المبحث الثالث أسرار ترتيب سورة «الكافرون» «1»
أقول: وجه اتصالها بما قبلها: أنه تعالى لما قال: فَصَلِّ لِرَبِّكَ [الكوثر:
2] ، أمره أن يخاطب الكافرين بأنه لا يعبد إلا ربّه، ولا يعبد ما يعبدون، وجاء التكرار توكيدا لذلك، وانفصل الرسول (ص) منهم، على أن لهم دينهم وله دينه.
__________
(1) . انتقي هذا المبحث من كتاب: «أسرار ترتيب القرآن» للسيوطي، تحقيق عبد القادر أحمد عطا، دار الاعتصام، القاهرة، الطبعة الثانية، 1398 هـ: 1978 م. [.....](12/261)
المبحث الرابع مكنونات سورة «الكافرون» «1»
1- نزلت في الوليد بن المغيرة، والعاص بن وائل، والأسود بن عبد المطلب، وأميّة بن خلف. كما أخرجه ابن أبي حاتم «2» عن سعيد بن ميناء «3» .
__________
(1) . انتقي هذا المبحث من كتاب «مفحمات الأقران في مبهمات القرآن» للسّيوطي، تحقيق إياد خالد الطبّاع، مؤسسة الرسالة، بيروت، غير مؤرّخ.
(2) . والطبري في «تفسيره» 30: 214.
(3) . سعيد بن ميناء المكّي، ويقال: المدني أبو الوليد مولى البختري بن أبي ذباب، روى عن عبد الله بن الزبير، وجابر، وعبد الله بن عمرو، وأبي هريرة: وعنه ابن إسحاق، وأيوب السختياني، وعدة. وثّقه النّسائي، وابن معين، وأبو حاتم، وابن حبّان. ترجمته في «تهذيب التهذيب» 4: 91.(12/263)
المبحث الخامس المعاني اللغوية في سورة «الكافرون» «1»
في قوله تعالى: وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ (لا) تجري مجرى (ما) فرفعت على خبر الابتداء.
__________
(1) . انتقي هذا المبحث من كتاب «معاني القرآن» للأخفش، تحقيق عبد الأمير محمد أمين الورد، مكتبة النهضة العربية وعالم الكتاب، بيروت، غير مؤرّخ.(12/265)
المبحث السادس لكل سؤال جواب في سورة «الكافرون» «1»
إن قيل: لم قال الله تعالى: وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ (3) ولم يقل «من» مع أنه القياس؟
قلنا: فيه وجهان: أحدهما أنه إنما وردت «ما» ، رعاية للمقابلة في قوله تعالى: لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ (2) الثاني: أن «ما» مصدرية: أي لا أعبد عبادتكم ولا تعبدون عبادتي. وقال الزمخشري: إنّما قال تعالى «ما» لأن المراد الصفة كأنّ المعنى: لا أعبد الباطل ولا تعبدون الحق، وقال غيره:
«ما» في الكل بمعنى الذي، والعائد محذوف.
فإن قيل: ما الحكمة في التكرار؟
قلنا: فيه وجهان: أحدهما أنه للتأكيد، وقطع أطماعهم فيما طلبوه منه. الثاني: أن الجملتين الأوليين لنفي العبادة في الحال والجملتين الأخريين لنفي العبادة في الاستقبال، فلا تكرار فيه. وهذا قول ثعلب والزّجّاج والخطاب، لجماعة علم الله تعالى أنهم لا يؤمنون. وقال الزمخشري، مما يرد الوجه الثاني، وذلك أنه قال تعالى:
(لا أعبد) أريد به العبادة في المستقبل، لأن (لا) لا تدخل إلّا على مضارع في معنى الحال، فالجملتان الأوليان لنفي العبادة في المستقبل، والجملتان الأخريان لنفي العبادة في الماضي، فقوله تعالى: وَلا أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُّمْ (4) أي ما عهدتم من عبادة الأصنام في الجاهلية، فكيف يرجى مني بعد الإسلام، وقوله تعالى:
__________
(1) . انتقي هذا المبحث من كتاب «أسئلة القرآن المجيد وأجوبتها» ، لمحمد بن أبي بكر الرازي، مكتبة البابي الحلبي، القاهرة، غير مؤرّخ.(12/267)
وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ (3) أي ما عبدتم في وقت ما أنا على عبادته.
ويردّ على قوله: و «الجملتان الأخريان لنفي العبادة في الماضي» أنّ اسم الفاعل المنوّن، العامل عمل الفعل، لا يكون إلا بمعنى الحال أو الاستقبال، و «عابد» ، هنا، عامل في «ما» وكذلك عابدون، وجوابه أنّه على الحكاية، كما قال تعالى: وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ [الكهف: 8] فإن قيل: لم لم يقل تعالى: ولا أنتم عابدون ما عبدت، بلفظ الماضي، كما قال سبحانه: وَلا أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُّمْ (4) ؟
قلنا: لأنهم كانوا يعبدون الأصنام قبل بعثه (ص) وهو ما كان يعبد الله تعالى قبل بعثه بل بعد بعثه. ويرد على هذا التقدير: أن أعظم العبادة التوحيد، وكلّ الأنبياء كانوا موحّدين بعقولهم قبل البعثة. وقال بعض العلماء: إنّما جاء الكلام مكرّرا لأنه ورد جوابا لسؤالهم مناوبة، وكان سؤالهم مكررا، فإنهم قالوا: يا محمد تعبد آلهتنا كذا مدة، ونعبد إلهك كذا مدة، ثم تعبد آلهتنا كذا مدة، ونعبد إلهك كذا مدة، فورد الجواب مكرّرا ليطابق السؤال، وهذا قول حسن لطيف.(12/268)
سورة النّصر 110(12/269)
المبحث الأول أهداف سورة «النصر» «1»
سورة النصر سورة مدنية وآياتها 3 آيات.
ومع صغرها فإنها حملت البشرى لرسول الله (ص) بنصر الله والفتح، ودخول الناس في دين الله أفواجا، ثم طلبت منه التسبيح والحمد والاستغفار.
المفردات
وَالْفَتْحُ (1) : المراد به فتح مكة.
أَفْواجاً (2) : زمرا وجماعات.
فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ [الآية 3] : ونزّهه وقدّسه.
وَاسْتَغْفِرْهُ: ممّا قد يكون منك، وهو لتعليمنا.
تَوَّاباً (3) : كثير المتاب والغفران لمن تاب.
إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ [الآية 1] وأظهرك على أعدائه، وفتح لك مكّة، وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ [الآية 2] فوجا بعد فوج ... فنزه ربّك، حامدا إيّاه على ما أولاك من النّعم والمنّة، واستغفر الله، لحظة الانتصار، من الزهو والغرور والتقصير إنه كان، ولم يزل، توّابا كثير القبول للتوبة، يحبّ التوّابين، ويحب المتطهّرين.
ولمّا دخل النبي (ص) مكّة فاتحا منتصرا، انحنى على راحلته، حتى أوشك أن يسجد عليها وهو يقول:
تائبون، آئبون، حامدون، لربنا شاكرون.
__________
(1) . انتقي هذا الفصل من كتاب «أهداف كلّ سورة ومقاصدها» ، لعبد الله محمود شحاته، الهيئة العامة للكتاب، القاهرة، 1979- 1984.(12/271)
سورة التوديع
سورة النصر تحمل بين طياتها إتمام الرسالة، وأداء الأمانة، والاستعداد للّحاق بالرفيق الأعلى.
قال البيضاوي: تسمى سورة التوديع.
ويقال إن عمر لمّا سمعها بكى، وقال: الكمال دليل الزوال.
وروي أن العبّاس بكى لمّا قرأها رسول الله (ص) ، فقال عليه الصلاة والسلام ما يبكيك؟ قال نعيت إليك نفسك، فقال النبي (ص) : إنّها لكما تقول، وإنّما ذلك لأنّ فيها تمام الأمر، كما في قوله تعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ [المائدة: 3] .
وجاء في رواية للبخاري: أن عمر رضي الله عنه سأل أشياخ بدر فقال: ما تقولون في قول الله تعالى: إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) ، حتى ختم السورة، فقال بعضهم أمرنا أن نحمد الله ونستغفره، إذا نصرنا وفتح علينا، وسكت بعضهم فلم يقل شيئا فقال:
أكذلك تقول يا ابن عبّاس؟ قلت: لا، فقال: ما تقول؟ فقلت هو أجل رسول الله (ص) أعلمه له. قال: إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) فذلك علامة أجلك فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً (3) فقال عمر بن الخطاب: لا أعلم منها إلّا ما تقول.
وفي رواية الإمام أحمد عن عائشة رضي الله عنها قالت: «كان رسول الله (ص) يكثر في آخر أمره من قوله «سبحان الله وبحمده، أستغفر الله وأتوب اليه» .
المبحث الأول مقصود السورة
1- عند الفتح الأكبر، ودخول الناس في دين الإسلام، ينبغي شكر الله والاستغفار من كل تقصير، فإنّ باب الله مفتوح وهو صاحب الطّول، ويقبل التوبة من جميع التائبين.
2- وفي السورة، إيذان بأداء النبي (ص) للرسالة العظمى، وانتهاء المهمّة الكبرى، وتوجيه له أن يستعد للموت بالاستغفار والتوبة وشكر الله والتسبيح بحمده.(12/272)
المبحث الثاني ترابط الآيات في سورة «النصر» «1»
تاريخ نزولها ووجه تسميتها
نزلت سورة النصر بعد سورة التوبة، وهي آخر ما نزل من القرآن بالمدينة، وكان نزولها في حجّة الوداع بمنى، فيكون نزولها في السنة العاشرة من الهجرة. وكان هذا بعد أن أتمّ النبي (ص) دعوته، وأخذ الناس يدخلون أفواجا في دينه.
وقد سمّيت هذه السورة بهذا الاسم، لقوله تعالى في أوّلها: إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وتبلغ آياتها ثلاث آيات.
الغرض منها وترتيبها
الغرض من هذه السورة الوعد بالنصر، ونشر الدين في الناس، بعد متاركة أولئك الكفار في السورة السابقة، وهذا هو وجه المناسبة في ذكر هذه السورة بعدها.
الوعد بالنصر ونشر الدين الآيات [1- 3]
قال تعالى: إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) فوعد النبي (ص) بالنصر، والفتح، ونشر الدين في الناس، وأمره بتسبيحه واستغفاره شكرا له على ذلك، واستجلابا لعفوه عما يكون قد حصل منه، وختم ذلك بقوله: إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً (3) .
__________
(1) . انتقي هذا المبحث من كتاب «النظم الفنّي في القرآن» ، للشيخ عبد المتعال الصعيدي، مكتبة الآداب بالجمايز- المطبعة النموذجية بالحكمية الجديدة، القاهرة، غير مؤرّخ.(12/273)
المبحث الثالث أسرار ترتيب سورة «النصر» «1»
أقول: وجه اتصالها بما قبلها: أنه قال في آخر ما قبلها: وَلِيَ دِينِ (6) فكان فيه إشعار بأنه خلص له دينه، وسلّمه من شوائب الكفّار والمخالفين، فعقّب السياق ببيان وقت ذلك، وهو مجيء الفتح والنصر، فإن الناس حينما دخلوا في دين الله أفواجا، فقد تمّ الأمر، وذهب الكفر، وخلص دين الإسلام ممّن كان يناوئه، ولذلك كانت السورة إشارة إلى وفاته (ص) «2» .
وقال الإمام فخر الدين: كأنه تعالى يقول: لما أمرتك في السورة المتقدّمة بمجاهدة جميع الكفّار، بالتبري منهم، وإبطال دينهم، جزيتك على ذلك بالنصر والفتح وتكثير الأتباع.
قال: ووجه آخر، هو: أنه لما أعطاه الكوثر، وهو الخير الكثير، ناسب تحميله مشقّاته وتكاليفه، فعقّبها سبحانه، بمجاهدة الكفّار، والتبري منهم. فلما امتثل ذلك، أعقبه بالبشارة بالنصر والفتح، وإقبال الناس أفواجا إلى دينه، وأشار إلى دنوّ أجله، فإنه ليس بعد الكمال إلّا الزوال.
__________
(1) . انتقي هذا المبحث من كتاب: «أسرار ترتيب القرآن» للسيوطي، تحقيق عبد القادر أحمد عطا، دار الاعتصام، القاهرة، الطبعة الثانية، 1398 هـ: 1978 م.
