المجلد الأول
مقدمة
...
المقدمة:
الحمد لله منزل القرآن نورًا وشفاءً، والصلاة والسلام على سيد الرسل وخاتم الأنبياء، على آله الأصيفاء، وأصحابه النبلاء، ومن اقتفى أثرهم من المفسرين والمحدثين والفقهاء، وسائر العلماء وبعد:
فلما كان الإنسان مسافرًا في هذه الحياة، كان لا بد من دليل يرشده في مسالكها، ويعرفه بأخطارها، ويبين له ما سينقلب إليه، ويقبل عليه، من دار أخرى فيها النعيم للمتقين، والجحيم للخائضين المعرضين.
وقد أرسل الله رسلًا كرامًا وأنزل عليهم كتبًا، تنير الطريق، وتعصم السالكين، إلى أن ختم الأنبياء بسيدهم الهادي البشير محمد صلى الله عليه وسلم، وأيده بمعجزاته وأنزل عليه كلماته وقال: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا، فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا} 1 وقال: {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ، يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} 2
__________
1 من سورة النساء، الآية 174-175.
2 من سورة المائدة، الآية 15-16.(1/5)
وقد بلغ صلوات الله وسلامه عليه الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، ودعا إلى الله بحاله، وقاله، فاستنارت الدنيا بهديه، وأشرقت الظلمات بسنته، وطابت الحياة بأيامه وأحكامه، وقد ترك فينا من إن تمسكنا به فلن نضل؛ كتاب الله وسنته1، ومن هنا كان من المحتم على الأمة الاعتصام بهما، والورود إليهما والصدور عنهما.
ولا بد لذلك من الإقبال على درسهما، والبحث الدائم عن أسرارهما، والتطلع الدائم إلى أحكامهما وإرشاداتهما، فهما العالم المحقق واللبات المصفى يقول الحافظ ابن حجر:
"إن أولى ما صُرفت فيه نفائس الأيام، وأعلى ما خص بمزيد الاهتمام الاشتغال بالعلوم الشرعية، المتلقاة عن خير البرية، ولا يرتاب عاقل في أن مدارها على كتاب الله المقتفى، وسنة نبيه المصطفى، وأن باقي العلوم إما آلات لفهمها وهي الضالة المطلوبة، أو أجنبية عنهما وهي الضارة المغلوبة"2.
وما من ريب في أن علم التفسير أفضل العلوم:
يقول الإمام أبو الفرج بن الجوزي "ت579هـ":
"لما كان القرآن العزيز أشرف العلوم، كان الفهم لمعانيه أوفى الفهوم؛ لأن شرف العلم بشرف المعلوم"3.
وقد روى أبو الليث السمرقندي4 بسنده إلى عبد الله بن مسعود رضي الله عنه
__________
1 روى الحاكم في "المستدرك" "1/ 93" بسنده عن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال في خطبة الوداع: "إني قد تركت فيكم من إن اعتصمتم به فلن تضلوا أبدًا: كتاب الله وسنة نبيه ... " وفيه كلام انظره فيه.
2 "هدي الساري" "ص3".
3 "زاد المسير في علم التفسير" "1/ 3".
4 انظر "تفسيره" "1/ 204".(1/6)
أنه قال: "من أراد العلم فليثر القرآن، وفي رواية أخرى: فليثور1 القرآن، فإن فيه علم الأولين والآخرين"2.
وهو المراد بالحكمة:
فقد أخرج ابن حاتم وغيره من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى: {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ} 3 قال: المعرفة بالقرآن ناسخه ومنسوخه، ومحكمه ومتشابهه، ومقدمه ومؤخره، وحلاله وحرامه، وأمثاله4.
وأخرج عن أبي الدرداء أيضًا: "يؤتي الحكمة" قال: قراءة القرآن والفكرة فيه5. فمن علمه الله علم كتاب فقد أنعم عليه فليفرح وليشكر، ومن حرمه الله فذاك محروم فليتب وليقبل.
يقول عمرو بن مرة: ما مررت بآية في كتاب الله لا أعرفها إلا أحزنتني؛ لأني سمعت الله يقول: {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} 6.
__________
1 قال ابن الأثير في "النهاية" "1/ 138": "أي: لينقر عنه، ويفكر في معانيه وتفسيره وقراءته".
2 قال الزركشي في "البرهان" "1/ 8": "رواه البيهقي في "المدخل" وقال: أراد به أصول العلم".
3 من سورة "البقرة"، الآية "269".
4 انظر "الإتقان" للسيوطي "2/ 175" ونقل منه -ولم يصرح- طاش كبري زاده في "مفتاح السعادة ومصباح السيادة" "2/ 577-578".
5 المصدر السابق.
6 من سورة العنكبوت، الآية "43" وهذا القول أخرجه عنه ابن أبي حاتم كما في "الإتقان" "2/ 175" و"مفتاح السعادة" "2/ 578" ويوجد بهذا الاسم: "عمرو بن مرة" رجلان: صحابي وتابعي انظر "تقريب التهذيب" ص"426-427" و"طبقات الحفاظ" للسيوطي ص"46" ولم يتبين لي المقصود الآن لعدم وجود السند كاملًا.
وقال ابن كثير في تفسير قوله: {إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا} "1/ 65": "قال بعض السلف: إذا سمعت المثل في القرآن فلم أفهمه بكيت على نفسي؛ لأن الله قال: {تِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} .(1/7)
ويقول الإمام الحافظ سفيان بن عيينة "ت: 198" في قوله تعالى: {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ} 1: أنزع عنهم فهم القرآن، وأصرفهم عن آياتي2.
ومن علم التفسير اهتدى لمراد الله، وقام بأمره وفاز برضاه.
يقول التابعي الجليل القاضي إياس بن معاوية "ت: 122":
"مثل الذين يقرءون القرآن ولا يعرفون تفسيره، كمثل قوم جاءهم كتاب من ملكهم ليلًا وليس عندهم مصباح، فتداخلتهم روعة لا يدرون ما في الكتاب ومثل الذي يعرف التفسير كمثل رجل جاءهم بمصباح، فقرءوا ما في الكتاب"3.
وكان السلف صحابة وتابعين أحرص الناس على تحصيل علمه، والاستنارة بفهمه، والترغيب بالوقوف على معانية، والتنفير من الجهل بمراميه:
أخرج ابن الأنباري عن عبد الله بن بريدة، عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: لو أني أعلم إذا سافرت أربعين ليلة أعربت آية من كتاب الله لفعلت4. وأخرج أبو ذر الهروي في "فضائل القرآن" من طريق سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: الذي يقرأ القرآن ولا يحسن تفسيره كالأعرابي الشعر هذا5.
__________
1 من سورة "الأعراف"، الآية "146".
2 انظر "تفسير" ابن كثير "2/ 274".
3 انظر "المحرر الوجيز" لابن عطية "1/ 26" و"الجامع" للقرطبي "1/ 26-27" ومثله تقريبًا في "زاد المسير" "1/ 4".
4 انظر "الإتقان" "2/ 275".
5 المصدر السابق "2/ 175" وقوله ابن عباس دون مصدر في "المحرر الوجيز" "1/ 26".(1/8)
وقال الإمام الشعبي: رحل مسروق بن الأجدع "ت: 62" إلى البصرة في تفسير آية: فقيل له: إن الذي يفسرها رحل إلى بلاد الشام، فتجهز ورحل إليه، حتى علم تفسيرها1.
وقال مجاهد: أحب الخلق إلى الله أعلمهم بمن أنزل2.
والحرص البالغ على القرآن ومدارسته هو الذي دفع أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى ترك تدوين السنة:
فقد روى البيهقي في "المدخل" عن عروة بن الزبير أن عمر بن الخطاب أراد أن يكتب السنن، فاستشار في ذلك أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فأشاروا عليه أن يكتبها. فطفق عمر يستخير الله، ثم أصبح يومًا وقد عزم الله له، فقال: إني كنت أردت أن أكتب السنن، وإني ذكرت قومًا كانوا قبلكم، كتبوا كتبًا فأكبوا عليه وتركوا كتاب الله، وإني والله لا ألبس كتاب الله بشيء أبدًا3.
ومن هذا نفهم أيضًا ما رواه الحاكم في "مستدركه"4 عن قَرَظَة5 بن كعب قال:
"خرجنا نريد العراق، فمشى معنا عمر بن الخطاب إلى "صرار"6 فتوضأ ثم قال: أتدرون لِمَ مشيت معكم؟ قالوا: نعم نحن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مشيت معنا.
__________
1 "المحرر الوجيز" "1/ 26" و"الجامع" للقرطبي "1/ 21".
2 انظر المصدرين السابقين.
3 انظر "تدريب الراوي" للسيوطي "2/ 67-68".
4 في كتاب "العلم" "1/ 102".
5 هكذا ضبط اسمه الفيروزآبادي في "القاموس" ص"901" وابن حجر في ترجمته له في "الإصابة" "3/ 231".
6 صرار: ككتاب: موضوع بقرب المدينة كما في "القاموس" ص"543".(1/9)
قال: إنكم تأتون قرية لهم دوي بالقرآن كدوي النحل فلا تبدؤنهم بالأحاديث فيشغلونكم1، جردوا القرآن وأقلوا الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وامضوا أنا شريككم.
فلما قدم قرظة قالوا: حدثنا. قال: نهانا ابن الخطاب".
قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ... ووافقه الذهبي.
ومما يؤسف عليه قلة العناية بالتفسير على الوجه المرضي الذي يستحقه، وهذا الإمام الذهبي في القرن الثامن "توفي سنة 748هـ" يقول: "قلَّ من يعتني اليوم بالتفسير ... "2 وهذا السيد بدر الدين الحلبي في القرن الرابع عشر يقول: "طلاب العلوم الشرعية أقل الناس عناية بالتفسير وأزهدهم فيه، فالطالب الذي يصرف عشر سنوات من عمره في تعلم النحو من حواشي المتأخرين، أو بالحري يمضي عشر سنوات في قراءة قيل وقال، وأعترض وأجيب، مما ليس بعلم من العلوم، يضن على كتاب الله قانون دينه ومبدأ سعادة البشر في النشأتين بسنة يصرفها في قراءة تفسير من تفاسيره اللطيفة الموثوق بها، والمعلومة درجة مؤلفيها وطبقتهم بين العلماء"3.
وقد مَنَّ الله عليَّ -ومننه لا تحصى فله الحمد- فجعلني من طلبة العلم وخدمة الشريعة ثم وفقني للتخصص بعلم التفسير وذلك عبء أسأله سبحانه بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن يعينني عليه، ويلهمني السداد والرشاد فيه ويجعلني من الشاكرين له حق شكره.
__________
1 أورد الزركشي هذا الأثر مختصرًا -ولم يبين مخرجه- وهذه العبارة فيه هكذا: "فلا تشغلوهم بالأحاديث فتصدوهم" انظر "البرهان" "1/ 480".
2 بيان زغل والطلب ص"19".
3 نقل كلامه الشيخ قاسم القيسي في "تاريخ التفسير" ص"125" من كتابه "التعليم والإرشاد".(1/10)
وقد كتب سبحانه وتعالى لي في مرحلة الماجستير، أن أدرس "التفسير الحديث" للأستاذ محمد عزة دَرْوَزَة وهو من المعاصرين المعمرين رحمه الله.
ورأيت في المرحلة اللاحقة أن أعود إلى الأعماق، وأن أخذم أثرًا من آثار أحد أعلام الأمة الكبار، وهو شيخ الإسلام الحافظ الناقد الجبل أبو الفضل شهاب الدين أحمد بن علي المعروف بابن حجر العسقلاني أشهر علامة في القرن التاسع الهجري، تقديرًا له وترحمًا عليه، وشكرًا لما أسداه للعلم والدين والأمة، وانتفاعًا بعلمه الواسع واطلاعه الغزير وفهمه الثاقب.
وقد وقع الاختيار على كتابه "العجاب في بيان الأسباب" لخدمته ودراسته والكشف عن منهجه وموارده وإظهاره إلى علم النور وتيسير وصول أيدي الباحثين والدارسين والمثقفين إليه بعد أن مر على تأليفه ستة قرون ظل فيها راقدًا في خزائن المخطوطات، وقد كنت في رسالتي للماجستير قلت عنه: "وليت له من يخدمه وينشره"1 فالحمد لله أن وفقني لذلك، وسهله لي.
وكنت قد تطلبت الوقوف عليه مذ رأيت ابن حجر يحيل عليه في استكمال مباحث ذكرها في كتابه "الإصابة".
والذي دعاني إلى اختياره أسباب هي:
1- أنه أوسع كتاب وقفت عليه في حشد أسباب النزول المنقول والمقولة، فأشهر كتاب وصل إلينا من القدماء، كتاب الواحدي وفيه إلى الآية "78" من سورة النساء: "155" عنوانًا، ونجد في هذا الكتاب "320" عنوانًا، وإن نوزع في قسم مما أورد.
وهو في كل هذا يسهب في إيراد الطرق المتفقة والمختلفة، مع الحكم على
__________
1 التفسير الحديث للأستاذ محمد عزة دروزة: دراسة وتحليل ص"190".(1/11)
الأسانيد والرواة، وبيان الوصل والإرسال والنكارة والشذوذ وغير ذلك، وقد قدم في المقدمة "فصلًا جامعًا" عن حال المفسيرين وطرق التفسير أغناه عن كثير من التكرير، وهو فصل مهم جدًّا يهدي المشتغل بالتفسير وغيره في رجوعه إلى التفاسير وإفادته منها.
2- أننا نجد في هذا الكتاب نقولًا من تفاسير تعد الآن مفقودة كتفسير الفريابي، وسنيد، وإسحاق بن راهوية، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وأبي الشيخ ابن حيان وابن شاهين، وابن مردويه وغيرهم ونقولًا من تفاسير لم تطبع إلى الآن كتفسير يحيى بن سلام، وعبد الرزاق، والثعلبي، "الوسيط" للواحدي، وابن ظفر، والمرسي، وغيرها، ونقولًا من كتب السنة كثيرة ومنها ما هو مفقود الآن أو مخطوط أيضًا، وفي الوقوف على هذه النصوص فائدة كبرى للباحثين والدارسين ومتعة لا تقدر.
3- ضرورة العناية بتراث ابن حجر المخطوط والمطبوع على حد سواء ففي كل شيء كتبه فائدة يتعين الوقوف عليها والإفادة منها، وما يزال عدد من مؤلفاته -التي وصلت إلينا- راقدًا على رفوف الخزائن لم ير النور.
وكثير مما طبع منه بحاجة إلى إعادة طبعه محققًا مفهرسًا يبين منهجه وتُستخرج موراده ويُشار إلى فوائده. ومن هذا المطبوع: "فتح الباري" و"التلخيص الحبير" و"تهذيب التهذيب" وغيرها.
4- أن هذا الكتاب يبحث في موضوع مهم يتعلق بالقرآن الكريم وهو علم أسباب النزول الذي يبين لنا الظرف الزماني والمكاني لنزول الآية، وما بي من حاجة هنا إلى بيان أهمية هذا العلم، إذ تكلمت على ذلك في الدارسة التي صدرت بها الكتاب.
وحسبي أن أستأنس هنا بالرواية التي تقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكرم عبد الله(1/12)
ابن أم مكتوم الذي نزلت فيه: {عَبَسَ وَتَوَلَّى} ويقول له: "مرحبًا بمن عاتبني فيه ربي " 1. وفي ذلك اهتمام بمن نزلت فيه الآيات وتعريف به وإظهار له، وهذا هو علم أسباب النزول بعينه، على أن لنا في عموم قوله صلى الله عليه وسلم: "بلغوا عني ولو آية" 2 ما يمكن الاستدلال به على ذلك، إذ كان علم أسباب النزول قائمًا على النقل المرفوع الصحيح3.
ولولا هذا العلم لزلت الأقدام وكبت الأفهام، وبالجهل به هلك الخوارج وكان ابن عمر رضي الله عنهما يراهم شرار خلق الله. وقال: إنهم انطلقوا إلى آيات نزلت في الكفار فجعلوها على المؤمنين4.
ومن اللطائف أن الحافظ الإمام أحمد بن علي الدلجي المصري "ت837هـ" قال عن الصحابة في حديث عن العلوم الإسلامية: إنهم تلقوا "أصولها من حضرته صلى الله عليه وسلم ومشاهدتهم الوحي، وتفقههم بأسباب النزول وما أفاضته عليهم أنوار النبوة".
__________
1 أخرج هذا الخبر: ابن أبي حاتم من رواية العوفي عن ابن عباس، وذكره الثعلبي بلا إسناد كما في "تخريج أحاديث الكشاف" لابن حجر "4/ 700".
وكذلك ذكره بلا إسناد: الواحدي في "أسباب النزول" "ص479" وابن الجوزي في "زاد المسير" "26/ 9-27" وبدأه بقوله: "قال المفسرون". وذكره الرازي في "تفسيره" "31/ 55" والقرطبي في "الجامع" "139/ 9"، وعلقه عن الثوري، والسيوطي في "الجلالين" "ص791" والبروسوي في "روح البيان" كما في "تنوير الأذهان" "492/ 4"، والصابوني في "صفوة التفاسير" "519/ 3" وعزاه إلى "حاشية الصاوي على الجلالين".
2 رواه البخاري في كتاب "حديث الأنبياء" باب ما ذكر عن بني إسرائيل. انظر "الفتح" "2/ 496".
3 ومن المستغرب جدًّا أن يقول الباحث عبد الرحيم أبو علبة في كتابه "أسباب نزول القرآن" ص"90": "ومن الجدير بالذكر كذلك أنه لم يرد عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه لفت الأنظار إلى علم أسباب النزول، ولا طلبه، ولم توجد آيات وأحاديث بهذا الخصوص ... إلخ".
4 علقه البخاري ووصله ابن حجر انظر تعليقي على الآية "4" من سورة آل عمران.(1/13)
فقد جعل تفقههم بأسباب النزول من أصول العلم وقد مدح أحد أساتذة المدرسة المستنصرية المحدث المقرئ أبو الفتح مصدق البغدادي "ت677هـ" بأنه كان "عارفًا بالتفسير وأسباب النزول"1.
5- إن هذا الكتاب يبالغ في استقصاء الأسانيد، وعزو الأقوال إلى قائليها، وبيان مصادر الروايات، ويلاحق الواحدي وغيره في إظهار مآخذهم، وذكر المؤاخذات، عليهم. والعلوم الإسلامية في قائمة الإسناد2. وكلما ازداد ضيق القارئ اليوم بالأسانيد ازدادت فرحة الدارسين العارفين بقيمة الإسناد، واشتد حفولهم وتقديرهم لمن يعتني بإيرادهم والكلام عليها.
وقد أهمل عدد من المفسرين الأسانيد وأوردوا الأقوال مرسلة فاختلط القوي بالضعيف، والصحيح بالمكذوب ومنهم:
1- الماوردي في تفسيره "النكت والعيون".
2- والزمخشري في "الكشاف".
3- وابن الجوزي في "زاد المسير".
4- والرازي في "مفتاح الغيب".
5- والبيضاوي في "أنوار التنزيل".
6- والنسفي في "مدارك التأويل".
__________
1 "تلخيص مجمع الآادب" لابن الفوطي "5/ 314" عن تاريخ علماء المستنصرية للدكتور ناجي معروف "1/ 176".
2 انظروا لزامًا الكتاب المهم: "الإسناد من الدين مشرقة من تاريخ الحديث عند المحدثين". للأسناد الشيخ عبد الفتاح أبو غُدَّة.(1/14)
7- وأبو حيان في "البحر المحيط".
وغيرهم فإنهم أغفلوا الإسناد تماما! وإذا عذر من لم يكن الحديث من فنونه فما القول في ابن الجوزي وهو الحافظ المؤلف في الموضوعات والواهيات والضعفاء؟
وما القول في أبي حيان وهو الذي انتقد المفسرين فقال: "وكذلك ذكروا ما لا يصح من أسباب نزول وأحاديث في الفضائل وحكايات لا تناسب، وتورايخ إسرائيلية، ولا ينبغي ذكر هذا في علم التفسير"1.
6- و"العجاب" -هذا الكتاب الموسوعة في بابه- هو واحد من كتب أخرى ألفها الحافظ ابن حجر في علم التفسير وهي:
1- الإتقان في فضائل القرآن2.
2- الإحكام لبيان ما في القرآن من الإبهام: جمع في كتابي السهيلي وابن عسكر3.
3- تجريد التفسير من صحيح البخاري: رتبه على السور منسوبًا لمن نقل عنه4.
__________
1 "البحر المحيط" "1/ 5" ونقله السيوطي في "الإتقان" "النوع 78" "2/ 186" ولم يبين مصدره وعنه نقله الأستاذ الدكتور عبد الستار حامد في "مباحث في علم التفسير" ص"96" ومنه أفدت هذا النص.
2 انظر عنوان "الزمان" للبقاعي "1/ 52" و"نظم العقيان" للسيوطي ص"47" و"كشف الظنون" للحاج خليفة "1/ 8".
3 "كشف الظنون" "1/ 2".
4 انظر: "ابن حجر العسقلاني" للدكتور شاكر محمود "1/ 285" وهناك عمل لإعادة صياغة هذا الكتاب على ضوء ما وصف به انظر: "القواعد المنهجية في التنقيب عن المفقود من الكتب والأجزاء التراثية" للدكتور حكمت بشير ياسين ص"20-21".(1/15)
4- كتاب في المتشابهات1.
وهذا الجانب غير معروف من جوانب شخصية ابن حجر، فهو بحاجة إلى دراسة وتجلية، وسيأتي معنا إنه درس التفسير في "الحسنية والمنصورية" من مدارس القاهرة2 وقد قال فيه الشيخ القاضي أبو محمد عبد الكريم بن محمد الهيثمي من إرجوزة:
يتيقن ما يلقيه من دروس ... برتبة تعظم في النفوس
إن درس التفسير فهو آية ... والفقه منه تسمع الحكاية3
وقال فيه تليمذه الإمام البقاعي:
"الذي إن سلك بحر التفسير كان الترجمان"4.
وقال تلميذه الأمير تغري برمش:
"جمع الله له التفسير والحديث والشعر والأدب"5.
وكان يظهر التأسف في إهماله تقييد ما يقع له من ذلك، مما لا يكون منقولًا،
__________
1 المصدر السابق قد نقل عن السخاوي قوله عنه: "وسمعت من يذكر أن شيخنا لخص ذلك من كتاب "درة التنزيل وغرة التأويل" الذي كتبه إبراهيم بن علي بن محمد المعروف بابن أبي الفرج الأردستاني من إملاء أبي عبد الله محمد بن عبد الله الخطيب وزاد شيخنا عليه مواضع، كما أخبرني من وقف عليه، والظاهر أن بعضهم أخفاه فلا حول ولا قوة إلا بالله".
2 "الضوء اللامع" "2/ 38".
3 انظر "الجواهر والدرر" للسخاوي "1/ 468" والبيتان من أرجوزة عمل فيها صداقًا لابنة ابن حجر "رابعة" التي تزوجها الشهاب من مكنون "ت380هـ" فهي إذن هذا التاريخ".
4 انظر "الجواهر" "1/ 258".
5 المصدر السابق "1/ 244" وانظر أيضًا "1/ 249".(1/16)
وربما قال: فضيحتنا من الله نتكلم في كلامه بالاحتمالات. وفي آخر الأمر صار بعض طلبته يعتني بكتابة ذلك1، وكان يأتي في مجلسه من التفسير بدقائق ومهمات وغرائب لا توجد في سائر التفاسير، بل ينشئها من فكره، ولا يشتغل بإبداء ما في التفاسير من المنقول، لسهولة ذلك على ما يطالعها2.
ولعلي أو لعل أحدًا ينهض بإبراز هذا الجانب المهم عند ابن حجر، ويتتبعه من كتبه الخاصة بعلوم القرآن أو التي فيها ما يتعلق بها كفتح الباري3.
ولعل تحقيق كتابه "العجاب" هذا ودراسته تفتح الباب أمام الدارسين لمتابعة الكشف عن هذا الجانب وإعطائه الاهتمام اللائق به4.
وبعد: فهذا جهدي واجتهادي:
حقق هذا المخطوط على نسخة فريدة في العالم وحررته تحريرًا بالغًا5.
__________
1 سجل لنا البقاعي في ترجمته لشيخه في "عنوان الزمان" بعض كلامه في ذلك، ولولا خشية التطويل لنقلته فهو نفيس انظر "1/ ورقة 64".
2 انظر مقدمة "تغليق التعليق" للدكتور سعيد القزقي "1/ 165" وقد نقل عن ملخصات من "الجواهر والدرر" للشيخ ظاهر الجزائري.
3 نسب الدكتور شاكر إلى ابن حجر منظومة في "المُعَرّب"، انظر كتابه "ابن حجر" "1/ 286-287" والواقع أنها خمسة أبيات أوردها في "فتح الباري" "8/ 252-353" في تفسير سورة النساء، فهي ليست برسالة مستقلة.
4 وللشيخ إبراهيم بن حسن الكوراني "ت1101هـ": التحرير الحاوي لجواب إيراد ابن حجر على البيضاوي في تفسير قوله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَه} ومنه نسخة في التيمورية في القاهرة انظر "الفهرس الشامل العربي الإسلامي" المخطوط "2/ 739"، وهو ينفع أيضًا في هذا المجال.
5 جاء في "لحظ الألحاظ" في ترجمة أحد طلاب ابن حجر: محمد بن محمد المعروف بابن الغرابيلي "796-835" ص"299": "رحل إلى القاهرة فصحب بها الحافظ أبا الفضل بن حجر وحرر "تحرير المشتبه" له ... " وكذلك كان يستعين بطلبته في تحرير "فتح الباري": انظر: "ابن حجر" للدكتور شاكر محمود "1/ 308 و366".
و"العجاب" مات عنه الحافظ مسودة فلم يحرر، فمن هنا كانت خدمته متعبة جدًّا ولكن لا مناص من ذلك لإخراج الكتاب إلى عالم الحياة.(1/17)
وعلقت عليه بما يخدم موضوعه، فصوله، ويظهر مقصوده، وييسر الانتفاع به على الوجه الأمثل إن شاء الله تعالى.
وقدمت له: بعد ذلك بدراسة هي: "القسم الأول"1 من هذه الرسالة اشتملت على ثلاثة فصول:
الفصل الأول: التعريف بالمؤلف الحافظ ابن حجر:
وقد جاء في تمهيد أحصيت فيه ما كتب عنه في القديم والحديث مرتبًا على السنين، ومبحثين:
المبحث الأول: حياته.
تكلمت فيه على اسمه، ونسبه ونسبته وكنيته ولقبه، وولادته ونشأته، وطلبه العلم ورحلاته فيه وحجه، وشيوخه، ووطائفه، وأسرته، وتلاميده، وطرف من ورعه وتعبده، ووصف أحواله، ومكانته العلمية وثناء العلماء عليه، ووفاته، وأشرت إلى بعض أوهام دارسي حياته.
المبحث الثاني: مؤلفاته.
أحصيت فيه مؤلفاته، وذكرتها مرتبة على الحروف الهجائية وبينت ما كمل وما لم يكمل أو يبيض وما طبع والذي ما يزال مخطوطًا وتجمعت لدي استدراكات كثيرة تتجاوز "80" استدراكًا على من كتب عن مؤلفاته لم اتطرق لها خشية التطويل، ولها مكان آخر إن شاء الله.
__________
1 أما الكتاب "العجاب" والتعليق عليه فقد عددته القسم الثاني.(1/18)
ولم أتوسع في هذا الفصل لأني ملتزم بعدم تطويله أصلًا.
الفصل الثاني: علم أسباب النزول وجاء في مبحثين:
المبحث الأول: المؤلفات في أسباب النزول.
وأحصيت فيه ما كتب في أسباب النزول رواية ودراية قديمًا وحديثًا، وعلقت على ما ذكرت تعليقات تكشف عن هذه الكتب، وتظهر حاليًا، واستفادة اللاحق من السابق فيها، والمؤصل من المقلد منها بعد أن رتبتها حسب القدم. ورددت على ما وقع فيه بعض الباحثين في أسباب النزول من تكذيب شيخ المفسيرين الإمام الطبري وزيفت ذلك.
المبحث الثاتي: قواعد علم أسباب النزول:
ذكرت فيه: تعريفه وفوائده وأهميته، وطريق معرفة سبب النزول، وقضية تعدد الأسباب والنازل واحد.
الفصل الثالث: دراسة "الكتاب" وفيه خمسة مباحث:
المبجث الأول: التعريف بالكتاب.
تكلمت فيه على محتواه، وعنوانه، ونسبته إلى مؤلفه، وتاريخ تأليفه، وبحثت مسألة إكمال المؤلف لتأليف كتابه، ومسألة تبيضه وكيفية ظهوره، وقد اقتضت هذه المسائل تتبعًا دقيقًا لإبرازها.
المبحث الثاني: منهجه وأثره فيمن بعده.
بينت فيه الركائز التي قام عليه الكتاب وعلقت عليها، وفصلت ما توصلت إليه من وجود منهجين فيه، وهذا يؤكد القول: أن ابن حجر لم يبيض كتابه، وإلا لكان وحَّد المنهج وذكرت ما وقع لي من استدراكات عليه. وكذلك ذكرت ما توصلت(1/19)
إليه من إفادة السيوطي من منهج ابن حجر في تأليف كتابه "لباب النقول". وهذا في نظري أهم من التطويل بذكر الجزئيات في اشتراك مادة الكتابين.
المبحث الثالث: مصادره.
وقد أحصيت هذه المصادر إحصاء دقيقًا فبلغت "123" كتابًا: منها ما صرح به، ومنها ما أبهمه واكتشفته بالتتبع والفحص.
- منها في التفسير: "36" كتابًا، وفيها تفاسير تعد الآن مفقودة، كما ذكرت، وثَمَّ نقول عن تفسير الطبري لا توجد في المطبوع مما يؤكد ضرورة العناية بخدمة هذا التفسير من جديد.
- وفي علوم القرآن "4" كتب.
- وفي الحديث وعلومه: "52" كتابًا.
- وفي السيرة: "7" كتب.
- وفي التاريخ: "20" كتابًا.
ومصدران آخران في أصول الفقه، والفرق، وآخران لم يحددهما.
وقد تتبعت عدد إفاداته من كل كتاب من هذه الكتب فظهر أن تفسير الطبري يحتل المركز الأول فقد أفاد منه أكثر من "600" مرة.
المبحث الرابع: آراؤه.
جهدت في هذا المبحث أن اكتشف آراءه في مسائل علم أسباب النزول، فبحثت في مفهوم سبب النزول عنده، والألفاظ الدالة على سبب النزول، وطريق اعتمادها، وتعدد الأسباب والنازل واحد، وتعدد النازل والسبب واحد، وتكرر النزول،(1/20)
وتجزئة الآية. وعموم اللفظ وخصوص السبب ولهذه الآراء قيمتها في دراسة علم أسباب النزول وتثبيت قواعده ومسائله.
المبحث الخامس: وصف النسخة الخطية وبيان طريقتي في التحقيق.
تكلمت فيه على النسخة المعتمدة وترجمت لناسخها وهو من كبار علماء عصره، وبحثت في رموزه التي استعملها في النسخة، ثم ختام النسخة وتاريخ النسخ، ورحيلها من القاهرة إلى مراكش.
وبعد هذا بينت الأسس التي اتبعتها في التحقيق.
وزودت الرسالة بصور من بداية المخطوط ونهاتيه. وختمتها بـ"نتائج البحث".
ويعلم الله كم عانيت في تحقيق هذا الكتاب ودراسته، ورُبَّ عبارة وقفت أمامها ساعات أحاول فكها وتوجيهها وتقريبها، وذلك أن مؤلفه تركه مسودة ولم أعثر له على نسخة ثانية -إلا نصوصًا قليلة جدًّا نقلها السيوطي والمناوي- وقد عرا بعض صفحاته طمس وسوء تصوير، إضافة إلى أن الناسخ استعمل رموزًا غير معتادة في المخطوطات، فاستدعى ذلك تأملًا طويلًا فيها.
وقد استطعت الرجوع إلى أكثر من "70" مصدرًا من مصادر المؤلف البالغة "123" مصدرًا، وما زلت جادًّا في استكمال الباقي، وحققت النقول عن المصادر الأخرى، بالواسطة فكل ما نقله عن سُنيد مثلًا رأيته في تفسير الطبري إلا رواية واحدة وهكذا.
واتبعت في التحقيق أسسًا بينتها في آخر الفصل الثالث تقوم على مراجعة كل ما كتبه المؤلف وتوضيحه وإكماله والاستدراك عليه، ومن ذلك ملء الفراغات وحل المشكلات وكشف التحريفات فيه: وهي أكثر من "250" تحريفًا. وفي غيره: وهي كثيرة أيضًا. وكذلك بمناقشة الأقوال والآراء -ما استطعت- وقد تجازوت(1/21)
تعليقاتي عليه "5000" تعليق فما كان من صواب فمن الله، وما كان من زلل وخطأ فمن نفسي وأسأل الله العفو.
والحق أقول: إن كل تعب، يسهل في سبيل خدمة كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم و"العجاب" يجمع بينهما في موضوعه ومادته.
ولعل في ذلك بعض وفاء للإمام المؤلف الذي خدم الأمة والعلم والدين بالتدريس والتصنيف والإفتاء والقضاء أكثر من نصف قرن.
وأخيرًا: هذا ما لدي "وإلى الله الاستناد، وعليه الاعتماد، ومنه الاستمداد.
وإياه أسأل أن يعاقبني من شر المفاخرة، وأن يقربني لما يرضيه في الدنيا والآخرة، إنه سميع مجيب، عليه توكلت وإليه أنيب"1.
"والله تعالى المسئول أن ينفعنا بما علمنا، ويعلمنا ما ينفعنا، وأن يزيدنًا علمًا، وأن يعيذنا من حال أهل النار، وله الحمد على كل حال"2.
"والله أسأل أن لا يجعل ما علمناه، علينا وبالًا، وأن يرزقنا العمل بما يرضيه سبحانه وتعالى"3.
__________
1 من مقدمة المؤلف لكتابه "الإمتاع بالأربعين المتباينة بشرط السماع" ص"58-59".
2 من مقدمته لكتابه "التخليص الحبير" "1/ 9".
3 من مقدمة "بلوغ المرام" ص"10".(1/22)
القسم الأول
الفصل الأول: التعريف بالحافظ ابن حجر
تمهيد
...
الفصل الأول: التعريف بالحافظ ابن حجر.
تمهيد:
قدر الله للحافظ ابن حجر أن يكون علمًا كبيرًا من أعلام الأمة، يتردد اسمه في أقطار الأرض، ويقبل العلماء على كتبه ينهلون العلم المحقق، ويتبحرون في السنة وعلومها وقد ترجم له كثيرون، وفيما يأتي قائمة بأسماء الكتب التي جاء فيها ترجمة له:
- "المطالع البدرية لمن اشتهر بالصناعة الشعرية" للعلامة محمد البشتكي1.
- "ذيل التقييد بمعرفة رواة السنن والأسانيد" للعلامة محمد الفاسي "ت832" "1/ 352"2.
- بعض مجاميع حافظ حلب البرهان سبط ابن العجمي "ت841"3.
- "توضيح المشتبه" للذهبي، للحافظ ابن ناصر الدين الدمشقي "ت842"4.
__________
1 ذكره السخاوي في "الجواهر والدرر" "1/ 225" ونقل نصوصًا من هذه الترجمة.
2 ذكره السخاوي أيضًا في "الجواهر" "1/ 227".
3 ذكره في "الجواهر" "1/ 233" ونقل منه.
4 ذكره في "الجواهر" "1/ 235-236" ونقل نصه.(1/27)
- "الدر المنتخب في تاريخ حلب" للعلاء ابن خطيب الناصرية "ت843"1.
- "العقود الفريدة في تراجم الأعيان المفيدة" للمقريزي "ت844"2.
- "التاريخ" للعلامة تقي الدين بن قاضي شهبة "ت851"3.
- "عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان" للقاضي بدر الدين العيني "ت855"4.
- "بهجة الناظرين إلى تراجم المتأخرين من الشافعية البارعين" للغزي "ت864"5.
- "لحظ الألحاظ بذيل طبقات الحفاظ" للحافظ محمد فهد الهاشمي المكي "ت871" "ص326-342"6.
- "المنهل الصافي والمستوفي بعد الوافي" لابن تغري بردي "ت874"7.
- "كراسة خاصة لمحدث حلب أبي ذر ابن البرهان السابق "ت844"8.
- "عنوان الزمان في تراجم الشيوخ والأعيان" للإمام البقاعي "ت885" مخطوط
__________
1 ذكر في "الجواهر" "1/ 238" ونقل منه بعض ما قاله.
2 ذكره في "الجواهر" "1/ 239" ونقل منه.
3 عين السخاوي "التاريخ" في "الضوء اللامع" "2/ 39"، وأما في "الجوهر" "1/ 243" فقال: وجد بخطه ترجمة لابن حجر بظاهر تصنيفه "الدرر" نخسة البرهان العجلوني.
4 مخطوط في دار الكتب المصرية.
5 ذكره في "الجواهر" "1/ 248" ونقله منه.
6 ذكره في "الجواهر" "1/ 249-250" ونقله منه.
7 ذكر هذه الترجمة في "الجواهر" "1/ 251" ونقل منها.
8 ذكرها في "الجواهر" "1/ 253" ونقل منها.(1/28)
"1/ 35-74" "وهذه الترجمة لا تتعدى أحداثها سنة 864"1.
- "معجم الشيوخ للإمام عمر بن فهد الهاشمي "ت885" "ابن السابق" "ص70-78"2.
- "اللمع الألمعية لأعيان الشافعية" للعلامة قطب الدين الخيضري "ت894"3.
- "رونق الألفاظ بمعجم الحفاظ" لسبط ابن حجر: أبي المحاسن يوسف بن شاهين الكركي "ت899"4.
- "التبر المسبوك في ذيل السلوك" للحافظ السخاوي "ت902" "ص230-235".
- "الضوء اللامع لأهل القرن التاسع" له أيضًا "2/ 36-40".
__________
1 مخطوط مصور في دار الكتب المصرية عن نسخة كوبر يلي، تفضل الأستاذ الدكتور شاكر محمود بإعارتي الجزء الخاص بترجمة ابن حجر جزاه الله كل خير.
2 ذكره في "الجواهر" "1/ 259" ونقل منه وقال: "هو المحرك لي لتبييض هذه الترجمة" أي: كتابه "الجواهر والدرر".
3 ذكره في "الجواهر" "1/ 263" ونقل منه.
وقال الدكتور شاكر محمود في كتابه "ابن حجر" "1/ 25": "لم أقف عليه على الرغم من البحث عنه". قلت رأيت نسخة المؤلف مخطوطة في دار صدام للمخطوطات ورقمها "8642" ولكنها ناقصة تبدأ بحرف العين.
4 رأيت الجزء الثاني منه مخطوطًا بخط المؤلف مصورًا عن المكتبة الخالدية في القدس في مكتبة الشيخ صبحي السامرائي ويبدأ بحرف العين المعجمة.
وله كتاب آخر ذكره السخاوي في ترجمته له في "الضوء اللامع" "10/ 215" وسماه النجوم الساهرة بأخبار قضاة مصر والقاهرة لعله ترجم فيه جده أيضًا.(1/29)
- "الذيل على رفع الأصر عن قضاة مصر" لشيخه ابن حجر، له أيضًا "ص75-89".
- "الجواهر والدرر" في ترجمة شيخ الإسلام ابن حجر "وهو كتاب خاص عنه فرغ من تأليفه سنة 871 بمكة"1.
وله مختصران:
- للسفيري تليمذ السيوطي.
- "جمان الدرر" لعبد الله بن أحمد الدمشقي "انتهى منه في سنة 1160"2.
- "الرياض اليانعة في أعيان المائة التاسعة" للجمال ابن عبد الهادي "ت909"3.
- "حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة" للسيوطي "ت911هـ" "1/ 363-366".
- "طبقات الحفاظ" له "ص547-548"4.
- "نظم العقيان في أعيان الأعيان" له "ص45-53".
- "بدائع الزهور ووقائع الدهور" لابن إياس الحنفي "852-؟ ".
__________
1 طبع منه الجزء الأول بتحقيق الدكتورين حامد عبد المجيد وطه الزيني، وفيه حاجة ماسة إلى إعادته وخدمته ونشره لما وقع فيه من تحريفات وأخطاء، وتتأكد العناية به لأهميته ونفاسته وإحاطته واستطراداته المهمة والنافعة.
2 انظر في المختصرين كتاب "ابن حجر" للدكتور شاكر محمود "1/ 31-32".
3 ذكره الشيخ زاهد الكوثري في تعليقه على "لحظ الألحاظ" لابن فهد "ص338" ونقل عنه.
4 هذا الكتاب مختصر من "تذكرة الحفاظ" للذهبي، وقد ذيل السيوطي عليه وانتهى بترجمة ابن حجر ثم أفرد ما ذيله وطُبع بعنوان "ذيل طبقات الحفاظ" انظر ترجمة ابن حجر فيه "ص380-382".(1/30)
- "القلائد الجوهرية في تاريخ الصالحية" للعلامة محمد بن طولون الصالحي "ت953" "ص331-333".
- "مفتاح السعادة ومصباح السيادة" لطاش كبري زاده "ت968" "1/ 209-210".
- "وذيل وفيات الأعيان المسمى درة الحجال في أسماء الرجال" للمكناسي "ت1025" "ص64-72".
- "اليواقيت والدرر في شرح نخبة ابن حجر" للمناوي "ت1035"1.
- "شذرات الذهب" لابن العماد الحنبلي "ت1089".
- "روضات الجنات في أحوال العلماء والسادات" للميرزا محمد باقر الخوانساري "ت1303".
- "البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع" للشوكاني "ت1250" "1/ 87".
- "التعليقات السنية على الفوائد البهية" للعلامة عبد الحي اللكنوي "ت1304" "ص16".
- "مبتكرات اللآلي والدرر في المحاكمة بين العيني وابن حجر" للبوصيري ت1354".
- "عقود الجوهر في تراجم من لهم خمسون تصنيفًا ومائه فأكثر" لجميل بك العظم "ص188-194".
__________
1 مخطوط في دار الكتب المصرية انظر "ابن حجر" للدكتور شاكر "1/ 35" [وقد طبع في مجلدين لطيفين. دار ابن الجوزي] .(1/31)
- "فهرس الفهارس للشيخ عبد الحي الكتابي "1/ 236-250".
- "الأعلام" للزركلي "1/ 173".
- "معجم المؤلفين" لعمر رضا كحالة "1/ 20-22".
وقد ترجم ابن حجر لنفسه في كتابه:
- "رفع الأصر عن قضاة مصر" "ص85-88" وتكلم عن نفسه بصيغة الغائب وتنتهي هذه الترجمة بتوليه القضاء سنة "827هـ".
وترجم لشيوخه في:
- "المجمع المؤسس للمعجم المفهرس".
وذكر مروياته في:
- "المعجم المفهرس".
وثم معلومات عنه متناثرة في:
- "الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة".
- "وأنباء الغمر بأنباء العمر" "بدأه بسنة 773 -أي: سنة ولادته- إلى سنة 850".
وفي العهد القريب كتبت عنه دراسات متعددة منها:
- "ابن حجر العسقلاني ودراسة مصنفاته ومنهجه وموارده في كتاب الإصابة" رسالة دكتواره في كلية الآداب بجامعة بغداد للدكتور شاكر محمود عبد المنعم وهي رسالة موعبة أفاد منها من جاء بعده1.
__________
1 طبع الجزء الأول منها في بغداد في عام "1976".(1/32)
- "ابن حجر المحدث" في جامعة الأزهر.
- "ابن حجر الشاعر".
- "دراسة وتحقيق لكتابه: ذيل الدرر الكامنة" في جامعة الإمام بالرياض.
- "التاريخ والمنهج التاريخي لابن حجر العسقلاني" للدكتور محمد كمال عز الدين1. وهو الذي ذكر الرسائل الثلاث السابقة ولم يذكر أصحابها، ودراسته هذه عن منهج ابن حجر في كتابه "أنباء الغمر بأنباء العمر".
- "تغليق التعليق لابن حجر: دراسة وتحقيق" للدكتور سعيد القزقي نال به شهادة الدكتوراه في كلية أصول الدين بالقاهرة عام 1980 2.
- تحقيق القسم الأول من كتابه "موافقة الخُبر الخَبر في تخريج أحاديث المختصر" قام به السيد عبد الله محمد علي وحصل بذلك على درجة الدكتوراه من الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة3.
- "البحث النحوي عند الحافظ ابن حجر العسقلاني في فتح الباري" وهي أيضًا رسالة دكتوراه تقدم بها الباحث علاء الدين هاشم الخفاجي إلى كلية الآداب في
__________
1 طبع هذا الكتاب في بيروت دار اقرأ عام 1984 ثم طبع في عالم الكتب عام 1987 بعنوان جديد هو "ابن حجر العسقلاني مؤرخًا".
قال المؤلف فيه "ص9": "إن هذا البحث في الأصل أطروحة جامعية أجيزت بتقدير ممتاز ثم قدر لها أن تنشر في نشرة شوهاء، مما دفعني إلى إعادة نشرها -الآن- بعد أن استغنيت عن الكثير من مادة الأطروحة الرئيسة تلخيصًا وحذفًا".
2 ثم طبعت في كتاب قام بنشره المكتب الإسلامي ودار عمار في الأردن.
3 انظر "تحفة الطالب بمعرفة أحاديث مختصر ابن الحاجب" لابن كثير "ص86".
وقد حققه الأستاذ صبحي السامرائي، وطبع كاملًا.(1/33)
جامعة بغداد عام 1993.
- "الحافظ ابن حجر العسقلاني ومنهجه في فتح الباري" رسالة دكتوراه للأخ عبد الحميد عبطان تقدم بها إلى كلية العلوم الإسلامية في جامعة بغداد عام 1993.
ونظرا لتوفر التراجم القديمة والحديثة ولأني ملتزم بعدم تطويل الترجمة فقد اقتصرت هنا في التعريف به على مبحثين، تكلمت في المبحث الأول على حياته العلمية والشخصية، وفي المبحث الثاني سردت مصنفاته مرتبة على الحروف.(1/34)
المبحث الأول: حياته
1- اسمه ونسبه ونسبته وكنيته ولقبه:
هو أحمد بن علي بن محمد بن علي، وما فوق ذلك مختلف فيه، وليس هذا موضع التفصيل في ذلك، وهو كناني القبيلة كما وجد بخط أبيه، وينتسب إلى عسقلان: المدينة التي جاءت منها أصوله بعد سنة 583هـ، وأما حجر فهو اسم أحد أجداده أو لقب له، وأشتهر بـ"ابن حجر" وقد كناه والده أبا الفضل، ولقب شهاب الدين وله كتاب عنوانه: "القصد الأحمد بمن كنيته أبو الفضل واسمه أحمد"1.
2- ولادته ونشأته:
ولد في الثاني والعشرين من شعبان سنة 773هـ على شاطئ النيل بمصر2 ونشأ يتيمًا إذ مات أبوه العالم الأديب الشاعر التاجر سنة 777هـ3 وكانت أمه قد ماتت قبل ذلك4.
وكان له أخ شقيق نشأ وطلب العلم ثم مات فحزن عليه والده جدًّا ولكن أحد المشايخ الصالحين بشره بأن الله سيخلف عليه غيره ويعمره قال ابن حجر: "فولدت أنا
__________
1 انظر "الجواهر والدرر" "1/ 46-49".
2 المصدر السابق "1/ 49".
3 ترجمه في "أنباء الغمر" "1/ 174-175" ونقل السخاوي هذه الترجمة في "الجواهر" "1/ 51-53" ولم يصرح باسم مصدره.
4 "رفع الأصر عن قضاة مصر" "ص85".(1/35)
له بعد ذلك بيسير، وفتح الله بما فتح"1 وليس له سوى شقيقة واحدة أكبر منه نشأت ومهرت في العلم وتوفيت سنة 798 وقد وصفها أخوها بقوله: أمي بعد أمي2.
وقد دخل الكُتَّاب في الخامسة، وأكمل حفظ القرآن في التاسعة، وصلى بالناس التروايح بمكة سنة 785 وله اثنتا عشرة سنة، إذ كان مجاوزًا مع وصيه زكي الدين الخروبي كبير التجار، وسمع في تلك السنة "صحيح البخاري" على مسند الحجاز عفيف الدين عبد الله النشاوري3.
3- طلبه العلم ورحلاته فيه وحجه:
في سنة 786 عاد من مكة إلى مصر، فحفظ كتبًا من مختصرات العلوم "كالعمدة والحاوي ومختصر ابن الحاجب الأصلي، والملحة للحريري وغيرها"، وعرضها -كما هي العادة- على جماعة من أئمة العصر وكتبوا له خطوطهم بذلك4.
بثم عرضت له فترة إلى سنة 790 فعاد إلى الطلب يقول السخاوي5: "واشتغل بطلب ما غلب على العادة طلبه، من أصل وفروع ولغة ونحوها، وطاف على شيوخ الدراية، لكنه كان في مدة الفترة -وهو في المكتب- وبعد ذلك حبب إليه النظر في التواريخ وأيام الناس حتى إنه كان يستأجرها ممن في عنده، فعلق بذهنه الصافي الرائق شيء كثير من أحوال الرواة، وكان
ذلك بإشارة شخص من أهل الخير سماه
__________
1 قال: هذا في "الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة" في ترجمة الشيخ يحيى الصنافيري "ت772هـ".
2 ترجمها في "أنباء الغمر" "3/ 302" وانظر "الجواهر والدرر" "1/ 58-59".
3 "رفع الأصر" "ص85-86".
4 "رفع الأصر" "56" "الحواهر والدرر" "1/ 64" "والضوء اللامع" "2/ 36".
5 في "الجواهر" "1/ 65-66" وانظر "رفع الأصر" "ص86-87" و"معجم الشيوخ" لابن فهد "ص71".(1/36)
صاحب الترجمة لي وأنسيته، وممن رغبه في ذلك أيضًا البدر البشتكي، وأعانه عليه بإعارة "الأغاني" لأبي الفرج الأصفهاني وغيره ... ".
وفي سنة 792 نظر في فنون الأدب ففاق فيها، حتى كان لا يسمع شعرًا إلا ويستحضر من أين أخذه الناظم، وتولع بذلك، وما زال يتتبعه خاطره حتى فاق فيه وساد، وطارح الأدباء، وقال الشعر الرائق، والنثر الفائق، ونظم مدائح ومقاطيع، وكتب عنه الأئمة من ذلك، ثم شغل عن ذلك بعد سنة 800 فلم ينظر في كتب الفن ودواوينه إلا اتفاقًا، وأكثر نظمه قبل سنة "816"1.
- وأول ما طلب العلم بنفسه في سنة 793.. وفي هذه السنة رحل إلى "قوص" وغيرها من بلاد الصعيد لكنه لم يستفد بها شيئًا من المسموعات الحديثية، بل لقي جماعة من العلماء2.
- ولم يكثر الطلب إلا في سنة 796 فإنه -كما كتب بخطه: رفع الحجاب، وفتح الباب، وأقبل العزم المصمم على التحصيل، ووفق للهداية إلى سواء السبيل فأخذ عن مشايخ ذلك العصر وقد بقي منهم بقايا، وواصل الغدو والرواح إليهم بالبواكر والعشايا.
واجتمع بحافظ العصر زين الدين العراقي، وذلك في شهر رمضان من هذه السنة، وحبب إليه علم الحديث، فلازمه عشرة أعوام، وتخرج منه وانتفع بملازمته، وقرأ عليه "الألفية" و"شرحها" له بحثًا، وانتهى ذلك في رمضان سنة 798، ثم قرأ عليه "النكت على علوم الحديث لابن الصلاح" له مجالس آخرها في جمادى الأولى سنة 899. وهو أول من أذن له في التدريس في علوم الحديث، وكان إذنه في سنة
__________
1 انظر "الجواهر" "1/ 66-67" و"رفع الأصر" و"معجم الشيوخ" "ص71".
2 انظر "الجواهر" "1/ 67 و81".(1/37)
797.
ولم تنسلخ سنة 796 حتى خرَّج لشيخه مسند القاهرة أبي إسحاق التنوحي "المائة العشارية" وكان أول مَنْ قرأها على المخرَّجَة له في جمع حافل الحافظ أبو زرعة ابن شيخه العراقي في سنة 797 وكذا قرأها عليه غيره من الأعيان، وقرظ له جماعة من أئمة العصر وشهدوا له بالتقدم يقول السخاوي: "كل ذلك مع اشتغاله بغير الحديث من العلوم، والمحافظة على المنطوق منها والمفهوم، كالفقه والعربية والأصول وغيرها من العلم المنقول والمعقول"1.
وفي سنة 797 رحل إلى الإسكندرية ودخلها أواخر ذي القعدة، وسمع من مسنديها، وأقام بها إلى أن تمت السنة، ودخل في التي تليها عدة أشهر، وكتب جزءًا سماه "الدرر المضيئة من فوائد إسكندرية" ذكر في مسموعه هنالك، وما وقع له من النظم والمرسلات وغير ذلك، انتقاه السخاوي ثم أعلن ندمه على عدم كتابته كله2
- وفي آخر شوال خرج قاصدًا أرض الحجاز، فدخل الطور ثم ينبع وفي ربيع الأول من سنة 800 دخل بلاد اليمن، فلقي بـ: تعز وزبيد وعدن والمهجم ووادي الخصيب وغيرها غير واحد من العلماء والفضلاء.
واجتمع في زبيد ووادي الخصيب بصاحب القاموس الفيروزآبادي فقرأ عليه أشياء ... وتناول النصف الثاني من كتابه هذا لتعذر وجود باقيه حينئذ.
وقد خرج وهو هنالك من مرويات نفسه، وكتب بخطه أشياء واجتمع بالملك الأشرف -مالك اليمن- وأهداه تذكرته الأدبية في أربعين مجلدًا لطافًا.
ورجع من اليمن وقد زادت معارفه، وانتشرت علومه ولطائفه، إلى مكة فحج
__________
1 انظر "الجواهر" "1/ 76-69" و"رفع الأصر" "ص87" و"معجم الشيوخ" "ص71".
2 انظر "الجواهر" "1/ 84-85".(1/38)
حجة الإسلام وعاد إلى مصر1، وجد في استكمال ما بقي عليه من مسموع القاهرة ومصر، وقد سمع بالجيزة ومنها توجه إلا الأهرام. وسمع بالقرافة2.
- وفي 16 من شعبان سنة 802 قرأ على شيخه العراقي تصنيفه في أحاديث مسند أحمد وكتب له عليه:
"قرأ عليَّ هذا الجزء فيما وقع في "مسند أحمد" من الأحاديث التي قيل إنها موضوعة: صاحبه وكاتبه الشيخ المحدث المفيد الحافظ المتقن شهاب الدين أبو العباس أحمد بن الإمام نور الدين علي ... "3 وهذه الأوصاف تبين لنا ما صار إليه في تلك السنة، وهي شهادة كبيرة من حافظ كبير.
- وفي 23 من شعبان خرج راحلًا إلى الشام، فسمع بسرياقوس وقطية وغزة والرملة والخليل ودمشق والصالحية ونابلس وبيت المقدس وكانت إقامته بدمشق مائة يوم، ومسموعه في تلك المدة نحو ألف جزء حديثية، منها من الكتب الكبار: "المعجم الأوسط" للطبراني، و"معرفة الصحابة" لابن منده، وأكثر "مسند أبي يعلى"، وغير ذلك.
وقد كتب بخطه من الأجزاء الحديثية والفوائد النثرية والسماعات التي يلحقها في تصانيفه ونحوها ثماني مجلدات فأكثر، وعمل "أطراف كتاب المختارة" للحافظ الضياء المقدسي في مجلد ضخم. وفي أول سنة 803 وفي أول سنة إلى القاهرة4. وقد حمل
__________
1 انظر التفصيل في "الجواهر" "1/ 84-89 و91 و121" و"ابن حجر" للدكتور شاكر "1/ 125-126" ومقدمة كتاب "المراسيل" لأبي داود للشيخ شعيب الرنئوط "ص12".
2 انظر "الجواهر" "1/ 93-95".
3 المصدر السابق "1/ 210".
4 انظر في ذلك: "رفع الأصر" "ص87-88" و"عنوان الزمان" للبقاعي "المخطوط 1/ 38-39" و"الجواهر" "1/ 95-104" و"معجم الشيوخ" "ص71".(1/39)
عن شيوخ كثيرين منهم نساء عدة قرأ عليهن كتبًا مدهشة1.
وفي هذه السنة توفي شيخه محب الدين بن الوحدية الذي نصحه أن يهتم بالفقه وقد ترجمه في كتابه "المجمع المؤسس" فقال2:
"اجتمع بي مرة بمصر فرآني حريصًا على سماع الحديث، وكبته فقال: اصرف بعض هذه الهمة إلى الفقه، فأنني أرى بطريق الفراسة أن علماء هذا البلد سينقرضون، وسيُحتاج إليك، فلا تقصر بنفسك، فنفعتني كلمته، ولا أزال أترحم عليه لهذا السبب رحمه الله تعالى".
وعلق السخاوي على هذا بقوله3: "فكان كذلك، ما مات حتى شدت إليه الرحال" وهذا يوضح لنا عنايته بالفقه واهتمامه به وقد كان له فيه شيوخ أجلاء منهم شيخ الإسلام البلقيني.
- وفي سنة 805 حج وهناك تلقى الخبر بموت البلقيني ومحاصرة النصارى للإسكندرية. وقد جاور بعض سنة 806، وسافر فيها إلى اليمن -وهي المرة الثانية- فلقي بها بعض من رآهم سابقًا وغيرهم، فحملوا عنه وحملوا عنهم، وفي طريق الذهاب انصدع المركب فغرق ما معه ومن ذلك كتبه، ومن جملة هذه الكتب مما هو بخطه "أطراف" المزي، وأطراف "مسند أحمد"، و"أطراف المختارة" وترتيب كل من "مسندي الطيالسي" و"عبد بن حميد" وكلها من تصنيفه4.
__________
1 انظر ما قرأه على فاطمة بنت محمد بن المنجا في "المعجم المفهرس" "ص257-274"، وعلى فاطمة بنت الهادي المقدسية فيه أيضًا "ص240-256".
2 "ص317".
3 في "الجواهر" "1/ 114".
4 انظر "المصدر السابق "1/ 89-91".(1/40)
- وهذا وقد حج في سنة 815 ومعه زوجته1 ثم في سنة 824 وهي آخر حجاته فسمع وأسمع2.
- وفي سنة 836 رحل إلى حلب بصحبة السلطان الأشراف والعسكر، فمر بدمشق وحمص وحماة، وزار القرى المجاورة لحلب، وفيها سمع وأسمع وأملى الحديث وألف عددًا من الكتب وتزوج امرأة من أهلها، استقدمها بعدُ إلى القاهرة، ولولا ضيق المجال لتوسعت في تفاصيل هذه الرحلة ففيها فوائد جمة، وهي توضيح لنا جانبًا من حياة ابن حجر في حبه للعلم وانصرافه له وحفظه الوقت والقيام بجلائل الأعمال، وعدم الاستنكاف من طلب العلم وهو في الثالثة والستين من العمر! وهذه الرحلة هي آخر رحلاته3.
4- شيوخه:
تلقى ابن حجر العلم عن كثيرين، وقد خصص لشيوخه كتابه المسمى "المجمع المؤسس للمعجم المفهرس" قال في مقدمته4: "إن كثيرًا من سلف المحدثين اعتنوا بجمع أسامي مشايخهم وتدوين أخبار كبارهم، فتغايرت مقاصدهم في الترجمة، فرأيت أن أحذوا حذوهم، وأسير تلوهم لأتذكر عهدهم، وأجدد لهم الرحمة بعدهم، فجمعت أسامي شيوخي على المعجم مرتبًا وقسمته على قسمين مهذبًا، فالأول مَنْ حملت عنه على طريق الرواية، والثاني من "حملت" عنه شيئًا على طريق الرواية،
__________
1 المصدر السابق "1/ 91" وابن حجر للدكتور شاكر "1/ 100".
2 ذكر هذه الحجة في "فتح الباري" "3/ 448" وانظر "الجواهر" "1/ 91-93" و"لحظ الألحاظ" لابن فهد "ص335-336" وقد كان من الآخذين عنه في هذه الحجة.
3 انظر التفصيل في "الجواهر" "1/ 116-133" وعد إلى آخر "تعجيل المنفعة بزوائد رجال الأئمة الأربعة" "ص72" و"ابن حجر" للدكتور شاكر "1/ 104/ 105 و367".
4 "ص2-3".(1/41)
وأضفت إلى الثاني من أخذت عنه شيئًا في المذاكرة من الأقران ونحوهم، وقد قسمتهم من حيث العلو إلى خمس طبقات ... وقد بدا لي أن يكون هذا المعجم مشتملًا على الفهرست جمعًا ين النوعين، وتأصيلًا للفرعين، فذكرت في ترجمة كل شخص جميع ما سمعته منه أو قرأته عليه إلا ما غاب عني ... "1.
وقد قسمهم تلميذه السخاوي إلى ثلاثة أقسام2:
القسم الأول: فيمن سمع منه ولو حديثًا تامًا وعدتهم أزيد من 230 نفسًا.
القسم الثاني: فيمن أجاز له وعدتهم أزيد من 220.
القسم الثالث: فيمن أخذ عنه مذاكرته أو إنشادًا3 وعدتهم أزيد من 180 فجملة الأفسام -من غير الحوالات- 630 نفسًا.
وأهم شيوخه هم الذين ذكرهم السخاوي إذ قال4:
"واجتمع له من الشيوخ الذين يشار إليهم، ويعول في حل المشكلات عليهم، ما لم يجتمع لأحد من أهل عصره؛ لأن كل واحد منهم كان متبحرًا ورأسًا في فن اشتهر به لا يلحق فيه:
1- فالبلقيني "724-805" في سعة الحفظ وكثرة الاطلاع5.
__________
1 هذا الكتاب في غاية الأهمية وهو يوضح لنا التكوين العلمي لابن حجر تمام التوضيح وفيه فوائد جمة فليت له من يحققه ويخدمه الخدمة اللائقة. "وقد طبع الكتاب مع فهارسه بأربع مجلدات. دار ابن الجوزي".
وكذلك كتابه "المعجم المفهرس" وغيابهما عن أيدي الباحثين إلى هذه الساعة خسارة جسيمة.
2 انظر "الجواهر" "1/ 135-177".
3 في "الجواهر "1/ 164": إنشاء. ولعل الصواب ما أثبت.
4 "الجواهر والدرر" "1/ 79-80" وقد زدت ذكر الولادة والوفاء على النص، وأشرت إلى موضع ترجمة كل واحد من هؤلاء في الهامش.
5 "المجمع المؤسس" "ص216"، و"أنباء الغمر" "5/ 107" و"الضوء اللامع" "6/ 85".(1/42)
2- وابن الملقن "723-804" في كثرة التصانيف1.
3- والعراقي "725-806" في معرفة علم الحديث ومتعلقاته2.
4- والهيثمي "735-807" في حفظ المتون واستحضارها3.
5- والمجد الشيرازي "729-817" في حفظ اللغة واطلاعه عليها4.
6- والغماري "720-802" في معرفة العربية ومتعلقاتها5.
7- وكذا المحب ابن هشام "نحو 749-799" كان حسن التصرف فيها لوفور ذكائه6، وكان الغماري فائقًا في حفظها.
8- والأنباسي "725-802" في حسن تعليقه، وجودة تفهيمه7.
9- والعز ابن جماعة "747-819" في تفننه في علوم كثيرة، بحيث إنه كان يقول: أنا أقرئ في خمسة عشر علمًا لا يعرف علماء عصري أسماءها8.
10- والتنوخي "709-800" في معرفته القراءات وعلو سنده فيها9.
__________
1 "المجمع المؤسس" "ص225"، و"أنباء الغمر" "5/ 252" و"الضوء اللامع" "6/ 100".
2 "المجمع المؤسس" "ص176" و"أنباء الغمر" "5/ 170".
3 "المجمع المؤسس" "ص204" وسأذكر نبذة عنه في قسم التحقيق انظر رقم "37".
4 "المجمع المؤسس" "ص307" و"أنباء الغمر" "7/ 159".
5 "أنباء الغمر" "4/ 181".
6 "أنباء الغمر" "3/ 359".
7 "المجمع المؤسس" "ص39" و"أنباء الغمر" "3/ 144".
8 "أنباء الغمر" "7/ 240".
9 "المجمع المؤسس" "ص5" و"الدرر الكامنة" "1/ 11" و"أنباء الغمر" "3/ 398".(1/43)
وهم مع ذلك في غاية التبجيل لصاحب الترجمة والتكريم، والتحرز عن مخاطبته بغير تعظيم، بل ربما راجعوه للتفهيم.
5- وظائفه:
تقلد الحافظ ابن حجر وظائف متعددة وهي:
1- التدريس:
وقد ولي التدريس:
أ- "التفسير" في المدرسة "الحسنية" في مستهل سنة 829، وفي "القبة المنصورية".
ب- و"الحديث" في مدارس كثيرة: هي "الشيخونية" وهي أول مكان ولي فيه تدريس الحديث في شوال سنة 808، و"قبة الخانقاه البيبرسية" في سنة 813 بعد ولايته مشيخة الصوفية ونظرها بيسير، و"المدرسة الجمالية" المستجدة أول ما فتحت سنة 811 و"الجامع الطلوني" سنة 833 و"القبة المنصورية" و"المدرسة الزينية" سنة 851 وغيرها، ومن خلال هذه الوظيفة أملى أكثر من ألف مجلس حديثي.
ج- و"الفقه في "الشريفية" الفخرية سنة 808 و"الشيخونية" في سنة 811 و"الكهارية" و"المؤيدية" أول ما فتحت سنة 822 و"الصالحية" سنة 833 والصلاحية ونظرها أيضًا سنة "846"1.
2- الإفتاء:
__________
1 انظر "الضوء اللامع" "2/ 38-39" و"رفع الأصر" "ص88" وابن حجر للدكتور شاكر "205/ 1-227" وابن حجر مؤرخًا للدكتور محمد الدين عز الدين "ص56-62" وقد فصل الإملاء عن التدريس وعدهما وظيفتين وهذا خطأ فالإملاء شكل من أشكال تدريس الحديث.(1/44)
ولي أفتاء العدل في سنة 811 واستمرت هذه الوظيفة معه حتى مات1.
3- القضاء:
ولي قضاء الشافعية في محرم سنة 827، وعزل في نفس السنة ثم أعيد وعزل مرات إلى سنة 852 وقد كانت ولايته القضاء تزيد على إحدى وعشرين سنة بأشهر2.
وهناك وظائف أخرى كالخطابة بالجامع الأزهر، وجامع عمرو بن العاص، وخزن كتب المدرسة المحمودية.
والنظر على حمام ابن الكويك قال السخاوي: "وغير ذلك مما لم يجتمع له في آن واحد"3.
6- أسرته:
- تزوج ابن حجر في سنة وفاة أخته 798 وأولى زوجاته "أنس" ابنة القاضي كريم الدين عبد الكريم بن أحمد النستراوي الأصل المصري4.
وقد جاءه منها خمس بنات: زين خاتون "802-833"5 وفرحة "804-
__________
1 "الجواهر" "1/ 221" و"ابن حجر" للدكتور شاكر "1/ 248-250" وابن حجر مؤرخًا "ص62-64".
2 "رفع الأصر" "ص88" و"الذيل على رفع الأصر" "ص80-85" وقد فصل في توليه وعزله وملابسات ذلك. و"الضوء اللامع" "2/ 38" و"التبر المسبوك" "ص231" وابن حجر "1/ 291-247" وابن حجر مؤرخًا "ص64-73".
3 "الضوء اللامع" "2/ 39" وابن حجر "1/ 247 و250-252" وابن حجر مؤرخًا "ص77-79".
4 انظر ترجمتها في "الضوء اللامع" "12/ 10".
5 ترجمتها في "الضوء" "12/ 151".(1/45)
828"1 وغالية "807-819"2 ورابعة "811-832"3 وفاطمة "817-819"4.
وتزوج "الأولى" الأمير شاهين الكركي وولدت له "يوسف" المعروف بسبط ابن حجر الذي أعطاه جده مسودة كتابه "ترتيب طبقات الحفاظ للذهبي" ليكمله فأكمله بعد وفاة جده وسماه: "رونق الألفاظ بمعجم الحفاظ".
وهو مؤلف: "النجوم الزاهرة بأخبار قضاة مصر والقاهرة" الذي بناه على مسودة "رفع الأصر عن قضاة مصر" لجده أيضًا5.
وتزوج "فرحة" شيخ الشيوخ محب الدين بن الأشقر وماتت عنده، فتزوج أختها رابعة أرملة الشهاب ابن مكنون وأما غالية وفاطمة فقد ماتتا مبكرًا6.
- وتسرى ابن حجر بجارية كانت لزوجته فولدت له ابنه الوحيد بدر الدين محمدًا "815-969" الذي صنف له كتابه بلوغ المرام من أدلة الأحكام، وقد انتقد بسببه7.
- وتزوج أرملة "الزين أبي بكر الأمشاطي سنة 834 حين كانت زوجته أنس مجاورة، وولدت له سنة 835 بنتًا سماها آمنة ماتت في شوال سنة 836 حين كان هو في حلب، وبموتها طلقت أمها، فإنه كان علق طلاقها عند سفره على موتها8.
__________
1 ترجمتها في "الضوء" "12/ 115".
2 ترجمتها في "الضوء" "12/ 85" واسمها بالغين المعجمة وقد يتحرف إلى العين.
3 ترجمتها في "الضوء" "12/ 34".
4 ترجمتها في "الضوء" "12/ 88".
5 انظر ترجمة السبط في "الضوء" "10/ 313-317" وقد ذكر عنه أشياء مستغربة!
6 انظر "أنباء الغمر" "7/ 206".
7 انظر ترجمته في "الضوء" "7/ 20" وابن حجر "1/ 103" وابن حجر مؤرخًا "ص83-84" ولحظ الألحاظ "ص331".
8 انظر "الضوء" "12/ 3"، و"ابن حجر" "1/ 103".(1/46)
- وتزوج في حلب سنة 836 "ليلى بنت محمود بنت طوعان" وكانت ثيبًا ذات ولدين بالغين، وطلقها عند عودته إلى القاهرة ثم استقدمها وأعادها، وفي سنة 841 سافرت إلى حلب في زيارة أهلها ففارقها وعادت في سنة 842 فأعادها إلى عصمته واستمرت معه حتى مات وورثته، وتزوجت بعده عدة أزواج، ولم يرزق منها أولادًا1
7- تلاميذه:
ذكر البقاعي أن تلاميذه ملأت الآفاق ولا يحصون كثرة2.
وقال السخاوي في "التبر المسبوك"3: "اشتهر ذكره وبعد صيته، وارتحل الأئمة إليه، وتبجح الفضلاء بالوفود عليه، وكثرت طلبته حتى كان رءوس العلماء في كل مذهب وبكل قطر من تلامذته" وزاد في الضوء4: "وأخذ الناس عنه طبقة بعد أخرى وألحق الأنباء بالآباء، والأحفاد، بل وأبناءهم بالأجداد".
وقد سرد في "الجواهر والدرر" أسماء جماعة من الذين أخذوا عنه رواية ودراية مرتبًا إياهم على حرف المعجم وأوصل عددهم إلى خمسمائة شخص، وهم من أقطار شتى ومذاهب مختلفة5.
ومن هؤلاء التلاميذ:
1- الحافظ ابن فهد المكي صاحب "لحظ الألحاظ" "ت871"6.
__________
1 انظر "الضوء" "12/ 123" و"الجواهر" "1/ 133" وابن حجر "1/ 104-105" وابن حجر مؤرخًا "ص82-83".
2 انظر عنوان الزمان "المخطوط" "1/ 84".
3 "ص231".
4 "2/ 39".
5 انظر ابن حجر "1/ 167".
6 انظر ترجمته في "صدر ذيول تذكرة الحفاظ" "ص2-5".(1/47)
2- العلامة محمد بن سليمان الكافيجي الحنفي "ت879"1.
3- العلامة المفسر المحدث إبراهيم عن عمر البقاعي "ت885"2.
4- العلامة المحدث المؤرخ محمد بن محمد الخيضري "ت894"3.
5- الحافظ المؤرخ محمد بن عبد الرحمن السخاوي "ت902" حامل علمه وكاتب سيرته والقائم بنشر فضله وإحياء ذكره4.
6- العلامة المفنن الشيخ زكريا بن محمد الأنصاري "ت926"5.
8- طرف من روعه وتعبده:
قال البقاعي: وهو "منور الشيبة" من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار ... "6.
"وهو كثير الصوم: قليل الأكل جدًّا، شديد التحري في المطعم، لا يأكل هدايا الإخوان، ولا من مرتبات السلطات، كان في السفر يشتري له من ماله ما يشتهي من دجاج وغيره، وربما فني ذلك في المفازة فيبل7 البقسماط ويأكله بسكر أو نحوه،
__________
1 انظر ترجمته في "الضوء اللامع" "7/ 259" و"بغية الوعاة" "1/ 117".
2 انظر ترجمته في "الضوء اللامع" "1/ 101".
3 انظر ترجمته في "الضوء اللامع" "9/ 117".
4 انظر ما قاله عن علاقته بشيخه في "التبر المسبوك" "ص232-233" وقد أطال في ذلك. و"الضوء" "2/ 40".
5 انظر ترجمته في "الذيل على رفع الأصر" "ص140".
6 "عنوان الزمان" "1/ 47".
7 هذا ما ترجح عندي من هذه الكلمة ونقلها الدكتور محمد كمال الدين في ابن حجر مؤرخًا "ص103": فعمل وهو بعيد.(1/48)
ومَنْ معه يأكلون اللحم المرتب على السلطان على السفرة التي يأكل عليها ... يستعين على الشدائد بالصبر والصلاة.."1.
وقال السخاوي2:
"ومما يدل على عدم تضييع وقته بدون عبادة أنه توجه مرة للمدرسة المحمودية فلم يجد مفتاحها، كان قد سها عنه بمنزلة، فأمر بإحضار نجار، وشرع هو في الصلاة، إلى أن انتهى النجار من فتح الباب وقيل له: لو أرسلت أحضرت المفتاح من البيت كان أقل كلفة؟ فقال: هذا أسرع ويحصل الانتفاع بالمفتاح الثاني.
وتوجه مرة هو وصهرة القاضي محب الدين بن الأشقر في السماسم3 بالخانقاه فأخرج من جيبه مصحفا حمائليا وشرع في التلاوة فيه.
وكان -رحمه الله- إذا جلس مع الجماعة بعد العشاء وغيرها للمذاكرة تكون السبحة داخل كمه بحيث لا يراها أحد، ويستمر يديرها وهو يسبح أو يذكر غالب جلوسه. وربما تسقط من كمه، فيتأثر لذلك رغبة في إخفائه" وقد وصف بأنه "متين الديانة"4.
9- كلمات معبرة في وصفه:
تكلم مَنْ ترجمه عن أخلاقه وآدابه وأحواله كلمات مهمة معلمة اقتصر هنا على بعضها:
قال البقاعي في وصفه له5: " ... حلو الشمائل، بديع القول، طريف النادرة
__________
1 المصدر السابق "1/ 55".
2 في "الجواهر" "1/ 111".
3 كذا في المصدر المسمى!
4 انظر "لحظ الألحاظ" لابن فهد "ص336" و"معجم الشيوخ" لابنه ص"77".
5 "عنوان الزمان" "14/ 47".(1/49)
جدًّا، مجلسه كأنه البستان، فيه من جميع ما يشتهي الإنسان، العلم والأخبار الحسان، والنوادر اللطاف، وأحوال الناس في كل زمان من غير خروج في ذلك عن السنة، إذا رأى من بعض جلساته ما يسوءه قطع المجلس وقام إلى الصلاة، أو دخل إلى البيت، ونحو ذلك، قلَّ أن يواجه أحدًا بما يكره، يؤدب بأحواله، ويهذب بأقواله.." إلخ.
وقال السخاوي بعد كلام على قضائه وتدريسه ومؤلفاته وغير ذلك1: "كل ذلك مع تواضعه وحلمه، واحتماله وصبره وبهائه وظرفه وصيامه وقيامه واحتياطه، وورعه وميله إلى النكتة اللطيفة، والنادرة الطريفة، ومزيد أدبه مع الأئمة المتقدمين والمتأخرين، بل ومع كل مجالس من كبير وصغير، ومحبته في أهل الفضل، والتنويه بذكرهم وعدم إطراء نفسه، وركونه إلى هضمها، وبذله، وخصاله التي لم تجمع لأحد من أهل عصره ... ".
ووصفه بمزيد الأدب مع الأئمة المتقدمين والمتأخرين يؤكد لنا سمو نفسه ووفور فضله مع ما بلغه من مرتبة عالية في العلم والمنصب، وهذا على عكس ما وصف به الإمام الواحدي فقد قال فيه الإمام عبد الغافر الفارسي: "وكان حقيقًا بكل احترام وإعظام، لولا ما كان فيه من غمزة وإزرائه على الأئمة المتقدمين، وبسطه اللسان فيهم بغير ما يليق بماضيهم، عفا الله عنا وعنه"2.
10- مكانته العلمية وثناء العلماء عليه:
بلغ ابن حجر مكانه علمية رفيعة جدًّا يقول البقاعي3: "ولم يزل على خدمة العلوم حتى صار رأس الناس قاطبة، وإمام المسلمين كافة".
__________
1 "التبرك المسبوك" "ص231".
2 انظر "معجم الأدباء" "12/ 260".
3 "عنوان الزمان" "1/ 46".(1/50)
وقد وُصف بالحفظ مبكرًا، وصفه بذلك شيوخه الإمام سراج الدين البلقيني وولده جلال الدين والحافظ العراقي وغيرهم.
يقول ابن حجر في كتابه "المجمع المؤسس"1 في ترجمة الشيخ سراج الدين البلقيني:
"قرأت عليه كتاب "دلائل النبوة" للبيهقي..وجرت لي معه في حال قراءتها نوادر، وذلك أنه كان يستكثر ما يقع لي من النكت الحديثية في المجلس، ويقول: هذا لا يصدر إلا عن تبييت مطالعة ومراجعة، فكنت أتنصل من ذلك فلا يقبل، إلى أن أمرني بترك الجزء الذي نقرأ فيه عنده تلك الليلة، وكان يعرف أن لا نسخة لي، فتركته عنده، فلما أصبحنا وشرعت في القراءة مر إسناد فيه: "ثنا تمتام" فقطع عليَّ القراءة وقال: مَنْ تمتام هذا فإرنني راجعت الأسماء فلم أجده، وظننته تصحيفًا؟ فقلت: لا بل هو لقب واسمه محمد بن غالب بن حرب، حافظ مشهور. قال مَنْ ذكره؟ قلت: الخطيب في "تاريخ بغداد" وله ترجمة عندكم في "الميزان" للذهبي؛ لأن بعض الناس تكلم فيه. فسكت الشيخ، وقال له ولده جلال الدين: هذا حافظ فلا تمتنحه بعدها"2.
ثم كتب له على الجزء الأول من "تغليق التعليق".
"الجزء الأول من "تغليق التعليق" جمع الشيخ الحافظ، المحدث المتقن المحقق شهاب الدين أبي الفضل أحمد بن الفقير إلى الله تعالى الفاضل المرحوم نور الدين علي الشهير بابن حجر، نفع الله به وبفائده آمين"3.
__________
1 "ص220".
2 جاء قول جلال الدين هذا منسوبًا إلى أبيه في "ابن حجر العسقلاني ومنهجه في فتح الباري" "ص71" وهو سهو.
3 "الجواهر والدرر" "1/ 207".(1/51)
وقد أذنا له بالفتوى والتدريس وكتب له: "أجزت له أن يفتي بذلك لطالبيه بالتوجيه، فإنه نعم الفاضل النبيه"1.
قال السخاوي:
"وقد كان صاحب الترجمة رأى في المنام إذ ذاك إنه دخل مدرسة الشيخ "سراج الدين" وهو يصلي الظهر، فأحس الشيخ بداخل، فتمادى في الركوع فأدرك معه صلاة الظهر، فعبرها عليه، فقال له الشيخ: يحصل لك ظهور كبير. قال صاحب الترجمة: فقلت له: لأنك تأخرت لي حتى أدركتك فأخذت عنك وأذنت لي، فأقر ذلك3.
قلت: وكان الأمر كذلك، حقق الله تعبير شيخ الإسلام بالظهور العام، جعلهما الله بدار السلام مع السادة الكرام".
ومما يدل على منزلة ابن حجر العلمية في حياة شيوخة -فضلًا عما صار إليه مع تقدم العمر وزيادة الفصل- ما جاء عن العلامة النحوي ابن العباس النحوي ابن العباس الحناوي قال: كنت أكتب الإملاء عن شيخنا العراقي، فإذا جاء ابن حجر ارتج المجلس له، وعند عرض الإملاء قل أن يخلو من إصلاح يفيده ابن حجر.
ومن إجلال شيخه العراقي له أنه كان يودعه إذا أراد سفرًا، ويهنئه بالسلامة إذا قدم4.
__________
1 المصدر السابق "1/ 208".
2 المصدر السابق.
3 أورد الدكتور محمد كمال الدين هذا المنام على أنه واقعة حقيقية، وهذا غريب! انظر ابن حجر مؤرخًا "ص28".
4 "الجواهر" "1/ 212".(1/52)
هذا طرف من منزلته عن شيوخه، وأما تلامذته فقد قالوا وأطالوا وهو الجدير بكل ثناء، الحقيق بكل تقدير، وقد عبق الزمان بنشر ذكره، وأطبقت الألسن على تفضيله وتبجيله حتى اليوم1.
وقد أنصفه جلال الدين السيوطي إذ قال عنه: "فريد زمانه، وحامل لواء السنة في أوانه: ذهبي هذا العصر ونضاره، وجوهره الذي ثبت به على كثير من الإعصار فخاره، أمام هذا الفن للمقتدين، ومقدم عساكر المحدثين، وعمدة الوجود في التوهية والتصحيح، وأعظم الشهود والحكام في بابي التعديل والتجريح ... "2.
وإذ قال:
"انتهت إليه الرحلة والرئاسة في الحديث في الدنيا بأسرها، فلم يكن في عصره حافظ سواه"3.
وكذلك الإمام عبد الحي اللكنوي الحنفي "ت1304هـ" حين قال: "وكل تصانيفه تشهد بأنه إمام الحفاظ، محقق المحدثين، زبدة الناقدين، لم يخلف بعده مثله"4.
وهو ممن حاز لقب "أمير المؤمنين في الحديث"5.
11- وفاته:
__________
1 أطال السخاوي في ذكر المثنين عليه وإيراد عباراتهم في باب خاص فعد إليه: "الجواهر" 1/ 204-267".
2 "نظم العقيان" "ص45".
3 "حسن المحاضرة" "1/ 363".
4 "التعليقات السنية على الفوائد البهية" "ص16".
5 انظر: "أمراء المؤمنين في الحديث" للشيخ عبد الفتاح أبو غدة "ص116-117".(1/53)
يقول السخاوي1:
"ولم يزل على جلالته وعظمته في النفوس، ومداومته على أنواع الخيرات إلى أن توفي في أواخر ذي الحجة سنة 852، وكان له مشهد لم ير مَنْ حضره من الشيوخ -فضلًا عمن دونهم- مثله، وشهد أمير المؤمنين والسلطان فمَنْ دونهما الصلاة عليه، وقدم السلطان الخليفة للصلاة، ودفن تجاه تربة الديلمي بالقرافة وتزاحم الأمراء والأكابر على حمل نعشه، ومشى إلى تربته مَنْ لم يمش نصف مسافتها قط، ولم يخلف في مجموعه مثله، ورثاه غير واحد بما مقامه أجل منه".
ويقول السيوطي2:
وأخبرني الشهاب المنصوري3 أنه شهد جنازته، فلما وصل إلى المصلى أمطرت السماء على نعشه، فأنشد في ذلك الوقت:
قد بكت السحب على ... قاضي القضاء بالمطر
وانهدم الركن الذي ... كان مشيدًا من حجر
وممن رثاه الحجازي "790-875"4 بقصيدة تضم أكثر من خمسين بيتًا وضمنها أبيات الزمخشري التي أنشدها ابن حجر قبيل وفاته، ومطلع القصيدة:
كل البرية للمنية صائرة ... وقفولها شيئًا فشئيًا سائرة5
__________
1 في "الضوء" "2/ 40".
2 في "طبقات الحفاظ" "ص548".
3 انظر ترجمته في "حسن المحاضرة" "1/ 575"، توفي سنة "887".
4 ترجمته في "حسن المحاضرة "أيضًا "1/ 573-574".
5 أوردها كلها ابن فهد في "لحظ الألحاظ" "ص339-342" والسيوطي في "حسن المحاضرة" 1/ 364-366" وعن مراثيه الأخرى انظر ابن حجر "1/ 196-197".(1/54)
ويصور لنا الإمام عمر بن فهد الهاشمي المكي "812-885" أثر موته على الناس فيقول1:
"وكثر الأسف عليه لوفور محاسنه، وانتاب الناس قبره مدة، وكان موته مصيبة يا لها من مصيبة عمت الأنام، وهدمت ركن الإسلام، وأصمت المسامع، وأجرت المدامع، وإنها -والله- لمن أعظم الفجائع وأطم الوقائع، فلقد كان للإسلام والمسلمين سندًا، وللدين -في هذا الوقت- عضدًا فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وإنا الله وإنا إليه راجعون، ولم يخلف في معناه مثله".
__________
1 في "معجم الشيوخ" "ص78".(1/55)
المبحث الثاني: مؤلفاته
بدأ ابن حجر بالتأليف مبكرًا ففي سنة 795 وله من العمر اثنتان وعشرون سنة اختصر "التلبيس" لابن الجوزي "ت597هـ"1 وكتب شيئًا في العروض2، أما مؤلفاته الحديثية فقد ابتدأ بها سنة 796 فخرَّج لشيخه التنوخي مائة عشارية3.
وفي سنة 800 وهو في اليمن خرج الأربعين النووية بأسانيده4، وكذلك: الأربعين المهذبة بالأحاديث الملقبة5، وفي سنة 804 ظهر كتابه "تغليق التعليق"6 الذي نال إعجاب شيوخه فأثنوا عليه كثيرًا7 وكان سببًا من أسباب شهرته. وتوالت مصنفاته حتى زادت على مائة وخمسين تصنيفًا معظمها في فنون الحديث، وفيها ما فنون الأدب والفقه والأصلين وغير ذلك كما قال السخاوي في "الضوء اللامع"8، وإن كان قد عد له في "الجواهر" ما يزيد على 270 عنوانًا9، وقد انفرد السخاوي بهذا الإحصاء ولم يصل ما ذكره المترجمون الآخرون إليه، وتعد قائمة السيوطي من
__________
1 "الجواهر والدرر" الورقة "158ب" عن ابن حجر "1/ 666-667".
2 "الجواهر والدرر" الورقة "159ب" عن ابن حجر "1/ 613".
3 انظر المبحث الأول.
4 "الجواهر والدرر" الورقة "153أ" عن ابن حجر "1/ 405".
5 انظر "الجواهر الدرر" "1/ 88".
6 انظر "مقدمة انتفاض الاعتراض" له الورقة "1-2".
7 انظر "الجواهر والدرر" "1/ 207 و209 و241".
8 "2/ 38".
9 انظر ابن حجر "1/ 256 و274".(1/56)
أطول القوائم ومع ذلك فلا يتجاوز العدد عنده "200" عنوان1.
وكان البقاعي الذي ترجم لشيخه ابن حجر في حياته سنة 846 قد قال: "ومصنفاته تناهز مائة وخمسين مصنفًا" ثم ذكر "140" عنوانًا، ومنها ما لم يكمل وما لم يبيض2. وقد جمع الحافظ ابن حجر أسماء كتبه في فهرست3.
وفي العصر الحديث كتب عن مؤلفاته:
1- الدكتور شاكر محمود عبد المنعم في كتابه "ابن حجر العسقلاني ومصنفاته ومنهجه وموارده في كتابه الإصابة" وقد رتبها على العلوم ولم يراع الحروف في ترتيب الكتب ضمن كل علم، وأفرد الكتب المنسوبة في آخرها4.
وقد أحصاها وتتبعها تتبعًا جيدًا، ولكنه ذكر كتبًا كثيرة في غير مواضعها فقد أورد "تبيين العجب فيما ورد في فضل رجب" في كتب الفقه وأصوله و"الأربعون الموضوعة والواردة في مصابيح السنة للبغوي" في كتب العشاريات و"الاستنصار على الطاعن المعثار" الذي هو في الرد على العيني في كتب طرق الحديث، و"التعليق النافع في النكت على جمع الجوامع" للسبكي في كتب شرح الحديث، ثم إنه ذكر في الكتب المنسوبة إليه كتبًا عزاها ابن حجر لنفسه، أو عزاها إليه البقاعي أو السخاوي: وكذلك فقد فاته ذكر بعض منها.
2- ثم كتب الدكتور سعيد القزقي في صدر تحقيقه لـ"تغليق التعليق" عن
__________
1 انظر "نظم العقيان" "ص46-50".
2 انظر "عنوان الزمان" "1/ 49-52".
3 وممن وقف عليها ونقل منها البقاعي -فيما أرجح- والسخاوي -كما صرح هو- والسيوطي كمن في مقامته "الكاوي" انظر "شرح المقامات" "2/ 90" ومقامته "السبل الجلية في الآباء العلية" "ص8".
4 انظر ابن حجر "1/ 255-687".(1/57)
مؤلفاته والظاهر أنه أفاد من الدكتور شاكر، واتبع طريقته نفسها، ولم يستوعب، ووعد أن يجمعها كلها بعد1. ولم يكن تقسيمه دقيقًا.
3- ثم كتب الدكتور علاء الدين هاشم الخفاجي في رسالته "البحث النحوي عند ابن حجر" عنها ورتبها كلها حسب الحروف الهجائية2، وأدخل ما ذكره الدكتور شاكر في الكتب المنسوبة ووصل العدد عنده إلى "339" عنوانًا، وقد ظهر لي من خلال التتبع أن قرابة "70" عنوانًا مكرر أو منسوب وفاته عدد منها.
4- ثم كتب الدكتور عبد الحميد عبطان في رسالته "ابن حجر العسقلاني ومنهجه في فتح الباري" عنها3 وأفاد من الدكتور شاكر ورتب الكتب في ضمن كل نوع على الحروف وقد دخل في الأنواع ما ليس منها، كذكر "مختصر الترغيب والترهيب" في كتب العقائد.
وقد اقتصرت هنا على الكتب الذي ذكرها البقاعي والسخاوي والسيوطي، ولم أذكر ما انفرد بذكره الحاج خليفة في كشف الظنون ومن بعده، ورتبتها على الحروف لتسهيل الكشف عن الكتاب المطلوب، ولصعوبة تفريق عدد منها على العلوم أو الأنواع، وأذكر ما لم يكمل أو يبيض، وما طبع والذي ما يزال مخطوطًا4.
هذا وللحافظ السخاوي كلمة عن تصانيفه أوردها قبل الدخول في تعدادها، يقول رحمه الله5: "ورزق فيها من السعد والقبول -خصوصًا فتح الباري بشرح البخاري الذي لم يسبق نظيره- امرًا عجبًا، بحيث استدعى طلبه ملوك الأطراف
__________
1 انظر "مقدمة تغليق التعليق" "1/ 181-212".
2 انظر "ص16-41".
3 انظر "ص55-69".
4 وفي النية في جمع المؤلفات التي عزاها هو لنفسه في مؤلفاته.
5 "الضوء اللامع" "2/ 38".(1/58)
بسؤال علمائه لهم في طلبه، وبيعه بنحو ثلاث مائة دينار، وانتشر في الآفاق، ولما تم لم يتخلف عن وليمة ختمه في "التاج والسبع" وجوه من سائر الناس إلا النادر، وكان مصروف ذلك إليهم خمسمائة دينار، واعتنى بتحصيل تصانيفه كثير من شيوخه وأقرانه فما دونهم، وكتبها الأكابر وانتشرت الأكابر وانتشرت في حياته، وأقرأ الكثير منها، حفظ غير واحد من الأبناء عدة منها، وعرضوها -على جاري العادة- على مشايخ العصر"1.
حروف الهمزة:
- الآيات النيرات في معرفة الخوارق والمعجزات.
- الأبدال الصفيات من "الثقفيات".
- أبدال عبد بن حميد وموافقاته.
- الأبدال العليات من "الخلعيات".
- الأبدال العوالي والموافقات الحسان من مسند الدارمي عبد الله بن عبد الرحمن.
- الأبدال العوالي من أبي داود الطيالسي.
- إتحاف المهرة بأطراف العشرة. كمل، مخطوط.
- الإتقان في فضائل القرآن. لم يكمل.
- الإجزاء بأطراف الأجزاء.
__________
1 لم يورد السخاوي في ترجمة شيخه في "الضوء" شيئًا من كتبه فمن عجب قول "الشوكاني في البدر الطالع" "1/ 88": "وقد عددها السخاوي في "الضوء اللامع".(1/59)
- الأجوبة الآنية عن الأسئلة العينية.
- الأجوبة المشرقة عن المسائل المفرقة.
- الأجوبة الواردة عن الأسئلة الوافدة. مخطوط في دار الكتب المصرية.
- الأحاديث الموضوعة الواردة في مصابيح السنة للبغوي. مخطوط.
- الاحتفال في بيان أحوال الرجال زيادة على ما في تهذيب الكمال. في مجلد ضخم لم يبيض.
- الإحكام لما في القرآن من الإبهام. أحال عليه في كتابه "الإصابة"، مخطوط كما في "الأعلام" للزركلي.
- أربعون حديثًا من الوحدان من مسند أحمد.
- الأربعون العالية لمسلم على البخاري في صحيحهما. مخطوط في الظاهرية.
- الأربعون الممتازة عن شيوخ الإجازة من حديث المراغي "ت817هـ".
- الأربعون المنتقاة من عوالي الليث بن سعد.
- الأربعون من مسموع ابن عبد الدائم من "الترغيب" للتيمي.
- الأربعون المهذبة بالأحاديث الملقبة.
- أسباب النزول وهو كتابنا هذا.
- الاستنصار على الطاعن المعثار.
- الاستدراك على تخريج أحاديث الإحياء للعراقي.
- الاستدراك على النكت على ابن الصلاح. في مجلد ضخم لم يكمل.(1/60)
- الاستدراك على من جمع ديوان. ابن نباتة.
- الإصابة في تمييز الصحابة. لم يكمل. طبع.
- الأصلح في صحة إمامة غير الأفضح.
- أطراف الأحاديث المختارة للضياء، غرق سنة 806.
- أطراف المسند المعتلي بأطراف المسند المعتلي، أفرده من "إتحاف المهرة" طبع.
- الاعتراف بأوهام الأطراف.
- الإعلام بمن سمي محمدًا قبل الإسلام.
- الإعلام بمن ولي مصر في الإسلام.
- أفراد مسلم عن البخاري، علقها سنة 830.
- الإفصاح بتكميل النكت على ابن الصلاح.
- الإفنان في رواية الأقران.
- إقامة الدلائل على معرفة الأوائل. كمل وهو في المسودة.
- الإمتاع بالأربعين المتباينة بشرط السماع. طبع.
- الأمالي الحديثية.
- الأمالي الحلبية، مخطوط بعضها في دار صدام للمخطوطات.
- أنباء الغمر بأنباء العمر. تركه مسودة، طبع.
- الانتفاع بترتيب العلل للدراقطني على الأنواع.(1/61)
- انتقاض الاعتراض. مخطوط في الخزانة التيمورية1.
- الأنوار بخصائص المختار.
- الإيثار برجال الآثار لمحمد بن الحسن الشيباني. طبع.
- الإيناس بمناقب العباس. مجلدة في المسودة.
حرف الباء:
- بذل الماعون في فضل الطاعون. مخطوط في أكثر من مكتبة.
- البسط المبثوث في خبر البرغوث.
- بغية الداري بأبدال البخاري.
- بلوغ المرام من أدلة الأحكام. فرغ منه سنة 828 طبع.
- بيان أحوال الرواة في "إتحاف المهرة"، مما ليس في تهذيب الكمال. شرع فيه.
- بيان الفصل لما رجع فيه الإرسال على الوصل.
- بيان ما أخرجه البخاري عاليًا عن شيخ، أخرج ذلك الحديث أحد الأئمة عن واحد عنه.
حرف التاء:
- تبصير المنتبه بتحرير المشتبه. طبع.
- تبيين العجب فيما ورد في فضل رجب. لم يكمله، بيضه السخاوي، طبع.
- التتبع بصفة المتمتع. مخطوط في كوبريلي. طبع.
__________
1 طبع بتحقيق الأستاذ صبحي السامرائي.(1/62)
- تجريد التفسير من صحيح البخاري على ترتيب السور.
- تجريد لحق المزي بالأطراف، وهي أحاديث أحمد عن الشافعي عن مالك.
- تجريد الوافي بالوفيات للصفدي. مخطوط في مكتبة فيض الله.
- تحرير الميزان.
- تحفة المستريض بمسألة التحميض.
- تخريج أحاديث الأذكار للنووي، أملى منه 660 مجلسًا ولم يكمل، أكمله السخاوي. طبع منه أجزاء.
- تخريج الأربعين النووية بالأسانيد العلية.
- تخريج أحاديث شرح التنبيه للزنكلوني. شرع فيه.
- تخريج أحاديث مختصر الكفاية. لم يكمل.
- تخريج الأحاديث المنقطعة في السيرة الهشامية.
- التخريج الواف بآثار الكشاف. ولعله "الاستدراك على الكافي الشاف" لم يبيض.
- التذكرة الأدبية.
- التذكرة الحديثية.
- ترتيب أطراف الصحيحين على الأبواب مع المسانيد.
- ترتيب طبقات الحفاظ للذهبي على حروف المعجم. لم يكمل وأكمله سبطه.(1/63)
- ترتيب غرائب شعبة لابن منده.
- ترتيب فوائد تمام.
- ترتيب فوائد سمويه.
- ترتيب المبهمات على الأبواب. مجلدة ضخمة. لم يبيض.
- ترتيب المتفق للخطيب. لم يكمل.
- ترتيب مسند الطيالسي، غرق سنة 806.
- ترتيب مسند عبد بن حميد، غرق سنة 806.
- تسديد القوس في أطراف مسند الفردوس. طبع.
- تسمية من عرف ممن أبهم في العمدة. مخطوط في الأزهرية.
- التشويق إلى وصل المهم من التعليق.
- تصحيح الروضة للنووي. لم يكمل.
- تعجيل المنفعة بزوائد رجال الأئمة الأربعة. طبع.
- التعريج على التدبيج.
- التعريف الأجود بأوهام من جمع رجال المسند.
- تعريف أولي التقديس بمراتب الموصوفين بالتدليس، وهو "طبقات المدلسين" طبع.
- تعريف الفئة بمن عاش من هذه الأمة مائة. مجلدة في المسودة.
- التعليق على مستدرك الحاكم. شرع فيه.(1/64)
- التعليق على الموضوعات لابن الجوزي. شرع فيه1.
- التعليق النافع في النكت على جمع الجوامع. كتب فيه اليسير.
- تعليق من تاريخ ابن عساكر. مخطوط في دار الكتب المصرية.
- تغليق التعليق. طبع.
- تقريب التهذيب. طبع.
- تقريب الغريب الواقع في صحيح البخاري، اختصره من القرطبي مع زيادة عليه، سنة 818.
- تقريب المنهج بترتيب المدرج، لخصه من "الفصل للوصل المدرج في النقل" للخطيب وزاد عليه، فرغ منه سنة 807.
- تقويم السناد بمدرج الإسناد.
__________
1 للخيضري تلميذ ابن حجر كتاب عنوانه "البرق اللموع لكشف الحديث الموضوع" ذكره الحاج خليفة في كشف الظنون "1/ 239" وقال: "وهو الحديث المذكور في الإحياء لصلاة الرغائب، جرد ما لابن حجر من المناقشات مع ابن الجوزي في الموضوعات مما هو بهوامش نسخته غيرها ثم ضم ذلك لتخليصه الأصل".
وقال السيوطي في مقامته "الفارق بين المصنف والسارق".
"وحُكي لي عن الحافظ ابن حجر أنه حشا نسخته من "الطبقات" بزوائد من التواريخ القديمة، لو جردت لكانت في عدة ورقات فاستعارها كبير من تلامذته حافظ مفيد، يصنف طبقات جمع فيها الأصل والمزيد، وعزا الزيادات للأصول التي نقل منها أستاذه، ولم ينبه على أنه اعتمد على خطه وأنه إليه ملاذه، فكتب له ورقة يلومه فيها أشد اللوم، ويقول له: أما بلغك ما ورد في ذلك عن القوم ... إلخ" انظر "شرح المقامات" "2/ 826".
ونهذه الطبقات هي طبقات الشافعية للسبكي والتلميذ هو الخيضري، صرح بذلك البقاعي في "عنوان الزمان" "1/ 52" وفات شارح المقامات السيد الدروبي معرفة ذلك.(1/65)
- تلخيص الإمتاع بالأربعين المتباينة بشرط السماع.
- تلخيص البداية والنهاية لابن كثير. مخطوط في دار الكتب المصرية.
- تلخيص الترغيب والترهيب للمنذري. طبع.
- تلخيص التصحيف للدارقطني.
- التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير، فرغ منه تمامًا سنة 820، طبع.
- تلخيص مسألة الساكت، تصنيف بعض تلامذته.
- تمهيد العقود الجمة في تحديد عقود الأمة -أو الذمة.
- تهذيب التهذيب، طبع.
- توالي التانيس بمعالي ابن إدريس. طبع.
- التوفيق في وصل المهم من التعليق.
حرف الثاء:
- ثقات الرجال ممن لم يذكر في تهذيب الكمال. لم يبيض.
- ثلاثيات البخاري.
- ثنائيات الموطأ.
حرف الجيم:
- الجامع الكبير من سنن البشير النذير وهو "المؤتمن في جمع السنن" كتب منه كراسة.(1/66)
- جزء في إحداث الجمعة بمدرسة ابن سويد بمصر، مخطوط في الأزهرية.
- جزء في التهنئة في الأعياد وغيرها.
- جزء فيه التعقيب على ابن الجزري في مشيخه شيخه الجنيد.
- جزء في ضرب الرمل، ظل في المسودة.
- جزء في قصة هاروت وماروت.
- جزء من حديث التقي الدجوي.
- جزء من حديث عبد الله بن زيد الأنصاري.
- جزء من حديث العزالطيبي.
- جزء من حديث النجم البالسي.
- جزء من حديث عوالي ابن المقير بالإجازة.
- جزء من عوالي الدبوسي.
- جزء من مسند السراج.
- جزء من المستخرج على البخاري لأبي نعيم.
- جزء من المستخرج على البخاري للإسماعيلي.
- جلب حلب. جمع فيه فوائد رحلته إليها.
- الجواب الجليل عن حكم بلد الخليل.
- الجواب الجليل الوقعة فيما يرد على الحسيني وأبي زرعة فرغ منه سنة 833.(1/67)
- جواب سؤال فيمن عاش بعد الموت.
- جواب سؤال عن المؤرخ الذي يذكر تراجم الناس، على ما يعلم منها من خير وشر، مخطوط مصور في معهد المخطوطات.
- الجواب الشافي عن السؤال الخافي. طبع.
حرف الخاء:
- خبر الثبت في صيام السبت.
- الخصال المكفرة للذنوب المقدمة والموخرة. طبع مجردًا من الأسانيد.
- الخصال الموصلة للظلال.
- خماسيات الدارقطني.
حرف الدال:
- الداعي البشير لتخريج أحاديث ابن بشير.
- الدراية في تخريج أحاديث الهداية. لخصه من "نصب الراية" للزيلعي فرغ منه سنه 827، طبع.
- الدرر في نفقة قليلة!
- الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة. طبع.
- الدرر المضية في فوائد الإسكندرية.
- ديوان الخطب الأزهرية.
- ديوان الخطب القلعية.(1/68)
- ديوان شعر "الكبير" مخطوط مصور في المجمع العلمي العراقي.
حرف الذال:
- ذكر الباقيات الصالحات.
- ذيل التبيان لمنظومة الحفاظ بديعة البيان.
- ذيل الدرر الكامنة. حقق.
حرف الراء:
- الرحا الدائرة على اليمين الدائرة، سفر صغير.
- الرحمة الغيثية بالترجمة الليثية. طبع.
- ردع المجرم في الذب عن عرض المسلم، صنفه في سنة 851، طبع.
- رفع الأصر عن قضاة مصر. طبع.
حرف الزاي:
- زهر الفردوس. طبع.
- الزهر المطلول في الخبر المعلول.
- الزهر النضر في نبأ الخضر، فصله من كتابه الإصابة. طبع.
- زوائد الأدب المفرد للبخاري.
- زوائد ما في الكتب الأربعة السنن على الصحيحين بما هو صحيح. كتب من كراريس.
- زوائد مسند أحمد بن منيع.(1/69)
- زوائد مسند البزار. مخطوط.
- زوائد مسند الحارث بن أبي أسامة على الستة وأحمد.
- زيادات بعض الموطأت على بعض. مخطوط في الأزهرية.
حرف السين:
- السبعة السيارة النيرات "من شعره". طبع.
- الستون العشارية.
- السهل المنيع في شواهد البديع.
حرف الشين:
- شرح الترمذي. شرع فيه سنة 808 فكتب منه جزءًا لطيفًا وفتر عزمه.
- شفاء الغلل في بيان العلل.
- شرح قطع مفرقة من المنهاج للنووي.
- شرح مناسك المنهاج للنووي.
- الشمس المنيرة في تعريف الكبيرة.
- شرح نظم السيرة للعراقي.
حرف الضاد:
- ضوء الشهاب "من شعره".
- ضياء الأيام بعوالي البلقيني شيخ الإسلام.(1/70)
حرف الطاء:
- طرق حديث: الأئمة من قريش. جزء ضخم سماه: "لذة العيش".
- طرق حديث: الأعمال بالنيات.
- طرق حديث الإفك.
- طرق حديث أنس: إذا لقيت أحدًا من أمتي فسلم عليه يطل عمرك. مخطوط في الظاهرية.
- طرق حديث: أولى الناس بي أكثرهم عليَّ صلاة.
- طرق حديث: تعلموا الفرائض.
- طرق حديث: جابر في البعير.
- طرق حديث: حج آدم موسى.
- طرق حديث: زر غبًّا تزدد حبًّا.
- طرق حديث: الشيخ الهرم، ومَنْ مات في الفترة، ومَنْ ولد أكمه أعمى أصم.
- طرق حديث: الصادق المصدوق.
- طرق حديث: صلاة التسبيح.
- طرق حديث: الغسل يوم الجمعة. مخطوط في المكتبة الأزهرية.
- طرق حديث: قبض العلم.
- طرق حديث: القضاة ثلاثة.(1/71)
- طرق حديث: لو أن نهرًا في باب أحدكم.
- طرق حديث: ماء زمزم لما شرب له. طبع.
- طرق حديث: مثل أمتي كالمطر.
- طرق حديث: المجامع في رمضان كتبه سنة 823. ويسمى: "نزهة المناظر والسامع في طرق حديث الصائم المجامع" مخطوط في المكتبة الأزهرية.
- طرق حديث: من صلى على جنازة فله قيراط.
- طرق حديث: المسح على الخفين.
- طرق حديث: المغفر.
- طرق حديث: من بنى مسجدًا. مخطوط في المكتبة الأزهرية.
- طرق حديث: من كذب عليَّ متعمدًا.
- طرق حديث: نضر الله امرءًا.
- طرق حديث: يا عبد الرحمن لا تسأل الإمارة.
حرف العين:
- عجب الدهر في فتاوى شهر.
- عشاريات الصحابة. في المسودة وأملى منه نحو مائتي مجلس.
- العشرة العشارية.
- علم الوشي وبنده فيمن روى عن أبيه عن جده.
- العوالي التالية للمائة العالية.(1/72)
حرف الغين:
- غبطة الناظر في ترجمة الشيخ عبد القادر.
- الغنية في الرؤية. مخطوط في التيمورية.
حرف الفاء:
- فتح الباري في شرح البخاري. طبع.
- فهرست الشرف بن الكويك.
- فهرست كتب المدرسة المحمودية.
- فهرست مرويات جلال الدين البلقيني بالإجازة، كراسة.
- فهرست مرويات أخيه علم الدين البلقيني بالإجازة.
- الفوائد الجمة فيمن يجدد الدين لهذه الأمة.
- الفوائد المجموعة بأطراف الأجزاء المسموعة.
حرف القاف:
- قذى العين من نعيب غراب البين.
- القصد الأحمد في من كنيته أبو الفضل واسمه أحمد. ظل في المسودة.
- القصد البادي بين المراجع والبادي.
- القول المسدد في الذب عن مسند أحمد. فرغ منه سنة 819. طبع.
- قوة الجبل في الكلام على الحيل.(1/73)
- قوة الحجاج في عموم المغفرة للحجاج. طبع.
- قوة السير في حكم عمل الخير.
حرف اللام:
- اللبان في تخريج ما يقول فيه الترمذي: وفي الباب. شرع فيه فكتب من أوله ثلاث كواريس، ومن كتاب الحج كراسة.
- لسان الميزان. طبع.
حرف الكاف:
- الكافي الشاف في تخريج أحاديث الكشاف، لخصه من كتاب الزيلعي فرغ منه سنة 821. طبع.
- كتاب العشاريات الستين من حديث العراقي.
- كتاب في المتشابهات.
- كتاب المعمرين.
- كشف الستر عن حكم الصلاة بعد الوتر. مخطوط في دار الكتب المصرية.
- الكلام على حديث إن إمرأتي لا ترد يد لامس.
حرف الميم:
- متباينات التنوخي.
- مجلس في تحريم الظلم.
- مجلس عن الصبر.(1/74)
- المجلس الجمالي أول ما فتحت المدرسة الجمالية.
- المجمع المؤسس للمعجم المفهرس. مخطوط.
- المجمع العام في آداب الشرب والطعام ودخول الحمام.
- مختصر تلبيس إبليس.
- مزيذ النفع بمعرفة ما رجع فيه في الوقف على الرفع.
- مسألة الدور.
- مسألة السريجية.
- مسألة شراء السلطان بماله لنفسه من أراضي بيت المال.
- مشيخة ابن أبي المجد الذين تفرد عنهم. جزء ضخم.
- مشيخة البرهان الحلبي.
- المشيخة الباسمة للقبابي وفاطمة. مخطوط مصور في معهد المخطوطات العربية.
- المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية، طبع.
- المعجم الكبير للشامي. مجلدة ضخمة.
- المعجم للحرة مريم. مخطوط في دار الكتب المصرية.
- المعجم المفهرس مخطوط.
- المقترب في المضطرب.
- المقرر في شرح المحرر. لابن عبد الهادي كتب منه قطعة.(1/75)
- الملتقط من التلقيح في شرح الجامع الصحيح للبرهان الحلبي التقطه في حلب.
- ملخص الجمع بين الصحيحين.
- الممتع في منسك المتمتع. مخطوط في كوبريلي.
- المنحة في ما علق الشافعي القول به على الصحة، في سنة 835 لم يكن قد كمل1.
- منتخب رحلة ابن رشيد.
- المنتخب من زوائد البزار.
- المنتخب من كتاب الأدب.
- المنتقى من تاريخ ابن خلدون.
- المنتقى من مشيخات ابن عساكر وابن السراري، والفخر ابن البخاري.
- المنتقى من معجم السبكي.
- المنتقى من مغازي الواقدي، مخطوط في دار الكتب المصرية.
- المهمل من شيوخ البخاري.
- موافقة الخبر الخبر في تخريج أحاديث المختصر، انتهى منه إملاء سنه 836. حقق القسم الأول منه، وطبع كاملًا كما مر.
حرف النون:
__________
1 انظر "توالي التأسيس" له "ص109".(1/76)
- النباء الأنبه في بناء الكعبة. عمله للمؤيد سنة 822.
- نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر. طبع.
- نزهة الألباب في الألقاب. طبع.
- نزهة السامعين في رواية الصحابة عن التابعين.
- نزهة القلوب في معرفة المبدل والمقلوب في مجلد. ويسمى أيضًا جلاء القلوب في معرفة المقلوب.
- نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر. طبع.
- نزهة النواظر المجموعة في النوادر المسموعة. لم يكمل.
- نظم الآلي بالمائة العوالي "المائة العشارية للتنوخي" مخطوط في التيمورية.
- النكت الظراف على الأطراف. طبع.
- النكت على ابن صلاح لم يكمل كما قال السخاوي، طبع.
- النكت على تنقيح الزركشي. شرع فيه، مخطوط في المكتبة الأزهرية.
- النكتب على الألفية للعراقي، لم ير السخاوي منه سوى ورقتين، وسماه البقاعي النكت على شرح الألفية وقال: لم يكمل.
- النكت على شرح صحيح مسلم للنووي. شرع في أوائله.
- النكت على شرح العمدة لابن الملقن. شرع فيه.
- النكت على شرح المهذب. شرع فيه.
- النكت على نكت العمدة له.(1/77)
حرف الهاء:
- هداية الرواة إلى تخريج المصابيح والمشكاة. مخطوط في الحميدية1.
- هدي الساري مقدمة فتح الباري. طبع.
حرف الواو.
- الوقوف على ما في صحيح مسلم من الموقوف. تتبعه في حلب سنة 836. طبع.
__________
1 في خزانة الأستاذ صبحي السامرائي نسخة مصورة منه. يسر الله له من يخدمه وينشره.(1/78)
الفصل الثاني: علم أسباب النزول.
المبحث الأول: المؤلفات في أسباب النزول.
أ- ما ألف في "أسباب النزول" رواية مرتبة حسب القدم:
1- تفصيل لأسباب التنزيل عن ميمون بن مهران "ت117هـ" مخطوط1.
2- أسباب النزول للإمام علي بن المديني "ت234"2.
3- القصص والأسباب التي نزل من أجلها القرآن للمحدث القاضي عبد الرحمن بن محمد بن عيسى بن فُطيس "ت402هـ" في نحو مائة جزء ونيف3.
4- أسباب النزول للإمام أبي الحسن علي بن أحمد الواحدي "ت468هـ" طبع مرات4 وله نسخ خطية كثيرة له في "الفهرس الشامل" سبعًا وستين
__________
1 انظر مقدمة "أسباب نزول القرآن" للعراقي الآتي بقلم الأستاذ محمد عبد الكريم الراضي وقد تفضل باطلاعي عليه.
2 انظر "البرهان" للزركشي "1/ 22" و"الإتقان" للسيوطي "1/ 28".
وقد عزته الدكتورة ابتسام مرهون الصفار في كتابها "معجم الدراسات القرآنية" "ص75" إلى أبي الحسن علي بن محمد المدائني "ت228هـ" ومن قبلها إسماعيل البغدادي في "هدية العارفين" في ترجمة المدائني "1/ 671" وهو خطأ.
3 انظر "طبقات المفسرين" للداودي "1/ 291-293" و"معجم مصنفات القرآن الكريم" للدكتور علي شواخ إسحاق "1/ 133".
4 منها طبعة السيد أحمد صقر -وعليها اعتمادي- وطبعة السيد عصام بن عبد المحسن الحميدان وقد اعتنى بتخريجه ولم أقف عليه بعد. انظر "أسباب نزول القرآن" لعبد الرحيم فارس أبو علبة "ص58".(1/80)
نسخة1.
5- أسباب النزول والقصص الفرقانية لأبي المظفر بن أسعد العراقي الحنفي الحكيمي "ت567هـ" وهو كتاب يخلو من الأسانيد تماما! 2
6- "الأسباب والنزول على مذهب آل الرسول" لأبي جعفر محمد بن علي بن شهر آشوب الطبري الشيعي "ت588هـ"3.
7- "أسباب النزول" للإمام أبي الفرج بن الجوزي "ت597"4.
8- "أسباب نزول الآي" للملك الصالح أبي الفتح محمود بن محمد بن قراسلان الأرتقي "ت619هـ" وهو مختصر كتاب الواحدي5.
9- "عجائب النقول في أسباب النزول" لأبي إسحاق إبراهيم بن عمر
__________
1 "الفهرس الشامل للتراث العربي الإسلامي" المخطوط "مخطوطات التفسير وعلومه" الصادر عن المجمع الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية الأردني "1/ 103-105".
2 حققه الصديق السيد محمد بن الكريم الراضي عن نسختين من برلين وجستربيتي ولم يطبع بعد وقد ذكر في "الفهرس الشامل للتراث" مرتين في "1/ 205" ثم أعادوا ذكره في "1/ 261" باسم أحمد بن أسعد، وأرخوا وفاته بـ"667هـ" خطأ. هذا وقد نشرت "أخبار التراث الإسلامي في عددها 22" الصادر في عام "1410-1990" "ص7" أن الباحث عصام أحمد غانم -كلية الآداب، جامعة عين شمس- يقوم بالتحضير لرسالته العالمية العالية بعنوان: "تراث أسباب النزول في العربية" مع تحقيق كتاب "أسباب النزول والقصص الفرقانية". تحت إشراف الدكتور رمضان عبد التواب.
3 انظر "بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة" للسيوطي "1/ 181" و"كشف الظنون" "1/ 77" و"إيضاح المكنون" لإسماعيل باشا البغدادي "1/ 69"، معجم الدكتور إسحاق "1/ 127".
4 أول من عزاه إليه الحاج خليفة "ت1067هـ" في "كشف الظنون" "1/ 67" ثم إسماعيل باشا البغدادي في "إيضاح المكنون" "1/ 69" وعنهما نقل الأستاذ عبد الحميد العلوجي في "مؤلفات ابن الجوزي" "ص68" وهذا عزو متأخر! وقد رجعت إلى كتاب ابن الجوزي: "فنون الأفنان في عيون علوم القرآن" فما رأيته عرض لأسباب النزول.
5 انظر "الفهرس الشامل للتراث" "1/ 242".(1/81)
الجعبري "ت732هـ"1 ذكر السيوطي أنه اختصره من كتاب الواحدي فحذف أسانيده ولم يزد عليه شيئًا2.
10- "سبب النزول في تبليغ الرسول" لابن الفصيح: فخر الدين أحمد بن علي بن أحمد الكوفي "ت755هـ"3.
11- "رسالة في أسباب النزول" لعلي بن شهاب الدين حسن بن محمد الهمذاني "ت786هـ"4.
12- "العجاب في بيان الأسباب" للحافظ ابن حجر العسقلاني "ت852هـ" وهو كتابنا هذا.
13- مدد الرحمن في "أسباب نزول القرآن" للقاضي زين الدين عبد الرحمن بن علاء الدين علي بن إسحاق التميمي الداري الخليلي المقدسي الشافعي "ت876هـ"5.
14- "لباب النقول في أسباب النزول" للحافظ جلال الدين السيوطي "ت911هـ" ألفه بعد "الإتقان"6 وقد ذكر فيه أسباب نزول لمائة سورة واثنتين. طبع مرات7.
__________
1 انظر "برهان الدين الجعبري فهرست مصنفاته" للأستاذ صالح مهدي عباس "ص34" و"الفهرس الشامل للتراث" "1/ 373" وقد ذكروا له نسختين في دار الكتاب المصرية وفي برلين.
2 "الإتقان" "1/ 28".
3 "الفهرس الشامل للتراث" "1/ 410".
4 "الفهرس الشامل للتراث" "1/ 424".
5 انظر "إيضاح المكنون" للبغدادي "2/ 455" ومعجم الدكتور إسحاق "1/ 136".
6 أقول هذا لأنه أحال عليه في مقدمته مرتين انظر "لباب النقول" "ص13 و15" وأما ذكره له في "الإتقان" "1/ 28" فلا بد أنه ألحقه فيه فيما بعد.
7 يذكر هنا أنه قد ذكر في "الفهرس الشامل للثراث" "2/ 729" قصيدة في أسباب النزول "بدون عنوان" لمحمد بن تاج العارفين -كان حيًّا سنة: 1094هـ- منها نسخة في برلين لم يذكر شيء عن محتواها فأشرت إليههنا ولم أدرجها في أحد القسمين.(1/82)
15- "إرشاد الرحمن لأسباب النزول والنسخ المتشابه وتجويد القرآن" لعطية الله بن عطية البرهاني الشافعي الأجهوري "ت1190هـ".
منه نسخ متعددة في الأزهرية بمصر وغيرها1.
16- "لب التفاسير في معرفة أسباب النزول والتفسير" لمحمد بن عبد الله القاضي الرومي الحنفي الشهير بلُبي الحافظ "ت1195هـ"2.
17- "أسباب التنزيل" لأحمد بن علي بن أحمد بن محمود الحنفي "مجهول الوفاة" مخطوط في دار الكتب المصرية3.
18- "أسباب النزول" لعبد الجليل النقشبندي "ت:" مخطوط في الأزهر4.
وهناك كتب أخرى غيرها لكنها مجهولة المؤلف5.
أما الكتب الحديثة فهي:
19- "الصحيح المسند في أسباب النزول" للشيخ مقبل الوداعي، والسور التي ذكرها هي "56" سورة فقط. طبع قبل عام "1983"6.
20- "جامع النقول في أسباب النزول وشرح آياتها" لعليوي خليفة عليوي، طبع الطبعة الأولى في سنة 1404هـ الموافق سنة 1984.
__________
1 المصدر السابق "2/ 778" ومعجم الدكتور إسحاق "1/ 127" ومعجم الدكتورة الصفار "ص56" وثم كلمة عنه في "أسباب نزول القرآن" لأبي علبة "ص51-52".
2 انظر "إيضاح المكنون" "2/ 400" معجم الدكتور إسحاق "1/ 135".
3 انظر "الفهرس الشامل" "2/ 835".
4 انظر معجم الدكتورة الصفار "ص57".
5 انطر "الفهرس الشامل" "2/ 905-906" وقد ذكر هنا ستة كتب.
6 ذكره الدكتور إسحاق في "معجمه" المطبوع في تلك السنة.(1/83)
21- "أسباب النزول القرآني" للدكتور غازي عناية، طبع في الجزائر سنة "1987"1.
22- "أسباب النزول عن الصحابة والمفسرين" لعبد الفتاح القاضي طبع سنة "1987" 2.
ب- مَنْ كتب في أسباب النزول دراية:
1- ابن تيمية "ت728هـ" في "مقدمة التفسير"3.
تناول العموم والخصوص، وفائدة معرفة السبب، ومعنى قولهم: نزلت في كذا، ودرجة قول الصاحب: هذه الآية نزلت في كذا، وهو يرى تعدد الأسباب، ويرى تكرار النزول.
2- الشاطبي "ت790هـ" في "المؤلفات"4.
__________
1 هذان الكتابان لم أرهما وقد ذكرهما الباحث أبو علبة في كتابه "أسباب نزول القرآن" "ص56-57".
2 عد الدكتور علي شواخ إسحاق في كتابه "معجم مصنفات القرآن الكريم" في كتب أسباب النزول ما ليس منها جزمًا مثل "التبيان في نزول القرآن" لابن تيمية، و"التبيين لهجاء التنزيل" لأبي داود الأندليس، و"الراسخ في المنسوخ والناسخ" للرومي، و"كتاب التنزيل وترتيبه" للنيسابوري، و"نزول القرآن" للضحاك بن مزاحم، والحسن البصري، وغيرهما مما أهملته انظر "1/ 129-137". ومثل هذا يقال على الدكتورة ابتسام مرهون الصفار، فقد ذكرت "الإكليل في استنباط التنزيل" للسيوطي، و"تنزيل القرآن" للزهري، و"شرح حديث النزول" لابن تيمية، و"مقالات عن تنجيم القرآن وكيفية نزوله"، وغيرها: مثل "نزول القرآن" لابن عباس، الذي هو في بيان المكي والمدني. انظر كتابها "معجم الدراسات القرآنية" "ص53-59" واربط بما قالته "ص11-13".
3 انظر "مجموع الفتاوى" "13/ 338-340".
4 انظر "3/ 347-350".(1/84)
تكلم على لزوم معرفة أسباب التنزيل.
3- الزركشي "ت794هـ" في "البرهان في علوم القرآن"1.
وقد جعله "النوع الأول" ذكر فيه كتابي المديني والواحدي ثم فوائده، وهي عنده ست فوائد، وهو يرى تكرر النزول، ثم تنازل درجة قول الصحابي، ثم خصوص السبب وعموم الصيغة، ثم تقدم نزول الآية على الحكم.
ثم ناقش مسألة البداءة بالسبب أو المناسبة أيهما أولى.
4- السيوطي "ت911هـ" في كتابه "التخبير في علم التفسير"2 النوع الحادي عشر، وكلامه هنا مختصر ثم توسع في "الإتقان في علوم القرآن"3.
وقد جعله "النوع التاسع" وأفاد من ابن تيمية والزركشي، وطوى ذكر الثاني كثيرًا! وأضاف تحقيقات مهمة.
ثم ألف "لباب النقول" وأعاد في مقدماته ما قاله في "الإتقان" ولكن باختصار4.
5- طاش كبري زاده "ت968هـ" في كتابه "مفتاح السعادة ومفتاح السيادة"5. وكل ما قاله أخذه من السيوطي ولم يصرح!
6- الحاج خليفة "ت1067هـ" في "كشف الظنون عن أسامي الكتب
__________
1 انظر "1/ 22-34".
2 انظر "ص86-88" وقد فرع من تأليفه في رجب عام 872 وعمره "23" سنة انظر "ص446" منه.
3 انظر "1/ 28-34".
4 انظر "ص13-16".
5 انظر "2/ 385-387".(1/85)
والفنون"1. أفاد من طاش كبري والسيوطي.
7- حجة الله الدهلوي "ت1176هـ" في "الفوز الكبير في أصول التفسير"2.
8- محسن المساوي "ت1354هـ" في "نهج التيسير شرح منظومة التفسير"3 والمنظومة لعبد العزيز الزمزمي "ت976هـ" أخذها من كتاب "النقاية" للسيوطي4.
وأفاد الشارح معظم شرحه من الإتقان وشرح النقاية لليسوطي، صرح بذلك في الخاتمة5.
9- محمد عبد العظيم الزرقاني في "مناهل العرفان في علوم القرآن"6. وأكثر ما أورده مستفاد من السيوطي ولم يشر إلا أنه قال في تصدير الطبعة الثالثة7: "لا أدعي أنني أنشأت وابتكرت، ولا أحدثت وابتدعت، بل قصاراي أنني فهمت وأحسنت العرض إذا كنت وُفقت، أما المادة نفسها فالفضل فيها لعلماء هذه الأمة.." وهذا كلام عام أيضًا.
وقد أضاف العموم والخصوص بين لفظ الشارع وسببه، وعموم اللفظ وخصوص السبب بتوسع فقط8.
__________
1 انظر "1/ 76-77".
2 انظر "ص54-61".
3 وقد كتب السيد علوي بن السيد عباس المالكي حاشية على ذلك الشرح سماها "فيض الخبير وخلاصة التقرير" وكذلك الأستاذ محمد ياسين الفاداني انظر "فيض الخبير" "ص53-56".
4 انظر "فيض الخبير" "ص7".
5 المصدر السابق "ص170".
6 انظر "1/ 99-130".
7 انظر "1/ ب".
8 انظر "1/ 116 ثم 1/ 118-127".(1/86)
10- قاسم القيسي "ت1375هـ" في "تاريخ التفسير"1 الذي انتهى منه سنة 1363هـ وكل ما كتبه مستفاد من كشف الظنون ولم يشر!
11- محمد عزة دروزة "ت1404هـ" في كتابه "القرآن المجيد"2 وهو مقدمة تفسيره "التفسير الحديث".
قال فيه3: "إن هناك روايات كثيرة في أسباب النزول ومناسباته، وقد حشرت في كثير من كتب التفسير التي كتبت في مختلف الأدوار، لا تثبت على النقد والتحميص طويلًا، سواء بسبب ما فيها من تعدد وتناقض ومغايرة، أو من عدم الاتساق مع روح الآيات التي وردت فيها وسياقها بل ونصوصها أحيانًا، ومع آيات أخرى متصلة بموضوعها أو موضحة لها أو عاطفة عليها، حتى إن الناقد البصير ليرى في كثير من هذه الروايات أثر ما كان من القرون الإسلامية الثلاثة من خلافات سياسية ومذهبية وعنصرية وفقهية وكلامية قوي البروز، وحتى ليقع في نفسه إن كثيرًا منها منحول أو مدسوس أو محرف عن سوء نية وقصد تشويش وتشويه ودعاية ونكاية وحجاج وتشهير، أو قصد تأييد رأي أو شيعة على شيعة ... إلخ"4.
12- محمد الطاهر بن عاشور "ت1393هـ" في مقدمات تفسيره "التحرير والتنوير"5. انتقد إكثار المفسرين من تطلب أسباب النزول.
ثم قال: "وقد تصفحت أسباب النزول التي صحت أسانيدها فوجدتها خمسة
__________
1 انظر "ص90-92".
2 طبع عام 1952م.
3 "ص217".
4 انظر "ص218-224".
5 طبعت المقدمات وتفسير الفاتحة وجزء عم عام 1376هـ-1956م.(1/87)
أقسام" وأورد هذه الأقسام ومثل لها ثم كتب كلمة عن فائدة الأسباب1 ومادته مستقاة من الإتقان وقد أحال عليه أكثر من مرة2.
13- الدكتور محمد محمد أبو شهبة: في كتابه "المدخل لدراسة القرآن الكريم"3 وما كتبه مطابق لما جاء في "مناهل العرفان" تماما لم يشر "إلى شيء من ذلك4!!
14- الدكتور صبحي الصالح "ت1407هـ" في كتابه "مباحث في علوم القرآن"5 مادته من البرهان للزركشي والإتقان للسيوطي، وجديدة في حسن العرض الأدبي والتنسيق والترتيب6.
15- الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي في كتابه "روائع القرآن"7.
اعتمد على "الواحدي وفتح الباري والإتقان" والظاهر أنه أفاد من الدكتور صبحي الصالح ولا جديد لديه8.
16- الأستاذان فاضل شاكر وفرج توفيق الوليد في كتابهما "المنتقى في علوم القرآن"9 وما يتعلق بأسباب النزول كتبه الأستاذ الوليد.
__________
1 انظر "ص42-45".
2 انظر "ص44".
3 صدرت الطعبة الأولى عام "1377هـ-1958م".
4 انظر "1/ 99-127".
5 صدرت طبعته الأولى عام 1985 والثانية عام 1385 أي: الموافق: 1965.
6 انظر "ص127-163".
7 أرخت مقدمة الطبعة الأولى بـ: 1395هـ-1975م.
8 انظر "ص42-47".
9 طبع عام 1979م.(1/88)
وصرح بمصادره في الهامش1.
17- الدكتور حماد عبد الخالق حلوة في كتابه "أسباب نزول القرآن: مصادرها ومناهجها" وهو في الأصل رسالة نال بها درجة الدكتوراه قبل عام 1980 وقد طبع في جزأين خصص الأول لبحث مصادر روايات أسباب التنزيل من كتب الحديث وعلوم القرآن، والكتب المخصصة لذلك. والثاني لبحث مناهج العلماء في دراسة أسباب التنزيل، فتحدث عن مناهج المحدثين والمفسرين والمؤرخين والمصنفين في أسباب التنزيل، كما بحث أثر الوضع والنزعات المذهبية في الأسباب وأثرها على بناء المجتمع الإسلامي2.
18- الدكتور غانم قدوري حمد في كتابه "محاضرات في علوم القرآن"3، وقد اعتمد على مصادر جيدة صرح بها في هوامشه4.
19- الدكتور عدنان محمد زرزور في كتابه "علوم القرآن: مدخل إلى تفسير القرآن وبيان إعجازه"5.
لا جديد لديه، وقد أفاد من ابن تيمية والزركشي والسيوطي بدون استقصاء في العزو6.
20- مقبل الوداعي في مقدمة كتابه "الصحيح المسند في أسباب النزول"، وقد أوجز الكلام عنها تحت عنوان "قواعد أصولية" وأفاد من "مباحث في علوم القرآن" لمناع القطان7.
__________
1 انظر "ص123-139".
2 انظر "أسباب نزول القرآن" لأبي علبة "ص54".
3 طبع عام 1981م.
4 انظر "ص210-218".
5 أرخت مقدمة الطبعة الأولى بـ:1410هـ.
6 انظر "ص127-134".
7 انظر "ص13-15".(1/89)
21- الدكتور جمعة عبد الله سهل "من السودان" وقد كتب في أسباب النزول رسالة نال بها شهادة الدكتوراه في جامعة أم القرى بمكة في حدود عام 1405هـ1.
22- الأستاذ بهاء الدين الزهوري في مقاله: "القرآن الكريم ومعرفة أسباب النزول" ولا جديد فيه2.
23- الدكتور غازي عناية في أول كتابه "أسباب النزول القرآني" وقد خصص أول تسعين صفحة لقواعد الأسباب وهي مأخوذة من كتابي "البرهان والإتقان"2.
24- عبد الفتاح القاضي في مقدمة كتابه "أسباب النزول عن الصحابة والمفسرين". وما كتبه مستفاد من الإتقان ولم يشر4.
25- عصام عبد المحسن الحميدان في "أسباب النزول وأثرها في التفسير"، وهي رسالة ماجستير في كلية أصول الدين بجامعة محمد بن سعود5.
26- عبد الرحيم فارس أبو علبة في كتابه "أسباب نزول القرآن: دراسة وتحليل" وهو في الأصل رسالة نال بها الباحث شهادة الماجستير في كلية الشريعة بالجامعة الأردنية عام 1410-1990 6.
وعلى هذا الكتاب مؤاخذات كثيرة سأعرض لبعض منها في مناسباتها، ولكن
__________
1 أخبرني بذلك الشيخ عداب محمود الحمش.
2 نشر في مجلة "نهج الإسلام الصادرة في دمشق العدد "20" من السنة الخامسة عام 1405هـ-1985م في ثماني صفحات.
3 انظر "أسباب نزول القرآن لأبي علبة "ص56".
4 انظر "ص5-10".
5 ذكر هذا الدكتور أكرم ضياء العمري في كتابه "السيرة النبوية الصحيحة" "1/ 19" وأفاد منها.
