[مقدمة التحقيق]
فهرس الكتاب
تصدير 5 م مقدمة الناشر أبو عبيدة 9 م مذهبه 10 م شيوخه 11 م منزلته العلمية 12 م ثقافة أبى عبيدة 13 م أبو عبيدة فى رأى معاصريه 14 م الحس الفنى عند أبى عبيدة 15 م تصانيفه 16 م مجاز القرآن 16 م حول اسم مجاز القرآن 17 م معنى المجاز عند أبى عبيدة 18 م منهج التفسير عند أبى عبيدة 19 م رواية كتاب المجاز 19 م الأصول الخطية لكتاب المجاز 21 م الصلة بين النسخ 23 م عملنا فى هذا الكتاب 26 م الرموز المستعملة فى مقدمة الكتاب وحواشيه 28 م بيان تفصيلى بالمصادر كما ذكرت فى الحواشي وفى المقدمة مختصرة 29 م(المقدمة/3)
مجاز القرآن صنعة أبى عبيدة معمر بن المثنى التيمي مقدمة المؤلف 1 أم الكتاب (1) 20 سورة البقرة (2) 28 سورة آل عمران (3) 86 سورة النساء (4) 113 سورة المائدة (5) 145 سورة الأنعام (6) 185 سورة الأعراف (7) 210 سورة الأنفال (8) 240 سورة التوبة (9) 252 سورة يونس (10) 272 سورة هود (11) 275 سورة يوسف (12) 302 سورة الرعد (13) 320 سورة إبراهيم (14) 335 سورة الحجر (15) 346 سورة النخل (16) 365 سورة بنى إسرائيل (17) 375 سورة الكهف (18) 393(المقدمة/4)
تصدير بقلم العلامة الأستاذ أمين الخولي
أستاذ التفسير والأدب العربي بكلية الآداب بجامعة القاهرة
شروق جديد
يخرج كل ما في هذا الكتاب من «إستانبول» . حتى هذه المقدمة أكتبها فى «إستانبول» ، وأنا أطالع من نافذة الفندق قبة «نور عثمانية» ومنارتيها الشامختين وأشاهد فى مغداى ومراحى «كوپريلى» الوديعة بحديقتها الصغيرة، وأرى كلما غرّبت فى المدينة أو شرّقت معقلا من معاقل ذلك التراث الثقافى العتيد.
وخروج «مجاز القرآن» لأبى عبيدة من «إستانبول» على يد فتى تركى جادّ فى دراسة العربية والشئون الإسلامية يؤذن- فيما أرجو- بشروق جديد ...
تتناسى فيه «تركيا» أشياء من الماضي البعيد، وأشياء من الماضي القريب ...
وأود ويود كثيرون غيرى من أبناء الشرق أن نتناسى لها تلك الأشياء، كما نود أن نتناساها معها لنحتفظ ببهجة هذا الشروق الجديد الوضيء ... ومن أجل ذلك لا نسمى هنا شيئا من تلك الأشياء.
و «مجاز القرآن» لأبى عبيدة قد عنى به القدماء تلك العناية التي سترى صفحات الكتاب تفيض بما يعرضه منها الناشر.(المقدمة/5)
و [مجاز القرآن] «لأبى عبيدة» قد عنى به المحدثون، كما يعرف دارسو الآداب فى مصر، من ادعائهم إياه للنحو.. واحتسابهم إياه للبلاغة.. وقيامه فى التفسير مقاما محمودا.
وهذا الكتاب- على كل حال- يعد فى الثقافة الإسلامية من كتب الطليعة الأولى، التي يحفل بها مؤرخو تلك الثقافة، ويرون فى أضوائها طرائق تطور تلك الثقافة، ومسالك نمائها.
وقد ألفه منذ مئات السنين رجل من السابقين الأولين فى خدمة العربية وآدابها.
ومن الاتفاق المحمود أن يتاح نشره اليوم وتحقيقه، لفتى من فتيان الطليعة، فى تلك المحاولة التركية الجديدة، المعنية بالشئون الإسلامية، والآداب العربية.
وكنت على أن أتحدث عن هذا المحقق السيد الدكتور «فؤاد سزكين» ناشر الكتاب وعن جهاده فى إعداد نفسه لهذا العمل، وما تشرب من خير المناهج الحديثة للدرس، مع شخصية قوية، واستقلال رزين، يعرف الرجال بالحق ولا يعرف الحق بالرجال.. ثم أصف خطته وعمله فى تحقيق الكتاب وإخراجه ... لكنى خشيت أن أخجل تواضعه- كما نقول فى مصر-.. وهو فتى جم التواضع، وأنا أوثر أن يدوم له هذا التواضع ليحتفظ دائما بدل العلماء وهديهم.
قرأت هذا الجزء من «مجاز القرآن» قراءة مستوعبة، ودونت ملاحظى عليه، وبينتها للدكتور فؤاد فقبل منها ما قبل، واستدركه وناقش فيما ناقش ... وإن كان غير قليل من هذه الملاحظ تقع التبعة فيه على الطباعة، ولا سيما حين يتباعد ما بين الناشر فى تركيا، والطابع فى القاهرة.
ولكن هذه الملاحظ وغيرها مما قد يجده القارئ لا يمنعنى من أن أقول(المقدمة/6)
- فى طمأنينة- إن الفتى المحقق سليم المنهج فى أساسه، يدرك أصول التحقيق العلمي للنص إدراكا جيدا.
كما أحب أن أشير إلى صبره الطويل فى تتبع شواهد أبى عبيدة فى مجازه ويدلك على مواضعها فى المراجع المختلفة وهو تتبع لم يكن من التكثر والتزيد، بل هو تتبع كان له الأثر الحسن فى تصويب خطأ لأبى عبيدة ومن تبعه، كما ترى ذلك فى الصفحات 105، 118، 242 ... فكان ذلك التتبع منه دقة طيبة جاوزت عمل محقق النص وناشره، إلى عمل الدارس للكتاب درسا موضوعيا..
فحين أسلمك النص بما له وما عليه، أعلمك كذلك موضع هذا النص عند القدماء، وتأثرهم به.
وعمل الدكتور فؤاد فى «مجاز القرآن» قد ساعده عليه صبره الطويل كذلك فى دراسة مصادر «البخاري» ، ذلك الدرس الذي عرفت شيئا عنه وأرجو أن ينشر فى العربية ليكون كذلك مثلا صالحا من جد الشبان المرجوّين لحمل العبء، وملء الميدان.. وهو مثل من خدمة العرب الخلص فى دراسة العربية والشئون الإسلامية فإذا ما كان من فتى تركى، فإنه لجدير بأن يفتح أمامى آفاق الأمل، فى الشروق الجديد، الذي رجوته لتركيا؟
أمين الخولي إستانبول فى صفر سنة 1374 هـ اكتوبر سنة 1954 م(المقدمة/7)
مقدمة
أبو عبيدة
هو معمر بن المثنى التيمي تيم قريش، «1» أو تيم بنى مرّة «2» على خلاف بينهم، وهو على القولين معا مولى لتيم وقد اختلفوا فى مولده، ولعل الأقرب إلى الصحة أنه ولد فى سنة 110 هـ وهى سنة وفاة الحسن البصري كما يدل عليه حديث له مع الأمير جعفر بن سليمان حيث سأله عن مولده فأحاله على قول لعمر بن أبى ربيعة الذي ولد يوم مات عمر بن الخطاب «3» ، وتتحدث المراجع عن آباء أبى عبيدة، فتقول- استنادا إلى قول يرويه أبو العيناء عن أبى عبيدة- إنه يهودىّ الأصل «4» ، على أننا نظن أن أبا عبيدة فى حديثه عن آبائه لم يكن يقصد إلى الجدّ، وجوّ هذا الحديث يشعر بهذا الذي نظنه، غير أن شعوبية أبى عبيدة «5» ، وحدته فى نقد معاصريه كل ذلك جعل خصومه يحملون هذا القول منه محمل الجدّ لينالوا منه، أما أنه كان يفتخر بيهوديته وهو ما يراه بعض الباحثين الغربيين «6» فبناء على غير أساس، ثم هو بعد غير مفهوم من نص أبى عبيدة الذي يرويه أبو العيناء.
ولم تذكر المراجع أين ولد أبو عبيدة، ومع ذلك فهى تضعه فى عداد علماء
__________
(1) أخبار النحويين للسيرافى 67، مختار أخبار النحويين 150، ا، الزبيدي ص 122.
(2) منتخب المقتبس 57 ب.
(3) ابن خلكان 2/ 158- 159.
(4) الفهرست 53، ابن خلكان 2/ 157، الإرشاد 19/ 156.
(5) رسائل البلغاء 271- 272، مروج الذهب 5/ 480.
(6) جولد زيهر.. 1/ 203 وانظر مجالس ثعلب 424، الأغانى 17/ 19.(المقدمة/9)
البصرة فلعله ولديها، بعد حياة ليست قصيرة اكتمل فيها نضجه العلمي ارتحل إلى بغداد فى سنة ثمانية وثمانين ومائة حيث جالس الفضل بن الربيع وجعفر ابن يحيى وسمعا منه «1» .
ثم يقول مترجموه: إنه خرج إلى بلاد فارس قاصدا موسى بن عبد الرحمن الهلالىّ، ولم يحددوا سنة خروجه «2» .
وفيما بين سنتى 209، و 213 توفى «3» وقد عمّر، وكان وقد بلغ من الكبر المدى- يتمثل بقول الطمحان القينى «4» .
حنتنى حانيات الدهر حتّى ... كأنى خاتل يدنو لصيد
قريب الخطو يحسب من رآنى ... - ولست مقيّدا- أنى بقيد
ولم يحضر جنازته- فيما يقول مؤرخوه- أحد لأنه كان شديد النقد لمعاصريه» .
مذهبه
تكاد تتفق كلمتهم على أن أبا عبيدة كان من الخوارج، وأنه كان يكتم ذلك ولا يعلنه، ثم اختلفت رواياتهم فى الفرقة التي كان ينتمى إليها فبعضهم يقول إنه
__________
(1) تاريخ بغداد 13/ 254. الإرشاد 19/ 159 الأغانى 5/ 107- 108، الزبيدي ص 124.
(2) الزبيدي ص 124، ابن خلكان 2/ 157.
(3) مختار اخبار النحويين 164 ب.
(4) الزبيدي ص 126، وانظر المعمرين رقم 53، الأغانى 11/ 124.
(5) ابن خلكان 2/ 157.(المقدمة/10)
كان صفريا «1» ، على حين أن البعض الآخر منهم يرى أنه كان من الأباضية «2» واستدلوا على انتسابه إلى مذهب الخوارج بأنه كان كثيرا ما ينشد أشعارهم ويفيض فى الحديث عنهم وعن أخبارهم ومفاخرهم- يفعل ذلك فى تقدير لهم وإعجاب بهم «3» ثم نسبوه بعد إلى القول بالقدر، وربما كان سبب ذلك أنه كان يمدح النّظام ويعظم شأنه «4» ، ولكن أبا حاتم كان يبرئه من القدر وينفيه عنه «5» .
ونسبة أبى عبيدة إلى مذهب الخوارج تارة، وإلى القول بالقدر تارة أخرى تكشف عن صلته بمعاصريه وتدل على أنه لم يكن محبوبا بينهم، ولعل فى نسبة آبائه إلى اليهودية- وهي مسألة مرت الإشارة إليها- ما يدل على هذا أيضا.
على أنه ليس فى كتاب المجاز ما يدل على هذه الميول.
شيوخه:
أخذ عن أبى عمرو بن العلاء «6» (- 154) النحو والشعر والغريب، وفى «مجاز القرآن» أثر أبى عمرو الواضح على أبى عبيدة.. وعن أبى الخطاب الأخفش، «7» (- 149) . وعيسى بن عمر الثقفي «8» (- 154) ، ولازم يونس بن حبيب
__________
(1) مقالات الاسلاميين 1/ 120.
(2) جولد زيهر.. 1/ 197.
(3) مقالات الإسلاميين 1/ 120، منتخب المقتبس 159 ا، ابن خلكان 2/ 157، 158. [.....]
(4) الحيوان 3/ 471 و 7/ 165.
(5) الزبيدي ص 124.
(6) المزهر 2/ 401- 402.
(7) الحيوان 1/ 177.
(8) المزهر 2/ 401- 402.(المقدمة/11)
(- 187) زمنا طويلا وكتب عنه «1» ، وروى عن هشام بن عروة «2» ، ووكيع بن الجراح «3» (- 197) ، كما أخذ عن جماعة من فصحاء الأعراب وثقاتهم مثل أبى سوار الغنوي «4» ، وأبى محمد عبد الله بن سعيد الأموى «5» ، وأبى عمرو الهذلي «6» ، ومنتجع بن نبهان العدوى «7» ، وأبى منيع الكليبى «8» ، وكان يسأل رؤبة بن العجاج أحيانا، كما نجد ذلك فى مواضع متعددة من «المجاز» «9» .
منزلته العلمية
يقول الجاحظ: «لم يكن فى الأرض خارجى ولا جماعى أعلم بجميع العلوم من أبى عبيدة «10» » ، وكان له إلى هذه السعة فى العلم نفاذ وعمق يتمثلان فى قولهم عنه:
«إنه كان ما يفتّش عن علم من العلوم إلا كان من يفتشه عنه يظن أنه لا يحسن غيره، ولا يقوم بشىء أجود من قيامه به «11» » .
__________
(1) ابن خلكان 1/ 620.
(2) تاريخ بغداد 13/ 252.
(3) كتاب الخيل لأبى عبيدة ص 4.
(4) الفهرست ص 45.
(5) الزبيدي ص 124.
(6) مجاز القرآن فى مواضع متعددة.
(7) مجاز القرآن 1/ 400 النقائض 487.
(8) النقائض 30.
(9) وانظر الجمهرة 3/ 35، الإتقان 1/ 196. [.....]
(10) البيان والتبيين 1/ 331، وانظر.. 1/ 196.
(11) الإرشاد 19/ 155.(المقدمة/12)
وقد عاصر من علماء اللغة الأصمعىّ (- 216) ، وأبا زيد (- 214) ، وكان بينهم من الخلاف ما يكون بين المتعاصرين، ولكنّ خلافهم هذا لم يصل إلى الريبة فى الثقة بما يرويه كل واحد منهم «1» ، أو إلى الأنفة من الاعتراف بالحق لصاحبه حين يبدو وجه هذا الحق «2» . ذلك لأنهم لم يكونوا يختلقون ولا يتزيدون.
ومن هنا نرى شذوذ قول بعض الباحثين الغربيين: إن أبا عبيدة كان حين يضيق علمه يختلق ما يفيده فى نزعته «3» وكان الرواة والآخذون عنهم يرجّحون أبا عبيدة إذا قاسوه بصاحبيه أو بأحدهما «4» ، على ما ساءت عبارته وحسنت عبارة الأصمعى التي هيأت له أن يفوز على أبى عبيدة فى مواقف يذكرها الرواة «5» ، ولعل ملحظهم فى هذا التفضيل أن أبا عبيدة كان له- إلى غزارة العلم- مرونة وحرية فى فهم اللغة لم تكن عند الأصمعى وأبى زيد «6» ، على أن أبا عبيدة وأبا زيد كانا يتفقان فى كثير من مسائل اللغة «7» .
ثقافة أبى عبيدة:
كان أبو عبيدة من المعمّرين، وفى عهده وضعت أسس العلوم الإسلامية على ما اختلفت نواحيها من تفسير وحديث وفقه وأخبار، وكان أبو عبيدة يشارك فى
__________
(1) مراتب النحويين 80، المزهر 2/ 404.
(2) مختار أخبار النحويين 209 ا.
(3) جولد زيهر. 1/ 202.
وقد أحال على أنساب الأشراف ص 172.
(4) المزهر 2/ 402 وأنظر ابن خلكان 2/ 156.
(5) تاريخ بغداد 13/ 256، الإرشاد 19/ 160.
(6) المزهر 2/ 402.
(7) جمهرة ابن دريد 3/ 424.(المقدمة/13)
أنواع هذه الثقافة مشاركة جيدة «1» ، ومن هذا تعددت كتبه وموضوعاته فيها، ونستطيع أن نتبين فى كتبه جوانب من هذه الثقافة فهى لغوية بما فيها من تفسير وحديث وغريب، وهى تاريخية تتناول مواضيع فى تاريخ العرب وعاداتهم فى جاهليتهم «2» أحيانا وفى إسلامهم أحيانا أخرى «3» ، وقد تتجاوز ثقافته هذه الأمة العربية إلى عادات وأخبار لغير العرب «4» .
أبو عبيدة في رأى معاصريه
على أن سعة معارف أبى عبيدة ونفاذه فيها لم تسم به إلى حيث تحول دون أن يصله النقد من معاصريه فى حياته، ومن تابعيهم بعد وفاته، وقد كانت شعوبيته- وهى الموقف الذي يتخذ فيه أبو عبيدة صفة المعادى أو المناوئ للعرب- مدخلا تسرب منه إليه الكثير من النقد الذي لم يؤاخذ به غيره فإذا ما أردنا أن نعرف بعض الأمثلة لهذا كان من ذلك أنه لا يقيم البيت من الشعر إذا أنشده حتى يكسره، وأنه كان يخطىء إذا قرأ القرآن نظرا «5» ، وأنه يلحن فى قراءة الشعر- إلى أشباه لهذا «6» .
وليس هناك شك فى أن أبا عبيدة كان يلحن حين يتحدث، فالحديث اليومي العادىّ أيام أبى عبيدة لم يكن من سلامة البنية بحيث يلتزم فيه الإعراب، وشأن أبى عبيدة
__________
(1) البيان والتبيين 1/ 308، مراتب النحويين 80.
(2) منتخب المقتبس 58 ا. المزهر 2/ 402. وأنظر النقائض، العقد الفريد 2/ 53 فهرست، 53/ 54 جولد زيهر.. 1/ 195.
(3) انظر كتب أبى عبيدة.
(4) مروج الذهب 2/ 238 جولد زيهر.. 1/ 198 تاريخ دمشق 1/ 12.
(5) المعارف لابن قتيبة 184، ابن خلكان 2/ 155. الإرشاد 19/ 156. [.....]
(6) الإرشاد 19/ 157، النوادر لابى زيد 51، الزبيدي ص 126.(المقدمة/14)
فى هذا شأن غيره من المتحدثين الذين كانوا يكرهون التزام الإعراب وسلوك سبيل «التقعير» فى حديثهم العادىّ. وأما أنه كان لا يقيم البيت من الشعر، وأنه كان يلحن فمردّه فيما نرى ضعف الملكة التطبيقية عند أبى عبيدة، وهو أمر مألوف غير غريب حين تتسع الفروق وتعظم بين لغة الحياة اليومية ولغة العلم والأدب، أما ما رآه أبو عبيدة من آراء نحوية وخالفه فيها النّحاة وخطّأوه فهو الأمر الذي يجب أن يكون له محمل يليق بمكانة أبى عبيدة العلامية.
والذي نرجو أن يكون صوابا فى مسلك أبى عبيدة أنه كان يعتمد على حسه اللغوي الخاص فى إعراب آيات أو أشعار بدون أن يقدر ما كانت تؤسسه المدرسة النحوية فى عهده من قواعد تلتزم السير عليها ولا تتعداها، ومن هنا جاء نكيرهم عليه.
على أن اتجاه أبى عبيدة الذي انصرف فيه- قاصدا أو غير قاصد- عن مسلك النحويين من معاصريه لم يعدم تقديرا من الدّارسين المعاصرين الذين يعنون بتاريخ النحو العربىّ فأبو عبيدة التفت إلى أبواب من سر العربية حال دون الاستفادة منها مسلك النحاة بما أحكموا من قواعد وأسسوا من أسس «1» .
الحس الفنى عند أبى عبيدة
ويتصل بهذا أن أبا عبيدة لم يكن راوية وأخباريا جافا «2» وحسب، وإنما كان- إلى وفرة محصوله العلمي- يدرك ما فى اللغة والشعر من جمال فنى، ويقف عنده، ويقارن الصور الشعرية بعضها ببعض، ثم ينبه على المعاني الجديدة الخاصة بكل شاعر «3» ، وفى التراث الأدبى العظيم الذي خلّفه لنا أدلة واضحة على هذا.
__________
(1) إحياء النحو لابراهيم مصطفى ص 12.
(2) العقد الفريد (بولاق) 1/ 333. جولد زيهر. 1/ 195.
(3) الشعراء ص 76، 82، 119، الأغاني 2/ 44، 21/ 137.(المقدمة/15)
تصائيفه:
نقل الرواة أن تصانيف أبى عبيدة كانت تقارب المائتين «1» ، ولكن أغلبها لم يصل إلينا إلا عن طريق ذكره فى المصادر التي تحدثت عن أبى عبيدة فقد ذكر ابن النديم له مائة وخمسة، وورد فى كتب أخرى ما لم يذكره ابن النديم منها.
وقد كنت أعددت لائحة بكتبه مرتبة على حروف المعجم، وأشرت إلى من ذكرها ولكنى رأيت مؤخرا أنها محتاجة إلى شىء غير قليل من التثبت والدرس والمقارنة فأرجأت ذكرها لآخر الجزء الثاني.
مجاز القرآن
يذكر المؤرخون أن ابراهيم بن إسماعيل الكاتب أحد كتّاب الفضل ابن الربيع سأل أبا عبيدة عن معنى آية من القرآن فأجاب عن السؤال واعتزم أن يؤلف مجاز القرآن «2» . ومهما كان الداعي إلى تأليف هذا الكتاب فقد كان أبو عبيدة يرى أن القرآن نص عربى، وأن الذين سمعوه من الرسول ومن الصحابة لم يحتاجوا فى فهمه إلى السؤال عن معانيه لأنهم كانوا فى غنى عن السؤال ما دام القرآن جاريا على سنن العرب فى أحاديثهم ومحاوراتهم، ومادام يحمل كل خصائص الكلام العربي من زيادة وحذف وإضمار واختصار وتقديم وتأخير «3» .
ومن هنا فسر القرآن وعمدته الأولى الفقه بالعربية وأساليبها واستعمالاتها والنفاذ إلى خصائص التعبير فيها، ولما كان هذا الاتجاه لا يبعد كثيرا عن «تفسير القرآن بالرأى» وهو الأمر الذي كان يتحاشاه كثير من المعاصرين له من اللغويين المحافظين فقد تعرض مسلك أبى عبيدة هذا لكثير من النقد «4»
__________
(1) ابن خلكان 2/ 156، الإرشاد 19/ 162.
(2) ابن خلكان 2/ 155، تاريخ بغداد 13/ 254، الإرشاد 19/ 158.
(3) مجاز القرآن ص 8.
(4) تاريخ بغداد 13/ 1، 255، الإرشاد 19/ 159 الزبيدي 125.(المقدمة/16)
فأثار الفراء (- 211) الذي تمنى أن يضرب أبا عبيدة لمسلكه فى تفسير القرآن «1» ، وأغضب الأصمعىّ «2» ، ورأى أبو حاتم أنه لا تحل كتابة «المجاز» ولا قراءته إلا لمن يصحح خطأه ويبينه ويغيّره «3» ، وكذلك كان موقف الزجاج، والنحاس، والأزهريّ منه.
وقد عنى بنقد أبى عبيدة على بن حمزة البصري المتوفى سنة 375 فى كتابه:
«التنبيهات على أغاليط الرواة» ، ولكن القسم الخاص بنقد أبى عبيدة غير موجود فى نسخة القاهرة «4» . ولهذا لا نستطيع أن نقول شيئا عن قيمة هذا النقد.
على أن «مجاز القرآن» على الرغم من الذي سدد إليه من نقد ظل بين الدارسين مرجعا أصيلا طوال العصور فقد اعتمد عليه ابن قتيبة (- 276) فى كتابيه «المشكل» و «الغريب» ، والبخاري (- 255) فى «الصحيح» ، ويحتاج الأمر فى استفادة البخاري خاصة من مجاز القرآن إلى بيان وتفصيل أرجأت القول فيه إلى مكان آخر حيث اختصصته بدرس مفصل، وكذلك اعتمد عليه الطبري (- 310) فى تفسيره وأكثر من مناقشته ومقارنة رأيه بآراء أهل التأويل والعلم، وقد ذكرت فى حواشى «المجاز» اعتراضاته على أبى عبيدة، واستفاد منه أبو عبد الله اليزيدي (- 311) «5» ، والزجاج (- 311) فى معانيه، وابن دريد (- 321) فى «الجمهرة» وأبو بكر السجستاني (- 330) فى «غريبه» وابن النحاس (- 333) فى معانى القرآن، والأزهرى (- 370) فى التهذيب وأبو على الفارسي فى الحجة (- 377) ، والجوهري (- 391) فى الصحاح وأبو عبيد الهروي (- 402) فى الغريبين، وابن برى (- 582) فى حواشى الصحاح وغيرهم من المتقدمين، ومن أهم من استفاد من كتاب المجاز من المتأخرين ابن حجر العسقلاني فى «فتح الباري» .
حول اسم مجاز القرآن
ذكر ابن النديم كتبا لأبى عبيدة تتصل بالقرآن: «مجاز القرآن» ،
__________
(1) تاريخ بغداد 13/ 255.
(2) مختار أخبار النحويين 111 ب- 113 ا.
أخبار النحويين 61- 62.
(3) الزبيدي ص 125- 126.
(4) الفهرس الجديد 2/ 9.
(5) فى كتابه «غريب القرآن» ، ومنه نسخة محفوظة فى مكتبة كوپريلى رقم 205.(المقدمة/17)
و «غريب القرآن» ، و «معانى القرآن» ثم «إعراب القرآن» ، وكذلك صنع من جاء بعد ابن النديم. وهذا الصنيع يفهم منه أن هناك كتبا متعددة لأبى عبيدة فى هذا الموضوع، وهنا يأتى السؤال الآتي: هل ألف أبو عبيدة كتبا بهذه الأسماء؟
أو هى أسماء متعددة والمسمّى واحد هو هذا الذي بين أيدينا الآن وهو «مجاز القرآن» ؟
والذي نظنه أن ليس هناك لأبى عبيدة غير كتاب «المجاز» ، وأن هذه الأسماء، أخذت من الموضوعات التي تناولها «المجاز» فهو يتكلم فى معانى القرآن، ويفسّر غريبه وفى أثناء هذا يعرض لإعرابه. ويشرح أوجه تعبيره وذلك ما عبّر عنه أبو عبيدة بمجاز القرآن فكلّ سمّى الكتاب بحسب أوضح الجوانب التي تولّى الكتاب تناولها، ولفتت نظره أكثر من غيرها. ولعل ابن النديم لم ير الكتاب، وسمع هذه الأسماء من أشخاص متعددين فذكر لأبى عبيدة فى موضوع القرآن هذه الكتب المختلفة الأسماء.
على أننا حين نذهب إلى هذا نستند إلى نصين يثبتانه فهناك عالمان من علماء الغرب الإسلامى يصرحان بالذي نظنه ففى طبقات النحويين للزبيدى:
« ... سألت أبا حاتم عن غريب القرآن لأبى عبيدة الذي يقال له المجاز «1» » ، وفي فهرس ابن خير الإشبيلي: « ... وأول كتاب جمع فى غريب القرآن ومعانيه كتاب أبى عبيدة معمر بن المثنى وهو كتاب المجاز «2» » .
على أن نسخ «المجاز» تحمل هذا الاضطراب فى اسم الكتاب ففى نسخة إسماعيل صائب نجد العنوان: «كتاب مجاز القرآن» فى أول الجزء الأول، وفى آخره: «النصف الأخير من كتاب غريب القرآن» . وفى نسخة مراد منلا يوجد عنوان الكتاب هكذا: «كتاب المجاز لتفسير غريب القرآن» ، وتشبهها عبارة الختام فى نسخة تونس.
معنى «المجاز» عند أبى عبيدة
ومهما كان الأمر فإن أبا عبيدة يستعمل فى تفسيره للآيات هذه الكلمات:
«مجازه كذا» ، و «تفسيره كذا» ، و «معناه كذا» ، و «غريبه» ،
__________
(1) ص 125. [.....]
(2) فهرست ابن خير ص 134.(المقدمة/18)
و «تقديره» ، و «تأويله» على أن معانيها واحدة أو تكاد، ومعنى هذا أن كلمة «المجاز» عنده عبارة عن الطرق التي يسلكها القرآن فى تعبيراته، وهذا المعنى أعم بطبيعة الحال من المعنى الذي حدده علماء البلاغة لكلمة «المجاز» فيما بعد «1» ، ولعل ابن قتيبة قد تأثر فى كتابه «مشكل القرآن» بأبى عبيدة فى استخدام كلمة المجاز بهذا المعنى العام «2» .
منهج التفسير عند أبى عبيدة
مرت الإشارة فى مواطن متعددة من هذه الكلمة إلى جوانب من شخصية أبى عبيدة كانت تميزه عن معاصريه، وتتجه به فى فهم النصوص اتجاها خاصا، وبتلك الإشارات نستغنى عن إعادة الحديث فى حريته فى فهم النصوص، وسعة ثقافته ونظرته إلى نص القرآن إلخ. ولكننا نضيف هنا أن مما يمتاز به أبو عبيدة فى تفسيره أنه لم يتقيد بالقيود التي كانت المدرستان البصرية والكوفية تضعانها لفهم النصوص العربية، لأن هاتين المدرستين كانت فى دور التكوين، وبهذا نجا أبو عبيدة من أن يخضع لقواعدهما. وقد عنى- فى ضوء هذا التحرر- بالناحية اللغوية فى القرآن، وأكثر من الاستشهاد على الآيات بالشعر العربي، وعنايته بالجانب اللغوي صرفته عن الاشتغال بالقصص القرآنى وتفصيل القول فيه، كما صرفته عن تتبع أسباب النزول إلا عند ما كان يقتضى فهم النص التعرض لذلك.
رواية كتاب المجاز
وكان حظ المجاز من رواية الناس غير قليل فقد رواه جماعة من الناس، وليس من اليسير تحديد عدد الروايات، ولكن المراجع احتفظت بطائفة منها نجملها فيما يلى:
1- رواية أبى الحسن على بن المغيرة الأثرم (- 232) 2- رواية أبى حاتم السجستاني (- 256) 3- رواية رفيع بن سلمة.
__________
(1) فتح الباري 8/ 425. عمدة القاري 9/ 125. إرشاد الساري 7/ 309.
(2) مشكل القرآن 7 ب، 35 ب. القرطين 2/ 109، وانظر «المجاز» ص 41.(المقدمة/19)
4- رواية عبد الله بن محمد التوزى (- 232) 5- رواية أبى جعفر المصادرى.
ولم يصل إلينا من هذه الروايات إلا رواية الأثرم، وقد تفرعت إلى فروع ثلاثة حسب الرواة عن الأثرم، فالفرع الأول هو رواية أبى الحسن على بن عبد العزيز (- 287) «1» ، والفرع الثاني رواية أبى محمد ثابت بن أبى ثابت عبد العزيز «2» ، والفرع الثالث رواية أبى العباس أحمد بن يحيى ثعلب (- 296) ، وقد وصلت إلينا الروايتان الأوليان عن الأثرم فالنسخ (،،،) كلها من رواية على بن عبد العزيز عن الأثرم ونسخة () من رواية ثابت بن أبى ثابت.
أما رواية ثعلب فلا نعرفها إلا عن طريق ما روى عنه فى الكتب «3» ، ويظهر أن الطبري كانت تحت يده روايات متعددة للكتاب «4» أما رواية أبى حاتم والتي رواها أبو سعيد السكرى عنه- فنعرفها عن طريق ابن خير حيث ذكر فى فهرس ما رواه عن شيوخه «5» ، كما نعرفها أيضا عن التعليقات الواردة فى حواشى الجزء الثاني من كتاب المجاز فى نسخة () . وقد ذكرها ابن حجر فى «المعجم المفهرس» له «6» .
وأما رواية رفيع بن سلمة فقد جاء ذكرها فى مقدمة كتاب «الكشف والبيان» حين حديث المؤلف عن مصادره التي استمدّ منها «7» ، وقد أشار إليها السيوطي فى شرح شواهد المغني أيضا «8» .
وقد ذكر أبو على الفارسي فى الحجة رواية أبى محمد التوزى «9» ، ولعلها طريقة المبرد لرواية كتاب المجاز حيث إنه ينقل عن التوزى فى الكامل، على أن المبرد يروى الجزء الثاني من كتاب «المجاز» من نسخة () .
__________
(1) ترجمته فى الإرشاد 13/ 104.
(2) الإرشاد 7/ 141.
(3) تهذيب اللغة للازهرى (كوپريلى محمد باشا رقم 1526) 102 ب، فهرس ابن خير ص 60.
(4) تفسير الطبري 13/ 75.
(5) فهرس ابن خير ص 60.
(6) المعجم المفهرس 62 غير أنه أشار إلى رواية الأثرم فى فتح الباري 6/ 308، 8/ 530.
(7) نسخة جامعة إستانبول 1/ 6 ا.
(8) ص 327.
(9) الحجة (شهيد على) 4/ 62 ب.(المقدمة/20)
وأشار ابن حجر فى «الفتح» إلى أن رواية أبى جعفر المصادرى (وهو شخص لم أهتد إلى معرفة أي شىء عنه) كانت عند البخاري «1» .
الأصول الخطية لكتاب المجاز
حين عزمت على تحقيق كتاب مجاز القرآن كموضوع للحصول على درجة الدكتوراة لم يكن بين يدى من أصوله إلا نسخة إسماعيل صائب () وهى على قيمتها وقدمها لا تكفى لاقامة نص الكتاب لما بها من نقص وانطماس ومحو فى كلماتها ولذلك لزمنى البحث عن غيرها من الأصول فاستحضرت الجزء المحفوظ بدار الكتب المصرية منها، ونسخة من جامعة القاهرة بمصر المصورة عن المخطوطة المحفوظة بمكة المكرمة، ثم حصلت على صورة من نسخة تونس، وأخيرا على نسخة مراد منلا وهى قيمة وقديمة، وبذلك أصبح لدى من أصول كتاب «المجاز» ما استطعت معه أن أجرؤ على إخراجه.
(ا) نسخة مرادمنلا [رقم 206- 192 ق- 15- 18 س- 2 ر 24 16 سم] أشرت إليها بحرف () ، ويرجع تاريخ كتابتها إلى أواخر القرن الرابع فيما أظن، وخطها نسخ جميل، وقد عنى الناسخ بضبط بعض الكلمات التي رأى أنها محتاجة إلى الضبط، ولم يكن مصيبا فى هذا الضبط أحيانا، وخط أوائل السور يشبه الخط الكوفي، واسم الناسخ عمر بن يوسف بن محمد المكتب.
وقد قوبلت هذه النسخة وقرئت، وقد ورد فى الورقتين 107 ا، 192 اعبارة السماع والمقابلة وكتب السماع شخص اسمه «محمد بن مروان» .
وقد ألصقت على ظهر الورقة الأولى ورقة خفى بها اسم الكتاب، وكتب بعد:
«كتاب المجاز فى تفسير غريب القرآن عن أبى عبيدة معمر بن المثنى» وقد اعتبرت هذه النسخة أصلا على الرغم من احتوائها على أخطاء، ومن أن التفسير فيها لا يتبع أحيانا ترتيب الآيات كما وردت فى المصحف.
__________
(1) فتح الباري 8/ 339، 340.(المقدمة/21)
نسخة إسماعيل صائب [رقم 4754- 130 ق- 16- 19 س- 5/ 26 5/ 15 سمم] رمزها فى الحواشي () وخطها نسخ جميل مشكول، ولم يذكر ناسخها، ولا تاريخ نسخها وهى من مخطوطات القرن الرابع أيضا. مجزأة إلى جزئين فى مجلدة، الأول ينتهى بنهاية النصف الأول من القرآن فى الورقة 61، ثم الجزء الثاني وينتهى بتفسير الآية: «فكانوا كهشيم المحتضر» من سورة القمر.
وقد كتب اسم الكتاب، والمؤلف، والراوي للكتاب وقت كتابة هذا العنوان على ظهر الورقة الأولى منها. ثم إلى يمين عنوان الكتاب تملكات، وأحدها يدل على أن النسخة كانت بالقسطنطينية فى سنة 980 هـ. ثم كتب أيضا سماع لهذه النسخة.
نسخة مكة: [6059 «1» - 210 ق- 14- 17 س- 24 18 سم] الإشارة إليها بحرف () فى الحواشي، وتنقص من أولها نحو عشرين ورقة، كما تنقص من آخرها، وأول الموجود منها فى تفسير الآية: «ما ننسخ من آية أو ننسها» من سورة البقرة: من النسيان ومن همزها جعلها من: نؤخرها» . وتنتهى بقوله تعالى «ويقولوا سحر مستمر» من أول سورة القمر، وهى توافق فى انتهائها تقريبا نسخة () التي تزيد ببضع آيات، وخط النسخة عادى وغير واضح ولم يعتن فيه بإعجام الحروف، والشكل فيها نادر، وليست مؤرخة ولعلها من مخطوطات القرن السادس، وقد أدخل الناسخ بعض الأسماء الأجنبية عن النص فى صلب النص أو لعله نقل ما وجده فى الأصل الذي نسخ عنه، ومهما كان فهذا من الأمثلة على قيمة هذه النسخة ودرجة العناية بها.
نسخة تونس [559 تفسير- 107 ق- 24- 25 س- 22 15 سم] رمزها عند الإشارة إليها فى الحواشي حرف () وخطها نسخ، وتاريخ
__________
(1) هذا هو رقم النسخة فى مكتبة جامعة القاهرة. [.....](المقدمة/22)
كتابتها سنة 1029، وفى آخرها: «تم كتاب المجاز فى تفسير غريب القرآن عن أبى عبيدة معمر بن المثنى» .
نسخة دار الكتب: [586 تفسير- 29 ق- 24 س] رمزها فى الحواشي () وهى عبارة عن ربع الكتاب من أوله، وقد نقلت عن نسخة تونس فى سنة 1319 هـ، وخطها مغربىّ.
الصلة بين النسخ
ولم يكن الحصول على أصول متعددة كافيا لإخراج الكتاب كما كنت أتوقع، بل أوجد العثور عليها صعوبات مختلفة أصبح من العسير التغلب عليها فكل نسخة من هذه الأصول لها مشاكلها الخاصة بها، ولهذا كان أول الواجبات فى هذا السبيل أن نعرف أوجه القرابة التي بين هذه الأصول فبذلك وحده نستطيع الاتجاه فى عملنا هذا على هدى وبصيرة.
جاء فى أول النسخة () ، وهى رواية ثابت بن أبى ثابت عن الأثرم عن أبى عبيدة أن هذه الرواية قرأها الأثرم على أبى عبيدة مرتين، وقرأها أبو عبيدة على الأثرم مرة. ومعنى هذا أن هناك أصلا له بأبى عبيدة هذه الصلة الوثيقة، وأن نسخة () هذه لها بهذا الأصل صلة. ولو أن هذا كان مطابقا للنتائج التي أوصلتنا إليها دراستنا لهذه النسخة لكانت ثقتنا بهذه النسخة بالغة، ولكن الدرس أثبت أن هناك رواية أخرى اختلطت بنسختنا هذه، وبذلك فقدت أصالتها التي تدل عليها هذه الديباجة.
والذي يدفعنا إلى هذا أن هناك فى كلا الأصلين (-) مقدمة للكتاب مفصّلة لأنواع المجاز نظن أنها من هذا الأصل الذي قرىء على المؤلف، والذي لم يصلنا منه إلا هذه المقدمة، ثم بعد هذه المقدمة تبتدئ رواية أخرى لم تقرأ- فيما نقدّر- على المؤلف، بل ربما كانت من نسخ المجاز التي صدرت عن أبى عبيدة قديما، وقد جدّت بعدها نسخ أخرى أكثر تفصيلا منها، ولذلك فهى(المقدمة/23)
تحمل من الفروق ما لا نستطيع أن ندخله فى نطاق عمل النساخ حيث إنه مميزات أكاملة لرواية أو نسخة أخرى وتتضح هذه الفروق بين الأصل المقروء على المؤلف خيرا والرواية الأخرى المضافة إليه من جهة، وبين نسخة () من جهة أخرى فى الصفحات (17- 19) حتى نهاية تفسير سورة فاتحة الكتاب، ثم تبدو الفروق الواسعة بحيث يكاد يتعذر الجمع بين روايتى النسختين (-) فى تفسير سورة النساء. «1»
أما الذي أضاف هذه المقدمة فنظن أنه الأثرم، يدلنا على هذا أنها توجد فى الروايتين المختلفتين عنه معا.
وحينما نصل إلى الجزء الثاني فى نسخة () يختلف الأمر عن الجزء الأول منها تماما. فهو قد بلغنا برواية أخرى تختلف عن الروايتين اللتين تكوّنان لجزء الأول، ولعل هذه الرواية هى رواية يرويها المبرد عن التوزى.
الصلة بين () و ( ... )
__________
(1) ونستمر فى المقارنة بين الأصلين فنجد الأصل () يختلف جزآه الأول والثاني عن الأصل () فالجزء الأول من () موجز بالنسبة إلى الجزء الأول من () ، وجزؤه الثاني يزيد من حيث شواهده على الجزء الثاني من () .
ثم نجد على حواشى الجزء الثاني من () تعليقات وتصحيحات من رواية أبى حاتم السجستاني لكتاب المجاز، وهى الرواية التي تمتاز بأنها تحمل آراء أبى حاتم وانتقاداته لأبى عبيدة، على حين أن الجزء الأول يخلو من هذه التعليقات تماما.
أما الصلة بين النسخ: (..) فقد دلتنى المقابلة بينها على أن نسخة تونس فرع مباشر أو غير مباشر لنسخة مراد منلا فالفروق واحدة، والأخطاء مشتركة، والبياض إذا وجد فى النسخة التونسية وجد فى الأصل إما ملصقا عليه وريقة أو هو محروم قد أكلته الأرضة إلخ.(المقدمة/24)
وقد صرح ناسخ نسخة القاهرة بأنه نقلها عن نسخة تونس فهى فرع ناقص لنسخة تونس المتفرعة عن () .
وبهذا الاشتراك فى الفروق وفى البياض والأخطاء فى الكلمات وفى كتابة الآيات، وفيما أضيف من تفاسير الآيات إلى أواخر السور- قوى عندى أن نسخة مكة المكرمة تتصل بنسخة مراد منلا بوجه من الوجوه إما أنها فرع عنها حيث إنها أحدث عهدا، وإما أنهما معا صدرا عن أصل واحد لم يصل إلينا.
وهنا نتساءل عن مصدر هذه الفروق بين النسخ التي بين أيدينا من «المجاز» وللجواب عن هذا عدة احتمالات فأبو عبيدة أملى كتابه مرات، وتعدّد الإملاء من شأنه أن يدخل تعديلات مختلفة على النص بالزيادة أحيانا وبالنقص أخرى، وهى فى حالتيها تتصل بالناحية اللفظية ولا تمس المعنى أحيانا، وتتجاوزها إلى التعديل فى المعنى أحيانا أخرى هذه ناحية، ثم رواة الكتاب الذين سمعوه من المؤلف تختلف مستوياتهم العلمية فيكتبون كلّ حسب علمه وحاجته من غير التزام للنص الذي يمليه المؤلف فيختلف ما يكتبون. ثم قصدهم من هذا الكتاب الذي يسمعونه مختلف فبعضهم يقصد إلى روايته فيحرص على النص ويحافظ عليه، والبعض الآخر يقصد إلى فهم النص عن المؤلف فلا يلتزم ألفاظه، ثم- على ممر الزمن- تصبح هذه النسخ التي قصد فيها إلى المعنى نصا يسند إلى هذا المؤلّف، وهى ناحية أخرى تنشأ عنها هذه الفروق فهذا وإليه عوامل أخرى- كله مما لعله أن يكون قد أثر فى وجود هذا الخلاف المتباعد الأطراف بين نسخ «المجاز» .
فهذه هى نسخ المجاز التي بين أيدينا الآن، وليس الخلاف بينها بالأمر الجديد فقد كانت منذ القديم مختلفة، وتدلنا النصوص المنقولة عنها أن الرواية التي كان يعتمد عليها القاسم بن سلام، والطبري، والجوهري، كانت تشبه نسخة () ،(المقدمة/25)
وأن أبا على الفارسي، وابن دريد، وابن برى، والقرطبي، والسجاوندى كانوا يعتمدون على نسخة شبيهة بنسخة () ، كما تدل أيضا على أن نسخة البخاري وابن قتيبة، والمبرد، والزجاج، والنحاس كانت رواية أخرى غير الروايتين اللتين عندنا معا.
عملنا فى هذا الكتاب
دلتنا المقارنة على أن نسخة إلى قدمها أوفى وأكمل، ثم حظها من العناية غير قليل، ولذلك اتخذناها أصلا، ووضعنا الفروق بينها وبين غيرها فى حواشى الكتاب. على أن هذا الاختيار لم يمكن اتباعه وتطبيقه على عمومه، بل ارتكبنا نوعا من التلفيق واختيار للأصل الآخر حيث وجدنا نصّه أكمل أو أصح.
وقد وردت فى بعض الأصول أسماء لبعض معاصرى أبى عبيدة مثل الفراء والأصمعى فرجحنا دائما الرواية التي لا تحوى هذه الأسماء أما ما ورد من أسماء رواة الكتاب فقد أثبتناه بين نجمتين هكذا:.....
هذا وقد عرضنا نص المجاز كما ورد فى هذه الأصول على المراجع التي نقلت عنه، وشواهده على المجاميع والدواوين الشعرية وكتب اللغة. وكان هذا العرض ضروريا بقدر ما كان مفيدا.
ووردت الآيات على ترتيب المصحف، فإذا خالفت الأصول هذا الترتيب نقلنا الآية أو الآيات إلى موضعها من ترتيب المصحف. أما الشواهد الشعرية فقد وضعنا بجانبها رقما مسلسلا، فإذا ما تكرر ورود الشاهد وضعنا رقمه الذي ورد به لأول مرة فى الكتاب بين قوسين، وعنينا بتخريج هذه الشواهد وبالإشارة إلى مكان ورودها. ولم نلتفت إلى شرح الكلمات الغريبة إلا نادرا.(المقدمة/26)
وبعد فهذا هو الجزء الأول من مجاز القرآن أقدمه تقدمة أولى للقارىء العربي بعد أن ظل محجّبا عن الأعين طوال هذه القرون، ولست أزعم أننى قد انتهيت منه بل إننى مؤمن أنها ليست إلا محاولة أولى تتبعها أخوات لها ربما كانت أدق منها وأوسع، ومع ذلك فإنى أرجو أن يكون التوفيق قد صاحبنى فى هذه المحاولة الشاقة.
وعلىّ قبل أن أنهى هذه الكلمة أن أعترف بالجميل لأستاذى العلامة هلموت ريتر الذي حبّب إلى هذا الموضوع وأشرف على سيرى فيه.
وللعلامة محمد بن تاويت الطنجى الذي أدين له بشىء كثير فى إخراج هذا الكتاب فقد قرأ مسوداته وصحح أخطاء كانت بها، ثم أشرف على طبعه فالله يجزيه عن العلم خير الجزاء. كما أتوجه بالشكر الجزيل للعلامة أمين الخولي أستاذ التفسير بجامعة القاهرة حيث تفضل بقراءة هذا الجزء ولا حظ عليه ملاحظات قيمة كما تفضل بكتابة التصدير الذي نثبته فى أول الكتاب.
محمد فؤاد سزكين(المقدمة/27)
الرموز المستعملة فى مقدمة الكتاب وحواشيه
: نسخة مكتبة مراد منلا (إستانبول) : نسخة إسماعيل صائب (آنقرة) : نسخة مكة المكرمة (نسخة خاصة) : نسخة مكتبة الزيتونة (تونس) : نسخة دار الكتب المصرية (القاهرة) [] استعملنا هذين المربعين لبيان ثلاثة أشياء:
1- ما أدخلناه فى صلب النص عن نسخة من النسخ غير النسخة التي اعتبرناها أصلا 2- ما أدخلناه فى صلب النص مما وجدناه على حواشى نسخة من النسخ على أنه رواية نسخة أخرى للكتاب 3- ما أحسسناه بضرورة إدخاله على النص وهو مما روته المراجع عن كتاب أبى عبيدة هذا.
: للدلالة على أن ما بينهما هو كلام راوى الكتاب علقه على كلام المؤلف ولم نبح لنفسنا إبعاد مثل هذه الإضافات عن النص إذ كان رواة الكتب القديمة يجيزونها ويرون أنها مما لا خطر فيه.
: الأرقام الموجودة بين قوسين بجانب الشواهد الشعرية تدل على أن الشاهد قد مر بالرقم المحصور بين قوسين.(المقدمة/28)
بيان تفصيلى بالمصادر كما ذكرت فى الحواشي مختصرة
ابن برى: التنبيه والإفصاح عما وقع فى كتاب الصحاح لأبى عبد الله محمد ابن برى: الجزءان الثاني والثالث منه فى مدينة قونية (الثالث فى مكتبة يوسف آغا- فرع قرمان رقم 124، والثاني فى ملك شخص) .
ابن خلكان: وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان تأليف القاضي أحمد الشهير بابن خلكان. جزء 1- 2. بولاق 1275.
ابن سعد: كتاب الطبقات الكبير. ليدن 1904- 1928.
ابن الشجري: انظر أمالى ابن الشجري.
ابن مطرف: انظر القرطين.
ابن يعيش: شرح المفصل لابن يعيش. ليبسيك 1882.
الإتقان: ... فى علوم القرآن لجلال الدين السيوطي. جزء 1- 2 مصر 1287.
أخبار النحويين للسيرافى: كتاب أخبار النحويين البصريين تأليف أبى سعيد الحسن بن عبد الله السيرافي باعتناء كرنكو. بيروت 1936.
أدب الكاتب: ... تأليف أبى محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري.
ليدن 1901.
الإرشاد: معجم الأدباء فى عشرين جزءا لياقوت مصر.
الأساس: أساس البلاغة تأليف أبى القاسم محمود بن عمر الزمخشري.
جزء 1- 2. دار الكتب المصرية 1341/ 1922.
الاستيعاب: ... فى معرفة الأصحاب لابن عبد البر الأندلسى جزء 1- 2.
حيدرآباد 1319.(المقدمة/29)
أسرار العربية: ... تأليف كمال الدين أبى البركات عبد الرحمن بن محمد بن أبى سعيد الأنبارى، ليدن 1886.
الاشتقاق: ... لأبى بكر بن دريد. نشر وستنفلد، جوتنجن 1854.
الإصابة: ... فى تمييز الصحابة لابن حجر العسقلاني. جزء 1- 20، كلكته 1848- 1873.
الأصمعيات: مجموع أشعار العرب وهو مشتمل على الأصمعيات. نشر أهلورد، ليبسيك 1903.
إصلاح المنطق: ... لابن السكيت، نشر أحمد محمد شاكر وعبد السلام هارون، القاهرة 1949.
الأضداد لأبى حاتم: ... تأليف أبى حاتم سهل بن محمد بن عثمان السجستاني (أحد ثلاثة كتب فى الاضداد من ص 70 إلى ص 162) نشر أوغست هفنر، بيروت 1912.
الأضداد لابن السكيت: ... تأليف أبى يوسف يعقوب بن إسحاق السكيت (أحد ثلاثة كتب فى الأضداد من ص 163 إلى ص 220) ، انظر الأضداد لأبى حاتم.
الأضداد لابن الأنبارى: ... تأليف أبى بكر محمد القاسم بن محمد بن بشار ابن الأنبارى، نشر هوتسما، ليدن 1881.
الأضداد لأبى الطيب: ... أبى الطيب عبد الواحدين على اللغوي، مخطوطة مكتبة سليم آغا رقم 893.
الأضداد للأصمعى: ... عن الأصمعى (أحد ثلاثة كتب فى الأضداد من ص 1 إلى ص 70) ، انظر الأضداد لأبى حاتم.
الأعلم: انظر الشنتمرى.(المقدمة/30)
الأغانى: كتاب الأغانى للامام أبى الفرج الاصفهانى. جزء 21، مصر 1322- 1323.
الاقتضاب: الاقتضاب فى شرح أدب الكتاب لابن السيد البطليوسي.
بيروت 1901.
أمالى ابن الشجري: الأمالى الشجرية إملاء الشريف السيد ضياء الدين أبى السعادات هبة الله بن على بن حمزة العلوي الحسنى المعروف بابن الشجري.
حيدرآباد 1349.
الأمالى الصغرى للزجاجى: كتاب الأمالى لأبى القاسم عبد الرحمن بن إسحاق الزجاجي. القاهرة 1324.
أمالى القالي: الأمالى تأليف أبى على إسماعيل بن القاسم القالي البغدادي.
جزء 1- 2. دار الكتب المصرية بالقاهرة 1324.
أمالى المرتضى: أمالى السيد المرتضى الشريف أبى القاسم على بن طاهر أبى احمد الحسين. جزء 1- 4. القاهرة 1335.
الآمدى: انظر المؤتلف.
إنباه الرواة للقفطى: المجلدة الثانية من كتاب إنباه الرواة مما عنى بجمعه ...
أبو الحسن على بن يوسف بن ابراهيم بن عبد الواحد الشيباني القفطي. مخطوطة فيض الله أفندى رقم 1382.
الإنصاف للأنبارى: كتاب الإنصاف فى مسائل الخلاف بين النحويين البصريين والكوفيين صنعة كمال الدين أبى البركات عبد الرحمن بن محمد بن أبى سعيد الأنبارى. ليدن 1913.
الإنصاف للبطليوسى: الإنصاف فى التنبيه على الأسباب التي أوجبت الاختلاف(المقدمة/31)
بين المسلمين فى آرائهم تصنيف الإمام ... أبى محمد عبد الله بن محمد السيد البطليوسي الأندلسى. مصر 1331.
البحر المحيط: ... تأليف أبى عبد الله محمد بن يوسف بن على بن حيان الأندلسى. جزء 1- 8. مصر 1328.
البخاري: صحيح أبى عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم البخاري.
جزء 1- 9. بولاق 1311- 1313.
البغية: بغية الوعاة فى طبقات اللغويين والنحاة تأليف جلال الدين السيوطي. القاهرة 1326.
البلاذري فى أنساب الأشراف: أنساب الأشراف وأخبارهم لأحمد بن يحيى بن جابر ابن داود البلاذري البغدادي. باعتناء وليم أهلورد، طبع حجرغر يفسوالد 1883.
البيان والتبيين: ... لأبى عثمان عمرو بن بحر بن محبوب الجاحظ. جزء 1- 3 نشر حسن السندوبى، القاهرة 1947.
التاج: شرح القاموس المسمى تاج العروس من جواهر القاموس للامام اللغوي محب الدين السيد محمد المرتضى ... الزبيدي. جلد 1- 10. القاهرة 1306- 1307 تاريخ بغداد: ... أو مدينة السلام للحافظ أبى بكر أحمد بن على الخطيب البغدادي. جزء 1- 14. القاهرة 1931.
تاريخ الطبري: تاريخ الأمم والملوك لأبى جعفر محمد بن جرير بن يزيد ابن خالد الطبري. باعتناء دى غويه وغيره من المستشرقين، جزء 1- 13.
ليدن 1876- 1901.
تاريخ عمر بن الخطاب: ... تأليف الإمام جمال الدين أبى الفرج بن لجوزى. القاهرة 1924.(المقدمة/32)
تاريخ دمشق: تاريخ مدينة دمشق لأبى القاسم على بن الحسن ... المعروف بابن عساكر. بتحقيق صلاح الدين المنجد، الجزء الأول. دمشق 1951.
تحفة الأبيه: ... فيمن نسب إلى غير أبيه لمجد الدين محمد بن يعقوب بن محمد الفيروزابادى. الرسالة الرابعة من نوادر المخطوطات بتحقيق عبد السلام هارون. القاهرة 1951.
تذكرة الحفاظ: ... تأليف شمس الدين أبى عبد الله الذهبي. جزء 1- 2.
الطبعة الثانية بحيدرآباد 1333- 1334.
تهذيب الألفاظ: ... ابن السكيت، هذبه التبريزي. جزء 1- 2 باعتنا لويس شيخو. بيروت 1896- 1898.
تهذيب اللغة للأزهرى: ... أبى منصور محمد بن أحمد بن الأزهر بن طلحة الأزهرى. مخطوطة كوبريلى محمد باشا رقم 1526- 1539.
التنبيه للبكرى: التنبيه على أوهام أبى على فى أماليه، تأليف أبى عبيد البكري. دار الكتب المصرية بالقاهرة 1926.
الثعلبي، الكشف والبيان: الجزء الأول من الكشف والبيان عن تفسير القرآن تأليف أبى إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي. مخطوطة جامعة إستانبول رقم 1731 والجزء الثاني فيها رقم 1703.
الجامع المحرر لابن عطية: الجامع المحرر الصحيح الوجيز فى تفسير القرآن العزيز لعبد الحق بن أبى بكر بن عطية. مخطوطة ولى الدين أفندى ببايزيد رقم 95- 97.
الجمحي: طبقات الشعراء تأليف محمد بن سلام الجمحي. ليدن 1916.
الجمهرة: كتاب جمهرة اللغة تأليف الشيخ ... أبى بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدى. جزء 1- 4. حيدرآباد 1342.(المقدمة/33)
جمهرة الأشعار: جمهرة أشعار العرب تأليف أبى زيد محمد بن أبى الخطاب.
القرشي. بولاق 1308.
جمهرة الأمثال: ... لأبى هلال حسن بن عبد الله العسكري. جزء 1- 2 بحاشية مجمع الأمثال.
الجواليقي، شرح أدب الكاتب: ... أبو منصور موهوب بن أبى طاهر.
القاهرة 1350.
الحجة (شهيد على) : الحجة والإغفال لأبى على الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسي، مخطوطة شهيد على باشا رقم 26، 27.
الحجة (مراد منلا) : لأبى على، نسخة مراد منلا رقم 6- 9.
الحصرى، زهر الآداب: زهر الآداب وثمر الألباب لأبى إسحاق الحصرى القيرواني. جزء 1- 3. القاهرة غير مؤرخ، وذيله المسمى ذيل زهر الآداب أو جمع الجواهر فى الملح والنوادر. القاهرة 1353.
الحماسة: شرح ديوان الحماسة ... تأليف أبى زكريا يحى بن على الخطيب التبريزي. جزء 1- 4. القاهرة 1938.
حماسة البحتري: كتاب الحماسة تأليف أبى عبادة الوليد بن عبيد البحتري.
باعتناء لويس شيخو. بيروت 1910.
حياة الحيوان للدميرى: حياة الحيوان الكبرى للدميرى كمال الدين أبى البقاء محمد بن موسى بن عيسى جزء 1- 2. بولاق 1284.
الحيوان للجاحظ: كتاب الحيوان لعمرو بن بحر الجاحظ. جزء 1- 7.
القاهرة، 1938- 1947.
الخزانة: خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب: شرح على شواهد شرح الكافية(المقدمة/34)
لعبد القادر البغدادي. جزء 1- 4. بولاق 1299.
الخيل: كتاب الخيل لأبى عبيدة معمر بن المثنى التيمي. مطبعة دائرة المعارف العثمانية بحيدرآباد، 1358.
الداني: كتاب التيسير فى القراءات السبع تأليف الإمام أبى عمرو عثمان بن سعيد الداني. عنى بتصحيحه أوتوبرتزل. إستانبول 1930.
ديوان ابن قيس الرقيات: ديوان شعر عبد الله بن قيس الرقيات- رواية أبى سعيد السكرى عن أبى جعفر محمد بن حبيب. باعتناء رودو كاناكس. وفينا 1901.
ديوان الأخطل: عنى بطبعه انطون صالحانى بيروت 1891.
ديوان الأسود بن يعفر: شعر أعشى نهشل وهو الأسود بن يعفر التميمي. مع ديوان أعشى ميمون (ص 293- 310) . باعتناء رودولف جاير.
لندن 1928.
ديوان الأعشى: كتاب الصبح المنير فى شعر أبى البصير ميمون بن قيس بن جندل الأعشى. باعتناء رودلف جاير. لندن 1928.
ديوان أعشى همدان: مع ديوان أعشى ميمون (ص 311- 342) .
ديوان امرئ القيس من الستة: انظر العقد الثمين.
ديوان أوس بن حجر: ... باعتناء رودلف جاير. فيينا 1892.
ديوان جرير: شرح ديوان جريره باعتناء محمد بن إسماعيل الصاوى. مصر.
ديوان جرير (القاهرة 1313) : ... جزء 1- 2. القاهرة 1313.
ديوان جيران العود: ... جيران العود النميري رواية أبى سعيد السكرى.
القاهرة 1350.
ديوان الحارث بن حلزة: ... باعتناء كرنكوى 1922.
ديوان حاتم الطائي: ... حاتم بن عبد الله بن سعد. ليبسيك 1897.(المقدمة/35)
ديوان حسان: شرح ديوان حسان بن ثابت الأنصاري. نشر عبد الرحمن البرقوقى. مصر 1929.
ديوان الخرنق: ... باعتناء لويس شيخو. بيروت 1889.
ديوان ذى الرمة: ديوان شعر ذى الرمة وهو غيلان بن عقبة العدوى.
باعتناء مكارتنى. كمبرج 1919.
ديوان رؤبة: الجزء الثالث من مجموع أشعار العرب وهو مشتمل على ديوان رؤبة بن العجاج وعلى أبيات مفردات موثوقات إليه، باعتناء أهلورد. ليبسيك 1903.
ديوان زهير: شرح ديوان زهير بن أبى سلمى، صنعة الإمام أبى العباس الشيباني ثعلب. دار الكتب المصرية 1944.
ديوان السموأل: ديوان السموأل بن عاديا باعتناء لويس شيخو. بيروت 1910.
ديوان الشنفري: شعر الشنفري صنعة عبد العزيز الميمنى (فى الطرائف الأدبية ص 25- 42) . القاهرة 1937.
ديوان طرفة من الستة: انظر العقد الثمين.
ديوان الطرماح: ... بن حكيم الطائي. باعتناء كرنكوى، لندن 1927.
ديوان طفيل بن عوف: ... الغنوي باعتناء كرنكوى (مع ديوان الطرماح) .
لندن 1927.
ديوان عامر بن الطفيل: ... ، لندن 1913.
ديوان عبيد بن الأبرص:..، باعتناء شارل ليال لجنة جيب فى ليدن- لندن 1913.
ديوان العجاج: الجزء الثاني من مجموع أشعار العرب وهو مشتمل على ديوان الأراجيز للعجاج ... باعتناء أهلورد. برلين 1903.(المقدمة/36)
ديوان علقمة: انظر العقد الثمين.
ديوان عمر بن أبى ربيعة: ... أبى الخطاب ... القرشي. باعتناء شوارس.
ليبسيك 1901.
ديوان عنترة: انظر العقد الثمين.
ديوان الفرزدق: شرح ديوان الفرزدق نشر الصاوى. مصر 1936.
ديوان قيس بن الخطيم: شعر قيس بن الخطيم. باعتناء كوالسكى ليبسيك 1914.
ديوان كثير: ... كثير عزة. الجزائر- باريس، 1928- 1930.
ديوان لبيد (الجزء الأول) : ديوان لبيد العامري رواية الطوسي. باعتناء يوسف ضياء الدين الخالدي المقدسي. فيينا 1880. والجزء الثاني منه: باعتناء هوبرو بروكلمان فى ليدن 1891.
ديوان المسيب بن علس: مجموعة ما أنشد المسيب بن علس (مع ديوان أعشى ميمون ص 349- 359) .
ديوان النابغة من الستة: انظر العقد الثمين.
ديوان الهذليين: القسم الأول شعر أبى ذؤيب وساعدة بن جؤية.
دار الكتب المصرية 1945. والقسم الثاني يشتمل على أشعار 15 شاعرا هذليا.
دار الكتب المصرية 1948. والثالث يشتمل على أشعار 18 شاعرا جاهليا.
دار الكتب المصرية 1950.
الراغب: المفردات فى غريب القرآن للشيخ أبى القاسم الحسين ... الراغب الأصفهاني. القاهرة 1324.
رسالة الشافعي: الرسالة للامام الشافعي محمد بن إدريس. بعناية أحمد محمد شاكر. القاهرة 1358.(المقدمة/37)
الروض: الروض الأنف فى تفسير ما اشتمل عليه حديث السيرة النبوية لابن هشام، للامام ... أبى القاسم عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد السهيلي.
جزء 1- 2. القاهرة 1332.
الزبيدي: أبو بكر الزبيدي، طبقات النحويين. مخطوطة نور عثمانية، (مع منتخب المقتبس) .
الزجاج (كوبريلى، الأول) : الجزء الأول من معانى القرآن لأبى إسحاق ابراهيم الزجاج. مخطوطة كوبريلى محمد باشا رقم 43. و (كوبريلى، الثاني) :
الجزء الثاني منه، مخطوطة كوبريلى محمد باشا رقم 42.
الزجاج (بايزيد) : الجزء الأول منه أيضا بمكتبة بايزيد رقم 247.
سيبويه: سيبويه، الكتاب. جزء 1- 2، بعناية ديرنبرج، باريس 1881- 1889.
السجاوندى: عين المعاني لمحمد بن أبى طيفور بن إسماعيل السجاوندى (الجزء الأول إلى آخر سورة الكهف) . نسخة كوبريلى محمد باشا رقم 108.
السيرة: سيرة رسول الله لمحمد بن إسحاق رواية عبد الملك بن هشام.
نشر وستنفلد. جوتنجن 1859.
السيرة: (فى حاشية الروض) : ... جزء 1- 2.
السيوطي، طبقات المفسرين: ... باعتناء مرسنج، ليدن 1839.
الشذرات: شذرات الذهب فى أخبار من ذهب لابن العماد الحنبلي جزء 1- 8. القاهرة 1350- 1351.
شرح العشر: شرح القصائد العشر وهى السبع المعلقات وقصيدة الأعشى اللامية وقصيدة النابغة الدالية وقصيدة عبيد بن الأبرص البائية. تصنيف الخطيب أبى زكريا التبريزي. باعتناء ليال، كلكته 1894.(المقدمة/38)
شرح الكامل: رغبة الآمل من كتاب الكامل. لسيد بن على المرصفى.
جزء 1- 8. مصر 1927- 1930.
شرح المضنون به على غير أهله لعبيد الله. القاهرة 1913- 1915.
شرح المفضليات: انظر المفضليات.
شرح المقامات للشريشى: شرح المقامات الحريرية لأبى العباس أحمد بن عبد المؤمن القيسي الشريشى. جزء 1- 2. بولاق 1300.
الشعرا: الشعر والشعراء وقيل طبقات الشعراء تأليف أبى محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة. جزء 1- 2. باعتناء دى غويه، ليدن 4/ 1902.
شعراء النصرانية: ... جمعه لويس شيخو. جزء 1- 2. بيروت 1867.
الشنتمرى: تحصيل عين الذهب من معدن جوهر الأدب فى علم مجازات العرب لمؤلفه ... يوسف بن سليمان بن عيسى الشنتمرى (بحاشية الكتاب لسيبويه) . جزء 1- 2. القاهرة 1316.
شواهد الكشاف: شرح شواهد الكشاف لمحب الدين أفندى. بولاق 1281.
شواهد المغني: شرح شواهد المغني تأليف جلال الدين عبد الرحمن بن أبى بكر السيوطي. القاهرة 1322.
الصحاح: تاج اللغة وصحاح العربية تصنيف أبى نصر إسماعيل بن حماد الجوهري. جزء 1- 2. بولاق 1292.
ضحى الإسلام: ... تأليف أحمد أمين. جزء 1- 3. القاهرة 9/ 1946.
الطبري: جامع البيان فى تفسير القرآن لأبى جعفر محمد بن جرير الطبري.
جزء 1- 30. مصر 1321.
طرف عربية: ... جمع الشيخ عمر السويدى. باعتناء لا ندبرج. ليدن 1894.(المقدمة/39)
العقد الثمين: ... فى دواوين الشعراء الستة الجاهليين، وهى: ديوان النابغة الذبياني وديوان عنترة وطرفة بن العبد وزهير وعلقمة وامرئ القيس. ليدن 1870.
العقد الفريد: ... لابن عبد ربه. جزء 1- 4. القاهرة 1336.
عمدة القاري: ... لشرح صحيح البخاري للعلامة العيني. جزء 1- 11.
إستانبول 11/ 1308.
العيني: المقاصد النحوية فى شرح شواهد شروح الألفية ... المشهور بشرح الشواهد الكبرى للامام العيني محمود جزء 1- 4 (بحاشية خزانة الأدب) .
بولاق 1299.
عيون الأخبار::.. تأليف أبى محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري.
جزء 1- 4. دار الكتب المصرية 30/ 1925.
غاية النهاية: ... فى طبقات القراء تأليف شمس الدين محمد بن الجزري.
جزء 1- 2 باعتناء برجستراسر. مصر 3/ 1932.
غريب القرآن للسجستانى: تفسير غريب القرآن المسمى بنزهة القلوب للامام أبى بكر محمد بن عزيز السجستاني. مطبعة محمد على صبيح. غير مؤرخ.
غريب القرآن لليزيدى: كتاب غريب القرآن وتفسيره رواية أبى عبد الله محمد بن العباس بن محمد بن يحيى بن المبارك اليزيدي عن عمه الفضل بن محمد وعمه ... ، مخطوطة كوبريلى محمد باشا رقم 205.
الغريبين: كتاب الغريبين غريب القرآن والحديث تأليف أبى عبد الله أحمد بن محمد بن محمد الهروي مخطوطتا كوبريلى محمد باشا رقم 265، 379.
فتح الباري: ... بشرح صحيح الإمام أبى عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري ...
لأبى الفضل شهاب الدين أحمد بن على بن حجر العسقلاني. جزء 1- 13.
بولاق، 1300- 1301.(المقدمة/40)
الفرائد: فرائد اللآل فى مجمع الأمثال لإبراهيم بن السيد على الأحدب الطرابلسي. جزء 1- 2. بيروت 1311.
فعلت وأفعلت للزجاج: ... تأليف أبى إسحاق ابراهيم بن محمد السرى ابن سهل النحوي الزجاج. (فى الطرف الأدبية لطلاب العلوم العربية ص 129- 188) . القاهرة 1325.
فهرس الطوسي: (او فهرست كتب الشيعة) لأبى جعفر الطوسي. كلكته 1853.
فهرست ابن خير: فهرسته وما رواه عن شيوخه من الدواوين المصنفة فى ضروب العلم وأنواع المعارف، الشيخ.. أبو بكر محمد بن خير بن عمر بن خليفة الأموى الإشبيلى. طبع ضمن المكتبة الأندلسية. مدريد 95/ 1893.
القرطبي: الجامع لأحكام القرآن لأبى عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي. جزء 1- 20. دار الكتب المصرية بالقاهرة 50/ 1923.
القرطين: ... لابن مطرف الكناني أو كتابى مشكل القرآن وغريبه لابن قتيبة. جزء 1- 2 القاهرة 1355.
القسطلاني: إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري للعلامة القسطلاني.
جزء 1- 10. بولاق 6/ 1304.
الكامل لابن الأثير: كتاب الكامل فى التاريخ تأليف الشيخ عز الدين أبى الحسن على بن محمد بن محمد بن عبد الكريم المعروف بابن الأثير.
جزء 1- 4. ليدن 74/ 1866.
الكتاب: انظر سيبويه.
كتاب المعاني الكبير: ... فى أبيات المعاني لابن قتيبة الدينوري.
جزء 1- 3. حيدرآباد 1949.(المقدمة/41)
كتاب من نسب إلى أمه: ... من الشعراء صنعة محمد بن حبيب.
الرسالة الثالثة من نوادر المخطوطات رقم 21 بتحقيق عبد السلام هارون.
القاهرة 1951.
كنايات الجرجاني: المنتخب من كنايات الأدباء وإشارة البلغاء للقاضى أبى العباس أحمد بن محمد الجرجاني. القاهرة 1908.
الكنى والأسماء: تأليف أبى بشر محمد بن أحمد بن حماد الدولابي.
جزء 1- 2. حيدرآباد 1322.
اللسان: لسان العرب للامام أبى الفضل جمال الدين محمد بن مكرم بن منظور. جزء 1- 20. بولاق 8/ 1300.
مجالس ثعلب: ... لأبى العباس أحمد بن يحى ثعلب. جزء 1- 2. بتحقيق عبد السلام هارون. القاهرة 1948.
مختار أخبار النحويين مختار فى كتاب المقتبس للمرزبانى أختاره على بن حسن ابن معاوية. مخطوطة مكتبة شهيد على رقم 2515.
مختارات الشعراء: مختارات شعراء العرب رواية العلامة ... هبة الله بن على ابن محمد بن حمزة العلوي الحسنى المعروف بابن الشجري. القاهرة 1306.
المخصص: كتاب المخصص تأليف أبى الحسن على بن إسماعيل النحوي الأندلسى المعروف بابن سيده. جزء 1- 17. بولاق 9/ 1316.
المرزباني، معجم الشعراء: معجم الشعراء للامام أبى عبيد الله محمد بن عمران المرزباني. (مع المؤتلف للآمدى) نشر كرنكو، القاهرة 1354.
المزهر: فى علوم اللغة وأنواعها لجلال الدين عبد الرحمن السيوطي. جزء 1- 2.
دار إحياء الكتب العربية غير مؤرخ.(المقدمة/42)
المسعودي: مروج الذهب لأبى الحسن على بن الحسين المسعودي. جزء 1- 8 باعتناء دى مينارودى كورتل، باريس 71/ 1861.
مسلم: الجامع الصحيح تأليف أبى الحسين مسلم القشيري. جزء 1- 8.
المطبعة العامرة 33/ 1329.
مشكل القرآن: ... تأليف أبى محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري نسخة فيض الله أفندى رقم 232.
المعارف لابن قتيبة: كتاب المعارف تأليف أبى محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري. القاهرة 1300.
معانى الشعر للأشلندانى: ... أبى عمّان سعيد بن هارون الأشنندانى.
دمشق 1922.
معانى القرآن للفراء: كتاب معانى القرآن لأبى زكريا يحى بن زياد الفراء.
نسخة بغدادلى وهبى رقم 66.
معانى القرآن للنحاس: ... أبى جعفر أحمد بن محمد بن إسماعيل النحاس (الجزء الأول فقط) . نسخة دار الكتب المصرية تفسير 385.
معاهد التنصيص: ... لعبد الرحيم العباسي. بولاق 1274.
معجم البلدان: ... تأليف شهاب الدين أبى عبد الله ياقوت بن عبد الله الحموي. جزء 1- 6. باعتناء وستنفلد. ليبسيك 1866.
معجم ما استعجم: ... من أسماء البلاد والمواضع تأليف أبى عبيد عبد الله ابن عزيز البكري. جزء 1- 3. باعتناء مصطفى السقا. القاهرة 1945- 1950.
المعرب للجواليقى: المعرب من الكلام الأعجمى على حروف المعجم لأبى منصور الجواليقي، نشر احمد محمد شاكر، القاهرة 1361.(المقدمة/43)
المعرين: كتاب المعمرين من العرب وطرف من أخبارهم وما قالوه فى منتهى معارفهم تأليف أبى حاتم سهل بن محمد بن عثمان السجستاني مصر 1223.
المفصل للزمخشرى: المفصل فى النحو لأبى القاسم محمود بن عمر الزمخشري.
باعتناء بروخ. خريستيانيا 1859.
المفضليات: ديوان المفضليات مع شرح أبى محمد القاسم الأنبارى. بعناية ليال، بيروت 20/ 1908 والفهارس من عمل بيوان، ليدن 1924.
مقالات الإسلاميين: ... لأبى الحسن الأشعري. جزء 1- 2 والفهرست.
بتحقيق هـ. ريتر إستانبول 33/ 1928.
المؤتلف للآمدى: المؤتلف والمختلف فى أسماء الشعراء وكناهم وألقابهم وأنسابهم وبعض أشعارهم تأليف أبى القاسم الحسن بن بشر بن يحى الآمدى (مع معجم الشعراء للمرزبانى) باعتناء كرنكوى.
القاهرة 1354.
الموشح للمرزبانى: الموشح فى مآخذ العلماء على الشعراء تأليف أبى عبيد الله محمد بن عمران المرزباني. القاهرة 1354.
الميداني: مجمع الأمثال لأبى الفضل أحمد بن محمد النيسابورى المعروف بالميداني.
جزء 1- 2. القاهرة 1310.
النجوم الزاهرة: ... فى ملوك مصر والقاهرة تأليف جمال الدين أبى المحاسن يوسف بن تغرى بردى. جزء 1- 10. القاهرة 49- 1929.
نزهة الألباء:.. فى طبقات الأدباء تأليف أبى البركات عبد الرحمن بن محمد الأنبارى. القاهرة 1294.
نظام الغريب للربعى: كتاب نظام الغريب إملاء الشيخ الأديب عيسى بن إبراهيم بن محمد الربعي. نشر بولس برونله، مطبعة هندية بالموسكى بمصر غير مؤرخ.(المقدمة/44)
نفح الطيب: ... من غصن الأندلس الرطيب وذكر وزيرها لسان الدين ابن خطيب. جلد 1- 2. ليدن 61/ 1855.
النقائض: نقائض جرير والفرزدق. باعتناء بيوان. ليدن 12/ 1905.
النوادر لأبى زيد: النوادر فى اللغة لأبى زيد سعيد بن أوس بن ثابت الأنصاري. بيروت 1894.
الهاشميات: ... للكميت بن زيد الأسدى بتفسير أبى رياش أحمد بن إبراهيم القيسي. باعتناء هورويتس 1904.
هدى الساري: ... لفتح الباري مقدمة شرح صحيح البخاري لشيخ الإسلام شهاب الدين بن حجر العسقلاني. بولاق 1301.
وفيات الأعيان: انظر ابن خلكان.
اليافعي: مرآة الجنان وعبرة اليقظان فى معرفة ما يعتبر من حوادث الزمان تأليف أبى محمد عبد الله بن أسعد اليافعي اليمنى. جزء 1- 4 حيدرآباد 39/ 1337.(المقدمة/45)
صورة عنوان الكتاب من نسخة إسماعيل صائب (آنقرة)(المقدمة/46)
صورة الصفحة الأولى من نسخة إسماعيل صائب (آنقره)(المقدمة/47)
صورة الصفحة الأولى من نسخة مراد منلا (إستانبول)(المقدمة/48)
صورة الصفحة الأخيرة للجزء الأول من نسخة إسماعيل صائب (آنقرة)(المقدمة/49)
صورة الصفحة الأخيرة من نسخة مراد منلا (إستانبول)(المقدمة/50)
مجاز القرآن صنعة أبى عبيدة معمر بن المثنّى التّيمىّ المتوفّى سنة 210 هـ(المقدمة/51)
الجزء الأول
مقدمة المؤلف
بسم الله الرّحمن الرّحيم حدثنا أبو الحسين محمد بن هارون الزّنجانى الثقفي، «1» قال: أخبرنا أبو الحسن على بن عبد العزيز، «2» قال: حدثنا على بن المغيرة الأثرم،»
عن أبى عبيدة معمر بن المثنّى التّيمى، قال: «4» القرآن: اسم كتاب الله خاصّة، ولا يسمّى به شىء من سائر الكتب غيره، وإنما سمّى قرآنا لأنه يجمع السور فيضمها، «5» وتفسير ذلك فى آية من القرآن
__________
(1) لم أقف على ترجمة أبى الحسين الزنجاني هذا.
(2) . (2- 3) أبو الحسن.. عبد العزيز: كان عالما باللغة، أخذ عن أبى عبيد القاسم بن سلام، وروى عنه على بن إبراهيم القطان، وتوفى سنة سبع وثمانين ومائتين. راجع ترجمته فى نزهة الألباء 279، الفهرست لابن النديم 71، النجوم الزاهرة 3/ 121 ويذكر اسمه الخطيب (12/ 403) فى ترجمة أبى عبيد، وقد ذكره الثعلبي فى الكشف والبيان (نسخة جامعة إستانبول 1/ 16) فى سلسلة من رووا كتابى المعاني للكسائى ولأبى عبيد.
(3) على.. الأثرم: هو صاحب النحو واللغة والغريب، سمع أبا عبيدة معمر بن المثنى، وأبا سعيد الأصمعى، وروى عنه الزبير بن بكار، وأبو العباس ثعلب، وغيرهما، وتوفى سنة 23. وروى أن إسماعيل بن صبيح الكاتب، قد أقدم أبا عبيدة من البصرة فى أيام الرشيد إلى بغداد، وأحضر الأثرم وهو يؤمئذ وراق، وجعله فى دار من دوره وأغلق عليه الباب ودفع إليه كتب أبى عبيدة. وأمره بنسخها ... إلخ. أنظر ترجمة الأثرم فى تاريخ بغداد 12/ 108، وإرشاد الأريب 15/ 77، والبغية 355.
(4) . (2- 4) وأبو محمد ثابت الذي ورد فى رواية: هو ثابت بن أبى ثابت عبد العزيز اللغوي، يروى عن أبى عبيد القاسم بن سلام، وأبى الحسن على بن المغيرة الأثرم، واللحيانى، وغيرهما، وهو من أهل العراق جليل القدر موثوق به مقبول القول فى اللغة.
والذي وصلنا من تآليفه فيما أعلم هو كتاب «خلق الإنسان» المحفوظ فى مكتبة تيمور، 1142 شعر. وانظر ترجمته فى إرشاد الأريب 7/ 142، والبغية 210.
(5) . (4- 5) «القرآن ... فيضمها» : نقل أبو بكر السجستاني هذا الكلام برمته فى غريب القرآن 143، وأشار إليه البخاري (6/ 7) بقوله: وقال غيره سمى القرآن لجماعة السور، وسميت السورة لأنها مقطوعة من الأخرى، فلما قرن بعضها إلى بعض سمى قرآنا، وقال الشارح ابن حجر: هو قول أبى عبيدة فى أول «المجاز» ، وفى رواية أبى جعفر المصادرى عنه: سمى القرآن لجماعة السور، فذكر مثله سواء، وجوز الكرماني فى قراءة هذه اللفظة، وهى: «لجماعة» وجهين، إما بفتح الجيم وآخرها تاء تأنيث بمعنى الجميع، وإما بكسر الجيم وآخرها ضمير يعود على القرآن (فتح الباري 8/ 339) .(1/1)
قال الله جلّ ثناؤه: «إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ»
(75/ 18) . مجازه: تأليف بعضه إلى بعض ثم قال: «فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ»
(75/ 18) مجازه:
فإذا ألّفنا منه شيئا، فضممناه إليك فخذ به، واعمل به وضمّه إليك وقال عمرو ابن كلثوم في هذا المعنى:
ذراعى حرّة أدماء بكر ... هجان اللّون لم تقرأ جنينا «1»
__________
(1) البيت من معلقته، وانفرد أبو عبيدة بهذه الرواية، أنظر شرح العشر للتبريزى 111، وهو فى جمهرة الأشعار 76، والأضداد للأصمعى 6، والطبري 29/ 102، والجمهرة 1/ 228، والقرطبي 3/ 114، واللسان والتاج (قرأ) .(1/2)
أي لم تضمّ فى رحمها ولدا قط، «1» ويقال للتى لم تحمل قط: ما قرأت سلى قط. وفى آية أخرى: «فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ» (16/ 98) مجازه: إذا تلوت بعضه فى إثر بعض، حتى يجتمع وينضمّ بعضه إلى بعض ومعناه يصير إلى معنى التأليف والجمع.
وإنما سمّى القرآن فرقانا لأنه يفرق بين الحق والباطل، وبين المسلم والكافر، وخرج تقديره على تقدير: رجل قنعان، والمعنى أنه يرضى الخصمان والمختلفان فى الأمر بحكمه بينهما ويقنعان به.
والسورة من القرآن يهمزها بعضهم، وبعضهم لا يهمزها، وإنما سمّيت سورة فى لغة من لا يهمزها، لأنه يجعل مجازها «2» مجاز منزلة إلى منزلة أخرى، كمجاز سورة البناء، قال النابغة الذبياني:
__________
(1) «أي لم تضم ... قط» : رواه أبو الطيب اللغوي عن أبى عبيدة (الأضداد 80 ب) ، وهو فى الأضداد للاصمعى 6، وأخذه البخاري، وقال ابن حجر: هو قول أبى عبيدة أيضا قاله فى المجاز رواية أبى جعفر المصادرى عنه، وأنشد قول الشاعر: «هجان» البيت.
والسلى بفتح المهملة وتخفيف اللام. وحاصله أن القرآن عنده من «قرأ» بمعنى جمع، لا من «قرأ» بمعنى تلا. (فتح الباري 8/ 340)
(2) «مجازها ... سورة» : وسيأتى فى نفس هذا الكتاب، وروى ابن عطية أن أبا عبيدة قال فى تفسيره: معنى السورة، إنما اختلف فى هذا، فكان سور القرآن من قطعة بعد قطعة حتى كمل منها القرآن (المحرر الوجيز 1/ 6 آ) ، وفى جمهرة اللغة: (2/ 338) والسورة من القرآن كأنها درجة أو منزلة يفضى منها إلى غيرها فى لغة من لم يهمز.
وفى تفسير ابن كثير (1/ 18) : فكان القارئ ينتقل بها من منزلة إلى منزلة.
وفى التاج (سور) : لأنها منزلة بعد منزلة مقطوعة عن الأخرى.(1/3)
ألم تر أن الله أعطاك سورة ... ترى كل ملك دونها يتذبذب
2 أي منزلة شرف ارتفعت إليها عن منازل الملوك، غير أن جمع سورة القرآن خالف جمع سورة البناء فى لغة من همز سورة القرآن، وفى لغة من لم يهمزها قالوا جميعا فى جمع سورة القرآن «سور» الواو مفتوحة كما قال:
لا يقرأن بالسور «1» فخرج جمعها مخرج جمع ظلمة والجميع ظلم ونحو ذلك، وقالوا جميعا فى جمع سورة البناء «2» سور الواو ساكنة، فخرج جمعها مخرج جمع بسرة والجميع بسر قال العجّاج:
__________
(1) هذه القطعة من بيت تمامه:
هن الحرائر لا ربّات أخمرة ... سود المحاجر لا يقرأن بالسور
وقد أنشده أبو عبيدة فى تفسير آية أخرى من هذا الكتاب بغير عزو، وسيأنى، ونسبه بعضهم إلى الراعي، وقال صاحب الخزانة (3/ 668) : والبيت وقع فى شعرين أحدهما للراعى النميري، والثاني للقتال الكلابي، وهو فى الجمهرة 3/ 414، والصحاح، اللسان، التاج (سور) ، والقرطبي 1/ 158، 3/ 115، وشواهد المغني 116.
(2) «سورة البناء» : قال فى اللسان (سور) : وأما أبو عبيدة فإنه زعم أنه مشتق من سورة البناء ... واحتج أبو عبيدة بقوله: «سرت إليه ... » إلخ. وروى الأزهرى بسنده عن أبى الهيثم أنه رد على أبى عبيدة قوله، وقال: إنما تجمع فعلة على فعل بسكون العين إذا سبق الجمع الواحد مثل صوفة وصوف.(1/4)
فربّ ذى سرادق محجور ... سرت إليه فى أعالى السور
«1» الواو ساكنة، السرادق: الفسطاط وهو البلق ومجاز سورة فى لغة من همزها:
مجاز قطعة من القرآن على حدة وفضلة منه لأنه يجعلها من قولهم: أسأرت سؤرا منه، أي أبقيت وأفضلت منه فضلة. «2»
والآية من القرآن: إنما سمّيت آية لأنها كلام متصل إلى انقطاعه، «3» وانقطاع معناه قصة ثم قصة.
ولسور القرآن أسماء: فمن ذلك أن «الحمد لله» تسمّى «أم الكتاب» ، لأنه يبدأ بها فى أول القرآن وتعاد [قراءتها] فيقرأ بها فى كل ركعة [قبل السورة] ولها اسم آخر يقال لها: فاتحة الكتاب لأنه يفتتح بها فى المصاحف فتكتب قبل القرآن، «4»
__________
(1) : فى ديوانه رقم 15، وفى الكتاب لسيبويه 2/ 245 واللسان، التاج (سور) .
(2) . (2- 4) «سورة ... فضلة» : نقله أبو بكر السجستاني باختلاف يسير فى غريب القرآن 101.
(3) «كلام ... انقطاعه» : كذا فى غريب القرآن لأبى بكر السجستاني 3 [.....]
(4) . (7- 2) من ص 6 «ولسور القرآن ... قبل القرآن» : هذا الكلام فى فتح الباري (8/ 118) ، أورده ابن حجر فى شرحه لقول البخاري: «وسميت أم الكتاب أنه يبدأ بقراءتها فى الصلاة» ، انتهى. قال: هو كلام أبى عبيدة فى أول مجاز القرآن، لكن لفظه: «ولسور ... السورة» .(1/5)
ويفتتح بقراءتها فى كل ركعة قبل قراءة ما يقرأ به من السور فى كل ركعة.
ومن ذلك اسم جامع لما بلغ عددهن مائة آية أو فويق ذلك أو دوينه فهو «المئون» ، وقد فرغنا من ذلك فى الرجز الذي بعد هذا. ومن ذلك اسم جامع للآيات وهو: «المثاني» ، وقد فرغنا من ذلك فى الرجز الذي بعد هذا. ومن ذلك اسم لقوله: «قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ» (109) ، ولقوله: «قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ» (112) يقال لهما: «المشقشتان» ، ومعناه المبرّئتان من الكفر والشكّ والنفاق كما يقشقش الهناء الجرب فيبرئه. ومن ذلك اسم جامع لسبع سور من أول القرآن، يقال للبقرة (2) ، وآل عمران (3) ، والنساء (4) ، والمائدة (5) ، والأنعام (6) ، والأعراف (7) ، والأنفال (8) : «السبع الطول» ، قال سليمان: «1»
__________
(1) سليمان: لعله سليمان بن يزيد العدوى لأن أبا عبيدة استشهد ببيت له فى تفسير آية 44 من سورة الروم فى الجزء الثاني من هذا الكتاب. وقال أبو حاتم:
أخبرنى أبو عبيدة (؟) فسألت عن نسبه فقال: ليس بعدوي، ولكنه كان نازلا فى بنى عدى تيم فنسب إليهم وهو مولى لبنى أمية، وقال أبو حاتم أيضا فى سليمان: ليس بحجة وهو مولد، قال غيره: هو حجة فى هذا لأنه جود فى البيت ولم يخرج عما قاله الفصحاء، ولا انفرد بشىء شاذ (حاشية 99 آ)(1/6)
نشدتكم بمنزل الفرقان ... أم الكتاب السبع من مثانى «1»
ثنّين من آي من القرآن ... والسبع سبع الطول الدّوانى
وقال فى جمع أسمائها:
حلفت بالسبع اللواتى طوّلت ... وبمئين بعدها قد امئيت «2»
وبمثان ثنّيت فكرّرت ... وبالطواسيم التي قد ثلثّت
وبالحواميم اللواتى سبّعت ... وبالمفصّل اللواتى فصّلت
[وقال الشاعر فيما يدل على أن «الحمد» هى السبع المثاني:
الحمد لله الذي أعفانى ... وكلّ خير صالح أعطانى «3»
رب المثاني الآي والقرآن]
__________
(1) الرجز فى الطبري 1/ 36 والشطران الأول والثاني فى القرطبي 10/ 54
(2) الشطر الأول والثاني فى الطبري 1/ 34
(3) نسب الطبري (1/ 36) هذه الأشطار إلى أبى النجم العجلى، وهى فى اللسان (ثنى) بغير عزو.(1/7)
(بسم الله الرّحمن الرّحيم) قالوا: إنما أنزل القرآن بلسان عربى مبين، وتصداق ذلك فى آية من القرآن، وفى آية أخرى: «وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ» (14/ 4) ، فلم يحتج السلف ولا الذين أدركوا وحيه إلى النبي صلّى الله عليه وسلم أن يسألوا عن معانيه لأنهم كانوا عرب الألسن، فاستغنوا بعلمهم به عن المسألة عن معانيه، وعما فيه مما فى كلام العرب مثله من الوجوه والتلخيص. وفى القرآن مثل ما فى الكلام العربي من وجوه الإعراب، ومن الغريب، والمعاني.
ومن المحتمل من مجاز ما اختصر وفيه مضمر، قال: «وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا» (38/ 6) ، فهذا مختصر فيه ضمير مجازه: «وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ» ، ثم اختصر إلى فعلهم وأضمر فيه: وتواصوا أن أمشوا أو تنادوا أن امشوا أو نحو ذلك. وفى آية أخرى: «ماذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلًا» (2/ 26) ، فهذا من قول الكفار، ثم اختصر إلى قول الله، وأضمر فيه قل يا محمد: «يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً» (2/ 26) ، فهذا من كلام الله.
ومن مجاز ما حذف وفيه مضمر، قال: «وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنا فِيها» (12/ 82) ، فهذا محذوف فيه ضمير مجازه: وسل أهل القرية، ومن فى العير.(1/8)
ومن مجاز ما كفّ عن خبره استغناء عنه وفيه ضمير قال: «حَتَّى إِذا جاؤُها وَفُتِحَتْ أَبْوابُها وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوها خالِدِينَ» (39/ 73) ، ثم كفّ عن خبره.
ومن مجاز ما جاء لفظه لفظ الواحد الذي له جماع منه ووقع معنى هذا الواحد على الجميع، قال: «يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا» (22/ 5) ، فى موضع: «أطفالا» .
وقال: «إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ» (49/ 10) فهذا وقع معناه على قوله: «وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا» (49/ 9) ، وقال: «وَالْمَلَكُ عَلى أَرْجائِها» (69/ 7) ، فى موضع: «والملائكة» .
ومن مجاز ما جاء من لفظ خبر الجميع على لفظ الواحد، قال: «وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ» (66/ 4) ، فى موضع: ظهراء.
ومن مجاز ما جاء لفظه لفظ الجميع الذي له واحد منه، ووقع معنى هذا الجميع على الواحد، قال: «الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ» (3/ 173) ، والناس جميع، وكان الذي قال رجلا واحدا. «أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ»
(19/ 19) ، وقال: «إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ» (54/ 49) ، والخالق الله وحده لا شريك له.
ومن مجاز ما جاء لفظه لفظ الجميع الذي له واحد منه ووقع معنى هذا الجميع على الاثنين، قال: «فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ» (4/ 10) فالإخوة جميع ووقع معناه على أخوين، وقال: «إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ» (49/ 10) ، وقال: «وَالسَّارِقُ(1/9)
وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما»
(5/ 41) ، فى موضع يديهما.
ومن مجاز ما جاء لا جماع له من لفظه فلفظ الواحد منه ولفظ الجميع سواء، قال:
«حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ» (10/ 22) ، الفلك جميع وواحد، وقال: «وَمِنَ الشَّياطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ» (21/ 82) ، جميع وواحد، وقال: «فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ» (69/ 47) جميع وواحد.
ومن مجاز ما جاء من لفظ خبر الجميع المشرك بالواحد الفرد على لفظ خبر الواحد، قال الله: «أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما» (21/ 30) جاء فعل السموات على تقدير لفظ الواحد لما أشركن بالأرض.
ومن مجاز ما جاء من لفظ الإثنين، ثم جاء لفظ خبرهما على لفظ خبر الجميع، قال: «ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ» (41/ 11) .
ومن مجاز ما ختر عن اثنين مشركين أو عن أكثر من ذلك فجعل لفظ الخبر لبعض دون بعض وكفّ عن خبر الباقي، قال: «وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللَّهِ» (9/ 35) ومن مجاز ما جعل فى هذا الباب الخبر للأول منهما أو منهم قال: «وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها» (62/ 11) .
ومن مجاز ما جعل فى هذا الباب الخبر للآخر منهما أو منهم، قال: «وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً»
(4/ 111) .
ومن مجاز ما جاء من لفظ خبر الحيوان والموات على لفظ خبر الناس قال:
«رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ» (12/ 4) ، وقال:
«قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ» (41/ 11) ، وقال للأصنام: «لَقَدْ عَلِمْتَ ما هؤُلاءِ يَنْطِقُونَ»(1/10)
(21/ 65) ، وقال: «يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ» (27/ 18) ، وقال: «إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا» (36/ 17) .
ومن مجاز ما جاءت مخاطبته مخاطبة الغائب ومعناها للشاهد، قال: «الم ذلِكَ الْكِتابُ» (2/ 1) ، مجازه: الم هذا القرآن.
ومن مجاز ما جاءت مخاطبته مخاطبة الشاهد، ثم تركت وحوّلت مخاطبته هذه إلى مخاطبة الغائب، قال الله: «حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ» (10/ 22) ، أي بكم.
ومن مجاز ما جاء خبره عن غائب ثم خوطب الشاهد، قال: «ثُمَّ ذَهَبَ إِلى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى أَوْلى لَكَ فَأَوْلى» (75/ 23، 24) .
ومن مجاز ما يزاد فى الكلام من حروف الزوائد، قال الله: «إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها» (2/ 26) ، وقال: «فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ» (69/ 47) ، وقال: «وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْناءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ» (23/ 20) ، وقال: «وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ» (2/ 30) ، وقال: «ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ» (7/ 17) ، مجاز هذا أجمع إلقاؤهن.
ومن مجاز المضمر فيه استغناء عن إظهاره قال: «بِسْمِ اللَّهِ» (27/ 30) ،(1/11)
ففيه ضمير مجازه: هذا بسم الله. أو بسم الله أول كل شىء ونحو ذلك.
ومن مجاز المكرر للتوكيد قال: «رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ» (12/ 4) ، أعاد الرؤية. وقال: «أَوْلى لَكَ فَأَوْلى» (74/ 34، 35) ، أعاد اللفظ. وقال: «فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ» (2/ 196) . وقال: «تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ» (111/ 1) .
ومن مجاز المجمل استغناء عن التكرير قال: (....) (؟) . «1»
ومن مجاز المقدم والمؤخر قال: «فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ» (22/ 5) أراد ربت واهتزت. وقال: «لَمْ يَكَدْ يَراها» (24/ 40) أي لم يرها ولم يكد.
ومن مجاز ما يحوّل خبره إلى شىء من سببه، ويترك خبره هو قال: «فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ» (26/ 4) حوّل الخبر إلى الكناية التي فى آخر الأعناق.
ومن مجاز ما يحوّل فعل الفاعل إلى المفعول أو إلى غير المفعول قال: «ما إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ» (28/ 76) والعصبة هى التي تنوء بالمفاتح.
ومن مجاز ما وقع المعنى على المفعول وحوّل إلى الفاعل قال: «كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِما لا يَسْمَعُ» (2/ 171) ، والمعنى على الشاء المنعوق به وحوّل على الراعي الذي ينعق بالشاء.
ومن مجاز المصدر الذي فى موضع الاسم أو الصفة قال: «وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ
__________
(1) قال: لعل أبا عبيدة استشهد هنا بآية أو أكثر في مجاز المجمل استغناء عن التكرير ولم ترد فى النسخ التي وصلتنا.(1/12)
آمَنَ بِاللَّهِ» (2/ 189) خروج المعنى البارّ. وقال: «أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً» (21/ 30) ، والرتق مصدر وهو فى موضع مرتوقتين، وقال: «أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ»
(19/ 19) أي رسالة ربك.
ومجاز ما قرأته الأئمة بلغاتها فجاء لفظه على وجهين أو أكثر، من ذلك قرأ أهل المدينة «فَبِمَ تُبَشِّرُونَ» (15/ 54) «1» فأضافوا بغير نون المضاف بلغتهم، وقال أبو عمرو: لا تضاف تبشّرون إلّا بنون الكناية كقولك تبشّروننى.
ومن مجاز ما جاءت له معان غير واحد، مختلفة فتأولته الأئمة بلغاتها فجاءت معانيه على وجهين أو أكثر من ذلك، قال: «وَغَدَوْا عَلى حَرْدٍ قادِرِينَ» (68/ 25) ففسروه على ثلاثة أوجه قال بعضهم: على قصد، وقال بعضهم:
على منع، وقال آخرون: على غضب وحقد.
ومن مجاز ما جاء على لفظين وذلك لاختلاف قراءات الأئمة، فجاء تأويله شتى فقرأ بعضهم قوله: «إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ» (49/ 6) ، وقرأها آخرون: «فتثبّتوا» وقرأ بعضهم قوله: «أإذا صللنا فى الأرض» (32/ 10) ، وقرأها آخرون «أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ» ، صللنا: أنتنا من صلّ اللحم يصل وقرأ بعضهم: وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ» (22/ 45) ، وقرأها
__________
(1) فبم تبشرون: فى التيسير للدانى 126: نافع «فبم تبشرون» بكسر النون مخففة، وابن كثير بكسرها مشددة، والباقون بفتحها.(1/13)
آخرون: «بَعْدَ أُمَّةٍ» أي نسيان. وقرأ بعضهم «فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ» (85/ 22) وقرأ آخرون «فِي لَوْحٍ [مَحْفُوظٍ] » «1» أي الهواء.
ومن مجاز الأدوات اللواتى لهن معان فى مواضع شتى، فتجىء الأداة منهن فى بعض تلك المواضع لبعض تلك المعاني، قال: «أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها» (2/ 26) معناه فما دونها، وقال: «وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها» (79/ 30) معناه مع ذلك، وقال: «لَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ» (20/ 71) معناه: على جذوع النّخل، وقال: «إِذَا اكْتالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ» (83/ 2) معناه:
من الناس، وقال: «هذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ» (43/ 51، 52) معناه: بل أنا خير.
ومن مجاز ما جاء على لفظين فأعملت فيه الأداة فى موضع، وتركت منه فى موضع، قال: «وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ الَّذِينَ إِذَا اكْتالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ وَإِذا كالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ» (83/ 3) معناه: وإذا كالوا لهم أو وزنوا لهم.
__________
(1) لوح محفوظ: قال الطبري: واختلف القراء فى قراءة قوله محفوظ فقرأ ذلك من قرأه من أهل الحجاز أبو جعفر القارئ وابن كثير ومن قرأه من قراء الكوفة عاصم والأعمش وحمزة والكسائي ومن البصريين أبو عمر ومحفوظ خفضا على معنى أن اللوح هو المنعوت بالحفظ، وإذا كان ذلك كذلك كان التأويل فى لوح محفوظ من الزيادة فيه والنقصان منه عما أثبته الله فيه. وقرأ ذلك من المكيين ابن محيصن ومن المدنيين نافع محفوظ رفعا ردا على القرآن على أنه من نعته وصفته وكان معنى ذلك على قراءتهما بل هو قرآن مجيد محفوظ من الغير والتبديل فى لوح ... إلخ (30/ 77) .
واللوح بالضم بمعنى الهواء كما فى اللسان (لوح) ، وقال ابن دريد: اللوح بضم اللام: الهواء بين السماء والأرض (الجمهرة 2/ 194) .(1/14)
ومن مجاز ما جاء على ثلاثة ألفاظ فأعملت فيه «1» أداتان فى موضعين وتركتا منه فى موضع، قال: «اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ» (1/ 5) ، وإلى الصراط وللصراط.
ومن مجاز ما جاء فيه على لفظين فأعملت فيه أداة فى موضع، وتركت منه فى موضع، قال: «وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ» (16/ 98) وقال: «اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ» (96/ 1) .
ومن مجاز ما فيه لغتان فجاء بإحداهما قال: «وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ» (16/ 66) ، فالأنعام يذكر ويؤنث، وقال: «كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ» (26/ 105) يقال: هذه قومك، وجاء قومك.
ومن مجاز ما أظهر من لفظ المؤنث ثم جعل بدلا من المذكر فوصف بصفة المذكر بغير الهاء كذلك، قال: «السَّماءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ» (73/ 18) جعلت السماء بدلا من السقف بمنزلة تذكير سماء البيت.
ومن مجاز ما جاء من الكنايات فى مواضع الأسماء بدلا منهن قال: «إِنَّما صَنَعُوا كَيْدُ ساحِرٍ» (20/ 69) . فمعنى «ما» معنى الاسم، مجازه إنّ صنيعهم كيد ساحر.
ومن مجاز الاثنين المشتركين وهما من شتّى أو من غير شتّى، ثم خبّر عن شىء لا يكون إلا فى أحدهما دون الآخر فجعل فيهما أو لهما لمّا أشرك بينهما فى الكلام، قال: «مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ» (55/ 19) ، «يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ» (55/ 22) ، وإنما يخرج اللؤلؤ من البحر دون الفرات العذب. «2»
__________
(1) . (1- 2) «فأعملت فيه ... إلخ» . يريد أن «هدى» تعدى بالأداتين «إلى» و «اللام» فى «الآيتين» : «وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ» ، وإِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ» ، وترك الأداتان فى الآية التي ذكرها.
(2) «وإنما ... العذب» : قال الطبري (27/ 69) : وقد زعم بعض أهل العربية (يريد أبا عبيدة) أن اللؤلؤ والمرجان يخرجان من أحد البحرين، ولكن قيل يخرج منهما.(1/15)
ومن مجاز ما جاء من مذاهب وجوه الإعراب، قال: «سُورَةٌ أَنْزَلْناها» (24/ 1) رفع ونصب، وقال: «وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما» (5/ 41) رفع ونصب، وقال: «الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ» (24/ 2) رفع ونصب.
ومجاز المتحمل من وجوه الإعراب كما قال: «إِنْ هذانِ لَساحِرانِ» (20/ 63) .
قال: «1» وكل هذا جائز معروف قد يتكلمون به.
(بسم الله الرّحمن الرّحيم) «بسم الله» إنما هو بالله لأن اسم الشيء هو الشيء بعينه، قال لبيد:
إلى الحول ثمّ اسم السّلام عليكما «2» ... ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذر (8)
__________
(1) قال: القائل أبو عبيدة.
(2) «بسم ... عليكما» قال محمد بن زيد الواسطي: كنت فى مجلس المبرد فجرى ذكر قول أبى عبيد بن سلام محتجا لمذهبه فى أن الاسم هو المسمى بقول لبيد وهو مذهب أبى عبيدة. «إلى الحول» البيت. قال أبو عبيد: اسم السلام هاهنا هو السلام كما يقال: هذا وجه الحق يراد هذا الحق فثم وجه الله أي الله، وقال المبرد: غلط أبو عبيد، وأخطأ أبو عبيدة، والذي عندنا أن لبيدا أراد بقوله اسم السلام اسم الله عز وجل وهذا الذي اختاره يختاره أصحابنا فقلت: السلام عندى هاهنا هو اللفظ الموضوع لتقضى الأشياء فتختم بها الرسائل والخطب والكتب والكلام الذي يستوفى معناه فليس لها مسمى غيرها وهو مثل: حسب، وقط، وقد الموضوعات لتقضى الأشياء وختم الكلام فهى اسم لا مسمى له غيره، قال: فأعجب ذلك المبرد واستحسنه وقال لى:
لا عدمتك يا أبا عبد الله فما سرنى بهذه حمر النعم (منتخب المقتبس 59 آ) .
وقال القرطبي (1/ 86) : ذهب أبو عبيدة معمر بن المثنى إلى أن «اسم» صلة زائدة واستشهد بقول لبيد.
وأورده فى الخزانة (2/ 217- 218) : على أن لفظ «اسم» مقحم عند بعض النحاة، قال ابن جنى فى الخصائص: هذا قول أبى عبيدة، وكذلك قال فى «بسم الله» ، ونحن نحمل الكلام على أن فيه محذوفا، قال أبو على: وإنما هو حذف المضاف، أي ثم اسم معنى السلام عليكما، واسم معنى السلام هو السلام، وكأنه قال: ثم السلام عليكما، فالمعنى لعمرى ما قاله أبو عبيدة، لكنه من غير الطريق التي أتاه هو منها، ألا تراه هو اعتقد زيادة شىء واعتقدنا نحن نقصان شىء؟ انتهى. وقال ابن السيد البطليوسي فى تأليف ألفه فى الاسم: تقديره: ثم مسمى السلام عليكما، أي ثم الشيء المسمى سلاما عليكما، فالاسم هو المسمى بعينه، وهما يتواردان على معنى واحد، وذهب أبو عبيدة إلى أن لفظ اسم هنا مقحم، وعند أبى على فيه مضاف محذوف تقديره: مسمى اسم السلام ... إلخ.(1/16)
«إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ»
(75/ 17) : أي تأليفه «فَإِذا قَرَأْناهُ»
(75/ 18) أي إذا جمعناه ومجازه مجاز قول عمرو بن كلثوم:
هجان اللون لم تقرأ جنينا «1»
أي لم تضمّ فى رحمها، ويقال للتى لم تلد: ما قرأت سلى قطّ.
نزل القرآن بلسان عربى مبين، فمن زعم «2» أن فيه غير العربية فقد أعظم القول، ومن زعم أن «طه» (20) بالنّبطيّة فقد أكبر، وإن لم يعلم ما هو، فهو افتتاح كلام وهو اسم للسورة وشعار لها. وقد يوافق اللفظ اللفظ ويقار به ومعناهما واحد وأحدهما بالعربية والآخر بالفارسية أو غيرها. فمن ذلك الإستبرق بالعربية،
__________
(1) والبيت هو السادس فى الجزء الثاني من ديوانه رقم 21- وهو فى الطبري 1/ 39، القرطبي 8/ 224.
(2) . (5- 8) «فمن زعم ... إلخ» : روى السيوطي فى المزهر (1/ 66) هذا الكلام عنه ثم قال: ثم ذكرا أبو عبيدة: «البالغاء» وهى الأكارع، وذكر «القمنجر» الذي يصلح القمي، وذكر «الدست، والدشت والخيم والسخت» ، ثم قال: وذلك كله من لغات العرب وإن وافقه فى لفظه ومعناه شىء من غير لغاتهم.
وانظر أيضا مبالغة أبى عبيدة والشافعي وغيرهما فى إنكارهم وقوع المعرب فى القرآن فى الرسالة للشافعى 40- 50، والمعرب للجوالقى 4، وفتح الباري 8/ 190. [.....](1/17)
وهو الغليظ من الدّيباج، والفرند، وهو بالفارسية إستبره وكوز وهو بالعربية جوز وأشباه هذا كثير. ومن زعم أن «حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ» (105/ 4) بالفارسية فقد أعظم، من قال: إنه سنك وكل إنما السجيل الشديد.
والقرآن: اسم كتاب الله، لا يسمّى به غيره من الكتب، وذلك لأنه جمع وضمّ السور ومجازه من قوله: «إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ»
(75/ 18) ، أي تأليف بعضه إلى بعض، «فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ»
وسمّى الفرقان لأنه يفرق بين الحق والباطل والمؤمن والكافر.
ففى القرآن ما فى الكلام العربىّ من الغريب والمعاني، ومن المحتمل من مجاز ما اختصر، ومجاز ما حذف، ومجاز ما كفّ عن خبره، ومجاز ما جاء لفظه لفظ الواحد ووقع على الجميع، ومجاز ما جاء لفظه لفظ الجميع ووقع معناه على الاثنين، ومجاز ما جاء لفظه خبر الجميع على لفظ خبر الواحد، ومجاز ما جاء الجميع فى موضع الواحد إذا أشرك بينه وبين آخر مفرد، ومجاز ما خبر عن اثنين أو عن أكثر من ذلك، فجعل الخبر للواحد أو للجميع وكفّ عن خبر الآخر، ومجاز(1/18)
ما خبّر عن اثنين أو أكثر من ذلك، فجعل الخبر للأول منهما، ومجاز ما خبّر عن اثنين أو عن أكثر من ذلك، فجعل الخبر للآخر منهما، ومجاز ما جاء من لفظ خبر الحيوان والموات على لفظ خبر الناس والحيوان كل ما أكل من غير الناس وهى الدواب كلّها، ومجاز ما جاءت مخاطبته مخاطبة الغائب ومعناه مخاطبة الشاهد، ومجاز ما جاءت مخاطبته مخاطبة الشاهد، ثم تركت وحوّلت مخاطبته هذه إلى مخاطبة الغائب، ومجاز ما يزاد من حروف الزوائد ويقع مجاز الكلام على إلقائهن، ومجاز المضمر استغناء عن إظهاره، ومجاز المكرر للتوكيد، ومجاز المجمل استغناء عن كثرة التكرير، ومجاز المقدّم والمؤخّر، ومجاز ما يحوّل من خبره إلى خبر غيره بعد أن يكون من سببه، فيجعل خبره للذى من سببه ويترك هو. وكل هذا جائز قد تكلموا به.(1/19)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (1)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
أمّ الكتاب (1)
مجاز تفسير ما فى سورة «الحمد» وهى «أم الكتاب» لأنه يبدأ بكتابتها فى المصاحف قبل سائر القرآن، ويبدأ بقراءتها قبل كلّ سورة فى الصلاة وإنما سمّيت سورة لا تهمز، لأن مجازها من سورة البناء أي منزلة ثم منزلة، ومن همزها جعلها قطعة من القرآن، وسميت السورة لأنها مقطوعة من الأخرى، فلما قرن بعضها إلى بعض سمّى قرآنا. قال النّابغة:
ألم تر أن الله أعطاك سورة ... ترى كلّ ملك دونها يتذبذب (2)
أي منزلة، وبعض العرب يهمز سورة، ويذهب إلى «أسأرت» . نقول:
هذه ليست من تلك.
فمجاز تفسير قوله «بسم الله» مضمر، مجازه كأنك قلت: بسم الله قبل كل شىء وأول شىء ونحو ذلك، قال عبد الله بن رواحة:
بسم الإله وبه بدينا ... ولو عبدنا غيره شقينا
«1»
__________
(1) : عبد الله بن رواحة: بن ثعلبة بن امرئ القيس بن عمرو بن مالك ...
ابن الخزرج الأنصاري الخزرجي الشاعر المشهور يكنى أبا محمد، ويقال: كنيته أبو رواحة. ترجمته فى الإصابة 4/ 448، رقم 09044- والرجز من كلمة روى بعضها البخاري فى غزوة الخندق، ومسلم فى غزوة الأحزاب، كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرتجز بها فى يوم الأحزاب إذ كان ينقل تراب الخندق، وورد أيضا فى الجمهرة 3/ 202، اللسان (بدا) . العيني 4/ 28.(1/20)
يقال: بدأت وبديت، وبعضهم يقول: بدينا لغة.
«الرّحمن» مجازه ذو الرحمة، و «الرّحيم» مجازه الراحم، وقد يقدّرون اللفظين من لفظ واحد والمعنى واحد، وذلك لاتّساع الكلام عندهم، وقد فعلوا مثل ذلك فقالوا: ندمان ونديم، «1» قال برج بن مسهر الطائىّ، جاهلى:
وندمان يزيد الكأس طيبا ... سقيت وقد تغوّرت النجوم
«2» وقال النعمان بن نضلة، عدوىّ من عدى قريش:
فإن كنت ندمانى فبالأكبر اسقني ... ولا تسقنى بالأصغر المتثلم
«3»
__________
(1) . (2- 4) «مجازه ... ونديم» : نقله الطبري 1/ 43- 44 ثم قال: وقد زعم أيضا بعض من ضعفت معرفته بتأويل أهل التأويل، وقلت روايته لأقوال السلف من أهل التفسير (يريد أبا عبيدة) أن الرحمن مجازه ذو الرحمة، والرحيم مجازه الراحم، ثم قال: وقد فعلوا مثل ذلك فقالوا: ندمان ونديم، ثم استشهد بقول برج ... ، واستشهد بأبيات نظائر له فى النديم والندمان، ففرق بين معنى الرحمن والرحيم فى التأويل لقوله الرحمن ذو الرحمة والرحيم الراحم، وإن كان قد ترك بيان تأويل معنييهما على صحته.
(2) برج: هو برج بن مسهر بن الجلاس أحد بنى جديلة ثم أحد بنى طريف بن عمرو ابن ثمامة، شاعر عاش فى عهد بنى أمية، له ترجمة فى المؤتلف 61، وأخباره مع أخبار الحصين بن الحمام فى الأغانى 12/ 121. - والبيت فى الطبري 1/ 44، المؤتلف 61، الأغانى 12/ 121، اللسان (عرق) ، وشواهد المغني 98.
(3) النعمان: هو النعمان بن عدى بن نضلة كان عاملا على ميسان فى عهد عمر رضى الله عنه فعزله. انظر خبره فى السيرة (جوتنجن) 786 والسمط 745 والاستيعاب 3/ 563 وتاريخ عمر بن الخطاب لابن الجوزي 0117- والبيت مذكور فى ترجمته، وفى الاشتقاق 86 والعقد الفريد 4/ 339 والقرطبي 13/ 149 واللسان والتاج (ندم) ونهاية الأرب 4/ 101.(1/21)
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4)
وقال بريق الهذلىّ عدوىّ من عدى قريش:
رزينا أبا زيد ولا حىّ مثله ... وكان أبو زيد أخى ونديمى»
وقال حسّان بن ثابت:
لا أخدش الخدش ولا ... يخشى نديمى إذا انتشيت يدى «2»
«رَبِّ الْعالَمِينَ» (1) أي المخلوقين، قال لبيد بن ربيعة:
ما إن رأيت ولا سمعت بمثلهم فى العالمينا «3»
وواحدهم عالم، وقال العجّاج:
فخندف هامة هذا العالم «4»
«مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ» «5» (2) نصب على النّداء، وقد تحذف ياء النداء، مجازه:
__________
(1) بريق: هو عياض بن خويلد الهذلي يلقب بالبريق، حجازى مخضرم، وله مع عمر بن الخطاب خبر، انظر معجم المرزباني 68. - والبيت فى ديوان الهذليين 3/ 61- واللسان (ندم) .
