكر معونة ولا مؤازرة. وَذَلِكَ أن المعنى معلوم كما تَقُولُ: لو أتاني مكروهٌ لأرسلت إليك، ومعناهُ: لتعينني وتغيثني. وإذا كَانَ المعنى معلومًا طُرح منه ما يرد الكلام إلى الإيجاز.
وقوله: وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ [19] قتله النفس فالفعلة منصوبة الفاء لأنها مرة واحدة.
ولا تكون وهي مرة فعلة. ولو أريد بِهَا مثل «3» الجلسة والمشية جاز كسرها. حدّثنا أبو العباس
__________
(1) ش: «على» .
(2) الآية 12 سورة آل عمران.
(3) سقط فى ا.(2/278)
قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (26)
قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ حَدَّثَنِي موسى الْأَنْصَارِيّ عَن السري بن إِسْمَاعِيل عَن الشعبي أَنَّهُ قرأ (وَفَعَلت فِعْلَتكَ) بكسر الفاء ولم يقرأ بِهَا غيره.
وقوله: (وَأَنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ) وأنت الآن من الكافرين لنعمتي أي لتربيتي إياكَ وهي فِي قراءة عبد الله (قَالَ فعلتها إذًا وأنا من الجاهلين) والضالين «1» والجاهلين «2» يكونان بِمعنى واحد لأنك تَقُولُ: جهلت الطريق وضللته. قَالَ الفراء: إِذَا ضاعَ منك الشيء فقد أضللته.
وقوله: فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً [21] التوراة.
وقوله: وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّها عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ [22] يقول: هى- لعمرى- نعمة إذ رَبَّيْتَنِي ولم تستعبدني كاستعبادك بني إسرائيل. فأن تدل عَلَى ذلك. ومثله فِي الكلام أن تترك أحد عبديك أن تضربه وتضرب الآخر، فيقول المتروك هَذِه نعمة عَليّ أن ضربت فلانا وتركتنى. ثم يحذف (وتركتنى) والمعنى قائم معروف. والعربُ تَقُولُ: عبَّدت العبيد وأعبدتهم.
أنشدني بعض العرب:
علام يُعْبِدُني قَومي وقد كثرت ... فيهم أبا عرُمَا شاءُوا وعِبْدان «3»
وقد تكون (أن) رفعًا ونصبًا. أمّا الرفع فعلى قولك وتلك نعمة تَمُنّها عليّ: تعبيدُك بني إسرائيل والنصب: تمنَّها عَليَّ لتعبيدك بني إسرائيل.
ويقول القائل: أين جَواب قوله: (قالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلا تَسْتَمِعُونَ) [25] فيقال: إنه إنَّما أراد بقوله: (أَلا تَسْتَمِعُونَ) إلى قول موسى. فردّ موسى لأنه المراد بالجواب فقال: الَّذِي أدعوكم إلى عبادته (رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ)
[26] وكذلك قوله: (قال ربّ المشرق والمغرب)
[28] يقول: أدعوكم إلى عبادة ربّ المشرق والمغرب وما بينهما.
__________
(1) كذا. وقد راعى الحكاية. ولولا هذا لقال: «الضالون والجاهلون»
(2) كذا. وقد راعى الحكاية. ولولا هذا لقال: «الضالون والجاهلون»
(3) نسب فى اللسان (عبد) إلى الفرزدق.(2/279)
إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ (51)
وقوله: أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ [51] وجه الكلام أن تفتح (أَنْ) لأنَّها ماضية وهي فِي مذهب جزاء. ولو كُسرت ونُوي بِما بعدها الجزم كَانَ صوابًا. وقوله: (كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ) يقولون: أول مؤمني أهل زماننا.
وقوله: إِنَّ هؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ. [54] يقول عُصْبَة قليلة وقليلون وكثيرون وأكثر كلام العرب أن يقولوا: قومك قليل وقومنا كَثِير. وقليلونَ وكثيرونَ جائز عربي وإنما جازَ لأن الْقِلّة إنّما تدخلهم جَميعًا. فقيل: قليل، وأوثر قليل عَلَى قليلين. وجازَ الجمع إذ كانت الْقِلة تلزم جَميعهم فِي المعنى فظهرت أسماؤهم عَلَى ذَلِكَ. ومثله أنتم حَيٌّ واحد وحيّ واحِدُونَ. وَمَعْنَى وَاحِدُونَ واحدٌ كما قَالَ الكميت:
فردّ قواصِي الأحياء منهم ... فقد رَجَعوا كحيّ واحدينا «1»
وقوله: حاذِرُونَ [56] وحِذرُونَ حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو لَيْلَى السِّجِسْتَانِيُّ عَنْ أَبِي جَرِيرٍ «2» قَاضِي سِجِسْتَانَ أَنَّ ابن مسعود قرأ «3» (وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حاذِرُونَ) يَقُولُونَ: مُؤَدُّونَ فِي السِّلاحِ. يقول: ذَوو أداةِ من السلاح. و (حَذِرُونَ) وَكَأنَ الحاذِر: الَّذِي يَحذرك الآن. وكأن الحذِر: المخلوق حَذِرًا لا تلقاه إلّا حذرا.
وقوله: إِنَّا لَمُدْرَكُونَ [61] وَ (لَمُدركونَ «4» ) مفتعلونَ من الإدراك كما تَقُولُ: حفرت واحتفرت بمعنى واحد، فكذلك (لمدركون) و (لمدّركون) معناهما واحد والله أعلم.
__________
(1) هو من قصيدته المذهبة في هجائه قبائل اليمين والدفاع عن مضر. وانظر حديثا عنها فى الشاهدين 16، 24 من الخزانة.
(2) فى اما يقرب من «حريز» .
(3) وهى قراءة ابن ذكوان وهشام فى بعض الطرق وعاصم وحمزة والكسائي وخلف وافقهم الأعمش. وقرأ الباقون «حذرون» .
(4) ظاهر ما هنا أنه بفتح الراء من أدرك المتعدى، وقد ورد فى اللسان ادراك متعديا ولازما. وفى البحر أن هذه القراءة- وهى قراءات الأعرج وعبيد بن عمير- فيها كسر الراء من أدرك اللازم. وفيه: «وقال أبو الفضل الرازي: وقد يكون أدرك على افتعل بمعنى أفعل متعديا. فلو كانت القراءة من ذلك لوجب فتح الراء ولم يبلغنى ذلك عنهما يعنى عن الأعرج وعبيد بن عمير» وانظر البحر 7/ 20.(2/280)
فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ (77)
وقوله: فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعالَمِينَ [77] أي كُلَّ آلهةٍ لَكم فلا أعبدها إلا رب العالمين فإني أعبده. ونصبه بالاستثناء، كأنه قَالَ هم عدوّ غير معبود إلا رب العالمين فإني أعبده. وإنما قالوا (فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي) أي لو عبدتم كانوا لي يوم القيامة ضِدًّا وَعَدُوًّا.
وقوله: وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ [84] حَدَّثَنِي عَمْرو بن أبي المقدام عَن الحكم عَن مجاهد قَالَ: ثناء حسنًا.
وقوله: وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ [111] وذُكِرَ أن بعض «1» القراء قرأ: وأتباعك الأرذلونَ ولكني لَمْ أجده عَن القراء المعروفين وهو وجه حسن.
وقوله: أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ [128] و (رَيْع) لغتان «2» مثل الرِّيرِ والرار وهو المخّ الردئ.
وتقول رَاعَ الطَّعَامُ إِذَا كَانَ لَهُ رَيْعٌ «3» .
وقوله: وَتَتَّخِذُونَ مَصانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ [129] معناه: كيا تخلدوا.
وقوله: وَإِذا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ [130] : تقتلونَ عَلَى الغضب. هَذَا قول الكلبي. وقال غيره (بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ) بالسوط.
[قوله: خُلُقُ الْأَوَّلِينَ [137] وقراءة الْكِسَائي «4» (خَلْق الأوَّلِينَ) قَالَ الفراء: وقراءتي (خلق الأولين) فمن قرأ (خلق) يقول: اختلاقهم وكذبهم ومن قرأ (خلق الأولين) يقول: عادة الأولين أي وراثة أبيكَ عَن أول. والعربُ تَقُولُ: حَدِّثنا بأحاديث الْخَلْق «5» وهي الخرافات المفتعلة وأشباهها فلذلك اخترت الخلق.
__________
(1) هو يعقوب. ورويت هذه القراءة عن ابن عباس وأبى حيوة.
(2) والمعنى هنا المرتفع من الأرض أو من كل فج أو كل طريق. [.....]
(3) الريع: النماء والزيادة، هذا إذا كان الطعام الحنطة، فإن كان المراد به الدقيق فريعه زيادته على كيله قبل الطحن.
(4) وهى قراءة غير نافع وابن عامر وعاصم وحمزة وخلف الأعمش أما هؤلاء فقراءتهم بضم الحاء واللام.
(5) هذا الضبط عن اللسان فى المادة. وضبط فى ابضم الخاء واللام.(2/281)
وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ (148)
وقوله: هَضِيمٌ [148] يقول: مادام فِي كوافيره وهو الطَّلْع. والعرب تُسَمِّي الطلع الْكُفُرِّي والكوافِيرُ واحدته كافورة، وكُفُراةٌ واحدة الْكُفُرّي.
وقوله: بُيُوتاً فارِهِينَ [149] حَاذِقينَ و (فَرِهينَ) أشِرِين.
وقوله: إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ [153] قالوا لَهُ: لست بِمَلك إنّما أنت بشر مثلنا. والمسحّر:
المجوّف، كأنه- والله أعلم- من قولك: انتفخ سَحْركَ «1» أي أنك تأكل الطعام والشراب وتُسَحّر بِهِ وتعلّل. وقال الشاعر «2» :
فإن تسألينا فيم نحنُ فإنّنا ... عصافير من هذا الأنام المسحّر
134 ب/ يريدُ: المعَلَّل والمخدوع. ونرى أنّ الساحر من ذلك أخذ.
وقوله: لَها شِرْبٌ [155] لَهَا حظ من الماء. والشِّرْب والشُّرْب مصدران. وقد قالت العرب:
آخرها «3» أقلّها شُرْبًا وَشِرْبًا وَشَرْبًا.
وقوله: وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ [166] ما جعلَ لكم من الفروج. وَفِي قراءة عبد الله (ما أصلح لكم ربكم) .
وقوله: إِلَّا عَجُوزاً فِي الْغابِرِينَ [171] والغابرون الباقون. ومن ذَلِكَ قول الشاعر: وهو الحارث بن حِلِّزَة:
لا تكْسَعِ الشَّوْلَ بأغبارهَا ... إنّك لا تدرى من الناتج «4»
__________
(1) السحر: الرئة، ويقال: انتفخ سحره للجبان يملأ الخوف جوفه فتنتفخ رئته.
(2) هو لبيد كما فى اللسان.
(3) فى اللسان: «وأصله فى سقى الإبل لأن آخرها يرد وقد نزف الحوض» .
(4) الشول جمع شائلة وهى الناقة أتى عليها من حملها أو وضعها سبعة أشهر فجف لبنها والناتج الذي يتولى ولادة الحيوان. ويقال: كسع الناقة بغبرها إذا ترك فى خلفها بقية من اللبن يريد بذلك أن يغزر لبنها. وأن يقوى نسلها يقول: احلب شولك للأضياف، ولا تكسعها، فقد يغير عليها عدو فيكون نتاجها لك دونه. وانظر اللسان فى كسع.(2/282)
وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ (184)
الأغبارها هنا بقايا اللبن فِي ضروع الإبل وغيرها، واحدها غُبْر. قَالَ وأنشدني بعض بني أسد وهو أَبُو الْقَمْقام:
تَذُبُّ منها كُلَّ حَيزَبُونِ ... مَانِعَةٍ لغبرها زبون «1»
وقوله: وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ [184] قرأها عَاصِم والأعمش بكسر الجيم وتشديد اللام، ورفعها آخرون. واللام مشدّدة فِي القولين: (وَالْجِبِلَّةَ) .
وقوله: أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَماءُ بَنِي إِسْرائِيلَ [197] يقول: يعلمونَ عِلْم مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ نبي فِي كتابِهم. (الآية) منصوبة و (أن) فِي موضع رفع. ولو قلت:
أَوْ لَمْ تَكُنْ لَهُمْ آيةٌ) بالرفع «2» (أَنْ يعلمه) تجعل (أنْ) فِي موضع نصب لَجازَ ذَلِكَ.
وقوله: وَلَوْ نَزَّلْناهُ عَلى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ [198] الأعجم فِي لسانه. والأعجمي المنسوب إلى أصله إلى العجم وإن كَانَ فصيحًا. ومن قَالَ: أعجم قال للمرأة عجماء إِذَا لَمْ تُحْسن العربية ويَجوز أن تَقُولُ عَجَمي تريد أعجمي تنسبه إلى أصله.
وقوله: كَذلِكَ سَلَكْناهُ [200] يقول: سلكنا التكذيب فِي قلوب المجرمين كي لا يؤمنوا بِهِ (حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ) وإن كَانَ موقع كي فِي مثل هَذَا (لا) وأن جميعًا صلح الجزم فِي (لا) والرفع. والعربُ تَقُولُ: ربطت الفرس لا يتفَلَّتْ جزمًا ورفعًا. وأوثقت العبد لا يَفِرر «3» جزمًا ورفعًا. وإنما جزم لأن تأويله إن لَمْ أربطه فَرَّ فجزم عَلَى التأويل. أنشدني بعضُ بني عُقَيْلٍ:
وحتى رأينا أحسن الفعل بيننا ... مساكتة لا يقرف الشرّ قارف «4»
__________
(1) «يذب» فى اللسان «يذهب» : (حزبن) والحيزبون الناقة الشهمة الحديدة. وفسرت هنا بالسيئة الخلق. والزبون: التي تضرب برجلها عند الحلب.
(2) هذه قراءة ابن عامر.
(3) هذا لا يأتى إلا على الجزم حيث فك التضعيف. والأولى: «يفر» ليجرى فيه الرفع.
(4) يقال: اقترف الشر:؟؟؟.(2/283)
وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا لَهَا مُنْذِرُونَ (208)
يُنْشَدُ رفعًا وجزمًا. وقال آخر:
لو كنتَ إذ جئتنا حَاولت رُؤْيتنا ... أو جئتنا ماشيًا لا يُعْرف الفرسُ
رفعًا وجزمًا وقوله:
لطالما حلأ نماها لا ترد ... فخلّياها والسِّجالَ تبتردْ «1»
من ذَلِكَ.
وقوله: نَزَلَ بِهِ الرّوح الأمين [193] كذا قرأها القراء. وقرأها الأعمش وَعَاصِم «2» والحسن (نَزَّلَ بِهِ) بالتشديد. ونصبوا (الرُّوحَ الأمِين) وهو جبريل (عَلى قَلْبِكَ) يتلوه عليك. ورَفع أهل المدينة (الرُّوحُ الْأَمِينُ) وخَفَّفُوا (نَزَلَ) وهما سواء فِي المعنى.
وقوله: وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ [196] وإنّ هَذَا القرآن لفي بَعض زُبُر الأولين وكتبهم.
فقال: (فى زبر) وإنَّما هُوَ فِي بعضها، وَذَلِكَ واسع لأنك تَقُولُ: ذهب الناس وإنما ذهب بعضهم.
وقوله: إِلَّا لَها مُنْذِرُونَ [208] .
وَفِي موضع آخر: (إِلَّا وَلَها كِتابٌ مَعْلُومٌ) «3» وقد فُسر هَذَا.
وقوله: ذِكْرى وَما كُنَّا ظالِمِينَ [209] ذكرى فِي موضع نصب أي ينذرونهم تذكرة وذِكْرى. ولو قلت: (ذِكْرى) فِي موضع رفع أصبت، أي: ذَلِكَ ذكرى، وتلك ذكرى.
وقوله: وَما تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّياطِينُ [210] ترفع النون.
__________
(1) يقال: حلأ الماشية عن الماء: طردها أو حبسها عن الورود ومنعها أن ترده. والسجال جمع سجل وهو الدلو. والحديث عن الإبل. وفى اللسان (حلأ) أن نسوة تمثلن بالبيت لامرأة تزوجها عاشق لها.
(2) أي فى رواية أبى بكر أما رواية حفص عنه فالتخفيف وكذا قرأ بالتخفيف نافع وابن كثير وأبو عمرو وأبو جعفر.
(3) الآية 4 سورة الحجر. [.....](2/284)
طس تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ (1)
قَالَ الفراء: وجاء عَن الْحَسَن (الشياطون) وكأنه من غلط الشيخ ظنّ أنه بِمنزلة المسلمين والمسلمون.
وقوله: إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ [212] يعني الشياطين برجْم الكواكب.
وقوله: يَراكَ حِينَ تَقُومُ
[218] وتقلّبك فى السّاجدين [219] يقول: يرى تقلبك 135 افى المصلين. وتقلّبه قيامُهُ وركوعُهُ وسُجُوده.
وقوله: هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ [221] كانت الشياطين قبل أن تُرجم تأتي الكهنة مثل مسيلمة الكذاب وطُليحة وسجاح فيُلقونَ إليهم بعض ما يسمعون ويكذبون. فذلك
(يُلْقُون) إلى كهنتهم (السّمع) الذي سمعوا (وَأَكْثَرُهُمْ كاذِبُونَ) .
وقوله: وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ [224] نزلت فِي ابن الزّبَعْري وأشباهه لأنهم كانوا يهجون النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والمسلمين.
وقوله: (يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ) غُواتهم الَّذِينَ يرونَ سَبَّ النَّبِيّ عَلَيْهِ السَّلَام.
ثُمَّ استثنى شعراء المسلمين فقال: إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا [227] لأنهم رَدُّوا عليهم: فذلك قوله:
(وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا) وقد قرئت (يتّبعهم الغاوون) و (يتبعهم «1» ) وكل صواب.
ومن سورة النمل
تلك آيات القرآن وكتاب مبين. خَفْض (وَكِتابٍ مُبِينٍ) يريد: وآيات كتاب مبين، ولو قرىء «2» (وكتابٌ مبينٌ) بالردّ عَلَى الآيات يريد: وَذَلِكَ كتاب مبين. ولو كان نصبا
__________
(1) هى قراءة نافع.
(2) جواب الشرط محذوف أي لساغ مثلا.(2/285)
إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نَارًا سَآتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (7)
عَلَى المدح كما يُقال: مررت عَلَى رجل جَميل وطويلًا شَرْمَحًا «1» ، فهذا وجه، والمدحُ مثل قوله:
إلى الملك القرم وابنِ الْهُمَام ... وليثَ الْكَتِيبة فِي المزدَحَمْ «2»
والمدح تنصب معرفته ونكرته.
وقوله: هُدىً وَبُشْرى [2] رفع. وإن شئت نصبت. النصب عَلَى القطع «3» ، والرفع عَلَى الاستئناف. ومثله فِي البقرة: (هُدىً «4» لِلْمُتَّقِينَ) وفى لقمان: (هدى «5» ورحمة) للمحسنين) مثله.
وقوله: أَوْ آتِيكُمْ بِشِهابٍ قَبَسٍ [7] نوَّن عَاصِم «6» والأعمش فِي الشهاب والقبس، وأضافه أهل المدينة: (بِشِهابٍ قَبَسٍ) وهو بمنزلة قوله: (وَلَدارُ «7» الْآخِرَةِ) مِمّا يُضاف إلى اسمه «8» إِذَا اختلف أسماؤه «9» .
وقوله: نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ [8] تجعل (أَنْ) فِي موضع نصب إِذَا أضمرت اسم موسى فِي (نُودِيَ) وإن لَمْ تُضمر اسم موسى كانت (أن) فِي موضع رفع: نودي ذَلِكَ «10» . وَفِي حرف أُبَيّ:
(أَنْ بُورِكَتِ النار) (وَمَنْ حَوْلَها) يعني الملائكة. والعربُ تَقُولُ: باركك الله وبارك فيك وبارك عليك.
__________
(1) من معانيه القوى والطويل.
(2) انظر ص 105 من الجزء الأول.
(3) يريد النصب على الحال.
(4) الآية 2.
(5) الآية 3.
(6) وكذا حمزة والكسائي وخلف ويعقوب.
(7) الآية 109 سورة يوسف.
(8) ا: «نفسه» .
(9) فى الطبري: «أسماه» .
(10) ا: «ذاك» .(2/286)
وقوله: إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ [9] هَذِه الْهَاء هَاء «1» عِمَاد. وهو اسم لا يظهر. وقد فسّر. وقوله: [كَأَنَّها جَانٌّ [10]] الجانّ: الحيَّة: التي ليست بالعظيمة ولا الصغيرة. وقوله: (وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ) :
لَمْ يلتفت.
وقوله: (إِنِّي لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ) ثُمَّ استثنى فقال: (إِلَّا مَنْ ظَلَمَ) ثُمَّ بدّل حسنا بعد سوء) [11] فهذا مغفورٌ لَهُ. فيقول القائل. كيف صُيِّرَ خائفا؟ قلت: فى هذه وجهان: أحدهما أن تَقُولُ:
إن الرّسَل معصُومة مغفورٌ لَهَا آمنة يوم القيامة. ومن خلطَ عَمَلًا صالِحًا وآخر سَيّئًا فهو يَخاف ويرجو:
فهذا وجه. والآخر أن تجعل الاستثناء من الَّذِينَ تُركوا فِي الكلمة لأن المعنى: لا يخافُ المرسلونَ إنما الخوف عَلَى غيرهم.
ثُمَّ استثنى فقال: إلّا من ظلم فإن هَذَا لا يخاف يقول: كَانَ مشركًا فتابَ وعمل حَسَنًا فذلك مغفورٌ لَهُ لَيْسَ بِخائف.
وقد قَالَ بعضُ النحويين: إن (إلا) فِي اللغة بِمنزلة الواو، وإنّما مَعْنَى هَذَه الآية: لا يَخافُ لَديّ المرسلونَ ولا من ظلم ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا. وَجَعلوا مثله قول «2» الله: (لِئَلَّا يَكُونَ «3» لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا) أي ولا الَّذِينَ ظلموا. ولم أجد العربية تحتمل ما قالوا، لأني لا أجيزُ قام الناس إلا عبد الله، وهو قائم إنما الاستثناء أن يخرج الاسم الَّذِي بعد إلا من معنى الأسماء قبل إلا. وقد أُرَاهُ جائزًا أن تَقُولَ: عليك ألف سوى ألف آخر، فإن وضعت (إِلَّا) فِي هَذَا الموضع صَلَحت وكانت (إِلا) فِي تأويل مَا قالوا. فأمّا مجرّدة 135 ب قد استُثني قليلها من كثيرها فلا. ولكن مثله مما يكون فِي معنى إلا كمعنى الواو وليست بها.
__________
(1) هو المعروف عند البصريين بضمير الشأن.
(2) ش: «فى قول» . [.....]
(3) الآية 150 سورة البقرة.(2/287)
وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ (16)
قوله: (خالِدِينَ «1» فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ) هُوَ فِي المعنى:
إلا الَّذِي شاء ربك من الزيادة. فلا تجعل إلا (فِي «2» منزلة) الواو ولكن بمنزلة سِوَى. فإذا كانت سوى فِي موضع إلا صلحت بِمعنى الواو لأنك تَقُولُ: عندي مال كَثِير سوى هَذَا أي وهذا عندي كأنك قلت: عندي مالٌ كَثِير وهذا. وهو فِي سوى أنفذ منه فِي إلا لأنك قد تَقُولُ: عندي سوَى هَذَا، ولا تقول: إلّا هذا.
وقوله: وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آياتٍ [12] معناهُ: افعل هَذَا فهي آية فِي تسع. ثم قال (إِلى فِرْعَوْنَ) ولم يقل: مرسل ولا مبعوث لأن شأنه معروف أَنَّهُ مبعوث إلى فرعون. وقد قَالَ الشاعر:
رأتني بحبليها فصَدَّت مخافةً ... وَفِي الحبل رَوْعَاء الفؤاد فَرُوق «3»
أراد: رأتني أقبلت بحبليها: بحبلي النّاقة فأضمرَ فعلًا، كأنه قَالَ: رأتني مقبلا.
وقوله (وَإِلى «4» ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً) نصب بإضمار (أرسلنا) .
وقوله: وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا [14] يقول: جحدوا بالآيات التسع بعد ما استيقنتها أنفسهم أنّها من عند الله، ظلمًا وَعُلُوًّا. وَفِي قراءة عَبْدِ الله (ظُلْمًا وَعُليًّا) مثل قوله:
(وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ «5» عِتِيًّا) و (عتيّا) .
وقوله: وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ [16] كان لداوود- فيما ذكروا- تسعة عشر ولدًا ذكرًا، وإنّما خُصَّ سُلَيْمَان بالوراثة لأنها وراثة الْمُلك.
وقوله (عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ) : معنى كلام الطير، فجعله كمنطق الرجل إذ فهم، وقد قال الشاعر:
__________
(1) الآيتان 107، 108 سورة هود.
(2) ا: «بمنزلة» .
(3) انظر ص 230 من الجزء الأول.
(4) الآية 73 سورة الأعراف.
(5) الآية 8 سورة مريم.(2/288)
فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ (19)
عجبتُ لَهَا أَنَّى يكون غِناؤها ... رَفيعًا ولم تَفتح بِمنطقها فما
فجعله الشاعر «1» كالكلام لَمّا ذهبَ بِهِ إلى أنها تبكي.
وقوله: وَحُشِرَ لِسُلَيْمانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ [17] كانت هَذِه الأصناف مع سُلَيْمَان إِذَا ركب (فَهُمْ يُوزَعُونَ) يُرد أولهم عَلَى آخرهم حَتَّى يَجتمعوا. وهي من وزعت الرجل، تَقُولُ: لأزعَنَّكم عَن الظلم فهذا من ذلك.
وأمّا قوله: أَوْزِعْنِي [19] فمعناه: ألهمنى.
وقوله: فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ [22] قرأها الناس بالضم، وقرأها عَاصِم بالفتح: فَمَكَثَ. وهي فِي قراءة عبد الله (فتمكَّث) ومعنى (غَيْرَ بَعِيدٍ) غير طويل من الإقامة. والبعيد والطويل متقاربان.
وقوله (فَقالَ أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ) قَالَ بعض العرب: أَحَطُّ فأدخل الطَّاء مكانَ التاء. والعربُ إِذَا لقيت الطاءُ التاء فسكنت الطَّاء قبلها صيَّروا الطَّاء تاء، فيقولون: أَحَتُّ، كما يحوّلونَ الظاء تاء فِي قوله (أَوَعَتَّ «2» أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْواعِظِينَ) والذال والدال تاء مثل (أَخَتُّمْ) «3» ورأيتُها فِي بعض مصاحف عبد الله (وَأَخَتُّمْ) ومن العرب من يُحَوِّلُ التاء إِذَا كانت بعد الطَّاء طاء فيقول: أَحَط.
وقوله (وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ) القراء عَلَى إجراء (سَبأ) لأنه- فيما ذكروا- رجل وكذلك فأجره إن كَانَ اسمًا لجبل. ولم يُجرِهِ أَبُو عمرو بن العلاء. وزعم الرؤاسيّ أَنَّهُ سأل أبا عَمْرو عَنْهُ فقال: لست أدري ما هُوَ. وقد ذهبَ مذهبًا إذ لَمْ يَدْر ما هُوَ لأن العرب إِذَا سمَّت بالاسم المجهول تركوا إجراءه كما قال الأعشى:
__________
(1) هو حميد بن ثور. وهو فى الحديث عن حمامة تغرد وفى ديوانه 27: «فصيحا» فى مكان «رفيعا» .
(2) فى الآية 136 سورة الشعراء. وهى فى المصحف: «أوعظت ... » .
(3) فى الآية 81 سورة آل عمران. وهى فى المصحف: «وأخذتم» .(2/289)
أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ (25)
وتدفن منه الصّالحات وإن يسىء ... يكن ما أساء النارَ فِي رأسِ كَبْكَبا «1»
136 افكأنه جهل الكبكَبَ. وسَمعت أبا السَّفاح السَّلُولي يقول: هَذَا أَبُو صُعْرورَ قد جاء، فلم يُجره لأنه لَيْسَ من عادتهم فِي التسمية.
قَالَ الفرّاء: الصعرور شبيه بالصمغ.
وقال الشاعر فِي إجْرائه:
الواردونَ وتيم فِي ذرا سبإ ... قد عض أعناقهم جلد الجواميس
ولو جعلته اسمًا للقبيلة إن كَانَ رجلًا أو جعلته اسمًا لِمَا حوله إن كَانَ جبلًا لَمْ تُجره أيضًا.
وقوله: أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ [25] تقرأ (ألّا يَسْجدوا) ويكون (يَسْجُدُوا) فِي موضع نصب، كذلك قرأها حَمْزَةُ. وقرأها أَبُو عبد الرحمن «2» السلمي والحسن وحُمَيْد الأعرج مخففة (أَلَا يَسْجُدُوا) عَلَى معنى أَلَا يا هَؤُلَاءِ اسْجُدُوا فيضمر هَؤُلَاءِ، ويكتفي منها بقوله (يا) قَالَ: وسمعتُ بعض العرب يقول: أَلَا يا ارحمانا، أَلَا يا تَصَدَّقا علينا قَالَ: يعنيني وزميلي.
وقال الشاعر- وهو الأخطل-
ألا يا اسلمي يا هند هندَ بني بَدْر ... وإن كَانَ حَيَّانَا عِدًى آخِر الدهر
حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ حَدَّثَنِي بعضُ المشيخة- وهو الْكِسَائي- عَن عيسى الهمداني قَالَ: ما كنت أسمع المشيخة يقرءونها إلا بالتخفيف عَلَى نية الأمر. وهي فِي قراءة عبد الله (هَلّا تَسجدونَ لله) بالتاء فهذه حُجّة لمن خَفّف. وَفِي قراءة أُبَيّ (أَلَا تَسْجدونَ لله الَّذِي يعلم سِرّكم وما تَعلنون) وهو وجه الكلام لأنها سَجدة ومن قرأ (أَلّا يَسْجُدوا) فشدّد فلا ينبغي لَهَا أن تكون سجدة لأن المعنى: زين لهم الشيطان ألّا يسجدوا والله أعلم بذلك.
__________
(1) قبله:
ومن يغترب عن قومه لا يزل يرى ... مصارع مظلوم مجرا ومسحبا
وكبكب: اسم جبل. وانظر اللسان (كبكب)
(2) وقرأ أيضا بالتخفيف الكسائي ورويس وأبو جعفر.(2/290)
اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ (28)
وقوله (يُخْرِجُ الْخَبْءَ) مهموز. وهو الغيب غيبُ السموات وغيب الأرض. ويُقال: هُوَ الماء الَّذِي يَنزلُ من السماء والنبت من الأرض وهي فِي قراءة عبد الله (يخرج الخبء من السّموات) وصلحت (فِي) مكان (من) لأنك تَقُولُ: لأستخرجنّ العلم الَّذِي فيكم منكم، ثُمَّ تُحذف أيّهما شئت أعنى (من) و (فى) فيكون المعنى قائِمًا عَلَى حالِه.
وقوله: ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ [28] يقول القائل: كيف أمره أن يتولّى عنهم وقد قال (فَانْظُرْ ماذا يَرْجِعُونَ) وَذَلِكَ فِي العربية بيّن أَنَّهُ استحثّه فَقَالَ: اذهب بكتابي هذا وعجّل ثم أخّر (فَانْظُرْ ماذا يَرْجِعُونَ) ومعناها التقديم. ويقال: إنه أمر الهدهد أن يُلقي الكتاب ثُمَّ يتوارى عنها ففعل: ألقى الكتاب وطار إلى كوة فِي مجلسها. والله أعلم بصواب ذَلِكَ.
وقوله: إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ [29] جعلته كريمًا لأنه كَانَ مختومًا، كذلك حُدّثت.
ويُقال: وصفت الكتاب بالكرم لقومها لأنها رأت كتابَ مَلِكٍ عندها فجعلته كريمًا لكرم صاحبه.
ويُقال: إنها قالت (كَرِيمٌ) قبل أن تعلم أَنَّهُ من سُلَيْمَان. وما يعجبني ذَلِكَ لأنها كانت قارئة قد قرأت الكتاب قبل أن تخرج إلى ملئها.
وقوله: إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ [30] مكسورتانِ أعني إنّ وإنّ. ولو فُتحتا جَميعًا كان جائزا، على قولك: أُلقِيَ إليّ أَنَّهُ من سُلَيْمَان وأنه بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فموضعهما رفع عَلَى التكرير عَلَى الكتاب: ألقي إليّ أَنَّهُ من سُلَيْمَان وإن شئت كانتا فِي موضع نصب لسقوط الخافض منهما. وهي فِي قراءة أُبَيّ (وَأَنْ بِسمِ الله الرحمن الرحيم) ففي ذَلِكَ حُجّة لِمن فتحهما لأن (أَنْ) إِذَا فُتِحَت ألقها مع الفعل أو ما يُحكى لَمْ تكن إلّا مخفّفة النون.
وأما قوله: أَلَّا تَعْلُوا [31] فألفها مفتوحة لا يَجوز كسرها. وهي فِي موضع رفع إِذَا كررتها عَلَى (أُلْقِيَ) ونصب عَلَى: ألقِي إلى الكتاب بذا، وألقيت الباء فنصبت. وهي فِي قراءة عبد الله (وإنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم) فهذا يدلُ عَلَى الكسر لأنها معطوفة عَلَى: إنى ألقى(2/291)
قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ (34)
إليّ وإنه من سُلَيْمَان. ويكون فِي قراءة أُبَيّ أن تجعل (أَن) التي فِي بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ هي (أن) التي فِي قوله (أَنْ لا تَعْلُوا عَلَى) كأنها فِي المعنى. ألقي إليّ أن لا تعلوا عليّ. فلمّا وُضعت فِي (بسم الله) كُرِّرت عَلَى موضعها فِي (أَنْ لا تَعْلُوا) كما قَالَ الله (أَيَعِدُكُمْ «1» أَنَّكُمْ إِذا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُراباً وَعِظاماً أَنَّكُمْ) فأنكم مكررة ومعناها واحد والله أعلم. ألا ترى أن المعنى: أيعدكم أنكم مخرجونَ إِذَا كنتم ترابا وعظاما.
وقوله: يا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي [32] جعلت المشورة فُتْيا. وَذَلِكَ جائز لسعة العربية.
وقوله (ما كُنْتُ قاطِعَةً أَمْراً) وَفِي قراءة عبد الله (ما كنتُ قاضيةً أمرا) والمعنى واحد. تَقُولُ لا أقطع أمرًا دونَكَ، ولا أقضي أمرًا دونكَ.
وقوله: قالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً [34] جواب لقولهم (نَحْنُ أُولُوا قُوَّةٍ وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ) فقالت: إِنّهم إن دخلوا بلادكم أذلوكم وأنتم ملوك. فقال الله (وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ) .
وقوله: وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَناظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ [35] نقصت الألف من قوله (بِمَ) لأنها فِي معنى بأي شيء يرجع المرسلون وإذا كانت (مَا) فِي موضع (أيّ) ثُمَّ وصلت بحرف خافض نُقصت الألف من (ما) ليعرف الاستفهام من الخبر. ومن ذَلِكَ قوله: (فِيمَ «2» كُنْتُمْ) و (عَمَّ يَتَساءَلُونَ «3» ) وإن أتممتها فصواب. وأنشدنى المفضّل:
إنا قتلنا بقتلانا سَراتكم ... أهلَ اللِّوَاءِ ففِيما يكثر الْقِيلُ «4»
وأنشدني المفضَّل أيضًا:
عَلَى ما قام يشتمنَا لَئِيمٌ ... كخنزير تمرَّغ فِي رماد «5»
__________
(1) الآية 35 سورة المؤمنين.
(2) الآية 97 سورة النساء.
(3) الآية 1 سورة النبأ. [.....]
(4) . 2: «القتل» فى مكان «القيل» ويظهر أنه تحريف عما أثبت.
(5) هو لحسان بن ثابت. وفى شواهد العيني فى مباحث الوقف: «ويروى فى دمان موضع فى رماد ويروى فى دمال.
وكل هذا ليس بشىء فان القصيدة داليه»(2/292)
وقوله: إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ [35] وهي تعني سُلَيْمَان كقوله (عَلى خَوْفٍ «1» مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِمْ) وقالت (بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ) وَكَانَ رسولُها- فيما ذكروا- امرأة «2» واحدة فجمعت وإنما هُوَ رسول، لذلك قال (فَلَمَّا جاءَ سُلَيْمانَ) يريد: فلما جاء الرسول سُلَيْمَان، وهي فِي قراءة عبد الله (فلما جاءوا سُلَيْمَان) لِمَا قَالَ (الْمُرْسَلُونَ) صلح (جاءوا) وصلح (جاء) لأن المرسل كَانَ واحدًا.
يدلّ عَلَى ذَلِكَ قول سليمان (ارْجِعْ إِلَيْهِمْ) .
وقوله: لا قِبَلَ لَهُمْ بِها [37] وهي فِي مصحف عبد الله (لَهُمْ بهم) وهو سَواء.
وقوله: أَتُمِدُّونني بِمَالٍ [36] هي فِي قراءة عبد الله «3» بنونين وباء مثبتة. وقرأها حَمْزَةُ.
(أَتُمِدُّونِّي بِمالٍ) يريد قراءة عبد الله فأدغم النون فِي النون فَشَدَّدَها. وقرأ عَاصِم بن أبي النَّجُود (أَتُمِدُّونَنِ بِمالٍ) بنونين بغير ياء. وكلٌّ صَواب.
وقوله: (فما آتَانِ اللهُ) ولم يقل «4» (فَما آتانِيَ اللَّهُ) لأنها محذوفة الياء من الكتاب. فمَنْ كَانَ ممن يستجيز الزيادة فِي القرآن من الياء والواو اللاتي يحذفن مثل قوله (وَيَدْعُ الْإِنْسانُ «5» بِالشَّرِّ) فيثبتُ الواو وليست فِي المصحف، أو يقول المنادى للمناد «6» جاز له أن يقول فى (أَتُمِدُّونَنِ) بإثبات الياء، وجاز لَهُ أن يُحرّكها إلى 137 االنصب كما قيل (وَما لِيَ «7» لا أَعْبُدُ) فكذلك يجوز (فَما آتانِيَ اللَّهُ) ولست أشتهي ذَلِكَ ولا آخذ بِهِ. اتّباعُ المصحف إِذَا وجدتُ لَهُ وجهًا من كلام العرب وقراءة القرّاء أحَبُّ إليّ من خلافه. وقد كَانَ أَبُو عَمْرو يقرأ (إِنَّ هذينِ «8» لساحران) ولست
__________
(1) الآية 83 سورة يونس.
(2) كذا. وفى الطبري: «امرأ واحدا» وهو ظاهر القرآن. ويمكن أن يطلق الرسول على الأنثى باعتبار أنه فى الأصل بمعنى الرسالة ويطلق على حاملها من ذكر أو أنثى.
(3) وهى قراءة نافع وأبى عمرو وأبى جعفر.
(4) قرأ بإثبات الياء مفتوحة نافع وأبو عمرو وأبو جعفر وحفص.
(5) الآية 11 سورة الاسراء.
(6) فى الآية 41 سورة ق.
(7) الآية 22 سورة يس.
(8) الآية 63 سورة طه.(2/293)
قَالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ (39)
أجترئ عَلَى ذَلِكَ وقرأ (فَأَصَّدَّقَ «1» وَأَكُونَ) فزاد وَاوًا فِي الكتاب. ولست أَسْتحبُّ ذَلِكَ.
قوله: ارْجِعْ إِلَيْهِمْ [37] هَذَا من قول سُلَيْمَان لرسولها، يعني بلقيس. وَفِي قراءة عبد الله (ارجعوا إليهم) وهو صَوَاب عَلَى ما فسّرت لك من قوله (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ) «2» من الذهاب بالواحد إلى الَّذِينَ مَعَهُ، فِي كثيرٍ من الكلام.
وقوله: عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ [39] والعِفريت: القويّ النافذ. ومن العرب من يقول للعفريت: عِفْرية. فمن قَالَ: عِفْرِية قَالَ فِي جمعه: عَفَارٍ «3» . ومنْ قالَ: عِفْريت قَالَ: عفاريت وَجَازَ أن يقول: عَفَارٍ وَفِي إحدى القراءتين (وَمَا أُهِلَّ «4» بِهِ للطواغِي) يريد جمع الطاغوت.
وقوله (أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ) يعني أن يقوم من مجلس القضاء. وَكَانَ يجلس إلى نصف النهار. فقال: أريد أعجل (من ذَلِكَ) «5» .
وقوله: قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ [40] يقول: قبل أن يأتيك الشيء من مدّ بصرك فقال ابن عباس في قوله (عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ) (يا حَيُّ «6» يا قيُّوم) فذُكِرَ أنّ عرشها غارفى موضعه ثُمَّ نَبَع عند مجلس سُلَيْمَان.
وأمّا قوله: نَكِّرُوا لَها عَرْشَها [41] فإنه أمرهم بتوسعته ليمتحِنَ عقلها إِذَا جاءت. وَكَانَ «7» الشياطين قد خافت أن يتزوَّجَها سُلَيْمَان فقالوا: إن فِي عقلها شيئًا، وإن رِجْلها كرجل الحمارِ: فأمر سُلَيْمَان بتغيير العرش لذلك، وأمر بالماء فأجري من تحت الصَّرْح وَفِيهِ السمك. فلمّا جاءت قيل لها
__________
(1) الآية 10 سورة المنافقين.
(2) الآية 1 سورة الطلاق.
(3) ا: «عفارى» .
(4) ليس فى الكتاب العزيز آية يكون فيها هذا. ولعله يريد: «والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها» فى الزمر. وقد قرأ الحسن «الطواغيت» . [.....]
(5) ا: «منك» .
(6) هذا بيان للعلم عنده.
(7) ا: «كانت»(2/294)
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ (45)
(أَهكَذا عَرْشُكِ) فعرفت وأنكرت. فلم تقل، هُوَ هُوَ، ولا ليس به. فقالت (كَأَنَّهُ هُوَ) ثُمَّ رفعت ثوبَها عَن ساقيها، وظنّت أنها تسلكُ لُجَّةً، واللُّجَّة: الماء الكثير. فنظر إلى أحسن ساقين ورجلين: وَفِي قراءة عبد الله (وَكَشَفَتْ «1» عَنْ رِجْلَيْهَا) .
وقوله: وَصَدَّها مَا كانَتْ تَعْبُدُ [43] يَقولُ: هي عاقلة وإنّما صدها عَن عبادة الله عبادة الشمس والقمر. وَكَانَ عادة من دين آبائها، معنى الكلام: صدّها من أن تعبد الله ما كانت تعبدُ أي عبادتها الشمس والقمر. و (ما) فِي موضع رفعٍ. وقد قبلَ: (إن صدَّها) منَعَها سُلَيْمَان ما كانت تعبد. موضع (ما) نصب لأن الفعل لسليمان. وقال بعضهم: الفعل لله تعالى: صَدَّهَا الله ما كانت تعبد.
وقوله: (إِنَّها كانَتْ مِنْ قَوْمٍ كافِرِينَ) كُسرت الألف عَلَى الاستئناف. ولو قرأ قارئ (أنَّها) يردّهُ «2» عَلَى موضع (ما) فِي رفعِه: صدّها عَن عبادة الله أنها كانت من قوم كافرين. وهو كقولك: منعني من زيارتك ما كنت فِيهِ من الشغل: أنَى كنت أغدُو وأروح. فأنّ مفسّرة لِمعنى ما كنت فيه من الشغل.
وقوله: فَرِيقانِ يَخْتَصِمُونَ [45] ومعنى (يَخْتَصِمُونَ) مختلفون «3» : مؤمن ومُكذب.
وقوله: قالَ طائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ [47] يقول: فِي اللوح المحفوظ عند الله. تشاءمون بي وتَطَيَّرُونَ بي، وَذَلِكَ كله من عند الله. وهو بمنزلة قوله (قالُوا طائِرُكُمْ «4» مَعَكُمْ) أي لازم لكم ما كَانَ من خيرٍ أو شَر فهو فِي رقابكم لازم. وقد بيّنه الله فِي قوله (وَكُلَّ إِنسانٍ «5» أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ) .
__________
(1) وهى قراءة شاذة. وقراءة الناس: «وكشفت عن ساقيها»
(2) أي يكون بدلا أو بيانا من (ما كانت تعبد) .
(3) فى الطبري: «يختلفون» .
(4) الآية 19 سورة يس.
(5) الآية 13 سورة الإسراء.(2/295)
قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (49)
وقوله: قالُوا تَقاسَمُوا بِاللَّهِ [49] وهي فِي قراءة عبد الله (تَقاسَمُوا بِاللَّهِ) ليس فيها (قالوا) .
وقوله: (لَنُبَيِّتَنَّهُ) التاء والنون والياء كلّ قد قرىء به فمن قال (تَقاسَمُوا) فجعل (تَقاسَمُوا) خبرًا فكأنه قَالَ: قالوا متقاسمين: لنُبَيِّتَنَّهُ بالنون. ثُمَّ يَجوز الياء عَلَى هَذَا المعنى فتقول: قالوا ليبيتُنّه بالياء، كما تَقُولُ: قالوا لنقومنّ وليقومنّ. ومن قال: تقاسموا فجعلها فِي موضع جَزْمِ فكأنه قَالَ: تحالفوا وأقسموا لتبيّتنه بالتاء والنون تجوز من هَذَا الوجه لأن الَّذِي قَالَ لَهُم تَقاسموا معهم فِي الفعل داخل، وإن كَانَ قد أمرهم ألا ترى أنك تَقُولُ: قومُوا نذهب إلى فلان، لأنه أمرهم وهو معهم فِي الفعل. فالنون أعجب الوجوه إليّ، وإن الْكِسَائي يقرأ بالتاء، والعوامّ عَلَى النون.
وهي فِي قراءة عبد الله (تَقاسَمُوا) (ثُمَّ لنُقْسِمَنَّ ما شَهِدْنَا مَهْلِكَ أهله) وقد قَالَ الله (تَعالَوْا «1» نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ) لأنهم دَعوهم ليفعلوا جَميعًا ما دَعَوا إِلَيْهِ. وقرأها أهل المدينة وَعَاصِم والحسن بالنون، وأصحابُ عبد الله بالتاء. حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ حَدَّثَنِي سفيان ابن عيينة عَن حميد الأعرج عَن مجاهد أَنَّهُ قرأ (ليُبَيِّتُنَّهُ) باليَاء.
وقوله: فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْناهُمْ [51] تقرأ بالكسر «2» عَلَى الاستئناف مثل قوله: (فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ «3» إِلى طَعامِهِ أَنَّا صَبَبْنَا الْماءَ) يستأنف وهو يفسر بِهِ ما قبله وإن ردّه عَلَى إعراب ما قبله قَالَ (أَنَّا) بالفتح «4» فتكون (أَنَّا) فِي مَوْضِع رفع، تجعلها تابعة للعاقبة.
وإن شئت جَعَلتها نصبًا من جهتين: إحداهما أن تردَّها عَلَى موضع (كيف) والأخرى أن تَكُرَّ «5» (كَانَ) كأنّك قلت: كَانَ عاقبة مكرهم تدميرنا إيَّاهم. وإن شئت جَعَلتها كلمةً واحدة فجعلت (أَنَّا) فِي موضع نصبٍ كأنّك قلت: فانظر كيف كَانَ عاقبة مكرهم تدميرنا إياهم. وقوله: وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ تعلمون أنها فاحشة.
__________
(1) الآية 64 سورة آل عمران.
(2) الفتح لعاصم وحمزة والكسائي ويعقوب وخلف وافقهم الأعمش والحسن. والباقون بكسرها.
(3) الآيتان 24، 25 سورة عبس. والكسر لغير عاصم وحمزة والكسائي وخلف أما هؤلاء فقرءوا بالكسر
(4) الآيتان 24، 25 سورة عبس. والكسر لغير عاصم وحمزة والكسائي وخلف أما هؤلاء فقرءوا بالكسر
(5) أي تنوى تكرارها(2/296)
قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ (59)
وقوله: قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلى عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى [59] .
قيل للوط: (قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ) على هلاك من هلك (وَسَلامٌ عَلى عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى) (آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا تُشْرِكُون) «1» يقول: أعبادةُ الله خير أم عبادة الأصنام:
وقوله: فَأَنْبَتْنا بِهِ حَدائِقَ ذاتَ بَهْجَةٍ [60] فقال: (ذاتَ) ولم يقل: ذوات وكل صواب.
وإنّما جازَ أن يقول (ذات) للحدائق وهي جمع لأنك تَقُولُ، هَذِه حدائق كما تَقُولُ: هذه حديقة.
ومثله قول الله (وَلِلَّهِ «2» الْأَسْماءُ الْحُسْنى) ولم يقل الحسن و (الْقُرُونِ الْأُولى «3» ) ولو كانت حدائق ذوات بَهجة كَانَ صوابًا. وقال الأعشى فِي توحيدها:
فسوف يُعقبُنيهِ إن ظفرت بِهِ ... ربٌّ غفورٌ وبِيض ذات أطهار
ولم يقل: ذوات أطهار. وإنما يُقال: حديقة لكل بستان عَلَيْهِ حَائط. فما لَمْ يكن عَلَيْهِ حائط لَمْ يقل لَهُ: حديقة.
وقوله: (أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ) مردود على قوله (أَمَّنْ خَلَقَ) كذا وكذا. ثُمَّ قَالَ (أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ) خلَقَه. وإن شئت جعلت رفعه بِمع كقولك: أمع الله ويلكم إله! ولو جاء نصبًا أإلَهًا مع الله عَلَى أن تضمر فعلًا يكون بِهِ النصب كقولك: أتجعلونَ إلهًا مع الله، أو أتتّخذونَ إلهًا مع الله.
والعربُ تَقُولُ: أثعلبًا وتفرّ كأنهم أرادوا: أتُرَى ثعلبًا وتَفِرّ. وقال بعض «4» الشعراء:
أَعبدًا حلَّ فِي شعبى غريبا ... ألؤما لا أبالك واغترابَا
يريد: أتجمع اللؤم والاغتراب. وسمعت بعض العرب يقول لأسير أسره ليلا، فلمّا 138 ا
__________
(1) أثبتت قراءة التاء كما جاء فى ش، ا. وهى قراءة غير عاصم وأبى عمرو ويعقوب. أما هؤلاء فقراءتهم «يشركون» بالياء [.....]
(2) الآية 180 سورة الأعراف
(3) الآية 51 سورة طه
(4) هو جرير. وانظر كتاب سيبويه 1/ 170(2/297)
قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (65)
أصبح رَآه أسود، فقال أعبدًا سائر الليلة، كأنه قَالَ: ألا أراني أسَرْت عبدًا منذ ليلتى. وقال آخر:
أجخفا تميميًّا إِذَا فتنة خَبَتْ ... وجُبْنًا إِذَا ما المشرفيّة سُلَّت «1»
فهذا فِي كل تعجُّب خَاطَبُوا صاحبه، فإذا كَانَ يتعجب من شيء ويُخاطب غيره أعملوا الفعل فقالوا: أثعلب ورجل يفرّ منه، لأن هَذَا خطاب لغير صاحب الثعلب. ولو نصب عَلَى قوله أيفرّ رَجُل من ثعلب فتجعل العطف كأنه السَّابق. يُبْنَى عَلَى هذا. وسمعتُ بعض بني عُقَيل ينشد لِمجنون بني عَامِر:
أألبرق أم نارا لليلى بدت لنَا ... بِمُنْخَرقٍ من سَارياتِ الجنائبِ
وأنشدني فيها:
بَلِ البرقَ يبدو فِي ذرَى دفئية ... يضيء نشاصًا مشمخرّ الْغَواربِ
وأنشدني فيها:
ولو نارَ ليلى بالشريف بدت لنا ... لحُبَّت إلينا نارُ من لَمْ يصاقِب
فنصب كل هَذَا ومعه فعله عَلَى إضمار فعل منه، كأنه قَالَ أأرى نارًا بَلْ أرى البرق. وكأنه قَالَ.
ولو رأيتُ نار ليلى. وكذلك الآيتان الآخريان فِي قوله (أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ) .
وقوله: قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ [65] رفعت ما بعد (إلا) لأن فِي الَّذِي قبلها جحدًا وهو مرفوع. ولو نصبت كَانَ صوابًا. وَفِي إحدى القراءتين (ما فعلوهُ «2» إلا قليلًا منهم) بالنصب. وَفِي قراءتنا بالرفع. وكل صواب، هَذَا إِذَا كَانَ الجحد الَّذِي قبل إلا مع أسماء معرفة «3» فإذا كَانَ مع نكرة لَمْ يقولوا إلا الإتباع لِمَا قبل (إلّا) فيقولون: ما ذهب أحد إلّا
__________
(1) الجخف أن يفتخر بأكثر مما عنده. والمشرفية: السيوف.
(2) الآية 66 سورة النساء وقراءة النصب لابن عامر
(3) ش: «معروفة»(2/298)
قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ (72)
أبوك، ولا يقولون: إلا أباكَ. وَذَلِكَ أن الأب كأنه خلف من أحد لأن ذا واحد وذا واحد فآثروا الإتباع، والمسألة الأولى ما قبل (إلا) جمع وما بعد (إلا) واحد منه أو بعضه، وليس بكلّه.
وقوله: (بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ) [66] معناهُ: لعلَّهم تدارك علمهم. يقول: تتابع علمهم فِي الآخرة. يريد: بعلم الآخرة أنها تكون أو لا تكون، لذلك قَالَ (بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْها بَلْ هُمْ مِنْها عَمُونَ) وهي فِي قراءة أُبي (أَم تدارك عِلْمُهُم فِي الآخرة) بأَمْ. والعربُ تجعل (بَلْ) مكان (أم) و (أم) مكان (بل) إذا كان فى أوّل الكلام استفهام، مثل قول الشاعر:
فو الله ما أدْرِي أَسَلْمَى تَغَوّلَتْ ... أَمِ النَّوْمُ أَمْ كلّ إلى حَبيبُ «1»
فمعناهن: بَلْ. وقد اختلف القراء فِي (ادّارك) فقرأ يَحْيَى والحسن وشيبة وَنَافِع «2» (بَلِ ادَّاركَ) وقرأ مُجاهد وَأَبُو جَعْفَر المدني (بَلْ أَدْرَكَ عِلْمُهُمْ فِي الآخرة) من أدركت ومَعناهُ، كأنه قَالَ: هَلْ أدرك علمهم علم الآخرة. وبلغني عَن ابن عباس أَنَّهُ قرأ (بَلَى أَدَّارك) يستفهم ويشدد الدَّال ويَجعل فِي (بَلى) ياء. وهو وجه جيد لأنه أَشبه بالاستهزاء بأهل الجحد كقولك للرجل تكذبه: بَلَى لعمري لقد أدركت السلف فأنت تروي ما لا نروي وأنت تكذبه.
وقرأ القراء أإنّا لمخرجون [67] و (إنَّنَا) «3» وهي فِي مصاحف أهل الشام (إنَّنا) .
وقوله: عَسى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ: [72] جاء فِي التفسير: دنا لكم بعضُ الَّذِي تستعجلون، فكأن اللام دخلت إِذْ كَانَ المعنى دنا كما قال الشاعر:
138 ب فقلت لَهَا الحاجَاتُ يطرحن بالفتى ... وهمٌّ تعَنّاني مُعَنًّى ركائبُهُ «4»
فأدخل الباء فِي الفتى لأن معنى (يَطرحن) يرمين، وأنت تَقُولُ: رَميت بالشيء وطرحته،
__________
(1) ا: «والله» فى مكان «فو الله» . و «تغولت» : تلونت
(2) وكذا عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي وخلف
(3) هى قراءة ابن عامر والكسائي
(4) ب: «تغشائى» فى مكان: «تعنانى»(2/299)
إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (76)
وتكون اللام داخلة: والمعنى ردفكم كما قَالَ بعضُ العرب: نفذت لَهَا مائة وهو يريد: نفذتها مائة.
وقوله: إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ [76] وَذَلِكَ أن بني إسرائيل اختلفوا حَتَّى لَعَنَ بعضهم بعضًا، فقال الله: إنّ هَذَا القرآن ليقصّ عليهم الهدى مما اختلفوا فِيهِ لو أخذوا بِهِ:
وقوله: وَما أَنْتَ بِهادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ [81] لو قلت بهادٍ العميَ كَانَ صوابًا. وقرأ حَمْزَةُ (ومَا أنتَ تَهْدِي الْعُمْيَ عَن ضلالَتِهم) لأنها فِي قراءة عبد الله (وما إن تهدي العمي) وهما جحدان اجتمعا كما قَالَ الشاعر- وهو دريد بن الصمة-:
ما إنْ رَأَيْتُ ولا سَمعتُ بِهِ ... كاليوم طالِيَ أيْنق جرب «1»
وقوله: وَإِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ [82] معناهُ إِذَا وجب السَّخط عليهم وهو كقوله (حَقَّ «2» عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ) فِي موضع آخر. وقوله (أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ) اجتمعَ القراء عَلَى تشديد (تكلّمهم) وهو من الكلام. وَحَدَّثَنِي بعضُ المحدثين أَنَّهُ قَالَ (تُكَلِّمهم) و (تَكْلِمُهم) وقوله (أن الناسَ) «3» تفتح وتكسر. فمن فَتَحها أوقع عليها الكلام: تكلمهم بأن الناس، وموضعها نصب. وَفِي حرف عبد الله (بأن الناس) وَفِي حرف أبي (تُنَبِّئهم أن الناس) وهما حُجّة لمن فتح وأهل المدينة (تكلِّمُهُم إِنّ الناسَ) فتكون (إنّ) خبرًا مسْتأنفًا ولكنه معنى وقوع الكلام. ومثله (فَلْيَنْظُرِ «4» الإِنْسَانُ إلى طعامه) من قال (أنّا) جَعَله مخفوضًا مردودًا عَلَى الطعام إلى أَنَّا صببنا الماء. ومن كسره قَالَ: إنا أخبر بسبب الطعام كيف قدره الله.
وقوله: (وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ) [87] ولم يقل فيفزعُ، فجعل فَعَل مردودة عَلَى يفعل.
__________
(1) سبق هذا البيت
(2) الآية 63 سورة القصص
(3) الفتح لعاصم وحمزة والكسائي وخلف وافقهم الحسن والأعمش. والكسر للباقين
(4) الآية 24 سورة عبس [.....](2/300)
مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ (89)
وَذَلِكَ أَنَّهُ فِي المعنى: وإذا نفخ فِي الصُّور ففزع ألا ترى أن قولك. أقوم يوم تقوم كقولك: أقوم إذا تقوم، فأجيبت بفَعَل، لأن فعل ويفعل تصلحان مع إِذَا. فإن قلت فأين جواب قوله (وَيَوْمَ يُنْفَخُ فى الصّور) ؟ قلت: قد يكون فِي فَعَل مضمر مع الواو كأنه قَالَ: وَذَلِكَ يوم ينفخ فِي الصور.
وإن شئت قلت: جوابه متروك كما قَالَ (وَلَوْ تَرى «1» إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ) .
وقوله (وَلَوْ يَرَى «2» الَّذِينَ ظَلَمُوا) [87] قد تُرك جوابه. والله أعلم.
وقوله (وَكُلٌّ أَتَوْهُ داخِرِينَ) الْقُرَّاء عَلَى تطويل الألف يريدونَ: فاعلوه. وقصرها «3» حَمْزَةُ حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ حَدَّثَنِي عِدَّةٌ مِنْهُمُ الْمُفَضَّلُ الضَّبِّيُّ وَقَيْسٌ وَأَبُو بَكْرٍ كُلُّهُمْ عَنْ جَحْشِ بْنِ زِيَادٍ الضَّبِّيِّ عَنْ تَمِيمِ بْنِ حَذْلَمٍ قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ (وَكُلٌّ آتَوْهُ دَاخِرِينَ) بِتَطْوِيلِ الأَلِفِ. فَقَالَ (وَكُلٌّ أَتَوْهُ) بِغَيْرِ تَطْوِيلِ الأَلِفِ وهو وجه حسن مردود على قوله (فَفَزِعَ) كما تَقُولُ فِي الكلام: رآني ففرّ وَعَاد وهو صَاغِر. فكان ردُّ فَعَل عَلَى مثلها أعجب إليّ مع قراءة عبد الله. حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ وَحَدَّثَنِي عبد الله بن إدريس عَن الأعمش عَن تَميم عَن عبد الله بِمثل حديث أبي بكر وأصحابه.
وقوله: وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ [89] قراءة القراء بالإضافة. فقالوا (وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ) و (يَوْمَئِذٍ) وقرأ عبد الله بن مسعود فِي إسنادٍ بعضهم بعض الَّذِي حدثتك (مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ) قرأها عليهم تَميم هكذا (وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ) فأخذها بالتنوين والنصب. والإضافة أعجبُ إليّ وإن كنت أقرأ بالنصب لأنه فَزَع معلوم، ألا ترى أَنَّهُ قَالَ (لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ) فصيّره 139 امعرفة. فإن أضِيفَهُ فيكون معرفةً أعجبُ إليّ. وهو صواب.
وقوله: وَأَنْ أَتْلُوَا الْقُرْآنَ [92] وَفِي إحدى القراءتين (وَأَنِ اتْلُ) بغير واو مجزومة على جهة
__________
(1) الآية 51 سورة سبأ.
(2) الآية 165 سورة البقرة.
(3) وكذا حفص وخلف، وافقهم الأعمش.(2/301)
وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ (6)
الأمر. قد أسقطت منها الواو للجزم عَلَى جهة الأمر كما قَالَ (قُلْ إِنِّي «1» أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلا تَكُونَنَّ) فجعل الواو مردودة بالنهي عَلَى حرف قد نصب بأن لأن المعنى يأتي فِي (أمرت) بالوجهين جَميعًا، ألا ترى أنك تَقُولُ: أَمَرْت عبد الله أن يقوم، وأَنْ قُمْ. وقال الله (وَأُمِرْنا «2» لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلاةَ) فهذا مثل قوله (وَأَنْ أَتْلُوَا الْقُرْآنَ) .
ومن سورة القصص
قوله: وَيَرَى فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما [6] هكذا قراءة أصحاب «3» عبد الله بالياء والرفع.
والناس بعد يقرءونها «4» بالنّون: (وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما) بالنصب. ولو قرئت بالياء ونصب فرعون، يريد: ويُرِيَ الله فرعونَ كَانَ الفعل لله. ولم أسمع أحدًا قرأ بِهِ.
وقوله: عَدُوًّا وَحَزَناً [8] هذه لأصحاب «5» عبد الله والعوامّ (حزنا) وكأن الْحُزْن الاسمُ والْغَمّ وما أشبهه، وكأن الحزن مصدر. وهما بمنزلة الْعُدم والعَدَم.
وقوله: وَقالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ [9] رفعت (قُرَّتُ عَيْنٍ) بإضمار (هُوَ) ومثله فِي القرآن كَثِير يرفع بالضمير.
وقوله: (لا تَقْتُلُوهُ) وَفِي قراءة عبد الله (لا تقتلوهُ قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَك) وإنما ذكرت هَذَا لأني سَمِعْتُ الَّذِي يُقَالُ لَهُ ابْنُ مَرْوَانَ السُّدِّيُّ يَذْكُرُ عَنِ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عبّاس أنه قال: إنها قالت (قرة عين لى ولك لا) وَهُوَ لَحْنٌ «6» . وَيُقَوِّيكَ عَلَى رَدِّهِ قِرَاءَةُ عَبْدِ الله.
__________
(1) الآية 14 سورة الأنعام
(2) الآية 71 سورة الأنعام
(3) هى قراءة حمزة والكسائي وخلف وافقهم الحسن والأعمش
(4) ا: «يقرءون»
(5) هى قراءة حمزة والكسائي وخلف وافقهم الأعمش.
(6) أي لمخالفته رسم المصحف(2/302)
وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ (15)
وقوله: (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) يعني بني إسرائيل. فهذا وجه «1» . ويَجوز أن يكون هَذَا من قَوْل الله. وَهُمْ لا يشعرون بأن موسى هُوَ الَّذِي يسلبهم مُلكهم.
وقوله: وَأَصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ مُوسى فارِغاً [10] قد فَرَغَ لهمّه، فليس يَخلط هَمّ موسى شىء وقوله (إِنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ) يعني باسم موسى أَنَّهُ ابنُها وَذَلِكَ أن صدرها ضاقَ بقول آل فرعون: هُوَ ابن فرعون، فكادت تُبدي [بِهِ] أي تظهره. وَفِي قراءة عبد الله (إِنْ كادت لَتُشعِرُ بِهِ) وَحَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي يَحْيَى بِإِسْنَادٍ لَهُ أَنَّ فَضَالَةَ بْنَ عُبَيْدٍ الْأَنْصَارِيَّ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلامُ قَرَأَ (وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَزِعًا «2» ) مِنَ الْفَزَعِ.
وقوله: وَقالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ [11] قصّى أثره. (فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ) . يقول: كانت على شاطىء البحر حَتَّى رأت آل فرعون قد التقطوه. وقوله (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) يعني آل فرعون لا يشعرون بأخته.
وقوله: وحرّمنا عليه المراضع يقول: منعناه من قبول ثدى إلّا ثدى أُمّه.
وقوله: وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلى حِينِ غَفْلَةٍ [15] وإنّما قَالَ (عَلَى) ولم يقل: ودخل المدينة حين غفلة، وأنت تَقُولُ: دخلت المدينة حين غفل أهلها، ولا تَقُولُ: دخلتها عَلَى حين غفل أهلها. وَذَلِكَ أن الغفلة كانت تُجزئ من الحين، ألا ترى أنك تَقُولُ: دخلت عَلَى غفلة وجئتُ عَلَى غفلة، فلما كَانَ (حين) كالفضل فِي الكلام، والمعنى: فِي غفلة أدخلت فِيهِ (عَلَى) ولو لَمْ تكن كانَ صوابًا. ومثله قول الله (عَلى فَتْرَةٍ «3» مِنَ الرُّسُلِ) ولو كَانَ عَلَى حين فترة من الرسل لكان بمنزلة هَذَا. ومثله قوله العجير:
..... ومن يكن ... فتى عامَ عام الماءِ فَهْو كبير «4»
__________
(1) ا، ب: «وجهه»
(2) في الطبري: «فازعا»
(3) الآية 19 سورة المائدة
(4) البيت بتمامه- كما فى اللسان-:
رأتنى تحادبت الغداة ومن يكن ... فتى عامَ عام الماءِ فَهْو كبير(2/303)
قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ (17)
كذلك أنشدني الْعُقَيْلِي. فالعام الأول فَضْل.
وقوله: (فَوَكَزَهُ مُوسى) يريد: فلكزه»
. وفى قراءة عبد الله (فنكزه) ووهزه أيضًا لغة. كلٌّ سواء. وقوله (فَقَضى عَلَيْهِ) يعني قتله.
وندم «2» موسى فاستغفرَ الله فغفر لَهُ.
وقوله: رَبِّ بِما أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ [17] قَالَ ابن عباس: لَمْ يستثن فابتُلِي، فجعل (لَنْ) خبرًا لموسى. وَفِي قراءة عبد الله (فَلَا تَجْعَلْنِي ظَهِيرًا) فقد تكون (لَنْ أكُونَ) عَلَى هَذَا المعنى دُعاءً من موسى: اللَّهُمَّ لن أكون لَهُمْ ظهيرًا فيكون دعاءً وَذَلِكَ أنّ الَّذِي من شيعته لقيه رجل بعد قتله الأول فتسخر الَّذِي من شيعة موسى، فمرّ بِهِ موسى عَلَى تِلْكَ الحال فاستصرخه- يعني استغاثه- فقال لَهُ موسى: (إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ) أي قد قتَلت بالأمس رجلًا فتدعوني «3» إلى آخر. وأقبل إليهما فظنّ الَّذِي من شيعته أَنَّهُ يريده. فقالَ (أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَما قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ) ولم يكن فرعون علم من قتل القبطي الأول. فترك القبطي الثاني صاحب موسى من يده وأخبر بأن موسى القاتل. فذلك قول ابن عباس: فابتلي بأن صاحبه الَّذِي دَلّ عليه.
وقوله: وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ [22] يريد: قصَد ماءَ مَدْيَنَ. ومَدْين لَمْ تصرف لأنها اسم لتلك البلدة. وقال الشاعر «4»
رُهبانُ مَدْينَ لو رأوكِ تَنَزَّلُوا ... والعُصْمُ من شَعَفِ العقولِ الفادر
وقوله (أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ) : الطريق إلى مدين ولم يكن هاديًا «5» لطريقها.
__________
(1) هو الضرب بجمع الكف [.....]
(2) هذا تفسير للآية 16 «قالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ»
(3) ا: «وتدعونى»
(4) هو كثير كما فى معجم البلدان (مدين) . والعصم جمع الأعصم وهو الوعل. والعقول جمع عقل وهو الملجأ.
وشعف العقول رءوسها وأعاليها. والفادر: الوعل المسن أو الشاب. وكأنه من صفة العصم فيكون مرفوعا. وقد جاء صفة للجمع لما كان الجمع على زنة المفرد.
(5) أي مهتديا(2/304)
قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (26)
وقوله عَزَّ وَجَلَّ. وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تذودان [23] : تحبسَان غنمهما. ولا يَجوز أن تَقُولُ ذُدْتُ الرجل: حبسته. وإنَّما كَانَ الذِّيَادُ حَبْسًا للغنم لأن الغنم والإبل إذا أراد شىء منها أن يشذّ ويذهب فرددته فذلك ذَوْد، وهو الحبس. وَفِي قراءة عبد الله (وَدُونَهُمُ امْرَأَتَانِ حَابِسَتَانِ) فَسَألَهُمَا عَن حبسهما فقالتا: لا نقوى عَلَى السقي مع الناس حَتَّى يُصْدِروا. فأتى أهل الماء فاستوهبهم دَلْوًا فقالوا: استقِ إن قويت، وكانت الدلو يحملها الأربعونَ ونَحوهم. فاستقى هُوَ وحدَهُ، فسَقي غنمهما، فذلك قول إحدى الجاريتين
(إِنَّ خَيْرَ «1» مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ) فقُوّته إخراجه الدلو وَحده، وأمانته أن إحدى الجاريتين قالت: إن أبى يدعوك، فقامَ معها فمرّت بين يديه، فطارت الريحُ بثيابِها فألصقتها بجسدها، فقال لَهَا: تأخّري فإن ضللت فدُليني. فمشت خلفه فتلك أمانته.
وقوله: عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ [27] يقول: أن تجعل ثوابي أن ترعى عليّ غنمي ثماني حجج (فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ) يقول: فهو تطوّع. فذكر ابن عباس أَنَّهُ قضى أكثر الأجلين وأطيبهما.
وقوله: أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ [28] فجعل (ما) وهي صلة من صلات الجزاء مع (أيّ) وهي فِي قراءة عَبْد اللَّه (أيَّ الأجلينَ مَا قضَيْت فَلَا عُدْوَانَ عَلَيّ) وهذا أكثر فِي كلام العرب من الأوّل.
وقال الشاعر:
وأيّهما ما أتبَعَنَّ فإنني ... حَريصٌ عَلَى إثْرِ الَّذِي أنَا تابِعُ
وسمع الْكِسَائي أعرابيًا يقول: فأيُّهم ما أخذها ركب عَلَى أيِّهم، يريدُ فِي لُعبة لَهُم. وَذَلِكَ جائز أيضًا حسن.
وقوله: أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ [29] قرأها عاصم (أو جذوة) بالفتح والقراءة بكسر «2» الجيم
__________
(1) فى الآية 26 سورة القصص
(2) الرفع لحمزة وخلف وافقهما الأعمش. والكسر لغير عاصم وهؤلاء.(2/305)
اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (32)
أو 140 ابرفعها. وهي مثل أوطأتك عِشوة وعُشوةً وعَشَوة والرّغوة والرُّغوة والرِّغْوة. ومنه رَبْوةً ورُبْوة ورِبْوة.
وقوله: وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ مِنَ الرَّهْبِ [32] و (الرَّهَبِ) قرأها أهل المدينة (الرّهَب) وَعَاصِم «1» والأعمش (الرُّهْبِ) .
وقوله: رِدْءاً يُصَدِّقُنِي [34] تقرأ جزمًا ورفعًا «2» . من رفعها جعلها صلة للردء ومن جزم فعلى الشرط. والرِّدْءُ: الْعَوْن. تَقُولُ: أردأت الرجل: أعنته. وأهل المدينة يقولونَ (رِدًا يُصَدِّقْنِي) بغير هَمزٍ والجزم عَلَى الشرط: أرسله معى يصدّقنى مثل (يَرِثُنِي «3» وَيَرِثُ) .
وقوله: فَذانِكَ بُرْهانانِ [32] اجتمع القراء «4» عَلَى تخفيف النون من (ذَانِكَ) وكثير من العرب يقول (فذانّك) و (هذانّ) قائمان (وَالَّذانِ «5» يَأْتِيانِها مِنْكُمْ) فيشدِّدونَ النون.
وقوله: (وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ) يريد عَصَاهُ فِي هَذَا الموضع. والجناح فِي الموضع الآخر: ما بين أسفل الْعَضد إلى الرُّفع وهو الإبط.
وقوله: فَأَوْقِدْ لِي يَا هامانُ عَلَى الطِّينِ [38] يقول: اطبخ لي الآجُر وهو الأجور والآجُرّ. وأنشد:
كأنّ عينيه من الغوّور ... قَلْتان فِي جَوف صَفًا منقور
عُولي بالطين وبالأجور «6»
وقوله: قالوا سحران تظاهر [48] يعنون التوراة والقرآن، ويُقال (سَاحرَان تَظَاهَرَا) يعنونَ مُحَمَّدًا وموسى صلى الله عليهما وسلم. وقرأ عاصم «7» والأعمش (سِحْرانِ) .
__________
(1) أي فى رواية أبى بكر. فأما فى رواية حفص فيفتح الراء وسكون الهاء
(2) الرفع لحمزة وعاصم. والجزم للباقين
(3) الآية 6 سورة مريم
(4) هذا فيما يلغه. وقد قرأ بالتشديد ابن كثير وأبو عمر ورويس راوى يعقوب
(5) الآية 16 سورة النساء وقد قرأ بالتشديد ابن كثير
(6) هذا الرجز فى وصف بعير. والقلت: النقرة فى الجبل تمسك الماء. والصفا: الحجر الصلد الضخم لا ينبت
(7) وكذا حمزة والكسائي(2/306)
وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (51)
حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ، قَالَ وَحَدَّثَنِي غير واحد عَن إسماعيل ابن أبي خالد عَن أبي رزين أَنَّهُ قرأ (سحران تظاهرا) .
قَالَ: وقال سفيان بن عيينة عَن حميد قَالَ: قَالَ مجاهد: سألتُ ابن عباس وعنده عكرمة فلم يجبني، فلمّا كانت «1» فِي الثالثة قَالَ عكرمة أكثرت عَلَيْهِ (سَاحِرَان تَظَاهَرَا) فلم ينكر ابن عباس، أو قَالَ: فلو أنكرها لغيّرها. وكان عكرمة يقرأ (سِحْرانِ) بغير ألف ويَحتج بقوله: (قُلْ فَأْتُوا بِكِتابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدى مِنْهُما أَتَّبِعْهُ) وقرأها أهلُ المدينة والحسن (سَاحِرَان تَظَاهَرَا) .
وقوله: أَتَّبِعْهُ [49] رَفْع «2» لأنها صلة للكتاب لأنه نكرة وإذا جزمت «3» - وهو الوجه- جعلته شرطًا للأمر.
وقوله: وَلَقَدْ وَصَّلْنا لَهُمُ الْقَوْلَ [51] يقول: أنزلنا عليهم القرآن يتبع بعضه بعضًا.
وقوله: إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ [53] يُقال: كيف أسلموا قبل القرآن وقبل مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ وَذَلِكَ «4» أنهم كانوا يجدونَ صفة النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كتابِهم فصدقوا بِهِ.
فذلك إسلامهم.
و (مِنْ قَبْلِهِ) هَذِه الْهَاء للنبي عَلَيْهِ السَّلَام. ولو كانت الهاء كناية عن القرآن كان صوابًا، لأنهم قد قالوا: إنه الحق من ربنا، فالهاء هاهنا أيضًا تكون للقرآن ولمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وقوله: إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ [56] يكون الحبّ عَلَى جهتين هاهنا:
إحداهما: إنك لا تهدي من تُحبَّه للقرابة.
والوجه الآخر يريد: إنك لا تهدي من أحببت أن يَهتدي كقولك: إنك لا تَهدي من تريد، كما تراه كثيرا فِي التنزيل (وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ) أن يهديه.
__________
(1) كأنه يريد: فلما كانت المسألة. [.....]
(2) هذا فى الآية التالية 49. وفى ابعد تلاوة الآية: «جزم» يريد الجزم فى «أتبعه»
(3) الرفع قراءة زيد بن على كما فى البحر المحيط. وهى قراءة شاذة. والجزم هو القراءة المعول عليها.
(4) هذا شروع فى الجواب عن السؤال(2/307)
وقوله: أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً [57] قالت قريش: يا مُحَمَّد ما يمنعنا أن نؤمن بك ونصدقك إلا أن العرب عَلَى ديننا، فنخاف أن نصطلم «1» إِذَا آمنا بك. فأنزل الله (أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ) نسكنهم (حَرَماً آمِناً) لا يخاف من دخله أن يقام عَلَيْهِ حَدّ ولا قصاص فكيف يخافون أن تستحل العرب قتالهم فِيهِ.
وقوله: (يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ) و (تُجْبَى «2» ) ذُكِّرت يُجبى، وإن كانت الثمرات مؤنثة لأنك فرقت بينهما بإليه، كما قَالَ الشاعر:
140 ب إن امرأ غَرَّهُ منكُنَّ واحدة ... بعدي وَبَعْدَك فِي الدُّنْيَا لَمغرور
وقال آخر «3» :
لقد ولد الأخيطل أمُّ سَوْءٍ ... عَلَى قمَع اسْتِها صُلُب وشامُ
وقوله: وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَها [58] بطرتها: كفرتَها وخسِرتها ونصبك المعيشة من جهة قوله (إِلَّا مَنْ «4» سَفِهَ نَفْسَهُ) إنما المعنى والله أعلم- أبطرتها معيشتها كما تَقُولُ:
أبطرك مالك وَبطِرتَه، وأسْفهك رأيك فسفهته. فذُكرت المعيشة لأن الفعل كَانَ لَهَا فِي الأصل، فحوّل إلى ما أضيفت «5» إِلَيْهِ. وكأن نصبه كنصب قوله (فَإِنْ طِبْنَ «6» لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً) ألا ترى أن الطيب كَانَ للنفس، فلمّا حوَّلته إلى صاحب النفس خرجت النفسُ منصوبة لتفسِّر معنى الطيب. وكذلك ضقنا بِهِ ذَرْعًا إنما كان المعنى: ضاق به ذرعنا.
__________
(1) الاصطلام: الاستئصال.
(2) هى قراءة نافع وأبى جعفر ورويس راوى يعقوب
(3) هو جرير يهجو الأخطل. والقمع بزنة عتب وضرب: ما يوضع فى فم السقاء ونحوه ثم يصب فيه الماء والشراب، استعاره لفرجة الاست. والصلب جمع صليب. والشام جمع شامة وهى علامة تخالف البدن وكانت أم الأخطل كالأخطل نصرانية
(4) الآية 130 سورة البقرة
(5) ا «أضيف»
(6) الآية 4 سورة النساء(2/308)
فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْبَاءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لَا يَتَسَاءَلُونَ (66)
وقوله: (لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا) معناهُ: خرِبت من بعدهم فلم يُعمر منها إلا القليل، وسائرها خراب. وأنت ترى اللفظ كأنَّها سُكنت قليلًا ثُمَّ تُركت، والمعنى عَلَى ما أنبأتك بِهِ مثله:
ما أعطيتك دراهمك إلَّا قليلًا، إنّما تريد: إلا قليلًا منها.
وقوله: (حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّها) [59] أُمّ الْقُرَى مكة. وإنّما سميت أمّ القرى لأن الأرض- فيما ذكروا- دحِيت من تَحتها.
وقوله: فَهُمْ لا يَتَساءَلُونَ «1» [66] يقول القائل: قَالَ الله (وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ) كيف قال هنا: (فَهُمْ لا يَتَساءَلُونَ) فإن التفسير يقول: عَمِيت عليهم الحجَج يومئذ فسكتوا فذلك قوله (فَهُمْ لا يَتَساءَلُونَ) فِي تِلْكَ الساعة، وهم لا يتكلمون.
قوله: فَعَسى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ [67] وكل شيء فِي القرآن من (عسى) فذُكر لنا أنها واجبة.
وقوله: مَا كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ [68] يُقال «2» الْخِيرة والخَيْرَة والطِّيرَة والطَّيْرة. والعربُ تَقُولُ:
أعطني الْخَيْرَة منهن والخِيَرَة منهن والخِيَرة وكل ذَلِكَ الشيء المختار من رجل أو امرأة أو بَهيمة، يَصْلُح إحدى هَؤُلَاءِ الثلاث فِيهِ.
وقوله: إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً [71] دائما لانهار معه. ويقولون: تركته سَرْمَدًا سمْدًا، إتباع.
وقوله: جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ [73] . إن شئت جعلت الْهَاء راجعة عَلَى الليل خاصة وأضمرت للابتغاء هاء أخرى تكون للنهار، فذلك جائز. وإن شئت جعلت الليل والنهار كالفعلين لأنَّهما ظُلْمة وضوء، فرجعت الْهَاء فِي (فيه) عليهما جميعا، كما تقول:
__________
(1) الآية 27 سورة الصافات، والآية 25 سورة الطور
(2) فى اللسان فى نقل عبارة الفراء. قبل هذا الكلام: «أي ليس لهم أن يختاروا على الله» وكان هذا من نسخة غير ما وقع لنا.(2/309)
إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ (76)
إقبالك وإدبارك يؤذيني لأنهما فعل والفعل يَرَدّ كثيره وتثنيته إلى التوحيد، فيكون ذَلِكَ صوابًا.
وقوله: إِنَّ قارُونَ كانَ مِنْ قَوْمِ مُوسى فَبَغى عَلَيْهِمْ [76] وكان ابن عمّه (فَبَغى عَلَيْهِمْ) وبَغْيه عليهم أَنَّهُ قَالَ: إِذَا كانت النبوة لموسى، وَكَانَ المذبح والقُرْبَان الَّذِي يُقرّب فِي يد هارون فما لى؟
وقوله: (وَآتَيْناهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ) نَوؤها بالعُصْبة أن تُثقلهم، والعُصْبة هاهنا أربعونَ رجلًا ومفاتِحه: خزائنه. والمعنى: ما إن مفاتحه لتُنيء العصبة أي تميلهم من ثقلها فإذا أدخلت الباء قلت: تنوء بِهم وتُنيء بهم، كما قال (آتُونِي «1» أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً) والمعنى: ائتوني بقِطْرٍ أُفرغ عَلَيْهِ، فإذا حذفت الباء زدت فِي الفعل ألفًا فِي أوله. ومثله (فَأَجاءَهَا «2» الْمَخاضُ) معناهُ: فجاء بِهَا المخاض. وقد قَالَ رجلٌ من أهل العربية: إن المعنى «3» : ما إن الْعُصْبَة لتنوءُ بِمفاتِحه فحوّل الفعل إلى المفاتِح كما قَالَ الشاعر:
إن سراجًا لكريم مفخره ... تَحْلَى بِهِ الْعَيْنُ إِذَا ما تَجْهَرُه «4»
وهو الَّذِي يَحْلَى بالعينِ. فإن كَانَ سَمِعَ بِهذا أثرًا فهو وجه. وإلا فإن الرجل جَهل المعنى. ولقد أنشدني بعض العرب:
حَتَّى إِذَا ما التأمت مَوَاصِلُهْ ... وناءَ فِي شقّ الثِّمالِ كاهِلُهْ
يعني الرامي لِمَا أخذ القوس ونزع مال عَلَى شِقّه. فذلك نَوْؤه عليها. ونُرى أن قول العرب:
ما ساءك وناءك من ذَلِكَ، ومعناهُ ما سَاءك وأناءك، إلا أَنَّهُ ألقى الألف لأنه مُتبع لساءك، كما قالت العرب: أكلت طعامًا فهنأني ومرأني، ومعناهُ، إِذَا أفردت: وأمرأني، فحذفت منه الألف لِمَا أن أتبع ما لا ألف فيه.
__________
(1) الآية 96 سورة الكهف.
(2) الآية 23 سورة مريم.
(3) انظر ص 99، 131 من الجزء الأول. [.....]
(4) يريد أنه خرجه على القلب.(2/310)
قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ (78)
وقوله: (إِذْ قالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ) ذكروا أن موسى الَّذِي قَالَ لَهُ ذَلِكَ لأنه من قومه وإن كَانَ عَلَى غير دينه. وجمعه هاهنا وهو واحد كقول الله (الَّذِينَ «1» قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ) وإنَّما كَانَ رَجُلًا من أشجع وقوله (الْفَرِحِينَ) ولو قيل: الفارحين كَانَ صوابًا، كأنَّ الفارحين: الَّذِينَ يفرحونَ فيما يستقبلونَ، والفرحين الَّذِينَ هم فِيهِ الساعة، مثل الطامع والطمع، والمائت والميت، والسالس والسَّلس. أنشدني بعض بني دُبَيْر، وهم فصحاء بني أسد:
ممكورةٌ غَرْثَى الوشاحِ السَّالِسِ ... تضحك عَن ذي أُشُر عُضارس «2»
العضارس البارد وهو مأخوذ من الْعَضْرس وهو البرد. يُقال: سَالِس وسلِس.
وقوله: إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي [78] : عَلَى فضلٍ عندي، أي كنت أهله ومستحقًا لَهُ، إذ أعطيته لفضل علمي. ويُقال: (أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ) ثُمَّ قَالَ (عِنْدِي) أي كذاك أرى كما قَالَ (إِنَّما أُوتِيتُهُ «3» عَلى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ) .
وقوله: (وَلا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ) يقول: لا يسأل المجرم عَن ذنبه. الْهَاء والميم للمجرمين. يقول: يعرفون بسيماهم. وهو كقوله: (فَيَوْمَئِذٍ «4» لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ) ثم بيّن فقال: (يُعْرَفُ «5» الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ)
وقوله: وَلا يُلَقَّاها إِلَّا الصَّابِرُونَ [80] يقول: ولا يلقى أن يقول ثَوَابُ اللَّهِ خير لمن آمن وعمل صالحا إلا الصابرون. ولو كانت: ولا يلقاه لكان صوابًا لأنه كلام والكلام يُذهب بِهِ إلى التأنيث والتذكير. وَفِي قراءة عبد الله (بَل هي آيَاتٌ بيِّنات) وَفِي قراءتنا (بَلْ هُوَ «6» آيات) فمن قال
__________
(1) الآية 173 سورة آل عمران.
(2) الممكورة: الحسنة الساقين. وغرثى الوشاح: «خميصة البطن دقيقة الخصر» . والسالس: اللين. والأشر:
تحزيز الأسنان. ويريد بذي أشر ثغرها.
(3) الآية 49 سورة الزمر.
(4) الآية 39 سورة الرحمن.
(5) الآية 41 سورة الرحمن.
(6) الآية 49 سورة العنكبوت.(2/311)
وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلَا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ (82)
(هي) ذهبَ إلى الآيات، ومن قَالَ (هُوَ) ذهبَ إلى القرآن. وكذلك (تِلْكَ «1» مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ) و (ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ «2» ) ومثله فِي الكلام: قد غمّني ذاك وغمّتني تلك منك.
وقوله: وَيْكَأَنَّ اللَّهَ [82] فِي كلام العرب تقرير. كقول الرجل: أما ترى إلى صنع الله.
وأنشدني:
ويكأن من يكن له نشب يح ... بب ومن يفتقر يعش عيش ضُرّ «3»
قَالَ الفراء: وأخبرني شيخ من أهل البصرة قَالَ: سمعت أعرابية تَقُولُ لزوجها: أين ابنك ويلك؟ فقال: ويكأنه وراء البيت. معناهُ: أما ترينه وراء البيت. وقد يذهب بعض النحويين إلى أنهما كلمتان يريد وَيْكَ أَنَّهُ، أراد ويلك، فحذف اللام وجعل (أنّ) مفتوحة بفعل مضمر، كأنه قَالَ: ويلك أعلم أَنَّهُ وراء البيت، فأضمر (أعلم) . ولم نَجد العرب تُعمل الظن والعلم بإضمار مضمر فِي أنّ. وَذَلِكَ أَنَّهُ يبطل إِذَا كَانَ بين الكلمتين أو فِي آخر 141 ب الكلمة، فلمّا أضمره جرى مَجْرَى الترك ألا ترى أَنَّهُ لا يَجوز فِي الابتداء أن تَقُولَ: يا هَذَا أنك قائم، ولا يا هَذَا أن قمت تريد: علمت أو أعلم أو ظننت أو أظن. وأمّا حذف اللام من (ويلك) حَتَّى تصير (ويك) فقد تقوله العرب لكثرتها فِي الكلام قَالَ عنترة:
ولقد شفى نفسي وَأبرأ سُقمها ... قولُ الفوارس وَيْكَ عَنْتَرَ أقدم «4»
وقد قَالَ آخرون: إن معنى (وَيْكَأَنَّ) أنّ (وَيْ) منفصلة من (كأنّ) كقولك للرجل:
وَيْ، أمَا ترى ما بين يديك، فقال: وَيْ، ثُمَّ استأنف (كأن) يعني (كأن الله يبسط الرزق) وهى تعجّب، و (كأنّ) فِي مذهب الظن والعلم. فهذا وجه مستقيم. ولم تكتبها العرب منفصلة،
__________
(1) الآية 49 سورة هود.
(2) الآية 44 سورة آل عمران.
(3) فى اللسان (وى) أنه لزيد بن عمرو بن نفيل. ويقال لنبيه بن الحجاج. والنشب: المال والعقار.
(4) هذا من معلقته.(2/312)
إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جَاءَ بِالْهُدَى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (85)
ولو كانت عَلَى هَذَا لكتبوها منفصلة. وقد يَجوز أن تكون كَثر «1» بِهَا الكلام فوصلت بما ليست منه كما اجتمعت العرب عَلَى كتاب (يا بن أمّ) (يا بنؤمّ) «2» قال: وكذا رأيتها فِي مُصحف عبد الله. وهي فِي مصاحفنا أيضا.
وقوله: لَخَسَفَ بِنا [82] قراءة العامة (لَخَسَفَ) وقد قرأها شَيْبَة «3» والحسن- فيما أعلم- (لَخَسَفَ بِنا) وهى فى قراءة عبد الله (لا نخسف بنا) فهذا حجّة لمن قرأ (لخسف) .
وقوله: إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ [85] .
يقول: أَنْزَلَ عليك القرآن (لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ) ذكروا أن جبريل قَالَ يا مُحَمَّد أشتقت إلى مولدك ووطنك؟ قَالَ: نعم. قَالَ فقال لَهُ ما أنزل عَلَيْهِ (إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ) يعني إلى مكة. والمعاد هاهنا إنما أراد بِهِ حَيْثُ ولدت وليس من العود «4» . وقد يكون أن يجعل قوله (لَرادُّكَ) لمصيرك إلى أن تعود إلى مكة مفتوحة لك فيكون المعاد تعجّبا (إِلى مَعادٍ) أَيّما مَعاد! لِمَا وعده من فتح مكة.
وقوله: وَما كُنْتَ تَرْجُوا أَنْ يُلْقى إِلَيْكَ الْكِتابُ إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ [86] : إلا أن ربك رحمك (فأنزل «5» عليك) فهو استثناء منقطع. ومعناهُ: وما كنت ترجو أن تعلم كتب الأولين وقصصهم تتلوها عَلَى أهل مكة ولم تحضرها ولم تشهدها. والشاهد عَلَى ذلك قوله فى هذه السّورة (وَما كُنْتَ ثاوِياً «6» فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا) أي إنك تتلو عَلَى أهل مكة قصص مدين وموسى ولم تكن هنالك ثاويًا مقيمًا فنراه وتسمعه. وكذلك قوله (وَما كُنْتَ «7» بِجانِبِ الْغَرْبِيِّ) وهأنت ذا تتلو قصصهم وأمرهم. فهذه الرحمة من ربّه.
__________
(1) ش: «أكثر» .
(2) فى الآية 94 سورة طه.
(3) وهى قراءة حفص ويعقوب. [.....]
(4) فى الطبري أنّه على هذا من العادة أي لرادك إلى عادتك من الموت أو حيث ولدت.
(5) سقط فى ا:
(6) الآية 45.
(7) الآية 44.(2/313)
الم (1)
وقوله: كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ [88] إلا هُوَ.
وقال الشاعر:
أستغفرُ اللَّه ذنبًا لستُ مُحْصِيهُ ... رَبّ الْعِبَادِ إِلَيْهِ الْوَجْهُ وَالْعَمَلُ
أي إليه أوجّه عملى.
ومن سورة العنكبوت
قوله: الم أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا [2] (يُتركوا) «1» يقع فيها لام الخفض، فإذا نزعتها منها كانت منصوبة. وقلمّا يقولون: تركتك أن تذهب، إنما يقولون: تركتك تذهب. ولكنها جُعلت مكتفية بوقوعها عَلَى الناس وحدهم. وإن جعلت (حَسِبَ) مَكرورة عليها كَانَ صوابًا كأن المعْنى:
أحسب الناس أن يتركوا، أحسبوا (أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ) .
وقوله: اتَّبِعُوا سَبِيلَنا وَلْنَحْمِلْ [12] هُوَ أمر فِيهِ تأويل جزاء، كما أن قوله (ادْخُلُوا «2» مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ) نَهْي فِيهِ تأويل الجزاء. وهو كَثِير فِي كلام العرب.
قَالَ الشاعر «3» :
فقلتُ ادعِي وَأَدْعُ فإنّ أندى ... لصوتٍ أن يُنادي داعيان
أراد: ادعِي ولأَدْعُ فإن أندى. فكأنه قَالَ: إن دعوت دعوت.
وقوله: وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ [13] يعنى أوزارهم 142 ا (وَأَثْقالًا مَعَ أَثْقالِهِمْ) يقول: أوزار من أضلّوا.
__________
(1) كذا. والصواب: «أن يقولوا» . والأصل: «لأن يقولوا» .
(2) الآية 18 سورة النمل.
(3) هو مدثار بن شيبان النمري. وقبله.
تقول خليلتى لما اشتكينا ... سيدركنا بنو القرم الهجان
ويقال فلان: أندى صوتا أي أبعد مذهبا وأرفع صوتا وانظر اللسان (ندى) .(2/314)
إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (17)
وقوله: إِنَّما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثاناً وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً [17] (إنّما) فِي هَذَا الموضع حرف واحد، وليست على معنى (الذي) (وتخلقون إفكا) مردودة عَلَى (إنما) كقولك: إنما تفعلونَ كذا، وإنما تفعلون كذا. وقد اجتمعوا عَلَى تخفيف (تَخْلُقُونَ) إِلا أبا عَبْد الرَّحْمَن السُّلَميّ فإنه قَرَأَ (وتَخَلّقُونَ إِفْكا) ينصب التاء ويُشدد اللام وهما فى المعنى سواء.
وقوله: النَّشْأَةَ [20] القراء مجتمعونَ عَلَى جزم الشِّين وقصرها، إلا الْحَسَن «1» الْبَصْرِيّ فإنه مدها فِي كل القرآن فقال (النشَاءَة) ومثلها مما تقوله العرب الرأفة، والرآفة، والكَأبة والكآبة كلٌّ صواب.
وقوله: وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ [22] يقول: القائل: وكيف وصفهم أنهم لا يعجزون فِي الأرض ولا فِي السماء، وليسوا من أهل السماء؟ فالمعنى- والله أعلم- ما أنتم بِمعجزين فِي الأرض ولا من فِي السماء بِمعجزٍ. وهو من غامض العربية للضمير الَّذِي لَمْ يظهر فِي الثاني.
ومثله قول حسان:
أمَن يهجو رسول الله منكم ... ويَمدحُهُ وينصرهُ سَوَاءُ «2»
أراد: ومن ينصره ويَمدحه فأضمر (مَنْ) وقد يقع فِي وَهْم السَّامِعِ أن المدح والنصر لمن هَذِه الظاهرة. ومثله فِي الكلام: أكرِم مَن أتاكَ وأتى أباك، وأكرم مَن أتاك ولم يأت زيدًا، تريد:
ومن لَمْ يأتِ زيدًا.
وقوله: وَقالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثاناً مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ [25] نصبها حَمْزَةُ «3» وأضافها ونصبها عَاصِم «4» وأهل المدينة، ونوَّنوا فيها (أَوْثاناً مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ) ورفع ناسٌ منهم الْكِسَائي بإضافة. وقرأ الْحَسَن (مَوَدّةٌ بَيْنَكُمْ) يرفع ولا يضيف. وهي فِي قراءة أُبَيّ (إنّما مودّة بينهم فى الحياة الدّنيا)
__________
(1) وكذا قرأ بالمد ابن كثير وأبو عمر، وافقهما ابن محيصن واليزيدي.
(2) ش: ب «فمن» فى مكان» أمن» .
(3) وكذا حفص عن عاصم، ورسح عن يعقوب.
(4) أي فى رواية أبى بكر.(2/315)
أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (29)
وَفِي قراءة عَبْد اللَّه (إنّما مَوَدَّةُ بَيْنِكم) وهما شاهدان لِمن رَفَع. فمن رفع فإنما يرفع بالصفة بقوله (فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) وينقطع الكلام عند قوله (إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثاناً) ثُمَّ قَالَ: ليست مودتكم تِلْكَ الأوثان ولا عبادتكم إيّاها بشيء، إنّما مودة ما بينكم فِي الحياة الدُّنْيَا ثُمَّ تنقطع. ومن نصب أوقع عليها الاتخاذ: إنما اتخذتموها مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فى الحياة الدنيا.
وقد تكون رفعًا عَلَى أن تجعلها خبرًا لِمَا وتجعل (ما) عَلَى جهة (الَّذِي) كأنك قلت: إن الَّذِينَ اتخذتموهم أوثانًا مودة بينكم فتكون المودة كالخبر، ويكون «1» رفعها عَلَى ضمير (هي) كقوله (لَمْ يَلْبَثُوا «2» إِلَّا ساعَةً مِنْ نَهارٍ) ثُمَّ قَالَ (بَلاغٌ) أي هَذَا بلاغ، ذَلِكَ بلاغ. ومثله (إِنَّ «3» الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ) ثم قال (مَتاعٌ «4» فِي الدُّنْيا) أي ذَلِكَ متاع فِي الحياة الدُّنْيَا وقوله (يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ) : يتبرأ بعضكم من بعض والعابد والمعبود فِي النار.
وقوله: إِنِّي مُهاجِرٌ إِلى رَبِّي [26] هذا من قيل إِبْرَاهِيم. وَكَانَ مهاجره من حَرَّان إلى فلسطين.
وقوله: وَآتَيْناهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيا [27] الثناء الْحَسَن وأن أهل الأديان كلهم يتولَّونه. ومن أجره أن جعلت النبوة والكتاب فِي ذرّيته.
وقوله: وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ [29] قَطْعه: أنهم كانوا يعترضونَ الناس من الطرق بعلمهم الخبيث، يعني اللواط. ويُقال: وتقطعُونَ السبيل: تقطعُونَ سبيلَ الْوَلَد بتعطيلكم/ 142 النساء وقوله (وَتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ) فى مجالسكم. والمنكر منه الحذف «5» ، والصفير، ومضغ
__________
(1) هذا وجه آخر للرفع:
(2) الآية 35 سورة الأحقاف.
(3) الآية 69 سورة يونس. [.....]
(4) الآية 70 سورة يونس.
(5) هو الرمي بحصاة أو نوى أو نحوهما، تأخذ بين سبابتيك تحذف به أو بمخذفة من خشب.(2/316)
وَعَادًا وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ (38)
الْعِلك، وحَلّ أزرار الأقبية والقُمُصِ، والرمي بالبُنْدُق «1» . ويُقال «2» : هي ثماني عشرة خَصْلة من قول الكلبي لا أحفظها. وقال غيره: هي عشرٌ.
وقوله: وَكانُوا مُسْتَبْصِرِينَ [38] فِي دينهم. يقول: ذوو بصائر.
وقوله: كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً [41] ضربه مثلًا لِمن اتخذ من دون الله وَلِيًّا أَنَّهُ لا ينفعه ولا يضره، كما أن بيت العنكبوتِ لا يقيها حرًّا ولا بردًا. والعنكبوت أنثى. وقد يُذكرها بعضُ العرب. قَالَ الشاعر:
عَلَى هَطّالهم منهم بيوتٌ ... كأنَّ العنكبوت هُوَ ابتناهَا «3»
وقوله: إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ [45] . يقول: ولذكر الله إياكم بالثواب خيرٌ من ذكركم إياهُ إِذَا انتهيتم. ويكون: إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر وأحقّ أن يَنْهَى.
وقوله: فَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ [47] بِمحمدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ويُقال: إنه عبد الله بن سلام (وَمِنْ هؤُلاءِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ) يعني الَّذِينَ آمنوا من أهل مكة.
وقوله: وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ [48] من قبل القرآن (مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ) ولو كنت كذلك (لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ) يعني النصارى الَّذِينَ وجدوا صفته ويكون (لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ) أي لكان أشد لريبة من كذب من أهل مكة وغيرهم.
ثُمَّ قَالَ: بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ [49] يريد القرآن وَفِي قراءة عبد الله (بَلْ هي آيَاتٌ) يريد:
بَلْ آيات القرآن آيات بيّنات: ومثله (هذا بَصائِرُ «4» لِلنَّاسِ) ولو كانت هَذِه بصائر للناس كَانَ صوابًا.
ومثله (هذا «5» رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي) لو كان: هذه رحمة لجاز.
__________
(1) البندق كرات من طين يرمى بها.
(2) ش: «قال» أي الفراء.
(3) هطال: جبل. وقد كتب فى افوق (هطالهم) : «جبلهم» .
(4) الآية 20 سورة الجاثية.
(5) الآية 98 سورة الكهف.(2/317)
وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَوْلَا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجَاءَهُمُ الْعَذَابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (53)
وقوله: وَلَوْلا أَجَلٌ مُسَمًّى [53] يقول: لولا أن الله جعَل عذاب هَذِه الأمة مؤخرًا إلى يوم القيامة- وهو الأجل- لجاءهم العذاب. ثم قال (وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً) يعني القيامة فذكر لأنه يريد عذاب القيامة. وإن شئت ذكرته عَلَى تذكير الأجل. ولو كانت وَلَتأْتِيَنَّهُم كَانَ صوابًا يريدُ القيامة والساعة.
وقوله: وَيَقُولُ ذُوقُوا [55] وهي فِي قراءة عبد الله (ويُقال ذوقوا) وقد قرأ بعضهم «1» (وَنَقُولُ) بالنون وكل صواب.
وقوله: يَا عِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ
[56] هَذَا لمسلمة أهل مكة الَّذِينَ كانوا مقيمين مع المشركين. يقول (إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ)
يعني المدينة أي فلا تُجاوروا أهل الكفر.
وقوله: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ [58] قرأها العوام (لنبوّئنّهم) وَحَدَّثَنِي قَيْسٌ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ قَرَأَهَا (لَنُثْوِيَنَّهُمْ) وقرأها كذلك يَحْيَى «2» بن وثّاب وكلّ حسن بوّأته منزلا وأثويته منزلا.
وقولوا: وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ [60] نزلت فِي مؤمني أهل مكة، لَمَّا أمروا بالتحول عنها والخروج إلى المدينة قالوا: يا رسول الله لَيْسَ لنا بالمدينة منازل ولا أموال فمن أين المعاش؟ فأنزل الله (وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا) لا تدّخرُ رزقها ولا تَجمعه، أي كذلك جميع هوام الأرض كلها إلا النملة فإنها تدّخرُ رزقها لسنتها.
وقوله: وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ [64] حياة لا موت فيها.
وقوله: إِذا هُمْ يُشْرِكُونَ [65] يقول: يُخلصون الدعاء والتوحيد إلى الله فِي البحر، فإذا نجّاهم صاروا إلى عبادة الأوثان.
__________
(1) هم غير نافع وعاصم وحمزة والكسائي وخلف أما هؤلاء فقد قرءوا بالياء.
(2) وهى قراءة حمزة والكسائي وخلف.(2/318)
غُلِبَتِ الرُّومُ (2)
وقوله: وَلِيَتَمَتَّعُوا [66] قرأها عَاصِم والأعمش عَلَى جهة الأمر والتوبيخ بجزم اللام وقرأها أهل الحجاز (وليتمتّعوا) مكسورة على جهة كى.
ومن سورة الروم
[قوله: غُلِبَتِ الرُّومُ [2] القراء مجتمعون على (غُلِبَتِ) إلا ابن عمر فإنه قرأها (غُلِبَتِ الرُّومُ) فقيل لَهُ: علامَ [143] غَلَبُوا؟ فقال: عَلَى أدنى رِيف الشأم. والتفسير يرد قول ابن عمر.
وَذَلِكَ أن فارس ظفرت بالروم فحزن لذلك المسلمون، وفرح مشركو أهل مكة لأن أهل فارس يعبدونَ الأوثان ولا كتاب لَهُم، فأحبهم المشركون لذلك، ومال المسلمون إلى الروم، لأنهم ذَوو كتاب ونبوة. والدليل عَلَى ذَلِكَ قول الله (وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ) ثُمَّ قَالَ بعد ذَلِكَ:
ويوم يغلبون يَفْرَحُ المؤمنون إِذَا غَلَبوا. وقد كَانَ ذَلِكَ كله.
وقوله: (مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ) كلامُ العرب غَلبته غَلَبةً، فإذا أضافوا أسقطوا الْهَاء كما أسقطوها فِي قوله (وَإِقامَ «1» الصَّلاةِ) والكلامُ إقامة الصلاة.
وقوله: لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ [4] القراءة بالرفع بغير تنوين لأنَّهما فِي المعنى يراد بهما الإضافة إلى شيء لا محالة. فلمّا أدّتا عَن معنى ما أُضيفتا إِلَيْهِ وسَمُوهما بالرفع وهما مخفوضتان ليكون الرفع دليلًا عَلَى ما سقطَ مما أضفتهما إِلَيْهِ. وكذلك ما أشبههما، كقول الشاعر:
إنْ تأتِ من تحت أجئها من عل «2»
__________
(1) الآية 37 سورة النور.
(2) الرواية فى اللسان (يعد) :
إن يأت من تحت أجئه من عل(2/319)
ومثله قول الشاعر «1» :
إذا أنا لم أو من عليك ولم يَكُنْ ... لقاؤكِ إلا من وراءُ وَرَاءُ
ترفع إِذَا جعلته غاية ولم تذكر بعده الَّذِي أضفته إِلَيْهِ فإن نويت أن تُظهره أو أظهرته قلت: لله الأمر من قبل ومن بعد: كأنك أظهرت المخفوض الَّذِي أسندت إِلَيْهِ (قَبْل) و (بعد) .
وسمع الْكِسَائي بعض بني أسد يقرؤها (لله الأمرُ من قبل ومن بعدُ) يخفض (قبل) ويرفع بعد) عَلَى ما نوى وأنشدني (هُوَ يعني) «2» الْكِسَائي:
أكابِدَها حتى أعرّس بعد ما ... يكون سُحُيْرًا أو بُعَيْدَ فأهْجَعَا
أراد بُعَيْدَ السّحر فأضمره. ولو لَمْ يُرد ضمير الإضافة لرفع فقال: بُعَيْدُ. ومثله قول الشاعر «3» :
لَعَمْرُكَ ما أدري وإنى لأوجل ... على أيّنا تعدو المنَّيةُ أوّلُ
رفعت (أول) لأنه غاية ألا ترى أنها مسندة إلى شيء هي أوله كما تعرف أن (قبل) لا يكون إلا قبل شيء، وأنّ (بعد) كذَلِكَ. ولو أطلقتهما بالعربية فنوَّنت وفيهما معنى الإضافة فخفضت فِي الخفض ونوَّنت فِي النصب والرفع «4» لكان صوابًا، قد سُمع ذَلِكَ من العرب، وجاء فِي أشعارها، فقال بعضهم:
وساغَ لي الشرابُ وكنتُ قبلا ... أكاد أغصّ بالماء الحميم «5»
فنوَّنَ وكذلك تَقُولُ: جئتك من قبل فرأيتك. وكذلك قوله:
__________
(1) هو عتى بن مالك العقيلي وانظر اللسان (ورى) .
(2) سقط ما بين القوسين فى ا.
(3) هو معن بن أوس المزني. [.....]
(4) سيأتى له أن التنوين فى الرفع خاص بضرورة الشعر.
(5) فى التصريح فى مبحث الإضافة أنه لعبد الله بن يعرب. وفى البيت رواية أخرى: «الفرات» بدل «الحميم» ومن يثبت الرواية الأخيرة يفسر الحميم بالبارد، وإن كان المشهور فيه الحار فهو على هذا من الأضداد.(2/320)
مِكَرٍّ مِفَرٍّ مُقْبِلٍ مُدْبِرٍ مَعًا ... كَجُلْمُودِ صَخْرٍ حَطَّهُ السَّيْلُ مِنْ عَلِ «1»
فهذا مخفوض. وإن شئت نوّنت وإن شئت لَمْ تنون عَلَى نيتك. وقال الآخر «2» فرفع:
كَأنَّ مِحَطّا فِي يَدي حارثيَّةٍ ... صَنَاعٍ علت منّي بِهِ الْجِلدَ من علُ
الْمِحَطّ: منقاش تشم بِهِ يدها.
وأمّا قول الآخر:
هتكت بِهِ بيوتَ بني طريفٍ ... عَلَى ما كَانَ قبلٌ من عِتاب
فنوَّن ورفع فإن ذَلِكَ لضرورة الشعر، كما يُضطّر إِلَيْهِ الشاعر فينون فِي النداء المفرد فيقول:
يا زيدٌ أقبل قَالَ:
قَدَّمُوا إذْ قيل قيسٌ قَدِّمُوا ... وارفعُوا المجدَ بأطرافِ الْأَسَل
وأنشدني بعض بني عُقيل:
ونحنُ قتلنا الْأَسْدَ أسد شَنُوءَة ... فما شرِبُوا بعدٌ عَلى لذة خَمْرَا
ولو رده إلى النصب إذ نون كَانَ وجهًا كما قَالَ:
وساغَ لي الشراب وكنت قبلًا ... أكادُ أغَصَّ بالماءِ الْحَميمِ
وكذلك النداء لو رُدّ إلى النصب إِذَا نُوِّن فِيهِ كَانَ وجهًا كما قَالَ:
فطِر خالدًا إن كنتَ تَسْطيع طَيْرةً ... وَلَا تَقَعَنْ إِلَّا وقلبُكَ حَاذِرُ
ولا تنكرنَّ أن تضيف قبل وبعد وأشباههما وإن لَمْ يظهر فقد قَالَ «3» :
إِلَّا بُدَاهةَ أو عُلالَة ... سابح نهد الجزاره
__________
(1) هذا البيت من معلقة امرئ القيس فى وصف الفرس.
(2) ا: «آخر» وهو النمر بن تولب، كما فى اللسان (حطط) .