(2) . أخرج البخاري هذا المعنى في التفسير: 6: 220،. 221 عن ابن عباس. والإمام أحمد في المسند: 1: 217، 344، 356 وابن جرير في التفسير.(12/275)
المبحث الرابع المعاني اللغوية في سورة «النصر» «1»
قال تعالى: يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْواجاً (2) واحدهم: الفوج.
وقال سبحانه: فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ أي: «يكون تسبيحك بالحمد» لأن «التسبيح» هو ذكر. فالمعنى: «يكون ذكرك بالحمد على ما أعطيتك من فتح مكّة وغيره» . يقول الرجل: «قضيت سبحتي من الذكر» .
__________
(1) . انتقي هذا المبحث من كتاب «معاني القرآن» للأخفش، تحقيق عبد الأمير محمد أمين الورد، مكتبة النهضة العربية وعالم الكتاب، بيروت، غير مؤرّخ.(12/277)
المبحث الخامس لكل سؤال جواب في سورة «النصر» «1»
إن قيل: أيّ مناسبة بين الأمر بالاستغفار وما قبله، فإن مجيء الفتح والنصر، يناسب الشكر والحمد، لا الاستغفار والتوبة؟
قلنا: قال ابن عباس رضي الله عنهما، لما نزلت هذه السورة، علم النبي (ص) أنه نعيت إليه نفسه. وقال الحسن: أعلم النبي (ص) أنه قد اقترب أجله، فأمر بالتسبيح والاستغفار والتوبة. ليختم له في آخر عمره بالزيادة في العمل الصالح، فكان يكثر من قوله: سبحانك اللهم، اغفر لي إنّك أنت التوّاب الرحيم. وعن ابن مسعود رضي الله عنه، أنّ هذه السورة تسمى سورة التوديع. وروي أن النبي (ص) عاش بعد نزولها سنتين.
__________
(1) . انتقي هذا المبحث من كتاب «أسئلة القرآن المجيد وأجوبتها» ، لمحمد بن أبي بكر الرازي، مكتبة البابي الحلبي، القاهرة، غير مؤرّخ.(12/279)
سورة المسد 111(12/281)
المبحث الأول أهداف سورة «المسد» «1»
سورة المسد سورة مكية وآياتها خمس، نزلت بعد سورة الفاتحة.
وتسمى سورة تبّت، وسورة أبي لهب، وسورة المسد لذكر كل ذلك فيها.
مقصود السورة
قال الفيروزآبادي: مقصود السورة تهديد أبي لهب على الجفاء والإعراض، وضياع كسبه وأمره، وبيان ابتلائه يوم القيامة، وذمّ زوجه في إيذاء النبي (ص) ، وبيان ما هو مدّخر لها من سوء العاقبة.
المفردات
تَبَّتْ [الآية 1] : التّبّ: الهلاك والبوار، وهو دعاء عليه.
أَبِي لَهَبٍ [الآية 1] : هو عبد العزّى بن عبد المطلب عمّ النبي (ص) ، ومن أشدّ الناس إيذاء له، وللمسلمين.
ما أَغْنى [الآية 2] : ما نفعه ولا أفاده، لا في الدنيا ولا في الاخرة.
وَما كَسَبَ (2) : المراد به الولد، لأن الولد من كسب أبيه، أو المال والجاه.
ذاتَ لَهَبٍ (3) : لتأجّجها واستعارها.
وَامْرَأَتُهُ [الآية 4] : هي أمّ جميل بنت حرب أخت أبي سفيان.
الْحَطَبِ (4) : المراد، الأشواك
__________
(1) . انتقي هذا الفصل من كتاب «أهداف كلّ سورة ومقاصدها» ، لعبد الله محمود شحاته، الهيئة العامة للكتاب، القاهرة، 1979- 1984.(12/283)
التي كانت تلقيها في طريق النبي (ص) ، والمؤمنين إيذاء لهم أو هو كناية عن إلقاء الفتنة بين النبي (ص) والمشركين.
جِيدِها [الآية 5] : عنقها.
مَسَدٍ (5) : هو الليف، أي في عنقها حبل من ليف، تجمع فيه الحطب وتحزمه.
مع السورة
سورة المسد، وتسمّى أيضا سورة أبي لهب، وأبو لهب، واسمه: عبد العزّى بن عبد المطّلب، هو عم النبي (ص) وإنما سمّي أبا لهب لإشراق وجهه، وكان هو وامرأته «أم جميل» ، من أشدّ الناس إيذاء لرسول الله (ص) وللمؤمنين به.
أخرج البخاري بإسناده عن ابن عبّاس رضي الله عنهما، أن النبي (ص) خرج إلى البطحاء، فصعد الجبل فنادى: «يا صباحاه» ، فاجتمعت إليه قريش، فقال: أرأيتم إن حدّثتكم أن العدو مصبحكم أو ممسيكم، أكنتم مصدّقيّ؟ قالوا نعم، قال: فإنّي نذير لكم بين يدي عذاب شديد. فقال أبو لهب: تبّا لك سائر اليوم، ألهذا جمعتنا. فأنزل الله السورة: تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (1) والتّباب الهلاك والبوار والقطع و «تبّت» الأولى دعاء، و «تبّت» الثانية تقرير لوقوع هذا الدعاء:
هلكت نفس أبي لهب، وقد هلك ما نفعه ماله، وما كسبه بماله من الربح والجاه سيدخل نارا ذات لهب، ونجد هنا تناسقا في اللفظ، فجهنّم هنا ذات لهب، يصلاها أبو لهب.
ومضمون السورة: خسر أبو لهب، وضلّ عمله، وبطل سعيه الذي كان يسعاه، للصدّ عن دين الله ولم يغن عنه ماله الذي كان يتباهى به، ولا جدّه واجتهاده في ذلك فإن الله أعلى كلمة رسوله، ونشر دعوته، وأذاع ذكره.
وسيعذّب أبو لهب يوم القيامة بنار ذات شرر ولهيب وإحراق شديد، أعدّها الله لمثله من الكفّار والمعاندين، فوق تعذيبه في الدنيا، بإبطال سعيه، ودحض عمله وستعذّب معه امرأته التي كانت تعاونه على كفره وجحده، وكانت عضده في مشاكسة رسول الله (ص) وإيذائه، وكانت تمشي بالنميمة للإفساد، وإيقاد نار الفتنة والعداوة.(12/284)
وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (4) أي وستعذّب أيضا بهذه النار امرأته أروى بنت حرب، أخت أبي سفيان بن حرب، جزاء لها على ما كانت تجترحه من السعي بالنميمة، إطفاء لدعوة رسول الله (ص) . والعرب تقول لمن يسعى في الفتنة ويفسد بين الناس: هو يحمل الحطب بينهم، كأنّه بعمله يحرق ما بينهم من صلات وقيل إنها كانت تحمل حزم الشوك والحسك والسعدان، وتنثرها بالليل في طريق رسول الله (ص) لإيذائه.
فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ (5) في عنقها حبل ممّا مسّد به من الحبال، أي أحكم فتله وقد صوّرها الله تعالى بصورة من تحمل تلك الحزمة من الشوك، وتربطها في جيدها، كبعض الحطّابات الممتهنات، احتقارا لها، واحتقارا لبعلها، حينما اختارت ذلك لنفسها.
وجملة أمرها: أنّها في تكليف نفسها المشقّة الفادحة للإفساد بين الناس، وإيقاد نيران العداوة بينهم، بمنزلة حاملة الحطب، التي في جيدها حبل خشن تشدّ به ما تحمله إلى عنقها، حين تستقل به وهذه أبشع صورة تظهر بها امرأة، تحمل الحطب وهي على تلك الحال.
«ويروي بعض العلماء، أن المراد بيان حالها وهي في نار جهنّم، إذ تكون على الصورة التي كانت عليها في الدنيا، حينما كانت تحمل الشوك، إيذاء لرسول الله (ص) فهي لا تزال تحمل حزمة من حطب النار، ولا يزال في جيدها حبل من سلاسلها، ليكون جزاؤها من جنس عملها، فقد روي عن سعيد بن المسيّب، أنه قال: كانت لأم جميل قلادة فاخرة، فقالت:
لأنفقنّها في عداوة محمد فأعقبها الله في جيدها حبلا من مسد النار» «1» .
«وكل امرأة، تمشي بالفتنة والفساد بين الناس، لتفرّق كلمتهم، وتذهب مذاهب السوء، فلها نصيب من هذا العذاب، وجزء من هذا النكال» «2» .
__________
(1) . تفسير المراغي للأستاذ أحمد مصطفى المراغي 30: 263.
(2) . مقتبس من تفسير جزء عم، للأستاذ الإمام محمد عبده، ص 133. [.....](12/285)
مضمون السورة
1- هلاك لأبي لهب وأيّ هلاك.
2- لن ينفعه ماله وجاهه، ولا سلطانه وأولاده.
3- سيصطلي بنار جهنّم، ويحترق بلهيبها.
4- ويكون معه زوجه في صورة مهينة مزرية، إذ تحمل الحطب، وفي عنقها حبل من ليف أشبه بالمرأة المهينة، أو الحمارة الكادحة.(12/286)
المبحث الثاني ترابط الآيات في سورة «المسد» «1»
تاريخ نزولها ووجه تسميتها
نزلت سور المسد، بعد سورة الفاتحة ونزلت سورة الفاتحة، فيما بين ابتداء الوحي والهجرة إلى الحبشة فيكون نزول سورة المسد، في ذلك التاريخ أيضا.
وقد سمّيت هذه السورة بهذا الاسم، لقوله تعالى في آخرها: فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ (5) وتبلغ آياتها خمس آيات.
الغرض منها وترتيبها
الغرض من هذه السورة، إنذار الكافر بالهلاك، بعد وعد المؤمنين بالنصر، في السورة السابقة وهذا هو وجه المناسبة في ذكر هذه السورة بعدها.
إنذار الكافر بالهلاك الآيات [1- 5]
قال الله تعالى: تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ [الآية 1] فأنذر أبا لهب بهلاك ماله ونفسه والمراد منه كلّ كافر ألهاه ماله عن الاستجابة للنبي (ص) ثمّ ذكر أنّ ماله لا يدفع عنه شيئا ممّا أوعد به، وأنّه سيصلى نارا في الاخرة بعد هلاكه، وأنّ امرأته ستكون حمّالة حطب جهنم فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ (5) .
__________
(1) . انتقي هذا المبحث من كتاب «النظم الفنّي في القرآن» ، للشيخ عبد المتعال الصعيدي، مكتبة الآداب بالجمايز- المطبعة النموذجية بالحكمية الجديدة، القاهرة، غير مؤرّخ.(12/287)
المبحث الثالث أسرار ترتيب سورة «المسد» «1»
قال الإمام: وجه اتصالها بما قبلها:
أنه لما قال تعالى في سورة الكافرون:
لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6) فكأنه قيل:
إلهي، وما جزائي؟ فقال الله له: النصر والفتح. فقال: وما جزاء عمي الذي دعاني إلى عبادة الأصنام؟ فقال تعالى:
تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ [الآية 1] .
وقدّم الوعد على الوعيد، ليكون النصر معلّلا بقوله تعالى في «الكافرون» : لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6) . ويكون الوعيد راجعا إلى قوله جلّ وعلا في السورة المذكورة:
لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6) [الكافرون] ، على حد قوله سبحانه: يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ [آل عمران: 106] .
قال: فتأمّل في هذه المجانسة الحافلة بين هذه السور مع أن سورة النصر من أواخر ما نزل بالمدينة «2» ، و «الكافرون» و «تبّت» من أوائل ما نزل بمكّة «3» ليعلم، أنّ ترتيب هذه السور من الله، وبأمره.
قال: ووجه آخر، وهو: أنه لما قال تعالى في «الكافرون» : لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6) كأنه قيل: يا إلهي، ما جزاء المطيع؟ قال: حصول النصر والفتح.
فقيل وما ثواب العاصي؟ قال: الخسارة في الدنيا، والعقاب في العقبى، كما دلّت عليه سورة تبّت.
__________
(1) . انتقي هذا المبحث من كتاب: «أسرار ترتيب القرآن» للسيوطي، تحقيق عبد القادر أحمد عطا، دار الاعتصام، القاهرة، الطبعة الثانية، 1398 هـ: 1978 م.
(2) . في حديث، أخرجه مسلم عن ابن عبّاس: 8: 242،. 243 وفيها أنّها آخر سورة نزلت.
(3) . الإتقان: 1: 96.(12/289)
المبحث الرابع مكنونات سورة «المسد» «1»
1- أَبِي لَهَبٍ [الآية 1] .
اسمه عبد العزّى.
2- وَامْرَأَتُهُ [الآية 4] .
هي أمّ جميل، العوراء بنت حرب، أخت أبي سفيان صخر بن حرب.