(2) ديوانه 112.
(3) البيت فى الجزء الثاني من ديوانه رقم 63.
(4) ديوانه 60- السمط 457، القرطبي 1/ 120.
(5) «الدين ... تدان» (ص 23 س 3) : أورد هذا الكلام فى فتح الباري 8/ 119، منسوبا إلى أبى عبيدة، وهو فى البخاري باختلاف يسير. وانظره فى عمدة القاري 8/ 458.(1/22)
يا مالك يوم الدين، لأنه يخاطب شاهدا، ألا تراه يقول: «إِيَّاكَ نَعْبُدُ» (4) فهذه حجة لمن نصب، ومن جره قال: هما كلامان.
«الدِّينِ» (2) الحساب والجزاء، يقال فى المثل: «كما تدين تدان» ، «1» وقال ابن نفيل
واعلم وأيقن أنّ ملكك زائل ... واعلم بأنّ كما تدين تدان «2»
ومجاز من جرّ «مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ» أنه حدث عن مخاطبة غائب، ثم رجع فخاطب شاهدا فقال: «إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ اهْدِنَا» (5) ، قال عنترة بن شدّاد العبسىّ:
شطّت مزار العاشقين فأصبحت ... عسرا علىّ طلا بك ابنة مخرم «3»
__________
(1) «كما ... تدان» : هذا المثل فى الكامل 185، الجمهرة 2/ 306، جمهرة الأمثال 2/ 154، الميداني 2/ 273، اللسان، التاج (دين) ، الفرائد 2/ 122.
(2) ابن نفيل: هو يزيد بن الصعق الكلابي، واسم الصعق: عمرو بن خويلد ابن نفيل بن عمرو بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة. وقال أبو عبيدة (النقائض 759) : وإنما سمى الصعق لقدومه بالموسم، فهبت الريح فألقت فى فيه التراب فلعنها فرمى بصاعقة فمات. انظر ترجمته فى معجم المرزباني 494.
- والبيت فى الكامل 185، والطبري 1/ 51، والجمهرة 2/ 306، واللسان، والتاج (دين) .
(3) هذا البيت من معلقته وهو فى ديوانه فى الستة 45 وشرح العشر 91.(1/23)
إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6)
وقال أبو كبير الهذلىّ:
يا لهف نفسى كان جدّة خالد ... وبياض وجهك للتّراب الأعفر «1»
ومجاز «إِيَّاكَ نَعْبُدُ» : إذا بدىء بكناية المفعول قبل الفعل جاز الكلام، فإن بدأت بالفعل لم يجز، كقولك: نعبد إياك، قال العجّاج:
إيّاك أدعو فتقّبل ملقى «2»
ولو بدأت بالفعل لم يجز كقولك: أدعو إيّاك، محال، فإن زدت الكناية فى آخر الفعل جاز الكلام: أدعوك إياك.
«الصِّراطَ» (5) : الطريق، المنهاج الواضح، قال:
فصدّ عن نهج الصّراط القاصد «3»
وقال جرير:
أمير المؤمنين على صراط ... إذا اعوجّ الموارد مستقيم «4»
__________
(1) من كلمة فى ديوانه 19 بيتا 2/ 101 (القاهرة) - والطبري 1/ 51.
(2) ديوانه 40، الجمهرة 3/ 163، واللسان، التاج (ملق) [.....]
(3) الشطر فى الطبري 1/ 56 والقرطبي 1/ 128.
(4) ديوانه 507- والطبري 1/ 56 والجمهرة 2/ 330 واللسان (سرط) والقرطبي 1/ 128.(1/24)
صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7)
والموارد: الطرق، ما وردت عليه من ماء، وكذلك القرىّ وقال:
وطئنا أرضهم بالخيل حتى ... تركناهم أذلّ من الصراط «1»
«غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ» (7) مجازها: غير المغضوب عليهم والضالين، و «لا» من حروف «2» الزوائد لتتميم الكلام، والمعنى إلقاؤها، وقال العجاج:
فى بئر لا حور سرى وما شعر «3»
__________
(1) نسب الطبري هذا البيت إلى أبى ذؤيب، والقرطبي (1/ 128) إلى عامر بن الطفيل، والسيوطي (الإتقان 1/ 155) إلى عبيد بن الأبرص ولم أجده فى دواوينهم.
(2) «ولا من حروف ... إلخ» قال الطبري 1/ 61: كان بعض أهل البصرة يزعم أن «لا» مع الضالين أدخلت تتميما للكلام، والمعنى إلغاؤها ويستشهد على قيله ببيت العجاج ... ويتأول معنى: «فى بئر لا حور سرى» أي فى بئر هلكة وإن «لا» بمعنى الإلغاء والصلة، ويعتل أيضا لذلك بقول أبى النجم.. يعنى الطبري بهذا القول أبا عبيدة ويروى تفسير هذه الآية كلها مع ما استشهد به ويرد القول عليه ويصوب أقوال بعض النحويين الكوفيين. وسترى كثيرا أنه يروى قول أبى عبيدة، أو يرد عليه ولا يصرح باسمه، يقول مثلا: «قال بعض أهل البصرة» ، «وبعض أهل الغريب من أهل البصرة» ، «وبعض أهل العلم بالعربية» ولا يسميه إلا فى مواضع يسيرة جدا، وسترى الطبري كثيرا ما يتطاول عليه، وينسبه إلى الجهل بتأويل أهل التأويل أو ما يشبه ذلك، وهو أحيانا يضرب فى حديد بارد وينفخ فى غير ضرم.
(3) ديوانه 16- والطبري 1/ 61 والجمهرة 2/ 146 واللسان والتاج (صور) والخزانة 2/ 95.(1/25)
أي فى بئر خور أي هلكة، وقال أبو النجم:
فما ألوم البيض ألا تسخرا ... لمّا رأين الشّمط القفندرا «1»
القفندر: القبيح الفاحش، أي فما ألوم البيض أن يسخرن، وقال:
ويلحيننى فى اللهو ألّا أحبّه ... وللهو داع دائب غير غافل «2»
والمعنى: ويلحيننى فى اللهو أن أحبه. وفى القرآن آية أخرى: «ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ» (7/ 11) مجازها: ما منعك أن تسجد. «وَلَا الضَّالِّينَ» : «لا» تأكيد لأنه نفى، فأدخلت «لا» لتوكيد النفي، تقول: جئت بلا خير «3» ولا بركة، وليس عندك نفع ولا دفع.
__________
(1) أبو النجم: اسمه الفضل بن قدامة بن عبد الله، عجلى من بنى عجل بن لجيم، أخباره فى الأغانى 9/ 73، وله ترجمة فى الخزانة 1/ 49. - والبيت فى الكتاب 2/ 32 والطبري 1/ 61 والجمهرة 3/ 334 والزجاج 1/ 107 ب والقرطبي 2/ 182 والصحاح واللسان والتاج (قفندر) والخزانة 1/ 48.
(2) هذا البيت للأحوص وهو فى الكامل مع آخر قبله 49 والقرطبي 1/ 62 ونقله أبو على الفارسي فى الحجة (م) 1/ 110 من إنشاد أبى عبيدة.
(3) «والمعنى ... خير» : قال الطبري 1/ 62: كان بعض أهل البصرة (يريد أبا عبيدة) يزعم أن «لا» مع الضالين أدخلت تتميما للكلام، والمعنى إلغاؤها ويستشهد على قيله ذلك ببيت العجاج ... وحكى عن قائل هذه المقالة أنه كان يتأول غير» التي مع «الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ» أنها بمعنى «سوى» فكان معنى الكلام عنده:
«اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم الذين هم سوى المغضوب عليهم» انتهى. تفسير أبى عبيدة «غير» ب «سوى» حكى عنه فى اللسان (غير) أيضا ولكنه لم يرد فى النسخ التي فى أيدينا وقد رد هذا التفسير على قائله فى معانى القرآن للفراء (2 آ) دون التصريح باسمه.(1/26)
[قال أبو خراش:
فإنك لو أبصرت مصرع خالد ... بجنب السّتار بين أظلم فالحزم «1»
إذا لرأيت النّاب غير رزيّة ... ولا البكر لاضطمّت يداك على غنم]
__________
(1) أبو خراش: هو خويلد بن مرة، يكنى أبا خراش من بنى قرد، له ترجمة فى الشعراء 418 والإصابة 1/ 444 والخزانة 1/ 212. - والبيت فى ديوان الهذليين 2/ 154 والخزانة 2/ 317.(1/27)
الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
سورة البقرة (2)
«الم» (1) سكّنت الألف واللام والميم، لأنه هجاء، ولا يدخل فى حروف الهجاء إعراب، قال أبو النّجم العجلىّ:
أقبلت من عند زياد كالخرف ... أجر رجلىّ بخط مختلف «1»
كأنما تكتّبان لام الف
فجزمه لانه هجاء، ومعنى «الم» : افتتاح، مبتدأ كلام، شعار للسورة.
«ذلِكَ الْكِتابُ» (2) معناه: هذا القرآن وقد تخاطب العرب الشاهد فتظهر له مخاطبة الغائب.
قال خفاف بن ندبة السلمىّ، وهى أمه، كانت سوداء، حبشية. وكان من غربان العرب فى الجاهلية:
فان تك خيلى قد أصيب صميمها ... فعمدا على عين تيمّمت مالكا «2»
__________
(1) الأشطر فى المخصص 13/ 4 والشنتمرى 2/ 35 وشواهد المغني 267 والخزانة 1/ 49 مع اختلاف الرواية.
(2) خفاف: هو خفاف بن عمير بن الحارث بن الشريد بن رياح، وهو أحد فرسان قيس وشعراءها المذكورين، مخضرم، نشأ فى الجاهلية وأدرك الإسلام وشهد فتح مكة، وكان معه لواء بنى سليم واللواء الآخر مع العباس بن مرداس وشهد حنينا والطائف وثبت على إسلامه فى الردة وبقي إلى زمن عمر بن الخطاب، له ترجمة فى الشعراء 196 والمؤتلف 108 والأغانى 16/ 134 والخزانة 2/ 472، وأما ندبة:
فهى أمه كان سباها الحارث بن الشريد حين أغار على بنى الحارث بن كعب فوهبها لابنه عمير فولدت له خفافا، وكانت امرأة سوداء. - والبيتان فى المراجع السابقة، والكامل 569، والطبري 1/ 74 والبيت الثاني فى الزجاج 1/ 31 ا، والقرطبي 1/ 136، واللسان، والتاج (صمم) .(1/28)
الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5)
أقول له والرّمح يأطر متنه ... تأمّل خفافا إنّني أنا ذلكا
يعنى مالك بن حمّاد الشمخىّ، وصميم خيله: معاوية أخو خنساء، قتله دريد وهاشم ابنا حرمله المريّان. «1»
«لا رَيْبَ فِيهِ» (2) لا شكّ فيه، وأنشدنى أبو عمرو الهذلىّ لساعدة بن جؤيّة الهذلىّ:
فقالوا تركنا الحىّ قد حصروا به ... فلا ريب أن قد كان ثمّ لحيم «2»
أي قتيل، يقال: فلان قد لحم، أي قتل، وحصروا به: أي أطافوا به، لا ريب:
لا شكّ.
«هُدىً لِلْمُتَّقِينَ» (2) أي بيانا للمتقين.
«الْمُفْلِحُونَ» (5) : كل من أصاب شيئا من الخير فهو مفلح، ومصدره الفلاح وهو البقاء، وكل خير، قال لبيد بن ربيعة:
__________
(1) «يعنى ... المريان» : الخبر فى الأغانى 16/ 134- 141.
(2) ساعدة بن جؤية: هو من بنى تميم بن سعد بن هذيل، مخضرم، ترجمته فى السمط 115. - والبيت فى ديوان الهذليين 2/ 232 والطبري 1/ 75 والصحاح واللسان والتاج (لحم) .(1/29)
نحلّ بلادا كلها حلّ قبلنا ... ونرجو الفلاح بعد عاد وحمير «1»
الفلاح أي البقاء، وقال عبيد بن الأبرص:
أفلح بما شئت فقد يدرك بالضّعف ... وقد يخدع الأريب «2»
والفلاح فى موضع آخر: السّحور أيضا. وفى الاذان: حىّ على الفلاح وحىّ على الفلح جميعا والفلّاح الأكار، وانما اشتقّ من: يفلح الأرض أي يشقّها ويثيرها، «3» ومن ذلك قولهم:
إنّ الحديد بالحديد يفلح «4»
أي يفلق والفلاح هو المكاري فى قول ابن أحمر أيضا:
لها رطل تكيل الزيت فيه ... وفلّاح يسوق لها حمارا «5»
__________
(1) فى ديوانه 1/ 81. [.....]
(2) ديوانه 7- وشرح العشر 161، والطبري 1/ 83، والجمهرة 2/ 177، والسمط 327، واللسان، والتاج (فلح) ، والقرطبي 1/ 158.
(3) «والفلاح ... يثيرها» : أنظر اللسان والتاج (فلح)
(4) ذكره ابن دريد (2/ 177) بغير عزو فى كلمة، آخرها:
حتى ترى جماجما تطوّح ... إن الحديد بالحديد يفلح
وهو فى الصحاح واللسان والتاج (فلح) والقرطبي 1/ 158 وقد ذهب مثلا، انظر الميداني 1/ 8، والفرائد 1/ 18.
(5) ابن أحمر: هو عمرو بن أحمر الباهلي، شاعر إسلامى يكنى أبا الخطاب، أنظر ترجمته فى المؤتلف 37 والإصابة رقم 6466. - والبيت فى الجمهرة 2/ 177 والزجاج 1/ 12 ب، واللسان والتاج (فلح) .(1/30)
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (6) خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (7) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (8) يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9)
فلّاح مكار، وقال لبيد:
اعقلى إن كنت لمّا تعقلى ... ولقد أفلح من كان عقل «1»
أي ظفر، وأصاب خيرا.
«إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ» (6) : هذا كلام هو إخبار، خرج مخرج الاستفهام وليس هذا إلا فى ثلاثة مواضع، هذا أحدها، والثاني: ما أبالى أقبلت أم أدبرت، والثالث: ما أدرى أولّيت أم جاء فلان.
«خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ» (7) : ثم انقطع النصب، فصار خبرا، فارتفعت «2» فصار «غشاوة» كأنها فى التمثيل، قال: «وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ» أي غطاء، قال الحارث بن خالد بن العاص بن هشام بن المغيرة:
تبعتك إذ عينى عليها غشاوة ... فلما أنجلت قطّعت نفسى ألومها «3»
«يُخادِعُونَ» (9) فى معنى يخدعون، ومعناها: يظهرون غير ما فى أنفسهم، ولا يكاد يجىء «يفاعل» إلّا من اثنين، إلا فى حروف هذا أحدها قوله:
«قاتَلَهُمُ اللَّهُ» (9/ 31) »
معناها: قتلهم الله.
__________
(1) ديوانه 2/ 12- والإتقان والخزانة 4/ 69
(2) «فارتفعت» : كذا فى الأصلين.
(3) الحارث ... المغيرة: بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، شاعر إسلامى، وهو من الشعراء المعدودين فى قريش، انظر أخباره فى الأغانى 3/ 311 (الدار) والبيت فى الطبري 1/ 88، واللسان، والتاج (غشو) .
(4) «يخادعون ... قاتلهم» : روى أبو على الفارسي تفسير أبى عبيدة هذا، فقال:
وقال أبو عبيدة: يخادعون الله يخدعون ... وقال أبو عبيدة أيضا: يخادعون الله والذين آمنوا فيظهرون بما يستخفون خلافه ... إلخ (الحجة- نسخة مراد منلا 1/ 16 آ) ، وقال الطبري (1/ 91) : وقد كان بعض أهل النحو من أهل البصرة يقول: لا تكون المفاعلة إلا من شيئين، ولكنه إنما قيل يخادعون عند أنفسهم أن لا يعاقبوا ... إلخ.(1/31)
فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (10) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ (12) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ (13) وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ (14) اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (15) أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (16) مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ (17) صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ (18)
«فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ» (10) أي شكّ ونفاق.
«عَذابٌ أَلِيمٌ» (10) أي موجع من الألم، وهو فى موضع مفعل، قال ذو الرمة:
ونرفع فى صدور شمر دلات ... يصكّ وجوهها وهج أليم «1»
الشّمردلة: الطويلة من كل شىء.
«الشياطين» (14) كل عات متمرد من الجن والإنس والدواب فهو شيطان. «2»
«فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ» (15) : أي بغيهم وكفرهم، يقال: رجل عمه وعامه، أي جائر عن الحق، قال رؤبة:
ومهمه أطرافه فى مهمه ... أعمى الهدى بالجاهلين العمّه «3»
«وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ» (17) ثم انقطع النصب،
وجاء الاستئناف: «صُمٌّ بُكْمٌ» (18) ، قال النابغة:
__________
(1) ديوانه 592- والكامل 114 والطبري 1/ 94 والقرطبي 1/ 172 واللسان والتاج صدره فقط (شمردل) .
(2) «كل ... شيطان» : هذا الكلام فى اللسان، وباختلاف يسير عند الراغب (شيطان) .
(3) من أرجوزة فى ديوانه 166- وهو فى الطبري 1/ 104 والسمط 55 والقرطبي 13/ 155 واللسان والتاج (عمه) والعيني 3/ 345 وشواهد الكشاف 151.(1/32)
أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ (19)
توهّمت آيات لها فعرفتها ... لستّة أعوام وذا العام سابع «1»
ثم استأنف فرفع فقال:
رماد ككحل العين لأيا أبينه ... ونؤى كجذم الحوض أثلم خاشع
«كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ» (19) معناه: كمطر، وتقديره تقدير سيّد من صاب يصوب، معناه: ينزل المطر، قال علقمة بن عبدة:
كأنهم صابت عليهم سحابة ... صواعقها لطيرهن دبيب «2»
فلا تعدلى بينى وبين مغمّر ... سقتك روايا المزن حيث تصوب
وقال رجل من عبد القيس، جاهلى، يمدح بعض الملوك:
ولست لانسىّ ولكن لملأك ... تنزّل من جوّ السماء يصوب «3»
__________
(1) ديوانه من الستة 18- والبيت الأول فى الكتاب 1/ 221 والشنتمرى 1/ 260 وشواهد الكشاف 176 ومع الثاني فى العيني 3/ 406 والخزانة 1/ 429.
(2) البيت الأول هو الرابع والثلاثون والثاني هو الخامس من القصيدة الموجودة فى ديوانه من الستة ص 105- 107 وهما معا فى الطبري 1/ 114، والأول فى اللسان والتاج (صوب) والثاني فقط فى القرطبي 1/ 186.
(3) قد اختلفوا فى نسبة هذا البيت، قال العيني 4/ 524: قائله رجل من عبد القيس يمدح به النعمان بن المنذر، وقيل قائله هو أبو وجزة، يمدح به عبد الله بن الزبير رضى الله عنهما، ويقال قائله علقمة بن عبدة ... إلخ. وأنشده سيبويه من غير عزو 2/ 420 ونسبه الأعلم (2/ 379) إلى علقمة، والبيت فى الطبري 1/ 113 والاشتقاق 17 وابن الشجري 2/ 20 والقرطبي 9/ 183 والصحاح واللسان والتاج (صوب) وشواهد الكشاف 35. [.....](1/33)
الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (22) وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (23) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (24) وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (25) إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ (26)
«الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً» (22) أي مهادا ذللها لكم فصارت مهادا.
«فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً» (22) «1» واحدها ندّ، معناها: أضداد، قال حسّان:
أتهجوه ولست له بندّ ... فشرّكما لخيركما الفداء «2»
«فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ» (23) أي من مثل القرآن، وإنما سمّيت سورة لأنها مقطوعة من الأخرى. وسمّى القرآن قرآنا لجماعة السور.
«وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ» (24) : حطبها الناس، والوقود مضموم الأول التلهب.
«وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً» (25) أي يشبه بعضه بعضا، وليس من الاشتباه عليك، ولا مما يشكل عليك.
«وَلَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ» (25) واحدها زوج، الذكر والأنثى فيه سواء.
«وَقُلْنا يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ» (2/ 35) .
«لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا ما بَعُوضَةً» (26) معناها: أن يضرب
__________
(1) «أندادا ... أضداد» قال ابن حجر فى فتح الباري 8/ 132: قد تقدم تفسير الأنداد فى أوائل هذه السورة، وتفسير الأنداد بالأضداد لابى عبيدة، وهو تفسير باللازم. وقال أبو حاتم فى الأضداد 106: اجتمعت العرب على أن ند الشيء مثله وشبهه وعدله، ولا أعلمهم اختلفوا فى ذلك ... وكثير من العرب يجعلون الند أيضا للجمع والعدل والضد ... إلخ.
(2) البيت فى ديوانه 8 وهو من قصيدة يخاطب بها أبا سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، ويهجوه، والخبر مع البيت فى السيرة (جوتنجن) 830، وبحاشية الروض 2/ 281 وهو فى الشعراء 173 والطبري 1/ 155 والسمط 353 والاقتضاب 300 والقرطبي 1/ 198 واللسان والتاج (ندد)(1/34)
وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (30)
مثلا بعوضة، «ما» توكيد للكلام من حروف الزوائد، قال النابغة الذبياني:
قالت ألا ليت ما هذا الحمام لنا ... إلى حمامتنا ونصفه فقد «1»
أي حسب، و «ما» هاهنا حشو.
قال: «2» وسأل يونس رؤبة عن قول الله تعالى «ما بَعُوضَةً» ، فرفعها، وبنو تميم يعملون آخر الفعلين والأداتين فى الاسم، وأنشد رؤبة بيت النابغة مرفوعا:
قالت ألا ليت ما هذا الحمام لنا ... إلى حمامتنا ونصفه فقد (42)
«فَما فَوْقَها» (26) : فما دونها «3» فى الصغر.
«وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ» (30) : الهمزة فيها مجتلبة، لأن واحدها ملك بغير همزة، قال الشاعر فهمز:
ولست لإنسىّ ولكن لملأك ... تنزّل من جوّ السماء يصوب (40)
«أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها» (30) جاءت على لفظ الاستفهام، والملائكة لم تستفهم ربّها، وقد قال تبارك وتعالى: «إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً» (30) ولكن معناها معنى الإيجاب: أي انك ستفعل. وقال جرير، فأوجب ولم يستفهم، لعبد الملك بن مروان:
__________
(1) ديوانه من الستة ص 7، شرح العشر 155 والكتاب 1/ 234 والاقتضاب 34 والشنتمرى 1/ 282 والعيني 2/ 254 والخزانة 4/ 297.
(2) «قال» : القائل هو أبو عبيدة.
(3) فما دونها: قال ابن قتيبة فى أدب الكاتب 233 فى كلامه على آية «إِنَّ اللَّهَ ...
فَما فَوْقَها» فما دونها، هذا قول أبى عبيدة، وقال الفراء: فما فوقها يعنى الذباب والعنكبوت انتهى. وقول الفراء هذا فى معانى القرآن (4 آنسخة بغداد لى وهبى) .(1/35)
وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (31) قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32) قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (33) وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (34)
ألستم خير من ركب المطايا ... وأندى العالمين بطون راح «1»
وتقول وأنت تضرب الغلام على الذنب: ألست الفاعل كذا؟ ليس باستفهام ولكن تقرير.
«نُقَدِّسُ لَكَ» (30) نطهّر، التقديس: التطهير.
و «نُسَبِّحُ» (30) نصلىّ، تقول: قد فرغت من سبحتى، أي من صلاتى.
«وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها» (31) اسماء الخلق، «ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ» (31) أي عرض الخلق.
«سُبْحانَكَ» (32) تنزيه للرب، وتبرؤ، قال الأعشى تبرءا وتكذيبا لفخر علقمة:
أقول لمّا جاءنى فخره ... سبحان من علقمة الفاخر «2»
«وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا» (34) معناه: وقلنا للملائكة، وإذ من «3»
__________
(1) ديوانه 97- والطبري 21/ 10 والأغانى 7/ 67 وشواهد المغني 15.
(2) : ديوانه 106، الكتاب 1/ 135- والجهرة 1/ 229 والشبنتمرى 1/ 163 والراغب والأساس واللسان والتاج (سبح) ، والقرطبي 1/ 236 والخزانة 2/ 41 وغيرهم. - علقمة: هو علقمة بن علاثة، صحابى، قدم على رسول الله عليه السلام وهو شيخ فأسلم وبايع وروى حديثا واحدا واستعمله عمر بن الخطاب على حوران فمات بها. انظر ترجمته وخبره مع الأعشى فى الأغانى 15/ 55 والخزانة 2/ 42- 44
(3) «وإذ من ... إلخ» : قال القرطبي 1/ 224 فى تفسير الآية: وقال معمر ابن المثنى «إذ» زائدة والتقدير: وقال ربك، واستشهد بقول الأسود بن يعفر ...
وأنكره الزجاج والنحاس وجميع المفسرين، قال النحاس: هذا خطأ لأن «إذ» اسم وهى ظرف زمان ليس مما يزاد، وقال الزجاج هذا اجتراء من أبى عبيدة، وقال الطبري:
(1/ 105) زعم بعض المنسوبين إلى العلم بلغات العرب من أهل البصرة: أن تأويل «وإذ قال» ، وأن «إذ» من حروف الزوائد، وإن معناها الحذف وأعتل لقوله الذي ... إلخ.(1/36)
حروف الزوائد، وقال الأسود بن يغفر:
فإذا وذلك لا مهاه لذكره ... والدهر يعقب صالحا بفساد «1»
ومعناها: وذلك لا مهاه لذكره، لا طعم ولا فضل وقال عبد مناف بن ربع الهذلىّ وهو آخر قصيدة:
حتى إذا أسلكوهم فى قتائدة ... شلّا كما تطرد الجمّالة الشردا «2»
معناه: حتى أسلكوهم
__________
(1) : الأسود بن يعفر: ابن عبد الأسود جاهلى، من بنى نهشل بن دارم وكان أعشى. أخباره فى الأغانى 11/ 129 وشرح المفضليات 445 والخزانة 1/ 190. -
والبيت فى ديوانه ملحق ديوان الأعشى 298 وفى القصيدة المفضلية 445/ 457 وهو فى الطبري 1/ 150 والقرطبي 1/ 224 واللسان (مهه)
(2) عبد مناف: له خبر فى الخزانة 3/ 173. - والبيت فى ديوان الهذليين 2/ 42- والشعراء 402 والطبري 14/ 7، 18/ 12 والجمهرة 2/ 9 والاقتضاب 403 والقرطبي 12/ 119 ومعجم البلدان (قتائدة) واللسان والتاج (قتد) والخزانة 3/ 170، 182.
قال ابن دريد: وأجاز أبو عبيدة «سلكت وأسلكت» واحتج بقول الهذلي ...
قال أبو حاتم: قال أبو عبيدة: هذا مكفوف عن خبره لأن هذا البيت آخر القصيدة.
وقال ابن السيد فى معنى البيت: وصف قوما هزموا حتى ألجئوا إلى الدخول فى قتائدة وهى ثنية ضيقة، وقال الأصمعى: كل ثنية قتائدة، الإسلاك الإدخال، والشل: الطرد والجمالة أصحاب الجمال، قال أبو عبيدة: إذ زائدة فلذلك لم يأت لها جواب، وذهب الأصمعى إلى أن الجواب محذوف ... إلخ.(1/37)
وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (35) فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (36) فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (37)
«فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ» (34) نصب إبليس على استثناء قليل من كثير، ولم يصرف إبليس لأنه أعجمى.
«وَقُلْنا يا آدَمُ» (35) هذا شىء تكلمت به العرب، تتكلم بالواحد على لفظ الجميع.
«وَكُلا مِنْها رَغَداً» (35) الرغد: الكثير الذي لا يعنّيك من ماء أو عيش أو كلأ أو مال، يقال: قد أرغد فلان، أي أصاب عيشا واسعا، «1» قال الأعشى:
زبدا بمصر يوم يسقى أهلها ... رغدا تفجّره النبيط خلالها «2»
«فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ» (36) أي استزلهما.
«وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ» (36) إلى غاية ووقت.
«فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ» (37) أي قبلها وأخذها عنه، قال أبو مهدى، «3» وتلا علينا آية فقال: تلقيتها من عمّى، تلقّاها عن أبى هريرة، تلقّاها عن النبي عليه السلام.
__________
(1) «رغدا ... واسعا» : وفى البخاري: رغدا واسعا كثيرا، وقال ابن حجر:
هو من تفسير أبى عبيدة قال: الرغد الكثير الذي ... كثيرا. انظر فتح الباري 8/ 125.
(2) : ديوانه 24 من قصيدة يمدح الأعشى بها قيس بن معدى كرب الكندي
(3) أبو مهدى: هو أحد فصحاء الأعراب. أنظر لسان الميزان 6/ 443.(1/38)
وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ (45) الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (46)
«إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ» (33) أي يتوب على العباد، والتوّاب من الناس: الذي يتوب من الذنب.
«وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ» (45) العرب تقتصر على أحد هذين الاسمين، فأكثره: الذي يلى الفعل، قال عمرو بن امرى، القيس من الخزرج:
نحن بما عندنا وأنت بما ... عندك راض والرأى مختلف «1»
الخبر للآخر وفى القرآن مما جعل معناه على الأول قوله: «وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها» (62/ 11) ، «الخاشعون» (45) المخبتون المتواضعون.
«الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ» (46) معناها: يوقنون، فالظن على وجهين: يقين، وشك قال دريد بن الصّمّة: «2»
__________
(1) عمرو بن امرئ القيس: من بنى الحارث بن الخزرج، جاهلى ترجمته عند المرزباني 233، - والبيت من الأبيات المختلف فى عزوها، نسبه أبو عبيدة إلى عمرو بن امرئ القيس، وسيبويه 1/ 29 إلى قيس بن الخطيم، قال العيني 1/ 228:
قائله قيس بن الخطيم ... وقال ابن هشام: قائله عمرو بن امرئ القيس الأنصاري، وكذا قال ابن برى، وقد ورد البيت فى ملحق ديوان قيس ابن الخطيم من رقم 14 وفى الطبري 10/ 76 والمرزباني 233 وابن الشجري 1/ 33 والشنتمرى 1/ 38 والقرطبي 8/ 128 والمعاهد 1/ 90. [.....]
(2) دريد بن الصمة: ابن عبد الله بن الطفيل بن مرة بن هبيرة عامر بن سلمة، شاعر، إسلامى، بدوي مقل من شعراء الدولة الأموية. له ترجمة فى المؤتلف 144 والأغانى 5/ 124. - والبيتان من قصيدة فى الاصمعيات 23 والحماسة 2/ 305- 306 والأغانى 9/ 4 وجمهرة الأشعار 117، والطبري 1/ 200 والقرطبي 1/ 321 وأسرار العربية 64 واللسان (ظنن)(1/39)
وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (49) وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (50) وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ (51) ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (52) وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (53)
فقلت لهم ظنّوا بألفى مدجّج ... سراتهم فى الفارسىّ المسرّد
ظنّوا أي أيقنوا:
فلما عصونى كنت منهم وقد أرى ... غوايتهم واننى غير مهتد
أي حيث تابعتهم وجعله يقينا.
«يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ» (49) [يولونكم أشدّ العذاب] . «1»
«وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ» (49) أي ما ابتليتم من شدة، وفى موضع آخر: البلاء الابتلاء، يقال: الثناء بعد البلاء، أي الاختبار، من يلوته، ويقال: له عندى بلاء عظيم أي نعمة ويد، وهذا من: ابتليته خيرا.
«آلَ فِرْعَوْنَ» (50) قومه وأهل دينه، ومثلها: «أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ» (40/ 46) .
«آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ» (53) أي التوراة. «وَالْفُرْقانَ» (53) ما فرّق بين الحق والباطل.
__________
(1) «يولونكم ... العذاب» : لم يثبت فى النسخ التي بيدي تفسير لهذه الآية ويروى ابن مطرف فى القرطين 1/ 39 والقرطبي 1/ 327 أنه فسر الآية هكذا. وفى البخاري: وقال غيره (أي أبى العالية) : يسومونكم يولونكم، قال ابن حجر فى فتح الباري 8/ 123: والغير المذكور هو أبو عبيد القاسم بن سلام ذكره كذلك فى الغريب المصنف، وكذا قال أبو عبيدة معمر بن المثنى فى المجاز.(1/40)
وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (54) وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (55) ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (56) وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (57) وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ (58) فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (59) وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (60) وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (61)
«وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ» (54) ، معناها: وقال موسى لقومه.
«بارِئِكُمْ» (54) : خالقكم من برأت.
«الْمَنَّ» (57) شىء كان يسقط فى السّحر على شجرهم فيجبتنونه حلوا يأكلونه.
«وَالسَّلْوى» (57) : طائر [بعينه، وهو الذي سمّاه المولّدون سمانى] .
«وَقُولُوا حِطَّةٌ» (58) رفع، وهى مصدر من حطّ عنا ذنوبنا تقديره مدّة من مددت، حكاية أي قولوا: هذا الكلام، فلذلك رفع. «1»
«الرجز» (59) : العذاب.
«وَلا تَعْثَوْا» (60) : أي لا تفسدوا، من عثيت تعثى عثوّا، وعثا يعثوا عثوا وهو أشدّ الفساد.
[ «وَفُومِها» ] (61) : الفوم: الحنطة، «2» وقالوا: هو الخبز.
__________
(1) «قولوا ... رفع» : قابل هذا الكلام بما نقله الطبري 1/ 230 عن بعض نجاة أهل البصرة.
(2) «الفوم ... فومتان» : قال ابن دريد الفوم الحنطة والله أعلم وأزد ... فوما وهكذا قال أبو عبيدة فى كتاب المجاز وأنشد، وقال ... فومتان، فخفف الهاء غير مشبع، هكذا لغته (الجمهرة 3/ 160) . وهذا الكلام فى اللسان (فوم) أيضا وفيه: والهاء فى قوله بكفه غير مشبعة، وقال اليزيدي فى غريب القرآن له (2 آ) :
الفوم الزرع أو الحنطة والسنبل هكذا قال أبو عبيدة، وأنشد وقال: البيت.(1/41)
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62)
«اهْبِطُوا مِصْراً» (61) من الأمصار لأنهم كانوا فى تيه. قالوا:
اثنى عشر فرسخا فى ثمانية فراسخ يتيهون متحيرين لا يجاوزون ذلك إلّا أن الله ظلّل عليهم بالغمام، وآتاهم رزقهم هذا المنّ والسّلوى، وفجّر لهم الماء من هذه الحجارة، وكان مع كل سبط حجر غير عظيم يحملونه على حمار، فاذا نزلوا وضعوا الحجر فبجس الله لهم منه الماء. وبعض حدود التيه بلاد أرض بيت المقدس إلى قنّسرين. «1»
«الذِّلَّةُ» (61) : الصّغار «وَالْمَسْكَنَةُ» (61) : مصدر المسكين، يقال:
ما فى بنى فلان أسكن من فلان أي أفقر منه.
«باؤُ بِغَضَبٍ» (61) : أي احتملوه.
«الَّذِينَ هادُوا» (62) أي الذين تابوا ممن تهوّد (؟) أي هدنا إلى ربنا.
__________
(1) قنسرين: انظر معجم البلدان 4/ 184.(1/42)
وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (63) ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ (64) وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ (65) فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (66) وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (67) قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ (68)
«وَالصَّابِئِينَ» (62) : يقال: صبأت من دينك إلى دين آخر، إذا خرجت، كما تصبأ النجوم تخرج من مطالعها.
[ويقال صبأت ثنية إذا طلعتها]
«الطُّورَ» (63) جبل، كان رفع عليهم حيث قيل لهم: «قُولُوا حِطَّةٌ» (58) .
«خاسِئِينَ» (65) : مبعدين، «1» يقال: خسأته عنى وخسأت الكلب، باعدته وخسأ الرجل، إذا تباعد.
«إِنَّها بَقَرَةٌ لا فارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوانٌ» (68) : لا فارض: مسنّة، ولا بكر: صغيرة.
«بَيْنَ ذلِكَ» (68) : والعرب تقول: لا كذا ولا كذا ولكن بين ذلك فمجاز هذه الآية: بين هذا الوصف، ولذلك قال: بين ذلك، وقال رؤبة:
فيها خطوط من سواد وبلق «2»
فالخطوط مؤنثة والسواد والبلق اثنان، ثم قال:
كأنه فى الجلد توليع البهق
__________
(1) مبعدين: كذا فى الجمهرة 3/ 237.
(2) ديوانه 104- مجالس ثعلب 443 والسمط 174 والقرطبي 13/ 312 واللسان (بهق) وشواهد الكشاف 323(1/43)
قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ (69) قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ (70) قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لَا شِيَةَ فِيهَا قَالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ (71)
قال أبو عبيدة فقلت لرؤبة: إن كانت خطوط فقل كأنها، وإن كان سواد وبلق فقل: كأنهما، فقال: كأنّ ذاك ويلك توليع البهق، ثم رجع إلى السواد والبلق والخطوط فقال:
يحسبن شاما أو رقاعا من بنق «1»
جماعة شأمة.
«بَقَرَةٌ صَفْراءُ» (69) إن شئت صفراء، وإن شئت سوداء، «2» كقوله:
«جِمالَتٌ صُفْرٌ» (77/ 33) أي سود.
«فاقِعٌ لَوْنُها» (69) أي ناصع.
«إِنَّها بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لا شِيَةَ فِيها» (71) أي لون سوى لون جميع جلدها.
«قالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ» (73) أي الآن تبيّنا ذلك، ولم تزل جائيا بالحق.
__________
(1) «قال ... بنق» : نقل هذا الكلام عن أبى عبيدة باختلاف يسير فى مجالس ثعلب 444 والسمط 174، والقرطبي 13/ 314.
(2) «صفراء ... سوداء» : كذا فى غريب القرآن لأبى بكر السجستاني 109- 110 والبخاري، أنظر فتح الباري 8/ 123. «صفراء» من الأضداد. انظر الأضداد لأبى حاتم السجستاني 102. فاقع: ناصع: مثله فى غريب القرآن لأبى بكر السجستاني 109.(1/44)
وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (72) فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (73) ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (74) أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75) وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (76) أَوَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ (77) وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ (78) فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ (79) وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (80) بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (81) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (82) وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ (83) وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (84) ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (85) أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (86) وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ (87)
«فَادَّارَأْتُمْ فِيها» (72) : اختلفتم فيها من التدارئ والدرء.
«فَقُلْنا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها»
(73) : أي اضربوا القتيل ببعضها، ببعض البقرة.
«وَيُرِيكُمْ آياتِهِ»
(73) : أي عجائبه، ويقال: فلان آية من الآيات، أي عجب من العجب، ويقال: اجعل بينى وبينك آية أي علامة، وآيات:
بينات، أي علامات وحجج، والآية من القرآن: كلام متصل إلى انقطاعه.
«قَسَتْ قُلُوبُكُمْ» (74) أي جفت، والقاسي: الجافي اليابس.
«أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِما فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ» (76) : أي بما منّ الله عليكم، وأعطاكم دونهم.
«أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْداً» (80) : أي وعدا، والميثاق: العهد يوثق له.
[ «لا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ» ] (84) : سفك دمه: أي صبّ دمه كما يسفح نحي السمن يهريقه.
«وَقَفَّيْنا» (87) : أي أردفنا، من يقفوه.
«وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ» (87) أي شدّدناه وقوّيناه، ورجل ذو أيد وذو آد: أي قوة، والله تبارك وتعالى ذو الأيد، قال العجاج:(1/45)
وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ (88)
من أن تبدّلت بآدى آدا «1»
«وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ» (51/ 47) أي: بقوة.
«قُلُوبُنا غُلْفٌ» (88) : «2» كل شىء فى غلاف، ويقال: سيف أغلف، وقوس غلفاء، ورجل أغلف: إذا لم يختتن.
[ «قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ» (41/ 5) : أي فى أغطية واحدها كنان، قال عمر بن أبى ربيعة:
تحت عين كنانها ... ظلّ برد مرحّل] «3»
«لَعَنَهُمُ اللَّهُ» (88) : أي أطردهم وأبعدهم، قالوا: ذئب لعين، أي مطرود مبعد، وقال الشّماخ:
ذعرت به القطا ونفيت عنه ... مقام الذئب كالرجل اللّعين «4»
يريد: مقام الذئب اللعين كالرجل.
__________
(1) : ديوانه 76 والطبري 1/ 305 واللسان والتاج (أيد)
(2) «غلف ... إلخ» : فأما الذين قرؤوها بسكون اللام وتخفيفها فإنهم أولوها:
أنهم قالوا قلوبنا فى أكنة وأغطية، «والغلف» على قراءة هؤلاء: جمع أغلف وهو الذي فى غلاف وغطاء، كما يقال للرجل الذي لم يختتن: أغلف والمرأة غلفاء وكما يقال للسيف إذا كان فى غلافه: سيف أغلف، وقوس غلفاء (الطبري 1/ 36)
(3) : لم أجده فى ديوان عمر بن أبى ربيعة وهو فى اللسان (كنن) من كلمة له.
(4) فى ديوانه 92 والطبري 1/ 308 والجمهرة 2/ 139 والقرطبي 2/ 25 واللسان والتاج (لعن) والخزانة 2/ 223 وشواهد الكشاف 322.(1/46)
وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ (89) بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْيًا أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ (90) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (91) وَلَقَدْ جَاءَكُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ (92) وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (93)
«يَسْتَفْتِحُونَ» (89) : يستنصرون. «1»
«وَيَكْفُرُونَ بِما وَراءَهُ» (91) : أي بما بعده.
«وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ» (93) : سقوه حتى غلب عليهم مجازه مجاز المختصر أشربوا فى قلوبهم العجل: حبّ العجل، وفى القرآن: «وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ» (12/ 82) ، مجازها: أهل القرية، وقال النابغة الذبياني:
كأنك من جمال بنى أقيش ... يقعقع خلف رجليه بشنّ «2»
أقيش: حى من الجن، «3» أضمر جملا يقعقع خلف رجليه بشن، وقال الأسدىّ:
كذبتم وبيت الله لا تنكحونها ... بنى شاب قرناها تصرّ وتحلب «4»
أضمر التي شاب قرناها وقال أبو أسلم، «5» وأوتى بطعام قبل طعام، فقال:
__________
(1) «يَسْتَفْتِحُونَ يستنصرون» : قال البخاري: وقال غيره: يستفتحون ... إلخ.
قال ابن حجر: هو تفسير أبى عبيدة، وروى مثله الطبري من طريق العوفى عن ابن عباس ومن طريق الضحاك عن ابن عباس قال: أي يستظهرون (8/ 124) . [.....]
(2) فى ديوانه من الستة 30، وفى الكتاب 1/ 327- والكامل 219، والطبري 5/ 70، والشنتمرى 1/ 375، واللسان والناج (قعقع) والعيني 4/ 68، والخزانة، 2/ 312.
(3) «أقيش ... الجن» : كذا نقله البغدادي عن ابن الكلبي، وقال المبرد: أقيش حى من عكل، أقيش بن عبيد بن كعب بن عوف بن وائل بن قيس بن عوف بن عبد مناة بن أد بن طابخة.
(4) فى الكتاب 1/ 221، والكامل 217، والشنتمرى 1/ 259، 2/ 65 واللسان (قرن) .
(5) أبو أسلم: ولم أقف على ترجمته.(1/47)
وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (96) قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (97) مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ (98) وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَّا الْفَاسِقُونَ (99) أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (100) وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (101) وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (102)
الذي قبل أطيب.
«بِمُزَحْزِحِهِ» (96) بمبعده.
«مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ» (97) أي لما كان قبله.
«نَبَذَ فَرِيقٌ» (101) أي بعض نبذه: تركه، وقال أبو الأسود الدّؤلىّ، قال أبو عبيدة: أخذ من الدألان، واختار الدّؤلى:
نظرت إلى عنوانه فنبذته ... كنبذك نعلا أخلقت من نعالكا «1»
«فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ» (102) : من نصيب خير.
«وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ» (102) أي تتبّع (؟) ، وتتلو: تحكى وتكلم به كما تقول: يتلو كتاب الله أي يقرؤه.
«وَلَبِئْسَ ما شَرَوْا بِهِ» (102) أي: باعوا به أنفسهم، وقال ابن مفرّغ الحميرىّ:
وشريت بردا ليتنى ... من بعد برد كنت هامه «2»
أي بعته.
__________
(1) : لم أجد البيت فى القسم المطبوع من ديوانه وهو فى الطبري 1/ 333، والقرطبي مع بيت قبله (2/ 40) .
(2) ابن مفرغ: هو يزيد بن ربيعة بن مفرغ، شاعر إسلامى، ولقب جده مفرغا لأنه راهن على سقاء لبن أن يشربه فشربه حتى فرغ فلقب مفرغا، ويكنى أبا عثمان وهو من حمير، أنظر أخباره فى الأغانى 17/ 51- 72. - والبيت فى الأضداد لابن السكيت 185، والكامل 211، والأمالى الصغرى للزجاجى 30، والأغانى 17/ 55، واللسان، والتاج (شرى) والخزانة 2/ 212، وشواهد الكشاف 272، 325.(1/48)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ (104) مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (105) مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (106)
«لَمَثُوبَةٌ» (102) : من الثواب.
«راعِنا» (104) : من راعيت إذا لم تنوّن، ومن نوّن جعلها كلمة نهوا عنها راعيت: حافظت وتعاهدت.
«أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ» (105) ، قال أبو ذؤيب:
جزيتك ضعف الحب لما استثبته ... وما إن جزاك الضّعف من أحد قبلى «1»
أي أحد قبلى، [استثبته: استغللته] .
«ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ» (106) أي: ننسخها بآية أخرى، / «أَوْ نُنْسِها» «2» من النّسيان: [نذهب بها] ، ومن همزها جعلها من نؤخرها [من التأخير، ومن قال: ننسوها كان مجازها تمضيها، وقال جرير:
ولا أنسأتكم غضبى «3» ونسأت الناقة: سقتها، وقال طرفة:
__________
(1) ديوان الهذليين 1/ 35.
(2) «أو ننسها» : قرأ أبو عمرو بالهمزة مع فتح النون والسين والباقون بغير همز مع ضم النون وكسر السين (الداني 76) .
(3) تكملة البيت:
لولا عظام طريف ما غفرت لكم ... يومى بأود ولا أنسأتكم غضبى
فى ديوانه 49.(1/49)
أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (108) وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (109)
وعنس كألواح الإران نسأتها ... على لاحب كأنه ظهر برجد «1»
يعنى أنه يسوقها ويمضيها] .
«نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها» (106) أي نأتيك منها بخير.
«سَواءَ السَّبِيلِ» (108) أي وسطه، قال عيسى بن عمر: «2» ما زلت أكتب حتى انقطع سوائى: أي وسطى، «3» وقال حسّان بن ثابت يرثى عثمان بن عفّان:
يا ويح أنصار النبي ونسله ... بعد المغيّب فى سواء الملحد «4»
«فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا» (109) عن المشركين، وهذا قبل أن يؤمر بالهجرة والقتال فكل أمر نهى عنه عن مجاهدة الكفار فهو قبل أن يؤمر بالقتال، «5» وهو مكى.
__________
(1) البيت: هو الثاني عشر من معلقته وفى ديوانه من الستة 55- وشرح العشر 33 وجمهرة الأشعار 84 واللسان (أرن) .
(2) عيسى بن عمر: الثقفي، وكنيته أبو سليمان، ويقال «أبو عمر» وكان ثقة عالما بالعربية والنحو والقراءة ومات سنة 149 فى خلافة المنصور. أنظر ترجمته فى نزهة الألباء 25- 31 والإرشاد 16/ 146- 150 والبغية 270.
(3) «قال ... وسطى» : هذا الكلام فى الطبري 367 وقال القرطبي: (2/ 70) قال أبو عبيدة معمر بن المثنى: ومنه قوله: «فِي سَواءِ الْجَحِيمِ» وحكى عيسى ... إلخ.
(4) ديوانه 98- والكامل 708 والطبري 1/ 368 والقرطبي 2/ 70 واللسان (سوى) .
(5) «كل ... بالقتال» التي وردت فى الفروق: رواها القرطبي (2/ 72) عن أبى عبيدة. [.....](1/50)
وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (110) وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (111) بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (112) وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (113) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (114) وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (115) وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ (116)
«وَآتُوا الزَّكاةَ» (110) أي أعطوا.
«بُرْهانَكُمْ» (111) بيانكم وحجتكم.
«بَلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ» (112) ذهب إلى لفظ الواحد، والمعنى يقع على الجميع.
«وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ» (112) (؟)
«يَتْلُونَ الْكِتابَ» (113) : يقرؤنه.
«وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ» (115) : ما بين قطرى المغرب وما بين قطرى المشرق، والمشارق والمغارب فيهما: فهو مشرق كلّ يوم تطلع فيه الشمس من مكان لا تعود فيه إلى قابل، «1» والمشرقين والمغربين: مشرق الشتاء ومشرق الصيف، وكذلك مغربهما، «2» [القطر والقتر والحدّ والتّخوم واحد] .
«إِنَّ اللَّهَ واسِعٌ» (115) أي جوا يسع لما يسأل.
«قانِتُونَ» (116) «3» كل مقرّ بأنه عبد له قانتات: مطيعات.
__________
(1) إلى قابل: وفى الطبري «إلى الحول الذي بعده» .
(2) «وما بين ... مغربهما» : هذا الكلام فى الطبري 1/ 378 باختلاف يسير.
(3) قانتون: قال أبو بكر السجستاني فى غريب القرآن (140) : أي مطيعون، وقيل مقرون بالعبودية ... إلخ.(1/51)
بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (117) وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (118)
«بَدِيعُ» (117) : مبتدع، وهو البادئ الذي بدأها.
«وَإِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ» (117) أي أحكم أمرا، قال أبو ذؤيب:
وعليهما مسرودتان قضاهما ... داود أو صنع السّوابغ تبّع «1»
أي أحكم عملهما، فرفع «فيكون» لأنه ليس عطفا على الأول، ولا فيه شريطة فيجازى، إنما يخبر أن الله تبارك وتعالى إذا قال: كن، كان.
«لَوْلا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ» (118) : هلّا يكلمنا الله، وقال الأشهب ابن رميلة:
تعدّون عقر النّيب أفضل مجدكم ... بنى ضوطرى لولا الكمي المقنّعا «2»
__________
(1) ديوان الهذليين 19- من قصيدة مفضلية (878) وهو عند الطبري 1/ 383، 11/ 58، والقرطي 2/ 87، 14/ 289، واللسان والتاج (تبع، قضى)
(2) الأشهب بن رميلة: يكنى أبا ثور، شاعر مخضرم أخباره فى الأغانى 8/ 153، وانظر ابن عساكر 3/ 80 والعيني 1/ 482، والخزانة 2/ 509. -
والبيت: لجرير من قصيدة يهجو بها الفرزدق وهو فى ديوانه 338 وقد نسبه أبو عبيدة فى النقائض (833) له، أسند هنا للأشهب وتبعه كثير من الناس، كالطبرى 1/ 386، 7/ 110 والقرطبي 2/ 91، ونسبه صاحب اللسان والتاج للفرزدق (ضطر) ، وانظر الكامل 163 وشواهد المغني 229 والخزانة 1/ 461، 4/ 494.(1/52)
وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (120) الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (121) يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (122) وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (123)
يقول: هلّا تعدّون الكمىّ المقنّعا، [يقال رجل ضوطرى وامرأة ضوطرة:
أي ضخمة كثيرة الشحم ومثله ضيطار] .
«حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ» (120) أي دينهم، والملل: الأديان.
«يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ» (121) أي يحلّون حلاله، ويحرّمون حرامه.
«وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ» (121) وقع على الجميع.
«لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً» (123) أي لا تغنى. «1»
«وَلا يُقْبَلُ مِنْها عَدْلٌ» (123) : أي مثل، [يقال: هذا عدل هذا والعدل الفريضة، والصّرف النافلة وقال أبو عبيدة: العدل «2» المثل والصّرف المثل، والعدل الفداء، قال الله تبارك وتعالى: «وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ» (6/ 70) ] .
__________
(1) «لا نجزى ... لا تغنى» : وفى البخاري: لا تجرى لا تغنى، قال ابن حجر:
(8/ 124) هو قول أبى عبيدة فى قوله تعالى «تَجْزِي نَفْسٌ ... شَيْئاً» أي لا تغنى.
(2) العدل: قال ابن دريد فى الجمهرة 2/ 281: والعدل من قولهم: الصرف والعدل، قالوا: العدل الفريضة، والصرف النافلة، وقال قوم: العدل ضد الجور، وعدلت الشيء بالشيء، إذا جعلته بوزنه.(1/53)
وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (124) وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (125) وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (126) وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127)
«وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ» (124) أي اختبره.
«مَثابَةً» (125) مصدر «يثوبون إليه» أي يصيرون إليه. «1»
[ «وَالْعاكِفِينَ» ] (125) : العاكف أي المقيم.
والركّع السّجود (125) : الذين يركعون ويسجدون [والراكع العاثر من الدواب قال الشاعر:
على قرواء تركع فى الظّراب «2»
الظراب: الجبال الصغار قال لبيد:
أخبر أخبار القرون التي مضت ... أدبّ كأنّى كلما قمت راكع] «3»
«قواعد البيت» (127) : أساسه، «4» مخفف، والجميع أسس، وجماع
__________
(1) «مثابة ... يصيرون إليه» : رواه ابن حجر (8/ 128) عن أبى عبيدة، وقال:
ومراده بالمصدر اسم المصدر، وقال غيره: هو اسم مكان.
(2) هو عجز بيت لبشر بن أبى حازم الأسدى، حسبما فى الجمهرة (2/ 385) وصدره:
وأفلت حاجب فوت العوالي وورد فى الأساس واللسان والتاج (ركع) بغير عزو. قال ابن دريد: قوله تركع أي تكبو على وجهها، والظراب جمع ظرب وهو ارتفاع من الأرض لا يبلغ أن يكون جبلا.
(3) : ديوانه 1/ 36- والمعمرين 61، والشعراء 152، والأغانى 14/ 96، 134 واللسان والتاج (ركع) .
(4) «قواعد ... أساسه» : رواه ابن حجر (8/ 129) عن أبى عبيدة.(1/54)
رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (128)
الأسّ إذا ضممته آساس، تقديره: أفعال [ «وَالْقَواعِدُ» : الواحد من قواعد البيت قاعدة. والواحدة من قواعد النسا قاعدة، وقاعد أكثر، قال الكميت ابن زيد:
فى ذروة من يفاع أوّلهم ... زانت عواليها قواعدها 66
وقال أيضا:
وعادية من بناء الملوك ... تمتّ قواعد منها وسورا] 67
واحدها قاعدة.
«يَرْفَعُ» (127) أي يبنى.
«وَأَرِنا مَناسِكَنا» (128) أي علّمنا، قال حطائط بن يعفر:
أرينى جوادا مات هزلا لأننى ... أرى ما ترين أو بخيلا مخلّدا «1»
[لأننى بفتح اللام] ، أراد: دلّينى ولم يرد رؤية العين، ومعنى «لأننى» لعلنى.
__________
(1) حطائط: هو أخو الأسود بن يعفر، ترجمته مع ترجمة أخيه فى الشعراء 134 والأغانى 11/ 129. - والبيت من الأبيات التي اختلف اختلافا قديما فى عزوها، نسبه إلى حطائط أبو تمام (الحماسة 4/ 254) وابن قتيبة فى العيون 3/ 181، ونسبه فى الشعراء، (139) مرة له ومرة (129) إلى حاتم الطائي، ونسبه ابن السكيت فى القلب والإبدال 23 والأصفهانى فى الأغانى 11/ 133 إلى حطائط. وقال الجوهري (أنن) : أنشده أبو زيد لحاتم، قال: وهو الصحيح وقد وجدته فى شعر معن بن أوس المزني. وقال العيني (1/ 329) : أقول قائله هو حاتم بن عدى الطائي، كذا قالت جماعة من النحاة ... نعم البيت ثابت فى قصيدة لحاتم فى ديوانه صنع ابن الكلبي 26، من الممكن أن بعضهم أخذ هذا البيت القوى المعنى من بعض. والبيت فى الطبري 1/ 413، والأمالى للقالى 2/ 92، والسمط 714 والقرطبي 2/ 127، واللسان والتاج (انن) والخزانة 1/ 195.(1/55)
رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (129) وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (130) إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (131) وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (132) أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (133)
«وَيُزَكِّيهِمْ» (129) أي يطهّرهم، قال: «نَفْساً زَكِيَّةً» (18/ 75) أي مطهّرة.
«سَفِهَ نَفْسَهُ» (130) أي أهلك نفسه وأوبقها، «1» تقول: سفهت نفسك.
«اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ» (132) أي أخلص لكم الدين، من الصفوة.
«أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ» (133) «أم» تجىء بعد كلام قد انقطع، وليست فى موضع هل، ولا ألف الاستفهام، قال الأخطل:
كذبتك عينك أم رأيت بواسط ... غلس الظّلام من الرّباب خيالا «2»
__________
(1) «سفه ... وأوبقها» : قال أبو بكر السجستاني عن أبى عبيدة: قال يونس: سفه دمه بمعنى سفه، قال أبو عبيدة: سفه نفسه أي أوبقها وأهلكها (غريب القرآن 94) .
(2) : من قصيدة يهجو بها جريرا فى ديوانه 41، وهو فى الكامل 380، والطبري 1/ 261، والنهاية واللسان (كذب) ، وشواهد المغني 52، والخزانة 2/ 411، 4/ 452. - قال فى الخزانة: ونقل ابن هشام فى المغني عن أبى عبيدة أنه زعم: أن «أم» بمعنى الاستفهام المجرد من الإضراب، فقال فى قول الأخطل ...
أن المعنى هل رأيت. [.....](1/56)
وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (135)
[يقول: كذبتك عينك، هل رأيت، أو بل رأيت] .
«قالُوا نَعْبُدُ إِلهَكَ وَإِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ» (134) والعرب تجعل العم والخال أبا.
[قال أبو عبيدة: لم أسمع من حمّاد «1» هذا، قال حماد بن زيد عن أيوب، «2» عن عكرمة: إنّ النبي صلّى الله عليه قال يوم الفتح، حيث بعث العباس إلى أهل مكة:
ردّوا علىّ أبى فإنّى أخاف أن يفعل به قريش ما فعلت ثقيف بعروة ابن مسعود، «3» ثم قال: لئن فعلوا، لأضرمنّها عليهم نارا، وكان النبي صلى الله عليه بعث عروة إلى ثقيف، يدعوهم إلى الله، فرقى فوق بيت، ثم ناداهم إلى الإسلام فرماه رجل بسهم، فقتله] . «4»
«بَلْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ» (135) : انتصب، لأن فيه ضمير فعل، كأن مجازه بل اتبعوا ملة إبراهيم، أو: عليكم ملة إبراهيم.
__________
(1) حماد: هو حماد بن زيد بن درهم الأزدى الجهضمي، أبو إسماعيل البصري ولد سنة 98 وتوفى سنة 179 على خلاف، أنظر ترجمته فى تهذيب التهذيب 3/ 9- 11.
(2) أيوب: هو ابن أبى تيمية كيسان السختياني، وترجمته فى تهذيب التهذيب 1/ 397- 399.
(3) عروة بن مسعود: ابن معقب بن مالك الثقفي، وهو عم والد المغيرة بن شعبة وأمه سبية بنت عبد شمس بن عبد مناف أخت آمنة. كان أحد الأكابر من قومه (الإصابة 4/ 1137) .
(4) «يوم الفتح ... فقتله» : هذا الخبر فى الكامل 291 وفى ترجمة عروة ابن مسعود فى الإصابة. وانظر قصة مقتل عروة فى السيرة (جوتنجن) 914.(1/57)
فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (137)
«حَنِيفاً» (135) : الحنيف فى الجاهلية من كان على دين إبراهيم، ثم سمّى من اختتن وحج البيت حنيفا لما تناسخت السنون، وبقي من يعبد الأوثان من العرب قالوا: نحن حنفاء على دين إبراهيم، ولم يتمسكوا منه إلا بحج البيت، والختان والحنيف اليوم: المسلم. «1»
[قال ذو الرمة:
إذا خالف الظّل العشىّ رأيته ... حنيفا ومن قرن الضّحى يتنصّر «2»
يعنى الحرباء] .
«فَإِنَّما هُمْ فِي شِقاقٍ» (137) ، مصدر شاققته وهو المشاقّة أيضا، [وشاقّه: باينه، قال النابغة الجعدىّ:
وكان إليها كالذى اصطاد بكرها ... شقاقا وبغضا او أطمّ وأهجرا] «3»
__________
(1) «حنيفا ... المسلم» : قد روى صاحب اللسان (حنف) هذا الكلام عن أبى عبيدة باختلاف يسير.
(2) ديوانه 229- والاضداد للانبارى 131 والاقتضاب 393 والقرطبي 2/ 140 واللسان (حول)
. (3) البيت فى كتاب المعاني الكبير 700 والاقتضاب 141، وهو فى وصف بقرة أكل السبع ولدها فلما يئست منه عرض لها ثور فرد ليس معه أزواج فأرادها ففرت عنه لما كانت فيه من الحزن على ولدها وكان عندها فى كراهتها إياه كالذى اصطاد ولدها وكانت له أشد بغضا، عن الاقتضاب.(1/58)
صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ (138) قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللَّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ (139) أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطَ كَانُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (140) تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (141) سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (142) وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (143)
ومجازه: حارب، وعصى.
«صِبْغَةَ اللَّهِ» (138) أي دين الله، وخلقته التي خلقه عليها، وهى فطرته، من فاطر أي خالق.
«أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْراهِيمَ» (140) أم فى موضع ألف الاستفهام، ومجازها: أتقولون.
«أُمَّةً وَسَطاً» (143) أي عدلا خيارا، ومنه قولهم: فلان واسط فى عشيرته، أي فى خيار عشيرته.
[وقال غيلان:
وقد وسطت مالكا وحنظلا «1» أي صرت من أوسطهم وخيارهم] . وواسط: فى موضع وسط، كما قالوا:
ناقة يبس ويابسة الخلف.
«رؤف» (143) : فعول من الرأفة، وهى أشدّ الرحمة.
[قال الكميت:
وهم الأرأفون بالناس فى الرأ ... فة والأحلمون فى الأحلام] «2»
__________
(1) غيلان: لعله غيلان بن حريث الربعي، قال البغدادي (الخزانة 4/ 126) :
لم أقف على خبر لغيلان. - والشطر فى الكتاب 1/ 299 والشنتمرى 1/ 342 والصحاح مع آخر بعده:
صيّابها والعدد المجلجلا فى اللسان والتاج (وسط) .
(2) الهاشميات 13(1/59)
قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (144) وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ (145) الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (146) الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (147) وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (148) وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (149) وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (150)
«شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ» (144) أي قصد المسجد الحرام، قال الهذلىّ:
إنّ العسير بها داء مخامرها ... فشطرها نظر العينين محسور «1»
[العسير: الناقة التي لم تركب] ، شطرها: نحوها، وقال ابن أحمر:
تعدو بنا شطر جمع وهى عاقدة ... قد كارب العقد من إيقادها الحقبا «2»
إيقادها: سرعتها.
«بِكُلِّ آيَةٍ» (145) أي علامة، وحجة.
َ لِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها»
(148) أي موجّهها.
«لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ» (150) موضع «إلّا» هاهنا ليس بموضع استثناء، إنما هو موضع واو الموالاة، ومجازها: لئلا يكون للناس عليكم حجة، وللذين ظلموا، وقال الأعشى:
__________
(1) الهذلي هو قيس بن خويلد الهذلي. - والبيت فى الكامل للمبرد (109، 410) بغير عزو ونسبه صاحب اللسان ثم صاحب التاج إلى قيس بن خويلد الهذلي (حسر) ومن غير عزو فى مادة (شطر) .
(2) ابن أحمر: هو عمرو بن أحمر بن عامر ... الباهلي شاعر إسلامى يكنى أبا الخطاب، وفى نسبه اختلاف. انظر الشعراء 207، والجمحي 129، والمؤتلف 37 والإصابة رقم 6466 والخزانة 3/ 38. - والبيت فى الطبري 2/ 13 والخزانة 3/ 38.(1/60)
أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157)
إلّا كخارجة المكلّف نفسه ... وابني قبيصة أن أغيب ويشهدا «1»
ومعناه: وخارجة، وقال عنز بن دجاجة المازنىّ:
من كان أسرع فى تفرّق فالج ... فلبونه جربت معا وأغدّت «2»
إلّا كناشرة الذي ضيّعتم ... كالغصن فى غلوائه المتنبّت
غلوائه: سرعة نباته، يريد: وناشرة الذي ضيعتم، لأن بنى مازن يزعمون أن فالجا الذي فى بنى سليم، وناشرة الذي فى بنى أسد: هما، ابنا مازن.
«أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ» 157 يقول: ترحّم من ربهم، قال الأعشى:
__________
(1) : ديوانه ص 153.
(2) عنز بن دجاجة المازني: ورد اسم هذا الشاعر فى الأصول كلها دجاجة بن عنز. قال سيبويه (1/ 321) : وهو قول بعض بنى مازن يقال له عنز بن دجاجة، وأضاف إليه الأعلم الشنتمرى (1/ 368) «المازني» . - والبيتان فى الكتاب والشنتمرى وفى اللسان والتاج (نبت) .
وفالج: هو فالج بن مازن بن مالك بن عمرو بن تميم، سعى به بعض بنى مازن وأساء إليه حتى رحل عنهم، ولحق ببني ذكوان ... فنسب إليهم، وكان بنو مازن قد ضيقوا على رجل منهم يسمى ناشرة، حتى انتقل عنهم إلى بنى أسد فدعا هذا الشاعر المازني على بنى مازن حيث اضطروا فالجا إلى الخروج عنهم، واستثنى ناشرة منهم، لأنه لم يرض فعلهم، ولأنه قد امتحن محنة فالج بهم ... إلخ، عن الشنتمرى.(1/61)
إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ (158) إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (159) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (160) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (161) خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (162) وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (163) إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (164) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ (165)
تقول بنتي إذا قرّبت مرتحلا ... يا ربّ جنّب أبى الأوصاب والوجعا «1»
عليك مثل الذي صلّيت فاغتمضى ... نوما فإن لجنب المرء مضطجعا
فمن رفع «مثل» جعله: عليك مثل ذلك الذي قلت لى ودعوت لى به، ومن نصبه جعله أمرا يقول: عليك بالترحم والدعاء لى.
«شَعائِرِ اللَّهِ» (158) : واحدتها شعيرة، وهى فى هذا الموضع: ما أشعر لموقف أو مشعر أو منحر أي أعلم لذاك. وفى موضع آخر: الهدى، إذا أشعرها، وهو أن يقلّدها، أو يحلّلها فأعلم أنها هدى، والأصل: أن يشعرها بحديدة فى سنامها من جانبها الأيمن: يطعنها حتى يخرج الدم.
«وَالْفُلْكِ» (164) : تقع على الواحد، وعلى الجميع، وهى السفينة والسّفن، والعرب تفعل ذلك قالوا: هى الطّرفاء، وهذه الطّرفاء. «2»
«وَبَثَّ فِيها» (164) أي فرّق وبسط، «وَزَرابِيُّ مَبْثُوثَةٌ» (88/ 16) أي متفرقة مبسوطة.
«وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا» (165) أي يعلم، وليس برؤية عين.
__________
(1) ديوانه ص 73، والأول هو التاسع والثاني هو الثاني عشر من رقم 13، وهما معا فى جمهرة الأشعار، والاقتضاب 6، والخزانة 1/ 359. [.....]
(2) الطرفاء جماعة الطرفة: شجر، وقال سيبويه: الطرفاء: واحد وجميع، والطرفاء اسم للجمع (اللسان) .(1/62)
إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ (166) وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ (167) يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (168) إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (169) وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ (170) وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (171)
«وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ» (166) أي الوصلات التي كانوا يتواصلون عليها فى الدنيا، واحدتها «وصلة» .
[ «حَسَراتٍ» ] (167) : الحسرة أشدّ الندامة.
«خُطُواتِ الشَّيْطانِ» (168) هى الخطى، واحدتها: خطوة، ومعناها: اثر الشيطان.
«أَلْفَيْنا عَلَيْهِ آباءَنا» (168) : أي وجدنا. «أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً» (170) ، الألف ليست ألف [الاستفهام] أو الشك، إنما خرجت مخرج الاستفهام تقريرا بغير الاستفهام. «أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً» أي: وإن كان آباؤهم.
«وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِما لا يَسْمَعُ» (170) ، إنما الذي ينعق الراعي، ووقع المعنى على المنعوق به وهى الغنم تقول:
كالغنم التي لا تسمع التي ينعق بها راعيها والعرب تريد الشيء فتحوّله إلى شىء من سببه، يقولون: أعرض الحوض على الناقة وإنما تعرض الناقة على الحوض، ويقولون: هذا القميص لا يقطعنى، ويقولون: أدخلت القلنسوة(1/63)
إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (173) إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (174) أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ (175)
فى رأسى، وإنما أدخلت رأسك فى القلنسوة، وكذلك الخفّ، وهذا الجنس وفى القرآن: «ما إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ» (28/ 36) ما إنّ العصبة لتنوء بالمفاتح: «1» أي تثقلها. والنعيق: الصياح بها، قال الأخطل:
انعق بضأنك يا جرير فإنما ... منّتك نفسك فى الخلاء ضلالا «2»
«وَما أُهِلَّ بِهِ» (173) أي وما أريد به، وله مجاز آخر، أي:
ما ذكر عليه من أسماء آلهتهم، ولم يرد به الله عز وجل. جاء فى الحديث:
أرايت من لا شرب ولا أكل ولا صاح فاستهلّ أليس مثل ذلك يطلّ. «3»
«غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ» (173) أي لا يبغى فيأكله غير مضطر إليه، ولا عاد شبعه.
«فَما أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ» (175) «ما» فى هذا الموضع فى معنى الذي، فمجازها: ما الذي صبرهم على النار، ودعاهم إليها، وليس بتعجب.
__________
(1) «فى رأسى ... بالمفاتح» : هذا الكلام فى الاضداد لأبى حاتم السجستاني (ص 15) باختلاف يسير.
(2) ديوانه ص 50- وفى الجمهرة 3/ 233 واللسان والتاج (نعق) والقرطبي 2/ 215 وشواهد الكشاف 217.
(3) «أرأيت ... يطل» : أخرجه البخاري ومسلم والنسائي فى القسامة، وهو فى السنن الكبرى للبيهقى 8/ 113 وفى النهاية (هلل، طلل) واللسان والتاج (هلل) .(1/64)
لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (177)
«لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ» (177) ، «1» فالعرب تجعل المصادر صفات، فمجاز البرّ هاهنا:
مجاز صفة ل «مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ» ، وفى الكلام: ولكن البارّ من آمن بالله، قال النابغة:
وقد خفت حتى ما تزيد مخافتى ... على وعلى فى ذى القفارة عاقل «2»
«وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ» (177) رفعت على موالاة قوله: «وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ» وفى وفعل «وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ» ، ثم أخرجوا «وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ» (177) من الأسماء المرفوعة، والعرب تفعل ذلك إذا كثر الكلام سمعت من ينشد بيت خرنق بنت هفّان من بنى سعد بن ضبيعة، رهط الأعشى:
لا يبعدن قومى الذين هم ... سمّ العداة وآفة الجزر «3»
__________
(1) «ليس ... البار» : قال القرطبي (2/ 239) : ويجوز أن يكون البر بمعنى المبار، والبرّ، والفاعل قد يسمى بمعنى المصدر، كما يقال: رجل عدل وصوم، وفطر وفى التنزيل: «إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً» (67/ 30) أي غائرا وهذا اختيار أبى عبيدة. وقال المبرد: لو كنت ممن يقرأ القرآن لقرأت «ولكن البر» بفتح الباء.
(2) ديوانه من الستة 22- وأمالى المرتضى 1/ 155، والإنصاف لابن الأنبارى 164، والسمط 465، ومعجم البلدان 4/ 561 فى مادة «مطارة» .
(3) خرنق: بنت بدر بن هفان بن تميم بن قيس بن ثعلبة بن عكابة، كانت شاعرة جاهلية. أنظر ترجمتها فى مقدمة ديوانها ص 3، 8، والسمط 780، والعيني 3/ 603، والخزانة 2/ 307. - والبيتان: قد اختلفوا فى قائلهما قديما، فهما فى ديوان خرنق ص 10 ونسبهما أبو عبيدة إليها (حسبما ذكر فى الخزانة 2/ 107) وأبو زيد فى النوادر 108 إلى حاتم، وهما فى الكتاب 1/ 84، 210، 213، وتهذيب الألفاظ 558، والكامل 452، ومنتخب كنايات الجرجاني 11، وأمالى المرتضى 1/ 146 والسمط 548، والشنتمرى 1/ 104، 246، 249، والقرطبي 6/ 14، والعيني 3/ 602.(1/65)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ (178) وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (179) كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (180) فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (181) فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (182) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183)
النازلين بكل معترك ... والطيبين معاقد الأزر
فيخرجون البيت الثاني من الرفع إلى النصب، ومنهم من يرفعه على موالاة أوله فى موضع الرفع.
«فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ» (178) أي ترك له.
«مِنْ مُوصٍ جَنَفاً» (182) أي جورا عن الحق، وعدولا، قال عامر الخصفيّ:
هم المولى وقد جنفوا علينا ... وإنّا من لقائهم لزور «1»
جنفوا: أي جاروا، والمولى هاهنا فى موضع الموالي، أي بنى العم، كقوله:
«يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا» (22/ 5) . «2»
«كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ» (183) أي فرض عليكم.
__________
(1) عامر الخصفى: هو من حى خصفة بن قيس عيلان، له ذكر فى السيرة (جوتنجن) ص 65 وانظر التاج (خصف) . - والبيت فى القرطين 1/ 15، والقرطبي 2/ 269 من غير عزو، وعزاه فى اللسان (جنف) .
(2) «والمولى ... طفلا» : روى القرطبي (2/ 270) هذا الكلام عنه، وهو فى اللسان (جنف) .(1/66)
وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186) أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (187)
«فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي» (186) أي يجيبونى قال كعب الغنوىّ:
وداع دعا يا من يجيب إلى النّدى ... فلم يستجبه عند ذاك مجيب «1»
أي فلم يجبه عند ذاك مجيب.
«لَيْلَةَ الصِّيامِ» (187) : مجازها ليل الصيام، والعرب تضع الواحد فى موضع الجميع، قال عامر الخصفيّ:
هم المولى وقد جنفوا علينا ... وإنّا من لقائهم لزور (82)
«الرَّفَثُ» (188) أي الإفضاء إلى نسائكم، أي النكاح.
«هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ» (187) : يقال لامرأة الرجل: هى فراشه، ولباسه وإزاره، ومحل إزاره، «2» قال الجعدي:
تثنّت عليه فكانت لباسا «3»
__________
(1) : كعب الغنوي: هو كعب بن سعد بن عقبة أو علقمة بن عوف بن رفاعة الغنوي، أحد بنى سالم بن عبيد بن سعد بن كعب، ويقال له: كعب الأمثال لكثرة ما فى شعره من الأمثال، له ترجمة فى معجم الشعراء 341، والسمط 771 والخزانة 4/ 374، ويرد العلامة الميمنى قول البغدادي والبكري إنه شاعر إسلامى، ويقول إنه جاهلى. وهو الصواب. - البيت من قصيدة له يرثى بها أخاه أبا المغوار وهى من المجمهرات 133، ونسبه الأصمعى (ص 15) ضمن أبيات أخرى إلى عريقة بن مسافع العبسي والبيت فى نوادر أبى زيد ص 37، والطبري 2/ 90، والأمالى للقالى 2/ 151، والاقتضاب 459 واللسان والتاج (جوب) ، والعيني 3/ 247، والخزانة 4/ 374.
(2) «يقال ... إزاره» : هذا الكلام فى الغريين (لبس) .
(3) : الجعدي: هو النابغة قيس بن عبد الله بن عدس بن ربيعة بن جعدة، صحب النبي عليه الصلاة والسلام وروى عنه ومدحه، وله ترجمة فى المعمرين لأبى حاتم رقم 65، وفى الشعراء 158، والجمحي 26، والأغانى 4/ 128، والسمط 248.
- والمصراع عجز بيت صدره:
إذا ما الضجيع ثنى جيدها وهو فى الشعراء 164، والطبري 2/ 91، والقرطين 1/ 68، والقرطبي 2/ 317 واللسان والتاج (لبس) وشواهد الكشاف 152.(1/67)
وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (188) يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (189) وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190) وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ (191) فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (192) وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ (193) الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (194) وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (195) وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (196)
«الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ» (187) : الخيط الأبيض:
هو الصبح المصدّق، والخيط الأسود هو الليل، والخيط هو اللون.
[ «فريقا» ] (188) : الفريق هى الطائفة.
«وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها» (189) : البرّ هنا: فى موضع البار، ومجازها: اى اطلبوا البرّ من أهله ووجهه ولا تطلبوه عند الجهلة المشركين. «1»
«وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ» (19) أي الكفر أشدّ من القتل فى أشهر الحرم، يقال: رجل مفتون فى دينه أي كافر.
«التَّهْلُكَةِ» (195) والهلاك، والهلك، والهلك واحد.
«وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ» (196) : والمعنى: أن العمرة ليست بمفترضة، وإنما نصبت على ما قبلها قال أبو عبيدة: وأخبرنا ابن عون»
عن الشّعبى أنه كان
__________
(1) «اطلبوا ... المشركين» : روى السيد المرتضى هذا الكلام عن أبى عبيدة فى أماليه 2/ 45.
(2) ابن عون: هو عبد الله بن عون بن أرطان المزني، مولاهم أبو عون الخراز البصري، رأى أنس بن مالك، وروى عن ثمامة بن عبد الله بن أنس ... وعن الشعبي، مولده سنة 66 وموته سنة 151 انظر تهذيب التهذيب 5/ 346. وأما الشعبي فهو عامر بن شراحيل بن عبد الله، وقيل عامر بن عبد الله بن شراحيل الشعبي الحميرى أبو عمرو مات سنة 109، وقيل غير ذلك، انظر تهذيب التهذيب 5/ 65. [.....](1/68)
يقرأ «وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ» «1» يرفع العمرة، ويقول: إنها ليست بمفترضة.
ومن نصبها أيضا جعلها غير مفترضة.
«فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ» (196) أي إن قام [بكم] بعير، أو مرضتم، أو ذهبت نفقتكم، أو فاتكم الحجّ، فهذا [كله] محصر، والمحصور: الذي جعل فى بيت، أو دار، أو سجن.
[ «الهدى» ] (196) قال يونس: «2» كان أبو عمرو يقول فى واحد «الهدى» :
هدية، تقديرها جدية السرج، والجميع الجدى، مخفف. قال أبو عمرو: ولا أعلم حرفا يشبهه. «3»
__________
(1) «وأتموا الحج ... إلخ» : انظر الطبري 2/ 177 حيث ينقل ما روى عن الشعبي فى تفسير هذه الآية.
(2) يونس: هو يونس بن حبيب الضبي، كان من أصحاب ابى عمرو بن العلاء، سمع من العرب، وروى عن سيبويه فأكثر، وله قياس فى النحو ومذاهب ينفرد بها سمع منه الكسائي، والفراء، مولده سنة 90 ومات سنة 182 انظر الفهرست 42 ونزهة الألباء 154، والبغية 426، وأبو عمرو: هو زبان بن عمار بن العلاء كما مر.
(3) «هدية ... يشبهه» : روى الطبري (2/ 123) هذا الكلام عن أبى عبيدة.(1/69)
الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ (197)
[أو نسك] (196) : النّسك أن ينسك، يذبح لله، فالذبيحة النسيكة.
«فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ» (196) ، العرب تؤكد الشيء وقد فرغ منه فتعيده بلفظ غيره تفهيما وتوكيدا.
«فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ» (197) من أو ذم فى الحج: أي فرضه عليه أي ألزمه نفسه.
«فَلا رَفَثَ» (197) أي لا لغا «1» من الكلام، قال العجاج:
عن اللّغا ورفث التكلّم (85)
«وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ» (197) أي لا شك فيه أنه لازم فى ذى الحجة، هذا فيمن قال: «جِدالَ» ومن قال: «لا جِدالَ فِي الْحَجِّ» :
من المجادلة. «2»
__________
(1) «أي لا لغا ... العجاج» والشطر: رواه القرطبي عن أبى عبيدة (2/ 407) .
وقال أبو على الفارسي (الحجة 2/ 62 م) : وقال أبو عبيدة فيما روى عنه التوزى ...
الكلام، وأنشد الشطر. - 85: فى ديوانه 59- والمقصور والممدود لابن ولاد 111، الطبري 2/ 233، والاقتضاب 461، واللسان والتاج (رفث) وشواهد الكشاف 298.
(2) «لا جدال ... المجادلة» : روى أبو على الفارسي هذا الكلام عنه (فى الحجة 2/ 62 م) . «جدال» : قال الطبري (2/ 156) : وفتح الجدال بغير تنوين وذلك هو قراءة جماعة البصريين وكثير من أهل مكة منهم عبد الله بن كثير، وأبو عمرو بن العلاء.(1/70)
لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ (198) ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (199) فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ (200) وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (201) أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (202) وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (203) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (204) وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ (205) وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ (206) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ (207) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (208)
«فَإِذا أَفَضْتُمْ» (198) أي رجعتم من حيث جئتم.
[معدودات] (203) : المعدودات: أيام التشريق المعلومات: عشر ذى الحجة.
«أَلَدُّ الْخِصامِ» (204) : شديد الخصومة، ويقال للفاجر: أبلّ وألدّ، ويقال:
قد بللت ولددت بعدي مصدره اللدد، والجميع: قوم لدّ، قال المسيّب بن علس:
ألا تتّقون الله يا آل عامر ... وهل يتّقى الله الإبل المصمّم «1»
«وَلَبِئْسَ الْمِهادُ» (206) : الفراش.
«يَشْرِي نَفْسَهُ» (207) : يبيعها.
«السِّلْمِ» (208) : الإسلام، والسّلم يؤنث ويذكر، قال حاجز الأزدىّ:
وإنّ السّلم زائدة نواه «2»
__________
(1) : المسيب بن علس: هو زهير بن على بن مالك بن عمرو بن قمامة، شاعر جاهلى له ترجمة فى الشعراء 82، والجمحي 36، والخزانة 1/ 545. - والبيت فى ديوانه 329، والجمهرة 1/ 38، والسمط 659 واللسان والتاج (بلل) والخزانة 4/ 226.
(2) حاجز الأزدى: هو حاجز بن عوف بن الحارث بن الاخثم بن الأزد، وهو شاعر جاهلى مقل ليس من مشهورى الشعراء، وهو أحد الصعاليك المغيرين على قبائل العرب، أخباره فى الأغانى 12/ 47. - والبيت كما يروى فى: مختل من حيث وزنه ومعناه غير واضح، ولم أجده فى مظانه ولا فيما ألف فى المذكر والمؤنث، وفى الأغانى (12/ 52) فى أخبار الحرث بن الطفيل، بيت يشبهه هو:
فان السلم زائدة نواها ... وإن نوى المحارب لا تروب(1/71)
زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (212) كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (213) أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ (214) يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (215) كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (216) يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (217)
وفى موضع آخر الصلح. «كَافَّةً» (208) : جميعا يقال: إنه لحسن السّلم.
«وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ» (212) : أي أفضل منهم.
«بِغَيْرِ حِسابٍ» (212) بغير محاسبة.
«أُمَّةً واحِدَةً» (213) أي ملّة واحدة.
«أَمْ حَسِبْتُمْ [أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ] » (214) أي أحسبتم «أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ» .
«خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ» (214) أي مضوا.
«وَزُلْزِلُوا» (214) أي خوّفوا.
«يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ» (217) مجرور بالجوار «1» لما كان بعده «فِيهِ» كناية للشهر الحرام، وقال الأعشى:
لقد كان فى حول ثواء ثويته ... تقضّى لبانات ويسأم سائم «2»
__________
(1) «مجرور بالجوار» : قال القرطبي (3/ 44) : وقال أبو عبيدة: هو محفوض على الجوار، قال النحاس: لا يجوز أن يعرب الشيء على الجوار فى كتاب الله، ولا فى شىء من الكلام وإنما الجوار غلط ... إلخ، وانظر الخزانة 2/ 324، 328.
(2) ديوانه ص 56 والكتاب 1/ 376- والكامل للمبرد 394، والشنتمرى 1/ 423، وابن يعيش 1/ 386، وشواهد المغني 297. - ثواء: الثواء:
الإقامة، بالجر، قال ثعلب: وأبو عبيدة يخفضه. والنصب أجود ومن روى «تقضى لبانات» فإنه ينبغى أن يرفع «ثواء» (شرح الديوان) .(1/72)
يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (219) فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (220) وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (221) وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222) نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (223) وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (224) لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (225) لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226)
«حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ» (217) أي بطلت وذهبت.
«الْمَيْسِرِ» (218) القمار.
«قُلِ الْعَفْوَ» (218) أي الطاقة التي تطيقها والقصد، تقول: خذ ما عفا لك، أي ما صفا لك. «1»
«لَأَعْنَتَكُمْ» (220) أي لأهلككم، «2» من العنت.
«نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ» (223) كناية، وتشبيه، قال: «فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ» (223) .
«وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ» (224) أي نصبا.
و «اللغو» (225) : لا والله، وبلى والله، وليس بيمين تقتطع بها مالا أو تظلم بها.
[يولون] (225) : يولى يحلف، من الأليّة وهى اليمين، ألوة، وأليّة اليمين قال أوس بن حجر:
علىّ أليّة عتقت قديما ... فليس لها وإن طلبت مرام
«3»
«فَإِنْ فاؤُ» (226) أي رجعوا عن اليمين.
__________
(1) «خذ ... صفا لك» : هذا الكلام فى الطبري 2/ 206.
(2) «لَأَعْنَتَكُمْ لأهلكم» : رواه النحاس عن أبى عبيدة فى معانى القرآن 16 ب.
(3) ديوانه 34 والسمط 90 واللسان (الو) .(1/73)
وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (228) الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (229) فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (230)
[يتربّصن] (228) : والتربّص [أن] «1» لا تقدم على زوج حتى تقضى ثلاثة قروء «2» واحدها: قرء، فجعله بعضهم «الحيضة» ، وقال بعضهم: الطهر، قال الأعشى:
وفى كل عام أنت جاشم غزوة ... تشدّ لأقصاها عزيم عزائكا «3»
مؤرّثة مالا وفى الأصل رفعة ... لما ضاع فيها من قروء نسائكا
وكلّ قد أصاب، لأنه خروج من شىء إلى شىء فخرجت من الطهر إلى الحيض، ومن قال: بل هو الطهر فخرجت من الحيض إلى الطهر. وأظنه أنا من قولهم: قد أقرأت النجوم، إذا غابت. «4»
«وَبُعُولَتُهُنَّ» (228) : الأزواج، واحدها بعل.
«دَرَجَةٌ» (228) : منزلة.
«إِلَّا أَنْ يَخافا أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ» (229) معناها: إلّا أن يوقنا.
«فَإِنْ خِفْتُمْ» (229) هاهنا: فإن أيقنتم.
«إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ» (230) أي أيقنا.
__________
(1) زيادة «أن» اقتضاها السياق.
(2) «قُرُوءٍ» : روى الأصمعى وأبو حاتم السجستاني وابن السكيت تفسير أبى عبيدة لهذه الكلمة فى كتبهم التي ألفوها فى الأضداد (ص 4، 99، 163) باختلاف يسير، ولا أدرى أنقلوها من مجاز القرآن أم من مؤلف له فى الأضداد. [.....]
(3) : ديوانه ص 67- والكامل 163، والقرطين 1/ 77، والطبري 2/ 252، والقرطبي 3/ 113.
(4) «وأظنه ... غابت» : رواه الأصمعى عن أبى عبيدة فى الأضداد ص 5 وهو فى اللسان (قرأ) .(1/74)
وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (232) وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (233) وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (234) وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (235)
«فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ» (232) : منتهى كل قرء أو شهر، فإذا فبلغن أجلهن «فَلا تَعْضُلُوهُنَّ» (232) فى هذا الموضع: منتهى العدّة الوقت الذي وقّت الله ثم قال: «تَراضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ» (232) أي تزويجا صحيحا «فَلا تَعْضُلُوهُنَّ» (232) أي لا تحبسوهن، ونرى أن أصله من التعضيل.
«لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها» (223) رفع، خبر، ومن قال: «لا تُضَارَّ» «1» بالنصب فإنما أراد «لا تضارر» ، نهى.
«فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ» (235) أي فى عدّتهن أن تقول:
إنى أريد أن أتزوجك وإن قضى شىء كان.
«لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا» السرّ: الإفضاء بالنكاح، قال الحطيئة:
ويحرم سرّ جارتهم عليهم ... ويأكل جارهم أنف القصاع «2»
__________
(1) «لا تُضَارَّ» : قال الطبري: اختلفت القراء فى قراءة ذلك فقرأ عامة قراء أهل الحجاز والكوفة والشام «لا تُضَارَّ والِدَةٌ» بفتح الراء (2/ 283) . وابن كثير وأبو عمرو بالرفع. انظر الداني 81.
(2) الحطيئة: هو جرول بن أوس بن مالك من بنى حطيئة بن عبس، يكنى أبا مليكة لقب الحطيئة لقصره، وقربه من الأرض، وهو من المخضرمين أسلم بعد وفاة النبي عليه السلام، انظر السمط 80 والعيني 1/ 473 والخزانة 1/ 409- والبيت فى ديوانه 328- والكامل 428 والطبري 2/ 300 والقرطبي 3/ 191 واللسان والتاج (سرر، أنف)(1/75)
لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ (236) وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (237) حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ (238) فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (239) وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (240) وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (241)
أي ما استأنفت وقال رؤبة بن العجّاج:
فعفّ عن إسرارها بعد العسق «1»
يعنى غشيانها، أراد الجماع. قال امرؤ القيس بن حجر الكندىّ:
ألا زعمت بسباسة اليوم أنّنى ... كبرت وألا يحسن السرّ أمثالى «2»
«الْمُقْتِرِ» (236) يقال: قد أقتر فلان، إذا كان مقّلا، قال الشاعر:
ولا من ربيع المقترين رزئته ... بذي علق فاقنى حياءك واصبري «3»
«إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ» (237) هن: يتركن، يهبن، عفوت لك عن كذا وكذا: تركته لك.
«فَرِجالًا» (139) : واحدها: راجل، مثل قيام وقائم.
«وَلِلْمُطَلَّقاتِ مَتاعٌ بِالْمَعْرُوفِ» (241) : كانوا إذا طلّقوا يمتعونها من المقنعة فما فوق ذلك متعها وحمّمها: أي أعطاها.
__________
(1) : ديوانه 104- والطبري 2/ 300 والقرطبي 3/ 191 واللسان والتاج (سرر) .
(2) ديوانه من الستة 154 والقرطبي 3/ 191 والإتقان 1/ 163 والعيني 1/ 197 والخزانة 1/ 31.
(3) : البيت للبيد، يذكر أباه ربيعة، من قصيدة فى ديوانه 1/ 72- 81 وهو فى السمط 320.(1/76)
أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (246) وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (247) وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (248) فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (249) وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (250)
«الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ» (246) : وجوههم، وأشرافهم، «1» ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم لما رجعوا من بدر سمع رجلا من الأنصار يقول:
إنما قتلنا عجائز صلعا، «2» فقال النبي صلّى الله عليه وسلم: أولئك الملأ من قريش لو احتضرت فعالهم، أي حضرت، احتقرت فعالك مع فعالهم.
«هَلْ عَسَيْتُمْ» (246) : هل تعدون أن تفعلوا ذلك.
«بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ» (247) أي زيادة، وفضلا وكثرة. «3»
«إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً» (247) : علامات، وحججا.
«مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ» (249) : مختبركم.
[ «غرفة» ] (249) الغرفة مصدر، والغرفة: ملء الكف.
«يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا اللَّهِ» (249) يوقنون.
«فِئَةٍ» (249) : جماعة.
«أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً» (250) : «4» أنزل علينا.
__________
(1) «وجوههم وأشرافهم» : كذا فى غريب القرآن لأبى بكر السجستاني 154، والقرطين 1/ 84.
(2) «عجائز صلعا» : أي مشايخ عجزة (النهاية) .
(3) «بسطة ... وكثرة» : وورد فى البخاري: بسطة: زيادة وفضلا، وقال ابن حجر (فتح الباري 8/ 149) : وهو تفسير أبى عبيدة، قال: فى قوله ... إلخ.
(4) «أَفْرِغْ ... عَلَيْنا» : وفى البخاري: أفرغ أنزل، وقال ابن حجر (فتح الباري 8/ 149) : وهو تفسير أبى عبيدة، قال فى قوله تعالى: «رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً» أي أنزل علينا.(1/77)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ (254) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (255)
«خُلَّةٌ» (254) : مصدر الخليل، وتقول: فلان خلّتى: أي خليلى، قال أوفى بن مطر المازنىّ:
ألا أبلغا خلتى جابرا ... بأن خليلك لم يقتل «1»
يقال: فلان خلّتى: أي خليلى.
«الْقَيُّومُ» (255) : القائم وهو الدائم الذي لا يزول، وهو فيعول.
[ «سِنَةٌ» ] (255) السّنة: النّعاس، والوسنة النّعاس أيضا. قال عدى بن الرّقاع:
وسنان أقصده النّعاس فرنقت ... فى عينه سنة وليس بنائم «2»
«وَلا يَؤُدُهُ» (255) : ولا يثقله، تقول: لقد آدانى هذا الأمر، وما أداك فهو لى آئد، «3» قال الكميت:
__________
(1) أوفى بن مطر: هو أحد ثلاثة رجال من العرب، خرجوا ليغيروا على بنى أسد، وهم أوفى، ومالك ... إلخ، فى خبر طويل. انظر السمط 466. - البيت فى الجمهرة 1/ 109 والصحاح واللسان والتاج (خطأ) مع بيت قبله، والقرطبي 10/ 253.
(2) عدى بن الرقاع: شاعر إسلامى، يكنى أبا داود، له ترجمة فى الجمحي 142، والأغانى 8/ 172. - والبيت فى الشعراء 394، والكامل 85، والأغانى 8/ 174، والطبري 3/ 5 وغريب القرآن لأبى بكر السجستاني 103، والقرطين 1/ 84، والقرطبي 3/ 72، واللسان والتاج (وسن) وشواهد الكشاف 299.
(3) «آدانى ... آئد» : هذا الكلام فى الطبري 3/ 9. [.....](1/78)
لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256) اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (257) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (258)
علينا كالنّهاء مضاعفات ... من الماذى لم تؤد المتونا «1»
تقول: ما أثقلك فهو لى مثقل.
[ «لَا انْفِصامَ لَها» (256) أي لا تكسر، وقال الكميت:
فهم الآخذون من ثقة الأمر ... بتقواهم وعرى لا انفصام لها]
«2» [ «بِالطَّاغُوتِ» ] (256) : الطاغوت: الأصنام، والطواغيت من الجن والانس شياطينهم. «العروة الوثقى» (256) شبّه بالعرى التي يتمسك بها.
«أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ» (257) فى موضع جميع لقوله: «يُخْرِجُونَهُمْ» (257) ، والعرب تفعل هذا، قال:
فى حلقكم عظم وقد شجينا»
وقال العباس بن مرداس:
فقلنا أسلموا إنا أخوكم ... فقد برئت من الإحن الصّدور «4»
«فَبُهِتَ» (258) : انقطع، وذهبت حجته، «5» وبهت: أكثر الكلام، وبهت إن شئت.
__________
(1) : البيت فى كتاب المعاني الكبير 1031. - والنهاء: الغدران.
(2) لم أجده فى مظانه.
(3) : الشطر لمسيب بن زيد بن مناة الغنوي، وهو مع شطر قبله فى الكتاب 1/ 87، والشنتمرى 1/ 107، وابن يعيش 1/ 781، والزجاج 1/ 14 ب.
(4) : العباس بن مرداس: ابن أبى عامر السلمى، وأمه الخنساء الشاعرة، وهو مخضرم. أخباره فى الأغانى 13/ 62، والإصابة رقم 4511، والاستيعاب 3/ 101، والخزانة 1/ 73. - والبيت فى الشنتمرى 2/ 101.
(5) «فَبُهِتَ ... حجته» : وفى البخاري: فبهت: ذهبت حجته، قال ابن حجر 8/ 150 هو كلام أبى عبيدة قاله فى قوله تعالى: «فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ» ، قال: انقطع ... حجته.(1/79)
أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (259) وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (260)
«خاوِيَةٌ» (259) : لا أنيس بها، «عَلى عُرُوشِها» على بيوتها وأبنيتها.
«لَمْ يَتَسَنَّهْ» (259) : «1» لم تأت عليه السنون فيتغير، وهذا فى قول من قال للسنة:
«سنية» مصغرة، وليست من الأسن المتغير، ولو كانت منها لكانت ولم يتأسن.
[ «ننشرها» (259) : «2» نحييها ومن قال: «نُنْشِزُها» قال: ننشز بعضها إلى بعض] .
«فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ» (260) : «3» فمن جعل من صرت تصور، ضمّ، قال:
«فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ» «4» ضمّهن إليك، ثم اقطعهن.
«ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً» : فمن جعل من «صرت قطّعت وفرّقت» قال: خذ أربعة من الطير إليك فصرهن إليك أي قطعهن ثم ضع على كل جبل منهن جزءا قالت خنساء:
__________
(1) «لَمْ يَتَسَنَّهْ» : وفى الداني (82) : حمزة والكسائي «لم يتسن» بحذف الهاء فى الوصل خاصة والباقون بإثباتها فى الحالين.
(2) ننشرها: فى الداني (82) : الكوفيون وابن عامر «نُنْشِزُها» بالزاي والباقون بالراء.
(3) «فَصُرْهُنَّ» فى الداني (82) : وحمزة: «فَصُرْهُنَّ» بكسر الصاد والباقون بضمها.
(4) «فصرهن ... (ص 81 س 8) كثيرة الحمل» : معظم هذا الكلام فى الأضداد للأصمعى 33 وبعضه فى أضداد ابن السكيت 157.(1/80)
لظلت الشّمّ منها وهى تنصار «1»
الشّمّ: الجبال، تنصار: تقطع وتصدع وتفلق وأنشد بعضهم بيت أبى ذؤيب:
فانصرن من فزع وسدّ فروجه ... غبر ضوار وافيان وأجدع «2»
صرنا به الحكم: أي فصّلنا به الحكم. وقال المعلّى بن جمال العبدىّ.
وجاءت خلعة دهس صفايا ... يصور عنوقها أحوى زنيم «3»
ولون الدّهاس: لون الرمل كأنه تراب رمل أدهس. خلعة: خيار شائه صفايا: غزار، ويقال للنخلة: صفيّة أي كثيرة الحمل. «4»
__________
(1) : لم أجد المصراع فى ديوانها، وهو فى الأضداد للاصمعى وابن السكيت (ص 33، 157) وللانبارى 23، والغريبين واللسان (صور) .
(2) : فى ديوان الهذليين 1/ 12، والمفضليات 873 والأضداد للاصمعى 33 وابن السكيت 187 والطبري 3/ 94 واللسان (جدع) .
(3) المعلى: لم أقف على ترجمته. - والبيت فى مجموعة الأضداد (33، 157) والطبري 3/ 34، والسمط 675، ونظام الغريب للربعى 143.
(4) «ولون ... الحمل» : ورد هذا الكلام فى نظام الغريب باختلاف يسير.(1/81)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (264) وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (265) أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (266) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (267)
[ «صفوان» ] (264) الصفوان: جماع، ويقال للواحدة: «صفوانة» فى معنى الصّفاة، والصّفا: للجميع، وهى الحجارة الملس.
[ «صلدا» ] (264) والصّلد: التي لا تنبت شيئا أبدا من الأرضين، والرؤوس «1» ، وقال رؤبة:
براق أصلاد الجبين الأجله «2»
وهو الأجلح
[ «بربوة» ] (265) «3» ربوة: ارتفاع من المسيل.
[ «إعصار» ] (266) الإعصار: ريح عاصف، تهبّ من الأرض إلى السماء، كأنه عمود فيه نار. «4»
«وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ» (267) : أي لا تعمدوا له، قال خفاف بن ندبة:
__________
(1) «الصفوان ... والرؤوس» : فى البخاري: ... ويقال الحجارة الملس التي لا تنبت شيئا، والواحدة صفوانة بمعنى الصفاة والصفا للجميع، وقال ابن حجر:
(7/ 132) هو كلام أبى عبيدة أيضا قال: «الصفوان ... والرؤوس» . [.....]
(2) من أرجوزة فى ديوانه 165- 167 والشطر فى القرطبي 3/ 313 واللسان (جله) .
(3) «بِرَبْوَةٍ» : قرأ عاصم وابن عامر هنا وفى «الْمُؤْمِنُونَ» (23/ 50) بفتح الراء والباقون بضمها (الداني 83)
(4) «الإعصار ... نار» : هكذا فى البخاري قال ابن حجر (8/ 132) : هو كلام أبى عبيدة.(1/82)
لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (273) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (274) الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (275) يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ (276) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (277) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ (279) وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (280) وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (281) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (282)
فإن تك خيلى قد أصيب صميمها ... فعمدا على عين تيمّمت مالكا (28)
«إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ» (267) : ترخّص لنفسك.
«إِلْحافاً» (273) : إلحاحا.
«الْمَسِّ» (275) من الشيطان، والجن، وهو اللّمم، وهو ما ألمّ به، وهو الأولق والألس والزّؤد، هذا كله مثل الجنون.
«فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ» (275) : العرب تصنع هذا إذا بدءوا بفعل المؤنث قبله.
«فَلَهُ ما سَلَفَ» (275) : ما مضى.
«يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا» (276) : يذهبه كما يمحق القمر، ويمحق الرجل إذا انتقص ماله.
«فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ» (279) : أيقنوا، تقول: آذنتك بحرب، فأذنت به.
«لا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً» (282) : لا ينقص، قال: لا تبخسنى حقى (؟) ، قال فى مثل: «تحسبها حمقاء وهى باخسة» «1» أي ظالمة.
«أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى» (282) أي تنسى.
«وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا» (282) قال فيمن شهد: لا يأب إذا دعى، وله قبل أن يشهد أن لا يفعل.
__________
(1) «تحسبها ... باخسة» : المثل فى الميداني 82 والفرائد 1/ 103.(1/83)
وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (283) لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (284) آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285) لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (286)
«أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ» (282) أعدل.
[ «فسوق» ] (282) الفسوق: المعصية فى هذا الموضع.
«فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ» (283) قال أبو عمرو: الرّهان فى الخيل، وأنشد قول قعنب بن أمّ صاحب من بنى عبد الله بن غطفان:
بانت سعاد وأمسى دونها عدن ... وغلّقت عندها من قبلك الرّهن «1»
«غُفْرانَكَ» (285) : مغفرتك، أي اغفر لنا. «2»
[ «إصرا» ] (286) : الإصر الثّقل وكلّ شىء عطفك على شىء من عهد، أو رحم فقد أصرك عليه، وهو الأصر مفتوحة، فمن ذلك قولك: ليس بينى وبينك آصرة رحم تأصرنى عليك، وما يأصرنى عليك حق: ما يعطفنى عليك وقال الأبيرد فى قوله عزّت قدرته: «فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ» (260) .
فما تقبل الأحياء من حب خندف ... ولكن أطراف العوالي تصورها «3»
__________
(1) قعنب: هو قعنب بن ضمرة بن أم صاحب، كان فى أيام الوليد، وله ترجمة فى كتاب من نسب إلى أمه ص 93، وانظر السمط 362. - والبيت فى الطبري 3/ 86 واللسان والتاج (رهن)
(2) «غفرانك ... اغفر لنا» : كذا فى البخاري: قال ابن حجر: هو تفسير أبى عبيدة، وروى تفسيره مرة أخرى فى فتح الباري 8/ 154.
(3) الأبيرد: هو الأبيرد بن المعذر شاعر إسلامى كان فى أول الدولة الأموية، فى نسبه اختلاف، انظر المعمرين رقم 58 والمؤتلف 24 والأغانى 12/ 9 والسمط 494.
- والبيت الأول فى الجمهرة 2/ 360 وشواهد الكشاف 112.(1/84)
أي تضمّها إلينا.
ولو أن أمّ الناس حوّاء حاربت ... تميم بن مرّ لم تجد من تجيرها
«1»
__________
(1) البيت الذي ورد فى الحاشية: لكثير عزة، وهو فى ديوانه 2/ 220.(1/85)
الم (1) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ (2) نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ (3) مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (4) إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ (5) هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (6) هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (7)
(بسم الله الرّحمن الرّحيم)
سورة «آل عمران» (3)
«الم» (1) : افتتاح كلام، شعار للسورة، وقد مضى تفسيرها فى البقرة (2) ،
ثم انقطع فقلت: «اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ» (2) : استئناف.
«آياتٌ مُحْكَماتٌ» (7) : يعنى هذه الآيات التي تسمّيها فى القرآن.
«وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ» (7) : يشبه بعضها بعضا.
«فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ» (7) أي جور.
«فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ» (7) : ما يشبه بعضه بعضا، فيطعنون فيه.
«ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ» (7) : الكفر.
«وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ» (7) : العلماء، ورسخ أيضا فى الإيمان.
[ «تَأْوِيلِهِ» ] (7) : التأويل: التفسير، والمرجع: مصيره، قال الأعشى:
على أنها كانت تأوّل حبّها ... تأوّل ربعى السّقاب فأصحبا «1»
__________
(1) : ديوانه 88 والطبري 3/ 113 واللسان (ربع) . وحكى ثعلب فى شرح البيت أنه قال: تأول حبها أول ما أخذ يشب أي كتأول ربعى أي ولد ولد فى الربيع، ابتكرت بولادته، أي فما زال حبها يتم حتى بلغ غايته، والسقاب جمع سقب، فأصحبا: انقاد، يقال: مصحب إذا كان منقادا ... إلخ.(1/86)
رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (8) رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ (9) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَأُولَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ (10) كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ (11) قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (12) قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ (13)
قوله: تأول حبها: تفسيره: ومرجعه، أي إنه كان صغيرا فى قلبه، فلم يزل ينبت، حتى أصحب فصار قديما، كهذا السقب الصغير لم يزل يشبّ حتى أصحب فصار كبيرا مثل أمّه. «1»
«مِنْ لَدُنْكَ» (8) أي من عندك.
«لا رَيْبَ فِيهِ» (9) لا شك فيه.
«لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً» (10) : يعنى عند الله.
«كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ» (11) : كسنة آل فرعون وعادتهم، قال الراجز:
ما زال هذا دأبها ودأبى
109 «كَذَّبُوا بِآياتِنا» (11) أي بكتبنا وعلاماتنا عن الحق.
«الْمِهادُ» (12) الفراش.
«قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ» (13) أي علامة.
«فِي فِئَتَيْنِ» (13) أي فى جماعتين. «فِئَةٌ تُقاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» (13) : إن شئت، عطفتها على «فى» ، فجررتها وإن شئت قطعتها فاستأنفت، قال، كثير عزة:
فكنت كذى رجلين رجل صحيحة ... ورجل رمى فيها الزمان فشلّت «2»
__________
(1) «قوله ... أمه» : نقل الطبري (3/ 117) هذا الكلام.
(2) كثير: هو كثير بن عبد الرحمن بن الأسود، يكنى: أبا صخر، من شعراء الدولة الأموية، وفى نسبه اختلاف. انظر الأغانى 8/ 35 والسمط 61- والبيت فى ديوانه 2/ 46 والكتاب 2/ 46- والأمالى للقالى 1/ 108.(1/87)
زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ (14)
وبعضهم يرفع رجل صحيحة.
«يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ» (13) : مصدر، تقول: فعل فلان كذا رأى عينى وسمع أذنى.
«يُؤَيِّدُ» (13) يقوى، من الأيد، وإن شئت من الأد.
«لَعِبْرَةً» (13) : اعتبار.
«وَالْقَناطِيرِ» (14) : «1» واحدها قنطار، «2» وتقول العرب: هو قدر وزن لا يحدّونه. «المقنطرة» مفعلة، مثل قولك: ألف مؤلّفة. «3»
__________
(1) القناطير.... إلخ» : قال أبو بكر السجستاني فى غريب القرآن (140- 141) القناطير: جمع قنطار، وقد اختلف فى تفسير القنطار فقال بعضهم ملء مسك ثور ذهبا أو فضة، وقيل الف الف مثقال، وقيل غير ذلك، وجملته أنه كثير من المال ... إلخ.
(2) «واحدها ... مؤلفة» : نقل الطبري (3/ 124) هذا الكلام قال:
وقد ذكر بعض أهل العلم بكلام العرب (لعله يعنى أبا عبيدة) أن العرب لا تحد القنطار بمقدار معلوم من الوزن ... ، وقد ينبغى أن يكون ذلك لأن ذلك لو كان محدودا قدره عندها لم يكن بين متقدمى أهل التأويل فيه كل هذا الاختلاف.
(3) «واحدها ... متممة» التي وردت فى فروق النسخ: نقل صاحب اللسان (قنطر) هذه العبارة عن أبى عبيدة. [.....](1/88)
قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (15) الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (16) الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ (17) شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18)
[قال الكلبي: «1» ملء مسك ثور من ذهب أو فضة قال ابن عباس: ثمانون ألف درهم وقال السّدّى «2» [مائة] رطل، من ذهب أو فضة وقال جابر بن عبد الله: ألف دينار] .
«وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ» (14) «3» المعلمة بالسماء، ويجوز أن تكون «مسوّمة» مرعاة، من أسمتها تكون هى سائمة، والسّائمة: الراعية، وربّها يسيمها.
«الْأَنْعامِ» (14) : جماعة النّعم.
«وَالْحَرْثِ» (14) : الزرع.
«مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا» (14) يمتّعهم، أي يقيمهم.
«الْمَآبِ» (14) المرجع، من آب يؤب.
«مُطَهَّرَةٌ» (15) : مهذّبة من كل عيب.
[ «وَالْقانِتِينَ» ] (17) : القانت المطيع.
«شَهِدَ اللَّهُ» (18) : قضى الله. «4» «أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ» (18) شهود على ذلك.
__________
(1) الكلبي: له ترجمة فى تهذيب التهذيب 9/ 179.
(2) السدى: له ترجمة فى الإرشاد 7/ 13.
(3) «وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ» : فى البخاري: المسوم الذي له سيماء بعلامة أو بصوفة أو بما كان ... إلخ. وقال ابن حجر (8/ 156) : أما التفسير الأول فقال أبو عبيدة:
الخيل المسومة المعلمة بالسيماء ... وقال أبو عبيدة أيضا: يجوز أن يكون معنى مسومة مرعاة من أسمتها فصارت سائمة انتهى. وقال النحاس فى معانى القرآن (138) :
وقال أبو عبيدة والكسائي: قد تكون المسومة: المعلمة.
(4) «قضى الله» نقله القرطبي عن أبى عبيدة 4/ 42.(1/89)
إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (19) فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (20) إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (21) أُولَئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (22) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ (23) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (24) فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (25) قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (26) تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (27) لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (28) قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (29) يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ (30) قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (31) قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ (32) إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ (33) ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (34) إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (35) فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (36) فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (37)
«بِالْقِسْطِ» (18) أقسط: مصدر المقسط وهو العادل والقاسط: الجائر.
«الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ» (19) : الأمم الذين أتتهم الكتب والأنبياء.
«وَالْأُمِّيِّينَ» (20) : الذين لم يأتهم الأنبياء بالكتب والنبىّ الأمىّ:
الذي لا يكتب.
«يَفْتَرُونَ» (24) يختلفون الكذب.
«تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ» (27) : تنقص من الليل فتزيد فى النهار، وكذلك النهار من الليل «وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ» (27) أي الطيّب من الخبيث، والمسلم من الكافر.
«تُقاةً» (28) وتقيّة واحدة. «1»
[ «أَمَداً» ] (30) : الأمد الغاية.
«فَإِنْ تَوَلَّوْا» (32) ، فى هذا الموضع: فإن كفروا.
«إِذْ قالَتِ امْرَأَتُ عِمْرانَ» (35) معناها: قالت: امرأة عمران.
«مُحَرَّراً» (35) أي عتيقا لله، أعتقته وحرّرته واحد.
«فَتَقَبَّلَها رَبُّها بِقَبُولٍ حَسَنٍ» (37) : أولاها.
__________
(1) «تقاة ... واحدة» : كذا فى البخاري، وانظر فتح الباري 8/ 156.(1/90)
فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (37) هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ (38) فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (39)
«وَكَفَّلَها زَكَرِيَّا» (37) أي ضمّها، «1» وفيها لغتان: كفلها يكفل وكفلها يكفل.
«الْمِحْرابَ» (37) : سيّد المجالس ومقدّمها وأشرفها، «2» وكذلك هو من المساجد. «3»
«أَنَّى لَكِ هذا» «4» أي من أين لك هذا، قال الكميت بن زيد:
أنّى ومن أين آبك الطّرب ... من حيث لا صبوة ولا ريب «5»
«يُبَشِّرُكَ» (39) ، «يبشرك» «6» واحد.
«بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ» (39) أي بكتاب من الله تقول العرب للرجل: أنشدنى كلمة كذا وكذا، أي قصيدة «7» فلان وإن طالت.
__________
(1) «ضمن ... بها» الذي ورد فى الفروق: فى القرطبي 4/ 70.
(2) «اشرف ... مقدمها» : الذي ورد فى الفروق: فى القرطين 1/ 99.
(3) «المحراب ... المساجد» : ورد فى غريب القرآن باختلاف يسير (174) .
(4) «أَنَّى لَكِ هذا» : قال النحاس فى معانى القرآن (40 ب) : قال أبو عبيدة المعنى: «من أين لك» وهذا القول فيه تساهل، لأن «أين» سؤال عن المواضع و «أنى» سؤال عن المذاهب والجهات، والمعنى: من أي المذاهب، ومن أي الجهات لك هذا، وقد فرق الكميت بينهما فقال: «أنى ومن» البيت.
(5) مطلع قصيدة بائية من الهاشميات ص 74، وهو فى القرطبي 4/ 72 واللسان 20/ 322 والمفصل- ابن يعيش 207.
(6) «يُبَشِّرُكَ» : وفى الداني (87) حمزة والكسائي «يُبَشِّرُكَ» فى الموضعين (29، 45) هنا وفى سبحان (17/ 9) والكهف (18/ 2) «وَيُبَشِّرُ» بفتح الياء وإسكان الباء وضم الشين مخففا فى الأربعة وحمزة ... والباقون بضم الأول وكسر الشين مشددا فى الجميع.
(7) «بكتاب ... قصيدة» : نقل الطبري (3/ 158) هذا الكلام عن أبى عبيدة وعقب عليه بقوله: وقد زعم بعض أهل العلم بلغات العرب من أهل البصرة أن معنى ... ، جهلا منه واجتراء على ترجمة القرآن برأيه.(1/91)
قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ (40)
[ «وحصورا» ] (39) : الحصور له غير موضع والأصل واحد وهو الذي لا يأتى النساء، والذي لا يولد له، والذي يكون مع النّدامى فلا يخرج شيئا، قال الأخطل:
وشارب مربح للكأس نادمنى ... لا بالحصور ولا فيها بسوار «1»
الذي لا يساور جليسه كما يساور الأسد والحصور: أيضا الذي لا يخرج سرّا أبدا، قال جرير:
ولقد تسقّطنى الوشاة فصادفوا ... حصرا بسرّك يا أميم ضنينا «2»
«وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ» (40) أي بلغت الكبر، والعرب تصنع مثل هذا، تقول: هذا القميص لا يقطعنى أي أنت لا تقطعه، أي إنه لا يبلغ ما أريد من تقدير.
[ «عاقِرٌ» ] (20) العاقر: التي لا تلد، والرجل العاقر: الذي لا يولد له، قال عامر بن الطّفيل:
لبئس الفتى إن كنت أعور عاقرا ... جبانا فما عذرى لدى كل محضر «3»
__________
(1) : ديوانه 116- والطبري 3/ 158 والقرطبي 4/ 78 واللسان (حصر، سور)
(2) : ديوانه 578- والطبري 3/ 158 والجمهرة 2/ 134 واللسان والتاج (حصر) [.....]