(3) أي الأعشى.. وقبله:
ولا نقاتل بالعصى ولا نرامى بالحجارة يذكر أن قومه يحاربون راكبين الخيل ويقال لأول جرى الفرس بداهته، وللجرى الذي يكون بعده علالته. يقال:
فرس ضخم الجزارة ونهد الجزارة إذا كان غليظ اليدين والرجلين كثير عصبهما:(2/321)
يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ (7)
وقال الآخر:
يا من يرى عارِضًا أكفكفُهُ ... بين ذِرَاعيْ وَجَبْهةِ الْأَسَدِ
وسمعت أبا ثَرْوَان الْعُكْلِيّ يقول: قطع الله الغداة يد ورجل من قاله. وإنّما يَجوز هَذَا فِي الشيئين يَصْطَحبان مثل اليد والرجل، ومثل «1» قوله: عندي نصف أو ربع درهمٍ، وجئتك قبل أو بعد العصر. ولا يجوز فِي الشيئين يتباعدان مثل الدار والغلام: فلا تُجيزنّ: اشتريت دارَ أو غُلام زيد ولكن عَبْدَ أَوْ أَمَةَ زيدٍ، وعين أو أذُن، ويد أو رِجْل، وما أشبهه.
وقوله: يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا [7] يعني أهل مكة. يقول: يعلمون التجارات والمعاش، فجعل ذَلِكَ علمهم. وأمَّا بأمْرِ الآخرة فعَمون «2» .
وقوله: إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى [8] يقول: ما خلقناهما (إِلَّا بِالْحَقِّ) للثواب والعقاب والعمَل (وَأَجَلٍ مُسَمًّى) : القيامة.
وقوله: وَأَثارُوا الْأَرْضَ [9] : حرثوها (وَعَمَرُوها أَكْثَرَ) مما كانوا يعمرون. يقول: كانوا يعمرون أكثر من تعمير أهل مكة فأُهلكوا.
وقوله: ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا السُّواى [10] .
تنصب العاقبة بكان، وتجعل مرفوع (كَانَ) فِي (السّوءى) . ولو رفعت العاقبة ونصبت (السّوءى) كان صوابا. و (السّوءى) فِي هَذَا الموضع: العذاب، ويقال: النار.
وقوله (أَنْ كَذَّبُوا) لتكذيبهم، ولأن كذبوا. فإذا ألقيت اللام كَانَ نصبا.
وقوله: يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ [12] : ييأسونَ من كل خير، وينقطع كلامهم وحججهم. وقرأ
__________
(1) ش: «مثله»
(2) جمع عم وهو الضال عن الصواب(2/322)
فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ (17)
أَبُو عبد الرحمن السلمي (يُبْلَسُ المجرمُونَ) بفتح اللام. والأولى أجود. قَالَ الشاعر «1» :
يا صاحِ هَلْ تعرف رَسْمًا مُكْرَسَا ... قَالَ نعم أعرفه وأبلسا
وقوله: فَسُبْحانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ [17] يقول: فصلّوا الله (حِينَ تُمْسُونَ) وهى المغرب «2» والعشاء (وَحِينَ تُصْبِحُونَ) صلاة الفجر (وَعَشِيًّا) صلاة العصر (وَحِينَ تُظْهِرُونَ) صلاة الظهر.
وقوله: لَآياتٍ لِلْعالِمِينَ [22] يريد العالم من الجن والإنس ومن «3» قرأها (لِلْعالِمِينَ) فهو وجه جيد لأنه قد قَالَ (لَآياتٍ «4» لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) و (لَآياتٍ «5» لِأُولِي الْأَلْبابِ) .
وقوله: وَمِنْ آياتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً [24] .
وقبل ذَلِكَ وبعده (أَنْ أَنْ) وكلٌّ صواب. فمن أظهر (أنْ) فهي فِي موضع اسم مرفوع كما
قَالَ (وَمِنْ آياتِهِ «6» مَنامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ) فإذا حذفت (أنْ) جعلت (من) مؤدية عَن اسم متروك يكون الفعل صلة لَهُ كقول الشاعر «7» :
وما الدهر إلا تارتانِ فمنهُما ... أمُوتُ وأخرى أبتغى العيش أكدح
144 ب/ كأنه أراد: فمنهما ساعة أموتها، وساعة أعيشها. وكذلك من آياته آية للبرق «8» وآية لكذا. وإن شئت: يريكم من آياته البرق فلا تضمر (أن) ولا غيره.
وقوله: أَنْ تَقُومَ السَّماءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ [25] يقول: أَنْ تَدُومَا قائمتين بأمره بغير عَمَدٍ.
وقوله: وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ [27] حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: حدث الْحَسَن بن عمارة عَن الحكم عَن مجاهد أَنَّهُ قَالَ: الإنشاءة أهونُ عَلَيْهِ من الابتداء. قَالَ أَبُو زكريّاء:
__________
(1) هو العجاج. والمكرس: الذي صار فيه الكرس، وهو الأبوال والأبعار
(2) ش، ب: «من المغرب»
(3) هو حفص.
(4) هذا يتكرر فى القرآن وجاء فى هذه السورة فى الآيتين 24، 28
(5) الآية 190 سورة آل عمران.
(6) الآية 23 من هذه السورة.
(7) هو ابن مقبل. وانظر كتاب سيبويه 1/ 376. [.....]
(8) يريد أن الأصل: من آياته آية يريكم فيها البرق.(2/323)
بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (29)
ولا أشتهي ذَلِكَ والقولُ فِيهِ أَنَّهُ مثل ضربه الله فقال: أتكفرونَ بالبعث، فابتداء خلقكم من لا شيء أشد. فالإنشاءة من شيء عندكم يأهل الكفر ينبغي أن تكون أهون عَلَيْهِ. ثُمَّ قال (وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلى) فهذا شاهدٌ أَنَّهُ مثل ضربه الله. حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ، قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ حَدَّثَنِي حِبَّانُ عَنِ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ (وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ) : عَلَى الْمَخْلُوقِ، لأَنَّهُ يَقُولُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: كُنْ فَيَكُونُ وَأَوَّلُ خَلْقِهِ نُطْفَةٌ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ.
وقوله: كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ [29] نصبتَ الأنفس لأن تأويل الكاف والميم فِي (خِيفَتِكُم) مرفوع. ولو نويت بِهِ- بالكاف «1» والميم- أن يكون فِي تأويل نصب رفعت ما بعدها. تَقُولُ فِي الكلام: عجبتُ من موافقتك كثرة شرب الماء، وعجبتُ من اشترائك عبدًا لا تَحتاج إِلَيْهِ.
فإذا وقع مثلها فِي الكلام فأجره بالمعنى لا باللفظ. والعرب تَقُولُ: عجبت من قيامكم أجمعون وأجمعين، وقيامكم كُلُّكم وكُلِّكم. فمن خفض أتبعه اللفظ لأنه خفض فِي الظاهر. ومن رفع ذهب إلى التأويل. ومثله (لِإِيلافِ «2» قُرَيْشٍ إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتاءِ وَالصَّيْفِ) أوقعت الفعل «3» من قريش عَلَى (رِحْلَةَ) والعربُ تَقُولُ: عجبتُ من تساقطها بعْضُها فوق بعض، وبعضها، على مثل ذلك: هذا إذا كنوا. فإذا قالوا سمعت قرع أنيابه بعضِها بَعْضًا خفضوا (بعض) وهو الوجه فِي الكلام لأن الَّذِي قبله اسم ظاهر، فأتبعوه إيَّاه. ولو رفعت (بعضها) كان على التأويل.
وقوله: فِطْرَتَ اللَّهِ [30] يريد: دين الله منصوب عَلَى الفعل، كقوله (صِبْغَةَ «4» اللَّهِ) .
وقوله (الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها) يقول: المولود عَلَى الْفِطرة حَتَّى يكون أبواهُ اللذان ينصرانه أو يهوِّدانهِ. ويُقال فطرة الله أن الله فطرَ العباد عَلَى هَذَا: عَلَى أن يعرفوا أنّ لهم ربّا ومدبّرا.
__________
(1) هذا بدل من الضمير فى (به) أي بالمذكور.
(2) صدر سورة قريش.
(3) يريد (إيلاف) المضاف لقريش.
(4) الآية 138 سورة البقرة.(2/324)
أَمْ أَنْزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ (35)
وقوله: مُنِيبِينَ [31] منصوبة عَلَى الفعل، وإن شئت عَلَى القطع.
فَأَقِمْ وجهك ومن معك مُنيبين مقبلين إِلَيْهِ.
وقوله: (وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) . (مِنَ الَّذِينَ فارقوا «1» دِينَهُمْ) فهذا «2» وجهٌ. وإن شئت استأنفت فقلت: من الَّذِينَ فارقوا دينهم وكانوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لديهم فرحون. كأنك قلت: الَّذِينَ تفرقوا وتشايعوا كل حزب بما فِي يده فرح.
وقوله: (أَنْزَلْنا عَلَيْهِمْ سُلْطاناً) [35] كتابًا فهو يأمرهم بعبادة الأصنام وشركهم.
وقوله: لِيَرْبُوَا [39] قرأها عَاصِم والأعمش وَيَحْيَى بن وثاب بالياء «3» ونصب الواو. وقرأها أهل الحجاز (لتربو) أنتم. وكلّ صواب ومن قرأ «4» (لِيَرْبُوَا) كَانَ الفعل للربا. ومن قَالَ (لتُرْبُوا) فالفعل للقوم الَّذِينَ خُوطبوا. دَلّ عَلَى نصبه سُقوط النون. ومعناهُ يقول «5» : وما أعطيتم من شيء لتأخذوا أكثر منه فليس ذَلِكَ بزاك عند الله (وَما آتَيْتُمْ مِنْ زَكاةٍ تُرِيدُونَ) بها (وَجْهَ اللَّهِ) فتلك تربو للتضعيف.
وقوله: (هُمُ الْمُضْعِفُونَ) أهل للمضاعفة كما تَقُولُ العرب أصبحتم مُسْمِنين معطِشين إِذَا عطشت إبلهم أو سَمنت. وسمع الْكِسَائي العرب تَقُولُ: أصبحت مُقْويًا أي إبلك قوية، وأصبحت مُضعفًا أي إبلك ضعاف تريد ضعيفة من الضُّعف.
وقوله: ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ [41] يقول: أجدَبَ الْبَرّ، وانقطعت مادة البحر بذنوبِهم، وَكَانَ ذَلِكَ ليذاقوا الشدة بذنوبِهم فِي العاجل.
وقوله: يَصَّدَّعُونَ [43] : يتفرقون. قَالَ: وسمعت العرب تَقُولُ: صدعت غنمي صدعتين كقولك: فرقتها فرقتين.
__________
(1) هذا فى الآية 32 وقوله: «فارقوا» فهذه قراءة حمزة والكسائي. وقراءة غيرهما: «فرقوا» .
(2) وهو أن يكون (من الذين فارقوا) بدلا من (من المشركين) .
(3) وكذا غير نافع وأبى جعفر ويعقوب. أما هؤلاء فبالتاء.
(4) ا: «قال» .
(5) سقط فى ا.(2/325)
هُدًى وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ (3)
وقوله: إِلى آثارِ رَحْمَتِ اللَّهِ [50] قرأها عَاصِم «1» والأعمش (آثَارِ) وأهل الحجاز (أَثرَ) وكلّ صواب.
وقوله: فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا [51] يخافون هلاكه بعد اخضراره، يعني الزرع.
وقوله: بِهادِ الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ [53] و (من «2» ضلالتهم) . كل صَواب. ومن قَالَ (عَنْ ضَلالَتِهِمْ) كأنه قَالَ: ما أنت بصارف العمى عَن الضلالة. ومن قَالَ (مِنْ) قَالَ: ما أنت بمانعهم من الضلالة.
وقوله: يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ ما لَبِثُوا غَيْرَ ساعَةٍ [55] يَحلفونَ حين يخرجون: ما لبثوا فِي قبورِهم إلا ساعة. قَالَ الله: كذبوا فِي هَذَا كما كذبوا فِي الدُّنْيَا وجحدوا. ولو كانت: ما لبثنا غير ساعة كَانَ وجهًا لأنه من قولهم كقولك فِي الكلام: حلفوا ما قاموا، وحلفوا ما قمنا.
ومن سورة لقمان
قوله: هُدىً وَرَحْمَةً [3] أكثر القراء عَلَى نصب الْهُدَى والرحمة عَلَى القطع. وقد رفعها حَمْزَةُ عَلَى الائتِناف لأنّها مُسْتَأنَفَة فِي آية منفصلة من الآية قبلها. وهي فِي قراءة عبد الله (هُدًى وبُشْرَى) .
وقوله: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ [6] نزلت فِي النضر بن الحارث الداريّ. وَكَانَ يشتري كتب الأعاجم فارسَ والروم وكتب أهل الحيرة (ويحدّث «3» ) بها أهل مكة وإذا سمع القرآن أعرض عَنْهُ واستهزأ بِهِ. فذلك قوله (وَيَتَّخِذَها هُزُواً) وقد اختلف القراء فى (وَيَتَّخِذَها)
__________
(1) أي فى رواية حفص. أما فى رواية أبى بكر فبالإفراد. وكذا قرأ بالجمع حمزة والكسائي وخلف.
(2) لا يريد أن هذا قراءة، بل يريد أن (عن) و (من) فى هذا سواء.
(3) ا: «فيحدث» .(2/326)
خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (10)
فرفع «1» أكثرهم، ونصبها يَحْيَى بن وثاب والأعمش وأصحابه. فمن رفع ردّها على (يشترى) ومن نصبها ردّها عَلَى قوله (لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ) : وليتَّخذهَا.
وقوله (وَيَتَّخِذَها) يذهب إلى آيات القرآن. وإن شئت جعلتها للسبيل لأن السَّبيل قد تؤنّث قال (قُلْ هذِهِ سَبِيلِي «2» أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ) وَفِي قراءة أُبَيّ (وَإِنْ «3» يَرَوْا سَبيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخذوها سَبيلًا وإِنْ يَرَوْا سبيلَ الغيّ يَتّخذوهَا سبيلًا) .
حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ حَدَّثَنِي حبان عَن ليث عَن مجاهد فِي قوله (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ) قَالَ: هُوَ الْغِناء قَالَ الفراء: والأوّل تفسيره عَن ابن عباس.
وقوله: وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ [10] لئلّا تميد بكم. و (أن) فِي هَذَا الموضع تكفي من (لا) كما قَالَ الشاعر:
والمهرُ يأبى أن يزال مُلْهِبا «4»
معناهُ: يأبى أن لا يزال.
وقوله: هَذَا خَلْقُ اللَّهِ [11] من ذِكْره «5» السموات والأرضُ وإنزاله الماء من السماء وإنباته (فَأَرُونِي ماذا خَلَقَ الَّذِينَ) تعبدون (مِنْ دُونِهِ) يعني: آلهتهم. ثُمَّ أكذبهم فقال (بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) .
[قوله: وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ [12] حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حدّثنا الفراء قال: 145 احدّثنى حِبَّان عَن بعض من حدَّثه قَالَ: كَانَ لقمان حبشيّا مجدّعا «6» ذا مشفر «7» .
__________
(1) النصب لحفص وحمزة والكسائي وخلف، وافقهم الأعمش. والرفع للباقين. [.....]
(2) الآية 108 سورة يوسف.
(3) الآية 146 سورة الأعراف. وقراءة الجمهور: «لا يتخذوه» .
(4) الملهب: الشديد الجري المثير للغبار. وقد ألهب الفرس: اضطرم جريه.
(5) يريد: مما يرجع إليه اسم الإشارة: (هذا) .
(6) أي مقطوع الأطراف والأعضاء. والمشفر: الشفة الغليظة.
(7) المشفر للبعير كالشفة للانسان. وقد استعير هنا للانسان على التشبيه.(2/327)
وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (15)
وقوله: وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً [15] أي أحسن صحبتهما.
وقوله: يَا بُنَيَّ إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ [16] يَجوز نصب المثقال ورفعُه.
فمن «1» رفع رفعه بتكُنْ واحتملت النكرة ألا يكون لَهَا فعل فِي كَانَ وليس وأخواتها. ومن نصب جعل فِي (تكن) اسمًا مضمرًا مجهولًا مثل الْهَاء التي فى قوله (إِنَّها إِنْ تَكُ) ومثل قوله (فَإِنَّها «2» لا تَعْمَى الْأَبْصارُ) وجاز تأنيث (تَكُ) والمثقال ذكر لأنه مُضاف إلى الحبة والمعنى للحبة، فذهب التأنيث إليها كما قَالَ:
وتشرق بالقول الَّذِي قد أَذَعتَه ... كما شَرِقت صَدْرُ القناة من الدمِ
ولو كَانَ: (إن يَكُ مثقالَ حَبَّةٍ) كَانَ صوابًا وجازَ فِيهِ الوجهان «3» . وقوله فتكن فى صخرة يقال: إنّها الصخرة التي تحت الأرض: وهي سِجِّين: وتُكتب فيها أعمال الكفار. وقوله (يَأْتِ بِهَا اللَّهُ) فيجازي بِهَا.
وقوله: وَلَا تُصَاعِرْ [18] قرأها أهلُ المدينة وَعَاصِم بن أبي النجود والحسن: (تُصَعِّرْ) بالتشديد: وقرأها يَحْيَى «4» وأصحابه بالألف (ولا تُصاعِرْ) يقول: لا تَمَيِّلْ خَدَّكَ عَن الناس من قولك: رجل أصعر. ويَجوز ولا تُصْعِر ولم أسمع بِهِ.
وقوله: إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ [19] يقول: إِنّ أَقْبَحَ الأصواتِ لَصَوْتُ الحمير.
وأنت تَقُولُ: لَهُ وجه منكر إِذَا كَانَ قبيحًا. وقال (لَصَوْتُ الْحَمِيرِ) ولو قيل: أصوات الحمير لكان صوابًا. ولكن الصوت وإن كَانَ أُسْنِدَ إلى جمع فإن الجمع فِي هَذَا الموضع كالواحد.
وقوله: وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً [20] حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ، قال: حدّثنا محمد،
__________
(1) الرفع لنافع وأبى جعفر.
(2) الآية 46 سورة الحج.
(3) أي رفع (مثقال) ونصبه.
(4) هذه قراءة نافع وأبى عمر والكسائي وخلف.(2/328)
وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ (22)
قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ حَدَّثَنِي شَرِيكُ بْن عَبْدِ اللَّهِ عَنْ خَصِيفٍ الْجَزَرِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَرَأَ (نِعَمَهُ) وَاحِدَةً «1» . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَلَوْ كَانَتْ (نِعَمَهُ) «2» لَكَانَتْ نِعْمَةٌ دُونَ نِعْمَةٍ أَوْ قَالَ نِعْمَةٌ فَوْقَ نِعْمَةٍ، الشَّكُّ مِنَ الْفَرَّاءِ. وقد قرأ قومٌ (نعمه) عَلَى الجمع. وهو وجه جيد لأنه قد قال (شاكِراً «3» لِأَنْعُمِهِ اجْتَباهُ) فهذا جَمع النَّعَم وهو دليلٌ عَلَى أنّ (نعمه) جَائِز.
وقوله: وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ [22] قرأها القرّاء بالتخفيف، إلا أبا عبد الرَّحْمَن فإنه قرأها «4» (وَمَنْ يُسْلِمْ) وهو كقولك للرجل أسْلِم أمرك إلى الله وسَلِّم.
وقوله: وَلَوْ أَنَّما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ [27] ترفع «5» (الْبَحْرُ) ولو نصبته كَانَ صوابًا كما قرأت القراء (وَإِذا قِيلَ «6» إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لا رَيْبَ فِيها) و (الساعةَ) وَفِي قراءة عبد الله (وبَحْر يمدّه سبعة أبحر) يقول: يكون مدادا كالمداد المكتوب بِهِ.
وقول عبد الله يقوي الرفع. والشيء إِذَا مَدَّ الشيء فزاد فكان زيادةً فِيهِ فهو يَمُدُّه تَقُولُ دجلة تَمُدّ بئارنا وأَنْهارنا، والله يُمِدّنا بِهَا. وتقول: قد أمددتك بألفٍ فَمَدُّوكَ، يُقاس عَلَى هَذَا كل ما ورد.
وقوله: مَا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ [28] إلا كبعث نفس واحدة. أضمرَ البعث لأنه فعل كما قَالَ (تَدُورُ «7» أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشى عَلَيْهِ (مِنَ الْمَوْتِ) المعنى- والله أعلم-:
كدوران عين الَّذِي يُغْشَى عليه/ 145 ب من الموت، فأضمرَ الدوران والعين جَميعًا.
وقوله: بِنِعْمَتِ اللَّهِ [31] وقد قرئت (بِنِعماتِ الله) وقلَّما تفعل العرب ذَلِكَ بِفعلةٍ: أن تُجمع عَلَى التاء إنَّما يَجمعونَها عَلَى فعل مثل سِدْرَة وسِدْرَ، وخِرْقة وخِرَق. وإنَّما كرهوا جَمْعه بالتاء لأنهم يُلزمونَ
__________
(1) فى الطبري أن ابن عباس فسرها بالإسلام.
(2) هذه قراءة غير نافع وأبى عمرو وحفص وأبى جعفر.
(3) الآية 121 سورة النحل.
(4) وكذا قرأها الأعمش. [.....]
(5) النصب لأبى عمرو ويعقوب وافقهما اليزيدي. والرفع للباقين.
(6) الآية 32 سورة الجاثية. والنصب قراءة حمزة، وافقه الأعمش. وقرأ الباقون بالرفع.
(7) الآية 19 سورة الأحزاب.(2/329)
الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ (7)
أنفسهم كسر ثانية إِذَا جُمِعَ كما جمعوا ظُلمة ظلمات «1» فرفعوا ثانيها إتباعًا لرفعة أولها، وكما قالوا:
حسراتٌ فأتبَعُوا ثانيها أولها. فلمّا لزمهم أن يقولوا: بِنِعِمات استثقلوا أن تتوالى كسرتان فِي كلامهم لأنّا لَمْ نجد ذَلِكَ إلا فِي الإبل وحدها. وقد احتمله بعضُ العرب فقال: نِعِماتٌ وسِدِراتٌ.
قوله: كُلُّ خَتَّارٍ [32] الختّار: الغدّار وقوله (مَوْجٌ كَالظُّلَلِ) فشبّهه بالظلل والموج واحد لأن الموج يركب بعضه بعضًا، ويأتي شيء بعد شيء فقال (كَالظُّلَلِ) يعنى السحاب.
وقوله: بِاللَّهِ الْغَرُورُ [33] ما غَرّكَ فهو غَرُور، الشيطان غَرور، والدنيا غَرور. وتقول غررته غُرورًا ولو قرئت ولا يغرنّكم بالله الغرور يريد زينة الأشياء لكان صوابًا.
وقوله: إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ [34] فِيهِ تأويل جحد المعنى: ما يعلمه غيره (وَما تَدْرِي نَفْسٌ ماذا تَكْسِبُ غَداً) خرج هَذَا عَلَى الجحد. والمعنى الظاهرُ والأوَّل معروف بالضمير للجحد.
وقوله (بِأَيِّ أَرْضٍ) وبأيّة أرض. فمن قال (بِأَيِّ أَرْضٍ) اجتزأ بتأنيث الأرض من أن يُظهِر فِي أيّ تأنيثًا آخر، ومن أنَّث قَالَ قد اجتزءوا بأي دون ما أضيفَ إِلَيْهِ، فلا بدّ من التأنيث كقولك: مررتُ بامرأة، فتقول: أيّة، ومررت برجلين فتقول أيّين:
ومن سورة السجدة
قوله: الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ [7] يقول: أحسنه فجعله حسنًا. ويقرأ «2» (أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ) قرأها «3» أَبُو جَعْفَر المدني كأنه قَالَ: ألهم خَلْقه كل ما يحتاجون إِلَيْهِ فالخلق، منصوبون
__________
(1) ا: «وظلمات» .
(2، 3) القراءة الأولى لنافع وعاصم وحمزة والكسائي وخلف وافقهم الحسن والأعمش. والقراءة الأخيرة بسكون اللام للباقين، هذا وفى ش: «فقرأها» .(2/330)
وَقَالُوا أَإِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ (10)
بالفعل الَّذِي وقع عَلَى (كلّ) كأنك قلت أعلمهم كل شيء وأحسنهم. وقد يكون الخلق منصوبًا كما نُصب «1» قوله (أَمْراً مِنْ عِنْدِنا «2» ) فِي أشباه لَهُ كثيرة من القرآن كأنك قغت: كلَّ شيء خَلْقًا منه وابتداء بالنعم.
وقوله: ضَلَلْنا [10] و (ضَلِلْنا «3» ) لغتان. وقد ذكر عَن الْحَسَن وغيره أَنَّهُ قرأ (إِذَا صَلِلنا) حَتَّى لقد رُفعت «4» إلى عليّ (صَلِلنا) بالصاد ولست أعرفها، إلا أن تكون لغةً لَمْ نسمعها إنما تَقُولُ العرب: قد صَلّ «5» اللحمُ فهو يَصِلّ، وأصلّ يُصِلّ، وخَمّ يَخِمّ وأخمّ يُخمُّ. قَالَ الفراء: لو كانت:
صللنا بفتح اللام لكان صوابًا، ولكني لا أعرفها بالكسر.
والمعنى فِي (إذا ضللنا فى الأرض «6» ) يقول: إِذَا صارت لحومنا وعظامنا ترابًا كالأرض. وأنت تَقُولُ: قد ضلّ الماء فِي اللبن، وضلّ الشيء فِي الشيء إِذَا أخفاهُ وغلبه.
وقوله: إِنَّما يُؤْمِنُ بِآياتِنَا الَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِها خَرُّوا سُجَّداً [15] كَانَ المنافقونَ إِذَا نودي بالصلاة فإنْ خَفُوا عَن أعين المسلمين تركوها، فأنزل الله. (إِنَّما يُؤْمِنُ بِآياتِنَا الَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِها) إِذَا نودوا إلى الصلاة أتوها فركعوا وسَجدوا غير مستكبرين..
وقوله: تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ [16] يُقال: هُوَ النوم قبل العشاء. كانوا لا يضعون جنوبَهم بين المغرب والعِشَاء حَتَّى يُصلّوها. ويُقال: إنَّهم كانوا فِي ليلهم كلِّه (تَتَجافى «7» ) : تقلق (عَنِ الْمَضاجِعِ) عَن النوم فِي الليل/ 146 اكلّه (خَوْفاً وَطَمَعاً) .
__________
(1) ا: «نصبت» .
(2) الآية 5 سورة الدخان.
(3) كسر اللام قراءة يحيى بن يعمر وابن محيصن وأبى رجاء وطلحة وابن وثاب كما فى البحر 7/ 200 وهى قراءة شاذة.
(4) أي نسبت إليه.
(5) أي أنتن. وسقط (قد) فى ب
(6) هذه قراءة ابن عامر وأبى جعفر فى قوله تعالى: «إذا» وفى قراءة غيرهما. «أئذا» .
(7) أي جنوبهم.(2/331)
وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (21)
وقوله: ما أُخْفِيَ [17] وكلّ ينصب بالياء لأنه فعل ماض كما تَقُولُ: أُهلِكَ الظالِمون.
وقرأها حَمْزَةُ (ما أُخْفِيَ لَهم من قُرَّةِ أَعْيُنٍ) بإرسال «1» الياء. وَفِي قراءة عبد الله (ما نُخْفِي لَهُمْ من قُرَّةِ أَعْيُنٍ) فهذا اعتبار وقوّة لِحمزة. وكل صواب. وإذا قلت (أخفى لهم) وجعلت (ما) فِي مذهب «2» (أي) كانت (ما) رفعًا بِمَا لَمْ تُسَمّ فاعله. ومن قرأ (أُخْفِيَ لَهم) بإرسال الياء وجعل (ما) فِي مذهب (أيّ) كانت نصبًا فِي (أُخْفِيَ) و (نُخْفِي) ومن جعلها بمنزلة الشيء أوقعَ عليها (تَعْلَمُ) فكانت نصبًا فِي كل الوجوه. وقد قرئت (قُرَّاتِ أَعْيُنٍ) ذُكرت عَن أبي هريرة.
وقوله: أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ [18] ولم يقل: يستويان لأنها عام، وإذا كان الاثنان غير مصمود «3» لهما ذَهَبَا مذهب الجمع تَقُولُ فِي الكلام: ما جعل الله المسلم كالكافر فلا تسوّينّ بينهم، وبينما. وكل صواب.
[قوله: وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى [21]] حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: حَدَّثَنِي شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ الله عَن منصور عَن إِبْرَاهِيم أو عَن مجاهد- شك الفراء- فِي قوله (وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى) قَالَ مصائبُ تصيبهم فِي الدُّنْيَا دون عذاب الله يوم القيامة.
[قوله: وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمَّا صَبَرُوا [24]] القراء جَميعًا عَلَى (لَمَّا صَبَرُوا) بتشديد الميم ونصب اللام. وهي فِي قراءة عبد الله (بِما صَبَروا) وقرأها الْكِسَائي وَحَمْزَة (لِمَا صَبروا) عَلَى ذَلِكَ. وموضع (ما) خَفض إِذَا كسرت اللام. وإذا فتحت وشدَّدت فلا موضع لَهَا إنما هى أداة.
__________
(1) أي إطلاقها وإسكانها.
(2) أي جعلتها استفهامية. [.....]
(3) أي غير مقصودين، يقال: صمده وصمد إليه: قصده.(2/332)
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (1)
وقوله: (أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنا) [26] (كم) فِي موضع رفع ب (يَهْدِ) كأنك قلت:
أولم تهدهم القرون الْهَالِكة. وَفِي قراءة عبد الله فى سورة طه (أولم يَهْد لَهم من أهلكنا) وقد يكون (كَمْ) فِي موضع نصب بأهلكنا وَفِيهِ تأويل الرفع فيكون بمنزلة قولك: سواء عليّ أزيدًا ضربتَ أم عمرًا، فترفع (سواء) بالتأويل.
وتقول: قد تبيّن لي أقام زيد أم عَمْرو، فتكون الجملة مرفوعة فِي المعنى كأنك قلت:
تبيَّن لي ذاك.
وقوله: إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ [27] والجُرُز: التي لا نباتَ فيها: ويُقال للناقة: إنها لَجُرَاز إِذَا كانت تأكل كل شيء، وللإنسان: إنه لَجرُوز إِذَا كَانَ أكولًا، وسيف جُرَاز إِذَا كَانَ لا يُبقي شيئًا إلا قطَعَهُ. ويُقال «1» : أرضُ جُرُز وجُرْز، وأرْض جَرَز وَجَرْزٌ، لبني تَميم، كل لو قرئ بِهِ لكان حَسَنًا. وهو مثل الْبُخُل والبُخْل والبَخُل والبَخْل والرُغب والرهب والشغل فِيهِ أربع مثل ذلك.
وقوله: قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ [29] يعني فتح مكة (لا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمانُهُمْ) فذكر ذَلِكَ لمن قتله خالد بن الوليد من بني كنانة يومئذ، قالوا: قد أسلمنا، فقال خالد: إن كنتم أسلمتم فضَعُوا السلاح ففعلوا، فلمّا وضعوهُ أثْخَنَ «2» فيهم لأنهم كانوا قتلوا عوفًا أبا عبد الرحمن بن عوف وجدًّا لِخالد قبل ذَلِكَ: المغيرة. ولو رفع (يَوْمَ الْفَتْحِ) عَلَى أول الكلام لأن قوله (مَتى هذَا الْفَتْحُ) (مَتَى) فِي موضع رفع ووجه الكلام أن يكون (متى) فِي موضع نصب وهو أكثر.
ومن سورة الأحزاب
[قوله: اتَّقِ اللَّهَ] (قَالَ الفراء «3» ) يقول القائل فِيمَ أُمِرَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم بالتقوى.
__________
(1) سقط فى ا.
(2) يقال: أثخن فى العدو: بالغ فى إضعافه ونهكه.
(3) ا: «سمعت الفراء يقول» .(2/333)
مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ (4)
فالسبب فِي ذَلِكَ أَنَّ أبا سفيان بن حَرْب وعكرمة بن أبي جهل وأبا الأعور السّلمىّ قدموا إلى «1» المدينة، فنزلوا عَلَى عبد الله بن أُبيّ بن سَلُول ونظرائه من المنافقين، فسألوا رسول الله أشياء يكرهها، فهمّ بهم المسلمون فنزل (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ) فِي نقض العهد لأنه كانت بينهم موادَعة فأُمِرَ بأَلَّا «2» ينقض العهد (وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ) من أهل مكّة (وَالْمُنافِقِينَ) من أهل المدينة فيما سألوكَ.
وقوله: مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ [4] إنّما جرى ذكر هَذَا لرجل كَانَ يُقال لَهُ جميل بن أوس ويكنى أبا معمرٍ. وَكَانَ حافظًا للحديث كثيرهُ، فكان أهل مكة يقولون: لَهُ قلبان وعقلان من حفظه فانهزم يوم بدر، فمَرّ بأبي سفيان وهو فِي العير، فقال: ما حالُ الناس يا أبا معمر؟ قَالَ: بين مقتول وهارب. قَالَ: فما بالُ إحدى نعليك فِي رجلك والأخرى فِي يدك؟
قَالَ: لقد ظننت أنهما جَميعًا فِي رِجْليّ فعلم كذبهم فِي قولهم: لَهُ قلبانِ. ثُمَّ ضم إِلَيْهِ (وَما جَعَلَ) .
وقوله: وَما جَعَلَ أَزْواجَكُمُ اللَّائِي تُظاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهاتِكُمْ [4] أي هَذَا باطل كما أن قولكم فِي جَميل باطل. إِذَا قَالَ الرجل: امرأته عَلَيْهِ كظهر أمه فليس كذلك، وَفِيهِ من الكفارة ما جعل الله. وقوله (تُظاهِرُونَ) خفيفة قرأها يَحْيَى «3» بن وثاب. وقرأها الْحَسَن (تُظَهِّرُونَ) مشدّدةً بغير ألفٍ. وقرأها أهل المدينة (تَظَّهَّرُونَ) بنصب «4» التاء، وكلّ صَوَاب معناه متقارب العرب تقول: عقّبت «5» وعاقبت «6» ، (عَقَّدْتُمُ «7» الْأَيْمانَ) و (عاقدتم) (وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ «8» )
__________
(1) سقط فى ا.
(2) ا: «ألا» .
(3) المعروف أن هذه قراءة عاصم. أما ابن وثاب فإنه قرأ- فيما نقل ابن عطية- بضم التاء وسكون الظاء وكسر الهاء مضارع أظهر، وفيما حكى أبو بكر الرازي بتخفيف الظاء وتشديد الهاء: تظهرون: وانظر البحر 7/ 211
(4) سقط فى ا.
(5، 6) ذكر هذا الفراء عند قوله تعالى فى سورة الممتحنة: «وَإِنْ فاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْواجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعاقَبْتُمْ» وقد فسر هذا بأن تكون لكم العقبة أي التوبة ومعنى هذا الغنيمة.
(7) الآية 89 سورة المائدة. وقراءة (عاقدتم) لابن ذكوان عن ابن عامر.
(8) الآية 18 سورة لقمان.(2/334)
و (لا تصاعر) اللهمّ لا تراءبى «1» ، وترأبّى. وقد قرأ بذلك قوم فقالوا: (يراءون «2» ) و (يُرءُّون) مثل يُرَعُّونَ. وقد قرأ بعضهم (تَظَاهَرُونَ) وهو وجه جَيِّد لا أعرفُ «3» إسْنَاده.
قوله: (وَما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ) .
كَانَ أهل الجاهلية إِذَا أعجب أحدهم جَلَدُ الرجل وظُرْفُه ضمَّة إلى نفسه، وَجَعَل لَهُ مثل نصيب ذكر من ولده من ميراثه. وكانوا ينسبونَ إليهم، فيُقال: فلان بن فلان للذي أقطعه إِلَيْهِ. فقال الله (ذلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْواهِكُمْ) . وهو باطل (وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ) غير ما قُلتم.
ثُمَّ أمرهم فقال: ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ [5] أي انسبُوهم إلى آبائِهم. وقوله (فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آباءَهُمْ) فانسبوهم إلى «4» نسبة مواليكم الَّذِينَ لا تعرفونَ آباءهم: فلان بن عبد الله، بن عبد الرحمن ونحوه.
وقوله: (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ) فيما لم تقصدوا له من الخطأ، إنما الإثم فيما تعمَّدتم. وقوله (وَلكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ) (ما) فِي موضع خفض مردودة عَلَى (ما) التي مع الخطأ.
وقوله: (النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ) وَفِي قراءة عبد الله أو أُبي (النَّبِيّ أولى بالمؤمنين من أنفسهم وهو أب لَهُم) ، وكذلك كل نبي. وجرى ذَلِكَ لأن المسلمين كانوا متواخين «5» ، وَكَانَ الرجل إِذَا مات عَن أخيه الَّذِي آخاهُ وَرِثه «6» دون عصبته وقرابته فأنزل الله (النَّبِيُّ أَوْلى) من المسلمين بِهذه المنزلة، وليس يرثهم، فكيف يرث المؤاخي أخاه! وأنزل (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ) فى الميراث (فِي كِتابِ اللَّهِ) أي ذَلِكَ فِي اللوح المحفوظ عند الله.
وقوله (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهاجِرِينَ) . إن شئت جعلت (من) دخلت ل (أولى) بعضهم أولى ببعض
__________
(1) أي لا تنكل بي. ومعناه: لا تر عدوى ما يشمت به. ذكر هذا المعنى فى الأساس تفسيرا لقولهم أرى الله بفلان.
(2) الآية 143 سورة النساء والآية 6 سورة الماعون.
(3) قرأ بذلك حمزة والكسائي وخلف. [.....]
(4) كذا. والأولى حذف هذا الحرف.
(5) أصله: «متآخيين» فسهل الهمزة.
(6) أي ورثه أخوه. وقد يكون «ورثه» من التوريث فيكون الفعل للميت.(2/335)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا (9)
من الْمُؤْمِنِين والمهاجرين بعضهم ببعض، وإن شئت جعلتها- يعني مِن- يراد بِهَا: وأولو الأرحام من الْمُؤْمِنِين والمهاجرين أولى بالميراث.
وقوله: فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها [9] يريد: وأرسلنا جنودًا لَمْ تروها من الملائكة. وهذا يوم الخندق وهو يوم الأحزاب.
وقوله: إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ [10] ممّا يلى مكّة (وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ) مما يلي المدينة. وقوله (وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ) : زاغت عَن كل شيء فلم تلتفت إلا إلى عدوّها. وقوله (وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ) ذُكر أن الرجل منهم كانت تنتفخ رئته حَتَّى ترفع قلبه إلى حنجرته من الفزع. وقوله (وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا) ظنون المنافقين.
ثم قال الله: هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزالًا شَدِيداً [11] . يقول: حُرِّكُوا تَحريكًا إلى الفتنة فعُصِمُوا.
وقوله: ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً [12] وهذا قول مُعَتِّب بن قُشير الْأَنْصَارِيّ وحده.
ذكروا أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أخذ معولًا من سلمان فِي صخرة اشتدّت عليهم، فضرب ثلاث ضربات، مع كل واحدة كلمع البرق. فقال سلمان: والله يا رسول الله لقد رأيت فيهنّ عجبًا قَالَ فقال النَّبِيّ عَلَيْهِ السَّلَام: لقد رأيت فِي الضربة الأولى أبيض «1» المدائن، وَفِي الثانية قصُور اليمن، وَفِي الثالثة بلاد فارس والروم. وليفتحنّ الله عَلَى أمتي مبلغ مَدَاهُنّ. فقال معتَّبٌ حين رأى الأحزاب:
أيعدُنا مُحَمَّد أن يُفتح لنا فارس والروم وأحدُنا لا يقدر أن يضرب «2» الخلاء فَرَقًا «3» ؟ ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورًا.
وقوله: لا مُقامَ لَكُمْ [13] قراءة الْعَوامّ بفتح الميم إلا أبا عبد الرحمن «4» فإنه ضَمّ الميم فقال
__________
(1) المدائن كانت قصبة الفرس فى أيّام الأكاسرة. وأبيض المدائن قصورها البيض.
(2) أي يذهب للتغوط.
(3) أي خوفا.
(4) وكذا حفص.(2/336)
قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لَا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا (16)
(لا مقام لكم) فمن قَالَ (لا مُقامَ) فكأنه أراد: لا موضع قيام. ومن قرأ (لا مُقام) كأنه أراد: لا إقامة لكم (فَارْجِعُوا) .
كل القراء الَّذِينَ نعرف عَلَى تسكين الواو من (عَوْرَةٌ) وذُكر عَن بعض القراء أَنَّهُ قَرأ (عَوِرة) عَلَى ميزان فعلة وهو وجه. والعرب تَقُولُ: قد أعور منزلك إِذَا بدت منه عَوْرة، وأعور الفارس إِذَا كَانَ فِيهِ موضع خَلَل للضرب. وأنشدني أَبُو ثَرْوان.
لَهُ الشَّدَّةُ الْأُولى إذا القرن أعورا
يعنى الأسد. وإنما أرادوا بقولهم: إن بيوتنا عورة أي مُمْكِنة للسُرَّاق لخلوتِها من الرجال.
فأكذبهم الله، فقال: ليست بعورة.
وقوله: وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطارِها [14] يعنى نواحى المدينة (ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ) يقول:
الرجوع إلى الكفر (لَآتَوْها) يقول. لأعطُوا الفتنة. فقرأ عَاصِم والأعمش بتطويل الألف. وقصرها أهل المدنية: (لأتَوْها) يريد: لفعلوها. وَالَّذِينَ طَوَّلوا يقولون: لمَّا وقع عليها السؤال وقع عليها الإعطاء كما تَقُولُ: سألتني حاجةً فأعطيتُكها وآتيتكها.
وقد يكون التأنيث فى قوله (لَآتَوْها) للفَعْلة، ويكون التذكير فِيهِ جائزًا لو أتى، كما تَقُولُ عند الأمر يفعله الرجل: قد فعلتها، أما والله لا تذهب بِهَا، تريد الْفَعْلةَ.
وقوله: (وَما تَلَبَّثُوا بِها إِلَّا يَسِيراً) يقول: لَمْ يكونوا ليلبثوا بالمدينة إلا قليلًا بعد إعطاء الكفر حَتَّى يهلكوا.
وقوله: وَإِذاً لا تُمَتَّعُونَ [16] مرفوعة لأن فيها الواو وإذا كانت الواو كَانَ فِي الواو فعل مضمر، وَكَانَ معنى (إذًا) التأخير، أي ولو فعلوا ذَلِكَ لا يلبثونَ خلافك إلا قليلًا إذًا. وهي فِي إحدى الْقِراءتين (وإذًا لا يَلْبَثوا) بطرح النون يراد «1»
بِهَا النصب. وَذَلِكَ جائز، لأن الفعل متروك
__________
(1) ا: «به» .(2/337)
أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (19)
فصارت كأنها لأوَّل الكلام، وإن كانت فيها الواو. والعربُ تَقُولُ: إذًا أكسر أنفك، إذًا أضربك، إذًا أغُمَّكَ إِذَا أجابوا بِهَا متكلمًا. فإذا قالوا: أنا إذًا أضربُك رفعوا، وجعلوا الفعل أولى باسمه من إذًا كأنَّهم قالوا: أضربك إذًا ألا ترى أنهم يقولون: أظنُّكَ قائما، فيعملون الظنّ إذا بدءوا به/ 147 ب وإذا وقع بين الاسم وخبره أبطلوه، وإذا تأخر بعد الاسم وخبره أبطلوه. وكذلك اليمين يكون لَهَا جواب إِذَا بُدئ بِهَا فيُقال: والله إنك لعاقل، فإذا وقعت بين الاسم وخبره قالوا:
أنت والله عاقل. وكذلك إِذَا تأخرت لَمْ يكن لَهَا جواب لأن الابتداء بغيرها. وقد تنصب العرب بإذًا وهي بين الاسم وخبره فِي إنّ وحدها، فيقولون: إني إذًا أضربك، قَالَ الشاعر:
لا تَترُكنِّي فِيهم شطيرًا ... إني إذًا أهلِكَ أوْ أطيرَا «1»
والرفع جائز. وإنّما جاز في (إنّ) ولم يَجز فِي المبتدأ بغير (إنّ) لأن الفعل لا يكون مقدمًا فِي إنَّ، وقد يكون مقدّمًا لو أسقطت.
وقوله: أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ [19] منصوب عَلَى القطع «2»
، أي مِنَ «3»
الأسماء التي ذُكِرت: ذكر منهم. وإن شئت من قوله: يعوِّقون هاهنا عند القتال ويشحون عَن الإنفاق عَلَى فقراء المسلمين.
وإن شئت من القائلين لإخوانهم (هَلُمَّ) وهم هكذا. وإن شئت من قوله: (وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا أَشِحَّةً) يقول: جُبَنَاء عند الْبَأس أشِحَّةً عند الإنفاق عَلَى فقراء المسلمين. وهو أحبها إليّ.
والرفعُ جائز عَلَى الائتنَاف ولم أسمع أحدًا قرأ بِه و (أَشِحَّةً) يكون عَلَى الذم، مثل ما تنصب من الممدوح عَلَى المدح مثل قوله (مَلْعُونِينَ) .
__________
(1) الشطير: الغريب وانظر الخزانة 4/ 574.
(2) يريد النصب على الحال. وقوله: «من الأسماء التي ذكرت منهم» أي من أوصاف المنافقين المذكورين فى قوله تعالى: «إذ يقول المنافقون والذين فى قلوبهم مرض» .
(3) يريد «المعوقين» فى قوله تعالى: «قد يعلم الله المعوقين منكم» .(2/338)
وقوله: (سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدادٍ) . آذوكم بالكلام عند الأمن (بِأَلْسِنَةٍ حِدادٍ) : ذَرِبَةٍ.
والعربُ تَقُولُ: صَلقُوكم. ولا يَجوز فِي القراءة لِمخالفتها إيّاه: أنشدني بعضهم:
أصْلَق نَابَاهُ صِيَاح الْعُصْفور ... إِنْ زَلّ فوه عَن جَواد مئشير «1»
وَذَلِكَ إِذَا ضرب النّابُ الناب فسمعتَ صَوْته.
وقوله: يَسْئَلُونَ عَنْ أَنْبائِكُمْ [20] عَن أنباء العسكر الَّذِي فِيهِ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وقرأها الْحَسَن (يَسَّاءلون) والعوامّ على (يَسْئَلُونَ) لأنّهم إنّما يسْألونَ غيرهم عَن الأخبار، وليسَ يسأل بعضهم بعضًا.
وقوله: لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ [21] كَانَ عَاصِم بن أبي النجود يقرأ (أُسْوَةٌ) برفع الألف فِي كلّ القرآن وَكَانَ يَحْيَى بن وثاب يرفع بعضًا ويكسرُ بعضًا. وهما لغتان: الضَّمُّ فِي قيس.
والحسنُ وَأهْل الحجاز يقرءون (إسْوَةٌ) بالكسر فِي كلّ القرآن لا يختلفونَ. ومعنى الْأُسوة أنهم تَخَلّفوا عَنْهُ بالمدينة يوم الخندق وهم فِي ذَلِكَ يُحبونَ أن يظفر النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إشفاقًا عَلَى بلدتهم، فقال: لقد كَانَ فِي رسول الله إِسْوة حسنة إذ قاتل يوم أحد. وَذَلِكَ أيضًا قوله (يَحْسَبُونَ الْأَحْزابَ لَمْ يَذْهَبُوا) فهم فِي خوف وفَرَق (وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بادُونَ فِي الْأَعْرابِ) (يقول فِي غير «2»
المدينة) وهي فِي قراءة عبد الله (يحسبونَ الأحزابَ قد ذهبوا، فإذا وجدوهم لَمْ يذهبوا وَدُّوا لو أنهم بادُونَ فى الأعراب) .
وقوله (لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ) خَصَّ بِهَا الْمُؤْمِنِين. ومثله فِي الخصوص قوله: (فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ «3»
) هذا «4»
(لِمَنِ اتَّقى) قتل الصّيد.
__________
(1) هو للمجاج فى وصف حمار وحشي. يقاتل حمارا آخر عن أتنه وهو الجواد: يجود بجريه. والمئشير وصف من الأشر يستوى فيه المذكر والمؤنث. وإطلاق نابه للغيظ من الجواد الذي ينازعه. وانظر أراجيز البكري 155.
(2) سقط فى ا.
(3) الآية 202 سورة البقرة. [.....]
(4) سقط فى ا.(2/339)
وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا (25)
وقوله: (وَلَمَّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ [22] صَدَّقوا فقالوا (هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ) كَانَ النَّبِيّ عَلَيْهِ السَّلَام قد أخبرهم بمسيرهم إليهم فذلك قوله (وَما زادَهُمْ إِلَّا إِيماناً وَتَسْلِيماً) ولو كانت «1»
:
وما زادوهم يريد الأحزاب.
وقوله: (وَما زادَهُمْ إِلَّا إِيماناً) أي ما زادهم النظر/ 148 اإلى الأحزاب إلّا إيمانا.
وقال فى سورة أُخْرَى: (لَوْ خَرَجُوا «2»
فِيكُمْ مَا زادُوكُمْ إِلَّا خَبالًا) ولو كانت: ما زادكم إلا خبالًا كَانَ صَوَابًا، يريد: ما زادكم خروجهم إلا خبالًا. وهذا من سعة العربية التي تسمع بِهَا.
وقوله: مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا مَا عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ [23] رفع الرجال ب (من) (فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ) : أجله. وهذا فِي حَمْزَةَ وأصحابه.
وقوله: وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ [25] وقد كانوا طمعوا أن يصطلموا المسلمين لكثرتهم، فسَلَّط الله عليهم رِيحًا باردة، فمنعت أحدهم من أن يُلجم دابته. وجالت الخيل فِي العسكر، وتقطعت أطنابهم «3»
فهزمهم الله بغير قتال، وضربتهم الملائكة.
فذلك قوله: (إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها) يعني الملائكة.
وقوله: وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ [26] هؤلاء بنو قريظة. كانوا يهودا، وكانوا قد آزروا أهل مكة عَلَى النَّبِيّ عَلَيْهِ السَّلَام. وهي فِي قراءة عبد الله (آزروهم) مكان (ظاهَرُوهُمْ) (مِنْ صَياصِيهِمْ) : من حصُونهم. وواحدتها صَيصِية «4»
وهي طرَف الْقَرْن والجبل.
وصيصية غير مهموز.
__________
(1) جواب لو محذوف أي لجاز مثلا.
(2) الآية 47 سورة التوبة.
(3) الأطناب جمع طنب. وهو حبل الخباء والسرادق ونحوهما.
(4) ش، ب: «صيصة» وكلاهما وارد فى اللغة.(2/340)
يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (30)
وقوله: (فَرِيقاً تَقْتُلُونَ) يعني قَتل رجالهم واستبقاء ذراريهم.
وقوله: (وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً) كل الْقُراء قد اجتمعوا عَلَى كسر السِّين. وتأسُرُون لغة ولم «1»
يقرأ بِهَا أحد.
وقوله: وَأَرْضاً لَمْ تَطَؤُها [27] عَنَى خَيْبَر، ولم يكونوا نالوها، فوعدهم إيّاها الله.
قوله: مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ [30] اجتمعت القراء عَلَى قراءة (مَنْ يَأْتِ) بالياء واختلفوا فِي قوله «2»
: (وَيَعْمَلْ صالِحاً) فقرأها عَاصِم والحسن وأهل المدينة بالتاء: وقرأها الأعمش «3»
وَأَبُو عبد الرحمن السُّلَمِيّ بالياء. فالذين قرءوا بالياء أتْبَعُوا الفعل الآخر ب (يَأْتِ «4»
) إذْ كَانَ مذكرًا.
وَالَّذِينَ أنّثوا قالوا لَمّا جاء الفعل بعدهنّ «5»
عُلِمَ أَنَّهُ للأنثى، فأخرجناهُ عَلَى التأويل. والعربُ تَقُولُ:
كم بيع لك جارية، فإذا قالوا: كم جاريةً بيعت لك أنّثوا، والفعل فِي الوجهين جَميعًا لكم، إلا أن الفعل لَما أتى بعد الجارية ذُهِبَ بِهِ إلى التأنيث، ولو ذكر كَانَ صوابًا، لأن الجارية مفسِّرة لَيْسَ الفعل لَهَا، وأنشدني بعض العرب:
أيا أُمَّ عَمْرو مَنْ يكن عُقْرَ دارِهِ ... جواءُ عدِيّ يأكلِ الحشرات
ويسودَّ من لفح السموم جبينه ... ويعرو إن كانوا ذوي بكرات «6»
وجواءَ عَدِيٍّ.
قَالَ الفراء: سمعتها أيضًا نصبًا ولو قَالَ: (وإن كَانَ) كَانَ صوَابًا وكل حَسَنٌ.
ومن يَقْنُت [31] بالياء لم يختلف القراء فيها.
__________
(1) فى البحر 7/ 225 أنه قرأ بها أبو حيوة.
(2) أي فى الآية: 31.
(3) وكذا حمزة والكسائي وخلف.
(4) كذا. والأحسن: «يأت» .
(5) أي ما بعد من يدل على النساء كقوله: «منكن» .
(6) ا: «نكرات» في مكان «بكرات» .(2/341)
وقوله: (نُؤْتِها) قرَأها أهل الحجاز بالنون. وقرأها يَحْيَى «1»
بن وثّاب والأعمش وَأَبُو عبد الرحمن السُّلَميّ بالياء.
وقوله: فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ [32] يقول: لا تُلَيِّن «2»
القول (فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ) أي الفجور (وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفاً) : صَحِيحًا لا يُطْمِع فاجرًا.
[قوله] : وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ [33] من الوقار. تَقُولُ للرجل: قد وَقَرَ فِي منزله يقر وُقورًا.
وقرأ عَاصِم وأهل «3»
المدينة (وَقَرْنَ) بالفتح. ولا يكون ذَلِكَ من الوقار، ولكنا «4»
نُرى أنهم أرادوا: وَاقْرَرْن فِي بيوتكنّ فحذفوا الرّاء الأولى، فحوَّلت فَتَحها فِي القاف كما قالوا: هَلْ أحَسْتَ صاحبك، وكما قَالَ (فَظَلْتُمْ «5»
) يريد: فظلِلْتم.
ومن العرب من يقول: واقرِرْنَ فِي بيوتكُنّ، فلو قَالَ قائل: وقِرنَ بكسر القاف يريد واقررن/ 148 ب بكسر الرَّاء فيحوّل كسرة الرَّاء (إِذَا سقطت «6»
) إلى القاف كَانَ وجهًا. ولم نَجد ذَلِكَ فِي الوجهين جَميعًا مستعملًا فِي كلام العرب إلّا فى فعلت وفعلتم وفعلن فأمّا فِي الأمر والنهي المستقبل فلا. إلا أنا جَوَّزْنَا ذَلِكَ لأن اللام فِي النسوة ساكنة فِي فعلن ويفعلن فجازَ ذَلِكَ «7»
. وقد قَالَ أعرابيّ من بني نُمَيْر: يَنْحَطْنَ من الْجَبَل يريد: ينحططن. فهذا يقوّي ذَلِكَ.
وقوله: (وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى) قَالَ «8»
: ذَلِكَ فِي زمن ولد فِيهِ إِبْرَاهِيم النَّبِيّ عَلَيْهِ السَّلَام. كانت المرأة إِذْ ذاك تلبس الدرع «9»
من اللؤلؤ غير مَخيط الجانبين. ويقال: كانت تلبس
__________
(1) وكذا حمزة والكسائي وخلف.
(2) ا، ش كذا فى الأصول. وهو صحيح فإن الفعل يتعدى بالتضعيف والهمزة والصواب ما أثبت.
(3) أي نافع وأبو جعفر. [.....]
(4) ا: «لكنها» .
(5) الآية 65 سورة الواقعة.
(6) ضرب على هذه الجملة فى ا
(7) ش: «لذلك» :
(8) أي الفراء.
(9) درع المرأة: قميصها.(2/342)
إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (35)
الثياب تبلغ «1»
المال لا تواري جَسَدها، فأُمِرْنَ ألا يفعلنَ مثل ذَلِكَ.
قوله: إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ [35] ويقول القائل: كيف ذكر المسلمين والمسلمات والمعنى بأحدهما كافٍ؟
وَذَلِكَ أنّ امرأة قالت: يا رسول الله: ما الخير إلا للرجال. هم الذين يؤمرونَ ويُنهون. وذكرت غير ذَلِكَ من الحج والجهاد. فذكرهن الله لذلك.
وقوله: وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ [36] نزلت فِي زينب بنت جَحْش الأسدية. أراد رَسُول اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يزوِّجها زيد بن حارثة، فذكر لَهَا ذَلِكَ، فقالت: لا لعمر الله، أنا بنت عمتك وأيِّم نساء قريش. فتلا عليها هَذِه الآية، فرضيت وسَلَّمت، وتزوَّجها زيد. ثُمَّ إن النبي عَلَيْهِ السَّلَام أتى منزل زيد لِحاجة، فرأى زينب وهي فِي درعٍ وخمارٍ، فقال: سبحان مقلب القلوب. فلمّا أتى زيدٌ أهله أخبرته زينب الخبر، فأتى النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يشكوها إِلَيْهِ. فقال: يا رسول الله إنّ في زينب كِبْرًا، وإنّها تؤذيني بلسانِها فلا حاجة لي فيها. فقال لَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اتّق الله وأمسك عليك زوجك. فأبى، فطلّقها، وتزوّجها النَّبِيّ عَلَيْهِ السَّلَام بعد ذَلِكَ، وَكَانَ الوجْهَان جَميعًا: تزوجها زيد والنبي عَلَيْهِ السَّلَام من بَعْد، لأن الناس كانوا يقولون: زيد بن مُحَمَّد وإنما كَانَ يتيمًا فِي حِجره. فأراهم الله أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ بأبٍ، لأنه قد كَانَ حَرَّمَ أن ينكح الرجل امرأة أبيه، أو أن ينكح الرجلُ امرأة ابنه إِذَا دخل بِهَا.
وقوله: وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ [37] من تزويجها (مَا اللَّهُ) مظهره. (وَتَخْشَى النَّاسَ) يقول:
تستحى من الناس (وَاللَّهُ أَحَقُّ) أَن تستحي منه.
ثُمَّ قَالَ: (لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ) .
__________
(1) كذا. وكأن المراد أنها تبلغ المال الكثير تشترى به. وقد يكون الأصل: تبلغ المآكم. والمآكم جمع المأكمة وهى العجيزة، أو تبلغ المئات أي من الدنانير أو الدراهم.(2/343)
وقوله: مَا كانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيما فَرَضَ اللَّهُ لَهُ [38] من هَذَا ومن تسع النسوة، ولم تحلّ لغيره وقوله: (سُنَّةَ اللَّهِ) يقول: هَذِه سُنَّة قد مضت أيضًا لغيرك. كان لداوود وسليمان مِنَ النساء ما قد ذكرناهُ، فُضِّلا بِهِ، كذلك أنت.
ثُمَّ قَالَ: الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسالاتِ اللَّهِ [39] فضّلناهم بذلك، يعنى الأنبياء. و (الذين) فِي موضع خفض إن رددته عَلَى قوله: (سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ) وإن شئت رفعت عَلَى الاستئناف. ونصبُ «1»
السُّنَّةِ عَلَى القطع، كقولك: فعل ذَلِكَ سُنة. ومثله كَثِير فِي القرآن. وفي قراءة عبد الله: (الَّذِينَ بَلَّغُوا رِسَالات اللهِ وَيَخْشَوْنَهُ) هَذَا مثل قوله: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا «2»
وَيَصُدُّونَ) يُرَدّ يفعل عَلَى فعَل، وفَعَل عَلى يفعل. وكلٌّ صواب.
وقوله: مَا كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ [40] دليل على أمر تزوّج زينب (وَلكِنْ رَسُولَ اللَّهِ) معناهُ: ولكن كَانَ رسول الله. ولو رفعت عَلَى: ولكن هُوَ رسول الله كَانَ صوابًا وقد قرئ بِهِ «3»
. والوجه النصب.
وقوله: (وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ) كسرها الأعمش وأهل الحجاز، ونصبها- يعني التاء- عَاصِم والحسن وهي فِي قراءة عبد الله: (ولكن نبيًّا خَتَم النبيِّين) فهذه حُجَّةٌ لِمَن قَالَ (خاتم) بالكسر، ومن قَالَ (خاتَمَ) أراد هُوَ آخر النبيين، كما قرأ علقمة فيما ذُكِرَ «4» عَنْهُ (خاتَمُهُ «5» مِسْكٌ) أي آخره مسك. حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الأحوص سَلَّام ابن سُليم عَن الأشعث بن أبي الشعثاء المحاربيّ قَالَ: كَانَ عَلقمة يقرأ (خاتَمُهُ مِسْكٌ) ويقول: أمَا سمعتَ المرأة تَقُولُ للعطّار: اجْعل لي خاتمه مسكا أي آخره.
__________
(1) ش: «نصبت» .
(2) الآية 25 سورة الحج.
(3) قرأ بذلك زيد بن على وابن أبى عبلة كما فى البحر 7/ 236.
(4) ا: «ذكروا» .
(5) الآية 26 من سورة المطففين. وهى فى قراءة الجمهور: «ختامه مسك» .(2/344)
هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا (43)
وقوله: هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ [43] يغفر لكم، ويستغفر لكم ملائكته.
قوله: وَبَناتِ خالِكَ وَبَناتِ خالاتِكَ اللَّاتِي هاجَرْنَ مَعَكَ [50] وَفِي قراءة عبد الله (وَبَناتِ خالِكَ وَبَناتِ خالاتِكَ وَاللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ) فقد تكون المهاجرات من بنات الخال والخالة، وإن كَانَ «1» فِيهِ الواو، فقال: (واللَّاتِي) . والعرب تنعَت بالواو وبغير الواو كما قَالَ الشاعر:
فإنّ رُشيدًا وابنَ مَرْوان لَمْ يكن ... ليفعل حَتَّى يُصدر الأمرَ مُصْدَرَا
وأنت تَقُولُ فِي الكلام: إن زرتني زرتُ أخاكَ وابن عمك القريب لك، وإن قلت: والقريب لكَ كَانَ صوابًا.
وقوله (وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً) نصبتها ب (أحللنا) وَفِي قراءة عبد الله (وامْرَأَةً مُؤْمِنَةً وَهَبَتْ) لَيْسَ فيها (إِنْ) ومعناهما واحد كقولك فِي الكلام: لا بأسَ أن تسترقَّ عبدًا وُهب لك، وعبدًا إن وهب لك، سواء. وقرأ بعضهم (أنْ وَهَبَتْ) بالفتح عَلَى قوله: لا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَنكحها فِي أن وهبت، لا جُناحَ عَلَيْهِ فِي هبتها نفسها. ومن كسر جعله جزاء. وهو مثل قوله (لا يَجْرِمَنَّكُمْ «2» شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ) و (إن صدّوكم) (إِنْ أَرادَ النَّبِيُّ) مكسورة لم يختلف فيها.
وقوله (خالِصَةً لَكَ) يقول: هَذِه الخصلة خالصة لك ورُخصة دون الْمُؤْمِنِين، فليس للمؤمنين أن يتزوَّجوا امرأة بغير مهر. ولو رفعت (خالصة) لك عَلَى الاستئناف كَانَ صوابًا كما قَالَ (لَمْ يَلْبَثُوا «3» إِلَّا ساعَةً مِنْ نَهارٍ بَلاغٌ) أي هَذَا بلاغ: وما كَانَ من سُنّة الله، وصبغة الله وشبهه فإنه منصوب لاتصاله بِما قبله عَلَى مذهب حقًّا وشبهه. والرفعُ جائز لأنه كالجواب ألا ترى
__________
(1) ا: «كانت» .
(2) الآية 2 سورة المائدة. [.....]
(3) الآية 35 سورة الأحقاف.(2/345)
أن الرجل يقول: قد قام عبد الله، فتقول: حقًّا إِذَا وصلته. وإذا نويت الاستئناف رفعته وقطعته مِمّا قبله. وهذه محض القطع الَّذِي تسمعه من النحويين.
وقوله: تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ [51] بِهمز وغير همز. وكلّ صواب (وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ) هَذَا أيضًا مِمّا خُصّ بِهِ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أن يَجعل لمن أحبّ منهن يومًا أو أكثر أو أقلّ، ويعطّل من شاء منهن فلا يأتيه «1» . وقد كَانَ قبل ذَلِكَ لكل امرأة من نسائه يوم وليلة.
وقوله: (ذلِكَ أَدْنى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ) يقول: إِذَا لَمْ تجعل لواحدة منهنَّ يومًا وكنّ فى ذلك/ 149 ب سواء، كَانَ أحرى أن تطيب أنفسهن ولا يحزن. ويُقال: إِذَا علمن أن الله قد أباحَ لك ذَلِكَ رَضِين إذْ كَانَ من عند الله. ويُقال: إنه أدنى أن تقرّ أعينهنّ إِذَا لَمْ يحلّ لك غيرهنّ من النساء وكلّ حَسَن.
وقوله: (وَيَرْضَيْنَ بِما آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ) رفع لا غير، لأن المعنى: وترضى كل واحدة.
ولا يَجوز أن تجعل (كلّهن) نعتًا للهاء فِي الإيتاء لأنه لا معنى لَهُ ألا ترى أنك تَقُولُ: لأكرمنّ القوم ما «2» أكرموني أجمعين، وليس لقولك (أجمعون) معنًى. ولو كَانَ لَهُ مَعنى لَجازَ نصبه.
وقوله: وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ [52] (أَنْ) فِي موضع رفع كقولك: لا يحلّ لك النساء والاستبدال بِهنّ. وقد اجتمعت القراء على (لا يَحِلُّ) بالياء. وَذَلِكَ أن المعنى: لا يَحلّ لك شيء من النساء، فلذلك اختيرَ تذكير الفعل. ولو كَانَ المعنى للنساء جَميعًا لكان التأنيث أجود فِي العربية. والتاء جائزة لظهور النساء بغير من.
وقوله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلى طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ. فغير منصوبة لأنها نعت للقوم، وهم معرفة و (غير) نكرة فنصبت على الفعل
__________
(1) أي من شاء. وجاء التذكير مراعاة للفظ (من) .
(2) ا: «ما» .(2/346)
كقوله (أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ إِلَّا مَا يُتْلى عَلَيْكُمْ «1» غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ) ولو خفضت (غَيْرَ ناظِرِينَ) كَانَ صوابًا لأن قبلها (طَعامٍ «2» ) وهو نكرة، فتجعل فعلهم تابعًا للطعام لرجوع ذكر الطعام فِي (إِناهُ) كما تَقُولُ العرب: رأيت زيدًا مع امرأة محسن إليها، ومحسنًا إليها. فمن قَالَ: (محسنًا) جعله من صفة زيد، ومن خفضه فكأنه قَالَ: رأيتُ زيدًا مع التي يُحسن إليها. فإذا صَارت الصلة للنكرة أتبعتها، وإن كَانَ فعلًا لغيرها. وقد قَالَ الأعشى:
فقلتُ لَهُ هَذِه هَاتِهَا ... فجاء بأدماءَ مقتَادِهَا
فجعل المقتاد تابعًا لإعراب الأدماء لأنه بمنزلة قولك: دماء يقتادَها فخفضته لأنه صلة لَهَا.
وقد ينشد بأدماء مقتادِها تخفض الأدماء لإضافتها إلى المقتاد. ومعناهُ: بملء يَدَيْ من اقتادها ومثله فِي العربية أن تَقُولُ: إِذَا دعوت زيدًا فقد استغثت بزيد مستغيثه. فمعنى زيد مدح أي أنه كافى مستغيثه.
ولا يَجوز أن تخفض عَلَى مثل قولك: مررت عَلَى رجل حسَنِ وجهه لأن هَذَا لا يصلح حَتَّى تسقط راجع ذكر الأول فتقول: حسن الوجه. وخطأ أن تَقُولَ: مررت عَلَى امرأة حسنةِ وجهِها وحسنةِ الوجه صواب.
وقوله: (وَلا مُسْتَأْنِسِينَ) فِي موضع خفض تُتبعه الناظرين كما تَقُولُ: كنت غير قائم ولا قاعدٍ وكقولك للوصي: كُلْ من مال اليتيم بالمعروف غير متأثّل مالًا، ولا وَاقٍ مالكَ بِماله.
ولو جعلت المستأنسين فِي موضع نصب تتوهَّم أن تُتبعه بغير «3» لَمّا أن حُلْت بينهما بكلام. وكذلك كل معنى احتمل وجهين ثُمَّ فرّقت بينهما بكلام جازَ أن يكون الآخر معربًا بخلاف الأول. من ذَلِكَ قولك: ما أنت بِمحسن إلى مَن أحسن إليكَ ولا مُجْمِلًا، تنصب المجمل وتخفضه: الخفض على
__________
(1) الآية 1 سورة المائدة.
(2) ا: «طعاما» .
(3) كذا. والأولى: «غير» .(2/347)
لَا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ وَلَا أَبْنَائِهِنَّ وَلَا إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاءِ إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاءِ أَخَوَاتِهِنَّ وَلَا نِسَائِهِنَّ وَلَا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ وَاتَّقِينَ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا (55)
إتباعه «1» المحسن والنصب أن تتوهم أنك قلت: ما أنت مُحسنًا. وأنشدني بعضُ العرب:
ولستُ بذي نَيْرب فِي الصديق ... ومنَّاعَ خَيْرٍ وسبّابهَا
ولا من إِذَا كَانَ فِي جانِب ... أضاعَ العشيرة واغتابها «2»
وأنشدني أَبُو القمقام:
أَجِدُّكَ لستَ الدهر رائي رامةٍ ... ولا عاقِلٍ إلا وأنت جَنيب
ولا مصعد فِي الْمُصْعِدينَ لَمنعِجٍ ... ولا هابطًا ما عشت هَضْب شَطِيب «3»
ويُنشد هَذَا البيت:
مُعَاوِيَ إننا بَشَرٌ فَأسْجحْ ... فلسنا بالجبالِ ولا الحديدَا «4»
ويُنشد (الحديدا) خفضًا ونصبًا. وأكثر ما سمعته بالخفض. ويكون نصب المستأنسين عَلَى فعلٍ مُضمر، كأنه قَالَ: فادخلوا غير مستأنسين. ويكون مع الواو ضميرُ دخولٍ كما تَقُولُ: قم ومطيعًا لأبيكَ.
والمعنى فِي تفسير الآية أنّ المسلمين كانوا يدخلونَ عَلَى النَّبِيّ عَلَيْهِ السَّلَام فِي وقت الْغَدَاء، فإذا طعِمُوا أطالوا الجلوس، وسَألوا أزواجه الحوائج. فاشتد ذَلِكَ عَلَى النبىّ صلى الله عليه وسلم، حتّى
__________
(1) ا: «إتباعها» .
(2) البيتان لعدى بن خزاعى كما فى اللسان (ترب) . وفى ا: «فلست» والنيرب: الشر والنميمة. والهاء فى (سبابها) للعشيرة. وفى اللسان عن ابن برى أن صواب إنشاده:
ولست بذي نيرب فى الكلام ... ومناع قومى وسبابها
ولا من إذا كان فى معشر ... أضاع العشيرة واغتابها
ولكن أطاوع ساداتها ... ولا أعلم الناس ألقابها
(3) رامة وعاقل ومنعج وشطيب مواضع فى بلاد العرب. و (جنيب) من معانيه الأسير.
(4) هو لعقيبة الأسدى كما فى كتاب سيبويه 1/ 34. وأورد سيبويه بعده بيتا على النصب وهو:
أديروها بنى حرب عليكم ... ولا ترموا بها الغرض البعيدا
وأورد الأعلم أن هناك رواية بالخفض وأن بعد البيت:
أكلتم أرضنا فجرزتموها ... فهل من قائم أو من حصيد(2/348)
وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (58)
أنزل الله هَذِه الآية، فتكلم فِي ذَلِكَ بعضُ الناس، وقال: أننهى أن ندخل عَلَى بناتِ عَمِّنا إِلَّا بإذنٍ، أو من وراء حجاب. لئن مَاتَ مُحَمَّد لأتَزوَّجَنَّ بعضهنّ. فقام «1» الآباء أَبُو بكر وذووه، فقالوا:
يا رسول الله، ونحنُ أيضًا لا ندخل عليهن إلَّا بإذن، ولا نسألهن الحوائج إلا من وراء حجاب، فأنزلَ الله (لا جُناحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبائِهِنَّ) «2» إلى آخر الآية. وأَنْزَلَ فِي التزويج (وَما كانَ «3» لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً) .
وقوله: وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا [58] نزلت فِي أهل الفسق والفجور، وكانوا يتبعون الإماء بالمدينة فيفجرونَ بِهنّ، فكان المسلمونَ فِي الأخبية لَمْ يَبْنوا ولم يستقروا. وكانت المرأة من نساء المسلمين تتبرّز للحاجة، فيعرض لَهَا بعض الفجّار يُرى أنها أمَة، فتصيح بِهِ، فيذهب. وَكَانَ الزِّيُّ واحدًا فأُمِرَ النَّبِيّ عَلَيْهِ السَّلَام (قُلْ لِأَزْواجِكَ وَبَناتِكَ وَنِساءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذلِكَ أَدْنى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ «4» ) والجِلباب: الرداء.
حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ، قَالَ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ الْمُهَلَّبِ أَبُو كُدَيْنة عَن ابن عون عَن ابن سيرين فِي قوله: يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ [59] .
هكذا: قَالَ تُغَطّي إحدى عينيها وجبهتها والشِّق الآخر، إلّا العين.
وقوله: لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ [60] المرجفونَ كانوا من المسلمين. وَكَانَ المؤلفة قلوبهم يُرجفونَ بأهل الصُّفّة. كانوا يشنعونَ عَلَى أهل الصُّفَّة أنهم هم الَّذِينَ يتناولونَ النساء لأنهم عُزّاب. وقوله (لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ) أي لنسلّطَنَّكَ عليهم، ولنُولعنّك بهم.
وقوله: مَلْعُونِينَ [61] منصوبة عَلَى الشتم، وَعَلَى الفعل أي لا يجاورونك فيها إلا ملعونين.
__________
(1) كذا. والأولى: وقام.
(2) فى الآية 55 سورة الأحزاب.
(3) في الآية 53 سورة الأحزاب.
(4) فى الآية 59 سورة الأحزاب. [.....](2/349)
يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا (66)
والشتم عَلَى الاستئناف، كما قال: (وَامْرَأَتُهُ «1» حَمَّالَةَ الْحَطَبِ) لمن نصبه. ثُمَّ قَالَ (أَيْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا) فاستأنف. فهذا جزاء.
وقوله. (إِلَّا قَلِيلًا) [60] .
حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ 150 ب حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: حَدَّثَنِي حِبَّانُ عَنِ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ قَالَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلا يَسِيرًا، حَتَّى يَهْلَكُوا. وقد يَجوز أن تجعل القلة من صفتهم صفة الملعونين، كأنك قلت: إلا أقلاء ملعونين لأنّ قوله (أَيْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا) يدلّ عَلَى أنَّهم يَقِلّون ويتفرّقون.
قوله: يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ [66] والقراء عَلَى (تُقَلَّبُ) ولو قرئت (تَقَلَّبُ) «2» و (نقلّب) «3» كانا وجهين.
وقوله: وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا [66] يوقف عليها بالألف. وكذلك (فَأَضَلُّونَا «4» السَّبِيلَا) و (الظُّنُونَا) «5» يوقف عَلَى الألف لأنها مثبتة فيهنّ، وهي مع آيات بالألف، ورأيتها فِي مصاحف عبد الله بغير ألف. وَكَانَ حَمْزَةُ والأعمش يقفانِ عَلَى هَؤُلَاءِ الأحرف بغير ألف فيهنّ. وأهل الحجاز يقفونَ بالألف. وقولهم أحبّ إلينا لاتّباع الكتاب. ولو وُصلت بالألف لكان صوابًا لأن العرب تفعل ذَلِكَ. وقد قرأ بعضهم «6» بالألف فِي الوصل والقطع «7» وقوله: إِنَّا أَطَعْنا سادَتَنا [67] واحدة منصوبة. وقرأ الْحَسَن (سَاداتنا) وهي فِي موضع نصب.
__________
(1) الآية 4 سورة المسد.
(2) قرأ بها الحسن وعيسى وأبو جعفر الرؤاسى كما فى البحر 7/ 252.
(3) ضبطت فى ابفتح حروفها كأنها فعل ماض، وليس على اللام شدة. وما أثبت قراءة نسبها أبو حيان فى المرجع السابق إلى أبى حيوة وعيسى البصري.
(4) فى الآية 67 سورة الأحزاب.
(5) فى الآية 10 سورة الأحزاب.
(6) وهم نافع وابن عامر وأبو بكر عن عاصم وأبو جعفر. ويريد بالقطع الوقف.
(7) وهم نافع وابن عامر وأبو بكر عن عاصم وأبو جعفر. ويريد بالقطع الوقف.(2/350)
وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (3)
وقوله: لَعْنًا كثيرًا [68] قراءة العوام بالثاء «1» ، إلا يَحْيَى بن وثّاب فإنه قرأها (وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً «2» ) بالباء «3» . وهي فِي قراءة «4» عبد الله. قَالَ الفراء: لا نجيزه. يعني كثيرًا.
وقوله: لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ ... وَيَتُوبَ [73] بالنصب عَلَى الإتباع وإن نويت بِهِ الائتناف رفعته، كما قَالَ (لِنُبَيِّنَ لَكُمْ «5» وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحامِ) إلا أن القراءة (وَيَتُوبَ) بالنصب.
ومن سورة سبا
قوله: عَلَّامِ الْغَيْبِ [3] قَالَ رأيتها فِي مصحف عبد الله (عَلَّامِ) «6» عَلَى قراءة أصحابه «7» .
وقد قرأها عاصم (عالِمِ الْغَيْبِ) خفضًا فِي الإعراب من صفة الله. وقرأ أهل الحجاز (عالِم الْغَيْبِ) رفعًا عَلَى الائتناف إذ حالَ بينهما كلام كما قَالَ: (رَبِّ «8» السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا الرَّحْمنِ) فرفع. والاسم قبله مخفوض فِي الإعراب. وكلٌّ صواب.
وقوله: (لا يَعْزُبُ عَنْهُ) و (يَعْزِبُ) لغتان قد قُرِئ بهما. والكسرُ «9» أحبّ إلي.
وقوله: عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ [5] قراءة القراء بالخفض «10» . ولو جُعل نعتًا للعذاب فرفع «11»
__________
(1) كذا فى ا. وفى ش: «بالباء» .
(2) ش: «كثيرا» .
(3) ش: «بالثاء» .
(4) وهى قراءة عاصم.
(5) الآية 5 سورة الحج.
(6) فى ش، ب «ع لا م» مقطعة. وما أثبت من اوكتب فوقها «هجا» وكأنه يريد أنه كتب فى الأصل بحروف الهجاء مقطعة كما فى ش.
(7) وهى قراءة حمزة والكسائي. [.....]
(8) الآية 37 سورة النبأ. والقراءة التي أثبتها المؤلف قراءة حمزة والكسائي وخلف.
(9) قرأ به الكسائي.
(10) الرفع لابن كثير وحفص ويعقوب. والخفض للباقين.
(11) الرفع لابن كثير وحفص ويعقوب. والخفض للباقين.(2/351)
لَجاز كما قرأت القراء (عالِيَهُمْ «1» ثِيابُ سُندُسٍ خُضْرٌ) و (خضر) «2» وقرءوا (فِي لَوْحٍ «3» مَحْفُوظٍ) لِلَّوح و (مَحْفُوظٍ «4» ) للقرآن. وكل صواب.
وقوله: وَيَرَى الَّذِينَ [6] (يرى) فِي موضع نصب. معناهُ: ليجزي الَّذِينَ، وليرى الَّذِينَ (قرأ الآية «5» ) وإن شئت استأنفتَهَا فرفعتها، ويكون المعنى مُستأنفًا لَيْسَ بِمردود عَلَى كيْ.
وقوله (وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) نصبت (العلم) لَخروجه مِمَّا لَم نُسمّ فاعله. ورفعت (الذينَ) ب (يرى) . وإنّما مَعْناهُ: ويرى الَّذِينَ أوتوا التوراة: عبد الله بن سَلام وأصحابُه من مُسْلمة أهل الكتاب. وقوله (هُوَ الْحَقَّ) (هُوَ) عماد للذي. فتنصب (الحق) إِذَا جعلتها عمادًا. ولو رفعت (الحق) عَلَى أن تجعل (هُوَ) اسمًا كَانَ صوابًا. أنشدني الْكِسَائي:
ليت الشباب هُوَ الرجِيعُ عَلَى الفتى ... والشيبَ كَانَ هو البديء الأوّل «6»
فرفع فِي (كَانَ) ونصب فِي (ليت) ويَجوز النصب فِي كل ألف ولام، وَفِي أفعل منك وجنسه. ويَجوز فِي الأسماء الموضوعة للمعرفة. إلا أن الرفع فِي الأسماء أكثر. تَقُولُ: كَانَ عبدُ الله هُوَ أخوك، أكثر من، كَانَ عبد الله هُوَ أخاك. قَالَ الفراء: يجيز هَذَا ولا يجيزه غيره من النحويين.
وَكَانَ أبو مُحَمَّد هُوَ زيدٌ كلامُ العرب الرفع. وإنما آثروا الرفع فِي الأسماء لأن الألف واللام أحدثنا 151 اعمادا لِمَا هي فِيهِ. كما أحدثت (هُوَ) عمادًا للاسم الَّذِي قبلها. فإذا لَمْ يَجدوا فِي الاسم الَّذِي بعدها ألفًا ولامًا اختاروا الرفع وشبَّهوها بالنكرة لأنهم لا يقولون إلا كان عبد الله هُوَ قائم.
وإنما أجازوا النصب فِي أفضل منك وجنسه لأنه لا يوصل فِيهِ إلى إدخال الألف واللام، فاستجازوا إعمال معناهما وإن لَمْ تظهر «7» . إذ لَمْ يمكن إظهارها «8» . وأما قائم فإنك تقدر فِيهِ عَلَى الألف
__________
(1، 2) الآية 21 سورة الإنسان ممن قرأ بالرفع نافع وحفص، وممن قرأ بالخفض ابن كثير وأبو بكر.
(3) الآية 22 سورة البروج. والرفع لنافع والخفض للباقين.
(4) الآية 22 سورة البروج. والرفع لنافع والخفض للباقين.
(5) هذه الزيادة فى ا. أي قرأ الفراء أو محمد بن الجهم الراوي الآية.
(6) كأنه يريد بالرجيع الذي يرجع ويبقى.
(7) كذا. والمناسب: «تظهر» و «إظهارهما» ولكنه اعتبر الألف واللام حرفا واحدا إذ كان مؤداهما واحدا.
(8) كذا. والمناسب: «تظهر» و «إظهارهما» ولكنه اعتبر الألف واللام حرفا واحدا إذ كان مؤداهما واحدا.(2/352)
واللام، فإذا لَمْ تأتِ بهما جعلوا هُوَ قبلها «1» اسما ليست بعماد إذ لم يُعمد الفعل بالألف واللام قَالَ الشاعر:
أَجِدَّك لَن تزال نجِيَّ هَمّ ... تبيتُ اللَّيْلَ أنت لَهُ ضَجيعُ
وقوله: وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ [7] العرب تدغم اللام عند النون إِذَا سكنت اللام وتحركت النون. وَذَلِكَ أنها قريبة المخرج منها. وهي كثيرة فِي القراءة. ولا يقولون ذَلِكَ في لامٍ قد تتحرَّك فِي حال مثل ادخل وقل لأن (قل) قد كَانَ يُرفع «2» ويُنصب ويدخل عَلَيه الجزم، وهل وبل وأَجَلْ مجزومات أبدًا، فشُبِّهْنَ إِذَا أُدْغِمن بقوله (النار) إِذَا أدغمت اللام من النار فِي النون منها. وكذلك قوله (فَهَلْ تَرى «3» لَهُمْ مِنْ باقِيَةٍ) تدغم اللام عند التاء من بَلْ وهل وأجل. ولا تدغم فِي اللام التي قد تتحرك فِي حال. وإظهارهما «4» جائز لأن اللام ليست بموصولة بما بعدها كاتصال اللام من النار وأشباه ذَلِكَ. وإنما صرت أختار (هَلْ «5» تستطيع) و (بَلْ «6» نَظُنُّكُمْ) فأظهر لأن القراءة من المولّدين مصنوعة لَمْ يأخذوها بطباع الأعراب، إنما أخذوها بالصنعة. فالأعرابي ذَلِكَ جائز لَهُ لِمَا يجري عَلَى لسانه من خفيف الكلام وثقيله. ولو اقتسْتُ فِي القراءة عَلَى ما يخفّ عَلَى ألسن العرب فيخففون أو يدغمون «7» لخفّفت قوله (قُلْ أَيُّ «8» شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً) فقلتُ: أَيْش أكبر شهادة، وهو كلام العرب. فليس القراءة عَلَى ذَلِكَ، إنما القراءة عَلَى الإشباع والتمكين ولأن الحرف لَيْسَ بِمتصل مثل الألف واللام: ألا ترى أنك لا تقف على الألف
__________
(1) كذا. والمناسب: «قبلهما» والعذر ما علمت.
(2) يريد أن متصرفات مادة قل من الفعل ومنها المضارع، فهو يرفع وينصب ويجزم.
(3) الآية 8 سورة الحاقة. [.....]
(4) أي إظهار اللام والتاء.
(5) الآية 112 سورة المائدة. والقراءة بالتاء للكسائى. وقراءة غيره بالياء.
(6) الآية 27 سورة هود
(7) فى اعكس هذا الترتيب فى الذكر.
(8) الآية 19 سورة الأنعام.(2/353)
واللام مما هي فِيهِ. فلذلك لَمْ أظهر اللام «1» عند التاء وأشباهها. وكذلك قوله: (اتَّخَذْتُمُ «2» ) و (عُذْتُ «3» بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ) تظهر وتدغم. والإدغام أحبّ إليّ لأنها متصلة بحرف لا يوقف عَلَى ما دونه. فأما قوله (بَلْ رانَ «4» عَلى قُلُوبِهِمْ) فإن اللام تدخل فِي الرَّاء دخولًا شديدًا، ويثقل عَلَى اللسان إظهارها فأدغمت. وكذلك فافعل بِجميع الإدغام: فما ثقل عَلَى اللسان إظهاره فأدغم، وما سهل لك فِيهِ الإظهار فأظهر ولا تدغم.
وقوله: لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ [7] أَفْتَرَى على الله كذبا [8] هَذِه الألف استفهام. فهي مقطوعة فِي القطع «5» والوصل لأنها ألف الاستفهام، ذهبت الألف التي بعدها لأنها خفيفة زائدة تذهب فِي اتصال الكلام. وكذلك قوله: (سَواءٌ عَلَيْهِمْ «6» أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ) وقوله (أَسْتَكْبَرْتَ) «7» قرأ «8» الآية مُحَمَّد بن الجهم، وقوله (أَصْطَفَى «9» الْبَناتِ عَلَى الْبَنِينَ) ولا يَجوز أن تكسر الألف هاهنا لأن الاستفهام يذهب. فإن قلت: هَلّا إِذَا اجتمعت ألفان طوّلت كما قال (آلذَّكَرَيْنِ «10» (آلْآنَ) «11» قلت: إنما طولت الألف فِي الآن وشبهه لأن ألفها كانت مفتوحة، فلو أذهبتها لم تجد بين الاستفهام والخبر/ 151 ب فَرقًا، فجعل تطويل الألف فرقًا بين الاستفهام والخبر، وقوله (أَفْتَرى) كانت ألفها مكسورة وألف الاستفهام مفتوحة فافترقا، ولم يحتاجا إلى تطويل الألف.
__________
(1) أي لام أل.
(2) هذا يتكرر فى القرآن. ومنه الآية 51 من سورة البقرة: «وإذ واعدنا موسى أربعين ليلة ثم اتخذتم العجل» وكتب فى افوقه: «اتختم» تبيينا لصورة الإدغام.
(3) الآية 27 سورة غافر، والآية 20 سورة الدخان وكتب فى افوقه: «عت» تبيينا أيضا لصورة الإدغام:
(4) الآية 14 سورة المطففين.
(5) أي الواقف.
(6) الآية 6 سورة المنافقين.
(7) الآية 75 سورة ص
(8) أي أتم الآية محمد بن الجهم الراوي للكتاب.
(9) الآية 153 سورة الصافات. [.....]
(10) الآية 143 سورة الأنعام.
(11) الآية 91 سورة يونس.(2/354)
وقوله: أَفَلَمْ يَرَوْا إِلى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ [9] يقول: أما يعلمونَ أنهم حيثما كانوا فهم يرون بين أيديهم من الأرض والسماء مثل الَّذِي خلفهم، وأنهم لا يخرجون منها.
فكيف يأمنون أن نخسف بِهم الأرض أو نُسقط عليهم من السماء عذابًا.
وقوله: يَا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ [10] اجتمعت القراء الَّذِينَ يُعرفونَ عَلَى تشديد (أَوِّبِي) ومعناهُ: سبّحي. وقرأ بعضهم «1» (أُوبِي مَعَهُ) من آب يؤوب أي تصرّفى معه. و (الطَّيْرَ) منصوبة عَلَى جهتين: إحداهما أن تنصبها بالفعل بقوله: ولقد آتينا داود منا فضلًا. وسخَّرنا لَهُ الطير.
فيكون مثل قولك: أطعمته طعامًا وماءً، تريدُ: وسقيته ماءً. فيجوز ذَلِكَ. والوجهُ الآخر بالنداء، لأنك إِذَا قلت: يا عَمْرو والصَلْت أقبِلا، نصبت الصلت لأنه إنما يدعى بيا أيّها، فإذا فقدتها كَانَ كالمعدولِ عَن جهته فنُصب. وقد يَجوز رفعه عَلَى أن يتبع ما قبله. ويَجوز رفعه عَلَى: أوِّبي أنت «2» والطير. وأنشدني بعض العرب فِي النداء إِذَا نُصب لفقده يا أيّها:
ألا يا عَمْرو والضحاك سِيرَا ... فقد جاوزتما خَمرَ الطريقِ
الخَمَر: ما سترك من الشجر وغيرها (وقد يجوز «3» ) نصب (الضحاك) ورفعه. وقال الآخر:
يا طلحة الكامل وابن الكامل
والنعت يجري فِي الحرف المنادي، كما يجري المعطوف: يُنصَب ويرفع، ألا ترى أنك تَقُولُ:
إن أخاك قائم وزيد، وإن أخاك قائم [و «4» ] زيدا «5» فيُجرى المعطوف فِي إنّ بعد الفعل مجرى النعت بعد الفعل.
وقوله: (وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ) أسِيلَ لَهُ الحديد، فكان يعمل بِهِ ما شاء. كما يعمل بالطين.
__________
(1) هو الحسن كما فى الإتحاف.
(2) أي بالعطف على الضمير المرفوع فى قوله: «أوبى» .
(3) ش، ب: «فيجوز» .
(4) زيادة يقتضيها السياق. وقوله «زيدا» فى الأصول: «زيد» والمناسب ما أثبت.
(5) زيادة يقتضيها السياق. وقوله «زيدا» فى الأصول: «زيد» والمناسب ما أثبت.(2/355)
وقوله- عزّ وجلّ- أن أعمل سابغات [11] الدروع (وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ) يقول: لا تجعل مسمار الدرع دقيقا فيقلق، ولا غليظًا فيقصِم الْحَلَق.
وقوله: وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ [12] منصوبة عَلَى: وسخرنا لسليمان الريح. وهي منصوبة فى الأنبياء «1» (وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ عاصِفَةً) أضمر: وسَخَّرنا- والله أعلم- وقد رفع عَاصِم «2» - فيما أعلم- (وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ) لَما لَمْ يظهر التسخير أنشدني بعضُ العرب:
ورأيتم لِمُجاشعٍ نَعَمًا ... وبني أبيه جَامِلٌ رُغُب «3»
يريد: ورأيتم لبني أبيه، فلما لَمْ يظهر الفعل رُفع باللام.
وقوله: (غُدُوُّها شَهْرٌ وَرَواحُها شَهْرٌ) يقول: غدوّها إلى انتصاف النهار مسيرة شهر وروحتها كذلك.
وقوله: (وَأَسَلْنا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ) مثل (وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ) والقِطْر: النحاس.
وقوله: (يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ وَتَماثِيلَ) [13] ذُكر أنها صور الملائكة والأنبياء، كانت تصور فِي المساجد ليراها الناس فيزدادوا عبادةً. والمحاريب: المساجد.
وقوله: (وَجِفانٍ) وهى القصاع الكبار (كَالْجَوابِ) الحياض التي للإبل (وَقُدُورٍ راسِياتٍ) يقول: عظام لا تُنزل عَن مواضعها.
وقوله: تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ [14] همزها عَاصِم والأعمش. وهي العصا العظيمة التي تكون مع الراعي: أُخذت من نسأت البعير: زجرته ليزداد سيره كما يُقال: نَسأت اللبن إذا صببت عليه الماء وهو النّسىء. ونُسئت المرأة إِذَا حبلت. ونسأ الله فِي/ 152 اأجلك أي زاد الله فِيهِ، ولم يهمزها أهلُ الحجاز ولا الْحَسَن. ولعلهم أرادوا لغة قريش فإنهم يتركون الهمز. وزعم لى
__________
(1) الآية 81.
(2) أي فى رواية أبى بكر. فأمّا حفص عن عاصم فنصب.
(3) الجامل جماعة الجمال. ورغب: ضخم واسع كثير.(2/356)
أَبُو جَعْفَر الرؤاسي أَنَّهُ سأل عنها أبا عَمْرو فقال (مِنْساتَهُ) بغير همزٍ، فقال أَبُو عمرو: لأني لا أعرفها فتركتُ همزها. ولو جاء فِي القراءة: مِن سِاتِهِ فتجعل (سَاةً) حرفًا واحدًا فتخفضه بِمن.
قَالَ الْفَرَّاءُ: وَكَذَلِكَ حَدَّثَنِي حِبَّانُ عَنِ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: تَأْكُلُ مَنْ عصاه. والعرب تسمّى رأس القوس السّية، فيكون من ذلك، يجوز فتحها وكسرها، يعنى فتح السين، كما يقال: إنّ به لضعة وضعة، وقحة وقحة من الوقاحة ولم يقرأ بها «1» أحد علمناه.
وقوله: (دَابَّةُ الْأَرْضِ) : الأرضة.
وقوله: (فَلَمَّا خَرَّ) سُلَيْمَان. فيما ذكر أكلت العصا فَخَرّ. وقد كَانَ الناس يُرونَ أنَّ الشياطين تعلم السرّ يكون بين اثنين فلما خرّ تبين أمرُ الجن للإنس أنهم لا يعلمون الغيب، ولو علموهُ ما عملوا بين يديه وهو ميت. و (أَنْ) فِي موضع رفع: (تبيّن) أَنْ لو كانوا. وذُكِرَ عَن ابن عباس أَنَّهُ قَالَ: تبينت الإنس الجن، ويكون المعنى: تبينت الإنس أمر الجن، لأن الجن إِذَا تبيّن أمرها للإنس فقد تبيّنها الإنس، ويكون (أَنْ) حينئذٍ فِي موضع نصب بتبيَّنت. فلو قرأ قارئ تَبَيَّنَتِ الجنّ أن لو كانوا بجعل الفعل للإنس ويضمرهم فِي فعلهم فينصب الجن يفعل الإنس وتكون (أن) مكرورة عَلَى الجن فتنصبها.
وقرأ قوله: لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ [15] يحيى «2» (فِي مَسْكَنِهِمْ) وهي لغة يَمانيّة فصيحة. وقرأ حَمْزَةُ «3» فِي (مَسْكَنِهِمْ) وقراءة العوام (مَسَاكِنِهِمْ) يريدونَ: منازلهم. وكلّ صواب. والفراء يقرأ قراءة يحيى.
__________
(1) قرأت بذلك فرقة منهم عمر بن ثابت عن ابن جبير كما البحر 7/ 267.
(2) هى قراءة الكسائي وخلف.
(3) وكذا حفص.(2/357)
وقوله: (آيَةٌ جَنَّتانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمالٍ) والمعنى: عَن أيمانِهم وشمائلهم. والجنتان مرفوعتان لأنهما تفسير للآية. ولو كَانَ أحد الحرفين «1» منصوبًا بكان لكان صوابا.
وقوله: (وَاشْكُرُوا لَهُ) انقطع هاهنا الكلام (بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ) هَذِه بلدة طيبة ليست بسبخة.
وقوله: سَيْلَ الْعَرِمِ [16] كانت مُسَنَّاة «2» كانت تحبس الماء عَلَى ثلاثة أبواب منها، فيسقونَ من ذَلِكَ الماء من الباب الأول، ثُمَّ الثاني، ثُمَّ الآخر، فلا بنفد حَتَّى يثوب الماء من السنة المقبلة. وكانوا أنعم قوم عيشًا. فلما أعرضوا وجحدوا الرسل بثق الله عليهم الْمُسَنَّاة، فغرَّقت أرضهم ودفن بيوتَهم الرمل، ومُزّقوا كل مُمَزّق، حَتَّى صاروا مثلًا عند العرب. والعربُ تَقُولُ:
تفرقوا أيادي سبا وأيدي سَبًا قَالَ الشاعر «3» :
عينًا ترى النّاس إليها نَيْسَبَا ... من صَادرٍ ووارِدٍ أيدي سَبَا
يتركونَ همزها لكثرة ما جرى عَلَى ألسنتهم ويُجرونَ سَبَا، ولا يُجرونَ: من لَمْ يُجر ذهب إلى البلدة. ومن أجرى جعل سَبَا رجلًا أو جبلًا، ويهمز. وهو فِي القراءة كَثِير بالهمز لا أعلم أحدًا ترك همزه أنشدني:
الواردونَ وتَيْم فِي ذرى سبأٍ ... قد عَضَّ أعناقَهم جِلْدُ الجواميس
وقوله (ذَواتَيْ أُكُلٍ) يثقّل الْأُكُل. وخفّفه بعض «4» أهل الحجاز. وقد يقرأ بالإضافة «5»
__________
(1) يريد آية وجنتان. وقد قرأ ابن أبى عبلة «جنتين» كما فى البحر 7/ 270. [.....]
(2) بناء فى الوادي ليرد الماء، وفيه مفاتح للماء بقدر ما يحتاج إليه.
(3) هو دكين الراجز. والنيسب: الطريق المستقيم الواضح يريد سالكين هذا الطريق. وفى اللسان (نسب) عن ابن برى أن الذي فى رجز دكين:
ملكا ترى الناس إليه نيسبا ... من داخل وخارج أيدى سبا
ويروى: من صادر أو وراد.
(4) هما نافع وابن كثير مع التنوين.
(5) هى قراءة أبى عمرو ويعقوب.(2/358)
وغير/ 152 ب الإضافة. فأما الأعمش وَعَاصِم «1» بن أبي النجود فثقلا ولم يضيفا فنوّنا. وذكروا فِي التفسير أَنَّهُ «2» البرير وهو ثمر الأراك. وأما الأثل فهو الَّذِي يعرف، شبيه بالطرفاء، إلا أَنَّهُ أعظم طولًا.
وقوله: (وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ) قَالَ الفراء ذكروا أَنَّهُ السَّمُر واحدته سَمُرَة.
وقوله: وَهَلْ نُجازِي إِلَّا الْكَفُورَ [17] هكذا قرأه يَحْيَى «3» وَأَبُو عبد الرحمن أيضًا.
والعوام «4» : (وَهَلْ يُجَازَى إلا الْكَفُور) .
وقوله: (ذلِكَ جَزَيْناهُمْ) موضع (ذلك) نصب ب (جزيناهم) .
يقول القائل: كيف خصّ الكفور بالمجازاة والمجازاة للكافر وللمسلم وكل واحد؟ فيقال: إن جازيناهُ بمنزلة كافأناه، والسيئة للكافر بمثلها، وأما المؤمن فيُجزَى لأنه يزاد ويتفضَّل عَلَيْهِ ولا يُجازى. وقد يُقال: جازيت فِي معنى جزَيت، إلا أن المعنى فِي أبين الكلام عَلَى ما وصفت لك ألا ترى أَنَّهُ قد قال (ذلِكَ جَزَيْناهُمْ) ولم يقل (جازيناهم) وقد سمعت جازيت فِي معنى جزيت وهي مثل عاقبت وعقبت، الفعل منك وحدك. و (بناؤها) «5» - يعني- فاعلتُ عَلَى أن تَفَعل ويُفعل بكَ.
وقوله: وَقَدَّرْنا فِيهَا السَّيْرَ [18] جعل ما بين القرية إلى القرية نصف يوم، فذلك تقديره للسير.
وقوله: رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا [19] قراءة العوام. وتقرأ عَلَى الخبر (رَبُّنَا بَعَّدَ بَيْنَ أسفارنا) و (باعِدْ) وتقرأ عَلَى الدعاء (رَبَّنَا بَعِّدْ) وتقرأ (رَبَّنَا بَعُدَ بَيْن أسفارنا) تكون
__________
(1) وكذا ابن عامر وحمزة والكسائي وأبو جعفر.
(2) أي الخمط.
(3) القراءة الآخرة «يجازى» بالياء لنافع وابن كثير وأبى عمرو وابن عامر وأبى بكر وأبى جعفر. والقراءة الأولى «نجازى» بالنون للباقين
(4) القراءة الآخرة «يجازى» بالياء لنافع وابن كثير وأبى عمرو وابن عامر وأبى بكر وأبى جعفر. والقراءة الأولى «نجازى» بالنون للباقين
(5) ا: «بناء» .(2/359)
(بَيْنَ) فِي موضع رفع وهي منصوبة. فمن رفعها جعلها بمنزلة قوله (لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ) وقوله: وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ [20] نصبت الظن بوقوع التصديق عَلَيْهِ. ومعناهُ أَنَّهُ قَالَ (فَبِعِزَّتِكَ «1» لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) قَالَ الله: صدّق عليهم ظنّه لأنه إنما قاله بظنّ لا بعلم. وتقرأ (وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ) نصبت الظن عَلَى قوله: ولقد صَدَق عليهم فِي ظنه. ولو قلت: ولقد صدق عليهم إبليس ظنُّه ترفع إبليس والظن كَانَ صوابًا عَلَى التكرير: صدق عليهم ظنّه، كما قال (يَسْئَلُونَكَ «2» عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ) يريد: عَن قتال فِيهِ، وكما قَالَ (ثُمَّ «3» عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ) ولو قرأ قارئ ولقد صدق عليهم إبليس ظنُّه يريد:
صدقه ظنُّه عليهم كما تَقُولُ صدقك ظنّك والظنّ يخطىء ويُصيب.
وقوله: وَما كانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطانٍ [21] يُضلّهم بِهِ حُجّة، إلا أنا سلَّطناهُ عليهم لنعلم من يؤمن بالآخرة.
فإن قَالَ قائل: إن الله يعلم أمرهم بتسليط إبليس وبغير تسليطه. قلت: مثل هَذَا كَثِير فِي القرآن. قَالَ الله (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ «4» حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ) وهو يعلم المجاهد والصابر بغير ابتلاء، ففيه وجهان. أحدهما أن العرب تشترط للجاهل إِذَا كلمته بشبه هَذَا شرطًا تُسنده إلى أنفسها وهي عالمة ومخرج الكلام كأنه لمن لا يعلم. من ذَلِكَ أن يقول القائل:
النار تُحرق الحطب فيقول الجاهل: بَلِ الحطب يُحرق النار، ويقول العالم: سنأتي بحطب ونار لنعلم أيّهما يأكل صاحبه فهذا وجهٌ بَيّن. والوجه/ 153 االآخر أن تقول (لَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ) معناهُ: حَتَّى نعلم عندكم «5» فكأن الفعل لَهُم فِي الأصل. ومثله مما يدلك عَلَيْهِ قوله (وَهُوَ الَّذِي «6» يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ)
__________
(1) الآيتان 82، 83 سورة ص
(2) الآية 217 سورة البقرة.
(3) الآية 71 سورة المائدة.
(4) الآية 31 سورة محمد.
(5) أي فى المتعارف عندكم أن العلم يكون بوسيلة تؤدى إليه. [.....]
(6) الآية 27 سورة الروم.(2/360)
وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (23)
عندكم يا كفرة ولم يقل: (عندكم) يعني: وليس فِي القرآن (عندكم) وَذَلِكَ معناهُ. ومثله قوله (ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ «1» الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ) عند نفسك إذ كنت تقوله فِي دنياك. ومثله ما قَالَ الله لعيسى (أَأَنْتَ «2» قُلْتَ لِلنَّاسِ) وهو يعلم ما يقول وما يجيبه بِهِ فردّ عَلَيْهِ عيسى وهو يعلم أن الله لا يحتاج إلى إجابته. فكما «3» صلح أن يسأل عما يعلم ويلتمس من عبده ونبيه الجواب فكذلك يشرط من فعل نفسه ما يعلم، حَتَّى كأنه عند الجاهل لا يعلم.
وقوله: إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ [23] أي لا ينفع شفاعة ملك مقرّب، ولا نبيّ حَتَّى يُؤذن لَهُ فِي الشفاعة.
ويقال: حَتَّى يؤذن لَهُ فيمن يشفع، فتكون (مَنْ) للمشفوع له.
وقوله: (حَتَّى إِذا فُزِّعَ) قراءة الأعمش وَعَاصِم بن أبي النجود وأبي عبد الرحمن السُّلمي وأهل المدينة. وقراءة الْحَسَن البصري (فرّغ) وقراءة مجاهد «4» (حتّى إذا فزّغ) يجعل الفعل لله وأما قول الْحَسَن فمعناهُ حتى إذا كشف عنه الفزع عن قلوبهم وفرّغت منه. فهذا وجه. ومن قال فزّع أو فَزَّع فمعناهُ أيضًا: كُشف عَنْهُ الفزع (عَن) تدل عَلَى ذَلِكَ كما تَقُولُ: قد جُلِّيَ عنك الفزع. والعربُ تَقُولُ للرجل: إنه لمغَلَّب وهو غالب، ومغَلَّب وهو مغلوب: فمن قَالَ: مغلب للمغلوب يقول: هُوَ أبدًا مغلوب. ومن قَالَ: مغلب وهو غالب أراد قول الناس: هُوَ مغلَّب. والمفزع يكون جبانًا وشُجاعًا فمن جعله شجاعًا قَالَ: بمثله تنزل الأفزاع. ومن جعله جبانًا فهو بيّن. أراد: يَفزع من كلّ شىء.
وقوله: (قالُوا الْحَقَّ) فالمعنى فِي ذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ بين نبيّنا وبين عيسى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِما وسَلَّمَ فَترة، فلما نزل جبريل عَلَى مُحَمَّد- عليهما السَّلَام- بالوحي ظنّ أهل السموات أَنَّهُ قيام السَّاعة. فقال
__________
(1) الآية 49 سورة الدخان.
(2) الآية 116 سورة المائدة.
(3) ا: «كما» .
(4) هى قراءة ابن عامر ويعقوب.(2/361)
قُلْ لَكُمْ مِيعَادُ يَوْمٍ لَا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ سَاعَةً وَلَا تَسْتَقْدِمُونَ (30)
بعضهم: (ماذا قالَ رَبُّكُمْ) فلم يدروا، ولكنهم قالوا: قَالَ الحق. ولو قرئ (الْحَقّ) بالرفع أي هُوَ الحق كَانَ صوابًا. ومن نصب أوقع عَلَيْهِ القول: قالوا قالَ الحق.
وقوله: وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً [24] قَالَ المفسرون معناه: وإنا لعلى هُدًى وأنتم فِي ضلال مبين، معنى (أو) معنى الواو عندهم. وكذلك هُوَ فِي المعنى. غير أن العربية عَلَى غير ذَلِكَ: لا تكون (أو) بمنزلة الواو. ولكنها تكون فِي الأمر المفوض، كما تَقُولُ: إن شئت فخذ درهمًا أو اثنين، فله أن يأخذ واحدًا أو اثنين، وليس لَهُ أن يأخذ ثلاثة. وَفِي قول من لا يُبصر العربية ويجعل (أو) بمنزلة الواو يَجوز لَهُ أن يأخذ ثلاثة لأنه فِي قولهم بمنزلة قولك: خذ درهمًا واثنين. والمعنى فى قوله (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ) : إنا لضالون أو مهتدون، وإنكم أيضًا لضالون أو مهتدونَ، وهو يعلم أن رسوله المهتدي وأن غيره الضال: الضالون. فأنت تَقُولُ فِي الكلام للرجل: إن أحدنا لكاذب فكذبته تكذيبًا غير مكشوف. وهو فِي القرآن وَفِي كلام العرب كَثِير: أن يوّجه الكلام إلى أحسن مذاهبه إِذَا عُرف كقولك: والله لقد قدم فلان وهو كاذب/ 153 ب فيقول العالم: قل:
إن شاء الله أو قل فيما أظن فيُكذّبه بأحسن من تصريح التكذيب، ومن كلام العرب أن يقولوا.
قاتله الله: ثُمَّ يستقبحونها، فيقولون: قاتعه وكاتعه. ويقولون جوعًا دعاء عَلَى الرجل، ثُمَّ يستقبحونها فيقولون: جُودًا، وبعضهم: جُوسًا. ومن ذَلِكَ قولهم: وَيْحَك وويسكَ، إنما هي ويلك إلا أنها دونها بمنزلة ما مضى.
وقوله: قُلْ لَكُمْ مِيعادُ يَوْمٍ [30] ولو قرئت «1» : ميعادٌ يَوْمٌ. ولو كانت فِي الكتاب (يومًا «2» ) بالألف لَجاز، تريد: ميعاد فِي يوم.
وقوله: لَنْ نُؤْمِنَ بِهذَا الْقُرْآنِ وَلا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ [31] : التوراة لَمَّا قَالَ أهل الكتاب:
صفةُ مُحَمَّد فِي كتابنا كفر أهل مكة بالقرآن وبالذي بين يديه: الذي قبله التوراة.
__________
(1) جواب لو محذوف أي لجاز.
(2) هى قراءة ابن أبى عبلة واليزيدي كما فى البحر 7/ 282. وهى قراءة شاذة.(2/362)
وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْدَادًا وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (33)
وقوله: بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ [33] المكر لَيْسَ لليل ولا للنهار، إنما المعنى: بَلْ مكركم «1» بالليل والنهار. وقد يَجوز أن نضيف الفعل إلى الليل والنهار، ويكونا كالفاعلين، لأن العرب تَقُولُ: نهارك صائم، وليلك نائم، ثُمَّ تضيف الفعل إلى الليل والنهار، وهو فِي المعنى للآدميين، كما تَقُولُ: نام لَيْلُكَ وعَزَم الأمرُ، إنما عَزَمه القوم. فهذا مما يُعرف معناه فتتسع بِهِ العرب.
وقوله: زُلْفى إِلَّا مَنْ آمَنَ [37] (مَنْ) فِي موضع نصب بالاستثناء. وإن شئت أوقعت عليها التقريب، أي لا تقرِّب الأموال إلا من كَانَ مطيعًا. وإن شئت جعلته رفعًا، أي ما هُوَ إلا من آمن.
ومثله (لا يَنْفَعُ «2» مالٌ وَلا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) وإن شئت جعلت (مَنْ) فِي موضع نصب بالاستثناء. وإن شئت نصبًا بوقوع ينفع. وإن شئت رفعًا فقلت: ما هُوَ إلا من أتى الله بقلبٍ سُلَيْم.