وقال ابن دحية في «التنوير» : اسمها العواة. كذا في «مسند الحميدي» «2» وقيل اسمها أروى.
__________
(1) . انتقي هذا المبحث من كتاب «مفحمات الأقران في مبهمات القرآن» للسّيوطي، تحقيق إياد خالد الطبّاع، مؤسسة الرسالة، بيروت، غير مؤرّخ.
(2) . الذي في مسند الحميدي برقم «323» هي كونها أم جميل العوراء. وليس فيه خبر ابن دحية كما توهم عبارة المصنف.(12/291)
المبحث الخامس لغة التنزيل في سورة «المسد» «1»
1- قال تعالى: تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ [الآية 1] .
التّباب الهلاك، والجملة في الآية تفيد الدعاء على أبي لهب بالهلاك.
2- وقال تعالى: وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (4) .
ونصب حَمَّالَةَ على الذّم، وفي ذلك استغناء عن الفعل، وهذا ضرب جيد من ضروب الإيجاز.
__________
(1) . انتقي هذا المبحث من كتاب «من بديع لغة التنزيل» ، لإبراهيم السامرّائي، مؤسسة الرسالة، بيروت، غير مؤرّخ.(12/293)
المبحث السادس المعاني اللغوية في سورة «المسد» «1»
قال تعالى: وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (4) بنصب حَمَّالَةَ على الذّمّ كأنّ المعنى «ذكرتها حمّالة الحطب» ويجوز أن تكون حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (4) نكرة نوي به التنوين.
وقرئت بالرفع (حمّالة) على أنّها صفتها «2» والقراءة بالنصب هي المثبتة في المصحف الشريف.
__________
(1) . انتقي هذا المبحث من كتاب «معاني القرآن» للأخفش، تحقيق عبد الأمير محمد أمين الورد، مكتبة النهضة العربية وعالم الكتاب، بيروت، غير مؤرّخ.
(2) . نسبها الطبري 30: 338 إلى عامّة قراء المدينة والكوفة والبصرة، إلّا عبد الله بن أبي إسحاق وإلى عاصم، في رواية وفي السبعة 700، والتيسير 225، إلى غير عاصم وفي الجامع 20: 240 إلى العامّة.(12/295)
المبحث السابع لكل سؤال جواب في سورة «المسد» «1»
إن قيل: لم ذكره الله تعالى بكنيته دون اسمه، مع أن ذلك إكرام واحترام؟
قلنا: فيه وجوه: أحدها أنه يجوز أنه لم يعرف له اسم، ولم يشتهر إلّا بكنيته، فذكره بما اشتهر به، لزيادة تشهيره بدعوة السوء عليه. الثاني أنّه نقل أنه اسمه عبد العزّى، وهو كان عبد الله لا عبد العزّى، فلو ذكره باسمه لكان خلاف الواقع. الثالث: أنّه ذكره بكنيته لموافقة حاله لكنيته، فإنّ مصيره إلى النار ذات اللهب، وإنّما كنّي بذلك لتلهّب وجنتيه وإشراقهما.
__________
(1) . انتقي هذا المبحث من كتاب «أسئلة القرآن المجيد وأجوبتها» ، لمحمد بن أبي بكر الرازي، مكتبة البابي الحلبي، القاهرة، غير مؤرّخ.(12/297)
المبحث الثامن المعاني المجازية في سورة «المسد» «1»
في قوله سبحانه: تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (1) استعارة، والتّباب الخسران المؤدّي إلى الهلاك، وإنّما وصف سبحانه يدي أبي لهب بالتّباب، وإن كان هو المراد بذلك، لأنّ الأعمال في الأكثر إنّما تكون بالأيدي على ما تقدم من القول في بعض الفصول المتقدّمة، فلما فعل فعلا يؤدّي الى الخسار، ويفضي إلى البوار، جاز نسب ذلك إلى يديه، كما يقال هذا ما صنعت يداك وذق ما جنت يداك، وقد تقدّم الكلام على ذلك، والمراد باليدين هنا، المال والملك. يقال: فلان قليل ذات اليد، أي قليل المال والملك، فكأنّه تعالى أخبر بهلاك ماله وملكه، ثم قال تعالى: وَتَبَّ (1) أي هلك هو أيضا، لأنّه كان يدلّ «2» بكثرة أمواله، وسعة أحواله، فإذا خرج عن ملكه قرب من هلكه، ودليل ذلك قوله تعالى: ما أَغْنى عَنْهُ مالُهُ وَما كَسَبَ (2) سَيَصْلى ناراً ذاتَ لَهَبٍ (3) ويكون هلاك ماله حكما، لا غرما، لأنّه إذا كان مجموعا من غير حلّه، ومأخوذا من غير وجهه، كان هالكا بائرا، وإن كان سالما وافرا.
وفي قوله سبحانه: وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (4) فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ (5) . استعارة على أحد
__________
(1) . انتقي هذا المبحث من كتاب: «تلخيص البيان في مجازات القرآن» للشريف الرضي، تحقيق محمد عبد الغني حسن، دار مكتبة الحياة، بيروت، غير مؤرّخ.
(2) . أي يفتخر.(12/299)
الأقوال، وهو أن يكون المراد بحمّالة الحطب هنا، أنها تجمع على ظهرها الآثام، وتحتقب الأوزار، من قولهم فلان يحتطب على ظهره إذا فعل ما يجرّ به الآثام إلى نفسه. ومن ذلك سمّي الوزر، لأنه الذنب، الذي كان فاعله احتمل بفعله ثقلا على ظهره، ويكون ذكر الحبل هنا من تمام المعنى، الذي أشرنا إليه أيضا، لأنه تعالى لمّا ذكر الحطب على التأويل الذي ذكرناه، جاء بذكر الحبل معه لأن الحبل يجمع فيه الحاطب ما يحتطبه ويضم المحتقب ما يحتقبه وقيل إنّها كانت تمشي بالنميمة بين الناس، فلذلك قيل لها حمّالة الحطب، والمعنى يؤول إلى ما قلناه أوّلا، لأنّها تستحق على فعل النميمة عقابا، فكأنّها احتطبت الإثم على ظهرها من هذه الجهة، فكانت النميمة سببا في استحقاقها العقوبة وقيل أيضا إنها كانت تحمل الشوك على ظهرها، فتلقيه في طريق رسول الله (ص) ، ليستضرّ به في ممشاه عليه، وهذا التأويل يخرج الكلام من باب الاستعارة. وقال ابو عبيدة: المسد عند العرب حبل من أخلاط، وجمعه أمساد، وأنشد الراجز «1»
ومسد أمر من أيانق ... صهب «2» عناق «3» ذات مخّ زاهق
قيل إن المسد الليف الذي تفتل منه الحبال، أو أن المسد اسم للفتل نفسه وإنما قال تعالى حبل من فتل، تمييزا للحبل المفتول، ممّا يقع عليه هذا الاسم، لأنه يقال حبل الذراع وحبل العاتق، فإذا قيل من مسد، علم أنّه من الحبال المعهودة، وقيل إن المسد حبل من حديد، وإن ذلك يجعل في عنقها عند دخولها النار، وأخبر عمرو بن أبي
__________
(1) . ذكر صاحب لسان العرب أنّ الراجز هو عقبة الهجيمي أو عمارة بن طارق. [في الأصل عقبة البهيمي] ، وذكر الرجز هكذا:
ومسد أمرّ من أيانق ... ليس بأنياب ولا حقائق
والأيانق والأنياب والحقائق ضروب من النياق.
(2) . الصهب: الذي يخالط بياضه حمرة. [.....]
(3) . العناق: الأنثى من أولاد المعز.(12/300)
عمرو الشيباني عن أبيه، أنّ المسد محور البكرة، إذا كان من حديد، فهذا مفسّر لقول من ذهب إلى هذا الوجه، وإذا كان الحبل الذي في جيدها من حديد، فهو السلسلة، فقد قال تعالى:
إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ (71) [غافر] .(12/301)
سورة الإخلاص 112(12/303)
المبحث الأول أهداف سورة «الإخلاص» «1»
سورة الإخلاص سورة مكية، آياتها أربع آيات نزلت بعد سورة الناس.
وتشتمل هذه السورة على أهم أركان الإسلام التي قامت عليها رسالة النبي (ص) وهذه الأركان ثلاثة:
الأول: توحيد الله وتنزيهه.
والثاني: بيان الأحكام الشرعية في العبادات والمعاملات.
والثالث: أحوال النفس بعد الموت، وملاقاة الجزاء من ثواب وعقاب، وصفة اليوم الاخر وما فيه من بعث، وحشر، وحساب، وجزاء، وصراط، وميزان، وجنة، ونار.
وأول هذه الأركان هو التوحيد والتنزيه لإخراج العرب وغيرهم من الشرك والتشبيه، ولهذا ورد في الحديث أن هذه السورة تعدل ثلث القرآن، لاشتمالها على التوحيد وهو أصل أصول الإسلام.
وفي كتب التفسير: أن هذه السورة نزلت جوابا للمشركين حينما سألوا رسول الله (ص) ، أن يصف لهم ربّه، ويبيّن لهم نسبه، فوصفه لهم ونزّهه عن النسب، إذ نفى عنه أن يكون والدا، أو مولودا، أو يكون له شبيه، ومثيل.
الرَّحِيمِ [الآية 1] ضمير تفسّره الجملة التالية اللَّهُ أَحَدٌ (1) ، وهو يدلّ على فخامة ما يليه، بإبهامه، ثم تفسيره، ممّا يزيده تقريرا.
اللَّهُ أَحَدٌ (1) : (الله) علم:
دالّ على الذات العليّة دلالة مطلقة،
__________
(1) . انتقي هذا الفصل من كتاب «أهداف كلّ سورة ومقاصدها» ، لعبد الله محمود شحاته، الهيئة العامة للكتاب، القاهرة، 1979- 1984.(12/305)
تجمع معاني أسمائه الحسنى كلّها، وما تصوّره من التقديس، والتمجيد، والتعظيم، والربوبية، والجلال، والكمال.
أَحَدٌ (1) صفة تقرّر وحدانية الله من كل الوجود، فهو واحد في ذاته، وفي صفاته، وفي أفعاله، وفي عبادته أمّا أحديّته أو وحدانيّته في ذاته، فمعناها أنّه يستقل بوجوده عن وجود الكائنات والمخلوقات فوجودها حادث بعد عدم، وهي محتاجة إلى علّة توجدها، وتظل قائمة عليها، حافظة وجودها، طوال ما كتب لها من بقاء. أما وجود الله سبحانه، فوجود أزلي، وجود لذاته، ومنه انبثق كل الوجود، إنّه واجب الوجود الذي لا أوّل لوجوده، ولا آخر، والفرد الذي لا تركيب في ذاته.
اللَّهُ أَحَدٌ (1) فلا إله سواه، ولا شريك معه وكانوا قد عبدوا آلهة متعدّدة مثل الشمس، والقمر، واللّات، والعزّى، ومناة، ونسر.
وكان منهم من اتّخذ إلهين: إلها للنور وإلها للظلمة، ومن قال إن الله ثالث ثلاثة من الالهة. أعلن القرآن الكريم النكير على من اتخذ إلها غير الله تعالى، وقرر القرآن أنه سبحانه، لا شريك له، ولا مثيل إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيداً (116) [النساء] .
ووحدانيّة الصّفات تعني تنزيه الله سبحانه فيها عن صفات المخلوقين من البشر، وغير البشر فهو جلّ جلاله، متفرّد بصفاته تفرده بذاته لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى 11] ، لا في الذات ولا في الصفات. وقد تعدّدت صفات الله في القرآن، ولأنها ذاتية دعاها أسماء، إذ يقول جلّ شأنه: وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى [الأعراف: 180] .
ويقول: هُوَ اللَّهُ الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى [الحشر:
24] . وهذه الصفات، منها ما يصوّر عظمة الله وجلاله مثل: العظيم، المتعال، الحميد، المجيد، القدّوس، ذي الجلال والإكرام. ومنها ما يصوّر خلق الكون وصنع الوجود مثل:
البارئ، المصوّر، الخالق، البديع.
ومنها ما يصوّر القدرة الإلهية مثل:
القوي، القادر، القهّار، المهيمن.
ومنها ما يصوّر العلم الرباني مثل:
العليم الحكيم، الخبير. ومنها ما يصوّر(12/306)
رحمة الله بعباده مثل: الرؤوف، الرحمن، الرحيم ... إلى غير ذلك من صفات قد تلتقي بصفات البشر، ولكنّها تختلف عنها في الجنس والنوع، هي وكل ما يتّصل بالذات الإلهية.