6 صدر عن الوكالة العربية للتوزيع وليس عليه تاريخ الطبع، وعلمت أنه طبع هذا العام 1995.(1/90)
يتأكد عليَّ هنا أن أذكر أمرًا خطيرًا جدًّا وقع فيه المؤلف وهو تكذيب الإمام شيخ المفسرين محمد بن جرير الطبري، وهو شيء لا يسكت عليه -وإن لم تكن له مناسبة ظاهرة:
ذلك أن الطبري يروي في تفسيره عن محمد بن سعد ونصه:
"حدثني محمد بن سعد قال: حدثني أبي قال: حدثني عمي قال: حدثني أبي عن أبيه، عن ابن عباس" وهذا السند كثير الدوران في التفسير، والمقصود بالأب الأعلى: عطية العوفي، وقد صرح ابن حجر باسمه في جميع المواضع التي نقل فيها روايته، وعلى هذا فمحمد بن سعد شيخ الطبري من ذريته وقد ذكره الذهبي في "ميزان الاعتدال"1 فقال: "محمد بن سعد بن محمد بن الحسن بن عطية العوفي ... قال الخطيب: كان لينًا في الحديث، وروى الحاكم عن الدارقطني أنه لا بأس به توفي سنة 276" ولكن الباحث أبا علبة جعل محمد بن سعد هذا: صاحب الطبقات كاتب الواقدي، وقال عنه2 وهو يناقش روايته: "توفي سنة 230 وولد الطبري سنة 224 أي: أن عمره كان ست سنوات ولم يكن قد وعي وخرج من بلده وآمل بطبرستان حتى يتم لقاء بينهما فيحدثه، ولذلك ترد هذه الرواية" وأعاد هذا في موضع آخر3 وقال: إن الطبري لم يأخذ عن محمد بن سعد وهو صاحب كتاب الطبقات ... إلخ".
وهذا أمر في غاية الاستغراب ولا أدري كيف فات اللجنة التي ناقشته! وكان على الباحث أن يتأنى كثيرًا قبل أن يصدر حكمه القاضي بتكذيب هذا الإمام الذي ينص على السماع من محمد بن سعد هذا بصيغة خاصة وهي "حدثني" وهو بهذا.
__________
1 "3/ 560".
2 "ص75".
3 "ص152".(1/91)
يهدم الثقة بالتفسير كله، لاحتمال أن يكون الطبري قد استعمل هذه الصيغة في شيوخ آخرين لم يدركهم ولم يحدثوه!!!
أكتفي الآن بهذه الإشارة ولي إلى الكتاب عودة أخرى في مكان آخر إن شاء الله.(1/92)
المبحث الثاني: قواعد علم أسباب النزول
أ- تعريفه:
قال السيوطي1: "والذي يتحرر في سبب النزول أنه ما نزلت الآية أيام وقوعه ليخرج ما ذكره الواحدي في تفسيره2 في سورة الفيل من أن سببها قصة قدوم الحبشة3 فإن ذلك ليس من أسباب النزول في شيء بل هو من باب الإخبار عن الوقائع الماضية ... ".
وعلى هذا فنزول القرآن -كما يقول الجعبري- على قسمين:
- قسم نزل ابتداء.
- وقسم عقب واقعة أو سؤال4.
فكل رواية لا تذكر واقعة عينية او سؤالًا محددًا في أيام تنزل الوحي فلا تقبل على أنها سبب نزول، وإنما تؤخذ باعتبارها تفسير لتلك الآية أو الآيات، وبهذا التحديد يحصل التمايز بين القسمين. على أننا يجب أن لا يغيب عن بالنا ما قاله الشيخ محمد الفاضل ابن عاشور: "أسباب النزول ما هي إلا مناسبات، لا أسباب
__________
1 في "الإتقان" "1/ 31" و"لباب النقول" "ص14" وقد شرح الزرقاني هذا التعريف انظر "مناهل العرفان" "1/ 99-101".
2 لم يقل في "لباب النقول": في تفسيره، وفي "الأسباب" "ص500": نزلت في قصة أصحاب الفيل ... ".
3 في الأصل هنا زيادة هي: "به" وهي زيادة لا معنى لها فحذفتها.
4 "الإتقان" "1/ 28".(1/93)
حقيقية، وإن سميت أسبابًا على طريقة التسامح والتجاوز"1.
ب- فوائده وأهميته:
تواردت كلمات العلماء والباحثين على فائدة هذا العلم وأهميته، وقد عد له الزركشي2 ست فوائد هي باختصار:
1- "معرفة"3 وجه الحكمة الباعثة على تشريع الحكم.
2- تخصيص الحكم به عند مَنْ يرى أن العبرة بخصوص السبب.
3- الوقوف على المعنى قال الشيخ أبو الفتح القشيري4: بيان سبب النزول طريق قوي في فهم معاني الكتاب العزيز هو أمر تحصل للصحابة بقرائن تحتف بالقضايا.
4- أنه قد يكون اللفظ عامًّا, ويقوم الدليل على التخصيص، فإن محل السبب لا يجوز إخراجه بالاجتهاد والإجماع5، كما حكاه القاضي أبو بكر6 في "مختصر التقريب" لأن دخول السبب قطعي7.
__________
1 "التفسير ورجاله" "ص20" عن "محاضرات في علوم القرآن" للأستاذ غانم قدوري "ص211".
2 في "البرهان" "1/ 22-29".
3 ساقطة من الأصل زدتها من الإتقان.
4 نقل الباحث أبو علبة في كتابه "أسباب نزول القرآن" "ص19" هذا القول ثم علق بأن الزركشي نسبه إلى أبي الفتح القشيري وأن السيوطي نسبه إلى ابن دقيق العيد! ولم يعرف أنهما واحد فأبن دقيق العيد يكنى بأبي الفتح وينسب: القشيري انظر ترجمته لموسعة في مقدمة "كتاب الاقتراح في بيان الاصطلاح" للأستاذ الدكتور قحطان بن عبد الرحمن الدوري "ص18".
5 كذا العبارة في الأصل، ولعل الصواب: بالإجماع.
6 وهو الباقلاني.
7 أورد الباحث أبو علبة هذه الفائدة بنص: "معرفة أن سبب النزول غير خارج عن حكم الآية إلا إذا ورد مخصصًا لها". انظر كتابه "أسباب نزول القرآن" "ص28".(1/94)
5- دفع توهم الحصر ولا يتضح هذا إلا بإيراد المثال الذي ذكره الزركشي1 ونقله مَنْ بعده حتى اليوم وهو:
"قال الشافعي ما معناه في معنى قوله تعالى: {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا} الآية 2: إن الكفار لما حرموا ما أحل الله، وأحلوا ما حرم الله، وكانوا على المضادة والمحادة جاءت الآية مناقضة لغرضهم، فكأنه قال: لا حلال إلا ما حرمتموه، ولا حرام إلا ما أحللتموه نازلًا منزلة مَنْ يقول: لا تأكل اليوم حلاوة، فتقول: لا آكل اليوم إلا الحلاوة، والغرض المضادة لا النفي والإثبات على الحقيقة؛ فكأنه قال: لا حرام إلا ما حللتموه من الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به، ولم يقصد به حل ما وراءه؛ إذ القصد إثبات التحريم لا إثبات الحل".
6- إزالة الإشكال. ومثل له بسؤال مروان بن الحكم3 عن قوله تعالى: {لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا} وجواب ابن عباس له.
وقد أخذ السيوطي كل هذه الفوائد وذكرها في "الإتقان" ولم يعزها للزركشي، وتصرف بأن جمع بين الثالثة والسادسة في فائدة واحدة، وزاد أخرى وهي4:
7- "معرفة اسم النازل فيه الآية وتعيين المبهم فيها، ولقد قال مروان في عبد الرحمن بن أبي بكر: إنه الذي أنزل فيه: {وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَاْ} 5 حتى ردت عليه
__________
1 "البرهان" "1/ 23".
2 "سورة الأنعام" "145".
3 انظر التفصيل في الآية "188" من "سورة آل عمران".
4 انظر "الإتقان" "1/ 259".
5 "سورة الأحقاف": "17".(1/95)
عائشة وبينت له سبب نزولها".
وقد أخذ الزرقاني نص السيوطي وزاد فائدة هي1:
8- "تيسير الحفظ، وتسهيل الفهم، وتثبيت الوحي، في ذهن كل مَنْ يسمع الآية إذا عرف سببها، وذلك لأن ربط الأسباب بالمسببات، والأحكام بالحوادث، والحوادث بالأشخاص والأزمنة والأمكنة. كل أولئك من دواعي تقرر الأشياء وانتقاشها في الذهن، وسهول استذكارها عند استذكار مقارناتها في الفكر وذلك هو قانون تداعي المعاني، المقرر في علم النفس".
وقد ناقش الباحث أبو علبة الفائدة الأولى والخامسة والثانية والرابعة فرد الأوليين وذهب إلى أن موضع الآخريين في علم أصول الفقه لا هنا2.
هذا وقد اعتاد المؤلفون أن يوردوا في هذا السياق قول الواحدي: "لا يمكن معرفة تفسير الآية دون الوقوف على قصتها وبيان نزولها"3 وقول ابن تيمية4: "معرفة سبب النزول يعين على فهم الآية، فإن العلم بالسبب يورث العلم بالمسبب"5.
ومن المهم إيراد بعض كلام الإمام الشاطبي في هذا الموضوع لأهميته فإنه يقول: "معرفة أسباب التنزيل لازمة لمن أراد علم القرآن، والدليل على ذلك أمران:
__________
1 انظر "مناهل العرفان" "1/ 106-107".
2 انظر التفصيل في كتابه "أسباب نزول القرآن" "ص23-29".
3 هكذا نقله السيوطي في "الإتقان واللباب ونص الواحدي" في كتابه "ص4-5" في كلامه على الأسباب: "إذ هي أوفى ما يجب على الوقوف عليها، وأولى ما تصرف العناية إليها، لامتناع معرفة تفسير الآية وقصد سبيلها، دون الوقوف على قصتها وبيان نزولها".
4 في "مقدمة التفسير" المدرجة في مجموع الفتاوى "13/ 339".
5 وتتمة قوله: "ولهذا كان أصح قولي الفقهاء إنه إذا لم يعرف ما نواه الحالف رجع إلى سبب يمينه وما هيجها وآثارها".(1/96)
أحدهما: إن علم المعاني والبيان الذي يعرف به إعجاز نظم القرآن، فضلًا عن معرفة مقاصد كلام العرب، إنما مداره عن معرفة مقتضيات الأحوال: حال الخطاب من جهة نفس الخطاب، أو المخاطِب، أو المخاطَب، أو الجميع؛ إذ الكلام الواحد يختلف فهمه بحسب حالين، وبحسب مخاطبين، وبحسب غير ذلك، كالاستفهام لفظه واحد ويدخله معانٍ أخر من تقرير وتوبيخ وغير ذلك، وكالأمر يدخله معنى الإباحة والتهديد والتعجيز وأشباهها. ولا يدل على معناها المراد إلا الأمور الخارجة، وعمدتها مقتضيات الأحوال: وليس كل حال يُنقل ولا كل قرينة تقترن بنفس الكلام المنقول، وإذا فات نقل بعض القرائن الدالة فات فهم الكلام جملة، أو فهم شيء منه، ومعرفة الأسباب رافعة لكل مشكل في هذا النمط فهي من المهمات في فهم الكتاب ولا بد، ومعنى معرفة السبب هو معنى معرفة مقتضى الحال، وينشأ عن هذا الوجه.
الوجه الثاني: وهو أن الجهل بأسباب التنزيل موقع في الشبه والإشكالات، ومورد للنصوص الظاهرة مورد الإجمال حتى يقع الاختلاف، وذلك مظنة وقوع النزاع ويوضح هذا المعنى ما روى أبو عبيد1 عن إبراهيم التيمي قال: خلا عمر ذات يوم، فجعل يحدث نفسه: كيف تختلف هذه الأمة ونبيها واحد [فأرسل إلى ابن عباس فقال: كيف تختلف هذه الأمة ونبيها واحد] 2 وقبلتها واحدة؟
فقال ابن عباس: يا أمير المؤمنين إنا أنزل علينا القرآن فقرأناه، وعلمنا فيم نزل وأنه سيكون بعدنا أقوام يقرءون القرآن ولا يدرون فيم نزل، فيكون لهم فيه رأي فإذا كان لهم فيه رأي اختلفوا، فإذا اختلفوا اقتتلوا. قال: فزجره عمر وانتهره، فانصرف ابن
__________
1 هو القاسم بن سلام في كتابه "فضائل القرآن" باب فضل علم القرآن والسعي في طلبه "مخطوط الورقة 13ب و14أ"، و"الخبر في الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع" للخطيب البغدادي "2/ 285" في كتب أحاديث التفسير، ونحوه في "سير أعلام النبلاء" للذهبي "3/ 234".
2 ما بين المعقوفين ساقط من "الموافقات" استدركته من "فضائل القرآن".(1/97)
عباس، ونظر عمر فيما قال، فعرفه، فأرسل إليه، فقال: أعد علي ما قلت. فأعاده عليه، فعرف عمر قوله وأعجبه. وما قاله صحيح في الاعتبار، يتبين بما هو أقرب فقد روى ابن وهب عن بكير أنه سأل نافعًا: كيف كان رأي ابن عمر في الحرورية؟ قال: يراهم شرار خلق الله، إنهم انطلقوا إلى آيات أنزلت في الكفار فجعلوها على المؤمنين. فهذا معنى الرأي الذي نبه ابن عباس عليه، وهو الناشئ عن الجهل بالمعنى الذي نزل فيه القرآن".
ثم ذهب يمثل على كلامه.
وقد اشترط العلماء للمفسر معرفته بأسباب النزول: يقول مؤلف1 "مقدمة كتاب المباني لنظم المعاني"2:
"ووجه آخر من التفسير أن يبين الناسخ والمنسوخ من أحكام القرآن وما هو حتم من أوامر، أو ترغيب أو تأديب، وما هو عام من الأخبار أو خاص، ويقطع على مراد الله تعالى من كل شيء من ذلك. وما كان من هذا الوجه فإن أولئك الذين شاهدوا وعرفوا سبب نزول الآيات من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم الذين بعدهم ممن كانوا مِنْ علم تلك الأحوال بمنزلة مَنْ شاهدها لقرب عهدهم بها، واستفاضة أخبارها لديهم وهم التابعون، مَنْ3 كان يجوز لهم تفسير آيات القرآن على مقتضى ما
__________
1 المؤلف غير معروف ويرى الأستاذ الدكتور غانم قدوري حمد في بحثه "مؤلف التفسير المسمى كتاب المباني لنظم المعاني" المنشور في مجلة الرسالة الإسلامية "السنة السابعة عشرة في العديين "164-165 ص243-255" أنه محمد حامد بن أحمد بن جعفر بن بسطام وهو من رجال القرن الخامس الهجري، ويرجح أنه شرقي.
2 "ص195" من الفصل الثامن وهو "في ذكر مَنْ تخرج عن التفسير واستنكره، وفيمن شرع فيه وقام به وأظهره..".
3 في الأصل: "ومَنْ" فرجحت حذف الواو ليكون "مَنْ" خبر قوله: "إن أولئك" وهذا الكتاب حققه "! " المستشرق "آرثر جفري".(1/98)
شاهدوه وعرفوا من أسباب نزولها وأحوال من نزلت فيهم، وليس لمن بعدهم ممن لم يتحققوا تلك الأحوال إلا بأخبار تنقل إليهم على ألسنة الرواة مما لا ينقطع على مغيبه باليقين، أن يتعاطوا هذا الوجه من التفسير، وإنما عليهم أن يتبعوا أولئك السابقين ويتطلبوا مذاهبهم وأقوالهم في ذلك فيأخذوا بما أجمعوا عليه أخذًا لا معدل عنه، وينظروا فيما اختلفوا فيه فيتخيروا ما هو أهنأ وأهدى ... ".
وعلى هذا درج الزركشي1 والسيوطي2 والمتأخرون3 ولم أقف على مخالف إلا حجة الله الدهلوي فقد قال4:
"إن أكثر أسباب النزول لا مدخل لها في فهم معاني الآيات اللهم إلا شيء قليل من القصص يذكر في هذه التفاسير الثلاثة5 التي هي أصح التفاسير عند المحدثين، وأما إفراد محمد بن إسحاق والواقدي والكلبي وما ذكروا تحت كل آية من قصة فأكثره غير صحيح عند المحدثين وفي إسناده نظر، ومن الخطأ البين أن يعد ذلك من شروط التفسير" قلت: لم يعد أحد هذا من شروط التفسير وقد اشترطوا الصحة
__________
1 انظر "البرهان" "1/ 31".
2 انظر "الإتقان" "2/ 181" في النوع "78".
3 انظر "التفسير والمفسرون" للذهبي "1/ 85" و"التحرير والتنوير" لابن عاشور: المقدمات "ص42" "ومقاصد القرآن الكريم" للشيخ حسن عبد الرحمن البنا "ص27" و"مبادئ أساسية لفهم القرآن" لأبي الأعلى المودودي المطبوعة في صدر ترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغة الإنجليزية بقلم عبد الله يوسف علي "ص7" وغيرها.
4 "الفوز الكبير في أصول التفسير" "ص60-61".
5 يقصد: "البخاري والترمذي الحاكم".
والكلام مسلم على الإمام البخاري، وأما على الإمامين الترمذي والحاكم ففيه نظر معلوم.(1/99)
في الأسباب وصرخوا بذلك كما سيأتي.
ج- طريق معرفة سبب النزول:
لا طريق لمعرفة أسباب النزول إلا النقل الصحيح يقول الإمام السيوطي في "المقامة السندسية في النسبة المصطفوية": "قد تقرر في علوم الحديث أن سبب النزول حكمه حكم الحديث المرفوع، لا يقبل منه إلا الصحيح المتصل الإسناده، لا ضعيف ولا مقطوع"1.
وهذا أدق من قول الواحدي2:
"لا يحل القول في أسباب نزول الكتاب إلا بالرواية والسماع ممن شاهدوا التنزيل، ووقفوا على الأسباب، وبحثوا عن علمها وجدوا في الطلاب".
فإن اشتراط الرواية والسماع لا يكفي ولا بد من التصريح باشتراط الصحة ولهذا انتقد ابن حجر المواحدي كما سيأتي3.
وقد رويت أسباب النزول عن صحابة وتابعين:
1- فما كان من صحابي فهو مقبول، وله حكم الرفع -في هذا الباب- والإمام الحاكم، وإن قال في "المستدرك4 على الشيخين": "وتفسير الصحابي عندهما مسند" فإنه قيد هذا في "معرفة علوم الحديث" فقال5: "فأما ما نقول في تفسير الصحابي
__________
1 "المقدمة السندسية "ص7" -في ضمن الرسائل التسع له- وانظر "التحبير في علم التفسير" "ص86".
2 في "أسباب نزول القرآن" "ص5".
3 انظر مقدمة "العجاب".
4 انظر "1/ 27، 123، 452".
5 "ص20".(1/100)
فإنه قيد هذا في "معرفة علوم الحديث" فقال1: "فأما ما نقول في تفسير الصحابي: مسند، فإنما نقوله في غير هذا النوع2 فإنه كما أخبرناه أبو عبد الله محمد بن عبد الله الصفار حدثنا إسماعيل3 بن إسحاق القاضي ثنا إسماعيل بن أبي أويس حدثني مالك بن أنس عن محمد بن المنكدر عن جابر قال: كانت اليهود تقول: مَنْ أتى امرأته من دبرها. في قبلها، جاء الولد أحول، فأنزل الله عز وجل {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُم} .
"ف"4 هذا الحديث وأشباهه مسندة عن آخرها، وليست بموقوفة، فإن الصحابي الذي5 شهد الوحي والتنزيل فأخبر عن آية من القرآن أنها نزلت في كذا وكذا فإنه حديث مسند".
وقد تبعه الخطيب البغدادي6 وابن الصلاح7 والعراقي فقال في ألفيته:
وعد ما فسره الصحابي ... رفعًا فمحمول على الأسباب8
__________
1 "ص20".
2 يقصد النوع الخامس وهو الموقوفات من الروايات.
3 الأصل: إسحاق والتصحيح من نسخ أخرى.
4 زيادة منى وفي الأصل: قال الحاكم، ثم رأيت اللفظ كذلك في تدريب الراوي للسيوطي "1/ 193" منقولًا عن الحاكم.
5 في نسختين: إذا.
6 في "الجامع" "2/ 444" وانظر "النكت" لابن حجر "2/ 530" و"فتح المغيث" للسخاوي "1/ 142".
7 في "علوم الحديث" النوع الثامن "ص45-46" وقد قال السخاوي في "فتح المغيث" "143/ 1" إن ابن الصلاح قيد إطلاق الحاكم. والوقع أن الحاكم هو الذي قيد الإطلاق وإن ابن الصلاح تابعه ونقل كلامه ومثاله ولم يشر إلى مصدره! والظاهر أن السخاوي لم ينظر في أثناء كتابة هذا في "معرفة علوم الحديث" واكتفى نظره بالاقتصار على المستدرك.
8 انظر "فتح المغيث" للسخاوي، "بحث المقطوع" "1/ 139".(1/101)
وليس كل تفسير له حكم الرفع يقول الحافظ ابن حجر في كتابه "النكت على ابن الصلاح"1: والحق أن ضابط ما يفسره الصحابي رضي الله عنه إن كان مما لا مجال للاجتهاد فيه، ولا منقولا عن لسان العرب فحكمه الرفع، وإلا فلا، كالإخبار عن الأمور الماضية من بدء الخلق وقصص الأنبياء، وعن الأمور الآتية: كالملاحم والفتن والبعث وصفة الجنة والنار، والإخبار عن عمل يحصل به ثواب مخصوص أو عقاب مخصوص، فهذه الأشياء لا مجال للاجتهاد فيها فيحكم لها بالرفع.
قال أبو عمرو الداني: قد يحكي الصحابي رضي الله عنه قولًا يوقفه، فيخرجه أهل الحديث في المسند، لامتناع أن يكون الصحابي قاله إلا بتوقيف ...
وأما إذا فسر آية تتعلق بحكم شرعي فيحتمل أن يكون مستفادًا عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن القواعد، فلا يجزم برفعه، وكذا إذا فسّر مفردًا فهذا نقل عن اللسان خاصة، فلا يجزم برفعه2.
وهذا التحرير الذي حررناه هو معتمد خلق كثير من كبار الأئمة كصاحبي الصحيحين والإمام الشافعي وأبي جعفر الطبري وأبي جعفر الطحاوي وأبي بكر بن مردوية في تفسيره المسند والبيهقي وابن عبد البر في آخرين3.
وكلام ابن تيمية يشير إلى أن قول الصحابي: نزلت هذه الآية في كذا أي: غير الصريح في السببية فيه نزاع يقول4:
__________
1 "2/ 531-532".
2 أفاد السخاوي من كلام شيخه هذا في "فتح المغيث" "1/ 143" ولم يشر.
3 ثم استثنى مِنَ الصحابة مَنْ عرف بالنظر في الإسرائيليات انظر "النكت" "2/ 532-533" و"نزهة النظر" شرح نخبة الفكر له "ص84".
4 في مقدمة التفسير انظر "مجموع الفتاوى" "13/ 340".(1/102)
"وقد تنازع العلماء في قول الصاحب: نزلت هذه الآية في كذا، هل يجري مجرى المسند كما يذكر السبب الذي أنزلت لأجله، أو يجري مجرى التفسير منه الذي ليس بمسند، فالبخاري يدخله في المسند، وغيره لا يدخله في المسند، وأكثر المساند على هذا الاصطلاح كمسند أحمد وغيره بخلاف ما إذا ذكر سببًا نزلت عقبه، فإنهم كلهم يدخلون مثل هذا في المسند".
ويفهم من هذا أن البخاري رحمه الله لا يفرق بين التصريح بالسبب وعدمه ويكتفي بظاهر العبارة والله أعلم.
ومن متعلقات الموضوع ما قاله السيوطي في "تدريب الراوي"1 في هذا المبحث:
"ما ذكروه من أن سبب النزول مرفوع، قال شيخ الإسلام: يعكر على إطلاقه ما إذا أسقط الراوي السبب: كما في حديث زيد بن ثابت أن الوسطى الظهر، نقلته من خطه".
هذا وقد كان الصحابة يطلبون علم ذلك ويبحثون عنه:
روى الإمام البخاري عن ابن عباس قال: "مكثت سنة أريد أن أسأل عمر بن الخطاب عن آية فما أستطيع أن أسأله هيبة له، حتى خرج حاجًّا فخرجت معه، فلما رجعت وكنا ببعض الطريق، عدل إلى الأراك لحاجة له، قال: فوقفت له حتى فرغ، ثم سرت معه فقلت له: يا أمير المؤمنين من اللتان تظاهرتا على النبي صلى الله عليه وسلم من أزواجه؟
فقال: تلك حفصة وعائشة، قال: فقلت: والله إن كنت لأريد أن أسألك عن هذا منذ سنة فما أستطيع هيبة لك، قال: فلا تفعل، ما ظننت أن عندي من علم فاسألني، فإن كان لي علم خبرتك به ... "2. وإضافة إلى ذلك كانوا يفخرون بهذا
__________
1 انظر "1/ 194".
2 انظر "فتح الباري" "8/ 657" و"تفسير القرطبي" "1/ 26" و"مفحمات الأقران في مبهمات القرآن" للسيوطي "ص7" وقد كتب الدكتور عبد المجيد محمد أحمد الدوري في رسالته للماجستير "تفسير =(1/103)
تحدثًا نبعمة الله عليهم:
أخرج الحافظ أبو نعيم الأصبهاني في "حلية الأولياء" من طريق أبي بكر بن عياش عن نصير بن سليمان الأحمسي عن أبيه عن علي "بن أبي طالب" قال: والله ما نزلت آية إلا وقد علمت فيمَ أنزلت وأين نزلت، إن ربي وهب لي قلبًا عقولًا ولسانًا سئولًا"1.
وروى الإمام البخاري في كتاب فضائل القرآن من "صحيحه" عن مسروق قال: "قال عبد الله "بن مسعود" رضي الله عنه: والله الذي لا إله غيره، ما أنزلت سورة من كتاب الله إلا أنا أعلم أين أنزلت، ولا أنزلت آية من كتاب الله إلا أنا أعلم فيمن أنزلت، ولو أعلم أحدًا أعلم مني بكتاب الله تبلغه الإبل لركبت إليه"2.
ب- وإن كانت الرواية عن تابعي:
فقال قال السيوطي3: "ما تقدم أنه من قبيل المسند من الصحابي إذا وقع من
__________
= ابن عباس: دراسة وتحليل: عن أسباب النزول عنده وقال "ص142": "إن ما انفرد به ابن عباس هو معرفته بأسباب النزول وكذلك معرفته أول ما نزل من القرآن، كل هذا له أثره في ترتيب الأحكام المستقاة من القرآن الكريم، ومما يؤيد تفرد ابن عباس بهذه المعرفة أن بعض الآيات كانت تشكل على كثير من الصحابة فيأتون إلى ابن عباس مستفسرين عنها، مثال ذلك ما أشكل على مروان بن الحكيم..".
ملاحظة: في قوله: "كثير من الصحابة" وعده مروان بن الحكم منهم نظر، وهذا "التقريب" لابن حجر -وهو من المصادر القريبة- يقول عن مروان "ص525": "لا تثبت له صحبة".
1 "حلية الأولياء" "1/ 67-68" ونقله السيوطي في "الإتقان" النوع "80" "2/ 187".
2 انظر "فتح الباري" "9/ 47" ونقله الشاطبي في "الموافقات" "3/ 350" وقال: "وهذا يشير إلى أن علم الأسباب من العلوم التي يكون العالم بها عالمًا بالقرآن" وقد كتب الدكتور هاشم المشهداني في رسالته للدكتوراه "عبد الله بن مسعود ومدرسته في تفسير القرآن الكريم" عن أسباب النزول وفيمن نزل عند ابن مسعود فانظره "ص458-464"، وأما الدكتور مشعان سعود في رسالته "أبي بن كعب ومكانته بين مفسري الصحابة" فلم يذكر عن أسباب النزول عنده شيئًا.
3 في "الإتقان" "1/ 31" وانظر "اللباب" "ص15" و"مناهل العرفان" "1/ 107" وأفاد من قول السيوطي هذا الباحثان عبد الهادي عبد الكريم المحمد في رسالته "سعيد بن جبير وأثره في التفسير" "ص163" وأحمد محمد السروان في رسالته "أبو العالية الرياحي وأثره في تفسير القرآن الكريم" "ص140" وإن لم يطبقاه علميًّا وأما الباحث مد الله مجيد الدوري في رسالته "مجاهد وأثره في تفسير القرآن الكريم" فلم يذكر عن أسباب النزول شيئًا.(1/104)
تابعي فهو مرفوع أيضًا لكنه مرسل1، فقد يقبل:
1- إذا صح السند إليه.
2- وكان من أئمة التفسير الآخذين عن الصحابة كمجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير.
3- أو2 اعتضد بمرسل آخر ونحو ذلك"3.
وقد جاء عن التابعين ما يدل على اهتمامهم بالأسباب:
روى أبو عبيد4 في "فضائل القرآن"5 عن الحسن البصري أنه قال: "ما أنزل الله آية إلا وهو يحب أن يعلم فيما أنزلت، وما أراد بها"6.
وقال القرطبي7:
"قال عكرمة في قوله عز وجل: {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ
__________
"ص163" وأحمد محمد السروان في رسالته "أبو العالية الرياحي وأثره في تفسير القرآن الكريم" "ص140" وإن لم يطبقاه علميًّا وأما الباحث مد الله مجيد الدوري في رسالته "مجاهد وأثره في تفسير القرآن الكريم" فلم يذكر عن أسباب النزول شيئًا.
1 مثل هذا في "تدريب الرواي" "1/ 193".
2 أثبته الزرقاني واوًا وبين الحرفين فرق واضح.
3 وانظر "التحبير" "ص86".
4 نقل عنه هذا السيوطي في "الإتقان" "2/ 175" وتحرف في المطبوع "عبيد" إلى "عبيدة".
5 في باب "فضل علم القرآن والسعي في طلبه" "الورقة 12ب".
6 أورد هذا أيضًا ابن عطية في "المحرر الوجيز" "1/ 26" وابن الجوزي في "زاد المسير" "1/ 4" والنص عنده: ألا أحب أن أعلم. وإن لم يكن تحريفًا -وهو الراجح- فلعله رواية آخرى: والقرطبي في "الجامع" "1/ 26" والشاطبي في "الموافقات" "3/ 350" وعلق عليه بقوله: "وهو نص في الموضع مشير إلى التحريض على تعلم علم الأسباب" وللقول تتمية في "قصة التفسير" للدكتور أحمد الشرباصي "ص14".
7 في تفسيره "1/ 21" وانظر "مفحمات الأقران في مبهمات القرآن" للسيوطي "ص8 و34".(1/105)
وَرَسُولِه} "
طلبت اسم هذا الرجل أربع عشرة سنة حتى وجدته. وقال ابن عبد البر: هو ضمرة بن حبيب".
وروى الواحدي1 بسنده عن ابن سيرين قال: سألت عبيدة "بن عمرو" عن آية من القرآن فقال: اتق الله وقل سدادًا، ذهب الذين يعلمون فيم أنزل القرآن2.
وفي ختام هذه الفقرة لا بد من ذكر كلام لابن تيمية في شرح هذا الاستعمال:
"نزلت في كذا" يقول رحمه الله3:
"وقولهم: تزلت هذه الآية في كذا":
1- يراد به تارة أنه سبب النزول".
2- ويراد به تارة أن ذلك داخل في الآية، وإن لم يكن السبب، كما تقول: عُني بهذه الآية كذا.
والظاهر أن الزركشي أفاد هذا المعنى من ابن تيمية ولكنه ضيقه حين قال4:
"قد عرف من عادة الصحابة والتابعين أن أحدهم إذا قال: إذا نزلت هذه الآية في كذا فإنه يريد بذلك أن هذه الآية تتضمن هذا الحكم، لا أن هذا كان السبب في نزولها، وجماعة من المحدثين يجعلون هذا من المرفوع المسند كما في قول ابن عمر في قوله تعالى: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُم} وأما الإمام أحمد فلم يدخله في المسند وكذلك مسلم
__________
1 في "أسباب نزول القرآن" "ص5".
2 وكان قد قدم لهذا بقوله: "والسلف الماضون رحمهم الله، كانوا في أبعد الغاية احترازًا عن القول في نزول الآية ".
3 انظر "مجموع الفتاوى" "13/ 339".
4 في "البرهان" "1/ 31-32".(1/106)
وغيره، وجعلوا هذا مما يقال بالاستدلال وبالتأويل فهو من جنس الاستدلال بالآية على الحكم بالآية، لا من جنس لنقل لما وقع".
قلت: وفي هذا التضييق نظر، وقولهم: "نزل في" ليس مقصورًا على هذا.
د- قضية تعدد الأسباب والنازل واحد:
ممن تكلم في تحقيق هذه القضية الإمام السيوطي، وسأورد هنا كلامه وأطوي ذكر الأمثلة اعتمادًا على ورودها في "الإتقان"1 قال رحمه الله:
كثيرًا ما يذكر المفسرون لنزول الآية أسبابًا متعددة، وطريق الاعتماد في ذلك أن ينظر في العبارة الواقعة:
1- فإن عبر أحدهم بقوله: "نزلت في كذا" والآخر: "نزلت في كذا" وذكر أمرًا آخر، فقد تقدم أن هذا يراد به التفسير لا ذكر سبب النزول فلا منافاة بين قولها إذا كان اللفظ يتناولهما وزاد في "لباب النقول"2 هنا قوله:
"وحينئذ فحق مثل هذا أن لا يورد في تصانيف أسباب النزول، وإنما يذكر في تصانيف أحكام القرآن".
2- وإن عبر واحد بقوله: "نزلت في كذا" وصرح الآخر بذكر سبب خلافه فهو المعتمد، وذاك استنباط.
3- وإن ذكر واحد سببًا وآخر سببًا غيره، فإن كان إسناد أحدهما صحيحًا دون الآخر، فالصحيح: المعتمد.
4- أن يستوي الإسنادان في الصحة فيرجح أحدهما بكون راويه حاضر
__________
1 انظر "1/ 31-34 ". قد اختصر هو هذا في كتابه "اللباب".
2 "ص15".(1/107)
القصة زاد في "اللباب"1: "أو من علماء التفسير كابن عباس وابن مسعود" أو نحو ذلك من وجوه الترجيحات.
5- أن يمكن نزولها عقيب السببين أو الأسباب المذكورة بأن لا تكون معلومة التباعد، فيحمل على ذلك ... قال ابن حجر2: لا مانع من تعدد الأسباب3.
6- أن لا يمكن ذلك فيحمل على تعدد النزول وتكرره.
ثم ختم السيوطي كلامه بثلاثة تنبيهات:
- قال في الأول: "قد يكون في إحدى القصتين: "فتلا" فيهم الراوي فيقول: "فنزل".
- وفي الثاني: "عكس ما تقدم أن يذكر سبب واحد في نزول الآيات المتفرقة ولا إشكال في ذلك، فقد ينزل في الواقعة الواحدة آيات عديدة في سورٍ شتى".
__________
1 "ص15-16".
2 تكررت الإشارة إلى هذا المعنى في "فتح الباري" "8/ 213، 227، 233، 450". في العجاب في الآية "11" من سورة النساء، ولكن هذا اللفظ في "الفتح" "8/ 531".
3 انتقد الباحث أبو علبة تعدد روايات أسبابا التنزيل وعده إشكالًا وجعل من صورة: "ذكر أسباب نزول مختلفة لآية واحدة مع تباعد زمن حدوث الوقائع" وقال "ص239":
"ولكن ديدن مَنْ بحثوا في أسباب تنزيل القرآن أن لا يضرهم لو جمعوا الروايات مع اختلاف زمن حدوثها، وقالوا: إنها جميعًا سبب نزول آية واحدة أي: قالوا بتعدد الأسباب والنازل واحد. فسبب هذا الإشكال".
قلت: واشتراط السيوطي عدم التباعد واضح وصريح فكان ينبغي الإشارة إليه والإشادة به، ولكن الباحث يميل إلى رد هذا أصلًا وقد قال في نتائج دراسته "ص309":
"إن القول بتعدد الأسباب غير دقيق، والصواب تعدد القصص والحوادث وفي هذه الحالة لا بد من الترجيح والتغليب". وسيأتي ما يتعلق بهذا.(1/108)
- وفي الثالث: "تأمل ما ذكرته لك في هذه المسألة، واشدد به يديك، فإني حررته واستخرجته بفكري من استقراء صنيع الأئمة ومتفرقات كلامهم، ولم أسبق إليه".
قلت: والفقرات الأولى والثانية والرابعة والخامسة من كلام ابن تيمية1، والتنبيه الأول مستنبط من كلام ابن حجر2، والباقي والأمثلة له3.
هذا وقد اعتاد الكاتبون في أسباب النزول التعرض إلى قضية عموم اللفظ وخصوص السبب وهي مسألة أصولية وموضعها في كتب الأصول4.
وكذلك يتناولون مسألة السبب والتناسب والعلاقة بينهما، ولم أر داعيًا لذكر هذا هنا5.
__________
1 انظر "مجموع الفتاوى" "13/ 339-340" وكتابه "مقدمة التفسير" من مصادره في "الإتقان" فقد ذكره في المقدمة "1/ 8" وسماه "قواعد في التفسير".
2 فقد نبه في "العجاب" في كلامه على الآية "77" من سورة آل عمران، وقد أورد حديثًا إن في بعض طرقه: "تلا" وفي بعضها: "فأنزل".
3 وقد أخذ منه هذا الزرقاني في "المناهل" والدكتوران أبو شهبة والصالح!
4 وهذا رأي شيخنا الأستاذ فرج توفيق الوليد من قبل كما في "المنتقى" "ص139". وقد ناقش هذه المسألة الزرقاني في "المناهل" "1/ 118-127" فعد إليه إن شئت، وثم كلام للسيوطي فيه جوابًا على سؤال في الفتاوى الأصولية في "الحاوي" "2/ 3". وقد ناقش مسالة انطباق هذه القاعدة على قوله تعالى: {وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى} في كتابه "الحبل الوثيق في نصرة الصديق" في الحاوي" "2/ 44-54" فانظره فإنه مهم.
5 انظر "البرهان" "1/ 25-26" و"الإتقان" "1/ 30" "المسألة الثالثة" و"مباحث في علوم القرآن" للصالح "ص149-157".(1/109)
الفصل الثالث: دراسة الكتاب.
المبحث الأول: التعريف بالكتاب.
1- محتواه وصفًا وكمًّا ونوعًا:
يحتوي الكتاب على أسباب نزول الآيات القرآنية التي ذكر لها سبب في الروايات عن الصحابة والتابعين، وفي كتب التفسير مستقرأة من مصادر كثيرة.
وطريقته أن يورد الآية بل بعضها ثم يسوق الروايات كما هي طريقة الواحدي من قبل، وإذا أراد أن يورد قولًا آخر عنون لذلك بقوله: "قول آخر" أو "سبب آخر" ولم أجد فرقًا بين التعبيرين، وأما الواحدي فلم يستعمل إضافة "قول آخر" حين تتعدد الأقوال إلا مرة واحدة في كتابه كله1.
وفي الآية التي تشتمل على مضامين متعددة نراه يذكر الآية جزءًا جزءًا، ليورد تحت كل جزء ما ورد فيه من أسباب، وإن نظرة سريعة على الأرقام بعد الآيات تظهر لك هذا سريعًا، وقد استعمل هذا من قبله الواحدي2، ومن بعده السيوطي3.
وهو أوسع الكتب المؤلفة في هذا المجال وإليك هذا الجدول الموضح لعدد العناوين عند الأئمة الثلاثة: الواحدي وابن حجر والسيوطي:
__________
انظر "ص68".
2 انظر مثلًا: "ص48، 146، 195، 215، 243، 251، 303، 307، 388".
3 انظر مثلًا: "ص35، 159، 196، 221، 229، 231".(1/113)
وقد درج على إيراد الآيات متسلسلة وكذلك المقاطع في ضمن الآية إلا في سبعة مواضع هي: "143 و179 و197 من البقرة و15 و159 من آل عمران و74 من النساء" وأذنت لنفسي بترتيبها حسب التسلسل رعاية لنظم القرآن وأشرت في الهوامش إلى ذلك.
ووقع شيء من هذا عند الوحدي: "كما في الآية 75 من البقرة و43 من الأحزاب" والسيوطي: "كما في الآية 26 من سورة الإسراء".
وهو يورد الآيات العناوين على قراءة حفص عن عاصم إلا في موضعين في الآية "106" من البقرة و"33" من النساء.
2- عنوانه:
صرح المؤلف في نهاية مقدمته أنه سماه: "العجاب في بيان الأسباب"1، وقد ذكره في كتابه الإصابة أربع مرات: مرتين باسم "أسباب النزول"2، ومرة باسم "سبب النزول"3 ومرة أخرى باسم "الأسباب"4.
__________
1 انظر الصفحة "9" من "المخطوط".
2 انظر ترجمة هلال الثقفي "3/ 609" وترجمة أبي قيس بن الأسلت "4/ 161".
3 انظر ترجمة "عميرة بنت محمد بن مسلمة الأنصارية "4/ 370".
4 في ترجمة "كبشة بنت معن بن عاصم الأنصارية" "4/ 395" وقد تحرف هنا إلى "الأنساب".(1/114)
ونقل الدكتور شاكر محمود عن السخاوي -تلميذ المؤلف- أنه ذكر له في كتابه "الجواهر والدرر" في ترجمة شيخ الإسلام ابن حجر" عنوانين: "الإعجاب بتبيان الأسباب" و"العباب في بيان الأسباب"1.
وذكره البقاعي بعنوان "الإعجاب ببيان الأسباب"2 ورأى الدكتور شاكر أن "الأنساب" محرفة عن "الأسباب"3. وهو كما رأى.
أما السيوطي فقد ذكر في كتابه "نظم العقيان": "الإعجاب ببيان الأنساب" ثم في صفحة ثانية ذكر "أسباب النزول"4 ولم يسمه في "التحبير" و"الإتقان"5.
ولكنه في آخر "الدرر المنثور" نقل عنه نصًّا طويلًا وقال: "قال الحافظ ابن حجر رضي الله عنه في أول كتابه أسباب النزول وسماه "العجاب في بيان الأسباب"6".
وسماه المناوي: "أسباب النزول"7.
وذكره الحاج خليفة مرتين الأولى سماه فيها "أسباب النزول" والثانية: "الإعجاب ببيان أو تبيان الأسباب" وزاد قوله هنا موضحًا: "في مجلد ضخم في
__________
1 انظر "ابن حجر العسقلاني ودراسة مصنفاته ومنهجه وموارده في كتابه الإصابة" "1/ 282"، ولم أرجع إلى "الجواهر والدرر" مباشرة لأن الجزء الثاني ليس عندي.
2 انظر "عنوان الزمان" في "تراجم الشيوخ والأعيان" "الورقة 1/ 50".
3 انظر كتابه السابق الذكر "1/ 282".
4 انظر "ص47 ثم 48" ويرى الدكتور شاكر أن الأنساب محرفة عن الأسباب أيضًا.
قلت: ويدعم رأيه ورودها على الصواب في كشف الظنون.
5 انظر "التحبير" "ص86" و"الإتقان" "1/ 28".
6 "8/ 699".
7 انظر "الفتح السماوي بتخريج أحاديث القاضي البيضاوي "1/ 145".(1/115)
أسباب النزول"1، وكذلك ذكره إسماعيل باشا البغدادي وبهذين العنوانين2.
والراجح هو الاسم الأول: "العجاب في بيان الأسباب".
أما العنوان الآخر: "الإعجاب ببيان أو تبيان الأسباب" فلعله سماه به أولا ثم غيره إلى هذا العنوان المثبت في المخطوط، وقد ذكر بالعنوان الأول في كتاب تقليد المؤلف منصب القضاء في السابع من محرم سنة "827" الذي أنشأه العلامة الأديب ابن حجة الحموي3 وضمنه أسماء مؤلفاته بطريق الإشارة وفيه:
" ... فإنه الشهاب الذي نجوم تصانيفه مشرقة في ظلمة كل إشكال، ولما خشينا من الجهل برجال الحديث بادر إلى "الاحتفال بأسماء الرجال" وهو بحمد الله "نخبة" هذا العصر، وصاحب "المقدمة" وبه حصل "التغليق"4 وفزنا بـ"التوفيق"، وهمنا إليه بـ"التشويق" فأكرم بها مكرمة.
ولقد تميز عندنا بـ"تقريب الغريب"، وقلنا: لا يُنكر ذلك لمن جبل على "تهذيب التهذيب" وتالله إن "ثقاه الرجال" تشهد له بـ"التمييز"5 و"الإعجاب" فإنه المقرر "للإصابة" وعنده "شفاء الغلل" وخاص "اللباب" ... إلخ"6.
__________
1 انظر "كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون" "1/ 76 ثم 120".
2 انظر "هدية العارفين" "1/ 128-129".
3 أورد نص هذا التقليد السخاوي في "الجواهر والدرر" "1/ 361-366" ناقلًا له من كتاب "قهوة الإنشاء" لابن حجة.
4 في الأصل: التعليق وهو الحريف في كتابه "تغليق التعليق".
5 هو كتاب "التلخيص الحبير" انظر: ابن حجر للدكتور شاكر محمود "1/ 381".
6 فات المحققين الدكتورين حامد عبد المجيد وطه الزيني معرفة بعض الكتب التي أشار إليها ابن حجة وليس هنا موضع بيان ذلك.(1/116)
وأما "العباب" اللفظ المنقول عن "الجواهر والدرر" فهو محرف عن "العجاب"1.
3- نسبته إلى مؤلفه:
لا شك في نسبة هذا الكتاب إلى ابن حجر عزاه هو إلى نفسه في الإصابة كما مر، وعزاه إليه تلميذاه السخاوي والبقاعي، ثم السيوطي وطاش كبري زاده2 والمناوي والحاج خليفة والبغدادي3.
ويؤكد هذا أن ابن حجر ذكر فيه كتابين مشهورين له هما:
كتابه في "الصحابة"4، و"تغليق التعليق"5. ولا شك في نسبة هذه النسخة منه إليه لتطابق ما نقل عنها مع ما وجد فيها، ولأن ناسخها من كبار العلماء الأثبات وستأتي ترجمته.
4- تاريخ تأليفه:
لا بد لمعرفة تاريخ تأليفه من الرجوع إلى الكتاب نفسه، وقد أحصيت المواضع التي تفيد في اكتشاف التاريخ بعد بحث دقيق فكان لدي ما يأتي:
- في الصحفة الثانية من المخطوط قال عن حديث: "وقرأته على أم الحسن بنت العز محمد بن أحمد بن المنجا بدمشق" وكانت رحلته إلى دمشق سنة "802".
__________
1 وقد أثبت العنوان على الغلاف كما جاء في المخطوط، ووضعت تحته العنوان الدال على موضوعه -أسباب النزول- للتوضيح. إذ يرد لفظ الأسباب في أكثر من علم.
2 "مفتاح السعادة" "2/ 385".
3 مرت الإحالات قريبًا.
4 انظر صفحة "127" من "المخطوط".
5 انظر صفحة "191" من "المخطوط".(1/117)
قال البقاعي في ترجمته1: "وكان له وصوله إليها في مستهل رمضان سنة اثنتين وثمانمائة، وانفصل عنها إلى القاهرة في أول المحرم سنة ثلاثة وثمانمائة".
وتأليف "العجاب" كان بعد هذه الرحلة.
- وفي الصفحة "120" قال عن "الصُلب بن حكيم": "وهو أخو بهز بن حكيم" وكذلك قال في كتابه "لسان الميزان"2 الذي انتهى من تأليفه سنة 805هـ3.
ولكنه قال في كتابه "تبصير المنتبه بتحرير المشتبه"4: "وقيل: إن الصلب بن حكيم، المتقدم ذكره، أخو بهز من حكيم، ولا يصح" وقد انتهى من تأليف التبصير سنة "816"5.
ولولا أنه زاد على "لسان الميزان" كثيرًا بعد عام 805 لأمكن لنا أن نجزم بهذا الدليل: إن تأليف "العجاب" كان قبل 816، ولكن الأدلة الأخرى تدل على هذا فهذا يؤيد.
- وفي الصفحة "127" قال عن الصحابي: "وذكرت في كتابي في الصحابة أن بعضهم قال أنس بن صرمة، وأن بعضهم صحفة فقال: ضمرة" وقد ابتدأ بكتابه الإصابة عام "809"6 وعندي أن قوله هذا ملحق على كتاب بعد زمن من تأليفه".
__________
1 انظر "عنوان الزمان" "1/ الورقة 39".
2 انظر "3/ 195" في باب الصلت.
3 انظر ابن حجر للدكتور شاكر "1/ 522".
4 انظر "3/ 839".
5 انظر "تبصير المنتبه"4/ 1514".
6 انظر ابن حجر للدكتور شاكر "1/ 697-698".(1/118)
- وفي الصفحة "173" قال عن "حضرمي" شيخ سليمان التميمي: إنه ابن لاحق وأنه ثقة، والظاهر أنه تابع المزي في تهذيب الكمال وقال هذا، وإلا فإنه في تهذيب التهذيب1 الذي انتهى منه سنة 808هـ2 بين أن ابن المديني قال عنه:
مجهول وأن ابن حبان قال: لا أدري من هو ولا ابن من هو.
ولم يوثقه أحد3 وهذا يعني أن "العجاب" سابق على "تهذيب التهذيب".
هذا وقد سمى أباه وأنه "لاحق" في الصفحة "363" أيضًا.
- وفي الصحفة "183" ذكر رواية عن الكلبي ولم ينتقدها ولكنه في "الكافي الشاف"4 الذي انتهى منه سنة "821"5 انتقدها وبَيَّن الصواب.
وهذا يعني أن "العجاب" سابق على "الكافي الشاف".
- وفي الصحفة "191" ذكر كتابه "تغليق التعليق" وكان قد كمل سنة "804"6. فلا بد أن "العجاب" بعده.
- وفي الصفحة "252" ذكر راويًا هو "أبو الحسن الأسدي" وتردد فيه: أهو المذكور في رواية أوردها عن الطبري وابن أبي حاتم والثعلبي أو غيره.
ولكنه في "لسان الميزان"7 جزم بأنه هو.
__________
1 انظر "2/ 395".
2 انظر "تهديب التهذيب" "12/ 493".
3 انظر التفصيل في التعليق على الآية "217" من سورة البقرة.
4 انظر "1/ 264".
5 انظر ابن حجر للدكتور شاكر "1/ 389".
6 المصدر السابق "1/ 356".
7 انظر "7/ 33".(1/119)
ولولا زياداته على "لسان الميزان" بعد عام 805 لقلنا أن "العجاب" كان قبل هذا التاريخ.
- وفي الصفحة "299" قال عن نزول قوله تعالى: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} في بئر معونة: "في هذا نظر" ثم قال بإمكان الجمع بين أحد وبئر معونة ولكنه في "فتح الباري" جزم بأن الصواب نزولها في أحد، وبين أن بلاغ الزهري في ذلك لا يصح، ثم ذكر احتمالًا بنزول الآية في الأمرين وقد ابتدأ بالفتح في أوائل سنة "817هـ"1 مما يدل سبق "العجاب" "للفتح".
- وفي الصفحة "328" قال عن الآية 180 من سورة آل عمران: "قال الواحدي: أجمع جمهور المفسرين على أنها نزلت في معاني الزكاة" ولكنه في الجزء الثامن من "فتح الباري"2 رد عليه فقال: "وفي صحة هذا النقل نظر".
وهذا يفيد تقدم "العجاب" على "الفتح" أيضًا.
- وفي الصفحة "361" قال عن معاذة زوج شجاع بن الحارث السدوسي: "وقصتها شبيهة بقصة معاذة زوج الأعشى المازني وهي عند أحمد في المسند وما أدري أهما واحدة أو اتفق الاسم والقصة" ولكنه في "الإصابة"3 جزم بالتعدد.
"فالعجاب" إذن متقدم على "الإصابة" وإذا أضفنا هذا الدليل الآخر وهو أن المؤلف أحال على كتاب "أسباب النزول" في "الإصابة" أربع مرات تأكد لنا ما ذهبت إليه أن ذكره لكتابه "الإصابة" "ص127" أضيف لاحقًا كما قلت وبذلك ينحل الإشكال في ذكره "للإصابة" هنا وذكره "لأسباب النزول" هناك.
__________
1 انظر ابن حجر للدكتور شاكر "1/ 308".
2 انظر "8/ 230".
3 انظر "2/ 138" في ترجمة "شجاع".(1/120)
- وننتهي من هذه الجولة إلى أن تأليفه "العجاب" كان ما بين سنتي "804" و"808" ولا يبعد أنه أضاف عليه أشياء أخرى على التراخي1 والله تعالى أعلم2.
وعلى أية حال فقد كان موجودًا قبل محرم سنة 827، لورود اسمه في "مرسوم توليه القضاء" ومما يلفت النظر عدم ذكره في "فتح الباري".
5- إكمال المؤلفغ لتأليف الكتاب:
جاء في آخر المخطوط: "إلى هنا انتهى ما وجد من أسباب النزول لشيخ الإسلام العالم العلامة الحافظ شهاب الدين أبي الفضل أحمد "ابن حجر" بخطه ... ".
والكلام ينقطع فجأة وهو ينقل نصًّا يراه سببًا في نزول قوله تعالى:
__________
1 كان من منهج الحافظ في التأليف تعاهد كتبه ومن الأمثلة على ذلك كتابه "التخليص الحبير" فقد جاء في آخره "4/ 219": فرغه مختصرًا أحمد بن علي بن حجر تعليقًا في 21 شوال سنة 812.. ثم فرغ منه تتبعًا في جمادى الآخرة سنة 820" وكتابه "تعجيل المنفعة" ففي آخره "ص372": "فرغ من تعليقه أحمد بن علي بن حجر.. سنة 835، ثم وقفت على "الإكمال فيما في مسند أحمد من الرجال ممن ليس في تهذيب الكمال" للحسيني أيضًا فألحقت في كتابي هذا ما وجدته فيه من مدح وقدح، وفرغت من تحريره بمدينة حلب في رمضان سنة 836.. إلخ" وكتابه "فتح الباري" ففد فرغ منه سنة 842 انظر "13/ 546" ولكنه ظل يتعاهده وقد رأيت في "3/ 449" حدثًا تاريخه سنة "843. وهكذا ولولا ضيق المجال لأفردت لمنهجه في التأليف مبحثًا، ولعلي أعود إلى ذلك بعدُ.
2 وقد أطلت في هذه الفقرة لما يترتب على معرفة تاريخ كل كتاب من كتب ابن حجر من فوائد وذلك حين تختلف آراؤه فيها، وقد وقع منه هذا في مواضع متعددة، كما بينته في الهوامش، وفي كتاب "تجريد أسماء الرواة الذين تكلم فيها الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" ومقارنة كلامه بما قاله فيهم في "تقريب التهذيب" ذكر مؤلفه الباحث، نبيل بن منصور البصارة "ص9" أن عدد الرواة الذين اختلف قول الحافظ فيهم في "الفتح" عن "التقريب" ثمانية عشر راويًا! وقد حاول تعليل هذا ولكنه لم يتطرق إلى تاريخ الكتابين لمعرفة رأيه الأخير.(1/121)
{أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ} من سورة النساء الآية "78" ... دون أن ينتهي النص.
والظاهر أنه أكمله ويستأنس لذلك بما يأتي:
1- أنه في تسعة عشر موضعًا أحال في استيفاء الموضوع إلى مواضع آتية، وإليك بيان هذه المواضع بنصها:
- في الصفحة "39" من المخطوط: سيأتي في تفسير سورة الجمعة.
- في الصفحة "52" من المخطوط: كما سيأتي في سورة ص.
- في "53" سأذكره بتمامه في سورة سبأ إن شاء الله.
- في "59": وسيأتي ذكره في تفسير حم.
- في "73": وسيأتي في تفسير سورة سبحان.
- في "138": سيأتي في سورة الحج.
- في "179": ستأتي بقية طرقه في تفسير سورة النساء، وتفسير سورة المائدة إن شاء الله.
- في "230": كما سيأتي بيانه في تفسير سورة الممتحنة.
- في "253": فذكر القصة الآتية في سورة المائدة.
- في "254": ونورده في تفسير سورة الأحزاب.
- في "303": سيأتي في تفسير هود.
- في "303": أيضًا: تأتي في سورة هود.
- في "318": وسيأتي في سورة الأنفال.(1/122)
- في "328": تأتي في تفسير سورة المائدة.
- في "363": سيأتي في سورة الأحزاب.
- في "368": وله طريق أخرى ذكرت في أواخر سورة طه.
- في "372": وبقية طرقه تأتي في تفسير المائدة.
- في "376": يأتي في أواخر السورة "يعني سورة النساء".
- في "389": القصة الآتية في سورة المائدة.
نعم قد يقال: إنه وعد ولم يف، والإحالة إلى سورة طه بصيغة الماضي كانت يمكن أن تكون دليلًا قويًّا غير أن فيها نظرًا بسبب سياقها فقد قال الحافظ عن حديث: "وأخرجه عبد بن حميد من رواية سعيد بن أبي عروبة عن قتادة: بلغنا، فذكر نحوه، وزاد في آخره: أردنا، وله طريق أخرى ذكرت في أواخر سورة طه. فقد يكون قصد أن الطريق ذكرت في تفسير عبد بن حميد" أقول: يضعف هذا أنه لم يتطرق إلى ذكر "تفسير" عبد.
2- ورد في ثنايا سورة البقرة كلام على الآية "26" من سورة الحج وهي {وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ} مكان الآية "125" من سورة البقرة وهي {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا} ويبعد أن يكون هذا من سهو المؤلف لأنه من حفظة القرآن، أتم حفظه وله تسع سنين وصلى به التراويح بالناس إمامًا في مكة، وهو في الثانية عشرة من عمره، وتفسير هذا -والله أعلم- أن المؤلف وصل إلى سورة الحج وتكلم على هذه الآية، ثم ضاع هذا وبقي الكلام على هذه الآية فسبق وهم الناسخ -الناسخ الأول وهو الشيخ كمال الدين- إلى أنها من سورة البقرة. ولكن قد يقال: فكيف خفي هذا على ناسخ هذه المخطوطة الثاني -وقد نقل في هذا الموضع من خط الشيخ كمال(1/123)
الدين- وكيف لم يضع أي إشارة استغراب وهو في العالم المحدث الدقيق؟
وقد يقال أيضًا: إن هناك تفسيرًا آخر وهو أن المؤلف ابن حجر تكلم على هذه الآية من سورة الحج لمناسبة عرضت على أمل أن يلحقها بموضعها -حين يصل إليه- ولم يتيسر له ذلك ووضعها الناسخ الأول هنا سهوًا! وتابعه الثاني!
وقد يقال: لعل المؤلف أراد قوله تعالى: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا} فسبق إلى ذهنه قوله تعالى: {وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ} ولكن يضعف هذا أن ما ذكره من نقول مرتبط بالتبوئة مما يدل على قصد ذلك.
3- أن الكلام في آخر المخطوط ينقطع فجأة، في منتصف أثر مجاهد، وقد يبدو من المستغرب أن يتوقف المؤلف هكذا دون أن يكمل النص ولا يعود إليه بعدُ أبدًا، وهذا وإن كان لا يدل على أنه أكمل الكتاب كله، لكن على الأقل قد يدل على أن لكلام المؤلف تتمة ضائعة.
4- أن تلميذ المؤلف البقاعي قال عن هذا الكتاب: "في مجلد ضخم لم يبيض"1 ولم يقل: لم يكمل في حين أنه قال عن أكثر من خمسة كتب لم تكمل وقال عن أخرى: شرع فيها2.
ولكن قد يقال: ولكنه قال عن كتب أخرى: "كمل وهو في المسودة" فإذا سكت هنا فلا يمكن الجزم.
نعم يقوي أنه أكمله قول السخاوي عنه أن شرع في تبييضه وكتب منه جزءًا1 فلا يشرع في تبييضه إلا وقد أكمله، وإن كان يمكن أن يقال: أيضًا: أنه بيض منه جزءًا ليخرجه إلى الناس ثم يشتغل بالباقي تباعًا. وقد انتشر نسخ من "فتح
__________
1 "عنوان الزمان" "1/ الورقة 50".
2 انظر المصدر السابق "50-51".(1/124)
الباري" قبل أن يكمل.
5- أن السخاوي يقول في "الضوء اللامع"2 في ترجمة السيوطي وهو يذكر مؤلفاته "مما اختلسه من تصانيف شيخنا: لباب النقول في أسباب النزول و ... وليته إذ اختلس لم يمسخها، ولو نسختها على وجهها لكان أنفع".
موضع الشاهد: أن ابن حجر كان قد أكمل كتابه، وإلا كيف يتسنى للسخاوي أن يتهم السيوطي بسرقته وهو لم يتجاوز نصف سورة النساء في حين نجد كتاب السيوطي كاملًا!
6- وقد يقال: إن وجود مقدمة للكتاب يعني أنه أكمله ويُجاب بأن كتابًا آخر لم يكمله له مقدمة وهو "تبيين العج بما ورد في شهر رجب"3 وقد نقل من المسودة4.
وهنا قد يسأل: إذا كان قد أكمله فأين ذهب سائر الكتاب ولماذا لم يبيضه؟
وللجواب على السؤال يقال: لعل سائر الكتاب خرج من يد ابنه بدر الدين محمد بسبب تفريطه يقول الدكتور شاكر5:
"إن السخاوي انتقد بدر الدين محمد وبعد أن قال إنه أمضى أكثر ما أوصى به والده "قال": لكنه ضيع ما كان الأولى به الحرص على بقائه، من تصانيف أبيه وغيرها مما كتبه بخطه وتفرقت من غير مقابل"1. فلم يحصل الانتفاع مما لم يبيض
__________
1 "الجواهر والدرر" عن كتاب ابن حجر للدكتور شاكر "1/ 282-283" وعبارة الدكتور سعيد القزفي في مقدمة "تغليق التعليق" "1/ 184" -وقد نقل عن نفس المصدر: "فكتب قدر مجلدة".
2 "4/ 68".
3 انظر "ص21" منه.
4 انظر كتاب الدكتور شاكر "1/ 440-441".
5 في كتابه المذكور "1/ 110".
قلت: ومثل هذافي ترجمته في "الضوء" "7/ 20".(1/125)
في حياته"1.
- والجواب على الثاني: أن هناك كتبًا أخرى لم تبيض أيضًا، ولعل مشاغل المؤلف بالقضاء والإفتاء وتأليف كتبه الأخرى حالت دون ذلك يقول السخاوي2:
"ومن تصانيفه ما كمل قبل الممات، ومنها ما بقي في المسودات، ومنها ما شرع فيه فكاد، ومنها ما صلح أن يدخل تحت الإعداد".
وقد ظفر السخاوي بخط ابن حجر وهو يعتذر عن الاهتمام بما لم يكمله منها لانشغاله بشرح صحيح البخاري "وكل الصيد في جوف الفرا"3.
6- تبييض الكتاب وكيفية ظهوره:
علمنا من قول السخاوي أنه بيض منه جزءًا، ولا ندري إلى أين وصل، وظل الباقي مسودة، ثم جاء "الشيخ الإمام العامل العالم العلامة كمال الدين ... " فكتب في أوله إلى أثناء قوله تعالى: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ} الآية "223" من سورة البقرة.
ثم جاء الإمام المحدث الفقيه الشيخ عبد الحق السنباطي "842-931" فنقل من أول الكتاب إلى هذه الآية من خط المذكور ثم إلى الآية "78" من سورة النساء -وهو آخر الكتاب- من خط المؤلف، ولا ندري أنقل الشيخ كمال الدين هذا من خط المؤلف أم لا، كما لا ندري كيف حصل الشيخ عبد الحق على تتمة الكتاب! لكن يحتمل أن شيخه السخاوي حصل عليه فيما استطاع تحصيله من مخلفات شيخه،
__________
1 علق الدكتور هنا: على أن السخاوي أعمل الفكر في تحصيل التراث الذي لم يبيض بطريقة خاصة. وهو شيء كثير كما قال. انظر "الجواهر" الورقة "284أ".
2 في "الجواهر" انظر كتاب شاكر "1/ 257".
3 المصدر السابق في الهامش.(1/126)
وإنه اخذه منه.
وإذا علمنا أن ولد ابن حجر توفي سنة 869 عرفنا أن السخاوي حصَّل هذا التراث قبل موته فلماذا لم يكتب "العجاب" كاملًا إلى سنة 889، أي: عشرين سنة من موت الابنح؟
تلك أسرار طواها الزمان فالله أعلم بها1 وحسبنا أن نعلم أن الناسخ إمام كان قد حصلت له إجازة من ابن حجر وهو في الثامنة من عمره وقدم القاهرة بعد ثلاث سنوات من وفاته، فابن حجر شيخه ولا بد أن يهتم بتراثه.
ولا ندري فلعل الأيام تكشف لنا عن نسخة كاملة من "العجاب" أو تكشف بعض أسراره.
__________
1 يقول السيوطي في "نظم العقيان" في ترجمة ابن حجر "ص45": وله "التصانيف التي ما شبهتها إلا بالكنوز والمطالب، فمن ثم قيض لها موانع تحول بينها وبين كل طالب".
والظاهر أنه يعرض بأناس منعوها من الآخرين ولعله يقصد السخاوي وقد كان بينهما نزاع وخلاف انظر "الحافظ السخاوي ومنهجه في كتابه "فتح المغيث بشرح ألفيه الحديث" للشيخ عبد السيمع الأنيس "ص86-91".(1/127)
المبحث الثاني: منهجه وأثره فيمن بعده
كان الإمام الواحدي قد قدم لكتابه "أسباب النزول" مقدمة ذكر فيها أهمية هذا العلم وأنه لا يحل القول فيه إلا بالرواية والسماع واستدل لذلك بالحديث القائل "اتقوا الحديث عني إلا ما علمتم، فإنه من كذب عليَّ متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار، ومن كذب على القرآن من غير علم فليتبوأ مقعده من النار".
وبيَّن أن السلف كانوا في أبعد الغاية احترازًا عن القول في نزول الآية قال: "وأما اليوم فكل أحد يخترع سببًا. ويختلف إفكًا وكذبًا"، فذلك الذي حدا به إلى إملاء هذا الكتاب، الجامع للأسباب، لينتهي إليه طالبوا هذا الشأن، والمتكلمون في نزول القرآن1.
وقد ابتدأ الحافظ ابن حجر فساق إسناده إلى الواحدي في كتابه هذا2 ثم ساق بعض كلماته وروى الحديث المذكور من طريقه هو، ثم انتقد الواحدي -رحمه الله- بأنه قد وقع فيما عاب، من إيراد كثير من ذلك بغير إسناد، مع تصريحه بالمنع إلا فيما كان بالرواية والسماع وقال: "ثم فيما أورده بالرواية والسماع ما لا يثبت لوهاء بعض رواته"3.
__________
1 انظر "ص5-6".
2 ومثل هذا فعله في أول شرحه على البخاري وفي ذلك قال "1/ 5": "وقد رأيت أن أبدأ الشرح بأسانيدي إلى الأصل بالسماع أو الإجازة، وأن أسوقها على نمط مخترع فإني سمعت بعض الفضلاء يقول: الأسانيد أنساب الكتب فأحببت أن أسوق هذه الأسانيد مساق الأنساب".
3 "العجاب" "ص4" من الأصل.(1/128)
وبين هنا أنه ليس المعول عليه سياقة القول بسنده، وإنما المهم صحة هذا المسند سواء سيق أم لا.
قال رحمه الله: "فكم من سند موصول برواية كذاب أو متروك أو فاحش الغلط، وكم من خبر يذكر بغير سند، وينبه على أنه من تصنيف فلان مثلًا بسند قوي ... "1.
وبعد هذا انتقد الواحدي في شيء آخر وهو ظاهر كلامه يدل على أنه استوعب ما تصدى له والواقع أنه قد فاته منه شيء كثير.
ولما رأى ابن حجر أن الناس قد عكفوا على كتابه، وسلموا له الاستبداد بهذا الفن من فحوى خطابه، دفعه كل هذا إلى تأليف كتابه هذا، وقد بيَّن الركائز الأساسية في منهجه، وهي:
الركيزة الأولى:
قال رحمه الله: "فلما رأيت الناس قد عكفوا على كتابه ... تتبعت -مع تلخيص كلامه- ما فاته محذوف الأسانيد غالبًا، لكن مع بيان حال ذلك الحديث من الصحة والحسن والضعف والوهاء قصد النصح للمسلمين وذبًّا عن حديث سيد المرسلين، ولا سيما فيما يتعلق بالكتاب المبين"2.
قالكتاب -إذن- قائم على أمرين:
الأمر الأول:
تتبع ما فات الواحدي -مع تلخيص كلامه- وقد أورد في الصفحة "126" حديثًا أسنده الواحدي ثم قال: "وهذا الحديث مع إرساله ضعيف السند من
__________
1 المصدر السابق.
2 "العجاب" "ص4".(1/129)
أجل إسحاق بن أبي فروة ولولا أني التزمت أن استوعب ما أورده الواحدي لاستغنيت عن هذا".
ومن مجموع النصين يتضح لنا أنه التزم استيعاب ما جاء في الواحدي ولكنه ملخص.
وهذا التلخيص في حذف أسانيده، والتعويض عن السند ببيان درجة الحديث، وفي حذف بعض النقول التي لا داعي لها.
مثال الأول:
روى الواحدي1 بسنده عن أبي روق عن الضحاك عن ابن عباس أنه قال: "أول ما نزل به جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم قال: يا محمد استعذ ثم قل: بسم الله الرحمن الرحيم".
فحذف ابن حجر السند وقال: "أسند من طريق أبي روق ... والراوي له عن أبي روق ضعيف فلا ينبغي أن يحتج به"2.
مثال الثاني:
إن الواحدي بعد أن ساق المروي في سبب نزول الآية "217" من سورة البقرة وهي قوله تعالى: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَام} قال3: "قال المفسرون ... " وذكر كلامًا طويلًا في قرابة ثلاث صفحات يشابه المروي.
فجاء ابن حجر وطوى هذا الكلام اكتفاء بالمرويات التي أوردها.
__________
1 "ص15".
2 "ص9-10".
3 "ص62".(1/130)
الأمر الثاني: إيراد ما فات الواحدي محذوف الأسانيد الأسانيد غالبًا، لكن مع بيان حاله قبولًا وردًّا والأمثلة على ذلك كثيرة جدًّا، ولا فائدة من تكرار سردههنا فانظر من ذلك الصفحات الآتية:
"47، 50، 52، 57، 58، 59، 61، 63، 72، 75، 77، 79، 83، 78، 113، 118، 119، 124، 126، 132، 133، 134، 136، 137، 140، 143، 146، 148، 154، 155، 163، 167، 169، 170، 172، 174، 179، 181، 190، 200، 203، 204، 206، 211، 213، 214، 231، 244، 271، 278، 297، 302، 303، 318، 329، 336، 340، 347، 349، 350، 351، 375، 380، 394، 397" وغيرها، وفي الكتاب حكم على الأسانيد والرواة وتنبيه على أوهامهم وبيان المنكر والمحفوظ، والمرسل والموصول والزيادات المدرجة وبعض الفوائد الحديثية والتطرق إلى نقد بعض المتون وهكذا.
وقد أعانه على ذلك أنه قدم "فصلًا جامعًا" لبيان حال من نُقل عنه التفسير من التابعين ومَن بعدهم، فأغناه هذا التكرير، وهذا الفصل مهم جدًّا إذ يلقي الضوء على أسانيد التفسير في القرون الثلاثة الأولى باختصار فيكون الدارس عنها فكرة تنفعه كثيرًا في مرجعاته ومطالعاته1.
الركيزة الثانية:
ثم قال المؤلف رحمه الله: "فأبدأ غالبًا بكلام الواحدي، ثم بما استفدته من كلام الجعبري، ثم بما التقطه من كتب غيرهما من كتب التفاسير وكتب المغازي،
__________
1 من المستحسن جدًّا إفراد هذا الفصل والتعليق عليه بالنشر وتقرير حفظه على طلبه المعاهد والجامعات الإسلامية فهو مدخل بارع لعلم التفسير صاغة ابن حجر بعد اطلاع واسع وحرث دقيق.(1/131)
وكتب المسانيد والسنن والآثار، وغير ذلك من الأجزاء المتفرقة، ناسبًا كل رواية لراويها وكل مقالة لمخرجها"1.
قلت: سيأتي الكلام على مصادره في مبحث خاص، ويهمني هنا التعليق على أول كلامه، فهو يصرح بأنه يبدا -غالبًا- بكلام الواحدي، فكيف كان هذا الابتداء وهل التزم ذلك؟
- أقول: لقد جرى المؤلف على الابتداء بنقل كلام الواحدي -في الآيات التي تكلم عليها- ثم يقول: قلت ويعلق على كلامه، إما ببيان مصدره، أو الحكم عليه، أو مناقشته ثم يزيد عليه ما وقف عليه من الروايات والأقوال2.
ولكنه لم يلتزم ذلك، فقد لاحظت أنه منذ الآية "215" من سورة البقرة، الرقم "124" عدل عن الابتداء بكلام الواحدي، واستقل عنه، وهو وإن كان بقي ملتزمًا باستيعاب ما يورده، تراه يعدل عن أسانيده، ويورد الأحاديث والآثار من الكتب المشهورة المعروفة، وفي أحيان قليلة ينقل عنه، وقد ظهر لابن حجر أن الواحدي اعتمد على شيخه الثعلبي3، وبما أن تفسير الثعلبي تحت يده فقد بدأ يرجع إليه مباشرة وكذلك في مصادره الأخرى.
وهكذا غابت شخصية الواحدي من الآية "215" من سورة البقرة إلى آخر الكتاب إلا في مواضع قليلة بعد أن كانت ظاهرة يدور "العجاب" في فلكها.
وطريقة العزو إلى التصانيف المعروفة المشهورة هي طريقة المتأخرين وقد علق ابن حجر على كتاب "الإجابة لإيراد ما استدركته عائشة على الصحابة" للإمام بدر
__________
1 "العجاب" "ص4-5".
2 انظر جميع الآيات التي ليس عليها "ز" قبل الآية "215" من البقرة.
3 هذا الاكتشاف من فوائد ابن حجر في كتابه هذا، وقد نبه على ذلك مرات.(1/132)
الدين الزركشي "ت794هـ" بقوله1:
"أصل هذا التصنيف للأستاذ الجليل أبي منصور عبد المحسن "بن"2 محمد بن علي بن طاهر الفقيه المحدث المشهور، رأيته في مجلدة لطيفة، وجملة ما فيه من الأحاديث خمسة وعشرون حديثًا ... نعم لمصنف "الإجابة" حسن الترتيب والزيادات البينة والعزو إلى التصانيف الكبار والأول3 على عادة من تقدم يقتصر على سوق الأحاديث بأسانيده إلى شيوخه، وجملة من أخرج ذلك عنه من شيوخه نحو من ثلاثين شيخًا من شيوخ بغداد ومصر وغيرهما، ولا يعزو التخريج إلى أحد.
وقد نقل هذا المصنف عن4 أبي منصور في هذا الكتاب، فعُلِم أنه وقف عليه، وكان ينبغي له أن ينبه على ذلك ... "5.
وهذا النص مهم جدًّا في فهم طريقة ابن حجر الثانية، فقد راح يعزو إلى الكتب المعروفة، وأكد أنه استوعب ما أورده الواحدي كيلا يتهم فيما نقله عنه ولم يبين، أنه غمطه حقه.
والطريقة الثانية أجود، وادعى إلى التركيز على موضوع الكتاب، وهو "أسباب النزول"، أما الطريقة الأولى فقد جعلت الكتاب كأنه موجه لتتبع عمل الواحدي
__________
1 انظر مقدمة الإجابة بقلم محققة الأستاذ سعيد الأفغاني "ص17"، وصورة غلاف الأصل "ص21" وقد نقل هذا أيضًا السخاوي في "الجواهر والدرر" "1/ 317".
2 سقط من "الجواهر".
3 ضبط محققًا الجواهر هذه اللفظة هكذا: "والأول" ووضعا الفاصلة بعدها وهذا خطأ!
4 في "الجواهر": "على" وهو خطأ.
5 يقول السخاوي: "قلت: وأبو منصور هذا ليس هو مصنف الأصل، بل هو شيخه، والمصنف إنما هو الأستاذ أبو منصور عبد القاهر بن طاهر بن محمد البغدادي، وقد وقعت على النسخة التي أشار إليها شيخنا فسبحان مَن لا يسهو" "الجواهر والدرر" "1/ 317".(1/133)
ومناقشته، وهذا كان جيدًا ويطلع على أسراره، ويظهر جهد ابن حجر واضحًا إلا أن الأهم هنا هو التعرف على الأسباب وطرقها ومناقشتها.
هذا وقد أفاد السيوطي من طريقة ابن حجر الثانية هذه واستعملها إذ نجده يقول في مقدمته لكتابه "لباب النقول" وهو يعدد مميزاته على كتاب الواحدي.
"ثالثها: عزوه كل حديث إلى من خرجه من أصحاب الكتب المعتبرة، كالكتب الستة، والمستدرك، وصحيح ابن حبان، وسنن البيهقي، والدارقطني، ومسانيد: أحمد، والبزار، وأبي يعلى، ومعاجم الطبراني، وتفاسير: ابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، وأبي الشيخ، و1 ابن حبان، والفرياني، وعبد الرزاق، وابن المنذر وغيرهم.
وأما الواحدي فتارة يورد الحديث بإسناده، وفيه مع التطويل عدم العلم بمخرج الحديث، فلا شك أن عزوه إلى أحد الكتب المذكورة أولى من عزوه إلى تخريج الواحدي، لشهرتها واعتمادها وركون الأنفس إليها2، وتارة يورده مقطوعًا فلا يدري هل له إسناد أو لا3.
وهذا يثبت إفادته من "العجاب" إثباتًا يصعب رده، ومن المقطوع به أنه وقف على الكتاب لإفادته منه باسمه في آخر "الدر المنثور"4 وبدون تصريح في قوله تعالى: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ} 5 وفي غيره، ولتصريحه برؤيته في "الإتقان"، ومن المستغرب
__________
1 أخشى أن تكون هذه الواو زائدة، وحبان محرفة عن حيان!
2 قلت: فكل ما كان قبل: "ك" -وهو رمز زيادات السيوطي على الواحدي- فهو مما ذكره الواحدي بمتنه، وأما تخريجه فهو من السيوطي، وملاحظة هذا مهمة للمراجع فيه، حتى لا يتوهم أن العزو للمصادر المعروفة في زياداته فقط.
3 "لباب النقول" "ص16".
4 "8/ 699".
5 من سورة البقرة: "23" وقد كان من مصادره هنا مسند الحسن بن سفيان ومستخرج أبي نعيم وغرائب مالك للدارقطني ودعلج وفوائد الرفاء تخريج الدارقطني وفوائد التجيبي ومشكل الآثار للطحاوي وغيرها وهي مصادر ابن حجر في هذ الموضوع. انظر "الدر المنثور" "635-638" "ذكر القول الثاني في الآية ".(1/134)
أن يتجاهله في "اللباب"1، وعلى أية حال فاكتشاف إفادته من منهج ابن حجر يغني عن الإطالة بإيراد الجزئيات، وقد تتبعت "اللباب" فوجدته يشترك مع "العجاب" في المادة كثيرًا وذلك واضح للناظر فيهما. وقد اتهم السخاوي السيوطي باختلاسه من كتاب شيخه ابن حجر، ولكن هل يُستغرب على مؤلف "الدر المنثور" الذي رجع فيه إلى مئات المصادر أن يؤلف مثل "اللباب"؟
وعندي أن السيوطي أفاد من منهج ابن حجر، ولعله تابعه أيضًا في النقول والعزو وإن كان يزيد ونقص، ويرجع -في بعض الأحيان- إلى مصدر ابن حجر، ذلك أن ابن حجر قد يذكر مخرج الرواية فقط فنجد السيوطي يضيف نص الرواية2.
وقد صرح السيوطي بالنقل من "فتح الباري"3 وأغفل ذلك في مواضع متعددة مكتفيًا باسم المؤلف4.
وحسبنا أنه قال في ترجمته له:
__________
1 يذكر هنا أن السيوطي قال في مقامته: "الكاوي في تاريخ السخاوي":
"وقد علم الله والناس من عادتي في التأليف أني لا أنقل حرفًا من كتاب أحد إلا مقرونًا بعزوه إلى قائله، ونسبته إلى ناقله، أداء لشكر نعمته، وبراءة من دركه وعهدته" انظر "شرح المقامات" "2/ 949-950" وهو -كما ترى هنا- لم يذكر "العجاب" وكذلك رأيته أفاد في رسالته "الدر المنظم في الاسم الأعظم" "المدرجة في الحاوي" "2/ 135-139" سبعة عشر قولًا في تعيين الاسم الأعظم من كلام الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" "11/ 224-225" ولم يعز ذلك إليه إلا في موضعين!
وقد استوقفني هذا فذكرته للبحث عن تخريج له، وأرجو أن لا يكون في ذلك إساءة لمقام الحافظ السيوطي رحمه الله وأجزل مثوبته.
2 انظر زيادته على الواحدي في الآية "108 ص25" وكلامه على الآية "188 ص35" والآية "214 ص41" من سورة البقرة والآية "97" من آل عمران "ص55" والآية "43" من النساء "ص69".
3 انظر "ص44".
4 انظر "ص57، 63، 64، 99، 150، 154، 178".(1/135)
"وإن يكن فاتني حضور مجالسه والفوز بسماع كلامه والأخذ عنه، فقد انتفعت في الفن بتصانيفه، واستفدت منه الكثير، وقد غلق بعده الباب، وختم به هذا الشأن".
وقال بعد أن عدد بعض مؤلفاته مثبتًا حاجته إليها:
"وله تعاليق وتخاريج، ما الحفاظ والمحدثون لها إلا محاويج"1.
الركيزة الثالثة:
ثم قال رحمه الله: "ثم لا أذكر من الزيادات إلا ما هو سبب نزول ببادئ الرأي لا ما يكون من هذا القبيل بضرب من التأويل، وقد أورد الواحدي من ذلك أشياء ليست بكثيرة فلم أحذف منها شيئًا، بل جعلت علامة ما أزيده "ز" يكتب على أول القول، وأما ما أزيده في أثناء كلامه فهو علامة، لكن ربما عرف إذا كان في صورة الاعتراض مثلًا"2.
وههنا أمران:
الأمر الأول:
قضية الزيادات فقد التزم أن لا يذكر إلا ما هو سبب نزول ببادئ الرأي، وقد أثبت التتبع الدقيق لعمله أنه أورد أشياء ليست بقليلة لا تعد سبب نزول أو على الأقل لا تعد سبب نزول مباشرًا أو صريحًا والأمثلة كثيرة، وانظر تعليقي على ما أورده في سورة الفاتحة، وعلى الآيات الآتية من سورة البقرة 1، 2، 6، 11، 21، 27، 40، 75، 76، 78، 79، 89، 96، 102 وما أنزل على الملكين 113، 115 "القول الخامس"، 116 "الآية 26 من الحج الواقعة هنا"، 138 "القول الثاني"، 143 "إلا لنعلم"، 146، 117 "القول الثاني"، 178، 179،
__________
1 "طبقات الحفاظ" "ص548".
2 "العجاب" "ص5".(1/136)
183 "القول الثاني"، 184، 185 {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا} ، 188، 190 "القول الثاني"، 194، 195 "القول الثالث من زياداته" و"القول الخامس"، 196، 200 {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُم} 200 {فَمِنَ النَّاس} ، 207 "القول الخامس"، 228 {وَلا يَحِلُّ لَهُن} ، 231 {وَلا تُمْسِكُوهُن} ، 231 {وَلا تَتَّخِذُوا} 234، 235، 257 {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا} ، 274 "القول الثاني" 283-286 {وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا} .
وتعليقي على الآيات الآتية من سورة آل عمران: "7" "القول الثالث" 21، 61، 103، 105، 106، 123، 151، 195.
وتعليقي على الآيات الآتية من سورة النساء: 2 "القول الثاني" 2 {وَلا تَتَبَدَّلُوا} ، 4، 5 "القول الثاني والثالث"، 6 {وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا} ، 8، 9، 19 {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ} ، 19 {وَلا تَعْضُلُوهُنّ} 24 "القول الثاني"، 24، 40، 59 "القول الثاني والثالث"، 74، 78 "القول الثاني".
ولا بد من القول أن المؤلف انتقد الواحدي لإيراده ما ذكره أئمة التفسير في تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى} فقال في الصفحة "219-220":
"وهذا ليس من أسباب النزول التي يكثر السؤال عنها، ويبني عليها الأحكام أهل الكلام حيث يكون الحكم عامًّا أو يختص بها من نزلت بسببه، وإنما هو ذكر أسباب ما وقع في الأمم الماضية، وقد أخل بالكثير من هذا، أوله القصة التي قبل هذه في الذي أنزلت فيه {أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَة} وقد استدركت كثيرًا مما فاته في ذلك، من غير استيعاب، بخلاف ما هو صريح في سبب نزول الآية المخصوصة فإنني استوعبته بحسب الطاقة، والكثير منه مما استدركته عليه".
وقد عجبت من هذا! يستدرك ما يقول عنه هو بأنه ليس من أسباب النزول!(1/137)
فما الغرض من حشر هذا في كتاب مختص بأسباب النزول؟ فلا جرم أني استدركت عليه -رحمه الله- ما ذكره، في ضمن استدراكاتي السابقة، مع إجلالي الكبير لمقام المؤلف، وإذا كان الغرض خدمة العلم والدين فأرجو أن لا يكون في ذلك إساءة والله من وراء القصد، وهو المستعان على إخلاص النيات وقبول الأعمال.
الأمر الثاني:
قضية "ز".
التزم المؤلف وضع "ز" على زياداته، فإما أن يضعه على قوله: "قوله تعالى" أو على "قول آخر" وجرى على هذا إلى المكان الذي بينت أنه استقل فيه بالتأليف، فلا نجد "ز".
ولا بد من القول أنه زاد في الآيات التي كان الواحدي قد سبقه بالكلام عليها: كثيرًا من الروايات ومع ذلك لا نجد "ز" في هذه الزيادات، وإنما نجده يقول: قلت -بعد إيراد كلام الواحدي- ويذكر ما عنده.
ولكن منذ الآية "215" يتغير الحال ويختفي "ز" تمامًا، وهذا يؤكد أن المؤلف تراجع عن جعل كتاب الواحدي محوره واستقل.
ومن أجل أن يقف القارئ بسرعة على الآيات التي زادها ابن حجر في كتابه هذا فقد وضعت "ز" على قوله "قوله تعالى" كما كان يفعل ونبهت على ذلك مرة واحدة حين بدأت بذلك، ولكن يجب أن نكون على ذكر من أن عدم وجود "ز" لا يعني أن الكلام على تلك الآية هو من الواحدي فقط، لا بل هناك الإضافات الكثيرة وهناك إدارة الحافظ ابن حجر، الكلام على طريقته واختياره هو، وقد بينت في الهوامش والروايات والنقول التي تشترك بين الكتابين، وإذا لاحظ الدارس هذه الهوامش ولاحظ "ز" علم ما أضافه في كتابه وهو شيء كثير.
هذه هي ركائز منهجه التي صرح بها في المقدمة وتعليقي عليها، وقد ظهر لي(1/138)
من خلال تتبعي ودرسي للكتاب:
أمور أخرى:
1- فمن منهجه أنه يسوق الرواية التي تنص على السبب، ومقابلها من الرواية التي لا تنص عليه.
ومن ذلك ما جاء في الآية "271" من سورة البقرة والآية "68" من آل عمران.
2- ومنه التطرق إلى مسائل فقهية وأصولية.
ومن ذلك ما جاء في الآية "195" من البقرة والآية "29" من آل عمران.
3- ومنه إضافة فوائد تفسيرية: ومن ذلك بعض القراءات، وبعض مسائل علوم القرآن كنزول الآيات والنسخ.
فانظر عن التفسير الآيات 13، 105، 143، 241، من البقرة و110، 111، 130، 183 من آل عمران.
وأود الإشارة إلى ما أبداه في الآية "130" من آل عمران وهي {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً} فقد ذكر هنا حديثًا رواه أبو داود عن أبي هريرة، وهو أن عمرو بن أقيش كان له ربا في الجاهلية فكره أن يسلم حتى يأخذه. فجاء يوم أحد فقال: أين بنو عمي؟ قالوا بأحد. قال: فأين فلان؟ قالوا: بأحد. فلبس لأمته وركب فرسه وتوجه قبلهم، فلما رآه المسلمون قالوا: إليك عنا يا عمرو. قال: إني قد آمنت، فقاتل حتى جُرح فحمل إلى أهله جريحًا ... فمات فدخل الجنة وما صلى لله صلاة.
ثم قال ابن حجر:(1/139)
"ما زلت أبحث عن مناسبة ذكر آية الربا في وسط قصة أحد حتى وقفت على هذا الحديث، فكأنها نزلت فيه فترك الربا وخرج إلى الجهاد، فاستشهد، أو أن ورثته طالبوا بما كان له من الربا فنهوا عنه بالآية المذكورة".
وهذا انتباه رائع من الحافظ ابن حجر، يجيب على تساؤل المفسرين الذين وقفوا أمام هذه الآية حائرين في تعليل ورودها هنا.
وانظر عن القراءات الآيات: 88، 102، 104، 119 من البقرة و12 من آل عمران. وعن نزول الآيات 142، 186، 216، 240، 245 من سورة البقرة.
وعن النسخ: 62، 190، 285، من البقرة و8 من النساء.
4- ومنه ضبط ما يحتاج إلى ضبط وبيان بعض الأنساب.
وعن الضبط لاحظ الأسماء الواردة في "الفصل الجامع".
وعن الأنساب انظر الأرقام 89، 103، 116، 252، 299.
5- ومنه الترجيح بين الأقوال أو الجمع بينهما أحيانًا.
وعن الترجيح انظر 32، 128 من آل عمران.
وعن الجمع انظر 197 "ولا جدال" من البقرة و9، 65 من النساء.
6- ومنه تفسير النصوص التي ينقلها فانظر من ذلك الأرقام 76، 129، 251، 287، 312 وغيرها.(1/140)
المبحث الثالث: مصادره
بدأ الحافظ ابن حجر بالتأليف سنة "795هـ" وله من العمر 22 سنة، كما مر معنا وقد انتهى سنة "804هـ" من كتابه المهم: "تغليق التعليق" الذي عاد فيه إلى "279" مصدرًا1.
فلا عجب إذا ما رأيناه يعود في تصنيف كتابه "العجاب" هذا إلى "123" كتابًا في التفسير وعلوم القرآن والحديث وعلومه والسيرة والتاريخ وغيرها، ويشترك هذان الكتابان في "27" كتابًا.
وقد كانت مصادره في سورة البقرة: "106" مصادر، وفي آل عمران "47"
مصدرًا وفي النساء: "33" مصدرًا وربما قل العدد؛ لأن الموجود منها لا يتجاوز الآية "78".
وقد ظهر لي من تتبع نقولانه ما يأتي:
1 أنه كثير التصرف في النصوص التي ينقلها، ويبدو أن هذا من عادته في التأليف، يقول الشيخ عبد الفتاح أبو غدة عن الشيخ طاهر الجزائري في مقدمته لكتابه التبيان:
"وجرت عادة المؤلف إذا نقل نصًّا من كتاب وسماه وسمى مؤلفه: أنه لا يلتزم دائمًا نقل عبارته كما هي، بل قد يتصرف فيها ويحذف منها أو يبدل بعض كلماتها بأولى أو أخصر منها، وتارة يصوغ معنى كلام العالم بعبارة من عنده، ولا ينبه على
__________
1 انظر "1/ 243-265".(1/141)
ذلك، وهذه طريقة الحافظ ابن حجر قبله في "فتح الباري" واللكنوي في "ظفر الأماني"1.
وكنت وقفت على هذا النص فدفعني إلى مزيد التدقيق في مقابلة النصوص التي يوردها بأصولها المنقولة منها، وأشرت في الهوامش إلى ذلك، مبينًا مواضع الاتفاق والافتراق إن اقتضى الأمر.
وتصرفه يكون بالحذف والزيادة وتبديل لفظ بلفظ.
ومن أمثلة الزيادة قوله في الآية "217" من البقرة: "أخرج الطبراني في المعجم الكبير من طريق سليمان التيمي عن الحضرمي هو ابن لاحق وهو اسم بلفظ النسب ثقة ... ".
فقوله: "هو ... إلخ" من زيادة المؤلف، والانتباه مهم كيلا يعزى هذا الرأي إلى الطبراني، وقد اختلف العلماء في حضرمي شيخ سليمان: أهو ابن لاحق أم غيره؟ ومن أمثلة تبديل لفظ بلفظ قوله في الآية "222" منها: "أخرج الواحدي من طريق سابق بن عبد الله البربري" وقوله البربري من تصرفه، وفي الواحدي: الرقي, وقد نبه بذلك إلى أنهما -عنده- واحد والعلماء مختلفون في ذلك. وهكذا.
وقد أداه التصرف وعدم الرجوع إلى مصادره مباشرة -في بعض الأحيان- إلى الوقوع في مؤاخذات كما هو مبين مفصل في الهوامش ومكانه ابن حجر تدفعني إلى عدم التمثيل فأحيل عليها.
2- أن ابن حجر استدرك كثيرًا على مَن نقل عنهم، وقدم في ذلك فوائد جمة من ذلك استدراكه على جويبر والكلبي ومقاتل وسنيد وعبد الغني بن سعيد والبزار والطبري والطبراني والدارقطني والحاكم والثعلبي والماوردي وابن حزم وابن عبد البر
__________
1 التبيان لبعض المباحث المتعلقة بالقرآن على طريق الإتقان "ص6-7".(1/142)
والواحدي والحميدي، وابن عطية وابن العربي وعياض وابن ظفر وأبي حيان والجعبري، وهذه الاستدراكات منثورة على صفحات الكتاب كله، ولو جمعت لكونت بحثًا في غاية الأهمية سواء وفق فيها أم خولف.
3- أنه -رحمه الله- كان يبهم أسماء مصادره أحيانًا، وكل ما كان بين هلالين -وهو "24" مصدرًا من المصادر الآتية- فهو مما أبهمه، واكتشفته بالتتبع والفحص، وقد يذكر الاسم في مكان ويهمله في مكان آخر.
وفي أحيان أخرى كان يبهم أسماء القائلين كأن يقول: وقال آخر أو قال غيره، ومن خلال التتبع وقفت على هؤلاء أيضًا1.
وفي مواضع قليلة أفاد من غيره -فيما يبدو لي- ولم يصرح.
وفيما يأتي مسرد مصادره -مرتبة حسب القدم- مبينًا فيها عدد المرات التي رجع فيها إليها عمومًا وخصوصًا، ويأتي تفسير الطبري في مقدمة مصادره إذ نقل منه قرابة "610" مرات ما بين رواية أو قول أو ترجيح وهذا يعكس أهميته البالغة، ولا بد من القول أن ابن حجر أفاد من غيره أشياء، وهي موجودة فيه، كأن ينقل عن ابن أبي
__________
1 يبدو أن الإبهام طريقة لجأ إليها العلماء لحفظ مؤلفاتهم من السرقة، يقول السيوطي في مقامته: و"الفارق بين المصنف والسارق" عمن اتهمه بسرقة بعض كتبه: "وعمد إلى التخاريج والنقول" التي وقعت عليها في أصول القوم، فذكر العزو مستقلًّا به من غير واسطة كتابي موهمًا أنه وقف على تلك الأصول وهو لم يرها بعينه إلى اليوم ولا في النوم، ولقد أبهمت نقولًا عن أئمة فأوردها على إبهامها، ولو سئل في أي كتاب هي لم يدر خنصرها من إبهامها ... ".
ثم يقول: " ... أأمن أن يناقش في بعض ما نقله من كتابي فلا يحسن منه الخلاص أو يقال له في بعض ما أبهمت نقله: من أين أصل هذا؟ فينادي ولات حين مناص! أو يمتحن كما كانت الفضلاء قديمًا يمتحنون السارقين، ويقال له: صنف لنا كتابًا في النوع الفلاني إن كنت من الصادقين ... ".
انظر "شرح مقامات جلال الدين السيوطي "2/ 820-821 و842-843".(1/143)
حاتم ويدع الطبري مع أنه متقدم عليه، ولو عاد إليه لارتفع الرقم أكثر، وقد بينت في الهوامش ما ينقله من غير الطبري وهو موجود فيه.
1- مصادره من كتب التفسير:
1- تفسير جويبر بن سعيد عن الضحاك "ت ما بين 140 إلى 150".
نقل منه مباشرة1 "5" مرات، في سورة آل عمران. وأما ما نقله بواسطة فلا يشمله العدد هنا، وفي سائر المصادر.
2- تفسير محمد بن السائب الكلبي "146هـ".
نقل منه مباشرة "11" مرة، "6" مرات في البقرة و"5" في آل عمران.
و"12" مرة: لا أدري أكان النقل مباشرة أم بواسطة فإن مانقله منه كان قد نقله الواحدي في الأسباب، منها "3" مرات في البقرة و"9" في آل عمران.
ونقل منه مرات بواسطة مصرح بها عن الثعلبي والواحدي، في البقرة.
وذكره في ثلاثة مواضع ذكرًا يوحي أن التفسير ليس عنده! أو أنه لم ينشط للمراجعة. منها موضعان في "البقرة" وموضع في "النساء".
ويسميه "الكلبي" و"ابن الكلبي"! ولا يوجد لهذا التغاير2!
__________
1 أعني بقولي: مباشرة أنه لم يصرح بواسطة، وقد ثبت لي أنه يطوي ذكر الواسطة أحيانًا، كما في نقله عن مقاتل -الذي ينقل عنه الواحدي- وعبد الرزاق وسنيد اللذين ينقل عنهما الطبري، وابن عطية الذي نيقل عنه أبو حيان الأندلسي.
2 قلت: إن المفسر معروف بـ"الكلبي" وأما المعروف بـ"ابن الكلبي" فهو ابنه النسابة صاحب "جمهرة النسب" وغيره، ومع ذلك وجدت القاضي عياضًا قال مرة في "الشفاء" "قال ابن الكلبي" وترجمه شارحه الشيخ القارئ "1/ 34" بقوله: "هو محمد بن السائب أو أبو النضر المفسر النسابة الأخباري..".
وقد سماه ابن حجر: ابن الكلبي أيضًا في "فتح الباري" "7/ 158 و10/ 549"، الكلبي في "3/ 220، 8/ 356-439، 546، 11/ 309، 387، 439، 13/ 359-523".
ملاحظة: أفدت هذه الإحالات من كتاب "توجيه القارئ إلى القواعد والفوائد الأصولية والحديثية والإسنادية في فتح الباري" لحافظ ثناء الله الزاهدي "ص346 و350".
وكان الواحدي قد نقل عنه في "الأسباب": "85" مرة، وفي كل هذه المرات يسميه "الكلبي" وابن حجر ينقل عنه هنا وقد يزيد لفظ "ابن" فحيثما رأيت "ابن الكلبي" فهو من تصرفه.(1/144)
3- تفسير مقاتل بن حيان "ت قبل 150هـ".
نقل منه مباشرة مرة واحدة في البقرة، وقد يكون نقل عنه بواسطة.
4- تفسير مقاتل بن سليمان "ت150هـ".
نقل منه مباشرة "122" مرة منها "58" مرة في البقرة، و"47" في آل عمران و"17" في السناء.
5- تفسير عبد الملك بن عبد العزيز بن جريح "ت150هـ" رواية محمد بن ثور.
نقل منه مرتين في أوائل البقرة، وقد يكون نقل عنه بواسطة.
6- تفسير سفيان الثوري "ت161هـ".
نقل منه "4" مرات مرتين في البقرة ومرتين في آل عمران، الثلاثة الأولى من رواية أبي حذيفة النهدي، والرابعة من رواية الأشجعي.
7- تفسير سفيان بن عيينة "ت168هـ".
نقل منه مرة واحدة في آل عمران.
8- تفسير يحيى بن سلام "ت200هـ".(1/145)
نقل منه "13" منها "12" مرة في البقرة، ومرة واحدة في النساء.
9- تفسير عبد الرزاق بن همام الصنعاني "ت211هـ".
نقل منه "56" مرة، منها "34" مرة في البقرة و"10" مرات في آل عمران و"12" مرة في النساء. وربما نقل منه بواسطة الطبري، ولم يصرح بذكر "التفسير" إلا في "12" موضعًا.
10- تفسير محمد بن يوسف الفريابي "ت212هـ".
نقل منه "42" مرة، منها "25" مرة في البقرة و"8" مرات في آل عمران، و"9" مرات في النساء وذكر "التفسير" في "7" مواضع.
11- تفسير الحسين بن داود المعروف بـ"سنيد" "ت266هـ".
نقل منه "37" مرة، منها "6" مرات في البقرة، و"28" مرة في آل عمران، و"3" مرات في النساء. ولك ما نقله عنه رأيته في الطبري إلا رواية واحدة.
12- تفسير عبد الغني بن سعيد الثقفي "ت229هـ"1.
رجع إليه ثلاث مرات في سورة البقرة.
13- تفسير إسحاق بن راهوية الحنظلي "ت238هـ".
نقل منه "11" مرة، منها "4" مرات في البقرة، و"5" مرات في آل عمران، ومرتين في النساء، وفي ثلاثة مواضع لم يذكر "التفسير".
__________
1 يلاحظ أن المؤلف قال في "فصله الجامع": "ومن التفاسير الواهية التفسير الذي جمعه موسى بن عبد الرحمن الثقفي. ورواه عنه عبد الغني بن سعيد الثقفي وهو ضعيف" ا. هـ. باختصار، فعبد الغني هنا راوٍ ولكنه في داخل الكتاب نسب إليه تفسيرًا، فلعله هو نفسه الذي يرويه عن موسى عُرف باسمه، وكذلك عزا إليه التفسير في كتابه الإصابة "1/ 336" في ترجمة "حصين بن الحارث".(1/146)
14- تفسير عبد بن حميد "ت249هـ".
نقل منه "160" مرة، منها "96" مرة في البقرة و"35" مرة في آل عمران و"29" مرة في النساء. وقد صرح بذكر "التفسير" مرة واحدة، وبحثت عن هذه النقول الأخرى في "المنتخب من المسند" فلم أجدها.
15- أحكام القرآن لإسماعيل القاضي "ت282هـ".
نقل منه مرة واحدة في البقرة.
تفسير النسائي "303هـ" يأتي في السنن.
16- تفسير محمد بن جرير الطبري "ت310هـ".
نقل منه "610" مرات، منها "400" مرة في البقرة، و"128" في آل عمران و"82" في النساء.
17- معاني القرآن للزجاج "ت311هـ".
نقل منه "3" مرات في البقرة.
18- تفسير محمد بن إبراهيم بن المنذر النيسابوري "ت318هـ".
نقل منه "21" مرة، منها "6" مرات في البقرة و"4" في آل عمران، و"21" مرة في النساء.
19- تفسير عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي "ت327هـ".
نقل منه "179" مرة منها "87" في البقرة، و"47" في آل عمران و"45" مرة في النساء.
20- تفسير أبي الشيخ ابن حيان "ت369هـ".(1/147)
نقل منه مرتين في البقرة.
21- تفسير ابن شاهين "ت385هـ".
نقل منه مرة واحدة في آل عمران.
22- تفسير ابن مردويه "ت410هـ".
نقل منه "22" مرة منها "10" مرات في البقرة و"8" في آل عمران و"4" في النساء، وذكر "التفسير" في "5" مواضع.
23- تفسير الثعلبي "ت427هـ" "ويسمى الكشف والبيان"1.
نقل منه "129" مرة، منها "55" مرة في البقرة، و"53" في آل عمران و"21" في النساء.
24- تفسير الماوردي "ت450هـ" "وطبع بعنوان: النكت والعيون".
نقل منه "16" مرات في البقرة.
25- تفسير الواحدي "ت468": "الوسيط".
نقل منه "4" مرات في البقرة.
26- تفسير الزمخشري "ت538هـ".
نقل منه "4" مرات في البقرة.
27- تفسير ابن عطية "ت541هـ".
__________
1 أما الثعالبي صاحب "الجواهر الحسان في تفسير القرآن" فهو متأخر عنه توفي سنة "886" انظر ترجمته في "الضوء اللامع" للسخاوي "4/ 152" وقد كتب عنه الأخ أنس السعدي رسالة ماجستير في كلية العلوم الإسلامية.(1/148)
نقل منه "14" مرة في البقرة.
28- أحكام القرآن لابن العربي "ت543هـ".
نقل منه "3" مرات في البقرة.
29- تفسير ابن ظفر "ت565هـ" المسمى "ينبوع الحياة".
نقل منه "42" مرة، منها "36" في البقرة، و"6" في آل عمران.
30- "زاد المسير" لابن الجوزي "ت597هـ".
نقل منه مرتين في البقرة.
31- تفسير فخر الدين الرازي "ت606هـ".
نقل منه "6" مرات في البقرة.
32- "تفسير" المرسي "ت655هـ".
نقل منه مرة واحدة في البقرة.
33- تفسير القرطبي "ت671هـ".
نقل منه "10" مرات في البقرة.
34- تفسير الكواشي "ت680هـ".
نقل منه مرة واحدة في البقرة.
35- تفسير أبي حيان "ت745هـ" "البحر المحيط".
نقل منه "14" مرة في البقرة.(1/149)
36- "تفسير" ابن كثير "ت774هـ".
صرح بالنقل منه مرتين، في البقرة، ويبدو لي أنه أفاد منه في مواضع متعددة1.
2- مصادره من كتب علوم القرآن:
1- "الناسخ والنسوخ" لأبي داود "ت275هـ".
رجع إليه مرة واحدة في البقرة.
"فضائل القرآن" للنسائي "ت303هـ" يأتي في السنن.
2- "أسباب النزول" للواحدي "ت468هـ".
رجع إليه "119" مرة، منها "93" مرة إلى الآية "215" من سورة البقرة، ثم "18" مرة إلى نهاية السورة و"5" مرات في آل عمران و"3" مرات في النساء.
3- "ذيل الأعلام بما في القرآن من الإبهام" لابن عسكر "ت636هـ".
رجع إليه مرة واحدة في سورة البقرة.
4- "مختصر أسباب النزول" للجعبري "ت732هـ".
رجع إليه سبع مرات في سورة البقرة آخرها في الآية "120".
3- مصادره من كتب الحديث النبوي وعلومه:
__________
1 كان لابن حجر عناية بابن كثير فقد ترجمه في "الدرر الكامنة وأنباء الغمر"، واختصر كتابه "البداية والنهاية" سنة 821 انظر كتاب الدكتور شاكر "1/ 588-592" وأفاد منه كثيرًا في كتابه "موافقه الخبر الخبر" انظر مقدمة "تحفة الطالب" لابن كثير بقلم الباحث عبد الغني الكبيسي "ص68" وقد نقل عنه قولًا هنا في الآية "62" من البقرة ولم يسمه، إلى غير ذلك مما هو مبين في الهوامش.(1/150)
1- "الموطأ" لمالك بن أنس "ت179هـ".
رجع إليه "5" مرات، "4" منها في البقرة ومرة في النساء.
2- "مسند" أبي داود الطيالسي "ت203هـ".
رجع إليه مرتين في البقرة والنساء.
3- "المصنف" لعبد الرزاق الصنعاني "ت211هـ".
نقل عنه واحدة في آل عمران، ولم أجد ذلك فيه.
4- "مسند" الحميدي "ت219هـ".
رجع إليه مرة واحدة في آل عمران.
5- "النكاح" لأبي عبيد القاسم بن سلام "ت224هـ".
نقل عنه مرة واحدة في النساء.
6- "السنن" لسعيد بن منصور "ت227هـ"1.
رجع إليه "3" مرات، مرة في البقرة ومرتان في آل عمران.
7- "مسند" يحيى بن حميد الحماني "ت228هـ".
رجع إليه مرة واحدة في آل عمران.
8- "مسند" مسدد بن مسرهد "ت228هـ".
__________
1 كان من مصادر السيوطي في "الإتقان" تفسير سعيد بن منصور قال "1/ 7": "وهو جزء من سننه" فلعل الحافظ ابن حجر كان يريده، ولم أجد هذه النقولات فيما طبع من السنن، وما يزال "التفسير" مفقودا. "وهذا الجزء المفقود يطبع الآن بتحقيق الشيخ سعد الحميد، دار ابن الجوزي"(1/151)
رجع إليه مرة واحدة في آل عمران.
9- "مسند" أبي بكر بن أبي شيبة "ت235هـ".
رجع إليه مرة واحدة في آل عمران.
10- "مسند" إسحاق بن راهوية "ت238هـ".
رجع إليه ثلاث مرات في البقرة.
11- "مسند" أحمد بن حنبل "ت241هـ".
رجع إليه "42" مرة منها "22" مرة في البقرة، واثنتا عشرة مرة في آل عمران وثماني مرات في النساء.
12- "مسند" ابن أبي عمر العدني "ت243هـ".
رجع إليه مرة واحدة في البقرة.
12- "مسند" عبد بن حميد "ت249هـ".
رجع إليه مرة واحدة في البقرة.
14- "السنن" للدارمي "ت255هـ".
رجع إليه مرة واحدة في البقرة.
15- "صحيح" البخاري "ت256هـ".
رجع إليه "60" مرة منها "29" مرة في البقرة و"17" مرة في آل عمران، و"14" في النساء.
16- "الزهريات" للذهلي "ت258هـ".(1/152)
رجع إليه مرتين، في البقرة وآل عمران.
17- "صحيح" مسلم "ت261هـ".
رجع إليه "41" مرة، منها "19" مرة في البقرة و"11" مرة في آل عمران و"11" مرة في النساء.
18- "سنن" أبي داود "ت275هـ".
رجع إليه "29" مرة، منها "21" مرة في البقرة، و"11" مرة في آل عمران، و"6" مرات في النساء.
20- "سنن" ابن ماجه "ت283هـ".
رجع إليه "9" مرات، مرة في البقرة و"3" مرات في آل عمران، و"5" مرت في النساء.
21- "مسند" البزار "ت292هـ".
رجع إليه "4" مرات، مرة في البقرة وأخرى في آل عمران ومرتين في النساء.
22- "السنن" لأبي مسلم الحجي "ت298هـ".
رجع إليه مرتين، في البقرة والنساء.(1/153)
23- "سنن" النسائي "ت303هـ" "الصغرى والكبرى"1.
رجع إليه "39" مرة منها "20" مرة في البقرة، و"10" مرات في آل عمران و"9" مرات في النساء. ومن كتب "الكبرى" التى أفاد منها -ووقفت عليها: "التفسير" و"عشرة النساء" فلم يصرح بهما، "فضائل القرآن" وقد رجع إليه مرة واحدة.
24- "مسند"2 إبراهيم بن "دُحيم: عبد الرحمن" "ت303هـ".
رجع إليه مرة في النساء الآية "65".
25- "مسند" الحسن بن سفيان "ت303هـ".
رجع إليه أربع مرات، واحدة في البقرة والباقي في النساء.
26- "مسند" أبي يعلي "ت307هـ".
رجع إليه سبع مرات: "3" منها في البقرة والباقي في آل عمران.
27- "مسند" الروياني "ت307هـ".
رجع إليه مرة واحدة في البقرة.
__________
1 لم أجد الحافظ ابن حجر يفرق في العزو إلى النسائي بين الصغرى والكبرى ثم رأيت شيخنا الأستاذ محمد عوامة قال في تعليقه على مسند أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز للباغندي "ص286": "وكان الحافظ ابن حجر ممن يتابع المزي في العزو إلى النسائي سواء كان في الصغرى أو الكبرى".
ولو ذُكر "تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف" للمزي في مصادره هنا فليس بخطأ وإن لم يصرح به.
2 سماه ابن كثير والسيوطي: "تفسيرًا" أفهما كتابان أم في النقل هنا خطأ؟ الله أعلم.(1/154)
28- "صحيح" ابن خزيمة "ت311هـ".
رجع إليه ست مرات، "3" منها في البقرة والأخرى في آل عمران.
29- "صحيح" أبي عوانة "ت316هـ" وهو "المستخرج على مسلم".
رجع إليه مرة واحدة في البقرة.
30- "مشكل الآثار" للطحاوي "ت321هـ".
رجع إليه مرة واحدة في البقرة.
31- "شرح معاني الآثار" له.
رجع إليه مرة واحدة في البقرة.
32- "غرائب مالك" لدعلج "ت351هـ".
رجع إليه مرة واحدة في البقرة.
33- "الدعاء" للطبراني "ت360هـ".
رجع إليه مرتين في البقرة.
34- "المعجم الكبير" له.
رجع إليه فيما تأكد عندي "10" مرات منها "3" في البقرة و"4" في آل عمران و"3" في النساء ولم يصرح به إلا مرتين، في البقرة وآل عمران، وثم "5" مواضع آخرى أخرجتها من مجمع الزوائد للهيثمي، و"3" أخرى لم أجدها في الكبير، وحديث سقط اسم صحابيه! ومجموع هذا "19" موضعًا.
35- "المعجم الأوسط" له.(1/155)
156- صرح بالرجوع إليه "6" مرات، "3" منها في البقرة و"2" في آل عمران و"1" في النساء.
36- "فوائد" أبي الشيخ ابن حيان "ت369هـ".
رجع إليه مرة واحدة في البقرة.
37- "السنن" للدارقطني "ت385هـ".
رجع إليها "3" مرات في البقرة.
38- "الأفراد" له.
رجع إليه مرة واحدة في آل عمران.
39- "غرائب مالك" له.
رجع إليه "5" مرات في البقرة.
40- "رواية حامد الرفاء" "ت356هـ" تخريج الدارقطني.
رجع إليه مرة واحدة في البقرة.
40- "المستخرج على صحيح البخاري" للإسماعيلي "ت371هـ".
رجع إليه مرتين في البقرة والنساء.
42- "جزء لوين" "ت245هـ" وصاحبه أبو حعفر الأبهري "ت393هـ".
رجع إليه مرة واحدة في البقرة.
43- "المستدرك على الصحيحين" للحاكم "ت405هـ".
رجع إليه "35" مرة، منها "19" مرة في البقرة و"13" في آل عمران و"3" في(1/156)
النساء.
44- المستخرج "على صحيح البخاري" لأبي نعيم الأصبهاني "ت430هـ".
رجع إليه مرة واحدة في البقرة.
45- "المستخرج" "على صحيح مسلم" له أيضًا.
رجع إليه مرة واحدة في البقرة.
46- "التمهيد" لابن عبد البر "ت463هـ".
نقل عن ابن عبد البر مرتين في البقرة إحداهما من التمهيد.
47- "الجمع بين الصحيحين" للحميدي "ت488هـ".
رجع إليه مرة واحدة في البقرة.
48- "المختارة" للضياء المقدسي "ت463هـ".
رجع إليه مرة واحدة في البقرة.
49- "الترغيب والترهيب" للمنذري "ت656هـ".
رجع إليه مرة واحدة في البقرة.
50- "زوائد المسند" -مسند أحمد- للهيثمي "ت807هـ".
رجع إليه مرة واحدة في البقرة.
51- "تغليق التعليق" للمؤلف "ت852هـ".
ذكره مرة واحدة في البقرة.(1/157)
52- "فوائد" أحمد بن أسامة التجيبي "ت؟ ".
رجع إليه ست مرات في البقرة.
4- مصادره من كتب السيرة:
1- "المغازي" لموسى بن عقبة "ت141هـ".
ذكره في الفصل الجامع، ورجع إليه، مرة واحدة في البقرة.
2- "السيرة" لابن إسحاق "ت151هـ".
وهي تضم ثلاث كتب: المبتدأ والسيرة والمغازي.
وقد ذكر الأول مرة واحدة في البقرة، والثاني "1" مرة، "4" منها في البقرة و"6" في آل عمران ومرة في النساء، وذكرها باسم "السيرة الكبرى"1 في موضعين من تلك المواضع في البقرة وآل عمران.
ورجع إلى المغازي "10" مرات، "4" منها في البقرة و"6" في آل عمران وصرح أنها من رواية يونس بن البكبير وسلمة بن الفضل.
وكل ما جاء أنه من رواية ابن إسحاق عن محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت ... إلخ فهو من السيرة، وقد يعود فيه المؤلف إلى تفسير الطبري.
3- "المغازي" للواقدي "ت207هـ".
ذكره في "الفصل الجامع".
4- "السيرة" لابن هشام "ت218هـ".
__________
1 وكذلك سماها في كتابه "الإصابة" "4/ 506" في ترجمة مالك بن كعب الأنصاري من القسم الرابع.(1/158)
رجع إليه مرة واحدة في آل عمران.
5- "دلائل النبوة" للبيهقي "ت458هـ".
رجع إليه "3" مرات في آل عمران، ولم يسمه في المرة الأولى.
6- "الشفاء" لعياض "ت544هـ".
رجع إليه مرة واحدة مصرحًا باسمه، ونقل عن عياض مرة أخرى ولم أجد ما نقله فيه.
7- "الروض الأنف" للسهيلي "ت581هـ".
رجع إليه مرتين في البقرة.
5- مصادره من كتب التاريخ:
1- "الطبقات الكبرى" لمحمد بن سعد "ت230هـ".
رجع إليه مرة واحدة في البقرة.
2- "التاريخ" ليحيى بن معين "ت233هـ".
نقل عن يحيى ثلاث مرات في البقرة، وأولى هذه المرات من التاريخ والثانية بواسطة لم يصرح بها، والثالثة يظهر أنها من "تهذيب الكمال" للمزي "ت742هـ".
3- "كتاب مكة" للأزرقي "ت250هـ".
رجع إليه مرة واحدة في النساء.
4- "التاريخ الكبير" للبخاري "ت256هـ".
رجع إليه مرة واحدة في البقرة.(1/159)
5- "النسب" للزبير بن بكار "ت256هـ".
رجع إليه مرة واحدة في آل عمران.
6- "التاريخ" لابن أبي خيثمة "ت279هـ".
رجع إليه "3" مرات، لابن أبي خيثمة "ت279هـ".
رجع إليه "3" مرات، الأولى في البقرة والأخريان في النساء.
7- "معجم الصحابة" للبغوي "ت317هـ".
رجع إليه مرة واحدة في البقرة.
8- "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم "ت327هـ".
رجع إليه مرة واحدة في آل عمران.
9- "كتاب مكة" للفاكهي "ت353هـ".
رجع إليه "6" مرات، "3" منها في البقرة وهو هنا لم يسم الكتاب، ومرة في آل عمران، ومرتان في النساء.
10- "الصحابة" لأبي علي بن السكن "ت353هـ".
رجع إليه مرة واحدة في البقرة.
11- "الثقات" لابن حبان "ت354هـ".
رجع إليه مرة واحدة في البقرة.
12- "الضعفاء" له أيضًا.
مرة واحدة في البقرة.
13- "تاريخ نيسابور" للحاكم "ت405هـ".
مرة واحدة في البقرة.(1/160)
مرة واحدة في البقرة.
14- "حلية الأولياء" لأبي نعيم "ت430هـ".
مرة واحدة في البقرة.
15- "معرفة الصحابة" له أيضًا.
مرة واحدة في البقرة.
16- "المؤتنف تكملة المؤتلف والمختلف" للخطيب البغدادي "ت463هـ".
مرة واحدة في البقرة.
17- "الضعفاء" للعقيلي "ت463هـ".
مرة واحدة في البقرة.
18- "تاريخ دمشق" لابن عساكر "ت571هـ".
مرة واحدة في البقرة.
19- تهذيب الكمال في أسماء الرجال" للمزي "ت742هـ" انظر الرقم "2" هنا، ولا بد أنه أفاد منه في حكمه على الرواة.
20- "الإصابة في تمييز الصحابة" للمؤلف "ت852هـ".
مرة واحدة في البقرة.
6- مصادر أخرى:
1- "الرسالة" للشافعي "ت204هـ".
رجع إليه مرة واحدة في النساء.
2- "الفصل في الملل والنحل" لابن حزم "456هـ".
رجع إليه مرة واحدة في البقرة.
3- وقد رجع إلى كتاب لأبي عبيد في سورة البقرة ولم أعرفه.
4- وأبهم موارد فقال عن اسم: ذكره أصحاب المشتبه وذلك في آل عمران.(1/161)
المبحث الرابع: آراؤه
لم يفرد المؤلف لبيان آرائه في قضايا علم أسباب النزول فصلًا يوردها فيه وقد قمت بتتبع كلماته وإيراده الروايات لأقف على ذلك، فكان لدي ما يأتي.
1- مفهوم سبب النزول عنده:
لم أجده يصرح بهذا المفهوم في شيء من كتابه، إلا أنه من خلال انتقاده للواحدي نعلم أنه يفرق بين سبب نزول الآية على النبي صلى الله عليه وسلم وبين سبب الحوادث أو الأمور التي اشتملت عليها الآية.
وتوضيح هذا أنه قال في الآية "255" من سورة البقرة وهي {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَه} :
"قال الثعلبي: قال المفسرون: سبب نزولها أن الكفار كانوا يعبدون الأصنام ويقولون: هؤلاء شفعاؤنا عند الله فانزل {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} إلى آخرها فبين الله أن لا شفاعة إلا لمن أذن له.
هذا يصلح في هذا الكتاب، وأما الذي قبله فليس هو سبب نزولها على النبي، وإنما هو سبب محصل ما اشتملت عليه على موسى1، وقد ذكر الواحدي نظائر لذلك وليس من شرطه ... " وهذا الذي قبله هو ما أورده في قوله تعالى: {لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ} إذ قال: "أخرج ابن أبي حاتم وأبو نعيم ... عن سعيد "بن جبير" قال: قالت بنو إسرائيل لموسى: هل ينام ربك؟ قال: فقال موسى: اتقوا الله، فقالوا: أيصلي ربك؟ قال:
__________
1 كذا العبارة في الأصل.(1/162)
اتقوا الله، فقالوا: هل يصبغ ربك؟ قال: اتقوا الله، قال: فأوحى الله إليه إن بني إسرائيل سألوك أينام ربك فخذ زجاجتين فضعهما على كفيك ثم قم الليل.
قال: ففعل موسى ذلك، فلما ذهب من الليل ثلث نعس موسى فوقع لركبتيه ثم ضبطهما فقام، فلما أدبر الليل نعس أيضًا فوقع لركبتيه فسقطت الزجاجتان فانكسرتا، فأوحى الله: لو كنت أنام لسقطت السماوات على الأرض، ولهلك كل شيء كما هلك هاتان قال أشعث "عن جعفر عن سعيد": وفيه نزلت {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} الحديث".
وقال في الآية "260" وهي قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى} : "ذكر الواحدي ما أورده أئمة التفسير في ذلك عن ابن عباس والحسن وعكرمة وقتادة وعطاء الخراساني والضحاك وابن جريج وابن إسحاق في كتاب المبتدأ، وهذا ليس من أسباب النزول التي يكثر السؤال عنها، ويبني عليها الأحكام أهل الكلام حيث يكون الحكم عامًّا، أو يختص بها من نزلت بسببه، وإنما هو من ذكر أسباب ما وقع في الأمم الماضية، وقد أخل بالكثير من هذا.." إذن فهو يرى أن أسباب النزول المقصودة هي ما يقع أيام نزول القرآن وليته اقتصر على هذا فلم يستدرك النوع الثاني.
هذا وقد نقل عن الجعبري في كلامه على الفاتحة أن نزول البسملة سببين، أحدهما التبرك بالابتداء بها، والثاني الفصل بين السورتين.
ومثل هذا لا يعد من أسباب النزول بالمعنى الاصطلاحي، وقد يشعر نقله هذا بأنه لا يفيد النزول بالأسباب الأرضية.
وفات ابن حجر أن الواحدي تكلم على أول ما نزل وآخر ما نزل وآية التسمية والفاتحة من باب التقديم لكتابه لا أنه يقصد أن لها أسبابًا فقد قال في خاتمة(1/163)
مقدمته: "ولا بد من القول أولًا في مبادئ الوحي، وكيفية نزول القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعهد جبريل إياه بالتنزيل، والكشف عن تلك الأحوال، والقول فيها على طريق الإجمال، ثم نفرغ للقول مفضلًا في سبب نزول كل آية روي لها سبب مقول، مروي منقول ... "1.
والسبب عنده قد يكون في الدنيا، وقد يكون في عالم الغيب، والأول كثير، ومن الثاني ما ذكره في سبب نزول الآية "169" من سورة آل عمران وهي: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} .
وقد وقع منه ما يثير التساؤل:
ذلك أن الواحدي أورد عن المسور بن مخرمة قال: قلت لعبد الرحمن بن عوف: أي خال أخبرني عن قصتكم يوم أحد. قال: اقرأ العشرين ومائة من آل عمران تجد قصتنا {وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَال} إلى قوله: {مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا} .
فقال ابن حجر: "ليس في هذا سبب نزول وإنما كتبته تبعًا له" أقول: صحيح أنه لم يذكر جزئية ولكن أليس الفصل كله قد نزل بسبب المعركة تلك وأحداثها ومخلفاتها؟
على حين نجده أصاب في نقده ما أورده الواحدي في الآية "200" من آل عمران إذ قال: "أورده الواحدي وليس من شرطه" فانظره في محله.
ومما يتعلق بمفهوم سبب النزول: ضرورة أن تكون الرواية منسجمة مع الآية في سياقها.
__________
1 أسباب نزول القرآن" "ص6".(1/164)
وقد التفت الحافظ ابن حجر إلى ذلك في مواضع متعددة منها في الآية "194" من سورة البقرة الرقم "106" والآية "65" من سورة النساء الرقم "312".
2- الألفاظ الدالة على سبب النزول:
لم يبين لنا ابن حجر الألفاظ الدالة على سبب النزول عنده إلا إنه التزم في مقدمته أن لا يذكر إلا ما هو سبب نزول ببادئ الرأي لا ما يكون من هذا القبيل بضرب من التأويل.
وهذا الالتزام يعني أن ينص على قصة صريحة تقع في عهد الني صلى الله عليه وسلم فينزل فيها قرآن، ولكن المؤلف لم يلتزم ذلك.
فقد ذكر ما يحتاج إلى تأويل وما لا ينفع معه التأويل فلاحظ معي:
- قال في قوله تعالى: {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ} البقرة "284" "قيل: نزلت في كتمان الشهادة".
أسند الطبري من طريق يزيد بن أبي زيادة عن مقسم عن ابن عباس أنه قال: "في هذه الآية ... نزلت في كتمان الشهادة ... ".
- وقال في قوله تعالى: {فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَة} النساء "74" "قال الثعلبي: معناه أنه يؤمر بالإيمان ثم بالقتال.
قال: وقال بعضهم: نزلت هذه الآية في المؤمنين المخلصين".
فأين سبب النزول هنا؟
والظاهر أنه يرى في لفظة: "نزلت في كذا" سببًا صريحًا، سواء ذكرت واقعة عينية أم لم تذكر.(1/165)
"وأخرج البخاري ... عن أبي هريرة رفعه: من أتاه الله مالًا فلم يؤد زكاته مثل له شجاعًا أقرع.. ثم تلا هذه الآية ".
وأين "تلا" من "نزل"؟
3- طريق اعتماد الأسباب:
انتقد ابن حجر الواحدي لأنه أورد أسبابًا بغير إسناد وأن فيما أورده من الأسانيد ما لا يثبت وهذا يعني أنه يرى الأسباب مرتبطة بالإسناد، وقائمة عليه ويشترط فيه أن يكون صحيحًا.
ولكن الواقع يثبت أنه لم يلتزم ذلك، وقد دفعه حب الاستيعاب والاستقصاء إلى إيراد ما قاله مقاتل والكلبي والزجاج والثعلبي وابن ظفر وفي ذلك ما لا يصح وما ليس له إسناد أصلًا.
وهو معذور في النقل عن مقاتل والكلبي وغيرهما من الضعفاء، لكلامه عليهم في المقدمة، فأما ما ليس له إسناد فهو خارج عن شرطه.
4- تعدد الأسباب والنازل واحد:
صرح ابن حجر في كلامه على الآية "11" من سورة النساء أنه "لا يمتنع نزولها في عدة أسباب".
وفي الآية "128" من آل عمران وهي {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْء} أورد ما أصاب النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد ثم أورد رواية عند مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا على لحيان ورعل وذكوران وعصية ثم ترك ذلك لما نزلت عليه الآية.
وهنا قال: "وفي هذا نظر لأن ظاهر الآثار الماضية أن الآية نزلت أيام أحد، وقصة بئر معونة متراخية عن ذلك بمدة، لكن يمكن الجمع بأن نزولها تأخر حتى وقعت بئر(1/166)
ورعل وذكوان وعصية ثم ترك ذلك لما نزلت عليه الآية.
وهنا قال: "وفي هذا لا ينظر لأن ظاهر الآثار الماضية أن الآية نزلت أيام أحد، وقصة بئر معونة متراخية عن ذلك بمدة، لكن يمكن الجمع بأن نزولها تأخر حتى وقعت بئر معونة فكان يجمع الدعاء بين من شج وجهه بأحد، ومن قتل أصحاب بئر معونة، فنزلت الآية في الفريقين جميعًا فترك الدعاء على الجميع، وبقي بعد ذلك الدعاء للمستضعفين إلى أن خلصوا وهاجروا وهذه أولى من دعوى النزول مرتين".
وهذا تصريح آخر بقوله بتعدد الأسباب، وإن كان قد ذهب بعد في "فتح الباري" إلى أن ذكر نزول هذه الآية بلاغ من الزهري لا يصح، وعد الصواب نزولها في أحداث أحد على أنه لم يخل الأمر من احتمال فقال: "ويحتمل أن يقال إن قصتهم كانت عقب ذلك وتأخر نزول الآية عن سببها قليلًا، ثم نزلت في جميع ذلك"1.
ومهما يكن فإن هذا المعنى -أي تعدد الأسباب- تعدد منه في الفتح2، مما يدل على أنه رأي له ملتزم، ووجدنا السيوطي يستند إليه3.
وقد أورد هنا في كتابه هذا في آيات كثيرة أسبابًا متعددة، وعلينا حين نمر عليها أن نلاحظ أسانيدها، فإن لم يكن الترجيح بمرجح، وكانت غير متباعدة صرنا إلى القول بتعدد الأسباب.
وفيما يأتي بيان الآيات التي ذكر فيها أكثر من سبب، أبدأ بالآية وبجانبها رقم الأسباب.
__________
1 "فتح الباري" "8/ 227".
2 انظر "8/ 213، 227، 233، 531، 550".
3 انظر "لباب النقول" "ص178".(1/167)
سورة البقرة:
76: 3، 102: 2، 108: 2، 109: 2، 114: 2، 115: 5، 138: 2، 177: 2، 183: 2، 186: 6، 189: 6، 190: 2، 194: 2، 195: 9، 196: 2، 197: 2، 198: 3، 199: 2، 200: 3، 204: 2، 207: 6، 215: 2، 223: 3، 224: 2، 228: 2، 232: 2، 245: 2، 256: 4، 271: 2، 272: 2، 274: 2.
سورة آل عمران:
7: 3، 12: 2، 19: 4، 23: 4، 28: 4، 31: 4، 32: 2، 65: 2، 77: 4، 79: 4، 86: 2، 128: 5، 135: 3، 161: 4، 165: 2، 169: 4، 180: 2، 188: 5.
سورة النساء:
2: 2، 3: 2، 4: 4، 5: 3، 6: 2، 11: 4، 19: 2، 24: 2، 32: 2، 33: 3، 43: 2، 43: 4، 49: 2، 59: 4، 60: 3، 77: 2، 78: 2.
والقول بالتعدد ذهب إليه ابن تيمية1 والسيوطي2 والآلوسي3 وهو صنيع كثير من المفسيرين4 ونازع فيه بعض المعاصرين5 كما أسلفت وأرى أن للتعدد
__________
1 انظر "الفتاوى الكبرى" "13/ 340".
2 وهذا رأيه الآخير كما في "الإتقان" "1/ 33" وكان في "التحبير" قد قال "ص78":
"فإن استويا "أي الإسنادان" فهل يحمل على النزول مرتين أو يكون مضطربًا يقتضي طرح كلٍ منهما؟ عندي فيه احتمالان، وفي الحديث ما يشبهه".
3 انظر "روح المعاني" "3/ 204" ونصه: "ولا مانع من تعدد سبب النزول كما حققوه".
أفدت هذه الإحالة من كتاب "الآلوسي مفسرًا" لأستاذنا الدكتور محسن عبد الحميد "ص226".
4 انظر على سبيل المثال "زاد المسير" لابن الجوزي.
5 أعني الباحث عبد الرحيم أبا علبة في رسالته "أسباب نزول القرآن" "ص239".(1/168)
صورتين:
الصورة الأولى: تعدد أسباب لآية تشتتمل على عدة مضامين ولم تكن هذه الأسباب معلومة التباعد، وهذا ينبغي أن لا يكون فيه نزاع، فإن كانت معلومة التباعد فهذا يعني تجزئة الآية وسيأتي بحث ذلك.
الصورة الثانية: تعدد أسباب لآية ذات مضمون واحد، وهذا ينظر فيه إلى الأسانيد ويرجع إلى المرجحات وإلا قيل بالتعدد، وليس في ذلك -عندئذ- من مانع عقلًا ولا نقلًا.
5- تعدد النازل والسبب واحد:
لقد أورد ابن حجر أقوالًا أو روايات تصرح بنزول أكثر من آية بسبب واحد ولم يعلق عليها مما يشير إلى قبوله هذا الأمر ومن ذلك في الآية "136" من البقرة و"26" من آل عمران و"51" من النساء، وهذا إن نازع فيه بعض الباحثين وقال بأنه يحتاج إلى تحرير وتحقيق1 قد يكون مقبولًا بالقياس إلى أمر آخر لاحظته في "العجاب" وهو أن المؤلف رحمه الله كان يورد آية ويحيل على نظيرها.
- فمن ذلك أنه قال في الآية "123" من البقرة: {وَاتَّقُوا يَوْمًا لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا} "تقدم".
- وفي الآية "69" من آل عمران: {وَدَّتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَاب} : "تقدم في قوله تعالى في سورة البقرة: {وَدَّ كَثِيرٌ} ".