وقوله: (وَما أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي) إن شئت جعلت (التي) جامعة للأموال والأولاد لأن الأولاد يقع عليها (التي) فلمّا أن كانا جَمْعًا صلح للتي أن تقع عليهما. ولو قَالَ:
(باللتين) كَانَ وجهًا صوابًا. ولو قَالَ: باللذين كما تَقُولُ: أمّا العسكر والإبل فقد أقبلا. وقد قالت العرب: مرّت بنا غَنَمان سُودان «3» ، فقال: غَنَمان: ولو قَالَ: غَنَم لجاز. فهذا شاهد لمن قال (بالتي) ولو وجهت (التي) إلى الأموال واكتفيت بِهَا من ذكر الأولاد صلح ذَلِكَ، كما قَالَ مرَّار الأسَدي:
نحن بِمَا عندنا وأنت بِمَا ... عِندك راضٍ والرأيُ مختلفُ «4»
وقال الآخر:
إنّي ضمنت لمن أتاني ما جنى ... وأبي وكان وكنت غير غدور «5»
__________
(1) ش: «مكرهم» .
(2) الآيتان 88، 89 سورة الشعراء.
(3) جمع أسود. وقد جمع باعتبار الجمع، ولو راعى اللفظ لقال: سوداوان.
(4) فى كتاب سيبويه 1/ 37 نسبته إلى قيس بن الخطيم.
(5) فى كتاب سيبويه 1/ 38 نسبته إلى الفرزدق.(2/363)
وَمَا آتَيْنَاهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ (44)
ولم يقل: غير غَدُورين. ولو قَالَ: وما أموالكم ولا أولادكم بالذين، يذهب بِهَا إلى التذكير للأولاد لَجَاز.
وقوله: (لَهُمْ جَزاءُ الضِّعْفِ) لو نصبت بالتنوين الَّذِي فِي الجزاء كَانَ صوابًا. ولو قيل «1» (لَهُمْ جَزاءُ الضِّعْفِ) ولو قلت: جزاءٌ «2» الضِّعْفُ كما قَالَ (بِزِينَةٍ «3» الْكَواكِبِ) (وَهُمْ فِي الْغُرُفاتِ) و (الغرفة) «4» .
وقوله: وَما آتَيْناهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَها وَما أَرْسَلْنا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ [44] أي من أين كذبوا بك ولم يأتهم كتابٌ ولا نذيرٌ بِهذا.
قَالَ الله: وَكَذَّبَ الذين من قبلهم [45] وما بلغ أهل مكة معشار الَّذِينَ أهلكنا من القوّة فى الأجسام والأموال. ويقال: ما بلغوا معشار ما آتيناهم فِي الْعِدّة. والمعشار فِي الوجهين الْعُشْر.
وقوله: قُلْ إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ [46] أي يكفيني منكم أن يقوم الرجل منكم وحده، أو هو وغيره، ثم تنفكروا هَلْ جربتم عَلَى مُحَمَّد كذبًا أو رأوا «5» بِهِ جنونًا ففي ذَلِكَ ما يتيقنون «6» أَنَّهُ بنىّ.
وقوله: عَلَّامُ الْغُيُوبِ [48] رفعت (علّام) وهو الوجه لأن النعت إِذَا جاء بعد الخبر رفعته العرب فِي إنّ، يقولون: إن أخاك قائم الظريف. ولو نصبوا كَانَ وجهًا. ومثله (إِنَّ «7» ذلِكَ لَحَقٌّ تَخاصُمُ أَهْلِ النَّارِ) لو قرئ نصبًا كَانَ صوابًا، إلا أن القراءة الجيّدة الرّفع.
__________
(1) هى قراءة رويس عن يعقوب.
(2) هى قراءة كما فى البحر 2/ 286. [.....]
(3) الآية 6 سورة الصافات.
(4) هذه قراءة حمزة.
(5، 6) كذا. والأنسب: «أو رأيتم» . وكذا قوله: «يتيقنون» الأنسب: «تتيقنون» .
(7) الآية 64 سورة ص(2/364)
وَقَالُوا آمَنَّا بِهِ وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ (52)
وقوله وَأَنَّى لَهُمُ التَّناوُشُ [52] قرأ الأعمش وَحَمْزَة وَالْكِسَائي بالهمز يَجعلونه من الشيء البطيء من نأشت من النئيش، قَالَ الشاعر:
وجئت نئيشا بعد ما فاتك الخبر
وقال آخر»
:
تَمَنَّى نئيشًا أن يكون أطاعني ... وقد حَدَثت بعد الأمور أمورُ
وقد ترك همزها أهل الحجاز وغيرهم، جَعلوها من نُشْته نَوْشًا وهو التناول: وهما متقاربان، بمنزلة ذِمْتُ الشيء وذأمته أي عبته: وقال الشاعر «2» :
فهْي تَنُوش الحوض نَوْشًا من عَلَا ... نَوْشًا بِهِ تقطع أجواز الْفَلَا
وتناوش القومُ فِي القتال إِذَا تناول بعضهم بعضًا ولم يتدانوا كل التداني. وقد يَجوز همزها وهي من نُشت لانضمام الواو، يعني التناوش مثل قوله (وَإِذَا الرُّسُلُ «3» أُقِّتَتْ) .
وقوله: وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ [53] يقولون لَيْسَ بنبي وقد باعدهم الله أن يعلموا ذَلِكَ لأنه لا علم لَهُم، إنما يقولون بالظن وبالغيب أن ينالوا أَنَّهُ غير نبىّ.
__________
(1) هو نهشل بن حرى كما فى اللسان (ناش) . وقبله:
ومولى عصانى واستبد برأيه ... كما لم يطع فيما أشار قصير
فلما رأى ما غب أمرى وأمره ... وناءت بأعجاز الأمور صدور
(2) هو غيلان بن حريث كما فى اللسان (نوش) والضمير فى «فهى» للابل. وقوله: «من علا» أي من فوق يريد أنها عالية الأجسام طوال الأعناق. وهذا النوش الذي ترتوى به يعينها على قطع الفلوات. والأجواز جمع جوز وهو الوسط.
(3) الآية 11 سورة المرسلات.(2/365)
الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1)
ومن سورة فاطر
قوله: يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاءُ [1] هَذَا فِي الأجنحة التي جعلها لجبريل وميكائيل يعني «1» بالزيادة فِي الأجنحة.
وقوله: وَما يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ [2] ولم يقل: لَهَا، وقد قَالَ قبل ذَلِكَ (مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها) فكان التأنيث فِي (لَهَا) لظهور الرحمة. ولو قَالَ: فلا مُمسك لَهُ لَجاز، لأن الْهَاء إنما ترجع عَلَى (ما) ولو قيل فِي الثانية: فلا مرسل لَهَا لأن الضمير عَلَى الرحمة جاز، ولكنها لَمَّا سقطت الرحمة من الثاني ذكّر على (ما) .
قوله: اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ [3] وما كَانَ فِي القرآن من قوله (اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ) فمعناهُ: احفظوا، كما تَقُولُ: اذكر أياديّ عندك أي احفظها.
وقوله: (هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ) تقرأ (غيرُ) و (غَيرِ) قرأها شقيق «2» بن سَلَمة (غَيْرِ) وهو وجه الكلام. وقرأها عَاصِم «3» (هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ) فمن خفض فِي الإعراب جعل (غير) من نعت الخالق. ومن رفع قَالَ: أردت بغير إلا، فلما كانت ترتفع ما بعد (إلا) جعلت رفع ما بعد (إِلَّا) فِي (غير) كما تَقُولُ: ما قام من أحد إلا أبوك. وكل حسنٌ. ولو نصبت (غَير) إِذَا أريد بِهَا (إِلا) كَانَ صوابًا.
العرب تقول: ما أتاني أحد غَيْرك. والرفع أكثر «4» ، لأن (إلا) تصلح فِي موضعها.
وقوله: أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً [8] يقول: شُبّه عَلَيْهِ عمله، فرأى سيئه حسنًا.
ثم قال/ 154 ب (فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ) فكان الجواب متبعا بقوله
__________
(1) كأن المراد: يعنى بالزيادة الزيادة فى الأجنحة.
(2) وهى قراءة حمزة والكسائي وأبى جعفر.
(3) وكذا غير من ذكر فى الحاشية السابقة.
(4) سقط فى ا.(2/366)
مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ (10)
(فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ) واكتُفي بإتباع الجواب بالكلمة الثانية لأنها كافية من جواب الأولى: ولو أخرج الجواب كله كَانَ «1» : أفمن زين لَهُ سوء عمله ذهبت نفسك، أو تذهب نفسك لأن قوله (فَلا تَذْهَبْ) نهي يدل عَلَى أن ما نُهِيَ عَنْهُ قد مضى فِي صدر الكلمة. ومثله فِي الكلام:
إِذَا غضبت فلا تقتل، كأنه كَانَ يقتل عَلَى الغضب، فنُهي عَن ذَلِكَ. والقراء مجتمعون على (تَذْهَبْ نَفْسُكَ) وقد ذَكر بعضهم عَن أبي جَعْفَر المدنيّ (فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ) وكلّ صوابَ.
وقوله: مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً [10] فإن (الْعِزَّةَ) «2» معناهُ: من كَانَ يريد عِلْم العزة ولمن هي فإنها لله جميعًا، أي كل وجهٍ من العزّة فلله.
وقوله: (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ) الْقُراء مجتمعونَ عَلَى (الْكَلِمُ) إلا أبا عبد الرحمن فإنه قرأ (الكلام الطيب) وكل حسنٌ، و (الْكَلِم) أجود، لأنها كلمة وكلم. وقوله (الكلمات) فِي كَثِير من القرآن يَدلّ عَلَى أن الكلم أجود: والعربُ تَقُولُ كلمة وكَلِم، فأمّا الكلام فمصدر.
وقد قَالَ الشاعر:
مالك تَرْغين ولا يَرْغُو الْخَلِفْ ... وَتضْجَرين والمطيّ مُعترِف «3»
فجمع الْخَلفة بطرح الْهَاء، كما يُقال: شجرة وشجر.
وقوله: (وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) أي يرفع الكلم الطيب. يقول: يُتقبّل الكلام الطيب إِذَا كَانَ معه عمل صالِح. ولو قيل: (والعملَ الصَّالِحَ) بالنصب عَلَى معنى: يرفع الله العملَ الصالِح، فيكون المعنى: يرفع الله (العمل «4» الصالِح) ويَجوز عَلَى هَذَا المعنى الرفع، كما جازَ النصبُ لمكان الواو فِي أوَّله.
__________
(1) ا: «لكان» .
(2) يريد تفسير قوله: «فلله العزة» وفى ش: «فإن» .
(3) ترغين من الرغاء. وهو صياح الإبل. والخلف جمع خلفة وهى الناقة الحامل. والمعترف الصابر. [.....]
(4) سقط فى ا.(2/367)
وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (18)
وقوله: وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ [11] يقول: ما يُطَوَّل من عمر، وَلا يُنْقَصُ من عمره، يريدُ آخر غير الأول، ثُمَّ كُني عَنْهُ «1» بالهاء كأنه الأول.
ومثله فِي الكلام: عندي درهم ونصفه يعني نصف آخر. فجازَ أن يكنى عَنْهُ بالهاء لأن لفظ الثاني قد يظهر كلفظ الأول. فكنى عَنْهُ ككناية الأوّل.
وفيها قول آخر: (وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ) يقول: إِذَا أتى عَلَيْهِ الليلُ والنهار نَقَصَا من عمره، وَالْهَاء فِي هَذَا المعنى للأول لا لغيره، لأن المعنى ما يطوّل ولا يذهب منه شيء إلا هُوَ محصًى فِي كتاب، وكل حسن وكأنّ الأول أشبه بالصواب.
وقوله: وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيًّا [12] يريدُ: من البحرين جَميعًا: من الْمِلح والعَذْب.
(وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً) من الملح دون العذب.
وقوله: (وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَواخِرَ) ومَخْرها: خرقها للماء إِذَا مَرَّتْ فِيهِ، واحدها ماخِرة.
وقوله. وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلى حِمْلِها [18] يقول: إن دعت داعية ذات ذُنُوبٍ قد أثقلتها إلى ذنوبها ليُحمل عنها شيء من الذنوب لَمْ تَجد ذَلِكَ. ولو كَانَ الَّذِي تدعوهُ أبًا أو ابنًا. فذلك قوله:
(وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى) ولو كانت: ذو قربى لَجازَ لأنه لَمْ يُذكر فيصير نكرة. فمن رفع لَمْ يضمر فِي (كَانَ) شيئًا، فيصير مثل قوله: (وَإِنْ كانَ «2» ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ) ومن نصب أضمر. وهي فِي قراءة أُبَيّ: (وإنْ كَانَ ذَا عُسْرَةٍ) عَلَى ذَلِكَ. وإِنَّما أنّث (مُثْقَلَةٌ) يذهب إلى الدابة أو إلى النفس، وهما يعبِّران عَن الذكر والأنثى، كما قَالَ: (كُلُّ نَفْسٍ «3» ذائِقَةُ الْمَوْتِ) للذكر والأنثى.
__________
(1) ا: «عنها» .
(2) الآية 280 سورة البقرة.
(3) الآية 185 سورة آل عمران.(2/368)
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ (27)
وقوله: وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ [19] فالأعمى هاهنا الكافر، والبصير المؤمنُ.
وَلَا الظُّلُماتُ وَلَا النُّورُ [20] الظلمات: الكفر، والنور: الإيمان.
وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ [21] الظل: الجنة، والحرُور: النار.
وَما يَسْتَوِي الْأَحْياءُ وَلَا الْأَمْواتُ [22] الأحياء: المؤمنون، والأموات: الكفار.
وقوله: جُدَدٌ بِيضٌ [27] الْخُطط والطرق تكون فِي الجبال كالعُروق، بيض وسُود وحمر، واحدها جُدّة.
وقال امرؤ القيس، يصف الحمار:
كأنّ سَرَاتَيه وجُدَّةُ مَتْنِه ... كنائِن يجري فوقَهنّ دَلِيص
والجُدّة: الْخُطّة السوداء فِي متن الحمار.
وقال الفراء. يقال: قد أدلصت الشيء ودلصته إِذَا برق، وكل شيء يبرق، نحو المرآة والذهب والفضة فهو دَليص.
قَالَ: الطُّرُق جَمع طريق. والطُرق جمع طُرْقة.
وقوله: كَذلِكَ [28] من صلة الثمرات. واختلاف ألوانها أي من الناس وغيرهم كالأول. ثُمَّ استأنف فقال: (إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ) .
وقوله: يَرْجُونَ تِجارَةً لَنْ تَبُورَ [29] جواب لقوله: (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتابَ اللَّهِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ) أولئك يرجون (تِجارَةً لَنْ تَبُورَ) ف (يرجونَ) جواب لأول الكلام.
وقوله: فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ [32] هذا الكافر (وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ) فهؤلاء أصحاب اليمين (وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ) وهذه موافقٌ تفسيرها تفسير التي «1» فِي الواقعة. فأصحاب الميمنة هم «2»
__________
(1) يريد الآيات 8، 9، 10.
(2) فى الأصول: «وهم» .(2/369)
وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ (37)
المقتصدون. ويقال: هم الولدان. وأصحاب المشأمة الكفّار. والمشأمة النار. والسّابقون السّابقون هؤلاء أهل الدرجات العلى أولئك المقرّبون فِي جناتِ عَدْنٍ.
قوله: جَنَّاتُ عَدْنٍ [33] ومعنى عدنٍ إقامة بِهِ. عَدَن بالموضع.
وقوله: أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ [34] الحزن للمعاش وهموم الدُّنْيَا. ويُقال: الحزن حَزَنَ الموت.
ويُقال الحزن بالجنة والنار لا ندري «1» إلى أيّهما نصير «2» .
وقوله: دارَ الْمُقامَةِ [35] هي «3» الإقامة «4» . والمقامة: المجلس الَّذِي يُقام فِيهِ. فالمجلس مفتوح لا غير كما قَالَ الشاعر «5» :
يومانِ يومُ مقاماتٍ وأنديةٍ ... ويومُ سير إلى الأعداء تأويبِ
وقرأ السُّلمي (لَغُوب) كأنه جعله ما يُلغب، مثل لَغُوب «6» والكلام لُغُوب بضم اللام، واللغوب: الإعياء.
وقوله: وَجاءَكُمُ النَّذِيرُ [37] يعنى محمدا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وذُكر الشيب.
وقوله: أَرُونِي ماذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ [40] أي إنهم لَمْ يخلقوا فِي الأرض شيئًا. ثم قال:
(أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّماواتِ) أي فِي خلقها، أي أعانوه عَلَى خلقها.
وقوله: وَلَئِنْ زالَتا [41] بمنزله قوله: ولو زالتا (إِنْ أَمْسَكَهُما) (إنْ) بمعنى (ما) وهو بمنزلة قوله: (وَلَئِنْ «7» أَرْسَلْنا رِيحاً فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ) .
وقوله: (وَلَئِنْ «8» أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ بِكُلِّ آيَةٍ ما تَبِعُوا قِبْلَتَكَ) المعنى معنى (لو) وهما متآخيتان يجابان بجواب واحد.
__________
(1، 2) ا: «يدرى» .. «ويصير» .
(3) سقط فى ا.
(4) ش: «المقامة» .
(5) هو سلامة بن جندل، كما فى اللسان (أوب) . والتأويب: سير النهار أجمع.
(6) كذا ولم يظهر وجهه. وقد يكون: «لعوب» وهى المرأة الحسنة، وهى تحمل المرء على اللعب.
(7) الآية 51 سورة الروم.
(8) الآية 145 سورة البقرة.(2/370)
يس (1)
وقوله: اسْتِكْباراً فِي الْأَرْضِ [43] أي فعلوا ذلك استكبارا (وَمَكْرَ السَّيِّئِ) أضيف المكر إلى السيّء وهو هُوَ كما قَالَ: (إِنَّ هَذَا «1» لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ) وتصديق ذلك فى قراء عبد الله (ومكرًا سَيِّئًا) وقوله (وَمَكْرَ السَّيِّئِ) الهمزة فى (السّيّئ) مخفوضة/ 155 ب. وقد جزمها الأعمش وَحَمْزَة لكثرة الحركات، كما قال (لا يَحْزُنُهُمُ «2» الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ) وكما قَالَ الشاعر:
إِذَا اعْوَجَجْن قُلْتُ صاحب قَوِّمِ «3»
يريدُ صاحب قوم فجزم الباء لكثرة الحركات. قَالَ الفراء: حَدَّثَنِي الرؤاسي عَن أبي عمرو ابن العلاء (لا يحزنهم) جزم.
ومن سورة يس
قوله: يس [1] حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: حَدَّثَنِي شَيْخٌ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ عَنِ الْحَسَنِ نَفْسَهُ قَالَ: يس: يَا رَجُلُ. وَهُوَ فِي الْعَرَبِيَّةِ بِمَنْزِلَةِ حَرْفِ الهجاء كقولك:
حم وأشباهها.
القراءة بوقف النون من يس. وقد سمعت من العرب من ينصبها فيقول: (يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ) كأنه يجعلها متحركة كتحريك الأدوات إِذَا سكن ما قبلها مثل لَيْتَ ولعلّ ينصب منها ما سكن الَّذِي يلي «4» آخر حروفه. ولو خُفض كما خُفض جَيْرِ «5» لا أفعل ذَلِكَ خُفضت لمكان الياء التي فِي جير.
__________
(1) الآية 95 سورة الواقعة. [.....]
(2) الآية 103 سورة الأنبياء.
(3) بعده:
بالدو أمثال السفين العوم
والدو: الصحراء. وأراد بأمثال السفين إبلا محملة تقطع الصحراء قطع السفن البحر. وانظر كتاب سيبويه والأعلم 2/ 297.
(4) أي يكون بقربه. والحرف هنا قبله، وإن كان المتعارف فى الذي يلى أن يكون متأخرا.
(5) جير بمعنى حقا. وتستعمل بمعنى اليمين.(2/371)
عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (4)
وقوله: عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ [4] يكون خيرا بعد خبر: إنك «1» لمن المرسلين، إنك «2» على صراط مستقيم. ويكون: إنك لمن الَّذِينَ أرسلوا عَلَى صراط مستقيم عَلَى الاستقامة.
وقوله: تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ [5] القراءة بالنصب، عَلَى قولك: حقًّا إنك لَمِنَ المرسلين تنزيلًا حقًّا. وقرأ أهل الحجاز بالرفع، وَعَاصِم والأعمش ينصبانِها. ومن رفعها جعلها خبرًا ثالثًا: إنك «3» لتنزيل العزيز الرحيم. ويكون رفعه عَلَى الاستئناف كقولك: ذَلِكَ تنزيل العزيز الرحيم كما قَالَ (لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا «4» ساعَةً مِنْ نَهارٍ بَلاغٌ) أي ذَلِكَ بلاغ.
وقوله: لِتُنْذِرَ قَوْماً مَا أُنْذِرَ آباؤُهُمْ [6] يُقال: لتنذر قومًا لَمْ يُنذَر آباؤهم أي لَمْ تنذرهم ولا أتاهم رسول قبلك. ويُقال: لتنذرهم بما أنذر آباؤهم، ثُمَّ تُلقي الباء، فيكون (ما) فِي موضع نصب كما قَالَ (أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً «5» مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ) .
وقوله: إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقانِ [8] .
فكنى عَن هي، وهي للأيمان ولم تُذكر. وَذَلِكَ أن الْغُلّ لا يكون إلا باليمين، والعنق، جامعًا لليمين، والعُنق، فيكفي ذكر أحدهما من صاحبه، كما قَالَ (فَمَنْ «6» خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ) فضمّ الْوَرثة إلى الوصيّ ولم يُذكروا لأن الصلح إنّما يقع بين الوصي والورثة. ومثله قول الشاعر:
وما أدْرِي إِذَا يَمَّمْتُ وجهًا ... أريدُ الخير أيُّهما يليني
أألخير الَّذِي أنا أبتغيه ... أم الشرّ الذي لا يأتلينى
__________
(1) فى الأصول: «وقوله: إنك» .
(2) ش: «يريد إنك» .
(3) ا: «إنه» وكونه خبرا ثالثا يقضى بإثبات ما أثبت وهو فى ش. وبعد فلا يتجه هذا الإعراب لأن التنزيل من صفة القرآن لا من صفة الرسول عليه الصلاة والسلام.
(4) الآية 35 سورة الأحقاف.
(5) الآية 13 سورة فصلت.
(6) الآية 182 سورة البقرة.(2/372)
إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ (12)
فكنى عَن الشر وإنما ذكر الخير وَحده، وَذَلِكَ أن الشر يُذكر مع الخير، وهي فِي قراءة عبد الله (إنا جعلنا فِي أيمانهم أغلالا فهى إلى الأذْقَانِ) فكفَتِ الْأَيْمَان من ذكر الأعناق فِي حرف عبد الله، وكَفَت الأعناق من الْأَيْمَان فِي قراءة العامّة. والذَقَن أَسْفل اللحيين. والمقمَح: الغاضّ بصره بعد رفع رأسه. ومعناه: إنا حبسناهم عَن الإنفاق فِي سبيل الله.
وقوله: فَأَغْشَيْناهُمْ [9] أي فألبسنا أبصارهم غشاوة. ونزلت هَذِه الآية فِي قوم أرادوا قتل النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من بني مخزوم، فأتوه فِي مصلاه ليلًا، فأعمى الله أبصارهم عَنْهُ، فجعلوا يسمعونَ صوته بالقرآن «1» ولا يرونه. فذلك قوله (فَأَغْشَيْناهُمْ) وتقرأ (فأعشيناهم) بالعين. أغشيناهم عَنْهُ لأن الْعَشْو بالليل، إِذَا أمسيت وأنت لا ترى شيئًا فهو الْعَشْو.
وقوله: وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا [12] أمّا ما قدّموا فما أسلفوا من أعمالهم. وآثارهم ما استنّ به من بعدهم. وهو/ 156 امثل قوله (يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ
«2» وْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ وَأَخَّرَ) .
وقوله (وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ) القراء مجتمعونَ عَلَى نصب (كُلّ) لِمَا وقع من الفعل عَلَى راجع ذكرها. والرفع وجه جيّد قد سمعت ذَلِكَ من العرب لأن (كُلّ) «3» بمنزلة النكرة إِذَا صحبها الجحد فالعرب تَقُولُ: هَلْ أحد ضربته، وَفِي (كلّ) مِثْل هَذَا التأويل، ألا ترى أن معناهُ: ما من شيء إلا قد أحصيناه.
وقوله: إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُما فَعَزَّزْنا بِثالِثٍ [14] والثالث قد كَانَ أرسل قبل الاثنين فكُذِّبَ. وقد تراهُ فِي التنزيل كأنه بعدهما. وإنَّما معنى قوله (فَعَزَّزْنا بِثالِثٍ) : بالثالث الَّذِي قبلهما كقولك: فعززنا بالأول. والتعزيز يقول: شدّدنا أمرهما بما علمهما الأول شمعون. وكانوا أرسلوا إلى أنطاكية «4» . وهي فِي قراءة عبد الله (فَعَزَّزنا بالثالث) لأنه قد ذكر فى المرسلين «5» ، وإذا
__________
(1) ا: «بالقراءة» .
(2) الآية 13 سورة القيامة.
(3) كذا. وكأنه منعها الصرف لأنه أراد الكلمة، فاجتمع فيها العلمية لأنها علم على اللفظ، والتأنيث.
(4) هى مدينة من أعمال حلب فى سورية. [.....]
(5) أي فى قوله تعالى فى الآية السابقة «إذ جاءها المرسلون» .(2/373)
قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ (18)
ذُكرت النكرة فِي شيء ثُمَّ أعيدت خرجت معرفة كقولك للرجل: قد أعطيتك درهمين، فيقول:
فأين الدرهمان؟ وقرأ عَاصِم «1» (فَعَززْنا) خفيفة. وهو كقولك: شدّدنا وشددنا.
وقوله: لَنَرْجُمَنَّكُمْ [18] .
يريد: لنقتلنكم. وعامة ما كَانَ فِي القرآن من الرجم فهو قتل «2» ، كقوله (وَلَوْلا «3» رَهْطُكَ لَرَجَمْناكَ) .
وقوله: طائِرُكُمْ مَعَكُمْ [19] القراء مجتمعون على (طائِرُكُمْ) بالألف. والعرب تقول:
طيركم معكم.
وقوله: (أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ) قراءة العامة بالهمز وكسر ألف (إِنْ) .
وقرأ أَبُو رَزِين- وَكَانَ من أصحاب عبد الله- (أأن ذكّرتم) ومن كسر قال «4» (أَإِنْ) جعله جزاء أدخل عَلَيْهِ ألف استفهام. وقد ذُكِرَ عَن بعض القرّاء (طائركم معكم أين ذُكِّرْتُم) و (ذُكِرتم) يريد: طائركم معكم حيثما كنتم. والطائر هاهنا: الأعمال والرزق. يقول: هُوَ فِي أعناقكم.
ومن جعلها (أَين) فينبغي لَهُ أن يخفّف (ذكرتم) وقد خَفّف أَبُو جَعْفَر المدني (ذُكرتم) ولا أحفظ عَنْهُ (أين) .
وقوله: إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ [25] .
أي فاشهدوا لي بذلك. يقوله حبيب للرسل الثلاثة.
وقوله: بِما غَفَرَ لِي رَبِّي [27] و (بما) تكون فِي موضع (الَّذِي) وتكون (ما) و (غفر) فِي موضع مصدر. ولو جعلت (ما) فِي معنى (أي) كَانَ صوابًا. يكون المعنى: ليتهم يَعلمون بأي شيء غَفَر لي رَبِّي. ولو كَانَ كذلك لجازَ لَهُ فِيهِ: (بِمَ غفر لي رَبِّي) بنُقصان الألف، كما تقول:
__________
(1) أي في رواية أبى بكر. أما حفص فعنده التشديد.
(2) سبق له فى الكلام على الآية 46 من سورة مريم أن فسر الرجم بالسب.
(3) الآية 91 سورة هود.
(4) سقط فى ا. وهو بدل من (كسر) .(2/374)
إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ (29)
سَلْ عَمَّ شئت، وكما: قَالَ (فَناظِرَةٌ «1» بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ) وقد أتَمَّها الشاعر وهي استفهام فقال:
إنا قتلنا بقتلانا سَراتكم ... أهلَ اللِّوَاءِ ففِيما يُكثَر الْقِيلُ «2»
وقوله: إِنْ كانَتْ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً [29] نصبتها القراء، إلا أبا جَعْفَر، فإنه رفعها، عَلَى ألا يُضمِر فِي (كانت) اسمًا. والنصب إِذَا أضمْرت فيها كما تَقُولُ: اذهب فليس إلا الله الواحد القهار والواحد القهار، عَلَى هَذَا التفسير، وسمعتُ بعض العرب يقول لرجل يصفه بالخِبّ «3» : لو لَمْ يكن إلا ظِلَّة لَخَاب «4» ظِلُّه. والرفع والنصب جائزان. وقد قرأت القراء (إِلَّا أَنْ تَكُونَ «5» تِجارَةً حاضِرَةً) بالرفع والنصب. وهذا من ذَاكَ.
وقوله (إِنْ كانَتْ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً) وَفِي قراءة عبد الله (إن كانت إلَّا زَقْيَةً) والزَقْيَة والزَقْوة لغتان. يقال زَقَيت وَزَقوت. وأنشدني بعضهم وهو يذكر امرأة:
تلد غلامًا عَارِمًا يؤذيكِ ... ولو زَقَوت كَزُقاء الدّيك
وقوله: يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ [30] المعنى: يا لَهَا حسرةً عَلَى العباد. وقرأ بعضهم (يا حسرة العباد) والمعنى فِي العربية واحد. والله أعلم. والعرب إِذَا دعت نكرة موصولة بشيء آثرت النصب، يقولون: يا رجلًا كريمًا أقبل، ويا راكبًا عَلَى البعير أقبل. فإذا أفردوا رفعوا أكثر/ 156 ب مما ينصبون. أنشدني بعضهم:
يا سيّدا ما أنت من سَيِّدٍ ... موطّأ الأعقابِ رَحْبِ الذراع
قوّال معروف وفعّاله ... نَحّار أُمَّات الرِّبَاع الرِّتَاع «6»
__________
(1) الآية 35 سورة النمل.
(2) السراة الأشراف واحدها سرى.
(3) الخب: الخبث. وخاب بتشديد الباء: خدع ومكر.
(4) الخب: الخبث. وخاب بتشديد الباء: خدع ومكر.
(5) الآية 29 سورة النساء. والنصب لعاصم وحمزة والكسائي وخلف. والرفع لغيرهم.
(6) من قصيدة مفضلية للسفاح بن بكير اليربوعي، يرثى فيها يحيى بن شداد اليربوعي وقوله: ما أنت من سيد تعجب من سيادته وفضله. و «موطأ الأعقاب» الرواية فى المفضليات: «موطأ البيت» والمراد هنا أن الناس يتبعونه ويطئون عقبه لأصالة رأيه. وفى الأساس: «وفلان موطأ العقب أي كثير الأتباع» وأمات الرباع: النوق التي لها رباع وهى جمع ربع كصرد لما ينتج فى الربيع. والرتاع من صفة أمات وهى التي ترعى فى الخصب. وانظر المفضلية 292 والخزانة 2/ 536.(2/375)
أنشدنيه بعض بني سُلَيْم (موطّأ) بالرفع، وأنشدنيه الْكِسَائي (موطأ) بالخفض. وأنشدني آخر:
ألا يا قتيلًا ما قتيلَ بني حِلْس ... إِذَا ابتلَّ أطرافُ الرماح من الدَّعْسِ «1»
ولو رفعت النكرة الموصولة بالصفة كَانَ صوابًا. قد قالت العرب:
يا دار غيرها البلى تغييرا
تريد: يا أيتها الدار غيَّرهَا. وسمعت أبا الجراح يقول لرجل: أيا مجنونُ مَجْنُونُ، إتباع «2» .
وسمعت من العرب: يا مهتمُّ بأمرنا لا تهتمّ، يريدون: يا أيها المهتمّ.
وقوله: أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا [31] (كَمْ) فِي موضع نصب من مكانين: أحدهما أن توقع (يَرَوْا) عَلَى (كَمْ) وهي فِي قراءة عبد الله (ألم يروا مَن أهلكنا) فهذا وجه. والآخر أن توقع (أهلكنا) عَلَى (كم) وتجعله استفهامًا، كما تَقُولُ: علمت كم ضربت غلامك. وإذا كَانَ قبل مَن وأيّ وكم رأيت وما اشتُقّ منها، أو الْعِلم وما اشتقّ منه وما أشبه معناهما، جازَ أن توقع ما بعدكم وأيّ ومن وأشباهها عليها، كما قَالَ الله (لِنَعْلَمَ «3» أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى) ألا ترى أنك قد «4» أبطلت العلم عَن وقوعه عَلَى أيّ، ورفعت أيّا بأحصى. فكذلك تنصبُها بفعل لو وقع عليها.
وقوله (أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ) فُتحت ألفها لأن المعنى: ألم يروا أنهم إليهم لا يرجعون. وقد كسرها الْحَسَن الْبَصْرِيّ، كأنه لَمْ يوقع الرؤية عَلَى (كم) فلم يوقعها «5» عَلَى (أنّ) وإن شئت كسرتها عَلَى الاستئناف وجعلت كم منصوبة بوقوع يروا عليها.
وقوله: وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ [32] شدّدها الأعمش وعاصم. وقد خفّفها قومٌ كَثِير منهم من قرَّاء أهل المدينة وبلغني أن عليًّا خَففها. وهو الوجه لأنَّها (ما) أدخلت عليها لام تكون جوابا
__________
(1) بنوحلس: بطين من الأزد كما فى اللسان (حلس) . والدعس: الطعن.
(2) سقط فى ا، ب وكأنه يريد أن «مجنون» الآخرة إتباع للأولى.
(3) الآية 12 سورة الكهف. [.....]
(4) ا: «إذ» .
(5) ا: «توقعها» .(2/376)
لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلَا يَشْكُرُونَ (35)
لإنْ كأنك قلت: وإن كلّ لَجميع لدينا محضرون. ولم يثقلها من ثقلها إلا عَن صواب. فإن شئت أردت: وإن كل لمن ما جميع، ثُمَّ حُذفت إحدى الميمات لكثرتهنّ كما قَالَ.
غداة طفتْ عَلْماءِ بكرُ بن وائل ... وَعُجْنَا صدورَ الخيل نَحو تَميم
والوجه الآخر من التثقيل أن يجعلوا (لَمَّا) بمنزلة (إلا) مع (إِنْ) خاصة، فتكون فِي مذهبها بمنزلة إنما إِذَا وضعت فِي معنى إلا، كأنها لَمْ ضُمّت إليها ما فصارا جَميعًا (استثناء «1» وخرجتا من حد الجحد. ونَرى أن قول العرب (إِلَّا) إنما جمعوا بين إن التي تكون جحدًا وضمّوا إليها (لا) فصارا جَميعًا حرفًا واحدًا وخرجا من حد الجحدِ إذ جمعتا فصارا حرفًا واحدًا. وكذلك لمّا. ومثل ذَلِكَ قوله: لولا، إنما هي لو ضمت إليها لا فصارتا حرفًا واحدًا) . وَكَانَ الْكِسَائي ينفي هَذَا القول.
ويقول: لا أعرفُ جهة لَمّا فِي التشديد فِي القراءة.
وقوله: لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وما عملت أيديهم [35] وَفِي قراءة عبد الله (وَما عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ «2» ) وكل صواب. والعربُ تضمر الْهَاء فِي الَّذِي ومن وما، وتظهرها. وكل ذَلِكَ صواب (وما عَمِلت) (ما) إن شئت فِي موضع خفض: ليأكلوا من ثَمره ومما «3» عملت أيديهم. وإن شئت جعلتها جحدًا فلم تجعل لَهَا موضعًا. ويكون المعنى: أنا جعلنا لَهُم الجنات والنخيل والأعناب ولم تعمله أيديهم (أَفَلا يَشْكُرُونَ) .
وقوله: وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها [38] إلى مقدار «4» مجاريها: المقدار المستقر. من قَالَ:
(لا مستقرّ لها) أو (لا مستقرّ/ 157 الها) فهما وجهان حَسَنانِ، جعلها أبدًا جاريةً. وأمّا أن يخفض «5» المستقرَّ فلا أدري ما هُوَ.
__________
(1) ما بين القوسين من ا. وفى ش مكانه: «حرفا واحدا وخرجا من حد الجحد» .
(2) القراءة الأولى «عملت» لأبى بكر وحمزة والكسائي وخلف. والقراءة الاخيرة (عملته) للباقين.
(3) ا: «ما» .
(4) ا: «مقادير» .
(5) الظاهر أنه يريد كسر القاف.(2/377)
وقوله: وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ [39] الرفع فِيهِ أعجب إليّ من النصب، لأنه قال (وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ) ثُمَّ جعل الشمس والقمر مُتبعَين لليل وهما فِي مذهبه آيات مثله. ومن نصب أراد: وقدَّرنا القمر منازلَ، كما فعلنا بالشمس. فردّه عَلَى الْهَاء «1» من الشمس فِي المعنى، لا أَنَّهُ أوقع عَلَيْهِ ما أوقعَ عَلَى الشمس. ومثله فِي الكلام: عبد الله يقوم وجاريته يضربها، فالجارية مردودة عَلَى الفعل لا عَلَى الاسم، لذلك نصبناهَا لأن الواو التي فيها للفعل المتأخّر.
وقوله: (كَالْعُرْجُونِ) والعُرْجون ما بين الشماريخ «2» إلى النابت فِي النخلة. والقديم فِي هَذَا الموضع: الَّذِي قد أتى عَلَيْهِ حول.
وقوله: لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ [40] يقول: تطلع ليلًا، ولا أن يسبق الليل النهار، يقول: ولا القمر لَهُ أن يطلُع نهارًا، أي لا يكون لَهُ ضوء. ويُقال: لا ينبغي للشمس أن تُدِركَ القمر فتُذهب «3» ضوءه، ولا أن يسبق الليل النهار فيظلمه. وموضع (أن تدرك) رفع.
[قوله: نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ [37] فإن قَالَ قائل: مَا قوله: (نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ) ؟
فإنما معناه: نسلخ عَنْهُ النهار: نرمي بالنهار «4» عَنْهُ فتأتي الظلمة. وكذلك النهار يُسلخ منه الليل فيأتي الضوء. وهو عربيٌّ معروف، ألا ترى قوله: (آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها) أي خرج منها وتركها. وكذلك الليل والنهار.
وقوله: وَخَلَقْنا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ [42] : من مثل فلك نوح (ما يَرْكَبُونَ) يقول: جعلنا لَهُم السفن مثلت عَلَى ذَلِكَ المثال. وهي الزواريق «5» وأشباهها مما يَركب فِيهِ الناس. ولو قرأ قارئ:
من مَثَلِهِ كَانَ وجهًا يريد من مثاله: ولم أسمع أحدًا قرأ به.
__________
(1) كأنه يريد بالهاء الضمير فى «تجرى» وفى اما يصح أن يقرأ: «أنها» بدل الهاء.
(2) الشماريخ ما يكون عليه البلح.
(3) ا: «فيذهب» .
(4) ا: «النهار» .
(5) جمع الزورق، وهو السفينة الصغيرة. والمعروف فى جمعه الزوارق.(2/378)
مَا يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ (49)
وقوله: ذُرِّيَّتَهُمْ [41] إنّما يخاطب أهل مكة، فجعل الذرية التي كانت مع نوحٍ لأهل مكة لأنها أصل لهم، فقال: (ذُرِّيَّتَهُمْ) وهم أبناء الذُّرِّية.
وقوله: فَلا صَرِيخَ لَهُمْ [43] الصريخ: الإغاثة.
وقوله: إِلَّا رَحْمَةً مِنَّا [44] يقول: إلا أن نفعل ذَلِكَ رحمةً. وقوله (وَمَتاعاً إِلى حِينٍ) يقول: بقاء إلى أجَلٍ، أي نرحمهم فنمتعهم إلى حين.
وقوله: اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ [45] من عذاب الآخرة (وَما خَلْفَكُمْ) من عذاب الدُّنْيَا مما لا تأمنونَ من عذاب ثَمُود ومن مضى.
وقوله: إِلَّا كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ [46] جواب للآية، وجواب لقوله (وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا) فلما أن كَانُوا معرضين عَن كل آية كفى جوابُ واحدةٍ من ثنتين لأن المعنى: وإذا قيل لَهُم:
اتقوا أعرضوا، وإذا أتتهم آية أعرضوا.
وقوله: وَهُمْ يَخِصِّمُونَ [49] قرأها «1» يَحْيَى بن وثّاب (يَخصمون) وقرأها عَاصِم (يَخِصِّمُونَ) ينصب الياء ويكسر الخاء. ويَجُوز «2» نصب الخاء لأن التاء كانت تكون منصوبة فنقل إعرابُها إلى الخاء. والكسر أكثر وأجود. وقرأها أهل الحجاز (يَخْصّمونَ) يشدّدون ويَجمعون بين ساكنين. وهي فِي قراءة أُبَيّ بن كعب (يَخْتَصِمُون) فهذه حجة لمن يشدد. وأمّا معنى يَحْيَى بن وثاب فيكون عَلَى معنى يفعلون من الخصومة كأنه قَالَ: وهم يتكلمونَ ويكون عَلَى وجه آخر: وهم يخصمون: وهم فِي أنفسهم يخصِمُونَ من وعدهم الساعة. وهو وجه حسن أي تأخذهم الساعة لأن المعنى: وهم عند أنفسهم يَغلبونَ من قَالَ لَهُم: إن الساعة آتية.
وقوله: فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً [50] يقول: لا يستطيع/ 157 ب بعضهم أن يوصى إلى
__________
(1) وهى قراءة حمزة.
(2) وهى قراءة ورش وابن كثير وغيرهما. [.....](2/379)
قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ (52)
بعض. (وَلا إِلى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ) أي لا يرجعونَ إلى أهلهم قولًا. ويُقال: لا يرجعون:
لا يستطيعون الرجوع إلى أهليهم من الأسواق.
وقوله: مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا [52] يُقال: إن الكلام انقطعَ عند المرقد. ثُمَّ قالت الملائكة لَهُم: (هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ) ف (هَذَا) و (ما) فِي موضع رفع كأنك قلت:
هَذَا وعد الرحمن. ويكون (مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا هذا) فيكون (هَذَا) من نعت المرقد خفضًا و (ما) فِي موضع رفع: بعثكم وعد الرحمن. وَفِي قراءة عبد الله بن مسعود (مَنْ أَهَبَّنَا من مرقدنا هَذَا) والبعث فِي هَذَا الموضع كالاستيقاظ تَقُولُ: بعثت ناقتي فانبعثت إِذَا أثارها.
وقوله: فاكِهُونَ [55] بالألف. وتقرأ (فكِهون «1» ) وهي بمنزلة حَذِرون وحاذرون وهي فِي قراءة عبد الله (فاكهينَ) بالألف.
وقوله: عَلَى الْأَرائِكِ مُتَّكِؤُنَ [56] و (عَلَى الأرائك متكئين) منصوبًا عَلَى القطع. وَفِي قراءتنا رفع، لأنها منتهى الخبر.
وقوله (فِي ظُلَلٍ «2» ) أراد «3» جمع ظُلَّة وظُلَل. ويكون أيضًا (ظِلَالًا «4» ) وهي جمع لظُلَّة كما تَقُولُ: حُلّة وحُلل فإذا كثرت فهي الحلال. والجِلال «5» والقلال «6» . ومن قال: (فى ظلال) فهى جمع ظلّ «7» .
وقوله: سَلامٌ قَوْلًا [58] وَفِي قراءة عبد الله (سلامًا قولًا) فمن رفع قَالَ: ذَلِكَ لَهُم سلام قولًا، أي لَهُم ما يدّعونَ مُسَلّم خالص، أي هُوَ لهم خالص، يجعله خبرا لقوله (لَهُمْ ما يَدَّعُونَ)
__________
(1) وهى قراءة أبى جعفر.
(2) فى الأصول: «ظلال» والمناسب لما بعده ما أثبت.
(3) هى قراءة حمزة والكسائي وخلف.
(4) هى قراءة غير من ذكر فى الحاشية السابقة.
(5) الجلال جمع الجلة. وهى وعاء يتخذ من خوص يوضع فيه التمر والقلال جمع القلة. يريد أن الجلال والقلال من وادي الحلال.
(6) الجلال جمع الجلة. وهى وعاء يتخذ من خوص يوضع فيه التمر والقلال جمع القلة. يريد أن الجلال والقلال من وادي الحلال.
(7) ش: «ظلة» .(2/380)
الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (65)
خالص. ورُفع عَلَى الاستئناف يريد ذَلِكَ لَهُم سَلام. ونصب القول إن شئت عَلَى أن يخرج من السَّلَام كانك قلت قاله قولًا. وإن شئت جعلته نصبا من قوله (لَهُمْ ما يَدَّعُونَ) (قولًا) كقولك:
عِدَة من الله.
وقوله: الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ [65] وَفِي قراءة عبد الله (ولِتُكَلِّمَنَا) كأنه قَالَ: نختم عَلَى أفواههم لتكلمنا. والواو فِي هَذَا الموضع بمنزلة قوله (وَكَذلِكَ «1» نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ) وقوله: نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ [61] قرأ عَاصِم والأعمش وحَمْزَة (نُنَكِّسْهُ) بالتشديد. وقرأ الْحَسَن وأهل المدينة (نَنْكُسْهُ) بالتخفيف وفتح النون
وقوله: فَمِنْها رَكُوبُهُمْ [72] اجتمعَ القراء عَلَى فتح الرّاء لأن المعنى: فمنها ما يركبون. ويقوّي ذَلِكَ أن عائشة قرأت (فمنها رَكُوبَتُهم) ولو قرأ «2» قارئ: فمنها رُكوبهم كما تَقُولُ: منها أكلهم وشربهم ورُكوبهم كان وجها.
وقوله: مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ [80] ولم يقل: الْخُضْر. وقد قَالَ الله (مُتَّكِئِينَ عَلى رَفْرَفٍ «3» خُضْرٍ) ولم يقل: أخضر. والرَفْرَف ذكر مثل الشجر. والشجر أشدّ اجتماعًا وأشبه بالواحد من الرفرف ألا ترى اجتماعه كاجتماع الْعُشب والحصى والتمر، وأنت تَقُولُ: هَذَا حَصًى أبيض وحَصًى أسود، لأن جمعه أكثر فِي الكلام من انفراد واحده. ومثله الحنطة السمراء، وهي واحدة فِي لفظ جمع. ولو قيل حنطة سمركان صوابًا ولو قيل الشجر الْخُضُر كَانَ صوابًا كما قيل الحنطة السمراء «4» وقد قَالَ الآخر:
بهر جاب ما دام الأراك به خضرا «5»
__________
(1) الآية 75 سورة الأنعام.
(2) قرأ بذلك الحسن والمطوعى عن الأعمش.
(3) الآية 76 سورة الرحمن.
(4) كذا فى الأصول. والمناسب: «السمر» .
(5) هرجاب: اسم موضع. وقد ورد الشطر فى اللسان (هرجب) . وفى ا: «قام» فى مكان «دام»(2/381)
وَالصَّافَّاتِ صَفًّا (1)
فقال: خُضْرًا ولَم يقل: أخضر. وكل صواب. والشجر يؤنث ويُذكر. قَالَ الله (لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ) فأنّث. وقال (وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ) فذكر ولم يقل:
فيها. وقال (فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ) فذكّر.
ومن سورة الصافات
قوله: وَالصَّافَّاتِ [1] تخفض التاء من (الصافات) ومن (التاليات) لأنه قسمٌ. وكانَ ابن مسعود يُدغم (وَالصَّافَّاتِ صفا) / 158 اوكذلك (فَالتَّالِياتِ) (فَالزَّاجِراتِ) يُدغم التاء منهن والتبيان أجود لأن القراءة بنيت عَلَى التفصيل والبيان.
وهذه الأحرف- فيما ذكروا- الملائكة.
قوله: إِنَّا زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ [6] تُضاف الزينة إلى الكواكب. وهي قراءة العامة. حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ، قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ. قَالَ: وَحَدَّثَنِي قيس وَأَبُو معاوية عن الأعمش عن أبي الضحى عن مسروق أنه قرأ «1» (بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ) يخفض الكواكب بالتكرير فيَرُدّ معرفة عَلَى نكرة، كما قَالَ (لَنَسْفَعاً «2» بِالنَّاصِيَةِ ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ خاطِئَةٍ) فردّ نِكرة عَلَى معرفة. ولو نصبت «3» (الْكَواكِبِ) إِذَا نَوَّنت فِي الزينة كَانَ وجهًا صوابًا. تريد: بتزييننا الكواكب. ولو «4» رفعت الكواكب) تريد: زيَّناها بتزيينها الكواكب تجعل الكواكب هي التي زيَّنت السماء.
وقوله: لا يَسَّمَّعُونَ [9] قرأها أصحاب «5» عبد الله بالتشديد عَلَى معنى يتسمعونَ. وقرأها الناسُ (يَسْمَعُونَ) وكذلك قرأها ابن عباس وقال: هم (يتَسَمَّعُونَ ولا يسمعون «6» ) .
__________
(1) هى قراءة حفص وحمزة.
(2) الآيتان 15، 16 سورة العلق. [.....]
(3) هى قراءة أبى بكر عن عاصم.
(4) جواب لو محذوف أي لكان صوابا.
(5) هى قراءة حفص وحمزة والكسائي وخلف.
(6) فى الأصول: «يسمعون ولا يتسمعون» والمناسب. ما أثبت. يريد ابن عباس أن المنفي السماع لا التسمع أي محاولة السماع فهذا حاصل منهم فى مذهيه. عند من قرأ من بالتشديد فهم يمنعون من طلب السماع.(2/382)
وَمَعْنَى (لا) كقوله (كَذلِكَ «1» سَلَكْناهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِهِ) لو كَانَ فِي موضع (لا) (أَنْ) صلح ذَلِكَ، كما قَالَ (يُبَيِّنُ «2» اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تضلّوا) وكما قَالَ (وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ «3» رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ) «4» ويصلح فِي (لا) عَلَى هَذَا المعنى الجزم. العرب تَقُولُ: ربطت الفرس لا ينفلت، وأوثقت عبدي لا يفِررْ. وأنشدني «5» بعض بني عقيل:
وَحَتَّى رأينا أحسنَ الْوُدّ بيننا ... مساكتةً لا يقرِفِ الشرَّ قَارفُ
وبعضهم يقول: لا يَقْرفُ الشرّ والرفع لغة أهل الحجاز. وبذلك جاء القرآن.
وقوله: مِنْ كُلِّ جانِبٍ دُحُوراً [8] بضم الدَّال. ونصبها أَبُو عبد الرحمن السلمي. فمن ضمها جعلها مصدرًا كقولك: دَحرته دُحُورًا. ومن فَتَحها جعلها اسمًا كأنه قَالَ: يقذفونَ بداحرٍ وبِما يَدْحَرُ. ولست أشتهيها لأنها لو وجِّهت عَلَى ذَلِكَ عَلَى صحة لكانت فيها الباء كما تقول: يقذفون بالحجارة، ولا نقول يُقذفونَ الحجارة. وهو جائز قَالَ الشاعر:
نُغَالِي اللحم للأضياف نِيئًا ... وتُرخصه إِذَا نِضجَ الْقُدورُ «6»
والكلام: نغالى باللحم.
وقوله: (عَذابٌ واصِبٌ) (وَلَهُ الدِّينُ «7» واصِباً) دائم خالص.
__________
(1) الآيتان 12، 13 سورة الحجر.
(2) الآية 176 سورة النساء.
(3) الآية 15 سورة النحل، والآية 10 سورة لقمان.
(4) سقط هذا الحرف فى ا.
(5) ا: «أنشد» .
(6) ورد البيت فى اللسان (غلا) وفيه: «القدير» فى مكان «القدور» والقدير ما يطبخ فى القدر، والقدور جمع قدر، وهو هى ما يوضع فيه الطعام فرواية اللسان أجود. وإن كان يراد بنضج القدور نضج ما فيها يريد أنهم يشترون اللحم غاليا، ويبذلون للضيفان إذا نضج عن سماحة لا يحرصون عليه حرصهم على المتاع الغالي النفيس.
(7) الآية 52 سورة النحل(2/383)
فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمْ مَنْ خَلَقْنَا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لَازِبٍ (11)
قوله: مِنْ طِينٍ لازِبٍ [11] اللازب: اللاصق. وقيس تَقُولُ: طين لاتب. أنشدني بعضهم:
صُدَاع وتوْصيم العظام وفَترة ... وغثيٌ مع الإشراق فِي الْجَوْف لاتب «1»
والعربُ تَقُولُ: لَيْسَ هَذَا بضربةِ لازِب ولازم، يبدلونَ الباء ميمًا لتقارب المخرج.
وقوله: بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ [12] قرأها الناس بنصب «2» التاء ورفعها «3» والرفع أحبّ إليّ لأنها قراءة عَليّ وابن مسعود وعبد الله بن عَبَّاسٍ. حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ:
حَدَّثَنِي مِنْدَلُ بْنُ عَليّ الْعَنْزِيّ عَن الأعمش قَالَ: قَالَ شقيق: قرأتُ عند شُرَيح (بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ) فقال: إن الله لا يَعْجب من شيء، إنها يَعجب من لا يعلم. قَالَ: فذكرت ذَلِكَ لإبراهيم النَّخَعيّ فقال: إن شرُيحًا شاعر يُعجبه عِلمه، وعبد الله أعلم بذلك منه. قرأها (بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ) .
قَالَ أَبُو زكريّا: والعجب 158 ب وإن أُسند إلى الله فليسَ معناهُ من الله كمعناهُ من العباد، ألا ترى أَنَّهُ قال (فَيَسْخَرُونَ «4» مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ) وليس السُّخْرِي من الله كمعناهُ (من العباد «5» ) وكذلك قوله (اللَّهُ «6» يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ) (لَيْسَ ذَلِكَ من الله كمعناهُ من العباد) ففي ذَا بيانٌ (لكسر «7» قول) شُرَيح، وإن كَانَ جائزًا لأن المفسرين قالوا: بَلْ عَجِبْتَ يا محمد ويسخرون هم. فهذا وجه النصب.
وقوله: كُنْتُمْ تَأْتُونَنا عَنِ الْيَمِينِ [28] يقول: كنتم تأتوننا من قبل الدين، أي تأتوننا تخدعوننا بأقوى الوجوه. واليمين: القدرة والقوّة. وكذلك قوله (فَراغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ) أي بالقوّة والقدرة.
__________
(1) جاء فى اللسان (لتب) بيت قبله. وهو:
فإن يك هذا من نبيذ شربته ... فانى من شرب النبيذ لتائب
وفيه «غم» فى مكان «غثى» . وتوصيم العظام: الفتور فيها. والغثى التهيؤ للقىء والدنو منه مما تجيش به المعدة.
(2) الرفع لحمزة والكسائي وخلف. والفتح لغيرهم.
(3) الرفع لحمزة والكسائي وخلف. والفتح لغيرهم. [.....]
(4) الآية 79 سورة التوبة.
(5) سقط ما بين القوسين فى ا:
(6) الآية 15 سورة البقرة.
(7) ش: «الكسر لقول» والمراد إصعافه وتزييفه.(2/384)
لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ (47)
وقال الشاعر «1» :
إِذَا ما غاية رُفِعت لمجدٍ ... تلقاها عَرَابةُ باليمين
أي بالقدرة والقوة. وقد جاء فِي قوله (فَراغَ «2» عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ) يقول: ضربهم بيمينه التي قالها (وَتَاللَّهِ «3» لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ) .
وقوله: لا فِيها غَوْلٌ [47] لو قلت: لا غَوْلَ فيها كَانَ رفعًا ونصبًا. فإذا حُلْتَ بين لا وبينَ الغول بلامٍ أو بغيرها من الصفات «4» لَمْ يكن إلّا الرفع. والغول يقول: ليس فيها غِيلَةَ وغَائلة وغُول وغَوْل.
وقوله: (وَلا هُمْ عَنْها يُنْزَفُونَ) و (يُنْزَفُونَ) وأصحابُ عبد الله يقرءون (يُنْزِفُون) وله معنيان.
يُقال: قد أنزفَ الرجل إِذَا فنيت خَمْره، وأنزف إِذَا ذهب عقله. فهذان وجهان. ومن قال (ينزفون) يقول: لا تذهب عقولهم وهو من نُزِف الرجلُ فهو مَنْزوف.
وقوله: هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ [54] هَذَا رجل مِنْ أهل الجنة، قد كَانَ لَهُ أخ من أهل الكفر، فأحبّ أن يَرَى مكانه فيأذنَ الله لَهُ، فيطلع فِي النار، ويخاطبه.
فإذا رآهُ قَالَ (تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ) وَفِي قراءة عبد الله (إِنْ كِدْت لَتُغْوِين) ، ولولا رحمة «5» ربى (لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ) أي معك فِي النار مُحضرًا.
يقول الله (لِمِثْلِ هذا فَلْيَعْمَلِ الْعامِلُونَ) وهذا من قول الله.
وقد قرأ بعضُ «6» القراء (قالَ هَلْ أَنتم مُطْلِعُونِ فَأُطْلِعَ) فكسر النون. وهو شاذٌّ لأن العرب لا تختار عَلَى الإضافة إِذَا أسندوا فاعلًا مجموعًا أو موحدًّا إلى اسم مكنّى عَنْهُ. فمن ذَلِكَ أن
__________
(1) هو الشماخ، وقبله:
رأيت عرابة الأوسى يسمو ... إلى الخيرات منقطع القرين
(2) الآية 93 سورة الصافات.
(3) الآية 57 سورة الأنبياء.
(4) يريد حروف الجر وما فى معناها من الظروف.
(5) التلاوة «نعمة ربى» ولكنه ذكر تفسيرها.
(6) هو ابن محيصن، كما فى الإتحاف.(2/385)
يقولوا: أنت ضاربي. ويقولون للاثنين: أنتما ضارباي، وللجميع: أنتم ضاربي، ولا يقولوا للاثنين:
أنتما ضاربانني ولا للجميع: ضاربونَني. وإنّما تكون هَذِه النون فِي فعل ويفعل، مثل (ضربوني «1» ويضربني وضربني) . وربما غلط الشاعر فيذهب إلى المعنى، فيقول: أنتَ «2» ضاربُني، يتوهم أَنَّهُ أراد: هَل تضربني، فيكون ذَلِكَ عَلَى غير صحَّة.
قَالَ الشاعر:
هَلِ الله من سَرْو الْعَلَاةِ مُرِيحنِي ... ولَمَّا تَقَسَّمْني النِّبَارُ الكوانِسُ «3»
النِّبْر: دابة تشبه الْقُرَاد. وقال آخر:
وما أدري وظنِّي كلُّ ظنّ ... أمسلمني إلى قوم شراح «4»
159 ايريد: شراحيل ولم يقل: أمسلميّ. وهو وجه الكلام. وقال آخر:
هم القائلونَ الخيرَ والفاعلونَه ... إِذَا ما خَشُوا من محدث الأمر مُعْظَما «5»
ولم يقل: الفاعلوه. وهو وجه الكلام.
وإنّما اختاروا الإضافة فِي الاسم المكنى لأنه يختلط بِما قبله. فيصير الحرفان كالحرف الواحد.
فلذلك استحبُّوا الإضافة فِي المكنيّ، وقالوا: هما ضاربان زيدًا، وضاربَا زيدٍ لأن زيدًا فِي ظهوره لا يَختلط بِما قبله لأنه لَيْسَ بِحرف واحدٍ والمكنى حرف.
__________
(1) ش: «يضربوننى ويضربونى» .
(2) الظاهر أن الأصل: «أأنت» سقطت همزة الاستفهام فى النسخ، وذلك ليستقيم تفسيره بالاستفهام.
(3) سر والعلاة: اسم موضع.
(4) ورد هذا البيت فى شواهد العيني على هامش الخزانة 1/ 385. وفيها: «قومى» فى مكان «قوم» وفيها أن الرواية ليست كما ذكر الفراء وإنما هى:
فما أدرى وظنى كل ظن ... أيسلمني بنو البدء اللقاح
وعلى هذه الرواية لا شاهد فى البيت [.....]
(5) ورد هذا البيت فى كتاب سيبويه 1/ 96: وفيه أن الرواة زعموا أنه مصنوع. وانظر الخزانة 2/ 187(2/386)
إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ (64)
فأمَّا «1» قوله (فَاطَّلَعَ) فإنه يكون عَلَى جهة فُعِلَ ذَلِكَ بِهِ، كما تَقُولُ: دعَا فأجيب «2» يَا هَذَا.
ويكون: هَل أنتم مُطْلِعِونِ فَأَطَّلِعَ أنا فيكون منصوبًا بِجواب الفاء.
وقوله: شَجَرَةٌ تَخْرُجُ [64] وهي فِي قراءة عبد الله (شَجَرةً نابتة «3» فى أصل الجحيم) .
وقوله: كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ [65] فإن فِيهِ فِي العربية ثلاثة أوجه. أحدها أن تشبه طَلْعها فِي قبحه برءوس الشياطين لأنها موصوفة بالقبح، وإن كانت لا تُرى. وأنت قائل للرجل: كأنه شيطان إِذَا استقبحته. والآخر أن العرب تسمّي بعض الحيّات شيطانًا. وهو حَيّة ذو عرف «4» .
قَالَ الشاعر، وهو يذم امرأة لَهُ:
عنجرد تحلف حين أحلف ... كمثل شيطانِ الحماط أعرف «5»
ويُقال: إنه نبت قبيح يسمى برءوس الشياطين. والأوجه الثلاثة يذهب إلى معنى واحد فِي القبح.
وقوله: لَشَوْباً [67] الْخَلْط يُقال: شاب الرجل طَعَامه يشوبُه شَوْبًا.
وقوله: فَهُمْ عَلى آثارِهِمْ يُهْرَعُونَ [70] أي يسرعونَ بسيرهم. والإهراع: الإسْرَاع فِيهِ، شبيه بالرِّعدة (ويُقال «6» قد أُهْرِعَ إهراعًا) .
وقوله: وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ [78] (يقول: «7» أَبقينا لَهُ ثناءً حَسَنًا فِي الآخرين ويقال:
(تَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ سَلامٌ عَلى نُوحٍ) أي تركنا عَلَيْهِ هَذِه الكلمة كما تَقُولُ: قرأت من القرآن
__________
(1) ا: «وأما» .
(2) ا: «وأجيب» .
(3) ا: «ثابتة» .
(4) أي شعر نابت فى محدب رقبتها كما فى المصباح.
(5) العنجرد: المرأة الخبيثة السيئة الخلق. والحماط: شجر تألفه الحيات.
(6) ا: «وأما» .
(7) سقط ما بين القوسين فى ا(2/387)
وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ (83)
(الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) فيكون «1» فِي الجملة فِي معنى نصبٍ ترفعها بالكلام، كذلك (سَلامٌ عَلى نُوحٍ) ترفعه «2» بِعَلَى، وهو فِي تأويل نَصْبٍ. ولو كَانَ: تركنا عَلَيْهِ سَلامًا كَانَ صوابًا.
وقوله: وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْراهِيمَ [83] يقول: إِنّ من شيعة مُحَمَّد لإبراهيم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
يقول: عَلى «3» دينه ومنهاجه، فهو من شيعته، وإن كَانَ إِبْرَاهِيم سابقًا لَهُ. وهذا مثل قوله (وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ) أَيْ ذرية من (هُوَ منهم) «4» فجعلها ذريتهم وقد سبقتهم.
وقوله: إِنِّي سَقِيمٌ [89] أي مطعون من الطاعون. ويُقال: إنها كلمة فيها مِعْراض «5» ، أي إنه كُلُّ من كَانَ فِي عنقه الموت فهو سقيم، وإن لَمْ يكن بِهِ حين قالها سُقْم ظاهر. وهو وجهٌ حسن.
حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ الْمُهَلَّبِ أبو كدينة عن الحسن ابن عمارة 159 ب عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ الْأَنْصَارِيِّ فِي قوله (لا تُؤاخِذْنِي «6» بِما نَسِيتُ) قَالَ: لَمْ يَنْسَ وَلَكِنَّهَا مِنْ مَعَارِيضِ الْكَلامِ وقد قال عُمَر فِي قوله: إنّ فِي معاريض الكلام لَمَا يُغنينا عَن الكذب.
وقوله: فَراغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ [93] أي مال عليهم ضربًا، واغتنم خَلوتَهم من أهل دينهم.
وَفِي قراءة عبد الله (فَرَاغَ عَليهم صَفْقًا باليمين) وكأن الروغ هاهنا أنّه اعتلّ رَوْغًا ليفعل بآلهتهم ما فعل.
وقوله: فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ [94] قرأها الأعمش «7» (يُزِفُّونَ) كأنَّها من أزففت. ولم نسمعها
__________
(1) أي قوله: «الحمد لله رب العالمين» .
(2) أي ترفع (سلام)
(3) ش: «من» .
(4) كذا وفى الطبري: «من هم منه» أي ذرية نوح عليه السلام، وهم من نسله. وكأن هذا هو الصواب.
وقد يوجه ما هنا بأن المراد أن هذه الذرية ذرية نوح الذي هو من جنسهم.
(5) المعراض التورية. يقال: عرفته فى معراض كلامه وفى لحن كلامه وفحوى كلامه بمعنى كما فى المصباح.
(6) الآية 73 سورة الكهف. ومن يحمل الآية على المعراض يذكر أن موسى عليه الصلاة والسلام أراد شيئا آخر نسيه غير ما يريده صاحبه، كما فى البيضاوي. [.....]
(7) وهى قراءة حمزة:(2/388)
رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ (100)
إلّا زَفَفْت: تَقُولُ للرجل: جاءنا يَزِفّ. ولعلّ قراءة الأعمش من قول العرب: قد أطردْت الرجل أي، صيّرته طريدًا، وطَرَدْته إِذَا أنت قلت لَهُ: اذهب عنّا فيكون (يُزِفّون) أي جَاءوا عَلَى هَذِه الهيئة بمنزلة المزفوفة عَلَى هَذِه الحال فتدخل الألف كما تَقُولُ للرجل: هُوَ محمودٌ إِذَا أظهرت حمده، وهو مُحَمَّد إِذَا رأيت أمره إلى الحمد ولم تنشر حمده. قَالَ: وأنشدني المفضل:
تَمَّنى حُصَين أن يسود جِذَاعَه ... فأَمْسَى حُصَين قد أَذَلّ وَأَقَهَرا «1»
فقال: أَقْهَرَ أي صار إلى حَالِ القهر وإنما هُوَ قُهِرَ. وقرأ الناس بعدُ (يَزِفُّونَ) بفتح الياء وكسر الزَّاي وقد قرأ بعضُ القراء (يَزِفونَ) بالتخفيف كأنها من وَزَف يَزف وزعم الْكِسَائي أَنَّهُ لا يعرفها.
وقال الفراء: لا أعرفها أيضًا إلا أن تكون لَمْ تقع إلينا.
وقوله: هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ [100] ولم يقل: صالِحًا، فهذا بمنزلة قوله: ادْنُ فأصِب من الطعام، وهو كَثِير: يَجْتزأ بمن عَن المضمر كما قَالَ الله (وَكانُوا فِيهِ «2» مِنَ الزَّاهِدِينَ) ولم يقل:
زاهدينَ من الزاهدين.
وقوله: بِغُلامٍ حَلِيمٍ [101] يريد: فِي كِبَره «3» .
[قوله] : فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ [102] يقول: أطاقَ أن يعينه على عمله وَسَعْيه. وَكَانَ إِسْمَاعِيل يومئذ ابن ثلاث عشرة (فَانْظُرْ ماذا تَرى) وتُقرأ (تُرَى) «4» حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ حَدَّثَنِي هُشَيْم عَن مُغِيرَة عَن إِبْرَاهِيم أَنَّهُ قرأ (فَانْظُرْ ماذا تَرى) قَالَ الفراء:
وَحَدَّثَنِي حَفْص بن غِيَاث عَن الأعمش عَن عمارة بن عمير عَن الأسود أَنَّهُ قرأها (تَرَى) وأن يَحْيَى بن وثّاب قرأها (تُرِي) وقد رُفع (تُرِي) إلى عبد الله بن مسعود قَالَ الفراء، وحدثنى قيس عن
__________
(1) ورد فى اللسان (قهر) منسوبا إلى المخبل السعدي يهجو الزيرقان وهو حصين وقومه المعروفين بالجذاع: ورواية الفراء: أذل وأقهر بالبناء للفاعل هى رواية الأصمعى، كما فى اللسان، ويرويان بالبناء للمفعول.
(2) الآية 20 سورة يوسف:
(3) عبارة الطبري: «يعنى: بغلام ذى حلم إذا هو كبر، فأما فى طفولته فى المهد فلا يوصف بذلك.
(4) هى قراءة حمزة والكسائي وخلف(2/389)
وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107)
مغيرة عَن إِبْرَاهِيم قَالَ (فَانْظُرْ مَاذا تَرى) : تشير، و (ماذا تَرى) : تَأمر قَالَ أَبُو زكريا: وأرى والله أعلم- أنه لم يستشره فِي أمر الله، ولكنه قَالَ: فانظر ما تريني من صبرك أو جزعك، فقال (سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ) وقد يكون أن يطلع ابنه عَلَى ما أمر بِهِ لينظر ما رأيه وهو ماضٍ عَلَى ما أُمِرَ بِهِ.
وقوله فَلَمَّا أَسْلَمَا وتلّه للجبين [103] يقول: أسْلَما أي فَوَّضَا وأطاعَا وَفِي قراءة عبد الله (سَلَّمَا) يقول سَلّمَا من التسليم، كما تَقُولُ: إِذَا أصابتك مُصيبة فسَلّم لأمر الله أي فارْضَ بِهِ.
وقد قَالَ (افْعَلْ ما تُؤْمَرُ) ولم يقل (بِهِ) كأنه أراد: افعل الأمر الَّذِي تؤمره. ولو كانت (بِهِ) كَانَ وجهًا جيدًا وَفِي قراءة عبد الله (إني أَرَى فِي المنامِ افعل ما أُمِرْت بِهِ) .
ويُقال أين جواب قوله (فَلَمَّا أَسْلَما) ؟
وجوابها فى قوله (وَنادَيْناهُ) والعرب 160 اتدخل الواو فى جواب فلمّا (وحتّى إذا) وتُلقيها.
فمن ذَلِكَ قول الله (حَتَّى إِذا جاؤُها «1» فُتِحَتْ) وفى موضع آخر (وَفُتِحَتْ) «2» وكلّ صَوَابٌ. وَفِي قراءة عَبْد اللَّه (فَلَمَّا «3» جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمْ وَجَعَل السِّقَايَةَ) وَفِي قراءتِنَا بغير واو وقد فسرناهُ «4» فِي الأنبياء «5» .
وقوله: وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ [107] والذِّبْح الكبش وكلّ ما أعددته للذَبْح فهو ذِبْح.
ويُقال: إنه رَعَى فِي الجنة أربعين خريفًا فأعظم بِهِ. وقال مجاهد (عَظِيمٍ) متقبَّل.
وقوله: وَنَصَرْناهُمْ فَكانُوا هُمُ الْغالِبِينَ [116] فجعلهَما كالجمع، ثُمَّ ذكرهما «6» بعد ذَلِكَ اثنين وهذا من سعة العربيّة:
__________
(1) الآية 71 سورة الزمر
(2) الآية 73 سورة الزمر.
(3) الآية 70 سورة يوسف
(4) ش: «فسرناها» .
(5) أي عند الكلام على قوله تعالى فى الآية 97: «واقترب الوعد الحق» .
(6) أي فى قوله: «وآتيناهما الكتاب المستبين» .(2/390)
وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (123)
أن يُذهب بالرئيس: النَّبِيّ والأمير وشبهه إلى الجمع لِجنوده وأتباعه، وإلى التوحيد لأنه واحد فِي الأصل. ومثله (عَلى خَوْفٍ «1» مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِمْ) وفى موضع آخر «2» (وَمَلَأَهُ) ورُبّما ذهبت العرب بالاثنين إلى الجمع كما يُذهب بالواحِدِ إلى الجمع ألا ترى أنك تُخاطب الرجل فتقول:
ما أحسنتم ولا أجملتم، وأنت تريده بعينه، ويقول الرجل لِلْفُتْيا يُفتي بِهَا: نحن نقول: كذا وكذا وهو يريد نفسه. ومثل ذلك قوله فى سورة ص (وَهَلْ أَتاكَ «3» نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ) ثُمَّ أعاد ذكرهما بالتثنية إذ قَالَ: خَصْمَانِ بغى بعضنا على بعض.
وقوله: وَإِنَّ إِلْياسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ [123] ذُكِرَ أَنَّهُ نبيٌّ، وأنّ هَذَا الاسم اسم من أسماء العبرانية كقولِهم: إِسْمَاعِيل وإسحاق والألف واللام منه، ولو جعلته عربيًا من الألْيَس «4» فتجعله إفعالًا مثل الإخراج والإدخالِ لَجَرى «5» .
ثُمَّ قال: سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ [130] فجعله بالنون. والعجميُّ من الأسماء قد يفعل بِهِ هَذَا العرب. تَقُولُ: ميكالُ وميكائيل وميكائل وميكائين بالنون. وهي فِي بني أسد يقولون: هَذَا إسماعين قد جاء، بالنون، وسائر العرب باللام. قَالَ: وأنشدني بعض بني نُمَير لضب صاده بعضهم:
يقول أهلُ السوق لَمَّا جينا ... هَذَا وَربِّ البيت إسرائينا «6»
فهذا وجه لقوله: إلياسينَ. وإن شئت ذهبت بإلياسين إلى أن تجعله جمعا «7» . فتجعل أصحابه
__________
(1) الآية 83 سورة يونس.
(2) الآية 103 سورة الأعراف. وتكرر فى مواطن أخرى
(3) الآية 21 سورة ص. [.....]
(4) الأليس: الذي لا يبرح بيته. ويقال أيضا: رجل أليس: شجاع.
(5) أي لصرف ونون.
(6) ا: «رب» فى مكان «أهل» وقوله: «إسرائين» أي ممسوخ إسرائين، وكان بعض العرب يعتقد أن الضباب كانت من بنى إسرائيل فمسخت. وانظر شواهد العيني على هامش الخزانة 2/ 425.
(7) شىء: «جميعا»(2/391)
أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ (125)
داخلين فِي اسمه، كما تَقُولُ للقوم رئيسهم الْمُهَلّب: قد جاءتكم المهالبة والمهلَّبون، فيكون بمنزلة قوله:
الأشعرِين والسَّعْدِين وشبهه. قَالَ الشاعر «1» :
أنا ابن سعدٍ سَيّدِ السَّعْدِينا
وهو فِي الاثنين أكثر: أن يضم أحدهما إلى صاحبه إِذَا كَانَ أشهر منه اسمًا كقول الشاعر «2» :
جزاني الزَّهدمان جزاء سَوءٍ ... وكنتُ المرءَ يُجزَى بالكرامَهْ
واسم أحدهما زَهْدَم. وقال الآخر «3» :
جزى الله فيها الأعورَين ذَمَامةً ... وفروة ثَغْر الثورة المتضاجِم
واسم أحدهما أَعور:
وقد قرأ بعضهم (وَإِنَّ الْيَأْسَ) يجعل اسْمه يأسًا، أدخل عَلَيْهِ الألف واللام. ثُمَّ يقرءون (سَلامٌ عَلَى آل «4» ياسينَ) جاء التفسير فِي تفسير الكلبي عَلَى آل ياسين: عَلَى آل مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
والأوّل أشبه بالصواب- والله أعلم- لأنها فِي قراءة/ 160 ب عبد الله (وَإِنّ إدريسَ لَمِنَ المرسَلِينَ) (سَلَامٌ عَلَى إدراسِين) وقد يشهد عَلَى صواب هَذَا قوله: (وَشَجَرَةً «5» تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْناءَ) ثُمَّ قَالَ فِي موضع آخر (وَطُورِ «6» سِينِينَ) وهو معنى واحد وموضع واحد والله أعلم.
وقوله: أَتَدْعُونَ بَعْلًا [125] ذكروا أَنَّهُ كَانَ صنمًا من ذهب يُسمَّى بعلا، فقال (أَتَدْعُونَ بَعْلًا) أي هَذَا الصنم ربًّا. ويُقال: أتدعون بعلًا ربًّا سوى الله. وذُكر عَن ابن عباس أن ضالّة «7»
__________
(1) هو رؤية. وورد هذا الشطر فى كتاب سيبويه 1/ 289، والرواية فيه: «أكرم» بالنصب على المدح ويريد بسعد سعد بن زيد مناة بن تميم وفيهم الشرف والعدد.
(2) هو قيس بن زهير كما فى اللسان (زهدم) ، قال أبو عبيدة: الزهدمان هما زهدم وكردم. وانظر اللسان
(3) هو الأخطل كما فى اللسان (ثغر) وفيه «ملامة» فى مكان «ذمامة» . والذمامة: العار وفى الطبري:
«دمامة» أي قبح خلقه وفروة لقب لمن يهجوه. والثغر للدابة فرجها والمتضاجم: المائل أو المعوج الفم. وهو من وصف فروة وحقه النصب، ولكنه جر للمجاورة.
(4) فى الطبري: «اليأسين» وهو الموافق لما قبله.
(5) الآية 20 سورة المؤمنين.
(6) الآية 2 سورة التين.
(7) أي وجدت وعرفت ليهدى إليها صاحبها.(2/392)
إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (140)
أُنشدت، فجاء صاحبها فقال: أنا بعلها. فقال ابن عباس: هَذَا قول الله (أَتَدْعُونَ بَعْلًا) أي ربّا.
وقوله: اللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ [126] تقرأ نصبًا «1» ورفعًا «2» . قرأها بالنصب الربيع بن خيثم.
وقوله. الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ
[140] السفينة إِذَا جهزت وملئت وقع عليها هَذَا الاسم. والفُلك يذكر ويؤنث ويُذهب بِهَا إلى الجمع قَالَ الله (حَتَّى إِذا «3» كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ) فجعلها جَمعًا. وهو بمنزلة الطفل يكون واحدًا وجَمعًا، والضيفُ والبَشَر مثله.
وقوله: وَهُوَ مُلِيمٌ [142] وهو الَّذِي قد اكتسبَ اللَّوْمَ وإن لَمْ يلم. والموم الذي قد لِيم باللسان. وهو مثل قول العرب أصبحت مُحمقًا معطِشًا أي عندك الحمق والعطش. وهو كثير فى الكلام.
وقوله. المدحضين [141] المغلوبين. يُقال: أدحض الله حُجَّتك فَدَحضت. وهو فِي الأصل أن يَزْلَق الرَّجُل.
وقوله: مِنْ يَقْطِينٍ [146] قيل عند ابن عباس: هُوَ ورق الْقَرْع. فقال: ومَا جعل ورق الْقَرع من بين الشجر يقطينًا! كل وَرَقةٍ اتسعت وسَترت فهي يقطين.
وقوله: وَأَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ [147] أو هاهنا فِي معنى بَلْ. كذلك «4» فِي التفسير مع صحته فِي العربية.
وقوله: فَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ [148] وَفِي قراءة عبد الله (فمتعناهم حَتَّى حين) وحتى وإلى فِي الغايات مع الأسماء سواء.
وقوله: فَاسْتَفْتِهِمْ [149] أي سلهم سل أهل مكة.
__________
(1) النصب لحفص وحمزة والكسائي ويعقوب وخلف، والرفع للباقين.
(2) النصب لحفص وحمزة والكسائي ويعقوب وخلف، والرفع للباقين.
(3) الآية 22 سورة يونس. [.....]
(4) كذا. والأسوغ: جاء فى التفسير.(2/393)
وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (152)
وقوله: لَكاذِبُونَ [152] أصطفى [153] استفهام وَفِيهِ توبيخ لَهُم. وقد تُطرح ألف الاستفهام من التوبيخ. ومثله قوله (أَذْهَبْتُمْ «1» طَيِّباتِكُمْ) يُستفهم بِهَا ولا يستفهم. ومعناهما جَميعًا واحد.
وألف (أَصْطَفَى) إِذَا لَمْ يُستفهم بِهَا تذهب فِي «2» اتّصال الكلام، وتبتدئها بالكسر.
وقوله: وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً [158] يُقال: الْجِنَّة هاهنا الملائكة. جعلوا بينه وبين خلقه نسبا. (وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ) أنّ الذين قالوا هذا القول (لَمُحْضَرُونَ) فى النار.
وقوله: فَإِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ [161] يريد: وآلهتكم التي تعبدون (مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفاتِنِينَ) بمضلّين.
وما أنتم عَلَيْهِ [162] أي عَلَى ذَلِكَ الدين بمضلين. وقوله (عليه) و (به) و (له) سواء.
وأهل نَجد يقولون: بمُفتنينَ. أهل الحجاز فتنت الرجل، وأهل نَجد يقولون: أفتنتُه.
وقوله: إِلَّا مَنْ هُوَ صالِ الْجَحِيمِ [163] إلا من قُدّر لَهُ أن يَصْلَى الجحيم فِي السابق من علم الله.
وقرأ الْحَسَن (إِلَّا من هُوَ صَالُ الجحيم) رفع اللام فيما ذكروا فإن كَانَ أراد واحدًا فليس بِجائز لأنك لا تَقُولُ: هَذَا قاضٌ ولا رامٌ. وإن يكن عَرَف فيها لغة مقلوبة مثل عاثَ وعثا فهو صواب.
قد قالت العرب. جُرُفٌ هارٌ وهَارٍ وهو شاكُ السّلاح 161 اوشاكى «3» السّلاح وأنشدني بعضهم:
فلو أَنِّي رميتك من بَعيد ... لَعاقَكَ عَن دعاء الذئبِ عَاقِي «4»
يريد: عائِق. فهذا مما قُلِب. ومنه (وَلا تَعْثَوْا «5» ) ولا تعِيثوا لغتان. وقد يكون أن تجعل (صالو) جَمعًا كما تَقُولُ: من الرجال من هُوَ إخوتك، تذهب بِهُوَ إلى الاسم المجهول، وتُخرج فعله عَلَى الجمع كما قَالَ الشاعر:
__________
(1) الآية 20 سورة الأحقاف.
(2) ش: «إلى» .
(3) فى الأصول: «شاك» والأولى ما أثبت: كما فى الطبري.
(4) يم فى ش: «عاق» .
(5) الآية 60 سورة البقرة. وتكرر فى مواطن أخرى.(2/394)
وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ (166)
إِذَا ما حَاتم وُجد ابن عمّي ... مَجَدنَا من تكلّم أجْمَعينَا «1»
ولم يقل تكلّموا. وأجود ذَلِكَ فِي العربية إِذَا أخرجت الكناية أن تخرجها عَلَى المعنى والعدد لأنك تنوي تَحقيق الاسم.
وقوله: وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ [164] ، هَذَا من قول الملائكة. إلى قوله (وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ) يريد: (المصَلُّون) وَفِي قراءة عبد الله (وإِنْ كُلَّنا لَمَّا لَهُ مقامٌ معلوم) .
وَفِي مريم (إِنْ كُلُّ مَنْ فِي «2» السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً) ومعنى إن ضربت لزيدًا كمعنى قولك: ما ضربت إلا زيدًا، لذلك ذكرت هذا.
وقوله: وَإِنْ كانُوا لَيَقُولُونَ [167] يعني أهل مكة (لَوْ أَنَّ عِنْدَنا ذِكْراً مِنَ الْأَوَّلِينَ) يقول: كتابًا أو نُبُوَّةً (لَكُنَّا عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ) .
قال الله: فَكَفَرُوا بِهِ [170] والمعنى: وقد أرسل إليهم مُحَمَّد بالقرآن، فكفروا بِهِ. وهو مضمر لَمْ يُذكر لأن معناهُ معروف مثل قوله (يُرِيدُ أَنْ «3» يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ) ثم قال (فَماذا تَأْمُرُونَ) «4» فوصل قول فرعون بقولِهم لأن المعنى بيّن.
وقوله: وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا [171] التي سبقت لَهُم السعادة. وهي فِي قراءة عبد الله (ولقد سبقت كلمتنا عَلَى عبادنا المرسَلين) وَعَلَى تصلح فِي موضع اللام لأن مَعْنَاهُمَا يرجع إلى شَيء واحدٍ.
وكأن المعنى: حَقّت عليهم ولهم، كما قَالَ (عَلى «5» مُلْكِ سُلَيْمانَ) ومعناهُ: فِي مُلك سُلَيْمَان. فكما أُوخِيَ بين فِي وَعَلَى إذَا اتّفقَ المعنى فكذلك فُعِلَ هذا.
__________
(1) مجدنا أي غلبنا فى المجد.
(2) الآية 93. وقراءة الجمهور: «إلا آتى الرحمن» .
(3) الآية 110 سورة الأعراف.
(4) هذا على أن «فماذا تأمرون» من قول فرعون لا من قول الملأ:
(5) الآية 102 سورة البقرة.(2/395)
ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ (1)
وقوله: فإذا نزل بساحتهم معناه: بهم. والعرب تجتزىء بالسَّاحة والعَقوة «1» من القوم.
ومعناهما وَاحدٌ: نزل بك العذاب وبساحتك سوَاء.
وقوله: (فَساءَ صَباحُ الْمُنْذَرِينَ) يريد: بئس صَبَاحُ. وهي فِي قراءة عبد الله (فَبئس صَبَاحُ المنذرينَ) وَفِي قراءة عبد الله آذنتكم بإذانة المرسلين لتسألن عَن هَذَا النبأ العظيم، قيل لَهُ إنما هي وأذنت لكم فقال هكذا عندى.
ومن سورة ص
قوله ص، وَالْقُرْآنِ [1] جَزَمَها القراء، إِلَّا الْحَسَن فإنه خفضها بلا نون لاجتماع السَّاكنين.
كانت بمنزلة من قرأ (ن وَالْقَلَمِ) و (يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ) جُعلت بمنزلة الأداة كقول العرب:
تركته (حاث «2» باث) و (خاز باز «3» ) يخفضان لأن الذي بلى آخر الحرف ألف. فالخفض مع الألف، والنصبُ مع غير الألف. يقولون: تركته حَيْثَ بَيْثَ، ولأجعلنّك حَيْصَ «4» بَيْصَ إِذَا ضُيّق عَلَيْهِ.
وقال الشاعر:
لَمْ يَلتحِصني حَيْص بَيْصَ الحاصي «5»
يريدُ الحائص فقلبَ كَمَا قَالَ: (عاقِ «6» ) يريد: عائق.
وص فى معناها «7» كقولك: / 161 ب وجب والله، ونزل والله، وحَقّ والله. فهي جواب
__________
(1) عقوة الدار ساحتها وما حولها.
(2) أي إذا تركته مختلط الأمر كما فى التاج.
(3) من معانى الخازباز أنه ذباب يكون فى الروض. [.....]
(4) الذي فى كتب اللغة أن يقال: تركته فى حيص بيص.
(5) الذي فى اللسان بيت لأمية بن أبى عائذ الهذلي هو:
قد كنت خراجا ولو جا صيرفا ... لم تلتحصتى حيص بيص الحاص
وهو من قصيدة فى ديوان الهذليين 2/ 192. و «لم تلتحصنى» : لم تثبطنى. والحاص من أسماء الشدة والداهية.
والرواية هنا: «يلتحصنى» و «الحاصى» يريد كما يقول الفراء-: الحائص كأنه قال: لم يثبطنى المثبط:
(6) أي فى قول الشاعر:
فلو أَنِّي رميتك من بَعيد ... لَعاقَكَ عَن دعاء الذئب عاقى
(7) ا: «معناهما» .(2/396)
كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنَادَوْا وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ (3)
لقوله (وَالْقُرْآنِ) كما تَقُولُ: نزلَ والله. وقد زعم قوم أنّ جَوَاب (وَالْقُرْآنِ) (إِنَّ ذلِكَ «1» لَحَقٌّ تَخاصُمُ أَهْلِ النَّارِ) وَذَلِكَ كلام قد تأخّر تأخُّرًا كثيرًا عَن قوله (والقرآن) وجرت بينهما قِصص مختلفة، فلا نَجد ذَلِكَ مُستقيمًا فِي العربية والله أعلم.
ويُقال: إن قوله (وَالْقُرْآنِ) يمين اعترض كلام دون مَوقع جوابها، فصَار جوابها جوابًا للمعترضِ ولها، فكأنه أراد: والقرآن ذى الذكر لَكَمْ أهلكنا، فلمّا اعترض قوله: بَلِ الَّذِينَ كفروا فى عزّة وشقاق: صارت (كم) جَوَابًا للعزة ولليمين. ومثله قوله (وَالشَّمْسِ «2» وَضُحاها) اعترض دون الجواب قوله (وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها فَأَلْهَمَها) فصارت (قَدْ أَفْلَحَ) تابعة لقوله (فَأَلْهَمَها) وكفى من جَواب القسم، وكأنه كَانَ: وَالشَّمْسِ وضحاها لقد أفلح.
وقوله: فَنادَوْا وَلاتَ حِينَ مَناصٍ [3] يقول: لَيْسَ بحين فِرار. والنَوْص: التأخّر فِي كلام العرب، والبَوْص: التقدم وقد بُصْته.
وقال امرؤ القيس:
أمِن ذكر ليلى إذ نَأَتكَ تَنُوص ... وتَقْصُر عنها خُطوةً وتَبُوص
فمناص مَفْعَل مثل مقام. ومن العرب من يضيف لات فيخفض. أنشدوني:
... لات ساعةِ مَنْدَمِ «3»
ولا أحفظ صَدره. والكلام أن ينصب بِهَا لأنها فِي معنى لَيْسَ. أنشدني المفضل:
تذكّرَ حبّ ليلى لاتَ حينا ... وأضحى الشيب قد قطعَ القرينَا
__________
(1) فى الآية 64.
(2) صدر سورة الشمس.
(3) روى ابن السكيت فى كتاب الأضداد بيتا هو:
ولتعرفن خلائقا مشمولة ... ولتندمن ولات ساعة مندم
ويحتمل أن يكون ما يعنيه الفراء. وانظر الخزانة 2/ 147.(2/397)
أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ (5)
فهذا نصب. وأنشدني بعضهم:
طلبوا صُلحنا ولاتَ أوانِ ... فأجبنَا أن لَيْسَ حِينَ بقَاءِ «1»
فخفض (أوانِ) فهذا خَفْض.
قَالَ الفراء: أقف عَلَى (لاتَ) بالتاء، وَالْكِسَائي يقف بالهاء.
قوله: لَشَيْءٌ عُجابٌ [5] ، وقرأ أَبُو عبد الرحمن السُّلمي (لشيء عُجَّابٌ) والعربُ تَقُولُ:
هَذَا رجل كريم وكُرَّام وَكُرَام، والمعنى كله واحدٌ مثله قوله تعالى (وَمَكَرُوا «2» مَكْراً كُبَّاراً) معناه: كبيرًا فشدّد. وقال الشاعر.
كحلفة من أبي رياح ... يسمعها الْهِمَّةُ الْكُبار
الهمّ والهمةُ الشيخ الفاني.
وأنشدني الْكِسَائي:
يسمعها الله والله كبار
وقال الآخر «3» :
وآثرت إدلاجي عَلَى ليل حُرَّة ... هَضيم الْحَشَا حُسّانَة المتجرَّد
وقال آخر:
نَحن بذلنا دونَها الضِّرَابا ... إنا وجدنا ماءها طُيّابَا
يريد: طَيِّبًا وقال فِي طويل، طُوَال الساعدين أشم.
طوال الساعدين أشمّ «4»
__________
(1) من قصيدة لأبى زبيد الطائي. وانظر الخزانة 2/ 153.
(2) الآية 22 سورة نوح.
(3) هو الحطيئة كما فى اللسان (دلج) والإدلاج سير الليل كله. وهضيم الحشا: ضامرة البطن، وذلك مما يستحسن فى النساء. وحسانة المتجرد أي حسنة عند تجردها من ثيابها وعريها.
(4) لم أقف على تكملة هذا. وفى اللسان (طول) البيت الآتي لطفيل:
طوال الساعدين يهز لدنا ... يلوح سنانه مثل الشهاب(2/398)
أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبَابِ (10)
وقال الآخر:
جاء بصيد عَجَب من العجب ... أزيرق العينين طُوَّالِ الذَّنَبْ «1»
فشدّ الواو عَلَى ذَلِكَ المجرى. فكلّ نعت نعتّ بِهِ اسمًا ذكرًا أو أنثى أتاكَ عَلَى فُعَّال مُشَدَّدًا ومُخَفَّفًا فهو صَواب.
وقوله. وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا [6] انطلقوا بِهذا القول. فأن فِي موضع نصب لفقدها الخافض، كأنك قلت: انطلقوا مشيًا ومُضِيًا 162 اعلى دينكم. وهي فِي قراءة عبد الله (وانطلق الملأ منهم يمشون أن اصبروا عَلَى آلهتكم) ولو لَمْ تكن (أن) لكان صوابًا كما قال (وَالْمَلائِكَةُ «2» باسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا) ولم يقل: أَنْ أخرجوا لأن النية مضمر فيها القول.
وقوله: مَا سَمِعْنا بِهذا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ [7] يعني اليهودية والنصرانية.
وقوله: أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ [8] وهي فِي قراءة عبد الله (أَمْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ الذكر) وهذا مما وصفت لك فِي صدر الكتاب: أن الاستفهام إِذَا توسّط الكلام ابتدئ بالألف وبأم. وإذا لَمْ يسبقه كلام لَمْ يكن إلا بالألف أو بهل.
وقوله: فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبابِ [10] يريد: فليصعدوا فِي السموات، وليسوا «3» بقادرين عَلَى ذلك أي لم يصدقوك وليسوا بقادرين عَلَى الصعود إلى السموات فما هم! فأين يذهبون.
وقوله: جُنْدٌ مَا هُنالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزابِ [11] يقول مغلوب «4» عَن أن يصعد إلى السّماء.
و (مَا) هاهنا صلة. والعرب تجعل (ما) صلة فِي المواضع التي دخولها وخروجها فيها سواء، فهذا من ذلك.
__________
(1) ا: «جاءا» فى مكان «جاء» .
(2) الآية 93 سورة الأنعام.
(3) سقط حرف الواو فى ا. [.....]
(4) ا: «على» .(2/399)
إِنْ كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقَابِ (14)
وقوله (عَمَّا قَلِيلٍ «1» لَيُصْبِحُنَّ نادِمِينَ) من ذلك.
وقوله (فَبِما «2» نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ) من ذَلِكَ لأن دخولها وخروجها لا يغير المعنى.
وأمّا قوله (إِلَّا الَّذِينَ «3» آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَقَلِيلٌ ما هُمْ) فإنه قد يكون عَلَى هَذَا المعنى.
ويكون أن تجعل (ما) اسمًا وتجعل (هم) صلة لِمَا ويكون المعنى: وقليل ما تجدّنَّهم فتوجّه (ما) والاسم إلى المصدر ألا ترى أنك تَقُولُ: قد كنت أراك أعقل مما أنت فجعلت (أنت) صلةً لِمَا والمعنى. كنت أرى عقلك أكثر مِما هُوَ، ولو لَمْ ترد المصدر لَمْ تجعل (ما) للناس، لأن من هي التي تكون للناس وأشباههم. والعرب تَقُولُ: قد كنت أراك أعقل منك ومعناهما «4» واحد، وكذلك قولهم: قد كنت أراهُ غير ما هُوَ المعنى: كنت أراهُ عَلَى غير ما رأيتُ منه.
وقوله: إِنْ كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ [14] وَفِي قراءة عبد الله (إِنْ كُلُّهُم لَمّا كَذَب الرُّسُلَ) .
وقوله: مَا لَها مِنْ فَواقٍ [15] من راحةٍ ولا إفاقة. وأصْله من الإفاقة فِي الرضاع إِذَا ارتضعت الْبَهْمَةُ أمَّها ثُمَّ تركتها حَتَّى تُنْزل شيئًا من اللبن، فتلك الإفاقة والفُواق بغير همزٍ. وجاء عَن النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: العيادة قدر فواق ناقة. وقرأها الْحَسَن وأهل المدينة وَعَاصِم بن أبى النجود (فواق) بالفتح وهي لغة جَيّدة عالية، وضم «5» حَمْزَةُ وَيَحْيَى والأعمش وَالْكِسَائي.
وقوله: عَجِّلْ لَنا قِطَّنا [16] الْقِطّ: الصَّحيفة المكتوبة. وإنما قالوا ذَلِكَ حِينَ نزل (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ «6» بِيَمِينِهِ) فاستهزءوا بذلك، وقالوا: عَجِّل لنا هَذَا الكتاب قبل يوم الحساب. والقِطّ فِي كلام العرب. الصكّ وهو الخط والكتاب.
__________
(1) الآية 40 سورة المؤمنين.
(2) الآية 155 سورة النساء، والآية 13 سورة المائدة.
(3) الآية 24 سورة ص.
(4) أي معنى قوله: «كنت أراك أعقل مما أنت» وقوله: «كنت أراك أعقل منك» .
(5) ا: «الضم» .
(6) الآية 19 سورة الحاقة، والآية 7 سورة الانشقاق.(2/400)
وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ (19)
وقوله: ذَا الْأَيْدِ [17] يريد: ذا القوّة.
وقوله: وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً [19] ذكروا أَنَّهُ كَانَ إِذَا سَبَّح أجابته الجبال بالتسبيح، واجتمعت إِلَيْهِ الطير فسبحت. فذلك حشرها ولو كانت: والطير محشورة بالرفع لَمَّا لَمْ يظهر الفعل مَعَها كَانَ صوابًا.
تكون مثل قوله (خَتَمَ «1» اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ) وقال الشاعر:
ورأيتم لمجاشعٍ نَعَمًا ... وبني أبيه جَامل رُغُب
ولم يقل: جَاملًا رُغبًا والمعنى: ورأيتم لَهم جاملًا رُغُبًا. فلمّا لَمْ يظهر الفعل جاز رفعه.
وقوله: وَشَدَدْنا مُلْكَهُ [20] اجتمعت القراء عَلَى تَخفيفها ولو قَرَأ قارئ (وَشَدَّدنا) بالتشديد كَانَ وجهًا حسنًا. ومعنى التشديد أن محرابه كَانَ يحرسه ثلاثة وثلاثون ألفًا.
وقوله: وَآتَيْناهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطابِ [20] .
قَالَ الفراء: حَدَّثَنِي عَمْرو بن أبي المقدام عَن الحكم بن عتيبَة عَن مُجاهد فِي قوله (وَآتَيْناهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطابِ) قَالَ: الشهود والأيمان. وقال بعضُ المفسرين: فصْل الخطاب أمّا بعد.
وقوله: إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ [21] إذ دخلوا [22] قد يُجاء بإذ مرّتين، (وَقَد) «2» يكون معناهما كالواحد كقولك: ضَربتك إذ دخلت عَليّ إذ اجترأت، فيكون الدخول هو الاجتراء. ويكون أن تجعل أحدهما «3» عَلَى مذهب لِمَا، فكأنه قَالَ: إذ تسَوَّرُوا المحراب لَمَّا دخلوا. وإن شئت جعلت لِمَا فِي الأول. فإذا كانت لَمّا أولًا وآخرًا فهي بعد صاحبتها كما تَقُولُ: أعطيته لمَّا سألني. فالسؤال قبل الإعطاء فِي تقدّمه وتأخّره.
وقوله: (خَصْمانِ) رفعته بإضمار (نحن خصمان) والعرب تضمر للمتكلّم والمكلّم المخاطب ما يرفع
__________
(1) الآية 7 سورة البقرة.
(2) ش، ب: «فقد» .
(3) ا: «إحداهما» وكلاهما جائز باعتبار اللفظ أو الكلمة.(2/401)
فِعْله. ولا يَكادونَ يفعلونَ ذَلِكَ بغير المخاطب أو المتكلم. من ذَلِكَ أن تَقُولَ للرجل: أذاهب، أو أنْ يقول المتكلم: واصلكم إن شاء الله ومحسن إليكم. وَذَلِكَ أن المتكلم والمكلَّم حاضِران، فتعرف معنى أسمائهما إِذَا تركت. وأكثره فِي الاستفهام يقولون: أجادّ، أمنطلق. وقد يكون فى غير الاستفهام.
فقوله (خَصْمانِ) من ذَلِكَ. وقال الشاعر:
وَقولًا إِذَا جاوزتما أرض عَامِرٍ ... وجاوزتما الحيَّيْنِ نَهْدًا وَخَثْعما
نَزيعانِ من جَرْم بن زَبَّان إنهم ... أبوا أن يميروا فِي الهزاهز مِحجَما
وقال الآخر:
تَقُولُ ابنَة الْكَعبيّ يوم لقيتُها ... أمُنْطلق فِي الجيش أم متثاقِلُ
وقد جاء فِي الآثار للراجع من سَفر: تائبونَ آئبونَ، لربنا حامدون. وقال: من أمثال العرب:
مُحسنَة فِهيلي.
قَالَ الفراء: جاء ضيف إلى امرأة ومَعه جِرابُ دقيق، فأقبلت تأخذ من جرابه لنفسها، فلمّا أقبل أخذت من جِرابها إلى جرابه. فقال: ما تصنعين؟ قالت: أزيدك من دقيقي. قَالَ: محسنة فهيلي. أي أَلْقِي. وجاء فِي الآثار: مَن أعانَ عَلَى قتل مؤمنٍ بشَطر كلمة جاء يوم القيامة مكتوبًا «1» بَيْنَ عينيه:
يائس من رحمة الله. وكلّ هَذَا بضمير ما أنباتك بِهِ.
ولو جاء فِي الكتاب: خصْمَين بغى بعضُنَا لكان صَوَابًا بضمير أتيناكَ خصمين، جئناكَ خَصْمين فلا تَخفنا. ومثله قول الشاعر:
وقالت ألا يا اسمع نِعظك بخُطَّةٍ ... فقلت سَميعًا فانطقى وأصيبى
163 اأي سميعًا أسمعُ منك، أو سميعًا وَعَظْتِ. والرفعُ فيه جائز على الوجوه الاول.
__________
(1) فى ش، ب بعده: «ومكتوب» وكتب هذا فى افوقه. ومعنى هذا أنهما روايتان.(2/402)
وقوله (وَلا تُشْطِطْ) يقول: ولا تَجُر: وقد يقول بعضُ العرب: شططتَ عليّ فِي السَّوم، وأكثر الكلام أشططت. فلو قرأ قارئ (وَلَا تَشْطِطْ) كأنه يذهب به إلى معنى التباعد و (تَشْطُطْ) أيضًا. العرب تَقُولُ: شطَّت الدار فهي تَشِطّ وتَشُطّ.
وقوله (وَاهْدِنا إِلى سَواءِ الصِّراطِ) إلى قَصْدِ الصراط. وهذا مِمَّا تدخل فِيهِ (إلى) وتخرج منه.
قَالَ الله (اهْدِنَا»
الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) وقال (وَهَدَيْناهُ «2» النَّجْدَيْنِ) وقال (إِنَّا هَدَيْناهُ «3» السَّبِيلَ) ولم يقل (إلى) فحذفت إلى من كل هَذَا. ثُمَّ قَالَ فِي موضع آخر (أَفَمَنْ «4» يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ) وقال (يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ «5» وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ) ويُقال هديتك للحق وَإِلَيْهِ قَالَ الله (الَّذِي «6» هَدانا لِهذا وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ) وكأن قوله (اهْدِنَا الصِّراطَ) أعلمنا الصراط، وَكَأنَّ قوله (اهدنا إلى الصراط) أرشِدْنَا إِلَيْهِ والله أعلم بذَلِكَ.
وقوله: إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً [23] وَفِي قراءة عبد الله (كانَ لَهُ) وربّما أدخلت العرب (كَانَ) عَلَى الخبر الدائم الَّذِي لا ينقطع. ومنه قول الله فِي غير موضع (وَكانَ رَبُّكَ قَدِيراً) (وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) فهذا دائم. والمعنى البيّن أن تُدخل (كَانَ) عَلَى كل خبر قد كَانَ ثُمَّ انقطع كما تَقُولُ للرجل: قد كنت موسرًا، فمعنى هَذَا: فأنت الآن مُعْدِم.
وَفِي قراءة عبد الله (نَعْجةً أُنْثَى) والعربُ تؤكد التأنيث بأُنثاه، والتذكير بمثل ذَلِكَ، فيكون كالفضل «7» فِي الكلام فهذا من ذَلِكَ. ومنه قولك للرجل: هَذَا والله رجل ذكر. وإنما يدخل هذا
__________
(1) الآية 6 سورة الفاتحة
(2) الآية 10 سورة البلد.
(3) الآية 3 سورة الإنسان. [.....]
(4) الآية 35 سورة يونس.
(5) الآية 30 سورة الأحقاف.
(6) الآية 43 سورة الأعراف.
(7) أي كالزيادة.(2/403)
إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ (31)
فِي المؤنث الَّذِي تأنيثه «1» فِي نفسه مثل المرأة والرجل والجمل والناقة. فإذا عَدَوت ذَلِكَ لَمْ يَجز.
فخطأ أن تَقُولَ: هَذِه دارٌ أنثى، ومِلحفة أنثى لأن تأنيثها فِي اسمها لا فِي معناها. فابن عَلَى هَذَا.
وقوله (وَعَزَّنِي فِي الْخِطابِ) أي غلبني. ولو قرئت (وَعَازَّني) يريد: غَالبني كَانَ وَجْهًا.
وقوله: لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ إِلى نِعاجِهِ [24] المعنى فِيهِ: بسؤاله نعجتك، فإذا ألقيت الْهَاء من السؤال أضفت الفعل إلى النعجة. ومثله قوله (لا يَسْأَمُ «2» الْإِنْسانُ مِنْ دُعاءِ الْخَيْرِ) ومعناهُ من دعائه بالخير: فلمّا ألقى الْهَاء أضاف الفعل إلى الخير وألقى من الخير الباء، كقول الشاعر:
ولستُ مُسَلِّمًا ما دمتُ حيًّا ... عَلَى زَيْدٍ بتَسليم الأمِير «3»
إنّما معناهُ: بتسليمي عَلَى الأمير. ولا يصلح أن تذكر الفاعل بعد المفعول بِهِ فيما ألقيت منه الصفة. فمن قَالَ: عجبتُ من سؤال نعجتك صاحبك لَمْ يَجز لَهُ أن يقول: عجبت من دعاء الخير الناس، لأنك إِذَا أظهرت الآخر مرفوعًا فإنَّما رَفعُه بنيَّةِ أن فَعل أو أن يفعل، فلا بُدَّ من ظهور الباء وما أشبهَهَا من الصفات. فالقول فِي ذَلِكَ أن تَقُولَ عَجِبْتُ من دعاءٍ بالخير زَيْدٌ، وعجبتُ من تسليمٍ عَلَى الأمير زيدٌ. وجازَ فِي النعجة لأن الفعل يقع عليها بلا صفة فتقول: سألتك نعجة، ولا تَقُولُ: سالتك بنعجة. فابن عَلَى هَذَا.
وقوله (وَظَنَّ داوُدُ أَنَّما فَتَنَّاهُ) أي علمَ. وكل ظنٍّ أدخلته عَلَى خبر فجائز أن تجعله عِلْمًا إلا أَنَّهُ علم 163 ب مالا يعاين.
وقوله: الصَّافِناتُ الْجِيادُ [31] يعني الخيل، كَانَ غَنِمَها سُلَيْمَان بن داود من جيش قاتله فظفر بِهِ. فلما صَلَّى الظهر دعا بِهَا، فلم يزل يعرضها حَتَّى غابت الشمس ولم يصلّ العصر. وَكَانَ عندهم مهيبًا. لا يبتدأ بشيء حَتَّى يَأمر بِهِ، فلم يذكر الْعَصْر. ولم يَكُن ذَلِكَ عَن تجبّر منه،
__________
(1) يريد ما يعرف بالمؤنث الحقيقي:
(2) الآية 49 سورة فصلت:
(3) ا: «فلست»(2/404)
هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (39)
فلمّا ذكرها قَالَ (إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ) يقول: آثرت حُبّ الخيل، والخير فِي كلام العرب:
الخيل. والصافناتِ- فيما ذكر الكلبي بإسناده- القائِمة عَلَى ثلاث قوائم وقد أقامت الأخرى عَلَى طرف الحافر من يدٍ أو رجلٍ. وهي فِي قراءة عبد الله (صَوَافِنَ «1» فإذا وَجَبَتْ) يريد:
معقولة عَلَى ثلاث. وقد رأيتُ العرب تجعل الصَّافِن القائم عَلَى ثلاث، أو عَلَى غير ثلاث. وأشعارهم تدل عَلَى أنها القيام خاصة والله أعلم بصوابه: وَفِي قراءة عبد الله (إني أحببت) بغير (قَالَ) ومثله ممّا حذفت فِي قراءتنا منه القول وأثبت فِي قراءة عبد الله (وَإِذْ «2» يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ من البيتِ وإسْمَاعيلَ وَيَقُولانِ) وليسَ فِي قراءتنا ذَلِكَ. وكلّ صواب.
وقوله: فَطَفِقَ [33] يريد أقبل يمسح: يضرب سوقها وأعناقها. فالمسحُ القطع.
وقوله: عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً [34] يريدُ: صَنَمًا. ويُقال: شيطان.
وقوله: لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي [35] فيريد سُخرة الريح والشياطين.
وقوله: رُخاءً حَيْثُ أَصابَ [36] والرُخَاء: الريح اللينة التي لا تعصف. وقوله (حَيْثُ أَصابَ) :
حَيْثُ أراد.
وقوله: هَذَا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ [39] . يقول فمُنّ بِهِ أي أعط، أو أمسك، ذاك إليك. وَفِي قراءة عبد الله: (هَذَا فامنن أو أمسك عطاؤنا بغير حساب) مقدّم ومؤخّر.
وقوله: بِنُصْبٍ وَعَذابٍ [41] . اجتمعت القراء عَلَى ضم النون من (نُصْبٍ) وتخفيفها «3» .
وذكروا أن أبا جَعْفَر «4» المدني قَرأ (بِنَصَبٍ وعذابٍ) ينصب النون والصاد. وكلاهما فِي التفسير واحد.
__________
(1) الآية 36 سورة الحج وقراءة الجمهور: «صواف فإذا وجبت»
(2) الآية 127 سورة البقرة
(3) يريد تخفيف الصاد أي تسكينها.
(4) فى الإتحاف أن هذه قراءة يعقوب والحسن. وأما قراءة أبى جعفر فضم النون والصاد معا.(2/405)
وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (44)
وذكروا أَنَّهُ المرض وما أصابه من الْعَناء فِيهِ. والنُّصْبُ والنَّصَبُ بمنزلة الْحُزن والْحَزَن، والْعُدْمِ والْعَدَمِ، والرُّشْد والرَشَد، والصُّلْب والصَّلَب: إِذَا خُفِّفَ ضُمّ أوله ولم يثقل لأنهم جعلوهما عَلَى سَمْتين «1» : إِذَا فتحُوا «2» أوّله ثقّلوا، وإذا ضَمُّوا أوله خَفَّفُوا، قَالَ: وأنشدني.