(3) : ديوانه 119- والطبري 3/ 160، 16/ 32 والقرطبي 11/ 79.(1/92)
قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ (41) وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ (42) يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ (43) ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ (44) إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (45) وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ (46) قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (47) وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ (48) وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِ الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (49)
«إِلَّا رَمْزاً» (41) : باللسان من غير أن يبين، ويخفض بالصوت مثل همس.
«وَالْإِبْكارِ» (41) : مصدر من قال أبكر يبكر، وأكثرها بكّر يبكّر وباكر.
«وَإِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ» (42) : مثل قالت الملائكة.
«مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ» (44) : من أخبار الغيب، ما غاب عنك.
«وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ» (44) أي عندهم.
«أَقْلامَهُمْ» (44) قداحهم.
«يكفل» أي يضمّ.
«بِكَلِمَةٍ مِنْهُ» (45) : الرسالة، هو ما أوحى الله به إلى الملائكة فى أن يجعل لمريم ولدا.
[ «وَجِيهاً» ] (45) الوجيه: الذي يشرف، ويكون له وجه عند الملوك.
«الْأَكْمَهَ» (49) : «1» الذي يولد من أمه أعمى، قال رؤبة:
وكيد مطال وخصم منده ... هرّجت فارتد ارتداد الأكمه «2»
__________
(1) «الأكمه ... أعمى» : روى النحاس (42 آ) هذا الكلام والشطر الثاني لرؤبة عن أبى عبيدة.
(2) : الشطر الثاني هو 27 فى ديوانه 166- والطبري 3/ 173 والقرطبي 4/ 94 واللسان (كمه، هرج) وأما الأول فهو التاسع والعشرون من الأرجوزة نفسها.(1/93)
وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (50) إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (51) فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (52)
هرّجته حتى هرج، مثل هرج الحرّ.
«وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ» (50) بعض يكون شيئا من الشيء، ويكون كلّ «1» الشيء، قال لبيد بن ربيعة:
تزاك أمكنة إذا لم أرضها ... أو يعتلق بعض النفوس حمامها «2»
فلا يكون الحمام ينزل ببعض النفوس، فيذهب البعض، ولكنه يأتى على الجميع.
«فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسى مِنْهُمُ الْكُفْرَ» (52) أي عرف «3» منهم الكفر.
«قالَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ» (52) أي من أعوانى فى ذات الله.
__________
(1) «يجوز ... كل» الوارد فى الفروق: نقل النحاس (42 آ) والقرطبي (4/ 96) هذا الكلام عنه ونص النحاس: «هذا القول ... بمعنى» فى معانى القرآن له، وأيضا فى القرطبي 4/ 96.
(2) من معلقته فى شرح العشر 8 والقرطبي 4/ 96 وشواهد الكشاف 227.
(3) «عرف» : قال النحاس فى معانى القرآن (44 آ) : قال أبو عبيدة: «أحس» بمعنى عرف.(1/94)
وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (54) إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (55) فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (56) وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (57) ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ (58) إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (59)
«قالَ الْحَوارِيُّونَ» (52) : صفوة الأنبياء الذين اصطفوهم، وقالوا:
القصّارون والحواريات: من النساء اللاتي لا ينزلن البادية، وينزلن القرى، قال الحادي:
لما تضمّنت الحواريّات 117
وقال أبو جلدة اليشكرىّ:
وقل للحواريات تبكين غيرنا ... ولا تبكنا إلّا الكلاب النوابح 118
«1»
«وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ» (54) : أهلكهم الله.
«وَجاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ» (55) :
أي هم عند الله خير من الكفار.
«لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ» (57) : الكافرين.
«فَيَكُونُ. الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ» (59، 60) : انقضى الكلام الأول، واستأنف فقال: «الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ» .
«فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ» (60) أي الشّاكّين.
__________
(1) : أبو جلدة: أحد بنى عندى بن جشم بن حبيب بن كعب بن يشكر بن بكر ابن وائل. أنظر ترجمته فى المؤتلف 78-. والبيت فى الجمهرة 1/ 230، 2/ 146 والطبري 3/ 182 والمؤتلف 78 ومقاييس اللغة 2/ 116 والقرطبي 4/ 98 والأساس واللسان (حور) وشواهد الكشاف 61.(1/95)
فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ (61) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (62) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ (63) قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (64) يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (65) هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (66) مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (67) إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ (68) وَدَّتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (69) يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (70) يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (71) وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (72)
«ثُمَّ نَبْتَهِلْ» (61) أي نلتعن يقال: ما له بهله الله، ويقال: عليه بهلة الله «1» والناقة باهل وباهلة، إذا كانت بغير صرار، والرجل باهل، إذا لم يكن معه عصا ويقال: أبهلت ناقتى، تركتها بغير صرار.
«إِنَّ هذا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ» (62) أي الخبر اليقين.
«فَإِنْ تَوَلَّوْا» (63) : فإن كفروا، وتركوا أمر الله.
«سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ» (64) أي النّصف، يقال: قد دعاك إلى السواء فاقبل منه.
«إِلى كَلِمَةٍ» (64) مفسرة بعد «أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ، وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً» بهذه الكلمة التي دعاهم إليها.
«لِمَ تَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ» (70) : بكتب الله.
«وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ» (70) أي تعرفون.
«يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْباطِلِ» (71) أي لم تخلطون، يقال: لبست على أمرك.
«وَجْهَ النَّهارِ» (72) أوله، قال ربيع بن زياد العبسي.
__________
(1) «نلتعن ... بهلة الله» : انظر رواية القرطبي لهذا الكلام عنه 4/ 105.(1/96)
وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (73) يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (74) وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75) بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (76) إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (77) وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (78) مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ (79) وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (80) وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (81) فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (82) أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (83) قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (84) وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (85) كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (86) أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (87) خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (88) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (89) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ (90) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (91) لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (92) كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (93) فَمَنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (94) قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (95) إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ (96)
من كان مسرورا بمقتل مالك ... فليأت نسوتنا بوجه نهار «1»
كقولك: بصدر نهار.
«وَلا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ» (73) : لا تقرّوا: لا تصدّقوا.
«إِلَّا ما دُمْتَ عَلَيْهِ قائِماً» (75) يقول: مالم تفارقه.
«لا خَلاقَ لَهُمْ» (77) أي لا نصيب لهم.
«وَلا يُزَكِّيهِمْ» (77) لا يكونون عنده كالمؤمنين.
«يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتابِ» (78) أي يقلبونه ويحرّفونه.
«وَلكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ» (79) : لم يعرفوا ربانيين. «2»
«عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي» (81) أي عهدى.
«فَمَنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ»
(94) أي اختلق.
«لَلَّذِي بِبَكَّةَ» (96) : هى اسم لبطن مكة، وذلك لأنهم يتباكّون فيها ويزدحمون. «3»
__________
(1) : ربيع بن زياد: شاعر إسلامى، انظر المؤتلف 125 والأغانى 16/ 19. -
والبيت فى الحماسة 3/ 38 والأغانى 16/ 27 والطبري 3/ 202 والقرطبي 4/ 11 واللسان والتاج (وجه) وشواهد الكشاف 114.
(2) «لم يعرفوا ربانيين» : وفى المعرب للجواليقى (161) : قال أبو عبيد أحسب الكلمة ليست بعربية، إنما هى عبرانية أو سريانية. وذلك أن أبا عبيدة زعم أن العرب لا تعرف الربانيين. قال أبو عبيد وإنما عرفها الفقهاء وأهل العلم. قال وسمعت رجلا عالما بالكتب يقول: الربانيون: العلماء بالحلال والحرام والأمر والنهى. وهذا الكلام فى اللسان (ربى) باختلاف يسير. وانظره فى القرطبي (4/ 122) أيضا.
(3) «ببكة ... يزدحمون» نقل أبو بكر السجستاني هذا الكلام برمته فى غريب القرآن(1/97)
قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجًا وَأَنْتُمْ شُهَدَاءُ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (99) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ (100) وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (101) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102) وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103)
«تَبْغُونَها عِوَجاً» (99) : مكسورة الأول، «1» لأنه فى الدّين، وكذلك فى الكلام والعمل فإذا كان فى شىء قائم نحو الحائط، والجذع: فهو عوج مفتوح الأول.
«وَأَنْتُمْ شُهَداءُ» (99) أي علماء به.
«عَلى شَفا حُفْرَةٍ» (103) «2» أي حرف مثل شفا الرّكية وحروفها.
«فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها» (103) ترك «شفا» ، ووقع التأنيث على «حفرة» وتصنع العرب مثل هذا كثيرا، قال جرير:
رأت مرّ السنين أخذن منى ... كما أخذ السّرار من الهلال «3»
__________
(1) «مكسورة ... الأول» : راجع رواية القرطبي (5/ 154) هذا الكلام عنه وعن غيره.
(2) «شفا حفرة ... وحروفها» : وفى البخاري: شفا حفرة مثل شفا ركية، قال ابن حجر: بفتح الراء وكسر الكاف وتشديد الياء وهو حرفها كذا للاكثر يفتح المهملة وسكون الراء ... والجرف الذي أضيف اليه «شفا» فى الآية الأخرى، غير «شفا» هنا، وقد قال أبو عبيدة فى قوله تعالى «شَفا حُفْرَةٍ» : شفا جرف وهو يقتضى التسوية بينهما فى الإضافة، وإلا فمدول «جرف» غير مدلول «حفره» فان لفظ شفا يضاف إلى أعلى الشيء (فتح الباري 8/ 155) .
(3) ديوانه 426- والكامل للمبرد 313 والطبري 4/ 23 وحروف المعاني 62 آ. والسرار: الليلة التي يستتر فيها القمر. [.....](1/98)
وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104)
وقال العجّاج:
طول الليالى أسرعت فى نقضى ... طوين طولى وطوين عرضى «1»
«وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ» (104) ، و «كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ» (110) ، أما قوله: «إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً» (16/ 120) أي كان إماما مطيعا، ويقال أنت أمّة فى هذا الأمر، أي يؤتم بك. «وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ» (12/ 45) : بعد قرن، ويقال: «بَعْدَ أُمَّةٍ» أي نسيان، نسيت كذا وكذا: أي أمهت، وأنا آمهه، «2» ويقال: هو ذو أمه.
مكسور الميم، وبعضهم يقول: ذو أمّة بمعنى واحد، أي ذو دين واستقامة
__________
(1) : قد اختلفوا فى عزو هذا الرجز فنسبه بعضهم إلى العجاج وبعضهم إلى الأغلب العجلى. قال البغدادي (الخزانة 4/ 169) : وزعم أبو محمد الأعرابى فى فرحة الأديب أن هذا الرجز ليس للأغلب وإنما هو من شوارد الرجز لا يعرف قائله ومن حفظ حجة على من لم يحفظ. وهو فى ملحق ديوان العجاج ص 81 والكتاب 7/ 19 والطبري 4/ 23 والأغانى 18/ 164 والشنتمرى 1/ 25 وشواهد المغني 297 والعيني 3/ 395.
(2) «امهت ... آمهه» : روى صاحب اللسان هذا الكلام عن أبى عبيدة (أمه) على الوجه التالي: «أمهت الشيء فأنا آمهه أمها إذا نسيته» .(1/99)
يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (106)
وكانوا بأمة وبإمة، أي استقامة من عيشهم، أي دوم منه «كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ» أي جماعة وهو أمّة على حدة، أي واحد، ويقال: يبعث «1» زيد بن عمرو ابن نفيل أمة وحده، وقال النابغة فى أمة وإمّة، معناه الدّين والاستقامة:
وهل يأثمن ذو أمة وهو طائع «2»
ذو أمة: بالرّفع والكسر، والمعنى الدّين، والاستقامة.
«فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ» (106) : العرب تختصر لعلم المخاطب بما أريد به، فكأنه خرج مخرج قولك: فأما الذين كفروا فيقول لهم: أكفرتم، فحذف هذا واختصر الكلام، وقال الأسدىّ:
كذبتم وبيت الله لا تنكحونها ... بنى شاب قرناها تصرّ وتحلب (55)
__________
(1) يبعث ... وحده هذا حديث، يروى عن النبي عليه السلام أنه قاله فى زيد بن نفيل، وهو قرشى عدوى، والد سعيد بن زيد، ابن عم عمر بن الخطاب، كان يتعبد قبل النبوة على دين إبراهيم، ويتطلب دين إبراهيم، ويوحد الله، ويعيب على قريش ذبائحهم على الأنصاب، انظر طبقات ابن سعد 1/ 105 والمروج للمسعودى 1/ 126 وأسد الغابة 2/ 236 والنووي 1/ 204 والاصابة رقم 208. والحديث فى غريب القرآن لأبى بكر السجستاني 24 واللسان والتاج (أمم) .
(2) عجز بيت من القصيدة التي يعتذر بها النابغة إلى النعمان بن المنذر عما وشت به بنو قريع وهو فى ديوانه من الستة 19 واللسان (أمم) .(1/100)
تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعَالَمِينَ (108) وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (109) كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ (110) لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ (111) ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (112)
أراد: بنى التي شاب قرناها، وقال النابغة الذبيانيّ:
كأنك من جمال بنى أقيش ... يقعقع خلف رجليه بشنّ (54)
«بنى أقيش» : حىّ من الجن، أراد: كأنك جمل يقعقع خلف الجمل بشنّ، فألقى الجمل، ففهم عنه ما أراد.
«تِلْكَ آياتُ اللَّهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ» (108) أي عجائب الله، «نتلوها» : نقصّها.
«إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ» (112) : إلا بعهد من الله، قال الأعشى:
وإذا تجوّزها حبال قبيلة ... أخذت من الأخرى إليك حبالها «1»
«وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ» (112) أي أحرزوه وبانوا به.
«وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ» (112) : أي ألزموا المسكنة.
«لَيْسُوا سَواءً مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ» (113) : العرب تجوّز فى كلامهم مثل هذا أن يقولوا: أكلونى البراغيث، «2» قال أبو عبيدة: سمعتها من أبى عمرو الهذلي فى منطقة، وكان وجه الكلام أن يقول: أكلنى البراغيث.
__________
(1) ديوانه 24- والطبري 4/ 19 والقرطبي 1/ 102 واللسان والتاج (حبل) 13 أبو عمر الهذلي: لم أقف على ترجمته، ولعله من الرواة الأعراب الذين حمل عنهم الشعر والغريب.
(2) «أكلونى البراغيث» : قال القرطبي (4/ 176) : وقال أبو عبيدة: هذا مثل قولهم: أكلونى البراغيث، وذهبوا أصحابك. قال النحاس: وهذا غلط، لأنه قد تقدم ذكرهم، وأكلونى البراغيث لم يتقدم لهم ذكر. وانظر الخزانة (4/ 38) .(1/101)
لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ (113) يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ (114) وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (115) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (116) مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (117)
وفى القرآن: «عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ» (5/ 74) : وقد يجوز أن يجعله كلامين، فكأنك قلت: «لَيْسُوا سَواءً مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ» ، ثم قلت:
«أمّة قائمة» ، ومعنى «قائمة» مستقيمة.
«آناءَ اللَّيْلِ» (113) : ساعات الليل، واحدها «إنى» ، تقديرها:
«جثى» ، والجميع «أجثاء» ، قال أبو أثيلة:
حلو ومرّ كعطف القدح مرّته ... فى كل إنى قضاه الليل ينتعل «1»
َمَثَلِ رِيحٍ فِيها صِرٌّ أَصابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ»
(117) : الصّر: شدة البرد، «2» وعصوف من الريح.
__________
(1) : أبو أثيلة: هو المتنخل الهذلي، مالك بن عمر بن عثمان بن سويد، أحد بنى لحيان بن هذيل، انظر الشعراء 416، والأغانى 20/ 145 والخزانة 2/ 138.
- والبيت فى ديوان الهذليين 2/ 35 من قصيدة يرثى بها ابنه أثيلة، وهو فى الطبري 4/ 34 والمقصور والممدود لابن ولاد 7 واللسان والتاج (إنى) .
(2) «الصر ... البرد» : هذا الكلام فى الطبري 4/ 36، وفى البخاري: صر برد، قال ابن حجر (8/ 155) هو تفسير أبى عبيدة، قال فى قوله تعالى كمثل ...
شدة البرد.(1/102)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (118) هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (119) إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (120) وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (121) إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (122) وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (123) إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ (124) بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ (125) وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (126) لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خَائِبِينَ (127) لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ (128) وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (129) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (130) وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (131) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (132) وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134) وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (136) قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (137)
«يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ» (118) :
البطانة: الدّخلاء من غيركم.»
«لا يَأْلُونَكُمْ خَبالًا» (118) أي لا تألوكم هذه البطانة خبالا، أي شرّا.
«قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ» (118) أي الأعلام.
«إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ» (119) أي بما فى الصدور.
«مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ» (121) : متّخذا لهم مصافا معسكرا. «2»
«بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ» (125) أي معلمين. هو من المسوّم الذي له سيماء بعمامة أو بصوفة أو بما كان.
«لِيَقْطَعَ طَرَفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا» (127) أي ليهلك الذين كفروا.
«أَوْ يَكْبِتَهُمْ» (127) تقول العرب: كبته الله لوجهه: أي صرعه الله.
«قَدْ خَلَتْ» (137) : قد مضت، «سنن» (127) أي أعلام.
__________
(1) «بطانة ... غيركم» : هذا الكلام فى غريب القرآن لابى بكر السجستاني 41.
(2) «من أهلك ... معسكرا» : قال ابن حجر (8/ 155) أثناء كلامه على قول البخاري: تبوىء تتخذ معسكرا، هو تفسير أبى عبيدة فى قوله «وإذ غدوت من أهلك ... معسكرا» .(1/103)
وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (139) إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140) وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ (141) أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ (142) وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (143) وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ (144) وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ (145) وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146) وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (147) فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (148) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ (149) بَلِ اللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ (150) سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ (151) وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (152)
«وَلا تَهِنُوا» (139) أي لا تضعفوا، هو من الوهن.
«إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ» (140) ، القرح: الجراح، والقتل.
«انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ» (144) : كل من رجع عما كان عليه، فقد رجع على عقبيه.
«وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ» (145) معناها: ما كانت نفس لتموت إلّا بإذن الله.
[ «رِبِّيُّونَ» ] (146) «1» الرّبّيّون: الجماعة الكثيرة، والواحد منها ربّى.
«وَإِسْرافَنا فِي أَمْرِنا» (147) : تفريطنا.
«ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً» (151) أي بيانا.
«إِذْ تَحُسُّونَهُمْ» (152) : تستأصلونهم قتلا، «2» يقال: حسسناهم من عند آخرهم، أي استأصلناهم، قال رؤبة:
__________
(1) «الربيون ... ربى» : وفى البخاري: ربيون الجموع واحدها ربى. قال ابن حجر: هو تفسير أبى عبيدة، قال فى قوله: وكأين من نبى قتل معه ربيون ... ربى (فتح الباري 8/ 155) .
(2) «تحسونهم ... قتلا» : كذا فى البخاري وقال ابن حجر: وهو تفسير أبى عبيدة أيضا بلفظه وزاد يقال ... استأصلناهم (فتح الباري 8/ 155) .(1/104)
إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (153) ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (154)
إذا شكونا سنة حسوسا ... تأكل بعد الأخضر اليبيسا «1»
«ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ» (152) أي ليبلوكم: ليختبركم، ويكون «ليبتليكم» بالبلاء.
«إِذْ تُصْعِدُونَ» (153) فى الأرض، قال الحادي:
قد كنت تبكين على الإصعاد ... فاليوم سرّحت وصاح الحادي «2»
وأصل «الإصعاد» الصعود فى الجبل، ثم جعلوه فى الدّرج، ثم جعلوه فى الارتفاع فى الأرض، أصعد فيها: أي تباعد.
«أُخْراكُمْ» «3» (153) آخركم.
«يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ» (154) : انقطع النصب، ثم جاء موضع رفع:
«وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ» ولو نصبت على الأول إذ كانت مفعولا بها لجازت
__________
(1) ديوانه 72 والقرطبي 4/ 235 واللسان (حسس) .
(2) روى القرطبي (4/ 239) هذا الرجز على أنه من إنشاد أبى عبيدة. [.....]
(3) «أخراكم آخركم» : وقد أخذ البخاري تفسيره هذا فقال: أخراكم وهو تأنيث آخركم، قال ابن حجر: (8/ 171) وهو تابع لأبي عبيدة، فإنه قال «أخراكم آخركم» ، وفيه نظر لأن أخرى تأنيث آخر بفتح الخاء، لا كسرها، وقد حكى الفراء: من العرب من يقول: «فى أخراتكم» بزيادة المثناة. وقال العيني: وأما الاخرى فهو تأنيث الآخر بفتح الخاء لا بكسرها، والبخاري تبع فى هذا أبا عبيدة فإنه قال: أخراكم ... ، وذهل فيه (عمدة القاري 8/ 527) .(1/105)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (156)
إن شاء الله، كقولك: رأيت زيدا، وزيدا أعطاه فلان مالا، ومثلها فى القرآن: «يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً» (76/ 31) فنصب «الظالمين» بنصب الأول على غير معنى: «يدخلهم فى رحمته» .
«ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ» (156) يقال: ضربت فى الأرض: أي تباعدت.
«أَوْ كانُوا غُزًّى» (156) لا يدخلها رفع ولا جرّ لأن واحدها: غاز، فخرجت مخرج قائل وقوّل، «1» فعّل، وقال رؤبة:
وقوّل إلّا ده فلا ده «2»
__________
(1) «غزى ... وقول» : وقد ورد فى البخاري: غزى ... غاز، وقال ابن حجر (فتح الباري 8/ 155) هو تفسير أبى عبيدة أيضا قال فى قوله: أو كانوا ... وقول، انتهى. وقرأ الجمهور «غزى» بالتشديد جمع غاز، وقياسه «غزاة» لكن حملوا المعتل على الصحيح كما قال أبو عبيدة، وقرأ الحسن وغيره «غزى» بالتخفيف، فقيل: خفف الزاى كراهية التثقيل وقيل أصله غزاة، وحذف الهاء.
(2) ديوانه 166- وهو فى اللسان والتاج (قول) وابن يعيش 1/ 537 والخزانة 3/ 90. وذكر البغدادي رواية أبى عبيدة لهذا الشطر. وقد اختلفوا فى معنى «ده» وفى أصله، فقال بعضهم: هى كلمة فارسية، وقال بعضهم بل هى عربية، وقال الميداني (1/ 29) قالوا: معناه إلا هذه فلا هذه، يعنى أن الأصل «الاذه» بالذال المعجمة، فعربت بالدال غير المعجمة. وروى البغدادي عن ابن نزار الملقب بملك النحاة عن طريق السخاوي أنه قال: ... فقد ثبت بهذا أن «ذه» اسم فاعل لا اسم للفعل وهى معربة لا مبنية وتنوينها تنوين الصرف لا تنوين التنكير.(1/106)
فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159) إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (160) وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (161) أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (162) هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (163)
يقول: إن لم يكن هذا فلا ذا. ومثل هذا قولهم: إن لم تتركه هذا اليوم فلا تتركه أبدا، وإن لم يكن ذاك الآن لم يكن أبدا.
[ «حَسْرَةً» ] (156) الحسرة: الندامة.
«فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ» (159) : أعملت الباء فيها فجررتها بها كما نصبت هذه الآية: «إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا ما بَعُوضَةً» (2/ 26) .
«لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ» (159) أي تفرّقوا على كل وجه.
«فَإِذا عَزَمْتَ» (159) أي إذا أجمعت.
«وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ» (161) : أن يخان.
«هُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ اللَّهِ» (197) أي هم منازل، معناها: لهم درجات عند الله، كقولك: هم طبقات، قال ابن هرمة:
أرجما للمنون يكون قومى ... لريب الدّهر أم درج السيول «1»
__________
(1) ابن هرمة: هو إبراهيم بن على بن سلمة بن هرمة، وهو من مخضرمى الدولتين، يكنى أبا إسحاق. راجع الأغانى 4/ 101 والخزانة 1/ 204. - والبيت فى الكتاب 1/ 175- والطبري 4/ 101 والشنتمرى 1/ 206 واللسان (درج) وشواهد الكشاف 219 والخزانة 1/ 203.(1/107)
أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (165) وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ (166) وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ (167) الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (168) وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (170) يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ (171) الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ (172) الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174) إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (175) وَلَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا يُرِيدُ اللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (176) إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (177) وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (178)
تفسيرها: أم هم على درج السيول. ويقال للدرجة التي يصعد عليها:
درجة، وتقديرها: قصبة، ويقال لها أيضا: درجة.
«قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ» (165) أي إنكم أذنبتم فعوقبتم.
«لَوْ نَعْلَمُ قِتالًا» (167) أي لو نعرف قتالا.
«فَادْرَؤُا عَنْ أَنْفُسِكُمُ» (168) أي ادفعوا عن أنفسكم.
«أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ» (169) أي بل هم أحياء.
«الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ» (173) : وقع المعنى على رجل واحد، والعرب تفعل ذلك، فيقول الرجل: فعلنا كذا وفعلنا، وإنما يعنى نفسه، وفى القرآن: «إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ» (54/ 49) والله هو الخالق.
«يُرِيدُ اللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا» (176) أي نصيبا.
«وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ» (178) :
ألف «أن» مفتوحة، لأن «يحسبن» قد عملت فيها، «وما» : فى هذا الموضع بمعنى «الذي» فهو اسم، والمعنى من الإملاء ومن الإطالة، ومنها قوله:
«وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا» (19/ 44) : أي دهرا وتمليت حبيبك(1/108)
مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ (179) وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (180)
والملوان: النهار والليل كما ترى، قال ابن مقبل:
ألا يا ديار الحىّ بالسّبعان ... أملّ عليها بالبلى الملوان «1»
يعنى الليل والنهار، و «أمّل عليها بالبلى» : أي رجع عليها حتى أبلاها، أي طال عليها، ثم استأنفت الكلام فقلت: «إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً» (178) فكسرت ألف «إنما» للابتداء فإنما أبقيناهم إلى وقت آجالهم ليزدادوا إثما وقد قيل فى الحديث: الموت خير للمؤمن للنّجاة من الفتنة، والموت خير للكافر لئلا يزداد إثما.
«عَذابٌ مُهِينٌ» (178) : فذلك من الهوان.
«يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ» (179) : يختار.
«وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ»
__________
(1) : ابن مقبل هو تميم بن أبى بن مقبل، شاعر مخضرم، انظر ترجمته فى الإصابة رقم 862، والخزانة 1/ 113. - والبيت فى الكتاب 2/ 351- وإصلاح المنطق 436 وتهذيب الألفاظ 500 والطبري 4/ 123 والسمط 533 والروض 1/ 26 والاقتضاب 472 والشنتمرى 2/ 322 واللسان (سبع) والعيني 4/ 454، 579 والخزانة 2/ 275. ونسبه الحصرى فى زهر الآداب (4/ 68) إلى أعرابى من بنى عقيل، وياقوت فى معجم البلدان إليه فى قول، وإلى ابن أحمر فى قول آخر 3/ 33. - والسبعان:
بفتح أوله وضم ثانيه، وآخره نون متصل من تثنية السبع، قال ياقوت: قال أبو منصور هو موضع معروف فى ديار قيس نصر، السبعان: جبل قبل فلج وقيل واد شمالى سلم عنده جبل يقال له العبد.(1/109)
لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (181) ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (182) الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جَاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (183) فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جَاءُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ (184) كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (185)
(180) : انتصب، ولم تعمل «هو» فيه، وكذلك كل ما وقفت فيه فلم يتمّ إلّا بخبر نحو: ما ظننت زيدا هو خيرا منك، وإنما نصبت «خيرا» ، لأنك لا تقول: ما ظننت زيدا، ثم تسكت وتقول: رأيت زيدا فيتم [الكلام] ، فلذلك قلت: هو خير منك فرفعت وقد يجوز فى هذا النصب.
«سَيُطَوَّقُونَ» (180) : يلزمون، كقولك طوّقته الطوق. «1»
«عَذابَ الْحَرِيقِ» (181) : النار اسم جامع تكون نارا وهى حريق وغير حريق، فإذا التهبت فهى حريق.
«سيكتب ما قالوا» (182) : سيحفظ. «2»
«إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنا» (183) : أمرنا، «أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ» (183) :
أن لا ندين له فنقرّ به.
«كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ» (185) : أي ميّتة، قال:
__________
(1) «سيطوقون ... الطوق» : رواه ابن حجر فى فتح الباري 8/ 173 عن أبى عبيدة.
(2) «سيكتب ... سيحفظ» : وفى البخاري سنكتب: سنحفظ. وقال ابن حجر: هو تفسير أبى عبيدة أيضا لكنه ذكره بضم الياء التحتانية على البناء المجهول وهى قراءة حمزة (فتح الباري 8/ 155) .(1/110)
وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ (187) لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (188) وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (189) إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191) رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (192) رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ (193)
الموت كأس والمرء ذائقها «1»
فى هذا الموضع شاربها.
«فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ» (187) أي لم يلتفتوا إليه يقال: نبذت حاجتى خلف ظهرك، إذا لم يلتفت إليها، قال أبو الأسود الدّؤلى:
نظرت إلى عنوانه فنبذته ... كنبذك نعلا أخلقت من نعالكا (56)
«بِمَفازَةٍ مِنَ الْعَذابِ» (188) : أي تزحزح زحزح بعيد.
«وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلًا» (191) : العرب تختصر الكلام ليخففوه لعلم المستمع بتمامه فكأنه فى تمام القول: ويقولون: ربنا ما خلقت هذا باطلا.
«يُنادِي لِلْإِيمانِ» (193) أي ينادى إلى الإيمان، ويجوز: إننا سمعنا مناديا للإيمان ينادى.
__________
(1) : عجز بيت فى ديوان أمية بن أبى الصلت رقم 40، والبيت فى عيون الأخبار 2/ 374 والكامل 43، 194 والأغانى 3/ 179 والقرطبي 4/ 297 واللسان (عبط) والعيني 2/ 188.(1/111)
فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ (195) لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ (196) مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (197) لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ (198) وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ لَا يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (199) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (200)
«فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ» (195) :
فتحت ألف «أن» لأنك أعملت «فاستجاب لهم ربهم بذلك، ولو كان مختصرا على قولك. وقال إنى لا أضيع أجر العاملين فكسرت الألف. «لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ» (195) أي لأذهبنّها عنهم أي لأمحونّها عنهم «فَاسْتَجابَ لَهُمْ» «1» أي أجابهم، وتقول العرب: استجبتك، فى معنى استجبت لك، قال الغنوىّ:
وداع دعا يا من يجيب إلى النّدى ... فلم يستجبه عند ذاك مجيب (83)
«نُزُلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ» (198) أي ثوابا، ويجوز منزلا من عند الله من قولك: أنزلته منزلا.
«وَرابِطُوا» (200) أي اثبتوا ودوموا، قال الأخطل:
ما زال فينا رباط الخيل معلمة ... وفى كليب رباط اللّوم والعار «2»
__________
(1) فاستجاب ... يجيب: وورد فى البخاري: استجابوا أجابوا ويستجيب يجيب قال ابن حجر (8/ 171) : هو قول أبى عبيدة، قال فى قوله تعالى «فَاسْتَجابَ لَهُمْ» أي أجابهم، تقول العرب استجبتك أي أجبتك، قال كعب الغنوي:
«وداع» البيت، وقال فى قوله تعالى «وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ» (42/ 26) أي يجيب الذين آمنوا. - (83) الغنوي: راجع رقم 83 حيث تجد الاختلاف فيمن هو الغنوي.
(2) ديوانه 206- وفى الأساس (ربط) .(1/112)
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1) وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا (2)
(بسم الله الرّحمن الرّحيم)
سورة «النساء» (4)
[ «وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي] تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ» (1) : «1» اتّقوا الله والأرحام نصب، ومن جرها فإنما يجرها بالباء.
«كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً» (1) : حافظا، وقال أبو دؤاد الإيادىّ:
كمقاعد الرّقباء للضّرباء أيديهم نواهد «2» الضريب الذي يضرب بالقداح نهدت أيديهم أي مدّوها.
«إِنَّهُ كانَ حُوباً كَبِيراً» (2) أي إثما، قال أميّة بن الأسكر اللّيثىّ:
وإنّ مهاجرين تكنّفاه ... غداة إذ لقد خطئا وحابا «3»
__________
(1) قرأ حمزة بالخفض «تساءلون به والأرحام» ، والباقون بالنصب، انظر الداني 93.
(2) : أبو دؤاد: شاعر جاهلى، وهو أحد وصافى الخيل المجيدين، له ترجمة فى الشعراء 120، والأغانى 15/ 91، والسمط 879. - والبيت فى الجمهرة 2/ 304، والأغانى 15/ 94، واللسان والتاج (رقب) .
(3) : «أمية بن الأسكر الليثي» ويقال الأشكر بالمعجمة شاعر مخضرم، أدرك الإسلام فأسلم، انظر المعمرين رقم 69 والأغانى 18/ 156، والإصابة 1/ 150، والخزانة 2/ 505. - والبيت فى طبقات الجمحي 44، والطبري 4/ 154، والأغانى 18/ 158، والإصابة 1/ 150، والخزانة 2/ 502 وهو من كلمة قالها فى ابنه كلاب الذي لقى ذات يوم طلحة بن عبد الله والزبير بن العوام فسألهما: أي الأعمال أفضل فى الإسلام؟ فقالا: الجهاد، فسأل عمر فأغزاه فى جيش، وكان أبوه كبر وضعف فطالت غيبته عنه فقال ... إلخ.(1/113)
وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا (3)
وقال الهذلىّ:
ولا تخنوا علىّ ولا تشطّوا ... بقول الفخر إنّ الفخر حوب «1»
«وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا» (3) وإن أيقنتم ألّا تعدلوا.
«مِنَ النِّساءِ مَثْنى» (3) أي ثنتين، ولا تنوين فيها، قال ابن عنمة الضّبى:
يباعون بالبعران مثنى وموحدا «2»
وقال الشاعر:
ولكنما أهلى بواد أنيسه ... ذئاب تبغّى الناس مثنى وموحدا «3»
__________
(1) الهذلي: أبو ذؤيب. - والبيت فى ديوان الهذليين 1/ 98، وفى الأضداد لابن الأنبارى 110. [.....]
(2) : ابن عنمة: هو عبد الله بن عنمة الضبي من الشعراء المخضرمين، انظر الاشتقاق 123 والمؤتلف 94 والخزانة 3/ 580.
(3) : البيت لساعدة بن جؤية فى ديوان الهذليين 1/ 277. وفى الكتاب 2/ 15، والمذكر والمؤنث لأبى حاتم 110 آوالزجاج 1/ 57 ب، والاقتضاب 467 والشنتمرى 2/ 15، والقرطبي 5/ 16 واللسان (بغى) والعيني 4/ 350.(1/114)
قال النحويون: لا ينون «1» «مثنى» لأنه مصروف عن حدّه، والحدّ أن يقولوا: اثنين وكذلك ثلاث ورباع لا تنوين فيهما، لأنه «2» ثلاث وأربع فى قول النحويين، قال صخر بن عمرو بن الشّريد السلمىّ:
ولقد قتلتكم ثناء وموحدا ... وتركت مرّة مثل أمس المدبر «3»
فأخرج اثنين على مخرج ثلاث، قال صخر الغىّ الهذلي:
منت لك أن تلاقينى المنايا ... أحاد أحاد فى شهر حلال «4»
__________
(1) - س 4 من ص 116 «لا ينون ... عشارا» . ورد فى البخاري: مثنى وثلاث ورباع اثنين وثلاثا وأربعا، ولا تجاوز العرب رباع. وقال ابن حجر (8/ 178) : كذا وقع لأبى ذر، فأوهم أنه عن ابن عباس، وإنما هو تفسير أبى عبيدة قال: لا تنوين ...
وأربع. ثم أنشد شواهد لذلك ثم قال ولا تجاوز العرب «رباع» غير أن الكميت قال:
«فلم يستريثوك» البيت: انتهى.
(2) «لأنه» : أي لأن الحد.
(3) : صخر: هو أخو الخنساء، ترجمته مع ترجمتها فى مقدمة ديوانها والشعراء 197 والأغانى 13/ 139. - والبيت: فى الطبري 4/ 159 والمذكر والمؤنث لأبى حاتم 110 آوالأغانى 13/ 129 والعقد الفريد 3/ 321 والاقتضاب 270، 466 والخزانة 2/ 474. صوب ابن السيد رواية البيت هذه كما أنشد عن أبى عبيدة ثم قال: والشعر لصخر ... يقوله لبنى مرة بن سعد بن ذبيان.
(4) صخر الغى الهذلي: أخباره فى الأغانى 20/ 20. - والبيت قد نسب فى الأصليين إلى صخر الغى الهذلي، ولم أجده فى أشعاره، وهو فى كلمة لعمرو ذى الكلب الهذلي فى ديوان الهذليين 3/ 117 وفى الجمهرة (2/ 127) وفى الطبري 4/ 159 واللسان (منى) من غير عزو.(1/115)
منت لك، تقول: قدّرت لك، والمنايا: الأقدار، يقال: منت تمنى له منيا فأخرج الواحد مخرج ثناء وثلاث، ولا تجاوز العرب رباع، غير أن الكميت بن زيد الأسدىّ قال:
فلم يستريثوك حتى رميت فوق الرّجال خصالا عشارا «1» فجعل عشار على مخرج ثلاث ورباع.
«فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا» (3) : «2» مجازه: أيقنتم، قالت ليلى بنت الحماس:
قلت لكم خافوا بألف فارس ... مقنّعين فى الحديد اليابس
أي أيقنوا. قال: «3» لم أسمع هذا من أبى عبيدة.
__________
(1) فى الطبري 4/ 159 والكشف والبيان 272 (نسخة جامعة إستانبول) والاقتضاب 467 والقرطبي 5/ 16 والصحاح واللسان والتاج (عشر) وابن يعيش 1/ 75 والخزانة 1/ 82.
(2) «فإن خفتم ... إلخ» : قال أبو حاتم فى الأضداد (88) : وكان أبو عبيدة يقول: خاف من الخوف ومن اليقين، وكان يقول: «فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا» يريد أيقنتم، ولا علم لى بهذا لأنه قرآن، فإنما نحكيه عن رب العالمين، ولا ندرى لعله ليس كما يظن.
(3) قال: القائل هو أبو الحسن الأثرم.(1/116)
وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا (4) وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا (5) وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا (6)
«ذلِكَ أَدْنى أَلَّا تَعُولُوا» (3) أي أقرب ألا تجوروا، تقول: علت علىّ أي جرت علىّ.
«وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً» (4) أي مهورهن عن طيب نفس بالفريضة بذلك.
«الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِياماً» (5) : مصدر يقيمكم، ويجىء فى الكلام فى معنى قوام فيكسر، وإنما هو من الذي يقيمك، وإنما أذهبوا الواو لكسرة القاف، وتركها بعضهم كما قالوا: ضياء للناس وضواء للناس.
«وَابْتَلُوا الْيَتامى» (6) أي اختبروهم.
«إِسْرافاً» (7) الإسراف: الإفراط.
«وَبِداراً» (7) أي مبادرة قبل أن يدرك فيؤنس منه الرّشد فيأخذ منك.
«فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ» (7) أي لا يتأثّل مالا، التأثل: اتخاذ أصل مال، والأثلة: الأصل، قال الأعشى:
ألست منتهيا عن نحت أثلتنا ... ولست ضائرها ما أطّت الإبل «1»
__________
(1) : ديوانه 46- والسمط 53 والأساس واللسان والتاج (أثل) والخزانة 1/ 159.(1/117)
وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (9) إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا (10) يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (11) وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ (12)
مجد مؤثّل: قديم له أصل.
«نَصِيباً مَفْرُوضاً» (8) : نصب على الخروج من الوصف.
«قَوْلًا سَدِيداً» (10) أي قصدا.
«فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ» (12) أي أخوان فصاعدا، لأن العرب تجعل لفظ الجميع على معنى الإثنين، قال الراعي:
أخليد إنّ أباك ضاف وساده ... همّان باتا جنبة ودخيلا «1»
طرقا فتلك هماهمى أقريهما ... قلصا لواقح كالقسىّ وحولا
فجعل الإثنين فى لفظ الجميع وجعل الجميع فى لفظ الاثنين.
«أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً» (12) أدنى نفعا لكم.
«فَلَهُنَّ الثُّمُنُ» (13) . «والرُّبُعُ» والمعنى واحد (؟) .
«كَلالَةً» (13) : كل من لم يرثه أب أو ابن أو أخ فهو عند العرب كلالة.»
__________
(1) : الراعي: اسمه عبيد بن معاوية من بنى نمير، يكنى أبا جندل، شاعر إسلامى (الأغانى 20/ 168 والخزانة 1/ 504) . - والبيتان من قصيدة فى آخر ديوان جرير (مصر 1313) 2/ 202 وجمهرة الأشعار 172. - والبيت الأول فى السمط 897 والثاني فى اللسان (همم) .
(2) «كل ... العرب كلالة» : روى القرطبي (5/ 77) هذا الكلام عنه فقال: وذكر أبو حاتم والأثرم عن أبى عبيدة قال: كل ... كلالة، قال أبو عمرو ذكر أبى عبيدة الأخ هنا مع الأب والابن من شرط الكلالة غلط لا وجه له، ولم يذكره فى شرط الكلالة غيره.(1/118)
تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (13) وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ (14) وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا (15)
«يُورَثُ كَلالَةً» : مصدر من تكلله النسب، «1» أي تعطّف النسب عليه، ومن قال: «يُورَثُ كَلالَةً» فهم الرجال الورثة، أي يعطف النسب عليه.
«تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ» (13) : فرائض الله.
«وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ» (14) : واحدها التي، وبعض العرب يقول:
اللواتى وبعضهم يقول: اللاتي، قال الراجز:
من اللواتى والّتى واللّاتى ... زعمن أنى كبرت لداتى «2»
أي أسنانى وقال الأخطل:
من اللّواتى إذا لانت عريكتها ... يبقى لها بعده آل ومجلود «3»
آلها: شخصها، ومجلودها جلدها، وقال عمر بن أبى ربيعة:
__________
(1) «1 مصدر من تكلله النسب» : روى ابن مطرف (القرطين 1/ 116) هذا الكلام عنه، وأخذه البخاري (5/ 175) .
(2) : قال البغدادي فى الخزانة: لا أعرف ما قبله ولا قائله مع كثرة وجوده فى كتب النحو وهو فى الصحاح واللسان والتاج (التي) والقرطبي 5/ 83. [.....]
(3) ديوانه 148 واللسان والتاج (عرك) .(1/119)
وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (18) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا (19) وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (20) وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا (21) وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا (22)
من اللاتي لم يحججن يبغين حسبة ... ولكن ليقتلن البريء المغفلا «1»
«أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً» (17) : أفعلنا من العتاد، ومعناها:
أعددنا لهم «2» و «أَلِيماً» مؤلما.
«وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ» (18) أي خالقوهنّ. «3»
«بُهْتاناً» (19) أي: ظلما. «4»
«أَفْضى بَعْضُكُمْ إِلى بَعْضٍ» (20) : المجامعة.
[ «ميثاقا» ] (20) : الميثاق، مفعال من الوثيقة بيمين، أو عهد، أو غير ذلك، إذا استوثقت.
«وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ» (21) : نهاهم أن ينكحوا نساء آبائهم، ولم يحلّ لهم ما سلف، أي ما مضى، ولكنه يقول: إلّا ما فعلتم.
__________
(1) : لم أجد البيت فى ديوان عمر بن أبى ربيعة، ورأيته عند الزجاج 1/ 63 ب بغير عزو وهو منسوب إلى الحارث بن خلد (؟) فى نسخة.
(2) «أعتدنا ... أعددنا» : روى الطبري (4/ 207) هذا الكلام عن بعض البصريين، ولعله يعنى أبا عبيدة، وأخذه البخاري برمته عن أبى عبيدة، وعزاه الشارح ابن حجر له فى فتح الباري 8/ 181.
(3) «خالقوهن» : هذا التفسير بمعناه فى الطبري 4/ 213.
(4) ظلما: انظر الطبري 4/ 214.(1/120)
حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (23)
«إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَمَقْتاً وَساءَ سَبِيلًا» (21) أي بئس طريقة ومسلكا، ومن كان يتزوج امرأة أبيه فولد له منها، يقال له: مقتى، «1» ومقتوى من قتوت، وهذا من مقت [كان الأشعث بن قيس «2» منهم، تزوج قيس بن معدى كرب امرأة أبيه، فولدت له الأشعث، «3» وكان أبو عمرو بن أميّة خلف على العامرية امرأة أبيه فولدت له أبا معيط] .
«وَرَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ» (22) بنات المرأة من غيره. ربيبة الرجل: بنت امرأته، ويقال لها: المربوبة، وهى بمنزلة قتيلة ومقتولة.
«فِي حُجُورِكُمْ» (22) فى بيوتكم، ويقال: إن عائشة «4» كتبت إلى حفصة:
__________
(1) مقتى: قال ابن عطية: وقال أبو عبيدة وغيره: كانت العرب تسمى الولد الذي يجىء من زوج الوالد المقتى (المحرر الوجيز 1/ 187 آ) .
(2) الأشعث بن قيس: هو معد يكرب بن معاوية الكندي له ترجمة فى التهذيب للنووى 1/ 123 والكامل لابن الأثير 10/ 338 والإصابة 14/ 197.
(3) كان الأشعث ... أبا معيط: ملخص هذا الكلام فى عين المعاني، للسجاوندى (1/ 116 ب نسخة كوبريلى) .
(4) عائشة: من زوجات النبي عليه السلام، ترجمتها عند النووي 2/ 350 والإصابة 3/ 699 وحفصة: من زوجات النبي عليه السلام ترجمتها عند النووي 3/ 330 والإصابة 4/ 530:(1/121)
وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (24)
إن ابن أبى طالب بعث ربيبه ربيب السّوء، تعنى محمد بن أبى بكر، «1» وكانت أمه أسماء بنت عميس، عند على بن أبى طالب ويقال للزوج أيضا: هو ربيب ابن امرأته، وهو راب له، فخرجت مخرج عليم فى موضع عالم.
«وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ» (22) حليلة الرجل: امرأته.
«وَالْمُحْصَناتُ» (23) : ذوات الأزواج، والحاصن: العفيفة، قال العجاج:
وحاصن من حاصنات ملس ... من الأذى ومن قراف الوقس «2»
أي الجرب.
«كِتابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ» (23) أي: كتب الله ذاك عليكم، والعرب تفعل مثل هذا إذا كان فى موضع «فعل» أو «يفعل» ، نصبوه.
عن أبى عمرو بن العلاء، قال كعب بن زهير:
تسعى الوشاة جنابيها وقيلهم ... إنّك يا ابن أبى سلمي لمقتول «3»
__________
(1) محمد بن أبى بكر الصديق. وانظر خبره فى الكامل لابن الأثير 3/ 295:
أسماء بنت عميس: كانت زوج أبى بكر الصديق فمات عنها ثم تزوجها على بن أبى طالب.
انظر ترجمتها فى تهذيب النووي 2/ 330.
(2) : فى ديوانه 78 ومحاسن الأراجيز 7- والطبري 5/ 6 والجمهرة 2/ 165 واللسان والتاج (حصن وقس)
(3) : من قصيدته التي أولها:
بانت سعاد فقلبى اليوم متبول
وهو فى ديوانه 19 وجمهرة الأشعار 150. - وقيلهم: قال شارح الديوان:
ورواه أبو عبيدة بالنصب.(1/122)
وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (25)
قال: «1» سمعت أبا عمرو بن العلاء يقول: معناها: ويقولون، وكذا كل شىء من هذا المنصوب كان فى موضع «فعل» أو «يفعل» ، كقولك: «صبرا ومهلا وحلّا، «2» أي: اصبر، وأمهل، وتحلّل.
«ما وَراءَ ذلِكُمْ» (23) : ما سوى ذلك.
«مُسافِحِينَ» (23) : المسافح، الزاني، ومصدره: السّفاح.
«وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ» (23) : لا إثم عليكم، ولا تبعة.
«طَوْلًا» (24) ، الطول: السّعة والفضل، تقول للرجل: مالك على فضل ولا طول.
«فَتَياتِكُمُ» (24) إماءكم، وكذلك العبيد، يقال للعبد: فتى فلان.
«وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ» (24) ، أي: مهورهنّ.
«نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ» (24) من عقوبة الحدّ.
«الْعَنَتَ» (24) كل ضرر، تقول: أعنتنى.
__________
(1) قال: القائل هو أبو عبيدة.
(2) حلا: يقال للرجل إذا أمعن فى وعيد أو أفرط فى فخر أو كلام: حلا أبا فلان أي تحلل فى يمينك (اللسان) . [.....](1/123)
يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (26) وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا (27) يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا (28) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (29) وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (30) إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا (31) وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (32) وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا (33)
«سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ» (25) أي سبل الذين من قبلكم.
«يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ» (27) إيجاب.
«وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ» (28) أي لا تهلكوها.
«وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ» (32) «1» أي أولياء ورثة، المولى ابن العم، والمولى الحليف وهو العقيد والمنعم عليه، والمولى الأسفل، والمولى الولىّ «اللهم من كنت مولاه» والمولى، المنعم على المعتق، وقال الشاعر:
__________
(1) «موالى ... إلخ» : قال البخاري: وقال معمر: أولياء ... فى الدين:
قال ابن حجر (8/ 186) : ومعمر هذا بسكون المهملة، وكنت أظنه معمر بن راشد إلى أن رأيت الكلام المذكور فى «المجاز» لأبى عبيدة، واسمه معمر بن المثنى ولم أره عن معمر بن راشد، وإنما أخرج عبد الرزاق عنه فى قوله: «ولكل جعلنا موالى» ، قال: الموالي الأولياء الأب والأخ والأبن وغيرهم من العصبة، وكذا أخرجه إسماعيل القاضي فى الأحكام من طريق محمد بن ثور عن معمر وقال أبو عبيدة:
ولكل جعلنا ... ابن العم، وساق ما ذكره البخاري وأنشد فى المولى ابن العم.
«مهلا» البيت. ومما لم يذكره: وقال الأصمعى فى الأضداد (24) وتبعه ابن السكيت فى كتابه بمعناه (185) : قال أبو عبيدة وللمولى سبعة مواضع: المولى ذو النعمة من فوق، والمولى المنعم عليه من أسفل، وفى كتاب الله تبارك وتعالى «فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آباءَهُمْ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوالِيكُمْ» (33/ 5) ، والمولى فى الدين من الموالاة وهو الولي ومنه قول الله جل ثناؤه «ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ» (47/ 12) ، وقال عز وجل «فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ» (66/ 4) ، وجاء فى الحديث من كنت مولاه فإن عليا مولاه ... ، والمولى ابن العم ... ، والمولى الحار ... ، والمولى الحليف ... ، والمولى الصهر ... إلخ.(1/124)
الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا (34)
ومولى كداء البطن لو كان قادرا ... على الموت أفنى الموت أهلى وماليا «1»
يعنى ابن العم، وقال الفضل بن عبّاس:
مهلا بنى عمّنا مهلا موالينا ... لا تظهرن لنا ما كان مدفونا «2»
وقال ابن الطّيفان من بنى عبد الله بن دارم والطّيفان أمّه:
ومولى كمولى الزّبرقان ادّملته ... كما اندملت ساق يهاض بها كسر «3»
ادّملته: أصلحته واحتملت ما جاء منه.
«والّذين عاقدت أيمانكم» (32) عاقدة، حالفه.
«فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ» (33) أي لا تعلّلوا عليهن بالذنوب.
[ «نشوزهنّ» ] (33) النشوز: بعض الزوج. «4»
__________
(1) لم أجده فى المراجع التي رجعت إليها.
(2) الفضل بن العباس: ابن عتبة بن أبى لهب، أحد شعراء بنى هاشم المذكورين وفصحائهم، أخباره ونسبه فى الأغانى 15/ 2، وذكره ابن الأثير 2/ 320. - والبيت فى الكامل 736، والطبري 5/ 32، والقرطبي 11/ 78، واللسان والتاج (ولى) .
(3) ابن الطيفان: هو خالد بن علقمة، أحد بنى مالك بن زيد بن عبد الله ابن دارم، فارس شاعر، انظر المؤتلف 49. - والبيت فى المؤتلف 149، واللسان (دمل) .
(4) بغض الزوج: فى القرطين 5/ 47 بغض المرأة للزوج.(1/125)
وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا (35) وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا (36)
«وَإِنْ خِفْتُمْ» (34) : أيقنتم.
«شِقاقَ بَيْنِهِما» (34) أي تباعد.
«وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً» (35) : مختصر، تفعل العرب ذلك، فكان فى التمثيل: واستوصوا بالوالدين إحسانا. «1»
«وَالْجارِ ذِي الْقُرْبى» (35) القريب، «وَالْجارِ الْجُنُبِ» (35) الغريب، يقال: ما تأتينا إلا عن جنابة، أي من بعيد، قال علقمة بن عبدة:
فلا تحرمنى نائلا عن جنابة ... فإنى امرؤ وسط القباب غريب «2»
وإنما هى من الاجتناب، وقال الأعشى:
أتيت حريثا زائرا عن جنابة ... فكان حريث عن عطائى جامدا «3»
«وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ» (35) أي: يصاحبك فى سفرك، ويلزمك، فينزل إلى جنبك:
«وَابْنِ السَّبِيلِ» (35) : الغريب.
__________
(1) «واستوصوا ... إحسانا» : نقل الطبري هذا الكلام 5/ 50.
(2) : فى ديوانه من الستة 107 والمفضليات 789 والكامل 437 والزجاج 1/ 71 ب والشنتمرى 2/ 423 والقرطبي 5/ 183، 13/ 257 والراغب واللسان والتاج (جنب) .
(3) : فى ديوانه 49- والكامل 436 والطبري 5/ 52 والقرطبي 5/ 173(1/126)
وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا (38) وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ وَكَانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيمًا (39)
[ «مختالا» ] (35) : المختال، ذو الخيلاء والخال، «1» وهما واحد، ويجىء مصدرا، قال العجّاج:
والخال ثوب من ثياب الجهّال «2»
وقال العبدىّ:
فإن كنت سيّدنا سدتنا ... وإن كنت للخال فاذهب فخل «3»
أي: اختل.
«فَساءَ قَرِيناً» (37) أي: فساء الشيطان قرينا، على هذا نصبه.
«وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ» (38) أي أعطوا فى وجوه الخير.
«مِثْقالَ ذَرَّةٍ» (39) أي زنة ذرة.
«يُضاعِفْها» (39) أضعافا، ويضعّفها ضعيفين. «4»
__________
(1) «ذو الخيلاء والخال» : رواه ابن حجر عن أبى عبيدة فى فتح الباري 8/ 188.
(2) فى ملحق ديوانه 86- والطبري 5/ 54 وللسمط 920 واللسان والتاج (خيل) .
(3) والبيت فى الطبري 5/ 54 واللسان والتاج (خيل) .
(4) «يضاعفها ... ضعفين» : نقل القرطبي (5/ 195) هذا الكلام عن أبى عبيدة، وقال الطبري (5/ 55) : فى قول بعض أهل العربية (يعنى أبا عبيدة) «يضاعفها أضعافا كثيرة» ولو أريد به فى قوله: يضعف ذلك ضعفين، لقيل: يضعفها بالتشديد.(1/127)
فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا (41) يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا (42) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا (43) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلَالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ (44)
«لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ» (41) : لو يدخلون فيها حتى تعلوهم.
«وَلا جُنُباً إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ» (42) معناه فى هذا الموضع: لا تقربوا المصلّى جنبا إلّا عابر سبيل يقطعه، ولا يقعد فيه «والمصلّى» مختصر.
«أَوْ عَلى سَفَرٍ» (42) : أو فى سفر، وتقول: أنا على سفر، فى معنى آخر: تقول: أنا متهى له.
«أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ» (42) : كناية عن حاجة ذى البطن، والغائط: الفيح من الأرض المتصوّب وهو أعظم من الوادي.
«أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ» (42) : «1» اللماس النكاح: لمستم، ولامستم أكثر.
«فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً» (42) أي فتعمدوا ذاك، والصعيد: وجه الأرض. «2»
«نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ» (44) : طرفا وحظا.
__________
(1) «لامستم» : الأصول مختلفة فى قراءة هذه الآية، وقد قرأها حمزة والكسائي بالألف والباقون بغيرها، وانظر الداني 96.
(2) «فتيمموا ... الأرض» : قال ابن حجر (8/ 198) : قال أبو عبيدة فى قوله تعالى «فَتَيَمَّمُوا ... طَيِّباً» . [.....](1/128)
مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا (46) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا (47) إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا (48) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا (49) انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْمًا مُبِينًا (50) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا (51)
«مِنَ الَّذِينَ هادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ» (46) هادوا فى هذا الموضع: اليهود، والكلم: جماعة كلمة، يحرّفون: يقلّبون ويغيّرون.
«مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً» (47) أي نسوّيها حتى تعود كأقفائهم، ويقال: الريح طمست آثارنا أي محتها، وطمس الكتاب: محاه، «1» ويقال:
طمست عينه.
«افْتَرى إِثْماً عَظِيماً» (48) أي تخلّقه.
«أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ» (49) ليس هذا رأى عين، هذا تنبيه فى معنى: ألم تعرف.
«فَتِيلًا» (49) ، الفتيل الذي فى شقّ النّواة.
«انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ» (50) :
مثل «أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ» .
«بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ» (51) كلّ معبود من حجر أو مدر أو صورة أو شيطان فهو جبت وطاغوت.
«أَهْدى [مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا] سَبِيلًا» (51) : أقوم طريقة.
__________
(1) «من قبل ... محاه» : قال البخاري: نطمس وجوها نسويها حتى تعود كأقفائهم، طمس الكتاب محاه. قال الشارح ابن حجر: هو مختصر من كلام أبى عبيدة، قال فى قوله: من قبل ... محاه. (فتح الباري 8/ 188) .(1/129)
أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا (54) فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا (55) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا (56) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا (57) إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا (58) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (59)
[ «نقيرا» ] (53) النّقرة فى ظهر النواة.
«أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ» (54) معناها: أيحسدون الناس.
«وَكَفى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً» (55) أي وقودا. «1»
«نُصْلِيهِمْ ناراً» (56) : نشويهم بالنار وننضجهم بها، يقال: أتانا بحمل مصلى مشوى، وذكروا أن يهودية أهدت إلى النبي صلى الله عليه وسلم شاة مصلية، «2» أي مشوية.
«وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ» (59) أي ذوى الأمر، «3» والدليل على ذلك أن واحدها «ذو» .
«فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ» (59) أي اختلفتم.
«فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ» (59) أي حكمه إلى الله فالله أعلم.
__________
(1) «بجهنم ... وقودا» نقله البخاري، وقال ابن حجر (8/ 188) : هو قول أبى عبيدة أيضا.
(2) «شاة مصلية» : أنظر الحديث فى النهاية واللسان (صلى) .
(3) «وأولى ... ذوى الأمر» : كذا فى البخاري، وقال ابن حجر (8/ 190) :
هو تفسير أبى عبيدة، قال ذلك فى هذه الآية، وزاد: «والدليل ... ذو» . أي واحد أولى لأنها لا واحد لها من لفظها.(1/130)
فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (65) وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا (66) وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا (67) وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (68) وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا (69)
«شَجَرَ بَيْنَهُمْ» (65) أي اختلط.
«لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً» (65) أي ضيقا.
«وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنا عَلَيْهِمْ» (66) معناه: قضينا عليهم.
«ما فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ» (66) ما فعلوه: استثناء قليل من كثير، فكأنه قال: ما فعلوه، فاستثنى الكلام، ثم قال: إلّا أنه يفعل قليل منهم.
ومنهم من زعم: أن «ما فعلوه» فى موضع: ما فعله إلّا قليل منهم، وقال عمرو بن معدى كرب:
وكل أخ مفارقة أخوه ... لعمر أبيك إلّا الفرقدان «1»
فشبّه رفع هذا برفع الأول، وقال بعضهم: لا يشبهه لأن الفعل منهما جميعا.
«ما يُوعَظُونَ بِهِ» (66) : ما يؤمرون به.
«وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً» (66) : من الإثبات، منها: اللهم ثبّتنا على ملّة رسولك.
«وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً» (69) أي رفقاء، والعرب تلفظ بلفظ الواحد والمعنى يقع على الجميع، قال العباس بن مرداس:
فقلنا أسلموا إنّا أخوكم ... فقد برئت من الإحن الصدور 100
وفى القرآن: «يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا» (24/ 5) والمعنى أطفالا.
__________
(1) : عمرو بن معدى كرب: شاعر جاهلى. انظر الأغانى 14/ 24 والإصابة رقم 5970، والاستيعاب 2/ 520. - والبيت مختلف فى عزوه ومعناه، أنظر الخزانة 2/ 52، وهو فى الكتاب 1/ 323 والشنتمرى 1/ 371 والبيان 1/ 33، والكامل 760 والمؤتلف 85 والإنصاف 123 وشواهد المغني 78.(1/131)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا (71) وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيدًا (72) وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ لَيَقُولَنَّ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا (73) فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (74) وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا (75) الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا (76) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا (77) أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا (78) مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا (79) مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا (80) وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا (81)
«فَانْفِرُوا ثُباتٍ» (71) : واحدتها ثبة، ومعناها: جماعات فى تفرقة وقال زهير بن أبى سلمى:
وقد أغدو على ثبة كرام ... نشاوى واجدين لما نشاء «1»
وتصديق ذلك «أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً» (71) ، وقد تجمع ثبة: ثبين، قال عمرو بن كلثوم:
فأمّا يوم خشيتنا عليهم ... فتصبح خيلنا عقبا ثبينا «2»
«لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ» (77) معناها: لم فرضته علينا.
«لَوْلا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ» (77) معناها: هلّا أخرتنا.
[ «بُرُوجٍ» ] (78) : البرج: الحصن.
«مُشَيَّدَةٍ» (78) : مطوّلة والمشيد المزيّن، الشّيد: الجصّ والصّاروج، والبروج: القصور.
«فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً» (80) أي محاسبا. «3»
«بَيَّتَ طائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ» (81) أي قدروا ذلك ليلا،
__________
(1) فى ديوانه 72- والطبري 5/ 104 واللسان (نشو) .
(2) فى معلقته ضمن شرح العشر 116، وجمهرة الأشعار 78، والقرطبي 5/ 274
(3) «محاسبا: رواه القرطبي (5/ 288) ، عن القتبى.(1/132)
وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا (83)
قال عبيدة بن همّام أحد بنى العدوية:
أتونى فلم أرض ما بيّتوا ... وكانوا أتونى بشىء نكر «1»
لأنكح أيّمهم منذرا ... وهل ينكح العبد حرّ لحر
بيّتوا أي قدّروا بليل، وقال النّمر بن تولب:
هبّت لتعذلنى من الليل اسمعي ... سفها تبيّتك الملامة فاهجعى «2»
كل شىء قدّر بليل فهو تبيّت.
«أَذاعُوا بِهِ» (83) : أفشوه، معناها: أذاعوه، وقال أبو الأسود:
أذاع به فى النّاس حتى كأنه ... بعلياء نار أوقدت بثقوب «3»
يقال: أثقب نارك، أي أوقدها حتى تضىء.
__________
(1) عبيدة بن همام: شاعر عاش فى عهد بنى أمية، وله ذكر فى الأغانى 11/ 58 فى خبر الحجاف ونسبه. - والبيتان فى الكامل 446، 527 والطبري 5/ 112 واللسان والتاج (نكر) . ونسبهما الطبري إلى عبيدة، ورواهما المبرد عن أبى عبيدة ولم ينسبهما، وهما فى اللسان والتاج، منسوبان إلى الأسود بن يعفر، وجمعهما ناشر ديوان الأعشى مع بيت ثالث وألحقها بأشعار أعشى نهشل (296) .
(2) النمر بن تولت: شاعر مخضرم، انظر الحجمى 36 والأغانى 19/ 157 والإصابة 3/ 572. - والبيت فى الطبري 5/ 114 والعيني 2/ 536 والخزانة 1/ 153.
(3) فى الطبري 5/ 114 والزجاج 1/ 48 واللسان والتاج (ذوع) .(1/133)
فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا (84)
«الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ» (83) : يستخرجونه، «1» يقال للرّكية إذا استخرجت هى نبط إذا أمهاها يعنى استخرج ماءها.
«وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ» (84) أي حضّض.
«عَسَى اللَّهُ» (84) هى إيجاب من الله، وهى فى القرآن كلّها واجبة، فجاءت على إحدى لغتى العرب، لأن عسى فى كلامهم رجاء ويقين، قال ابن مقبل:
ظنّى بهم كعسى وهم بتنوفة ... يتنازعون جوائز الأمثال «2»
أي ظنى بهم يقين.
__________
(1) «يستخرجونه ... نبط» أنظر هذا القول بمعناه فى الطبري 5/ 115 واللسان (نبط) .
(2) : فى الأضداد لأبى حاتم 95 وللأنبارى 14 وفى القرطبي 5/ 294 واللسان (عسى) ، وابن يعيش 1022 والخزانة 4/ 76. وقال أبو الطيب: قال أبو حاتم وقطرب: «عسى» تكون شكا مرة ويقينا مرة أخرى كما قال تعالى «عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ» ، وعسى فى القرآن واجبة، قال ابن عباس رضى الله عنهما:
هى واجبة من الله، قال أبو عبيدة: ومثله قول ابن مقبل. والتسوفة: الفلاة ويتنازعون يتجاذبون، وجوائز الأمثال: الأمثال السائرة فى البلاد، والمعنى: يقينى بهم كشك فى حال كونهم فى الفلاة إذ لست أعلم الغيب (عن البغدادي)(1/134)
مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا (85) وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا (86)
«يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْها» (85) أي نصيب، ويقال: جاءنا فلان متكفلا حمارا، أي متخذا عليه كساء يديره يشبّهه بالسّرج يقعد عليه. «1»
«عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتاً» (85) أي حافظا محيطا، قال اليهودىّ فى غير هذا المعنى: «2»
ليت شعرى وأشعرنّ إذا ما ... قرّبوها مطوية ودعيت
«3» ألي الفضل أم علىّ إذا حوسبت إنى على الحساب مقيت أي هو موقوف عليه. «4»
«عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً» (86) أي كافيا مقتدرا، يقال: أحسبنى هذا أي كفانى. «5»
__________
(1) «نصيب ... يعقد» : انظر الطبري 5/ 117 والقرطبي 5/ 296 واللسان والتاج (كفل) . [.....]
(2) «فى غير هذا المعنى» : كذا فى الطبري 5/ 119.
(3) : هو السموأل بن عادياء. - والبيتان فى ديوانه ص 12 والأصمعيات 21 والطبري 5/ 119 والقرطبي 1/ 129 واللسان (قوت) والعيني 4/ 332 والثاني فقط فى القرطبي 5/ 296.
(4) «أي ... عليه» قال القرطبي (5/ 296) قال فيه الطبري: إنه فى غير هذا المعنى المتقدم وإنه بمعنى الموقوف. وقال أبو عبيدة: المقيت الحافظ، وقال الكسائي:
المقتدر، وقال النحاس: وقول أبى عبيدة أولى.
(5) ... كفانى» قال الطبري (5/ 120) : وقد زعم بعض أهل البصرة من أهل اللغة (يعنى أبا عبيدة) : أن معنى «الحسيب» فى هذا الموضع «الكافي» يقال منه:
أحسبنى ... وكذا. وهذا غلط من القول وخطأ وذلك أنه لا يقال فى أحسبت الشيء أحسبت على الشيء فهو حسيب عليه وإنما يقال هو حسبه وحسيبه والله يقول.
«إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً» . ونقل القرطبي (5/ 35) أيضا قول أبى عبيدة هذا برمته.(1/135)
فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا (88) وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً فَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (89) إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُوا قَوْمَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا (90) سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ كُلَّ مَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيهَا فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأُولَئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا مُبِينًا (91)
«وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ» (88) أي نكّسهم وردّهم فيه.
«إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ» (89) ، يقول:
فإذا كانوا من أولئك القوم الذين بينكم وبينهم ميثاق فلا تقتلوهم.
«أَوْ جاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ» (90) من الضيق، وهى من الحصور، وقد قال الأعشى:
إذا اتصلت قالت أبكر بن وائل ... وبكر سبتها والأنوف رواغم «1»
أخذه من وصل، أي انتسب.
«وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ» (90) أي المقادة، يقول: استسلموا.
«وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً» (91) ، وهذا كلام تستثنى العرب الشيء من الشيء وليس منه على اختصار وضمير، وليس لمؤمن أن يقتل مؤمنا على حال إلّا أن يقتله مخطئا، فإن قتله خطئا، فعليه ما قال الله فى
__________
(1) وقد استشهد أبو عبيدة بهذا البيت لكلمة «يصلون» . وهو من قصيدة يعاتب فيها الأعشى يزيد بن مسهر الشيباني وهو فى ديوانه 59- والكامل 196 والطبري 5/ 124 والقرطبي 5/ 208 واللسان والتاج (وصل) .(1/136)
القرآن، وفى القرآن: «الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ» (53/ 32) : واللّمم ليس من الكبائر، وهو فى التمثيل: إلا أن يلمّوا من غير الكبائر والفواحش، قال جرير:
من البيض لم تطعن بعيدا ولم تطأ ... على الأرض إلا ذيل مرط مرحّل «1»
المرحّل: برد فى حاشيته خطوط، فكأنه قال: لم تطأ على الأرض إلا أن تطأ ذيل البرد، وليس هو من الأرض، ومثله فى قول بعضهم:
وبلدة ليس بها أنيس ... إلّا اليعافير وإلّا العيس «2»
يقول: إلّا أن يكون بها. وقال أبو خراش الهذلىّ:
أمسى سقام خلاء لا أنيس به ... إلا السّباع ومرّ الريح بالغرف «3»
__________
(1) فى ديوانه 457- والطبري 5/ 128 والقرطبي 5/ 312.
(2) فى ديوان جيران العود 52 وفى الكتاب 1/ 111، 319 ومعانى الشعر للأشناندانى 33 والطبري 5/ 178، 12/ 28 والزجاج 1/ 8 والشنتمرى 1/ 133، 365 والقرطبي 5/ 312 والعيني 2/ 31 والخزانة 4/ 197.
(3) ديوان الهذليين 2/ 156- والقرطبي 5/ 312 ومعجم البلدان 2/ 100 واللسان (غرف) .(1/137)
لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (95) دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (96) إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (97) إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا (98) فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا (99) وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (100) وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا (101) وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا (102) فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا (103)
سقام: واد لهذيل الغرف: شجر تعمل منه الغرابيل، وكان أبو عمرو الهذلي يرفع ذلك.
«غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ» (95) : مصدر، ويقال ضرير بين الضرر.
[ «وَمَنْ يُهاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُراغَماً كَثِيراً وَسَعَةً» ] (100) : المراغم والمهاجر واحد، «1» تقول: راغمت وهاجرت قومى، وهى المذاهب، قال النابغة الجعدي:
كطود يلاذ بأركانه ... عزيز المراغم والمهرب
167 «فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ» (100) : ثوابه وجب.
«أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ» (101) أي تنقصوا منها.
«فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ» (103) من السفر أو الخوف.
«فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ» (103) أي أتمّوها.
__________
(1) «المراغم ... واحد» : روى القرطبي: (5/ 347) هذا الكلام عن أبى عبيدة. وفى البخاري: وقال غيره: المراغم المهاجر، راغمت هاجرت قومى.
قال ابن حجر (8/ 192) : قال أبو عبيدة فى قوله تعالى «وَمَنْ يُهاجِرْ ... وَسَعَةً» والمراغم ... قال الجعدي «كطود» البيت. وهو فى الطبري 5/ 151 والقرطبي 5/ 348 واللسان والتاج (رغم) وشواهد الكشاف 26.(1/138)
وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (104) إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا (105) وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (106) وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا (107) يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا (108) هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا (109) وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا (110) وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (111) وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (112) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا (113) لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (114)
«كِتاباً مَوْقُوتاً» (103) أي موقتا «1» وقّته الله عليهم.
«تَأْلَمُونَ» (103) توجعون، قال أبو قيس بن الأسلت:
لا نألم الحرب ونجزى بها ال ... أعداء كيل الصّاع بالصّاع «2»
«وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً»
(111) : وقع اللفظ على الإثم فذكّره، هذا فى لغة من خبّر عن آخر الكلمتين. «3»
«لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ» (113) فالنجوى فعل والأمر بالصدقة ليس من نجواهم التي لا خير فيها. إلا أن يكونوا يأمرون بصدقة أو معروف، والنّجوى: فعل، ومن: اسم، قال النابغة:
وقد خفت حتى ما تزيد مخافتى ... على وعل فى ذى القفارة عاقل (80)
__________
(1) «موقوتا ... الله عليهم» فى البخاري: موقوتا موقتا، وقته عليهم. قال ابن حجر (8/ 192) : وهو قول أبى عبيدة أيضا، قال فى قوله تعالى: «إِنَّ الصَّلاةَ ...
مَوْقُوتاً» أي موقتا ... عليهم.
(2) أبو قيس صيفى بن الأسلت الأنصاري أحد بنى وائل، شاعر معروف، انظر أخباره ونسبه فى الأغانى 15/ 154. - والبيت من قصيدة مفضلية، وهو فى شرحها 568 وجمهرة الأشعار 126.
(3) «ومن يكسب ... الكلمتين» : تقدم كلامه هذا فى صفحة 9 من المجاز.(1/139)
إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا (117) لَعَنَهُ اللَّهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا (118) وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا (119) يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا (120) أُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَلَا يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصًا (121) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا (122) لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (123) وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا (124) وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا (125) وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطًا (126) وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا (127) وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (128) وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (129)
والمخافة: فعل، والوعل اسم وفى آية أخرى: «لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ» (2/ 126) فالبرّ هاهنا مصدر، و «من» فى هذا الموضع اسم.
«إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِناثاً» (116) إلا الموات حجرا أو مدرا أو ما أشبه ذلك. «1»
«شَيْطاناً مَرِيداً» (116) أي متمردا. «2»
«فَلَيُبَتِّكُنَّ آذانَ الْأَنْعامِ» (118) بتكه: قطعه. «3»
«مَحِيصاً» (120) ، حاص عنه: عدل عنه.
«وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا» (121) أو «قولا» واحد. «4»
«فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ» (128) أي لا تجوروا.
__________
(1) «إن يدعون ... ذلك» : روى ابن حجر (8/ 193) هذا الكلام عن أبى عبيدة وزاد: والمراد بالموات ضد الحيوان.
(2) «مريدا ... متمردا» كذا فى البخاري، وقال ابن حجر (8/ 193) : وهو تفسير أبى عبيدة بلفظه، وقد تقدم فى بدء الخلق، ومعناه الخروج عن الطاعة. [.....]
(3) «بتكه قطعه» : كذا فى البخاري، ورواه ابن حجر عن أبى عبيدة فى فتح الباري 8/ 193.
(4) «قيلا.. واحد» : كذا فى البخاري، ورواه ابن حجر (8/ 193) عن أبى عبيدة.(1/140)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (135) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا (136) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا (137) بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (138) الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا (139) وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا (140) الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا (141)
«وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا» (134) : «1» كلّ شىء لويته من حق أو غيره.
«مَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيداً» (135) والكفر بملائكته: انهم جعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا.
«فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً» (138) أي العزة جميعا لله.
« [حَتَّى] يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ» (139) يأخذوا فى حديث غيره.
«أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ» (140) : نغلب عليكم «2» «اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ» (58/ 19) : غلب عليهم، قال العجاج:
يحوذهنّ وله حوذى ... كما يحوذ الفئة الكمىّ «3»
__________
(1) «وإن تلووا» : قال القرطبي (5/ 413) فى تفسير الآية: من لويت فلانا حقه ليا إذا دفعته به وفى البخاري: تلووا ألسنتكم بالشهادة، قال ابن حجر: (8/ 192) وصله الطبري من طريق على بن أبى طلحة عن ابن عباس فى قوله تعالى «وَإِنْ تَلْوُوا- أَوْ تُعْرِضُوا» فإن تلووا ألسنتكم بشهادة أو تعرضوا عنها، وروى ابن عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال أن تدخل فى شهادتك ما يبطلها أو تعرض عنها فلا تشهدها وقراء حمزة وابن عامر «وإن تلوا» بواو واحدة ساكنة وصوب أبو عبيدة قراءة الباقين واحتج بتفسير ابن عباس المذكور وقال ليس للولاية هنا معنى، وأجاب الفراء بأنها على بابها من الولاية والمراد إن توليتم إقامة الشهادة.
(2) «تغلب عليكم» : روى الطبري (5/ 213) هذا الكلام عن السدى.
(3) فى ديوانه 71- والطبري 5/ 213 واللسان والتاج (حوز) وهو يصف ثورا وكلابا.(1/141)
إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا (145) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (146) مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا (147) لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا (148) إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا (149) إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا (150) أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا (151) وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (152) يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَنْ ذَلِكَ وَآتَيْنَا مُوسَى سُلْطَانًا مُبِينًا (153) وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُلْنَا لَهُمْ لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا (154) فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا (155) وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا (156) وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا (157) بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (158) وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا (159) فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا (160) وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (161) لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أُولَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا (162)
أي يغلب عليها، يحوذهن: مثل يحوزهن، أي يجمعهن.
«فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ» (145) : جهنم أدراك أي منازل وأطباق، ويقال للحبل الذي قد عجز عن [بلوغ] الركية: أعطنى دركا أصل به. «1»
«لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ» (147) : «من» فى هذا الموضع اسم من فعل.
«أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً» (152) : علانية.
«الطُّورَ» (153) : الجبل.
«فَبِما نَقْضِهِمْ» (154) : فبنقضهم.
«طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْها» (154) أي ختم. «2»
«لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ» (161) : العرب تخرج من الرفع إلى النصب إذا كثر الكلام، ثم تعود بعد إلى الرفع. قالت خرنق:
__________
(1) «ويقال ... أصل به» : انظر الطبري 5/ 217.
(2) «طبع ... ختم» : نقله ابن حجر عن أبى عبيدة فى فتح الباري 8/ 153.(1/142)
يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْرًا لَكُمْ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (170) يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا (171)
لا يبعدن قومى الذين هم ... سمّ العداة وآفة الجزر (81)
النازلين بكل معترك ... والطيّبون معاقد الأزر
«فَآمِنُوا خَيْراً لَكُمْ» (169) : نصب على ضمير جواب «يكن خيرا لكم» ، وكذلك كل أمر ونهى، «1» وإذا كانت آية قبلها وأن تفعلوا، ألف «أن» مفتوحة فما بعدها رفع لأنه خبر «أن» ، «وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ» (2/ 280) .
وما مرّ بك من أسماء الأنبياء «2» لم تحسن فيه الألف واللام فإنه لا ينصرف، وما كان فى آخره «ى» فانه لا ينون نحو عيسى وموسى.
«لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ» (170) من الغلو والاعتداء، كل شىء زاد حتى يجاوز الحدّ من نبات أو عظم أو شباب، يقال فى غلوائها وغلواء الشباب، قال الحارث بن خالد المخزومي:
خمصانة قلق موشّحها ... رود الشباب غلابها عظم «3»
«وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ» (170) قوله كن، فكان.
__________
(1) «نصب ... ونهى» : انظر الطبري 6/ 23، 24.
(2) «أسماء الأنبياء» قد مرت أسماؤهم فى آية 163 فى هذه السورة.
(3) فى الطبري 6/ 24 واللسان (غلو) .(1/143)
لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا (172) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (173) يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا (174)
«وَرُوحٌ مِنْهُ» (171) أحياه الله فجعله روحا.
«وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ» (171) أي لا تقولوا: هم ثلاثة.
َنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ»
(171) لن يأنف ويستكبر ويتعظم.
«فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ» (173) الألف مفتوحة وكذلك كل شىء فى القرآن إذا كان تمام كلامه بالفاء، وإذا كان تخييرا فألف «إما» مكسورة كقوله: «إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ» (18/ 83) ، وإذا كان فى موضع «إن» فكذلك الألف مكسورة من ذلك «فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً» (19/ 25) .
«بُرْهانٌ» (174) : بيان وحجة سواء.(1/144)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ (1)
(بسم الله الرّحمن الرّحيم)
سورة المائدة (5)
«أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» (1) واحدها عقد، ومجازها: العهود والأيمان التي عقدتم. وقال الخطيئة:
قوم إذا عقدوا عقدا لجارهم ... شدّوا العناج وشدّوا فوقه الكربا «1»
ويقال: اعتقد فلان لنفسه، ويقال: وفيت وأوفيت.
«وَأَنْتُمْ حُرُمٌ» (1) «2» واحدها حرام، قال:
فقلت لها فيئى إليك فإنّنى ... حرام وإنى بعد ذاك لبيب «3»
__________
(1) : ديوانه 59- وأورده أبو رياش فى شرح الهاشميات للكميت 90 وهو فى الطبري 6/ 28 والزجاج 1/ 108 آوالاقتضاب 351 والقرطبي 6/ 32 واللسان (عنج) وشواهد الكشاف 27.
(2) «أنتم ... حرام» هكذا فى البخاري، قال ابن حجر (8/ 201) : هو قول أبى عبيدة.
(3) : القائل المضرب بن كعب بن زهير، والبيت فى السمط 79 والاقتضاب 475 والقرطبي 6/ 36 والزجاج 1/ 109 ورواه القتبى عن أبى عبيدة بغير عزو فى أدب الكاتب 639.(1/145)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَانًا وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (2)
أي مع ذاك، والمعنى محرم.
«شَعائِرَ اللَّهِ» «1» (2) واحدتها شعيرة وهى الهدايا، ويدلك على ذلك قوله:
«حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ» (2/ 196) ، وأصلها من الإشعار وهو أن يقلّد، أو يحلل أو يطعن شقّ سنامها الأيمن بحديدة ليعلمها بذلك أنّها هدية، وقال الكميت:
نقتّلهم جيلا فجيلا تراهم ... شعائر قربان بها يتقرّب «2»
الجيل والقرن واحد، ويقال: إن شعائر الله هاهنا المشاعر الصّفا والمروة ونحو ذلك.
«وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ» (2) ولا عامدين، ويقال: أممت.
وتقديرها هممت خفيفة. وبعضهم يقول: يمّمت، وقال:
إنّى كذاك إذا ما ساءنى بلد ... يمّمت صدر بعيري غيره بلدا «3»
«4»
__________
(1) «شعائر الله ... الهدايا» : أخذها الزجاج (1/ 109 ب) باختلاف يسير. [.....]
(2) : فى الهاشميات 48- والقرطبي 6/ 38 والسجاوندى (كوبريلى) 1/ 138 ورد فى اللسان والتاج (شعر) على أنه من إنشاد أبى عبيدة.
(3) «ولا آمين ... بلدا» : روى ابن حجر هذا الكلام عن أبى عبيدة فى فتح الباري 8/ 204.
(4) : فى فتح الباري 8/ 204.(1/146)
«وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ» (2) مجازه: ولا يحملنّكم «1» ولا يعدينّكم، وقال:
ولقد طعنت أبا عيينة طعنة ... جمعت فزارة بعد ما ان يغضبوا «2»
ومجاز «شَنَآنُ قَوْمٍ» أي بغضاء قوم، «3» وبعضهم يحرّك حروفها، وبعضهم يسكّن النون الأولى كما قال الأحوص:
وما العيش إلّا ما تلذّ وتشتهى ... وإن لام فيه ذو الشّنآن وفنّدا «4»
__________
(1) ولا يحملنكم: هكذا فى فتح الباري 8/ 209.
(2) : قال ابن السيد فى عزو هذا البيت: البيت لأبى أسماء بن الضريبة وقيل بل هو لعطية بن عفيف (الاقتضاب 313) ، وهو فى الكتاب 1/ 418 ومعانى القرآن للفراء 80 آوالطبري 6/ 36 والقرطبي 6/ 45 والسجاوندى (كوبريلى) 1/ 138 ب والشنتمرى 1/ 469 واللسان والتاج (جرم) والخزانة 4/ 310 وشواهد الكشاف 32.
(3) «شنآن ... البغضة» الذي ورد فى الفروق، رواه فى اللسان (شنأ) عن أبى عبيدة.
(4) : هو أحد أبيات وردت فى الشعراء 330 والحجمى 137 والأغانى 13/ 153 وهو فى الطبري 6/ 37 والصحاح واللسان والتاج (شنأ) والسجاوندى (كوبريلى) 1/ 138 ب.(1/147)
حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (3)
وبعضهم يقول: «شَنَآنُ قَوْمٍ» تقديره «أبان» ، ولا يهمزه، وهو مصدر شنيت، وله موضع آخر معناه: شنئت حقك أقررت به وأخرجته من عندى كما قال العجّاج:
زلّ بنو العوّام عن آل الحكم ... وشنئوا الملك لملك ذى قدم «1»
شنئوا الملك: أخرجوه وأدّوه وسلّموا إليه. [وقدم] . قال الله تبارك وتعالى: «أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ» (10/ 2) قدم: منزلة ورفعة، وقدم من القديم، وقدم إذا تقدم أمامه، وقال الفرزدق:
ولو كان فى دين سوى ذا شنئتم ... لنا حقّنا أو غصّ بالماء شاربه «2»
«حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ» (3) : مخفّفة، وهى تخفيف ميّتة، ومعناهما واحد، خفّفت أو ثقّلت. كقول ابن الرّعلاء: «3»
__________
(1) ديوانه 55 واللسان والتاج (شنأ) .
(2) ديوانه 56- والكامل 371 والأغانى 2/ 6 والصحاح واللسان والتاج (شنأ) .
(3) ابن الرعلاء: أحد بنى عمرو بن مازن، شاعر جاهلى غسانى اسمه عدى. وانظر ترجمته فى معجم المرزباني 252 والسمط 58 الخزانة 4/ 188.(1/148)
ليس من مات فاستراح بميت ... إنما الميت ميّت الأحياء «1»
إنما الميت من يعيش ذليلا ... سيّئا باله قليل الرّجاء
واسم ابن الرّعلاء كوتىّ، «2» والكؤتىّ، والكوتىّ يهمز، ولا يهمز.
والكوتى من الخيل والحمير: القصار. قال: فلا أدرى أيكون فى الناس أم لا قال: ولا أدرى الرّعلاء أبوه أو أمّه.
«وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ» (3) مجازه: وما أهلّ به لغير الله، ومعناه:
وما ذكر غير اسم الله عليه إذا ذبح أو نحر، وهى من استهلال الكلام، قال
__________
(1) البيت فى الأصمعيات 5 وتهذيب الألفاظ 448 والمعجم للمرزبانى 252 والسمط 8 والخزانة 4/ 174 ونسبهما البحتري (فى الحماسة 214) وياقوت (فى الإرشاد 12/ 9) إلى صالح بن عبد القدوس، وكان الحسن البصري يتمثل بالبيت الأول فى مجلسه وقصصه ومواعظه حسبما رواه الجاحظ (البيان 1/ 132) ، والأول منهما فى الزجاج (1/ 110 آ) من غير عزو.
(2) ما قاله أبو عبيدة من أن اسمه كوتى لم أقف عليه فى غير التاج (كوت) حيث قال.
الكوتى كرومى أهمله الجوهري، وقال أبو عبيدة: هو الرجل القصير، والثاء لغة فيه، ولكنى رأيت فى الهامش من نسخة الصحاح زيادة الدميم بعد القصير، وزاد فى التكملة:
الكوتى بن الرعلاء بالفتح ممدودا. وقال فى مادة «كوث» : والكوثى القصير كالكوثى من التهذيب، وكوثى ابن الرعلاء شاعر.(1/149)
رجل، وخاصم إلى النبىّ صلّى الله عليه وسلم فى الجنين: «أرايت من لا شرب ولا أكل ولا صاح فاستهلّ، أليس مثل ذلكم يطلّ» . «1» ومنه قولهم:
أهلّ بالحجّ أي تكلّم به، وأظهره من فيه.
وقال ابن أحمر:
يهلّ بالفرقد ركبانها ... كما يهلّ الرّاكب المعتمر «2»
يقال: معتمر ومعتم، والعمار والعمامة، وكل شىء على الرأس من إكليل أو تاج أو عمامة، فهو عمار وله موضع آخر.
ما ذبح لغيره، كقول ابن هرمة:
كم ناقة قد وجأت لبّتها ... بمستهلّ الشّؤبوب أو جمل «3»
أي بمنفجر.
__________
(1) «الجنين ... يطل» : قد مر تخريج هذا الحديث فى ص 64 وانظر الطبري 6/ 38.
(2) فى الجمهرة 2/ 387 والطبري 6/ 38 والقرطبي 2/ 224 واللسان (هلل) .
وذكره ابن دريد على أنه من إنشاد أبى عبيدة، وأنه فسر المعتمر الذي فى بيت ابن أحمر، بالمعتم. [.....]
(3) فى ذيل السمط 52. - اللبة: اللهزمة التي فوق الصدر، وفيها تنحر الإبل، والشئبوب الدفعة من المطر وغيره (اللسان) .(1/150)
«وَالْمُنْخَنِقَةُ» (3) : التي انخنقت فى خناقها حتى ماتت.
«وَالْمَوْقُوذَةُ» (3) : التي تضرب حتى توقذ فتموت منه أو ترمى يقال:
رماه بحجر، فوقذه يقذه وقذا ووقوذا.
«وَالْمُتَرَدِّيَةُ» (3) : التي تردّت فوقعت فى بئر أو وقعت من جبل أو حائط أو نحو ذلك فماتت.
«وَالنَّطِيحَةُ» (3) : مجازها مجاز المنطوحة حتى ماتت.
«وَما أَكَلَ السَّبُعُ» (3) وهو الذي يصيده السّبع فيأكل منه ويبقى بعضه ولم يذكّ، وإنما هو فريسة.
«إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ» (3) : وذكاته أن تقطع أوداجه أو تنهر دمه وتذكر اسم الله عليه إذا ذبحته، كقوله:
نعم هو ذكّاها وأنت أضعتها ... وألهاك عنها خرفة وفطيم «1»
الخرفة اجتناء، اخترف اجتنى.
__________
(1) : لم أجده فى مظانه.(1/151)
«وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ» (3) وهو واحد الأنصاب، «1» وكان أبو عمرو يقول: نصب بفتح أوله ويسكن الحرف الثاني منه.
والأنصاب: الحجارة التي كانوا يعبدونها، وأنصاب الحرم أعلامه.
«وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ» (3) وهو من استفعلت من قسمت أمرى، بأن أجيل القداح لتقسم لى أمرى: أأسافر أم أقيم أم أغزو أو لا أغزو ونحو ذلك فتكون هى التي تأمرنى وتنهانى ولكلّ ذلك قدح معروف «2» وقال:
ولم أقسم فتر بثني القسوم «3»
__________
(1) «النصب ... الأنصاب» : رواه ابن حجر عن أبى عبيدة فى فتح الباري 8/ 208.
(2) «وأن تستقسم ... معروف» : قال البخاري: والاستقسام أن يجيل القداح فإن نهته انتهى وإن أمرته فعل ما تأمره. وقال ابن حجر: قال أبو عبيدة الاستقسام من قسمت ... القسوم (فتح الباري 8/ 208) .
(3) فى الطبري 6/ 42 وفتح الباري 8/ 208. - والزبث: حبسك الإنسان عن حاجته وأمره بعلل (اللسان) .(1/152)
يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (4)
ويقال: ربثه يربثه ربثا إذا حبسه. وواحد الأزلام: زلم وزلم لغتان وهو القدح. «1»
«ذلِكُمْ فِسْقٌ» (3) أي كفر.
«وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً» (3) أي اخترت لكم.
«فِي مَخْمَصَةٍ» (3) أي مجاعة، وقال الأعشى:
تبيتون فى المشتى ملاء بطونكم ... وجاراتكم سغب يبتن خمائصا «2»
أي جياعا.
«غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ» (3) أي غير متعوّج مائل إليه، وكل منحرف، وكل أعوج فهو أجنف. «3»
«قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ» (4) أي الحلال. «4»
__________
(1) «وواحد ... القدح» : رواه ابن حجر عن أبى عبيدة أثناء شرحه لقول البخاري: وقال غيره الزلم القدح لا ريش له وهو واحد الأزلام (فتح الباري 8/ 208) .
(2) : ديوانه 109- والطبري 6/ 48 والسمط 773 والقرطبي 6/ 64 وشرح المضنون به 548.
(3) وكل أعوج فهو أجنف. نقل فى الطبري 6/ 48.
(4) أي الحلال: هكذا فى الطبري 6/ 49 والقرطبي 6/ 65.(1/153)
الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (5)
«وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ» (4) أي الصوائد، ويقال: فلان جارحة أهله أي كاسبهم، وفى آية أخرى: «ومن يجترح» (؟) «1» أي يكتسب، ويقال:
امرأة أرملة لا جارح لها، أي لا كاسب لها، «2» وفى آية أخرى: «اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ»
(45/ 20) كسبوا، «وما جَرَحْتُمْ» (6/ 60) أي ما كسبتم.
«مُكَلِّبِينَ» (4) أصحاب كلاب، وقال طفيل الغنوىّ:
تبارى مراخيها الزّجاج كأنها ... ضراه أحسّت نبأة من مكلّب «3»
«وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ» (5) أي ذوات الأزواج، وقد فرغنا قبل هذا منه.
«مُسافِحِينَ» (5) أي زانين، والسّفاح: الزّناء.
«أُجُورَهُنَّ» (5) : مهورهن.
__________
(1) ومن يجترح: هكذا وردت فى الأصول كلها. ولعله يريد الآية «ومن يقترف» 23 من سورة الشورى.
(2) «امرأة ... كاسب لها» : هذا القول فى القرطين (1/ 139) بحذف: أرملة.
(3) : طفيل: قد مرت ترجمة طفيل الغنوي، والبيت فى ديوانه 9 وهو من كلمة فى العيني 3/ 25 يصف بها الخيل.(1/154)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (6)
«حَبِطَ عَمَلُهُ» (6) أي ذهب.
«وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ» (6) «1» مجرور بالمجرورة التي قبلها، وهى مشتركة بالكلام الأول من المغسول، والعرب قد تفعل هذا بالجوار، والمعنى على الأول، فكأن موضعه «واغسلوا أرجلكم» ، فعلى هذا نصبها من نصب الجرّ، لأن غسل الرجلين جاءت به السّنة، وفى القرآن: «يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً» (74/ 31) فنصبوا الظالمين على موضع المنصوب الذي قبله، والظالمين: لا يدخلهم فى رحمته والدليل على الغسل أنه قال: «إلى الكعبين» ، ولو كان مسحا مسحتا إلى الكعبين، لأن المسح على ظهر القدم «والكعبان» هاهنا: الظاهران لأن الغسل لا يدخل إلى الداخلين.
«وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا» (7) والواحد والإثنين والجميع فى الذكر والأنثى لفظه واحد: هو جنب، وهى جنب، وهما جنب، وهم جنب، وهنّ جنب.
«أَوْ عَلى سَفَرٍ» (6) أو فى سفر.
«أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ» (6) كناية عن إظهار لفظ قضاء الحاجة فى البطن، وكذلك قوله تبارك وتعالى «أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ» كناية عن الغشيان «فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً» (6) أي تعمدوا صعيدا، أي وجه الأرض، طيبا أي طاهرا.
__________
(1) «أرجلكم» قرأ ابن عامر والكسائي وحفص بنصب اللام، والباقون بفتحها (الدان 98)(1/155)
وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (7) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (8) وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (9) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (10) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (11) وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (12)
«مِنْ حَرَجٍ» (6) أي ضيق.
«بِذاتِ الصُّدُورِ» (7) مجازها: بحاجة الصدور لأنها مؤنثة.
«قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَداءَ بِالْقِسْطِ» (9) أي قائمين بالعدل، يقومون به، ويدومون عليه.
«وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ» (9) أي خيرا أي فاضلة بهذه، ثم قال، مستأنفا: «لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ» (9) فارتفعتا على القطع من أول الآية والفعل الذي فى أولهما، وعملت فيهما «لهم» .
«وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً» (12) أي ضامنا ينقب عليهم وهو الأمين والكفيل على القوم.
«وَعَزَّرْتُمُوهُمْ» (12) : نصرتموهم وأعنتموهم ووقّرتموهم وأيّدتموهم، «1» كقوله:
__________
(1) «وعزرتموهم ... أيدتموهم» : وقال الطبري (6/ 77) : واختلف أهل العربية فى تأويله ... حدثت بذلك عن أبى عبيدة معمر بن المثنى عنه، وكان أبو عبيدة يقول معنى ذلك نصرتموهم وأنشد فى ذلك «وكم من ... البيت» وكان الفراء يقول:
العزر الرد عزرته رددته إذا رأيته يظلم فقلت اتق الله أو نهيته فذلك العزر. وأولى هذه الأقوال عندى فى ذلك بالصواب قول من قال: معنى ذلك نصرتموهم ... إلخ. [.....](1/156)
فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (13)
وكم من ماجد لهم كريم ... ومن ليث يعزّر فى النّدى «1»
وقال يونس: أثنيتم عليهم. «2» قال الأثرم: «3» والتعزير فى موضع آخر: أن يضرب الرجل دون الحدّ.
«سَواءَ السَّبِيلِ» (12) : أي وسط الطريق وقال حسان:
يا ويح أنصار النبي ونسله ... بعد المغيّب فى سواء الملحد (61)
«فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ» (13) : فبنقضهم، «4» والعرب تستعمل «ما» فى كلامها توكيدا وإن كان الذي قبلها بجرّ جررت الاسم الذي بعدها، وإن كان مرفوعا رفعت الاسم، وإن كان منصوبا نصبت الاسم كقولهم: ليت من العشب خوصة.
__________
(1) : روى الطبري 6/ 87 والقرطبي 6/ 114 هذا البيت عنه وهو فى السجاوندى (كوبريلى) 1/ 141 ب.
(2) أثنيتم عليهم: روى السجاوندى (كوبريلى 1/ 141 ب) هذا الكلام عن يونس.
(3) الأثرم: هو أبو الحسن الأثرم الذي يروى هذا الكتاب عن أبى عبيدة، وقد مرت ترجمته فى ص 1.
(4) «فبما نقضهم ... فبنقضهم» : هكذا فى البخاري، قال ابن حجر: هو تفسير قتادة أخرجه الطبري من طريقه، وكذا قال أبو عبيدة فبما نقضهم أي فبنقضهم، قال:
والعرب تستعمل ... إلخ (فتح الباري 8/ 202) .(1/157)
«قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً» (13) أي يابسة صلبة من الخير وقال:
وقد قسوت وقسا لدّتى «1»
ولدّتى ولداتى واحد، وكذلك عسا وعتا سواء.
«يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ» (13) يزيلون.
«وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ» (13) أي نصيبهم من الدين.
«عَلى خائِنَةٍ مِنْهُمْ» (13) أي على خائن منهم، والعرب تزيد الهاء فى المذكّر كقولهم: هو راوية للشعر، ورجل علّامة، «2» وقال الكلابىّ:
حدّثت نفسك بالوفاء ولم تكن ... للغدر خائنة مغلّ الإصبع «3»
__________
(1) : فى الطبري 5/ 89 والقرطبي 6/ 114.
(2) أي على ... علامة: حكى الطبري (6/ 90) هذا الكلام عن بعض القائلين ولعله يعنى أبا عبيدة كما يفعل كثيرا.
(3) : البيت من كلمة فى الكامل 204، وقائله رجل من بنى أبى بكر بن كلاب وحوله، وحول بقية الأبيات قصة فصلها المبرد فى الكامل، وقد ورد البيت أيضا فى إصلاح المنطق 295 والطبري 6/ 90 والقرطبي 1/ 250 واللسان فى مادتى (صبع، وخون) وشواهد الكشاف 168.(1/158)
وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (14) يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (16) لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (17)
وقد قال قوم بل «خائنة منهم» هاهنا الخيانة، والعرب قد تضع لفظ «فاعلة» فى موضع المصدر كقولهم للخوان مائدة، وإنما المائدة التي تميدهم على الخوان يميده ويميحه واحد، وقال:
إلى أمير المؤمنين الممتاد «1» أي الممتاح.
«فَأَغْرَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ» (14) : والإغراء: التهييج والإفساد «2»
«وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما» (17) والسموات جماع والأرض واحد فقال: «ما بينهما» . فذهب إلى لفظ الإثنين، والعرب إذا وحّدوا
__________
(1) : من أرجوزة لرؤبة فى ديوانه 40، وهو فى الطبري 7/ 89 والقرطبي 6/ 368 واللسان (ميد) والزجاج (كوبريلى) 1/ 161 ب.
(2) «فأغرينا ... والإفساد» : وفى البخاري: وقال غيره: الإغراء التسليط، قال ابن حجر: هكذا وقع فى النسخ التي وقفت عليها، ولم أعرف الغير، ولا من عاد عليه الضمير لأنه لم يفصح بنقل ما تقدم عن أحد، نعم سقط «وقال غيره» من رواية النسفي وكأنه أصوب ويحتمل أن يكون المعنى ... وكذا فسره أبو عبيدة، والحاصل أن التقديم والتأخير فى وضع هذه التفاسير وقع فى نسخ كتاب البخاري كما قدمناه غير مرة ولا يضير ذلك غالبا وتفسير الإغراء بالتسليط يلازم معنى الإغراء لأن حقيقة الإغراء كما قال أبو عبيدة: التهييج للافساد (فتح الباري 8/ 202) .(1/159)
يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ (21) قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ (22) قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (23) قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ (24) قَالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (25) قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (26)
جماعة فى كلمة، ثم أشركوا بينهما وبين واحد جعلوا لفظ الكلمة التي وقع معناها على الجميع كالكلمة الواحدة، كما قال الراعي:
طرقا فتلك هما همى أقريهما ... قلصا لواقح كالقسىّ وحولا «1»
وقد فرغنا منه فى موضع قبل هذا. «2»
«الْمُقَدَّسَةَ» (22) «3» المطهّرة، يقال: لاقدّسه الله.
«الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ» (22) أي جعل الله لكم وقضاها.
«فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا» (26) مجازها: اذهب أنت وربك فقاتل، وليقاتل ربك أي ليعنك ولا يذهب الله.
«فَافْرُقْ بَيْنَنا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ» (25) أي باعد وافصل وميّز، وأصله: فعلت خفيفة من فعّلت ثقيلة، كقوله:
يا ربّ فافرق بينه وبينى ... أشدّ ما فرّقت بين اثنين «4»
الفاسقين هاهنا: الكافرين.
«يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ» (26) أي يحورن ويحارون ويضلون. «5»
__________
(1) قد مر تخريج هذا البيت، وهو فى الطبري 6/ 94 والقرطبي 6/ 119.
(2) «وقد فرغنا ... هذا» : أي من البيت وتفسيره أثناء تفسير آية 12 من سورة النساء.
(3) «التي كتب ... إلخ» . نقل ابن حجر تفسير أبى عبيدة لهذه الآية فى فتح الباري 8/ 202.
(4) : فى الطبري 6/ 104 والقرطبي 6/ 128 والسجاوندى 1/ 141 ب (كوبريلى)
(5) يحارون ويضلون: هكذا فى غريب القرآن لأبى بكر السجستاني 194. [.....](1/160)
لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (28) إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ (29)
«فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ» (26) لا تحزن، يقال: أسيت عليه، «1» قال العجّاج:
وانحلبت عيناه من فرط الأسى «2»
«بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ» (28) أي مددت.
«أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ» «3» أي أن تحتمل إثمى وتفوز به، وله موضع آخر: أن تقرّ به تقول: بؤت بذنبي، ويقال: قد أبأت الرجل بالرجل أي قتلته، وقد أبأ فلان بفلان، إذا قتله بقتيل. قال عمرو ابن حنىّ التغلبىّ:
ألا تستحى منا ملوك وتتّقى ... محارمنا لا يبأء الدّم بالدّم «4»
ولا يباء الدّم بالدّم سواء فى معناها، ويقال: أبأت بهذا المنزل، أي نزلت.
__________
(1) «فلا تأس ... الأسى» قابل رواية نسخة هذه بروايات فى آية 71 من هذه السورة.
(2) فى ديوانه 20.
(3) «أن تبوء ... إلخ» : فى البخاري: تبوء تحمل، قال ابن حجر: قال أبو عبيدة فى قوله تعالى «إِنِّي أُرِيدُ» الآية: وله تفسير آخر تبوء أي تقر، وليس مرادا هنا. (فتح الباري 8/ 202) .
(4) عمرو بن حنى: فارس جاهلى مذكور. ذكره المرزباني فى معجمه ص 206، وفى حاشيته كلام عنه نصه: رأيت فى كتاب المجاز لأبى عبيدة: عمرو ابن حبى التغلبي، وقد نقل من خط أبى إسحاق الحربي، وقال: قرأته على المبرد كذا، وصوابه عمرو بن حنى. - والبيت فى واللسان (بوأ) ونسبوه لجابر ابن حنى التغلبي، وهو جابر بن حنى بن حارثة بن عمرو بن معاوية بن عمرو ابن بكر بن حبيب بن عمرو بن غنم بن تغلب، ونسب فى الكامل 371 إلى حبى التغلبي، وفى القرطبي (6/ 128) من غير عزو. فلعل عمرو بن حنى هو جابر ابن حنى. وهذا الاختلاف قديم فالمرزبانى يورد الأبيات فى ترجمة عمرو بن حنى برواية محمد بن داود ويقول: وأبو عبيدة وغيره يروون هذه الأبيات لجابر بن حنى التغلبي. وذكره المبرد بياءين لا بنون وياء. واستدل لويس شيخو ببيت من هذه القصيدة المفضلية على أن قائلها كان نصرانيا. وفيه نظر. (القصيدة فى شعراء الجاهلية 188) .(1/161)
فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ (30) فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ (31) مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ (32)
«فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ» (30) أي شجّعته «1» وآتته على قتله، وطاعت له، أي أطاعته.
«سَوْأَةَ أَخِيهِ» (31) أي فرج أخيه.
«مِنْ أَجْلِ ذلِكَ» (32) أي: من جناية ذلك وجرّ ذلك، وهى [مصدر أجلت ذلك عليه.
__________
(1) شجعته: قال الطبري (6/ 112) : فقال بعضهم معناه فشجعت له نفسه قتل أخيه.(1/162)
قال الخنّوت، «1» وهو توبة بن مضرّس، أحد بنى مالك بن سعد بن زيد مناة ابن تميم وإنما سمّاه الخنّوت الأحنف بن قيس، لأن الأحنف كلّمه فلم يكلمه احتقارا له، فقال إن صاحبكم هذا الخنّوت والخنّوت المتجبّر الذاهب بنفسه، المستصغر «2» للناس فيما أخبرنى «3» أبو عبيدة محمد بن حفص بن محبور الأسيدىّ]
وأهل خباء صالح ذات بينهم ... قد احتربوا فى عاجل أنا آجله
[فأقبلت فى الساعين أسأل عنهم ... سؤالك بالشيء الذي أنت جاهله]
__________
(1) : الخنوت: شاعر جاهلى، ترجمته فى المؤتلف 68 والسمط 660.
بنو مالك ... تميم: ابن عبد الله بن عباد بن محرث بن مسعد بن حزام بن سعد ابن مالك ... ابن تميم (المؤتلف) . - والأحنف بن قيس: ابن معاوية بن حصين ابن حفص بن عبادة ... بن زيد مناة بن تميم المشهور بحلمه، وله قصص يطول ذكرها مع عمر ثم مع عثمان فى خلافتهما وقد توفى سنة سبع وستين. انظر المروج للمسعودى 5/ 69 والكامل لابن الأثير 4/ 231 والإصابة 1/ 201 رقم 420.
(2) (والخنوت. - المستصغر) : قال الآمدى فى ترجمته: وقتل أخواه، فى قصة مذكورة فى كتاب بنى سعد، فأدرك الأخذ بثأرهما ... وكان لا يزال يبكى أخويه فطلب إليه الأحنف أن يكف فأبى، فسماه الخنوت وهو الذي يمنعه الغيظ أو البكاء عن الكلام انتهى. وهكذا يختلف سبب تسميته بالخنوت. ولم أقف على هذين المعنيين فى المعاجم. - والبيتان قد اختلفوا فى قائلهما. فقال ابن برى: قال أبو عبيدة هو (أي البيت الأول) للخنوت، قال: وقد وجدته أنا فى شعر زهير فى القصيدة التي أولها: «صحا القلب عن ليلى وأقصر باطله» ، قال: وليس فى رواية الأصمعى (اللسان مادة أجل) ، وانظر شرح الأعلم الشنتمرى آخر القصيدة العاشرة (طبع لندبرج) وشرح ثعلب (الدار 145) . وقال فى التاج (أجل) : وذكر فى شعر اللصوص أنه للخنوت واسمه توبة وقد نسب البيتان فى بعض المراجع إلى خوات بن جبير الأنصاري أيضا، وانظر إصلاح المنطق 10 وشرح السيرافي 3 ب والطبري 6/ 116 والزجاج (كوپريلى) 1/ 119 والاختلاف للبطليوسى 22 والقرطبي 6/ 145 والسجاوندى (كوپريلى) 1/ 142 ب وشواهد الكشاف 222.
(3) «فيما أخبرنى.... الأسيدى» . كذا فى الأصول.(1/163)
إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (34) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (35)
أي جانيه وجارّ ذلك عليهم، ويقال: أجلت لى كذا وكذا، أي جررت إلىّ وكسبته لى.
«مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ» (32) مجازه: أو بغير فساد فى الأرض.
«لَمُسْرِفُونَ» (32) أي: لمفسدون معتدون.
«يُحارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ» (33) والمحاربة هاهنا: الكفر.
[ «أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ] مِنْ خِلافٍ» (33) يده اليمنى ورجله اليسرى، يخالف بين قطعهما.
«وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ» (35) ، أي القربة، أي اطلبوا، واتخذوا ذلك بطاعته، ويقال: توسلت إليه تقرّبت، وقال:
إذا غفل الواشون عدنا لوصلنا ... وعاد التصافي بيننا والوسائل»
__________
(1) : فى الطبري 6/ 121 والقرطبي 6/ 156 والسجاوندى (كوپريلى) 143.(1/164)
يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ (37) وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38)
الحوائج، وقال عنترة:
إنّ الرّجال لهم إليك وسيلة ... أن يأخذوك تكحّلى وتخضّبى «1»
الحاجة، [قال رؤبة:
النّاس إن فصّلتهم فصائلا ... كلّ إلينا يبتغى الوسائلا] «2»
«عَذابٌ مُقِيمٌ» (37) أي دائم، «3» قال:
فإنّ لكم بيوم الشّعب منّى ... عذابا دائما لكم مقيما «4»
«وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما» (38) «5» هما مرفوعان كأنهما خرجا مخرج قولك: وفى القرآن السّارق والسارقة، وفى الفريضة: السارق والسارقة جزاؤهما أن تقطع أيديهما فاقطعوا أيديهما فعلى هذا رفعا أو نحو هذا، ولم يجعلوهما فى موضع الإغراء فينصبوهما، والعرب تقول: الصّيد عندك، رفع وهو
__________
(1) : فى ديوانه من الستة 35- والطبري 6/ 121 والقرطبي 6/ 159 والسجاوندى (كوپريلى) 143 ب.
(2) : فى ديوانه 122.
(3) أي دائم: هكذا فى الطبري 6/ 133 والقرطبي 6/ 159.
(4) : فى الطبري 6/ 133 والقرطبي 6/ 159 والسجاوندى (كوپريلى) 1/ 143 ب.
(5) «والسارق ... » قال السجاوندى (كوپريلى) 134 ب: أبو عبيدة رفع على الإغراء [.....](1/165)
يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (41) سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (42)
فى موضع إغراء، فكأنه قال: أمكنك الصيد عندك فالزمه، وكذلك:
الهلال عندك، أي طلع الهلال عندك فانظر إليه، ونصبهما عيسى بن عمر. ومجاز «أَيْدِيَهُما» مجاز يديهما، وتفعل هذا العرب فيما كان من الجسد فيجعلون الاثنين فى لفظ الجميع.
«نَكالًا مِنَ اللَّهِ» (38) أي عقوبة وتنكيلا.
«لا يَحْزُنْكَ» (41) يقال: حزنته وأحزنته، لغتان، وهو محزون، وحزنت «1» أنا لغة واحدة.
«وَمِنَ الَّذِينَ هادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ» (41) وهو هاهنا من الذين تهوّدوا، فصاروا يهودا.
«وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ» (41) : أي كفره.
[ «للسّحت» ] (42) السحت: كسب ما لا يحلّ.
«فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ» (42) أي بالعدل «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ» (42) أي العادلين.
__________
(1) وحزنت أنا لغة: قال اليزيدي حزنته لغة قريش وأحزنته لغة تميم (القرطبي 6/ 181)(1/166)
إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (44) وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (45)
يقال: أقسط يقسط، إذا عدل، وقوله عز وجل: َ أَمَّا الْقاسِطُونَ»
(72/ 15) الجائرون الكفّار، كقولهم هجد: نام، وتهجّد: سهر.
«بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللَّهِ» (44) أي بما استودعوا، يقال استحفظته شيئا: أي استودعته.
«فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ» (45) أي عفا عنه.
«وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ» (45) : أي الكافرون، ومن هاهنا فى معنى الجميع، فلذلك كان فأولئك هم الظالمون وللظلم موضع غير هذا ظلم النّاس بعضهم بعضا، وظلم الّلبن: أن يمخص قبل أن يروب، وظلم السائل ما لا يطيق المسئول عفوا. كقول زهير:
ويظلم أحيانا فينظلم «1» والأرض مظلومة: «2» لم ينبط بها، ولا أوقد بها نار.
__________
(1) : فى ديوانه 152- واللسان (ظلم) . تمامه:
هو الجواد الذي يعطيك نائله ... عفوا ويظلم أحيانا فينظلم
ويروى فيظلم.
(2) والأرض مظلومة: وظلم الأرض. حفرها ولم تكن حفرت قبل ذلك، وقيل هو أن يحفرها غير موضع الحفر (اللسان- ظلم) .(1/167)
وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (46) وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (47) وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (48) وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ (49)
«وَقَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْراةِ» (46) أي لما كان قبله، «وقفّينا» أي أتبعنا، وقفيت أنا على أثره.
«وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ» (48) أي مصدّقا مؤتمنا على القرآن وشاهدا عليه.
«لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً» (48) أي سنة «وَمِنْهاجاً» (48) سبيلا واضحا بيّنا، «1» وقال:
من يك ذا شكّ فهذا فلج ... ماء رواء وطريق نهج «2»
« [واحذرهم] أن يفتنوك» (49) أن يضلّوك ويستزلّوك.
«عَنْ بَعْضِ ما أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ» (49) ، وأفتنت لغة، وقال الأعشى أعشى همدان:
لئن فتنتنى لهى بالأمس أفتنت ... سعيدا فأمسى قد قلا كلّ مسلم «3»
فيه لغتان
__________
(1) «لكل ... بينا» : رواه ابن حجر عن أبى عبيدة فى فتح الباري 8/ 203.
(2) فى السجاوندى (كوپريلى) 1/ 144 ا.
(3) البيت لأعثى همدان، فى ديوانه (340) الملحق بديوان الأعشى ميمون.(1/168)
فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ (52) وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ (53) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (54) إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55) وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ (56)
« [نَخْشى أَنْ تُصِيبَنا] دائِرَةٌ» (52) أي دولة، والدوائر قد تدور، وهى الدولة، والدوائل تدول، ويديل الله منه، قال حميد الأرقط:
يردّ عنك القدر المقدورا ... ودائرات الدّهر أن تدورا «1»
«بِالْفَتْحِ» (52) أي بالنّصر.
«يُقِيمُونَ الصَّلاةَ» (55) أي يديمون الصلاة فى أوقاتها.
«فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغالِبُونَ» (56) أي أنصار الله، قال رؤبة:
وكيف أضوى وبلال حزبى «2» قوله: أضوى أي أنتقص وأستضعف، «3» من الضّوى.
__________
(1) حميد الأرقط: هو حميد بن مالك بن ربعى بن مخاشن بن قيس أحد بنى ربيعة شاعر إسلامى. انظر ترجمته فى الخزانة 2/ 454 ومعجم الأدباء 4/ 155.
والبيت فى الطبري 6/ 161 والقرطبي 6/ 217 والسجاوندى 1/ 145 ب (كوپريلى)
(2) ديوانه 16- والطبري 1/ 166 والقرطبي 6/ 222.