- وفي الآية "99" منها: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّه} . "تقدم في نظيرتها أي: "69 أنها نزلت في حذيفة ... ".
- وفي الآية "176" منها أيضًا: {وَلا يَحْزُنْكَ} : "تأتي في تفسير سورة
__________
1 "أسباب نزول القرآن" لأبي علبة "ص245".(1/169)
المائدة" وغير ذلك.
وهذا الأمر غريب، وليس من الضرورة في الآيات المتشابهة في اللفظ أو في المعنى أن يكون لها سبب واحد ما دام أن هذا العلم يستند إلى النقل الصحيح أولًا، فإذا لم يكن هناك فيجب التوقف.
6- تكرر النزول:
مر معنا أن ابن تيمية يجيزه وكذلك الزركشي، والسيوطي، وغيرهم، وعبارة ابن حجر السابقة في أن الجمع أولى من دعوى النزول مرتين تشير إلى إمكانية القول به عنده ولكن حين لا يمكن الجمع.
يقول السيوطي في النوع الحادي عشر وهو معقود لـ"ما تكرر نزوله"1:
"صرح جماعة من المتقدمين والمتأخرين بأن من القرآن ما تكرر نزوله".
ثم يقول: "أنكر بعضهم كون شيء من القرآن تكرر نزوله، كذا رأيته في كتاب "الكفيل بمعاني التنزيل"2.
- وعلله بأن تحصيل ما هو حاصل لا فائدة فيه.
وهو مردود بما تقدم من فوائده.
- وبأنه يلزم منه أن يكون كل ما نزل بمكة نزل بالمدينة مرة أخرى فإن جبريل كان يعارضه القرآن كل سنة.
ورد بمنع الملازمة.
__________
1 انظر "الإتقان" "1/ 35-36".
2 ذكره الحاج خليفة في "كشف الظنون" "2/ 1502" وقال: "وهو تفسير العماد الكندي قاضي الإسكندرية النحوي المتوفى سنة 720.. وهو تفسير ضخم في ثلاث وعشرين مجلدة كبيرة..".(1/170)
- وبأنه لا معنى للإنزال إلا أن جبريل كان ينزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم بقرآن لم يكن نزل به من قبل فيقرئه إياه.
ورد بمنع اشتراط قوله: لم يكن نزل به من قبل.
- ثم قال: ولعلهم يعنون بنزولها مرتين أن جبريل نزل حين حولت القبلة فأخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أن الفاتحة ركن من الصلاة كما كانت فظن ذلك نزولًا لها مرة أخرى، أو أقرأه فيها قراءة أخرى لم يقرئها له بمكة فظن ذلك إنزالًا.
وقد نقل الشيخ طاهر الجزائري كلام المنكر وحدف ردود السيوطي ومال إلى عدم القول بالتكرار غير منكر له1.
وأرى أن الخلاف قد يعود لفظًا، وإذا بدلنا لفظ "التكرار" وقلنا إنه نزل للتذكير به مثلًا: إما لحدوث واقعة تشتمل الآية على حكمها، أو للمعارضة السنوية، ارتفع به مثلًا: إما لحدوث واقعة تشتمل الآية على حكمها، أو للمعارضة السنوية، ارتفع الخلاف إن شاء الله.
7- تجزئة الآية:
الظاهر من عمل المؤلف أنه يقبل نزول الآية مجزأة، وقد أورد روايات تفيد ذلك وسكت عليها، ومن ذلك رواية الشيخين في سبب نزول قوله تعالى: {مِنَ الْفَجْرِ} في الآية "187" من سورة البقرة {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُم} إلى أن قال: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} .
ونص البخاري:
عن سهل بن سعد قال: أنزلت {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} ولم ينزل {مِنَ الْفَجْر} وكان رجال إذا أردوا الصوم ربط
__________
1 انظر "التبيان" له "ص56".(1/171)
أحدهم في رجليه الأبيض والخيط الأسود، ولا يزال يأكل حتى يتبين له رؤيتهما، فأنزل الله بعده {مِنَ الْفَجْر} فعلموا أنما يعني الليل من النهار.
ثم نقل عن ابن عطية قوله: "روي أنه كان بين طرفي المدة عام "من رمضان إلى رمضان تأخر البيان إلى وقت الحاجة".
ونقل في "فتح الباري" عن القرطبي المحدث مثل هذا1 دون أن يذكر هو ولا ابن عطية من قبله دليلًا وسكت ابن حجر في كتابيه، وعلى أية حال فإن المهم وهو أن الحديث صريح ينزول جزء من الآية متأخر عنها. ويقول السيوطي في "التحبير"2:
"والذي استقرئ من الأحاديث الصحيحة وغيرها أن القرآن كان ينزل على حسب الحاجة خمسًا وعشرًا وأقل، وآية وآيتين، وقد صح نزول قصة الإفك جملة وهي عشر آيات، ونزول بعض آية وهي قوله تعالى: {غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} 3.
وهذا الحديث رواه البخاري من طرق متعددة منها عن ابن شهاب قال: حدثني سهل بن سعد الساعدي أنه رأى مروان بن الحكم في المسجد، فأقبلت حتى جلست إلى جنبه؛ فأخبرنا أن زيد بن ثابت أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أملى عليه {لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّه} فجاءه ابن أم مكتوم وهو يملها عليَّ قال: يا رسول الله والله لو استطيع الجهاد لجاهدت -وكان أعمى- فأنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم وفخذه على فخذي، فثقلت على حتى خفت أن ترض فخذي ثم سرّي عنه فأنزل الله {غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} 4.
__________
1 "فتح الباري" "4/ 134".
2 انظر "النوع العشرين: كيفية النزول" "ص117".
3 النساء: "95".
4 "صحيح البخاري مع الفتح" "8/ 259".(1/172)
قال ابن حجر في شرحه1: "وزاد في رواية خارجة بن زيد: قال زيد بن ثابت: فوالله لكأني أنظر إلى ملحقها عند صدع كان في الكتف".
وقد عد بعض الباحثين2 القول بتجزئة تنزيل الآية الواحدة إشكالًا وقال:
"لقد ثبت بالتواتر أن ترتيب الآيات في السور توقيفي، وأن الآية كانت تنزل متكاملة دون تجزئة والقول: بخلافه لا يقبل إلا إذا ورد دليل قطعي عليه قال الشافعي رحمه الله3: "ولم أعلم مخالفًا أن كل آية أنما أنزلت متتابعة لا مفرقة، وقد تنزل الآية ان في السورة مفرقتين، فأما آية فلا؛ لأن معنى الآية أنها كلام واحد غير منقطع.." وعليه فلا بد من تأويل أو رد رواية سهل بن سعد الساعدي التي رواها البخاري.
أقول: وهذا كلام لا يثبت على النقد، فأين التواتر في نزول الآية متكاملة؟ والاستشهاد بكلام الإمام الشافعي لا يسلم فكل ما هنالك أنه نفى علمه هو إذ ثبت ذلك في الحديث، ولأكثر من واقعة أيضًا فرده مردود، وتأويله غير سائغ وهذه جزأة على الصحيح غير محمودة {وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ} 4.
نعم قد يقال: إن إلحاق مقطع بالآية بعد عام وقد سارت في الآفاق وانتشرت بين المسلمين يثير إشكالًا في كيفية إلحاقها؟!
أقول: إن الفارق الزمني المقدر بعام في الآية الأولى لم يثبت، وفي الحالة الثانية كان الفارق يسيرًا جدًّا، ومهما يمكن فإذا ثبت مثل هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فالأمر
__________
1 "8/ 261".
2 انظر "أسباب نزول القرآن" لأبي علبة "ص234".
3 انظر "أحكام القرآن" له الذي جمعه البيهقي، مبحث "ما يؤثر عنه في الصيام" "ص124".
4 من سورة النحل، الآية "101".(1/173)
متروك له وهو المبلغ المختار {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَه} 1.
وينبغي أن نعلم أن ذكر أسباب متعددة للآية ذات المضامين المتعددة لا يعني بالضرورة نزولها مجزأة، فقد تقع الأسباب ثم تنزل الآية لتعالجها كلها.
وكذلك يقال في الفصل القرآني ذي الموضوع الواحد الذي تذكر له أسباب، لكل آية منه سبب، فإن هذا لا يعني بالضرورة أيضًا نزوله مفرقًا.
8- عموم اللفظ وخصوص السبب:
لم يذكر المؤلف عن هذه القاعدة صريحًا، إلا أنه في الآية "7" من آل عمران التي فيها {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْه} أخرج حديثًا مرفوعًا رواه الإمام أحمد قال: هم الخوارج ثم قال: "وذكر الخوارج نبه به الحديث المذكور على من ضاهاهم في اتباع المتشابه وابتغاء تأويله فالآية شاملة لكل مبتدع سلك ذلك المسلك.
قال ابن حجر: المراد في قلوبهم زيغ كل مبتدع بدعة تخالف ما مضى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فتأول من بعض الآيات التأويل ما يشيد به بدعته".
وذكره لكلام ابن جرير يشير إلى قاعدة: "العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب"2.
كما أنه في الآية "204" من سورة البقرة {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} نقل عن الطبري من طريق أبي معشر نجيح بن عبد الرحمن، قال:
__________
1 من سورة الأنعام، الآية "124".
2 من الموافقات الطريفة أن الأستاذ الدكتور غانم قدوري حمد استشهد بكلام ابن جرير هذا للغرض نفسه، ولم يقف على كتاب ابن حجر انظر كتابه "محاضرات في علوم القرآن" "ص217".(1/174)
سمعت سعيدًا المقبري يذاكر محمد بن كعب فقال: إن في الكتب: "إن لله عبادًا ألسنتهم أحلى من العسل وقلوبهم أمر من الصبر". الحديث، فقال محمد بن كعب هذا في كتاب الله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} الآية فقال سعيد: قد عرفت فيمن أنزلت هذه الآية؟ فقال محمد بن كعب: إن الآية لتنزل في الرجل ثم تكون عامة بعد".
وقد استدل السيوطي بهذا الخبر على هذه القاعدة1 -مع أن السند ضعيف- وتعرض ابن حجر لذكرها في مواضع متعددة من الفتح2، وفي إحداها نقل عن الإمام المازري قوله:
"والعموم إذا خرج على سبب قصر عليه عند بعض الأصوليين، وعند الأكثر العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب"3.
هذا وقد أكد ابن حجر هنا في موضعين أن القول بعموم اللفظ لا يمنع خصوص السبب ففي الآية "121" من البقرة {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِه} نقل عن قتادة وعكرمة: "نزلت في أصحاب محمد"، ثم قال: "وجوز غيره "هو ابن عطية": أن يكون المراد عموم المسلمين انتهى وهذا لا يمنع خصوص السبب".
وفي الآية "188" منها أيضًا وهي {وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّام} نقل عن الرازي قوله: "قيل المراد مالًا بينه عليه كالودائع، وقيل: شهادة الزور وقيل: في دفع الأوصياء بعض مال الآية ام إلى الحاكم، وقيل: أن يخلف ليذهب حق غريمة وقيل: تزلت في
__________
1 انظر "الإتقان" "1/ 29".
2 انظر 1/ 18، 261، 315، 4/ 184، 5/ 228، 8/ 185، 191، 213، 214، 9/ 459، 659، 12/ 35، 107، 13/ 112، وهذه الإحالات مستفادة من "توجيه القاري" للزاهدي "ص: 81".
3 انظر "فتح الباري" "8/ 191".(1/175)
الرشوة وهو الظاهر وإن كان الكل منهيًا عنه".
وهنا علق ابن حجر: "بل السبب لا يعدل عن كونه مرادًا، وإن كان اللفظ يتناول غيره".
وهذه المسألة قريبة مما قاله الزركشي1: "فإن محل السبب لا يجوز إخراجه بالاجتهاد، بالإجماع" أي: في حالة ورود مخصص.
__________
1 البرهان "1/ 22-23".(1/176)
المبحث الخامس: نسخ المخطوط
وصف النسخة الخطية وبيان طريقتي في التحقيق:
1- وصف النسخة:
اعتمدت في تحقيق هذا الكتاب على النسخة الخطية المحفوظة في خزانة ابن يوسف العمومية في مدينة مراكش في المغرب، وتحمل الرقم "258"1.
وهي تقع في "405" صفحات، والترقيم حديث بالأرقام الإنجليزية ولكن سقطت منها الصفحتان "18 و19" وتكرر الرقم "244" فانتهى الترقيم إلى "402" وقد أثبته في النسخ كما هو ولم أغيره لتسهيل المراجعة على من يريد، وقد سقطت منها كذلك الورقة الأولى وفيها العنوان وأول الديباجة، وابتدأ المرقم بالرقم "2".
وقد احتضنت كل صفحة "19" سطرًا، ومعدل الكلمات في كل سطر اثنتا عشرة كلمة.
وهذه النسخة حسنة، ذات خط واضح جميل وقد عرا بعض الصفحات طمس، وأدى ترميم النسخة إلى وضع شريط من الورق من الداخل فغابت الأحرف أو الكلمات الأخيرة من الصفحات الآتية: 3، 398، 399، 402، كما ظهر بسبب التصوير بياض عرا بعض الأسطر والكلمات ولكنه قليل جدًّا، وقد ترك الناسخ الشيخ عبد الخالق السنباطي إعجام كثير من الكلمات، وضبط أخرى بالقلم ضبطًا دقيقًا2،
__________
1 انظر "الفهرس الشامل للتراث العربي الإسلامي"، المخطوط "1/ 461" وقد اعتمد هذا الفهرس على "قائمة لنوادر المخطوطات العربية المعروضة في مكتبة جامعة القرويين" "ص13".
2 وقد نبهت إلى ذلك في الهوامش حيث ورد.(1/177)
ذلك أنه كان عالمًا محدثًا فقيهًا مشهودًا له.
2- ترجمة الناسخ:
قد ترجم له شيخه الإمام المحدث المؤرخ محمد بن عبد الرحمن السخاوي "ت902" في "الضوء اللامع" وابن تلميذه بدر الدين الغزي: الشيخ نجم الدين الغزي في "الكواكب السائرة بأعيان المائة العاشرة"، وأثبت هنا نص الترجمة الأولى بحروفها وهي ترجمة دقيقة وفيها تفاصيل جيدة، تعرفنا على أسلوب الترجمة في ذلك العهد في ذلك العهد، والغرض من إثباتها كلها حصول الثقة بهذا الرجل الذي وصل إلينا العجاب عن طريقه الوحيد. يقول السخاوي رحمه الله1:
عبد الحق بن محمد بن عبد الحق بن أحمد بن محمد بن محمد بن عبد العال، الشرف بن الشمس السنباطي ثم القاهري ثم الشافعي.
وأحمد هو أخو أمين الحكم بسنباط محمد، صاحبنا الشمس السنباطي لأمه.
ويعرف صاحب الترجمة كأبيه بابن عبد الحق.
ولد في إحدى الجمادين سنة "842" بسنباط.
ونشأ بها فحفظ القرآن والمنهاج الفرعي، ثم أقدمه أبوه القاهرة في ذي القعدة سنة "855" فقطناها، وحفظ العمدة والألفيتين والشاطبيتين، والمنهاج الأصلي، وتلخيص المفتاح، والجعبرية في الفرائض، والخزرجية، وعرض على خلق كالجلال المحلي، وابن الهمام، وابن الديري، وأبي الفضل المغربي، والولي السنباطي، والبدر البغدادي، وجد في الاشتغال، فأخذ عن الأولين يسيرًا والفقه عن المناوي ولازمه،
__________
1 "الضوء اللامع" "4/ 37-39".(1/178)
والعبادي، ومن قبلهما عن الجلال البكري والمحيوي والطوخي، وكذا أخذ فيه عن الفخر المقسي والزين زكريا والجوجري، والأصلين عن التقيين الشمني والحصني والأقصرائي والشرواني وأصل الدين فقط عن زكريا، وأصل الفقه عن السنهوري، وكذا أخذ عنه وعن التقيين والنور الوراق والأبدي العربية، وعن الحصني والعز عبد السلام البغدادي الصرف، وعن الشرواني والسنهوري والتقيين المعاني والبيان وعن الوراق والسيد علي الفرضي الفرائض والحساب، واليسير من الفرائض عن أبي الجود، وعن الشرواني قطعة من الكشاف، وحاشيته، وعن السيف الحنفي قطعة من أولهما، وبعض البيضاوي عن الشمني، وشرح ألفية العراقي بتمامه عن الزين قاسم الحنفي، والكثير منه عن المناوي، والقراءات بقراءته إفرادًا لغالب السبع، وجمعًا إلى أثناء الأعراف عن النور الإمام، وجمعًا تامًّا عن ابن أسد، بل قرأ عل الشهاب السكندري يسيرًا لنافع، إلى غير هؤلاء.
وبعضهم في الأخذ أكثر من بعض، وجل انتفاعه بالتقي الحصني ثم بالشمني ومما أخذه عنه حاشيته على "المغني" والشرواني.
- وسمع مني "القول البديع"1 وغيره من التآليف والفوائد، وحضر عندي أشياء، بل سمع بقراءتي جملة، وكذا سمع بقراءة غيري، وربما قرأ هو.
- وأجاز له استدعاء مؤرخ بشوال سنة "850" شيخنا2 والبدر العيني والعز ابن الفرات، وآخرون فيه.
وفي آخر مؤرخ بذي الحجة منها، وخلق في غيرهما.
- وأذن له غير واحد في التدريس والإفتاء.
__________
1 وتتمة العنوان: "في الصلاة على الحبيب الشفيع" مطبوع.
2 يقصد الحافظ ابن حجر.(1/179)
- وتنزل في الجهات كالسعيدية والبيبرسية والأشرفية، والباسطية، بل وخانقاه سرياقوس، مع مباشرة وقفها بعناية الشمس الجوجري المتحدث فيها لكونه صاهره على ابنته، مخطوبًا منه في ذلك.
- وولي أمامه المسجد الذي جدده الظاهر جقمق بخان الخليلي.
وتدريس الحديث بالقبة البيبرسية.
ومشيخة الصوفية بالأزبكية في وقف المنصور بن الظاهر، شريكًا للزين خالد الوقاد، لكون كل منهما يقرئ ولد الزيني سالم.
- وناب في تدريس التفسير بالمؤيدية عوضًا عن الخطيب الوزيري حين حج لكونه أجل الطلبة فيه.
وكذا بقية المنصورية عن ولد النجم ابن حجي، بعد موت الجمال الكوراني، بل كان النجم عينه للنيابة عنه في حياته فوثب عليه المشار إليه، وقدر استقلاله بعد موت الولد المذكور بكليفة.
وكذا ناب في الفقة بالأشرقية برسباي، عن العلاء الحصني، ثم بعد موته عن صاحبي الوظيفة.
إلى غيرها من الجهات التي حصلت له بعد موت صهره، وكذا بجامع طولون وغيره.
وتصدى للإقراء بالأزهر وغيره، وكثر الآخذون عنه.
- وحج مع أبيه أولًا في البحر، وسمع هناك يسيرًا، ثم حج بعده في سنة "882" وجاور بمكة التي تليها، ثم بالمدينة النبوية التي تليها ثم بمكة أيضًا مع السنباطي سنة "885"، وأقرأ الطلبة بالمسجدين فنونًا كثيرة، بل قرأ بجانب الحجرة(1/180)
النبوية مصنفي "القول البديع" وغيره.
- ثم رجع فاستمر على الإقراء.
- وربما تردد لأبي البركات بن الجيعان نائب كاتب السر في الإقراء، وبواسطته استقر في مرتب بالجوالي، وكذا تردد لغيره.
- وربما أفتى.
- وهو على طريقة جميلة في التواضع والسكون والعقل وسلامة الفطرة، وفي ازدياد من الخير، بحيث إنه الآن أحسن مدرسي الجامع، ولكن لا أحمد مزيد شكواه، وإظهاره تأوهه، وبلواه، مع إضافة ما يزيد على كفايته إليه، ونظافة أحواله المقتضية لتجنبه ما لعله يُنكر عليه.
وقد عاش المترجم بعد شيخه السخاوي "29" سنة ازداد فيها خيرًا وقد وصفه الغزي بقوله: "الشيخ الإمام شيخ الإسلام الحبر البحر العلامة الفهامة خاتمة المسندين"1 ثم قال: "وانتهت إليه الرئاسة بمصر في الفقه والأصول والحديث، وكان عالمًا عابدًا متواضعًا طارحًا للتكليف، من رآه شهد فيه الولاية والصلاح قبل أن يخالطه"2.
ثم حكى خبر وفاته وأنه توفي في غرة رمضان سنة "931هـ" بمكة ودفن بشعب النور3.
وفي هذ الكتاب "الكواكب السائرة" تراجم لعدد من تلامذته4.
__________
1 "الكواكب السائرة" "1/ 221".
2 المصدر السابق "1/ 222".
3 المصدر السابق "1/ 222-223".
4 انظر "1/ 239 و2/ 62، 80، 119، 143، 145، 3/ 26، 45، 51، 73، 210".(1/181)
والواقع أن من نعم الله على هذا الكتاب أن هيأ له هذا الرجل الإمام فاعتنى به وأخرجه للناس بخطه الجميل الدقيق، ولا يمكن أن يصبر على خط الحافظ ابن حجر ويفكه إلا العلماء، صحيح أن البقاعي ينقل عن الحافظ تقي الدين الفاسي قوله عنه: "وكتب الخط المنسوب الذي هو غاية في الرشاقة، أنه في الحلاوة كأنه سلاسل الذهب وأجيز به"1 إلا أن الشيخ محمد زاهد الكوثري يقول2:
"كان سريع الكتابة إلا أنه كان رديء الخط، ومع رداءة خطه ما كان يجري في كتاباته على نمط واحد، ومن ثمة تصعب معرفة خطه، والممارسة على قراءته، على ما أشار إلى ذلك أبو المحاسن في المنهل الصافي.
وقد طالعنا عدة كتب بخطه سوى خطوطه في الطباق والسماعات فوجدنا ما يشير إليه أن أبو المحاسن صوابًا، وكان كثيرًا ما يتراجع عما بيضه أولًا فيصبح مبيضه مسودًا، فتختلف مؤلفاته زيادة ونقصًا وتبديلًا ... ".
ويقول الشيخ شعيب الأرنئوط عنه3:
"إنه -رحمه الله- على جلالة قدره، واتساع دائرته في العلم والتحقيق مشهور بين أهل العلم برداءة الخط".
وما وقع في النسخة من تحريفات4 فمرد قسم منها إلى صعوبة قراءة خطه والله أعلم.
__________
1 انظر "عنوان الزمان" "1/ الورقة 36".
2 في تعليقه على "لحظ الألحاظ بذيل طبقات الحفاظ" ابن فهد "ت871" "ص336".
3 في مقدمته على "المراسيل" لأبي داود "ص12".
4 وهي بحدود "250" تحريفًا.(1/182)
3- رموزه:
استعمل الشيخ عبد الحق السنباطي عدة رموز وهي:
1- كتابة: "صـ" -وهي رمز الصحة- على ما يخشى أن يظن القارئ فيه غلطًا وتكرارًا، وكذلك يضعها في نهاية اللحق.
وقد تكرر هذا منه بحدود "30" مرة.
2- كتابة: "كذا" على ما هو خطأ -وقد يصححه في الهامش- أو على ما يظنه خطأ، وفي هذه الحالة قد يصيب وقد لا يصيب، وعلى ما يشك ويشتبه فيه، وفي الفراغات التي يجدها في أصله.
ومن شواهد دقته وحرصه على تأديه الأصل، كما هو، أنه رأى خطأين في رسم آيتين فأثبتهما كما هما ووضع عليهما "كذا" وهما الآية "229" من البقرة {وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا} والآية "103" من آل عمران في الصفحة "286" من الأصل.
وكتابة "كذا" كانت بحدود "45" مرة.
3- كتابة "ط" على ما يشك فيه، ويرى فيه حاجة للمراجعة والمطابقة وقد كتبها بحدود "31" مرة، كان في أكثرها مصيبًا، وفي "6" مواضع تقريبًا كان السياق سليمًا، وكتبها مرات حين وجود فراغ، مرة فيه ومرة بجانبه.
وقد يضع نقاطًا في الهامش إضافة إلى "ط".
4- كتابة نقاط هكذا " ... " في الفراغ أو في جانبه في أربعة مواضع.
5- كتابة رمز اللحق في الهامش " ... " على كلمة محرفة أو غير واضحة المعنى أو في فراغ دون استدراك في الهامش وذلك في "13" موضعًا، وفي مواضع أخرى قليلة(1/183)
ولكني لم أدر لم؟ وقد يضع رمز اللحق فقط ليدل على وجود سقط، أو على كلمة غير منقطة، وفي مواضع أخرى أثبت رمز اللحق وكتب في الهامش ما كان فاته حسب المعتاد.
وهناك رموز لم يستعملها إلا نادرًا مثل: "خ" على كلمة صحيحة و"صـ وض" في فراغين وقد أثبت كل هذه الرموز في الهوامش.
4- ختام النسخة وخبر رحيلها:
أفاد الشيخ الناسخ أنه إلى هنا انتهى ما وُجد من أسباب النزول لابن حجر وأنه كتبه من أوله إلى أثناء قوله: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُم} من خط شيخ سماه كمال الدين وذهبت بقية الاسم بسبب لزق شريط ورق على الصفحة -كما قدمت.
الباقي من خط ابن حجر مباشرة.
وكان الفراغ ليلة "16 أو 26" من شهر شوال سنة "889" أي: بعد وفاة المؤلف بـ"37" سنة.
والظاهر أن الشيخ الكاتب كتبه في القاهرة وأن النسخة بقيت فيها لإفادة السيوطي والمناوي والأجهوري1 منها في كتبهم، وإذا علمنا أن الأجهوري توفي سنة "1190هـ" استطعنا أن نقول: إن خروج النسخة من مصر كان بعد ذلك.
وقد رأيت على الورقة التي وضعت في أول المخطوط بدل الورقة الضائعة وقفية وهذا نصها: "الحمد لله وحده أمير المؤمنين ومولانا عبد العزيز أيده الله ونصره هذا الجزء أسباب نزول الآي القرآنية والأسرار الربانية للعلامة ابن حجر
__________
1 يؤخذ من نقله كلام الحكيم الترمذي في الآية "75" من سورة البقرة أنه وقف على "العجاب" انظر ما نقله عنه أبو علبة في كتابه "ص86".
2 كلمة لم استطع قراءتها.(1/184)
على مسجد.....1 وإني قيم خزانته العلمية في رابع عشر صفر الخير، عام واحد وعشرين وثلاثمائة وألف.
توقيع.
وهذا يعني وجود النسخة هناك في هذا التاريخ: 1321، وما بين هذين التاريخين من "1190 إلى 1321" فالله أعلم أين كانت.
ويجب القول إنها نسخة فريدة في العالم ولم أعثر لها على أخت2 وإنها سليمة من الحك والتغيير.
5- بيان طريقتي في تحقيق الكتاب:
كان منهجي في تحقيق الكتاب كما يأتي:
1- اعتمدت على النسخة المصورة عن نسخة مراكش، فنسختها، ثم دققت النسخ بالمقابلة على الأصل مرتين، المرة الثانية مع فضيلة المشرف الأستاذ الدكتور محيي هلال السرحان.
2- كان النسخ بطريقة الإملاء المعاصر، ولم أشر الاختلاف -وإن كنت أري في بعض ذلك فائدة- كيلا تطول التعليقات في الشرح أكثر.
3- راعيت في النسخ، تفصيل جمله، وتحديد مقاطعه، وضبط نصوصه لتسهيل القراءة على الناظر فيه، ووضعت لكل عنوان "أو ترجمة بمصطلح ابن
__________
1 كلمة لم استطع قراءتها.
2 فقد راجعت الفهارس المتيسرة و"الفهرس الشامل" الذي اعتمد على كل ما صدر من فهارس، وراسلت المعنيين بالمخطوطات والتحقيق ومنهم فضيلة الأستاذ الشيخ الأرنئوط جوابه بالنفي أيضًا.(1/185)
حجر" رقمًا متسلسلًا من أول الكتاب إلى آخره.
4- جعلت كل آية في أول السطر، بخط متميز، ووضعت أرقامها بعدها كما هي في المصحف، ولم أتبع طريقة أحمد صقر في تقديم الأرقام، وعزوت الآيات الأخرى إلى مواضعها.
5- أثبت رموز النسخة كلها للإفادة منها في معرفة اصطلاحات العلماء في العصور الماضية.
6- عزوت الأحاديث التي ذكر المؤلف مخرجيها، إلى مواضعها -وقد استدعى هذا بحثًا طويلًا- وبينت مواضعها بذكر الكتاب والباب والصفحات في جميعها وأزيد الأرقام في بعضها أيضًا. وزدت عليه مستدركًا ومتعقبًا زيادات كثيرة وخرجت مالم يخرجه وتوسعت في ذلك.
7- ترجمت لكل الأعلام المذكورين في "الفصل الجامع لبيان حال من نقل عنه التفسير من التابعين ومن بعدهم" وذلك لأهمية هذا الفصل البالغة؛ إذ عليه تستند كثير من أسانيد الكتاب.
واكتفيت فيمن ذكر في الكتاب بترجمة من يتوقف عليه بيان حال السند، أو من رأيت فائدة بترجمته.
وكذلك ترجمت أكثر أصحاب المصادر التي اعتمد عليها المؤلف، تراجم موجزة.
8- أحصيت كل مصادره التي استقى منها، وعدد المرات التي رجع إلى كل(1/186)
مصدر منها كذلك رجعت في كل نص نقله إلى مصدره مطبوعًا أو مخطوطًا ما استطعت إلى ذلك سبيلًا لتقويم هذه النصوص والتأكد من سلامتها ودفع الخطأ عنها ولا سيما أن المؤلف كثير التصرف. وحاولت في المصادر التي لا أصل إليها أن أعود إلى من نقل منها كتفسير سُنيد الذي أكثر ابن جرير التخريج عنه.
9- علقت على النص بما يتمم مبناه ويكمل معناه: بشرح غريبة، وبيان وهمه وإكمال نقصه، وكشف تحريفه، وإضافة ما يتعلق به نقلًا أو اكتفاء بالعزو والتعريف بالأماكن، وقد رأيت أيضًا أن أشير إلى ما أجده من التحريفات في المصادر التي أرجع إليها فإن منها ما لا ينكشف إلا بالبحث والمراجعة.
10- ربطت بين هذا الكتاب وبين كتب المؤلف الأخرى كـ: "فتح الباري والإصابة وتهذيب التهذيب والتقريب ولسان الميزان والمعجم المفهرس والدرر الكامنة والمطالب العالية وغيرها ...
11- كان النص في مواضع كثيرة غير منقط، فنقطته، ولم أشر إلى ذلك إلا مرات قليلة، لعدم الفائدة من هذه الإشارة إلا إرباك الحواشي.
12- رقمت الأقوال التي يذكرها المؤلف في ضمن الآية الواحدة، وقد وصلت في بعض الآيات إلى "9" أقوال؛ لإعانة القارئ على سرعة القراءة أو المراجعة وتيسيرها.
13- بعد إتمام تحقيق النص رجعت إليه فقرأته قراءة متأنية فاحصة واستدركت على المؤلف -رحمه الله رحمة واسعة- ما ذكره على أنه من أسباب النزول، وليس هو -فيما بدا لي- منها، وأرجو الله الرشاد والسداد والصواب والثواب.
14- لم أبين طبعات المصادر التي اعتمدتها عند ذكرها في الهوامش، كيلا يتضخم النص، أكثر، ولعدم الفائدة من ذلك إذ هي مذكورة في فهرسها في الأخير.(1/187)
صور من المخطوطة
...(1/188)
القسم الثاني:
المقدمة:
[أنبأنا أبو الحسن علي بن أبي الخير] 1 [مشافهة] 2 أنا محمد بن حبيب الحلبي أنا [بيبرس بن عبد الله العقيلي أنا محمد] بن [عبد الله بن أبي] سهل الواسطي أنا أبو [الخير] أحمد بن إسماعيل القزويني3 أنا عمر [ابن عبد الله] بن أحمد الأرغياني4 أنا المصنف5.
وقد عاب في خطبة كتابه على من يعتمد في المنقول على كتب من غير أن
__________
1 الصفحة الأولى ضائعة من الأصل، وفيها -كما هو ظاهر- الافتتاح، وبداية سند المؤلف إلى الواحدي.
وقد ذكر ابن حجر كتاب "أسباب النزول" للواحدي في كتابه "المعجم المفهرس" -وهو الكتاب الذي جمع فيه مروياته- في مكانين "ص90 و345" وبين الموضعين اختلاف، وقد استدركت ذكر شيخ ابن حجر هذا من "ص90".
2 في هذه الصفحة، والتي تليها طمس وسوء تصوير، وقد استعنت بالمصادر على إيضاحه، وكل ما بين المعقوفين في هذا السند فهو مستدرك من المعجم "المعجم المفهرس".
3 ولد في سنة "512" وتوفي في "950" وهو إمام فقيه وكان جامعًا لعلوم كثيرة. انظر ترجمته في التكملة "لوفيات النقلة" للمنذري "1/ 200" برقم "224".
4 هكذا جاء الاسم هنا وفي "ص90" من "المعجم المفهرس" وقد كناه أبا العباس، وفي "ص345" منه: "أحمد بن عمر بن عبد الله الأرغياني".
وقد ذكر الذهبي في "السير" "18/ 340" والسيوطي في "طبقات المفسرين" في ترجمة الواحدي "ص67" فيمن روى عنه: أحمد بن عمر الأرغياني، وكذلك فعل الداوديس في "طبقاته" أيضًا "1/ 394" فلعل تسميته "أحمد" هي الصواب، ويرجع هذا أن الشائع تكنية أحمد بأبي العباس.
ولم أجد له ترجمة وقد رجعت إلى "التكملة" للمنذري "وسير أعلام النبلاء وتذكرة الحفاظ" للذهبي.
5 أي الواحدي: الإمام العلامة الأستاذ أبو الحسن: علي بن أحمد النيسابوري الشافعي صاحب التفاسير وإمام علماء التأويل، مات بنيسابور سنة "468" وقد شاخ. انظر "سير أعلام النبلاء" للذهبي 18/ 342" الترجمة "160".(1/195)
يكون لما1 يذكره سماع أو رواية فقال ما نصه:2 "ولا يحل القول في أسباب نزول الكتاب العزيز3 إلا بالرواية والسماع عمن4 شاهدوا التنزيل ووقفوا على الأسباب وبحثوا عن عملها وجدوا في الطلاب5" "6 وقد ورد الوعيد7 للجاهل ذي العثار في هذا العلم بالنار".
ثم ساق الحديث الذي أخبرنا به أبو هريرة8 بن الحافظ شمس الدين الذهبي9 إجازة منه " "10 لنا من دمشق وقرأته على أم الحسن11 بنت العز
__________
1 هذا أقرب ما بقي إلى الرسم.
2 "أسباب النزول" للواحدي "ص5" والعزو إلى طبعة السيد أحمد صقر المحققة.
3 لا توجد هذه اللفظة في كتاب الواحدي بطبعتيه المصرية والبيروتية، والأرجح حذفها ليتم السجع الذي التزمه المؤلف.
4 في المطبوع: "ممن" وكلا اللفظين جائز.
5 في الأصل: الطلب، وأثبت ما في الواحدي.
6 في الأصل كلمة غير مقروءة، كأنها: قال.
7 في المطبوع: ورد الشرع بالموعيد.
8 هو شهاب الدين عبد الرحمن ولد سنة "715هـ" وسمع من عيسى المطعم المتوفى سنة "719"، وأبي نصر بن الشيرازي، وجماعة فأكثر جدًّا وخرَّج له أبوه أربعين حديثًا عن نحو المائة نفس، وحدث قديمًا بعد الأربعين واستمر يحدث إلى أن مات في سنة "799"، وخلف ولدًا اسمه محمد، سمع من جده، وأجاز له رواية كتابه "تاريخ الإسلام".
انظر "الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة" للمؤلف "2/ 449" والذهبي ومنهجه في "تاريخ الإسلام" للدكتور بشار عواد معروف "ص138".
وقد روى عنه ابن حجر كثيرًا في "المعجم المفهرس".
9 هو أشهر من أن يعرف به، وكتب عنه الكثير ومن ذلك الدراسة السابقة.
10 كلمة غير مقروءة.
11 هي فاطمة بنت العز محمد بن أحمد بن المنجا التنوخية الدمشقية ولدت سنة "712" تقريبًا وأسمعت على عبد الله بن الحسن بن أبي التائب وغيره، وأجاز لها التقي سليمان وأبو بكر الدشتي والمطعم وابن عساكر وابن الشيرازي الوزراء ابنة عمر بن المنجا وجمع جم تفردت بالرواية عنهم في الدنيا، وحدثت بالكثير، سمع منها الأئمة، قال الحافظ السخاوي: ووصل عليها شيخنا -أي ابن حجر- بالإجازة جملة وقال: ماتت قي حصار دمشق في ربيع الآخر أو الذي بعده سنة "803".
انظر "الضوء اللامع" لأهل القرن التاسع" للسخاوي "ج12" وهو خاص بالنساء "ص101" برقم "635" وقد ترجم ابن حجر لست الوزراء في "الدرر الكامنة" "2/ 223" في حرف السن وقال: تدعى وزيرة، وأرخ وفاتها بـ716هـ.(1/196)
محمد بن أحمد بن المنجا بدمشق. كلاهما عن إسماعيل بن يوسف بن مكتوم القيسي قال أنا عبد الله بن عمر بن علي بن زيد نا أبو المعالي محمد بن محمد بن النحاس1 نا أبو القاسم علي بن أحمد البندارة إجازة إن لم يكن سماعًا عن أبي طاهر محمد بن عبد الرحمن بن العباس المخلص أنا ابن منيع يعني عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي نا يزيد2 بن بنت أحمد بن منيع أنا ليث هو ابن حماد3 " "4 نا أبو عوانة هو الوضاح عن عبد الأعلى هو ابن عامر الثعلبي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اتقوا5 الحديث [عني] 6 إلا ما عرفتم فإن من كذب عليَّ متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار "7. هذا حديث حسن أخرجه أحمد عن حسين بن محمد8، وأبو داود في رواية أبي الحسن بن العبد
__________
1 كتبت السين بعيدة قليلًا عن الألف.
2 طمس الاسم في الأصل واستدركته من "تاريخ التراث العربي" لفؤاد سزكين "1/ 346" وقد توفي سنة "317". انظر تاريخ الطبري لعريب بن سعد القرطبي "ص126".
3 طمس الاسم كذلك واستدركته من "أسباب النزول" للواحدي "ص5".
4 كلمة غير مقروءة.
5 طمست في الأصل واستدركتها من مصادر تخريج الحديث المذكورة.
6 سقطت من الأصل ومن كتاب الواحدي واستدركتها من مسند أحمد في مواضع الحديث الثلاثة.
7 طمست في الأصل.
8 هو في سنن أبي داود، رواية اللؤلؤي، كتاب "العلم" "3/ 319-
320" ولكن ليس من طريق أبي عوانة.(1/197)
عنه، عن مسدد1، كلاهما عن أبي عوانة فوافقناهما في شيخ شيخيهما بعلو2 وأخرجه الترمذي في "التفسير"3، والنسائي في "فضائل القرآن" كلاهما من رواية سفيان الثوري عن عبد الأعلى5، وأخرجه الترمذي أيضًا6 عن سفيان بن وكيع عن سويد بن عمرو عن أبي عوانة وقال: حسن، فوقع لي7 وأخرجه الواحدي عن إسماعيل بن إبراهيم الواعظ عن أبي الحسين بن حامد8 عن أحمد بن الحسن بن
__________
1 أخرجه أحمد من حديث ابن عباس في ثلاثة مواضع "1/ 392 و323 و327"، ولم يذكر حسين هذا في واحد منها.
2 انظر عن العلو علوم الحديث لابن الصلاح النوع "29" "ص233" وفي الأصل: شيخها.
3 أي: في كتاب التفسير من جامعة "5/ 183" "3950".
4 في "السنن الكبرى" كما في "تحفة الأشراف بعرفة الأطراف" للمزي في مسند ابن عباس "4/ 423".
45 مدار الحديث عليه وقد تُكلم فيه قال الحافظ في "تهذيب التهذيب" "6/ 94-95": "قال أحمد: ضعيف الحديث، وقال أبو زرعة: ضعيف الحديث، ربما رفع الحديث وربما وقفه، وقال أبو حاتم: ليس بقوي: وقال النسائي: ليس بالقوي ويكتب حديثه، وقال ابن عدي: يحدث بأشياء لا يتابع عليها وقد حدث عنه الثقات قلت: ابن أبي خيثمة عن ابن معين: ليس بذاك القوي، وقال الساجي: صدوق يهم وقال يحيى بن سعيد: يعرف وينكر، وقال الكرابيسى، كان من أوهى ... الناس. وقال الدارقطني: يعتبر به، وقال في العلل: ليس بالقوي عندهم، وصحح الطبري حديثه في الكسوف، وحسَّن له الترمذي، وصحح له الحاكم وهو من تساهله" ولخص هذا في "التقريب" "ص331" بقوله: "صدوق يهم". وكأن الطبري صحح له حديثه في النهي عن تأويل القرآن بالرأي أيضًا انظر تفسيره "1/ 77-78"، وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" "1/ 147": "الأكثر على تضعيفه" وانظر "طرق حديث من كذب علي متعمدًا" للطبراني "ص70-72"، و"ميزان الاعتدال في الرجال" للذهبي "2/ 530".
6 "5/ 183" "2951"، وكل هذا التخريج في "تحفة الأشراف" "4/ 423".
7 طمست كلمتان إلا حرفين، وكأن الأصل: بعلو بدلًا، وهو يصح عليه.
8 طمست الكلمتان ولم يبق إلا حرف الحاء، واستدركت الاسم من المطبوع "ص5"، وهو محمد بن أحمد بن حامد.(1/198)
عبد الجبار عن ليث بن حماد فوقع لنا عاليًا1 درجات.
أورد الواحدي هذا الحديث مستدلا به على ما قال في صدر كتابه: "لا يحل القول في سبب نزول القرآن إلا بالرواية والسماع" إلى آخره ثم قال2: "وكان3 السلف الماضون في أبعد غاية احتراز عن القول في نزول الآية" ثم ساق عن محمد بن سيرين عن عبيدة بن عمرو السلماني أنه سأله عن آية من القرآن فقال: "اتق الله وقل سدادًا، فقد ذهب الذين كانوا يعلمون فيما أنزل القرآن" وسنده صحيح4، عبيدة وهو5 بفتح أوله6.
قال: "وأما اليوم فكل أحد يخترع للآية7 سببا8 ويختلق إفكا وكذبا" إلى أن قال: "فذلك الذي حداني9 إلى إملاء هذا الكتاب الجامع للأسباب، لينتهي إليه طالبوا هذا الشأن والمتكلمون في نزول القرآن ليعرفوا10 الصدق ويستغنوا به عن
__________
1 كلمة لم استطع قراءتها ولعلها: بثلاث، فإن علوه هنا بعدة درجات.
2 "ص5".
3 في المطبوع: والسلف الماضون، والحافظ لا يتقيد بحرفية النقل فلن أشير إلى الخلافات غير المهمة.
4 وقد روى الطبري هذا عن ابن سيرين من طريقين في "ذكر الأخبار التي غلط في تأويلها منكرو القول في تأويل القرآن" انظر "تفسير" "1/ 84" و"الفتاوى" لابن تيمية "13/ 374" وقد ذكر ما أورده عنه ولم يشر.
5 هكذا في الأصل: وهو.
6 هو عبيدة بن عمرو السلماني، أسلم قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بسنتين، ومات سنة "72هـ أو 74"، انظر "تهذيب التهذيب" "7/ 84".
7 لا توجد في المطبوع.
8 تصحف الكلمة في المطبوع إلى "شيئًا"!
9 في المطبوع: حدابي، وكلاهما جائز انظر "القاموس المحيط" مادة "حدا" "ص1643".
10 في المطبوع: "فيعرفوا" وهو الأولى.(1/199)
التمويه [والكذب] 1 ويجدوا في حفظه بعد السماع والطلب انتهى كلامه.
ولما وقفت2 على هذه الخطبة3 لخطابها، وسعيت4 إلى الوصول لألج من أبوابها فوجدته -رحمه الله- قد وقع فيما عاب، من إيراد كثير من ذلك بغير إسناد مع تصريحه بالمنع إلا فيما كان بالرواية والسماع، ثم فيما أورده بالرواية والسماع ما لا يثبت لوهاء بعض رواته ثم ما اقتضاه كلامه أن الممنوع أن يساق الخبر من غير رواية دون5 سياق برواية أو سماع لا يكون فيه ذلك ليس بمسلم طردا ولا عكسا6، بل المحذور أن يكون الخبر من رواية من لا يوثق به سواء ساق المصنف سنده به أم لم يسقه فكم من سند موصول برواية7 كذاب أو متروك أو فاحش الغلط وكم من خبر يذكر بغير سند وينبه على أنه من تصنيف فلان مثلا بسند قوي. أفيرتاب مَنْ له معرفة أن الاعتماد على الثاني هو الذي يتعين قبوله أو يشك عالم أن الاعتماد على الأول هو الذي يتعين اجتنابه؟
ثم إن ظاهر كلامه أنه استوعب ما تصدى له، وقد فاته منه شيء كثير، فلما رأيت الناس عكفوا على كتابه وسلموا له الاستبداد بهذا الفن من فحوى خطابه تتبعت مع -تلخيص كلامه- ما فاته محذوف الأسانيد غالبا، لكن مع بيان حال
__________
1 سقطت من الأصل، واستدركتها من المطبوع ليتم السجع.
2 هذا أقرب ما بقي من الرسم.
3 هنا كلمتان مطموستان.
3 في هذه الصفحة كلمات وحروف مطموسة استعنت عليها بالسياق.
5 هنا في الأصل كلمة ممسوحة.
6 انظر عن الطرد: "التعريفات للجرجاني "ص146" وعن العكس "ص159" وعنهما "شرح مختصر الروضة" في أصول الفقه لنجم الدين سليمان بن عبد القوي الطوفي الحنبلي "ت716" "2/ 168-169".
7 اللام من الكلمة السابقة والباء هنا غير واضحين، وهذا ما أداني إليه اجتهادي.(1/200)
ذلك الحديث من الصحة والحسن والضعف والوهاء قصد النصح للمسلمين، وذبًا عن حديث سيد المرسلين، ولا سيما فيما يتعلق بالكتاب المبين.
فأبدأ غالبا بكلام الواحدي ثم بما استفدته من كلام الجعبري1 ثم بما التقطته من كتب غيرهما من كتب التفاسير وكتب المغازي وكتب المسانيد والسنن والآثار وغير ذلك من الأجزاء المتفرقة2 ناسبا كل رواية لراويها، وكل مقالة لمخرجها، ثم لا أذكر من الزيادات إلا ما هو سبب نزول ببادئ الرأي لا ما يكون من هذا القبيل بضرب من التأويل، وقد أورد الواحدي من ذلك أشياء ليست بكثيرة فلم أحذف منها شيئا بل جعلت علامة ما أزيده "ز" يكتب على أول القول وأما ما أزيده في أثناء كلامه فهو بغير علامة لكن ربما عرف إذا كان في صورة الاعتراض مثلا3. ومن قبل الخوض في المقصود أقدم "فصلا جامعا" لبيان حال مَنْ نقل عنه التفسير من التابعين
__________
1 ذكره للجعبري هنا يشعر أنه سبق له ذكر، وذلك في الصفحة الأولى الضائعة، وقد رجع إليه في سبعة مواضع فقط آحرها في الآية "120" من سورة البقرة.
وهو العلامة إبراهيم بن عمر قال الذهبي في "المعجم المختص" "ص60": "العلامة ذو الفنون مقرئ الشام، شيخ بلد الخليل، له التصانيف المتقنة في القراءات والحديث والأصول والعربية والتاريخ وغير ذلك. ولد في حدود عام "640" وتوفي في "732".
وترجمه الحافظ في "الدرر الكامنة" "1/ 51-52" والدكتور حسن محمد مقبول الأهدل في صدر تحقيقه لكتابه "رسوخ الأخبار في منسوخ الأخبار" والأستاذ صالح مهدي عباس في نشرته "برهان الدين الجعبري" وفهرست مصنفاته" التي حقق فيها "الهباب الهنيات في المصنفات الجعبريات له. قال السيد أحمد صقر في مقدمته على الواحدي "ص28" عن كتابه: "وهو مختصر لا وزن له، لإجحافه في الاختصار".
2 الكملة غير منقطعة في الأصل ويحتمل أن تكون: المفردة.
3 حصل في هذا العبارة في الأصل طمس أدى إلى استغلاقها، وقد قضيت وقتًا في تأملها إلى أن اتضحت فالحمد لله على فضله.(1/201)
ومَنْ بعدهم يُغني عن التكرير1:
فالذين اعتنوا بجمع التفسير2 من طبقة الأئمة الستة3:
- أبو جعفر بن جرير الطبري [224-310هـ] 4.
- ويليه أبو بكر محمد بن إبراهيم بن المنذر النيسابوري [ت318هـ] 5.
- وأبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم بن إدريس الرازي [240-327هـ] 6.
__________
1 وقد نقل هذا الفصل بطوله الإمام السيوطي في خاتمة "الدر المنثور في التفسير المأثور" "8/ 699-702" وقد فرغ من تبيضه يوم عيد الفطر سنة "898"، أي: بعد تاريخ هذه النسخة من "العجاب" بتسع سنوات، وقد وقع في هذا النص من طبعة دار الفكر للدر تحريفات سأشير إليها.
وكان السيد أحمد صقر قد أورد هذا النص في مقدمته لـ"أسباب النزول" للواحدي: ناقلًا له من السيوطي ولم يشر!! ولم ينتبه إلى ما فيه من تحريف!
2 في "الدر": المسند.
3 وضع الناسخ في هامش الأصل بجانب هذا السطر ثلاث نقط هكذا ... ولعله يعترض على المؤلف في جعله المذكورين من طبقة الأئمة الستة، واعتراضه وارد صحيح.
4 وضعت سنتي ولادته ووفاته فوق الإيضاح السريع.
وقد ترجمه الإمام الذهبي في "سير أعلام النبلاء" "14/ 267-282" فقال: "الإمام العلم المجتهد، عالم العصر، صاحب التصانيف البديعة ... أكثر الترحال، ولقي نبلاء الرجال، وكان من أفراد الدهر علمًا وذكاء، وكثرة تصانيف. قل أن ترى العيون مثله". وترجمته حافلة عطرة محفزة والمقام لا يتحمل البسط في ذلك رحمه الله. وتفسيره من مرويات الحافظ، انظر "المعجم المفهرس" "ص86".
5 ترجمه الذهبي في "السير" "14/ 490-492" فقال: "الإمام الحافظ العلامة شيخ الإسلام ولد في حدود موت أحمد بن حنبل.. وأرخ الإمام أبو الحسن بن قطان الفاسي وفاته في سنة ثماني عشرة ... ولابن المنذر "تفسير" كبير في بضعة عشر مجلدًا يقضي له بالإمامة في علم التأويل أيضًا" ومن تفسيره قطعة في مكتبة جوتا في ألمانيا، انظر "الفهرس الشامل للتراث العربي الإسلامي" المخطوط "1/ 41".
6 ترجمه في "السير" "13/ 263-269" بعد ترجمة أبيه وصفه بالعلامة الحافظ وقال: كان بحرًا لا تكدره الدلاء، وذكر كتبه، وقال: "وله "تفسير" كبير في عدة مجلدات، عامته آثار بأسانيده، من أحسن التفاسير".
وهو من مرويات الحافظ كما في "معجمه المفهرس" "ص 86".(1/202)
ومن طبقة شيوخهم:
- عبد بن حميد بن نصر الكشي [ت249هـ] 1.
فهذه التفاسير الأربعة قل أن يشذ عنها شيء من التفسير المرفوع والموقوف على الصحابة والمقطوع عن التابعين.
وقد أضاف الطبري إلى النقل المستوعب أشياء لم يشاركوه فيها كاستيعاب القراءات والإعراب والكلام في أكثر الآيات على المعاني2 والتصدي لترجيح بعض الأقوال على بعض، وكل من صنف بعده لم يجتمع له ما اجتمع فيه2؛ لأنه في هذه الأمور في مرتبة2 متقاربة وغيره يغلب عليه فن3 من الفنون فيمتاز فيه ويقصر في غيره.
والذين اشتهر عنهم القول في ذلك من التابعين أصحاب ابن عباس، وفيهم ثقات وضعفاء، فمن الثقات:
__________
1 انظر ترجمته في "السير" "12/ 235-238". وتفسيره من مرويات الحافظ، انظر "المعجم المفهرس" "ص85".
2 طمست في الأصل، واستدركتها من "الدر".
3 عليها في الأصل رمز الصحة.(1/203)
1- مجاهد بن جبر1، ويُروى التفسير عنه من طريق ابن أبي نجيح2 عن مجاهد، والطريق3 إلى ابن أبي نجيح قوية، فإذا ورد من غيره بينته4.
2- ومنهم عكرمة5: ويُروى التفسير عنه من طريق
__________
1 تصحف في "الدر" إلى جبير، قال الحافظ في "التهذيب" "10/ 42-44" في ترجمته: "أبو الحجاج المخزومي المقرئ مولى السائب بن أبي السائب، ولد في مكة سنة 21هـ، واختلف في وفاته على أقوال هي: 101، 102، 103، 104هـ".
وجاء عنه أنه قال:" عرضت القرآن على ابن عباس ثلاثين مرة، ومن وجه آخر: قرأت القرآن على ابن عباس ثلاث عرضات أقف عند كل آية أسأله فيم نزلت وكيف كانت.
وقد تُكلم في تفسيره وفي سماعه من بعض الصحابة: "قال أبو بكر بن عياش: قلت للأعمش: ما لهم يقولون: تفسير مجاهد! قال: "كانوا يرون أنه يسأل أهل الكتاب" ا. هـ باختصار، وقال الذهبي في "ميزان الاعتدال في نقد الرجال "3/ 440": "أجمعت الأمة على إمامة مجاهد والاحتجاج به" وانظر مصادر ترجمته في هامش "طبقات علماء الحديث" لابن عبد الهادي الصالحي "1/ 162"، وقال الأستاذ فؤاد سزكين في "تاريخ التراث العربي" "1/ 71" عن تفسيره: "وصل إلينا هذا التفسير برواية عبد الله بن أبي نجيح المتوفى سنة 131، وقد نقل الطبري من هذا التفسير حوالي {كذا} "700" مرة" وقد طبع قريبًا.
2 هو عبد الله بن أبي نجيح يسار الثقفي أبو يسار المكي مولى الأخنس بن شريق وقد ذكرت وفاته آنفًا قال في "التهذيب" "6/ 54": "قال وكيع: كان سفيان يصحح تفسير ابن أبي نجيح، وذكره ابن حبان في الثقات وقال: يحيى بن سعيد: لم يسمع ابن أبي نجيح التفسير من مجاهد، قال ابن حبان: ابن أبي نجيح نظير ابن جريح في كتاب القاسم بن أبي بزة عن مجاهد في التفسير، رويا عن مجاهد من غير سماع" ا. هـ باختصار، وانظر "ميزان الاعتدال" "2/ 527".
3 في الأصل: والطرق. وأثبت ما في "الدر".
4 سقطت هذه الجملة من "الدر".
5 هو عكرمة بن عبد الله البريري أبو عبد الله المدني الهاشمي مولى ابن عباس: قال ابن عبد الهادي في "الطبقات" "1/ 168": "قال ابو الشعثاء: هو أعلم الناس، وقال قتادة: أعلم الناس بالتفسير عكرمة، وعن شهر بن حوشب قال: عكرمة حبر الأمة، وقال طاوس: لو ترك من حديثه، واتقى الله لشدت إليه الرحال، وقد احتج بعكرمة أحمد ويحيى والبخاري والجمهور، وأعرض عنه مالك ومسلم لرأيه، مات سنة 105 بالمدينة". وقد ذكره الحافظ في "هدي الساري" في الفصل التاسع منه المعقود لسياق أسماء مَنْ طعن فيه من رجال صحيح البخاري، ودافع عنه في قرابة خمس صفحات كبيرة. انظر "ص425-430" ورد أقول مَنْ وهاه برميه بالكذب وأنه كان يرى رأي الخوارج، وأنه كان يقبل جوائز الأمراء. وانظر مصادر ترجمته في هامش الطبقات.(1/204)
الحسين1 بن واقد عن يزيد النحوي2 عنه، ومن طريق محمد بن إسحاق3 عن محمد بن أبي محمد4 مولى زيد بن ثابت عن عكرمة أو سعيد بن
__________
1 تصحف في "الدر" الحسن وترجمته في "التهذيب" "2/ 373-374" وفيها: "قال الأثرم عن أحمد ليس به بأس، وأثنى عليه، وقال ابن أبي خيثمة عن ابن معين: ثقة، وقال أبو زرعة والنسائي: ليس به بأس، وقال ابن حبان: كان على قضاء مرو، وكان من خيار الناس وربما أخطأ في الروايات.. وقال عبد الله بن أحمد عن أبيه: ما أنكر حديث حسين بن واقد عن أبي المنيب، وقال العقيلي: أنكر أحمد بن حنبل حديثه، وقال الأثرم: قال أحمد في أحاديثه زيادة ما أدري أي شيء هي؟ -ونفض يده- وقال ابن سعد: كان حسن الحديث، وقال الآجري عن أبي داود: ليس به بأس، وقال الساجي: فيه نظر وهو صدوق يهم، وقال أحمد: أحاديثه ما أدري أيش هي. وقال في "التقريب" "ص169": "ثقة له أوهام"، وفي "الميزان" "1/ 549": "مات سنة سبع أو تسع وخمسمائة والصواب سنة تسع وخمسين وخمسمائة" ولفظة: خمسمائة تصحيف والصواب: مائة. وفي "طبقات المفسرين" للداودي "1/ 164": "صنف التفسير ووجوه القرآن والناسخ والمنسوخ".
2 ثقة متفق على توثيقه قُتل سنة 131. انظر "التهذيب" "11/ 332" و"تاريخ الإسلام" للذهبي الجزء الذي يضم حوادث ووفيات "121-140" "ص569".
3 هو صاحب السيرة المعروف ثقة توفي سنة 151 انظر "التهذيب" "9/ 383" و"طبقات علماء الحديث" لابن عبد الهادي "1/ 267" وفي هامشه تعداد لمصادر ترجمته. ولابن حجر قول فيه قاله في "فتح الباري" في شرح كتاب المحصر باب الإطعام في الفدية "4/ 17": "وهو حجة في المغازي، لا في الأحكام إذا خالف" وقد جمع المنذري الأقوال فيه آخر "الترغيب والترهيب" "4/ 577" وخلص إلى أنه حسن الحديث، وانظر لزامًا "السيرة النبوية الصحيحة" للدكتور أكرم العمري "1/ 56-58" ومقالًا للأستاذ الدكتور محيي هلال السرحان بعنوان "كتب السيرة النبوية" نشر في مجلة الرسالة الإسلامية العدد "223" سنة 1410هـ "ص50-51".
4 ذكره الذهبي في "الميزان" "4/ 26" برقم "8129" وقال عنه: "لا يعرف" قال الأستاذ أحمد شاكر في تعليقه على تفسير الطبري "1/ 219": وهو معروف، ترجمه البخاري في "الكبير" "1/ 225" فلم يذكر فيه جرحًا، وذكره ابن حبان في الثقات، وكفى بذلك معرفة، وتوثيقًا، وذكره الحافظ في "التقريب" "ص505" برقم "6276" وقال: "مجهول، من السادسة، تفرد عنه ابن إسحاق د" وتبع ابن أبي حاتم البخاري فلم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلًا. انظر "الجرح والتعديل" "8/ 88" ولهذا اختلفت أنظار المخرجين تجاه هذا السند فالشيخ شعيب الأرنئوط والشيخ عبد القادر الأرنئوط يضعفانه كما في تعليقهما على "زاد المسير في علم التفسير" لابن الجوزي "1/ 514" والشيخ أحمد شاكر يرتضيه وقد علق على خبر من هذا الطريق في كتابه "عمدة التفسير" "3/ 82" بقوله: وإسناده جيد أو صحيح. وكان السيوطي قد قال في "الإتقان" "2/ 188-189" "وهي طريق جيدة، وإسنادها حسن، وقد أخرج منها ابن جرير وابن أبي حاتم كثيرًا، وفي معجم الطبراني الكبير منها أشياء" وذكر هذا الذهبي في "التفسير والمفسرون" "1/ 79" موهمًا أنه له وليس كذلك!!
تنبيه: الشك في عكرمة أو سعيد بن محمد صرح بذلك في السند نفسه ساقه الطبري في "3/ 132" "2149" وقد تردد الحافظ انظر كلامه على الآية "23" من آل عمران.(1/205)
جبير1 -هكذا بالشك ولا يضر لكونه يدور على2 ثقة3.
3- ومن طريق معاوية بن صالح4، عن علي بن أبي طلحة5 عن ابن عباس،
__________
1 هو أشهر من يعرف به قتل سنة 95. انظر "تهذيب الكمال" للمزي "10/ 358-376".
2 في الدر: لكونه عن ثقة.
3 وللمؤلف ما يؤيد هذا في الآية "80، 108، 109، 118" من سورة البقرة وهذا السند كثير الورود هنا.
4 قال الحافظ في التقريب "ص538" برقم "6762": "معاوية بن صالح بن حُدَيْر -المهملة، مصغر- الحضرمي، أبو عمرو وأبو عبد الرحمن، الحمصي، قاضي الأندلس، صدوق له أوهام، من السابعة، مات سنة 158 وقيل بعد "170" رم" أي: أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة ومسلم في الصحيح وأصحاب السنن الأربعة.
5 قال الحافظ في "التهذيب" "7/ 339".
"علي بن أبي طلحة، واسمه سالم بن المخارق، الهاشمي، أصله من الجزيرة وانتقل إلى حمص، روى عن ابن عباس ولم يسمع منه، بينهما مجاهد، وعنه الحكم بن عتيبة وهو أكبر منه، وداود بن أبي هند، ومعاوية بن صالح الحضرمي.. وسفيان الثوري ... والحسن بن صالح بن حي ... قال الميموني عن أحمد: له أشياء منكرات وهو أهل حمص، وقال الآجري عن أبي داود: إن شاء الله مستقيم الحديث ولكن له رأي سوء، كان يرى السيف، وقد رآه حجاج بن محمد وقال النسائي: ليس به بأس، وقال دحيم: لم يسمع التفسير من ابن عباس، وقال صالح بن محمد: روى عنه الكوفيون والشاميون وغيرهم، وقال يعقوب بن سفيان: ضعيف الحديث منكر ليس محمود المذهب، وقال في موضع آخر: شامي ليس هو بمتروك، ولا هو حجة وذكره ابن حبان في الثقات وقال: روى عن ابن عباس ولم يره، وذكر الخطيب أن أحمد بن حنبل قال: إن علي بن أبي طلحة الذي روى عنه الثوري والحسن بن صالح ورآه حجاج الأعور كوفي غير الشامي، والصواب أنهما واحد.
قال أبو بكر بن عيسى صاحب "تاريخ حمص": مات سنة 143.
له عند مسلم حديث واحد في ذكر العزل، وروى له الباقون [د س ق] حديثًا آخر في الفرائض ووثقة العجلي" وسيأتي قريبًا ما يفهم أن رأي أحمد بما رواه علي في التفسير غير رأيه ما رواه من الحديث، وانظر "التاريخ الكبير" للبخاري "6/ 281" و"معرفة الثقات" العجلي "ص348" و"الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم "6/ 191" و"المرسيل" له "ص140" و"ميزان الاعتدال" للذهبي "3/ 134" و"التقريب" للحافظ "ص402".(1/206)
وعلي صدوق لم يلق ابن عباس1. لكنه إنما حمل2 عن ثقات أصحابه3. فلذلك كان البخاري وابن أبي حاتم4 وغيرهما يعتمدون على هذه النسخة5.
__________
1 قال الخليلي في "الإرشاد" "1/ 393-394" "تفسير معاوية بن صالح قاضي الأندلس عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، رواه الكبار عن أبي صالح كاتب الليث عن معاوية، وأجمع الحفاظ على أن ابن أبي طلحة لم يسمعه من ابن عباس" ونقله السيوطي في "الإتقان" "2/ 188"، وقد استغل جولدزيهر هذه النقطة وذهب يشكك في التفسير عن ابن عباس، انظر كتابه "مذاهب التفسير الإسلامي" "ص98" وما سيأتي يرد عليه, وانظر "التفسير والمفسرون" للذهبي "1/ 78".
2 في الدر: جمل وهو تصحيف.
3 قال أبو جعفر النحاس في "الناسخ والمنسوخ" "ص75" بعد أن ذكر رواية علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: "والذي يطعن في إسناده يقول ابن أبي طلحة لم يسمع عن ابن عباس، وإنما أخذ التفسير عن مجاهد وعكرمة. وهذا القول لا يوجب طعنًا لأنه أخذه عن رجلين ثقتين وهو في نفسه ثقة صدوق". وقال الذهبي في "الميزان": "أخذ تفسير ابن عباس عن مجاهد، فلم يذكر مجاهدًا، بل أرسله عن ابن عباس" وقال: "روى معاوية بن صالح عنه، عن ابن عباس تفسيرًا كبيرًا ممتعًا"، وقال السيوطي في "الإتقان" "2/ 188": "قال قوم: لم يسمع ابن أبي طلحة من ابن عباس التفسير، وإنما أخذه عن مجاهد أو سعيد بن جبير، قال ابن حجر: بعد أن عرفت الواسطة وهو ثقة فلا ضير في ذلك" ولم أجد كلمة ابن حجر هذه وقد رجعت إلى كتابيه: "فتح الباري والتهذيب"، وقد ضعف الشيخ أحمد شاكر هذا الإسناد في تخريج الطبري "2/ 528" لانقطاعه، ولو وقف على كلام ابن حجر لكان له رأي آخر.
4 في الأصل وفي الدر: وأبو حاتم، والصحيح ما أثبت كما في "فتح الباري" "8/ 439".
5 على قوله "النسخة" رمز الصحة. هذا وقد قال الحافظ في "الفتح" "8/ 438-439" في تفسير سورة الحج من كتاب "التفسير في الكلام" على "تمنى": قال أبو جعفر النحاس في كتاب معاني القرآن له بعد أن ساق رواية علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في تأويل الآية: هذا من أحسن ما قيل في تأويل الآية وأعلاه وأجله، ثم أسند عن أحمد بن حنبل قال: بمصر صحيفة في التفسير رواها علي بن أبي طلحة، لو رحل رجل فيها إلى مصر قاصدًا ما كان كثيرًا انتهى. وهذه النسخة كانت عند أبي صالح كاتب الليث، رواها عن معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس وهي عند البخاري عن أبي صالح وقد اعتمد عليها في صحيحه هذا كثيرًا -على ما بيناه في أماكنه- وهي عند الطبري وابن أبي حاتم وابن المنذر بوسائط بينهم وبين أبي صالح انتهى". ونقل قول ابن حجر هذا السيوطي في "الإتقان" ولم يصرح باسم المصدر. قلت: وما نسبه إلى معاني القرآن لم أجده فيه وقد طبع بتحقيق الشيخ محمد علي الصابوني، انظر "4/ 425" ووجدته في "إعراب القرآن" له "2/ 409". ونسبه السيوطي في "الإتقان" "2/ 188" إلى كتابه "الناسخ والمنسوخ"، وهو فيه "ص75" ونصه فيه: "بمصر كتاب التأويل عن معاوية بن صالح، لو جاء رجل إلى مصر فكتبه ثم انصرف به ما كانت رحلته عندي ذهبت باطلًا". هذا وقال ابن حجر في "التهذيب" أيضًا "7/ 340": "نقل البخاري من تفسيره رواية معاوية بن صالح عنه عن ابن عباس شيئًا كثيرًا في التراجم وغيرها ولكنه لا يسميه، يقول: قال ابن عباس أو يذكر عن ابن عباس". وقد استقر الأمر على أن هذه الطريق من أحسن الطرق وأجودها عن ابن عباس. انظر "الإتقان" "2/ 188" ونقل عنه ولم يشر طاش كبري زاده في "مفتاح السعادة" "2/ 64" وعنه الحاج خليفة في "كشف الظنون" "1/ 429"، ويؤكد الأستاذ فؤاد سزكين أن التفسير الذي رواه علي هو من تأليف ابن عباس نفسه قال في تاريخه "1/ 66": "وذلك لأن علي بن أبي طلحة قد جرح لروايته هذا التفسير دون أن يكون قد أخذه سماعًا عن ابن عباس"، ونقله مقرًا الدكتور علي شواخ إسحاق في "معجم مصنفات القرآن الكريم" "4/ 521" في مبحث "الوجوه والنظائر". أقول في هذا أمران: الأول: أننا لا نستطيع الجزم بأن هذا التفسير من تأليف ابن عباس فقد يكون من تدوين مجاهد. الثاني: أن العلماء لم يروا إرساله عن ابن عباس جرحًا لأن الواسطة معروفة وهو مجاهد أو سعيد بن جبير وكلاهما ثقة ولهذا نقل عنه الأئمة في كتبهم كما رأيت.(1/207)
4- ومن طريق ابن جريج1 عن عطاء بن أبي رباح2 عن ابن عباس، لكن فيما يتعلق بالبقرة وآل عمران3، وما عدا ذلك يكون عطاء هو الخراساني4، وهو لم
__________
1 قال في "التهذيب" "6/ 402": عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج الأموي مولاهم أبو الوليد وأبو خالد المكي، أصله رومي ... قال الأثرم بن أحمد: إذا قال ابن جريج: قال فلان وقال فلان وأخبرت، جاء بمناكير، وإذا قال: أخبرني وسمعت فحسبك به ... وقال الدارقطني: تجنب تدليس ابن جريج فإنه قبيح التدليس، لا يدلس إلا فيما سمعه في مجروح مات سنة 150 وانظر "الطبقات" لابن عبد الهادي وهامشه "1/ 262" و"ميزان الاعتدال" "1/ 659" و"طبقات المفسرين" للداودي "1/ 358".
2 هو من رجال التهذيب "7/ 199" قال الذهبي في "الميزان" "2/ 70": "ثبت رضى" وزاد ابن حجر فيما نقله من خطه: "حجة إمام كبير الشأن" اختلف في وفاته على أقوال ما بين "114-117هـ" وترجمته في "الطبقات" لابن عبد الهادي "1/ 171" وصحح وفاته في 114هـ.
3 لم أجد هذا التحديد فيما رجعت إليه من مصادر ترجمته ابن جريج، ثم رأيت مسند الحافظ في حكمه هذا في "فتح الباري" "8/ 667" في شرح تفسير سورة نوح في كتاب التفسير فقد قال هنا: "قال الإسماعيلي: أخبرت عن علي بن المديني أنه ذكر عن "تفسير ابن جريج" كلامًا معناه: أنه كان يقول عن عطاء الخراساني عن ابن عباس، فطال عى الوراق أن يكتب "الخراساني" في كل حديث، فتركه فرواه مَنْ روى، على أنه عطاء بن أبي رباح، انتهى. وأشار بهذا إلى القصة التي ذكرها صالح بن أحمد عن علي بن المديني، ونبه عليها أبو علي الجياني في "تقييد المهمل" قال ابن المديني: سمعت هشام بن يوسف يقول: قال لي جريج: سألت عطاء عن التفسير من البقرة وآل عمران، ثم قال: اعفني من هذا. قال هشام: فكان بعدُ إذا قال عطاء عن ابن عباس قال: "عطاء الخراساني".
قال هشام: فكتبنا ثم مللنا -يعني: كتبنا "الخراساني".
قال ابن المديني: وإنما بينت هذا لأن محمد بن ثور كان يجعلها -يعني في روايته عن ابن جريج- عن عطاء عن عباس، فيظن [مَنْ حملها عنه] أنه ابن أبي رباح، وأورد كلام ابن المديني في كتابه "التهذيب" في ترجمة عطاء الخراساني "7/ 213-214" وما بين المعقوفتين سقط من الفتح هذا وقد الأستاذ سزكين في تاريخه "1/ 74" عن تفسير ابن أبي رباح: "يبدو أنه لم يكن كبيرًا" وهذا ملحظ صحيح، استنتجه من ملاحظة تفسيري الطبري والثعلبي، ولو اطلع على هذا الخبر لجزم به.
4 وخلاصه الكلام فيه ما قاله الحافظ في "التقريب" "ص392" برقم "4600" "عطاء بن أبي مسلم، أبو عثمان الخراساني، واسم أبيه ميسرة، وقيل: عبد الله صدوق يهم كثيرًا ويرسل ويدلس، من الخامسة، مات سنة 135، لم يصح أن البخاري أخرج له، م4" وإخراج البخاري له أمر مختلف فيه، وقد ذكره في موضعين، وهما من المشكلات انظر "فتح الباري" كتاب التفسير سورة نوح "8/ 667-668"، وكتاب الطلاق باب نكاح من أسلم من المشركات وعدتهن "9/ 417-419".(1/208)
يسمع من ابن عباس1، فيكون منقطعًا2، إلا إن صرح ابن جريج بأنه عطاء بن أبي رباح3.
من روايات الضعفاء عن ابن عباس:
1- "التفسير المنسوب" لأبي النضر4 محمد بن السائب الكلبي5، فإنه يرويه عن أبي صالح6، وهو مولى أم هانئ عن ابن عباس، والكلبي اتهموه بالكذب، وقد مرض فقال لأصحابه في مرضه: كل شيء حدثتكم عن أبي صالح كذب7.
__________
1 قال الذهبي في "الميزان" في ترجمته "3/ 73-74": "أما رواياته عن ابن عباس وابن عمر وعبد الله بن السعدي وهذا الضرب فمرسلة، فإن الرجل كثير الإرسال ... وقال أبو داود: لم يدرك ابن عباس، وقال الدارقطني: ثقة في نفسه إلا أنه لم يلق ابن عباس" وانظر "شرح علل الترمذي" لابن رجب "2/ 877"، و"جامع التحصيل" للعلائي "ص290"، و"فتح الباري" "8/ 678" كتاب التفسير، سوة المدثر.
2 ويضاف إلى هذا أن ابن جريج لم يسمع التفسير من عطاء وإنما أخذ الكتاب من ابنه عثمان انظر "التهذيب" "7/ 214" وقد تصحف فيه لفظ "ابنه" إلى أبيه. وقال فيه في ترجمة ابن جريج "406/ 6": "في كتاب علي بن المديني" سألت يحيى بن سعيد عن حديث ابن جريج عن عطاء الخراساني فقال: ضعيف، إنما هو كتاب دفعه إليه" وانظر "الفتح" "8/ 668".
3 وانظر كلمة فيها فوائد في الطرق عن ابن جريج قالها الخليلي في الإرشاد "1/ 391-392"، ونقلها السيوطي في "الإتقان" "1/ 288".
4 تصحف في الدر إلى: النصر.
5 انظر ترجمته في "ميزان الاعتدال" "3/ 556-559" و"التهذيب" "9/ 178"، و"التقريب" "ص479" مات بالكوفة سنة 146هـ وتفسيره من مرويات الحافظ انظر "المعجم المفهرس" "ص92".
6 قال الأستاذ أحمد شاكر في تخريج تفسير الطبري "1/ 91" في التعليق على الخبر "112": هو تابعي ثقة ومن تكلم فيه فإنما تكلم لكثرة كلامه في التفسير، وفي رواية الكلبي عنه انظر شرح المسند في الحديث "2030" وفي ترجمته في "الميزان" "1/ 296" تفصيل بمن ضعفه ومن وثقه.
7 الخبر دون ذكر المرض في "التهذيب" "9/ 179-180".
وقد ذكر الطبري قولًا مرويًّا عن ابن عباس وعقبه بقوله "1/ 66" في الخبر "65": "وليست الرواية عنه من رواية من يجوز الاحتجاج بنقله، وذلك أن الذي روى عنه ... الكلبي عن أبي صالح". وقال الذهبي في "الميزان" "3/ 559": "عن ابن معين قال: الكلبي ليس بثقة، وقال الجوزجاني وغيره: كذاب، وقال الدارقطني وجماعة: متروك وقال ابن حبان: مذهبه في الدين ووضوح الكذب فيه أظهر من أن يحتاج إلى الإغراق في وصفه. يروي عن أبي صالح، عن ابن عباس التفسير، وأبو صالح لم ير ابن عباس، ولا سمع الكلبي من أبي صالح إلا الحرف بعد الحرف، فلما احتيج إليه أخرجت له الأرض أفلاذ كبدها، لا يحل ذكره في الكتب فكيف الاحتجاج به؟ ". وقوله: أخرجت له الأرض ... كناية عن الكذب والاختلاق انظر "الشرح والتعليل لألفاظ الجرح والتعديل" ليوسف محمد صديق "ص102".(1/209)
ومع ضعف الكلبي فقد روى عنه تفسيره مثله أو أشد ضعفا وهو محمد بن مروان السدي الصغير1، ورواه عن محمد بن مروان مثله أو أشد ضعفا وهو صالح بن محمد الترمذي2.
وممن روى التفسير عن الكلبي من الثقات سفيان الثوري3 ومحمد بن فضيل بن غزوان4، ومن الضعفاء من قبل الحفظ حبان -بكسر المهملة وتثقيل الموحدة- وهو ابن علي العنزي5 بفتح المهملة والنون، بعدها زاي منقوطة.
__________
1 نقل هذا القول عن هذا الكتاب المناوي "ت1031هـ" في كتابه "الفتح السماوي بتخريج أحاديث تفسير القاضي والبيضاوي" "1/ 145" وسماه "أسباب النزول، وترجمته في "الميزان" "4/ 32" برقم "8154" وفيه: "تركوه واتهمه بعضهم بالكذب وهو صاحب الكلبي، قال البخاري: سكتوا عنه، وهو مولى الخطابين، لا يكتب حديثه ألبته، وقال ابن معين: ليس بثقة، وقال أحمد: أدركته وقد كبر فتركته ... قال ابن عدي: الضعف على روايته بين" وفيه في ترجمة السدي الكبير "1/ 237": "واهٍ بمرة".
2 ترجمته في "الميزان" "2/ 300" برقم "3825" وفيه "متهم ساقط، قال ابن حبان في تاريخ الثقات: صالح بن عبد الله الترمذي صاحب سنة وفضل، ليس بصالح بن محمد الترمذي، ذاك مرجئ دجال من الدجاجلة" وهذا يكفي.
3 جاء في "الميزان" في ترجمة الكلبي "3/ 557": "قال الثوري: اتقوا الكلبي، فقيل: فإنك تروي عنه فقال: أنا أعرف صدقه من كذبه" في "ص558": "قال ابن عدي: حدث عن الكلبي سفيان وشعبة وجماعة ورضوه في التفسير وأما في الحديث، فعنده مناكير إذا روى عن أبي صالح عن ابن عباس". وقد استقرأت تفسير الثوري المطبوع -وهو ناقص- فرأيته روى عن الكلبي ثلاث مرات في "ص73، 115، 160". في مكانين رفعه إلى ابن عباس، وفي مكان واحد وقفه على أبي صالح. وروى الخطيب البغدادي في كتابه "الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع" في مبحث كتب أحاديث التفسير "2/ 286" عن يحيى بن سعيد قوله: "تساهلوا في أخذ التفسير عن قوم لا يوثق بهم في الحديث -ثم ذكر ليث بن أبي سليم، وجوبير بن سعيد، والضحاك ومحمد بن السائب- وقال: هؤلاء لا يحمد أمرهم ويكتب التفسير عنهم" وذكر الذهبي هذا في "الميزان" "1/ 427" في ترجمة جويبر وكان الخطيب قد قال في "231/ 2": "وأما الكتب المصنفة في تفسير القرآن، أشهرها كتابا الكلبي ومقاتل بن سليمان" ثم روى بسنده عن أحمد بن حنبل أنه سئل عن تفسير الكلبي فقال: "من أوله إلى آخره، كذب، فقيل له: فيحل النظر فيه؟ قال: لا" ولم يخرج الطبري عنه شيئًا. وانظر "الإتقان" للسيوطي "2/ 189" و"المصنوع في معرفة الحديث الموضوع" لعلي القاري "ص223"، و"تاريح التراث العربي" لسزكين "1/ 81".
4 انظر "التقريب" "ص502" برقم "6227" وفيه "صدوق عارف مات سنة 195ع".
5 مات سنة 171 انظر ترجمته في "الميزان" "1/ 449" برقم "1682" و"التقريب" "ص149" وقد أخرج له ابن ماجه.(1/210)
2- ومنهم جويبر بن سعيد وهو واهٍ1، روى التفسير عن الضحاك بن مزاحم2 وهو صدوق عن ابن عباس ولم يسمع منه شيئا3، وممن روى التفسير عن الضحاك علي بن الحكم وهو ثقة4 وعبيد بن سليمان وهو صدوق5، وأبو روق عطية بن الحارث6 وهو لا بأس به.
3- ومنهم عثمان7 بن عطاء الخراساني يروي التفسير عن أبيه عن ابن عباس ولم يسمع أبوه من ابن عباس.
4- ومنهم إسماعيل بن عبد الرحمن السدي -بضم المهملة وتشديد الدال- وهو كوفي صدوق8 لكنه جمع التفسير من طرق منها عن أبي صالح9 عن ابن عباس وعن مرة بن شراحيل10 عن ابن مسعود، وعن ناس من الصحابة
__________
1 ترجمته في "الميزان" "1/ 427" برقم "1539" و"التهذيب" "2/ 123" قال: "وذكره البخاري في التاريخ الأوسط في فصل من مات بين الأربعين إلى الخمسين ومائة" وانظر ما سيقوله المؤلف عنه في الآية "80" من البقرة، والآية "161" من آل عمران.
2 ترجمته في "الميزان" "2/ 325" برقم "3942" وفيه "قيل: مات سنة 105هـ".
3 قال هذا شعبة وقال: سمعت عبد الملك بن ميسرة يقول: الضحاك لم يلق ابن عباس: إنما لقي سعيد بن جبير بالري، فأخذ عنه التفسير كما في "الميزان" "2/ 325-356" و"التهذيب" "453-454"، وسيعيد المؤلف قوله هذا في الآية "80" من البقرة.
4 وقد تكلم فيه بعضهم وعلى أية حال فقد أخرج له البخاري والأربعة واختلف في وفاته على أقوال ومنها قول البخاري في التاريخ مات سنة 135 انظر "التهذيب" "7/ 311".
5 هو الباهلي مولاهم، أصله من الكوفة، وقد اختلف فيه وفي جوبير أيهما أفضل انظر "التهذيب" "7/ 67" و"التقريب" "ص377" ولم يروِ عنه أحد من الستة وذكر في "التهذيب" تمييزًا.
6 ترجمته في التهذيب "7/ 24" وأخرج له "د س ق".
7 وهو ضعيف يقال: مات سنة 155، وانظر الميزان "3/ 48-49" برقم "5540".
8 توفي سنة 128هـ انظر ترجمته في "التاريخ الكبير" للبخاري "1/ 361" و"الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم "1/ 184" و"الميزان" "1/ 236" و"سير أعلام البنلاء" "5/ 264" و"التهذيب" "1/ 313-315".
9 هو مولى أم هانئ وقد مر ذكره.
10 تابعي ثقة، من كبار التابعين، ليس فيه خلاف بينهم. انظر "التهذيب" "10/ 88".(1/211)
وغيرهم1. وخلط روايات الجميع فلم تتميز رواية الثقة من الضعيف2، ولم يلق السدي من الصحابة إلا أنس بن مالك3 وربما التبس الصغير الذي تقدم ذكره.
__________
1فهاهنا إسنادان أو ثلاثة أسانيد فقوله: "وعن ناس من الصحابة" يحتمل أن يكون من روايته هو عنهم، ويحتمل أن يكون من رواية مرة وهو ما أرجحه.
2 يقصد الحافظ بالضعيف: أبا صالح وهو مختلف في توثيقه كما مر وكان أحمد بن حنبل قال عن السدي: "إنه ليحسن الحديث إلا أن هذا التفسير الذي يجيء به قد جعل له إسنادًا واستكلفه" "التهذيب "1/ 314"، وكأنه يقصد هذا الخلط الذي ذكره المؤلف.
وعن هذا السند قال الخليلي في الإرشاد "1/ 397-398": "وتفسير إسماعيل بن عبد الرحمن السدي فإنما يسنده بأسانيد إلى عبد الله بن مسعود وابن عباس، وروى عن السدي الأئمة مثل الثوري وشعبة، لكن التفسير الذي جمعه رواه أسباط بن نصر، وأسباط لم يتفقوا عليه، غير أن أمثل التفاسير تفسير السدي". قال السيوطي في "الإتقان" "2/ 188": و"تفسير السدي المشار إليه يورد منه ابن جرير كثيرًا من طريق عن أبي مالك عن [كذا وصواب: و] أبي صالح، وعن مرة عن ابن مسعود، وناس من الصحابة، هكذا، ولم يورد منه ابن أبي حاتم شيئًا لأنه التزام أن يخرج أصح ما ورد، والحاكم يخرج منه في مستدركه أشياء ويصححه، لكن من طريق مرة عن ابن مسعود وناس فقط، دون الطريق الأول وقد قال ابن كثير: إن هذا الإسناد يروي به السدي أشياء فيها غرابة".
قلت: قول السيوطي عن ابن عباس بن أبي حاتم بسديد فقد أخرج عن السدي، ولعل عذره أن ابن أبي حاتم لا يسوق سند السدي بل يقف عنده. وقال قارنت ما ساقه عن السدي بما ساقه ابن جرير عن السدي بالسند المذكور فتطابقت الأقوال، ولهذا فقول ابن حجر في "التهذيب" "1/ 315": "قد أخرج الطبري وابن أبي حاتم وغيرهما في تفاسيرهم تفسير السدي مفرقًا في السور، من طريق أسباط بن نصر عنه" أصح.
وكان الشيخ أحمد شاكر قد توقف في قول السيوطي ولم يبت لأنه لم يقف على تفسير ابن أبي حاتم وقال: "ولكني أميل إلى ترجيح نقل ابن حجر لأنه حجر لأنه أكثر تثبتًا ودقه في النقل من السيوطي" تفسير الطبري "1/ 158".
ولا بد من القول أن أحمد شاكر يدافع عن هذا الإسناد وقد خصه ببحث غير قصير في المصدر المشار إليه.
ويرى الأستاذ سزكين أنه "قد يكون من الممكن، إعادة تكوين النص الكامل لهذا التفسير". انظر تاريخه "1/ 78".
3 في هذا خلاف انظر مصادر ترجمته.(1/212)
5- ومنهم إبراهيم1 بن الحكم بن أبان العدني وهو ضعيف يروي التفسير عن أبيه عن عكرمة، وإنما ضعفوه لأنه وصل كثيرًا من الأحاديث بذكر ابن عباس وقد روى عنه تفسيره عبد بن حميد
6- ومنهم إسماعيل بن أبي زياد الشامي، وهو ضعيف جمع تفسيرا كبيرا2 فيه الصحيح والسقيم وهو في عصر أتباع التابعين.
__________
1 ترجمته في "التهذيب" "1/ 115" وفيه: "قال أحمد بن حنبل: في سبيل الله دراهم أنفقناها في الذهاب إلى عدن، إلى إبراهيم بن الحكم، ووقت رأيناه لم يكن به بأس، وكأن حديثه كان يزيد بعدنا ...
وقال عباس بن عبد العظيم: كانت هذه الأحاديث في كتبه مرسلة ليس فيها ابن عباس، ولا أبو هريرة -يعني أحاديث أبيه عن عكرمة- وقال ابن عدي: إنه كان يوصل المراسيل عن أبيه، وعامة ما يرويه لا يتابع عليه ... ".
وفي الميزان" "1/ 27" برقم "75": "تركوه، وقل من مشَّاه".
2 في الدر: كثيرًا وهو تصحيف.
3 ذكره الذهبي في "الميزان" "1/ 231" برقم "884" وقال: "واسم أبيه مسلم، عن ابن عون وهشام بن عروة قال الدارقطني: هو إسماعيل بن مسلم، متروك يضع الحديث قلت: أظنه قاضي الموصل".
وانظر عنه "التهذيب" "1/ 333" و"لسان الميزان" "1/ 406" و"طبقات المفسرين" للداودي "1/ 108" برقم "99" وفيه: "قال الخليلي: شيخ ضعيف ليس بالمشهور، كان يعلم ولد المهدي، وشحن كتابه في "التفسير" بأحاديث مسندة يرويها عن شيوخه، ثور بن يزيد، ويونس الأيلي، لا يتابع عليها". قلت انظر "الإرشاد" "1/ 390-391" وليس فيه قوله: "شيخ ضعيف" وفيه: "كان يكون في دار المهدي، يقال: إنه كان يعلم بنيه، وهو من جملة الحواشي". ثم ذكر له في "فتح الباري" "11/ 420" وأما قاضي الموصل فانظر عنه في "الميزان" "1/ 230" و"التهذيب" "1/ 298".(1/213)
7- ومنهم عطاء بن دينار1، وفيه لين2 روى3 عن سعيد بن جبير عن ابن عباس تفسيرا4 رواه عن ابن لهيعة وهو ضعيف.
- ومن تفاسير التابعي
1- يروى عن قتادة6 وهو من طرق منها رواية عبد الرزاق7
__________
1 توفي سنة 126هـ وهو ثقة وترجمته في "الجرح والتعديل" "6/ 332" و"المراسيل" "ص158" و"ميزان الاعتدال" "3/ 69" وفيه "بصري" وهو تصحيف والصواب: مصرى، و"التهذيب" "7/ 198".
2 لا ينسجم هذا الحكم مع ما جاء في ترجمته وليس فيه تضعيف له إلا ما قاله ابن حجر في آخر ترجمته في "التهذيب": "ذكر أبو القاسم الطبراني في جزء من اسمه عطاء أن أحمد بن حنبل ضعف عطاء بن دينار هذا، وكان قد نقل عن أحمد وأبي داود أنه ثقة!
3 في الدر: "يروي التفسير وهو غير مستقيم لأنه يعيد لفظة "تفسير" بالرفع بعد قوله ابن عباس.
4 روى ابن أبي حاتم عن أحمد بن صالح أنه قال: "عطاء دينار هو من ثقات أهل مصر، وتفسيره فيما يروى عن سعيد بن جبير صحيفة، وليست له دلالة على أنه سمع من سعيد بن جبير" وقال: "سئل أبي عن عطاء بن دينار فقال: هو صالح الحديث إلا أن هذا التفسير أخذه من الديوان، فإن عبد الملك بن مروان كتب يسأل سعيد بن جبير أن يكتب إليه بتفسير القرآن، فكتب سعيد بن جبير بهذا التفسير إليه، فوجده عطاء بن دينار في الديوان فأخذه، فأرسله عن سعيد بن جبير". وقال الخليلي في "الإرشاد" "1/ 393": "تفسير عطاء بن دينار يكتب ويحتج به" ونقله في "الإتقان" "2/ 188".
5 عبد الله بن لهيعة توفي سنة 174 ترجمته في "الميزان" "2/ 475-483" و"التهذيب" "5/ 373-379".
6 قتادة بن دعامة السدوسي توفي سنة 117 أخرج له الستة. انظر "التهذيب" "8/ 315-356".
7 عبد الرزاق بن همام الصنعاني توفي سنة 211 أخرج له الستة. انظر "التهذيب" "6/ 310-315" وله ترجمة جيدة في "السير" للذهبي "9/ 563-580" وتفسيره من مرويات الحافظ انظر "المعجم المفهرس" "ص58".(1/214)
عن معمر1 عنه ورواية آدم بن أبي إياس2 وغيره عن شيبان3 عنه.
ورواية يزيد بن زريع عن سعيد بن أبي عروبة5 عنه6
2- ومن تفاسيرهم تفسير الربيع بن أنس7 بعضه8 عن أبي العالية، واسمه رفيع الرياحي -بالمثناة التحتانية والحاء المهملة-9 وبعضه10 لا يسمي الربيع فوقه أحدا، وهو يروى من طرق منها رواية عبد11 الله بن أبي جعفر
__________
2 توفي سنة 220 أو 21 أخرج له الستة دون أبي داود "التهذيب" "1/ 196".
3 وفي الأصل: سفيان وهو تصحيف وهو شيبان بن عبد الرحمن التيمي مولاهم النحوي توفي سنة 164 أخرج له الستة، وقال الدوري عن ابن معين: وشيبان أحب إليَّ من معمر في قتادة. انظر التهذيب" "4/ 373-374" و"تاريخ بغداد" في ترجمة مقاتل بن سليمان "13/ 163".
4 توفي سنة 182 أخرج له الستة "التهذيب" "11/ 325-328".
5 توفي سنة 156 من رجال الستة "التهذيب" "4/ 63-66".
6 سقطت "عنه" من الدر.
7 هو البكري ويقال: الحنفي البصري ثم الخراساني، صدوق له أوهام، ورمي بالتشيع توفي سنة 140 أو التي قبلها، أخرج له الأربعة "التهذيب" "3/ 328" و"التقريب" "ص205".
8 لم ترد في الدر.
9 مات سنة 93 على الصحيح، أخرج له الستة "التهذيب" "3/ 284" طبقات علماء الحديث لابن عبد الهادي "1/ 132-124".
10 عليها في الأصل رمز الصحة.
11 في الدر: أبي عبيد وهو تحريف، وعبد الله هذا مختلف فيه فقد رماه محمد بن حميد بالفسق وقال أبو زرعة: ثقة صدوق وقال ابن عدي: بعض حديثه مما لا يتابع عليه وذكره ابن حبان في الثقات وقال: "يعتبر حديثه من غير روايته عن أبيه وقال الساجي: فيه ضعف "التهذيب" "5/ 176-177" ومال في "التقريب" "ص298" إلى أنه "صدوق يخطئ" أخرج له أبو داود وانظر "الميزان" "2/ 404".(1/215)
الرازي1 عن أبيه عنه.
3- ومنها تفسير2 مقاتل بن حيان3.
من طريق محمد بن مزاحم4 عن5 بكير بن معروف6 عنه، ومقاتل هذا
__________
1 هو عيسى بن عبد الله بن ماهان، اختلف علماء الجرح والتعديل فيه بين موثق ومجرح واختصر الحافظ الخلاف بقوله في "التقريب" "ص629": "صدوق سيئ الحفظ خصوصًا عن مغيرة [بن مقسم] مات في حدود 160" وترجمته في "التاريخ الصغير" "ص171" و"الجرح والتعديل" "6/ 280" و"المجروحين" لابن حبان "2/ 120" و"تاريخ بغداد" "11/ 143-147" و"الضعفاء لابن الجوزي" "2/ 240"برقم "2653" و"التهذيب" "2/ 56" "في الكني".
2 في الدر: تفاسير وهو تحريف.
3 قال الذهبي في "الميزان" "4/ 171": "أبو بسطام، النبطي، البلخي، الخراساني، الخراز، أحد الأعلام، كان عابدًا كبير القدر صاحب سنة وصدق، وهرب أيام أبي مسلم الخراساني إلى كابُل، ودعا خلقًا إلى الإسلام فأسلموا، وثقه يحيى بن معين، وأبو داود وغيرهما. قال النسائي: ليس به بأس، وقال أبو الفتح الأزدي: سكتوا عنه، ثم ذكر أبو الفتح عن وكيع أنه قال: ينسب إلى الكذب. كذا قال أبو الفتح وأحسبه التبس عليه مقاتل بن حيان بمقاتل بن سليمان، فابن حيان صدوق قوي الحديث، والذي كذبه وكيع فابن سليمان ... مات قبل 150 فيما أرى" وانظر "الجرح والتعديل" "8/ 353" و"التهذيب" "10/ 277" وهو يصحف إلى حبان في عدد من المصادر.
4 هو العامري أبو وهب توفي سنة 209هـ.
وثقة ابن حبان وقال الذهبي: صدوق، وتبعه ابن حجر في "التقريب" وقال ابن سعد: كان خيرًا فاضلًا، أما السليماني فقال: فيه نظر.
انظر ترجمته في "الجرح والتعديل" "8/ 190" ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلًا و"الميزان" "4/ 34" و"التهذيب" "9/ 437" ونسب ما نقله الذهبي عن السليماني فيه إلى محمد بن مزاحم آخر!! و"التقريب" "ص506".
5 في الدر: بن وهو تحريف.
6 هو الأسدي: أبو معاذ، الدامغاني، قاضي نيسابور، ثم نزل دمشق صدوق فيه لين، مات سنة 163. انظر "الجرح والتعديل": "2/ 406" و"تهذيب الكمال"للمزي "4/ 252" وفيه: "صاحب التفسير" و"الميزان" "1/ 351" و"التهذيب" "1/ 495" و"التقريب" "ص128".(1/216)
صدووق، وهو غير مقاتل بن سليمان الآتي ذكره.
ومن تفاسير ضعفاء التابعين فمَنْ بعدهم:
1- تفسير زيد بن أسلم1 من رواية ابنه عبد الرحمن2 عنه، وهي نسخة كبيرة يرويها ابن وهب3 وغيره عن عبد الرحمن عن أبيه وعن غير أبيه، وفيها أشياء كثيرة لا يسندها لأحد. وعبد الرحمن من الضعفاء، وأبوه من الثقات.
2- ومنها تفسير مقاتل بن سليمان4، وقد نسبوه إلى الكذب، وقال الشافعي: مقاتل قاتله الله تعالى5، وإنما قال الشافعي فيه ذلك لأنه اشتهر عنه القول بالتجسيم.
__________
1 الإمام الثقة توفي سنة 136 أخرج له الستة ومصادر ترجمته كثيرة انظر "تهذيب الكمال" للمزي "10/ 12" وفيه "ص17" قال يعقوب بن شيبة: ثقة من أهل الفقه والعلم، وكان عالمًا بتفسير القرآن، له كتاب في تفسير القرآن" و"تهذيب التهذيب" "3/ 395" وفيه "ص396" من زيادات ابن حجر: "وقال حماد بن زيد عن عبيد بن عمر: لا أعلم به بأسًا إلا أنه يفسر برأيه القرآن ويكثر منه".
2 توفي سنة 182هـ ضعيف بالاتفاق. انظر "الجرح والتعديل" 5/ 233" و"المخرجين" لابن حبان "2/ 57" و"الضعفاء" لابن الجوزي "2/ 95" وقاعدة جليلة في التوسل والوسيلة "ص80-81" و"الميزان" "2/ 564" و"التهذيب "6/ 177".
3 هو عبد الله بن وهب القرشي مولاهم أبو محمد المصري الفقيه الإمام الثقة توفي سنة 197هـ أخرج له الستة ومصادر ترجمته كثيرة انظر "التهذيب" "6/ 71".
4 بعد اطلاعي على مصادر ترجمته رأيت ما كتبه الأستاذ فؤاد سزكين خلاصة حسنة ولهذا أنقله هنا. قال في تاريخه "1/ 85": "هو أبو الحسن، مقاتل بن سليمان بن بشير الأزدي البلخي، أصله من بلخ، عاش في البصرة، ثم في بغداد، وكان مفسرًا ومتكلمًا، لم يكن تفسيره للقرآن موضع تقدير لأنه في شروحه كان يطلق العنان لخياله: ويكمل الجوانب الموجزة في القرآن الكريم بمأثورات النصارى واليهود، وفوق هذا، فإنه أفاد من تفاسير قديمة دون ذكر الأسانيد ودون سماع "13/ 160-169" و"الميزان" "173-175" و"التهذيب" "10/ 279-285" و"الإتقان" "2/ 191" و"طبقات المفسرين" للداودي "2/ 330"، و"مذاهب التفسير الإسلامي" لجولد تسهر "75-78 و109 و134".
5 لم أجد هذه الكلمة في مصادر ترجمة مقاتل ولا في مناقب الشافعي للبيهقي، وقد روى عنه في باب ما يستدل به على معرفة الشافعي رحمه الله بالجرح والتعديل "1/ 523" أنه قال من كلمة له:
" ومن أراد التفسير فعليه بمقاتل بن سليمان".(1/217)
وروى تفسير مقاتل هذا عنه أبو عصمة نوح بن أبي مريم الجامع وقد نسبوه إلى الكذب1.
ورواه أيضًا عن مقاتل2 هذيل بن حبيب3 وهو ضعيف لكنه أصلح حالًا من أبي عصمة.
__________
1 مات سنة 173هـ انظر "التهذيب" "10/ 486-489".
2 وضع على "مقاتل" في الأصل رمز الصحة.
3 في الأصل وفي "الدر": الحكم بن هذيل ولم أجد له ذكرًا في "الميزان" ولا في "التهذيب"، والذي ينتهي إليه السند في مقدمة تفسير المطبوع "ص3": "الهذيل بن حبيب أبو صالح الزبداني [كذا] " وفي تاريخ بغداد في آخر ترجمة مقاتل "13/ 169" روى الخطيب عن الساجي قوله" ... بلغني عن الهذيل بن حبيب أن مقاتلًا في سنة 150"، وسيأتي في الآية "21" من البقرة: "الهذيل بن حكيم [كذا] " و"الهذيل فقط وسيأتي في الآية "144" من آل عمران: "الهذيل أبي صالح" وقد بحثت عن ترجمة للهذيل بن حبيب في سؤالات ابن الجنيد ليحيى بن معين، و"التاريخ الكبير" للبخاري و"أحوال الرجال" للجوزجاني و"الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم و"الضعفاء والمتروكين" للدراقطني ولابن الجوزي و"الميزان" للذهبي "شرح علل الترمذي" لابن رجب، و"ذيل ميزان الاعتدال" للحافظ العراقي و"ذيل الكاشف" لأبي زرعة والتهذيب فلم أجد ثم وجدتها في "تاريخ بغداد" للخطيب "14/ 78-79" برقم 7431" وفيه: "الهذيل بن حبيب، أبو صالح الدنداني، حدث عن حمزة بن حبيب الزيات، روى عن مقاتل بن سليمان كتاب التفسير، حدث عنه ثابت بن يعقوب التوزي" ثم روى عن عبد الله بن ثابت هذا أنه قال: "رأيت في كتاب أبي مكتوبًا: سمعت هذا الكتاب من أوله إلى آخره -يعني كتاب التفسير- من هذيل أبي صالح عن مقاتل بن سليمان ببغداد في درب السدرة بالمدينة في سنة 190" وقد أفادنا هذا النص أن الهذيل بغدادي أو أنه سكن بغداد وأنه في سنة 190 كان حيًّا أي: بعد وفاة شيخه بـ"40" سنة أقول: ثم وجدت كلام عبد الله بن ثابت في تفسير مقاتل في أكثر من موضع منها "1/ 79". أما "الدنداني" فقد جاءت في تفسير مقاتل: "الزبداني" ولم يذكر هاتان النسبتان في الإكمال لابن ماكولا ورجعت إلى معجم البلدان" لياقوت و"الروض المعطار في خبر الأقطار" فلم أجد "دندان" ووجدت في "الروض" "ص296" "الزبداني: بلدة كثيرة المياه والأشجار بين دمشق وبعلبك فلعله منسوب إليها. يقول ياقوت في "معجمه" في الزبداني" "2/ 130" "فلفظ الموضع والنسبة إليه واحد" وفي "معجمه" كذلك "2/ 130" "زَبَد: قال محمد بن موسى زَبَد -بفتح الزاي والباء الموحدة- في غربي مدينة السلام، له ذكر في تايخ المتأخرين" ويحتمل كذلك أن يكون منسوبًا إليه، والله أعلم.(1/218)
3- ومنها تفسير يحيى بن سلام المغربي1 وهو كبير في نحو ستة أسفار أكثر فيه النقل عن التابعين وغيرهم، وهو لين الحديث وفيما يرويه مناكير كثيرة وشيوخه مثل سعيد بن أبي عروبة، ومالك والثوري.
4- ويقرب منه تفسير سُنيد2 -بمهملة ونون مصغر- واسمه الحسين بن داود وهو من طبقة شيوخ الأئمة الستة، يروي عن حجاج بن محمد المصيصي3 كثيرا وعن أنظاره وفيه لين4، وتفسيره نحو تفسير يحيى بن سلام، وقد أكثر ابن
__________
1 توفي في مكة حاجًّا سنة 200هـ ترجمته في غاية النهاية لابن الجزري "2/ 373" و"الميزان" "4/ 380" و"لسان الميزان" لابن حجر "6/ 259" و"طبقات المفسرين" للداودي "2/ 371" برقم "685" و"تاريخ التراث العربي" لسزكين "1/ 90-91" وذكر أن من تفسيره نسخة غير كاملة في الزيتونة بتونس.
وثم كلمة عنه قالها ابن حجر في "فتح الباري" "11/ 439" في شرح كتاب الرقائق باب صفة الجنة والنار، وخبر عن تصحيف وقع فيه علوم الحديث لابن الصلاح "ص254" وتفسيره من مرويات الحافظ، انظر "المعجم المفهرس" "ص88".
2 الإمام الحافظ أحد أوعية العلم توفي سنة 226 انظر ترجمته في "الجرح والتعديل" "4/ 326" و"تاريخ بغداد" "8/ 42" وقد دافع عنه و"سير أعلام النبلاء" "10/ 627" و"الميزان" "2/ 236". و"تذكرة الحافظ" "2/ 459" و"التهذيب" "4/ 244" و"طبقات المفسرين" للداودي "1/ 214".
وقد صحف اسمه في الأصل في مواضع إلى "سعيد" وصحف في "لباب النقول" للسيوطي "ص71" في الكلام على الآية "58" من سورة النساء إلى "شعبة" فاعرفة واجتنبه وذلك في أكثر من طبعة. وسيأتي للحافظ كلام فيه في الآية "165" من آل عمران.
3 الإمام الثقة أحد الأثبات توفي سنة 206 أخرج له الستة ومصادر ترجمته كثيرة "تهذيب الكمال" "5/ 451-457".
4 قال المزي في "تهذيب الكمال" في ترجمة سنيد "12/ 162-163": "قال عبد الله بن أحمد بن حنبل، عن أبيه: رأيت سنيد بن داود عند حجاج بن محمد وهو يسمع منه كتاب "الجامع" لابن جريج، فكان في كتاب "الجامع": ابن جريج أُخبرت عن يحيى، وأخبرت عن الزهري، وأُخبرت عن صفوات بن سليم قال: فجعل سنيد يقول لحجاج: قل يا أبا محمد: ابن جريج عن الزهري، وابن جريج عن يحيى بن سعيد، وابن جريج عن صفوان بن سليم، وكان يقول له هكذا، قال: ولم يحمده أبي فيما رآه يصنع بحجاج وذمه على ذلك. قال أبي: وبعض هذه الأحاديث التي كان يرسلها ابن جريج أحاديث موضوعة. كان ابن جريج لا يبالي من أين أخذها يعني قوله: أُخبرت وحُدثت عن فلان ... ". قال الحافظ في "فتح الباري" في شرح كتاب التفسير، سورة النساء، باب "اطعيوا الله ... " "8/ 253": "وكأن هذا هو السبب في تضعيف من ضعفه" وكان قد قال "ص252" منه: "هو من حفاظ الحديث له وتفسير مشهور، لكن ضعفه أبو حاتم والنسائي ... " وسيأتي قول للمؤلف عنه في الكلام على الآية "119" من البقرة.(1/219)
جرير1 التخريج منه.
5- ومن التفاسير الواهية لوهاء رواتها التفسير الذي جمعه موسى بن عبد الرحمن الثقفي الصنعاني2 وهو قدر مجلدين يسنده إلى ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس وقد نسب ابن حبان موسى هذا إلى وضع الحديث، ورواه عن موسى عبد الغني بن سعيد الثقفي وهو ضعيف3. وقد يوجد كثير من أسباب النزول في كتب المغازي، فما كان منها من رواية معتمر بن سليمان4 عن أبيه5، أو من رواية إسماعيل6 بن إبراهيم بن عقبة عن عمه موسى بن عقبة7 فهو أصلح مما فيها
__________
1 في الدر: ابن جريج وهو تصحف، ومن مواضع في الجزء الأول من تفسير الطبري: "229، 259، 265، 270، 290، 298، 310، 324، 340، 344، 345، 351، 356، 374، 377، 382، 386، 390، 391، 401، 469" وقد يذكر في الصفحة الواحدة أكثر من مرة، ومع هذا يقول ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" "13/ 385": "وأما التفاسير التي في أيدي الناس فأصحها "تفسير محمد بن جرير الطبري" فإنه يذكر مقالات السلف بالأسانيد الثابتة ... ".
2 ذكره الذهبي في "الميزان" فقال "4/ 211":
"معروف، ليس بثقة فإن ابن حيان قال فيه: دجال، وضع على ابن جريج عن عطاء بن ابن عباس كتابًا في التفسير، وقال ابن عدي: منكر الحديث يعرف بأبي محمد المفسر، ثم ذكر أحاديث بواطيل من روايته. انظر "لسان الميزان" لابن حجر "6/ 124" و"تاريخ التراث العربي" لسزكين "1/ 90" و"الإتقان" "2/ 188" وقد تحرف فيه اسم أبيه "عبد الرحمن" إلى "محمد"!! وقاعدة جليلة في "التوسل والوسيلة" لابن تيمية "ص83" وفات الداودي أن يترجمه في "طبقاته". وللحافظ كلام عنه في "الإصابة" "3/ 550" وسيأتي له ذكر في الآية "135" من سورة آل عمران.
3 وفي الميزان" "2/ 642": "حدث عنه بكر بن سهل الدمياطي وغيره، ضعفه ابن يونس".
4 توفي سنة 187 أخرج له الستة "التهذيب" "10/ 277".
5 سليمان بن طرخان البصري توفي سنة 143 أخرج له الستة "التهذيب" "4/ 201".
6 ثقة تكلم فيه بلا حجة، مات في خلافة المهدي أولها أو آخرها "التهذيب" "1/ 72" و"التقريب" "ص105".
7 إمام ثقة توفي سنة 141 أخرج له الستة، واتفق العلماء على أن "مغازيه" من أصح المغازي انظر "التهذيب" "10/ 360" و"السيرة النبوية الصحيحة" للدكتور أكرم العمري "1/ 55-56".(1/220)
من كتاب محمد بن إسحاق1، وما كان من رواية ابن اسحاق أمثل مما فيها من رواية الواقدي2.
وإنما قدمت هذه المقدمة ليسهل الوقوف على أوصافهم لمن تصدى للتفسير، فيقبل من كان أهلًا للقبول، ويرد مَنْ عداه ويستفاد من ذلك تخفيف حجم الكتاب لقلة التكرار فيه وسميت هذا الكتاب:
"العجاب في بيان الأسباب"
وعلى الله أعتمد، ومن فيض فضله أستمد، لا إله إلا هو عليه توكلت وإليه مآب.
__________
1 مرت ترجمته.
2 هو محمد بن عمر توفي بغداد سنة 207. انظر تفصيل حالة في "التهذيب" "9/ 363-368" وختم الترجمة بما يلي: "قال النووي في شرح المهذب في كتاب الغسل منه: الواقدي ضعيف باتفاقهم وقال الذهبي في الميزان: استقر الإجماع على وهن الواقدي وتعقبه بعض مشايخنا [كذا هو خطأ مطبعي والصواب مشايحنا] بما لا يلاقي كلامه، وقال الدارقطني: "الضعف يتبين على حديثه وقال الجوزجاني: لم يكن مقنعا" وفي "الجامع" للخطيب "2/ 234": "وأما الواقدي فسوء ثناء المحدثين عليه مستفيض، وكلام أئمتهم فيه طويل عريض"، وفي "السيرة النبوية الصحيحة" للدكتور أكرم العمري كلام عنه "1/ 61-63" فانظره.(1/221)
سورة الفاتحة:
افتتح الواحدي كتابه1 بذكر أول ما نزل من القرآن ثم بذكر آخر ما نزل2 ثم بنزول البسملة3 ثم بنزول الفاتحة4 وساق الاختلاف هل هي مكية أو مدنية5، ثم أسند6 من طريق أبي روق عن الضحاك عن ابن عباس قال: أول ما نزل
__________
1 "ص7".
2 "ص12".
3 "ص15".
4 "ص17".
5 قال رحمه الله: "اختلفوا فيها: فعند الأكثرين: هي مكية من أوائل ما نزل من القرآن" ثم ساق الروايات المؤيدة لذلك.
6 "ص15" وتعبير المؤلف ابن حجر رحمه الله بـ"ثم" غير دقيق لأن الرواية ساقها الواحدي قبل ذكر الاختلاف في نزول الفاتحة، إلا إذا استعملها بمعنى العطف أو غيره، فقد قال في "الفتح" "3/ 517" في شرح كتاب الحج، في الكلام على قوله تعالى: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} : "وأما الإتيان في الآية بقوله: "ثم" فقيل: هي بمعنى الواو وهذا اختيار الطحاوي، وقيل لقصد التأكيد لا لمحض الترتيب، والمعنى: فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام ثم اجعلوا الأفاضة التي تفيضونها من حيث أفاض الناس لا من حيث كنتم تفيضون ... ".
وقال ابن كثير في تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ} الأنعام "154" "2/ 191": قال ابن جرير: "ثم آتينا موسى الكتاب" تقديره: ثم قل يا محمد مخبرًا عنا إنا آتينا موسى الكتاب بدلالة قوله: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُم} قلت: وفي هذا نظر، وثم ههنا إنما لعطف الخبر بعد الخير لا للترتيب ههنا كما قال الشاعر:
قل لمن ساد ثم ساد أبوه ... ثم قد ساد قبل ذلك جده
وقال ابن هشام في "المغني" "1/ 117" في الكلام على "ثم": "حرف عطف يقتضي ثلاثة أمور"التشريك في الحكم، والترتيب، والمهلة وفي كل منها خلاف" ثم ذهب يناقش ذلك.(1/222)
[به] جبريل1 على النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يا محمد استعذ ثم قل بسم الله الرحمن الرحيم" والراوي له عن أبي روق ضعيف2 فلا ينبغي أن يحتج به.
ثم2 أسند من طريق يزيد النحوي عن عكرمة والحسن4 قالا: "أول ما نزل من القرآن: بسم الله الرحمن الرحيم" وهذا مرسل5، ولعل قائله تأول الأمر في قوله تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّك} وإلى ذلك أشار السهيلي6 فقال7: "يستفاد من هذه الآية ابتداء8 القراءة بالبسملة"، وأما خصوص نزول البسملة سابقا ففي صحته نظر. وقد أسند الواحدي9 من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال: قام النبي صلى الله عليه وسلم بمكة فقال: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم، الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِين} وهذا إن ثبت دل على
__________
1 استدركتها في المطبوع ومن تفسيري الطبري وابن كثير.
2 هو بشر بن عمارة الخثمعي المكتب الكوفي اتفقت كلمات النقاد على تضعيفه مثل أبي حاتم والبخاري والنسائي وابن حبان والدارقطني والعقيلي والساجي إلا ابن عدي: فقال: "لم أر في أحاديثه حديثًا منكرًا وهو عندي حديثه إلى الاستقامة أقرب"، انظر "التهذيب" "1/ 455".
3 هذا التعبير غير دقيق لأن هذه الرواية أوردها الواحدي في مطلع كتابه في القول في أول ما نزل من القرآن "ص8".
4 هو البصري الإمام العلم توفي سنة 110، أخرج له الستة، انظر ترجمته في "تهذيب الكمال" للمزي "6/ 95-127".
5 وفي السند علي بن الحسين بن واقد متكلم فيه، وقال الحافظ: "صدوق يهم" انظر "التهذيب" "7/ 308" و"التقريب" "ص400".
6 هو عالم الأندلس الحافظ أبو زيد عبد الرحمن بن عبد الله الخثمعي المالقي توفي سنة "581" انظر "سير أعلام النبلاء" للذهبي "21/ 157" و"بغية الوعاة" للسيوطي "2/ 81" و"طبقات المفسرين" للداودي "1/ 272-274".
7 في كتابه "الروض الأنف" في شرح السيرة النبوية لابن هشام في أوائل كتاب "المبعث" "2/ 397".
8 في "الروض": وجوب ابتداء.
9 في "القول في سورة الفاتحة". "ص17".(1/223)
أن الفاتحة مكية1.
ومن طريق أبي ميسرة2 أحد كبار التابعين3 أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا برز سمع مناديا ينادي يا محمد فإذا سمع الصوت انطلق هاربا فقال له ورقة بن نوفل: إذا سمعت النداء4 فاثبت حتى تسمع ما يقول لك، فلما برز سمع النداء4 فقال: "لبيك" قال: قل: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله ثم قل: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، الرَّحْمَنِ الرَّحِيم} حتى فرغ من فاتحة الكتاب قلت: وهو مرسل ورجاله ثقات، فإن ثبت حمل على أن ذلك كان بعد قصة غار حراء ولعله كان بعد فترة الوحي، والعلم عند الله تعالى.
ثم5 أسند من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يعرف ختم السورة حتى ينزل عليه: "بسم الله الرحمن الرحيم" وهذا رواته ثقات6.
وأخرجه أبو داود7 لكنه اختلف في وصله وإرساله، وأورد الواحدي له
__________
1 وقد علمت أنه لا يثبت لوهاء سنده.
2 وقد ساقه الواحدي قبل المذكور هنا قبله.
3 هو عمرو بن شرحبيل الهمذاني ثقة عابد مخضرم مات سنة 63 أخرج الستة دون ابن ماجه، "التقريب" "ص422" وجاء في تعليق السيد صقر على كتاب الوحدي "ص17": عمر وهو خطأ.
4 في المطبوع بعدها: يا محمد.
5 هذا التعبير نظر كما سبق والصحيح: وكان أسند.
6 انظر "مجمع الزوائد" "6/ 310".
7 في كتابه "السنن" كتاب الصلاة باب من جهر بالبسملة "209" برقم "778" وقد رواه عن ثلاثة من شيوخه وهم قتيبة بن سعيد وأحمد بن محمد المروزي وابن السرح وقال قتيبة فيه: عن ابن عباس. ولفظه عن ابن السرح: "لا يعرف فصل السور، حتى تنزل" وانظر "تحفة الأشرف" "4/ 434".(1/224)
شاهدين1 بسندين ضعيفين. قال الجعبري: يؤخذ من هذا أن لنزول البسملة سببين، أحدهما: التبرك بالابتداء بها، والثاني: الفصل بين السورتين والله أعلم2.
__________
1 الأول عن ابن مسعود: كنا لا نعلم فصل ما بين السورتين حتى تنزل "بسم الله الرحمن الرحيم" والثاني عن ابن عمر: نزلت "بسم الله الرحمن الرحيم" وهما في "الدرر المنثور" للسيوطي "1/ 7".
2 يلاحظ أن ما أورده الحافظ هنا من كلام على "الفاتحة" لا يعد من أسباب النزول بالمعنى الاصطلاحي.(1/225)
سورة البقرة:
1- قوله ز تعالى: {الم} .
قال شيخ شيوخنا أبو حيان1 في "البحر"2: "قال قوم: إن المشركين لما أعرضوا عن سماع القرآن نزلت ليستغربوا ذلك فيفتحون لها أسماعهم فيستمعون القرآن لتجب عليهم الحجة"3. قلت: وقد حكى نحو ذلك أبو جعفر الطبري4، وتبعه ابن عطية5 حيث جمع الاختلاف في المراد بالحروف المقطعة أول السور6.
__________
1 هو الإمام العلامة ذو الفنون حجة العرب: محمد بن يوسف الأندلسي قال الذهبي: "عالم الديار المصرية وصاحب التصانيف البديعة ولد سنة "654هـ" وتوفي في القاهرة سنة "745" انظر "المعجم المختص بالمحدثين" "ص267-268" وترجمه الحافظ في "الدرر الكامنة" "5/ 70-76".
2 "البحر المحيط" "1/ 34" وهو من مروياته انظر كتابه "المعجم المفهرس" "ص346" من المخطوط.
3 ثم قال في "1/ 35": "والذي أذهب إليه أن هذه الحروف التي في فواتح السور هو المتشابه الذي استأثر الله بعلمه، وسائر كلامه تعالى محكم، وإلى هذا ذهب أبو محمد علي بن أحمد اليزيدي وهو قول الشعبي والثوري وجماعة من المحدثين ... " وهذه الأسماء أخذها من "المحرر الوجيز" لابن عطية "1/ 138" ولم يشر، اكتفاء بما قاله في مقدمته من اعتماده عليه.
4 انظر تفسيره "1/ 210".
5 هو الإمام العلامة شيخ المفسرين أبو محمد عبد الحق بن أبي بكر غالب المحاربي الغزناطي مولده سنة "480" ووفاته سنة "541" انظر ترجمته في "السير للذهبي" "19/ 587-288" ولابن تيمية كلام على تفسيره "المحرر الوجيز" انظره في الفتاوى "113/ 361 و388". وهو مرويات الحافظ انظر "المعجم المفهرس" "ص345".
6 انظر "المحرر الوجيز" "1/ 140" وقد ذكر في تفسيرها اثني عشر قولًا، المذكور هنا آخرها ولا بد من القول أن سورًا كثيرة نزلت بمكة تبدأ بالحروف المقطعة، وليست البقرة أول سورة تبدأ بذلك، وإذا كان هذا القول يصح على تلك السور فإنه لا يصح هنا والله أعلم.(1/226)
2- قوله زتعالى: {ذَلِكَ} .
قال مقاتل بن سليمان1: "لما دعا النبي صلى الله عليه وسلم كعب بن الأشرف وكعب بن أسد2 إلى الإسلام فقالا: ما أنزل الله تعالى من بعد موسى كتابا أنزل الله تعالى {الم، ذَلِكَ الْكِتَابُ} يعني هذا الكتاب الذي جحدتم نزوله لا ريب فيه أنه أنزل من عند الله تعالى على محمد".
وقال الطبري3: يحتمل أن تكون الإشارة لما أنزل من قبل سورة البقرة4 وقيل5: الإشارة إلى التوراة والإنجيل وحكى ابن ظفر6 في تفسيره المسمى "ينبوع الحياة" ما نصه: "قيل: ذكر في كتب الله السالفة أن علامة القرآن الموعود بإنزاله أن في أوائل سورة منه حروفا غير منظومة فنزل القرآن كما قيل لهم وأشار بقوله: {ذَلِكَ الْكِتَابُ} إلى ما وعدهم"7 وقال أبو جعفر بن الزبير8: يحتمل
__________
1 انظر تفسيره "1/ 17" ولم يلتزم الحافظ بحرفية النص.
2 في تفسير مقاتل: أسيد.
3 التفسير "1/ 226" ولم يلتزم كذلك بحرفية النص.
ملاحظة: من قول الطبري هذا إلى آخر ما جاء في الفقرة لا يعد أسباب النزول فتأمل!
4 ورجح الطبري قول عامة المفسرين الذين أولو "ذلك" بـ"هذا".
5 كما في تفسير الطبري "1/ 227-228".
6 هو الإمام محمد بن عبد الله المكي ولد بمكة وتوفي بحماة سنة "565" انظر ترجمته في "معجم الأدباء" "7/ 102" و"لسان الميزان" للحافظ "5/ 371" و"طبقات المفسرين" للداودي "2/ 171" وانظر عن نسخ تفسيره "الفهرس الشامل للتراث العربي الإسلامي المخطوط" "1/ 205".
7 وكان قد ذكر مثل هذا ابن عطية في "المحرر الوجيز" "1/ 139".
8 هو أحمد بن إبراهيم بن الزبير الثقفي العاصمي الجيابي المولد، الغرناطي المنشأ، قال تليمده أبو حيان في "النضار": كان محدثًا جليلًا ناقدًا نحويًّا، أصوليًّا، أديبًا، فصيحًا، مفوهًا، حسن الخط، مقرئًا مفسرًا مؤرخًا.
ولد سنة "627" وتوفي سنة "708" انظر ترجمته في "بغية الوعاة" "1/ 291" وفي "الإتقان" للسيوطي في النوع "63" في الآيات المتشابهات قال "1/ 114": "أفرده بالتصنيف خلق ... وألف في توجيهه الكرمان في كتابه "البرهان في متشابه القرآن"، وأحسن منه "درة التنزيل وغرة التأويل" لأبي عبد الله الرازي وأحسن من هذا، "ملاك التأويل" لأبي جعفر بن الزبير ولم أقف عليه، وذكره الحاج خليفة في "كشف الظنون" في حرف الميم "2/ 1813" وسماه "ملاك التأويل القاطع لذوي الإلحاد والتعطيل وتوجيه المتشابه اللفظي من آي التنزيل"، وأخذ ذكره منه الشيخ قاسم القيسي في "تاريخ التفسير" "ص97" ولم يشير -على عادته في هذا الكتاب- وقد طبع بتحقيق سعيد الفلاح وجاء في مجلدين.(1/227)
أنهم لما أمروا في الفاتحة أن يقولوا: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيم} فقالوا: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيم} فقيل لهم ذلك الصراط هو الكتاب لا ريب فيه1.
3- قوله تعالى: {الم، ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِين} إلى {الْمُفْلِحُونَ} [البقرة: 1-5] .
أسند الواحدي2 من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: "أربع آيات من أول هذه السورة نزلت في المؤمنين وآيتان بعدها [نزلتا] 3 نزلتا في الكافرين، وثلاث عشرة آية نزلت في المنافقين". قلت: وقال مقاتل بن سليمان4: "نزلت الآية ان الأوليان في المؤمنين من المهاجرين والأنصار، والآية ان بعدها في من آمن من أهل الكتاب، منهم عبد الله بن سلام5
__________
1 نقل هذا القول أبو حيان في البحر "1/ 36" سماعًا من شيخه أبي جعفر، وتصرف ابن حجر في النقل فقوله: "يحتمل" غير موجود في البحر، بل هو فيه بصيغة الجزم، وعلق أبو حيان عليه بقوله: "وبهذا الذي ذكره الأستاذ تبين وجه ارتباط سورة البقرة بسورة الحمد، وهذا القول أولى لأنه إشارة إلى شيء سبق ذكره إلى شيء لم يجز له ذكره.
2 "ص19"، وانظر تفسير سفيان الثوري "41".
3 استدركتها من المطبوع.
4 في تفسيره "ص17" والنقل بتصرف.
5 كتب فوقها في الأصل: "خفـ" إشارة إلى نقطه، بالتحقيق، قال السهيلي في "الروض الأنف" في شرح قصة إسلام عبد الله بن سلام. "4/ 407": "سلام هو بتخفيف اللام، ولا يوجد من اسمه -سلام- بالتخفيف- في المسلمين؛ لأن السلام من أسماء الله، فيقال عبد السلام ويقال: سلام -بالتشديد- وهو كثير، وإنما سلام -بالتخفيف- في اليهود، وهو والد عبد الله بن سلام منهم".(1/228)
وأسيد بن زيد وأسيد1 بن كعب، وسلام بن قيس وثعلبة بن عمرو، وأبو2 يامين واسمه سلام أيضا"3.
4- قوله {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُم} .
تقدم قول مجاهد إنها والتي بعدها نزلتا في الكافرين وقال الضحاك: نزلت في أبي جهل وخمسة من أهل بيته، وقال الكلبي نزلت في اليهود4.
قلت: ونقله شيخ شيوخنا أبو حيان عن الضحاك5 ثم قال: "وقيل6: نزلت في أهل القليب7 قليب بدر. منهم أبو جهل، وشيبة بن ربيعة وعتبة بن ربيعة وعقبة
__________
1 ضبط في الأصل بضم الهمزة، وهو في "تفسير مقاتل" المطبوع: أسد، وأسد وأسيد إخوان كما سيأتي.
2 في المطبوع: ابن، وكذلك سيأتي في الكلام على الآية "121" من هذه السورة فلعله هو الصواب والله أعلم انظر الكلام على الآية "208".
3 ترجم للأول ابن حجر في كتابه "الإصابة "2/ 320" وقال: توفي بالمدينة سنة "43"، وذكر أسيد بن كعب في "1/ 50" وأحال على موضع ذكر أخيه أسد "1/ 33" وفي هذا الموضع قال: "روى ابن جرير من طريق ابن جريج قال في قوله تعالى: {مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَة} قال: هم عبد الله بن سلام وأخوه ثعلبة وسعيد وأسد وأسيد ابنا كعب".
وأما الأربعة الباقون فلم يذكرهم ورأيت في ترجمة "سلمة بن سلام الإسرائيلي" في "2/ 65": "روى الكلبي في تفسيره عن أبي صالح عن ابن عباس قال: نزلت هذه الآية {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} الآية في عبد الله بن سلام، وأسد وأسيد ابني كعب، وثعلبة بن قيس، وسلام ابن أخت عبد الله بن سلام، وسلمة ابن أخيه، ويامين بن يامين، وهؤلاء مؤمنوا أهل الكتاب".
4 القولان عند الواحدي "ص19".
5 "البحر المحيط" "1/ 50" وقد ذكر ستة أقوال في سبب نزول الآية ين "6-7"، وهذا هو الثالث.
6 وهو القول الرابع عنده، ولم يلتزم ابن حجر بحرفية النص.
7 في "القاموس" مادة قلب" "ص163": "القليب: البئر، أو العادية القديمة منها، ويؤنث".(1/229)
بن أبي معيط والوليد بن المغيرة كذا حكاه أبو حيان ولم ينسبه لقائل1، وأقره2، وفيه خطأ لأن الوليد بن المغيرة مات بمكة قبل الهجرة3، وعقبة بن أبي معيط إنما قتل بعد رحيل المسلمين من بدر راجعين إلى المدينة قتل بأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالصفراء4 باتفاق أهل العلم بالمغازي5 وقال أبو العالية: نزلت في قادة
__________
1 أصل القول دون ذكر الأسماء مروي بالسند عن الربيع بن أنس كما فى تفسير الطبري "252/ 1" ونصه: "آيتان في قادة الأحزاب: إن الذين كفروا ... فهم الذين قتلوا يوم بدر". قال ابن عطية في "152/ 1": هكذا حكي هذا القول، وهو خطأ؛ لأن قادة الأحزاب قد أسلم كثير منهم، وإنما نزلت ترتيب الآية في أصحاب القلب ... " وعلة تخطئته لهذا القول انصراف ذهنه إلى غزوة الخندق -والله أعلم- وليس هذا بلازم، فالمقصود من الأحزاب هنا المشركون الذين تحزبوا على المسلمين في بدر، وهذا قول أبي العالية، ويرويه عنه الربيع كما في "تفسير ابن كثير" "1/ 45".
2 أي: بالسكوت وعدم التعقيب.
3 قال ابن إسحاق في كلامه على كفاية الله نبيه أمر المستهزئين: "حدثني يزيد بن رومان، عن عروة بن الزبير، أو غيره من العلماء: أن جبريل أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم يطوفون بالبيت فقام وقام رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جنبه فمر به الأسود بن المطلب، فرمى في وجهه بورقة خضراء فعمي، ومر به الأسود بن عبد يغوث، فأشار إلى بطنه، فاستسقى بطنه فمات منه حبنا [هو انتفاخ البطن من داء] ، ومر به الوليد بن المغيرة، فأشار إلى أثر جرح بأسفل كعب رجله، كان أصابه قبل ذلك بسنين، وهو يجر سَبَله [أي: فضول ثيابه] وذلك أنه مر برجل من خزاعة وهو يريش نبلًا له، فتعلق سهم من نبله بإزاره فخدش في رجله ذلك الخدش، وليس بشيء، فانتقض به [أي: تجدد] فقتله ... " انظر "سيرة ابن هشام" "1/ 410".
4 هي قرية فوق ينبع، على ست مراحل من المدينة، وهي كثيرة المزارع والنخل، وفيها مات عبيدة بن الحارث بن المطلب، وكانت قُطعت رجله ببدر، فوصل إليها مرتثًا [الترييث: الإعياء] . وفيها بقرب منها قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم النضر بن الحارث مرجعه من بدر بموضع يقال له الأثيل. انظر "الروض المعطار في خبر الأقطار" "ص362" و"القاموس" مادة الريث "ص218" و"الإصابة" للمؤلف "2/ 449" ترجمة عبيدة برقم "5375".
5 الذي في سيرة ابن هشام "1/ 644" ما يلي: "قال ابن إسحاق: حتى إذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصفراء قتل النضر بن الحارث، ثم خرج حتى إذا كان بعرق الظبية قتل عقبة بن أبي معيط. قال ابن هشام: عرق الظنية عن غير ابن إسحاق" ا. هـ باختصار.
ولا يمكن قبول هذا السبب لأن الآية تدل على أنها نزلت في كفار أحياء لا أموات!(1/230)
الأحزاب، وهم الذين قال الله تعالى فيهم: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَار} 1 وقال غيره: أنزلت في مشركي العرب من قريش وغيرهم2.
ويوافق قول الكلبي ما أورده ابن إسحاق عن ابن عباس بالسند المذكور في المقدمة قال: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ} بما أنزل إليك وإن قالوا إنا قد آمنا بما جاءنا من قبلك {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُم} لأنهم كفروا بما جاءك وبما عندهم من ذكرك مما جاءهم به غيرك فكيف يسمعون منك إنذارا وتحذيرا وقد كفروا بما عندهم من علمك3.
وقال علي بن أبي طلحة4 عن ابن عباس: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرص أن يؤمن جميع الناس ويبايعوه5 على الهدى، فأخبره الله تعالى أنه لا يؤمن إلا مَنْ
__________
1 ذكره أبو حيان في "البحر" "1/ 50" وتسلسله عنده الثاني وهو نفس القول الماضي الذي ذكره برقم الرابع، وكل ما هنالك أنه قسمه إلى قسمين: قادة الأحزاب وأصحاب القليب، وفي هذا نظر. والآية من سورة إبراهيم "28".
2 ذكره في "البحر" "1/ 50" وتسلسله "الخامس".
3 الخبر في سيرة ابن هشام القسم الأول "ص531" في فصل "الأعداء من يهود" دون سند و"تفسير ابن أبي حاتم" "ص42": وقد ذكر الخبر الطبري مفرقًا على فقرتين في "1/ 251 و257" وابن كثير في "تفسيره" "1/ 45"، والسيوطي في "الدر المنثور" "1/ 29" والشوكاني في "فتح الباري" في "فتح القدير" "1/ 28".
ولم يلتزم ابن حجر بالنقل الحرفي، بل حذف وقدم وأخر.
4 فيما يرويه الطبري "1/ 252" وهو عند ابن كثير "1/ 45" والسيوطي "1/ 28-29" والشوكاني "1/ 28" ونسباه إلى ابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه والبيهقي ولم أجده في "تفسير ابن أبي حاتم"، هذا، وقد تصرف ابن حجر في النقل بالاختصار.