بعض العرب:
لئِن بعثت أم الْحُميدَينِ مَائِرا ... لقد غنِيت فِي غير بؤسٍ ولا جُحد «3»
والعرب تَقُولُ: جَحِد عيشُهم جحَدًا إِذَا ضاق واشتدّ، فلمّا قَالَ: جُحْد وضمّ أوله خَفَّف. فابن عَلَى ما رأيت من هاتين اللغتين.
وقوله: ضِغْثاً [44] والضِّغْث: ما جمعته من شيء مثل حُزمة الرَّطْبَة «4» ، وما قام عَلَى ساقٍ واستطالَ ثُمَّ جمعته فهو ضغث.
وقوله: وَاذْكُرْ عِبادَنا [45] . قرأت القراء (عبادنا) يريدونَ: إِبْرَاهِيم وولده وقرأ «5» ابن عباس:
(واذكر عَبْدنا إِبْرَاهِيم) وقال: إنما ذكر إِبْرَاهِيم. ثُمَّ ذكرت ذرِّيّتُه من بعده. ومثله:
(قالوا «6» نَعْبُدُ إلهَكَ وَإِلَهَ أبيِك) عَلَى هَذَا المذهب فِي قراءة ابن عباس. والعامّة (آبائِكَ) وكلّ صواب.
وقوله (أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصارِ) يريد: أولي القوَّة والبصر فِي أمر الله. وهي فِي قراءة عبد الله: (أولِي الْأَيْدِ) بغير ياء، فقد يكون لَهُ وجهان. إن أراد: الأيدى وحذف الياء
__________
(1) السمت: الطريق والمذهب.
(2) فى الأصول: «وإذا فتحوا» والمناسب ما أثبت.
(3) ورد هذا البيت فى اللسان عن الفراء فى اللسان (جحد) من غير عزو. [.....]
(4) الرطبة: ما تأكله الدابة ما دام رطبا.
(5) وهى قراءة ابن كثير.
(6) الآية 133 سورة البقرة وقراءة الإفراد (أبيك) مروية عن الحسن كما فى الإتحاف.(2/406)
وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِنَ الْأَخْيَارِ (48)
فهو صواب مثل: الجوار «1» والمناد «2» . وأشباه ذاك. وقد يكون فِي قراءة عبد الله من القوة من التأييد.
وقوله: إِنَّا أَخْلَصْناهُمْ بِخالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ [46] فردّ (ذِكْرَى الدَّارِ) وهى معرفة على (خالصة) وهى نكرة. وهى كقراءد مسروق (بِزِينَةٍ «3» الْكَواكِبِ] ومثله/ 164 اقوله (هَذَا «4» وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها) فردّ جهنّم وهى معرفة على (لَشَرَّ مَآبٍ) وهي نكرة. وكذلك قوله: (وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ «5» لَحُسْنَ مَآبٍ جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً) والرفعُ فِي المعرفة كلها جائز عَلَى الابتداء.
أنشدني بعضُ العرب:
لعمرك ما نخلي بدارِ مَضِيعَةٍ ... ولا ربُّهَا إن غاب عنها بخائفِ
وإن لَهَا جَارين لن يَغْدِرا بِهَا ... رَبيبُ النَّبِيّ وابن خير الخلائفِ
فرفع عَلَى الابتداء.
وقد قرأ أهلُ الحجاز (بِخالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ) أضافوها. وهو وجهٌ حسنٌ. ومنه:
(كَذلِكَ «6» يَطْبَعُ اللَّهُ عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ) ومن قَالَ (قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ) جَعَلَ القلب هُوَ المتكبّر.
وقوله: وَاذْكُرْ إِسْماعِيلَ وَالْيَسَعَ [48] قرأه أصحاب «7» عبد الله بالتشديد. وقرأه العوام (اليسع) بالتخفيف. والأوَّل أشبه بالصواب وبأسماء الأنبياء من بنى إسرائيل. حدّثنا أبو العباس
__________
(1) فى الآية 32 سورة الشورى.
(2) الآية 41 سورة ق.
(3) الآية 6 سورة الصافات.
(4) الآيتان 55، 56 سورة ص.
(5) الآيتان 49، 50 سورة ص.
(6) الآية 35 سورة غافر. وقراءة تنوين قلب قراءة أبى عمرو.
(7) وهى قراءة حمزة والكسائي وسلف.(2/407)
جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوَابُ (50)
قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّد بن عَبْدِ الْعَزِيزِ التَّيْمِيّ عَن مُغيرة عَن إِبْرَاهِيم أَنَّهُ قرأ (واللَّيْسَع) بالتشديد. وأما قولهم (وَالْيَسَعَ) فإن العرب لا تُدخل عَلَى يفعَل إِذَا كَانَ فِي معنى فلانٍ ألفًا ولامًا. يقولون: هَذَا يَسَع، وهذا يَعْمر، وهذا يزيد. فهكذا الفصيح من الكلام. وقد أنشدني بعضهم:
وجدنا الوليد بن اليزيد مباركًا ... شديدًا بأحناء الْخِلافة كاهلُهْ
فلمَّا ذَكَر الوليد فِي أول الكلمة بالألف واللام أتبعه يزيد بالألف واللام وكلّ صواب.
وقوله (وَذَا الْكِفْلِ) يُقال إنه سُمي ذا الكفل أن مائة من بني إسرائيل انفلتوا من القتل فآواهم وَكَفَلَهُمْ. ويُقال: إنه كَفَلَ لله بشيء فوفى بِهِ. والْكِفْلُ فِي كلام العرب: الْجَدّ والحَظّ فلو مُدح بذلك كَانَ وَجْهًا عَلَى غير المذهبين الأوّلين.
وقوله: جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوابُ [50] ترفع (الْأَبْوابُ) لأن المعنى: مفتَّحَةً لَهم أبْوابها.
والعربُ تجعل الألف واللام خَلفا من الإضافة فيقولون: مررتُ عَلَى رجلٍ حَسَنَةٍ الْعَيْنُ قَبِيحٍ الأنفُ والمعنى: حسنةٍ عَيْنُه قَبِيحٍ أنفهُ. ومنه قوله (فَإِنَّ الْجَحِيمَ «1» هِيَ الْمَأْوى) فالمعنى- والله أعلم-:
مأواهُ. ومثله قول الشاعر:
ما ولدتكم حيّة بنة مالك ... سِفَاحًا وَمَا كانت أحاديث كاذب
ولكن نرى أقدامنا فِي نعالكم ... وآنُفَنا بين اللحى والْحَواجِبِ
ومعناهُ: ونرى آنفنا بين لِحاكم وحواجبكم فِي الشبة. ولو قَالَ: (مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوابُ) عَلَى أن تجعل المفتحة فِي اللفظ للجنات وَفِي المعنى للأبواب، فيكون مثل قول الشاعر «2» .
ومَا قَوْمِي بثعلبة بن سَعْدٍ ... ولا بفزارة الشعر الرقابا
__________
(1) الآية 39 سورة النازعات.
(2) هو الحارث بن ظالم المري، كما فى كتاب سيبويه 1/ 103. وهو من قصيدة مفضلية ينتفى فيها من نسبه فى بغيض بن ريث بن غطفان ويعلن التحاقه بقريش وكان قد فر لحدث أحدثه وفى ا: «فما قومى» والشعر جمع أشعر وهو الكثير الشعر. والشعرى مؤنث أشعر.(2/408)
والشُعْرى رقابا. ويروى: الشُّعْر الرقابا.
وقال عَدِيّ:
مِن وَلِيٍّ أوْ أخي ثِقَةٍ ... والبعيد الشاحِط الدّارا «1»
وكذلك تجعل معنى الأبواب فِي نَصْبها، كأنك أردت: مفتَّحة الأبواب ثُمَّ نوَّنت فنصبت.
وقد يُنشَد بيت النابغة:
ونأخذ بعده بذُناب دَهْرٍ ... أجبَّ الظهرَ ليسَ لَهُ سَنَامُ «2»
وأَجَبِّ الظهر.
/ 164 ب وقوله: وَعِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ أَتْرابٌ [52] مرفوعة لأن (قاصِراتُ) نكرة وإن كانت مضافة إلى معرفة ألا ترى أن الألف واللام يحسنان فيها كقول الشاعر: «3»
من القاصرات الطَّرْفِ لو دَبّ مُحْوِلِ ... من الذَّرّ فوق الإتْب منها لأثَّرا
(الإتب «4» : المئزر) فإذا حسنت الألف واللام فِي مثل هَذَا ثُمَّ ألقيتهما فالاسم نكرة. وربما شبَّهت العرب لفظه بالمعرفة لِمَا أضيف إلى الألف واللام، فينصبونَ نعته إِذَا كَانَ نكرة فيقولون:
هَذَا حَسَن الوجه قائمًا وذاهبًا. ولو وضعت مكان الذاهب والقائم نكرة فيها مدح أو ذمّ آثرت الإتباع، فقلتُ: هَذَا حَسَنُ الوجه موسر، لأنَّ الْيَسَارة مدح. ومثله قول الشاعر:
ومَنْ يُشوِه يوم فإن وراءه ... تباعة صيّاد الرّجال غشوم «5»
__________
(1) ا: «وأخى» فى مكان «أو أخى» .
(2) هذا من مقطوعة فى النعمان بن المنذر حين كان مريضا. وقبله.
فإن يهلِك أَبُو قابوسَ يهِلِك ... ربيعُ الناسِ والشهر الحرام
وأبو قابوس كنية النعمان. وذناب دهر: ذيله. وفى ابعد (دهر) : «عيش» وهو إشارة إلى رواية أخرى و «أجب الظهر» مقطوعه. وهذا على تمثيل الدهر أو العيش الضيق ببعير لا سنام له ولا خير فيه. وانظر الخزانة 4/ 95. [.....]
(3) هو امرؤ القيس. والمحول: الذي أتى عليه حول أي عام.
(4) سقط ما بين القوسين فى ا.
(5) يريد أن الشيب أخذه ونال منه. ويريد بصياد الرجال الموت.(2/409)
هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ (57)
قَالَ الفراء: (وَمَنْ يُشوِه) أي يأخذ شَوَاه وأطايبه. فخفض الغشوم لأنه مدح، ولو نصب لأن لفظه نكرة ولفظ الَّذِي هُوَ نعت لَهُ معرفة كَانَ صوابًا كما قالوا: هَذَا مِثْلك قائِمًا، ومثلك جَميلًا.
وقوله عَزَّ وَجَلَّ: فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ [57] رفعت الحميم والغسّاق بِهذا مقدّمًا ومؤخرًا.
والمعنى هَذَا حميم وغسَّاق فليذوقوه. وإن شئت جعلته مستأنفًا، وجعلت الكلام قبله مكتفيًا كأنك قلت: هذا فليذوقوه، ثُمَّ قلت: منه حميم ومنه غسّاق كقول الشاعر:
حَتَّى إِذَا ما أضاءَ الصُّبْحُ فِي غَلَسٍ ... وغودر البقلُ مَلْوِيّ ومحصودُ
ويكون (هَذَا) فِي موضع رفعٍ، وموضع نصبٍ. فمن نصب أضمرَ قبلها ناصِبًا كقول الشاعر «1» :
زيادتنا نُعمان لا تَحْرِمَنَّها ... تَقِ الله فينا والكتابَ الَّذِي تتلو
ومن رفع رفع بالهاء التي فِي قوله: (فَلْيَذُوقُوهُ) كما تَقُولُ فِي الكلام: اللَّيْلَ فبادرُوه واللَّيْلُ.
والغساق تشدّد سينُه وتُخفف «2» شددها يَحْيَى بن وثاب وعامّة أصحاب عبد الله، وخففها الناس بَعْدُ. وذكروا أن الغساق بارد يُحرق كإحراق الحميم «3» . ويُقال: إنه ما يَغْسِق ويسيل من صديدهم وجلودهم.
وقوله: وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْواجٌ [58] قرأ الناس (وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ) إلّا مجاهدا «4» فإنه قرأ
__________
(1) هو عبد الله بن همام السلولي. وانظر اللسان (وفى) .
(2) وهى قراءة حفص وحمزة والكسائي وخلف.
(3) هو الحار.
(4) وهى قراءة أبى عمرو ويعقوب.(2/410)
أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ (63)
(وَأُخَرُ) كأنه ظنّ أن الأزواج لا تكون من نعتٍ وَاحِدٍ «1» . وإذا كَانَ الاسم فعلًا جاز أن ينعت بالاثنين والكثير كقولك فِي الكلام: عذاب فلان ضروب شتّى وضربان مختلفان. فهذا بيّن.
وإن شئت جعلت الأزواج نعتًا للحميم وللغساق ولآخر، فهنّ ثلاثة، وأن تجعله صفة لواحد أشبهُ، والذي قَالَ مجاهد جائز، ولكني لا أستحبّه لاتّباع الْعَوَامّ وبيانه فِي العربيّة.
وقوله: هذا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ [59] هي الأمَّة تدخل بعد الأمة النار.
ثُمَّ قال: (لا مَرْحَباً بِهِمْ) الكلام متصل، كأنه قول واحد، وإنما قوله: لا مرحبا بهم) من قول «2» أهل النار، وهو كقوله: (كُلَّما دَخَلَتْ «3» أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَها) وهو فِي اتّصاله كقوله: (يُرِيدُ «4» أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَماذا تَأْمُرُونَ) فاتصل قول فرعون بقولِ أصحابه.
وقوله: قالُوا رَبَّنا مَنْ قَدَّمَ لَنا هذا [61] معناه: من شرع لنا وسنّه (فَزِدْهُ عَذاباً ضِعْفاً/ 165 ب فِي النَّارِ) .
وقوله: أَتَّخَذْناهُمْ سِخْرِيًّا [63] قَالَ زهير عَن أبان عَن مجاهد- قَالَ الفراء ولم أسمعه من زهير- (أَتَّخَذْناهُمْ سِخْرِيًّا) ولم يكونوا كذلك. فقرأ أصحابُ عبد الله بغير استفهامٍ، واستفهم الْحَسَن وَعَاصِم وأهل المدينة، وهو من الاستفهام الَّذِي معناه التعجب «5» والتوبيخ فهو يَجوز بالاستفهام وبطرحِهِ.
وقوله: إِنْ يُوحى إِلَيَّ إِلَّا أَنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ [70] إن شئت جعلت (أَنَّما) فِي موضع رفع،
__________
(1) ا: «الواحد» .
(2) أي وقوله: «هذا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ» من كلام الملائكة. وهذا أحد أوجه الآية.
(3) الآية 38 سورة الأعراف.
(4) الآية 110 سورة الأعراف.
(5) ا: «أو» .(2/411)
قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ (75)
كأنك قلت: ما يوحى إلي إلا الإنذار. وإن شئت جعلت المعنى: ما يوحى إليّ إلا لأني نذير ونبي فإذا ألقيتَ اللام كَانَ موضع (أنَّما) نصبًا. ويكون فِي هَذَا الموضع: ما يوحى إليّ إلا أنك نذير مبين لأن المعنى حكاية، كما تَقُولُ فِي الكلام: أخبروني أني مسيء وأخبروني أنك مسيء، وهو كقوله:
رَجُلانِ من ضَبَّةَ أَخبرانا ... إِنَّا رأينا رجلًا عُرْيَانَا
والمعنى: أخبرانا أنهما رأيا، فجازَ ذَلِكَ لأن أصله الحكاية.
وقوله: بيدَيّ اسْتكبرت اجتمع القراء عَلَى التثنية ولو قرأ قارئ (بيدي) يريد يدًا عَلَى واحدة كَانَ صدابا كقول الشاعر:
أيها المبتغى فناء قريشٍ ... بيد الله عُمرها والفناء
والواحد من هَذَا يكفي من الاثنين، وكذلك العينان والرجلان واليدان تكتفي إحداهما من الأخرى لأن معناهما واحد.
وقوله: قالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ [84] قرأ الْحَسَن وأهل الحجاز بالنصب قيهما. وقرأ الأعمش وَعَاصِم وأكبر منهم «1» : ابن عباس ومجاهد بالرفع فِي الأولى والنصب فِي الثانية.
حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: حَدَّثَنِي بِهرام- وَكَانَ شيخًا يقرىء فِي مسجد المطمورة ومسجد الشعبيين- عَن أبان بن تَغْلِب عَن مجاهد أَنَّهُ قرأ (فالحقُّ مني والحقَّ أقولُ) : وأقول الحقَّ. وهو وجه: ويكون رفعه عَلَى إضمار: فهو الحقّ.
وذُكِرَ عَن ابن عباس أَنَّهُ قَالَ: فأنا الحقُّ. وأقولُ الْحَقَّ. وقد يكون رفعه بتأويل جَوابَه لأن العرب تَقُولُ: الحقُّ لأقومَنَّ، ويقولون: عَزْمَةٌ صادقة لآتينَّك لأن فِيهِ تأويل: عَزْمة صادقة أن آتيك.
__________
(1) كذا: والأولى «منهما» .(2/412)
وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ (88)
ويبين ذَلِكَ قوله: (ثُمَّ بَدا لَهُمْ «1» مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ) أَلَا ترى أَنَّهُ لا بد لقوله (بَدا لَهُمْ) من مرفوع مضمر فهو فِي المعنى يكون رفعًا ونصبًا. والعربُ تنشد بيت امرئ القيس:
فقلتُ يَمينَ الله أبرحُ قاعدًا ... ولو قطّعوا رَأْسِي لديكِ وَأوصالِي
والنصبُ فِي يمين أكثر. والرفعُ عَلَى ما أنبَأتُك بِهِ من ضمير (أن) وَعَلى قولك عَلَيّ يمين.
وأنشدونا:
فإنّ عليّ الله إن يحملونني ... عَلَى خُطّة إلا انطلقتُ أسيرها
ويروى لا يحملونني.
فلو ألقيت إن لقلت عَليّ الله لأضربنك أي عليّ هَذِه اليمين. ويكون عَلَيّ الله أن أضربك فترفع (الله) بالجواب. ورفعه بعلى أحبُّ إليَّ. ومن نَصَب (الحقَّ والحقَّ) فعلى معنى قولك حقًّا لآتينّك، والألف واللام وطرحهما سواء. وهو بمنزلة قولك حَمْدًا لله والحمدُ لله. ولو خفض الحق الأول خافِضٌ يجعله الله تعالى يعني فِي «2» الإعراب فيقسم بِهِ كَانَ صوابًا والعربُ تُلقي الواو من القسم ويخفضونه سمعناهم يقولون: الله لتفعلنّ فيقول/ 165 ب المجيب: أَلله لأفعلنّ لأن المعنى مستعمل والمستعمل يَجوز فِيهِ الحذف، كما يقول القائل للرجل: كيف أصبحت؟ فيقول: خيرٍ يريد بِخَيْرٍ، فلما كثرت فِي الكلام حذفت.
وقوله: وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ [88] نبأ القرآن أَنَّهُ حَقّ، ونبأ مُحَمَّد عَلَيْهِ السلام أنه نبىّ.
وقوله: (بَعْدَ حِينٍ) يقول: بعد الموت وقبله: لَمّا ظهر الأمر غلموه، ومن مات علمه يقينا.
__________
(1) الآية 35 سورة يوسف. [.....]
(2) سقط فى ا.(2/413)
تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (1)
ومن سورة الزمر
قوله: تَنْزِيلُ الْكِتابِ [1] ترفع (تَنْزِيلُ) بإضمار: هَذَا تنزيل، كما قَالَ: (سُورَةٌ أَنْزَلْناها «1» ) ومعناه: هذه سورة أنزلناها وإن شئت جعلت رفعه بِمَن. والمعنى: من الله تنزيل الكتاب ولو نصبته وأنت تأمر باتباعه ولزومه كَانَ صوابًا كما قَالَ الله (كِتابَ «2» اللَّهِ عَلَيْكُمْ) أي ألزمُوا كتابَ الله.
وقوله: فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ [2] منصوب بوقوع الإخلاص عَلَيْهِ. وكذلك ما أشبهه فى القرآن مثل (مُخْلِصِينَ «3» لَهُ الدِّينَ) ينصب كما نُصب فِي هَذَا. ولو «4» رفعت (الدين) بِلَهُ، وجعلت الإخلاص مُكتفيًا غير واقع كأنك قلت: اعبد الله مُطيعًا فَلَه الدين.
وقوله: وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ [3] (الَّذِينَ) فِي موضع رفع بقول مضمر. والمعنى:
(وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ) يقولون لأوليائهم وهى الأصنام: ما نعبدكم إلا لتقربونا إلى الله.
وكذلك هي فِي (حرف «5» ) أُبَيّ وَفِي حرف عبد الله (قالوا ما نعبدهم) والحكاية إِذَا كانت بالقول مضمرًا أو ظاهرًا جازَ أن يجعلَ الغائب كالمخاطب، وأن تتركه كالغائب، كقوله: (قُلْ لِلَّذِينَ «6» كَفَرُوا سيغلبون) و (سَتُغْلَبُونَ) بالياء والتاء عَلَى ما وصفتُ لك.
وقوله: خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْها زَوْجَها [6] يقول القائل: كيف قَالَ:
(خلقكم) لبني آدم. ثم قال: (ثُمَّ جَعَلَ مِنْها زَوْجَها) والزوجُ مخلوق قبل الولد؟ ففي ذَلِكَ وجهان من العربيّة:
__________
(1) أول سورة النور.
(2) الآية 24 سورة النساء.
(3) الآية 14 سورة غافر. وورد فى مواطن أخرى.
(4) جواب لو محذوف أي لكان صوابا،
(5) ا: ب «قراءة» .
(6) الآية 12 سورة آل عمران.(2/414)
أحدهما: أن العرب إِذَا أخبرت عَن رجل بفعلين رَدّوا الآخر بِثُمَّ إِذَا كَانَ هُوَ الآخر فِي المعنى. وربما جعلوا (ثُمَّ) فيما معناهُ التقديم ويَجعلونَ (ثُمَّ) من خبر المتكلم. من ذَلِكَ أن تَقُولَ: قد بلغني ما صنعت يومك هَذَا، ثُمَّ ما صنعت أمس أعجب. فهذا نَسَق من خبر المتكلم.
وتقول: قد أعطينك اليوم شيئًا، ثُمَّ الَّذِي أعطيتك أمس أكثر، فهذا من ذَلِكَ.
والوجه الآخر: أن تجعل خَلْقَه الزوج مردودًا عَلَى (وَاحدة) كأنه قَالَ: خلقكم من نفسٍ وحدها، ثُمَّ جعل منها زوجها. ففي (واحدةٍ) معنى خَلقها واحدة.
قَالَ: أنشدني بعضُ العرب:
أعددتَه للخَصْم ذي التعدّي ... كوّحتَه منك بدون الْجَهْدِ «1»
ومعناهُ الَّذِي إِذَا تعدى كوَّحتَه، وكوَّحته: غلبته وقوله: وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ [7] يقول: يرضى الشكر لكم. وهذا مثل قوله:
(فَاخْشَوْهُمْ «2» فَزادَهُمْ إِيماناً) أي فزادهم قولُ الناس، فإن قَالَ قائل: كيف قال (وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ) وقد كفروا؟ قلتُ: إنه لا يرضى أن يكفرو. فمعنى الكفر: أن يكفروا. وليسَ معناهُ الكفر بعينه. ومثله مما يبيّنه لك أنك تَقُولُ: لست أحب الإساءة، وإني لأحب أن يُسيء فلان فيُعذَّب «3» فهذا «4» مما يبيّن لك معناهُ.
وقوله: نَسِيَ ما كانَ يَدْعُوا إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ [8] .
يقول: ترك الَّذِي كَانَ يدعوه إِذَا «5» مسّه، الضر يريد الله تعالى. فإن قلت: فهلّا قيل: نسى من
__________
(1) ورد فى اللسان (كوح) عن أبى عمرو.
(2) الآية 173 سورة آل عمران.
(3) ش: «ويعذب» .
(4) ش: ب «وهذا» .
(5) ا: «إذ» .(2/415)
كَانَ يَدْعُو؟ قلت: إن (ما) قد تكون فى موضع (من) قال الله (قُلْ يا أَيُّهَا «1» الْكافِرُونَ لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ، وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ) يعني الله. وقال (فَانْكِحُوا «2» مَا طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ) فهذا وجه. وبه جاء التفسير، ومثله (أَنْ «3» تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ) وقد تكون (نَسِيَ ما كانَ يَدْعُوا إِلَيْهِ) يراد «4» : نسيَ دعاءه إلى الله من قبل. فإن شئت جعلت الْهَاء التي فِي (إِلَيْهِ) لِمَا «5» .
وإن شئت جعلتها «6» لله وكل مستقيم.
وقوله (قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا) 166 افهذا تهدُّد وليس بأمر محض. وكذلك قوله: (فَتَمَتَّعُوا «7» فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) وَمَا أشبهه.
وقوله: أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ [9] قرأها يَحْيَى بن وَثّاب بالتخفيف. وذُكر ذَلِكَ عَن نَافِع وَحَمْزَة وفسروها يريد: يا من هو قانت. وهو وجه حسن، العرب تدعو بألف، كما يدعون بيَا.
فيقولون: يا زيدُ أقبل، وأزيدُ أقبل. قال الشاعر:
أبنِي لُبَيْنَى لستُم بِيَدٍ ... إِلا يدٍ ليسَت لَهَا عَضُد
وقال الآخر:
أضمر بن ضمرة ماذا ذكر ... ت مِنْ صِرْمة أُخذت بالْمُرارِ «8»
وهو كَثِير فِي الشعر فيكون المعنى مردودًا بالدعاء كالمنسوق «9» ، لأنه ذكر الناسي الكافر، ثم
__________
(1) الآيات 1- 3 سورة الكافرين.
(2) الآية 3 سورة النساء. [.....]
(3) الآية 75 سورة ص.
(4) ش: «يريد به» .
(5) أي على الوجه الأول.
(6) أي على الوجه الثاني.
(7) الآية 55 سورة النحل، والآية 34 سورة الروم.
(8) الصرمة: القطعة من الإبل. والمرار موضع. وفى ا: «بالمراد» .
(9) ا: «على المنسوق» .(2/416)
قَصّ قصة الصالِح بالنداء، كما تَقُولُ فِي الكلام: فلان لا يصلّى ولا يصوم فيامن يُصلي ويصوم أبشر فهذا هُوَ معناه. والله أعلم.
وقد تكون الألف استفهامًا بتأويل أم لأن العرب قد تضع (أَمْ) فِي موضع الألف إِذَا سَبَقَها كلام، قد وصفت من ذَلِكَ ما يُكتفى بِهِ. فيكون المعنى أمَن هُوَ قانت (خفيف) كالأول الَّذِي ذُكِرَ بالنسيان والكفر.
ومن قرأها بالتشديد فإنه يريد معنى الألف. وهو الوجه: أن تجعل أم إِذَا كانت مردودة عَلَى معنى قد سَبق قلتها بأم. وقد قرأ بِهَا الْحَسَن وَعَاصِم وَأَبُو جَعْفَر المدني. يريدون: أمْ مَنْ. والعرب تَقُولُ: كَانَ هَذَا حين قلت: أأخوكَ أم الذئب. تقال هَذِه الكلمة بعد المغرب إِذَا رأيت الشخص فلم تَدْر ما هُوَ. ومنه قولك: أَفتِلكَ أم وَحْشِيّة، وقولك أذلك أم جأْب «1» يطارد أُتنا «2» .
فإن قَالَ قائل فأين جواب (أَمَّنْ هُوَ) فقد تبيّن فِي الكلام أَنَّهُ مضمر، قد جرى معناه فِي أوّل الكلمة، إذ ذكر الضال ثُمَّ ذكر المهتدي بالاستفهام فهو دليلٌ عَلَى أَنَّهُ يريد: أهذا مثل هَذَا أو أهذا أفضل أم هَذَا. ومن لَمْ يعرف مذاهب العرب ويتبين لَهُ المعنى فِي هَذَا وشبهه لَمْ يكتف ولم يشتف ألا ترى قول الشَّاعِر:
فأقسمُ لو شَيْء أتانا رَسولُه ... سِوَاك ولكن لَمْ نَجد لك مَدْفعَا
أنّ معناهُ: لو أتانا رسولُ غيرِك لدفعنَاهُ، فعلم المعنى ولم يُظهر. وجرى قوله: (أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ) «3» عَلَى مثل هَذَا.
وقوله (آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً) نُصِب عَلَى قوله: يَقنت ساجدًا مرة وقائمًا مرة، أي مطيع فِي الحالين. ولو رفع كما رُفعَ القانت كَانَ صوابًا. والقنوت: الطاعة.
__________
(1) الجأب: الحمار الغليظ من حمار الوحش والأتن جمع أتان وهى الحمارة.
(2) الجأب: الحمار الغليظ من حمار الوحش والأتن جمع أتان وهى الحمارة.
(3) فى الآية 22 من هذه السورة.(2/417)
أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ (19)
وقوله: أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ [19] .
يقال: كيف اجتمع استفهامان فِي معنى واحد؟ يُقال: هَذَا مِمّا يُرادُ بِهِ استفهامٌ واحدٌ فيسبق الاستفهام إلى غير موضعه يُردّ الاستفهام إلى موضعه الَّذِي هُوَ لَهُ. وإنَّما الْمَعْنَى- والله أعلم-: أفأنتَ تُنْقِذُ من حَقّت عَلَيْهِ كلمةُ العذاب. ومثله من غير الاستفهام قوله: (أَيَعِدُكُمْ «1» أَنَّكُمْ إِذا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُراباً وَعِظاماً أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ) فردّ (أنّكم) مرّتين، والمعنى- والله أعلم-: أيعدكم أنكم مخرجونَ إِذَا متم وكنتم ترابًا. ومثله قوله: (لا تَحْسَبَنَّ «2» الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ) فرَدّ (تَحْسَبَنَّ) مرّتين ومعناهما- والله أعلم- لا تحسبن الَّذِينَ يفرحونَ بما أتوا بِمفازةٍ من العذاب. ومثله كَثِير فِي التنزيل وغيره من كلام العرب.
وقوله: فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ [22] و (عَن ذكرِ الله) كلّ صواب. تَقُولُ:
اتّخمتُ من طعامٍ أكلته وعن طعام أكلته، سَواءً فِي المعنى. وكأنّ قوله: قسَت من ذكره أنهم جعلوه كذبًا فأقسى قلوبهم: زادها قَسْوة. وكأن من قَالَ: قست عَنْهُ يريد: أعرضت عنه.
وقوله: كِتاباً مُتَشابِهاً [23] أي غير مختلف لا ينقض بعضه بعضًا.
وقوله (مَثانِيَ) أي مكرّرًا يكرّر فِيهِ ذكر الثواب والعقاب.
وقوله: (تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ) : تقشعر خوفًا من آية العذاب إِذَا نزلت (ثُمَّ تَلِينُ) عند نزول آية رَحْمة.
وقوله: أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذابِ يَوْمَ الْقِيامَةِ [24] .
يُقال: إِنّ الكافر تنطلقُ بِهِ الْخَزنة إلى النار مغلولًا، فيُقذف بِهِ فِي النار، فلا يتقيها إلا بوجهه وجوابه من المضمر «3» الَّذِي ذكرت لك.
__________
(1) الآية 35 سورة المؤمنين.
(2) الآية 188 سورة آل عمران.
(3) أي أهذا الذي يتقى بوجهه سوء العذاب خير أم من ينعم فى الجنان.(2/418)
ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (29)
وقوله: فِيهِ شُرَكاءُ مُتَشاكِسُونَ [29] مختلفونَ. هَذَا مثل ضربه الله للكافر والمؤمن. فجعل الَّذِي فِيهِ شركاء الَّذِي يَعبد الآلهة المختلفة.
وقوله (رَجُلًا سَالِمًا لرجُلٍ) هُوَ المؤمن الموحّد. وقد قرأ العوامّ (سَلَماً) وَسَلَمٌ وسالِم متقاربان فِي المعنى، وكأن (سَلَماً) مصدر لقولك: سَلِم لَهُ سَلَمًا والعرب تَقُولُ: رَبِحَ رِبْحًا ورَبَحًا، وَسَلِمَ سلمًا وسَلَمًا وسلامة. فسالِم من صفة الرجل، وسَلَمَ مصدرٌ لذلك. والله أعلم.
حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو إِسْحَاقَ التَّيْمِيُّ- وَلَيْسَ بِصَاحِبِ هُشَيْمٍ- عَنْ أَبِي رَوْقٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَرَأَ (وَرَجُلًا سَالِمًا) قَالَ الفراء:
وَحَدَّثَنِي ابن عيينة عَن عبد الكريم الجزري عَن مجاهد أَنَّهُ قرأ (سالِمًا) .
وقوله: هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلًا [29] ولم يقل مثلين، لأنهما جَميعًا ضُرِبا مثلًا واحدًا، فجرى المثل فيهما بالتوحيد. ومثله (وَجَعَلْنَا «1» ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً) ولم يقل: آيتين لأن شأنهما واحد. ولو قيل مَثَلين أو آيتين كَانَ صوابًا لأنهما اثنان فِي اللفظ.
وقوله: وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ [33] (الَّذِي) غير موقّت، فكأنه فِي مذهب جماع فِي المعنى. وَفِي قراءة عبد الله (وَالَّذِينَ جاءوا بالصدق وصَدّقوا بِهِ) فهذا دليل أنّ (الَّذِي) فِي تأويل جَمْع.
وقوله: أَلَيْسَ اللَّهُ بِكافٍ عِبَادَهُ [36] قرأها يَحْيَى «2» بن وثاب وَأَبُو جَعْفَر المدني (أليس الله بكافٍ عباده) عَلَى الجمع. وقرأها الناس (عَبْدَهُ) وَذَلِكَ أن قريشًا قالت للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
أما تخاف أن تَخْبِلَكَ آلهتُنا لعيبكَ إيّاها! فأنزلَ الله (أَلَيْسَ اللَّهُ بِكافٍ عَبْدَهُ) محمّدا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فكيف يخوِّفونَكَ بِمن دونه. والذين قالوا (عباده) قالوا:
__________
(1) الآية 50 سورة المؤمنين. [.....]
(2) وهى أيضا قراءة حمزة والكسائي وخلف.(2/419)
وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ (38)
قد همّت أمم الأنبياء بهم، ووعدوهم مثل هذا، فقالوا الشعيب (إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ.) فقال الله (أليس الله بكافٍ عباده) أي محمدا عَلَيْهِ السَّلَام والأنبياء قبله، وكلٌّ صواب.
وقوله: هَلْ هُنَّ كاشِفاتُ ضُرِّهِ [38] وممسكات رحمته [38] نوَّن فيهما عَاصِم والحسن وشَيْبَة المدني. وأضافَ «1» يَحْيَى بن وثاب. وكل صواب. ومثله (إِنَّ اللَّهَ «2» بالِغُ أَمْرِهِ) و (بالِغُ أَمْرِهِ) و (مُوهِنُ «3» كَيْدِ الْكافِرِينَ) و (مُوهِنُ كَيْدِ الْكافِرِينَ) وللإضافة معنى مضى من الفعل. فإذا رأيت الفعل قد مضى فِي المعنى فآثر الإضافة فِيهِ، تَقُولُ أخوك أخذ حقه، فتقول هاهنا:
أخوك آخذُ حقِّه. ويقبح أن تَقُولَ: آخذٌ حقَّه. فإذا كَانَ مستقبلًا لَمْ يقع بعد قلت: أخوكَ آخِذٌ حقّه عَن قليل، وآخذُ حقِّه عَن قليل: ألا ترى أنك لا تَقُولُ: هَذَا قاتلٌ حَمْزَةَ مُبغضًا، لأن معناهُ ماضٍ فقبح التنوين لأنه اسم.
وقوله: اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها [42] والمعنى فِيهِ يتوفى الأنفس حين موتها، ويتوفى التي لَمْ تمت فِي منامها عند انقضاء أجلها. ويُقال: إن توفِّيهَا نومُها.
وهو أحبّ الوجهين إليّ لقوله (فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضى عَلَيْهَا الْمَوْتَ) .
ولقوله: (وَهُوَ الَّذِي «4» يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ) وتقرأ «5» (قَضى عَلَيْهَا الْمَوْتَ) (وقُضِيَ عَليها الموتُ) .
وقوله: بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ [49] خرجت (هي) بالتأنيث لتأنيث الفتنة. ولو قيل: بل هو فتنة لكان
__________
(1) وهى قراءة أبى عمرو ويعقوب.
(2) الآية 3 سورة الطلاق. قرأ حفص بغير تنوين، والباقون بالتنوين.
(3) الآية 18 سورة الأنفال قرأ حفص بالخفض من غير تنوين.
(4) الآية 60 سورة الأنعام.
(5) قرأ بالبناء للمفعول حمزة والكسائي وخلف. وقرأ الباقون بالبناء للفاعل.(2/420)
قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53)
صوابًا كما قَالَ (هَذَا رَحْمَةٌ «1» مِنْ رَبِّي) ومثله كَثِير فِي القرآن. وكذلك قوله: (قَدْ قالَهَا «2» الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) أنثت إرادة الكلمة ولو قيل: قد قاله الَّذِينَ من قبلهم كَانَ صوابًا. ومثله فِي الكلام أن تَقُولُ: قد «3» فعلتها وفعلت ذاك: ومثله. قوله: (وَفَعَلْتَ «4» فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ) يَجوز مكانها لو أتى: وفعلت فِعلكَ.
وقوله: إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً [53] هي فِي قراءة عبد الله (الذنوبَ جَميعًا لِمن يشاء) قَالَ الْفَرَّاءُ: وَحَدَّثَنِي أَبُو إِسْحَاقَ التَّيْمِيُّ عَنْ أَبِي رَوْقٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَرَأَهَا كَمَا هِيَ فِي مُصْحَفِ عَبْدِ اللَّهِ (يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا لِمَنْ يَشَاءُ) وَإِنَّمَا نَزَلَتْ فِي وَحْشِيٍّ قَاتِلِ حَمْزَةَ وَذَوِيهِ.
وقوله: أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتى [56] أي افعلوا وأنيبوا وافعلوا (أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ) ألّا يقول أحدكم غدا (يا حَسْرَتى) ومثله قوله: (وَأَلْقى فِي «5» الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ) أي لا تميد.
وقوله: (يا حَسْرَتى) : يا ويلتا مُضاف إلى المتكلم يَحوّل العرب الياء إلى الألف فِي كلّ كلام كَانَ معناهُ الاستغاثة، يَخرج عَلَى لفظ الدعاء. وربّما قيل: يا حَسْرَتِ «6» كما قالوا: يا لَهفِ عَلَى فلانٍ، ويا لَهَفَا عَلَيْهِ قَالَ: أنشدني أبو ثروان العكلىّ.
تزورونها أو لا أزور نِساءكم ... ألهَفِ لأولاد الإماء الحواطِبِ
فخفض كما يُخفض المنادَى إِذَا أضافه المتكلم إلى نفسه.
__________
(1) الآية 98 سورة الكهف:
(2) الآية 50 سورة الزمر.
(3) سقط فى ا.
(4) الآية 19 سورة الشعراء.
(5) الآية 15 سورة النحل، والآية 10 سورة لقمان.
(6) رسمت هكذا فى ابالتاء المفتوحة إذ كانت فى نية الإضافة إلى الياء المحذوفة فكانت فى الحشو لا فى الآخر.(2/421)
أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (58)
وربَّما أدخلت العرب الْهَاء بَعدَ الألف التي فى (حَسْرَتى) فيخفضونها مَرة، ويرفعونَها. قَالَ:
أنشدني أَبُو فَقْعَس، بعضُ «1» بني أسد:
يا ربِّ يا ربّاهِ إيّاك أسَلْ ... عَفْراء يا ربّاهِ من قبل الأجَل «2»
فخفض، قَالَ: وأنشدني أَبُو فَقْعَسٍ:
يا مرحباهِ بِحمار ناهِيَهْ ... إِذَا أتى قرّبته للسَّانية «3»
والخفضُ أكثر فِي كلام العرب، إلا فِي قولهم: يا هَناه «4» ويا هَنْتَاه، فالرفع فِي هَذَا أكثر من الخفض لأنه كثُر «5» فِي الكلام فكأنه حَرف واحدٌ مدعو.
وقوله: لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ [58] النصب فِي قوله (فَأَكُونَ) جَواب لِلو.
وإن شئت جَعلته مردودًا عَلَى تأويل أَنْ، تُضمرهَا فِي الكرَّة، كما تَقُولُ: لو أَنَّ لي أن أكُرَّ فأكونَ. ومثله مِمَّا نُصِبَ عَلَى ضمير أنْ قوله: (وَما «6» كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ) المعْنَى- والله أعلم- ما كَانَ لبشرٍ أن يُكلمه الله إلا أن يُوحي إِلَيْهِ أو يرسل. ولو رفع (فيُوحي) إِذَا لَمْ يظهر أن قبله ولا معه كَانَ صوابًا. وقد قرأ به «7» بعض القراء.
قال: وأنشدني بعض بنى أسد:
__________
(1) كذا فى ا، وفى الخزانة 3/ 262: «لبعض» .
(2) بعده:
فإن عفراء من الدنيا الأمل
وانظر الخزانة فى الموطن السابق. وأسل أصلها: اسأل فخفف. [.....]
(3) فى الخزانة 1/ 400 «ناجية» فى مكان «ناهية» وفيها أن بنى ناجية قوم من العرب، وكأن ناهية هنا اسم امرأة، والسانية: الدلو العظيمة وأداتها. وأراد بتقريب الحمار للسانية أن يستقى عليه من البئر بالدلو العظيمة.
وانظر الخزانة.
(4) يا هناه أي رجل، ويا هنتاه أي يا امرأة.
(5) ش: «كثير» .
(6) الآية 51 سورة الشورى.
(7) قرأ نافع وابن ذكوان راوى ابن عامر برفع «يرسل» و «فيوحى» . وهذا غير ما يعنيه الفراء، فانه يريد رفع «فيوحى» مع نصب «يرسل» .(2/422)
يَحُلّ أحَيْدَه ويُقالُ بَعْلٌ ... ومثلُ تموُّلٍ مِنْهُ افتقارُ
فما يُخطئكِ لا يخطئكِ منه ... طَبَانِيَةٌ فيحظل أو يغار «1»
فرفع. وأنشدنى آخر:
فمالك منها غير ذِكرى وحِسْبة ... وتسأل عَن ركبانها أينَ يَمَّمُوا «2»
وقال الْكِسَائي: سمعتُ من العرب: ما هي إِلَّا ضَرْبة من الأسَد فيحطِمُ ظهره، (و) يحطم ظهرَه. قَالَ: وأنشدني الأسَدِي:
عَلى أَحْوذِيَّيْنِ استقلت عَشِيَّة ... فما هي إلا لَمْحة فتغيب «3»
وقوله: بَلى قَدْ جاءَتْكَ آياتِي فَكَذَّبْتَ بِها [59] القراء مجتمعونَ عَلَى نصب الكاف وأن المخاطب ذَكَر. قَالَ الفراء وَحَدَّثَنِي شيخ عَن وِقَاء بن إياسٍ بسنده أَنَّهُ قرأ (بَلَى قد جاءَتْكِ آيَاتِي) فكذَّبْتِ بِهَا واستكبرت (فخفض الكاف والتاء كأنه يُخاطب النفس. وهو وجه حسَن لأنه ذكر النفس فخاطبها أوَّلًا، فأجْرى الكلام الثاني عَلَى النفس فِي خطابها.
وقوله: وَيَوْمَ الْقِيامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ [60] ترفع (وجوههم) و (مسودّة) لأنّ الفعل قد وقع عَلَى (الَّذِينَ) ثُمَّ جاء بعد (الذينَ) اسم لَهُ فعل فرفعته بفعله، وَكَانَ فِيهِ معنى نصب. وكذلك فالفعل بكل اسم أوقعتَ عَلَيْهِ الظنّ والرأي وما أشبههما فارفع ما يأتي بعده من الأسماء إِذَا كَانَ معها أفاعيلها بعدها كقولك: رأيت عبد الله أمرُه مستقيم. فإن قدمت
__________
(1) ورد البيت الثاني فى اللسان مع بيتين آخرين فى (حظل) وهى منسوبة للبحترى الجعدي فى رجل شديد الغيرة على امرأته. فهو ينزل فى السفر وحده، وهذا معنى «أحيده» وأصله وحيده تصغير وحده. والطبانية الفطنة أي أنه فطين لمن ينظر إلى حليلته، فهو إما يحظل أي يكفها عن الظهور والتعرض للنظار أو يغضب ويغار والحظل:
الحجر والتضييق. وكتب فى هامش 1: «حظلت عليه وحجزت عليه» يريد الكاتب تفسير الحظل، بالحجر.
(2) فى الطبري والبحر المحيط «حسرة» مكان «حسبة» ويبدو أنه الصواب فلا معنى لحسبة هنا.
(3) من قصيدة لحميد بن ثور. وهو فى وصف القطاة: ويريد بالأحوذيين جناحيها يصفهما بالخفة:
وانظر شواهد العيني على هامش الخزانة 1/ 177:(2/423)
بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (66)
الاستقامة»
نصبتها، ورفعت الاسم، فقلت: رأيتُ عبد الله مستقيمًا أمرُه، ولو نصبت الثلاثة فِي المسألة الأولى عَلَى التكرير كَانَ جائزًا، فتقول: رأيتُ عبد الله أمرَهُ مستقيمًا. وقال عدي «2» ابن زيد.
ذرِيني إِن أمركِ لن يُطاعا ... وما ألفيتني حِلْمي مُضَاعا
فنصب الحلم والمضاع عَلَى التكرير. ومثله:
ما للجمال مشيها وئيدا «3»
فخفض الجمال والمشي عَلَى التكرير. ولو قرأ قارئ (وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ) عَلى هَذَا لكان صوابًا.
وقوله: بِمفازاتِهم [61] جمع «4» وقد قرأ أهل المدينة (بِمَفازَتِهِمْ) بالتوحيد «5» . وكل صواب. تَقُولُ فِي الكلام: قد تَبيَّن أمر القوم وأمورُ القوم، وارتفع الصوت والأصوات (ومعناهُ «6» ) واحد قَالَ الله (إِنَّ أَنْكَرَ «7» الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ) ولم يقل: أصواتٌ وكل صواب.
وقوله: بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ [66] تنصب (الله) - يعني فِي الإعراب- بِهذا الفعل الظاهر لأنه رد كلام. وإن شئت نصبته بفعل تُضمره قبله لأن الأمر والنهي لا يتقدمهما إلا الفعل.
ولكن العرب تَقُولُ: زيد فليقم، وزيدًا فليقم، فمَن رفعه قَالَ: أرفعه بالفعل الذي بعده
__________
(1) يريد لفظ مستقيم:
(2) جاء الشاهد فى كتاب سيبويه 1/ 77 منسوبا إلى رجل من بجيلة أو خثعم: وجاء فى الخزانة 2/ 368 وذكر صاحبها الاختلاف فى قائله وصحح ما ذكره الفراء، وذكر عن الحماسة البصرية بعده أربعة أبيات
(3) من رجز ينسب إلى الزباء فى قصة طويلة وانظر شواهد العيني على هامش الخزانة 1/ 448
(4) قرأ بالجمع أبو بكر عن عاصم وحمزة والكسائي وخلف وقرأ بالتوحيد الباقون.
(5) قرأ بالجمع أبو بكر عن عاصم وحمزة والكسائي وخلف وقرأ بالتوحيد الباقون.
(6) ا: «فمعناه» [.....]
(7) الآية 19 سورة لقمان(2/424)
وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ (73)
إِذْ لَمْ يظهر الَّذِي قبله. وقد يرفع أيضًا بأن يُضمر لَهُ مثل الَّذِي بعده كأنك قلت: لينظر زيد فليقم.
ومن نصبه فكأنه قَالَ: انظروا زيدًا فليقم.
وقوله: (وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ) [67] ترفع القبضة. ولو نصبها ناصب، كما تَقُولُ: شهر رمضان انسلاخ شعبان أي هَذَا فِي انسلاخ هذا.
وقوله: (وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ) ترفع السموات بمطويات إِذَا رفعت المطويات. ومن قَالَ (مَطْوِيَّاتٌ) رفع السموات بالباء التي فِي يمينه، كأنه قَالَ: والسموات فِي يمينه. وينصبُ المطويَّاتِ عَلَى الحال أو عَلَى القطع «1» . والحال أجود.
وقوله: فِي الصُّورِ [68] قَالَ: كَانَ الكلبي يقول: لا أدري ما الصور. وقد ذُكِرَ أَنَّهُ القرن وذكر عَن الْحَسَن أو عَن قتادة أَنَّهُ قَالَ: الصور جماعة الصورة.
وقوله: طِبْتُمْ [73] أي زكوتم (فَادْخُلُوها) .
وقوله: وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ [74] يعنى الجنّة.
__________
(1) كأنه يريد بالقطع أن تكون منصوبة بفعل محذوف نحو أعنى.(2/425)
[الجزء الثالث]
بسم الله الرّحمن الرّحيم(3/3)
غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ (3)
ومن سورة المؤمن «1»
قوله عزَّ وَجَلَّ: غافِرِ الذَّنْبِ وَقابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقابِ (3) .
جعلها كالنعت للمعرفة وهي نكرة ألا ترى أنك تَقُولُ: مررت برجل شديد القلب، إلّا أَنَّهُ وقع معها قوله: «ذي الطول» ، وهو معرفة فأجرين مجراه. وقد يكون خفظها عَلَى التكرير فيكون المعرفة والنكرة سواء. ومثله قوله: «وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ، ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ، فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ «2» » فهذا عَلَى التكرير [163/ 1] لأن فعّال نكرة محضة، ومثله قوله: «رفيع الدرجات ذو العرش «3» » ، فرفيع نكرة، وأجرى «4» عَلَى الاستئناف، أَوْ عَلَى تفسير المسألة الأولى.
وقوله: وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ (5) .
ذهب إلى الرجال، وفي حرف عَبْد اللَّه «برسولها» «5» ، وكلّ صواب
وقوله: وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ (8) .
وبعضهم يقرأ «جنة عدن» واحدة، وكذلك هِيَ فِي قراءة عَبْد اللَّه: واحدة «6» .
وقوله: وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ (8) .
من نصبٌ من مكانين: إن شئتَ جعلتَ (ومن) مردودة عَلَى الهاء والميم فِي «وَأَدْخِلْهُمْ» ، وإن شئت عَلَى الهاء والميم فِي: «وعدتهم» .
__________
(1) وهى سورة غافر، مكية إلا آيتي 56، 57 فمدنيتان، وآياتها 85 نزلت بعد الزمر.
(2) سورة البروج الآيات: 14، 15، 16.
(3) سورة غافر آية 15.
(4) فى ب، ح فأجرى.
(5) قرأ الجمهور «برسولهم» . وقرأ عبد الله «برسولها» عاد الضمير إلى لفظ الأمة (البحر المحيط 7/ 449) .
(6) وهى قراءة زيد بن على والأعمش (البحر المحيط 7/ 452) وكذا هى فى مصحف عبد الله (انظر المصاحف للسجستانى) .(3/5)
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ (10)
وقوله: يُنادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ (10) .
المعني فِيهِ: ينادَوْن أنّ مقت اللَّه إياكم أكبر من مقتكم أنفسكم يوم القيامة لأنهم مقتوا أنفسهم إذ تركوا الْإِيمَان، ولكن اللام تكفي من أن تَقُولُ فِي الكلام: ناديت أن زيدًا قائم «1» ، وناديت لزيد قائم، ومثله: «ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآياتِ» «2» الآية، اللام بمنزلة أنّ فى كل كلام ضارع «3» القول مثل: ينادون، ويخبرون، وما أشبه ذَلِكَ «4» .
وقوله: يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ (15) .
الروح فِي هَذَا الموضع: النبوة لينذر من يلقى عَلَيْهِ الروحَ يوم التلاق. وإنما قيل «التلاق» لأنه يلتقى فِيهِ أهل السماء وأهل الأرض.
وقوله: يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ (16) .
هم فى موضع رفع بفعلهم بعده، و [هو] «5» مثل قولك: آتيك يوم أنت فارغ لي.
وقوله: الْآزِفَةِ (18) .
وهى: القيامة.
وقوله: كاظِمِينَ (18) .
نصبت عَلَى القطع من المعنى الَّذِي يرجع من ذكرهم فِي القلوب والحناجر، والمعنى: إذ قلوبهم لدى حناجرهم كاظمين. وإن شئت جعلت قطعه من الهاء في قوله: «وأنذرهم» ، والأول أجود فِي العربية.
ولو كانت «كاظمون» مرفوعة عَلَى قولك: إذ القلوب لدى الحناجر إذ هُمْ كاظمون، أَوْ على الاستئناف كَانَ صوابًا.
وقوله: مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ (18) .
__________
(1) فى ح: إن لزيدا قائم.
(2) سورة يوسف آية: 35.
(3) في ح: «ضاع» خطأ.
(4) في ح، ش: وأشباه ذلك.
(5) زيادة فى ب، ح.(3/6)
وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ (26)
تقبلَ شفاعته، ثُمَّ قَالَ: «يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ» يعني: اللَّه عزَّ وجلَّ، يُقال: إنّ للرجل نظرتين: فالأولى مباحة لَهُ، والثانية محرمة عَلَيْهِ، فقوله: «يعلم خائنة» الأعين في النظرة الثانية، وما تخفى الصدور فِي النظرة الأولى. فإن كانت النظرة الأولى تعمُّدًا كَانَ فيها الإثْمُ أيضًا، وإن لم يكن تَعَمَّدَها فهي مغفورة.
وقوله: أَوْ أَنْ يُظْهِرَ «1» فِي الْأَرْضِ الْفَسادَ (26) .
رفع (الفساد) الْأَعْمَش «2» ، وعاصم جعلا «3» لَهُ الفعل. وأهل المدينة والسلمي قرءوا: [وأن] «4» يُظهرَ «5» فِي الأرض الفسادَ، نصبوا الفساد، وجعلوا يظهر لموسى. وأهل المدينة «6» يلقون «7» الألف الأولى يقولون: وأن يظهر، وكذلك [هِيَ] «8» فِي مصاحفهم. وفي مصاحف أهل العراق: «أَوْ أن يَظْهَرَ» [المعنى «9» ] أَنَّهُ قال: إنى أخاف التبديل على [163/ ب] دينكم، أَوْ أن يتسامع النَّاس [بِهِ] «10» ، فيصدقوه فيكون فيه فساد على دينكم.
وقوله: [وَ] «11» يا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنادِ (32) قرأها العوام على التناد بالتخفيف، وأثبت الْحَسَن «12» وحده [فِيهِ] «13» الياء، وهي من تنادي القوم. [حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ] 1»
حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: وَحَدَّثَنِي حبان عن الأجلح
__________
(1) فى ا، ب: يظهر. [.....]
(2) وهى كذلك قراءة الأعرج، وابن وثاب وعيسى (البحر المحيط 7/ 460) .
(3) فى ب: وجعلا.
(4) سقط فى ب، ش.
(5) فى ب: يطهر.
(6) قرأ نافع وأبو عمرو وأبو جعفر بواو النسق، ويظهر بضم الياء وكسر الهاء من أظهر معدى ظهر بالهمزة، وفاعله ضمير موسى عليه الصلاة والسلام. و (الفساد) بالنصب على المفعول به، ووافقهم اليزيدي (الإتحاف: 378)
(7) فى ب: لا يثبتون.
(8) زيادة فى ب.
(9) فى ب: والمعنى.
(10) سقط فى ب.
(11) سقط فى كل من ب، ش، وفى ش يا قيوم خطأ.
(12) أثبت الياء وصلا فقط ورش وابن وردان، وفي الحالين ابن كثير ويعقوب (الإتحاف 378) .
(13) فى ب، ش فيها.
(14) زيادة من ح.(3/7)
الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ (35)
عَنِ الضحاك بْن مزاحم أَنَّهُ قَالَ: تَنْزِلُ «1» الملائكةُ من السموات، فتحيط بأقطار الأرض، ويُجَاء بجهنم، فإذا رأوها هالتهم، فندوا فِي الأرض كما تند الإبل، فلا يتوجهون قُطْرًا إلا رأوا ملائكة فيرجعون من حيث جاءوا، وذلك قوله: «يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا «2» مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ» «3» وذلك قوله: «وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا، وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ» «4» وذلك قوله: «وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلًا» «5» . قَالَ الأجلح، وقرأها الضحاك: «التنادّ» مشددة الدال «6» . قَالَ حبان: وكذلك فسّرها الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
قَالَ الفراء: ومن قرأها «التناد» [خفيفة] «7» أراد يوم يدعو أهل الجنة أهل النار، وأَهل النار أهل الجنة «8» ، وأصحاب الأعراف رجالًا يعرفونهم.
وقوله: كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ (35) .
أي: كبر ذَلِكَ الجدال مقتًا، وَمثله: «كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ» «9» أضمرت في كبرت قولهم: «اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً» ومن رفع الكلمة لم يضمر، وَقرأ الْحَسَن بذلك برفع الكلمة «10» «كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ» .
وقوله: عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ (35) .
يضيف القلب إلى المتكبر، ومن نوّن جعل القلب هو المتكبر الجبار، وهى فى قراءة عبد الله
__________
(1) ضبطها فى ب: تنزل خطأ. [.....]
(2) فى ب تنفدوا وهو تصحيف.
(3) سورة الرحمن الآية 33.
(4) سورة الفجر الآيتان 22، 23.
(5) سورة الفرقان الآية 25.
(6) وهى قراءة ابن عباس، وأبى صالح، والكلبي، والزعفراني، وابن مقسم (انظر المحتسب 2/ 243) .
(والبحر المحيط 7/ 464) .
(7) زيادة من ب.
(8) فى (ب) يدعو أهل النار أهل الجنة، وأهل الجنة أهل النار.
(9) سورة الكهف آية 5.
(10) فى الإتحاف: 288: قرأ ابن محيصن والحسن: «كبرت كلمة» بالرفع على الفاعلية.(3/8)
النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ (46)
«كَذلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ» «1» ، فهذا شاهدٌ لمن أضاف، والمعنى فِي تقدم القلب وَتأخره وَاحد وَالله أعلم.
قَالَ: سمعت بعض العرب يرجّل شعره يوم كل جمعة، يريد: كل يوم جمعة، والمعنى واحد.
وقوله: لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ (36) (أَسْبابَ السَّماواتِ) «2» فَأَطَّلِعَ (37) .
بالرفع، يردّه عَلَى قوله: «أبلغُ» . وَمن جعله جوابًا لِلَعَلّى نصبه، وَقَدْ قَرَأَ بِهِ «3» بعض القراء «4» قَالَ: وأنشدني بعض العرب:
علَّ صروفَ الدَّهر أَوْ دولاتها ... يدللنا «5» اللَّمَّةَ من لَمَّاتها
فتستريحَ النفسُ من زَفْراتها «6» فنصب عَلَى الجواب بلعلّ.
وقوله: النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها (46) .
رفعت (النار) بما عاد من ذكرها فِي عليها، ولو رفَعْتها بما رفعْتَ بِهِ سُوءُ الْعَذابِ (45) كَانَ صوابًا، ولو نصبت عَلَى أنها وقعت [164/ 1] بين راجع [من] «7» ذكرها، وبين كلام يتصل بما قبلها كَانَ صوابا، ومثله: «قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكُمُ النَّارُ وَعَدَهَا» «8» .
وقوله: غُدُوًّا وَعَشِيًّا (46) .
ليس فِي الآخرة غدو ولا عشي، ولكنه مقادير عشيات الدنيا وغدوها.
وقوله: «9» [وَ] يَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ (46) .
__________
(1) انظر البحر المحيط 7/ 378، وفى المصاحف للسجستانى قراءة عبد الله: «يطبع الله على كل قلب متكبر جبار» (المصاحف: 70)
(2) ما بين قوسين سقط فى ب، ح، ش.
(3، 9) سقط فى ب.
(4) قرأ حفص «فأطلع» بنصب العين بتقدير «أن» بعد الأمر فى «ابن لى» ، وقيل: فى جواب الترجّى فى لعلى حملا على التمني على مذهب الكوفيين.
(5) ورد هذا الشاهد فى شرح شواهد المغني ص 155 طبعة المطبعة البهية بمصر هكذا:
لعل صروفَ الدَّهر أَوْ دولاتِها ... يُدلْنَنَا اللَّمَّة من لماتها
واللام فى لعل زيادة من الناسخ وفى لسان العرب مادة «علل»
على صروفَ الدَّهر أَوْ دولاتِها ... يُدلْنَنَا اللَّمَّة من لماتها
وفى مادة «لمم» من اللسان: تديلنا اللمة من لماتها [إدارة التراث] [.....]
(6) انظر شرح شواهد المغني 1/ 454، وقد جاء فيه: أنشده الفراء ولم يعزه إلى أحد، وعلّ: أصله لعلّ.
(7) سقط فى ب، ش.
(8) سورة الحج الآية: 72.(3/9)
قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ (48)
همز الألف يَحيى بْن وثاب وأهل الحجاز «1» ، وخففها عاصم والحسن فقرأ «وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ» ونصبها هنا آل فرعون «2» عَلَى النداء: ادخلوا يا آل فرعون أشد العذاب، وفي «3» المسألة الأولى توقَّع عليهم «أَدْخِلُوا» .
وقوله: إِنَّا كُلٌّ فِيها (48) .
رَفَعْتَ «4» (كلّ) بفيها، ولم تجعله نعتًا لإنّا، ولو نصبته «5» عَلَى ذَلِكَ، وجعلت خبر إِنا [فيها] «6» ، ومثله: «قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ» «7» ترفع (كلّه لله) ، وتنصبها عَلَى هَذَا التفسير.
قوله «8» : «وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ» (51) .
قرأت القراء بالياء يعني: يقوم بالتذكير «9» ، ولو قَرَأَ قارئ: ويوم تقوم «10» كَانَ صوابًا لأن الأشهاد جمع، والجمع من المذكر يؤنث فعله ويذكر إِذا تقدم. العرب تَقُولُ: ذهبت [الرجال، وذهب الرجال.
وقوله: إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبالِغِيهِ (56) .
يريد: تكبروا] «11» أن يؤمنوا بما جاء بِهِ محمد صلى الله عليه ما هُمْ ببالغي ذَلِكَ: بنائلي ما أرادوا.
وقوله: ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخاً (67) .
__________
(1) قرأ ابن كثير وأبو عمرو، وابن عامر وأبو بكر بوصل همزة ادخلوا، وضم الخاء أمرا من دخل الثلاثي، والواو ضمير آل فرعون، ونصب آل على النداء، والابتداء بهمزة مضمومة، وافقهم ابن محيض واليزيدي والحسن والباقون بقطع الهمزة المفتوحة فى الحالين، وكسر الخاء أمر للخزنة من أدخل رباعيا معدّى لاثنين، وهما: آل، وأشد (الإتحاف: 379) وانظر البحر المحيط 7/ 468) .
(2) فى ب، ش ونصب آل فرعون ها هنا.
(3) فى ب: وهى.
(4) فى ح، ش: ارتفعت.
(5) فى ب: نصبتها.
(6) فى ب، ش: فى فيها وحذف جواب (لو) للعلم به.
(7) سورة آل عمران آية 154.
(8) فى ب: وحدثنا محمد بن الجهم، قال: حدثنا الفراء: قوله عز وجل.
(9) فى البحر المحيط 7/ 470: قرأ الجمهور يقوم بالياء.
(10) قرأ ابن هرمز وإسماعيل والمنقري عن أبى عمرو بتاء التأنيث الجماعة (البحر المحيط 7/ 470) .
(11) ما بين المعقوفتين ساقط فى كل من ح، ش. [.....](3/10)
كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (3)
وفي حرف «1» عَبْد اللَّه «ومنكم من يكون شيوخا» فوحدّ فِعل مَن، ثُمَّ رجع إلى الشيوخ فنوى بمن الجمع، ولو قَالَ: شيخا لتوحيد من في اللفظ كَانَ صوابًا.
وقوله: إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ (71) .
[ترفع السلاسل والأغلال، ولو نصبت السلاسل وقلت «2» : يسحبون «3» ، تريد «4» ] يَسْحَبونَ سَلاسلَهم فِي جهنم.
وذكر الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أنه قال: [وهم] «5» فِي السلاسل يُسْحَبون، فلا يجوز خفض «6» السلاسل، والخافض مضمر ولكن لو أنّ متوهما قَالَ: إِنما المعنى إِذ أعناقهم في الأغلال وفي السلاسل يسحبون جاز الخفض فِي السلاسل عَلَى هَذَا المذهب، ومثله مما رُدّ إلى المعنى قول الشَّاعِر:
قَدْ سالم الحياتِ مِنْهُ القدَما ... الأفعوان والشُّجاعَ الشجعما «7»
فنصب الشجاع، والحيات قبل ذَلِكَ مرفوعة لَأنَّ المعنى: قَدْ سالمت رجله الحيات وسالمتها، فلما احتاج إلى نصب القافية جعل الفعل من القدم واقعًا عَلَى الحيات.
[164/ ب]
ومن سورة السجدة
قوله عزَّ وجلَّ: كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا (3) .
تنصب [قرآنا] «8» عَلَى الفعل، أي: فصلت آياته كذلك، ويكون نصبًا عَلَى القطع لَأن الكلام
__________
(1) فى ب: وفى قراءة.
(2) فى ب: فقلت.
(3) أي: لكان صوابا، وانظر فى الاحتجاج لهذه القراءة المحتسب 2/ 244.
(4) ما بين المعقوفتين ساقط فى كل من ب، ح، ش.
(5) سقط فى ش.
(6) سقط فى ش لفظ خفض.
(7) هو من أرجوزة لأبى حيان الفقعسي، وقيل: لمساور بن هند العبسي. وبه جزم الترمذي والبطليوسي، وقيل: للعجاج ... (شرح شواهد المغني 2/ 973) ، وانظر تفسير الطبري 24/ 50، واللسان مادة شجع:
(8) زيادة من ح، ش.(3/11)
وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ (5)
تام عند قوله: (آياته) «1» . ولو كَانَ رفعا عَلَى أَنَّهُ من نعت الكتاب كَانَ صَوَابًا. كما قَالَ فِي موضع آخر: «كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ» «2» ، وكذلك قوله: «بَشِيراً وَنَذِيراً «3» » فيه «4» ما فِي:
«قُرْآناً عَرَبِيًّا» .
وقوله: وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ (5) .
يَقُولُ: بيننا وبينك فُرقة فِي ديننا، فاعمل فِي هلاكنا إننا عاملون فِي ذَلِكَ منك، وَيُقَال:
فاعمل بما تعلم من دينك فإننا عاملون بديننا.
وقوله: لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ (7) .
والزكاة «5» فِي هَذَا الموضع: أن قريشًا كانت تطعم الحاج وتسقيهم، فحرَمُوا ذَلِكَ من آمن بمحمد صلى الله عليه فنزل هَذَا فيهم، ثُمَّ قَالَ: وفيهم أعظم من هَذَا كفرهم بالآخرة.
وقوله: وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها (10) وفى قراءة عَبْد اللَّه: وقسم فيها أقواتها «6» ، جعل فِي هَذِهِ «7» ما ليس فِي هَذِهِ ليتعايشوا ويتجروا.
وقوله: سَواءً لِلسَّائِلِينَ (10) نصبها «8» عاصم وحمزة، وخفضها الْحَسَن «9» ، فجعلها من نعت الأيام، وإن شئت من نعت
__________
(1) جاء فى تفسير النسفي: نصب: «قرآنا عربيا. على الاختصاص والمدح، أي أريد بهذا الكتاب المفصل قرآنا من صفته: كيت وكيت، أو على الحال أي فصلت آياته فى حال كونه قرآنا عربيا تفسير النسفي 3/ 264، وانظر تفسير الطبري 24/ 53.
(2) سورة ص: آية 29.
(3) قرأ زيد بن على: «بشير ونذير» برفعهما على الصفة لكتاب، أو على خبر مبتدأ محذوف (البحر المحيط 7/ 483) وانظر تفسير الطبري 24/ 53.
(4) سقط (فيه) فى ح، ش.
(5) سقط فى ح، ش لفظ (الزكاة) .
(6) انظر الطبري 24/ 57. [.....]
(7) زاد فى ب بعد هذه الأولى كلمة البلدة بين السطور.
(8) فى كل من ب، ح، ش نصبا العوام عاصم وحمزة.
(9) قرأ الجمهور «سواء» بالنصب على الحال، وأبو جعفر بالرفع أي: هو سواء، وزيد بن على والحسن وابن أبى اسحق وعمرو بن عبيد، وعيسى، ويعقوب بالخفض نعتا لأربعة أيام (البحر المحيط 7/ 486، وانظر الإتحاف: 380)(3/12)
إِذْ جَاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ قَالُوا لَوْ شَاءَ رَبُّنَا لَأَنْزَلَ مَلَائِكَةً فَإِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (14)
الأربعة، ومن نصبها جعلها متصلة بالَأقوات، وَقَدْ ترفع كأنه ابتداء، كأنه قَالَ: ذَلِكَ سواء للسائلين، يَقُولُ لمن أراد علمه.
وقوله: فَقَضاهُنَّ (12) .
يقول: خلقهن، وأحكمهن.
وقوله: قالَتا أَتَيْنا (11) .
جعل السموات والَأرضين كالثَّنتين كقوله: «وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما» «1» ولم يقل: [وما] «2» بينهن، ولو كَانَ كان «3» صوابا.
وقوله: أَتَيْنا طائِعِينَ (11) .
ولم يقل: طائعتين، ولا طائعاتٍ. ذُهب «4» بِهِ إلى السموات ومن فيهن، وَقَدْ يجوز: أن تقولا، وإن كانتا اثنَتين: أتينا طائعين، فيكونان كالرجال لمّا تكلمتا.
وقوله: وَأَوْحى فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها (12) .
يَقُولُ: جعل فِي كل سماء ملائكة فذلك أمرها.
وقوله: إِذْ جاءَتْهُمُ [165/ 1] الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ (14) .
أَتَت الرسل آباءهم، ومن كَانَ قبلهم ومن خلفهم يَقُولُ: وجاءتهم أنفسهم رسل من بعد أولئك الرسل، فتكون الهاء والميم فِي (خلفهم) للرسل، وتكون لهم تجعل من خلفهم لما معهم.
وقوله: رِيحاً صَرْصَراً (16) .
باردة تُحْرق [كما تحرق] «5» النار.
وقوله: فِي أَيَّامٍ نَحِساتٍ (16) .
__________
(1) سورة الحجر الآية 85، وسورة الأنبياء الآية 16.
(2) زيادة من ب.
(3) سقط فى ح لفظ كان
(4) فى ش ذهب.
(5) ما بين المعقوفتين ساقط فى ح.(3/13)
العوام عَلَى تثقيلها لكسر الحاء، وَقَدْ خفف بعض أهل المدينة: (نحسات) «1» .
قال: [وقد سمعت بعض العرب ينشد:
أبلغْ جذاما ولخما أن إخوتهم ... طيا وبهراء قوم نصرهم نِحس] «2» .
وهذا «3» لمن ثقلَ، ومن خفّف بناه علِي قوله: «فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ» «4» .
وقوله: وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ (17) .
القراءة برفع ثمود، قرأ بذلك عاصم، وأهل المدينة والأعمش. إلا أن الْأَعْمَش كَانَ «5» يجري ثمود فِي كل القرآن إلا قوله: «وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ» ، فإنه كَانَ لا ينون، لَأنّ كتابه بغير ألف. ومن أجراها جعلها اسمًا لرجل أَوْ لجبل، ومن لم يجرها جعلها اسمًا للُأمة التي هِيَ منها قَالَ: وسمعت بعض العرب يَقُولُ: تترك بني أسد وهم فصحاء، فلم يُجْر أسدَ، وما أردت بِهِ القبيلة من الأسماء التي تجرى فلا تحرها، وإجراؤها أجود فِي العربية مثلَ قولك: جاءتك تميمٌ بأسرها، وقيس بأسرها، فهذا مما يُجْرَى، ولا يُجْرى مثل التفسير فِي ثمود وأسد.
وكان الحسن يقرأ: «وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ» بنصب «6» ، وهو وجه، والرفع أجود مِنْهُ، لأنَّ أمّا تطلب الأسماء، وتمتنع من الأَفعال، فهي بمنزلة الصلة للاسم، ولو كانت أمّا حرفا يلي الاسم إِذَا شئت، والفعل إِذَا شئت كَانَ الرفع والنصب معتدلين مثل قوله: «وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ» «7» ، ألا ترى أنّ الواو تكون مع الفعل، ومع الاسم؟ فتقول: عَبْدُ اللَّه ضربته وزيدًا تركته لأنك تَقُولُ: وتركتُ زيدًا، فتصلح فِي الفعل الواو كما صلحت فِي الاسم، ولا تَقُولُ: أمّا ضربتَ فعبد اللَّه «8» ، كما تَقُولُ: أمّا عَبْد اللَّه فضربت، ومن أجاز النصب وهو يرى هذه العلة [165/ ب] فإنه يقول:
__________
(1) جاء فى تفسير الطبري: قرأ عامة قراء الأمصار غير نافع وأبى عمر وفى أيام نحسات بكسر الحاء، وقرأ نافع وأبو عمر ونحسات بسكون الحاء، وكان أبو عمرو فيما ذكر لنا عنه يحتج لتسكينه الحاء بقبوله «يوم نحس مستمر» تفسير الطبري 24/ 60.
(2) ما بين المعقوفتين سقط فى ش. وفى تفسير الطبري ورد البيت: طيا وبهزا (وهو تصحيف) وانظر البحر المحيط 7/ 481.
(3) فى ب، ش فهذا.
(4) سورة القمر الآية: 19.
(5) ساقط فى ح: «إلا أن الأعمش كان.
(6) وهى قراءة ابن اسحق أيضا (انظر تفسير الطبري ح 24/ 61) . [.....]
(7) سورة يس الآية 39.
(8) ضبط (ب) أما ضربت فعبد الله.(3/14)
وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (19)
خِلْقَةُ ما نصب الأسماءَ أن يسبقها لا أن تسبقه «1» . وكل صواب.
وقوله: فَهَدَيْناهُمْ (17) .
يَقُولُ: دللناهم عَلَى مذهب الخير، ومذهب الشر، كقوله: «وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ» «2» .
الخير، والشر «3» .
[حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ، حَدَّثَنَا «4» مُحَمَّدٌ قَالَ] حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: حَدَّثَنِي قَيْسٌ عنْ زِيَادِ بْن عِلاقَةَ عنْ أَبِي عمارة عنْ عليّ بْن أَبِي طَالِب أنه قال فى قوله: «وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ» : الخير، والشر.
قَالَ أَبُو زكريا: وكذلك قوله: «إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً» «5» .
والهدى عَلَى وجه آخر الَّذِي هُوَ الإرشاد بمنزلة قولك: أسعدناه، من ذَلِكَ.
قوله: «أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ» «6» فِي كَثِير من القرآن.
وقوله: فَهُمْ يُوزَعُونَ (19) .
فهي من وزعتَ، ومعنى وزعتُه: حبسته وكففته، وجاء فِي التفسير: يحبس أولهم عَلَى آخرهم حَتَّى يدخلوا النار.
قَالَ: وسمعت بعض العرب يَقُولُ: لأبعثن عليكم «7» من يزَعُكُم ويُحْكِمُكُم من الْحَكمَة التي للدابة «8» . قَالَ: وأنشدني أَبوْ ثَرْوان الْعُكْلِيُّ:
فإنكما «9» إن تحكمِاني وترسلا ... عليّ غُواة الناس إيب وتضلعا «10»
__________
(1) فى الأصل: لا أن يسبقه، تحريف وفى (ش) لأن أن تسبقه وهو خطأ.
(2) سورة البلد الآية 10.
(3) سقط فى ح، ش: الخير والشر.
(4) ما بين المعقوفتين زيادة فى ح، ش.
(5) سورة الإنسان الآية 3.
(6) سورة الأنعام الآية 90.
(7) في ب، ش إليكم.
(8) حكمة اللجام: ما أحاط بحنكي الدابة، وفى الصحاح: بالحنك، سميّت بذلك لأنها تمنعه من الجري الشديد، وفى الحديث: وأنا آخذ بحكمة فرسه. أي بلجامه (اللسان مادة حكم) .
(9) فى (ح) بحد كما.
(10) في (ش) وتضلفها وهو خطأ من الكاتب.(3/15)
وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ (22)
فهذا من ذَلِكَ، إيب: من أبَيْتُ وآبى.
وقوله: سَمْعُهُمْ وَأَبْصارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ (20) .
الجلد هاهنا- والله أعلم- الذَّكر، وهو ما كنى عَنْهُ «1» كما قال: «وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا «2» » ، يريد: النكاح. وكما قَالَ: «أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ» «3» ، والغائط: الصحراء، والمراد من ذَلِكَ: أَوْ قضى أحد منكم حاجةً.
وقوله: وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ (22) .
يَقُولُ: لم تكونوا تخافون أن تشهد عليكم جوارحكم فتستتروا منها، ولم تكونوا لتقدروا عَلَى الاستتار «4» ، ويكون عَلَى التعبير: أي لم تكونوا تستترون منها.
وقوله: وَلكِنْ ظَنَنْتُمْ (22) .
فِي «5» قراءة عَبْد اللَّه مكان (وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ) ، ولكن زعمتم «6» ، والزعم، والظن فِي معنى واحد، وَقَدْ يختلفان.
وقوله: وَذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ (23) .
«ذلكم» فِي موضع رفع «7» بالظن، وجعلت «أرداكم» فِي موضع نصب، كأنك قلت: ذلكم ظنكم مرديا لكم. وَقَدْ يجوز أن تجعل الإرداءَ هُوَ الرافع فِي قول من قَالَ: هَذَا عَبْد اللَّه قائم [166/ 1] يريد: عَبْد اللَّه هَذَا قائم، وهو مستكره، ويكون أرداكم مستأنفا لو ظهر اسما لكان رفعا مثل قوله فِي لقمان: «الم، تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ، هُدىً وَرَحْمَةً» «8» ، قد قرأها حمزة كذلك «9» ،
__________
(1) فى ب، ح ما كنى الله عنه.
(2) البقرة آية 235. [.....]
(3) المائدة آية 6.
(4) زاد فى ب، ح، ش: منها.
(5) في ب، ش: وفى.
(6) كذا في المصاحف للسجستانى ص: 85.
(7) في ب، ح: رفع رفعته.
(8) الآيات: 1، 2، 3.
(9) وهى أيضا قراءة: الأعمش، وطلحة، وقنبل خبر مبتدأ محذوف، أو خبر بعد خبر (البحر المحيط 7/ 183) .(3/16)
وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ (25)
وفي قراءة عَبْد اللَّه «1» : «أَأَلِدُ وأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخٌ «2» » ، وفي قَ: «هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ» «3» كل هَذَا عَلَى الاستئناف ولو نويت الوصل كَانَ نصبا، قَالَ: وأنشدني بعضهم:
مَنْ يك ذا بتّ فهذا بتّى ... مقيّظ مصيّف مُشَتِّي
جمعته من نعجات ست «4»
وقوله: وَقَيَّضْنا لَهُمْ قُرَناءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ (25) .
من أمر الآخرة، فقالوا: لا جنة، وَلا نار، ولا بعث، ولا حساب، وما خلفهم من أمر الدنيا فزينوا لهم اللذات، وجمع الأموال، وترك النفقات فِي وجوه البر، فهذا ما خلفهم، وبذلك جاء التفسير «5» ، وَقَدْ يكون ما بين أيديهم ما هُمْ فِيهِ من أمر الدنيا، وما خلفهم من أمر الآخرة.
وقوله: وَالْغَوْا فِيهِ (26) .
قاله كفّار قريش، قَالَ لهم أَبُو جهل: إذا تلا محمد صلى الله عليه القرآن فالغوا فِيهِ الغَطوا، لعله يبدّل أَوْ ينسى فتغلبوه.
وقوله: ذلِكَ جَزاءُ أَعْداءِ اللَّهِ النَّارُ، ثم قال: لَهُمْ فِيها دارُ الْخُلْدِ (28) .
وهي النار بعينها، وذلك صواب لو قلت: لأهل الكوفة منها دار صالحة، والدار هي الكوفة، وحسن حين قلت [بالدار] «6» والكوفة هِيَ «7» والدار فاختلف لفظاهما، وهي فِي قراءة عَبْد اللَّه:
«ذَلِكَ جزاء أعداءِ اللَّه «8» النار دار الخلد» «9» فهذا بيّن لا شيء فِيهِ، لأن الدار هِيَ النار.
وقوله: رَبَّنا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ (29) .
__________
(1) جاء فى البحر المحيط (5/ 244) : قرأ ابن مسعود، وهو فى مصحفه، والأعمش: «شيخ» بالرفع، وجوزوا فيه، وفى «بعلى» أن يكونا خبرين، كقولهم: هذا حلو حامض، وأن يكون بعلى خبرا، وشيخ خبر مبتدأ محذوف.
(2) سورة هود الآية 72.
(3) الآية 23.
(4) ينسب لرؤبة بن العجاج، وهو من شواهد سيبويه 1/ 258 وانظر شرح ابن عقيل 1/ 223.
(5) كذا فى تفسير الطبري: 24/ 64.
(6) زيادة من ب.
(7) سقط فى ش لفظ (هى) . [.....]
(8) لم يثبت فى ح، ش: (ذلك جزاء أعداء الله النار) .
(9) انظر الطبري 24/ 65.(3/17)
وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (35)
يُقال: إن الَّذِي أضلهم من الجن إبليس [و] «1» من الإنس قابيل الَّذِي قتل أخاه يَقُولُ:
هُوَ أول من سنّ الضلالة من الإنس.
وقوله: تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ (30) .
عند الممات يبشرونهم بالجنة، وفي قراءتنا «ألّا تخافوا» «2» ، وفي قراءة عَبْد اللَّه: «لا تخافوا» «3» بغير أَنْ عَلَى مذهب الحكاية.
وقوله: وَما يُلَقَّاها إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا (35) .
يريد ما يلّقى دفع السيئة بالحسنة «4» إلّا مَن هُوَ صابر، أَوْ ذو حظ عظيم، فأنَّثها «5» لتأنيث الكلمة، ولو أراد الكلام [فذكر] «6» كَانَ صوابًا.
وقوله: وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ (36) .
يَقُولُ: يصدنّك عنْ أمرنا إياك يدفع بالحسنة السيئة «7» فاستعذ بالله تعّوذ بِهِ.
وقوله: لا تَسْجُدُوا «8» لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ (37) .
خَلَقَ الشمس والقمر والليل والنهار، وتأنيثهن فِي قوله: «خلقهن» [166/ ب] لأن كل ذكر من غير النَّاس وشبههم فهو فِي جمعه مؤنث تَقُولُ: مرّ بي أثواب فابتعتهن، وكانت لي مساجد فهدمتهن وبنيتهن يبنى «9» [على] «10» هذا.
وقوله: اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ (39) .
زاد ريعْها، وربَت، أي: أنها تنتفخ، ثُمَّ تصدّع عن النبات.
__________
(1) زيادة من ب، ح، ش.
(2) وهى قراءة الجمهور.
(3) بمعنى نتنزل عليهم قائلة: لا تخافوا ولا تحزنوا (تفسير الطبري 24/ 67) .
(4) فى ح: دفع السيئة الحسنة.
(5) فى (ا) فا؟؟؟، والتصويب من ب، ح.
(6) زيادة من ب، ح.
(7) كذا فى ب: وفى الأصل: بدفع الحسنة السيئة.
(8) فى (ا) ألا تسجدوا وهو خطأ من الناسخ.
(9) فى ش بيتا وهو خطأ.
(10) الزيادة من ب، ح.(3/18)
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (41)
وقوله: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جاءَهُمْ (41) .
يُقال: أَيْنَ جواب إِنَّ؟ فإن شئت جعلته «أُولئِكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ» . وإن شئت كان فى قوله: «وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ» (41) «لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ (42) » ، فيكون جوابه معلومًا فيترك، وكأنه أعربُ الوجهين [وأشبهه بما جاء فِي القرآن.
وقوله: لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ (42) ، يَقُولُ: التوراة والإنجيل لا تكذبه وهي [من] «1» بين يديه «ولا من خلفه» ، يَقُولُ: لا ينزل بعده كتاب بكذبه] «2» .
وقوله: مَا يُقالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ (43) .
جزع (صلى الله عليه) من تكذيبهم إياه، فأنزل اللَّه جل وعز عَلَيْهِ «3» : ما يُقال لَكَ من التكذيب إلا كما كذب الرسل من «4» قبلك:
قَرَأَ الْأَعْمَش وعاصم «5» : «أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ» (44) .
استفهما، وسكنا العين، وجاء التفسير: أيكون «6» هَذَا الرَّسُول عربيًا والكتاب أعجمي؟
«7» وقرأ «8» الْحَسَن بغير استفهام «9» : أعجمي وعربي، كأنه جعله من قيلهم، يعني الكفَرة «10» ، أي: هلَّا فصلت آياته منها عربي يعرفه العربي، وعجمي يفهمه العجمي، فأنزل اللَّه عزَّ وجلَّ: «قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفاءٌ» (44) .
وقرأها بعضهم «11» : «أَعَجَمِيٌّ وعربي» يستفهم وينسبه إلى العجم.
__________
(1) زيادة من ب.
(2) ما بين المعقوفتين مطموس فى (ا) ونقل من النسخة ش لوحة 171 وب لوحة 17. [.....]
(3) سقط فى ب لفظ عليه.
(4) سقط في ب لفظ من.
(5) وهى قراءة قالون وأبى عمرو وأبى جعفر بهمزتين على الاستفهام (انظر الاتحاف 381) .
(6) فى (ا) ان يكون.
(7) فى ب، ح: قال وقرأ.
(8) فى ش وقال الحسن.
(9) وهى رواية قنبل وهشام ورويس (انظر النشر 1/ 366) وهى أيضا قراءة أبى الأسود وآخرين (انظر المحتسب 2/ 247) .
(10) العبارة فى ح، ش من قيل الكفرة.
(11) هو عمرو بن ميمون (المحتسب 2/ 248) .(3/19)
إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ وَمَا تَخْرُجُ مِنْ ثَمَرَاتٍ مِنْ أَكْمَامِهَا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكَائِي قَالُوا آذَنَّاكَ مَا مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ (47)
وقوله: وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى (44) .
حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ «1» قَالَ: وَحَدَّثَنِي غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ [أبو الأحوص و] «2» مندل عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنَ قَتَّةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَرَأَ: عَمٍ «3» .
وقوله: أُولئِكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ (44) .
تَقُولُ للرجل الَّذِي لا يفهم قولك: أنت تنادى من بعيد، تقول للفَهِم: إنك لتأخذ الشيء من قريب. وجاء فِي التفسير: كأنما «4» ينادون [من السماء] «5» فلا يسمعون «6» .
وقوله: وَما تَخْرُجُ مِنْ ثمرة «7» من أكمامها (47) .
قشر الكفرّاة «8» كِمّ، وقرأها أهل الحجاز «9» : «وَما تَخْرُجُ مِنْ ثَمَراتٍ» «10» .
وقوله: قالُوا آذَنَّاكَ (47) .
هَذَا من قول الآلهة التي كانوا يعبدونها فِي الدنيا. قَالُوا: أعلمناك ما منا من شهيد بما قَالُوا.
وقوله: لا يَسْأَمُ الْإِنْسانُ مِنْ دُعاءِ الْخَيْرِ (49) .
وفى «11» قراءة عبد الله: «من دعاء بالخير» «12» .
وقوله: فَذُو دُعاءٍ عَرِيضٍ (51) يَقُولُ: ذو دعاء كَثِير إن وصفته بالطول والعرض فصواب:
__________
(1) فى ب: حدثنا محمد قال.
(2) ما بين المعقوفتين زيادة من ب، ح، ش.
(3) انظر تفسير الطبري 24/ 73، وهى أيضا قراءة ابن الزبير، ومعاوية بن أبى سفيان وعمرو بن العاص (البحر المحيط 7/ 502) .
(4) فى (ا) كانوا.
(5) ما بين المعقوفتين زيادة فى ب. [.....]
(6) انظر اللسان مادة بعد. وانظر تفسير النسفي 3/ 279.
(7) كذا فى كل النسخ، وفى قراءة حفص «من ثمرات» .
(8) الكفراة بالضم وتشديد الراء وفتح الفاء وضمها: وعاء الطلع وقشره الأعلى (اللسان مادة كفر) .
(9) أبو جعفر ونافع، وقرأها كذلك ابن عامر وابن مقسم انظر المحيط 7/ 504.
(10) وقرأته قراء الكوفة «من ثمرة» على لفظ الواحدة (تفسير الطبري 25/ 2) .
(11) كذا فى ب، ش، وفى الأصل: فى قراءة.
(12) فى البحر المحيط 7/ 504: قرأ عبد الله: «من دعاء بالخير» بباء داخلة على الخير.(3/20)
عسق (2)
وقوله: [167/ 1] أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ (53) .
[أَنَّهُ إن شئت جعلتَ أنَّ فِي موضع خفض عَلَى التكرير: أَوْ لم يكف بربك بأنه عَلَى كل شيء شهيد، وإن شئتَ جعلته رفعا عَلَى قولك: أَوْ لم يكف بربك] «1» شهادته عَلَى كل شيء، والرفع أحبّ إلىّ.
ومن سورة عسق
قوله عز وجل: عسق «2» .
ذكر عَنِ ابْنِ عَبَّاس أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: حم سق، ولا يجعل فيها عينا، ويقول: السين كل فرقة تكون، والقاف كل جماعة تكون.
قال الفراء: [و] «3» رأيتها فِي بعض مصاحف (عَبْد اللَّه) «حم سق» «4» كما قَالَ ابْنُ عَبَّاس.
وقوله: كَذلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ (3) .
(حم عسق) يُقال: إنها أوحيت إلى كل نبي، كما أوحيت إلى محمد صلى الله عليه.
قَالَ ابن عَبَّاس: وبها كَانَ عليّ بْن أَبِي طَالِب يعلم الفتن. وَقَدْ قَرَأَ بعضهم: «كذلك يوحى» ، لا يُسَمِّي فاعلَه «5» ، ثُمَّ ترفع «6» اللَّه العزيز الحكيم يرد الفعل إِلَيْه. كما قَرَأَ أَبُو عَبْد الرَّحْمَن السُّلَمي «وَكَذلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ» «7» ثم قال: (شركاؤهم) «8» أي زينه «9»
__________
(1) ما بين المعقوفتين ساقط فى ش.
(2) وهى قراءة الأعمش عن ابن مسعود (انظر المحتسب 2/ 249) .
(3) الزيادة من ب، ح، ش.
(4) انظر الطبري 25/ 5.
(5) هى قراءة مجاهد وابن كثير وأبى عمرو (البحر المحيط 7/ 508) و (الاتحاف 382) .
(6) فى ح، ش يرفع.
(7) سورة الأنعام آية 137. [.....]
(8) وهى قراءة الحسن البصري وآخرين، وهكذا خرجه سيبويه (البحر المحيط 4/ 229) .
(9) فى ب، ح، ش: زين.(3/21)
وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ (7)
لهم شركاؤهم ومثله قول من قرأ: «يُسَبِّحُ لَهُ «1» فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ» «2» ثم تقول «3» : (رجال) فترفع «4» يريد: يسبح له رجال.
وقوله: لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها (7) وأمّ القرى: مكة ومن حولها من العرب «وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ» . معناه: وتنذرهم يوم الجمع، ومثله قوله: «إِنَّما ذلِكُمُ الشَّيْطانُ يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ» «5» معناه: يخوفكم أولياءه.
وقوله: فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ (7) .
رفع بالاستئناف كقولك: رأيت الناس شقي وسعيد، ولو كان فريقا في الجنة، وفريقا في السعير كان صوابا، والرفع أجود في العربية.
وقوله: جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً وَمِنَ الْأَنْعامِ أَزْواجاً (11) .
يقول: جعل لكل شيء من الأنعام زوجا ليكثروا ولتكثروا.
وقوله «6» : يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ (11) معنى فيه: أي به، والله أعلم.
وقوله: فَلِذلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ (15) ، أي فلهذا القرآن ومثله كثير في القرآن «7» ، قد ذكرناه، هذا فى موضع ذلك، وذلك في موضع هذا، والمعنى: فإلى ذلك فادع. كما تقول [167/ ب] دعوت إلى فلان، ودعوت لفلان.
وقوله: قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى (23) .
ذكر: أن الأنصار جمعت للنبي صلى الله عليه- نفقة يستعين بها على ما ينوبه في أصحابه، فأتوا بها النبي- صلى الله عليه-، فقالوا: إن الله عز وجل قد هدانا بك، وأنت ابن
__________
(1) وهى قراءة ابن عامر والبحتري عن حفص ومحبوب عن أبى عمرو (البحر المحيط 6/ 458) .
(2) سورة النور آية 36.
(3) فى ب يقول.
(4) فى ب، ش فيرفع.
(5) سورة آل عمران آية 175.
(6) فى ب، ح، ش معنى قوله.
(7) قوله: ومثله كثير فى القرآن، ساقط فى ح.(3/22)
أختنا فاستعن بهذه النفقة على ما ينوبك، فلم يقبلها، وأنزل الله في ذلك: قل لهم «1» لا أسألكم على الرسالة أجرا إلا المودة في قرابتي بكم.
وقال ابن عباس: «لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى» في قرابتي من قريش.
وقوله: وَيَمْحُ اللَّهُ الْباطِلَ (24) .
ليس بمردود على «يختم» ، فيكون مجزوما «2» ، هو مستأنف في موضع رفع، وإن لم تكن فيه واو في الكتاب، ومثله مما حذفت منه الواو «3» وهو في موضع رفع قوله: «وَيَدْعُ الْإِنْسانُ بِالشَّرِّ» «4» وقوله: «سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ» «5» .
وقوله: وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (25) .
ذكر العباد، ثم قال: (ويعلم ما تفعلون) كأنه خاطبهم، والعوام يقرءونها بالياء «6» .
حدثنا الفراء «7» قال: حدثني قيس عن رجل قد سماه عن بكير بن الأخنس عن أبيه قال:
قرأت من الليل: «ويعلم ما تفعلون» فلم أدر أأقول: يفعلون أم تفعلون؟ فغدوت إلى عبد الله بن مسعود لأسأله عن ذلك، فأتاه رجل فقال: يا أبا عبد الرحمن، رجل ألم بامرأة في شبيبة، ثم تفرقا وتابا، أيحل له أن يتزوجها؟
قال، فقال عبد الله رافعا صوته: «وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ، وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ وَيَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ» (25) .
قال الفراء: وكذلك قرأها علقمة «8» بن قيس وإبراهيم ويحيى بن وثاب «9» وذكر عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ: أَنَّهُ قَرَأَ كذلك بالتاء.
__________
(1) سقط فى ح، ش لفظ لهم.
(2) فى ب، ح، ش جزما.
(3) سقط فى ح لفظ الواو.
(4) سورة الاسراء الآية 11.
(5) سورة العلق الآية 18. [.....]
(6) قرأ حفص وحمزة والكسائي بالتاء، ووافقهم الحسن والأعمش، والباقون بالياء (الاتحاف 383) .
(7) زاد فى ح، ش: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ.
(8) هو علقمة بن قيس بن عبد الله بن مالك أبو شبل النخعي الفقيه الأكبر، ولد فى حياة النبي (صلى الله عليه وسلم) ، وأخذ القرآن عن ابن مسعود، وسمع عن على وعمر وأبى الدرداء وعائشة، وعرض عليه أبو اسحق السبيعي، ويحيى ابن وثاب، كان أشبه الناس بابن مسعود سمتا وهديا وعلما مات سنة اثنتين وستين (طبقات القراء 1/ 516) .
(9) هو يحيى بن وثاب الأسدى مولاهم الكوفي تابعي ثقة كبير من العباد والأعلام، روى عن ابن عمر وابن عباس(3/23)
وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ (29)
وقوله: وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا [وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ] «1» (26) .
يكون الَّذِينَ فِي موضع نصب بمعنى: ويجيب اللَّه الَّذِينَ آمنوا، وَقَدْ جاء فِي التنزيل: «فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ» «2» ، والمعنى، والله أعلم: فأجابهم ربهم، إلّا أنك إِذَا قلت: استجاب أدخلت اللام فِي المفعول بِهِ، وإذا قلت: أجاب حذفت اللام، ويكون استجابهم بمعنى: استجاب لهم، كما قَالَ:
«وَإِذا كالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ» «3» المعنى، والله أعلم: وإذا كالوا لهم أو وزنوا لهم، يُخْسرون ويكون الَّذِينَ- فِي موضع رفع يجعل الفعل لهم أي: الذين آمنوا يستجيبون لله ويزيدهم اللَّه عَلَى إجابتهم والتصديق من فضله.
وقوله: خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَثَّ [168/ 1] فِيهِما مِنْ دابَّةٍ (29) .
أراد: وما بث فِي الأرض دون السماء، بذلك جاء فِي التفسير ومثله مما ثنى ومعناه واحد قوله:
«يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ» «4» وإنما يخرج من الملح دون العذاب.
وقوله: وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ (34) ويعلَمَ الَّذِينَ مردودة عَلَى الجزم إلا أَنَّهُ صُرف والجزم إِذا صُرف عَنْهُ معطوفُه نصب كقول الشَّاعِر:
فإن يهلِك أَبُو قابوسَ يهِلِك ... ربيعُ الناسِ والبلدُ الحرامُ
ونُمسكَ بعده بذناب عَيْشٍ ... أجبِّ الظهرِ ليس لَهُ سَنام «5»
والرفع جائز فِي المنصوب عَلَى الصرف «6» .
وَقَدْ قَرَأَ بذلك قوم فرفعوا «7» : «وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجادِلُونَ» (35) ومثله مما استؤنف فرفع
__________
وحدث عنه عاصم، وكان مقرىء أهل الكوفة فى زمانه مات سنة ثلاث ومائة (طبقات القراء 2/ 380) .
(1) زيادة فى ب، ح.
(2) سورة آل عمران الآية 195.
(3) سورة المطففين الآية 3.
(4) سورة الرحمن الآية 22.
(5) الخزانة 4/ 95، والبيتان للنابغة الذبياني، وقبلهما بيت يخاطب فيه عصاما حاجب النعمان بن المنذر،
وهو: ألم أقسم عليك لتخبرنى ... أمحمول على النعش الهمام
(الديوان، وابن عقيل 3/ 101) .
(6) انظر كلاما فى الصرف على مذهب الكوفيين فى البحر المحيط 7/ 521.
(7) هم نافع وابن عامر وأبو جعفر قرءوا برفع الميم على القطع والاستئناف بجملة فعلية، والباقون بنصبها.
(الإتحاف 381) .(3/24)
وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ (37)
قوله: «ثُمَّ «1» يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عَلى مَنْ يَشاءُ» فِي براءة ولو جزم ويعلمُ- جازم كان مصيبا
وقوله: وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كبير «2» الإثم (37) .
قرأه يَحيى بْن وثاب «كبير» «3» : وفسر عَنِ ابْنِ عَبَّاس: أن كبير الإثم هُوَ الشرك فهذا موافق لمن قَرَأَ: كبير [الإثم] «4» بالتوحيد وقرأ العوام: «كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ» . فيجعلون كبائر كأنه شيء عام، وهو فِي الأصل واحد، وكأني أستحبّ لمن قَرَأَ: كبائر أن يخفض الفواحش لتكون الكبائر مضافةً إلى مجموع إِذ كانت جمعًا قَالَ: وما سمعت أحدًا من القراء خفض الفواحش.
وقوله «5» : وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (39) .
نزلت خاصة فِي أَبِي بَكْر الصديق (رحمه اللَّه «6» ) ، وذلك: أن رجلًا من الأنصار وقع بِهِ عند رَسُول اللَّه فسبّه، فلم يردد عَلَيْهِ أَبُو بَكْر ولم يَنْهَ رَسُول اللَّه صلى الله عليه الْأَنْصَارِيّ فأقبل عَلَيْهِ أَبُو بَكْر فرد عَلَيْهِ، فقام النبي- صلى الله عليه- كالمغضب واتبعه أَبُو بَكْر فَقَالَ:
يا رَسُول اللَّه، ما صنعتَ بي أشدّ عليّ مما صنع بي: سبني فلم تَنْهَهُ، ورددتُ عَلَيْهِ فقمت كالمغضب، فَقَالَ النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ-: كَانَ الملك يرد عَلَيْهِ إِذَا سكتَّ، فلما رددتَ عَلَيْهِ رجع الملك، فوثبتُ معه فنزلت هذه الآية. وفسرها شريك عَنِ الْأَعْمَش عنْ إِبْرَاهِيم في قوله: «وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ» ، قالوا»
: كانوا يكرهون أن بذلوا أنفسهم للفساق فيجترئوا عليهم.
وقوله: وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ [168/ ب] فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (41) نزلت أيضًا فِي أَبِي بَكْر.
وقوله: يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ (45) .
__________
(1) فى ب، ش ويتوب، وهو خطأ، والآية فى سورة التوبة: 27.
(2) فى ش كبائر. [.....]
(3) اختلف فى «كبير الإثم» هنا، وفى النجم، فحمزة والكسائي وخلف «كبير» بكسر الباء بلا ألف ولا همز بوزن قدير، والباقون بفتح الباء، وألف بعدها ثم همزة مكسورة فيما جمع كبيرة (الإتحاف 384) .
(4) زيادة من ب.
(5) سقط فى ب، ح، ش.
(6) فى ب رحمة الله عليه.
(7) فى ب، ش قال.(3/25)
فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ كَفُورٌ (48)
قال بعضهم: يُخفونه من الذل الذي بهم، وقال بعضهم: نظروا إلى النار بقلوبهم، وَلم يروها بأعينهم لأنهم يحشرون عميًا.
وقوله «1» : وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ (48) .
وإنما ذكر قبلهم الإنسان مفردًا، والإنسان يكون واحدًا، وفي معنى جمع فردّ الهاء والميم على التأويل، ومثل قوله: «وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً «2» » يراد به: كل الناس، ولذلك جاز فيه الاستثناء وهو موحّد في اللفظ كقول الله «إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا «3» » ، ومثله: «وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّماواتِ «4» » ثم قال: «لا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ» وإنما ذكر ملكا لأنه في تأويل جمع.
وقوله: يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً (49) .
محضًا لا ذكور فيهن، وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذكور محضا لا إناث فيهم، أو يزوجهم يقول: يجعل بعضهم بنين، ويجعل بعضهم بنات ذلك التزويج في هذا الموضع. والعرب تقول: له بنون شِطْرة «5» إذا كان نصفهم ذكورًا، ونصفهم إناثًا، ومعنى هذا- والله أعلم- كمعنى ما في كتاب الله.
وقوله: وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً (51) .
كما كان النبي صلى الله عليه يرى فِي منامه، ويُلْهَمُه، أَوْ مِنْ وَرَاءِ حجاب، كما كلّم مُوسَى من وراء حجاب، أَوْ يرسل رسُولًا ملكًا [من ملائكته «6» ] فيوحى بإذنه، ويكلم النَّبِيّ بما يشاء اللَّه «7» [وذلك «8» فِي قوله: «أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا» (51) الرفع والنصب أجود.
قَالَ الفراء: رفع نافع المدينيّ، ونصبت العوام] ومن رفع «يرسل» «9» قَالَ: «فيوحي» مجزومة الياء «10» .
__________
(1) فى اوقال
(2) النساء الآية 28.
(3) العصر الآيتان 2، 3.
(4) النجم الآية 26
(5) اللسان مادة شطر:
(6) سقط فى ش عبارة: من ملائكته.
(7) فى ش بما شاء.
(8) ما بين المعقوفتين ساقط فى ش.
(9) قرأ نافع وأهل المدينة: «أو يرسل رسولا فيوحى» بالرفع (البحر المحيط 7/ 527) والباقون بنصبهما (الاتحاف 384) [.....]
(10) فى ش مجذومة خطأ من الناسخ.(3/26)
أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا أَنْ كُنْتُمْ قَوْمًا مُسْرِفِينَ (5)
وقوله: مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ، وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً (52) .
يعني التنزيل، وقال بعضهم: أراد القرآن والإيمان، وجاز أن يَقُولُ «1» : جعلناه لاثنين لأن الفعل فِي كثرة أسمائه يضبطه الفعل، ألا ترى أنك تَقُولُ: إقبالك وَإِدبارك يغمني، وهما اثنان فهذا من ذلك.
ومن سورة الزخرف
قوله عزَّ وجلَّ: أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً أَنْ كُنْتُمْ (5) .
قَرَأَ الْأَعْمَش: «إن كنتم» بالكسر، وقرأ عاصم والحسن «2» : «ان كنتم» بفتح (أن) [169/ 1] ، كأنهم أرادوا شيئًا ماضيًا، وأنت تَقُولُ فِي الكلام: أأسُبَّك أن حرمتني؟ تريد إذ حرمتني، وتكسر إِذا أردت أأسبك إن حرمتني «3» ، ومثله: «وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ» «4» تكسر (إن) وتفتح «5» .
ومثله: «فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ» «6» «إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا» «7» ، و «إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا» «8» ، والعرب تنشد قول الفرزدق.
أتجزع إن أذنا قُتَيْبَة حزتا ... جهارًا، ولم تجزع لقتل ابْنُ خازم؟ «9»
__________
(1) فى ب، ش: أن تقول:
(2) اختلف فى «ان كنتم» فنافع وحمزة والكسائي وأبو جعفر وخلف بكسر الهمزة على أنها شرطية، وإن كان إسرافهم محققا على سبيل المجاز، وجوابه مقدر يفسره: أفتضرب أي إن أسرفت نترككم. وافقهم الحسن والأعمش، والباقون بالفتح على العلة مفعولا لأجله أي: لأن كنتم (الاتحاف 384) .
(3) فى ب إن تحرمنى.
(4) سورة المائدة آية 2.
(5) ابن كثير وأبو عمرو بكسر الهمزة على أنها شرطية، والباقون بالفتح على أنها علة للشنآن (الاتحاف 198) .
(6) الكهف الآية 6.
(7) سقط فى ح: إن لم يؤمنوا.
(8) فى ش: ولم يؤمنوا.
(9) انظر الخزانة 3/ 655 وفى شرح شواهد المغني 1/ 86. تغضب بدل تجزع فى الشطرين.(3/27)
لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (13)
وَأنشدوني:
أتجزع أن بان الخليط المودّع ... وحبل الصَّفَا من عزة المتقطع؟ «1»
وفي كل واحد من البيتين ما فِي صاحبه من الكسر والفتح، وَالعرب تَقُولُ: قَدْ أضربت عنك، وَضربت عنك إِذا أردت بِهِ: تركتك، وَأعرضت عنك.
وقوله: لِتَسْتَوُوا عَلى ظُهُورِهِ (13) .
يَقُولُ القائل: كيف قَالَ: «عَلَى ظهوره» ، فأضاف الظهور إلى واحد؟
يُقال لَهُ: إن ذَلِكَ الواحد فِي معنى جمع بمنزلة الجند والجيش والجميع، فإن قَالَ:
فهلا قلت: لتستووا عَلَى ظهره «2» ، فجعلت الظهر واحدًا إِذَا أضفته إلى واحد؟
قلت: إن الواحد فِيهِ معنى الجمع، فرددت الظهور «3» إلى المعنى ولم تقل: ظهره، فيكون كالواحد الَّذِي معناه ولفظه واحد، فكذلك تقول: قد كثرت نساء الجند، وقلت: ورفع الجند أعينه ولا تقل «4» عينه. وكذلك كل ما أضفت إِلَيْه من الأسماء الموضوعة، فأَخْرِجها عَلَى الجمع، فإذا أضفت إِلَيْه اسما فِي معنى فعل جاز جمعه وتوحيده مثل قولك: رفع الجند صوته وأصواته أجود، وجاز هَذَا لأن الفعل لا صورة لَهُ فِي الاثنين إلا كصورته فِي الواحد.
وقوله: وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (13) .
مطيقين، تَقُولُ «5» للرجل: قَدْ أقرنتَ لهذا أي أطقتَه، وصرتَ لَهُ قرِنا.
وقوله: ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا (17) .
الفعل للوجه، فلذلك نصبت الفعل، ولو جعلت «ظلّ» للرجل رفعت الوجه والمسود، فقلت:
ظل وجهه مسودّ وهو كظيم.
__________
(1) انظر معانى القرآن 2/ 134 وفى ش: أتجزع بأن الخليط، وهو خطأ.
(2) فى ش: لتستروا ظهوره، تصحيف.
(3) فى ش الظهر، تحريف.
(4) فى (ب) ولا يقال، وفى ش ولم تقل. [.....]
(5) فى (ا) يقول:(3/28)
وقوله «1» : أَوَمَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ (18) .
يريد الإناث، يَقُولُ: خصصتم الرَّحْمَن بالبنات، وأنتم هكذا إِذَا ولد لأحدكم بِنْت أصابه ما وصف، فأما قوله: «أومن» فكأنه قَالَ: ومن لا ينشأ «2» إلّا فِي الحلية وهو فِي الخصام غير مبين، يَقُولُ:
لا يبلغ من الحجة ما يبلغ الرجل، وفى قراءة عبد الله: «أومن لا ينشّؤا إلّا فى الحلية» ، فإن شئت [169/ ب] جعلت «مَن» فِي موضع رفع «3» عَلَى الاستئناف، وإن شئت نصبتها «4» عَلَى إِضمار فعل يجعلون ونحوه، وإن رددتها عَلَى أول الكلام على قوله: «وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِما ضَرَبَ» خفضتها [وإن شئت نصبتها] «5» ، وقرأ يَحْيَى بْن وثاب وأصحاب عَبْد اللَّه والحسن الْبَصْرِيّ: «يُنَشَّأُ» ، وقرأ عاصم وأهلُ الحجاز: يَنْشَأُ «6» فِي الحلية:
وقوله: عِبادُ الرَّحْمنِ (19) .
قرأها عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود وعلقمة، وأصحاب عَبْد اللَّه: «عباد الرَّحْمَن» ، وذكر [عنْ] «7» عُمَر (رحمه اللَّه) أَنَّهُ قرأها: «عند الرَّحْمَن» ، وكذلك عاصم، وأهل الحجاز»
، وكأنهم أخذوا «9» ذَلِكَ من قوله: «إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ» «10» ، وكل صواب.
وقوله «11» : أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ (19) .
__________
(1) فى ب، ش: ثم قال.
(2) فى ش: ومن لا تنشأ.
(3) فى ح: جعلتها فى موضع رفع.
(4) فى ش: جعلتها.
(5) التكملة من ب، ح، ش.
(6) جاء فى الاتحاف (385) : واختلف فى «ينشأ» فحفص وحمزة والكسائي وخلف بضم الياء وفتح النون، وتشديد الشين مضارع نشأ. وعن الحسن: «يناشوا» بضم الياء والألف بعد النون، وتخفيف الشين مبنيا للمفعول، والباقون بفتح الياء وسكون النون وتخفيف الشين من نشأ لازم مبنى للفاعل.
(7) سقط (عن) فى ح، ش.
(8) جاء فى البحر المحيط (8/ 10) : قرأ عمر بن الخطاب والحسن ونافع (عند الرحمن) ظرفا، وقرأ عبد الله وابن عباس وابن جبير وباقى السبعة (عباد الرحمن) ، جمع عبد لقوله: (بل عباد مكرمون) . وقرأ الأعمش:
وعباد الرحمن جمعا وبالنصب حكاها ابن خالويه.
(9) فى ح، ش: اتخذوا.
(10) الأعراف الآية: 206.
(11) سقط فى ب، ح.(3/29)
بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ (22)
نصب الألف من «أشهدوا» عاصم، والأعمش، ورفعها أهل الحجاز عَلَى تأويل: أُشْهدوا خلقهم لأنه لم يسم فاعله، والمعنى واحد. قرءوا بغير همز يريدون الاستفهام «1» قَالَ أَبُو عَبْد اللَّه: كذا قَالَ الفراء.