ووحدانيّة الله في أفعاله: هي التفرّد في خلق الكون، والقيام عليه، وتدبير نظامه المحكم، بقوانين ماثلة في جميع الأشياء، يقول الحق سبحانه: أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّماءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْناها وَزَيَّنَّاها وَما لَها مِنْ فُرُوجٍ (6) وَالْأَرْضَ مَدَدْناها وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (7) تَبْصِرَةً وَذِكْرى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (8) وَنَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً مُبارَكاً فَأَنْبَتْنا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ (9) وَالنَّخْلَ باسِقاتٍ لَها طَلْعٌ نَضِيدٌ (10) رِزْقاً لِلْعِبادِ وَأَحْيَيْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذلِكَ الْخُرُوجُ (11) [ق] .
وهذا الكون العظيم، بنظامه البديع، وناموسه الرائع، يدلّ دلالة واضحة على وحدانية الله، وتفرّده بالألوهية.
قال تعالى: لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا [الأنبياء: 22] . وقال سبحانه:
مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (91) [المؤمنون] .
ومضمون هذه الآيات، أنه لو تعددت الالهة في الكون، لفسد نظام السماوات والأرض، ولاختلّ تماسكها القائم على وحدة نظام، ووحدة تسيير وبما أن الكون، لم يفقد نظامه، ولا تماسكه، فدل ذلك على نفي تعدّد الالهة، وثبتت وحدانية الحقّ، سبحانه: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) .
اللَّهُ الصَّمَدُ (2) .
(الصمد) : المقصود في الحوائج وحده، فهو الملاذ، وهو الملجأ، وهو المستعان، وهو المستغاث، ولا حول ولا طول لسواه، إنّه الخالق، الصانع، الحافظ، الوهّاب، النافع، الضارّ كلّ شيء بيده جلّت قدرته، وفي قبضته يعطي، ويمنع يبسط ويقبض يثيب ويعاقب وكل شيء في الكون متّجه إليه، يتلقّى منه الوجود إنه المحيي المميت، الذي يهب كل حي حياته وكلّ حيّ بل كلّ كائن، ينقاد إليه شاعرا بضعفه وعجزه وأنه محتاج إلى برّه وتفقّده له فهو الكالئ، الحافظ، بالليل والنهار، وعلى مر الزمان. وهو(12/307)
الراعي المربّي الذي يفتقر إليه كل شيء في الوجود، وينقاد بأزمّته. وفي ذلك يقول جل ذكره: وَلِلَّهِ يَسْجُدُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مِنْ دابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (49) يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ (50) [النحل] .
قال الإمام محمد عبده: «وقوله تعالى: اللَّهُ الصَّمَدُ (2) : يشعر بأنه [سبحانه هو] الذي ينتهي إليه الطلب مباشرة، بدون واسطة ولا شفيع، وهو في ذلك يخالف عقيدة مشركي العرب، الذين يعتقدون بالوسائط والشفعاء، وكثير من أهل الأديان الأخرى، يعتقدون بأنّ لرؤسائهم منزلة عند الله، ينالون بها التوسّط لغيرهم في نيل مبتغاهم، فيلجئون إليهم أحياء وأمواتا، ويقومون بين أيديهم، أو عند قبورهم، خاشعين خاضعين، كما يخشعون لله بل أشدّ خشية» «1» .
وقد نفى القرآن كل وساطة بين العبد وربه، وبيّن أن باب الله مفتوح على مصراعيه، للضارعين والتائبين والسائلين، فهو سبحانه قريب من عباده، لا يحتاج إلى وساطة أو شفاعة، قال تعالى: وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186) [البقرة] . وبذلك نرى، أن الله سبحانه يرفع كلّ حجاب بينه وبين عباده، ليتجهوا إليه بالمسألة حينما تنزل بهم بعض الخطوب، أو حينما تصيبهم بعض الفواجع، أو حينما يلتمسون أي مقصد من مقاصد الدنيا، أو مقاصد الاخرة. قال تعالى:
ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر: 60] وقال سبحانه: ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55) [الأعراف] .
وعلى ذلك، فالإسلام ينكر بيع صكوك الغفران، لأن المغفرة بيد الله وحده.
وينكر الإسلام الاعتراف بالذنب لرجل الدين، حتى تصحّ التوبة، ويمحي الذنب، إذ أساس الإسلام، أن الله وحده هو المقصود في كلّ شيء:
وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ وَيَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ (25) وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ [الشورى: 25- 26] .
__________
(1) . تفسير جزء عم، للأستاذ الإمام محمد عبده، ص 125، مطابع الشعب.(12/308)
وقد جعل الدّين الدعاء مخّ العبادة، لأن الدّعاء اعتراف ضمني بقدرة الله تعالى وعظمته، وأنه سبحانه الخالق، البارئ، الرازق، الفعّال لما يريد وأن بيده الخير، والأمر، والنفع، والضرّ، وأنه مسبب الأسباب. وللدعاء آداب منها:
التوبة النصوح، وأكل الحلال، وأداء الفرائض، واجتناب الحرمات، والتزام التضرّع، والخضوع في مناجاة الله ودعائه، واليقين الكامل بأن الله تعالى هو النافع الضار، لا رادّ لقضائه ولا معقّب لأمره: إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82) [يس] .
وتمكينا لهذه العقيدة الإسلامية في النفوس، علّم رسول الله (ص) ابن عمه عبد الله بن عبّاس- وهو غلام صغير، وقد كان راكبا خلفه- كلمات ينفعه الله بهنّ في الدنيا والاخرة:
«فعن عبد الله بن عباس قال: كنت رديف النبي (ص) على بغلته فقال لي:
يا غلام، هل أعلّمك كلمات ينفعك الله بهنّ في الدنيا والاخرة؟ قلت: نعم يا رسول الله علّمني. فقال لي: يا غلام:
احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أنّ الأمّة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء ما نفعوك إلّا بشيء قد كتبه الله لك، واعلم أنّ الأمّة لو اجتمعت على أن يضرّوك بشيء ما ضرّوك إلّا بشيء قد كتبه الله عليك. رفعت الأقلام وجفّت الصحف» رواه أحمد والتّرمذي، وهو حديث صحيح.
وحيث يعلم المؤمن هذه الحقيقة، ويحيى في فكره وقلبه صمدية الله تعالى، فإنه لا يرجع في أمر من أموره إلّا إليه سبحانه، ولا يتقرّب بأيّ قربى إلّا قربى تدنيه من طاعة ربّه ومرضاته وتثبيتا لحقيقة صمديّة الخالق، من حقائق صفات الألوهية، قال سبحانه:
اللَّهُ الصَّمَدُ (2) ، أي الله هو الغني في ذاته، وفي صفاته، غنى تامّا، وهو الذي يصمد إليه أي: يرجع إليه في كل أمر صغر أو كبر.
قال أبو هريرة في تفسير كلمة الصمد: هو المستغني عن كلّ أحد، المحتاج إليه كلّ أحد.
لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) : لَمْ يَلِدْ لم يتخذ ولدا(12/309)
وَلَمْ يُولَدْ (3) ليس له والد يكنى به.
والقرآن بهذا ينزّه الله العلي العظيم، عن شبهه بالآدميين الفانين، الذين يوجدون بعد عدم، ويعيشون وينجبون الولد والأولاد، ثم تشتعل رؤوسهم شيبا، ويبلغون من الكبر عتيّا، ثمّ يموتون. وبذلك يكون الإنسان والدا ومولودا في آن واحد. أما الله سبحانه، فتعالى علوّا كبيرا، عن أن يلد أو يولد، فهو منزّه عن مجانسة الآدميين، في اتخاذ الصاحبة، أو الزوجة، واتّخاذ الأولاد. قال تعالى: بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (101) ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (102) لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (103) [الأنعام] .
وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ (4) :
الكفو (أو الكفؤ) معناه المكافئ، والمماثل في العمل والقدرة، وهو نفي لما يعتقده بعض المبطلين، من أنّ لله ندّا في أفعاله يعاكسه في أعماله، على نحو ما يعتقده بعض الوثنيين في الشيطان مثلا، فقد نفى سبحانه بهذه السورة، جميع أنواع الشرك، وقرّر جميع أصول التوحيد والتنزيه.
«وقد جعل الله سبحانه الآية الأخيرة خاتمة للايات قبلها، فبعد أن قرر جلّ وعلا وحدانيته، وعظيم سلطانه، وأنّه ملاذ الكون ومخلوقاته، وأنّه منزه عن مشابهة الإنسان، ومماثلته لتفرّده بقدمه وأزليّته، قال في صيغة عامّة إنّه ليس له مثيل، ولا نظير من الخلق، في أيّ صفة، ولا في أيّ فعل، ولا في أيّ شيء من الأشياء» «2» .
وقد سفّه القرآن في مواطن كثيرة، من جعلوا لله أندادا من المخلوقات، وبيّن أنه سبحانه الصانع الأعظم، وما من كائن إلّا ويفتقر إليه في وجوده، وفي معنى سورة الإخلاص يقول الله سبحانه: وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً (88) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا (89) تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا (90) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمنِ وَلَداً (91) وَما يَنْبَغِي لِلرَّحْمنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً (92)
__________
(2) . دكتور شوقي ضيف، سورة الرحمن وسور قصار ص 380، مطابع دار المعارف.(12/310)
إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً (93) لَقَدْ أَحْصاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (94) وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً (95) [مريم] .
وقال سبحانه: وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ (26) لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (27) [الأنبياء] .(12/311)
المبحث الثاني ترابط الآيات في سورة «الإخلاص» «1»
تاريخ نزولها ووجه تسميتها
نزلت سورة الإخلاص، بعد سورة الناس، ونزلت سورة الناس، بعد سورة الفلق، ونزلت سورة الفلق، بعد سورة الفيل، وكان نزول سورة الفيل، فيما بين ابتداء الوحي والهجرة إلى الحبشة، فيكون نزول سورة الإخلاص، في ذلك التاريخ أيضا.
وقد سمّيت هذه السورة بهذا الاسم، لما فيها من طلب إخلاص الدين لله تعالى: وتبلغ آياتها أربع آيات.
الغرض منها وترتيبها
الغرض من هذه السورة إخلاص الدين لله سبحانه، بعد ما وعد من نصر المؤمنين، وهلاك الكافرين، وهذا هو وجه المناسبة في ذكر سورة الإخلاص، بعد سورتي النصر والمسد.
طلب إخلاص الدين لله الآيات [1- 4]
قال الله تعالى: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) فأمر نبيه (ص) بأن يخلص الدين له، فيعلن في الناس أنّه جلّ جلاله واحد في ذاته. صمد لا يشبهه أحد من خلقه، لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ (4) .
__________
(1) . انتقي هذا المبحث من كتاب «النظم الفنّي في القرآن» ، للشيخ عبد المتعال الصعيدي، مكتبة الآداب بالجمايز- المطبعة النموذجية بالحكمية الجديدة، القاهرة، غير مؤرّخ.(12/313)
المبحث الثالث أسرار ترتيب سورة «الإخلاص» «1»
قال بعضهم: وضعت هاهنا للوزان في اللفظ بين فواصلها، ومقطع سورة تبّت.
وأقول: ظهر لي هنا غير الوزان في اللفظ: أن هذه السورة متّصلة ب قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ (1) في المعنى.
ولهذا قيل: من أسمائها أيضا الإخلاص. وقد قالوا: إنّها اشتملت على التوحيد، وهذه أيضا مشتملة عليه. ولهذا قرن بينهما في القراءة في الفجر، والطواف، والضحى، وسنّة المغرب، وصبح المسافر، ومغرب ليلة الجمعة «2» .
وذلك أنه، لما نفى سبحانه عبادة ما يعبدون، صرّح هنا بلازم ذلك، وهو أن المعبود الله الأحد، وأقام الدليل عليه جلّ وعلا بأنه صمد لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ (4) ولا يستحق العبادة إلا من كان كذلك، وليس في معبوداتهم ما هو كذلك.
وإنّما فصل بين النظيرتين بالسورتين «3» لما تقدم من الحكمة، وكأن إيلاءها سورة تبت، ورد عليه بخصوصه.
__________
(1) . انتقي هذا المبحث من كتاب: «أسرار ترتيب القرآن» للسيوطي، تحقيق عبد القادر أحمد عطا، دار الاعتصام، القاهرة، الطبعة الثانية، 1398 هـ: 1978 م.