5 في المصادر المذكورة: يتابعوه وكلا الوجهين جائز لكنه بالتاء أرجح.(1/231)
سبقت له السعادة انتهى. وحاصله أنها خاصة بمن قدر الله تعالى أنه لا يؤمن1.
5- قوله ز2 تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِر} 8.
تقدم قول مجاهد إنها وتمام ثلاث عشرة آية نزلت في المنافقين انتهى.
وقال أبو العالية والحسن البصري وقتادة والسدي نحوه3.
وقال الطبري4: أجمعوا على أنها نزلت في قوم من أهل النفاق5، وقال ابن إسحاق في روايته: هم المنافقون من الأوس والخزرج6.
قلت: وسرد ابن إسحاق أسماءهم في أوائل الهجرة من السيرة النبوية7. ورجح أبو حيان8 أنها نزلت في قوم معينين9؛ لأن الله تعالى حكى عنهم أقوالا معينة
__________
1 وإلى هذا القول مال ابن عطية "1/ 152" فقد حكاه أولًا ثم قال: "والقول الأول مما حكيناه هو المعتمد عليه، وكل من عين أحدًا فإنما مثل بمن كشف الغيب -بموته على الكفر- أنه في ضمن الآية ".
2 سقطت "ز" من الأصل، وهي لازمة لأن هذا السبب مما أخل به الواحدي.
3 لم أجد هذه الأسماء مجتمعة هكذا إلا في "تفسير ابن كثير" "1/ 47" فالظاهر أن المؤلف نقل منه، وهو كما ترى لم يشر.
4 في "1/ 268".
5 وتتمة القول فيه: "وإن هذه الصفة صفتهم".
6 وتتمة الرواية عنده كما في الطبري "1/ 269": ومَنْ كان على أمرهم. وانظر "سيرة ابن هشام" "1/ 531".
7 انظر "سيرة ابن هشام" "1/ 519-527" ولم أجده في "السير والمغازي" المطبوع.
8 انظر "البحر" "1/ 54".
9 قال: "وهم عبد الله بن أبي بن سلول، وأصحابه، ومن وافقه من غير أصحابه ممن أظهر الإسلام وأبطن الكفر ... " وهو في هذا يرد على أبي البقاء إذا استضعف أن تكون "مَنْ" موصولة بمعنى الذي قال: لأن "الذي" يتناول قومًا بأعيانهم، والمعنى هنا على الإبهام.(1/232)
قالوها، فلا يكون ذلك صادرا إلا من معين
6- قوله ز تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْض} الآية 11.
قال الجمهور1: نزلت في الكفار وفسادهم بالكفر، وفي المنافقين وفسادهم بالمعصية.
وأخرج الطبري2 عن سلمان قولا آخر إنها لم يأت أصحابها بعد.
__________
1 رجعت إلى المصادر التي يرجع إليها ابن حجر وهي تفاسير الطبري وابن أبي حاتم وابن عطية وأبي حيان وابن كثير فلم أجد ما نسبه إلى الجمهور هكذا لكن جاء في "البحر" "1/ 64-65":
"وإفسادهم في الأرض بالكفر قاله ابن عباس، أو المعاصي قاله أبو العالية ومقاتل، أو بهما قاله السدي عن أشياخه، أو بترك امتثال الأمر واجتناب النهي قاله مجاهد، أو بالنفاق الذي صافوا به الكفار وأطلعوهم على أسرار المؤمنين ذكره علي بن عبيد الله، أو بإعراضهم عن الإيمان برسول الله صلى الله عليه وسلم والقرآن، أو بقصدهم تغيير الملة قاله الضحاك أو باتباعهم هواهم وتركهم الحق مع وضوحه قال بعضهم، وقال الزمخشري، الإفساد في الأرض: تهييج الحروب والفتن ... " وأنت ترى أن هذه الأقوال كلها تتحدث عن المنافقين، فالقول بأنها نزلت في الكفار ونسبته إلى الجمهور موضع نظر الطويل.
2 أخرج الطبري "1/ 287" هذا القول بسندين ينتهي الأول إلى "عباد بن عبد الله عن سليمان" وأخرجه من طريقه ابن أبي حاتم "ص51"، وعباد هذا هو الأسدي الكوفي قال عنه البخاري: "فيه نظر" وسكت ابن أبي حاتم، ووثقه ابن حبان وقال ابن الجوزي في الضعفاء: "روى عن علي أحاديث لا يتابع عليها" وأخرج في الموضوعات حديث علي: "أنا عبد الله وأخو رسوله، وأنا الصديق الأكبر" وقال: "هذا موضوع، المتهم به عباد بن عبد الله، قال علي بن المديني، كان ضعيف الحديث، وقال الأزدي: روى أحاديث لا يتابع عليها، وقال أبو بكر الأثرم: سألت أبا عبد الله عن "حديث علي" فقال: اضرب عليه فإنه منكر".
وذكره الذهبي في ترجمته الحديث المذكور وحكم عليه بالكذب، ونقل ابن حجر ما تقدم وزاد: "قال ابن حزم: هو مجهول".
انظر "التاريخ الكبير" "6/ 32" و"الجرح والتعديل" "6/ 82" والثقات" "5/ 141" و"الضعفاء والمتروكين:" "2/ 75" و"الموضوعات" "1/ 341" و"ميزان الاعتدال" "2/ 368" و"تهذيب التهذيب".(1/233)
وفي سنده مقال1.
7- قوله ز تعالى: {قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاء} .
قال الثعلبي2: "نزلت في قريظة، قال سعيد بن جبير ومحمد بن
__________
= "5/ 89" ولم أجد له ذكرًا في "تجريد أسماء الرواة الذين تكلم فيهم ابن حزم جرحًا وتعديلًا مقارنة مع أقوال أئمة الجرح والتعديل" لمؤلفيه عمر بن محمود أبو عمر وحسن محمود أبو هنية، فهو مما يستدرك عليهما، ومع هذا كله حسن الشيخ أحمد شاكر حديثه في تفسير الطبري "1/ 288" وشرح مسند أحمد برقم "883" متابعة لابن حبان وكان من منهجه اعتماد تصحيحه والأخذ برأيه. انظر مقدمة "الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان" للأستاذ شعيب الأرنئوط "1/ 62". وفي السند الثاني: عبد الرحمن بن شريك عن أبيه.
وعبد الرحمن قال فيه أبو حاتم: واهي الحديث وذكره ابن حبان في "الثقات" فقال: ربما أخطأ وقال ابن حجر: صدوق يخطئ، انظر الجرح والتعديل" "5/ 244" و"تهذيب التهذيب" "6/ 194" و"تقريب التهذيب" "ص342"، "شريك القاضي فيه كلام شديد للعلماء لكن قال ابن حجر: صدوق يخطئ كثيرًا، وقال يحيى بن سعيد: مازال مخلطًا. انظر ذكر أسماء من تكلم فيه وهو موثق للذهبي "ص99" و"تهذيب التهذيب" "4/ 333"، وقال أحمد شاكر: "وإسناده عندي حسن، وقد مضى قبله بإسناد آخر حسن، فكل منهما يقوي الآخر" تفسير الطبري "1/ 288".
والخبر أورده ابن كثير من طريقيه "1/ 50" وعزاه السيوطي في "الدر المنثور" "1/ 30" إلى وكيع وابن جرير وابن أبي حاتم، وانظر تفسير البيضاوي "1/ 27" و"الفتح السماوي بتخريج أحاديث تفسير القاضي البيضاوي" للمناوي "1/ 143-144".
1 انظر توجيه قول سلمان هذا عند الطبري "1/ 289" ونقله عنه ابن كثير "1/ 50" وانظر كذلك تفسير البيضاوي "1/ 27"، ومثل هذا لا يعد سبب نزول.
2 ترجمه الذهبي في "السير" "17/ 435-437" فقال: "الإمام الحافظ العلامة، شيخ التفسير، أبو إسحاق، أحمد بن محمد بن إبراهيم النيسابوري، كان أحد أوعية العلم، له كتاب التفسير الكبير، توفي سنة 427"، وفي هامشه كلمة عن هذا التفسير مهمة فانظرها، وانظر "معجم مصنفات القرآن الكريم" للدكتور علي شواخ إسحاق "2/ 237" وتفسيره من مرويات الحافظ، كما في "المعجم المفهرس "ص90"، وفي دار صدام للمخطوطات ببغداد جزء منه يبدأ من آخر الواقعة إلى سورة الفيل، وفي المكتبة القادرية قطعة، تبدأ بسورة القدر.(1/234)
كعب1 وعطاء، قالوا: كان عبد الله بن الهيبان2 قبل الهجرة يحض على اتباع محمد إذا ظهر فمات قبل أن يدخل النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، فلما دخلها كفروا به بغيا وحسدا".
والمراد بالسفهاء: الصحابة أخرجه ابن أبي حاتم3 عن الضحاك4 وعن السدي5.
وأخرج الطبري من وجه آخر عن الضحاك قال السفهاء: الجهال6.
ونقل الماوردي7 عن الحسن:
__________
1 هو القرظي تابعي جليل مفسر قال ابن سعد وغيره: مات سنة 120 أخرج له الستة "التهذيب 9/ 420" وانظر التراث العربي" "لسزكين "1/ 76".
2 انظر حديثه مفصلًا ومعنى اسمه وضبطه في "الروض الأنف" وهامشه "2/ 327-330" وذلك قبل كتاب المبعث.
3 1/ 1/ 53.
4 رفعه إلى ابن عباس، وفي السند بشر بن عثمان متفق على ضعفه كما سبق.
5 ذكره بلا سند، وساق سنده ابن جرير "1/ 293-294" وقد مر الكلام عليه في المقدمة.
وفات ابن حجر ذكر أبي العالية فقد كان يقول ذلك أيضًا. أخرجه ابن أبي حاتم "1/ 1 ص53".
6 ذكر الطبري هذه في تفسير كلمة "السفهاء" الثانية المذكورة في قوله: "ألا إنهم هم السفهاء" وفي سنده بشر المذكور، انظر "1/ 295".
7 قال الماوردي: في تفسير "النكت والعيون" في تفسير هذه الآية "1/ 70": "فيه وجهان: أحدهما: أنهم عنوا بالسفهاء أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وقج سقط الوجه الثاني الذي نقله ابن حجر هنا من الشيخ المخطوطة فوضع محقق التفسير الأستاذ خضر محمد خضر بدلًا من الساقط: [الثاني: أنهم أرادوا مؤمني أهل الكتاب] وهذه الزيادة أخذها من تفسير القرطبي، وتبين مما نقله ابن حجر خطأ عمله.
والماوردي هو الإمام العلامة أبو الحسن: علي بن محمد البصري مات في سنة "450" وقد بلغ "86" سنة. انظر ترجمته في "السيرة" للذهبي "186/ 64-67" وفيها كلام لأبي عمرو بن الصلاح عن تفسيره وأنه اعتزالي عظيم الضرر "والميزان" "3/ 155" و"اللسان" "4/ 260". والتفسير من مرويات الحافظ انظر المعجم المفهرس" "ص345".(1/235)
النساء الصبيان1.
وقال مقاتل2: أرادوا بها قوما من الصحابة بأعيانهم وهم سعد بن معاذ، وأسيد بن حضير، وأبو لبابة3. وقيل: بل عبد الله بن سلام ومن آمن من اليهود
8- قوله تعالى: {وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا} .
أسند الواحدي4 من طريق محمد بن مروان السدي الصغير عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال نزلت هذه الآية في عبد الله بن أبي وأصحابه، وذلك
__________
1 لم أجد شيئًا من ذلك في تفاسير الطبري وابن أبي حاتم وابن كثير في هذا الموضع لكن ذكر ابن كثير قول الحسن هذا في تفسير قوله تعالى في سورة النساء: {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُم} انظر التفسير "1/ 452" فتفسير السفهاء هنا بالنساء والصبيان من باب توحيد المراد باللفظ، وحصر المراد بذلك هنا غير سديد، وجميل قول ابن جرير في تفسير آية البقرة: "والسفيه: الجاهل، الضعيف الرأي، القليل المعرفة بمواضع المنافع والمضار، ولذلك سمى الله عز وجل النساء والصبيان سفهاء فقال تعالى: {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُم} فقال عامة أهل التأويل: هم النساء والصبيان لضعف آرائهم، وقلة معرفتهم بمواضع المصالح والمضار التي تصرف إليها الأموال" انظر "1/ 293".
2 "1/ 24" وما نقله ابن حجر مختلف تمامًا عما هو في التفسير المطبوع والذي فيه أن قوله تعالى: {إِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا} نزلت في منذر بن معاذ وأبي لبابة ومعاذ وأسيد قالوا لليهود: صدقوا بمحمد أنه نبي كما صدق به عبد الله بن سلام وأصحابه. فقالت اليهود "قالوا أنؤمن" يعني نصدق "كما أمن السفهاء" يعني الجهال، يعنون عبد الله بن سلام وأصحابه ... ".
وظاهر أن مقاتل أراد بيان الدعاة إلى الإيمان لا أن اليهود سموهم سفهاء.
هذا، وما أرى قوله: "منذر بن معاذ" إلا تصحيفًا ولا وجود لصحابي بهذا الاسم في "الإصابة" فالصواب: سعد بن معاذ.
3 انظر تراجمهم في "الإصابة" للمؤلف، الأول في "2/ 37" برقم "3204"، والثاني في "1/ 49" برقم: "185"، والثالث -وقد اختلف في اسمه- في "4/ 186" برقم "981" من تسلسل باب الكنى.
"4 "ص20" ومن قبله الثعلبي. انظر "لباب النقول" للسيوطي "ص17" ومن بعده الزمخشري في "الكشاف" "1/ 184" دون سند، والخبر في "تفسير مقاتل بن سليمان" "ص23".(1/236)
أنهم خرجوا ذات يوم فاستقبلهم نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال عبد الله بن أبي انظروا كيف، أرد هؤلاء السفهاء عنكم، فأخذ بيد أبي بكر الصديق فقال: مرحبا بالصديق سيد بني تيم وشيخ الإسلام وثاني رسول الله في الغار والباذل نفسه وماله لرسول الله1، ثم أخذ بيد عمر فقال: مرحبا بسيد بني عدي بن كعب الفاروق القوي في دين الله الباذل نفسه وماله لرسول الله، ثم أخذ بيد علي فقال: مرحبا بابن عم رسول الله وختنه وسيد بني هاشم ما خلا رسول الله2، ثم افترقوا فقال عبد الله لأصحابه: كيف رأيتموني فعلت فإذا رأيتموهم فافعلوا كما فعلت فأثنوا عليه خيرا فرجع المسلمون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبروه بذلك فأنزل الله هذه الآية.
قلت: الكلبي والراوي عنه تقدم وصف حالهما وآثار الوضع لائحة على هذا الكلام3، وسورة البقرة نزلت في أوائل ما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة كما ذكره ابن إسحاق4 وغيره وعلي إنما تزوج فاطمة رضي الله عنهما في السنة الثانية من
__________
1 الكلمتان ليستا في الواحدي، وهما في "لباب النقول" مما يدل على وجودهما فيه إذ نقل السيوطي عنه.
2 زاد أبو حيان في "البحر" "1/ 74" و"الخازن في لباب التأويل" "1/ 28" عبارة هي أن عليًا وبخه وقال له لا تنافق فقال: ألي تقول هذا؟ والله إن إيماننا كإيمانكم، وفي "تفسير مقاتل" "ص23" أن الذي وبخه: عمر بن الخطاب.
3 ونقل نقد النص عنه الشيخ عبد الرءوف المناوي في "الفتح السماوي بتخريج أحاديث تفسير القاضي البيضاوي" "1/ 145" في الفقرة "37".
ويؤخذ على المحقق أحمد مجتبى بن نذير سالم السلفي أنه لم يدرج كتاب ابن حجر هذا في مصادر المناوي "1/ 70-75": وهذا الخبر أورده السيوطي في "الدر المنثور" "1/ 31" وفي "لباب النقول في أسباب النزول" "ص17-18" وقال: "هذا الإسناد واهٍ جدًّا فإن السدي الصغير كذاب وكذا الكلبي، وأبو صالح ضعيف".
4 قال ابن إسحاق وهو يتحدث عن اليهود والمنافقين بعد حديث الهجرة بقليل: "ففي هؤلاء من أحبار يهود، والمنافقين من الأوس والخزرج، نزل صدر سورة البقرة إلى المائة منها -فيما بلغني- والله أعلم ثم مضى يفصل في ذلك انظر سيرة ابن هشام "1/ 530" فما بعدها ففي نقل ابن حجر تجوز.(1/237)
الهجرة1.
وقد روي غيره محمد بن مروان عن الكلبي أن المراد بشياطينهم هنا: الكهنة2.
وأخرج الطبري بسند ابن اسحاق إلى ابن عباس أن هذه الآية نزلت في المنافقين إذا خلوا باليهود وهم شياطينهم لأنهم الذين أمروهم بأن يكذبوا بالحق3.
ومن طريق أبي روق4 عن الضحاك عن ابن عباس قال: كان رجال من اليهود إذا لقوا الصحابة أو بعضهم قالوا: إنا على دينكم وإذا رجعوا5 إلى أصحابهم وهم شياطينهم قالوا إنا معكم.
__________
1 قال المؤلف في كتابه "الإصابة" في ترجمة السيدة فاطمة رضي الله عنها "4/ 377" برقم "83" من تسلسل النساء: "وتزوجها علي أوائل المحرم سنة اثنتين بعد عائشة بأربعة أشهر وقبل غير ذلك ... " وراجع التفصيل هناك.
2 لم أجد هذا القول عن الكلبي في التفاسير التي رجعت إليها وهي تفاسير الزمخشري وابن عطية والرازي والبيضاوي والخازن وأبي حيان وابن كثير والآلوسي.
وانفرد بذكره أبو الليث السمرقندي في "تفسيره" "1/ 276" ومن بعده ابن الجوزي في "زاد المسير" "1/ 35" دون سند ونسبه إلى الضحاك أيضًا، ونسبة القول إلى الضحاك وآخرين غير معينين في "البحر المحيط" "1/ 69" و"روح المعاني" للآلوسي "1/ 157"، ولم يعين ابن عطية قائلًا بل قال: "1/ 175": "وقال جمع من المفسرين: الكهان" وتابعه القرطبي في الجامع "1/ 145".
3 انظر:"1/ 297" برقم "350" ونصه: {وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ} قال: إذا خلوا إلى شياطنهم من يهود، الذين يأمرونهم بالتكذيب وخلاف ما جاء به الرسول {قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ} أي: إنا على مثل ما أنتم عليه "إنما نحن مستهزئون".
4 أي: أخرج الطبري من طريقه "1/ 296" برقم "349" وفي السند بشر بن عمارة.
5 في الطبري: خلوا.(1/238)
وحكى أبو حيان عن الضحاك أن المراد بشياطينهم: الجن1 والأول، أصح2
9- قوله تعالى: {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا} .
قال الواحدي3: قال السدي: دخل النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فأسلم ناس ثم نافقوا، فكانوا كمثل رجل في ظلمة فأوقد نارا فأضاءت له فأبصر ما يتقيه إذ طفئت ناره في حيرة، أخرجه الطبري4.
__________
1 سبق نظر الحافظ هنا فنسب ما قاله الكلبي إلى الضحاك ففي "البحر" "1/ 69": "وشياطينهم هم اليهود الذين كانوا يأمرونهم بالتكذيب قاله ابن عباس. أو رؤساءهم في الكفر قاله ابن مسعود، وروي أيضًا عن ابن عباس، أو شياطين الجن قاله الكلبي، أو كهنتهم قاله الضحاك وجماعة، كان في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكهنة جماعة منهم: كعب بن الأشرف من بني قريظة، وابو بردة في بني أسلم، وعبد الدار في جهينة، وعوف بن عامر في بني أسد، وابن السوداء في الشام ... إلخ".
وقد نسب القول بأنهم الجن إلى الكلبي في "المحرر الوجيز" "1/ 175" وتابعه القرطبي في "الجامع "1/ 145" قال ابن عطية: "وهذا في هذا الموضع بعيد".
قلت: ولا أرى بعده لما نقله أبو الليث السمرقندي في "تفسيره" "1/ 276-277":
"قال الكلبي: يعني كهنتهم، وهم خمسة رهط من اليهود، ولا يكون كاهن إلا ومعه شيطان منهم ... إلخ".
وعلى هذا فرجوعهم إلى الكهنة هو رجوع الجن في آن واحد، وبذلك يجمع بين القولين، وينتهي الخلاف.
2 وقد عرفت أن القولين يجتمعان.
3 لم أجد هذا النقل في كتابه "أسباب النزول"، ويدل على عدم ذكره فيه أن السيوطي نقله عن السدي في كتابه "اللباب" "ص18" ورمز له بـ"ك" وهو اصطلاحه فيما يزيده على الواحدي.
4 في "1/ 322" برقم "388" بالسند المعروف الذي مر ذكره في المقدمة، وأخرجه ابن أبي حاتم "ص61" برقم "162"، وقد اختصر المؤلف كثيرًا وأشار إليه ابن كثير "1/ 55" وصححه واستظهره على غيره من الأقوال في معنى الآية.(1/239)
10- قوله ز1 تعالى: {أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاء} الآية 19.
قال أيضا2:
قال السدي أيضا3: هرب رجلان من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المشركين فأصابهما ما ذكر الله تعالى في هذه الآية فجعلا يقولان: ليتنا أصبحنا فأتينا محمدا، فوضعنا أيدينا في يده حتى أصبحنا فأتياه فأسلما فضرب الله شأنهما مثلا4.
11- قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ} 5.
ساق الواحدي6 سندا صحيحا إلى الأعمش7 عن إبراهيم هو -النخعي8- عن علقمة -هو ابن قيس9- أحد كبار التابعين قال: كل شيء نزل فيه: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ}
__________
1 زدت الرمز "ز" لأن هذه الفقرة من زيادات ابن حجر.
2 أي: الطبري في "1/ 374" برقم "452".
3 أي: فيما يرويه عن أبي صالح عن ابن عباس، وعن مرة عن ابن مسعود وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وقد مر الكلام عليه.
4 ساقه المؤلف باختصار شديد، وقد جمع السيوطي في "الدر" "1/ 81-82" بين هذا النص والذي قبله نقلًا من ابن حجر ثم قال: "وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن السدي مثله" ولم أجد عند ابن أبي حاتم الفقرة الثانية هذه.
5 كل ما جاء هنا في الكلام على هذه الآية لا علاقة له بسبب النزول، وإنما هو تفسير.
6 "ص20-21".
7 هو سليمان مهران الإمام الثقة توفي سنة 148 أخرج له الستة. انظر "تهذيب الكمال" "12/ 76".
8 إبراهيم بن يزيد الإمام الفقية مات 96 أخرج له الستة. انظر المصدر السابق "2/ 233" وقوله "النخعي" من إضافة الحافظ.
9 هو النخعي الكوفي ولد في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، مات سنة 61 أخرج له الستة انظر "التهذيب" "7/ 276" وبيان اسم أبيه في إفادة الحافظ.(1/240)
فهو مكي، وكل شيء نزل فيه {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} فهو مدني1.
قلت: وقد وصله بذكر ابن مسعود فيه البزار2 والحاكم3 وابن مردويه4. قال
__________
1 وفي "الدر المنثور" "1/ 84": "أخرج أبو عبيد وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن الضريس وابن المنذر وأبو الشيخ بن حيان في التفسير عن علقمة" وذكره، وروى مثله من طرق مختلفة عن الضحاك وميمون بن مهران وعروة وعكرمة. أقول: كذا جاء حبان بالباء وهو تصحيف والصواب: حيان بالياء بوزن شداد وهو جد أبي الشيخ انظر "القاموس" مادة الحين "ص1539" وصحف في "اللباب" في أكثر من موضع انظر "ص16، 64، 93".
2 هو الشيخ الإمام الحافظ الكبير أبو بكر أحمد بن عمرو البصري قال الذهبي: صاحب المسند الكبير الذي تكلم على أسانيده، ولد سنة نيف عشرة ومائتين وتوفي بالرملة سنة 292 انظر "سير أعلام النبلاء" "13/ 554" وانظر ما سيأتي عنه في الآية "86" من آل عمران في "الرسالة المستطرفة" للكتاني "ص68": "له مسندان الكبير المعلل وهو المسمى بالبحر الزاخر، يبين الصحيح من غيره، قال العراقي: ولم يفعل ذلك إلا قليلًا إلا أنه يتكلم في تفرد بعض رواة الحديث ومتابعة غيره، والصغير".
وقد جرد زوائده، الحافظ الهيثمي وسماه "كشف الأستار عن زوائد البزار" ونشرته مؤسسة الرسالة في أربعة أجزاء بتحقيق العلامة حبيب الرحمن الأعظمي.
ورأيت من الأصل خمسة مجلدات طبع بعنوان "البحر الزخار" حققه الدكتور محفوظ الرحمن زين الله ومن حديثه عن وصف النسخ الخطية "1/ 43-48" يعلم أنه لم يحصل على نسخة كاملة بعد.
3 لم أجده في كتاب التفسير من "المستدرك" ثم رأيت الزركشي قد أرود هذا الخبر في كتابه "البرهان" في النوع التاسع "معرفة المكي والمدني" "189-190" وبين موضعه فقال: "رواه الحاكم في مستدركه في آخر كتاب الهجرة" فرحمه الله على هذه الدلالة، فانظر "المستدرك" "3/ 18"، وجاء في "البرهان": "عن الأعمش وعن علقمة" وهذه الواو مزيدة يجب خذفها ولم ينتبه المحقق السيد محمد أبو الفضل إبراهيم إلى ذلك.
هذا والحاكم هو محمد بن عبد الله، وأبو عبد الله بن البيع ولد سنة 321 وتوفي سنة 405، انظر ترجمته في "السير" للذهبي "17/ 162-177" وفيها كلمة مهمة عن حال المستدرك" فعد إليها.
4 ترجمه الذهبي في "السير" "17/ 308-311" فقال: "الحافظ المحدود العلامة، محدث أصبهان أبو بكر أحمد بن موسى صاحب "التفسير الكبير" و"التاريخ" والأمالي الثلاث مائة مجلس، مولده سنة "323"، ومات سنة "410". وتفسيره للقرآن في سبع مجلدات انتهى بتصرف وتفسيره هذا من مرويات الحافظ انظر "المفهرس" "ص87".(1/241)
الواحدي: أراد أن {يَا أَيُّهَا النَّاس} خطاب لأهل مكة، و {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} خطاب لأهل المدينة، فقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُم} خطاب لمشركي أهل مكة إلى قوله: {أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِين} انتهى1.
وقال القرطبي2: قال علقمة ومجاهد: كل آية أولها: {يَا أَيُّهَا النَّاس} نزلت بمكة وكل آية أولها {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} نزلت بالمدينة.
وقال أبو حيان3: روي عن ابن عباس وعلقمة ومجاهد أنهم قالوا: كل شيء نزل فيه: {يَا أَيُّهَا النَّاس} فهو مكي، وكل شيء نزل فيه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} مدني.
وحكى الماوردي4 في المراد بالناس هنا قولين5:
أحدهما: أنه على العموم في أهل الكفر، قال وبه جزم مقاتل6.
__________
1 نقله باختصار وتصرف فيه: "إلى قوله: {وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا} وهذه الآية نازلة في المؤمنين، وذلك: أن الله تعالى لما ذكر جزاء الكافرين بقوله: {النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِين} ذكر جزاء المؤمنين".
2 في تفسيره "الجامع لأحكام القرآن" في تفسير الآية "21" من البقرة "1/ 157" واستشكل الفقرة الأولى منه.
والقرطبي هو محمد بن أحمد بن أبي بكر المتوفى سنة 671، قال الداودي في "طبقات المفسرين" "2/ 69": "مصنف التفسير المشهور" الذي سارت به الركبان ونقل عن الذهبي أنه قال فيه: "إمام متقن متبحر في العلم، له تصانيف مفيدة، تدل على إمامته وكثرة اطلاعه ووفور فضله".
وانظر عنه "القرطبي ومنهجه في التفسير" للدكتور القصبي محمود زلط.
3 في "البحر" "1/ 94".
4 سقط تفسير الآية "21" هذه من تفسير الماوردي المعنون بـ"النكت والعيون" كله، فلا أدري أسقط من الناسخ أم من المحقق خضر محمد خضر أم "من الطابع أم ذلك يعود إلى اختلاف النسخ الله أعلم، وكان ينبغي أن يكون هذا النص في "1/ 77".
5 وأورد ابن الجوزي في "زاد المسير" "1/ 147" أربعة أقوال، هذان منها فانظره.
6 نسبه في "الزاد" إلى السدي فقط.(1/242)
والثاني: أنه على أعم من ذلك ويتناول المؤمنين أيضا1، والمطلوب منهم الدوام على ذلك انتهى. وما نقله عن مقاتل وجد في "تفسيره"2 رواية الهذيل بن حبيب3 عنه ما يخالفه4، وقال أبو حيان5: {يَا أَيُّهَا النَّاس} هنا خطاب لجميع من يعقل، قاله ابن عباس، وقيل لليهود خاصة، قاله الحسن ومجاهد، وزاد مقاتل: والمنافقين، وعن السدي: لمشركي أهل مكة وغيرهم من الكفار انتهى6.والذي نقله عن مقاتل هو الموجود في "تفسيره" من رواية الهذيل عنه، وقد استشكل ما نقل عن علقمة وغيره، مع اختلاف العبارة ففرق بين قول من قال: {يَا أَيُّهَا النَّاس} مكي وبين قول: من قال خوطب به أهل مكة؛ لأن الأول أخص من الثاني؛ لأن الذي وقع عليه الاتفاق في الاصطلاح بالمكي والمدني7: أن المكي ما نزل قبل الهجرة ولو نزل بغير مكة كالطائف، وبطن نخل، وعرفة، والمدني ما نزل بعد الهجرة، ولو نزل بغيرها من الأماكن التي دخلها النبي صلى الله عليه وسلم في غزواته حتى مكة وأرض الطائف وتبوك
__________
1 قال في "الزاد": إنه عام في جميع الناس وهو قول ابن عباس.
2 انظر "1/ 26".
3 في الأصل: حكيم وهو تصحيف، وقد مر ذكره في "الفصل الجامع".
4 وفيه: يعني المنافقين واليهود.
5 في "البحر" "1/ 93"، وقد تصرف في النقل -على عادته.
6 أكاد أجزم أن أبا حيان نقل هذا النص من "المسير" لابن الجوزي "1/ 47" فهو الذي جمع هذه الأقوال ولم أجدها في غيره.
7 في تعين المكي والمدني ثلاثة اصطلاحات كما قال الزركشي في "البرهان في علوم القرآن" في النوع التاسع "1/ 187"، وقد عبر هذا القول الذي نقل المؤلف الاتفاق عليه بـ"المشهور"، ومثله مع مزيد بيان في "الإتقان في علوم القرآن" في النوع الأول "1/ 9" للسيوطي، وهما عمدة من كتب في علوم القرآن من المتأخرين كالشيخ طاهر الجزائري في "التبيان" "ص33" والزرقاني في "مناهل العرفان" "1/ 186" والدكتور صبحي الصالح في "مباحث في علوم القرآن" "ص167" والدكتور غانم قدروي حمد في "علوم القرآن الكريم" "ص99" والدكتور عدنان زرزور في "علوم القرآن" "ص138".(1/243)
وغيرها1، وإذا تقرر ذلك فالذي قال: {يَا أَيُّهَا النَّاس} مكي، يقتضي اختصاصه بما قبل الهجرة فلا يدخل فيه المنافقون؛ لأنه2 إنما حدث بعد الهجرة جزما، وأما اليهود فمحتمل، والذي قال: {يَا أَيُّهَا النَّاس} خوطب به، أهل مكة، يعم ما قبل الهجرة وما بعدها لكنه يخص أهل مكة دون غيرهم من المشركين.
وإشكال القرطبي حيث قال: إن البقرة مدنية باتفاق وكذلك سورة النساء، وقد وقع فيهما {يَا أَيُّهَا النَّاس} لا يرد إلا على العبارة الأولى3، وكذا قول أبي حيان: الضابط في المدني صحيح، وأما المكي فيحمل على الأغلب4، وقد قيد الجعبري كلام علقمة بما لم أره في كلام غيره5.
__________
1 قال الدكتور غانم في كتابه المشار إليه: "وقد عرف هذا الاتجاه في تعريف المكي والمدني منذ زمن مبكر، فقد روى الداني [في كتابه البيان في عد آي القرآن ورقة 44 ط] عن يحيى بن سلام "ت200هـ" أنه قال: ما نزل بمكة وما نزل بطريق المدينة قبل أن يبلغ النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فهو من المكي، وما نزل على النبي صلى الله عليه وسلم في أسفاره بعدما قدم المدينة فهو من المدني".
قال السيوطي في "الإتقان" "1/ 9": "وهذا أثر لطيف يؤخذ منه أن ما نزل في سفر الهجرة مكي اصطلاحًا"، وقد نقل هذا القول هو والزركشي من قبله، وتصحف "الداني" في "الإتقان" إلى "الرازي" وفي "التبيان" للجزائري "ص34" و"البرهان" "1/ 188" إلى "الدارمي" وترجمه محقق البرهان محمد أبو الفضل إبراهيم على أنه صاحب "المسند الكبير" المتوفى سنة "280" وهذا خطأ وفاته أن صاحب المسند يكنى بأبي سعيد وليست كنيته أبا عمرو، وقد ذكر أيضًا أن في نسخة مخطوطة أخرى من "البرهان" وردت النسبة: "الداني" وحكم عليها بالتحريف، وحكمه هو التحريف بعينه.
2 في هامش الأصل كتابة سقطت من التصوير وبقي حرف "ق" ويبدو لي أن ما سقط هو: أي: النفاق أو لأن النفاق.
3 نعم فقد وصف الشق الثاني من قول علقمة ومجاهد بأنه صحيح انظر "تفسيره" "1/ 157".
4 "البحر" "1/ 49".
5 سقط هنا ورقة من الأصل ولم ينتبه مرقمه فدرج على التسلسل وقد نقل الزركشي في "البرهان" كلام الجعبري ومنه نفهم هذا القيد الذي يشير إليه المؤلف فلاحظ، جاء في "1/ 189": =(1/244)
12-[قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا} .
قال الواحدي: قال ابن عباس في رواية أبي صالح: لما ضرب الله تعالى هذين المثلين للمنافقين، يعني قوله: {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا} وقوله: {أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاء} قالوا: الله أجل وأعلى من أن يضرب الأمثال. فأنزل الله هذه الآية.
وقال الحسن وقتادة: لما ذكر الله الذباب والعنكبوت في كتابه، وضرب للمشركين به المثل ضحكت اليهود وقالوا: ما يشبه هذا كلام الله، فأنزل الله هذه الآية.
ثم روى الواحدي بسنده عن عبد الغني1 بن سعيد عن موسى بن عبد الرحمن عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس في قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي
__________
= "قال الجعبري: لمعرفة المكي والمدني طريقان: سماعي وقياسي فالسماعي ما وصل إلينا نزوله بأحدهما. والقياسي: قال علقمة عن عبد الله: كل سورة فيها {يَا أَيُّهَا النَّاسُ} فقط أو "كلا" أو أولها حروف تهج سوى الزهراوين والرعد في وجه، أو فيها قصة آدم وإبليس سوى الطولي فهي مكية؛ وكل سورة فيها قصص الأنبياء والأمم الخالية فمكية، وكل سورة فيها فريضة أو حد فهي مدنية فانتهى".
وقد استفدنا من هذا النص فائدتين الأولى أننا عرفنا مصدرًا من مصادر الزركشي وهو "أسباب النزول"للجعبري كما يفيده كلام ابن حجر، والثانية هي سداد نقص أورثه سقوط ورقة. وانظر التعليقة الآتية.
1 تصحف الاسم في "أسباب النزول" بطبعتيه إلى "العزيز" والصواب: "الغني" كما جاء في الفصل الجامع في المقدمة وفي "اللباب" للسيوطي.(1/245)
أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا} قال: وذلك أن الله ذكر آلهة المشركين فقال: {وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا} وذكر كيد الآلهة فجعله كبيت العنكبوت، فقالوا: أرأيت حيث ذكر الله الذباب والعنكبوت فيما أنزل من القرآن على محمد أي شيء1 كان2 يصنع بهذا؟] 3
فنزلت4.
قلت: الروايتان عن ابن عباس واهيتان، فقد5 تقدم التنبيه على وهاء الكلبي وعبد الغني الثقفي6، وأما قول قتادة فأخرجه عبد الرزاق7 عن معمر عنه ولفظه: لما ذكر الذباب والعنكبوت في القرآن قال المشركون: ما بال العنكبوت والذباب يذكر8؟ وأخرجه الطبري9 من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة بلفظ: قال أهل الضلال10، وأخرجها ابن المنذر من هذا الوجه بلفظ: فقال أهل الكتاب11، وأخرجه الطبري وابن أبي حاتم عن السدي نحو قول ابن الكلبي12، زاد ابن أبي حاتم: وعن
__________
1 طمست الكلمتان في الأصل واستدركتهما من الواحدي.
2 لا وجود لهذه الكلمة في الواحدي.
3 ما بين المعقوفتين استدركته من "أسباب النزول" للواحدي "ص21-22" بحيث اتصل الكلام، وقد علمت أن المؤلف نقله، من السطر الذي تبدأ به الصحفة الثامنة عشرة، ومن محتوى تعقيبه وتعليقه بعد قوله: "قلت" والحمد لله الذي هدى إلى هذا، وإلى نص الجعبري، فأكملت به الفراغ الحاصل من جراء سقوط ورقة، وهذان النصان يملأان أكثر من صفحة، فيبقى الساقط أقل من ذلك، ولعله في التعقيب على كلام الجعبري.
4 نقل هذا النص بطوله القرطبي في "الجامع" "1/ 186" ولم يشر إلى مصدره!
5 في الأصل: إذ، وصححت في الهامش بـ"فقد".
6 قال السيوطي في "اللباب" "ص19": "عبد الغني واهٍ جدًّا".
7 أضاف السيوطي في "اللباب" "ص19": "في تفسيره" وقد سقطت الورقة التي هو فيها من النسخة الخطية من "التفسير" وأضاف السيوطي أيضًا في "الدر" "1/ 103": "وعبد بن حميد وابن جرير [1/ 400 برقم 558] وابن المنذر وابن أبي حاتم [1/ 93 برقم 274] ".
8 في المصادر المذكورة: يذكران.
9 في "1/ 399" برقم "557".
10 في الطبري: الضلالة.
11 وقد فات السيوطي ذكره في "الدر المثور" "1/ 103-104 ".
12 انظر الطبري "1/ 398" برقم "554" وابن أبي حاتم "1/ 93" برقم "273" وهو بضم الجزء الأول في سورة البقرة بتحقيق وتخريج الدكتور أحمد العماوي الزهراني.(1/246)
الحسن نحو قول قتادة1، والأرجح نسبة القول لأهل النفاق لأن كتب أهل الكتاب ممتلئة2 بضرب الأمثال فيبعد أن ينكروا ما في كتبهم مثله.
وعن الربيع بن أنس3 أن الآية نزلت من غير سبب4، وإنما هو مثل ضربه الله للدنيا وأهلها، فإن البعوضة تحيا ما جاعت، فإذا امتلأت هلكت وكذلك حال أهل الدنيا إذا امتلئوا منها كان سببا لهلاكهم غالبا.
13- قوله ز تعالى: {الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِه} .
قال سعد بن أبي وقاص نزلت في الحرورية يعني الخوارج، وأخرجه البخاري من حديث سعد5.
__________
1 وزاد كذلك: إسماعيل بن أبي خالد.
2 طمست الكلمة في الأصل ولم يبق شيء من الهمزة فاستظهرت ما أثبته.
3 رواه عنه الطبري في "1/ 398-399" برقم "555" وقد تصرف المؤلف في النقل.
4 هكذا فهم المؤلف، ولم يصرح الربيع بذلك، ولا يعني كونه مثلُ استغناءه عن سبب.
5 وذلك في "صحيحه"، كتاب التفسير في سورة الكهف باب {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا} رواه عن مصعب قال: "سألت أبي: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالً} هم الحرورية؟ قال: لا، هم اليهود والنصارى، أما اليهود فكذبوا محمدًا صلى الله عليه وسلم، وأما النصارى كفروا بالجنة وقالوا: لا طعام فيها ولا شراب، والحرورية: الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه، وكان سعد يسميهم الفاسقين، انظر "فتح الباري" "8/ 425" ورواه النسائي في "السنن الكبرى" في كتاب التفسير انظر "تحفة الأشراف" للمزي "319، 3/ 320" في ذكر أحاديث مصعب عن أبيه.
وأخرجه كذلك كما في "الدر" "1/ 104": "ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم [برقم 288، 293] ولم أجده عند أبي جرير في هذا الموضع,
وأخرج الحاكم في "المستدرك" في كتاب التفسير في سورة الكهف "2/ 370" عن مصعب قال: "قلت لأبي: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا} الحرورية هم؟ قال: لا ولكنهم أصحاب الصوامع، والحرورية: قوم زاغوا فأزاغ الله قلوبهم" وقال: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي.(1/247)
وأخرجه الفريابي1 في "تفسيره" من طريق مصعب بن سعد عن أبيه قال: هم الخوارج. واستشكل بأن بدعة الخوارج -والحرورية صنف منهم- إنما حدثت في خلافة علي رضي الله عنه2
2- وقد أخرج ابن أبي حاتم3 من طريق الربيع بن أنس عن أبي العالية
__________
= الحروية: قال ابن حجر في الموضع المشار إليه آنفا: "نسبة إلى حروراء وهي القرية التي ابتدأ خروج الخوارج على علي منها" وهي بنواحي الكوفة وقد تكلم عليهم في شرح كتاب استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم في باب قتل الخوارج والملحدين بعد إقامة الحجة عليهم "12/ 282-290" من "الفتح" وقال "ص385": "قد صنف في أخبارهم أبو مخنف لوط بن يحيى كتابًا لخصه الطبري في تاريخه، والهيثم ابن عدي كتابًا، ومحمد بن قدامة الجوهري -أحد شيوخ البخاري خارج الصحيح- كتابًا كبيرًا، وجمع أخبارهم أبو العباس المبرد في كتابه "الكامل"، لكن بغير أسانيد بخلاف المذكورين قبله".
وانظر الأنساب للسمعاني "4/ 133" و"اللباب في تهذيب الإنساب" لابن الأثير "1/ 359" و"معجم البلدان" لياقوت "2/ 245".
1 هو الإمام الحافظ شيخ الإسلام محمد بن يوسف ولد سنة بضع وعشرين ومائة ومات سنة "212" انظر ترجمته في "السير" للذهبي "10/ 114-118" وقال الحافظ في "تغليق التعليق" عن تفسيره "4/ 170": "وهو كتاب صغير نفيس ومصنفه من أكابر شيوخ البخاري" وهو من مروياته انظر "المعجم المفهرس" "ص85".
2 وكان ابن كثير قد أجاب عنه فقد أورد حديث مصعب عن ابن أبي حاتم ثم قال "1/ 65": "وهذا الإسناد إن صح عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه فهو تفسير على المعنى، لا أن الآية أريد منها التنصيص على الخوارج الذين خرجوا على علي بالنهروان فإن أولئك لم يكونوا حال نزول الآية، وإنما هم داخلوان بوصفهم فيها، مع من دخل؛ لأنهم سموا خوارج لخروجهم عن طاعة الإمام، والقيام بشرائع الإسلام ... ".
وتعبير ابن كثير: "إن صح" دقيق لأن في السند وهب بن جرير عن شعبة وقد نفى عبد الرحمن بن مهدي وأحمد بن حنبل سماعه منه انظر "ميزان الاعتدال" "4/ 350-351" وتعليق الزهراني على "تفسير ابن أبي حاتم" "ص97-98". ومنهما يكن فإن هذا لا يعد سبب نزول وكذلك ما جاء بعده.
3 "1/ 1/ 98" برقم "289" ونقله عن السدي ابن الجوزي في "زاد المسير" "1/ 56" وابن كثير في "1/ 66".(1/248)
أنها نزلت في المنافقين1.
ومن طريق السدي2: عهد الله ما عهده في القرآن فاعترفوا3 به ثم كفروا فنقضوه4 ومن طريق بكير بن معروف عن مقاتل بن حيان5: في التوراة أن يؤمنوا بمحمد ويصدقوه فكفروا به ونقضوا الميثاق الأول.
وقال الطبري6: يحتمل أن يكون المراد بالعهد ما أخذ الله على ذرية آدم حين أخرجهم7 من ظهر آدم
14- قوله ز تعالى: {يَا بَنِي إِسْرائيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُم} 8.
قال ابن الكلبي:9 كان عهد الله إلى بني إسرائيل أني باعث نبيا10 من بني إسماعيل
__________
1 وانظر هناك قوله مفصلًا.
2 "1/ 1/ 99" برقم "291".
3 في المصدر المنقول منه: فأقروا.
4 طمست في الأصل فاستعنت بمصدر الخبر.
5 "ص99" برقم "292".
6 "1/ 40" ويستدرك على المؤلف نسبته هذا القول إلى الطبري، وما هو له إنما نقله عن آخرين ولم يرتضه وقال: "وأولى الأقوال عندي بالصواب في ذلك قول من قال: إن هذه الآيات نزلت في كفار أحبار اليهود الذين كانوا بين ظهراني مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما قرب منها من بقايا بني إسرائيل، ومَن كان على شركه من أهل النفاق الذين قد بينا قصصهم فيما مضى من كتابنا هذا".
7 في الأصل: أخذهم وهو تحريف، والتصحيح من الطبري.
8 ما ذكر هنا تفسير وليس بسبب نزول.
9 المعروف أنه الكلبي، وقد جاء بصيغة "ابن الكلبي" هنا في خمسة عشر موضعًا.
10 وضع الناسخ عليها رمز الصحة.(1/249)
وفي1 تفسير ابن عباس رواية محمد بن إسحاق في قوله تعالى: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِي} : هو العهد الذي عهد إذا جاءكم النبي محمد تصدقونه وتتبعونه، وفي قوله تعالى: {وَتَكْتُمُوا الْحَق} قال: هو محمد2.
وفي رواية محمد بن ثور3 عن ابن جريج نحوه4.
وأخرج الطبري عن السدي مثله5
وأخرج الطبري6 من طريق الربيع بن أنس عن أبي العالية {أَوْفُوا بِعَهْدِي} عهده7 دين الإسلام أن تتبعوه8 {أُوفِ بِعَهْدِكُم} يعني الجنة9.
ومن طريق عبد الرحمن بن زيد بن أسلم نحوه10 وزاد ثم قرأ:
__________
1 نقله أيضًا أبو الليث السمرقندي في "تفسيره" "1/ 335" أطول مما هنا، وكذلك أبو حيان في "البحر" "1/ 175".
2 انظر الطبري "1/ 558" برقم "905" و"ص571" برقم "832".
3 ثقة مات بحدود سنة "190" انظر "التهذيب: "9/ 87".
4 لم أقف على هذا الرواية، وقد رجعت إلى الطبري وابن أبي حاتم وأبي الليث السمرقندي وابن كثير والسيوطي، وانفرد ابن عطية بذكر القول منسوبًا إلى ابن جريج دون ذكر الراوي عنه انظر "المحرر الوجيز" "1/ 269" وتابعه أبو حيان "1/ 175" لكنه جعله قولًا مستقلًّا عن قول ابن عباس وقد ذكر قولًا في معنى العهدين.
5 انظر "1/ 571" برقم "836" وعلى الطبري في الأصل رمز الصحة.
6 في الأصل كلمة مطموسة بقي منها "الـ" ولا بد أنها "الطبري" وعليها رمز الصحة.
7 في الأصل: عبادة هو تحريف.
8 في الطبري: "يتبعوه والأمر سهل.
9 انظر الطبري "1/ 588" برقم "506".
10 "1/ 559" برقم "810".(1/250)
{إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّة} 1 [الآية: 2] .
وقال مقاتل بن سليمان3: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ} هو الذي ذكر في المائدة: {وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ} إلى قوله: {سَوَاءَ السَّبِيل} .
15- قوله ز تعالى: {وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِه} 4.
أخرج الطبري5 من طريق الربيع عن أبي العالية: {وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ} قال: لا تكونوا أول من كفر بمحمد.
وفي "تفسير الكلبي" عن ابن عباس نزلت في قريظة6 وكانوا أول من كفر من اليهود بمحمد، وتبعهم يهود فدك وخيبر7.
__________
1 سورة التوبة "111".
2 وفيه: "قال: هذا عهده الذي عهده لهم".
وقال أحمد شاكر: هذا الأثر لم أجده في مكان! وكان قد قال مثل ذلك في "1/ 556".
قلت: هو من النسخة التي تكلم عليها الحافظ في المقدمة.
3 "1/ 33"، وقد نقل كلامه باختصار، وهو في الأصل قول قتادة أخرجه عنه عبد بن حميد انظر "الدر المنثور" "1/ 154" وذكره مجردًا أبو الليث في "1/ 335".
4 الآية "12".
5 "1/ 563" برقم "818" وعلى "الطبري" في الأصل رمز الصحة.
6 أضاف أبو الليث في "تفسيره" "1/ 337": و"النضير" ولم ينسب القول إلى أحد.
7 لم أجد هذا في "تنوير المقباس من تفسير ابن عباس" للفيروزآبادي، مع أن المذكور أنه جمع فيه رواية الكلبي عن ابن عباس انظر "تاريخ التفسير" للشيخ قاسم القيسي "ص135"، وكذلك فإن السند الذي ذكر في المقدمة ينتهي إليه انظر "ص2"، وقد رجعت إليه في البحث عن عدد من النصوص المنقولة هنا عن الكلبي فلم أجدها أو لم يتطابق النصان فلن أشير إليه بعد.
وأما فدك ففي "الروض المعطار في خبر الأقطار" "ص437": "فدك: معروفة بينها وبين المدينة يومان، وحصنها يقال له: الشمروخ، بقرب خبير".(1/251)
16- قوله تعالى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُم} .
1- قال الواحدي1: قال ابن عباس في رواية الكلبي نزلت في يهود المدينة كان الرجل منهم يقول لصهره وذي قرابته، ولمن بينه وبينه2 رضاع من المسلمين: أثبت على هذا الدين وما يأمرك به محمد فإنه حق فكانوا يأمرون بذلك ولا يفعلونه.
وفي تفسير ابن جريج رواية3 محمد بن ثور عنه: هم أهل الكتاب كانوا يأمرون الناس بالصوم والصلاة ويتركونها فعيرهم الله تعالى بذلك4.
وأخرج الطبري5 من طريق6 السدي كانوا يأمرون الناس بطاعة الله وهم يعصونه، وفي "تفسير عبد الرزاق"8 عن معمر عن قتادة: كان أهل الكتاب9 يأمرون الناس بطاعة الله وتقواه وبالبر ويخالفون10 فعيرهم الله عز وجل.
2- أخرج الطبري11 عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم قولا آخر قال: كان
__________
1 "ص22" ومن قبله الثعلبي كما في "اللباب" "ص19" و"الدر المنثور" "1/ 156" للسيوطي ونقله القرطبي في "الجامع": "1/ 248" عن ابن عباس دون ذكر من رواه عنه!
2 في "اللباب والدر": بينهم وعند الواحدي تقدمت "بينهم" على "بينه".
3 طمس نصفها في الأصل.
4 نقله عن ابن جريج بمعناه مجردًا عن ذكر الراوي ابن عطية في "المحرر" "1/ 276" وتابعه القرطبي في "الجامع" "1/ 248".
5 "2/ 8" "842".
6 طمست في الأصل.
7 ولم يرفع السند فوقه.
8 انظر "ص5" وقد أورده الطبري عنه "2/ 8" "843".
9 في التفسير والطبري: بنو إسرائيل.
10 في التفسير: وهو يخالفون ذلك.
11 "2/ 8" "845".(1/252)
اليهود إذا جاء أحد يسألهم عن الشيء ليس فيه رشوة1 أمروه بالحق فنزلت.
17- قوله تعالى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاة} 2.
قال الواحدي:3 عند أكثر أهل العلم أن الخطاب في هذه الآية لأهل الكتاب4 وقال بعضهم: رجع إلى خطاب المسلمين5.
وسبق إلى ذلك الطبري فقال6: معنى الآية واستعينوا أيها الأحبار بحبس أنفسكم على طاعة الله وبإقامة الصلاة التي اقترنت برضى الله، قال7: والخطاب وإن كان ابتداء لبني إسرائيل فإنهم لم يقصدوا بها على التخصيص بل هي عامة لهم ولغيرهم
وقال الجعبري: معنى الآية على القول المذكور يا أيها الذين آمنوا بموسى آمنوا بمحمد واستعينوا على [ترك] 8 رئاستكم بما تتلون فيها9.
__________
1 فيه: يسألهم ما ليس فيه حق ولا رشوة ولا شيء.
2 لا أجد فيما جاء هنا سبب نزول.
3 "ص22".
4 وفيه هنا: وهو مع ذلك أدب لجميع العباد.
5 قال الواحدي: القول الأول أظهر.
6 "2/ 17" وقد اختصر الحافظ وتصرف.
7 لم أجد هذا النص في التفسير، فلعل الأصل: "قلت" وظنها الناسخ: "قال".
8 هذه زيادة لا بد منها ليتضح المقصود من الكلام.
9 أي: في الصلاة قال الطبري "2/ 11-12": "فإن قال لنا قائل: ... فما معنى الأمر بالاستعانة بالصلاة على طاعة الله وترك معاصيه، والتعري عن الرياسة وترك الدنيا؟ قيل: إن الصلاة فيها تلاوة كتاب الله الداعية آياته إلى رفض الدنيا وهجرنعيمها، المسلية النفوس عن زينتها وغرورها، المذكورة الآخرة وما أعد الله فيها لأهلها، ففي الاعتبار بها المعونة لأهل طاعة الله على الجد فيها، كما روي عن نبيا صلى الله عليه وسلم "أنه كان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة".(1/253)
18- قوله ز تعالى: {وَإِنَّهَا لَكَبِيرَة} .
قال مقاتل1: "نزلت في الصرف عن القبلة". يقول: كبر على المنافقين2 واليهود صرفك عن بيت المقدس إلى الكعبة، وقال غيره الضمير للصلاة3 وقيل للاستعانة التي أمروا بها، وقيل عائدة على الإجابة5، ورده الطبري6.
19- قوله ز تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْمًا لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا} .
قال أبو إسحاق الزجاج7 في "معاني القرآن":
__________
1 "1/ 34" وليس فيه "نزلت"! فهذا تفسير.
2 ليس في كلام مقاتل ذكر المنافقين وإنما قال: "فكبر ذلك على اليهود، منهم جدي بن أخطب وسعيد عن عمرو الشاعر وغيرهم".
ونعم في "تفسير ابن أبي حاتم" "1/ 1/ 156" برقم "492" عن مقاتل بن حيان من رواية بكير بن معروف عنه مثل قوله مقاتل بين سليمان وفيه: "كبير ذلك على المنافقين واليهود" وإشار إلى هذا القول ابن الجوزي في "الزاد" "1/ 76" والسيوطي في "الدر" "1/ 164" قال: وأخرج البيهقي في "الشعب" عن مقاتل وذكره.
3 قال ذلك الطبري "2/ 15".
ورواه ابن أبي حاتم بسند صحيح عن مجاهد انظر التفسير "1/ 1/ 155" برقم "490" وذكره الماوردي دون ذكر القائل انظر "1/ 103".
4 ذكر هذا القول أبو الليث في "تفسيره" "1/ 343".
5 ذكره الماوردي في "تفسيره" "1/ 103" ولم يعزه إلى قائل، وكأنه استفاده من الطبري فقد ذكره وأبهم القائل كذلك.
6 قال رحمه الله "2/ 15": "وقد قال بعضهم: إن قوله: "وإنها" بمعنى: إن إجابة محمد صلى الله عليه وسلم ولم يجر لذلك بلفظ الإجابة ذكر، فتجعل "الهاء والألف" كناية عنه، وغير جائز ترك الظاهر المفهوم من الكلام، إلى باطن لا دلالة على صحته".
7 هو الإمام نحوي زمانه إبراهيم بن محمد بن السري البغدادي مات سنة "311" انظر "نزهة الألباء" لان الأنباري "ص183-185" و"السير" للذهبي "14/ 360" و"بغية الوعاة" للسيوطي "411-413/ 1".(1/254)
كانت1 اليهود تزعم أن الأنبياء من آبائهم شافعون لهم فارتشوا، فأنزل الله هذه [الآية: 2] .
20- قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِين} الآية 62.
أخرج الواحدي3 من تفسير أبي الشيخ4 عبد الله بن محمد بن حيان الحافظ الأصبهاني5 بسند له صحيح إلى ابن جريج عن عبد الله بن كثير عن مجاهد6 قال: لما قص سلمان الفارسي على رسول الله صلى الله عليه وسلم قصة أصحابه الذين كان يتعبد معهم قال: "هم في النار" قال سلمان: فأظلمتْ عليَّ الأرض فنزلت، قال: فكأنما كُشف عني جبل7.
__________
1 طبع في خمسة مجلدات بتحقيق الدكتور عبد الجليل عبده شلبي انظر "1/ 128" والنص فيه: "كانت اليهود تزعم أن آباءهم الأنبياء تشفع لها عند الله فأيأسهم الله من ذلك". ولعل هذا الخلاف يعود إلى اختلاف نسخة فقد قال المحقق "1/ 21-22" عن الزجاج وكتابه: "ويبدو أنه درسه، غير مرة؛ لأننا نجد تباينا جوهريا بين النسخة "ك" والنسخة الأخرى في تقديم بعض العناصر أو الآيات، وفي التعبير كثير من الألفاظ والعبارات مما فهمنا معه أنه كان إملاء آخر". هذا وللدكتور حاتم الضامن نقد على هذه الطبعة منشور في "مجلة العرب" "ج7-8 محرم - صفر 1411هـ" فانظره.
2 وهو -كما ترى- لا سند له!
3 "ص22-23".
4 طمست الكلمتان في الأصل إلا بقايا الخاء واستدركتهما من مصادر ترجمته وهي كثيرة منها "سير أعلام النبلاء" "16/ 276" و"تذكرة الحفاظ" للذهبي "3/ 945"، وهو يكنى بأبي محمد ويلقب بأبي الشيخ انظر "مقدمة ابن الصلاح مع محاسن الاصطلاح" "ص512".
5 تفسيره هذا من مرويات الحافظ. انظر "المعجم المفهرس" "ص92".
6 في انقطاع؛ مجاهد لم يسمع من سلمان، انظر "جامع التحصيل في أحكام المراسيل" للعلائي "ص336-337".
7 انظر قصة إسلامه مطولة في كتاب "طبقات المحدثين بأصبهان والواردين عليها" لأبي الشيخ المذكور آنفا المتوفى سنة 369هـ وقد توسع في تخريجها محققه الأستاذ عبد الغفور عبد الحق حسين البلوشي "1/ 209-217".(1/255)
وأخرج الطبري هذا الأثر من هذا الوجه1 وزاد في آخره: "فنزلت هذه الآية فدعا سلمان فقال: "هذه الآية نزلت في أصحابك من كان على دين عيسى قبل الإسلام فهو على خير2، ومن سمع بي ولم يؤمن فقد هلك".
وأخرج ابن أبي حاتم3 بسند صحيح عن مجاهد قال:4 قال سلمان: سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن أهل دين كنت منهم5 فذكر من صلاتهم وعبادتهم فنزلت: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا} الآية.
وأخرج الواحدي6 أيضا من "تفسير إسحاق بن راهويه" بسنده القوي7 إلى
__________
1 "2/ 154" الرقم "1113" وهو من تفسير سنيد "الحسين بن داود" وليس فيه، "عبد الله بن كثير".
2 النص في الطبري: "من مات على دين عيسى ومات على الإسلام قبل أن يسمع بي، فهو على خير، ومن سمع بي اليوم ... " وفي قوله: "ومات على الإسلام" انظر! وانظره في "الدر" "1/ 182".
3 "1/ 1/ 198" الرقم "683" عن أبيه عن ابن أبي عمر العدني، وهو في "تفسير ابن كثير" 1/ 103" وتصحف فيه العدني إلى: العدوي: "والدر المنثور" "1/ 179" و"اللباب" "ص19"، و"فتح القدير" للشوكاني "1/ 94".
4 سبق أن فيه انقطاعًا.
5 في ابن أبي حاتم والسيوطي: معهم.
6 "ص23" والتصريح بتفسير إسحاق، من زيادة الحافظ، وأصل الخبر مطولًا عند الطبري "2/ 150-154" وابن أبي حاتم "1/ 1/ 198" الرقم "640" والسيوطي في "الدر" "1/ 179".
7 في السند أسباط بن نصر وهو مختلف فيه: وثقه ابن معين وابن حبان، ووصفه بالصدق البخاري في "الأوسط"، وتوقف فيه أحمد وضعفه النسائي وأبو نعيم والساجي، ومرة قال ابن معين: ليس بشيء، وقال ابن حجر" صدوق كثير الخطأ يغرب، وقال في التهذيب": علق له البخاري حديثًا في الاستسقاء، وقد وصله الإمام أحمد والبيهقي في "السنن الكبرى" [3/ 352] وهو حديث منكر أوضحته في التغليق" [في الأصل: بالعين المهملة وهو خطأ] .
انظر "التاريخ الكبير" "2/ 53" و"الجرح والتعديل" "1/ 322" و"تهذيب الكمال" "2/ 357" و"التهذيب" "1/ 211" و"التقريب" "ص98 "321" و"تغليق" "2/ 390" وزاد أن البيهقي في "الدلائل" ولم يوضح أنه منكر سوى أنه ساق السند وقد وثقه أحمد شاكر انظر تعليقه على مسند أحمد في الحديث رقم "1286".(1/256)
السدي قال: نزلت في أصحاب سلمان لما قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل1 يخبره عن عبادتهم واجتهادهم وقال يا رسول الله كانوا يصلون ويصومون ويؤمنون بك ويشهدون أنك تبعث نبيا، فلما فرغ سلمان من ثنائه عليهم قال: "يا سلمان هم من أهل النار"، فأنزل الله تعالى {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا} الآية.
وأخرجه الواحدي2 أيضا من طريق السدي بأسانيده التي قدمتُ ذكرها في المقدمة وزاد:
وما بعد هذه الآية [نازلة] 3 نازلة في اليهود.
ونسب الجعبري هذه الرواية الى ابن مسعود وابن عباس فقط وفيه نظر.
وأخرج الطبري4 من طريق السدي قصة سلمان بطولها وقال في آخرها: فأخبر سلمان رسول الله صلى الله عليه وسلم خبرهم فذكر نحوه وزاد قال:5 "فكان إيمان اليهود أن من
__________
1 في الأصل: "وجعل" والواو زائدة فحذفتها.
2 "ص23-24" وجاء في السند: "عن السدي عن أبي مالك عن أبي صالح" والصواب وعن أبي صالح، وأبو مالك وأبو صالح كلاهما تابعيان والسدي يروي عنهما وقد سقطت الواو من "الإتقان" أيضًا "2/ 188" ولكن أحمد شاكر نقل النص في "تخريج الطبري" "1/ 158"، وسيرد ذكر أبي مالك في الآية "178" من سورة البقرة.
3 ساقطة من الأصل.
4 "2/ 150-154" "1112".
5 "2/ 154" والنقل بتصرف، والظاهر أن هذا من كلام السدي، فقد أورده ابن أبي حاتم وابن كثير كذلك وفصله المحقق الأستاذ محمود شاكر.(1/257)
تمسك بالتوراة حتى جاء عيسى فمن آمن به نجا وإلا كان هالكا، وكان إيمان النصارى أن من تمسك منهم بالإنجيل حتى جاء محمد فمن اتبعه نجا وإلا كان هالكا".
وقد أخرج الطبري1 من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس أن هذه الآية منسوخة بقوله تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْأِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِين} 2.
ومن طريق سعيد بن عبد العزيز التنوخي وهو من طبقة الأوزاعي من فقهاء أهل الشام3 نحو ذلك4 قال الطبري:5 معنى من آمن منهم: من دام على إيمانه بنبيه6 فلم يغير ولم يبدل، ومات على ذلك، أوعاش حتى بُعث محمد فصدق به فهو الذي أجره عند ربه قال:7 ومعنى ما رواه علي بن أبي طلحة أن ابن عباس كان يرى أن الله وعد مَن عمل صالحا من اليهود وغيرهم الجنة ثم نسخ ذلك8.
__________
1 "2/ 155" الرقم "1114" ومثله عند أبي حاتم "1/ 1/ 198" الرقم "639" وعزاه السيوطي كذلك إلى أبي داود في "الناسخ والمنسوخ". انظر "الدر" "1/ 182".
2 آل عمران: "85".
3 هو الإمام الفقيه مفتي أهل الشام بعد الأوزاعي مات سنة 167 أخرج له البخاري في "الأدب المفرد" والخمسة، ومصادر ترجمته كثيرة. انظر "تهذيب الكمال" للمزي "10/ 539".
4 الظاهر أن هذا الطريق من تفسير الطبري ولكني لم أجدها فيه في هذا الموضع. ولا في غيره وقد رجعت إلى تفاسير ابن أبي حاتم والسمرقندي والماوردي وابن عطية وابن الجوزي والرازي والقرطبي والحازن وأبي حيان وابن كثير والسيوطي والآلوسي ورشيد رضا وغيرها ولم أجدها في الكت الخمسة، ولم يخرج البخاري لسعيد في صحيحه شيئًا.
5 "2/ 148-149" وقد نقل الحافظ بالمعنى وتصرف كثيرًا.
6 في الأصل: بنيته وهو تحريف.
7 "2/ 155" وقد زاد الحافظ ونقص.
8 هكذا جزم الطبري بالنسخ، وليس في قول ابن عباس ما يدل على أنه أراده، فلعله أراد أن الآية الأولى تتحدث عمن كان قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم ثم نزلت الآية الثانية تبين حكم من لم يؤمن به =(1/258)
وقال غيره:1 معنى النسخ إنما هو في حق من أدرك محمدا لا مَن كان قبل وهو متجه وبالله التوفيق.
قلت: إن ثبت حديث سلمان أنه صلى الله عليه وسلم حكم عليهم بالنار دل ذلك على أن من كان ليس على دين الإسلام فهو هالك فنزلت الآية مخبرة بأن من آمن بنبيه الذي هو من أمته ولم يغير بعده ولم يبدل وآمن بنبي بعث إليه مثلا ناسخا لشريعة من قبله فإنه ناج وأن اسم الإسلام يشمله وإن سُمي بغيره من اليهودية والنصرانية مثلا2،
__________
= بعد مبعثه كما سيأتي في توجيه ابن كثير.
وقد كان ابن الجوزي أدق حين قال في "نواسخ القرآن" "ص43" في التعقيب على هذا الخبر:
"وكأنه أشار بهذا إلى النسخ، وهذا القول "يقصد بالقول النسخ" لا يصح لوجهين:
الأول: أنه إن أشير بقوله {وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى} إلى ما كان تابعًا لنبيه قبل أن يبعث النبي الآخر فأولئك على الصواب، وإن أشير إلى ما كان في زمن نبينا صلى الله عليه وسلم، فإن من ضرورة من لم يبدل دينه ولم يحرف أن يؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم ويتبعه.
والثاني: أن هذه الآية خبر، والأخبار لا يدخلها النسخ".
وكان محققو "المحرر الوجيز" قد قالوا في هامش "1/ 326": وقال بعضهم: هذا القول لا يصح عن ابن عباس لأن النسخ لا يجوز أن يدخل الخبر االذي يتضمن الوعد وهذا منهم -إن قصدوا ابن الجوزي وإن لم يقصدوه- غير سديد لأنه لم يرد القول ولكنه أنكر النسخ الذي قد يُفهم منه، ولأن سند القول من أجود الأسانيد عن ابن عباس كما علمت.
1 أرجح أنه يقصد ابن كثير فلم أجد هذا التوجيه عند غيره من المفسيرين المذكورين آنفًا فقد قال في "تفسيره" "1/ 103": "إن هذا الذي قاله ابن عباس أخبار عن أنه لا يقبل من أحد طريقة ولا عملا إلا ما كان موافقا لشريعة محمد صلى الله عليه وسلم بعد أن بعثه به، فأما قبل ذلك فكل من اتبع الرسول في زمانه فهو على هدى وسبيل نجاة".
2 هو يختص اسم "الإسلام" بهذه الأمة أو يطلق على من كان قبلها؟ مسألة خلافية وقد ألف فيها الإمام السيوطي كتابا سماه "إتمام النعمة في اختصاص الإسلام بهذه الأمة" وأورده في الفتاوى الأصولية الدينية من كتابه "الحاوي للفتاوي" "2/ 286-304" وقد ألفه في شوال من عام 888 وفي أوله:
"وقد وقع السؤال: هل كان الأمم السابقون يوصفون بأنهم مسلمون أو لا؟ فأجبت بما نصه: اختلف العلماء هل يطلق الإسلام على كل حق، أو يختص بهذه الملة الشريفة على قولين أرجحهما الثاني ... ".(1/259)
وإطلاق النسخ على ذلك ينبني على جواز دخول النسخ في الخبر وهو الراجح في الأصول1
__________
1 في قول الحافظ هذا نظر، وأرجح أنه نظر في "البحر المحيط" في أصول الفقه للإمام الزركشي "ت79هـ" فقال ما قال.
وقد جاء في "البحر" "4/ 98-99". في مسألة نسخ الأخبار:
"الخبر إما أن ينسخ لفظه أو مدلوله ... والثاني وهو نسخ مدلوله وثمرته، وهي المسألة الملقبة بنسخ الأخبار بين الأصوليين، فننظر فإن كان لا يمكن تغييره بأن لا يقع إلا على وجه واحد كصفاته الله، وخبر ما كان من الأنبياء والأمم، وما يكون من الساعة وآياتها، كخروج الدجال، فلا يجوز نسخه بالتفاق كما قال أبو إسحاق المروزي وابن برهان في "الأوسط" لأنه يفضي إلى الكذب، وإن كان مما يصح تغييره بأن يقع على غير الوجه المخبر عنه، ماضيًا كان أو مستقلًّا، أو وعدًا، أو خبرًا عن حكم شرعي، فهو موضع الخلاف.
فذهب أبو عبد الله وأبو الحسن البصريان وعبد الجبار والإمام الرازي إلى جوازه مطلقًا ونسبه ابن برهان في "الأوسط" إلى المعظم.
وذهب جماعة إلى المنع، منهم أبو بكر الصيرفي كما رأيته في كتابه، أبو إسحاق المروزي كما رأيته في كتابه في "الناسخ والمنسوخ" والقاضي أبو بكر، وعبد الوهاب، والجبائي وابنه أبو هاشم، وابن السمعاني، وابن الحاجب، وقال الأصفهاني: إنه الحق ... ".
وكأن ابن حجر وقف على نسبة القول الأول إلى "المعظم" فقال قوله هذا، ولكن لا بد من النظر: فهل يصح إدراج أخبار النبي صلى الله عليه وسلم عن أصحاب سلمان تحت القاعدة المختلف فيها أم هو مما يعود إلى المتفق على عدم جوازه؟ يبدو لي أن المسألة هنا أقرب إلى القاعدة الأولى، وأرى -فرارًا من القول بدخول النسخ في هذا الخبر- أن نقول: لعل النبي صلى الله عليه وسلم أخبر عنهم باجتهاده فنزلت الآية تخبر بحكم الله فيهم، وهذا أسلم وأقرب إلى القبول. ولتجلية موقف العلماء الأصوليين من نسخ الأخبار أسوق هذه الأقوال:
1- قال ابن الحاجب في "مختصر المنتهى": "المختار: جواز نسخ التكليف بالأخبار بنقيضه خلافًا للمعتزلة، وأما نسخ مدلول خبر لا يتغير فباطل" وانظر "شرح العضد الإيجي" "
2/ 195" بحاشيتي التفتازاني والجرجاني.
2- وقال السبكي في "جمع الجوامع": "ونسخ بإيجاب الأخبار بنقيضه، لا الخبر. قيل: يجوز إن كان من مستقبل" وقال الأستاذ عبد الكريم الدبان رحمه الله في شرحه عليه "1/ 299" "مخطوط": "أما =(1/260)
21- قوله تعالى: {أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُم} [الآية: 75] 1.
قال الواحدي:2 قال ابن عباس ومقاتل: نزلت في السبعين الذين اختارهم.
__________
= مدلول الخبر فلا يجوز نسخه، أي: إذا أخبر بخبر امتنع أن يخبر بنقيضه سواء كان المخبر به مما يتغير أم لا؛ لأنه يوهم الكذب، وقيل: يجوز إن كان الخبر عن مستقبل، مثل سيكون كذا، وكان مما يمكن أن يتغير، لجواز أن يمحوه الله تعالى فقد قال سبحانه: {يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ} أما عن الماضي فلا يجوز".
3- وقال ابن جُزي في "تقريب الوصول إلى علم الأصول" "ص124": "لا يجوز النسخ إلا بثلاثة شروط: الأول: أن يكون في الأحكام لا في الاعتقادات ولا في الأخبار إلا إذا اقتضت حكما".
4- وقال ابن ملك في "شرح المنار" "ص712": "قال الجمهور: لا نسخ في الأخبار؛ لأنه يلزم منه البداء، أو الجهل، بعواقب الأمور".
5- وقال ابن الجوزي في "نواسخ القرآن" "ص21-22".
"فأما الأخبار فهي على ضربين:
الأول: ما كان لفظه الخبر، ومعناه معنى الأمر كقوله تعالى: {لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} فهذا لاحق بخطاب التكليف في جواز النسخ عليه.
والثاني: الخبر الخالص، فلا يجوز عليه؛ لأن يؤدي إلى الكذب، وقال محال، وقد حُكي جواز ذلك عن عبد الرحمن بن زيد أسلم، والسدي، وليس بشيء يعول عليه، وقال أبو جعفر النحاس: وهذا القول عظيم جدًّا يؤول إلى الكفر؛ لأن قائلا لو قال: قام فلان ثم قال: لم يقم، فقال: نسخته، لكان كاذبًا.
وقال ابن عقيل "الحنبلي ت513": الأخبار لا يدخلها النسخ؛ لأن نسخ الأخبار كذب، وحوشي القرآن من ذلك. وانظر "البرهان" للزركشي النوع "34" "2/ 33" و"الإتقان" للسيوطي النوع "47" "2/ 21" و"الأنموذج في أصول الفقه" للدكتور فاضل عبد الواحد "ص272" وفيها مثل ذلك، ومن هذا تعرف ما في قول الحافظ!! إلا إذا كان يرى أنه خبر تضمن حكمًا وقد قال في "الفتح" "8/ 207" في شرح كتاب التفسير، آخر سورة البقرة: "ومهما كان من الأخبار يتضمن الأحكام أمكن دخول النسخ فيه كسائر الأحكام، وإنما لا يدخله النسخ من الأخبار ما كان خبرًا مخصا لا يتضمن حكمًا كالأخبار عما مضى من أحاديث الأمم ونحو ذلك وتبقى عبارته هنا موهمة مشكلة.
1 كثيرة مما ورد هنا هو من باب التفسير.
2 "ص25" وقد ذكر الواحدي هذه الآية ذات الرقم "57" بعد الآية "79" و"80"!! ولم يعلق المحقق بشيء وأسقط السيوطي هذا السبب في كتابه "اللباب": فلم يتكلم عليه.(1/261)
موسى ليذهبوا معه إلى الله تعالى فلما ذهبوا معه إلى الميقات وسمعوا كلام الله وهو يأمره وينهاه فلما1 رجعوا إلى قومهم فأما الصادقون فأدوا كما سمعوا. وقالت طائفة منهم: سمعنا الله في آخر كلامه يقول: إن استطعتم أن تفعلوا هذه الأشياء فافعلوا، وإن شئتم فلا تفعلوا ولا بأس.
وعند أكثر المفسرين نزلت الآية في الذين غيروا آية الرجم وصفة النبي صلى الله عليه وسلم.
قلت: أما الأول فأخرجه الطبري من طريق ابن إسحاق بسنده المقدم ذكره عن ابن عباس2 قال: قال الله تعالى لنبيه ولمن آمن معه يؤيسهم من إيمان اليهود3 {أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ الله} وهم الذين سألوا موسى رؤية ربهم فأخذتهم الصاعقة.
قال محمد بن إسحاق4 فحدثني5 بعض أهل العلم أنهم قالوا: يا موسى، قد حيل بيننا وبين رؤية ربنا، فأسمعنا كلامه حين يكلمك فطلب موسى ذلك إلى ربه فقال له: مرهم فليتطهروا وليطهروا ثيابهم وليصوموا ففعلوا وخرج بهم إلى الطور فلما غشيهم الغمام أمرهم موسى فوقعوا سجودا وكلمه ربه فسمعوا كلامه يأمرهم وينهاهم، حتى عقلوا ما سمعوا ثم انصرف بهم إلى قومه فحرف فريق منهم ما
__________
1 لا توجد "فلما" في الواحدي وهي قلقة حذفها أولى.
2 "2/ 246" الرقم "1333" ولم يذكر فيه فوق ابن إسحاق أحد، وقد صرح بالسند المتقدم في "تفسير ابن أبي حاتم" "1/ 1/ 234-235" وقد فرق المذكور هنا على فقرتين "773، 775" وجاء مجموعًا في "الدر" "1/ 198" وقد أشار إلى ابن اسحاق وابن أبي حاتم وهو كذلك في "تفسير ابن كثير" "1/ 115".
3 لا يوجد هذا في الطبري، والذي فيه: "ليس قوله: {يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّه} يسمعون التوراة، كلهم قد سمعها، ولكنهم الذين.." فإما أن يكون سقط منه أو أن الحافظ تصرف في النقل.
4 حذف الحافظ من ابن إسحاق انظر الطبري "2/ 247" الرقم "1334" و"تفسير ابن أبي حاتم" "1/ 1/ 235" الرقم "777" و"سيرة ابن هشام" "ق1/ 537".
5 في "الطبري "2/ 247": بلغني عن بعض.(1/262)
سمعوا فحين قال موسى لبني إسرائيل: إن الله يأمركم بكذا وكذا قال ذلك الفريق: إنما قال كذا وكذا خلافا لما قال موسى1 فهم الذين عنى الله في قوله لرسوله محمد: {وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَه} الآية.
فهذا كما ترى لم ينسبه ابن إسحاق في روايته لابن عباس وإنما ذكر فيما أسنده عن ابن عباس أصل القصة2 وهذا التفصيل إنما أسنده عن بعض أهل العلم ولم يسمه، وأخلق به أن يكون عنى الكلبي أو بعض أهل الكتاب، فإن من جملة ما عابوه على ابن إسحاق أنه كان يعتمد على أخبار بعض أهل الكتاب فيما ينقله عن الأخبار الماضية3.
وأما ابن الكلبي فإنه ذكر هذا في "تفسيره" عن أبي صالح وهو من رواية محمد بن مروان السدي الصغير عنه وقد تقدم أن هذه سلسلة الكذب لا سلسلة الذهب4.
وقد ذكر يحيى بن سلام وهو أصلح حالا من محمد بن مروان بكثير فقال:
__________
1 في "الطبري: "لما قال الله عز وجل لهم" والحافظ لا يلتزم بحرفية النص.
2 ذكرت آنفا في ذلك.
3 ذكر ياقوت الحموي في "معجم الأدباء" في ترجمته "18/ 8" عن ابن أبي خازم قال:" "محمد بن إسحاق، كانت تعمل له الأشعار فيضعها في كتب المغازي فصار بها فضيحة عند رواة الأخبار والأشعار، وأخطأ في كثير من النسب الذي أورده في كتابه، وكان يحمل عن اليهود والنصارى ويسميهم في كتبه: أهل العلم الأول".
وفي "الميزان" للذهبي "3/ 470": "قال ابن أبي فُديك: رأيت ابن إسحاق يكتب عن رجل من أهل الكتاب قلت: ما المانع من رواية الإسرائليات عن أهل الكتاب مع قوله صلى الله عليه وسلم: "حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج". وقال: "إذا حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم"، ولا تكذبوهم، فهذا إذن نبوي في جواز سماع ما يأثرونه في الجملة، كما سمع منهم ما ينقلونه من الطب، ولا حجة في شيء من ذلك، إنما الحجة في الكتاب والسنة" وكان ابن تيمية قد قال في "مقدمة التفسير" "هذه الأحاديث الإسرائيلية تذكر للاستشهاد لا للاعتقاد" انظر "الفتاوى" "13/ 366".
4 انظر ما جاء عنه في "الفصل الجامع".(1/263)
"قال الكلبي بلغني أنهم السبعون الذين1 اختار موسى" ثم قص القصة نحو ما ساقها ابن إسحاق وفي آخرها: فلما رجعوا إلى العسكر قال لهم مَنْ لم يكن معهم: ماذا قال ربكم؟ قالوا: أمرنا بكذا وكذا ونهانا عن كذا وكذا. هذا قول الذين صدقوا منهم وأما الذين كذبوا فقالوا: نعم قال ما قلتم ولكن وسع لنا في آخر ذلك فقال: إن لم تستطيعوا إلا الذي نهيتكم عنه فافعلوا قال: فلما قدم محمد صلى الله عليه وسلم المدينة كلم اليهود ودعاهم إلى الله عز وجل وإلى الإيمان بكتابة فجحدوا وكتموا، فأنزل الله تعالى: {أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّه} الآية.
وأما مقاتل بن سليمان فأورده مختصرا2 فقال: قوله {وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ الله} نزلت في السبعين الذين اختار موسى ليذهبوا معه حتى يسمعوا كلام الله فلما ذهبوا معه سمعوا كلام الله وهو يأمر وينهى، فلما رجعوا أدى الصادقون ما سمعوا، وأما طائفة منهم فقالوا: سمعنا الله في آخر كلامه يقول: إن استطعتم أن تفعلوا هذه الأشياء فافعلوا وإن شئتم فلا تفعلوا.
وأخرج الطبري3 من طريق أبي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس في هذه الآية قال: كانوا يسمعون الوحي فيسمعون من ذلك كما يسمع أهل النبوة ثم يحرفونه من بعدما عقلوه، وقد استنكر ابن الجوزي4 القصة المتقدم ذكرها فقال5: أنكر
__________
1 في الأصل: الذي ووضع الناسخ عليها: كذا وصححت في الهامش.
2 اعتمد الحافظ هنا على نقل الواحدي عن مقاتل كما مر فقال: هذا ولو رجع إلى تفسيره لوجد ما أورده مقاتل مطولا غير مختصر. انظر التفسير "1/ 47-49".
3 "2/ 46" الرقم "1333" وكذلك ابن أبي حاتم "1/ 1/ 235" "776".
4 هو الشيخ الإمام العلامة الحافظ المفسر شيخ الإسلام مفخر العراق جمال الدين أبو الفرج عند الرحمن بن علي ولد سنة 510 على الأرجح وتفي سنة 597 له مصنفات كثيرة انظر ترجمته في "السير" للذهبي "21/ 365-384".
5 في تفسيره "زاد المفسر في علم التفسير" "1/ 103-104".(1/264)
الحكيم الترمذي1 أن يكون أحد من بني إسرائيل سمع كلام الله غير موسى لأن ذلك من خصائص موسى.
قال ابن الجوزي: وهذا هو المعتمد والآثار الواردة في ذلك واهية لأنها من رواية ابن إسحاق عن بعض أهل العلم ومن تفسير مقاتل والكلبي وليس واحد من هذا بحجة2 انتهى.
ورجح الطبري أنهم كانوا يسمعون قال3: وذلك أن الله أخبر أن التحريف كان من فريق منهم كانوا يسمعون كلام الله، استعظاما من الله عز وجل لما كانوا يأتون من البهتان، بعد توكيد الحجة عليهم إيذانا عباده المؤمنين بقطع أطماعهم من إيمان بقايا نسلهم بما جاءهم به محمد فقال: كيف تطمعون في تصديق هؤلاء إياكم، وإنما تخبروهم عن غيب لم يشاهدوه وقد كان بعض سلفهم يسمع من الله كلامه بأمره ونهيه، ثم يبدله ويجحده فهؤلاء الذين بين أظهركم أحرى أن يجحدوا ما آتيتموهم به انتهى.
وعلى هذا فالذي اختص به موسى هو كلام الله سبحانه وتعالى على قصد مخاطبته إياه لا مطلق سماع الكلام ويحتمل أن يكون أولئك إنما كانوا يسمعون كلام
__________
1 هو محمد بن علي بن الحسن، أبو عبد الله قال ابن النجار في "ذيل تاريخ بغداد": كان إمامًا من أئمة المسلمين له المصنفات الكبار في أصول الدين ومعاني الحديث، وقد لقي الأئمة الكبار وأخذ عنهم وفي شيوخه كثرة، وله كتاب "نوادر الأصول" مشهور ... وقد تكلم فيه ابن العديم صاحب "تاريخ حلب" ورد عليه ابن حجر ثم قال: ولم أقف لهذا الرجل -مع جلالته- على ترجمة شافية. عاش إلى حدود 320". انظر "لسان الميزان" "5/ 308-310".
2 النص في "زاد المسير" هكذا: "وقد أنكر بعض أهل العلم، منهم الترمذي صاحب "النوادر" هذا القول إنكارًا شديدًا، وقال: إنما خص بالكلام موسى وحده، وإلا فأي ميزة؟! وجعل هذا من الأحاديث التي رواها الكلبي وكان كذابًا".
3 "2/ 247-248" وقد تصرف -على عادته.(1/265)
الله عز وجل من بعض الملائكة فيكون لهم بذلك المزية على من بعدهم بما يدل عليه سياق الآية كما أشار إليه الطبري، ويصح ما أطلقه الترمذي ومن تبعه من اختصاص موسى بسماع كلام الله سبحانه وتعالى، على أن في الحصر1 نظرًا فظواهر القرآن والأحاديث تدل على أن موسى عليه السلام اختص بقدر زائد2 من ذلك لا مطلق الكلام والله أعلم.
22- قوله ز تعالى: {وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُم} الآية 76.
1- أما صدرها فذكر أبو حيان بغير إسناد قال:3 قيل إن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
__________
1 أي: في حصر الحكيم الترمذي سماع كلام الله بموسى عليه السلام فقط.
2 وهذا القدر الزائد هو مخاطبته وكأن الحافظ يشير إلى قوله تعالى في سورة الأعراف: {قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاتِي وَبِكَلامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ، وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ} .
وإلى حديث الشفاعة الذي رواه الشيخان وغيرهما.
وفيه كما في صحيح البخاري كتاب "الرقاق" باب صفة الجنة والنار: "ائتوا موسى الذي كلمه الله فيأتونه، فيقول: لست هناكم، فيذكر خطيئته".
قال الحافظ في "الفتح" "11/ 435": "وفي رواية مسلم: "ولكن أئتوا موسى" وزاد وأعطاه التوراة وكذا في رواية هشام وغيره، وفي رواية معبد بن هلال" "ولكن عليكم بموسى فهو كليم الله" وفي رواية الإسماعيلي": "عبدًا اعطاه الله التوراة وكلمه تكليمًا" زاد همام في روايته: "وقربه نجيا".
وفي كتاب التفسير في سورة الإسراء باب {ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا} في سياق حديث الشفاعة أيضًا: "فيقولون: يا موسى، أنت رسول الله، فضلك الله برسالته وبكلامه على الناس، اشفع لنا إلى ربك" انظر "الفتح" "8/ 395-396".
3 في "البحر المحيط" "1/ 271" وقد ذكر سبعة أقاويل. نقل الحافظ منها الخامس.(1/266)
"لايدخل 1 قصبة المدينة إلا مؤمن" 2 فقال كعب بن الأشرف وكعب3 بن يهوذا وغيرهما: اذهبوا فتجسسوا4 أخبار من آمن وقولوا لهم آمنا واكفروا إذا رجعتم.
وأما باقيها فأخرج الطبري5 من طريق ابن جريج6 عن مجاهد قال: قام النبي صلى الله عليه وسلم تحت حصون بني قريظة فقال: "يا إخوان القردة والخنازير ويا عبد الطاغوت". فقالوا: من أخبر محمدا بهذا؟ ما خرج هذا إلا منكم! أتحدثونهم بما فتح الله عليكم فيكون لهم حجة عليكم7.
وأخرجه عبد بن حميد8 من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد9: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث عليا إلى بني قريظة فآذوا النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "اخسئوا يا أخوة القردة والخنازير". فقالوا من حدث محمدا بهذا10؟
__________
1 في "البحر" زيادة هي علينا.
2 عزا ابن كثير هذا الحديث إلى رواية عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، فيما رواه ابن وهب عنه. انظر التفسير "1/ 115" وقد أخذه من الطبري "2/ 253".
3 في "البحر": وهب.
4 في الأصل: بالحاء.
5 "2/ 252" الرقم "1347" وقد تصرف واختصر.
6 فيه وفي ابن كثير "1/ 116": عن ابن جريج قال: أخبرني القاسم بن أبي بزة، عن مجاهد وتحرف: بزة في ابن كثير إلى برزة.
7 وفيه بعد: "قال ابن جريج عن مجاهد: هذا حين أرسل إليهم عليا فآذوا محمد صلى الله عليه وسلم".
8 والطبري أيضًا "2/ 252" الرقم "1345، 1346" من نفس الطريق وبلفظ متقارب.
9 انظر تفسير مجاهد "1/ 80-81".
10 ليس في الخبرين أن الآية نزلت في ذلك. وعلى هذا القول لا يبقى أي اتصال بين هذا المقطع وصدر الآية!(1/267)
وللطبري1 من طريق بشر2 بن عمارة عن أبي روق عن الضحاك عن ابن عباس في قوله {بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُم} : بما أكرمكم3 الله به فيقول الآخرون: إنما نستهزئ بهم.
قلت: فعلى هذا المراد بالفتح الإنعام والكرامة، وعلى الأول الفتح العقوبة، ويشهد له {افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ} 4.
وقد أخرج الطبري5 من طريق السدي التصريح بأن المراد بالفتح هنا العذاب ولفظه: قال في قوله تعالى: {أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُم} يعني من العذاب وهو الفتح قولوا لهم: نحن أكرم على الله منكم6.
وجاء في السبب المذكور:
2- قول آخر7 فأخرج عبد الرزاق في "تفسيره"8 عن معمر عن قتادة قال: كانوا يقولون إنه سيكون نبي -يعني في آخر الزمان9- فخلا بعضهم إلى بعض
__________
1 "2/ 250-251" الرقم "139".
2 في الأصل: بسر وهو من عادة الناسخ في ترك الأعجام.
3 في الطبري: أمركم ولعل في النسخة التي نقل منها الحافظ: أكرمكم! ولكن ما موضع الاستهزاء في حديث الإنسان عن إكرام الله له؟!
4 سورة الأعراف "89".
5 "2/ 253" البقرة "1348".
6 اللفظ هنا مختلف عما في الطبري، والجملة الأخيرة فيه: "أتحدثونهم بما فتح الله عليكم من العذاب، ليقولوا: نحن أحب إلى الله منكم، وأكرم على الله منكم؟ " فلعل قوله في المتن: "قولوا لهم" محرف عن "ليقولوا لكم".
7 هذا القول أوفق الأقوال بسياق الآية.
8 "ص8".
9 التوضيح من الحافظ.(1/268)
فقالوا: أتحدثونهم بهذا فيحتجون1 عليكم به.
وكذا أخرجه عبد بن حميد من طريق شيبان عن قتادة وسياقه أبسط من هذا ونحوه للطبري2 من طريق أبي العالية ولفظه: يعني بما أنزل الله في كتابه3 من بعث4 محمد صلى الله عليه وسلم.
وذكره ابن إسحاق5 عن محمد عن سعيد أو عكرمة عن ابن عباس بلفظ آخر في قوله: {وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا} أي: إن صاحبكم رسول الله ولكنه إليكم خاصة {وَإِذَا خَلا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُم} بهذا فتقوم عليكم الحجة جحدوا ولا تقروا بأنه نبي أصلا يعني أن النبي لا يكذب وقد قال إنه رسول الله إلى الناس جميعا.
3- وجاء فيه قول آخر ابن أبي حاتم6 من طريق الحكم بن أبان عن عكرمة: إن امرأة من اليهود أصابت فاحشة فجاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم يطلبون7 منه الحكم رجاء الرخصة فدعا النبي صلى الله عليه وسلم، عالمهم8 فذكر قصة الرجم قال ففي ذلك نزلت:
__________
1 في التفسير: ليحتجوا.
2 "2/ 251" الرقم "1341".
3 في الطبري: كتابكم وهو الأولى.
4 في الطبري: نعت وكلاهما جائز ولعل "نعت" أولى.
5 فيما رواه الطبري "2/ 251" الرقم "1340" وقد تصرف الحافظ واختصر.
6 في تفسيره "1/ 1/ 237" الرقم "785".
7 في التفسير: يبغون هو الصواب.
8 تتمة الخبر في اليفسير: "وهو ابن صوريا فقال له: احكم. قال: فجبوه قال عكرمة: التجبية: يحملونه على حمار، ويجعلون وجهه إلى ذنب الحمار، وذكر فيه كلامًا. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أبحكم الله حكمت؟ أو بما أنزل على موسى؟ " فقال: لا ولكن نساءنا كن حسانًا فأسرع فيهن رجالنا فغيرنا الحكم. وفيه أنزلت: {وَإِذَا خَلا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْض} قال عكرمة: إنهم غيروا الحكم منذ ستمائة سنة".(1/269)
{وَإِذَ خَلا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُم} الآية1.
23- قوله ز تعالى: {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ} [الآية: 78] 2.
أخرج الطبري3 من طريق ابن جريج عن مجاهد في هذه الآية {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّون} قال: ناس من اليهود لم يكونوا يعلمون4 شيئا وكانوا يتكلمون بالظن بغير ما في كتاب الله تعالى ويقولون: هو من الكتاب أماني يتمنونها.
وأخرج ابن أبي حاتم5 من طريق عباد بن منصور عن الحسن البصري نحوه بتمامه6 وأخرج الطبري7 من طريق الضحاك عن ابن عباس قال: الأميون هنا قوم
__________
1 الخبر ضعيف. ففي السند حفص بن عمر العدني وهو متفق على ضعفه. انظر "الجرح والتعديل" "3/ 182" و"المجروحين" "1/ 257" و"تهذيب الكمال" "7/ 42" و"الميزان" "1/ 560" و"التهذيب" "2/ 410" والحكم مختلف فيه انظر ترجمته في "الميزان" "1/ 569". وفي ترجمته موسى بن عبد العزيز العدني الراوي عن الحكم في "الميزان" "4/ 212-213" قال الذهبي أيضًا: "وحديثه في المنكرات لا سيما والحكم بن أبان ليس بالثبت أيضًا".
2 ليس في الكلام هنا سبب نزول فلاحظ.
3 "2/ 57" الرقم "1345"، "ص261" من تفسير سُنيد.
4 في الطبري زيادة: من الكتاب.
5 "1/ 1/ 242" الرقم "802" وقال محققه الدكتور أحمد عبد الله العماري الزهراني: لم أقف عليه عند غير المؤلف.
6 وإسناده ضعيف، عباد بن منصور الناجي أبو سلمة البصري المتوفى سنة "152هـ" ضعيف تغير بأخرة، وفي أحاديثه نكارة، وكان مدلسًا وقدريًّا للقدر، وكان قاضيًا بالبصرة، وقال أبو حاتم: في روايته عن عكرمة وأيوب ضعف. انظر ترجمته في "الجرح والتعديل" "6/ 86" و"تهذيب الكمال" "156/ 14" و"الميزان" "5/ 13" و"التهذيب" "5/ 13".
7 "2/ 258-259" الرقم "1358".(1/270)
لم يصدقوا رسولا أرسله الله، ولا كتابا أنزل الله فكتبوا كتابا بأيديهم، ثم قالوا لقوم سِفْلة1 جهال: هذا من عند الله فأخبر أنهم يكتبون بأيديهم ثم سماهم أميين2. وهذا استنكره الطبري من جهة اللغة العربية3 وقد تقدم أن الضحاك لم يسمع من ابن عباس وإسناده [من ابن منصور] 4 إلى الضحاك ضعيف5 وكأنه جعل ما في الآية وصف مَنْ ذكر في التي بعدها وعند الأكثر أنها صفة قوم آخرين وهو أولى.
24- قوله تعالى: {فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلا} [الآية: 79] 6.
قال الواحدي:7 قال الكلبي بالإسناد الذي ذكرنا أنهم غيروا صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتابهم وجعلوه آدم سبطا طويلا وكان صلى الله عليه وسلم ربعة أسمر. وقالوا لأصحابهم وأتباعهم انظروا إلى صفة النبي صلى الله عليه وسلم الذي يُبعث في آخر الزمان ليس يشبه نعت هذا وكانت8 للأحبار والعلماء مأكلة من سائر اليهود فخافوا أن تذهب مأكلتهم إن بينوا
__________
1 حركها الناسخ في الأصل بفتح السن والفاء وفي القاموس مادة سفل "ص1312": "وسفلة الناس، بالكسر وكفرحة: أسافلهم وغوغاؤهم".
2 وتتمة النص: لجحودهم كتب الله ورسله.
3 قال رحمه الله: "وهذا التأويل تأويل على خلاف ما يعرف من كلام العرب المستفيض بينهم وذلك أن "الأمي" عند العرب: هو الذي لا يكتب".
4 هذه العبارة التي جعلها بين معقوفتين -والله أعلم- من الناسخ، ولا علاقة لابن منصور بخبر الضحال، إنما هو مذكور في سند ابن أبي حاتم.
5 لما علمت من حال جوبير، وبشر بن عمارة الذي يرويه عنه.
6 المذكور هنا تفسير ولم يذكر فيه سبب نزول.
7 "ص24" وعلى كل من الكلمتين رمز الصحة.
8 في الأصل: فكانت.(1/271)
صفته فمن ثم غيروا1.
قلت: الكلبي تقدم وصفه وقد وجدت هذا من وجه آخر قوي أخرجه ابن أبي حاتم من طريق شبيب بن بشر2 عن عكرمة عن ابن عباس، وفيه مغايرة لسياق الكلبي، ولفظ شبيب بن بشر هذا -وقد وثقه ابن معين-3 قال: هم أحبار يهود وجدوا نعت النبي صلى الله عليه وسلم محمد مكتوبا في التوراة أكحل أعين ربعة جعد الشعر حسن الوجه. فمحوه حسدا وبغيا فأتاهم نفر من قريش من أهل مكة فقالوا: أتجدون في التوراة نبيا أميا؟ قالوا: نعم نجده طويلا أزرق سبط الشعر فقالت قريش ما هذه صفة صاحبنا4.
ومن طريق أبي العالية:5 عمدوا إلى ما أنزل الله في كتابهم من نعت محمد فحرفوه عن مواضعه يبتغون بذلك عرضا من6 الدنيا.
__________
1 "1/ 1/ 244" الرقم "806" و"ص245" الرقم "810" ونقله السيوطي في "اللباب" "ص20".
2 في الأصل: نشر وهو تحريف.
3 انظر تاريخه برواية "الدوري" "2/ 248"، وانظر عنه "الجرح والتعديل" "4/ 357" و"تهذيب الكمال" "12/ 359" و"الميزان" "2/ 62" و"التهذيب" "4/ 306" وفي "التقريب" "ص263" "شبيب، بوزن طويل، ابن بشر، أبو نشر البجلي، الكوفي، صدوق يخطئ ... " وتحرفت نسبته في "البجلي" في "التهذيب" وفي تراجم تفسير أبي حاتم "ص471" إلى الحلبي!
وابن معين من المشاهير توفي سنة 233هـ. انظر ترجمته في "السير" للذهبي "71-95".
4 في التفسير: فأنكرت قريش، وقالوا: ليس هذا منا.
5 تفسير الطبري "2/ 271" الرقم "1394" وتفسير ابن أبي حاتم "1/ 1/ 247" الرقم "816" بالسند المتقدم ولكنه هنا من رواية آدم "ابن أبي إياس العسقلاني" عن أبي جعفر لا من رواية ابنه، وآدم ثقة مأمون عابد وقد مر ذكره.
6 في الطبري: من عرض، وجاء في تفسير ابن أبي حاتم بالغين وهو تحريف وقد ذكر "العرض" في القرآن خمس مرات النساء "94"، الأعراف "169"، الأنفال "67"، النور "33" ولم يقرأ على آية قراءة بالغين. انظر "معجم القراءات القرآنية" للدكتور عبد العال سالم مكرم وأحمد مختار عمر.
والغرض -محركة- هدف يرمى فيه. انظر "القاموس" مادة غرض "ص836".(1/272)
ومن طريق1 السدي: كان ناس من اليهود كتبوا كتابا من عندهم يبيعونه من العرب وغيرهم ويحدثونهم أنه من عند الله ليأخذوا به ثمنا قليلا.
ومن طريق2 قتادة عن معمر نحوه.
25- قوله تعالى: {وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَة} .
أسند الواحدي3 من طريق محمد بن إسحاق حدثني محمد بن أبي محمد عن عكرمة عن ابن عباس قال: قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، واليهود تقول: إنما هذه الدنيا سبعة آلاف سنة، وإنما يعذب الناس في النار لكل ألف سنة من أيام الدنيا، يوما واحدا4 من أيام الآخرة وإنما هي سبعة أيام ثم ينقطع العذاب فأنزل الله تعالى في ذلك من قولهم: {وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَة} .
ثم أسند من طريق جويبر عن الضحاك عن ابن عباس قال5: وجد أهل الكتاب ما بين طرفي جهنم مسيرة أربعين يوما6، فقالوا: لن نعذب في النار إلا ما وجدنا في التوراة فإذا كان يوم القيامة اقتحموا في النار فساروا في العذاب حتى انتهوا
__________
1 تفسير الطبري "2/ 270" الرقم "1388" وتفسير ابن أبي حاتم "1/ 244" الرقم "807 و808" و"ص246" الرقم "811".
2 تفسير الطبري "2/ 271" الرقم "1393" وتفسير ابن أبي حاتم "1/ 1/ 246" الرقم "813".
3 "ص24".
4 في الواحدي: في النار.
5 "ص25",.
6 سقطت هذه اللفظة من كتاب الواحدي بطبيعته، ووضع المحقق السيد أحمد صقر هنا "عامًا".(1/273)
إلى سقر1 وفيها شجرة الزقوم إلى آخر يوم من الأيام المعدودة. قال فقال لهم خزنة أهل النار: يا أعداء الله زعمتم أنكم لن تعذبوا في النار إلا أياما معدودة فقد انقضى العدد وبقي الأمد2.
قلت: وجويبر ضعيف جدا والضحاك لم يسمع من ابن عباس والسند الذي قبله إلى ابن عباس أولى بالاعتماد.
وقد أخرجه الطبري3 من رواية العوفي عن ابن عباس والعوفي4 ضعيف، ولعله أخذه عن الضحاك لكن سياق العوفي أتم من سياق الضحاك وعنده عن ابن عباس "ذكر أن اليهود وجدوا في التوراة" فذكره وقال في آخره ساروا في العذاب حتى انتهوا إلى شجرة الزقوم آخر يوم من الأيام المعدودة [فلما أكلوا من شجرة الزقوم وملئوا منها البطون] 5 قال لهم خزان سقر:
زعمتم أنكم لن تمسكم النار إلا أياما معدودة فقد خلا6 العدد وأنتم في
__________
1 سقطت الواو في الأصل.
2 في الواحدي: الأبد.
3 "2/ 275" الرقم "1404".
4 هو عطية بن سعد بن جنادة العوفي، أبو الحسن "ت111 وقيل 127هـ" ضعيف، يدلس ويخطئ كثيرًا، رمي بالتشيع، وضعفه أحمد والثوري ويحيى وهشيم وأبو حاتم وأبو زرعة والنسائي وأبو داود والساجي، قال ابن حبان: لا يحل الاحتجاج به ولا كتابة حديثه إلا على جهة التعجب وقال الذهبي: تابعي شهير ضعيف.
انظر "الطبقات" لابن سعد "26/ 217" و"التاريخ الكبير" "7/ 8" و"الجرح والتعديل" "6/ 383" و"المجروحين" "2/ 176" و"الضعفاء" لابن الجوزي "2/ 180" و"الميزان" "3/ 79" و"التهذيب" "7/ 24".
5 لا توجد هذه الجملة في الطبري.
6 خلا: فرغ انظر "القاموس" مادة خلا "ص1652".(1/274)
الأمد1 فأخذ بهم في صعود2 في جهنم يرهقون.
وأخرج الطبري3 من وجه آخر عن جويبر عن الضحاك في هذه الآية قال: قالت اليهود: لا نعذب في النار إلا أربعين يوما بمقدار ما عبدنا العجل. وأما السند الأول من طريق ابن إسحاق فقد تقدم في حال النسخة المروية عن محمد بن إسحاق عن محمد بن أبي محمد وأنه صدوق عند ابن أبي حاتم4 وغيره لكن الأحاديث التي يقول فيها ابن إسحاق: حدثني محمد بن أبي محمد عن سعيد بن جبير أو عكرمة عن ابن عباس فالترديد بين عكرمة وسعيد بن جبير، وفي هذا الموضع اقتصر
__________
1 في الطبري: الأبد.
2 روى ابن أبي حاتم عن عطية العوفي عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم: "سأرهقه صعودًا قال هو جبل في النار، من نار، يكلف أن يصعده، فإذا وضع يده ذابت، وإذا رفعها عادت، فإذا وضع رجله ذابت، وإذا رفعها عادت" أورد هذا الحافظ ابن كثير في تفسير في سورة المدثر "4/ 442"، وقال: "ورواه البزار وابن جرير من حديث شريك به، وقال قتادة عن ابن عباس: صعودًا: صخرة في جهنم، يسحب عليها الكافر على وجهه، وقال السدي: صعودًا: صخرة ملساء في جهنم يكلف أن يصعدها، قال مجاهد: "سأرهقه صعودًا" أي مشقة من العذاب، وقال قتادة: لا راحة فيه واختاره ابن جرير".
3 "2/ 277" الرقم "1408".
4 لم يسبق لرأي ابن أبي حاتم ذكر ولم أره يصرح في كتابه "الجرح والتعديل" في ترجمة ابن إسحاق "7/ 191-194" برأيه هو فيه لكنه قال "ص192": "سئل أبو زرعة عن محمد بن إسحاق بن يسار فقال: صدوق، مَنْ تكلم في محمد بن إسحاق؟ محمد بن إسحاق صدوق" ونقل "ص194" عن أبيه أنه سمعه يقول: "محمد بن إسحاق ليس عندي في الحديث بالقوي، ضعيف الحديث، وهو أحب إليَّ من أفلح بن سعيد، يكتب حديثه".
وقد روى في تفسيره عنه، مع أنه التزم -كما في مقدمته "ص9": "إخراج تفسير القرآن مختصرًا بأصح الأسانيد، وحذف الطرق".
ملاحظة: تقدم في "الفصل الجامع" وصف ابن حجر لرواية ابن أبي طلحة عن ابن عباس بـ"النسخة" وذكر أن البخاري وابن أبي حاتم وغيرهما يعتمدون على هذه "النسخة" فلعل ذهنه انصرف إلى هذا حين كتابته في هذا الموضع! والله أعلم.(1/275)
الواحدي في سياقه على عكرمة وأظنه اختصر وإلا فقد أخرجه الطبري1 من طريق ابن إسحاق على العادة قال: عن سعيد بن جبير أو عكرمة عن ابن عباس.
وقد أخرجه الطبري2 أيضا من طريق حفص بن عمر عن الحكم بن أبان عن عكرمة مرفوعا مرسلا قال: خاصمت اليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: لن ندخل إلا أربعين ليلة ويخلفنا فيها قوم آخرون يعنون3 أصحاب محمد فقال النبي صلى الله عليه وسلم4: "بل أنتم فيها خالدون لا يخلفكم فيها أحد". فأنزل الله تعالى ذكره هذه الآية 5.
وأخرجه سُنيد6 في "تفسيره" عن حجاج بن محمد عن ابن جريج عن عكرمة قال: "اجتمعت يهود تخاصم النبي صلى الله عيله وسلم فقالوا لن تصيبنا النار" فذكره وفيه: "كذبتم بل أنتم خالدون مخلدون فيها لا نخلفكم فيها إن شاء الله تعالى أبدا". فنزل القرآن تصديقا لقول النبي صلى الله عليه وسلم وتكذيبا لهم {وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً} إلى قوله: {هُمْ فِيهَا خَالِدُون} .
وأخرج الطبري7 عن قتادة قال: قالت اليهود:
لن ندخل النار إلا تحلة القسم عدد الأيام التي عبدنا فيها العجل فقال الله
__________
1 "2/ 278" الرقم "1411".
2 "2/ 276" الرقم "1406".
3 في الطبري: محمدا وأصحابه.
4 في الطبري: "فقال ... بيده على رؤسهم" قال المحقق الأستاذ محمود شاكر: أي: أشار.
5 في السند حفص بن عمر على ضعفه وقد مر.
6 والطبري "2/ 276" الرقم "1407" من طريقه، وفيه زيادة ليست هنا. وعزاه السيوطي في "الدر" "1/ 207" إلى عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم، وهو فيه "ص248" الرقم "820" من طريق حفص بن عمر العدني.
7 "2/ 279" الرقم "1417" وتفسير ابن أبي حاتم "1/ 1/ 249" الرقم "823".(1/276)
تعالى: {قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا} أي: بهذا الذي تقولون فهاتوا حجتكم.
وأخرج الطبري1 من طريق عبد الرحمن بن زيد بن أسلم قال حدثني أبي زيد بن أسلم2 أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ليهود: "أنشدكم الله الذي أنزل التوراة على موسى مَنْ أهل النار الذين ذكرهم الله تعالى في التوراة؟ " قالوا: إن ربهم غضب عليهم غضبة فنمكث في النار أربعين ليلة ثم نخرج فتخلفوننا فيها فقال: "كذبتم والله لا نخلفكم فيها أبدا".
فنزل القرآن تصديقا لرسول الله صلى الله عليه وسلم {وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةْ} إلى {خَالِدُون} .
قلت: أصل هذا دون ذكر نزول الآية في "صحيح البخاري" من حديث أبي هريرة أخرجه من رواية الليث عن سعيد المقبري عنه في أثناء حديث قال فيه: قال لهم -أي النبي صلى الله عليه وسلم: "من أهل النار؟ " قالوا: نكون فيها يسيرا ثم تخلفوننا فيها. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "اخسئوا فيها والله لا نخلفكم فيها أبدا" 3.
__________
1 "2/ 277" الرقم "1409".
2 هو تابعي وقد سبقت ترجمته فالحديث مرسل.
3 أخرج البخاري في كتاب "الجزية والموادعة" باب إذا غدر المشركون بالمسلمين هل يُعفى عنهم انظر "الفتح" "6/ 272" وفي كتاب "الطب" باب ما يذكر في سم النبي صلى الله عليه وسلم بخيبر "الفتح" "7/ 497"، ونصه في الموضع الأول: "عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: لما فتحت خيبر أهديت للنبي صلى الله عليه وسلم شاة فيها سم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "اجمعوا لي من كان ههنا من يهود"، فجمعوا له، فقال: "إني سائلكم عن شيء، فهل أنتم صادقي عنه؟ " فقالوا: نعم، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: "من أبوكم؟ " قالوا: فلان، فقال: كذبتم، فقال: "كذبتم بل أبوكم فلان"، فقالوا: صدقت. قال: "فهل أنت صادقي عن شيء إن سألت عنه؟ " فقالوا: نعم يا أبا القاسم وإن كذبنا عرفت كذبنا كما عرفته في أبينا، فقال لهم: "من أهل النار؟ " قالوا: نكون فيها يسيرًا، ثم تخلفونا فيها. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "اخسئوا فيها، والله لا نخلفكم فيها أبدًا"، ثم قال: "هل أنتم صادقي عن شيء إن سألتكم عنه؟ " قالوا: نعم يا أبا القاسم. قال: "هل جعلتم في هذه الشاة سمًّا؟ " قالوا: نعم، قال: "ما حملكم على ذلك؟ " قالوا: إن كنت كاذبًا نستريح وإن كنت نبيًّا لم يضرك".
فهذا، كما ترى وقع في العام السابع من الهجرة، وأول البقرة من أول ما نزل بالمدينة.(1/277)
26- قوله ز تعالى: {وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [الآية: 85] .
قال ابن إسحاق بسنده عن ابن عباس: كانوا فريقين يعني بالمدينة بنو قينقاع ولهم حلفاء الخزرج، وقريظة والنضير ولهم حلفاء الأوس فوقع بين الأوس والخزرج حرب، فخرجت بنو قينقاع مع الخزرج، وخرجت قريظة والنضير مع الأوس، فظاهر كل فريق حلفاءه على إخوانهم حتى سفكت دماؤهم، وبأيديهم التوراة، يعرفون فيها تحريم سفك دمائهم، والأوس والخزرج أهل شرك يعبدون الأوثان، لا يعرفون حلالا من حرام فاذا انقضت الحرب افتدوا أسرى من أسر منهم فتفتدي قينقاع من أسرة الأوس، وتفتدي قريظة والنضير من أسرة الخزرج فأنبهم الله تعالى بذلك.
قال ابن إسحاق: ففي ذلك من فعلهم مع الأوس والخزرج نزلت هذه القصة فيما بلغني، أخرجه الطبري1.
وأخرج2 من طريق السدي نحوه لكن خالف في بعضه فقال: إن الله أخذ علي بني إسرائيل في التوراة أن لا يقتل بعض بعضا وأيما عبد أمة وجدتم من بني إسرائيل فاشتروه فأعتقوه فكانت قريظة حلفاء الأوس، والنضير حلفاء الخزرج، وكانوا يقتتلون في حرب سمير3 فإذا أسر رجل من الفريقين جمعوا له حتى يفدوه فكان العرب تعيرهم بذلك يقولون كيف تقاتلونهم وتفدونهم فإذا4 قالوا: أمرنا بأن
__________
1 "2/ 305-306" الرقم "1417" وقد تصرف الحافظ واختصر، وانظر "السيرة" لابن هشام "ق1/ 539-540".
2 "306-307" الرقم "1472" وعلى عادته اختصر وتصرف.
3 حرب سُمير، كانت في الجاهلية بين الأوس وسمير رجل من بني عمرو بن عوف. وانظر خبر هذه الحرب في "الأغاني" "3/ 18: 26" عن هامش الطبري.
4 هذه اللفظة قلقة هنا جدًّا، والصواب حذفها ولم ترد في الطبري.(1/278)
نفديهم فإن قيل لهم: فقد نهيتم عن قتالهم قالوا: إنا نستحيي من حلفائنا فنزلت الآية بتوبيخهم على ذلك1.
27- قوله ز تعالى: {وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ} .
أخرج ابن أبي حاتم2 من طريق أبي روق عن الضحاك عن ابن عباس قال: قالت اليهود قلوبنا مملوءة علما لا نحتاج إلى علم محمد ولا غيره3 بل هي غلف فنزلت {بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِم} .
ومن طريق4 فضيل بن مرزوق5 عن عطية6 العوفي قالوا: قلوبنا أوعية العلم7.
__________
1 لم ينقل لنا أن قتالًا وقع بين بني النضير وقريظة بعد الهجرة فما ذكر هنا لا يعد سبب نزول، وإنما هو من باب حكاية ما مضى والله أعلم.
2 "1/ 1/ 272" الرقم "899" ومثله في الطبري "2/ 237" الرقم.
3 ما بعده غير موجوه في التفسير.
4 "ص272" الرقم "900" ومثله في الطبري "2/ 327" الرقم "1510".
5 هو الأغر الرقاشي أو الرواسي الكوفي أبو عبد الرحمن وقد اختلفوا فيه بين موثق ومضعف. وقال الحافظ في "التهذيب" "8/ 299": "قال ابن حبان في الثقات: يخطئ، وقال في الضفعاء: كان يخطئ على الثقات، ويروي عن عطية الموضوعات". وانظر "الجرح والتعديل" "7/ 57"، و"المجروحين" "2/ 209".
6 في الأصل: باطية وهو تحريف ظاهر.
7 قال ابن قتيبة في "غريب القرآن" "ص85": "ومن قرأه "غلف" مثقل. أراد جمع غلاف أي: هي أوعية للعلم.
وقد قرأ "غلف" أبو عمرو -رواية اللؤلؤي- وابن عباس وابن محيصن والأعرج وابن هرمز. انظر "معجم القراءات القرآنية" "1/ 85".
ولم يرتض الطبري هذه القراءة وعدها شاذة. انظر "2/ 327-328".(1/279)
قال1: وروي عن عطاء الخراساني مثله.
قلت: ويستفاد من هذا أمران:
أحدهما: أن قراءة الجمهور "غُلْف" بسكون اللام مخففة2.
ثانيهما: أن بل للإضراب على بابها3.
28- قوله ز تعالى: {وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا} .
أخرج الطبري4 وابن أبي حاتم5، من طريق محمد بن إسحاق بالسند المذكور أولا: أن اليهود كانوا يستفتحون على الأوس والخزرج برسول الله صلى الله عليه وسلم قبل بعثته، فلما بعثه الله جحدوا ما كانوا يقولون فقال لهم معاذ بن جبل وبشر بن البراء6 بن معرور أحد7 بني سلمة: يا معشر يهود اتقوا الله وأسلموا فقد كنتم تستفتحون علينا بمحمد ونحن أهل "شرك وتخبروننا بأنه مبعوث وتصفونه لنا بصفته فقال: سلام بن مِشكم
__________
1 أي: ابن أبي حاتم "1/ 1/ 273".
2 قال الطبري "2/ 324": "وهي قراءة عامة الأمصار في جميع الأقطار ... تأولوها أنهم قالوا: قلوبنا في أكنة وأغطية".
3 انظر "مغني اللبيب عن كتب الأعاريب" لابن هشام "ص151-152".
4 "2/ 333" الرقم "1520".
5 "1/ 1/ 276" الرقم "911".
6 ترجمته في "الإصابة" للحافظ "1/ 150" الرقم "654".
7 كذا في الأصل: وفي الطبري: أخو، وفي ابن أبي حاتم: وداود بن سلمة ونقله الحافظ عنه في "الإصابة" "1/ 473" الرقم "2388" في ترجمة داود وقال: "كذا رأيته في نسخة، ووقع في نسخة أخرى: فقال لهم معاذ وبشر بن البراء أخو بني سلمة، كذا ذكره الطبري من هذا الوجه فلعل الأول تصحيف" ونقل ابن تيمية حديث ابن أبي حاتم في "قاعدة جليلة" "ص110" ولم يعقب عليه.(1/280)
أخو بني النضير: ما جاءنا بشيء نعرفه وما هو بالذي كنا نذكره لكم! فأنزل الله عز وجل {وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا} الآية1.
وهكذا أخرجه ابن إسحاق في "السيرة الكبرى"2 وأخرج فيها أيضا3 والطبري من طريقه4 عن عاصم بن عمر بن قتادة5 عن أشياخ منهم6 قالوا: فينا والله وفيهم -أي: الأنصار واليهود- نزلت هذه القصة قالوا: كنا علوناهم دهرا7 في الجاهلية ونحن أهل شرك وهم أهل كتاب فكانوا يقولون: إن نبيا يُبعث الآن نتبعه قد أظل زمانه نقتلكم معه قتل عاد وأرم.
فلما بعث الله عز وجل رسوله من قريش واتبعناه كفروا به8 قال الله عز وجل: {فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِه} الآية.
__________
1 وعزاه السيوطي في "الدر" "1/ 217" إلى أبي المنذر وأبي نعيم في "الدلائل".
2 ولم أجد هذا في القسم المطبوع من "السير والمغازي" لابن إسحاق، وهو في السيرة لابن هشام "ق1/ 547". قلت: وهذا يصلح أن يعد سبب نزول لذكره جدالًا بين بعض الأنصار وبين اليهود فنزلت الآية معقبة على ذلك. وما عداه مما سيذكر هنا فهو تفسير.
3 هو في السيرة لابن هشام "ق1/ 541".
4 "2/ 332" "1519"، وفي "الدر" "1/ 215": "أخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن المنذر وأبو نعيم والبيهقي كلاهما في الدلائل من طريق عاصم".
5 الإمام الثقة الأنصاري مات ما بين "119-127" أخرج له الستة، وقال محمد بن سعد:" كانت له رواية للعلم، وعلم بالسيرة، ومغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان ثقة كثير الحديث عالمًا ومصادر ترجمته كثيرة، انظر "تهذيب الكمال" "13/ 528".
6 أي: من الأنصار.
7 في السيرة: ظهرًا.
8 في الأصل وكفروا وهذه الواو قلقة لا وجود لها في ابن هشام والطبري، لذلك حذفتها.(1/281)
وأخرج الطبري1 من طريق العوفي عن ابن عباس قال: كان أهل الكتاب يستنصرون بخروج محمد عليه الصلاة والسلام على مشركي العرب فلما بعث الله عز وجل محمدا ورأوه من غيرهم كفروا به وحسدوه.
ومن طريق قتادة2 نحوه وزاد: وقالوا: اللهم ابعث هذا النبي الذي نجده مكتوبا في التوراة، يعذبهم ويقتلهم فلما بعث من غيرهم كفروا به حسدا.
29- قوله تعالى: {وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا} 3.
قال الواحدي4: قال ابن عباس: كانت يهود خيبر تقاتل غطفان، فإذا التقوا هزمت يهود، فعاذت اليهود بهذا الدعاء اللهم إنا نسألك بحق النبي الأمي الذي وعدتنا أن تخرجه لنا في آخر الزمان إلا نصرتنا عليهم، فكانوا إذا التقوا فدعوا بهذا الدعاء هزموا غطفان فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم كفروا به فأنزل الله عز وجل {وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا} أي: بك يا محمد إلى قوله: {فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِين} .
قال5: وقال السدي كانت العرب تمر باليهود فتلقى اليهود منهم أذى وكانت اليهود تجد نعت محمد صلى الله عليه وسلم في التوراة فيسألون الله عز وجل أن يبعثه ليقاتلوا معه فلما جاءهم محمد كفروا به حسدا وقالوا: إنما كانت الرسل من بني إسرائيل6.
__________
1 "2/ 334" "1522".
2 "2/ 334-335" "1525" وقد اختصره.
3 أعاد المؤلف هذا المقطع، وكان بإمكانه أن يجمع ما قاله هنا وهناك.
4 "ص25-26".
5 أي: الواحدي.
6 وللنص تتمة فيه: فما بال هذا من بني إسماعيل؟!(1/282)
قلت: المحفوظ عن ابن عباس ما تقدم1، وأما هذا الطريق بهذا اللفظ فأخرجه الحاكم في "المستدرك"2 من طريق عبد الملك بن هارون بن عنترة عن أبيه عن جده عنه3 واعتذر عن إخراجه فقال: غريب من حديثه أدت الضرورة إلى إخراجه في التفسير.
قلت: وأي ضرورة تحوج إلى إخراج حديث من يقول فيه يحيى بن معين: كذاب4 في "المستدرك" على البخاري ومسلم، ما هذا إلا اعتذار ساقط5.
وجاء عن ابن عباس في تفسير {يَسْتَفْتِحُون} :
2- قول آخر أخرجه الطبري6 من طريق أبي روق عن الضحاك عن ابن عباس في قوله {يَسْتَفْتِحُون} قال: كانوا يستظهرون يقولون نحن نعين محمدا عليهم وليسوا كذلك بل يكذبون.
__________
1 أي: في الترجمة السابقة.
2 في كتاب التفسير، سورة البقرة "2/ 263" وزاد السيوطي: والبيهقي في "الدلائل" بسند ضعيف انظر "اللباب" "ص21".
3 عن سعيد بن جبير عن ابن عباس.
4 يقصد عبد الملك، وقوله هذا في "الميزان" "2/ 666" "5259" وانظر عنه أيضا: "التاريخ الكبير" "5/ 436" و"التاريخ الصغير" "2/ 262" "الضعفاء""218"، ثلاثتها للبخاري و"الضعفاء" للنسائي "384" و"الجرح والتعديل" "4/ 374" و"الضعفاء" للدارقطني "179" و"المجروحين" "2/ 132" و"الضعفاء" لابن الجوزي "2/ 153" و"المغني" للذهبي "2/ 409" و"لسان الميزان" لابن حجر "4/ 71".
5 ومن قيل قال الذهبي في تلخيص "المستدرك" "2/ 263": "لا ضرورة في ذلك، فعبد الملك متروك هالك" وانظر "قاعدة جليلة" "ص111".
وقد عزا السيوطي الخبر في "لباب النقول" "ص21" وفي "الدر" "1/ 216" إلى الحاكم والبيهقي في "الدلائل" واكتفى بقوله:"بسند ضعيف".
6 "2/ 336" "1532" وكذلك ابن أبي حاتم "ص275" "909".(1/283)
وأما أثر السدي فأخرجه الطبري وابن أبي حاتم1 من طريق أسباط عنه بهذا ولكن فيه: تمر باليهود ويؤذونهم، وكانوا يجحدون محمدا في التوراة وفيه فيقاتلوا2 معه العرب، وفيه: كفروا به حين لم يكن، والباقي سواء. زاد ابن أبي حاتم في آخره: فما بال هذا من بني إسماعيل؟
وأخرجه الطبري3 من طريق الربيع بن أنس عن أبي العالية قال: كانت اليهود تستنصر بمحمد صلى الله عليه وسلم على مشركي العرب، يقولون: اللهم ابعث هذا النبي الذي نجده مكتوبا عندنا4 حتى يعذب المشركين ويقتلهم5.فلما بعث الله محمدا ورأوه أنه من غيرهم كفروا به حسدا للعرب وهم يعلمون أنه رسول الله فقال عز وجل: {فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِه} الآية.
ومن طريق6 ابن جريج قلت لعطاء7 قوله تعالى: {وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُون} قال: كانوا يرجون أن يكون منهم فلما خرج ورأوا أنه ليس منهم، كفروا به وقد عرفوا أنه الحق.
ومن طريق8 عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: كانت يهود يستفتحون على كفار العرب يقولون: أما والله لو قد جاء النبي الذي بشر به موسى وعيسى، أحمد لكان لنا
__________
1 الأول في "2/ 235" "1527" ولم أجد عند الثاني، ولعله سقط من هذه النسخة.
2 في الأصل: فتقاتلوا. تحريف.
3 "2/ 335" "1526" وتفسير ابن أبي حاتم "ص276-277" "912".
4 في الأصل: عندهم وهو تحريف.
5 جاء الفعلان في الطبري الأول بالياء والثاني بالنون في ابن أبي حاتم وبدون نقط في الأصل.
6 "2/ 335" "1528" وما هنا مختصر.
7 أي: ابن أبي رباح كما مر معنا.
8 "2/ 336" "1533" وفي النقل تصرف.(1/284)
عليكم! وكانوا يظنون أنه منهم، وكانوا بالمدينة1 والعرب حولهم، فلما كان من غيرهم أبوا أن يؤمنوا به وحسدوه، وقد تبين لهم أنه رسول الله فمن هناك نفع الله الأوس والخزرج بما كانوا يسمعون منهم أن نبيا خارج.
ومن طريق2 ابن أبي نجيح عن علي الأزدي هو ابن عبد الله البارقي3 تابعي ثقة قال قالت اليهود: اللهم ابعث لنا هذا النبي يحكم بيننا وبين الناس، {يَسْتَفْتِحُون} يستنصرون.
وأخرج عبد بن حميد من طريق شيبان عن قتادة نحو رواية السدي وأوله: كانت اليهود تستفتح بمحمد على كفار العرب، وقال في آخره: كفروا به حسدا للعرب وهم يعرفون أنه رسول الله4.
30- قوله ز تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاس} [الآية: 94] .
ذكر ابن الجوزي5 أنها نزلت لما قالت اليهود: إن الله لم يخلق الجنة إلا لإسرائيل وبنيه. قلت: الذي أخرج الطبري6 من طريق أبي العالية قال: قالت اليهود
__________
1 "الكلمتان ليستا في الطبري.
2 "2/ 334" "1523، 1524".
3 قوله: هو ابن عبد الله من إفادة الحافظ. وهو من رجال الستة إلا البخاري ترجمته في "التهذيب" "7/ 358-359" وفيه "نقل ابن خلفون عن العجلي أنه وثقة" وانظر "معرفة الثقات" للعجلي "2/ 159" "1315" و"الثقات" لابن حبان "5/ 164" وقال البخاري في "الكبير" في ترجمته "6/ 283": "وبارق جبل نزله سعد بن عدي.. ابن الأزد فسموا به".
4 وهو من طريق سعيد عن قتادة في الطبري "2/ 334" "1525".
5 في تفسيره "زاد المسير في علم التفسير" "1/ 116" ولم يذكر لما نقل سندًا.
6 "2/ 364-365" "1573".(1/285)
يعني والنصارى: {لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى} 1 {وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ} 2 فأنزل الله عز وجل {قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَة} الآية3. ومن طريق قتادة ونحوه4.
ومن طريق ابن إسحاق بسنده المتكرر عن ابن عباس قال5: لو تمنوه يوم قال لهم: فتمنوا الموت، ما بقي على ظهر الأرض يهودي إلا مات6 وذلك أنهم فيما ذكر لنا قالوا: نحن أبناء الله وأحباؤه.
وبه إلى ابن عباس7 في قوله تعالى: {فَتَمَنَّوُا الْمَوْت} : أي: ادعوا بالموت على أي الفريقين أكذب فأبوا ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال عبد الرزاق8 عن معمر عن عبد الكريم الجزري عن عكرمة قال: قال ابن عباس: لو تمنى اليهود لماتوا، وهذا سند صحيح9.
__________
1 سورة البقرة الآية "111".
2 سورة المائدة الآية "18".
3 لاحظ أن البحث في سبب نزول الآية "94" وأن الآية الأولى رقمها "111" فهي متأخرة عنها في الرسم والثانية من سورة المائدة وهي متأخرة في النزول!!
4 "2/ 364" "1572".
5 "2/ 363" "1570" وانظر "السيرة" لابن هشام "1/ 542".
6 ما بعد هذا غير موجود في الطبري ولا في ابن هشام.
7 "2/ 364" "1571" و"ص367" "1578" وفي النقل اختصار.
8 في تفسيره "ص9" وقد اختصر الحافظ الرواية.
9 وهو في الطبري "2/ 363" "1568" وابن أبي حاتم "ص285" "943" وعزاه السيوطي في "الدر" "1/ 220" إلى ابن المنذر أبي نعيم في "الدلائل" أيضًا ثم قال: "وأخرج أحمد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن مردويه وأبو نعيم عن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لو أن اليهود تمنوا الموت لماتوا، ولرأوا مقاعدهم من النار ". وقد حكم عليه بالصحة قبل ابن حجر: ابن كثير انظر "1/ 127".(1/286)
وعند ابن أبي حاتم من طريق الأعمش2 أحسبه عن المنهال -يعني ابن عمرو- عن سعيد بن جبير عن ابن عباس: لو تمنوا الموت لشرق أحدهم بريقه.
وهذه الطرق موقوفة على ابن عباس، وقد رفعه عبيد الله بن عمرو الرقي وهو ثقة3 عن عبد الكريم4.
أخرجه الطبري من طريقه5 ولفظه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو أن اليهود تمنوا الموت لماتوا" 6 أو "لو خرج الذين يباهلون رسول الله صلى الله عليه وسلم -يعني نصارى نجران- لرجعوا لا يجدون أهلا ولا مالا". وأخرجه أحمد في "مسنده" من وجه آخر عن عبد الكريم7 وسند الطبري صحيح. وقد أخرجه الضياء المقدسي8 في "المختارة"9.
__________
1 "1/ 1/ 284" "941" والخبر في الطبري "2/ 363" "1567": عن الأعمش عن ابن عباس وعلق الأستاذ أحمد شاكر عليه بقوله: "إسناده هذه مقطع، الأعمش لم يدرك ابن عباس".
2 في ابن أبي حاتم: قال: لا أظنه: لا عن المنهال، فالظن من الأعمش.
والمنهال مختلف فيه انظر "الجرح والتعديل" "8/ 356" و"الميزان" "4/ 192" و"التهذيب" "319/ 10".
وفي "التقريب" "ص547": "صدوق ربما وهم" وقد أخرج حديثه البخاري والأربعة.
3 أخرج له الستة مات بالرقة سنة "180" قال ابن سعد: كان ثقة صدوقًا كثير الحديث وربما أخطأ، وكان أحفظ من روى عن عبد الكريم الجزري ولم يكن أحد ينازعه في الفتوى في دهره "التهذيب" "7/ 42-43".
5 هو الجزري أبو سعيد الحراني له الستة مات سنة "127" "التهذيب" "6/ 373".
5 "2/ 362" "1566".
6 وفيه: ولرأوا مقاعدهم من النار.
7 انظر "المسند" "2225" من طبعة شاكر.
8 هو الشيخ الإمام الحافظ القدوة المحقق المجود بقية السلف أبو عبد الله: محمد بن عبد الواحد المقدسي ثم الدمشقي ولد سنة "569" وتوفي سنة "643هـ" انظر "السير" للذهبي "23/ 126-130"
9 هو من مرويات الحافظ انظر "المعجم المفهرس" "ص118" وقد طبع ثمانية مجلدات بتحقيق الدكتور عبد الملك بن عبد الله بن دهيش ولم يصل بعد إلى مسند "عبد الله بن عباس".(1/287)
ووقع في "تفسير ابن ظفر" أنهم لما ادعوا أنه لن يدخل الجنة إلا من كان يهوديا أو نصرانيا أعلم الله نبيه أنه يحول بينهم وبين تمني الموت فجمعهم وتلا عليهم الآية فامتنعوا من تمني الموت فقال: "لو تمنوا الموت لما قام رجل منهم من مجلسه حتى يغصه الله بريقه فيموت" 1 وسيأتي في تفسير سورة الجمعة ما يؤيد رواية ابن إسحاق أنها نزلت في زعمهم أنهم أولياء الله. ويؤخذ من مجموع الآيتين2 أن دعاءهم إلى تمني الموت نزل بسبب القولين معا دعواهم أنهم أولياء الله وأن الدار الآخرة خالصة لهم.
31- قوله ز تعالى: {وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاة} [الآية: 96] .