وقوله: بَلْ قالُوا إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ (22) .
قرأها القراء بضم الأَلِفِ من «أُمّة» ، وكسرها مجاهد، وعمر بْن عَبْد العزيز «2» ، وكأن الإمّة مثل السنة والملة، وكأن الإمّة الطريقة: والمصدر من أممت القوم، فإن العرب تَقُولُ: ما أحسن إمته وعمّته وجِلْسته إِذَا كَانَ مصدرًا، والإمة أيضا الملك والنعيم. قَالَ عدي:
ثُمَّ بعد الفلاح والملك والإمّة ... وارثهم هناك القبورُ «3»
فكأنه أراد إمامة الملك ونعيمه.
وقوله: وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُهْتَدُونَ (22) ومُقْتَدُونَ (23) .
رُفعتا ولو كانتا نصبا لجاز ذَلِكَ لأنّ الوقوف يحسن دونهما، فتقول للرجل: قدمت ونحن بالأثر متبعين ومتبعون.
وقوله: إِنَّنِي بَراءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ (26) .
العرب تَقُولُ: نَحْنُ منك البراء والخلا، والواحد والاثنان والجميع من المؤنث والمذكر يُقال فِيهِ:
براء لأنه مصدر، ولو قال: (برىء) لقيل فِي الاثنين: بريئان، وفي القوم: بريئون وبرءاء، وهي فِي قراءة عَبْد اللَّه: «إنَّني برى مِمَّا تَعْبُدُون» «4» ولو قرأها قارئ كَانَ صوابا موافقا لقراءتنا «5» لأن العرب تكتب: يستهزىء يستهزأ فيجعلون الهمزة مكتوبة بالألف فِي كل حالاتها. يكتبون شيء شيأ ومثله كَثِير في مصاحف عبد الله، وفى مصحفنا: ويهيىء لكم، ويهيأ بالألف.
__________
(1) جاء فى المحتسب 2/ 254: أشهدوا بغير استفهام قراءة الزهري. وانظر بقية كلامه هناك.
(2) قرأ الجمهور «أمة» بضم الهمزة وقرأ عمر بن عبد العزيز ومجاهد وقتادة والجحدري بكسر الهمزة وهى.
الطريقة الحسنة لغة فى الأمة بالضم، قاله الجوهري.
وقرأ ابن عباس أمة بفتح الهمزة أي على قصد وحال (البحر المحيط 8/ 11) . [.....]
(3) انظر الأغانى 2/ 97 واللسان 12/ 23 مادة أمم.
(4) برىء بكسر الراء بعدها ياء فهمزة لغة نجد، ويثنى ويجمع، ويؤنث، والجمهور: إننى براء (الإتحاف 385) ، وهى لغة العالية (البحر المحيط 8- 11) .
(5) فى ب، ح، ش ولو قرأها قارئ لكان موافقا لقراءتنا.(3/30)
وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (28)
وقوله: [170/ 1] وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ (28) .
اسم الْإِسْلَام، يَقُولُ لازمة لمن اتبعه، وكان من وَلَدِه، لعل أهل مكَّة يتبعون هَذَا الدين إِذَا كانوا من ولد إِبْرَاهِيم صَلَّى الله عليه، فذلك قوله: «لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ» إلى دينك ودين إِبْرَاهِيم صَلَّى اللَّهُ عليهما.
وقوله: لَوْلا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ (31) .
ومعناه: عَلَى أحد رجلين عنَى نفسه، وأبا مَسْعُود الثقفي، وقال هَذَا الوليدُ بْن المغيرة المخزومي، والقريتان: مكَّة والطائف.
وقوله: وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ (32) .
فرفعنا المولى فوق عبده، وجعلنا بعضهم يسبي بعضا، فيكون العبد والذي يُسْبَى مسخَّرين لمن فوقهما.
وقوله: لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا (32) ، و «سخريّا» وهما واحد هاهنا وفي:
«قَدْ أَفْلَحَ» «1» ، وفي ص- سواء «2» الكسر فيهن والضم لغتان «3» .
وقوله: وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً (33) .
أن فِي موضع رفع.
وقوله لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ (33) .
إن شئت جعلت اللام مكررة فِي لبيوتهم، كما قال: «يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ» «4» ، وإن شئت جعلت اللامين مختلفتين كأنّ الثانية فِي معنى عَلَى كأنه قَالَ: لجعلنا لهم عَلَى بيوتهم سقفًا، وتقول للرجل فِي وجهه: جعلت لَكَ لقومك الأعطية، أي جعلته من أجلك لهم.
__________
(1) فى قوله تعالى: «فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا» الآية 110.
(2) فى قوله تعالى: «أَتَّخَذْناهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصارُ» الآية 63.
(3) قرأ الجمهور «سخريا» بضم السين، وعمرو بن ميمون، وابن محيصن، وابن أبى ليلى، وأبو رجاء، وابن عامر بكسرها (البحر المحيط 8/ 13) .
(4) سورة البقرة الآية 217.(3/31)
وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (36)
و (السُّقُف) قرأها عاصم والأعمش والحسن «سُقُفًا» وإن شئت جعلت واحدها سقيفة، وإن شئت جعلت سقوفا، فتكون «1» جمع الجمع كما قَالَ الشَّاعِر:
حَتَّى إِذَا بلت حلاقيم الحُلُق «2» ... أهوى لأدْنى فقرة عَلَى شفق
ومثله قراءة من قَرَأَ «كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ» «3» ، وهو جمع «4» ، وواحده ثمار، وكقول من قَرَأَ:
«فَرُهُنٌ «5» مَقْبوضَة» «6» واحدها رهان ورهون. وقرأ مجاهد وبعض أهل الحجاز «سَقْفًا» كالواحد مخفف لأن السَّقف مذهب الجماع «7» .
وقوله: وَزُخْرُفاً (35) .
وهو الذهب، وجاء فِي التفسير نجعلها لهم من فضة ومن زخرف، فإذا ألقيت من الزخرف نصبته عَلَى الفعل توقعه عَلَيْهِ أي وزخرفا، تجعل ذَلِكَ لهم مِنْهُ، وقال آخرون: ونجعل لهم مَعَ ذَلِكَ ذهبا وغنى مقصور «8» فهو أشبه «9» الوجهين بالصواب.
وقوله: وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ (36) .
يريد: ومن يعرض عَنْهُ، ومن قرأها: «ومن يَعْشَ عنْ» يريد «10» : يَعْمَ عَنْهُ.
وقوله: وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ (37) .
يريد الشيطان وهو فى [170/ ب] مذهب جمع، وإن كَانَ قَدْ لفظ بِهِ واحدا يَقُولُ: وإن الشياطين ليصدونهم عَنِ السبيل ويحسبون هم «11» أنهم مهتدون.
__________
(1) فى ب، ش: فيكون.
(2) فى ش: الخلق.
(3) سورة الأنعام آية 141.
(4) قرأ من ثمرة. بضم الثاء والميم حمزة والكسائي وخلف (الإتحاف 216) .
(5) قرأ ابن كثير وأبو عمرو بضم الراء والهاء من غير ألف جمع (الإتحاف 167) .
(6) سورة البقرة 283.
(7) فى ب، ش: يذهب مذهب الجماع. [.....]
(8) سقط فى ب، ح لفظ (مقصور) .
(9) فى ب، ش: وهو.
(10) جاء فى تفسير الطبري ح 25، ص 39: وقد تأوله بعضهم بمعنى: ومن يعم، ومن تأول ذلك كذلك فيجب أن تكون قراءته «ومن يعش» بفتح الشين، (وهى قراءة يحيى بن سلام البصري كما فى البحر المحيط 8/ 16) .
(11) رسمت فى ش: يحسبونهم.(3/32)
وقوله: حَتَّى إِذا جاءَنا قالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ «1» (38) .
فيقال: (جاءنا) لأحدهما، وجاءنا الإنسي وقرينه، فقرأها جاءانا بالتثنية عاصم والسُّلَمي والحسن وقرأها أصحاب عبد الله يحيى بن وثاب وإبراهيم بن يزيد النخعي (جاءنا) على التوحيد «2» ، وهو ما «3» يكفي واحده من اثنيه، ومثله قراءة من قرأ (كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ «4» ، يقول: ينبذ هو وماله، (ولَيُنْبَذَنَّ) والمعنى واحد.
وقوله: يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ (38) .
يريد: ما بين مشرق الشتاء ومشرق الصيف، ويقال: إنه أراد المشرق والمغرب «5» : فقال المشرقين، وهو أشبه الوجهين بالصواب لأن العرب قد تجمع الاسمين على تسمية أشهرهما، فيقال:
قد جاءك الزهدمان، وإنما أحدهما زهدم «6» ، قال «7» الشاعر:
أخذنا بآفاق السماء عليكمُ ... لنا قمراها والنجوم الطوالع»
يريد: الشمس والقمر «9» .
وقال الآخر:
قسموا البلاد فما بها لمقيلهم ... تضغيث مفتصل يباع فصيله «10»
فقرى العراق مسير يوم واحد ... فالبصرتان فواسط تكميله
يريد: البصرة والكوفة.
__________
(1) لم يثبت فى ح، ش (بعد المشرقين) .
(2) جاء فى الاتحاف 386: واختلف فى «جاءنا» فنافع وابن كثير وابن عامر وأبو بكر وأبو جعفر بألف بعد الهمزة على التثنية، وهما العاشى وقرينه، وافقهم ابن محيصن، والباقون بغير ألف والضمير يعود على لفظ من وهو العاشى.
(3) فى ب، ح مما.
(4) سورة الهمزة الآية 4، وجاء فى تفسير الطبري 30/ 163: وذكر عن الحسن البصري أنه كان يقرأ:
«كلا لينبذان فى الحطمة» ، يعنى هذا الهمزة اللمزة وما له فثناه لذلك.
(5) سقط فى ب.
(6) الزهدمان: أخوان من بنى عبس، قال ابن الكلبي: هما زهدم وقيس ابنا حزن ابن وهب بن عوير ... وهما اللذان أدركا حاجب بن زرارة يوم جبلة ليأسراء فغلبهما عليه مالك ذو الرقيبة القشيري ... وهناك معان أخرى لهما (انظر اللسان مادة زهدم) .
(7) فى ب، ش وقال.
(8) البيت للفرزدق انظر الكامل 1/ 143، وتفسير القرطبي 16/ 91.
(9) ساقط فى ش: يريد الشمس والقمر.
(10) البيت الثاني ساقط فى ش والمفتصل: الذي يفتصل المولود، أي يفطمه. [.....](3/33)
وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ (44)
قال، وأنشدنى رجل من طيىء:
فبصرة الأزد منا، والعراق لنا ... والموصلان ومنا مصر فالحرم
يريد: الجزيرة، والموصل.
وقوله: وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ (39) .
يقول: لن ينفعكم اشتراككم يعني [الشيطان] «1» وقرينه. وأنكم في موضع رفع.
وقوله: وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ (44) .
لَشَرف لك ولقومك، يعني: القرآن والدين، وسوف تسألون عن الشكر عليه.
وقوله «2» : وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ (45) .
يقول القائل: وكيف أمر أن يسأل «3» رسلا قد مضوا؟ ففيه وجهان:
أحدهما: أن يسأل أهل التوراة والإنجيل، فإنهم إنما يخبرونه عن كتب الرسل التي جاءوا بها، فإذا [سأل] «4» الكتب فكأنه سأل الأنبياء «5» .
وقال «6» بعضهم: إنه سيسرى بك يا محمد فتلقى الأنبياء فسلهم عن ذلك، فلم يشكك صلى الله عليه ولم يسلهم «7» .
وقوله [171/ ا] : أَجَعَلْنا مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ (45) .
قال: (يُعبدَون) للآلهة، ولم يقل: تعبد «8» ولا يُعْبَدن، وذلك أن الآلهة تُكلَّم ويدعى لها وتعظَّم، فأُجريت مُجرى الملوك والأمراء وما أشبههم.
__________
(1) زيادة من ب، ح، ش.
(2) سقط فى ب، ش.
(3) فى ب يسل، تحريف.
(4) سقط فى ح، ش.
(5) فى البحر المحيط 8/ 18 قال الفراء: هم إنما يخبرونه عن كتب الرسل فإذا سألهم فكأنه سأل الرسل.
(6) فى (ا) وقد بعضهم وهو خطأ
(7) فى ش ولم يسألهم.
(8) فى (ا) يعبد، تحريف.(3/34)
وَمَا نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا وَأَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (48)
وقوله: وَما نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِها (48) .
يريد: من الآية التي مضت قبلها.
وقوله: أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ (52) .
من الاستفهام الذي جعل بأم لاتصاله بكلام قبله، وإن شئت رددته على قوله: «أَلَيْسَ لى ملك مصر» (51) .
[حدثنا محمد قال] «1» حدثنا الفراء قال: وقد أخبرني بعض المشيخة أظنه الكسائي: أنه بلغه أن بعض القراء قرأ: «أَمَا أنا خير» ، وقال لي هذا الشيخ: لو حفظت الأثر فيه لقرأت به، وهو جيد في المعنى «2» .
وقوله: فَلَوْلا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أساورة من ذهب (53) .
يريد: فهلا ألقي عليه أساورة من ذهب «3» ، قرأها يحيى بن وثاب «أساورة من ذهب» «4» ، وأهل المدينة، وذكر عَنِ الحسن: (أَسْوِرَةٌ) «5» ، وكل صواب.
ومن قرأ: «أساورة» ، جعل واحدها إسوارا، ومن قرأ: «أَسْوِرَةٌ» فواحدها سوار، وقد تكون الأساورة جمع أسورة كما يقال في جمع: الأسقية: أساقي «6» ، وفي جمع الأَكرُع: أكارع «7» .
وقوله: فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ (54) يريد: استفزهم.
وقوله: فَلَمَّا آسَفُونا (55) يريد: أغضبونا.
__________
(1) زيادة فى ب.
(2) قال الطبري فى تفسيره (ح 25/ 44) تعليقا على هذه القراءة: ولو كانت هذه القراءة قراءة مستفيضة فى قراءة الأمصار لكانت صحيحة، وك معناها حسنا غير أنها خلاف ما عليه قراء الأمصار فلا أستجيز القراءة بها.
(3) سقط فى ح، ش: من ذهب.
(4) سقط فى ا، ح، ش: من ذهب.
(5) قال فى الإتحاف ص: 386: واختلف فى أسورة، فحفص ويعقوب بسكون السين بلا ألف جمع سوار كأخمرة وخمار، وافقهما الحسن وهو جمع قلة، وعن المطرعى بفتح السين وألف ورفع الراء من غير تاء. والباقون كذلك لكن بفتح الراء وبتاء التأنيث على جعل جمع الجمع كأسقية وأساقى، أو جمع أساور بمعنى سوار والأصل أساوير عوض عن الياء تاء التأنيث كزنادقة.
(6) فى ب: الأساقى: [.....]
(7) فى ب: الأكارع. وواحد الأكرع كراع. وهو من الإنسان: ما دون الركية من مقدم الساق.(3/35)
وقوله: فَجَعَلْناهُمْ سَلَفاً (56) .
[حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ] «1» حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: حَدَّثَنِي القاسم بن مَعْن عَن الْأَعْمَش عَن يَحْيَى بْن وثاب أَنَّهُ قرأها: (سُلُفا) مضمومة مثقلة، وزعم القاسم [ابن معن] «2» أَنَّهُ سَمِعَ واحدها سليف، والعوام بعد يقرءون: (سلف) «3» .
[حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ] «4» حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَان بْن عيينة أن الأعرج قرأها: (فجعلناهم سُلُفا) كأن واحدته سُلفة من النَّاس أي قطعة من النَّاس مثل أمّة «5» .
وقوله مِنْهُ يَصِدُّونَ (57) .
[حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ] «6» حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو بَكْر بْن عياش عنْ عاصم: أَنَّهُ ترك يَصُدون من قراءة أَبِي عَبْد الرَّحْمَن، وقرأ يصِدون. (قَالَ الْفَرَّاءُ) «7» ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ حَدَّثَنِي عَاصِمٌ عَنْ أَبِي رَزِينٍ عَنْ أَبِي يحيى: أن ابن عباس [171/ ب] قرأ: (يصدون) أي: يضجون يَعِجِّونَ «8» .
وفي حديث آخر: أن ابْنُ عَبَّاس لقي ابْنُ أخي عُبَيْد بْن عمير «9» فَقَالَ: ان ابن عمك «10» لعربى
__________
(1) ما بين المعقوفتين زيادة فى ش.
(2) الزيادة من ب، ح، ش.
(3) جاء فى تفسير الطبري 8/ 23. قرأ الجمهور «سلفا» .. وقرأ أبو عبد الله وأصحابه وآخرون منهم حمزة والكسائي: «سلفا» جمع سليف وهو الفريق.
(4) ما بين الحاصرتين زيادة من ح، ش.
(5) قريب من هذا جاء فى تفسير الطبري. 8/ 23
(6) ما بين الحاصرتين زيادة فى ب.
(7) سقط (قال الفراء) فى ح، ش وفى ب: وقال وسمعت الفراء.
(8) جاء فى تفسير الطبري: 25/ 46: اختلف الفراء فى قراءة قوله: يصدون، فقرأته عامة قراء المدينة وجماعة من قراء الكوفة «يصدون» بضم الصاد، وقرأ ذلك بعض قراء الكوفة والبصرة «يصدون» بكسر الصاد.
(9) هو عبيد بن عمير بن قتادة أبو عاصم الليثي المكي العاص ذكر ثابت البناني أنه قص على عهد عمر رضى الله عنه، وردت عنه الرواية فى حروف القرآن، وروى عن عمر بن الخطاب، وأبى بن كعب، وروى عنه مجاهد وعطاء وعمرو بن دينار. قال مسلم: ولد فى زمن النبي صلى الله عليه وسلم، قال مجاهد: كنا نفخر على الناس بأربعة: بفقيهنا، وبقارئنا، وبقاضينا، ومؤذننا.. ففقيهنا: ابن عباس، وقارثنا عبد الله بن السائب، وقاضينا عبيد بن عمير، ومؤذننا أبو محذورة، مات سنة أربع وسبعين (طبقات القراء 1/ 496) .
(10) فى ح، ش: أن عمك، سقط.(3/36)
وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (61)
فما لَهُ يلحن فِي قوله: (إِذَا قومك مِنْهُ يصُدون) إنَّما هِيَ يصِدون، العرب تَقُولُ: يصِد ويصُد «1» مثل: يشِد ويشُد، وينِم وينُم من النميم. يصدون مِنْهُ وعنه سواء.
وقوله: وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ (61) وفي قراءة أُبَيّ: «وَإِنَّهُ لذكر للساعة» ، وَقَدْ روى عَنِ ابْنِ عَبَّاس: «وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ «2» لِلسَّاعَةِ» و (عِلْمٌ) جميعًا، وكلٌّ صواب متقارب فِي المعنى.
وقوله: يَا عِبادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ «3» (68) .
وهي في قراءة أهل المدينة: «يا عبادي» . بإثبات الياء، والكلام وقراءة العوام على حذف الياء.
وقوله: وَأَكْوابٍ (71) .
والكوب: المستدير الرأس الذي لا أذن له، قال عدي:
خيرٌ لها إن خشيت حجرة ... من ربِّها زيدِ بن أيوبِ
متكئا تصفق أبوابه ... يَسِقي عليه العبد بالكوب
وقوله: تَشْتَهِي الأَنْفُس (71) ، وفي مصاحف «4» أهل المدينة: تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ» .
وقوله: لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (75) فى العذاب.
وفى قراءة عبد الله: (وهم فيها مبلسون) ، ذهب إلى جهنم، والمبلس: القانط اليائس من النجاة «6» .
وقوله: وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ كانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ (76) .
جعلت (هم) هاهنا عمادًا، فنصب الظالمين، ومن جعلها اسمًا رفع، وهي فِي قراءة عَبْد اللَّه:
(ولكن كانُوا هم الظّالمون) .
__________
(1) هما لغتان مثل يعرشون. وينمون (القرطبي 16/ 103) وانظر اللسان مادة صذد.
(2) لعلم وهى أيضا قراءة أبى هريرة وقتادة ومالك بن دينار والضحاك أي أمارة (القرطبي 16/ 105) .
(3) لم يثبت فى ب، ح، ش: (عليكم اليوم) . [.....]
(4) فى ح ش مصحف.
(5) قرأ أهل المدينة وابن عامر وأهل الشام: تشتهيه، والباقون تشتهى: أي تشتهيه تقول: الذي ضربت زيد أي الذي ضربته زيد (القرطبي 16/ 114) .
(6) والساكت من الحزن أو الخوف، والانكسار (اللسان) .(3/37)
أَمْ أَبْرَمُوا أَمْرًا فَإِنَّا مُبْرِمُونَ (79)
وقوله: أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً (79) .
يريد: أبرموا أمرًا ينجيهم من عذابنا عند أنفسهم، فإنا مبرمون معذبوهم.
وقوله: وَقِيلِهِ يَا رَبِّ (88) .
خفضها عاصم والسلمي وحمزة وبعض أصحاب عبد الله، ونصبها أهل المدينة والحسن فيما أعلم «1» فمن خفضها قال: «عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ» وعلم «قيله يا رب» . ومن نصبها أضمر معها قولا، كأنه قال:
وقال قوله، وشكا شكواه إلى ربه وهى فى إحدى القراءتين [172/ ا] . قال الفراء «2» : «3» لا أعلمها إلا في قراءة أبي، لأني رأيتها في بعض مصاحف عبد الله [على] «4» وقيله، ونصبها أيضًا يجوز «5» من قوله: «نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ» ، ونسمع قيله، ولو قال قائل: وقيلُه رفعا كان جائزا، كما تقول:
ونداؤه هذه الكلمة: يا رب، ثم قال: «فَاصْفَحْ عَنْهُمْ» ، فوصله بدعائه كأنه من قوله وهو من أمر الله أمره أن يصفح، أمره بهذا قبل أن يؤمر بقتالهم.
وَقُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (89) .
رفع سلام بضمير عليكم وما أشبهه، ولو كان: وقل سلامًا كان صوابًا، كما قال: «قالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ» «6» .
__________
(1) قرأها السلمى وابن وثاب والأعمش «وقيله» بالخفض، وخرج على أنه عطف على الساعة أو على أنها واو القسم، والجواب محذوف أي لينصرن أو لأفعلن بهم ما أشاء.
وقرأ الأعرج وأبو قلابة ومجاهد والحسن وقتادة ومسلم بن جندب: «وقيله» بالرفع، وخرج على أنه معطوف على «عِلْمُ السَّاعَةِ» على حذف مضاف، أي: وعلم قيله حذف، وأقيم المضاف إليه مقامه. والزمخشري تعليق على هذا الرأى (انظر البحر المحيط 8/ 30) .
(2) فى ب: وقال قال الفراء.
(3) فى ح، ش «ولا» .
(4) الزيادة من ب، ح، ش.
(5) فى ب، ش يجوز أيضا.
(6) سورة هود الآية 69.(3/38)
فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4)
ومن سورة الدخان
قوله عز وجل: يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4) .
أَمْراً (5) هو منصوب بقوله: يفرق، على معنى يفرق كل أمر فرقَا وأمرا «1» وكذلك.
قوله: رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ (6) ، يفرق ذلك رحمة من ربك، ويجوز أن تنصب الرحمة بوقوع مرسلين عليها، تجعل الرحمة هى النبي صلّى الله عليه.
وقوله: رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ (7) .
«2» خفضها الْأَعْمَش وأصحابه، ورفعها أهل المدينة، وَقَدْ «3» خفضها الْحَسَن أيضًا عَلَى أن تكون تابعة لربك رب السموات.
ومن رفع «4» جعله تابعًا لقوله: «إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ» ، ورفع أيضًا آخر «5» عَلَى الاستئناف كما قَالَ: «وَما بَيْنَهُمَا الرَّحْمنِ» «6» .
وقوله: تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ (10) يَغْشَى النَّاسَ «7» هذا عَذابٌ (11) .
كان النبي صلّى الله عليه دعا عليهم، فَقَالَ: اللهم أشدد وطأتك عَلَى مضمر، اللهم سنين كَسِنيِ يُوسف، فأصابهم جوعٌ، حتّى أكلوا العظام «8» والميتة، فكانوا يرون فيما بينهم وبين السماء دخانا.
__________
(1) فى نصب «أمرا» أوجه: أحدها: هو مفعول منذرين، كقوله: لينذر بأسا شديدا. والثاني: هو مفعول له، العامل فيه: أنزلناه، أو منذرين، أو يفرق.
والثالث: هو حال من الضمير فى حكيم، أو من أمر لأنه قد وصف (ثم انظر العكبري فى إعراب القرآن 2/ 120)
(2، 3) ساقط فى ح.
(4) عاصم وحمزة والكسائي يخفضونها بدلا من ربك، أو صفة، وافقهم ابن محيصن والحسن. والباقون بالرفع على إضمار مبتدأ أي هو رب، أو مبتدأ خبره: لا إله إلا هو (الإتحاف 388) .
(5) فى ش ورفع آخر أيضا.
(6) سورة النبأ آية 37. [.....]
(7) لم يثبت (يغشى الناس) فى غير الأصل.
(8) فى (ج) الطعام وهو تحريف.(3/39)
إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ (15)
وقوله: يَغْشَى النَّاسَ هذا عَذابٌ أَلِيمٌ (11) .
يراد بِهِ ذَلِكَ عذاب، وَيُقَال: إن النَّاس كانوا يقولون: هَذَا الدخان عذاب.
وقوله: إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عائِدُونَ (15) .
يُقال: عائدون إلى شرككم، وَيُقَال: عائدون إلى عذاب الآخرة.
وقوله: يَوْمَ نَبْطِشُ (16) .
يعنى: يوم بدر، وهى البطشة الكبرى.
[172/ ب] وقوله: رَسُولٌ كَرِيمٌ (17) .
أي عَلَى ربه كريم «1» ، ويكون كريم من قومه «2» لأنَّه قَالَ «3» : ما بعث نبي إلا وهو فِي شرف «4» قومه.
وقوله: أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبادَ اللَّهِ (18) .
يَقُولُ: ادفعوهم إليَّ، أرسلوهم معي، وهو قوله: «فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرائِيلَ» .
ويقال: أن أدّوا إلىّ يا عباد اللَّه، والمسألة الأولى نصب فيها العباد بأدوا.
وقوله: أَنْ تَرْجُمُونِ (20) .
الرجم هاهنا: القتل وقوله: وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ (21) .
يَقُولُ: فاتركون لا عليّ، ولا لي وقوله: فَدَعا رَبَّهُ أَنَّ هؤُلاءِ «5» قَوْمٌ (22) .
تفتح (أنَّ) ، ولو أضمرت القول فكسرتها لكان صوابا.
__________
(1) سقط فى ح، ش.
(2) فى ب من قوله
(3) فى ح: قل.
(4) فى ب: سرا والسرا بفتح السين: الشرف، والفعل ككرم ودعا.
(5) فى ب: قومى، والقراءة (قوم) .(3/40)
وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ (24)
وقوله: وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْواً (24) .
يَقُولُ: ساكنًا، قَالَ: وأنشدني أَبُو ثروان:
كأنما أهلُ حجر ينظرون مَتى ... يَرَونَني خارجًا طير تَنَادِيد «1»
طيرٌ رأَتْ بازيًا نَضْخُ «2» الدماء بِهِ ... أَوْ أمةٌ «3» خرجَتْ رهوًا «4» إلى عيد
وقوله: وَمَقامٍ كَرِيمٍ (26) .
يقال: منازل حسنة، ويقال: المنابر.
[حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ] «5» حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: حَدَّثَنِي أبو شعيب عن منصور ابن المعتمر عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ سَعِيدِ بْنِ جبير في قوله: «فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ» (29) قال: يبكي على المؤمن من الأرض مصلَاه، ويبكي عليه من السماء مصعد عمله.
قال الفراء: وكذلك ذكره حِبَّانُ عَنِ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عباس «6» .
وقوله: مِنَ الْعَذابِ الْمُهِينِ (30) وفي حرف عبد الله: «مِنْ عَذَابِ المُهين» «7» .
وهذا مما أضيف إلى نفسه لاختلاف الاسمين مثل قوله: وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ «8» مثل قوله: «9» «وَذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ» وهي فِي قراءة عَبْد اللَّه: «وَذَلِكَ الدينُ القَيِّمة» «10» .
__________
(1) فى هامش ب متفرقة. وانظر اللسان ح 3/ 42.
(2) فى ح، ش: نضح بالحاء المهملة، والنضخ: الأثر.
(3) فى ش: وأمة، وهو تحريف.
(4) فى هامش (ا) رهوا، أي على سكون، وفى هامش ب: رهوا ساكنة على رسل.
(5) زيادة فى ش.
(6) في ح، ش: عن عباس، سقط.
(7) جاء فى البحر المحيط 8/ 37: وقرأ عبد الله: «من عذاب المهين» ، وهو من إضافة الموصوف إلى صفته، كبقلة الحمقاء. [.....]
(8) سورة يوسف الآية 109.
(9) فى ح، ومثل له: «ذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ» . وفى ش: ومثل قوله: «ذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ» سورة البينة الآية 5.
(10) جاء فى تفسير الطبري: وأضيف الدين إلى القيمة، والدين هو القيم، وهو من نعته لاختلاف لفظيهما، وهى فى قراءة عبد الله فيما أرى فيما ذكر لنا: وذلك الدين القيمة. فأنث القيمة، لأنه جعل صفة للملة كأنه قيل: وذلك الملة القيمة هون اليهودية والنصرانية ح 30/ 145.(3/41)
وَآتَيْنَاهُمْ مِنَ الْآيَاتِ مَا فِيهِ بَلَاءٌ مُبِينٌ (33)
وقوله: وَآتَيْناهُمْ مِنَ الْآياتِ ما فِيهِ بَلؤُا مُبِينٌ (33) .
يريد: نعم مبينّة، منها: أن أنجاهم من آل فرعون، وظللهم بالغمام، وأنزل عليهم المنَّ والسلوى، وهو كما تَقُولُ للرجل: إن بلائي عندك لحسن، وَقَدْ قيل فيهما: إن البلاء عذاب، وكلٌّ صواب.
وقوله: فَأْتُوا بِآبائِنا إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (36) .
يخاطبون النبي- صلى الله عليه- وحده، وهو كقوله: «يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ» «1» فِي كَثِير من كلام العرب، أن تجمع العرب فعل الواحد، مِنْهُ قول اللَّه عزَّ وجل: «قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ» «2» .
وقوله: إِلَّا بِالْحَقِّ (39) .
يريد: للحق.
وقوله: إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقاتُهُمْ أَجْمَعِينَ (40) .
يريد: الأولين والآخرين، ولو نصب (ميقاتهم) لكان صوابًا يجعل «3» اليوم صفة، قَالَ: أنشدني بعضهم:
لو كنت أعلم أنّ آخر عهدكم «4» ... يوم الرحيل فعلت «5» ما لم أفعل
فنصب: يوم الرحيل، عَلَى أَنَّهُ صفة «6» .
وقوله: إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللَّهُ (42) .
فإن المؤمنين يشفّع بعضهم فِي بعض، فإِن شئت فاجعل- من- فِي موضع رفع، كأنك قلت:
لا يقوم أحد إلا فلان، وإن شئت جعلته نصبًا عَلَى الاستثناء والانقطاع عنْ أول الكلام تريد:
اللهم إلَّا من رحمت.
__________
(1) سورة الطلاق الآية: 1
(2) سورة المؤمنون الآية: 99.
(3) فى ب: فجعل.
(4) فى ش عهدهم.
(5) سقط (فعلت) فى ش.
(6) فى ش فصه، وهو خطأ من الناسخ.(3/42)
طَعَامُ الْأَثِيمِ (44)
وقوله: طَعامُ الْأَثِيمِ (44) .
يريد: الفاجر.
وقوله: كَالْمُهْلِ تَغْلِي (45) قرأها كَثِير من أصحاب عَبْد اللَّه: «تغلى» ، وَقَدْ ذُكرت عنْ عَبْد اللَّه، وقرأها أهل المدينة كذلك، وقرأها الْحَسَن «يَغْلِي» «1» . جعلها للطعام أَوْ للمهل، ومن أنثها ذهب إلى تأنيث الشجرة.
ومثله قوله: «أَمَنَةً نُعاساً» «2» تغشى ويغشى فالتذكير للنعاس، والتأنيث للأمَنَة، ومثله:
«أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ تُمْنَى» «3» التأنيث للنطفة، والتذكير من المنى.
وقوله: فَاعْتِلُوهُ (47) .
قرأها بالكسر عاصم والأعمش، وقرأها أهل المدينة: «فَاعْتِلُوهُ» . بضم التاء «4» .
وقوله: ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ (49) .
قرأها القراء بكسر الألف حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا «5» الْفَرَّاءُ قَالَ: حَدَّثَنِي شَيْخٌ عَنْ حُجْرٍ «6» عَنْ أَبِي قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ «7» عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُولُ:
«ذُقْ إِنَّكَ» بِفَتْحِ الْأَلِفِ «8» . وَالْمَعْنَى فِي فَتْحِهَا: ذُقْ بِهَذَا الْقَوْلِ الَّذِي قُلْتَهُ فِي الدُّنْيَا، وَمَنْ كَسَرَ حَكَى قوله، وَذَلِكَ أَنَّ أَبَا جَهْلٍ لقى النبي- صلّى الله عليه- قال: فأخذه النبي صلّى الله عليه فَهَزَّهُ، ثُمَّ قَالَ [لَهُ] «9» : أَوْلَى لَكَ يَا أَبَا جَهْلٍ أَوْلَى «10» فَأَنْزَلَهَا «11» اللَّهُ كَمَا قَالَهَا النبي صلّى الله
__________
(1) جاء فى الاتحاف (388) : واختلف فى «تغلى» . فابن كثير وحفص ورويس بالياء على التذكير، وفاعله يعود إلى الطعام، والباقون بالتأنيث، والضمير للشجرة.
(2) سورة آل عمران الآية: 154.
(3) سورة القيامة الآية 37.
(4) قال الأزهرى: وهما لغتان فصيحتان.
(5) الزيادة من ب. [.....]
(6) سقط فى ح، وفى ش: حدثنى شيخ حجر.
(7) فى ب سمعت الحسن بن على رحمهما الله.
(8) جاء فى الاتحاف 389: واختلف فى «ذق أنك» . فالكسائى بفتح الهمزة على العلة، أي لأنك. وافقه الحسن، والباقون بكسرها على الاستئناف المفيد للعلة فيتحدان، أو محكى بالقول المقدر، أي: اعتلوه، وقولوا له:
كيت وكيت.
(9) زيادة من ب.
(10) سقط فى ج، ش.
(11) فى ب فأنزل.(3/43)
إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ (51)
عليه. ورد عليه أبو جهل، فقال: [و] «1» الله مَا تَقْدِرُ أَنْتَ وَلَا رَبُّكَ عَلَيَّ، إِنِّي لَأَكْرَمُ أَهْلِ الْوَادِي عَلَى قَوْمِهِ، وَأَعَزُّهُمْ فَنَزَلَتْ كَمَا قَالَهَا قَالَ: فَمَعْنَاهُ- فِيمَا نَرَى وَاللَّهُ أعلم-: انه توبيخ أي [173/ ب] ذُقْ فَإِنَّكَ كَرِيمٌ كَمَا زَعَمْتُ. وَلَسْتَ كَذَلِكَ.
وقوله: فِي مَقامٍ أَمِينٍ (51) .
قرأها الْحَسَن والْأَعْمَش وعاصم: (مَقامٍ) ، وقرأها أهل المدينة (فِي مُقام) بضم الميم «2» .
والمَقام بفتح الميم أجود فى العربية لأن المكان، والمُقام: الإقامة وكلٌّ صواب.
وقوله: وَزَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (54) وفي قراءة عَبْد اللَّه: «وَأَمْدَدْناهُمْ بِعِيسٍ عين» ، والعيساء: البيضاء. والحوراء كذلك.
وقوله: لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولى (56) .
يَقُولُ القائل: كيف استثنى موتًا فِي الدنيا قَدْ مضى من موت فِي الآخرة، فهذا مثل قوله: «وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ» «3» . فإلا فِي هَذَا الموضع بمنزلة سوى، كأنه قَالَ: لا تنكحوا، لا تفعلوا سوى ما قَدْ فعل آباؤكم، كذلك قوله: «لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ» .
سوى الموتة الأولى، ومثله: «خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شاءَ رَبُّكَ» «4» «5» أي سوى ما شاء ربك «6» لهم من الزيادة عَلَى مقدار الدنيا من الخلود. وأنت قائل فِي الكلام: لَكَ عندي ألفٌ إلَّا ما لَك من قِبَل فلان، ومعناه: سوى مالك عليّ من قِبَل فلان، وإلا تكون عَلَى أنها حطٌّ مما قبلها وزيادة عليها فما ذكرناه لَكَ من هَذِهِ الآيات فهو زيادة عَلَى ما قبل إلا، والحط مما قبلَ إلا قولُك: هَؤُلَاءِ ألفٌ إلَّا مائةً «7» فمعنى هَذِهِ ألف ينقصون مائة.
وقوله: وَوَقاهُمْ «8» عَذابَ الْجَحِيمِ (56) فَضْلًا (57) .
أي فعله تفضلا مِنْهُ، وهو ممَّا لو جاء رفعا لكان صوابًا أي: ذلك فضل من ربك.
__________
(1) كذا فى ح، ش، وفى ا، ب. الله بنصب لفظ الجلالة.
(2) جاء فى البحر المحيط 8/ 40: وقرأ عبد الله بن عمر، وزيد بن على، وأبو جعفر، وشيبة، والأعرج، والحسن، وقتادة، ونافع، وابن عامر «فى مقام» بضم الميم. وأبو رجاء وعيسى ويحيى والأعمش وباقى السبعة بفتحها.
(3) سورة النساء الآية 22.
(4) سورة هود الآية 107.
(5، 6) ساقط فى ش.
(7) فى (ا) : هو ألف إلا مائة، وما أثبتناه من ب، ح، ش، وهو أبين.
(8) في ش: «وقاهم» ، والقراءة: «ووقاهم» .(3/44)
وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (4)
ومن سورة الجاثية
قوله عزَّ وجلَّ: وَفِي خَلْقِكُمْ وَما يَبُثُّ مِنْ دابَّةٍ آياتٌ (4) .
يَقُولُ: فِي خَلَقَ الآدميين وسواهم من كل ذي روح «1» آيات. تقرأ: الآيات بالخفض عَلَى تأويل النصب. يرد عَلَى قوله: «إِنَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ» . ويقوّى الخفض فيها «2» أنها فِي قراءة عَبْد اللَّه: (لآيات) . وفي قراءة أُبي: لآيات لآياتٍ لآيَاتٍ «3» ثلاثهن. والرفع قراءة النَّاس عَلَى الاستئناف فيما بعد أن، والعرب تَقُولُ: إن لي عليك مالًا، وعلى أخيك مال كَثِير.
فينصبون الثَّاني ويرفعونه.
وفي قراءة عَبْد اللَّه: «وفي اختلافِ اللّيل والنهارِ» . فهذا يقوي خفض الاختلاف، ولو رفعه رافع فَقَالَ: واختلاف الليل والنهار آيَاتٌ أيضًا يجعل الاختلاف آياتٍ، ولم نسمعه من أحد من القراء قَالَ: ولو رفع رافع الآيات، وفيها اللام كَانَ صوابًا. قَالَ: أنشدني الكِسَائِيّ:
إنّ الخلافة بعدهم لذميمة ... وخلائف طرف لمما أحقر «4»
فجاء باللام، وإنما هِيَ جواب لأنّ، وَقد رفع لأن الكلام مبني عَلَى تأويل إنّ.
وقوله: قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا (14) .
معناه فِي الأصل حكاية بمنزلة الأمر، كقولك: قل للذين آمنوا اغفروا فإذا ظهر الأمر مصرحًا فهو مجزوم لأنَّه أمر، وإذا كَانَ عَلَى الخبر مثل قوله: «قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا» ، «وَقُلْ لِعِبادِي يَقُولُوا «5» ) و «قُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ «6» » ، فهذا مجزوم بالتشبيه بالجزاء والشرط
__________
(1) فى ب: من كل ذى زوج أو روح، وفى ش: من كل ذوى روح. [.....]
(2) في ب: ويقوى الخفض أنها.
(3) الثالثة فى قوله بعد آية (وفى خلقكم) : (واختلاف الليل والنهار وما أنزل الله من السماء من رزق فأحيا به الأرض من بعد موتها وتصريف الرياح آيات) .
(4) فى (ا) أخفر.
(5) سورة الإسراء الآية 53.
(6) سورة إبراهيم الآية 31.(3/45)
كأنه قولك: قم «1» تصب خيرًا، وليس كذلك «2» ، ولكن العرب إِذَا خرج الكلام فِي مثال غيره وهو مقارب لَهُ عرّبوه بتعريبه، فهذا من ذلك، وَقَدْ ذكرناه فِي غير موضع، ونزلت قوله:
«قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ» فِي المشركين قبل أن يؤمر النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقتال أهل مكَّة.
وقوله: لِيَجْزِيَ قَوْماً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (14) قرأها يَحيى بْن وثاب: لنجزى بالنون «3» ، وقرأها النَّاس بعد «لِيَجْزِيَ قَوْماً» »
بالياء وهما سواء بمنزلة قوله: «وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ» «5» ، «وَقَدْ خلقناك من قبل» «6» وَقَدْ قَرَأَ بعض القراء فيما ذُكر لي: ليُجزَى قَوْمًا، وهو فِي الظاهر لحن، فإن كَانَ أضمر فِي «يجزي» فعلا يقع بِهِ الرفع كما تَقُولُ: أُعطِيَ ثوبا ليُجزى ذَلِكَ الجزاء قوما فهو وجه.
وقوله: عَلى شَرِيعَةٍ (18) .
عَلَى دين وملة ومنْهاج كل ذَلِكَ يقال «7» .
وقوله: وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ (19) .
ترفع اللَّه، وهو وجه الإعراب إِذَا جاء الاسم بعد إنَّ، وخبر فارفعه كَانَ معه فعل أَوْ لم يكن.
فأما الَّذِي لا فعل معه فقوله: «أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ» «8» وأمّا الَّذِي معه فعل فقوله جل وعز: «وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ» «9» .
__________
(1) فى (ا) ثم، والتصويب عن ب، ح، ش.
(2) في (ب) كذاك.
(3) جاء فى الإتحاف 390: واختلف فى «لنجزى قوما» فنافع وابن كثير وأبو عمرو وعاصم ويعقوب بالياء مبقيا للفاعل، أي: ليجزى الله، وافقهم اليزيدي والحسن والأعمش.
وقرأ أبو جعفر بالياء المضمومة، وفتح الزاى مبنيا للمفعول مع نصب قوما. والباقون بنون العظمة مفتوحة مبنيا للفاعل.
(4) لم يثبت فى ح، ش: (ليجزى قوما) .
(5) سورة مريم الآية 9.
(6) وهى قراءة حمزة والكسائي بنون مفتوحة، وألف على لفظ الجمع، وافقهم الأعمش. والباقون بالتاء المضمومة بلا ألف على التوحيد (الإتحاف 298 وانظر النشر 2/ 317) .
(7) انظر اللسان مادة شرع.
(8) سورة التوبة الآية 3.
(9) سورة الجاثية الآية 19. [.....](3/46)
أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (21)
وقوله: وَإِذا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لا رَيْبَ فِيها (32) ترفع الساعة وهو وجه الكلام، وإن نصبتها فصواب، قَرَأَ بذلك حمزة الزيات «1» ، وفي قراءة عَبْد اللَّه: «وَإذَا قِيلَ إنَّ وَعْدَ اللَّهِ حقُّ وإن السَّاعةَ لا رَيْبَ فيها» «2» ، فقد عرفت الوجهين، وفسّرا «3» فى غير هذا الموضع.
وقوله: أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ
(21) الاجتراح: الاقتراف، والاكتساب.
وقوله: سَواءً مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ
«4» 21) تنصب سواء، وترفعه، والمحيا والممات فِي موضع رفع بمنزلة قوله: رَأَيْت القومَ سواء صغارهم وكبارهم [174/ ب] ، تنصب سواء لأنك تجعله فعلا لما عاد عَلَى النَّاس من ذكرهم، وما عاد عَلَى القوم وجميع الأسماء بذكرهم، وَقَدْ تقدم فعله، فاجعل الفعل معربًا بالاسم الأول. تَقُولُ: مررت بقوم سواء صغارهم وكبارهم «5» ، ورأيت قوما سواء صغارهم وكبارهم «6» .
وكذلك الرفع- وربما جعلت العرب: (سواءً) فِي مذهب اسم بمنزلة حسبك، فيقولون: رَأَيْت قوما سواء صغارهم وكبارهم، فيكون كقولك: مررت برجل حسبك أخوه «7» ولو جعلت مكان سواء مستوٍ لم ترفع، ولكن تجعله متبعا لما قبله، مخالفا لسواء لأن مستويا من صفة القوم، ولأن سواء- كالمصدر، والمصدر اسم.
ولو نصبت: المحيا والممات- كَانَ وجها تريد أن تجعلهم سواء فِي محياهم ومماتهم.
وَقوله: وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً (23) .
__________
(1) جاء فى إعراب القرآن العكبري (2/ 122) قوله تعالى: «وَالسَّاعَةُ لا رَيْبَ فِيها» يقرأ بالرفع على الابتداء وما بعده الخبر، وقيل: هو معطوف على موضع إن، وما عملت فيه، ويقرأ بالنصب عطفا على اسم إن.
(2) انظر المصاحف للسجستانى ص: 70.
(3) فى ش وفسر.
(4) لم يثبت فى ب: (ومماتهم) .
(5، 6) سقط فى ح.
(7) فى ب، ح، ش: حسبك أبوه.(3/47)
وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (28)
قرأها «1» يَحيى بْن وَثاب (غَشْوَة) «2» بفتح الغين، وَلا يلحق «3» فيها ألفا، وَقرأها النَّاس (غِشاوَة) «4» ، كأن غشاوَة «5» اسم، وَكأن غشوة «6» شيء غشيها فِي وَقعة واحدة، مثل: الرجفة، وَالرحمة، وَالمرَّة.
وقوله: نَمُوتُ وَنَحْيا (24) .
يَقُولُ القائل: كيف قَالَ: نموت ونحيا، وهم مكذبون «7» بالبعث؟ فإنما أراد نموت، ويأتي بعدنا أبناؤنا، فجعل فعل أبنائهم كفعلهم، وهو فِي العربية كَثِير.
وقوله: وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ (24) .
يقولون: إلّا طول الدهر، ومرور الأيام والليالي والشهور والسنين.
وفي قراءة عَبْد اللَّه: «وما يُهْلِكُنا إلّا دَهْرٌ» ، كأنه: إلّا دهر يمر.
وقوله: وَتَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً 28.
يريد: «8» كلّ أهل دين جاثية يَقُولُ: «9» مجتمعة للحساب، ثُمَّ قَالَ: «كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعى إِلى كِتابِهَا» (28) . يَقُولُ إلى حسابها، وهو من قول اللَّه: «فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ» «10» و «بشماله» «11» .
وقوله: إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (29) .
الاستنساخ «12» : أن الملكين يرفعان عمل الرجل صغيرهِ وكبيره، فيثبت الله من عمله ما كان
__________
(1) فى (ا) وقرأها.
(2) فى ب عسوة بفتح العين، وهو تصحيف.
(3) فى ب ولم يلحق.
(4) جاء فى الاتحاف 390: واختلف فى «غشاوة» ، فحمزة والكسائي وخلف بفتح الغين وسكون الشين بلا ألف، وافقهم الأعمش، وعنه أيضا كسر الغين، والباقون بكسر الغين وفتح الشين وألف بعدها لغتان.
(5) سقط فى ح: كأن غشاوة.
(6) فى ب عشوة، تصحيف.
(7) فى ب يكذبون.
(8، 9) ساقط فى ح. [.....]
(10) سورة الانشقاق الآية 7، وسورة الحاقة الآية 19.
(11) سورة الحاقة الآية 25.
(12) فى ا، ح، ش: والاستنساخ.(3/48)
قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (4)
لَهُ ثواب أَوْ عقاب، ويطرحَ مِنْهُ اللغو الَّذِي لا ثواب فِيهِ ولا عقاب، كقولك: هلُمَّ، وتعال، واذهب، فذلك الاستنساخ.
وقوله: وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ (31) .
أضمر القول فيقال: أفلم، ومثله: «فَأَمَّا «1» الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ» «2» معناه، فيقال: أكفرتم، والله أعلم. وذلك أنّ أما لا بد لها من أن تجاب بالفاء، ولكنها سقطت لما سقط الفعل الَّذِي أضمر.
وقوله «3» : وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْساكُمْ (34) .
نترككم فِي النار كما نسيتم لقاء يومكم هَذَا، يَقُولُ: كما تركتم العمل للقاء يومكم هَذَا.
وقوله: فَالْيَوْمَ لا يُخْرَجُونَ مِنْها وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (35) .
يَقُولُ: لا يراجعون الكلام بعد دخولهم النار.
[175/ ا]
ومن سورة الأحقاف
قوله عزَّ وجلَّ: أَرَأَيْتُمْ «4» مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ، ثم قال: أَرُونِي ماذا خَلَقُوا (4) ولم يقل: خلقت، ولا خلقن لأنَّه إنَّما أراد الأصنام، فجعل فعلهم كفعل النَّاس وأشباههم لأن الأصنام تُكلّم وتُعبد وتعتاد «5» وتعظم كما تعظم «6» الأمراء وأشباههم، فذهب بها إلى مثل النَّاس.
وَهِيَ فِي قِرَاءَةِ عَبْد اللَّه [بْن مَسْعُود] «7» : مَن تعبدون من دون اللَّه، فجعلها (مَن) ، فهذا تصريح بشبه النَّاس فِي الفعل وفي الاسم. وفي قراءة عَبْد اللَّه «8» : أريتكم، وعامة ما فِي قراءته من قول اللَّه أريت،
__________
(1) وردت فى ب، ح، ش «وأمّا» ، تحريف.
(2) سورة آل عمران الآية 106.
(3) سقط فى ب: «وقوله» .
(4) فى ش: أريتم.
(5) سقط فى ش: وتعتاد.
(6) سقط فى ح: كما تعظم.
(7) الزيادة من ب.
(8) فى ب: عند الله، هو تصحيف.(3/49)
قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ (9)
وأريتم فهي «1» فِي قراءة عَبْد اللَّه بالكاف، حَتَّى إن فِي قراءته: «أرَيتْك الَّذِي يُكذِّب بالدين» » .
وقوله: أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ (4) .
قرأها العوامّ: «أثارة» ، وقرأها بعضهم قَالَ: قَرَأَ أَبُو عَبْد الرَّحْمَن «3» فيما أعلم «4» و «أثْرةً» «5» خفيفة. وَقَدْ ذكر عنْ بعض القراء «أثَره» «6» . والمعنى فيهن كلهن: بقية من علم، أَوْ شيء مأثور من كتب الأولين.
فمن قَرَأَ «أثارة» فهو كالمصدر مثل قولك «7» : السماحة، والشجاعة.
ومن قَرَأَ «أثَرة» فإنه بناه عَلَى الأثر، كما قيل: قَتَرة «8» .
ومن قَرَأَ «أَثْرة» كأن أراد «9» مثل قوله: «إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ» «10» ، والرّجفة.
وقوله: وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ (5) .
عنى «11» ب (من) الأصنام، وهي فِي قراءة عَبْد اللَّه: «ما لا يستجيب لَهُ» ، فهذا مما ذكرت لَكَ فِي: من، وما.
وقوله: قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ (9) .
يَقُولُ: لم أكن أول من بُعث، قَدْ بعث قبلى أنبياء كثير «12» .
وقوله: وَما أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ (9) .
نزلت فِي أصحاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ، وذلك أنهم شكوا إِلَيْه ما يلقون من أهل مكة قبل أن يؤمر
__________
(1) فى ا، ب وهى والتصحيح من ش.
(2) سورة الماعون الآية 1.
(3) فى ش قال: قرأها أبو عبد الرحمن، وفى ب وقرأها بعضهم قال: ولا أعلمه إلا أبا عبد الرحمن. [.....]
(4) ضرب على: فيما أعلم فى ب.
(5) فى ش أثرة.
(6) فى (ا) أثرة بسكون الثاء فى الأولى والثانية، تحريف.
(7) فى اقوله.
(8) القترة: الغبرة.
(9) فى ب، ش فكأنه أراد.
(10) سورة الصافات: 10.
(11) فى (ب) يعنى.
(12) (ب) كثيرة.(3/50)
بقتالهم، فقال النبي صلّى الله عليه: إني قَدْ رَأَيْت فِي منامي أني أهاجر إلى أرض ذات نخل وشجر وماء، فاستبشَروا بذلك، ثُمَّ إنهم مكثوا برهة لا يرون ذلك فقالوا للنبى صلّى الله عليه:
ما نرى تأويل ما قلت، وَقَدِ اشتد علينا الأذى؟ فأنزل اللَّه عزَّ وجلَّ: «قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ» أَخرُج إلى الموضع الَّذِي أُريته فِي منامي أم لا؟ ثُمَّ قَالَ لهم: إنَّما هُوَ شيء أُريته فِي منامي، وما أتبع إلا ما يوحى إليَّ. يَقُولُ: لم يوح إليَّ ما أخبرتكم بِهِ، ولو كَانَ وحيا لم يقل صلّى الله عليه: «وَما أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ» .
وقوله: وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ (10) .
شهد رَجُل من اليهود عَلَى مثل ما شهد عليه عبد الله بن سلام [175/ ب] من التصديق «1» بالنبي صلى الله عليه وأنَّه موصوف فِي التوراة، فآمن ذَلِكَ الرجل واستكبرتم.
وقوله: وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كانَ خَيْراً ما سَبَقُونا إِلَيْهِ (11) .
لمّا أسلمت: مزينة، وجهينة، وأسلم، وغفَار، قالت بنو عامر بن صعصعة وغطفانُ، وأشجع وأسد: لو كان هذا خيرا ما سبقنا إليه رعاة الْبَهْمِ. «2» ، فهذا تأويل قوله: «لَوْ كانَ خَيْراً مَا سَبَقُونا إِلَيْهِ» .
وقوله: وَهذا كِتابٌ مُصَدِّقٌ لِساناً عَرَبِيًّا (12) .
وفي قراءة عَبْد اللَّه: مصدق لما بين يديه لسانا عربيا، فنَصْبُه فِي قراءتنا عَلَى تأويل قراءة عَبْد اللَّه، أي هَذَا القرآن يصدق التوراة عربيًا مبينًا، وهي فِي قراءة عَبْد اللَّه يكون [نصبًا] «3» من مصدق. عَلَى ما فسرت لَكَ، ويكون قطعا من الهاء فى بين يديه.
وقوله عز وجل: لتنذر الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرى لِلْمُحْسِنِينَ (12) .
البشرى: تكون رفعا ونصبًا، الرفع عَلَى: وهذا كتاب مصدق وبشرى، والنصب عَلَى «4» لتنذر الَّذِينَ ظلموا وتبشر، فإذا أسقطت تبشر، ووضعت فِي موضعه بشرى أو بشارة نصبت،
__________
(1) في ب، ح، ش للتصديق، وعبارة الأصول أقوم.
(2) فى (ا) ما سبقونا إليه رعاة إليهم، وإليهم تحريف، وفى ش ما سبقونا إليه رعاة البهم، والتصويب عن ب والبهم:
أولاد الضأن والمعز والبقر، جمع بهمة بفتح وسكون.
(3) زيادة من ب، ح، وفى ش يكون منصوبا.
(4) سقط فى (ا) لفظ على.(3/51)
وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (15)
ومثله فِي الكلام: أعوذ بالله منك، وسقيا لفلان، كأنه قَالَ: وسقي اللَّه فلانًا، وجئت لأكرمك وزيارة لَكَ وقضاء لحقك، معناه: لأزورك وأقضي حقك، فنصبت الزيارة والقضاء بفعل مضمر.
وقوله: وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ إِحْساناً (15) .
قرأها أهل الكوفة بالألف، وكذلك هِيَ فِي مصاحفهم، وأهل المدينة وأهل البصرة يقرءون:
(حُسْنًا) «1» وكذلك هِيَ فِي مصاحفهم، ومعناهما واحد والله أعلم.
وقوله: حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً (15) .
وفي قراءة عَبْد اللَّه: حتّى إِذَا استوى وبلغ أشده «2» وبلغ أربعين سنة، والمعنى فِيهِ، كالمعنى فِي قراءتنا لأنَّه جائز فِي العربية أن تقول: لمَّا ولد لَكَ وأدركت مدرك الرجال عققت وفعلت، والإدراك قبل الولادة، وَيُقَال: إن الأشدها هنا هُوَ الأربعون «3» .
وسمعت بعض المشيخة يذكر بإسناد لَهُ فِي الأشد: ثلاث وثلاثون، وفي الاستواء: أربعون.
وسمعت أن الأشد فِي غير هذا الموضع: ثمانى عشرة. والأول أشبه بالصواب لأن الأربعين أقرب فِي النسق إلى ثلاث وثلاثين ومنها إلى ثماني عشرة ألا ترى أنك تَقُولُ: أخذت عامة المال أَوْ كلَّه، فيكون أحسن من أن تَقُولُ: أخذت «4» أقلّ المال أَوْ كلّه. ومثله قوله: «إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ» «5» ، فبعض ذا قريب من بعض، فهذا سبيل كلام العرب [176/ ا] ، والثاني يعنى ثمانى عشرة، [و] «6» لو ضم إلى الأربعين كَانَ وجها.
وقوله: أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ (15) .
نزلت هَذِهِ الآية: فِي أَبِي بَكْر الصديق رحمه الله.
__________
(1) جاء فى الاتحاف (391) : واختلف فى حسنا، فعاصم وحمزة والكسائي وخلف: إحسانا، وافقهم الأعمش، والباقون بضم الحاء وسكون السين بلا همز ولا ألف (وانظر الطبري 26/ 10) . [.....]
(2) بلغ الرجل أشده إذا اكتهل (ابن سيده) ونقله اللسان.
(3) وقال الزجاج هو من نحو سبع عشرة إلى الأربعين، وقال مرة هو ما بين الثلاثين والأربعين (اللسان:
شدد) .
(4) فى ش أخذ.
(5) سورة المزمل الآية 20.
(6) فى ب: لو، سقط.(3/52)
[حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ] «1» حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: حَدَّثَنِي بِهِ حِبَّانُ بْنُ عَلِيٍّ الْعَنَزِيُّ عَنِ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عباس قال: نَزَلَتْ فِي أَبِي بَكْرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ إِلَى قوله: «أُولئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ «2» » إِلَى آخِرِ الآيَةِ «3» .
وقرأ يَحيى بْن وثاب، وذُكرت عنْ بعض أصحاب عَبْد اللَّه: «نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئاتِهِمْ» بالنون. وقراءة «4» العوام: «يُتقبل «5» عَنْهُمْ أحسن ما عملوا ويُتجاوز عنْ سيئاتهم» بالياء وضمها «6» ، ولو قرئت «تُتَقَبَّلُ عَنْهُمْ [أحسن ما عملوا] «7» وتُتجاوز» كان صوابا.
وقوله: وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي «8» (16) .
كقولك: وعدا صدقا، أضيف إلى نفسه، وما كَانَ من مصدر فِي معنى حقا فهو نصب معرفة كَانَ أَوْ نكرة، مثل قوله فِي يونس: «وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا» «9» .
وقوله: وَالَّذِي «10» قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما (17) .
ذُكِرَ أَنَّهُ عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي بَكْر قَالَ هَذَا القول قبل أن يسلم: (أُفٍّ لكما) قذرا لكما «11» أتعدانني أن أخرج من القبر؟
واجتمعت القراء عَلَى (أخرج) بضم الألف لم يسم فاعله، وَلَوْ قرئت: أن أَخْرُجَ بفتح الألف كَانَ صوابًا.
وقوله: وَهُما يَسْتَغِيثانِ اللَّهَ (17) .
__________
(1) الزيادة من ب.
(2) لم تثبت (أحسن) سقط فى ح، ش.
(3) فى ب: أولئك الذين نتقبل عنهم. إلى آخر الآية: أحسن.
(4) فى ب: وقرأه.
(5، 6) لم يثبت فى ح.
(7) التكملة من ب، ش.
(8) لم يثبت (الذي) فى غير ب.
(9) سورة يونس آية 4.
(10) لم يثبت (الذي) فى ا. [.....]
(11) الأف: الوسخ الذي حول الظفر، وقيل: الأفّ وسخ الأذن، يقال ذلك عند استقذار الشيء، ثم استعمل ذلك عند كل شىء يضجر منه، ويتأذى به (اللسان: أفف) .(3/53)
وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ (20)
ويقولان: «وَيْلَكَ آمِنْ» . القول مضمر يعنى: أبابكر رحمه اللَّه وامرأته.
وقوله: أُولئِكَ الَّذِينَ «1» حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ (18) .
لم تنزل فى عبد الرحمن بْن أَبِي بَكْر، ولكن عَبْد الرَّحْمَن قَالَ: ابعثوا [لي] «2» جُدْعان بْن عَمْرو، وعثمان بْن عَمْرو- وهما من أجداده- حَتَّى أسألهما «3» عما يقول محمد صلّى الله عليه- أحق أم باطل؟ فأنزل اللَّه: «أُولئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ» . يعنى: جدعان، وعثمان.
وقوله: أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ (20) قرأها الْأَعْمَش وعاصم ونافع الْمَدَنِيّ بغير استفهام، وقرأها الحسن وأبو جعفر المدني بالاستفهام:
«أَذْهَبْتُمْ» «4» ، والعرب تستفهم «5» «6» بالتوبيخ ولا تستفهم «7» فيقولون: ذَهَبْتَ ففعلت وفعلت «8» ، ويقولون: أذَهَبْتَ ففعلت وفعلت، وكلٌّ صواب «9» .
وقوله: إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقافِ (21) .
أحقاف الرمل، واحدها: حِقفٌ، والحِقفُ: الرملة المستطيلة المرتفعة إلى فوق.
وقوله: وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ (21) .
قبله «10» ومن خلفه من بعده، وهى [176/ ب] فِي قراءة عَبْد اللَّه «من بين يديه ومن بعده» .
وقوله: فَلَمَّا رَأَوْهُ عارِضاً مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ (24) .
__________
(1) سقط لم يثبت فى (ا) .
(2) كذا فى (ا، ب) وفى ح، ش إلىّ.
(3) فى ب أسلهما، تحريف.
(4) فى ش أذهبتم، سقط.
(5) فى ش تستفتح، تحريف.
(6، 7) ساقط فى ح.
(8) سقطت فى ش: (وفعلت) .
(9) قرأ بالاستفهام الساقط أداته نافع وأبو عمرو وعاصم وحمزة والكسائي (الاتحاف 392) وقرأ قتادة ومجاهد وابن وثاب وأبو جعفر والأعرج وابن كثير بهمزة بعدها مدة مطولة، وابن عامر بهمزتين حققهما ابن ذكوان، وليّن الثانية هشام وابن كثير في رواية. (البحر المحيط 8/ 63) .
(10) كذا فى النسخ والأرجح أنها محرفة عن: (قوله) .(3/54)
طمعوا أن يكون سحابَ مطرٍ، فقالوا: هَذَا الَّذِي وعدْتَنا، هَذَا والله الغيث والخير، قَالَ اللَّه قل لهم: بل هُوَ ما استعجلتم بِهِ من العذاب. وفي قراءة عَبْد اللَّه: قل [بل] «1» ما استعجلتم بِهِ هِيَ ريح فيها عذاب أليم. وهو، وَهي «2» فِي هَذَا الموضع بمنزلة قوله: «مِنْ مَنى تُمْنَى» وَ «يُمْنى» «3» .
من قَالَ: «هُوَ» . ذهب إلى العذاب، ومَن قَالَ: «هِيَ» ذهب إلى الريح.
وقوله: فَأَصْبَحُوا لا يُرى إِلَّا مَساكِنُهُمْ (25) .
قرأها الْأَعْمَش وَعاصم وَحمزة «لا يُرى إِلَّا مَساكِنُهُمْ» «4» .
قَالَ الفراء: وقرأها عليّ بْن أَبِي طالب، رحمه الله.
[حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ] «5» حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخُرَسَانِيُّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ قَالَ: «لا تَرَى إلا مساكنهم» .
[حدثنا محمد قال] «6» حدثنا «7» الفراء قال و «8» حدثنى الكسائي عنْ قطر بْن خليفة عنْ مجاهد أَنَّهُ قَرَأَ: «فأصبحوا لا تَرَى إلا مساكنهم» . قَالَ: وَقرأ الحسنُ: «فأصبحوا لا تُرى إلا مساكنُهم» وفيه قبح فِي العربية لان العرب إِذَا جعلت فِعل المؤنث قبل إِلا ذَكَّروه، فقالوا:
لم يقم إلا جاريُتَك، وما قام إِلا جاريتك، ولا يكادون يقولون: ما قامت إِلا جاريتك، وذلك أن المتروك أحد، فأحد إِذَا كانت لمؤنث أَوْ مذكر ففعلهما مذكر. ألا ترى أنك تَقُولُ: إن قام أحد منهن فاضرِبه، وَلا تقل: إن قامت إلا مستكرهَا، وَهو عَلَى ذَلِكَ جائز. قَالَ أنشدني المفضل:
ونارنا لم تر نارا مِثْلُها ... قَدْ عِلِمت ذاكَ معدً أكرما «9»
فأنث فعل (مثل) لأنه للنار، وأجود الكلام أن تقول: مارئى إلا مثلها.
__________
(1) سقط في ح، ش.
(2) فى ب، ح، ش: وهى وهو.
(3) سورة القيامة الآية 37.
(4) قرأ عاصم وحمزة ويعقوب وخلف بياء من تحت مضمومة بالبناء للمفعول، مساكنهم بالرفع نائب فاعل، وافقهم الأعمش، وعن الحسن بضم التاء من فوق مبنيا للمفعول مساكنهم بالرفع، وعن المطوعى يرى كعاصم مسكنهم بالتوحيد والرفع. والباقون بفتح التاء، مساكنهم بالنصب مفعولا به. [.....]
(5، 6) الزيادة من ب.
(7، 8) ساقط فى ح، ش.
(9) انظر ابن عقيل 2/ 107.(3/55)
فَلَوْلَا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ قُرْبَانًا آلِهَةً بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ وَذَلِكَ إِفْكُهُمْ وَمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (28)
وقوله: وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيما إِنْ مَكَّنَّاكُمْ (26) .
يقول: فى الذي لم نمكنكم فيه، و (إن) . بمنزلة ما فِي الجحد.
وقوله: وَحاقَ بِهِمْ (26) .
وهو فِي كلام العرب: عَادَ عليهم، وَجاء فِي التفسير: أحاط بهم، ونزل بهم «1» .
وقوله: وَذلِكَ إِفْكُهُمْ وَما كانُوا يَفْتَرُونَ (28) .
ويقرأ أَفَكُهُم، وأَفَكَهُم. «2» . فأمّا الإفك والَأفك فبمنزلة قولك: الحِذرُ وَالحذَر، والنِّجْس وَالنَّجَس. وأمَّا من قَالَ: أَفكَهُم فإنه يجعل الهاء وَالميم فِي موضع نصب يَقُولُ: ذَلِكَ صرفهم عَنِ الْإِيمَان «3» وكذبهم، كما قَالَ عزَّ وجلَّ: «يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ» «4» أي: يصرف عَنْهُ مَن صُرِف.
وقوله: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ «5» بِقادِرٍ (33) .
دخلت الباء للم، والعرب تدخلها مَعَ الجحود إِذَا كانت رافعة لما قبلها، وَيدخلونها إِذَا وقع عليها فعل يحتاج «6» إلى اسمين مثل قولك: ما أظنك بقائم، وما أظن أنك بقائم [177/ ا] وَما كنت بقائم، فإذا خلَّفْتَ «7» الباء نصبت الَّذِي كانت فِيهِ «8» بما يعمل «9» فِيهِ من الفعل، ولو ألقيت الباء من قادر فِي هَذَا الموضع رفعه لأنه خبر لأن. قَالَ «10» وأنشدنى بعضهم:
__________
(1) نقل اللسان عن الفراء فى قوله عز وجل: «وَحاقَ بِهِمْ» : فى كلام العرب: عاد عليهم ما استهزءوا به.
(2) قرأ الجمهور: إفكهم، وابن عباس فى رواية بفتح الهمزة، وقرأ ابن عباس أيضا، وابن الزبير وأبو عياض وعكرمة ومجاهد أفكهم بثلاث فتحات أي صرفهم. وأبو عياض وعكرمة أيضا كذلك إلا أنهما شددا الفاء للتكثير.
وابن الزبير أيضا، وابن عباس فيما ذكر ابن خالويه آفكهم أي جعلهم يأفكون (البحر المحيط 8/ 66) .
(3) فى ح، ش عن الإسلام
(4) سورة الذاريات: 9.
(5) «وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ» لم يثبت فى جميع النسخ، والتصويب من المصحف.
(6) فى ش محتاج.
(7) هكذا وردت فى (ب) ، وفى (ا) جعلت، وفى ح أخلعت وفى ش خلعت.
(8) سقط فى ش.
(9) فى ب مما يعمل.
(10) لم تثبت فى ش.(3/56)
فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ (4)
فما رَجعت بخائبةٍ رِكابٌ ... حكيمُ بنُ المسيِّب مُنتهاها «1»
فأدخل الباء فِي فعلٍ لو ألقيت مِنْهُ نصب بالفعل لا بالباء يقاس عَلَى هَذَا وَما أشبهه.
وَقَدْ ذكر عنْ بعض القراء أنه قرأ: (يقدر) «2» مكان (بقادر) : كما قَرَأَ حمزة: «وَما أنتَ تهدي العمى» «3» . وَقراءة العوام: «بِهادِي الْعُمْيِ» .
وقوله: أَلَيْسَ هذا بِالْحَقِّ (34) .
فِيهِ قول مضمر يُقال: أليس هَذَا بالحق بلاغٌ، أي: هَذَا بلاغ رفع بالاستئناف.
ومن سورة محمّد صلّى الله عليه وسلم
قوله عز وجل: فَضَرْبَ الرِّقابِ (4) .
نصب عَلَى الأمر، وَالذي نصب بِهِ مضمر، وَكذلك كل أمر أظهرتَ فِيهِ الأسماء، وَتركت الأفعال فانصب فِيهِ الأسماء، وَذكر: أَنَّهُ أدبٌ من الله وتعليم للمؤمنين للقتال «4» .
وقوله: فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ «5» وَإِمَّا فِداءً (4) .
مَنْصُوب «6» أيضًا عَلَى فعل مضمر، فإمّا أن تمنُّوا، وَإما أن تفدوا «7» فالمن: أن تترك الأسير بغير فداء، وَالفداء: أن يفديَ «8» المأسورُ نفسه.
وقوله: حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها (4) .
آثامها «9» وَشركها حَتَّى لا يبقى إِلّا مُسْلِم، أَوْ مسالم. وَالهاء التي فِي أوزارها تكون للحرب
__________
(1) انظر مغنى اللبيب 1: 94. [.....]
(2) قرأ يعقوب: يقدر بياء مثناة تحت مفتوحة، وإسكان القاف بلا ألف (الاتحاف 392) .
(3) سورة النمل الآية 81 وسورة الروم 53 وانظر الاتحاف 339.
(4) فى ب، ج، ش القتال.
(5) فى ح: مناو إما، سقط.
(6) فى ش فمنصوب.
(7، 8) سقط فى ح.
(9) فى (ا) أثاما وفى (ش) أثامها وكل تحريف.(3/57)
وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ (6)
وَأنت تعني: أوزار أهلها، وَتكون لأهل الشرك خاصةً، كقولك: حَتَّى تنفي الحرب أوزار المشركين.
وقوله: ذلِكَ وَلَوْ يَشاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ (4) بملائكة غيركم، وَيُقَال: بغير قتال، ولكن ليبلو بعضكم ببعض، المؤمن بالكافر، والكافر بالمؤمن.
وقوله: والذين قَاتَلُوا فِي سبيل اللهِ (4) قرأها الْأَعْمَش وعاصم وزيد بن ثابت «1» [حدثنا محمد] «2» حدثنا الفراء قال: حَدَّثَنِي بِذَلِكَ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخُرَاسَانِيُّ عَنْ [عَطَاءٍ عَنْ أَبِي] «3» عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ: قَاتَلُوا «4» ، وَقَرَأَهَا الْحَسَنُ: قُتِّلُوا «5» مُشَدَّدَةً، وَقَدْ خَفَّفَهَا بَعْضُهُمْ فَقَالَ: قُتِلُوا مُخَفَّفٌ، وَكُلُّ ذَلِكَ «6» صَوَابٌ.
وقوله: وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَها لَهُمْ (6) يعرفون منازلهم إِذَا دخلوها، حَتَّى يكون أحدهم أعرف بمنزلة فِي الجنة مِنْهُ بمنزله إِذَا رجع من الجمعة.
وقوله: فَتَعْساً لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمالَهُمْ (8) كأنه قَالَ: فأتعسهم اللَّه وأضل أعمالهم لأنّ الدعاء قَدْ يجري مجرى الأمر والنهي، ألا ترى أنّ أضل فعل، وأنها مردودة عَلَى التعس، وهو اسم لأن فيه معنى أتعسهم، وكذلك قوله: «حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا» مردودة [177/ ب] على أمر مضمر ناصب لضرب «7» الرقاب.
__________
(1) قرأ الجمهور قاتلوا بفتح القاف والتاء بغير ألف، وقتادة والأعرج والأعمش وأبو عمرو وحفص:
قتلوا مبنيا للمفعول، والتاء خفيفة، وزيد بن ثابت والحسن وأبو رجاء وعيسى والجحدري أيضا كذلك (البحر المحيط 8/ 75) .
وعن الحسن بفتح القاف وتشديد التاء بلا ألف (قتّلوا) الاتحاف 393.
(2) الزيادة من ب.
(3) كذا فى ب وفى (ح) عن عطاء عن عبد الرحمن، وفى (ش) عن عطاء بن أبى عبد الرحمن.
(4) لم يثبت فى ش: (قاتلوا) .
(5) فى ح، ش: والذين قتّلوا.
(6) لم يثبت فى ح، ش: ذلك.
(7) فى ش بضرب، تحريف. [.....](3/58)
وقوله: كَرِهُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ (9) كرهوا القرآن وسخطوه.
وقوله: دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكافِرِينَ أَمْثالُها (10) يَقُولُ: لأهل مكَّة أمثال ما أصاب قوم لوط وعاد وثمود «1» وعيدٌ من الله.
وقوله: ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا (11) يريد: وَلِيّ الَّذِينَ آمنوا، وكذلك هِيَ فِي قراءة عَبْد اللَّه «ذَلِكَ بأن اللَّه ولِيّ الَّذِينَ آمنوا» وهي مثل التي «2» فِي المائدة فى قراءتنا: «إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ» «3» ، ومعناهما واحد، والله أعلم.
وقوله: وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ (12) .
ترفع النار بالمثوى، ولو نصبت المثوى، ورفعت النار باللام التي فِي (لهم) كَانَ وجها.
وقوله: مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ (13) .
يريد: التي أخرجك أهلها إلى المدينة، ولو كَانَ من قريتك التي أخرجوك كَانَ وجها، كما قال:
«فَجاءَها بَأْسُنا بَياتاً أَوْ هُمْ قائِلُونَ «4» » ، فَقَالَ: (قائلون) ، وفي أول الكلمة: (فجاءها) .
وقوله: فَلا ناصِرَ لَهُمْ (13) .
جاء فِي التفسير: فلم يكن لهم ناصر حين أهلكناهم، فهذا وجه، وَقَدْ يجوز إضمار كَانَ، وإن كنت قَدْ نصبت الناصر بالتبرية، ويكون: أهلكناهم فلا ناصر لهم الآن من عذاب اللَّه.
وقوله: أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ (14) ولم يقل: واتبع هواه، وذلك أنّ من تكون فِي معنى واحد وجميع، فرُدّت أهواؤهم عَلَى المعنى، ومثله: «وَمِنَ الشَّياطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ» «5» ، وفي موضع آخر: «وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ» «6» ، وَفِي موضع آخر: «وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ» «7» .
__________
(1) فى ب وعادا وثمودا.
(2) فى (ا) وهى التي
(3) لم يثبت في ح، ش: (ورسوله) ، والآية فى سورة المائدة: 55، وكرر فى قراءة عبد الله السابقة، ولم تثبت فى ب، ح، ش.
(4) سورة الأعراف: 4.
(5) سورة الأنبياء الآية 82.
(6) سورة الأنعام الآية 25.
(7) سورة يونس الآية 42.(3/59)
وقوله: مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ (15) .
[حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ:] «1» حدثنا الفراء قال: أخبرني حِبَّانُ بْنُ عَلِيٍّ عَنِ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاس قَالَ:
مثل «2» الجنة، أمثال الجنة، صفات الجنة. قَالَ ابْنُ عباس: وكذلك قرأها عليّ بْن أَبِي طَالِب: أمثال.
وقوله: مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ (15) .
غير متغير، غير آجن.
وقوله: وَأَنْهارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ (15) لم يخرج من ضروع الإبل ولا الغنم برغوته.
وقوله «3» : وَأَنْهارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ (15) .
اللذة مخفوضة، وهي الخمر بعينها، وإن شئت جعلتها تابعة للَأنهار، وأنهارٌ لذةٌ، وإن شئت نصبتها عَلَى يتلذذ بها لذة، كما تَقُولُ: هَذَا لَكَ هبةً وشبهه، ثُمَّ قَالَ: «كَمَنْ هُوَ خالِدٌ» لم يقل:
أمن كَانَ فِي هَذَا كَمَن هُوَ خَالِد فِي النار؟ ولكنه فِيهِ ذلك المعنى فَبُني عَلَيْهِ.
وقوله: وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ (16) .
يعنى خطبتك فى الجمعة [178/ ا] فلا يستمعون ولا يعون [حَتَّى] «4» إِذَا انصرفوا، وخرج النَّاس قَالُوا للمسلمين: مَاذَا قَالَ آنِفًا، يعنون النبي صلّى الله عليه استهزاءً منهم.
قَالَ اللَّه عزَّ وجلَّ: «أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ» «5» .
__________
(1) الزيادة من ح، ش.
(2) جاء فى اللسان مادة مثل: قال ابن سيده: وقوله عز من قائل «مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ» قال الليث:
مثلها هو الخبر عنها وقال أبو اسحق: معناه صفة الجنة، وردّ ذلك أبو على قال: لأن المثل الصفة غير معروف في كلام العرب، إنما معناه التمثيل ... وقال المبرد فى المقتضب فى قوله: «مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ» التقدير: فيما يتلى عليكم مثل الجنة ثم فيها وفيها: قال: ومن قال إن معناه صفة الجنة فقد أخطأ لأن (مثل) لا يوضع فى موضع صفة.
وانظر المقتضب 3/ 225.
(3) سقط فى ب.
(4) زيادة من ب، وش تستقيم بها العبارة.
(5) سورة النحل 108 ومحمد 16.(3/60)
وقوله وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً (17) .
زادهم «1» استهزاؤهم هدى، وآتاهم اللَّه تقواهم، يُقال: أثابهم ثواب تقواهم، وَيُقَال: ألهمهم تقواهم، وَيُقَال: آتاهم تقواهم من المنسوخ إِذَا نزل الناسخ.
وقوله: فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جاءَ أَشْراطُها (18) .
(أن) مفتوحة فى القراءة كلها. حدثنا الفراء قال: وحدثني أَبُو جَعْفَر الرؤاسي قَالَ: قلت لأبي عَمْرو بْن العلاء: ما هَذِهِ الفاء التي فى قوله: «فَقَدْ جاءَ أَشْراطُها» ؟ قَالَ: جواب للجزاء.
قَالَ: قلت: أَنْها (أَنْ تأتيهم) مفتوحة؟ قَالَ: فَقَالَ: مُعَاذِ اللَّه إنَّما هِيَ (إِنْ تَأْتِهِمْ) . قَالَ الفراء:
فظننت أَنَّهُ أخذها عنْ أهل مكَّة لأنَّه عليهم قَرَأَ، وهي أيضًا فِي بعض مصاحف الكوفيين: تأتهم بسينة واحدة «2» ، ولم يقرأ بها «3» أحد منهم، وهو من المكرّر: هَلْ ينظرون إلا الساعة، هَلْ ينظرون إلا أن تأتيهم بغتة. والدليل عَلَى ذَلِكَ أن التي فِي الزخرف فِي قراءة عَبْد اللَّه: «هَلْ يَنْظُرونَ إِلّا أنْ تَأْتيهم الساعةُ» «4» ومثله: «وَلَوْلا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ» «5» لولا أن تطَئوهم فإن فِي موضع رفع عند الفتح، وأن فى الزخرف- وهاهنا نصب «6» مردودة عَلَى الساعة، والجزم جائز تجعل: هل ينظرون إلا الساعة مكتفيًا، ثُمَّ تبتدئ: إن تأتهم، وتجيئها بالفاء عَلَى الجزاء، «7» والجزم جائز «8» .
وقوله: فَأَنَّى لَهُمْ إِذا جاءَتْهُمْ ذِكْراهُمْ (18) .
«ذكراهم» فِي موضع رفع بلهم، والمعنى: فإني «9» لهم ذكراهم إذا جاءتهم الساعة؟ ومثله:
«يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرى» «10» أي: ليس ينفعه ذكره، ولا ندامته.
__________
(1) كذا فى النسخ، وأراها تحريف (اهتداؤهم) .
(2) كذا فى جميع النسخ وقد تكون بسنة. [.....]
(3) فى (ح) ولم يقرأها.
(4) الزخرف الآية 66.
(5) سورة الفتح الآية 25.
(6) فى ب كتب فوق قوله هاهنا نصب: مردودة يعنى فى سورة محمد صلّى الله عليه.
(7، 8) ساقط فى ح، ش.
(9) فى ش: فأين.
(10) سورة الفجر الآية 23.(3/61)
وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلَا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلَى لَهُمْ (20)
وقوله: فَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ (20) .
وفي قراءة عَبْد اللَّه: سُورةٌ مُحْدَثةٌ. كَانَ المسلمون إِذَا نزلت الآية فيها القتال. وذِكْره شق عليهم وتواقعوا أن تنسخ، فذلك قوله: «لَوْلا نُزِّلَتْ سُورَةٌ «1» » (13) أي هلّا أنزلت سوى هَذِهِ، فإذا نزلت «2» وَقَدْ أُمروا فيها بالقتال كرهوها، قَالَ اللَّه: (فأولى لهم) لمن كرهها، ثُمَّ وصف قولهم قبل أن تنزَّل: سَمِعَ وطاعة، قَدْ يقولون: سَمِعَ وطاعة، فإذا نزل الأمر كرهوه «3» ، فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لكان خيرا لهم، فالطاعة مرفوعة فِي كلام العرب إِذَا قيل لهم: افعلوا كذا وكذا، فثقل عليهم أَوْ لم يثقل قالوا: سمع وطاعة.
[حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ] «4» : حدثنا الفراء قال: أخبرني حِبَّانُ عَنِ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاس قَالَ:
قَالَ اللَّه عزَّ وجل: (فأولى) ثُمَّ قَالَ لَهُمْ للذِين آمنوا مِنْهم طَاعَةٌ وقول معروف، فصارت:
فأولى وعيدًا لمن كرهها، واستأنف الطاعة بلهم، والأول عندنا كلام العرب، وقول الكلبي هَذَا غير مردود.
وقوله: [178/ ب] فَهَلْ عَسَيْتُمْ (22) .
قرأها العوام بنصب السين «5» ، وقرأها نافع الْمَدَنِيّ: فهل عَسِيتُم، بكسر السين «6» ، ولو كانت كذلك لقال: عَسى [فِي موضع عسى] . «7» ولعلها لغة نادرة، وربما اجترأت العرب عَلَى تغيير بعض اللغة إِذَا كَانَ الفعل لا يناله قَدْ. قَالُوا: لُسْتُم يُريدون «8» لستُمِ، ثُمَّ يقولون: لَيْسَ وَلَيْسُوا سواء، لأنَّه فعل لا يتصرف ليس لَهُ يفعل «9» وكذلك «10» عسى ليس لَهُ يفعل «11» فلعله اجترى عَلَيْهِ كما اجترى عَلَى لستم.
__________
(1) فى جميع النسخ: لولا أنزلت، وهى فى المصحف، كما أثبتناها، ولم نعثر على قراءة فيها (أنزلت) .
(2) فى ش: فإذا أنزلت.
(3) فى (ا) فإذا نزلت الأمر كرهوها، والتصويب من ب، ح، ش.
(4) الزيادة من ش.
(5) انظر الاتحاف ص 394 وتفسير الطبري ح 6 ص 33.
(6) وجّه أبو على الفارسي قراءة نافع: فهل عسيتم بكسر السين قال: لأنهم قد قالوا: هو عس بذلك، وما اعساه، وأعس به، فقوله: عس يقوى عسيتم، ألا ترى أن عس كحر وشج، وقد جاء فعل وفعل فى نحو: وترى الزند، وورى، فكذلك عسيتم وعسيتم. لسان العرب مادة عسى.
(7) التكملة من ب، ح، ش. [.....]
(8) فى (ا) تريدون.
(9) لم يثبت فى ح، ش: ليس له يفعل.
(10، 11) من ب، ح، ش.(3/62)
إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ (25)
وقوله: «فَهَلْ عَسَيْتُمْ» ... إن توليتم أمور النَّاس أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ، وَتُقَطِّعُوا أرحامكم، وَيُقَال: ولعلكم «1» إن انصرفتم عنْ مُحَمَّد صَلَّى الله عليه، وتوليتم عَنْهُ أن تصيروا إلى أمركم الأول من قطيعة الرحم والكفر والفساد.
وقوله: الشَّيْطانُ سَوَّلَ لَهُمْ (25) .
زين لهم وأملي لهم اللَّه، وكذلك قرأها الْأَعْمَش وعاصم، وَذُكِرَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَابْنِ مَسْعُود وزيد بْن ثابت (رحمهم اللَّه) أنهم قرءوها كذلك بفتح الألف.
وذُكر عنْ مجاهد أَنَّهُ قرأها: (وَأُمْلَى لهم) مرسلة الياء، يخبر اللَّه جل وعز عنْ نفسه، وقرأ بعض أهل المدينة: وأُملى لهم بنصب الياء وضم الألف، يجعله فعلا لم يسمّ فاعله، والمعنى متقارب «2» .
وقوله: إِسْرارَهُمْ (26) .
قرأها النَّاس: أَسرارهم: جمع سر، وقرأها يَحيى بْن وثاب وحده: إسرارهم بكسر الألف، واتبعه الأعمش وحمزة والكسائي «3» ، وهو مصدر، ومثله: «وَأَدْبارَ السُّجُودِ» «4» .
وقوله: أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغانَهُمْ (29) يقول: أن لن يبدى الله عداوتهم وبغضهم لمحمد صلى الله عليه.
وقوله: وَلَوْ نَشاءُ لَأَرَيْناكَهُمْ (30) .
يريد: لعرفناكهم، تقول «5» للرجل: قد أريتك كذا وكذا، ومعناه عرفتكه وعلمتكه، ومثله: «وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ» ، فِي نحو القول، وفي معنى القول.
وقوله: فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ (35)
__________
(1) فى ح، ش فلعلكم.
(2) انظر الطبري 26- 34 والاتحاف 394 وفى البحر المحيط: 8/ 83:
(3) انظر الطبري 26- 34 والاتحاف 394، وقد قرأ الجمهور بفتح الهمزة وابن وثاب وطلحة والأعمش وحمزة والكسائي وحفص بكسرها، وهو مصدر قالوا ذلك سرا فيما بينهم، وأفشاه الله عليهم.
(4) سورة ق الآية 40، وكرر فى ب، ش: وأدبار السجود.
(5) فى ب، ش. وأنت تقول ...(3/63)
إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا (1)
كلاهما مجزومتان «1» بالنهى: لا تهنوا ولا تدعوا، وَقَدْ يكون منصوبًا عَلَى الصرف يَقُولُ:
لا تدعوا إلى السلم، وهو الصلح، وأنتم الأعلون، أنتم الغالبون آخر الأمر لكم.
وقوله: وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمالَكُمْ (35) .
من وترت الرجل إِذَا قتلت «2» لَهُ قتيلًا، أَوْ أخذت «3» لَهُ مالًا فقد وترته. وجاء فِي الحديث:
(من فاتته العصر فكأنما وتر أهله وماله «4» ) «5» قَالَ الفراء، وبعض الفقهاء يَقُولُ: أوتر، والصواب وتر «6» .
وقوله: إِنْ يَسْئَلْكُمُوها فَيُحْفِكُمْ (37) .
أي يجهدكم تبخلوا ويخرج أضغانكم، ويخرج ذَلِكَ البخل «7» عداوتكم، ويكون يخرج الله أضغناكم. «8» أحفيت الرجل: أجهدته «9» .
ومن سورة الفتح
قوله: إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً (1) .
كَانَ فتح وفيه قتال [قليل] «10» مراماة بالحجارة، فالفتح «11» قَدْ يكون صلحًا، ويكون أخذ الشيء عنوة، ويكون القتال إنما [179/ ا] أريد به يوم الحديبية.
__________
(1) فى ب: كليهما مجزومان، وكليهما تحريف، وفى ش: كلاهما مجزومان.
(2) فى ش: قلت، وهو تحريف.
(3) فى ش: وأخذت.
(4) الموطأ: 11، 12، وروايته: (الذي تفوته العصر، كأنما وتر أهله وماله) .
(5، 6) زيادة فى ج، ش.
(7) فى ش أضغانكم بعد كلمة البخل. [.....]
(8، 9) سقط فى ح، ش.
(10) زيادة من ب، ح، ش.
(11) فى ش: والفتح.(3/64)
وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (6)
وقوله: دائِرَةُ السَّوْءِ (6) .
مثل قولك: رجل السّوء، ودائرة السوء: العذاب، والسّوء أفشى فِي اللغة «1» وأكثر، وقلما تَقُولُ «2» العرب: دائرة السّوء.
وقوله «3» : إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً (8) ثم قال: لِتُؤْمِنُوا (9) .
ومعناه: ليؤمن بك من آمن، ولو قيل: ليؤمنوا لأن المؤمن غير المخاطَب، فيكون المعنى:
إنا أرسلناك ليؤمنوا بك، والمعنى فى الأول يراد بِهِ مثل هَذَا، وإن كَانَ كالمخاطب لأنك تَقُولُ للقوم: قَدْ فعلتم وليسوا بفاعلين كلهم، أي فعلَ بعضكم، فهذا دليل عَلَى ذلك.
وقوله: وَتُعَزِّرُوهُ (9) .
تنصروه بالسيف كذلك ذكره عَنِ الكلبي.
وقوله: يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ (10) بالوفاء والعهد «4» .
وقوله: سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرابِ (11) .
الَّذِينَ تخلفوا عَنِ الحديبية: شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا، وهم «5» أعراب: أسلم، وجهينة، ومزينة، وغِفَار- ظنوا أن لن ينقلب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عليه، فتخلفوا.
وقوله: إِنْ أَرادَ بِكُمْ ضَرًّا (11) .
ضم يَحيى بْن وثاب وحده الضاد، ونصبها عاصم، وأهل المدينة والحسن «ضَرًّا» «6» .
وقوله: أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلى أَهْلِيهِمْ أَبَداً «7» (12) وفى قراءة عهد اللَّه:
«إلى أهلهم» بغير ياء، والأهل جمع وواحد.
__________
(1) فى ب، ح، ش أفشى فى القراءة.
(2) فى ش يقول.
(3) سقط فى ش: وقوله.
(4) فى ب، ش بالعهد.
(5) فى ش: ومنهم.
(6) اختلف فى «ضرا» ، فحمزة والكسائي وخلف بضم الضاد، وافقهم الأعمش، والباقون بفتحها، لغتان كالضّعف، والضّعف (الاتحاف 396) وانظر المصاحف للسجستانى: 71.
(7) لم يثبت فى ح، ش: أبدا.(3/65)
سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا بَلْ كَانُوا لَا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلًا (15)
وقوله: وَكُنْتُمْ قَوْماً بُوراً (12) .
[حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ] : «1» حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: حَدَّثَنِي حِبَّانُ عَنِ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الْبُورُ فِي لُغَةِ أَزْدِ عُمَانَ: الْفَاسِدُ، وَكُنْتُمْ قَوْمًا بُورًا، قَوْمًا فَاسِدِينَ، وَالْبُورُ فِي كَلامِ الْعَرَبِ:
لا شَيْءَ «2» يُقَالُ «3» : أَصْبَحَتْ أَعْمَالُهُمْ بُورًا، وَمَسَاكِنُهُمْ قُبُورًا.
وقوله عزَّ وجلَّ: سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلى مَغانِمَ لِتَأْخُذُوها (15) .
يعني خيبر لأن الله فتحها عَلَى رسوله من فوره من الحديبية، فقالوا ذَلِكَ لرسول اللَّه: ذرنا نتبعك، قَالَ: نعم عَلَى ألّا يُسْهَم لكم، فإن «4» خرجتم عَلَى ذا فاخرجوا فقالوا للمسلمين: ما هَذَا لكم ما فعلتموه بنا إلا حسدا؟ قَالَ المسلمون: كذلكم قَالَ اللَّه لنا من قبل أن تقولوا.
وقوله: يُرِيدُون أَنْ يُبِدَّلُوا كلِمَ اللَّهِ (15) .
قرأها يَحيى (كَلِم) وحده، والقراء بعدُ (كَلامَ اللَّهِ) بألف «5» ، والكلام مصدرٌ، والكلمُ جمع الكلمة والمعنى فِي قوله: «يريدون أن يبدلوا كلم اللَّه» «6» : طمعوا أن يأذن لهم فيبدِّل كلام اللَّه، ثُمَّ قيل: إن كنتم إنَّما ترغبون فِي الغزو والجهاد لا فِي الغنائم، فستدعون غدا إلى أهل اليمامة إلى قوم أولى بأس شديد- بني حنيفة أتباع مسيلمة- هَذَا من تفسير الكلبي.
وقوله: تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ (16) .
وفي إحدى القراءتين: أَوْ يُسْلِموا. والمعنى: تقاتلونهم أبدًا حَتَّى يسلموا، وإلّا أن يسلموا تقاتلونهم، أو يكون [179/ ب] منهم الْإِسْلَام.
وقوله: لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ (17) فى ترك الغزو إلى آخر الآية.
__________
(1) ما بين الحاصرتين زيادة فى ب.
(2) جاء فى اللسان: بور: قال الفراء فى قوله: «وَكُنْتُمْ قَوْماً بُوراً» قال: البور مصدر يكون واحدا وجمعا، يقال: أصبحت منازلهم بورًا، أي: لا شيء فيها، وكذلك أعمال الكفار تبطل.
(3) سقط فى ش.
(4) في ح، ش قال، تحريف. [.....]
(5) اختلف فى مد «كلام الله» فحمزة والكسائي وخلف بكسر اللام بلا ألف جمع كلمة اسم جنس، وافقهم الأعمش، والباقون بفتح اللام وألف بعدها على جعله اسما للجملة. الاتحاف: 396 وانظر البحر المحيط: 8/ 94 والمصاحف: 71.
(6) فى ش: كلام الله.(3/66)
وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (20)
وقوله: تَحْتَ الشَّجَرَةِ (18) كانت سَمُرةً «1» .
وقوله: فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ (18) .
كان النبي صلّى الله عليه أُرِيَ فِي منامه أَنَّهُ يدخل مكَّة، فلما لم يتهيأ لَهُ «2» ذَلِكَ، وصالح أهل مكَّة عَلَى أن يخلوها «3» لَهُ ثلاثًا من العام المقبل دخل المسلمين أمر عظيم، فَقَالَ لهم النبي صلّى الله عليه:
إنَّما كانت رؤيا أُريتُها، ولم تكن وحيًا من السماء، فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السكينة عليهم. والسكينة: الطمأنينة والوقار إلى ما أخبرهم بِهِ النَّبِيّ صلّى الله عليه: أنها إلى العام المقبل، وذلك قوله: «فَعَلِمَ ما لَمْ تَعْلَمُوا» من تأخير تأويل الرؤيا.
وقوله: وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها (20) مما يكون بعد اليوم فعجل «4» لكم هَذِهِ: خيبر.
وقوله: وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ. (20)
كانت أسد وغطفان مَعَ أهل خيبر عَلَى رسول الله صلّى الله عليه، فقصدهم «5» النبي صلى الله عليه، فصالحوه، فكفوا، وخلّوا بينه وبين أهل خيبر، فذلك قوله: «وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ» .
وقوله: وَأُخْرى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها (21) .
فارس- قَدْ أحاط اللَّه بها، أحاط لكم بها أن يفتحها لكم.
وقوله: وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ، وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ (24) .
هَذَا لأهل «6» الحديبية، لا لأهل خيبر.
وقوله: وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً (25) محبوسا.
__________
(1) السمرة واحدة السمر، وهو شجر من العضاة، والعضاة: كل شجر يعظم وله شوك.
(2) سقط فى ب، ح، ش.
(3) فى (ا) يحدّوا له.
(4) فى ش فجعل، تحريف.
(5) فى ش لهم.
(6) فى ش أهل، تحريف.(3/67)
وقوله: أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ (25) منحره، أي: صدوا الهدى «1» .
وقوله: وَلَوْلا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ (25) .
كَانَ مسلمون بمكة، فَقَالَ: لولا أن تقتلوهم، وأنتم لا تعرفونهم فتصيبكم منهم معرة، يريد:
الدية، ثُمَّ قَالَ اللَّه جل وعز: «لَوْ تَزَيَّلُوا» لو تميّز «2» وخلَص «3» الكفار من المؤمنين، لأنزل اللَّه بهم القتل والعذاب.
وقوله: إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ (26) .
حموا أنفا أن يَدخلها عليهم رَسُول اللَّه صلّى الله عليه، فأنزل الله سكينته يَقُولُ: أذهب اللَّه عَنِ المؤمنين أن يَدخلهم ما دخل أولئك من الحمية، فيعصوا اللَّه ورسوله «4» .
وقوله: كَلِمَةَ التَّقْوى (26) لا إله إلا الله.
وقوله: كانُوا أَحَقَّ بِها وَأَهْلَها (26) .
ورأيتها فِي مصحف الحارث بْن سويد التيمي من أصحاب عَبْد اللَّه، «وكانوا أهلها وأحق بها» وهو تقديم وتأخير، وكان مصحفه دفن أيام الحجاج.
وقوله: لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ [180/ ا] الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ (27) .
وفي قراءة عَبْد اللَّه: لا تخافون مكان آمنين، «مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ» ، ولو قيل:
محلقون ومقصرون أي بعضكم «5» محلقون وبعضكم «6» مقصرون لكان صوابًا [كما] «7» قَالَ الشَّاعِر:
وغودر البقل ملوى ومحصود وقوله: لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ (28) .
يُقال: لا تذهب الدنيا حَتَّى يَغلب الْإِسْلَام عَلَى أهل كل دين، أَوْ يؤدوا إليهم الجزية، فذلك قوله:
لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ.
__________
(1) فى ش والهدى، تحريف.
(2) سقط فى ش: لو تميزوا.
(3) فى (ا) وعلم.
(4) زاد فى ح، ش بعد قوله ورسوله: يقال: فلان حمى أنفه إذا أنف من الشيء.
(5، 6) فى (ا) بعضهم.
(7) زيادة فى ب، ح، ش. [.....](3/68)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (1)
وقوله: تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً (29) . فى الصلاة.
وقوله: سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ. (29) وهي الصفرة من السهر بالليل.
وقوله: ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ (29) .
وفي «1» الإنجيل: أيضًا كمثلهم فِي القرآن، وَيُقَال: ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ «2» وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ، كزرع أخرج شطأه، وشطؤه «3» : السنبل تُنبت الحبة عشرًا وثمانيًا وسبعًا، فيقوى بعضه ببعض، فذلك قوله: (فآزره) فأعانه وقواه فاستغلظ [ذَلِكَ] «4» فاستوى، ولو كانت واحدة لم تقم عَلَى ساق، وهو مَثَل ضربه اللَّه عزَّ وجل للنبى صلّى الله عليه إذ «5» خرج وحده ثُمَّ قوّاه بأصحابه، كما قوّى الحبة بما نبت منها.
آزرت، أُؤازره، مؤازرة: قوّيته، وعاونته، وهي المؤازرة.
ومن سورة الحجرات
قوله جل وعز: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا (1) .
اتفق عليها «6» القراء، ولو قَرَأَ قارئ: (لا تقدموا) لكان صوابًا يُقال: قَدَمت «7» فِي كذا وكذا، وتقدَّمت.
وقوله عزَّ وجلَّ: لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ (2) «8» وفي قراءة عَبْد اللَّه «بأصواتكم» «9» ، ومثله فِي الكلام: تكلم كلامًا حسنًا، وتكلم بكلام حسن.
__________
(1، 2) ساقط فى ش.
(3) سقط فى ش.
(4) زيادة فى ب، ح، ش.
(5) فى ش: إذا، تحريف.
(6) فى ش عليه.
(7) فى (ا) قدّمت.
(8، 9) ساقط فى ح، والعبارة فى ش: وفى قراءة عبد الله: «لا رفعوا بأصواتكم» .(3/69)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ (6)
وقوله: «1» وَلا تَجْهَرُوا لَهُ «2» بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ (2) :
يَقُولُ: لا تقولوا: يا مُحَمَّد، ولكن قولوا: يا نبي اللَّه- يا رَسُول اللَّه، يا أبا القاسم.
وقوله: أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ (2) .
معناه: لا تحبطُ وفيه الجزم والرفع إِذَا وضعت (لا) مكان (أن) ، وَقَدْ فُسر فِي غير موضع، وهي فِي قراءة عَبْد اللَّه: فتحبطَ أعمالكم، وهو دليل عَلَى جواز الجزم فِيهِ.
وقوله: أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى (3) .
أخلصها للتقوى كما يمتحن الذهب بالنار، فيخرج جيده، ويسقط خبثه.
وقوله: مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ (4) .
وجه الكلام أن تضم الحاءَ والجيم، وبعض العرب يَقُولُ: الحُجَرات والرُّكَبات «3» وكل جمع كأن يُقال فِي ثلاثةٍ إلى عشرةٍ: غرف، وحجر «4» ، فإذا جمعته بالتاء نصبت ثانية، فالرفع «5» [180/ ب] أجودُ من ذَلِكَ.
وقوله: أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ (4) .
أتاه وفد بني تميم فِي الظهيرة، وَهو راقد صلّى الله عليه، فجعلوا ينادون: يا مُحَمَّد، اخرج إلينا، فاستيقظ فخرج، فنزل: «إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ» إلى آخر الآية، وَأذِن بعد ذَلِكَ لهم فقام شاعرهم، وشاعر المسلمين «6» ، وخطيب منهم، وخطيب المسلمين، فعلت أصواتهم بالتفاخر، فأنزل اللَّه جل وَعز فِيهِ «7» : «لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ» (2) .
وقوله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ «8» بِنَبَإٍ فتثبتوا «9» (6)
__________
(1) فى: ش: لا تجهروا بالقول، سقط.
(2) سقط في ش خطأ.
(3) فى (ا) أو الركبات. وفى ح، ش: والنكبات، تحريف.
(4) فى ش: حجر وغرف.
(5) فى ب: والرفع.
(6) فى ش: وشاعر المسلمون، تحريف.
(7) سقط فى (ا) . [.....]
(8) فى (ح) : جاءكم بنبإ، سقط.
(9) فى ش: فتبينوا.(3/70)
وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9)
«1» قراءة أصحاب عَبْد اللَّه، ورأيتها فِي مصحف عَبْد اللَّه منقوطة بالثاء، وَقراءة النَّاس: (فَتَبَيَّنُوا) «2» ومعناهما متقارب لأن قوله: (فَتَبَيَّنُوا) أمهلوا حَتَّى تعرفوا، وَهذا معنى «3» تثبتوا «4» . وَإنما كَانَ ذَلِكَ أن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بعث عاملًا عَلَى بني المصطلق ليأخذ «5» صدقاتهم، فلما توجه إليهم تلقوه ليعظموه، فظن أنهم يريدون قتاله، فرجع إلى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عليه فَقَالَ: إنهم قاتلوني، وَمنعوني أداء ما عليهم فبينما «6» هُمْ كذلك وَقَدْ غضب النَّبِيّ صَلَّى الله عليه قدم عَلَيْهِ «7» وَفد بني المصطلق فقالوا: أردنا تعظيم رَسُول «8» رَسُول اللَّه، وَأداء الحق إِلَيْه، فاتهمهم رسول الله صلّى الله عليه ولم يصدقهم فأنزل الله: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فتثبتوا» إلى آخر الآية، وَالآية التي بعدها.
وقوله: وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا (9) .
ولم يقل: اقتتلتا، وهى فى قراءة عبد الله: فخذوا بينهم. مكان فأصلحوا بينهم، وفى قراءته: حتى يفيئوا «9» إلى أمر الله فإن فاءوا فخذوا بينهم.
وقوله: فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ (10) .
ولم يقل: بين «10» إخوتكم، وَلا إخوانكم، وَلو قيل ذَلِكَ كَانَ صوابًا.
وَنزلت فِي رهط عَبْد اللَّه بْن أَبِي، ورَهط عَبْد اللَّه بْن رواحة الْأَنْصَارِيّ، فمر رَسُول اللَّه صَلَّى الله عليه عَلَى حِمار فوقف عَلَى عَبْد اللَّه بْن أَبِي فِي مجلس قومه، فراث حمار رَسُول اللَّه، فوضع عَبْد اللَّه يده عَلَى أنفه وَقال: إليك حمارك فقد آذاني، فَقَالَ لَهُ ابْنُ روَاحة: أَلِحِمارِ رَسُول اللَّه تَقُولُ هَذَا؟ فو الله لهو أطيب عِرضا منك وَمن أبيك، فغضب قوم هَذَا، وَقوم هَذَا، حَتَّى اقتتلوا بالأيدي وَالنعال، فنزلت هذه الآية.
__________
(1، 2) ساقط فى ش.
(3) فى ش: يعنى.
(4) قراءة حمزة والكسائي وخلف «فتثبتوا» ، وقراءة الباقين: «فتبينوا» (الإتحاف 397) .
(5) فى ش ليأخذوا، تحريف.
(6) فى ش فبينا.
(7) فى ب عليهم.
(8) سقطت فى ش.
(9) كذا فى ح، ش وفى الأصل: تفيئوا، وبقية العبارة تشير إلى يفيئوا.
(10) ساقطة فى ب، ش.(3/71)
وقوله: فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي (9) التي لا تقبل الصلح، فأصلح النَّبِيّ صَلَّى الله عليه بينهم «1» .
وقوله: لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ (11) .
نزلت فِي أن ثابت بْن قيس الْأَنْصَارِيّ كَانَ ثقيل السمع، فكان يدنو من النَّبِيّ صلّى الله عليه ليسمع حديثه، فجاء بعد ما قضي ركعة من الفجر، وَقد أخذ النَّاس أماكنهم من رَسُول اللَّه فجعل «2» يتخطى وَيقول: تفسحوا حَتَّى انتهى إلى رَجُل دون النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عليه، فَقَالَ: تفسح، فَقَالَ لَهُ الرجل: قَدْ أصبت مكانًا فاقعد، فلما أسفر قَالَ: من الرجل؟ قَالَ: فلان بْن فلان، قَالَ:
أنت «3» ابْنُ هَنَةٍ لأمٍّ لَهُ، قَدْ كَانَ يعير بها فشق على الرجل، فأنزل اللَّه عزَّ وجلَّ: «لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ) وهي فِي قراءة عَبْد اللَّه فيما أعلم: عسوا أن يكونوا خيرًا منهم «4» ، ولا نساء من نساء عسَين أن يكنَّ خيرًا منهن.
ونزل أيضًا فِي هذه القصة: [181/ ا] «يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً» (12) والشعوب أكبر من القبائل، والقبائل أكبر من الأفخاذ (لتعارفوا) : ليعرف بعضكم بعضا فِي النسب (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ) مكسورة لم يقع عليها التعارف، وهي قراءة «5» عَبْد اللَّه:
لتعارفوا بينكم، وخيركم عند اللَّه أتقاكم فَقَالَ «6» ثابت: والله لا أفاخر رجلًا فِي حسبه أبدا.
وقوله: وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ (11) .
لا يَعب بعضكم بعضًا، ولا تنابزوا بالألقاب: كَانَ الرجل يَقُولُ للرجل من اليهود وَقَدْ أسلم:
يا يهودي! فنُهوا عنْ ذَلِكَ وَقال فيه: «بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمانِ» ومن فتح: أن
__________
(1، 2، 4) سقط فى ش.
(3) فى ب آنت.
(5) فى ب، ش: وهى فى قراءة. [.....]
(6) فى ش: قال.(3/72)
قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (14)
أكرمكم فكأنه قَالَ: لتعارفوا أن الكريم المتقِي «1» ، ولو كَانَ «2» كذلك لكانت: لتعرفوا أن أكرمكم، وجاز: لتعارفوا ليعرِّف بعضكم بعضًا أن أكرمكم عند الله أتقاكم.
وقوله: وَلا تَجَسَّسُوا (12) .
القُراء مجتمعون عَلَى الجيم نزلت خاصة «3» فِي «4» سلمان، وكانوا نالوا منه «5» .
وقوله: فَكَرِهْتُمُوهُ (12) .
قال لهم النبي صلّى الله عليه: أكان أحدكم آكلًا لحم أخيه بعد موته؟ قَالُوا: لا! قَالَ.
فإِن الغيبة أكل لحمه، وهو أن تَقُولُ ما فِيهِ، وإذا قلت ما ليس فِيهِ فهو البَهْت «6» ليست بغيبة «7» فكرهتموه أي فقد كرهتموه «8» ، فلا تفعلوه.
ومن قَرَأَ: فكُرِّهتموه «9» يَقُولُ: قَدْ «10» بُغِّض إليكم «11» والمعنى واللَّه أعلم- واحد، وهو بمنزلة قولك: مات الرجل وأُميت.
وقوله: قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا (14) .
فهذه نزلت فى أعاريب بني أسد قدموا عَلَى «12» النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عليه المدينة بعيالاتهم طمعًا فِي الصدقة، فجعلوا يروحون ويغدون، ويقولون: أعطنا فإنا أتيناك بالعيال والأثقال، وجاءتك العرب عَلَى ظهور رواحلها
فأنزل اللَّه جل وعز «يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا» (17) (وأن) فِي موضع نصب لأنها فِي قراءة عَبْد اللَّه: يمنون عليك إِسلامهم، ولو جعلتَ: يَمُنُّون عَلَيْك لأنْ أسْلَمُوا، فإذا ألقيت اللام كان نصبا مخالفا للنصب الأول.
__________
(1) فى ش: التقوى، تحريف.
(2) فى ش: كانت.
(3) فى ح، ش: نزلت أيضا خاصة.
(4، 5) زيادة من ب.
(6) البهت والبهيتة: الكذب.
(7، 8) ساقط فى ح.
(9) فى ش: كرهتموه.
(10) فى ش: فقد.
(11) فكرهتموه، قراءة أبى سعيد الخدري، وأبى حيرة، وقد رواها الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم.