(2) . أخرج الهيثمي في مجمع الزوائد عن ابن عمر: 2: 120 أنّ النبي (ص) ، قرأ في الفجر، سفرا، بالكافرين والإخلاص. وأخرج ابن حجر في المطالب العالية: 3: 399 عن النبي (ص) ، يقول بضعا وعشرين مرة: «نعم السورتان يقرأ في الركعتين: الأحد الصمد، وقل يا أيها الكافرون» وأخرج عن أبي يعلى من حديث جبير بن مطعم، أنّه (ص) أمره أن يقرأ: الكافرون، والنصر، والإخلاص، والمعوّذتين (المصدر السابق 3: 398) .
(3) . أي: بين سورتي الكافرون والإخلاص، بسورتي النصر وتبّت.(12/315)
المبحث الرابع لغة التنزيل في سورة «الإخلاص» «1»
1- قال تعالى: اللَّهُ الصَّمَدُ (2) [الآية: 2] .
الصّمد: هو المقصود، أي:
المصمود، وهذا باب «فعل» الذي يفيد اسم المفعول كالحلب والجلب وغيرهما.
أقول: وليس من وجه لقول المعاصرين: صمد في وجه الأعداء أي: ثبت ذلك إن (صمد) تعني قصد والآية شاهد.
__________
(1) . انتقي هذا المبحث من كتاب «من بديع لغة التنزيل» ، لإبراهيم السامرّائي، مؤسسة الرسالة، بيروت، غير مؤرّخ.(12/317)
المبحث الخامس المعاني اللغوية في سورة «الإخلاص» «1»
في قوله تعالى: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) ، فان قوله أَحَدٌ (1) بدل من قوله اللَّهُ «2» كأنّ السياق: «هو أحد» ، ومن العرب من لا ينوّن «3» فيحذف لاجتماع الساكنين.
وفي قوله تعالى: وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ (4) أَحَدٌ (4) هو الاسم وكُفُواً هو الخبر.
__________
(1) . انتقي هذا المبحث من كتاب «معاني القرآن» للأخفش، تحقيق عبد الأمير محمد أمين الورد، مكتبة النهضة العربية وعالم الكتاب، بيروت، غير مؤرّخ.
(2) . نقله في إعراب القرآن 3: 1551، والمشكل 2: 853.
(3) . نسبت قراءة عدم التنوين في معاني القرآن 1: 432 الى كثير من القراء الفصحاء وفي الطبري 30: 344 إلى نصر بن عاصم، وعبد الله بن أبي إسحاق وفي السبعة 701 إلى أبي عمرو وفي الشواذ الى نصر بن عاصم، وأبي عمرو، وعمر بن الخطاب وفي البحر 8: 528 إلى أبان بن عثمان، وزيد بن علي، ونصر بن عاصم، وابن سيرين، والحسن، وابن أبي إسحاق، وأبي السمال، وأبي عمرو في رواية يونس، ومحبوب والأصمعي، واللؤلؤي، وهارون عنه.
أمّا قراءة التنوين فنسبت في الطبري 30: 344 إلى عامّة قرّاء الأمصار إلّا نصر بن عاصم، وعبد الله بن أبي إسحاق، والحضرمي، وفي السبعة 701 إلى ابن كثير، ونافع، وعاصم، وابن عامر، وحمزة، والكسائي.(12/319)
المبحث السادس لكل سؤال جواب في سورة «الإخلاص» «1»
إن قيل: فالمشهور في كلام العرب أنّ الأحد يستعمل بعد النفي، والواحد يستعمل بعد الإثبات، يقال: في الدار واحد، وما في الدار أحد. وجاءني واحد وما جاءني أحد، ومنه قوله تعالى: وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ [البقرة:
163] ، وقوله تعالى: الْواحِدُ الْقَهَّارُ (39) [يوسف] ، وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ [التوبة: 84] ، لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ [البقرة: 136] ، لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ [الأحزاب: 32] ، فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ [الحاقة: 47] ، فكيف جاء هنا أحد في الإثبات؟
قلنا: قال ابن عباس رضي الله عنهما: لا فرق بين الواحد والأحد، في المعنى واختاره أبو عبيدة، ويؤيده قوله تعالى: فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ [الكهف: 19] وقولهم أحد وعشرون وما أشبهه. وإذا كانا بمعنى واحد، لا يختصّ أحدهما بمكان دون مكان، وإن غلب استعمال أحدهما في النفي، والاخر في الإثبات، ويجوز أن يكون العدول عن الغالب هنا رعاية لمقابلة الصمد.
__________
(1) . انتقي هذا المبحث من كتاب «أسئلة القرآن المجيد وأجوبتها» ، لمحمد بن أبي بكر الرازي، مكتبة البابي الحلبي، القاهرة، غير مؤرّخ.(12/321)
سورة الفلق 113(12/323)
المبحث الأول أهداف سورة «الفلق» «1»
سورة الفلق سورة مكّيّة، وآياتها خمس، نزلت بعد سورة الفيل.
وسورة الفلق توجيه من الله سبحانه لنبيّه (ص) وللمؤمنين جميعا، للعياذ بكنفه، واللياذ بجاهه من كل سوء، والاعتصام بقدرته والاحتماء بجلاله، من شرور مخلوقاته، وما عسى أن يصدر عنهم من إفك وحسد.
المفردات
أَعُوذُ [الآية 1] : ألجأ وأتحصن.
الْفَلَقِ (1) : الصبح.
ما خَلَقَ (2) : من الشر أو الأشرار.
غاسِقٍ [الآية 3] : هو الليل المظلم.
وَقَبَ (3) : دخل، شمل، غمر.
النَّفَّاثاتِ [الآية 4] : النفث: النفخ مع شيء من الريق.
الْعُقَدِ (4) : ما أحكم ربطه حسّا، كعقدة الحبل، أو معنى كعقد البيع والنّكاح، والمراد عقد السحر أو النميمة، والفتنة بين الناس التي تقطع روابط الالفة.
مع آيات السورة
[الآيتان 1- 2] : قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1) مِنْ شَرِّ ما خَلَقَ (2) .
الفلق هو الصبح، وقال جمع من المفسّرين: إن الفلق هو الموجود
__________
(1) . انتقي هذا الفصل من كتاب «أهداف كلّ سورة ومقاصدها» ، لعبد الله محمود شحاته، الهيئة العامة للكتاب، القاهرة، 1979- 1984. [.....](12/325)
الممكن كلّه، أي قل أستعيذ برب المخلوقات وبفالق الإصباح، من كلّ أذى وشرّ يصيبني من مخلوق من مخلوقاته طرّا.
ثمّ خصّص من بعض ما خلق أصنافا، يكثر وقوع الأذى منهم:
[الآية 3] : وَمِنْ شَرِّ غاسِقٍ إِذا وَقَبَ (3) أصل المعنى في مادة غسق: السّيلان والانصباب، وأصل الوقب: النّقرة في الجبل ونحوه، ووقب بمعنى دخل دخولا لم يترك شيئا إلّا مرّ به.
والمراد من الغاسق هنا: الليل، ووقب: أي دخل وغمر كلّ شيء، كأنّما انصبّ عليه، واشتدّت ظلمته.
أي أستعيذ بالله من شرّ الليل إذا دخل، وغمر كلّ شيء بظلامه. أستعيذ بالله من الظلام الحالك، وما يختبئ فيه من حشرة مؤذية، ومن شيطان تساعده الظلمة على الانطلاق والإيحاء، أو من ظلمات النفس وغلبة الشكّ والحيرة.
وعن ابن عبّاس: «هو ظلمة الشهوة البهيمية إذا غلبت واعية العقل» «1» .
[الآية 4] : وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ (4) ، أي ومن شرّ النّمّامين الذين يقطعون روابط المحبة، ويبدّدون شمل المودّة، «والنميمة تشبه أن تكون ضربا من السحر، لأنها تحوّل ما بين الصديقين من محبة الى عداوة، بوسيلة خفيّة كاذبة، والنميمة تضلّل وجدان الصديقين، كما يضلّل الليل من يسير فيه بظلمته، ولهذا ذكرها عقب ذكر الغاسق إذا وقب ولا يسهل على أحد أن يحتاط للتحفّظ من النّمّام، فربما دخل عليك بما يشبه الصدق، حتى لا يكاد يمكنك تكذيبه، فلا بد لك من قوّة أعظم من قوّتك، تستعين بها عليه» «2» .
والنفاثات في العقد: الساحرات الساعيات بالأذى، عن طريق خداع الحواس، وخداع الأعصاب، والإيحاء إلى النفوس، والتأثير والمشاعر وهنّ يعقدن العقد في نحو خيط أو منديل، وينفثن فيها، كتقليد من تقاليد السّحر والإيحاء.
ويصح أن يراد بالنفّاثات في العقد، النساء الكيّادات اللواتي يفسدن عقد
__________
(1) . تفسير النيسابوري بهامش تفسير الطبري، 30: 214.
(2) . تفسير جزء عم للإمام محمد عبده، ص 138.(12/326)
الزوجية، بصرف الزوج عن زوجته، واستمالته حتّى يهجر زوجته الأولى.
فكأنّ الثانية أفسدت عقد الزوجية بين الزوج، وزوجته الأولى «1» .
[الآية 5] : وَمِنْ شَرِّ حاسِدٍ إِذا حَسَدَ (5) والحسد انفعال نفسي، إزاء نعمة الله، على بعض عباده، مع تمنّي زوالها، وسواء أأتبع الحاسد هذا الانفعال بسعي منه لإزالة النعمة، تحت تأثير الحقد والغيظ، أو وقف عند حد الانفعال النفسي فإنّ شرّا يمكن أن يعقب هذا الانفعال.
فإذا حسد الحاسد، ووجّه انفعالا نفسيا معيّنا إلى المحسود، فإنّ شرّا يمكن أن ينفذ إلى المحسود، من طريق العين أو النفس ونحن نستجير بالله ونستعيذ به، ونلجأ إلى رحمته وفضله، ليعيذنا من هذه الشرور، إجمالا وتفصيلا.
وقد روى البخاري بإسناده عن عائشة رضي الله عنها أن النبي (ص) ، كان إذا آوى إلى فراشه، كل ليلة، جمع كفّيه، ثم نفث فيهما، وقرأ فيهما قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) وقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1) وقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده، يبدأ بهما على رأسه ووجهه، وما أقبل من جسده، يفعل ذلك ثلاث مرات. وهكذا رواه أصحاب السنن.
مقصود سورة الفلق
1- الالتجاء إلى الله، والتحصّن بقدرته من شرّ الخلق.
2- ومن شرّ الظلام إذا انتشر، وغطّى الكون.
3- ومن شرّ النساء الكيّادات، صاحبات الحيل، ومن شرّ أهل الفتنة والنميمة.
4- ومن شرّ الحسود إذا وجّه كيده للحسد.
__________
(1) . وفي الحديث: «لا تسأل المرأة طلاق أختها لتستفرغ صفحتها» . أي ينبغي على المرأة ألّا تطلب من الزوج طلاق زوجته لتحلّ محلها، وتأكل في إنائها، وتحتل مكانتها. ومن النساء من يحلو لهنّ إفساد ما بين الزوج وزوجته، أو خطف الرجل من امرأته، وهو كيد، نستعيذ بالله منه.(12/327)
المبحث الثاني ترابط الآيات في سورة «الفلق» «1»
تاريخ نزولها ووجه تسميتها
نزلت سورة الفلق بعد سورة الفيل، ونزلت سورة الفيل فيما بين ابتداء الوحي والهجرة إلى الحبشة، فيكون نزول سورة الفلق في ذلك التاريخ أيضا.
وقد سميت هذه السورة بهذا الاسم، لقوله تعالى في أوّلها: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1) والفلق الصبح، لأن الليل ينفلق عنه، وتبلغ آياتها خمس آيات.
الغرض منها وترتيبها
الغرض من هذه السورة، تخصيص الله تعالى بالاستعاذة من شرّ الخلق، وهذا يدخل فيما سيقت له سورة الإخلاص، من إخلاص الدين لله تعالى، وبهذا يدخل سياق هذه السورة في سياقها، ويكون ذكرها بعدها لهذه المناسبة.