قال محمد بن يوسف الفريابي في "تفسيره": حدثنا قيس بن الربيع3 عن الأعمش عن جعفر بن إياس عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: كان أهل الكتاب يقول أحدهم لصاحبه عش ألف سنة كُلْ ألف سنة فنزلت.
وأخرجه الحاكم4 أيضا من طريق الأعمش عن مسلم البطين عن سعيد عن
__________
1 هذا الحديث ذكره مقاتل بن سليمان في "تفسيره" "1/ 55، 56" بدون إسناد، كما جاء هنا في تفسير ابن ظفر.
2 أي: الآية "94" من البقرة و"18" من المائدة، وإدخال هذه الآية من المائدة هنا غريب! فإنها تتحدث عن أمر آخر.
3 قال في "التقريب" "ص457" عنه: "صدوق تغير لم كبر، وأدخل عليه ابنه ما ليس من حديثه فحدث به". وحديثه هذا في "المستدرك" "2/ 263-264".
4 في "المستدرك" كتاب التفسير، سورة البقرة "2/ 263" وقال: "وقد اتفق الشيخان على سند تفسير الصحابي وهذا إسناد صحيح على شرطهما ولم يخرجاه" ووافقه الذهبي وأخرجه كذلك ابن أبي حاتم "ص286" "949، 951" وقال محققه الدكتور الزهراني: صحيح الإسناد. وهذه الرواية تفسير وليست بسب نزول.(1/288)
ابن عباس {وَلَتَجِدَنَّهُم} قال: هم اليهود {وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا} قال: الأعاجم.
وأخرجه1 من تفسير2 إسحاق بن راهويه عن أبي معاوية عن الأعمش بهذا السند بلفظ {يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَة} هو قول الأعاجم إذا عطس: زَهْ هزار سالَ.
وأخرجه الطبري3 وابن المنذر من طريق أبي معاوية4 وقال في آخره: يعني عش ألف سنة.
32- قوله تعالى: {قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيل} إلى قوله {لِلْكَافِرِين} [97-98] .
أسند الواحدي5 من طريق بكير بن6 شهاب7 عن سعيد بن جبير عن ابن
__________
1 أي: الحاكم في "المستدرك" "2/ 263".
2 التصريح بالتفسير من المؤلف.
3 "2/ 373" "1596".
4 وسند الطبري: "وحدثت عن أبي معاوية، عن الأعمش، عن سعيد عن ابن عباس". وطريقا الفريابي والحاكم السابقان يظهران أن في هذا السند انقطاعًا أي: إن الأعمش لم يسمعه من سعيد بن جبير وانظر كلام الشيخ أحمد شاكر "2/ 373".
5 "ص26".
6 في الواحدي: عن ابن شهاب وهو تحريف.
7 هو الكوفي قال في "التهذيب" "1/ 490": "روى عن سعيد بن جبير وصالح بن سلمان، روى عنه عبد الله بن الوليد المزني، ومبارك بن سعيد الثوري، قال أبو حاتم: شيخ، رويا له "أي: الترمذي والنسائي" حديثًا واحدًا في السؤال عن الرعد قلت: "القائل ابن حجر": وذكره ابن حبان في الثقات". ووصفه في "التقريب" "ص128" بأنه مقبول.(1/289)
عباس قال: أقبلت يهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا أبا القاسم نسألك عن أشياء فإن أجبتنا فيها اتبعناك، أخبرنا من الذي يأتيك من الملائكة فإنه ليس نبي إلا يأتيه ملك من عند ربه بالرسالة أو1 بالوحي، فمن صاحبك؟ قال: "جبريل عليه السلام"، قالوا: ذاك الذي نزل بالحرب وبالقتال ذاك عدونا، لو قلت: ميكائيل الذي ينزل بالقطر والرحمة تابعناك فأنزل الله عز وجل {قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيل} الآية إلى قوله: {لِلْكَافِرِين} .
قلت: أخرجه أحمد2 والترمذي3 والنسائي4 من هذا الوجه5 وفي أول الحديث إنا نسألك عن خمسة أشياء وذكرها في سياقه وهي علامة النبي، وكيف تُؤنث المرأة وتذكر، وعما حرم إسرائيل على نفسه، وعن الرعد، وآخرها من صاحبك من الملائكة؟ الحديث.
وعند أحمد أيضا6 وعبد بن حميد7 والطبري8 من طريق شهر بن حوشب9 عن ابن عباس قال: حضرت عصابة من اليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا أبا
__________
1 في الواحدي: و.
2 انظر "المسند" "1/ 274" ونقله ابن كثير "1/ 130".
3 في كتاب التفسير، سورة الرعد من جامعه "5/ 274" "3117" وقال: "حسن غريب".
4 في الكبرى في كتاب "عشرة النساء" كما في "تحفة الأشراف" للمزي "4/ 394" في مسند ابن عباس وأشار إليهما ابن كثير.
5 وكذلك ابن أبي حاتم في التفسير "ص288" "958".
6 انظر "المسند" "1/ 278" و"2514" من طبعة شاكر و"مرويات الإمام أحمد في التفسير" "1/ 81-82" والأسئلة فيه مجموعة قبل الجواب عليها.
7 في تفسيره كما صرح ابن كثير "1/ 129"، ولم أجده في "المنتخب من مسنده".
8 "2/ 377" "1605" وحكم عليه الشيخ أحمد شاكر بأن إسناده صحيح والأسئلة فيه مجموعة كالمسند.
9 قال في "التقريب" "ص269": "صدوق، كثير الإرسال والأوهام" "وقد روى عنه الخمسة والبخاري في الأدب المفرد. وانظر "الكاشف" للذهبي "2/ 14" "2336" وفيه أن رواية مسلم عنه مقرونة، وثم بحث مستفيض عنه في كتاب "شرح ألفاظ التجريح النادرة أو قليلة الاستعمال" للأستاذ الدكتور سعدي الهاشمي "ص7-18" فانظره فإنه مهم.(1/290)
القاسم حدثنا عن خلال نسألك عنهن لا يعلمهن إلا نبي، فقال: "سلوا عم شئتم"، فذكر الحديث وفيه: قالوا فأخبرنا أي الطعام حرم إسرائيل على نفسه قال: "أنشدكم بالذي أنزل التوراة على موسى هل تعلمون أن إسرائيل مرض مرضا شديدا، وطال سقمه 1، فنذر لله نذرا إن شفاه الله من سقمه ليحرمن أحب الشراب إليه، وأحب الطعام إليه، وكان أحب الطعام إليه لحمان الإبل، وأحب الشراب إليه ألبانها؟ " قالوا: اللهم نعم، قال: "اللهم اشهد عليهم".
قالوا فأخبرنا بهذا النبي الأمي مَنْ وليه من الملائكة؟ قال: "فإن وليي جبريل ولم يبعث الله نبيا قط إلا وهو وليه". قالوا: فعندها نفارقك لو كان وليك سواه من الملائكة تابعناك وصدقناك، قال: "فما يمنعكم؟ " قالوا: إنه عدونا فأنزل الله عز وجل الآية2.
وأخرجه ابن إسحاق3 عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين عن شهر بن حوشب بنحوه ولم يذكر ابن عباس وزاد فيه: قالوا: فأخبرنا عن الروح، قال: "أنشدكم بالله وبأيامه عند بني إسرائيل هل تعلمون أنه جبريل وهو الذي يأتيني؟ " قالوا: نعم ولكنه لنا عدو وهو ملك إنما يأتي بالشدة وسفك الدماء ولولا ذاك اتبعناك فأنزل الله الآية إلى قوله: {كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُون} .
__________
1 ضبطها الناسخ: سَقَمُه وسُقْمُه.
2 قال الهيثمي في "المجمع" "6/ 315": "رواه الطبراني عن شيخه عبد الله بن محمد بن سعيد بن أبي مريم وهو ضعيف".
3 هو في "السيرة لابن هشام "ق1/ 453-455"، وأورده الطبري من طريقه "2/ 379" "1606" وهو كما ترى مرسل انظر ابن كثير "1/ 129".(1/291)
وقال عبد الرزاق في "تفسيره"1 عن معمر عن قتادة: قالت اليهود: إن جبريل يأتي محمدا وهو عدونا لأنه ينزل بالشدة والحرب والسنة2، وإن ميكائيل ينزل بالرخاء والعافية والخصب، فقال الله تعالى: {مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيل} الآية.
وأخرج الطبري3 من طريق القاسم بن أبي بزة يهودا سألوا النبي صلى الله عليه وسلم من صاحبك الذي ينزل عليك بالوحي قال: "جبريل"، قالوا: فإنه عدونا لا يأتي إلا بالحرب والشدة والقتال فنزلت4.
وفي "صحيح البخاري"5 عن أنس قال سمع عبد الله بن سلام بمقدم النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر الحديث، وفيه أنه سأله عن أشياء فقال: "أخبرني بهن جبريل آنفا"، قال: جبريل؟ قال: "نعم" قال: ذاك عدو اليهود من الملائكة، هكذا في هذه الطريق من قول عبد الله بن سلام وهي قصة غير التي في حديث ابن عباس6.
وأسند الواحدي7 من طريق علي بن مُسْهر والطبري8 من طريق ربعي بن عُلية وهو أخو9 إسماعيل عن داود بن أبي هند10 عن الشعبي11 قال: نزل عمر
__________
1 "ص9-10"، وأورده الطبري من طريقه "2/ 383" "1612".
2 قال في "القاموس" في مادة سنو -"ص1673": "والسنة: الجدب والقحط".
3 "2/ 380" "1607" من تفسير سنيد وفي النقل تصرف، وذكره ابن كثير "1/ 130".
4 الأثر منقطع والقاسم ثقة يروي عن التابعين انظر "التهذيب" "8/ 310".
5 في كتاب التفسير، سورة البقرة باب قوله: {مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيل} "الفتح" "8/ 165".
6 وقد بين المؤلف في "الفتح" أن قصة عبد الله بن سلام ليست سبب النزول فانظر ما قال.
7 "ص27-28".
8 "2/ 381-382" "1068".
9 في الأصل: أبو. وهو تحريف، وربعي ثقة صالح كما في "التقريب" "ص205".
10 أي: كلاهما عنه.
11 أورد ابن كثير هذا الحديث "1/ 131" من طريق داود هذا ومجالد الآتي عن الشعبي وقال: "وهذان الإسنادان يدلان على أن الشعبي حدث به عن عمر، ولكن فيه انقطاع بينه وبين عمر فإنه لم يدرك زمانه".
وذكره السيوطي في "اللباب" "ص22" وفي "الدر" "222-223" وزاد نسبته إلى ابن شيبة في "المصنف" وإسحاق بن راهوية في مسنده ثم قال: "صحيح الإسناد" ولكن الشعبي لم يدرك عمر وانظر "مشاهير علماء الأمصار" لابن حيان "ص1" وتعليق الشيخ أحمد شاكر على الطبري.(1/292)
الروحاء1 فذكر قصة فيها "فقال عمر: كنت أشهد اليهود يوم
هم فأعجب من التوراة كيف تصدق الفرقان، ومن الفرقان كيف يصدق التوراة، فبينما أنا عندهم ذات يوم فقالوا: يابن الخطاب ما أحد أحب إلينا منك.
إنك تأتينا وتغشانا قال: ومر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يابن الخطاب، ذاك صاحبكم فالحق به. فقلت لهم عند ذلك: نشدتكم بالله الذي لا إله إلا هو، وما استرعاكم من حقه واستودعكم من كتابه، أتعلمون أنه رسول الله؟ فسكتوا فقال عالمهم وكبيرهم: إنه قد عظم عليكم فأجيبوه، قالوا: أنت عالمنا وسيدنا، فأجبه أنت، قال: أما إذ نشدتنا بما نشدتنا به، فإنا نعلم أنه رسول الله، قال: قلت: ويحكم فأنى2 هلكتم قالوا: إنا لم نهلك. قال: كيف ذاك، وأنتم تعلمون أنه رسول الله ثم لا تتبعونه ولا تصدقونه؟ قالوا: لأن لنا عدوا من الملائكة وسلما، وأنه قرن بنبوته3 عدونا من الملائكة. قال قلت: ومن عدوكم ومن سلمكم؟ قالوا: عدونا جبريل وسلمنا ميكائيل قال قلت: وفيم عاديتم جبريل؟ وفيم سالمتم ميكائيل؟ قالوا: إن جبريل ملك الفظاظة والغلظة والإعسار والتشديد والعذاب ونحو هذا، وإن ميكائيل ملك الرأفة والرحمة
__________
1 قال في "الروض المعطار" "ص277": "الروحاء: قرية جامعة لمزينة على ليلتين من المدينة".
2 في أصل الطبري: أي: هلكتم وحولها المحقق إلى: إذًا وقال: الصواب في تفسير ابن كثير. وقلت: وهو تحريف الصواب: أني.
3 في الطبري: به.(1/293)
والتخفيف ونحو هذا. قال: قلت: وما منزلتهما من ربهما قالوا: أحدهما عن يمينه، والآخر عنة يساره قال: قلت: فوالله الذي لا إله إلا هو إن الذي بينهما لعدو لمن عاداهما وسلم لمن سالمهما، ما ينبغي لجبريل أن يسالم عدو ميكائيل، وما ينبغي لميكائيل أن يسالم عدو جبريل قال: ثم قمت فاتبعت النبي صلى الله عليه وسلم، فلحقته وهو خارج من خوخه1 لبني فلان، فقال لي: "يابن الخطاب، ألا أقرئك آيات نزلن قبل" 2 فقرأ: {قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْه} حتى قرأ الآيات قال:
قلت: بأبي وأمي [أنت يا رسول الله] 3 والذي بعثك بالحق لقد جئت وأنا أريد أن أخبرك الخبر فأسمع اللطيف الخبير قد سبقني إليك بالخبر.
لفظ الطبري، وأخرجه4 أيضا من طريق إسماعيل5 بن علية عن داود نحوه.
ومن طريق مجالد عن الشعبي نحوه6.
__________
1 كذا في الأصل: وفي تفسير ابن كثير "1/ 131"، وفي أصل الطبري: خرفه قال الأستاذ محمود شاكر: والصواب مخرفة كما أثبتها. قلت: وفي القاموس في مادة خرف "ص1038": "خَرَفَ الثمار خرفًا ومَخْرفًا وخرافًا، ويكسر: جناة وكمرجلة": البستان، وسكة بين صفين من نخل يخترف المخترف من أيهما شاء ... والخرفة، بالضم، والمجتنى.
2 لم ترد في الطبري، وهي في الواحدي.
3 لم ترد في الأصل، ولا الواحدي، وأثبت ما في الطبري وابن كثير.
4 "2/ 383" "1609".
5 والأول طريق أخيه ربعي كما علمت.
6 "2/ 385" "1614" وهو عند ابن أبي حاتم "ص290" "966" من هذا الطريق، وفيه ضعف وانقطاع. أما مجالد فهو ابن سعيد بن عمير الهمذاني ضعيف أخرج له الأربعة ومسلم مقرونًا انظر "الضعفاء الصغير" للبخاري "ص112" و"التاريخ الكبير" "8/ 9" و"الجرح والتعديل" "8/ 361" و"المجروحين" "10/ 3" و"الميزان" "3/ 438" و"التهذيب" "10/ 39" والانقطاع مر.(1/294)
وأخرج أيضا من طريق قتادة1 قال: ذكر لنا أن عمر انطلق ذات يوم إلى اليهود، فلما أبصروه رحبوا به. فقال لهم عمر: أما والله ما جئت لحبكم ولا لرغبة فيكم، ولكن جئت لأسمع منكم، فسألهم وسألوه، فقالوا: من صاحب صاحبكم؟ فقال لهم: جبريل، فقالوا: ذاك عدونا من أهل السماء، يطلع محمدا على سرنا، وإذا جاء جاء بالحرب والسنة2، ولكن صاحب صاحبنا ميكائيل، وكان إذا جاء جاء بالخصب وبالسلم. فقال لهم عمر: أفتعرفون جبريل وتنكرون محمدا؟ ففارقهم وتوجه نحو النبي صلى الله عليه وسلم ليحدثه، حديثهم فوجده قد أنزلت عليه {قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ} الآية.
ومن طريق السدي3 قال: كانت لعمر أرض بأعلى المدينة، فكان ممره على طريق مدارس اليهود، فدخل فسمع منهم، فقالوا: يا عمر، ما في أصحاب محمد أحب إلينا منك، فإنك تمر بنا فلا تؤذينا فقال عمر: أي يمين أعظم فيكم؟ قالوا: الرحمن الذي أنزل التوراة على موسى بطور سيناء، فقال لهم عمر: فأنشدكم بالرحمن الذي أنزل التوراة على موسى بطور سيناء أتجدون محمدا عندكم، فذكر نحو حديث الشعبي بطوله.
ومن طريق هشيم4 عن حصين عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: قالت اليهود للمسلمين: لو أن ميكائيل الذي ينزل عليكم اتبعناكم فإنه ينزل بالرحمة والغيث، وإن جبريل ينزل بالنقمة والعذاب، وهو لنا عدو فنزلت هذه الآية
__________
1 "2/ 383" "1610".
2 عليها في الأصل: خف أي تقرأ بالتخفيف.
3 "2/ 384" "1613".
4 "2/ 386" "1615" وابن أبي ليلى تابعي انظر "مشاهير علماء الأمصار" لابن حبان "ص102" فالأثر مرسل.(1/295)
{مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيل} .
وأخرجه ابن أبي حاتم1 من طريق عبد الرحمن الدشتكي2 عن حصين عن ابن أبي ليلى مختصرا ولفظه: إن يهوديا لقي عمر فقال: إن جبريل الذي يذكر صاحبكم عدو لنا فقال عمر: {مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهْ} إلى {لِلْكَافِرِين} قال: فنزلت على لسان عمر3.
قلت: وهذا غريب إن ثبت فليضف إلى موافقات عمر4، وقد جزم ابن عطية بأنه ضعيف، ولم يبين جهة ضعفه5، وليس فيه إلا الإرسال.
ثم قال الواحدي6: قال ابن عباس: أن حبرا من أحبار اليهود من "فدك" يقال
__________
1 "1/ 1/ 291" "967".
2 سقط هنا من الأصل بعد الدشتكي: "أنبأ أبو جعفر".
3 وبمثل هذا اللفظ رواه الطبري "2/ 395" "1635" بسند يتصل بحصين.
4 وقد ضم الإمام السيوطي "ت911" هذه إلى موافقاته فقال في منظومته "قطف الثمر في موافقات عمر" التي أوردها في كتابه "الحاوي" "2/ 813".
وذكر جبريل لأهل الغدر ... وآيتين أنزلا في الخمر
وهي في "19" بيتًا فانظرها وانظر شرحها "الدر المستطاب في موافقات عمر بن الخطاب، وأبي بكر وعلي أبي تراب" للشيخ العلامة حامد العمادي مفتي دمشق "1103-1171" وعن البيت المذكور انظر: "الورقة 28ب وما بعدها".
وهذا الكتاب من محفوظات مكتبة الأوقاف المركزية ببغداد.
5 الذي في "المحرر الوجيز" "1/ 410": "هذا الخبر ضعيف من جهة معناه" وقد نقل عنه أبو حيان في "البحر" "1/ 323" واقتصر على قوله: ضعيف -ومثله في "روح المعاني" للآلوسي "2/ 334"- ولعل ابن حجر اقتصر نظره على نقل أبي حيان، ولو رأى قول ابن عطية كاملًا لعبر بوجه آخر، وقد تكون نسخته من "المحرر" خلت من ذلك.
6 "ص28". وفي "فتح الباري" "8/ 166" قال: حكى الثعلبي عن ابن عباس وأورده وبهذا ينكشف مصدر الواحدي.(1/296)
له "عبد الله بن صوريا1" حاج النبي صلى الله عليه وسلم، فسأله عن أشياء، فلما اتجهت عليه الحجة قال: أي ملك يأتيك من السماء؟ قال: "جبريل، ولم يبعث الله نبيا إلا وهو وليه". قال: ذاك عدونا من الملائكة، ولو كان ميكائيل مكانه لآمنا بك، إن جبريل ينزل بالعذاب والقتال والشدة، على يدي رجل يقال له بخت نصر، وأخبرنا بالحين الذي يخرب فيه، فلما كان وقته بعثنا رجلا من أقوياء2 بني إسرائيل في طلب بخت نصر ليقتله، فانطلق يطلبه حتى لقيه ببابل غلاما مسكينا ليست له قوة، فأخذه صاحبنا ليقتله، فدفع عنه جبريل، وقال لصاحبنا: إن كان ربكم هو الذي أذن في هلاككم فلن تسلط عليه، وإن لم يكن هذا فعلى أي حق تقتله؟ فصدقه صاحبنا، ورجع إلينا، وكبر بخت نصر وقوي، وغزانا وخرب بيت المقدس، فلهذا نتخذه عدوا، فأنزل الله عز وجل هذه الآية.
قلت: يتعجب من جزمه بهذا عن ابن عباس مع ضعف طريقه فإنه من تفسير عبد الغني بن سعيد الثقفي وقد قدمت أنه هالك3.
وقد أخرج الطبري4 من طريق أبي روق عن الضحاك عن ابن عباس "أن اليهود سألت محمدا صلى الله عليه وسلم عن أشياء كثيرة فأخبرهم بها على ما هي عندهم إلا جبريل، فإن جبريل كان عند اليهود صاحب عذاب وسطوة، ولم يكن عندهم صاحب
__________
1 قال السهيلي في "الأرض الأنف" في "تسمية اليهود الذين نزل فيهم القرآن" "4/ 397": وذكر [أي: ابن هشام] فيهم عبد الله بن صوريا الأعور، وكان أعلمهم بالتوراة، ذكر نقاش أنه أسلم لما تحقق من صفات محمد صلى الله عليه وسلم في التورة وأنه هو، ليس في سيرة ابن إسحاق ذكر إسلامه.
وفي "القاموس" مادة صور "ص548": "وعبد الله بن صوريا، كبوريا من أخبارهم أسلم ثم كفر".
2 هذه الكلمة استدركها الناسخ في الهامش.
3 قلت لم يسق الواحدي له إسنادًا لم يقف له على إسناد.
4 "2/ 387" "1617" وفي النقل تصرف واختصار.(1/297)
وحي ينزل1 من الله على رسله، ولا صاحب رحمة، فأخبرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما سألوه عنه: أن جبريل صاحب وحي وصاحب نقمة، وصاحب رحمة، فأنكروا ذلك.
وقالوا هو عدو لنا فأنزل الله عز وجل تكذيبا لهم {قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ} الآية، ثم قال الواحدي2: "قال مقاتل3: قالت اليهود إن جبريل4 أمره الله أن يجعل النبوة فينا فجعلها في غيرنا فأنزل الله هذه الآية ".
قلت: جعل الواحدي هذا السبب ترجمتين5 من أجل الإختلاف في سبب عداوتهم لجبريل وإن كان سبب النزول واحدا وحاصل ما ذكر فيه ثلاثة أقوال:
أحدهما قول الجمهور: إن عداوتهم لكونه ينزل بالعذاب.
ثانيها: كونه حال دون قتل بخت نصر الذي خرب مسجدهم وسفك دماءهم، وسبى ذراريهم.
ثالثها: كونه عدل بالنبوة عن بني إسرائيل إلى بني إسماعيل.
وهذا الثالث قواه الفخر الرازي6 من جهة المعنى7؛ لأن معاداة جبريل وهو
__________
1 في الطبري: - يعني: تنزيل من الله.
2 "ص28".
3 انظر تفسيره "1/ 65".
4 في الواحدي بعد جبريل: عدونا، وفي مقاتل: لنا عدو.
5 انظر "ص26، 27".
6 انظر تفسير "3/ 211" وهو الإمام العلامة الكبير ذو الفنون محمد بن عمر القرشي البكري.
وترجمته في "السير" للذهبي "21/ 500-501" مختصرة، وفي: "تاريخ الإسلام" موسعة وفيهما مدح ونقد فانظرهما ولد سنة "544" وتوفي "606" وللأستاذ الدكتور محسن عبد الحميد كتاب "الرازي مفسرًا" درس فيها حياته وتفسيره فعد إليه.
7 ولكنه لم يرد القولين الآخرين، بل اعتبرهما وفسر الآية على ضوئها ثلاثتها، والقول الثاني هنا هو الأول عنده.(1/298)
رسول الله بامتثاله أمر الله فيما ينزل به من الشدة والعذاب لا يصدر من عاقل بخلاف تجويز النسيان عليه مع من أمر بالإنزال عليه. هذا حاصل ما رجحه به1،
__________
1 ليس في كلام الرازي ذكر للنسيان مطلقًا وليس هذا حاصل ما رجحه به فقط وابن حجر يعبر عما فهمه هو بلفظه هو، والذي أفهمه من كلام ابن حجر في نقله عن الرازي ما يأتي.
إن سبب عداوة اليهود لجبريل لأنه ينزل بالعذاب لا يعقل أن يصدر عنهم، وأن الرازي رجح أن يكون سبب عداوتهم له عدوله بالوحي عنهم إلى محمد، من باب النسيان، وتجويزهم النسيان عليه يسوغ الرد عليهم في الآية قلت: ولكن كلام الرازي لا يدل على شيء من ذلك فقد حكى الاقوال الثلاثة في سب نزول هذه الآية ثم قال:
"واعلم أن الأقرب أن يكون سبب عداوتهم له، أنه كان ينزل القرآن على محمد عليه السلام لأنه قوله: "من كان عدوًا لجبريل فإنه نزله على قلبك" مشعر بأن هذا التنزيل لا ينبغي أن يكون سببًا للعداوة لأنه إنما فعل ذلك بأمر الله، فلا ينبغي أن يكون سببًا للعداوة.
وتقرير هذا من وجوه:
أحدهما: أن الذي نزله جبريل من القرآن: بشارة المطيعين بالثواب، وإنذار العصاة بالعقاب، والأمر بالمحارية والمقاتلة [و] لما لم يكن ذلك باختياره، بل بأمر الله، الذي يعترفون أنه لا محيص عن أمره، ولا سبيل إلى مخالفته، فعداوة من هذا سبيله توجب عداوة الله، وعداوة الله كفر، فيلزم أن عداوة من هذا سبيله كفر.
وثانيهما: أن الله تعالى لو أمر ميكائيل بإنزال مثل هذا الكتاب، فإما أن يقال: إنه كان يتمرد أو يأبى عن قبول أمر الله، وذلك غير لائق بالملائكة المعصومين، أو كان يقبله ويأتي به على وفق أمر الله، فحينئذ يتوجه على ميكائيل ما ذكروه على جبريل عليهما السلام فما الوجه في تخصيص جبريل بالعداوة؟
وثالثهما: أن إنزال القرآن على محمد، كما شق على اليهود، فإنزال التوراة على موسى شق على قوم آخرين، فإن اقتضت نفرة بعض الناس لإنزال القرآن قبحه، فلتقتض نفرة أولئلك المتقدمين إنزال التوراة على موسى عليه السلام قبحه. ومعلوم أن كل ذلك، باطل، فثبت بهذه الوجوه فساد ما قالوه".
قلت:
وواضح من هذا أن الرازي يفسر الآية على ضوء الأسباب الثلاثة، ويبدو من سياق كلامه أنه يعتبرها ثلاثتها.
والواقع أنه يمكن الجمع، فقد يكون منشأ العداوة حيلولته دون قتل بختنصر، وهو جزء من النزول بالعذاب، وختم ذلك بنزوله بالوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا يعني خروج النبوة منهم.(1/299)
وفاته ترجيح أن1 يرجح الثاني2؛ لأنه ليست مخالفة لما أمر به لا عمدا ولا سهوا، بل هو راجع إلى اجتهاده، ومن عادى من اجتهد فأداه اجتهاده إلى ضرر من عاداه لا يلام في المعاداة3.
وقد وجدت ما يصلح معه إفراد الترجمة الثانية وهو سبب معاداتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم لأن الأولى من جميع طرقها خاصة بجبريل عليه السلام، وذلك فيما أخرجه الطبري4 من طريق عبيد الله العتكي -وهو أبو المنيب المروزي صدوق5- عن رجل من قريش قال: سأل النبي صلى الله عليه وسلم اليهود فقال: "أسألكم بكتابكم الذي تقرءون، هل تجدونني قد بشر بي عيسى أن يأتيكم رسول من بعدي اسمه أحمد؟ " قالوا: اللهم وجدناك في كتبنا، ولكنا كرهناك لأنك تستحل الأموال -يعني الغنائم- وتهريق الدماء. فأنزل الله عز وجل {مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِه} [الآية: 6] .
__________
1 عليها في الأصل ما يشبه رمز الصحة! وهذا غريب إذ يبدو لي سقط من الكلام، فقوله: "وفاته ترجيح" غير متصل بما بعده.
2 كلام ابن حجر هنا -فيما ترجح عندي- في تعليل عدول الرازي عن ترجيح القول الثاني.
3 أي: لو كان هو السبب لما ليم اليهود في عداوتهم له؛ لأن اجتهاده أدى إلى أيقاع الضرر بهم.
4 "2/ 394-395" "1634".
5 قال في "التقريب" "ص372": "صدوق يخطئ" وقد لخص بذلك الخلاف فيه، فقد قال ابن معين وعباس بن مصعب والنسائي في موضع والحاكم: ثقة وقال أبو حاتم: صالح: يحول من كتاب الضعفاء. وقال البخاري: عنده مناكير، وقال العقيلي: لا يتابع على حديثه، وقال ابن حبان: يتفرد عن الثقات بالأشياء المقلوبات.
وذهب آخرون إلى أنه ضعيف انظر "التهذيب" "7/ 26" و"الجرح والتعديل" "5/ 322".
6 هذا الحديث منقطع، ضعيف الإسناد؛ لأن أبا المنيب إنما يروي عن التابعين انظر هامش الطبري "2/ 395" قلت: وفيه نكارة فكيف يسأل اليهود عن بشارة عيسى وهم لا يؤمنون به إصلًا؟!(1/300)
33- قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَات} .
قال الواحدي1: قال ابن عباس: هذا جواب لابن صوريا حيث قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا محمد ما جئتنا بشيء نعرفه، وما أنزل الله عليك من آية بينة نتبعك2 بها فأنزل الله عز وجل هذه الآية3.
قلت: أخرجه الطبري4 من طريق محمد بن إسحاق حدثني محمد عن عكرمة أو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: قال ابن صوريا الفطيوني5 لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا محمد فذكره وفي آخره: فأنزل الله في ذلك من قوله: {وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَّا الْفَاسِقُونَ} وأخرجه ابن المنذر من وجه آخر عن ابن إسحاق بغير سند لابن إسحاق لكن قال: قال ابن صلوبا الفطيوني والمحفوظ ما تقدم.
__________
1 "ص28-29".
2 في الواحدي: فتبعك وهو أولى.
3 الذي في "السيرة" لابن هشام "ق1/ 548" أن قائل هذا: "أبو صلوبا الفطيوني وبالنسبة لاسم هذا القائل فكذلك جاء "أبو" في "الروض الأنف" "5/ 348" وأشار محققو السيرة إلى أنه في نسختين: ابن، وبذلك ذكر "ص514" في فصل "الأعداء من اليهود" و"5/ 306" من "الروض" وابن صلوبا هذا غير ابن صوريا والمذكور في "السيرة" "ق1/ 549" عن ابن صوريا دعوته النبي صلى الله عليه وسلم إلى التهود.
4 "2/ 398" "1637".
5 في الأصل "القطيوني" بالقاف، وهو تحريف، قال السهيلي في "الروض الأنف" في "تسمية اليهود الذين نزل فيهم القرآن" "4/ 397":
والفطيون: كلمة عبرانية وهي عبارة عن كل من ولي أمر اليهود، وملكهم، كما أن النجاشي عبارة عن كل من ملك الحبشة، وخاقان ملك الترك.(1/301)
34- قوله ز تعالى: {أَوَ كُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ} 100.
أخرج الطبري1 وابن أبي حاتم2 من طريق محمد بن إسحاق3 عن محمد عن عكرمة أو سعيد عن ابن عباس قال: قال مالك بن الصيف4 -حين بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكرهم ما أخذ الله عليهم من الميثاق، وما عهد إليهم في محمد: والله ما عهد الله إلينا في محمد، ولا أخذ علينا ميثاق فأنزل الله عز وجل: {أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ} الآية.
وأخرج الطبري5 من طريق ابن جريج في هذه الآية قال: لم يكن في الأرض عهد يعاهدون عليه إلا نقضوه، ويعاهدون اليوم وينقضون غدا6
ومن طريق أخرى عن عطاء7: قال هي العهود بينه وبين اليهود نقضوها، كفعل قريظة والنضير وهي كقوله تعالى: {الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُم} الآية8.
وذكر ابن ظفر في قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَات} قيل: كان اليهود يقولون للنبي صلى الله عليه وسلم: إن أخبرتنا عن كذا وكذا آمنا بك فيوحي الله إليه بذلك. فيخبرهم به، فلا يؤمنون وهو المراد بقوله: {أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُم} .
__________
1 "2/ 400-401" "1639".
2 "1/ 1/ 295" "979".
3 انظر "السيرة" لابن هشام "ق1/ 547-548".
4 قال ابن هشام "ق1/ 514": "ويقال: ابن ضيف" قلت: وبذلك جاء في ابن أبي حاتم.
5 "2/ 402" "1642" وأخرجه ابن أبي حاتم من طريق الحسن "ص295" "980".
6 وتتمة النص فيه: "وفي قراءة عبد الله. نقضه فريق منهم".
7 لم أجد هذا الطريق، وقد رجعت إلى "تفسير الطبري" وابن أبي حاتم وابن كثير والسيوطي، ورأيته في "زاد المسير" "1/ 120" و"تفسير القرطبي" "2/ 29"، من غير سند.
8 الأنفال الآية "56".(1/302)
قال: وقيل: إن الأعراب التي كانت منازلهم بقرب يثرب، كانوا يغيرون عليهم، ويقاتلونهم، فيقولون: إن خرج النبي الذي يسفك دماءكم ويسبي أولادكم لنقاتلنكم معه، ونؤمن به، ويكررون الحلف فلما بعث نبذوا جميع تلك العهود1.
35- قوله ز تعالى: {وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ الله} [الآية: 101] .
أخرج الطبري2 وابن أبي حاتم3 من طريق أسباط عن السدي4 قال: في هذه الآية {وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ} . قال: "لما جاءهم محمد عارضوه بالتوراة فخاصموه بها، فاتفق التوراة والقرآن، فنبذوا التوراة وأخذوا بكتاب آصف ونسخة5 هاروت وماروت6، فلم توافق القرآن، فأنزل الله عز وجل هذه الآية إلى قوله: {كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُون} .
وأخرج الطبري من طريق العوفي عن ابن عباس7 قال: لما ذهب ملك سليمان
__________
1 الجديد في هذين القولين ما ذكر سببًا لنزول هذه الآية، وقد مر معنا أن ما ذكر كان سببًا لنزول الآيات السابقة وكما ترى فإن ابن ظفر لم يذكر لما قال اسم قائل، ولا ساق إسنادًا.
2 "2/ 404" "1644".
3 "1/ 1/ 296" "983" و"985".
4 ونقله ابن كثير عنه "1/ 134" دون أن يذكر مصدره! وعزاه السيوطي في "الدر" "1/ 223" إلى ابن جرير فقط.
5 في المصادر المذكورة كلها: سحر.
6 ما بعد هذه الكلمة لم يرد في الطبري والسيوطي.
7 لم يذكر هذا السند في "تفسير الطبري" "2/ 408" بل جاء الخبر بعد خبر ساقه عن ابن إسحاق "برقم 1650" وسيأتي قريبًا" وقد أورد الخبر ابن كثير "1/ 134" مصدرًا ذلك بقوله: "وقال العوفي في تفسيره عن ابن عباس".
ولهذا علق الأستاذ محمود شاكر على هذا بقوله: "لست أدري أفي نسخ الطبري سقط، أم هذه جزء من رواية الطبري عن ابن إسحاق من حديث ابن عباس".
أقول: بل الراجح أن في النسخة سقطًا، والخبر الماضي عن ابن إسحاق لم يذكر فيه ابن عباس أصلًا، وتصريح الحافظ يؤيد هذا.(1/303)
ارتد فئام1 من الجن والإنس واتبعوا الشهوات، فلما رجع2 إلى سليمان إلى ملكه، أقام3 الناس على الدين كما كان، ثم ظهر سليمان على كتبهم فدفنها تحت كرسيه، ومات حدثان ذلك4، فظهرت الجن والإنس على الكتب بعد وفاته فقالوا هذا كتاب من الله نزل على سليمان أخفاه منها، فأخذوا به فجعلوه5، دينا فأنزل الله عز وجل {وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ، وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِين} من المعازف، واللعب وكل شيء يصد عن ذكر الله عز وجل.
36- قوله تعالى: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَان} [الآية: 102] .
1- أخرج الواحدي6 من "تفسير7 إسحاق بن راهويه". قال: أنا جرير عن
__________
1 الفئام: الجماعة من الناس، لا واحد له من لفظه انظر "القاموس" "مادة فأم" "ص1477" وفي "أساس البلاغة" للزمخشري "ص232": "وهي الجماعة الكثيرة، وتقول: بنو فلان فئام، إلا أنهم لئام".
2 في الطبري: رجع الله وفي ابن كثيرًا: أرجع الله.
3 في الطبري: قام وفي ابن كثير: وقام.
4 حدثان الأمر، بالكسر: أوله وابتداؤه انظر "القاموس" مادة حدث "ص214" و"الكليات للكفوي "ص401".
قال الأستاذ محمود شاكر: وهو منصوب على الظرفية.
5 في الطبري: به ولم ترد في ابن كثير.
6 "ص29" وأخرجه كذلك -كما في الدار "1/ 233": "سفيان بن عيينة وسعيد بن منصور وابن جرير "2/ 415" "1662" وابن المنذر وابن ابي حاتم "ص300" "996" والحاكم "2/ 265" وأورده ابن كثير نقلًا عن الطبري "1/ 135" وسيأتي كلام المؤلف على السند.
7 التصريح باسم "التفسير" من إضافة الحافظ.(1/304)
حصين عن عمران بن الحارث قال: بينا نحن عند ابن عباس إذ قال: إن الشياطين كانوا يسترقون السمع من السماء فيجيء أحدهم بكلام1 حق فإذا جرب من أحدهم الصدق كذب معها سبعين كذبة فيشربها2 قلوب الناس، فاطلع على ذلك سليمان فأخذها -يعني الصحف التي نسخوا فيها تلك الأكاذيب وما قبلها من الصدق3- فدفنها تحت الكرسي فلما مات سليمان قام شيطان بالطريق4 وقال: ألا أدلكم على كنز سليمان المنيع5 الذي لا كنز6 مثله قالوا: بلى.
قال: تحت الكرسي. فأخرجوه، فقالوا: هذا سحر فتناسخها7 الأمم فأنزل الله تعالى عذر سليمان عليه السلام {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَان} 8.
قال الواحدي9:
وقال الكلبي: إن الشياطين كتبوا السحر والنيرنجيات10 على لسان آصف بن
__________
1 في المصادر المذكورة: كلمة.
2 في الأصل: فيضغن بها وهو تحريف ولم أجدها عند غير المؤلف، وفي الواحدي والحاكم: فيشربها، وفي الطبري: بالتاء، وأثبت ما ترى.
3 هذا التفسير من المؤلف.
4 كتب الناسخ فوقها: كذا، واللفظة صحيحة، وكذلك جاءت في الواحدي والطبري، والسيوطي، والذي في ابن كثير: شيطان الطريق وفيه نقص، ولم ترد في ابن أبي حاتم.
5 في الواحدي والطبري وابن كثير والسيوطي: الممنع.
6 في الواحدي: لا كنز له، ولم ترد "له" في الطبري، ولكنها وردت في ابن كثير، وقد نقل عنه.
7 في الواحدي: فتناسخته، وفي الطبري وابن كثير كما هنا.
8 وليس في هذا سبب نزول كما هو ظاهر إلا إذا حملنا الروايات على بعض، وأن اتهام اليهود لسليمان عليه السلام استمر إلى بعثة النبي صلى الله عليه وسلم وأنهم خاصموه وجادلوه فيه.
9 "ص29-30".
10 قال السيد أحمد صقر في تعليقه: "النارنجيات" وهي: رقى تعمل عمل السحر، وليست به =(1/305)
برخيا: هذا ما علم آصف بن برخيا سليمان الملك، ودفنوها تحت مصلاه، حين نزع الله ملكه، ولم يشعر بذلك سليمان، فلما مات سليمان استخرجوها من تحت مصلاه وقالوا للناس: إنما ملككم سليمان بهذا، فتعلموه، فأما علماء بني إسرائيل فقالوا: معاذ الله أن يكون هذا علم سليمان، وأما السفلة فقالوا: هذا علم سليمان، وأقبلوا على تعلمه، ورفضوا كتب أنبيائهم، وفشت الملامة على سليمان فلم تزل هذه حالهم حتى بعث الله عز وجل محمدا صلى الله عليه وسلم فأنزل الله عذر سليمان على لسانه، وأظهر براءته مما رمي به. فقال: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ} الآية.
ثم أسند الواحدي1 من طريق سعيد بن منصور ثنا عتاب بن بشير أنا خصيف2 قال: كان سليمان إذا نبتت الشجرة قال لأي داء أنت؟ فتقول: لكذا وكذا. فلما نبتت شجرة الخروب3 قال لأي شيء أنت؟ قالت لمسجدك أخربه. قال:
__________
= ولم يبين مصدره وقد ذكر الحاج خليفة هذا العلم في كتابه "كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون" "2/ 1994" ولم يتكلم عليه بشيء ومن قبله ذكره طاش كبري زاده في كتابه "مفتاح السعادة ومصباح السيادة" "1/ 365" وعده من فروع علم السحر وقال: "هو معرب نيرنك. وهو التمويه والتخييل. وهو إظهار غرائب الامتزاجات بين القوى الفاعلة والمنفعلة، وبالجملة مؤلفة بين العالم الأكبر والأصغر لصدور آثار مطلوبة من الحب والبغض، والإقبال والإعراض، وأمثال ذلك، مخصوصة مؤلفة من الروحانيات المبثوثة في العالم، وإن كانت بكتابات مجهولة الدلالات، فكأنها أرقام وحروف للأوائل، وخواصها مجهولة اللمية معروفة الأنية..".
1 "ص20".
2 هو خصيف بن عبد الرحمن الجزري قال الذهبي في "الكاشف" "1/ 213" "صدوق سيئ الحفظ، ضعفه أحمد، توفي سنة "136" وزاد ابن حجر في "التقريب" "ص193": "خلط بأخرة ورمي بالإرجاء" أخرج حديثه الأربعة وتحرف رمزهم "4" من طبعة الكاشف إلى "ع" وهو رمز الستة وهذا تحريف قبيح! وانظر تفصيل حاله في "التهذيب" "3/ 143-144".
وسيأتي وصف المؤلف لهذا الأثر بأنه معضل.
3 في الواحدي: الخرنوبة.(1/306)
تخربينه؟ قالت: نعم. قال: بئس الشجرة أنت. فلم يلبث أن توفي فجعل الناس يقولون في مرضاهم: لو كان لنا مثل سليمان. فأخذت الشياطين فكتبوا كتابا فجعلوه في مصلى سليمان، وقالوا: نحن ندلكم على ما كان سليمان يداوي به، فانطلقوا فاستخرجوا ذلك الكتاب فإذا فيه سحر ورقى، فأنزل الله تعالى: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ} إلى قوله {فَلا تَكْفُر} .
قال الواحدي1: وقال السدي: إن الناس في زمن سليمان اكتتبوا السحر واشتغلوا بتعلمه، فأخذ سليمان تلك الكتب وجعلها في صندوق ودفنها تحت كرسيه، ونهاهم عن ذلك، فلما مات سليمان وذهب الذين كانوا يعرفون دفن تلك الكتب، تمثل الشيطان على صورة إنسان، فأتى نفرًا من بني إسرائيل فقال: هل أدلكم على كنز لا تأكلونه أبدا -أي: لا ينفد-2؟ قالوا: نعم. قال: فاحفروا تحت الكرسي، فحفروا فوجدوا تلك الكتب فلما أخرجوها قال الشيطان: إن سليمان كان يضبط الإنس والجن والشياطين والطير بهذا. فاتخذ بنو اسرائيل تلك الكتب فلذلك أكثر ما يوجد السحر في اليهود فبرأ الله سليمان من ذلك وأنزل هذه الآية.
قلت: أثر ابن عباس أخرجه الحاكم في "المستدرك"3 من هذا الوجه وعمران أخرجه له مسلم4، وباقي رجاله من رجال الصحيح.
وأما أثر الكلبي فأخرج الطبري نحوه عن ابن إسحاق، ولفظه5 قال: عمدت
__________
1 "ص30-31".
2 هذا التفسير من الحافظ.
3 في كتاب التفسير "2/ 265" وفيه قصة، وقد سكت الحاكم عنه لكن قال الذهبي في "التلخيص": "صحيح".
4 انظر "التقريب" "ص429".
5 "2/ 407" "1650".(1/307)
الشياطين حين عرفت موت سليمان فكتبوا أصناف السحر: من كان يحب أن يبلغ كذا فليقل كذا، حتى إذا استوعبوا1 أصناف السحر جعلوه في كتاب ثم ختموه بخاتم نقشوه على خاتم سليمان، وكتبوا في عنوان الكتاب: "هذا ما كتب آصف بن برخيا الصديق للملك سليمان بن داود من ذخائر كنوز العلم"، ثم دفنوه تحت كرسيه، فاستخرجه بعد ذلك بقايا من بني إسرائيل حين أحدثوا ما أحدثوا، فلما عثروا عليه قالوا: والله2 ما كان ملك سليمان إلا بهذا، فأفشوا السحر وتعلموه وعلموه، فليس هو في أحد أكثر منه في اليهود فلما ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم سليمان3 وعده في مَنْ عده -يعني من الأنبياء-4 قال مَنْ كان بالمدينة من اليهود: ألا تعجبون لمحمد يزعم أن ابن داود كان نبيا! والله ما كان إلا ساحرا. فأنزل الله عز وجل هذه الآية، هكذا ذكره ابن إسحاق بغير إسناد وأخرج الطبري5 من طريق شهر بن حوشب نحوه بطوله فلعل ابن إسحاق أخذه عنه وعن الكلبي.
وحكى الماوردي6: "إن آصف بن برخيا كاتب سليمان واطأ نفرا من الشياطين على كتاب كتبوه سحرا، ودفنوه تحت كرسي سليمان ثم استخرجوه" فذكر القصة ولم أر في الآثار المسندة أن آصف واطأ الشياطين. وأما ما أخرجه ابن أبي حاتم من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد7 قال: "لما جاءهم محمد بالقرآن عارضوه بالتوراة،
__________
1 في الطبري: صنعوا وفي ابن كثير: صنفوا قال محمود شاكر: وهي أجود، وما هنا لعله من تصرف المؤلف.
2 لفظ الجلالة لم يذكر في الطبري.
3 في الطبري زيادة: فيما نزل عليه من الله.
4 في الطبري: في من عده من المرسلين.
5 "2/ 416" "1666" من تفسير سُنيد.
6 في تفسيره "1/ 140-141".
7 هذا سبق خاطر من المؤلف وقد ورده في أول الكلام على هذا الآية عن أسباط عن السدي، ولا يوجد في "تفسير ابن أبي حاتم" خبر بهذا الإسناد.(1/308)
فاتفقت التوراة والقرآن، فنبذوا التوراة وأخذوا بكتاب آصف وسحر هاروت وماروت". فمراده بكتاب آصف الكتاب الذي ادعت الشياطين أن آصف هو الذي ألفه وهذا لا يلزم منه أنهم صدقوا فيما ادعوه على آصف.
ثم إن الثابت في كتابة الشياطين السحر أنه إنما وقع لهم حين نزع من سليمان ملكه، كذلك أخرجه الطبري1 من طريق أبي معاوية عن الأعمش عن المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: كان الذي أصاب سليمان بن داود في سبب أناس من أهل امرأة يقال لها جرادة، وكانت من أكرم نسائه عليه. فكان هوى سليمان أن يكون الحق لأهل جرادة فيقضي2 لهم، فعوقب حين لم يكن هواه في الفريقين واحدا، وكان سليمان إذا أراد أن يدخل الخلاء، نزع خاتمه فذكر القصة بطولها كما سيأتي في سورة "ص"3 إلى أن قال: "فعمدت4 الشياطين في تلك الأيام فكتبت كتبا فيها سحر وكفر، ثم دفنوها تحت كرسي سليمان، ثم
__________
1 "2/ 414" "1660".
2 في الأصل: فقض وهو تحريف وأثبت ما في الطبري.
3 أي عند قوله تعالى: {وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ} الآية "34".
وقد أورد ابن كثير القصص الواردة في تفسير هذه الآية ثم قال "4/ 35": "ومن أنكرها ما قاله ابن أبي حاتم" وذكر السند المذكور هنا عند الطبري ومتنه، ثم قال في نهايته "ص36": "إسناده إلى ابن عباس رضي الله عنهما قوي، ولكن الظاهر أنه إنما تلقاه ابن عباس رضي الله عنهما -إن صح عنه- من أهل الكتاب، وفيهم طائفة لا يعتقدون نبوة سليمان عليه الصلاة والسلام، فالظاهر أنهم يكذبون عليه، ولهذا كان في السياق منكرات، ومن أشدها ذكر النساء، فإن المشهور عن مجاهد وغير واحد من أئمة السلف أن ذلك الجني لم يسلط على نساء سليمان، بل عصمهن الله عز وجل منه تشريفًا وتكريمًا لنبيه عليه السلام، وقد رويت هذه القصة مطولة عن جماعة من السلف، رضي الله عنهم كسعيد بن المسيب وزيد بن أسلم وجماعة آخرين، وكلها متلقاة من قصص أهل الكتاب، والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب".
4 في الطبري: فانطلقت.(1/309)
أخرجوها -يعني بعد موته1- فقرءوها على الناس فقالوا2: إنما كان سليمان يغلب الناس بهذه الكتب! فبرئ الناس من سليمان وكفروه، حتى بعث الله محمدا فأنزل الله {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَان} 3 وأخرج ابن أبي حاتم4 أثر الأعمش عن المنهال عن سعيد عن ابن عباس بلفظ كان5 آصف كاتب6 سليمان يعلم الاسم الأعظم، وكان يكتب كل شيء بأمر سليمان ويدفنه تحت كرسيه، فلما مات سليمان أخرجته الشياطين فكتبوا بين كل سطرين سحرا وكفرا، وقالوا: هذا الذي كان سليما يعمله7 فأكفره جهال الناس وسبوه8، حتى أنزل على محمد {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَان} .
وأما أثر خُصيف ففيه ضعف مع إعضاله، وأصل قصة سليمان في خطاب الشجرة إذا نبتت وما يتداوى بها منه ثابت في حديث آخر أخرجه الحاكم في "المستدرك"9 من طريق جرير عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: مات سليمان وهو قائم يصلي، ولم تعلم الشياطين يموته10، حتى أكلت
__________
1 التفسير من الحافظ.
2 في الطبري: وقالوا.
3 وتتمة النص: -يعني الذي كتب الشياطين من السحر والكفر- {وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا} ، فأنزل الله عز وجل عذره.
4 "1/ 1/ 297" "988" قال: "حدثنا أبو سعيد الأشج ثنا أبو أسامة عن الأعمش" ونقله ابن كثير "1/ 134".
5 تحرفت في تفسيره المطبوع إلى "قال".
6 تحرفت في الأصل إلى "صاحب" وأثبت ما في التفسيرين.
7 في ابن أبي حاتم: يعمل بها وهو خطأ.
8 وتتمة الخبر: "ووقف علماؤهم، فلم يزل جهالهم يسبوه" [كذا من غير نون] .
9 في كتاب التفسير، سورة سبأ "2/ 234" وقال: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه" ووافقه الذهبي.
10 في "المستدرك": بذلك بدل: بموته.(1/310)
الأرضة1 عصاه فخر، وكان إذا نبتت شجرة سألها لأي داء أنت؟ فتخبره2 فلما نبتت الخروب3 سألها: لأي شيء أنت؟ فقالت لخراب هذا المسجد. فقال: إن خراب هذا المسجد لا يكون إلا عند موتي4 فاتخذ منها عصا يتوكأ عليها وقال: اللهم عم عن الجن موتي، الحديث وسأذكره بتمامه في سورة سبأ إن شاء الله تعالى.
وأما أثر السدي فأخرجه الطبري5 مطولا وفي أوله نظير القصة التي في أثر ابن عباس بأبسط منه وأوضح بيانا ولفظه من طريق أسباط عن السدي قال: كانت الشياطين تصعد إلى السماء، فتقعد منها مقاعد للسمع، يستمعون من كلام الملائكة فيما يكون في الأرض من موت أو غيب6 أو أمر، فيأتون الكهنة فيخبرونهم، فتحدث الكهنة الناس، فيجدونه كما قالوا. حتى إذا أمنتهم الكهنة كذبوا لهم فأدخلوا فيه غيره، فزادوا مع كل كلمة سبعين كلمة، فاكتتبت الناس ذلك الحديث في الكتب، وفشا في بني إسرائيل أن الجن تعلم الغيب. فبعث سليمان في الناس فجمع تلك الكتب، فجعلها في صندوق، ثم دفنها تحت كرسيه. ولم يكن أحد من الشياطين يستطيع أن يدنو من الكرسي إلا احترق وقال سليمان: لا أسمع أحدا يذكر أن الشياطين تعلم الغيب إلا ضربت عنقه! فلما مات سليمان وذهب العلماء الذين
__________
1 في الأصل: الأرض وهو تحريف.
2 وفي "القاموس" في مادة أرض "ص820": "أرض: كعني.. والخشب أكلته الأرَضَة، محركة، لدويبة".
2 تتمة النص هنا: كما أخبر الله عز وجل: {وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْر} الآيات كلها.
3 في "المستدرك": الخرنوب.
4 في "المستدرك": "فقام يصلي" ولم يرد باقي الحديث!
5 "2/ 405-406" "1646" وعنه ابن كثير "1/ 135".
6 وكذلك جاءت الكلمة في ابن كثير، وفي الطبري: غيث.(1/311)
يعرفون أمر سليمان، وخلف بعد ذلك خلف، تمثل شيطان في صورة إنسان فذكره، وفيه: فأراهم المكان وقام ناحية. فقالوا: ادن! قال: لا، ولكني ههنا في أيديكم، فإن لم تجدوه فاقتلوني! فحفروا فوجدوا تلك الكتب. فلما أخرجوها قال الشيطان1: إن سليمان إنما كان يضطر2 الإنس والجن3 والشياطين والطير بهذا السحر. ثم طار فذهب. وفشا في الناس أن سليمان كان ساحرا واتخذت بني إسرائيل تلك الكتب، فلما جاء محمد صلى الله عليه وسلم خاصموه بها فذلك حين يقول الله عز وجل {وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْر} . وأخرج الطبري4 أيضا من طريق الربيع بن أنس قال إن اليهود سألوا محمدا صلى الله عليه وسلم زمانا عن أمور التوراة، لا يسألونه عن شيء من ذلك إلا أنزل الله عليه ما سألوه عنه، فيخصمهم5. فلما رأوا ذلك قالوا: هذا أعلم بما أنزل الله إلينا منا! وإنهم سألوه عن السحر وخاصموه به، فأنزل الله تعالى: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَان} الآية وذلك أن الشياطين عمدوا إلى كتاب فكتبوا فيه السحر والكهانة وما شاء الله من ذلك فدفنوه تحت مجلس سليمان، وكان سليمان لا يعلم الغيب. فلما فارق سليمان الدنيا استخرجوا ذلك السحر وخدعوا به الناس، وقالوا هذا علم كان سليمان يكتمه ويحسد الناس عليه فأخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الحديث، فرجعوا من عنده بخزي6 وقد أدحض الله حجتهم.
__________
1 في الأصل: الشياطين وهو تحريف، وأثبات ما في الطبري وابن كثير.
2 في المصدرين السابقين: يضبط.
3 لم ترد في المصدرين.
4 "2/ 406" "1647" من رواية ابن أبي جعفر الرازي عن أبيه.
5 قال في "القاموس" في مادة خصم "ص1424": "الخصومة: الجدل. خاصمه مخاصمة وخصومه فخصمه يخصِمُهُ: غلبه، وهو شاذ؛ لأن فاعلته ففعلته يُرد يفعل إلى الضم، إن لم يكن عينه حرف حلق فإنه بالفتح".
6 في الطبري بدل "بخزي": وقد حزنوا، وفي ابن كثير: وقد خرجوا وكلا اللفظين تحريف.(1/312)
وأخرج الطبري1 من طريق عمرو بن دينار عن مجاهد في قوله تعالى: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَان} قال: كانت الشياطين تستمع الوحي فما سمعوا من كلمة زادوا فيها مائتين مثلها، فأرسل سليمان إلى ما كتبوا من ذلك فأخفاه3. فلما مات سليمان وجدته الشياطين، فعلمته الناس وهو السحر.
قلت: وجاء في سبب نزول قوله تعالى: {وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا} :
2- قول آخر أخرجه الطبري أيضا2 من طريق عمران بن حُدير4، عن أبي مِجْلَز5 قال: أخذ سليمان من كل دابة عهدا فإذا أصيب رجل فسئل6 بذلك العهد، خلي عنه فزاد الناس السجع والسحر، وقالوا: هذا كان يعمل به سليمان فقال الله تعالى: {وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا} . وهذا سند صحيح لكنه في حكم المرسل؛ لأن أبا مجلز تابعي وسط من طبقة محمد بن سيرين.
وجاء فيه أيضا ما أخرجه الطبري7 من طريق جعفر بن أبي المغيرة8، عن
__________
1 "2/ 409-410" "1651 ".
2 في الطبري: فجمعه.
3 "2/ 414-415" "1661".
4 في الأصل: جدير وهو تحريف قال في "التقريب" "ص429": "عمران بن حدير، بمهملات، مصغر.. ثقة ثقة".
5 وهو لاحق بن حميد السدوسي البصري، أبو مجلز، بكسر الميم وسكون الجيم وفتح اللام بعدها زاي، مشهور بكنيته، أخرج له الستة مات سنة "106" كما في التقريب "ص586".
6 في الطبيري: فسأل.
7 "2/ 413-414" "1659" وفي النقل تصرف يسير وذكره ابن كثير "1/ 135" معلقًا بلفظ: "قال سعيد".
8 في "التقريب" "ص141": "صدوق يهم: وسيأتي كلام عنه في الآية "138".(1/313)
سعيد بن جبير قال: كان سليمان يتتبع ما في أيدي الشياطين من السحر ويأخذه فيدفنه تحت كرسيه في بيت خزائنه1. فلم تقدر الشياطين أن يصلوا إليه، فدبت2 إلى الإنس فقالوا لهم: أتريدون العلم الذين كان سليمان يسخر به الشياطين والرياح وغير ذلك؟ قالوا: نعم. قالوا: فإنه في بيت خزائنه3 وتحت كرسيه فاستشارته4 الإنس فاستخرجوه فعملوا به. فقال أهل الحجى: ما كان5 سليمان يعمل بهذا وهذا سحر فأنزل الله تعالى على نبيه براءة سليمان فقال: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا} الآية، فأبرأ الله سليمان على لسان نبيه محمد صلى الله عليه وسلم.
37- قوله تعالى: {وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوت} .
سبب نزولها ما تقدم في قوله: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ} وما بعده6 فأخرج الطبري من7 طريق السدي في هذه الآية قال هذا سحر آخر خاصموه به -أي: خاصموه بما أنزل الله على الملكين- لأن8 كلام الملائكة فيما بينهم إذا علمته الإنس وعلمت به كان سحرا.
__________
1 "1"، "3" في الطبري وابن كثير: خزانته.
2 هكذا أعجمها وضبطها الناسخ، وكتب فوقها: صح، وجاءت في الطبري وابن كثير: فدنت.
4 في ابن كثير: فاستشار به وهو تحريف.
5 هكذا في الأصل. وفي الطبري وابن كثير: أهل الحجار: كان والفرق بينهما كبير! ولعل الصحيح ما في هذين المصدرين.
6 أطال المؤلف هنا في الكلام على هذا المقطع من الآية إطالة بالغة، وليس فيما أورده سبب نزول، وإنما هو تفسير -سلم به- وأقول: إن سلم به لأن حصيلة الروايات لا تنطبق على النص القرآني إطلاقًا وقد أهمل السيوطي في "لباب النقول" الكلام على هذا الآية فأحسن.
7 "2/ 421" "1674" وهو تتمة الأثر السابق الذي أوله: كانت الشياطين تصعد إلى السماء.
8 في الطبري: وأن.(1/314)
ومن طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة1: قال السحر سحران سحر تعلمه الشياطين وسحر يعلمه هاروت وماروت.
وأخرج الطبري2 من طريق العوفي عن ابن عباس قال: لم ينزل الله السحر. ومن طريق أبي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس مثله3 قال الطبري4: "فعلى هذا فالمراد بالملكين جبريل وميكائيل، وهاروت وماروت: رجلان من أهل بابل، وفي الكلام تقديم وتأخير والتقدير وما كفر سليمان وما أنزل على الملكين، ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر ببابل، وهاروت وماروت بدل5 من الناس" والقراءة المشهورة أن6 الملكين بفتح اللام، وبنى الطبري الإختلاف فيها على تفسيرها فمن قرأ بالفتح قال: هما هاروت وماروت، أو جبريل وميكال، ومن بالكسر قال: هما علمان ملكا بابل أو شيطانان7.
__________
1 "2/ 421" "1674".
2 "2/ 419" "1670".
3 "2/ 419" "1671".
4 "2/ 419-420" وقد أخذ المؤلف المعنى، ولم يلتزم بالألفاظ.
5 في الأصل:" بدلًا عليها الناسخ: كذا" والصواب منا أثبت، ولا بد من القول أن الطبري لم يأخذ بهذا الرأي.
6 وضع الناسخ عليها إشارة لحق، وفي الهامش:.
7 لم أجد شيئًا من ذلك في "تفسير الطبري" وقد قرأت ما كتبه في هذه الآية "2/ 419-457"
وبعد بحث وقفت على كلام ابن حيان فتبين لي أن ابن حجر أخذ ما قاله هنا منه، وسأنقل كلامه ليتضح هذا الاستنتاج، قال رحمه الله في تفسير "على الملكين" "1/ 329": قراءة الجمهور بفتح اللام، وظاهره أنهما ملكان من الملائكة. فقيل: هما جبريل وميكال.. وقيل: ملكان غيرهما وهما هاروت وماروت، وقيل ملكان غيرهما.. وقرأ ابن عباس، والحسن وأبو الأسود الدؤلي والضحاك وابن أبزى الملِكين -بكسر اللام- فقال ابن عباس: هما رجلان ساحران كانا ببابل لأن الملائكة لا تعلم الناس السحر، وقال الحسن: هما علجان ببابل العراق، وقال أبو الأسود: هما هاروت وماروت، وهذا موافق لقول الحسن، وقال ابن أبزي: هما داود وسليمان على نبينا وعليهما الصلاة والسلام، وقيل: هما شيطانان، فعلى قول ابن أبزي تكون "ما" نافية، وعلى سائل الأقوال في هذه القرأءة تكون "ما" موصولة.
وعلى هذا فالصواب أن نقول: وبنى أبو حيان، وإذا لم يكن هذا من سهو المؤلف، فهو من سهو الناسخ الأول أو من صعوبة قراءة خط الحافظ.(1/315)
ورجح1 الأول لشهرة القراءة بالفتح ولتعسف التأويل والتركيب ممن قال: جبريل وميكال.
واختلف في الأمر الذي أنزل الملكان بسببه فوردت في ذلك أقوال2:
1- أن السحرة كانوا كثروا، وفشا منهم عمل السحر، حتى ادعوا النبوة فجاء الملكان يعلمان الناس السحر، ليتمكنوا من معارضة السحرة.
2- وقيل: كان السحر الذي يوقع التفرقة بين أعداء الله وأوليائه مباحا فنزلا لذلك، فاستعمله بعضهم في التفرقة بين الزوجين، وغير ذلك، من الباطل.
3- وقيل: إن الجن كانوا يقدرون من السحر على ما لا يقدر عليه البشر، فنزلا ليعلما البشر ليحذروا من فعل الجن.
__________
1 أرجع أن الصواب: "وأرجح" ويكون الحافظ متحدثًا عن نفسه، فلم أجد هذا الترجيح في "البحر المحيط" نعم قد رجح الطبري قراءة الملكين بفتح اللام وذهب أنهما هاروت وماروت ولكن لم يصرح في الترجيح بهذين السببين هكذا.
وفي هامش الأصل كلمة سقطت بقيتها في التصوير أولها "و" في جانب "ورجح" فلعلها تتعلق بما نحن فيه.
2 أخذ ابن حجر هذه الأقوال كلها باختصار يسير من "البحر المحيط" "1/ 329". ولم يشر كما ترى!! وقد ذكر أبو حيان خمسة أقوال وأسقط ابن حجر خامسها الذي هو الثاني في "البحر" ونصه: "أو لأن المعجزة والسحر ماهيتان متباينتان، ويعرض بينهما الالتباس فجاء لإيضاح الماهيتين".
ثم تبين لي أن أبا حيان استفاد هذه الأقوال من "تفسير الرازي" "3/ 238" وقد ذكر الرازي ستة أقوال. ولو ذكر مورده لكان أحسن!(1/316)
4- وقيل: إنهما نزلا بالوحي على إدريس.
وهذه الأقوال جمعت مما ذكره من ينقل كل ما وجد سواء ثبت عن قائليه أم لا، ومنهم من يحذف اسم من نقل ذلك ومن نقل عنه، ومهم من يعسر عليه التأويل فيبادر إلى تكذيب المنقول لعدم معرفته بأحوال النقلة، حتى إن أبا حيان1 مع أنه ممن ينتسب إلى الحديث وأهله، ويتبسط في توثيق بعض الشيوخ وتجريحهم تبع غيره في إنكار ما ورد من قصة هاروت وماروت والزهرة كما سأذكر لفظه، وقد ورد في ذلك خبر مرفوع2، رجاله موثقون وله شواهد كثيرة.
قال أحمد في "مسنده":
__________
1 في الأصل: أبا حسين وهو تحريف لا ريب فيه، والصواب يحتمل وجهين: أما أبا حيان -وهو الراجح ولذلك أثبته- أو ابن حزم، وقد وعد أن يذكر لفظه، وذكر لفظي ابن حزم وأبي حيان وغيرهم، وإنما رجحت أن يكون المقصود هنا: أبا حيان لأن ابن حزم كان متبوعًا، والموعود به هنا تابع لا مبتوع، ثم إن هذا الوصف أقر انطباقًا على أبي حيان من ابن حزم وقد قال عنه الذهبي في "المعجم المختص" "ص268": "كتب إليَّ بمروياته، وله عمل جيد في هذا الشأن وكثرة طلب له..".
وقال الحافظ في "الدرر الكامنة" في ترجمته "5/ 70" نقلًا عن الصفدي: "وله اليد الطول في التفسير والحديث وتراجم الناس ومعرفة طبقاتهم وخصوصًا المغاربة".
وجاء في "ص75": "أكثر من سماع الحديث حتى بلغت عدة شيوخه أربعمائة، وأجاز له جمع جم، وقد جمعهم في كتاب "البيان في شيوخ أبي حيان" فبلغوا ألفًا وخمسمائة".
2 رواه البزار "2938" وأحمد في "المسند" "2/ 1134" وانظر "مرويات الإمام أحمد بن حنبل في التفسير" "1/ 64"، وعبد بن حميد كما في "المنتخب من مسنده" "ص251" "787" وابن حبان كما في "الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان" لابن بلبان في كتاب التاريخ باب بدء الخلق "14/ 63-64" ""6186" والبيهقي في "السنن الكبرى" كتاب الضحايا باب النهي عن التداوي بالمسكر "10/ 4-5" كلهم من طريق يحيى.(1/317)
حدثنا يحيى بن أبي بكير1 ثنا زهير بن محمد2 عن موسى بن جبير3 عن نافع4 مولى ابن عمر5 عن عبد الله بن عمر أنه سمع نبي الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن آدم عليه السلام لما أهبطه الله إلى الأرض قالت الملائكة6 {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا} الآية إلى {مَا لا تَعْلَمُون} قالت الملائكة: ربنا نحن أطوع لك من بني آدم. فقال الله تبارك وتعالى للملائكة هلموا ملكين من الملائكة حتى يهبطا7 إلى الأرض فننظر كيف يعملان قالوا ربنا: هاروت وماروت فأهبطا إلى الأرض ومثلت لهما الزهرة8 امرأة من أحسن البشر.
__________
1 طمست الياء والراء في الأصل وفي المسند بكر، خطأ وفي ابن كثير: بكير دون أبي خطأ ويحيى هذا كوفي الأصل سكن بغداد أخرج له الستة متفق على توثيقه مات سنة "208 أو 209" "التهذيب" "11/ 190".
2 في "التقريب" "ص217" "2049": "زهير بن محمد التميمي، أبو المنذر الخراساني، سكن الشام ثم الحجاز، رواية أهل الشام عنه غير مستقيمة فضعف بسببها، قال البخاري عن أحمد: كأن زهيرًا الذي يروي عنه الشاميون آخر. وقال أبو حاتم. حدث بالشام من حفظه فكثر غلطه مات سنة "162" أخرج له الستة.
3 في "التقريب" "ص550" "6954": جبر وهو خطأ.
وفي "التهذيب" "10/ 339": هو "الأنصاري المدني في الحذاء ... ذكره ابن حبان في الثقات وقال ابن يونس: أقام بمصر. قلت: بقية كلام ابن حبان: كان يخطئ ويخالف وقال ابن القطان: لا يعرف حاله" وفي التقريب: "مستور من السادسة" أخرج له داود وابن ماجه، وقوله: "مستور" سبقه به ابن كثير في "التفسير" "1/ 138" كما سيأتي.
4 هو أشهر من أن يعرف به أخرج له الستة مات سنة "117" قال البخاري وغيره: أصح الأسانيد: مالك عن نافع عن ابن عمر. انظر "طبقات علماء الحديث" لابن عبد الهادي "1/ 174" "90".
5 انظر ترجمته في "تهذيب الكمال" "15/ 332".
6 في "المسند" "زيادة: أي رب.
7 في "المسند" يهبط بهما.
8 قال الخفاجي في "نسيم الرياض" "4/ 232": "والزهرة بضم الزاي وفتح الهاء، وتسكينها لحن ولا مانع منه تخفيفًا".(1/318)
فجاءاها1 فسألاها نفسها فقالت: لا والله حتى تكلما بهذه الكلمة من الشرك2، فقالا: لا والله لا نشرك شيئا3 أبدا، فذهبت عنهما ثم رجعت بصبي تحمله فسألاها نفسها فقالت: لا والله حتى تقتلا هذا الصبي. فقالا: لا والله لا نقتله أبدا، فذهبت ثم رجعت بقدح خمر تحمله4، فسألاها نفسها فقالت: لا والله حتى تشربا هذا الخمر، فشربا فسكرا فوقعا عليها، وقتلا الصبي فلما5 أفاقا قالت المرأة: والله ما تركتما شيئا مما أبيتماه علي إلا قد فعلتماه حين سكرتما، فخُيرا عند ذلك بين عذاب الدنيا والآخرة فاختارا عذاب الدنيا6.
__________
1 في "المسند": فجاءتهما.
2 فيه: الإشراك.
3 لم ترد في "المسند".
4 لم ترد في في "المسند".
5 في "المسند": لما.
6 وقد روى هذا الحديث الإمام الطبري "2/ 433" "1688" والخطيب البغدادي في "تاريخ بغداد" في ترجمة سنيد "8/ 42-43" والإمام ابن الجوزي في كتابه "الموضوعات" كتاب المبتدأ، باب ذكر المسوخ، "1/ 186-187" من طريق سنيد بن داود قال: حدثنا الفرج بن فضالة عن معاوية بن صالح عن نافع قال: "سافرت مع ابن عمر" وذكر القصة ثم قال: "هذا حديث لا يصح، والفرج بن فضالة قد ضعفه يحيى. وقال ابن حبان: يقلب الأسانيد، ويلزق المتون الواهية بالأسانيد الصحيحة، لا يحل الاحتجاج به، وأما سنيد فقد ضعفه أبو داود، وقال النسائي: ليس بثقة".
قلت: واللفظ الذي ساقة ابن حجر من طريق زهير بن محمد، ومن هذا الطريق أيضًا ساقه في كتابه "القول المسدد في الذب عن مسند الإمام أحمد" "ص47-48" ثم قال: "قلت: وبين سياق معاوية ابن صالح وزهير تفاوت وقد أخرجه من طريق زهير بن محمد أيضًا أبو حاتم ابن حبان في صحيحه وله طرق كثيرة جمعتها في جزء مفرد، يكاد الواقف عليه أن يقطع بوقوع هذه القصة لكثرة الطرق الواردة فيها، وقوة مخارج أكثرها والله أعلم". قلت: انظر عن الفرج بن فضالة "التاريخ الكبير" للبخاري "4/ 1/ 134" و"الجرح والتعديل" "23/ 85" و"التهذيب" "8/ 260".(1/319)
قال شيخنا الحافظ أبو الحسن1 في "زوائد المسند":
"رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح غير موسى بن جبير وهو ثقة"2.
قلت: السند على شرط الحسن3 وقد أخرجه ابن حبان في "صحيحه" كعادته في تصحيح مثله فأخرجه في النوع الرابع من القسم الثالث عن الحسن بن سفيان عن أبي بكر بن أبي شيبة عن يحيى بن أبي بكير ورجاله رجال الصحيح إلا موسى بن جبير فإنه مدني نزل مصر وروى عنه جماعة ولم أر فيه تجريحا ولا تعديلا4 إلا ذكر ابن حبان5 له في "الثقات"6 وإخراج حديثه في "صحيحه"7.
__________
1 هو الإمام الهيثمي: علي بن أبي بكر ولد سنة "735" وتوفي سنة "807هـ" ترجمه الحافظ في "أنباء الغمر" "5/ 256-260" والسخاوي في "الضوء اللامع" "5/ 200" والسيوطي في "طبقات الحفاظ" "ص541".
قال الحافظ: "خرج زوائد الكتب الستة: مسند أحمد والبزار وأبي يعلي ومعاجم الطبراني الثلاثة مفردات ثم جمعها في كتاب واحد محذوف الأسانيد. قرأت عليه ... نحو الربع من زوائد مسند أحمد.. وكان يودني كثيرًا ويشهد لي بالتقدم في الفن جزاه الله عني خيرًا" وأفادني الأستاذ صبحي السامرائي أن شابًّا هنديًّا اسمه سيف الرحمن حقق زوائد المسند لنيل شهادة الدكتوراه في السعودية.
2 والقول بنصه في "مجمع الزوائد" له "6/ 314". وقد حكم الشيخان شعيب وعبد القادر الأرنئوط في تعليقهما على "زاد المسير" "1/ 125" بأنه حديث ضعيف جدًّا.
3 وضع في الأصل على كل من قوله شرط والحسن رمز الصحة.
4 وسبق أنه نقل عن ابن القطان قوله فيه: لا يعرف حاله.
5 هو الإمام العلامة الحافظ المجود شيخ خراسان أبو حاتم محمد بن حبان التميمي الدارمي البستي ولد سنة بضع وسبعين ومائتين وتوفي سنة "354" انظر ترجمته في "السير" للذهبي "16/ 92-104".
6 "7/ 451" وفيه: "يخطئ ويخالف".
7 قلت: قال البزار: "رواه بعضهم عن نافع، عن ابن عمر موقوفًا، وإنما أتى رفع هذا عندي من زهير؛ لأنه لم يكن بالحافظ".
وقال البيهقي: "رواه موسى بن عقبة عن نافع، عن ابن عمر، عن كعب، قال: ذكرت الملائكة.(1/320)
وقال ابن حبان بعد تخريجه1: "الزهرة هذه: امرأة كانت في ذلك الزمان، لا أنها الزهرة التي هي في السماء"2.
قلت: وهذا مما قاله من عنده3 وقد ورد الخبر بخلاف ما زعم وصرح فيه بأنها
__________
= أعمال بني آدم، فذكر بعض هذه القصة، وهذا أشبه".
وقد أورد ابن كثير الحديث المرفوع "1/ 138" ثم قال: "وهذا حديث غريب من هذا الوجه. ورجاله كلهم ثقات من رجال الصحيحين إلا موسى بن جبير. فهو مستور الحال، وقد تفرد به عن نافع ... وروي له متابع من وجه آخر عن نافع كما قال ابن مردويه" وبعد أن أورد رواية ابن مردويه ورواية ذكرها ابن جرير من تفسير سنيد قال: "وهذان أيضًا غريبان جدًّا، وأقرب ما يكون في هذا أنه من رواية عبد الله بن عمر عن كعب الأحبار لا عن النبي صلى الله عليه وسلم كما قال عبد الرزاق في تفسيره عن الثوري عن موسى بن عقبة عن سالم عن ابن عمر عن كعب الأحبار قال ... " رواه ابن جرير وابن أبي حاتم من طرق تلتقي في موسى ثم قال ابن كثير "فهذا أصح وأثبت إلى عبد الله بن عمر من الإسنادين المتقدمين، وسالم أثبت في أبيه من مولاه نافع، فدار الحديث ورجع إلى نقل كعب الأحبار عن كتب إسرائيل والله أعلم".
".
ومثل هذا في كتابه "البداية والنهاية" "1/ 48".
1 انظر "الإحسان" "14/ 96".
2 وتتمة الكلام فيه: التي هي من الخُنّس.
3 هذه عجلة من الحافظ فقد روى الطبري "2/ 431" "1687" عن الربيع بن أنس موقوفًا وابن أبي حاتم "ص305" "1012" والحاكم في "المستدرك"، كتاب التفسير سورة حم عسق "الشورى" "2/ 442-443" من طريقين يلتقيان في أبي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن قيس بن عباد عن ابن عباس، فذكرا حديث هاروت وماروت وفيه: "وفي ذلك الزمان امرأة حسناء في النساء كحسن الزهرة في سائر الكواكب، وأنهما أتيا عليها فخضعا لها القول ... " وليس فيه ذكر المسخ، وهذه العبارة من تفسير ابن أبي حاتم، أما الحاكم فقد اختصر الحديث من وسطه ثم قال: "هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه" ووافقه الذهبي وأشار إلى الحديث ابن كثير في "البداية والنهاية" "1/ 48" و"التفسير" "1/ 140" وقال: "فهذا أقرب ما روي في شأن الزهرة".
فهذا حجة لابن حبان في قوله، وإن كان في المسألة اختلاف كما هو معلوم، وحديث ابن أبي حاتم نقله المؤلف هنا وكأنه لم يتأمله والله تعالى أعلم.
ملاحظة: قال "محقق تفسير ابن أبي حاتم" الدكتور أحمد الزهراني عن هذا الحديث: "وقد استظهاره من مستدرك الحاكم فلم أستطع".
قلت: هو قريب منه في كتاب التفسير إلا أنه لم يورده في سورة البقرة كما رأيت.(1/321)
الزهرة الكوكب الذي هو الآن في السماء وأن تلك المرأة مسخت كوكبا فأخرج الطبري1 من طريق حماد بن زيد عن خالد الحذاء عن عمير بن سعيد قال: سمعت عليًّا رضي الله عنه يقول: "كانت الزهرة امرأة جميلة من أهل فارس، وأنها خاصمت إلى الملكين هاروت، وماروت، فراوداها عن نفسها، فأبت عليهما إلا أن يعلماها الكلام الذي إذا تكلم به يعرج به إلى السماء. فعلماها2، فعرجت إلى السماء فمسخت كوكبا" وهذا سند صحيح وحكمه أن يكون مرفوعا لأنه لا مجال للرأي فيه وما كان علي رضي الله عنه يأخذ عن أهل الكتاب.
وأخرجه عبد بن حميد بسند آخر صحيح إلى علي أتم منه قال: حدثنا يعلى بن عبيد ثنا إسماعيل بن أبي خالد عن عمير وأخرجه الحاكم3 من طريق إسماعيل بن أبي خالد به وقال: صحيح4 عن عمير بن سعيد قال: قال علي: أرأيتم هذه الزهرة تسميها العجم "أناهيد" وكانت امرأة وكان الملكان يهبطان أول النهار يحكمان بين الناس ويصعدان آخر النهار فأتتهما فأراداها على نفسها، كل واحد من غير علم صاحبه ثم اجتمعا فأرادها فقالت لهما: لا إلا أن تخبراني بم تهبطان إلى الأرض وبما تصعدان5. فقال أحدهما للآخر: علمها. فقال: كيف بنا لشدة عذاب الله؟ قال: إنا لنرجو سعة رحمة الله فعلماها، فتكلمت به فطارت إلى السماء، فمسخها الله
__________
1 "2/ 429" "1683" وقد نقله ابن كثير "1/ 139" عنه وقال: "هذا الإسناد رجاله ثقات وهو غريب جدًّا".
2 في الطبري زيادة: فتكلمت به.
3 في "المستدرك"، كتاب التفسير "2/ 265-266" وفي سياقه بعض الاختلاف.
4 ووافقه الذهبي "انظر "2/ 266".
5 على الفعل في الأصل رمز الصحة.(1/322)
فكانت كوكبا. وقال عبد الرزاق في "تفسيره"1 -وأخرجه عبد بن حميد عنه- قال أنا ابن التيمي هو معتمر بن سليمان عن أبيه عن أبي عثمان هو النهدي عن ابن عباس قال: إن المرأة التي فتن بها الملكان مسخت فهي هذه الكوكب الحمراء يعني الزهرة، وهذا سند صحيح أخرجه الحاكم من هذا الوجه2 وأخرجه الطبري3 من وجه آخر أتم منه وسيأتي ذكره في تفسير حم4.
وجاء عن ابن عمر5 مطولا أخرجه ابن أبي حاتم6 بسند صحيح عن مجاهد
__________
1 "ص10".
2 المذكور في "المستدرك" "2/ 266" من رواية يزيد بن هارون عن سليمان، ولفظه "كانت الزهرة امرأة في قومها يقال لها: بيدحه".
وقد وافق الذهبي الحاكم على تصحيحه.
3 "2/ 428" "1682".
4 يقصد سورة "الشورى" عند قوله تعالى: {تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَلا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم} الآية "5" ففي حديث ابن أبي حاتم والحاكم -المشار إليه في تعليق قريب- عن هاروت وماروت: "وكشف الغطاء فيما بينهما وبين أهل السماء، فنظرت الملائكة إلى ما وقعا فيه من الخطيئة فعجبوا كل العجب، وعرفوا أنه من كان في غيب فهو أقل خشية، فجعلوا بعد ذلك يستغفرون لمن في الأرض فنزل في ذلك: {وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ} الآية.
5 وضع الناسخ هنا إشارة لحق، ولكن ذهب الهامش في التصوير ولم يبق سوى رمز الصحة.
6 "1/ 1/ 306" "1014" قال: "حدثنا أبي ثنا عبد الله بن جعفر الرقي ثنا عبيد الله -يعني ابن عمر- عن زيد بن أبي أنيسة عن المنهال بن عمرو ويونس بن خباب عن مجاهد قال ... ".
ويونس بن خباب مختلف فيه بين موثق ومكذب ومال ابن حجر في التقريب "ص613" "7903" إلى أنه "صدوق يخطئ ورمي بالرفض" وقد روى له البخاري في "الأدب المفرد" والأربعة وانظر التفصيل في "التهذيب" "11/ 437".
لكن تابعه المنهال بن عمرو وقد مر في الآية "94" فقول المؤلف: "بسند صحيح" موضع نظر.
والخبر بنحوه في "تفسير الطبري" "2/ 434" "1689" من طريق آخر عن مجاهد موقوفًا عليه ابن كثير "1/ 139-140" عن ابن أبي حاتم وقال: "وهذا إسناد جيد إلى عبد الله بن عمر، وقد تقدم في رواية ابن كثير جرير من حديث معاوية بن صالح عن نافع عنه رفعه [2/ 433 "1688"] وهذا أثبت وأصح إسنادًا ثم هو -والله أعلم- من رواية ابن عمر عن كعب كما تقدم بيانه، من رواية سالم عن أبيه، وقوله: إن الزهرة نزلت في صورة امرأة حسناء وكذا في المروي عن على، فيه غرابة جدًّا".
ونقله في "الدر المنثور" "1/ 240-241".(1/323)
قال: كنت نازلا على عبد الله بن عمر في سفر فلما كان ذات ليلة قال لغلامه: انظر طلعت الحمراء؟ لا مرحبا بها ولا أهلا ولا حياها الله هي صاحبة الملكين، قالت الملائكة: رب كيف تدع عصاة بني آدم وهو يسفكون الدم الحرام، وينتهكون محارمك، ويفسدون في الأرض؟ فقال: إني قد ابتليتهم، فلعلي إن ابتليتكم بمثل الذي ابتليتهم به فعلتم كالذي يفعلون؟ قالوا: لا. قال: فاختاروا من خياركم اثنين، فاختاروا هاروت وماروت، فقال لهما: إني مهبطكما إلى الأرض، وأعهد إليكما: أن لا تشركا بي شيئًا، ولا تزنيا، ولا تخونا فأهبطا إلى الأرض وألقى عليهما الشبق، وأهبطت لهما الزهرة في أحسن صورة امرأة فتعرضت لهما، فأراداها عن نفسها، فقالت: إني على دين لا يصلح لأحد أن يأتيني إلا إن1 كان على مثله. فقالا وما ذلك2؟ قالت: المجوسية. قالا: الشرك هذا لا نقربه فسكتت3 عنهما ما شاء الله، ثم تعرضت لهما فأراداها عن نفسها فقالت: ما شئتما غير أن لي زوجا وأنا أكره أن يطلع على هذا مني فأفتضح، فإن أقررتما بديني، وشرطتما لي أن تصعداني4 إلى السماء فعلت، فأقراها5 وأتياها6، ثم صعدا بها7، فلما انتهيا بها8 اختطفت
__________
1 في "تفسير ابن أبي حاتم". "مَنْ" بدل "إن".
2 فيه: وما دينك ولعله أولى.
3 فيه: فمكثت.
4 فيه: تصعدا بي.
5 فيه: اقرأ لها.
6 فيه: فيما يريان.
7 فيه: إلى السماء.
8 فيه: إلى السماء.(1/324)
منهما وقطعت أجنحتهما، فوقعا1 يبكيان، وفي الأرض نبي يدعو بين الجمعتين، فإذا كان يوم الجمعة أجيب، فقالا: لو أتينا فلانا فسألناه أن يطلب لنا التوبة، فأتياه، فقال: رحمكما الله كيف يطلب أهل الأرض لأهل السماء؟ فقالا: إنا قد ابتلينا. قال: ائتياني يوم الجمعة. فأتياه2 فقال: ما أجبت فيكما بشيء، ائتياني في الجمعة الثانية، فأتياه، فقال: اختاروا قد خيرتما، إن أحببتما معاقبة الدنيا وأنتما في الآخرة على حكم الله، وإن أحببتما عذاب الآخرة3، فقال أحدهما: الدنيا لم يمض منها إلا قليل4، وقال الآخر: ويحك إني قد أطعتك في الأمر5 فأطعني الآن، إن عذابًا يفنى ليس كعذاب يبقى، فقال6 أما تخشى أن يعذبنا في الآخرة7؟ فقال: لا إني لأرجو إنْ علم الله إنا قد اخترنا عذاب الدنيا مخافة عذاب الآخرة أن لا يجمعهما علينا، فاختاروا عذاب الدنيا فجعلا في بكرات من حديد في قليب مملوءة من نار عاليها وسافلها8.
وهذه متابعة قوية لرواية موسى بن جبير عن نافع لكنها موقوفة على ابن عمر
__________
1 فيه: خائفين نادمين.
2 فيه: فأتيناه وهو خطأ.
3 كذا جاء التخيير هنا، وفي المصدر المنقول منه: "إن أحببتما معاقبة [كذا وهو تحريف والصواب: معافاة كما في ابن كثير] الدنيا، وعذاب الآخرة، وإن أحببتما فعذاب الدنيا، وأنتما يوم القيامة على حكم الله".
ولعل ما هنا من تصرف الحافظ وفيه نظر طويل.
4 عليه في الأصل رمز الصحة.
5 في ابن أبي حاتم: الأول.
6 سقطت هذه الكلمة من "تفسير ابن أبي حاتم"، فارتبك السياق وسكت المحقق.
7 العبارة في ابن أبي حاتم وابن كثير: إننا يوم القيامة على حكم الله فأخاف أن يعذبنا.
8 النص في المصدرين السابقين: عاليهما سافلهما.(1/325)
لم يضفها إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
وجاءت من وجه آخر عن ابن عمر عن كعب الأحبار موقوفة عليه أخرج ابن أبي حاتم1 أيضا وعبد بن حميد من طريق الثوري عن موسى بن عقبة عن سالم أن ابن عمر عن كعب2 قال: ذكرت الملائكة أعمال بني آدم وما يأتون من الذنوب فقيل لهم اختاروا منكم اثنين فاختاروا هاروت وماروت فقال لهما: اهبطا إلى الأرض وإني أرسل إلى بني آدم رسلا وليس بيني وبينكما رسولا لا تشركا بي شيئا ولا تزنيا ولا تشربا الخمر. قال كعب. فما أمسيا من يومهما الذي أهبطا فيه حتى استحلا3 جميع ما حرم عليهما.
قلت: وسند الثوري أقوى من سند زهير، إلا أن رواية كعب مختصرة جدًّا، فيحتمل أن يكون ابن عمر استظهر برواية كعب لكونها توافق ما حمله ابن عمر4 عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد حكى المنذري5 عن بعض العلماء أنه رجح الرواية الموقوفة على كعب على الرواية المرفوعة6 والذي أقول: لو لم يرد في ذلك غير هاتين الروايتين لسلمت أن
__________
1 "1/ 1/ 306" "1013" والطبري "2/ 429" "1684".
2 أي: الأخبار وقد صدرت عنه عام "1411-1991" دراسة يجدر الاطلاع عليها تحت عنوان: "في العبور الحضاري للمكتبة العربية الإسلامية: الكتاب الثاني: كعب الأحبار" للدكتور محمد علي أبو حمدة.
3 هذا ما رجحته ويمكن أن تقرأ في الأصل: استعملا وهي في ابن أبي حاتم: استكملا.
4 كذا في الأصل، ولا حاجة لتكرار الاسم! وكان يمكن أن يقول: "توافق ما حمله هو".
5 هو الإمام العلامة الحافظ المحقق شيخ الإسلام زكي الدين أبو محمد عبد العظيم بن عبيد القوي ولد سنة "581" وتوفي سنة "656" انظر ترجمته في "السير" للذهبي "23/ 319-324".
6 انظر "الترغيب والترهيب" كتاب الحدود، الترهيب من شرب الخمر "3/ 260".
ونصه: "وقد قيل: إن الصحيح وقفه على كعب والله أعلم".(1/326)
رواية سالم أولى من رواية نافع لكن جاء ذلك من عدة طرق عن ابن عمر ثم من عدة طرق عن الصحابة ومجوع ذلك يقضي بأن للقضية أصلا أصيلا والله أعلم1.
وقد جاء عن ابن عباس موقوفا عليه بسند حسن أخرجه ابن أبي حاتم2 من طريق الربيع بن أنس عن قيس بن عباد3 عن ابن عباس قال: لما وقع الناس بعد آدم فيما وقعوا فيه من المعاصي والكفر بالله، قالت الملائكة في السماء: يا رب هذا العالم
__________
= وقال الحافظ السخاوي في "المقاصد الحسنة" في حرف الهاء "ص455" عن المنذري.
وتبع البيهقي في ذلك فإنه قال في الرابع والأربعين من "الشعب" بعد أن أورده من طريق أبي حذيفة عن الثوري عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر عن كعب، باختصار:
"هذا هو الصحيح من قول كعب، وأورد حديث ابن عباس من جهة أبي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن قيس بن عباد عنه".
وفي الهامش تعليق مهم عن هذه القصة للشيخ عبد الله الغماري محقق الكتاب فانظره وفيه قال: أطنب السيوطي في "الحبائك" وفي "الدر المنثور" في ذكر طرقها حتى زاد عدة طرق على ما أورده الحافظ.
1 وقد قال في كتابه "القول المسدد" -وقد فرغ من تأليفه سنة 819- "ص48" كما مر آنفًا: "إن للحديث طرقًا كثير جمعتها في جزء مفرد يكاد الواقف عليه أن يقطع بوقوع هذه القصة لكثرة الطرق الواردة فيها. وقوة مخارج أكثرها".
وقد رد عليه الشيخ أحمد شاكر في تعليقه على "المسند" "6178" فقال: "أما هذا الذي جزم به الحافظ بصحة وقوع هذه القصة صحة قريبة من القطع لكثرة طرقها وقوة مخارج أكثرها. فلا، فإنها كلها طرق معلولة أو واهية، إلى مخالفتها الواضحة للعقل، لا من جهة عصمة الملائكة القطعية فقط، بل من ناحية أن الكواكب الذي نراه صغيرًا في عين الناظر قد يكون حجمه أضعاف حجم الكرة الأرضية بالآلاف المؤلفة من الأضعاف، فأنى يكون جسم المرأة الصغير إلى هذه الأجرام الفلكية الهائلة!! ". قلت: وقوله: "كلها طرق معلولة أو واهية" غير مسلم وقد مر الدليل.
2 "1/ 1/ 305" "1012" وفي بعض الألفاظ اختلاف.
3 كتب على "عباد" في الأصل: خفـ أي: يقرأ بالتخفيف وهو كذلك.
قال الدكتور أحمد الزهراني في "تفسير ابن أبي حاتم" "ص546": لم أقف له على ترجمة قلت: وهذا عجيب فهو من رجال الستة -دون الترمذي- انظر ترجمته في "التهذيب" "8/ 400".(1/327)
الذين إنما خلقتهم لعبادتك وطاعتك، قد وقعوا في الكفر، وقتل النفس، وأكل الحرام، والزنا، والسرقة، وغير ذلك -وجعلوا يدعون عليهم ولا يعذرونهم- فقيل لهم: إنهم في غيب، فلم يعذروهم فقيل لهم: اختاروا منكم ملكين من أفضلكم، آمرهما وأنهاهما، فاختاروا هاروت وماروت فأهبطا إلى الأرض، وجعل لهما شهوات بني آدم، وأمرهما الله أن يعبداه، ولا يشركا به شيئا، ونهاهما عن قتل النفس الحرام، وأكل المال الحرام، وعن الزنا والسرقة وشرب الخمر. فلبثا في الأرض زمانا يحكمان بين الناس بالحق -وذلك في زمان إدريس- وفي ذلك الزمان امرأة حسنها في النساء كحسن الزهرة في سائر الكواكب وإنهما أتيا عليها فخضعا لها في القول، وأراداها عن نفسها، فأبت إلا أن يكونا على أمرها وعلى دينها، فسألاها عن دينها، فأخرجت لهما صنما فقالت: هذا أعبده فقالا: لا حاجة لنا في عبادة هذا، فذهبا فغبرا1 ما شاء الله ثم أتيا عليها فراوداها عن نفسها ففعلت مثل ذلك، فذهبا ثم أتيا فأراداها على نفسها فلما رأت أنهما قد أبيا أن يعبدا الصنم قالت لهما: فاختارا إحدى الخلال الثلاث: إما أن تعبدا هذا الصنم، وإما أن تقتلا هذه النفس، وإما أن تشربا هذه الخمر، فقالا: كل هذا لا ينبغي، وأهون هذا شرب الخمر، فشربا الخمر فأخذت فيهما فوقعا المرأة، وخشيا أن يخبر الإنسان عنهما فقتلاه، فلما ذهب عنهم السكر، وعلما ما وقعا فيه من الخطيئة، أرادا إلى الصعود2 إلى السماء فلم يستطيعا، وحيل بينهما وبين ذلك، وكشف الغطاء فيما بينهما وبين أهل السماء، فنظرت الملائكة إلى ما وقعا فيه من الخطيئة، فعجبوا كل العجب، وعرفوا أن من كان في غيب فهو أقل خشية، فجعلوا بعد ذلك يستغفرون لمن في الأرض، فقيل لهما: اختارا عذاب الدنيا أو عذاب بالآخرة. فقالا: أما عذاب الدنيا فإنه يذهب وينقطع أما عذاب الآخرة فلا انقطاع له فاختارا عذاب الدنيا فجعلا
__________
1 في "القاموس" مادة غبر "ص575": "غير غبورًا: مكث، وذهب، ضد".
2 في ابن أبي حاتم: أن يصعدا.(1/328)
ببابل فهما يعذبان.
وأخرجه الطبري1 من وجه آخر عن ابن عباس وسنده صحيح إلى قتادة قال: حدثنا أبو سعيد2 العدوي في حنازة يونس أبي غلاب3 عن ابن عباس قال: إن الله أفرج السماء لملائكته ينظرون أعمال بني آدم، فذكر نحو القصة، وقال في روايته: أما أنكم لو كنتم مكانهم لعملتم مثل أعمالهم، قالوا: سبحانك ما ينبغي لنا! وقال فيها: فاهبطا إلى الأرض، وأحل لهما ما فيها4 ولم يذكر: وذلك في زمان إدريس، وقال فيها فما أشهرا5 حتى عرض لهما بامرأة6 قد قسم لها نصف الحسن يقال لها "بيذخت"7.
__________
1 "2/ 427" "1681".
2 كذا هنا "سعيد" ولم أجد أحدًا في الكني بهذا الاسم وفي الطبري: "شعبة" وقال الأستاذ أحمد شاكر في تعليقه "ص428": "أبو العدوي هذا الذي يروي عن ابن عباس: لم أعرف من هو؟ ولا وجدت له ذكرًا في شيء من المراجع، والراجع عندي أن اسمه محرف عن شيء لا أعرفه".
قلت: ولعل الصواب: أبو السوار العدوي فقد ذكر ضمن شيوخ قتادة في "التهذيب" "8/ 352".
وفي "الكنى منه "12/ 123": "أبو السوار العدوي البصري: قيل اسمه حسان بن حريث، وقيل: حريث بن حسان.. روى عن علي بن أبي طالب.. من ثقات الناس قلت: قال النسائي في الكنى: أبو السوار حسان بن حريث العدوي ثقة" وقد أخرج عنه الشيخان والنسائي.
3 في الأصل: علان وهو خطأ واسمه جبير.
4 ويونس بين جبير الباهلي أبو غلاب البصري ثقة أخرج له الستة قال البخاري: مات بعد التسعين انظر "التهذيب" "11/ 436".
4 في الطبري: ما فيها من شيء.
5 في الطبري: فما استمرا ولعله خطأ هنا.
6 في الطبري: امرأة.
7 في الأصل: سرحب هكذا بدون تنقيط، وكتب عليها "كذا" وأثبت ما في الطبري وقد جاءت الكلمة كذلك في أكثر من مصدر. وفي "النكت والعيون" "1/ 142": "فندرخت" والرازي "3/ 237" والقرطبي "2/ 36": بيدخت، و"البحر المحيط" "1/ 239": ميذخت، وفي "أحكام القرآن" لابن العربي "1/ 46": "وبالنبطية: بيرخت، وبالفارسية: أقاهيد"!! وفي "نسيم الرياض" للخفاجي "4/ 232": "ويقال لها بالفارسية أناهيد، وتخفف، ويقال: ناهيد".(1/329)
فلما رأياها كسرا بها1 وقال فيها ودخل عليهما سائل فقتلاه وزاد: فقالت الملائكة: سبحانك! أنت2 كنت أعلم، وقال فيها فأوحى الله إلى سليمان بن داود أن يخيرهم، وقال في آخرها: فكبلا من أكعبهما إلى أعناقهما بمثل أعناق النجب3، وجعلا ببابل.
وله طريق أخرى4 بسند جيد إلى يزيد الفارسي5 عن ابن عباس قال: إن أهل سماء الدنيا أشرفوا على أهل الأرض، فرأوهم، فذكر نحوه، وفيه اختاروا ثلاثة على أن يهبطوا إلى الأرض ويحكموا بينهم وجعلت فيهم شهوة الآدميين، فاستقال منهم واحد فأقيل، وأُهبط اثنان، فأتتهما امرأة يقال لها مناهيد6 فهوياها جميعا، فذكر القصة، وفي آخرها: وقالت لهما أخبراني بالكلمة التي إذا قلتماها طرتما، فأخبراها فطارت، فمسخت جمرة وهي هذه الزهرة. وأرسل إليهما سليمان بن داود فخيرهما وفي آخره "فهما مناطان بين السماء والأرض" أخرجه ابن أبي حاتم.
وجاء من وجه آخر مقتصرا على آخر القصة وسنده على شرط الصحيح إن
__________
1 كتب عليها في الأصل: "كذا" ورجعت إلى مادة "كسر" في القاموس فلم أجد ما يتصل بما نحن فيه، وفي الطبري: فلما أبصراهما أرادا بها زنا.
2 لم ترد في الطبري.
3 في الطبري: البخت.
4 أخرجها ابن أبي حاتم "1/ 1/ 308" "1015" ونقل عنه ابن كثير "1/ 140" والسيوطي في "الدر" "1/ 242" وفي بعض ألفاظه خلاف.
5 انظر ترجمته في "التهذيب" "11/ 374" ونقل فيه عن ابن أبي حاتم أنه قال فيه: لا بأس به.
وقال في "التقريب" "ص606": "مقبول" وسكت الذهبي في "الكاشف" "3/ 252".
6 في ابن كثير: مناهية وفي "الدر": أنا هيلة.(1/330)
كان التابعي حمله عن ابن عباس قال عبد الرزاق1 أنا معمر عن الزهري2 عن عبيد الله بن عبد الله3 "إن هاروت وماروت كانا ملكين، فأُهبطا ليحكما بين الناس. وذلك أن الملائكة سخروا4 من حكام5 بني آدم فتحاكمت6 إليهما امرأة فحافا7 لها، ثم ذهبا يصعدان، فحيل بينهما وبين ذلك فخيرا بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة فاختارا عذاب الدنيا"8.
تنبيه: طعن في هذه القصة من أصلها بعض أهل العلم ممن تقدم، وكثير
__________
1 في تفسيره" "ص10".
2 هو أشهر من أن يعرف به اختلف في سنة وفاته على أقوال منها "125" انظر "التهذيب" "9/ 445" وقد قرن معه في "تفسير عبد الرزاق" المخطوط: قتادة، وكذلك نقله الطبري "2/ 420" "1672".
3 روى الزهري عن أكثر من واحد بهذا الاسم، وقد رأيت الجوزي قال في تفسيره "الزاد "1/ 124" عن الملكين "اختلف العلماء: ماذا فعلا من المعصية على ثلاثة أقوال.. الثاني: أنهما جارا في الحكم، قال عبيد الله بن عتبة" أي الهذلي وعتبه جده، والرواية هنا عن جورهما فهو المقصود إذن وهو من رجال "التهذيب" أخرج عنه الستة. "التهذيب" "7/ 23": "وقد جاء في التفسير الطبري": عن "عبد الله" هكذا، مكبرًا غير منسوب، وفي "الدر المنثور" "1/ 243": "أخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر من طريق الزهري عن عبيد الله" وأورده "ابن كثير" "1/ 140" عن عبد الرزاق، وكذلك جاء الاسم مصغرًا منسوبًا وهو الصحيح.
4 في الأصل: نفروا وهو تحريف وفي عبد الرزاق والطبري والسيوطي: سخروا فأثبته.
5 في عبد الرزاق والطبري: أحكام وفي ابن كثير والسيوطي كما هنا.
6 في المصادر الثلاثة الطبري وابن كثير والسيوطي فحاكت.
7 في عبد الرزاق: فحابيا، وفي الطبري: فحافا -كما هنا- وفي "الدر": فخافا وهو تحريف والحيف: الجور والظلم انظر "القاموس" مادة حيف "ص1037".
8 تتمة النص في الطبري وابن كثير: "قال معمر: قال قتادة: فكانا يعلمان الناس السحر، فأخذ عليهما أن لا يعلما حتى يقولا: "إنما نحن فتنة فلا تكفر".(1/331)
من المتأخرين1، وليس العجب من المتكلم والفقيه إنما العجب ممن ينتسب إلى
__________
1 أول من أنكرها وقفت عليه.
1- بعض المتقدمين: نقل كلامه أبو الليث السمرقندي "ت375هـ" في "تفسيره" "1/ 437-438" ولم يذكر اسمه.
2- ثم ابن حزم "ت456" في "الفصل" "3/ 261 و4/ 32".
3- ابن عطية "ت541" في "المحرر" "1/ 420-421".
4- ابن العربي "ت543" في "أحكام القرآن".
5- عياض "ت544" في "الشفاء".
6- ابن الجوزي "ت597" في "زاد المسير" "1/ 124" وتجاهلها في "تذكرة الأريب في تفسير الغريب".
7- الرازي "ت606" في "تفسيره" "1/ 237-238".
8- القرطبي "ت671" في "تفسيره" "2/ 36".
9- البيضاوي "ت691" في "تفسيره" "1/ 79".
10- الخازن "ت741" في "تفسيره" "1/ 71".
11- أبو حيان "ت745" في "تفسيره" "1/ 329".
12- ابن كثير. "ت771" في "تفسيره" "1/ 141" وفي تاريخه "1/ 48".
وقد الحافظ هنا المذكورين برقم: "4، 8، 3، 2، 11، 5" وسترد أقوالهم، وزدت عليه ستة وممن أنكرها بعد عصر المؤلف.
- الآلوسي "ت1270" في "روح المعاني" "341-343".
- القاسمي "ت1332" في "محاسن التأويل" "1/ 211-213".
- سيد قطب. "ت1385" في "الظلال" "1/ 65" "الطبعة الأولى".
- أحمد شاكر "ت1958م" في "تعليقه على المسند" "6178".
- رشيد الخطيب "ت1979" في "تفسيره" "أولى ما قيل" "1/ 90".
- محمد عزة درزة "ت1404هـ" في "التفسير الحديث" "7/ 217".
- سعيد حوى "ت1409هـ" في "تفسيره الأساس" "1/ 248".
- حسنين محمد مخلوف "ت؟ " في "صفوة البيان" "ص26"
وأنكرها من الأحياء.
1- الشيخ محمد علي الصابوني في "تنوير الأذهان من تفسير روح البيان" "1/ 89".
2- الشيخ عبد الكريم المدرس في تفسيره "مواهب الرحمن" "1/ 231".
3- الشيخ شعيب الأرنئوط في تعليقه على الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان "14/ 65"
4- الدكتور عبد الرحيم الزقة في تعليقه على "تفسير السمرقندي" "1/ 473".
وقد تجاهلها تمامًا:
1- السيد رشيد رضا "ت1345" في "تفسير المنار".
2- الشيخ محمد علي الصابوني في "صفوة التفاسير".(1/332)
الحديث كيف يطلق على خبر ورد بهذه الأسانيد القوية مع كثرة طرقها أو تباين أسانيدها أنه باطل1 أو نحو ذلك من العبارة مع دعواهم تقوية أحاديث غريبة، أو واردة من أوجه لكنها واهية، واحتجاجهم بها والعمل بمقتضاها.
وقد لخص الثعلبي ثم ابن ظفر ثم القرطبي هذه القصة من بعض ما ذكرته ومن رواية الكلبي وغيره من المفسرين وذكروا في القصة زيادات2.
__________
1 وقد تبنى هذا الموقف من بعد الإمام السيوطي واستعمل عبارات الحافظ ابن حجر في "القول المسدد" نفسها، يقول الآلوسي في "روح المعاني" "1/ 341" بعد أن اعترض على القصة وأنكرها وذكر أقوال منكريها كالقاضي عياض وأبي حبان والرازي والشهاب العراقي.
واعترض الإمام السيوطي على من أنكر القصة، بأن الأمام أحمد وابن حبان والبيهقي وغيرهم رووها مرفوعة وموقوفة على علي وابن عباس وابن عمر وابن مسعود رضي الله عنهم، بأسانيد عديدة صحيحة يكاد الواقف عليها يقطع بصحتها لكثرتها وقوة مخرجيها، وذهب بعض المحققين أن ما روي حكاية لما قاله اليهود -وهو باطل في نفسه- وبطلانه في نفسه لا ينافي صحة الرواية، ولا يرد ما قاله الإمام السيوطي عليه، إنما يرد على المنكرين بالكلية.." قلت: لا يرد على هذا القول إشكال فقد يقال: كيف يحكيها الصحابة مسلمة إذا كان باطلة في نفسها ولا يروي عنهم معها دحضها وردها؟
ملاحظة: تبين لي أن نقل الآلوسي عن السيوطي قد أفاده من "نسيم الرياض" للخفاجي ولم يصرح، وقد أفاد الخفاجي من "مناهل الصفا في تخريج أحاديث الشفا" للسيوطي انظر: "4/ 231" وقال "ص232": "وقد جمع الجلال السيوطي طرق هذه الحديث في تأليف مستقل فبلغت نيفًا وعشرين طريقًا".
2 ذكر الحافظ ثماني زيادات ولم أجد منها في "تفسير القرطبي" غير الزيادة الخامسة وهي كما في "2/ 36": "فما مر بهما شهر حتى فتنا بامرأة اسمها ... " وهو كما ترى غير منسوب إلى كعب وقد نسب إلى كعب: "أنهما لم يستكملا يومهما حتى عملا بما حرم الله عليهما" وهذه الفقرة مرت في الأخبار الماضية فلا يصح عدها مزيدة.(1/333)
1- منها: إن الذين أنكروا أعمال بني آدم هم الثلاثة الذين اختاروهم.
2- ومنها عن عطاء: بلغني أن هاروت وماروت قالا: يا ربنا إنك لتعصى في الأرض فأهبطهما إلى الأرض.
3- ومنها: أن الثالث الذي استقال يسمى عزازيل، وأنه أقام أربعين سنة مطأطئًا رأسه استحياء من ربه، وأنه عندما ركبت فيه الشهوة أحس بالبلاء فلذلك استقال.
4- ومنها: لو كنتم مكانهم لعملتم شرًّا من أعمالهم.
5- ومنها قول كعب ما مر بهما شهر حتى فتنا بالمرأة.
6- ومنها: أن أحدهما قال للآخر: هل لك أن تقضي على زوجها؟ قال: أما تعلم ما عند الله من العقوبة؟ قال: بلى، ولكن أما تعلم ما عنده من الرحمة لمن تاب فسألاها نفسها فقالت: لا إلا أن تقتلاه فأفرغ لكما فقتلاه وسألاها نفسها فقالت: لا إلا أن تعبدا معي الصنم فتقاولا ثم صلبا1 فتقاولا2 كالأول.
7- ومنها: فجعل الملائكة يعذرون أهل الأرض.
8- ومنها: أنهما لما ندما انطلقا إلى إدريس وقيل إلى سليمان وقيل إلى بعض علماء العصر.
"الذين أنكروا قصة هاروت وماروت"3.
وأما من أنكرها فجماعة منهم القاضي أبو بكر بن العربي4 في "أحكام
__________
1 كأنه يقصد: صلبا في الامتناع.
2 كذا في الأصل ولعل الصواب: ثم تقاولا.
3 العنوان من إضافتي.
4 هو الإمام العلامة الحافظ محمد بن عبد الله ولد سنة "468" وتوفي في فاس سنة
"543" له مؤلفات من أشهرها: "عارضة الأحوذي في شرح جامع أبي عيسى الترمذي" و"أحكام القرآن" انظر "السير" للذهبي "20/ 197" الترجمة "128".(1/334)
القرآن" فقال:
1 وقد روى المفسرون عن نافع قال: قال لي ابن عمر2: أطلعت الحمراء؟ قلت: نعم -وذكر أنه لعنها- فقلت: سبحان الله نجم مسخر مطيع تلعنه! قال: ما قلت إلا ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن الملائكة عجبت3 من معاصي بني آدم في الأرض -فذكر القصة ولخص بعض ما ورد في ذلك- ثم قال: وإنما سقت هذا الخبر لأن العلماء رووه ودونوه، فخشينا أن يقع لمن يضل به، وتحقيق القول فيه أنه4 لم يصح سنده، ولكنه جائز [كله] 5 في العقل لو صح النقل، ولا يمتنع أن تقع المعصية من الملك، ويوجد منهم خلاف ما كلفوه، وتخلق فيهم الشهوات فإنه لا ينكر ذلك إلا جاهل لا يدري الجائز من المستحيل أو من شم ورد الفلاسفة القائلين بأن الملك روحاني بسيط لا تركيب فيه وشهوة الطعام والشراب والجماع لا تكون إلا في مركب. وهذا تحكم لأنهم أخبروا عن كيفية لم يروها ولا نقلت إليهم ولا دل العقل6 عليها. وجواز تركيب البسيط إنما هو بطريق العادة7 وأما ما أخبر الله به عنهم أنهم
__________
1 "1/ 45-47" من طبعة محمد عبد القادر عطا و"1/ 29-30" من طبعة علي محمد البجاوي وقد نقل بالمعنى.
2 يقصد الحديث الذي رواه الإمام الطبري والخطيب وابن الجوزي عن سنيد وقد مر.
3 في المطبوع: عجت.
4 في الأصل: أن وهو خطأ.
5 من المطبوع.
6 في الأصل: عليه وهو خطأ.
7 اختصر ابن حجر بهذه العبارة قول العربي: "إنهم أحالوا على البسيط أن يتركب، وذلك عندنا جائز، بل يجوز عندنا بلا خلاف أن يأكل البسيط ويشرب ويطأ، ولا يوجد من المركب شيء من ذلك، وهذا الذي اطرد في البسيط من عدم الغذاء، وفي المركب من وجود الغذاء، عادة إلا أنه غاية القدرة، وقد مكنا القول في ذلك ومهدناه في الأصول ... ".(1/335)
{يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ} 1.
وأنهم {يَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُون} 2 فهو خبر صدق وحق لكنه إخبار عن حالهم3 إلى آخر كلامه4 فجوز وقوع ذلك، ودفع صحة النقل بوقوعه وهو محجوج بما قدمته.
وقد تلقاه عنه القرطبي المفسر فقال بعد أن أشار إلى القصة باختصار ما نصه5: "وهذا كله ضعيف وبعيد على ابن عمر" وممن أنكر صحة ذلك أبو محمد ابن عطية في "تفسيره"6 فقال "روي عن علي وابن مسعود وابن عباس وابن عمر وكعب الأحبار والسدي والكلبي ما معناه" فذكر القصة ملخصة ثم قال: "وهذا كله ضعيف وبعيد عن ابن عمر وغيره، لا يصح منه شيء فإنه قول تدفعه الأصول في المنقول7، وأما العقل فلا ينكر ذلك إذ في قدرة الله تعالى كل موهوم، لكن وقوع هذا
__________
1 الأنبياء: الآية "20".
2 سورة التحريم الآية "6" ونصها: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} .
3 وتتمة النص "1/ 47": "وهي ما يجوز أن تتغير فيكون الخبر عنها بذلك أيضًا، وكل صدق لا خلاف فيه".
4 وقد ختم كلامه بقوله: "وقد قال علماؤنا: إنه خبر عام يجوز أن يدخله التخصيص، وهذا صحيح أيضا. وفي هذا من العبرة الخشية من سوء العاقبة والخاتمة، وعدم الثقة بظاهر الحالة، والخوف من مكر الله تعالى، فهذا بلعام في الآدميين، كهاروت وماورت في الملائكة المقربين، فأنزلوا كل فن في مرتبة وتحققوا مقداره في درجته حسبما رويناه، ولا تذهلوا عن بعضه فتجلهوا جميعه".
5 حصل هنا أوهام من الناسخ، فإن هذه القول بهذا النص لابن عطية في "المحرر الوجيز" "420/ 1" وليس للقرطبي، وتتمة القول فيه: "ورُوي أن الزهرة نزلت إليهما في صورة امرأة من فارس، فجرى لهما ذكر ... وهذا القصص يزيد في بعض الروايات وينقص في بعض، ولا يقطع منه بشيء فلذلك اختصرته".
6 هذا القول والذي بعده للقرطبي في تفسيره "الجامع" "2/ 36"، وليس لابن عطية ولا أدري كيف حصل هذا اللبس.
7 في القرطبي: في الملائكة.(1/336)
الجائز لا يدرك إلا بالسمع ولم يصح" انتهى1.
ومنهم أبو محمد بن حزم2 فقال في كتاب "الملل والنحل"3 بعد أن قرر عصمة الأنبياء واستدل بالآيات الواردة في ذلك وأطنب في التمسك بظاهرها وعمومها ثم ختم بأن قال4: "وهذا يبطل ظن من قال إن هاروت وماروت كانا ملكين فعصيا بالزنا وشرب الخمر وقتل النفس" ثم أخذ يتأول القصة التي في الآية قال5 "ولم يقل الله إنهما كفرا ولا عصيا، وإنما جاء ذلك في خرافة موضوعة لا تصح من طريق الإسناد أصلا ولا هي مع ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل هي موقوفة على من دونه، فسقط التعلق بها" إلى أن قال6: "نسبوا إلى الله ما لم يأت به أثر يشتغل به، وإنما هو كذب مفترى، أن الله أنزل إلى الأرض ملكين وهما هاروت وماروت وأنهما عصيا بشرب الخمر والحكم بالباطل وقتل النفس المحرمة والزنا وتعليم الزانية اسم الله الأعظم فطارت به إلى السماء فمسخت كوكبا وهي الزهرة وأنهما عذبا في غار ببابل" قال: "وأعلى7 ما في هذا الباب خبر رويناه من طريق عمير بن سعيد8 وهو
__________
1 باختصار.
2 هو كما وصفه الذهبي: الإمام الأوحد البحر ذو الفنون والمعارف أبو محمد علي بن أحمد الأندلسي صاحب التصانيف ولد بقرطبة في سنة "384" وتوفي في "456" انظر "السير" "18/ 184-212".
3 اسمه العلمي: "الفصل في الملل والأهواء والنحل".
4 "3/ 261" تحت عنوان: "الكلام في تعبد الملائكة وتعبد الحور العين والخلق المستأنف، وهل يعصي ملك أم لا؟ ".
5 "3/ 262-263" وقد تصرف الحافظ في النقل واختصر -على عادته.
6 بعد صفحات كثيرة في "4/ 32".
7 في الفصل: "وحجتهم على ما في ... ".
8 عن علي بن أبي طالب وقد سبق نصه وتخريجه.(1/337)
مجهول، يقال له مرة النخعي، ومرة الحنفي، ما نعلم له رواية إلا هذه الكذبة، وليست مرفوعة، بل وقفها على علي وكذبة أخرى في أن حد الخمر لم يسنه النبي صلى الله عليه وسلم" انتهى.
وكلامه في هذا الفصل ينبئ عن قصوره في النقل فإن عمير بن سعيد وثقه يحيى بن معين1 ومحمد بن سعد2 وحديثه فيما يتعلق بحد الخمر أخرجه البخاري في "صحيحه"3 ولا نعرف أحدا قدح في سنده قبله ولا جرح عمير بن سعيد ولا قال إنه مجهول4.
__________
1 لم أجد هذا في "معرفة الرجال" عن يحيى بن معين، رواية أحمد بن محمد بن القاسم بن محرز ولا في سؤالات ابن الجنيد وهما مطبوعان ولا في "جمع وترتيب السؤالات عن يحيى بن معين" للشيخ صبحي السامرائي -وهو مخطوط- وقد جمع فيه سؤالات الدقاق والدرامي والدوري وابن محرز وابن الجنيد. وقد نقل توثيقه المزي في "تهذيب الكمال عن إسحاق بن منصور انظر "التهذيب" للحافظ "8/ 146"، والذهبي في "الكاشف" "2/ 303".
2 في كتابه "الطبقات الكبرى" في طبقات الكوفيين، من الطبقة التي روت عن علي بن أبي طالب وابن مسعود "6/ 170" وقال: "كان ثقة وله أحاديث" وكان ذكره في "5/ 556" في ترجمة محمد بن جابر أيضًا وزاد الحافظ قوله هذا في زيادته على المزي انظر "التهذيب".
ومحمد بن سعد هو الحافظ العلامة الحجة أبو عبد الله البغدادي كاتب الواقدي ولد بعد الستين ومائة وتوفي ببغداد سنة "230" انظر ترجمته في "السير" للذهبي "10/ 664-666".
3 في كتاب "الحدود"، باب الضرب بالجريد والنعال "6778" من طريق سفيان: حدثنا أبو حصين سمعت عمير بن سعيد النخعي قال: سمعت علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: ما كنت لأقيم حدًّا على أحد فيموت فأجد في نفسي، إلا صاحب الخمر فإنه ولو مات وديته، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يسنه. "الفتح" "12/ 66".
4 وقال الحافظ أيضًا في ترجمته في "التهذيب" "8/ 146-147": "وأفرط أبو محمد بن حزم في الكلام على الملائكة من كتاب "الملل والنحل" فقال: إنه مجهول، وإنه روى حديثين عن علي ما نعلم له غيرهما، أحدهما في ذكر شارب الخمر -يعني الذي أخرجه- والآخر في قصة هاروت وماروت. وقال: وكلاهما كذب كذا قال، ولقد استعظمت هذا القول، ولولا شرطي في كتابي هذا ما عرجت عليه، فإنه من أشنع ما وقع لابن حزم سامحه الله، وقد وقفنا له عن علي على حديث آخر أنه كبر على يزيد بن المكفف، أربعًا، وله روايات عن غير علي، فما أدري هذا الجزم من ابن حزم".
وقد أورد الأستاذ عبد الفتاح أبو غدة في تعليقاته الحافلة على كتاب "الرفع والتكميل في الجرح والتعديل" للكنوي "ص292-305" أسماء "25" عالمًا جهلهم ابن حزم معرفون ثم قال: "هذه أسماء =(1/338)
وقد قال شعبة عن الحكم1 قال: عمير بن سعيد وحسبك به2 وذكر البخاري في "تاريخه"3 أنه كان بالكوفة لما كان المغيرة بن شعبة أميرها في زمن عمر رضي الله عنه4.
وأما قوله: إنه ليس له إلا هذان الأثران5 فحصر مردود لأن له رواية عن أبي موسى وعبد الله بن مسعود وسعد بن أبي وقاص والحسن بن علي وغيرهم من الصحابة وعن علقمة ومسروق وغيرهما من التابعين وحدث عنه خلق من التابعين6.
__________
= جملة ممن جهلهم ابن حزم -والتتبع ينفي الحصر- وقفت عليها عرضًا أثناء مراجعاتي، فأوردتها هنا تبصرة وذكرى، وحبذا لو تتبع فاضل ناقد، فجمع أسماء الذين جهلهم ابن حزم وهم معرفون، ولعلهم يبلغون جزءًا لطيفًا ويكون مفيدًا للمشتغلين بالسنة".
ثم صدر بعد هذا الكلام كتاب بعنوان أسماء" الرواة الذين تكلم فيهم ابن حزم جرحًا وتعديلًا مقارنة مع أقوال أئمة الجرح والتعديل" لعمر بن محمود أبو عمر وحسن محمود أبو هنية، وفيه المجلهون، وغيرهم وذكرا عمير بن سعيد "ص200".
1 يعني الحكم بن عتيبة.
2 كلامه في "التهذيب" "8/ 146".
3 انظر "التاريخ الكبير" "6/ 532".
4 ونص البخاري: "عن ابن عيينة قال: قص علينا مطرف فقال: أخبرني عمير بن سعيد قال: ألا أخبرك بكل أمير كان علينا حتى مات معاوية؟
كان أول من أتانا سعد رضي الله عنه فاستعمله، ثم أتانا بعده عمار رضي الله عنه ثم أتانا بعده المغيرة رضي الله عنه فقتل عمر رضي الله عنه وهو علينا ثم أتانا بعده سعد رضي الله عنه، استعمله عثمان رضي الله عنه ثم أتانا بعد الوليد بن عقبة، فشكي، فعزله.." إلى أن قال: "ثم أتانا بعد النعمان بن بشير رضي الله عنهما فمات معاوية وهو علينا".
وقد استشهد عمر سنة "23" كما في "تاريخ الخلفاء" "ص108" ومات عمير فيها قال: ابن سعد "6/ 170" سنة "115" وعلى فهو من المعمرين، ولهذا قال ابن حجر عنه في "الفتح" "12/ 67": "تابعي كبير ثقة" وانظر "12/ 68".
5 في الأصل: هذين الأثرين وهو خطأ.
6 أفاد الحافظ هذا المزي انظر "التهذيب" "8/ 146" وقد أخرج عنه الشيخان وأبو داود والنسائي في "مسند علي" وابن ماجه.(1/339)
فسقط كلامه1. وقد تلقاه منه بالقبول شيخ من شيوخنا أثير الدين أبو حيان2 وسأذكر كلامه بعد.
وممن صرح بنفي ورود حديث مرفوع في هذه القصة القاضي عياض في "الشفاء" فقال: ما نصه بعد أن حكى الخلاف في عصمة الأنبياء هل هي عامة في الجميع أو في المرسلين فقط وفيمن عداهم خلاف قال3: "فما احتج به من [لم] يوجب4 عصمة جميعهم: قصة هاروت وماروت وما ذكر فيها أهل الأخبار ونقلة التفسير5 وما يروى عن علي وابن عباس في خبرهما وابتلائهما، فاعلم أن هذه الأخبار لم يرو منها شيء لا سقيم ولا صحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس هو شيئا يؤخذ بقياس، والذي منه في القرآن اختلف المفسرون في معناه، وقد أنكر ما قال بعضهم فيه كثير من السلف6، وهذه الأخبار من كذب7 اليهود وافترائهم" قلت: وهذا من غريب ما وقع لهذا الإمام المشتهر بالحديث8 المعدود في حفاظه9.
__________
1 وانظر عن عمير: "الجرح والتعديل" "6/ 376".
2 نص كلامه يشعر أنه تلقاه من ابن حزم وابن عطية، ولم يصرح باسم أحد منهما كما سيأتي.
3 انظر "الشفا" بشرح علي القاري "2/ 318-321" وبشرح الخفاجي "نسيم الرياض" "230/ 4" وما بين المعقوفين استدراك مهم منه.
4 في "الشفا": يثبت.
5 في "الشفا": المفسرين.
6 ليته ذكر لنا بعض هؤلاء.
7 في "الشفا" "ضمن النسيم" كتب.
8 قال ابن خلكان "ت681" في كتابه "وفيات الأعيان" في ترجمته "3/ 483" "511": "كان إمام وقته في الحديث وعلومه والنحو واللغة وكلام العرب وأنسابهم".
9 ترجمه الذهبي في "تذكرة الحافظ" "4/ 1304" "1083" و"السير" "20/ 212-218" وابن الهادي في "طبقات علماء الحديث" "4/ 78" "1061" ووصفاه بـ"الحافظ".(1/340)
المصنف في شرحه1 كيف يجزم بما نفاه من ورود خبر مرفوع في هذه القصة2 وكيف يجزم بأن الذي ورد من ذلك إنما هو من افتراء اليهود مع أن عليًّا وابن عباس وابن عمر وغيرهم ثبت عنهم الإنكار على من سأل اليهود عن شيء من الأمور3,
__________
1 قال ابن خلكان: صنف التصانيف المقيدة منها "الإكمال في شرح مسلم" كمل به "المعلم في شرح مسلم" للمازري "ت536" ومنها "مشارق الأنوار" وهو كتاب مفيد جدًّا في تفسير غريب الحديث المختص بالصحاح الثلاثة وهي: الموطأ والبخاري ومسلم، وشرح حديث أم زرع شرحا مستوفى وقد طبع الأخيران وانظر عن نسخ الأول وأصله المخطوطة: "تاريخ التراث العربي" لسزكين "1/ 264-265" في ضمن كلامه على "صحيح مسلم".
2 وكذلك رد على القاضي عياض الشهاب الخفاجي في "نسيم الرياض" "4/ 237"، ولولا خشية التطويل لنقلت كلامه، فعد إليه.
3 لم أقف على إنكار علي وابن عمر وإنكار ابن عباس فسأورده قريبًا.
ولعل هذه الإنكار مستند إلى حديث جابر "أن عمر أتى النبي صلى الله عليه وسلم بكتاب أصابه من بعض أهل الكتاب، فقرأه عليه فغضب وقال: "لقد جئتكم بها بيضاء نقية، لا تسألوهم عن شيء فيخبروكم بحق فتكذبوا به، أو بباطل فتصدقوا به، والذي نفسي بيده، لو أن موسى كان حيًّا ما وسعه إلا أن يتبعني" قال الحافظ في "الفتح" "13/ 334": "أخرجه أحمد وابن أبي شيبة والبزار. ورجاله موثقون، إلا أن في مجالد ضعفًا" ثم أورد في هذا المعنى أحاديث أخرى فانظرها وإنكار ابن عباس رواه عنه البخاري في صحيحه.
من رواية عبيد الله بن عتبة عنه في كتاب "الشهادات" باب لا يسأل أهل الشرك عن الشهادة وغيرها" "الفتح 5/ 291" وكتاب "الاعتصام بالكتاب والسنة" "باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء" "الفتح" "13/ 333" وكتاب "التوحيد باب قول الله تعالى: {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَث} "الفتح" "13/ 496" وفي هذا الموضع الأخير رواه عن عكرمة عنه أيضًا مختصرًا.
ونصه -كما في الموضع الأول: "يا معشر المسلمين، كيف تسألون أهل الكتاب، وكتابكم الذي أنزل على نبيه صلى الله عليه وسلم أحدث الأخبار بالله تقرءونه لم يُشب؟ وقد حدثكم الله أن أهل الكتاب بدلوا ما كتب الله وغيروا بأيديهم الكتاب فقالوا: {هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا} . [البقرة: 79] ، أفلا ينهاكم ما جاءكم من العلم عن مساءلتهم؟ ولا والله ما رأينا منهم رجلًا قط يسألكم عن الذي أنزل عليكم".
ملاحظة: في الأصل: بما جاءكم ولم تذكر الباء في الموضعين الآخرين فخذفتهما. ومما يذكر هنا أن =(1/341)
وكثرة الأخبار الواردة في هذه القصة.
وقال أبو حيان في تفسيره الكبير الذي سماه "البحر"1: "وقد ذكر المفسرون في قراءة من قرأ الملكين بفتح اللام قصصا تتضمن أن الملائكة تعجبت من بني آدم" فذكر قصة ملخصة إلى أن قال وكل هذا لا يصح منه شيء، والملائكة معصومون، لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ولا يصح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يلعن الزهرة ولا ابن عمر" انتهى.
وليعتبر الناظر في كلام هؤلاء والعجب ممن ينتمي منهم إلى الحديث ويدعي التقدم في معرفة المنقول ويسمى عند كثير من الناس بالحافظ كيف يقدم على هذا النفي ويجزم به مع وجوده في تصانيف من ذكرنا من الأئمة بالأسانيد القوية والطرق الكثيرة والله المستعان2.
__________
= الطبري في "1/ 341" روى من طريق الحسن بن الفرات عن أبيه، قال: "كتب ابن عباس إلى أبي الجلد يسأله عن الرعد، فقال: الريح".
ومن نفس الطريق "1/ 443": "كتب ابن عباس إلى أبي الجلد يسأله عن البرق، فقال: البرق ماء".
وأبو الجلد، كما في "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم "2/ 547" "2275": "جيلان بن فروة أبو الجلد الأسدي البصري صاحب كتب التوراة ونحوها" ثم نقل عن أحمد أنه ثقة.
وهذا الطريق المذكور هنا من ثلاثة طرق أوردها الطبري، وقد ذكر عنه الشيخ أحمد شاكر أن رجاله ثقات، ولكن رواية فرات عن ابن عباس منقطعة، إنما هو يروي عن التابعين.
وإذا ثبت هذا فيحمل نهيه على السؤال عن الأحكام دون غيرها، كما حمل قول النبي صلى الله عليه وسلم: "حدثوا عن نبي إسرائيل ولا حرج" على ما لم يعلم كذبه.
وانظر التفصيل في "الفتح" "6/ 498-499" كتاب "أحاديث الأنبياء" باب ما ذكر عن بني إسرائيل. و"الفتاوى" لابن تيمية "13/ 366-367".
1 "1/ 329".
2 وقد كان للحافظ مثل هذا الموقف في قصة الغرانيق فقد قال في "الفتح" في كتاب التفسير، سورة الحج، "8/ 439": ".. لكن كثرة الطرق تدل على أن القصة أصلا ... وقد تجرأ أبو بكر بن العربي كعادته =(1/342)
وأقول: في طرق هذه القصة القوي والضعيف ولا سبيل إلى رد الجميع فإنه ينادي على من أطلقه بقلة الاطلاع والإقدام على رد ما لا يعلمه، لكن الأولى أن ينظر إلى ما اختلفت فيه بالزيادة والنقص فيؤخذ بما اجتمعت عليه، ويُؤخذ من المختلف ما قوي، ويُطرح ما ضعف أو ما اضطرب فإن الاضطراب إذا بعد به الجمع بين المختلف ولم يترجح شيء منه التحق بالضعيف المردود1 والله المستعان,
38- قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا رَاعِنَا} [الآية: 104] .
[قال الواحدي] 2، قال ابن عباس في رواية عطاء: إن العرب كانوا يتكلمون3 بها، فلما سمعهم اليهود يقولونها للنبي صلى الله عليه وسلم أعجبهم ذلك. و4 كان راعنا في كلام اليهود للسب القبيح، فقالوا: إنا نسب محمدًا سرًّا فالآن أعلنوا بسب محمد؛ لأنه من كلامهم. فكانوا يأتون نبي الله صلى الله عليه وسلم فيقولون: يا محمد راعنا، ويضحكون، ففطن لها
__________
= فقال: ذكر الطبري في ذلك روايات كثيرة باطلة لا أصل لها، وهو إطلاق مردود عليه، وكذا قول عياض: هذا الحديث لم يخرجه أحد من أهل الصحة، ولا رواه ثقة بسند سليم متصل مع ضعف نقلته واضطراب رواياته وانقطاع إسناده وجميع ذلك لا يتمشى على القواعد، فإن الطرق إذا كثرت، وتباينت مخارجها دل ذلك على أن لها أصلا ... ".