(البحر المحيط 8/ 115) .
(12) فى ش إلى.(3/73)
وقوله: أَنْ هَداكُمْ (17) ، وفى قراءة عبد الله: إذ هداكم.
ف (أن) فِي موضع نصب لا بوقع الفعل، ولكن بسقوط الصفة.
وقوله: لا يَلِتْكُمْ (14) .
لا ينقصكم، ولا يظلمكم من أعمالكم شيئًا، وهى من لات يليت، والقراء مجمعون «1» عليها، وَقَدْ قَرَأَ بعضهم: لا يَأْلِتْكم «2» ، ولست «3» أشتهيها لأنها بغير ألف كتبت فى المصاحف، وليس هذا بموضع يجوز فيه سقوط الهمز ألا ترى قوله: (يأتون) «4» ، و (يأمرون) «5» ، و (يأكلون) «6» لم تلق الألف فِي شيء مِنْهُ لأنها ساكنة، وإنما تلقى الهمزة إِذَا سكن ما قبلها، فإذا «7» سكنت هِيَ تعني «8» الهمزة ثبتت فلم تسقط، وإنما اجترأ عَلَى قراءتها «يألتكم» أَنَّهُ وجد «وَما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ» «9» فى موضع، فأخذ ذا من ذَلِكَ فالقرآن 1»
يأتي باللغتين المختلفتين ألا ترى قوله: (تملى عليه) «11» . وهو فى موضع آخر: «فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ» «12» . ولم تحمل إحداهما عَلَى الأخرى فتتفقا ولات يليت، وألتَ يألِتُ لغتان [قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الجهم بْن إِبْرَاهِيم السِّمَّرِيّ قَالَ حَدَّثَنَا الفراء] «13» .
__________
(1) فى ب، ش: مجتمعون.
(2) قرأ الجمهور: (لا يلتكم) : من لات يليت، وهى لغة الحجاز (البحر المحيط 8/ 117) وقرأ الحسن والأعرج وأبو عمرو (لا يألتكم) ، من ألت وهى لغة غطفان وأسد (البحر المحيط 8/ 117) .
(3) سقط فى ح. [.....]
(4) فى مواضع من القرآن الكريم: سورة التوبة آية 54، والاسراء آية 88 والكهف آية 15 ...
(5) كما فى آل عمران: الآيات 21، 104، 114 والنساء الآية 37 والحديد الآية 24.
(6) فى مواضع من القرآن مثلا: البقرة آية 174، 275 والنساء آية 10.
(7) فى ح: وإذا.
(8) فى ش يعنى.
(9) سورة الطور: 21.
(10) فى ب: والقرآن.
(11) سورة الفرقان الآية 5.
(12) سورة البقرة الآية 282.
(13) ما بين الحاصرتين زيادة فى ب.(3/74)
ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ (1)
ومن سورة ق والقرآن المجيد
قوله عز وجل: ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ (1) .
قاف: فيها المعنى الذي أقسم به [181/ ب] ذكر أنها قُضى والله كما قيل فِي حُمَّ: قُضى والله، وحُمَّ والله: أي قضى.
وَيُقَال: إن (قاف) جبل محيط بالأرض، «1» فإن يكن كذلك فكأنه فِي موضع رفع، أي هو (قاف والله) ، وكان [ينبغي] «2» لرفعه أن يظهر لأنَّه «3» اسم وليس بهجاء، فلعل القاف وحدها ذكرت من اسمه كما قَالَ الشَّاعِر:
قلنا لها: قفي، فقالت: قاف «4» ذكرت القاف أرادت القاف من الوقوف «5» ، أي «6» : إنى واقفة.
وقوله إِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً (3) .
كلام لم يظهر قبله ما يكون هَذَا جوابًا لَهُ، ولكن معناه مضمر «7» ، إنَّما كان- والله- أعلم:
«ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ» لتبعثن «8» . بعد الموت، فقالوا: أنبعث إِذَا كُنَّا ترابا؟ فجحدوا البعث
__________
(1، 3) ما بين الرقمين (1- 1) سقط فى ش: ونص العبارة فى ش: فإن لم يكن اسم وليس بهجاء ... إلخ.
(2) الزيادة من ب.
(4) هو للوليد بن عقبة بن أبى معيط أخى عثمان (رضى الله عنه) لأمه، وكان يتولى الكوفة فاتهم بشرب الخمر، فكتب إليه الخليفة يأمره بالشخوص إليه، فخرج فى جماعة، ونزل الوليد يسوق بهم، فقال:
قلت لها: قفى، فقالت: قاف ... لا تحسبينا قد نسينا الإيجاف
والنشوات من معتق صاف ... وعزف قينات علينا عزاف
والإيجاف: العدو، وهو أيضا: الحمل عليه (انظر المحتسب 2/ 204 والخصائص 1/ 30) .
(5) فى ح، ش: الوقف. [.....]
(6) سقط فى ب.
(7) فى (ا) مضمرا، تحريف.
(8) فى ب ليبعثن.(3/75)
وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ (9)
ثم قالوا «1» : (ذلك رجع بعيد) (3) . جحدوه أصلا [و] «2» قوله: (بعيد) كما تقول للرجل يخطىء فِي المسألة: لقد ذهبت مذهبًا بعيدًا من الصواب: أي أخطأت.
وقوله: قَدْ عَلِمْنا مَا تَنْقُصُ «3» الْأَرْضُ مِنْهُمْ (4) ما «4» تأكل منهم.
وقوله: فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ (5) .
فى ضلال.
وقوله: ما لَها مِنْ فُرُوجٍ (6) .
ليس فيها خلل ولا صدع.
وقوله: وَحَبَّ الْحَصِيدِ (9) .
والحب هُوَ الحصيد، وهو مما أضيف إلى نفسه مثل قوله: «إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ» «5» ، ومثله: «وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ» (16) .
والحبلِ هُوَ الوريد بعينه أضيف إلى نفسه لاختلاف لفظ اسميه، والوريد: عرق بين الحلقوم والعلباوين «6» .
وقوله: وَالنَّخْلَ باسِقاتٍ (10) .
طوال، يقال: قد بسق طولا، فهن طوال النخل.
وقوله: لَها طَلْعٌ نَضِيدٌ (10) .
يعني: الكفُرَّى «7» ما كَانَ فِي أكمامه وهو «8» نضيد، أي منضود بعضه، فوق بعض، فإذا خرج من «9» أكمامه فليس بنضيد.
__________
(1) فى ش: قال تحريف.
(2) زيادة فى ب، ش.
(3) فى ش: ينقص: تحريف.
(4) سقط فى ح، ش.
(5) سورة الواقعة: 95.
(6) جاء فى اللسان: العلباء: ممدود، عصب العنق، قال الأزهرى: الغليظ خاصة، وهما علباوان يمينا وشمالا بينهما منبت العنق.
(7) الكفرى: وعاء الطلع وقشره الأعلى.
(8) فى ب، ش: فهو.
(9) فى ش: فى.(3/76)
أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ (15)
وقوله: أَفَعَيِينا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ (15) .
يَقُولُ: كيف نعيا عندهم بالبعث ولم نعي بخلقهم أولًا؟ ثُمَّ قَالَ: «بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ» ، أي هُمْ فِي ضلال وشك.
وقوله: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ (16) .
الهاء لما، وَقَدْ يكون ما توسوس أن تجعل الهاء للرجل الَّذِي توسوس بِهِ- تريد- توسوس إِلَيْه وتحدثه.
وقوله: عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ (17) .
يقال «1» : قعيد، «2» ولم يقل: قعيدان «3» . حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: وَحَدَّثَنِي حِبَّانُ بْنُ عَلِيٍّ عَنِ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَعِيدٌ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ يُرِيدُ- قَعُودٌ، فَجَعَلَ الْقَعِيدَ جَمْعًا، كَمَا تَجْعَلَ الرَّسُولَ لِلْقَوْمِ وَالاثْنَيْنِ «4» . قال الله تعالى: ِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ»
«5» لموسى وأخيه، وقال الشَّاعِر:
ألِكْني إليها، وخيرُ الرسو ... ل أعلَمُهم بنواحيِ الْخَبَرْ «6»
فجعل الرَّسُول للجمع، فهذا وجه، وإن شئت جعلت القعيد واحدًا اكتفى بِهِ من صاحبه، كما قَالَ الشَّاعِر:
نَحْنُ بما عندنا، وأنت بما ... عندك راض، والرأي مختلف «7»
ومثله قول الفرزدق:
إنّي ضمنت لمن أتاني ما جَنَى ... وأبي، «8» وكان وكنت غير غدور «9»
__________
(1) سقط فى ش.
(2، 3) ساقط فى ب، ح، ش. وجاءت العبارة بعد الآية مباشرة فى ش هكذا: ولم يقل قعيدون. [.....]
(4) فى ش: للاثنين، تحريف وفى ب وللاثنين.
(5) سورة الشعراء الآية 16.
(6) انظر معانى القرآن 2/ 180، وتفسير القرطبي 17/ 10 واللسان (رسل) .
(7) انظر معانى القرآن 2/ 363، وإعراب القرآن 2/ 611، وتفسير الطبري 17/ 10.
(8) سقط فى ش.
(9) فى ب، ش غدوّر، ولم يقل غدورين. وانظر معانى القرآن 2/ 363 ونسب في كتاب سيبويه إلى الفرزدق 1/ 38.(3/77)
وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ (19)
وَلم يقل: غدورين.
وقوله. وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ (19) وفي قراءة عبد الله: سكرة الحق بالموت «1» ، فإن شئت أردت (بالحق) أَنَّهُ اللَّه عزَّ وجلَّ، وإن شئت جعلت السكرة هِيَ الموت، أضفتها إلى نفسها كأنك قلت: جاءت السكرة الحقّ بالموت، وقوله: «سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ» يَقُولُ: بالحق الذي قَدْ كَانَ غير متبين لهم من أمر «2» الآخرة، ويكون الحق هُوَ الموت، أي جاءت سكرة الموت بحقيقة الموت.
وقوله: فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (22) .
يَقُولُ: قَدْ كنت تُكذب، فأنت اليوم عالم نافذ البصر، والبصر هاهنا: هو العلم ليس بالعين.
[182/ ا] وقوله: أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ (24) .
العرب تأمر الواحد والقوم بما يؤمر بِهِ الاثنان، فيقولون للرجل: قوما عنا، وسمعت بعضهم:
ويحكَ! ارحلاها وازجراها «3» ، وأنشدني بعضهم:
فقلت لصاحبي لا تحبسانا «4» ... بنزع أصوله، واجتزَّ «5» شيحا «6»
قَالَ: ويروى: واجدزّ «7» يريد: واجتز، قَالَ: وأنشدني أَبُو ثروان:
وإن تزجراني يا ابْنُ عفان أنزجر ... وإن تدعاني أَحْمِ عرضًا ممنَّعًا «8»
ونرى أن ذَلِكَ منهم أن الرجل أدنى أعوانه فِي إبله وغنمه اثنان، وكذلك الرِّفقة، أدنى ما يكونون «9» ثلاثة، فجرى كلام الواحد عَلَى «10» صاحبيه، ألا ترى الشعراء أكثر شيء قيلا:
يا صاحبىّ، يا خليلى، فقال امرؤ القيس:
__________
(1) انظر تفسير الطبري 26/ 91 وقد وردت خطأ فى الطبري حيث قال: قراءة عبد الله بن مسعود «وجاءت سكرة الموت بالحق» ، وليست كذلك وإنما هى سكرة الحق بالموت والمحتسب: 2/ 283.
(2) سقط فى ح.
(3) أوردها القرطبي فى تفسيره: ويلك ارحلاها وازجراها. (تفسير القرطبي 17/ 16) .
(4) ش: لا تحسبانا.
(5) فى ح: واحتز.
(6) فى ا، ش: شيخا.
(7) وهى كذلك فى ش.
(8) يروى: فإن. انظر تفسير القرطبي 17/ 16، والمخصص 2: 5 [.....]
(9) فى ب: ما يكون.
(10) فى ش: عن، تحريف.(3/78)
قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ (27)
خليليّ، مرّا بِي عَلَى أم جندب ... نُقضِّي لبانات الفؤاد المعذب «1»
ثُمَّ قَالَ:
ألَمْ تَرَ أنى كلما جئت طارقًا ... وجدت بها طيبا وإن لم تطيب
فَقَالَ: ألم تر، فرجع إلى الواحد، وأول كلامه اثنان، قَالَ: وأنشدني آخر:
خليليّ قوما فى عطالة فانظرا ... أنارًا «2» ترى من نحو بابَيْن «3» أَوْ برقا
وبعضهم: أنارا نرى.
وقوله: ما أَطْغَيْتُهُ يقوله «4» الملَك الَّذِي كَانَ يكتب السيئات للكافر، وذلك أن الكافر قَالَ: كَانَ يعجلني عَنِ التوبة، فَقَالَ: ما أطغيته «5» يا رب، ولكن كَانَ ضالًا. قَالَ اللَّه تبارك وتعالى:
«مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ» (29) . أي: ما يُكْذَب عندي لعلمه عزَّ وجلَّ بغيب ذَلِكَ.
وقوله: هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ (32) مَنْ خَشِيَ (33) .
إن شئت جعلت (مَن) خفضا تابعة لقوله: (لكُلّ) ، وإن شئت استأنفتها فكانت رفعا يراد بها الجزاء. من خشي الرَّحْمَن بالغيب قيل له: ادخل الجنة، و (ادخلوها) جواب للجزاء أضمرتَ «6» قبله القول وجعلته فعلًا للجميع لأن مَن تكون فِي مذهب الجميع.
وقوله: فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ (36) .
قراءة القراء يَقُولُ: خرّقوا البلاد فساروا فيها، فهل كَانَ لهم من الموت «7» من محيص؟
أضمرت كَانَ هاهنا كما قَالَ: «وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْناهُمْ فَلا ناصِرَ لَهُمْ» «8» ، والمعنى: فلم يكن لهم ناصر عند إهلاكهم «9» . ومن قرأ: (فنقّبوا)
__________
(1) انظر الخزانة 3/ 284.
(2) فى (ا) أثرا، تحريف.
(3) فى ب: أم ورواية اللسان من ذى أبانين وجاء باللسان: قال الأزهرى: ورأيت بالسودة من ديارات بنى سعد جبلا منيفا يقال له: عطالة، وهو الذي قال فيه القائل، وأورد البيت.
(4) فى ا، ب يقول.
(5) فى ش: ما اصطفيته، تحريف.
(6) فى ش: ضمرت، تحريف.
(7) سقط فى ح، ش: من الموت.
(8) سورة محمد الآية: 13.
(9) فى ش: هلاكهم.(3/79)
وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ (40)
فِي البلاد، فكسر القاف «1» فإنه كالوعيد. أي: اذهبوا فِي البلاد فجيئوا واذهبوا.
وقوله: إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ (37) .
يَقُولُ: لمن كَانَ لَهُ عقل «2» ، وهذا «3» جائز فى العربية أن تقول: مالك قلب «4» وما قلبك معك، وأين ذهب قلبك؟ تريد العقل لكل ذَلِكَ.
وقوله: أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ (37) .
يَقُولُ: أَوْ ألقى سمعه إلى كتاب اللَّه وهو شهيد، أي شاهد ليس بغائب.
وقوله: وَما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ (37) .
يقول: من إعياء، وذلك أن يهود أهل المدينة قَالُوا: ابتدأ خلق السموات والأرض يوم لأحد، وفرغ يوم الجمعة، فاستراح يوم السبت «5» ، فأنزل اللَّه: «وَما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ» إكذابًا لقولهم «6» ، وقرأها أَبُو عَبْد الرَّحْمَن السلمي: من «7» لَغوب «8» بفتح اللام وهي شاذة.
وقوله: وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبارَ السُّجُودِ (40) .
وإدبار. من قرأ: وأدبار جمعه «9» عَلَى دُبُر وأدبار، وهما الركعتان بعد المغرب، جاء ذلك عن على ابن أبى طالب أنه قال، [182/ ب] وأدبار السجود: الركعتان بعد المغرب، (وإِدْبارَ النُّجومِ) «10» .
الركعتان (قبل الفجر) وكان عاصم يفتح هَذِهِ التي فِي قاف، وبكسر التي فِي الطور، وتكسران جميعا، وتنصبان جميعا جائزان «11» .
__________
(1) هى قراء يحيى بن يعمر. (تفسير الطبري ح 26/ 99) .
وهى أيضا قراءة ابن عباس، وأبى العالية، ونصر بن سيار، وأبى حيوة، والأصمعى عن أبى عمرو (تفسير البحر المحيط 8/ 129) .
(2) فى ش: قلب.
(3، 4) سقط فى ح، ش. [.....]
(5) سقط فى ب، ح، ش: يوم السبت.
(6) فى ب، ح، ش: لهم.
(7) فى ش: السلمى لغوب.
(8) وهى قراءة على، وطلحة، ويعقوب (البحر المحيط 8/ 129) ، وانظر (المحتسب 2/ 285) .
(9) أي جمعه على أنه دبر وأدبار.
(10) سورة الطور الآية 49.
(11) اختلف القراء فى قراءة قوله: «وإدبار السجود» ، فقرأته عامة قراء الحجاز والكوفة سوى عاصم والكسائي:
وإدبار السجود بكسر الألف، وقرأه عاصم، والكسائي، وأبو عمرو: وأدبار بفتح الألف. (وانظر الاتحاف:
397) .(3/80)
يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعًا ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ (44)
وقوله: وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ (41) .
يُقال: إن جبريل عَلَيْهِ السَّلام يأتي بيت المقدس فينادي بالحشر، فذلك قوله: «مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ» .
وقوله: يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِراعاً (44) .
إلى المحشر وتُشقَق، والمعنى واحد مثل: مات الرجل وأميت.
وقوله: وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ (45) .
يَقُولُ: لست عليهم بمسلَّط، جعل الجبار فِي موضع السلطان من الجَبْريّة، قَالَ أنشدني المفضل:
ويوم الحَزن إذ حشَدَت مَعدٌّ ... وكان الناسُ إلا نَحْنُ دينا
عصينا عزمةَ الجبار حَتَّى ... صبحنا «1» الجوفَ ألفا مُعْلمينا «2»
«3» أراد بالجبار: المنذر لولايته «4» .
وقال الكلبي بإسناده: لستَ عَلَيْهِمْ بَجَبّار «5» يقول: لم تبعث «6» لتجُبرهم عَلَى الْإِسْلَام والهدى إنَّما بعثت «7» مُذَكِّرًا فذكّر، وذلك قبل أن يؤمر بقتالهم.
والعرب لا تَقُولُ: فعّال من أفعلت، لا يقولون: هَذَا خَرّاج ولا دَخّال، يريدون مُدْخِل ولا مُخرِج من أدخلت وأخرجت، إنَّما يقولون: دخال من دخلت، وفعّال من فعلت. وَقَدْ قَالَتِ العرب: درّاك من أدركت، وهو شاذ، فإن حملت الجبار على هذا المعنى فهو «8» وجه.
وَقَدْ سمعت بعض العرب يَقُولُ: جبره عَلَى الأمر يريد: أجبره، فالجبار من هَذِهِ اللغة صحيح يراد بِهِ «9» : يقهرهم ويجبرهم.
__________
(1) فى ش: صحنا، تحريف.
(2) لم أعثر فى نسخة المفضليات التي لدى على هذين البيتين.
(3، 4) ساقط فى ح، ش.
(5) فى ش: لست عليهم بجنا، تحريف.
(6) فى ش: لا تبعث، تحريف.
(7) فى ح: بعث، تحريف.
(8) فى ش: وهو، تحريف. [.....]
(9) فى ش: ويريد.(3/81)
وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا (1)
وقوله: هذا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ (23) .
رفعتَ العتيد عَلَى أن جعلته خبرًا صلته لما، وإن شئت جعلته مستأنفًا «1» عَلَى مثل قوله: «هَذَا بَعْلِي شَيْخٌ» «2» ولو كَانَ نصبًا كان صوابا لأن (هذا، وما) - معرفتان، فيقطع العتيد منهما «3» .
ومن سورة والذاريات
قوله عز وجل: وَالذَّارِياتِ ذَرْواً (1) .
يعنى: الرياح، «فَالْحامِلاتِ وِقْراً» (2) ، يعنى: السحاب لحملها الماء.
«فَالْجارِياتِ يُسْراً» (3) ، وهى السفن تجرى ميسّرة «فَالْمُقَسِّماتِ أَمْراً» (4) : الملائكة تأتي بأمر مختلف: جبريل صاحب الغلظة، وميكائيل صاحب الرحمة، وملك الموت يأتي بالموت، فتلك قسمة الأمور «4» .
وقوله: وَالسَّماءِ ذاتِ الْحُبُكِ (7) .
الحُبك: تكسُّر كل «5» شيء، كالرملة إِذَا مرت بها الريح الساكنة، والماء القائم إِذَا مرت بِهِ «6» الريح، والدرع درع الحديد لها حُبُك أيضًا، والشَّعرة الجَعدة تكسُّرُها حبك، وواحد الحبك:
حِباك، وحَبِيكة.
وقوله: إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ «7» مُخْتَلِفٍ (8) .
__________
(1) جاء فى تفسير الزمخشري: عتيد بالرفع بدل، أو خبر بعد خبر، أو خبر مبتدأ محذوف (انظر تفسير الزمخشري سورة ق) ، وقرأ الجمهور عتيد بالرفع وعبد الله بالنصب على الحال (البحر المحيط 8/ 126) .
(2) سورة هود الآية 72.
(3) جاء فى النسخة (ا) بعد سورة ق: ومن سورة الذاريات: هو في الجزء التاسع والحمد لله رب العالمين وصلّى الله على نبى الرحمة محمد الهاشمي وعلى آله وسلّم كثيرا:
(4) فى ش: فذا قسمة الأمر، وفى ب: فتلك قسمة الأمر.
(5) فى ش: وكل، تحريف.
(6) فى ح، ش: بها، تحريف.
(7) فى ش: خلق تحريف.(3/82)
يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ (12)
جواب للقسم، والقول المختلف: تكذيب بعضهم بالقرآن وبمحمد، وإيمان بعضهم.
وقوله: يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ (9) .
يريد: يُصرف عَنِ القرآن والإيمان من صُرف كما قال: «أَجِئْتَنا لِتَأْفِكَنا» «1» يَقُولُ:
لتصرفنا عنْ آلهتنا، وتصُدَّنا.
وقوله: قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ (10) .
يَقُولُ: لُعن «2» الكذابون الَّذِينَ قَالُوا: مُحَمَّد صَلَّى الله عليه: مجنون، شاعر، كذاب، ساحر.
خرّصوا ما لا علم لهم به.
وقوله: يَسْئَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ (12) .
مَتَى يوم الدين؟ قَالَ اللَّه: «يَوْمُ الدِّينِ، يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ» وإنما نصبت (يومَ هُمْ) لأنك أضفته إلى شيئين، وإذا أضيف اليوم والليلة إلى اسم لَهُ فعل، فارتفعا نصب اليوم، وإن كَانَ فِي موضع خفض أَوْ رفع، وإذا أضيف إلى فَعَل أَوْ يفعَل أَوْ إِذَا كَانَ كذلك ورفعه فِي موضع الرفع، وخفضه فِي موضع الخفض يجوز، فلو قيل: يَوْمَ هُمْ على النار يفتنون فرفع يوم لكان وجها، ولم يقرأ بِهِ أحد من القراء.
وقوله يُفْتَنُونَ (13) يحرقون ويعذبون بالنار.
وقوله: ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ (14) يَقُولُ «3» : ذوقوا «4» عذابكم الَّذِي كنتم بِهِ تستعجلون فى الدنيا.
وقوله: آخِذِينَ (16) «وفاكهين» «5» .
نصبتا على القطع، ولو كانتا [184/ ب] رفعا كَانَ صوابًا، ورفعهما عَلَى أن تكونا خبرا، ورفع آخر أيضا على الاستئناف.
__________
(1) سورة الأحقاف: 22.
(2) سقط فى: ش:
(3، 4) سقط فى ح، ش.
(5) فى ب: فكهين سورة الطور آية 18.(3/83)
فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ (23)
وقوله: كانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) .
إن شئت جعلت ما فِي موضع رفع، وكان المعنى: كانوا قليلًا هجوعهم. والهجوع: النوم.
وإن شئت جعلت ما صلة لا موضع لها، ونصبت قليلًا بيهجعون. أردت: كانوا يهجعون قليلًا من الليل.
وقوله: وَبِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18) يُصَلون.
وقوله: وَفِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (19) .
فأمَّا السائل فالطوّاف عَلَى الأبواب، وأمَّا المحروم فالمحارَفُ «1» أَوِ الَّذِي لا سهم لَهُ فِي الغنائم.
وقوله: وَفِي الْأَرْضِ آياتٌ لِلْمُوقِنِينَ (20) .
فآيات الأرض جبالها، واختلاف نباتها وأنهارها، والخلق الَّذِينَ «2» فيها.
وقوله: وَفِي أَنْفُسِكُمْ (21) .
آيات أيضًا إن أحدكم يأكل ويشرب فِي مدخل واحد، ويُخْرِج من موضعين، ثُمَّ عنّفهم فقال: (أفلا تبصرون) ؟
وقوله: فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ (23) .
أقسم عزَّ وجلَّ بنفسه: أن الَّذِي قلت لكم لَحق مثل ما أنكم تنطقون. وَقَدْ يَقُولُ القائل:
كيف اجتمعت ما، وأنّ وقد يكتفي بإحداهما من الأخرى؟ وفيه وجهان: أحدهما «3» : أن العرب تجمع بين الشيئين من الأسماء والأدوات إِذَا اختلف لفظهما، فمن الأَسماء قول الشَّاعِر:
من النّفر اللائي الَّذِينَ إِذَا هُم ... يَهاب اللئامُ حلقةَ البابِ قَعْقَعوا «4»
فجمع بين اللائي والذين، وأحدهما مجزىء من الآخر.
وأما فى الأدوات فقوله:
__________
(1) المحارف: الذي ليس له فى الإسلام سهم، وقيل: هو الرجل الذي لا يكون له مال إلا ذهب (تفسير الطبري 26/ 11) .
(2) فى ش: الذي. [.....]
(3) فى ش: أن أحدهما، زيادة لا مكان لها.
(4) الخزانة: 3/ 529، وفيها: (اعتزوا) بدل (هم) فى الشطر الأول، و (هاب الرجال) بدل (يهاب اللئام) .(3/84)
ما إنْ رَأَيْتُ ولا سَمعتُ بِهِ ... كاليوم طالى أينق جرب «1»
فجمع بين ما، وبين إن، وهما جحدان أحدهما يجزي من الآخر.
وأمّا الوجه الآخر، فإن المعنى لو أفرد بما لكان كأنّ المنطق فِي نفسه حق لا كذب: ولم يُرَد بِهِ ذَلِكَ. إنَّما أرادوا أَنَّهُ لحق كما حقٌّ أن الآدمي ناطق.
ألا ترى أن قولك أحقٌّ منطقك معناه: أحقٌّ هُوَ أم كذب؟ وأن قولك: أحقّ أنك تنطق؟ معناه: أللانسان «2» النطق لا لغيره. فأدخلتَ أنَّ ليُفرَق بها بين المعنيين، وهذا أعجب الوجهين إليَّ.
وَقَدْ رفع عاصم والأعمش (مثلَ) ونصبها أهل الحجاز والحسن «3» ، فمن رفعها جعلها نعتا للحق ومن نصبها جعلها فِي مذهب المصدر كقولك: إنه لحق حقا. وإن العرب لتنصبها إِذَا رفع بها الاسم فيقولون: مثلَ من عبد الله؟ ويقولون: عبد الله [185/ ا] مثلَك، وأنت مثلَه. وعلة النصب فيها أن الكاف قَدْ تكون داخلة عليها فتُنصب إِذَا ألقيت الكاف. فإن قَالَ قائل: أفيجوز أن تَقُولُ: زيدٌ الأسدَ شدةً، فتنصب الأسد إِذَا ألقيت الكاف؟ قلت: لا وذلك أن مثلَ تؤدى عَنِ الكاف والأسدُ لا يؤدي عَنْهَا ألا ترى قول الشَّاعِر:
وزعتُ بكالهراوة أعوجِيٍّ ... إِذَا وَنتِ الرِّكاب جرى وثابا «4»
أن الكاف قَدْ أجزأت من مثل، وأن العرب تجمع بينهما فيقولون: زَيْد كمثلك، وقال اللَّه جل وعز: «لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ «5» وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ» «6» ، واجتماعهما دليل عَلَى أن معناهما واحد كما أخبرتك فى ما وإن ولا وغيره.
__________
(1) الأغانى فى ترجمة الخنساء، وانظر شرح شواهد المعنى، وفيه:
(بمثله) بدل (به) ، و (هانى) بدل (طالى) وهو لدريد بن الصمة يصف الخنساء، وقد رآها تهنأ بعيرا أجرب.
(شرح شواهد المغني 2/ 955) .
(2) فى ش: الإنسان.
(3) قرأ أبو بكر، وحمزة، والكسائي، وخلف بالرفع صفة لحق، وافقهم الأعمش (الاتحاف 399) ، والباقون- باقى السعة- والجمهور بالنصب. (البحر المحيط: 8/ 136) .
(4) وزعت: كففت، أعوجى: منسوب إلى أعوج، وهو فرس كريم تنسب إليه الخيل الكرام. اللسان (ثوب) وسر صناعة الإعراب: 287.
(5) فى ش: كمثله وهو، سقط.
(6) سورة الشورى الآية: 11.(3/85)
فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ (28)
وقوله: هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ (24) .
لم يكن عَلِمه النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ- حتى أنزله «1» الله عليه «2» .
وقوله: الْمُكْرَمِينَ (24) .
أكرمهم بالعمل الَّذِي قرّبه.
وقوله: قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (25) .
«3» رفع بضمير: أنتم قوم منكرون «4» .
وهذا يقوله إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلام للملائكة.
وقوله: فَراغَ إِلى أَهْلِهِ (26) .
رجع إليهم، والروغ وإن كَانَ عَلَى هَذَا المعنى فإنه لا يُنطق بِهِ حَتَّى يكون صاحبه مُخْفيًا لذهابه [أَوْ مجيئه] «5» ألا ترى أنك لا تَقُولُ: قَدْ راغ أهل مكَّة، وأنت تريد رجعوا أَوْ صدروا؟ فلو أخفى راجع رجوعه حسنت فِيهِ: راغ ويروغ «6» .
وقوله: وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ (28) .
إِذَا كبر، وكان بعض مشيختنا يَقُولُ: إِذا كان العلم منتظرا [لمن] «7» يوصف بِهِ قلت فِي العليم إِذَا لم يعلم: إنه لعالم عنْ قليل وفاقِه، وفي السيد: سائد «8» ، والكريم: كارم. والذي قَالَ حسن، وهذا كلام عربي حسن، قَدْ قاله اللَّه فى عليم «9» ، وحليم «10» ، وميت «11» .
__________
(1) فى ب، ح، ش أنزل.
(2) لم يثبت فى ش: عليه.
(3، 4) بهامش ا. وقد ورد فى الصلب فى باقى النسخ.
(5) التكملة من ب، ح، ش.
(6) لم يثبت فى ح: ويروغ.
(7) فى (ا) : لم، تحريف. [.....]
(8) فى ش: سيد، تحريف.
(9) كما فى قوله: «وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ» .
(10) كما فى قوله: «فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ» . (الصافات الآية 101) .
(11) كما فى قوله: «إِنَّكَ مَيِّتٌ، وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ» الزمر الآية 30.(3/86)
وَتَرَكْنَا فِيهَا آيَةً لِلَّذِينَ يَخَافُونَ الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (37)
وكان المشيخة يقولون للذي لما «1» يَمُت وسيموت: هو مائت عنْ قليل، وقول اللَّه عزَّ وجلَّ أصوب من قيلهم، وقال الشَّاعِر فيما احتجوا بِهِ:
كريم كصفو الماء ليس بباخل ... بشيء، ولا مهد ملاما لباخل
يريد: بخيل، فجعله باخل لأنَّه لم يبخل بعد.
وقوله: فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ (29) .
فى صيحة، ولم تقبل من موضع إلى موضع إنَّما هُوَ، كقولك: أقبل يشتمني، أخذ فِي شتمي «2» فذكروا «3» أن الصيحة: أوَّه، وقال بعضهم: كانت يا ويلتا.
وقوله: فَصَكَّتْ وَجْهَها (29) .
هكذا أي جمعت أصابعها، فضربت جبهتها، «وَقالَتْ: عَجُوزٌ عَقِيمٌ» (29) أتلد عجوز عقيم؟
ورفعت بالضمير بتلد.
وقوله: وَتَرَكْنا فِيها آيَةً (37) .
معناه: تركناها آية وأنت قائل للسماء فيها «4» آية، وأنت تريد هِيَ الآية بعينها.
وقوله: هُوَ مُلِيمٌ
(40) .
أتى باللائمة وَقَدْ ألام، وقوله: «لَقَدْ كانَ فِي يُوسُفَ «5» وَإِخْوَتِهِ آياتٌ لِلسَّائِلِينَ» «6» هم الآيات «7» وفعلهم.
وقوله: فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ (39) «8» .
يُقال: تولى أي أعرض عَنِ الذكْرٍ بقوته فِي نفسه، ويقالُ: فتولى برُكنه بمن معه لأنّهم قوّته.
__________
(1) فى ح، ش: أمّا.
(2) سقط فى ش: أخذ فى شتمى.
(3) فى ش: فذكر، تحريف.
(4) فى ا: فيه، تحريف.
(5) فى ش: كان لكم فى يوسف، تحريف.
(6) سورة يوسف الآية: 7
(7) كذا فى ش: وفى ب: وفعلهم.
(8) ما يلى ذلك من النسخة (ب) ص 54/ ب.(3/87)
مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ (42)
وقوله عز وجل تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ (43) .
كَانَ ذَلِكَ الحينُ ثلاثة أيام.
وقوله عزَّ وجل: كَالرَّمِيمِ (42) .
والرميمُ: نباتُ الأرضِ إِذا يَبِسَ ودَبسَ فهو رَمِيمٌ.
وقوله تبارك وتعالى: فأخذتهم الصَّعقَةُ (44) .
قرأها العوام [الصَّاعِقَةُ] «1» بالألف.
قال حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْجَهْمِ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قال: وَحَدَّثَنِي «2» قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ عَنِ السُّدِّيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونَ عَنْ عُمَرِ بْنِ الْخَطَّابِ: أَنَّهُ قَرَأَ (الصَّعْقَةُ) بِغَيْرِ أَلِفٍ «3» ، وَهُمْ يَنْظُرُونَ.
وقوله عزَّ وجلَّ: فَمَا اسْتَطاعُوا مِنْ قِيامٍ (45) .
يَقُولُ: فما قاموا لها ولو كانت: فما استطاعُوا من إقامةٍ لكان صَوَابًا.
وطرحُ الألفِ منها، كقوله جلّ وعز: «وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً» ولو كانت- إنباتًا- كَانَ صَوَابًا.
وقوله جل ذكره: وَقَوْمَ نُوحٍ (46) .
نصبها القراء [55/ ا] إلّا الأعمشَ وأصحابه، فإنهم خفضوها «4» لأنها فِي قراءةِ عَبْد اللهِ فيما أعلم:
وفي قوم نوح.
ومن نصبها فعلى وجهين: أخذتهم الصعقة، وأخذت قوم نوح.
__________
(1) التكملة من ح،، ش.
(2) فى ش: وحدث. [.....]
(3) جاء فى الاتحاف (399) : واختلف فى: الصعقة فالكسائى بحذف الألف، وسكون العين على إرادة الصوت الذي يصحب الصاعقة، والباقون: بالألف بعد الصاد وكسر العين على إرادة النار النازلة من السماء العقوبة.
(وانظر البحر المحيط 8/ 141) .
(4) قرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي: وقوم بالجر عطفا على ما تقدّم أي: وفى قوم نوح، وهى قراءة عبد الله.
وقرأ باقى السبعة وأبو عمرو فى رواية بالنصب (البحر المحيط 8/ 141) . وقرئت بالرفع على الابتداء والخبر ما بعده، أو على تقدير أهلكوا (إعراب القرآن 2/ 129) .(3/88)
وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (49)
وإن شئت: أهلكناهم، وأهلكنا قومَ نوح. ووجه آخرُ «1» ليسَ بأبغَضَ إليَّ «2» من هذين الوجهين: أن تُضمر فعلا- واذكر لهم قوم نوح، كما قَالَ عزَّ وجلَّ «وَإِبْراهِيمَ إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ «3» » «وَنُوحاً إِذْ نادى مِنْ قَبْلُ «4» » فِي كَثِير من القرآن معناه: أنبئهم واذكر لهم الأنبياء وأخبارهم.
وقوله عزَّ وجلَّ: بِأَيْدٍ (47) بقوّة.
وقوله عز وجل: وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ (47) . أي إنا لذو وسَعَةٍ لخَلْقِنا. وكذلك قوله جل ذكره: «عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ» «5» .
وقوله تبارك وتعالى: وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ (49) .
الزَّوجان من جميع الحيوانِ: الذكَرُ والُأنثى، ومِن سوى ذَلِكَ: اختلافُ ألوان النبات، وطُعومِ الثمار، وبعضٌ حلوٌ، وبعضٌ حامضٌ، فذانِك زوجان.
وقوله تبارك وتعالى: فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ (50) .
معناه: فرُّوا «6» إِلَيْه إلى طاعتهِ من معصيته.
وقوله تبارك وتعالى أَتَواصَوْا بِهِ (53) .
معناه: أتواصى به [55/ ب] أهلُ مكةَ، وَالُأمم الماضيةُ، إذْ قَالُوا لَكَ كما قَالَتِ «7» الأمَمُ لرُسلها.
وقوله تبارك وتعالى: وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) .
إلا ليوحِّدوني، وَهذه «8» خاصّةُ يقولُ: وَما خلقت أهلَ السعادةِ من الفريقين إلا ليُوحِّدُوني.
وَقال بعضُهم: خلقَهم ليفعلوا فَفَعل بعضُهم وَترك بعضٌ، وَليس فِيهِ لأهلِ الْقَدَرِ حُجَّةٌ، وَقد فُسِّرَ.
وقوله تبارك وتعالى: مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ (57) .
__________
(1، 2) سقط فى ش.
(3) سورة العنكبوت، الآية 16.
(4) سورة الأنبياء، الآية 76.
(5) سورة البقرة: 236.
(6) فى ش: ففروا.
(7) فى ب: قالته.
(8) فى ش: وفى هذه.(3/89)
يَقُولُ: ما أريدُ منهم أن يرزقوا أنفسهم، «وَما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ» (57) أن يطعموا أحدًا من خلقي «إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ» (58) .
قَرَأَ يَحيى بْن وَثاب (المتين) بالخفض جعله من نعتِ- القوةِ، وَإن كانت أُنثى فِي اللفظ، فإنَّهُ ذهب إلى الحبل وَإلى الشيء المْفتولِ.
أنشدني بعض العربِ:
لكل دَهْرٍ قَدْ لبست أثوبا ... من ريطة واليمنة المعصّبا «1»
فجعل المعصّب نعتا لليمنة، وهي مؤنثة في اللفظ لأن اليمنة ضربٌ وَصِنْفٌ من الثيابِ: الوَشي، فذهبَ إِلَيْه.
وقرأ «2» النَّاس- (المتينُ) رفعٌ من صِفَةِ الله تبارك وتعالى.
وقوله [56/ ا] عز وجل: فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوباً (59) .
والذنوب فِي كلام العرب: الدَّلْوُ العظيمة «3» وَلكن العربَ تذهَبُ بها إلى النَّصِيب وَالحظِّ.
وَبذلِكَ أتى التفسيرُ: فإنَّ للذين ظَلموا حظًّا من العذابِ، كما نزَلَ بالذين من قبلهم، وقال الشاعرُ:
لنَا ذَنوبٌ وَلكمْ ذَنوبُ ... فإنْ أبيتمْ فلنا القليب «4»
والذنوب: يذكّر، ويؤنّث.
__________
(1) رواية القرطبي قال: وأنشد الفراء:
لكل دهر قد لبست أثؤبا ... حتى اكتسى الرأس قناعا أشيبا
من ريطة، واليمنة المعصبا
(2) فى ح: قرأ.
(3) فى ش: العظيم.
(4) انظر البحر المحيط 8/ 132، والقليب: البئر.(3/90)
وَالطُّورِ (1)
ومن سورة- والطور
وقوله عز وجل: وَالطُّورِ (1) .
أقسمَ بِهِ وَهُوَ الجَبلُ الَّذِي بمَدْيَنَ الَّذِي كلّمَ اللَّهُ جلَّ وَعزَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلام عنده نكليما.
وقوله تبارك وتعالى: فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ (3) .
والرَّقُّ: الصحائفُ التي تُخْرَجُ إلى بني آدَمَ، فآخِذٌ كتابَه بيمينةِ، وآخِذٌ كتابَه بشمالِه.
وقوله تبارك وتعالى: وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ (4) .
بيت كان آدم صلّى الله عليه بناه فرُفِع أيام الطوفانِ، وهو فِي السماء السادسَةِ بحيال الكعبةِ.
وقوله عزَّ وجلَّ: وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ (6) .
كَانَ عليّ بْن أَبِي طَالِب رحمه اللَّه يَقُولُ: مسجورٌ بالنار، والمسجورُ فِي كلام العرب: المَمْلوء.
وقوله تبارك وتعالى: يَوْمَ تَمُورُ السَّماءُ مَوْراً (9) .
تدورُ بما فيها وتسيرُ الجبال عنْ وجه الأرض: فتستوي هِيَ والأرضُ.
وقوله عزَّ وجلَّ: يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلى نارِ جَهَنَّمَ (13) .
يُدفعون، وكذلِكَ قوله «فَذلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ» «1» .
وقوله تبارك وتعالى: فاكِهِينَ بِما آتاهُمْ رَبُّهُمْ (18) .
«2» مُعْجَبِينَ بما آتاهم ربُّهم «3» .
وقوله تبارك وتعالى: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ «4» ذُرِّيَّتُهُمْ (21) :
قرأها عَبْدُ اللَّه بْن مَسْعُود: (وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ) . (ألحقنا بهم ذرّيّتهم) (21) على التوحيد.
__________
(1) سورة الماعون الآية 2. [.....]
(2، 3) ساقط فى ش.
(4) فى ش: وأتبعناهم.(3/91)
قال حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْجَهْمِ قَالَ: حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قال: حدثني قيسُ والمفضلُ الضبي عَنِ الْأَعْمَش عنْ إبراهيم، فأما المفضّل فقال عن علقمة عنْ عَبْدِ اللَّهِ، وقالَ قيسٌ عنْ رَجُل عن عبد الله قَالَ: قَرَأَ رَجُل عَلَى عبدِ اللَّه «وَالَّذِينَ آمنوا واتّبعهم ذرّيّاتهم بإيمان ألحقنا بهم ذرّيّاتهم» . قَالَ: فجعل عَبْدُ اللَّه يقرؤها بالتوحيد. قَالَ: حَتَّى ردَّدَها «1» عَلَيْهِ نحوًا من عشرين مرةً لا يَقُولُ ليسَ كما يَقُولُ «2» وقرأها الحسنُ: كلتيهما بالجمع، وقرأ بعض أهل الحجاز، الأولى بالتوحيد، والثانية بالجمع «3» ، ومعنى قوله: (اتّبعتهم ذريتهم) يُقالُ: إِذَا دَخَلَ أهلُ الجنةِ «4» الجنة فإن كان الوالد أرفَع درجة «5» من ابنه رُفِع ابنُه إِلَيْه، وإن كان الولد أرفع رفع والده إليه «6» :
[57/ ا] وقوله عز وجل: وَما أَلَتْناهُمْ (21) :
الألْتُ: النقصُ، وفيه لغةٌ أخرى: (وما لتناهم «7» من عَمِلهم من شيء) ، وكذلِكَ هِيَ فِي قراءة عَبْد اللَّه، وأبي بْن كعب قَالَ الشاعرُ:
أبلغْ بني ثُعَلٍ عنِّي مُغَلغَلة ... جَهْدَ الرسالةِ لا أَلْتًا ولا كِذِبا «8»
يَقُولُ: لا نقصانٌ، ولا زيادةٌ، وقالَ الآخَرُ:
وليلةٍ ذات نَدى سَرَيتُ ... ولم يَلتْني عنْ سُرَاها لَيْتُ «9»
__________
(1) فى ش: ردّها.
(2) فى ش: تقول، ويبدو أن (لا) مزيدة تحريفا، أو أن فى العبارة سقطا، والأصل: لا يزال يقول.
(3) قرأ عامة قراء المدينة: واتبعتهم ذريتهم على التوحيد بإيمان ألحقنا بهم ذرياتهم على الجمع، وقرأته قراء الكوفة.
واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم كلتيهما (على التوحيد) . وقرأ بعض قراء البصرة، وهو أبو عمرو: وأتبعنا ذرياتهم بإيمان ألحقنا بهم ذرياتهم (انظر الاتحاف 400 والطبري 27/ 15) .
(4) سقط فى ح.
(5) فى ش: من درجة، تحريف.
(6) فى ح، ش إليه أبوه.
(7) اختلف فى «ألتناهم» فابن كثير بكسر اللام، من ألت يألت كعلم يعلم، وافقه ابن محيصن. وروى ابن شنبوذ إسقاط الهمزة، واللفظ بلام مكسورة كبعناهم، يقال لأنه يليته كباعه يبيعه (الإتحاف 400، 401)
(8) نسبه فى المحتسب للحطيئة، وروايته فى الشطر الأول:
أبلغ لديك بنى سعد مغلغة ويروى: سراة مكان لديك، ومغلغلة: رسالة تغلغل حتى تصل إليهم انظر الديوان: 135 والمحتسب 2/ 290
(9) نسبة فى المحتسب لرؤبة، ولم نعثر عليه فى ديوانه ولا ديوان العجاج، (وانظر المحتسب 2/ 291)(3/92)
إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ (28)
واللَّيْتُ هاهُنا مصدر «1» لم يَثْننِي عَنْهَا نَقْصٌ بي ولا عَجْزٌ عَنْهَا.
وقوله تبارك وتعالى: إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ (28) .
إنَّه «2» قرأها عاصم والأعمشُ، والحسنُ- (إنه) - بكسرِ الألفِ، وقرأها أَبُو جَعْفَر الْمَدَنِيّ ونافع- (أَنَّهُ) ، فمن: كسرَ استأنفَ، ومَن نصَبَ أراد: كُنَّا ندعوه بأنه بَرٌّ رحِيمٌ، وهو وجه حسنٌ. قَالَ الفراء: الكسائيُّ يفتحُ (أَنَّهُ) ، وأنا أكسِرُ. وإِنما قلتُ: حسنٌ لأن الكِسَائِيّ قرأه.
وقوله تبارك وتعالى: نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ (30) .
أوجاعَ الدَّهر، فيشغل عنكم، ويتفرّقُ أصحابهُ أَوْ عُمْر آبائه، فإنَّا قد عرفنا أعمارَهم.
وقوله تبارك وتعالى: أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ بِهذا (32) الأحلامُ فِي هَذَا الموضع: العقولُ والألبابُ.
وقوله عز وجل: الْمُصَيْطِرُونَ (37) و «لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ» «3» .
[57/ ب] كتابتها بالصاد، والقراءة بالسين والصاد. وقرأ الكسائي بالسين ومثله: بصطة، وبسطة- كُتب بعضُها بالصادِ، وبعضُها بالسين. والقراءة بالسين فِي بَسَطة، ويَبْسُط- وكل ذَلِكَ أحسْبُه قَالَ صواب «4» .
قَالَ [قَالَ «5» ] الفراء: كُتِبَ فِي المصاحف فِي البقرة- بَسْطةً، وفي الأعرافِ بصطةً بالصاد وسائر القرآنِ كُتبَ- بالسين.
وقوله عزَّ وجلَّ: حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ (45) بالألف، وَقَدْ قَرَأَ بعضُهم (يَلْقَوْا) «6» وَالملاقاة أعرَبُ وكلّ حسن.
__________
(1) سقط فى ح، ش.
(2) لم يثبت فى ش: إنه.
(3) سورة الغاشية الآية: 22 وفى ا، ش: وما أنت عليهم بمصيطر، وهو خطأ. [.....]
(4) قرأ الجمهور بالصاد، وقرأ هشام وقنبل وحفص بخلاف عنه بالسين (البحر المحيط 8/ 152) .
(5) سقط فى ح، ش.
(6) قرأ أبو جعفر بفتح الياء والقاف وسكون اللام بينهما بلا ألف: يلقوا، مضارع لقى، وافقه ابن محيصن، والباقون بضم الياء، وفتح اللام ثم ألف، وضم القاف يلاقوا، من الملاقاة، وافقهم ابن محيصن فى الطور (انظر الإتحاف 387) .(3/93)
وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1)
وقوله عز وجل: فِيهِ يُصْعَقُونَ (45) قرأها عاصم، وَالأعمشُ (يَصعقون) [وأهلُ الحجاز (يُصعقون) ] «1» وَقرأها أَبُو عَبْد الرَّحْمَن السُّلميُّ (يَصعقون) بفتح الياء- مثل الْأَعْمَش «2» .
وَالعربُ تَقُولُ: صُعِق الرجُلُ، وَصَعق- وَسُعِد، وَسَعِدَ لغاتٌ كلُّها صوابٌ «3» .
ومن سورة النجم
قوله تبارك وتعالى: وَالنَّجْمِ إِذا هَوى (1) .
أقسم- تبارك وَتعالى- بالقرآن، لأنّه كانَ يَنْزِلُ نجومًا «4» الآية وَالآيتانِ، وَكانَ بين أوَّلِ نزولِه وآخره عشرون سنة.
حدثنا [58/ ا] محمد بن الجهم قال: حدثنا الفراء: وَحَدَّثَنِي الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ مَنْصُورٍ عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو رَفَعَهُ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ فِي قوله: «فَلَا أُقْسِمُ بِمَوْقِعِ النُّجُومِ» «5» قَالَ: هُوَ مُحْكَمُ الْقُرْآنِ.
قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد «6» أَبُو زكريا يعني: الَّذِي لم يُنسَخ.
وقوله تبارك وتعالى: إِذا هَوى.
نزل، وَقد ذُكر: أَنَّهُ كوكب «7» إِذَا غَرَبَ.
وقوله جل وعز: ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ (2) .
__________
(1) ما بين الحاصرتين سقط فى ح، ش.
(2) قرأ الجمهور: يصعقون بفتح الياء، وقرأ عاصم: بضم الياء (تفسير الطبري 27/ 19) وقرأ السلمى بضم الياء وكسر العين من أصعق رباعيا (البحر المحيط 8/ 153) .
(3) فى اللسان: صعق الرجل وصعق، وفى حديث الحسن: ينتظر بالمصعوق ثلاثا ما لم يخافوا عليه نتنا هو المغشى عليه أو الذي يموت فجأة. لا يعجل دفنه.
(4) فى ش: نجوم، وهو تحريف.
(5) سورة الواقعة الآية: 75، وقوله: (بموقع) قراءة الكسائي وخلف، وقراءة الباقين (بمواقع) .
(6) سقط فى ح، ش.
(7) فى ح، ش الكوكب.(3/94)
عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5)
جواب لقوله: «وَالنَّجْمِ إِذا هَوى» .
وقوله عز وجل: وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى (3) .
يَقُولُ: ما يَقُولُ هَذَا القرآنَ برأيه إنّما هُوَ وَحيٌ، وذلك: أن قريشًا قَالُوا: إنَّما يَقُولُ القرآنَ من تلقائه، فنزل تكذيبُهم.
وقوله عز وجل: عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى (5) .
أراد جبريل- صلى الله عليه- «ذُو مِرَّةٍ» (6) من نعْتِ شديد «1» القوى.
وقوله عز وجل: فَاسْتَوى (6) استوى هُوَ «2» وَجبريل بالأفق الأعلى لمَّا أُسري بِهِ، وَهو مَطلع الشمس الأعلى، فأضَمر الاسمَ فِي- استَوى، وَرَدَّ عَلَيْهِ هُوَ، وَأكثرُ كلام العرب أن يقولوا: استوى هُوَ وَأبوه- وَلا يكادُون يقولون: - استوى وَأبوه، وَهو جائز، لأن فِي الفعل مضمرًا: أنشدني بعضُهم:
ألم تَر أن النّبْعَ يُخلقُ عُودُه ... وَلا يستوي والخِرْوَعُ المتقصّف «3»
[58/ ب] وقَالَ اللَّه تبارك وَتعالى- وَهو أصدق قيلا- «أَإِذا كُنَّا تُراباً وَآباؤُنا» «4» فَردَّ الآباء عَلَى المضمر فِي «كُنا» إلَّا أَنَّهُ حسن لما حيلَ بينهما بالتُّراب. وَالكلامُ: أئذا كنا تُرابًا نحنُ وآباؤنا.
وقوله عزَّ وجل: ثُمَّ دَنا (8) .
يعنى: جبريل صلّى الله عليه، دنا من محمد صلّى الله عليه حتَّى كَانَ قابَ قوسين عَرَبيَّتينِ أَوْ أدنى: فَأَوْحى
(10) يعنى: جبريل عليه السلام «إِلى عَبْدِهِ»
: (10) إلى محمد صلّى الله عليه عبد الله: «ما أَوْحى»
(10) .
وقوله تبارك وتعالى فَتَدَلَّى (8) كأن المعنى: ثُمَّ تدَلَّى فدَنا، وَلكنه جائز إِذَا كَانَ معنى الفعلين وَاحدًا أَوْ كالواحِدِ قدمتَ أيهما شئت، فقلتَ: قَدْ دنا فقرُبَ، وقرُبَ فدَنا وشتمني فأساء، وأساء فشَتَمَنيِ، وقَالَ الباطِلَ لأن الشتم، والإساءة شىء واحد.
__________
(1) سقط فى ح، ش.
(2) فى ش: وهو جبريل.
(3) يخلق: يملس. والمتقصف: المتكسر وفى أساس البلاغة (قصف) ، وتفسير القرطبي: 17: 85: يصلب مكان يخلق
(4) سورة النمل الآية: 67. [.....](3/95)
وكذلك قوله: «اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ» «1» .
والمعنى- والله أعلم- انشق القمرُ واقتربت الساعةُ، والمعنى واحدٌ.
وقوله عزَّ وجلَّ: مَا كَذَبَ الْفُؤادُ (11) .
فؤاد محمد- صلى الله عليه- «ما رأى» ، يقول: قد صدقه فؤاده الذي رأى، و «كذّب» يُقرأ بالتشديد والتخفيف. خففها عاصم، والأعمش، وشيبة، ونافع المدنيان [59/ ا] وشدَّدَها «2» الحسنُ البصريُّ، وأبو جَعْفَر الْمَدَنِيّ.
وكأن من قَالَ: كَذبَ يُريدُ: أن الفؤاد لم يكذّب الَّذِي رَأَى، ولكن جعلَه حقًا صِدْقًا وَقَدْ يجوز أن يُريد: ما كذَّب صاحبَه الَّذِي رَأَى. ومن خفف قَالَ: ما كذب الَّذِي رَأَى، ولكنه «3» صدَقَهُ.
وقوله عزَّ وجلَّ: أفتمرونه (12) .
أي: أفتجحدونه «4» .
حدثنا «5» أبو العباس قال: حَدَّثَنَا «6» مُحَمَّدُ بْنُ الْجَهْمِ. قَالَ: حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قال: حدثني قيس بنُ الربيع عنْ مُغِيرَة عنْ إبراهيم قال: «أفتمرونه» - أفتجحدونه، «أَفَتُمارُونَهُ» -: أفتجادلونه [حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ حَدَّثَنِي] «7» حَدَّثَنَا هُشَيْم عنْ مُغِيرَة عنْ إِبْرَاهِيم أنه قرأها: «أفتمرونه» .
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْجَهْمِ قَالَ: حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قال: حَدَّثَنَا قيسٌ عنْ عَبْد الملك بْن الأبجر عَنِ الشَّعْبِيّ عنْ مسروق أَنَّهُ قَرَأَ: «أفَتَمرُونَه» وعن شُريح أَنَّهُ قَرَأَ: «أَفَتُمارُونَهُ» . وهي قراءة العوامِّ وأهل المدينة، وعاصم بْن أَبِي النَّجودِ والحسنِ.
وقوله عزَّ وجلَّ: وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى (13) .
__________
(1) سورة القمر الآية: 1.
(2) فى ش: وشدها.
(3) فى ش: ولكن.
(4) وقوله (أفتمرونه) قراءة حمزة والكسائي ومن وافقهما، والباقون يقرءون (أفتمارونه) انظر الإتحاف: 248.
(5، 6) ساقط فى ح، ش.
(7) ما بين الحاصرتين زيادة من ح، ش.(3/96)
عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى (15)
يَقُولُ: مَرةً أخرى.
وقوله تبارك وتعالى: عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى (15) .
حدثنا محمد بن الجهم قال: [حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا] «1» الْفَرَّاءُ قَالَ:
حَدَّثَنِي حِبانُ عنْ أَبِي إِسْحَاق الشيباني قَالَ:
سُئِلَ زِرُّ بنُ حُبَيْش، وأنا أسمَعُ: عندها جَنَّةُ المأوى، أَوْ جَنَةُ المأوى، فَقَالَ: جنة من الجنان.
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْجَهْمِ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قال: وحدثنى بعض المشيخة [59/ ب] عَنِ الْعَرْزَمِيِّ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: جَنَّةٌ مِنَ الْجِنَانِ.
قَالَ: وقَالَ الفراء: وَقَدْ ذُكر عنْ بعضهم: جَنَّةُ الْمَأْوى يُريدُ: أجَنَّه، وهي شاذة «2» ، وهي: الجنة التي فيها أرواحُ الشهداء.
وقوله تبارك وتعالى: ما زاغَ الْبَصَرُ (17) .
بصر محمد صلّى الله عليه ما زاغ بقلبِه يمينًا وشِمالًا ولا طغى ولا جاوز ما رَأَى.
وقوله عزَّ وجلَّ: أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (19) .
قرأها الناسُ بالتخفيف فِي لفظِ قوله: وَلاتَ حِينَ مَناصٍ «3» -. وفي وَزْنِ- شاةٍ، وكان الكسائيُّ يَقِفُ عليها بالهاء أفرأيتم اللّأه.
[185/ ب] «4» قَالَ وقَالَ «5» الفراء. وأنا أقفُ عَلَى التاء.
[حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ] «6» قَالَ: وَحَدَّثَنِي القاسمُ بْن مَعْنٍ «7» عنْ مَنْصُور بْن المعتمر عن مجاهد قال:
__________
(1) ما بين الحاصرتين زيادة فى ج، ش.
(2) قرأ جنّه المأوى» بالهاء على (عليه السلام) ، وابن الزبير بخلاف، وأبو هريرة وأنس بخلاف، وأبو الدرداء، وزر بن حبيش، وقتادة، ومحمد بن كعب.
قال أبو الفتح (ابن جنى) : يقال: جنّ عليه الليل، وأجنّه الليل، وقالوا أيضا: جنّه، بغير همز، ولا حرف جر، وانظر المحتسب ح 2/ 293.
(3) سورة ص الآية: 3.
(4) من هنا رجع إلى النسخة (ا) .
(5) زيادة فى ب، ش.
(6) ما بين الحاصرتين زيادة من ب.
(7) فى ش: معين.(3/97)
كان رجلا «1» يلتّ لهم السّويق، وقرأها: اللّات والعزى فشدّد التاء.
[حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْجَهْمِ قَالَ] : «2» حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: حَدَّثَنِي حِبَّانُ عَنِ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عن ابن عباس قَالَ:
كَانَ رَجُلٌ مِنَ التُّجَّارِ يَلُتُّ السَّوِيقَ لهم عند اللّات وهو- الصّنم وببيعه فسميّت «3» بِذَلِكَ الرَّجُلَ، وَكَانَ صَنَمًا- لِثَقِيفٍ، وَكَانَتِ الْعُزَّى سُمْرَةً- لِغَطَفَانَ يَعْبُدُونَهَا.
وقوله: وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى (20) .
كانت مناة صخرة لهذيل، وخزاعة يعبدونها.
[حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْجَهْمِ قَالَ] «4» : حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: وَحَدَّثَنِي حِبَّانُ عَنِ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ إِلَى الْعُزَّى لِيَقْطَعَهَا قَالَ: فَفَعَلَ وَهُوَ يَقُولُ:
يَا عُزَّ كُفْرَانَكِ لَا سُبْحَانَكِ ... إِنِّي رَأَيْتُ اللَّهَ قَدْ أَهَانَكِ
وقوله: أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى (21) .
لأنهم قَالُوا: هَذِهِ الأصنام والملائكةُ بنات اللَّه، فَقَالَ: «أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى (21) تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى» (22) جَائِرة.
والقراء جميعًا لم يَهمِزُوا- ضِيزي، ومنَ العَرب من يَقُولُ: قِسْمَة «5» ضَيْزَى، وبعضُهُم يَقُولُ: قِسْمة ضَأزَى، وضُؤزَى بالهَمْز، ولم يقرأ بها أحدٌ نَعْلَمهُ وَضِيزَى: فُعْلَى.
وإن رأيتَ أولها مَكْسُورًا هِيَ مثل قولهم: بيضٌ، وعِينٌ- كَانَ أولُها مَضْمُومًا فَكَرِهُوا أن يُتركَ عَلَى ضَمَّتِه، فيقالُ: بُوضٌ، وعُونٌ.
والواحِدةٌ: بَيضاء، وعَيناء: فَكَسرُوا أولَها ليكُون بالياء ويتألف الْجَمْعُ والاثنان والواحدَة «6» .
__________
(1) فى ش: رجل، وهو تحريف. [.....]
(2) ما بين الحاصرتين زيادة من ب.
(3) فى ش: فسمّى، وفى (ا) فتسميت، تحريف.
(4) ما بين الحاصرتين زيادة من ب.
(5) سقط فى ح، ش
(6) فى ح: الواحد، وفى ش: الوالد وهو خطأ.(3/98)
أَمْ لِلْإِنْسَانِ مَا تَمَنَّى (24)
كذلك كرهُوا أن يَقولوا: ضُوزَى، فتصيرُ وَاوًا، وهي من الياء، وإنّما قضيتُ عَلَى أوّلها بالضّم لأنّ النّعوت للمؤنّث تأتى إمّا: بَفتْح وإمَّا «1» بِضَمٍّ:
فالمفتُوح «2» : سَكْرى «3» ، عَطْشى والمضمومُ: الأُنثى، والحُبْلى فإذا كانَ اسمًا ليس بنعتٍ كُسِرَ أوله كقوله: (وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى «4» ) ، الذِّكرى اسم لِذلكَ كسرتْ، وليَستْ بنَعْتٍ، وكذلِكَ (الشِّعْرَى) كُسرَ أولها لأنها اسمٌ ليست بنعتٍ.
وحَكَى الكِسائيِ عنْ عِيسَى: ضِيزَى.
وقوله: أَمْ لِلْإِنْسانِ ما تَمَنَّى (24) ما اشتهى.
وقوله: فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولى (25) ثوابهما.
وقوله: وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّماواتِ: ثم قال لا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً (26) .
فَجَمعَ، وإنّما ذَكَرَ مَلَكًا واحدًا، وذلِكَ أن (كَمْ) تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أرادَ جمعًا، والعَربُ تذْهَب بأحد وبالواحد «5» إلى الجمع فِي المعنى يقولونَ: هَلِ اختصمَ أحدٌ اليومَ. والاختصامُ لا يَكُونُ إلا للاثنين، فما زادَ.
وَقَدْ قَالَ اللَّه عزَّ وجلَّ: (لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ منهم «6» ) ، فبيْنَ لا تَقعُ «7» إلّا عَلَى الاثنين فما زادَ.
وقوله: فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ «8» مما دل عَلَى أن أحدًا يَكُونُ للجمع وللواحد.
و [معنى] «9» قوله: وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ.
مما «10» تعبُدونه وتزعمون أنهم بناتُ اللَّه لا تغنى شفاعتهم عنكم شيئا «11» .
__________
(1) فى ش: أو.
(2) فى ش: والمفتوح.
(3) فى ش: كشرى وهو خطأ من الناسخ.
(4) سورة الذاريات: الآية: 55.
(5) فى ش: والواحد.
(6) سورة البقرة الآية: 136.
(7) فى ش لا يقع.
(8) سورة الحاقة الآية: 47.
(9) زيادة من ب، ح، ش. [.....]
(10، 11) مطموس فى (ا) ومنقول من ب، ش.(3/99)
وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا (28)
وقوله: وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً (28) .
من عذاب اللَّه فِي الآخرة.
وقوله: ذلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ (30) [186/ ا] .
صغّر بهم [يَقُولُ] «1» ذَلِكَ قدْر عُقُولهم، ومَبْلَغُ عِلْمِهم حينَ آثروا الدنيا عَلَى الآخرة، وَيُقَالُ: ذَلِكَ مَبلَغهمُ منَ العلم أن جَعَلُوا الملائكةَ، والأصنامَ بنات اللَّهِ.
وقوله: يَجْتَنِبُونَ كَبِيرَ «2» الْإِثْمِ (32) .
قرأها يَحيى، وأصحابُ عَبْد اللهِ «3» ، وذكروا: أَنَّهُ الشِّرك.
وقوله: إِلَّا اللَّمَمَ (32) .
يَقُولُ: إلّا المتقاربَ من صغير الذنُوب، وسمعت العرب تَقُولُ: ضَرَبَهُ ما لَممَ القتل، (ما) صِلَةٌ يُريدُ: ضربَه ضَرْبًا مُتَقاربًا لِلْقَتْل، وسمعت من آخر: ألَمَّ «4» يفْعَلُ- فِي مَعْنى- كادَ يفَعلُ «5» .
وذكر الكلَبيّ بإسناده: أنّها النظرَةُ عنْ «6» غير تعمُّدٍ، فهيَ لَممٌ وهي مغفورةٌ، فإن أعادَ النظَرَ فليس بلَمَمٍ هُوَ ذَنبٌ وقوله: إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ (32) .
يُرِيدُ: أنشأ أباكُم آدمَ «7» من الأرض «8» .
وقوله: وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ (32) .
يَقُولُ: هُوَ أعلمُ بكم أوّلًا وآخرًا فلا تزكوّا أنفسكم لا يقولنّ أحدكم: عملت كذا، أَوْ فعْلتُ كذا، هُوَ أعْلَمُ بمَن اتقى.
__________
(1) زيادة (من ش) .
(2) فى ش: كبائر.
(3) قرأها بالتوحيد أيضا حمزة والكسائي وخلف، والباقون بفتح الباء ثم ألف فهمزة على الجمع. (الإتحاف 383 و 403) .
(4) فى ش: لم.
(5) نقل اللسان كلام الفراء فى تفسير اللمم. انظر مادة لمم.
(6) فى اللسان. من مكان عن.
(7، 8) ساقط فى ح، ش.(3/100)
وَأَعْطَى قَلِيلًا وَأَكْدَى (34)
وقوله: أَكْدى (34) .
أي: أعطى قليلًا، ثُمَّ أمسكَ عَنِ النفقة.
«أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرى» (35) حالةَ فِي الآخرة، ثُمَّ قال: «أَمْ «1» لَمْ يُنَبَّأْ» (36) المعنى: ألم.
«وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى» (37) : بَلّغَ- أنْ «2» ليست تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أخرى، لا تحتمل الوازرة ذنب غيرها.
وقوله: وَأَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى (42) .
قراءة «3» الناس- (وأنّ) ، ولو قرىء إنّ «4» بالكسر على الاستئناف كان صوابا.
[حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْجَهْمِ قَالَ] «5» حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قال: حدثني الحسنُ بْن عياشٍ عَنِ الْأَعْمَش عنْ إِبْرَاهِيم عنْ علقمة بْن قيس: أَنَّهُ قَرَأَ ما فِي النجم، وما فِي الجنّ، (وأنّ) بفتح «6» إنّ.
[حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْجَهْمِ قَالَ] حَدَّثَنَا «7» - الْفَرَّاءُ قال: حدثني قيسٌ عَنِ الْأَعْمَش عنْ إِبْرَاهِيم عنْ علقمة بمثلِ ذَلِكَ «8» .
وقوله: وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكى (43) .
أضحَك أهلَ «9» الجنة بدخول الجنة، وأبكَى أهلَ النار بدخول النار.
وَالْعَرَبُ تقوله فِي كلامها إِذَا عِيب عَلَى أحدهم الجَزَع والبكاء يَقُولُ: إنّ اللَّه أضحكَ، وأبكى. يذهبونَ بِهِ إلى أفاعيل أهل الدنيا.
__________
(1) أم: لم نثبت في ح.
(2) فى (ب) أي مكان أن، تحريف.
(3) فى ب: قرأه.
(4) فى ش: وإنّ.
(5) زيادة من ب، وفى ح، ش: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: حدثنا الفراء ... إلخ.
(6) يريد: (وأنه تعالى) وما بعدها فى هذه السورة إلى: (وأنا منا المسلمون) ، وفتح الهمزة قراءة ابن عامر وحفص وحمزة والكسائي وقراءة أبى جعفر فى (وأنه تعالى) ، (وأنه كان يقول) ، (وأنه كان رجال) ، وقراءة الباقين بكسر الهمزة. الإتحاف: 262. [.....]
(7) فى ش: قال الفراء حدثنى ... إلخ.
(8) فى ب، ش: بمثل هذا.
(9) فى ش: هو، تحريف.(3/101)
وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى (48)
وقوله: وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنى (48) . رضّى الفقير بما أغناه به (وأقنى) من القنية والنشب.
وقوله: رَبُّ الشِّعْرى (49) . الكوْكب «1» الَّذِي يَطلعُ بعد الجوزاء.
وقوله: وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عاداً الْأُولى (50) .
قَرَأَ الْأَعْمَشُ وعاصمٌ (عادًا) يخفضان النونَ، وذكرَ القاسم بْن معن: أنّ الْأَعْمَشَ قَرَأَ (عادَ لُولى) ، فجزمّ النونَ، ولم يهمز (الأولى) .
وهي قراءةُ أهل المدينة: جَزمُوا النونَ لمّا تحرّكَت اللّام، وخفضَها مَن خفضَها لأن البناء عَلَى جزم اللام التي مَع الألف فِي- الأولى «2» والعربُ تَقُولُ: قمْ لآن، وَقُمِ الآن، وصُمِ الاثنين وَصُمْ لثنين عَلَى ما فسرتُ لَكَ.
وقوله عاداً الْأُولى. «3» بغير [186/ ب] «4» هَمْز: قومُ «5» هُودٍ خاصةً بقَيتْ مِنْهم بقيةُ نجوامع لُوطٍ، فسُمّي أصحابُ هودٍ عادًا «6» الأولى.
وقوله: وَثَمُودَ فَما أَبْقى (51) .
ورأيتها بعض مصاحف «7» عَبْد اللَّه (وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى) بغير ألفٍ «8» وهي تجرى فِي النصب فِي كل التنزيل إلّا قوله: (وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مبصرة) «9» فإِنّ هَذِهِ ليس فيها ألفٌ فَتُرِك إجراؤهَا.
__________
(1) فى (ا) فى الكواكب.
(2) قرأ: عاد لولى بإدغام التنوين في اللام بعد نقل حركة الهمزة إليها وصلا نافع، وأبو عمرو، وأبو جعفر ويعقوب.
والباقون وهم: ابن كثير، وابن عامر، وعاصم، وحمزة، والكسائي، وخلف بكسر التنوين، وسكون اللام، وتخفيف الهمزة من غير نقل فكسر التنوين لالتقاء الساكنين وصلا والابتداء بهمزة الوصل (الإتحاف 403، 404)
(3، 4) سقط فى ح، ش.
(5) فى ح، ش، هم قوم.
(6) زيادة فى ح، ش.
(7) كتبت كلمة «بعض» فى (ا) بين السطرين، وجاء فى هذه النسخة: فى بعض مصحف.
(8) قرأ: وثمود. بغير تنوين عاصم وحمزة ويعقوب، والباقون بالتنوين (الإتحاف 404) . وانظر المصاحف للسجستانى: 71.
(9) لم تثبت (مبصرة) فى ح، ش، والآية فى الإسراء: 59(3/102)
وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى (53)
وقوله: وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوى (53) .
يُريدُ: وأهوى المؤتفكةَ لأنّ جبريلَ- عَلَيْهِ السَّلام- احتمل قَريات قَوْمِ لُوط حتَّى رفعها إلى السماء، ثُمَّ أهْوَاها وأتبعَهمُ اللَّه بالحجارةَ، فذلك قوله: (فغشّاها ما غشّى) من الحِجارة.
وقوله: فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكَ تَتَمارى (55) .
يَقُولُ: فبأيّ نِعَم رَبِّكَ تكذبُ أنها ليست منه، وكذلك قوله: (فتماروا بالنّذر) «1» .
وقوله: هذا نَذِيرٌ (56) . يعنى: محمدا صلّى الله عليه.
«مِنَ النُّذُرِ الْأُولى» (56) يَقُولُ القائلُ: كيفَ قَالَ لمُحمدٍ: من النذُر الأولى، وهو آخِرهُم؟، فهذا فِي الكلام كما تَقُولُ: هَذَا واحدٌ من بَني آدم وإن كَانَ آخرهُم أَوْ أولهمُ، ويقالُ: هَذَا نَذيرٌ من النُّذرِ الأُولَى فِي اللّوح المحفوظ.
وقوله: أَزِفَتِ الْآزِفَةُ (57) قَرُبَت القيامة.
وقوله: لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللَّهِ كاشِفَةٌ (58) .
يقول: ليس بعلمها كاشفٌ دونَ اللَّه- أي لا يعلمُ عِلمَها غيرُ ربيِّ، وتأنيثُ (الكاشفة) كقولِكَ: ما لِفلانٍ باقية. أي بقاء والعافية والعاقبة «2» ، وليس له ناهَيةٌ، كل هَذَا فِي معنى المصدر.
وقوله: وَأَنْتُمْ سامِدُونَ (61) لاهون.
__________
(1) سورة القمر الآية: 36.
(2) سقط فى ح، ش.(3/103)
اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (1)
ومن سورة القمر
قوله عزّ وجلّ:
وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (1) ذُكرَ: أَنَّهُ انشقَّ، وأَنَّ عَبْدَ اللَّه بْن مَسْعُودٍ رَأَى «1» حراء «2» من بَيْن فِلقتيه فلقتى القمر.
وقوله: وَإِنْ يَرَوْا آيَةً. يعنى القمر يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ (2) .
أي: سيبطلُ ويذهَبُ.
وقَالَ بَعْضهم: سِحْر يُشبهُ بعضه بعضا.
وقوله: وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ (3) .
سيقر قرار تكذيبهم، وقرارُ قولِ المصدّقينَ حتَّى يعرفوا حقيقته «3» بالعقاب والثواب.
وقوله: مُزْدَجَرٌ (4) منتهىّ.
وقوله: حِكْمَةٌ بالِغَةٌ (5) .
مرفوعٌ عَلَى الردّ عَلَى (مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ) ، و (ما) فِي موضع رفع، ولو رفعته عَلَى الاستئناف كأنّك تُفَسِّرُ بِهِ (ما) لكانَ صوابًا، ولو نُصبَ عَلَى القطع لأنّهُ نكرَة، وما معرفة كانَ صوابًا.
ومثله فِي رَفْعه: (هذا ما لدىّ عتيد) «4» ولو كان (عتيد) منصوبًا كَانَ صوابًا. «5»
وقوله: فَما تُغْنِ النُّذُرُ «6» (5) .
__________
(1) سقط في ح. [.....]
(2) فى ح جزاء مكان حراء تحريف.
(3) فى ش: بحقيقته.
(4) سورة ق الآية 23.
(5) قوله: كان صوابا، لأن «هذا» و «ما» معرفتان، فيقطع العتيد منهما. كمن قرأ: هذا بعلى شيخا انظر الآية 23 من سورة ق فيما سبق.
(6) رسمت فى ا، ب: تغنى، ورسم المصحف: تغن بحذف الياء.(3/104)
خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ (7)
إن شئت جعلتَ (ما) جحدًا تُريدُ: ليْسَت تُغني عَنْهم النذُرُ، «1» وإن شئتَ جعلتها فِي موضع أي- كأنكَ قلتَ. فأيّ شيء تُغني النذر «2» . [187/ ا]
وقوله: خَاشِعًا أبْصَارُهُمْ (7) .
إِذَا تقدَّمَ الفِعلُ قبل اسمٍ مؤنثٍ، وهُوَ لَهُ أَوْ قبل جمع مؤنثٍ مثل: الأبصارِ، والأعمار وما أشبَهَهَا- جَازَ تأنيثُ الْفِعْلِ وتذكيرهُ وَجَمْعُهُ، وَقَدْ أتى بذلك فِي هَذَا الحرف، فقرأهُ ابْنُ عَبَّاس (خاشعًا) .
[حدثنى مُحَمَّدُ بْنُ الْجَهْمِ قَالَ] «3» حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: وحدثنى هشيم وأبو معاوية عن وائل ابن دَاوُدَ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ يَسَارٍ عَنِ ابْنِ عباس أنّه قرأها (خاشعا) .
[حدثنى مُحَمَّدٌ قَالَ] «4» حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: وَحَدَّثَنِي هُشيمٌ عنْ عوفٍ الأعرابي عَنِ الْحَسَن وأبي رجاء العطارديّ أن أحدَهُما قَالَ: (خاشعًا) والآخر (خُشَّعاً) .
قَالَ الفراء: وهي فِي قراءة عَبْد اللَّهِ (خاشِعةً أبصارُهُم) «5» . وقراءة النَّاس بَعْدُ (خُشَّعاً أَبْصارُهُمْ) «6» .
وَقَدْ قَالَ الشاعرُ:
وشَبابٍ حَسنٍ أوجُهُهُمْ ... من إياد بْن نزار بْن مَعَدْ «7»
وقَالَ الآخرُ.
يرمي الفِجاجَ بها الركبانُ مُعترضًا ... أعناق بزّلها مرخى لها الجدل «8»
__________
(1، 2) ساقط فى ح، ش.
(3، 4) زيادة فى ب.
(5) انظر قراءة عبد الله: خاشعة أبصارهم، فى المصاحف للسجستانى ص: 72.
(6) جاء فى تفسير الطبري: واختلفت القراء فى قوله: خاشعا أبصارهم فقرأ ذلك عامة قراء المدينة وبعض المكيين والكوفيين: خشعا بضم الخاء وتشديد الشين بمعنى خاشع، وقرأه عامة قراء الكوفة وبعض البصريين:
خاشعا أبصارهم بالألف على التوحيد (الطبري 27/ 48) .
(7) البيت للحرث بن دوس الأنصاري، ويروى لأبى دؤاد الأنصاري (انظر تفسير القرطبي 17/ 129) (والبحر 8/ 175) وفى ح: وشهاب مكان وشباب، تحريف. وفى ش: إياد نزار، سقط.
(8) انظر البحر المحيط 8/ 175 واختلاف الرواية فيه.(3/105)
وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (12)
قَالَ الفراء: الجدُلُ: جَمْعُ الجَديلِ، وهُوَ الزمَامُ، فلو قَالَ: مُعترضاتٍ، أَوْ مُعترضةً لكان صوابًا، مرخاة ومرخيات.
وقوله: مُهْطِعِينَ (8) . ناظِرينَ قِبلَ الداع.
وقوله: وَقالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ (9) .
زُجِرَ بالشتم، وازْدُجِر افْتعل من زَجَرْتُ، وإذا «1» كانَ الحرف أولهُ زايٌ صارتْ تاء الافِتعال فِيهِ دالًا مِنْ ذَلِكَ: زُجِرَ، وازْدُجِرَ، ومُزْدَجَرٌ، ومن ذَلِكَ: المُزْدَلِفُ ويزدادُ هِيَ من الفِعل يفتعل فقس عليه ماورد.
وقوله: فَالْتَقَى الْماءُ عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (12) .
أرادَ الماءين: ماء الأرض، وماء السماء، ولا يجوز التقاء إلا لاسمين، فما زاد، وإنما جَازَ فِي الماء، لأن الماء يَكُونُ جمعًا وواحدا.
وقوله: عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ. قُدر «2» فِي أمّ الكتاب.
وَيُقَال: قَدْ «3» قُدِرَ أَن الماءين كان مقدَارُهُما واحدًا. وَيُقَال: «4» قَدْ قُدرَ «5» لِما أرادَ اللهُ من تعذيبهم.
وقوله: وَحَمَلْناهُ (13) .
حَملْنا نُوحًا عَلَى ذاتِ ألواحٍ يعني: السفينة، (ودسر) (13) مَسامِيرُ السفينة، وشُرُطُها التي تُشَد بها.
وقوله: جَزاءً لِمَنْ كانَ كُفِرَ (14) .
__________
(1) فى ش: وإن.
(2) سقط فى ب، ح، ش.
(3) سقط فى ش. [.....]
(4، 5) سقط فى ح.(3/106)
أي: جُحِدَ.
يَقُولُ: فَعلنا بِهِ وبهم ما فعلنا جزاء لمَا صُنِع بنوحٍ وأصحابه، فَقَالَ: لِمَنْ «1» يُريدُ الْقَوْمَ، وفيه مَعْنَى ما. ألا تَرى أنَّك تقولُ: غُرّقوا لنوحٍ ولِما صُنعَ بنُوح، والمعنى واحد.
وقوله: وَلَقَدْ تَرَكْناها آيَةً (15) .
يَقُولُ: أبقيناهَا من بعد نُوح آيةً.
وقوله: فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (15) .
المعني: مُذتكر، وإذا قلتَ: مُفْتعلٌ فيما أوّلهُ ذالٌ صارت الذالُ وتاءُ الافتعال دالًا مُشدَّدة وبعض بنى أسد يقولون: مذكر، فيغنبون الذّال فتصير ذالا مشددة.
[حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْجَهْمِ قَالَ] : «2» حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قال: و «3» حدثنى الْكِسَائِيُّ-[وَكَانَ وَاللَّهِ مَا عَلِمْتُهُ إِلَّا صَدُوقًا] «4» - عَنْ إِسْرَائِيلَ وَالْقَرْزِمِيِّ عَن أَبِي إِسْحَاقَ عَن الْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: قُلْنَا لِعَبْدِ اللَّهِ: فَهَلْ مِنْ مُذَّكِرٍ، أَوْ مُدَّكِرٍ، فَقَالَ: أَقْرَأَنِي رسول الله [187/ ب] صلى الله عليه:
(مُدَّكِرٍ) بِالدَّالِ.
وقوله: فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ (16) .
النذر هاهنا مصدر معناه: فكيف كان إنذارى، ومثله (عذرا ونذرا) «5» (15) يخفُفانِ ويثقلان كما قَالَ «إِلى شَيْءٍ «6» نُكُرٍ» فثقل فى «اقْتَرَبَتِ» وخفف فى سورة النساء القصرَى «7» فقيل «نُكْرًا» .
«8» وقوله: وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ «9» (17) .
__________
(1) فى ح: لما.
(2) زيادة فى ب، وفى ح، ش،: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ ...
(3) سقط فى ش.
(4) ما بين الحاصرتين زيادة فى ح، ش.
(5) إشارة إلى قوله تعالى فى سورة المرسلات: 5، 6 (فالملقيات ذكرا، عذرا أو نذرا) .
(6) سقط فى ح.
(7) سورة النساء القصرى هى سورة الطلاق، كما فى بصائر ذوى التمييز: 1: 469، و (نكرا) فى الآية 8 من هذه السورة.
(8، 9) فى هامش ش.(3/107)
إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ (19)
يقول «1» : هوّناه ولولا ذلك ما أطاق العبادُ أن يتكلمُوا بكلام اللَّه. وَيُقَال «2» : وَلَقَدْ يسرنا القرآن للذكر: للحفظ، فليس من كتاب بحفظ ظاهرًا غيرُه.
وقوله: فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ (19) . استمر عليهم بنحوسته.
وقوله: كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ (20) . أسَافلُهَا. مُنقَعِرٌ المصُرَّعُ منَ النخل
وقوله: إِنَّا إِذاً لَفِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ (24) . أرادَ بالسُّعُر: العَنَاء لِلعَذاب:
وقوله: كَذَّابٌ أَشِرٌ (25) . قرأ مجاهد وحده: الأشر.
[حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْجَهْمِ قَالَ:] حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قال: وحدثني سُفْيَان بْن عيينَة عنْ رجلٍ عنْ مجاهد أنه قرأ (سيعلمون) بالياء كذا قال سفيان غَداً مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ (26) وهو بمنزلة قولك فِي الكلام: رَجُل حَذِر، وحذر، وفطن، وفطن «3» وعجل، وعجل «4» .
[حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْجَهْمِ قَالَ] «5» حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْنُ الْفَضْلِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ قَرَأَ: سَيَعْلَمُونَ غَدًا- بِالْيَاءِ.
وقوله: وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْماءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ (28) .
للناقة يوم، ولهم يوم، فَقَالَ: بينهم وبين الناقة.
وقوله: كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ (28) . يحتضره أهله ومن يستحقه.
وقوله: فَكانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ (31) .
الَّذِي يحتظرُ عَلَى هشيمه «6» ، وقرأ الْحَسَن وحده: كهشيم «7» المحتظَر، فتح الظاء فأضاف الهشيم إلى
__________
(1، 2) فى هامش ش.
(3، 4) ب: بين حذر وفطن.
(5) زيادة فى ب.
(6) فى ش هشيميه.
(7) سقط فى ح، ش. [.....](3/108)
إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ (34)
المحتظَر، وهو كما قَالَ: «إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ «1» الْيَقِينِ» ، والحق هُوَ اليقين، وكما قَالَ: «وَلَدارُ الْآخِرَةِ «2» خَيْرٌ» فأضاف الدار إلى الآخرة، وهي الآخرة، والهشيم: الشجر إذا يبس.
وقوله: نَجَّيْناهُمْ بِسَحَرٍ (34) .
سحر هاهنا يجري لأنَّه نكرة، كقولك: نجيناهم بليلٍ، فإذا ألقت مِنْهُ العرب الباء لم يجروه، فقالوا: فعلت هَذَا سحر يا هَذَا، وكأنهم فِي تركهم إجراءه أنّ كلامهم كَانَ فِيهِ بالألف واللام، فجرى عَلَى ذَلِكَ، فلما حذفت الألف واللام، وفيه نيتهما لم يصرف. كلام العرب أن يقولوا: مازال عندنا هذا السحر، لا يكادون يقولون غيره.
وقوله: فَتَمارَوْا بِالنُّذُرِ (36) . كذّبوا بما قَالَ لهم.
وقوله: وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذابٌ مُسْتَقِرٌّ (38) :
العرب تجري: غدوة، وبكرة، وَلا تجريهما وأكثر «3» الكلام فِي غدوة ترك الإجراء وأكثره فِي بكرة أن تُجرَى.
قَالَ: سمعت «4» بعضهم يَقُولُ: أتيته بكرةَ باكرًا، فمن لم يجرها جعلها معرفة لأنها اسم تكون أبدًا فِي وَقت واحد بمنزلة أمسِ وغدٍ، وأكثر ما تجري العرب غدوة إِذَا قرنت «5» بعشية، فيقولون: إني لآتيك غدوةَ وَعشيةً، وَبعضهم غدوةً وعشيةً، ومنهم من لا يجرى عشية [188/ ا] لكثرة ما صحبت غدوةَ.
وقوله: عَذابٌ مُسْتَقِرٌّ (38) .
يَقُولُ: عذابٌ حق.
وقوله: أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولئِكُمْ (43)
__________
(1) سورة الواقعة الآية: 95.
(2) سورة يوسف الآية: 109.
(3) فى ح: وأكبر، تحريف.
(4) فى ب، ش: وسمعت.
(5) فى ش: قربت وهو تصحيف.(3/109)
سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ (45)
يقول: أكفاركم يأهل مكَّة خير من هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أصابهم العذاب أم لكم براءة فِي الزبر؟
يَقُولُ: أم عندكم براءة من العذاب، ثُمَّ قَالَ: أم يقولون: أي أيقولون: نَحْنُ جميع كَثِير منتصر،
فقال الله: «سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ» (45) وهذا يوم بدر.
وقَالَ: الدبر فوحّد، ولم يقل: الأدبار، وكلّ جائز، صواب أن تَقُولُ: ضربْنا منهم الرءوس والأعين، وضربنا منهم الرأس واليد، وهو كما تَقُولُ: إنه لكثير الدينار والدرهم، تريد الدنانير والدراهم «1» .
وقوله: وَالسَّاعَةُ أَدْهى «2» وَأَمَرُّ (46) . يَقُولُ: أشد «3» عليهم من عذاب يوم بدر، وَأمرُّ من المرارة.
وقوله: يَوْمَ «4» يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ (48) .
وفي قراءة عَبْد اللَّه «يوم يسحبون إلى النار عَلَى وجوههم» .
وقوله: ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ (48) . سقر: اسم من أسماء جهنم لا يجري، وكل اسم كان لمؤنث فيه الهاء أو ليس فيه الهاء فهو لا يجري «5» إلا أسماءً «6» مخصوصة خفت فأجريت، وترك بعضهم إجراءها، وهي: هند، ودعد، وجُمل، ورئم، تُجري ولا تُجرى. فمن لم يُجرها قَالَ:
كل مؤنث فحظه ألا يجري، لان فِيهِ معنى الهاء، وإن لم تظهر ألا ترى أنك إِذَا حقّرتها وصغرتها قلت: هنيدة، ودعيدة، ومن أجراها قَالَ: خفت لسكون الأوسط مِنْها، وأسقطت الهاء، فلم تظهر فخفّفت فجرت.
وقوله: وَما أَمْرُنا إِلَّا واحِدَةٌ (50) . «7» أي: مرة واحدة «8» هَذَا للساعة كلمح خطفة.
__________
(1) فى ب، ش: الدراهم والدنانير.
(2) فى ش: أهو، تحريف.
(3) فى ح، ش: امتد، تحريف.
(4) سقط «يوم» فى ح، وسقط «يوم يسحبون» فى ش.
(5) فى ش: فهو لا يجوز، تحريف.
(6) فى ب: إلا اسما.
(7، 8) سقط فى ح.(3/110)
وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ (53)
وقوله «1» : وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ (53) . يريد: كل صغير من الذنوب أَوْ كبير فهو مكتوب.
وقوله: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54) . معناه: أنهار، وهو فِي مذهبه كقوله:
«سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ» (45) . وزعم الكِسَائِيّ أَنَّهُ سَمِعَ العرب يقولون: أتينا فلانًا فكنّا فِي لحمةٍ ونبيذة فوحد «2» ومعناه الكثير.
وَيُقَال: «إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ» فِي ضياء وسعة، وسمعت بعض العرب ينشد «3» :
إن تك ليليا فإني نَهِرُ ... مَتَى أرى الصبح فلا أنتظرُ «4»
«5» ومعنى نهر: صاحب نهار «6» وقد روى «وما أمرنا إلّا وحدة» بالنصب وكأنه أضمر فعلا ينصب بِهِ الواحدة، كما تَقُولُ للرجل: ما أنت إلا ثيابَك مرة، وَدابتك مرة، وَرأسك مرة أي: «7» تتعاهد ذاك.
وقَالَ الكِسَائِيّ: سمعت العرب تَقُولُ: إنَّما العامري عِمَّتَه، أي: ليس يتعاهد من لباسه إلا العمة، قَالَ الفراء: وَلا أشتهي نصبها فى القراءة.
__________
(1، 2) مثبتة فى ح، ش.
(3) استشهد به القرطبي، نقلا عن الفراء، ولم ينسبه؟ [.....]
(4) ورواية الطبري: متى أتى الصبح مكان متى أرى ... ؟
(5، 6) سقط فى ح، ش.
(7) سقط فى ش.(3/111)
الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ (5)
ومن سورة الرحمن
قوله عز وجل: بِحُسْبانٍ (5) . حساب ومنازل [188/ ب] للشمس والقمر لا يعدوانها.
وقوله: وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ «1» (6) . النجم: ما نجم مثل: العشب، وَالبقل وشبهه. والشجر: ما قام عَلَى ساق. ثُمَّ قَالَ: يسجدان، وسجودهما: أنهما يستقبلان الشمس إِذَا طلعت، ثُمَّ يميلان معها حتَّى ينكسر الفيء، والعرب إِذَا جمعت الجمعين من غير النَّاس مثل: السدر، والنخل جعلوا فعلهما واحدًا، فيقولون: الشاء والنعم قَدْ أقبل، وَالنخل والسدر قَدِ ارتوى، فهذا أكثر كلامهم، وتثنيته جائزة.
قَالَ الكِسَائِيّ: سمعت العرب تَقُولُ: مرت بنا غنمان سودان «2» وَسود.
قَالَ الفراء: وسود أجود من سودان لأنَّه نعت تأتي عَلَى الاثنين، فإذا «3» كَانَ أحد الاثنين مؤنثًا مثل: الشاء والإبل قَالُوا: الشاء والإبل مقبلة لأن الشاء ذكر، والإبل أنثى، ولو قلت:
مقبلان لجاز، ولو قلت: مقبلتان تذهب إلى تأنيث الشاء مَعَ تأنيث الإبل كَانَ صوابًا، إلا أن التوحيد أكثر وأجود.
فإذا قلت: هَؤُلَاءِ قومك وإبلهم قَدْ أقبلوا ذهبت بالفعل إلى النَّاس خاصة لأن الفعل لهم، وهم الَّذِينَ يقبلون بالإبل، ولو أردت إقبال هَؤُلَاءِ وهؤلاء لجاز- قَدْ أقبلوا لأن النَّاس إِذَا خالطهم شيء من البهائم، صار فعلهم كفعل النَّاس كما قَالَ:
«وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْماءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ» «4» فصارت الناقة بمنزلة الناس.
__________
(1) زيادة فى ب.
(2) فى ح: «سوان «تحريف.
(3) فى (ا) : إذا.
(4) سورة القمر الآية: 28.(3/112)
وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانُ (12)
ومنه قول اللَّه عزَّ وجلَّ: «فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ» «1» ، و «مَنْ» إنَّما تكون للناس، فلما فسَّرهم وقد كانوا اجتمعوا فى قوله: «وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ» «2» فسرهم بتفسير النَّاس.
وقوله: وَالسَّماءَ رَفَعَها فوق الأرض وَوَضَعَ الْمِيزانَ (7) . فِي الأرض وهو العدل.
وفي قراءة عَبْد اللَّه: وخَفْض الميزان، والخفض والوضع متقاربان فِي المعنى.
وقوله: أَلَّا تَطْغَوْا (8) .
وفي قراءة عَبْد اللَّه: لا تطغوا بغير أن فِي الوزن وأقيموا اللسان.
وقوله: أَلَّا تَطْغَوْا إن شئت جعلتها مجزومة بنية النهي، وإن شئت جعلتها منصوبة بأن، كما قَالَ اللَّه: «إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلا تَكُونَنَّ» «3» وأن تكون- (تطغوا) فِي موضع جزم أحبُّ إليَّ لأن بعدها أمرا.
وقوله: وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ (9) .
وقوله: وَالْأَرْضَ وَضَعَها لِلْأَنامِ (10) . لجميع الخلق.
وقوله: وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحانُ (12) . خفضها الْأَعْمَش، ورفعها النَّاس «4» .
فمن خفض أراد: ذو العصف وذو الريحان، ومن رفع الريحان جعله تابعا لذو. و «5» العصف، فيما ذكروا: بقل الزرع لان العرب تَقُولُ: خرجنا نعصف الزرع إِذَا قطعوا مِنْهُ شيئًا قبل أن يدرك فذلك العصف، والريحان هُوَ رزقه، والحب هُوَ الَّذِي يؤكل مِنْهُ. والريحان فى كلام العرب:
__________
(1، 2) سورة النور الآية: 45، و (خالق) قراءة حمزة والكسائي، كما فى الإتحاف: 169.
(3) سورة الأنعام الآية: 14.
(4) جاء فى الإتحاف: 405- واختلف فى «وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحانُ» : فابن عامر بالنصب فى الثلاثة على إضمار فعل أي أخص، أو خلق أو عطفا على الأرض، وذا صفة الحب. وقرأ حمزة والكسائي وخلف برفع الأولين: أعنى الحب، وذو. وجرّ الريحان عطفا على العصف وافقهم الأعمش، والباقون بالرفع فى الثلاثة عطفا على المرفوع قبله. أي: فيما فاكهة، وفيما الحب، وذو صفة.
(5) سقط فى ش.(3/113)
الرزق، ويقولون: خرجنا نطلب ريحان اللَّه. الرزق عندهم «1» ، وقَالَ بعضهم: ذو العصف المأكول من الحب، والريحان: الصحيح الَّذِي «2» لم يؤكل.
ولو قَرَأَ قارئ: «والحبّ ذا العصف والريحانَ» لكان جائزًا، أي: خَلَقَ ذا وذا، وهي فِي مصاحف أهل الشام: والحبّ ذا «3» العصف، وَلم نَسْمَع بها قارئا، كما أن فِي بعض مصاحف أهل الكوفة:
«والجار ذا القربى» «4» [189/ ا] ولم يقرأ بِهِ أحد، وربما كتب الحرف على جهة واحدة، وهو فِي ذَلِكَ يقرأ بالوجوه.
وبلغني: إن كتاب عليّ بْن أَبِي طَالِب رحمه اللَّه كَانَ مكتوبًا: هَذَا كتاب من عليّ بْن أَبُو طَالِب كتابها: أَبُو. فِي كل الجهات، وهي تعرب فِي الكلام إِذَا قرئت.
وقوله: فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (13) . وإنما ذكر فِي أول الكلام: الإِنسان ففي ذَلِكَ وجهان:
أحدهما: أن العرب تخاطب الواحد بفعل الاثنين، فيقال: ارحلاها، ازجراها يا غلام.
والوجه الآخر: أن الذِّكر أريد فِي الْإِنْسَان والجان، فجرى لهما من أول السُّورة إلى آخرها.
وقوله: خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخَّارِ (14) .
وهو طين خُلط برمل، فصلصل كما يصلصل الفخار، وَيُقَال: من صلصال منتن يريدون بِهِ: صلّ، فيقال: صلصال كما يُقال: صرّ الباب عند الإغلاق، وصرصر. والعرب تردد اللام فِي التضعيف فيقال:
كركرت الرجلَ يريدون: كررْته وكبكبته، «5» يريدون: كببته «6» .
وسمعت بعض العرب يَقُولُ: أتيت فلانًا فبشبش بي من البشاشة، وإنما فعلوا ذَلِكَ كراهية اجتماع ثلاثة أحرف من جنس واحد.
__________
(1) فى ب: رزق عندهم.
(2) سقط فى ش.
(3) فى ح: والحب ذو. [.....]
(4) النساء الآية 36.
(5، 6) سقط فى ح.(3/114)
رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ (17)
وقوله: مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ (15) .
والمارج: نار دون الحجاب- فيما ذكر الكلبي- منها «1» هَذِهِ الصواعق، ويُرى جلد السماء منها.
وقوله: «رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ» (17) .
اجتمع القراء عَلَى رفعه، ولو خفض يعني فِي الإعراب عَلَى قوله: فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا، ربّ المشرقين كَانَ صوابًا.
والمشرقان: مشرق الشتاء، ومشرق الصيف، وكذلك المغربان.
وقوله: مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ (19) . يَقُولُ «2» : أرسلهما ثُمَّ يلتقيان بعد.
وقوله: بَيْنَهُما بَرْزَخٌ (20) .
حاجز لا يبغيان: لا يبغي العذب عَلَى الملح فيكونا عذبا، ولا يبغي الملح عَلَى العذب فيكونا ملحا
وقوله: يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ (22) .
وإنما يخرج من الملح دون العذب. واللؤلؤ: العظام، والمرجان: ما صغر من اللؤلؤ.
وقوله: وَلَهُ الْجَوارِ «3» المنشئآت (24) .
قَرَأَ «4» عاصم ويحيى بْن وَثاب: (المنشِئات) بكسر الشين، يجعلن اللاتي يُقبلن وَيدبرن فِي قراءة عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود (الْمُنْشَآتُ) ، وَكذلك قرأها الْحَسَن وأهل الحجاز بفتح الشين يجعلونهن مفعولًا بهن أقبل بهن وأدبر.
وقوله: كَالْأَعْلامِ (24) .
كالجبال شبه السفينة بالجبل، وكل جبل إذا طال فهو علم.
__________
(1) فى ح، ش: فيها، تحريف.
(2) فى ش: البحرين: يلتقيان.
(3) فى ب، ح، ش: الجواري. ورسم المصحف من غير ياء.
(4) فى ب، ح: قرأها.(3/115)
وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (27)
وقوله: وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ (27) .
هَذِهِ، والتي فِي آخرها ذي «1» - كلتاهما فِي قراءة عَبْد اللَّه- ذي- تخفضان «2» فِي الإعراب لأنهما من صفة ربك تبارك وتعالى، وهي فِي قراءتنا: «وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ [ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ] «3» » [ذو] «4» تكون من صفة وجه ربنا «5» - تبارك وتعالى.
وقوله: كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ (29) غير مهموز.
قال: وسألت الفراء [189/ ب] عنْ (شان) فَقَالَ: أَهمِزه فِي كل القرآن إلّا فى سورة الرَّحْمَن، لأنَّه مَعَ آيات غير مهموزات، وشأنه [فِي كل يوم أن يميت ميتًا، ويولد مولودًا، ويغنى ذا، ويفقر ذا فيما لا يحصى من الفعل] «6» .
وقوله: سنفرغ لكم أَيُّهَ الثَّقَلانِ (31) .
[حدثنا أبو العباس قال «7» حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْجَهْمِ قَالَ] حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قال: حدثني أَبُو إسرائيل قَالَ:
سمعت طلحة بن مصرّف يقرأ: «سَيَفرغُ لكم» «8» ويحيى بْن وثاب كذلك والقراء بعد: «سَنَفْرُغُ لَكُمْ «وبعضهم [يقرأ «سيُفرغ لكم» ] «9» وهذا من اللَّه وعيد لأنَّه عزَّ وجلَّ لا يشغله شيء عنْ شيء، وأنت قائل للرجل الَّذِي لا شغل لَهُ:
قَدْ فرغت لي، قَدْ فرغت لشتمي. أي: قَدْ أخذت فِيهِ، وأقبلت عَلَيْهِ.
وقوله: يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا (33) ولم يقل: إن استطعتما، ولو كَانَ لكان صوابا، كما قال:
(يرسل عليكما) ، ولم يقل:
__________
(1) سقط فى ح، ش.
(2) فى ش: يخفضان.
(3) مثبت فى ب.
(4) زيادة من ش.
(5) فى ح، ش: ربك تعالى.
(6) ورد فى النسخة ب: بعد قوله: غير مهموز ... وقبل قوله: قال: وسألت الفراء ...
(7) زيادة فى ح:
(8) فى ش: سنفرغ. [.....]
(9) سقط فى ح، ش.(3/116)
يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ فَلَا تَنْتَصِرَانِ (35)
عليكم شواظ من نار ونحاس فلا تنتصران، فثني فِي: عليكما، وفي: تنتصران لِلَّفظ، والجمعُ عَلَى المعنى. والنحاس: يرفع، ولو خفض كَانَ صوابًا يراد: من نار ومن نحاس.
والشواظ: النار المحضة. والنحاس: الدخان. أنشدني بعضهم:
يضيء كضوء سراج السلي ... ط لم يجعل اللَّه مِنْهُ نحاسا «1»
قَالَ الفراء: قَالَ لي أعرابي من بني سليم: السليط: دهن السنام، وليس لَهُ دخان إِذَا استصبح بِهِ.
وسمعت أَنَّهُ الخَلّ وهو دهن السمسم. وسمعت أَنَّهُ الزيت. والزيت أصوب فيما أرى.
وقرأ الْحَسَن: (شِواظ) بكسر الشين كما يُقال للصوار من البقر صِوار وصُوَار.
وقوله: فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّماءُ فَكانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهانِ (37) أراد بالوردة الفَرس، الوردةُ تكون فِي الربيع وردة إلى الصفرة، فإذا اشتد البرد كانت وردة حمراء، فإذا كَانَ بعد ذَلِكَ كانت وردة إلى الغُبْرة، فشبه تلوّن السماء بتلون الوردة من الخيل، وشبهت الوردة فِي اختلاف ألوانها بالدهن واختلاف ألوانه.
وَيُقَال: إن الدهان الأديم «2» الأحمر.
وقوله: فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ (39) والمعني: لا يسأل إنس عنْ ذنبه، ولا جان عنْ ذنبه لأنهم يعرفون بسيماهم كما وصف اللَّه:
فالكافر «3» يعرف بسواد وجهه، وزرقة عينه، والمؤمن أغر محجل من أثر وضوئه
وقوله: هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ (43) وهي فِي قراءة عَبْد اللَّه: هَذِهِ جهنم «4» التي كنتما بها تكذبان، تصليانها لا تموتان فيها ولا تحييان تطوفان.
وقوله: يَطُوفُونَ «5» بَيْنَها (44)
__________
(1) البيت للنابغة الديوان انظر تفسير الطبري 27/ 74 والقرطبي 17/ 172 وفى ب، ح، ش فيه مكان منه.
(3) فى ح، ش: الكافر.
(2، 4) سقط فى: ح.
(5) فى ب: بطوفان سهو من الناسخ.(3/117)
وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (46)
بين عذاب جهنم وبين الحميم إِذَا عطشوا، والآني: الَّذِي قَدِ انتهت شدّة حره.
وقوله: وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ (46) ذكر المفسرون: أنهما بستاتان من بساتين الجنة، وَقَدْ يكون فِي العربية: جنة تثنيها العرب فِي أشعارها أنشدني بعضهم:
ومَهْمَين قَذَفَين مَرْتَين ... قطعته [بالَأمِّ] لا بالسَّمْتين «1»
يريد: مهمها وسمتا واحدا، وأنشدني آخر:
يسعى بكيداء ولهذمين ... قَدْ جعل الأرطاة جنتين
وذلك أن الشعر لَهُ قواف يقيمها الزيادة والنقصان، فيحتمل ما لا يحتمله الكلام.
قَالَ الفراء: الكيداء: القوس، وَيُقَال: لهذِم ولهذَم لغتان، وهو السهم.
وقوله: مُتَّكِئِينَ عَلى فُرُشٍ بَطائِنُها مِنْ إِسْتَبْرَقٍ (54) الإستبرق: ما غلظ من الديباج، وَقَدْ تكون البطانة: ظهارة، والظهارة بطانة فِي كلام العرب، وذلك أن كل واحد منهما [190/ ا] قَدْ يكون وجهًا، وَقَدْ تَقُولُ العرب: هَذَا ظهر السماء، وهذا بطن السماء لظاهرها الَّذِي تراه.
قَالَ: وأخبرني بعض فصحاء المحدثين عَنِ ابْنِ الزُبَيْر يعيب قتلة عثمان رحمه اللَّه فَقَالَ: خرجوا عَلَيْهِ كاللصوص من وراء القرية، فقتلهم اللَّه كلّ قتلة، ونجا من نجا منهم تحت بطون الكواكب.
يريد: هربوا ليلًا، فجعل ظهور الكواكب بطونًا، وذلك جائز عَلَى ما أخبرتك بِهِ.
وقوله: لَمْ يَطْمِثْهُنَّ [إِنْسٌ] «2» (56) قرأت القراء كلهم بكسر الميم في يطمثهن. حدثنا الفراء قال: وحدثنى رجل عن أبى اسحق
__________
(1) فى القرطبي: بالسمت لا بالسمتين- لخطام المجاشعي، ويروى البيت الثاني:
جبتهما بالنعت لا بالنعتين والقذف: البعيد من الأرض. والموت: الأرض لا ماء فيها ولا نبات. الكتاب: 1: 241، والخزانة: 1:
376، وشرح شواهد الشافية: 60، 94.
(2) التكملة من ب.(3/118)
مُدْهَامَّتَانِ (64)
قَالَ: كنت أصلي خلف أصحاب عليّ، وأصحاب عَبْد اللَّه فأسمعهم يقرءون (لم يطمُثهن) برفع الميم. وكان الكِسَائِيّ يقرأ: واحدة برفع الميم، والأخرى بكسر الميم لئلا يخرج من هذين الأثرين وهما: لم «1» يطمِثهن «2» ، لم يفتضضهن (قَالَ وطمثها أي: نكحها»
، وذلك لحال «4» الدم «5» )
وقوله: مُدْهامَّتانِ (64) يَقُولُ: خضراوان إلى السواد من الري.
وقوله: فِيهِما فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ (68) .
يَقُولُ بعض المفسرين: ليس الرمان ولا النخل بفاكهة، وَقَدْ ذهبوا مذهبًا، ولكن العرب تجعل ذَلِكَ فاكهة.
فإن قلت: فكيف أعيد النخل والرمان إن كانا من الفاكهة؟
قلت: ذَلِكَ كقوله: «حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى» «6» . وَقَدْ أمرهم بالمحافظة عَلَى كل الصلوات، ثُمَّ أعاد العصر تشديدًا لها، كذلك أعيد النخل والرمان ترغيبًا لأهل الجنة، ومثله قوله فِي الحج: «أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ» . «7» ثُمَّ قَالَ: «وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذابُ» . وَقَدْ ذكرهم فِي أول الكلمة فِي قوله: «مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ» ، وَقَدْ قَالَ بعض المفسرين: إنَّما أراد بقوله: «مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ» الملائكة، ثُمَّ ذكر النَّاس بعدهم.
وقوله: فِيهِنَّ خَيْراتٌ حِسانٌ (70) .
__________
(1) سقط فى ش.
(2) فى الإتحاف: 406 قرأ الكسائي بضم الميم فى الأول فقط، فيما رواه كثير من الأئمة عنه، وروى الآخرون كسر الأول. وضم الثاني عن أبى الحارث.
وروى بعضهم عن أبى الحارث الكسر فيهما معا. وروى بعضهم عنه ضمهما.
وروى ابن مجاهد بالضم والكسر فيما، لا يبالى كيف يقرؤهما.
وروى الأكثرون التخيير فى أحدهما عن الكسائي من روايتيه بمعنى أنه إذا ضم الأول كسر الثاني، وإذا كسر الأول ضم الثاني. هذا وقد ذكرت (لم يطمثهن) الأخرى فى الآية 74 من هذه السورة.
(3) فى (ا) يقال: طمثها إذا نكحها.
(4) فى ش: لحام خطأ من الناسخ.
(5) ورد ما بين القوسين فى هامش النسختين ا، ب.
(6) سورة البقرة الآية: 238.
(7) سورة الحج الآية: 18. [.....](3/119)
حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ (72)
رجع إلى الجنان الأربع: جنتان، وجنتان، فَقَالَ: فيهن، والعربُ تَقُولُ: أعطني الْخَيْرَة منهن، والخِيَرَة منهن، والخيرة منهن، ولو قَرَأَ قارئ: الخَيراتُ، أَوِ الخيرات كانتا صوابًا.
وقوله: حُورٌ مَقْصُوراتٌ (72) .
قُصرن عَن أزواجهن، أي حُبِسنَ، فلا يُرِدْنَ غيرهم، ولا يطمحن «1» إلى سواهم، والعرب تسمي الحَجَلة المقصورة، والقصورة، ويسمون المقصورة من النساء: قصورة:
وقَالَ الشَّاعِر «2» :
لعمري لقد حببتِ كلَّ قَصورة ... إليَّ وما تدري بذاك القصائر
عَنَيْتُ قصوراتِ الحجال ولم أرِد ... قصارَ الخُطا، شرُّ النساء البحاتر «3»
والبهاتر، وهما جميعًا القصيرتان، والرجل يقال له: بحتر، وبحترى، وبحترة، وبحترية.