(3) وأستضعف هكذا فى الطبري 1/ 166.(1/169)
قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ (59) قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ (60) وَإِذَا جَاءُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا يَكْتُمُونَ (61) وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (62) لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (63) وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (64)
«هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا» (59) أي هل تكرهون، قال: «1» نقموا أكثر، ونقموا واحد، وهما لغتان ليس أحدهما بأولى بالوجه من الآخر كما قال:
ما نقموا من بنى أميّة إلّا ... أنهم يحملون ان غضبوا «2»
«بِشَرٍّ مِنْ ذلِكَ مَثُوبَةً» (60) : تقديرها مفعلة من الثواب على تقدير مصيدة من صدت، ومشعلة من شعلت ومن قرأها «مثوبة» فجعل تقديرها: مفعولة، بمنزلة مضوفة ومعوشة، «3» كما قال:
وكنت إذا جارى دعا لمضوفة ... أشمّر حتى ينصف السّاق مئزرى «4»
فخرج مخرج ميسور ومعسور.
«يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ» (64) أي خير الله ممسك.
__________
(1) قال: القائل هو أبو عبيدة.
(2) البيت لابن قيس الرقيات وهو فى ديوانه 67- والشعراء 344 والكامل 398 والجمحي 138 والطبري 6/ 167 والأغاني 4/ 160، 161 والسمط 295 والروض 1/ 50 والقرطبي 6/ 234 والسجاوندى 1/ 147 آ (كوبريلى) واللسان والتاج (نقم) وشواهد المغني 211 والخزانة 3/ 268 وشواهد الكشاف 47.
(3) مضوفة: المضوفة أمر يشفق منه. والمعوشة: المعيشة وهى لغة الأزد (اللسان)
(4) لأبى جندب الهذلي، وهو فى أشعار الهذليين 1/ 99- وإصلاح المنطق 269 والطبري 6/ 167 والقرطبي 6/ 234 واللسان والتاج (ضيف) والمفصل- ابن يعيش 710 والعيني 4/ 588.(1/170)
وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (65) وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ (66) يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (67) قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (68)
«وَأَلْقَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ» (64) أي جعلنا.
«كُلَّما أَوْقَدُوا ناراً لِلْحَرْبِ» (64) أي كلما نصبوا حربا.
«لَكَفَّرْنا عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ» (65) أي لمحونا عنهم.
«مِنْهُمْ أُمَّةٌ» (66) أي جماعة.
«يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ» (67) يمنعك، كقوله:
وقلت عليكم مالكا إنّ مالكا ... سيعصمكم إن كان فى الناس عاصم «1»
«لَسْتُمْ عَلى شَيْءٍ» (68) أي ليس فى أيديكم حجة ولا حق ولا بيان.
«فَلا تَأْسَ» (68) أي لا تحزن. «عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ» (68) ، ولا تجزع، وقال العجّاج:
وانحلبت عيناه من فرط الأسى «2»
والأسى: الحزن، يقال: أسى يأسى، وأنشد:
يقولون لا تهلك أسى وتجلّد (206)
__________
(1) فى الطبري 6/ 176. [.....]
(2) روى هذا الشطر فى تفسير الطبري 6/ 177 والقرطبي 6/ 245 أيضا.(1/171)
لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلًا كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقًا كَذَّبُوا وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ (70)
«إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصارى» (66) : «1» والصابىء الذي يخرج من دين إلى دين، كما تصبُؤ النجوم من مطالعها، يقال: صبأت سنّه وصبأ فلان علينا: أي طلع ورفع «الصابئون» لأن العرب تخرج المشرك فى المنصوب الذي قبله من النصب إلى الرفع على ضمير فعل يرفعه، أو استئناف ولا يعملون النصب فيه، ومع هذا إن معنى «إنّ» [معنى] الابتداء، ألا ترى أنها لا تعمل إلا فيما يليها ثم ترفع الذي بعد الذي يليها كقولك: إن زيدا ذاهب، فذاهب رفع، وكذلك إذا واليت بين مشركين رفعت الأخير على معنى الابتداء. سمعت غير واحد يقول:
فمن يك أمسى بالمدينة رحله ... فإنّى وقيّار بها لغريب «2»
__________
(1) «الصَّابِئُونَ» : قال أبو بكر السجستاني: «صابئين أي خارجين من دين إلى دين، يقال: صبأ فلان إذا خرج من دينه إلى دين آخر وصبأت النجوم خرجت من مطالعها (غريب القرآن 108) .
(2) من الأبيات التي قالها ضأبى بن الحارث البرجى وهو محبوس بالمدينة فى زمن عثمان بن عفان، فى الأصمعيات 16. والبيت فى الكتاب 1/ 29 والكامل 181 والطبري 6/ 121 والشنتمرى 1/ 38 والقرطبي 6/ 246 وابن يعيش 1/ 113، 2/ 1126 والعيني 2/ 318 وشواهد المغني 293 والخزانة 4/ 223 واللسان والتاج (قير) .(1/172)
وقد يفعلون هذا فيما هو أشدّ تمكنا فى النصب من «إنّ» . سمعت غير واحد يقول:
وكلّ قوم أطاعوا أمر سيدهم ... إلّا نميرا أطاعت أمر غاويها «1»
الظّاعنون ولما يظعنوا أحدا ... والقائلين لمن دار نخلّيها
وربما رفعوا «القائلين» ، ونصبوا «الظاعنين» .
«فَرِيقاً كَذَّبُوا» (70) : مقدم ومؤخر، مجازه كذبوا فريقا. «وَفَرِيقاً يَقْتُلُونَ» (70) مجازه: يقتلون فريقا.
__________
(1) البيتان لابن خياط العكلي وهما فى الكتاب 1/ 249.(1/173)
وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُوا وَصَمُّوا ثُمَّ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (71) لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (72) لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (73) أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (74) مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (75)
«وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ» (71) «1» ف «تكون» : مرفوعة على ضمير الهاء، كأنه قال: «أنه لا تكون فتنة» ، ومن نصب «تكون» فعلى إعمال «أن» فيها ولا تمنع «لا» النصب أن يعمل فى الفعل.
«عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ» (71) مجازه على وجهين، أحدهما أن بعض العرب يظهرون كناية الاسم فى آخر الفعل مع إظهار الاسم الذي بعد الفعل كقول أبى عمرو الهذلي «أكلونى البراغيث» والموضع الآخر أنه مستأنف لأنه يتم الكلام إذا قلت: عموا وصمّوا، ثم سكتّ، فتستأنف فتقول: كثير منهم، وقال آخرون:
كثير صفة للكناية التي فى آخر الفعل، فهى فى موضع مرفوع فرفعت «كثير» بها.
«أَنَّى يُؤْفَكُونَ» (75) أي كيف يحدّون ويصدّون عن الخير والدين والحق
__________
(1) «أن لا تكون» : قرأ أبو عمرو حمزة الكسائي برفع النون والباقون بنصبها (الداني 100) .(1/174)
لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (89) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (91) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (92) لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (93) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ (94) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (95)
ويقال: أفكت «1» أرض كذا أي لم يصبها مطر وصرف عنها ولا نبات فيها ولا خير.
«بِاللَّغْوِ» (89) أي بالذي هو فضل: لا والله، وبلى والله، ما لم تحلفوا على حقّ تذهبون به، وما لم تعقدوا عليه أي توجبوا على أنفسكم.
«فَكَفَّارَتُهُ» (89) أي فمحوه.
«وَالْمَيْسِرُ» (89) أي الوجاب أي المواجبة من وجب الشيء والأمر بقداح أو بغيرها والقمار.
«لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ» (94) أي ليختبرنكم وليبتلينكم.
«فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ» (95) «2» فى هذا الموضع الإبل والبقر والغنم، والغالب على النّعم الإبل.
«يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ» (95) فجاء مصدرا فى القرآن كلّه من جعله صفة على أنه مصدر ولفظه للأنثى والذكر والجميع سواء هى عدل وهم عدل، قال زهير:
__________
(1) «أفكت ... » قال الطبري (6/ 179) : وقد أفكت الأرض إذا صرف عنها المطر.
(2) النعم: قال الزجاج (1/ 158 آكوبريلى) : والنعم فى اللغة الإبل والبقر والغنم، وإن انفرد الإبل قيل لها نعم وإن انفردت الغنم والبقر لم تسم نعما.(1/175)
متى يشتجر قوم يقل سرواتهم ... هم بيننا فهم رضا وهم عدل «1»
فجعله هشام «2» أخو ذى الرّمة صفة تجرى مجرى ضخم وضخمة، فقال: عدل، وعدلة للمرأة.
«أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً» (95) مفتوح الأول، أي مثل ذلك، [فإذا كسرت فقلت: عدل فهو زنة ذلك] .
«لِيَذُوقَ وَبالَ أَمْرِهِ» (95) أي نكال أمره، وعذابه ويقال: عاقبة أمره من الشرّ.
«وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ» (95) رفع لأنه مجازات فيه، فمجازه فمن عاد فإن الله ينتقم منه، وعاد: فى موضع يعود، قال قعنب بن أم صاحب:
__________
(1) : فى ديوانه 107.
(2) هشام أخو ذى الرمة: اختلفوا فى إخوة ذى الرمة، فقالوا إنهم أربعة لأم وأب: غيلان ومسعود وهشام وأوفى. وكلهم شعراء وكان أحدهم يقول الأبيات فيزيد فيها ذو الرمة ويغلب عليها وقالوا إخوة ذى الرمة مسعود وهشام وحرقاس ولم يكن فيهم من اسمه أوفى. قال المبرد: وكان هشام من عقلاء الرجال. أنظر الكامل 148، والشعراء 336، والأغانى 17/ 107 والسمط 576.(1/176)
جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (97) اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (98) مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ (99) قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (100) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (101) قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِهَا كَافِرِينَ (102) مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (103)
إن يسمعوا ريبة طاروا بها فرحا ... وإن ذكرت بسوء عندهم أذنوا «1»
أي استمعوا.
«ذُو انْتِقامٍ» (95) : ذو اجتراء.
«جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ قِياماً لِلنَّاسِ» (97) أي قواما، وقال حميد الأرقط:
قوام دنيا وقوام دين «2»
«ما جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ» (103) أي: ما حرّم الله البحيرة التي كان أهل الجاهلية يحرّمونها، وكانوا يحرّمون وبرها وظهرها ولحمها»
ولبنها على النساء، ويحلّونها للرجال، وما ولدت من ذكر أو أنثى فهو بمنزلتها، وإن ماتت البحيرة اشترك الرجال والنساء فى أكل لحمها، وإذا ضرب جمل من ولد البحيرة فهو عندهم حام، وهو اسم له.
__________
(1) من قصيدة لقعنب بن ضمرة وأم صاحب أمه، وهو فى مختارات شعراء العرب، وهو مع بعض الأبيات فى الحماسة 4/ 12، والسمط 362، والاقتضاب 292.
وشرح المضنون به 470، واللسان (أذن) وشواهد المغني 326، وشواهد الكشاف 143، ورواية البيت فى جميع المراجع: ...
منى وما سمعوا من صالح دفنوا ... وبعده: صم إذا سمعوا خيرا ذكرت به
وإن ذكرت..... أذنوا
(2) : فى الطبري 7/ 46.
(3) «كانوا ... أكل لحمها» : روى ابن حجر هذا الكلام عن أبى عبيدة فى فتح الباري 7/ 213.(1/177)
والسائبة «1» من النّعم على نحو ذلك، إلا أنها ما ولدت من ولد بينها وبين ستة أولاد فعلى هيئة أمها وبمنزلتها، فإذا ولدت السابع ذكرا أو ذكرين، ونحوه، فأكله الرجال دون النساء، وإن أتأمت بذكر أو أنثى، فهو «وَصِيلَةٍ» (103) فلا يذبح الذكر، يترك ذبحه من أجل أخته وإن كانتا اثنتين تركنا، فلم تذبحا وإذا ولدت سبعة أبطن، كلّ بطن ذكرا وأنثى، قالوا: قد وصلت أخاها وإذا وضعت بعد سبعة أبطن ذكرا أو أنثى قالوا: وصلت أخاها، فأحموها وتركوها ترعى ولا يمسّها أحد فإن وضعت أنثى حيّة بعد البطن السابع كانت مع أمها كسائر النّعم لم تحم لاهى ولا أمّها وإن ولدت أنثى ميتة بعد البطن السابع أكلتها النّساء دون الرجال فإن وضعت ذكرا حيّا بعد البطن السابع، أكله الرجال دون النساء وكذلك
__________
(1) «والسائبة» : قال ابن حجر: قال أبو عبيدة: كانت السائبة من جميع الأنعام، وتكون من النذور للأصنام فتسيب فلا تحبس عن مرعى ولا عن ماء ولا يركبها أحد. قال: وقيل: السائبة لا تكون إلا من الإبل ... إلخ (فتح الباري 8/ 213) .(1/178)
إن وضعت ذكرا ميّتا بعد البطن السابع، أكله الرجال دون النساء وإن وضعت ذكرا وأنثى ميتين بعد البطن السابع، أكلهما الرجال والنساء جميعا بالتسوية وإن وضعت ذكرا وأنثى حيين بعد البطن السابع، أكل الذكر منها الرجال دون النساء، وجعلوا الأنثى مع أمها كسائر النّعم.
قال أبو الحسن الأثرم والسائبة من العبيد، تعتقه سائبة، فلا ترثه أي سيّبته، ولا عقل عليه.
والسائبة من جملة الأنعام: تكون من النذور، يجعلونها لأصنامهم، فتسيّب ولا تحبس عن رعى، ولا عن ماء ولا يركبها أحد.
«حامٍ» (103) ، والحام من فحول الإبل خاصة، إذا نتجوا منه عشرة أبطن، قالوا: قد حمى ظهره، فأحموا ظهره ووبره، وكل شىء منه، فلم يمسّ، ولم يركب، ولم يطرق.
والبحيرة: جعلها قوم من الشاة خاصة إذا ولدت خمسة أبطن بحّروا أذنها وتركت، فلا يمسّها أحد «1» ولا شيئا منها يبحّرون أذنها أي يخرمونها.
والفرع من الإبل أول ولد تضعه الناقة، يفرع لأصنامهم أي يذبح، يقال:
أفرعنا أي ذبحنا تلك. وقال آخرون: بل
__________
(1) «والبحيرة ... أحد» : روى ابن حجر هذا الكلام عن أبى عبيدة فى فتح الباري 8/ 213. [.....](1/179)
البحيرة أنّها إذا نتجت الناقة خمسة أبطن فكان آخرها سقبا، أي ذكرا بحّروا أذن الناقة، أي شقوها وخلّوا عنها، فلم تركب ولم يضربها فحل، ولم تدفع عن ماء، ولا عن مرعى، وحرّموا ذلك منها، فتلقى الجائع، فلا ينحرها، ولا يركبها المعيى تحرّجا.
وقالوا: السائبة لا تكون إلّا من الإبل، إن مرض الرّجل نذر إن برىء ليسيبنّ بعيرا، أو إن قدم من سفر، أو غزوة، أو شكر رفع بلاء أو نقمة سيّب بعيرا، فكان بمنزلة البحيرة وكذلك المعتق السائبة فى الإسلام، لا يرثه الذي يعتقه.
وقالوا: الوصيلة من الغنم خاصة إذا ولّدوها ذكرا جعلوها لأصنامهم فتقرّبوا به، وإذا ولّدوها أنثى قالوا: هذه لنا خاصة دون آلهتنا، وإذا ولّدوها ذكرا وأنثى قالوا: وصلت أخاها فلم يذبحوا أخاها لإلهتهم لمكانها.(1/180)
فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيَانِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا وَمَا اعْتَدَيْنَا إِنَّا إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ (107) ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا أَوْ يَخَافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاسْمَعُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (108) يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لَا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (109) إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (110)
وقالوا: بل «الحام» هو كما وصف فى أول هذا الوجه، إلّا أنهم يجعلونه لأصنامهم وآلهتهم، فلا يهاج.
«يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ» (103) أي يختلقون الكذب على الله.
«فَإِنْ عُثِرَ عَلى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْماً» (107) أي: فإن ظهر عليه، ووقع، وهو من قولهم: «عثرت على الغزل بأخرة، فلم تدع بنجد قردة» . «1»
«استحقّ عليهم الأولين» (107) : واحدها الأولى ومن قرأها:
الْأَوْلَيانِ، «2» فالواحدة منها: الأولى.
«أَيَّدْتُكَ» (110) أي قوّيتك، يقال: رجل أيّد أي شديد قوىّ.
__________
(1) «عثرت ... قردة» : هذا مثل يضرب لمن ترك الحاجة وهى ممكنة، ثم جاء يطلبها بعد القوت. وهو فى الطبري 7/ 67، وكتاب الأمثال 76. وجمهرة الأمثال 2/ 71، ومجمع الأمثال 1/ 305، واللسان والتاج (قرد) والفرائد 2/ 4.
(2) «الأوليان» قرأها أبوبكر وحمزة بالجمع، والباقون على التثنية، وانظر التيسير للدانى 100.(1/181)
وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ (111) إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (112)
«كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ» (110) أي كمثل الطير، ومنه قولهم: دعه على هيئته.
«وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ» (111) أي ألقيت فى قلوبهم، وقد فرغنا من تفسيرهم فى موضع قبل هذا، «1» وليس من وحي النبوة [إنما هو أمرت، قال العجّاج:
وحي لها القرار فاستقرّت «2»
أي: أمرها بالقرار. يقال: وحي وأوحى] . «3»
«هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ» (112) أي هل يريد ربك.
«أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ» (112) [أصلها أن تكون مفعولة، فجاءت فاعلة كما يقولون: تطليقة بائنة، وعيشة راضية وإنما ميد صاحبها بما عليها من الطعام، فيقال: مادنى يميدنى، «4» قال رؤبة:
إلى أمير المؤمنين الممتاد
أي المستعطى المسئول به امتدتك، ومدتنى أنت] . «5»
__________
(1) «موضع قبل هذا» : مرفى ص 95.
(2) : ديوانه 5- واللسان والتاج (وحي) .
(3) «إنما ... وأوحى» : روى القرطبي هذا الكلام عن أبى عبيدة 6/ 363.
(4) «أصلها ... يميدنى» الذي ورد فى الفروق. هذا الكلام فى البخاري، وقال ابن حجر: قال ابن التين: هو قول أبى عبيدة ... قال ابن التين: وقوله:
تطليقة بائنة غير واضح إلا أن يريد أن الزوج أبان المرأة، وإلا فالظاهر أنها فرقت بين الزوجين فهى فاعل على بابها (فتح الباري 8/ 213) .
(5) «أصلها ... أنت» راجع تفسير آية 14 من هذه السورة. قال فى الغريبين: فقال أبو عبيدة: إنها فى المعنى مفعولة ولفظها فاعلة، وقال هى مثل عيشة راضية، وقال إنما المائدة من العطاء والممتاد المفتعل المطلوب منه العطاء (ميد) ، وورد هذا الكلام فى اللسان (ميد) أيضا. وانظر القرطبي 6/ 367.(1/182)
قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (114) قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ (115) وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (116)
«تَكُونُ لَنا عِيداً لِأَوَّلِنا وَآخِرِنا» (114) مجاز العيد هاهنا: عائدة من الله علينا، وحجة وبرهان.
«وَآيَةً مِنْكَ» (114) أي: علما وعلامة.
«وَإِذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسَى» (116) مجازه: وقال الله يا عيسى، و «إذ» من حروف الزوائد،
وكذلك: «وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ» (110) أي علمتك.
«أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي» (116) ، هذا باب تفهيم،(1/183)
مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (117) إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (118)
وليس باستفهام عن جهل ليعلمه، وهو يخرج مخرج الاستفهام، وإنما يراد به النّهى عن ذلك ويتهدد به، وقد علم قائله أكان ذلك أم لم يكن، ويقول الرجل لعبده: أفعلت كذا؟ وهو يعلم أنه لم يفعله ولكن يحذّره، وقال جرير:
ألستم خير من ركب المطايا ... وأندى العالمين بطون راح (43)
ولم يستفهم، ولو كان استفهاما ما أعطاه عبد الملك «1» مائة من الإبل برعاتها.
«اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ» (116) إذا أشركوا فعل ذكر مع فعل أنثى غلّب فعل الذّكر وذكّروهما.
«الرَّقِيبَ» (117) : الحافظ.
«عِبادُكَ» (118) : جمع عبد، بمنزلة عبيد.
__________
(1) عبد الملك: هو عبد الملك بن مروان الخليفة الأموى. انظر ترجمته فى طبقات ابن سعد 5/ 165، والمروج للمسعودى 5/ 193، والكامل لابن الأثير 4/ 91، والخبر فى الأغانى 7/ 67، وشواهد المغني 15.(1/184)
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (1) هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ (2) وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ (3) وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ (4) فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (5) أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ (6)
(بسم الله الرّحمن الرّحيم)
«سورة الأنعام» (6)
«وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ» (1) أي خلق، والنور الضوء.
«بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ» (1) : مقدم ومؤخر، مجازه يعدلون بربهم، أي:
يجعلون له عدلا، تبارك وتعالى عما يصفون.
«وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ» (2) مقدم ومؤخر، مجازه وعنده أجل مسمّى، أي وقت مؤقّت.
«ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ» (2) أي تشكّون.
«أَنْباءُ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ» (5) أي أخبار.
«مِنْ قَرْنٍ» (6) أي: من أمة [يروون أن ما بين القرنين أقلّه ثلاثون سنة] . «1»
__________
(1) «يروون ... سنة» : روى هذا الكلام عنه فى القرطين 1/ 151، وانظر البحر المحيط لأبى حيان 4/ 65.(1/185)
«مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ» (6) أي: جعلنا لهم منازل فيها وأكالا، وتثبيتا ومكناهم مكّنتك ومكنت لك واحد، يقال: أكل وأكال وآكال واحدها أكل.
قال الأثرم: قال أبو عمرو: يقال له أكل من الملوك، إذا كان له قطايع. «1»
«وَأَرْسَلْنَا السَّماءَ عَلَيْهِمْ مِدْراراً» (6) مجاز السماء هاهنا مجاز المطر، يقال: ما زلنا فى سماء، أي فى مطر، وما زلنا نطأ السماء، أي أثر المطر، وأنّى أخذتكم هذه السماء؟ ومجاز «أرسلنا» : أنزلنا وأمطرنا «مِدْراراً» (6) أي غزيرة دائمة.
__________
(1) «أكل ... قطايع» وفى اللسان: والأكل ما يجعله الملوك مأكلة.(1/186)
قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (12) وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (13) قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (14)
[قال الشاعر:
وسقاك من نوء الثريّا مزنة ... غرّاء تحلب وابلا مدرارا
أي غزيرا دائما] .
«وَأَنْشَأْنا» (6) أي ابتدأنا، ومنه قولهم: فأنشأ فلان فى ذلك أي ابتدأ فيه.
«الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ» (12) أي غبنوا «1» أنفسهم وأهلكوها، قال الأعشى:
لا يأخذ الرشوة فى حكمه ... ولا يبالى غبن الخاسر «2»
أي: خسر الخاسر.
«فاطِرِ السَّماواتِ» (14) أي خالق السموات. «هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ» (67/ 3) أي: من صدوع، ويقال: انفطرت زجاجتك أي انصدعت، ويقال فطر ناب الجمل، أي انشقّ فخرج.
__________
(1) «غبنوا ... وأهلكوها» كذا فى الطبري 7/ 94.
(2) : فى ديوانه 105 والطبري 7/ 94.(1/187)
ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ (23) انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (24) وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا حَتَّى إِذَا جَاءُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (25)
«ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ «1» إِلَّا أَنْ قالُوا وَاللَّهِ رَبِّنا» (23) مرفوعة إذا عملت فيها «ثُمَّ لَمْ تَكُنْ» فتجعل قولهم الخبر ل «تكن» ، وقوم ينصبون «فتنتهم» لأنهم يجعلونها الخبر، ويجعلون قولهم الاسم، بمنزلة قولك ثم لم يكن قولهم إلا فتنة، لأن «إلّا أن قالوا» فى موضع «قولهم» ، ومجاز فتنتهم: مجاز كفرهم وشركهم الذي كان فى أيديهم.
«أَكِنَّةً «2» أَنْ يَفْقَهُوهُ» (25) واحدها كنان، ومجازها عطاء، قال [عمر بن أبى ربيعة:
أيّنا بات ليلة ... بين غصنين يوبل] «3»
تحت عين كنانها ... ظلّ برد مرحّل
أي غطاؤنا الذي يكنّنا.
__________
(1) «فتنتهم» قرأها ابن كثير وابن عامر وحفص بالفتح والباقون بالنصب.
أنظر الداني 102.
(2) «أكنة» : وفى البخاري: أكنة واحدها كنان وقال ابن حجر: وهو قول أبى عبيدة قال فى قوله تعالى: أكنة ... واحدها ... وستأتى (فتح الباري 8/ 216) . [.....]
(3) البيتان فى الجمهرة وهما مع ثالث فى اللسان (كنن) ، والبيت الأخير فى الطبري 7/ 100.(1/188)
وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (26)
«وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً» (25) مفتوح، ومجازه: الثّقل والصمم، وإن كانوا يسمعون، ولكنهم صمّ عن الحق والخير والهدى والوقر هو الحمل إذا كسرته.
«أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ» (25) واحدتها أسطورة، وإسطارة لغة، ومجازها مجار الترّهات «1» [البسابس «2» ليس له نظام، وليس بشىء] .
«وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ» (26) أي يتباعدون عنه، قال النّابغة:
فأبلغ عامرا عنى رسولا ... وزرعة إن دنوت وإن نأيت
«3»
__________
(1) «أساطير ... الترهات» : هذا الكلام فى البخاري ببعض نقص وزيادة وقال ابن حجر: هو كلام أبى عبيدة أيضا وذكر قوله برمته فى فتح الباري 8/ 216.
وقال الطبري (7/ 101) قال بعض أهل العلم. وهو أبو عبيدة معمر بن المثنى، بكلام العرب يقول: الإسطارة لغة الخرافات والترهات وكان الأخفش يقول: قال بعضهم:
واحدة أسطورة، وقال بعضهم: إسطارة، قال: ولا أراه إلا من الجميع الذي ليس له واحد نحو العبابيد والمذاكير والأبابيل ... إلخ وقال فى اللسان (سطر) : وقال أبو عبيدة: جمع سطر على أسطر ثم جمع أسطر على أساطير وقال أبو الحسن لا واحد له.
(2) البسابس الكذب والبسبس القفر والترهات البسابس (اللسان) .
(3) : فى ديوانه ورقة مصورة دار الكتب.(1/189)
قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ (31) وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (32) قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (33) وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ (34) وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ (35)
«ما فَرَّطْنا» (31) مجازه: ما ضيّعنا.
«أَوْزارَهُمْ» (31) واحدها: وزر مكسورة، ومجازها: آثامهم، [والوزر والوزر واحد، يبسط الرجل ثوبه فيجعل فيه المتاع فيقال له: أحمل وزرك، ووزرك، ووزرتك] . «1»
«تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الْأَرْضِ» (35) يريد أهوية ومنه نافقاء اليربوع الجحر «2» الذي ينفق منه فيخرج ينفق نفقا مصدر.
«أَوْ سُلَّماً فِي السَّماءِ» (35) أي مصعدا، قال ابن مقبل:
لا تحرز المرء أحجاء البلاد ولا ... تبنى له فى السموات السلاليم
«3»
__________
(1) «يبسط ... وزرتك» : قال القرطبي: قال أبو عبيدة: ويقال للرجل إذا بسط ثوبه فجعل فيه المتاع: احمل وزرك أي ثقلك (6/ 413) لعله مصحف أبى عبيدة.
(2) «ناقفاء ... الحجر» : انظر الطبري 7/ 109، والقرطبي 6/ 416، واللسان (نفق) .
(3) : فى الطبري 8/ 109 واللسان (حجا) وشواهد المغني 227 منسوبا إلى تميم بن أبى عقيل- أحجاء البلاد: نواحيها وأطرافها (اللسان) .(1/190)
وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (37) وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ (38) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ مَنْ يَشَإِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (39) قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (40) بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ (41) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ (42) فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (43) فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ (44)
«لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ» (37) مجازها: هلّا نزل عليه، قال:
تعدّون عقر النّيب أفضل مجدكم ... بنى ضوطرى لولا الكمىّ المقنّعا (63)
أي فهلا تعدّون الكمىّ.
«وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ» (38) مجازه: إلا أجناس يعبدون الله، ويعرفونه، وملك. «1»
«ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ» (38) مجازه: ما تركنا ولا ضيعنا ولا خلقنا.
«صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُماتِ» (39) مثل للكفار، لأنهم لا يسمعون الحق والدين وهم قد يسمعون غيره، وبكم لا يقولونه، وهم ليسوا بخرس.
«بِالْبَأْساءِ» (42) «2» هى البأس من الخوف والشر والبؤس.
«وَالضَّرَّاءِ» (42) من الضرّ.
«بَغْتَةً» (44) أي فجأة، يقال: بغتني أي فاجأنى.
__________
(1) وملك: معطوف على الأجناس.
(2) «البأساء» : وفى البخاري: البأساء من البأس ويكون من البؤس، قال ابن حجر: هو معنى كلام أبى عبيدة، قال فى قوله تعالى ... هى البأساء ...
والبؤس (فتح الباري 8/ 217) .(1/191)
فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (45) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ (46)
«فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ» (44) المبلس: الحزين الدائم، قال العجّاج:
يا صاح هل تعرف رسما مكرسا ... قال نعم أعرفه وأبلسا «1»
وقال رؤبة:
وحضرت يوم خميس الأخماس ... وفى الوجوه صفرة وإبلاس «2»
أي اكتئاب وكسوف وحزن.
«فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ» (45) أي آخر القوم الذي يدبرهم. «3»
«قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصارَكُمْ» (46) مجازه: إن أصم الله أسماعكم وأعمى أبصاركم، تقول العرب: قد أخذ الله سمع فلان، وأخذ بصر فلان.
«ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ» (46) مجازه: يعرضون، يقال: صدف عنى بوجهه، أي أعرض. «4»
__________
(1) : ديوانه 16. - والكامل 343، والطبري 7/ 116، والقرطبي 6/ 427، واللسان والتاج (بلس) .
(2) : ديوانه 67- واللسان (بلس) .
(3) «القوم الذي يدبرهم» : روى الطبري (7/ 116) عن أبى زيد أنه قال:
استأصلوا دابر القوم الذي يدبرهم.
(4) «يقال ... أعرض» : هذا الكلام فى الطبري 7/ 116.(1/192)
قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ (47) وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (48) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا يَمَسُّهُمُ الْعَذَابُ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (49) قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ (50) وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (51) وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ (52) وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ (53) وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (54) وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ (55) قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قُلْ لَا أَتَّبِعُ أَهْوَاءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (56) قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ مَا عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ (57)
«إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللَّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً» (47) مجاز بغتة: فجأة وهم لا يشعرون. «أو جهرة» أي: أو علانية وهم ينظرون.
«وَكَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ» (55) أي نميزها ونبيّنها. [قال يزيد ابن ضبّة فى البغتة:
ولكنّهم بانوا ولم أدر بغتة ... وأفظع شىء حين يفجؤك البغت] «1»
«قَدْ ضَلَلْتُ» (56) تضلّ تقديرها: فررت تفرّ وضللت تضلّ، تقديرها:
مللت تملّ، لغتان.
«عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي» (57) أي بيان، وقال:
أبيّنة تبغون بعد اعترافه ... وقول سويد قد كفيتكم بشرا «2»
أي: بيانا.
__________
(1) : يزيد بن ضبة: مولى لثقيف واسم أبيه مقسم، وضبة أمه، غلبت على نسبه لأن أباه مات وخلفه صغيرا ... وهو شاعر إسلامى. انظر أخباره فى الأغانى 6/ 146- 150 وترجم له ابن حبيب فى كتاب من نسب إلى أمه ص 88 ... والبيت فى الكامل 520 واللسان (بغت) . [.....]
(2) : فى الطبري 7/ 125.(1/193)
وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (60) وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ (61) ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ (62) قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (63) قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ (64) قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ (65) وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (66) لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (67) وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (68) وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَلَكِنْ ذِكْرَى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (69) وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لَا يُؤْخَذْ مِنْهَا أُولَئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِمَا كَسَبُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ (70)
«جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ» (60) أي كسبتم.
«وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ» (61) أي: لا يتوانون «1» ولا يتركون شيئا، ولا يخلفونه ولا يغادرون.
«رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ» (62) مجازه: مولاهم ربهم.
«تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً» (63) أي: تخفون فى أنفسكم.
«أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً» (65) يخلطهم، وهو من الالتباس و «شيعا» : فرقا، واحدتها: شيعة.
«الذِّكْرى» (68) والذّكر واحد.
«أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ» (70) أي: ترتهن وتسلم، قال عوف ابن الأحوص [بن جعفر] :
وإبسالى بنىّ بغير جرم ... بعوناه ولا بدم مراق «2»
__________
(1) لا يتوانون: روى القرطبي (7/ 7) تفسيره هذا عن أبى عبيدة.
(2) : عوف ... جعفر بن كلاب بن عامر بن صعصعة يكنى أبا يزيد شاعر جاهلى مترجم فى المعجم للمرزبانى 275 والسمط 377. - والبيت فى نوادر أبى زيد 151 وكتاب المعاني الكبير 1114 والطبري 7/ 139 والقرطبي 7/ 16 وشواهد الكشاف 200 واللسان والتاج (بسل، وبعو) .(1/194)
بعوناه، أي: جنيناه، «1» [وكان حمل عن غنىّ لبنى قشير دمّ ابني السّجفيّة، فقالوا: لا نرضى بك، فرهنهم بنيه، «2» قال النابغة الجعدىّ:
ونحن رهنّا بالافاقة عامرا ... بما كان فى الدّرداء رهنا فأبسلا] «3»
وقال الشّنفرى:
هنالك لا أرجو حياة تسرّنى ... سمير الليالى مبسلا بالجرائر «4»
أي أبد الليالى. وكذلك فى آية أخرى: «أُولئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا» (70) .
«وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لا يُؤْخَذْ مِنْها» (70) مجازه: إن تقسط كل قسط لا يقبل منها. لأنّما التوبة فى الحياة.
__________
(1) «بعوناه أي جنيناه» ، وفى القرطبي: بعوناه بالعين المهملة معناه جنيناه والبعو الجناية.
(2) «وكان ... بنيه» . هذا الكلام فى القرطبي والصحاح واللسان والتاج (بلس) .
(3) فى القرطبي 7/ 16 واللسان (بسل) ومعجم البلدان 1/ 324.
(4) : الشنفري: شاعر جاهلى وهو من صعاليك العرب وفتاكهم انظر الأغانى 21/ 87 وشرح المفضليات 195 والسمط 414 والخزانة 2/ 16. - والبيت فى ديوانه والطرف الأدبية 25 والمفضّليات 197 والشعراء 19 والطبري 7/ 139 والأغانى 21/ 89 واللسان والتاج (بسل) .(1/195)
قُلْ أَنَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُنَا وَلَا يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللَّهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (71) وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَاتَّقُوهُ وَهُوَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (72) وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (73)
«وَنُرَدُّ عَلى أَعْقابِنا» (71) يقال: ردّ فلان على عقيبيه، «1» أي رجع ولم يظفر بما طلب ولم يصب شيئا.
«كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّياطِينُ» (72) وهو: الحيران الذي يشبّه له الشياطين فيتبعها حتى يهوى فى الأرض فيضلّ.
«يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ» (73) «2» يقال إنها جمع صورة تنفخ فيها روحها فتحيا، بمنزلة قولهم: سور المدينة واحدتها سورة، وكذلك كل [ما] علا وارتفع، كقول النابغة:
ألم تر أنّ الله أعطاك سورة ... ترى كلّ ملك دونها يتذبذب (2)
وقال العجّاج:
[فربّ ذى سرادق محجور ... سرت إليه فى أعالى السّور (4)
__________
(1) «يقال ... عقبيه» : الذي ورد فى الفروق روى القرطبي (7/ 17) هذا الكلام عنه.
(2) الصور: قال فى اللسان (صور) قال أبو الهيثم: اعترض قوم فأنكروا أن يكون قرنا كما أنكروا العرش والميزان والصراط وادعوا أن الصور جمع الصورة كما أن الصوف جمع الصوفة والثوم جمع النومة ورووا ذلك عن أبى عبيدة، قال أبو الهيثم:
وهذا خطأ فاحش وتحريف لكلمات الله عز وجل عن مواضعها لأن الله عز وجل قال: «وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ» ففتح الواو، قال ولا نعلم أحد من القراء قرأها فأحسن صوركم. وكذلك قال: (ونفخ فى الصور) فمن قرأ ونفخ فى الصور أو قرأ فأحسن صوركم فقد افترى الكذب وبدل كتاب الله. وكان أبو عبيدة صاحب أخبار وغريب ولم يكن له معرفة بالنحو ... قال الأزهرى قد احتج أبو الهيثم فاحسن الاحتجاج. وهذا التفسير المردود على أبى عبيدة قد ارتضاه البخاري فى الجامع الصحيح (5/ 195) وعزاه ابن حجر إلى أبى عبيدة فى فتح الباري 8/ 217.(1/196)
وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ (75)
ومنها: سورة المجد أعاليه] وقال جرير:
لمّا أتى خبر الزّبير تواضعت ... سور المدينة والجبال الخشّع «1»
«مَلَكُوتَ السَّماواتِ» (75) «2» أي: ملك السموات،
__________
(1) : ديوانه 345 والنقائض 969 والكتاب 1/ 19، 25- والكامل للمبرر 312 والطبري 1/ 145 واللسان والتاج (سور) والخزانة 2/ 166. وقال عبد القادر البغدادي: وذهب أبو عبيدة معمر بن المثنى إلى أن السور جمع سورة وهو كل ما علا ... وبها سمى سور المدينة وعلى هذا لا شاهد فى البيت.
(2) «ملكوت السموات» : وفى البخاري: ملكوت وملك رهبوت رحموت وتقول ترهب خير أن ترهب. وقال ابن حجر: كذا لأبى ذر وفيه تشويش ولغيره ملكوت ملك مثل رهبوت خير من رحموت، وتقول ترهب خير أن ترحم وهذا هو الصواب فسر معنى ملكوت بملك وأشار إلى وزنه رهبوت ورحموت، ويوضحه كلام أبى عبيدة فإنه قال فى قوله تعالى: «وَكَذلِكَ نُرِي ... السَّماواتِ وَالْأَرْضِ» أي ملك ... من رحمة. انتهى (فتح الباري 8/ 218) ولعل البخاري أخذه عن أبى عبيدة مع أن الشارح ابن حجر لم ينبه على أن ما عند البخاري هو كلام أبى عبيدة، لأنه اطلع على نسخة من مجاز القرآن غير التي اطلع عليها ابن حجر(1/197)
فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ (76)
خرجت مخرج قولهم فى المثل: رهبوت خير من رحموت، أي: رهبة خير من رحمة. «1»
«فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ» (76) «2» أي: غطّى عليه وأظلم عليه، ومصدره:
جنّ الليل جتونا، قال دريد بن الصّمّة:
ولولا جنون الليل أدرك ركضنا ... بذي الرّمث والأرطي عياض بن ناشب «3»
وبعضهم ينشده: ولولا جنان الليل، أي غطاؤه وسواده، وما جنّك من شىء فهو جنان لك، [وقال سلامة بن جندل:
__________
(1) «رهبوت ... رحمة» هذا المثل مع تفسيره فى الطبري 7/ 147 واللسان والتاج (رهب) ومجمع الأمثال 1/ 194 والفرائد 1/ 240.
(2) «فلما ... الليل» : نقل ابن حجر تفسير أبى عبيدة هذا ونصه: قال أبو عبيدة فى قوله تعالى: فلما جن عليه الليل أي غطى..... ما أي غطاء (فتح الباري 8/ 217) .
(3) : من كلمة له فى الأصمعيات 12 وبعضها فى الأغانى 9/ 6 والخزانة 3/ 166، وهو فى القرطبي 7/ 25 واللسان والتاج (جنن) ومعجم البلدان 2/ 816 وقيل إنه لخفاف بن ندبة. [.....](1/198)
ولولا جنان الليل ما آب عامر ... إلى جعفر سرباله لم يمزّق] «1»
قال ابن أحمر يخاطب ناقته:
جنان المسلمين أودّ مسّا ... وإن جاورت أسلم أو غفارا «2»
أي: سوادهم، [يقول: دخولك فى المسلمين أودّ لك] «فَلَمَّا أَفَلَ» (76) أي غاب يقال: أين أفلت عنا، أي أين غبت عنا، وهو يأفل مكسورة الفاء، والمصدر: أفل أفولا كقوله:
إذا ما الثّريّا أحسّت أفولا «3»
أي: غيبوبة. [قال ذو الرّمّة:
مصابيح ليست باللواتي تقودها ... نجوم ولا بالآفلات الدّوالك] «4»
__________
(1) : البيت هو 28 من رقم 3 فى ديوانه وهو فى اللسان والتاج (جنن) والعيني 3/ 210.
(2) : فى اللسان والتاج (جنن) .
(3) : لم أجده فى مظانه.
(4) : ديوانه 425- والطبري 7/ 151 واللسان والتاج (ذلك) .(1/199)
فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (77) فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (78) إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (79) وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ (80) وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (81) الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (82) وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (83) وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (84) وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ (85) وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ (86) وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (87) ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (88) أُولَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ (89) أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ (90) وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلَا آبَاؤُكُمْ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ (91) وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (92) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ (93) وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (94)
«لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ» (76) أي من الأشياء، ولم يقصد قصد الشمس والقمر والنجوم فيجمعها على جميع الموات.
«فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بازِغاً» (77) أي طالعا.
«ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ [عَلَيْكُمْ] سُلْطاناً» (81) أي ما لم يجعل لكم فيه حجة، ولا برهانا، ولا عذرا.
«وَاجْتَبَيْناهُمْ» (87) أي اخترناهم، يقال: اجتبى فلان كذا لنفسه، أي اختار.
«فَقَدْ وَكَّلْنا بِها قَوْماً» (89) أي فقد رزقناها قوما.
«وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ» (91) أي ما عرفوا الله حقّ معرفته.
«تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ» (93) مضموم، وهو الهوان، وإذا فتحوا أوله، فهو الرفق والدّعة.
«فُرادى» (94) أي فردا فردا.
«تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ» (94) [أي وصلكم] مرفوع لأن الفعل عمل فيه، كما قال مهلهل:(1/200)
فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (96) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (97) وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ (98)
كأنّ رماحهم أشطان بئر ... بعيد بين جاليها جرور «1»
«وجاعل «2» اللّيل سكنا والشّمس والقمر» (96) منصوبتين، لأنه فرق بينهما وبين الليل المضاف إلى جاعل قوله: «سكنا» ، فأعملوا فيهما الفعل الذي عمل فى قوله: «سكنا» ، فنصبوهما كما أخرجوهما من الإضافة، كما قال [الفرزدق] :
قعودا لدى الأبواب طالب حاجة ... عوان من الحاجات أو حاجة بكرا «3»
«وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْباناً» (96) ، وهو جميع حساب، فخرج مخرج شهاب، والجميع شهبان.
«فَمُسْتَقَرٌّ «4» وَمُسْتَوْدَعٌ» (98) مستقرّ فى صلب الأب، ومستودع فى رحم الأم. «5»
__________
(1) : فى الكامل 212، 354 والطبري 7/ 170، واللسان (بين) .
(2) «وجاعل» : قرأ الكوفيون على وزن «فعل» و «الليل سكنا» بنصب اللام والباقون على وزن «فاعل» وجر اللام من الليل وانظر الداني 105.
(3) : ديوانه 227 والطبري 7/ 173.
(4) «فمستقر» : بالكسر قراءة ابن كثير وأبى عمر. وانظر الداني 105.
(5) «فمستقر ... الأم» : رواه ابن حجر عن أبى عبيدة فى فتح الباري 8/ 217.(1/201)
وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (99)
« [قِنْوانٌ] » (99) . القنو «1» هو العذق، والاثنان: قنوان، النون مكسورة، والجميع قنوان على تقدير لفظ الاثنين، غير أن نون الاثنين مجرورة فى موضع الرفع والنصب والجر، ونون الجميع يدخله الرفع والجر والنصب، ولم يجد مثله غير قولهم صنو، وصنوان، والجميع صنوان.
«وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذلِكُمْ» (99) ، ينعه: مصدر من ينع إذا أينع أي: من مدركه، واحده يانع والجميع ينع، بمنزلة تاجر والجميع تجر، وصاحب والجميع صحب، ويقال: قد ينع الثمر فهو يينع ينوعا، فمنه اليانع ويقال: قد ينعت الثمرة وأينعت لغتان، فالآية فيها اللغتان جميعا، قال:
فى قباب حول دسكرة ... حولها الزيتون قد ينعا «2»
__________
(1) «القنو» : وفى البخاري: القنو العذق والاثنان قنوان والجماعة أيضا قنوان مثل صنوان وصنوان. قال الشارح ابن حجر: كذا وقع لأبى ذر تكرير صنوان الأولى مجرورة النون والثانية مرفوعة وسقت الثانية لغير أبى ذر ويوضح المراد كلام أبى عبيدة الذي هو منقول منه. قال أبو عبيدة فى قوله تعالى «وَمِنَ النَّخْلِ ...
قِنْوانٌ» . قال القنو ... صنوان (فتح الباري 8/ 218) .
(2) : فى الكامل 118 والطبري 7/ 180 والقرطبي 13/ 67 واللسان والتاج (ينع، دسكر) . قال المبرد: قال أبو عبيدة هذا الشعر مختلف فيه، فبعضهم ينسبه إلى الأحوص وبعضهم ينسبه إلى يزيد بن معاوية. وقال صاحب اللسان: قال ابن برى هو للأحوص أو يزيد بن معاوية أو عبد الرحمن بن حسان. ولسبه صاحب اللسان فى مادة «دسكر» إلى الأخطل.(1/202)
وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ (100) بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (101) ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (102) لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (103) قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (104) وَكَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (105) اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (106) وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (107) وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (108)
«وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَناتٍ» (100) افتعلوا لله بنين وبنات وجعلوها له واختلقوه من كفرهم كذبا.
«بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ» (101) أي مبتدع.
«عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ» (102) أي حفيظ ومحيط.
«قَدْ جاءَكُمْ بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ» (104) واحدتها بصيرة، ومجازها:
حجج بيّنة واضحة ظاهرة.
«دارست» (105) «1» من المدارسة، و «درست» أي امتحنت.
«فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ» (108) عدوا أي اعتداء.
__________
(1) «دارست» : فى الداني: هى قراءة ابن كثير وأبى عمرو، قال الطبري (7/ 187) وهو قراءة بعض قراء أهل البصرة وقرأها ابن عامر بغير ألف وفتح السين وإسكان التاء، والباقون بغير ألف وإسكان السين وفتح التاء، وانظر الداني 105.(1/203)
وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ (109) وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (110) وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ (111)
«وَما يُشْعِرُكُمْ» (109) أي ما يدريكم.
«أَنَّها إِذا جاءَتْ» (109) ألف «إنها» مكسورة على ابتداء «إنها» ، أو تخبير عنها ومن فتح ألف «أنها» فعلى إعمال «يشعركم» فيها، فهى فى موضع اسم منصوب.
«وَحَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا» (111) «1» ومجاز «حشرنا» ، سقنا وجمعنا «قبلا» جميع، قبيل قبيل أي: صنف صنف ومن قرأها «قبلا» فإنه يجعل مجازها عيانا، كقولهم: «من ذى قبل» ، وقال آخرون «قبلا» أي مقابلة، كقولهم: «أقبل قبله، وسقاها قبلا، لم يكن أعدّ لها الماء، فاستأنفت سقيها، وبعضهم يقول: «من ذى قبل» . «2»
__________
(1) «قبلا» : قرأ نافع وابن عامر بكسر القاف وفتح الباء، والباقون بضمها.
انظر الداني 106.
(2) «ومجاز ... قبل» : وفى البخاري: قبل كل ضرب منها قبيل. قال ابن حجر: هو كلام أبى عبيدة أيضا لكن بمعناه فى قوله تعالى «وَحَشَرْنا» الآية.
فمعنى ... إلخ (فتح الباري 8/ 223) . [.....](1/204)
وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (112) وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ (113)
«زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً» (112) كل شىء حسنته وزيّتته وهو باطل فهو زخرف «1» ويقال: زخرف فلان كلامه وشهادته.
«وَلِتَصْغى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ» (113) من صغوت إليه أي ملت إليه وهويته وأصغيت إليه لغة، [قال ذو الرمة:
تصغى إذا شدّها بالرّحل جانحة ... حتى إذا ما استوى فى غرزها تثب «2»
«وَلِيَقْتَرِفُوا ما هُمْ مُقْتَرِفُونَ» (113) مجاز الاقتراف «3» القرفة والتّهمة والادعاء. ويقال: بئسما اقترفت لنفسك، قال رؤبة:
أعيا اقتراف الكذب المقروف ... تقوى التقىّ وعفّة العفيف «4»
__________
(1) «زخرف ... فهو زخرف» كذا فى البخاري: قال ابن حجر: هو كلام أبى عبيدة وزاد: يقال ... وشهادته (فتح الباري 8/ 223) .
(2) : ديوانه 9- وجمهرة الأشعار 179 والموشح 174 والقرطبي 7/ 69 واللسان والتاج (صفى) .
(3) «الاقتراف ... إلخ» : قال الطبري: (7/ 70) وكان بعضهم يقول: هو التهمة والادعاء، يقال للرجل أنت فرقتنى ... اقترفت لنفسك.
(4) : الشطران فى الطبري 8/ 6 والقرطبي 7/ 70 ولم أجدهما فى ديوان رؤبة.(1/205)
وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ (116) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (117) فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ (118) وَمَا لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ (119) وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ (120) وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ (121) أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (122) وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (123) وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ (124) فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ (125) وَهَذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيمًا قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (126) لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (127) وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (128) وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (129) يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ (130) ذَلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ (131) وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (132) وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ مَا يَشَاءُ كَمَا أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ (133) إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَآتٍ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (134) قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (135) وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلَا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَائِهِمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (136)
يقال: أتت قرفتى، وقارفت الأمر أي واقعته.
«يَخْرُصُونَ» (116) أي: يظنون ويوقعون، ويقال: يتخرص، أي يتكذب.
«أَكابِرَ مُجْرِمِيها» (123) أي العظماء.
«لِيَمْكُرُوا فِيها» (123) مصدره المكر، وهو الخديعة والحيلة بالفجور والغدر والخلاف.
[ «صَغارٌ» ] (124) الصغار: هو أشدّ الذّلّ.
الرجز و «الرِّجْسَ» (125) سواء، وهما العذاب.
«وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ» (134) أي فائتين، ويقال: أعجزنى فلان فاتنى وغلبنى «1» وسبقنى، وأعجز منى، وهما سواء.
«اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ» (135) أي على حيالكم وناحيتكم. «2»
«ذَرَأَ» (136) بمنزلة برأ، ومعناهما خلق.
__________
(1) «فائتين ... وغلبنى» : أخذ القرطبي (7/ 88) هذا الكلام برمته.
(2) «حيالكم وناحيتكم» كذا فى الطبري (8/ 27) .(1/206)
وَقَالُوا هَذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لَا يَطْعَمُهَا إِلَّا مَنْ نَشَاءُ بِزَعْمِهِمْ وَأَنْعَامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا وَأَنْعَامٌ لَا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا افْتِرَاءً عَلَيْهِ سَيَجْزِيهِمْ بِمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (138) وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الْأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاءُ سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (139) قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (140) وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (141) وَمِنَ الْأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (142) ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (143) وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ بِهَذَا فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (144) قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (145)
«حِجْرٌ» (138) أي حرام، قال المتلمّس:
حنّت إلى النّخلة القصوى فقلت لها ... حجر حرام ألا ثمّ الدّهاريس «1»
الدهاريس: الدواهي.
«جَنَّاتٍ مَعْرُوشاتٍ» (141) قد عرش عنبها.
«وَغَيْرَ مَعْرُوشاتٍ» (141) من سائر الشجر الذي لا يعرش، ومن النخل.
«كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ «2» إِذا أَثْمَرَ» (141) جميع ثمرة، ومن قرأها:
«مِنْ ثَمَرِهِ» فضمّها، فإنه يجعلها ثمر.
«حَمُولَةً وَفَرْشاً» (143) أي ما حملوا عليها، والفرش: صغار الإبل لم تدرك أن يحمل عليها.
«أَوْ دَماً مَسْفُوحاً» (145) أي مهراقا مصبوبا، ومنه قولهم: سفح دمعى، أي: سال قال الشاعر:
__________
(1) من قصيدته فى مختارات شعراء العرب 33 وشعراء الجاهلية 333 وهو فى الطبري 8/ 31، 19/ 2 والقرطبي 13/ 21 واللسان (دهرس) .
(2) «ثمرة» . بالفتح لغة كنانة وبالضم لغة تميم. (ما ورد فى القرآن فى لغات القبائل 1/ 130) .(1/207)
قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ هَذَا فَإِنْ شَهِدُوا فَلَا تَشْهَدْ مَعَهُمْ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَهُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (150) قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151) وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (152) وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153) ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (154) وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (155) أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ (156) أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَى مِنْهُمْ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آيَاتِنَا سُوءَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يَصْدِفُونَ (157) هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ (158) إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (159) مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (160) قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (161)
هاج سفح دموعى ... ما تحنّ ملوعى]
«قُلْ هَلُمَّ شُهَداءَكُمُ» (150) : هلّم فى لغة أهل العالية للواحد والاثنين والجميع من الذكر والأنثى سواء.
قال الأعشى:
وكان دعا قومه بعدها ... هلمّ إلى أمركم قد صرم «1»
وأهل نجد يقولون للواحد هلّم، وللمرأة هلّمى، وللاثنين هلمّا، وللقوم:
هلمّوا، وللنساء هلمن، يجعلونها من هلممت «2» [وأهل الحجاز لا يجعلون لها فعلا] .
«وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ» (151) من ذهاب ما فى أيديكم يقال: أملق فلان، أي ذهب ماله، [واحتاج، وأقفر مثلها] .
«مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً» (161) أي دين إبراهيم يقال من أي ملة أنت، وهم أهل ملتك.
__________
(1) ديوانه 58- والطبري 8/ 77 والقرطبي 7/ 158 واللسان والتاج ربع) .
(2) «هلم ... هلمت» : انظر تفسير الطبري 8/ 158.(1/208)
قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163) قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (164) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (165)
«وَنُسُكِي وَمَحْيايَ» (162) وهو مصدر نسكت، وهو تقربت بالنسائك، وهى النسيكة، وجمعها أيضا نسك متحركة بالضمة.
«خَلائِفَ الْأَرْضِ» (165) : واحدهم: خليفة فى الأرض بعد خليفة، قال الشّماخ [وهو الرجل المتكبر] :
تصيبهم وتخطئنى المنايا ... وأخلف فى ربوع عن ربوع «1»
الربع: الدار والجميع ربوع، والرّبع أيضا: قبيلة، قال: يقال رجل من ربعه يعنى من قبيلته.
__________
(1) ديوانه 58-، والطبري 8/ 77، القرطبي 7/ 158، اللسان والتاج (ربع)(1/209)
المص (1) كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (2) اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (3) وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ (4) فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا إِلَّا أَنْ قَالُوا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (5)
(بسم الله الرّحمن الرّحيم)
«سورة الأعراف» (7)
«المص» (1) : ساكن لأنه جرى مجرى سائر فواتح السور اللواتى جرين مجرى حروف التّهجّى، وموضعه ومعناه على تفسير سائر ابتداء السور.
«كِتابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ» (2) رفع من موضعين أحدهما: أنزل إليك كتاب، والآخر على الاستئناف.
«فَلا يَكُنْ» : (2) ساكن لأنه نهى «فى صدرك حرج منه» أي ضيق.
«بَياتاً» (3) : أي ليلا بيّتهم بياتا وهم نيام.
«أَوْ هُمْ قائِلُونَ» (3) : أي نهارا إذا قالوا.
«فَما كانَ دَعْواهُمْ» (4) لها موضعان أحدهما قولهم ودعواهم، والآخر ادّعاؤهم. «1»
__________
(1) «لها ... ادعاؤهم» : قال الطبري: (8/ 81) : وللدعوى فى كلام العرب وجهان أحدهما الدعاء، والآخر الادعاء ... إلخ.(1/210)
قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (12) قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ (13) قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (14) قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (15) قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16) ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ (17) قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ (18)
«ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ» (11) «1» مجازه: ما منعك أن تسجد، والعرب تضع «لا» فى موضع الإيجاب وهى من حروف الزوائد، قال [أبو النجم] :
فما ألوم البيض ألّا تسخرا ... ممّا رأين الشمط القفندرا (24)
أي ما ألوم البيض أن يسخرن، القفندر: القبيح السّمج، وقال [الأحوص:
ويلحيننى فى اللهو ألّا أحبّه ... وللهو داع دائب غير غافل (25)
أراد: فى اللهو أن أحبه، [قال العجاج:
فى بئر لا حور سرى وما شعر (22)
الحور: الهلكة، وقوله لا حور: أي فى بئر حور، و «لا» فى هذا الموضع فضل]
«اخْرُجْ مِنْها مَذْؤُماً» . (17) وهى من ذأمت الرجل، وهى أشد مبالغة من ذممت ومن ذمت الرجل تذيم، وقالوا فى المثل: لا تعدم الحسناء ذاما، «2» أي ذما، وهى لغات.
__________
(1) «ما منعك أن تسجد» وفى البخاري: يقول: ما منعك أن تسجد (والقائل كأنه عبد الله بن عباس) ، وقال ابن حجر: كذا لأبى ذر فأوهم أنه وما بعده من تفسير ابن عباس كالذى قبله وليس كذلك، ولغير أبى ذر «ما منعك» ، وقال غيره:
ما منعك إلخ وهو الصواب، فإن هذا كلام أبى عبيدة (فتح الباري 8/ 224) .
(2) «لا تعدم ... ذاما» : هذا المثل فى نوادر أبى زيد 97، ومجمع الأمثال 2/ 109 والفرائد 2/ 181. [.....](1/211)
وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ (21) فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ (22) قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23) قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (24)
«مَدْحُوراً» (17) أي مبعدا مقصى، ومنه قولهم: ادحر عنك الشيطان، [وقال العجّاج:
فأنكرت ذا جمّة نميرا ... دجر عراك يدجر المدحورا] «1»
«وَقاسَمَهُما» (20) أي حالفهما، وله موضع آخر فى موضع معنى القسمة.
«سَوْآتِهِما» (21) كناية عن فرجيهما.
«وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما» (21) يقال طفقت أصنع كذا وكذا كقولك:
ما زلت أصنع ذا وظللت، «2» ويخصفان الورق بعضه إلى بعض.
«وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ» (23) إلى وقت يوم القيامة، وقال:
وما مزاحك بعد الحلم والدّين ... وقد علاك مشيب حين لا حين «3»
أي وقت لا وقت.
__________
(1) : لم أعثر على هذين الشطر فى ديوانه، ولكن فيه (ص 25) :
جاءت بزحم يزحم المدحورا
(2) «سوآتهما ... وظللت» : وقال البخاري فى تفسير سورة الأعراف ومرة فى أحاديث الأنبياء: يخصفان أخذ الخصاف من ورق الجنة يؤلفان الورق يخصفان الورق بعضه إلى بعض. قال ابن حجر (فى تفسير السورة 8/ 224) : كذا لأبى عبيدة لكن باختصار (وفى أحاديث الأنبياء 6/ 259) : هو تفسير أبى عبيدة أيضا.
(3) مطلع قصيدة لجرير يهجو بها الفرزدق، وهى فى ديوانه 586 وورد فى الكتاب 1/ 313 والطبري 8/ 96 والشنتمرى 1/ 358 والخزانة 2/ 94.(1/212)
يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (26) يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ (27) وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (28) قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ (29) فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (30)
«ورياشا» (25) [الرياش والريش واحد] ، «1» وهو ما ظهر من اللباس والشارة وبعضهم يقول: أعطانى رجلا بريشه أي بكسوته وجهازه وكذلك السرج بريشه، والرياش أيضا: الخصب والمعاش.
«إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ» (26) أي وجيله الذي هو منه. «2»
«كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ فَرِيقاً هَدى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ» (28، 29) نصبهما جميعا على إعمال الفعل فيهما أي هدى فريقا ثم أشرك الآخر فى نصب الأول وإن لم يدخل فى معناه والعرب تدخل الآخر المشرك بنصب ما قبله على الجوار وإن لم يكن فى معناه، وفى آية أخرى «يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً» (76/ 31) وخرج فعل الضلالة مذكرا والعرب تفعل ذلك إذا فرّقوا بين الفعل وبين المؤنثة لقولهم: مضى من الشهر ليلة.
__________
(1) «الرياش» قال القرطبي (8/ 184) : وحكى أبو حاتم عن أبى عبيدة: وهبت له دابة بريشها أي بكسوتها وما عليها من اللباس، وفى البخاري: وقال غيره (أي غير ابن عباس) : الرياش والريش واحد وهو ما ظهر من اللباس، وقال ابن حجر: هو قول أبى عبيدة، وزاد: تقول ... المعاش (فتح الباري 6/ 258، 8/ 224)
(2) «وقبيله ... منه» : كذا فى البخاري: قال ابن حجر: هو كلام أبى عبيدة (فتح الباري 8/ 225) .(1/213)
قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ (38) وَقَالَتْ أُولَاهُمْ لِأُخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (39) إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ (40) لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (41)
«حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا «1» فِيها جَمِيعاً» (37) أي اجتمعوا فيها، ويقال تدارك لى عليه شىء أي اجتمع لى عنده شىء، وهو مدغم التاء فى الدال فثقلت الدال.
«عَذاباً ضِعْفاً» (37) أي عذابين مضعف (؟) فصار شيئين.
«فِي سَمِّ الْخِياطِ» (39) أي فى ثقب الإبرة وكل ثقب من عين أو أنف أو أذن أو غير ذلك فهو سمّ والجميع سموم. «2»
«لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ» (40) أي فراش وبساط ولا تنصرف جهنم لأنه اسم مؤنثة على أربعة أحرف.
«وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ» (40) واحدتها غاشية وهى ما غشاهم فغطاهم من فوقهم «3»
__________
(1) «اداركوا» : روى ابن حجر تفسير أبى عبيدة لهذه الكلمة ونبه على أن ما عند البخاري هو قول أبى عبيدة (فتح الباري 8/ 225) .
(2) «سم ... سموم» : روى ابن حجر كلامه هذا عنه فى فتح الباري 8/ 225.
(3) «واحدتها ... فوقهم» : روى ابن حجر كلامه هذا عنه فى فتح الباري 8/ 225، وهو فى الطبري 8/ 122.(1/214)
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (42) وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (43) وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (44) الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالْآخِرَةِ كَافِرُونَ (45) وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ (46) وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (47) وَنَادَى أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ (48) أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (49) وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ (50) الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (51)
«لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها» (21) : طاقتها، يقال: لا أسع ذلك.
«وَعَلَى الْأَعْرافِ «1» رِجالٌ يَعْرِفُونَ» (45) مجازها: على بناء سور لأن كل مرتفع من الأرض عند العرب أعراف، قال:
كل كناز لحمه نياف ... كالعلم الموفى على الأعراف 241
«2» وقال الشّمّاخ:
وظلّت بأعراف تفالى كأنها ... رماح نحاها وجهة الرّيح راكز 242
«3» أي على نشز.
«بِسِيماهُمْ» (45) منقوصة، والمعنى: بعلاماتهم.
«وَإِذا صُرِفَتْ أَبْصارُهُمْ تِلْقاءَ أَصْحابِ النَّارِ» (46) أي حيال أصحاب النار، وفى آية أخرى «تِلْقاءَ مَدْيَنَ» (28/ 22) أي حيال مدين وتجاهه.
«فَالْيَوْمَ نَنْساهُمْ» (50) مجازه: نؤخرهم ونتركهم، «كَما نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هذا» (50) أي كما تركوا أمر ربهم وجحدوا يوم القيامة.
__________
(1) «الأعراف إلخ» : قال الأثرم: الأعراف كل ما ارتفع، ومنه قول الله «وَعَلَى الْأَعْرافِ» الآية: (الأغانى 14/ 127) .
(2) : الرجز فى الطبري 8/ 126 والقرطين 1/ 178 واللسان (نوف)
(3) : ديوانه 53 والطبري 8/ 126.(1/215)
هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (53) إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (54) ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55) وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (56)
«هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ» (52) أي هل ينظرون إلّا بيانه ومعانيه وتفسيره.
«خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ» (52) مجازه: غبنوا أنفسهم وأهلكوا قال الأعشى:
لا يأخذ الرّشوة فى حكمه ... ولا يبالى غبن الخاسر (214)
«إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ» (55) هذا موضع يكون فى المؤنثة والثنتين والجميع منها بلفظ واحد ولا يدخلون فيها الهاء لأنه ليس بصفة ولكنه ظرف لهن وموضع، «1» والعرب تفعل ذلك فى قريب «2» وبعيد قال:
فان تمس ابنة السّهمىّ منا ... بعيدا لا نكلّمها كلاما «3»
وقال الشّنفرى:
تؤرقنى وقد أمست بعيدا ... وأصحابى بعيهم أو تباله «4»
__________
(1) «هذا موضع ... وموضع» : الضمائر فى هذه الجملة مضطربة.
(2) «قريب إلخ» : قال القرطبي (7/ 227) : وقال أبو عبيدة: ذكر قريب على تذكير المكان أي مكانا قريبا. قال على بن سليمان: هذا خطأ ولو كان كما قال لكان «قريب» منصوبا فى القرآن.
(3) : لم أجده فيما لدى من المراجع. [.....]
(4) : لم أجده فى مظانه- عليهم بفتح أوله جبل بالغور بين مكة والعراق.
انظر معجم ما استعجم 3/ 988. ومعجم البلدان 3/ 766. وتبالة: بفتح أوله وباللام على وزن فعالة بقرب الطائف على طريق اليمن من مكة وهى لبنى مازن. انظر معجم ما استعجم 1/ 301 ومعجم البلدان 1/ 816.(1/216)
وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (57) وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ (58) لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (59) قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (60) قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلَالَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (61) أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (62) أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُوا وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (63) فَكَذَّبُوهُ فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا عَمِينَ (64) وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ (65) قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (66) قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (67) أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ (68) أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (69)
فإذا جعلوها صفة فى معنى مقتربة قالوا: هى قريبة وهما قريبتان وهن قريبات.
«يرسل الرّياح نشرا» (56) «1» أي [متفرقة] من كل مهبّ وجانب وناحية.
«أقلّت سحابا» أي ساقت.
«لا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِداً» (57) أي قليلا عسرا فى شدة «2» قال:
لا تنجز الوعد إن وعدت وإن ... أعطيت أعطيت تافها نكدا «3»
تافه: قليل.
«آلاءَ اللَّهِ» (68) أي نعم الله، وواحدها فى قول بعضهم «ألى» تقديرها قفا، وفى قول بعضهم «إلى» تقديرها معى.
__________
(1) «نشرا» : قرأ عاصم بالباء مضمومة وإسكان الشين، وابن عامر بالنون مضمومة وإسكان الشين، وحمزة الكسائي بالنون مفتوحة وإسكان الشين والباقون بالنون مضمومة وضم الشين (الداني 110) .
(2) «نكدا ... شدة» : روى ابن حجر فى فتح الباري 8/ 225 هذا الكلام مع البيت المستشهد به عن أبى عبيدة.
(3) فى الطبري 8/ 139 وفتح الباري.(1/217)
قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (71) فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَمَا كَانُوا مُؤْمِنِينَ (72) وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (73) وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (74) قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ (75) قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (76) فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُوا يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (77) فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ (78) فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لَا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ (79) وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ (80) إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (81) وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ (82) فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ (83)
[جعل الأعشى واحدها إلى خفيف «1» فقال:
أبيض لا يرهب الهذال ولا ... يقطع رحما ولا يخون إلا] «2»
«رِجْسٌ» (70) أي عذاب وغضب.
«وَبَوَّأَكُمْ» (73) أي أنزلكم [قال ابن هرمة:
وبوّئت فى صميم معشرها ... فتمّ فى قومها مبوّؤها] «3»
وزوّجكم.
«وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ» (76) أي تكبروا وتجبروا، يقال جبّار عات.
«جاثِمِينَ» (77) أي بعضهم على بعض جثوم، وله موضع آخر جثوم على الرّكب، قال جرير:
عرفت المنتأى وعرفت منها ... مطايا القدر كالحدأ الجثوم «4»
«امْرَأَتَهُ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ» (582) أي كانت قد غبرت من كبرها فى الغابرين، فى الباقين حتى هرموا وهرمت وهى قد أهلكت مع قومها فلم تغبر بعدهم فتبقى ولكنها كانت قبل ذلك من الغابرين، وجعلها من الرجال والنساء
__________
(1) خفيف: أي مخفف من الإل الذي هو العهد، انظر اللسان (ألا) .
(2) للاعشى ميمون فى ديوانه 157. والطبري 5/ 117 واللسان (ألا) .
(3) فى اللسان (بوأ) وشواهد المغني 279.
(4) ديوانه 507- والطبري 8/ 153.(1/218)
وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (85) وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ وَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (86)
وقال: من الغابرين، لأن صفة النساء مع صفة الرجال تذكّر إذا أشرك بينهما وقال العجاج:
فما ونى محمد مذ أن غفر ... له الإله ما مضى وما غبر «1»
أي ما بقي وقال الأعشى:
عض بما أبقى المواسى له ... من أمّه فى الزّمن الغابر «2»
ولم يختن فيما مضى فبقى من الزمن الغابر أي الباقي ألا ترى أنه قد قال:
وكنّ قد أبقين منها أذى ... عند الملاقى وافر الشافر
«وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ» (84) مجازه: لا تظلموا الناس حقوقهم ولا تنقصوها وقالوا فى المثل: «نحسبها حمقاء وهى باخسة» أي ظالمة. «3»
«تَبْغُونَها عِوَجاً» (85) مكسورة الأول مفتوح ثانى الحروف وهو الاعوجاج فى الدين وفى الأرض، وفى آية أخرى:
__________
(1) استشهد أبو عبيدة بهذا الرجز وبالبيتين الآتيين فى تفسير آية 171 من سورة الشعراء فى الجزء الثاني من هذا الكتاب وهما فى ديوان العجاج 15 والطبري 11/ 198، 16/ 112 والقرطبي 7/ 246، 13/ 132.
(2) ديوانه 106 من قصيدة يهجو بها علقمة ويذكر أمه- والأول فى الأضداد للأصمعى 58 ولأبى حاتم السجستاني 154 والطبري 8/ 154 واللسان والتاج (غير) والثاني فى اللسان (لقى) .
(3) «لا تظلموا ... ظالمة» : أخذ الطبري (8/ 155) هذا الكلام برمته وقد مضى تخريج المثل.(1/219)
قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ (89)
«لا تَرى فِيها عِوَجاً وَلا أَمْتاً» (20/ 107) والعوج إذا فتحوا أوله والحرف الثاني فهو الميل فيما كان قائما نحو الحائط والقناة والسنّ ونحو ذلك.
«افْتَحْ بَيْنَنا «1» وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ» (88) أي احكم بيننا. قال:
والقاضي يقال له الفتاح، قال:
ألا أبلغ بنى عصم رسولا ... بأنى عن فتاحتكم غنىّ «2»
__________
(1) «افتح بيننا» : وفى البخاري الفتاح القاضي افتح بيننا اقض. قال ابن حجر (8/ 225) : كذلك وقع هنا والفتاح لم يقع فى هذه السورة وإنما هو فى سورة سبأ وكأنه ذكره هنا توطئة لتفسير قوله فى هذه السورة: ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق ولعله وقع فيه تقديم وتأخير من النساخ فقد قال أبو عبيدة فى قوله «افتح بيننا وبين قومنا» أي احكم بيننا وبين قومنا قال الشاعر «ألا أبلغ» البيت: الفتاح القاضي انتهى كلامه ومنه ينقل البخاري كثيرا. وروى ابن جرير من طرق عن قتادة عن ابن عباس قال ما كنت أدرى ما معنى قوله افتح بيننا إلخ. وقال الطبري:
ذكر الفراء أن أهل عمان يسمون القاضي الفاتح والفتاح وذكر غيره من أهل العلم بكلام العرب أنه من لغة مراد وأنشد لبعضهم بيتا وهو: «ألا أبلغ» البيت.
(2) فى إصلاح المنطق 26 والطبري 9/ 3 والسمط 927 والقرطبي 13/ 94 واللسان والتاج (فتح) . البيت مختلف فى عزوه وقال الميمنى فى السمط ما نصه:
البيت رواه يعقوب فى الإصلاح 1/ 188 غير معزو وروايته «بنى عمرو» وكذا فى اللسان (فتح) منسوبا للأسعر الجعفي وفى زيادات الجمهرة 2/ 4 برواية «بنى بكر بن عبد» منسوبا لأعشى قيس (ولم يرو له أحد) ... ولكن ليس ثمة أحد من العشو فى كندة فالأعشى فيه مصحف الأسعر وهو من جعفى بطن من كندة، وقال أبو محمد ابن السيرافي (وعنه اللسان مادة قتا) وجدت هذا البيت للشويعر الجعفي على خلاف ما رواه يعقوب. ثم وجدته لمحمد بن حمران أبى حمران فى الحماسة الصغرى لأبى تمام ص 46:
أبلغ بنى حمران أنى ... عن عداوتكم غنى
بتقييد القافية فى تسعة أبيات (السمط 928) . والجعفي هو مرثد بن حمران الجعفي يكى أبا حمران (ولعل محمد بن حمران مصحف مرتد ... ) وهو جاهلى، راجع ترجمته فى المؤتلف 47 والسمط 94.(1/220)
فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ (91) الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَانُوا هُمُ الْخَاسِرِينَ (92)
وهو لبعض مراد.
«الرَّجْفَةُ» (90) : من رجفت بهم الأرض أي تحركت بهم
«كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا» (91) أي لم ينزلوا فيها ولم يعيشوا فيها، قال مهلهل غنيت دارنا تهامة فى الدهر وفيها بنو معدّ حلولا «1» وقولهم مغانى الديار منها، واحدها مغنى قال:
أتعرف مغنى دمنة ورسوم «2» «3»
__________
(1) «كأن لم يغنوا ... ورسوم» : رواه ابن حجر عن أبى عبيدة فى فتح الباري 8/ 226. [.....]
(2) البيت من كلمة طويلة له فى كتاب البسوس 78- 80 وهو فى اللسان والتاج (غنو) .
(3) فى فتح الباري 8/ 226.(1/221)
ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (95) وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (96)
«فَكَيْفَ آسى» (92) أي أحزن وأتندم وأتوجع، ومصدره الأسى، وقال:
وانحلبت عيناه من فرط الأسى «1» (191)
«حَتَّى عَفَوْا» (94) مجازه: حتى كثروا، «2» وكذلك كل نبات وقوم وغيره إذا كثروا: فقد عفوا، قال [لبيد:
فلا تتجاوز العطلات منها ... إلى البكر المقارب والكروم
ولكنّا نعضّ السّيف منها ... بأسوق عافيات اللّحم كوم
«3» [أي كثيرات اللحم] «الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ» (94) أي الضّرّ، والسّرّ وهو السرور.
«لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ» (95) أي لأنزلنا عليهم
__________
(1) : الشطر للعجاج كما مر.
(2) حتى كثروا: كذا فى الكامل 305 وقال ابن حجر: قال أبو عبيدة فى قوله تعالى «حتى عفوا» أي كثروا وكذلك ... إلى قوله: فقد عفوا قال الشاعر «ولكنا نعض» البيت (فتح الباري 8/ 226) .
(3) : البيتان فى ديوانه 1/ 9- واللسان (عطل) والثاني فى الكامل 305 والطبري 9/ 5 واللسان (عفو) أيضا.(1/222)
أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا أَنْ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ (100) تِلْكَ الْقُرَى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَائِهَا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الْكَافِرِينَ (101) وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ (102) ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَظَلَمُوا بِهَا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (103)
يقال: قد فتح الله على فلان ولفلان، وذلك إذا رزق وأصاب الخير وأقبلت عليه الدنيا وإذا ارتج على القارئ فتحت عليه فلقّنته.
«أولم نهد للّذين» (99) مجازه: أو لم نبين لهم ونوضح لهم.
«وَنَطْبَعُ عَلى قُلُوبِهِمْ» (96) مجازه: مجاز نختم.
«وَما وَجَدْنا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ» (101) مجازه وما وجدنا لأكثرهم عهدا أي وفاء ولا حفيظة و «من» من حروف الزوائد وقد فسّرناها فى غير هذا الموضع.
«وَإِنْ وَجَدْنا أَكْثَرَهُمْ لَفاسِقِينَ» (101) : أي لكافرين، ومجازه:
إن وجدنا أكثرهم إلّا فاسقين، أي ما وجدنا، وله موضع آخر أنّ العرب تؤكّد باللام كقوله:
أمّ الحليس لعجوز شهربه «1»
«فَظَلَمُوا بِها» (101) مجازه: فكفروا بها.
__________
(1) الشطر فى الخزانة 4/ 328. قال البغدادي فى عزوه: وهذا البيت نسبه الصاغاني فى العباب إلى عنترة بن عروس أم الحليس «البيت» ، قال بعض الناس اللام مقحمة فى العجوز وأنشد الآمدى فى ترجمة عنترة هذا: «أب عجوز من سليم شهر به» انتهى. وقد رجعت إلى المؤتلف والمختلف من أسماء الشعراء للآمدى ولم أر فيه البيت الذي نقله عنه والذي فيه: ومنهم عنترة بن عروس مولى ثقيف ... وهذا الشعر مذكور فى صحاح الجوهري أيضا فى تلك المادة، ولم يتعرض له ابن برى ولا الصفدي فيما كتباه على الصحاح بشىء والله أعلم بقائله وقال العيني: قائله رؤبة بن العجاج ونسبه الصاغاني فى اللباب إلى عنترة بن عروس، وهو الصحيح. هذا كلامه والخليس بضم الحاء. وأنا لم أجده فى ترجمة عنترة بن عروس فى المؤتلف (150) ، وهو فى الصحاح واللسان والتاج (شهرب) وفى العيني 1/ 535 وشواهد المغني 206- الشهربة والشهبرة العجوز الكبيرة (اللسان) .(1/223)
حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لَا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرَائِيلَ (105)
«حقيق علىّ أن لا أقول» (104) : مجازه: حق علىّ أن لا أقول إلّا الحقّ، ومن قرأها «حَقِيقٌ عَلى «1» أَنْ لا أَقُولَ ولم يضف «على» إليه فإنه يجعل مجازه مجاز حريص على أن لا أقول، أو فحق أن لا أقول.
__________
(1) «حقيق على» : وفى الطبري (9/ 9) اختلفت القراء فى قراءة قوله «حقيق على ألا أقول على الله إلا الحق» فقرأه جماعة من قراء المكيين والمدنيين والبصرة والكوفة حقيق على ألا أقول بإرسال الياء من «على وترك تشديدها بمعنى أنا حقيق بأن لا أقول على الله إلا الحق فوجهوا معنى على إلى معنى الباء، كما يقال: رميت بالقوس، وعلى القوس، وجئت على حسنة وبحال حسنة، وكان بعض أهل العلم بكلام العرب يقول: إذا قرى ذلك كذلك فمعناه حريص على ألا أقول ألا بحق وقرأ ذلك جماعة من أهل المدينة حقيق على أن لا أقول بمعنى واجب على أن أقول وحق على ألا أقول.
وروى ابن حجر تفسير أبى عبيدة لهذه الآية فى فتح الباري 6/ 308.(1/224)
فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ (107) وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ (108) قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ (109) يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ (110) قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (111) يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ (112) وَجَاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالُوا إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ (113) قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (114) قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ (115) قَالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ (116) وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ (117) فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (118) فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ (119) وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ (120) قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (121) رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ (122) قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (123) لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (124) قَالُوا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ (125) وَمَا تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ (126) وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ (127) قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (128) قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (129) وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (130)
«ثُعْبانٌ مُبِينٌ» (106) أي حية ظاهرة.
« [وَنَزَعَ يَدَهُ] » (107) أخرج يده «فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ» (107) من غير سوء، ولكنها كانت آية لأنه كان آدم.
«أَرْجِهْ وَأَخاهُ» (110) مجازه: أخّره.
«إِنَّ لَنا لَأَجْراً» (113) ثوابا وجزاء، واللام المفتوحة تزاد توكيدا.
«سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ» (115) أي غشّوا أعين الناس وأخذوها.
«وَاسْتَرْهَبُوهُمْ» (115) وهو من الرهبة مجازه: خوفوهم. «1»
«تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ» (116) أي تلهم ما يسحرون ويكذبون أي تلقمه.
«أَفْرِغْ عَلَيْنا» (125) أنزل [علينا]
«قالَ عَسى رَبُّكُمْ» (128) وعسى من الله عز وجل فى كل القرآن أجمع واجبة.
«وَلَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ» (129) مجازه ابتليناهم بالجدوب ف «آل فرعون» : أهل دين فرعون وقومه.
__________
(1) «استرهبوهم ... خوفوهم» : رواه ابن حجر عن أبى عبيدة (فتح الباري 8/ 226) .(1/225)
فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (131) وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (132) فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ (133)
«أَلا إِنَّما طائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ» (130) مجازه: إنما طائرهم، «1» وتزاد «ألا» للتنبيه والتوكيد، ومجاز «طائرهم» : حظهم ونصيبهم.
«الطُّوفانَ» (132) مجازه من السيل: البعاق والدّباش «2» وهود باش شديد سيله، ومن الموت الذريع المبالغ السريع. «3»
«وَالْقُمَّلَ» (132) «4» عند العرب هو الحمنان، والحمنان: ضرب من الفردان واحدتها حمنانة.
__________
(1) «طائرهم» : روى ابن حجر تفسير أبى عبيدة لهذه الكلمة فى فتح الباري 8/ 225.
(2) الدباش: سيل دباش عظيم (اللسان) .
(3) «السيل ... السريع» : نقل الطبري (9/ 20) هذا الكلام عن بعض أهل المعرفة بكلام العرب من أهل البصرة. ورواه ابن حجر عن أبى عبيدة مرة فى أحاديث الأنبياء ومرة فى كتاب التفسير وقال: قال: أبو عبيدة: الطوفان: مجازه من السيل ... المتتابع الذريع ... قال أبو عبيدة القمل عند العرب هى الحمنان قال الأثرم الراوي عنه: والحمنان يعنى بالمهملة ضرب من القردان وقيل هى أصغر وقيل أكبر وقيل هى الدبى بفتح المهملة وتخفيف الموحدة مقصور. وانظر فتح الباري 6/ 308، 8/ 225.
(4) «والقمل ... حمنانة» : روى الطبري (9/ 20) هذا الكلام وكذلك ابن حجر فى فتح الباري 8/ 225. وفى اللسان: وقال أبو عبيدة القمل عند العرب الحمنان (قمل) القرطبي (7/ 269) : وقال أبو عبيدة الحمنان وهو ضرب من القراد واحدتها حمنانة.(1/226)
وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُوا يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ (134) فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ (135) فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ (136) وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ (137) وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (138) إِنَّ هَؤُلَاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (139) قَالَ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَهًا وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (140)
«الرِّجْزُ» (133) مجازه: العذاب.
«بِما عَهِدَ عِنْدَكَ» (133) مجازه: أوصاك وأعلمك.
«فِي الْيَمِّ» (135) أي فى البحر، قال:
كباذخ اليمّ سقاه اليمّ «1»
«يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَما كانُوا يَعْرِشُونَ» (136) «2» مجازه: يبنون ويعرش ويعرش لغتان، وعريش مكّة: خيامها.
«وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ» (137) مجازه: قطعنا.
«يَعْكُفُونَ» (137) أي يقيمون، ويعكفون لغتان.
«مُتَبَّرٌ ما هُمْ فِيهِ» (138) أي مبيّت ومهلك.
«أَبْغِيكُمْ إِلهاً» (139) أي أجعل لكم.
__________
(1) الشطر فى الطبري 9/ 27.
(2) «وما كانوا يعرشون» : روى ابن حجر تفسير أبى عبيدة لهذه الكلمة فى فتح الباري 8/ 226. [.....](1/227)
وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ (142) وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ (143) قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (144) وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ (145) سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ (146) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (147) وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ (148) وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قَالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (149) وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (150)
«جَعَلَهُ دَكًّا» (142) أي مستويا مع وجه الأرض، وهو مصدر جعله صفة، ويقال: ناقة دكّاء أي ذاهبة السّنام مستو ظهرها «1» أملس، وكذلك أرض دكّاء، [قال الأغلب:
هل غير غار دكّ غارا فانهدم] «2»
«لَهُ خُوارٌ» (147) أي صوت كخوار البقر إذا خار، وهو يخور.
«وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ» (148) «3» يقال لكل من ندم وعجز عن شىء ونحو ذلك: سقط فى يد فلان.
«غَضْبانَ أَسِفاً» (149) من شدة، يقال: أسف وعند وأضم، «4» ومن شدّة الغضب يتأسف عليه أي يتغيظ.
__________
(1) «جعله ... ظهرها» : رواه ابن حجر فى فتح الباري 6/ 307.
(2) هو الأغلب بن جشم العجلى مخضرم. انظر ترجمته فى المؤتلف 22، والأغانى 18/ 164 والسمط 801. ولعل الشطر من كلمة بعضها فى حماسة ابن الشجري 37.
(3) «سقط فى ... إلخ» : وفى البخاري: كل من ندم سقط فى يده. قال ابن حجر (8/ 226) : قال أبو عبيدة فى قوله تعالى «وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ» يقال لكل ... فى يده فلان. وانظر فتح الباري أيضا فى 6/ 308. وفى الطبري (9/ 40) : تقول العرب لكل نادم على أمر فات منه أو سلف وعاجز عن شىء قد سقط فى يديه وأسقط لغتان.
(4) الأضم: الغضب.(1/228)
وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ (154) وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ (155) وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ (156) الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (157) قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (158) وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ (159) وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (160)
«وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ» (153) أي سكن لأن كل كاف عن شىء فقد سكت عنه أي كفّ عنه وسكن، ومنه: سكت فلم ينطق.
«وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا» (154) مجازه: اختار موسى من قومه. ولكن بعض العرب يجتازون فيحذفون «من» ، قال العجّاج:
تحت التي اختار له الله الشّجر «1»
أي تحت الشجرة التي اختار له الله من الشجر.
«إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ» (155) مجازه: إنا تبنا إليك [هو من التهويد فى السير ترفق به وتعرج وتمكث] .
«الْمَنَّ» (159) شىء يسقط على الشجر.
«وَالسَّلْوى» (12) طائر يظنون أنه السّمانى، والسمانى أيضا مخفف، وله موضع آخر لكل شىء سلا عن غيره، ومنه السّلوان قال:
لو أشرب السّلوان ما سليت «2»
__________
(1) ديوانه 15- والطبري 9/ 48 واللسان (خير) .
(2) الشطر من أرجوزة فى ديوان رؤبة 25- 27، وهو فى اللسان (سلو) .(1/229)
وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (163)
وعلى التخفيف: «سمانى لبادى» ، «1» [تقول] الصبيان إذا نصبوا له يستدرجونه:
سمانى لبادى أي يلبد بالأرض أي لا يبرح.
[ «أسباطا» ] : الأسباط (159) قبائل بنى إسرائيل واحدهم سبط يقال:
من أي سبط أنت، أي من أي قبيلة وجنس. «2»
قال أبو عبيدة: «فانبجست» (159) أي انفجرت.
«إِذْ يَعْدُونَ «3» فِي السَّبْتِ» (162) إذ يتعدّون فيه عما أمروا به ويتجاوزونه «شرّعا» (162) أي شوارع. «4»
__________
(1) «لبادى» : قال فى التاج: لبدى ولبادى بالضم والتشديد ويخفف عن كراع: طائر على شكل السمانى إذا أسف على الأرض لبد فلم يكد يطير حتى يطار وقيل لبادى طائر يقال له لبادى البدى لا تطيرى ويكرر حتى يلنزق بالأرض فيؤخذ، وفى التكملة قال الليث وتقول الصبيان الأعراب إذا رأوا السمانى: سمانى لبادى البدى، لا ترى فلا تزال تقول ذلك وهى لابدة بالأرض أي لاصقة وهو يطيف بها حتى يأخذها (لبد) .
(2) «الأسباط ... وجنس» : وفى البخاري: الأسباط قبائل بنى إسرائيل قال ابن حجر: هو قول أبى عبيدة وزاد: واحدها إلخ (فتح الباري 8/ 226) .
(3) «إذ يعدون» : وفى البخاري: يعدون فى السبت يتعدون ثم يتجاوزون: قال ابن حجر: تقدم فى أحاديث الأنبياء وهو قول أبى عبيدة (فتح الباري 8/ 226) .
وقد أورده البخاري فى أحاديث الأنبياء، انظر فتح الباري 6/ 325.
(4) «شرعا أي شوارع» : كذا فى البخاري وفتح الباري 8/ 226. وقد أورده البخاري فى أحاديث الأنبياء أيضا وقال ابن حجر (6/ 325) هو قول أبى عبيدة أيضا.(1/230)
فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (165) فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ (166) وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (167) وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَمًا مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِكَ وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (168)
«بِعَذابٍ بَئِيسٍ» (164) أي شديد. «1» قال ذو الإصبع [العدوانىّ
أان رأيت بنى أبيك مجمّحين إليك شوسا] «2»
حنقا علىّ وما ترى ... لى فيهم أثرا بئيسا
«قِرَدَةً خاسِئِينَ» (165) أي قاصين مبعدين، يقال: خسأته عنى وخسأ هو عنى.
«وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ» (166) مجازه: وتأذن ربك، مجازه: أمر وهو من الإذن وأحلّ وحرّم ونهى.
«وَقَطَّعْناهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَماً» (167) أي فرّقناهم فرقا.
__________
(1) «بئيس شديد» : كذا فى البخاري، وقال ابن حجر قال أبو عبيدة فى قوله بعذاب إلخ (فتح الباري 8/ 226) .
(2) ذو الإصبع العدواني أحد الحكماء الشعراء ترجم له فى المؤتلف 118.
والخزانة 2/ 408- والبيت الأول فى اللسان (شوس) والثاني فى الطبري 9/ 64.
والشوس: رفع الرأس تكبرا، التجميح: التحديق فى النظر بملء الحدقة (اللسان، شوس) .(1/231)
فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لَا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ وَالدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (169) وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ (170) وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (171)
«فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ» (168) ساكن ثانى الحروف، وإن شئت حركت الحرف الثاني وهما فى المعنى واحد كما قالوا: أثر وأثر، وقوم يجعلونه إذا سكّنوا ثانى حروفه إذا كانوا مشركين، وإذا حركوه جعلوه خلفا صالحا.
«عَرَضَ هذَا الْأَدْنى» (168) أي طمع هذا القريب الذي يعرض لهم فى الدنيا.
«وَدَرَسُوا ما فِيهِ» (168) مجازه: من دراسة الكتب ويقال: قد درست إمامى أي حفظته وقرأته، يقال: ادرس على فلان أي اقرأ عليه.
«وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ» (170) أي رفعنا فوقهم، وقال العجّاج:
ينتق أقتاد الشّليل نتقا «1»
أي يرفعه عن ظهره، وقال [رؤبة] :
ونتقوا أحلامنا الأثاقلا «2» «3»
__________
(1) «نتقنا ... الأثاقلا» : قال الطبري (9/ 69) : واختلف أهل العلم بكلام العرب فى معنى قوله «نتقنا» وقال بعض البصريين معنى نتقنا رفعنا واستشهد بقول العجاج ... الأثاقلا، وقد حكى عن قائل هذه المقالة قول آخر وهو أن أصل النتق والنتوق كل شىء قلعته من موضعه فرميت به، يقال: منه: نتقت نتقا، قال: ولهذا قيل للمرأة الكبيرة ناتق لأنها ترمى بأولادها رميا واستشهد ببيت النابغة:
لم يحرموا حسن الغداء وأمهم ... دحقت عليك بناتق مذكار
(وهذا البيت فى ديوانه من الستة 14)
(2) ديوانه 40. [.....]
(3) ديوانه 122- واللسان (نتق) .(1/232)
وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (176) سَاءَ مَثَلًا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَأَنْفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ (177) مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (178) وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (179) وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (180) وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ (181) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ (182)
«أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ» (176) لزم وتقاعس وأبطأ يقال فلان مخلد أي بطيء الشّيب، والمخلد الذي تبقى ثنيتاه حتى تخرج رباعيتاه، «1» وهو من ذاك أيضا.
«وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ» (178) أي خلقنا.
«وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ» (179) يجورون ولا يستقيمون ومنه سمّى اللحد لأنه فى ناحية القبر.
( «سَنَسْتَدْرِجُهُمْ» ) (182) : والاستدراج «2» أن تأتيه من حيث لا يعلم ومن حيث تلطف له حتى تغترّه.
__________
(1) «أي قعد ... رباعيتاه» الذي ورد فى الفروق: روى الطبري (9/ 81) هذا الكلام عن بعض البصريين ورواه ابن حجر عن أبى عبيدة فى فتح الباري 8/ 226.
(2) «والاستدراج ... إلخ» : روى ابن حجر هذا الكلام عن أبى عبيدة فى فتح الباري 8/ 226. وقال الطبري (9/ 86) : وأصل الاستدراج، اغترار المستدرج بلطف من حيث يرى المستدرج أن المستدرج إليه محسن ... إلخ.(1/233)
وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (183) أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ (184) أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (185) مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (186) يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (187)
«وَأُمْلِي لَهُمْ» (182) أي أؤخرهم، ومنه قوله: مضى ملىّ من الدهر عليه «1» وملاوة وملاوة وملاوة فيها ثلاث لغات: ضمة وكسرة وفتحة. ويقال: ملّاك الله ولدك، وتمليت حبيبا، اى مدّ الله لك فى عمره. «وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا» (19/ 46) منها قال العجّاج:
ملاوة ملّيتها كأنى ... صاحب صنج نشوة مغنّى] «2»
«إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ» (182) أي شديد.
«ما بِصاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ» (183) أي ما به جنون. «3»
«أَيَّانَ مُرْساها» (186) أي متى، وقال:
أيّان تقضى حاجتى أيّانا ... أما ترى لنجحها إبّانا «4»
أي متى خروجها. «5»
__________
(1) «مضى ... عليه» : لعله حديث، انظر النهاية واللسان (ملى) .
(2) : ديوانه 66- واللسان والتاج (ملى) .
(3) «ما بصاحبهم ... جنون» : نقله ابن حجر عن أبى عبيدة فى فتح الباري 8/ 226.
(4) : فى الطبري 9/ 87 والقرطبي 7/ 335 واللسان (أبن) .
(5) «أي متى خروجها» : نقله ابن حجر عن أبى عبيدة فى فتح الباري 8/ 227.(1/234)
«لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلَّا هُوَ» (186) مجازها: لا يظهرها ولا يخرجها إلّا هو [يقال جلّى لى الخبر وقال بعضهم: جله لى الخبر، والجلاء جلاء الرأس إذا ذهب الشعر] قال طرفة:
سأحلب عيسا صحن سمّ فأبتغى ... به جيرتى إن لم يجلوا لى الخبر «1»
أي يوضحون لى الأمر وهذا يهجوهم، يقال: عاسها يعيسها، والعيس ماء الفحل.
«ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ» (186) مجازها: خفيت، وإذا خفى عليك شىء ثقل.
«كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها» (186) أي حفىّ بها، ومنه قولهم: تحفيت به فى المسألة. «2»
__________
(1) : لم أجد البيت فى ديوانه من الستة وصدره فى اللسان وهو فى التاج كاملا (عيس) .
(2) «أي حفى ... المسألة» : هذا الكلام فى الطبري 9/ 89.(1/235)
هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (189) فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (190) أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ (191) وَلَا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ (192) وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَتَّبِعُوكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ (193) إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (194) أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلِ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلَا تُنْظِرُونِ (195) إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ (196) وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ (197) وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَسْمَعُوا وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ (198) خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (199) وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (200) إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ (201)
«حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفاً» (188) مفتوح الأول إذا كان فى البطن وإذا كان على العنق فهو مكسور الأول وكذلك اختلفوا فى حمل النخلة فجعله بعضهم من الجوف ففتحه وجعله بعضهم على العنق فكسره.
«فَمَرَّتْ بِهِ» (188) مجازه: استمرّ بها الحمل فأتمّته.
«خُذِ الْعَفْوَ» (198) أي الفضل وما لا يجهده، يقال خذ من أخيك ما عفا لك.
«بِالْعُرْفِ» (198) مجازه: المعروف.
«وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ «1» مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ» (199) مجازه: وإما يستخفنك منه خفة وغضب وعجلة، ومنه قولهم: نزغ الشّيطان بينهم أي أفسد وحمل بعضهم على بعض.
«طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ» (200) مجازه: لمم قال [الأعشى] :
وتصبح عن غب السّرى وكأنّما ... ألمَّ بها من طائف الجنّ أولق «2»
__________
(1) «وإما ينزغنك» : روى ابن حجر تفسير أبى عبيدة لهذه الكلمة فى فتح الباري 8/ 227.
(2) : ديوانه 147- والجمهرة 1/ 76 واللسان (طيف) .(1/236)
وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ (202) وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قَالُوا لَوْلَا اجْتَبَيْتَهَا قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي هَذَا بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (203)
وهو من طفت به أطيف طيفا، قال:
أنّى ألمّ بك الخيال يطيف ... ومطافه لك ذكرة وشعوف «1»
«يَمُدُّونَهُمْ «2» فِي الغَيِّ» (201) مجازه: يزّينون لهم الغى والكفر، ويقال:
مدّ له فى غيّه زيّنه له وحسّنه وتابعه عليه.
«هذا بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ» (202) هذا القرآن ما يتلى عليكم، فلذلك ذكّره، والعرب تفعل ذلك، قال:
قبائلنا سبع وأنتم ثلاثة ... وللسبع أركى من ثلاث وأكثر «3»
ذكّر ثلاثة ذهب به إلى بطن ثم أنثه لأنه ذهب به إلى قبيلة ومجاز بصائر أي حجج وبيان وبرهان.
__________
(1) : البيت لكعب بن زهير، فى ديوانه 113- وهو فى الطبري 9/ 99 واللسان (طيف) وشواهد الكشاف 190.
(2) «يمدونهم» : روى ابن حجر تفسير أبى عبيدة لهذه الكلمة فى فتح الباري 8/ 227. [.....]
(3) : البيت للقتال الكلابي حسبما أنشده سيبويه 2/ 181 وهو فى الشنتمرى 2/ 175 وفى فتح الباري 6/ 266.(1/237)
وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ (205)
واحدتها بصيرة وقال الجعفىّ:
حملوا بصائرهم على أكتافهم ... وبصيرتى يعدو بها عتد وأمي «1»
البصيرة «2» الترس، والبصيرة الحلقة من حلق الدرع، فيجوز أن يقال للدرع كلها بصيرة والبصيرة من الدم الذي بمنزلة الورق الرّشاش منه والجديّة «3» أوسع من البصيرة والبصيرة مثل فرسن البعير فهو بصيرة والجديّة أعظم من ذلك، والإسبأة والأسابىّ فى طول «4» ، قال:
والعاديات أسابىّ الدّماء بها ... كأنّ أعناقها أنصاب ترجيب «5»
«تَضَرُّعاً وَخِيفَةً» (204) أي خوفا وذهبت الواو بكسرة الخاء.
__________
(1) : الجعفي: الاسعر الجعفي اسمه مرثد بن حمران الجعفي يكنى أبا حمران وهو جاهلى وقد مرت ترجمته فى رقم 251. - والبيت هو السابع من القصيدة الأولى من مختارات الأصمعى 3- 4 وهو فى الجمهرة 1/ 259 وفى الصحاح واللسان والتاج (بصر) ونسبه الجوهري أيضا إلى الجعفي وقال: وكان أبو عبيدة يقول: البصيرة فى هذا البيت الترس والدرع وكان يرويه «حملوا بصائرهم» .
(2) والبصيرة: قال فى اللسان: وقيل هو ما لزق بالأرض من الجسد وقيل هو قدر فرسن البعير (بصر) .
(3) والجدية: مالزق بالجسد (اللسان- بصر) .
(4) الإسبة والإسباءة الطريقة من الدم والأسابى الطرق من الدم وأسابى الدماء (اللسان) .
(5) لسلامة بن جندل فى ديوانه 7- وشرح المفضليات 223 والاقتضاب 323 واللسان والتاج (سبى) والعيني 2/ 237. - الترجيب: التعظيم (الاقتضاب) .(1/238)
«وَالْآصالِ» (204) «1» واحدتها أصل وواحد الأصل أصيل ومجازه: ما بين العصر إلى المغرب، وقال [أبو ذؤيب] :
لعمرى لأنت البيت أكرم أهله ... وأقصد فى أفيائه بالأصائل «2»
[يقال: آخر النهار] .
__________
(1) والآصال: وفى البخاري: واحده أصيل وهو بين العصر إلى المغرب كقولك بكرة وأصيلا وقال ابن حجر هو قول أبى عبيدة أيضا بلفظه، قال ابن التين ضبط فى نسخة أصل بضمتين وفى بعضها أصيل بوزن عظيم وليس ببين إلا ان يريد أن الآصال جمع أصيل فيصح (فتح الباري 8/ 227) .
(2) : ديوان الهذليين 1/ 141- والأغانى 6/ 57 والخزانة 2/ 489، 564،(1/239)
يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (1) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4) كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ (5)
(بسم الله الرّحمن الرّحيم)
«سورة الأنفال»
(8)
«يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ» (1) ومجازها الغنائم التي نفلها الله النبىّ صلى الله عليه وأصحابه، واحدها نقل، متحرك بالفتحة، قال لبيد:
إنّ تقوى ربّنا خير نفل «1»
«وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ» (2) أي خافت وفزعت، وقال معن بن أوس:
لعمرك ما أدرى وإنّى لأوجل ... على أيّنا تعدو المنيّة أوّل «2»
«كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ» (5) مجازها مجاز القسم، كقولك: والذي أخرجك ربك لأن «ما» فى موضع «الذي» وفى آية
__________
(1) ديوانه 2/ 11- وجمهرة الأشعار 7 والطبري 9/ 108 والقرطبي 7/ 361 واللسان (نفل) وشواهد الكشاف 229.
(2) : معن بن أوس: شاعر إسلامى، راجع الأغانى 10/ 156 والمعجم للمرزبانى 399 والسمط 733 والإصابة رقم 8451. - والبيت فى الحماسة 3/ 132 والجمهرة 3/ 18 والاقتضاب 463 والخزانة 3/ 505.(1/240)
وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ (7) لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (8) إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ (9)
أخرى «وَالسَّماءِ وَما بَناها» (91/ 5) أي والّذى بناها، وقال:
دعينى إنما خطأى وصوبى ... علىّ وإن ما أهلكت مال «1»
أي وإنّ الذي أهلكت مال. وفى آية أخرى «إِنَّما صَنَعُوا كَيْدُ ساحِرٍ» (20/ 69) : إنّ الذي فعلوه كيد ساحر فلذلك رفعوه.
«غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ» (7) مجاز الشوكة: الحدّ، يقال: ما أشدّ شوكة بنى فلان أي حدّهم. «2»
«بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ» (9) مجازه: مجاز فاعلين، من أردفوا أي جاءوا بعد قوم قبلهم وبعضهم يقول: ردفنى أي جاء بعدي وهما لغتان، ومن قرأها بفتح الدال وضعها فى موضع مفعولين من أردفهم الله من بعد من قبلهم وقدامهم. «3»
__________
(1) من كلمة لأوس بن غلفاء فى نوادر أبى زيد 46 والشعراء 404، والعيني 4/ 249 وهو فى الصحاح واللسان والتاج (صوب) والقرطبي 10/ 252.
(2) «غير ... حدهم» : روى ابن حجر (7/ 269) هذا الكلام عن أبى عبيدة فى فتح الباري 8/ 230. وقال القرطبي: قال أبو عبيدة: أي غير ذات الحد.
(3) «ردفنى ... واحد» الذي ورد فى الفروق: روى أبو على الفارسي هذا الكلام عن أبى عبيدة فى الحجة 1/ 193 ا (شهيد على) وفى القرطبي 7/ 371 وروى ابن حجر هذا الكلام عنه أيضا فى فتح الباري 8/ 230.(1/241)
إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ (11) إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ (12)
«النُّعاسَ أَمَنَةً مِنْهُ» (11) وهى مصدر بمنزلة أمنت أمنة وأمانا [وأمنا] ، كلهن سواء.
«رِجْزَ الشَّيْطانِ» (11) أي لطخ الشيطان، وما يدعو إليه من الكفر.
«وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ» (11) مجازه: يفرغ عليهم الصبر وينزله عليهم فيثبتون لعدوهم. «1»
«فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ» (12) مجازه: على الأعناق، يقال: ضربته فوق الرأس وضربته على الرأس.
«وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ» (12) وهى أطراف الأصابع واحدتها بنانة، قال [عباس بن مرداس] :
ألا ليتنى قطّعت منى بنانة ... ولا قيته فى البيت يقظان حاذرا «2»
__________
(1) «مجازه ... لعدوهم» : نقل الطبري (9/ 124) هذا الكلام وقال: وقد زعم بعض أهل العلم بالغريب من أهل البصرة أن مجاز قوله «ويثبت به الأقدام» يفرغ عليهم الصبر وينزله عليهم فيثبتون لعدوهم، وذلك خلاف لقول جميع أهل التأويل من الصحابة والتابعين وحسب قول خطئا أن يكون خلافا لقول من ذكرنا وقد بينا أقوالهم فيه وأن معناه وثبتت أقدام المؤمنين بتلبيد المطر الرمل حتى لا تسوخ فيه أقدامهم وحوافر دوابهم. [.....]
(2) : فى الطبري 9/ 125 واللسان والتاج (بنن) والسجاوندى 1/ 189 ب (كوبريلى) . - أبو ضب: لعله خويلد وقد كان هويم بن مرداس أخو عباس ابن مرداس مجاورا فى خزاعة فى جوار رجل منهم يقال له: عامر فقتله رجل من خزاعة يقال له خويلد إلخ. راجع الخبر المروي عن أبى عبيدة فى الأغانى 13/ 66.(1/242)
ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (13)
[يعنى أبا ضبّ رجلا من هذيل قتل هريم بن مرداس وهو نائم وكان جاورهم بالربيع] .
َاقُّوا اللَّهَ»
(13) مجازه: خانوا الله وجانبوا أمره ودينه وطاعته.
َ مَنْ يُشاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ»
(13) والعرب إذا جازت ب «من يفعل كذا» فإنهم يجعلون خبر الجزاء ل «من» وبعضهم يترك الخبر الذي يجاز به ل «من» ويخبر عما بعده فيجعل الجزاء له كقول شدّاد بن معاوية العبسىّ وهو أبو عنترة:
فمن يك سائلا عنى فإنى ... وجروة لا ترود ولا تعار «1»
لا أدعها تجىء وتذهب تعار. ترك الخبر عن نفسه وجعل الخبر لفرسه، والعرب أيضا إذا خبّروا عن اثنين أظهروا الخبر عن أحدهما وكفّوا عن خبر الآخر ولم يقولوا:
ومن يحارب الصلت وزيدا فان الصلت وزيدا شجاعان كما فعل ذلك قائل:
__________
(1) : اختلفوا فى عزوه كما اختلفت الأصول أيضا. وهو من كلمة فى ديوان عنترة من الستة 39 ونسبها أبو عبيدة فى النقائض لأبيه شداد بن معاوية العبسي 97 وكذا فعل صاحب الأغانى (16/ 32) والبيت فى الكتاب 1/ 127 واللسان والتاج (جرو) معزو لشداد.(1/243)
فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (17)
فمن يك سائلا عنى فإنى ... وجروة لا ترود ولا تعار (276)
ولم يقل لا نرود ولا نعار فيدخل نفسه معها فى الخبر، وكذلك قول الأعشى:
وإنّ إمراء أهدى إليك ودونه ... من الأرض موماة ويهماء خيفق
لمحقوقة أن تستجيبى لصوته ... وأن تعلمى أن المعان موفّق
قال أبو عبيدة: كان المحلق اهدى إليه طلبا لمديحه وكانت العرب تحب المدح فقال لناقته يخاطبها:
وإن أمراء أهدى إليك ودونه «1»
ترك الخبر عن امرئ وأخبر عن الناقة فخاطبها. وفى آية أخرى:
«وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ» (8/ 49) .
«وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى» (17) مجازه: ما ظفرت ولا أصبت ولكن الله أيّدك وأظفرك وأصاب بك ونصرك ويقال: رمى الله لك، أي نصرك الله وصنع لك.
__________
(1) : ديوانه 149- والإنصاف 32 والخزانة 1/ 551، 2/ 411. - فالمراد بالمرء ممدوحه والخطاب لناقته وكان ممدوحه أهداها له فالكلام على هذه الرواية من أوله إلى هنا خطاب لناقته (الخزانة) .(1/244)
إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ (19) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ (20) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ (21) إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ (22) وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (23) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24) وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (25) وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (26) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (27) وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (28) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (29) وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (30) وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (31) وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (32)
«إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ» (19) مجازه: إن تستنصروا فقد جاءكم النصر.
«فِئَتُكُمْ شَيْئاً» (19) مجازها: جماعتكم، قال العجّاج:
كما يجوز الفئة الكمي
(169)
«وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ» (20) مجازه: ولا تدبروا عنه ولا تعرضوا عنه فتدعوا أمره.
«اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ» (24) مجازه: أجيبوا الله «1» ويقال استجبت له واستجبته، وقال كعب بن سعد الغنوىّ:
وداع دعا من يجيب إلى النّدى ... فلم يستجبه عند ذاك مجيب (83)
«إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ» (24) مجازه: للذى يهديكم ويصلحكم وينجيكم من الكفر والعذاب.
«فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ» (32) مجازه أن كل شىء من العذاب فهو أمطرت بالألف وإن كان من الرحمة فهو مطرت. «2»
__________
(1) «أجيبوا» : رواه القرطبي (7/ 389) تفسيره هذا عن أبى عبيدة.
(2) «العذاب ... فهو مطرت» . رواه ابن حجر عن أبى عبيدة فى فتح الباري (8/ 231) وقال: وفيه نظر.(1/245)
وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (35) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ (36) لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (37) قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ (38) وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (39) وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلَاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (40) وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (41) إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ (42)
مُكاءً وَتَصْدِيَةً» (35) «1» المكاء الصفير قال [رجل يعنى امرأته] :
ومكابها فكأنما يمكو بأعصم عاقل
(278) «وَتَصْدِيَةً» أي تصفيق بالأكف، قال: تصدية بالكف أي تصفيق، التصفيق والتصفيح والتصدية شىء واحد.
«فَذُوقُوا» (35) مجازه: فجرّبوا وليس من ذوق الفم. «2»
«فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً» (37) مجازه: فيجمعه بعضه فوق بعض أجمع.
«بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيا» (42) «3» مكسورة، وبعضهم يضمها، ومجازه من: عدى الوادي أي ملطاط شفيره والملطاط والعدى حافتا الوادي من جانبيه، بمنزلة رجا البئر من أسفل، ويقال: ألزم هذا الملطاط.
__________
(1) «مكاء وتصدية» : قال أبو على قال أبو عبيدة وغيره المكاء الصفير والتصدية التصفيق (الحجة 1/ 202 آشهيد على) . وروى ابن حجر تفسير أبى عبيدة لهتين الكلمتين فى فتح الباري 8/ 230.
(2) «فجربوا ... الفم» : كذا فى البخاري، وقال ابن حجر فى فتح الباري 8/ 231 هو قول أبى عبيدة.
(3) «العدوة» : اختلف القراء فى قراءة قوله «إذ أنتم بالعدوة» فقرأ عامة قراء المدنيين والكوفيين بضم العين وقرأ بعض المكيين والبصريين بالعدوة بكسر العين وهما لغتان مشهورتان بمعنى واحد فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب (الطبري 10/ 8) .(1/246)
إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلَكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (43) وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (44) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (45) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (46) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (47) وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ (48) إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هَؤُلَاءِ دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (49) وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (50) ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (51) كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ (52)
«إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنامِكَ» (44) مجازه: فى نومك ويدلّ على ذلك قوله فى آية أخرى: «إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ» (8/ 11) وللمنام موضع آخر فى عينك التي تنام بها
ويدل على ذلك قوله «وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ» (44) .
«وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ» (46) مجازه: وتنقطع دولتكم.
«نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ» (49) مجازه: رجع من حيث جاء.
«وَلَوْ تَرى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ» (51) مجازه مجاز المختصر المضمر فيه وهو بمعنى ويقولون ذوقوا عذاب الحريق، والعرب تفعل ذلك، قال النّابغة:
كأنّك من جمال بنى أقيش ... يقعقع خلف رجليه بشنّ (54)
معناه: كأنك جمل والعرب تقدّم المفعول قبل الفاعل.
«كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ» (53) مجازه: كعادة آل فرعون وحالهم وسنتهم [والدّأب والدّيدن والدّين واحد، قال المثقّب العبدىّ:
تقول إذا درأت لها وضينى ... أهذا دينه أبدا ودينى «1»
__________
(1) : البيتان فى ديوانه رقم 5- وفى شرح المفضليات 586 والاقتضاب 426 والأول فقط فى الجمهرة 2/ 305، 3/ 442 واللسان (درأ) وشعراء الجاهلية 405- 409. - الوضين للرحل بمنزلة الحزام، ودرأت مددت وشددت رحلها.(1/247)
إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (55) الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لَا يَتَّقُونَ (56) فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (57)
أكلّ الدهر حلّ وارتحال ... أما يبقى علىّ ولا يتينى
وقوله: درأت أي بسطت ويقال يا فلانه ادرئي لفلان الوسادة] ، وقال خداش بن زهير العامرىّ فى يوم الفجار، كانت النصرة فيه لكنانة وقريش على قيس:
وما زال ذاك الدّأب حتى تخاذلت ... هوازن وارفضّت سليم وعامر «1»
«إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا» (56) مجاز الدواب أنه يقع على الناس وعلى البهائم، وفى آية أخرى:
«وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُها» (11/ 6) .
«فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ» (58) مجازه مجاز فإن تثقفنّهم.
«فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ» (58) مجازه فأخف واطرد بهؤلاء الذين تثقفنهم الذين بعدهم، وفرّق بينهم.
__________
(1) خداش: هو خداش بن زهير بن ربيعة بن عمرو بن عامر بن صعصعة له ترجمة فى معجم المرزباني 106 والأغانى 19/ 78 والإصابة 2/ 950 والخزانة 3/ 232، قيل: إنه شاعر جاهلى وقيل: بل هو مخضرم إذ أنه أسلم بعد غزوة حنين. - يوم الفجار: هو الوقعة العظمى نسبت إلى البراض بن قيس فقيل: فجار البراض وإنما سميت حرب الفجار لأنهم فجروا واستحلوا فيها حرمة الأشهر الحرم.
انظر الروض 1/ 120 والأغانى 19/ 76 والتاج (فجر) . - والبيت. فى الأغانى 91/ 80.(1/248)
وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ (58) وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَ (59) وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (60)
«وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ» (59) مجاز «وإما» وإن، ومعناها وإما توقننّ منهم خيانة أي غدرا، وخلافا وغشّا، ونحو ذلك.
«فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ» (59) مجازه: فألق إليهم وأظهر لهم أنهم حرب وعدو وأنك ناصب لهم حتى يعلموا ذلك فتصيروا على سواء وقد أعلمتهم ما علمت منهم، يقال: نابذتك على سواء.
«وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا» (60) مجازه: فاتوا.
«إِنَّهُمْ لا يُعْجِزُونَ» (60) لا يفوتون. «1»
«تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ» (61) أي تخيفون وترعبون أرهبته ورهبته سواء، والرّهب والرّهب واحد. قال طفيل بن عوف الغنوىّ.
ويل أمّ حىّ دفعتم فى نحورهم ... بنى كلاب غداة الرّعب والرّهب «2»
__________
(1) «فاتوا ... لا يفوتون» : روى أبو على الفارسي هذا الكلام عن أبى عبيدة فى الحجة 1/ 206 ب (شهيد على) .