- وكان له مثله أيضًا في شأن المعوذتين: قال في "8/ 743" في آخر كتاب التفسير: وأما قول النووي في "شرح المهذب": "أجمع المسلمون على أن المعوذتين والفاتحة من القرآن، وأن من حجد منهما شيئًا كفر، وما نقل عن ابن مسعود باطل ليس بصحيح" ففيه نظر، وقد سبقه لنحو ذلك أبو محمد بن حزم فقال في أوائل "المحلى": ما نقل عن ابن مسغود من إنكار قرآنية المعوذتين فهو كذب باطل، وكذا قال الفخر الرازي في أوائل "تفسيره": الأغلب على الظن أن هذا النقل عن ابن مسعود كذب باطل "والطعن في الروايات الصحيحة بغير مستند لا يقبل، بل الرواية صحيحة، والتأويل محتمل ... ".
1 انظر "علوم الحديث" لابن الصلاح "ص84" "النوع "19".
2 سقط هذه من الأصل انظر "الأسباب" "ص31".
3 في الأصل: يعلمون وهو تحريف.
4 سقطت الواو من الأصل.(1/343)
رجل من الأنصار وهو سعد بن عبادة1 -وكان عارفا بلغة اليهود- فقال: يا أعداء الله عليكم لعنة الله، والذي نفس محمد بيده لئن سمعتها من رجل منكم لأضربن عنقه. فقالوا: ألستم تقولونها له؟ فأنزل الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا} الآية انتهى ما نقله الواحدي، فأوهم بقوله: "في رواية عطاء" أن السند إلى عطاء بذلك قوي وليس كذلك، وإنما هذا السياق من تفسير عبد الغني بن سعيد الثقفي بإسناده الماضي في المقدمة2، والثابت عن عطاء ما أخرجه ابن أبي حاتم3 عن الأشج عن أبي معاوية عن عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء: {لا تَقُولُوا رَاعِنَا} قال: كانت لغة تقولها الأنصار فنهى الله عنها فقال: {لا تَقُولُوا رَاعِنَا} الآية.
وقال عبد الرزاق:4 أنا معمر عن قتادة5 والكلبي في هذه الآية قالا: كانوا يقولون راعنا سمعك! وكانت اليهود6 يأتون فيقولون مثل ذلك يستهزءون فنزلت7. وأخرجه عبد بن حميد من وجه آخر عن قتادة كانت اليهود تقول: راعنا استهزاء فكرهه الله للمؤمنين.
__________
1 ترجمته في "الإصابة" "2/ 30" "3173".
2 وفي "فتح الباري" "8/ 163": "وروي أبو نعيم في "الدلائل" بسند ضعيف جدًّا عن ابن عباس قال: راعنا. فذكر مثل ما تقدم لكن سمي الصحابي: سعد بن معاذ وحاء مثل هذا في "الدر" "1/ 252" من غير كلام على السند، لكن بين في "اللباب": "ص24" أنه من طريق السدي الصغير عن الكلبي عن أبي صالح".
3 "1/ 1/ 318" ومن قبله الطبري "2/ 462" "1734 و1735" من طريقين عن عبد الملك وقال محقق تفسير ابن أبي حاتم: "رجال إسناده ثقات وعبد الملك وهو ابن أبي سليمان العرزمي له أوهام، لكن تابعه عبد الرزاق عن عطاء، والأصل والتابع أخرجهما ابن جرير" قلت انظر عن التابع "2/ 461" "173".
4 تفسيره "ص11".
5 لم يذكر "قتادة" في النسخة الخطية.
6 في التفسير: قال: فكان اليهود.
7 أخرجه الطبري من طريقه "2/ 461" "1730" من غير ذكر "الثعلبي"!(1/344)
وأخرج ابن أبي حاتم1 من طريق أبي صخر حميد بن زياد2: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ولى3 ناداه من كانت له حاجة من الناس: أرعنا سمعك، فأعظم الله رسوله أن يقال له ذلك، ومن طريق عباد بن منصور4 عن الحسن: الراعن من القول: السخري منه، نهاهم الله أن يسخروا من قول نبيه وما يدعوهم إليه5 من الإسلام6
__________
1 "1/ 1/ 319" "1049" وعزاه السيوطي في "الدر" "1/ 253" إلى ابن المنذر أيضًا.
2 تابعي مختلف فيه انظر "الجرح والتعديل" "3/ 222" و"تهذيب الكمال" "7/ 366" و"الميزان" "1/ 612" و"الكاشف" "1/ 92" و"التهذيب" "3/ 41" و"التقريب" "ص181".
3 في ابن أبي حاتم: أدبر وهو أولى.
4 "1/ 1/ 318" "1048" وذكره ابن كثير "1/ 149" دون ذكر المصدر!
وعباد ضعيف مر في الآية "78".
5 سقطت هذه اللفظة من الأصل وأظنها استدركت في الهامش فثم ما يشير إلى ذلك وأسقطها التصوير، وهي في "تفسير ابن أبي حاتم".
6 قال الحافظ في "الفتح" "8/ 162":
"قوله "أي: البخاري": راعنا من الرعونة، إذا أرادوا أن يحمقوا إنسانًا قالوا راعنًا".
قلت: هذا على قراءة من نون، وهي قراءة الحسن البصري وأبي حيوة، ووجهه أنها صفة لمصدر محذوف، أي: لا تقولوا راعنا أي: قولًا ذا رعونة" ثم ذكر الحافظ حديث ابن أبي حاتم وفيه: نهاهم الله أن يسخروا من محمد".
ويحتمل أن يضمن القول التسمية أي: لا تسموا نبيكم راعنًا الراعن: الأحمق والأرعن مبالغة فيه.
وكان الطبري قد قال: "2/ 466":
"وقد حُكي عن الحسن البصري أنه كان يقرؤه: "لا تقولوا راعنًا" بالتنوين، بمعنى: لا تقولوا قولًا "راعنا" من "الرعونة" هي الحمق والجهل. وهذه قراءة لقراءة المسمين مخالفة، فغير جائز لأحد القراءة بها لشذوذها وخروجها من قراءة المتقدمين والمتأخرين، وخلافها ما جاءت به الحجة من المسلمين..".
وقد نسبت القراءة بها أيضا إلى مجاهد وابن أبي حاتم وابن محيصن انظر "معجم القراءات القرآنية" "1/ 97".(1/345)
قال ابن ظفر قرأ ابن مسعود راعونا وهي أشبه بلغتهم"1 ونسب ما ذكر قبل عن سعد بن عبادة لسعد بن معاذ2.
وكذا ذكره القرطبي3 ووافق مقاتل في "تفسيره" على أنه سعد بن عبادة5.
وذكر الثعلبي أن معنى راعنا بلغة اليهود أسمعنا لا سمعت.
وأخرج ابن أبي حاتم6 من طريق أسباط عن السدي أن رجلا من اليهود كان يدعى رفاعة بن زيد7 كان يأتي النبي صلى الله عليه وسلم فإذا لقيه فكلمه قال: أرعني سمعك ثم
__________
1 قال الطبري "2/ 467": "وقد ذكر أن قراءة ابن مسعود: 4 لا تقولوا: راعونًا" بمعنى حكاية أمر صالحة لجماعة بمراعاتهم. فإن كان ذلك من قراءته صحيحًا وجه أن يكون القوم كأنهم نهوا عن استعمال ذلك بينهم في خطاب بعضهم بعضًا، كان خطابهم للنبي صلى الله عليه وسلم أو لغيره، ولا نعلم ذلك صحيحًا من الوجه الذي تصح منه الأخبار".
وفي "الفتح" "8/ 162": "وفي قراءة أبي بن كعب: "لا تقولوا: راعونًا" وهي بلفظ الجمع، وكذا في مصحف ابن مسعود، وفيه أيضًا: "أرعونًا"".
ونسبت القراءة "راعونا" إلى الأعمش وزر بن حبيش، انظر "معجم القراءات القرآنية" "1/ 97".
2 ترجمته في "الإصابة" "2/ 37" "3204".
3 "2/ 40" وقد ذكره من غير سند!
4 "1/ 95".
5 النص على أنه ابن عبادة في "تفسير مقاتل" و"الثقفي"، وعلى أنه ابن معاذ من رواية الكلبي وثلاثتهم متهمون ولم يتطرق الحافظ في "الإصابة" إلى ذكر شيء من ذلك.
6 "1/ 1/ 320" "1056" ومثله بأوسع مما هنا في "تفسير الطبري" "2/ 462" "1738" وعزاه السيوطي "1/ 253" أيضًا إلى ابن المنذر ولم يذكر أبي حاتم، ونصه: "كان رجلان من اليهود، مالك بن الصيف ورفاعة بن زيد إذا لقيا النبي صلى الله عليه وسلم قالا له ... ".
7 رفاعة بن زيد بن التابوت من بني قينقاع ويتردد اسمه في مواضع من السيرة انظر "سيرة ابن هشام" "1/ 515، 527، 560، 568 و2/ 292" وفيه في الكلام على غزوة بني المصطلق: "فلما راح رسول الله صلى الله عليه وسلم هبت على الناس ريح شديدة آذتهم وتخوفوها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تخافوها: فإنما هبت لموت عظيم من عظماء الكفار". فلما قدموا المدينة وجدوا ابن زيد بن التابوت، أحد بني قينقاع، وكان عظيمًا من عظماء يهود وكهفًا للمنافقين، مات في ذلك اليوم".(1/346)
تقدم إلى المؤمنين فقال: لا تقولوا راعنا1.
39- قوله تعالى: {مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُم} الآية 105.
قال الواحدي2: كان المسلمون إذا قالوا لحلفائهم3: آمنوا بمحمد. قالوا: ما هذا الدين الذي تدعوننا بخير من الدين الذي نحن فيه، ولوددنا لو كان خيرا فأنزل الله هذه الآية تكذيبا لهم.
قلت: سبقه الثعلبي ولم ينسبه لقائل4. وعبر عنه ابن ظفر والجعبري بـ"قيل"5 ثم قال ابن ظفر: الخير هنا القرآن6 كان ينزل بما يقصم به الكفار من البشرى للمؤمنين والوعيد للكفار فيزداد المؤمنين به في جهادهم.
40- قوله تعالى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا 7 نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا} [الآية: 106] .
__________
1 وتتمة النص فيه: ثم أخبرهم {مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ} .
2 "ص31" وفي النقل تصرف.
3 في الواحدي: زيادة: من اليهود.
4 في الأصل: لمقاتل وهو تحريف، وهو يوافق ما في "تفسير مقاتل" "1/ 59".
5 وهذا القول لا ينسجم مع سياق الآيات أصلا.
6 أصل هذا في الطبري "2/ 470" وقال ابن الجوزي في "زاد المسير" "1/ 126": "أراد: النبوة والإسلام، وقال أبو سليمان الدمشقي: أراد الدمشقي: أراد بالخير: العلم والفقه والحكمة".
وكل ذلك متلازم متداخل.
7 هكذا في الاصل وهي قراءة ابن كثير وأبي عمرو، وقرأ الباقون: نُنسها انظر "السبعة" لابن مجاهد "ص168".(1/347)
قال الواحدي:1 قال المفسرون: إن المشركين قالوا: ألا ترون إلى محمد يأمر أصحابه بأمر ثم ينهاهم عنه ويأمرهم بخلافه ويقول2 اليوم قولا ثم يرجع عنه غدا؟ ما هذا القرآن إلا كلام محمد يقوله من تلقاء نفسه وهو كلام ينقض3 بعضه بعضا فأنزل الله تعالى: {وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَر} 4، وأنزل أيضا: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا} الآية.
قلت: وهذا أيضا تبع فيه الثعلبي فإنه أورده هكذا وتبعهما الزمخشري5 فلخصه، فذكر أنهم طعنوا في النسخ وكذلك القرطبي6 وزاد أنهم أنكروا شأن القبلة7 وغيره المنسوخ. ووجدت في المنقول عن السلف ما أخرجه عبد بن حميد
__________
1 "ص32".
2 في الأصل: فيقول وما في الواحدي أولى.
3 في الواحدي: يناقض.
4 سورة النحل الآية "101" وينبغي أن يلاحظ أن هذه السورة مكية متفق على مكيتها واختلف في مدينة آيات ليست هذه الآية منها على ما ذكره ابن الجوزي في "الزاد "4/ 425-426" في فاتحة تفسير السورة، وقال في تفسير هذه الآية "4/ 491": "سبب نزولها أن الله تعالى كان ينزل الآية، فيُعمل بها مدة، ثم ينسخها، فقال كفار قريش: والله ما محمد إلا يسخر من أصحابه، يأمرهم اليوم بأمر، ويأتيهم غدًا بما أهون عليهم منه، فنزلت هذه الآية، قاله أبو صالح عن ابن عباس".
5 انظر "الكشاف" "1/ 303".
والزمشخري هو العلامة أبو القاسم محمود بن عمر ولد سنة "467" وتوفي سنة "538" وفي ترجمة الذهبي له في "السير" "20/ 151-156":
"كبير المعتزلة، كانت رأسًا في البلاغة والعريبة والمعاني والبيان، وله نظم جيد.. وكان داعية إلى الاعتزال، الله يسامحه" وترجمه الشيخ عبد الفتاح أبو غدة في "العلماء والعزاب" "ص70-80" والأستاذ مصطفى الصاوي "منهج الزمخشري في تفسير القرآن وبيان إعجازه" ولمرتضى آية الله زاده الشيرازي "الزمخشري لغويًّا ومفسرًا" وهما مطبوعان فانظرهما".
6 في "الجامع" "2/ 43".
7 للقبلة آيات ستأتي، والظاهر أن ما هنا شيء آخر.(1/348)
[عن قتادة] 1 قال: كانت الآية تنسخ الآية، وكان نبي الله صلى الله عليه وسلم يقرأ الآية من السورة ثم ترفع فينسيها الله تعالى نبيه، فقال الله تعالى يقص على نبيه {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا} الآية2.
قلت: وقد أورد الثعلبي في آخر كلامه هنا حديثا يستأنس به في سبب النزول وهو ما أخرجه أبو عبيد3 من طريق الليث عن عقيل ويونس عن ابن شهاب قال: أخبرنا أبو أمامة4 بن سهل بن حنيف في مجلس سعيد بن المسيب أن رجلا كانت معه سورة فقام يقرؤها من الليل فلم يقدر عليها، وقام آخر يقرؤها فلم يقدر عليها، فأصبحوا فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقال بعضهم: قمت البارحة -فذكر حاله- فقال الآخر: ما جئت إلا لذلك، فقال آخر: وأنا يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنها نسخت البارحة" 5.
__________
1 هذه زيادة لا بد منها ليستقيم الكلام وليرتبط بما سيأتي.
2 وهذا الخبر أخرجه ابن جرير عن قتادة من طريق سعيد بن أبي عروبة "2/ 474" "1751" وعزاه السيوطي أيضًا إلى أبي داود في "الناسخ والمنسوخ" "انظر الدر" "1/ 255" وفيه تتمة:
"يقول: فيها تخفيف، فيها رخصة، فيها نهي".
3 هو الإمام الحافظ المجتهد ذو الفنون القاسم بن سلام ولد سنة "157" وتوفي سنة "224" بمكة انظر ترجمته في "السير" للذهبي "10/ 490-509" وقد رجعت إلى كتابه "فضائل القرآن" -مخطوط- وفيه "باب ذكر ما رفع من القرآن بعد نزوله ولم يثبت في المصاحف" فلم أجد هذا الحديث فلعله في كتابه "معاني القرآن" وهو الآن مفقود انظر مقدمة "كتاب السلاح" له بتحقيق الدكتور حاتم الضامن "ص9".
4 ذكره الحافظ في "الصحابة" في باب الكنى "4/ 9" "50" وقال في "التقريب" "ص104" "له رؤية ولم يسمع عن النبي صلى الله عليه وسلم" وأبوه صحابي بدري ترجمته في الإصابة "2/ 87" "3527".
5 إسناده صحيح، الليث هو ابن سعد وعقيل هو ابن خالد الأيلي ويونس هو ابن يزيد وابن شهاب هو الزهري وهو مرسل صحابي وقد عزاه السيوطي إلى أبي داود في "ناسخه" وابن المنذر وابن الأنباري في "المصاحف" وأبي در الهروي في "فضائل القرآن" كما في "الدر" "1/ 256" ولم يذكر أبا عبيد، ثم عزاه إلى أبي داود في ناسخه والبيهقي في "الدلائل"، قال: "من وجه آخر عن أبي أمامة".
وقد روى الطبراني عن ابن عمر قال: قرأ رجلان سورة أقرأهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فكن يقرأان بها. فقاما ذات ليلة يصليان. فلم يقدرا منهما على حرف. فأصبحا غاديين على رسول الله صلى الله عليه وسلم. فذكرا ذلك له فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنها مما نسخ" فكان الزهري يقرؤها "ما نُنسخ من آية أو ننسها" بضم النون الخفيفة.
أورد هذا "ابن كثير" "1/ 149-150" ثم قال: فيه "سليمان بن أرقم: ضعيف".(1/349)
قلت: ولعل قتادة أخذ ما قال من هذا الخبر، وليس في الخبر تعيين الآية الناسخة صريحا بل ما يومئ إلى ذلك والعلم عند الله تعالى.
41- قوله عز وجل: {أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلوا رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِنْ قَبْل} [الآية: 108] .
1- قال الواحدي1: قال ابن عباس: نزلت في عبد الله بن أبي أمية ورهط من قريش قالوا: يا محمد اجعل لنا الصفا ذهبا، ووسع لنا أرض مكة، وفجر الأنهار خلالها تفجيرا نؤمن بك فأنزل الله هذه الآية.
2- قول آخر:2 قال المفسرون: إن اليهود وغيرهم من المشركين تمنوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن قائل يقول: ائتنا بكتاب من السماء كما أتى موسى بالتوراة، ومن قائل يقول -وهو عبد الله بن أبي أمية المخزومي3: ائتنا بكتاب من السماء فيه "من رب العالمين إلى ابن أبي أمية اعلم أنني قد أرسلت محمدا إلى الناس" ومن قائل يقول: لن نؤمن بك أو تأتي بالله والملائكة قبيلا فأنزل الله تعالى هذه الآية.
قلت: أما الأول فذكره الثعلبي ولعله من تفسير الكلبي عن أبي صالح عن ابن
__________
1 ص"32".
2 نقله من الواحدي أيضًا "ص32".
3 ترجمته في "الإصابة" "2/ 277" "4543" وفيه: "قال مصعب الزبيري: كان عبد الله بن أبي أمية شديدًا على المسلمين، وهو الذي قال للنبي صلى الله عليه وسلم: لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعًا، وكان شديد العداوة له. ثم هداه الله إلى الإسلام، وهاجر قبل الفتح فلقي النبي صلى الله عليه وسلم بطرف مكة هو وأبو سفيان بن الحارث". وهو صهر النبي صلى الله عليه وسلم وابن عمته عاتكة وأخو أم سلمة.(1/350)
عباس فإني وجدته عن ابن عباس بسند جيد لكنه مغاير له1 أخرجه ابن أبي حاتم2 من طريق محمد بن إسحاق عن محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: قال رافع بن حريملة ووهب بن زيد لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ائتنا بكتاب تنزله علينا من السماء نقرؤه، وفجر لنا أنهارا نتبعك ونصدقك، فأنزل الله تعالى: {أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلوا رَسُولَكُمْ} الآية. وقد قال الثعلبي عقب الأول: قال مجاهد: لما قالت قريش هذا لرسول الله صلى الله عليه وسلم قال: نعم، وهو لكم كالمائدة لبني إسرائيل إن لم تؤمنوا فأبوا ورجعوا قال: الصحيح أنها نزلت في اليهود حين قالوا يا محمد ائتنا بكتاب من السماء جملة كما أتى موسى بالتوراة قال الثعلبي: ويصدق هذا القول أن هذه السورة مدنية، وقد قال تعالى: {يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ} كما أتى موسى بالتوراة قال الثعلبي: ويصدق هذا القول أن هذه السورة مدنية وقد قال تعالى: {يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ} فقد سألوا موسى أكبر من ذلك فقالوا {أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَة} 3 انتهى وفيما حاوله نظر فإن أثر مجاهد المذكور صريح في أن السائل في ذلك هم قريش كذا أخرجه الفريابي والطبري4 وابن أبي حاتم5 صحيحا إليه قال: سألت قريش محمدا أن يجعل لهم الصفا ذهبا، فقال: نعم وهو لكم كالمائدة لبني إسرائيل6 فأبوا ورجعوا لكن لم يقل: إن هذه الآية نزلت في ذلك7.
__________
1 في الأصل: لها وهو خطأ.
2 "1/ 1/ 328" "1081" ومن قبله الطبري "2/ 490" "1777":.
3 النساء: "153".
4 عن ابن أبي نجيح -من طريقين عنه- عن مجاهد وعن ابن جريح عن مجاهد انظر الطبري "2/ 490-491" "1780-1782" و"تفسير مجاهد" "1/ 85-68".
5 "1/ 1/ 328" "1082" من طريق ابن أبي نجيح.
وعزاه السيوطي في "الدر" "1/ 261" إلى عبد بن حميد وابن المنذر أيضًا كلهم عن مجاهد.
6 زاد الطبري والسيوطي: إن كفرتم.
7 إن قصد الحافظ بقوله: "لم يقل": "مجاهدًا" فقد عجل، ففي رواية ابن أبي نجيح عن مجاهد: "أم تريدون.." فقد بدأ بالآية ثم قال ما قال، وفي رواية ابن جريح عنه: "فأنزل الله" وذكر الآية، وهذا نص صريح على أن هذا سبب النزول. وإن قصد "الثعلبي" -وفي ذلك بعد- فمسلم.
أقول: ولا يعني كون الآية مدنية رد الخبر، فأي مانع من أن يطلبوا إليه ذلك وهو بمكة وهو بالمدينة؟(1/351)
وأما ما نقله الواحدي عن المفسرين فأومأ به إلى الجمع بين ما نقله الثعلبي عن ابن عباس ثم عن مجاهد، وسيأتي في تفسير سورة سبحان تسمية مَنْ سأل تحويل الصفا ذهبا مع عبد الله بن أبي أمية وغير ذلك.
2- وقد جاء عن إمام كبير من المفسرين سبب آخر أوضح مما نقله وأولى بأن يكون سببا لنزول هذه الآية وهو ما أخرجه ابن أبي حاتم1 بسند قوي عن أبي العالية وهو من كبار التابعين قال في قوله تعالى: {أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلوا رَسُولَكُم} الآية قال: قال رجل يا رسول الله: لو كانت كفارتنا ككفارات بني إسرائيل؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "اللهم لا نبغيها، ثلاثا، ما أعطاكم الله خير مما أعطى بني إسرائيل، كان أحدهم إذا أصاب الخطيئة وجدها مكتوبة على بابه، وكفارتها. فإن كفرها كانت له خزيًا في الدنيا، وإن لم يكفرها كانت له خزيًا في الدنيا 2 والآخرة فأعطاكم الله خيرا مما أعطاهم {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا} 3 " فنزلت4 {أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلوا رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِنْ قَبْل} الآية.
__________
1 "1/ 1/ 329" "1083" ومن قبله الطبري "2/ 491" "1783" وعنهما السيوطي في "الدر" "1/ 260" وقد تصرف الحافظ قليلًا واختصر قال محقق "تفسير ابن أبي حاتم" الدكتور الزهراني في سنده علتان: إحداهما الإرسال من أبي العالية، والثانية: اضطرب رواية أبي جعفر عن الربيع.
وقال الشيخ أحمد شاكر: "هذا الحديث مرسل.. وأبو العالية: ثقة من كبار التابعين ولكن الاحتجاج بحديثه -كغيره من التابعين فمن بعدهم- هو في الإسناد المتصل، أما المرسل والمنقطع فلا حجة فيهما".
قلت: ولو علل برواية ابن أبي جعفر لكان أولى. وقد مر الكشف عنه.
وأما الرجوع إلى قول التابعين فانظر إلى ما قاله عنه الشيخ ابن تيمية في "مقدمة التفسير في الفتاوى" "13/ 344، 345، 361، 368،
369، 370".
2 لم تذكر الدنيا في المصادر الثلاثة، فهي من تصرف الحافظ سهوًا والله أعلم.
3 النساء: "110".
4 قبل هذه الكلمة في "تفسيري ابن أبي حاتم" و"الطبري" "وقال صلى الله عليه وسلم: "الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة كفارات لما بينهن"، وقال: " من هم بسيئة فلم يعملها لم تكتب عليه، وإن عملها كتبت سيئة واحدة، ومن هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة واحدة، وإن عملها كتبت له عشرة أمثالها، ولا يهلك على الله إلا هالك"، "فأنزل الله عز وجل ... " وأرى أن سياق الآيات أبعد وأشمل من أن يكون المقصود به هذا والله أعلم.(1/352)
3- وحكى ابن ظفر أنه قيل1: إنها نزلت في من قال من المسلمين لما رأوا شجرة يقال لها ذات أنواط فقالوا2 يا رسول الله: اجعل لنا ذات أنواط. فقال: هذا كقول قوم موسى {اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَة} 3 قال ابن ظفر: لأن التبرك بالشجر واتخاذها عيدا يستدرج من يجيء بعدهم إلى عبادتها4.
__________
1 ومثل هذا لا يصلح أن يستند إليه في سبب النزول؟
2 كذا في الأصل ولا حاجة لهذه الكلمة.
3 الأعراف: "138".
4 رجعت إلى تفسير مقاتل والطبري وابن أبي حاتم والسمرقندي والماوردي والزمخشري وابن عطية وابن الجوزي، والقرطبي والخازن وابن كثير والسيوطي ورشيد رضا وسعيد حوى فلم أجد احدًا منهم ذكر هذ السبب.
نعم ذكره الرازي "3/ 254" وأبو حيان "1/ 346" مثل ما هنا وذكره الآلوسي "1/ 355" بزيادة منها أن ذلك في غزوة خيبر، ولم ينسبوه إلى قائل معين، والثلاثة بعد ابن ظفر.
وهذا الحديث يرويه ابن إسحاق -كما في "السيرة" لابن هشام "ق2/ 442" وأحمد بن حنبل 5"/ 218"، والترمذي في "السنن" "كتاب الفتن "3/ 321-322" وقال: حسن صحيح -والنسائي في "الكبرى"- كتاب التفسير كما في "تحفة الأشراف" "11/ 112" "15516" أربعتهم عن الزهري عن سنان بن أبي سنان الدؤلي ثم الجندعي عن أبي واقد الليثي "أنهم خرجوا عن مكة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حنين قال: وكان للكفار سدرة يعكفون عندها، ويعلقون بها أسلحتهم يقال لها "ذات أنواط" قال: "فمررنا بسدرة خضراء عظيمة. قال: فقلنا: يا رسول الله اجعل لنا إلها ذات أنواط. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قلتم والذي نفسي بيده، كما قال قوم موسى {اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُون} إنها لسنن، لتركبن سنن من كان قبلكم سنة سنة". واللفظ لأحمد قال ابن كثير في تفسير هذه الآية [138 من الأعراف] : ورواه ابن أبي حاتم من حديث كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف المزني عن أبيه عن جده مرفوعًا ولم يذكر في هذا الحديث -كما هو واضح- نزول آية. =(1/353)
42- قوله تعالى: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِم} [الآية: 109] .
1- قال الواحدي1: قال ابن عباس: نزلت في نفر من اليهود قالوا للمسلمين بعد وقعة أحد: ألم تروا إلى ما أصابكم؟ لو كنتم على الحق ما هزمتم، فارجعوا إلى ديننا فهو خير لكم.
قلت: هذا لعله من تفسير الكلبي والذي ذكره ابن إسحاق في "المغازي" من رواية يونس بن بكير2 عنه حدثني محمد بن أبي محمد وحدثني سعيد بن جبير أو عكرمة عن ابن عباس قال: كان حيي بن أخطب وأبو ياسر بن أخطب من أشد يهود3 للعرب حسدا، إذ خصهم الله تعالى برسوله، وكانا جاهدين في رد الناس عن الإسلام بما استطاعا فأنزل الله تعالى فيهما {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ} الآية.
2- قول آخر وقال عبد الرزاق4 أخبرنا معمر عن الزهري هو كعب بن
__________
= ملاحظتان:
الأولى: زاد الآلوسي في الخبر الذي عزاه إلى بعض المفسرين: "سنن من قبلكم حذوا النعل بالنعل، والقذة بالقذة، إن كان فيهم من أتى أمه يكون فيكم، فلا أدري أتعبدون العجل أم لا؟ " ولا توجد هذه الزيادة في السياق المذكور آنفًا.
الثانية: وقع في "سنن الترمذي" و"النسائي" و"تفسير الآلوسي" ذكر "خيبر" وهذا تحريف عن حنين، وهذه الكلمة صدرت من الطلقاء، وجيش النبي صلى الله عليه وسلم إلى خيبر كان خلاصة مستخلصة وانظر "السيرة النبوية الصحيحة" للدكتور أكرم ضياء العمري "2/ 497".
2 "ص32".
2 انظر "السيرة النبوية" لابن هشام "ق1/ ص548" ورواه عنه الطبري "2/ 499" "1788".
3 طمست في الأصل واستدركتها من الطبري.
4 في تفسيره "ص11".(1/354)
الأشرف1 وللطبري2 من طريق المعمري3 عن معمر عن الزهري وقتادة مثله، ورد الطبري هذا بأنه لا يقال لمن نسب قولا إلى كثير: يجوز أن يكون المراد به واحدا ولا سيما وقد قال بعد ذلك {لَوْ يَرُدُّونَكُم} إذ لو أراد بقوله: {كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَاب} الواحد كما يقال فلان في الناس كثير أي: في رفعة القدر وعظيم المنزلة لقال يردكم ولم يقل يردونكم4.
قلت: هذا الذي أورده الطبري مختصر من حديث طويل وقد أخرج الواحدي5 من طريق محمد بن يحيى الذهلي6 ما أخرجه في "الزهريات"7 من طريق الزهري أخبرني عبد الرحمن8 بن عبد الله بن كعب بن مالك عن أبيه9 أن
__________
1 ورواه عنه الطبري "2/ 499" "1786".
2 "2/ 499" "1787".
3 في الأصل: العمري وهو تحريف، والمعمري هو أبو سفيان محمد بن حميد اليشكري البصري نزيل بغداد، وقيل له "المعمري" لأنه رحل إلى معمر والأكثرون على توثيقه مات سنة "182" أخرج عنه البخاري في "الصحيح" معلقًا ومسلم والنسائي وابن ماجه، انظر "التهذيب" "9/ 131-132".
4 انظر التفصيل في "التفسير" "2/ 449-500".
5 "ص32-33" ومن قبله "ابن أبي حاتم" "ص331" "1090" وذكره ابن الجوزي في "الزاد" "1/ 131" و"ابن كثير "1/ 153".
6 ولد في حدود سنة "170" وتوفي سنة "258هـ" ترجمته في "السيرة" للذهبي" "12/ 273-285" وهو ممن لقب أمير المؤمنين في الحديث انظر "أمراء المؤمنين" في الحديث" للشيخ عبد الفتاح أبو غدة "ص113-114".
7 التصريح باسم كتاب الذهلي من إضافة الحافظ.
قال الكتاني في "الرسالة المستطرفة" "ص110-111" عن "الزهريات" في مجلدين، جمع فيها حديث ابن شهاب الزهري وجوده، وكان قد اعتنى به وتعب عليه، وكان من أعلم الناس بحديثه.
8 هو الأنصاري السلمي أبو الخطاب المدني ثقة أخرج عنه الشيخان وأبو داود والنسائي مات في خلافة هشام بن عبد الملك انظر "التهذيب" "6/ 214-215".
9 عبد الله بن كعب ذكره ابن حجر في "الإصابة" "3/ 64" "6189" في القسم الثاني وهو معقود لمن ذكر في الصحابة من الأطفال الذين ولدوا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم لبعض الصحابة من النساء والرجال ممن مات صلى الله عليه وسلم وهو في دون سنن التمييز. وهو ثقة أخرج حديثه الستة دون الترمذي انظر "التهذيب" "369/ 5".
وأبوه كعب الصحابي الشاعر المشهور صاحب بانت سعاد.(1/355)
كعب بن الأشرف كان يهوديا شاعرا فكان يهجو النبي صلى الله عليه وسلم ويحرض عليه كفار قريش في شعره وكان المشركون واليهود من أهل المدينة يؤذون النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه أشد الأذى، فأمرهم الله بالصبر والعفو وفيهم نزلت {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا} إلى قوله: {فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا} وهذا سند صحيح وأخرجه أبو داود1 من هذا الوجه دون هذا الكلام الأخير وعلى هذا فالجمع في قوله: {يَرُدُّونَكُم} لكعب ومن تابعه ويستقيم الكلام.
ونقل ابن ظفر عن ابن عباس نحو الأول ثم قال: "وبسط هذا الكلام بعض الرواة فقال"2 وذكر ما ذكره الثعلبي بغير إسناد قال نزلت هذه الآية في نفر من اليهود3 منهم فنحاص ابن عازورا وزيد بن قيس قالوا لحذيفة وعمار بعد وقعة أحد [انظروا] ما أصابكم ولو كنتم على الحق ما هزمتم فارجعا إلى ديننا فهو [خيرلكم
__________
1 في "سننه"، كتاب الخراج والإمارة والفيء، باب كيف كان إخراج اليهود من المدينة "154/ 3" "3000" وانظر الكلام على سنده في "تحفة الأشراف" في مسند كعب بن مالك "8/ 321-322" وفي هامشه حاشية بخط الحافظ ابن حجر هي: "رواه مالك، عن الزهري، عن كعب بن مالك مرسلًا بعضه، وفيه اختلاف كثير عند محمد بن يحيى الذهلي في "الزهريات" ونقله ابن عبد البر في "التمهيد".
2 زاوية الصفحة "75" اليسرى من أسفل لا تقرأ إلا بصعوبة بسبب التصوير، وأرجح أن هذه الكلمة كذلك.
3 ذكر هذا مقاتل "1/ 60-61" أطول مما هنا، ومختصرًا السمرقندي "1/ 451"، والماوردي في "النكت" "1/ 147" والزمخشري "1/ 303-304" وابن عطية "1/ 446" وابن الجوزي "1/ 131" وعزاه إلى مقاتل.(1/356)
وأفضل] ونحن أهدى منكم سبيلا. فقال لهم عمار: كيف [نقض العهد عندكم؟ قالوا: هو] 1 شديد قال: فإني عاهدت أن لا أكفر بمحمد ما عشت. فقالت اليهود: أما هذا فقد خيبنا2. فقال حذيفة: وأما أنا فقد رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا وبالقرآن إماما وبالكعبة قبلة وبالمؤمنين إخوانا ثم أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبراه بذلك فقال: "أصبتما الخير وأفلحتما" فأنزل الله تعالى: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم} يا معشر المؤمنين {مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا} .
43- قوله ز3 تعالى: {بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِن} [الآية: 112] .
قال السدي وغيره: نزلت في الذين قالوا: لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى أي: قالت اليهود لن يدخل الجنة إلا من كان يهوديا وقالت النصارى لن يدخل الجنة إلا من كان نصرانيا4.
44- قوله: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْء} .
[قال الواحدي] 5: نزلت في يهود أهل المدينة، ونصارى أهل نجران وذلك أن وفد نجران لما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، أتاهم أحبار اليهود فتناظروا حتى ارتفعت أصواتهم، فقالت اليهود: ما أنتم على شيء من الدين، وكفروا بعيسى والإنجيل، وقالت لهم النصارى: ما أنتم على شيء من الدين وكفروا بموسى والتوراة. فأنزل الله
__________
1 ما بين المعقوفين استدركته واستعنت على قراءته بالمصادر السابقة.
2 في مقاتل والماوردي والزمخشري: صبأ وكلاهما محتمل ولكن هذا المكتوب هنا.
3 سقط الرمز "ز" من الأصل، وهو لازم لأن هذا السبب من زيادات الحافظ على الواحدي.
4 هذا في الآية السابقة "111": {وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} وعلى هذا فلا بد أنهما نزلتا معًا فتأمل.
5 سقطت من الأصل وهي لازمة فالقول للواحدي في متابه "ص33"، ولهذا لم نجد الرمز "ز".(1/357)
هذه الآية.
قلت: وذكر ابن إسحاق في "المغازي"1 من رواية يونس بن بكير2 عنه حدثني محمد بن أبي محمد بالإسناد المذكور آنفا إلى ابن عباس قال لما قدم أهل نجران من النصارى المدينة3 أتتهم أحبار اليهود، فتنازعوا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رافع بن حُرَيْملة للنصارى ما أنتم على شيء! وكفر بعيسى والإنجيل وقال له رجل من أهل نجران ما أنتم على شيء وجحد نبوة موسى وكفر بالتوراة فنزلت في ذلك من قولهما {وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْء} الآية.
وأخرج الطبري4 من طريق الربيع بن أنس قال: نزلت في5 أهل الكتاب الذين كانوا في6 عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
45- قوله ز7 تعالى: {كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِم} الآية 113.
أخرج الطبري8 من طريق سنيد عن حجاج عن ابن جريج قلت لعطاء: "من هؤلاء الذين لا يعلمون؟ " قال: أمم كانت قبل اليهود والنصارى وهكذا أخرجه ابن
__________
1 انظر "السيرة النبوية" لابن هشام "ق1/ 549".
2 وعنه روى الطبري "2/ 513" "1811".
3 في "السيرة" و"الطبري" بدل المدينة: على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
4 "2/ 514" "1812".
5 النص في الطبري: هؤلاء أهل الكتاب.
6 في الطبري: على.
7 سقط الرمز "ز" من الأصل فزدته لأن المذكور من زيادة المؤلف وما زاده يعد تفسيرًا ولا يعد سبب نزول.
8 "2/ 517" "1808".(1/358)
أبي حاتم1 من وجه آخر عن حجاج لم يزد، ونقله الثعلبي وزاد فيه مثل قوم نوح وهود وصالح ونحوهم، قالوا في نبيهم: إنه ليس على شيء وإن الدين ديننا. انتهى.
وأظن هذه الزيادة مدرجة من كلام غير عطاء.
وللطبري2 من طريق أسباط عن السدي: هم العرب. ومن طريق الربيع بن أنس3 قال: هم النصارى لأن اليهود كانوا قبلهم.
46- قوله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّه} .
1- قال الواحدي4 تبعا للثعلبي: نزلت في ططوس بن استسيانوس الرومي وأصحابه من النصارى، وذلك أنهم غزوا بني إسرائيل فقتلوا مقاتلهم، وسبوا ذراريهم، وحرقوا التوراة وخربوا بيت المقدس، وقذفوا فيه الجيف وذبحوا فيه الخنازير فكان خرابا إلى أن بناه المسلمون في زمن عمر انتهى كلام الثعلبي، زاد الواحدي وهذا معنى قول ابن عباس رضي الله عنهما في رواية الكلبي.
وقال قتادة والسدي: هو بخت نصر وأصحابه، غزوا اليهود وخربوا بيت المقدس وأعانهم على ذلك نصارى الروم5 وقال ابن عباس في رواية عطاء: نزلت في
__________
1 "1/ 1/ 340" "115".
2 "2/ 517" "1819".
3 "2/ 516" "1816" وقد نقل بتصرف.
4 "ص33-24".
5 هنا أمر لا بد من ذكره فقد قال الإمام أبو بكر الرازي الجصاص "ت370هـ" في كتابه "أحكام القرآن" "1/ 61": "ما رُوي في خبر قتادة يشبه أن يكون غلطًا من راويه لأنه لا خلاف بين أهل العلم بأخبار الأولين إن عهد بخت نصر كان قبل مولد المسيح عليه السلام بدهر طويل، والنصاريى إما كانوا بعد المسيح، وإليه ينتمون، فكيف يكونون مع بخت نصر في تخريب بيت المقدس، والنصاري إنما استفاض دينهم في الشام والروم في أيام قسطنطين الملك، وكان قبل الإسلام بمائتي سنة وكسور، وإنما كانوا قبل ذلك صابئين عبدة أوثان، وكان من ينتحل النصرانية منهم مغمورين مستخفين بأديانهم فيما بينهم ومع ذلك فإن النصارى تعتقد من تعظيم بيت المقدس مثل اعتقاد اليهود فكيف أعانوا على تخريبه مع اعتقادهم فيه؟! ".
ونقل بعض هذا عنه الفخر الرازي في "تفسيره" "4/ 10" وأيده. ومال إلى رأي آخر وقال مثل هذا الأستاذ محمد عزة دروزة في "التفسير الحديث" "7/ 227-228" وأخذ برأي الرازي.(1/359)
مشركي مكة ومنعهم المسلمين من ذكر الله تعالى في المسجد الحرام.
قلت: أخرج الطبري1 عن العوفي بسنده المتكرر إلى ابن عباس قال: نزلت في النصارى2.
ومن طريق ابن نجيح عن مجاهد3: هم النصارى كانوا يطرحون في بيت المقدس الأذى ويمنعون الناس أن يصلوا فيه.
ومن طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة4: نزلت في5 النصارى، حملهم بغض اليهود على أن أعانوا بخت نصر البابلي المجوسي على تخريب بيت المقدس.
ومن طريق معمر عن قتادة6: هو بخت نصر وأصحابه خربوا بيت المقدس وأعانه النصارى على ذلك ومن طريق أسباط عن السدي7: هم الروم، كانوا ظاهروا بخت نصر على خراب بيت المقدس حتى خربه، وأمر أن يطرح فيه الجيف وإنما أعانوه من أجل أن بني إسرائيل قتلوا يحيى بن زكريا8.
__________
1 "2/ 520" "1820".
2 نصه: إنهم النصارى، والفرق بين العبارتين واضح.
3 "2/ 520" "1821" وانظر "تفسير مجاهد" "1/ 86".
4 "2/ 520" "1823".
5 نصه: أولئك أعداء الله النصارى.
6 "2/ 520-521" "1824".
7 "2/ 521" "1825".
8 وكل هذا ليس من أسباب النزول في شيء، والحملة على النصارى -إن فسرنا الآية بذلك- تشعر بالانتصار لليهود وهذا بعيد عن السياق القرآني كل البعد.(1/360)
2- قول آخر أخرج الطبري1 من طريق ابن وهب عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في هذه الآية {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّه} الآية: هم المشركون حالوا بين رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية وبين أن يدخل مكة، حتى نحر هدية بذي طوى وهادنهم، بعد أن قال لهم: ما أحد يرد أحدا عن هذا البيت، فقد كان الرجل يلقى قاتل أبيه أو أخيه فيه فلا يعدو عليه، قالوا لا يدخل علينا من قتل آباءنا يوم بدر وفينا باقٍ2.
ورجح الطبري3 القول الأول4 بأن في الآية {وَسَعَى فِي خَرَابِهَا} والمشركون لم يسعوا في تخريب المسجد الحرام قط بلا كانوا يفتخرون بعمارته في الجاهلية وأيد ذلك بما نقله عن قتادة5 وعن السدي6 أن كل نصراني الآن لا يدخل بيت المقدس إلا خائفا وأجاب الثعلبي عن ذلك بأن قوله: {أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُم} خبر بمعنى الأمر وإن قوله: {وَسَعَى فِي خَرَابِهَا} منع المسلمين أن يقيموا بها أمر الدين فهو خراب معنوي7.
__________
1 "2/ 521" "1826" وفي النقل شيء من التصرف.
2 ولكن قد يقال: ما معنى التعبير بـ"مساجد الله" إن كان المقصود المسجد الحرام؟ ثم ما معنى هذا الاستطراد إلى ذكر المشركين بين آيات تخص اليهود والنصارى بالدرجة الأولى؟ فالظاهر أن الأمر أعم من ذلك انظر "في ظلال القرآن" "1/ 67"، "مباحث في علوم القرآن" للدكتور صبحي الصالح "ص137-140".
3 "ص521-522".
4 وهو نزولها في النصارى.
5 "2/ 524" "1827".
6 "2/ 524" "1829".
7 وإلى هذا مال ابن كثير "1/ 156-157"، وبذلك رد على الطبري. ولم يرتض الأستاذ محمود شاكر موقف ابن كثير ورجح رأي الطبري فانظر ما قال "2/ 522-523".(1/361)
47- قوله تعالى: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّه} .
1- قال الواحدي1: اختلفوا في سبب نزولها ثم ساق من طريق عبد الملك العزرمي2، عن عطاء عن جابر: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية كنت فيها، فأصابتنا ظلمة فلم نعرف القبلة، فقالت طائفة منا: هي قبل الشمال، فصلوا وخطوا خطوطا، فلما أصبحوا وطلعت الشمس أصبحت تلك الخطوط لغير القبلة، فلما قفلنا من سفرنا سألنا النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فسكت فأنزل الله عز وجل هذه الآية. وفي السند انقطاع.
ومن طريق وكيع3 ثنا أشعث السمان4 عن عاصم بن عبيد الله5، عن عبد الله6 بن عامر7 بن ربيعة عن أبيه، قال: كنا نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم في السفر في ليلة مظلمة، فلم ندر كيف القبلة، فصلى كل رجل منا على حياله، فلما أصبحنا ذكرنا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزلت {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّه} الآية.
__________
1 "ص115-116".
2 في "الأصل: العزرمي بتقديم الزاي وهو خطأ وقد تقدم ذكره في الآية "104" وهو صدوق له أوهام انظر "التقريب" "ص363" وقد أخرج له الخمسة له والبخاري تعليقًا.
3 وكيع بن الجراح أخرج له الستة مات سنة "197" انظر "التهذيب" "11/ 123-131".
4 في الأصل: اليمان وهو تحريف.
وهو أشعث بن سعيد البصري السمان ختم ابن حجر ترجمته في "التهذيب" "1/ 352" بقوله: قال ابن عبد البر في "كتاب الكنى": هو عندهم ضعيف الحديث، واتفقوا على ضعفه لسوء حفظه.
5 ضعيف انظر "التهذيب" "5/ 46-49" و"التقريب" "ص113".
6 اختلف العلماء في عده صحابيًّا أو تابعيًّا وحديثه في الكتب الستة "التهذيب" "5/ 270-271".
7 هو صحابي جليل أسلم قبل عمر وهاجر الهجرتين وشهد بدرًا والمشاهد كلها، وحديثه في الكتب الستة انظر "الإصابة" "2/ 249" "4381" و"التهذيب" "4/ 62-63".(1/362)
قلت: أخرجه الترمذي1 وقال: "ليس إسناده بذاك، لا نعرفه إلا من حديث أشعث وأشعث يضعف في الحديث وضعفه العقيلي أيضا2.
وقد أورده الطيالسي3 عن أشعث وعمرو بن قيس4 قالا: ثنا عاصم بن عبيد الله وأخرجه الدارقطني5 وعبد بن حميد6 وغيرهما7 من طريق أشعث.
2- قول آخر8 أخرج الواحدي9 عن ابن عمر: أنزلت {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّه} أن تصلي حيث توجهت بك راحلتك في التطوع، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رجع
__________
1 انظر "الجامع" كتاب التفسير، سورة البقرة "5/ 188".
2 انظر كتاب "الضعفاء الكبير" له "30-31" وقد روى عنها الحديث المذكور هنا عن عامر بن ربيعة ثم قال: "وله غير حديث من هذا النحو لا يتابع على شيء منها.. وأما حديث عامر بن ربيعة فليس يروى من وجه يثبت متنه".
والعقيلي هو الإمام الحافظ الناقد أبو جعفر محمد بن عمرو توفي سنة "322" انظر "السير" "236-239/ 15".
3 في "مسنده" "ص156" من مسند عامر بن ربيعة البدري وزاد فيه، فقال: مضت صلاتكم، وانظر "التعليق المغني على الدارقطني" للعظيم آبادي "1/ 272" وفيه: مضت.
والطيالسي حافظ كبير معروف توفي سنة "203" انظر ترجمته في "السير" للذهبي "378-384/ 9".
4 في الأصل عمر والصواب ما أثبت وهو ضعيف روى عنه أبو داود انظر "التهذيب" "490-493/ 7".
5 انظر "السنن" "1/ 272" باب الاجتهاد في القبلة وجواز التحري في ذلك والدارقطني من المشاهير ترجمته في "السير" للذهبي "16/ 449-461".
6 انظر "المنتخب" من مسنده "ص130" وقد تحرف فيه "أشعث" إلى "سعد"!
7 مثل ابن ماجه في "السنن"، كتاب الصلاة، باب من يصلي لغير القبلة وهو لا يعلم "1/ 326" "1020" وابن أبي حاتم في التفسير "ص344" "1127" وقد أطال محققه في التعليق فراجعه.
8 وهو قول تفسيري لا يمكن عدة من أسباب النزول.
9 "ص35".(1/363)
من مكة صلى على راحلته تطوعا يومئ برأسه نحو المدينة أخرجه مسلم1 والترمذي2 وابن أبي حاتم3 وغيرهم ووهم الحاكم فاستدركه5 بلفظ آخر وهو من طريق أبي أسامة عن عبد الملك بن سعيد عن ابن عمر في قوله: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّه} إنما نزلت في التطوع حيث توجه بك بعيرك.
3- قول آخر قال الواحدي6: وقال ابن عباس في رواية عطاء: إن النجاشي توفي فأتى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إن النجاشي توفي فصل عليه، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يحضروا فصفهم ثم تقدم، وقال: "إن الله أمرني أن أصلي على النجاشي"، فصلى هو وهم عليه فقال بعضهم في أنفسهم: كيف نصلي على رجل مات وهو يصلي لغير قبلتنا؟ وكان النجاشي يصلي إلى بيت المقدس حتى مات وقد صرفت القبلة إلى الكعبة فأنزل الله عز وجل: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّه} 7.
4- قول آخر قال الواحدي8:
__________
1 انظر "الصحيح" كتاب المسافرين وقصرها باب جواز صلاة النافلة على الدابة في السفر حيث توجهت "1/ 486".
2 في "السنن" كتاب التفسير "5/ 189" "2958".
3 "1/ 1/ 344-345" "1128".
4 مثل أحمد في "المسند" "6/ 323" والنسائي في "السنن" كتاب الصلاة "1/ 244" وابن جرير في "التفسير" "1/ 503" والدارقطني في "السنن" "1/ 272"، والبيهقي في "السنن الكبرى" "2/ 4".
5 في كتاب التفسير من المستدرك "2/ 266".
6 "ص35".
7 أخرج مثله الطبري "2/ 532" "1844" عن قتادة، وإذا كان النجاشي مات بعد صرف القبلة فإن وضع آية تخصه في ذلك الموضع -قبل مجيء آيات التحويل عن بيت المقدس إلى الكعبة- يبدو غريبًا، ومثل هذا يحتاج إلى دليل قوي، وهو الآن غير موجود.
8 "ص36".(1/364)
مذهب قتادة1: أن هذه الآية منسوخة بقوله تعالى: {وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَه} وهو موافق لرواية عطاء الخراساني عن ابن عباس: أول ما نسخ من القرآن شأن القبلة قال الله تعالى: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو بيت المقدس وترك البيت العتيق ثم صرفه الله إلى البيت العتيق2.
وقال علي بن أبي طلحة3 عن ابن عباس: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما هاجر إلى المدينة -وكان أكثر أهلها اليهود- أمر أن يستقبل بيت المقدس، ففرحت اليهود فاستقبلها بضعة عشر شهرا، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب قبلة إبراهيم، فلما صرفه الله تعالى إليها ارتاب من ذلك اليهود، وقالوا: ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها؟ فأنزل الله عز وجل {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّه} 4. وسيأتي في الكلام في قوله تعالى: {مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ} 5.
وأخرج الطبري6 من وجهين عن قتادة في قوله: {فَثَمَّ وَجْهُ اللَّه} قال: كانوا يصلون نحو بيت المقدس ورسول الله بمكة قبل الهجرة وبعدما هاجر ستة عشر شهرا ثم وجه بعد ذلك نحو الكعبة البيت الحرام بقوله {فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا} الآية فنسخت ما قبلها من أمر القبلة.
__________
1 وقد أخرج عنه هذا الطبري كما سيأتي.
2 انظر مرويات الإمام أحمد في "التفسير" "1/ 88-89".
وليس في هذا القول -إلى هنا- سبب نزول وإنما هو تفسير فلاحظ.
3 فيما أخرجه الطبري "2/ 527" "1833".
4 قد يُسأل هنا: لماذا وُضعت هذه الآية في غير سياقها وما علاقتها بموضعها هذا؟
5 البقرة: "142".
6 "2/ 529" من ثلاثة وجوه "1835، 1836، 1837" واللفظ المذكور هو الأخير وليس في هذه الرواية سبب نزول!(1/365)
5- قول آخر حكاه الثعلبي عن الحسن ومجاهد1 والضحاك: لما نزلت {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُم} 2 قالوا: أين ندعوه؟ فنزلت {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ الله} 3.
48- قوله تعالى: {وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَه} .
قال الواحدي4: نزلت في اليهود قالوا: عزير ابن الله، وفي نصارى نجران قالوا المسيح ابن الله وفي مشركي العرب قالوا الملائكة بنات الله.
قلت: وكذا ذكره الثعلبي بغير سند وتبعه ابن ظفر والكواشي5 وغيرهما
__________
1 قول مجاهد أخرجه عنه الطبري من "تفسير سنيد" "2/ 534" "1847".
2 سورة غافر الآية "60".
3 هذا القول غريب فسورة غافر مكية، بالاتفاق انظر "زاد المسير" "7/ 204" وهذه الآية -موضوع البحث- مدنية.
4 "ص36" وقوله هذا يمكن أن يكون تفسيرًا، وأما سبب نزول فلا.
5 هو الإمام أحمد بن يوسف الموصلي ترجمه السيوطي في "بغية الوعاة" "1/ 401" ونقل عن الذهبي قوله فيه: برع في العربية والقراءات والتفسير. وكان عديم النظير زهدًا وصلاحًا وتبتلًا وصدقًا. وله "التفسير الصغير" و"الكبير"، جود فيه الأعراب وحرر أنواع الوقوف وأرسل منه نسخة إلى مكة والمدينة والقدس.
قال السيوطي: وعليه اعتمد الشيخ جلال الدين المحلي في "تفسيره"، واعتمدت عليه أنا في تكملته مع "الوجيز" و"تفسير البيضاوى" و"ابن كثير".
مات الكواشي بالموصل في جمادى الآخرة سنة "680".
والحافظ يروي التفسيرين انظر "المعجم المفهرس" "ص346".
وقد رأيت الجزء الثامن "الكبير" في دار صدام للمخطوطات وفيه من سورة الأحزاب إلى نهاية ص"، والمجلد الثاني من "التخليص" من تفسير النصف الثاني من القرآن. وفي مكتبة الأوقاف المركزية في بغداد جزء مخروم أتلفته الأرضة ونسخة أخرى مخرومة الأول تبدأ من سورة الكهف وكلاهما من "الكبير" انظر "فهرس المخطوطات العربية" في مكتبة الأوقاف العامة ببغداد للدكتور عبد الله الحبوري "1/ 55-56" ثم وقف على المجلد الأول من "التلخيص" -مخطوط في مكتبة الأستاذ الدكتور محيي هلال السرحان- وقد قرئ على المؤلف وعليه خطه، وهذا النص المنقول هنا فيه انظر الورقة "27ب".(1/366)
واقتصر الطبري على قوله: هم النصارى الذين زعموا أن عيسى ابن الله1.
قلت: وهو قول مقاتل قال2: نزلت في نصارى نجران السيد والعاقب ومن معهما من الوفد قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: عيسى ابن الله فأكذبهم الله تعالى3. وزاد الزجاج4: ومشركو العرب قالوا: الملائكة بنات الله وجعل الماوردي5 ذلك قولين وحكاها الفخر الرازي6 أقوالا، وأغرب الجعبري7 فقال: قال ابن عباس: قال ابن سلام ونعمان وسابق ومالك من اليهود: عزير ابن الله وقال مقاتل: قال نصارى نجران المسيح ابن الله. وقال إبراهيم النخعي قال مشركو العرب الملائكة بنات الله. قال: وقال الثعلبي الثلاثة.
49- قوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ لَوْلا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آية} .
أخرج الطبري8 من طريق محمد بن إسحاق9 بسنده المتكرر عن ابن عباس
__________
1 انظر "2/ 537 ".
2 "1/ 63".
3 إن القول الأول أوفق بالسياق، والجملة تشمل الطوائف الثلاثة.
4 انظر كتابه "معاني القرآن وإعرابه" "1/ 198"، ونصه: "قالوا: هو للنصارى ومشركي العرب؛ لأن النصارى قالت: المسيح ابن الله، وقال مشركو العرب: الملائكة بنات الله، فقال عز وجل: {بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ} .
5 في "تفسيره" "1/ 150".
6 انظر التفسير "4/ 24-25".
7 لعل مرد الغرابة إلى نسبة ما لا يقبل إلى عبد الله بن سلام الصحابي المسلم.
8 "2/ 551" "1862" وكذلك "ابن أبي حاتم" "1/ 1/ 352" "1147" عزاه إليهما السيوطي في "اللباب: "ص28".
9 انظر "السيرة النبوية" لابن هشام "ق1/ 549".(1/367)
قال: قال رافع بن حريملة لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إن كنت رسولا من عند الله كما تقول فقل لله فليكلمنا حتى نسمع كلامه! فأنزل الله تعالى في ذلك من قوله: {وَقَالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ لَوْلا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا} الآية كلها.
وأخرج1 من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: هم النصارى والذين من قبلهم اليهود2.
ومن طريق سعيد عن قتادة قال: هم كفار العرب3. ومن طريق أسباط عن السدي، ومن طريق أبي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس جميعا مثله4. ورجح الطبري5 قول مجاهد، والراجح من حيث السند قول ابن عباس رضي الله عنهما.
50- قوله تعالى: {وَلا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيم} 6.
قال الواحدي7: "قال ابن عباس: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم: ليت شعري ما فعل أبواي؟ فنزلت هذه الآية.
قال: وقال مقاتل: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو أن الله أنزل بأسه باليهود لآمنوا". فأنزل الله تعالى: {وَلا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيم} .
قلت: لم أر هذا في "تفسير مقاتل بن سليمان" فينظر في تفسير مقاتل بن
__________
1 "2/ 550-551" "1860-1861" و"2/ 554" "1867-1868".
2 جاء في الأصل هنا: "والنصارى" وهي مقحمة لا داعي لها فحذفتها.
3 "2/ 551" "1836".
4 "2/ 551-552" الأول برقم "1865" والثاني "1864" وفي الأصل: أبي جعفر الدشتكي وهو تحريف والصواب ما أثبت.
5 "2/ 552".
6 ليس فيما ذكر هنا ما يصلح أن يكون سبب نزول فتأمل.
7 "ص36-37".(1/368)
حيان".
وأما [قول] 1 ابن عباس فنسبه الثعلبي لرواية عطاء عنه وهي من تفسير عبد الغني بن سعيد الواهي، وقد أخرجه الطبري2 من مرسل محمد بن كعب القرظي وعليه اقتصر الماوردي3 وابن ظفر وغيرهما، واستبعد الفخر الرازي صحة هذا السبب قال: لأنه صلى الله عليه وسلم يعلم حال من مات كافرا انتهى4. وفي سنده موسى بن عبيدة5 وهو ضعيف6.
وأخرج الطبري7 من طريق ابن جريج أخبرني داود بن أبي عاصم8 أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم، فذكره. وهذا مرسل أيضا9 وهو من رواية سنيد بن داود
__________
1 زيادة مني، وكان الناسخ قد وضع على "ابن": كذا.
2 "2/ 558" "1875-1876" ومثله في "تفسير ابن أبي حاتم" "ص355" "1185" وعزاه السيوطي كذلك "1/ 271" إلى وكيع وسفيان بن عيينة وعبد بن حميد وابن المنذر.
3 بل ذكره قولًا ثانيًا انظر "تفسيره" "1/ 152".
4 ولفظه كما في "التفسير" "4/ 32" وهو يوجه قراءة النهي: ولا تسأل: "رُوي أنه قال: ليت شعري ما فعل أبواي؟ فنهي عن السؤال عن الكفرة، وهذه الرواية بعيدة لأنه عليه الصلاة والسلام كان عالمًا بكفرهم، وكان عالمًا بأن الكافر معذب، فمع هذا العلم كيف يمكن أن يقول: ليت شعري ما فعل أبواي؟ " وظاهر كلام الرازي هنا أنه يرى كفر الأبوين ولكن كلامه في كتابه "أسرار التنزيل" غير ذلك انظر "التعظيم والمنة في أن أبوي رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجنة" للحافظ السيوطي "ص57-58".
5 جاء في تفسير الماوردي: عبيد وهو تحريف.
6 انظر التفصيل في "التهذيب" "10/ 356-360".
7 "2/ 559" "1877" ونقله عنه السيوطي في "اللباب" "ص28".
8 تابعي ثقة أخرج البخاري حديثه معلقًا -وابن حجر يراه متصلًا- وأبو داود والنسائي انظر "التهذيب" "3/ 189-190" و"الفتح" "8/ 421".
9 قال السيوطي في "الدر" "1/ 271": "معضل الإسناد ضعيف لا يقوم به ولا بالذي قبله حجة".
وإنما قال معضل لأن داود بن أبي عاصم يروي عن الصحابة وعن التابعين.(1/369)
وفيه مقال.
وقد ذكر الواحدي السبب الأول في "الوسيط" بأتم مما هنا فقال1: وذلك أنه سأل جبريل عن قبر أبيه وأمه فدله فذهب إلى القبرين فدعى لهما وتمنى أن يعرف حال أبويه في الآخرة فنزلت.
وذكر الطبري2 أن هذا التفسير على قراءة من قرأ من أهل المدينة: {وَلا تُسْأَل} بصيغة النهي قال:3 والصواب عندي القراءة المشهورة بالرفع على الخبر لأن سياق ما قبل هذه الآية يدل على أن المراد مَنْ مضى ذكره من اليهود والنصارى وغيرهم، قال ويؤيد ذلك أنها في قراءة أبي "وما تسأل" وفي قراءة ابن مسعود "ولن تسأل"4. وقال يحيى بن سلام: وكان النبي صلى الله عليه وسلم يسأل عن أمه فنزلت وهو قول سفيان الثوري ذكره بإسناده.
قلت: أسنده عبد الرزاق5 من طريق الثوري عن موسى بن عبيدة عن محمد بن كعب لكنه عنده باللفظ المنقول أولا عن الطبري وذكر المهدوي6 أثر ابن عباس بلفظ أي أبوي أحدث موتا؟ وقد بالغ ابن عطية في رده وفي تخطئته نقلا ومعنى لأنه لا خلاف أن أباه مات قبل أمه7 ولأنه ليس في السؤال عن ذلك ما يناسبه الجواب
__________
1 انظر الورقة "23ب".
2 "2/ 558".
3 "2/ 559-560" وقد عبر الحافظ بلفظه.
4 انظر "معجم القراءات القرآنية" "1/ 107-108".
5 في "تفسيره" "ص13" ونقله عن "ابن كثير" "1/ 162" والسيوطي في "اللباب" "ص28".
6 هو أحمد بن عمار المهدوي نسبة إلى "المهدية: بينها وبين القيروان مرحلتان. أستاذ مشهور له مؤلفات منها: "التفسير المشهور" توفي بعد سنة "430" انظر "طبقات المفسرين" للداودي "1/ 56-75".
7 انظر "المحرر الوجيز" "1/ 467".(1/370)
الوارد في الآية1.
وحكى القرطبي2 كلام المهدوي ولم يتعقبه لكن قال: "قد ذكرنا في كتاب "التذكرة"3 أن الله أحيا له أبواه وآمنا به4 وذكرنا قوله للأعراب5: إن أبي وأباك في النار وبينا تأويل6 ذلك" وتعقبه العماد بن كثير بأن الخبر الذي أشار إليه في إحياء أبويه لا أصل له8.
__________
1 الظاهر أن هذا الرد للحافظ إذا لم أجده في "المحرر الوجيز" فإن كان كذلك فهو ما يشكر عليه إذ هذا القول غريب كل الغرابة عل السياق!
2 "2/ 64".
3 انظر باب ما يذكر الموت والآخرة ويزهد في الدنيا "1/ 15-17".
وقد استند إلى "السابق واللاحق" للخطيب و"الناسخ والمنسوخ" لابن شاهين و"الروض الأنف" في حديث أحياء أمه لم يذكر السند واستند إلى السهيلي في حديث إحياء والديه.
4 في الأصل: وأجابه وهو تحريف وأثبت ما في القرطبي.
5 في القرطبي: للرجل.
6 لم تذكر هذه الكلمة في القرطبي.
7 ترجمه الذهبي في "المعجم المختص بالمحدثين" "ص74" والحافظ في "الدر الكامنة" "1/ 399" و"أنباء الغمر" "1/ 45" توفي سنة "774".
وللأخ الفاضل فرمان إسماعيل إبراهيم رسالة عنه بعنوان "ابن كثير ومنهجه في التفسير" فانظرها. وترجمه كذلك السيد عبد الغني بن حميد الكبيسي في صدر تحققه لكتابه "تحقيق الطالب بمعرفة أحاديث مختصر ابن الحاجب" وهو مطبوع.
8 ونص ابن كثير في "التفسير" "1/ 162": "والحديث المروي في حياة أبويه عليه السلام ليس في شيء من الكتب الستة ولا غيرها، وإسناده ضعيف والله أعلم".
وقال في "تاريخه" "2/ 281" في آخر مبحث "رضاعه عليه الصلاة والسلام": "وأما الحديث الذي ذكره السهيلي وذكر أن في إسناده مجهولين إلى ابن أبي الزناد عن عروة عن عائشة رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل ربه أن يحيي أبويه فأحياهما وآمنا به، فإنه حديث منكر جدًّا، وإن كان ممكنًا بالنظر إلى قدرة الله تعالى، لكن الذي ثبت في الصحيح يعارضه".(1/371)
وإن كان عياض1 والسهيلي2 قد سبقا3 القرطبي إلى ذكره4 وقد وقع في آخر رواية محمد بن كعب في تفسير الفريابي وغيره فما ذكرهما حتى توفاه5 الله عز وجل.
51- قوله تعالى: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُم} الآية 120.
قال الواحدي6: قال المفسرون: إنهم كانوا يسألون النبي صلى الله عليه وسلم الهدنة.
ويطمعونه أنه إن هادنهم وأمهلهم اتبعوه ووافقوه. فأنزل الله تعالى هذه الآية.
__________
1 لم أجد شيئًا من ذلك في كتابه "الشفا" ولم يعزه إليه السيوطي في رسائله الستة الآيتة.
2 انظر "الروض الأنف" "2/ 187-188" في مبحث وفاة آمنة.
3 في الأصل: سبق.
4 خص السيوطي مسألة نجاة الأبوين بستة مؤلفات هي:
1- "مسالك الحنفا في والدي المصطفى".
2- "الدرج المنيفة في الآباء الشريفة".
3- "المقامة السندسية في النسبة المصطفوية".
4- "التعظيم والمنة في أن أبوي رسول الله في الجنة".
5- "نشر العلمين المنيفين في أحياء الأبوين الشريفين".
6- "السبل الجلية في الآباء العلية".
وقد طبعت كلها مع رسائل ثلاث له أيضًا في مجموع واحد في حيدرآباد الدكن في الهند.
وطبعت "المقامة السندسية" في ضمن "شرح المقامات" له "1/ 567-615".
وتناول في "مسالك الحنفا" إحياء الأبوين "ص63-65" وفي "التعظيم والمنة" "1-17".
ملاحظة: تحرف اسم كتاب السهيلي في مواضع متعددة من هذه الكتب إلى "الروض الأنق". بالقاف، وصوابه بالفاء.
وانظر في هذه المسألة أيضًا "المقاصد الحسنة" للسخاوي "ص25".
5 وانظر "الفتح السماوي" للمناوي "1/ 180" ففيه ما يتعلق بهذا الحديث.
6 "ص37".(1/372)
قال: وقال ابن عباس:1 هذا في القبلة، وذلك أن اليهود بالمدينة ونصارى نجران كانوا يرجون أن يصلي النبي صلى الله عليه وسلم إلى قبلتهم فلما صرف الله تعالى القبلة إلى الكعبة شق عليهم ويئسوا أن يوافقهم على دينهم فأنزل الله عز وجل هذه الآية2.
قلت: ذكره الجعبري بلفظ: قال ابن عباس: كانوا يودون ثبوت النبي صلى الله عليه وسلم على الصلاة إلى الصخرة انتهى.
وقال مقاتل3: كان اليهود من أهل المدينة والنصارى من أهل نجران دعوا النبي صلى الله عليه وسلم إلى دينهم وزعموا أنهم على الهدى فنزلت.
وقال ابن عطية4: "روي أن سبب نزول هذه الآية أن اليهود والنصارى طلبوا" فذكر نحوه5.
52- قوله تعالى: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِه} 121.
قال الواحدي:6 قال ابن عباس في رواية عطاء والكلبي: نزلت في أصحاب السفينة الذين أقبلوا مع جعفر بن أبي طالب من أرض الحبشة، كانوا أربعين رجلا من الحبشة وأهل الشام.
وقال الضحاك: نزلت فيمن آمن من اليهود وقال قتادة وعكرمة: نزلت في أصحاب محمد.
__________
1 قال السيوطي في "الدر" "1/ 272" وفي "اللباب" "ص28": "أخرج الثعلبي عن ابن عباس" وذكره.
2 لاحظ أن كل ذكر للنصارى يحمل على "نصارى نجران"!
3 في "تفسيره" "1/ 64" وفي النقل تصرف.
4 في "المحرر الوجيز" "1/ 469".
5 ليس لما ذكر هنا سند يمكن الاعتماد عليه.
6 "ص37".(1/373)
قلت: ذكره بأبسط منه الثعلبي فقال: نزلت في أهل السفينة الذين قدموا مع جعفر، وكانوا أربعين رجلا، اثنان وثلاثون من الحبشة، وثمانية من رهبان الشام، منهم بحيرا. وذكره يحيى بن سلام عن ابن الكلبي وزاد بعد قوله: "بحيرا": وسبعة من اليهود منهم عبد الله بن سلام وابن صوريا قال الثعلب: وقال الضحاك: هم من آمن من اليهود عبد الله بن سلام وسعيد بن عمرو ومام1 بن يهودا وأسيد وأسد ابنا كعب وابن يامين وعبد الله بن صوريا.
وأما قول قتادة فأسنده الطبري2 عنه ورجحه3، وجوز غيره4 أن يكون المراد عموم المسلمين، انتهى. وهذا لا يمنع خصوص السبب.
وحكى أبو حيان أن الأربعين كلهم من الحبشة، منهم اثنان وثلاثون من كبارهم وثمانية كانوا ملاحين5.
__________
1 كذا في الأصل ولم أجده في مكان آخر.
2 "1/ 465" "1878".
3 في هذا نظر فالطبري رجح أن يكون المراد: "الذين آتيناهم الكتاب الذي قد عرفته يا محمد -وهو التوراة- فقرءوه واتبعوا ما فيه، فصدقوك وآمنوا بك وبما جئت به من عندي، أولئك يتلونه حق تلاوته".
انظر التفسير "2/ 565".
نعم نقل ابن كثير "1/ 162" "وعن عبد الرزاق عن معمر عن قتادة: هم اليهود والنصارى" قال: "وهو قول عبد الرحمن بن زيد بن أسلم واختاره ابن جرير، وقال سعيد عن قتادة: هم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم" وعلى هذا يستقيم كلام ابن حجر ولكن الطبري أخرج القول الثاني دون الأول فمن هنا دخل الخلل. وعلى أية حال فليس في هذا سبب نزول.
4 هو ابن عطية في "المحرر" "1/ 470" قال: "ويحتمل أن يراد بـ"الذين" العموم في مؤمني بني إسرائيل، والمؤمنين من العرب، ويكون الكتاب اسم الجنس".
5 ليس كلام ابن حيان هذا وإنما قال "1/ 369":
"قال ابن عباس: نزلت في أهل السفينة الذين قدموا مع جعفر، وكانوا اثنين وثلاثين من أهل الحبشة وثمانية من رهبان الشام، وقيل: كان بعضهم من أهل نجران وبعضهم من أهل الحبشة ومن الروم، وثمانية ملاحون أصحاب السفينة أقبلوا مع جعفر".(1/374)
وحكى ابن ظفر أها نزلت في النجاشي وحده، وكان أعلم النصارى في عصره، بما أنزل الله على عيسى، حتى كان هرقل يبعث إليه علماء النصارى ليأخذوا عنه العلم1.
53- قوله ز تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْمًا لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا} 123.
تقدم2.
54- قوله تعالى: {وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْت} الآية3.
قال عبد الرزاق: أنا معمر: بلغني أن سفينة نوح طافت بالبيت سبعا فلما أغرق الله قوم نوح رفع البيت وبقي أساسه فبوأه الله تعالى لإبراهيم عليه السلام بعد ذلك فذلك قوله تعالى: {وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْت} ذكره في تفسير سورة القمر4.
وأخرج الطبري5 من طريق أبي قلابة عن عبد الله بن عمرو قال:6 لما أهبط الله آدم من الجنة قال: إني منزل معك بيتا يطاف حوله كما يطاف حول عرشي، فلما كان زمن الطوفان رفع فكانت الأنبياء يحجونه ولا يعلمون مكانه حتى بوأه الله
__________
1 لاحظ أن المؤلف نقل في الآية "115" السابقة قولًا يفيد أنها تزلت وفاة النجاشي، وهنا ينقل أن هذا الآية "121" نزلت في الثناء عليه وحده بأنه يتلو الكتاب حق تلاوته مع أن الضمير في الآية للجمع أيضًا!!
2 في الآية "48".
3 هذه الآية "26" من سورة الحج فإيرادها هنا والكلام عليها غريب جدًّا! وقد تكلمت على ذلك في المبحث الأول من الفصل الثالث من القسم الأول فعد إليه.
4 سقط تفسير سورة القمر من النسخة الخطية التي وقفت عليها.
5 لم أجد هذا في تفسير آية الحج هذه.
6 قارن "بتفسير الزمخشري" "1/ 311" و"التمهيد" لابن عبد البر "10/ 30-31" و"المصنف" لعبد الرزاق "5/ 92".(1/375)
لإبراهيم، وأعلمه مكانه فبناه من خمسة أجبل: حراء ولبنان وثبير وجبل الحمر والطور1.
55- قوله تعالى: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّى} .
قال الفريابي: حدثنا سفيان هو الثوري عن عبيد المكتب2 عن مجاهد قال: قال عمر: لو اتخذنا من مقام إبراهيم مصلى فأنزل الله تعالى: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّى} 3.
وأخرج الفاكهي4 من طريق يحيى بن زكريا بن أبي زائدة5 عن من حدثه عن عمر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف فقال: "هذا مقام أبينا إبراهيم"، فقال عمر: أفلا تتخذه مصلى؟
__________
1 ليس فيما ذكر هنا ما يصلح أن يعد سبب نزول وإنما هو حكاية عما مضى.
2 هو عبيد بن مهران، الكوفي، ثقة من الخامسة أخرج عنه مسلم وأبو داود في "الناسخ والمنسوخ" والنسائي انظر "التقريب" "ص378" "4393".
3 لم يسمع مجاهد عن عمر فالحديث مرسل انظر "جامع التحصيل" للعلائي "ص336-337".
4 هو الإمام أبو محمد عبد الله بن محمد بن العباس الفاكهي المكي توفي سنة "353" انظر "السير" للذهبي "16/ 44-45".
وقد طبع كتابه "أخبار مكة في قديم الدهر وحديثه" بتحقيق عبد الملك بن دهيش في مكبة المكرمة سنة "1407هـ" ولم أقف عليه. أفدت هذا الخبر من كتاب "فضل ماء زمزم" للصديق الأستاذ سائد بكداش "ص196".
وهو من مرويات الحافظ انظر "المعجم المفهرس" "ص152 وثم قول عنه في "تهذيب التهذيب" في ترجمة عثمان بن عمرو بن ساج "7/ 145" ووصفه في "تغليق التعليق" "5/ 471" بأنه "كتاب نفيس في خمسة أسفار كبار".
5 هو الهمذاني، أبو سعيد الكوفي، ثقة متقن من كبار التاسعة مات سنة "183 أو 184" أخرج عنه الستة انظر "التقريب" "ص590" "7548".(1/376)
فنزلت {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّى} 1.
قلت: وأصله في "صحيح البخاري" أخرجه في الصلاة2 والتفسير3 من طريق حميد الطويل عن أنس قال: قال عمر: وافقت ربي في ثلاث، قلت: يا رسول الله لو اتخذنا من مقام إبراهيم مصلى فنزلت {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّى} الحديث. وأخرجه الترمذي4 من هذا الوجه بلفظ: أن عمر قال: يا رسول الله لو صليت خلف المقام فنزلت5.
وأخرج ابن أبي حاتم6 من طريق ابن جريج عن جعفر7 بن محمد بن علي بن الحسين عن أبيه8 أنه سمع جابرا يحدث عن حجة النبي صلى الله عليه وسلم قال: لما طاف النبي صلى الله عليه وسلم قال له عمر: هذا مقام أبينا إبراهيم؟ قال: "نعم" قال: أفلا نتخذه مصلى؟ فأنزل الله {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّى} سنده صحيح9 وأصله عند
__________
1 هذا السند ضعيف لجهالة مَنْ بين يحيى وبين عمر.
2 في باب ما جاء في القبلة "1/ 504".
3 في باب قوله تعالى: {وَاتَّخِذُوا} "الفتح" "8/ 168".
وأخرجه البخاري مختصرًا في سورة الأحزاب "8/ 527" وفي سورة التحريم "8/ 660".
4 انظر "الجامع"، كتاب التفسير، سورة البقرة "5/ 190" وقال: هذا حديث حسن صحيح، وفي الباب عن ابن عمر".
5 وانظر مزيدًا من التخريج في ابن كثير "1/ 169".
6 "1/ 1/ 370" "1205".
7 هو السيد الجليل جعفر الصادق، صدوق فقيه أمام مات سنة "148" انظر "التقريب" "ص141" "950".
8 هو السيد الكبير محمد الباقر، ثقة فاضل مات سنة مائة وبضع عشرة أخرج حديثه الستة انظر "التقريب" "ص497" "6151".
9 ولكن محقق "التفسير" الدكتور أحمد الزهراني قال: ضعيف الإسناد؛ لأن فيه عبد الوهاب بن عطاء، وابن جريج يدلس.(1/377)
مسلم1 وأخرجه النسائي2 وابن مردويه من حديث جابر نحوه3.
وحكى الثعلبي عن ابن كيسان4 قال: ذكروا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بالمقام ومعه عمر فقال: يا رسول الله أليس هذا مقام إبراهيم؟ قال: بلى قال: أفلا نتخذه مصلى؟ قال: لم أؤمر بذلك، فلم تغب الشمس من يومهم حتى نزلت5.
56- قوله تعالى: {وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَه} [الآية: 130] .
ذكر الثعلبي وتبعه الزمخشري6 إن عبد الله بن سلام دعا ابني أخيه سلمة ومهاجرا7 إلى الإسلام وقال لهما: لقد علمتما أن الله قال في التوراة: إني باعث من ولد إسماعيل نبيا اسمه أحمد فمن آمن به فقد رشد واهتدى ومن لم يؤمن به فهو
__________
1 انظر "الصحيح" كتاب الحج باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم "2/ 886" وفيه "ثم نقذ [أي: النيي] إلى مقام إبراهيم عليه السلام فقرأ: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} فجعل المقام مصلى فجعل المقام بينه وبين البيت واربط بكتاب "فضائل الصحابة" باب من فضل عمر "4/ 1865" عن ابن عمر.
2 في "سننه"، كتاب المناسك باب القول بعد ركعتي الطواف والقراءة في ركعتي الطواف "235-236/ 5" وانظر "تحفة الأشراف" "2/ 271-272".
3 نقله ابن كثير "1/ 169" فعد إليه لزامًا.
4 ذكر فؤاد سزكين في "تاريخ التراث العربي" "1/ 1/ 112" وهو يتحدث عن كتب تفسيرية وصلت إلينا: "المصابيح في تفسيير القرآن العظيم" محمد بن أحمد بن كيسان المتوفى سنة "299هـ/ 911م" انظر بروكلمان "1/ 110". فلعله هو المقصود هنا.
5 تشير هذه الروايات إلى أن هذا المقطع: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} نزل بمفرده، ولا بد أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بوضعه هنا، وعلى هذا فهو متأخبر عن السياق الذي يبدوا أنه نزل قبل تحويل القبلة.
6 "الكشاف" "1/ 312" وقد ذكر السيوطي هذ الخبر وصدره بقوله: "قال ابن عيينة: روي أن ... " انظر "اللباب" "ص29".
7 في الأصل: مهاجر.(1/378)
ملعون، فأسلم سلمة، وامتنع مهاجر فنزلت {وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيم} الآية.
وقد وجدته في "تفسير" مقاتل بن سليمان1 فذكره بلفظه إلى قوله: "فقال لهما: ألستما تعلمان أن الله قد قال لموسى" فذكره بلفظ": {مِنْ ذُرِّيَّتِه} وفيه: "وأنه ملعون من كذب بأحمد النبي وملعون من لم يتبع دينه" ولم يذكر فمن آمن به فقد رشد واهتدى، وقال في آخره: وأبى مهاجر ورغب عن الإسلام فأنزل الله {وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَه} إلى آخر الآية2.
57- قوله تعالى: {أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْت} الآية 133.
قال الواحدي3: نزلت في اليهود حين قالوا للنبي صلى الله وسلم: ألست تعلم أن يعقوب يوم مات أوصى بنيه باليهودية فنزلت.
قلت: ذكره مقاتل بن سليمان4 بلفظه وذكره الواحدي في "الوسيط"5 أيضا وزاد {إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي} قال ابن عباس: وذلك أن الله تعالى لم يقبض نبيا حتى يخيره بين الموت والحياة فلما حضرت وفاة يعقوب قال: أنظرني حتى أسأل ولدي وأوصيهم ففعل الله به ذلك، فجمع ولده وهم اثنا عشر رجلا وجمع أولادهم وقال لهم: قد حضر أجلي فما تعبدون من بعدي؟ قالوا: {نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَه آبَائِك}
__________
1 "1/ 69".
2 نقل المناوي في "الفتح" السماوي" "1/ 183" عن السيوطي قوله عن هذا الخبر: "لم أقف عليه في شيء من كتب الحديث ولا التفاسير المسندة" ثم إن حصر هذه الآية لهذا السب فيه ضيق فهي أعم من ذلك إذ هي في سياق تأنيب بني إسرائيل على عدم إسلامهم بعد أن أشارت الآية السابقة إلى أن الرسول دعوة إبراهيم صلى الله عليهما وسلم فتأمل.
3 "ص37".
4 "1/ 70".
5 انظر "الورقة "57أ" وفي النقل تصرف يسير.(1/379)
إلى آخر الآية وذلك قوله تعالى: {أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْت} الآية. كذا ذكره بغير سند وذكر نحوه الثعلبي عن عطاء وقال أيضا: "قال الكلبي: لما دخل يعقوب مصر رآهم يعبدون الأوثان والنيران فجمع ولده وخاف عليهم فقال: ما تعبدون من بعدي؟ ".
وقال ابن ظفر: "قيل: إن سبب نزولها أن اليهود اعتذروا عن امتناعهم من الإسلام بأن يعقوب أوصى الأسباط عندما حضره الموت بأن لا يبتغوا بملة اليهود بدلا فنزلت {أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاء} 1.
58- قوله تعالى: {وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا} .
قال الواحدي2: قال ابن عباس: نزلت في رءوس يهود المدينة: كعب بن الأشرف، ومالك بن الضيف، ووهب بن يهوذا؛ وأبي ياسر بن أخطب، وفي نصارى نجران3 وذلك أنهم خاصموا المسلمين في الدين كل فرقة تزعم أنها أحق بدين الله من غيرها فقالت اليهود: نبينا موسى أفضل الأنبياء، وكتابنا التوراة أفضل الكتب وديننا أفضل الأديان وكفرت بالإنجيل وبعيسى وبالقرآن وبمحمد، وقالت النصارى: نبينا عيسى أفضل الأنبياء وكتابنا الإنجيل أفضل الكتب، وديننا أفضل الأديان: وكفرت بمحمد وبالقرآن، وقال كل واحد من الفريقين للمؤمنين: كونوا على ديننا فلا دين إلا هو، ودعوهم إلى دينهم. قلت وكذا ذكره الثعلبي، وفي آخره: فقال الله تعالى: {قُل} يا محمد {بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيم} انتهى.
والذي ذكره ابن جرير4 عن ابن عباس من رواية ابن إسحاق5 بالسند المتكرر
__________
1 في "الفتح السماوي" للمناوي "1/ 183-184": "قال السيوطي: لم أقف عليه".
فإذا لم يكن له سند، فلا يعتمد.
2 "ص38" وفي النقل تصرف يسير.
3 لاحظ التنصيص على نصارى نجران!
4 "3/ 101" "2090" وكذلك ابن أبي حاتم "1/ 1/ 396" "1300".
5 انظر "السيرة النبوية" لابن هشام "ق1/ 549".(1/380)
أخصر من هذا ولفظه: قال عبد الله بن صوريا الأعور لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ما الهدى إلا ما نحن عليه، فاتبعنا يا محمد تهتد، وقالت النصارى مثل ذلك، فأنزل الله عز وجل {وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا} 1.
وذكره مقاتل بن سليمان2 بلفظ: أن رءوس اليهود كعب بن الأشرف وكعب بن ابن أسيد وأبا3 ياسر بن أخطب ومالك بن الضيف وعازارا وأشمويل وحميسا4، والسيد والعاقب ومن معهم5 من نصارى نجران قالوا للمؤمنين: كونوا على ديننا فإنه ليس دين إلا ديننا فأكذبهم الله تعالى فقال: {بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} ثم أمر المؤمنين فقال: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا} الآية.
59- قوله ز تعالى: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا} الآية 136.
أخرج الطبري6 من طريق ابن إسحاق7 بسنده المتكرر قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم نفر من اليهود منهم أبو ياسر بن أخطب، ورافع بن أبي رافع، وعازر وخالد، وآزار بن أبي آزار8 وأشيع9 فسألوه عمن يؤمن به من الرسل فقال: أؤمن بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي
__________
1 هذا القول أولى بالقبول من الذي قبله والذي بعده، سندًا ومتنًا.
2 "1/ 70".
3 في الأصل: وأبو، خطأ.
4 في "تفسير مقاتل": وأشماويل وخميشا.
4 فيه: معهما.
5 "3/ 110" "2101".
7 انظر "السيرة النبوية" لابن هشام "ق1/ 566".
8 لم ينقط في الأصل، وتابعت في السيرة والتفسير، والهمزة في السيرة من تحت، وفي التفسير من فوق.
9 في الأصل: أسنع وتابعت ما في السيرة والتفسير.(1/381)
موسى وعيسى. فلما ذكر عيسى جحدوا نبوته وقالوا: لا نؤمن بعيسى ولا نؤمن بمن آمن به فأنزل الله {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ} إلى قوله {لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُم} 1.
وأنزل الله تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُون} 2.
60- قوله تعالى: {فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} .
قال مقاتل بن سليمان لما تلا النبي صلى الله عليه وسلم على الناس هذه الآية {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّه} قالت اليهود: لم نجد للإسلام في التوراة ذكرا وقالت النصارى: كيف نتبعك وأنت تجعل عيسى كالأنبياء فأنزل الله تعالى: {فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيم} فأنجز له ما وعده به فأجلى بني النضير وقتل قريظة3.
61- قوله تعالى: {صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَة} 138.
1- قال الواحدي:4 قال ابن عباس: إن النصارى كانوا إذا ولد لأحدهم ولد
__________
1 ثم ساقه ابن جرير من طريق آخر عن إسحاق "2/ 111" "2102" فذكر نحوه إلا أنه قال: "ونافع بن أبي نافع" مكان "رفع بن أبي رافع" وبذلك جاء في "السيرة ابن هشام" وعلق الشيخ أحمد شاكر على هذا بقوله: "والخلط في أسماء يهود ذلك العهد كثير في كتب السير".
2 المائدة: "59" وسكوت المؤلف يشير إلى قبوله نزول آيتين بسبب واحد.
3 السياق في "تفسير مقاتل" "1/ 71" يختلف عما هنا تمامًا ففيه: "لما نزلت هذه الآية قرأها النبي صلى الله عليه وسلم على اليهود والنصارى فقال: إن الله عز وجل أمرني أن أوصي بهذه الآية، فإن أنتم آمنتم -يعني صدقتم بالنبي صلى الله عليه وسلم والكتاب- فقد اهتديتم، وإن توليتم وأبيتم عن الإيمان فإنما أنتم في شقاق. فلما سمعت اليهود ذكر عيسى صلى الله عليه وسلم قالوا: لا نؤمن بعيسى. وقالت النصارى: وعيسى بمنزلتهم مع الأنبياء، ولكنه ولد الله. يقول: إن أبوا أن يؤمنوا بمثل ما آمنتم به، فسيكفيكهم الله يا محمد -يعني أهل الكتاب- ففعل الله عز وجل" إلى آخر المذكور هنا ولعل الحافظ نقل بالمعنى، ولكن يبقى ذكر الإسلام غريبًا إلا أن يكون محرفًا عن "عيسى".
4 "ص38".(1/382)
فأتت عليه ستة1 أيام صبغوه في ماء لهم يقال له: المعمودي، ليطهروه بذلك ويقولون: هذا طهور مكان الختان. فإذا فعلوا ذلك قالوا: الآن صار نصرانيًّا.
قلت: ذكره قبله الطبري فقال2 في قوله صبغة الله: "يعني صبغة الإسلام، وذلك أن النصارى إذا أرادت أن تنصِّر أطفالها، جعلتهم في ماء لهم تزعم أن ذلك تقديس لها، بمنزلة الختان3 لأهل الإسلام، وأنه صبغة لهم في النصرانية فقال الله تعالى إذ قالوا للمسلمين: {كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا} قل لهم يا محمد بل اتبعوا ملة إبراهيم صبغة الله وهي الحنيفية المسلمة ودعوا الشرك والضلال.
وأخرج4 من طريق قتادة قال: "إن اليهود تصبغ أبناءها يهودًا5، والنصارى تصبغ أبناءها نصارى وإن صبغة الله الإسلام".
ثم أسند عن ابن عباس6 وعن جماعة من التابعين7 أن معنى الصبغة الدين، وهي كقوله تعالى: {فِطْرَتَ اللَّه} 8 أي دين الله9.
وذكر ابن ظفر أن الصبغة عند اليهود الختان يوم السابع يرون أنهم يدخلونه في اليهودية بالختان فلما ترك النصارى الختان غمسوا المولود في ماء لهم سموه ماء
__________
1 في الواحدي: سبعة.
2 "3/ 117" وقد تصرف الحافظ واختصر.
3 في الطبري: "بمنزلة غسل الجنابة"! ولعل الحافظ سبق إلى وهمه ما نقله آنفًا عن مقاتل.
4 "3/ 117-118" "2113".
5 في الطبري: يهود، من غير تنوين.
6 "3/ 1119" "2123".
7 انظر "3/ 118-119" وقد نقل عن قتادة وأبي العالية ومجاهد.
8 من سورة الروم، الآية "30".
9 بل هذا قول ثالث وانظر التفسير "3/ 119-120".(1/383)
المعمودية وزعموا أن يحيى بن زكرياء صبغ عيسى في الماء المذكور1.
2- قول آخر أخرج ابن مردويه في تفسير هذه الآية من طريق أشعث2 بن إسحاق عن جعفر بن أبي3 المغيرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قالت بنو إسرائيل: يا موسي هل يصبغ ربك؟ فقال: اتقوا الله، فناداه ربه يا موسى الألوان كلها من صبغى وأنزل الله على نبيه {صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَة} 4.
62- قوله ز تعالى: {قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللَّه} .
قال ابن ظفر:
"كانوا قالوا للمسلمين: نحن أبناء الله وأحباؤه وأولى به منكم5 فنزلت
__________
1 لا أحد فيما ذكر سبب نزول فتأمل.
2 في الأصل: أشعب وهو تحريف.
وأشعث ثقة له ترجمة في "التهذيب" "1/ 350" تمييزًا.
3 نقل ابن كثير "1/ 188" حديث ابن مردويه، وقد سقط هذا الاسم منه.
وهو ثقة وقال ابن مندة: ليس بالقوي في سعيد بن جبير لكن الحافظ يقول: وقع حديثه في "صحيح البخاري" ضمنًا حيث قال في التيمم: وأم ابن عباس وهو متيمم من رواية يحيى بن يحيى التميمي عن جرير عن أشعث عن جعفر عن سعيد بن جبير. انظر "التهذيب" "2/ 108" و"الفتح" 1/ 446" و"تغليق التعليق" له "2/ 187".
4 وقد رواه مرفوعًا أيضًا المقدسي في "المختارة".
وأخرجه ابن أبي حاتم وأبو الشيخ في "العظمة" عن ابن عباس مرقوفًا كما في "الدر" "1/ 340" و"تفسير ابن أبي حاتم" "ص403" "1323" وقال ابن كثير بعد أن أورده من طريق ابن مردويه "1/ 188": "كذا وقع في رواية ابن مردويه مرفوعًا، وهو في رواية ابن أبي حاتم موقوف وهو أشبه إن صح إسناده والله أعلم وسيأتي أيضًا في الآية "255" من طريق ابن أبي حاتم وأبي نعيم في "الحلية". هذا من حيث السند، وأما من حيث المتن فإني لا أجد أي علاقة بسبب نزول هذه الآية.
5 انظر ما قاله الطبري "3/ 120-121" وهو أولى مما هنا وأكمل.(1/384)
هذه الآية {قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللَّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ} إلى آخرها1.
63- قوله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ الله} .
قال الطبري2: نزلت في حق من قال: إن ابراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب3 كانوا هودا أو نصارى ثم كتموا شهادة عندهم من الله أنهم كانوا مسلمين.
ثم أسند4 من طريق أبي الأشهب5 عن الحسن البصري قال:
لما تلا هذه الآية: والله لقد كان عند القوم من الله شهادة أن أنبياءه بُرآء من اليهودية والنصرانية، كما أن عندهم من الله شهادة أن دماءكم وأموالكم بينكم حرام [فبم استحلوها] 6.
ومن طريق أبي جعفر الرازي7 عن الربيع بن أنس في هذه الآية قال: هم أهل الكتاب كتموا الإسلام وهم يعلمون أنه دين الله يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل وأن الأنبياء لم يكونوا يهودا ولا نصارى بل كانت اليهودية والنصرانية بعدهم بزمان.
__________
1 ولكن أين السند؟
2 "3/ 124"، في النقل تصرف.
3 كتب عليها في الأصل. "كذا" ولعله إشارة إلى سقوط: "والأسباط" وقد ذكر "الأسباط" في الطبري.
4 "3/ 125" "2134".
5 هو جعفر بن حيان السعدي، أخرج عنه الستة مات سنة "165" انظر التهذيب "2/ 88".
6 سقطت من الأصل. وهذا القول من الحسن البصري تفسير -كما هو واضح- وليس فيه سبب نزول.
7 "2/ 125" "2135" وقد تصرف في النقل.(1/385)
وعن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم قال1: نزلت في يهود، سئلوا عن النبي صلى الله عليه وسلم عن صفته2 في كتاب الله عندهم فكتموا الصفة. ومن طريق3 أخرى عن قتادة مثله سواء.
وأخرج عبد بن حميد من طريق شيبان4 عن قتادة: هم اليهود5 كتموا الإسلام وهم يعلمون أنه حق وكتموا محمدا وهم يعلمون أنه رسول الله.
64- قوله ز تعالى: {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَت} الآية الثانية 141.
قال ابن ظفر: "قيل6: أعيدت لأنهم جادلوه مرتين في أمرين أحدهما: أن يعقوب أوصى ذريته بالثبات على اليهودية، والثاني: أن إبراهيم ومن ذكر معه كانوا هودا أو نصارى فأنزلت مرتين وتلاها عليهم في مقامين".
65- قوله تعالى: {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ} الآية 142.
أسند الواحدي7 من طريق أبي إسحاق8 عن البراء قال: لما قدم رسول
__________
1 "3/ 126" "2139" والخبر فيه بصيغة المضارع: يسألون، فيكتمون.
2 وضع الناسخ على: عن رمز الصحة.
3 في الأصل: طرق وما أثبت هو الصواب لأنه لا يوجد عن قتادة مثل الذي قبله سواء سوى طريق واحدة انظر "3/ 26" "2137" عن معمر.
4 والطبري من طريق سعيد "3/ 126" "2136" بأطول مما هنا، وإليهما عزاه في "الدر" "341/ 1".
5 في الطبري: "أولئك أهل الكتاب".
6 مَنْ القائل وأين السند؟
7 "ص38-39".
8 هو عمرو بن عبد الله السبيعي أخرج عنه الستة انظر "التقريب" "ص423".(1/386)
الله صلى الله عليه وسلم المدينة، صلى نحو بيت المقدس ستة عشر1 شهرا وكان يحب أن يوجه نحو الكعبة فأنزل الله عز وجل {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَام} فقال السفهاء من الناس وهم اليهود: {مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا} فأنزل الله عز وجل {قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} 2.
أخرجه البخاري3 عن عبد الله بن رجاء عن إسرائيل عنه، وأخرج أيضا4 من طريق أبي بكر بن عياش5 عن أبي إسحاق نحوه وقال فيه: ثم علم الله هوى نبيه فنزلت {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا} وقال: "أخرجاه من طرق عن أبي إسحاق"6 وهو كما قال7.
__________
1 في البخاري والواحدي: أو سبعة عشر.
2 تشير هذه الرواية وروايات أخرى لاحقة إلى وجود آيات متأخرة في النزول -أعني في هذا الفصل المختص بتحويل القبلة- متقدمة في الخط، وقد لا تبدو لذلك علة وبعض المفسرين يميل إلى احتمال أن يكون التبديل في بدئه إلهامًا ربانيًّا فقال اليهود وغيرهم ما قالوا، وساورت المسلمين مخاوف على من مات منهم، وهو يصلي إلى بيت المقدس فنزلت الآية تعالج كل هذا انظر التفصيل في "التفسير الحديث" للأستاذ محمد عزة دروزة "7/ 250-251".
3 في "صحيحه" كتاب الصلاة باب التوجه نحو القبلة حيث كان "الفتح" "1/ 502".
4 أي: الواحدي "ص39-40" في سبب الآية "143".
5 في الأصل: عباس وهو تحريف.
6 نص الواحدي: "رواه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة عن أبي الأحوص، ورواه البخاري عن أبي نعيم عن زهير، كلاهما عن أبي أسحاق".
7 طريق أبي نعيم عن زهير في "صحيح البخاري" كتاب "التفسير" باب سيقول السفهاء "الفتح" "8/ 171".
وطريق أبي الأحوص في "صحيح مسلم" كتاب المساجد ومواضع الصلاة باب تحويل القبلة "1/ 374".(1/387)
ومن طرقه عند البخاري من رواية زهير1 عن أبي إسحاق بلفظ: صلى إلى بيت المقدس ستة عشر أو سبعة عشر شهرا وكان يعجبه أن تكون قبلته قبل البيت الحديث2.
وذكر مقاتل في "تفسيره" قال3: "فلما صرفت القبلة إلى الكعبة قال مشركو مكة قد تردد على محمد أمره واشتاق إلى مولد آبائه، وقد توجه إليكم فهو راجع إلى دينكم. فكان ذلك سفها منهم فأنزل الله تعالى: {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاس} الآية".
وأخرج الطبري4 من طريق ابن إسحاق5 بسنده المتكرر إلى ابن عباس قال: لما صرفت القبلة عن الشام إلى الكعبة وذلك في رجب على رأس سبعة6 عشر شهرا من مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم رفاعة بن قيس وقردم بن عمرو وكعب بن الأشرف ونافع بن أبي نافع، وفي رواية له ورافع بن أبي رافع والحجاج بن عمرو حليف كعب بن الأشرف والربيع7 أبي الحقيق وكنانة بن أبي7 الحقيق فقالوا يا محمد: ما ولاك عن قبلتك التي كنت عليها وأنت تزعم أنك على ملة إبراهيم ودينه؟ ارجع إلى قبلتك التي كنت عليها نتبعك ونصدقك وإنما يريدون فتنته
__________
1 أي: رواية أبي نعيم عنه كما تقدم.
وأما رواية عمرو بن خالد عنه ففي كتاب الإيمان باب الصلاة من الإيمان "الفتح" "1/ 95".
2 وضع الناسخ على "الحديث" رمز الصحة، ولعله خشي أن يتوهم القارئ أن "الحديث" تحريف عن "الحرام".
3 "1/ 73".
4 "3/ 132-133" "2149".
5 انظر "السيرة" لابن هشام "ق1/ 550".
6 في الأصل: ستة وفي السيرة والتفسير ما أثبت.
7 في السيرة فقط: "ابن الربيع بن أبي الحقيق" أي" تكرر اسم "الربيع".(1/388)
عن دينه فأنزل الله فيهم {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ} إلى قوله {عَلَى عَقِبَيْه} .
وقيل: أراد بالسفهاء أهل الكتاب حكاه الطبري1 قال: وقال آخرون: قاله المنافقون استهزاء2. ثم أسند3 من طريق أسباط عن السدي قال: لما وجه النبي صلى الله عليه وسلم قبل المسجد الحرام اختلف الناس فكانوا أصنافا فقال المنافقون: ما بالهم كانوا على قبلة زمانا ثم تركوها فأنزل الله عز وجل في المنافقين {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاس} الآية.
وحكى الماوردي4 عن الزجاج: قال ذلك كفار قريش5.
قلت: وحكاه يحيى بن سلام عن تفسير الحسن البصري ونبه على أن هذه الآية سابقة على ما قبلها في التأليف وهي بعدها في التنزيل6.
66- قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} 143.
قال مقاتل7: "وذلك أن اليهود منهم مرحب وربيعة ورافع قالوا لمعاذ: ما ترك محمد قبلتنا إلا حسدا فإن قبلتنا قبلة الأنبياء ولقد علم أنَّا عدل بين الناس فأنزل الله
__________
1 "3/ 129-130": وفيه اليهود فقط.
2 انظر "3/ 130 و140".
3 "3/ 140" "2164" وفي النقل حذف.
4 في تفسيره "1/ 163".
5 انظر "معاني القرآن وإعرابه" للزجاج "1/ 218" وفيه "سيقول السفهاء من الناس: وفيه قولان، قيل: يعني به كفار أهل مكة، وقيل: يعني به اليهود".
6 عن هذه المسألة ينظر "تفسير القرطبي" "2/ 107" ورسالتي "التفسير الحديث" للأستاذ محمد عزة دروزة "ص88-90" ومن مصادري هناك "الفتح" "8/ 194".
7 "1/ 73".(1/389)
تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} يعني عدلا". وقد ثبت في حديث أبي سعيد الخدري هذا التفسير1 مرفوعا دون السبب2.
وأسنده الطبري عن جماعة من الصحابة3.
67- قوله تعالى: {إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْه} 4.
أخرج الطبري5 من طريق سنيد6 بن داود عن حجاج بن محمد عن ابن جريج قال قلت لعطاء7: فقال: يبتليهم ليعلم من يسلم لأمره -قال ابن جريج: بلغني أن ناسا ممن أسلم رجعوا فقالوا: مرة ههنا ومرة ههنا!
قال الطبري8: معناه ليعلم الرسول والمؤمنون وأضاف ذلك إليه وفقًا لخطابهم. وأخرج عبد بن حميد من طريق شيبان عن قتادة قال: كان في القبلة الأولى بلاء وتمحيص فصلى النبي صلى الله عليه وسلم قدومه إلى المدينة إلى بيت المقدس ثم وجهه الله إلى
__________
1 أي: تفسير "وسطًا" بـ"عدلًا".
2 رواه أحمد "3/ 9 و32" والبخاري في كتاب التفسير "الفتح" "8/ 171" والترمذي في "التفسير" "5/ 190" وابن ماجه وقد استوعب ابن كثير الروايات الواردة في هذا المعنى "1/ 190-191" وكذلك السيوطي في "الدر" "1/ 348".
3 انظر "3/ 142-154".
4 كان هذا المقطع بعد المقطع التالى {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} فقدمته مراعاة لتسلسل الآية وكان موضعه في نهاية الصفحة "96" وأول "97" من الأصل، هذا شيء والشيء الآخر هو أنه ليس فيما ذُكر هنا سبب نزول لهذه الآية فتأمل!
5 "3/ 158" "2205".
6 في الأصل: سليك وهو تحريف.
7 ذكرت في الطبري هنا الآية المتكلم عليها.
8 "3/ 158" وقد أخذ الحافظ معنى كلامه.(1/390)
الكعبة.
واسند الطبري1 عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس معناه: "نميز أهل اليقين من أهل الشك"2.
قال3: وقال آخرون: كانوا ينكرون أن يكون الله يعلم الشيء قبل كونه ولو قيل4 لهم إن قوما من أهل القبلة سيرتدون5 إذا حولت القبلة لقالوا:
إن ذلك باطل فلما حولت القبلة وكفر من كفر من أجل ذلك قال الله وما جعلت ذلك إلا لأعلم ما عندكم6 -أيها المنكرون علمي بما هو كائن من الشيء قبل وقوعه- وحاصله أن المعنى إلا لنبين لكم أنا نعلم ما كان قبل أن يكون7.
وقال المارودي8: "اختلفوا في سبب الصلاة إلى بيت المقدس فقال الطبري: إنه
__________
1 "3/ 160" "2208".
2 في الطبري: "من أهل الشرك والريبة" وكلمة الشرك هنا غريبة على المقام فهي محرفة وقد فات المحقق أمرها.
3 "3/ 161-162" وفي النقل تصرف واختصار وتغيير.
4 في الطبري: وقالوا إذا قيل لهم: إن قومًا من أهل القبلة سيرتدون ... : ذلك غير كائن أو قالوا: ذلك باطل!
5 لم تنقط في الأصل سوى نقطة على الراء. وهذا خطأ!
6 حول المحقق الأستاذ محمود شاكر هذه العبارة إلى: "إلا لنعلم ما علمه غيركم" وقال: "كان في المطبوعة: أل نعلم ما عندكم. وهذا يجعل الجملة غير مستقيمة، غير مفهومة المعنى" وهذا غير سديد، وباللفظ الجديد ارتبك المعنى، والأول واضح فكأن الله يقول أيها المنكرون ما فعلت ذلك إلا لأعلم حقيقة رأيكم في علمي تأمل.
7 حذف المؤلف رأي الطبري في هذا القول وهو مهم فقد قال: "وهذا وإن كان وجهًا له مخرج، فبعيد عن المفهوم".
8 في تفسيره "1/ 164" وفي النقل تصرف.(1/391)
كان ليتألف أهل الكتاب1، وقال الزجاج2: "إن العرب كانت تحج البيت غير آلفة لبيت المقدس، فأحب أن يمتحنهم بغير ما ألفوه ليعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه".
68- قوله تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُم} .
قال الواحدي2: "قال ابن عباس في رواية الكلبي -يعني عن أبي صالح عنه: كان رجال من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من المسلمين4 قد ماتوا على القبلة الأولى منهم أبو أمامة5 أسعد بن زرارة أحد بني النجار والبراء بن معرور أحد بني سلمة في
__________
1 لقد ذكر الطبري في تفسير قوله تعالى: {مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا} "3/ 137-138" قولين في ذكر السبب الذي كان من أجله يصلي رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو بيت المقدس، قبل أن يفرض عليه التوجه شطر الكعبة.
الأول: كان ذلك باختياره وروى عن عكرمة والحسن والربيع ليتألف أهل الكتاب.
الثاني: أنه فعل هو وأصحابه لفرض الله عليهم، وروى هذا عن ابن عباس وابن جريج.
ولم يرجح قولًا من القولين، بينما عبارة الماوردي توهم أنه اختياره وهذا ليس بسديد!
2 انظر كتابه "معاني القرآن وإعرابه" "1/ 218".
قال هذا القول في تفسير المقطع الأول من هذا السياق وهو {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ} ونصه:
"ما ولاهم: ما عدلهم عنها يعني قبلة بيت المقدس؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان أمر بالصلاة إلى بيت المقدس؛ لأن مكة وبيت الله الحرام كانت العرب آلفة لحجه، فأحب الله عز وجل أن يمتحن القوم بغير ما ألفوه ليظهر من يتبع الرسول ممن لا يتبعه، كما قال اله عز وجل: {وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ} فامتحن الله ببيت المقدس فيما رُوي لهذه العلة والله أعلم".
3 "ص39".
4 قوله "من المسلمين" بيان لا داعي له، ولم يذكر في الواحدي.
5 أخرت الكنية في "الواحدي" وبدئت بـ" و" فأوهم أنهما اثنان وهذا خطأ، فهو واحد وترجمته في "الإصابة" "1/ 34" "111" وفيه "ص112": "اتفق أهل المغازي والتواريخ على أنه مات في حياة النبي صلى الله عليه وسلم قبل بدر وانظر "السيرة" لابن هشام "ق1/ 507".(1/392)
أناس آخرين جاءت عشائرهم فقالوا: يا رسول الله توفي إخواننا وهم يصلون إلى القبلة الأولى، وقد صرفك الله إلى قبلة إبراهيم، فكيف بإخواننا؟ فأنزل الله عز وجل {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُم} .
قلت: وذكره مقاتل في "تفسيره"1 بتمامه بنحوه وأوله: أن حُيي بن أخطب وأصحابه قالوا: أخبرونا عن صلاتكم إلى بيت المقدس كانت هدى أو2 ضلالة؟ فقالوا: إنما الهدى ما أمر الله به، والضلالة ما نهى عنه: قالوا: فما شهادتكم على مَنْ مات منكم على قبلتنا وقد كان مات؟ فذكره.
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد والطبري3 من طريق سماك بن حرب4 عن عكرمة عن ابن عباس قال: لما وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الكعبة قالوا: يا رسول الله أرأيت الذين ماتوا وهو يصلون إلى بيت المقدس؟ فأنزل الله تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُم} .
وأخرج الطبري5 من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: "أول ما
__________
1 "1/ 74" وفي النقل اختصار.
2 في الواحدي: "أم" وهو الأصل وإنما يجوز استعمال "أو" هنا قياسًا انظر "مغني اللبيب" "43/ 1" الكلام على "أم".
3 "3/ 167" "2219" ولم يسبق لفظه.
4 قال في "التقريب" "ص255": "سماك بن حرب الكوفي، أبو المغيرة، صدوق وروايته عن عكرمة خاصة مضطربة، وقد تغير بأخرة فكان ربما تلقن، مات سنة "123" أخرج حديثه البخاري تعليقًا والخمسة".
وقد حكم الشيخ أحمد شاكر على السند بالصحة وقال: "والحديث رواه أحمد في المسند": "3249" نحوه، ورواه أيضًا مطولًا مختصرًا من طريق عن إسرائيل [عن سماك] : "2691، 2776، 2966" وخرحناه هناك في "2691". وانظر "مرويات الإمام أحمد في التفسير" "1/ 98".
5 في "2/ 527" ": 1833" و"3/ 183" "2160" و"174" "2236"، واللفظ هنا من الموضع الأول.(1/393)
نسخ من القرآن القبلة وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما هاجر إلى المدينة وكان أكثر أهلها اليهود أمره الله عز وجل أن يستقبل بيت المقدس ففرحت اليهود فاستقبلها بضعة عشر شهرا، فقال الله عز وجل {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء} إلى قوله {فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَه1} فارتاب من ذلك اليهود وقالوا: ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها؟ فأنزل الله عز وجل {قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِب 2} وأنزل الله عز وجل {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ الله} "3.
وأخرج الطبري4 من طرق عن قتادة قال: "قال أناس لما صرفت القبلة نحو الكعبة: كيف بأعمالنا التي كنا نعمل قبل فنزلت".
ومن طريق أسباط بن نصر عن السدي5. "لما توجه6 رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل المسجد الحرام قال المسلمون: ليت شعرنا عن إخواننا الذين ماتوا وهم يصلون قبل بيت المقدس هل قبل الله منا ومنهم أو7 لا؟ فنزلت".
ومن طريق أبي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس قال8: قال ناس لما حولت القبلة إلى البيت الحرام: كيف بأعمالنا التي كنا نعمل في قبلتنا الأولى؟ فنزلت
__________
1 البقرة: "144".
2 البقرة: "142".
3 البقرة: "115" وأولها: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ} فربما اشتبهت بالآية "142" وقد وقع هذا في "تفسير الطبري" "2/ 527".
4 "3/ 168" "2223".
5 "3/ 168" "2224".
6 يرى الأستاذ محمود شاكر أن الصواب: وجه، وبهذا اللفظ جاء الخبر في "3/ 140" "2164".
7 في الطبري: "أم" ولاحظ ما علقته قريبًا.
8 "3/ 168" "2225".(1/394)
ومن طريق داود بن أبي عاصم نحوه1 لكن قال: هلك أصحابنا. ومن طريق العوفي2 عن ابن عباس: أشفق المسلمون على من صلى منهم إلى غير الكعبة أن لا تقبل منهم.
قال الطبري: اتفقوا على أن الإيمان في هذه الآية: الصلاة3.
ونقل يحيى بن سلام عن الحسن البصري أنه قال: معنى الآية محفوظ لكم إيمانكم عند الله حيث أقررتم بالصلاة إلى بيت المقدس إذ فرضها عليكم4.
69- قوله تعالى: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا} .
قال الواحدي5 بعد ما نقله عن الكلبي في الذي قبله إلى قوله: {لِيُضِيعَ إِيمَانَكُم} : قال6: ثم قال: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء} وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لجبريل عليه السلام: "وددت أن الله عز وجل صرفني عن قبلة اليهود إلى غيرها"
__________
1 "3/ 168-169" "2226" وداود ثقة مر في الآ ية "119".
2 "3/ 169" "2227" وفي النقل تصرف.
3 الذي رأيته في التفسير "3/ 167": "قال أبو جعفر: قيل: عني: بـ"الإيمان" في هذا الموضع: "الصلاة".
وفي "3/ 169": "قد دللنا فيما مضى على أن "الإيمان"، التصديق. وأن التصديق قد يكون بالقول وحده، وبالفعل وحده، وبهما جميعًا. فمعنى قوله: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُم} على ما تظاهرت به الرواية من أنه الصلاة، وما كان الله ليضيع تصديق رسوله عليه السلام، بصلاتكم التي صليتوها نحو بيت المقدس عن أمره؛ لأن ذلك منكم تصديقًا لرسولي واتباعًا لأمري، وطاعة منكم لي".
4 لاحظ قول الطبري المنقول في الهامش السابق، فالمعنى واحد وكأن الطبري أخذه منه.
5 "ص39".
6 لم تذكر في "الأسباب" المطبوع!(1/395)
-وكان يريد الكعبة لأنها قبلة إبراهيم عليه السلام- فقال له جبريل: إنما أنا عبد مثلك لا أملك شيئا، فسل ربك أن يحولك إلى قبلة إبراهيم عليه السلام، ثم ارتفع جبريل فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يديم النظر إلى السماء رجاء أن يأتيه جبريل عليه السلام بما سأله، فأنزل الله عز وجل: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء} الآية.
قلت: وجدت هذا السبب بهذا السياق في "تفسير مقاتل بن سليمان"1 فيحتمل أن يكون مراده بقوله: "قال ثم قال" إلى آخره غير ابن الكلبي وهو مقاتل فيكون ظاهره الإدراج على كلام ابن الكلبي عن ابن عباس، ويحتمل أن يكونا تواردا2 والذي أورده الطبري3 عن ابن عباس هو ما أخرجه من طريق علي بن أبي طلحة عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما هاجر إلى المدينة، وكان أكثر أهلها اليهود أمره الله أن يستقبل بيت المقدس، ففرحت اليهود، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب قبلة إبراهيم عليه السلام فكان يدعو وينظر إلى السماء فنزلت.
وقد جمع محمد بن إسحاق في روايته4 الأمور الثلاثة فقال: حدثني إسماعيل بن أبي خالد5 عن أبي إسحاق عن البراء: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي نحو بيت المقدس ويكثر النظر إلى السماء ينتظر أمر الله فأنزل الله تعالى: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء} إلى قوله: {عَمَّا تَعْمَلُون} قال: فقال رجال من المسلمين: وددنا لو علمنا علم من مات منا قبل أن تصرف القبلة وكيف بصلاتنا إلى بيت المقدس فأنزل الله: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُم} قال: قال السفهاء من الناس وهم أهل الكتاب: ما
__________
1 "1/ 72-73".
2 وظاهر الكلام أن "تفسير الكلبي" لم يكن تحت يد ابن حجر وهو يكتب هذا الموضع.
3 "3/ 174" "2236" وفي النقل اختصار. وقد مر الكلام على الآية "143".
لم أجد روايته هذه في "السيرة" لابن هشام "1/ 606" ولا في "تفسير الطبري".
5 هو الأحمسي مولاهم ثقة مات سنة "146" أخرج حديثه الستة انظر "التهذيب" "1/ 291".(1/396)
ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها فأنزل الله {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاس} الآية.
ومن طريق سنيد ثم من رواية ابن جريج عن مجاهد1 قال: قالت اليهود: أيخالفنا محمد ويتبع قبلتنا! فكان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو الله أن يحوله عن قبلتهم، فنزلت الآية فانقطع قول يهود.
ومن طريق عبد الرحمن بن زيد بن أسلم قال2: لما أنزل الله عز وجل {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّه} 3 واستقبل النبي صلى الله عليه وسلم بيت المقدس4 فبلغه أن اليهود تقول: والله ما درى محمد وأصحابه أين قبلتهم حتى هديناهم، فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك، وجعل يرجع بوجهه5 إلى السماء فقال الله تعالى: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء} الآية.
ومن طريق أسباط عن السدي قال6: كان الناس يصلون إلى بيت المقدس، فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة صلى كذلك إلى7 ثمانية عشر شهرا من مهاجره، وكان إذا صلى رفع رأسه إلى السماء ينتظر ما يؤمر به وكان يحب أن يصلي إلى الكعبة، فأنزل الله عز وجل {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء} .
__________
1 انظر الطبري "3/ 173-174" "2234".
2 "2/ 529" "1838" و"3/ 174" "2235".
3 البقرة: "115" وقد طوى الحافظ كلامًا مهمًّا يتضح منه السياق وهو: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هؤلاء قوم يهود يستقبلون بيتًا من بيوت الله -لبيت المقدس- لو أنا استقبلناه..".
4 في الطبري: ستة عشر شهرًا.
5 كذا هنا، وفي الطبري: ورفع وجهه.
6 "3/ 173" "2233" وفي النقل تصرف واختصار.
7 في الطبري: "المدينة على ثمانية" ولا أدري فلعل المؤلف هو الذي تصرف.(1/397)
ومن طريق أبي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس1 أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقلب وجهه في الصلاة وهو يصلي نحو بيت المقدس وكان يهوى قبلة البيت الحرام، فولاه الله قبلة كان يهواها.
وقال ابن ظفر: قيل كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام لصلاة الليل بالمدينة قلب وجهه في السماء قبل دخوله في الصلاة يود لو صرف عن المسجد الأقصى إلى البيت الحرام محبة لموافقة إبراهيم وكراهة لموافقة اليهود فنزلت.
70- قوله ز تعالى: {وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَك} .
أخرج الطبري2 من طريق أسباط عن السدي قال: لما حول النبي صلى الله عليه وسلم إلى الكعبة قالت اليهود: إن محمدا اشتاق إلى بلد أبيه ومولده، ولو ثبت على قبلتنا لكنا نرجو أن يكون هو صاحبنا الذي ننتظر فنزلت3.
ومن طريق عبد الرحمن بن زيد بن أسلم نحوه4.
71- قوله تعالى: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُم} [الآية: 146] .
قال الواحدي5.
__________
1 "3/ 173" "2232".
2 "3/ 185-186" "2257"، والنقل بتصرف.
3 النص في الطبري: "فأنزل الله عز وجل فيهم: {وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ} إلى قوله: {لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُون} أي: من الآية "144 إلى 146" ولو عنون الحافظ بالمقطع المذكور هنا أولًا من الآية "144" لكان أوضح.
4 "3/ 186" "2258".
5 "ص40" وقد اختصر.(1/398)
نزلت في مؤمني أهل الكتاب عبد الله بن سلام1 وأصحابه، كانوا يعرفون رسول الله صلى الله عليه وسلم كما يعرف أحدهم ولده إذا رآه مع الغلمان.
قال عبد الله بن سلام لأبي بن كعب2: كنت أشد معرفة برسول الله صلى الله عليه وسلم مني بابني فقال له عمر بن الخطاب: وكيف ذلك يابن سلام؟ قال: لأني أشهد أن محمدا رسول الله حقًّا يقينًا، وأنا لا أشهد بذلك على ابني لأني لا أدري ما أحدث النساء، فقال عمر: وفقك الله يابن سلام.
وقال يحيى بن سلام: قال الكلبي3: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة قال عمر بن الخطاب لعبد الله بن سلام: إن الله أنزل على نبيه وهو بمكة أن أهل الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم كيف هذه المعرفة يابن سلام؟ قال: نعرف نبي الله بالنعت الذي نعته الله به إذا رأيناه فيكم كما يعرف أحدنا ابنه إذا رآه مع الغلمان، والذي يحلف به عبد الله بن سلام لأنا بمحمد أشد مني معرفة بابني فقال له عمر: كيف ذلك؟ قال: عرفته بما نعته الله لنا في كتابنا أنه هو، وأما ابني فلا أدري ما أحدثت أمه، فقال له عمر: وفقك الله فقد أصبت وصدقت. قال يحيى بن سلام: أراد بما أنزل بمكة الآية التي في أول سورة الأنعام {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ} 4 ثم نزل بعد في المدينة في سورة البقرة فذكرها.
__________
1 شدد محقق الكتاب السيد أحمد صقر اسم "سلام" وهذا خطأ.
2 لم يرد ذكر "أبي" في الواحدي وهو غريب هنا فالكلام موجه لعمر بن الخطاب وهو السائل -لاحظ الخبر الذي بعده- وفي الواحدي: لأنا كنت. وأخشى أن تكون حرفت "لأنا" إلى "لأبي" و"كنت" إلى "كعب" وأضيف بينهما "بن" والله أعلم.
3 وأخرجه الثعلبي عنه انظر "الدر" "1/ 357".
4 الآية "20".(1/399)
قلت: وحاصله أن الضمير في قوله {يَعْرِفُونَه} للنبي صلى الله عليه وسلم، هو في آية الأنعام بعيد، وأما في آية البقرة فمحتمل وقد جاء أن الضمير للبيت الحرام1 كذا قال مقاتل بن سليمان2: إن اليهود منهم أبو ياسر بن أخطب وكعب بن الأشرف، وكعب بن أسيد، وسلام بن صوريا وكنانة بن أبي الحقيق، ووهب بن يهوذا وأبو رافع3 قالوا للمسلمين4: لم تطوفون بالكعبة وهي حجارة مبنية؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنهم ليع لمون 5 أن الطواف بالبيت حق، وأنه هو القبلة، وذلك مكتوب عندهم في التوراة والإنجيل ولكنهم يكتمون ذلك" فقال ابن صوريا: ما كتمنا شيئًا مما في كتابنا، فأنزل الله {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَه} يعني البيت الحرام وأنه القبلة.
قلت: وأخرج الطبري أن الضمير للبيت الحرام فقال6: يعني أن أحبار اليهود وعلماء النصارى يعرفون أن البيت الحرام قبلة إبراهيم. كما يعرفون أبناءهم ثم أسند من طريق العوفي عن ابن عباس7 في قوله: {يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُم} : عرفوا أن قبلة البيت الحرام قبلتهم التي أُمروا بها كما عرفوا أبناءهم. ومن طريق8 قتادة، و9 عن الربيع بن أنس، وعن السدي وعن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم كلهم
__________
1 يمكن أن يكون هذا سبب النزول -لو صح السند- وأما ما ذكر قبله فكله تفسير.
2 "1/ 75-76".
3 في التفسير: نافع.
4 في التفسير: "للنبي صلى الله عليه وسلم" بدل "المسلمين".
5 في التفسير: "إنكم لتعلمون" وكذلك الفعل الذي بعده: "ولكنكم تكتمون".
6 "3/ 187" وقد تصرف.
7 حصل هنا سبق خاطر للحافط، فالمتن الذي أورده من كلام الربيع بن أنس من طريق أبي جعفر الرازي انظر "3/ 188" "2261". وأما سند العوفي عن ابن عباس فمتنه: "يعني بذلك الكعبة البيت الحرام" وهو برقم "2262".
8 وضع الناسخ عليها إشارة لحق وفي الهامش:* وكأنه استراب من النص بسبب سقوط الواو.
9 سقطت الواو من الأصل، فأوهم أن قتادة يروي عن الربيع.(1/400)
نحوه1.
72- قوله تعالى: {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّة} الآية150.
قال الطبري2: يعني بالناس أهل الكتاب الذين كانوا يقولون ما درى محمد وأصحابه أين قبلتهم حتى هديناهم ويقولون: يخالفنا محمد في ديننا ويتابعنا في قبلتنا، فهي حجتهم التي كانوا يموهون بها على الجهال، فقطع الله ذلك بتحويلها إلى الكعبة.
قال3: "وقد ذكر الأسانيد إلى قائلي ذلك" يعني كما تقدم.
قال:4 والمراد بالذين ظلموا منهم قريش لقولهم رجع محمد إلى قبلتنا وسيرد إلى ديننا.
ثم أسند5 من طريق أسباط بن نصر عن السدي فيما يذكر عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس و6 عن مرة الهمذاني عن ابن مسعود و6 عن ناس من الصحابة قالوا: لما صرف نبي الله صلى الله عليه وسلم نحو الكعبة، بعد صلاته إلى بيت المقدس، قال المشركون من أهل مكة: تحير على7 محمد دينه فتوجه بقبلته إليكم وعلم8 أنكم
__________
1 انظر "3/ 183-188" والأرقام حسب تسلسل الأسماء: "2259، 2260، 2263، 2264" وبقي عليه قول ابن جريج "2265" وهو كهذه الأقوال.
2 "3/ 200" وقد تصرف في النقل واختصر.
3 "3/ 200" ونصه: وقد ذكرنا فيما مضى ما روي في ذلك.
4 "3/ 200-202" وتصرف حسب عادته.
5 "3/ 203" "2305".
6 سقطت الواو من الأصل.
7 في الأصل: "محمد على" وهو خطأ وأثبت ما في الطبري.
8 في الأصل: "وعلى" وهو تحريف.(1/401)
كنتم أهدى منه سبيلا، ويوشك أن يدخل في دينكم فأنزل الله تعالى: {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُم} .
ومن طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد1 في قوله تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُم} قال: حجتهم قولهم قد راجعت قبلتنا.
ومن طريق سعيد عن قتادة2 {إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ} : هم مشركو قريش فكانت حجتهم أن قالوا: سيرجع إلى ديننا كما رجع إلى قبلتنا فنزلت.
ومن طريق سنيد بن داود بسنده إلى عطاء3 وعن مجاهد نحو ذلك4.
وذكر يحيى بن سلام عن أنس5 قال: أخبره أنه لا يحول عن الكعبة إلى غيرها أبدا فيحتج عليه محتج بالظلم كما احتج عليه مشركو العرب6.
__________
1 "3/ 202" "2300".
2 "3/ 202" "2303" وقد اختصر في النقل.
3 "3/ 203" "2306".
4 "3/ 202" "2302".
5 وضع الناسخ عليه إشارة لحق وفي الهامش.* ولم أدر لم!
6 لم أجد قول أنس هذا وقد رجعت إلى تفسير مقاتل والطبري والسمرقندي والماوردي والزمخشري وابن الجوزي والرازي والقرطبي والبيضاوي والنسفي والخازن وأبي حيان وابن كثير والسيوطي والآلوسي.
ورأيت في "تفسير الماوردي" "1/ 171" في تفسير قوله تعالى: {وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ} قوله: "أفاد كل واحد من الأوامر الثلاثة مع استوائها في التزام الحكم فائدة مستجدة: أما الأمر الأول فمفيد لنسخ غيره، وأما الأمر الثاني فمفيد لأجل قوله تعالى: {وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ} أنه لا يتعقبه نسخ وأما الأمر الثالث فمفيد أن لا حجة عليهم فيه، لقوله: {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ} .(1/402)
73- قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِين} .
أخرج عبد بن حميد من طريق شيبان بن قتادة1 قال: لما احتج مشركو قريش بانصراف النبي صلى الله عليه وسلم إلى الكعبة فقالوا: سيرجع إلى ديننا كما رجع إلى قبلتنا أنزل الله تعالى في ذلك كله2 {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِين} .
74- قوله تعالى: {وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَات} [الآية: 154] .
قال الواحدي3: نزلت في قتلى بدر وكانوا بضعة عشر رجلا، ثمانية من الأنصار، وستة من المهاجرين، وذلك أن الناس كانوا يقولون للرجل يقتل في سبيل الله: مات فلان وذهب عنه نعيم الدنيا ولذتها، فنزلت.
قلت: كذا ذكره الثعلبي بغير إسناد، ووجدته في "تفسير مقاتل بن سليمان"4 به وزيادة أن سمى الستة من المهاجرين وهم عبيدة5 بن الحارث، وعمير6 بن أبي
__________
1 وكذلك ابن جرير من طريق سعيد عنه "3/ 202" "2303" وقد مر في الآية السابقة وإليهما عزاه السيوطي في "الدر" "1/ 359".
2 هكذا العبارة هنا وفي الطبري وابن كثير والسيوطي، وقال الأستاذ محمود شاكر: "وكأن صواب العبارة: فأنزل الله في ذلك، ذلك كله إلى قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} "!!
3 "ص40-41".
4 "1/ 78".
5 في الأصل: عبيد وهو خطأ وترجمته في "الإصابة" "2/ 449".
6 في الأصل:" عتبة هو خطأ "الإصابة" "3/ 35".(1/403)
وقاص، وذو الشمالين1 بن عبد عمرو2 وعاقل3 بن البكير، ومهجع4 مولى عمر، وصفوان بن بيضاء5، وسمى الثمانية من الأنصار وهم سعد6 بن خيثمة ومبشر7 بن عبد المنذر وحارثة بن سراقة8، وعوف9 ومعوذ10 ابنا عفراء11، وهي أمهما، واسم أبيهما الحارث بن مالك ويزيد بن الحارث12، وعمير13 بن الحمام14 ورافع بن المعلى15.
__________
1 واسمه عمير "الإصابة" "3/ 35".
2 جاء في "تفسير مقاتل": "وذي الشمالين عبد عمر بن نضلة" وقد سقط منه لفظ "بن" وواو عمرو.
3 في الأصل وفي "تفسير مقاتل": عقيل وهو خطأ "الإصابة" "2/ 247".
4 مهجع العكي "الإصابة" "2/ 466".
5 ترجمه الحافظ في "الإصابة" باسم: صفوان بن وهب "2/ 191".
6 في الأصل: سعيد وهو خطأ "الإصابة" "2/ 25".
7 لم ينقط في الأصل "الإصابة" "3/ 360".
8 "الإصابة" "1/ 297".
9 "الإصابة" "3/ 42".
10 في الأصل: مسعود وهو تحريف "الإصابة" "3/ 450".
11 هي عفراء بنت عبيدة من بني النجار، الصحابية التي شهد سبعة من أولادها بدرًا رضي الله عنها "الإصابة" "4/ 364" و"المجتبى من المجتنى" لابن الجوزي "ص165".
12 "الإصابة" "3/ 654".
13 في الأصل: عمرو وفي "تفسير مقاتل": عمر وكلاهما خطأ "الإصابة" "3/ 31" وقال السيوطي في "اللباب" "ص30": "أخرج ابن منده في الصحابة من طريق السدي عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال: قتل تميم بن الحمام ببدرا، وفيه وفي غيره نزلت {وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ} الآية قال أبو نعيم: اتفقوا على أنه عمير بن الحمام، وأن السدي صحفه".
14 قال الحافظ في ترجمته: ابنه: "بضم المهملة، وتخفيف الميم".
15 "الإصابة" "1/ 499".
وانظر أسماء الشهداء الأربعة عشر في "السيرة" لابن هشام "1/ 706-708".(1/404)
وذكره الماوردي1 مختصرا ولفظه: "وسبب ذلك أنهم كانوا يقولون لقتلى بدر وقتلى أحد مات فلان مات فلان، فنزلت".
وحكى ابن عطية2 في سببها: "أن المؤمنين صعب عليهم فراق إخوانهم وقراباتهم، فنزلت مسلية لهم تعظم منزلة الشهداء3، فصاروا مغبوطين لا محزونا لهم"4.
75- قوله ز5 تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ} .
أشار الماوردي6 إلى أن سبب نزولها دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: "اشدد وطأتك على مضر واجعلها عليهم سنين كسني 7 يوسف 8 " فقال تعالى مجيبا لدعاء نبيه:
__________
1 في تفسيره "1/ 173".
2 في "المحرر الوجيز" "2/ 30-31" ولم ينسب هذا القول إلى قائل.
3 في "المحرر" زيادة: وتخبر عن حقيقة حالهم.
4 ليس لهذه الأقوال كما ترى سند يعتمد عليه ويقول الأستاذ محمد عزة دروزة في "تفسيره" "7/ 256": "والذي نرجحه أنها في صدد استشهاد بعض المؤمنين في الحركات الحربية التي أخذت تنشب بين المؤمنين وقريش بعد قليل من الهجرة وقبل واقعة بدر، وفي سورة البقرة آيات متصلة بذلك سوف تأتي بعد قليل" قال هذا في تفسير الآيات "153" إلى "157".
5 سقط الرمز "ز" من الأصل.
6 في تفسيره "1/ 173-174".
7 اللفظة بهذه الصيغة من الهامش، وفي الأصل: كسنين ولها وجه وقال ابن مالك في الألفية:
وبابه ومثل حين قد يرد ... ذا الباب وهو عند القوم يطرد
انظر ما قاله الشارح ابن عقيل "1/ 65".
8 رواه البخاري في "صحيحه" كتاب "الأذان" باب يهوي بالتكبير حين يسجد "الفتح" "2/ 290" بهذا اللفظ وبدون "عليهم في كتاب الاستسقاء" باب دعاء الني صلى الله عليه وسلم" اجعلها عليهم سنين كسني يوسف "الفتح" "2/ 492" وكتاب "التفسير" باب "ليس لك من الأمر شيء". "الفتح" "8/ 226".(1/405)
{وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ} الآية.