وقوله: مُتَّكِئِينَ عَلى رَفْرَفٍ خُضْرٍ (76) .
ذكروا أنها رياض الجنة، وقَالَ بعضهم: هِيَ المخاد «4» ، «وَعَبْقَرِيٍّ حِسانٍ» (76) الطنافس الثخان.
[حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ] «5» حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: وَحَدَّثَنِي مُعَاذِ بْن مُسْلِم بن أَبِي سادة قَالَ:
كان [190/ ب] جارك زهير القرقبى يقرأ: متكئين على رفارف خضر وعباقري حسان.
قَالَ: الرفارف «6» - قَدْ يكون صوابًا، وأمَّا العباقري فلا لأن ألف الجماع لا يكون بعدها أربعة أحرف، ولا ثلاثة صحاح.
__________
(1) فى ش: لا يطحن، تحريف.
(2) هو كثيّر عزة، وقد أوردهما ابن سيده فى المخصص: 12: 96، والقرطبي فى تفسيره؟ كما يلى:
وأنت التي حببت كلّ قصيرة ... إلىّ وما تدرى بذاك القصائر
عنيت قصيرات الحجال، ولم أرِد ... قصارَ الخُطا، شرُّ النساء البحاتر
وفى البحر المحيط: ولم تشعر مكان: وما تدرى.
(3) البحاتر: جمع بحترة، بضم الباء، القصيرة المجتمعة الخلق.
(4) فى الأصل: المحابس، ولا معنى لها هنا، والتصحيح من مفردات القرآن للراغب الأصفهانى؟.
(5) الزيادة من ش.
(6) فى ب، ش: فالرفارف.(3/120)
لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ (2)
ومن سورة الواقعة
قوله عز وجل: لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ (2) .
يَقُولُ: ليس لها مردودة ولا رد، فالكاذبة «1» هاهنا مصدر مثل: العاقبة، والعافية.
قَالَ: وقَالَ لي أَبُو ثروان فِي كلامه: إن بني نمير ليس لحدهم مكذوبة «2» ، يريد: تكذيب، ثُمَّ قَالَ:
(خَافِضَةٌ رافعة) عَلَى الاستئناف: أي الواقعة يومئذ خافضة لقومٍ إلى النار، ورافعة لقوم إلى الجنة، ولو قرأ قارئ: خافضة رافعة يريد «3» إِذَا وقعت وقعت خافضة لقوم. رافعةً لآخرين، ولكنه يقبح «4» لأن العرب لا تَقُولُ: «5» إذا أتيتى زائرًا حتَّى يقولوا «6» : إِذَا «7» أتيتني فأتني زائرًا أَوِ ائتني زائرًا، ولكنه حسن فِي الواقعة لأنّ النصب قبله آية يحسن عليها السكوت، فحسن الضمير فِي المستأنف.
وقوله: إِذا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا (4) .
إِذَا زلزلت حتَّى ينهدم كل بناء عَلَى وجه الأرض.
وقوله: وَبُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا (5) .
صارت كالدقيق، وذلك قوله: (وَسُيِّرَتِ الْجِبالُ) «8» ، وسمعت العرب تنشد:
لا تخبزا خبزا وبسّا بسّا ... ملسا بذود الحلس ملسا «9»
__________
(1) الكاذبة فى قوله: ليس لوقعتها كاذبة، أي ليس لها مثوبة ولا رجعة ولا ارتداد (تفسير الطبري 27/ 86)
(2) فى ج، ش: مكذبة.
(3) سقط فى ش.
(4) فى ح، ش: قبح.
(5، 6) سقط فى ش.
(7) إذا: سقط فى (ا) .
(8) سيرت- النبأ: 20.
(9) روى البيت الثاني بروايات مختلفة، ففى المخصص (7: 127) :
ملسا يذوذ الحدسى ملسا وفى تفسير الطبري (27: 87) : مدودا محلسا، مكان بذود الحلسى. والبيت فى تفسير القرطبي (17: 196) :
ولا تطيلا بمناخ حبسا [.....](3/121)
وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً (7)
والحُمسِ [أيضًا] «1» والبسيسة عندهم الدقيق، أَوِ «2» السويق يُلَت، ويتخذ زادًا.
وقوله: وَكُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً (7) ثُمَّ فسرهم فَقَالَ: فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ (8) .
عجّب نبيّه منهم فَقَالَ: ما أصحاب الميمنة؟ أي «3» شيء هُمْ؟ وهم أصحاب اليمين، وَأَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ (9) ، عجبه أيضا منهم، وهم أصحاب الشمال، ثم قال: وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10) . فهذا الصنف الثالث، فإن شئت رفعت السابقين بالسابقين الثانية وهم المهاجرون، وكل من سبق إلى نبي من الأنبياء «4» فهو مِنْ هَؤُلَاءِ، فإذا رفعت أحدهما بالآخر، كقولك الأول السابق، وإن شئت جعلت الثانية تشديدًا للأولى، ورفعتْ بقوله: أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (11) .
وقوله: عَلى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ (15) .
موضونة: منسوجة، وإنما سمت العرب وضين الناقة وضينا «5» لأنه منسوج، وَقَدْ سمعت بعض العرب يَقُولُ: فإذا الآجر موضون «6» بعضه عَلَى بعض يريد: مُشْرَج، [قَالَ الفراء:
الوضين الحِزام «7» ] .
وقوله: وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ (17) .
يُقال: إنهم عَلَى سن واحدة لا يتغيرون، والعرب تقول للرجل إذا كبر ولم يشمط: إنه
__________
ويبدو أن رواية المخصص محرفة، وقد يؤيد ذلك ما نقله عن مناسبة الرجز إذ يقول: قال أبو على: قال لى أبو بكر هذا يخاطب سارقين. يقول: لا تصعدا للخبز فتعتقلا، ولكن اتخذا البسيسة. وملست الناقة: تقدمت، وملست بها.
والذوذ: ثلاثة أبعرة إلى العشرة، وقيل أكثر من ذلك. فكأن ما سرقه اللصان، كان أبعرة، وكأن الحلسى أو الحمسى صاحبها. ومن معانى الحلس. بالتحريك: الكبير من الناس، فكأن الحلسى نسبة إليه. ولم نعثر على معنى مناسب لكلمة (مدودا) فى رواية الطبري. والأرجح أنه محرفة أيضا. وزاد فى المخصص بعد الشاهد:
من غدوة حتى كأن الشمسا ... ... بالأفق الغربي تطلى ورسا.
(1) سقط فى ب، ح، ش.
(2) فى ش: والسويق، تحريف.
(3) فى ش: أي: أي شىء هم؟
(4) فى ش: فهم.
(5) زاد فى ش بعد (وضينا) : قال الفراء: وهو حزام الناقة وضنيا، فاضطربت العبارة.
(6) وضن فلان الحجر والآجر بعضه على بعض: إذا أشرجه: أي شدة، فهو موضون.
(7) ما بين الحاصرتين زيادة فى ش.(3/122)
وَحُورٌ عِينٌ (22)
لمخلّد، وإذا لم تذهب أسنانه عَنِ «1» الكبر قيل أيضًا: إنه لمخلد «2» ، وَيُقَال: مخلّدون مقرّطون، ويقال: مسوّرون.
[191/ ا] وقوله: بِأَكْوابٍ وَأَبارِيقَ (18) .
والكوب: ما لا أذن لَهُ ولا عروة لَهُ. والأباريق: ذوات الآذان والعرا.
وقوله: لا يُصَدَّعُونَ عَنْها (19) عن الخمر وَلا يُنْزِفُونَ (19) أي: لا تذهب عقولهم.
يقال للرجل إذا سكر قَدْ نُزِف «3» عقله، وإذا ذهب دمه وغشى عَلَيْهِ أَوْ مات قيل: منزوف.
ومن قَرَأَ: «يُنْزِفُونَ» : يَقُولُ: لا تفنى خمرهم، والعرب تقول للقوم إذا فنى زادهم: قَدْ أنْزَفُوا وأقتروا «4» ، وأنفضوا، وأرمَلوا، وأملقوا.
وقوله: وَحُورٌ عِينٌ (22) .
خفضها أصحاب عَبْد اللَّه وهو وجه العربية، وإن كَانَ أكثر القراء عَلَى الرفع لأنهم هابوا أن يجعلوا الحور العين يطاف بهن، فرفعوا عَلَى قولك: ولهم حور عين، أَوْ عندهم حور عين. والخفض عَلَى أن تتبع آخر الكلام بأوله، وإن لم يحسن فِي آخره ما حسن فِي أوله، أنشدني بعض العرب:
إِذَا ما الغانيات بَرَزْنَ يَوْمًا ... وزَجَجن الحواجب والعيونا «5»
فالعَين لا تزجج إنَّما تكحَّل، فردَّها عَلَى الحواجب لأن المعنى يعرف، وَأنشدني آخر:
ولقيتُ زوجك فِي الوغى ... متقلدًا سيفًا ورمحًا «6»
والرمح لا يتقلد، فردّه عَلَى السيف وقَالَ آخر:
تسمع للأحشاء مِنْهُ لغطًا ... ولليدين جُسْأَةً وبَدَدَا «7»
__________
(1) فى ش على.
(2) فى ا، ب: مخلد.
(3) فى ح: قد طرف عقله.
(4) فى ش: واقتربوا، تحريف.
(5) البيت للراعى النميري. وانظر شرح شواهد المغني: 2: 775، 776 والدرر اللوامع: 1: 191.
(6) يروى الشطر الأول هكذا:
يا ليت زوجك قد غدا
انظر الخصائص: 2: 431. [.....]
(7) يروى (الأجواف) مكان الأحشاء، وجمعها على إرادة جوانب الجوف. والجسأة: اليبس والتصلب.
الخصائص: 2: 432.(3/123)
إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا (26)
وأنشدني بعض بني دبير:
عَلَفْتُهَا تِبْنًا وماءً باردًا ... حتَّى شَتَتْ هَمَّالةً عيناها «1»
والماء لا يعتلف إنَّما يُشرب، فجعله تابعًا للتبن، وَقَدْ كان ينبغي لمن قَرَأَ: وحورٌ عين لأنهن- زعم- لا يطاف بهن أن يَقُولُ: «وَفاكِهَةٍ وَلَحْمِ طَيْرٍ» لان الفاكهة واللحم لا يطاف بهما- ليس يطاف إلَّا بالخمر وحدها ففي ذَلِكَ بيان لأن الخفض وجه الكلام. وفي قراءة أَبِي بْن كعب:
وحورًا عينًا «2» أراد الفعل الَّذِي تجده فِي مثل هَذَا من الكلام كقول الشَّاعِر:
جئني بِمثل بني بَدْرٍ لقومهم ... أَوْ مثلَ أسرة منظور بْن سيار «3»
وقوله: إِلَّا قِيلًا سَلاماً سَلاماً (26) .
إن شئت جعلت السَّلام تابعًا للقيل، وهو هو، وإن شئت أردت- إلّا قيل سلام سلام، فإذا نونت نصبت، لأن الفعل واقع عَلَيْهِ، ولو كان مرفوعا- قيلا سلامٌ سلامٌ لكان جائزًا.
وأنشدني بعض العرب وهو العقيلي:
فقلنا السَّلام فاتقت من أميرها ... فما كَانَ إلا ومؤها بالحواجب «4»
أراد حكاية المبتدى بالسلام، وسمع الكِسَائِيّ العرب يقولون: التقينا فقلنا: سلام سلام، ثُمَّ تفرقنا أراد. قُلْنَا: سلام عليكم فردوا علينا.
وقوله: فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ «5» (28) .
لا شوك فيه.
وقوله: وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ (29) .
ذكر الكلبي: أَنَّهُ الموز، وَيُقَال: هُوَ الطلح الذي تعرفون.
__________
(1) يروى قبل صدره:
لما حططت الرحل عنبا واردا
انظر الخزانة: 1: 499.
(2) على معنى: ويزوجون حورا عينا، كما فى المحتسب: 2 309.
(3) البيت لجرير يخاطب الفرزدق. الديوان: 312، والكتاب: 1: 48، 86، والمحتسب: 2: 78
(4) اقتصر فى المخصص: 13: 155 على العجز.
(5) فى ش: مخضوض، تحريف.(3/124)
عُرُبًا أَتْرَابًا (37)
وقوله: وَظِلٍّ مَمْدُودٍ (30) .
لا شمس فِيهِ كظل ما بين طلوع [191/ ب] الفجر إلى أن تطلع الشمس.
وقوله: وَماءٍ مَسْكُوبٍ (31) .
جار غير منقطع.
وقوله: وَفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ (32) لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ (33) .
«1» لا تجيء فِي حين وتنقطع فِي حين، هِيَ أبدًا دائمة وَلا ممنوعة كما يمنع أهل الجنان فواكههم.
وقوله: وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ (34) .
بعضها فوق بعض.
وقوله: إِنَّا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً (35) .
يَقُولُ: أنشأنا الصَّبية والعجوز، فجعلناهن أترابًا أبناء ثلاث وثلاثين.
وقوله: عُرُباً (37) .
واحدهن: عَروب، وهي المتحببة إلى زوجها الغَنِجة.
حدثنا الفراء قال «2» وحدثني شيخ عَنِ الْأَعْمَش قَالَ: كنتُ أسمعهم يقرءون «3» : «عُرُباً أَتْراباً» بالتخفيف «4» ، وهو مثل قولك: الرسْل والكتب فِي لغة تميم وبكر بالتخفيف «5» ولتثقيل وجه القراءة، لأن كلّ فعول أَوْ فعيل أَوْ فِعال جمع عَلَى هَذَا المثال، فهو مثقّل مذكرًا كَانَ أَوْ مؤنثًا، والقراء «6» عَلَى ذلك «7» .
وقوله: لِأَصْحابِ الْيَمِينِ (38) .
__________
(1) فى ب: يقول لا تجىء.
(2) فى ش: قال الفراء: وحدثنى وفى ب: أخبرنا محمد بن الجهم قال ...
(3) فى ح، ش يقولون.
(4) فى ش: التخفيف، سقط.
(5) سقط فى ب.
(6) فى (ا) والقراءة.
(7) قرأها بسكون الراء أبو بكر وحمزة وخلف. (الإتحاف: 408) .(3/125)
وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ (43)
أي: هذا لأصحاب اليمين.
وقوله هاهنا: ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (39) وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ (40) .
وَقَدْ قَالَ فِي أول السُّورة: «ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (13) وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ» (14) :
وذكروا أن أصحاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بكوا وشق عليهم.
قوله: « «1» وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ «2» » ، فأنزل اللَّه جل وعز هَذِهِ «ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ، وَثُلَّةٌ «3» مِنَ الْآخِرِينَ» . ورفعها عَلَى الاستئناف، وإن شئت جعلتها مرفوعة، تقول: ولأصحاب اليمين ثلتان:
ثلة من هَؤُلَاءِ، «4» وثلة من هَؤُلَاءِ «5» ، والمعنى: هم فرقتان: فرقة من هَؤُلَاءِ، وفرقة من هؤلاء.
وقوله: وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ (43) .
واليحموم: الدخان الأسود «6» .
وقوله: لا بارِدٍ وَلا كَرِيمٍ (44) .
وجه الكلام أن يكون خفضًا متبعًا لما قبله، ومثله: «زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ «7» » . وكذلك: «وَفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ» «8» ، ولو رفعت ما بعد لا لكان صوابًا من كلام العرب، أنشدني بعضهم «9» :
وتُريكَ وجهًا كالصحيفةِ، لا ... ظمآنُ مختلجٌ، ولا جَهْمُ
كعقيلةِ الدُّرِّ استضاءَ بها ... محراب عرْش عزيزها العُجْمُ
وقَالَ آخر:
ولقد أبيت من الفتاة بمنزلٍ ... فأبيت لا زان ولا محروم «10»
__________
(1، 2) سقط فى ح. [.....]
(3) فى ش: وثلاثة، تحريف.
(4، 5) سقط فى ش.
(6) فى ش: الأشد، تحريف.
(7) سورة النور الآية: 35.
(8) سورة الواقعة: الآيتان 32، 33.
(9) هما للمخبل: اللسان مادة خلج. وانظر المفضليات 1/ 115.
(10) انظر الخزانة 2/ 553.(3/126)
لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ (52)
يستأنفون بلا، فإذا ألقوها لم يكن إلّا أن تتبع أول الكلام بآخره «1» ، والعرب تجعل الكريم تابعًا لكل شيء نفت عَنْهُ فعلا تنوي بِهِ الذم، يُقال: أسمينٌ هَذَا؟ فتقول: ما هُوَ بسمين «2» ولا كريم، وما هَذِهِ الدار بواسعة ولا كريمة.
وقوله: إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُتْرَفِينَ (45) .
متنعمين فِي الدنيا.
وقوله: وَكانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ (46) .
الشرك: هُوَ الحنث العظيم.
وقوله: «لَآكِلُونَ [192/ 1] مِنْ شَجَرٍ» (52) .
وهي فِي قراءة عَبْد اللَّه: الآكلون «3» من شجرة من زقوم، فمعنى شجر وشجرة وَاحد، لأنك إِذَا قلت «4» : أخذت من الشاء، فإن نويت واحدة أَوْ أكثر من ذَلِكَ فهو جائز.
ثم قال: فَمالِؤُنَ مِنْهَا (53) .
من الشجرة، ولو قَالَ: فمالئون مِنْهُ «5» إذ لم يذكر الشجرة كَانَ صوابًا يذهب إلى الشجر فِي مِنْهُ «6» ، وتؤنث الشجر، فيكون منها كناية عَنِ الشجر، والشجر تؤنث «7» ويذكر مثل الثمر.
وقوله فَشارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ (54) .
إن شئت كان على الشجر، وإن شئت فعلى الأكل.
وقوله «8» : فَشارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ «9» (55) .
«10» حدثنا الفراء قال «11» : حَدَّثَنِي الْكِسَائِيُّ «12» عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ يقال له: يحيى بن سعيد
__________
(1) في ب، كتب بين الأسطر، فوق قوله بآخره ما يأتى: وقال فى قوله: لا بارد ولا كريم.
(2) فى ش: سمين، تحريف.
(3) سقط فى ش.
(4) فى ب: لأنك تقول.
(5، 6) سقط فى ش.
(7) فى ش: يؤنث. وفى (ب) : والشجر تؤنث وتذكر.
(8، 9) سقط فى ب. [.....]
(10، 11) سقط فى ش. وفى ب مكانه: قال حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْجَهْمِ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ.
(12) فى ج حدثنا الكسائي.(3/127)
أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ (58)
الْأُمَوِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ جُرَيْجٍ يَقْرَأُ: «فَشارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ» بِالْفَتْحِ، قَالَ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِجَعْفَرِ ابن محمد قال: فقال: أو ليست كذاك؟ أَمَا بَلَغَكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه بعث بديل ابن وَرْقَاءَ الْخُزَاعِيَّ إِلَى أَهْلِ مِنًى، فَقَالَ: إِنَّهَا أَيَّامُ أَكْلٍ وَشَرْبٍ وَبِعَالٍ.
«1» قَالَ الْفَرَّاءُ: الْبِعَالُ: النِّكَاحُ، وَسَائِرُ الْقُرَّاءِ يَرْفَعُونَ الشِّينَ: «فَشارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ» و «الْهِيمِ» : الإبل التي يصيبها داء فلا تَروَى من الماء، واحدها: أهيم، والأنثى: هيماء.
ومن العرب من يَقُولُ: هائم، وَالأنثى «2» هائمة، ثُمَّ يجمعونه عَلَى هيم، كما قَالُوا: عائط «3» وعيط، وَحائل وحُول، وهو فِي المعنى: حائل حُول إلا أن الضمة تركت فِي هيم لئلا تصير الياء واوا. وَيقال «4» : إن الهيم الرمل. يَقُولُ: يشرب أهل النار كما تشرب السِّهْلة «5» قَالَ قَالَ الفراء: الرملة بعينها السهلة، وهي سهلة وسهلة.
وقوله: أَفَرَأَيْتُمْ ما تُمْنُونَ (58) .
يعني: النّطَف إِذَا قذفت فِي أرحام النساء.
وقوله: أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ (59) .
تخلقون تلك النطف أم نَحْنُ الخالقون. وَقَدْ يُقال للرجل: مَنى وأمنى، ومَذي وأمذى، فأمنى أكثر من منى، ومذي [أكثر من أمذى] «6» .
وقوله: أَفَرَأَيْتُمْ ما تَحْرُثُونَ (63) أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ «7» (64) .
أي: تنبتونه.
وقوله: فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ (65) .
تتعجبون مما نزل بكم فِي زرعكم، وَيُقَال: معنى تفكهون: تندمون.
__________
(1) فى ب: قال قال الفراء.
(2) فى ش: واللأنثى.
(3) العائط: التي لم تحمل سنين من غير عقم.
(4) فى ش: فيقال:
(5) السّهلة: رمل خشن ليس بالدقاق الناعم. يقول عز وجل: يشرب أهل النار، كما تشرب السهلة- اللسان: سهل وهيم.
(6) سقط فى ح
(7) فى ش تزرعون، تحريف.(3/128)
لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ (70)
وقوله: إِنَّا لَمُغْرَمُونَ (66) .
يُقال: إنا لمعذَّبون، وَيُقَال: إنا لمُولَع بنا وهو من قيلهم.
وقوله: لَوْ نَشاءُ جَعَلْناهُ أُجاجاً (70) .
وهو الملح المر الشديد المرارة من الماء.
وقوله: نَحْنُ جَعَلْناها تَذْكِرَةً وَمَتاعاً لِلْمُقْوِينَ (73) .
يعني [منفعة] «1» للمسافرين إذا نزلوا بالأرض [القِيِّ يعنى:] «2» القفر «3» .
وقوله: فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ «4» النُّجُومِ (75) .
حدثنا الفراء «5» قال: وَحَدَّثَنِي «6» أَبُو لَيْلَى السِّجِسْتَانِيُّ عَنْ أَبِي جَرِيرٍ قَاضِي سجستانى قَالَ: قَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ «فَلا أُقْسِمُ بِمَوْقِعِ النُّجُومِ» وَالْقُرَّاءُ جَمِيعًا عَلَى: مَوَاقِعِ.
حدثنا الفراء «7» قال: حَدَّثَنِي الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ مَنْصُورٍ عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو رَفَعَهُ «8» إِلَى عَبْدِ اللَّهِ فيما أعلم شك الفراء [192/ ب] قَالَ: فَلَا أُقْسِمُ بِمَوْقِعِ النُّجُومِ، قَالَ: بِمُحْكَمِ الْقُرْآنِ، وَكَانَ يَنْزِلُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه نُجُومًا.
وقوله: وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76) يدل عَلَى أَنَّهُ القرآن.
وَيُقَال: فلا أقسم بموقع النجوم، بمسقط النجوم إِذَا سقطن.
وقوله: لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (79) .
حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ «9» قَالَ: حَدَّثَنِي حِبَّانُ عَنِ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لا يمسّ ذلك
__________
(1) سقط فى ب، ح، ش.
(2) سقط فى ش، ح.
(3) جاء فى الطبري: القىّ: القفر من الأرض، أبدلوا الواو ياء طلبا للخفة، وكسروا القاف لمجاورتها الياء.
(4) موقع بلفظ الإفراد قراءة حمزة والكسائي، كما فى الإتحاف: 252.
(5 و 7) فى ش: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: حدثنا الفراء ... [.....]
(6) فى ش: حدثنى.
(8) فى ش: ورفعه.
(9) فى ب: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْجَهْمِ قَالَ: حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ.(3/129)
أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ (81)
اللَّوْحَ الْمَحْفُوظَ إِلا الْمُطَهَّرُونَ يَقُولُ: الْمَلائِكَةُ الَّذِينَ طُهِّرُوا مِنَ الشِّرْكِ. وَيُقَالُ: لا يَمَسَّهُ: لا يَجِدُ طَعْمَهُ وَنَفْعَهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ مَنْ آمَنَ به.
وقوله: أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ (81) مكذبون وكافرون، كلّ قَدْ سمعته.
وقوله: وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ (82) .
جاء فِي الأثر: تجعلون رزقكم: شكركم «1» ، وهو فِي العربية حسن أن تَقُولُ: جعلت زيارتي إياك أنك استخففت بي، فيكون المعنى: جعلت ثواب الزيارة- الجفاء. كذلك جعلتم شكر الرزق- التكذيب «2» .
وقوله: فَلَوْلا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (83) يعني: النَّفْس عند الموت وقوله: وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ (84) يعني: أهل الميت عنده.
ينظرون إِلَيْه. والعرب تخاطب القوم بالفعل كأنهم أصحابه، وإنما يراد بِهِ بعضهم: غائبًا كَانَ أَوْ شاهدًا، فهذا من ذَلِكَ كقولك للقوم: أنتم قتلتم فلانًا، وإنما قتله الواحد الغائب. ألا ترى أنك قد تَقُولُ لأهل المسجد لو آذوا رجلًا بالازدحام: اتقوا اللَّه، فإنكم تؤذون المسلمين، فيكون صوابًا.
وإنما تعظ غير الفاعل فِي كَثِير من الكلام، وَيُقَال: أَيْنَ جواب (فلولا) الأولى، وجواب التي بعدها؟ والجواب فِي ذَلِكَ: أنهما أجيبا بجواب واحد وهو ترجعونها، وربما أعادتِ العرب الحرفين ومعناهما «3» واحد. فهذا من ذَلِكَ، ومنه «4» : «فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ «5» » . أجيبا بجواب واحد وهما جزاءان، ومن ذَلِكَ قوله: لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تحسبنّهم «6»
__________
(1) فى ح، ش: شرككم، وهو تحريف.
(2) عن ابن عباس أنه كان يقرأ: وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون، ثم قال: ما مطر الناس ليلة قط إلّا أصبح بعض الناس مشركين، يقولون: مطرنا بنوء كذا وكذا ... قال: فكان ذلك منهم كفرا بما أنعم عليهم (تفسير الطبري:
27/ 107) .
(3) فى ش: معناهما.
(4) فى ش: وقوله.
(5) سورة البقرة الآية: 38.
(6) سورة آل عمران: 188.(3/130)
فَلَوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ (86)
وقوله: «أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُراباً وَعِظاماً أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ «1» » وَقَدْ فسَّر فِي غير هَذَا الموضوع «2» .
وقوله: غَيْرَ مَدِينِينَ (86) مملوكين، وسمعت: مجزيين.
وقوله: فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ (88) من أهل جنة عدن.
«فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ» (89) .
حدثنا الفراء «3» قال: وَحَدَّثَنِي شَيْخٌ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ «4» عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ عَنْ عَائِشَةَ عَنِ النبي صلّى الله عليه أنه قال: «فَرَوْحٌ «5» وَرَيْحانٌ» وَقِرَاءَةُ «6» الْحَسَنِ كَذَلِكَ، وَالْأَعْمَشِ وَعَاصِمٍ وَالسُّلَمِيِّ وَأَهْلِ المدينة وسائر القراء (فروح) ، أَيْ: فَرَوْحٌ فِي الْقَبْرِ، وَمَنْ قَرَأَ (فَرُوحٌ) يَقُولُ: حَيَاةٌ لَا مَوْتَ فِيهَا، (وَرَيْحَانٌ) : رِزْقٌ.
وقوله: فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ (91) .
أي: فذلك مسلّم لَكَ أنك من أصحاب اليمين، وألقيت أَنْ «7» وهو معناها «8» كما تَقُولُ: أنت مصدّق مسافر عنْ قليل إِذَا كَانَ قد قَالَ: إني مسافر عنْ قليل.
وكذلك تجد معناه: أنت مصدق أنك مسافر، ومعناه «9» : فسلام لَكَ أنت من أصحاب اليمين. وقد يكون كالدعاء لَهُ، كقولك: فسقيا «10» لَكَ من الرجال، وإن رفعت السلامَ فهو دعاء.
والله أعلم بصوابه.
__________
(1) سورة (المؤمنون) الآية: 35.
(2) انظر الجزء الثاني من معانى القرآن ص: 234، 235.
(3) فى ش: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: حدثنا الفراء.
(4) هو حماد بن سلمة بن دينار أبو سلمة البصري الإمام الكبير، روى القراءة عرضا عن عاصم وابن كثير، وروى عنه الحروف حرمى بن عمارة، وحجاج بن المنهال، وقد انفرد برواية بعض الحروف عن ابن كثير مات سنة 167 هـ (طبقات القراء 1/ 258) .
(5) ورويت أيضا عن أبى عمرو وابن عباس (الإتحاف 409) . [.....]
(6) فى (ب) وقرأه.
(7، 8) سقط فى ش.
(9) فى ش فمعناه: وفى ب: معناه.
(10) فى ح، ش: سقيا.(3/131)
هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (3)
[193/ ا]
ومن سورة الحديد
قوله عز وجل: هُوَ الْأَوَّلُ (3) .
يريد: قبل كل شيء. «وَالْآخِرُ» (3) بعد كل شىء.
«وَالظَّاهِرُ» (3) على كل شىء علما، وكذلك «الْباطِنُ» (3) عَلَى «1» كل شيء «2» علما.
وقوله: وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ (7) مملّكين فِيهِ، وهو رزقه وعطيته.
القراء جميعًا على: «وَقَدْ أَخَذَ مِيثاقَكُمْ» (8) ولو قرئت: وَقَدْ أُخِذَ ميثاقكم «3» . لكان صوابًا «4» .
وقوله: فَيُضاعِفَهُ لَهُ (11) :
يقرأ «5» بالرفع والنصب «6» : فمن رفعه جعل الفاء عطفًا ليست بجواب «7» كقولك: من ذا الَّذِي يحسن ويجمل «8» ؟ ومن نصب جعله جوابًا للاستفهام، والعرب تصل (مَن) فِي الاستفهام ب (ذا) حتَّى تصير كالحرف الواحد. ورأيتها فِي بعض مصاحف عَبْد اللَّه: منذا متصلة فِي الكتاب، كما وصل فِي كتابنا وكتاب عَبْد اللَّه «يا بن أمّ» . «9»
وقوله: يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ (12) أي: يضيء بين أيديهم، وعن أيمانهم، وعن شمائلهم، والباء فِي «بِأَيْمانِهِمْ» فِي معنى فِي، وكذلك: عن.
وقوله: بُشْراكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ (12) .
ترفع البشرى، والجنات، ولو نويت بالبشرى النصبَ توقع عليها تبشير الملائكة، كأنه قيل لهم:
أبشروا ببشراكم، ثُمَّ تنصب جناتٍ، توقع البشرى عليها.
__________
(1، 2) سقط فى ح، ش.
(3) أخذ ميثاقكم كرر فى ح مرتين.
(4) وهى قراءة أبى عمرو واليزيدي والحسن (الإتحاف: 409) .
(5) فى ش: تقرأ.
(6) الرفع قراءة نافع، وأبى عمرو، وحمزة، والكسائي، وخلف، وقرأ عاصم بالنصب (الإتحاف: 410)
(7) سقط فى (ا) والزيادة من ب، ح، ش.
(8) فى ش: فيجمل.
(9) من قوله تعالى فى سورة طه 94: الَ يَا بْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي.(3/132)
وإن شئت نصبتها عَلَى القطع لأنها نكرة من نعتِ معرفةٍ، ولو رفعتَ البشرى باليوم كقولك: اليوم بشراكم اليوم سروركم، ثم تنصب الجنات «1» عَلَى القطع، ويكون فِي هَذَا المعنى رفع اليوم ونصبه كما قَالَ الشَّاعِر:
زَعم البوارِحُ أنَّ رِحلتنا غدا ... وبذاك خبرنا الغُدافُ الأسود «2»
وقوله: ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ (12) وهي فِي قراءة عَبْد اللَّه: «ذَلِكَ الفوز العظيم» بغير هُوَ.
وفي قراءتنا «ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ» : كما كَانَ فِي قراءتنا «فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ» «3» (24) وفي كتاب أهل المدينة: «فإن اللَّه الغني الحميد» «4» .
وقوله: لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونا (13) وقرأها يَحيى بْن وثاب والأعمش وحمزة (أَنْظِرُونا) . من أنظرت، وسائر القراء على (انظرونا) بتخفيف الألف «5» ، ومعنى: انظرُونا.
انتظِرونا، ومعنى أنظِرونا، أخرونا كما قال: «أَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ» «6» ، وَقَدْ تَقُولُ العرب:
«انظِرْني» «7» وهم يريدون: انتظرني «8» تقويةٌ لقراءة يَحيى، قَالَ الشَّاعِر:
أبا هندٍ فلا تَعْجَلْ علينا ... وأَنْظِرنا نُخبِرْك اليقِينا «9»
فمعنى هذه: انتظرنا قليلا نخبرك لأنه ليس هاهنا تأخير، إنَّما هُوَ استماع «10» كقولك للرجل:
اسمع مني حتَّى أخبرك:
وقوله: قِيلَ ارْجِعُوا وَراءَكُمْ (13) .
__________
(1) فى ش: ثم نصبت على القطع.
(2) البيت للنابغة انظر اللسان مادة: قوا وشرح المعلقات السبع للزوزنى: 187، والغداف: غراب القيظ الضخم. وفى ب، ش يخبرنا مكان خبرنا. [.....]
(3) وفى المصحف المكي: «فإن الله الغنى الحميد» النشر: 1/ 11.
(4) فى ش: فإن الله هو الغنى الحميد. وهو خطأ وسيذكر ما يدل على ذلك فى ص: 136 الآية.
(5) التخفيف قراءة طلحة، وزيد بن على (البحر المحيط 8/ 221) .
(6) سورة الأعراف: الآية 14.
(7، 8) سقط فى ش.
(9) البيت لعمرو بن كلثوم. انظر تفسير الطبري 27/ 224، شرح المعلقات للزوزنى: 122.
(10) فى ش: استمعا مع تحريف.(3/133)
قَالَ المؤمنون للكافرين: ارجعوا إلى الموضع الَّذِي أخذنا منه [193/ ب] النور، فالتمسوا النور مِنْهُ، فلما رجعوا ضرب اللَّه عزَّ وجلَّ بينهم: بين المؤمنين والكفار بسور، وهو السور الَّذِي يكون عَلَيْهِ أهل الأعراف.
وقوله: لَهُ بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ الجنة، وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ (13) النار، وفي قراءة عَبْد اللَّه: ظاهره من تلقائه العذاب.
وقوله: يُنادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ (14) على دينكم فى الدنيا، فقال المؤمنون: «بَلى وَلكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ» (14) إلى آخر الآية.
وقوله: فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ (15) .
القراء عَلَى الياء، وَقَدْ قَالَ بعض أهل الحجاز [لا] «1» تؤخذ «2» والفدية مشتقة من الفداء، فإذا تقدم الفعل قبل «3» الفدية والشفاعة والصيحة والبينة وما أشبه ذَلِكَ، فإنك «4» مؤنث فعله وتذكّره «5» ، قَدْ جاء الكتاب بكل ذَلِكَ.
وقوله عز وجل: مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ (15) أي: هِيَ أولى بكم.
وقوله: أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ (16) .
وفي يأن لغات: من العرب من يَقُولُ: ألم يأن لك، وأ لم يئن لَكَ مثل: يَعِنْ، ومنهم من يَقُولُ: أَلم يَنَلْ لَكَ باللام، ومنهم من يَقُولُ: أَلم يُنلْ لَكَ، وأَحسنهن التي أَتى بها القرآن وقوله: وَما نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ (16) .
قرأها عاصم، وبعض أهل المدينة (نَزَّلَ) مشددة «6» ، وقرأها «7» بعضهم: «وما «8» نَزَلَ» مخففة وفي قراءة عَبْد اللَّه: وما أنزل «9» من الحق، فهذا قوة لمن قرأ: نزّل.
__________
(1 و 8) سقط فى ش.
(2) العبارة فى ح: تؤخذ لفدية، تحريف.
(3) سقط في ح.
(4) في ش: فإن تؤنث فعله ويذكره، تحريف.
(5) قرأ الجمهور لا يؤخذ، وقرأ أبو جعفر والحسن وابن أبى إسحق والأعرج وابن عامر وهرون عن أبى عمرو بالتاء لتأنيث الفدية. البحر المحيط 8/ 222.
(6) وهى قراءة الجمهور (البحر المحيط 8/ 223) .
(7) هما نافع وحفص. وقرأ الجحدري وأبو جعفر والأعمش وأبو عمرو فى رواية عنه مبنيا للمفعول مشددا، وعبد الله: أنزل بهمزة النقل مبنيا للفاعل (البحر المحيط: 8/ 223) . [.....]
(9) في ح: وما نزل، وهو تحريف.(3/134)
إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ (18)
وقوله: وَلا يَكُونُوا «1» (16) .
فِي موضع نصب، معناه: ألم يأنِ لهم أن تخشع قلوبهم، وألا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب، ولو كان جزمًا كَانَ صوابًا عَلَى النهى «2» .
وقوله: إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقاتِ (18) .
قرأها عاصم: إنّ المصَدِّقين والمصَدِّقات بالتخفيف للصاد، يريد: الَّذِينَ صدّقوا اللَّه ورسوله، وقرأها آخرون: إِن «3» المصَّدقين يريدون: المتصدقين بالتشديد، وهي فِي قراءة أُبّي: إن المتصدقين والمتصدقات بتاءٍ ظاهرة «4» ، فهذه «5» قوة لمن قَرَأَ إن المصّدّقين «6» بالتشديد «7» .
وقوله: أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ (19) انقطع الكلام عند صفة الصديقين.
ثُمَّ قَالَ: «وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ» (19) يعني: النبيين لهم أجرهم ونورهم، فرفعتَ الصديقين بهم، ورفعت الشهداء بقوله: «لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ» (19) .
وقوله: وَفِي الْآخِرَةِ عَذابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوانٌ (20) .
ذكر ما فى الدنيا، وأنه على ما «8» وصف، وأمَّا الآخرة فإنها إما عذاب، وإما جنةً، والواو فِيهِ واو بمنزلة واحدة كقولك: ضع الصدقة فِي كل يتيم وأرملة، وإن قلت: فِي كل يتيم أَوْ أرملة، فالمعنى واحد والله أعلم.
وقوله: مَا أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ (22) .
أي ما أصاب الآدمي فِي الأرض من مصيبة مثل: ذهاب المال، والشدة، والجوع، والخوف
__________
(1) في (ا) ولا تكونوا.
(2) في (ا) كالنهى.
(3) سقط فى ب.
(4) وهذا هو أصل الكلمة.
(5) سقط فى ح.
(6) في ح. المتصدقين تحريف.
(7) قرأ ابن كثير وأبو بكر بتخفيف الصاد من التصديق، أي صدقوا الرسول صلّى الله عليه وسلم، وافقهما بن محيصن، والباقون بالتشديد فيهما من تصدق أعنى الصداقة، والأصل: المتصدقين والمتصدقات، أدغم التاء فى الصاد (الإتحاف 410) .
(8) سقطت الواو في ح، ش.(3/135)
«وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ» الموت فِي الولد، وغير الولد، والأمراض «1» «إِلَّا فِي كِتابٍ» يعني: فِي العلم الأول، مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرأَ تلك النفس أي: «2» نخلقها، إِنَّ ذَلِكَ على الله يسير، ثُمَّ «3» يَقُولُ: إن حفظ ذَلِكَ من جميع [194/ ا] الخلق عَلَى اللَّه يسير، ثُمَّ أدّب عباده، فَقَالَ: هَذَا «لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى مَا فاتَكُمْ» . أي: لا تحزنوا «4» : «وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ» (23) ، ومن قرأ: بما أتاكم بغير مد يجعل الفعل- لما «5» .
وقوله: الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ (24) .
هَذِهِ اليهود بخلت حسدًا أن تُظهِر «6» صفة النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حسدًا للِإسلام لأنَّه يُذهب ملكهم.
وقوله: وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (24) .
وفي قراءة أهل المدينة بغير- هُوَ- «7» دليل عَلَى ذَلِكَ.
وقوله: وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ (25) .
ذكر أن اللَّه عزَّ وجلَّ أنزل: القلاة والكلْبَتين والمِطرقة. قَالَ «8» الفراء: القلاة: السَّندان.
وقوله: فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ (25) .
يريد: السلاح للقتال، ومنافع للناس «9» مثل: السكين، والفأس، والمز «10» وما أشبه ذَلِكَ.
وقوله: النُّبُوَّةَ (26) .
وفي مصحف عَبْد اللَّه بالياء بياءين: النَّبييّة بياءين والهمزة فِي كتابه تثبت بالألف فِي كل نوع،
__________
(1) في ح: والأرض، تحريف.
(2) فى ش: أن، تحريف.
(3) سقط في ب، ش.
(4) في ح، ش: وقال: ولا تفرحوا.
(5) هى قراءة أبى عمرو والحسن، والباقين بالمد من الإيتاء أي بما أعطاكم الله إياه. (الإتحاف: 411) . [.....]
(6) في ش:: أن يظهروا.
(7) فى مصاحف أهل المدينة فإن الله الغنى الحميد (البحر المحيط 1/ 398) .
(8) مكررة فى ب.
(9) فى القرطبي: عن ابن عباس، نزل آدم من الجنة ومعه من الحديد خمسة أشياء من آلة الحدادين: السّندان، والكلبتان، والميقعة، والمطرقة، والإبرة.
(10) كذا فى النسخ ولعلها المسن.(3/136)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (28)
فلو كانت همزة لأثبَتت بالألف، ولو كانت الفعولة لكانت بالواو، ولا تخلو أن تكون مصدر النبأ «1» أو النبيّة مصدرًا فنسبت «2» إلى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
والعرب تَقُولُ: فعَل ذَلِكَ «3» فِي غُلوميته، وفي غلومته «4» ، وفي غلاميته، وسمع الكِسَائِيّ العرب تَقُولُ: فعل ذلك فِي وليديته يريد: وهو وليد أي: مولود، فما جاءك من مصدر لاسم موضوع، فلك فِيهِ: الفُعولة، والفُعولية، وأن تجعله منسوبًا عَلَى صورة الاسم، من ذَلِكَ أن تقول: عبد بين العبودية، والعبودة والعبدية «5» ، فقس عَلَى هَذَا.
وقوله: يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ (28) الكفل: الحظ، وهو فِي الأصل ما يكتفل به الراكب فيحبسه ويحفظه عَنِ «6» السقوط، يَقُولُ:
يحصنكم الكِفل من عذاب اللَّه، كما يحصّن هَذَا الراكب الكفلُ من السقوط.
وقوله: لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ (29) وفى قراءة عبد الله: لكى يعلم أهل الكتاب ألا يقدرون، والعرب تجعل لا صلة فِي كل كلام دخل «7» فِي آخره جحد، أَوْ فِي أوله جحد غير مصرح، فهذا مما دخل آخره الجحد، فجعلت (لا) فِي أوله صلة. وأمَّا الجحد السابق الَّذِي لم يصرح بِهِ «8» فقوله عزَّ وجلَّ: «ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ» «9» .
__________
(1) فى ح: مصدرا للنبأ.
(2) في ب: مصدر نسبت، وفي ش: مصدرا نسبت.
(3) فى ش: ذاك.
(4) في ح: غلومية، تحريف.
(5) سقط فى ح، ش.
(6) فى ش: على، تحريف.
(7) فى ش: داخل.
(8) سقط فى ح.
(9) سورة الأعراف الآية: 12. [.....](3/137)
قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (1)
وقوله: «وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ» «1» وقوله: وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ» «2» وفي الحرام معنى الجحد والمنع، وفي قوله: (وَما يُشْعِرُكُمْ) فلذلك جعلت (لا) بعده صلة معناها السقوط من الكلام.
ومن سورة المجادلة
قوله عزَّ وجلَّ: قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها (1) .
نزلت في امْرَأَة يُقال لها: خولة ابْنَة ثعلبة، وزوجها أوس بْن الصامت الْأَنْصَارِيّ. قَالَ لها [194/ ب] إن لم أفعل كذا وكذا قبل أن تخرجي من البيت فأنت عليّ كظهر أمي، فأتت خولة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ تشكو، فقالت: إن أوس بْن الصامت تزوجني شابة غنية، ثُمَّ قَالَ لي كذا وكذا وَقَدْ ندم، فهل من عذر؟ فَقَالَ رَسُول الله صلّى الله عليه: ما عندي فِي أمرك شيء، وأنزل اللَّه الآيات فيها، فَقَالَ عزَّ وجلَّ: (قَدْ سَمِعَ الله) ، وهي فِي قراءة عَبْد اللَّه: (قَدْ يسمع اللَّه) ، «والله قَدْ يسمع تحاوركما» ، وفي قراءة عَبْد اللَّه: «قول التي تحاورك «3» فِي زوجها» حتَّى ذكر الكفّارة فِي الظهار، فصارت عامة.
وقوله: الّذين يظهرون (2) .
قرأها يَحيى والأعمش وحمزة (يُظاهِرُونَ) «4» ، وقرأها بعض أهل الحجاز كذلك، وقرأها الْحَسَن ونافع «يظَّهَّرُون» فشدد «5» ، ولا يجعل فيها ألفًا، وقرأها عاصم «6» وأبو عبد الرحمن السلمى «7»
__________
(1) سورة الأنعام الآية: 109.
(2) سورة الأنبياء الآية 95. وقرأها ابن عباس: وحرم. وقرأ أبو بكر، وحمزة، والكسائي، وافقهم الأعمش. حرام. انظر معانى القرآن 2/ 211.
(3) فى ش: تجاورك وهو تصحيف.
(4) وهى قراءة ابن عامر، والكسائي، وأبى جعفر وخلف (الإتحاف: 411) .
(5) وهى قراءة ابن كثير وأبى عمرو ويعقوب (الإتحاف: 411) .
(6، 7) فى ب، ش: عاصم والسلمى أبو عبد الرحمن.(3/138)
إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَقَدْ أَنْزَلْنَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ (5)
(يُظاهرون) يرفعان اليَاءَ، ويثبتان الألف، ولا يشددان، ولا يجوز فِيهِ التشديد إِذَا قلت:
(يُظَاهِرُونَ) وهي فِي قراءة أبيّ: يتظاهرون من نسائهم قوة لقراءة أصحاب عَبْد اللَّه.
وقوله: مَا هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ (2) الأمهات فِي موضع نصب لما ألقيت منها الباء نصبت، كما قال فى سورة يوسف: «ما هذا «1» بَشَراً» «2» إنما كانت فى كلام أهل الحجاز: ما هَذَا ببشر فلما ألقيت الباء «3» ترك فيها أثر سقوط الباء وهي فِي قراءة عَبْد اللَّه «ما هن بأمهاتهم» «4» ، وأهل نجد إِذَا ألقوا الباء رفعوا، فقالوا «ما هَذَا «5» بشر» ، «ما هن أمهاتهم» «6» .
أنشدني بعض العرب:
رِكابُ حُسَيْلٍ آخرَ الصيفِ بُدَّن ... ونَاقةُ عَمْرو ما يُحَلُّ «7» لَهَا رَحْلُ
ويزعمُ حِسْلٌ «8» أَنَّهُ فَرْع قومِهِ ... وما أنت فرع يا حسيل ولا أصل
وقوله: ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا (3) يصلح فيها فى العربية: ثم يعودون إلى ما قالوا، وفيما قَالُوا. يريد: يرجعون عما قَالُوا، وَقَدْ يجوز فِي العربية أن تَقُولُ: إن عاد لما فعل، يريد إن فعله مرة أخرى، ويجوز: إن عاد لما فعل: إن نقض ما فعل، وهو كما تَقُولُ: حلف أن يضربك فيكون معناه: حلف لا يضربك وحلف ليضربنك.
وقوله: كُبِتُوا (5) .
غيظوا وأحزِنُوا يوم الخندق «كَما كُبِتَ «9» الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ» يريد: من قاتل الأنبياء من قبلهم.
__________
(1) ما هذا مكررة فى ش.
(2) سورة يوسف الآية 31.
(3 و 5) سقط فى ش.
(4) فى ش: بأمهاتكم، تحريف.
(6) لرفع لغة تميم، وقرأ به عاصم فى رواية المفضل عنه (البحر المحيط 8/ 232) .
(7) فى ش: يحمل خطأ.
(8) فى ش: حسيل.
(9) فى ش كتب وهو تصحيف. [.....](3/139)
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (7)
وقوله: ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى (7) .
القراء على الياء فى يكون، وقرأها بعضهم «1» : ما تكون لتأنيث: النجوى.
وقوله: ثَلاثَةٍ (7) .
إن شئت خفضتها عَلَى أنها من نعت النجوى، وإن شئت أضفت النجوى إليها، ولو نصبت عَلَى أنها فعل لكان- كَانَ صوابًا «2» .
وقوله: وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سادِسُهُمْ (7) .
وهي فِي قراءة عَبْد اللَّه: «ولا أربعة إلَّا هُوَ خامسُهم» لأن المعنى غير مضمور لَهُ، فكفى ذكر بعض العدد من بعض.
وقوله: وَلا أَدْنى مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْثَرَ (7) موضع: أدنى، وأكثر. خفض لاتباعه: الثلاثة، والخمسة، ولو رفعه رافع كَانَ صوابًا «3» ، كما قيل: «مَا لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ» «4» ، كأنه قَالَ: ما لكُم إله غيره.
[206/ 1] وقوله: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوى (8) نزلت فِي اليهود والمنافقين، وكانوا إِذَا قاعدوا مسلمًا قَدْ غزا لَهُ قريب فِي بعض سرايا رسول الله صلى الله عليه تناجى الاثنان من اليهود والمنافقين بما يوقع فِي قلب المسلم أن صاحبه قَدْ قتل، أَوْ أصيب، فيحزن لذلك، فنهوا عَنِ النجوى.
وَقَدْ قَالَ اللَّه: إِنَّمَا النَّجْوى مِنَ الشَّيْطانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضارِّهِمْ (10) وقوله: وَيَتَناجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ (8) .
__________
(1) وهى قراءة أبى جعفر، وأبى حيوة، وشيبة (البحر المحيط 8/ 234) .
(2) قرأ ابن أبى عبلة بالنصب على الحال. وقال الزمخشري أو على تأويل نجوى بمتناجين ونصبها من المستكن فيه.
(انظر تفسير الزمخشري 2: 441 والبحر المحيط 8/ 235) .
(3) وهى قراءة الحسن، وابن أبى إسحق، والأعمش، وأبى حيوة، وسلام، ويعقوب. (البحر المحيط 8/ 236) .
(4) سورة الأعراف الآية 59، 65، 73، 85. وهود فى الآيات: 50، 61، 84، والمؤمنون 23، 32(3/140)
قراءة العوام بالألف، وقرأها يَحيى بْن وثاب: وينتجون «1» ، وفي قراءة عَبْد اللَّه: إِذَا انْتجَيْتُمْ «2» فلا تنتجوا.
وقوله: وَإِذا جاؤُكَ حَيَّوْكَ بِما لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ (8) كانت اليهود تأتي النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ، فيقولون «3» : السام عليك، فيقول لهم «4» : وعليكم، فيقولون: لو «5» كَانَ مُحَمَّد نبيًا لا ستجيب لَهُ فينا لأنّ السام: الموت، فذلك قوله: «لَوْلا «6» يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِما نَقُولُ» : أي: هلَّا «7» .
وقوله: إِذا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا (11) .
قرأها النَّاس: تفَسَّحُوا «8» ، وقرأ «9» الْحَسَن: تفاسحوا «10» ، وقرأ أَبُو عَبْد الرَّحْمَن: فِي المجالِس «11» ، وتفاسحوا، وتفسَّحوا متقاربان مثل: تظاهرون، وتظَّهرون، وتعاهدته وتعهدَّته، راءيت ورأيت، ولا تُصاعر وَلا تُصعِّر «12» .
وقوله: وَإِذا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا (11) .
قَرَأَ النَّاس بكسر الشين، وأهل الحجاز يرفعونها «13» ، وهما لغتان كقولك: يَعْكِفُونَ ويَعْكُفُون «14» ، ويعرِشون، ويعرُشون «15» ،
__________
(1) وهى أيضا قراءة حمزة وطلحة والأعمش مضارع انتجى (البحر المحيط 8/ 236) وانظر ص 382 من الجزء الأول معانى القرآن.
(2) فى (ا) انتجعتم، تحريف.
(3) فى ب: يقول، تحريف.
(4) زيادة فى ح، ش.
(5) سقط فى ح.
(6) فى ح، ش لو يعذبنا، تحريف.
(7) فى ح، ش فهلا.
(8) سقط فى ش، وكتبت بين السطور فى ب.
(9) فى ب، ش قرأها.
(10) وهى قراءة قتادة وعيسى (البحر المحيط 8/ 36) . [.....]
(11) وهى قراءة عاصم والحسن (انظر الإتحاف 412) .
(12) سورة لقمان الآية 18.
(13) وهى قراءة نافع وابن عامر وحفص وأبى بكر وأبى جعفر (الاتحاف: 412) .
(14) من قوله تعالى: فأنوا على قوم يعكفون على أصنام لهم. الأعراف: 138 وهى فى ش ويكفون. تحريف.
(15) من قوله تعالى: وما كانوا يعرشون. الأعراف 137. ومن الشجر ومما يعرشون. النحل 68.(3/141)
اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ (19)
وقوله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً (12) كانوا قَدْ أُمروا أن يتصدقوا قبل أن يكلموا رسول الله صلّى الله عليه- بالدرهم ونحوه، فثقُل ذَلِكَ عليهم، وقلَّ كلامهم رسول الله صلّى الله عليه بخلا بالصدقة، فقال الله:
«أَأَشْفَقْتُمْ» (13) أي: أبخلتم أن تتصدقوا، فإذا فعلتم فَأَقِيمُوا الصلاة وآتوا الزكاة فنسخت الزكاة ذلك الدرهم.
وقوله: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْماً (14) نزلت فِي المنافقين كانوا يوالون اليهود «مَا هُمْ مِنْكُمْ» من المسلمين، «وَلا مِنْهُمْ» عَلَى دين المنافقين هُمْ يهود.
وقوله: اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ (19) غلب عليهم.
وقوله: كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي (21) الكتاب: يجرى مجرى القول، تدخل فِيهِ أن، وتستقبل بجواب اليمين لأنك تجد الكتاب قولا فِي المعنى كُنى عَنْهُ بالكتاب، كما يكفى عن القول: بالزعم، والنداء، والصياح، وشبهه.
[206/ ب] وقوله: لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ (22) نزلت فِي حاطب بْن أَبِي بلتعة، وذلك أَنَّهُ كتب إلى أهل مكَّة: أن النَّبِيّ صلّى الله عليه يريد أن يغزوكم فاستعدوا لمّا أراد رَسُول الله صلّى الله عليه افتتاح مكَّة، فأتَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بذلك الوحي، فَقَالَ لَهُ «1» : ما دعاك إلى ما فعلت؟ قَالَ: أحببت أن أتقرب إلى أهل مكَّة لمكان «2» عيالي فيهم، ولم يكن عنْ عيالي ذابُّ هناك، فأنزل اللَّه هَذِهِ الآية.
الجماعة من أهل الكوفة والبصرة والحجاز عَلَى: كَتَبَ فِي قُلُوبِهِم، وقَرأ بعضهم: كُتِبَ «3»
__________
(1، 2) زيادة من ب، ح، ش.
(3) وهى قراءة أبى حيوة والمفضل عن عاصم: (البحر المحيط 8/ 239) .(3/142)
هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ (2)
ومن سورة الحشر
قوله عزَّ وجلَّ: هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ دِيارِهِمْ (2) هؤلاء بنو النضير: كانوا قَدْ عاقدوا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عليه عَلَى ألا يكونوا معه، ولا عَلَيْهِ، فلما نُكب المسلمون يوم أُحد غُدروا، وركب حُيَيّ بْن أخطب إلى أَبِي سُفْيَان وَأصحابه من أهل مكَّة، فتعاقدوا عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عليه، وأتاه الوحي بذلك، فَقَالَ للمسلمين: أُمرت بقتل حيي، فانتدب لَهُ طائفة من المسلمين فقتلوه، وغدا عليهم النبي صلّى الله عليه، فتحصنوا فِي دورهم، وجعلوا ينقبون الدار إلى التي هِيَ أحصن منها، ويرمون النَّبِيّ صَلَّى الله عليه بالحجارة التي يخرجون منها، وجعل المسلمون يهدمون دورهم ليتسع موضع القتال، فذلك قوله [عزَّ وجل] :
«يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ» واجتمع القراء على (يخربون) إِلا أبا عَبْد الرَّحْمَن السُّلَميّ، فإنه قَرَأَ (يخرّبون) «1» ، كأنَّ يخرّبون: يهدّمون، ويخُرْبِون- بالتخفيف:
يخرجون «2» منها يتركونها، ألا ترى أنهم كانوا ينقبون الدار فيعظونها؟ فهذا معنى: (يُخْرِبون) والذين قَالُوا (يخرّبون) ذهبوا إلى التهديم الَّذِي كَانَ المسلمون يفعلونه، وكل صواب. والاجتماع من قراءة القراءِ أحب إليَّ.
[وقوله تبارك وتعالى: «فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصارِ (2) :
يا أولي العقول، وَيُقَال: يا أولي الأبصار: يا من عاين ذَلِكَ بعينه «3» ] .
وقوله: لِأَوَّلِ الْحَشْرِ (2) :
[هُمْ] «4» أول من أجلى عنْ جزيرة العرب، وهي الحجاز.
وقوله: مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ (5) .
__________
(1) وقرأ بالتشديد أيضا قتادة، والجحدري ومجاهد وأبو حيوة وعيسى وأبو عمرو (البحر المحيط 8/ 243) .
(2) فى ش: يخربون، تحريف.
(3) ما بين الحاصرتين زيادة فى ب، ح.
(4) زيادة فى ب، ح.(3/143)
حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: حَدَّثَنِي حِبَّانُ عَنِ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أمر النبي صلّى الله عليه بِقَطْعِ النَّخْلِ كُلِّهِ ذَلِكَ الْيَوْمَ، يَعْنِي: يَوْمَ بَنِي النَّضِيرِ إِلَّا الْعَجْوَةَ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:
فَكُلُّ شَيْءٍ مِنَ النَّخْلِ سِوَى الْعَجْوَةِ، هُوَ «1» اللَّيِّنُ.
قَالَ الفراء: واحدته: لِينة، وفي قراءة عَبْد اللَّه: «ما قطعتم من لِينَةٍ ولا تركتم قُوَّمًا عَلَى أصوله إلا بإذن اللَّه» ، يقول: إلا بأمر الله.
وقوله: أصوله «2» (5) ذهب إلى الجمع فِي اللين كُلِّه، ومن قَالَ: أُصُولها- ذهب إلى تأنيث النخل لأنَّه يذكر ويؤنث.
وقوله: فَما أَوْجَفْتُمْ [196/ ا] عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ (6) .
كان النبي صلّى الله» عليه قَدْ أحرز «3» غنيمة بني النَّضِير وقُريظة وفَدَك، فَقَالَ لَهُ الرؤساء: خذ صفيَّك «4» من هَذِهِ، وأفردنا بالربع «5» ، فجاء التفسير: إن هَذِهِ قُرًى لم يقاتلوا «6» عليها بخيل، ولم يسيروا»
إليها عَلَى الإبل إنَّما مشيتم إليها عَلَى أرجلكم، وكان بينها وبين المدينة ميلان، فجعلها النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ لقوم من المهاجرين، كانوا محتاجين وشهدوا بدرًا، ثُمَّ قَالَ: «مَا أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى» (7) .
هَذِهِ الثلاث، فهو لله وللرسول خالص.
ثُمَّ قال: «وَلِذِي الْقُرْبى» (7) .
لقرابة رسول الله صلّى الله عليه «وَالْيَتامى» . يتامى المسلمين عامة، وفيها يتامى بني عَبْد المطلب «وَالْمَساكِينِ» مساكين المسلمين ليس فيها مساكين بني عَبْد المطلب.
__________
(1) فى (ا) وهو، والتصحيح من ب، ح، ش.
(2) سقط فى ح.
(3) فى ش أحذر، تحريف. [.....]
(4) الصفي من الغنيمة: ما يختاره الرئيس لنفسه قبل القسمة.
(5) فى ش بالرفع، تحريف.
(6) فى ش: تقالموا.
(7) فى ش: يستروا، تحريف.(3/144)
وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9)
ثُمَّ قَالَ: كَيْ لا يَكُونَ ذَلِكَ الفيء دُولة بين الأغنياء- الرؤساء- يُعمل بِهِ كما كَانَ «1» يعمل فِي الجاهلية، ونزل فِي الرؤساء: «وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ، وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا» (7) فرضُوا. والدُّولة: قرأها «2» النَّاس برفع الدال إلا السُّلَميّ- فيما أعلم- فإنه قَرَأَ:
دولة: بالفتح، وليس هَذَا للدَّولة بموضع إنَّما الدُّولة فِي الجيشين يَهزم هَذَا هَذَا، ثُمَّ يُهزمَ الهازم، فتقول:
قَدْ رجعت الدولة عَلَى هَؤُلَاءِ، كأنها المرة «3» ، وَالدُّولة فِي المِلْك والسنن التي تغيَّر «4» وتبدّل عَلَى الدهر، فتلك الدُّولة «5» .
وَقَدْ قَرَأَ بعض العرب: (دولةٌ) ، وأكثرهم نصبها «6» وبعضهم: يكون، وبعضهم: تكون «7» .
وقوله: وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ (9) يعني: الأنصار، يحبون من هاجر إليهم لما أُعطيَ المهاجرون ما قسم لهم النَّبِيّ صَلَّى الله عليه من فيء بني النضير لم يأمن عَلَى غيرهم أن يحسدهم إذ لم يقسمْ لهم. فقال النبي صلّى الله عليه للأنصار: إن شئتم قسمتم لهم من دوركم وأموالكم، وقسمت لكم كما قسمت لهم، وإما أن يكون لهم القِسم، ولكم دياركم وأموالكم، فقالوا: لا، بل تقسم لهم من ديارنا وأموالنا ولا نشاركهم فِي القَسم، فأنزل اللَّه جل وعز هَذِهِ الآيات ثناء عَلَى الأنصار، فقال: «يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ» (9) يعنى المهاجرين: «وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ» (9) الآية.
وفى قراءة عبد الله: «وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ» (10) يعني المهاجرين: يقولون ربَّنا اغفِرْ لنا ولإخواننا «8» الَّذِينَ تبوءوا الْإِيمَان من قبل، وألّف بين قلوبنا، ولا تجعل فيها غَمَرا «9» للذين آمنوا.
__________
(1) الزيادة من ب، ح، ش.
(2) فى ح: قرأ.
(3) فى ش: المرأة، تحريف.
(4) فى ح، التي لا تغير وتبدّل.
(5) قال ابن جنى فى المحتسب: 2/ 316: منهم من لا يفصل بين الدّولة والدّولة: ومنهم من يفصل فيقول:
الدّولة فى السلك، والدّولة فى السلك.
(6) قرأ هشام بالتذكير مع النصب. وأبو جعفر وعن هشام: تكون بتاء التأنيث دولة بالرفع على أنّ كان تامة (الإتحاف 413) .
(7) قرأ بالتاء عبد الله وأبو جعفر وهشام، والجمهور بالياء (البحر المحيط 8/ 245) .
(8) لا، مكررة فى ش خطأ.
(9) كذا فى ب، ح، ش، والغمر، بالتحريك: الحقه.(3/145)
لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ (13)
وقوله: لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ (13) يَقُولُ: أنتم يا معشر المسلمين أهيب فِي صدورهم [يعني بني النضير] «1» من عذاب اللَّه عندهم، وذلك أن بني النضير كانوا ذوي بأس، فقذف اللَّه فِي قلوبهم الرعب من المسلمين، ونزل فِي ذَلِكَ:
«بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ» (14) ليقوى المسلمون عليهم (تحسبهم) يعنى: بنى النضير جميعا، وقلوبهم مختلفة، وهي فِي قراءة عَبْد اللَّه: وقلوبهم أشت، أي: أشد اختلافًا.
وقوله: أَوْ «2» مِنْ وَراءِ جُدُرٍ (14) قرأ ابن عباس: جدار، وسائر القراء: جدر عَلَى الجمع «3» .
وقوله: فَكانَ عاقِبَتَهُما أَنَّهُما «4» فِي النَّارِ خالِدَيْنِ (17) وهي فِي قراءة عَبْد اللَّه: فكان عاقبتُهما «5» أنهما خالدان فى النار، وفى [196/ ب] قراءتنا «خالِدَيْنِ فِيها» نصب، ولا أشتهي الرفع، وإن كَانَ يجوز وذلك أن الصفة قَدْ عادت عَلَى النار مرتين، والمعنى للخلود، فإذا رَأَيْت الفعل بين صفتين قَدْ عادت إحداهما عَلَى موضع الأخرى نصبت الفعل، فهذا من ذَلِكَ، ومثله فِي الكلام قولك: مررت برجل عَلَى بابه متحملا بِهِ، ومثله قول الشَّاعِر:
والزعفران على ترائبها ... شرقا بِهِ اللباتُ والنحْرُ «6»
لأن الترائب «7» هِيَ اللبات هاهنا، فعادت الصفة باسمها الَّذِي وقعت عَلَيْهِ أولا، فإذا اختلف الصفتان: جاز الرفع والنصب على حسن. من ذَلِكَ قولك: عَبْد اللَّه فِي الدار راغبٌ فيك.
ألا ترى أن (فِي) التي فِي الدار مخالفة (لفي) التي تكون فِي الرغبة والحجة «8» ما يعرف به النصب
__________
(1) زيادة من ب، وقد كتبت فيها بين السطور. [.....]
(2) فى ش ولا أو، تحريف.
(3) قرأ أبو عمرو وابن كثير وكثير من المكيين جدار بالألف وكسر الجيم (البحر المحيط 8/ 249) ، وافقهما اليزيدي (الاتحاف: 413) . وقرأ كثير من المكيين وهرون عن ابن كثير: جدر، بفتح الجيم، وسكون الدال لغة اليمن (البحر المحيط 8/ 249) ، وعن الحسن، ضم الجيم، وسكون الدال مع حذف الألف، وهى قراءة أبى رجاء وأبى حيوة (المحتسب 2/ 316) ، والباقون بضم الجيم والدال على الجمع (الاتحاف 414) .
(4، 5) سقط فى ش.
(6) أورده فى البحر المحيط، ولم ينسبه، والرواية فيه: شرقت به مكان: شرقابه (البحر المحيط 8/ 453) .
(7) فى ح، ش: التراب، تحريف.
(8) فى الأصل: ومخنة ولعلها: ومحجة، والتصويب عن تفسير الطبري (28/ 52) .(3/146)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (1)
من الرفع. ألا ترى الصفة الآخرة تتقدم قبل الأولى، إلّا أنك تَقُولُ: هَذَا أخوك فِي يده درهم قابضًا عَلَيْهِ، فلو قلت: هَذَا أخوك قابضًا عَلَيْهِ فِي يده درهم [لم يجز] «1» . وأنت تَقُولُ: هَذَا رَجُل فِي يده درهم قائمٌ إلى زَيْد. ألا ترى أنك تَقُولُ: هَذَا رَجُل قائم إلى زَيْد فِي يده درهم، فهذا يدل عَلَى المنصوب إِذَا امتنع تقديم الآخر، ويدل عَلَى الرفع إِذَا سهل تقديم الآخر.
وقوله: لا يَسْتَوِي أَصْحابُ النَّارِ وَأَصْحابُ الْجَنَّةِ (20) وفي قراءة عَبْد اللَّه: ولا أصحاب النار «2» ، ولا صلةٌ إِذَا كَانَ فِي أول الكلام جحد، ووصل بلا من آخره. و «3» أنشد فِي بعض بني كلاب.
إرادة ألّا يجمع اللَّه بيننا ... ولا بينها أخرى الليالي الغوابر «4»
معناه: إرادة ألا يجمع اللَّه بيننا وبينها، فوصل بلا.
ومن سورة الممتحنة
قوله عز وجل: تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ (1) دخول الباء فِي: المودة، وسقوطها سواء، هَذَا بمنزلة قولك: أظن أنك قائم، وأظن [بأنك] «5» قائم، وأريد بأن تذهب، وأريد بأن تقوم. وقد قال الله جلّ وعز:
«وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ» «6» فأدخل الباء، والمعنى: ومن يرد فِيهِ إلحادًا.
أنشدني أَبُو الجراح:
فلمّا رَجَت بالشُّرب هَزّلها العصا ... شحيح له عند الإزاء نهيم «7»
__________
(1) سقط فى ش.
(2) فى ح: وأصحاب الجنة مكان ولا أصحاب النار، وهو تحريف.
(3) فى غير ح: أنشد.
(4) لم أعثر على قائله.
(5) سقط فى ح.
(6) سورة الحج الآية: 25.
(7) الإزاء: مصب الماء فى الحوض، أو حجر أو جلد أو جله يوضع على فم الحوض. والنهيم: صوت يشبه الأنثيين.(3/147)
معناه: فلما رجت أن تشرب. ونزلت هَذِهِ السُّورة فِي حاطب بْن أَبِي بلتعة، لما أراد رسول الله صلّى الله عليه أن يغزو أهل مكَّة، قدمت عَلَيْهِ امْرَأَة من موالي بني المطلب، فوصلها المسلمون، فلما أرادت الرجوع أتاها حاطب بْن أَبِي بلتعة، فَقَالَ: إني معطيك عشرة دنانير، وكاسيك بردا عَلَى أن تبلغي أهل مكَّة كتابًا، فكتب معها، ومضت تريد مكَّة، فنزل جبريل عَلَى النبي صلّى الله عليهما «1» بالخبر، فأرسل عليًّا والزبير فِي إثرها، فَقَالَ: إن دفعت إليكما الكتاب [وإلا فاضربا] «2» [197/ ا] عنقها فلحقاها، فقالت: تنحيا عني، فإني أعلم أنكما لن تصدقاني حتَّى تفتشاني، قَالَ: فأخَذَت الكتاب، فجعلته بين قرنين من قرونها، ففتشاها، فلم يريا شيئًا، فانصرفا راجعين، فَقَالَ عليّ للزبير: ماذا صنعنا؟ يخبرنا «3» رسول الله أن معها كتابا ونصدقها؟ فكرّا عليها «4» ، فقالا: لتخرِجِنَّ كتابك «5» أَوْ لنضربن عنقك، فلما رأت الجد أخرجت الكتاب.
وكان فِيهِ: من حاطب بْن أَبِي بلتعة إلى أهل مكَّة:
أما بعد، فإن رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ يريد إن يغزوكم، فخذوا حذركم مَعَ أشياء كتب «6» بها، فدعا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عليه بحاطب، فأقرّ لَهُ، وقَالَ: حملني عَلَى ذَلِكَ أن أهلي بمكة وليس من أصحابك [أحد] «7» إلا وله «8» بمكة من يذب عنْ أهله، فأحببت أن أتقرّب إليهم ليحفظونى فِي عيالي، ولقد علمت أن لن ينفعهم كتابي، وأن اللَّه بالغ فيهم أمره، فَقَالَ عمر بن الخطاب: دعنى فأضرب عنقه، قَالَ: فسكت النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: وما يدريك لعل اللَّه قَدْ «9» نظر إلى أهل بدر فَقَالَ: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم.
قَالَ الفراء: حدثني بهذا حبان بإسناده.
__________
(1) فى ب: فنزل جبريل صلّى الله عليه على النبي صلّى الله عليه. [.....]
(2) التكملة من ح.
(3) سقط فى ح.
(4) كذا فى ح، وفى (ا) عليه، تحريف.
(5) فى ش: الكتاب.
(6) فى ش: كنت وهو تصحيف.
(7) زيادة من ش يتطلبها الأسلوب.
(8) فى ش: له.
(9) فى ا: لعل الله نظر.(3/148)
لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (3)
وقوله: تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ (1) . مِن صلة الأولياء، كقولك: لا تتخذنّه رجلًا تلقي «1» إِلَيْه كلّ ما عندك.
وقوله: يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا (1) . إن آمنتم ولإن آمنتم، ثُمَّ قَالَ عزَّ وجلَّ: «إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهاداً فِي سَبِيلِي» (1) فلا تتخذوهم أولياء.
وقوله: يَوْمَ الْقِيامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ (3) . قرأها يَحيى بْن وثاب: يُفصِّل. «2» بينكم، قَالَ: وكذلك يقرأ أَبُو زكريا، وقرأها عاصم والحسن يَفْصل «3» ، وقرأها أهل المدينة: يُفْصَل.
وقوله قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ (4) . يعنى حاطبا، «فِيهِمْ» فى إبراهيم. يقول:
فى فعل إبراهيم، والذين معه إذ تبروءا من قومهم. يَقُولُ: ألا تأسيت يا حاطب بإبراهيم فتبرأ من أهلك كما برىء إِبْرَاهِيم؟ ثُمَّ قَالَ: «إِلَّا قَوْلَ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ» أي: قَدْ كانت لكم أسوة فِي أفاعيلهم إلّا فى قول إبراهيم: لأستغفرن فإِنه ليس لكم فِيهِ أسوة.
وقوله: إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ (4) . إن تركت الهمز من برآء أشرت إليه بصدرك، فقلت: بُرَاء. «4» وقَالَ «5» الفراء: مدّة، وإشارة إلى الهمز، وليس يضبط إلّا بالسمع،
__________
(1) فى ش: يلقى.
(2) فى ش: يفصّل، وفى ب، ح: يفصّل.
(3) قرا نافع وابن كثير وأبو عمرو وأبو جعفر: يفصّل. مبنيا للمفعول. وقرأ ابن عامر: يفصّل بالصاد مشددة مبنيا للمفعول.
وقرأ عاصم ويعقوب: يفصل: بفتح الياء، وإسكان الفاء وكسر الصاد مخففة مبنيا للفاعل. وقرأ حمزة والكسائي وخلف: يفصّل، بضم الياء وفتح الفاء وكسر الصاد المشددة مبينا للفاعل. (الاتحاف 414) .
(4) كذا فى ح، وفى غيرها برا، والأول الوجه، ففى اللسان: حكى الفراء فى جمعه (برىء) : براء غير مصروف على حذف إحدى الهمزتين. وفى المحتسب (2: 319) بعد أن أورد قول الحارث بن حلزة: فإنا من حربهم لبراء قال الفراء: أراد برآء، فحذف الهمزة التي هى لام تخفيفا، فأخذ هذا الموضع من أبى الحسن فى قوله: إن أشياء أصلها أشيياء، ومذهبه هذا يوجب ترك صرف براء، لأنها عنده همزة التأنيث.
(5) فى ش: قال.(3/149)
عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (7)
[ولم «1» يجرها «2» ] . ومن العرب من يَقُولُ: إنا براء منكم، فيجرى، ولو قرئت كذلك كان وجها.
وقوله: رَبَّنا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا وَإِلَيْكَ أَنَبْنا (4) . أي: فقولوا هَذَا القول أنتم، وَيُقَال:
إنه من قيل «3» إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلام وقومه.
وقوله «4» : لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً (5) . لا تظهَرنّ علينا الكفار فيروا أنهم عَلَى حق، وأنّا عَلَى باطل.
وقوله: عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً (7) .
يقول: عسى أن ترجع عدواة بينكم إلى المودة، فتزوج النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عليه أمّ حبيبة بِنْت أَبِي سُفْيَان، فكانت المصاهرة مودة.
وقوله: لا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ (8) .
هَؤُلَاءِ خزاعة كانوا عاقدوا النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عليه ألا [197/ ب] يقاتلوه، ولا يخرجوه، فأمر النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عليه ببرهم، والوفاء لهم إلى مدة أجلهم، ثُمَّ قَالَ:
«إِنَّما يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ «5» قاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ وَظاهَرُوا عَلى إِخْراجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ» (9) أن تنصروهم، يعني الباقين من أهل مكَّة.
وقوله: إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ (10) .
يعني: فاستحلفوهن، وذلك أن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عليه لما صالح أهل مكَّة بالحديبية فلما ختم الكتاب خرجت إِلَيْه سُبَيْعة بِنْت الحارث الأسلمية مُسْلِمَةً، فجاء زوجها فقال: ردَّها عليّ فإِن ذَلِكَ فِي الشرط لنا عليك، وَهذه طينة الكتاب لم تجفف، فنزلت هَذِهِ الآية «فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ» (10)
__________
(1، 2) مقدمه على: وقال الفراء. [.....]
(3) فى ح: من قبل، تحريف.
(4) فى ب: قوله.
(5) فى الأصل «إِنَّما يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ.. أَنْ تَوَلَّوْهُمْ»(3/150)
فاستحلفها رسول الله صلّى الله عليه: ما أخرجكِ إلينا إلا الحرص عَلَى الْإِسْلَام «1» والرغبة فيه «2» ، ولا أخرجك حدث أحدثتِه، ولا بغض لزوجك، فحلفتْ، وأعطى رسول الله صلّى الله عليه زوجها مهرها، ونزل التنزيل: «وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ» (10) من كانت لَهُ امْرَأَة بمكة أبت أن تُسلم فقد انقطعت العصمة فيما بينها وبين زوجها، ومن خرج إلى المسلمين من نسائهم مُسْلمةً، فقد انقطعت عصمتها من زوجها الكافر، وللمسلمين أن يتزوجوها بغير عدة.
وقوله: وَسْئَلُوا «3» ما أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْئَلُوا «4» ما أَنْفَقُوا (10) .
يَقُولُ: اسألوا «5» أهل مكَّة أن يردوا عليكم مهور النساء اللاتي يخرجن إليهم منكم مرتدات «6» ، وليسألوا مهور من خرج إليكم من نسائهم.
وقوله: وَلا تُمْسِكُوا (10) .
قرأها يَحيى بْن وثاب والأعمش وحمزة مخففة، وقرأها الحسن: تمسّكوا «7» ، ومعناه متقارب.
والعرب تقول: أمسكت بك، ومسكت بك، وتمسّكت بك «8» .
وقوله: وَإِنْ فاتَكُمْ شَيْءٌ (11) أعجزكم. وهي فِي قراءة عَبْد اللَّه:
«وَإِن فاتكم أحد مِنْ أَزْوَاجِكُمْ» ، وأحدٌ يصلح فِي موضع- شيء، وشيء يصلح فِي موضع أحد «9» فِي النَّاس، فإذا كانت شيء فِي غير النَّاس، لم يصلح أحد فِي موضعها.
وقوله: وَإِنْ فاتَكُمْ (11) :
يَقُولُ: أعجزكم إن ذهبت امْرَأَة فلحقت بأهل مكَّة كافرة، وليس بينكم وبينهم عهد فعاقبتم، يَقُولُ: فغنمتم، فأعطوا زوجها مهرها من الغنيمة قبل الخمس.
__________
(1، 2) زيادة فى ح.
(3) فى ا، ب: وسلوا.
(4) فى ب: وليسلوا، ولا نعرف قراءة بالتخفيف فى الكلمتين.
(5) فى ب، ح: سلوا.
(6) فى ش: من ندات وهو تحريف، وفيها: وليسألوكم.
(7) زاد فى ب، ح، ش: وقرأها بعضهم تمسكوا، وضبطت تمسكوا بضبط قراءة الحسن، وهو تكرار.
(8) فى ش: به.
(9) سقط فى ح، ش.(3/151)
[حدثنا محمد بن الجهم] «1» حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: حَدَّثَنِي قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ عَنِ الْأَعْمَش عنْ أَبِي الضحى عنْ مسروق أَنَّهُ قَرَأَ: «فَعاقَبْتُمْ» ، وفسرها: فغنمتم، وقرأها «2» حميد الأعرج: فعقّبتم مشددة «3» ، وهي كقولك: تصعّر، وتصاعر فِي حروف قَدْ أنبأتك بها فِي تآخي «4» : فعلت، وفاعلت.
وَقوله: وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ (12) .
قرأها السّلمى وحده: ولا يقتّلن «5» أولادهن، وذكر أن النبي صلّى الله عليه لَمَّا افْتَتَحَ مَكَّةَ قَعَدَ عَلَى الصَّفَا وَإِلَى جَنْبِهِ عُمَرُ، فَجَاءَهُ النِّسَاءُ يُبَايِعْنَهُ وَفِيهِنَّ هِنْدُ بِنْتُ «6» عُتْبَةَ، فَلَمَّا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله عليه: «لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً» يَقُولُ: لَا تَعْبُدْنَ «7» الْأَوْثَانَ، وَلَا تَسْرِقْنَ، وَلَا تَزْنِينَ. قَالَتْ هِنْدٌ: وَهَلْ تَزْنِي الْحُرَّةُ؟ قَالَ: فَضَحِكَ عُمَرُ، ثُمَّ قَالَ: لَا، لَعَمْرِي «8» مَا تَزْنِي الْحُرَّةُ. قَالَ: فَلَمَّا قَالَ «9» : لَا تَقْتُلْنَ أَوْلَادَكُنَّ «10» ، هَذَا فِيمَا كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَئِدُونَ، فَبُويِعُوا عَلَى أَلَّا يَفْعَلُوا، فَقَالَتْ هِنْدٌ: قَدْ ربيناهم صغارا، وقتلتموهم كِبَارًا «11» .
وقوله: وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ (12) .
كانت المرأة تلتقط المولود، فتقول لزوجها: هَذَا ولدي منك. فذلك البهتان المفترى [198/ ا] .
وقوله: لا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ (13) .
يَقُولُ: من نعيم الآخرة وثوابها، كما يئس الكفار من أهل «12» القبور، يَقُولُ: علموا ألا نعيم لهم فِي الدنيا، وَقَدْ ماتوا ودخلوا القبور.
وَيُقَال: كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ القبور: من ثواب الآخرة ونعيمها.
__________
(1) زيادة فى ب.
(2) فى ش: فقرأها.
(3) وهى قراءة علقمة والنخعي (تفسير القرطبي 18/ 69) . [.....]
(4) فى ش: أتاخى، تحريف.
(5) وهى قراءة على والحسن أيضا (انظر البحر المحيط 8/ 258) .
(6) فى ش: ابنة.
(7) فى ش: لا تعبدون، تحريف.
(8) سقط فى ح، ش.
(9) فى ش: ولا.
(10) فى ح: أولادهن.
(11) انظر نصّ هذه المراجعة فى (تفسير القرطبي: 18/ 73) .
(12) فى ح: أصحاب.(3/152)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2)
ومن سورة الصف
قوله عزَّ وجلَّ: لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ (2) .
كَانَ المسلمون يقولون: لو نعلم أي الأعمال أحب إلى اللَّه لأتيناه، ولو ذهبَتْ فِيهِ أنفسنا وأموالنا، فلما كانت وقعة «1» أحد فتولوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «2» حتَّى شُجّ وكسرت رباعِيَتُه فَقَالَ: «لِمَ «3» تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ» «4» لذلك. ثُمَّ قَالَ: «كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ [أَنْ تَقُولُوا» (3) فأن فِي موضع رفع لأن (كَبُر) بمنزلة قولك: بئس رجلًا أخوك، وقوله: كَبُرَ مَقْتًا عند الله] «5» : أضمر فِي كبر اسما «6» يكون مرفوعًا. وأمَّا قوله «كَبُرَتْ كَلِمَةً» «7» فإن الْحَسَن قرأها رفعًا «8» ، لأنَّه لم يضمر شيئًا، وجعل الفعل للكلمة، ومن نصب أضمر «9» فِي كبرت اسمًا ينوي بِهِ الرفع.
وقوله: كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ (4) بالرصاص، حثهم عَلَى القتال.
وقوله: وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ (8) .
قرأها يَحيى أَوِ «10» الْأَعْمَش شك الفراء: «وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ» «11» بالإضافة، ونونها أهل الحجاز: متمٌّ نورَه. وكلٌّ صواب.
وقوله: هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ (11) .
__________
(1) فى ب، ح، ش: كان يوم.
(2) فى ب: النبي.
(3، 4) سقط فى ح.
(5) ما بين الحاصرتين ساقط فى ش.
(6) فى ش: اسم. [.....]
(7) سورة الكهف الآية: 5.
(8) وهى أيضا قراءة ابن محيصن (الاتحاف 288) .
(9) النصب قراءة الجمهور.
(10) سقط فى ح، ش.
(11) وهى قراءة ابن كثير وحفص وحمزة والكسائي وخلف (الإتحاف 415) .(3/153)
وفي قراءة «1» عَبْد اللَّه: آمنوا «2» ، فلو قيل فِي قراءتنا: أن تؤمنوا لأنه ترجمة للتجارة. وإذا «3» فسرْت الاسم الماضي بفعل جاز فِيهِ أن وطرحها تَقُولُ للرجل: هَلْ لَكَ فِي خير تقوم بنا إلى المسجد فنصلي، وإن قلت: أن تقوم إلى المسجد كَانَ صوابًا. ومثله «4» مما فسر ما قبله عَلَى وجهين قوله:
«فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ إِلى طَعامِهِ» «5» : أنّا، وإنا «6» ، فمن قال: أنا هاهنا فهو الَّذِي يدخل (أنْ) «7» فِي يقوم، «8» ومن قَالَ: إنا فهو الَّذِي يلقى (أنْ) من تقوم، ومثله: «عاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا» «9» و (إنَّا) «10» .
وقوله: يَغْفِرْ لَكُمْ (12) .
جزمت فِي «11» قراءتنا فِي هَلْ «12» . وفي قراءة عَبْد اللَّه للَأمر الظاهر، لقوله: (آمِنوا) ، وتأويل: هَلْ أدلكم أمر أيضًا فِي المعنى، كقولك للرجل: هَلْ أنت ساكت؟ معناه: اسكت، والله أعلم.
وقوله: وَأُخْرى تُحِبُّونَها (13) .
فِي موضع رفع أي: ولكم أخرى فِي العاجل مَعَ ثواب الآخرة، ثُمَّ قَالَ: «نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ» : مفسّر للأخرى، ولو كَانَ نصرًا من اللَّه، لكان صوابًا، ولو قيل: وآخر تحبونه يريد: الفتح، والنصر- كَانَ صوابًا.
وقوله: كُونُوا أَنْصارَ اللَّهِ (14) .
__________
(1، 2) سقط فى ب.
(3) فى ش: وإن.
(4) سقط فى ح، ش.
(5) سورة عبس الآية: 24.
(6) قرأها عاصم وحمزة والكسائي وخلف بفتح الهمزة فى الحالين على تقدير لام العلة، وافقهم الأعمش.
وقرأ رويس بفتحها فى الوصل فقط، والباقون بكسرها مطلقا (الاتحاف 433) .
(7) فى ش أي، تحريف.
(8) فى ش تقوم.
(9) سورة النمل الآية 51.
(10) قرأها عاصم وحمزة والكسائي ويعقوب وخلف بفتح الهمزة على تقدير حرف الجر، وكان تامة، وعاقبة فاعلها، وكيف. حال. وافقهم الأعمش والحسن والباقون بكسرها على الاستئناف (الإتحاف 328) . [.....]
(11) فى ش: إلى تحريف.
(12) فى ب، ح: لعل.(3/154)
وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (3)
قرأها عاصم بْن أَبِي النَّجود مضافًا «1» ، وقرأها أهل المدينة: أنصارًا اللَّه. «2» ، يفردون الأنصار، ولا يضيفونها، وهي فِي قراءة عَبْد اللَّه: أنتم أنصار الله.
[198/ ب]
ومن سورة الجمعة
قوله عزَّ وجلَّ: وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ (3) .
يُقال: إنهم ممن لم يسلم عَلَى عهد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه، ثُمَّ أسلم، وَيُقَال: هُمُ الَّذِينَ يأتون من بعد. (وآخرين) فِي موضع خفض بعث فِي الأميين وفي آخرين منهم. ولو جعلتها نصبا بقوله: «وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ» ويعلم آخرين فينصب «3» عَلَى الرد عَلَى الهاء فِي: يزكيهم، ويعلمهم «4» .
وقوله: كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً (5) .
يحمل من صلة الحمار لأنَّه فِي مذهب نكرة، فلو «5» جعلت مكان يحمل حاملًا لقلت: كمثل الحمار حاملًا أسفارًا. وفي قراءة عَبْد اللَّه: كمثل حمار يحمل أسفارًا. والسِّفْر واحد الأسفار، وهي الكتب العظام. شبه اليهود، ومن لم يسلم إِذ لم ينتفعوا بالتوراة والإنجيل. وهما دليلان على النبي صلّى الله- عليه- بالحمار الَّذِي يحمل كتب العلم ولا يدري ما عَلَيْهِ.
وقوله: قُلْ «6» إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ (8) .
أدخلت العرب الفاء فِي خبر (إنّ) لأنها وقعت عَلَى الَّذِي، والذي حرف يوصل، فالعرب تدخل الفاء فِي كل «7» خبرٍ كَانَ اسمه مما يوصل مثل: من، والذي وإلقاؤها صواب «8» ، وهي فِي
__________
(1) فى ش: مضافة.
(2) هى قراءة ابن كثير وأبى عمرو ونافع (تفسير القرطبي 18/ 89) .
(3) فى ش: فتنصب.
(4) أي لكان صوابا، واقتصر العكبري فى إعراب القرآن على الوجه الأول (إعراب القرآن 2/ 138) .
(5) فى ش: ولو.
(6) سقط فى ب: إن الموت.
(7) سقط فى ش.
(8) فى ح، ش: سواء.(3/155)
قراءة عَبْد اللَّه: «إن الموتَ الَّذِي تفرُّون مِنْهُ ملاقيكُم» ، ومن أدخل الفاء ذهب بالذي إلى تأويل الجزاء إِذَا احتاجت إلى أن توصل، ومن ألقى الفاء فهو عَلَى القياس لأنك تَقُولُ: إن أخاك قائم، ولا تَقُولُ: إن أخاك فقائم. ولو قلت: إن ضاربك فظالم كَانَ جائزًا لأن تأويل: إن ضاربك، كقولك: إن من يضربك فظالم، فقس عَلَى هَذَا الاسم المفرد الَّذِي فِيهِ تأويل الجزاء فأدخل لَهُ الفاء.
وقَالَ «1» بعض المفسرين: إن الموت هُوَ الَّذِي تفرون مِنْهُ «2» ، فجعل الَّذِي فِي موضع الخبر للموت. ثُمَّ قَالَ: ففروا «3» أولًا تفروا فإنه ملاقيكم. ولا تجد هَذَا محتملًا فِي العربية والله أعلم بصواب ذَلِكَ.
وقوله: مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ (9) .
خفضها الْأَعْمَش فَقَالَ: الجمعة «4» ، وثقلها عاصم وأهل الحجاز، وفيها لغة «5» : جَمَعَة، وهي لغة لبني عقيل «6» لو قرىء بها كَانَ صوابًا. والذين قَالُوا: الجمعة: ذهبوا «7» بها إلى صفة اليوم أَنَّهُ يوم جُمَعَة كما تَقُولُ: رَجُل ضُحَكة للذي يُكثر الضحك.
وقوله: فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ (9) .
وفي قراءة عَبْد اللَّه: «فامضوا إلى ذكر اللَّه» «8» ، والمضي والسعي والذهاب فِي معنى واحد لأنك تَقُولُ للرجل: هُوَ يسعى فِي الأرض يبتغي من فضل اللَّه، وليس «9» هَذَا باشتداد.
وَقَدْ قَالَ بعض الأئمة: لو قرأتها: «فَاسْعَوْا» لاشتددت يَقُولُ «10» : لأسرعت، والعرب تجعل السعي أسرع من المضي، والقول فيها القول الأول.
__________
(1) فى ش: قال.
(2، 3) سقط فى ش.
(4) وهى أيضا قراءة عبد الله بن الزبير (تفسير القرطبي 18/ 97)
(5) فى ش: لغلة، تحريف. [.....]
(6) وقيل إنها لغة النبي صلّى الله عليه وسلم (تفسير القرطبي 18/ 97) .
(7) سقط فى ب، ح، ش.
(8) وهى أيضا قراءة على وعمر وابن عباس وأبى وابن عمر، وابن الزبير وأبى العالية والسلمى ومسروق وطاوس وسالم بن عبد الله وطلحة بخلاف (المحتسب 2/ 321) .
(9) فى ح، ش: فليس.
(10) فى ش: لقول، تحريف.(3/156)
وقوله تبارك وتعالى وَذَرُوا الْبَيْعَ (9) .
إِذَا [أمر بترك البيع فقد] «1» أمر بترك الشراء لأن المشترِي والبيِّع يقع عليهما البيِّعان، فإذا أذن المؤذن «2» من يوم الجمعة حرم البيع والشراء [199/ ا] .
وقوله: فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ (10) .
هَذَا: إِذْنٌ، وإباحةٌ، من شاء باع، ومن شاء لزم المسجد.
وقوله: وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها (11) .
فجعل الهاء للتجارة دون «3» اللهو، وَفِي قراءة عَبْد اللَّه: «وَإِذَا رأوا «4» لَهْوًا أَوْ تجارة انفضوا إليها» . وذكروا أن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ [عليه] «5» كَانَ يخطب يوم الجمعة، فقدم دِحْيَة الكلبي بتجارة من الشام فيها كل ما يحتاج إِلَيْه النَّاس، فضرب بالطبل «6» ليؤذن النَّاس بقدومه فخرج جميع النَّاس إِلَيْه إلّا ثمانية نفر، فأنزل اللَّه عزَّ وجلَّ «وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً» يعني: التجارة التي قدِم بها، «أَوْ لَهْواً» : يعني: الضرب بالطبل. ولو قيل: انفضوا إِلَيْه، يريد: اللهو كان صوابا، كما قال: «وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً»
«7» ولم يقل: بها. ولو قيل:
بهما، وانفضوا إليهما كما قَالَ: «إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلى بِهِما» «8» ، كَانَ صوابًا وأجود من ذَلِكَ فِي العربية أن تجعل الراجع من الذكر للآخرِ من الاسمين وما بعد ذا فهو جائز.
وإنما اختير فِي انفضوا إليها- فِي قراءتنا وقراءة عَبْد اللَّه لأن التجارة كانت أهم إليهم، وهم بها أسرٌ منهم بضرب «9» الطبل لأن الطبل إنَّما دل عليها، فالمعنى كُلِّه لها.
__________
(1) سقط فى ح.
(2) فى ح: فإذا أذن من.
(3) سقط فى ح.
(4) سقط فى ش.
(5) زيادة يقتضيها المقام.
(6) فى ش: الطبل.
(7) سورة النساء الآية: 112.
(8) سورة النساء الآية: 135.
(9) فى ب، ح، ش: بصوت. [.....](3/157)
إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ (1)
ومن سورة المنافقين
قوله عزَّ وجلَّ: وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ (1) .
يَقُولُ القائل: قَدْ شهدوا للنبي صَلَّى اللَّهُ عليه، فقالوا: «وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ» فكيف كذَّبهم اللَّه؟.
يُقال: إنَّما أكذبَ «1» ضميرهم لأنهم أضمروا النفاق، فكما لم يَقبل إيمانهم وَقَدْ أظهروه، فكذلك جعلهم كاذبين لأنهم أضمروا غير ما أظهروا.
وقوله: وَإِذا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ (4) .
من العرب من يجزم بإذا، فيقول: إِذَا تقم أقمْ، أنشدني بعضهم:
وإذا نطاوِعْ أمرَ سادتِنا ... لا يَثْنِنا جُبن ولا بُخْلُ
وقَالَ آخر «2» :
واستغْنِ ما أغناك ربُّك بالغِنى ... وإذا تُصبْك خصاصةٌ فتجمَّل «3»
وأكثر الكلام فيها الرفع لأنها تكون فِي مذهب الصفة، ألا ترى أنك تَقُولُ:
الرُّطب [إِذَا اشتد الحر، تريد فِي ذَلِكَ الوقت. فلما كانت فِي موضع صفة كانت صلة للفعل] «4» الَّذِي يكون قبلها، أَوْ بعد الَّذِي يليها، كذلك قَالَ الشَّاعِر:
وإذا تكون شديدةٌ أُدْعَى لها ... وإذا يحاسُ الْحَيْسُ يُدْعَى جُندُبُ «5»
وقوله: كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ (4) .
خفف الْأَعْمَش «6» ، وثقل إِسْمَاعِيل بْن جَعْفَر الْمَدَنِيّ عنْ أصحابه وعاصم، فمن ثقل فكأنه جمع
__________
(1) فى ش أذكر، تحريف.
(2) فى ش الآخر.
(3) هو العبد قيس بن خفاف (انظر المفضليات 2/ 185) والأصمعيات 269. وفى (ح) «فتحمل» مكان «فتجمل»
(4) سقط فى ح، ش.
(5) الخزانة 1/ 243.
(6) وهى قراءة قنبل وأبى عمرو والكسائي والبراء بن عازب، واختيار أبى عبيد (تفسير القرطبي 18/ 125) .(3/158)
هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ (7)
خشبة خشابا، ثم جمعه [199/ ب] فثقل، كما قَالَ «1» : ثمار وَثُمُرٌ. وإن شئت جمعته، وهو خشبة على خُشُب، فخففت وثقلت، كما قَالُوا: البدَنة، والبُدْن والبدن «2» ، والأكم والأُكْم.
والعرب تجمع بعض ما هُوَ عَلَى صورة خشبة أرى عَلَى فُعْل من ذَلِكَ: أجمة وأُجْم، وبَدَنة وبُدْن، وأكَمة وأُكْم.
ومن ذَلِكَ [من] «3» المعتل: ساحة وسُوح، وساق وسُوق، وعائة وعُون، ولابة «4» ولُوب، وقارة «5» وقور، وحياة وحي، قال العجاج:
ولو ترى إذا الحياة حِيّ «6» وكان ينبغي أن يكون: حُوَى، فكسر أولها لئلا تتبدل الياء واوا، كما قَالُوا: بيض وعِين.
وقوله: يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ (4) .
جبنا وخوفا، ثم قال: «هُمُ الْعَدُوُّ» ، ولم يقل: هُمُ الأعداء، وكل ذَلِكَ صواب.
وقوله: لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ (5) .
حركوها استهزاء بالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ودعائه. وقرأ بعض أهل المدينة: «لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ» بالتخفيف «7» .
وقوله: هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ (7) .
كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غزاة من غزواته، فالتقى رَجُل من المسلمين يُقال لَهُ: جِعال «8» وآخر [من المنافقين عَلَى الماء فازدحما عَلَيْهِ، فلطمه جعال] «9» ، فأبصره عَبْد اللَّه بْن أَبِي، فغضب، وقَالَ «10» : ما أدخلنا هَؤُلَاءِ القوم دارنا إلّا لنُلطمَ ما لهم؟ وكلهم الله إلى جعال، وذوى جعال «11» !،
__________
(1) فى ش: قالوا.
(2) سقط فى ح، ش.
(3) زيادة من ش تقيم العبارة.
(4) اللابة: الحرة.
(5) القارة: الجبيل، أو الصخرة العظيمة.
(6) يروى وقد مكان ولو. انظر أراجيز العرب: 175. واللسان (حى) ، والحي: الحياة.
(7) التخفيف قراءة نافع. تفسير القرطبي 18/ 127 وروح؟ (الاتحاف 416)
(8) فى تفسير القرطبي اسمه جهجاه (القرطبي 18/ 127) . [.....]
(9) سقط فى ح، ش.
(10) فى ب: فقال.
(11) كان جعال من فقراء المهاجرين، فهذا قوله: وكلهم الله ...(3/159)
وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ (10)
ثُمَّ قَالَ: إنكم لو منعتم أصحاب هَذَا الرجل الطعام لتفرقوا عَنْهُ، وانفضوا، فذلك قوله: «هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا (7) ثُمَّ قَالَ عَبْد اللَّه بْن أَبِي: «لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ» وسمعها «1» زَيْد بْن أرقم، فأخبر بها النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ونزل القرآن: «وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ» (8) ، ويجوز فِي القراءة: «لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ» «2» كأنك قلت: ليخرجن العزيز منها ذليلًا، وقرأ بعضهم: لنُخْرِجَن الأعزَّ منها الأذل «3» أي: لنخِرجن الأعزَّ فِي نفسه ذليلًا «4» .
وقوله: فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ (10) .
يُقال: كيف جزم (وأكن) ، وهي مردودة عَلَى فعل منصوب؟
فالجواب فِي ذَلِكَ أن- الفاء- لو لم تكن فِي فأصدق كانت مجزومة، فلما رددت (وأكن) ، - ردّت عَلَى تأويل الفعل لو لم تكن فِيهِ الفاء، ومَن أثبت الواو ردَّه عَلَى الفعل الظاهر فنصبه، وهي فِي قراءة عَبْد اللَّه، «وأكونَ من الصالحين» «5» .
وَقد يجوز «6» نصبها فِي قراءتنا، وإن لم تكن فيها الواو لأن العربَ قَدْ تسقط الواو فِي بعض الهجاء، كما أسقطوا الألف من سليمن وأشباهه، ورأيت فى بعض مصاحف عبد الله: فقولا:
فقلا بغير واو.
__________
(1) فى ح: وسمعنا، تحريف
(2) فى البحر المحيط: قرىء مبنيا للمفعول، وبالياء. الأعز مرفوع به. الأذل نصبا على الحال. (البحر المحيط 8/ 274) .
(3) هى قراءة الحسن وابن أبى عبلة، بنصب الأعز والأذل.
(4) فالأعز مفعول والأذل حال. (البحر المحيط 8/ 274) .
(5) وهى قراءة أبى عمرو وابن محيصن ومجاهد (تفسير القرطبي 18/ 131) والحسن وابن جبير وأبى رجاء وابن أبى اسحق ومالك بن دينار والأعمش (البحر المحيط 8/ 275) .
(6) سقط فى ح، ش.(3/160)
مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (11)
ومن سورة التغابن
قوله جل وعز: «مَا أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ» (11) .
يريد: إلا بأمر اللَّه، «وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ» [عند المصيبة فيقول: إنا لله وإنا إِلَيْه راجعون، وَيُقَال: يهد قلبه] «1» إِذَا ابتُلي صبر، وإذا أُنعم عَلَيْهِ شكر، وإذا ظُلِمَ غفر، فذلك قوله يهد قلبه [200/ ا] .
وقوله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ (14) .
نزلت لما أمِر النَّاس بالهجرة من مكَّة إلى المدينة، فكان الرجل إِذَا أراد أن يهاجر تعلقت بِهِ امرأته وولده، فقالوا: أَيْنَ تضعنا «2» ، ولمن تتركنا؟ فيرحمهم، ويقيم متخلفًا عَنِ الهجرة، فذلك قوله: «فَاحْذَرُوهُمْ» أي: لا تطيعوهم فِي التخلف.
وقوله: وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا (14) .
نزلت فِي أولاد الَّذِينَ هاجروا، ولم يطيعوا عيالاتهم لأنهم قَالُوا لهم عند فراقهم للهجرة: لئن لم تتبعونا لا ننفق عليكم، فلحقوهم بعد بالمدينة، فلم ينفقوا عليهم، حتَّى سألوا رَسُول اللَّه صلّى الله عليه فنزل: وإن تعفوا وتصفحوا، وتنفقوا عليهم، فرخص لهم فِي الإنفاق عليهم.
وقوله: وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ (16) .
يُقال: من أدَّى الزكاة فقد وُقِيَ شح نفسه، وبعض القراء قَدْ قَرَأَ: «ومَنْ يُوقَ شِحَّ نَفْسِه» ، بكسر الشين «3» ، ورفَعها الأغلب فِي قراءة.
__________
(1) ساقط فى ش.
(2) فى ش، تضعن، تحريف.
(3) وهى قراءة أبى حيوة وابن أبى عبلة (البحر المحيط 8/ 247) .(3/161)
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا (1)
ومن سورة النساء القصرى «1» وهى: سورة الطلاق
قوله عز وجل: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ (1) .
فينبغي للرجل إِذَا أراد أن يطلق امرأته للعدة أمهلها حتَّى تحيض حيضة، ثُمَّ يطلقها، فإِذا حاضت حيضة بعد الطلاق طلقها أخرى، فإن حاضت بعد التطليقتين طلقها ثالثة، فهذا طلاق العدة، وَقَدْ بانت مِنْهُ، فلا تحل لَهُ حتَّى تنكح زوجًا غيره.
وطلاق السنة: أن يطلقها طاهرًا فِي غير جماع، ثُمَّ يدعها حتَّى تحيض ثلاث حيضات، فإذا فعل ذَلِكَ بانت مِنْهُ، ولم يَحلّ لَهُ نكاحها إلا بمهر جديد، ولا رجعة له عليها.
قوله: «2» وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ (1) الحيض وقوله: لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ (1) .
التي طُلّقن «3» فيها، ولا يَخرجن من قِبَلِ أنفسهن «إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ» ، فَقَالَ بعضهم:
إلّا أن يأتين بفاحشة [إلا أن تُحدِث حدًّا فَتُخْرَجَ ليقام عليها، وقَالَ بعضهم: إلا أن يأتين بفاحشة] «4» إلا أن يعصين فيخرُجن، فخروجها «5» فاحشة بينة.
وقوله: فَأَمْسِكُوهُنَّ (2) .
يَقُولُ فِي التطليقة الباقية بمعروف أَوْ سرحوهن بمعروف، قَالَ: والمعروف: الإِحسان.
وقوله: لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً (1) .
__________
(1) هذا اسم آخر لسورة الطلاق: وكذا سماها ابن مسعود أخرجه البخاري وغيره: (الإتقان فى علوم القرآن للسيوطى: 69) وانظر بصائر ذوى التمييز: 2/ 469.
(2) سقط فى ب. [.....]
(3) فى ح: تطلقن، تحريف.
(4) ما بين القوسين ساقط فى ح.
(5) فى ش: فخروجهن.(3/162)
أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى (6)
هَذِهِ الرجعة فِي التطليقتين.
وقوله: فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ (2) .
إِذَا حاضت حيضة بعد التطليقتين إلى أن تحيض الثالثة، ولا تغتسل «1» ، فله رجعتها مالم تغتسل من الحيضة الثالثة.
وقوله: بالِغُ أَمْرِهِ (3) .
القراء جميعًا عَلَى التنوين. ولو قرئت: بالغ أمره [على الإضافة «2» ] لكان صوابا «3» ، ولو قرىء:
بالغ أمره بالرفع لجاز «4» .
وقوله: [200/ ب] وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ (4) .
يَقُولُ: إن شككتم فلم تدروا ما عدتها، فذكروا: أن مُعاذ بْن جبل سَأَلَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: قَدْ عرفنا «5» عدة التي تحيض، فما عدة الكبيرة التي قد يئست؟ فنزل «فَعِدَّتُهُنَّ «6» ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ» فقام رَجُل فَقَالَ: يا رَسُول اللَّه! فما عدة الصغيرة التي لم تحض؟ فَقَالَ: وَاللَّائِي «7» لم يحضن بمنزلة الكبيرة التي قَدْ يئست عدتها: ثلاثة أشهر. فقام آخر فَقَالَ: فالحوامل «8» ما عدتهن؟ فنزل: «وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ» (4) فإذا وضعت الحامل «9» ذا بطئها حلّت للأزواج، وإن كَانَ زوجها الميت عَلَى السرير لم يدفن.
وقوله: مِنْ وُجْدِكُمْ (6) .
يَقُولُ: عَلَى قدر ما يجد أحدكم فإن كَانَ موسّعًا وسَّع عليها فِي: المسكن، والنفقة وإن كَانَ مُقْتِرًا (10) فعلى قدر ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ: «وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ
__________
(1) فى ش: يحيض الثالثة ولا يغتسل، وهو تحريف.
(2) الزيادة من ب. بين السطور.
(3) وهى قراءة عاصم وحفص والمفضل وأبان وجبلة وجماعة عن أبى عمرو (البحر المحيط 8/ 283) .
(4) وهى قراءة داود بن أبى هند (تفسير القرطبى 18/ 161 والمحتسب 2/ 324) .
(5) فى ش: ما وهو خطأ.
(6) فى ش: فنزل ثلاثة أشهر.
(7) فى ب، ش: اللائى.
(8) فى (ا) : الحوامل، تحريف.
(9) فى ح: مقبرا.(3/163)
حَمْلَهُنَّ» (6) ينفق عليها من نصيب ما فى بطئها، ثُمَّ قَالَ: «فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ» أجر الرضاع.
وقوله: وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ (6) يَقُولُ: لا تضارّ المرأةُ زوجها، ولا يضرّ «1» بها، وقد أجمع «2» القراء على رفع الواو من:
«وُجْدِكُمْ» «3» ، وعلى رفع القاف من «قُدِرَ» «4» [وتخفيفها] «5» ولو قرءوا: قدِّر «6» كَانَ صوابًا.
ولو قرءوا مِنْ «وُجْدِكُمْ» «7» كَانَ صوابًا لأنها لغة لبني تميم.
وقوله: فَحاسَبْناها حِساباً [شَدِيداً (8) .
فى الآخرة] «8» ، «وَعَذَّبْناها عَذاباً نُكْراً» (8) فِي الدنيا، وهو مقدّم ومؤخر، ثُمَّ قَالَ: «فَذاقَتْ وَبالَ أَمْرِها» من عذاب الدنيا «وَكانَ عاقِبَةُ أَمْرِها خُسْراً» (9) النارَ وعذابَها.
وقوله: قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً» (10) رَسُولًا (11) نزلت فِي الكتاب بنصب الرَّسُول، وَهو وجه العربية، ولو «9» كانت رسولٌ بالرفع كَانَ صوابًا لأن الذكر رأس آية، والاستئناف بعد الآيات حسن. ومثله قوله: «التَّائِبُونَ» «10» وقبلها: «إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ» ، فلما قال: «وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ» «11» استؤنف بالرفع، ومثله: «وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ، صُمٌّ بُكْمٌ» «12» ، ومثله: «ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ» ثم قال: «فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ» «13» ، وهو نكرة من صفة معرفة، فاستؤنف بالرفع، لأنه بعد آية.
__________
(1) فى ش: يضار.
(2) فى ش: ولقد اجتمع. [.....]
(3) فى ب: من وجد.
(4) قرأ الجمهور «قدر» مخففا. (البحر المحيط 8/ 286)
(5) زيادة فى ب، ح، ش.
(6) هى قراءة ابن أبى عبلة.
(7) هى قراءة الأعرج والزهري (القرطبي 18/ 168) .
(8) سقط فى ج، ش
(9) فى ح، ش: فلو.
(10) التوبة 112.
(11) التوبة 111.
(12) البقرة الآيتان: 17، 18
(13) البروج: الآية 16(3/164)
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (1)
وقوله: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ (12) .
خلق سبعا، ولو قرئت: «مِثْلَهُنَّ» إذ لم يظهر الفعل كَانَ صوابًا «1» .
تَقُولُ فِي الكلام: رَأَيْت لأخيك إبلا، ولوالدك شاء كَثِير «2» ، إِذَا لم يظهر الفعل.
قَالَ يعني الآخِر «3» جاز: الرفع، والنصب إِذَا كَانَ مَعَ الآخر صفة رافعة فقس عَلَيْهِ إن شاء اللَّه.
ومن سورة المحرّم «4»
قوله جلّ وعز. يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ (1) .