(2) : فى الطبري 10/ 20.(1/249)
وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (61) وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (62) وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (63) يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (64) يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ (65) الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (66) مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (67) لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (68) فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (69) يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (70) وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (71) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (72)
«وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ» (62) أي رجعوا إلى المسالمة، وطلبوا الصلح وهو السلم مكسورة ومفتوحة ومتحركة الحروف بالفتحة واحد، قال رجل من أهل اليمن جاهلى:
أناثل إننى سلم ... لأهلك فاقبلى سلمى «1»
فيها ثلاث لغات، وكذلك السلام أيضا، وقد فرغنا «2» منه فى موضع قبل هذا ويقال للدلو سلم مفتوحة ساكنة اللام، ويقال: أخذته سلما أي أسرته ولم أقتله ولكن استسلم لى، متحرك الحروف بالفتحة وكذلك السّلم الذي تسلم فيه وهو السلف الذي تسلّف فيه وهو متحرك الحروف والسّلم شجر واحدته سلمة متحركة بالفتحة.
«حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ» (68) مجازه: حتى يغلب ويغالب ويبالغ.
«عَرَضَ الدُّنْيا» (68) طمعها ومتاعها والعرض فى موضع آخر من أعراض البلايا.
«وَهاجَرُوا» (73) مجازه: هاجروا قومهم وبلادهم وأخرجوا منها.
__________
(1) : فى اللسان والتاج (سلم) .
(2) «وقد فرغنا ... إلخ» : فى ص 71- 72. [.....](1/250)
وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولَئِكَ مِنْكُمْ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (75)
«مِنْ وَلايَتِهِمْ» (73) إذا فتحتها فهى مصدر المولى وإذا كسرتها فهى مصدر الوالي الذي يلى الأمر والمولى والمولى واحد.
«وَأُولُوا الْأَرْحامِ» (76) ذووا، ألا ترى أن واحدها ذو.(1/251)
بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (1) فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ (2) وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (3)
«سورة التّوبة» (9)
«بَراءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ» (1)
ثم خاطب شاهدا فقال:
«فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ» (2) مجازه: سيروا وأقبلوا وأدبروا، «1» والعرب تفعل هذا، قال عنترة:
شطّت مزار العاشقين فأصبحت ... عسرا علىّ طلابك ابنة مخرم (17)
«وَأَذانٌ مِنَ اللَّهِ» (3) مجازه: وعلم من الله وهو مصدر واسم من قولهم:
آذنتهم أي أعلمتهم، «2» يقال أيضا: «أذين وإذن» .
__________
(1) «سيروا ... وأدبروا» : وفى البخاري: فسيحوا سيروا. وقال ابن حجر هو كلام أبى عبيدة بزيادة قال فى قوله تعالى «فسيحوا الآية، قال: سيروا ... أو أدبروا (فتح الباري 8/ 238) .
(2) «وعلم ... أعلمتهم» : روى ابن حجر هذا الكلام عن أبى عبيدة فى فتح الباري 8/ 238.(1/252)
فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5) وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ (6) كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (7) كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ (8) اشْتَرَوْا بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (9) لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ (10) فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (11) وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ (12)
«وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ» (4) «1» وكذلك: واقعد له على كل مرصد، والمراصد: الطرق، قال [عامر بن الطّفيل:
ولقد علمت وما إخال سواءه] ... أن المنيّة للفتى بالمرصد «2»
«لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلا ذِمَّةً» (9) مجاز الإلّ: العهد والعقد واليمين، ومجاز الذمة التذمم ممن لا عهد له، والجميع ذمم «3» «يَرْقُبُوا» أي يراقبوا.
«وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ» (12) أي أداموها فى مواقيتها، وأعطوا زكاة أموالهم.
«فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ» (12) مجازه مجاز المختصر الذي فيه ضمير، كقولك: فهم إخوانكم.
«وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ» (13) مجازه: إن نقضوا أيمانهم، وهى جميع اليمين من الحلف.
__________
(1) «مرصد» : وفى البخاري: مرصد طريق قال ابن حجر: كذا فى بعض النسخ وسقط للاكثر وهو قول أبى عبيدة، قال فى قوله تعالى ... الطرق (فتح الباري 8/ 275) .
(2) لم أجد هذا البيت فى ديوان عامر بن الطفيل ولكنه فى القرطبي 8/ 73.
(3) «الإل ... ذمم» : قال الطبري (10/ 53) : وقد زعم بعض من نسب إلى معرفة كلام العرب من البصريين (يريد أبا عبيدة) أن الإل والعهد والميثاق واليمين واحد والذمة فى هذا الموضع التذمم ممن لا عهد له والجميع ذمم.(1/253)
أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (16) مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ (17) إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (18) أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (19) الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ (20) يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ (21) خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (22) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (23) قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (24) لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (25) ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ (26)
«وَلِيجَةً» (17) كل شىء أدخلته فى شىء ليس منه فهو وليجة، والرجل يكون فى القوم وليس منهم فهو وليجة فيهم، ومجازه يقول: فلا تتخذوا وليّا ليس من المسلمين دون الله ورسوله، ومنه قول طرفة بن العبد:
فإن القوا فى يتّلجن موالجا ... تضايق عنها أن تولجّه الإبر «1» «2»
ويقال للكناس الذي يلج فيه الوحش من الشجر دولج وتولج، وقال:
متخذا منها إيادا دولجا «3»
«وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسى أُولئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ» (19) عسى هاهنا واجبة من الله.
«أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ» (26) مجازه مجاز فعيلة من السكون، قال [أبو عريف الكليبىّ] :
__________
(1) «وليجة ... الإبر» : روى صاحب اللسان (ولج) هذا الكلام عن أبى عبيدة باختلاف يسير وروى القرطبي (8/ 88) .
(2) فى ملحق ديوانه من الستة وفى اللسان (ولج) والعيني 4/ 581.
(3) هذا الشطر فى ديوان جرير (نشر الصاوى) 92.(1/254)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (28) قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ (29)
لله قبر غالها ماذا يجنّ ... لقد أجنّ سكينة ووقارا «1»
«إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ» (29) متحرك الحروف بالفتحة، ومجازه:
قذر، وكل نتن وطفس نجس.
«وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً» (29) وهى مصدر عال فلان أي افتقر فهو يعيل، وقال:
وما يدرى الفقير متى غناه ... وما يدرى الغنى متى يعيل «2»
«وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ» (30) مجازه: لا يطيعون الله طاعة الحق، وكل من أطاع مليكا فقد دان له، ومن كان فى طاعة سلطان فهو فى دينه، قال زهير:
لئن حللت بجوّ فى بنى أسد ... فى دين عمرو وحالت بيننا فدك «3»
__________
(1) : فى اللسان (سكن) .
(2) البيت فى جمهرة الأشعار 9 واللسان والتاج (عول) ، نسبوه إلى أحيحة ابى الجلاح وهو فى الطبري 10/ 61 غير معزو.
(3) : ديوانه 183- وفى جمهرة الأشعار 5 والطبري 10/ 68 والجمهرة 2/ 36 واللسان (فدك) .(1/255)
وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (30)
وقال طرفة بن العبد:
لعمرك ما كانت حمولة معبد ... على جدّها حربا لدينك من مضر «1»
أي لطاعتك، [جدّها مياهها] .
«حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ» (30) كل من انطاع لقاهر بشىء أعطاه من غير طيب نفس به وقهر له من يد فى يد فقد أعطاه عن يد ومجاز الصاغر الذليل الحقير، يقال: طعت له وهو يطاع له، وانطعت له، وأطعته، ولم يحفظ طعت له.
«يُضاهِؤُنَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ» (31) ومجاز المضاهات مجاز التشبيه. «2»
«قاتَلَهُمُ اللَّهُ» (30) «3» قتلهم الله، وقلّما يوجد فاعل إلّا أن يكون العمل من إثنين، وقد جاء هذا ونظيره ونظره: عافاك الله، والمعنى أعفاك الله، وهو من الله وحده.
__________
(1) : البيت فى ديوانه طبع قازان 1909 ص 3.
(2) «التشبيه» : رواه ابن حجر عن أبى عبيدة فى فتح الباري 8/ 237.
(3) «قاتلهم الله» : قال الطبري (10/ 70) فى تفسير هذه الآية: فأما أهل المعرفة بكلام العرب فانهم يقولون: معناه قتلهم الله إلخ. [.....](1/256)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34)
والنظر والنظير سواء مثل ندّ ونديد، وقال:
ألا هل أتى نظرى مليكة أنّنى «1»
«أَنَّى يُؤْفَكُونَ» (30) كيف يحدّثون، وقال [كعب بن زهير] :
أنّى ألم بك الخيال يطيف ... [ومطافه لك ذكرة وشعوف] (267)
ويقال: رجل مأفوك أي لا يصيب خيرا، وأرض مأفوكة أي لم يصبها مطر وليس بها نبات.
«وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها» (34) صار الخبر عن أحدهما، ولم يقل «ولا ينفقونهما» والعرب تفعل ذلك، إذا أشركوا بين اثنين قصروا فخبّروا عن أحدهما استغناء بذلك وتخفيفا، لمعرفة السامع بأن الآخر قد شاركه ودخل معه فى ذلك الخبر، قال:
فمن يك أمسى بالمدينة رحله ... فإنّى وقيّار بها لغريب (207)
وقال:
__________
(1) : هذا صدر بيت عجزه:
أنا الليث معديا عليه وعاديا
أنشده صاحب اللسان (نظر) . وقال: وحكى أبو عبيدة النظر والنظير مثل الند والنديد. وأنشد لعبد يغوث بن وقاص الحارثي. والبيت من قصيدة تمامها فى المفضليات 315 والأغانى 16/ 72 والخزانة 1/ 319 باختلاف فى رواية صدر البيت.(1/257)
إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (36) إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (37)
نحن بما عندنا وأنت بما ... عندك راض والرأى مختلف (48)
وقال حسّان بن ثابت:
إن شرخ الشّباب والشّعر الأسود ما لم يعاص كان جنونا «1» ولم يقل يعاصيا [وقال جرير:
ما كان حينك والشقّاء لينتهى ... حتى أزورك فى مغار محصد «2»
لم يقل لينتهيا] .
«الدِّينُ الْقَيِّمُ» (36) مجازه: القائم أي المستقيم، خرج مخرج سيّد، وهو من ساد يسود «3» بمنزلة قام يقوم.
«وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً» (36) أي عامة، يقال: جاءونى كافة، أي جميعا.
«إِنَّمَا النَّسِيءُ «4» زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ» (37) كانت النسأة فى الجاهلية، وهم بنو نقيم من كنانة اجتبروا لدينهم ولشدتهم فى دينهم فى الجاهلية، إذا اجتمعت العرب
__________
(1) : ديوانه 413- والكامل 497 والطبري 10/ 76 والجمهرة 2/ 207 والقرطبي 8/ 128 واللسان (شرخ) .
(2) : لم أحد البيت فى مظانه.
(3) «القائم ... يسود» : هذا الكلام عند القرطبي 8/ 134.
(4) «النسيء» : ذكر ابن هشام أمر النسيء فى السيرة 1/ 41.(1/258)
فى ذى الحجة للموسم وأرادوا ان يؤخروا ذا الحجة فى قابل لحاجة أو لحرب، نادى مناد: إنّ المحرّم فى صفر «1» وكانوا يسمّون المحرّم وصفر الصفرين، والمحرم صفر الأكبر، وصفر المحرم الأصغر فيحلون المحرم ويحرّمون صفر، فلا يفعلون ذلك كل عام، حتى إذا حجّ النبي صل الله عليه وسلم فى ذى الحجة الذي يكون فيه الحج قال: «إن الزمان قد استدار وعاد كهيئته، فاحفظوا العدد» . «2» فبنصرف الناس بذلك إلى منازلهم.
«لِيُواطِؤُا» (37) مجازه: ليوافقوا [من وطئت، قال ابن مقبل:
__________
(1) «صفر» : وكان أبو عبيدة لا يصرفه (اللسان) .
(2) هذا الحديث مذكور فى حجة الوداع (السيرة 2/ 250) على خلاف فى الرواية، وهو كذلك فى البخاري فى بدء الخلق وتفسير سورة التوبة وباب الأضاحى والتوحيد، وفى مسلم فى القسامة.(1/259)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ (38) إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (39) إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (40) انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (41) لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لَاتَّبَعُوكَ وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (42)
ومنهل دعس آثار المطىّ به ... يأتى المخارم عرنينا فعرنينا «1»
واطأته بالسّرى حتى تركت به ... ليل التّمام ترى أعلامه جونا]
«إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ» (38) ، انفروا: اخرجوا واغزوا، ومجاز: «اثَّاقَلْتُمْ» : مجاز افتعلتم من التثاقل فأدغمت التاء فى الثاء فثقلت وشددت «إِلَى الْأَرْضِ» أي أخلدتم إليها فاقمتم وابطأتم.
«إِنَّ اللَّهَ مَعَنا» (40) أي ناصرنا وحافظنا.
«الشُّقَّةُ» (42) «2» السفر البعيد، يقال: إنك لبعيد الشّقّة، قال الأخوص «3» الرّياحى وحمل أبوه حمالة فظلع فقدما البصرة فبادر أباه فقال: إنّا من تعرفون
__________
(1) : فى جمهرة الأشعار 161 والأول فقط فى اللسان (دعس) باختلاف- الدعس: الأثر، وقيل هو الأثر الحديث البين (اللسان) .
(2) «الشقة السفر» : كذا فى البخاري قال ابن حجر فى فتح الباري (8/ 235) هو كلام أبى عبيدة وزاد البعيد.
(3) «الأخوص» : بالخاء المعجمة: يقال: رجل أخوص بين الخوص أي غار العينين، وقد خوص بالكسر، وأما الأحوص بالحاء المهملة فليس هذا وكثيرا ما يصحف به، والحوص ضيق فى مؤخر العين (الخزانة 2/ 140) قال الآمدى فى المؤتلف والمختلف (49) الأخوص بالخاء المعجمة، اسمه زيد بن عمرو بن قيس من بنى رياح بن يربوع بن حنظلة، شاعر إسلامى فارس والأبيرد (فى ص 261) : هو الأبيرد بن المعذر بن عمرو بن قيس، من بنى رياح ابن يربوع، وقيل. اسمه قرة بن نعيم إلخ. وقد مرت ترجمته. أما رواية أبى عبيدة هذه فلم أقف عليها ولا على الخبر. وفى الأغانى (12/ 14) فى أخبار الأبيرد رواية تدل على أنهما ابنا عم ونصها: أخبرنى محمد بن العباس اليزيدي، قال عمى:
قال أتى رجل للابيرد الرياحي وابن عمه الأحوص (وورد بالمهملة مصحفا فى المطبوع) وهما من رهط ردف الملك من بنى رياح يطلب منهما قطرانا لإبله إلخ.(1/260)
لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (47) لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ حَتَّى جَاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ (48) وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ (49)
وأبناء السبيل وجئنا من شقّة ونسأل فى حق وتنطوننا «1» ويجزيكم الله. فقام أبوه ليخطب فقال: يا إياك، إنى قد كفيتك، وليس بنداء إنما هى ياء التنبيه. إيّاك كفّ، كقولك: إياك وذاك، فقال معاوية للأخوص: وكيف غلبت الأبيرد وهو أسنّ منك؟ قال: إن قوافى علائق «2» وأنبازى قلائد، فقال معاوية: قاتلك الله جنّى برونكت بالقضيب فى صدره.
«إِلَّا خَبالًا» (47) الخبال: الفساد. «3»
قوله عز وجل: «وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ» (47) أي لأسرعوا خلالكم أي بينكم، وأصله من التخلل.
«وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ» (47) أي مطيعون لهم سامعون.
«ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي» (49) «4» مجازه: ولا تؤثمنى.
«أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا» (49) أي ألا فى الإثم وقعوا وصاروا.
__________
(1) الإنطاء: الإعطاء بلغة أهل اليمن (اللسان) .
(2) علائق: جمع علاقة وهى التي تتعلق وتتصل، أنباز جمع نبز بالتحريك أي اللقب (اللسان) والقلائد: لعلها من قلائد الشعر أي البواقي على الدهور (التاج) .
(3) «الخبال الفساد» : كذا فى البخاري ورواه ابن حجر عن أبى عبيدة (فتح الباري 8/ 235) .
(4) «ولا تفتنى» : وفى البخاري: ولا تفتنى وتوبخنى. قال ابن حجر (8/ 235) :
كذا للاكثر وهى الثابتة فى كلام أبى عبيدة الذي يكثر المصنف النقل عنه. [.....](1/261)
قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (51) قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ (52) قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْمًا فَاسِقِينَ (53) وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ (54) فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ (55) وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَمَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ (56) لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلًا لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ (57) وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ (58)
«إِلَّا ما كَتَبَ اللَّهُ لَنا» (51) إلا ما قضى الله لنا وعلينا.
«هُوَ مَوْلانا» (51) أي ربّنا.
«أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذابٍ» (52) أي أن يميتكم.
«أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً» (53) مفتوح ومضموم سواء.
«كُسالى» (54) وكسالى مضمومة ومفتوحة وهى جميع كسلان، وإن شئت كسل.
«وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ» (55) أي تخرج وتموت وتهلك، ويقال: زهق ما عندك، أي ذهب كله.
«مَلْجَأً أَوْ مَغاراتٍ» (57) أي ما يلجئون إليه أو ما يغورون فيه فيدخلون فيه ويتغيبون فيه.
«يَجْمَحُونَ» (57) يجمح أي يطمح يريد أن يسرع. «1»
«وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ» (57) أي يعيبون، قال زياد الأعجم:
__________
(1) «يلجئون ... يسرع» : روى ابن حجر هذا الكلام عن أبى عبيدة فى فتح الباري 8/ 235- 236.(1/262)
أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ (63) يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ (64) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ (66) الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (67) وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ (68) كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلَاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلَاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلَاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (69) أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ وَأَصْحَابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكَاتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (70) وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71) وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (72)
إذا لقيتك تبدى لى مكاشرة ... وإن أغيب فأنت العائب اللّمزة «1»
«أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحادِدِ اللَّهَ» (63) أي من يحارب الله ويشاقق الله ورسوله.
«وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ» (67) أي يمسكون أيديهم عن الصدقة والخير، يقال: قبض فلان عنا يده أي منعنا.
«فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ» (69) أي بنصيبهم ودينهم ودنياهم.
«وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ» (2/ 200) أي من نصيب يعود إليه.
«وَالْمُؤْتَفِكاتِ» (70) قوم لوط ائتفكت بهم الأرض أي انقلبت بهم.
«فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ» (72) أي خلد، يقال عدن فلان بأرض كذا وكذا أي أقام بها وخلد بها، ومنه المعدن، و [يقال] هو فى معدن صدق، أي فى أصل ثابت، «2»
__________
(1) : «زيادة الأعجم» : هو زياد بن سليمان الأعجم ويكنى أبا امامة له ترجمة فى المؤتلف 131 والأغانى 14/ 98. - والبيت فى الطبري 10/ 95 والسجاوندى 1/ 201 وشواهد الكشاف 152.
(2) (من ص 264) «أي خلد ... ثابت» : أخذ الطبري هذا الكلام برمته (10/ 109) ورواه ابن حجر عن أبى عبيدة فى فتح الباري 8/ 236 وهو فى البخاري بمعناه.(1/263)
الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (79) اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (80) فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ (81)
وقال الأعشى:
وإن يستضيفوا إلى حلمه ... يضافوا إلى راجح قد عدن «1»
أي رزين لا يستخفّ
«إِلَّا جُهْدَهُمْ» (79) «2» مضموم ومفتوح سواء، ومجازه: طاقتهم، ويقال:
جهد المقل وجهده.
«خِلافَ «3» رَسُولِ اللَّهِ» (81) أي بعده، قال [الحارث بن خالد]
عقب الربيع خلافهم فكأنما ... بسط الشواطب بينهن حصيرا «4»
[الشواطب اللاتي يشطبن سحاء الجريد ثم يصبغنه ويرملن الحصر] .
__________
(1) : ديوانه 17- والطبري 10/ 115 وفتح الباري 11/ 361.
(2) «جهدهم ... المقل» : روى ابن حجر هذا الكلام عن أبى عبيدة وقال الفراء الجهد بالضم لغة الحجاز ولغة غيرهم الفتح وهذا هو المعتمد عند أهل العلم باللسان (فتح الباري 8/ 249) .
(3) «أي خلفه» : الذي ورد فى الفروق رواه السجاوندى (1/ 203 ب- كوبريلى) على أنه تفسير أبى عبيدة.
(4) : فى الطبري 10/ 127 واللسان والتاج (خلف) .(1/264)
فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ (83) وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ (84) وَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ (85) وَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللَّهِ وَجَاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُو الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُوا ذَرْنَا نَكُنْ مَعَ الْقَاعِدِينَ (86) رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ (87)
«مَعَ الْخالِفِينَ» (83) الخالف الذي خلف بعد شاخص فقعد فى رحله، وهو من تخلفّ عن القوم.
ومنه أللهم اخلفني فى ولدي، «1» [ويقال فلان خالفة أهل بيته أي مخالفهم إذا كان لا خير فيه]
«أُولُوا الطَّوْلِ مِنْهُمْ» (86) أي ذوو الغنى والسّعة.
«رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ» (87) يجوز أن يكون الخوالف هاهنا النساء، ولا يكادون يجمعون الرجال على تقدير فواعل، غير أنهم قد قالوا:
فارس، والجميع فوارس، وهالك فى قوم هوالك، «2» قال ابن جذل الطّعان يرثى ربيعة.
__________
(1) «مع الخالفين ... ولدي» : روى ابن حجر عنه فى فتح الباري 8/ 236.
(2) «يجوز ... هوالك» : هذا الكلام فى البخاري بنقص وزيادة، وأشار إليه ابن حجر، ونقل كله وقال: وقد استدرك عليه ابن مالك شاهق وشواهق وناكس ونواكس وداجن ودواجن وهذه الثلاثة مع الإثنين جمع فاعل وهو شاذ والمشهور فى فواعل جمع فاعلة فإن كان فى صفة الرجال فالهاء للمبالغة يقال رجل خالفة لا خير فيه والأصل فى جمعه بالنون واستدرك بعض الشراح على الخمسة المتقدمة: كاهل وكواهل وجائح وجوائح غارب وغوارب وغاش وغواوش ولا يرد شىء منها لأن الأولين ليسا من صفة الآدميين والآخران جمع غارب وغاشية والهاء للمبالغة إن وصف بها المذكر وقد قال المبرد فى الكامل فى قول الفرزدق:
وإذا الرجال رأوا يزيد رأيتهم ... خضع الرقاب نواكس الأذقان.
احتاج الفرزدق لضرورة الشعر فاجرى نواكس على أصله ولا يكون مثل هذا أبدا إلا فى ضرورة ولا تجمع النحاة ما كان من فاعل نعتا على فواعل لئلا يلتبس بالمؤنث ولم يأت ذا إلا فى حرفين: فارس وفوارس وهالك وهوالك أما الأول فإنه لا يستعمل فى الفرد فأمن فيه اللبس وأما الثاني فلأنه جرى مجرى المثل يقولون: هالك فى الهوالك فاجروه على أصله لكثرة الاستعمال (فتح الباري 8/ 236) .(1/265)
ابن مكدّم:
فأيقنت أنّى ثائر ابن مكدّم ... غداة إذ أو هالك فى الهوالك «1»
«وَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ» (87) أي ختم، ومنه قولهم: ضع عليه طابعا، أي خاتما.
__________
(1) : «ابن جذل» : هو علقمة بن فراس بن غنم بن ثعلب بن مالك بن كنانة، أنظر التاج (جذل) وقد ذكر فى الكامل 298 وأما ربيعة بن مكدم: فهو أحد فرسان مضر المعدودين وشجعانهم المشهورين قتله نبيشة بن حبيب السلمى نسبه وأخبار مقتله فى الأغانى 14/ 125. - والبيت فى اللسان والتاج (هلك) والعيني 5/ 557 وابن يعيش 1/ 686.(1/266)
لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (88) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (89) وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (90) لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (91) وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ (92)
«وَأُولئِكَ لَهُمُ الْخَيْراتُ» (88) وهى جميع خيرة، ومعناها الفاضلة فى كل شىء، «1» قال رجل من بنى عدى جاهلىّ عدى تميم:
ولقد طعنت مجامع الرّبلات ... ربلات هند خيرة الملكات «2»
«وَجاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرابِ» (90) أي من معذّر وليس بجادّ إنما يظهر غير ما فى نفسه ويعرض ما لا يفعله.
«تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ» (92) والعرب إذا بدأت بالأسماء قبل الفعل جعلت أفعالها على العدد فهذا المستعمل، وقد يجوز أن يكون الفعل على لفظ الواحد كأنه مقدم ومؤخر، كقولك: وتفيض أعينهم، كما قال [الأعشى] :
فإن تعهدينى ولى لمّة ... فإن الحوادث أودى بها «3»
__________
(1) «خيرة ... شىء» : أخذ الطبري (10/ 133) وصاحب اللسان (خير) هذا الكلام، وهو فى البخاري بمعناه ورواه ابن حجر بلفظه عن أبى عبيدة فى فتح الباري 8/ 236.
(2) : فى الطبري 10/ 133 واللسان والتاج (خير) . وقال فى اللسان: وأنشد أبو عبيدة لرجل من بنى عدى تيم تميم جاهلى.
(3) : ديوانه 120- والكتاب 1/ 205 والطبري 10/ 148 والشنتمرى 1/ 239 واللسان (ورى) وابن يعيش 1/ 690 والعيني 2/ 466، 4/ 328 والخزانة 4/ 578.(1/267)
وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ (101) وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (102) خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103) أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (104)
ووجه الكلام أن يقول: أو دين بها، فلما توسع للقافية جاز على النّكس، كأنه قال: فإنه أودى الحوادث بها.
«مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ» (101) أي عتوا ومرّنوا عليه «1» وهو من قولهم: تمرّد فلان، ومنه «شَيْطانٍ مَرِيدٍ» (22/ 3) .
«إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ» (103) أي إن دعاءك تثبيت وسكون ورجاء، قال الأعشى:
تقول بنتي وقد قرّبت مرتحلا ... يا ربّ جنّب أبى الأوصاب والوجعا (78)
عليك مثل الذي صليت فاغتمضى ... نوما فإن لجنب المرء مضطجعا
رفعته كرفع قولك: إذا قال السلام عليكم، قلت أنت: وعليك السلام وبعضهم ينصبه على الإغراء والأمر: أن تلزم هذا الذي دعت به فتردده وتدعو به.
«يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ» (104) أي من عبيده، كقولك أخذته منك وأخذته عنك
__________
(1) «ومرنوا عليه» : كذا فى الطبري 11/ 7. [.....](1/268)
وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (106) وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (107) لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ (108) أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (109)
«وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ» (106) أي مؤخرون، يقال: أرجأتك، أي أخرتك.
«عَلى شَفا جُرُفٍ هارٍ» (109) «1» مجاز شفا جرف شفير، والجرف ما لم يبن من الرّكايا لها جول، قال:
جرف هيام جوله يتهدّم «2»
و «هار» مجاره هائر، والعرب تنزع هذه الياء من فاعل، «3» قال العجّاج:
لاث به الأشاء والعبرى «4»
أي لائث. [ويقال: كيد خاب أي خائب، لات: بعضه فوق بعض كما تلوث العمامة] ومجاز الآية: مجاز التمثيل لأن ما بنوه على التقوى أثبت أساسا من البناء الذي بنوه على الكفر والنفاق فهو على شفا جرف، وهو ما يجرف من سيول الأودية فلا يثبت البناء عليه.
__________
(1) «شفا جرف» : وفى البخاري والجرف ما تجرف من السيول والأودية وروى ابن حجر تفسير أبى عبيدة لهذه الكلمة وزاد: (فتح الباري 8/ 237) .
(2) : لم أجده فى مظانه.
(3) «هار ... فاعل» : رواه ابن حجر عن أبى عبيدة فى فتح الباري 7/ 137.
(4) فى اللسان (عبر، لثى) والتاج (عبر) والقرطبي 8/ 237. والأشاء:
صغار النخل والعبرى من السدر: ما نبت عبر النهر.(1/269)
لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (110) إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (111) التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (112) مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (113) وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ (114) وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (115) إِنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (116) لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (117)
«إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ» (110) إلا هاهنا غاية.
«إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوَّاهٌ»
حَلِيمٌ» (114) مجازه مجاز فعّال من التأوه، ومعناه متضرع شفقا وفرقا ولزوما لطاعة ربه، وقال [المثقّب العبدىّ] :
إذا ما قمت أرحلها بليل ... تأوّه آهة الرجل الحزين «2»
«تزيغ قلوب فريق منهم» (117) أي تعدل وتجور وتحيد، فريق: بعض.
«رَؤُفٌ» (117) فعول من الرأفة «3» وهى أرق الرحمة، قال كعب بن مالك الأنصاري:
نطيع نبيّنا ونطيع ربّا ... هو الرحمن كان بنا رءوفا «4»
__________
(1) «لاواه» : أخذ البخاري تفسير أبى عبيدة لهذه الكلمة مع البيت المستشهد به وأشار إليه ابن حجر ورواه مع البيت فى فتح الباري 8/ 237.
(2) : البيت فى ديوانه المخطوط 44 من رقم 5- والمفضليات 586 والطبري 11/ 33 والسمط 56 والقرطبي 8/ 276 واللسان (أوه) والعيني 1/ 192.
(3) «الرأفة» : كذا فى البخاري قال ابن حجر: وهو كلام أبى عبيدة وروى تمام الكلام فى فتح الباري 8/ 259.
(4) : كعب بن مالك: ابن أبى كعب شاعر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم المعدودين وهو بدري عقبى هكذا ورد فى الأغانى 15/ 26. وقد اختلف فى شهوده بدرا أنظر الاستيعاب 1/ 216 وانظر الحديث فى ما ورد فى تخلفه عن غزوة بدر فى البخاري فى الجهاد والمغازي وفى مسلم فى باب التوبة. والبيت فى اللسان والتاج (رأف) والخزانة 2/ 168.(1/270)
وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (118) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (119) مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (120) وَلَا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً وَلَا يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (121) وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (122) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (123) وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (124) وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ (125) أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُونَ (126)
وقال:
ترى للمسلمين عليك حقا ... كفعل الوالد الرؤوف الرحيم «1»
«رَحُبَتْ» (118) أي اتسعت، والرحيب الواسع.
[ «مَخْمَصَةٌ» ] (120) ، المخمصة: المجاعة.
«فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ» (122) مجازه: فهلّا، وقد فرغنا منها فى غير موضع.
«يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ» (126) وهو من الفتنة فى الدين والكفر.
__________
(1) : هذا البيت لجرير فى ديوانه (نشر الصاوى) 508- واللسان والتاج (رأف) والخزانة 2/ 168.(1/271)
الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ (1)
(بسم الله الرّحمن الرّحيم)
«سورة يونس»
(10)
«الر» (1) ساكنة لأنها حروف جرت مجرى فواتح سائر السور اللواتى مجازهن مجاز حروف التهجي ومجاز موضعهن فى المعنى كمجاز ابتداء فواتح السور.
«تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ» (1) مجازها: هذه آيات الكتاب الحكيم، أي القرآن، قال الشاعر:
ما فهم من الكتاب أم آي القرآن «1»
والحكيم: مجازه المحكم «2» المبيّن الموضّح، والعرب قد نضع فعيل فى معنى مفعل، وفى آية أخرى: «هذا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ» (50/ 23) ، مجازه: معد، «3» وقال أبو ذوءيب:
__________
(1) لم أجده فيما رجعت إليه من المظان، وفى وزنه خلل وفى معناه غموض.
(2) «والحكيم ... والمحكم» : راجع ما رواه القرطبي (8/ 305) عن أبى عبيدة.
(3) « «المعد» » هكذا ورد فى الأصول وهو بمعنى العتيد (حسبما ورد فى اللسان) ولكن مقتضى السياق هو المعتد.(1/272)
أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ مُبِينٌ (2) إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (3) إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ (4)
.. إنى ... غداة إذ ولم أشعر خليف «1»
أي ولم أشعر أنى محلف، من قولهم: أخلفت الموعد. ومجاز «آيات» مجاز أعلام «2» الكتاب وعجائبه، وآياته أيضا: فواصله، والعرب يخاطبون بلفظ الغائب وهم يعنون الشاهد، وفى آية أخرى: «الم ذلِكَ الْكِتابُ» (2/ 1) مجازه: هذا القرآن، قال عنترة:
شطّت مزار العاشقين فأصبحت ... عسرا علىّ طلابك ابنة مخرم (17)
«قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ» (2) مجازه: سابقة صدق عند ربهم، ويقال:
له قدم فى الإسلام وفى الجاهلية.
«ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ» (3) مجازه: ظهر على العرش وعلا عليه، ويقال: استويت على ظهر الفرس، وعلى ظهر البيت.
«إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا» (4) وعد الله: منصوب لأنه مصدر فى موضع «وَعْدَ اللَّهِ» ، وإذا كان المصدر فى موضع فعل، نصبوه كقول كعب:
تسعى الوشاة جنابيها وقيلهم ... إنّك يا ابن أبى سلمى لمقتول (147)
__________
(1) : ديوان الهذليين 1/ 99 واللسان (خلف) على اختلاف فى روايتهما
(2) «أعلام» : وفى البخاري: يقال: تلك آيات، يعنى هذه أعلام القرآن، ومثله: «حتى إذا كنتم فى الفلك وجرين بهم» المعنى: بكم، قال ابن حجر:
وقع لغير أبى ذر وسيأنى للجميع فى التوحيد وقائل ذلك هو أبو عبيدة ابن المثنى (فتح الباري 8/ 261) . [.....](1/273)
هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (5)
يقولون حكاية عن أبى عمرو: وقيلهم منصوب لأنه فى موضع «ويقولون» «وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ بِالْقِسْطِ» (4) أي بالعدل.
«لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ» (4) كل حار فهو حميم، قال المرقّش الأصغر من بنى سعد بن مالك:
وكل يوم لها مقطرة ... فيها كباء معدّ وحميم «1»
أي ماء حار يستحمّ به، كباء مما تكبيت به أي تبخّرت وتجمّرت سواء، وكبى منقوص: هى الكنّاسة والسّباطة والكساحة.
«جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً» (5) وصفها بالمصدر، والعرب قد تصف المؤنثة بالمصدر وتسقط الهاء، كقولهم: إنما خلقت فلانة لك عذابا وسجنا ونحو ذلك بغير الهاء.
__________
(1) المرقش الأصغر: اسمه عمرو بن حرملة بن سعد بن مالك، وقيل اسمه حرملة بن سعد، وقيل غير ذلك. شاعر جاهلى وهو عم طرفة ترجم له المرزباني فى المعجم 201 وأخباره فى الأغانى 193. - والبيت فى الطبري 11/ 55 واللسان (قطر، صمم) على خلاف فى الرواية(1/274)
إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ (7) أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (8) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (9) دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (10) وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (11) وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (12) وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (13) ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (14) وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (15)
قال:
«الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا» (7) مجازه: لا يخافون ولا يخشون، وقال:
إذا لسعته النحل لم يرج لسعها ... وحالفها فى بيت نوب عوامل «1»
«دَعْواهُمْ فِيها» (10) أي دعاؤهم «2» أي قولهم وكلامهم. «وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ» (10) .
«لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ» (11) مجازه: لفرغ ولقطع ونبذ إليهم، وقال أبو ذؤيب:
وعليهما مسرودتان قضاهما ... داود أو صنع السوابغ تبّع (62)
«دَعانا لِجَنْبِهِ أَوْ قاعِداً أَوْ قائِماً» (12) مجازه: دعانا على إحدى هذه الحالات، ومجاز «دعانا لجنبه» مجاز المختصر الذي فيه ضمير كقولك: دعانا وهو مضطجع لجنبه.
«مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا» (12) أي استمر فمضى.
«مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي» (15) أي من عند نفسى.
__________
(1) والبيت لأبى ذؤيب فى ديوان الهذليين 1/ 143- وجمهرة الأشعار 9 والطبري 11/ 56 والقرطبي 8/ 311.
(2) «دعواهم. دعاؤهم» : رواه البخاري، قال ابن حجر فى فتح الباري 8/ 261 هو قول أبى عبدة.(1/275)
قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (16) فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ (17) وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (18) وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (19) وَيَقُولُونَ لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (20) وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذَا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آيَاتِنَا قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْرًا إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ (21)
«وَلا أَدْراكُمْ بِهِ» (16) مجازه: ولا أفعلكم به من دريت أنا به.
«عُمُراً» (16) أي حينا طويلا، مجازه من قولهم: مضى علينا حين من الدهر، والعمر والعمر والعمر ثلاث لغات.
«وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللَّهِ» (18) مجاز ما هاهنا مجاز الدين، ووقع معناها على الحجارة، وخرج كنايتها على لفظ كناية لآدميين، فقال: هؤلاء شفعاؤنا، ومثله فى آية أخرى: «لَقَدْ عَلِمْتَ ما هؤُلاءِ يَنْطِقُونَ» (21/ 65) ، وفى آية أخرى: «إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ» (12/ 4) والمستعمل فى الكلام: ما تنطق هذه، ورأيتهن لى ساجدات، وقال:
تمزّزتها والدّيك يدعو صباحه ... إذا ما بنو نعش دنوا فتصوّبوا «1»
وفى آية أخرى «يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ» (27/ 18) والمستعمل: أدخلن مساكنكن لا يحطمنكن سليمان.
«مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آياتِنا» (21) مجاز المكر هاهنا مجاز الجحود بها والرد لها.
«قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْراً» (21) أي أخذا وعقوبة واستدراجا لهم.
__________
(1) : البيت للنابغة الجعدي وهو فى الكتاب 1/ 205 والطبري 19/ 35 والشنتمرى 1/ 240 والصحاح واللسان والتاج (نعش) وابن يعيش 1/ 700 وشواهد المغني 215 والخزانة 3/ 21.(1/276)
هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (22) فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (23) إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (24) وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (25) لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (26)
«أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ» (22) مجازه: دنوا للهلاك، ويقال: إنه محاط بك، «1» والإدراك أي إنك مدرك فمهلك.
«فَجَعَلْناها حَصِيداً» (24) اى مستاصلين، والحصيد من الزرع والنبات المجذوذ من أصله وهو يقع أيضاً لفظه على لفظ الجميع من الزرع والنبات فجاء فى هذه الآية على معنى الجميع، وقد يقال: حصائد الزرع، اللواتى تحصد.
«وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌ» (26) يرهق: أي يغشى، والقتر جميع قترة، وفى القرآن: «تَرْهَقُها قَتَرَةٌ» (80/ 41) ، وهو الغبار [قال الأخطل:
يعلو القناطر يبنيها ويهدمها ... مسوّما فوقه الرايات والقتر] «2»
وقال [الفرزدق] :
متوّج برداء الملك يتبعه ... موج ترى فوقه الرايات والفترا «3»
__________
(1) «أحيط بهم ... محاط بك» : رواه ابن حجر عن أبى عبيدة فى فتح الباري 8/ 361.
(2) : ديوانه 103.
(3) : ديوانه 290- والطبري 11/ 69 رواه القرطبي 8/ 331 وصاحب اللسان (قتر) على أنه من إنشاد أبى عبيدة.(1/277)
وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (27) وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكَانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ وَقَالَ شُرَكَاؤُهُمْ مَا كُنْتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ (28) فَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِنْ كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ (29) هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَا أَسْلَفَتْ وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (30) قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ (31) فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (32) كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (33) قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلِ اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (34) قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (35) وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ (36) وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (37) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (38) بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (39) وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهِ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ (40) وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (41) وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُوا لَا يَعْقِلُونَ (42) وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُوا لَا يُبْصِرُونَ (43) إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (44) وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (45) وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ (46) وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذَا جَاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (47) وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (48) قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلَا نَفْعًا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ (49) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتًا أَوْ نَهَارًا مَاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ (50) أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ آلْآنَ وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ (51) ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (52) وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (53) وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ مَا فِي الْأَرْضِ لَافْتَدَتْ بِهِ وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (54) أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَلَا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (55) هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (56) يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (57) قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (58) قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ (59) وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ (60) وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (61)
«قِطَعاً «1» مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِماً» (27) إذا أسكنت الطاء فمعناه بعضا من الليل، والجميع: أقطاع من الليل، أي ساعات من الليل، يقال: أتيته بقطع من الليل وهو فى آية أخرى: بقطع من اللّيل (11/ 81) . ومن فتح الطاء فإنه يجعلها جميع قطعة والمعنيان واحد. ويجعل «مظلما» من صفة الليل وينصبها على الحال وعلى أنها نكرة وصفت به معرفة.
«هُنالِكَ تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ» (30) أي تخبر وتجد. و «تتلو» «2» تتبع.
«لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ أَمْ يَقُولُونَ» (37، 38) مجاز «أم» هاهنا مجاز الواو ويقولون.
«افْتَراهُ» (38) أي اختلقه وابتشكه.
«إِنْ أَتاكُمْ عَذابُهُ بَياتاً» (50) أي بيتكم ليلا وأنتم بائتون.
«إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ» (61) أي تكثرون وتلغطون وتخلطون.
«وَما يَعْزُبُ «3» عَنْ رَبِّكَ» (61) أي ما يغيب عنه، ويقال: أين عزب عقلك عنك.
«مِثْقالِ ذَرَّةٍ» (61) أي زنة نملة صغيرة، ويقال خذ هذا فإنه أخف مثقالا، أي وزنا.
__________
(1) «قطعا» : قرأ ابن كثير والكسائي بإسكان الطاء والباقون بفتحها (الداني 121) .
(2) «وما يعزب» : وقرأ الكسائي يعزب بكسر الزاى وضم الباقون وهما لغتان فصيحتان (القرطبي 8/ 356) .
(3) «تبلو، تتلو» : قراءتان، انظر القرطبي 8/ 334.(1/278)
هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (67) قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَذَا أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (68) قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ (69) مَتَاعٌ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ (70) وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنْظِرُونِ (71)
«وَالنَّهارَ مُبْصِراً» (67) له مجازان أحدهما: أن العرب وضعوا أشياء من كلامهم فى موضع الفاعل، والمعنى: أنه مفعول، لأنه ظرف يفعل فيه غيره لأن النهار لا يبصر ولكنه يبصر فيه الذي ينظر، وفى القرآن: «فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ» (61/ 21) وإنما يرضى بها الذي يعيش فيها، قال جرير:
لقد لمتنا يا أمّ غيلان فى السّرى ... ونمت وما ليل المطيّ بنائم «1»
والليل لا ينام وإنما ينام فيه، وقال [رؤية] :
فنام ليلى وتجلّى همّى «2»
«إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطانٍ بِهذا» (68) مجازه: ما عندكم سلطان بهذا، و «من» من حروف الزوائد، ومجاز سلطان هاهنا: حجّة وحق وبرهان.
«ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً» (71) مجازها: ظلمة وضيق «3» وهمّ، قال العجّاج:
بل لو شهدت الناس إذ تكموا ... بغمّة لو لم تفرّج غمّوا «4»
__________
(1) : ديوانه (نشر الصاوى) 544- والكتاب 1/ 69 والطبري 11/ 89 والشنتمرى 1/ 80 والخزانة 1/ 223.
(2) : ديوانه 142.
(3) «مجازها ... وضيق» : نقل القرطبي (8/ 364) هذا الكلام عنه.
(4) : ديوانه 63- والطبري 11/ 91 والقرطبي 8/ 364 واللسان (كمم) . [.....](1/279)
وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنْظِرُونِ (71) فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (72) فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْنَاهُمْ خَلَائِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ (73) ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ كَذَلِكَ نَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ (74) ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى وَهَارُونَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ بِآيَاتِنَا فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ (75) فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا إِنَّ هَذَا لَسِحْرٌ مُبِينٌ (76) قَالَ مُوسَى أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَكُمْ أَسِحْرٌ هَذَا وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ (77) قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الْأَرْضِ وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ (78) وَقَالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ (79) فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالَ لَهُمْ مُوسَى أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ (80) فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ (81)
تكمّوا: تغمّدوا، يقال تكمّيت فلانا أي تغمّدته، وقد كميت شهادتك إذا كتمتها، وفارس كمىّ وهو الذي لا يظهر شجاعته إلا عند الحاجة إلى ذلك.
«ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلا تُنْظِرُونِ» (71) مجازه كمجاز الآية الأخرى:
«وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ» (17/ 4) أي أمرناهم.
«إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ» (75) أي أشراف قومه.
«أَجِئْتَنا لِتَلْفِتَنا عَمَّا وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا» (78) أي لتصرفنا عنه وتميلنا وتلوينا عنه، ويقال: لفت عنقه. كقول رؤبة:
[يدقّ صلّبات العظام لفتى] ... لفتا وتهزيعا سواء اللّفت «1»
التهزيع: الدّق واللّفت: اللّىّ.
«قالَ مُوسى ما جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ» «2» (81) مجاز «ما» هاهنا: «الذي» ويزيد فيه قوم ألف الاستفهام، كقولك: آلسّحر؟.
__________
(1) : ديوانه 24- والطبري 11/ 93.
(2) «السحر» : اختلفت القراء فى قراءة الآية فقرأتها عامة قراء أهل الحجاز والعراق «ما جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ» على وجه الخبر من موسى عن الذي جاءت به سحرة فرعون أنه سحر. وقرأها مجاهد وبعض المدنيين والبصريين «ما جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ» بهمزة ممدودة على وجه الاستفهام من موسى للسحرة (الطبري 11/ 94) .(1/280)
وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (88) قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلَا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (89) وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (90) آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (91) فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ (92) وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جَاءَهُمُ الْعِلْمُ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (93) فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (94) وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخَاسِرِينَ (95) إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ (96) وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (97)
«اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ» (88) أي أذهب أموالهم، ويقال: طمست عينه وذهبت، وطمست الريح على الديار.
«وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ» (88) مجازه هاهنا كمجاز «اشدد الباب» ، ألا نرى بعده:
«فَلا يُؤْمِنُوا» (88) جزم، لأنه دعاء عليهم، أي فلا يؤمننّ.
«فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ» (90) مجازه: تبعهم، هما سواء.
«بَغْياً وَعَدْواً» (90) «1» مجازه: عدوانا.
«فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ» (92) مجازه: نلقيك «2» على نجوة، أي ارتفاع ليصر علما أنه قد غرق.
«لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً» (92) أي علامة، ومجاز خلفك: بعدك.
«إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ وَلَوْ جاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ
__________
(1) «وعدوا» : فى البخاري: عدوا من العدوان، قال ابن حجر: هو قول أبى عبيدة أيضا، وهو وما قبله نعتان منصوبان على أنهما مصدران أو على الحال (فتح الباري 8/ 262) .
(2) «نلقيك ... » : أخذ القرطبي (8/ 380) هذا الكلام، وهو فى فتح الباري 8/ 262، وقال ابن حجر: والنجوة هى الربوة المرتفعة وجمعها نجا بكسر النون والقصر، وليس قوله ننحيك من النجاة بمعنى السلامة، وقد قيل هو بمعناها والمراد مما وقع فيه قومك من قعر البحر إلخ.(1/281)
فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ (98)
حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ» (96، 97) مجازه: المؤلم وهو الموجع، والعرب تضع فعيل فى موضع مفعل، وقال فى آية أخرى: «سَمِيعٌ بَصِيرٌ» (22/ 61) أي مبصر وقال عمرو بن معد يكرب.
أمن ريحانة الداعي السميع «1»
يريد المسمع. ريحانة: أخت عمرو بن معديكرب كان الصّمّة أغار عليها وذهب بها، وقال أبو عبيدة: كانت ريحانة أخت عمرو فسباها الصّمّة وهى أم دريد وخالد.
«إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ» (98) مجاز «إلّا» هاهنا مجاز الواو، كقولك: وقوم يونس لم يؤمنوا حتى رأوا العذاب الأليم فآمنوا ف «كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ» «2»
__________
(1) : هو مطلع قصيده له وعجزه: يؤرقنى وأصحابى هجوع وهى فى الأصمعيات 43 والأغانى 14/ 33 والمعاهد 1/ 220 والخزانة 3/ 462 والبيت أيضا فى الكامل 114 والسمط 40 والشنتمرى 1/ 59 واللسان (سمع) وشواهد الكشاف 165: أما ريحانة فقد روى فى الأغانى والبغدادي فى الخزانة أنها أخت عمرو بن معد يكرب، ورويا مرة أخرى أنها مطلقة عمرو وصوب هذه الرواية البغدادي، لأنه قد اعترض على كون ريحانة أخت عمرو بأن عمرا قد أسلم فى خلافة عمر وقتل فى سنة 21 من الهجرة ودريد قد قتل يوم هوازن وهو ينيف على المائة راجع اختلاف الروايات فى الخزانة.
(2) «فآمنوا ... الخزي» : نص الآية: «لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ» (98) .(1/282)
وقال فى ذلك [عنز بن دجاجة المازنىّ] :
من كان أسرع فى تفرّق فالج ... فلبونه جربت معا وأغدّت (77)
إلّا كنا شرة الذي ضيّعتم ... كالغصن فى غلوائه المتنبّت
وقال [الأعشى] :
من مبلغ كسرى إذا ما جئته ... عنّى قواف غارمات شرّدا «1»
إلّا كخارجة المكلّف نفسه ... وابني قبيصة أن أغيب ويشهدا «2»
__________
(1) هـ: ديوانه 7- والسمط 820 واللسان (طوى) .
(2) : البيتان فى ديوان الأعشى 153، الأول هو 24 من القصيدة والثاني فهو 27 منها. أما الأبيات التي تركناها فى الحاشية وهى رواية نسخة فتخالف رواية الديوان والفرق بين الروايتين ليس بيسير.(1/283)
قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (108)
أي وكخارجة وابني قبيصة ثم جاء معنى هذا «فَلَوْلا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها» (98) مجازه: فهلّا كانت قرية إذا رأت بأسنا آمنت فكانت مثل قوم يونس. ولها مجاز آخر قالوا فيه: «إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ وَلَوْ جاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ» (96، 97) ثم استثنى منهم فقال: إلّا أن قوم يونس لمّا رأوا العذاب آمنوا فنفعهم إيمانهم فكشفنا عنهم عذاب الخزي.
ويقال: يونس ويؤنس كأنه يفعل من: آنسته.
«فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها» (108) مجازه: يضل لها أي لنفسه، وهداه لنفسه.(1/284)
الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (1) أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ (2) وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ (3) إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (4) أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلَا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (5) وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (6) وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (7) وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ أَلَا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (8)
(بسم الله الرّحمن الرّحيم)
سورة هود (11)
«الر» (1) ساكن، مجازه مجاز فواتح سائر السور اللواتى مجازهن مجاز حروف التهجي، ومجازه فى المعنى. ابتداء فواتح سائر السور.
«الر كِتابٌ» (1) : مجازه مجاز المختصر الذي فيه ضمير، كقوله: هذا كتاب.
«مِنْ لَدُنْ» (1) أي هذا قرآن من عند لدن ولدن ولدا سواء ولد.
«لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهُمْ» (5) والعرب تدخل «ألا» توكيدا وإيجابا وتنبيها.
«وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُها» (6) كل آكل فهو دابة، ومجازه: وما دابة فى الأرض و «من» من حروف الزوائد.
«وَلَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ» (8) أي إلى حين موقوت وأجل، وفى آية أخرى: «وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ» (12/ 45) أي بعد حين.
«أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ» (8) ألا توكيد وإيجاب وتنبيه.
«وَحاقَ بِهِمْ» (8) أي نزل بهم وأصابهم.(1/285)
وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ (9) وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ (10) إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (11) فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (12) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (13) فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (14) مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ (15) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (16) أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ (17) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أُولَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (18) الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (19) أُولَئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ (20) أُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (21) لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ (22) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُوا إِلَى رَبِّهِمْ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (23)
«لَيَؤُسٌ كَفُورٌ» (9) مجازه: فعول من يئست. «1»
«وَلَئِنْ أَذَقْناهُ نَعْماءَ» (10) أي أمسناه نعماء.
«وَيَقُولُ الْأَشْهادُ» (18) «2» واحدهم شاهد بمنزلة صاحب والجميع أصحاب، ويقول: بعضهم شهيد فى معنى شاهد بمنزلة شريف والجميع أشراف.
«أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ» (18) مجازه: لعنة الله، و «ألا» إيجاب وتوكيد وتنبيه.
«وَأَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ» (23) مجازه: أتابوا إلى ربهم وتضرعوا إليه، وخضعوا وتواضعوا له.
__________
(1) «ليؤس ... يئست» : كذا فى البخاري، قال ابن حجر: هو قول أبى عبيدة فى فتح الباري 8/ 263.
(2) «الأشهاد» : فى البخاري: ويقال: الأشهاد واحده شاهد مثل صاحب وأصحاب قال ابن حجر: هو كلام أبى عبيدة أيضا واختلف فى المراد بهم هنا فقيل: الأنبياء، وقيل. الملائكة (فتح الباري 8/ 266) .(1/286)
مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمَى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (24) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (25) أَنْ لَا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ (26) فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ (27)
«مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلًا» (24) مجازه: مثل الكافر وهو الأعمى الذي لا يبصر الهدى والحق ولا أمر الله وإن كان ينظر، وهو الأصم الذي لا يسمع الحق ولا أمر الله وإن كان يسمع بأذنه والمؤمن وهو البصر أي المبصر الحق والهدى، وهو السامع الذي يسمع أمر الله ويهتدى له، ومجازه مجاز المختصر الذي فيه ضمير كقولك: مثل الفريقين كمثل الأعمى، ثم رجع الوصف إلى مثل الكافر ومثل المؤمن فقال: «هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلًا» أي لا يستوى المثلان مثلا، وليس موضع «هل» هاهنا موضع الاستفهام ولكن موضعها هاهنا موضع الإيجاب أنه لا يستويان، وموضع تقرير وتخبير:
أن هذا ليس كذاك، ولها فى غير هذا موضع آخر: موضع «قد» ، قال:
«هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً» (76/ 1) معناها: قد أنى على الإنسان.
«بادِيَ الرَّأْيِ» (27) «1» مهموز لأنه من بدأت عن أبى عمرو، ومعناه:
أول الرأى، ومن لم يهمز جعله ظاهر الرأى من بدا يبدو، وقال [الراجز] :
__________
(1) «بادى، الرأى» : قرأ أبو عمرو بهمزة مفتوحة بعد الدل والباقون بياء مفتوحة. أنظر الداني 124.(1/287)
أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ (35) وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (36) وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ (37)
وقد علتنى ذرأة بادى بدى «1»
[فلم يهمز جعلها من بدا، الذّراة الشّمط القليل فى سواد، ملح ذرآنىّ: الكثير البياض وكبش أذرأ، ونعجة ذرآء فى أذنها بياض شبه النّمش] .
«فَعَلَيَّ إِجْرامِي» (35) وهو مصدر أجرمت، «2» وبعضهم يقول: جرمت تجرم، وقال الهيردان السّعدىّ أحد لصوص بنى سعد:
طريد عشيرة ورهين ذنب ... بما جرمت يدى وجنى لسانى «3»
«الْفُلْكَ» (37) واحد وجميع وهى السفينة والسّفن مثل السلام واحدها السلامة مثل نعام ونعامة، وقتاد وقتادة. «4»
__________
(1) من أرجوزة لأبى نخيلة فى الأغانى 81/ 151 وهو فى الكتاب 2/ 50 والطبري 12/ 17 والجمهرة 2/ 312 والشنتمرى 1/ 54 واللسان والتاج (بداء ذرأ)
(2) «فعلى ... جرمت» : هذا الكلام فى البخاري وقال ابن حجر: هو كلام أبى عبيدة وأنشد «طريد» البيت (فتح الباري 8/ 265) .
(3) : الهيردان: لعله الهيردان بن خطار بن حفص بن مجدع بن وابش بن عمير بن عبد شمس بن سعد، كان لصا فهرب إلى المهلب بخراسان انظر ترجمته فى معجم المرزباني 488.. والزبرقان الذي ورد اسمه فى الفروق هو الزبرقان بن بدر ابن امرئ القيس بن خلف بن بهدلة بن عوف بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم السعدي، أنظر ترجمته فى الإصابة رقم 2768. - والبيت فى الطبري 21/ 18 والقرطبي 9/ 29 بغير عزو، وفى اللسان والتاج (جرم) على أنه من إنشاد أبى عبيدة وهو أيضا فى فتح الباري 88/ 265. [.....]
(4) «الفلك ... والسفن» : وفى البخاري: الفلك والفلك واحد وهى السفينة والسفن. قال ابن حجر: كذا وقع لبعضهم بضم الفاء فيهما وسكون اللام فى الأولى وفتحها فى الثانية وللآخرين بفتحتين فى الأولى وبضم ثم بسكون فى الثانية ورجحه ابن التين وقال: الأول واحد والثاني جمع مثل أسد وأسد، قال عياض ولبعضهم بضم ثم سكون فيهما جميعا وهو الصواب، والمراد أن الجمع والواحد بلفظ واحد، وقد ورد ذلك فى القرآن، فقد قال فى الواحد: «فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ» ، وقال فى الجميع: «حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ» والذي فى كلام أبى عبيدة الفلك واحد وجمع وهى السفينة والسفن. وهذا أوضح فى المراد (فتح الباري 8/ 266) .(1/288)
وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (41) وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ (42) قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ (43) وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (44)
«بِسْمِ اللَّهِ مَجْراها» (41) أي مسيرها وهى من جرت بهم، ومن قال:
مجراها جعله من أجريتها أنا، قال لبيد:
وعمرت حرسا قبل مجرى داحس ... لو كان للنفس اللّجوج خلود «1»
[قوله: حرسا يعنى دهرا] ويقال: مجرى داحس.
«وَمُرْساها» (41) أي وقفها وهو مصدر أرسيتها أنا. «2»
«وَغِيضَ الْماءُ» (44) غاضت الأرض والماء، وغاض الماء يغيض، أي ذهب وقلّ.
__________
(1) «مجراها ... أرسيتها أنا» : رواه ابن حجر عن أبى عبيدة فى فتح الباري 8/ 266.
(2) : ديوانه 1/ 25- وإصلاح المنطق 186 واللسان والتاج (جرى) .(1/289)
إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (54) مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ (55) إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (56) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّونَهُ شَيْئًا إِنَّ رَبِّي عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ (57) وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُودًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَنَجَّيْنَاهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ (58) وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (59)
«الْجُودِيِّ» (44) اسم جبل، قال زيد بن عمرو بن نفيل العدوىّ:
وقبلنا سبّح الجودىّ والجمد «1»
«إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ» (54) وهو افتعلك من عروته، أي صابك، قال [أبو خراش. «2»
تذكّر دخلا عندنا وهو فاتك] ... من القوم يعروه اجتراء ومأثم «3»
«إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها» (56) مجازه إلا هو فى قبضته وملكه وسلطانه.
«أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ» (59) «4» وهو العنود أيضا والعاند سواء وهو الجائر العادل عن الحق قال [الراجز] :
__________
(1) : «زيد ... العدوى» : والد سعيد بن زيد أحد العشرة المبشرين بالجنة وقد اختلفوا فى كون زيد من الصحابة لأنه مات قبل البعثة، انظر الأغانى 3/ 15 والإصابة 2/ 58، رقم 2908- والبيت من الأبيات المختلف فى عزوها قال البغدادي: واختلف شراح شواهده (كتاب سيبويه) - فأكثرهم قال: إنها لأمية بن أبى الصلت، وقال بعضهم: إنها ليزيد بن عمرو بن نفيل والصواب ما قدمناه (الخزانة 2/ 37) . يعنى ترجيحه نسبة البيت إلى ورقة بن نوفل انظر البيت فى ديوان أمية بن أبى الصلت رقم 70 والكتاب 1/ 136 والشنتمرى 1/ 164 واللسان والتاج (جود) .
(2) «اعتراك» : تفسير أبى عبيدة لهذه الكلمة فى البخاري، وأشار إليه ابن حجر بقوله: هو كلام أبى عبيدة (فتح الباري 8/ 266) .
(3) : ديوان الهذليين 2/ 147.
(4) «عنيد» : فى البخاري: عنيد وعنود وعاند واحد، وهو تأكيد التجبر، قال ابن حجر: هو قول أبى عبيدة بمعناه، لكن قال: وهو العادل عن الحق (فتح الباري 8/ 266) .(1/290)
وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ (61) قَالُوا يَا صَالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا أَتَنْهَانَا أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (62) قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ (63) وَيَا قَوْمِ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ (64) فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ (65) فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (66) وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ (67) كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلَا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِثَمُودَ (68) وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ (69)
إنى كبير لا أطيق العنّدا «1»
يعنى من الإبل، ويقال عرق عاند، أي ضار لا يرقا، قال العجّاج:
مما ضرى العرق به الضّرىّ «2»
«هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ» (61) أي ابتدأكم فخلقكم منها.
«وَاسْتَعْمَرَكُمْ» (61) مجازه: جعلكم عمّار الأرض، [يقال: اعمرته الدار، أي جعلتها له أبدا وهى العمرى وأرقبته: أسكنته إيّاها إلى موته.]
«قالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ» (69) ، قالوا: لا يتمكن فى النصب وله موضعان:
موضع حكاية، وموضع آخر يعمل فيما بعده فينصب، فجاء قوله: قالوا سلاما، منصوبا لأن قالوا: عمل فيه فنصب، وجاء قوله «سلام» مرفوعا على الحكاية، ولم يعمل فيه فينصبه.
__________
(1) : هو مع أشطار أخرى فى الاقتضاب ص 415 بغير عزو، والطبري 12/ 35 والجمهرة 2/ 283.
(2) : ديوانه 71- وتهذيب الألفاظ 107.(1/291)
«أَنْ جاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ» (69) فى موضع محنوذ وهو المشوىّ، يقال:
حنذت فرسى، أي سخّنته وعرّقته، «1» قال العجّاج:
ورهبا من حنذه أن يهرجا «2»
__________
(1) «حنذت ... وعرقته» حكى الطبري هذا الكلام، وقال: فقال بعض أهل البصرة: معنى المحنوذ المشوى، قال: ويقال ... إلخ. واستشهد لقوله ببيت الراجز (12/ 40) .
(2) : ديوانه 9- والطبري 12/ 40 واللسان (حنذ) .(1/292)
فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ (70) وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ (71) قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ (72) قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ (73) فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ (74) إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ (75) يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ (76) وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ (77)
«نَكِرَهُمْ» (70) وأنكرهم سواء، قال الأعشى:
فأنكرتنى وما كان الذي نكرت ... من الحوادث إلّا الشّيب والصّلعا «1»
قال أبو عبيدة: قال يونس: قال أبو عمرو: «2» أبا الذي زدت هذا البيت فى شعر الأعشى إلى آخره فذهب فأتوب إلى الله منه، وكذلك استنكرهم.
«وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً» (70) أي أحسّ وأضمر فى نفسه خوفا.
«حَمِيدٌ مَجِيدٌ» (73) أي محمود ماجد.
«عَنْ إِبْراهِيمَ الرَّوْعُ» (74) أي الذّعر والفزع.
«مُنِيبٌ» (75) أي راجع تائب.
«سِيءَ بِهِمْ» (77) وهو فعل بهم السوء.
«هذا يَوْمٌ عَصِيبٌ» (77) أي شديد، يعصب الناس بالشر، وقال [عدىّ بن زيد] :
__________
(1) : ديوانه 72- والطبري 12/ 41 والأغانى 16/ 18 والموشح 52 والصحاح واللسان والتاج (نكر) والقرطبي 9/ 67 وشواهد الكشاف 169.
(2) «قال أبو عمرو ... إلخ» : هذا الكلام منسوب لأبى عبيدة فى شرح ديوان الأعشى.(1/293)
وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ (78) قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ (79) قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ (80)
وكنت لزاز خصمك لم أعرّد ... وقد سلكوك فى يوم عصيب «1»
وقال:
يوم عصيب يعصب الأبطالا ... عصب القوىّ السّلّم الطّوالا «2»
وقال:
وإنك إلا ترض بكر بن وائل ... يكن لك يوم بالعراق عصيب «3»
«يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ» (78) «4» أي يستحثون إليه، قال:
بمعجلات نحوه مهارع «5»
«أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ» (80) من قولهم: آويت إليك وأنا آوى إليك أويّا والمعنى: صرت إليك وانضممت، «6» ومجاز الركن هاهنا عشيرة، عزيزة، كثيرة، منيعة، قال:
يأوى إلى ركن من الأركان ... فى عدد طيس ومجد بان «7»
الطيس: الكثير، يقال: أتانا بلبن طيس وشراب طيس أي كثير.
__________
(1) : فى الطبري 12/ 47. [.....]
(2) نسب الطبري هذا البيت إلى كعب بن جعيل (12/ 47) .
(3) فى الطبري 12/ 47 والقرطبي 9/ 74.
(4) «أي ... إليه» : روى صاحب اللسان هذا التفسير عن أبى عبيدة (هرع) .
(5) : فى الطبري 12/ 47 والقرطبي 9/ 7.
(6) «آويت ... وانضممت» : نقل الطبري (12/ 50) هذا الكلام برمته.
(7) : فى الطبري 13/ 50.(1/294)
قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ (81)
«فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ» (81) يقال: سريت وأسريت به، [قال النابغة الذّبيانىّ:
سرت عليه من الجوزاء سارية ... تزجى الشّمال عليه جامد البرد] «1»
ولا يكون إلا بالليل.
«فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ [بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ] إِلَّا امْرَأَتَكَ» منصوبة لأنها فى موضع مستثنى واحد من جميع فيخرجونه منهم، يقال:
مررت بقومك إلّا زيدا وكان أبو عمرو بن العلاء يجعل مجازها على مجاز قوله:
لا يلتفت من أهلك إلّا امرأتك فإنها تلتفت فيرفعها على هذا المجاز [والسّرى بالليل، قال لبيد:
فبأت وأسرى القوم آخر ليلهم ... وما كان وقّافا بغير معصّر] «2»
__________
(1) ديوانه من الستة ص 6 واللسان والتاج (سرى) والقرطبي 9/ 79.
(2) ديوانه 1/ 65- والطبري 12/ 129 واللسان والتاج (سرى) .(1/295)
فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ (82)
«حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ» (82) وهو الشديد من الحجارة الصّلب ومن الضرب، «1» قال:
ضربا تواصى به الأبطال سجّيلا «2»
وبعضهم يحوّل اللام نونا كقول النّابغة:
__________
(1) «وهو ... الضرب» : قال الطبري (12/ 54) : وكان بعض أهل العلم بكلام العرب من البصريين (يريد أبا عبيدة) يقول: السجيل هو الصلب الشديد من الحجارة ومن الضرب ويستشهد على ذلك بقول الشاعر ... إلخ. وفى اللسان نقلا عن الأزهرى: قال أبو عبيدة: «من سجيل» تأويله كثيرة شديدة، وقال:
إن مثل ذلك قول ابن مقبل، وأنشد البيت، ثم: قال: سجين وسجيل بمعنى واحد (سجل) . وحكى القرطبي (9/ 83) تفسيره هذا عنه، وذكر إنشاده البيت.
وفى البخاري: سجيل الشديد الكثير، سجيل وسجين واحد، واللام والنون أختان، وقال تميم بن مقبل: «ورجلة يضربون» البيت. قال ابن حجر: هو كلام أبى عبيدة بمعناه قال فى قوله تعالى: حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ ... قال ابن مقبل، فذكره قال قوله: سجيلا أي شديدا وبعضهم يحول اللام نونا، وقال فى موضع آخر: السجيل الشديد الكثير، وقد تعقبه ابن قتيبة بأنه لو كان بمعنى السجيل الشديد لما دخلت عليه «من» وكان يقول: حجارة سجيلا، لأنه لا يقال: حجارة من شديد، ويمكن أن يكون الموصوف حذف. وأنشد غير أبى عبيدة البيت المذكور فأبدل قوله ضاحية ... إلخ (فتح الباري 8/ 265) .
(2) من قصيدة نونية لابن مقبل فى جمهرة الأشعار 160- 163 وهو فى الطبري 12/ 54 والقرطبي 9/ 83 واللسان (سجل) وصدره:
ورجلة يضربون البيض ضاحية(1/296)
مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ (83) وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلَا تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ (84)
بكل مدجّج كاللّيث يسمو ... على أوصال ذيّال رفنّ «1»
يريد رفلّ.
[ «منضوض» (82) : بعضه على بعض] :
«مُسَوَّمَةً» (83) أي معلمة بالسيماء وكانت عليها أمثال الخواتيم.
«وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ» (84) مدين لا ينصرف لأنه اسم مؤنثة، ومجازها مجاز المختصر الذي فيه ضمير: وإلى أهل مدين، وفى القرآن مثله، قال: «وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ» (12/ 82) أي أهل القرية «وسئل العير» أي من فى العير. «2»
__________
(1) فى ديوانه من الستة رقم 39 وص 31- وهو فى السمط أيضا له (179 و 217) ونسب فى اللسان (رفن) إلى الجعدي، قال البطليوسي فى الاقتضاب (339) :
هذا البيت للنابغة الجعدي وهو من الشعر المنحول له.
(2) «وإلى مدين ... من فى العير» : روى ابن حجر هذا الكلام عن أبى عبيدة (فتح الباري 8/ 267) .(1/297)
قَالَ يَا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (92) وَيَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ (93) وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ (94) كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلَا بُعْدًا لِمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ (95) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ (96) إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ (97) يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ (98) وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ (99)
«وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَراءَكُمْ ظِهْرِيًّا» (92) مجازه: ألقيتموه خلف ظهوركم فلم تلتفتوا إليه، ويقال: للذى لا يقضى حاجتك ولا يلتفت إليها: ظهرت بحاجتي وجعلتها ظهريّة أي خلف ظهرك «1» وقال:
وجدنا بنى البرصاء من ولد الظّهر «2»
أي من الذين يظهرون بهم ولا يلتفتون إلى أرحامهم. «3»
«أَلا بُعْداً لِمَدْيَنَ» (96) مجازه: بعدا لأهل مدين، ومجاز «ألا» مجاز التوكيد والتثبيت والتنبيه ونصب «بعدا» كما ينصبون المصادر التي فى مواضع الفعل كقولهم: بعدا وسحقا وسقيا ورعيا لك وأهلا وسهلا.
«الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ» (99) «4» مجازه مجاز العون المعان، يقال: رفدته عند الأمير، أي أعنته وهو من كل خير وعون، وهو مكسور الأول وإذا فتحت أوله فهو القدح الضّخم قال الأعشى:
__________
(1) «ويقال ... ظهرك» : راجع الطبري 12/ 60.
(2) : عجز بيت صدره:
فمن مبلغ أبناء مرة أننا
وهو لأرطأة بن سهية فى اللسان (ظهر) وفى الطبري غير مغزو 12/ 60. [.....]
(3) «أي ... أرحامهم» : هكذا فى التاج (ظهر) .
(4) «الرفد المرفود» : فى البخاري: العون المعين، رفدته أعنته. قال ابن حجر (8/ 227) : كذا وقع فيه. وقال أبو عبيدة: «الرفد المرفود» ...
أعنته. قال الكرماني: وقع فى النسخة التي عندنا العون المعين والذي يدل عليه التفسير المعان.(1/298)
وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ (101) وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ (102) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ (103) وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ (104) يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ (105) فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ (106) خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ (107) وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ (108) فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هَؤُلَاءِ مَا يَعْبُدُونَ إِلَّا كَمَا يَعْبُدُ آبَاؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ (109)
ربّ رفد «1»
«غَيْرَ تَتْبِيبٍ» (102) أي تدمير وإهلاك وهو من قولهم: تبّبته وفى القرآن: «تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ» (18/ 1) ويقال: تبّا لك.
«عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ» (109) أي غير مقطوع، ويقال: جذذت اليمين أي الحلف، «جذّ الصّليّانة» «2» أي حلف فقطعها ومنه جذذت الحبل إذ قطعته، ويقال: جذّ الله دابرهم، «3» أي قطع أصلهم وبقيّتهم.
«فِي مِرْيَةٍ» (110) أي فى شكّ، ويكسر أولها ويضمّ، ومرية الناقة مكسورة وهى درّتها، وكذلك مرية الفرس وهى أن تمرية بساق أو زجر أو سوط.
__________
(1) : مطلع بيت تمامه:
رب رفد هرقته ذلك الي ... وم وأسرى من معشر أقتال
فى ديوانه 13- والطبري 12/ 63.
(2) «جذ الصليانة» : هذا مثل نصه: «جذها جذ العير الصليانة» . وهو فى جمهرة الأمثال 1/ 226 والميداني 1/ 107 واللسان (جذذ) والفرائد 1/ 134.
والصليان بقل ربما اقتلعه العير من أصله إذا ارتعاه ووزنه فعيلان يضرب لمن يسرع الحلف من غير تمسكث. والهاء فى جذها: كناية عن اليمين.
(3) «جذ ... دابرهم» . مثل أيضا، وهو فى مجمع الأمثال للميدانى 1/ 119 والفرائد 1/ 149.(1/299)
وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ (113) وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ (114) وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (115) فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ (116)
«وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا» (113) أي لا تعدلوا ولا تنزعوا إليهم ولا تميلوا، ويقال: ركنت إلى قولك أي أردته وأحببته وقبلته، ومجاز «ظلموا» هاهنا: كفروا.
«وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ» (115) أي ساعات وواحدتها زلفة، أي ساعة ومنزلة وقربة ومنها سميت المزدلفة، قال العجّاج:
ناج طواه الأين مما وجفا ... طىّ اللّيالى زلفا فزلفا «1»
سماوة الهلال حتى احقوقفا «2»
[سماوته: شخصه وسماوة الرجل شخصه، ووقع، طىّ على ضمير فعل للمطى فيصير به فاعلا] .
«فَلَوْلا كانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُوا بَقِيَّةٍ» (117) مجازه: فهلا «3» كان من القرون الذين من قبلكم ذووا بقية، أي يبقون و «يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسادِ
__________
(1) «وزلفا ... فزلفا» : رواه ابن حجر عن أبى عبيدة فى فتح الباري 8/ 268.
(2) ديوانه 84- والكتاب 1/ 150 والطبري 12/ 72 والصحاح واللسان والتاج (زلف) والشنتمرى 1/ 180 وفتح الباري.
(3) «فلولا ... فهلا» : وفى البخاري: فلولا كان فهلا كان. قال ابن حجر: (8/ 267) وهو قول أبى عبيدة، قال فى قوله تعالى: «فلولا» الآية إلى قوله «من القرون» .(1/300)
فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنا مِنْهُمْ» منصوب لأنه استثناء من هؤلاء القرون وهم ممن أنجينا، ومجازه: مجاز المختصر الذي فيه ضمير: فلولا كان من القرون الذين كانوا من قبلكم.
«ما أُتْرِفُوا فِيهِ» (117) «1» أي ما تجبّروا وتكبّروا عن أمر الله وصدّوا عنه وكفروا، قال:
تهدى رؤوس المترفين الصّدّاد ... إلى أمير المؤمنين الممتاد «2»
الممتاد من ماد يميد.
__________
(1) «ما أترفوا ... عنه» : رواه ابن حجر عن أبى عبيدة (فتح الباري 8/ 267) .
(2) البيت فى ديوان العجاج 40- وفى الطبري 12/ 79.(1/301)
وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (6) لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ (7) إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (8) اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ (9) قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ (10)
(بسم الله الرّحمن الرّحيم)
«سورة يوسف» (12)
«وَكَذلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ» (6) أي يختارك.
«وَعَلى آلِ يَعْقُوبَ» (6) أي على أهل يعقوب، والدليل على ذلك إنك إذا صغّرت «آل» قلت «أهيل» ، وعلى أهل ملته أيضا.
«فِي غَيابَتِ الْجُبِّ» (10) مجازها: أن كل شىء «غيّب عنك شيئا» فهو غيابة «1» ، [قال المنخّل بن سبيع العنبرىّ:
فإن أنا يوما غيّبتنى غيابتى ... فسيروا مسيرى فى العشيرة والأهل] «2»
والجب: الركيّة التي لم تطو، «3» قال الأعشى:
لئن كنت فى جبّ ثمانين قامة ... ورقيّت أسباب السماء بسلّم
«4»
__________
(1) «كل ... غيابة» : هذا الكلام فى القرطبي 9/ 132، وورد قوله «الجب الركية التي لم تطو» فى البخاري. قال ابن حجر (8/ 272) : كذا وقع لأبى ذر فأوهم أنه من كلام ابن عباس لعطفه عليه وليس كذلك وإنما هو كلام أبى عبيدة سأذكره.
(2) : «المنخل» : هو المنخل بن سبيع بن زيد بن معاوية بن العنبر، له ترجمة فى المؤتلف 178 ومعجم المرزباني 388. - والبيت فى معجم المرزباني 388 والقرطبي 9/ 132، وصدره فى التاج (غيب) .
(3) «والجب ... تطو» : هذا الكلام فى القرطبي 9/ 139.
(4) : ديوانه 94 والكتاب 1/ 197 والشنتمرى 1/ 231 والقرطبي 9/ 132 وشواهد الكشاف 279. [.....](1/302)
قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ (17) وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ (18)
«نرتع [ونلعب] » (15) «1» أي ننعم ونلهو وقال «2» فى المثل: «القيد والرّتعة» وقرأها قوم «يرتع» أي إبلنا، ونرتع نحن إبلنا.
«وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا» (17) أي بمصدق ولا مقرّ لنا أنه صدق.
«سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ» (18) أي زينت وحسنت، «3» وتابعتكم على ذلك.
«فَصَبْرٌ جَمِيلٌ» (18) مرفوعان لأن «جميل» صفة للصبر ولو كان الصبر وحده لنصبوه كقولك: صبرا، لأنه فى موضع: اصبر، وإذا وصفوه رفعوه واستغنوا عن موضع: اصبر، قال [الراجز] :
يشكو إلىّ جملى طول السّرى ... صبر جميل فكلانا مبتلى «4»
__________
(1) «نرتع ونلعب» : قرأ الكوفيون ونافع بالياء فيهما والباقون بالنون» وكسر الحرميان العين من «يرتع» وجزمها الباقون (الداني 128) .
(2) «وقال» : القائل هو عمرو بن الصعق بن خويلد بن نفيل بن عمرو ابن كلاب قاله حينما رجع من الإسارة. والمثل فى كتاب الفاخر للمفضل 170 والميداني 2/ 31 والفرائد 2/ 80.
(3) «سولت ... وحسنت» : رواه ابن حجر عن أبى عبيدة فى فتح الباري 8/ 274.
(4) : فى القرطبي 9/ 153 واللسان والتاج (شكا) .(1/303)
وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ (20) وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (21)
قال أبو الحسن الأثرم: سمعت من ينشد:
صبرا جميل ... أراد نداء يا جميل
«وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ» (20) أي باعوه، فإذا بعته أنت قلت: اشتريته، قال ابن مفرّغ:
وشريت بردا ليتنى ... من بعد برد كنت هامه (57)
أي بعته بخس: أي نقصان ناقص، منقوص، يقال: بخسني حقى، أي نقصنى وهو مصدر بخست فوصفوا به وقد تفعل العرب ذلك.
«بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ» (20) جررته على التكرير والبدل.
«أَكْرِمِي مَثْواهُ» (21) أي مقامه الذي ثواه، ومنه قولهم: هى أمّ مثوى وهو أبو مثوى، «1» إذا كنت ضيفا عليهم.
__________
(1) «أكرمى ... ايو مثوى» : رواه أبن حجر عن أبى عبيدة فى فتح الباري 8/ 275.(1/304)
وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (22) وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (23)
« [وَلَمَّا] بَلَغَ أَشُدَّهُ» (22) مجازه: إذا بلغ منتهى شبابه وحدّه وقوّته من قبل أن يأخذ فى النقصان وليس له واحد من لفظه. «1»
«وَقالَتْ هَيْتَ لَكَ» (23) أي هلمّ لك، أنشدنى أبو عمرو بن العلاء: «2» أبلغ أمير المؤمنين أخا العراق إذا أتينا «3»
أنّ العراق وأهله ... عنق إليك فهيت هيتا
يريد علىّ بن أبى طالب رحمه الله، أي تعال وتقرّب وادنه، وكذلك لفظ «هيت» للاثنين والجميع من الذكر والأنثى سواء إلّا أن العدد فيما بعدها تقول:
هيت لكما وهيت لكن، وشهدت أبا عمرو وسأله أبو أحمد أو أحمد وكان عالما بالقرآن وكان لألأ «4» ثم كبر فقعد فى بيته فكان يؤخذ عنه القرآن ويكون مع
__________
(1) «وليس ... لفظه» : قال القرطبي (9/ 162) : وزعم أبو عبيد (لعله أبو عبيدة) أنه لا واحد له من لفظه. وهذا الكلام فى البخاري بمعناه وأشار إليه ابن حجر فى فتح الباري 8/ 27.
(2) «هبت ... العلاء» روى ابن حجر هذا الكلام عن أبى عبيدة فقال:
وقالت هيت ... ابن العلاء: أن العراق البيت. قال: قال ولفظ هيت ... سواء وسأله رجل عمن قرأ هئت لك أي بكسر الهاء وضم المثناة مهموزا فقال باطل لا يعرف هذا أحد من العرب انتهى (فتح الباري 8/ 274) .
(3) : فى الطبري 12/ 99 والقرطبي 9/ 164 والصحاح واللسان والتاج (هيت) والثاني منهما فى الخصائص 297 والجمهرة 2/ 32.
(4) «لألأ» : بائع اللؤلؤ.(1/305)
القضاة، فسأله عن قول من قال: هئت فكسر الهاء وهمز الياء، فقال أبو عمرو:
نبسى [أي باطل] جعلها قلت من تهيأت فهذا الخندق، واستعرض العرب حتى تنتهى إلى اليمن هل يعرف أحد هئت [لك] «1» كان خندق كسرى إلى هيت «2» حين بلغه أن النبي صلى الله عليه يخرج وخاف العرب فوضع عليه المراصد وصوامع وحرسا ودون ذلك مناظر ثم لمّا كانت فتنة ابن الأشعث «3» حفره
__________
(1) «فسأله ... هيت لك» : قال القرطبي (9/ 164) : قال أبو عبيدة معمر بن المثنى سئل أبو عمرو عن قراءة من قرأ بكسر الهاء وضم التاء مهموزا فتمال أبو عمر: باطل، جعلها من تهيئت اذهب فاستعرض العرب حتى تنتهى إلى اليمن هل تعرف أحدا يقول هذا؟ و «الخندق» : هو خندق سابور فى برية الكوفة حفره سابور بينه وبين العرب خوفا من شرهم، قالوا كانت هيت وعانات مضافة إلى طسوج الأنبار فلما ملك أنو شروان بلغه أن طوائف من الأعراب يغيرون على ما قرب من السواد إلى البادية فأمر بتحديد سور مدينة تعرف بالنسر كان سابور ذو الأكتاف بناها وجعلها مسلحة تحفظ ما قرب من البادية وأمر بحفر خندق من هيت يشق طف البادية إلى الكاظمة مما يلى البصرة وينفذ إلى البحر وبنى عليه المناظر والجواسق ونظمه بالمسالح ليكون ذلك مانعا لأهل البادية من السواد.
(معجم البلدان 2/ 476) .
(2) «هيت» : هى بلدة على الفرات من نواحى بغداد فوق الأنبار ذات نخل كثير وخيرات واسعة وهى مجاورة للبرية (معجم البلدان 4/ 997) .
(3) «ابن الأشعث» : هو عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث بن قيس الذي خرج على الحجاج بن يوسف أنظر أخباره فى مروج الذهب 5/ 302 والكامل لابن الأثير 4/ 399 والنجوم الزهرة 1/ 202.(1/306)
وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (25)
عبيد الله بن عبد الرحمن بن سمرة، «1» وكان أعور، فقال له حميد الأرقط:
يا أعور العين فديت العورا ... لا تحسبنّ الخندق المحفورا «2»
يردّ عنك القدر المقدورا
وذلك أنه لمّا انهزم ابن الأشعث من الزاوية «3» قام هو بأمر أهل البصرة فناصب الحجاج، ثم لما هرب يزيد بن المهلّب «4» من سجن عمر بن عبد العزيز حفره عدىّ بن أرطاة «5» عامل البصرة، لئلا يدخل يزيد البصرة ثم حفره المنصور وجعل عليه حائطا مما يلى الباب فحصنه أشدّ من تحصين الأولين للحائط ولم يكن له حائط قبل ذلك.
«وَأَلْفَيا سَيِّدَها لَدَى الْبابِ» (25) أي وجدا، «6» قال:
فألفيته غير مستعتب ... ولا ذاكر الله إلّا قليلا «7»
أي وجدته.
__________
(1) «عبيد الله ... سمرة» أنظر أخباره فى تاريخ الطبري 2/ 1098- 1099
(2) الشطر الثاني والثالث فى اللسان والتاج (خندق) . [.....]
(3) «الزاوية» : موضع قرب البصرة كانت به الوقعة المشهورة بين الحجاج وعبد الرحمن بن محمد بن الأشعث قتل فيها خلق كثير من الفريقين، وذلك فى سنة 83 من الهجرة (معجم البلدان 2/ 911) .
(4) «يزيد بن المهلب» : أنظر أخباره فى مروج الذهب 5/ 353، والكامل لابن الأثير 5/ 95.
(5) «عدى بن أرطأة» : الفزاري: كان عامل البصرة، غلب عليها يزيد بن المهلب فحبسه فى سنة 101، راجع النجوم الزاهرة 1/ 246.
(6) «ألفيا ... وجدا» : رواه ابن حجر عن أبى عبيدة فى فتح الباري 8/ 275.
(7) : لأبى الأسود الدؤلي فى الكتاب 1/ 72 والشنتمرى 1/ 58، وابن يعيش 1/ 168، وشواهد المغني 316، والخزانة 4/ 554.(1/307)
وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (30) فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ (31)
«قَدْ شَغَفَها حُبًّا» (30) أي قد وصل الحب إلى شغف قلبها وهو غلافه، «1» قال [النّابغة الذّبيانىّ] :
ولكن همّا دون ذلك والج ... مكان الشّفاف تبتغيه الأصابع «2»
ويقرؤه قوم «قد شعفها» : وهو من المشعوف.
«وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً» (31) : أفعلت من العتاد، ومعناه: أعدّت.
__________
(1) «قد شعفها ... غلافه» : روى ابن حجر هذا الكلام عن أبى عبيدة فى فتح الباري، وقال: قال: ويقرؤه قوم «شعفها» أي بالعين المهملة، وهو من المشعوف، انتهى. والذي قرأها بالمهملة: أبو رجاء، والأعرج، وعوف. رواه الطبري (12/ 110- 111) ، ورويت عن على والجمهور بالمعجمة (فتح الباري 8/ 272) .
(2) : ديوانه رقم 19 من الستة 19. - والطبري 12/ 110، والأمالى للقالى 1/ 205، والسمط 489، والصحاح واللسان والتاج (شغف) ، والقرطبي 9/ 176، والخزانة 1/ 429.(1/308)
له متكئا، أي نمرقا تتكئ عليه، وزعم قوم أنه الأترج، وهذا أبطل باطل فى الأرض ولكن عسى أن يكون مع المتكاء أترج يأكلونه، «1» ويقال:
ألق له متكئا.
«أَكْبَرْنَهُ» (31) أجللنه وأعظمنه، ومن زعم أن أكبرنه «حضن» «2» فمن أين، وإنما وقع عليه الفعل ذلك، لو قال: أكبرن، وليس فى كلام العرب أكبرن حضن، ولكن عسى أن يكون من شدة ما اعظمنه حضن.
__________
(1) «متكأ ... يأكلونه» : روى الطبري (12/ 112) قول أبى عبيدة هذا قائلا: وقال أبو عبيدة معمر بن المثنى: المتكأ هو النمرق يتكأ عليه وقال:
زعم قوم أنه الأترج قال وهذا أبطل باطل فى الأرض، ولكن عسى أن يكون.
مع المتكأ أترج يأكلونه، وحكى أبو عبيد القاسم بن سلام قول أبى عبيدة ثم قال: والفقهاء أعلم بالتأويل منه، ثم قال: ولعله بعض ما ذهب من كلام العرب فان الكسائي كان يقول قد ذهب من كلام العرب شىء كثير، انقرض اهله، والقول فى أن الفقهاء أعلم بالتأويل من أبى عبيدة كما قال أبو عبيد لا شك فيه، غير أن أبا عبيدة لم يبعد من الصواب فى هذا القول بل القول كما قال من أن من قال المتكأ هو الأترج إنما بين المعد فى المجلس الذي فيه المتكأ والذي من أجله أعطين السكاكين لأن السكاكين معلوم أنها لا تعد للمتكأ إلا لتخريقه، ولم يعطين السكاكين لذلك ومما يبين صحة ذلك، القول الذي ذكرناه عن ابن عباس: من أن المتكأ هو المجلس.
واخذه البخاري 5/ 215 وعزاه ابن حجر إلى أبى عبيدة فى فتح الباري 8/ 270.
(2) «أجللته ... حضن» : انظر هذا الكلام فى الطبري 12/ 113 114، وقال القرطبي (9/ 180) : وأنكر ذلك أبو عبيدة وغيره. وقال البخاري.
ليس فى كلام العرب الأترج ... إلخ. قال ابن حجر: قوله: ليس فى كلام العرب الأترج، يريد أنه ليس فى كلام العرب تفسير المتكأ بالأترج، قال صاحب المطالع:
(يعنى بابن قرقول) وفى الأترج ثلاث لغات، ثانيها بالنون وثالثها مثلها بحذف الهمزة، وفى المفرد كذلك، وعند بعض المفسرين: أعتدت لهن البطيخ والموز، وقيل: كان مع الأترج عسل، وقيل: كان للطعام المذكور بزما ورد، ولكن ما نفاه المؤلف رحمه الله تبعا لأبى عبيدة قد أثبته غيره (فتح الباري 8/ 271) .(1/309)
«وَقُلْنَ حاشَ لِلَّهِ» (31) الشين مفتوحة ولا ياء فيه وبعضهم يدخل الياء فى آخره، كقوله:
حاشى أبى ثوبان إنّ به ... ضنّا عن الملحاة والشّتم «1»
ومعناه معنى التنزيه والاستثناء من الشرّ، ويقال: حاشيته أي استثنيته.
__________
(1) : هذا البيت منسوب إلى سبرة بن عمرو الأسدى فى نسخة وغير معز وفى النسختين الأخريين وهو فى قصيدة ميمية فى المفضليات رقم 109 والأصمعيات 80 للجميع واسمه منقذ بن الطماح الأسدى وركب أبو عبيدة صدر بيت على عجز بيت بعده، فأنشد هكذا، وتبعه كثير من المفسرين كالطبرى 12/ 115 والزمخشري فى الكشاف 1/ 491، والقرطبي 9/ 181، وأصحاب المعاجم. وتمثل البغدادي (فى الخزانة 2/ 160) بهذا البيت فى أثناء كلاما على بيت آخر فعل به ما فعل بهذا وقال: فأخذ منهما مصر أعين ولم يتنه لهذا أحد من شراح المغني، وكذلك فعل الزمخشري فى المفضل (1/ 511) وغيره كابن هشام. والبيت أيضا فى اللسان والتاج (حشى) والعيني 3/ 129 وشواهد المغني 127 وشواهد الكشاف 131 وشرح المفصل لابن يعيش 1/ 269، والمصراع الأول فى فتح الباري 8/ 276. - «أبى ثوبان» رواه المفضل الضبي أبا ثوبان بالنصب على أن حاشا فعل.(1/310)
قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ (33) فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (34) ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ (35) وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (36) قَالَ لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (37) وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ (38) يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (39) مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (40) يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا وَأَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ (41) وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ (42)
«أَصْبُ إِلَيْهِنَّ» (33) أي أهواهنّ وأميل إليهن، قال [يزيد بن ضبّة]
إلى هند صبا قلبى ... وهند مثلها تصبى «1» «2»
وقال:
صبا صبوة بل لجّ وهو لجوج ... وزالت له بالأنعمين حدوج «3»
«اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ» (32) أي عند سيدك من بنى آدم ومولاك وقال:
فإن يك ربّ أذواد بحسمى ... أصابوا من لقائك ما أصابوا «4»
__________
(1) «صبّ ... تصبى» : هذا الكلام فى فتح الباري 8/ 276 عن أبى عبيدة.
(2) : فى الطبري 12/ 117 والقرطبي 9/ 185 واللسان (صبا) وفتح الباري 8/ 272.
(3) : البيت لأبى ذؤيب فى ديوان الهذليين 1/ 50، وشواهد المغني 109، والخزانة 1/ 194. الأنعمان: واديان. أنظر معجم البلدان 4/ 796.
(4) : لم أجده فيما رجعت إليه. - «حسمى» : بالكسر ثم بالسكون مقصور أرض ببادية الشام انظر معجم البلدان 2/ 367 ومعجم ما استعجم للبكرى 2/ 446. [.....](1/311)
قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ (44)
[قال الأعشى:
ربّى كريم لا يكدّر نعمة ... وإذا تنوشد فى المهارق أنشدا «1»
يعنى النّعمان إذا سئل بالمهارق الكتب، أنشدا: أعطى كقولك: إذا سئل أعطى.]
«أَضْغاثُ أَحْلامٍ» (44) واحدها ضغث مكسور وهى ما لا تأويل لها من الرؤيا، أراه جماعات تجمع من الرؤيا كما يجمع الحشيش، فيقال ضغث، أي ملء كفّ منه، قال [عوف بن الخرع التّيمىّ] :
وأسفل منى نهدة قدر بطنها ... وألقيت ضغثا من خلى متطيّب «2»
[أي تطيبت لها أطايب الحشيش] ، وفى آية أخرى «وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ» (38/ 44) . «3»
__________
(1) : ديوانه 151.
(2) «أضغاث ... فاضرب به» : هذا القول بمعناه دون البيت المستشهد به فى البخاري وأشار إليه ابن حجر ورواه بلفظه فى فتح الباري 8/ 272.
(3) : عوف، هو عوف بن عطية بن عمر بن الحرث بن تيم. والخزع لقب جده عمرو. هو من فرسان العرب. جاهلى شاعر مفلق حسب قول المرزباني فى معجم الشعراء 277 وقال البكري فى السمط 377، 723: أنه جاهلى إسلامى وراجع تمام نسبه فى شرح المفضليات 637، والخزانة 3/ 82، - والبيت عجزه فقط فى الجمهرة 2/ 43.(1/312)
وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ (45) يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ (46) قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ (47) ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ (48) ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ (49)
«وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ» (45) أي افتعل من ذكرت فأدغم التاء فى الذال فحوّلوها دالا ثقيلة «بعد أمّة» أي بعد حين، وبعضهم يقرؤها بعد أمه، أي بعد نسيان، ويقال: أمهت تأمه أمّها، ساكن، أي نسيت.
«إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ» (29) أي مما تحرزون.
«وَفِيهِ يَعْصِرُونَ» (49) أي به ينجون «1» وهو من العصر وهى العصرة أيضا وهى المنجاة، قال:
ولقد كان عصرة المنجود «2»
__________
(1) «ينجون إلخ» : قال الطبري: (12/ 129) وكان بعض من لا علم له بأقوال السلف من أهل التأويل ممن يفسر القرآن برأيه على مذهب كلام العرب (يعنى أبا عبيدة) يوجه معنى قوله: «وفيه يعصرون» إلى «وفيه ينجون» عن الجدب والقحط بالغيث ويزعم أنه من العصر والعصرة التي بمعنى المنجاة ... وذلك تأويل يكفى من الشهادة على خطئه خلافه قول جميع أهل العلم من الصحابة والتابعين إلخ.
(2) : عجز بيت صدره:
صاديا يستغيث غير مغاث
لأى زيد فى قصيدة يرثى بها اللجاج ابن أخته وكان من أحب الناس إليه وهى من الجمهرات 138 والبيت فى الطبري 12/ 129، والفرطين 1/ 226، والاقتضاب 390 والقرطبي 9/ 205 واللسان (عصر) .(1/313)
قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (51) ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ (52) وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (53) وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ (54) قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ (55) وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (56) وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (57) وَجَاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (58) وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ أَلَا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ (59) فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلَا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي وَلَا تَقْرَبُونِ (60) قَالُوا سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ (61) وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ اجْعَلُوا بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا إِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (62) فَلَمَّا رَجَعُوا إِلَى أَبِيهِمْ قَالُوا يَا أَبَانَا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (63) قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (64) وَلَمَّا فَتَحُوا مَتَاعَهُمْ وَجَدُوا بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قَالُوا يَا أَبَانَا مَا نَبْغِي هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا وَنَمِيرُ أَهْلَنَا وَنَحْفَظُ أَخَانَا وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذَلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ (65) قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلَّا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ (66) وَقَالَ يَا بَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (67) وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ مَا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (68) وَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ قَالَ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (69) فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ (70)
أي المقهور المغلوب، وقال لبيد:
فبات وأسرى القوم آخر ليلهم ... وما كان وقّافا بغير معصّر (335)
«الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ» (51) أي الساعة وضح الحقّ وتبيّن.
«وَنَمِيرُ أَهْلَنا» (65) من مرت تمير ميرا وهى الميرة، أي نأتيهم ونشترى لهم طعومهم، قال أبو ذؤيب:
أتى قرية كانت كثيرا طعامها ... كرفع التراب كلّ شىء يميرها «1»
«كَيْلَ بَعِيرٍ» (65) أي حمل بعير يكال له ما حمل بعير.
«آوى إِلَيْهِ أَخاهُ» (69) وهو يؤوى إليه إيواء، أي ضمّه إليه. «2»
«السِّقايَةَ» (70) مكيال يكال به ويشرب فيه.
__________
(1) : ديوان الهذليين 1/ 54.
(2) «ونمير ... ضمه إليه» : هذا الكلام دون البيت فى فتح الباري (8/ 272)
عن أبى عبيدة.(1/314)
قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ (72) قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ (73) قَالُوا فَمَا جَزَاؤُهُ إِنْ كُنْتُمْ كَاذِبِينَ (74) قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (75) فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِنْ وِعَاءِ أَخِيهِ كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ (76) قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَانًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ (77) قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (78) قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ إِنَّا إِذًا لَظَالِمُونَ (79) فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ وَمِنْ قَبْلُ مَا فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ (80)
«صُواعَ الْمَلِكِ» (72) والجميع صيعان خرج مخرج الغراب والجمع غربان، وبعضهم يقول: «1» هى «صاع الملك» والجميع أصواع خرج مخرج باب و [الجميع] أبواب.
«وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ» (72) أي كفيل وقبيل، قال الموسى الأزدىّ:
فلست بآمر فيها بسلم ... ولكنّى على نفسى زعيم «2»
بغزو مثل ولغ الذئب حتى ... ينوء بصاحبى ثأر منيم
«تَاللَّهِ» (73) التاء بمنزلة واو القسم لأن الواو تحوّل تاء، قالوا: تراث وإنما هى من ورثت، وقالوا: تقوى، وأصلها وقوى لأنها من وقيت.
«اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ» (80) استفعلوا من يئست.
«خَلَصُوا نَجِيًّا» (80) أي اعتزلوا نجيّا يتناجون، والنجى يقع لفظه على الواحد والجميع أيضا وقد يجمع، فيقال: بحي وأنجية، وقال لبيد:
وشهدت أنجية الأفاقة عاليا ... كعبى وأرداف الملوك شهود «3»
__________
(1) «وبعضهم يقول» : انظر اختلافهم فى قراءة الآية فى الطبري 13/ 12.
(2) : «الموسى الأزدى» : لم أقف على ترجمته. - والبيت الأول فقط فى الطبري 13/ 13.
(3) : ديوانه 1/ 26- والطبري 13/ 20.(1/315)
وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ (84) قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ (85)
«يا أَسَفى عَلى يُوسُفَ» (84) خرج مخرج النّدبة، وإذا وقفت عندها قلت: يا أسفاه، فإذا اتصلت ذهبت الياء كما قالوا:
يا راكبا إمّا عرضت فبلّغن «1»
والأسف أشدّ الحزن والتندم، ويقال: يوسف مضموم فى مكانين، ويوسف تضمّ أوله وتكسر السين بغير همز، ومنهم من يهمزه يجعله يفعل من آسفته.
«تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ» (85) أي لا تزال تذكره، قال أوس بن حجر:
فما فتئت خيل تثوب وتدّعى ... ويلحق منها لاحق وتقطّع «2»
أي فما زالت، [قال خداش بن زهير:
وأبرح ما أدام الله قومى ... بحمد الله منتطقا مجيدا «3»
معنى هذا: لا أبرح لا أزال.]
«حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً» (85) والحرض الذي أذابه الحزن أو العشق وهو فى موضع محرض، «4» قال:
كأنك صمّ بالأطبّاء محرض «5»
__________
(1) : لم أجده فيما رجعت إليه.
(2) : ديوانه رقم 17- والطبري 13/ 25 وشواهد الكشاف 168.
(3) فى العيني 2/ 64.
(4) «والحرض ... محرض» كذا فى اللسان (حرض) ورواه ابن حجر عن أبى عبيدة فى فتح الباري 9/ 273. [.....]
(5) : صدر البيت فى اللسان (حرض) :
أمن ذكرى سلمى غربة إن نأت بها(1/316)
قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (86) يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ (87) فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ (88)
وقال [العرجىّ] :
إلىّ امرؤ لج بي حبّ فأحرضنى ... حتى بكيت وحتى شفّنى السّقم «1»
أي أذابنى. فتبقى محرضا.
«أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهالِكِينَ» (85) أي من الميّتين.
ِنَّما أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ»
(86) البثّ أشد الحزن، ويقال:
حزن، متحرك الحروف بالفتحة أي فى اكتئاب، والحزن أشدّ الهمّ.
«اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا» (87) أي تخبّروا والتمسوا فى المظان.
«مُزْجاةٍ» (88) يسيرة قليلة، «2» قال:
وحاجة غير مزجاة من الحاج «3»
__________
(1) : العرجى: هو عبد الله بن عمر بن عبد الله بن عمرو بن عثمان سمى بالعرجي لأنه ولد بالعرج من مكة. أخباره فى الأغانى (طبع الدار) 1/ 383 وانظر الاشتقاق 48 والسمط 422 والبيت فى الطبري 13/ 25 والقرطبي 9/ 250 والصحاح واللسان والتاج (حرض) وصدره فى فتح الباري 8/ 273.
(2) «ذهبوا ... قليلة» : رواه ابن حجر عن أبى عبيدة فى فتح الباري 8/ 273.
(3) : فى اللسان (زجى) .(1/317)
قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ (91) قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (92) اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ (93) وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ (94)
«وَإِنْ كُنَّا لَخاطِئِينَ» (91) مجازه: وإن كنا خاطئين، [وتزاد] اللام المفتوحة للتوكيد والتثبيت، وخطئت وأخطئت واحد، قال [امرؤ القيس] :
يا لهف هند إذ خطئن كاهلا. «1»
أي أخطأن، وقال: أميّة بن الأسكر:
وإنّ مهاجرين تكنّفاه ... غداة إذ لقد خطئا وحابا (133)
«لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ» (92) أي لا تخليط ولا شغب ولا إفساد ولا معاقبة.
«يَأْتِ بَصِيراً» (93) أي يعد بصيرا أي يعد مبصرا.
«لَوْلا أَنْ تُفَنِّدُونِ» (94) أي تسفّهونى «2» وتعجّزونى وتلومونى، قال [هانىء بن شكيم العدوىّ] :
يا صاحبىّ دعا لومى وتفنيدى ... فليس ما فات من أمر بمردود «3»
__________
(1) ديوانه من الستة 143.
(2) «تفندون ... تسفهونى» : رواه ابن حجر عن أبى عبيدة فى فتح الباري 8/ 271.
(3) «هانى ... العدوى» : لم أقف على ترجمته- والبيت فى الطبري 14/ 34 والقرطبي 9/ 260.(1/318)
وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (100) رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (101) ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ (102) وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ (103) وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (104) وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ (105) وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ (106) أَفَأَمِنُوا أَنْ تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (107) قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (108)
«عَلَى الْعَرْشِ» (100) أي السرير.
«مِنَ الْبَدْوِ» (100) وهو مصدر بدوت فى البادية.
«مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطانُ» (100) أي أفسد وحمل بعضنا على بعض.
«غاشِيَةٌ مِنْ عَذابِ اللَّهِ» (107) : مجلّلة. «1»
«أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً» (107) أي فجأة، قال ابن ضبّة «2» وهو يزيد ابن مقسم الثّقفى، وأمه ضبة التي قامت عنه أي ولدته:
ولكنّهم بانوا ولم أدر بغتة ... وأفظع شىء حين يفجأك البغت (219)
«قُلْ هذِهِ سَبِيلِي» (108) قال أبو عمرو: تذكر وتؤنّث، وأنشدنا:
فلا تبعد فكل فتى أناس ... سيصبح سالكا تلك السبيلا «3»
«عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا» (108) يعنى على يقين.
__________
(1) «مجللة» : كذا فى البخاري ورواه ابن حجر عن أبى عبيدة فى فتح الباري 8/ 278، وهو فى القطبي 9/ 273 أيضا.
(2) «ابن ضبة» : ومضت ترجمته فى رقم 214.
(3) : لم أجده فيما رجعت إليه.(1/319)
اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ (2)
بسم الله الرّحمن الرّحيم
سورة الرّعد (13)
«بِغَيْرِ عَمَدٍ» (2) متحرك الحروف بالفتحة، وبعضهم يحركها بالضمة لأنها جميع عمود وهو القياس لأن كل كلمة هجاؤها أربعة أحرف الثالث منها ألف أو ياء أو واو فجميعه متحرك مضموم نحو رسول والجميع رسل، وصليب والجميع صلب، وحمار والجميع حمر، غير أنه جاءت أسامى منه استعملوا جميعه بالحركة بالفتحة نحو عمود وأديم وإهاب قالوا: أدم وأهب ومعنى عمد أي سوارى «1» ودعائم وما يعمد البناء، قال النّابغة [الذّبيانىّ] :
وخيّس الجنّ أنّى قد أذنت بهم ... يبنون تدمر بالصّفّاح والعمد «2»
«وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ» (2) أي ذلّلها فانطاعا.
__________
(1) «سوارى» : جمع سارية وهى بمعنى أسطوانة
(2) : ديوانه من الستة 7 وشرح العشر 155 والطبري 13/ 54 والقرطبي 9/ 279 ومعجم البلدان 1/ 828. وتدمر: بالفتح ثم بالسكون وضم الميم مدينة قديمة مشهورة فى برية الشام (معجم البلدان) .(1/320)
وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (3)
«كُلٌّ يَجْرِي» (2) مرفوع على الاستئناف وعلى «يجرى» ولم يعمل فيه «وَسَخَّرَ» ولكن انقطع منه. و «كُلٌّ يَجْرِي» فى موضع كلاهما إذا نوّنوا فيه، فلذلك جاءت للشمس وللقمر لأن التنوين بدل من الكناية.
«وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ» (3) أي بسطها فى الطول والعرض، «وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ» أي جبالا ثابتات يقال: أرسيت الوتد، قال:
به خالدات ما ير من وهامد ... وأشعث أرسته الوليدة بالفهر «1»
أي أثبتته فى الأرض.
«وَمِنْ كُلِّ [الثَّمَراتِ جَعَلَ فِيها] زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ» (3) مجازه: من كل ذكر وكل أنثى اثنين، فكأنه أربعة منهما: من هذا اثنين ومن هذا اثنين، وللزوج موضعان: أحدهما أن يكون واحدا ذكرا، والثاني أن يكون واحدة أنثى زوج للذكر وبعضهم يقول الأنثى زوجة ويكون الزوج اثنين أيضا.
__________
(1) : للأحوص فى اللسان (رسا) وغير معزو فى الطبري 13/ 55.(1/321)
وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (4) وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَإِذَا كُنَّا تُرَابًا أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (5)
«يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ» (3) مجازه: يحلّل الليل بالنهار والنهار بالليل.
«وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ» (4) أي متدانيات متقاربات غير جنات «و» منهن «جَنَّاتٌ» (4) .
«وَنَخِيلٌ صِنْوانٌ وَغَيْرُ صِنْوانٍ» (4) أي يكون أصله واحدا وفرعه متفرق، وواحده صنو والاثنان صنوان النون مجرورة فى موضع الرفع والنصب والجر كنون الاثنين، فإذا جمعته قلت: صنوان كثير، والإعراب فى نونه: يدخله النصب والرفع والجرّ ولم نجد جمعا يجرى مجراه غير قنو وقنوان [والجميع قنوان] ، «وَغَيْرُ صِنْوانٍ» مجازه: أن يكون الأصل والفرع واحدا، لا يتشعب من أعلاه آخر يحمل:
«يُسْقى «1» بِماءٍ واحِدٍ» (4) لأنه يشرب من أسفله فيصل الماء إلى فروعه المتشعبة من أعلاه.
«وَنُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ» (4) فى الثمرة والأكل.
«الْأَغْلالُ» (5) واحدها غلّ لا يكون إلّا فى العنق. «2»
__________
(1) «يسقى» : قال القرطبي (9/ 283) واختاره (أي التذكير) أبو حاتم وأبو عبيدة قال أبو عمرو والتأنيث أحسن. [.....]
(2) «الأغلال ... العنق» كذا فى البخاري. قال ابن حجر: هو قول أبى عبيدة أيضا (فتح الباري 8/ 282) .(1/322)
وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلَاتُ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ (6) وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ (7) اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ (8) عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ (9) سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ (10)
«خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلاتُ» (6) واحدتها مثلة ومجازها مجاز الأمثال.
«وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ» «1» (8) أي ما تخرج من الأولاد ومما كان فيها.
«وَما تَزْدادُ» (8) أي ما تحدث وتحدث.
«وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ» (8) أي مقدر وهو مفعال من القدر. «2»
«وَسارِبٌ بِالنَّهارِ» (10) مجازه: سالك فى سربه، أي مذاهبه «3» ووجوهه، ومنه قولهم: أصبح فلان آمنا فى سربه، أي فى مذاهبه وأينما توجه، ومنه:
انسرب فلان.
__________
(1) «وما تغيض الأرحام» : فى البخاري: تغيض الأرحام غيض نقص. قال ابن حجر: قال أبو عبيدة فى قوله «وغيض الماء» (11/ 44) أي ذهب وقل وهذا تفسير سورة هود وإنما ذكر هنا لتفسير قوله «تغيض الأرحام» فانها من هذه المادة (فتح الباري 8/ 284) .
(2) «بمقدار ... القدر» كذا رواه ابن حجر فى فتح الباري 8/ 281: أثناء شرح قول البخاري «بمقدار بقدر» وقال هو كلام أبى عبيدة.
(3) «سالك ... مذهبه» : أنظر اختلاف أهل العلم بكلام العرب فى «السرب» فى الطبري 13/ 67.(1/323)
لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ (11)
«لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ» (11) مجازه: ملائكة تعقّب بعد ملائكة، وحفظة تعقّب بالليل حفظة النهار وحفظة النهار تعقّب حفظة الليل، ومنه قولهم: فلان عقّبنى، وقولهم: عقّبت فى أثره.
«يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ» (11) أي بأمر الله يحفظونه من أمره. «1»
«وَإِذا أَرادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً» (11) مضموم الأول، ومجازه: هلكة وكل جذام وبرص وعمّى، وكل بلاء عظيم فهو سوء مضموم الأول، وإذا فتحت أوله فهو مصدر سؤت القوم، ومنه قولهم: رجل سوء [قال الزّبرقان بن بدر:
قد علمت قيس وخندق إنّني ... وقيت إذا ما فارس السّوء أحجما
] «2»
__________
(1) «له معقبات ... أمره» : هذا الكلام بمعناه فى البخاري، وقال ابن حجر فإنه كلام أبى عبيدة أيضا، وروى كلامه بلفظه فى فتح الباري 8/ 281.
(2) : الزبرقان: اسمه حصين بن بدر بن امرئ القيس سيد فى الجاهلية عظيم القدر فى الإسلام، شاعر محسن له ترجمة فى المؤتلف 128، وأخباره فى الأغانى 2/ 49. - ولم أجد البيت فيما رجعت إليه.(1/324)
هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ (12) وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ (13)
«يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً» (12) أي ترهبونه وتطمعون أن يحييكم وأن يغيثكم.
«وَيُنْشِئُ السَّحابَ» (12) أي يبدأ السحاب، ويقال: إذا بدأ «نشأ» .
«وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ» (13) إما أن يكون اسم ملك قد وكلّ بالرّعد وإما أن يكون صوت سحاب واحتجّوا بآخر الكلام: «وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ» (13) يقال: ألا ترى أن العرب تقول:
جون هزيم رعده أجشّ «1»
ولا يكون هكذا إلّا الصوت.
«شَدِيدُ الْمِحالِ» (13) أي العقوبة «2» والمكر والنكال، قال الأعشى:
فرع تبع يهتزّ فى غصن المجد غزير النّدى شديد المحال «3» إن يعاقب يكن غراما وإن يعط جزيلا فإنه لا يبالى
__________
(1) : لم أجده فيما رجعت إليه من المظان.
(2) «المحال العقوبة» : كذا فى البخاري، قال ابن حجر هو قول أبى عبيدة أيضا (فتح الباري 8/ 281) .
(3) : البيت الأول هو 38، والثاني هو 46 من القصيدة الأولى فى ديوانه، قال الطبري (13/ 75) : هكذا كان ينشده معمر بن المثنى فيما حدثت عن ابن المغيرة عنه، وأما الرواة بعده فإنهم ينشدونه:
فرع فرع يهتز فى غصن المجد كثير الندى عظيم المحال وفسر ذلك معمر بن المثنى، وزعم أنه عنى به العقوبة ... والنكال، وهو فى السمط 907، والقرطبي 9/ 299، واللسان والتاج (محل) .(1/325)
لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ (14)
غرام: هلاك وفى القرآن: «إِنَّ عَذابَها كانَ غَراماً» (25/ 65) أي هلاكا وقد فسرناه فى موضعه، وقال ذو الرّمّة:
[أبرّ على الخصوم فليس خصم ... ولا خصمان يغلبه جدالا
] «1» ولبس بين أقوام فكل ... أعدّ له الشّغازب والمحالا
[والشّغزبة الالتواء] .
«وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ» (14) مجازه: والذين يدعون غيره من دونه، أي يقصرون عنه. و «يَدْعُونَ» من الدعاء، ومجاز «دُونِهِ» مجاز «عنه» قال:
أتوعدني وراء بنى رياح ... كذبت لتقصرنّ يداك دونى
«2» أي عنّى.
«لا يَسْتَجِيبُونَ» (14) مجازه: لا يجيبون، وقال كعب: «3»
وداع دعا يا من يجيب إلى النّدى ... فلم يستجبه عند ذاك مجيب (83)
__________
(1) : البيت الأول هو 75، والثاني هو 73 من القصيدة 57 فى ديوانه.
والأول فى الأغانى 16/ 25، واللسان والتاج (خصم) . والثاني فى الطبري 13/ 75، والقرطبي 9/ 300، واللسان والتاج (شغزب) والشغازب: قال الأصمعى:
الشغزبة: ضرب من الصراع، وهو أن يدخل الرجل رجله بين رجلى صاحبه فيصرعه، وقال بعضهم: الشغازب القول الشديد (شرح الديوان) .
(2) : البيت لجرير فى ديوانه (نشر الصاوى) ص 577، والطبري 13/ 78، 114.
(3) «كعب» : هو كعب بن سعد الغنوي، وقد مضت ترجمته.(1/326)
«إِلَّا كَباسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْماءِ لِيَبْلُغَ فاهُ» (15) مجازه: إن الذي يبسط كفّه ليقبض على الماء حتى يؤديه إلى فيه لا يتم له ذلك ولا تسقه أنامله «1» [أي تجمعه] ، قال ضابىّ بن الحارث البرجمىّ:
فإنى وإيّاكم وشوقا إليكم ... كقابض ماء لم تسقه أنامله «2»
يقول: ليس فى يدى من ذلك شىء كما أنه ليس فى يد القابض على الماء شىء. «3» وقال:
فأصبحت مما كان بينى وبينها ... من الودّ مثل القابض الماء باليد «4»
__________
(1) «إلا كباسط ... أنامله» : فى البخاري: كباسط كفيه إلى الماء ليقبض على الماء. وقال ابن حجر: هو كلام أبى عبيدة أيضا، قال فى قوله ... إلخ وقال: تسقه بكسر المهملة وسكون القاف أي لم تجمعه (فتح الباري 8/ 382) .
(2) : فى الطبري 13/ 76، واللسان (وسق) وفتح الباري، وهو من سبعة أبيات فى الخزانة 4/ 80. [.....]
(3) «يقول ... الماء شىء» هذا الكلام فى اللسان (وسق) .