وعبر عنه أبو حيان بقوله1: وقيل هؤلاء2 أهل مكة خاطبهم بذلك إعلاما بأنه أجاب دعوة نبيه فيهم3.
76- قوله تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّه} [الآية: 158] .
أسند الواحدي1 من طريق مالك وغيره عن هشام بن عروة عن عائشة سبب ذلك وهو في "الصحيحين" من طريق هشام ومن طريق الزهري، أما الزهري5 فقال عن عروة: سألت عائشة فقلت لها: أرأيت قول الله تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} فوالله ما على أحد جناح أن لا يطوف بالصفا والمروة، فقالت: بئس ما قلت يابن أختي، إن هذه لو كانت على ما أولتها عليه لكانت لا جناح عليه أن لا يطوف بهما، ولكنها أنزلت في الأنصار كانوا يهلون قبل أن يسلموا لمناة الطاغية، التي كانوا يعبدونها عند المشلل6، وكان من أهل منها تحرج أن يطوف بالصفا والمروة فلما أسلموا سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقالوا يا رسول الله: إنا كنا نتحرج أن نطوف بين الصفا والمروة؟ فأنزل الله تعالى:
__________
1 في "البحر المحيط" "1/ 449" وهذا هو القول الثاني من أربعة أقوال ذكرها.
2 في الأصل: هو لأهل وأثبت ما في "البحر".
3 وتتمة نقله: "وليبقوا يتوقعون المصيبة فتتضاعف عليهم المصيبات".
4 "ص41".
5 أخرجه البخاري في "صحيحه"، كتاب "الحج"، باب وجوب الصفا والمروة "الفتح" "497-498/ 3" من طريق شعيب عن الزهري.
6 قال الحافظ في "الفتح" "3/ 499": "بضم أوله، وفتح المعجمة ولامين الأولى مفتوحة مثقلة، وهي الثنية المشرفة على قديد ... وقديد -بقاف مصغر: قرية جامعة بين مكة والمدينة كثيرة المياه قاله أبو عبيد البكري".
وانظر "معجم البلدان" "5/ 136" والروض المعطار" "ص560".(1/406)
{إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّه} الآية.
قالت عائشة: وقد سن رسول الله صلى الله عليه وسلم الطواف بينهما فليس لأحد أن يترك الطواف بينهما.
وفي رواية يونس1 عن الزهري2 إن الأنصار كانوا قبل أن يسلموا3 هم وغسان يهلون لمناة.
قال الزهري4: ثم أخبرت5 أبا بكر بن عبد الرحمن فقال: إن هذا لعلم ما كنت سمعته، ولقد سمعت رجالا من أهل العلم يذكرون أن الناس -إلا من ذكرت عائشة ممن كان يهل بمناة- كانوا يطوفون كلهم بالصفا6 والمروة، فلما ذكر الله الطواف بالبيت ولم يذكر الصفا والمروة في القرآن، قالوا: يا رسول الله كنا نطوف بالصفا والمروة وإن الله أنزل الطواف بالبيت فلم يذكر الصفا والمروة7 فهل علينا من حرج أن لا نطوف8 بالصفا والمروة فأنزل الله تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّه} الآية.
قال أبو بكر: فأسمع هذه الآية نزلت في الفريقين كليهما: في الذين كانوا يتحرجون في أن لا يطوفوا9 بالصفا والمروة في الجاهلية، والذين كانوا يطوفون ثم تحرجوا
__________
1 أخرجها مسلم في "صحيحه" كتاب "الحج" باب بيان أن السعي بين الصفا والمروة ركن لا يصح الحج إلا به "2/ 930".
2 أي: عن عروة بن الزبير، أن عائشة أخبرته:
3 هذه الكلمة إلى يهلون في الأصل، استعنت على قراءتها بما ورد في "صحيح مسلم".
4 كما في رواية شعيب عنه المتقدمة.
5 كان مكان هاتين اللفظتين فراغ في الأصل، ووضع الناسخ.. واستدركتهما من البخاري.
6 في الأصل: "من الصفا" وهو تحريف وأثبت ما في البخاري.
7 لم تذكر في البخاري.
8 في البخاري: أن نطوف، وما هنا تحريف.
9 في البخاري: يتحرجون أن يطوفوا، وما هنا تحريف.(1/407)
أن لا يطوفوا1 بهما في الإسلام من أجل أن الله أمر بالطواف بالبيت ولم يذكر الصفا والمروة2 حتى ذكر ذلك بعد ما ذكر الطواف بالبيت.
وأما طريق هشام بن عروة عن أبيه فلفظها3 عن عائشة قالت: إنما أنزل هذا في أناس من الأنصار، كانوا إذا أهلوا لمناة في الجاهلية لا4 يحل لهم أن يطوفوا بين الصفا والمروة، فلما قدموا مع النبي صلى الله عليه وسلم في الحج5 ذكروا ذلك له فأنزل الله هذه الآية قالت: ولعمري ما أكمل6 الله حج من حج7 ولم يطف بين الصفا والمروة.
وفي رواية أبي معاوية8 عن هشام بهذا السند قالت: إنما كان ذاك أن الأنصار كانوا يهلون في الجاهلية لصنمين على شط البحر يقال لهما "إساف ونائلة" ثم يجيئون فيطوفون بين الصفا والمروة، وسائر الرواة قالوا: كانوا لا يطوفون انتهى. ويؤيده أن في رواية عبد الرحيم بن سليمان عن هشام لا يحل لهم أن يطوفوا بين الصفا والمروة9.
__________
1 في البخاري: ثم تحرجوا أن يطوفوا، وما هنا تحريف.
2 لم تذكر في البخاري.
3 وقد أخرجها البخاري في كتابي "الحج والتفسير" "الفتح" "3/ 614 و8/ 175" ومسلم في كتاب "الحج" "2/ 928" واللفظ هنا لمسلم.
4 في مسلم: فلا يحل.
5 في مسلم: للحج.
6 في مسلم: ما أتم.
7 مَنْ حج لم تذكر في مسلم.
8 أخرجها مسلم "2/ 928".
9 أخرج هذه الرواية الواحدي بسنده انظر "ص41" وجاء في المطبوع: عبد الرحمن وهو تصحيف فالراوي عن هشام: عبد الرحيم بن سليمان وهو ثقة من رجال الستة انظر "التهذيب" "6/ 306".(1/408)
قال الواحدي1: وقال أنس بن مالك: كنا نكره الطواف بين الصفا والمروة؛ لأنهما كانا من مشاعر قريش في الجاهلية، فتركناه في الإسلام، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
ثم ساقه من طريق عاصم الأحول عن أنس بلفظ: كانوا يمسكون عن الطواف بين الصفا والمروة، وكانا من شعائر الجاهلية، وكنا نتقي أن نطوف بهما، فأنزل الله هذه الآية. والحديث في "الصحيحين" من طرق عن عاصم بنحو هذا2 وفي رواية الثوري عن عاصم كانتا من مشاعر الجاهلية فلما جاء الإسلام كرهنا أن نتطوف بينهما3.
والرواية التي فيها ذكر قريش4 وأخرج له الطبري5 شاهد من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: قالت الأنصار: إن السعي بين هذين الحجرين من أمر الجاهلية! فأنزل الله {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ} الآية.
ثم ذكر الواحدي6 معلقا عن عمرو بن حبشي: سألت ابن عمر عن هذه الآية، فقال: انطلق إلى ابن عباس فاسأله فإنه أعلم من بقي بما أنزل الله عز وجل على محمد صلى الله عليه وسلم، فأتيته فسألته فقال: كان على الصفا صنم على صورة رجل يقال له إساف، وكان على المروة صنم على صورة امرأة تدعى نائلة، زعم أهل الكتاب أنهما زنيا في الكعبة فمسخهما الله تعالى حجرين، فوضعا على الصفا والمروة ليُعتبر بهما.
__________
1 "ص41-42".
2 "صحيح البخاري" كتاب "الحج" "الفتح" "8/ 502"، و"صحيح مسلم"، كتاب "الحج" "2/ 930".
3 أخرجها البخاري في كتاب التفسير "الفتح" "8/ 176" ولفظه: "كنا نرى أنهما من أمر الجاهلية، فلما كان الإسلام أمسكنا عنهما، فأنزل الله تعالى: {إِنَّ الصَّفَا} .
4 كذا في الأصل! وكأن في العبارة سقطًا!
5 "3/ 235" "2343".
69 "ص42".(1/409)
فلما طالت المدة عبدا من دون الله. فكان أهل الجاهلية إذا طافوا بينهما تمسحوا بهما [فلما جاء الإسلام وكسرت الأصنام، كره المسلمون الطواف بينهما لأجل الصنمين] 1 فأنزل الله تعالى هذه الآية. قلت: وصله الطبري من طريقه2 وأخرجه ابن أبي حاتم من طريق أسباط بن نصر عن السدي عن أبي مالك عن ابن عباس.
وأخرج الواحدي في "الوسيط"3 والطبري4 من طريق داود بن أبي هند5 عن الشعبي قال: كان لأهل الجاهلية6 صنمان يقال لأحدهما بإساف وللآخر نائلة وكان إساف على الصفا ونائلة على المروة فكانوا إذا طافوا بين الصفا والمروة، مسحوهما، فلما جاء الإسلام: قالوا إنما كان أهل الجاهلية يطوفون بهما لمكان هذين الصنمين وليسا من شعائر الحج فنزلت.
وأخرج ابن أبي حاتم أيضا من طريق المعتمر بن سليمان قال: سمعت أبي يحدث عن أبي مجلز7 قال: كان أهل الجاهلية يفعلون ذلك فأنزل الله تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} .
وقال مقاتل بن سليمان8: قالت الحمس9 -وهم قريش وكنانة وخزاعة
__________
1 سقط هذا من الأصل، وهو لا بد من استدركته من الواحدي.
2 "3/ 233" "2340" واللفظ مقارب وحكم عليه الشيخ أحمد بالضعف فعد إليه.
3 انظر الورقة "30أ".
4 "3/ 231" "2335" وفي النقل تصرف.
5 في "التقريب" "ص200": "ثقة متقن كان يهم بأخرة" أخرج له الخمسة والبخاري تعليقًا.
6 في الأصل: المدينة، وهو تحريف، والتصحيح من الطبري.
7 ذكر في أواخر الكلام على قوله: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ} .
8 "1/ 79".
9 سيأتي الكلام على الحمس.(1/410)
وعامر بن صعصعة: ليست الصفا والمروة من شعائر الله، وكان على الصفا صنم يقال له نائلة، وعلى المروة صنم يسمى إسافًا1 في الجاهلية، فقالوا -يعني بعد الإسلام-2: إنه حرج علينا في الطواف بينهما فنزلت.
وذكره نحوه الثعلبي عن مقاتل بن حيان: كان الناس تركوا الطواف بين الصفا والمروة إلا الحمس، فسألت الحمس رسول الله صلى الله عليه وسلم: أهو من شعائر الله أم لا؟ فإنه ما كان يطوف بهما غيرنا فنزلت3.
77- قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى} [الآية: 159] .
قال الواحدي4: نزلت في علماء الكتاب وكتمانهم آية الرجم وأمر محمد صلى الله عليه وسلم.
قلت: ذكره مقاتل بن سليمان أتم من هذا قال5: "إن معاذ بن جبل وسعد بن معاذ وخارجة6 بن زيد سألوا اليهود عن أمر محمد وعن الرجم وغيره فكتموهم، منهم: كعب بن الأشرف وابن صوريا" يعني أمر محمد7، وذكره الماوردي8 فزاد
__________
1 في مقاتل: يقال له: "يساف".
2 الجملة التفسيرية من ابن حجر.
3 يلاحظ أنه ليس في الروايات الواردة هنا ما يدل على توقيت نزول هذه الآية.
4 "ص43".
5 "1/ 80".
6 في الأصل: حارثة وكذلك في المصدر المنقول منه، ولم يُذكر صحابي بهذا الاسم والصواب كما في رواية ابن إسحاق الآتية: خارجة بن زيد، وترجمته في "الإصابة" "1/ 400".
7 كذا في الأصل، ولعله يقصد: فكتموهم أمر محمد.
8 في تفسيره "1/ 178".(1/411)
فيهم كعب بن أسيد وزيد بن التابوت1. وأخرجه عبد بن حميد من طريق شيبان عن قتادة دون ذكر الرجم، وأخرج الطبري2 من طريق محمد بن إسحاق3 بسنده المتكرر إلى ابن عباس قال: سأل معاذ بن جبل أخو بني سلمة، وسعد4 بن معاذ أخو بني عبد الأشهل وخارجة بن زيد أخو بني الحارث بن الخزرج نفرًا من أحبار يهود عما في التوراة فكتموهم إياه وأبوا أن يخبروهم عنه فأنزل الله عز وجل فيهم {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى} الآية.
ومن طريق الربيع بن أنس قال5: كتموا محمدا وهم يجدونه مكتوبا عندهم حسدا.
ومن طريق أسباط عن السدي6: زعموا أن رجلا من اليهود كان له صديق من الأنصار يقال له ثعلبة بن عنمة7 قال له: هل تجدون محمدا عندكم؟ قال: لا. قال8 والبينات هو محمد عليه الصلاة والسلام.
__________
1 سقط هذا الاسم من الأصل واستدركته من "تفسير الماوردي"، وقد كتب في الأصل على نقط "بن" ط! وهذا الرجل مذكور في "سيرة ابن هشام" "1/ 560" وفي أكثر من موضع: رفاعة بن زيد بن التابوت وقد مر في الآية "104".
2 "3/ 249-250" "2370" وعزاه السيوطي في "اللباب" "ص31" إلى ابن أبي حاتم أيضًا.
3 انظر "السيرة" لابن هشام "1/ 551".
4 في الأصل: سعيد وهو تحريف.
5 "3/ 250" "2373".
6 "3/ 251" "2374م" كذا في الطبري ويقصد أن الرقم مكرر.
7 ترجمته في "الإصابة" "1/ 201" "949" وضبطه بـ"بفتح المهملة والنون" وذُكر في "السيرة" لابن هشام في موضعين" "1/ 463-966" بالغين المعجمة وقال المحققون في الموضع الثاني: كذا في أكثر الأصول والاستيعاب، وفي أ: "عنمة بالعين المهملة".
8 أي: السدي.(1/412)
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق الربيع بن أنس عن أبي العالية قال: هم أهل الكتاب، كتموا محمدا ونعته، وهم يجدونه مكتوبا عندهم وكتموا ما أنزل الله من أمره وصفته.
78- قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّار} [الآية: 161] .
قال الطبري1: نزلت2 في الذين جحدوا نبوة محمد وكذبوا، من اليهود والنصارى وغيرهم.
وقال مقاتل3: نزلت4 فيمن مات من اليهود على الكفر.
79- قوله ز تعالى: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِد} .
قال ابن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس: قالت كفار قريش: يا محمد صف أو انسب لنا ربك. فأنزل الله تعالى هذه الآية، وسورة الإخلاص وكذا نقله الواحدي في "الوسيط"5.
ومن طريق جويبر عن الضحاك6: كان للمشركين ثلاثمائة وستون صنما يعبدونها من دون الله فبين الله تعالى أنه إله واحد فأنزل هذه الآية.
__________
1 "3/ 261".
2 لم يقل الطبري: "نزلت"، وإنما قال: "يعني تعالى ذكره بقوله: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا} ، إن الذين حجدوا نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ... " والفرق بين التعبيرين واضح.
3 "1/ 80".
4 لم يقل مقاتل: "نزلت" وإنما قال: "ثم ذكر مَنْ مات من اليهود على الكفر ... ".
5 انظر الورقة "30أ".
6 لم أجد هذا في "تفسير الطبري" وابن كثير والسيوطي.(1/413)
80- قوله تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي} الآية 164.
أسند الواحدي1 من طريق ابن أبي نجيح عن عطاء قال: لما أنزل الله عز وجل بالمدينة على رسول الله صلى الله عليه وسلم: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِد} قالت كفار قريش بمكة: كيف يسع الناس إله واحد؟ فأنزل الله تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} حتى بلغ: {لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُون} .
ومن طريق سعيد بن مسروق2 عن أبي الضحى3 لما نزلت هذه الآية: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِد} تعجب المشركون، وقالوا: إله واحد إن كان صادقا فليأتنا بآية، فأنزل الله تعالى هذه الآية: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْض} يعني إلى آخرها.
وقد أخرج الطبري الأثرين عن هذين التابعين4 وفي رواية5 له في الأول6 عن عطاء إن المشركين قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: أرنا آية فنزلت. وفي الثاني7 عن أبي الضحى8: جعل المشركون يعجبون [ويقولون] 9: تقول إلهكم إله واحد فآتنا بآية إن
__________
1 "ص43".
2 هو والد سفيان الثوري، ثقة، مات سنة "126" وقيل: بعدها، أخرج عنه الستة، وانظر "التقريب" "ص241" "2393".
3 هو مسلم بن صُبيح -بالتصغير- الهمداني، أبو الضحى الكوفي، العطار، مشهور بكنيته ثقة فاضل، مات سنة "100" أخرج عنه الستة. انظر "التقريب" "ص530" "6632".
4 "3/ 268" "2398" و"269" "2400" وفي ألفاظ الثاني اختلاف.
5 "3/ 269" "2402".
6 أي: في المذكور هنا أولًا.
7 أي: المذكور ثانيًا.
8 "3/ 269" "2401".
9 سقطت من الأصل وكتب الناسخ على "تقول": ط.(1/414)
كنت من الصادقين.
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد أثر أبي الضحى نحوه1.
ثم ذكر الطبري2 سببا آخر من طريق أسباط عن السدي قال: قال المشركون للنبي صلى الله عليه وسلم: غير لنا الصفا ذهبا إن كنت صادقا آية منك3. فأنزل الله {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْض} إلى قوله: {لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُون} .
ومن طريق جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير قال4: سألت قريش اليهود عما جاء به موسى من الآيات، فحدثوهم بالعصا واليد البيضاء، وسألوا النصارى فحدثوهم أنه كان يبرئ الأكمه والأبرص، ويحيى الموتى بإذن الله فقالت قريش للنبي صلى الله عليه وسلم: ادع الله أن يجعل الصفا ذهبا. فذكر نحو السدي5.
قال الطبري6: يجوز أن يكون نزلت في جميع ما ذكر7.
__________
1 عزاه السيوطي في "اللباب" "ص31" إلى سعيد بن منصور والفريابي في "تفسيره" والبيهقي في "شعب الإيمان". ثم قال: "هذا معضل لكن له شاهد" ثم أورده.
2 "3/ 270" "2404" وفي النقل تصرف.
3 في الطبري: أنه منه!
4 "3/ 269" "2403".
5 وفي قول سعيد: "فخلق الله السموات والأرض، واختلاف الليل والنهار، أعظم من أن أجعل لهم الصفا ذهبا ليزدادوا يقينًا".
6 "3/ 270".
7 لم يقل الطبري هذا، وإنما قال كما في "3/ 270": "الصواب من القول في ذلك، أن الله تعالى ذكره نبه عباده على الدلالة على وحدانيته وتفرده بالألوهية، دون كل ما سواه من الأشياء، بهذه الآية.
وجائز أن تكون نزلت فيما قاله عطاء، وجائز أن تكون فيما قال سعيد بن جبير وأبو الضحى، ولا خبر عندنا بتصحيح قول أحد الفريقين يقطع العذر، فيجوز أن يقضي أحد لأحد الفريقين بصحة قول على الآخر، وأي القولين كان صحيحًا، فالمراد من الآية ما قلت".(1/415)
81- قوله ز تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا} .
قال مقاتل1: نزلت في مشركي العرب2.
82- قوله ز تعالى: {وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّار} .
أخرج ابن أبي حاتم3 من طريق الأوزاعي: سمعت ثابت بن معبد4 يقول: ما زال أهل النار يأملون الخروج منها حتى نزلت {وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّار} 5.
83- قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالًا طَيِّبًا} [الآية: 168] .
1- قال الواحدي6: قال الكلبي: نزلت في ثقيف وخزاعة وعامر بن صعصعة حرموا على أنفسهم من7 الحرث والأنعام، وحرموا البحيرة والسائبة والوصيلة والحام8.
__________
1 في تفسيره "1/ 81".
2 لم يقل مقاتل هذا وإنما قال: {وَمِنَ النَّاس} يعني مشركي العرب.
3 ونقله عنه السيوطي في "الدر" "1/ 403".
4 ذكره البخاري في "التاريخ الكبير" "2/ 169" "2090" وقال: "روى عنه الأوزاعي، منقطع" وانظر "الجرح والتعديل" "2/ 457" و"تهذيب تاريخ ابن عساكر" "3/ 371" و"لسان الميزان" لابن حجر "25/ 79".
5 وهذا -كما ترى- تفسير لا سبب نزول لا سيما إذا لاحظت السياق.
6 "ص43-44".
7 وضع عليها في الأصل: كذا، والنص كذلك في المصدر المنقول منه.
8 انظر معاني هذه الألفاظ في "زاد المسير" لابن الجوزي "2/ 436-440" وقد ذكر في معنى البحيرة أربعة أقوال، وفي معنى كل من السائبة والوصيلة خمسة أقوال، وفي معنى الحام ستة أقوال، ونقلها يطول.(1/416)
ونقل ابن عطية1 عن النقاش: أنها نزلت في ثقيف وخزاعة وبني الحارث بن كعب2.
2- قال ابن ظفر: ورُوي عن عطاء أنها نزلت في المؤمنين، وقيل في عثمان3 بن مظعون وأصحابه الذين عزموا على الترهب.
قلت: وستأتي قصتهم في آية المائدة {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُم} 4 وسياق آيات البقرة يدفع ذلك.
84- قوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ} [الآية: 170] .
أخرج ابن أبي حاتم5 من طريق ابن إسحاق6 بسنده المتكرر إلى ابن عباس قال: دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم اليهود إلى الإسلام ورغبهم فيه وحذرهم الله ونقمته، فقال له رافع بن خارجة ومالك بن عوف: بل نتبع يا محمد ما وجدنا عليه آباءنا فهم كانوا خيرا منا وأعلم. فأنزل الله تبارك وتعالى في ذلك من قولهما: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا} الآية.
__________
1 في "المحرر" "2/ 61" والنقاش لم ينقط في الأصل وهو محمد بن الحسن أبو ولد ببغداد سنة "166هـ" وتوفي سنة "251هـ" ومصادر ترجمته كثيرة انظر "تاريخ التراث العربي" لسزكين "1/ 103/ 1".
2 وكذلك قال مقاتل "1/ 82": "نزلت في ثقيف وفي بني عامر بن صعصعة وخزاعة وبني مدلج وعامر والحارث ابني عبد مناة". وانظر "البحر المحيط" "1/ 478".
3 في الأصل: عمر ووضع عليه: ط وهو تحريف.
4 الآية "87" وانظر قصتهم في "زاد المسير" "2/ 410-411".
5 وكذلك الطبري "3/ 305" "2446" وعزاه السيوطي في "الدر" "1/ 405" إلى ابن إسحاق وإليهما والأولى أن يقول: "أخرجه بن إسحاق، وابن جرير وابن أبي حاتم من طريقه".
6 "السيرة" لابن هشام "2/ 552".(1/417)
85- قوله ز تعالى: {وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا} [الآية: 171] .
قال الطبري1: نزلت في اليهود بدليل الآية التي قبلها والآيات التي بعدها.
86- قوله تعالى: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْه} [الآية: 173] .
قال عبد بن حميد2: حدثنا يونس3 نا شيبان4 عن قتادة قال: ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم خرج في جيش فلبثوا ثلاثا لا يجدون طعاما فقالوا يا رسول الله: ألا نفتصد؟ قال: "بلى" قال فافتصدوا ثم طبخوا5 حتى أدركوا الطعام. قال: وذكر لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث جيشا فلبثوا خمس عشرة ليلة ليس لهم طعام إلا خبط الإبل6، ثم وجدوا حمل البحر ميتا فأكلوا منه شهرا فلما رجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكروا ذلك له فقال: "هو رزق رزقكموه الله" 7.
__________
1 "3/ 313-314" وفي النقل طي وحذف كثير.
2 لم ينقله ابن كثير ولا السيوطي.
3 هو يونس بن محمد بن مسلم البغدادي مات سنة "207"، أخرج عنه الستة. انظر "التهذيب" "11/ 447".
4 في الأصل: سفيان وهو تحريف وانظر المقدمة.
5 في الأصل: "اطبخوا" ووضع الناسخ عليه: ط فخذفت الهمزة.
6 قال في "القاموس" مادة خبط "ص857": "الخبط محركة: ورق يُنفض بالمخابط، ويجفف ويطحن ويخلط بدقيق أو غيره ويوخف بالماء، فتوجره الإبل، وكل ورق مخبوط". والمخابط جمع مخبط: العصا، ويوخف، يضرب، وتوجره: تأكله كرهًا.
وانظر "النهاية" لابن الأثير "2/ 7".
7 ليس في هذه الرواية ذكر نزول آية.(1/418)
87- قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَاب} [الآية: 174] .
قال الواحدي1. قال الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس: نزلت في رؤساء اليهود وعلمائهم، كانوا يصيبون من سلفتهم الهدايا والفضول، وكانوا يرجون أن يكون النبي المبعوث، منهم فلما بعث من غيرهم خافوا ذهاب مأكلتهم، وزوال رئاستهم، فعمدوا إلى صفة محمد صلى الله عليه وسلم فغيروها، ثم أخرجوها إليهم وقالوا: هذا نعت النبي الذي يخرج في آخر الزمان لا يشبه نعت النبي الذي خرج بمكة. فإذا نظرت السفلة إلى النعت المغير وجدوه مخالفا لصفة محمد صلى الله عليه وسلم فلا يتبعونه. انتهى.
وقال عبد بن حميد: حدثنا يونس عن شيبان عن قتادة {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا} الآية، قال أولئك أهل الكتاب كتموا ما أنزل الله عليهم من الحق والهدى وأمر محمد2.
وفي "تفسير سنيد بن داود بسنده"3 عن عطاء4: هم اليهود5 [فيهم] 6 أنزل الله تعالى {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَاب} [والتي في آل عمران {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا} ] 6.
__________
1 "ص44" ومن قبله أخرجه الثعلبي. انظر "لباب النقول" "ص32".
2 وروى نحوه الطبري "3/ 327" "2494" عن سعيد عن قتادة.
3 ورواه عنه الطبري "3/ 328" "2497" عن حجاج عن ابن جريج.
4 في الطبري: "عكرمة" بدل "عطاء" وفي "التهذيب" "6/ 402" في ترجمة ابن جري: "روى عن عكرمة وقيل لم يسمع منه" وأميل إلى أنه تحريف وابن جريج حمل تفسير سورتي البقرة وآل عمران عن عطاء بن أبي رباح كما تقدم.
5 وضع عليها في الأصل: ط لما سأذكره.
6 ما بين المعقوفين ساقط من الأصل، وهو لازم لاستقامة الكلام استدركته من الطبري والخبر فيه: "عن عكرمة: قوله: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُون} والتي في آل عمران {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُون} نزلتا جميعا في اليهود" وابن حجر يتصرف في النقل.(1/419)
ومن طريق السدي1 قال: هم اليهود كتموا اسم محمد.
ومن طريق الربيع بن أنس نحوه وأتم منه2.
وفي "تفسير أبي حيان"3: وروي عن ابن عباس قال: إن الملوك سألوا علماءهم قبل المبعث ما الذي تجدون في التوراة؟ فقالوا: نجد أن الله يبعث نبيا من بعد المسيح يقال له محمد يحرم4 الربا والخمر والملاهي وسفك الدم بغير حق. فلما بعث قالت الملوك لليهود: هو هذا؟ -وتحرجوا5 في أموالهم- فقالوا: ليس هو بذاك الذي كنا ننتظره فأعطوهم الأموال فنزلت6.
قلت: وهذا ذكره الثعلبي من رواية جويبر عن الضحاك.
__________
1 أي: فيما يرويه الطبري "3/ 328" "2496".
2 أخرجه الطبري "3/ 327-328" "2495" ونصه: "هم أهل الكتاب، كتموا ما أنزل الله عليهم من الحق والإسلام وشأن محمد صلى الله عليه وسلم. وليس في هذه الروايات كلها سبب نزول مباشر.
3 "البحر المحيط" "1/ 491".
4 في "البحر" بتحريم وكلاهما صحيح.
5 وضع عليها في الأصل: ط والتخريج: التضيق كما في "القاموس" "ص235" مادة حرج أي: ضيقوا عليهم في العطاء، وهذا من تصرف المؤلف وليس في البحر الذي بين أيدينا، وفيه: "هذا الذي تجدونه في كتابكم؟ فقالوا -طمعًا في أموال الملوك: ليس هذا بذلك النبي. فأعطاهم الملوك الأموال. فنزلت إكذابًا لهم".
6 وأضاف أبو حيان بعد هذا قائلًا: "وقيل: نزلت في كل كاتم حق، لأخذ عرض، أو إقامة غرض، من مؤمن ويهودي ومشرك ومعطل، وإن صح سبب نزول فهي عامة، والحكم للعموم، وإن كان السبب خاصًّا، وفيتناول من علماء المسلمين من كتم الحق مختارًا لذلك لسبب دنيا يصيبها". وقوله: "إن صح ... " جيد لأن هذا القول الذي أورده عن ابن عباس لا سند له -كما ترى.(1/420)
88- قوله تعالى: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِب} [الآية: 177] .
قال الواحدي1: قال قتادة: ذكر لنا أن رجلًا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البر، فأنزل الله هذه الآية، قال: وقد كان الرجل قبل الفرائض إذا شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله ثم مات على ذلك وجبت له الجنة فأنزل الله هذه الآية.
قلت: أخرجه عبد بن حميد من طريق شيبان، ووصله الطبري2 من طريق سعيد بن أبي عروبة كلاهما عن قتادة بهذا، وقال بعد قوله الآية: قال: فذكر لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا الرجل فتلاها عليه وقد كان الرجل. فذكره إلى قوله: ثم مات على ذلك يرجى له الخير فأنزل الله تعالى: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ} وكانت اليهود توجهت قبل المغرب والنصارى قبل المشرق.
وأخرج عبد الرزاق3 عن معمر عن قتادة قال: كانت اليهود تصلي قبل المغرب والنصارى قبل المشرق فنزلت {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ} .
ووقع في "الكشاف"4. وقيل كثر خوض المسلمين وأهل الكتاب في أمر القبلة فنزلت5.
__________
1 "ص44".
2 "2/ 338" "2519" وفي النقل تصرف يسير. وقد أخرجه ابن المنذر أيضًا. انظر "لباب النقول" "ص32".
3 في تفسيره "ص16" وعنه الطبري "3/ 338" "2518".
4 للزمخشري "1/ 330".
5 ليس فيه: "فنزلت" وإنما فيه: "فقيل: ليس البر العظيم الذي يجب أن تذهلوا بشأنه عن سائر صنوف البر أمر القبلة، ولكن البر الذي يجب الاهتمام به وصرف الهمة بر مَنْ آمن وقام بهذه الأعمال".(1/421)
ومن طريق أبي جعفر الرازي1 عن الربيع بن أنس مثل الجملة الأخيرة قال: كانت اليهود تصلي قبل المغرب والنصارى قبل المشرق فنزلت هذه الآية.
2- قول ز آخر2: ذكر يحيى بن سلام في "تفسيره": حدثني الفرات بن سلمان عن عبد الكريم الجزري عن مجاهد عن أبي ذر أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ما الإيمان؟ فتلا عليه هذه الآية {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ} إلى قوله: {الْمُتَّقُونَ} قال: ثم سأله فتلاها ثلاث مرات ثم سأله فقال: إذا عملت حسنة فأحبها قلبك وإذا عملت سيئة أبغضها قلبك. وهذا منقطع بين3 مجاهد وأبي ذر4.
وقد أخرجه ابن أبي حاتم من وجه آخر عن عبد الكريم5.
وأخرج ابن المنذر من طريق أبي حمزة6 عن الشعبي حدثتني فاطمة بنت قيس7 أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم: في المال حق سوى الزكاة؟ قالت: فتلا علي
__________
1 أي: فيما يرويه الطبري "3/ 338" "2520".
2 ليس في هذا القول سبب نزول! إلا على تأويل: "فتلا" بـ"فنزل"!.
3 في الأصل: من وهو تحريف.
4 أما الفرات فقد ذكره البخاري في "التاريخ الكبير" "7/ 129" ولم يذكر فيها جرحًا ولا تعديلًا وذكره الذهبي في "الميزان" "3/ 342" ونقل عن أحمد أنه قال: ثقة وعن ابن عدي: ولم أرهم صرحوا بضعفه، وأرجو أنه لا بأس به، مات سنة "105".
وأما عبد الكريم فهو ثقة مر في الآية "94".
5 ونقله عنه ابن كثير "1/ 207" وقال: "هذا منقطع فإن مجاهدًا لم يدرك أبا ذر فإنه مات قديمًا".
6 هناك أكثر من أبي حمزة يروي عن الشعبي، والمقصود هنا أبو حمزة ميمون الأعور وهو كوفي. قال البيهقي في "السنن الكبرى" كتاب "الزكاة" "4/ 84 ": "وقد جرحه أحمد بن حنبل ويحيى بن معين فمن بعدهما من حفاظ الحديث". وانظر "التقريب" "ص556" "7057".
7 ترجمتها في "الإصابة" "4/ 384" "851" وفيها: "هي التي روت قصة الجساسة بطولها، فانفردت بها مطولة، رواها عنها الشعبي لما قدمت لكوفة على أخيها [الضحاك] وهو أميرها".(1/422)
{لَيْس البر أن تولوا وجوهكم قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِب} [الآية: 1] .
89- قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} الآية 178.
قال الواحدي2: قال الشعبي: كان بين حيين من أحياء العرب قتال، وكان لأحد الحيين طول على الآخر، فقالوا: نقتل3 بالعبد منا الحر منكم وبالمرأة الرجل فنزلت هذه الآية.
قلت: وصله الطبري4 من طريق داود بن أبي هند عن الشعبي قال: نزلت في قبيلتين من قبائل العرب اقتتلتا قتالا5 عميَّة6، فقالوا:
نقتل بفلان العبد فلان بن فلان، وبفلانة فلان بن فلان، فأنزل الله تبارك وتعالى: {الْحُرُّ بِالْحُر} الآية.
__________
1 قال السيوطي في "الدر" "1/ 416": "أخرج الترمذي [2/ 22] وابن ماجه وابن جرير [2/ 342-343] وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن عدي والدارقطني وابن مردويه عن فاطمة بنت قيس قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "في المال حق سوى الزكاة"، ثم قرأ {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ} الآية.
وعزاه الشيخ أحمد إلى الدارمي "1/ 385" والبيهقي في "السنن الكبري" "4/ 84" وانظر بقية كلامه لزامًا وتفسير ابن كثير "1/ 208".
2 "ص44".
3 لم ينقط في الأصل وأثبت ما في الواحدي، ويحتمل: "يُقتل" أيضًا.
4 "3/ 358" "2558".
5 في الطبري: قتال على الإضافة.
6 قال في "القاموس" مادة عمي "ص1695": "والعمية، كغنية ويضم: الغواية واللجاج، والعمية، بالكسر والضم مشددتي الميم والياء: الكبر، أوالضلال، وقتل عميًّا، كرميًّا، لم يدر من قتله"، وانظر "المجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث" لأبي موسى المديني "ت581هـ" "2/ 508" وما قاله محمود شاكر في هامش الطبري "وشرح السيوطي على النسائي" "8/ 39" وكذلك حاشية السندي عليه.(1/423)
وذكر ابن عطية1 عن الشعبي: أن أهل العزة من العرب والمنعة كانوا إذا قتل منهم عبد قتلوا به حرا، وإذا قتلت امرأة قتلوا بها ذكرا فنزلت الآية في ذلك تسوية بين العباد وإذهابا لأمر الجاهلية.
وقال عبد الرزاق2: أنا معمر، وأخرجه عبد بن حميد من رواية شيبان النحوي كلاهما عن قتادة قال: لم يكن دية إنما كان القصاص أو العفو3: فنزلت هذه الآية في قوم كانوا أكثر من غيرهم، فكانوا إذا قتل من الحي الكثير عبد قالوا: لا نقتل بدله إلا حرا. وإذا قتلت منهم امرأة قالوا: لا نقتل إلا رجلا فنزلت.
وأخرج الطبري4 من طريق أسباط بن نصر عن السدي في قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاص فِي الْقَتْلَى} الآية: اقتتل أهل مائين5 من العرب، أحدهما مسلم والآخر، معاهد في بعض ما يكون بين العرب من الأمر، فأصلح بينهم النبي صلى الله عليه وسلم. وقد كانوا: [قتلوا] 6 الأحرار والعبيد والنساء على أن ودي7 الحر دية الحر والعبد دية العبد والأنثى دية الأنثى، فقاصهم بعضهم من بعض.
ومن طريق عبد الله بن المبارك8 عن سفيان عن السدي عن أبي مالك الغفاري9 قال: كان بين حيين من الأنصار قتال، كان لأحدهما على الآخر الطول،
__________
1 في "المحرر الوجيز" "2/ 84" وفي النقل تصرف.
2 في تفسيره "ص16-17" وأخرجه الطبري عنه "3/ 359" "2560" ونقل الحافظ تصرف.
3 واللفظ عند الطبري. "لم يكن لمن قبلنا دية، إنما هو القتل، أو العفو إلى أهله".
4 "3/ 360" "2563".
5 في الطبري: ملتين.
6 سقطت من الأصل، ووضع الناسخ بعد "كانوا": ط.
7 في الطبري: يؤدي ولعل الأقرب: يودي وكل ذلك جائز.
8 الطبري "3/ 360-361" "2564".
9 هذا البيان من ابن حجر، وأبو مالك غزوان، كوفي مشهور بكنيته، ثقة من الثالثة أخرج عنه البخاري تعليقًا وأبو داود والترمذي والنسائي انظر "التقريب" "ص442" "5354" ولم يذكر اسم أبيه.(1/424)
فكأنهم طلبوا الفضل فجاء النبي صلى الله عليه وسلم ليصلح بينهم، فنزلت هذه الآية فجعل النبي صلى الله عليه وسلم الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى.
ومن طريق أبي جعفر الرازي1 عن الربيع بن أنس قال: حُدثنا عن علي بن أبي طالب أنه كان يقول: أيما حر قتل عبدا فهو به قود، فإن شاء موالي العبد أن يقتلوا الحر قتلوه وقاصوهم ثمن2 العبد من دية الحر، وأدوا إلى أولياء الحر بقية ديته، فإن قتل العبد حرا فهو به قود، فإن شاء أولياء الحر قتلوا العبد.
وأخرج ابن أبي حاتم3 من طريق عطاء بن دينار4 عن سعيد بن جبير: أن حيين من العرب اقتتلوا في الجاهلية قبل الإسلام بقليل، فكان بينهم قتل وجراحات حتى قتلوا العبيد والنساء، فلم يأخذ بعضهم من بعض حتى أسلموا، فكان أحد الحيين يتطاول على الآخر في العدد والمال فحلفوا أن لا يرضوا حتى يقتل بالعبد منا5 الحر منهم وبالمرأة منا5 الرجل منهم فنزلت فيهم {الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى} وذلك أنهم كانوا لا يقتلون الرجل بالمرأة، ولكن يقتلون الرجل بالرجل والمرأة بالمرأة، فأنزل الله تعالى: {النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْن} 6 فجعل الأحرار في القصاص سواء فيما بينهم من العمد رجالهم ونساؤهم في النفس وفيما دون
__________
1 "3/ 361-362" "2568".
2 فيه: بثمن.
3 وله وحده عزاه السيوطي في "الدر" "1/ 418" و"اللباب" "ص32" وكذلك نقل عنه المناوي في "الفتح السماوي" "1/ 214".
4 مر ذكره في "الفصل الجامع".
5 سقطت من "الدر".
6 المائدة: "45".(1/425)
النفس1.
وأخرج الطبري2 من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس من قوله: كانوا لا يقتلون الرجل بالمرأة، إلى آخره. وقضية ذلك أن تكون هذه الآية التي في3 البقرة منسوخة بالآية التي في المائدة4 وسيأتي لذلك مزيد بيان هناك إن شاء الله تعالى.
وذكر يحيى بن سلام عن الحسن بن دينار5 عن الحسن البصري قال: كان أهل الجاهلية قوما فيهم عز ومنعة، فكان إذا قتل أحد منهم امرأة. فذكر نحو ما تقدم.
90- قوله ز تعالى6: {ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَة} .
أخرج البخاري7 والنسائي8 من طريق ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن مجاهد عن ابن عباس قال: كان في بني إسرائيل القصاص، ولم تكن فيهم الدية فقال الله تعالى لهذه الأمة {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} الآية إلى قوله: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَان} .
__________
1 وتتمة الخبر: "وجعل العبيد مستوين في العمد النفس وما دون النفس، رجالهم ونساؤهم".
2 "3/ 362" "2572".
3 وضع الناسخ فوقه: ط وكذلك فوق "بيان" الآتية.
4 انظر الكلام على ذلك في "نواسخ القرآن" لابن الجوزي "ص56-58" و"فتح الباري" في شرح كتاب الديات "12/ 209".
5 ترجمته في "الميزان" "1/ 487-489". وقد اتفقوا على ضعف حفظه وقال ابن حبان: تركه وكيع وابن المبارك، فأما أحمد ويحيى فكانا يكذبانه ...
6 ليس فيما ذكر سبب نزول فتأمل.
7 في "صحيحه" كتاب التفسير "الفتح" "8/ 176-177" وكتاب الديات "الفتح" "12/ 205" وفي النقل اختصار.
8 في "سننه"، كتاب القسامة "8/ 36-37".(1/426)
وفي رواية للطبري1 من طريق محمد بن مسلم عن عمرو2: كان من قبلكم يقتلون القاتل بالقتيل، ولا تقبل منهم الدية، فأنزل الله هذه الآية {ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَة} يقول: خفف عنكم ما كان على من قبلكم فالذي يقبل الدية ذلك عفو منه.
ورواه ورقاء بن عمر عن عمرو عن مجاهد ليس فيه ابن عباس: عند النسائي3، ومن طريق حماد بن سلمة4 عن عمرو بن دينار عن جابر بن زيد عن ابن عباس: {ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَة} فيما5 كان على بني إسرائيل.
وأخرجه: يحيى بن سلام عن حماد6 كذلك وعن معلى بن هلال7 عن عمرو بن دينار عن مجاهد به.
ومن طريق ابن أبي نجيح8 عن مجاهد عن ابن عباس: كان على بني إسرائيل القصاص في القتلى ليس بينهم دية في نفس ولا جرح، فخفف الله عن أمة محمد فقبل منهم الدية في النفس وفي الجراحة وذلك قوله تعالى: {ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَة} .
__________
1 "3/ 374" "2594" وفي النقل تصرف، وهو عند ابن حبان من هذا الطريق انظر "الإحسان" كتاب الديات "13/ 262-363" وقد توسع الشيخ الأرنئوط في تخريجه فانظره.
2 وضع الناسخ عليه رمز الصحة.
وعمرو هو ابن دينار المذكور في السند السابق ثقة ثبت انظر "التقريب" "ص421".
3 في "سننه" كتاب القسامة "8/ 37".
4 أي: فيما رواه الطبري "3/ 374" "2595".
5 في الطبري: مما.
6 قد روى عن عمرو الحمادان، انظر "التهذيب" "8/ 29" فلا أعلم من المقصود.
7 قال في "التقريب" "ص541" "6807 ": "اتفق النقاد على تكذيبه".
8 أي: فيما أخرجه الطبري "3/ 374" "2596" وفي النقل اختصار.(1/427)
ومن طريق سعيد بن أبي عروبة1 عن قتادة {ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَة} : رحم الله هذه الأمة أطعمهم الدية وأحلها لهم ولم تحل لأحد قبلهم، فكان أهل التوراة إنما هو قصاص أو عفو ليس بينهما أرش وكان أهل الإنجيل إنما هو عفو أمروا به. فجعل الله لهذه الأمة القود والعفو والدية إن شاءوا، فأحلها لهم ولم تكن لأمة قبلهم.
ومن طريق أبي جعفر الرازي2 عن الربيع بن أنس مثله إلا أنه قال شيء، بدل أرش.
91- قوله ز تعالى3: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاة} .
قال ابن عطية4: "كانوا في الجاهلية إذا قتل الرجل الآخر حمي القبيلان، وتقاتلوا، وكان في ذلك موت العدد الكثير، فلما شرع الله القصاص قنع الكل به". فذلك قوله تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاة} 5.
92- قوله ز تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُم} .
1- قال مقاتل بن سليمان6: "كبر لبيد الأنصاري7 من بني عبد الأشهل
__________
1 كذلك "3/ 374" وفي تصرف يسير.
2 "3/ 374-375" "2598".
3 كانت هذه الآية قبل الآية "178" فأخرتها إلى موضعها، وهي تقع في الأصل المخطوط في الصفحة "116".
4 في "المحرر الوجيز" "2/ 91" وفي النقل تصرف يسير.
5 ليس في القول سبب نزول، وإنما هو تفسير.
6 في تفسيره "15/ 87".
7 ترجمه في "الإصابة" باختصار "3/ 328" ولم يذكر هذا.(1/428)
فعجز عن الصوم فقال للنبي صلى الله عليه وسلم ما على مَنْ عجز عن الصوم؟ فأنزل الله عز وجل {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُم} إلى قوله: {أَيَّامًا مَعْدُودَات} [الآية: 1] .
2- قول آخر2 قال المسعودي وهو عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، عن عمرو بن مرة، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن معاذ بن جبل، قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فصام عاشوراء وثلاثة أيام من كل شهر ثم أنزل الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون} إلى قوله: {فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِين} فكان من شاء صام ومن شاء أطعم مسكينًا فأجزأ ذلك عنه ثم إن الله عز وجل أنزل الآية الأخرى {شَهْرُ رَمَضَان} إلى قوله: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْه} فأثبت الله صيامه على المقيم الصحيح ورخص فيه للمريض والمسافر وثبت الإطعام للكبير الذي يطيق الصيام.
أخرجه أحمد وأبو داود والطبري3، والمسعودي صدوق لكنه اختلط4 وقد خالفه شعبه فرواه عن عمرو بن مرة عن ابن أبي ليلى قال: حدثنا أصحابنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم عليهم أمرهم بصيام ثلاثة أيام من كل شهر تطوعا غير فريضة، ثم نزل
__________
1 تتمة الآية {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} ولكي يرتبط ما نقله بالآية لا بد من حمل قوله تعالى: {يُطِيقُونَه} على عدم الاستطاعة.
2 ليس في هذا القول سبب نزول!
3 "مسند أحمد" "5/ 246-247"، و"سنن أبي داود" كتاب الصلاة باب كيف الآذان "1/ 140" و"تفسير الطبري" "3/ 414" "2729" وكذلك الحاكم في "المستدرك" "2/ 274" وقال: "هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه" ووافقه الذهبي.
4 انظر "التهذيب" "6/ 210" وكتاب "الاغتباط بمعرفة من رمي بالاختلاط" لسبط ابن العجمي "ص75" "66".(1/429)
شهر رمضان1 وهذا أصح من رواية المسعودي.
قال الطبري2: لم يأت في خبر تقوم بمثله الحجة أن صوما فرض على أهل الإسلام قبل شهر رمضان ثم نسخ بصوم شهر رمضان. كذا قال ويشكل عليه حديث قيس بن سعد بن عبادة أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بصيام عاشوراء قبل أن ينزل رمضان، الحديث. وفي لفظ كنا نصوم عاشوراء، الحديث أخرجه النسائي وسنده قوي3، وليس بسط ذلك من غرض هذا الكتاب4.
__________
1 رواه الطبري "3/ 415" "2731" وهذا لفظه، وأبو داود في "السنن" كتاب الصلاة باب كيف الأذان. "1/ 138-139".
ورواه البخاري رواية معلقة بصيغة الجزم في كتاب الصوم باب {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ} فقال: "قال ابن نمير حدثنا الأعمش حدثنا عمرو بن مرة حدثنا ابن أبي ليلى حدثنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم نزل رمضان فشق عليهم، فكان من أطعم كل يوم مسكينًا ترك الصوم ممن يطيقه، ورخص لهم في ذلك، فنسختها {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} ، فأمروا بالصوم.
قال الحافظ في "الفتح" "4/ 188": "وصله أبو نعيم في المستخرج والبيهقي من طريقه.. وهذا الحديث أخرجه أبو داود من طريق شعبة والمسعودي عن الأعمش مطولًا في الآذان والقبلة والصيام واختلف في إسناده اختلافًا كثيرًا، وطريق ابن نمير هذه أرجحها".
2 "3/ 417" وفي النقل تصرف زيادة ونقصًا.
3 روى اللفظ الأول في "السنن الكبرى" في كتاب الصوم عن إسحاق بن إبراهيم، عن وكيع بن سفيان عن سلمة بن كهيل، عن القاسم بن مخيمرة، عن أبي عمار به كنا في "تحفة الأشراف" "8/ 289".
وروى اللفظ الثاني في "السنن الصغرى" في كتاب الزكاة باب فرض صدقة الفطر قبل نزول الزكاة "5/ 49" وفي "الكبرى" في الصوم كما في "تحفة الأشراف" "8/ 286".
قال السندي في حاشيته "8/ 50": "قال الحافظ ابن حجر: وتعقب بأن في إسناده راويًا مجهولًا".
قلت: وهذا سبق نظر فقد نقل ما أورده السيوطي في شرحه "زهر الربا"، وفاته أن كلام السيوطي على حديث آخر.
4 انظر بحثًا مفصلًا عن صيام يوم عاشوراء في "زاد المعاد في هدي خير العباد" لابن القيم "66-77/ 2".(1/430)
93- قوله ز تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَة} [الآية: 148] .
أخرج البخاري ومسلم1 من حديث سلمة بن الأكوع2 قال: لما نزلت {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} كان من أراد أن يفطر يفتدي حتى نزلت الآية التي بعدها فنسختها3.
وأخرج الطبري من طريق السدي عن مرة عن ابن مسعود: لما نزلت {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ} كان مَنْ شاء صام ومن شاء أفطر وأطعم مسكينا فكانوا كذلك حتى نسختها {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْه} 4.
وأخرج ابن مردويه من طريق محمد5 بن عبد الرحمن ابن أبي ليلى عن عطاء قال: قال ابن عباس، فذكره نحوه، وقال في روايته: ثم نزلت هذه الآية فنسختها إلا في الشيخ الفاني فإنه إن شاء أطعم عن كل يوم مسكينا وأفطر6.
__________
1 صحيح البخاري" كتاب "التفسير" باب فمن شهد منكم الشهر فليصمه "الفتح" "8/ 181" و"صحيح مسلم" كتاب "الصيام" باب بيان نسخ قوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ} "2/ 802".
2 ترجمته في "الإصابة" "3/ 66".
3 وأخرجه الطبري في "التفسير" "2/ 423" "2747" وذكره السيوطي في "الدر" "1/ 431" وعزاه إلى الدارمي وأبي داود والترمذي والنسائي وابن خزيمة وأبي عوانة وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس والطبراني والحاكم والبيهقي في "سننه".
4 لم أجده في "تفسيره الطبري"، وذكره ابن كثير "1/ 215" عن السدي ولم ينسبه إلى أحد ولم يذكره السيوطي في "الدر" فالله أعلم.
5 قال في "التقريب" "ص493": "صدوق سيئ الحفظ جدًّا".
وقد أورده ابن كثير متنًا وسندًا "1/ 215".
6 ليس فيما ذكر هنا سبب نزول لهذه الآية ولا للتي بعدها فتأمل، أما ما سيأتي في الآية الآتية فنعم.(1/431)
94- قوله ز تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْه} .
قال عبد بن حميد: حدثنا مسلم بن إبراهيم، ثنا وهيب بن خالد، عن ابن شبرمة -هو عبد الله- عن الشعبي قال: لما نزلت {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِين} أفطر الأغنياء وأطعموا، وحصل الصوم على الفقراء، فأنزل الله عز وجل {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْه} وهذا مرسل صحيح السند.
وأخرج أيضا من طريق محمد بن سيرين عن عبيدة بن عمرو في قوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَه فِدْيَة} قال: نسختها الآية التي تليها. وهذا أيضا مرسل وسنده معدود في أصح الأسانيد1.
95- قوله تعالى: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَر} .
أخرج الطبري2 من طريق خيثمة عن أنس أنه سأله عن الصوم في السفر، فقال: قد أمرت غلامي أن يصوم فأبى، قلت فأين قول الله تعالى: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ} فقال: نزلت ونحن يومئذ نرتحل جياعا، وننزل على غير شبع ونحن اليوم نرتحل شباعا وننزل على شبع3.
__________
1 انظر في هذه المسألة "علوم الحديث" لابن الصلاح "ص12" و"الموقظة" للذهبي "ص24-26"، و"فتح الباري" "1/ 277، 504، 3/ 11، 210، 403، 4/ 236، 317، 10/ 32".
ملاحظة: أفدت هذا التتبع من كتاب "توجيه القاري إلى القواعد والفوائد الأصولية والحديثية والإسنادية في فتح الباري" جمعه ورتبه حافظ ثناء الله الزاهدي "للحافظ "ص161-163".
وانظر كذلك "النكت على ابن الصلاح" للحافظ "1/ 247-262" و"قواعد التحديث" للقاسمي "ص80-81".
2 "3/ 466" "2872".
3 موقوف، وخيثمة هو ابن أبي خيثمة البصرى قال في "التقريب": "197" "لين الحديث" ورجح أحمد شاكر في تخريج الطبري أنه ثقة وهذا الخبر ذكره السيوطي "1/ 461" وزاد نسبته إلى عبد الحميد والنسائي، قال أحمد شاكر: "ولم أجده في النسائي ولعله في "السنن الكبرى"، قلت: عزاه في "التحفة" "1/ 217" إلى كتاب "التفسير" وهو فيه "ص16" الرقم "40"، وهو تفسير وليس بسبب نزول.(1/432)
96- قوله ز تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيب} [الآية: 186] .
1- قال عبد الرزاق في "تفسيره"1: أخبرنا جعفر بن سليمان عن عوف عن الحسن قال: سأل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: فقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: أين ربنا؟ فأنزل الله عز وجل: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَان} 2.
2- قول آخر أخرج الفريابي3 من طريق ابن جريج عن عطاء أنه بلغه لما نزلت {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُم} 4 قال الناس: لو نعلم أي ساعة ندعو فنزلت {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيب} الآية.
3- قول ثالث أخرج الطبري5 وابن أبي حاتم وأبو الشيخ من طريق الصلب بن حكيم6 بن معاوية بن حيدة القشيري7.
__________
1 أخرجه عنه الطبري "3/ 481" "2905". ولم أجده في "تفسيره" وكذلك من قبلي أحمد شاكر: "لم أجده في تفسير عبد الرزاق. فلعله. موضوع آخر من كتبه".
فهل نقله ابن حجر من تفسيره مباشرة أم اعتمد على رواية الطبري عنه؟ والله أعلم.
2 قال أحمد شاكر: "الإسناد صحيح إلى الحسن. ولكن الحديث ضعيف؛ لأنه مرسل، لم يسنده الحسن عن أحد الصحابة". وقال السيوطي في "اللباب" "ص33": "مرسل وله طريق أخرى ".
3 وكذلك الطبري "3/ 482" "2906-2908" وعليه اقتصر السيوطي في "اللباب" "ص33".
4 سورة غافر الآية "60" وهي سورة مكية. انظر "زاد المسير" "7/ 205" والخبر هنا يقتضى أن هذه الآية منها مدنية ولكنه بلاغ لا يمكن أن يعتمد في أمر كهذا!! وكان يحسن من الحافظ لو توقف عنده!
5 "3/ 480" "2904" وكذلك ابن مردويه كما في "اللباب" للسيوطي "ص32" و"الفتح السماوي للمناوي "1/ 224".
6 وضع الناسخ عليه إشارة لحق في الهامش:*.
7 لم يرفع الطبري نسبه فوق أبيه، وليس تحت يدي تفسيرا ابن أبي حاتم وأبي الشيخ لأتأكد من ذلك أيضا. وقد نقله ابن كثير "1/ 218" عن ابن أبي حاتم فرفعه كما هنا، وهو فيه وفي "زاد المسير" "179/ 1": "الصلت"، وقال السيوطي "1/ 469": "أخرج ابن جرير والبغوي في معجمه وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه من طريق الصلت بن حكيم عن رجل من الأنصار عن أبيه عن جده" وهذا مغاير لابن جرير وابن كثير، وقد خطأ أحمد شاكر السيوطي لورود عبارة "عن رجل من الأنصار" وهذا خطأ منه فالعبارة مروية وهي في "المؤتلف" للدارقطني "3/ 1435" وتابع أحمد شاكر محقق "الفتح السماوي" "1/ 224-225" فوهم!(1/433)
-وهو أخو بهز1 بن حكيم- عن أبيه عن جده أن أعرابيا قال: يا رسول الله أقريب ربنا فنناجيه أم بعيد فنناديه؟ فأنزل الله عز وجل {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيب} إلى قوله: {فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي} وفي سنده ضعيف2 والصلب بضم المهملة وسكون اللام وبعدها موحدة3.
وذكر ابن ظفر عن الضحاك قال سأل بعض الصحابة النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر نحوه4.
4- قول رابع أخرج الطبري5 من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة قال:
__________
1 ومثل هذا قاله ابن حجر في كتابه "لسان الميزان" في باب الصلت "3/ 195" ولكنه قال في "تبصير المنتبه" "3/ 839": "وقيل: إن الصلب بن حكيم، المتقدم ذكره، أخو بهز بن حكيم، لا يصح".
2 في "التوضيح لابن ناصر الدين "2/ 233" عن هذا الحديث: "في سنده اضطراب".
3 قال الحافظ عبد الغني بن سعيد الأزدي "ت409هـ" في كتابه "المؤتلف والمختلف" "ص79": "وصُلب -بالباء معجمة من تحتها وضم الصاد- صلب بن حكيم عن أبيه عن جده ... " وكذلك قال الذهبي في "المشتبه" "ص316" وقال: "يشتبه بالصلت بن حكيم" وفي هامشه نقلًا عن هامش إحدى مخطوطاته: "قال الخطيب: قيل إنه أخ لبهز بن حكيم، ولا يصح".
وانظر "الإكمال" "5/ 196" و"المؤتلف والمختلف" للدارقطني "3/ 1435" و"التوضيح" لابن ناصر الدين "2/ 233".
4 قال السيوطي "1/ 469-470": "أخرج سفيان بن عيينة في تفسيره، وعبد الله بن أحمد في زوائد الزهد من طريق سفيان عن أبي قال: المسلمون" فذكره نحوه أيضًا.
5 "3/ 483" "2912".(1/434)
ذُكر لنا أنه لما أنزل الله تعالى: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُم} قال رجل: كيف ندعو يا نبي الله؟ فأنزل الله عز وجل {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيب} 1.
5- قول خامس قال مقاتل بن سليمان في "تفسيره"2: اعترف رجال من المسلمين أنهم كانوا يأتون نساءهم بعد أن يناموا في الصيام فقالوا: ما توبتنا؟ فنزلت {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيب} هكذا في تفسيره مختصرا، وذكره ابن ظفر عنه مطولا ذكر فيه القصة الآتية عن عمر بن الخطاب وعن صرمة بن أنس أبي قيس3. قلت: وهذا يستلزم أن هذه الآية مؤخرة في النزول، وإن كانت متقدمة في التلاوة4.
6- قول سادس ذكره الماوردي5 ونسبه لابن الكلبي، ونسبه غيره لابن عباس6 فكأنه عن الكلبي عن أبي صالح: أن يهود المدينة قالوا للنبي صلى الله وسلم: كيف يسمع ربنا دعاءنا وأنت تزعم أن بيننا وبين السماء خمسمائة عام7 وإن غلظ كل سماء خمسمائة عام8.
__________
1 انظر ما علقته على القول الثاني.
2 "1/ 89-90" والنقل بالمعنى.
3 وهو كذلك في "تفسير مقاتل" المطبوع مطولًا!
4 مثل هذا الأمر لا يمكن الاعتماد فيه على قول بلا سند!
5 لم أجده في تفسيره "1/ 202-203" وقد ذكر أربعة أقوال في سبب نزول هذه الآية.
6 انظر "زاد المسير" "1/ 189" وفيه: رواه أبو صالح عن ابن عباس.
7 إلى هنا ينتهي ما في "زاد المسير".
8 هنا في الأصل نصف سطر فارغ وكتب الناسخ "كذا".(1/435)
97- قوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} [الآية: 187] .
قال الواحدي1: قال ابن عباس في رواية الوالبي:
وذلك أن المسلمين كانوا في شهر رمضان إذا صلوا العشاء حرم عليهم النساء والطعام إلى مثلها من القابلة، ثم إن ناسا من المسلمين أصابوا من الطعام والنساء في شهر رمضان بعد العشاء، منهم عمر بن الخطاب، فشكوا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله عز وجل هذه الآية.
قلت: الوالبي هو علي بن أبي طلحة. وقد وصل حديثه الطبري2 وابن أبي حاتم وغيرهما وعندهم فأنزل الله {عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ} و3 أخرجه الطبري.
قال ابن عطية4 حكى النحاس5 ومكي6: أن عمر نام ثم وقع بامرأته، وهذا عندي بعيد على عمر. قلت: ذكره ابن كثير7 من طريق موسى بن عقبة عن
__________
1 "ص45".
2 "3/ 496" "2940".
3 وضع الناسخ هنا: ط وفي آخر "الطبري" إلى واستشكاله -كما هو ظاهر- واضح، ولعل الصواب حذف ذلك.
4 "المحرر الوجيز" "2/ 122".
5 هو أبو جعفر، أشهر من أن يعرف به وقد سقط من كتابه "معاني القرآن" تفسير الآية "18" إلى الآية "189"، وهذا القول من ضمن الساقط.
6 هو الإمام الكبير مكي بن أبي طالب العبسي، من علماء القرآن المشاهير توفي سنة "437". انظر ترجمته في "طبقات المفسرين" للداودي "2/ 337" وهي مكررة للترجمة السابقة في "2/ 331" وقد جاءت وفاته فيها في سنة "407" وهو خطأ نشأ من سقوط "ثلاثين".
7 "في تفسيره "1/ 220".(1/436)
كريب1 عن ابن عباس وهذا سند صحيح، ولفظه: إن الناس كانوا قبل أن ينزل في الصوم ما نزل يأكلون ويشربون ويحل لهم شأن النساء، فإذا نام أحدهم لم يطعم ولم يشرب، ولا يأتي أهله حتى يفطر من القابلة فبلغنا أن عمر بن الخطاب بعد ما نام، ووجب عليه الصوم وقع على أهله ثم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أشكو إلى الله وإليك الذي صنعت قال: وماذا صنعت؟ قال: إني سولت لي نفسي فوقعت على أهلي بعدما نمت وأنا أريد الصوم فزعموا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما كنت خليقا أن تفعل. فنزل الكتاب {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُم} .
ولهذه القصة طرق عن ابن عباس في بعضها أن امرأة عمر هي التي نامت2.
فمنها3: ما أخرجه أبو داود4 من طريق يزيد النحوي5 عن عكرمة عن ابن عباس قال كان الناس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلوا العشاء6 حرم عليهم الطعام
__________
1 هو مولى ابن عباس، ثقة مات سنة "98" أخرج حديثه الستة. انظر "التقريب" "ص461" "5638".
2 في الأصل: "قالت" وهو عندي تحريف، والصواب ما أثبت، وقوله "نامت" هذا في بعض الطرق لكن ليس عن ابن عباس انظر الطبري "2941" وسينقله المؤلف في كلامه الآتي. ولعل الذي أدى إلى هذا الوهم متابعة المؤلف لقول ابن عطية في "المحرر" "2/ 121": "سبب هذه الآية فيما قال ابن عباس، وغيره: أن جماعة من المسلمين اختانوا أنفسهم، وأصابوا النساء بعد النوم أو بعد صلاة العشاء. على الخلاف. منهم عمر بن الخطاب جاء إلى امرأته فأرادها فقالت له: قد نمت فظن أنها تعتل فوقع عليها، ثم تحقق أنها قد كانت نامت".
3 ظاهر كلامه أنه سيورد الطرق إلى ابن عباس لا غير ولكنه أورد عنه وعن غيره وعن عكرمة مرسلًا!!
4 "السنن"، أول كتاب الصوم "1/ 295".
5 رواه عنه علي بن حسين بن واقد عن أبيه، وعلي ضعيف كما مر في تعليقي على سورة الفاتحة.
6 في "السنن": العتمة.(1/437)
والشراب والنساء، وصاموا إلى القابلة، فاختان رجل نفسه فجامع امرأته، وقد صلى العشاء ولم يفطر، فأراد الله أن يجعل ذلك يسرا لمن بقي ورخصة1 فقال: {عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُم} فكان هذا مما نفع الله به الناس ورخص لهم بسببه2.
وأخرجه سنيد بن داود من وجه آخر عن عكرمة مرسلا3 وفيه تسمية الرجل أبو قيس [بن] 4 صرمة5.
ومنها: ما أخرجه عبد الرزاق6 عن معمر عن إسماعيل بن شروس7 عن عكرمة عن رجل قد سماه8 من الأنصار جاء ليلة وهو صائم فقالت له امرأته: لا تنم حتى أصنع لك طعاما فجاءت وهو نائم9 فقالت: نمت والله! قال: لا والله ما نمت، قالت: بلى والله، فلم يأكل تلك الليلة وأصبح صائما فغشي10 عليه فنزلت الرخصة
__________
1 فيها كذلك: ومنفعة.
2 فيها: ورخص لهم ويسر.
3 أخرجه عنه الطبري "3/ 503" "2951".
4 سقطت من الأصل واستدركتها من الطبري.
5 بكسر الصاد المهملة وسكوت الراء "الفتح" "4/ 130".
6 في تفسيره "ص19" وأخرجه عنه الطبري "3/ 500" "2946".
7 وضع الناسخ فوقه: "ط" وهو في الأصل دون تنقيط، قال الشيخ أحمد شاكر: و"شروس": من الأسماء النادرة، ولم أجد نصًّا على ضبطه، إلا أنه ضبط بالقلم في "تفسير عبد الرزاق" بفتحة فوق الشين المعجمة وضمة فوق الراء وكسرتين تحت السين المهملة في آخره. ونقل الشيخ عبد الرحمن اليماني هذا الضبط عن إحدى نسخ "التاريخ الكبير"، وإن بهامش نسخة أخرى مضبوطة بفتحة فوق الشين، وأخرى فوق الواو مع سكون فوق الراء، وانظر عن إسماعيل "الطبقات" لابن سعد "5/ 397" و"التاريخ الكبير" 1/ 359" و"الجرح والتعديل" "1/ 177" و"لسان الميزان" "1/ 411" وقد تحرف فيه: "كان يثبج الحديث" إلى "يضع"!!
8 في تفسير عبد الرزاق زيادة: فنسيه.
9 النص في عبد الرزاق: فنام فجاءت فقالت.
10 في عبد الرزاق: يغشى عليه، ولكنه في الطبري كما هنا.(1/438)
ومنها: عن العوفي عنه: ولفظه في قوله تعالى: {عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُم} يعني بذلك الذي فعل عمر بن الخطاب فأنزل الله عفوه فقال: {فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُم} أخرجه ابن أبي حاتم1، وأخرجه الطبري2 مطولا وأوله: "كان الناس أول ما أسلموا إذا صام أحدهم" الحديث وفيه: وإن عمر بينما هو نائم إذ سولت له نفسه فأتى أهله فلما اغتسل أخذ يبكي ويلوم نفسه ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني أعتذر إلى الله وإليك من نفسي فإنها زينت لي فهل تجد لي من رخصة. فقال: "لم تكن بذلك حقيقا يا عمر". فلما بلغ بيته أرسل إليه فأتاه فعذره3 في آية من القرآن، وأمره الله أن يضعها في المائة4 الوسطى من البقرة.
وأخرج الطبري5 أيضا من طريق حماد بن سلمة عن ثابت: أن عمر واقع أهله ليلة في رمضان فاشتد ذلك عليه فأنزل الله {أُحِلَّ لَكُم} الآية6.
ولها طرق أخرى عن غير ابن عباس:
منها: ما أخرجه أحمد وأبو داود من حديث معاذ بن جبل عن المسعودي بسنده الماضي قريبا قال فيه7: وكانوا يأكلون ويشربون ويأتون النساء ما لم يناموا، فإذا
__________
1 مرسل ورجاله ثقات. انظر ما قاله أحمد شاكر في المصدر المذكور آنفًا.
2 "3/ 497-498" "2943" وفي النقل اختصار.
3 في الطبري: فأنبأه بعذره وكلاهما صحيح ولكن لا بد أن الراوي قال لفظًا ثم اختلف الرسم.
4 رسمت في الأصل هكذا: المات.
5 "3/ 497" "2942".
6 قال الشيخ أحمد شاكر "ثابت هو البناني، تابعي ثقة، ولكنه يروي عن صغار الصحابة كأنس، وابن الزبير وابن عمر، لم يدرك أن يروي عن عمر بن الخطاب. فهذا إسناد منقطع، ضعيف لذلك".
7 كما في "مسند أحمد" "5/ 247" وانظر الكلام في الآية "183".(1/439)
ناموا امتنعوا، ثم إن رجلا من الأنصار يقال له "صرمة" كان يعمل صائما حتى أمسى، فجاء إلى أهله فصلى العشاء ثم نام فلم يأكل ولم يشرب حتى أصبح، فأصبح صائما، فرآه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد جهد جهدا شديدا، فقال: "ما لي أراك جهدت جهدا شديدا؟ " قال: يا رسول الله إني عملت أمس فجئت حين جئت فألقيت نفسي فنمت فأصبحت حين أصبحت صائما. قال: وكان عمر أصاب من النساء1 بعدما نام فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك فأنزل الله عز وجل: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُم} إلى قوله: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْل} .
وأخرجه [الطبري] 2 أيضا من طريق شعبة عن عمرو بن مرة عن ابن أبي ليلى مرسلا. ومن طريق3 حصين بن عبد الرحمن [عن عبد الرحمن] 4 بن أبي ليلى مرسلا وقال فيه: فجاء شيخ من الأنصار يقال له صرمة بن مالك5.
وأخرجه أحمد6 والطبري7 وابن أبي حاتم من طريق قيس بن
__________
1 في المسند هنا: من جارية أو من حرة.
2 سقط من الأصل وزدته ليتصل الكلام انظر "تفسير الطبري" "3/ 493" "2935".
3 "3/ 494" "2936" ووصفه الحافظ في "الإصابة" "2/ 183" بأنه صحيح الإسناد.
4 سقطت من الأصل.
5 وأخرجه كذلك من طريق ابن أبي ليلى عن معاذ بن جبل برقم "2937" قال السيوطي في "اللباب" "ص34" نقلًا دون عزو عن "فتح الباري" "8/ 182"، "هذا الحديث مشهور عن ابن أبي ليلى لكنه لم يسمع من معاذ وله شواهد"، فهذا الطريق منقطع.
6 لم أجده في مسند أبي هريرة من "مسند أحمد" "2/ 228-541"!
7 لم أجده في تفسيره، ولكن السيوطي نسبه إليه كذلك "1/ 476" ولم ينسبه إلى أحد غيره، ومن قبله ذكره ابن كثير "1/ 220" مبتدئًا بقوله: "وقال سعيد بن أبي عروبة عن قيس بن سعد" ولم يذكر من خرجه قال الشيخ أحمد شاكر "3/ 498" و"الظاهر من تتبع صنيعه أنه نقله عن الطبري أيضًا، ولم نجده في الطبري، فأما سقط الناسخين، وأما هو في موضع آخر من الطبري لم تصل إلينا معرفته. فرأينا إثباته تمامًا للفائدة وحفظًا لما ينسب لهذا التفسير العظيم" وبعد أن أورده -وهو أطول مما هنا- قال: فهذا إسناد صحيح، أما ما وراء سعيد بن أبي عروبة، فلا ندري ما حاله حتى نعرف رواته".
وعزو ابن حجر هذا الحديث للطبري يؤكد وجوده فيه والله أعلم.(1/440)
سعد1 عن عطاء بن أبي رباح عن أبي هريرة في قول الله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُم} إلى قوله: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْل} قال: كان المسلمون -قبل أن تنزل هذه الآية- إذا صلوا العشاء الآخرة حرم عليهم الطعام والشراب والنساء حتى يفطروا وأن عمر بن الخطاب أصاب أهله بعد صلاة العشاء، وأن صرمة بن قيس الأنصاري غلبته عينه بعد صلاة المغرب فنام فلم يشبع من الطعام ولم يستيقظ حتى صلى الرسول صلى الله عليه وسلم العشاء، فقام فأكل وشرب، فلما أصبح أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بذلك، فأنزل عند ذلك {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُم} إلى قوله: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْل} فكان ذلك عفوا من الله ورحمة. كذا جاء في هذه الرواية أن صرمة بن قيس أكل وشرب بعد ما نام، والذي تقدم أصح أنه امتنع فجهد فنزلت.
وأخرج الطبري2 من طريق عبد الله بن كعب بن مالك عن أبيه3 قال: كان الناس في رمضان إذا صام الرجل فأمسى فنام، حرم عليه الطعام والشراب والنساء حتى يفطر من الغد فرجع عمر بن الخطاب من عند النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة وقد سمر عنده فوجد امرأته قد نامت فأرادها فقالت: إني قد نمت قال: ما نمت! ثم وقع بها. وصنع كعب بن مالك مثل ذلك، فغدا عمر بن الخطاب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره، فأنزل الله تعالى: {عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُم} الآية وأخرجه ابن أبي حاتم4 وفي سنده عندهما ابن لهيعة5، وحديثه يكتب في المتابعات.
__________
1 ثقة انظر "التهذيب" "8/ 397".
2 "3/ 496" "2941" وكذلك الإمام أحمد "3/ 460" وابن أبي حاتم كما في "اللباب" "ص34" وابن المنذر كما في "الدر" المنثور" "1/ 475" وانظر "مرويات الإمام أحمد في التفسير" "1/ 136".
3 مر ذكره في الآية "109".
4 عزاه له السيوطي في "الدر" "1/ 475" وقال بسند حسن. قال أحمد شاكر "3/ 497": "وإنما حسن إسناده من أجل ابن لهيهعة -فيما أرجح- وعندي أنه إسنادي صحيح".
45 مر ذكره في "الفصل الجامع".(1/441)
ثم أسند الواحدي1 من طريق يحيى بن زكريا بن أبي زائدة حدثني أبي و2 غيره عن أبي إسحاق عن البراء بن عازب قال: كان المسلمون إذا أفطروا يأكلون ويشربون ويمسون النساء ما لم يناموا، فإذا ناموا لم يفعلوا شيئا من ذلك إلى مثلها وأن قيس بن صرمة الأنصاري كان صائما، فأتى أهله عند الإفطار فانطلقت امرأته تطلب شيئا وغلبته عينه فنام، فلما انتصف النهار من غد غشي عليه قال: وأتى عمر امرأته وقد نامت، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فنزلت {عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُم} إلى قوله: {مِنَ الْفَجْر} ففرح المسلمون3.
ثم أسند أيضا4 من طريق إسرائيل عن أبي إسحاق عن البراء: كان أصحاب محمد إذا كان الرجل صائما فحضر الإفطار فنام قبل أن يطعم لم يأكل ليلته ولا يومه حتى يمسي وأن قيس بن صرمة الأنصاري كان صائما. فذكر نحوه ولم يذكر قصة عمر وفي آخره: فأنزلت هذه الآية {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُم} ففرحوا بها فرحا شديدا.
قال: رواه البخاري عن عبيد الله بن موسى عن إسرائيل وهو كما قال5.
__________
1 "ص45".
2 كتب الناسخ هنا "كذا" وفي الهامش كلمة ذهبت في التصوير، وعلى أية حال فالسند سليم.
3 في السند زكريا بن أبي زائدة ثقة كان يدلس وسماعه من أبي إسحاق السبيعي بأخرة "التقريب" "216" وكان أبو إسحاق قد اختلط بأخرة "التقريب" "423" ولعل ابنه قرن به غيره لهذا السبب، والحديث صحيح كما سيأتي.
4 أي: الواحدي "ص45-46".
5 "صحيح البخاري" كتاب "الصوم" باب قول الله: {أُحِلَّ لَكُمْ} "الفتح" "4/ 129" ورواه من طريق آخر عن أبي إسحاق عن البراء في كتاب التفسير "الفتح" "8/ 181".
ومن قبله الإمام أحمد من طريق أسود بن عامر وأبي أحمد الزبيري "4/ 295".(1/442)
وأخرجه الإسماعيلي1 من وجه آخر عن عبيد الله بن موسى فقال عن إسرائيل وزهير كلاهما عن أبي إسحاق وأخرجه أيضا أبو داود2 من وجه آخر عن إسرائيل وقال في روايته: إن صرمة بن قيس. وأخرجه النسائي من رواية زهير وقال في روايته: ونزلت في أبي قيس بن عمرو3.
وأخرج الطبري4 أيضا من طريق السدي قال: كتب على النصارى صيام رمضان وكتب عليهم أن لا يأكلوا ولا يشربوا ولا ينكحوا النساء في رمضان بعد النوم5 وكتب على المسلمين6 كما كتب على النصارى فلم يزل المسلمون7 حتى أقبل رجل من الأنصار يقال له أبو قيس بن صرمة وكان يعمل في حيطان المدينة بالأجرة فأتى أهله بتمر فقال [لامرأته] 8: استبدلي لي بهذا طحينا فاجعليه سخينة9 لعلي آكله فإن التمر قد أحرق جوفي.
فانقلبت فاستبدلت له ثم صنعته فأبطأت عليه فنام فجاءت فأيقظته فكره أن
__________
1 هو الإمام الحافظ الحجة الفقية أبو بكر أحمد بن إبراهيم الجرجاني الشافعي ولد سنة "277" ومات سنة "371" له "المستخرج على صحيح البخاري" أربع مجلدات وغير ذلك انظر ترجمته في "السير" للذهبي "16/ 292-296".
2 "السنن" كتاب الصوم "2/ 295"، وكذلك الترمذي انظر "الجامع"، كتاب التفسير "5/ 194".
3 "سنن النسائي" كتاب الصيام، تأويل قول الله: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا} "4/ 147" وذكره السيوطي "1/ 475" وزاد نسبته إلى وكيع وعبد بن حميد، والنحاس في "ناسخه"، وابن المنذر، والبيهقي في "السنن".
4 "3/ 501-502" "2949" وكان قد ذكره باختصار في "3/ 411" "2721" وفي النقل هنا تصرف.
5 قيد "بعد النوم" ليس في الطبري في الموضعين.
6 في الطبري: المؤمنين.
7 في الطبري: "المسلمون على ذلك يصنعون كما تصنع النصارى".
8 سقطت من الأصل.(1/443)
يعصي الله فأبى أن يأكل فأصبح صائما فرآه النبي صلى الله عليه وسلم بالعشي، فقال: "ما لك يا أبا 1 قيس؟ " فقص عليه القصة. وكان عمر وقع على جارية له -في ناس من المسلمين2 لم يملكوا أنفسهم- فلما سمع كلام أبي قيس رهب أن ينزل فيه شيء فبادر واعتذر3 وتكلم أولئك الناس فنسخ الله تعالى ذلك عنهم ونزلت {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُم} إلى قوله {مِنَ الْفَجْر} .
ثم أسند الواحدي4 من طريق إسحاق بن أبي فروة عن الزهري أنه حدثه عن القاسم بن محمد [قال] 5: إن بدء الصوم: كان يصوم الرجل من عشاء إلى عشاء، فإذا نام لم يصل إلى أهله بعد ذلك ولم يأكل ولم يشرب حتى جاء عمر إلى امرأته فقالت: إني قد نمت فوقع بها، وأمسى صرمة بن قيس6 صائما فنام قبل أن يفطر فأصبح فكاد الصوم يقتله7 فأنزل الله تعالى الرخصة قال: {فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ} . وهذا الحديث مع إرساله ضعيف السند من أجل إسحاق بن أبي فروة8،
__________
1 في الأصل: يابا وهو فيه كثير.
2 في الطبري: المؤمنين.
3 وضع الناسخ في أولها وآخرها رمز الصحة والعبارة في الطبري: "رهب أن ينزل في أبي قيس شيء، فتذكر هو، فقال واعتذر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني أعوذ بالله، إني وقعت على جاريتي! ولم أملك نفسي البارحة! فلما تكلم عمر، تكلم أولئك الناس ... ".
4 "ص46".
5 زيادة في الواحدي.
6 في الواحدي: أنس.
7 في الواحدي: وكاد الصوم يقتلهم.
8 قال الحافظ في "التهذيب" "1/ 242": "قال الخليلي في الإرشاد: ضعفوه جدًّا، وتكلم فيه مالك والشافعي وتركاه، وقال البزار: ضعيف، وذكره ابن الجاورد والعقيلي والدولابي وأبو العرب والساجي وابن شاهين في "الضعفاء"، وزاد الساجي: ضعيف الحديث ليس بحجة، وقال أبو حاتم ابن حبان في "الضعفاء": يقلب الأسانيد، ويرفع المراسيل".(1/444)
ولولا أني التزمت أن استوعب ما أورده الواحدي لاستغنيت عن هذا.
وأخرج الطبري1 من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد كان الرجل من الصحابة يصوم فإذا أمسى أكل وشرب وجامع، فإذا رقد حرم ذلك كله عليه حتى القابلة وكان فيهم2، رجال يختانون أنفسهم في ذلك فعفا الله عنهم وأحل ذلك قبل الرقاد وبعده وفي رواية3 ذكر عمر4.
ومن طريق محمد5 بن يحيى بن حبان6 الأنصاري7: أن صرمة بن أنس8 أتى أهله وهو شيخ كبير فلم يهيئوا له طعاما فوضع رأسه فأغفى وجاءته امرأته فقالت: كل. قال: إني قد نمت! قالت: إنك لم تنم فأصبح جائعا مجهودا فنزلت.
تنبيه: جمع ابن عطية الخلاف في تسمية الأنصاري بحسب ما وقع عنده في "تفسير ابن جرير" فقال9: "ورُوي أن صرمة بن قيس ويقال: ابن مالك، ويقال: أبو
__________
1 "3/ 499" "2944" وفي النقل تصرف.
2 في الطبري: منهم.
2 "3/ 500" "2945".
4 أي: فيمن اختان نفسه.
5 "3/ 503" "2952" باختصار.
6 هكذا ضبط في الأصل بالقلم وهو ضبط صحيح.
7 ثقة فقيه، مات سنة "121" أخرج عنه الستة "التقريب" "512".
8 هكذا هنا وفي "الإصابة" "2/ 184" وفي المصدر المنقول عنه، ووقع في "الفتح" "4/ 130" نقلًا عنه: أيضًا: "ابن أبي أنس" وبنى عليه الحافظ، وما أراه إلا وهمًا.
9 في "المحرر الوجيز" "2/ 122".
ولم يستوعب ابن عطية صيغ الأسماء الواردة في "تفسير الطبري" انظر "3/ 494-503" والصيغ هي: "1- صرمة بن مالك 2- أبو صرمة 3- قيس بن صرمة 4- أبو قيس بن صرمة 5- صرمة بن أنس" ففي قول ابن حجر نظر، وكذلك في نقل ابن عطية فقارن بين الأسماء.(1/445)
قلت: وتقدم في بعض طرقه: أبو قيس بن صرمة، وفي بعضها: أبو قيس بن عمرو، وذكرت في كتابي في "الصحابة"1 أن بعضهم قال: أنس بن صرمة2 وأن
__________
1 هو الإصابة في تمييز الصحابة.
2 ذكر هذا في حرف الهمزة الأول "1/ 70" ونصه: "أنس بن صرمة: يأتي في صرمة بن أنس" ولكنه لم يتكلم عليه بشيء، وذكر صرمة بن أنس في "2/ 182" "4061" وقال: "ابن إسحاق: وهو الذي نزلت فيه {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا} قلت: واسم الذي نزل فيه اختلف فيه اختلافًا كثيرًا، كما سأبينه في الذي بعده "ثم ذكر" صرمة بن مالك الأنصاري" وأفاض في ذكر قصته وما فيها من تعدد الأسماء، ثم قال "2/ 184":
"فإن حمل في هذا الاختلاف على تعدد أسماء من وقع له ذلك، وإلا فيمكن الجمع برد جميع الروايات إلى واحد، فإنه قيل فيه: صرمة بن قيس، وصرمة بن مالك، وصرمة بن أنس، وقيل فيه: قيس بن صرمة، وأبو قيس بن صرمة، وأبو قيس بن عمرو. فيمكن أن يقال:
- إن كان اسمه: صرمة بن قيس: فمن قال فيه: قيس بن صرمة قلبه، وإنما اسمه صرمة وكنيته: أبو قيس، أو العكس.
- وأما أبوه فاسمه: قيس أو صرمة، على ما تقرر في القلب.
وكنيته: أبو أنس، ومن قال فيه: أنس، حذف أداة الكنية.
- ومن قال فيه: ابن مالك، نسبه إلى جد له والعلم عند الله تعالى ا. هـ.
وقال في حرف القاف "3/ 251" في "قيس بن صرمة".
"وفرق ابن حيان بين قيس بن مالك وقيس بن صرمة فقال في كل منهما: له صحبة".
وقد جزم في "الفتح" بالاسم فقال: "4/ 130 ".
"والجمع بين هذه الروايات أنه: أبو قيس صرمة بن أبي أنس قيس بن مالك بن عدي بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار ... ".
قلت: ثم بين علل الأسماء الأخرى وفاته أنه في رواية: "أبو صرمة" كما في الطبر ي و"صرمة بن أنس بن صرمة ... أبو قيس" كما في مقاتل.
وما ذهب إليه تلفيق فيه نظر وكان الأولى أن يرجح باعتبار السند، ومن العجب أن يميل عما في "مسند أحمد" والبخاري والترمذي وهو طريق صحيح متصل أقوى من أكثر الطرق الأخرى؟! فالراجح عندي: قيس بن صرمة وأما صرمة بن أنس فهو صحابي آخر والله أعلم.(1/446)
بعضهم صحفه فقال: ضمرة بضاد معجمة1. ووقع في "تفسير مقاتل"2 أنه صرمة بن أنس بن صرمة بن مالك من بني عدي بن النجار أبو قيس3.
98- قوله تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْر} .
أسند الواحدي4 من طريق أبي حازم عن سهل بن سعد قال: نزلت هذه الآية {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ} ولم ينزل {مِنَ الْفَجْر} فكان رجال إذا أرادوا الصوم ربط أحدهم في رجليه الخيط الأبيض والخيط الأسود، فلا يزال يأكل ويشرب حتى يتبين له زيهما5 فأنزل الله تعالى بعد ذلك {مِنَ الْفَجْر} فعلموا أنه إنما يعني بذلك الليل والنهار. قال رواه البخاري ومسلم وهو كما قال6
__________
1 ذكر هذا في حرف الضاد "ضمرة" في القسم الرابع منه "2/ 218" فقال:
ضمرة بن أنس الأنصاري: استدركته ابن الأثير على من تقدمه، وهو خطأ نشأ عن تصحيف فإنه ساق عن "جزء [إبراهيم] بن أبي ثابت بإسناده عن قيس بن سعد بن عطاء بن أبي هريرة قال: كان المسلمون إذا صلوا العشاء الآخرة ... وأن ضمرة بن أنس الأنصاري غلبته عينه فنام.. الحديث في نزول قوله تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا} .
هكذا قال: والصواب صرمة بن أنس وقد مضى القول فيه.
وقال مثل هذا في "الفتح" "4/ 130-131" ولكنه قال: "والصواب: صرمة بن أبي أنس ... "!
2 "1/ 90".
3 كتب الناسخ هنا "كذا" وترك بياضا يسع كلمتين، ولعله رأى أن الكلام لم يتم بعد إذ لم يرجح المؤلف هنا اسمًا من الأسماء وقد مر ستة أسماء!
4 "ص46-47" وذلك ضمن الترجمة السابقة.
5 في "صحيح مسلم": "رئيهما" وقال المحقق: "هذه اللفظة ضبطت على ثلاثة أوجه: ... والثاني: زيهما ومعناه واللفظة في "صحيح البخاري" من هذا الطريق: "رؤيتهما" انظر "الفتح" "4/ 134".
6 "صحيح البخاري" كتاب الصوم "الفتح" "4/ 133" وكتاب التفسير "182-183/ 8" و"صحيح مسلم" كتاب الصيام "1/ 767".(1/447)
قال ابن عطية1 وجعل عدي بن حاتم خيطين على وسادة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "إن وسادك لعريض" 2. قال ابن عطية روي أنه كان بين طرفي المدة عام.
قلت: كلامه يوهم أن قصة عدي كانت قبل نزول قوله تعالى: {مِنَ الْفَجْر} وليس كذلك4 بل صنيع الأنصار وصنيع عدي وإن اتحد في الخيطين لكن مأخذ الغرضين مختلف ونزول {مِنَ الْفَجْر} كان بسبب الأنصار لأنهم حملوا الخيطين
__________
1 في "المحرر" "2/ 126".
2 هذا مقطع من حديث يرويه البخاري" "الفتح" "8/ 182" ومسلم "766-767" ولفظ البخاري: "عن الشعبي عن عدي قال: أخذ عدي عقالًا أبيض وعقالًا أسود، حتى كان بعض الليل نظر فلم يستبينا. فلما أصبح قال: يا رسول الله جعلت تحت وسادي. قال: "إن وسادك إذًا لعريض إن كان الخيط الأبيض والأسود تحت وسادتك" والجملة الأخيرة عند مسلم: "إن وسادتك لعريض، إنما هو سواد الليل وبياض النهار".
2 "المحرر" "2/ 126" وتتمة كلامه: "من رمضان إلى رمضان، تأخر البيان إلى وقت الحاجة".
ونقل ابن حجر في "الفتح" "1/ 134" عن القرطبي المحدث أحمد بن عمر الأنصاري "ت656هـ" صاحب "المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم" قوله: "قد قيل إنه كان بين نزولهما عام كامل" ولم يبين مستندًا، وكذلك ابن عطية من قبله.
4 أن منشأ هذا ما جاء عن عدي قال: "لما نزلت {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَد} عمدت إلى عقال ... " رواه البخاري، ونحوه عند مسلم.
وقال الحافظ في "شرحه" "4/ 132-133": "ظاهره أن عديًا كان حاضرًا لما نزلت هذه الآية، وهو يقتضي تقدم إسلامه، وليس كذلك لأن نزول فرض الصوم كان متقدمًا في أوائل الهجرة، وإسلام عدي كان في التاسعة أو العاشرة، كما ذكره ابن إسحاق وغيره من أهل المغازي. فإما أن يقال: إن الآية التي في حديث الباب تأخر نزولها عن نزول فرض الصوم وهو بعيد جدًّا. وإما أن يؤول قول عدي هذا على أن المراد بقوله: "لما نزلت" أي: لما تليت عليَّ عند إسلامي، أو لما بلغني نزول الآية، أو في السياق حذف تقديره: لما نزلت الآية ثم قدمتُ فأسلمتُ وتعلمتُ الشرائع عمدتُ، وقد روى أحمد حديثه من طريق مجالد بلفظ" علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة والصيام فقال: "صل كذا وصم كذا، فإن غابت الشمس فكل حتي يتبين لك الخيط الأبيض من الخيط الأسود" قال: فأخذت خيطين "الحديث". قلت: فحديث عدي معارض بحديث الأنصار، وقد نص فيه على نزول {مِنَ الْفَجْر} آنذاك.(1/448)
على حقيقتهما. وفعل عدي استمر بعد نزول قوله تعالى: {مِنَ الْفَجْر} حملا للخيطين على الحقيقة أيضا1، وأن المراد أن يوضح الفجر الأبيض منهما من الأسود فقيل له: إن المراد بالخيط نفس الفجر ونفس الليل2.
99- قوله ز تعالى: {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِد} .
قال مقاتل بن سليمان3: نزلت في علي وعمار [بن ياسر] وأبي عبيدة [بن الجراح] كان أحدهم يعتكف فإذا أراد الغائط من السحر رجع إلى أهله فيباشر ويجامع ويغتسل4 ويرجع فنزلت.
وعبر عنه ابن ظفر مقتصرا عليه بقوله: قيل كان علي وأبو عبيدة إذا خرجا في حال اعتكافهما لحاجة الإنسان قد يكون منها الوطء فنزلت.
وأخرج الطبري5 من طريق سفيان -وهو الثوري- عن علقمة بن مرثد عن الضحاك بن مزاحم قال: كانوا يجامعون وهم معتكفون حتى نزلت {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِد} 6.
__________
1 ويؤيد هذا أيضا ما قاله الحافظ "4/ 134": "وقد روى ابن أبي حاتم من طريق أبي أسامة عن مجالد في حديث عدي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لما أخبره بما صنع: "يابن حاتم ألم أقل لك: {مِنَ الْفَجْرِ} " وللطبراني وجه آخر عن مجالد وغيره: فقال عدي: يا رسول الله كل شيء أوصيتني قد حفظته غير الخيط الأبيض من الخيط الأسود، إني بت البارحة معي خيطان أنظر إلى هذا وإلى هذا، قال: "إنما هو الذي في السماء".
2 وانظر مزيد بيان في "الفتح" "4/ 132-136".
3 "1/ 91" وما بين المعقوفين زيادة منه.
4 في الأصل: يقبل وهو تحريف.
5 "3/ 541" "3039".
6 مرسل رجاله المذكورون ثقات وعلقمة هو الحضرمي، أبو الحارث الكوفي، ثقة من السادسة، أخرج عند الستة "التقريب" "391" ولكن الشيخ الطبري سفيان بن وكيع عن أبيه، وسفيان كما في "التقريب" "245": "كان صدوقًا إلا أنه ابتلي بوراقه، فأدخل عليه ما ليس من حديثه فنصح فلم يقبل فسقط حديثه".
1 "3/ 541" "3040".(1/449)
وفي رواية له1 من هذا الوجه: كان الرجل إذا اعتكف فخرج من المسجد2 جامع إن شاء فنزلت، يقول: لا تقربوهن ما دمتم عاكفين في مسجد ولا غيره.
ومن طريق سعيد2 عن قتادة: كان الرجل إذا خرج من المسجد وهو معتكف فلقي امرأته باشرها فنهاهم الله عن ذلك، وأخبرهم أن ذلك لا يصلح حتى يقضي اعتكافه.
ومن طريق معمر عن قتادة نحوه4.
ومن طريق ابن جريج قال5: قال ابن عباس: كانوا إذا اعتكفوا فخرج الرجل إلى الغائط جامع امرأته ثم اغتسل، ثم رجع إلى اعتكافه فنهوا عن ذلك.
ومن طريق أبي جعفر الرازي6 عن الربيع بن أنس: كان أناس يصيبون نساءهم وهم عكوف فنهاهم الله عن ذلك.
ومن7 طريق ابن أبي نجيح8 عن مجاهد: كان ابن عباس يقول: من خرج من بيته إلى بيت الله فلا يقرب النساء ومن طريق ابن جريج قال9: قال مجاهد: نهوا عن
__________
1 "3/ 541" "3040".
2 في الأصل: المساجد.
3 "3/ 541" "3043".
4 "3/ 543" "3047" وهو في "تفسير عبد الرزاق".
5 "3/ 542" "3048" وفي النقل اختصار.
6 "3/ 541" "3042".
7 على "من" رمز الصحة.
8 "3/ 542" "3046".
9 "3/ 542" "3048".(1/450)
جماع النساء في المساجد حيث كانت الأنصار تجامع.
100- قوله تعالى: {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِل} الآية 188.
قال الواحدي1: قال مقاتل بن حيان: نزلت هذه الآية في امرئ القيس بن عابس الكندي وفي عيدان2 بن أشوع الحضرمي وذلك أنهما3 احتكما إلى النبي صلى الله عليه وسلم في أرض فكان امرؤ القيس المطلوب وعيدان الطالب فأنزل الله تعالى هذه الآية فحكم عيدان في أرضه ولم يخاصمه4.
قلت: كذا رأيت فيه: "ابن حيان" وقد وجدته في "تفسير مقاتل بن سليمان5 وقال في آخره ولم يكن لعيدان6 بينه وأراد امرؤ القيس أن يحلف فقرأ النبي صلى الله عليه وسلم: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا} فلما سمعها امرؤ القيس كره أن يحلف فلم يخاصمه في أرضه وحكمه فيها فنزلت7.
وأخرجه ابن أبي حاتم من طريق عطاء بن دينار8 عن سعيد بن جبير بنحوه.
__________
1 "ص47".
2 في الواحدي: عبدان في مواضع ذكره الثلاثة.
3 في الأصل: لأنهما وما أثبته أولى وهو ما في الواحدي.
4 لا يمكن أن يكون هذا سبب نزول لعدم انطباق موضوعه على الآية، فهي تشير إلى تحريم الرشوة وليس في الرواية أن أحدًا لجأ إليها.
ملاحظة: انظر ما سيأتي في الكلام على الآية "77" من سورة آل عمران.
5 انظر "1/ 91-92".
6 في "تفسير مقاتل": عبدان -بالباء الموحدة.
7 أن سياق هذه الرواية يقتضي أن ينزل مدح لامرئ القيس لاستجابته لتذكير النبي صلى الله عليه وسلم، أما أن ينزل تعريض به -بذكر الرشوة- فلا يبدو مقبولًا، والله أعلم.
8 قال في "التقريب" "391": "صدوق إلا أن روايته عن سعد بن جبير من صحيفة مات سنة "126" "وانظر الفصل الجامع"، فقد ذكر هناك.(1/451)
وعَيدان بفتح المهملة بعدها تحتانية مثناة1 ذكره أصحاب المشتبه2.
101- قوله ز تعالى: {وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّام} .
قال الماوردي3: "معنى تدلوا تصيروا بها إلى الحكام4 مأخوذ من إدلاء الدلو5، ويحتمل أن يكون المعنى تقيموا بها الحجة عندهم تقول: أدلى بحجته إذا قام بها" قال القرطبي6: "المعنى لا تدلوا إلى الحكام بالحجج الباطلة، وقيل المعنى: لا
__________
1 وذكره الحافظ في "الإصابة" "3/ 51" بهذا الاسم اعتمادًا على مقاتل وجاء اسم أبيه "أسوع" وهو تحريف وقال: "وقع في تفسير الماوردي "1/ 208": عيدان بن ربيعة: قلت: وجاء في المطبوع: "عبدان وهو تحريف.
2 الذي رأيته في "الإكمال في رفع الارتياب عن المؤتلف والمختلف في الأسماء والكنى والأنساب": لابن ماكولا "ت475" "6/ 89": "وأما عيدان -بفتح العين وبالياء المعجمة باثنتين من تحتها- فهو ربيعة بن عيدان بن ربيعة ذي العرف بن وائل ذي طواف الحضرمي، قال ابن يونس: من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، شهد فتح مصر. وقال عبد الغني: ويقال: عيدان -بكسر العين وبالباء المعجمة بواحدة-" وفي هامشه تعليق للشيخ اليماني مهم فانظره إذن: ربيعة بن عيدان، وبهذا الاسم ذكره الحافظ في "الإصابة" "1/ 501" وقال في ضبط اسم أبيه: "بفتح المهملة وسكون التحتانية على المشهور الحضرمي، ويقال: الكندي.
روى الطبراني من طريق عبد الملك بن عمير عن علقمة بن وائل عن أبيه قال:
كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم فأتاه خصمان فقال أحدهما: يا رسول الله إن هذا انتزع على أرضي في الحاهلية -وهو امرؤ القيس بن عابس، وخصمه ربيعة بن عيدان- الحديث.
وأصله في مسلم من حديث علقمة دون تسميتها، وله طرق "ثم نقل كلام ابن يونس الذي نقله ابن موكالا".
3 "1/ 207" وفي النقل تصرف.
4 هذه العبارة ساقطة من "تفسير الماوردي".
5 في الماوردي زيادة: إذا أرسلته.
6 انظر "الجامع" "2/ 226-227". وفيه تصرف.(1/452)
تصانعوا بأموالكم الحكام فترشوهم ليقضوا لكم".
قال ابن عطية1: "ويترجح هذا القول بأن الحكام مظنة الرشوة [إلا من عصم وهو] الأقل" قال: "واللفظتان متناسبان2 لأن تدلوا من إرسال الدلو والرشوة من الرشا كأنها يمد3 بها [لتقضي الحاجة] .
وقال الرازي4: "قيل المراد ما لا بينة عليه كالودائع، وقيل شهادة الزور وقيل: في دفع الأوصياء بعض مال الأيتام إلى الحاكم، وقيل: أن يحلف ليذهب حق غريمه، وقيل: نزلت في الرشوة، وهو الظاهر، وإن كان الكل منهيا عنه"5.
قلت: بل السبب لا يعدل عن كونه مرادا وإن كان اللفظ يتناول غيره6.
102- قوله تعالى: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجّ} .
قال الواحدي7: "قال معاذ بن جبل: يا رسول الله إن اليهود تغشانا ويكثرون مسألتنا عن الأهلة فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال قتادة: وذكر لنا أنهم سألوا نبي الله صلى الله عليه وسلم لم خلقت8 هذه الأهلة؟ فأنزل
__________
1 "المحرر الوجيز" "2/ 132" وما بين المعقوفين زدته منه.
2 في "المحرر": وأيضًا فإن اللفظتين.
3 في الأصل: "تمد" ووضع الناسخ عليها. ط وأثبتُ ما في "المحرر".
4 انظر تفسيره "5/ 128" وفي النقل تصرف كثير وحذف.
5 لفظ الرازي في العبارة الأخيرة: "ولا يبعد أيضًا اللفظ على الكل؛ لأنها بأسرها أكل بالباطل".
6 أين السبب هنا فالمذكور كله من باب التفسير.
7 "ص47".
8 في الأصل: اختلفت. وهو تحريف وأثبت ما في الواحدي.(1/453)
الله تعالى: {قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} .
وقال الكلبي: نزلت في معاذ بن جبل وثعلبة بن عنمة1 -بفتح المهملة والنون- وهما رجلان من الأنصار، قالا يا رسول الله: ما بال الهلال يبدو فيطلع دقيقا مثل الخيط ثم يزيد حتى يعظم ويستوي ويستدير، ثم لا يزال ينقص ويدق حتى يعود2 كما كان على حال واحد؟ فنزلت هذه الآية.
قلت: أما الأول فلم أر له سندا إلى معاذ ويحتمل أن يكون اختصره أولًا3 ثم أورده مبسوطا.
وأما أثر قتادة فأخرجه يحيى بن سلام عن شعبة عنه بهذا اللفظ، وأخرجه الطبري4 من طريق سعيد5 بلفظ: سألوا النبي صلى الله عليه وسلم لِمَ جعلت هذه الأهلة، فأنزل الله.
ومن طريق أبي جعفر الرازي6 عن الربيع بن أنس ذكر لنا أنهم سألوا النبي صلى الله عليه وسلم لِمَ خلقت الأهلة فنزلت.
ومن طريق ابن جريج7 قال: قال ناس. فذكر مثله.
__________
1 تحرف في "تفسير الزمخشري" "1/ 340" والرازي "5/ 129" إلى غنم وفي "الفتح السماوي" للمناوي "1/ 231" إلى "غنمة".
2 فيه: يكون.
3 أي: اختصره من قول الكلبي.
4 "3/ 553" "3067" وفي النقل اختصار.
5 وضع الناسخ فوقه: كذا وكأنه ظنه خطأ، وليس الأمر كذلك، ويقصد الطبري: من طريق سعيد -وهو ابن أبي عروبة- عن قتادة، وقد مر كثيرًا وانظر المقدمة.
6 "3/ 553" "3068" باختصار.
7 "3/ 554" "3070".(1/454)
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق أبي العالية قال: بلغنا أنهم قالوا فذكر مثله.
وأما أثر الكلبي فلعله في "تفسيره" الذي يرويه عن أبي صالح عن ابن عباس1. وقد وجدت مثله في "تفسير مقاتل بن سليمان"2 بلفظه فلعله تلقاه عنه وقد توارد من لا يد لهم في صناعة الحديث على الجزم بأن هذا كان سبب النزول مع وهاء السند فيه ولا شعور عندهم بذلك بل كاد يكون مقطوعا به لكثرة من ينقله من المفسرين وغيرهم.
قال الفخر الرازي:3 "ليس في الآية عن أي شيء سألوا لكن الجواب بقوله: {هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاس} يدل على أنهم سألوا عن الحكمة في تغيرها" والله أعلم.
103- قوله تعالى: {وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى} [الآية: 189] .
1- أسند الواحدي4 من طريق شعبة عن أبي إسحاق سمعت البراء يقول: كانت الأنصار إذا حجوا فجاءوا لا يدخلون من أبواب بيوتهم ولكن من ظهورها، فجاء رجل فدخل من قبل بابه فكأنه عير بذلك، فنزلت هذه الآية. متفق عليه5.
__________
1 وقد نقل الحافظ أثره في كتابه "الإصابة" في ترجمة ثعلبة "1/ 201" وسماه "ابن الكلبي" وقال المناوي في "الفتح السماوي" "1/ 232 ": "قال الولي العراقي: لم أقف له إسناد، واستدرك عليه فإن ابن عساكر أخرجه في تاريخه "ج1/ ق6/ ب" من طريق السدي الصغير عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس، لكنه إسناده واه". أفدت تعيين الموضع من المحقق، وقد عزاه السيوطي في "اللباب" "ص35" إلى أبي نعيم وابن عساكر.
2 انظر "1/ 92" وجاء فيه: ثعلبة بن غنمة -بالغين- وهو تحريف.
3 في تفسيره "5/ 129-130" والنقل بالمعنى
4 "ص48".
5 رواه البخاري عن أبي الوليد في كتاب العمرة باب قول الله {وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا} "الفتح" "3/ 621" ومسلم، في كتاب التفسير "4/ 2319"، ولم يعزه إليه الحافظ في شرح حديث البخاري المذكور ولا ابن كثير في "تفسيره" وكذلك السيوطي في "الدر" وفي "اللباب" والشيخ أحمد شاكر في "تخريج الطبري".
ورواه كذلك النسائي في الحج والتفسير كما في "التحفة" "2/ 53".(1/455)
ومن طريق الأعمش1 عن أبي سفيان عن جابر: كانت قريش تدعى الحمس، وكانوا يدخلون من الأبواب في الإحرام وكانت الأنصار وسائر العرب لا يدخلون من باب في الإحرام فبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في بستان إذ خرج من بابه، وخرج معه قطبة بن عامر الأنصاري فقالوا: يا رسول الله: إن قطبة بن عامر رجل2 فاجر وإنه خرج معك من الباب فقال: ما حملك على ما صنعت؟ فقال: رأيتك فعلته ففعلت كما فعلت. فقال: إني أحمس3 قال: إن ديني دينك. فأنزل الله تعالى: {وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا} .
قلت: حديث جابر أخرجه ابن خزيمة4 والحاكم5، وهو على شرط مسلم ولكن اختلف في إرساله ووصله6. وحديث البراء له شاهد قوي، وله عدة متابعات
__________
1 أي: أسند الواحدي من طريقه.
2 في الأصل: تاجر ووضع الناسخ عليها: ط وكذلك في "تفسير ابن كثير" "1/ 225"، وهو تحريف لا معنى لـ"تاجر" هنا.
3 في الواحدي والحاكم و"الفتح": أحمسي، وهو تحريف فالحمس جمع مفرده أحمس وفي ابن كثير كما هنا.
4 ليس هذا الحديث في القسم المطبوع من "صحيحه".
وابن حزيمة علم معروف توفي سنة "311" انظر ترجمته في "السير" للذهبي "14/ 365-382" و"صحيحه" من مرويات الحافظ انظر "المعجم المهفرس" "ص20".
5 "المستدرك"، كتاب المناسك "1/ 483" وقال: "صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بهذه الزيادة" ووافقه الذهبي، قال الوادي في "الصحيح المسند من أسباب النزول" "ص27": "وليس كما قالا، فإن أبا الجواب وهو الأحوص بن جواب وعمار بن رزيق لم يخرج لهما البخاري شيئًا في "تهذيب التهذيب" فهو على شرط مسلم فقط".
6 وكذلك قال في "الفتح" "3/ 621" وبين من أرسله بقوله: "فرواه عبد بن حميد عنه "أي: عن الأعمش" فلم يذكر جابرًا، أخرجه بقي وأبو الشيخ في تفسيرهما من طريقه" وانظر لزامًا "الإصابة" ترجمة قطبة بن عامر "3/ 37".
ملاحظة: جاء في "الفتح" "تقي" وهذا تصحيف والمراد بقي بن مخلد وله تفسير قال عنه ابن حزم: أقطع أنه لم يؤلف في الإسلام مثل تفسيره، لا تفسير، ولا تفسير ابن جرير، ولا غيره. وانظر "طبقات المفسرين" للداودي "1/ 119".(1/456)
مرسلة1.
ثم قال الواحدي2: قال المفسرون: كان الناس في الجاهلية وفي أول الإسلام إذا أحرم الرجل منهم بالحج أو العمرة، لم يدخل حائطا ولا دارا ولا بيتا من بابه، فإن كان من أهل المدر3 نقب نقبا في ظهر بيته منه، يدخل ويخرج، أو يتخذ سلما فيصعد فيه، وإن كان من أهل الوبر خرج من خلف الخيمة والفسطاط ولا يدخل من الباب ولا يخرج منه4 حتى يحل من إحرامه ويرون ذلك برا5 إلا أن يكون من الحمس وهم قريش، وكنانة، وخزاعة، وثقيف، وجشم، وبنو عامر بن صعصعة، وبنو النضر بن معاوية سموا حمسا لشدتهم في دينهم قالوا6: فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم بيتا لبعض الأنصار فدخل رجل من الأنصار على أثره من الباب وهو محرم7 فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لم دخلت من الباب وأنت محرم؟ " فقال: رأيتك دخلت فدخلت على أثرك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني أحمس" 8 فقال الرجل:
__________
1 كما سيأتي.
2 "ص49".
3 تحرفت في الواحدي إلى: المدن.
4 قوله: ولا يخرج منه لم يذكر في الواحدي.
5 في الواحدي: دينًا.
6 في الأصل: قال ولكن الضمير يعود إلى المفسرين.
7 في الواحدي: فأنكروا عليه.
8 في الواحدي: أحمسي.(1/457)
إن كنت أحمس فإني أحمس1 ديننا واحد، رضيت بهديك وسمتك ودينك. فأنزل الله عز وجل هذه الآية.
قلت: وهذا جمعه من آثار مفرقة ولم أجده عن واحد معين.
وأخرج عبد الرزاق في "تفسيره"2 عن معمر عن الزهري قال: كان ناس من الأنصار إذا أهلوا بالعمرة لم يحل بينهم وبين السماء شيء، يتحرجون من ذلك، وكان الرجل يخرج مهلا بالعمرة فتبدوا له الحاجة بعدما يخرج من بيته، فيرجع فلا يدخل من باب الحجرة من أجل سقف الباب3 أن يحول بينه وبين السماء، فيفتح الجدار من قدامه4 ثم يقوم في حجرته فيأمر بحاجته. فتخرج إليه من بيته، حتى بلغنا أن رسول الله5 صلى الله عليه وسلم أهل زمن الحديبية بالعمرة، فدخل حجرة، فدخل رجل على أثره، من الأنصار من بني سلمة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "إني أحمس"، قال الزهري: وكان الحمس لا يبالون ذلك، فقال الأنصاري: فأنا أحمس! يقول: أنا على دينك، فأنزل الله تعالى هذه الآية. هذا مرسل رجاله ثقات أخرجه الطبري6 من طريق عبد الرزاق.
وأخرج7 من طريق أسباط عن السدي في هذه الآية قال: إن ناسا من العرب كانوا إذا حجوا لم يدخلوا بيوتهم من أبوابها، كانوا ينقبون في أدبارها فلما حج رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع أقبل يمشي ومعه رجل من أولئك وهو مسلم فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم باب البيت، احتبس الرجل خلفه وأبى أن يدخل، وقال: يا رسول الله،
__________
1 فيه كذلك: إن كنت أحمسيًّا فإني أحمسي.
2 "ص19-20".
3 في عبد الرزاق: البيت، ولكنه في الطبري كما هنا.
4 في عبد الرزاق والطبري: ورائه.
5 في عبد الرزاق: "النبي" والحافظ أورد لفظ الطبري.
6 "3/ 558" "3082".
7 أي: الطبري "3/ 559" "3085".(1/458)
إني أحمس -يقول: إني محرم- وكان أولئك الذين يفعلون ذلك يسمون الحمس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وأنا أيضا أحمس: فادخل"، فدخل الرجل فأنزل الله تعالى: {وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا} .
قلت: شذ السدي بهذه الرواية فخالف في زمان نزول الآية وخالف في من كان يفعل ذلك، فزعم أنهم الحمس والمحفوظ أنهم غير الحمس، وخالف في أن الصحابي امتنع حتى أذن له النبي صلى الله عليه وسلم والمحفوظ أنه صنع فأنكر عليه فإن أمكن الجمع بالحمل على التعدد مع بعده وإلا فالصحيح الأول1.
وقد أخرجه الطبري وغيره من طرق أخرى:
منها2: من طريق أبي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس في هذه الآية قال: كان أهل المدينة وغيرهم إذا أحرموا لم يدخلوا البيوت إلا من ظهورها وذلك أن يتسوروها وكان أحدهم إذا أحرم لم يدخل البيت إلا أن يتسور من ظهره، وأن النبي صلى الله عليه وسلم دخل ذات يوم بيتا لبعض الأنصار ودخل رجل على أثره ممن قد أحرم فأنكروا عليه ذلك وقالوا هذا رجل، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "لم دخلت من الباب وقد أحرمت؟ "، قال: رأيتك يا رسول الله! دخلت على أثرك، فقال: "إني أحمس" -وقريش يومئذ تدعى الحمس- فقال الأنصاري: إن ديني دينك فأنزل الله هذه الآية.
ومن طريق العوفي3 عن ابن عباس: "إن رجالا من أهل المدينة كانوا إذا خاف
__________
1 وقال الحافظ في "الفتح" "3/ 622": "وفي مرسل الزهري أن ذلك وقع في عمرة الحديبية وفي مرسل السدي عند الطبري أيضًا أن ذلك وقع في حجة الوداع، وكأنه أخذ من قوله" كانوا إذا حجوا، لكن وقع في رواية الطبري "كانوا إذا أحرموا" فهذا يتناول الحج والعمرة، والأقرب ما قال الزهري. ولاحظ ما سيأتي.
2 "3/ 559-560" "3087" وفيه تصرف قليل.
3 "3/ 559" "3086" وفي النقل اختصار.(1/459)
أحدهم من عدوه شيئا أحرم فأمن وإذا أحرم لم يلج من بابه واتخذ ثقبا من ظهر بيته فلما دخل النبي صلى الله عليه وسلم المدينة كان بها رجل محرم فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بستانا فدخل معه ذلك المحرم، فذكر نحو ما تقدم.
وأخرج الطبري1 وعبد بن حميد من طريق داود بن أبي هند عن قيس بن حبتر بمهملة ثم موحدة ثم مثناة كوزن جعفر2 النهشلي قال كانوا إذا أحرموا لم يأتوا بيتا من قبل بابه ولكن من قبل ظهره وكانت الحمس تفعله فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم حائطا من حيطان المدينة ثم خرج من بابه فاتبعه رجل يقال له رفاعة بن تابوت3 ولم يكن من الحمس، فقالوا: يا رسول الله نافق رفاعة، فقال: "ما حملك على ما صنعت يا رفاعة؟ " قال: رأيتك خرجت فخرجت، فقال: "إني من الحمس ولست أنت من الحمس" فقال: يا رسول الله ديننا واحد فأنزلت {وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا} إلى قوله: {لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون} .
قلت: الرواية المتقدمة4 في تسميته قطبة بن عامر أصح5، وكذا سماه مقاتل
__________
1 "3/ 556" "3077" وبين اختلاف كثير، وهذا لفظ عبد إلا قليلًا وقد نقله عنه في "الإصابة" في ترجمة رفاعة بن تابوت في القسم الأول "1/ 517" وفي "الفتح" "3/ 621".
2 تحريف في فتح الباري" "3/ 621-622" وفي "الإصابة" في الموضع المشار إليه، وفي "الدر المنثور" "1/ 492" و"تفسير الماوردي" "1/ 208" إلى جبير.
3 تحرف في "تفسير الماوردي" "1/ 209" إلى أيوب!
4 يقصد رواية ابن خزيمة والحاكم عن جابر.
5 هكذا قال هنا وقال في "الفتح" "3/ 622" بعد أن أورد حديث جابر ثم حديث قيس: "وهذا مرسل، والذي قبله أقوى إسنادًا فيجوز أن يحمل على التعدد في القصة، إلا أن في هذ المرسل نظرًا من وجه آخر؛ لأن رفاعة بن تابوت معدود في المافقين، وهو الذي هبت الريح العظيمة لموته كما وقع مبهمًا في صحيح مسلم، ومفسرًا في غيره من حديث جابر، فإن لم يحمل على أنهما رجلان توافق اسمهما واسم أبويهما وإلا فكونه قطبة بن عامر أولى، ويؤيده أن في مرسل الزهري عند الطبري "فدخل رجل من الأنصار من بني سلمة" وقطبة من بني سلمة بخلاف رفاعة.
ويدل على التعدد اختلاف القول في الإنكار على الداخل، فإن في حديث جابر، فقالوا: إن قطبة =(1/460)
بن سليمان في "تفسيره"1 وفي هذا المرسل من النكارة قوله: إن ذلك في حائط من حيطان المدينة، وما كان النبي صلى الله عليه وسلم قط وهو بالمدينة محرما.
وأخرج عبد بن حميد من طريق مغيرة2 عن إبراهيم -هو النخعي- قال: كانوا إذا أحرموا لم يدخلوا بيتا من بابه فنزلت3.
ومن طريق شيبان عن قتادة نحوه4.
ومن طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد: كان أهل الجاهلية جعلوا في بيوتهم كوى في ظهورها، وأبوابا في جنوبها فنزلت5.
__________
= رجل فاجر "وفي مرسل قيس بن حبتر "في الأصل جبير محرف": "فقالوا: يا رسول الله نافق رفاعة" لكن ليس بممتنع أن يتعدد القائلون في القصة الواحدة".
وهو كما ترى لم يجزم وإن ختم القول بذكر التعدد، وكأنه مال إلى التعدد في "الإصابة" فقد أورد "رفاعة بن تابوت" في القسم الأول "1/ 517" وذكر مرسل قيس ثم قال: "وسيأتي نحو هذه القصة لقطبة "في الأصل: لعطية وهو تحريف" بن عامر، فلعلها وقعت لهما، وأما الحديث الذي أخرجه مسلم من حديث جابر أن ريحًا عظيمة هبت فقال النبي صلى الله عليه وسم: "إنما هبت لموت منافق عظيم النفاق" وهو رفاعة بن تابوت، فهو آخر غير هذا، فقد جاء من وجه آخر "رافع بن التابوت".
1 وقال في "الفتح" "3/ 621": "وكذا سماه الكلبي في تفسيره عن أبي صالح عن ابن عباس ... وجزم البغوي وغيره من المفسرين بأن هذا الرجل يقال له رفاعة واعتمدوا في ذلك على ما أخرجه ... " وذكر مرسل قيس.
2 هو مغيرة بن مِقْسَم الضبي مولاهم أبو هشام الكوفي الأعمى، قال في "التقريب" "ص543": "ثقة متقن إلا أنه كان يدلس ولا سيما عن إبراهيم".
وأما شيخه إبراهيم بن يزيد فهو كذلك "ثقة إلا أنه مرسل كثيرًا" "التقريب" "ص95".
3 وأخرجه الطبري عن ابن حميد عن جرير عن مغيرة "3/ 557" "3080".
4 وأخرجه الطبري عن سعيد عنه "3/ 558" "3084".
5 وبمعناه أخرجه الطبري عنه "3/ 557" "3078".(1/461)
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق ابن جريج قلت لعطاء1: فقال كان أهل الجاهلية يأتون البيوت من أبوابها ويرونه برا فنزلت.
2- قول ز آخر: قال عبد بن حميد: حدثنا هاشم بن القاسم ثنا سليمان بن المغيرة سألت الحسن يعني البصري عن هذه الآية {وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا} قال: كان الرجل من أهل الجاهلية يهم بالشيء يصنعه فيحبس عن ذلك فكان لا يأتي بيتا من قبل بابه حتى يأتي الذي كان هم به وأراده2.
وأخرجه ابن أبي حاتم من طريق عباد بن منصور عن الحسن أوضح منه قال: كان قوم من أهل الجاهلية إذا أراد أحدهم سفرا أو خرج من بيته يريد سفرا ثم بدا له أن يقيم ويدع سفره الذي خرج له لم يدخل البيت من بابه ولكن يتسوره فقال الله تعالى: {وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا} وذكره الزجاج3 بلفظ "أن قوما من قريش وجماعة من العرب كانوا إذا خرج الرجل منهم في حاجة فلم يتيسر له رجع فلم يدخل من باب بيته سنة"4.
__________
1 أي: سأله عن هذه الآية.
2 قال في "الفتح" "3/ 622": "اتفقت الروايات على نزول الآية في سبب الإحرام إلا ما أخرجه عبد بن حميد بإسناد صحيح عن الحسن" وذكره ثم قال: "فجعل ذلك من باب الطيرة، وغيره جعل ذلك بسبب الإحرام، وخالفهم محمد بن كعب القرظي فقال: كان الرجل إذا اعتكف لم يدخل منزله من باب البيت فنزلت" أخرجه ابن أبي حاتم بإسناد ضعيف، وأغرب الزجاج في "معانيه" فجرم بأن سبب نزولها ما روي عن الحسن، لكن ما في الصحيح أصح والله أعلم".
ملاحظة: علق على قول الحافظ هنا: "بإسناد ضعيف" ما يأتي: في نسخة: "صحيح" من غير تعليق وهذا قصور، والسند ضعيف لأن فيه موسى بن عبيدة وهو ضعيف كما في كلام الحافظ في الآية: "119" وكما سيأتي قريبًا.
3 انظر كتابه "معاني القرآن وإعرابه" "1/ 262".
4 لفظ الزجاج: "قيل: إنه كان قوم من قريش وجماعة من العرب إذا خرج الرجل منهم في حاجة فلم يقضها ولم تتيسر له رجع فلم يدخل من باب بيته سنة، يفعل ذلك تطيرًا. فأعلمهم الله عز وجل أن ذلك غير بر، أي: الإقامة على الوفاء بهذه السنة ليس ببر، وقال الأكثر من أهل التفسير: إنهم الحمس وهم قوم من قريش، وبنو عامر بن صعصعة وثقيف وخزاعة كانوا إذا أحرموا لا يأقطون الأقط ... " وهذا قول ثان.(1/462)
وذكر الماوردي1 بنحوه وزاد في آخره تطيرا من الخيبة، فقيل2 لهم ليس في التطير بر ولكن البر أن يتقوا الله.
3- قول ز آخر: أخرج ابن أبي حاتم من طريق موسى بن عبيدة -أحد الضعفاء3- عن محمد بن كعب القرظي قال: كان الرجل إذا اعتكف لم يدخل منزله من باب البيت فأنزل الله عز وجل هذه الآية.
4- قول ز آخر: أخرج ابن أبي حاتم من طريق أبي شيبة4 عن عطاء قال: كان أهل يثرب إذا رجعوا من عيدهم دخلوا البيوت من ظهورها ويرون أن ذلك أحرى للبر فنزلت.
5- قول ز آخر: قال الماوردي6 ما حاصله: إنه قيل إنها نزلت في من كان يأتي النساء من غير قبلهن وكنى عن النساء بالبيوت للإيواء إليهن وعن الوطء في غير القبل بالإتيان من جهة الظهر، ونسبه لابن زيد. وحكاه مكي والمهدوي عن ابن الأنباري أيضا ورده ابن عطية7 مستبعدا له.
__________
وجل أن ذلك غير بر، أي: الإقامة على الوفاء بهذه السنة ليس ببر، وقال الأكثر من أهل التفسير: إنهم الحمس وهم قوم من قريش، وبنو عامر بن صعصعة وثقيف وخزاعة كانوا إذا أحرموا لا يأقطون الأقط ... " وهذا قول ثان.
1 "1/ 209".
2 نصه مكان ما جاء هنا: "فأمرهما الله أن يأتوا البيوت من أبوابها".
2 انظر "ميزان الاعتدال" "4/ 213-214" "8895".
4 وذكر في باب الكنى من "التهذيب" "ثمانية رجال يكنون بأبي شيبة لم يذكر عن واحد منهم أنه يروي عن عطاء فالله أعلم!
5 وضع الناسخ فوقها: ط.
6 "1/ 209" والنقل بالمعنى.
7 "المحرر الوجيز" "2/ 183" ونصه: "بعيد مغير نمط الكلام".(1/463)
6- قول ز آخر ذكره الماوردي1 عن ابن بحر2 قال: نزلت في النسيء كانوا يؤخرون الحج فيجعلون الشهر الحرام حلالا والحلال حراما فعبر البيوت وإتيانها من ظهورها عن المخالفة في أشهر الحج، والمخالفة إتيان الأمر من خلفه، والخلف والظهر في اللغة واحد.
وجوز الزمخشري3 وتبعه المرسي4 أن إتيان البيوت من أبوابها كناية عن
__________
1 "1/ 209" والنقل بالمعنى كذلك.
2 في الأصل: "إسحاق" بدل "بحر" ووضع الناسخ عليه "ط"، وفي الهامش كلمة ذهبت في التصوير، بقي منها: "ر": وفي "تفسيبر الماوردي": "بحر" ولذلك أثبته وهو الصواب.
ومن العلماء بالتفسير: العالم المعتزلي الأديب محمد بن بحر الأصفهاني المكنى بأبي مسلم له كتاب "جامع التأويل لمحكم التنزيل" على مذهب المعتزلة، أربعة عشر مجلدًا".
انظر "الفهرست" لابن النديم "ص136" و"معجم الأدباء" لياقوت الحموي "18/ 35-38" و"بغية الوعاة" للسيوطي "1/ 95" و"تاريخ التراث العربي" لسزكين "1/ 99-100".
ثم بعد كتابة ما تقدم وقفت على هذا القول في "تفسير الرازي" "5/ 163" ونسبه إلى أبي مسلم فتأكد صواب ما ذهبت إليه.
ملاحظة: فات الأخ عمر محمد يحيى "الماوردي ومنهجه في التفسير" أن يذكر تفسير أبي مسلم الأصفهاني في "مصادره".
3 في "الكشاف" "1/ 341".
4 ترجمه الذهبي فقال: "الإمام العلامة البارع القدوة المفسر المحدث النحوي: ذو الفنون شرف الدين أبو عبد الله محمد بن السلمي الأندلسي. ولد بمرسية في أول سنة "570" أو قبل بأيام وتوفي سنة "655" بالعريش وهو متوجه إلى دمشق" وصنف تفسيرًا كبيرًا لم يتمه. انظر "السير" "23/ 312-318".
وتفسيره من مرويات الحافظ "المعجم المفهرس" "ص345-346".
وفي المكتبة الوطنية في تونس قطعة منه انظر "الفهرس الشامل للتراث العربي الإسلامي المخطوط" "1/ 254".
وقد أفاد منه السيوطي في كتابه "إتمام النعمة في اختصاص الإسلام بهذه الأمة" المدرج في "الحاوي" "2/ 302".(1/464)
التمسك بالطريق المستقيم، وإتيانها من ظهورها كناية عن التمسك بالطريق الباطل1.
وحكاه الفخر الرازي2 وقال: هذا تأويل المتكلمين وهو أولى لاتساق النظم3 كذا قال4.
104- قوله تعالى: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُم} الآية 190.
1- قال الواحدي5 قال ابن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس: نزلت في صلح الحديبية، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما صد عن البيت هو وأصحابه نحر الهدي بالحديبية، ثم صالحه المشركون على أن يرجع عامه {ثُمَ يَأْتِيْ} 6 القابل، ويخلوا له مكة ثلاثة أيام فيطوف بالبيت ويفعل ما شاء وصالحهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك،
__________
1 ونص الزمخشري: "ويحتمل أن يكون هذا تمثيلًا لتعكيسهم في سؤالهم، وأن مثلهم فيه كمثل من يترك البيت ويدخله من ظهره. والمعنى: ليس البر وما ينبغي أن تكونوا عليه بأن تعكسوا في مسائلكم، ولكن البر من اتقى ذلك وتجنبه، ولم يجسر على مثله، ثم قال: " {وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا} أي: وباشروا الأمور من وجوهها التي يجب أن تباشر عليها، ولا تعكسوا ... " فهو قد حكاه بالمعنى، ويكاد يكون اللفظ مستفادًا من الرازي.
2 في تفسيره "5/ 136".
3 النص في المطبوع: "وهذا تأويل المتكلمين، ولا يصح تفسير هذه الآية، فإن تفسيرها بالوجه الأول يطرق إلى الآية سوء الترتيب، وكلام الله منزه عنه" وليس في النص -كما ترى- قوله: "وهو أولى لاتساق النظم"، فلعله سقط منه.
4 يؤخذ من هذا أنه لم يرتضه، وهذا واضح من منهجه، والعدول عن الحديث الصحيح غير مقبول.
5 "49-50".
6 استدركته من الواحدي ويصح الكلام بدونه وهو اختصار جيد.(1/465)
فلما كان العام المقبل تجهز رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه لعمرة القضاء وخافوا أن لا تفي لهم قريش بذلك؛ وأن يصدوهم عن المسجد الحرام ويقاتلوهم فكرهوا القتال في الحرم في الشهر الحرام فأنزل الله تعالى: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ الله} يعني قريشا.
قلت: الكلبي ضعيف لو انفرد فكيف لو خالف! وقد خالفه الربيع بن أنس وهو أولى بالقبول منه فقال: "إن هذه الآية أول آية في الإذن للمسلمين في قتال المشركين" وسياق الآيات يشهد لصحة2 قوله فإن قوله تعالى عقيبها: {وَلا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيه} منسوخ بقوله تعالى: {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُم} 3 عند الأكثر4 فوضح أنها سابقة لكن سيأتي في سورة الحج عن أبي بكر الصديق: أول آية نزلت في الإذن في القتال {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا} 5.
قلت: ويمكن الجمع.
ولفظ الربيع قال: "هذه أول آية نزلت في القتال بالمدينة. فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقاتل من قاتله، ويكف عمن كف عنه حتى نزلت براءة" أخرجه الطبري من طريقه6 ومن طريق عبد الرحمن بن زيد بن أسلم قال7: نسخ قوله تعالى:
__________
1 في الواحدي: وكره أصحابه قتالهم.
2 انظر لزامًا "التفسير الحديث" لدروزة "7/ 294-296".
3 التوبة: "5".
4 في دعوى الأكثرية نظر وانظر "نواسخ القرآن" لابن الجوزي "ص72-73" وهناك قول ثان أنها محكمة وقد نسبه إلى مجاهد والمحققين وأخذ به.
5 الحج: "39: وانظر "تفسير ابن كثير" "3/ 225".
6 "3/ 561-562" "3089".
7 "3/ 562" "3090".(1/466)
{قَاتَلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّة} 1 هذه الآية وغيرها2.
وأخرج ابن أبي حاتم من وجه آخر عن الربيع عن أبي العالية قال: هذه أول آية نزلت في القتال.
2- قول ز آخر3: أخرج الطبري4 من طريق يحيى بن يحيى الغساني5 قال: كتبت إلى عمر بن عبد العزيز أسأله عن قوله تعالى: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا} قال: فكتب إليَّ أن ذلك في النساء والذرية ومن لم ينصب6 [لك] الحرب منهم.
ومن طريق علي بن أبي طلحة7 عن ابن عباس في قوله تعالى: {وَلا تَعْتَدُوا} قال: "لا تقتلوا النساء والصبيان والشيخ الكبير ولا من ألقى إليكم السلم فكف يده".
__________
1 سورة التوبة "36".
2 نقل الحافظ بالمعنى فوقع فيما يُستدرك عليه فإن ابن زيد يقول: "وهذه الناسخة، وقرأ: براءة من الله ورسوله" حتةى بلغ {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} إلى {إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} "سورة التوبة: 1-5".
ولم يرتض ابن كثير هذا القول فقال "1/ 226": "وفي هذا نظر؛ لأن قوله: {الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ} إنما هو تهييج وإغراء بالأعداء الذين همتهم قتال الإسلام وأهله، أي: كما يقاتلونكم فاقتلوهم أنتم ... ".
3 ولكن ليس فيه سبب نزل فتأمل!
4 "3/ 562" "3091" من طريق سفيان بن وكيع عن أبيه وعزاه السيوطي "1/ 493" إلى وكيع وابن أبي شيبة.
5 هو أبو مروان الواسطي قال في "التقريب" "ص59": "أصله من الشام، ضعيف، ما له في البخاري سوى موضع واحد متابعة، مات سنة 190".
6 في الأصل: يرض ووضع الناسخ عليها: ط، وأثبت ما في الطبري والسيوطي.
7 "3/ 563" "3094" باختصار يسير.(1/467)
ورجح الطبري1 هذا القول، وجوز غيره2 أمورا أخرى3، قيل: نزلت في النهي عن من بذل الجزية، وفي من قتل قبل الدعوة، وقيل: في المثلة، وقيل: في القتال في الحرم، وقيل: في الشهر الحرام وفي القتال لغير وجه الله.
105- قوله تعالى: {الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ} .
1- قال الواحدي4: "قال قتادة: أقبل نبي الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه في ذي القعدة حتى إذا كانوا بالحديبية صدهم المشركون، فلما كان العام المقبل دخلوا مكة فاعتمروا في ذي القعدة وأقاموا بها ثلاث ليال، فكان المشركون قد فخروا عليه حين5 ردوه يوم الحديبية فأقصه الله منهم وأنزل الشهر الحرام {بِالشَّهْرِ الْحَرَام} الآية".