نَزَلَتْ فِي مَارِيَّةَ الْقِبْطِيَّةِ، وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عليه يَجْعَلُ لِكُلِّ امْرَأَةٍ مِنْ نِسَائِهِ يَوْمًا، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ عَائِشَةَ زَارَتْهَا حَفْصَةُ بِنْتُ عُمَرَ، فَخَلا بَيْتُهَا، فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه إِلَى مَارِيَّةَ الْقِبْطِيَّةِ، وَكَانَتْ «5» مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه فِي مَنْزِلِ حَفْصَةَ، وَجَاءَتْ حَفْصَةُ إِلَى مَنْزِلِهَا فَإِذَا السِّتْرُ مُرْخًى، وَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَتَكْتُمِينَ عَلَيَّ؟ فَقَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: فَإِنَّهَا عَلَيَّ حَرَامٌ يَعْنِي مَارِيَّةَ، وَأُخْبِرُكِ: أَنَّ أَبَاكِ وَأَبَا بَكْرٍ سَيَمْلِكَانِ مِنْ بَعْدِي، فَأَخْبَرَتْ حَفْصَةُ عَائِشَةَ الْخَبَرَ، وَنَزَلَ الْوَحْيُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ، فَدَعَا حَفْصَةَ فَقَالَ: مَا حَمَلَكِ عَلَى مَا فَعَلْتِ؟ قَالَتْ لَهُ: وَمَنْ أَخْبَرَكَ أَنِّي قُلْتُ ذَلِكَ لِعَائِشَةَ؟ قَالَ: «نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ» ثُمَّ طَلَّقَ حَفْصَةَ تَطْلِيقَةً، وَاعْتَزَلَ نِسَاءَهُ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا. ونزل عليه: «لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ» مِنْ نِكَاحِ مَارِيَّةَ، ثُمَّ قَالَ:
«قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ «6» تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ» (2) يَعْنِي: كَفَّارَةَ أَيْمَانِكُمْ، فَأَعْتَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَقَبَةً، وَعَادَ إِلَى مَارِيَّةَ.
__________
(1) قرأ (مثلهن) بالرفع المفضل عن عاصم وعصمة عن أبى بكر. (البحر المحيط: 8: 287) .
(2) فى ش: شيئا تحريف.
(3) فى ش: فى الآخر. [.....]
(4) الأرجح أن (المحرم) تحريف المتحرم، فهى سورة التحريم والمتحرم، كما فى ح، ش، وبصائر ذوى التمييز: 1: 471، وفى الإتقان (2: 69) أنها تسمى أيضا: (لم تحرم) .
(5) فى ح ش: فكانت.
(6) فى ش: الله تحلة، سقط.(3/165)
قال [الفراء] «1» : حَدَّثَنِي بِهَذَا التَّفْسِيرِ حِبَّانُ عَنِ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ثُمَّ قَالَ: «عَرَّفَ بَعْضَهُ» [يَقُولُ: عَرَّفَ حَفْصَةَ] «2» بَعْضَ الْحَدِيثِ وَتَرَكَ بَعْضًا، وَقَرَأَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ «عرف» «3» خفيفة «4» .
[حدثنا محمد بن الجهم] «5» حدثنا الفراء قال: حدثني مُحَمَّد بْن الفضل المروزي عنْ عطاء عنْ أَبِي عَبْد الرَّحْمَن السلمي «عَرَف» خفيفة.
حدثنا «6» الفراء، وحدثني شيخ من بني أسد يعني الكِسَائِيّ عنْ نعيم عنْ «7» أَبِي عَمْرو عنْ عطاء عنْ أَبِي عَبْد الرَّحْمَن قَالَ: كَانَ إِذَا قرأ عليه الرجل: «عرّف بعضه» بالتشديد حصبه بالحصباء «8» ، وَكأن الَّذِينَ يقولون: عرَف خفيفة يريدون: غضب من ذَلِكَ وَجازى عَلَيْهِ، كما تَقُولُ للرجل يسيء إليك: أما والله لأعرفن «9» لَكَ ذَلِكَ، وَقَدْ لعمري جازى حفصة بطلاقها، وهو وجه حسن، [وذكر عَنِ الْحَسَن الْبَصْرِيّ أَنَّهُ قَرَأَ] «10» عرف بالتخفيف «11» كأبي عَبْد الرحمن.
وقوله: إِنْ تَتُوبا إِلَى اللَّهِ (4) .
يعني: عَائِشَةَ وحفصة، وذلك: أن عَائِشَةَ قَالَتْ: يا رَسُول اللَّه، أما يوم غيري فتتمه «12» ، وأمَّا يومي فتفعل فِيهِ ما فعلت؟ فنزل: إن تتوبا إلى الله من تعاونكما عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم «فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما» زاغت ومالت وإن تظاهرا عليه» تعاونا عليه، قرأها عاصم والأعمش بالتخفيف،
__________
(1) زيادة من ح ش.
(2) سقط فى ح ش.
(3) وهى أيضا قراءة الكسائي (الاتحاف 419) وعلى وطلحة بن مصرّف، والحسن، وقتادة، والكلبي والأعمش عن أبى بكر (تفسير القرطبي: 18/ 187) .
(4 و 7) سقط فى ش.
(5) زيادة من ب، وفى ش: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: حدثنا الفراء:
(6) فى ب ش: قال.
(8) فى ا، ش بالحصى.
(9) فى ش: لأعرفك تحريف.
(10) فى ح، ش كما يأتى: وقد ذكر أن الحسن البصري قرأ.
(11) فى ح، ش: بالتخفيف عرف.
(12) فى ب: فتتممه. [.....](3/166)
وقرأها أهل الحجاز: «تظَّاهرا» بالتشديد «فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ» : وليه عليكما «وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ» مثلُ أَبِي بَكْر وعمر الَّذِينَ ليس فيهم نفاق، ثُمَّ قَالَ: «وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ «1» ذلِكَ ظَهِيرٌ» بعد أولئك، يريد أعوان، ولم يقل: ظهراء، ولو قال قائل «2» : إن ظهيرًا «3» لجبريل، ولصالح المؤمنين، والملائكة «4» - كَانَ صوابًا، ولكنه حسن أن يجعل الظهير للملائكة خاصة، لقوله:
(والملائكة) بعد نصرة هَؤُلَاءِ ظهير.
وأما قوله: «وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ» فإنه موحد فِي مذهب الجميع «5» ، كما تَقُولُ: لا يأتيني إلا سائس «6» الحرب، فمن كَانَ ذا «7» سياسة للحرب فقد أمر بالمجيء واحدًا كَانَ «8» أَوْ أكثر مِنْهُ، ومثله «9» :
«وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما» «10» ، هذا عامّ [201/ ب] وليس بواحد ولا اثنين، وكذلك قوله: «وَاللَّذَانِ يأتيانها منكم فآذوهما «11» ، وكذلك: «إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ» «12» ، و «إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً» «13» ، فِي كَثِير من القرآن يؤدي معنى الواحد عَنِ الجمع «14» .
وقرأ عاصم والْأَعْمَش: «أَنْ يُبْدِلَهُ» بالتخفيف، وقرأ أهل الحجاز: «أَنْ يُبْدِلَهُ» [بالتشديد] «15» وكلّ صواب: أبدلت، وبدّلت.
وقوله: سائِحاتٍ (5) .
هنّ الصائمات، قَالَ: ونرى أن الصائم إنَّما سمّي سائحًا لأن السائح لا زاد معه، وإنما يأكل حيث يجد، فكأنه أخذ من ذلك «16» والله أعلم.
__________
(1) فى ش: والملائكة ذلك، سقط
(2) فى ب: ولو قال إن سقط.
(3) فى ش: ظهير، تحريف.
(4) فى ش: وصالح المؤمنين وللملائكة، تحريف.
(5) فى ش: جمع.
(6) فى ش: السايس.
(7) فى ش: فرا خطأ.
(8) سقط فى (ا) .
(9) فى ش: ومنه.
(10) سورة المائدة الآية 38.
(11) سورة النساء الآية: 16.
(12) سورة العصر الآية: 2.
(13) سورة المعارج الآية: 19.
(14) فى ش الجميع. [.....]
(15) التكملة من ب بين السطرين.
(16) فى ب: ذاك.(3/167)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (8)
والعرب تَقُولُ للفَرس إِذَا كَانَ قائمًا عَلَى غير علف: صائم، وذلك أن لَهُ قُوتَيْن [قُوتًا غدوة] «1» وقوتًا عشية فشبه بتسحر الآدمي وإفطاره.
وقوله: قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ (6) .
علِّموا أهليكم ما يدفعون بِهِ المعاصي، علموهم ذلك.
وقوله: تَوْبَةً نَصُوحاً (8) .
قرأها بفتح النون أهلُ المدينة والْأَعْمَش، وذكر عنْ عاصم والحسن «نَصُوحاً» ، بضم النون، وكأن الَّذِينَ قَالُوا: «نَصُوحاً» أرادوا المصدر مثل: قُعودًا، والذين قَالُوا: «نَصُوحاً» جعلوه «2» من صفة التوبة، ومعناها: يحدّث نفسه إِذا تاب من ذَلِكَ الذنب ألّا يعود إِلَيْه أبدًا.
وقوله: يَقُولُونَ رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا (8) .
لا يقوله كل من دخل الجنة، إنَّما يقوله أدناهم منزلة وذلك: أن السابقين فيما ذكر يمرون كالبرق عَلَى الصراط، وبعضهم كالريح، وبعضهم كالفرس الجواد، وبعضهم حَبْوًا وَزحفًا، فأولئك «3» الَّذِينَ يقولون: «رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا» حتّى ننجو.
ولو قَرَأَ قارئ: «وَيُدْخِلَكُمْ «4» » جزمًا لكان وجهًا لأن الجواب فِي عسى فيضمر فِي عسى- الفاء، وينوي بالدخول أن يكون معطوفًا عَلَى موقع الفاء، ولم يقرأ بِهِ أحدٌ «5» ، ومثله: «فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ» «6» .
ومثله قول الشَّاعِر:
فأبلوني بليتكُم لعلي ... أصالحكم، واستدرجْ نَوِيَّا «7»
فجزم [لأنَّه نوى الرد عَلَى لعلى] «8» .
__________
(1) سقط فى ش.
(2) فى ش: جعلوا تحريف.
(3) فى ش: أولئك.
(4) قبلها: «تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ» .
(5) قرأ به ابن أبى عبلة (تفسير القرطبي: 18/ 20) .
(6) المنافقون: 10
(7) البيت لأبى دواد. أبلونى: أحسنوا صنيعكم إلى. والبلية: اسم منه. أستدرج: أرجع أدراجى.
نوى: نواى، والنوى: الوجه الذي يقصد. انظر الخصائص: 1/ 176.
(8) سقط فى ح ش.(3/168)
الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2)
وقوله: ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا (10) .
هَذَا مثل أريد بِهِ عَائِشَةَ، وحفصة فضرب لهما المثل، فَقَالَ: لم ينفع امْرَأَة نوح وامرأة لوط إيمانُ زوجيهما، ولم يضر «1» زوجيهما نفاقُهما، فكذلك لا ينفعكما نُبوة النَّبِيّ- صَلَّى الله عليه- لو لم تؤمنا، ولا يضره ذنوبكما، ثُمَّ قال: «وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ» فأمرهما أن تكونا «2» : كآسية، وكمريم ابنة عمران «3» التي أحصنت فرجها. والفرج هاهنا:
جيب درعها، وذكر: أن جبريل- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نفخ فِي جيبها، وكل ما كَانَ فِي الدرع من خَرْق أَوْ غيره يقع عَلَيْهِ اسم الفرج. قَالَ الله تَعَالى: «وَما لَها مِنْ فُرُوجٍ» «4» يعني السماء من فطور ولا صدوع.
ومن سورة الملك
قوله عزَّ وجلَّ: لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا (2) لم يوقع البلوى عَلَى أيّ لآن فيما بين [أي، وبين البلوى] «5» إضمار فعل، كما تَقُولُ فِي الكلام: بلوتكم لأنظر أيُّكم أطوع، فكذلك، فأعمل فيما تراه قبل، أي مما يحسن فِيهِ إضمار النظر فِي [قولك: اعلم أيّهم ذهب] «6» [202/ ا] وشبهه، وكذلك قوله: «سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذلِكَ زَعِيمٌ» «7» يريد «8» : سلهم ثُمَّ انظر أيهم يكفل بذلك، وَقَدْ يصلح مكان النظر القولُ فِي قولك: اعلم أيهم ذهب «9» لأنَّه يأتيهم فيقول. أيكم ذهب؟ فهذا شأن هَذَا الباب، وَقَدْ «10» فسر فى غير
__________
(1) فى ب، ح، ش: يضرر.
(2) كذا فى ش، وفى غيرها يكونا، تحريف.
(3) فى ش: بنت.
(4) سورة ق الآية 6، وفى ش: وما لنا، تحريف. [.....]
(5) فى ح، ش: بين البلوى، وبين أي.
(6) سقط فى ب، ح، ش.
(7) سورة القلم الآية 40.
(8) زيادة من ح، ش.
(9) فى ح: ذنب، تحريف.
(10) سقط فى ح،(3/169)
تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (8)
هَذَا الموضع. ولو قلت: اضرب أيّهم ذهب. لكان نصبًا لأن الضرب لا يحتمل أن يضمر «1» فِيهِ النظر، كما احتمله العلم والسؤال والبلوى.
وقوله: مَا تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ «2» (3) [حدثنى مُحَمَّدُ بْنُ الْجَهْمِ قَالَ «3» ] حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: حَدَّثَنِي بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنْ زُهَيْرِ بْنِ مُعَاوِيَةَ الجعفي عن أبى إسحق: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ قَرَأَ. «مِنْ تفوّت» .
حدثنا محمد بن الجهم، حدثنا الفراء قال: وحدثني حِبان عَنِ الْأَعْمَش عنْ إِبْرَاهِيم عنْ علقمة:
أَنَّهُ قَرَأَ: «تفوّت» «4» وهي قراءة يَحيى «5» ، وأصحاب عَبْد اللَّه، وأهل المدينة وعاصم «6» .
وأهل البصرة يقرءون: «تَفاوُتٍ» وهما «7» بمنزلةٍ واحدة، كما قَالَ «8» : «ولا تُصَاعِرْ، وتُصَعِّرْ» «9» وتعهّدت فلانًا وتعاهدته، والتفاوت: الاختلاف، أي: هَلْ ترى فِي خلقه من اختلاف، ثم قال: فارجع البصر، وليس قبله فعل مذكور، فيكون الرجوع عَلَى ذَلِكَ الفعل، لأنَّه قَالَ: ما ترى، فكأنه قَالَ: انظر، ثُمَّ ارجع، وأمَّا الفطور فالصدوع والشقوق.
وقوله: يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً (4) .
يريد: صاغرًا، وهو حسير كليل، كما يحسَر البعيرُ والإبلُ إِذَا قوّمت «10» عنْ هزال وكلال فهي الحسرى، وواحدها: حسير.
وقوله: تَكادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ (8) تقطع عليهم غيظا.
وقوله: فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ (11) .
__________
(1) فى ش: يضرب، تحريف.
(2) فى ش: تفوت، وسيأتى أنها قراءة.
(3) زيادة من ب، وفى ح، ش: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: ...
(4) وهى أيضا قراءة حمزة والكسائي، وهما لغتان: مثل التعاهد والتعهد، والتحمل والتحامل، (تفسير القرطبي 18/ 208) .
(5) وفى ح: وهى فى قراءة يحيى.
(6) وهى قراءة حمزة والكسائي، ووافقهما الأعمش. (الاتحاف 420)
(7) فى ش: فهما.
(8) فى ش: يقال. [.....]
(9) فى ش: لا تصاعر، ولا تصعّر.
(10) كذا فى النسخ، ولم نتبين لها وجها.(3/170)
هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (15)
ولم يقل: «بذنوبهم» لأنّ فِي الذنب فعلا، وكل واحد أضفته إلى قوم بعد أن يكون فعلا أدّى عن جمع أفاعيلهم»
، ألا ترى أنك تَقُولُ: قَدْ أذنب القوم إذنابًا، ففي معنى إذناب: ذنوب، وكذلك تَقُولُ: خرجَتْ أعطيته النَّاس وعطاء النَّاس فالمعني واحد والله أعلم.
وقوله: فَسُحْقاً لِأَصْحابِ السَّعِيرِ (11) . اجتمعوا عَلَى تخفيف السُّحْق، ولو قرئت: فسُحُقًا كانت لغة حسنة «2» .
وقوله: فَامْشُوا فِي مَناكِبِها (15) فى جوانبها.
وقوله: أَأَمِنْتُمْ «3» (16) يجوز فِيهِ أن تجعل بين «4» الألفين ألفا غير مهموزة «5» ، كما يُقال: أأنتم «6» ، أإِذَا مِتْنا «7» كذلك، فافعل بكل همزتين تحركتا فزد بَيْنَهُما مدة، وهى من لغة بني تميم.
وقوله: أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ (22) .
تَقُولُ: قَدْ أكبَّ الرجل: إِذَا كَانَ فعله غير واقع عَلَى أحد، فإذا وقع الفعل أسقطت الألف، فتقول: قَدْ كبّه اللَّه لوجهه، وكببتُه أَنَا لوجهه.
وقوله: وَقِيلَ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ (27) .
يريد: تَدْعُونَ، وهو مثل قوله: تَذْكُرون، وتَذَّكّرون، وتخبرون وتختبرون، والمعنى واحد والله أعلم.
وَقَدْ قَرَأَ بعض القراء: ما تَدَّخِرُونَ، يريد «8» : تدّخرون «9» ، فلو قَرَأَ قارئ: «هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ» «10» كان صوابا.
__________
(1) فى ح،، ش: أقاويلهم.
(2) قرأ الكسائي وأبو جعفر: فسحقا بضم الحاء. ورويت عن على. والباقون بإسكانها. وهما لغتان مثل:
السّحمت، والرّعب (تفسير القرطبي 18/ 213) .
(3) فى ش: أمنتم، تحريف.
(4) سقط فى ش.
(5) فى ح: غير مهموز.
(6) سورة المنازعات: 24.
(7) سورة الرعد الآية 5.
(8) فى ح: ويريد.
(9) سورة آل عمران 49.
(10) قرأ يعقوب بسكون الدال مخففة من الدعاء أي تطلبون وتستعجلون، وافقه الحسن، ورواها الأصمعى عن نافع (الإتحاف 420)(3/171)
ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ (1)
وقوله: فسيعلمون (29) .
قراءة العوامّ «فَسَتَعْلَمُونَ» «1» بالتاء.
[حدثنا محمد بن الجهم «2» قال: سمعت الفراء «3» وذكر محمد بن الفضل [202/ ب] عن عطاء عن أبي عبد الرحمن عن على (رحمه الله) فسيعلمون بالياء، وكل صواب.
وقوله: إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً (30) .
العرب تَقُولُ: ماء غور، وبئر غور، وماءان غور، ولا يثنون ولا يجمعون: لا يقولون: ماءان غوران، ولا مياه أغوار، وهو بمنزلة: الزَّوْر يُقال: هَؤُلَاءِ زور فلان، وهؤلاء ضيف فلان، ومعناه: هَؤُلَاءِ أضيافه، وزواره. وذلك أَنَّهُ مصدر فأُجرى عَلَى مثل قولهم: قوم عدل، وقوم رضا ومقنع «4» .
ومن سورة القلم
قوله عز وجل: ن وَالْقَلَمِ (1) .
تخفى النون الآخرة «5» ، وتظهرها، وإظهارها أعجب إليَّ لأنها هجاء، والهجاء كالموقوف عَلَيْهِ وإن «6» اتصل، ومن أخفاها «7» بني عَلَى الاتصال. وَقَدْ قرأت القراء بالوجهين كَانَ الْأَعْمَش وحمزة يبينانها، وبعضهم يترك التبيان «8» .
وقوله: وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ (3) .
__________
(1) فى ش. فتعلمون، تحريف.
(2) الزيادة من ب. [.....]
(3) فى ح: قال الفراء وذكر إلخ.
(4) قوم مقنع: مرضيون.
(5) سقط فى ش.
(6، 7) فى ش: بناء.
(8) أدغم ن فى واو: والقلم- ورش، والبزي، وابن ذكوان، وعاصم بخلف عنهم، وهشام، والكسائي، ويعقوب، وخلف عن نفسه وافقهم ابن محيصن والشنبوذى. والباقون بالإظهار (الاتحاف 421) .(3/172)
وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ (9)
مقطوع، والعرب تَقُولُ: ضعُفت مُنَّتِي عَنِ السفر، وَيُقَال للضّعيف: المنينُ، وهذا من ذَلِكَ، والله أعلم.
وقوله: وَإِنَّكَ «1» لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4) أي: «2» دين عظيم.
وقوله: فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ (5) بأيّكم المفتون (6) .
المفتون هاهنا بمعنى: الجنون، وهو فِي مذهب الفتون، كما قالوا: ليس له معقول رأى، وإن شئت جعلته بأيكم: فِي أيكم أي: فِي أي الفريقين المجنون، فهو حينئذ اسم ليس «3» بمصدر.
وقوله: وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ (9) .
يُقال: ودوا لو تلينُ فِي دينك، فيلينون فِي دينهم، وقَالَ بعضهم: لو تكفر فيكفرون، أي:
فيتبعونك عَلَى الكفر.
وقوله: وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ (10) . المهين «4» ، هاهنا: الفاجر. والهماز: الذي يهمز الناس.
وقوله: مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ (11) نميم ونميمة من كلام العرب.
وقوله: عُتُلٍّ (13) .
فِي هَذَا الموضع «5» هُوَ الشديد الخصومة بالباطل، والزنيم: الملصق بالقوم، وليس منهم وهو:
الدعي.
وقوله: أَنْ «6» كانَ ذا مالٍ وَبَنِينَ (14) .
قرأها الْحَسَن الْبَصْرِيّ وأبو جَعْفَر الْمَدَنِيّ بالاستفهام. «أأن كَانَ» ، وبعضهم. «أَنْ كانَ» بألف واحدة بغير استفهام، وهي فِي قراءة عَبْد اللَّه: ولا تطع كلّ حلّاف مهين أن كَانَ:
لا تطعه أنْ كَانَ- لِأنْ كان ذامال.
__________
(1) فى ب، ح، ش على.
(2، 3، 4) : سقط فى ش.
(5) فى ب: وهو، تحريف.
(6) فى ا: أأن(3/173)
ومن قرأ «1» : أأن كان ذامال وبنين، فإنه وبّخه: ألأن كان ذامال وبنين تطيعه؟ وإن شئت قلت: ألِأَن كَانَ ذامال وبنين، إِذَا تليت عَلَيْهِ آياتنا قَالَ: أساطير الأولين. وكلٌّ حسن.
وقوله: سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ (16) .
أي: سنسمه سِمَة أهل النار، أي سنسوّد وجهه، فهو وإن كَانَ الخرطوم قَدْ خص بالسمة «2» فإِنه «3» فِي مذهب الوجه [لأن بعض الوجه] «4» يؤدّى عنْ بعض.
والعرب تَقُولُ: أما والله لأسمنّك وسمًا لا يفارقك. تريد «5» : الأنفَ، وأنشدني بعضهم:
لَأعْلِطَنَّكَ وَسْمًا لا يفارقه ... كما يُحَزّ بِحُمى المِيسمِ البَحرُ «6»
فَقَالَ: الميسم ولم يذكر الأنف، لأنه موضع السمة، والبحر: البعير إذا أصابه البحر، هوداء يأخذ البعير فيوسم لذلك.
وقوله: بَلَوْناهُمْ (17) .
بلونا أهل مكة كما يلونا أصحاب الجنة، وهم قوم من أهل اليمن كَانَ لرجل منهم زرع، ونخل، وكرم، وكان يترك للمساكين من زرعه ما أخطأه المنجل، ومن النخل ما سقط عَلَى البسط، ومن الكرم ما أخطأه القطاف. كَانَ ذَلِكَ يرتفع إلى شيء كَثِير، ويعيش فِيهِ اليتامى والأرامل والمساكين فمات الرجل، وله بنون ثلاثة فقالوا: كَانَ أبونا يفعل ذَلِكَ، والمال كَثِير، والعيال قليل، فأمَّا إِذ «7» كثر العيال، وقلّ المال فإنا ندع «8» ذَلِكَ، ثُمَّ تآمروا «9» أن يصرموا
__________
(1) فى ش: قال.
(2) فى ش: السمة.
(3) سقط فى ش.
(4) سقط فى ح.
(5) فى ش: يريدون. [.....]
(6) علط البعير: وسمه بالعلاط، بكسر العين. وهو سمة فى عرض عنق البعير والناقة. والبحر بفتحتين:
أن يلهج البعير بالماء، فيكثر منه حتى يصيبه منه داء، فيكوى فى مواضع فيبرأ، بحر كفرح. والبيت فى اللسان (بحر) غير منسوب.
(7) فى ش: فإذا كثر، وفى (ا) إذا، وكل تحريف.
(8) كذا فى ب، ح، ش وفى ا: لا، تحريف.
(9) فى ا- يأمرو، تحريف.(3/174)
فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ (23)
فِي سَدَف: «1» فِي ظلمة- باقية من الليل لئلا يبقى للمساكين شيء، فسلط اللَّه عَلَى مالهم نارا فأحرقته، فغدوا على مالهم ليصرموه، فلم يروا شيئًا إلا سوادًا فقالوا: «إِنَّا لَضَالُّونَ» ، ما هَذَا بمالنا، ثُمَّ قَالَ بعضهم: بل هو مالنا حرمناه «2» بما صنعنا بالأرامل والمساكين، وكانوا قَدْ أقسموا ليصر منها «3» أول الصباح، ولم يستثنوا: لم يقولوا: إن شاء الله، فقال أخ لهم أو سطهم، أعدلهم قولًا: أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ؟ فالتسبيح هاهنا فِي معنى الاستثناء «4» ، وهو كَقوله:
(وَاذْكُرْ رَبَّكَ إذا نسيت) «5» .
وقوله: فَطافَ عَلَيْها طائِفٌ [مِنْ رَبِّكَ (19) .
لا يكون الطائف] «6» إِلَّا ليلا، ولا يكون نهارًا، وَقَدْ تكلم «7» بِهِ العرب، فيقولون: أطفت بِهِ نهارًا وليس موضعه بالنهار، ولكنه بمنزلة قولك: لو ترك القطا ليلا لنام «8» لأنَّ القطا لا يسري ليلًا، قَالَ أنشدني أَبُو الجراح العقيلي:
أطفت بها نهارًا غير ليلٍ ... وألهى ربَّها طلبُ الرّخال «9»
والرَّخِل [: ولد الضأن إذا كان أنثى] «10» .
وقوله: فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ (20) . كالليل المسود.
وقوله: فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخافَتُونَ (23) أَنْ لا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ (24) .
وفى قراءة عبد الله: «لا يَدْخُلَنَّهَا» ، بغير أن، لأنّ التخافت قول، والقول حكاية، فإذا لم
__________
(1) فى ح: من.
(2) كذا فى ش وفى ا، ب، ح: حرمنا.
(3) فى ح: لنصر منها.
(4) فى اللسان: وقوله: ألم أقل لكم لولا تسبحون أي تستثنون، وفى الاستثناء تعظيم الله، والإقرار بأنه لا يشاء أحد إلا أن يشاء الله، فوضع لتنزيه الله موضع الاستثناء.
(5) سورة الكهف: 24.
(6) ساقط فى ح.
(7) فى ح، ش تتكلم
(8) مثل يضرب لمن حمل على مكروه من غير إرادته، قالته حذام بنت الريان: مجمع الأمثال 2: 110.
(9) الرخال جمع رخل ككتف، ويجمع أيضا على أرخمل.
(10) سقط فى ح، ش. [.....](3/175)
فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ (30)
يظهر القول جازت «أن» وسقوطها، كما قَالَ اللَّه: «يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ» «1» ولم يقل: أنّ للذّكر، ولو كَانَ صوابًا.
وقوله: وَغَدَوْا عَلى حَرْدٍ قادِرِينَ «2» (25) .
على جدّ وقدرة فى أنفسهم [203/ ب] والحرد أيضًا: القصد، كما يَقُولُ الرجل للرجل «3» : قَدْ أقبلت قِبلك، وقصدت قصدك، وحَرَدْتُ حَردك، وأَنشدني بعضهم:
وجاء سيلٌ كَانَ من أمر «4» اللَّه ... يحرِد حَرْدَ الجنة المُغِلَّه
يريد «5» : يقصد قصدها.
وقوله: فَأَقْبَلَ «6» بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ (30) .
يَقُولُ بعضهم لبعض: أنت الَّذِي دللتنا، وأشرت علينا بما فعلنا. ويقول الآخر: بل أنت فعلت ذَلِكَ «7» ، فذلك تلاومهم.
وقوله: أَمْ لَكُمْ أَيْمانٌ عَلَيْنا بالِغَةٌ (39) .
القراء عَلَى رفع «بالِغَةٌ» إلّا الْحَسَن، فإنه نصبها عَلَى مذهب المصدر، كقولك: حقًا، والبالغُ فِي مذهب الحق يُقال: جيِّد بالغ، كأنه قَالَ: جيّد حقًا قَدْ بلغ حقيقة الجودة، وهو مذهب جيد «8» وقرأه العوام «9» ، أن تكون البالغة من نعت الْإِيمَان أحب إليَّ، كقولك ينتهي بكم «10» إلى يوم القيامة إيمان علينا «11» بأنَّ لكم ما تحكمون، فلما كانت اللام فى جواب إنّ كسرتها، ويقال:
__________
(1) سورة النساء: 11.
(2) فى ح، ش: وغدوا على حرد.
(3) سقط فى ش.
(4) سقط فى ح، ش. والبيت بدونها غير مستقيم الوزن. ويروى (أقبل) مكان (وجاء) والألف التي قبل هاء لفظ الجلالة مخلة للوزن: اللسان (حرد) ، والكشاف: 2: 481.
(5) فى ح: ويريد، تحريف.
(6) فى ا، ب، ش وأقبل، تحريف.
(7) زيادة من ح.
(8) فى ح، ش وهو فى مذهب جيد.
(9) فى ش، وقراءة العامة.
(10) فى ج: ينتهى إلى
(11) سقط فى ح، ش.(3/176)
فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ (44)
أئن لكم ما تحكمون «1» بالاستفهام، وهو عَلَى ذلك المعنى بمنزلة قوله: «أَإِذا كُنَّا تُراباً «2» » «أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحافِرَةِ «3» » .
وقوله: سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذلِكَ زَعِيمٌ (40) .
يريد: كفيل، وَيُقَال لَهُ: الحميل والقبيل، والصبير، والزعيم فِي كلام العرب: الضامن والمتكلم عَنْهُمْ، والقائم بأمرهم:
وقوله: أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ فَلْيَأْتُوا بِشُرَكائِهِمْ (41) .
وفي قراءة عَبْد اللَّه: «أم لهم شرك فليأتوا بشركهم» . والشّرك، والشركاء فِي معنى واحد، تَقُولُ: فِي هَذَا الأمر شِرْك، وفيه شركاء.
وقوله: يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ (42) .
القراء مجتمعون على رفع الياء [حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ «4» ] قَالَ: حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: حَدَّثَنِي سفيان عن عمرو ابن دِينَارٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَرَأَ: «يَوْمَ تَكْشِفُ عَنْ سَاقٍ» يُرِيدُ: الْقِيَامَةَ وَالسَّاعَةَ لِشِدَّتِهَا قَالَ.
وأنشدني بعض العرب لجد أَبِي طرفة.
كشف لهم عنْ ساقها ... وبدا من الشرِّ البراحُ «5»
وقوله: فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهذَا الْحَدِيثِ (44) .
معنى فذرني «6» ومن يكذب أي: كِلْهم إليَّ، وأنت تَقُولُ للرجل: لو تركتك ورأيك ما أفلحت،: أي: لو وكلتك إلى رأيك لم تفلح، وكذلك قوله: «ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً «7» » ، و (من) فِي موضع نصب، فإذا قلت: قَدْ تُرِكتَ ورأيَك، وخُليت ورأيك نصبت الرأي لأن المعنى: لو ترِكتَ إلى رأيك، فنصبت الثَّاني لحسن هَذَا المعنى فِيهِ، ولأنّ الاسم قبله متصل بفعل.
__________
(1) فى ب وج: إن لكم بدون همزة الاستفهام: أي هل.
(2) سورة الرعد: 5.
(3) النازعات الآية 10. [.....]
(4) الزيادة من ب، وفى ش: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: حدثنا الفراء: -
(5) البيت لسعد بن مالك جد طرفة بن العبد وانظر ديوان الحماسة 1/ 198، والخصائص 3/ 252 والمحتسب 2/ 326. وفى رواية القرطبي (18: 248) وبدا من الشر الصّراح. والرواية مضطربة البحر المحيط: 8/ 316.
(6) فى ح: ذرنى.
(7) سورة المدثر: 11.(3/177)
أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ (47)
فإذا قَالَتِ العرب: لو تركت أنت ورأيُك، رفعوا بقوة: أنت، إذ ظهرت غير متصلة بالفعل.
وكذلك يقولون: لو ترك عَبْد اللَّه والأسدُ لأكله، فإِن كنوا عنْ عَبْد اللَّه، فقالوا: لو ترك والأسدَ أكله، نصبوا لأن الاسم لم يظهر، فإن قَالُوا: لو ترك هُوَ والأسد، آثروا الرفع فِي الأسد، ويجوز فِي هَذَا ما يجوز فِي هَذَا إلا أن كلام [204/ ا] العرب عَلَى ما أنبأتك «1» بِهِ إلا قولَهم: قَدْ ترك بعضُ القوم وبعض، يؤثرون فِي هَذَا الإتباعَ لأن بعضَ وبعضٌ لما اتفقتا فِي المعنى والتسمية اختير فيهما الإتباع والنصب فِي الثانية غير ممتنع.
وقوله: أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ (47) .
يَقُولُ: أعندهم اللوح المحفوظ فهم يكتبون «2» مِنْهُ، ويجادلونك بذلك.
وقوله: وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ (48) .
كيونس صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: لا تضجر بهم كما ضجر يونس حتَّى هرب من أصحابه فألقى نفسه فِي البحر «3» حتَّى التقمه الحوت.
وقوله: لَوْلا أَنْ تَدارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَراءِ (49) .
حين نبذ- وهو مذموم، ولكنه نبد عير مذموم، «فَاجْتَباهُ رَبُّهُ» (50) .
وفي قراءة عَبْد اللَّه: «لولا أن تداركته «4» » ، وذلك مثل قوله: «وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ «5» » «وَأَخَذَتِ» «6» فِي موضع آخر لأن النعمة اسم مؤنث مشتق من فعل، ولك فِي فعله إِذَا تقدم التذكير والتأنيث.
وقوله: لَنُبِذَ بِالْعَراءِ (49) . العراء الأرض.
[حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْجَهْمِ قَالَ: حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ «7» ] .
__________
(1) سقط فى ش.
(2) فى ح: يكتتبون.
(3) سقط فى ب، ش.
(4) وهى قراءة ابن عباس أيضا (تفسير القرطبي 18/ 253) .
(5) سورة هود الآية 67.
(6) سورة هود الآية 94.
(7) ما بين الحاصرتين زيادة فى ب.(3/178)
الْحَاقَّةُ (1)
وَقوله: وَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ (51) .
قَرَأَهَا عَاصِمٌ وَالْأَعْمَشُ: (لَيُزْلِقُونَكَ) بِضَمِّ الْيَاءِ، مَنْ أزلقت، وقرأها أهل المدينة:
(ليزلقونك) بِفَتْحِ الْيَاءِ مِنْ زَلَقْتُ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ لِلَّذِي يَحْلِقُ الرَّأْسَ: قَدْ زَلَقَهُ وَأَزْلَقَهُ. وَقَرَأَهَا ابْنُ عباس: «ليزهقونك بأبصارهم «1» » [حدثنا محمد «3» قال: سمعت الفراء قال] «2» : حَدَّثَنَا بِذَلِكَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ رَجُلٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَهِيَ فِي قِرَاءَةِ عَبْد اللَّه «4» بْن مَسْعُود كَذَلِكَ بِالْهَاءِ:
«لَيُزْهِقُونَكَ» ، أَيْ: لَيُلْقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ وَذَلِكَ أَنَّ الْعَرَبَ كَانَ أَحَدُهُمْ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَعْتَانَ الْمَالَ، أَيْ: يُصِيبُهُ بِالْعَيْنِ تَجَوَّعَ ثَلَاثًا، ثُمَّ يَتَعَرَّضُ لِذَلِكَ الْمَالَ «5» فَيَقُولُ: تَاللَّهِ «6» مَالًا أَكْثَرَ وَلَا أَحْسَنَ [يَعْنِي مَا رَأَيْتُ أَكْثَرَ «7» ] فَتَسْقُطُ مِنْهُ «8» الْأَبَاعِرُ، فَأَرَادُوا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ ذَلِكَ فَقَالُوا: مَا رَأَيْنَا مِثْلَ حُجَجِهِ، وَنَظَرُوا إِلَيْه لِيَعِينُوهُ، فَقَالُوا: مَا رَأَيْنَا مِثْلَهُ، وَإِنَّهُ لَمَجْنُونٌ، فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: «وَما هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ» (52) . وَيُقَال: (وَإِنْ كَادُوا لَيُزْلِقُونَكَ) أَيْ: لَيَرْمُونَ بِكَ عَنْ مَوْضِعِكَ، وَيُزِيلُونَكَ عَنْهُ بِأَبْصَارِهِمْ، كَمَا تَقُولُ: كَادَ يَصْرَعُنِي بِشِدَّةِ نَظَرِهِ، وَهُوَ بَيِّنٌ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ كَثِيرٌ، كَمَا تَقُولُ: أَزْهَقْتُ السَّهْمَ فزهق.
ومن سورة الحاقة
قوله عز وجل: الْحَاقَّةُ (1) مَا الْحَاقَّةُ (2) .
والحاقة [204/ ب] : القيامة، سميت بذلك لأن فيها الثواب والجزاء، والعرب تَقُولُ: لما عرفت الحقة مني هربت، والحاقة. وهما فى معنى واحد.
__________
(1) وهى قراءة الأعمش وأبى وائل ومجاهد (تفسير القرطبي 18/ 255) .
(2) سقط فى ش.
(3) زيادة من ب. [.....]
(4، 5) سقط فى ح، ش.
(6) العبارة مضطربة فى النسخ، ويبدو أن فيها سقطا. والأصل: تالله لم أر كاليوم مالا ... وانظر الكشاف:
2: 484.
(7) ما بين الحاصرتين زيادة من ب.
(8) فى ب به.(3/179)
سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ (7)
وَالحاقة: مرفوعة بما تعجبت مِنْهُ «1» من ذكرها، كقولك: الحاقة ماهى؟ والثانية: راجعة عَلَى الأولى. وكذلك قوله: «وَأَصْحابُ الْيَمِينِ ما أَصْحابُ الْيَمِينِ «2» » و «الْقارِعَةُ، مَا الْقارِعَةُ «3» » معناه: أي شيء القارعة؟ [فما فِي موضع رفع بالقارعة الثانية، والأولى مرفوعة بجملتها، والقارعة] «4» :
القيامة أيضًا.
وقوله: سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً (7) .
والحسوم: التّباع إذا تتابع الشيء فلم ينقطع أوله عنْ آخره، قيل فِيهِ: حسوم، وإنما أُخذ- والله أعلم- من حسم الداء إِذَا كُوى صاحبهُ لأنَّه يكوى «5» بمكواةٍ، ثُمَّ يتابع ذَلِكَ عَلَيْهِ.
وقوله: فَهَلْ تَرى لَهُمْ مِنْ باقِيَةٍ (8) . من بقاءٍ، وَيُقَال: هَلْ ترى منهم «6» باقيًا؟، وكل ذَلِكَ فِي العربية جائز حسن.
وقوله: وَجاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ (9) .
قرأها «7» عاصم والْأَعْمَش وأهل المدينة: (ومن قَبله) ، وقرأ طلحة بْن مصرِّف والحسن، أَوْ أَبُو عَبْد الرَّحْمَن- شكّ الفراء-: (ومن قِبَلهُ) ، بكسر القاف «8» . وهي فِي قراءة أبيّ:
(وجاءَ فِرْعَوْنُ ومَن مَعَه) ، وفي قراءة أَبِي مُوسَى الأشعري: «ومن تِلْقَاءه «9» » ، وهما شاهدان لمن كسر القاف لأنهما كقولك: جاء فرعون وأصحابه. ومن قَالَ: ومن قَبْلَهُ: أراد الأمم العاصين قبله.
وقوله: وَالْمُؤْتَفِكاتُ بِالْخاطِئَةِ (9) .
الَّذِينَ ائتفكوا بخطئهم.
وقوله: فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رابِيَةً (10) .
__________
(1) سقط فى ح.
(2) سورة الواقعة: 27.
(3) سورة القارعة: 1، 2.
(4) ساقط فى ح، ش.
(5) فى ا- يكون، تحريف.
(6) فى ب: فيهم
(7) فى ح: قرأ.
(8) وقرأ أيضا أبو عمرو والكسائي: ومن قبله بكسر القاف وفتح الباء (القرطبي 18/ 261) .
(9) انظر المصاحف للسجستانى 104. P والقرطبي 18/ 262.(3/180)
لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ (12)
أخذة زائدة، كما تَقُولُ: أربيتَ إِذَا أخذ أكثر مما أعطاه من الذهب والفضة، فتقول «1» : قَدْ أربيت فَرَبا رِباك.
وقوله: لِنَجْعَلَها لَكُمْ تَذْكِرَةً
(12) لنجعل السفينة لكم تذكرة: عظة.
وقوله: وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ
(12) يَقُولُ: لتحفظها كل أذن لتكون عظة لمن يأتي «2» بعد.
وقوله: وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ فَدُكَّتا (14) ولم يقل: فد ككن لأنه جعل الجبال كالواحد «3» وكما قال: (أن السّموات والأرض كانت «4» رتقا) ولم يقل: كنّ رتقا، ولو قيل فِي ذَلِكَ: وحملت الأرض والجبال فدكَّت لكان صوابًا لأن الجبال والأرض كالشيء الواحد وقوله: دَكَّةً واحِدَةً (14) ودكُّها: زلزلتها.
وقوله: وَانْشَقَّتِ السَّماءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ واهِيَةٌ (16) وَهْيُهَا: تشققها «5» .
وقوله: وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ (17) يُقال: ثمانية أجزاء من تسعة أجزاء من الملائكة.
وقوله: لا يخفى مِنْكُمْ خافِيَةٌ (18) قرأها يَحيى بْن وثاب بالياء، وقرأها النَّاس بعد- بالتاء- (لا تَخْفى) ، وكلٌّ صواب، وهو مثل قوله: «وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ «6» » . وأخذت.
__________
(1) فى ش: فيقول. [.....]
(2) فى ب، ج، ش: من بعد.
(3) فى ح، ش كالواحدة.
(4) سورة الأنبياء الآية 30.
(5) وفى تفسير القرطبي: 18/ 265- واهية أي: ضعيفة، يقال: وهى البناء يهى وهيا فهو واه إذا ضعف جدا، ويقال: كلام واه أي ضعيف.
(6) سورة هود الآية 67.(3/181)
يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ (27)
وقوله: فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ (19) نزلت فِي أَبِي سَلَمة بْن عَبْد الأسد، كَانَ مؤمنًا، وكان أخوه الأسود «1» كافرًا، فنزل فيه:
«وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِشِمالِهِ» (25) وقوله: إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ (20) أي: علمت، وهو من علم مالا يعايَن، وَقَدْ فسِّر ذَلِكَ فِي غير موضع.
وقوله: فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ (21) فيها الرضاء، والعرب [216/ ا] تَقُولُ: هَذَا ليل نائم، وسر كاتم، وماء دافق، فيجعلونه فاعلًا، وهو مفعول فِي الأصل، وذلك: أنهم يريدون وجه المدح أَوِ الذم «2» ، فيقولون ذَلِكَ لا عَلَى بناء الفعل، ولو كَانَ فعلًا مصرحًا لم يُقَلْ ذَلِكَ فِيهِ، لأنَّه لا يجوز أن تَقُولُ للضارب: مضروب، ولا للمضروب «3» : ضارب لأنَّه لا مدح فِيهِ ولا ذم.
وقوله: يَا لَيْتَها كانَتِ الْقاضِيَةَ (27) يَقُولُ: ليت الموتة الأولى التي متها لم أُحيَ بعدها.
وقوله: ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً فَاسْلُكُوهُ (32) ذكر أنها تدخل «4» فِي دبر الكافر، فتخرج من رأسه، فذلك سلكه فيها. والمعنى:
ثم اسلكوا فِيهِ سلسلة، ولكن العرب تَقُولُ: أدخلت رأسي فِي القلنسوة، وأدخلتها فِي رأسي، والخاتَم يُقال: الخاتم لا يدخل فِي يدي، واليد هِيَ التي فِيهِ تدخل «5» من قول الفراء.
قَالَ أَبُو عَبْد اللَّه [مُحَمَّد بْن الجهم «6» ] : والخف مثل ذَلِكَ، فاستجازوا ذَلِكَ لأنَّ معناه لا يُشكل عَلَى أحد، فاستخفوا من ذَلِكَ ما جرى على ألسنتهم.
__________
(1) فى ش: أخوه الأسود أراه ابن عبد الأسد، وهى زيادة لا حاجة إليها. وفى ب، ح: أخوه الأسود ابن عبد الأسد.
(2) فى ش: والذم.
(3) فى (ا) لمضروب، وفى ح، ش للمضرب، تحريف.
(4) فى (ا) يدخل، تحريف.
(5) كذا فى ح، ش.
(6) زيادة فى ح، ش.(3/182)
سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ (1)
وقوله: وَلا طَعامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ (36) يُقال: إنه ما يسيل «1» من صديد أهل النار.
وقوله: وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ (44) يقول: لو أن محمدا صلى الله عليه تقوّل علينا ما لم يؤمر بِهِ لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ، بالقوة والقدرة.
وقوله: فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ (47) .
أحد يكون للجميع «2» وللواحد، وذكر الْأَعْمَش فِي حديث عَن النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: (لم تَحل الغنائم لأحد سُودِ الرءوس إلّا لنبيكم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) ، فجعل: أحدًا فِي موضع جمع. وقَالَ اللَّه جل وعز: «لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ «3» » فهذا جمع لأنّ بين- لا يقع إلّا على اثنين فما زاد.
ومن سورة سأل سائل
قوله: سَأَلَ سائِلٌ (1) .
دعا داعٍ بعذاب واقع، وهو: النضر [بْن الحارث] «4» بْن كَلدةَ، قَالَ: اللهم إن كَانَ ما يَقُولُ مُحَمَّد هُوَ الحق من عندك فأمطرْ علينا حجارة من السماء، أَوِ ائتنا بعذاب أليم، فأُسر يوم بدر، فقتل صبرا هو وعقبة.
وقوله: بِعَذابٍ واقِعٍ (1) .
يريد: للكافرين، والواقع من نعت العذاب. واللام «5» التي فِي الكافرين دخلت للعذاب لا للواقع.
__________
(1) فى ح: ما يسل، تحريف.
(2) فى ش: للجمع.
(3) البقرة الآية: 136. [.....]
(4) زيادة من ب، ح.
(5) فى (ا) وأما اللام.(3/183)
مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ (3)
وقوله: ذِي الْمَعارِجِ (3) .
من صفة اللَّه عزَّ وجلَّ لأن الملائكة تعرُج إلى اللَّه عزَّ وجلَّ، فوصف نفسه بذلك.
وقوله: فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (4) .
يَقُولُ: لو صعد غير الملائكة لصعدوا فِي قدر خمسين ألف سنة، وأمَّا (يَعْرُجُ) ، فالقراء مجتمعون عَلَى التاء، وذكر بعض المشيخة عنْ زهير عن أبى إسحق الهمداني قَالَ: قَرَأَ عَبْد اللَّه «يعرج» بالياء «1» وقَالَ الْأَعْمَش: ما سمعت أحدًا يقرؤها إلا بالتاء. وكلٌّ صواب.
وقوله: إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً (6) .
يريد «2» : البعث، ونراه نَحْنُ قريبًا «3» لأن كلّ ما هو «4» آت: قريب.
وقوله: وَلا يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً (10) .
لا يَسْأَل ذو قرابة عنْ قرابته «5» ، ولكنهم يعرّفونهم [بالبناء للمجهول «6» ] ساعة، ثُمَّ لا تعارف بعد تلك «7» الساعة، وَقَدْ قَرَأَ بعضهم: (ولا يُسْأَلُ حَميمٌ حَمِيمًا «8» ) لا يُقال لحميم «9» : أَيْنَ حميمك؟
ولست أشتهي ذَلِكَ لأنَّه مخالف للتفسير، ولأن القراء «10» مجتمعون على (يسأل) .
وقوله: وَفَصِيلَتِهِ (13) هِيَ أصغر آبائه الَّذِي إِلَيْه ينتمي.
وقوله: ثُمَّ يُنْجِيهِ (14) أي: ينجيه الافتداء من عذاب اللَّه.
قَالَ الله عز وجل: «كَلَّا» أي: لا ينجيه ذَلِكَ، ثُمَّ ابتدأ، فَقَالَ: «إِنَّها لَظى» (15) ولظى:
اسم من أسماء جهنم فلذلك لم يجره.
__________
(1) وهى أيضا قراءة الكسائي (الاتحاف 423) والسلمى (القرطبي 18/ 281) .
(2) فى ب، ح يرون.
(3) فى ش: ونراه قريبا نحن.
(4) سقط فى ش.
(5) فى (ا) قرابة.
(6) زيادة من ا.
(7) فى ش: بعد ذلك
(8) وهى قراءة شيبة والبزي عن عاصم (القرطبي 18/ 285 وأبى جعفر 423) ونصب (حميما) على نزع الحافض (عن) : الإتحاف: 423
(9) فى ش: للحميم
(10) فى (ا) : ولا القراء، سقط(3/184)
وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24)
وقوله: نَزَّاعَةً لِلشَّوى (16) .
مرفوع عَلَى قولك: إنها لظى، إنها نزاعة للشوى، وإن شئت جعلت الهاء عمادًا، فرفعت «1» لظى بنزاعة، ونزّاعة بلظى كما تَقُولُ فِي الكلام: إنّه جاريتك فارهة، وإنها جاريتُك فارهة. والهاء فِي الوجهين عماد. والشَّوَى: اليدان، والرجلان، وجلدة الرأس يُقال لها: شواة، وما كَانَ غير مقتَل فهو شوًى.
وقوله: تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى (17) .
تَقُولُ للكافر: يا كافر إليَّ، يا منافق إليَّ، فتدعو كل واحد «2» باسمه.
وقوله: وَجَمَعَ فَأَوْعى (18) .
بقول: جمع فأوعى، جعله فِي وعاء، فلم يؤد مِنْهُ زكاة، ولم يصل رحمًا.
وقوله: إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً (19) .
والهلوع: الضجور وصفته كما قَالَ اللَّه: «إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً» (20) «وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً» (21) فهذه صفة الهلوع، وَيُقَال مِنْهُ: هِلع يهلَع هلَعًا مثل «3» : جزِع يجزع جزعًا، ثُمَّ قَالَ:
«إِلَّا الْمُصَلِّينَ» (22) فاستثنى المصلين من الْإِنْسَان، لأن الْإِنْسَان فِي مذهب جمع، كما قَالَ اللَّه جل وعز: «إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ، إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا «4» » .
وقوله: حَقٌّ مَعْلُومٌ (24) .
الزكاة وقَالَ بعضهم: لا، بل سوى الزكاة.
وقوله: إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ (30) .
يَقُولُ القائل: هَلْ يجوز فِي الكلام أن تَقُولُ: مررت بالقوم إلَّا بزيد، تريد:
إلَّا أني لم أمرر «5» بزيد؟ قلت: لا يجوز هَذَا، والذي فِي كتاب اللَّه صواب جيد
__________
(1) فى ح: فرفت بإسقاط العين، تحريف
(2) فى ب: أحد [.....]
(3) سقط فى ب.
(4) سورة الإنسان الآيتان 2، 3.
(5) فى (ا) أمر.(3/185)
عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ (37)
لأن أول الكلام «1» فِيهِ كالنهي إذ ذُكِر: «والّذين هم لفروجهم حافظون» (29) يَقُولُ:
فلا يلامون «2» إلّا عَلَى غير أزواجهم، فجرى الكلام عَلَى ملومين التي فِي آخره. ومثله أن تَقُولُ للرجل: اصنع ما شئت إِلا [عَلَى] «3» قتل النفس، فإنك معذب، أَوْ فِي «4» قتل النفس، فمعناه «5» إلا أنك معذب فِي قتل النفس.
وقوله: وَعَنِ الشِّمالِ عِزِينَ [37) .
والعزون: الحلق، الجماعات كانوا «6» يجتمعون حول النَّبِيّ صلى الله عليه فيقولون: لئن دخل هَؤُلَاءِ الجنة- كما يَقُولُ محمد صلى الله عليه- لندخلنها قبلهم، وليكونن لنا فيها أكثر مما لهم، فأنزل اللَّه: «أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ» (38) .
قَرَأَ النَّاس: «أن يُدخَل» لا يسّمى فاعِلُه [217/ ا] وقرأ الْحَسَن: «أَنْ يُدْخَلَ «7» » ، جعل لَهُ الفعل، ثُمَّ بَيَّنَ اللَّه عزَّ وجلَّ فَقَالَ: ولم يحتقرونهم، وَقَدْ خَلَقْناهم جميعًا «مِمَّا يَعْلَمُونَ» من تراب؟.
وقوله: إِلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ (43) . الإيفاض: الإسراع. وقَالَ الشَّاعِر «8» :
لأنْعتنْ نعامةً ميفاضًا ... خَرْجاءَ ظلت تطلبُ الإضاضَا
قَالَ: الخرجاء فِي اللون، فإذا رُقِّعَ القميص الأبيض برقعةٍ حمراء فهو أخرج، تطلب الإضاضا:
أي تطلب موضعًا تدخل فِيهِ، وتلجأ إِلَيْه. قَرَأَ الْأَعْمَش وعاصم: «إلى نَصْبٍ» إلى شيء مَنْصُوب يستبقون إِلَيْه. وقرأ «9» زَيْد بْن ثابت: «إِلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ» «10» فكأن النُّصبَ الآلهة التي كانت تعبد [من دون اللَّه] «11» وكلٌّ صواب، «12» ، وهو واحد، والجمع: أنصاب.
__________
(1) كذا فى ح، ش وفى سواهما (الكتاب) ، وما أثبتناه أوضح.
(2) فى ش: يلومون، تحريف.
(3) التكملة من ب، ح.
(4) فى ب: وفى.
(5) فى ش: ومعناه.
(6) التصحيح من ح، وفى الأصل: ا- كان.
(7) وهى أيضا قراءة طلحة بن مصرف، والأعرج، ورواه المفضل عن عاصم (تفسير القرطبي 18/ 294) .
(8) لم أعثر على قائله. (وفى الطبري 29: 89 تغدو مكان ظلت)
(9) سقط فى ح.
(10) سقط فى ح، ش.
(11) التكملة من ب. [.....]
(12) قراءة: نصب كسقف وسقف أو جمع نصاب ككتاب وكتب هى قراءة ابن عامر وحفص (الإتحاف 424)(3/186)
إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (1)
ومن سورة نوح عليه السلام
قوله عز وجل: أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ (1) .
أي: أرسلناه بالإنذار. (أن) : فِي موضع نصب لأنك أسقطت منها الخافض. ولو كانت إنا أرسلنا نوحًا إلى قومه «1» أنذر قومك- بغير أن لأن الإرسال قول فِي الأصل، وهي، فِي قراءة عَبْد اللَّه كذلك بغير أن.
وقوله: وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى (4) .
مسمّى عندكم تعرفونه لا يميتكم غرقًا ولا حرقًا «2» ولا قتلا، وليس فِي هَذَا حجة لأهل القدر لأنَّه إنَّما «3» أراد مسمّى عندكم، ومثله: (وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ «4» ) عندكم فِي معرفتكم.
وقوله: يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ «5» (4) .
[من قَدْ تكون] «6» لجميع ما وقعت عَلَيْهِ، ولبعضه. فأمَّا البعض فقولك: اشتريت من عبيدك، وأمَّا الجميع فقولك: رَوِيت من مائك، فإذا كانت فِي موضع جمع فكأنّ مِنْ: عنْ كما تَقُولُ: اشتكيت من ماء شربته، [وعن ماء شربته] «7» كأنه فِي الكلام: يغفر لكم عنْ أذنابكم «8» ، ومن أذنابكم.
وقوله: لَيْلًا وَنَهاراً (5) .
أي: دعوتهم بكل جهة سرّا وعلانية.
__________
(1) زاد فى ش ان بين «قومه» و «أنذر» ، والكلام على حذفها، وحذف جواب لو للعلم به.
(2) سقط فى ح.
(3) سقط فى ب.
(4) سورة الروم الآية: 27.
(5) هذا الجزء من الآية قبل (ويؤخركم إلى أجل مسمى) المذكور آنفا.
(6) سقط فى ح، ش.
(7) سقط فى ح.
(8) كذا فى النسخ، ولا يعرف جمع ذنب بمعنى إثم على أذناب.(3/187)
وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا (7)
وقوله: وَأَصَرُّوا (7) .
أي: سكتوا على شركهم، (واستكبروا) (7) عن الإيمان.
وقوله: وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ (12) .
كانت السنون الشدائد قَدْ ألحت عليهم، وذهبت بأموالهم لا نقطاع المطر عَنْهُمْ، وانقطع الولد من نسائهم، فَقَالَ: «وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ» .
وقوله: مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً (13) . أي: لا تخافون لله عظمة.
وقوله: وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْواراً (14) .
نطفةً، ثُمَّ علقةً، ثُمَّ مضغةً، ثُمَّ عظمًا.
وقوله: سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً (15) .
إن شئت نصبت الطباق [217/ ب] عَلَى الفعل أي: خلقهن مطابِقاتٍ، وإن شئت جعلته من نعت السّبع لا عَلَى الفعل، ولو كَانَ سبع سمواتٍ طباقٍ بالخفض كَانَ وجها جيدًا كما تقرأ: «ثِيابُ سُندُسٍ خُضْرٌ «1» » ، و «خضرٌ» .
وقوله: وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً (16) .
ذكر: أن الشمس يضيء ظهرُها لما يليها من السموات، ووجهها يضيء لأهل الأرض. وكذلك القمر، والمعنى: جعلَ الشمس والقمر نورًا فِي السموات والأرض.
وقوله: سُبُلًا فِجاجاً (20) .
طرقا، واحدها: فج، وهى الطرق الواسعة.
[حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ «2» ] حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: حَدَّثَنِي هُشَيْم عَن مُغِيرَة عنْ إِبْرَاهِيم أَنَّهُ قرأ: ماله وولده «3» (21) .
__________
(1) فيكون (خضر) نعتا (لسندس) ، من نعت المفرد بالجمع، وأجيب بأن السندس (اسم جنس) ، وقيل:
جمع سندسة، أما رفع خضر فعلى النعت لثياب. وانظر الإتحاف: 429.
(2) زيادة من ش.
(3) قرأ أهل المدينة والشام وعاصم (وولده) ، بفتح الواو واللام، والباقون بضم الواو وسكون اللام، وهى لغة فى الولد. تفسير القرطبي: 18: 306.(3/188)
وقوله: وَمَكَرُوا مَكْراً كُبَّاراً (22) .
الكُبَّار: الكبير، والعرب تَقُولُ كُبَار «1» .
ويقولون: رَجُل حُسَّان جُمَّال بالتشديد. وحُسَان جُمَال بالتخفيف فِي كثير من أشباهه.
وقوله: وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُواعاً (23) .
هَذِهِ آلهة كَانَ إبليس جعلها لهم. وَقَدِ اختلف القراء فِي وَدَّ، فقرأ أهل المدينة: (وُدًّا) بالضم، وقرأ الْأَعْمَش وعاصم «2» : (وَدًّا) بالفتح.
ولم يجروا: (يغوث، ويعوق) لان فيها ياء زائدة. وما كَانَ من الأسماء معرفة فِيهِ ياء أَوْ تاء أَوْ ألف فلا يُجرى. من ذَلِكَ: يَمِلك، ويزيد، ويعَمر، وتغلب، وأحمد. هَذِهِ لا تُجرى لما زاد فيها. ولو أجريت لكثرة التسمية كَانَ صوابًا، ولو أجريت أيضًا كأنه يُنْوى بِهِ النكرةُ كَانَ أيضًا صوابًا.
وهي فِي قراءة عَبْد اللَّه: «وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا ويَغوثًا ويَعَوقًا ونَسْرًا» بالألف، «وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيراً» يَقُولُ: هَذِهِ الأصنام قَدْ ضل بها قوم كَثِير. ولو قيل: وَقَدْ أضلّت كثيرًا، أَوْ أضللن «3» : كان صوابا.
وقوله: مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ (25) .
العرب تجعل (ما) صلة فيما ينوي بِهِ مذهب الجزاء، كأنك قلت: مِن «4» خطيئاتهم ما أغرقوا.
وكذلك رأيتُها فِي مصحف عَبْد اللَّه، فتأخرها دليل عَلَى مذهب الجزاء، ومثلها فِي مصحف عَبْد اللَّه:
«أيَّ الأجلينَ مَا قضَيْت فَلَا عُدْوَانَ عَلَيّ «5» » ألا ترى أنك تَقُولُ: حيثما تكن أكن، ومهما تقل أقلْ. ومن ذلك: (أيّا ما تدعو فله الأسماء الحسنى «6» ) وصل الجزاء بما، فإذا كَانَ استفهامًا لمْ
__________
(1) فى اللسان عن ابن سيده: أن الكبار والكبار كلاهما المفرط فى الكبر، نقيض الصغر.
(2) فى ش: عاصم والأعمش. [.....]
(3) فى ب: وأضللن، وفى ش: أو أضللت، تحريف.
(4) فى ش: مما، تحريف.
(5) سورة القصص الآية: 28.
(6) سورة الاسراء الآية 110.(3/189)
قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا (1)
يصلوه بما يقولون: كيف تصنع؟ وأين تذهب؟ إِذَا كَانَ استفهامًا لم يوصل «1» بما، وإذا كَانَ جزاء وُصِل وتُرِك الوصل.
وقوله: دَيَّاراً (26) .
وهو من دُرت، ولكنه فيْعال من الدوران، كما قَرَأَ عُمَر بْن الخطاب «اللَّهُ لَا إلهَ إلَّا هُوَ الحَيُّ القَيّامُ «2» » ، وهو من قمت.
وقوله: إِلَّا تَباراً (28) : ضلالا.
ومن سورة الجن
قوله: عز وجل: قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ (1) .
القراء مجتمعون [218/ ا] على (أوحى) وقرأها جوّية الأسدى «3» : (قل أوحى إلىّ) من وحيت، فهمز الواو لأنها انضمت كما قَالَ: (وَإِذَا الرُّسُلُ أقّتت «4» ) .
وقوله: اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ (1) .
ذكر: أن الشياطين لما رُجمت وحُرِست منها السماء قَالَ إبليس: هَذَا نبيٌّ قَدْ حدث، فبث جنوده فِي الآفاق، وبعث تسعة منهم من اليمن إلى مكَّة، فأتوا النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو ببطن نخلة «5» قائمًا يصلي ويتلو القرآن، فأعجبهم ورقّوا لَهُ، وأسلموا، فكان من قولهم ما قَدْ قصّة الله فى هذه السورة.
__________
(1) فى ح: لم تصل بما.
(2) سورة البقرة الآية: 255.
(3) فى ح، ش: جوية بن عبد الواحد الأسدى إن شاء الله.
(4) سورة المرسلات الآية: 11.
(5) بطن نخلة: فى معجم البلدان (1: 449) : بطن نخل، جمع نخلة: قرية قريبة من المدينة على طريق البصرة.(3/190)
وَقَدِ اجتمع القراء عَلَى كسر «إنا» فِي قوله: «فَقالُوا إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً» ، واختلفوا فيما بعد ذَلِكَ، فقرءوا: وإنّا، وأَنَّا «1» إلى آخر السُّورة، وكسروا بعضًا، وفتحوا بعضًا.
[حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ «2» : حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ] : حدثنا الفراء قال: فحدثنى الْحَسَن بن عيَّاش أخو أبي بَكْر بْن عياش، وقيس عَنِ الْأَعْمَش عنْ إِبْرَاهِيم عنْ علقمة بْن قيس أَنَّهُ قَرَأَ ما فِي الجنِّ، والنجم:
(وأنا) ، بالفتح «3» . قَالَ الفراء: وكان يَحيى وإبراهيم وأصحاب عَبْد اللَّه كذلك يقرءون. وفتح نافع الْمَدَنِيّ، وكسر الْحَسَن ومجاهد، وأكثر أهل المدينة إلا أنهم نصبوا: «وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ» (18) [حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ «4» :] حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: وَحَدَّثَنِي حِبَّانُ عَنِ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أُوحِيَ إِلَى النَّبِيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعْدَ اقْتِصَاصِ أَمْرِ الجن: «وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا» (18) .
وكان [عاصم بكسر ما كَانَ] «5» من قول الجن، ويفتح ما كَانَ من الوحي. فأمَّا الَّذِينَ فتحوا كلها فإنهم ردّوا «أن» فى كل السورة على قوله: فآمنا به، وآمنا بكل ذَلِكَ، ففتحت «أن» لوقوع الْإِيمَان عليها، وأنت مَعَ ذَلِكَ تجد الْإِيمَان يحسن فِي بعض ما فتح، ويقبح فِي بعض، ولا يمنعك «6» ذَلِكَ من إمضائهن عَلَى الفتح، فإن الذي يقبح من ظهور الْإِيمَان قَدْ يحسن فِيهِ فعلٌ مضارعٌ للإيمان يوجب فتح أنَّ كما قَالَتِ العرب.
إِذَا ما الغانيات بَرَزْنَ يَوْمًا ... وزَجَجن الحَواجبَ والعُيونا «7»
فنصب العيون باتباعها «8» الحواجب، وهي لا تزجج إنما تكحّل، فأضمر لها الكحل،
__________
(1) جاء فى الإتحاف: 425: واختلف فى همز «وَأَنَّهُ تَعالى» وما بعده إلى قوله سبحانه «وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ» وجملته اثنا عشر فابن عامر وحفص وحمزة والكسائي وخلف بفتح الهمزة فيهن عطفا على مرفوع أوحى ... وقرأ أبو جعفر بالفتح فى ثلاثة منها، وهى: «وأنه تعالى، وأنه كان يقول، وأنه كان رجال» جمعا بين اللغتين. وافقهم الحسن والأعمش والباقون بالكسر فيها كلها عطفا على قوله: (إِنَّا سَمِعْنا) .
(2) زيادة فى ش.
(3) ما فى النجم (وأن) ، الآيات 39 وما بعدها.
(4) زيادة فى ب.
(5) سقط فى ح. [.....]
(6) فى ح، ش: فلا تمنعك تحريف
(7) سبق تخريج البيت انظر ص 136 من هذا الجزء.
(8) فى ش: باتباعنا.(3/191)
وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا (3)
وكذلك يضمر «1» فِي الموضع الَّذِي لا يحسن فِيهِ آمنَّا، ويحسن: صدقنا، وألهمنا، وشهدنا، ويقوّى النصب قوله: «وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ» (16) فينبغي لمن كسر أن يحذف (أنْ) من (لو) لأنّ (أنْ) إِذَا خففت لم تكن فِي حكايةٍ، ألا ترى أنك تَقُولُ: أقول لو فعلتَ لفعلتُ، ولا تدخِل «2» (أنْ) .
وأمَّا الَّذِينَ كسروا كلها فهم فِي ذَلِكَ يقولون: «وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا» فكأنهم أضمروا يمينًا مَعَ لو، وَقطعوها عَنِ النسق عَلَى أول الكلام «3» ، فقالوا: والله إن لو استقاموا. وَالعرب تدخل أن فِي هَذَا الموضع مَعَ اليمين وتحذفها، قَالَ الشَّاعِر:
فأقسمُ لو شَيْء أتانا رَسولُه ... سواكَ، ولكن لم نجد لَكَ مدفَعا «4»
وأنشدني آخر:
أمَا واللهِ أنْ لو كنتَ حُرًّا ... وما بِالحرِّ أنتَ ولا العتيقِ»
ومن كسر كلها ونصب: «وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ» خصَّه بالوحي، وجعل: وأنْ لو مضمرة فيها [اليمين عَلَى ما وصفت لَكَ «6» .
«7» وقوله تبارك وتعالى: وَأَنَّهُ تَعالى جَدُّ رَبِّنا (3) .
[حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ «8» :] حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو إسرائيل عَنِ الحكم عنْ مجاهد فى قوله: «وَأَنَّهُ تَعالى جَدُّ رَبِّنا» قَالَ: جلال ربنا.
وقوله جل وعز: وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِباً (5) .
__________
(1) سقط فى ش.
(2) فى ش: تدخلن.
(3) فى ش: الكتاب.
(4) لم أعثر على قائله.
(5) استشهد به فى المغني على زيادة (أن) : 1: 30 وورد فى تفسير القرطبي (19/ 17) ولم ينسب إلى قائله فى الموضعين.
(6) سقط فى ا.
(7) يبدأ من هنا النقل من النسخة ب، لأنه ليس فى (ا)
(8) زيادة فى ش.(3/192)
وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا (9)
الظن هاهنا: شك.
وقوله تبارك وتعالى: وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعْجِزَ «1» اللَّهَ فِي الْأَرْضِ (12) .
عَلَى اليقين علمنا.
وَقَدْ قَرَأَ بعض القراء: «أَنْ لَنْ تَقُولَ «2» الْإِنْسُ وَالْجِنُّ» ولست أسميه.
وقوله عزَّ وجلَّ: فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ (9) . إذ بعث محمد صلى الله عليه يجد لَهُ شهابًا رصدًا قَدْ أرصد بِهِ لَهُ ليرجمه.
وقوله عزَّ وجلَّ: وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ (10) .
هَذَا من قول كفرةِ الجن قَالُوا: ما ندري ألخير يراد بهم «3» فُعِلَ هَذَا أم لشر؟ يعني: رجم الشياطين بالكواكب.
وقوله عزَّ وجل: كُنَّا طَرائِقَ قِدَداً (11) .
كُنَّا فرقا مختلفةً أهواؤنا، والطريقة طريقة «4» الرجُل، ويقال أيضا [109/ ا] للقوم هُمْ طريقة قومهم إِذَا كانوا رؤساءهم، والواحد أيضًا: طريقة قومه، وكذلك يُقال للواحد: هَذَا نظورةُ قومه للذين ينظرون إِلَيْه «5» منهم، وبعض العرب يَقُولُ: نظيرة قومه، ويجمعان جميعًا: نظائر.
وقوله عزَّ وجلَّ: فَلا يَخافُ بَخْساً (13) لا يُنْقَص من ثواب عمله وَلا رَهَقاً (13) .
ولا ظلما.
وقوله عز وجل: وَمِنَّا الْقاسِطُونَ (14) وهم: الجائرون الكفار، والمقسطون: العادلون المسلمون وقوله عزَّ وجلَّ: فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً (14) يَقُولُ: أمّوا الهدى واتبعوه.
وقوله عزَّ وجلَّ: وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ (16) : على طريقة الكفر «6» «لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً»
__________
(1) سقط فى ش.
(2) هى قراءة الحسن والجحدري ويعقوب وابن أبى بكرة بخلاف المحتسب 2/ 333 وانظر البحر المحيط 8/ 348.
(3) فى ش: يريد. [.....]
(4) سقط فى ح.
(5) فى ش: ينظر، تحريف.
(6) أي: لو كفر من أسلم من الناس، لأسقيناهم إملاء لهم واستدراجا، واستعارة الاستقامة للكفر قلقة لا تناسب (البحر المحيط 8/ 352) .(3/193)
يكون زيادة فِي أموالهم ومواشيهم، ومثلها قوله: «وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ «1» » يَقُولُ: نفعل ذَلِكَ بهم ليكون فتنة عليهم فِي الدنيا، وزيادة فِي عذاب الآخرة.
وقوله عزَّ وجلَّ: وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذاباً صَعَداً (17) .
نزّلت «2» فِي وليد بْن المغيرة المخزومي، وذكروا أن الصَّعَدَ: صخرة ملساء فِي جهنم يكلَّف صعودها، فإذا انتهى إلى أعلاها حَدَر إلى جهنم، فكان ذلك دأبه، ومثلها فى سورة المدثر:
(سأرهقه صعودا) «3» :
وقوله عزَّ وجلَّ: وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا (18) فلا تشركوا فيها صنما ولا شيئا مما يعبد، وَيُقَال: هَذِهِ المساجد، وَيُقَال: وَأَنَّ المساجد لله. يريد:
مساجدَ الرجلِ: ما يسجد عَلَيْهِ من: جبهته، ويديه، وركبتيه، وصدور قدميه.
وقوله عزَّ وجلَّ: وَأَنَّهُ لَمَّا قامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ (19) يريد: النبي صلى الله عليه ليلة أتاه الجن ببطن نخلة. «كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ [109/ ب] لِبَداً» (19) كادوا يركبون النبي صلّى الله عليه رغبةً فِي القرآن، وشهوة لَهُ.
وقرأ بعضهم «4» : «لِبَداً «5» » والمعنى فيهما- والله أعلم- واحد، يُقال: لُبدَةٌ، ولِبدة.
ومن قَرَأَ: «لِبَداً» «6» فإنه أراد أن يجعلها من صفة الرجال، كقولك: رُكّعًا، وركوعا [، وسجّدا، وسجودا] «7» .
__________
(1) سورة الزخرف الآية: 33.
(2) فى ح، ش: أنزلت.
(3) الآية 17.
(4) فى ش: بعض القراء.
(5) قرأ مجاهد، وابن محيصن، وابن عامر بخلاف عنه بضم اللام جمع: لبدة، وعن ابن محيصن أيضا تسكين الباء وضم اللام: لبدا.
وقرأ الحسن، والجحدري، وأبو حيوة، وجماعة عن أبى عمرو بضمتين جمع: لبد كرهن ورهن، أو جمع لبود كصبور (البحر المحيط 8/ 353) .
(6) هى قراءة الحسن، والجحدري بخلاف عنهما (البحر المحيط 8/ 353) .
(7) سقط فى ح، ش.(3/194)
إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا (27)
وقوله عز وجل: قال إنّما ادعوا ربّى (20) قرأ الأعمش وعاصم «1» : «قُلْ إِنَّما أَدْعُوا رَبِّي» وقرأ عامة أهل المدينة كذلك، وبعضهم:
(قَالَ) ، وبعضهم: (قل) .
[حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ «2» :] حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، عَنْ عَلِيٍّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ- رَحِمَهُ اللَّهُ- أَنَّهُ قَرَأَهَا:
(قَالَ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي) .
اجتمع القراء على: لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا (1) بنصب الضاد، ولم يرفع أحد منهم.
وقوله عزَّ وجلَّ: وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً (22) ملجأ ولا سربًا الجأ إِلَيْه.
وقوله عزَّ وجل: إِلَّا بَلاغاً مِنَ اللَّهِ وَرِسالاتِهِ (23) يكون استثناء من قوله: «لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَداً إلا أن أُبَلِّغُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ» .
وفيها وجه آخر: قل إني لن يجيرنى من اللَّه أحد إنْ لم أبلغْ رسالته، فيكون نصب «3» البلاغ من إضمار فعل من الجزاءِ كقولك للرجل: إلا قيامًا فقعودًا، وإلا عطاء فردًا جميلًا [أي ألا تفعل إلا عطاء فردًا جميلًا] «4» فتكون لا منفصلة من إن- وهو وجه حسن، والعرب تَقُولُ: إن لا مال اليوم فلا مال أبدًا- يجعلون «5» (لا) عَلَى وجه التبرئة، ويرفعون أيضًا عَلَى ذَلِكَ المعنى، ومن نصب بالنون فعلى إضمار فعل، أنشدني بعض العرب:
فإن لا مَال أعطيه فإني ... صديق من غُدو أَوْ رَواح «6»
وقوله عزَّ وجلَّ: إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ (27) فإنه يطلعه على [110/ ا] غيبه.
__________
(1) وهى أيضا قراءة حمزة وأبى عمرو بخلاف عنه (البحر المحيط 8/ 353) .
(2) زيادة فى ش.
(3) كذا فى ش، وفى غيرها: فتكون بنصب، تحريف.
(4) سقط فى ح، ش. [.....]
(5) فى ش تجعلون، تصحيف.
(6) لم أعثر على قائله.(3/195)
قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2)
وقوله عزَّ وجلَّ: يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً (27) ذكروا أن جبريل- صلى الله عليه- كَانَ إِذَا نزل بالرسالة إلى النَّبِيّ صَلَّى الله عليه نزلت معه ملائكة من كل سماء يحفظونه من استماع الجن الوحيَ ليسترقوه، فيلقوه إلى كهنتهم، فيسبقوا بِهِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ، فذلك الرَّصَد من بين يديه ومن خلفه، ثم قال جل وعز: «لِيَعْلَمَ» (28) يعنى محمدا صلّى الله عليه «أن قد أبلغوا رسالات ربّهم» (28) يعني جبريل صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقَالَ بعضهم: هو محمد صلّى الله عليه، أي: يعلم مُحَمَّد أَنَّهُ قَدْ «1» أبلغ رسالة ربه.
وَقَدْ قَرَأَ بعضهم «2» : «لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا» يريد: لتعلم الجنّ والإنس أن الرسلَ قَدْ أبلغت لا هُمْ بما رجوا «3» من استراق السمع.
ومن سورة المُزَّمّل «4»
اجتمع القراء عَلَى تشديد: المُزَّمِّل، والمُدَّثِّر، والمزمّل: الَّذِي قَدْ تزمّل بثيابه، وتهيأ للصلاة، وهو رسول الله صلّى الله عليه.
وقوله عزَّ وجلَّ: قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) .
يريد: الثلث الآخِر، ثُمَّ قَالَ: «نِصْفَهُ» (3) .
والمعنى: أَوْ نصفه، ثُمَّ رخص لَهُ فَقَالَ: «أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا» (3) من النصف إلى الثلث أَوْ زد «5» عَلَى النصف إلى الثلثين، وكان هذا قبل أن تفرض «6» الصلوات الخمس، فلما فرضت الصلاة «7» نسخَتْ هَذَا، كما نَسَخَتِ الزكاةُ كلَّ صدقة، وشهر رمضان كلَّ صوم.
وقوله عزَّ وجلَّ: وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا (4) .
__________
(1) فى ح: أي لمحمد أنه قد.
(2) هى قراءة ابن عباس، وزيد بن على (البحر المحيط 8/ 357) .
(3) فى ح: رجعو، تحريف.
(4) سورة المزمل بأكملها ليست فى النسخة (ا) ، وهى منقولة من النسخة ب.
(5) فى ش: أو زد عليه.
(6) فى ب: يفرض.
(7) فى ش: الصلوات.(3/196)
يَقُولُ: اقرأه عَلَى هِينتك ترسلا.
وقوله عزَّ وجل: سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا (5) .
أي: ليس بالخفيف ولا السَّفْساف لأنَّه كلام ربنا تبارك وتعالى.
وقوله عزَّ وجلَّ. إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً «1» (6) .
يقول: هى أثبت قياما. «وأقوم [110/ ب] قيلا» (6) يَقُولُ: إن النهار يضطرب فِيهِ النَّاس، ويتقلبون فِيهِ للمعاش، والليل أخلى للقلب، فجعله أقوم قيلا.
وقَالَ بعضهم. إن ناشئة الليل هِيَ أشد عَلَى المصلي من صلاة النهار لان الليل للنوم، فَقَالَ:
هِيَ، وإن كانت أشد وطئًا فهي أقوم قيلا، وَقَدِ اجتمع القراء عَلَى نصب الواو من وطئًا [وقرا بعضهم: «هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً» قَالَ] «2» : قَالَ الفراء: أكتب وطئًا بلا ألف «3» [وقرأ بعضهم: هِيَ أشد وِطَاء] «4» فكسر الواو ومده يريد: اشد «5» علاجًا ومعالجة ومواطأة. وأمّا الوطء فلا وِطء لم نروه عنْ أحد من القراء.
وقوله عزَّ وجلَّ: إِنَّ لَكَ فِي النَّهارِ سَبْحاً طَوِيلًا (7) .
يَقُولُ: لَكَ فِي النهار ما يقضي حوائجك. وَقَدْ قَرَأَ بعضهم «6» : «سبخا» بالخاء، والتسبيخ: توسعة «7» الصوف والقطن وما أشبهه، يُقال: سبِّخي قطنك. قَالَ أَبُو الفضل «8» : سمعت أبا عَبْد اللَّه يقول «9» : حضر أبو زياد الكلابي مجلس الفراء فى هذا اليوم، فسأله الفراء عنْ هَذَا الحرف فَقَالَ:
أهل باديتنا يقولون: اللهم سبّخ عنه للمريض والملسوع ونحوه.
__________
(1) فى ش: وطاء، وسيأتى أنها قراءة، فلا محل لها هنا.
(2) ساقط من ش، و (وطئا) بكسر الواو وسكون الطاء وقصر الهمزة قراءة قتادة وشبل عن أهل مكة، كما فى البحر: 8/ 363.
(3) بلا ألف، أي: قبل الهمزة للفرق بينها وبين القراءة التي تليها.
(4) هى قراءة أبى عمرو وابن عامر. انظر البحر المحيط: 8/ 363.
(5) ساقط فى ح. [.....]
(6) يعنى ابن يعمر وعكرمة وابن أبى عبلة، كما فى البحر: 8/ 363.
(7) توسعة الصوف: تنفيشه.
(8) فى ح، ش: أبو العباس.
(9) سقط (يقول) فى ح، ش.(3/197)
يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَهِيلًا (14)
وقوله عز وجل: وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا (8) .
أخْلِص لله «1» إخلاصًا، وَيُقَال للعابد إِذَا ترك كل شيء، وأقبل عَلَى العبادة: قَدْ تبتل، أي:
قطع كل شيء إلا أمر اللَّه وطاعته.
وقوله عز وجل: رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ (9) .
خفضها عاصم والْأَعْمَش، ورفعها أهل الحجاز، والرفع يحسن إِذَا انفصلت الآية من الآية، ومثله: «وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخالِقِينَ، اللَّهَ رَبَّكُمْ» «2» [111/ ا] فِي هذين الموضعين «3»
يحسن الاستئناف والاتباع.
وقوله عز وجل: فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا (9) .
كفيلا بما وعدك. وَكانَتِ الْجِبالُ كَثِيباً مَهِيلًا (14) .
والكثيب: الرمل، والمهيل: الَّذِي تحرك «4» أسفله فينهال عليك من أعلاه، والمهيل: المفعول، والعرب تَقُولُ: مهيل ومهيول، ومكيد ومكيود «5» ، قَالَ الشَّاعِر «6» :
وناهزُوا البيعَ من تِرْعِيَّةٍ رَهِقٍ ... مُستَأْرَبٍ، عَضَّه السُّلطانُ مَديُونُ
قَالَ، قَالَ الفراء: المستأرَب الَّذِي قَدْ أُخذ بآرابه، وَقَدْ أُرِّب.
وقوله عزَّ وجلَّ: فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْماً (17) .
معناه: فكيف تتقون يوما يجعل «7» الولدان شيبا إن كفرتم، وكذلك هِيَ فِي قراءة عبد الله سواء.
__________
(1) فى ح، ش إليه.
(2) الآيتان 125، 126 من سورة الصافات قرأ، (الله) بالنصب حفص وحمزة والكسائي وقرأ الباقون بالرفع، كما فى الإتحاف:
(3) فى ح، ش: فى مثل هذا الموضع.
(4) كذا فى ش، وفى ب، ح: يحرك، وما أثبتناه أنسب.
(5) فى ح، ش: مكيل ومكيول.
(6) البيت فى اللسان (أرب) : وفيه بعد تفسير المستأرب: وفى نسخة: مستأرب بكسر الراء قال: هكذا أنشده محمد بن أحمد المفجع. أي أخذه الدين من كل ناحية. والمناهزة فى البيع: انتهاز الفرصة. وناهزوا البيع:
أي بادروه. والرهق: الذي به خفة وحدة. وقيل: الرهق: السفه وهو بمعنى السفيه. وعضه السلطان: أي أرهقه وأعجله وضيق عليه الأمر. والترعية: الذي يجيد رعى الإبل ...
(7) فى ب: تجعل، تصحيف.(3/198)
وقوله «1» عز وجل: السَّماءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ (18) .
بذلك اليوم، والسماء تذكر وتؤنث، فهى هاهنا فِي وجه التذكير، قَالَ الشَّاعِر:
فلو رَفع السماء إِلَيْه قومًا ... لحقنا بالنجومِ مَعَ السحابِ «2»
وقوله عز وجل: فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلًا (19) .
طريقا ووجهة إلى اللَّه.
وقوله عزَّ وجلَّ: إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ (20) .
قرأها عاصم والْأَعْمَش بالنصب، وقرأها أهل المدينة والحسن البصري بالخفض، فمر خفض أراد:
تقوم [أقل من الثلثين] «3» . وأقل من النصف. ومن الثلث. ومن نصب أراد: تقوم أدنى من الثلثين، فيقوم «4» النصف أَوِ الثلث «5» ، وهو أشبه بالصواب، لأنَّه قَالَ: أقل من الثلثين، ثُمَّ ذكر تفسير القلة لا تفسير أقل من القلة. ألا ترى أنك تقول للرجل: لى عليك أقل من ألف درهم ثمانى مائة أَوْ تسع مائة، كأنه أوجه فِي المعنى من أن تفسر «6» - قلة- أخرى [111/ ب] وكلّ صواب.
وَطائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ (20) كان النبي صلّى الله عليه، وطائفة من المسلمين يقومون الليل قبل أن تفرض الصلاة، فشق «7» ذَلِكَ عليهم، فنزلت الرخصة. وَقَدْ يجوز أن يخفض النصف، وينصب الثلث لتأويل «8» قوم: أنّ صلاة النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عليه انتهت إلى ثلث الليل، فقالوا: «9»
__________
(1) كذا فى ش: وفى ب، ح، فقوله، وما أثبتناه هو المعتاد فى مثل هذا الموطن.
(2) فى تفسير القرطبي 19/ 51:
قال أبو عمرو بن العلاء: لم يقل: منفطرة لأن مجازها السقف، نقول: هذا سماء البيت، ثم أورد البيت، ولم ينسبه وفيه: لحقنا بالسماء وبالسحاب ورواية البيت فى (البحر المحيط 8/ 365) .
فلو رفع السماء إليه قوم ... لحقنا بالسماء وبالسحاب
(3) سقط فى ح. [.....]
(4) فى ش فتقوم.
(5) فى ش: النصف والثلث، والأشبه (أو) .
(6) فى ش: يفسر.
(7) فى ح: فيشق.
(8) فى ش: لتأول.
(9) فى ش: فقال، وهو تحريف.(3/199)
يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1)
إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ الثلثين، ومن النصف، ولا تنقص من الثلث، وهو وجه شاذ لم يقرأ بِهِ أحد. وأهل القراءة الذين يُتَّبعون أعلم بالتأويل من المحدثين. وَقَدْ يجوز، وهو عندي:
يريد: الثلث.
وقوله عزَّ وجلَّ: عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ (20) .
أن لن تحفظوا مواقيت الليل «فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ» (20) . المائة فما زاد. وَقَدْ ذكروا «1» : أَنَّهُ من قَرَأَ عشر آيات لم يكتب من الغافلين، وكل شيء أحياه «2» المصلي من الليل فهو «3» ناشئة.
وقوله عز وجل: وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ (20) يعنى: المفروضة.
ومن سورة المدّثّر
قوله تبارك وتعالى: يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) .
يعني: المتدثر بثيابه لينامَ.
وقوله عزَّ وجل: قُمْ فَأَنْذِرْ (2) .
يريد: قم فصلّ، ومرْ بالصلاة.
وقوله تبارك وتعالى: وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ (4) .
يَقُولُ: لا تكن غادرا فتدنس ثيابك، فإن الغادر دنِس الثياب، وَيُقَال: وثيابك فطهر، وعملك فأصلح. وقَالَ بعضهم: وثيابك فطهر: قصر «4» ، فإن تقصير الثياب طُهْرة «5» .
فقوله عزَّ وجلَّ: وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (5) .
كسره «6» عاصم والْأَعْمَش والحسن، ورفعه السلمي ومجاهد وأهل المدينة فقرءوا: «وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ»
__________
(1) فى ش: ذكر.
(2) فى ش: أحصاه.
(3) فى ح: فهى، تحريف.
(4) فى ش: فقصر
(5) الطهرة: اسم من التطهير وفى ح، ش طهر
(6) كسره: يريد راء الرجز، والرفع أيضا وهى قراءة حفص وأبى جعفر ويعقوب، وافقهم ابن محيصن والحسن. (الإتحاف 427) .(3/200)
فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ (8)
وفسر مجاهد: والرجز: الأوثان، وفسره الكلبي: الرجز: العذاب، ونرى أنهما لغتان، وأن المعنى فيهما [112/ ا] واحد.
وقوله عزَّ وجلَّ: وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ (6) .
يَقُولُ: لا تُعط فِي الدنيا شيئًا لتصيب أكثر مِنْهُ، وهي فِي قراءة عَبْد اللَّه: «وَلا تَمْنُنْ أَنْ تَسْتَكْثِرَ» فهذا شاهد عَلَى الرفع فى «تَسْتَكْثِرُ» ولو جزمه جازم على هذا المعنى كان صوابًا «1» ، والرفع وجه القراءة والعمل.
وقوله عزَّ وجل: فَإِذا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ (8) .
يُقال: إنها أول النفختين.
وقوله عزَّ وجلَّ: ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً (11) .
[الوحيد «2» ] فِيهِ وجهان، قَالَ بعضهم: ذرني ومن خلقته وحدي، وقَالَ آخرون: خلقته وحده لا مال له ولا بنين، وهو أجمع الوجهين.
وقوله تبارك وتعالى: وَجَعَلْتُ لَهُ مالًا مَمْدُوداً (12) :
قال الكلبي: العروض والذهب والفضة، [حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ:»
] حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: وَحَدَّثَنِي قيس عنْ إِبْرَاهِيم بْن المهاجر عنْ مجاهد فِي قوله: (وَجَعَلْتُ لَهُ مَالا مَمْدُوداً) ، قَالَ: ألف دينار، ونرى أن الممدود جُعل غاية للعدد لأن الألف غايةُ العدد، يرجع فِي أول العدد من الألف. ومثله قول العرب: لَكَ عَلَى ألف أقدع، أي: غاية العدد.
وقوله: وَبَنِينَ شُهُوداً (13) كَانَ لَهُ عشرة بنين لا يغيبون عنْ عينيه «4» فِي تجارة ولا عمل، والوحيد: الوليد بْن المغيرة المخزومي.
وقوله: إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (18) .
__________
(1) الجزم قراءة الحسن. المحتسب: 2: 237.
(2) التكملة من ح، ش. [.....]
(3) الزيادة من ش.
(4) فى ب: عينه.(3/201)
ثُمَّ نَظَرَ (21)
فذكروا أَنَّهُ جمع رؤساء أهل مكَّة فَقَالَ: إن الموسم قددنا، وَقَدْ فشا أمر هَذَا الرجل فِي النَّاس، ما أنتم قائلون فِيهِ للناس؟ قَالُوا: نقول: مجنون. قَالَ: إذًا يؤتي فيكلّم، فيُرى عاقلًا صحيحًا، فيكذبوكم، قَالُوا: نقول: شاعر. قَالَ: فهم عرب قَدْ رووا الأشعار وعرفوها، وكلام مُحَمَّد لا يُشْبِهُ الشِّعرَ، قَالُوا: نقول: كاهن، قَالَ: فقد عرفوا الكهنة [112/ ب] ، وسألوهم، وهم لا يقولون:
يكون كذا وكذا إن شاء اللَّه، ومحمد لا يَقُولُ لكم شيئًا إلا قَالَ: إن شاء اللَّه، ثُمَّ قام، فقالوا:
صبأ الوليد. يريدون أسلم الوليد. فَقَالَ ابْنُ أخيه أَبُو جهل: أَنَا أكفيكم أمره، فأتاه فَقَالَ: إن قريشًا تزعم أنك قَدْ صبوت «1» وهم يريدون: أن يجمعوا لَكَ مالًا يكفيك مما تريد أن تأكل من فضول أصحاب محمد- صلّى الله عليه- فَقَالَ: ويحك! والله ما يَشبعون، فكيف ألتمس فضولهم مَعَ أني أكثر قريش مالًا؟ ولكني فكرت فِي أمر مُحَمَّد «2» - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ-، وماذا نَرُد عَلَى العرب إِذَا سألتنا، فقد عزمْت عَلَى أن أقول: ساحر. فهذا تفسير قوله: «إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ» القول فى محمد صلّى الله عليه.
وقوله: فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (19) .
قتل «3» أي: لُعن، وكذلك: «قاتَلَهُمُ اللَّهُ «4» » و «قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ «5» » ، ذكِر أنهن اللعن.
وقوله: ثُمَّ نَظَرَ (21) ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ (22) .
ذكروا: أَنَّهُ مرَّ عَلَى طائفة من المسلمين فِي المسجد الحرام، فقالوا: هَلْ لَكَ إلى الْإِسْلَام يا أبا المغيرة؟ فَقَالَ: ما صاحبكم إلا ساحر، وما قوله إلَّا السحر تعلَّمه من مسيلمة الكذاب، ومن سحرة بابل، ثُمَّ قَالَ «6» : ولَّى عَنْهُمْ مستكبرًا قَدْ عبَس وجهه وبسر: كلح مستكبرا عن «7»
__________
(1) كذا فى النسخ، كأنه ملت وفتنت.
(2) فى ح، ش: فى محمد.
(3) التكملة من ح، ش.
(4) سورة التوبة الآية: 30.
(5) سورة عبس الآية: 17.
(6) فى ب: قال ثم.
(7) فى ش: على.(3/202)
سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (26)
الْإِيمَان، فذلك قوله: إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ (24) يأثره «1» عنْ «2» أهل بابل.
قَالَ اللَّه جل وعز: سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (26) .
وهي اسم من أسماء جهنم، فلذلك لم يجز، وكذلك «لَظى» .
وقوله: لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ (29) .
مردود عَلَى سقر بنية التكرير، كما قَالَ: «ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ [113/ ا] فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ «3» » وكما قَالَ فِي قراءة عَبْد اللَّه: «وَهذا بَعْلِي شَيْخاً «4» » ولو كَانَ «لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ» كَانَ صوابًا.
كما قَالَ: «إِنَّها لَإِحْدَى الْكُبَرِ (35) نَذِيراً لِلْبَشَرِ» (36) . وفي قراءة أَبِي: «نذِيرٌ لِلْبشَر» وكل صواب.
وقوله: لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ (29) .
تسوِّد البشرة بإحراقها.
وقوله: عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ (30) .
فإن العرب تنصب ما بين أحد عشر إلى تسعة عشر فِي الخفض والرفع، ومنهم من يخفف العين فِي تسعة عشر، فيجزم العين فِي الذُّكران، ولا يخففها فِي: ثلاث عشرة إلى تسع عشرة «5» لأنهم إنَّما خفضوا فِي المذكر لكثرة الحركات. فأما المؤنث، فإن الشين من عشْرة ساكنة، فلم يخففوا العين منها فيلتقي ساكنان. وكذلك: اثنا عشر فِي الذكران لا يخفف العين «6» لأن الألف من:
اثنا عشر ساكنة فلا يسكن بعدها آخر فيلتقي ساكنان، وَقَدْ قَالَ بعض كفار أهل مكَّة وهو أَبُو جهل: وما تسعة عشر؟ الرجل منا يطبق «7» الواحد فيكفه عَنِ النَّاس. وقال رجل من بنى جمح
__________
(1) سقط فى ح.
(2) فى ش على، تحريف.
(3) سورة البروج الآية 16.
(4) سورة هود الآية: 72.
(5) فى ش: تسعة عشر، تحريف. [.....]
(6) فى ش: لا يخفف.
(7) سقط فى ش.(3/203)
وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ (33)
كَانَ يُكنى: أبا الأشدين «1» : أَنَا أكفيكم سبعة عشر، واكفوني اثنين فأنزل اللَّه: «وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً» (31) ، أي: فمن يطيق الملائكة؟ ثم قال: «وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ» فى القلة «إِلَّا فِتْنَةً» (31) على الذين كفروا ليقولوا ما قَالُوا، ثُمَّ قَالَ: «لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ» (31) يقينًا إلى يقينهم لأن عدة الخزنة لجهنم فى كتابهم: تسعة عشر، «وَيَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيماناً» (31) لأنها فِي كتاب أهل الكتاب كذلك.
وقوله: وَاللَّيْلِ [113/ ا] إِذْ أَدْبَرَ (33) .
قرأها ابن عباس: «والليل [113/ ا] إذَا دَبر» ومجاهد وبعض أهل المدينة كذلك «2» وقرأها كَثِير من النَّاس «وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ» :
[حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: «3» ] حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: حَدَّثَنِي بذلك مُحَمَّد بْن الفضل عنْ عطاء عنْ أَبِي عَبْد الرَّحْمَن عنْ زَيْد أَنَّهُ قراها: «وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ» وهي فِي قراءة عبد الله:
«والليل إذا أدبر» . وقرأها الْحَسَن كذلك: «إِذَا أدبر» كقول عبد الله.
[حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ حَدَّثَنَا «4» مُحَمَّدٌ] قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: وَحَدَّثَنِي «5» قَيْسٌ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الأَقْمَرِ عَنْ رَجُلٍ- لا أَعْلَمُهُ إِلا الأَغَرَّ- عَنِ ابْنِ عباس أنه قرأ: «والليل إذا دبر» .
وقال: إنما أدبر ظهر البعير [حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ «6» ] قَالَ حدثنا الفراء قال:
وَحَدَّثَنَا قَيْسٌ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الأَقْمَرِ عَنْ أَبِي عَطِيَّةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَرَأَ «أَدْبَرَ» [قَالَ الْفَرَّاءُ:
مَا أَرَى أَبَا عَطِيَّةَ إِلَّا الْوَادِعِيَّ بَلْ هُوَ هُوَ، وَقَالَ الْفَرَّاءُ: لَيْسَ فِي حَدِيثِ قَيْسٍ إِذْ، وَلا أَرَاهُمَا إِلا لُغَتَيْنِ «7» ] . يُقَالُ: دَبَرَ النَّهَارُ وَالشِّتَاءُ وَالصَّيْفُ وَأَدْبَرَ. وَكَذَلِكَ: قَبَلَ وَأَقْبَلَ، فَإِذَا قَالُوا: أَقْبَلَ الرَّاكِبُ وَأَدْبَرَ لَمْ يَقُولُوهُ إِلا بِأَلِفٍ، وَإِنَّهُمَا فِي الْمَعْنَى عِنْدِي لَوَاحِدٌ، لا أُبْعِدُ أَنْ يَأْتِيَ فِي الرَّجُلِ مَا أُتِيَ فى الأزمنة.
__________
(1) كذا فى النسخ، وفى الكشاف (2: 504) : أبو الأشد بن أسعد بن كلدة الجمحي، وكان شديد البطش
(2) فى الإتحاف (427) . اختلف فى «والليل إذا أدبر» ، فنافع وحفص وحمزة ويعقوب وخلف بإسكان الذال ظرفا لما مضى من الزمان، أدبر بهمزة مفتوحة، ودال ساكنة على وزن أكرم، وافقهم ابن محيصن والحسن.
والباقون بفتح الذال ظرفا لما يستقبل، وبفتح دال دبر على وزن ضرب. لغتان بمعنى، يقال: دبر الليل وأدبر.
(3، 4) ما بين الحاصرتين زيادة من ش.
(5) فى ش: حدثنى.
(6، 7) ما بين الحاصرتين من ح، ش، والعبارة فى ب مضطربة وبها سقط.(3/204)
إِنَّهَا لَإِحْدَى الْكُبَرِ (35)
وقوله: نَذِيراً لِلْبَشَرِ (36) .
كَانَ بعض النحويين يَقُولُ: إن نصبت قوله: «نذيرا» من أول السورة يا محمد قم نذيرًا للبشر «1» ، وليس ذَلِكَ بشيء وَالله أعلم لأنّ الكلام قَدْ حدث بَيْنَهُما شيء مِنْهُ كَثِير، ورفعه فِي قراءة أَبِيّ ينفي هَذَا المعنى. ونصبه «2» من قوله: «إِنَّها لَإِحْدَى الْكُبَرِ نَذِيراً» تقطعه من المعرفة لأن «إحدى الكبر» معرفةٌ فقطعته مِنْهُ، ويكون نصبه عَلَى أن تجعل النذير إنذارًا من قوله:
«لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ [113/ ب] » (28) لواحة [تخبر بهذا عنْ جهنم إنذارًا «3» ] للبشر، والنذير قَدْ يكون بمعنى: الإنذار. قَالَ اللَّه تبارك وتعالى: «كَيْفَ نَذِيرِ «4» » و «فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ
«5» » يريد: إنذاري، وإنكاري.
وقوله عزَّ وجلَّ: إِنَّها لَإِحْدَى الْكُبَرِ (35) .
الهاء «6» كناية عنْ جهنم.
وقوله: إِلَّا أَصْحابَ الْيَمِينِ (39) .
قال الكلبي: هم أهل «7» الجنة [حدثنا أبو العباس قال «8» ] حدثنا الفراء قال: وَحَدَّثَنِي «9» الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ مَنْصُورِ «10» بْنِ الْمُعْتَمِرِ عَنِ الْمِنْهَالِ رَفَعَهُ إِلَى عَلِيٍّ قَالَ: «إِلَّا أَصْحابَ الْيَمِينِ» قَالَ: هُمُ الْوِلْدَانُ، وَهُوَ شَبِيهٌ بِالصَّوَابِ لأَنَّ الولدان لَمْ يَكْتَسِبُوا مَا يَرْتَهِنُونَ بِهِ وَفِي قوله:
«يَتَساءَلُونَ (40) عَنِ الْمُجْرِمِينَ (41) مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ» (42) مَا يُقَوِّي أَنَّهُمُ الْوِلْدَانُ لأَنَّهُمْ لَمْ يَعْرِفُوا الذنوب، فسألوا: «ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ» .
__________
(1) كذا فى النسخ، وفى العبارة غموض، يوضحه قول الكشاف عن المراد بها: «وقيل: هو متصل بأول السورة، يعنى: قم نذيرا، وهو من بدع التفاسير» . الكشاف: 2: 505، ويمكن أن يقدر جواب إن.
(2) كذا فى ش، وفى غيرها: نصبها. ولفظ ش: أنسب.
(3) ما بين الحاصرتين زيادة من ح، ش.
(4) سورة الملك الآية: 17 فى الأصل «فكيف كان نذير» .
(5) سورة الملك الآية: 18، واجتزأ فى ح بلفظ (نكير) .
(6) سقط فى ش.
(7) فى ش: أصحاب. [.....]
(8) زيادة فى ش.
(9) فى ش: حدثنى.
(10) المنصور بن المعتمر هو أبو عتاب السلمى الكوفي، عرض القرآن على الأعمش، وروى عن إبراهيم النخعي، ومجاهد. وعرض عليه حمزة، وروى عنه سفيان الثوري وشعبة ت 133 (طبقات القراء 2/ 314) .(3/205)
كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ (50)
وقوله: كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ (50) .
قرأها عاصم والْأَعْمَش: «مُسْتَنْفِرَةٌ» بالكسر، وقرأها أهل الحجاز «مُسْتَنْفِرَةٌ» بفتح «1» الفاء «2» وهما جميعًا كثيرتان فِي كلام العرب، قَالَ الشَّاعِر «3» :
أمْسِكْ حِمارَكُ إنَّهُ مُسْتنفِرٌ ... فِي إثرِ أحْمِرَةٍ عَمْدنَ لِغُرّب
والقسورة يُقال: إنها الرماة، وقَالَ الكلبي بإسناده: هُوَ الأسد.
[حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ «4» ] حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: «5» حَدَّثَنِي أَبُو الأحوص عنْ سَعِيد بْن مسروق أَبِي سُفْيَان الثوري عنْ عكرمة قَالَ: قيل لَهُ: القسورة، الأسد بلسان الحبشة، فَقَالَ: القسورة، الرماة، والأسد بلسان الحبشة: عنبسة.
وقوله: بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتى صُحُفاً مُنَشَّرَةً (52) .
قَالَتْ كفار قريش للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ [114/ ا] : كَانَ الرجل يذنب فِي بني إسرائيل، فيصبح ذنبه مكتوبًا فِي رقعة، فما بالنا لا نرى ذَلِكَ؟ فَقَالَ اللَّه عزَّ وجلَّ: «بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتى صُحُفاً مُنَشَّرَةً» .
وقوله: إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ (54) .
يعني هَذَا القرآن، ولو قيل: «إِنَّها تَذْكِرَةٌ «6» » لكان صوابًا، كما قَالَ فِي عبس، فمن قَالَ:
(إنها) أراد السُّورة، ومن قَالَ: (إنه) أراد القرآن.
__________
(1) سقط فى ش.
(2) قرأ نافع وابن عامر وأبو جعفر بفتح الفاء، أي: منفرة مذعورة (الإتحاف: 427) .
(3) غرب: جبل دون الشام فى بلاد بنى كلب، وعنده عين ماء يقال لها: الغربّه والغربّه، وقد أورد القرطبي البيت- فى تفسيره- ولم ينسبه (19/ 89) ، ورواية البحر المحيط: عهدن العرب، تحريف (البحر المحيط 8/ 380)
(4) الزيادة من ش.
(5) سقط فى ش: حدثنى.
(6) الآية: 11.(3/206)
لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ (1)
ومن سورة القيامة «1»
قَالَ أَبُو عَبْد اللَّه [: سمعت الفراء يقول: وقوله] «2» : لا أُقْسِمُ (1) كَانَ كَثِير من النحويين يقولون «3» : (لا) صلة «4» قَالَ الفراء: ولا يبتدأ بجحد، ثُمَّ يجعل صلة يراد بِهِ الطرح لأن هَذَا الوجاز لم يعرف خبر فِيهِ جحد من خبر لا جحد فِيهِ. ولكن القرآن جاء بالرد عَلَى الَّذِينَ أنكروا:
البعث، والجنة، والنار، فجاء الإقسام بالرد عليهم فِي كَثِير من الكلام المبتدأ مِنْهُ، وغير المبتدأ:
كقولك فِي الكلام: لا والله لا أفعل ذاك جعلوا (لا) وإن رأيتها مبتدأة ردًّا لكلامٍ قَدْ «5» كَانَ مضي، فلو ألقيت (لا) مما ينوي «6» بِهِ الجواب لم يكن بين اليمين التي تكون جوابًا، واليمين التي تستأنف فرق. ألا ترى أنك تَقُولُ مبتدئًا: والله إن الرَّسُول لحق، فإذا قلت: لا والله إن الرَّسُول لحق، فكأنك أكذبت قومًا أنكروه، فهذه جهة (لا) مَعَ الإقسام، وجميع الأَيْمان فِي كل موضع ترى فِيهِ (لا) مبتدأ بها، وهو كَثِير فِي الكلام.
وكان بعض من لم يعرف هذه الجهة فيما ترى «7» [115/ ا] يقرأ «لأقسم «8» بيوم القيامة «9» » ذكر عَنِ الْحَسَن يجعلها (لاما) دخلت عَلَى أقسم، وهو صواب لان العرب تَقُولُ: لأحلف بالله ليكونن «10» كذا وكذا، يجعلونه (لاما) بغير معنى (لا) .
وقوله عز وجل: وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ (2)
__________
(1) من أول سورة القيامة إلى آخر القرآن الكريم اعتمد فيه على النسخة ب إذ هو ليس فى ا.
(2) ساقط فى ح، ش.
(3) فى ح، ش: يقول.
(4) فى ش: يقولون صلة، سقط.
(5) فى ح، ش: لكلام كان. [.....]
(6) فى ح، ش: بنوا.
(7) فى ش: نرى.
(8) فى ح: لا أقسم، تحريف.
(9) هى قراءة الحسن، وقد روى عنه بغير ألف فيما جميعا، والألف فيهما جميعا (المحتسب 2/ 341) .
(10) فى ش: لتكونن، تصحيف.(3/207)
بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ (4)
ليس من نفس بَرّة ولا فاجرة إلّا وهي تلوم نفسها إن كانت عملت خيرًا قالت: هلا ازددت وإن كانت عملت سوءا «1» قالت: ليتني قصرت! ليتني لم أفعل!
وقوله عزَّ وجلَّ: بَلى قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ (4) جاء فِي التفسير: بلى «2» نقدر عَلَى أن نسوي بنانه، أي: أن نجعل «3» أصابعه مصمّتة غير مفصلة كخف البعير، فَقَالَ «4» : بلى قادرين عَلَى أن نعيد أصغر العظام كما كانت، وقوله: «قادِرِينَ» نصبت عَلَى الخروج من «نَجْمَعَ» ، كأنك قلت فِي الكلام: أتحسب أن لن نقوي عليك، بلى قادرين عَلَى أقوى منك. يريد: بلى نقوى قادرين، بلى نقوى مقتدرين عَلَى أكثر من ذا. ولو كانت رفعًا عَلَى الاستئناف، كأنه قَالَ: بلى نَحْنُ قادرون عَلَى أكثر من ذا- كَانَ صوابًا.
وقول النَّاس: بلى نقدر، فلما صرفت إلى قادرين نصبت- خطأٌ لأن الفعل لا ينصب بتحويله من يفعل إلى فاعل. ألا ترى أنك تَقُولُ: أتقوم إلينا فإن حولتها إلى فاعل قلت:
أقائم، وكان خطأ أن تَقُولُ: أقائمًا أنت إلينا؟ وَقَدْ كانوا يحتجون بقول الفرزدق:
عَلَى قسَمٍ لا أشتم الدهر مسلما ... ولا خارجًا مِن فيَّ زورُ كلام «5»
فقالوا: إنَّما أراد: لا أشتم، ولا يخرج، فلما صرفها إلى خارج نصبها، وإنما نصب لأنه أراد:
عاهدتُ ربي لا شاتمًا أحدًا، ولا خارجًا من فِيّ زور كلام. وقوله: لا أشتم فى موضع نصب [115/ ب] .
وقوله عز وجل: لِيَفْجُرَ أَمامَهُ (5) .
[حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ «6» ] قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: وَحَدَّثَنِي قيس عَن أَبِي حَصين عَن سَعِيد بْن جُبَير «7» فِي قوله: «بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسانُ لِيَفْجُرَ أَمامَهُ» قَالَ: يَقُولُ: سوف أتوب [سوف أتوب] «8» . وقَالَ الكلبي: يكثر الذنوب، ويؤخر التوبة.
__________
(1) فى ش: سواء، تحريف.
(2) فى ح: بل، بدون: نقدر، وفى ش: بل، تحريف.
(3) فى: ح أي نجعل.
(4) فى ش: ويقال، تحريف.
(5) انظر ديوان الفرزدق. والكتاب: 1: 173، وشرح شواهد الشافية: 72
(6) ما بين الحاصرتين زيادة فى ش.
(7) هو سعيد بن جبير بن هشام الأسدى الوالبي مولاهم أبو محمد، ويقال: أبو عبد الله الكوفي التابعي الجليل والإمام الكبير. عرض على عبد الله بن عباس، عرض عليه أبو عمرو بن العلاء، والمنهال بن عمرو. قتله الحجاج بواسط شهيدا فى سنة خمس وتسعين (طبقات القراء 1/ 305) .
(8) سقط فى ح.(3/208)