(4) : فى الطبري 13/ 76، والقرطبي 9/ 301.(1/327)
وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (15) قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (16) أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ (17)
«بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ» (15) أي بالعشيّ، واحدها: أصل وواحد الأصل أصيل وهو ما بين العصر إلى مغرب الشمس، «1» وقال أبو ذؤيب:
لعمرى لأنت البيت أكرم أهله ... وأقعد فى أفيائه بالأصائل (271)
وقال النّابغة:
وقفت فيها أصيلا لا أسائلها ... عيّت جوابا وما بالرّبع من أحد «2»
أصيلال: تصغير آصال.
«فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رابِياً» (17) مجازه: فاعل من ربا يربو.
أي ينتفخ.
«أَوْ مَتاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ» (17) ، وهو ما تمتعت به، قال [المشعث] :
تمتع يا مشعّث إنّ شيئا ... سبقت به الممات هو المتاع «3»
«كَذلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْباطِلَ» (17) أي يمثّل الله الحق ويمثل الباطل.
__________
(1) «بالعشي ... الشمس» : أخذ الطبري هذا الكلام مع البيت الآتي لأبى ذؤيب (13/ 77) .
(2) : ديوانه من الستة. - واللسان (أصل) .
(3) : للمشعث العامري: يخاطب نفسه، والبيت من كلمة فى معجم المرزباني 475، واللسان والتاج (متع) .(1/328)
لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (18) أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (19) الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ (20) وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ (21) وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (22)
«فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً» (17) قال أبو عمرو [بن العلاء] : يقال:
قد أجفأت القدر، وذلك إذا غلت فانصبّ زبدها أو سكنت فلا يبقى منه شىء.»
«لِلَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنى» (18) استجبت لك واستجبتك سواء وهو أجبت، و «الحسنى» هى كل خير من الجنة فما دونها، أي لهم الحسنى.
«الْمِهادُ» (18) الفراش «2» والبساط.
«أُولُوا الْأَلْبابِ» (19) أي ذوو العقول، واحدها لبّ [وأولو: واحدها ذو.]
«وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ» (23) أي يدفعون السيئة بالحسنة،
__________
(1) «قال ... شىء» : روى الطبري (13/ 81) هذا الكلام عن أبى عبيدة، وقال:
وأما الجفاء فإنى حدثت عن أبى عبيدة ... قال: قال أبو عمرو بن العلاء ... إلخ.
وقال القرطبي (9/ 305) : قال أبو عبيدة قال أبو عمرو ... إلخ، وقال: وحكى أبو عبيدة أنه سمع رؤبة يقرأها جفالا، قال أبو عبيدة يقال: أجفلت القدر إذا قذفت بزبدها، وأجفلت الريح السحاب إذا قطعته. وتفسير أبى عبيدة هذا فى البخاري بتصرف. وروى ابن حجر كلامه بلفظه، ونبه على أن ما عند البخاري منقول عن أبى عبيدة (فتح الباري 8/ 282) .
(2) «المهاد الفراش» : كذا فى البخاري، قال ابن حجر: هو قول أبى عبيدة أيضا (فتح الباري 8/ 282) .(1/329)
سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ (24) وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (25) اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ (26) وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ (27) الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28) الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ (29) كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهَا أُمَمٌ لِتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ (30)
[درأته عنى أي دفعته.] «1»
«عُقْبَى الدَّارِ» (24) عاقبة الدار.
«سَلامٌ عَلَيْكُمْ» (24) مجازه مجاز المختصر الذي فيه ضمير كقولك:
يقولون سلام عليكم.
«وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتاعٌ» (26) إلّا متعة وشىء طفيف حقير.
«مَنْ أَنابَ» (27) من تاب.
«طُوبى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ» (29) أي منقلب.
«خَلَتْ مِنْ قَبْلِها أُمَمٌ» (30) أي مضت قرون من قبلها وملل.
«وَإِلَيْهِ مَتابِ» (30) مصدر تبت إليه، وتوبتى إليه سواء.
__________
(1) «ويدرءون (ص 329) ... دفعته» : كذا فى البخاري بلفظه. قال ابن حجر:
هو قول أبى عبيدة أيضا (فتح الباري 8/ 292) .(1/330)
وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ (31)
«وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى» (31) مجازه مجاز المكفوف عن خبره، ثم استؤنف فقال: «بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً» (31) فمجازه: لو سيّرت به الجبال لسارت، أو قطّعت به الأرض لتقطعت، ولو كلّم به الموتى لنشرت، والعرب قد تفعل مثل هذا لعلم المستمع به استغناء عنه واستخفافا فى كلامهم، قال [الأخطل] :
خلا أنّ حيّا من قريش تفضلوا ... على الناس أو أنّ الأكارم نهشلا «1»
وهو آخر قصيدة، ونصبه وكفّ عن خبره [واختصره] وقال [عبد مناف ابن ربع الهذلىّ:
[الطّعن شغشغة والضّرب هيقعة ... ضرب المعوّل تحت الأيّمة العضدا
وللقسىّ أزاميل وغمغمة ... حس الجنوب تسوق الماء والبردا]
حتى إذا اسلكوهم فى قتائدة ... شلّا كما تطرد الجمّالة الشردا (46)
وهو آخر قصيدة، وكفّ عن خبره. [وقوله شغشغة: أي يدخله ويخرجه والهيقعة أن يضرب بالحدّ من فوق والمعوّل: صاحب العالة وهى ظلّة يتخذها رعاة البهم بالحجاز إذا خافت البرد على بهمها. فيقول: فيعتضد العضد من الشجر
__________
(1) : ديوانه 372. - وابن يعيش 1/ 128، والخزانة 2/ 385.(1/331)
لبهمه أي يقطعه والدّيمة المطر الضعيف الدائم والأزاميل: الأصوات واحدها أزمل وجمعها أزامل زاد الياء اضطرارا والغماغم: الأصوات التي لم تفهم حسّ الجنوب: صوتها قتائدة طريق. أسلكوهم وسلكوهم واحد] .
«أَفَلَمْ يَيْأَسِ «1» الَّذِينَ آمَنُوا» (31) مجازه: ألم يعلم ويتبين، قال سحيم بن وئيل اليربوعىّ:
أقول لهم بالشّعب إذ يأسروننى ... «2» ألم تيئسوا أنّى ابن فارس زهدم «3»
«قارِعَةٌ» (31) أي داهية مهلكة، ويقال: قرعت عظمه، أي صدعته.
__________
(1) (فى ص 323) «أفلم ييأس ... رغيب» : روى ابن حجر (فتح الباري 8/ 282) كلام أبى عبيدة هذا أثناء شرحه ما عند البخاري، ودل على أنه أخذ عن أبى عبيدة.
(2) «ألم يعلم ... يأسروننى» : قال الطبري (13/ 90) : كان بعض أهل البصرة يزعم أن معناه: ألم يعلم ويتبين، ويستشهد لفيله ذلك ببيت سحيم ... ويروى:
ييسروننى، فمن رواه ييسروننى فإنه أراد يقتسموننى.
(3) : فى الطبري 13/ 90، والقرطبي 9/ 320، واللسان والتاج (يئس) ، وشواهد الكشاف 268. وانظر الاختلاف فى عزو البيت فى اللسان والتاج «يئس» و «زهدم» زهدم: فرس لعوف جد سحيم وانظر تاج العروس «يئس» .(1/332)
وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ (32) أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ أَمْ بِظَاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (33) لَهُمْ عَذَابٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَقُّ وَمَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ (34) مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ (35)
«فَأَمْلَيْتُ» (32) أي أطلت لهم، ومنه الملىّ والملاوة من الدهر، ومنه تمليت حينا، ويقال: لليل والنهار الملوان لطولهما، وقال ابن مقبل:
ألا يا ديار الحىّ بالسّبعان ... ألحّ عليها بالبلى الملوان (129)
ويقال: للخرق الواسع من الأرض «1» ملا مقصور، «2» قال:
حلا لا تخطّاه العيون رغيب «3»
وقال:
أمضى الملا بالشاحب المتبدّل «4»
«أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ» (33) أي دائم قوام عدل.
«وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَقُّ»
(36) أي أشدّ.
«لِلَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنى» (18)
ثم قال: «مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ أُكُلُها دائِمٌ وَظِلُّها تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَعُقْبَى الْكافِرِينَ النَّارُ» (35) مجازه مجاز المكفوف عن خبره،
__________
(1) «أطلت ... الأرض» : أخذ الطبري (13/ 93) هذا الكلام برمته،
(2) «ملا مقصور» : قال فى التاج: غير مهموز، يكتب بالألف عند البصريين، وغيرهم يكتبه بالياء (ملا) . [.....]
(3) : فى فتح الباري 8/ 282.
(4) : هذا عجز بيت للشاعر الملقب بتأبط شرا، وهو فى اللسان والتاج (ملا) وصدره:
ولكننى أروى من الخمر هامتى(1/333)
وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَمَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا وَاقٍ (37) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ (38) يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ (39) وَإِنْ مَا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ (40) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (41)
والعرب تفعل ذلك فى كلامها، وله موضع آخر مجازه: للذين استجابوا لربهم الحسنى مثل الجنة، موصول صفة لها على الكلام الأول.
«حُكْماً عَرَبِيًّا» (37) «1» أي دينا عربياّ أنزل على رجل عربى.
«يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ» (39) محوت تمحو، وتمحى: لغة.
«وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ» (40) ألف «إما» مكسورة لأنه فى موضع أحد الأمرين.
«نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها» (41) مجازه: ننقص من فى الأرض ومن فى نواحيها من العلماء والعباد، وفى آية أخرى: «وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ» (12/ 82) مجازه:
وسل من فى القرية.
«لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ» (41) أي لا رادّ له ولا مغيّر له عن الحق.
__________
(1) «حكما عربيا» : قال الطبري (13/ 96) : يقول تعالى ذكره: وكما أنزلنا عليك الكتاب يا محمد فأنكره بعض الأحزاب، كذلك أنزلنا الحكم والدين عربيا وجعل ذلك عربيا ووصفه به لأنه أنزل على محمد صلّى الله عليه وسلم وهو عربى ينسب الدين إليه إذ كان عليه أنزل.(1/334)
الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (1) اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَوَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ (2) الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ (3) وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (4) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (5) وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (6) وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ (7)
(بسم الله الرّحمن الرّحيم)
«سورة إبراهيم» (14)
«الر» (1) ساكن لأنه جرى مجرى فواتح سائر السور اللواتى مجازهن مجاز حروف التهجي، ومجاز موضعه فى المعنى كمجاز ابتداء فواتح سائر السّور.
«كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ» مجازه مستأنف أو مختصر فيه ضمير كقولك:
هذا كتاب أنزلناه إليك، وفى آية أخرى: «الم ذلِكَ الْكِتابُ» (2/ 1) وفى غيرها ما قد أظهر.
«يَسْتَحِبُّونَ الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ» (3) [يختارون] .
«وَيَبْغُونَها عِوَجاً» (3) يلتمسون، ويحتالون لها عوجا، مكسور الأول مفتوح الثاني وذلك فى الدّين وغيره، وفى الأرض مما لم يكن قائما وفى الحائط وفى الرمح وفى السنّ عوج وهو مفتوح الحروف.
«يَسُومُونَكُمْ» (6) أي يولونكم ويبلونكم.
«وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ» (7) مجازه: وآذنكم ربكم، و «إذ» من حروف الزوائد، وتأذن تفعل من قولهم: أذنته. «1»
__________
(1) «وإذ تأذن ... أدنته» : روى ابن حجر كلام أبى عبيدة هذا فى فتح الباري (8/ 285) .(1/335)
قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى قَالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (10) قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (11) وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (12) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ (13)
«فردّوا أيديهم فى أفواههم» (9) مجازه مجاز المثل، وموضعه موضع كفّوا عما أمروا بقوله من الحق ولم يؤمنوا به ولم يسلموا، ويقال: ردّ يده فى فمه، أي أمسك إذا لم يجب. «1»
«فاطِرِ» (10) أي خالق.
«لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ» (10) مجازه: ليغفر لكم ذنوبكم، و «من» من حروف الزوائد، وفى آية أخرى: «فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ» (69/ 47) مجازه: ما منكم أحد، وقال [أبو ذؤيب] :
جزيتك ضعف الحبّ لما شكوته ... وما إن جزاك الضّعف من أحد قبلى (58)
أي أحد قبلى.
«أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا» (13) أي فى ديننا وأهل ملتنا.
__________
(1) «كفوا ... يجب» : هذا الكلام فى الطبري 13/ 111، ورواه ابن حجر عن أبى عبيدة، وقال: وقد تعقبوا كلام أبى عبيدة فقيل لم يسمع من العرب: رد يده فى فيه، إذا ترك الشيء الذي كان يريد أن يفعله (فتح الباري 8/ 285) فالطبرى من الذين تعقبوا كلام أبى عبيدة هذا.(1/336)
وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ (14) وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (15) مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ (16)
«خافَ مَقامِي» (14) مجازه: حيث أقيمه بين يدى للحساب. «1»
«وَاسْتَفْتَحُوا» (15) مجازه: واستنصروا.
عنود و «عَنِيدٍ» (15) وعاند كلها، واحد والمعنى جائر عاند عن الحق، قال:
إذا نزلت فاجعلانى وسطا ... إنى كبير لا أطيق العنّدا (325)
«مِنْ وَرائِهِ جَهَنَّمُ» (16) مجازه: قدامه وأمامه، يقال إن الموت من ورائك أي قدامك، «2» وقال:
أتوعدني وراء بنى رياح ... كذبت لتقصرنّ يداك دونى (377)
أي قدام بنى رياح وأمامهم، وهم دونى أي بينى وبينك، وقال:
أترجو بنى مروان سمعى وطاعتى ... وقومى تميم والفلاة ورائيا «3»
__________
(1) «خاف ... للحساب» : رواه ابن حجر عن أبى عبيدة فى فتح الباري 8/ 286.
(2) «من ورائك ... قدامك» : رواه ابن حجر عن أبى عبيدة فى فتح الباري 8/ 286، ومن «يقال» إلى «قدامك» فى الطبري 13/ 114.
(3) : اختلف فى قائل هذا البيت، فبعضهم قال إنه لسوار بن المضرب، وبعضهم قال إنه للفرزدق واستشهد أبو عبيدة به مرات. فنسبه فى نسخة مرة لسوار ومرة للفرزدق ونسبه هنا لجرير، ولم أجده فى ديوانيهما. وهو لسوار من كلمة فى الكامل 289، والطبري 16/ 2، والجمهرة 1/ 177 و 3/ 495، والقرطبي 11/ 35 واللسان والتاج (ورى) .(1/337)
مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ (18)
وقال: «مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ» (16) والصديد القيح والدّم. «1»
«مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ» (18) مجازه: مثل أعمال الذين كفروا بربهم كمثل رماد، وتصديق ذلك من آية أخرى: «أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ» (32/ 7) مجازه: أحسن خلق كل شىء، وقال [حميد بن ثور الهلاليّ] :
وطعنى إليك الليل حضنيه إنّني ... لتلك إذا هاب الهدان فعول «2»
أراد: «3» وطعنى حضنى الليل إليك [أول الليل وآخره] ، وإذا ثنّوه كان أكثر فى كلامهم وأبين، قال:
كأن هندا ثناياها وبهجتها ... يوم التقينا على أدحال دبّاب «4»
__________
(1) «الصديد القيح والدم» كذا فى البخاري، ولم ينبه عليه ابن حجر فى فتح الباري 8/ 284.
(2) : حميد: حميد بن ثور بن عبد الله بن عامر بن أبى ربيعة الهلالي، شاعر إسلامى أخباره فى الأغانى 4/ 97، وله ترجمة فى الاستيعاب 1/ 267، والإصابة رقم 1834 والبيت فى اللسان والتاج (طعن) .
(3) «أراد ... إليك» : روى صاحب اللسان هذا الكلام عنه (طعن) .
(4) : البيت منسوب للراعى فى معجم ما استعجم 2/ 540، وورد من غير عزو فى اللسان والتاج (دبب) .(1/338)
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (19) وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ (20) وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا فَقَالَ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ قَالُوا لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ (21) وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (22)
أراد: كأن ثنايا هند وبهجتها يوم التقينا على أدحال دبّاب.
«اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عاصِفٍ» (18) يقال: قد عصف يومنا وذاك إذا اشتدّت الريح فيه، والعرب تفعل ذلك إذا كان فى ظرف صفة لغيره، وجعلوا الصفة له أيضا، كقوله: «1»
لقد لمتنا يا أم غيلان فى السّرى ... ونمت وما ليل المطىّ بنائم (313)
ويقال: يوم ماطر، وليلة ماطرة، وإنما المطر فيه وفيها.
«أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ» (19) ألم تعلم، ليس رؤية عين.
«إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً» (20) جميع تابع، خرج مخرج غائب والجميع غيب. «2»
«ما أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ» (22) أي بمغيثكم، ويقال: استصرخنى فأصرخته، أي استعاننى فأعنته واستغاثني فأغثته. «3»
__________
(1) «كقوله» : القائل جرير.
(2) «تبعا ... غيب» : كذا فى البخاري. قال ابن حجر: هو قول أبى عبيدة أيضا (فتح الباري 8/ 286) . [.....]
(3) «ما أنا ... فأعثته» الذي ورد فى الفروق: رواه ابن حجر عن أبى عبيدة فى فتح الباري 8/ 286(1/339)
تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (25) وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ (26) يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ (27) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ (28)
«تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ» (25) أي تخرج تمرتها، والحين هاهنا ستة أشهر أو نحو ذلك.
«اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ» (26) أي استؤصلت، [يقال اجتث الله دابرهم، أي أصلهم.]
«دارَ الْبَوارِ» (28) أي الهلاك والفناء ويقال بار ببور، ومنه قول عبد الله بن الزّبعرى:
يا رسول المليك إن لسانى ... راتق ما فتقت إذ أنا بور «1»
[البور والبوار واحد] .
__________
(1) : عبد الله بن الزبعرى: ابن قيس بن عدى بن سعد بن سهم القرشي، هو آخر شعراء قريش المعدودين وكان يهجو المسلمين ويحرض عليهم وأسلم يوم الفتح.
وهذا البيت من كلمة قالها عند إسلامه انظر المؤتلف 132، والسمط 388، 390 833، وإصلاح المنطق 141، والسيرة (جوتنجن) 827، والطبري 13/ 130، وتاريخه 3/ 122، والجمهرة 1/ 298، والقرطبي 13/ 11، واللسان والتاج (بور) ، وشواهد المغني 188.(1/340)
وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ (30) قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خِلَالٌ (31) اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ (32)
«وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً» (30) أي أضدادا، واحدهم ندّ ونديد، قال رؤبة:
تهدى رؤوس المترفين الأنداد ... إلى أمير المؤمنين الممتاد (341)
«لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خِلالٌ» (31) مجازه: مبايعة فدية، «وَلا خِلالٌ» :
أي مخالّة خليل، وله موضع آخر أيضا تجعلها جميع خلّة بمنزلة جلّة والجميع جلال وقلّة والجميع قلال، «1» وقال:
فيخبره مكان النّون منى ... وما أعطيته عرق الخلال «2»
أي المخالّة.
«الْفُلْكَ» (32) واحد وجميع وهو السفينة والسفن.
__________
(1) «خلال ... قلال» : كذا فى البخاري بفرق يسير، قال ابن حجر (8/ 285) : كذا وقع فيه (أي فى البخاري من رواية أبى ذر) فأوهم أنه من تفسير مجاهد، وإنما هو كلام أبى عبيدة، ثم روى الكلام بلفظه.
(2) : البيت للحارث بن زهير العبسي وهو فى النقائض 96، وتهذيب الألفاظ 467، والجمهرة 1/ 70، والأغانى 16/ 31، والسمط 583. - العرق: المكافأة يقول لم يعطونى السيف عن مودة ولكى قتلت وأخذت (النقائض) .(1/341)
وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ (33) وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ (34) وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ (35) رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (36) رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (37) رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ (38) الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ (39) رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ (40) رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ (41) وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ (42) مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ (43)
«الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دائِبَيْنِ» (33) والشمس أثنى والقمر ذكر فإذا جمعا ذكّر صفتهما لأنّ صفة المذكر تغلب صفة المؤنث.
«وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ» (35) : جنبت الرجل الأمر، وهو يجنب أخاه الشرّ وجنّبته واحد، وقال:
وتنقض مهده شفقا عليه ... وتجنبه قلائصنا الصعابا «1»
وشدّده ذو الرّمة فقال:
وشعر قد أرقت له غريب ... أجنّبه المساند والمحالا «2»
«رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي» (40) مجازه مجاز المختصر الذي فيه ضمير كقوله: واجعل من ذرّيتّى من يقيم الصلاة.
«مُهْطِعِينَ» (43) أي مسرعين، قال الشاعر:
بمهطع سرح كأنّ زمامه ... فى رأس جذع من أول مشذّب «3»
__________
(1) : فى الطبري 13/ 135.
(2) : ديوانه 440، والصحاح واللسان والتاج (سند) .
(3) : فى الطبري 13/ 142.(1/342)
وقال:
بمستهطع رسل كأنّ جديله ... بقيدوم رعن من صؤام ممنّع «1»
[الرّسل الذي لا يكلّفك شيئا، بقيدوم: قدّام، رعن الجبل أنفه، صؤام: «2» جبل، قال يزيد بن مفرّغ الحميرىّ:
بدجلة دارهم ولقد أراهم ... بدجلة مهطعين إلى السّماع] «3»
«مُقْنِعِي رُؤُسِهِمْ» (43) مجازه: رافعى رؤوسهم، قال الشّمّاخ [بن ضرار] :
يباكرن العضاه بمقنعات ... نواجذهن كالحدأ الوقيع «4»
أي برؤوس مرفوعات إلى العضاه ليتناولن منه [والعضاه: كل شجرة ذات شوك نواجذهن أضراسهن] وقال: الحدأ الفأس وأراه: الذي ليس له خلف، وجماعها حدأ، وحدأة الطير، [الوقيع أي المرقّقة المحدّدة، يقال وقّع حديدتك، والمطرقة يقال لها ميقعة] ، وقال:
__________
(1) : فى الطبري 13/ 142، والأساس (هطع) واللسان والتاج (قيدوم) .
(2) «صؤام» : جبل قرب البصرة (معجم البلدان 3/ 431) .
(3) : يزيد بن مفرغ: مرت ترجمته- والبيت فى القرطبي 9/ 279، واللسان والتاج (هطع) .
(4) : ديوانه 56. - والطبري 13/ 142 واللسان والتاج (حدأ) .(1/343)
أنفض نحوى رأسه وأقنعا ... كأنّما أبصر شيئا أطمعا «1»
«وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ» (43) أي جوف، ولا عقول لهم، قال حسّان [ابن ثابت] :
ألا أبلغ أبا سفيان عنى ... فأنت مجوّف نخب هواء «2»
وقال:
ولا تك من أخدان كل يراعة ... هواء كسقب البان جوف مكاسرة «3»
[اليراعة القصبة، واليراعة هذه الدواب الهمج بين البعوض والذبّان، «4» واليراعة النعامة. قال الراعىّ:
جاؤا بصكّهم وأحدب أخرجت ... منه السياط يراعة إجفيلا «5»
أي يذهب فزعا، كسقب البان عمود البيت الطويل] .
__________
(1) : فى الطبري 13/ 142.
(2) : ديوانه 7، والطبري 13/ 144، واللسان والتاج (هوا، جوف) .
(3) : هذا البيت منسوب فى نسخة إلى صخر الغى الهذلي، ولم أقف عليه فى ديوان الهذليين، وقد أنشده صاحب اللسان وقال: إن ابن برى أنشد هذا البيت لكعب الأمثال (هوا) ، وهو فى الطبري 13/ 144 والتاج (هوا) . [.....]
(4) «اليراعة ... والذبان» : وقد حكى ابن برى هذا الكلام عن أبى عبيدة، فى اللسان (يرع) .
(5) : من قصيدة له فى آخر ديوان جرير (القاهرة 1373) 2/ 202- 205 وجمهرة الأشعار: 172- 176، والبيت فى الجمهرة 2/ 392.(1/344)
وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ (46) فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (47) يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (48) وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ (49) سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ (50)
«وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ» (46) أي ما كان مكرهم لتزول منه الجبال، فى قول من كسر لام «لتزول» الأولى ونصب اللام الآخرة ومن فتح اللام الأولى ورفع اللام الآخرة فإن مجازه مجاز المثل كأنه قال:
وإن كان مكرهم تزول منه الجبال فى المثل وعند من لم يؤمن.
«مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ» (49) أي فى الأغلال، وواحدها صفد [والصّفد فى موضع آخر: العطاء وقال الأعشى:
تضيفته يوما فقرّب مقعدى ... وأصفدنى على الزّمانة قائدا «1»
وبعضهم يقول: صفدنى.]
«سَرابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرانٍ» (50) أي قمصهم، وواحدها سربال.
__________
(1) : ديوانه 49، والطبري 13/ 152.(1/345)
وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَهَا كِتَابٌ مَعْلُومٌ (4) مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ (5) وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ (6) لَوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلَائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (7)
(بسم الله الرّحمن الرّحيم)
سورة الحجر (65)
«إِلَّا وَلَها كِتابٌ مَعْلُومٌ» (4) أي أجل ومدّة، معلوم: موقّت معروف. «1»
«لَوْ ما تَأْتِينا» (7) مجازه: لو ما فعلت كذا، وهلّا ولولا وألّا، معناهن واحد، هلّا تأتينا، «2» وقال الأشهب بن عبلة، وقال فى غير هذا الموضع: ابن رميلة:
تعدّون عقر النّيب أفضل مجدكم ... بنى ضوطرى لولا الكمىّ المقنّعا (63)
«3» أي هلّا تعدون قتل الكماة «لوما» : مجازها ومجاز «لولا» واحد، قال ابن مقبل:
لو ما الحياء ولو ما الدّين عبتكما ... ببعض ما فيكما إذ عبتما عورى «4»
__________
(1) «إلا ... معروف» : رواه ابن حجر (8/ 287) عن أبى عبيدة أثناء شرحه قول البخاري «كتاب معلوم أجل» وقال: كذا لأبى ذر، فأوهم أنه من تفسير مجاهد ولغيره، وقال غيره: كتاب معلوم أجل، وهو تفسير أبى عبيدة إلخ.
(2) «مجازه ... تأتينا» : رواه ابن حجر عن أبى عبيدة فى فتح الباري 8/ 287.
(3) : البيت لجرير وقد مر تخريجه، وقد كان نسبه أبو عبيدة إلى الأشهب ابن رميلة فى استشهاده الأول مع أنه روى البيت لجرير فى النقائض 833.
(4) لعله من كلمة أولها فى الحماسة 4/ 113 وهو فى القرطبي 10/ 4.
والبحر لأبى حيان 5/ 442، وشواهد الكشاف 126.(1/346)
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الْأَوَّلِينَ (10) وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (11) كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ (12) لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ (13) وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ (14) لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ (15)
«فِي شِيَعِ الْأَوَّلِينَ» (10) فى أمم الأولين واحدتها شيعة والأولياء أيضا شيع. «1»
«كَذلِكَ نَسْلُكُهُ» (12) يقال: سلكه، وأسلكه لغتان.
«فِيهِ يَعْرُجُونَ» (14) أي يصعدون والمعارج الدّرج.
«لَقالُوا إِنَّما سُكِّرَتْ أَبْصارُنا» (15) أي غشيت «2» سمادير «3» ، فذهبت وخبا نظرها، قال:
__________
(1) «شيع ... شيع» : رواه ابن حجر عن أبى عبيدة فى فتح الباري 8/ 287.
(2) «سكرت غشيت» : كذا فى البخاري: قال ابن حجر: كذا لأبى ذر، فأوهم أنه من تفسير مجاهد، وغيره يوهم أنه من تفسير ابن عباس. لكنه قول أبى عبيدة (فتح الباري 8/ 287) .
(3) «سمادير» ضعف البصر، وقد اسمدر بصره، وقيل هو الشيء الذي يترائى للانسان من ضعف بصره عند السكر من الشراب، وغشى النعاس والدوار (اللسان) .(1/347)
وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ (16) وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ (17) إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ (18) وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ (19) وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ (20) وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ (21) وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ (22)
جاء الشتاء واجثألّ القنبر ... واستخفت الأفعى وكانت تظهر «1»
وطلعت شمس عليها مغفر ... وجعلت عين الحرور تسكر
أي يذهب حرها ويخبو.
«وَلَقَدْ جَعَلْنا فِي السَّماءِ بُرُوجاً» (16) أي منازل للشمس والقمر.
«مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ رَجِيمٍ» (17) أي مرجوم بالنجوم، خرج مخرج قتبل فى موضع مقتول.
«وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ» (19) أي جعلنا وأرسينا، ورست هى أي ثبتت.
«مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ» (19) بقدر.
«وَأَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ» (22) مجازها مجاز ملاقح لأن الريح ملقحة للسحاب، والعرب قد تفعل هذا فتلقى الميم لأنها تعيده إلى أصل الكلام، كقول نهشل بن حرىّ يرثى أخاه:
__________
(1) : أنشد الطبري (14/ 9) هذه الأشطار دون الثالث، ونسبها للمثنى بن جندل الطهوي، ولعله مصحف عن جندل بن المثنى، والأول مع الرابع فى اللسان والتاج (سكر قبر) وذكرهما صاحب اللسان (قبر) على أنهما من إنشاد أبى عبيدة والثالث مع الرابع فى القرطبي 10/ 8. - اجثأل: اجتمع وتقبض (اللسان- سكر) والقنبر: والقبر والقبرة والقنبرة والقنبراء: طائر (اللسان) .(1/348)
ليبك يزيد بائس لضراعة ... وأشعث ممن طوّحته الطّوائح «1»
فحذف الميم لأنها المطاوح، وقال رؤبة:
يخرجن من أجواز ليل غاض
«2» أي مغضى، وقال [العجّاج،] :
تكشف عن جماته دلو الدّال
«3» «ماءً فَأَسْقَيْناكُمُوهُ» (22) وكل ماء كان من السماء، ففيه لغتان: أسقاه الله وسقاه الله [قال الصّقر بن حكيم الرّبعىّ] يا ابن رقيع هل لها من غبق [ما شربت بعد طوىّ المرق «4» من قطرة غير النّجاء الدّفق] هل أنت ساقيها سقاك المسقى
__________
(1) : نهشل بن حرى: من المخضرمين، وبقي إلى أيام معاوية، ترجمة له فى الشعراء 405 والخزانة 1/ 153. - والبيت قد اختلفوا فى عزوه، ونسبوه إلى غير واحد من الشعراء، راجع الاختلاف فى الخزانة (1/ 147) وصوب البغدادي نسبة البيت إلى نهشل. هو فى الكتاب 1/ 121، والطبري 14/ 13، والشنتمرى 1/ 145، والأساس واللسان والتاج (طيح) والعيني 443. والمعاهد 95، وشواهد الكشاف 65.
(2) : ديوانه 83. - واللسان والتاج (غضا) .
(3) : ديوانه 86. - واللسان والتاج (دلا) . [.....]
(4) «الصقر ... الربعي» : هو الصقر بن حكيم بن معية الربعي هكذا ورد اسمه فى اللسان والتاج (قريق) ولم أقف على ترجمته. الرجز فى الصحاح واللسان والتاج ومعجم ما استعجم ومعجم البلدان (قريق) . والجمهرة 2/ 383 وأنظر الخلاف فى رواية هذا الرجز وفى قائله فى المراجع المذكورة.(1/349)
وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (26)
فجعله باللغتين جميعا. وقال لبيد:
سقى قومى بنى مجد وأسقى ... نميرا والقبائل من هلال «1»
فجاء باللغتين، ويقال: سقيت الرجل ماء وشرابا من لبن وغير ذلك وليس فيه إلّا لغة واحدة بغير ألف إذا كان فى الشّفة. وإذا جعلت له شربا فهو أسقيته وأسقيت أرضه وإبله، لا يكون غير هذا، وكذلك استسقيت له كقول ذى الرمّة:
وقفت على رسم لميّة ناقتى ... فما زلت أبكى عنده وأخاطبه «2»
وأسقيه حتى كاد مما أبتّه ... تكلّمنى أحجاره وملاعبه
وإذا وهبت له إهابا ليجعله سقاء فقد أسقيته إيّاه.
«مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ» (26) الصلصال: [الطّين] اليابس لذى لم تصبه نار فإذا نقرته صلّ فسمعت له صلصلة فإذا طبح بالنار فهو فخّار «3» وكل شىء له [صلصلة] ، صوت فهو صلصال [سوى الطين، قال الأعشى:
__________
(1) ديوانه 1/ 128. - ونوادر أبى زيد 213، والشنتمرى 2/ 235، واللسان والتاج (سقى) .
(2) ديوانه 38 ونوادر أبى زيد 213، المحاسن للجاحظ 335، والطبري 14/ 14، واللسان والتاج (سقى) .
(3) «فاذا ... فخار» : روى القرطبي (10/ 10) هذا الكلام عنه.(1/350)
قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (39) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (40) قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ (41) إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ (42) وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ (43) لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ (44) إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (45) ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ (46) وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ (47) لَا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ (48) نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49) وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ (50) وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ (51) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ (52) قَالُوا لَا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ (53)
عنتريس تعدو إذا حرّك السّو ... ط كعدو المصلصل الجوال] «1»
«مِنْ حَمَإٍ» (26) أي من طين متغير وهو جميع حمأة، «مسنون» أي مصبوب.
«قالَ رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي» (39) مجازه مجاز القسم: بالذي أغويتنى.
«ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ» (47) أي من عداوة وشحناء.
«سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ» (47) مضمومة السين والراء الأولى وهذا الأصل، وبعضهم يضمّ السين ويفتح الراء الأولى، وكل مجرى فعيل من باب المضاعف فإن فى جميعه لغة نحو سرير والجميع سرر وسرر وجرير والجميع جرر وجرر.
«وَجِلُونَ» (52) أي خائفون.
«قالُوا لا تَوْجَلْ» (52) . ويقال: لا تيجل، ولا تأجل بغير همز، ولا تأجل يهمز يجتلبون فيها همزة وكذلك كل ما كان من قبيل وجل يوجل ووحل يوحل، ووسخ يوسخ.
__________
(1) : ديوانه 8- والكامل 489، واللسان والتاج (صلصل) . وقال ثعلب:
روى أبو عبيدة السوط وروى «إذا حرك الصوت» (شرح الديوان) .(1/351)
قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ (54)
«فَبِمَ تُبَشِّرُونَ» (54) «1» قال: قوم يكسرون النون، وكان أبو عمرو يفتحها ويقول: إنها إن أضيفت لم تكن إلّا بنونين لأنها فى موضع رفع، فاحتج من أضافها بغير أن يلحق فيها نونا أخرى بالحذف حذف أحد الحرفين إذا كانا من لفظ واحد، قال [أبو حيّة النّميرىّ] .
أبالموت الذي لا بدّ أنى ... ملاق لا أباك تخوّفينى «2»
ولم يقل تخوفيننى [لا أباك: أي لا أبا لك، فجاء بقول أهل المدينة] .
وقال [عمرو بن معديكرب] :
تراه كالثّغام يعلّ مسكا ... يسوء الفاليات إذا فلينى «3»
__________
(1) «فبم تبشرون» : قرأ نافع بكسر النون مخففة وابن كثير بكسرها مشددة والباقون بفتحها (الداني 136) .
(2) أبو حية: هو الهيثم بن الربيع بن كثير النمري من شعراء الدولتين الأموية والعباسية أنظر ترجمته فى المؤتلف 103، والأغانى 15/ 61 والسمط 97، والإصابة 6/ 50- والبيت فى اللسان والتاج (فلا، أبو) وابن يعيش 1/ 391.
(3) من أبيات لعمرو بن معد يكرب قالها فى امرأة لأبيه تزوجها- بعده فى الجاهلية، وهو فى الكتاب 2/ 67، والإنصاف 277، وشرح المفضليات 78، والشنتمرى 2/ 154، وابن يعيش 1/ 412، والعيني 1/ 379، والخزانة 2/ 445.(1/352)
قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ (56) قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (57) قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ (58) إِلَّا آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ (59) إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ (60) فَلَمَّا جَاءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ (61) قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (62) قَالُوا بَلْ جِئْنَاكَ بِمَا كَانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ (63) وَأَتَيْنَاكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (64) فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ (65) وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلَاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ (66) وَجَاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ (67) قَالَ إِنَّ هَؤُلَاءِ ضَيْفِي فَلَا تَفْضَحُونِ (68) وَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ (69) قَالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ (70) قَالَ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ (71) لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ (72)
أراد فليننى فحذف إحدى النونين.
«قالَ وَمَنْ يَقْنَطُ «1» مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ» (56) أي ييأس، يقال: قنط يقنط وقنط يقنط قنوطا.
«أَنَّ دابِرَ هؤُلاءِ مَقْطُوعٌ» (66) أي آخرهم مجتذّ مقطوع مستأصل.
«إِنَّ هؤُلاءِ ضَيْفِي» (68) اللفظ لفظ الواحد والمعنى على الجميع كما قال لبيد:
وخصم كنادى الجنّ أسقطت شأوهم ... بمستحصد ذى مرّة وصدوع «2»
[شأوهم: ما تقدموا وفاقوا به من كل شىء، المستحصد المحكم الشديد، وأمر محكم، وصدوع ألوان، يقال ذو صدعين: ذو أمرين] .
«يَعْمَهُونَ» (72) أي يجورون ويضلّون، قال رؤبة.
ومهمه أطرافه فى مهمه ... أعمى الهدى بالجاهلين العمّه (37)
__________
(1) «ومن يقنط» : قرأ أبو عمرو والكسائي بكسر النون والباقون بفتحها (الداني 136) .
(2) : ديوانه 1/ 50، وفى اللسان (حصد) .(1/353)
إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ (75) وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ (76) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ (77) وَإِنْ كَانَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ لَظَالِمِينَ (78) فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُبِينٍ (79) وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ (80) وَآتَيْنَاهُمْ آيَاتِنَا فَكَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ (81) وَكَانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا آمِنِينَ (82) فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ (83) فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (84) وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ (85) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ (86) وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ (87)
«لِلْمُتَوَسِّمِينَ» (75) أي المتبصرين «1» المتثبّتين.
«وَإِنَّها لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ» (76) أي بطريق.
«وَإِنَّهُما لَبِإِمامٍ مُبِينٍ» (79) الإمام كلما ائتممت واهتديت به.»
«فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ» (83) أي الهلكة، ويقال صيح بهم، أي أهلكوا.
«وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ» (87) مجازها:
سبع آيات من المثاني، والمثاني هى الآيات فكأن مجازها: ولقد آتيناك سبع آيات من آيات القرآن، والمعنى وقع على أم الكتاب وهى سبع آيات، وإنما سميت آيات القرآن مثانى لأنها تتلو بعضها بعضا فثنيت الأخيرة على الأولى، ولها مقاطع تفصّل الآية بعد الآية حتى تنقضى السورة وهى كذا وكذا آية، وفى آية أخرى من «الزّمر» تصديق ذلك: «اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ» (39/ 23) مجازه مجاز آيات من القرآن يشبه بعضها بعضا قال:
نشدتكم بمنزل الفرقان ... أمّ الكتاب السّبع من مثانى (5)
ثنين من آي من القرآن ... والسبع سبع الطول الدّوانى
__________
(1) «المستبصرين» : روى القرطبي (10/ 43) هذا التفسير عنه.
(2) «لبإمام ... واهتديت به» : كذا فى البخاري، قال ابن حجر (8/ 288) :
هو تفسير أبى عبيدة.(1/354)
كَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ (90) الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ (91) فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (93) فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (94)
وهى البقرة (2) وآل عمران (3) والنساء (4) والمائدة (5) والأنعام (6) والأعراف (7) والأنفال (8) ومجاز قول من نصب «وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ» على إعمال وآتيناك القرآن العظيم، ومعناه ولقد آتيناك أم الكتاب وآتيناك سائر القرآن أيضا مع أم الكتاب ومجاز قول من جرّ القرآن العظيم» مجاز قولك، من المثاني ومن القرآن العظيم أيضا وسبع آيات من المثاني ومن القرآن.
«كَما أَنْزَلْنا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ» (90) أي على الذين اقتسموا.
«جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ» (91) أي عضوه أعضاء، أي فرّقوه فرقا، قال رؤبة:
وليس دين الله بالمعضّى «1»
«فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ» (94) أي افرق وامضه، قال أبو ذؤيب:
وكأنهن ربابة وكأنه يسر ... يفيض على القداح ويصدع «2»
أي يفرّق على القداح أي بالقداح.
__________
(1) : ديوانه 81، والطبري 14/ 41، واللسان (عضا) .
(2) : ديوان الهذليين 1/ 6، والطبري 14/ 43، والاقتضاب 450، والقرطبي 10/ 61، واللسان والتاج (ريب، صدع، يسر) . [.....](1/355)
وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (5) وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ (6) وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (7)
بسم الله الرّحمن الرّحيم
«سورة النّحل» (16)
«فِيها دِفْءٌ وَمَنافِعُ» (5) أي ما استدفئ به من أوبارها. ومنافع سوى ذلك.
«حِينَ تُرِيحُونَ» (6) بالعشي «وَحِينَ تَسْرَحُونَ» (6) بالغداة.
«إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ» (7) يكسر أوله ويفتح ومعناه بمشقة الأنفس، وقال [النّمر بن تولب] :
وذى إبل يسعى ويحسبها له ... أخى نصب من شقّها ودؤوب «1»
أي من مشقتها، وقال العجاج:
أصبح مسحول يوازى شقّا «2»
أي يقاسى مشقة، [ومسحول بعيره] . «3»
__________
(1) : البيت من كلمة فى الكامل 21، وهو فى الطبري 14/ 51، والقرطبي 10/ 72 واللسان والتاج (شقق) ورواه ابن حجر عن أبى عبيدة فى فتح الباري 8/ 293.
(2) : ديوانه 40، والطبري 14/ 51 واللسان (شقق) .
(3) «ومسحول بعيره» : كذا فى اللسان.(1/356)
وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ (9) هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ (10) يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (11) وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (12) وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (13) وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (14) وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (15) وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ (16) أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (17) وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (18) وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ (19) وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ (20) أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (21)
«وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْها جائِرٌ» (9) السبيل: لفظه لفظ الواحد، وهو فى موضع الجميع فكأنه: ومن السبيل سبيل جائر، وبعضهم يؤنث السبيل.
«شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ» (10) يقال: أسمت إبلى وسامت هى، أي رعيتها.
«وَما ذَرَأَ لَكُمْ» (13) أي ما خلق لكم.
«وَتَرَى الْفُلْكَ مَواخِرَ فِيهِ» (14) من مخرت الماء أي شقّته بجآجئها، والفلك هاهنا فى موضع جميع فقال فواعل، وهو موضع واحد كقوله:
«الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ» (26/ 119) بمنزلة السلاح واحد وجميع.
«وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ» (15) أي جعل فيها جبالا ثوابت قد رست.
«أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ» (15) مجازه: أن لا تميل بكم.
«أَيَّانَ يُبْعَثُونَ» (21) مجازه: متى يحيّون.(1/357)
لَا جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ (23) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (24) لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ (25)
«لا جَرَمَ» (23) أي حقا، وقال أبو أسماء بن الضّريبة أو عطيّة بن عفيف: «1»
[يا كرز إنك قد منيت بفارس ... بطل إذا هاب الكماة مجرّب]
ولقد طعنت أبا عيينة طعنة ... جرمت فزارة بعدها أن يغضبوا (175)
أي أحقت «2» لهم الغضب، و «جَرَمَ» مصدر منه: [وكرز: رجل من بنى عقيل وأبو عيينة حصن بن حذيفة بن بدر] . «3»
[ «أَوْزارَهُمْ» ] (25) : الأوزار هى الآثام، واحدها وزر.
__________
(1) : «أبو أسماء ... عفيف» : راجع فى ترجمتها شاعران جاهليان فى الخزانة 4/ 314، والاختلاف فى عزو البيتين فى اللسان (جرم) ، والخزانة أيضا. - والبيت الثاني قد مرّ تخريجه فى موضعه، وأما الأول فهو فى الاقتضاب 313، واللسان والتاج (جرم) والخزانة 4/ 314.
(2) «أي أحقت» : فى اللسان: وقال أبو عبيدة: «أحقت عليهم الغضب» أي أحقت الطعنة فزارة أن يغضبوا. وحقت أيضا من قولهم: لا جرم لأفعلن كذا، أي حقا، قال ابن برى: وهذا القول رد على سيبويه والخليل، لأنهما قدراه أحقت.
(3) «وكرز ... بدر» : راجع اللسان والتاج والخزانة.(1/358)
قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ (26) ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُخْزِيهِمْ وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ قَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكَافِرِينَ (27) الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلَى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (28) فَادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (29) وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْرًا لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ (30) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ كَذَلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ (31) الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (32) هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (33) فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (34) وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (35) وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (36) إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (37) وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (38) لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ (39) إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (40) وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (41) الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (42) وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (43) بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (44)
«فَأَتَى اللَّهُ بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ» (26) مجازه مجاز المثل والتشبيه والقواعد الأساس. إذا استأصلوا شيئا قالوا هذا الكلام، وهو مثل القواعد واحدتها قاعدة، والقاعد من النساء التي لا تحيض.
«أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ» (27) أي تحاربون فيهم.
«فَأَلْقَوُا السَّلَمَ» (28) أي صالحوا وسالموا والسّلم والسّلم والسلام واحد.
«وَالزُّبُرِ» (44) وهى الكتب واحدها: زبور، ويقال: زبرت وذبرت أي كتبت، وقال أبو ذؤيب:
عرفت الدّيار كرقم الدّوا ... ة كما زبر الكاتب الحميرىّ «1»
وكما ذبر [فى رواية] .
__________
(1) : ديوان الهذليين 1/ 65، وفعلت وأفعلت للزجاج 182، والجمهرة 1/ 250 واللسان والتاج (زبر) .(1/359)
أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (47) أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّدًا لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ (48)
«أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ» (47) مجازه: على تنقّص قال:
ألام على الهجاء وكل يوم ... يلاقينى من الجيران غول «1»
تخوّف غدرهم مالى وأهدى ... سلاسل فى الحلوق لها صليل
أي تنقّص غدرهم مالى. سلاسل يريد القوافي تنشد فهو صليلها وهو قلائد فى أعناقهم وقال طرفة:
وجامل خوّف من نيبه ... زجر المعلّى أصلا والسفيح «2»
خوّف من نيبه أي لا يدعه يزيد.
«وَهُمْ داخِرُونَ» (48) أي صاغرون، يقال: فلان دخر لله، أي ذلّ وخضع.
__________
(1) : الثاني فى الطبري 14/ 71، والقرطبي 10/ 110.
(2) : فى ملحق ديوانه من الستة 183، وفى اللسان والتاج (جمل، خوف) .(1/360)
وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ (53) ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (54) لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (55) وَيَجْعَلُونَ لِمَا لَا يَعْلَمُونَ نَصِيبًا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ تَاللَّهِ لَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ (56) وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ (57) وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (58) يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (59) لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (60) وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ (61) وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنَى لَا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ (62)
«وَلَهُ الدِّينُ واصِباً» (52) أي دائما، قال [أبو الأسود الدّؤلىّ] :
لا أبتغى الحمد القليل بقاؤه ... يوما بذم الدهر أجمع واصبا «1»
«فَإِلَيْهِ تَجْئَرُونَ» (53) أي ترفعون أصواتكم، وقال عدىّ بن زيد:
إنّني والله فاقبل حلفى ... بأبيل كلّما صلّى جأر «2»
أي رفع صوته وشدّه.
«وَهُوَ كَظِيمٌ» (58) أي يكظم شدة حزنه ووجده ولا يظهره، وهو فى موضع كاظم خرج مخرج عليم وعالم.
«أَيُمْسِكُهُ عَلى هُونٍ» (59) أي هوان.
«مُفْرَطُونَ» (62) أي متروكون منسيون مخلفون.
__________
(1) : الطبري 14/ 74، والقرطبي 10/ 114.
(2) : شعراء النصرانية 1/ 453، واللسان والتاج (أبل) .(1/361)
وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ (66)
«وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ» (66) يذكّر ويؤنث، وقال آخرون: المعنى على النّعم لأن النعم يذكر ويؤنث، قال:
أكلّ عام نعم تحوونه ... يلقحه قوم وتنتجونه «1»
أربابه نوكى ولا يحمونه
والعرب قد تظهر الشيء ثم تخبر عن بعض ما هو بسببه وإن لم يظهروه كقوله:
قبائلنا سبع وأنتم ثلاثة ... وللسّبع أزكى من ثلاث وأكثر (268)
قال أنتم ثلاثة أحياء ثم قال: من ثلاث، فذهب به إلى القبائل وفى آية أخرى: «وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْها جائِرٌ» (16/ 9) «2» أي من السبل سبيل جائر.
__________
(1) : الرجز لقيس بن الحصين الحارثي والشطر الأول والثاني فى الكتاب 1/ 53، والطبري 14/ 81، والشنتمرى 1/ 65، وفتح الباري 8/ 292، والعيني 1/ 529، والخزانة 1/ 196، والثالث فى شواهد الكشاف 317.
(2) «وإن لكم ... جائر» : وفى البخاري: الأنعام لعبرة، وهى تؤنث وتذكر وكذلك النعم الأنعام جماعة النعم. وروى ابن حجر (8/ 292) تفسير أبى عبيدة هذا وقال: وأنكر تأنيث النعم وقال: إنما يقال هذا نعم، ويجمع على نعمان بضم أوله مثل حمل وحملان، انتهى.(1/362)
وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (67)
«تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً» (67) أي طعما، «1» ويقال: جعلوا لك هذا سكرا أي طعما، وهذا له سكر أي طعم، وقال [جندل] :
جعلت عيب الأكرمين سكرا «2»
وله موضع آخر مجازه: سكنا، وقال:
جاء الشتاء واجثالّ القنبر ... وجعلت عين الحرور تسكر (404)
أي يسكن حرها ويخبو، ويقال ليلة ساكرة أي ساكنة، وقال:
تريد الليالى فى طولها ... وليست يطلق ولا ساكره «3»
ويروى تزيد ليالى فى طولها.
__________
(1) «طعما» : قال فى اللسان: وقال أبو عبيدة: وحده السكر السكر الطعام وقال القرطبي 10/ 129 وقال أبو عبيدة ... إلخ. [.....]
(2) : «جندل» : لا أدرى من هو، وربما كان هو جندل بن المثنى الطهوي (الذي له ترجمة فى السمط 644) . والشطر فى الطبري 14/ 84، والقرطبي 10/ 129 واللسان والتاج (سكر) .
(3) : لأوس بن حجر، وهو الثاني من القصيدة 15 من ديوانه، وهو فى الاقتضاب 412 واللسان والتاج (سكر) .(1/363)
وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ (68) ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (69) وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (70) وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (71) وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ (72) وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ شَيْئًا وَلَا يَسْتَطِيعُونَ (73) فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (74) ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (75) وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (76) وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (77) وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (78)
«وَمِمَّا يَعْرِشُونَ» (68) «1» أي يجعلونه عريشا، ويقال: يعرش ويعرش.
«بَنِينَ وَحَفَدَةً» (72) أعوانا وخدّاما، قال [جميل] :
حفد الولائد بينهنّ وأسلمت ... بأكفّهن أزمّة الأجمال «2»
واحدهم: حافد، خرج مخرج كامل والجميع كملة.
«وَهُوَ كَلٌّ عَلى مَوْلاهُ» (76) أي عيال على ابن عمّه وكل ولىّ له.
«وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ» (78) قبل أن يخرجكم ثم أخرجكم، والعرب تقدّم وتؤخّر، قال الأخطل:
ضخم تعلّق أشناق الدّيات به ... إذا المئون أمرّت فوقه حملا «3»
__________
(1) «يعرشون» : قرأ ابن عامر بالضم وسائرهم بالكسر، واختلف فى ذلك عن عاصم (القرطبي 10/ 134) .
(2) : «جميل» هو جميل بن عبد الله الحارثي العذرى وهو من شعراء الدولة الأموية، له ترجمة فى الشعراء 260، والأغانى 7/ 72 والخزانة 1/ 190.
والبيت فى الطبري 14/ 88، 89 والجمهرة 2/ 123، والقرطبي 10/ 143، 144 واللسان والتاج (حفد) وشواهد الكشاف 237. ونسبه ابن دريد إلى الفرزدق.
(3) : ديوانه 154، واللسان (شنق) .(1/364)
أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (79) وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ (80)
الشّنق: ما بين الفريضتين والمئون: أعظم من الشّنق فبدأ بالأقل قبل الأعظم.
«السَّمْعَ» (78) لفظه لفظ الواحد. وهو فى موضع الجميع، كقولك:
الأسماع، وفى آية أخرى: «فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ» (16/ 98) وهى قبل القراءة.
«جَوِّ السَّماءِ» (79) أي الهواء، قال:
ويل أمّها من هواء الجوّ طالبة ... ولا كهذا الذي فى الأرض مطلوب «1»
وقوله «أَثاثاً» (80) أي متاعا، قال [محمد بن نمير الثّقفى] :
أهاجتك الظّعائن يوم بانوا ... بذي الرّى الجميل من الأثاث «2»
__________
(1) : البيت فى نسخة منسوب إلى إبراهيم بن عمران الأنصاري وفى بغير عزو، وقد رواه البغدادي (فى الخزانة 2/ 212) لامرئ القيس بن حجر الكندي وقارن «ويلمها» بما رآه فى ديوانه وهو «لا كالتى» ، وعزاه سيبويه (1/ 353) فى موضع له، وفى موضع آخر (2/ 262) للنعمان بن بشير الأنصاري، ونسبه الطبري (14/ 94) إلى إبراهيم بن عمران الثقفي تبعا لأبى عبيدة.
(2) : «محمد بن نمير» : من الذين هربوا من الحجاج بن يوسف، وكان يشبب بزينب بنت يوسف أخت الحجاج انظر خبره فى الكامل 289. - والبيت من كلمة فى الكامل 376، وهو الجمهرة 1/ 14، واللسان والتاج (رأى) ، والقرطبي 10/ 153.(1/365)
وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلَالًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ (81) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (82) يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ (83) وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا ثُمَّ لَا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (84) وَإِذَا رَأَى الَّذِينَ ظَلَمُوا الْعَذَابَ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (85) وَإِذَا رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكَاءَهُمْ قَالُوا رَبَّنَا هَؤُلَاءِ شُرَكَاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُو مِنْ دُونِكَ فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ (86) وَأَلْقَوْا إِلَى اللَّهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (87) الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ (88) وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلَاءِ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (89)
والري الكسوة الظاهرة وما ظهر.
«وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبالِ أَكْناناً» (81) «1» واحدها: كنّ.
«سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ» (81) أي قمصّا، «وَسَرابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ» (81) أي دروعا «2» وقال كعب بن زهير:
شمّ العرانين أبطال لبوسهم ... من نسج داود فى الهيجاء سرابيل «3»
«فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكاذِبُونَ» (86) أي قالوا: إنكم لكاذبون، يقال: ألقيت إليه كذا، أي قلت له كذا.
«وَأَلْقَوْا إِلَى اللَّهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ» (87) أي المسالمة.
«تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ» (89) أي بيانا.
__________
(1) «أكنانا» : وفى البخاري: أكنانا واحدها كن مثل حمل وأحمال قال ابن حجر (8/ 292) هو تفسير أبى عبيدة.
(2) «سرابيل ... دروعا» : رواه ابن حجر عن أبى عبيدة فى فتح الباري 8/ 293
(3) : ديوانه 23، والقرطبي 10/ 160 واللسان والتاج (سربل) .(1/366)
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90) وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (91) وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (92) وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (93) وَلَا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (94) وَلَا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا إِنَّمَا عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (95) مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (96) مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97)
«وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى» (90) يعنى وإعطاؤه.
«قُوَّةٍ أَنْكاثاً» (92) كل حبل وغزل ونحو ذلك نقضته فهو نكث، وهو من قولهم نكثت [قال المسيّب بن علس:
من غير مقلية وإنّ حبالها ... ليست بأنكاث ولا أقطاع] «1»
«دَخَلًا بَيْنَكُمْ» (92) كل شىء وأمر لم يصح فهو دخل: «2» «هِيَ أَرْبى مِنْ أُمَّةٍ» (92) أي أكثر.
«فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِها» (94) مثل يقال: لكل مبتلّى بعد عافية أو ساقط فى ورطة بعد سلامة ونحو ذلك: زلّت قدمه. «3»
«مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً
__________
(1) : فى ملحق ديوان الأعشى 345، وشرح المفضليات 93، وأمالى القالي 3/ 130.
(2) «دخلا ... دخل» : كذا فى البخاري، قال ابن حجر (8/ 293) : هو قول أبى عبيدة أيضا.
(3) «مثل ... قدمه» : نقل الطبري (14/ 105) هذا الكلام برمته.(1/367)
فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (98) إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (99) إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ (100) وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (101) قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (102) وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ (103) إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ لَا يَهْدِيهِمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (104) إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ (105) مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (106)
وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ» (97) من تقع على الواحد وعلى الجميع والذكر والأنثى، ولفظها لفظ الواحد فجاء الأول من الكناية على لفظ «من» وإن كان المعنى إنما يقع على الجميع ثم جاء الآخر من الكناية على معنى الجميع، فقال:
«وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ» .
«فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ» (98) مقدّم ومؤخّر، لأن الاستعاذة قبل القراءة. «1»
«رُوحُ الْقُدُسِ» (102) جبريل عليه السلام.
«لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ» (103) أي يعدلون إليه، ويقال:
ألحد فلان أي جار أعجمىّ أضيف إلى أعجم اللسان.
«وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ» (106) شرح صدره بذلك: تابعته نفسه وانبسط إلى ذلك، يقال: ما يشرح صدرى لك بذلك، أي لا يطيب، وجاء قوله: «فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ» على معنى الجميع لأن «من» يقع على الجميع.
__________
(1) «فإذا ... القراءة» : كذا فى البخاري، وقبله: وقال غيره، قال ابن حجر (8/ 291- 292) المراد بالغير أبو عبيدة فإن هذا كلامه بعينه. [.....](1/368)
وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (112) وَلَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ (113) فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (114) إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (115) وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ (116) مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (117) وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (118) ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (119) إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (120) شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (121) وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (122) ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (123) إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (124) ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125) وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ (126) وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (127)
«يَأْتِيها رِزْقُها رَغَداً» (112) أي واسعا كثيرا.
«فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ» (112) واحدها نعم ومعناه نعمة وهما واحد، [قالوا: نادى منادى النبىّ عليه السلام بمنى: «إنها أيّام طعم ونعم فلا تصوموا» ] .
«وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا» (118) من اليهود.
«إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ» (120) أي إماما مطيعا لله.
«حَنِيفاً» (120) مسلما ومن كان فى الجاهلية يختتن ويحجّ البيت فهو حنيف.
«اجْتَباهُ» (121) اختاره.
«فِي ضَيْقٍ» (127) مفتوح الأول وهو تخفيف ضيّق بمنزلة ميّت وهيّن وليّن، وإذا خفّفتها قلت ميت وهين ولين وإذا كسرت أول ضيق فهو مصدر الضيّق. «1»
__________
(1) «فى ضيق ... الضيق» : رواه ابن حجر عن أبى عبيدة فى فتح الباري 8/ 291.(1/369)
وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا (4) فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا (5)
بسم الله الرّحمن الرّحيم
«سورة بنى إسرائيل (17) »
«وَقَضَيْنا» (4) مجازه: أخبرنا. «1»
«فَجاسُوا» (5) قتلوا. «2»
«خِلالَ الدِّيارِ» (5) بين الديار.
__________
(1) «أخبرنا» : كذا فى الطبري 10/ 217 قال ابن حجر (8/ 295) :
قال أبو عبيدة فى قوله «وقضينا إلى بنى إسرائيل» أي أخبرناهم، وفى قوله «وقضى ربك» (17/ 23) ، أي أمر، وفى قوله «إن ربك يقضى بينهم» (27/ 87) أي يحكم، وفى قوله «فقضاهن سبع سموات» (41/ 12) أي خلقهن وقد بين أبو عبيدة بعض الوجوه التي يرد بها لفظ القضاء، وأغفل كثيرا منها ... إلخ.
(2) «قتلوا» : قال الطبرىّ (15/ 21) وكان بعض أهل المعرفة بكلام العرب من أهل البصرة يقول معنى «جاسوا» قتلوا، ويستشهد لقوله ذلك ببيت حسان:
ومنا الذي لاقى بسيف محمد ... فجاس به الأعداء عرض العساكر
وجائز أن يكون معناه: فجاسوا خلال الديار فقتلوهم ... إلخ.(1/370)
ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا (6) إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا (7) عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا (8)
«رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ» (6) أعقبنا لكم الدولة.
«أَكْثَرَ نَفِيراً» (6) مجازه: من الذين نفروا معه.
«وَلِيُتَبِّرُوا» (7) وليدمّروا،
«جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ حَصِيراً» (8) من الحصر «1» والحبس فكان معناه محبسا، ويقال: للملك حصير لأنه محجوب، قال لبيد:
ومقامة غلب الرّقاب كأنهم ... جنّ لدى باب الحصير قيام «2»
والحصير أيضا: البساط الصغير، فيجوز أن تكون جهنم لهم مهادا بمنزلة الحصير، ويقال للجنبين: حصيران، يقال: لاضربن حصيريك وصقليك.
__________
(1) «حصيرا من الحصر» : قال الطبري (15/ 34) : فأما فعيل من الحصر بمعنى وصفه بأنه الحاصر فذلك لا نجده فى كلام العرب ... وقد زعم بعض أهل العربية من أهل البصرة أن ذلك جائز ولا أعلم لما قال وجها يصح إلا بعيدا وهو أن يقال جاء حصير بمعنى حاصر كما قيل عليم بمعنى عالم وشهيد بمعنى شاهد ولم يسمع ذلك مستعملا فى الحاصر كما سمعنا فى عالم وشاهد. وفى البخاري: «حصيرا محبسا» ، قال ابن حجر (8/ 298) : هو قول أبى عبيدة أيضا.
(2) : ديوانه 2/ 39، والطبري 15/ 34. والسمط 955، والقرطبي 10/ 224 والصحاح واللسان والتاج (حصر) .(1/371)
وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا (13) اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا (14) مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا (15) وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا (16)
«أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ» (13) أي حظّه. «1»
«وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى» (15) أي ولا تأثم آثمة إثم أخرى أثمته ولم تأثمه الأولى منهما، ومجاز وزرت تزر: مجاز أثمت، فالمعنى أنه:
لا تحمل آثمة إثم أخرى، يقال: وزر هو، ووزّرته أنا.
«وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها»
(16) «2» أي أكثرنا مترفيها وهى من قولهم: قد أمر بنو فلان، أي كثروا فخرج على تقدير قولهم: علم فلان، وأعلمته أنا ذلك، قال لبيد:
__________
(1) «حظه» : قال ابن مطرف فى القرطين (1/ 252) : قال أبو عبيدة حظه، وقال المفسرون: ما يحمل من خير أو شر ألزمناه عنقه، وهذان التفسيران يحتاجان إلى تبيين إلخ وقال الطبري (16/ 38- 39) : أي حظه من قولهم: طار سهم فلان بكذا، إذا خرج سهمه على نصيب من الأنصباء، وذلك وإن كان قولا له وجه فإن تأويل أهل التأويل على ما قد بينت وغير جائز أن يتجاوز فى تأويل القرآن ما قالوه إلى غيره، على أن ما قاله هذا القائل إن كان عنى بقوله حظه من العمل والشقاء والسعادة فلم يبعد معنى قوله من معنى قولهم.
(2) «أمرنا» : قال الطبري (15/ 39) : اختلفت القراء فى قراءة قوله «أمرنا مترفها» فقرأت ذلك عامة قراء الحجاز والعراق أمرنا بقصر الألف دون مدها، وتخفيف الميم وفتحها ... إلخ وفى اللسان (أمر) : قال أبو عبيدة آمرته بالمد وأمرته لغتان بمعنى كثرته وأمر هو أي كثر فخرج على تقدير قولهم: علم فلان وأعلمته أنا ذلك.(1/372)
[كلّ بنى حرّة قصارهم ... قلّ وإن أكثرت من العدد] «1»
إن يغبطوا يهبطوا وإن أمروا ... يوما يصيروا للهلك والنّفذ
وبعضهم يقرؤها: «أَمَرْنا مُتْرَفِيها»
على تقدير أخذنا وهى فى معنى أكثرنا وآمرنا غير أنها لغة أمرنا: أكثرنا «2» ترك المدّ ومعناه أمرنا، ثم قالوا:
مأمورة من هذا، فإن احتج محتج فقال هى من أمرت فقل كان ينبغى أن يكون آمرة ولكنهم يتركون إحدى الهمزتين، وكان ينبغى أن يكون آمرة ثم طوّلوا ثم حذفوا «ولأمرنّهم» (4/ 119) فلم يمدوها قال الأثرم: وقول أبى عبيدة فى مأمورة لغة وقول أصحابنا قياس وزعم يونس عن أبى عمرو أنه قال: لا يكون هذا وقد قالت العرب: خير المال نخلة مأبورة ومهرة مأمورة أي كثيرة الولد. وله موضع آخر مجازه: أمرنا ونهينا فى قول بعضهم وثقّله بعضهم فجعل معناه أنهم جعلوا أمراء.
__________
(1) : ديوانه 1/ 19، والأغانى 15/ 133، والقرطبي 10/ 233، والثاني فقط فى اللسان والتاج (أمر) .
(2) «أكثرنا» : قال الطبري (15/ 40) : وقد كان بعض أهل العلم بكلام العرب من أهل البصرة يقول قد يتوجه معناه إذا قرىء كذلك إلى معنى «أكثرنا مترفيها» ويحتج لتصحيحه ذلك بالخبر الذي روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:
خير المال مهرة مأمورة أو سكة مأبورة ويقول: إن معنى قوله مأمورة كثيرة النسل، وكان بعض أهل العلم بكلام العرب من الكوفيين ينكر ذلك من قيله ...
ولا يجيز أمرنا بمعنى أكثرنا ... إلخ.
(ص 373) «خير ... مأمورة» : وفى الحديث: خير المال سكة مأبورة ومهرة مأمورة أخرجه حميد وإسحاق وابن أبى رشيق والحارث والطبراني وأبو عبيد من رواية مسلم بن بديل ... عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: خير مال المرء ميرة مأمورة أو سكة مأبورة (الكافي الشاف فى تحريج أحاديث الكشاف 2/ 655) وانظره فى الطبري 15/ 40 والقرطبي 10/ 233 والغريبين والنهاية واللسان (أمر) .(1/373)
مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا (18) وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا (19) كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا (20) انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا (21) لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولًا (22) وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (24) رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا (25)
«فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ»
(16) أي فوجب عليها العذاب.
«مَدْحُوراً» (18) أي مقصى مبعدا، يقال: أدحر الشيطان عنك، [ومصدره الدّحور] .
«وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ» (23) مجازه: وأمر ربّك.
«فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ» (23) «1» تكسر وتضمّ وتفتح بغير تنوين، وموضعه فى معناه ما غلظ وقبح من الكلام.
«فَإِنَّهُ كانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُوراً» (25) أي للتّوابين من الذنوب.
[ «المبذّرين» ] (27) المبذّر هو المسرف المفسد العائث.
__________
(1) «أف» : قرأها نافع وحفص بالتنوين وكسر الفاء وابن كثير وابن عامر بفتح الفاء من غير تنوين والباقون بكسرها من غير تنوين (الداني 139) .(1/374)
وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا (28) وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا (29) إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا (30) وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا (31)
«قَوْلًا مَيْسُوراً» (28) أي ليّنا «1» هيّنا، وهو من اليسر.
«وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ» (29) مجازه فى موضع قولهم:
لا تمسك عما ينبغى لك أن تبذل من الحق وهو مثل وتشبيه.
«وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ» (29) أي لا تسرف كل السرف، وتبذّر كل التبذير.
«مَلُوماً مَحْسُوراً» (29) أي منضى قد أعيا، يقال: حسرت البعير، وحسرته بالمسألة والبصر أيضا إذا رجع محسورا، وقال الهذلي: «2»
إنّ العسير بها داء مخامرها ... فشطرها نظر العينين محسور (74)
أي فنحوها.
«وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ» (31) «3» كان أهل الجاهلية يقتلون أولادهم خشية الفقر وهو الإملاق.
__________
(1) «لينا» : رواه ابن حجر عن أبى عبيدة فى فتح الباري 8/ 295.
(2) «الهذلي» : هو قيس بن خويلد الهذلي.
(3) «إملاق» : روى ابن حجر تفسير أبى عبيدة لهذه الكلمة فى فتح الباري 8/ 298.(1/375)
«إِنَّ قَتْلَهُمْ كانَ خِطْأً كَبِيراً» (31) [إثما] وهو اسم من خطأت، وإذا فتحته فهو مصدر كقول [أوس بن علفاء «1» الهجيمىّ] .
دعينى إنّما خطأى وصوبى ... علىّ وإن ما أهلكت مال (274)
[يريد: إصابتى] ، وخطأت وأخطأت لغتان، «2» [زعم «3» يونس عن أبى إسحاق قال: أصل الكلام بناؤه على فعل ثم يبنى آخره على عدد من له الفعل من المؤنث والمذكر من الواحد والإثنين والجميع كقولك: فعلت وفعلنا وفعلن وفعلا وفعلوا، ويزاد فى أوله ما ليس من بنائه فيزيدون الألف، كقولك: أعطيت إنما أصلها عطوت، ثم يقولون معطى فيزيدون الميم بدلا من الألف وإنما أصلها عاطى، ويزيدون فى أوساط فعل افتعل وانفعل واستفعل ونحو هذا، والأصل فعل
__________
(1) «أوس بن غلفاء» : من بنى الهجيم بن عمرو بن تميم وهو جاهلى، انظر الشعراء 404. [.....]
(2) «خطأ ... لغتان» : روى ابن حجر (8/ 296) تفسير أبى عبيدة هذا وقال:
واختار الطبري القراءة التي بكسر ثم بسكون وهى المشهورة ... وأما قول أبى عبيدة الذي تبعه فيه البخاري حيث قال: خطئت بمعنى أخطئت ففيه نظر فإن المعروف عند أهل اللغة أن خطىء بمعنى إثم وأخطأ إذا لم يتعمد أو إذا لم يصب.
(3) «زعم ... سكن (ص 277) » قارن هذا الكلام بما ورد فى تفسير آية 22 من سورة الحجر.(1/376)
وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا (32)
وإنما أعادوا هذه الزوائد إلى الأصل فمن ذلك فى القرآن «وَأَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ» (15/ 22) وإنما يريد الريح ملقحة فأعادوه إلى الأصل ومنه قولهم:
طوّحتنى الطّوائح (405) وإنما هى المطاوح لأنها المطوّحة، ومن ذلك قول العجّاج:
يكشف عن جمّاته دلو الدال
(407) وهى من أدلى دلوه، وكذلك قول رؤبة:
يخرجن من أجواز ليل غاضى
(406) وهى من أغضى الليل أي سكن.] .
«وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى» (32) مقصور وقد يمدّ فى كلام أهل نجد، قال الفرزدق:
أبا حاضر من يزن يعرف زناؤه ... ومن يشرب الخرطوم يصبح مسكّرا «1»
وقال الفرزدق:
أخضبت عردك للزناء ولم تكن ... يوم اللقاء لتخضب الأبطالا «2»
__________
(1) : فى الجمهرة 3/ 255 والصحاح واللسان والتاج زنى) .
(2) : لم أجده فى مظانه.(1/377)
وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا (33) وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا (34)
وقال [الجعدىّ] :
كانت فريضة ما تقول كما ... كان الزناء فريضة الرّجم «1»
«فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ «2» فِي الْقَتْلِ» (33) جزمه بعضهم على مجاز النهى، كقولك: فلا يسرفنّ فى القتل أي يمثّل به ويطوّل عليه العذاب، ويقول بعضهم «فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ» فيرفعه على مجاز الخبر كقولك: إنه ليس فى قتل ولى المقتول الذي قتل ثم قتل هو به سرف.
«إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً» (33) مجازه من النصر، أي يعان ويدفع إليه حتى يقتله بمقتوله.
«مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ» (34) مجازه: بالقوت إذا قام به وعمره من غير أن يتأثل منه مالا.
«حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ» (34) مجازه: منتهاه من بلوغه، ولا واحد له منه فإن أكرهوا على ذلك قالوا: أشدّ، بمنزلة صبّ والجميع أضبّ.
__________
(1) : فى الأضداد لأبى حاتم 152 والمقصور والمدود 58 والإنصاف 165 وأمالى المرتضى 1/ 155 والسمط 368 والقرطبي 10/ 253 واللسان (زنى) .
(2) «فلا يسرف» : قرأ حمزة والكسائي بالتاء والباقون بالياء (الداني 140)(1/378)
وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا (36)
«إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلًا» (34) أي مطلوبا، يقال: وليسألن فلان عهد فلان.
«وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ» (36) مجازه: ولا تتبع ما لا تعلمه ولا يعنيك. «1» وذكر أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: «نحن بنو النضر بن كنانة لا نقذف أمّنا ولا نقفو آباءنا» وروى فى الحديث: «ولا نقتفى من أبينا» «2» وقال النّابغة الجعدىّ:
ومثل الدّمى شمّ العرانين ساكن ... بهن الحياء لا يشعن التّقافيا «3»
يعنى التقاذف.
__________
(1) «ولا تتبع ... يعينك» : روى الطبري (15/ 58) تفسيره هذا عنه.
(2) «نحن ... أبينا» : فى الطبري (15/ 58) وهو فى النهاية (قفى) على خلاف.
(3) : فى الطبري 15/ 58 وشواهد الكشاف 327.(1/379)
وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا (37) كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا (38) ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَدْحُورًا (39) أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ إِنَاثًا إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيمًا (40) وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا نُفُورًا (41) قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لَابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا (42) سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا (43) تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (44) وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا (45) وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا (46)
«كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا» (36) خرج مخرج ما جعلوا الخبر عنه والعدد كالخبر عن الآدميّين وعلى لفظ عددهم إذا جمعوا وهو فى الكلام:
كلّ تلك، ومجاز «عنه» كقولهم: كل أولئك ذاهب، لأنه يرجع الخبر إلى كل ولفظه لفظ الواحد والمعنى يقع على الجميع، وبعضهم يقول: كل أولئك ذاهبون، لأنه يجعل الخبر للجميع الذي بعد كل.
«إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ» (37) مجازه: لن تقطع «1» الأرض، وقال رؤبة:
وقاتم الأعماق خاوى المخترق «2»
أي المقطّع وقال آخرون: إنك لن تنقب الأرض، وليس بشىء.
«أَفَأَصْفاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ» (40) أي اختصكم.
«وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً» (46) أي صما واستكاكا وثقلا وأوله مفتوح والوقر من الحمل مكسور الأول.
__________
(1) «إنك ... تقطع» : رواه ابن حجر (8/ 296) عن أبى عبيدة.
(2) : الشطر من أرجوزة فى ديوانه 104- 108، وهو فى الطبري 15/ 59 واللسان والتاج (قتم) .(1/380)
نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوَى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا (47)
«وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً» (46) أي أعقابهم، نفور: جمع نافر بمنزلة قاعد وقعود وجالس وجلوس.
«وَإِذْ هُمْ نَجْوى» (47) وهى مصدر من ناجيت أو اسم منها فوصف القوم بها والعرب تفعل ذلك، كقولهم: إنما هم عذاب وأنتم غمّ، فجاءت فى موضع متناجين. «1»
«إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُوراً» (47) أي ما تتبعون كقولك ما تتبعون إلّا رجلا مسحورا، أي له سحر «2» وهو أيضا مسحر وكذلك كل دابّة أو طائر أو بشر يأكل فهو مسحور لأن له سحرا، والسحر الرّئة، قال لبيد:
فإن تسألينا فيم نحن فإننا ... عصافير من هذا الأنام المسحّر «3»
وقال:
__________
(1) «نجوى ... متناجين» : رواه ابن حجر (8/ 296) عن أبى عبيدة.
(2) «ما ... سحر» : قال الطبري (15/ 63) : وكان بعض أهل العربية من أهل البصرة يذهب بقوله إن تتبعون ... إلى معنى ما تتبعون ... رئة. وروى القرطبي (10/ 272) رواية نسخة ببعض نقص وزيادة.
(3) ديوانه 1/ 80 والطبري 15/ 63 والقرطبي 10/ 373 واللسان (سحر) . [.....](1/381)
وَقَالُوا أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا (49) قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا (50) أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا (51)
ونسحر بالشراب وبالطّعام «1»
أي نغذى لأن أهل السماء لا يأكلون فأزادوا أن يكون ملكا.
«أَإِذا كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً» (49) عظاما لم تحطم، ورفاتا أي حطاما. «2»
«يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ» (51) أي يعظم.
«فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ» (51) أي خلقكم.
«فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُسَهُمْ» (51) مجازه: فسيرفعون ويحركون استهزاء منهم، ويقال: قد نغضت سنّ فلان إذا تحركت وارتفعت من أصلها «3» قال:
ونغضت من هرم أسنانها»
وقال:
لما رأتنى أنغضت لى الرأسا «5»
__________
(1) : لعله عجز بيت لامرىء القيس (باختلاف القافية) فى ديوانه من الستة 210 والقرطبي 10/ 273 واللسان (سحر) .
(2) «ورفاتا ... أي حطاما» : رواه ابن حجر (8/ 296) عن أبى عبيدة.
(3) «فسيرفعون ... أصلها» : نقله الطبري (15/ 65) ببعض نقص وزيادة ورواه ابن حجر (8/ 294) عن أبى عبيدة.
(4) : فى الطبري 15/ 65 والقرطبي 10/ 275.
(5) : فى الطبري 15/ 65 القرطبي 10/ 275.(1/382)
وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا (53) رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا (54) وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا (55) قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا (56) أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا (57) وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا (58)
[قال ذو الرّمة:
ظعائن لم يسكن أكناف قرية ... بسيف ولم تنغض بهن القناطر] «1»
«إِنَّ الشَّيْطانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ» (53) أي يفسد ويهيج، وبعضهم يكسر زاى ينزغ.
«كانَ ذلِكَ فِي الْكِتابِ مَسْطُوراً» (58) أي مثبتا، مكتوبا، قال العجّاج:
واعلم بأنّ ذا الجلال قد قدر ... فى الصّحف الأولى التي كان سطر «2»
أمرك هذا فاحتفظ فيه النّتر
النّتر: الخديعة، قال يونس لما أنشد العجّاج هذا البيت قال: لا قوة إلّا بالله.
__________
(1) : ديوانه 244.
(2) : ديوانه 19 والطبري 15/ 69، 21/ 71 والجمهرة 2/ 14 واللسان والتاج (نتر)(1/383)
وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا (59) وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا (60) وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا (61) قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا (62) قَالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُورًا (63) وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا (64)
«فَظَلَمُوا بِها» (59) مجازه: فكفروا بها.
«لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا» (62) مجازه: لأستميلنّهم ولأستأصلنهم، يقال: احتك فلان ما عند فلان أجمع من مال أو علم أو حديث أو غيره «1» [أخذه كله واستقصاه] ، قال:
نشكو إليك سنة قد أجحفت ... جهدا إلى جهد بنا فأضعفت «2»
واحتنكت أموالنا وجلفّت
«وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ» (64) أي استخفف واستجهل.
«بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ» (64) جميع راجل، بمنزلة تاجر والجميع تجر وصاحب والجميع صحب. «3»
__________
(1) «لأستميلنهم ... غيره» : وهو فى الطبري 15/ 75 بفرق يسير.
(2) : فى الطبري 15/ 75 والقرطبي 10/ 287.
(3) «واستفزز ... صحب» : وفى البخاري: واستفزز استخف بخيلك الفرسان والرجال والرجالة واحدها راجل مثل صاحب وصحب وتاجر وتجر قال ابن حجر (8/ 296) هو كلام أبى عبيدة بنصه.(1/384)
أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلًا (68) أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفًا مِنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُمْ بِمَا كَفَرْتُمْ ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا (69)
«أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً» (68) ريحا «1» عاصفا، تحصب قال [الفرزدق] :
مستقبلين شمال الشام تضربنا ... بحاصب كنديف القطن منثور «2»
أي بصقيع.
«تارَةً أُخْرى» (69) مرّة أخرى والجميع تارات وتير. «3»
«فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قاصِفاً مِنَ الرِّيحِ» (59) أي تقصف كل شىء أي تحطم، يقال: بعث الله عليهم ريحا عاصفا قاصفا لم تبق لهم ثاغية ولا راغية.
«ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنا بِهِ تَبِيعاً» (69) أي من يتبعنا لكم تبيعة ولا طالبا لنا بها.
__________
(1) «ريحا ... إلخ» : قال الطبري (15/ 79) : وكان بعض أهل العربية بوجه تأويل قوله «أو يرسل ... حاصبا» إلى أو يرسل عليكم ريحا عاصفا يحصب ويستشهد لذلك بقول الشاعر- إلخ. ورواه ابن حجر (8/ 296) عن أبى عبيدة.
(2) : ديوانه 262 والكامل 463 والطبري 15/ 79، 20/ 87 والقرطبي 10/ 292
(3) «تارة ... وتير» : كذا فى البخاري قال ابن حجر (8/ 298) : هو كلام أبى عبيدة.(1/385)
وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا (70) يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولَئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا (71) وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلًا (72) وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا (73) وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا (74) إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا (75)
«وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ» (70) أي أكرمنا إلا أنها أشدّ مبالغة فى الكرامة. «1»
[ «يوم] ندعو كلّ أناس بإمامهم» (71) أي بالذي اقتدوا به وجعلوه إماما، ويجوز أن يكون بكتابهم:
«وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا» (71) وهو المفتّل الذي فى شق بطن النواة. «2»
«فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى» (72) أشدّ عمى.
«لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً» (74) أي تميل وتعدل وتطمئن.
«إِذاً لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ» (75) مختصر، كقولك ضعف عذاب الحياة وعذاب الممات فهما عذابان عذاب الممات به ضوعف عذاب الحياة. «3»
__________
(1) «ولقد ... الكرامة» : رواه ابن حجر (8/ 298) عن أبى عبيدة. [.....]
(2) «وهو ... النواة» : كذا فى الطبري 15/ 81.
(3) «مختصر ... الحياة» روى الطبري (15/ 83) هذا الكلام عن بعض أهل العربية من أهل البصرة ولعله يعنى أبا عبيدة ورواه ابن حجر (8/ 298)(1/386)
وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا وَإِذًا لَا يَلْبَثُونَ خِلَافَكَ إِلَّا قَلِيلًا (76) سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنَا وَلَا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلًا (77) أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا (78)
«وَإِذاً لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ» (76) رفع «يلبثون» على التقديم والتأخير كقولك: ولا يلبثون خلافك إذا، أي بعدك، قال: «1»
عفت الديار خلافها فكأنما ... بسط الشواطب بينهن حصيرا (296)
أي بعدهن ويقرؤه آخرون خلفك والمعنى واحد.
«لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ» (78) ودلوك الشمس من عند زوالها إلى أن تغيب وقال:
هذا مقام قدمى رباح ... غدوة حتى دلكت براح «2»
__________
(1) «قال» : القائل هو الحارث بن خالد كما مر عند تخريج البيت واستشهد به الطبري (15/ 85) والقرطبي (10/ 302) فى تفسير هذه الآية أيضا.
(2) : الرجز فى نوادر أبى زيد 88 وتهذيب الألفاظ 393 ومجالس ثعلب 373 والطبري 15/ 86 والقرطبي 10/ 303 والجمهرة 2/ 218 والصحاح والغريبين والفائق واللسان والتاج (برح) . - براح: قال الطبري: ويروى «براح» بفتح الباء فمن روى ذلك «براح» بكسر الباء فإنه يعنى أن يضع الناظر كفه على حاجبيه من شعاعها لينظر ما بقي من غبارها وهذا تفسير أهل الغريب أبى عبيدة والأصمعى وأبى عمرو الشيباني وغيرهم وقد ذكرت فى الخبر الذي رويت عن عبد الله بن مسعود أنه قال: حين غربت الشمس دلكت براح يعنى براح مكانا، ولست أدرى هذا التفسير أعنى قوله مكانا من كلام من هو ممن فى الإسناد أو من كلام عبد الله وإن يكن من كلام عبد الله فلا شك أنه كان أعلم بذلك من أهل الغريب الذي ذكرت قولهم وأن الصواب فى ذلك قوله دون قولهم وإن لم يكن من كلام عبد الله فإن أهل العربية كانوا أعلم بذلك منه إلخ.(1/387)
ألا ترى أنها تدفع بالراح، يضع كفه على حاجبيه من شعاعها لينظر ما بقي من غيابها والدلوك دنوها من غيبوبتها، قال العجّاج:
والشمس قد كادت تكون دنفا ... أدفعها بالراح كى تزحلفا «1»
«إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ» ، أي ظلامه قال: ابن قيس الرّقيّات:
إنّ هذا الليل قد غسقا ... واشتكيت الهمّ والأرقا «2»
«وَقُرْآنَ الْفَجْرِ» (78) أي ما يقرأ به فى صلاة الفجر.
«إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً» (78) مجازه: إن ملائكة الليل تشهده وإذا صلّيت الغداة أعقبتها ملائكة النهار.
__________
(1) : الرجز فى ديوان العجاج 82 وتهذيب الألفاظ 393 والطبري 15/ 86 والجمهرة 2/ 218 والقرطين 1/ 261 والقرطبي 10/ 303.
(2) : فى الطبري 15/ 87 والقرطبي 10/ 304 واللسان والتاج (غسق) .(1/388)
وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا (79) وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا (80) وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا (81) وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا (82) وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَئُوسًا (83) قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلًا (84)
«وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ» (79) أي اسهر بصلاة أو بذكر الله، وهجدت: نمت أيضا [وهو الهجود، قال لبيد بن ربيعة.
قال هجّدنا فقد طال السّرى «1»
يقول: نوّمنا] .
«نافِلَةً لَكَ» أي نفلا وغنيمة لك.
«أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ» (80) [من أدخلت] ومن جعله من دخلت قال: مدخل صدق بفتح الميم.
«نَأى بِجانِبِهِ» (83) أي تباعد بناحيته وقربه.
«وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ كانَ يَؤُساً» (83) أي قنوطا، أي شديد اليأس لا يرجو.
«يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ» (84) أي على ناحيته وخليقته ومنها قولهم: هذا من شكل هذا.
__________
(1) : صدر بيت فى ديوانه 2/ 13 والاقتضاب 408.(1/389)
وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا (89) وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا (90) أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا (91) أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا (92)
«وَلَقَدْ صَرَّفْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ» (89) أي وجّهنا وبيّنا.
«حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً» (90) وهى يفعول من «تبع الماء» ، أي ظهر وفاض.
«عَلَيْنا كِسَفاً» (92) من القطع فيجوز أن يكون واحدا أي قطعة، ويجوز أن يكون جميع كسفة فيخرج مخرج سدرة والجميع سدر، ويجوز أن تفتح ثانى حروفه فيخرج مخرج كسرة والجميع كسر، يقال: جاءنا بثريد كف، أي قطع خبز لم تثرد.
«وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلًا» (92) مجازه: مقابلة، أي معاينة وقال:
نصالحكم حتى تبوؤا بمثلها ... كصرخة حبلى بشّرتها قبيلها «1»
__________
(1) : البيت فى ملحق ديوان الأعشى ص 256 برواية شرح شواهد الكشاف 247، وهو فى الطبري 15/ 101 واللسان (قيل) وعجزه فى الإصلاح 160 وفتح الباري 8/ 297.(1/390)
أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا (93) وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلَّا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا (94) قُلْ لَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولًا (95) قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا (96) وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا (97)
أي قابلتها فإذا وصفوا بتقدير فعيل من قولهم: قابلت ونحوها جعلوا لفظ صفة الاثنين والجميع من المذكر والمؤنث على لفظ واحد، نحو قولك: هى قبيلى وهما قبيلى وهم قبيلى وكذلك هن قبيلى. «1»
«بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ» (93) وهو مصدر المزخرف وهو المزيّن.
«كُلَّما خَبَتْ زِدْناهُمْ سَعِيراً» (97) أي تأجّجا، «2» وخبت سكنت [قال الكميت:
ومنّا ضرار وابنماه وحاجب ... مؤجّج نيران المكارم لا المخبى] «3»
قال: ولا تكون الزيادة إلّا على أقلّ منها قبل الزيادة قال القطامىّ:
وتخبو ساعة وتشبّ ساعا «4»
ولم يذكر هاهنا جلودهم فيكون الخبوّ لها.
__________
(1) «قابلتها ... قبيلى» : روى الطبري (15/ 101) هذا الكلام عن بعض أهل العلم بكلام العرب من أهل البصرة كذا ولعله يعنى أبا عبيدة.
(2) «تأججا» : كذا فى الطبري 15/ 105.
(3) : فى اللسان والتاج (خبا) .
(4) : ديوانه 39 وفى الكتاب 2/ 195 والكامل 160 والطبري 15/ 105 والأضداد للأبيارى 113 والشنتمرى 2/ 189 واللسان (سوع) .(1/391)
قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفَاقِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ قَتُورًا (100) وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءَهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُورًا (101) قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا (102) فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعًا (103) وَقُلْنَا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا (104) وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (105) وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا (106) قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا (107) وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا (108) وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا (109) قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا (110)
«قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ» (100) معناه: لو تملكون أنتم.
«وَكانَ الْإِنْسانُ قَتُوراً» (100) أي مقترا.
«يا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً» (102) أي مهلكا. قال [ابن الزّبعرى] :
إذا جارى الشيطان فى سنن الغىّ ومن مال ميله مثبور «1» [الزّبعرى «2» الرجل الغليظ الأزبّ، وكذلك الناقة زبعرى] .
«وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ» (109) واحدها ذقن وهو مجمع اللّحيين. «3»
«وَلا تُخافِتْ بِها» (110) مجازه: لا تخفت بها، ولا تفوّه بها، ولكن أسمعها نفسك ولا تجهر بها فترفع صوتك، وهذه فى صلاة النهار العجما كذلك تسمّيها العرب ولم نسمع فى صلاة الليل شيئا.
__________
(1) : فى السيرة (غوتنجن) 827 والروض الأنف 2/ 289 والسمط 833 والقرطبي 10/ 338، 13/ 11 وشواهد المغني 188.
(2) «الزبعرى ... » : راجع الاشتقاق واللسان (زبعر) . [.....]
(3) «للأذقان ... اللحيين» : كذا فى البخاري، قال ابن حجر (8/ 298) هو قول أبى عبيدة.
«مهلك» : كذا فى البخاري وقال ابن حجر (8/ 308) : هو قول أبى عبيدة.(1/392)
قَيِّمًا لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا (2) مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا (3) وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا (4) مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا (5) فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا (6) إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا (7) وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا (8)
بسم الله الرّحمن الرّحيم
«سورة الكهف» (18)
«مِنْ لَدُنْهُ» (2) من عنده.
«فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ» (6) مهلك نفسك، قال ذو الرّمّة:
ألا أيّهذا الباخع الوجد نفسه ... لشىء نحته عن يديه المقادر «1»
أي نحّته مشدّد، ويقال: بخعت له نفسى ونصحى أي جهدت له.
«بِهذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً» (6) أي ندما «2» وتلهّفا، وأسى.
«صَعِيداً» (8) أي مستويا، وجه الأرض.
«جرزا» (8) أي غلظا لا ينبت شيئا والجميع أرضون أجراز، ويقال للسنة المجدبة: جرز وسنون أجراز لجدوبها ويبسها وقلّة مطرها،
__________
(1) : ديوانه 251 والطبري 15/ 120 والقرطبي 10/ 348 والصحاح والراغب والأساس واللسان والتاج (نجع) وفتح الباري 8/ 308.
(2) «أسفا ... ندما» : فى البخاري «أسفا ندما» قال ابن حجر (8/ 308) هو قول أبى عبيدة.(1/393)
أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا (9) إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا (10) فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا (11) ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا (12) نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى (13) وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا (14)
[قال ذو الرّمّة:
طوى النّحر والأجراز ما فى عروضها ... فما بقيت إلا الصدور الجراشع] «1»
وقال:
قد جرّفتهن السّنون الأجراز «2»
«وَالرَّقِيمِ» (9) الوادي «3» الذي فيه الكهف.
«أَحْصى لِما لَبِثُوا أَمَداً» (12) أي غابة. «4»
«وَرَبَطْنا عَلى قُلُوبِهِمْ» (14) مجازه: صيّرناهم وألهمناهم الصبر.
«قُلْنا إِذاً شَطَطاً» (14) أي جورا وغلوّا قال:
ألا يا لقوم قد أشطّت عواذلى ... ويزعمن أن أودى بحقي باطلى «5»
[ويلحيننى فى اللهو أن لا أحبّه ... وللهو داع دائب غير غافل] (25)
__________
(1) : ديوانه 341 والقرطبي 10/ 349.
(2) : الطبري 15/ 121 اللسان (جرز) .
(3) «الوادي ... الكهف» : رواه الطبري (15/ 122) عن بعض أهل التأويل ولعله أبو عبيدة.
(4) «أي غاية» : كذا فى البخاري، قال ابن حجر (8/ 308) هو قول أبى عبيدة.
(5) : البيتان للأحوص وقد مر تخريج الثاني وأما الأول فهو فى الكامل 49 والطبري 15/ 128 واللسان والتاج (شطط) وشواهد الكشاف 217.(1/394)
وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا (17)
«وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقاً» (16) هو ما ارتفق به ويقرؤه قوم مرفقا «1» [فأما فى اليدين فهو مرفق] .
«تَتَزاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ» (17) أي تميل وتعدل وهو من الزور يعنى العوج والميل، [قال ابن مقبل:
فينا كراكر أجواز مضبّرة ... فيها درو إذا شئنا من الزّور] «2»
وقال [أبو الزّحف الكليبىّ:
ودون ليلى بلد سمهدر] ... جدب المندّى عن هوانا أزور «3»
[ينضى المطايا خمسه العشنزر
العشنزر الشديد المندّى حيث يرتع بعيرك ساعة من النهار] .
__________
(1) «مرفقا ... مرفقا» : وهو فى البخاري بمعناه وقال ابن حجر (8/ 308) هو قول أبى عبيدة أيضا.
(2) : ولعله من الكلمة التي بعضها فى حماسة البحتري 291.
(3) : «أبو الزحف» : عم جرير، له ترجمة فى الشعراء 462. والرجز فى اللسان والتاج (زور، سمهد، عشنزر) ، والأول والثاني فى الجمهرة 1/ 443، 3/ 370 والثاني مع الثالث فى القرطبي 10/ 350.(1/395)
وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا (18)
«تَقْرِضُهُمْ «1» ذاتَ الشِّمالِ» (17) أي تخلّفهم شمالا وتجاورهم وتقطعهم وتتركهم عن شمالها، ويقال: هل مررت بمكان كذا وكذا، فيقول المسئول:
قرضته ذات اليمين ليلا «2» ، [وقال ذو الرّمّة:
إلى ظعن يقرضن أجواز مشرف ... شمالا وعن أيمانهن الفوارس] «3»
«وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذلِكَ مِنْ آياتِ اللَّهِ» (17) أي متّسع، والجميع فجوات، وفجاء «4» مكسورة الفاء.
«وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقاظاً» (18) واحدهم: يقظ، [ورجال أيقاظ، وكذلك جميع يقظان أيقاظ، يذهبون به إلى جميع يقظ] ، وقال رؤبة:
__________
(1) «تقرضهم» : أنظر ما روى عن بعض أهل العلم بكلام العرب من أهل البصرة (لعله أبو عبيدة) وعن الكوفيين فى الطبري 15/ 130.
(2) «أي ... ليلا» : روى الجوهري (قرض) هذا الكلام عن أبى عبيدة.
(3) : ديوانه 313 والطبري 15/ 130 والقرطبي 10/ 350 والصحاح واللسان والتاج (قرض) ومعجم البلدان 4/ 538. [.....]
(4) «متسع ... فجاء» : كذا فى الطبري 95/ 130 والقرطبي 10/ 369.
وفى البخاري أيضا، قال ابن حجر (8/ 308) هو قول أبى عبيدة.(1/396)
وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا (19)
ووجدوا إخوانهم أيقاظا ... وسيف غيّاظ لهم غياظا «1»
«وَنُقَلِّبُهُمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَذاتَ الشِّمالِ» (18) أي على أيمانهم وعلى شمائلهم.
«باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ» (18) على الباب وبفناء الباب جميعا لأن الباب يوصد، أي يغلق، والجميع وصائد ووصد.
«وَكَذلِكَ بَعَثْناهُمْ» (19) أي أحييناهم، «2» وهو من يوم البعث.
«أَيُّها أَزْكى طَعاماً» (19) أي أكثر، قال:
قبائلنا سبع وأنستم ثلاثة ... وللسّبع أزكى من ثلاث وأكثر (268)
«وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ» (19) لا يعلمنّ بكم، [يقال: شعرت بالأمر، أي علمت به، ومنه الشاعر] .
__________
(1) : الشطران فى ديوان العجاج 81- 82 الأول هو الثامن، والثاني هو 16 من رقم 31 والثاني مع آخر فى التاج (غيض) لرؤبة، وقال: ويروى للعجاج وهما فى الطبري 15/ 131.
(2) «بعثناهم أحييناهم» : كذا فى البخاري وقال ابن حجر (8/ 308) هو قول أبى عبيدة.(1/397)
سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا (22) وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23) إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا (24) وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا (25) قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا (26) وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا (27) وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا (28) وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا (29)
«رَجْماً بِالْغَيْبِ» (23) والرجم ما لم تستيقنه، وقال: «1» ظن مرجّم لا يدرى أحق هو أم باطل [قال زهير:
وما الجرب إلّا ما رأيتم وذقتم ... وما هو عنها بالحديث المرجّم] «2»
«ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ» (26) مقدّم ومؤخّر، مجازه: سنين ثلاثمائة.
«وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً» (28) أي معدلا واللّحد منه والإلحاد.
«وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ» (29) جزم لأن مجازه مجاز النهى، والموضع:
لا تجاوز عيناك، ويقال: ما عدوت ذلك أي ما جاوزته.
«وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً» (29) «3» أي سرفا وتضييعا.
«إِنَّا أَعْتَدْنا» (30) من العتاد وموضعه موضع أعددنا من العدة.
«أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها» (30) كسرادق الفسطاط وهى الحجرة التي تطيف بالفسطاط، «4» قال رؤبة:
__________
(1) «وقال» : لا أدرى من هو القائل.
(2) : من معلقته فى ديوانه 17 وشرح العشر 60 والأساس (رجم) والقرطبي 10/ 383 والخزانة 3/ 435.
(3) «فرطا» : روى ابن حجر تفسير أبى عبيدة لهذه الكلمة فى فتح الباري 8/ 309.
(4) «وهى ... بالفسطاط» : كذا فى الطبري 15/ 147، وبفرق يسير فى البخاري وقال ابن حجر (8/ 309) إنه قول أبى عبيدة لكنه تصرف فيه قال أبو عبيدة فى قوله «أحاط بهم سرادقها» ... قال الشاعر سرادق. الشطر.(1/398)
يا حكم بن المنذر بن الجارود ... [أنت الجواد بن الجواد المحمود] «1»
سرادق المجد إليك ممدود
[وقال سلامة بن جندل] :
هو المولج النّعمان بيتا سماؤه ... صدور الفيول بعد بيت مسردق «2»
أي له سرادق.
__________
(1) : قد اختلفت المصادر ونسخ المجاز فى عزو هذا الرجز فنسبه سيبويه (1/ 272) والشنتمرى 1/ 314 وصاحب اللسان (سردق) ، والعيني (4/ 210) للكذاب الحرمازي ورواه الطبري (15/ 146) والجوهري (سردق) والقرطبي (10/ 393) وهو فى الكامل 263 بغير عزو. وفى ملحق ديوان رؤبة 263. - مدح أحد بنى المنذر بن الجارود ... ، وحكم هذا هذا ولاة البصرة لهشام بن عبد الملك، وسمى جده الجارود لأنه أغار على قوم فاكتسح أموالهم فشبه بالسيل الذي يجرد ما مر به (الأعلم) .
(2) : الطبري 15/ 146 والجمهرة 3/ 333 والصحاح واللسان والتاج (سردق) والقرطبي 10/ 393.(1/399)
«يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ» «1» (30) كل شىء أذبته من نحاس أو رصاص ونحو ذلك فهو مهل، وسمعت المنتجع بن نبهان يقول: والله لفلان أبغض إلىّ من الطّلياء والمهل، فقلنا: وما هما فقال: الجرباء والملّة التي تنحدر عن جوانب الخبزة إذا ملت فى النار من النار كأنه مهلة حمراء مدقّقة فهى جمرة. «2»
«وَساءَتْ مُرْتَفَقاً» (30) أي متّكئا، قال أبو ذؤيب الهذلىّ.
إنّى أرقت فبتّ الليل مرتفقا ... كأنّ عينى فيها الصاب مذبوح «3»
__________
(1) «هو كل ... المهل» الذي ورد فى الفروق: رواه القرطبي 10/ 394 عن أبى عبيدة
(2) «المنتجع ... جمرة» : روى الطبري (15/ 147) هذا الكلام عن أبى عبيدة، وقوله «ابغض ... والمهل» مثل كما فى اللسان (طلى) والفرائد 1/ 95.
(3) : ديوان الهذليين 1/ 104 والطبري 15/ 148 والكشاف 1/ 570 والقرطبي 10/ 395 والصحاح واللسان والتاج (صوب) وابن يعيش 2/ 460 وشواهد المغني 72.(1/400)
أُولَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا (31)
وذبحه: انفجاره، قال: وهو شديد وحكى عن أبى عمرو بن العلاء أو غيره يقال: انفقأت واحدة فقطّرت فى عينى فكأنه كان فى عينى وتد.
«أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ» (31) واحدها: إسوار ومن جعلها سوار فإن جمعه سور وما بين الثلاثة إلى العشرة أسورة.
«مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى الْأَرائِكِ» (31) واحدتها أريكة وهى السّرر فى الحجال قال ذو الرّمّة:
خدودا جفت فى السّير حتى كأنما ... يباشرن بالمعزاء مسّ الأرائك «1»
وقال الأعشى:
بين الرّواق وجانب من سترها ... منها وبين أريكة الأنضاد «2»
__________
(1) : ديوانه 422 والطبري 15/ 148.
(2) : ديوانه 97 والطبري 15/ 148. [.....](1/401)
وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا (32) كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا (33) وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا (34)
«وَحَفَفْناهُما بِنَخْلٍ» (32) مجازه: أطفناهما وحجزناهما من جوانبهما [قال الطّرمّاح:
تظلّ بالأكمام محفوفة ... ترمقها أعين جرّامها] «1»
«وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً» (33) ولم تنقص، ويقال: ظلمنى فلان حقى أي نقصنى، وقال رجل لابنه:
تظلّمنى مالى كذا ولوى يدى ... لوى يده الله الذي لا يغالبه «2»
«وَفَجَّرْنا خِلالَهُما نَهَراً» (33) أي وسطهما، وبينهما، وبعضهم يسكّن هاء النهر.
«وَكانَ لَهُ ثَمَرٌ» (34) «3» وهو جماعة الثّمر.
__________
(1) : «الطرماح» : من فحول الشعراء الإسلاميين وفصحائهم، انظر أخباره فى الأغانى 10/ 148. - والبيت فى اللسان والتاج (كمم) .
(2) : فى الحماسة (4/ 19) من كلمة لفرعان بن الأعرف فى منازل وهو فى الطبري 15/ 149 واللسان والتاج (ظلم) .
تظلمنى: أي ظلمنى مالى، تقتضيها ضرورة الوزن إن كان «ظلمنى» أولى استشهادا.
(3) «ثمر» : قال الطبري (15/ 149- 150) . اختلفت القراء فى قراءة ذلك فقرأته عامة قراء الحجاز والعراق «وكان له ثمر» بضم الثاء والميم واختلف قارئو- ذلك ... وأولى القراآت فى ذلك عندى بالصواب قراءة من قرأ ... بضم الثاء والميم.(1/402)
قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا (37) لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا (38) وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا (39) فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا (40) أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا (41)
«وَهُوَ يُحاوِرُهُ» (37) أي يكلّمه، ومعناه من المحاورة. «1»
«لكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي» (38) مجازه: لكن أنا هو الله ربى، ثم حذفت الألف الأولى وأدغمت إحدى النونين فى الأخرى فشددت، والعرب تفعل ذلك.
«حُسْباناً مِنَ السَّماءِ» (40) مجازها: مرامى، «2» وواحدتها حسبانة [أي نارا تحرقها] .
«صَعِيداً زَلَقاً» (40) الصعيد وجه الأرض، والزّلق الذي لا يثبت فيه القدم.
«أَوْ يُصْبِحَ ماؤُها غَوْراً» (41) أي غائرا، والعرب قد تصف الفاعل بمصدره وكذلك الاثنين والجميع على لفظ المصدر، قال [عمرو بن كلثوم] :
__________
(1) «وهو ... المحاورة» : رواه ابن حجر عن أبى عبيدة فى فتح الباري 8/ 309.
(2) «مرامى» : روى القرطبي (10/ 309) تفسيره هذا عنه.(1/403)
وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا (42)
تظلّ جياده نوحا عليه ... مقلّدة أعنتها صفونا «1»
أي ناحيات، وقال [باك يبكى هشام «2» بن المغيرة] :
هريقى من دموعها سجاما ... ضباع وجاوبى نوحا قياما «3»
وقال [لقيط بن زرارة يوم جبلة] :
شتّان هذا والعناق والنوم ... والمشرب البارد والظلّ الدّوم «4»
أي الدائم.
«فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلى ما أَنْفَقَ فِيها» (42) أي فأصبح نادما، والعرب تقول ذلك للنادم: أصبح فلان يقلّب كفيه ندما وتلهّفا على ذلك وعلى ما فاته.
__________
(1) : من معلقته فى شرح العشر 113 وجمهرة الأشعار 77 والطبري 15/ 151 والقرطبي 10/ 409.
(2) «هشام» : لعله هشام بن عقبة بن عمارة بن الوليد بن المغيرة المخزومي، وانظر الأغانى 19/ 74- 78 والإصابة 3/ 1248 ورقم 8481.
(3) : الطبري 15/ 152 والقرطبي 10/ 409.
(4) «لفيط بن زرارة» : بن عدس بن زيد بن دارم، السيد الكريم والفارس المشهور قتل يوم جبلة، ترجم له فى المؤتلف 175. - والبيت فى النقائض 664 والبيان والتبيين 3/ 196.(1/404)
وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنْتَصِرًا (43) هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا (44) وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا (45)
«وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها» (42) مجازه: خالية على بيوتها.
«فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ» (43) أي جماعة، وقال العجّاج:
كما يحوز الفئة الكمىّ «1» (169)
«هُنالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ» (44) مصدر الولي، فإذا كسرت الواو فهو مصدر وليت العمل والأمر تليه.
«خَيْرٌ ثَواباً وَخَيْرٌ عُقْباً» (44) مجازه مجاز العاقبة والعقبى والعقبة، كلهن واحدة والمعنى الآخرة.
«هَشِيماً» (46) أي يابسا متفتّتا «2» [قال لبيد:
ولا للضّيف إن طرقت بليل ... بأفنان العضاة وبالهشيم] «3»
«تَذْرُوهُ الرِّياحُ» (45) أي تطيّره وتفرقه، ويقال: ذرته الريح تذروه وأذرته تذريه.
__________
(1) «الولاية» : أخذ البخاري تفسير أبى عبيدة لهذه الكلمة. وقال ابن حجر (8/ 309) هو قول أبى عبيدة.
(2) «متفتتا» : كذا فى القرطبي 10/ 412.
(3) : ديوانه 1/ 8.(1/405)
وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا (47) وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا (48) وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا (49) وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا (50) مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا (51) وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُوا شُرَكَائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا (52)
«وَتَرَى الْأَرْضَ بارِزَةً» (48) أي ظاهرة.
«فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ» (50) جار عنه وكفر به، وقال رؤبة:
يهوين فى نجد وغورا غائرا ... فواسقا عن قصدها جوائرا «1» «2»
«مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً» (51) أي أنصارا وعزّا وأعوانا، ويقال: فلان عضدى أي ناصرى وعزّى وعونى، ويقال: قد عاضد فلان فلانا وقد عضده، أي قوّاه ونصره.
«وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ مَوْبِقاً» (54) أي موعدا، «3» قال:
وحاد شرورى والسّتار فلم يدع ... تعارا له والواديين بموبق «4»
__________
(1) «ففسق ... جوائرا» : رواه فى التاج (فسق) عن أبى عبيدة.
(2) ملحق ديوانه 190 والطبري 15/ 158 وشواهد الكشاف 110 والتاج والشطر الثاني فقط فى اللسان (فسق) . [.....]
(3) «أي موعدا» : قال الطبري: (15/ 170) : وكان بعض أهل العلم بكلام العرب من أهل البصرة يقول الموبق الموعد ويستشهد لقيله ذلك بقول الشاعر. إلخ.
(4) : فى الطبري 15/ 160 واللسان والتاج (وبق) .(1/406)
وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا (53) وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا (54) وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلًا (55)
«وَلَمْ يَجِدُوا عَنْها مَصْرِفاً» (53) أي معدلا، وقال أبو كبير الهذليّ:
أزهير هل عن شيبة من مصرف ... أم لا خلود لباذل متكلّف «1»
«أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ قُبُلًا» (55) «2» أي أولا يقال: من ذى قبل، فإن فتحوا أولها فالمعنى: استئنافا، قال:
لن يغلب اليوم جباكم قبلى «3»
أي استئنافى، وإن ضمّوا أوّلها فالمعنى: مقابلة، يقال: أقبل قبل فلان:
انكسر، وله موضع آخر: أن يكون جميع قبيل فمعناه: أو يأتيهم العذاب قبلا، أي قبيلا قبيلا، أي ضربا ضربا ولونا لونا.
__________
(1) : ديوان الهذليين 2/ 104 والطبري 15/ 160 واللسان (صرف) وشواهد الكشاف 192.
(2) «قبلا» : قال الطبري (15/ 161) : وقد اختلفت القراء فى قراءة ذلك فقرأته جماعة ذات عدد «أو يأتيهم العذاب قبلا» بضم القاف والباء بمعنى أنه يأتيهم من العذاب ألوان وضروب ووجهوا القبل إلى جمع قبيل كما يجمع القتيل القتل والجديد الجدد وقرأته جماعة أخرى أو يأتيهم العذاب قبلا بكسر القاف وفتح الباء بمعنى أو يأتيهم العذاب عيانا من قولهم: كلمته قبلا. وفى البخاري: قبلا وقبلا وقبلا استئناف قال ابن حجر (8/ 309) قال أبو عبيدة فى قوله «أو يأتيهم العذاب قبلا» أي أولا فإن قتحوا أولها فالمعنى استئنافا وغفل ابن التين فقال: لا اعرف للاستئناف هنا معنى وإنما هو استقبالا وهو على قبلا بفتح القاف.
(3) : لم أجده فيما رجعت إليه.(1/407)
وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنْذِرُوا هُزُوًا (56) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا (57) وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا (58)
«لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ» (56) مجازه: ليزيلوا به الحق ويذهبوا به، ودحض هو ويقال: مكان دحض، أي مزل مزلق، لا يثبت فيه خفّ ولا قدم ولا حافر، «1» قال [طرفة] :
وردت ونحىّ اليشكرىّ حذاره ... وحاد كما حاد البعير عن الدّحض «2»
«لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا» (58) مجازه: منجى، وهو من قولهم:
فلا وألت نفس عليها تحاذر «3»
أي لا نجت. وقال الأعشى:
وقد أخالس ربّ البيت غفلته ... وقد يحاذر منّى تم ما يئل «4»
أي لا ينجو.
__________
(1) «ليزيلوا ... حافر» . نقله الطبري (15/ 161) ببعض نقص وزيادة ورواه ابن حجر فى فتح الباري 8/ 310.
(2) : لم أجد البيت فى ديوانه من الستة وهو عند الطبري 15/ 161 والجمهرة 2/ 123 والأساس واللسان والتاج (دحض) .
(3) : فى فتح الباري 8/ 309.
(4) : ديوانه 45 والطبري 15/ 162 والقرطبي 11/ 8.(1/408)
وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا (60) فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا (61) فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا (62) قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا (63) قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا (64) فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا (65) قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا (66) قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (67) وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا (68) قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا (69) قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا (70) فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا (71)
«أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً» (60) أي زمانا وجميعه أحقاب، ويقال فى معناه:
مضت له حقبة والجميع حقب على تقدير كسرة والجميع كسر كثيرة.
«فِي الْبَحْرِ سَرَباً» (61) أي مسلكا ومذهبا أي يسرب فيه، وفى آية أخرى «وَسارِبٌ بِالنَّهارِ» (13/ 11) .
«فَارْتَدَّا عَلى آثارِهِما قَصَصاً» (64) مجازه: نكصا على أدبارهما فرجعا قصصا، رجعا يقصان الأثر.
«جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً» (71) أي داهية نكرا عظيما، وفى آية أخرى:
«شَيْئاً إِدًّا» (19/ 90) قال:
قد لقى الأقران منى نكرا ... داهية دهياء إدّا إمرا «1»
__________
(1) : الطبري 15/ 169 والصحاح واللسان والتاج (امر) والقرطبي 11/ 19 وشواهد الكشاف 130.(1/409)
قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا (73) فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا (74) قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (75) قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا (76) فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا (77)
«وَلا تُرْهِقْنِي» (73) أي لا تغشنى [وقال زهير:
ومرهّق النّيران يحمد فى اللأواء غير ملعّن القدر] «1»
«زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ» (74) أي مطهرّة.
«شَيْئاً نُكْراً» (74) أي داهية: أمرا عظيما.
«فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُما» (77) أي أن ينزلوهما منزل الأضياف، ويقال:
ضفت أنا، وأضافنى الذي أنزلنى.
«يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ» (77) وليس للحائط إرادة ولا للموات ولكنه إذا كان فى هذه الحال من ربه فهو إرادته، وهذا قول العرب «2» فى غيره قال [الحارثىّ] :
يريد الرمح صدر بنى براء ... ويرغب عن دماء بنى عقيل «3»
__________
(1) : ديوانه 91 والأساس واللسان والتاج (رهق) .
(2) «وليس ... العرب» : قال الطبري (15/ 171) واختلف أهل العلم بكلام العرب فى معنى قول الله ... فقال بعض أهل البصرة (يعنى أبا عبيدة) ليس ...
العرب وانشد البيت.
(3) : فى الطبري 15/ 171 والقرطين 1/ 168 والكشاف 1/ 577 والقرطبي 11/ 26 واللسان (رود) . وقال ابن قتيبة: وأنشدنى السجستاني عن أبى عبيدة فى مثل قول الله تعالى يريد ... إلخ (القرطين) .(1/410)
ومجاز «أن ينقضّ» مجاز يقع، يقال: انقضت الدار إذا انهدمت وسقطت وقرأ قوم «أن ينقاضّ» ومجازه: أن ينقلع من أصله ويتصدع بمنزلة قولهم: قد انقاضت السن، أي انصدعت وتقلعت من أصلها، يقال: فراق كقيض السنّ أي لا يجتمع أهله، «1» وقال:
فراق كقيض السّنّ فالصّبر إنه ... لكل أناس عثرة وجبور «2»
«لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً» (77) الخاء مكسورة، ومعناها معنى أخذت فكان مخرجها مخرج فعلت تفعل، قال [الممزّف العبدىّ] :
وقد تخذت رجلى إلى جنب غرزها ... نسيفا كأفحوص القطة المطّرق «3»
__________
(1) «أن ينقاض ... أهله» : نقل الطبري (15/ 171) هذا الكلام ثم قال وقد اختلف أهل العلم بكلام العرب إذا قرئ ذلك كذلك فى معناه فقال بعض أهل البصرة منهم (يعنى أبا عبيدة) مجاز ينقاض ... إلخ. ورواه ابن حجر (8/ 321) عن أبى عبيدة. [.....]
(2) : لأبى ذؤيب الهذلي فى ديوان الهذليين 1/ 138 والأضداء للأصمعى 14 والجمهرة 1/ 207، 3/ 86 والصحاح واللسان والتاج (قيص، قيض) والسمط 656.