تخصيص الله بالاستعاذة من شر الخلق الآيات [1- 5]
قال الله تعالى: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1) فأمر النبي (ص) أن يخصّه بالاستعاذة من شرّ ما خلق، وخصّ من هذا ثلاثة أشياء: الليل إذا أقبل، والسواحر اللاتي ينفثن في عقد الخيط عند الرّقية، والحاسد الذي
__________
(1) . انتقي هذا المبحث من كتاب «النظم الفنّي في القرآن» ، للشيخ عبد المتعال الصعيدي، مكتبة الآداب بالجمايز- المطبعة النموذجية بالحكمية الجديدة، القاهرة، غير مؤرّخ.(12/329)
يتمنّى زوال نعمة غيره، فقال سبحانه:
وَمِنْ شَرِّ غاسِقٍ إِذا وَقَبَ (3) وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ (4) وَمِنْ شَرِّ حاسِدٍ إِذا حَسَدَ (5) .(12/330)
المبحث الثالث أسرار ترتيب سورة «الفلق» «1»
أقول: هاتان السورتان نزلتا معا، كما في الدلائل للبيهقي. فلذلك قرنتا، مع ما اشتركتا فيه من التسمية بالمعوّذتين، ومن الافتتاح بقل أعوذ، وعقّب بهما سورة الإخلاص، لأن الثلاث سميت في الحديث بالمعوّذات، وبالقوارع «2» .
وقدّمت «الفلق» على «الناس» ، وإن كانت أقصر منها، لمناسبة مقطعها في الأوزان لفواصل «الإخلاص» مع مقطع «تبّت» .
__________
(1) . انتقي هذا المبحث من كتاب: «أسرار ترتيب القرآن» للسيوطي، تحقيق عبد القادر أحمد عطا، دار الاعتصام، القاهرة، الطبعة الثانية، 1398 هـ: 1978 م.
(2) . الذي عثرت عليه حديث عبد الله بن خبيب، عن أبيه، قال: أصابنا طشّ [أي مطر ضعيف] وظلمة، فانتظرنا رسول الله (ص) ، فأخذ بيدي فقال: «قل. فسكت. فقال: قل. فقلت: ما أقول؟ قال: قل هو الله أحد، والمعوذتين حين تمسي وحين تصبح ثلاثا تكفك، كل يوم مرتين» مسند الإمام أحمد: 5: 312، وأبو داود في الأدب ما يقول إذا أصبح: 2: 176، والنّسائي في الاستعاذة: 8: 250 والتّرمذي في الدعوات: 9: 347، وحديث أن النبي (ص) كان يتعوّذ بهن كل ليلة ثلاث مرات (البخاري في فضائل القرآن: 6: 233) .
ونقل السيوطي عن السّخاوي قوله: (وقوارع القرآن الآيات التي يتعوّذ بها ويتحصّن، سمّيت بذلك لأنها تقرع الشيطان، وتقمعه، كآية الكرسي والمعوّذتين) الإتقان: 1: 201.(12/331)
المبحث الرابع مكنونات سورة «الفلق» «1»
1- غاسِقٍ إِذا وَقَبَ (3) .
فسّر في حديث مرفوع بالقمر إذا طلع. أخرجه الترمذي من حديث عائشة رضي الله عنها «2» .
وقال ابن شهاب: هو الشمس إذا غربت.
وقال ابن زيد: الثّريا «3» .
أخرجهما ابن أبي حاتم.
2- النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ (4) .
بنات لبيد بن الأعصم.
__________
(1) . انتقي هذا المبحث من كتاب «مفحمات الأقران في مبهمات القرآن» للسّيوطي، تحقيق إياد خالد الطبّاع، مؤسسة الرسالة، بيروت، غير مؤرخ.
(2) . «سنن الترمذي» (3363) في التفسير. قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
ونص الحديث: عن عائشة رضي الله عنها: أن النبي (ص) نظر إلى القمر فقال: «يا عائشة استعيذي بالله من شرّ هذا، فإن هذا هو الغاسق إذا وقب» .
قال البغوي فعلى هذا المراد بالقمر إذا خسف واسودّ، (وقب) أي دخل في الخسوف، أو أخذ في الغيبوبة.
وقال ابن عباس: (الغاسق) : الليل إذا أقبل بظلمته من المشرق، و (الغسق) : الظلمة.
(3) . وأخرجه ابن جرير في «تفسيره» 30: 226- 227.(12/333)
المبحث الخامس لغة التنزيل في سورة «الفلق» «1»
1- قال تعالى: وَمِنْ شَرِّ غاسِقٍ إِذا وَقَبَ (3) .
الغاسق القمر، ووقوبه: دخوله في الكسوف، وهذا من كلم القرآن.
__________
(1) . انتقي هذا المبحث من كتاب «من بديع لغة التنزيل» ، لإبراهيم السامرّائي، مؤسسة الرسالة، بيروت، غير مؤرّخ.(12/335)
المبحث السادس المعاني اللغوية في سورة «الفلق» «1»
قال تعالى: وَمِنْ شَرِّ غاسِقٍ إِذا وَقَبَ (3) . تقول: «غسق» «يغسق» «غسوقا» وهي الظّلمة. و «وقب» «يقب» «وقوبا» وهو الدخول في الشيء.
__________
(1) . انتقي هذا المبحث من كتاب «معاني القرآن» للأخفش، تحقيق عبد الأمير محمد أمين الورد، مكتبة النهضة العربية وعالم الكتاب، بيروت، غير مؤرّخ.(12/337)
المبحث السابع لكل سؤال جواب في سورة «الفلق» «1»
إن قيل: قوله تعالى: مِنْ شَرِّ ما خَلَقَ (2) يتناول كل ما بعده، فما الحكمة في الإعادة؟
قلنا: خص شرّ هذه الأشياء الثلاثة بالذكر، تعظيما لشرّها كما في عطف الخاصّ على العام، تعظيما لشرفه وفضله أو خصّها بالذكر لخفاء شرّها، وأنّه يلحق الإنسان من حيث لا يشعر به، ولهذا قيل: شر الأعداء المداجي، وهو الذي يكيد الإنسان من حيث لا يعلم.
فإن قيل: لم عرّف سبحانه النّفّاثات، ونكّر ما قبلها وما بعدها؟
قلنا: لأن كلّ نفّاثة لها شرّ، وليس كل غاسق وهو الليل له شرّ، وكذا ليس كل حاسد له شرّ، بل رب حسد كان محمودا وهو الحسد في الخيرات، ومنه قوله (ص) «لا حسد إلا في اثنتين» الحديث. وقال أبو تمام:
وما حاسد في المكرّمات بحاسد إنّ العلى حسن في مثلها الحسد
__________
(1) . انتقي هذا المبحث من كتاب «أسئلة القرآن المجيد وأجوبتها» ، لمحمد بن أبي بكر الرازي، مكتبة البابي الحلبي، القاهرة، غير مؤرّخ.(12/339)
المبحث الثامن المعاني المجازية في سورة «الفلق» «1»
قوله تعالى: وَمِنْ شَرِّ غاسِقٍ إِذا وَقَبَ (3) استعارة، والمراد بالغاسق هنا الليل، وقيل إنّه في الأصل اسم لكل وارد، بما يستضرّ به، ويخاف منه فسمّي الليل غاسقا، لأنه يرد بالمخاوف، ويطرق بالدواهي، في الأغلب والأكثر، لأنه يستنهض السّباع من مرابضها، ويستدلق «2» الهوام من مكامنها، إلى غير ذلك، وما يجري هذا المجرى ومعنى «وقب» أي دخل بما يدخل به، ممّا أومأنا إلى ذكره، يقال: وقب يقب وقوبا إذا دخل، وقال بعضهم الكوكب، وإنّما سمّي الليل به، لأنه لا يكون إلّا بالليل، والأوّل أصحّ، لأن الغسق اسم للظلام، ويقال غسق الليل إذا أظلم.
وقوله تعالى: وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ (4) .
وهذه استعارة على أحد التأويلين، وهو أن يكون المراد بذلك، في قول بعضهم، الاستعاذة من شرّ النساء، اللاتي يفسخن عزائم الرجال بمكرهنّ، وينقضن أيديهم بكيدهن، وعقد الرجال هنا كناية عن عزائمها، ومواضع الثبات والتماسك منها، وذلك تشبيه بما يلقيه النافث من ريقه على العقدة، تكون في الحبل، ليسهل انحلالها، وينطلق انعقادها.
__________
(1) . انتقي هذا المبحث من كتاب: «تلخيص البيان في مجازات القرآن» ، للشريف الرضي، تحقيق محمد عبد الغني حسن، دار مكتبة الحياة، بيروت، غير مؤرّخ.
(2) . يستدلق: يستخرج. [.....](12/341)
سورة النّاس 114(12/343)
المبحث الأول أهداف سورة «الناس» «1»
سورة النّاس سورة مكّيّة آياتها ست، نزلت بعد سورة العلق.
وهي سورة يلجأ فيها المؤمن الى الله سبحانه وتعالى، ويعتصم به من وساوس الشيطان، الذي يوسوس في صدور الناس خفية وسرّا، وهو أنواع منه، شياطين الأنس ومنه شياطين الجن.
مفردات السورة
أَعُوذُ [الآية 1] : ألجأ وأستجير.
الرب: هو المربّي، والموجّه والراعي والحامي.
ملك: هو الملك الحاكم المتصرف.
الإله: هو المستعلي المستولي المتسلّط، المعبود بحق.
الْوَسْواسِ [الآية 4] : الشيطان يوسوس للنّاس، ويزيّن لهم الشر والمعصية.
الْخَنَّاسِ (4) : صفة الشيطان من الخنس، وهو الابتعاد والاختفاء عند ذكر الله تعالى.
يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (5) : بالإغراء بالمعاصي والحض على الشرّ.
مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ (6) : أي من شياطين الجن والأنس.
مع آيات السورة
[الآية 1] : قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1)
__________
(1) . انتقي هذا الفصل من كتاب «أهداف كلّ سورة ومقاصدها» ، لعبد الله محمود شحاته، الهيئة العامة للكتاب، القاهرة، 1979- 1984.(12/345)
ألجأ وأتحصّن بالله خالق الخلق، والمتفضل عليهم بالنعم والجود.
[الآية 2] : مَلِكِ النَّاسِ (2) :
فهو ملكهم وآخذ ناصيتهم بيده، وهو الخالق الرازق، مرسل الرسل، ومنزل الشرائع، والحاكم المتصرّف، الذي إذا أراد شيئا قال له كن فيكون.
[الآية 3] : إِلهِ النَّاسِ (3) هو معبودهم بحقّ، وملاذهم إذا ضاق الأمر.
[الآية 4] : مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ الْخَنَّاسِ (4) : أصل الوسوسة الصوت الخفيّ، وقد قيل لأصوات الحلي عند الحركة وسوسة، والْوَسْواسِ الْخَنَّاسِ (4) هو الشيطان الموسوس، الذي يوحي بالشر، ويهمس بالإثم، والخنوس:
الاختفاء والرّجوع. والخنّاس هو الذي من طبعه كثرة الخنوس. أي نعوذ بالله من وسوسة الشيطان، الذي يغري بالمعاصي والمفاسد، ويلقي بالشرور في قلوب الغافلين، ويغري بانتهاك الحرمات من طريق الشهوات.
[الآية 5] : الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (5) أي يجول في الصدور، ويجري من ابن آدم مجرى الدم وخصّ الصدور بالوسوسة، لأنّها محلّ القلوب والقلوب مجال الخواطر والهواجس وإنّ ذلك الشيطان الذي يجثم على قلب ابن آدم ويتسلّط عليه، إذا أصابته الغفلة، هو من الضعف بمكان، فإذا ذكرت الله خنس ورجع، وإذا حكّمت عقلك وانتصرت للحق، ضعف كيد الشيطان، قال تعالى:
وَإِذاً لَآتَيْناهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْراً عَظِيماً (67) [النساء] . وإِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ (201) [الأعراف] . إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (99) إِنَّما سُلْطانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ (100) [النحل] .
[الآية 6] : مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ (6) هذا الوسواس الذي يغري بالشر قسمان: القسم الأول:
الجنّة الخفيّة تخطر للإنسان في صورة خواطر، توعز بالشرّ وتغري بالإثم، وتزيّن الخطيئة.
والقسم الثاني: النّاس الذين يندسّون في الصدور اندساس الجنّة، ويوسوسون وسوسة الشيطان، ومنهم(12/346)
رفيق السوء: الذي يجرّ رفيقه إلى الانحراف، ويغريه بالفساد.
وحاشية الشر: التي توسوس لكلّ ذي سلطان، حتّى تتركه جبّارا طاغيا مفسدا ظالما.
والنمّام الواشي: الذي يزيّن الكلام ويزيّفه، حتّى يبدو كأنّه الحق الصّراح.
وبائع الشهوات: الذي يندسّ في منافذ الغريزة، في إغراء لا تدفعه، إلّا يقظة القلب، وعون الله.
وعشرات من الموسوسين الخنّاسين، الذين ينصبون الأحابيل ويخفونها، وهم شرّ من الجنة، وأخفى منهم دبيبا.
والإنسان عاجز عن دفع الوسوسة الخفيّة، ومن ثم يدلّه الله على عدّته، وجنّته وسلاحه في المعركة الرهيبة.
والمؤمن يستمد قوّته من يقينه بربه، وثقته بقدرته، وتحصّنه بحماه، واستعاذته بالله من شرّ الوسواس الخنّاس، الذي يخنس، ويضعف أمام قوّة الإيمان والاستعانة بالرّحمن، قال تعالى: إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ (42) [الحجر] .
إنّ الصراع بين الخير والشر مستمر في هذه الحياة. وهناك جنود للرحمن هي المعونة والتثبيت، وشرح الصدر للإيمان واليقين، والعزيمة الصادقة، والتواصي بالحق، والتواصي بالصبر.
وهناك طريق للشيطان، يتولّى على الضعفاء.
وستظل هذه المعركة ما بقيت السماوات والأرض. يحاول الشيطان أن يضلّ النّاس ويوسوس لهم وينصب الله للناس أدلّة الهدى والرّشاد من العقل والحكمة، والرسالات السماوية، وأئمة الحق، والدعاة والهداة.
وقد ذكر القرآن ذلك في كثير من الآيات. قال تعالى: يا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُما لِباسَهُما لِيُرِيَهُما سَوْآتِهِما إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ (27) [الأعراف] .
إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّما يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحابِ السَّعِيرِ (6) [فاطر] .(12/347)
قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (79) قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (80) إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (81) قالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82) إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (83) [ص] .
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُواتِ الشَّيْطانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ [النور: 21] .
إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوًّا مُبِيناً (53) [الإسراء] .
وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطانُ لَهُ قَرِيناً فَساءَ قَرِيناً (38) [النساء] .
وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْراناً مُبِيناً (119) يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلَّا غُرُوراً (120) [النساء] .
مقصود سورة الناس
1- التحصّن بجلال الله وقدرته والاعتصام به: وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (101) [آل عمران] .
2- الشيطان يوجه همته وجنوده، لإغراء بني آدم.
3- رفقاء السوء، ودعاة الشر، هم أعوان الشيطان.
والحمد لله الذي بنعمته تتمّ الصالحات، اللهمّ لك الحمد حمدا كثيرا طيّبا مباركا فيه، ولك الشكر ولك الثناء الحسن الجميل.
اللهمّ اجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا، وذهاب غمّنا وحزننا، اللهم أكرمنا بالقرآن، وبنور القرآن، وبركة القرآن، وتلاوة القرآن، اللهم حبّب إلينا الإيمان وزيّنه في قلوبنا، وكرّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين: وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (10) [يونس] .
وَما تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (88) [هود] .
سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (180) وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (181) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (182) [الصافات] .(12/348)
المبحث الثاني ترابط الآيات في سورة «الناس» «1»
تاريخ نزولها ووجه تسميتها
نزلت سورة النّاس، بعد سورة الفلق، وقد نزلت سورة الفلق، فيما بين ابتداء الوحي والهجرة إلى الحبشة، فيكون نزول سورة النّاس، في ذلك التاريخ أيضا.
وقد سمّيت هذه السورة بهذا الاسم، لقوله تعالى في أولها: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) وتبلغ آياتها ست آيات.
الغرض منها وترتيبها
الغرض من هذه السورة، تخصيص الله تعالى بالاستعاذة أيضا، وقد كانت السورة السابقة في تخصيصه بالاستعاذة من الشرّ البدنيّ كالمرض ونحوه، وهو يكون من الناس بعضهم لبعض وهذه السورة في تخصيصه تعالى بالاستعاذة من شرّ الإغواء على المعاصي، وهو يكون من شياطين الجن والإنس وهذا هو وجه المناسبة في ذكرها بعد السورة السابقة، وقد افتتح القرآن بحمده تعالى في سورة الفاتحة، وختم بالاستعاذة به في هاتين السورتين، والحمد يناسب الابتداء، والاستعاذة تناسب الختام.
تخصيص الله بالاستعاذة من شر الإغواء الآيات [1- 6]
قال الله تعالى: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) فأمر النبي (ص) ، أن
__________
(1) . انتقي هذا المبحث من كتاب «النظم الفنّي في القرآن» ، للشيخ عبد المتعال الصعيدي، مكتبة الآداب بالجمايز- المطبعة النموذجية بالحكمية الجديدة، القاهرة، غير مؤرّخ.(12/349)
يخصّه بالاستعاذة من شرّ الوسواس الخنّاس، أي الذي يتأخّر عن الوسوسة، ثمّ يرجع إليها مرّة بعد مرّة، وهو الذي يوسوس في صدور الناس:
مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ (6) .(12/350)
المبحث الثالث مكنونات سورة «الناس» «1»
1- الْخَنَّاسِ (4) .
هو الشّيطان. كما أخرجه ابن جرير «2» عن ابن عبّاس رضي الله عنهما، وهذا آخر ما أردنا إيراده، والله سبحانه وتعالى أعلم.
__________
(1) . انتقي هذا المبحث من كتاب «مفحمات الأقران في مبهمات القرآن» للسّيوطي، تحقيق إياد خالد الطبّاع، مؤسسة الرسالة، بيروت، غير مؤرخ.
(2) . تفسير الطّبري 30: 228.(12/351)
المبحث الرابع المعاني اللغوية في سورة «الناس» «1»
قال تعالى: مَلِكِ النَّاسِ (2) تقول: «ملك بيِّن الملك» الميم مضمومة. وتقول: «مالك بيّن الملك» و «الملك» بفتح الميم وكسرها.
وزعموا أنّ ضمّ الميم لغة في هذا المعنى.
وقوله تعالى: إِلهِ النَّاسِ (3) بدل من مَلِكِ النَّاسِ (2) .
وقوله تعالى: مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أي: «من شرّ الوسواس من الجنّة والنّاس» . و «الجنّة» هم: الجنّ.
__________
(1) . انتقي هذا المبحث من كتاب «معاني القرآن» للأخفش، تحقيق عبد الأمير محمد أمين الورد، مكتبة النهضة العربية وعالم الكتاب، بيروت، غير مؤرّخ.(12/353)
المبحث الخامس لكل سؤال جواب في سورة «الناس» «1»
إن قيل: لم خصّ الناس بالذّكر في قوله تعالى: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) وهو ربّ كل شيء، ومالكه وإلهه؟
قلنا: إنما خصّهم بالذكر تشريفا لهم وتفضيلا على غيرهم، لأنّهم أهل العقل والتمييز. الثاني: أنه لمّا أمر تعالى بالاستعاذة من شرّهم، ذكر مع ذلك أنه ربّهم، ليعلم أنه هو الذي يعيذ من شرهم. الثالث: أن الاستعاذة وقعت من شر الموسوس إلى الناس، بربّهم الذي هو إلههم ومعبودهم، كما يستغيث بلا مشابهة بعض العبيد، إذا اعتراه خطب، بسيّده، ووليّ أمره.
فإن قيل: هل قوله تعالى: مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ (6) بيان للذي يوسوس على أن الشيطان الموسوس ضربان جنّي وإنسي، كما قال تعالى:
شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ [الأنعام: 112] أو بيان للنّاس الذين أضيفت الوسوسة إلى صدورهم، ولفظ (النّاس) المذكور آخرا بمعنى الإنس؟
قلنا: قال بعض أئمة التفسير: المراد المعنى الأول، كأنّ المعنى: من شرّ الوسواس الجنّي، ومن شرّ الوسواس الإنسيّ، فهو استعاذة بالله تعالى من شر الموسوسين من الجنسين، وهو اختيار الزّجّاج وفي هذا الوجه إطلاق لفظ الخنّاس على الإنسي والنّقل أنه اسم للجنّي. وقال بعضهم: المراد المعنى الثاني كأن المعنى: من شرّ الوسواس الجنّي الذي يوسوس في صدور الناس
__________
(1) . انتقي هذا المبحث من كتاب «أسئلة القرآن المجيد وأجوبتها» ، لمحمد بن أبي بكر الرازي، مكتبة البابي الحلبي، القاهرة، غير مؤرّخ.(12/355)
من جنّهم وإنسهم، فسمّى الجنّ ناسا، كما سمّاهم نفرا ورجالا، في قوله تعالى: أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ [الجن: 1] ، وقوله تعالى: يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِّ [الجن: 6] فهو استعاذة بالله، من شرّ الوسواس، الذي يوسوس في صدور الجنّ، كما يوسوس في صدور الإنس، وهو اختيار الفرّاء والمراد من الجنّة هنا الشياطين من الجنّ على الوجه الأول، ومطلق الجن على الوجه الثاني لأن الشيطان منهم، هو الذي يوسوس لا غيره، ومطلقهم يوسوس إليه. واختار الزّمخشري الوجه الأول، وقال: ما أحقّ أن اسم الناس ينطلق على الجن، لأنّ الجنّ سمّوا جنّا لاجتنانهم: أي لاستتارهم، والنّاس سمّوا أناسا لظهورهم من الإيناس وهو الإبصار كما سمّوا بشرا لظهورهم من البشرة ولو صحّ هذا الإطلاق، لم يكن هذا المجمل مناسبا لفصاحة القرآن. قال: وأجود منه أن يراد «بالناس» الأول الناسي كقوله تعالى:
يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ [القمر: 6] .(12/356)
المبحث السادس المعاني المجازية في سورة «الناس» «1»
في قوله تعالى: مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ الْخَنَّاسِ (4) الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (5) استعارة، والمراد بالوسواس هنا، الكلام الخفيّ الذي يلقيه الشيطان أو الإنسان الشبيه به، في أقصى أذن السّامع، فيلفته عن رشاد، ويصرفه الى ضلال، والوسوسة كالهمهمة، قال رؤبة:
وسوس يدعو مخلصا ربّ الفلق «2» .
والخّناس هنا، صفة للوسواس، والمراد به الذي يخنس في القلب، ويسكن في الصدر، أي يستتر ويستجنّ، يقال خنس فلان عن أصحابه، يخنس خناسا وخنوسا إذا تغيّب عنهم، وقد قيل إن الوسواس هنا اسم للشيطان نفسه، فيجوز أن يكون إنّما سمّي بفعله، لكثرة وقوعه منه، وشيوعه عنه، وقيل: الوسواس بالفتح الشيطان، والوسواس بالكسر المصدر.
وجاء في الخبر أن الشيطان يوسوس في العبد، فإذا ذكر العبد ربّه خنس، وقبع، وانقبض، وقيل أيضا إن المراد من شرّ ذي الوسواس، وهو الشيطان، أو الإنسان، فحذف «ذي» لدلالة الكلام عليه، وإشارته إليه.
__________
(1) . انتقي هذا المبحث من كتاب: «تلخيص البيان في مجازات القرآن» للشريف الرضي، تحقيق محمد عبد الغني حسن، دار مكتبة الحياة، بيروت، غير مؤرّخ.
(2) . جاء الشطر الثاني لهذا الرجز غير واضح، فاثرنا حذفه من هنا، لأنه غير موضع استشهاد.(12/357)
الفهرس
سورة «الضحى»
المبحث الأول أهداف سورة «الضحى» 3 مقاصد سورة الضحى 5 المبحث الثاني ترابط الآيات في سورة «الضحى» 7 تاريخ نزولها ووجه تسميتها 7 الغرض منها وترتيبها 7 تثبيت النبي (ص) 7 المبحث الثالث لكل سؤال جواب في سورة «الضحى» 9 المبحث الرابع المعاني المجازية في سورة «الضحى» 11
سورة «الشرح»
المبحث الأول أهداف سورة «الشرح» 15(12/359)
مجمل ما تضمّنته السورة 15 مع السورة 15 المبحث الثاني ترابط الآيات في سورة «الشرح» 17 تاريخ نزولها ووجه تسميتها 17 الغرض منها وترتيبها 17 تثبيت النبي (ص) 17 المبحث الثالث أسرار ترتيب سورة «الشرح» 19 المبحث الرابع لكل سؤال جواب في سورة «الشرح» 21 المبحث الخامس المعاني المجازية في سورة «الشرح» 23 «سورة التين» المبحث الأول أهداف سورة «التين» 27 مجمل ما تضمنته السورة 28 المبحث الثاني ترابط الآيات في سورة «التين» 29 تاريخ نزولها ووجه تسميتها 29 الغرض منها وترتيبها 29 الإسلام دين الفطرة 29(12/360)
المبحث الثالث أسرار ترتيب سورة «التين» 31 من اللطائف 31 المبحث الرابع مكنونات سورة «التين» 33 المبحث الخامس المعاني اللغوية في سورة «التين» 35 المبحث السادس لكل سؤال جواب في سورة «التين» 37 المبحث السابع المعاني المجازية في سورة «التين» 39.