(3) : «الممزق العبدى» : اسمه شاس بن نهار وهو جاهلى قديم ترجم له فى الشعرا 236 والمؤتلف 185 ومعجم المرزباني 495 الاشتقاق 199. - والبيت فى الأصمعيات 47 والجمهرة 2/ 6، 163، 372، 3/ 39 واللسان والتاج (تخذ فحص، طرق، نسف) والعيني 4/ 590 وشواهد المغني 233.(1/411)
أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا (79) وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا (80) فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا (81)
[النسيف موضع العقب الأثر الذي يكون فى خلال الرجل وأفحوص القطاة:
الموضع الذي تبيض فيه] . والمطرق التي تريد أن تبيض، يقال: قد طرّقت المرأة لولدها إذا استقام ليخرج.
«وَكانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ» (79) أي بين أيديهم وأمامهم، قال:
أترجو بنو مروان سمعى وطاعتى ... وقومى تميم والفلاة ورائيا (387)
أي أمامى.
«أَنْ يُرْهِقَهُما» (80) أي يغشيهما.
«وَأَقْرَبَ رُحْماً» (81) «1» معناها معنى رحما مثل عمر وعمر وهلك وهلك، [قال الشاعر:
فلا ومنزّل الفرقا ... ن مالك عندها ظلم «2»
__________
(1) «رحم» : قال الطبري (16/ 4) : وكان بعض البصريين (يعنى أبا عبيدة) يقول: من الرحم والقرابة وقد يقال: رحم ورحم ... واستشهد لفيله ذلك ببيت العجاج ... ولا وجه للرحم فى هذا الموضع ... إلخ.
(2) : فى اللسان والتاج (رحم) والقرطبي 11/ 37 دون الصدر الأول.(1/412)
فَأَتْبَعَ سَبَبًا (85) حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا (86)
وكيف بظلم جارية ... ومنها اللّين والرّحم]
قال العجّاج:
ولم تعوّج رحم من تعوّجا «1»
«فَأَتْبَعَ سَبَباً» (85) أي طريقا وأثرا ومنهجا.
«فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ» (86) تقديرها: فعلة ومرسة «2» وهى مهموزة، لأن مجازها مجاز ذات حمأة، قال:
تجىء بملئها يوما ويوما ... تجىء بحمأة وقليل ماء «3»
وقال حاتم [طىّ] :
وسقيت بالماء النّمير ولم ... أترك الأطم حمأة الجفر «4»
النمير الماء الذي تسمن عنه الماشية. ومن لم يهمزها جعل مجازه مجاز فعلة من الحرّ الحامى وموضعها حامية.
__________
(1) : ديوانه 10 والطبري 16/ 4 واللسان (رحم) .
(2) «مرسة» : لم أجد كلمة بهذا الوزن فى مادة مرس فى كتب اللغة.
(3) : لم أجده فيما رجعت إليه.
(4) : ديوانه 36.(1/413)
حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا (93) قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (94) قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا (95) آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا (96)
«بَيْنَ السَّدَّيْنِ» (93) مضموم إذا جعلوه مخلوقا من فعل الله وإن كان من فعل الآدميين فهو سدّ، مفتوح.
«يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ» (94) لا ينصرفان، وبعضهم يهمز ألفيهما وبعضهم لا يهمزها، قال رؤبة:
لو أن يأجوج وماجوج معا ... وعاد عاد واستجاشوا نبّعا «1»
فلم يصرّفها.
«زُبَرَ الْحَدِيدِ» (96) أي قطع الحديد واحدتها زبرة.
«بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ» (96) فبعضهم يضمها وبعضهم يفتحها ويحرّك الدال، ومجارهما ما بين الناحيتين من الجبلين، وقال:
قد أخذت ما بين عرض الصّدفين ... ناحيتيها وأعالى الرّكنيين «2»
__________
(1) : ديوانه 92، والطبري 16/ 12، والقرطبي 11/ 55، واللسان والتاج (أجج) .
(2) فى الطبري 16/ 18.(1/414)
فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا (97) قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا (98)
«أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً» (96) أي أصبّ عليه حديدا ذائبا، «1» قال:
حساما كلون الملح صاف حديده ... جرازا من أقطار الحديد المنعّت «2»
جمع قطر، وجعله قوم الرّصاص النّقر.
«فَمَا اسْطاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ» (97) أي أن يعلوه، ويقال: ظهرت فوق الجبل وفوق البيت، أي علوته.
«جَعَلَهُ دَكَّاءَ» (98) أي تركه مدكوكا أي ألزقه بالأرض، ويقال:
ناقة دكّاء أي لا سنام لها مستوية الظهر، [قال الأغلب:
هل غير غار دكّ غارا فانهدم]
__________
(1) «حديدا ذائبا» : قال الطبري (16/ 19) : وكان بعض أهل العلم بكلام العرب من أهل البصرة (يعنى أبا عبيدة) يقول: القطر الحديد المذاب ويستشهد لقوله ذلك بقول الشاعر ... إلخ.
(2) : فى الطبري 16/ 19.(1/415)
وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا (99) وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكَافِرِينَ عَرْضًا (100) الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا (101) أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلًا (102) قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104) أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا (105) ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا (106) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا (107) خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا (108)
والعرب تصف الفاعل والمفعول بمصدرهما فمن ذلك «جعله دكّا» أي مدكوكا.
«وَنُفِخَ فِي الصُّورِ» (99) واحدتها صورة خرجت مخرج سورة المدينة والجميع سور المدينة، ومجازه مجاز المختصر المضمر فيه أي نفخ فيها أرواحها.
«يُحْسِنُونَ صُنْعاً» (104) أي عملا والصنع والصنعة والصنيع واحد، ويقال فرس صنيع أي مصنوع.
«لا يَبْغُونَ عَنْها حِوَلًا» (108) أي لا يريدون ولا يحبّون عنها تحويلا.
[تم الجزء الأول من مجاز القرآن](1/416)
الجزء الثاني
فهرس الجزء الثاني
السورة: صحيفة سورة: مريم: (19) 1 سورة: طه: (20) 15 سورة: الأنبياء: (21) 34 سورة: الحج: (22) 44 سورة: المؤمنون: (23) 55 سورة: النور: (24) 63 سورة: الفرقان: (25) 70 سورة: الشعراء: (26) 83 سورة: النمل: (27) 92 سورة: القصص: (28) 97 سورة: العنكبوت: (29) 113 سورة: الروم: (30) 119 سورة: لقمان: (31) 126 سورة: السجدة: (32) 130 سورة: الأحزاب: (33) 134 سورة: سبأ: (34) 142 سورة: الملائكة: (35) 152 سورة: يس: (36) 157 سورة: الصافات: (37) 166 سورة: ص: (38) 176 سورة: الزمر: (39) 188 سورة: المؤمن: (40) 193 سورة: السجدة: (41) 196 سورة: عسق: (42) 199 سورة: الزخرف: (43) 202 سورة: صحيفة سورة: الدخان: (44) 208 سورة: الجاثية: (45) 210 سورة: الأحقاف: (46) 212 سورة: محمد (ص) : (47) 214 سورة: الفتح: (48) 217 سورة: الحجرات: (49) 219 سورة: ق: (50) 222 سورة: الذاريات: (51) 225 سورة: الطور: (52) 230 سورة: النجم: (53) 235 سورة: القمر: (54) 240 سورة: الرحمن: (55) 242 سورة: الواقعة: (56) 247 سورة: الحديد: (57) 254 سورة: المجادلة: (58) 255 سورة: الحشر: (59) 256 سورة: الممتحنة: (60) 257 سورة: الصف: (61) 257 سورة: الجمعة: (62) 258 سورة: المنافقون: (63) 259 سورة: التغابن: (64) 260 سورة: الطلاق: (65) 260 سورة: التحريم: (66) 261 سورة: الملك: (67) 262 سورة: ن: (68) 264 سورة: الحاقة: (69) 267 سورة: صحيفة سورة: المعارج: (70) 269 سورة: نوح: (71) 271 سورة: الجن: (72) 272 سورة: المزمل: (73) 273 سورة: المدثر: (74) 275 سورة: القيامة: (75) 277 سورة: الدهر: (76) 279 سورة: المرسلات: (77) 281 سورة: النبأ: (78) 282 سورة: النازعات: (79) 284 سورة: عبس: (80) 286 سورة: التكوير: (81) 287 سورة: الانفطار: (82) 288 سورة: المطففين: (83) 289 سورة: الانشقاق: (84) 291 سورة: البروج: (85) 293 سورة: الطارق: (86) 294 سورة: الأعلى: (87) 295 سورة: الغاشية: (88) 296 سورة: الفجر: (89) 297 سورة: البلد: (90) 299 سورة: الشمس: (91) 300 سورة: صحيفة سورة: الليل: (92) 301 سورة: الضحى: (93) 302 سورة: الانشراح: (94) 303 سورة: التين: (95) 303 سورة: العلق: (96) 304 سورة: القدر: (97) 305 سورة: البينة: (98) 306 سورة: الزلزال: (99) 306 سورة: العاديات: (100) 307 سورة: القارعة: (101) 309 سورة: التكاثر: (102) 309 سورة: العصر: (103) 310 سورة: الهمزة: (104) 311 سورة: الفيل: (105) 312 سورة: قريش: (106) 312 سورة: الماعون: (107) 313 سورة: الكوثر: (108) 314 سورة: الكافرون: (109) 314 سورة: النصر: (110) 315 سورة: تبت: (111) 315 سورة: الإخلاص: (112) 316 سورة: الفلق: (113) 317 سورة: الناس: (114) 317(2/1)
وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (5) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا (6) يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا (7) قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا (8) قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا (9) قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا (10) فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (11) يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا (12) وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا (13)
«سورة مريم عليها السلام» (19)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
«وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي» أي بنى العمّ من ورائي، أي قدامى وبين يدى وأمامى، قال:
أترجو بنى مروان سمعى وطاعتى ... وقومى تميم والفلاة ورائيا
(387) قال الفضل بن العبّاس بن عتبة بن أبى لهب:
مهلا بنى عمّنا مهلا موالينا ... لا تظهرنّ لنا ما كان مدفونا
(149) «وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً» (5) أي لا تلد، وكذلك لفظ المذكّر مثل الأنثى، قال عامر بن الطّفيل:
لبئس الفتى إن كنت أعور عاقرا ... جبانا فما عذرى لدى كل محضر
(114) «فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا» (5) أي من عندك ولدا ووارثا وعضدا رضيّا يرثنى يرفعه قوم على الصفة، مجازه: هب لى وليا وارثا، يقولون:
ائتنى بدابة أركبها، رفع لأن معناها: ائتنى بدابة تصلح لى أن أركبها ولم يرد الشرط ومن جزمه فعلى مجاز الشريطة والمجازاة كقولك: فإنك إن وهبته لى ورثنى.
«يا زَكَرِيَّا» (7) مجازه مجاز المختصر كأنك قلت: «فقلنا يا زكريا» وفيه ثلاث لغات: زكريّاء ممدود، وزكريّا ساكن، وزكرىّ تقديره بختىّ «1» .
«مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا» «2» (8) كل مبالغ من كبر أو كفر أو فساد فقد عتا يعتو عتيّا.
«هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ» (9) أي أهون.
«وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا» (13) أي رحمة «3» من عندنا، قال امرؤ القيس ابن حجر الكندىّ:
ويمنحها بنو شمجى بن جرم ... معيزهم حنانك ذا الحنان
«4» [496]
__________
(1) .. 2- 3 «زكريا.. بختي» : كذا فى الأصول، وقال فى اللسان: وقرأ أبو بكر عن عاصم «زكريا» ممدودا ومهموزا أيضا وقرأ حمزة والكسائي وحفص «وَكَفَّلَها زَكَرِيَّا» مقصورا فى القرآن وابن سيده: وفى «زكريا» أربع لغات زكرى مثل عربى بتخفيف الياء، قال وهذا مرفوض عند سيبويه و «زكريا» مقصور و «زكريا» ممدود ... إلخ. (زكر) .
و «البختي» جمعه البخت بضم الياء وهى الإبل الخرسانية وانظر اللسان (بخت) .
(2) .. 4- 5 «كل ... عتيا» : رواه ابن حجر عن أبى عبيدة فى فتح الباري 6/ 337. [.....]
(3) . «والعرب ... رحمتك» الذي ورد فى الفروق: رواه القرطبي (11/ 87) عن أبى عبيدة.
(4) .. 496: فى ديوانه من الستة ص 161 وفى الطبري 16/ 38 والقرطبي 11/ 87 والتاج (حنن) .(2/2)
وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا (16) فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا (17) قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا (18) قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا (19) قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا (20) قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا (21) فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا (22) فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا (23)
وقال الحطيئة:
تحنّن علىّ هداك المليك ... فإن لكل مقام مقالا
«1» [498] أي ترحم، وعامة ما يستعمل فى المنطق على لفظ الاثنين، قال طرفة العبدىّ:
أبا منذر أفنيت فاستبق بعضنا ... حنانيك بعض الشرّ أهون من بعض
«2» [499]
«إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِها»
(16) اعتزلت وننحّت «3» .
«مَكاناً شَرْقِيًّا»
(16) مما يلى المشرق وهو عند العرب خير من الغربي الذي بلى المغرب. «4»
«مَكاناً قَصِيًّا» (22) أي بعيدا. «5»
«فَأَجاءَهَا «6» الْمَخاضُ إِلى جِذْعِ النَّخْلَةِ» (33) مجازها أفعلها من
__________
(1) . - 498: فى الكامل ص 348 والطبري 16/ 38 والقرطبي 11/ 88 واللسان (حنن) .
(2) . - 499: ديوانه من الستة ص 187 والكتاب 1/ 146 والكامل ص 348 والطبري 16/ 38 والجمهرة 3/ 449 والشنتمرى 1/ 174 والقرطبي 11/ 87 واللسان والتاج (حنن) .
(3) . - 7 «اعتزلت وتنحت» : رواه ابن حجر عن أبى عبيدة فى فتح الباري 6/ 343.
(4) . 8- 9 «شَرْقِيًّا ... المغرب» : رواه ابن حجر فى فتح الباري 6/ 343.
(5) . - 10 «مكانا ... بعيدا» : رواه ابن حجر عن أبى عبيدة فى فتح الباري 6/ 343.
(6) . - 11 «فَأَجاءَهَا» : روى ابن حجر تفسير هذه الكلمة عن أبى عبيدة فى فتح الباري 6/ 343.(2/3)
جاءت هى وأجاء غيرها إليه، يقال فى المثل: شرّ ما أجاءنى إلى مخّة عرقوب «1» ، وقال زهير:
وجار سار معتمدا إليكم ... أجاءته المخافة والرّجاء
«2» [500] «وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيًّا» (23) وهو ما نسى من عصا أو أداوة أو غير ذلك، قال الشّنفرى:
كأنّ لها فى الأرض نسيا تقصّه ... على أمّها وإن تحدّثك تبلت
«3» [501] أي تقطع الحديث استحياء وقال الكميت:
أنجعلنا قيس لكلب بضاعة ... ولست بنسى فى معدّ ولا دخل
«4» [502] وقال دكين الفقيمىّ:
كالنّسى ملقى بالجهاد البسبس
«5» [503] الجهاد غلظ من الأرض.
__________
(1) . - 1 «شر.. عرقوب» : هذا المثل فى شرح ديوان زهير ص 77 والطبري 16/ 42 واللسان والتاج (جيأ)
(2) . - 500: فى ديوانه ص 77 والطبري 16/ 42 واللسان والتاج (جيأ) والقرطبي 11/ 92.
(3) . - 501: من كلمة 34 بيتا فى المفضليات رقم 20 ومن الشرح ص 200- 207 وهو فى الكامل ص 497 والطبري 16/ 44 والاقتضاب ص 417 واللسان والتاج (نسا) .
(4) . - 502: فى القرطبي 11/ 93.
(5) . - 503: «دكين» : هو دكين بن رجاء الفقيمي، راجز إسلامى له ترجمة فى السمط ص 652. والشطر فى اللسان والتاج مع شطر قبله (نسا) .(2/4)
فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا (24) وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا (25)
«سَرِيًّا» «1» (24) أي نهرا، قال لبيد بن ربيعة:
فرمى بها عرض السّرىّ فغادرا ... مسجورة متجاورا قلّامها
«2» [504] مسجورة أي مملوءة، القلّام شجر يشبه القاقلّى وهو نبت.
«وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ» (25) مجازه: هزّى إليك جذع النخلة، الياء من حروف الزوائد، وقال:
نضرب بالبيض ونرجو بالفرج
«3» [505] معناه: ونرجو الفرج.
«يسّاقط عليك» (25) من جعل «يساقط» بالياء فالمعنى على الجذع ومن جعله بالتاء فالمعنى على النخلة وهى ساكنة إذا كانت فى موضع المجازات وموضع «يسّاقط» فى موضع يسقط عليك رطبا جنيّا والعرب تفعل ذلك، قال أوفى ابن مطر المازني:
تخاطأت النّبل أحشاءه ... وأخّر يومى فلم يعجل
«4» [506]
__________
(1) . - 1 «سريا أي نهرا» : رواه ابن حجر عن أبى عبيدة فى فتح الباري 6/ 344. [.....]
(2) . - 504: من معلقته فى شرح العشر ص 76 والطبري 16/ 47 والجمهرة 2/ 362، 3/ 163 والقرطبي 11/ 94 وفتح الباري 6/ 344.
(3) . - 505: هذا الشطر لراجز من بنى جعدة وهو فى الاقتضاب ص 458 وشواهد المغني ص 114 والخزانة 4/ 159.
(4) . - 506: فى السمط 465.(2/5)
فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا (26)
تخاطأت وهو فى موضع أخطأت، وقال الأعشى:
ربى كريم لا يكدّر نعمة ... وإذا تنوشد بالمهارق أنشدا
(355) هو فى موضع نشد، أي سئل بالمهارق وهى الكتب، قال إمرؤ القيس:
ومثلك بيضاء العوارض طفلة ... لعوب تناسانى إذا قمت سربالى
«1» [507] فى معنى تنسّينى. وقال جرير:
لولا عظام طريف «2» ما غفرت لكم ... بيعى قراى ولا نسّأتكم غضبى
(59) أي ما أنسأتكم لولا عظام طريف. يعنى طريف بن تميم العنبري، قتله حمصيصة الشّيبانىّ وهو ابن شراحيل.
«إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً» (26) يقال لكل ممسك عن شيء من طعام أو شراب أو كلام أو عن أعراض الناس وعيبهم صائم «3» ، قال النابغة الذبيانىّ.
خيل صيام وخيل غير صائمة ... تحت العجاج وخيل تعلك اللجما
«4» [508]
__________
(1) . - 507: ديوانه من الستة ص 153 واللسان (نسا) .
(2) . 7- 8 «طريف.. الشيباني» : وقد ورد فى الكامل ص 655 والجمهرة 2/ 358 ومعجم البلدان 4/ 409 والتاج (حمص) .
(3) . 9- 10 «لكل ... صائم» : ورواه فى اللسان (صوم) عن أبى عبيدة.
(4) . - 508: لم أجد هذا البيت فى ديوانه من الستة وهو فى الكامل ص 483 واللسان والتاح (صوم) .(2/6)
فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا (27) يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا (28) فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا (29)
«شَيْئاً فَرِيًّا» (27) أي عجبا فائقا «1» ، وكذلك كل شيء فائق من عجب أو عمل أو جرى فهو فرى.
«مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا» (29) ول «كان» مواضع، فمنها لما مضى، ومنها لما حدث ساعته وهو: كيف نكلم من حدث فى المهد صبيا ومنها لما يجىء بعد فى موضع «يكون» والعرب تفعل ذلك، قال الشاعر:
إن يسمعوا ريبة طاروا بها فرحا ... منى وما يسمعوا من صالح دفنوا
«2» (210) أي يطيروا ويدفنوا. «وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً» (48/ 4) فيما مضى والساعة، وفيما يكون ويجيء «كان» أيضا زائدة ولا تعمل فى الاسم، كقوله:
فكيف إذا رأيت ديار قوم ... وجيران لهم كانوا كرام
«3» [509] والمعنى وديار جيران كرام كانوا، و «كانوا» فضل لأنها لم تعمل فتنصب القافية، قال غيلان بن حريث الرّبعىّ:
إلى كناس كان مستعيده
[510] وكان فضل، يريد إلى كناس مستعيده. وسمعت قيس «4» بن غالب
__________
(1) . - 1 «شيثا ... فائقا» : رواه ابن حجر عن أبى عبيدة فى فتح الباري (6/ 343)
(2) . - 210: وقد اختلف عجز البيت فى إنشادى أبى عبيدة.
(3) . - 509: للفرزدق: من قصيدة طويلة فى ديوانه ص 835 وهو فى الكتاب 1/ 249 والشنتمرى 1/ 289 والسمط ص 759 والقرطبي 11/ 102 واللسان والتاج (كون) والعيني 1/ 42 وشواهد المغني ص 236 والخزانة 4/ 37.
(4) . - 14 «قيس ... البدري» : لم أقف على ترجمته فيما رجعت إليه.(2/7)
قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا (47) وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا (48) فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا (49) وَوَهَبْنَا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا (50) وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا (51) وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا (52) وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا (53) وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا (54) وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا (55) وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا (56) وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا (57) أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا (58) فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (59) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا (60) جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا (61) لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلَّا سَلَامًا وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (62)
البدرىّ يقول: ولدت فاطمة «1» بنت الخرشب الكملة «2» من بنى عبس لم يوجد كان مثلهم، أي لم يوجد مثلهم، «كان» فضل.
«كانَ بِي حَفِيًّا» (47) أي متحفيا، يقال: تحفيت بفلان.
«وَقَرَّبْناهُ نَجِيًّا «3» » (52) .
«وَاجْتَبَيْنا» (58) أي اخترنا.
«وَبُكِيًّا» (58) جمع باك «4» .
«لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً» (62) أي هذرا وباطلا «إِلَّا سَلاماً» فالسلام ليس من الّلغو والعرب تستثنى الشيء بعد الشيء وليس منه وذلك أنها تضمر فيه، فكان مجازه: لا يسمعون فيها لغوا إلّا أنهم يسمعون سلاما، قال «5» :
يا ابن رقيع هل لها من مغبق ... ما شربت بعد طوىّ الكربق
(408)
__________
(1) . - 1 «فاطمة» : من بنى أنمار بن بغيض وهى إحدى منجبات قيس وهى أم الربيع بن زياد العبسي وهى تسير فى ظعائن من بنى عبس (انظر النقائض ص 90) .
(2) . - 1 «الكلمة» : كانوا أربعة والمشهور منهم هو عمارة بن زياد العبسي وأخوه الربيع وأخوه أنس الفوارس (انظر النقائض ص 193) .
(3) . - 4 «نجيا» : وقد مضى تفسيره فى آية (80) من سورة يوسف. [.....]
(4) . - 6 «وبكيا.. باك» : أخذه البخاري وقال ابن حجر (فتح الباري 8/ 324:
هو قول أبى عبيدة وتعقب بأن قياس جمع باك بكاة مثل قاض وقضاة وأجاب الطبري (16/ 65) بأن أصله بكوا بالواو الثقيلة مثل قاعد وقعود فقلبت الواو لمجيئها بعد كسرة.. إلخ.
(5) . - 10 «قال» : القائل هو صقر بن حكيم الربعي.(2/8)
رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا (65) وَيَقُولُ الْإِنْسَانُ أَإِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا (66) أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا (67) فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا (68)
من قطرة غير النجاء الأدفق
فاستثنى النجاء من قطرة الماء وليس منها، قال أبو جندب الهذلىّ:
نجا سالم والنفس منه بشدقه ... ولم بنج إلّا جفن سيف ومئزرا
«1» [511] وليسا منه.
«هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا» (65) هل تعرف له نظيرا ومثلا، إذا كان بعد هل تاء ففيها لغتان فبعضهم يبين لام «هَلْ» وبعضهم يخمدها فيقول: «هتّعلم» ، كأنها أدغمت اللام فى التاء فثقّلوا التاء «2» .
«حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا» (68) جميع جاث «3» ، خرج مخرج فاعل والجميع فعول، غير أنهم لا يدخلون الواو فى المعتلّ. «4»
__________
(1) . - 511: فى ديوان الهذليين 3/ 22 لحذيفة بن أنس وفى أشعار هذيل رقم 56 مرة له ومرة أخرى لأبى خراش رقم 29 وهو فى اللسان والتاج (جفن) .
(2) . - 512: فى اللسان 20/ 317.
(3) . - 513: لم أجده فيما رجعت إليه.
(4) . - 514: فى القرطبي 11/ 133.(2/9)
ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا (69) ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلَى بِهَا صِلِيًّا (70) وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا (71) ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا (72) وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا (73) وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِئْيًا (74) قُلْ مَنْ كَانَ فِي الضَّلَالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضْعَفُ جُنْدًا (75) وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ مَرَدًّا (76) أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا (77)
«عِتِيًّا» (69) مصدر عتوت تعتو.
«صِلِيًّا» «1» (70) مصدر «صليت تصلى» خرج مخرج فعلت فعولا ولا يظهرون فى هذا أيضا الواو.
«وَأَحْسَنُ نَدِيًّا» (73) أي مجلسا والنّدى والنادي واحد «2» ، قال حاتم طيى.
ودعيت فى أولى النّدىّ ... ولم ينظر إلىّ بأعين خزر
«3» [515] والجميع منها أندية، قال سلامة بن جندل:
يومان يوم مقامات وأندية ... ويوم سير إلى الأعداء تأويب
«4» «5» [516]
«أَثاثاً» (74) أي متاعا وهو جيد المتاع.
«وَرِءْياً» (74) وهو ما ظهر عليه ورأيته عليه.
«أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنا» (77) إذا استفهموا ب «رأيت»
__________
(1) . - 2 «صليا» : قد أخذ البخاري تفسير أبى عبيدة لهذه الكلمة قال ابن حجر هو تفسير أبى عبيدة (فتح الباري 8/ 325) .
(2) . - 4 «نديا.. واحد» : رواه ابن حجر عن أبى عبيدة (فتح الباري 8/ 325) .
(3) . - 515: ديوانه ص 36 وفى نوادر أبى زيد ص 109 والطبري 16/ 77.
(4) . - 516: فى ديوانه ص 7 ومن كلمة مفضلية ص 224- 245 وهو فى الكامل ص 469 والطبري 19/ 21 والقرطبي 14/ 88 واللسان والتاج (أوب) .
(5) . - 517: فى الهاشميات ص 10.(2/10)
أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا (83) فَلَا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا (84) يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا (85) وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا (86) لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا (87) وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا (88) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا (89)
فمنهم من يدعها على حالها كأنه لم يعدّه أحدث فيها شيئا كما أحدث فى «يرى» فيبقى همزتها، ومنهم من يرى أنه أحدث فيها شيئا فيدع همزتها، قال أبو الأسود:
أريت امرأ كنت لم أبله ... أتانى فقال اتّخذنى خليلا «1» [518]
فخاللته ثم أكرمته ... فلم أستفد من لديه فتيلا
ألست حقيقا بتوديعه ... وإتباع ذلك صرما جميلا
وقال المتوكّل اللّيثىّ:
أرأيت إن أهلكت مالى كلّه ... وتركت مالك فيم أنت تلوم
«2» [519]
«تَؤُزُّهُمْ أَزًّا» (83) أي تهيّجهم وتغوبهم، قال رؤبة:
لا يأخذ التأفيك والتّحزّى ... فينا ولا قذف العدى ذو الأزّ
«3» [520] العدى بضم العين الأعداء، والعدى بكسر العين الغرباء.
«إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً» (85) جمع وافد.
«إِلى جَهَنَّمَ وِرْداً» (86) مصدر «ورد يرد» .
«جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا» (89) عظيما من أعظم الدّواهى، قال رؤبة:
__________
(1) . - 518: الأول فى اللسان (رأى) .
(2) . - 519: المتوكل هو المتوكل بن عبد الله بن نهشل، شاعر إسلامى وهو من أهل الكوفة كان فى عصر معاوية وابنه يزيد ومدحهما. انظر أخباره فى الأغانى 11/ 37 والموشح ص 228 والمؤتلف ص 179.
(3) . - 520: فى ديوانه ص 64 والجمهرة 1/ 17 واللسان والتاج (أزز) . [.....](2/11)
تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (90) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا (91)
نطح بنى أدّ رؤوس الأداد
«1» [521] وقال:
كيلا على دجوة «2» كيلا إدّا ... كيلا عليه أربعين مدّا
«3» [522] وكذلك «إِمْراً» (18/ 71) وكذلك «شَيْئاً نُكْراً» (18/ 75) وكذلك «شَيْئاً فَرِيًّا» (19/ 27) عظيما من أعظم الدواهي.
«تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ» (90) أي يتشققن كما يتفطر الزجاجة والحجر ويقال: فطر نابه إذا شقّ نابه.
«وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا» (90) مصدر «هددت، أي سقطت فجاء مصدره صفة للجبال.
«أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمنِ وَلَداً» (91) وليس هو من دعاء الصوت، مجازه: أن جعلوا لله ولدا، قال الشاعر:
ألا ربّ من تدعو نصيحا وإن تغب ... تجده بغيب غير منتصح الصدر
«4» [523] وقال ابن أحمر:
__________
(1) . - 521: ديوانه ص 40.
(2) . - 3 «دجوة» : قرية بمصر على شط النيل الشرقي (معجم البلدان 2/ 555) .
(3) . - 522: فى الطبري 16/ 87 واللسان (دعا) .
(4) . - 524: ديوانه من الستة ص 126.(2/12)
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا (96) فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا (97)
أهوى لها مشقصا حشرا فشبرقها ... وكنت أدعو قذاها الإثمد القردا
«1» [525] القرد المنقطع من الإثمد يلزم بعضه بعضا أدعو أجعل الحشر السهم الذي حشر حشرا، وهو المخفّف الرّيش ويقال للحمار: حشر، إذا كان خفيفا، وللرجل إذا كان صدعا «2» ، والصّدع: الرّبعة من الرجال.
«سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا» (96) أي محبّة، وهو مصدر «وددت» ، «سَيَجْعَلُ لَهُمُ» أي سيثيبهم ويرزقهم ذلك.
«قَوْماً لُدًّا» (97) واحدهم: ألدّ، وهو الشديد الخصومة الذي لا يقبل الحق ويدعى الباطل، قال مهلهل:
إنّ تحت الأحجار حدّا ولينا ... وخصيما ألدّ ذا مغلاق
«3» «4» [526]
__________
(1) . - 525: فى الطبري 16/ 87 الجمهرة 3/ 440.
(2) . - 5 «صدعا» : قال فى اللسان (صدع) : رأيت رجلا صدعا وهو الربعة والربعة أي مربوع الخلق لا بالطويل ولا بالقصير.
(3) . - 526: فى الكامل ص 25 واللسان والتاج (غلق) ومن كلمة 15 بيتا فى العيني 4/ 212، وقال المبرد، ويروى «مغلاق» فمن روى ذلك فتأويله أنه يغلق الحجة على الخصم، ومن قال «ذا معلان» فإنما يريد أنه إذا علق خصما لم يتخلص منه.
(4) . - 527: لامرئ القيس، ديوانه من الستة ص 136 وفى الجمهرة 7/ 263، 3/ 391.(2/13)
وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا (98)
ويروى مغلاق الحجة عن أبى عبيدة وقال رؤبة:
أسكت أجراس القروم الألواد ... الضّيغميّات العظام الألداد
«1» [528]
« [رِكْزاً] » (98) الركز: الصوت الخفي والحركة كركز الكتيبة «2» ، قال لبيد:
فتوجّست ركز الأنيس فرابها ... عن ظهر غيب والأنيس سقامها
«3» «4» [529]
__________
(1) . - 528: ديوانه ص 41.
(2) . - 3 «كركز الكتيبة» نقل القرطبي (11/ 162) تفسير أبى عبيدة هذا.
(3) . - 529: من معلقته فى شرح العشر ص 42 وهو فى الطبري 16/ 89 والقرطبي 11/ 162.
(4) . - 530: لم أجده فيما رجعت إليه.(2/14)
طه (1) مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى (2) إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى (3) تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى (4) الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (5)
«سورة طه» (20)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
«طه» ساكن لأنه جرى مجرى فواتح سائر السور اللواتى مجازهن مجاز حروف التهجي ومجاز موضعه فى المعنى كمجاز ابتداء فواتح سائر السور، قال أبو طفيلة الحرمازي، فزعم أن طه «يا رجل» ، ولا ينبغى أن يكون اسما لأنه ساكن ولو كان اسما لدخله الإعراب.
«ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشى» مجازه مجاز المقدّم والمؤخّر وفيه ضمير، وله موضع آخر من المختصر الذي فيه ضمير: ما أنزلنا عليك القرآن إلّا تذكرة لمن يخشى لا لتشقى والموضع الآخر: ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى، وما أنزلناه إلّا تذكرة لمن يخشى.
«الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى» أي علا، يقال: استويت فوق الدابة وعلى البعير وعلى الجبل وفوق البيت، أي علوت عليه وفوقه، ورفع الرحمن فى مكانين: أحدهما على القطع من الأول المجرور والابتداء وعلى إعمال الفعل، مجازه: استوى الرحمن على العرش.(2/15)
وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى (7) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى (8) وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى (9) إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى (10) فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى (11) إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى (12) وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى (13) إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (14) إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى (15)
«فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفى» (7) يعنى والخفىّ الذي حدّثت به نفسك ولم تسرّه إلى أحد، وقد بوضع «افعل» فى موضع الفاعل ونحوه، قال:
تمنّى رجال أن أموت وإن أمت ... فتلك سبيل لست فيها بأوحد
«1» [531] وله موضع آخر من المختصر الذي فيه ضمير يعلم السّرّ وأخفى من السّر.
«بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً» (12) يكسر أوله قوم وبضمه قوم كمجاز قوله:
ألا يا سلمى يا هند هند بنى بدر ... وإن كان حيانا عدى آخر الدّهر
«2» [532] وعدى ومن جعل طوى اسم أرض لم ينوّن فيه لأنه مؤنث لا ينصرف ومن جعله اسم الوادي صرفه لأنه مذكر، ومن جعله مصدرا بمعنى «نودى مرّتين» صرفه كقولك: ناديته ثنى وطوى، قال عدىّ بن زيد:
أعازل أن الّلوم فى غير كنهه ... علىّ ثنى من غيّك المتردد
«3» [533] ويقول قوم: علىّ ثنى أي مرة:
«أَكادُ أُخْفِيها» (15) له موضعان موضع كتمان وموضع إظهار كسائر حروف الأضداد أنشدنى أبو الخطّاب قول امرئ القيس بن عابس الكندي عن أهله فى بلده.
__________
(1) . - 531: أنشده أبو عبيدة فى مواضع ونسبه مرة إلى طرفة ولم أجده فى ديوانه وهو فى الطبري 16/ 93، 21/ 22 وفى القرطبي، 1/ 21 والتاج (وحد) .
(2) . - 532: مطلع قصيدة طويلة فى ديوان الأخطل ص 128 وهو فى الطبري 19/ 84 واللسان (عدا) . [.....]
(3) . - 533: فى الطبري 16/ 96 والتاج (ثنى) .(2/16)
فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى (16) وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى (17) قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى (18)
وإن تدفنوا الدّاء لا نخفيه ... وإن تبعثوا الحرب لا نقعد
«1» [534] أي لا نظهره. ومن يلغى الألف منها فى هذا المعنى أكثر، وقال علقمة ابن عبدة وقال بعضهم امرؤ القيس:
خفاهن من أنفاقهن كأنما ... خفاهن ودق من عشىّ مجلّب
«2» [535] أي أظهرهن، ويقال: خفيت ملّتى من النار، أي أخرجتها منها وكذلك خفايا الركايا، تقول خفيت ركّية، أي استخرجتها.
«فَتَرْدى» (16) فتهلك، يقال: رديت، تقديرها، شقيت، وقال دريد، حيث تنادوا:
تنادوا فقالوا أردت الخيل فارسا ... فقلت أعبد الله ذلكم الرّدى
«3» [536]
«وَأَهُشُّ بِها عَلى غَنَمِي» (18) أي أختبط بها فأضرب بها الأغصان ليسقط ورقها على غنمى فتأكله، قال:
أهشّ بالعصا على أغنامى ... من ناعم الأراك والبشام
«4» «5» [537] «مَآرِبُ أُخْرى» (18) واحدتها مأربة ومأربة، الراء مفتوحة ويضمها قوم، ومعناها حوائج وهى من قولهم: لا أرب لى فيها، أي لا حاجة لى.
__________
(1) . - 534: ديوانه من الستة ص 123 وفى الطبري 16/ 101 والقرطبي 11/ 183 واللسان والتاج (خفى) (ص 16) 13- 1 «أنشدنى ... لا نقعد» : روى الطبري هذا الكلام عن أبى عبيدة (16/ 101) .
(2) . - 535: وجدته فى ديوان امرئ القيس من السته ص 118 وهو فى السمط ص 550 واللسان والتاج (خفى) .
(3) . - 536: «دريد» هو دريد بن الصمة. والبيت فى الجمهرة 3/ 241.
(4) . - 537: فى الطبري 16/ 102 والقرطبي 11/ 187.
(5) . - 538: من قصيدة مفصلية (شرحها ص 568) وفى جمهرة الأشعار ص 126 والبيت فى اللسان (سعى) .(2/17)
قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى (21) وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرَى (22) لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا الْكُبْرَى (23) اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (24) قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (25) وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي (26) وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي (27) يَفْقَهُوا قَوْلِي (28) وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي (29) هَارُونَ أَخِي (30) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (31)
«سَنُعِيدُها سِيرَتَهَا الْأُولى» (21) أي خلقتها التي كانت عليها قبل ذلك وقد يجعلون أيضا بينها وبين الذي قبلها «إلى» ، كقولهم لمن كان على شىء فتركه ثم عاد إليه وتحوّل عن هذا: عاد فلان إلى سيرته الأولى، قال: سمعت أبا زيد يقول: إلى إدرونه «1» الأولى.
«وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلى جَناحِكَ» (22) مجازه: إلى ناحية جنبك، والجناحان هما الناحيتان، قال:
أضمّه للصدر والجناح
«2» [539] «تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ» (22) أي تخرج نقيّة شديدة البياض من غير برص، والسوء كل داء معضل من جذام أو برص، أو غير ذلك.
«لِنُرِيَكَ مِنْ آياتِنَا الْكُبْرى» (23) مجازها مقدّم ومؤخر، أي لنريك الكبرى من آياتنا، أي من عجائبنا. ومجاز الكبرى: الكبيرة من آياتنا، وقع المعنى على واحدة.
«وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي» (27) مجاز العقدة «3» فى اللسان كل ما لم ينطلق بحرف أو كانت منه مسكة من تمتمة أو فأفأة.
«اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي» «4» (31) أي ظهرى، معناه صار مثلى، وعاوننى على من يكفله، ويقال: قد أزرنى، أي كان لى ظهرا، وآزرنى أي صار لى وزيرا.
__________
(1) . - 4 «إدرون» : يقال رجع إلى إدرونه أي وطنه (اللسان) .
54 هـ: ديوانه ص 220.
(2) . - 539: فى الطبري 16/ 104 والقرطبي 11/ 191.
(3) . - 13 «عقدة» : وقد أورد البخاري (4/ 152) تفسير هذه الكلمة بقوله: «وقال غيره كلما لم ينطلق.. إلخ» : وقال ابن حجر فى فتح الباري (6/ 304) هو قول أبى عبيدة.
(4) . - 15 «أَزْرِي» : روى تفسير هذه الكلمة فى فتح الباري 6/ 304.(2/18)
أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي (39) إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْسًا فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى (40) وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي (41) اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي (42) اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (43) فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى (44) قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى (45)
«فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ» (39) أي ارمى به فى البحر، واليمّ معظّم البحر، قال العجّاج:
كباذخ اليمّ سقاه اليمّ
(256) «وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي» (39) مجازه: جعلت لك محبة منى فى صدور الناس، ويقول الرجل إذا أحبّ أخاه: ألقيت عليك رحمتى، ى محبتى «1» .
«وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي» (39) مجازه ولتغذى «2» ولتربّى على ما أريد وأحب، يقال: اتخذه لى على عينى، أي على ما أردت وهويت.
«عَلى مَنْ يَكْفُلُهُ» (40) أي يضمه، وقال الله «وَكَفَّلَها زَكَرِيَّا» (3/ 37) أي ضمها.
«وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً» (40) مجازه: وابتليناك.
«أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا» (45) مجازه أن يقدم علينا ببسط وعقوبة ويعجل علينا، وكل متقدّم أو متعجّل فارط، قال:
__________
(1) . - 5- 6 «ألقيت ... محبتى» : كما فى الطبري 16/ 106.
(2) . - 7 «ولتغذى ولتربى» : كما فى غريب القرآن لليزيدى 22 ب والقرطبي 11/ 197.(2/19)
قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى (46) فَأْتِيَاهُ فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى (47) إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (48) قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى (49) قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى (50) قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى (51) قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى (52) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى (53) كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى (54) مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى (55) وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آيَاتِنَا كُلَّهَا فَكَذَّبَ وَأَبَى (56) قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَى (57) فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لَا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنْتَ مَكَانًا سُوًى (58) قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى (59) فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَى (60) قَالَ لَهُمْ مُوسَى وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى (61)
قد فرط العلج علينا وعجل
«1» [541] وإذا أدخلوا فى أوله الألف فقالوا أفرط علينا فان معناه اشتطّ وتعدّى.
«إِنَّنِي مَعَكُما» (46) مجازه أعينكما..
«فَما بالُ الْقُرُونِ الْأُولى» (51) أي ما خبر الأمم الأولى وما حديثهم..
«لِأُولِي النُّهى» (54) مجازه لذوى الحجى واحدتها نهية، أي أحلام وعقول وانتهى إلى عقول أمرهم ورأيهم ومجاز قولهم لذى حجى «2» أي لذى عقل ولبّ..
«مَكاناً سُوىً» (58) يضم أوله ويكسر وهو منقوص يجرى مجرى عدى وعدى، والمعنى النّصف، والوسط فيما بين القريتين «3» . وقال موسى ابن جابر الحنفىّ:
وإنّ أبانا كان حلّ ببلدة ... سوى بين قيس قيس عيلان والفزر
«4» [542] والفزر سعد بن زيد مناة «5» ..
«مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ» (59) مجازه يوم العيد..
«وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى» (59) أي يساق الناس فيجتمعون من كل فجّ..
«فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذابٍ» (61) مجازه: فيهلكم، وفيه لغتان سحت
__________
(1) . - 541: فى الطبري 16/ 113 والقرطبي 11/ 201.
(2) . «لذى حجى» : أي لذى حجر كما سيأتى فى تفسير سورة الفجر (89/ 5) . [.....]
(3) . - 9- 12 «القريتين ... مناة» : روى القرطبي (11/ 212) هذا الكلام عن أبى عبيدة.
(4) . - 542: «موسى» : هو موسى بن جابر بن أرقم بن سبلة بن عبيد الحنفي شاعر مخضرم نصرانى أنظر ترجمته فى الأغانى 10/ 107 وذيل السمط ص 35 والخزانة 1/ 146. -
والبيت فى الطبري 16/ 118 والجمهرة 2/ 323 والأغانى 10/ 107 والقرطبي 11/ 212 والخزانة 1/ 146.
(5) . - 12 «والفزر ... مناة» : كما فى الخزانة.(2/20)
قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى (63)
الدهر والجدب بنى فلان، وقوم يقولون: أسحته بالألف وقال الفرزدق:
ومضّ زمان يا ابن مروان لم يدع «1» ... من المال إلّا مسحت أو مجلّف
«2» [543] والمسحت المهلك، والمجلّف: الذي قد بقي منه بقية، ولم يدع، أي لم يبق وقال سويد بن أبى كاهل:
أرّق العين خيال لم يدع ... من سليمى ففوادى منتذع
«3» [544] لم يدع أي لم يستقر..
«إِنْ هذانِ لَساحِرانِ» (63) قال أبو عمرو وعيسى ويونس «إنّ هذين لساحران» فى اللفظ وكتب «هذان» كما يزيدون وينقصون فى الكتاب واللفظ صواب. وزعم أبو الخطّاب أنه سمع قوما من بنى كنانة وغيرهم يرفعون الاثنين فى موضع الجر والنصب، قال بشر بن هلال «إِنْ» بمعنى الابتداء والإيجاب، ألا ترى أنها تعمل فيما يليها ولا تعمل فيما بعد الذي بعدها فترفع الخبر ولا تنصبه كما تنصب الاسم فكان مجاز
__________
(1) . - 6 «لم يدع» : يفتح الدال كما ذكروا فى المعاجم ونص عليه الأنبارى بأنه بكسر الدال أي لم يسكن ولم يستقر (اللسان) .
(2) . - 543: ديوانه ص 556 والطبري 16/ 119 وشرح المفضليات ص 396 والجمهرة 2/ 107 واللسان والتاج (جلف، سحت) والقرطبي 11/ 215 والخزانة 2/ 347.
(3) . - 544: سويد بن أبى كاهل: شاعر مخضرم عاش فى الجاهلية دهرا وعمر فى الإسلام عمرا طويلا، وانظر ترجمته فى طبقات الشعراء للجمحى ص 45 والشعراء ص 250 والأغانى 11/ 165. - والبيت من قصيدة مفضلية (ص 381- 409) قد كانت تسمى اليتيمة لما اشتملت عليه من الأمثال والبيت أيضا فى النقائض ص 557 واللسان والتاج (ودع) .(2/21)
«إِنْ هذانِ لَساحِرانِ» «1» مجاز كلامين، مخرجه: إنه أي نعم، ثم قلت: هذان ساحران، ألا ترى أنهم يرفعون المشرك كقوله:
فمن يك أمسى بالمدينة رحله ... فإنّى وقيّار بها لغريب
(207) وقوله:
إنَّ شَرخ الشَّباب والشّعر الأسود ... ما لم يعاص كان جنونا
(291) وقوله:
إنّ السيوف غدوّها ورواحها ... تركت هوازن مثل قرن الأعضب
«2» «3» [545] ويقول بعضهم «إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ» (33/ 56) فيرفعون ملائكته على شركة الابتداء ولا يعملون فيها «إن» ، وقال سمعت الفصحاء من المحرمين يقولون: إنّ الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك.
وقرأها قوم على تخفيف نون «إن» وإسكانها وهو يجوز لأنهم قد أدخلوا اللام فى الابتداء وهى فضل، قال:
«أم الحليس لعجوز شهربه»
(255)
__________
(1) . - 7 (من ص 21) - «قال ... ساحران» : قال الطبري (16/ 121) وحدثت عن أبى عبيدة معمر بن المثنى، وروى الكلام سوى البيت رقم (291) .
(2) . - 545: هو للأخطل، فى ديوانه ص 28 والكامل ص 439 والجمهرة 1/ 303 واللسان والتاج (عضب) .
(3) . - 546: لم أجده فى شعر كعب ولكننى وجدته فى ديوان أبيه زهير من كلمة 26 بيتا ص 354- 365.(2/22)
فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى (64) قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى (65) قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى (66) فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى (67) قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى (68) وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى (69) فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى (70) قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى (71)
وزعم قوم أنه لا يجوز لأنه إذا خفّف نون «إن» فلا بد له من أن يدخل إلّا فيقول: إن هذان إلّا ساحران.
«بِطَرِيقَتِكُمُ» (63) مجازه بسنتكم ودينكم وما أنتم عليه، ويقال فلان حسن الطريقة..
«الْمُثْلى» (63) تأنيث الأمثل، يقال: خذ المثلى منهما، للأنثى، وخذ الأمثل منهما، إذا كان ذكرا «1» ..
«ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا» (64) أي صفوفا وله موضع آخر من قولهم: هل أتيت الصفّ اليوم يعنى المصلّى الذي يصلى فيه «2» . قال أبو عبيدة قال أبو العرب الكليبى ما استطعت أن آتى الصف أمس يعنى المصلّى.. «3»
«فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً» (67) أي أضمر وأحسّ منهم خيفة، أي خوفا فذهبت الواو فصارت ياء من أجل كسرة الخاء..
«وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتى» (69) أي حيث كان..
«لَكَبِيرُكُمُ» (71) أي معلمكم قال أبو عبيدة سمعت بعض المكّيين (قال) يقول: الغلام لمستأجره كبيرى..
«فِي جُذُوعِ النَّخْلِ» (71) أي على جذوع النخل، قال: «4»
__________
(1) . - 5 «المثلى ... ذكرا» : هذا الكلام فى الطبري 16/ 121 وأورد البخاري تفسير الآية مرة فى أحاديث الأنبياء ومرة فى كتاب التفسير وأشار ابن حجر (فتح الباري 6/ 304، 8/ 328) إلى أنه كلام أبى عبيدة.
(2) . - 7- 8 «صفوفا ... فيه» : وفى الطبري (16/ 121: ومعناه: ثم ائتوا صفوفا وللصف فى كلام العرب موضع آخر وهو فى قول العرب «أتيت الصف اليوم» يعنى به المصلى.
(3) . - 8- 9 «قال ... المصلى» : وفى القرطبي (11/ 221: قال أبو عبيدة: يقال أتيت الصف يعنى المصلى فالمعنى عنده ائتوا الموضع الذي تجتمعون فيه يوم العيد وحكى عن بعض فصحاء العرب «ما قدرت ... إلخ» .
(4) . - 14 «قال» يقتضيه السياق.(2/23)
قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (72) إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (73) إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى (74) وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى (75) جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى (76) وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى (77) فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ (78) وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى (79) يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى (80) كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى (81) وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى (82) وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَى (83) قَالَ هُمْ أُولَاءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى (84) قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ (85) فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي (86) قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ (87) فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ (88) أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا وَلَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا (89)
هم صلبوا العبدى فى جذع نخلة ... فلا عطست شيبان إلّا بأجدعا
«1» [547] .
«فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ» (72) مجازه: اصنع ما أنت صانع وأنفذ ما أنت منفذ فقد قضى قضاؤك، وقال أبو ذؤيب:
وعليهما مسرودتان قضاهما ... داود أو صنع السوابغ تبّع
(62) أي صنعهما وأحكمهما..
«إِنَّما تَقْضِي هذِهِ الْحَياةَ الدُّنْيا» (72) وله موضع آخر فى معنى إنما تخلّف هذه الحياة الدنيا، كقولك قضيت سفرى..
«أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي» (77) وقوم يجعلونه بغير ألف فيقولون: سريت وهو سرى الليل أي سير الليل..
«طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً» (77) متحرك الحروف بالفتحة والمعنى يابسا، ويقال: شاة يبس بفتح الباء أي يابسة ليس لها لبن، وبعضهم يسكّن الباء قال علقمة بن عبدة:
تخشخش أبدان الحديد عليهم ... كما خشخشت يبس الحصاد جنوب
«2» [548] .
«فَنَسِيَ أَفَلا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا» (88- 89) مجازه أنه لا يرجع إليهم قولا ومن لم يضمر الهاء نصب «أَلَّا يَرْجِعُ» .
__________
(1) . - 547: لسويد بن أبى كاهل اليشكري وهو فى الكامل ص 488 والطبري 16/ 127 والاقتضاب ص 431 والقرطبي 11/ 224 وفتح الباري 6/ 304 وشواهد المغني ص 164. [.....]
(2) . - 548: ديوانه من الستة ص 107 والاقتضاب ص 460 واللسان والتاج (يبس) .(2/24)
قَالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى (91) قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا (92) أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي (93) قَالَ يَبْنَؤُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي (94)
«لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ» (91) مجازه لن نزال، قال أوس بن ححر:
فما برحت خيل تثوب وتدّعى ... ويلحق منها لاحق وتقطّع
(363) أي فما زالت..
َا بْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي»
(94) فتح بعضهم الميم لأنهم جعلوه اسمين بمنزلة خمسة عشر لأنهما اسمان فأجروهما مجرى اسم واحد كقولهم: هو جارى بيت بيت ولقيته كفّة كفّة، وكسر بعضهم الميم فقال يا ابن أمّ بغير ياء ولا تنوين كما فعلوا ذلك بقولهم: يا زيد، بغير تنوين، وقال زهير:
تبصّر خليلى هل ترى من ظعائن ... تحمّلن بالعلياء من فوق جرثم
«1» [550] وأطلق بعضهم ياء الاضافة لأنه جعل النداء فى ابن فقال يا ابن أمي، لأنه يجعل النداء فى ابن كما جعله فى زيد ثم أظهر فى الاسم الثاني ياء الاضافة كما قال:
يا ابن أمي ويا شقيّق نفسى ... أنت خلّيتنى لدهر شديد
«2» [551] وكذلك قال:
يا بنت عمى لاحنى الهواجر
«3» [552]
__________
(1) . - 550: ديوانة ص 9.
(2) . - 551: من كلمة طويلة فى جمهرة الأشعار ص 139 وهو فى الكتاب 1/ 296 والشنتمرى 1/ 318 والعيني 4/ 224.
(3) . - 552: فى شواهد الكشاف (147) مع شطر قبله.(2/25)
قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ (95) قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي (96) قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لَا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَنْ تُخْلَفَهُ وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا (97)
فأطلق الياء وقال:
رجال ونسوان يودّون أننى ... وإياك نخزى يا ابن عمّ ونفضح
«1» [553] فلم يطلق ياء الإضافة وجرها بعضهم وفتحها آخرون..
َ لَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي»
(94) مجازه لم تسمع قولى ولم تنتظر. وفى آية أخرى «لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلا ذِمَّةً» (9/ 10) أي لا يراقبون..
«فَما خَطْبُكَ» (95) أي ما بالك وشأنك «2» وأمرك واحد. قال رؤبة:
والعبد حيّان بن ذات القنب ... يا عجبا ما خطبه وخطبى
«3» [554]
«قال بصرت بما لم تبصروا به» (96) أي علمت ما لم تعلموه وبصرت فعلت من البصيرة فصرت بها عالما بصيرا ولها موضع آخر قوم يقولون بصرت وأبصرت سواء بمنزلة سرعت وأسرعت ماشيت «4» ..
«فَقَبَضْتُ قَبْضَةً» (96) أي أخذت ملء جمع كفّى وقبضت قبضة أي.
تناولت بأطراف أصابعى. «سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي» (96) أي زينت له وأغوته، يقال: إنك لتسوّل لفلان سوء عمله، أي تزيّن له..
«لا مِساسَ» (97) إذا كسرت الميم دخلها النصب والجرّ والرفع بالتنوين فى مواضعهن وهى هاهنا منفية فلذلك نصبتها بغير تنوين قال الجعدىّ «5» «6» :
__________
(1) . - 553: ولم أجده فيما رجعت إليه.
(2) . - 6 «فما ... وشأنك» : رواه ابن حجر عن أبى عبيدة (فتح الباري 6/ 304) .
(3) . - 554: ديوانه ص 16 والشطر الثاني فى فتح الباري 6/ 304]
(4) . - 10 «سرعت ... ماشيت» : هذا الكلام فى الطبري 16/ 136.
(5) . - 14- 15 «إذا ... الجعدي» : رواه ابن حجر عن أبى عبيدة فى فتح الباري 6/ 304.
(6) . - 555: عمران بن عصام: من بنى تميم، شاعر إسلامي، أنظر تاريخ الطبري ص 449، 1166- 1167 من الدورة الثانية.(2/26)
فأصبح من ذاك كالسامرىّ ... إذ قال موسى له لا مساسا
«1» [556] وقال القلاخ بن حزن المنقرىّ:
ووتّر الأساور القياسا ... صغديّة تنتزع الأنفاسا
»
[557] حتى يقول الأزد لا مساسا وهو المماسة والمخالطة، ومن فتح الميم جعله اسما منه فلم يدخلها نصب ولا رفع وكسر آخرها بغير تنوين، كقوله:
تميم كرهط السامرىّ وقوله ... ألا لا يريد السامري مساس
«3» [558] جرّ بغير تنوين وهو فى موضع نصب لأنه أجرى مجرى «قطام» وحذام «4» .
ونزال» إذا فتحوا أوله وقال زهير:
ولنعم حشر الدّرع أنت إذا ... دعيت نزال ولجّ فى الذّعر
«5» [559] وإن كسروا أوله دخله الرفع والنصب والجر والتنوين فى مواضعها وهو المنازلة
__________
(1) . - 556: فتح الباري 6/ 305.
(2) . - 557: القلاح بن حزن: من بنى منقر بن عبيد يترجم له فى الشعراء ص 444 والمؤتلف ص 168. - والشطران الأولان فى اللسان (قوس) والثالث فى القرطبي 11/ 241.
(3) . - 558: فى القرطبي 11/ 240.
(4) . - 8 «قطام وحذام» : من أسماء النساء. [.....]
(5) . - 559: ديوانه ص 89 والكتاب 2/ 34 والكامل ص 68 والشنتمرى 2/ 37 واللسان (نزل) والخزانة 3/ 61.(2/27)
إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا (98) كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْرًا (99)
«الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عاكِفاً» (97) يفتح أوله قوم إذا ألقوا منه إحدى اللامين ويجزمون اللام الباقية لأنهم يدعونها على حالها فى التضعيف قبل التخفيف كقولك:
ظلت، وقوم يكسرون الظاء إذا حذفوا اللام المكسورة فيحولون عليها كسرة اللام فيقولون: ظلت عليه، وقد تحذف العرب التضعيف قال:
خلا أنّ العتاق من المطايا ... أحسن به فهن إليه شوس
«1» [560] أراد أحسن به..
«لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً» (97) مجازه: لنقذفنّه ولنذرينّه وكل شىء وضعته فى منسف ثم طيّرت عنه غباره بيديك أو قشوره فقد نسفته أيضا، وما زلنا ننسف منذ اليوم أي نمشى، وفى آية أخرى «فَقُلْ يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفاً» (20/ 105) ..
«وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً» (98) مجازه: أحاط به علما وعلمه، ويقال:
لا أسع لهذا الذي تدعونى إليه، أي لا أقوم به ولا أقوى له، قال أبو زبيد:
حمّال أثقال أهل الودّ آونة ... أعطيهم الجهد منى بله ما أسع
«2» «3» [561] يقول: أعطيهم على الجهد منى بله، يقول: فدع ما أسع له وأحيط به وأقدر عليه فأناله حينئذ أعطى..
«كَذلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ» (99) مجازه نأثره.
__________
(1) . - 560: البيت لأبى زبيد الطائي فى الطبري 16/ 137 والسمط ص 438 والاقتضاب ص 299 والقرطبي 11/ 242.
(2) . - 561: عجزه ففط فى اللسان (وسع) وتمامه فى التاج (وسع) .
(3) . - 562: ديوانه ص 2.(2/28)
مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا (100) خَالِدِينَ فِيهِ وَسَاءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلًا (101) يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا (102) يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْرًا (103) نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْمًا (104) وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا (105) فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا (106) لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا (107)
«فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وِزْراً» (100) أي ثقلا وحملا وإثما..
«خالِدِينَ فِيهِ وَساءَ لَهُمْ» (101) ذلك الوزر «يَوْمَ الْقِيامَةِ حِمْلًا» (101) ..
«يَتَخافَتُونَ بَيْنَهُمْ» (103) يتسارّون «1» ويهمس بعضهم إلى بعض بالكلام وفى آية أخرى: «وَلا تُخافِتْ بِها» (17/ 110) ..
«وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ فَقُلْ يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفاً» (105) مجازها:
يطيّرها فيستأصلها. «فَيَذَرُها قاعاً صَفْصَفاً» (106) أي مستويا أملس..
«عِوَجاً» «2» (107) مجازه مصدر ما اعوجّ من المحانى والمسايل والأودية والارتفاع يمينا وشمالا إذا كسرت أوله، وإن فتحته فهو فى كل رمح وسنّ وحائط..
«وَلا أَمْتاً» (107) مجازه لا ربى ولا وطئا أي لا ارتفاع ولا هبوط، يقال:
مدّ حبله حتى ما ترك فيه أمتا «3» ، أي استرخاء وملأ سقاءه حتى ما ترك فيه أمتا، أي انثناء
__________
(1) . - 3 «يتسارون» كما فى الطبري 16/ 139 والقرطبي 11/ 245.
(2) . - 7 «عوجا.. والأودية» : رواه ابن حجر عن أبى عبيدة (فتح الباري 8/ 329) .
(3) . - 11 «مد ... فيه أمتا» : رواه ابن حجر عن أبى عبيدة (فتح الباري 9/ 329) .(2/29)
يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا (108) يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا (109) يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا (110) وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا (111)
وقال يزيد بن ضبّة:
منعمّة بيضاء ليس بها أمت
«1» [563] وقال الراجز:
ما فى انجذاب سيره من أمت
«2» [564] .
«فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً» (108) أي صوتا خفيا «3» وهو مثل الرّكز، ويقال:
همس إلىّ بحديث، أي أخفاه.
«وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ» (111) فهى تعنو عنوّا أي استأسرت فهى عوان لربّها، واحدها عان بمنزلة الأسير العاني لأسره، أي ذليل، ومنه قولهم: النساء عوان عند أزواجهن «4» «5» «6» .
__________
(1) . - 563: لم أجده فيما رجعت إليه.
(2) . - 564: «فى الطبري 16/ 141 ونسبه صاحب اللسان للعجاج (أمت) ولم أجده فى ديوانه.
(3) . - 5 «صوتا خفيا» : رواه ابن حجر عن أبى عبيدة فى فتح الباري 18/ 329.
(4) . - 565: ولم أجده فيما رجعت إليه.
(5) . - 566: ديوانه ص 38.
(6) . - 567: لم أجده فيما رجعت إليه.(2/30)
وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا (112)
«وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ» (112) مجازه ومن يعمل الصالحات، و «من» من حروف الزوائد، وفى آية أخرى: «فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ، وقال الشاعر «1» :
جزيتك ضعف الحبّ لما استثبته ... وما إن جزاك الضّعف من أحد قبلى
(58) زاد «من» لمكان النفي ولا تزاد «من» فى أمر واجب، يقال: ما عندى من شىء وما عندك من خير وهل عندك من طعام، فإذا كان واجبا لم يجز شىء من هذا فلا تقول: عندى من خير ولا عندى من درهم وأنت تريد: عندى درهم..
«وَلا هَضْماً» (112) أي ولا نقيصة، قال لبيد:
ومقسّم يعطى العشيرة حقّها ... ومغذمر لحقوقها هضّامها
«2» [568] يقال: هضمنى فلان حقّى ومنه هضيم الكشح أي ضامر البطن ومنه: طلعها هضيم قد لزق بعضه ببعض وضم بعضه بعضا، ويقال: هضمنى طعامى، ألا ترى أنه قد ذهب «3» وهو فى قول أحسن: أكيل هضوم مطعّم قد أمكن أن يؤكل.
__________
(1) . - 3 «الشاعر» هو أبو ذوءيب الهذلي [.....]
(2) . - 568: من معلقته فى شرح العشر ص 87.
(3) . - 11- 13 «يقال ... ذهب» : وفى الطبري (16- 144) . يقال هضمنى فلان حقى ومنه امرأة هضيم أي ضامرة البطن ومنه قولهم: قد هضم الطعام إذا ذهب وهضمت لك حقك أي حططته.(2/31)
وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا (113) فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا (114) وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا (115) وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى (116) فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى (117) إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى (118) وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى (119) فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى (120) فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى (121) ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى (122) قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123) وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى (126) وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى (127) أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى (128) وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكَانَ لِزَامًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى (129)
«وَصَرَّفْنا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ» (113) مجازه بيّنا..
«لا تَظْمَؤُا فِيها وَلا تَضْحى» (119) أي لا تعطش ولا تضحى للشمس فتجد الحرّ، قال عمر بن أبى ربيعة.
رأت رجلا أما إذا الشمس عارضت ... فيضحى وأمّا بالعشي فيحضر
«1» [569] .
«فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً» (124) مجازه معيشة ضيقة، والضّنك توصف به الأنثى، والمذكّر بغير الهاء وكل عيش أو منزل أو مكان ضيّق فهو ضنك، قال عنترة.
إن المنيّة لو تمثّل مثّلت ... مثلى إذا نزلوا بضنك المنزل
«2» [570] وقال:
وإن نزلوا بضنك أنزل
«3» [571]
«أفلم نهد لهم» (128) أي نبين لهم ونوضّح لهم..
«لَكانَ لِزاماً» (129) أي فيصلا «4» يلزم كل إنسان طائره إن خيرا فخير وإن شرّا فشر فلازمه.
__________
(1) . - 569: البيت هو الرابع عشر من القصيدة الأولى فى ديوانه وهو فى الكامل ص 571 والعيني 1/ 316 والخزانة 2/ 421 والبيت أيضا فى الطبري 16/ 146 والقرطبي 11/ 254 وشواهد المغني ص 10، 63.
(2) . - 570: ديوانه من الستة ص 42 والقرطبي 11/ 258.
(3) . - 571: لعنترة (ديوانه من الستة ص 42 والطبري 14/ 147) تمامه:
إن يلحقوا أكرر وإن يستلحموا ... اشدد وإن نزلوا بضنك أنزل
(4) . - 12 «فيصلا» : رواه صاحب اللسان عن أبى عبيدة (لزم) .(2/32)
فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى (130) وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى (131)
قال حجل بن نضلة الباهلىّ:
لازلت محتملا علىّ ضغينة ... حتى الممات يكون منك لزاما
«1» [572] فأخرجه مخرج قطام ورقاش «2» ..
«وَمِنْ آناءِ اللَّيْلِ» (130) أي ساعات الليل واحدها إنى تقديره حسى والجميع أحساء، وقال المتنخّل الهذلىّ وهو أبو أثيلة:
حلو ومرّ كعطف القدح مرّته ... فى كل إنى قضاه الليل ينتعل
(124) .
«زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا» (131) أي زينة الدنيا وجمالها..
«لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ» (131) أي لنبلوهم فيه.
__________
(1) . - 572: «حجل ... الباهلي» : ذكره ابن قتيبة فى الشعراء ص 30 والبغدادي فى الخزانة 2/ 158- والبيت فى الجمهرة 3/ 18 واللسان والتاج (لزم) .
(2) . - 3 «قطاع ورقاش» : قال ابن دريد: أهل الحجاز يقولون «رقاش» على الكسر فى كل حال وكذلك كل اسم على فعال بفتح الفاء معدول عن فاعله لا يدخله الألف واللام ولا يجمع مثل خدام وقطام وغلاب وأهل نجد يجرونه مجرى مالا ينصرف نحو عمر يقولون:
هذه رقاش بالرفع وهو القياس لأنه اسم علم ... (اللسان، مادة رقش) .(2/33)
لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (3)
«سورة الأنبياء» (21)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
«وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا» (3) خرج تقدير فعل الجميع هاهنا على غير المستعمل فى المنطق لأنهم يقولون فى الكلام وأسروا النّجوى الذين ظلموا مجازه مجاز إضمار القوم فيه وإظهار كفايتهم فيه التي ظهرت فى آخر الفعل ثم جعلوا «الَّذِينَ» صفة الكناية المظهرة، فكان مجازه «وأسرّ القوم الذين ظلموا النجوى» فجاءت «الَّذِينَ» صفة لهؤلاء المضمرين، لأن فعلوا ذلك فى موضع فعل القوم ذلك وقال آخرون: بل قد تفعل العرب هذا فيظهرون عدد القوم فى فعلهم إذا بدءوا بالفعل قال أبو عمرو الهذلي: «أكلونى البراغيث» بلفظ الجميع فى الفعل وقد أظهر الفاعلين بعد الفعل ومجازه مجاز ما يبدأ بالمفعول قبل الفاعل لأن النجوى المفعولة جاءت قبل الذين أسروها والعرب قد تفعل ذلك وقال:
فجذّ حبل الوصل منها الواشي
[573] و «أَسَرُّوا» من حروف الأضداد، أي أظهروا.(2/34)
بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ (5) مَا آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ (6) وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (7) وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لَا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ (8) ثُمَّ صَدَقْنَاهُمُ الْوَعْدَ فَأَنْجَيْنَاهُمْ وَمَنْ نَشَاءُ وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ (9) لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (10) وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ (11) فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ (12)
«أَضْغاثُ أَحْلامٍ» (5) واحدها ضغث وهو ما لم يكن له تأويل ولا تفسير، قال:
كضغث حلم غرّ منه حاله
«1» [574] .
«قَصَمْنا» (11) أهلكنا..
«فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا» (12) أي لقوه ورأوه، يقال: هل أحسست فلانا، أي هل وجدته ورأيته ولقيته «2» ويقال: هل أحسست منى ضعفا، وهل أحسست من نفسك برءا قال الشاعر «3» :
أحسن به فهن إليه شوس
(650) .
«إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ» (12) أي يهربون ويسرعون ويعدون ويعجلون، والمرأة تركض ذيلها برجليها إذا مشت، أي تحرّكه قال الأعشى:
والراكضات ذيول الخزّ آونة ... والرافلات على أعجازها العجل
«4» [575] العجل: القرب واحدتها عجلة.
__________
(1) . - 574: فى القرطبي 11/ 270.
(2) . - 5- 6 «يقال- لقيته» : روى ابن حجر هذا الكلام عن أبى عبيدة (فتح الباري 7/ 331) .
(3) . - 7 «الشاعر» : هو أبو زبيد الطائي.
(4) . - 575: ديوانه ص 46 والجمهرة 2/ 102 واللسان والتاج (عجل) .(2/35)
فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ (15) وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ (16) لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لَاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ (17) بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ (18) وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ (19) يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ (20) أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ (21) لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (22) لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ (23) أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ (24) وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25) وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ (26) لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (27) يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ (28) وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (29) أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ (30)
«حَتَّى جَعَلْناهُمْ حَصِيداً خامِدِينَ» (15) مجاز الخامد مجاز الهامد كما يقال للنار إذا طفئت: خمدت النار.
والحصيد: مجازه مجاز المستأصل وهو يوصف بلفظ الواحد والاثنين والجميع من الذكر والأنثى سواء كأنه أجرى مجرى المصدر الذي يوصف به الذكر والأنثى والاثنان والجميع منه على لفظه، وفى آية أخرى: «كانَتا رَتْقاً» (21/ 30) مثله..
«لا يَسْتَحْسِرُونَ» (19) أي لا يفترون ولا يعيون ولا يملّون، ويقال:
حسرت البعير..
«أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما» (30) فالسموات جميع والأرض واحدة فخرج لفظ صفة الجميع على تقدير لفظ صفة الواحد كما ترى ولم يجىء «أنّ السماوات والأرض كنّ رتقا» ولا «ففتقناهن» ، والعرب قد تفعل هذا إذا كان جميع موات أو جميع حيوان ثم أشركوا بينه وبين واحد من الموات أو من الحيوان جعلوا لفظ صفتهما أو لفظ خبرهما على لفظ الاثنين وقال الأسود بن يعفر:
أن المنيّة والحتوف كلاهما ... يوفى المخارم يرقبان سوادى
«1» [576] فجميع وواحد جعلهما اثنين، وقال الراعي:
أخليد إنّ أباك ضاف وساده ... همّان باتا جنبة ودخيلا
(142)
__________
(1) . - 576: من قصيدة مفضلية 445- 457 وهى فى ملحق ديوان الأعشى ص 296- 298 والأغانى 11/ 129.(2/36)
وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (31)
ثم جعل الاثنين جميعا فقال:
طرقا فتلك هماهمى أفريهما ... قلصا لواقح كالقسىّ وحولا
(142) فجعل الهماهم وهى جميع واحدا وجعل الهميّن جميعا وهما اثنان وأنشدنى «1» غالب أبو على النّفيلى للقطامى.
ألم يحزنك أن حبال قيس ... وتغلب قد تباينتا انقطاعا
«2» [577] فجعل «حبال قيس» وهى جميع وحبال تغلب وهى جميع اثنين..
«كانَتا رَتْقاً» مجازه مجاز المصدر الذي يوصف بلفظه الواحد والاثنان والجميع من المذكر والمؤنث سواء ومعنى الرّتق الذي ليس فيه ثقب ثم فتق الله السماء بالمطر وفتق الأرض بالشجر «3» .
[ «فِجاجاً» ] (31) الفجاج المسالك واحدها فجّ، وقال العجّاج لحميد الأرقط: «الفجاج» ، وتنازعا أرجوزتين على الطاء فقال له الحميد:
الخلاط يا أبا الشّعثاء، فقال له العجاج. الفجاج أوسع من ذلك يا ابن أخى، أي لا تخلط أرجوزتى بأرجوزتك «4» .
__________
(1) . - 3- 6 «وأنشدنى ... اثنين» : روى الطبري هذا الكلام عنه (17/ 14) . [.....]
(2) . - 577: ديوانه ص 37 والطبري 17/ 14، 19/ 17 والقرطبي 13/ 63.
(3) . - 8- 9 «فتق.. بالشجر» : وانظر أصحاب هذا التأويل فى الطبري 17/ 13.
(4) . - 10- 13 «الفجاج ... بأرجوزتك» : روى هذا الكلام عن أبى عبيدة فى اللسان (خلط) .(2/37)
وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (33) وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ (34) كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (35) وَإِذَا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هُمْ كَافِرُونَ (36) خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ (37)
«كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ» (33) الفلك: القطب الذي تدور به النجوم «1» قال:
باتت تناصى الفلك الدوارا ... حتى الصباح تعمل الاقتارا
«2» [578] .
«يَسْبَحُونَ» أي يجرون، و «كُلٌّ» تقع صفته وخبره وفعله على لفظ الواحد لأن لفظه لفظ الواحد والمعنى يقع على الجميع لأن معناه معنى الجميع وكذلك «كلاهما» قال الشاعر «3» :
أن المنيّة والحتوف كلاهما ... يوفى المخارم يرقبان سوادى
(576) قال «يوفى» على لفظ الواحد ثم عاد إلى المعنى فجعله اثنين فقال: يرقبان سوادى، ومعنى كل المستعمل يقع أيضا على الآدميين فجاء هنا فى غير جنس الآدميين والعرب قد تفعل ذلك قال النّابغة الجعدىّ:
تمزّزتها والدّيك يدعو صباحه ... إذا ما بنو نعش دنوا فتصوّبوا
(310) وفى رواية أخرى «لَقَدْ عَلِمْتَ ما هؤُلاءِ يَنْطِقُونَ» (21/ 65) وفى آية أخرى «وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ» (12/ 4) وفى آية أخرى.
«يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ» (27/ 18) ..
«خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ» (37) مجازه مجاز خلق العجل من الإنسان
__________
(1) . - 1 «الفلك ... النجوم» : قال الطبري (17/ 15) وقال آخرون هو القطب ...
واستشهد قائل هذا القول لقوله هذا بقول الراجز.
(2) . - 578: فى الطبري 17/ 16.
(3) . - 5 «الشاعر» هو الأسود بن يعفر.(2/38)
قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ (42)
وهو العجلة والعرب تفعل هذا إذا كان الشيء من سبب الشيء بدءوا بالسبب، وفى آية أخرى «ما إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ» (28/ 76) .
والعصبة هى التي تنوء «1» بالمفاتيح، ويقال: إنها لتنؤ عجيزتها، والمعنى أنها هى التي تنوء بعجيزتها، قال الأعشى:
لمحقوقة أن تستجيبى لصوته ... وأن تعلمى أن المعان موفّق
(277) أي أن الموفّق معان. وقال الأخطل:
مثل القنافذ هدّاجون قد بلغت ... نجران أو بلغت سوآتهم هجر
«2» [579] وإنما السّوءة البالغة هجر، وهذا البيت مقلوب وليس بمنصوب..
«قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ» (42) مجازه: يحفظكم ويمنعكم، قال ابن هرمة:
إنّ سليمى والله يكلؤها ... ضنّت بشىء ما كان يرزؤها
«3» «4» [580]
__________
(1) . - 2- 4 «أولى القوة ... هى التي تنؤ» : انظر الطبري 17/ 18 والكامل للمبرد ص 209.
(2) . - 579: ديوانه ص 110 والكامل للمبرد ص 209 وشواهد المغني ص 328.
(3) . - 580: البيت مطلع قصيدة وقد قيل له إن قريشا لا تهمز فقال لأقولن قصيدة أهمزها كلها بلسان قريش، بعضها فى شواهد المغني ص 279 وهو فى الطبري 17/ 20 والقرطبي 11/ 291 واللسان والتاج (كلأ) .
(4) . - 581: ديوانه ص 217 والكامل للمبرد ص 209 والعيني 2/ 456.(2/39)
وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ (47) وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْرًا لِلْمُتَّقِينَ (48) الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ (49) وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (50) وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ (51) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ (52) قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ (53) قَالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (54) قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ (55) قَالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (56) وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ (57) فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ (58) قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ (59) قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ (60) قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ (61) قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ (62) قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ (63) فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ (64) ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ (65) قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ (66) أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (67) قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ (68) قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ (69) وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ (70) وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ (71) وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ (72)
«مِثْقالَ حَبَّةٍ» (47) مجازه وزن حبة.
«فَجَعَلَهُمْ جُذاذاً» (58) أي مستأصلين قال جرير:
بنى المهلّب جذّ الله دابرهم ... أمسوا رمادا فلا أصل ولا طرف
«1» [582] لم يبق منهم شىء ولفظ «جذاذ» يقع على الواحد والاثنين والجميع من المذكر والمؤنث سواء بمنزلة المصدر..
«فَأْتُوا بِهِ عَلى أَعْيُنِ النَّاسِ» (61) أي أظهروه تقول العرب، إذا أظهر الأمر وشهر، كان ذلك على أعين النّاس. أي بأعين الناس، ويقول بعضهم جاؤوا به على رؤوس الخلق..
«فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ» (63) فهذا من الموات وخرج مخرج الآدميين بمنزلة قوله «رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ» (12/ 4) ويقال: سألت وسلت تسال لا يهمز فهو بلغة من قال سلته.
«ثُمَّ نُكِسُوا عَلى رُؤُسِهِمْ» (65) مجازه: قلبوا، ويقال: نكست فلانا على رأسه، إذا قهره وعلاه ونحو ذلك..
«إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ نافِلَةً» (71) أي غنيمة، قال لبيد بن ربيعة:
لله نافلة الأعزّ الأفضل
«2» [583] .
«وَكُلًّا جَعَلْنا صالِحِينَ» (72) «وكل» يقع خبره على الواحد لأن لفظه لفظ الواحد ويقع خبره على خبر الجميع.
__________
(1) . - 582: ديوانه ص 390 والكامل ص 510.
(2) . - 583: ديوانه 2/ 33 واللسان (أثل، نفل)(2/40)
وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ (78) فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ (79) وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ (80) وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ (81) وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذَلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ (82)
«إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ» (78) النّفش أن تدخل فى زرع ليلا فتأكله وقالت: نفشت فى جدّادى، الجداد «1» من نسج الثوب تعنى الغنم..
«وَعَلَّمْناهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ» (80) واللبوس: السلاح كلها من درع إلى رمح «2» وقال الهذلي:
ومعى لبوس للبئيس كأنه ... روق بجبهة ذى نعاج مجفل
«3» [584] .
«وَمِنَ الشَّياطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ» (82) «ومن» يقع على الواحد والاثنين والجميع من المذكر والمؤنث قال الفرزدق:
تعال فإن عاهدتنى لا تخوننى ... نكن مثل من يا ذئب يصطحبان
«4» [585] وكذلك يقع على المؤنث كقوله «وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صالِحاً» (33/ 31) ، وقد يجوز أن يخرج لفظ فعل «من» على لفظ الواحد والمعنى على الجميع كقولك: من يفعل ذلك، وأنت تسأل عن الجميع.
__________
(1) . - 2 «الجداد» الخيوط المعقدة وهو بالنبطية «كدادى» فى الجمهرة 3/ 502 والمعرب للجواليقى ص 95 واللسان (جدد) .
(2) . - 3- 4 «واللبوس ... رمح» : روى ابن حجر هذا الكلام عن عبيدة فى فتح الباري 8/ 331. [.....]
(3) . - 584: البيت لأبى كبير الهذلي فى ديوان الهذليين 2/ 98.
(4) . - 585: ديوانه ص 872 والكتاب 1/ 358 والشنتمرى 1/ 404 واللسان والتاج (منن) وشواهد المغني ص 281.(2/41)
وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ (93) فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ (94) وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ (95) حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ (96) وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ (97) إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ (98) لَوْ كَانَ هَؤُلَاءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ (99) لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ (100) إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ (101) لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ (102)
«وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ» (93) مجازه واختلفوا وتفرقوا..
«فَلا كُفْرانَ لِسَعْيِهِ» (94) أي فلا كفر لعمله، وقال:
من الناس ناس لا تنام جدودهم ... وجدّى ولا كفران لله نائم
«1» [586] .
«يَنْسِلُونَ» (96) يعجلون فى مشيهم كما ينسل الذئب ويعسل قال الجعدىّ:
عسلان الذئب أمسى قاربا ... برد الليل عليه فنسل
«2» [587] .
«حَصَبُ جَهَنَّمَ» (98) كل شىء ألقيته فى نار فقد حصبتها، ويقال: حصب فى الأرض أي ذهب فيها..
«لَوْ كانَ هؤُلاءِ آلِهَةً ما وَرَدُوها» (99) فهو من الموات الذي خرج مخرج الآدميين..
«لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها» أي صوتها والحسيس والحسّ واحد «3» قال عبيد بن الأبرص:
فاشتال وارتاع من حسيسها ... وفعله يفعل المذءوب
«4» [588] فاشتال يعنى الثعلب رفع ذتبه.
__________
(1) . - 586: فى الطبري 17/ 61 والجمهرة 3/ 415.
(2) . - 587: البيت منسوب فى الجمهرة (3/ 32) واللسان (عسل) للبيد ولم أجد فى ديوانه وقال فى اللسان: وقيل هو للنابغة الجعدي كما هو منسوب للجعدى فى القرطبي 11/ 341 وغير معز وفى الطبري 17/ 66، «كل ... حصبتها» : نقل ابن دريد هذا الكلام عنه فى الجمهرة 1/ 223.
(3) . - 12 «حسيسها ... واحد» نقل ابن حجر هذا الكلام عنه (فتح الباري 8/ 331) .
(4) . - 588: ديوانه ص 11 وشعراء النصرانية 1/ 610.(2/42)
لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (103) يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ (104) وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ (105) إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ (106) وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107) قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (108) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ آذَنْتُكُمْ عَلَى سَوَاءٍ وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ مَا تُوعَدُونَ (109)
«وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هذا يَوْمُكُمُ» (103) مجازه مجاز المختصر المضمر فيه «ويقولون: هذا يومكم» .
و «آذَنْتُكُمْ عَلى سَواءٍ «1» » (109) إذا أنذرت عدوّك وأعلمته ذلك ونبذت إليه الحرب حتى تكون أنت وهو على سواء وحذر فقد آذنته على سواء.
__________
(1) . - 3- 5 «آذنتكم ... سواء» : روى ابن حجر هذا الكلام عنه (فتح الباري 8/ 331) .(2/43)
يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ (2) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ (3) كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ (4) يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (5)
«سورة الحجّ» (22)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ «الحج» يكسر أوله ويفتح..
«يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ»
(2) أي تسلو وتنسى، قال كثيرّ عزّة:
صحا قلبه يا عزّ أو كاد يذهل «1»
«2» [589] أي يصحو ويسلو..
«مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ» (5) أي مخلوقة..
«ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا» (5) مجازه أنه فى موضع أطفال والعرب تضع لفظ الواحد فى معنى الجميع قال «3» :
فى حلقكم عظم وقد شجينا
(99) وقال عبّاس بن مرداس:
فقلنا أسلموا إنا أخوكم ... فقد برئت من الإحن الصدور
(100)
__________
(1) . - 4- 6 «أي ... يذهل» : رواه ابن حجر عنه فى فتح الباري 8/ 325.
(2) . - 589: صدر بيت تمامه:
وأضحى يريد الصرم أو يتدلل
فى ديوانه 2/ 28، والكامل للمبرد ص 418 والطبري 17/ 80.
(3) . - 10 «قال» : القائل مسيب بن زيد بن مناة الغنوي(2/44)
وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ (7) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ (8) ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ (9)
وفى آية أخرى «وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ» (66/ 4) أي ظهراء وقال:
إن العواذل ليس لى بأمير
«1» [590] أراد أمراء:.
«أَرْذَلِ الْعُمُرِ» (5) مجازه أن يذهب العقل ويخرف..
«وَتَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً» (5) أي يابسة لا نبات فيها ويقال:
ويقال رماد هامد إذا كان يدرس..
«زَوْجٍ بَهِيجٍ» (5) أي حسن قشيب جديد ويقال أيضا بهج..
«وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ» (7) أي يجىء..
«ثانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ» (9) يقال جاءنى فلان ثانى عطفه أي يتبختر من التكبر «2» «3» ، قال الشّمّاخ:
__________
(1) . - 590: عجز بيت مع صدره فى القرطبي 12/ 11 وشواهد المغني ص 191 من غير عزو
(2) . - 10- 11 «يقال ... التكبر» : انظر هذا الكلام فى الطبري 17/ 84.
(3) . - 592: البيت من كلمة فى الأغانى 15/ 111 وهو مروى هكذا:
ماذا عليك من الوقوف بهامد وإنك غير صاغر.(2/45)
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (11) يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُ وَمَا لَا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ (12) يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ (13) إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ (14) مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ (15)
نبّئت أن ربيعا أن رعى إبلا ... يهدى إلىّ خناه ثانى الجيد
«1» [593] قال أبو زبيد:
فجاءهم يستنّ ثانى عطفه ... له غيب كأنما بات يمكر
«2» [594] .
«وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلى حَرْفٍ» (11) كل شاك فى شىء فهو على حرف لا يثبت ولا يدوم «3» وتقول: إنما أنت لى على حرف، أي لا أثق بك.
«لَبِئْسَ الْمَوْلى» (13) مجازه هاهنا ابن العم، «وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ» (13) الخليط المعاشر..
«مَنْ كانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ» (15) مجازه أن لن يرزقه الله وأن لن يعطيه الله، قال وقف علينا سائل من بنى بكر على حلقة فى المسجد الجامع فقال: من ينصرنى نصره الله أي من يعطينى أعطاه الله «4» ويقال نصر المطر أرض كذا، أي جادها وأحياها، قال وبيت الراعي:
وانصرى أرض عامر
«5» [595]
__________
(1) . - 593: ديوانه ص 22 والكامل للمبرد ص 8 والسمط ص 214. [.....]
(2) . - 594: فى شعراء النصرانية 2/ 72.
(3) . - 3- 4 «كل ... يدوم» : روى ابن حجر هذا الكلام عنه فى فتح الباري 8/ 336.
(4) . - 8- 9 «قال ... أعطاه الله» : قال فى الجمهرة (2/ 360: قال الأصمعى وأبو زيد وقف علينا أعرابى فقال انصروني نصركم الله أي أعطونى.
(5) . - 595: قطعة بيت تمامه:
إذا أدبر الشهر الحرام فودعى ... بلاد تميم وانصرى أرض عامر
فى الجمهرة 2/ 359 واللسان والتاج (نصر) .(2/46)
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (17) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ (18) هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ (19) يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ (20)
أي تعمدى، وقال الراعي:
أبوك الذي أجدى علىّ بنصره ... فانصت عنى بعده كلّ قائل
«1» [596] أي بعطيّته وقال:
وإنك لا تعطى امرأ فوق حظه ... ولا تملك الشقّ الذي الغيث ناصره
«2» [597] .
«فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّماءِ» (15) أي بحبل..
«إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصارى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ» (17) مجازه: الله يفصل بينهم، و «إن» من حروف الزوائد والمجوس من العجم «وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا» من العرب، وقال آخرون: قد تبدأ العرب بالشيء ثم تحوّل الخبر إلى غيره إذا كان من سببه كقول الشاعر:
فمن يك سائلا عنى فإنى ... وجروة لا ترود ولا تعار
(276) بدأ بنفسه ثم خبرّ عن فرسه وقال الأعشى:
وإن إمراء أهدى إليك ودونه ... من الأرض موماة وبيداء سملق (277)
لمحقوقة أن تستجيبى لصوته ... وأن تعلمى أن المعان موقّف
بدأ بالمهدي ثم حوّل الخبر إلى الناقة:.
«يُصْهَرُ بِهِ» (20) يذاب به، قال الشاعر:
شّك السّفافيد الشّواء المصطهر
«3» [598]
__________
(1) . - 596: فى الجمهرة 2/ 360 من عزو.
(2) . - 597: نسب البيت فى الطبري (17/ 87) والقرطبي 12/ 22 للفقعسى.
(3) . - 598: الشطر فى ديوان المجاج ص 19 والطبري (17/ 92) واللسان والتاج (صهر) .(2/47)
إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (23) وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ (24) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (25)
ومنه قولهم: صهارة الألية «1» وقال ابن أحمر:
تروى لقى ألقى فى صفصف ... تصهره الشمس فما ينصهر
«2» [599] تروى: تصيّر له راوية لفراخها كما يروى راوية القوم عليهم وهو البعير والحمار..
«وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ» (23) مجازه لبوسهم، قال أبو كبير الهدلىّ:
ومعى لبوس للبئيس كأنه ... روق بجبهة ذى نعاج مجفل
(585) أي مسرع، ذو نعاج يعنى الثور..
«سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ» (25) أي المقيم فيه «وَالْبادِ» : الذي لا يقيم فيه.
«وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ» (25) مجازه ومن يرد فيه إلحادا والباء من حروف الزوائد وهو الزيغ والجور والعدل عن الحق وفى آية أخرى «مِنْ طُورِ سَيْناءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ» (23/ 20) مجازه تنبت الدهن والعرب قد تفعل ذلك قال الشاعر
بواد يمان ينبت الشّثّ صدره ... وأسفله بالمرخ والشّبهان
«3» [600]
__________
(1) . - 1 «صهارة الألية» : يقال لما أذيب من الشحم: الصهارة والجميل وما أذيب من الأولية فهو حم إذا لم يبق فيه الودك (اللسان)
(2) . - 599: فى الطبري 17/ 92 والقرطبي 12/ 27 واللسان والتاج (صهر) .
(3) . - 600: البيت فى الطبري 17/ 94 والجمهرة 1/ 45، 3/ 414 واللسان (شت، شبه) والاقتضاب ص 457 والقرطبي 12/ 36. قال ابن دريد: قال الشاعر امرؤ القيس وذكر الاصبهانى أنه ليعلى الأحول- كما هو مذكور فى الاقتضاب، وقال فى اللسان: قال رجل من عبد القيس قال ابن برى قال أبو عبيدة للأحول اليشكري واسمه يعلى قال وتقديره وينبت أسفله المرخ على أن تكون الباء زائدة.. إلخ.(2/48)
وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (26) وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27)
المعنى: وأسفله ينبت المرخ قال:
حوءبة تنقض بالضّلوع
«1» (601) أي تنقض الضلوع والحوأبة الدلو العظيم، يقال إنه لحوب البطن أي عظيمة قال الأعشى:
ضمنت برزق عيالنا أرماحنا ... ملء المراجل والصريح الأجردا
«2» (602) أي ضمنت رزق عيالنا أرماحنا والباء من حروف الزوائد..
«وَإِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ» (26) مجازه من قوله:
ليتنى كنت قبله قد بوّأت مضجعا
(603) ويقال للرجل: هل تبوّأت بعدنا أي هل تزوجت..
«وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالًا وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ» (27) قوم يفتحون أول الحجّ وقوم يكسرونه وواحد الرجال راجل بمنزلة صاحب والجميع صحاب وتاجر والجميع تجار والقائم والجميع قيام يأتوك مشاة وعلى كل ضامر أي ركبانا «يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ» (27) أي بعيد قال:
يقطعن بعد النازح العميق
«3» (604) .
«فَجٍّ» أي مسلك وناحية
__________
(1) . - 601: الجمهرة 1/ 231 واللسان والتاج (حوب) .
(2) . - 602: ديوانه ص 154 والطبري 17/ 94 واللسان والتاج (جرد) وشرح أدب الكاتب للجواليقى ص 380.
(3) . - 605: فى الكامل للمبرد ص 65، 224 والطبري 18/ 10 والاقتضاب ص 458 والقرطبي 12/ 35 والخزانة 4/ 160.(2/49)
لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ (28) ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (29) ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (30) حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ (31) ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ (32) لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ (33) وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ (34) الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (35) وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (36)
«مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ» (28) خرجت مخرج «يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا» (22/ 5) والهائم: الأنعام والدواب..
«ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ «1» » (29) وهو الأخذ من الشارب وقصّ الأظفار ونتف الإبط والاستحداد وحلق العانة..
«الزُّورِ» (30) الكذب..
«سَحِيقٍ» (31) والسحيق البعيد وهو من قولهم أبعده الله وأسحقه وسحقته الرّيح، ومنه نخلة سحوق أي طوبلة ويقال: بعد وسحق وقال ابن قيس الرقيّات:
كانت لنا جارة فأزعجها ... قاذورة يسحق النّوى قدما
«2» [606] وقالوا يسحق، والقاذورة: المتقذر الذي لا يخالط الناس لا تراه إلّا معتزلا من الناس والنوى: من السفر..
«فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْها صَوافَّ» (36) أي مصطفّة وتصفّ بين أيديها «3» وهو من المضاعف، وبعضهم يجعلها من باب الياء فيقول صواف يتركون الياء من الكتاب كما يقول: هذا قاض، وواحدتها صافية لله.
__________
(1) . - 3 «التفث» نقل القرطبي (12/ 29، 50) عن ابن العربي فى تفسير هذه الكلمة أنه قال: وهذه اللفظة غريبة لم يجد أهل العربية فيها شعرا ولا أحاطوا بها خبرا خيرا لكنى تتبعت «التفث» لفة فرأيت أبا عبيدة معمر بن المثنى قال إنه قص الأظفار ... إلخ.
وروى ابن دريد تفسيره هذا عنه فى الجمهرة 2/ 2. [.....]
(2) . - 606: فى الطبري 17/ 109 واللسان والتاج (سحق) .
(3) . - 12 «مصطفة.. أيديها» : انظر الكلام فى الطبري 17/ 109.(2/50)
«فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها» (36) أي سقطت، ومنها وجوب الشمس إذا سقطت لتغيب، وقال أوس بن حجر:
ألم تكسف الشمس والبدر وال ... كواكب للجبل الواجب
«1» [608] أي الواقع:.
«وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ وَالْمُعْتَرَّ» (36) مجازه السائل الذي قنع إليكم تقدير فعله: ذهب يذهب ومعناه سأل وخضع «2» ومصدره القنوع، قال الشّمّاخ:
لمال المرء يصلحه فيغنى ... مفاقره أعفّ من القنوع
«3» [609] أي من الفقر والمسألة والخضوع. والمعترّ الذي يعتريك يأتيك لتعطيه تقول:
اعترّنى وعرّنى واعتريته واعتقيته إذا ألممت به قال حسّان:
__________
(1) . - 608: ديوانه رقم 3 وهو فى الطبري 17/ 108 والسمط ص 466 والقرطبي 12/ 63.
(2) . - 1 «وكل ... فزع» الذي ورد فى الفروق: رواه ابن دريد عن أبى عبيدة فى الجمهرة 1/ 215.
(3) . - 609: ديوانه ص 56 والطبري 17/ 110 والجمهرة 3/ 132 والقرطبي 12/ 64 واللسان (قنع) .(2/51)
الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40) الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ (41) وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَثَمُودُ (42) وَقَوْمُ إِبْرَاهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ (43) وَأَصْحَابُ مَدْيَنَ وَكُذِّبَ مُوسَى فَأَمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ (44) فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ (45)
لعمرك ما المعترّ يأتى بلادنا ... لنمنعه بالضائع المتهضّم
«1» [612] وقال لبيد فى القنوع:
وإعطائى المولى على حين فقره ... إذا قال أبصر خلّتى وقنوعى
«2» [613] وأما القانع فى معنى الراضي فإنه من قنعت به قناعة وقناعا وقنعا، تقديره علمت، يقال من القنوع: قنع يقنع قنوعا، والقانع قنع يقنع قناعة وقنعانا وقنعا وهو القانع الراضي..
«الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ» (40) مجازه مجاز المختصر الذي فيه ضمير كقولك: إلا أنهم يقولون الحق..
«لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَواتٌ» (40) مجازها مصلّيات «3» ..
«كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعادٌ» (42) قوم، يذكّر ويؤنّث..
«فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ» (45) الياء من فكأيّن مثقلة وهى قراءة الستة ويخففها آخرون قال ذو الرمّة:
__________
(1) . - 612: ديوانه ص 395.
(2) . - 613: ديوانه 1/ 50.
(3) . - 10 «بيوت ... أسفارهم» الذي ورد فى الفروق: رواه القرطبي (12/ 71) عن أبى عبيدة.(2/52)
لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلًا يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ (59)
وكائن تخطّت ناقتى من مفازة ... وهلباجة لا يطلع الهمّ رامك
«1» [614] أي يطلب ومعناها وكم من قرية..
«وَقَصْرٍ مَشِيدٍ» (45) مجازه مجاز مفعول من «شدت نشيد» أي زيّنته بالشّيد وهو الجصّ والجيّار والملاط «2» الجيار الصاروج وهو الكلس وقال عدى ابن زيد العبادىّ.
شاده مرمرا وجلّله كلسا ... فللطير فى ذراه وكور
«3» [615] وهو الكلس وقال:
كحيّة الماء بين الطّىّ والشّيد
«4» [616] .
«لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلًا» (59) الميم مضمومة لأنها من «أدخلت» والخاء مفتوحة وإذا كان من دخلت فالميم والخاء مفتوحتان.
__________
(1) . - 614: ديوانه ص 424. - الهلباجة: الأهوج الفاجر: الدامك: مقيم الذي لا يبرح (شرح الديوان) .
(2) . - 4 «الملاط» : الطين الذي يجعل بين صافى البناء ويملط به الحائط (اللسان) .
(3) . - 615: من كلمة فى الأغانى 2/ 17- 40 وشعراء النصرانية 1/ 456 وهو فى الكامل للمبرد ص 58 والطبري 17/ 116 والقرطبي 12/ 74 واللسان والتاج (شيد) .
(4) . - 616: البيت للشماخ فى ديوانه ص 25 والجمهرة 2/ 271 واللسان والتاج (غمر) .(2/53)
وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكُمُ النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (72) يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ (73) مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (74) اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (75) يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (76) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (77) وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (78)
«يَكادُونَ يَسْطُونَ» (72) أي يفرطون عليه ومنه السطوة..
«بِشَرٍّ مِنْ ذلِكُمُ النَّارُ» (72) مرفوعة على القطع من شركة الباء ولكنه مستأنف خبّر عنه ولم تعمل الباء فيه وقال:
«وبلد بآله مؤزّر ... إذا استقلوا من مناخ شمّروا
«1» «2» «3» [617] وإن بدت أعلام أرض كبّروا مؤزر مرفوع على ذلك القطع..
«ما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ» (74) مجازه ما عرفوا الله حق معرفته، ولا وصفوه مبلغ صفته..
«فَنِعْمَ الْمَوْلى» (78) أي الرب.
__________
(1) . - 617: نسبت الاشطار فى حاشية لرؤبة ولم أجدها فى مظانها.
(2) . - 619: فى اللسان (منى) . [.....]
(3) . - 620: فى اللسان (منى) .(2/54)
الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (4) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (7) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (8) وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (9) أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ (10) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (11) وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ (12)
«سورة المؤمنون» (23)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
«فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ» (2) أي لا تطمح أبصارهم ولا يلتفتون مكبون..
«وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ» (12) مجازها الولد والنطفة قالت بنت النّعمان بن بشير الأنصاريّة:
وهل كنت إلّا مهرة عربيّة ... سلالة أفراس تجلّلها بغل «1» [621]
فإن نتجت مهرا كريما فبالحرى ... وإن يك إقراف فمن قبل الفحل
تقول لزوجها روح بن زنباع الجذامىّ.
__________
(1) . - 621: «بنت النعمان» اسمها هند انظر الأغانى 8/ 134 والسمط ص 179- والبيتان فى السمط 179 والأول فى الطبري 18/ 6 واللسان (سلل) والقرطبي 12/ 109.(2/55)
وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ (17) وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ (18) فَأَنْشَأْنَا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ لَكُمْ فِيهَا فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (19) وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ (20)
ويقال: سليلة وقال:
يقذفن فى أسلائها بالسلائل
[623] وقال حسّان:
فجاءت به عضب الأديم غضنفرا ... سلالة فرج كان غير حصين
«1» [624] ويقال لبن غضنفر أي خائر غليظ والأسد سمّى غضنفر لكثافته وعظم هامته وأذنيه، والغضنفر الغليظ من اللبن ومن كل شىء..
«سَبْعَ طَرائِقَ» (17) مجازها أن كل شىء فوق شىء فهو طريقة من كل شىء والمعنى هاهنا السموات لأن بعضهن فوق بعض..
«تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ» (20) مجازه تنبت الدهن والباء من حروف الزوائد وفى آية أخرى «وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ» (22/ 25) مجازه يريد فيه إلحادا قال الراجز:
نحن بنو جعدة أصحاب الفلج ... نضرب بالبيض ونرجو بالفرج
(605)
__________
(1) . - 624: ديوانه ص 422- والطبري 18/ 16، 21/ 55 والقرطبي 11/ 109، واللسان (سلل) .(2/56)
إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ (25) قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ (26) فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا فَإِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ فَاسْلُكْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ (27) فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (28)
أي نرجو الفرج..
«طُورِ سَيْناءَ» (20) الطور الجبل قال العجّاج:
دانى جناحيه من الطّور فمرّ
«1» [625] و «سَيْناءَ» اسم..
«بِهِ جِنَّةٌ» (25) مجازها مجاز الجنون وهما واحد..
«فَاسْلُكْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ» (27) مجازها فاجعل واحمل وفى آية أخرى «ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ» (74/ 42) قال عدى بن زيد:
وكنت لزاز خصمك لم أعرّد ... وقد سلكوك فى يوم عصيب
«2» [329] وبعضهم يقول اسلك بالألف قال:
حتى إذا أسلكوهم فى قتائدة ... شلّأ كما تطرد الجمالة الشردا
(46)
«فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ» (28) مجازه إذا علوت على السفينة وفى آية أخرى: «عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى» (20/ 5) أي علا وقال آخرون: حتى إذا كنت أنت ومن معك فى الفلك، لأن «فى» و «على» واحد كقوله «وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ» (20/ 71) أي على جذوع النخل
__________
(1) . - 625: فى ديوانه ص 17- والطبري 20/ 41 وشواهد الكشاف 149.
(2) . - 329: من قصيدة فى الأغانى (الدار) 2/ 111 وشعراء الجاهلية 451 والبيت فى الطبري 18/ 12.(2/57)
وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاءِ الْآخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ (33) وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَرًا مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ (34) أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ (35) هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ (36) إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ (37) إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا وَمَا نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ (38) قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ (39) قَالَ عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ (40)
والفلك هاهنا السفينة وقد يقع على الواحد والجميع بلفظ واحد..
«فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ» (28) مرفوع لأنه حكاية يأمره أن يلفظ بهذا اللفظ ولم يعملوا فيه «قل خيرا» فينصبونه..
«وَأَتْرَفْناهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا» (33) مجازه وسعنا عليهم «1» فأترفوا فيها وبغوا وبطروا فكفروا وأعجبوا قال العجّاج:
«وقد أرانى بالديار مترفا
«2» [626] .
«عَمَّا قَلِيلٍ» (40) مجازه عن قليل وما من حروف الزوائد فلذلك جروه وفى آية أخرى «إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها» (2/ 26) والعرب قد تفعل ذلك، قال النّابغة:
قالت ألا ليت ما هذا الحمام لنا ... إلى حمامتنا ونصفه فقد
(42) ويقال فى المثل: ليت ما من العشب خوصة» .
__________
(1) . - 4 «وسعنا عليهم» : أخذ البخاري تفسير أبى عبيدة هذا وأشار إليه ابن حجر بقوله:
وهو تفسير أبى عبيدة قال فى قوله تعالى: «وأترفناهم ... وسعنا عليهم ... إلخ» (فتح الباري 8/ 336) .
(2) . - 626: ديوانه 82.
(3) . - 11 «ليت ... خوصة» : لقد مر تخريج هذا المثل.(2/58)
فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَاءً فَبُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (41) ثُمَّ أَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قُرُونًا آخَرِينَ (42) مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ (43) ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى كُلَّ مَا جَاءَ أُمَّةً رَسُولُهَا كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُمْ بَعْضًا وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ فَبُعْدًا لِقَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ (44) ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَى وَأَخَاهُ هَارُونَ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ (45) إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا عَالِينَ (46) فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ (47) فَكَذَّبُوهُمَا فَكَانُوا مِنَ الْمُهْلَكِينَ (48) وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (49) وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ (50)
«فَجَعَلْناهُمْ غُثاءً «1» » (41) وهو ما أشبه الزبد وما ارتفع على السيل وما أشبه ذلك مما لا ينتفع به فى شىء.
«ثُمَّ أَرْسَلْنا رُسُلَنا تَتْرا» (44) أي بعضهم فى أثر بعض ومنه قولهم:
جاءت كتبه تترى، والوجه أن لا ينوّن فيها لأنها تفعّل وقوم قليل ينونون فيه لأنهم يجعلونه اسما ومن جعله اسما فى موضع تفعل لم يجاوز به ذلك فيصرفه..
«وَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ» (44) أي يتمثّل بهم فى الشر ولا يقال فى الخير:
جعلته حديثا.
«لَنا عابِدُونَ» (47) أي داينون مطيعون، وكل من دان الملك فهو عابد له ومنه سمى أهل الخيرة العبّاد..
«وَآوَيْناهُما إِلى رَبْوَةٍ» (50) تقديره أفعلنا وأوى هو على تقدير عوى ومعناه ضممنا وربوة يضمّ أولها ويكسر وهى النّجوة من الأرض ومنها قولهم:
فلان فى ربوة من قومه، أي عزّ وشرف وعدد..
«ذاتِ قَرارٍ وَمَعِينٍ» (50) أي تلك الربوة لها ساحة وسعة أسفل منها وذات معين أي ماء جار طاهر بينهم.
__________
(1) . - 1 «غثاء» أخذ البخاري تفسير هذه الآية لأبى عبيدة وأشار إليه ابن حجر وروى روايتين أخريين له أيضا (فتح الباري 8/ 338) .(2/59)
فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (53) فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ (54) أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ (55) نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَلْ لَا يَشْعُرُونَ (56) إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (57) وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (58) وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ (59) وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ (60) أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ (61) وَلَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (62) بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هَذَا وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ (63) حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ (64) لَا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ إِنَّكُمْ مِنَّا لَا تُنْصَرُونَ (65) قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنْكِصُونَ (66) مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِرًا تَهْجُرُونَ (67)
«زُبُراً» (53) أي قطعا، ومن قرأها زبرا- بفتح الباء- فإنه يجعل واحدتها زبرة كزبرة الحديد: القطعة.
«إِذا هُمْ يَجْأَرُونَ» (64) أي يرفعون أصواتهم كما يجأر الثور، قال عدى بن زيد:
إنّني والله فاسمع حلفى ... بأبيل كلما صلّى جأر
(423) .
«فَكُنْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ تَنْكِصُونَ» (66) يقال لمن رجع من حيث جاء: نكص فلان على عقبيه «1» ..
«سامِراً تَهْجُرُونَ» (67) مجازه: تهجرون سامرا «2» وهو من سمر الليل، قال ابن أحمر:
من دونهم إن جئتهم سمرا ... عزف القيان ومجلس غمر
«3» [627] وسامر فى موضع «سمّار» بمنزل طفل فى موضع أطفال «4» .
__________
(1) . - 6- 7 «يقال ... عقبيه» : أخذ البخاري تفسيره هذا (انظر فتح الباري 8/ 339) .
(2) . - 8- 11 «سامرا ... أطفال» : قال الطبري (18/ 26) وكان بعض البصريين يقول وحد ومعناه الجمع كما قيل طفل فى موضع أطفال ومما يبين عن صحة ما قلنا فى أنه موضع الوقت فوحد لذلك قول الشاعر: البيت.
(3) . - 627: والبيت فى القرطبي 12/ 137 أيضا
(4) . - 629: فى اللسان (حضر) .(2/60)
أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجًا فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (72) وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (73) وَإِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ (74) وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (75) وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ (76) حَتَّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (77) وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ (78) وَهُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (79) وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ وَلَهُ اخْتِلَافُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (80) بَلْ قَالُوا مِثْلَ مَا قَالَ الْأَوَّلُونَ (81) قَالُوا أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (82) لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا هَذَا مِنْ قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (83) قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (84) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (85) قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (86) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ (87) قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (88) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ (89) بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِالْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (90) مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (91) عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (92) قُلْ رَبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي مَا يُوعَدُونَ (93) رَبِّ فَلَا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (94) وَإِنَّا عَلَى أَنْ نُرِيَكَ مَا نَعِدُهُمْ لَقَادِرُونَ (95) ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ (96) وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ (97)
«أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً» (72) أي إتاوة وغلّة كخرج العبد إلى مولاه، أو الرعية إلى الوالي. والخرج أيضا من السحاب ومنه يرى اشتقّ هذا أجمع قال أبو ذؤيب:
إذا همّ بالإقلاع هبّت له الصّبا ... وأعقب نوء بعدها وخروج
«1» [629] قال ابو عمرو الهذلي: إنما سمى خروجا الماء الذي يخرج منه..
«عَنِ الصِّراطِ لَناكِبُونَ» (74) أي لعادلون، يقال نكب عنه، ويقال: نكب عن فلان، أي عدل عنه، ويقال: نكب عن الطريق، أي عدل عنه..
«قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ» (89) أي فكيف تعمون عن هذا وتصدون عنه ونراه من قوله: سحرت أعيننا عنه فلم ينصره..
«مِنْ هَمَزاتِ الشَّياطِينِ» (97) وهمز الشيطان غمزه الإنسان وقمعه فيه.
__________
(1) . - 629: ديوانه ص 52، واللسان، والتاج (خرج) . [.....](2/61)
لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100) فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ (101) فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (102) وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ (103) تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ (104) أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ (105) قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ (106) رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ (107) قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ (108) إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (109) فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ (110) إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ (111) قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ (112) قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ (113) قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (114) أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (115) فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ (116) وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ (117)
«وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ» (100) أي أمامهم وقدّامهم، قال الشاعر:
أترجو بنو مروان سمعى وطاعتى ... وقومى تميم والغلاة ورائيا
(387) وما بين كل شيئين برزخ وما بين الدنيا والآخرة برزخ، قال:
ومقدار ما بينى وبينك برزخ
(631) .
«فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا» (110) مكسورة الأولى لأنه من قولهم: يسخر منه، وبعضهم يضم أوله، لأنه يجعله من السخرة والتسخّر بهم.
«لا بُرْهانَ» (117) لا بيان.(2/62)
سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنْزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (1) الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (2) الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (3) وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (4) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5) وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (6) وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (7) وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ (8) وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ (9) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ (10) إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ (11)
«سورة النّور» (24)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
«سُورَةٌ «1» أَنْزَلْناها» (1) مرفوعة بالابتداء ثم جاء الفعل مشغولا بالهاء عن أن تعمل فيها وبعضهم ينصبها على قولهم زيدا لقيته والمعنى لقيت زيدا..
«فَرَضْناها» (1) أي حددنا فيها الحلال والحرام، ومن خففه جعل معناه من الفريضة..
«الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما» (2) مرفوعا من حيث رفع «السَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما» (5/ 38) وكان بعضهم ينصبهن..
«وَيَدْرَؤُا عَنْهَا الْعَذابَ» (8) مجازه، عنها الحدّ والرجم..
«جاؤُ بِالْإِفْكِ» (11) مجازه، الكذب والبهتان، يقال كذب فلان وأفك، أي أثم.
__________
(1) . - 3 «سُورَةٌ» : قال القرطبي (12/ 158) فى تفسير هذه الكلمة: وقرئ سورة بالرفع على أنها مبتدأ وخبرها أنزلناها قاله أبو عبيدة والأخفش.(2/63)
لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ (12) لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ (13) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (14) إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ (15) وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ (16)
«تَوَلَّى كِبْرَهُ» (11) أي تحمّل معظمه وهو مصدر الكبير من الأشياء والأمور، وفرقوا بينه وبين مصدر الكبير السن فضمّوا هذا فقالوا: هو كبر قومه وقد قرأ بعضهم بالضمة بمنزلة مصدر الكبير السنّ «كِبْرَهُ» . ويقال فلان:
ذو كبر مكسور أي كبرياء..
«ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً» (12) أي بأهل دينهم وبأمثالهم..
«لَوْلا جاؤُ عَلَيْهِ» (13) مجازه هلا جاءوا عليه وقال:
تعدّون عقر النيّب أفضل سعيكم ... بنى ضوطرى لولا الكمىّ المقنّعا
(63) أي فهلّا تعدّون قتل الكمىّ..
«فِيما أَفَضْتُمْ فِيهِ» (14) أي حضتم فيه..
«إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ» (15) مجازه تقبلونه ويأخذه بعضكم عن بعض قال أبو مهدى: تلقيت هذا عن عمّى تلقاه عن أبى هريرة تلقاه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم «1»
..
«قُلْتُمْ ما يَكُونُ لَنا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهذا سُبْحانَكَ هذا بُهْتانٌ عَظِيمٌ» (16) أي ما ينبغى
__________
(1) . - 12- 13 «قال ... وسلم» : قد مر هذا الكلام فى الجزء الأول ص 38.(2/64)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (21) وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (22) إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (23) يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (24) يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ (25) الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (26) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (27) فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (28) لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ (29) قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (31) وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (32)
«خُطُواتِ الشَّيْطانِ» (21) مجازه آثار الشيطان ومذاهبه ومسالكه، وهو من «خُطُواتِ» ..
«وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ» (22) مجازه ولا يفتعل من آليت:
أقسمت، وله موضع آخر من ألوت بالواو. أولو الفضل: أي ذوو السّعة والجدة، والفضل التفضل..
«أَوْ آباءِ بُعُولَتِهِنَّ» (31) جمع بعل وهو أزواجهن «أَوْ إِخْوانِهِنَّ» أي إخوتهن.
«غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ» (31) مجازه مجاز الإربة الذين لهم فى النساء إربة وحاجة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم أملكهم «1» لإربه أي لشهوته وحاجته إلى النساء..
«الْأَيامى» (32) من الرجال والنساء الذين لا أزواج لهم ولهن، ويقال:
رجل أيم وامرأة أيمة وأيم أيضا، قال الشاعر:
فإن تنكحى أنكح وإن تتأيّمى ... وإن كنت أفتى منكم أتأيّم
«2» [632]
__________
(1) . - 9 «وكان ... أملكهم» : هذا حديث قالته عائشة رضى الله عنها فى وصف النبي عليه السلام وهو فى النهاية واللسان (أرب) قال صاحب اللسان: كان ... لاربه أي لحاجته تعنى أنه صلى الله عليه وسلم كان أغلبكم لهواه وحاجته أي كان يملك نفسه وهواه.
(2) . - 602: فى الطبري 18/ 88 والقرطبي 12/ 240 واللسان والتاج (أيم) .(2/65)
وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ (33) وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَمَثَلًا مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (34) اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (35) فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (36) رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ (37) لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (38) وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (39)
«وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ» (33) مجازها إمائكم والفتى فى موضعها العبد أيضا والبغاء مصدر: البغي وهو الزناء.
«مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ» (35) وهى الكوّة فى الحائط التي ليست بنافذة، ثم رجع إلى المشكاة فقال: «كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ» بغير همز أي مضىء ويراد كالدرّ إذا ضممت أوله، فإن كسرت جعلته فعيلا من درأت وهو من النجوم الدرارئ اللاتي يدرأن «1» ..
«يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ» (35) مجازه لا بشرقية تضحى للشمس ولا تصيب ظلا ولا بغربية فى الظل ولا يصيبها الشرق ولكنها شرقية وغربية يصيبها الشرق والغرب وهو خير الشجر والنبات..
«كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ» (39) السراب يكون نصف النهار وإذا اشتدّ الحرّ والآل يكون أول النهار يرفع كل شخص. و «القيعة» والقاع واحد «2» .
__________
(1) . - 6 «الدراري ... يدر أن» : نقل الطبري (18/ 97) هذا الكلام عن بعض أهل العلم بكلام العرب من أهل البصرة، ولعله يريد أبا عبيدة.
(2) . - 11- 21 «والقيعة ... واحد» : روى القرطبي (12/ 282) هذا الكلام عنه عن طريق النحاس.(2/66)
أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ (40) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ (41) وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (42) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ (43)
«لُجِّيٍّ» (40) مضاف إلى اللجة وهى معظم البحر..
«لَمْ يَكَدْ يَراها» (40) لباب كاد مواضع: موضع للمقاربة، وموضع للتقديم والتأخير، وموضع لا يدنو لذلك وهو لم يدن لأن يراها ولم يرها فخرج مخرج لم يرها ولم يكد وقال فى موضع المقاربة: ما كدت أعرف إلا بعد إنكار، وقال فى الدّنوّ: كاد العروس أن يكون أميرا، وكاد النّعام يطير «1» ..
«أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحاباً» (43) أي يسوق..
«ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكاماً» (43) أي متراكما بعضه على بعض..
«فَتَرَى الْوَدْقَ» (43) أي القطر والمطر، قال عامر بن جوين الطّائى:
فلا مزنة ودقت ودقها ... ولا أرض أبقل إبقالها
«2» [603]
__________
(1) . - 5 «والعروس ... يطير» : هذا مثل أو مثلين انظره فى الميداني (طبع حجر) ص 497 والفرائد 2/ 126، 130.
(2) . - 603: عامر بن جوين: شاعر جاهلى كان خليعا فاتكا وشريفا وفيا انظر حياته فى المعمرين رقم 40 والشعراء ص 54 والأغانى 8/ 66- والبيت من الأبيات المختلف فى عزوها وقال بعضهم إنه للخنساء ولم أجده فى ديوانها: وانظر الاختلاف فى الخزانة 1/ 21، 3/ 330 وهو فى الكتاب 1/ 205 والطبري 18/ 106 والشنتمرى 1/ 240 والقرطبي 12/ 289 والعيني 2/ 464 وشواهد المغني ص 313.(2/67)
وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (45) لَقَدْ أَنْزَلْنَا آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (46) وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (47) وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ (48) وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ (49)
«يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ» (43) أي من بين السحاب، يقال: من خلاله ومن خلله، قال زيد الخيل:
ضربن بغمرة فخرجن منها ... خروج الودق من خلل السّحاب
«1» [605] .
«سَنا بَرْقِهِ» (43) منقوص أي ضوء البرق و «سناء» الشرف ممدود «2» ..
«فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ» (45) فهذا من التشبيه لأن المشي لا يكون على البطن إنما يكون لمن له قوائم فإذا خلطوا ماله قوائم بما لا قوائم له جاز ذلك كما يقولون: أكلت خبزا ولبنا ولا يقال: أكلت لبنا، ولكن يقال: أكلت الخبز قال الشاعر:
يا ليت زوجك قد غدا ... متقلّدا سيفا ورمحا
«3» «4» [606] .
«يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ «5» » (49) أي مقرّين مستخذين منقادين، يقال: أذعن لى: انقاد لى.
__________
(1) . - 605: «زيد الخيل» : هو زيد بن مهلهل بن زيد الطائي وإنما سمى زيد الخيل لكثرة خيله، له ترجمة فى الإصابة رقم 2941 والخزانة 2/ 448 وأخباره فى الأغانى 16/ 46- والبيت فى اللسان (ودق) .
(2) . - 4: «منقوص ... ممدود» : حكى ابن حجر هذا الكلام عنه فى فتح الباري (8/ 339) .
(3) . - 606: «الشاعر» هو: عبد الله بن الزبعرى، والبيت فى الكامل ص 183 والشنتمرى 1/ 307، وابن يعيش 1/ 224 وشواهد الكشاف ص 68.
(4) . - 607: فيما أضيف إلى ديوانه من الستة ص 184 وهو فى شواهد المغني 314.
(5) . - 10: «مُذْعِنِينَ» : روى ابن حجر تفسير هذه الكلمة عن أبى عبيدة ليستدل به على أخذ البخاري عنه (فتح الباري (8/ 339) .(2/68)
وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ قُلْ لَا تُقْسِمُوا طَاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (53) قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (54) وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (55) وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (56) لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ (57) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (58) وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (59) وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (60) لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالَاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (61) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (62) لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (63)
«قُلْ لا تُقْسِمُوا طاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ»
(53) مرفوعتان، لأنهما كلامان لم يقع الأمر عليهما فينصبهما، مجاز «لا تُقْسِمُوا»
أي لا تحلفوا وهو من القسم ثم جاءت طاعة معروفة ابتداء فرفعتا على ضمير يرفع به، أو ابتداء..
«لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ» (56) واجبة من الله..
«وَالْقَواعِدُ مِنَ النِّساءِ» (60) هن اللواتى قد قعدن عن الولد ولا يحضن قال الشّمّاخ:
أبوال النساء القواعد
«1» [608] [ «مُتَبَرِّجاتٍ» ] (60) التبرج أن يظهرن محاسنهن مما لا ينبغى لهن أن يظهرنها..
«وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ» (61) وأصله الضّيق..
«أَوْ ما مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ» (61) أو ما ملكتم إنفاذه وإخراجه لا يزاحم فى شىء منه..
«أَشْتاتاً» (61) شتّى وشتّات واحد..
«لِواذاً» (63) مصدر «لاوذته» من الملاوذة..
«الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ» (63) مجازه يخالفون أمره سواء، وعن زائدة.
__________
(1) . - 608: لم أجده فى ديوان الشماخ. [.....](2/69)
وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا (3) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا (4) وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (5) قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (6) وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا (7) أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا (8) انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا (9) تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُورًا (10) بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيرًا (11) إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا (12)
«سورة الفرقان» (25)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
« [وَلا] حَياةً وَلا نُشُوراً» (3) مصدر نشر الميّت نشورا وهو أن يبعث ويحيا بعد الموت قال الأعشى:
حتى يقول الناس مما رأوا ... يا عجبا للميّت الناشر
«1» [609] .
«إِنْ هَذا إِلَّا إِفْكٌ افْتَراهُ» (4) الإفك البهتان وأسوأ الكذب، افتراه أي اختلقه واخترعه من عنده..
«فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ» (5) أي تقرأ عليه وهى من أمليته عليه «2» ، وهى فى موضع آخر أمللت عليه..
«وَأَعْتَدْنا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيراً» (11) ثم جاء بعده
«إِذا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَها تَغَيُّظاً وَزَفِيراً» (12) والسعير مذكر وهو ما تسعّر من سمار النار، ثم جاء بعده فعل مؤنثة مجازها أنها النار، والعرب تفعل ذلك تظهر مذكرا من سبب مؤنثة ثم يؤنّثون ما بعد المذكر «3» على معنى المؤنثة.
__________
(1) . - 609: ديوانه ص 105- والطبري 19/ 513 والجمهرة 2/ 349: والقرطبي 13/ 3 واللسان والتاج (نشر) .
(2) . - 8 «فهى تملى ... أمليته عليه» : روى ابن حجر هذا الكلام عنه وزاد: يشير إلى قوله تعالى فى سورة البقرة «وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ» (282- فتح الباري 8/ 377) .
(3) . - 10- 12 «اعتدنا ... المذكر» : روى ابن حجر هذا الكلام عن أبى عبيدة أثناء كلامه على قول البخاري: وقال غيره السعير مذكر (فتح الباري 8/ 377) .(2/70)
وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا (13) لَا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا (14) قُلْ أَذَلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كَانَتْ لَهُمْ جَزَاءً وَمَصِيرًا (15) لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ خَالِدِينَ كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْدًا مَسْئُولًا (16) وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ (17) قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا (18)
قال المخيّس «1» :
إن تميما خلقت ملموما
[610] فتميم رجل ثم ذهب بفعله إلى القبيلة فأنّثه فقال: خلقت، ثم رجع إلى تميم فذكّر فعله فقال «ملموما» ثم عاد إلى الجماعة فقال:
قوما ترى واحدهم صهميما
ثم عاد إليه فقال:
لا راحم الناس ولا مرحوما.
«دَعَوْا هُنالِكَ ثُبُوراً» (13) أي هلكة «2» وهو مصدر ثبر الرجل أي هلك، قال:
إذا جارى الشيطان فى سنن الغىّ ومن مال ميله مثبور (455) .
«ما كانَ يَنْبَغِي لَنا» (18) مجازه ما يكون لنا و «كان» من حروف الزوائد هاهنا قال ابن أحمر:
__________
(1) . - 610: «المخيس» : المخيس بن أرطأة الأعرجى الراجز وهو أول شاعر مدح بنى العباس فى خلافتهم فمدح السفاح والمنصور. انظر ترجمته فى معجم المرزباني ص 579- وأنشد الجوهري هذه الأشطار مع آخر وقال: وأنشد أبو عبيد للمخيس واستشكله ابن برى وقال: صوابه أن يقول وأنشد أبو عبيدة للمخيس الأعرجى قال كذا قال أبو عبيدة فى كتاب المجاز فى سورة الفرقان عند قوله عز وجل «وَأَعْتَدْنا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيراً» فالسعير مذكر ثم أنثه فقال إذا ... سمعوا لها وكذلك قوله إن تميما ... الشطر، فجمع وهو يريد أبا الحي ثم قال فى الآخر: لا راحم، الشطر قال وهذا الرجز فى رجز رؤية (اللسان- صهم) .
لقد ورد الشطر الأول فقط بين الأبيات المفردات اللاتي فى آخر ديوانه (185) ، والثاني مع الثالث فى الجمهرة 3/ 373 وكلها فى التاج أيضا (صهم) .
(2) . - 8- 9 «ثبورا- هلكة» : روى ابن حجر هذا الكلام عنه فى فتح الباري 8/ 377.(2/71)
ما أمّ غفر على دعجاء ذى علق ... ينفى القراميد عنها الأعصم الوقل
«1» [611]
فى رأس خلقاء من عنقاء مشرفة ... لا ينبغى دونها سهل ولا جبل
وقل وو قل وندس وندس وحدث وحدث وفرد وفرد، والغفر ولد الوعل الصغير، والدعجاء: اسم هضبة «2» وذو علق جبل، والقراميد أولاد الوعول واحدها قرمود، والقراهيد «3» الصغار أيضا: الأعصم الذي بإحدى يديه بياض «4» ، والوقل المتوقّل فى الجبال، والخلقاء الملساء، والعنقاء:
الطويلة. قال أبو عبيدة: أي لا يكون سهل ولا جبل مثلها..
«وَلكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآباءَهُمْ» (18) أي أنسأتهم وأخّرتهم ومددت لهم..
«وَكانُوا قَوْماً بُوراً» (18) واحدهم بائر أي هالك ومنه قولهم: نعوذ بالله من بوار الأيّم «5» ، وبار الطعام وبارت السّوق أي هلكت وقال عبد الله ابن الزّبعرى:
__________
(1) . - 611: البيتان فى الطبري 23/ 91 والأول فى الجمهرة 3/ 375 ومعجم البلدان 3/ 712 واللسان والتاج (قرمد) .
والثاني فى القرطبي 11/ 158- «ذو علق» : قال فى معجم البلدان: جبل معروف فى أعلاه هضبة سوداء قال الأصمعى وأنشد أبو عبيدة لابن أحمر البيت ... إلخ.
(2) . - 4 «الهضبة» كل جبل خلق من صخرة واحدة وقيل كل صخرة راسية صلبة ضخمة هضبة (اللسان) .
(3) . - 4: القراميد والقراهيد: قال صاحب اللسان قال الأزهرى القراميد والقراهيد أولاد الوعول واحدها قرد.
(4) . - 5 «الأعصم ... بياض» : روى صاحب اللسان هذا الكلام عن أبى عبيدة (عصم) وهو فى الجمهرة أيضا (3/ 375)
(5) . - 10- 11 «نعوذ ... الأيم» : أي كسادها وهو أن تبقى المرأة فى بيتها لا يخطبها خاطب من بارت السوق إذا كسدت والأيم التي لا زوج لها وهى مع ذلك لا يرغب فيها أحد (اللسان) .(2/72)
وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا (21) يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا (22) وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا (23)
يا رسول المليك إنّ لسانى ... راتق ما فتقت إذ أنا بور
(390) وقال بعضهم: رجل بور ورجلان بور ورجال بور وقوم بور، وكذلك الواحدة والثنتان والجميع من المؤنثة «1» ..
«وَقالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا» (21) مجازه لا يخافون ولا يخشون. وقال أبو ذؤيب:
إذا لسعته الدبر لم يرج لسعها ... وحالفها فى بيت نوب عوامل
(309) ويروى خالفها بالخاء..
«وَيَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً» (22) أي حراما محرّما، قال المتلمّس:
حنّت إلى النّخلة القصوى فقلت لها ... حجر حرام ألا تلك الدّهاريس
(235) وفى آية أخرى «لِذِي حِجْرٍ» (89/ 5) أي لذى عقل ولبّ، ومن الحرام سمّى حجر الكعبة «2» ، والأنثى من الخيل يقال لها حجر..
«وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ» (23) مجازه وعمدنا إلى ما عملوا «3» ، قال:
__________
(1) . - 2- 3 «بعضهم ... المؤنثة» : انظر ما رواه صاحب اللسان عن أبى عبيدة فى تفسيره هذا (بور) .
(2) . - 11 «حجر الكعبة» قال الطبري: لأنه لا يدخل إليه فى الطواف وإنما يطاف من ورائه.
(3) . - 12- 13 «وعمدنا ... عملوا» : فى الطبري 19/ 3. (19/ 2) .(2/73)
الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا (26) وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27) يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا (28) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا (29) وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا (30) وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا (31) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا (32)
فقدم الخوارج الضّلّال ... إلى عباد ربّهم فقالوا
«1» [612] إنّ دماءكم لنا حلال مثل الغبار إذا طلعت فيه الشمس وليس له مسّ ولا يرى فى الظل «2» ..
«يَوْماً عَلَى الْكافِرِينَ عَسِيراً» (26) أي شديدا صعبا..
«مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا» (27) أي سببا ووصلة قال جرير:
أفبعد مقتلكم خليل محمد ... ترجو القيون مع الرسول سبيلا
«3» [613] .
«وَقالَ الرَّسُولُ يا رَبِّ» (30) وقال هاهنا فى موضع «يقول» والعرب تفعل ذلك قال الشاعر:
مثل العصافير أحلاما ومقدرة ... لو يوزنون بزفّ الرّيش ما وزنوا
[614] وهى فى موضع آخر لم يزنوا لأنهم لم يفعلوا بعد وقال:
إن يسمعوا ريبة طاروا بها فرحا ... منى وما يسمعوا من صالح دفنوا
«4» (210) أي يطيروا ويدفنوا..
«لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ» (32) مجازه لنطيّب به نفسك ونشجّعك.
__________
(1) . - 612: الأشطار فى الطبري 19/ 3 القرطبي 13/ 21. [.....]
(2) . - 3- 4 «وهو ... الظل» : روى ابن حجر هذا الكلام عنه (فتح الباري 7/ 376) .
(3) . - 613: ديوانه ص 454.
(4) . - 615: ديوانه ص 459.(2/74)
وَعَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا (38) وَكُلًّا ضَرَبْنَا لَهُ الْأَمْثَالَ وَكُلًّا تَبَّرْنَا تَتْبِيرًا (39) وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَهَا بَلْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ نُشُورًا (40) وَإِذَا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا (41) إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلَا أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذَابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلًا (42) أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا (43) أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا (44) أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا (45)
«أَصْحابَ الرَّسِّ» (38) أي المعدن «1» قال النابغة الجعدىّ:
سبقت إلى فرط ناهل ... تنابلة يحفرون الرّساسا
«2» [616] والرّساس المعادن..
«وَكُلًّا تَبَّرْنا تَتْبِيراً» (39) أي أهلكنا واستأصلنا..
«إِنْ كادَ لَيُضِلُّنا عَنْ آلِهَتِنا» (42) كاد هاهنا فى موضع المقاربة وقد فرغنا فوق هذا من مواضع «كادَ» ..
«تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا» (43) أي حفيظا..
«كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شاءَ لَجَعَلَهُ ساكِناً ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا» (45) فالظل ما أصبح ونسخته الشمس، ولو شاء الله لم تنسخه الشمس فتركه تاما ممدودا لم تنقصه الشمس، ولكنه جعل الشمس دليلا عليه، أي على الظل حيث نسخته، والشمس مؤنثة وجاءت صفتها على تقدير صفة المذكر، والعرب قد تفعل ذلك وإنما يريدون به البدل كقولهم: هى عديلى أي التي تعادلنى ووصىّ ونحو ذلك. قال الأعشى:
هى الصاحب الأدنى وبينى وبينها ... مجوف علافى وقطع ونمرق
«3» [617]
__________
(1) . - 1 «الرس أي المعدن» : نقل ابن حجر تفسير أبى عبيدة هذا (فتح الباري 8/ 377) .
(2) . - 616: ديوانه ص 75 والجمهرة 1/ 81 فى الطبري 19/ 6 وعجزه فى اللسان (رسس) والقرطبي 13/ 32.
(3) . - 617: ديوانه ص 147.(2/75)
وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا (48) لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا (49)
رجل علافىّ مجوف ضخم الجوف، وقال:
وصاحبى ذات هباب دمشق
«1» [618] وقالت:
قامت تبكيه على قبره ... من لى من بعدك يا عامر [619]
تركتنى فى الدار ذا غربة ... قد ذل من ليس له ناصر
«2» والفيء ما نسخ الشمس من الظل: وهو بالعشي وإذا استدارت الشمس.
«أرسل الرّياح نشرا» (48) أي حياة وهو من «نشر» ..
«بَلْدَةً مَيْتاً» (49) مخففة بمنزلة تخفيف هيّن وليّن وضيّق: هين ولين وضيق ولم تدخل الهاء فيها، والبلدة مؤنثة فتكون ميتة لأن المعنى وقع على المكان والعرب تفعل ذلك قال:
إن تميما خلقت ملموما
(610) فذهب بتذكيره إلى تميم وقال آخرون: بل الأرض التي ليس فيها نبات ميت بلا هاء، والروحانية إذا ماتت فهى ميتة بالهاء.
__________
(1) . - 618: من رجز فى اللسان والتاج (دمشق) للزفيان قال فى اللسان: وأنشد أبو عبيدة قول الزفيان والشطر فى الطبري مع آخر 21/ 57، الدمشق الناقة الخفيفة السريعة.
(2) . - 619: التنبيه للبكرى ص 30 والسمط ص 174 وذيله ص 74 واين يعيش 1/ 696.(2/76)
وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا (53) وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا (54) وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُهُمْ وَلَا يَضُرُّهُمْ وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيرًا (55)
«وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ» (53) إذا تركت الشيء وخلّيته فقد مرجته، ومنه قولهم مرج الأمير الناس أي خلّاهم بعضهم على بعض مرجت دابتك أي تركتها فى أمر مريج أي مختلط، وإذا رعيت الدابة فقد أمرجتها قال العجّاج:
رعى بها مرج ربيع ممرجا
«1» [620] وفى الحديث مرجت عهودهم وأماناتهم «2» أي اختلطت وفسدت..
«هذا عَذْبٌ فُراتٌ» (53) أي شديد العذوبة..
«أُجاجٌ» (53) والأجاج أملح الملوحة وما بين ذلك المسوس والزّعاق الذي يحرق كل شىء من ملوحته قال ذو الإصبع:
لو كنت ماء كنت لا ... عذب المذاق ولا مسوسا
«3» [621] .
«وَجَعَلَ بَيْنَهُما بَرْزَخاً» (53) كل ما بين شيئين برزخ وما بين الدنيا والآخرة برزخ..
«وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً» (54) مجازه خلق من النّطف البشر وفى آية أخرى «مِنْ ماءٍ دافِقٍ» (86/ 6) أي نطفة..
«وَكانَ الْكافِرُ عَلى رَبِّهِ ظَهِيراً» (55) أي مظهورا به أي هيّنا ومنه ظهرت به فلم التفت إليه.
__________
(1) . - 620: ديوانه ص 9 واللسان والتاج (مرج) .
(2) . - 6 «مرجت.. أماناتهم» : فى النهاية واللسان (مرج) فى الطبري 19/ 14 والقرطبي 13/ 58.
(3) . - 621: ذو الإصبع: هو حرثان بن السموأل الملقب ذا الإصبع العدواني لقب بذلك لان حية لسعت إصبعه فقطعها انظر أخباره فى الأغانى (الدار) 3/ 89 وترجم له فى السمط ص 289، والخزانة 2/ 408- والبيت فى الجمهرة 3/ 429 واللسان (مسس) .(2/77)
قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا (57)
وله موضع آخر مجازه معينا عدوّه..
«قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَنْ شاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلًا» (57) والعرب قد تستثنى الشيء من الشيء وليس منه على الاختصار، وفيه ضمير تقديره قل ما أسألكم عليه من أجر إلّا أنه من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلا فليتخذه. قال أبو خراش:
نجا سالم والنّفس منه بشدقه ... ولم ينج الا جفن سيف ومئزرا
(511) فاستثنى الجفن والمئزر وليسا من سالم إنما هو على الاختصار وقال:
وبلد ليس به أنيس ... إلّا اليعافير والّا العيس
(165) يعنى الإبل فاستثنى اليعافير، والعيس من الناس كأنه قال: إلّا أن بها يعافير وعبسا، واليعافير الظباء واحدها يعفور، وفى آية أخرى «فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعالَمِينَ» (26/ 77) وقال:(2/78)
الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا (59) وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا (60) تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا (61) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا (62)
فديت بنفسه نفسى ومالى ... وما آلوك إلا ما أطيق
«1» [623] وقال:
يا ابن رفيع هل لها من غبق ... ما شربت بعد ركىّ العرق
(408) من قطرة غير النجاء الدفق.
«الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما» (59) والسموات جميع فجاءت على تقدير الواحد والعرب إذا جمعوا جميع موات ثم أشركوا بينه وبين واحد جعلوا خبر جميع الجميع المشرك بالواحد على تقدير خبر الواحد قال:
ان المنيّة والحتوف كلاهما ... توفى المخارم ترقبان سوادى
(576) وكذلك الجميع مع الجميع قال القطامىّ:
ألم يحزنك ان حبال قيس ... وتغلب قد تباينتا انقطاعا
(577) أي وحبال تغلب..
«وَجَعَلَ فِيها سِراجاً» (61) أي شمسا وضياء.
و «جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً» (62) أي يجىء الليل بعد النهار ويجىء النهار بعد الليل يخلف منه وجعلهما خلفة وهما اثنان لأن الخلفة مصدر فلفظه من الواحد والاثنين والجميع من المذكر والمؤنث واحد وقال الشاعر:
ولها بالماطرون إذا ... أكل النّمل الذي جمعا «2» [624]
خلفة حتى إذا ارتبعت ... سكنت من جلّق بيعا
__________
(1) . - 623: البيت فى ديوان عروة بن الورد 205 والطبري 20/ 65 وشواهد المغني ص 328.
(2) . - 624: فى الكامل للمبرد 218 والطبري 19/ 19 والجمهرة 2/ 238 والقرطبي 13/ 66، وانظر ما تقدم من الخلاف فى عزو البيت فى رقم 232.(2/79)
وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا (65) إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (66)
وقال:
بها العين والآرام يمشين خلفة ... وأطلاؤها ينهضن فى كل مجثم
«1» [625] .
«إِنَّ عَذابَها كانَ غَراماً» (65) أي هلاكا ولزاما لهم ومنه رجل مغرم بالحب حب النساء من الغرم والدّين قال الأعشى:
فرع نبع يهتزّ فى غصن المج ... د غزير النّدى شديد المحال (375)
إن يعاقب يكن غراما وإن يع ... ط جزيلا فإنه لا يبالى
وقال بشر بن أبى خازم:
ويوم النسار ويوم الجفا ... ر كانوا عذابا وكانوا غراما
«2» [626] أي هلكة..
«ساءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً» (66) أي قرارا وإقامة لأنه من أقام أي مخلدا ومنزلا، وقال جرير:
حيّوا المقام وحيّوا ساكن الدار
«3» [627] وقال سلامة بن جندل:
يومان يوم مقامات وأندية ... ويوم سير إلى الأعداء تأويب
(516)
__________
(1) . - 625: هذا البيت من معلقة زهير (فى ديوانه ص 5) وهو مما استشهد به المفسرون وأصحاب اللغة فى تفسير الآية ولكن عجز البيت لا يوافق عجز البيت الذي ورد فى النسختين اللتين بأيدينا فأثبتناها فى الفروق والبيت فى الطبري 19/ 19 والجمهرة 2/ 238 واللسان والتاج (خلف) والقرطبي 13/ 65. [.....]
(2) . - 626: فى الطبري 19/ 21 والجمهرة 2/ 81 والاقتضاب ص 316 ومعجم البلدان 2/ 89، 4/ 779 وينسب فى اللسان إلى الطرماح (غرم) .
(3) . - 627: ديوانه ص 380.(2/80)
وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69)
وإذا فتحوا أوله فهو من قمت وفى آية أخرى «وَمَقامٍ كَرِيمٍ» (26/ 58) أي مجلس وقال عبّاس بن مرداس:
فأىّ ما وأيّك كان شرّا ... فقيد إلى المقامة لا يراها
«1» [628] يدعو عليه بالعمى «2» ، أي إلى المجلس..
«يَلْقَ أَثاماً» (68) أي عقوبة.
«يضعّف له العذاب يوم القيامة» (69) أي يلق عقوبة وعقابا كما وصف «يضعّف له العذاب» وقال بلعاء بن قيس الكناني:
جزى الله ابن عروة حيث أمسى ... عقوقا والعقوق له أثام
«3» [629] أي عقابا.
فى ليلة من جمادى ذات أندية ... لا يبصر الكلب من ظلمائها الطنبا
«4» [630] التأويب سير النهار كله ثم يتأوب ليلا أهله وقال لبيد
ومقام ضيّق فرّجته ... بلساني وبيانى وجدل «5» [631]
لو يقوم الفيل أو فيّالة ... زاح عن مثل مقامى وزجل
__________
(1) . - 628: فى الكتاب 1/ 352 والطبري 19/ 21، 20/ 39، 21/ 78 والشنتمرى 1/ 399 والخزانة 2/ 230.
(2) . - 4 «يدعو ... بالعمى» : أي يدعو العباس بن مرداس على خفاف بن ندبة لأن البيت من جملة أبيات له قالها لخفاف بن ندبة فى أمر شجر بينهما.
(3) . - 629: «بلعاء» : هو بلعاء بن قيس الكناني.. وكان رأس بنى كنانة فى أكثر حروبهم ومغازيهم وكان كثير الغارات على العرب وهو شاعر محسن وقد قال فى كل فن أشعارا جيادا وانظر ترجمته فى المؤتلف ص 106 وله أخبار فى حروب الفجار وانظر الأغانى 19/ 77 وفاته فى هذه الحرب ص 80- والبيت فى الكامل للمبرد ص 446 والطبري 19/ 24 واللسان (اثم) والقرطبي 13/ 76.
(4) . - 630: فى الحماسة 4/ 124 والصحاح واللسان والتاج (ندى) والعبنى 4/ 510.
(5) . - 631: ديوانه 2/ 16 ومعجم البلدان 3/ 652، 833.(2/81)
وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا (73) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا (74) أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا (75) خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (76) قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا (77)
«اللغو» (72) كل كلام ليس بحسن وهو فى اليمين لا والله وبلى والله..
«لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْها صُمًّا وَعُمْياناً» (73) مجازه لم يقيموا عليها تاركين لها لم يقبلوها..
«قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي» (77) ومنه قولهم ما عبأت بك شيئا «1» أي ما عددتك شيئا..
«فَسَوْفَ يَكُونُ لِزاماً» (77) أي جزاء وهو الفيصل قال الهذلي:
فإما ينجوا من حتف يوم ... فقد لقيا حتوفهما لزاما
«2» [632] يلزم كلّ عامل ما عمل من خير أو شر وله موضع آخر فسوف يكون هلاكا قال أبو ذؤيب:
ففاجئه بعادية لزام ... كما يتفجّر الحوض اللقيف
«3» [633] الحوض اللقيف الذي قد تهدمت حجارته سقط بعضها على بعض لزام أي كثيرة بعضها فى إثر بعض.
__________
(1) . - 4- 5 «ومنه ... شيئا» : روى ابن حجر هذا الكلام عن أبى عبيدة فى فتح الباري 8/ 377.
(2) . - 632: ديوان الهذليين 1/ 102 والطبري 19/ 33 والقرطبي 13/ 86 واللسان والتاج (لزم) .
(3) . - 633: البيت للصحز الغى الهذلي فى ديوان الهذليين 2/ 65 والطبري 19/ 33 والقرطبي 13/ 86 واللسان والتاج (لزم) .(2/82)
لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (3) إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ (4)
«سورة الشّعراء» (26)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
«لَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ» (3) أمي مهلك وقاتل قال ذو الرّمّة:
ألا أيهذا الباخع الوجد نفسه ... لشىء نحته عن يديه المقادر
(456) .
«فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ» (4) فخرج هذا مخرج فعل الآدميين وفى آية أخرى: «أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ» (12/ 4) وفى آية أخرى «قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ» (41/ 11) فخرج على تقدير فعل الآدميين والعرب قد تفعل ذلك وقال:
شربت إذا ما الدّيك يدعو صباحه ... إذا ما بنو نعش دنوا فتصوّبوا
(310) وزعم يونس عن أبى عمرو أن خاضعين ليس من صفة الأعناق وإنما هى من صفة الكناية عن القوم التي فى آخر الأعناق فكأنه فى التمثيل فظلت أعناق القوم فى موضع «هم» والعرب قد تترك الخبر عن الأول وتجعل الخبر للآخر منهما وقال:
طول الليالى أسرعت فى نقضى ... طوين طولى وطوين عرضى
(121) فترك طول الليالى وحوّل الخبر إلى الليالى فقال أسرعت ثم قال طوين وقال جرير:
رأت مرّ السنين أخذن منى ... كما أخذ السّرار من الهلال
(120)(2/83)
وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (14) قَالَ كَلَّا فَاذْهَبَا بِآيَاتِنَا إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ (15) فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (16)
رجع إلى السنين وترك «مرّ» وقال الفرزدق:
ترى أرباقهم متقلديها ... إذا صدئ الحديد على الكماة
«1» [634] فلم يجعل الخبر للأرباق ولكن جعله للذين فى آخرها من كنايتهم ولو كان للأرباق لقال متقلدات ولكن مجازه: تراهم متقلدين أرباقهم.
«وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ» (14) مجازه ولهم عندى ذنب قال القحيف العقيلىّ:
إذا رضيت علىّ بنو قشير ... لعمر أبيك أعجمنى رضاها «2» [635]
فلا تنبو سيوف بنى قشير ... ولا تمضى الأسنّة فى صفاها
أي إذا رضيت عنى، قال أبو النّجم:
قد أصبحت أم الخيار تدّعى ... علىّ ذنبا كله لم أصنع
«3» [636] .
َقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ»
(16) مجاره إنا رسالة رب العالمين قال عباس بن مرداس:
ألا من مبلغ عنى حفافا ... رسولا بيت أهلك منتهاها
«4» [637] ألا ترى أنه أنها وقال كثيّر عزّة:
لقد كذّب الواشون ما بحت عندهم ... بسّر ولا أرسلتهم برسول
«5» [638]
__________
(1) . - 634: ديوانه ص 131 والطبري 19/ 35 مصحف.
(2) . - 635: القحيف: ابن سليم الندى بن عبد الله بن عوف ... شاعر إسلامى مقل يترجم له الحمجى ص 153 والمرزباني ص 74 وله أخبار فى الأغانى 20/ 140 والخزانة 4/ 250. - والبيتان من قصيدة يمدح بها حكيم بن المسيب القشيري (الخزانة 4/ 249) وهما فى نوادر أبى زيدس 176 والاقتضاب ص 432 والعيني 3/ 282 وشواهد المغني ص 142.
(3) . - 636: فى الكتاب 1/ 33 والشنتمرى 1/ 44، 38 وشواهد المغني ص 185 والخزانة 1/ 173، 445 وهو من شواهد علم المعاني وانظر المعاهد ص 71.
(4) . - 637: فى الطبري 19/ 39 واللسان والتاج (رسل) والقرطبي 13/ 94. [.....]
(5) . - 638: ديوانه 2/ 243 والطبري 19/ 37 واللسان والتاج (رسل) والقرطبي [13/ 93 وهو من كلمة فى الأغاني 4/ 57 والعيني 3/ 403 وشواهد المغني ص 198.(2/84)
وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ (22) قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ (23) قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (24) قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلَا تَسْتَمِعُونَ (25) قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (26) قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ (27) قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (28) قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ (29) قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ (30) قَالَ فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (31) فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ (32) وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ (33) قَالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ (34) يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ (35) قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (36) يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ (37) فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (38) وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ (39) لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ (40) فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالُوا لِفِرْعَوْنَ أَئِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ (41) قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذًا لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (42) قَالَ لَهُمْ مُوسَى أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ (43) فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ (44) فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ (45) فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ (46) قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (47) رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ (48) قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (49) قَالُوا لَا ضَيْرَ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ (50)
أي برسالة..
«أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرائِيلَ (22) أي اتخذتهم عبيدا.
«فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ» (32) فإذا هى حية تسعى ثعبانا ومجاز «مُبِينٌ» أي بيّن فى الظاهر..
«وَنَزَعَ يَدَهُ» (33) أي فأخرج يده.
وقوله: «أَرْجِهْ وَأَخاهُ» (36) أي أخره..
«أَإِنَّ لَنا لَأَجْراً» (41) أي ثوابا وجزاء..
«تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ» (45) أي ما يفترون ويسحرون..
«قالُوا لا ضَيْرَ» (50) مصدر ضار يضير، ويقال: لا يضيرك عليه رجل أي لا يزيدك عليه «1» «2»
__________
(1) . - 9- 10 «ويقال ... لا يزيدك عليه» : حكى صاحب اللسان عن ابن الأعرابى أنه قال:
هذا رجل ما يضيرك عليه بحثا مثله للشعر أي ما يزيدك على قوله الشعر (مادة ضير) .
(2) . - 639: ذكر القرطبي (13/ 99) إنشاد أبى عبيدة لهذا البيت وقد اختلفوا فى عزوه قال البغدادي: هو من أبيات أوردها أبو تمام فى كتاب مخنار أشعار القبائل ونسبها لثروان ابن فزارة بن عبد يغوث العامري وأنشد الكلمة (الخزانة 3/ 230) ونسبه سيبويه (الكتاب 1/ 28) إلى خراش بن زهير وزهير هذا هو زهير الصم وهو أخو عبد يغوث جد ثروان الصحابي. والبيت فى الشنتمرى 1/ 23 وشواهد المغني ص 310.(2/85)
إِنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ (54) وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ (55) وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ (56) فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (57) وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (58) كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ (59) فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ (60) فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61) قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ (62) فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ (63)
«إِنَّ هؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ «1» قَلِيلُونَ» (54) أي طائفة وكل بقية قليلة فهى شرذمة قال:
يحذين فى شراذم النّعال
[640] أي قطع النعال وبقاياها، وهى هاهنا فى موضع الجماعات ألا ترى أنه قال شرذمة قليلون.
«وإنّا لجميع حذرون» (56) قال ابن أحمر:
هل أنسأن يوما إلى غيره ... أنّى حوالى وأنّى حذر
«2» [641] حذر وحذر وحاذر، وقوم حذرون وحاذرون، حوالى ذو حيلة، قال عباس بن مرداس:
وإنى حاذر أنمى سلاحى ... إلى أوصال ذيّال منيع
«3» [642] الذيال الفرس الطويل الذنب..
«فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ» (60) مجاز المشرق مجاز المصبح..
«كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ» (63) أي كالجبل قال الشاعر:
حلّوا بأنقرة بجيش عليهم ... ماء الفرات يجىء من أطواد
«4» [643]
__________
(1) . - 5 «شرذمة» : أخذ البخاري تفسير هذه الكلمة وأشار اليه ابن حجر وقال: هو تفسير أبى عبيدة قال فى قوله تعالى إن هؤلاء لشرذمة قليلون أي طائفة قليلة (فتح الباري 8/ 384) .
(2) . - 641: فى الطبري 19/ 44 واللسان والتاج (حول) قال صاحب اللسان قال ابن أحمر ويقال للمرار بن منقذ العدوى.
(3) . - 642: فى اللسان (ذيل) .
(4) . - 643: للاسود بن يعفر، فى ديوانه فى ملحق ديوان الأعشى ص 296 والطبري 19/ 46 ومعجم البلدان 1/ 391 والقرطبي 13/ 107.(2/86)
وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ (64) وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ (65) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ (66) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (67) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (68) وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ (69) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ (70) قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ (71) قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ (72) أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ (73) قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ (74) قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (75) أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ (76) فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ (77) الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79) وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80) وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (81) وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ (82) رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (83) وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ (84) وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ (85) وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ (86) وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ (87) يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89) وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ (90) وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ (91) وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (92) مِنْ دُونِ اللَّهِ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُونَ (93) فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ (94) وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ (95) قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ (96) تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (97) إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (98) وَمَا أَضَلَّنَا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ (99) فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ (100) وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ (101) فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (102) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (103) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (104) كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ (105) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلَا تَتَّقُونَ (106) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (107) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (108) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (109) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (110) قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ (111) قَالَ وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (112) إِنْ حِسَابُهُمْ إِلَّا عَلَى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ (113) وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الْمُؤْمِنِينَ (114) إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ (115) قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ (116) قَالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ (117) فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحًا وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (118)
«وَأَزْلَفْنا ثَمَّ الْآخَرِينَ» (64) أي وجمعنا، ومنه ليلة المزدلفة «1» ، والحجة فيها أنها ليلة جمع وقال بعضهم وأهلكنا..
«هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ» (72) أي يسمعون دعاءكم وفى آية أخرى «إِذا كالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ» (83/ 3) وفى الكلام أنصتك حتى فرغت واشتقتك أي اشتقت إليك..
«وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ» (84) أي ثناء حسنا فى الآخرين..
«وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ» (90) قرّبت وأدنيت، ومنه قوله:
طىّ الليالى زلفا فزلفا ... سماوة الهلال حتى احقوقفا
(340) ويقال: له عندى زلفة أي قربى..
«فَكُبْكِبُوا فِيها» (94) أي طرح بعضهم على بعض جماعة جماعة..
«كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ» (105) قوم يذكّر ويؤنّث..
«فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحاً» (118) أي أحكم بينى وبينهم حكما قال الشاعر:
ألا أبلغ بنى عصم رسولا ... فإنى عن فتاحتكم غنىّ
(251)
__________
(1) . - 1 «وجمعنا ... المزدلفة» : روى القرطبي (13/ 107) تفسير أبى عبيدة هذا.(2/87)
فَأَنْجَيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (119) ثُمَّ أَغْرَقْنَا بَعْدُ الْبَاقِينَ (120) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (121) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (122) كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ (123) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلَا تَتَّقُونَ (124) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (125) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (126) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (127) أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ (128) وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ (129) وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ (130) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (131) وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ (132) أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ (133) وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (134) إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (135) قَالُوا سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْوَاعِظِينَ (136) إِنْ هَذَا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ (137) وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (138) فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (139) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (140) كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ (141) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلَا تَتَّقُونَ (142) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (143) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (144) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (145) أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَا آمِنِينَ (146) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (147) وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ (148) وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ (149)
«فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ» (119) أي المملوء، ومنه قولهم شحنها عليهم خيلا ورجالا أي ملأها، والفلك يقع لفظه على الواحد والجميع من السفن سواء، بمنزلة قوله السلام رطاب وكذلك الحجر الواحد..
«بِكُلِّ رِيعٍ» (128) وهو الارتفاع «1» من الأرض والطريق والجميع أرياع وريعة قال ذو الرّمة:
طراق الخوافي مشرف فوق ريعة ... ندى ليله فى ريشه يترقرق
«2» [645] وقال الشّماخ:
تعنّ له بمذنب كل واد ... إذا ما الغيث أخضل كل ريع
«3» [646] .
«وَتَتَّخِذُونَ مَصانِعَ «4» » (129) وكل بناء مصنعة..
«وَنَخْلٍ طَلْعُها هَضِيمٌ» (148) أي قد ضمّ بعضه بعضا وهى النخل وهو النخل يذكّر ويؤنّث، وفى آية أخرى «أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ» (54/ 2) ..
«وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً فارِهِينَ» (149) أي حاذقين، وقال آخرون:
فارهين أي مرحين. وقال عدى بن وداع العقوىّ من العقاة بن عمرو بن مالك ابن فهم من الأزد: «5»
__________
(1) . - 4 «ريع ... الارتفاع» : وفى البخاري: الريع الإيفاع من الأرض وجمعه ريعه وأرياع واحد ريعة، ولعله مأخوذ من أبى عبيدة ولعل الإيفاع مصحف الارتفاع وقد روى ابن حجر كلام أبى عبيدة: الارتفاع فى الأرض والجمع أرياع وريعة والريعة واحدة أرياع.
(2) . - 645: ديوانه ص 405 والكامل للمبرد ص 90 والطبري 19/ 53 واللسان والتاج (ريع) والقرطبي 13/ 123.
(3) . - 646: ديوانه ص 59 والكامل للمبرد ص 90.
(4) . - 9 «مصانع» : أخذ البخاري تفسير أبى عبيدة هذا وقال ابن حجر: هو قول أبى عبيدة وزاد بفتح النون وضمها (فتح الباري 8/ 382) .
(5) . - 647: فى اللسان (ريع، أفل) .(2/88)
قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ (153) مَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا فَأْتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (154) قَالَ هَذِهِ نَاقَةٌ لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (155) وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ (156) فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُوا نَادِمِينَ (157) فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (158) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (159) كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ (160) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلَا تَتَّقُونَ (161) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (162) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (163) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (164) أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ (165) وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ (166) قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ (167) قَالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقَالِينَ (168) رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ (169) فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ (170) إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ (171)
لا أستكين إذا ما أزمة أزمت ... ولن ترانى بخير فاره اللبب
«1» [648] أي مرح اللبب ويجوز فرهين فى معنى فارهين..
«قالُوا إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ» (153) وكل من أكل من إنس أو دابة فهو مسحّر وذلك أن له سحرا يقرى يجمع ما أكل فيه «2» ، قال لبيد بن ربيعة:
فإن تسألينا فيم نحن فإننا ... عصافير فى هذا الأنام المسحّر
(440) .
«لَها شِرْبٌ» (155) يكسر أوله ويضم ويفتح..
«إِلَّا عَجُوزاً فِي الْغابِرِينَ» (171) والغابر الباقي قال العجّاج:
فماونى محمد مذ أن غفر ... له الإله ما مضى وما غبر
(249) أي بقي وكذلك غبر اللبن والحيض وغبر الليل، ويقال: غبر تخفف من ذا إلا عجوزا وقد هلكت فى الهالكين الذي هلكوا من قومها ومجازها إلا عجوزا هرمة فى العابرين الذين بقوا حتى هرموا وقد أهلكت مع الذين أهلكوا، وقال الأعشى:
عضّ بما أبقى المواسى له ... من أمه فى الزمن الغابر
(250) معناه عضّ بالذي أبقى المواسى له من أمه، الغابر منه أي الباقي ألا ترى أنه قال:
__________
(1) . - 648: «عدى بن وداع» ذكر اسمه المرزباني (معجم الشعراء ص 252) . -
والبيت فى الطبري 19/ 57 واللسان (فره) وفتح الباري 8/ 382. [.....]
(2) . - 3- 4 «وكل ... فيه» : روى الطبري (19/ 58) هذا الكلام عن بعض أهل البصرة لعله أبو عبيدة وزاد بقوله واستشهد على ذلك بقول بعيد- البيت ورواه ابن حجر عن أبى عبيدة أيضا فى فتح الباري 8/ 381 وأما رواية ابن دريد عنه فى تفسيره الآية فهى فى الجمهرة 2/ 131 مع البيت المستشهد به.(2/89)
كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ (176) إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلَا تَتَّقُونَ (177) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (178) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (179) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (180) أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ (181) وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ (182) وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (183) وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ (184)
وكنّ قد أبقين منها أذى ... عند الملاقى وافر الشافر
(250) .
«أَصْحابُ الْأَيْكَةِ «1» » (176) وجمعها أيك وهى جماع من الشجر..
«وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ» (182) أي بالسّواء والعدل..
«وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ» (183) أي لا تنقصوهم يقال فى المثل:
تحسبها «2» حمقاء وهى باخسة..
«وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ» (183) يقال عثيت تعثى «3» عثوا وهى أشد الفساد والخراب..
«وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ» (184) أي الخلق «4» وجاء خبرها على المعنى الجماع وإذا نزعت الهاء من آخرها ضممت أوله كما هو فى آية أخرى «وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا» (36/ 62) قال أبو ذوءيب:
__________
(1) . - 2 «الأيكة» : قال البخاري فى تفسير هذه الكلمة: الليكة والأيكة جمع أيكة وهى جمع الشجر، وقال ابن حجر فيه: ومن قوله جمع أيكة إلخ هو من كلام أبى عبيدة ووقع فيه سهو فان الليكة والأيكة بمعنى واحد عند الأكثر إلخ (فتح الباري 8/ 9381) .
(2) . - 5 «نحسبها ... إلخ» : وقد مر هذا المثل وتخريجه فى 1/ 83.
(3) . - 6 «هو ... تعبث» الذي ورد فى الفروق: روى ابن حجر هذا الكلام عنه فى فتح الباري (8/ 382) .
(4) . - 7- 8 «هو ... الخلق» : الذي ورد فى الفروق روى ابن حجر هذا الكلام عن أبى عبيدة أثناء شرحه لقول البخاري: والجبلة الخلق ومنه جبلا وجبلا يعنى الخلق قاله ابن عباس كذا لأبى ذر وليس عند غيره «قال ابن عباس» . وهو أولى فإن هذا كله كلام أبى عبيدة قال فى قوله والجبلة الأولين أي ... الخلق انتهى وقوله مثقل وغير مثقل لم يبين بكيفيتهما وفيهما قراءات إلخ (فتح الباري 8/ 382) .(2/90)
فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (187) قَالَ رَبِّي أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ (188) فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (189) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (190) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (191) وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (195) وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ (196) أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ (197) وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ (198) فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ مَا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ (199) كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ (200) لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (201) فَيَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (202) فَيَقُولُوا هَلْ نَحْنُ مُنْظَرُونَ (203) أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ (204) أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ (205) ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ (206) مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ (207) وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا لَهَا مُنْذِرُونَ (208) ذِكْرَى وَمَا كُنَّا ظَالِمِينَ (209) وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ (210) وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ (211) إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ (212) فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ (213) وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (214) وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (215) فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (216) وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (217) الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ (218) وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ (219) إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (220) هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ (221) تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (222) يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ (223) وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ (224) أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ (225)
منايا يقرّبن الحتوف لأهلها ... جهارا ويستمتعن بالأنس الجبل
«1» [649] .
«فَأَسْقِطْ عَلَيْنا كِسَفاً مِنَ السَّماءِ» (187) جمع كسفة بمنزلة سدرة والجميع سدر ومعناها قطعا..
«لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ» (196) أي كتب الأولين واحدها زبور..
«وَلَوْ نَزَّلْناهُ عَلى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ «2» » (198) يقال رجل أعجم إذا كانت فى لسانه عجمة، ورجل عجمى أي من العجم وليس من اللسان، قال ذو الرّمة:
أحبّ المكان القفر من أجل أننى ... به أتغنّى باسمها غير معجم
«3» [650] والدواب عجم لأنها لا تتكلّم وجاء فى الحديث العجماء جبار لا تودى أي لادية فيه..
«إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ» (212) مفتوح الأول لأنه مصدر «سمعت» «والمعنى الاستماع» يقال: سمعته سمعا حسنا..
«وَاخْفِضْ جَناحَكَ» (215) أي ألن جانبك وكلامك..
«كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ» (222) أي كذّاب بهّات أثيم أي آثم بمنزلة عليم فى موضع عالم:.
«فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ» (225) الهائم هو المخالف للقصد الجائر عن كل حق وخير.
__________
(1) . - 649: ديوان الهذليين، ص 38 والطبري 19/ 60 والجمهرة 1/ 12، واللسان والتاج (جيل) .
(2) . - 8 «العجماء ... لا تودى» : هذا الحديث فى اللسان: العجماء جرحها جبار، أي لادية فيه ولا قود أراد بالعجماء البهيمة تنقلت فتصيب ... إنسانا فى انفلاتها فذلك هدر وهو معنى الجبار (عجم) وانظر اللسان أيضا (جبر) والنهاية (عجم) .
(3) . - 650: ديوانه ص 628- والكامل للمبرد فى 167، 412.(2/91)
وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ (6) إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نَارًا سَآتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (7) فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (8) يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (9) وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ (10) إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (11) وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (12) فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (13) وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (14) وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ (15) وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ (16) وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (17) حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (18) فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ (19)
«سورة النمل» (27)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
«وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ» (6) أي تأخذه عنه ويلقى عليك..
«إِنِّي آنَسْتُ ناراً» (7) أي أبصرت وأحسست بها..
«بِشِهابٍ «1» قَبَسٍ» (7) أي بشعلة نار، ومجاز «قبس» ما اقتبست منها من الجمر قال:
فى كفّه صعدة مثقّفة ... فيها سنان كشعلة القبس
«2» [651] .
«كَأَنَّها جَانٌّ» (10) وهى جنس من الحيّات..
«وَلَمْ يُعَقِّبْ» (10) أي ولم يرجع يقال: عقّب عليه فأخذه..
«فَهُمْ يُوزَعُونَ» (17) أي يدفعون فيستحث آخرهم ويحبس أولهم، وفى آية أخرى:.
«أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ» (19) مجازه: شدّدنى «3» إليه ومنه قولهم:
__________
(1) . - 5 «الشهاب» : روى القرطبي (13/ 157) تفسير هذه الكلمة لأبى عبيدة.
(2) . - 651: فى الطبري 19/ 57 غير معزو لأبى زبيد وهو منسوب لأبى زبيد فى حاشية نسخة.
(3) . - 12 «شددنى» : قال ابن حجر: وقال أبو عبيدة فى قوله «أوزعنى أي سددنى (لعله مصحف من شددنى) إليه» وقال فى موضع آخر أي ألهمنى (فتح الباري 8/ 388)(2/92)
حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (18) فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ (19) وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ (20) لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (21) فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ (22) إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ (23) وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ (24) أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ (25)
وزعنى الحلم عن السّفاه أي منعنى، ومنه قوله:
على حين عاقبت المشيب على الصّبا ... فقلت ألمّا تصح والشّيب وازع
«1» [652] ومنه الوزعة الذين يدفعون الخصوم والناس عن القضاة والأمراء..
«قالَتْ نَمْلَةٌ يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ» (18) هذا من الحيوان الذي خرج مخرج الآدميّين، والعرب قد تفعل ذلك قال:
شربت إذا ما الدّيك يدعو صباحه ... إذا ما بنو نعش دنوا فتصوّبوا
(310) .
«فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ» (22) أي غير طويل، كاف «مكث» مفتوحة، وبعضهم يضمها..
«أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ» (25) مجازه الأمر، وهذه الياء التي قبل الألف.
«اسْجُدُوا» تزيدها العرب للتنبيه إذا كانت ألف الأمر التي فيها من ألفات الوصل نحو قولك: اضرب يا فتى، واسجد واسلم ونحو ذلك قال العجّاج:
__________
(1) . - 652: ديوانه من الستة ص 18 والكتاب 1/ 322 والطبري 19/ 80 والشنتمرى 1/ 369 واللسان والتاج (وزع) والعيني 3/ 406، 4/ 357 وشواشد المغني ص 298 والخزانة 3/ 19 وشواهد الكشاف 169.(2/93)
ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ (37) قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (38) قَالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ (39)
يا دار سلمى يا سلمى ثم أسلمي
«1» [654] فالياء زائدة فى قوله: «يا سلمى» ، وقال ذو الرّمّة:
ألا يا سلمى يا دارمىّ على البلى ... ولا زال منهلا بجرعائك القطر
«2» [655] وقال الأخطل:
ألا يا سلمى يا هند هند بنى بدر ... وإن كان حيّانا عدى آخر الدهر
(515) .
«الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ» (25) ما خبأت فى نفسك أي ما أسررت..
«لا قِبَلَ لَهُمْ بِها» (37) مجازه لا طاقة «3» لهم بها ولا يدين..
«قالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ» (39) وهو من كل جن وإنس أو شيطان الفائق المبالغ الرئيس، يقال عفرية نفرية «4» وعفارية وهما مثل عفريت قال جرير:
قرنت الظالمين بمرمريس ... يذلّ له العفارية المريد
«5» [656] المرمريس: الداهية الشديدة، قال ذو الرّمّة:
__________
(1) . - 654: ديوانه ص 58 والسمط ص 457 وابن يعيش 1/ 890، 2/ 1360.
(2) . - 655: من مطلع قصيدة فى ديوانه ص 206 وهو فى الكامل المبرد ص 84 والصحاح واللسان والتاج (يا) والعيني 4/ 285 وشواهد المغني ص 210. [.....]
(3) . - 8 «لا طاقة» : أخذ البخاري تفسيره هذا وأشار إليه ابن حجر وقال هو قول أبى عبيدة (فتح الباري 8/ 387) .
(4) . - 10 «عفرية نفرية» : وفى اللسان: ورجل عفر وعفرية ونفرية وعفارية (عفر) وفى الحديث: أن الله يبغض العفرية النفرية (النهاية واللسان) .
(5) . - 656: ديوانه ص 163 والأمالى للقالى 3/ 65 واللسان (عفر) .(2/94)
قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (44) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ (45) قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (46) قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ قَالَ طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ (47) وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ (48) قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (49) وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (50) فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ (51) فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (52) وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (53) وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (54) أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (55) فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ (56) فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ (57) وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ (58) قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ (59) أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ (60) أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (61) أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (62) أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (63) أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (64) قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (65)
كأنه كوكب فى إثر عفرية ... مسوّم فى سواد الليل منقضب
«1» [658]
قال لصَّرْحَ»
»
44) القصر وكان من قوارير قال أبو ذؤيب:
بهن نعام بناها الرجا ... ل تشبّه أعلامهن الصروحا
«3» [659] كل بناء بنيته من حجارة فهو نعامة والجماع نعام وإذا كان من شجر وثرى فهو ثاية..
«قالُوا تَقاسَمُوا بِاللَّهِ» (49) أي تحالفوا وهو من القسم..
«قَدَّرْناها مِنَ الْغابِرِينَ» (57) أي جعلناها من الباقين.
«آلله خير أمّا تشركون» (59) مجازه أم ما تشركون أي أم الذي تشركون به فأدغمت الميم فى الميم فثقّلت و «ما» قد يوضع فى موضع «من» و «الذي» وكذلك هى فى آية أخرى: «وَالسَّماءِ وَما بَناها» (91/ 5) ومن بناها.
«وَالْأَرْضِ وَما طَحاها» ومن طحاها..
«فَأَنْبَتْنا بِهِ حَدائِقَ» (60) أي جنانا من جنان الدنيا واحدتها حديقة..
«وَما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ» (65) مجازه متى وفى آية أخرى: «أَيَّانَ مُرْساها» (41) أي متى.
__________
(1) . - 658: ديوانه ص 27 والكامل للمبرد ص 493 والأمالى للقالى 3/ 65 واللسان (قضب) والقرطبي 13/ 203.
(2) . - 2لصَّرْحَ» : انظر تفسير هذه الكلمة لأبى عبيدة فى القرطبي 13/ 209 وفتح الباري 8/ 387.
(3) . - 659: ديوانه ص 136 والطبري 20/ 45 واللسان والتاج (صرح) وفى القرطبي (13/ 209) عجزه فقط، وبين رواية أبى عبيدة وبين رواية الديوان خلاف.(2/95)
قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ (72) وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ (73) وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ (74) وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (75) إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (76) وَإِنَّهُ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (77) إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ (78) فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ (79) إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (80) وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ (81) وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ (82) وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ (83) حَتَّى إِذَا جَاءُوا قَالَ أَكَذَّبْتُمْ بِآيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا أَمَّاذَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (84) وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ بِمَا ظَلَمُوا فَهُمْ لَا يَنْطِقُونَ (85) أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (86) وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ (87)
«عَسى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ» (72) مجازه جاء بعدكم «1» ..
«وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً» (83) أمة كل نبى الذين آمنوا به، ومن كل أمة أي من كل قرن فوجا جماعة، ويقال جاءونى أفواجا أي جماعات، وفى آية أخرى: «وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْواجاً» (110/ 2) أي جماعات..
«وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ بِما ظَلَمُوا» (85) مجازه وجب العقاب عليهم بما كفروا..
«وَالنَّهارَ مُبْصِراً» (86) مجازه مجاز ما كان العمل والفعل فيه لغيره أي يبصر فيه، ألا ترى أن البصر إنما هو فى النهار والنهار لا يبصر كما أن النوم فى الليل ولا ينام الليل فإذا نيم فيه قالوا: ليلة قائم ونهاره صائم قال جرير:
لقد لمتنا يا أمّ غيلان فى السّرى ... ونمت وما ليل المطىّ بنائم
(96) .
«وَكُلٌّ أَتَوْهُ داخِرِينَ» (87) أي صاغرين خاضعين «كُلٌّ» لفظه لفظ واحد ومعناه جميع، فهذه الآية فى موضع جميع وقد يجوز فى الكلام أن تجعله فى موضع واحد فتقول: كل آتيه ذاخرا.
__________
(1) . - 1 «جاء بعدكم» : رواه ابن حجر عن أبى عبيدة فى فتح الباري 8/ 387.(2/96)
طسم (1) تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) نَتْلُو عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (3) إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (4)
«سورة القصص» (28)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
«طس» (1) ساكن لأنه جرى مجرى فواتح سائر السور اللواتى مجازهن مجاز حروف التهجي ومجاز موضعه فى المعنى مجاز ابتداء فواتح سائر السور..
«تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ» (2) مجازها: هذه آيات القرآن بمنزلة قوله:
«الم ذلِكَ الْكِتابُ» (2/ 1- 2) مجازه: هذا القرآن وقد فرغنا من تلخيصه فى موضعه وفى غير موضع..
«مِنْ نَبَإِ مُوسى» (2) أي من خبر موسى قال الرّبيع بن زياد العبسي:
إنّى أرقت فلم أغمّض حار ... جزعا من النبإ الجليل السّارى
«1» [660] جزعا أي فزعا..
«إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ» (4) أي عظم وشرف وغلب عليها وطغى..
«وَجَعَلَ أَهْلَها شِيَعاً» (4) أي فرقا متفرقين، قال الأعشى:
وبلدة يكره الجوّاب دلجتها ... حتى تراه عليها يبتغى الشّيعا
«2» [661] أي الأصحاب والجماعات فى تفرقة.
__________
(1) . - 660: أول بيت من كلمة فى الحماسة 3/ 34 والأغانى 16/ 26.
(2) . - 661: ديوانه ص 83 والقرطبي 13/ 284 وشواهد الكشاف ص 177.(2/97)
وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (9) وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (10) وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (11)
«وَقالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ» (9) ومجازه مجاز المختصر الذي فيه ضمير كقولك: هذا قرة عين لى ولك وعلى هذا التفسير وقعت «قُرَّتُ عَيْنٍ» ..
«وَأَصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ مُوسى فارِغاً» (10) مجازه: فارغا من الحزن لعلمها أنه لم يغرق «1» «2» «3» «4» ومنه قولهم دم فرغ أي لا قود فيه ولا دية فيه..
«وَقالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ» (11) أي ابتغى إثره، يقال: قصصت آثار القوم..
«فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ» (11) وأبصرته لغتان، عن جنب عن بعد وتجنب، ويقال: ما تأتينا إلا عن جنب وعن جنابة، قال علقمة بن عبدة:
فلا تحرمنّى نائلا عن جنابة ... فإنى امرؤ وسط القباب غريب
(151)
__________
(1) . - 662: من كلمة فى شعراء النصرانية 2/ 68.
(2) . - 663: فى الجمهرة 3/ 63.
(3) . - 3- 4 «فارغا ... لم يفرق» : روى القرطبي (13/ 255) هذا الكلام عنه.
(4) . - 664 «طليحة» : هو طليحة بن خويلد بن نوفل الأسدى من بنى ثعلبة، فارس مشهور وبطل مذكور خرج خالد بن الوليد إلى قتاله فى زمن أبى بكر قتل هو وأخوه من أصحاب خالد بن الوليد ثم أسلم وحسن إسلامه ثم شهد القادسية واستشهد بها سنة 11 للهجرة وانظر السيرة ص 452 والكامل لابن الأثير 2/ 260 والعيني 3/ 154- والبيت فى السيرة واللسان والتاج (فرغ) والعيني 3/ 154.(2/98)
وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ (12) فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (13) وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (14) وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ (15) قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (16) قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ (17) فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قَالَ لَهُ مُوسَى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ (18)
وقال الحطيئة:
والله يا معشر لاموا امرأ جنبا ... فى آل لأى بن شمّاس لأكياس
«1» [665] .
«يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ» (12) أي يضمونه..
«بَلَغَ أَشُدَّهُ» (14) بلغ أي انتهى وموضع أشدّه موضع جميع ولا واحد له من لفظه. قال الفراء والكسائي واحد الأشدّ شدّ على فعل وافعل مثل بحر وأبحر، أشده مضعف مشدّد..
«وَاسْتَوى» (14) أي استحكم وتمّ..
«فَوَكَزَهُ مُوسى» (15) بمنزلة لهزه فى صدره بجمع كفه، فهو اللكز «2» «3» واللهز..
«فَقَضى عَلَيْهِ» (15) أي فقتله وأتى على نفسه..
«فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً» (17) أي معينا خائفا..
«يَتَرَقَّبُ» (18) أي ينتظر.
__________
(1) . - 665: مطلع قصيدة فى ديوانه رقم 20 وهو فى المختارات ص 116. [.....]
(2) . - 9 «اللكز» : قال الجوهري: قال أبو عبيدة اللكز الضرب بالجمع على الصدر (لكز) .
واللهز: الضرب بجمع اليد فى الصدر مثل اللكز كما رواه القرطبي (13/ 260) عن أبى عبيدة.
(3) . - 666: ديوانه فى ص 63- 65 والعيني 4/ 219 والأولان فقط فى اللسان والتاج (بهز، ضز) .(2/99)
فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُمَا قَالَ يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ (19) وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ (20)
«فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ» (18) مجازه فإذا ذلك الذي كان استنصر هذا يستصرخه أي يستصرخ الذي كان بالأمس استنصره وهو من الصارخ يقال: يا آل بنى فلان يا صاحباه..
«أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُما» (19) الطاء مكسورة ومضمومة لغتان..
«إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ» (20) مجازه يهمون بك ويتوامرون فيك ويتشاورون «1» فيك ويرتئون، قال النّمر بن تولب:
أرى النّاس قد أحدثوا شيمة ... وفى كل حادثة يؤتمر
«2» [667] وقال ربيعة بن جشم النّمرىّ:
أحار بن عمرو كأنى خمر ... ويعدو على المرء ما يأتمر
«3» «4» [668] ما يأتمر: ما يرى لنفسه فيرى أنه رشد فربما كان هلاكه من ذلك.
__________
(1) . - 6 «يتشاورون ... ليقتلوك» الذي ورد فى الفروق: روى ابن قتيبة هذا الكلام وقال: وهذا غلط بين لمن تدبره ومناداة للمعنى كيف يعدو على المرء ما شاور فيه والمشاورة بركة وخير وإنما أراد يعدو عليه ما هم به الناس من الشر ... (القرطين 2/ 61) .
(2) . - 667: الطبري 20/ 31 والقرطبي 13/ 266.
(3) . - 668: من الأبيات المختلف فى عزوها قال فى الخزانة (1/ 180) وأثبت هذه القصيدة له (أي لا مرىء القيس بن حجر) أبو عمرو الشيباني والمفضل وغيرهما ورغم الأصمعى فى روايته عن أبى عمرو بن العلاء أنها لرجل من أولاد النمر بن قاسط يقال له ربيعة بن (جشم) وهو فى ملحق ديوان امرئ القيس من الستة فى 197 والصحاح واللسان والتاج (أمر) والعيني 1/ 95، 4/ 264.
(4) . - 669: ديوانه ص 14.(2/100)
وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ (22) وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ (23)
«وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ» (22) مجازه: نحو مدين ولا تنصرف مدين لأنها اسم مؤنثة، ويقال: فعل ذلك من تلقاء نفسه ودار فلان تلقاء دار فلان..
«سَواءَ السَّبِيلِ» (22) مجازه قصد السبيل ووسطه قال:
حتى أغيّب فى سواء الملحد
(61) وهو مفتوح ممدود..
«وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ» (23) أي جماعة..
«تَذُودانِ» (23) مجازه: تمنعان وتردان وتطردان قال جرير:
وقد سلبت عصاك بنو تميم ... فما تدرى بأى عصا تذود
«1» [670] وقال سعيد بن كراع:
أبيت على باب القوافي كأنما ... أذود بها سريا من الوحش نزّعا
«2» [671] ويروى الحوش، والحوش إبل الجنّ يزعمون أنها تضربه فى المهريّة «3» والعمانية فمن ثم هى هكذا.
__________
(1) . - 670: فى قصيدة يهجو بها القتم فى ديوانه ص 160- 168 والبيت فى الطبري 20/ 33 والقرطبي 13/ 268.
(2) . - 671: «سويد بن كراع» : هو من عكل جاهلى إسلامى وكان هجا قومه فاستعدوا عليه عثمان بن عفان رضى الله عنه فأوعده عليه ألا يعود انظر ترجمته فى الشعراء ص 403 والأغانى 11/ 121 والإصابة 3/ 173- والبيت من كلمة فى البيان والتبيين 2/ 11 والشعراء والأغانى وهو فى الطبري 20/ 33 والقرطبي 13/ 268.
(3) . - 11 «الحوش ... المهرية» : كما هو فى اللسان (حوش) باختلاف يسير.(2/101)
قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (27) قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ (28) فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (29)
«قالَ ما خَطْبُكُما» (23) أي ما أمركما وحالكما وشأنكما، قال:
يا عجبا ما خطبه وخطبى
(554) .
«عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ» (27) مجازه من الإجارة وهى أجر العمل يقال: أجرت أجيرى أي أعطيته أجره ويفعل منها: «يأجر» تقديره أكل يأكل ومنه قول الناس: أجرك الله وهو يأجرك أي أثابك الله «1» ..
«أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ» (28) أي الغايتين والشرطين ومجازه أي الأجلين و «ما» من حروف الزوائد فى كلام العرب قال عبّاس بن مرداس:
فأيّى ما وأيك كان شرّا ... فقيد إلى المقامة لا يراها
(628) .
«فَلا عُدْوانَ عَلَيَّ» (28) وهو من العدا والتعدي والعدو واحد كله وهو الظلم..
«آنَسَ مِنْ جانِبِ الطُّورِ ناراً» (29) أي أبصر، قال:
آنس خربان فضاء فانكدر ... دانى جناحيه من الطور فمرّ
(625) الطور: الجبل..
«أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ» (29) أي قطعة غليظة من الحطب ليس فيها لهب
__________
(1) . - 4- 5 «يقال ... أثابك الله» : انظر هذا الكلام فى الطبري (20/ 39) .
ببعض نقص وزيادة وما رواه ابن حجر عن أبى عبيدة فى فتح الباري 4/ 366، 8/ 391.(2/102)
فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (30) وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ (31) اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (32)
وهى مثل الجذمة من أصل الشجرة «1» وجماعها الجذا «2» ، قال ابن مقبل:
باتت حواطب ليلى يلتمسن لها ... جزل الجذا غير خوّار ولا دعر
«3» [672] .
«شاطِئِ الْوادِ الْأَيْمَنِ» (30) شطّ الوادي هو ضغة الوادي وعدوته وعدوتا وعدوتاه «4» ، ومنه شطّ السنام لنصفه..
«تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ» (31) وفى آية أخرى: «فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى» (20/ 20) فالحيات أجناس فيها الجان وغير ذلك والأفعى والحفّاث ومجازها كأنها جان من الحيّات ومجاز الأخرى فإذا هى حيّة من الجان..
«وَلَمْ يُعَقِّبْ» (31) أي لم يرجع يقال: عقّب على ما كان فردّه أي رجع عليه..
«اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ» (32) مجازه: أدخل وهما لغتان سلكته واسلكته وقد فسّرناه فوق هذا.
__________
(1) . - 14- من ص 102- 2 «قطعة ... الشجرة» : أخذ الطبري هذا الكلام برمته (20/ 41) .
(2) . - 4- 9 «والجذوة ... لم يكن» الذي ورد فى الفروق: رواه القرطبي 13/ 281.
(3) . - 672: نعله من كلمة فى حماسة البحتري ص 293 وهو فى الطبري 20/ 41 والقرطبي 13/ 281 واللسان (جذو) وشواهد الكشاف 130.
(4) . - 1 «الشاطبي ... وعدوناه» الذي ورد فى الفروق: روى ابن حجر هذا الكلام عن أبى عبيدة فى فتح الباري 8/ 391. [.....](2/103)
وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (34) قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ (35)
«بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ» (32) أي من غير برص..
«وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ» (32) أي يدك. و «الرَّهْبِ» مثل الرّهبة ومعناهما الخوف والفرق «1» ..
«فَذانِكَ بُرْهانانِ» (32) واحدهما برهان وهو البيان يقال: هات على ما تقول ببرهان ونون قوله «فَذانِكَ» مشددة لأنها أشد مبالغة منه إذا خففتها وقد يخفّف فى الكلام.
وقوله: «هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِساناً» (34) لأن موسى كانت فى لسانه عقدة ويقال للفرس والبعير إذا كان صافى الصهيل وصافى الهدير: إنه لفصيح الصّهيل وإنه لفصيح الهدير..
«رِدْءاً» (34) أي معينا ويقال: قد أردأت فلانا على عدوه وعلى ضيعته أي أكنفته وأعنته أي صرت له كنفا..
«سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ» (35) أي سنقوّيك به ونعينك به يقال إذا أعزّ رجل رجلا ومنعه: قد شد فلان على عضد فلان وهو من عاضدته على أمره أي عاونته «2» «3» وآزرته عليه.
__________
(1) . - 3 «الخوف والفرق» : كما فى الطبري 20/ 43.
(2) . - 12- 14 «سنقويك ... عاونته» : أخذ الطبري (20/ 44) هذا الكلام برمته.
(3) . - 673: فى ديوانه 2/ 56 والجمهرة 3/ 158 واللسان والتاج (كنف) .(2/104)
فَلَمَّا جَاءَهُمْ مُوسَى بِآيَاتِنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُفْتَرًى وَمَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ (36) وَقَالَ مُوسَى رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جَاءَ بِالْهُدَى مِنْ عِنْدِهِ وَمَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (37) وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ (38)
قال ابن مقبل:
عاضدتها بعنود غير معتلث ... كأنه وقف عاج بات مكنونا
«1» [674] معتلث يعنى القدح، العنود: السهم، والمعتلث: تكون السهام من قنا فيكون فيها السهم من غير قنا، فذاك المعتلث وكذاك الخشب وقف عاج: موقّف فيه طرائق من حسنه والمعتلث يقال: امتلث وافتلث واسم علائة مشتق منه، وفلان يأكل العليث إذا أكل خبز الشعير والحنطة، وافتلث واعتلث واحد وهو المختلط يعنى قوسا أنه عاضدها بسهم.
«إن هذا إلّا سحر مفترى» (36) مجازه: ما هذا إلا سحر مفترى يقال إذا افتعل الرجل من قبله شيئا: افتريته..
«عاقِبَةُ الدَّارِ» (37) وعاقبة الأمر أي آخره.
[ «صَرْحاً» ] (38) الصرح البناء والقصر، قال الشاعر:
بهن نعام بناها الرجا ... ل تحسب أعلامهن الصّروحا
«2» (659)
__________
(1) . - 674: من قصيدة خمسين بيتا فى جمهرة الأشعار ص 160- 162 ولكن بين رواية جمهرة الأشعار وبين رواية أبى عبيدة لخلافا حيث إن صدر البيت قد أصبح صدرا لبيت آخر ورواه الطبري (20/ 44) كما هو عند أبى عبيدة.
(2) . - 659: انظر ما ورد من الخلاف فى هذا البيت فى الرواية التي تقدمت(2/105)
فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (40) وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنْصَرُونَ (41) وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ (42) وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَى بَصَائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (43) وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ وَمَا كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ (44) وَلَكِنَّا أَنْشَأْنَا قُرُونًا فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ وَمَا كُنْتَ ثَاوِيًا فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (45)
«فَأَخَذْناهُ وَجُنُودَهُ» (40) أي فجمعناه وجنوده..
«فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِّ» (40) أي فألقيناهم فى البحر فأهلكناهم وغرقناهم قال العجّاج:
كبازخ اليمّ زهاه اليمّ
(256) وقال أبو الأسود الدّؤلىّ:
نظرت إلى عنوانه فنبذته ... كنبذك نعلا أطلقت من نعالكا
(56) .
«أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ» (41) والإمام يكون فى الخير وفى الشر..
«أَتْبَعْناهُمْ» (42) مجازه ألزمناهم..
«مِنَ الْمَقْبُوحِينَ» (42) مجازه: المهلكين «1» ..
«بِجانِبِ الْغَرْبِيِّ» (44) وهو حيث تغرب الشمس والنجوم والقمر..
«وَلكِنَّا أَنْشَأْنا قُرُوناً» (45) أي خلقنا قرونا أي أمما..
«الْعُمُرُ» (45) والعمر واحد وهما لغتان وهما مثل الضّعف والضّعف والمكث والمكث «2» .
__________
(1) . - 9 «المهلكين» : أخذ البخاري تفسير أبى عبيدة هذا وقال ابن حجر هو قول أبى عبيدة أيضا (فتح الباري 8/ 291) ورواه القرطبي عن أبى عبيدة (13/ 290) .
(2) . - 675: الرواية الأولى وهى رواية الأصمعى فى الجمهرة 2/ 387، 3/ 427 واللسان والتاج (عمر) والرواية الثانية فى أمالى القالي 3/ 139 واللسان والتاج (عذر) وأما رواية أبى عبيدة فأشار إليها البكري فى السمط (الذيل ص 65) .(2/106)
وَلَوْلَا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (47) فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا لَوْلَا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ (48) قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (49) فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (50)
«ثاوِياً فِي أَهْلِ مَدْيَنَ» (45) أي مقيما، قال الأعشى:
أثوى وقصّر ليلة ليزوّدا ... فمضت وأخلف من قتيلة موعدا
«1» [676] ويروى أثوى الثّوىّ الصّيف، قال العجّاج:
فبات حتى يدخل الثّوىّ ... مجرمزا وليله قسىّ
«2» [677] .
«وَلَوْلا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ» (47) وهى من كل نقمة وعذاب، نقمة بكسر القاف:.
«بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ» (47) مجازه: بما كانوا اكتسبوا وليس هاهنا..
«لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولًا» (47) مجازه هلّا، وفى آية أخرى:.
«لَوْلا أُوتِيَ» (48) مجازه: هلّا أوتى.
«ساحران تظاهرا» (48) أي تعاونا..
«فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ» (50) مجازه: فإن لم يجيبوك، وقال الغنوي:
وداع دعا يا من يجيب إلى النّدى ... فلم يستجبه عند ذاك مجيب
(83)
__________
(1) . - 676: ديوانه ص 150 والطبري 20/ 47.
(2) . - 677: ديوانه ص 69 والشطر الأول فى القرطبي 13/ 291.(2/107)
وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (51) الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ (52) وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ (53) أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (54) وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ (55) إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (56) وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (57) وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ (58) وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ (59)
«وَلَقَدْ وَصَّلْنا لَهُمُ الْقَوْلَ» (51) أي أتممناه «1» ، قال:
جعلت عمامتى صلة لحبلى
«2» [678] وقال الأخطل:
فقل لبنى مروان ما بال ذمة ... وحبل ضعيف لا يزال يوصّل
«3» [679] .
«وَإِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ» (53) أي يقرأ عليهم..
«وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ» (54) مجازه: يدفعون السيّء بالحسن..
«وَإِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ» (55) مجازه هاهنا الفحش والقبيح..
«يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ» (57) مجازه يجمع كما يجبى الماء فى الجابية فيجمع للواردة «4» ..
«بَطِرَتْ مَعِيشَتَها» (58) مجازها أنها أشرت وطغت وبغت «5» ..
«وَما كانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّها رَسُولًا» (59) أم القرى مكة وأم الأرضين فى قول العرب وفى آية أخرى: «لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها «6» » (6/ 92) .
__________
(1) . - 1 «أتممناه» : رواى ابن حجر عن أبى عبيدة (فتح الباري 8/ 392) وكذا فى القرطبي 13/ 295.
(2) . - 678: من كلمة 11 بيتا للقحيف العقيلي العامري فى الأغانى 20/ 142.
(3) . - 679: ديوانه ص 10 والطبري 20/ 51 والقرطبي 13/ 295.
(4) . - 8 «يجمع ... للواردة» : رواه ابن حجر عن أبى عبيدة فى فتح الباري 8/ 392.
(5) . - 10 «أشرت ... وبغت» روى ابن حجر تفسير أبى عبيدة هذا فى فتح الباري 8/ 393. [.....]
(6) . - 12- 13 «أم ... حولها» : رواه ابن حجر فى فتح الباري 8/ 393.(2/108)
أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (61) وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (62) قَالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنَا أَغْوَيْنَاهُمْ كَمَا غَوَيْنَا تَبَرَّأْنَا إِلَيْكَ مَا كَانُوا إِيَّانَا يَعْبُدُونَ (63) وَقِيلَ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَرَأَوُا الْعَذَابَ لَوْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَهْتَدُونَ (64) وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ (65) فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْبَاءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لَا يَتَسَاءَلُونَ (66) فَأَمَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَعَسَى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ (67) وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (68) وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ (69) وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (70) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلَا تَسْمَعُونَ (71)
«مِنَ الْمُحْضَرِينَ» (61) أي من المشهدين..
«وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ» (62) مجازه: يوم يقول لهم..
«الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ» (62) مجازه: وجب عليهم العقاب..
«إِيَّانا يَعْبُدُونَ» (63) مجازه: مجاز إياك نعبد لأنه بدأ بالكناية قبل الفعل..
«فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْباءُ» (66) مجازه: فخفيت عليهم الأخبار، يقال:
عمى علىّ خير القوم..
«وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ» (68) مجازه: عن الذين يشركون به.
«تُكِنُّ صُدُورُهُمْ «1» » (69) أي تخفى، ويقال: أكننت ذلك فى صدرى، وكننت الشيء بغير ألف: صنته..
«إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً» (71) مجازه: دائما لا نهار فيه، وكل شىء لا ينقطع من عيش أو رخاء أو غم وبلاء دائم فهو سرمد «2» .
__________
(1) . - 8 «تُكِنُّ صُدُورُهُمْ» : وفى البخاري: تكن تخفى، أكننت الشيء أخفيته وكننته وأظهرته وقال ابن حجر: وقال أبو عبيدة فى قوله «وربك يعلم ... صدورهم» أي تخفى ...
بغير ألف وقال فى موضع آخر أكننت وكننت واحد وقال أبو عبيدة أكننته إذا أخفيته وأظهرته وهو من الأضداد (فتح الباري 8/ 393) .
(2) . - 680: من معلقته وهو فى شرح العشر ص 51 وديوانه من الستة ص 59 والقرطبي 13/ 308.(2/109)
وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (73) وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (74) وَنَزَعْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا فَقُلْنَا هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (75) إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ (76)
«وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ» (73) مجازه: لتسكنوا فى الليل ولتبتغوا فى النهار من فضل الله..
«وَنَزَعْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً» (75) مجازه: وأحضرنا من كل أمة، لها موضعان أحدهما: من كل أمة نبىّ، والآخر: من كل قرن وجماعة وشهيد فى موضع شاهد بمنزلة عليم فى موضع عالم ويقال: نزع فلان بحجته أي أخرجها وأحضرها..
«ما إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ» (76) أي مفاتح خزائته، ومجازه: ما إنّ العصبة ذوى القوة لتنوء بمفاتح نعمه ويقال فى الكلام: إنها لتنوء بها عجيزتها، وإنما هى تنوء بعجيزتها كما ينوء البعير بحمله، والعرب قد تفعل مثل هذا، قال الشاعر:
فديت بنفسه نفسى ومالى ... ولا ألوك إلّا ما أطيق
(623) والمعنى فديت بنفسي وبمالى نفسه وقال:
وتركب خيل لا هوادة بينها ... وتشقى الرماح بالضّياطرة الحمر
«1» [681] الخيل هاهنا الرجال، وإنما تشقى الضياطرة بالرماح «2» ، وقال أبو زبيد:
__________
(1) . - 681: لخداش بن زهير فى الكامل للمبرد ص 264 والطبري (20/ 64) واللسان (ضطر) وشواهد الكشاف 120. قال فى اللسان حاكيا عن ابن سيده: يجوز أن يكون عنى أن الرماح تشقى بهم أي أنهم يحسنون حملها وإلا الطعن بها ويجوز أن يكون على القلب أي تشقى الضياطرة الحمر بالرماح يعنى أنهم يقتلون بها، والهوادة المصالحة والموادعة والضيطار التاجر لا يبرح مكانه.
(2) . - 8- 14 «ومجازه ... بالرماح» : روى الطبري (20/ 64) هذا الكلام عن بعض أهل البصرة وهو أبو عبيدة.(2/110)
وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (77) قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ (78) فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (79) وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ (80) فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ (81)
والصّدر منه فى عامل مقصود
«1» [682] وإنما الرمح فى الصدر. ويقال: أعرض الناقة على الحوض وإنما يعرض الحوض على الناقة..
«لا تَفْرَحْ» (76) أي لا تأشر ولا تمرح، قال هدبة:
ولست بمفراح إذا الدهر سرّنى ... ولا جازع من صرفه المتقلّب
«2» [683] وقال ابن أحمر:
ولا ينسينى الحدثان عرضى ... ولا ألقى من الفرح الإزارا
«3» [684] أي لا أبدى عورتى للناس..
«وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا» (77) مجازه: لا تدع حظّك وطلب الرزق الحلال منها..
«وَلا يُلَقَّاها إِلَّا الصَّابِرُونَ» (80) مجازه: لا يوقف لها ولا يرزقها ولا يلقاها..
«فَما كانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ» (81) أي من أعوان وظهراء، قال خفاف «4» :
__________
(1) . - 682: من كلمة فى جمهرة الأشعار ص 138- 141 وهو فى الشعراء النصرانية 3/ 82 وتمام البيت فى جمهرة الأشعار:
فدعا دعوة المحنق والتلبيب منه فى عامل مقصود.
«لا تأشر» : كما هو فى القرطبي 13/ 313]
(2) . - 683: «هدبة» : هو هدبة بن خشرم بن كرز بن حجير من سعد هديم وله أخبار وأشعار فى الشعراء ص 434 والكامل للمبرد ص 765 والاشتقاق ص 320 والأغانى 21/ 0169- والبيت فى الشعراء 437 قال ابن قتيبة أخذه من تأبط شرا ... وهو فى القرطبي 13/ 313 وشواهد الكشاف ص 35.
(3) . - 684: فى الكامل للمبرد ص 27، 411]
(4) . - 13 «خفاف» : هو خفاف بن ندبة.(2/111)
وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلَا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ (82) تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (83) مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (84) إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جَاءَ بِالْهُدَى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (85) وَمَا كُنْتَ تَرْجُو أَنْ يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ ظَهِيرًا لِلْكَافِرِينَ (86) وَلَا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آيَاتِ اللَّهِ بَعْدَ إِذْ أُنْزِلَتْ إِلَيْكَ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (87) وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (88)
فلم أر مثلهم حيّا لقاحا ... وجدّك بين قاصية وحجر «1» [685]
أشدّ على صروف الدهر آدا ... وآمر منهم فيئة بصير.
«وَيْكَأَنَّ اللَّهَ» (82) مجازه: ألم تر أن الله يبسط الرزق، قال الشاعر:
وى كأنّ من يكن له نشب يجب ... ومن يفتقر يعش عيش ضرّ
«2» [686] .
«إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ» (85) مجازه: أنزل عليك..
«كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ» (88) مجازه: إلّا هو وما استثنوه من جميع فهو منصوب وهذا المعنى بين النفختين، فإذا هلك كل شىء من جنّة ونار وملك وسماء وأرض وملك الموت فإذا بقي وحده نفخ فى الصور النفخة الآخرة وأعاد كل جنة ونار وملك وما أراد، فتم خلود أهل الجنة فى الجنة وأهل النار فى النار.
__________
(1) . - 685: البيتان فى الطبري (20/ 70) والأول فى معجم ما استعجم 2/ 457 فى رسم خفاف) والسمط ص 752.
(2) . - 686: من الأبيات المختلف فى عزوها، فانظر الخلاف فى الخزانة 3/ 65 وهو فى الكتاب 1/ 25 والطبري 20/ 71 والشنتمرى 1/ 290 والقرطبي 13/ 313، وابن يعيش 1/ 535 وشواهد المغني ص 266 وشواهد الكشاف 136.(2/112)
الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3) أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (4) مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (5) وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (6) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ (7) وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (8)
«سورة العنكبوت» (29)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
«الم أَحَسِبَ النَّاسُ» (1، 2) ساكن لأنه جرى مجرى فواتح سائر السّور اللواتى مجازهن مجاز حروف التهجّى ومجاز موضعه فى المعنى مجاز ابتداء فواتح سائر السور..
«وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ» (2) مجازه: وهم لا يبتلون، من بلوته أي خبرته..
«فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا» (3) مجازه: فليميزنّ الله لأن الله قد علم ذلك من قبل «1» ..
«مَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ اللَّهِ» (5) مجازه: من كان يخاف بعث الله، قال أبو ذؤيب:
إذا لسعته الدّبر لم يرج لسعها ... وحالفها فى بيت نوب عوامل
(309) أي لم يخف..
«وَإِنْ جاهَداكَ» (8) مجازه مجاز المختصر الذي فيه ضمير كقوله: وقلنا له وإن جاهداك.
__________
(1) . - 7- 8 «فليعلمن.. قبل» : رواه ابن حجر عن أبى عبيدة فى فتح الباري 8/ 393.(2/113)
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ (10) وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ (11) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (12) وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ (13) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ (14) فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ (15) وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (16) إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (17)
«فَإِذا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذابِ اللَّهِ» (10) مجازه: جعل أذى الناس..
«وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنافِقِينَ» (11) مجازه: وليميزن الله هؤلاء من هؤلاء..
«اتَّبِعُوا سَبِيلَنا وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ» (12) مجازه: اتبعوا ديننا..
«وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالًا مَعَ أَثْقالِهِمْ» (13) مجازها: وليحملن أوزارهم «1» وخطاياهم وأوزارا وخطايا مع أوزارهم وخطاياهم..
«عَمَّا كانُوا يَفْتَرُونَ» (13) أي يكذبون ويخترعون..
«الطُّوفانُ» (14) مجازه: كل ما طام فاش من سيل كان أو من غيره وهو كذلك من الموت إذا كان جارفا فاشيا كثيرا، قال:
أفناهم طوفان موت جارف
«2» [687] .
«أَوْثاناً» (17) الوثن من حجارة أو من جصّ..
«وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً» (17) مجازه: تختلقون وتفترون..
«وَاشْكُرُوا لَهُ» (17) واشكروه واحد.
__________
(1) . - 5 «أوزارهم» : كما هو عند البخاري وقال ابن حجر هو قول أبى عبيدة (فتح الباري 8/ 393) .
(2) . - 687: فى الطبري 20/ 80 والقرطبي 13/ 334. [.....](2/114)
أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (19) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (20) يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ (21) وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (22) وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَلِقَائِهِ أُولَئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (23) فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنْجَاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (24) وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (25) فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (26) وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (27) وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ (28) أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (29) قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ (30) وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ (31) قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطًا قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ (32) وَلَمَّا أَنْ جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالُوا لَا تَخَفْ وَلَا تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ (33) إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (34) وَلَقَدْ تَرَكْنَا مِنْهَا آيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (35) وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (36)
«أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ» (19) مجازه: كيف استأنف الخلق الأول..
«ثُمَّ يُعِيدُهُ» (19) بعد، يقال: رجع عوده على بدئه أي آخره على أوله، وفيه لغتان يقال: أبدأ وأعاد وكان ذلك مبدئا ومعيدا وبدأ وعاد وكان ذلك بادئا وعائدا..
«كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ» (20) مجاز «يُنْشِئُ» يبدئ..
«وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ» (21) أي ترجعون..
«وَقالَ إِنِّي مُهاجِرٌ إِلى رَبِّي» (26) كل من خرج من داره أو قطع شيئا فقد هاجر ومنه: مهاجر والمسلمين..
«إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ» (32) أي من الباقين الذين طالت أعمارهم فبقيت ثم أهلكت، قال العجّاج:
فما ونى محمد مذ أن غفر ... له الإله ما مضى وما غبر
(249) وإذا كانت امرأة مع رجال كانت صفاتهم صفات الرجال كقولك: عجوزا من الغابرين، وقوله: «كانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ» (26/ 12) .
«سِيءَ بِهِمْ» (33) مجازه: فعل بهم من سؤت بنا..
«تَرَكْنا مِنْها آيَةً» (35) مجازه: أبقينا منها علامة..
«وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ» (36) مجازه: وأخشو اليوم الآخر، قال أبو ذؤيب:
إذا لسعته الدّبر لم يرج لسعها ... وحالفها فى بيت نوب عوامل
(309) أي لم يخف.(2/115)
فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ (37) وَعَادًا وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ (38) وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ (39) فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (40) مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (41) إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (42) وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ (43) خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ (44) اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ (45) وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (46) وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الْكَافِرُونَ (47) وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ (48)
«وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ» (36) مجازه من: عثبت تعثى عثوّا هو أشد مبالغة من عثيت تعيث.
«جاثِمِينَ» (38) بعضهم على بعض، وجاثمين لركبهم وعلى ركبهم..
«وَما كانُوا سابِقِينَ» (39) مجازه: فائقين معجزين.
«أَرْسَلْنا عَلَيْهِ حاصِباً» (40) أي ريحا عاصفا فيها حصى ويكون فى كلام العرب: الحاصب من الجليد ونحوه أيضا، قال الفرزدق:
مستقبلين شمال الشام تضربنا ... بحاصب كنديف القطن منثور
(447) .
«وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ» (43) مجازها: هذه الأشباه والنظائر نحتجّ بها، يقال اضرب لى مثلا: قال الأعشى:
«هل تذكر العهد فى تنمّص إذ ... تضرب لى قاعدا بها مثلا
«1» [689] .
«وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ» (48) مجازه: ما كنت تقرأ من قبل القرآن حتى أنزل إليك ولا قبل ذلك من كتاب، مجازه: ما كنت تقرأ كتابا، و «من» من حروف الزوائد، وفى آية أخرى: «فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ» (69/ 47) مجازه: ما منكم أحد عنه حاجزين «وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ» أي ولا تكتب كتابا،
__________
(1) . - 689: ديوانه ص 157 والطبري 2/ 91 ومعجم ما استعجم 1/ 323 ومعجم البلدان 1/ 880 «تنمص» : قال البكري بفتح أوله وثانيه ... موضع هكذا رواه أبو حاتم وأنشد للأعشى البيت وروى أبو عبيدة صدر البيت ... إلخ.(2/116)
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (58) الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (59) وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (60) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (61) اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (62) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (63) وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (64)
ومجازه مجاز المختصر الذي فيه ضمير كقولك: ولو كنت تقرأ الكتاب وتخطّه لارتاب المبطلون..
«لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفاً» (58) مجازه: لننزلنهم، وهو من قولهم:
«اللهم بوّئنا مبوّأ صدق» ..
«وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا» (60) مجازه: وكم من دابة، ومجاز الدابة: أن كل شىء يحتاج إلى الأكل والشرب فهو دابة من إنس أو غيرهم..
«الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ» (64) مجازه: الدار الآخرة هى الحيوان، واللام تزاد للتوكيد، قال الشاعر:
أمّ الحليس لعجوز شهربه ... ترضى من اللحم يعظم الرّقبه
(255) ومجاز الحيوان والحياة واحد، ومنه قولهم: نهر الحيوان أي نهر الحياة، ويقال:
حييت حيا على تقدير: عييت عيّا فهو مصدر، والحيوان والحياة اسمان منه «1» فيما تقول العرب، قال العجّاج:
وقد ترى إذ الحياة حىّ
«2» [691] أي الحياة.
__________
(1) . - 10- 11 «الحيوان.. أسمان منه» : قال البخاري فى تفسير كلمة «الحيوان» : وقال غيره الحيوان والحي واحد وقال ابن حجر: وهو قول أبى عبيدة قال الحيوان.. اسمان (فتح الباري 8/ 392 393) وقال القرطبي (13/ 36: وزعم أبو عبيدة أن الحيوان ... واحد كما قال الراجز وغيره يقول إن الحي جمع على مفعول مثل عصى.
(2) . - 691: ديوانه ص 67 واللسان (دعقل) والقرطبي 13/ 312 وشواهد المغني ص 18.(2/117)
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ (68)
«أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكافِرِينَ» (68) مجازه مجاز الإيجاب لأن هذه الألف يكون للاستفهام وللايجاب فهى هاهنا للإيجاب، وقال جرير:
ألستم خير من ركب المطايا ... وأندى العالمين بطون راح
(43) فهذا لم يشك، ولكن أوجب لهم أنهم كذلك، ولولا ذلك ما أثابوه والرجل يعاتب عبده وهو يقول له: أفعلت كذا، وهو لا يشك.(2/118)
الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (5) وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (6) يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ (7) أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ (8) أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (9)
«سورة الرّوم» (30)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
«الم غُلِبَتِ الرُّومُ» (1، 2) ساكن لأنه جرى مجرى فواتح سائر السور اللواتى مجازهن مجاز حروف التهجي ومجاز موضعه فى المعنى كمجار ابتداء فواتح سائر السور..
«فِي بِضْعِ سِنِينَ» (4) والبضع ما بين ثلاث سنين وخمس سنين..
«وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ» (6) «وَعْدَ اللَّهِ» منصوب من موضعين أحدهما: على قولك: وهم من بعد غلبهم سيغلبون، وعدا من الله فصار فى موضع مصدر «سيغلبون» وقد ينصبون المصدر إذا كان غير مصدر الفعل الذي قبله لأنه فى موضع مصدر ذلك الفعل والثاني: لأنه قد يجوز أن يكون فى موضع «فعل» وفى موضع «يفعل» منه قال أبو عمرو بن العلاء والبيت لكعب:
تسعى الوشاة جنابيها وقيلهم ... إنك يا ابن أبى سلمى لمقتول
(147) أي ويقولون فلذلك نصب «وقيلهم» ..
«وَأَثارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوها» (9) أي استخرجوها، ومنه قولهم:
أثار ما عندى: أي استخرجه، وأثار القوم: أي استخرجهم.(2/119)
وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ (12) وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكَائِهِمْ شُفَعَاءُ وَكَانُوا بِشُرَكَائِهِمْ كَافِرِينَ (13) وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ (14) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ (15) وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآخِرَةِ فَأُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ (16) فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ (17) وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ (18) يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ (19) وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ (20) وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21) وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ (22) وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (23)
«وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ» (12) أي يتندمون ويكتئبون وييأسون.
قال العجّاج:
يا صاح هل تعرف رسما مكرسا ... قال نعم أعرفه وأبلسا
(217) .
«فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ» (15) مجازه: يفرحون ويسرّون وليس شىء أحسن عند العرب من الرياض المعشبة ولا أطيب ريحا قال الأعشى:
ما روضة من رياض الحزن معشبة ... خضراء جاد عليها مسبل هطل «1» [692]
يوما بأطيب منها نشر رائحة ... ولا بأحسن منها إذ دنا الأصل
وقال العجّاج:
والحمد لله الذي أعطى الحبر ... موالى الحقّ إنّ المولى شكر
«2» [693] ويقال فى المثل «3» : مليت بيوتهم حبرة فهم ينتظرون العبرة..
«مَنامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ» (23) وهى من مصادر النوم بمنزلة قام يقوم مقاما، وقال يقول مقالا.
__________
(1) . - 692) الأول هو 14 والثاني هو 16 من القصيدة السادسة فى ديوانه وهما مع بيت آخر فى الطبري 21/ 17 والقرطبي 14/ 11.
(2) . - 693: ديوانه ص 15 والطبري 21/ 18 والاقتضاب ص 407.
(3) . - 11 «المثل» : لم أجده فيما رجعت إليه إلا فى الجمهرة (1/ 218) مثلا مضروبا فى كلمة «حبرة» هكذا: كل حبرة تعقبها عبرة.(2/120)
وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ (26) وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (27)
«كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ» (26) أي مطيعون و «كلّ» لفظه لفظ الواحد ويقع معناه على الجميع فهو هاهنا جميع وفى الكلام: كل له مطيع أيضا.
«وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ» (27) مجازه أنه خلقه ولم يكن من البدء شيئا ثم يحييه بعد موته «وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ» (27) فجاز مجازه: وذلك هبّن عليه لأن «أفعل» يوضع فى موضع الفاعل قال:
لعمرك ما أدرى وإنى لأوجل ... على أيّنا تعدو المنيّة أوّل
«1» [694] أي وإنى لواجل أي لوجل، وقال:
فتلك سبيل لست فيها بأوحد
(531) أي بواحد وفى الأذان: الله أكبر أي الله كبير. وقال الشاعر:
أصبحت أمنحك الصّدود واننى ... قسما إليك مع الصدود لأميل
«2» [695] وقال الفرزدق:
إن الذي سمك السماء بنى لنا ... بيتا دعائمه أعزّ وأطول
«3» [696] أي عزيزة «4» طويلة. فان احتجّ محتجّ فقال إن الله لا يوصف بهذا وإنما يوصف به الخلق فزعم أنه وهو أهون على الخلق وإن الحجة عليه قول الله
__________
(1) . - 694: لمعن بن أوس من كلمة فى ديوانه ص 36 وفى حماسة البحتري ص 101 وأمالى القالي 3/ 218 والمعاني للعسكارى 1/ 113 والعيني 3/ 439 والخزانة 3/ 506.
(2) . - 695: من كلمة للأحوص بن محمد الأنصاري فى الأغانى 18/ 96 والخزانة 1/ 248 والبيت فى الكتاب 1/ 160 والسمط ص 259 والقرطبي 14/ 21.
(3) . - 696: مطلع قصيدة له فى النقائض رقم 39 وهو فى ديوانه ص 714 والطبري 21/ 12 والقرطبي 14/ 21 والعيني 4/ 42 والخزانة 3/ 147، 480.
(4) . - 13- 2- من ص 122 «أي عزيزة ... ينقله» : رواه الطبري (21/ 22) عن بعض أهل العربية لعله أبو عبيدة.(2/121)
فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (30) مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (32) وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (33) لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (34) أَمْ أَنْزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ (35) وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ (36)
«وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً» (33/ 19) وفى آية أخرى «وَلا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما «1» » أي لا يثقله..
«فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها» (30) أي صبغة الله التي خلق عليها الناس، وفى الحديث: كل مولود يولد على الفطرة حتى يكون أبواه الذين يهوّدانه وينصرانه «2» أي على الملة والصبغة وهى واحدة وهى العهد الذي كان أخذه الله منهم ونصبوها على موضع المصدر وإن شئت فعلى موضع الفعل قال:
إنّ نزارا أصبحت نزارا ... دعوة أبرار دعوا أبرارا
«3» [697] .
«مُنِيبِينَ إِلَيْهِ» (31) أي راجعين تائبين..
«كانُوا شِيَعاً» (32) أي أحزابا فرقا..
«كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ» (32) أي كل شيعة وفرقة بما عندهم.
«فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ» (34) مجازه مجاز التوعّد والتهدّد وليس بأمر طاعة ولا فريضة.
«إِذا هُمْ يَقْنَطُونَ» (36) أي يئسون قال حميد الأرقط:
قد وجدوا الحجّاج غير قانط
«4» [698]
__________
(1) . - 1- 2 «ومن جعل ... حفظهما» الذي ورد فى الفروق: رواه القرطبي (14/ 21) عن أبى عبيدة.
(2) . - 4 «كل ... ينصرانية» : قد أخرج البخاري هذا الحديث فى كتاب الجنائز، والتفسير والقدر ومسلم فى القدر وأبو داود فى السنة والترمذي فى القدر وابن ماجة فى الرهون وهو فى القرطبي 14/ 26.
(3) . - 697: وأنشد سيبويه هذا الرجز فى باب «ما يكون المصدر فيه توكيدا لنفسه نصبا» ونسبه إلى رؤبة (الكتاب 1/ 160) ولم أجده فى ديوان رؤبة وهو فى الشنتمرى 1/ 191 وابن يعيش 1/ 145.
(4) . - 698: فى الطبري 21/ 26 والجمهرة 3/ 115. [.....](2/122)
اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (40) ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (41) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ (42) فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ (43)
«فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللَّهِ» أي لا يزيد ولا ينمى..
«اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ» (40) مجازه: من يفعل من ذلكم شيئا، «من» من حروف الزوائد وقد أثبتنا تفسيره فى غير مكان وجاء «مِنْ ذلِكُمْ» وهو واحد وقبله جميع قال: «خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ» والعرب قد تفعل مثل ذلك قال رؤبة بن العجّاج:
فيها خطوط من سواد وبلق ... كأنه فى الجلد توليع البهق
«1» - 50 يريد كأن ذاك ولم يرد خطوطا فيؤنثه ولا سوادا أو بلقا فيثنّيه وهذا كله يحاجهم به القرآن وليس باستفهام ب «هل» ومعناه: ما من شركائكم من يفعل ذلك ومجاز «سُبْحانَهُ» مجاز موضع التنزيه والتعظيم والتبرؤ قال الأعشى:
أقول لّما جاءنى فخره ... سبحان من علقمة الفاخر
(44) يتبرؤ من ذلك له وتعالى أي علا عن ذلك..
«يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ «2» » (43) أي يتفرقون ويتخاذلون.
__________
(1) . - 50: انظر ما جرى بين أبى عبيدة وبين رؤبة فى معنى هذا الرجز فى موضعه.
(2) . - 14 «يَصَّدَّعُونَ» وروى ابن حجر تفسير أبى عبيدة لهذه الكلمة فى فتح الباري 8/ 394.(2/123)
مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ (44) لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ (45) وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (46) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ (47) اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (48) وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ (49) فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (50)
«مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ» (44) من يقع على الواحد والاثنين والجميع من المذكر والمؤنث ومجازها هاهنا مجاز الجميع «ويمهد» أي يكتسب ويعمل ويستعد قال سليمان بن يزيد العدوى:
أمهد لنفسك حان السقم والتلف ... ولا تضيعنّ نفسا ما لها خلف
«1» [699] .
«فَتُثِيرُ سَحاباً» (48) مجازه: تجمع وتستخرج..
«الْوَدْقَ» (48) والقطر واحد قال:
فلا مزنة ودقت ودقها ... ولا أرض أبقل أبقالها
(603) .
«مِنْ خِلالِهِ» (48) أي من بينه..
«فَانْظُرْ إِلى آثارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ ذلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتى وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» (50) المحيي الموتى هو الله ولم تقع هذه الصفة على رحمة الله ولكنها وقعت على أن الله هو محيى الموتى وهو على كل شىء قدير. والعرب قد تفعل ذلك فتصف الآخر وتترك الأول يقولون:
__________
(1) . - 699: فى الطبري 20/ 31.(2/124)
وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ (51) فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (52) وَمَا أَنْتَ بِهَادِ الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ (53) اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ (54) وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ (55) وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (56) فَيَوْمَئِذٍ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (57) وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُبْطِلُونَ (58) كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (59)
رأيت غلام زيد أنه عنه لحليم أي أن زيدا عن غلامه وعن غيره لحليم.
«وَلَئِنْ أَرْسَلْنا رِيحاً فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا» (51) الهاء هاهنا للأثر كقولك:
فرأوا الأثر مصفرّا ومعناه النبات..
«خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ» (54) أي صغارا أطفالا..
«ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً» (54) أي الكبر بعد القوة..
«كَذلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ» (59) يقال للسيف إذا جرب وصدىء: قد طبع السيف وهو أشد الصدأ «1» .
__________
(1) . - 701: ديوانه ص 86.(2/125)
الم (1) تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ (2) هُدًى وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ (3) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (6) وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (7) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ (8) خَالِدِينَ فِيهَا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (9) خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (10) هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (11) وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (12) وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (13) وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14)
«سورة لقمان» (31)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
«الم تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ» (1- 2) ساكن لأنه جرى مجرى فواتح سائر السور اللواتى مجازهن مجاز حروف التهجّى ومجاز موضعه فى المعنى كمجاز ابتداء فواتح سائر السور. ومجاز «تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ» أي هذه الآيات من القرآن..
«وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ» (10) مجازه: وجعل فيها رواسى أي جبالا قد رست أي ثبتت..
«أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ» (10) أي أن تحرّك بكم يمينا وشمالا..
«وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دابَّةٍ» (10) أي فرّق فى الأرض من الدواب وكل ما أكل وشرب فهو دابة..
«ماذا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ» (11) أي الذين جعلتم معه تبارك وتعالى عن ذلك..
«حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلى وَهْنٍ» (14) مجازه: ضعفا إلى ضعفها وفى آية أخرى «وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي» (19/ 4) .(2/126)
وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (15) يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (16) يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (17) وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (18) وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (19)
وقال زهير:
فلن يقولوا بحبل واهن خلق ... لو كان قومك فى أمثاله هلكوا
«1» [703] .
«وَفِصالُهُ» (14) أي فطامه..
«وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَّ» (15) أي طريق من رجع وتاب إلى الله وهذا مما وصّى الله به ثم رجع الخبر إلى لقمان فقال.
«يا بُنَيَّ إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ» (16) أي زنة حبة..
«وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ» (18) مجازه: ولا تقلب وجهك ولا تعرض بوجهك فى ناحية من الكبر ومنه الصعر الذي يأخذ الإبل فى رؤوسها حتى يلفت أعناقها عن رؤوسها قال عمرو بن حنىّ التّغلبىّ:
وكنا إذا الجبار صعّر خدّه ... أقمنا له من ميله فتقوّما
«2» [704] والصّعر داء يأخذ البعير فى عنقه أو رأسه فيشبّه به الرجل الذي يتكبر على الناس «3» .
«وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً» (18) أي لا تمرح فى مشيك من الكبر.
«إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ» (19) أي أشدّ الأصوات.
__________
(1) . - 703: ديوانه ص 180 والطبري 21/ 40.
(2) . - 704: أنشده صاحبا اللسان والتاج (صعر) ونسباه للمتلمس وهو من كلمة فى معجم المرزباني (ص 206) قال: وهذا البيت يروى فى قصيدة المتلمس التي أولها يعيرنى.. إلخ وأبو عبيدة وغيره يروون هذه الأبيات لجابر بن حى التغلبي والقصيدة فى شعراء الجاهلية 1/ 338 والبيت فى الطبري 21/ 43 والقرطبي 14/ 69.
(3) . - 11- 12 «والصعر ... الناس» : كما فى الطبري 21/ 43.(2/127)
وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (27) مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (28) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (29) ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (30) أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آيَاتِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (31) وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ (32)
«وَلَوْ أَنَّما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللَّهِ» (27) مجاز البحر هاهنا الماء العذب يقال:
ركبنا هذا البحر وكنا فى ناحية هذا البحر أي فى الريف لأن الملح فى البحر لا ينبت الأقلام «1» يمده من بعده أي من خلفه أي يسيل فيه سبعة أبحر، ومجازه مجاز المختصر الذي فيه ضمير، سبيله: فكتب كتاب الله بهذه الأقلام وبهذه البحور مانفد كتاب الله..
«ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ» (28) مجازه مجاز قولك إلّا كخلق نفس واحدة وإلّا كبعث نفس واحدة أي كإحياء نفس لأنه إذا قدر على ذلك من بعض يقدر على بعث أكثر من ذلك إنما يقول لها: كونى فتكون وإذا قدر على أن يخلق نفسا يقدر على خلق أكثر من ذلك.
«وأن ما تدعون من دونه الباطل» (30) أي تجعلون معه قال:
ألا ربّ من تدعو صديقا وغيبه ... لك الدهر قد ما غير منشرح الصدر
(523) .
«وَإِذا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ» (32) واحدتها ظلّة ومجازه: من شدة سواد كثرة الماء ومعظمه.
__________
(1) . - 2- 4 «البحر هاهنا ... الأقلام» : روى القرطبي (14/ 77) هذا الكلام عن أبى عبيدة.(2/128)
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (33) إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (34)
قال النّابغة الجعدىّ وهو يصف البحر:
يماشيهنّ أخضر ذو ظلال ... على حافاته فلق الدّنان
«1» [705] ويروى «يعارضهن» ..
«كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ» (32) الختر أقبح الغدر قال الأعشى:
بالأبلق الفرد من تيماء منزله ... حصن حصين وجار غير ختّار
«2» [706] وقال عمرو بن معديكرب:
وإنك لو رأيت أبا عمير ... ملأت يديك من غدر وختر
«3» [707] .
«لا يَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ» (33) قوم يقولون: جزيت عنك كأنه من الجزاء وهو من أغنيت وقوم يقولون لا يجزئ عنك، يجعلونه من أجزأت عنك يهمزونه ويدخلون فى أوله ألفا..
«وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ» (33) مجازه أن كل من غرّك من أمر الله أو من غير ذلك فهو غرور شيطانا كان أو غيره، تقديره فعول من غررت تغرّ..
«بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ» (34) يقال: بأى أرض كنت وبأيت أرض كنت لغتان.
__________
(1) . - 705: فى الطبري 21/ 49 والقرطين 2/ 73 والقرطبي 14/ 80.
(2) . - 706: ديوانه ص 127 واللسان (ختر) والقرطبي 14/ 80.
(3) . - 707: فى الطبري 21/ 49 والقرطبي 14/ 80.(2/129)
الم (1) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (3) اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ (4) يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (5) ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (6) الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ (7)
«سورة السّجدة» (32)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
«الم» (1) ساكن لأنه جرى مجرى فواتح سائر السور اللواتى مجازهن مجاز حروف التهجي ومجاز موضعه فى المعنى كمجاز ابتداء فواتح سائر السور..
«أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ» (3) مجازه مجاز «أم» التي توضع فى موضع معنى الواو ومعنى «بل» ، سبيلها: ويقولون، وبل يقولون، قال الأخطل:
كذبتك عينك أم رأيت بواسط ... غلس الظّلام من الرّباب خيالا
(69) أي بل رأيت. «افْتَراهُ» أي تكذّبه واخترقه وتخلّقه من قبل نفسه..
«ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ» (5) مجازه: ينزل وهو من المعارج أي الدّرج..
«أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ» (7) مجازه: أحسن خلق كل شىء والعرب تفعل هذا يقدّمون ويؤخرون قال الشاعر:
وطعني إليك الليل حضنيه إنّني ... لتلك إذا هاب الهدان فعول
(388) معناه: وطعني حضنى الليل إليك وقال الراعي:
كأن هندا ثناياها وبهجتها ... يوم التقينا على أدحال دبّاب
(389)(2/130)
ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ (8) ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ (9) وَقَالُوا أَإِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ (10) قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (11)
أي كأن ثنايا هند وبهجة هند دبّاب: مكان سمّى أدحال دبّاب وهو اسم مكان أو رجل، واحد الأدحال دحل، قال ذو الرّمّة:
عفا الزّرق من أطلال ميّة فالدّحل
«1» [708] .
«ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ» (8) مجازه ثم خلق ولده من ماء انسلّ فخرج من مائه أي هراقته يقال: انسل فلان وفلان لم ينسل، مهين أي ضعيف مائع رقيق قال:
فجاءت به غضب الأديم غضنفرا ... سلالة فرج كان غير حصين
(624) .
«قَلِيلًا ما تَشْكُرُونَ» (9) مجازه: تشكرون قليلا و «ما» من حروف الزوائد قال الشاعر:
فعن ما ساعة وفدوا إليه ... بما أعدمنهم أهلا ومالا
(709) أي ففى ساعة أي بعد ساعة..
«وَقالُوا أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ» (10) مجازه: همدنا فلم يوجد لنا لحم ولا عظم..
«قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ» (11) مجازه من: توفّى العدد من الموتى.
__________
(1) . - 708: هذا صدر بيت عجزه:
فأحماد حوضى حيث زاحمها الحبل
فى ديوانه ص 454 وأمالى المرتضى 3/ 116.(2/131)
فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (14) إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (15) تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (16)
قال منظور الزّبيرىّ:
إن بنى الأدرم ليسوا من أحد ... ليسوا إلى قيس وليسوا من أسد
«1» [710] ولا توفّاهم قريش فى العدد.
«إِنَّا نَسِيناكُمْ» (14) محازه: إنا تركناكم ولم ننظر إليكم والله عز وجل لا ينسى فيذهب الشيء من ذكره قال النّابغة:
كأنه خارجا من جنب صفحته ... سفّود شرب نسوه عند مفتأد
«2» [711] أي تركوه..
«تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ» (16) مجازه: ترتفع عنها وتنحّى لأنهم يصلون بالليل، قال الزفيان من بنى عوافة:
وصاحبى ذات هباب دمشق ... كأنها غبّ الكلال زورق «3» [712]
أذلّ برءا الثافرين دوسق ... شوارها قتودها والنمرق
__________
(1) . - 710: لم أقف على ترجمته والرجز مروى عن أبى عبيدة فى القرطين 2/ 73 والشطر الأول مع الثالث فقط فى الطبري 21/ 56 واللسان والتاج (وفى) .
(2) . - 711: ديوانه من الستة ص 6 والقرطبي 14/ 98 والخزانة 1/ 521. [.....]
(3) . - 712: الزفيان: اسمه عطاء بن أسيد أحد بنى عوافة بن سعد وكنيته أبو المر قال انظر المؤتلف ص 133 ومعجم الشعراء للمرزبانى ص 298. - الشطران الأولان فى بقية ديوانه فى مجموع أشعار العرب 2/ 100 وهما مع أشطار أخرى فى اللسان (دمشق) ولم يتيسر لى تحقيق كلمتى «برءا النافرين» وتفسير أبى عبيدة لهما فى المعاجم.(2/132)
وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ (24) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (25) أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ أَفَلَا يَسْمَعُونَ (26) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلَا يُبْصِرُونَ (27) وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (28) قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (29) فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ (30)
وبرة فيها زمام معلق ... كأن ثنيين شجاع مطرق
وابن ملاط متجاف أدفق برءا: متعوج على خلقة الطير زيّن، وثافر الزّور مقدّمه ومؤخره، وبيت دوسق ليس بعظيم ولا صغير وسط، متجاف: أي متنحّى عن كركرتها..
«يَهْدُونَ بِأَمْرِنا» (24) أي بما تقوّيهم وبقوتنا..
«أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ» (26) الواو مفتوحة لأنها واو الموالاة وليست بواو «أو» فتكون ساكنة ولا الألف التي قبلها خرجت مخرج ألف الاستفهام وهى فى موضع التقرير ومجاز «يَهْدِ لَهُمْ» يبيّن لهم وهو من الهدى «1» ..
«إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ» (27) أي الغليظة اليابسة التي لم يصبها مطر..
«وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْفَتْحُ» (28) مجازه هذا الحكم والثواب والعقاب..
«وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ» (30) هى مكية وكل آية أمر فيها النبي صلى الله عليه وسلم بالمكث والانتظار والصّفح والعفو فهى مكية إلى أن أمر بالهجرة فلما قدم المدينة أمر بالبسط والحرب فكل آية أمر فيها بالبسط فهى مدنيّة ومدنية أيضا أو غير ذلك وليست بمكية.
__________
(1) . - 6- 8 «يهد لهم ... الهدى» رواه ابن حجر عن أبى عبيدة فى فتح الباري 8/ 396.(2/133)