سورة «العلق»
المبحث الأول أهداف سورة «العلق» 43 مقاصد سورة العلق 45 المبحث الثاني ترابط الآيات في سورة «العلق» 47 تاريخ نزولها ووجه تسميتها 47 الغرض منها وترتيبها 47 إعلام النبي بالدعوة 47 المبحث الثالث أسرار ترتيب سورة «العلق» 49(12/361)
المبحث الرابع مكنونات سورة «العلق» 51 المبحث الخامس لغة التنزيل في سورة «العلق» 53 المبحث السادس المعاني اللغوية في سورة «العلق» 55 المبحث السابع لكل سؤال جواب في سورة «العلق» 57 المبحث الثامن المعاني المجازية في سورة «العلق» 59.
سورة «القدر»
المبحث الأول أهداف سورة «القدر» 63 المبحث الثاني ترابط الآيات في سورة «القدر» 67 تاريخ نزولها ووجه تسميتها 67 الغرض منها وترتيبها 67 فضل ليلة نزول القرآن 67 المبحث الثالث أسرار ترتيب سورة «القدر» 69 المبحث الرابع مكنونات سورة «القدر» 71(12/362)
المبحث الخامس المعاني اللغوية في سورة «القدر» 73 المبحث السادس لكل سؤال جواب في سورة «القدر» 75.
سورة «البيّنة»
المبحث الأول أهداف سورة «البيّنة» 79 مع آيات السورة 80 ملخّص السورة 82 المبحث الثاني ترابط الآيات في سورة «البيّنة» 85 تاريخ نزولها ووجه تسميتها 85 الغرض منها وترتيبها 85 بيان فضل القرآن 85 المبحث الثالث أسرار ترتيب سورة «البيّنة» 87 المبحث الرابع لكل سؤال جواب في سورة «البيّنة» 89.
سورة «الزلزلة»
المبحث الأول أهداف سورة «الزّلزلة» 93 مع آيات السورة 94(12/363)
مقاصد السورة 95 المبحث الثاني ترابط الآيات في سورة «الزّلزلة» 97 تاريخ نزولها ووجه تسميتها 97 الغرض منها وترتيبها 97 الترغيب في الخير والتحذير من الشر 97 المبحث الثالث أسرار ترتيب سورة «الزّلزلة» 99 المبحث الرابع المعاني اللغوية في سورة «الزّلزلة» 101 المبحث الخامس لكل سؤال جواب في سورة «الزّلزلة» 103 المبحث السادس المعاني المجازية في سورة «الزّلزلة» 105.
سورة «العاديات»
المبحث الأول أهداف سورة «العاديات» 109 المفردات 109 مع آيات السورة 110 المعنى الاجمالي للسورة 112 المبحث الثاني ترابط الآيات في سورة «العاديات» 113 تاريخ نزولها ووجه تسميتها 113(12/364)
الغرض منها وترتيبها 113 ميل الإنسان إلى الشر 113 المبحث الثالث أسرار ترتيب سورة «العاديات» 115 المبحث الرابع لغة التنزيل في سورة «العاديات» 117 المبحث الخامس المعاني اللغوية في سورة «العاديات» 119 المبحث السادس لكل سؤال جواب في سورة «العاديات» 121.
سورة «القارعة»
المبحث الأول أهداف سورة «القارعة» 125 معاني المفردات 125 مع آيات السورة 126 مقاصد السورة 127 المبحث الثاني ترابط الآيات في سورة «القارعة» 129 تاريخ نزولها ووجه تسميتها 129 الغرض منها وترتيبها 129 وزن الأعمال يوم القيامة 129 المبحث الثالث أسرار ترتيب سورة «القارعة» 131(12/365)
المبحث الرابع لغة التنزيل في سورة «القارعة» 133 المبحث الخامس المعاني اللغوية في سورة «القارعة» 135 المبحث السادس لكل سؤال جواب في سورة «القارعة» 137 المبحث السابع المعاني المجازية في سورة «القارعة» 139.
سورة «التكاثر»
المبحث الأول أهداف سورة «التكاثر» 143 من أسباب النزول 143 المفردات 143 مع آيات السورة 144 أهداف سورة التكاثر 145 المبحث الثاني ترابط الآيات في سورة «التكاثر» 147 تاريخ نزولها ووجه تسميتها 147 الغرض منها وترتيبها 147 تحريم التفاخر 147 المبحث الثالث أسرار ترتيب سورة «التكاثر» 149(12/366)
المبحث الرابع لكل سؤال جواب في سورة «التكاثر» 151 المبحث الخامس المعاني المجازية في سورة «التكاثر» 153.
سورة «العصر»
المبحث الأول أهداف سورة «العصر» 157 المفردات 158 خلاصة أهداف السورة 159 المبحث الثاني ترابط الآيات في سورة «العصر» 161 تاريخ نزولها ووجه تسميتها 161 الغرض منها وترتيبها 161 الترغيب في العمل الصالح 161 المبحث الثالث لكل سؤال جواب في سورة «العصر» 163.
سورة «الهمزة»
المبحث الأول أهداف سورة «الهمزة» 167 المفردات 167 فكرة السورة 167 أسباب النزول 168(12/367)
مع آيات السورة 168 أهداف السورة 170 المبحث الثاني ترابط الآيات في سورة «الهمزة» 171 تاريخ نزولها ووجه تسميتها 171 الغرض منها وترتيبها 171 تحريم الاغترار بالمال 171 المبحث الثالث مكنونات سورة «الهمزة» 173 المبحث الرابع لغة التنزيل في سورة «الهمزة» 175 المبحث الخامس المعاني اللغوية في سورة «الهمزة» 177 المبحث السادس لكل سؤال جواب في سورة «الهمزة» 179 المبحث السابع المعاني المجازية في سورة «الهمزة» 181.
سورة «الفيل»
المبحث الأول أهداف سورة «الفيل» 185 قصّة أصحاب الفيل 185 مع آيات السورة 188 أهداف السورة 189(12/368)
المبحث الثاني ترابط الآيات في سورة «الفيل» 191 تاريخ نزولها ووجه تسميتها 191 الغرض منها وترتيبها 191 قصة أصحاب الفيل 191 المبحث الثالث أسرار ترتيب سورة «الفيل» 193 المبحث الرابع مكنونات سورة «الفيل» 195 المبحث الخامس لغة التنزيل في سورة «الفيل» 197 المبحث السادس لكل سؤال جواب في سورة «الفيل» 199.
سورة «قريش»
المبحث الأول أهداف سورة «قريش» 203 مع آيات السورة 204 المفردات 204 أهداف السورة 204 المبحث الثاني ترابط الآيات في سورة «قريش» 207 تاريخ نزولها ووجه تسميتها 207 الغرض منها وترتيبها 207(12/369)
الامتنان على قريش برحلة الشتاء والصيف 207 المبحث الثالث أسرار ترتيب سورة «قريش» 209 المبحث الرابع مكنونات سورة «قريش» 211 المبحث الخامس لغة التنزيل في سورة «قريش» 213 المبحث السادس المعاني اللغوية في سورة «قريش» 215 المبحث السابع لكل سؤال جواب في سورة «قريش» 217.
سورة «الماعون»
المبحث الأول أهداف سورة «الماعون» 221 مفردات السورة 221 مع آيات السورة 222 أهداف السورة 225 المبحث الثاني ترابط الآيات في سورة «الماعون» 227 تاريخ نزولها ووجه تسميتها 227 الغرض منها وترتيبها 227 ذم البخل بالمال 227(12/370)
المبحث الثالث أسرار ترتيب سورة «الماعون» 229 المبحث الرابع مكنونات سورة «الماعون» 231 المبحث الخامس المعاني اللغوية في سورة «الماعون» 233 المبحث السادس لكل سؤال جواب في سورة «الماعون» 235.
سورة «الكوثر»
المبحث الأول أهداف سورة «الكوثر» 239 المفردات 239 مع آيات السورة 240 مقصود الصورة 241 المبحث الثاني ترابط الآيات في سورة «الكوثر» 243 تاريخ نزولها ووجه تسميتها 243 الغرض منها وترتيبها 243 تفضيل الدين على المال والولد 243 المبحث الثالث أسرار ترتيب سورة «الكوثر» 245 المبحث الرابع مكنونات سورة «الكوثر» 247(12/371)
المبحث الخامس المعاني اللغوية في سورة «الكوثر» 249 المبحث السادس لكل سؤال جواب في سورة «الكوثر» 251.
سورة «الكافرون»
المبحث الأول أهداف سورة «الكافرون» 255 أسباب النزول 255 المفردات 255 فكرة السورة 256 مع آيات السورة 256 المبحث الثاني ترابط الآيات في سورة «الكافرون» 259 تاريخ نزولها ووجه تسميتها 259 الغرض منها وترتيبها 259 متاركة الكفار 259 المبحث الثالث أسرار ترتيب سورة «الكافرون» 261 المبحث الرابع مكنونات سورة «الكافرون» 263 المبحث الخامس المعاني اللغوية في سورة «الكافرون» 265(12/372)
المبحث السادس لكل سؤال جواب في سورة «الكافرون» 267.
سورة «النصر»
المبحث الأول أهداف سورة «النصر» 271 المفردات 271 سورة التوديع 272 مقصود السورة 272 المبحث الثاني ترابط الآيات في سورة «النصر» 273 تاريخ نزولها ووجه تسميتها 273 الغرض منها وترتيبها 273 الوعد بالنصر ونشر الدين 273 المبحث الثالث أسرار ترتيب سورة «النصر» 275 المبحث الرابع المعاني اللغوية في سورة «النصر» 277 المبحث الخامس لكل سؤال جواب في سورة «النصر» 279.
سورة «المسد»
المبحث الأول أهداف سورة «المسد» 283(12/373)
مقصود السورة 283 المفردات 283 مع السورة 284 مضمون السورة 286 المبحث الثاني ترابط الآيات في سورة «المسد» 287 تاريخ نزولها ووجه تسميتها 287 الغرض منها وترتيبها 287 إنذار الكافر بالهلاك 287 المبحث الثالث أسرار ترتيب سورة «المسد» 289 المبحث الرابع مكنونات سورة «المسد» 291 المبحث الخامس لغة التنزيل في سورة «المسد» 293 المبحث السادس المعاني اللغوية في سورة «المسد» 295 المبحث السابع لكل سؤال جواب في سورة «المسد» 297 المبحث الثامن المعاني المجازية في سورة «المسد» 299.(12/374)
سورة «الإخلاص»
المبحث الأول أهداف سورة «الإخلاص» 305 المبحث الثاني ترابط الآيات في سورة «الإخلاص» 313 تاريخ نزولها ووجه تسميتها 313 الغرض منها وترتيبها 313 طلب إخلاص الدين لله 313 المبحث الثالث أسرار ترتيب سورة «الإخلاص» 315 المبحث الرابع لغة التنزيل في سورة «الإخلاص» 317 المبحث الخامس المعاني اللغوية في سورة «الإخلاص» 319 المبحث السادس لكل سؤال جواب في سورة «الإخلاص» 321.
سورة «الفلق»
المبحث الأول أهداف سورة «الفلق» 325 المفردات 325 مع آيات السورة 325 مقصود سورة الفلق 327(12/375)
المبحث الثاني ترابط الآيات في سورة «الفلق» 329 تاريخ نزلها ووجه تسميتها 329 الغرض منها وترتيبها 329 تخصيص الله بالاستعاذة من شر الخلق 329 المبحث الثالث أسرار ترتيب سورة «الفلق» 331 المبحث الرابع مكنونات سورة «الفلق» 333 المبحث الخامس لغة التنزيل في سورة «الفلق» 335 المبحث السادس المعاني اللغوية في سورة «الفلق» 337 المبحث السابع لكل سؤال جواب في سورة «الفلق» 339 المبحث الثامن المعاني المجازية في سورة «الفلق» 341.
سورة «الناس»
المبحث الأول أهداف سورة «الناس» 345 مفردات السورة 345 مع آيات السورة 345 مقصود سورة الناس 348(12/376)
المبحث الثاني ترابط الآيات في سورة «الناس» 349 تاريخ نزولها ووجه تسميتها 349 الغرض منها وترتيبها 349 تخصيص الله بالاستعاذة من شر الإغواء 349 المبحث الثالث مكنونات سورة «الناس» 351 المبحث الرابع المعاني اللغوية في سورة «الناس» 353 المبحث الخامس لكل سؤال جواب في سورة «الناس» 355 المبحث السادس المعاني المجازية في سورة «الناس» 357.(12/377)