قلت: وصله الطبري6 من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة وقال فيه: واعتمروا في ذي القعدة وفيه7: فصالحهم نبي الله صلى الله عليه وسلم على أن يرجع من عامه ذلك ويعتمر في العام المقبل فنحروا الهدي بالحديبية وحلقوا وقصروا حتى إذا كان العام المقبل اعتمروا في ذي القعدة حتى دخلوا مكة وفي آخره: فأدخله الله مكة في
__________
1 انظر "3/ 563" ونصه بعد أن حكى قولين بالنسخ وعدمه: "وأولى هذين القولين بالصواب، القول الذي قاله عمر بن عبد العزيز؛ لأن دعوى المدعي نسخ آية ويحتمل أن تكون منسوخة، بغير دلالة على صحة دعواه، تحكم. والتحكم لا يعجز عنه أحد".
2 هو أبو حيان في "البحر المحيط" "2/ 65"، فقد ذكر هذه الأقوال كلها وقولًا أخر أسقطه الحافظ هو: "وقيل: في ترك القتال" وفي نقل الحافظ تصرف يسير.
3 وضع الناسخ بجانب هذين اللفظين في الهامش: ط والسياق بحاجة إلى: "فقال".
4 "ص50".
5 رسمت في الأصل بصورة حتى دون تنقيط.
6 "3/ 576" "3133" وفي النقل اختصار وتصرف.
7 وضع الناسخ على "القعدة" وعلى "فيه" رمزي الصحة.(1/468)
ذلك الشهر الذي كانوا ردوه فيه فقال: {بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ} .
قال ابن ظفر: حرمات الدين لا يدخلها قصاص وإنما المراد: حرمات الناس أضاعوا حرمة قاصدي بيت الله بمنعهم منه فأقص الله منهم بأن أمكنهم من دخوله، وأخرج الذين كانوا يمنعونهم منه ثلاثة أيام.
ومن طريق معمر1 وعن قتادة وعن عثمان2، عن مقسم3 قالا: كان هذا في سفر4 الحديبية، فذكر نحوه وقال: فجعل الله لهم شهرا حراما يعتمرون فيه مكان شهرهم الذي صدوا فيه، فلذلك قال: {وَالْحُرُمَاتُ قِصَاص} .
ومن طريق أبي جعفر الرازي5 عن الربيع بن أنس نحوه بطوله.
ومن طريق العوفي6 عن ابن عباس نحوه باختصار.
وأخرج الطبري7 أيضا من طريق نافع بن مالك عن عكرمة عن ابن عباس في
__________
1 أخرجه الطبري "3/ 577" "3134".
2 هو عثمان بن ساج، ترجم له أبي حاتم في "الجرح والتعديل" "6/ 153" قال الشيخ أحمد شاكر في "تخريج الطبري" "4/ 308": "وهو غير عثمان بن عمرو بن ساج" الذي ترجم له ابن أبي حاتم "2/ 162" وقد خلط بينهما الحافظ ابن حجر وانظر ما كتبنا في ذلك في "شرح المسند": "2562" قلت: انظر "التهذيب" "7/ 144-145".
3 هو مقسم بن بجرة مولى عبد الله بن الحارث، قال في "التقريب" "ص545": "يقال له مولى ابن عباس للزومه له، صدوق، وكان يرسل، مات سنة "101"، وما له في البخاري سوى حديث واحد. خ4".
4 في الأصل: "صلح" ووضع الناسخ عليها: ط وأثبت ما في الطبري.
5 "3/ 577-278" "3137".
6 "3/ 578" "3138".
7 "3/ 575-576" "3130".(1/469)
هذه الآية: هم المشركون حبسوا محمدا صلى الله عليه وسلم في ذي القعدة فرجعه الله في ذي القعدة فأدخله البيت الحرام فاقتص له منهم1.
ومن طريق ابن أبي نجيح2 عن مجاهد: فخرجت قريش بردها رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية محرما في ذي القعدة عن البلد الحرام فأدخله الله في العام المقبل في ذي القعدة فقضى عمرته وأقصه بما حيل بينه وبين البيت.
ومن طريق أسباط3 عن السدي: "لما اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم عمرة الحديبية في ذي القعدة سنة ست من مهاجره، صده المشركون، ثم صالحوه على أن يخلوا له مكة من عام قابل ثلاثة أيام فأتاهم بعد فتح خيبر في السنة السابعة".
ومن طريق جويبر4 عن الضحاك قال: "حصروا5 النبي صلى الله عليه وسلم في ذي القعدة عن البيت الحرام فأدخله الله البيت الحرام في العام المقبل، واقتص له منهم".
وأخرج أحمد بسند صحيح عن جابر: لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزو في الشهر الحرام إلا أن يُغزى6.
2- قول ز آخر: حكى الماوردي7 عن الحسن البصري "أن سبب نزولها أن مشركي العرب قالوا: أنهيت يا محمد عن قتالنا في الشهر الحرام؟ قال: "نعم"، فأرادوا أن
__________
1 في السند يوسف بن خالد السمتي قال في "التقريب" "ص610" "تركوه، وكذبه ابن معين، وكان من فقهاء الحنفية، مات سنة "189ق".
2 "3/ 756" "3131" بتصرف يسير.
3 "3/ 577" "3135" بتصرف يسير.
4 "3/ 577" "3136".
5 في الطبري: أحصروا.
6 "مسند أحمد" "3/ 334" وتتمته: "أو يغزو، فإذا حضر ذلك أقام حتى ينسلخ".
7 في "تفسيره "1/ 211" وفي النقل تصرف.(1/470)
يقاتلوه في الشهر الحرام فنزلت الشهر الحرام {الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ} فقاتلوهم فيه" وسيأتي مزيد بيان لهذا في قوله تعالى: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيه} 1.
106- قوله ز تعالى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْه} الآية 194.
1- أخرج2 الطبري من طريق علي3 بن أبي طلحة عن ابن عباس في هذه الآية قال: كان المشركون يأخذون المسلمين4 بألسنتهم بالشتم والأذى، وهم بمكة فأمر الله المسلمين بالمجازاة أو الصبر أو العفو، فلما هاجروا أعز الله دينه5 أمر المسلمين أن ينتهوا في مظالمهم إلى سلطانهم ولا يعتدوا كأهل الجاهلية.
2- ثم نقل عن مجاهد6 أنها في القتال. ويرجح ذلك من جهة سياق ما قبلها وما بعدها والله أعلم7.
107- قوله تعالى: {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَة} .
1- أسند الواحدي8 من طريق هشيم عن داود بن أبي هند عن الشعبي قال:
__________
1 الآية "217" فانظر ما سيأتي.
2 "3/ 580" "3142" وقد نقل بالمعنى.
3 في الأصل: عسكر وهو تحريف.
4 النص في الطبري: "فهذا ونحوه نزل بمكة والمسلمون يؤمئذ قليل، وليس لهم سلطان يقهر المشركين، وكان المشركين يتعاطونهم".
5 في الطبري: سلطانه!
6 "3/ 580" "3134" من تفسير سنيد.
7 وقد رجحه الطبري من قبل فانظر كلامه "3/ 580-581" ويبقى أن نقول إنه ليس هنا سبب نزول مباشر.
8 "ص50-52" وسيأتي كلام المؤلف على ما ينقله.(1/471)
نزلت في الانصار أمسكوا عن النفقة في سبيل الله فنزلت هذه الآية.
ومن طريق هشيم عن إسماعيل بن أبي خالد عن عكرمة قال: أنزلت في النفقة في سبيل الله.
ومن طريق حماد بن سلمة عن داود بن أبي هند عن الشعبي عن الضحاك بن1 أبي جبيرة قال: كان الأنصار يتصدقون ويطعمون ما شاء الله فأصابتهم سنة فأمسكوا فأنزل الله هذه الآية.
2- قول2 آخر: أسند الواحدي من طريق حماد بن سلمة عن سماك بن حرب عن النعمان بن بشير في قوله تعالى: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَة} قال: كان الرجل يذنب الذنب فيقول: لا يغفر لي، فأنزل الله تعالى: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَة} .
3- قول آخر: أسند الواحدي من طريق المقري عن حيوة بن شريح عن يزيد بن أبي حبيب أخبرني أسلم أبو عمران: كنا بالقسطنطينية، وعلى أهل مصر عقبة بن عامر2 وعلى أهل الشام فضالة بن عبيد3 فخرج من المدينة صف عظيم من الروم وصففنا لهم صفا عظيما من المسلمين، فحمل رجل من المسلمين على صف الروم حتى دخل فيهم ثم خرج4 إلينا مقبلا فتصايح5 الناس، فقالوا: سبحان الله
__________
1 كتب الناسخ هنا: كذا ووضع في الهامش وسيأتي ما في النص.
2 كتب الناسخ فوقه رمز الصحة!
وهذا القول بعيد عن السياق القرآني تمامًا.
3 في الواحدي، زيادة: صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
4 وضع الناسخ هنا رمز الصحة.
5 في الواحدي: فصاح.(1/472)
ألقى بيده إلى التهلكة! فقام أبو أيوب الأنصاري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا أيها الناس إنكم تتأولون هذه الآية على غير التأويل، وإنما نزلت هذه الآية فينا معشر الأنصار إنا لما أعز الله نبيه1، وكثر ناصريه قلنا بعضنا لبعض سرا من رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أموالنا قد ضاعت فلو أنا أقمنا في أموالنا2 أصلحنا ما ضاع منها فأنزل الله تعالى كتابه يرد علينا ما هممنا به فقال {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَة} في الإقامة التي أردنا أن نقيم في الأموال فنصلحها فأمرنا بالغزو، فما زال أبو أيوب غازيا في سبيل الله حتى قبضه الله عز وجل.
قلت: أما الأول3 فأخرجه أيضا ابن أبي حاتم والبغوي4 في "معجم الصحابة" وأبو علي بن السكن5 وقال: تفرد به هدبة6 عن حماد7 والصواب أنه مرسل8.
__________
1 في الواحدي: دينه.
2 فيه: "فيها" وهو الأولي.
3 أي: الخبر الأول عن الشعبي.
4 هو الحافظ أبو القاسم: عبد الله بن محمد ولد سنة "214" وتوفي سنة "317". انظر ترجمته في "السير" للذهبي "14/ 440-456".
5 هو الإمام الحافظ سعيد بن عثمان المصري البغدادي الأصل ولد سنة "294" ومات سنة "353" انظر "السير" "16/ 117-118" له "الصحيح المنتقى" انظر "الرسالة المستطرفة" "ص25-26" وكتاب الصحابة وقد أفاد منه الحافظ في "الإصابة" في "950" موضعا فالظاهر أن النقل هنا منه.
6 هو ابن خالد، وإلى البغوي وابن السكن فقط عزاه في "الإصابة" "12/ 217".
7 أي: عن داود بن أبي هند عن عامر الشعبي عن أبي جبيرة بن الضحاك.
8 لا أدري هذا القول لابن السكن أم لابن حجر! وهو يحتمل وجهين أن أبا جبيرة ليس صحابيًّا أو أن ذكره في السند خطأ، ونقل المؤلف رواية الطبري عن الشعبي يؤيد الاحتمال الثاني.
وقد أورد الهيثمي في "مجمع الزوائد" "6/ 317" حديث أبي جبيرة في سبب نزول {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} وقال: رواه الطبراني في الكبير والأوسط وزاد: {وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِين} ورجالهما رجال الصحيح واقتصر السيوطي في "اللباب" "ص37" على قوله: "أخرج الطبراني بسند صحيح عن أبي جبيرة" وأورده وزاد في "الدر" "1/ 500" نسبته -زيادة على ما ذكرها هنا- إلى "عبد بن حميد وأبي يعلى وابن جرير وابن المنذر وابن حبان وابن قانع".
وليس لأبي جبيرة في "مسند أبي يعلى" سوى حديث الألقاب ولم يذكره الطبري فالله أعلم.(1/473)
وكذلك أخرجه الطبري1 من طريق معتمر بن سليمان عن داود بن أبي هند عن عامر وهو الشعبي ولفظه: إن الأنصار كانوا احتبس عليهم بعض الرزق، وكانوا قد أنفقوا نفقات، فساء ظنهم وأمسكوا فأنزل الله عز وجل: {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} قال فكانت التهلكة سوء ظنهم وإمساكهم وجاء عن حماد3 بهذا السند4 حديث آخر في الألقاب5 وهو مقلوب6 والصواب
__________
1 "3/ 585" "3153".
2 في الأصل وآمالهم. وهو تحريف.
3 وضع الناسخ عليه: ط ولعله يظنه وهمًا، وهو صحيح إنما الوهم في لفظة قريبة.
4 أي: عن حماد عن داود عن الشعبي عن أبي جبيرة.
5 في الأصل: الباب وهو تحريف والصواب ما أثبث، فإنه سيقول بعد قليل: أخرجه أبو داود والترمذي والذي أخرجاه حديث في الألقاب.
وقد تعبت كثيرًا حتى اهتديت إلى صحة هذه الكلمة فالحمد لله.
6 فإنه سماه: الضحاك بن أبي جبيرة والصواب: أبو جبيرة بن الضحاك.
وقد رواه -بالسند المقلوب- أبو يعلى في مسنده "12/ 252-253"، ورواه الحاكم على الصحة "2/ 463" وقال: "صحيح على شرط مسلم" ولم يخرجاه "ووافقه الذهبي، والطبراني انظر "مجمع الزوائد" "6/ 317" وقد ذكره المؤلف في "الإصابة" القسم الأول فيمن اسم الضحاك "2/ 205" وقال: "روى ابن منده من طريق المسعودي عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي عن الضحاك بن أبي جبيرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بعثت أنا والساعة كهاتين" -أشار بأصبعيه- وأورده البغوي وابن منده وغيرهما في ترجمة حديث سبب نزول: {وَلا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ} وهو مقلوب، وأبو جبيرة بن الضحاك كما سيأتي في "الكنى".
وقال في القسم الرابع من حرف الضاد أيضًا "2/ 217": "وقع ذكره عند أبي يعلى والبغوي وابن السكن وهو ملقوب قال أبو نعيم: قلبه حماد بن سلمة عن داود عن الشعبي عنه بحديث الألقاب" وقال في "الكنى "4/ 31 ": "أبو جبيرة -بفتح أوله-" وبعد أن ذكر الخلاف في صحبته قال: وأخرج حديثه في البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن وصححه الحاكم وحسنه الترمذي ولفظه: فينا تزلت هذه الآية: {وَلا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ} .
قلت: الموجود في "سنن التزمذي" المطبوعة "5/ 362": "حسن صحيح".(1/474)
رواية شعبة1 ووهيب2 وغيرهما3 عن داود عن الشعبي عن أبي جبيرة بن الضحاك. قال أبو نعيم4، وأخرجه أبو داود والترمذي وغيرهما5 من هذا الوجه. وقد وافق الشعبي على التأويل المذكور قتادة، أخرجه الطبري6 من طريق معمر عنه قال في هذه الآية يقول: لا تمسكوا بأيديكم عن النفقة في سبيل الله.
ومن طريق خُصيف7 عن عكرمة: لما أمر الله بالنفقة فكان بعضهم يقول8: ننفق فيذهب ما لنا ولا يبقى شيء! فقال: أنفقوا ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة يقول: أنفقوا وأنا أرزقكم.
ومن طريق يونس بن عبيد9 عن الحسن: أنزلت في النفقة. وفي لفظ
__________
1 كما هو عند الترمذي في كتاب التفسير، سورة الحجرات "5/ 362".
2 كما هو عند أبي داود في كتاب الأدب، باب في الألقاب "4/ 290-291".
3 هو بشر بن المفضل كما في الترمذي "5/ 362" والنسائي في "الكبرى" في التفسير كما في "تحفة الأشراف" "9/ 138" وعبد الله بن إدريس كما في "سنن ابن ماجه" كتاب الأدب باب الألقاب "2/ 1231".
4 لا بد أنه قال في هذا كتابه "معرفة الصحابة" وقد طبع منه قسم في ثلاثة مجلدات ليس هذا فيها.
ونقل الحافظ هذا القول عنه في "الإصابة" في القسم الرابع من حرف الضاد في ذكر "الضحاك بن أبي جبيرة" "2/ 317 ".
5 مر العزو إلى السنن الأربعة، ويخل تحت قوله: "غيرهما: الإمام أحمد "4/ 260" من طريق إسماعيل بن علية والبخاري في "الأدب" والطبري في "التفسير" "26/ 132" والواحدي في "الأسباب" "ص416".
6 "3/ 586" "3156".
7 "3/ 586" "3158"وخصيف مر ذكره.
8 في الطبري: فكانوا -أو بعضهم- يقولون.
9 "3/ 586" "3159" والتصريح بذكر اسم أبيه من زيادة المؤلف، ويونس هذا من رجال الستة انظر "التهذيب" "11/ 442".(1/475)
له1: في التهلكة، أمرهم الله بالنفقة في سبيل الله، وأخبرهم أن ترك النفقة في سبيل الله هو التهلكة.
وأخرج عبد بن حميد من طريق السكن بن المغيرة2 عن الحسن نحوه ولفظه: {إِلَى التَّهْلُكَة} قال: هو البخل3.
ومن طريق عوف4 عن الحسن مثله.
وأخرج الطبري5 من طريق ابن جريج أنه سأل عطاء عن هذه الآية فقال: يقول: أنفقوا في سبيل الله ما قل وكثر6: وقال لي عبد الله بن كثير نزلت في النفقة في سبيل الله.
ومن طريق العوفي7 عن ابن عباس يقول: أنفقوا ما كان من قليل أو كثير ولا تستسلموا فلا تنفقوا شيئا فتهلكوا.
وأخرج الفريابي من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس نحوه.
وأخرجه ابن المنذر ولفظه: ليس ذلك في القتال إنما هو في النفقة أن تمسك
__________
1 "3160".
2 هو الأموي مولاهم، البزاز البصري قال في "التقريب" "ص245": "صدوق".
3 وزاد السيوطي "1/ 499" نسبته إلى البيهقي في "الشعب".
4 هو عوف بن أبي جميلة العبدي الهجري، أبو سهل البصري المعروف بالأعرابي وهو من رجال الستة "انظر التهذيب" "8/ 166" وفيه: قال ابن سعد: قال بعضهم -يرفع أمره: إنه ليجيء عن الحسن بشيء ما يجيء به أحد.
5 "3/ 586" "3161 ".
6 هو الداري المكي من رجال الستة انظر "التهذيب" "5/ 367".
7 "3/ 587" "3163".(1/476)
يدك عن النفقة في سبيل الله. وسنده صحيح إليه1.
وأخرج البخاري2 والطبري3 وغيرهما من حديث حذيفة في قوله: {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} : أنزلت في النفقة، وفي لفظ: أي لا تمسكوا عن النفقة.
2- وأما القول الثاني فحديث النعمان بن بشير، أخرجه أيضا ابن المنذر من طريق حماد عن سماك ولفظه: إذا أذنب أحدكم الذنب فلا يقولن قد أسأت فيلقي بيده إلى التهلكة ولكن ليستغفر الله ويتوب4 إليه.
وجاء مثله عن البراء بن عازب أخرجه الطبري5 وعبد بن حميد وغيرهما6 من عدة طرق عن أبي إسحاق عنه، أتمها رواية حفيده إسرائيل عنه سمعت البراء -وسأله رجل: فقال يا أبا عمارة أرأيت قول الله تعالى: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَة} هو الرجل يتقدم فيقاتل حتى يقتل؟ قال: لا، ولكنه الرجل يعمل
__________
1 وعزاه إلى الفريابي وابن جرير وابن المنذر السيوطي "1/ 499" وانظر الطبري "3/ 584" "3149".
2 في كتاب التفسير "الفتح" "8/ 185".
3 "3/ 583" "3144": ولفظه: يعني في ترك النفقة.
4 كذا في بالأصل على أن الواو للمعية فيما يرى الأستاذ الدكتور محيي هلال السرحان.
5 جاء في "الفتح" "5/ 185": "جاء عن البراء بن عازب في الآية تأويل آخر أخرجه ابن جرير وابن المنذر وغيرهما عنه بإسناد صحيح عن أبي إسحاق" وذكر لفظ الحسين بن واقد الآتي ثم قال: "وعن النعمان بن بشير نحوه، والأول أظهر لتصدير الآية بذكر النفقة فهو المعتمد في نزولها، وأما قصرها عليه ففيه نظر؛ لأن العبرة بعموم اللفظ، على أن أحمد أخرج الحديث المذكور من طريق أبي بكر -وهو ابن عياش- عن أبي إسحاق بلفظ آخر" وذكر حديثًا سيودره بعد قليل وقال عنه: "فإن كان محفوظًا فلعل للبراء فيه جوابين، والأول من رواية الثوري وإسرائيل وأبي الأحوص ونحوهم، وكل منهم أتقن من أبي بكر فكيف مع اجتماعهم وانفراده"!
6 كالطبراني في الكبير والأوسط ورجالهما رجال الصحيح انظر "مجمع الزوائد" "6/ 317".(1/477)
بالمعاصي ثم يلقي بيده ولا يتوب.
وفي رواية الثوري1 عن أبي إسحاق: فيقول لا يغفر الله لي.
وفي رواية الحسين بن واقد2 عنه: فيلقي بيده فيقول: لا تقبل لي توبة.
وأخرج الطبري أيضا3 مثله عن عبيدة بن عمرو السلماني -وهو من كبار التابعين- من طريق هشام بن حسان عن محمد بن سيرين قال: سألت عبيدة عن هذه الآية فقال: كان الرجل يذنب الذنب -حسبته [قال] 4: العظيم-فيلقي بيده فيهلك5 فنهوا6 عن ذلك فقيل {أَنْفِقُوا} الآية.
ومن طريق هشيم7 أنا هشام، نحوه وقال بعد قوله: "بيده إلى التهلكة"، ويقول: لا توبة لي.
ومن طريق أيوب8 عن ابن سيرين نحوه دون قوله: ويقول لا توبة لي، وفي لفظ عن أيوب9: هو الرجل يصيب الذنب العظيم فيلقي بيده ويرى أنه قد هلك.
ومن طريق [ابن] عون10 عن ابن سيرين قال: التهلكة القنوط.
__________
1 "3/ 588" "3169".
2 "3/ 588" "3171".
3 "3/ 589" "3173" وقد رواه الطبري من طريقين عن هشام.
4 سقطت من الأصل.
5 في الطبري: فيستهلك.
6 هذه الزيادة من طريق دون طريق.
7 "3/ 589" "3174".
8 "3/ 589" "3175".
9 "3/ 589" "3178".
10 "3/ 589" "3176" وسقطت [ابن] من الأصل، وهو عمرو بن عون.(1/478)
وأخرج عبد بن حميد من طريق عوف1 عن ابن سيرين قال: لا تيأس فتقنط فلا تعمل.
وأما القول الثالث فأخرجه الترمذي2 من طريق أبي عاصم3 عن حيوة كذلك وأخرجه أبو داود4 والطبري5 من طريق ابن وهب عن حيوة، وابن لهيعة كلاهما6 عن يزيد ولكن قال في روايته: عبد الرحمن بن خالد بن الوليد بدل فضالة بن عبيد، وقال في روايته: إنما تأولون هذه الآية هكذا أن حمل رجل يقاتل {فِي سَبِيل} 7 يلتمس الشهادة، أو يُبلى في نفسه، إنما نزلت هذه الآية فينا معشر الأنصار. وقال في آخره: والإلقاء بالأيدي إلى التهلكة أن نقيم في أموالنا ونصلحها وندع الجهاد وقال في آخره: حتى دفن بالقسطنطينية.
وأخرجه الطبري من طريق المقري8 كما تقدم قال الترمذي: حسن صحيح9.
__________
1 هو الأعرابي تقدم تقريبًا.
2 "سنن الترمذي" كتاب التفسير، سورة البقرة "5/ 169" وكذلك النسائي في "الكبرى" كما في "التحفة" "3/ 88".
3 هو الضحاك بن مخلد ثقة، معروف من رجال الستة انظر "التقريب" "ص280" وقد ضبط في المطبوع من "السنن الترمذي" مخلد!
4 "سنن أبي داود" كتاب الجهاد "3/ 12" والطبري "3/ 590-591" "3180".
5 "3/ 590" "3179".
6 في هذا نظر فن ابن لهيعة قرن بحيوة عند الطبري في روايته من طريق عبد الله بن يزيد المقرئ "3180" لا من طريق ابن وهب! وذكر عبد الرحمن بن خالد ورد عنده في الرواية المفردة عن حيوة دون الرواية المقرونة.
7 كذا في الأصل ولم ترد في الطبري، ولفظ أبي داود مختلف.
8 "3/ 590-591" "3180".
9 في المطبوع من "الجامع" "5/ 196": إضافة "غريب".(1/479)
قلت: وصححه أيضا ابن خزيمة1 وابن حبان2 والحاكم3.
وجاء مثل الذي ذكره أبو أيوب4 عن عمر5 فأخرج الفريابي في: "تفسيره"6 من طريق طارق بن عبد الرحمن7 عن المغيرة بن شبيل قال: بعث عمر جيشا فحاصروا قيصر فتقدم رجل من بجيلة فقاتل حتى قتل -وهو جد المغيرة بن شبيل- فأكثر الناس فيه فقالوا: ألقى بيده إلى التهلكة فبلغ ذلك عمر فقال كذبوا يرحمه الله ثم قرأ {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ الله} 8 الآية9
__________
1 ليس في الموجود من "صحيحه" كتاب الجهاد.
2 انظر "الإحسان" كتاب السير باب فرض الجهاد "11/ 9" "4711".
3 "المستدرك" "2/ 275" على شرط الشيخين ووافقه الذهبي. وزاد الشيخ شعيب في "تخريج الإحسان"، فقال: "وأخرجه الطيالسي "599" وابن عبد الحكم في "فتوح مصر" "ص269-270"، والطبراني في "المعجم الكبير" "4/ 211" "4060" والبيهقي "9/ 99".
وزاد السيوطي "1/ 500" أبا يعلى وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه، وللشيخ أحمد شاكر تعليق مفيد فانظره "3/ 591-592".
4 أي: الأنصارى رضي الله عنه.
5 ما سيذكره المؤلف هنا ليس فيه سبب نزول ولكنه تأييد لفهم أبي أيوب من الآية.
6 وكذلك الطبري "4/ 249" "4004" في تفسير قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي} .
7 وفي الطبري بعد طارق بن عبد الرحمن: عن قيس بن أبي حازم عن المغيرة.
8 سورة البقرة الآية "207".
9 رجاله. ثقات، المغيرة وثقه ابن معين وقال أبو حاتم: لا بأس به، وذكره ابن حبان في "الثقات" "التهذيب" "10/ 262" وطارق بن عبد الرحمن من رجال الستة انظر "الكاشف" "2/ 36" و"التهذيب" "5/ 5" و"التقريب" "ص281".
وفي "الدر" "1/ 576": أخرج وكيع والفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن المغيرة بن شبيل [في الأصل: شعبة وهو تحريف] قال: كنا في غزاة فتقدم رجل فقاتل حتى قتل، فقالوا: ألقى بيده إلى التهلكة، فكتب فيه إلى عمر، فكتب عمر: ليس كما قالوا: هو من الذين قال الله فيهم: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّه} البقرة "207".(1/480)
وله شاهد عند عبد بن حميد1 من طريق إسماعيل بن أبي خالد2 عن قيس بن أبي حازم3 عن مدرك4 بن عوف5 أنه كان ذات يوم عند عمر قال فذكروا النعمان بن مقرن ورجلا شرى بنفسه6 فقال مدرك: ذاك والله خالي يا أمير المؤمنين، زعم رجال أنه ألقى بيده إلى التهلكة؟! فقال عمر كذبوا.
وأخرجه ابن المنذر من هذا الوجه ولفظه: قلت: إن خالي غزا بنفسه حتى قتل فزعموا أنه ألقى بيده إلى التهلكة؟ فقال: كذب أولئك ولكن من الذين اشتروا الآخرة بالحياة الدنيا وسنده صحيح7.
وأخرج ابن المنذر من طريق القاسم بن مخيمرة8 قال: لو حمل رجل على عشرة آلاف لم يكن بذلك بأس.
__________
1 عزاه السيوطي في "الدر" "1/ 577" إلى البيهقي في "سننه".
2 ثقة ثبت مر في الكلام على الآية "144".
3 هو البجلبي، أبو عبد الله الكوفي في "التقريب" "456": "ثقة من الثانية، مخضرم، ويقال له رؤية..ع".
4 في "الدر": مدركة.
5 هو الأحمسي البجلي ذكره ابن حجر في القسم الأول من حرف الميم في كتابه "الإصابة" "3/ 394" وذكر الخلاف في صحبته ثم قال: "وقد أخرج حديثه عن عمر أبو بكر بن أبي شيبة عن أبي أمامة عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن مدرك بن عوف الأحمسي قال: بينا أنا عند عمر إذ أتاه رسول النعمان بن مقرن" فذكر قصة تقدمت في ترجمة عوف والد شبيل "قلت: ولم أجد شيئًا في تراجم المسلمين بـ"عوف ولا: عون" فالله أعلم.
6 وضع الناسخ بين شرى وبين بنفسه: "كذا" وسيأتي في لفظ ابن المنذر: غزا بنفسه فلعله هو المراد أو: شرى نفسه وهو كذلك في "الدر المثنور".
7 وكذلك قال في "الفتح" "8/ 185" ولفظه: "روى ابن جرير وابن المنذر بإسناد صحيح عن مدرك.." وذكره وفيه قوله: "جارًا" وهنا "خالًا" ويبدو: إن لفظ الجار محرف وانظر "مرويات الإمام أحمد في التفسير" "1/ 145".
8 قال في "التقريب": "452": "أبو عروة الهمداني" -بالسكون- الكوفي، نزيل الشام، ثقة فاضل، من الثالثة، مات سنة مائة خت م4".(1/481)
وذكر الطبري وغيره في سبب النزول أشياء آخر.
- أحدها1:
ما أخرجه من طريق أبي بكر بن عياش2 عن أبي إسحاق قال: سأل رجل البراء أحمل على المشركين وحدي فيقتلونني، أكنت ألقيت بيدي إلى التهلكة؟ قال: لا إنما التهلكة في النفقة، بعث الله رسوله فقال {فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَك} 3.
ومن طريق حكام بن سلمة الرازي4 عن الجراح عن أبي إسحاق قال: قلت للبراء: يا أبا عمارة الرجل يلقى ألفا من العدد فيحمل عليهم وإنما هو وحده أيكون ممن قال الله تعالى فيهم: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَة} ؟ فقال: ليقاتل حتى يقتل5 قال الله تعالى لنبيه: {فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ} .
- ثانيها:
من طريق عبد الرحمن بن زيد بن أسلم قال6 في قوله: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَة} قال: إذا لم يمكن عندك7 فلا تخرج بنفسك8 بغير نفقة و [لا قوة: فتلقي بيديك إلى التهلكة] 9.
__________
1 ليس في المذكور هنا سبب نزول جديد، فهو يتحدث عن ترك النفقة وقد مر هذا في القول الأول.
2 الطبري "3/ 588" "3168" وانظر "مسند أحمد" "4/ 281" ورجاله ثقات وإسناده صحيح كما في "مرويات الإمام أحمد في التفسير" "1/ 145".
3 النساء: "84".
4 "3/ 588" "3172".
5 لم ينقط في الأصل.
6 "3/ 587" "3166" وما بين المعقوفين منه.
7 وضع الناسخ هنا رمز الصحة، والنص في الطبري: عندك نفقة.
8 في الأصل: نفسك.
9 في الأصل فراغ بمقدار كلمة ووضع الناسخ بعد: و"ط" وفي الهامش نقاطًا هكذا هذا وقال في "الفتح" "8/ 185": "وروى ابن أبي حاتم من طريق زيد بن أسلم أنها كانت: نزلت في ناس كانوا يغزون بغير نفقة، فيلزم على قوله، اختلاف المأمورين قيل لهم: أنفقوا وأحسنوا: أصحاب الأموال، والذين قيل لهم: {لا تُلْقُوا} الغزاة بغير نفقة، ولا يخفى ما فيه".(1/482)
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق زيد بن أسلم أن رجالا كانوا يخرجون في بعوث يبعثها رسول الله صلى الله عليه وسلم بغير نفقة، فإما يقطع بهم وإما كانوا عيالا فأمرهم الله أن ينفقوا مما رزقهم الله ولا يلقوا بأيديهم إلى التهلكة، والتهلكة1 أن يهلكوا من الجوع أو المشي.
- ثالثها:
من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَة} لا يمنعكم النفقة في حق خوف العيلة2.
- رابعها:
معناها أن ترك الصدقة يفضي إلى الهلاك قال مقاتل في "تفسيره"3: قال رجل من الفقراء: يا رسول الله ما نجد ما نأكل فبأي شيء نتصدق؟ فقال: "بما كان ولو بشق تمرة تكفون وجوهكم عن النار. وهي التهلكة" 4.
- خامسها:
لا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة: لا تنفقوا من حرام فتأثموا بذلك [و] تهلكوا. حكاه القرطبي5 ونحوه عن الطبري6 عن عكرمة قال: لا تيمموا الخبيث
__________
1 وضع الناسخ عليها إشارة الصحة.
2 أخرجه الطبري "3/ 585" "3154" وليس فيه: "لا" وهي في "تفسير مجاهد" "1/ 99". وليس في هذا سبب نزول.
3 "1/ 96".
4 لم يذكر جواب النبي صلى الله عليه وسلم في "تفسير مقاتل". ونصه: "فأنزل الله عز وجل: -وأنفقوا في سبيل الله- {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} فإن أمسكتم عنها فهي التهلكة.
وعزاه القرطبي "2/ 241" إليه كذلك ولم يذكر الحديث.
5 انظر "الجامع" "2/ 242": والواو زيادة مني.
والنص في القرطبي: "ولا تنفقوا من حرام فيرد عليكم فتهلكوا ونحوه عن عكرمة ... " وليس في هذا سبب نزول.
6 لم أجد شيئا من ذلك في هذا الموضع في الطبري ولا في قوله: {وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيث} . فلعل لفظ "عند الطبري" قمحم سهوًا.(1/483)
منه تنفقون1.
- سادسها:
قال الطبري: هي عامة في جميع ما ذكر لاحتمال اللفظ له2.
تنبيه: كان ممن تأول الآية على من يحمل وحده على العدد الكثير من العدو عمرو بن العاص أخرجه ابن أبي حاتم3 بسند جيد عن الزهري عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عن عبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث أنه أخبره أنهم حاصروا دمشق فانطلق رجل من أزدشنوءة فأسرع في العدو وحده يستقتل4 فعاب ذلك عليه المسلمون ورفعوا5 حديثه إلى عمرو بن العاص فأرسل فرده وقال له: قال الله: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَة} .
وأجاز الجمهور ذلك بشروط: منها أن يغلب على ظنه أنه ينجو أو ينكي العدو بذلك أو يرهبه أو يكون سببا لتجريء المسلمين على عدوهم فيصنعون كما صنع أو يكون سببا للفتح على المسلمين كما وقع في اليمامة والقادسية أو يخلص نيته لطلب الشهادة7 كما وقع ذلك في عدة مواطن كما أخرج مسلم بعضها فعنده من حديث
__________
1 البقرة "267 ".
2 لخص المؤلفل بقوله هذا أكثر من صفحة من كلام الطبري وقد ختم كلامه بقوله "3/ 593" "غير أن الأمر وإن كان كذلك، فإن الأغلب من تأويل الآية: وانفقوا، أيها المؤمنون في سبيل الله، ولا تتركوا النفقة فيها، فتهلكوا باستحقاقكم -بترككم ذلك- عذابي ... ".
3 وأورده السيوطي "1/ 501".
4 لم تنقط في الأصل ووضع الناسخ عليها: ط ولم ترد في "الدر" ورجحت ما أثبت ويتحتمل أنها: يستقبل.
5 في الأصل: ورفعه وهو تحريف.
6 في الأصل: العاصي.
7 وكذلك قال في "الفتح" "8/ 185-186": "وأما مسألة الواحد على العدد الكثير من العدو فصرح الجمهور بأنه إن كان لفرط شجاعته، وظنه أنه يرهب العدو بذلك، أو يجرئ المسلمين عليهم أو نحو ذلك من المقاصد الصحيحة فهو حسن ومتى كان مجرد تهور ولا سيما إن ترتب على ذلك وهن المسلمين، والله أعلم".(1/484)
أنس في قصة الاثني عشر الذين قاتلوا بعث1 رسول الله صلى الله عليه وسلم واحدا بعد واحد حتى قتلوا أجمعين2، ومن حديث أبي موسى أنه حدث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الجنة تحت ظلال السيوف". فقال له رجل: أنت سمعت رسول الله يقول هذا؟ قال: نعم، فكسر جفن سيفه ومشى بسيفه إلى العدو فضرب به حتى قتل3.
__________
1 وضع الناسخ على "بعث": ط.
2 لم أجد شيئًا من ذلك في "صحيح مسلم" في كتاب "الجهاد والسير" وكتاب "الإمارة".
نعم روى مسلم عن أنس حديث القراء السبعين فلعله وهو المقصود انظر "3/ 1511".
وروى عنه أيضًا في باب غزوة أحد "3/ 1415" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفرد يوم أحد في سبعة من الأنصار ورجلين من قريش، فلما رهقوه قال: "من يردهم عنا وله الجنة"، أو "هو رفيقي في الجنة" فتقدم رجل من الأنصار فقاتل حتى قتل، ثم رهقوه أيضًا: فقال: "من يردهم عنا وله الجنة" أو "هو رفيقي في الجنة" فتقدم رجل من الأنصار، فقاتل حتى قتل، فلم يزل كذلك حتى قتل السبعة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لصاحبيه: "ما أنصفنا أصحابنا".
فلعله هو المقصود كذلك ويكون في الأصل وهم في تحديد العدد، وأما "بعث" فلعلها: "عن" وفي تفسير قوله تعالى: {إِذْ تُصْعِدُونَ} من آل عمران قال ابن كثير "1/ 45": "وروى البيهقي في دلائل النبوة من حديث عمارة بن غزية عن أبي الزبير عن جابر قال:
انهزم الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد، وبقي معه أحد عشر رجلًا من الأنصار، وطلحة بن عبيد الله وهو يصعد في الجبل، وتتمة الخبر أن الأحد عشر رجلًا قتلوا وجرح طلحة ولعل ابن حجر ذهب وهمه إلى هذا والله أعلم.
3 رواه مسلم في كتاب "الإمارة" "3/ 1511" من طريق جعفر بن سليمان عن أبي عمران الحوني عن أبي بكر بن عبد الله بن قيس عن أبيه: قال سمعت أبي وهو بحضرة العدو يقول: وذكره في النقل عنه اختصار ولفظه في الحديث: "إن أبواب الجنة تحت ظلال السيوف".
وأخرج الحاكم هذا الحديث في أوائل كتاب الجهاد من "مستدركه" "2/ 70" من طريق جعفر وبلفظ مقارب ثم قال: "حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه" ووافقه الذهبي، والحديث في مسلم كما ترى! وعزاه السيوطي في "الجامع الصغير" إلى الحاكم فقط وهذا قصور فهو في مسلم من أكثر من طريق انظر "التيسير" للمناوي "1/ 490".(1/485)
108- قوله ز تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّه} .
1- أخرج ابن أبي حاتم من طريق إبراهيم بن طهمان عن عطاء عن صفوان بن أمية أنه قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم مضمخ بالزعفران عليه جبة، فقال: كيف تأمرني يا رسول الله في عمرتي؟ فأنزل الله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّه} فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أين السائل عن العمرة؟ " قال هأنذا1 فقال له: "ألق عنك ثيابك ثم اغتسل واستنشق 2 ثم ما كنت صانعا في حجك فاصنعه في عمرتك".
وهذا الحديث رواته ثقات3 لكن وقع في سياق السند وهم فإنه في الصحيح من طريق عطاء عن صفوان بن يعلى بن أمية عن أبيه فسقط من هذه الرواية كلمتان قوله: "ابن يعلى" وقوله: "عن أبيه" فصار ظاهره أنه من مسند صفوان بن أمية وهو ابن خلف الجمحي وإنما هو من رواية صفوان بن يعلى بن أمية التميمي.
وقد أخرجه البخاري " "4 والنسائي من طرق عن عطاء5 وليس عند أحد منهم ذكر نزول هذه الآية في هذه القصة6
__________
1 وضع الناسخ رمزين الأول على "ذا" وهو رمزالصحة، والثاني على "فقال" وهو يشبه ح ولم أعرف قصده.
2 في الأصل: واستسن وهو تحريف والتصويب من ابن كثير.
3 وكان ابن كثير قد أورده "1/ 230-231" ثم قال: هذا حديث غريب وسياق عجيب ثم أورد الذي في "الصحيحين" وقال: "لم يذكر فيه الغسل والاستنشاق ولا ذكر نزول هذه الآية وهو عن يعلى بن أمية لا صفوان بن أمية".
4 فراغ في الأصل بمقدار كلمة، ووضع الناسخ فوقه: "صـ" ولعل المؤلف أراد: ومسلم.
5 فراغ في الأصل بمقدار نصف سطر ووضع الناسخ في أعلا نصفه "ض"! ولعل المؤلف أراد: وأبو داود والترمذي.
6 انظر "صحيح البخاري" كتاب "الحج" باب غسل الخلوق "الفتح" "3/ 393 "، وكتاب "العمرة" باب يفعل بالعمرة ما يفعل بالحج "الفتح" "3/ 614" وفي مواضع أخرى و"صحيح مسلم" أول، كتاب =(1/486)
2- قول ز آخر:1 نقل القرطبي2 عن مقاتل قال:
إتمامهما أن لا تستحلوا فيهما ما لا ينبغي لكم وذلك أنهم كانوا يشركون في إحرامهم فيقولون لبيك4 اللهم لبيك لبيك لا شريك لك إلا شريكا هو لك تملكه وما ملك. فقال: فأتموها لله ولا تخلطوهما بشيء آخر، وقال غيره5: كانت العرب تقصد مع الحج الاجتماع والتظاهر والتنافر والتفاخر وحضور الأسواق وقضاء الحوائج فأمر الله تعالى بالقصد إليه خالصا وفي تفسير الإتمام6 أقوال أخرى ليست من غرض هذا الكتاب
__________
= "الحج" "2/ 836-838" و"سنن أبي داود" "المناسك" باب الرجل يحرم في ثيابه "2/ 164-165"، و"جامع الترمذي" كتاب "الحج" باب ما جاء في الذي يحرم وعليه قميص أوجبه "3/ 196-197"، "سنن النسائي" كتاب "المناسك"، الجبة في الإحرام "5/ 130-131" ورواه في الكبرى أيضًا كما في "التحفة" "9/ 110-112". هذا وقد قال الحافظ في "الفتح" "3/ 614": "ولم أقف في شيء من الروايات على بيان المنزل حينئذ من القرآن وقد استدل به جماعة من العلماء على أن من الوحي ما لا يُتلى، لكن وقد وقع عند الطبراني في الأوسط من طريق أخرى أن المنزل حينئذ قوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّه} ووجه الدلالة منه على المطلوب عموم الأمر بالإتمام، فإنه يتنازل الهيئات والصفات". ولم يذكر رواية ابن أبي حاتم وقد ذكرها هنا فكأنه ذهل عنها. ومما يلاحظ أنه لم يشر هنا إلى حديث الطبراني!
1 وهو يصلح أن يكون تفسيرا لا سبب نزول.
2 "2/ 244" في المسألة الأولى في المراد من الإتمام.
3 من هنا إلى "وقال غيره" لم يرد في "تفسير مقاتل".
4 وضع الناسخ عليها رمز الصحة، وهي ليست في القرطبي.
5 ورد هذا في تفسير القرطبي "2/ 246" في المسألة الخامسة وهي ليست في تفسير الإتمام ولم ينسبه إلى قائل والسياق يدل على أنه له ونصه: وفائدة التخصيص بذكر الله هنا أن العرب كانت تقصد الحج للاجتماع والتظاهر والتفاضل والتنافر وقضاء الحاجة وحضور الأسواق، وكل ذلك ليس لله فيه طاعة، ولا حظ بقصد، ولا قربة بمعتقد. فأمر الله سبحانه وتعالى بالقصد إليه لأداء فرضه وقضاء حقه، ثم سامح في التجارة.
6 في الأصل "الإمام" وهو تحريف.(1/487)
109- قوله ز تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِه} [الآية: 196] .
أسند الواحدي1 من طريق ابن الأصبهاني2 عن عبد الله بن معقل3 عن كعب بن عجرة قال: فيَّ نزلت هذه الآية {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِه} وقع القمل في رأسي فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: "احلق وافد بصيام 4 ثلاثة أيام أو النسك أو أطعم 5 ستة مساكين" وفي لفظ6: قعدت إلى كعب بن عجرة في هذا المسجد -مسجد الكوفة- فسألته عن هذه الآية: {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُك} قال: حملت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والقمل يتناثر على وجهي فقال: "ما كنت أرى [أن] 7 الجهد بلغ بك 8 هذا أما تجد شاة؟ " فقلت: لا، فنزلت الآية {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُك} قال: "صم ثلاثة أيام أو أطعم ستة مساكين كل 9 مسكين نصف صاع من طعام". فنزلت فيَّ خاصة ولكم عامة10
__________
1 "ص52".
2 فيه عبد الرحمن الأصبهاني.
3 في الأصل: مغفل وهو تحريف.
4 في الواحدي: "وافده صيام".
5 وضع الناسخ على النسك: "كذا" وعلى، أطعم "خ" وفي الهامش شيء ذهب في التصوير والسياق كذلك في الواحدي!
6 "ص53".
7 ساقطة من الأصل.
8 في الواحدي: منك، وفي البخاري كما هنا.
9 في الواحدي والبخاري: لكل.
10 وقال الواحدي: وراه البخاري عن آدم بن أبي إياس وأبي الوليد، ورواه مسلم عن بندار عن غندر، كلهم عن شعبة. قلت: رواه البخاري في كتاب "المحصر والمغازي والتفسير والطب وكفارات الأيمان"، وروايته عن آدم في كتاب التفسير "الفتح" "8/ 186".
وروايته عن الوليد في كتاب "المحصر" باب الإطعام في الفدية نصف صاع "الفتح" "4/ 16" ومسلم "2/ 816".(1/488)
وفي لفظ له1 من هذا الوجه خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم محرمين فوقع القمل في رأسي ولحيتي وشاربي حتى وقع في حاجبي وفيه: فقال: "ادع 2 الحالق"، فجاء الحالق فحلق رأسي، فقال: "هل تجد نسيكة؟ " قلت: لا -وهي شاة- قال: "فصم ثلاثة أيام أو أطعم ثلاثة آصع ستة 3 مساكين". فأنزلت في خاصة وهي للناس عامة.
ومن طريق مجاهد4 عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: قال كعب بن عجرة: فيَّ نزلت هذه الآية أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "ادنه" فدنوت منه مرتين أو ثلاثا، قال: "أتؤذيك هوامك؟ " قال5: نعم، فأمرني بصيام أو بصدقة أو نسك ما تيسر6.
ومن وجه آخر عن مجاهد7 عن ابن أبي ليلى عن كعب قال: مر [به] 8 رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يوقد تحت قدر له وهو9 بالحديبية فقال: "أتؤذيك هوام رأسك؟ "
__________
1 الواحدي "ص54".
2 في الواحدي: ادعوا.
3 في الواحدي: بين ستة.
4 "ص52-53" عن ابن عون عنه.
5 في الأصل: قلت: وكتب في الهامش: "قال" والنص في الواحدي: "قال ابن عون: وأحسبه قال: نعم".
6 وقال: "رواه مسلم عن أبي موسى عن ابن أبي عدي، ورواه البخاري عن أحمد بن يونس عن ابن شهاب، كلاهما عن ابن عون".
قلت: طريق أحمد بن يونس في البخاري في أول كتاب كفارات الأيمان "الفتح" "593-594/ 11"، وأبي موسى في مسلم "2/ 860".
7 "ص54" عن ابن أبي نجيح عنه.
8 ساقطة من الأصل.
9 لم يرد الضمير في الواحدي، والأحسن حذفه.(1/489)
قال: نعم، قال: "احلق" فأنزلت هذه الآية، قال: "فالصيام ثلاثة أيام والصدقة فرق 1 بين ستة مساكين والنسك شاة". قلت: حديث كعب بن عجرة في "الصحيحين"2، ومن ألفاظه مما لم يذكر في هذه الطريق ما ذكره مسلم في رواية لعبد الله بن معقل: "لكل مسكين نصف صاع نصف صاع" كررها مرتين3.
وفي رواية لعبد الكريم الجزري عن مجاهد: "أي ذلك فعلت أجزاك" 4. ولأبي داود5 في رواية: "إن شئت وإن شئت".
وفي رواية لمجاهد عند الطبري6: ونحن محرومون وقد حصرنا المشركون.
وفي رواية لعبد الله بن معقل7: "أتجد شاة؟ " قال: لا، قال: "فصم أو أطعم".
__________
1 في "الفتح" "4/ 16": "بفتح الفاء والراء وقد تسكن، قال ابن فارس، وقال الأزهري: كلام العرب بالفتح والمحدثون قد يسكنونه، وآخره قاف مكيال معروف بالمدينة وهو ستة عشر رطلًا..".
2 انظر "صحيح البخاري" كتاب "المحصر" باب الإطعام في الفدية نصف صاع "الفتح" "4/ 16" وكتاب التفسير "الفتح" "8/ 186" و"صحيح مسلم" كتاب "الحج" باب جواز حلق الرأس للمحرم "2/ 589-862".
3 لم أجد هذا في مسلم! ولا في البخاري، ولفت نظري أن الحافظ قال هذا في شرح حديث الباب عن أبي الوليد "4/ 17" أيضًا وعلق المحقق بقوله: "في طبعة بولاق: كذا في نسخ الشرح التي بأيدينا، وليس في نسخ البخاري التي وقفنا عليها تكرار، وفي القسطلاني ما نصه: "زاد مسلم نصف صاع كررها مرتين".
4 هذا اللفظ في الطبري "4/ 65" "3351" من طريق ابن وهب عن مالك، وهو في رواية الزهري "1/ 489" ولم يذكر مجاهد بين عبد الكريم وبين أبي ليلى وانظر تعليق الحافظ على ذلك في "الفتح" "4/ 11" وتعليق الشيخ أحمد شاكر على الطبري "4/ 65-66".
5 انظر كتاب "المناسك" باب في الفدية "2/ 172": "إن شئت فانسك نسيكة، وإن شئت فصم ثلاثة أيام، وإن شئت فأطعم ثلاثة آصع من تمر لستة مساكين".
6 "4/ 64" "3348".
7 في البخاري كتاب "المحصر" باب الإطعام "الفتح" "4/ 16" وفي النقل هنا اختصار.(1/490)
وفي رواية لعطاء الخراساني عند مالك1: "صم ثلاثة أيام أو أطعم ستة مساكين" قال: وكان علم أنه ليس عندي ما أنسك به -أي ما أذبحه.
"تكميل" نقل ابن عبد البر2 عن أحمد3 بن صالح المصري المعروف بابن الطبري الحافظ أنه قال: حديث كعب بن عجرة سنة معمول بها لم يروها من الصحابة غيره ولا رواها عنه إلا عبد الرحمن بن أبي ليلى وعبد الله بن معقل وهي سنة أخذها أهل المدينة عن أهل الكوفة، فإن الزهري قال: سألت علماءنا كلهم حتى سعيد بن المسيب فلم يبينوا4 كم عدد المساكين انتهى.
وفيما قال نظر فقد جاءت هذه السنة من رواية:
__________
1 هو في رواية أبي مصعب الزهري في كتاب "المناسك" باب فدية من حلق قبل أن ينحر من أذى يصيبه "1/ 490" "1260" وعزاه المحققان إلى يحيى في روايته: "269" وهو في الطبري من طريق ابن وهب عن مالك "4/ 66" "3353".
ويقول فيه عطاء: "أخبرني شيخ بسوق البرم بالكوفة عن كعب".
2 نقل الحافظ قول ابن عبد البر هذا في "الفتح" "4/ 13" ولم يبين أين قاله وذكر مثل ما سيقوله في الرد عليه هنا، وهو مجرد في كتابه "التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد "2/ 239" في الكلام على أحاديث حميد بن قيس الأعرج المكي، وفي النقل اختصار.
وابن عبد البر هو الإمام العلامة حافظ المغرب شيخ الإسلام أبو عمر يوسف بن عبد الله النمري الأندلسي القرطبي ولد في سنة "368" وتوفي في "463".
انظر ترجمته في "السير" للذهبي "18/ 153-163".
3 في الأصل: إبراهيم وهو خطأ، ووضع الناسخ عليه: ط وجاء على الصواب في "الفتح" "13/ 4" وترجمته في "التهذيب" "1/ 39-42" وهو الذي تكلم فيه النسائي وقال عنه الخليلي:
"اتفق الحافظ على أن كلام النسائي فيه، فيه تحامل" توفي سنة "428هـ" وانظر خلاصة القول فيه في "التقريب" "ص80" "48".
4 في التمهيد: فلم يثبتوا.(1/491)
1- عبد الله بن عمرو بن العاص.
2- وأبي هريرة.
3- وعبد الله بن عمر.
4- وفضالة الأنصاري عن صحابي لم يُسَمَّ.
فحديث ابن عمرو عند الطبري والطبراني1 وحديث أبي هريرة عند سعيد بن منصور2 وحديث ابن عمر عند الطبري3 وكذا حديث فضالة4.
ورواه عن كعب بن عجرة غير ابن أبي ليلى وابن معقل جماعة منه أبو وائل
__________
1 "تفسير الطبري" "4/ 69" "3359" وقال أحمد شاكر: هذا إسناد صحيح ثم قال: وهذا الحديث مما لم أجده في موضع آخر، إلا أن الحافظ أشار في "الفتح" 4/ 11"، وذكر أنه رواه "الطبري والطبراني، ولم أجده في "مجمع الزوائد، مع أنه من شرطه، لروايته عند الطبراني.
قلت: ومسند ابن عمرو ما زال مفقودًا من "المعجم الكبير".
والطبراني هو الإمام الحافظ الثقة الرحال الجوال محدث الإسلام علم المعمرين أبو القاسم سليمان بن أحمد اللخمي الشامي صاحب المعاجم الثلاثة.
ولد في مدينة عكا سنة "260" ومات سنة "360" انظر ترجمته في "السير" للذهبي "16/ 119-130". وكان الناسخ قد وضع هنا رمز الصحة على قوله "الطبراني".
2 هو الحافظ الإمام شيخ الحرم أبو عثمان الخراساني المروزي مؤلف كتاب "السنن" توفي بمكة سنة "227هـ" انظر "السير" "10/ 586-590 ".
وقد عثر على المجلد الثالث من "السنن" وطبع بتحقيق الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي وليس فيه كتاب المناسك.
3 لم أجده في الطبري.
4 "4/ 68" "3358 ".
وفضالة ترجمة البخاري في "التاريخ الكبير" "4/ 1/ 126" فقال: "يعد في أهل المدينة. عمن حدثه عن كعب بن عجرة. روى عنه الزهري" وبنحو ذلك ترجمه ابن أبي حاتم "3/ 2/ 77".
وهو يشير إلى هذا الحديث فهو عن الزهري.(1/492)
عند النسائي1، ومحمد بن كعب القرظي عند ابن ماجة2 ويحيى بن جعدة عند أحمد3، وعطاء عند الطبري4، وأرسله أبو قلابة والشعبي عن كعب وهو عند أحمد أيضا5، ومجاهد عند الطبري6 ولفظ الشعبي7 عن كعب أن النبي صلى الله عليه وسلم مر به وهو محرم وله وفرة وبأصل كل شعرة وبأعلاها قملة أو صؤاب8 فقال: إن هذا الأذى الحديث.
__________
1 في كتاب "مناسك الحج" باب في المحرم يؤذيه القمل في رأسه "5/ 96" وآخره: "انطلق فاحلقه وتصدق على ستة مساكين".
2 في كتاب "المناسك" باب فدية المحصر "2/ 1029" "308" ومثله في الطبري "4/ 67" "3354".
3 انظر "4/ 242" في مسند كعب بن عجرة.
4 "4/ 57" "3333" عن يعقوب عنه و"ص68" "3357" عن ابن جريج، وكأن قصده الموضع الثاني وهو الذي سينقله قريبًا.
وعلق أحمد شاكر في الموضع الأول بقوله: "عطاء: الظاهر أنه ابن أبي رباح، ويحتمل أن يكون الخراساني لأن الحديث سيأتي من روايته "3353" عن شيخ مبهم عن كعب، وأيا ما كان، فهذا الإسناد ضعيف لإرساله؛ لأن عطاء يحكي قصة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، لم يدركها، ثم لم من حدثه بها.
5 وزاد المؤلف في "الفتح" "4/ 13": "لكن الصواب أن بينهما واسطة، وهو ابن أبي ليلى على الصحيح".
وحديث أبي قلابة المرسل في "المسند" "4/ 241" والمتصل "4/ 242 ".
وحديث الشعبي المرسل والمتصل في "243".
6 انظر "4/ 65": "3349-3350".
7 ذكر أحمد في "المسند" السند إلى الشعبي ولم يسق متنًا وهذا المتن في الطبري "4/ 58-59" "3343" ولفظه: "عن الشعبي عن كعب قال: مر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحديبية، ولي وفرة فيها هوام ما بين أصل كل شعرة إلى فرعها: قمل وصئبان. فقال: "إن هذا لأذى! " قلت: أجل يا رسول الله، شديد ... إلخ".
وفي "القاموس" في مادة صئب "ص133": "والصؤابة، كغرابة: بيضة القمل والبرغوث، جمعها صؤاب وصئبان".
8 وضع الناسخ عليها: كذا وفي الهامش. واللفظة صحيحة لا غبار عليها.(1/493)
وأخرجه عبد بن حميد والطبري أيضا ولفظ عطاء: لما كان النبي صلى الله عليه وسلم بالحديبية عام حبسوا بها وقمل رأس رجل من أصحابه يقال له كعب بن عجرة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "أتؤذيك هوامك؟ " 1، قال: نعم، قال: "فاحلق واجزز" وفيه: "أطعم ستة مساكين مدا مدا" 2.
110- قوله ز تعالى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَج} [الآية: 196] 3.
قال عبد بن حميد: ثنا أبو نعيم ثنا محمد بن شريك عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: كان أهل الجاهلية إذا حجوا قالوا: إذا عفا الأثر وتولى الدبر ودخل صفر حلت العمرة لمن اعتمر فأنزل الله تعالى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَج} تغييرا لما كان أهل الجاهلية يصنعون وترخيصا للناس4.
وأصله في الصحيح5 من حديث ابن عباس دون ذكر نزول الآية، ولفظه من طريق طاوس عنه قال كانوا يرون أن العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور في الأرض ويجعلون المحرم صفر6 ويقولون: إذا برأ الدبر وعفا الأثر وانسلخ صفر حلت
__________
1 في الطبري: هذه الهوام.
2 فيه "مدين قال [أي: ابن جريج] قلت: أسمى النبي صلى الله عليه وسلم مدين مدين؟ قال: نعم كذلك بلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم سمى ذلك لكعب، ولم يسم النسك ... ".
3 كان هذا المقطع قبل المقطع السابق فأخرته إلى هنا ليوافق تسلسله في الآية.
4 مرسل، رجاله ثقات.
محمد بن شريك المكي، أبو عثمان ترجمته في "التهذيب" "9/ 221-222".
وأبو نعيم هو الفضل بن دكين من رجال الستة ترجمته في "التهذيب" "8/ 270-276".
ولا بد من القول إنه ليس فيما ذكر سبب نزول مباشر.
5 انظر "صحيح البخاري" "كتاب "الحج"، باب التمتع والقرآن والإفراد بالحج، وفسخ الحج لمن لم يكن معه هدي "الفتح" "3/ 422".
6 في الأصل: صفرا وكذلك هو في المتن من "صحيح البخاري" ولكنه جاء في الشرح: "صفر".
وقال الحافظ "3/ 426": "كذا في جميع الأصول من الصحيحين".(1/494)
العمرة لمن اعتمر فقدم1 النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه صبيحة رابعة2 مهلين بالحج فأمرهم أن يجعلوها عمرة3.
111- قوله ز تعالى: {وَلا جِدَالَ فِي الْحَج} 4.
أسند الطبري5 عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم قال: كانوا يقفون مواقف مختلفة يتجادلون كلهم يدعي أن موقفه إبراهيم فقطعه الله حين أهل6 نبيه بالمناسك.
ومن طريق أبي صخر7 عن محمد بن كعب قال: كانت قريش إذا اجتمعت [بمنى] 8 قال هؤلاء حجنا أتم من حجكم فنزلت9.
ومن طريق القاسم بن محمد10: الجدال في الحج أن يقول قوم: الحج اليوم
__________
1 في البخاري: قدم وقال الحافظ "كذا في الأصول من رواية موسى بن إسماعيل عن وهيب وقد أخرجه المصنف في "أيام الجاهلية" عن مسلم بن إبراهيم عن وهيب بلفظ: "فقدم" بزيادة فاء وهو الوجه وكذا أخرجه مسلم من طريق بهز من أسد والإسماعيلي من طريق إبراهيم بن الحجاج عن وهيب".
2 قال الحافظ: أي: يوم الأحد.
3 وتتمة الحديث.
"فتعاظم عند فقالوا: يا رسول الله، أي الحل؟ قال: "حل كله".
4 ليس فيما ذكر هنا سبب نزول فتأمل.
5 "4/ 146" "3073".
6 في الطبري: أعلم.
7 "4/ 145" "3701" وأبو صخر هذا هو حميد بن زياد مر في الآية "104".
8 زيادة من الطبري.
9 ليس فيه: "فنزلت"، وإنما فيه تكرار الجملة: "وقال هؤلاء: حجنا".
10 "4/ 164" "3702" والقاسم هو أحد الفقهاء بالمدينة أخرج حديثه الستة انظر "التقريب" "ص451".(1/495)
ويقوم قوم: الحج غدا.
ويجمع هذه الأقوال أن المراد بالجدال التنازع وذهب الجمهور إلى أنها عامة في جميع ما يصدق عليه اسم المخاصمة.
ونقل ابن ظفر: إن المراد بالجدال مراجعتهم للنبي صلى الله عليه وسلم لما أمرهم أن يجعلوا حجهم عمرة وهذا ذكره قبله مقاتل بن سليمان
112- قوله2 تعالى: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} .
1- أسند الواحدي3 من طريق البخاري4 ثم من طريق ورقاء عن عمرو بن دينار عن عكرمة عن ابن عباس قال: كان أهل اليمن يحجون ولا يتزودون يقولون نحن المتوكلون فإذا قدموا مكة سألوا الناس فأنزل الله عز وجل {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} .
قلت: ووصله عبد بن حميد عن شبابة وكذا أخرجه أبو داود والطبري من طريق شبابة5.
وقال البخاري بعده: رواه ابن عيينة عن عمرو عن عكرمة مرسلا.
__________
1 "98-99".
2 جاء في الأصل "باب قوله" ووضع الناسخ عليها كذا، وهذه لفظة غريبة على السياق فحذفتها، ولعل الصواب: "سبب".
3 "ص55".
4 انظر الصحيح، كتاب "الحج" باب قوله تعالى: {وَتَزَوَّدُوا} "الفتح" "3/ 383-384". وزاد السيوطي "1/ 531" نسبته إلى ابن حبان والبيهقي في "سننه".
5 "سنن أبي داود"، كتاب "المناسك" باب التزود في الحج "2/ 141" "1730".(1/496)
وكذا أخرجه عبد الرزاق1 وغير واحد عن ابن عيينة ليس فيه ابن عباس.
ورواه بعض أصحاب ابن عيينة عنه موصولا وهو عند النسائي2.
وأخرج الطبري3 من طريق العوفي عن ابن عباس: كان ناس يخرجون من أهليهم ليست معهم أزودة يقولون4 نحج بيت الله ولا يطعمنا! فقال الله: "تزودوا 5 ما يكف وجوههم عن الناس".
وأخرجه عبد الرزاق6 أيضا عن معمر عن قتادة كان أناس7 من أهل اليمن يخرجون بغير زاد إلى مكة فأمرهم الله أن يتزودوا وأعلمهم أن خير الزاد التقوى.
وعن8 عمر بن ذر9: سمعت مجاهدا يقول نحوه وقال: رخص لهم في الزاد فأنزل {وَتَزَوَّدُوا} .
وأخرج الطبري10 من طريق عمر بن ذر عن مجاهد: كان الحاج لا يتزود فنزلت.
__________
1 في تفسيره "22".
2 هو في السير وفي التفسير في "السنن الكبرى" كما في "تحفة الأشراف" "5/ 154-155". انظر التفسير "ص20" الرقم "53".
3 "4/ 159" "3749"
4 في الأصل: يقول وهو خطأ.
5 في الطبري: وتزودوا.
6 في "تفسيره" "ص22" وعنه الطبري "4/ 159" "3748".
7 في الطبري: "من ناس من أهل اليمن"!
8 أي: أخرج عبد الرزاق عن عمر. انظر "تفسيره" "ص22".
9 هو الهمداني المرهبي الكوفي قال في "التقريب" "ص412": "ثقة رمي بالإرجاء، مات سنة 153" من رجال البخاري وغيره.
10 "4/ 158" "3738".(1/497)
وفي لفظ1: كانوا يحجون ولا يتزودون فنزلت.
وأخرج الفريابي من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد2 في هذه الآية قال: كان أهل الآفاق يخرجون إلى الحج يتوصلون بالناس بغير زاد فأمروا أن يتزودوا.
وأخرجه الطبري3 من هذا الوجه وزاد ويقولون نحن متوكلون4.
ومن طريق الحسن البصري5: إن ناسا من أهل اليمن كانوا يحجون ويسافرون ولا يتزودون فأمرهم الله بالزاد ثم أنبأهم أن خير الزاد التقوى.
ومن طريق مغيرة6 عن إبراهيم كان ناس من الأعراب يحجون بغير زاد ويقولون نتوكل على الله فنزلت.
وقال مقاتل7: إن ناسا من أهل اليمن وغيرهم كانوا يحجون بغير زاد وكانوا يصيبون من أهل الطريق ظلما فنزلت.
2- قول ز آخر: أخرج الطبري8 من طريق محمد بن سوقة عن نافع عن ابن عمر كانوا إذا أحرموا ومعهم أزودة رموا بها واستأنفوا زادا آخر فأنزل الله تعالى: {وَتَزَوَّدُوا} فنهوا عن ذلك، وأمروا أن يتزودوا الكعك والدقيق والسويق وهذا
__________
1 "4/ 158" "3739".
2 انظر "تفسير مجاهد" "1/ 103" وأخرجه الطبري عنه "4/ 158" "3743".
3 "4/ 158" "3742".
4 في الطبري: متكلون؟
5 "4/ 159" "3746".
6 "4/ 157-158" "3737" ومغيرة هو ابن مقسم مر في الآية "189" وإبراهيم هو النخعي مر معه أيضًا.
7 "1/ 99-100".
8 "4/ 156" "3729".(1/498)
سند صحيح1.
113- قوله تعالى: {فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} .
قال مقاتل2: لما نزلت {وَتَزَوَّدُوا} قالوا: يا رسول الله ما نجد شيئا فقال3: "تزودوا تكفون به وجوهكم عن الناس وخير ما تزودتم التقوى".
وذكر ابن ظفر حديث ابن عباس المذكور أولا وزاد: قال غيره: وربما ظلموهم وغصبوهم رواه عكرمة وجاء ما يشبهه عن مجاهد والضحاك4 قال: وقد شذ بعض العلماء فقال: معناه تزودوا التقوى قال: والمشهور من قول المفسرين أنه التزود بالمطعومات5.
114- قوله تعالى: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ} .
1- أسند الواحدي6 من طريق أبي أمامة التيمي سألت ابن عمر فقلت: إنا
__________
1 ولكن ليس في هذا القول ولا الذي قبله سبب نزول صريح.
2 في تفسيره "1/ 100".
3 أي: وسول الله صلى الله عليه وسلم قال ابن كثير "1/ 239": "قال مقاتل بن حيان: لما نزلت هذه الآية {وَتَزَوَّدُوا} قام رجل من فقراء المسلمين فقال: يا رسول الله ما نجد ما نتزوده! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تزو د ما تكف به وجهك عن الناس، وخير ما تزودتم التقوى". رواه ابن أبي حاتم".
ومثل هذا عند المؤلف في "الفتح" "3/ 384" وكأنه نقل عنه، وعلى هذا فليس هنا سبب نزول.
4 مر ما جاء عن مجاهد وانظر ما جاء عن عكرمة والضحاك في "تفسير الطبري" "4/ 160-161".
5 انظر "تفسير الطبري" "4/ 156-161"، وابن كثير "238-239" و"الدر المنثور" "1/ 531-532".
6 "ص55".(1/499)
قوم نكرى في هذا الوجه وإن قوما يزعمون أنه لا حج لنا، قال: ألستم تلبون، ألستم تطوفون، ألستم تسعون بين الصفا والمروة؟ ألستم ألستم؟ 1 قلت: بلى، قال: إن رجلا سأل النبي عما سألت عنه فلم يدر ما يرد عليه حتى نزل {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُم} 2.
قلت:
أخرجه أحمد4 وأبو داود5 وابن خزيمة6 والدارقطني7 من طريق العلاء8 بن المسيب وغيره عن أبي أمامة -رجل من بني تيم الله- مرفوعا.
وأخرجه الطبري9 من طريق الثوري عن العلاء10 بن المسيب عن رجل من بني تيم الله قال: جاء رجل إلى عبد الله بن عمر فقال: يا أبا عبد الرحمن
__________
1 وضع الناسخ عليها: ط.
2 وضع الناسخ عليها رمز الصحة.
3 وتتمة النص: "فدعاه عليه حين نزلت، فقال: أنتم الحجاج" وفي الرواية للدارقطني في "السنن" "2/ 292": "حجاج" دون أل.
4 في "المسند" "2/ 155" وانظر "مرويات الإمام أحمد في "التفسير "1/ 154".
5 في كتاب "المناسك" باب الكري "2/ 142" "1733".
6 في "صحيحه" كتاب "المناسك" باب حج الأكرياء "4/ 350" "3051".
7 انظر "السنن"، وأواخر كتاب الحج "2/ 292-293" من طرق عن العلاء والحسن بن عمرو الفقبمي وقال العظيم آبادي في "التعليق المغني": "الحديث أخرجه ابن أبي حاتم.. وعبد الرزاق ... " كلاهما عن العلاء، وزاد السيوطي في "اللباب" "ص39" الحاكم.
8 في الأصل: المعلى. وهو تحريف.
9 "4/ 169" "3789" وقد صحح الشيخ أحمد شاكر إسناده فقال: "الحديث رواه أحمد في المسند" "6435" عن عبد الله بن الوليد العدني، عن سفيان الثوري، بهذا الإسناد، وقلنا في شرحه: إن إسناده صحيح، وإن إبهام الرجل من بني تيم الله لا يضر، فقد عرف أنه أبو أمامة التيمي".
10 في الأصل: المعلى. وهو تحريف.(1/500)
أنا [قوم] 1 نكرى فيزعمون أنه ليس لنا حج فذكر نحو الأول وفيه: ألستم تحرمون كما يحرمون وتطوفون كما يطوفون وترمون كما يرمون؟ قال: بلى، قال: فأنت حاج جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكره.
وأخرجه عبد بن حميد من طريق شعبة2 عن أبي أميمة3 قال: سمعت ابن عمر سئل عن الرجل يحج فيتجر؟ فقال: لا بأس بذلك وتلا {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُم} موقوف.
قلت: وهذا يوافق القول الذي يذكر بعده.
وقال عبد بن حميد حدثنا أبو نعيم ثنا عمر بن ذر4 عن مجاهد: كان ناس يحجون ولا يتجرون فنزلت {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُم} فرخص لهم في المتجر والركوب والزاد.
2- قول آخر أسند الواحدي5 من طريق ابن جريج عن عمرو بن دينار عن ابن عباس قال: كان ذو المجاز وعكاظ متجر الناس في الجاهلية، فلما جاء الإسلام كأنهم كرهوا ذلك حتى نزلت {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُم} في مواسم
__________
1 ساقطة من الأصل.
2 وأخرجه عنه أيضًا الطبري "4/ 165" "3770" ونقل عنه ابن كثير "1/ 240": "وهذا موقوف وهو قوي جيد".
3 وضع الناسخ عليه: "كذا" وهو كذلك في "تفسير ابن كثير"!
وقال أحمد شاكر: "الراجح الظاهر أنه أبو أمامة التيمي الماضي في الحديث "3765"، وأن هذا الخبر مختصر من ذاك الحديث، ولكنه موقوف على ابن عمر".
وانظر الحديث "3765" في "4/ 164" وهو من طريق الحسن بن عمرو [الفقيمي] عن العلاء.
4 ورواه عنه الطبري أيضًا "4/ 167" "3781" من طريق أبي نعيم.
5 "ص56".(1/501)
الحج. قال1: ورواه مجاهد عن ابن عباس قال: كانوا يتقون البيع والتجارة في الحج يقولون: أيام ذكر الله تعالى فأنزل الله تعالى: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُم} فتجروا2.
قلت: أخرج طريق عمرو البخاري من رواية ابن جريج به3 ومن رواية سفيان بن عيينة عن عمرو وزاد فيه: ومَجِنّة4 -وهي بفتح الميم وكسر الجيم وتشديد النون5- وقال في روايته: فتأثموا أن يتجروا في المواسم فنزلت والباقي مثله.
وأخرج طريق مجاهد أبو داود من رواية يزيد بن أبي زياد عنه ولفظه: كانوا لا يتجرون بمنى فأمروا بالتجارة إذا أفاضوا من عرفات وقرأ هذه الآية: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُم} 6.
وأخرجه الفريابي من هذا الوجه -وأخرجه الطبري7 أيضا:
حدثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد: أحلت لهم التجارة في الموسم وكانوا لا يبتاعون في الجاهلية بعرفة ولا منى لم ذكر فيه ابن عباس وكذا أخرجه ابن جرير8 من طريق عمر بن ذر عن مجاهد، وزاد في رواية9: وكانوا لا يبيعون ولا يبتاعون في
__________
1 أي: الواحدي.
2 وضع الناسخ عليها رمز الصحة، ولكنه في الواحدي: فاتجروا وكلاهما صحيح.
3 انظر كتاب "الحج" باب التجارة أيام الموسم والبيع في أسواق الجاهلية "الفتح" "3/ 593".
4 انظر كتاب البيوع "الفتح" "4/ 288" والتفسير باب {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاح} "الفتح" "8/ 186".
5 ومثل هذا في "الفتح" "8/ 594" وفيه كلام على تحديد مواضع هذه الأسواق.
6 "سنن أبي داود"، كتاب "الحج" باب التجارة في الحج "2/ 141". وفي النقل تقديم وتأخير.
7 انظر "4/ 165" "3771" و"ص168" "3784" وقد ذكر عنده "ابن عباس" واللفظ مختلف.
8 "4/ 164" "3763".
9 عن ابن أبي نجيح عن مجاهد "4/ 166" "3775".(1/502)
الجاهلية بعرفة1.
وأخرج عبد بن حميد من طريق هشام بن حسان2 عن الحسن البصري قال: لما فرض الله الحج كان الرجل يكره أن يدخل في حجه تجارة وكانت قريش تجارا فشق ذلك عليهم فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فأنزلت هذه الآية {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ} فمن شاء حمل3 ومن شاء ترك.
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد4 من طريق محمد بن سوقة عن سعيد بن جبير قال: كان التجار يسمون الداج5
__________
1 ذكر هذا في "الفتح" "3/ 594" أيضًا وزاد: "ولا منى" وهذه الزيادة ليست في "تفسير الطبري" المطبوع، ثم نقل عن الحاكم في "المستدرك" من طريق عطاء عن عبيد بن عمير عن ابن عباس: إن الناس في أول الحج كانوا يتبايعون بمنى وعرفة وسوق ذي المجاز ومواسم الحج، فخافوا البيع وهم حرم، فأنزل الله تعالى: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ} في مواسم الحج "قال: فحدثني عبيد بن عمير أنه كان يقرؤها في المصحف" انظر "المستدرك" "2/ 276-277" وليس فيه الجملة الأخيرة وانظر "الفتح" "3/ 594-595" ففيه كلام على هذه القراءة.
2 في "التقريب" "ص572": "ثقة من أثبت الناس في ابن سيرين، وفي روايته عن الحسن وعطاء مقال لأنه قيل: كان يرسل عنهما".
3 وضع الناسخ عليها: ط.
4 والطبري أيضا "4/ 167" "3780".
5 في الأصل: الراح دون تنقيط والتصحيح من الطبري في "القاموس" مادة دج "ص240".
"الداج" المكارون والأعوان والتجار، ومنه الحديث: هؤلاء الداج وليسوا بالحاج".
وعلق المحقق نقلًا من "تاج العروس" للزبيدي بقوله:
"أي: المروي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما"، رأى قومًا في الحج لهم هيئة أنكرها، فقال: هؤلاء الداج وليسوا بالحاج "وقال أبو عبيد: هم الذين يكونون مع الحاج مثل الإجراء والخدم وما أشبههم، قال: فأراد ابن عمر: هؤلاء لا حج لهم، وليس عندهم شيء إلا أنهم يسيرون ويدجون. وعن أبي زيد: الداج: التباع والجمالون، والحاج أصحاب النيات".(1/503)
وكانوا ينزلون مسجد منى وينزلون مسجد الخيف وكانوا لا يتجرون حتى نزلت الآية1.
وأخرج عبد بن حميد من طريق عكرمة:
كان الناس لا يتجرون في أيام الحج فأنزل الله {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ} وذكره2 عن ابن عباس.
3- قول آخر قال عبد الرزاق3: أنا معمر عن قتادة كانوا إذا أفاضوا من عرفات لم يشتغلوا بتجارة ولم يعرجوا على كسير4 ولا ضالة فأحل لهم ذلك بقوله تعالى: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ} .
وأخرجه الطبري5 من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة قال: كان هذا الحي من العرب لا يعرجون على كسير ولا على ضالة [ليلة النفر] 6، وكانوا يسمونها ليلة الصدر ولا يطلبون فيها تجارة ولا بيعا فأحل الله ذلك كله للمؤمنين أن يعرجوا على حوائجهم ويبتغوا من فضل ربهم. ومن طريق أبي جعفر الرازي7 عن الربيع بن أنس مثله سواء، وزاد بعد8 قوله: "ضالة": ولا ينتظرون لحاجة.
__________
1 لفظ الطبري: "كان بعض الحاج يسمون "الداج" فكانوا ينزلون في الشق الأيسر من منى وكان الحاج ينزلون عند مسجد منى، فكانوا لا يتجرون، حتى نزلت: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ} فحجوا".
2 كأن عليها في الأصل لحقًا وفي الهام وضع الناسخ:*.
3 في تفسيره "ص22".
4 في التفسير: "لم يتجروا ولا يعرجوا بكسب ولا ضالة" وفي التعبير نظر!
5 "14/ 166" "3777".
6 ساقطة من الأصل.
7 "4/ 168/ 3787".
8 وضع الناسخ هنا: ط. والسياق سليم.(1/504)
115- قوله تعالى: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاس} [الآية: 199] .
1- أسند الواحدي1 من طريق هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة: كانت العرب تفيض من عرفات وقريش ومن دان بدينها2 تفيض من جمع من المشعر الحرام فأنزل الله تعالى: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاس} .
ومن طريق سفيان3 بن عيينة أخبرني عمرو بن دينار أخبرني محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه قال: أضللت بعيرًا لي يوم عرفة فخرجت أطلبه بعرفة فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم واقفا مع الناس بعرفة فقلت: هذا من الحمس ما له ههنا! قال سفيان: والأحمس الشديد الشحيح على دينه، وكانت قريش تُسمى الحمس فجاءهم الشيطان واستهواهم فقال: إنكم إن عظمتم غير حرمكم استخف الناس بحرمكم، فكانوا لا يخرجون من الحرم، ويقفون بالمزدلفة فلما جاء الإسلام أنزل الله {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاس} يعني عرفة.
قلت: أما حديث عائشة فأخرجه البخاري4 ولفظه من طريق محمد بن خازم5 -بمعجمتين، وهو أبو معاوية الضرير- عن هشام ولفظه: يقفون بالمزدلفة، وكانوا يسمون الحمس وكانت6 سائر العرب تقف7 بعرفات فلما جاء الإسلام أمر الله نبيه أن يأتي عرفات ثم يقف بها ثم يفيض منها فذلك قوله تعالى:
__________
1"ص56-57".
2 في الأصل: دينها وأثبت ما في الواحدي.
3 وضعت على "سفيان" إشارة لحق، وكتب في الهامش: في بعض نسخ الواحدي بدل سفيان ابن عيينة: نصر بن كوسة!
4 في كتاب التفسير "الفتح" "8/ 186-187".
5 تصحف في طبعة "الفتح" إلى حازم!
6 في البخاري: وكان.
7 فيه: يقفون.(1/505)
{ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاس} ولفظ مسلم1 من طريق أبي أسامة: كانت العرب تطوف بالبيت عراة إلا الحمس. والحمس قريش وما ولدت، كانوا يطوفون عراة إلا أن تعطيهم الحمس ثيابا فيعطي الرجال الرجال والنساء النساء. وكانت الحمس لا يخرجون من المزدلفة وكان الناس كلهم يبلغون عرفات قالت عائشة: الحمس هم الذين أنزل الله فيهم {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاس} 2.
وأخرجه عبد بن حميد3 من طريق معمر عن هشام فزاد: وعن معمر عن الزهري: كان الناس يقفون بعرفة إلا قريشا وأحلافها وهم الحمس فقال بعضهم لبعض: لا تعظموا4 إلا الحرم فإنكم إن عظمتم غير الحرم أوشك أن يتهاون الناس بحرمكم، فقصروا عن موقف الحق، فوقفوا بجمع فأمرهم الله أن يفيضوا من حيث أفاض الناس.
وأخرج ابن جرير5 من طريق أبان العطار6 عن هشام بن عروة عن عروة أنه كتب إلى عبد الملك بن مروان: والحمس ملة قريش -وهم مشركون- ومن ولدت قريش في خزاعة وبني كنانة، كانوا لا يدفعون من عرفة، إنما كانوا يدفعون من المزدلفة وهو المشعر الحرام. وكانت بنو عامر حُمسًا، وذلك أن قريشا ولدتهم، ولهم قيل: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاس} .
__________
1 في كتاب "الحج" باب الوقوف وقوله تعالى: {ثُمَّ أَفِيضُوا} "2/ 894".
2 وللحديث تتمة.
3 وزاد السيوطي "1/ 546" نسبته إلى عبد الرزاق.
4 في الأصل: لا تعطمون من غير تنقيط وهو خطأ.
5 "4/ 185" "3832" وفي النقل اختصار.
6 هو أبان بن يزيد العطار البصري قال في "التهذيب" "ص87": "ثقة له أفراد، مات في حدود 160" أخرج عنه الستة غير ابن ماجه.(1/506)
واما حديث جبير بن مطعم فأخرجه الشيخان أيضا1.
ولفظ ابن أبي عمر في "مسنده"2 عن سفيان: هذا من الحمس فما له خرج من الحرم؟ قال سفيان: وكانت قريش تسمى الحمس وكانت لا تجاوز الحرم ويقولون: نحن أهل الله فلا نخرج من حرمه وكان سائر الناس يقفون بعرفة وذلك قول الله عز وجل: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} قال سفيان: والأحمس الشديد في دينه.
وأخرج عبد بن حميد من طريق عطاء عن جبير بن مطعم قال: كنت مع قريش في منزلهم دون عرفة فأضللت حماري فذهبت أطلبه في الناس الذين بعرفة فوجدت رسول بعرفة. قال عطاء: وكانت قريش ينزلون دون عرفة وكان سائر أهل الجاهلية ينزلون بعرفة فذلك قول الله تعالى: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} من عرفات. ومن طريق شيبان بن عبد الرحمن عن قتادة: كانت قريش وكل من حولهم من أجير وحليف لا يفيضون مع الناس من عرفات إنما يفيضون من المغمس3 كانوا
__________
1 "صحيح البخاري"، كتاب "الحج" باب الوقوف في عرفة "الفتح" "3/ 515" "وصحيح مسلم"، كتاب "الحج" "2/ 894" ونقله ابن كثير "1/ 242" عن أحمد.
2 وذكر هذا في "الفتح" في شرح حديث جبير "3/ 516" وابن أبي عمر هو الإمام المحدث الحافظ شيخ الحرم أبو عبد الله محمد بن يحيى العدني مات بمكة سنة "243" انظر "السير" للذهبي "12/ 96-98".
و"مسنده" من مرويات الحافظ انظر "المعجم المفهرس" "ص108" وتوجد منه قطعة في الظاهرية بمجموع رقم "344" من "ق143-153" انظر "القواعد المنهجية في التنقيب عن المفقود من الكتب والأجزاء التراثية" للدكتور حكمت بشير ياسين "ص53".
3 في الأصل فراغ بمقدار كلمة، ووضع الناسخ في وسطه: ط وفي الهامش: واستدركت الكلمة من الطبري.
وفي "القاموس" مادة غمس "ص724": "المغمس، كمعظم ومحدث: موضع بطريق الطائف، فيه قبر أبي رغال، دليل إبرهة، ويرجم".(1/507)
يقولون: إنما نحن أهل الله فلا نخرج من حرمه فأمرهم الله أن يفيضوا من حيث أفاض الناس وكانت سنة إبراهيم وإسماعيل الإفاضة من عرفات.
وأخرجه ابن جرير1 من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة وقال في روايته2: كل حليف لهم وبني أخت لهم.
وأخرجه من طريق أبي جعفر الرازي3 عن الربيع بن أنس نحوه سواء.
وأخرج الطبري4 من طريق حسين بن عبد الله5 عن عكرمة عن ابن عباس: كانت العرب تقف بعرفة، وكانت قريش تقف دون ذلك بالمزدلفة فأنزل الله تعالى: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} فدفع النبي صلى الله عليه وسلم الموقف إلى موقف العرب بعرفة6.
ومن طريق ابن إسحاق7 عن ابن أبي نجيح: كانت قريش -لا أدري قبل الفيل أو8 بعده- ابتدعت أمر الحمس، رأيا رأوه بينهم فقالوا: نحن بنو إبراهيم،
__________
1 "4/ 187" "3837".
2 في الأصل: رواية.
3 "4/ 187" "3839".
4 "4/ 186" "3833".
5 هو حفيد عبيد الله بن عباس، الهاشمي المدني، متفق عليه ضعفه مات سنة "140" انظر "التهذيب" "2/ 341"، "التقريب" "ص167".
وجاء في الطبري: حسين بن عبيد الله وقال أحمد شاكر: "لعل الأصل: عبد الله فحرفها الناسخون" وهو كما قال وفيه جاء على الصواب هنا.
6 لم يعز السيوطي هذا الحديث إلى غير الطبري "1/ 546".
7 "4/ 188" "3840" وفي النقل تصرف واختصار، والقول في "السيرة" لابن هشام "1/ 199-202" معزو إلى ابن إسحاق دون سند.
8 في الطبري: "أم" وهو الأصل.(1/508)
وأهل الحرم والبيت وقاطنو مكة فليس لأحد من العرب مثل حقنا ولا مثل منزلنا ولا تعرف له العرب مثل ما تعرف لنا فلا تعظموا شيئا من الحل كما تعظمون الحرم، فإنكم إن فعلتم ذلك1 استخفت العرب حرمكم، وقالوا: قد عظموا من2 الحل مثل ما عظموا من الحرم فتركوا الوقوف على عرفة والإفاضة منها، وهم يعرفون أنها من المشاعر في3 دين إبراهيم ويرون لسائر العرب4 أن يقفوا عليها وأن يفيضوا منها، وقالوا: نحن أهل الحرم فلا ينبغي لنا أن نخرج من الحرم. ثم جعلوا لمن ولدوا من العرب من ساكني الحل مثل الذي لهم بولادتهم إياهم فيحل لهم ما يحل لهم ويحرم عليهم ما يحرم عليهم، فكانت كنانة وخزاعة قد دخلوا معهم في ذلك ثم ابتدعوا في ذلك أمورا لم تكن حتى قالوا: لا ينبغي للحمس أن يأتقطوا5 الأقط ولا يسلوا6 السمن وهم حرم، ولا يدخلوا بيتا من شعر ولا يستظلوا إن استظلوا إلا في بيوت الأدم ما كانوا حراما7.
2- قول ز آخر8: قال الطبري9: قال آخرون: المخاطب بذلك المسلمون كلهم
__________
1 في الأصل: كذلك: ووضع الناسخ عليها: ط وفي الهامش:* والتصحيح من السيرة والطبري.
2 وضع الناسخ على "من" وما قبلها إشارة الصحة وهو كذلك.
3 في الطبري: و.
4 وكذلك في السيرة: ولكن في الطبري: الناس.
5 في الأصل فراغ بمقدار كلمة ووضع الناسخ في أوله: يا وفوقها: ط وفي الهامش:.. وكتب آخر في الفراغ: يأتقطوا وهو صحيح وكأنه أخذه من "السيرة" لابن هشام، وفي الطبري: يأقطوا.
قال في "القاموس" مادة أقط "ص850": "الأقط: مثلثة ويحرك، وككتف ورجل وابل شيء يتخذ من المخيض الغنمي، جمعه: أقطان الطعام يأقطه: عمله به ... ".
6 في ابن هشام والطبري ولا يسلئوا.
وفي "القاموس" مادة سلأ "ص54": "سلأ السمن، كمنع: طبخه وعالجه، كاستلأه، والاسم، ككتاب".
7 لا أجد فيما مر سبب نزول مباشرًا فتأمل.
8 يصح عليه أيضًا ما قلته في الذي قبله.
9 "4/ 189" وفي النقل اختصار.(1/509)
والمراد بقوله "أفاض" أي: من جمع و"الناس" إبراهيم عليه السلام.
ثم أسنده عن الضحاك بن مزاحم كذلك1، ورجح الطبري الأول2.
قلت: أخرج البخاري3 من طريق موسى بن عقبة عن كريب عن ابن عباس قال:
يطوف الرجل بالبيت الحديث وفيه ثم ليدفعوا من عرفات إذا4 أفاضوا منها حتى يبلغوا جمعا الذي يبيتون5 به ثم ليذكروا الله فيكبروا6 قبل أن يصبحوا ثم يفيضوا فإن الناس كانوا يفيضون7 وقال الله تعالى: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} من مزدلفة8
__________
1 انظر الرقم "3842" ورجال الخبر كلهم ثقات انظر تخريج أحمد شاكر وعزاه في "الفتح" "3/ 517" إلى ابن أبي حاتم.
2 "4/ 190-191 ".
3 في كتاب التفسير "الفتح" "8/ 187".
4 في البخاري: فإذا.
5 كذا في الأصل، وفي البخاري: يتبرر فيه، وقال الحافظ: "قوله: يتبرر: براءين مهملين أي: يطلب فيه البر"!
6 النص في البخاري: ليذكروا الله كثيرًا، أو أكثروا التكبير والتهليل قبل أن تصبحوا، ثم أفيضوا.
7 وتتمة الحديث: "حتى ترموا الجمرة".
8 هنا في الأصل فراغ بمقدار ثلثي السطر ووضع الناسخ في الهامش: وهذا القول قاله ابن كثير "1/ 242" من قبل، وللمؤلف كلام في "الفتح" على هذا الموضوع في شرح حديث جبير "3/ 517" فانظره، وله كلام في شرح حديث عائشة أنقل منه: "وعرف برواية عائشة أن المخاطب بقوله تعالى: {أَفِيضُوا} النبي صلى الله عليه وسلم والمراد به من كان لا يقف بعرفة، من قريش وغيرهم. وروى ابن أبي حاتم وغيره عن الضحاك -وذكر ما تقدم ثم قال: "والأول أصح، نعم الوقوف، بعرفة موروث عن إبراهيم كما روى الترمذي وغيره من طريق يزيد بن شيبان قال: كنا وقوفًا بعرفة فأتانا ابن مريع فقال: إني رسول الله إليكم، يقول لكم: "كونوا على مشاعركم، فإنكم على إرث إبراهيم" الحديث، ولا يلزم من ذلك أن يكون هو المراد خاصة بقوله: {مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاس} بل هو الأعم من ذلك، والسبب فيه ما حكته عائشة رضي الله عنها. ثم بين معنى استعمال "ثم" فانظراه فإنه مهم.(1/510)
116- قوله تعالى: {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُم} [الآية: 200 1] .
1- قال الواحدي2: قال مجاهد: كان أهل الجاهلية إذا اجتمعوا في الموسم ذكروا فعل آبائهم في الجاهلية، وأيامهم وأنسابهم وتفاخروا فأنزل الله تعالى: {فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا} .
قال3: و4 قال الحسن -يعني البصري:
كانت العرب إذا حدثوا أو تكلموا يقولون: وأبيك إنهم ليفعلون كذا فأنزل الله تعالى هذه الآية.
أما قول مجاهد فأخرجه الفريابي وعبد بن حميد5 من طريق ابن أبي نجيح عنه6 {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ} هو إراقة الدماء {فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُم} تفاخر7 العرب بينها8 بفعال آبائها حين يفرغون يوم النحر فأمروا أن يذكروا الله مكان ذلك.
__________
1 لا أجد فيما ذكر هنا من أقوال -وهي ثلاثة- سبب نزول مباشرًا فتأمل.
2 "ص57".
3 أي: الواحدي: وفي النقل تصرف.
4 الواو ساقطة من الأصل.
5 وكذلك الطبري "4/ 197" "3853" وعزاه السيوطي "1/ 557" إليهما دون الفريابي.
6 لم أجده في التفسير المطبوع.
7 في الأصل: مفاخر وهو تحريف، وفي الطبري: تفاخرت.
8 في الأصل: عليها وضع الناسخ عليها: ط وفي الهامش. وقد أصاب فهو تحريف والتصحيح من الطبري والسيوطي.(1/511)
وأخرجه عبد بن حميد من وجه آخر عن مجاهد1 قال: كان أهل الجاهلية من المشركين إذا اجتمعوا في الموسم ذكروا فعال آبائهم وأنسابهم في الجاهلية فتفاخروا بذلك.
ومن طريق معمر2 عن قتادة: كانوا إذا قضوا مناسكهم اجتمعوا فذكروا آباءهم وأيامهم فأمروا أن يجعلوا مكان ذلك ذكر الله كثيرا.
وأخرجه عبد بن حميد من رواية شيبان عن قتادة: كان هذا الحي من العرب إنما يهتمون3 في ذكر آبائهم، هو حديث محدثهم إذا حدث وبه يقوم خطيبهم إذا خطب فأنزل الله تعالى: {كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا} 4.
وأخرج الطبري5 والفاكهي6 من طريق القاسم بن عثمان7 عن أنس في هذه الآية قال: كانوا يذكرون آباءهم في الحج يقول8 بعضهم: كان أبي يطعم الطعام! ويقول بعضهم: كان أبي يضرب بالسيف! ويقول بعضهم: كان أبي يجز9 نواصي بني
__________
1 وفي الطبري عدد من الأخبار عن مجاهد فانظرها "4/ 195-198".
2 رواه عنه عبد الرزاق وعنه الطبري "4/ 198" "3856" واللفظ مقارب لما هنا.
3 وضع الناسخ عليها: كذا في الهامش: *.
4 وضع هنا لحق وفي الهامش.. لا غير.
ولم أجد هذا الخبر في الطبري وابن كثير ولا السيوطي. وفي الطبري مقارب له عن سعيد عن قتادة "4/ 197" "3855".
5 "4/ 196" "3847".
6 وعزاه إليه السيوطي "1/ 557".
7 هو البصري قال الذهبي في "الميزان" "3/ 375": "عن أنس، قال البخاري: له أحاديث لا يتابع عليها: قلت: حدث عنه إسحاق الأزرق محفوظ وبقصة إسلام عمر، وهي منكرة جدًّا".
8 في الطبري: فيقول.
9 في الطبري: جز.(1/512)
فلان.
زاد الفاكهي: ويقوم من كل قبيلة شاعرهم وخطيبهم فيقول: فينا فلان وفينا فلان ولنا يوم كذا ودفعنا بني فلان يوم كذا ثم يقوم1 الشاعر فينشد ما قيل فيهم من الشعر، ثم يقول: من يفاخرنا فليأت بمثل فخرنا، فمن كان يريد المفاخرة من القبائل قام فذكر مثالب تلك القبيلة وما فيها من المساوئ فكان ذلك من شأنهم حتى جاء الله بالإسلام وأنزل على نبيه في كتابه {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ} يعني دعوا هذه المفاخرة واذكروا الله.
وأخرج الطبري2 والفاكهي أيضا من طريق سفيان عن عاصم بن بهدلة3 عن أبي وائل: كان أهل الجاهلية يذكرون فعال آبائهم في4، الناس فمن الناس من يقول: آتنا غنمًا هب لنا إبلًا فنزلت {فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاق} .
وقال الطبري أيضا:5 حدثنا أبو كريب6 ثنا أبو بكر بن عياش7 قال: كان
__________
1 في الأصل: يقول.
2 "4/ 196" "3849".
3 قال في "التقريب" "ص285": "هو ابن أبي النجود، الأسدى مولاهم، الكوفي، أبو بكر المقرئ، صدوق له أوهام، حجة في القراءة وحديثه في الصحيحين مقرون، مات سنة "128"، ع" وشيخه أبو وائل هو شقيق بن سلمة الأسدي ثقة مخضرم من رجال الستة انظر "التقريب" "ص268".
4 من هنا إلى قوله: يقول لم يُذكر في الطبري، وقوله {آتِنَا} إلى آخره هو في "4/ 201" "3867" مفصول عن أول الخبر!
5 "4/ 196-197" "3850".
6 هو محمد بن العلاء الهمداني قال في "التقريب" "ص500" "أبو كريب الكوفي، مشهور بكنيته ثقة".
7 هو الأسدي الكوفي المقرئ وفي "التقريب" "ص624": "مشهور بكنيته، والأصح أنها اسمه ثقة عابد إلا أنه لما كبر ساء حفظه، وكتابه صحيح، مات سنة "194"، وروايته في مقدمة مسلم". ا. هـ باختصار.(1/513)
أهل الجاهلية إذا فرغوا من الحج قاموا عند البيت، فيذكرون آباءهم وأيامهم: كان أبي يطعم الطعام وكان أبي يفعل فذلك قوله: {فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُم} ، قال أبو كريب: فذكرته ليحيى بن آدم1 فقلت: عمن هو؟ فقال: حدثنا أبو بكر بن عياش عن عاصم عن أبي وائل.
ورواه قيس بن الربيع2 عن عاصم بلفظ: كان أهل الجاهلية إذا نظر أحدهم إلى البيت يقول: كان أبي، كان جدي يقاتل يطعم يفعل يفعل يعد من ذلك ما شاء الله ثم يقول: اللهم آتني إبلا اللهم آتني غنما فقال الله تعالى: {فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا} 3.
وأخرج الطبراني في كتاب "الدعاء" من طريق أبي سعد البقال عن أبي عون الثقفي قال شهدت خطبة عبد الله بن الزبير فذكر قصة طويلة وفيها: وكانوا إذا فرغوا من حجهم تفاخروا بالآباء فأنزل الله عز وجل {فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا} 4.
وأبو سعد اسمه سعيد بن المرزبان وهو ضعيف5.
__________
1 ثقة حافظ فاضل مات سنة "302" من رجال الستة انظر "التقريب" "ص587".
2 صدوق تغير لما كبر.. مر في الآية "96".
3 لم أجده في الطبري.
4 لم أجده في كتاب الدعاء بهذا اللفظ، وإنما وجدت ما نقله الحافظ بعد قليل، وعن اختلاف نسخ "الدعاء" انظر ما قاله المحقق الدكتور محمد سعيد البخاري في "1/ 123".
5 انظر "التهذيب" "4/ 79" و"التقريب" "ص241" و"الميزان" "2/ 158" وسيعيد المؤلف وصفه بالضعف بعد قليل!(1/514)
ونقل ابن ظفر عن مقاتل1 وغيره: كانوا إذا فرغوا من المناسك وقفوا بين مسجد منى والجبل فافتخروا بمكارم آبائهم وعن ابن عباس قال: هم والله المشركون يسألون الله المال ويقولون: اللهم اسقنا المطر وأعطنا لي عدونا الظفر ولا يسألون حظا في الآخرة فإذا فرغوا من حجهم تفاخروا بالآباء فأنزل الله عز وجل هذه الآية2.
2- قول آخر: أخرج الطبري3 من طريق شعبة عن عثمان بن أبي رواد4 عن عطاء أنه قال في هذه الآية {كَذِكْرِكُم} قال هو قول الصبي يا بابا5.
ومن طريق ابن جريج6 قال عطاء: ذكركم آباءكم: أبه، أمه.
ومن طريق أخرى عن عطاء7 كالصبي يلهج بأبيه وأمه.
ومن طريق جويبر8 عن الضحاك {فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُم} يعني بالذكر ذكر الأبناء الآباء ومن طريق أبي جعفر الرازي9 عن الربيع بن أنس نحوه.
ومن طريق العوف10 عن ابن عباس كذلك.
__________
1 انظر "تفسيره" "1/ 101" واللفظ فيه مقارب.
2 قال السيوطي "1/ 558": "أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: كان قوم من الأعراب يجيئون إلى الموقف، فيقولون اللهم اجعله عام غيث، وعام خصب، وعام ولاد حسن، لا يذكرون من أمر الآخرة شيئًا، فأنزل فيهم {فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ} .
3 "4/ 198" "3859".
4 في "التقريب" "ص383": "العتكي مولاهم، أبو عبد الله البصري ثقة من السابعة خ".
5 في الطبري: يا أباه.
6 "4/ 198" "3861".
7 "3862".
8 "3860".
9 "3863".
10 "3864".(1/515)
3- قول1 آخر: ذكر ابن ظفر عن أبي الحوراء2: قلت3 لابن عباس في هذه الآية:
إن الرجل ليمر عليه اليوم وما يذكر أباه فقال: ليس بذلك، يقول أن تغضب لله عز وجل إذا عصي غضبك4 إذا ذكر والدك5 بسوء 6.
117- قوله تعالى: {فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ} 7.
أخرج الطبراني في "الدعاء"8 من طريق أبي سعد البقال -أحد الضعفاء- عن أبي عون محمد9 بن عبيد الله الثقفي قال: شهدت خطبة عبد الله بن الزبير فذكر قصة طويلة وفيها: وكانوا إذا وقفوا عند المشعر الحرام دعوا فقال
__________
1 عليه في الأصل رمز الصحة.
2 هو ربيعة بين شيبان السعدي، البصري، ثقة من الثالثة. انظر "التقريب" "ص207" وحديثه هذا عزاه السيوطي "1/ 558" إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم.
3 في "الدر": قيل.
4 في "الدر": أشد من غضبك.
5 في "الدر": والديك، تحريف.
6 هنا في الأصل: قرابة سطرين فارغين أو يأتي بعدهما في أول سطر جديد آية جديدة.
7 لا أجد فيما ذكر هنا سبب نزول مباشرًا.
8 انظر "2/ 1208" باب الدعاء بالمزدلفة الرقم "879".
والنص فيه " ... سمعت عبد الله بن الزبير رضي الله عنه يخطب، فذكر حديثًا طويلًا، ثم ذكر فيه قال: وكان الناس في الجاهلية إذا وقفوا عند المشعر الحرام دعوا فقال أحدهم: اللهم ارزقني إبلاء، اللهم ارزقني غنمًا، فأنزل الله عز وجل {فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} .
9 كتب الناسخ فوق "عون" و"محمد" رمز الصحة.(1/516)
أحدهم: اللهم ارزقني مالا، وقال الآخر اللهم ارزقني إبلا، وقال الآخر ارزقني غنما فأنزل الله تعالى: {فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا} إلى قوله: {وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَاب} 1.
وأخرج الطبري2 من طريق القاسم بن عثمان3 عن أنس في قوله تعالى: {فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ} قال: كانوا يطوفون بالبيت عراة فيدعون ويقولون اللهم اسقنا المطر وأعطنا على عدونا الظفر وردنا صالحين إلى صالحين.
ومن طريق مجاهد4: كانوا يقولون5 ربنا آتنا نصرا ورزقا ولا يسألون لآخرتهم شيئا ومن طريق السدي6 نحوه.
وقال مقاتل7: كانوا إذا قضوا مناسكهم قالوا: اللهم أكثر أموالنا وأبناءنا ومواشينا، وأطل بقاءنا وأنزل علينا الغيث، وأنبت لنا المرعى، واصحبنا في أسفارنا، وأعطنا الظفر على عدونا، ولا يسألون ربهم في8 أمر آخرتهم شيئا فنزلت9
__________
1 قال الإمام محمد بن علان الصديقي الشافعي "ت1075هـ" في كتابه "الفتوحات الربانية على الأذكار النواوية" "5/ 15": "قال الحافظ: هذا موقوف له حكم الرفع، وفي سنده ضعف، وللحديث شاهد أخرجه الطبراني [كذا والصواب الطبري] من رواية القاسم بن عثمان.." ثم ذكر ما قاله هنا.
2 "4/ 202" "3870" وعزاه إليه وحده السيوطي "1/ 558".
3 في الأصل: عمر وهو تحريف ولم يذكر أحد في "التهذيب" "باسم القاسم بن عمر أو ابن عثمان.
4 "4/ 202" "3871" وزاد السيوطي "1/ 558" نسبته إلى عبد بن حميد.
5 لم ترد اللفظتان في الطبري.
6 "3874".
7 "1/ 101".
8 في المطبوع: عن ولعل الصحيح: من.
9 كل ما جاء بعد هذا، إلى نهاية الكلام على الآية كتب في الهامش لحقًا.(1/517)
وأخرج الطبري1 من طريق خصيف عن سعيد بن جبير وعكرمة قالا: كانوا يذكرون فعل آبائهم في الجاهلية إذا وقفوا بعرفة فنزلت هذه الآية.
ومن طريق عبد الله بن كثير2 عن مجاهد: كانت العرب يوم النحر حين يفرغون يتفاخرون بفعال آبائهم فأمروا بذكر الله عز وجل مكان ذلك.
وأخرج عبد بن حميد3 من طريق عثمان بن4 عن عطاء: كان أهل الجاهلية إذا نزلوا منى تفاخروا بآبائهم ومجالسهم فقال هذا: فعل أبي كذا وكذا [وقال هذا] 5: فعل أبي كذا وكذا فنزلت.
ومن طريق طلحة بن عمر6 عن عطاء: كان أهل الجاهلية يتناشدون الأشعار يذكرون7 فيها آباءهم يفخر بعضهم على بعض8 فنزلت.
وسيأتي عن عطاء خلاف هذا.
ومن طريق أسباط9 عن السدي: كانت العرب إذا قضت مناسكها وأقاموا بمنى يقوم الرجل فيسأل الله: اللهم إن أبي كان عظيم الجفنة عظيم القبة10 كثير المال فأعطني
__________
1 "4/ 198" "3857 ".
2 "4/ 198" "3858".
3 وعزاه السيوطي "1/ 558" إلى وكيع أيضًا.
4 لم يتضح لي هذا الاسم إذ ذهب بعضه في التصوير، وكذلك ذهبت حروف من كلمات أخرى استعنت على قراءتها "بالدر المنثور".
5 سقط من الأصل واستدركه من "الدر".
6 ذهب الراء في التصوير.
7 ذهبت في التصوير إلا: يذ.
8 لم يبق إلا: بـ.
9 أخرجه عنه الطبري "4/ 199" "3866".
10 وضع الناسخ عليها: كذا ولم ينقطها فكأنها اشتبهت عليه في القراءة.(1/518)
مثل ما أعطيت أبي ليس يذكر الله إنما يذكر أباه1 ويسأل أن يعطى في الدنيا أخرجه الفريابي عنه.
118- قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الآية: 204] .
1- قال الواحدي2: قال السدي: نزلت في الأخنس بن شريق الثقفي، وهو حليف بني زهرة أقبل إلى النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة فأظهر له الإسلام، وأعجب النبي صلى الله عليه وسلم ذلك منه، وقال: إنما جئت أريد الإسلام، والله يعلم أنني صادق وذلك قوله3: {وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ} ثم خرج من عند النبي صلى الله عليه وسلم فمر بزرع لقوم من المسلمين وحمر فأحرق الزرع وعقر الحمر فأنزل الله تعالى فيه {وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْل} .
قلت: أسند بعضه الطبري4 من رواية أسباط عن السدي، قال في قوله: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} الآيتين: نزلتا في الأخنس.
وقال عبد بن حميد: حدثنا يعلى هو ابن عبيد5 سمعت الكلبي يقول: كنت جالسا بمكة فسألني رجل عن هذه الآية فقلت: نزلت في الأخنس، فلما قمت تبعني
__________
1 في الطبري: آباءه.
2 "ص57-58".
3 كان هنا فراغ في الأصل بمقدار كلمة ووضع الناسخ في الهامش: ط، واستدركتها من الواحدي.
4 "4/ 229-230" "3961" وفي النقل تصرف.
وقوله "أسند بعضه" فيه نظر، فالخبر فيه كله!
5 هو الكوفي، أبو يوسف الطنافسي قال في "التقريب" "ص609": ثقة إلا في حديثه عن الثوري ففيه لين، مات سنة بضع ومائتين وله تسعون سنة.(1/519)
شاب من ولده فقال: إن القرآن إنما أنزل في أهل مكة فإن رأيت أن لا تسمي أحدا حتى تخرج منها فافعل.
وعزاه الثعلبي للسدي والكلبي ومقاتل وساقه مطولا بلفظ مقاتل وساق مقاتل1 نسب الأخنس إلى ثقيف ونسب أمه "ريطة" إلى بني عامر بن2 لؤي قال: وكان عديد3 بني زهرة وكان يأتي النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة فيخبره أنه يحبه4.
2- قول ز آخر: أخرج الطبري5 من طريق ابن إسحاق بسنده المتكرر إلى ابن عباس6.
قال: لما أصيبت السرية أصحاب خبيب بالرجيع بين مكة والمدينة قال رجال
__________
1 "1/ 102".
2 في مقاتل: من.
3 وضع الناسخ عليها: ط وفي الهامش: وهي صحيحة لا غبار عليها أي: معدودًا فيهم.
4 وتتمة قوله: "ويحلف بالله على ذلك، ويخبره أنه يتابعه على دينه، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه ذلك ويدينه في المجلس، وفي قلبه غير ذلك، فأنزل الله عز وجل: {وَمِنَ النَّاسِ} .
هذا وقد ترجم ابن حجر للأخنس في "الإصابة" القسم الأول "1/ 25-26" "61" وقال: "حليف بني زهرة، اسمه أبي وإنما لقب الأخنس لأنه رجع بني زهرة من بدر لما جاءهم الخبر أن أبا سفيان نجا بالعير فقيل: خنس الأخنس بني زهرة فسمي بذلك، ثم أسلم الأخنس فكان من المؤلفة وشهد حنينًا ومات في أول خلافة عمر ذكره أبو موسى عبن ابن شاهين.. وكذا ذكره ابن فتحون عن الطبري" وانظر عن إرجاعه "300" من بني زهرة "تفسير مقاتل" "1/ 103" وقد نقل ابن عطية في "المحرر" "2/ 186" قول السدي، وقال: ما ثبت قط أن الأخنس أسلم".
ورد عليه ابن حجر في المصدر المشار إليه فقال:
"وقد أثبته في الصحابة من تقدم ذكره، ولا مانع أن يسلم ثم يرتد ثم يرجع إلى الإسلام".
5 "4/ 230" "3962" وفي النقل اختصار وتصرف.
وقد نقله السيوطي في "اللباب" "ص40"، عن ابن أبي حاتم.
6 والخبر بسنده هذا في "السيرة" لابن هشام في الكلام على يوم الرجيع "2/ 174".(1/520)
من المنافقين: يا ويح هؤلاء المقتولين1 الذين هلكوا لا هم قعدوا في بيوتهم ولا هم أدوا رسالة صاحبهم! فأنزل الله في ذلك {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُك} إلى قوله: {عَلَى مَا فِي قَلْبِه} أي: من النفاق {وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَام} أي: ذو جدال إذا كلمك وراجعك {وَإِذَا تَوَلَّى} أي: خرج من عندك إلى قوله: {الْمِهَادْ} وأنزل في السرية المذكورة {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّه} الآية.
وفي لفظ من هذا الوجه2: لما أصيبت السرية التي كان فيها عاصم ومرثد بالرجيع قال رجال من المنافقين فذكر نحوه.
ومن طريق أبي جعفر الرازي3 عن الربيع بن أنس في هذه الآية {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُه} قال: هذا عبد كان حسن القول سيئ العمل كان يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيحسن له القول فإذا خرج4 سعى في الأرض ليفسد فيها.
ومن طريق أبي معشر5 سمعت سعيدا المقبري6 يذاكر محمد بن كعب7.
__________
1 هكذا اللفظ هنا وفي المطبوعة من الطبري لكن المحقق محمود شاكر غيرها إلى المفتونين اعتمادًا على السيرة وعده الصواب، وبهذا جاء في "لباب النقول".
2 في "الطبري" "4/ 231" "3963"، وبهذا اللفظ افتتح الخبر الذي في "سيرة" ابن هشام.
3 "4/ 233" "3968".
4 في الطبري: وإذا تولى.
5 "4/ 231-232" "3964" وفي النقل اختصار.
وأبو معشر هو نجيح بن عبد الرحمن السندي، المدني، مولى بني هاشم، مشهور بكنيته قال في "التقريب" "ص559": "ضعيف، أسن واختلط، مات سنة "170" أخرج له الأربعة". وانظر ميزان الاعتدال" "4/ 246-248".
6 هو سعيد بن أبي سعيد: كيسان، أبو سعد المدني قال في "التقريب" "ص236": "ثقة، تغير قبل موته بأربع سنين، مات في حدود "120" أخرج له الستة".
7 هو القرظي التابعي الجليل.(1/521)
فقال: إن في بعض الكتب: إن لله عبادا ألسنتهم أحلى من العسل وقلوبهم أمر من الصبر، الحديث فقال محمد بن كعب: هذا في كتاب الله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} الآية، فقال سعيد: قد عرفت فيمن أنزلت هذه الآية؟ فقال محمد بن كعب: إن الآية لتنزل في الرجل ثم تكون عامة بعد1.
ومن طريق سعيد بن أبي هلال2 عن محمد بن كعب القرظي عن نوف3 -وكان يقرأ الكتب- فذكر نحو صدر الحديث قال:
فقال محمد بن كعب: تدبرتها في القرآن فإذا هم المنافقون فوجدتها: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} الآية.
ومن طريق عبد الرحمن بن زيد بن أسلم4 قال:
نزلت في رجل كان يأتي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيقول: أي رسول الله أشهد أنك جئت بالحق والصدق من عند الله حتى يعجب النبي صلى الله عليه وسلم بقوله ثم يقول: وأيم5 الله يا رسول الله إن الله ليعلم أن الذي في قلبي على ما نطق6 به لساني. قال: وذلك قوله: {وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِه} .
__________
1 قال ابن كثير "1/ 246": "وهذا الذي قاله القرظي حسن صحيح".
2 "4/ 232" "3965" وفي النقل اختصار.
وسعيد هذا هو الليثي مولاهم قال ابن حجر في "التقريب" "ص242": "صدوق لم أر لابن حزم في تضعيفه سلفًا إلا أن الساجي حكى عن أحمد أنه اختلط، مات سنة "130" أخرج له الستة".
3 هو ابن فضالة البكالي قال في "التقريب" "ص567": "ابن امرأة كعب، شامي مستور، وإنما كذب ابن عباس ما رواه عن أهل الكتاب، مات بعد التسعين خ م".
4 "4/ 233" "3970" وفي النقل تصرف.
5 في الطبري: أما والله.
6 نصه: "ليعلم ما في قلبي مثل ما نطق".(1/522)
وساق الثعلبي قصة سرية الرجيع فقال وقال ابن عباس ومقاتل1: نزلت في سرية الرجيع وذلك أن كفار قريش بعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إنا أسلمنا فابعث إلينا نفرا من علماء أصحابك يعلموننا وكان ذلك مكرا منهم فبعث إليهم خبيب بن عدي ومرثد بن أبي مرثد وغيرهما، فذكر القصة مطولة، وقوله2 فيها: إن قريشا هم الذين بعثوا في ذلك: منكر مردود، والقصة في الصحيح "والمغازي" لموسى بن عقبة وابن إسحاق لغير قريش3 وذلك أشهر من أن يستدل عليه.
119- قوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ} .
قال الطبري4: اختلف في من عني به فقيل: هو الأخنس -وقائل ذلك جعل الضمير لمن قيل في حقه- {يُعْجِبُكَ قَوْلُه} 5. وقد تقدم بيان من قال إنه الأخنس وقيل6: عني بها كل فاسق ومنافق. وأورد ما يشعر بذلك عن علي7 وابن عباس8.
__________
1 لم أجد هذا في "تفسير مقاتل بن سليمان".
2 كُتب هنا فوقها بغير خط الناسخ: مبتدأ وهو توضيح حسن.
3 انظر "صحيح البخاري" كتاب "المغازي" باب غزوة الرجيع ورعل وذكوان وبئر معونة. "الفتح" "7/ 385-392". و"صحيح مسلم" كتاب "الإمارة" باب ثبوت الجنة للشهيد "3/ 1511" وفيه "جاء ناس..".
و"السيرة" لابن هشام "2/ 183-189" في حديث بئر معونة.
4 "4/ 345".
5 ما بين المعترضتين لم أجده في "تفسيره الطبري" فلعله من إضافة المؤلف.
6 "4/ 244" وهذا القول ذكره الطبري أولًا ثم ذكر الأول.
7 هذا السطر يبدأ في الأصل من قوله "أنه" ووضع الناسخ بجانبه في الهامش: ط! والسياق سليم.
8 انظر "3998" و"3999" والأول من رواية أبي رجاء العطاردي، والثاني من رواية ابن زيد.(1/523)
وقال الثعلبي في سياقه قصة الرجيع: جاء رجل من المشركين يقال له: سلامان أبو ميسرة ومعه رمح فوضعه بين ثديي خبيب بن عدي فقال له خبيب: اتق الله فما زاده ذلك إلا عتوا فأنفذه فنزلت.
قلت: وهذا أيضا منكر فإن الذي في الصحيح أن الذي قتل خبيبا هو أبو سروعة بن الحارث النوفلي1.
120- قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّه} .
1- قال الواحدي2: قال سعيد بن المسيب: أقبل صهيب مهاجرا نحو النبي صلى الله عليه وسلم فاتبعه نفر من قريش من المشركين فنزل عن راحلته ونثر ما في كنانته
__________
1 روى البخاري في كتاب "المغازي" باب غزوة الرجيع. عن عمرو -هو ابن دينار- أنه سمع جابرًا يقول: الذي قتل خبيبًا هو أبو سروعة.
وقال الحافظ في شرحه "7/ 385 ": "زاد سعيد بن منصور عن سفيان "واسمه: عقبة بن الحارث" ووقع الإسماعيلي من رواية ابن أبي عمر مدرجًا، وهذا خالف فيه سفيان جماعة من أهل السير والنسب فقالوا: أبو سروعة أخو عقبة بن الحارث حتى قال أبو أحمد العسكري: من زعم أنهما واحد فقد وهم، وذكر ابن إسحاق بإسناد صحيح عن عقبة بن الحارث قال: ما أنا قتلت خبيبًا لأني كنت أصغر من ذلك، ولكن أبا ميسرة العبدري أخذ الحربة فجعلها في يدي ثم أخذ بيدي وبالحرية ثم طعنه بها حتى قتله". ورواية ابن إسحاق هي في "السيرة" لابن هشام "2/ 173" في قصة الرجيع.
وذكر الحافظ أبا سروعة في "الإصابة" القسم الأول من حرف العين "2/ 488" وقال: "عقبة بن الحارث بن عامر.. القرشي النوفلي هو أبو سروعة في قول أهل الحديث، ويقال إن أبا سروعة أخوه، وهو قول أهل النسب وصوبه العسكري".
ومما يقف عنده أنه ذكره في الألقاب القسم الأول وقال "4/ 84": "أبو سروعة النوفلي هو عقبة بن عامر عند الأكثر" ولعل اسم أبيه سقط وإلا فهو ابن الحارث وعامر جده ثم قال: "واختلف في سينه: فبالفتح عند الأكثر، وقيل بالكسر والراء الساكنة" وقد شكل في طبعة "فتح الباري" بالكسر!
2 "ص58".(1/524)
وأخذ قوسه ثم قال: يا معشر قريش لقد علمتم أني من أرماكم رجلا وأيم الله لا تصلون إليَّ حتى أرمي بما في كنانتي ثم أضرب بسيفي ما بقي في يدي منه شيء ثم افعلوا ما شئتم، فقالوا: دلنا على بيتك ومالك بمكة ونخلي عنك وعاهدوه إن دلهم أن يدعوه ففعل. فلما قدم [على] 1 النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"ربح البيع أبا يحيى ربح البيع" فأنزل الله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّه} .
قلت: أخرجه ابن أبي خيثمة2 من طريق علي بن زيد3 عن سعيد بن المسيب مرسلا4.
وأخرج الطبري5 من "تفسير" سنيد بن داود من رواية ابن جريج عن عكرمة قال: أُنزلت في صهيب بن سنان وأبي ذر الغفاري جندب6 بن السكن أخذ أهل أبي ذر أبا ذر فانفلت منهم فقدم على النبي صلى الله عليه وسلم مهاجرا فعرضوا7 له وكانوا بمر
__________
1 سقطت من الأصل.
2 هو الحافظ الكبير المجود أبو بكر أحمد بن أبي خيثمة صاحب "التاريخ الكبير" الكثير الفائدة مات سنة "279هـ" انظر ترجمته في "السير" للذهبي "11/ 492-494" وعن الباقي من "تاريخه" انظر "القواعد المنهجية في التنقيب عن المفقود من الكتب والأجزاء التراثية" للدكتور حكمت بشير ياسين ص279".
3 هو المعروف بابن جدعان قال في "التقريب" "ص401": "ينسب أبوه إلى جد جده، ضعيف مات سنة "131".." أخرج عنه البخاري في "الأدب المفرد" ومسلم مقرونًا والأربعة.
4 عزاه السيوطي "1/ 575-576" إلى ابن سعد الحارث بن أبي أسامة في "مسنده" وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي نعيم في "الحلية" وابن عساكر.
5 "4/ 248" "4001" وزاد السيوطي نسبته "1/ 576" إلى الطبراني.
6 في "الدر واللباب": وجندب وهو خطأ، وفيهما أخطاء أخرى.
7 في الطبري والسيوطي: فلما رجع مهاجرًا عرضوا.(1/525)
الظهران فانفلت أيضا حتى قدم المدينة1، وأما صهيب فأخذه أهله فافتدى منهم بماله ثم خرج مهاجرا فأدركه قنفذ2 بن عمير بن جدعان فخرج له ما بقي من ماله فخلى سبيله.
ومن طريق أبي جعفر الرازي3 عن الربيع بن أنس قال: كان رجل من أهل مكة أسلم فأراد أن يهاجر فتبعوه4 وحبسوه، فذكر القصة بطولها بنحوه ولم يسم صهيبًا.
وأخرج الطبراني من طريق ابن جريج نحو رواية سنيد لكن لم يذكر فيه عكرمة5
ثم قال الواحدي6: و7 قال المفسرون: أخذ المشركون صهيبا فعذبوه فقال لهم صهيب: إني شيخ كبير لا يضركم أمنكم كنت أم من غيركم، فهل لكم أن تأخذوا مالي وتذروني وديني؟ ففعلوا ذلك، وكان قد شرط عليهم راحلة ونفقة فخرج إلى المدينة فتلقاه أبو بكر وعمر في رجال، فقال أبو بكر: ربح البيع8 أبا يحيى فقال
__________
1 فيه: بدل المدينة: "على النبي عليه السلام".
2 في الأصل: بدون تنقيط ووضع الناسخ عليه: ط وفي الهامش: *.
ولقتفذ ذكر في "الإصابة" "3/ 241" قال: "له صحبة قاله أبو عمر، وولاه عمر مكة ثم صرفه واستعمل نافع بن عبد الحارث" وهو مذكور في قصيدة أبي طالب:
وعثمان لم يرفع علينا وقنفذ ... ولكن أطاعا أمر تلك القبائل
انظر "السيرة" "1/ 276-282" وتحرف اسمه في "مجمع الزوائد" "6/ 318" إلى "فنفر".
3 "4/ 248" "4002" وفي النقل اختصار.
4 في الطبري: فمنعوه وهو الصواب.
5 ذكره الهيثمي في "مجمع الزوائد"، كتاب التفسير "6/ 318" وقال: "رواه الطبري ورجاله ثقات إلى ابن جريج" ولم يعين موضعه.
6 "ص58-59".
7 الواو في الواحدي.
8 في الأصل: العمل وهو خطأ وفي الواحدي: بيعك.(1/526)
صهيب: وبيعك فلا يخسر، وما ذاك؟
قال: أنزل الله تعالى فيك كذا وقرأ عليه الآية.
قلت: هو سياق مقاتل1 لكن في آخره أن الذي لقيه أبو بكر إلى آخر كلامه2.
2- قول3 آخر: نقل الثعلبي عن ابن عباس والضحاك: نزلت في الزبير والمقداد حين أنزلا خبيب بن عدي من خشبته التي صلب عليها وقال أكثر المفسرين: نزلت في صهيب.
3- قول ز آخر قال عبد الرزاق4. عن معمر عن قتادة قال: هم المهاجرون والأنصار وأخرجه عبد بن حميد من طريق شيبان5 عن قتادة أتم منه.
4- قول آخر قال الواحدي6: وقال الحسن: أتدرون فيمن نزلت هذه الآية؟ نزلت7 في أن المسلم لقي8 الكافر فقال9 له: قل لا إله إلا الله، فإذا قلتها
__________
1 انظر "1/ 103-104".
2 قلت: رد السيد عبد الرحيم أبو علبة هذا القول مستندًا إلى أن صهيبًا هاجر قبل النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر ولم تكن سورة البقرة قد نزلت انظر كتابه "أسباب نزول القرآن" "ص131 و221".
وقد رجعت إلى ترجمته في "الإصابة" وإذا فيه "2/ 195": "هاجر إلى المدينة مع علي بن أبي طالب في آخر من هاجر في تلك السنة، فقدما في نصف ربيع الأول" وهذا يرد قوله.
3 في "تفسيره" "ص24" وأخرجه عنه الطبري "4/ 247" "400".
4 وضع الناسخ عليه: صح.
5 في الأصل: سفيان وهو تحريف.
6 "ص59" والخبر مروي في الطبري "4/ 249-250" "4006" ورجاله ثقات انظر تعليق أحمد شاكر وعزاه السيوطي "1/ 578" إلى ابن المنذر أيضًا.
7 لم ترد في الواحدي.
8 في الأصل: إذا لقي و"إذا" هنا غريبة ولم ترد في الطبري والواحدي فحذفتها.
9 في الواحدي: يلقى، فيقول وليس بجيد.(1/527)
عصمت1 فأبى أن يقولها فقال المسلم: والله لأشرين نفسي لله فتقدم فقاتل حتى قتل.
5- قول آخر قال الواحدي2: وقيل نزلت في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر3.
قال الواحدي4: وقال أبو الخليل: سمع عمر [بن الخطاب] إنسانا يقرأ هذه الآية فقال عمر5: أنا لله قام رجل يأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر فقتل.
قلت: أسنده عبد بن حميد عن محمد بن بكر6 عن زياد أبي عمر7 سمعت أبا الخليل صالحا8 يقول:
سمع عمر رجالا فذكر مثله لكن قال: فاسترجع فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون وفي السند انقطاع9.
__________
1 في المصدرين: عصمت مالك ودمك وزاد الطبري: إلا بحقهما.
2 "ص59 ".
3 نصه: "فيمن أمر بالمعروف ونهى".
4 "ص59".
5 في الأصل: ذكر اسم أبيه هنا فقدمته ليوافق الواحدي، وهو الأنسب.
6 هو البُرساني، أبو عثمان البصري قال في "التقريب" "ص470 ": "صدوق قد يخطئ، مات سنة "204" أخرج له الستة".
7 هو ابن مسلم أو ابن أبي مسلم، أبو عمر الفراء البصري، الصفار، في "التقريب" "ص221": "صدوق فيه لين" وروى عنه أو داود في "المراسيل".
8 هو ابن أبي مريم الضبعي مولاهم، البصري، في "التقريب" "ص273": "وثقة ابن معين والنسائي، وأغرب ابن عبد البر فقال: لا يحتج به، من السادسة، أخرج له الستة" وانظر "التهذيب "4/ 402".
9 والخبر أخرجه الطبري "4/ 250" "4007" من طريق زياد.(1/528)
وأخرج الطبري من رواية أبي رجاء العطاردي عن علي نحوه1.
6- وقال الثعلبي: رأيت في بعض الكتب أنها نزلت في علي بن أبي طالب لما نام في فراش النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن هاجر يقيه بنفسه، وساق القصة مطولة ثم ساقها بسند له إلى الحكم بن ظهير2 -أحد الهلكى وممن رمي بالرفض- عن السدي قال: قال ابن عباس: نزلت في علي حين خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى الغار الحديث3.
121- قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّة} [الآية: 208] .
أخرج الواحدي4 من "تفسير عبد الغني الثقفي بسنده إلى عطاء عن ابن عباس قال: نزلت هذه الآية في عبد الله بن سلام وأصحابه، وذلك أنهم حين آمنوا بالنبي قاموا بشرائعه وشرائع موسى فعظموا السبت وكرهوا لحمان الإبل وألبانها، فأنكر ذلك عليهم المسلمون، فقالوا: إنا نقوم5 على هذا وعلى هذا، وقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: إن التوراة كتاب الله فدعنا فلنقم بها فأنزل الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّة} .
__________
1 روى الطبري "4/ 244" "3988" عن العطاردي قال: "سمعت عليًّا في هذه الآية.. قال: اقتتلا ورب الكعبة" ا. هـ باختصار وزاد السيوطي "1/ 578" نسبته إلى "وكيع وعبد بن حميد والبخاري في تاريخه وابن أبي حاتم والخطيب" وهذا -كما ترى- تفسير لا سبب نزول.
2 هو الفزاري وفي "التقريب" "ص175": متروك رمي بالرفض واتهمه ابن معين، مات قريبًا من سنة "180" أخرج له الترمذي.
3 لم اجد هذا عن السدي في الطبري وابن كثير والسيوطي.
4 "ص59".
5 في الواحدي: نقوى.
6 فيه: فلنعمل.(1/529)
قلت: تقدم أن عبد الغني واهٍ، وذكره مقاتل بن سليمان قال1: سبب نزولها أن عبد الله بن سلام ومن آمن معه من أهل التوراة استأذنوا النبي صلى الله عليه وسلم في قراءة التوراة في الصلاة فقال: "خذوا سنن محمد وشرائعه".
كذا أورده ابن ظفر والذي في "تفسير مقاتل": أن عبد الله بن سلام وسلام بن قيس وأسدا وأسيدا ابني كعب ويامين بن يامين وهم مؤمنو أهل التوراة وزاد في آخره: فإن قرآن محمد نسخ كل كتاب كان قبله.
وقد أخرجه الطبري2 من وجه آخر عن ابن عباس وإن كان فيه انقطاع فهو أمثل من هذا فأخرج من طريق سنيد واسمه حسين بن داود3 قال: حدثني حجاج -هو ابن محمد- عن ابن جريج قال: قال ابن عباس في قوله: {ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّة} قال: هم أهل الكتاب.
ومن طريق عبيد بن سليمان4، سمعت الضحاك يقول مثله وبه5 إلى ابن جريج عن عكرمة قوله: {ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّة} قال: نزلت في ثعلبة وعبد الله بن سلام وابن يامين وأسد وأسيد ابني كعب وسعية6 بن عمرو وقيس بن زيد وكلهم
__________
1 "1/ 104".
2 "4/ 256" "1017".
3 لا حاجة لهذا البيان فقد سوق في المقدمة وسيعيده المؤلف فيما يأتي!
4 "4/ 256" "4018".
وعبيد مر في "الفصل الجامع".
5 أي: بسند سنيد انظر "4/ 255-256" "4016" ونقله عنه السيوطي "1/ 579".
6 لم ينقط في الأصل، وتابعت ما في الطبري وفي هامشه يقول المحقق: "في المطبوعة: شعبة وفي "الدر المنثور": سعيد، والذي في أسماء يهود: سعية وسعنة، وأكثر هذه الأسماء من أسماء يهود يصعب تحقيقها ويطول، لكثرة الاختلاف فيها" قلت: ولم يذكره الحافظ في "الإصابة" وقد نظرت في سعية وشعبة، ولا ذكر لأحد بهذا الاسم "سعية بن عمرو" في "سيرة ابن هشام"، فالله أعلم.(1/530)
من يهود، قالوا يا رسول الله يوم السبت يوم كنا نعظمه1.
على ذلك2 واستظهر الطبري3 بحديث أبي هريرة المخرج أصله في
__________
1 هنا انقطاع في السياق فما بعده لا يتصل به، والظاهر أن كلامًا سقط من كلام المؤلف ولم ينتبه الناسخ، وقوله: "على ذلك واستظهر ... إلخ" يتعلق بالآية "213" والكلام هنا على الآية "208"، وهذا الساقط من زيادات ابن حجر فلم يتكلم الواحدي على ما بعد هذه الآية إلى "214" كما سيأتي، وكذلك السيوطي في "اللباب" لم يتكلم.
وتتمة الخبر المذكور بعد: "يوم كنا نعظمه":
"فدعنا فلنسبت فيه! وإن التورة كتاب الله، فدعنا فلنقم بها الليل! فنزلت {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَان} .
وقد وضعت نقاطًا للدلالة على هذا السقط.
2 هذا الكلام يتعلق بقوله تعالى: {فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} وهو مقطع من الآية "213" وأولها:" {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ} وقد قال الطبري في تفسير هذا المقطع "4/ 284": "يعني جل ثناؤه بقوله: {فَهَدَى اللَّهُ} فوفق الله الذين آمنوا -وهم أهل الإيمان بالله وبرسوله محمد صلى الله عليه وسلم- المصدقين به وبما جاء به أنه من عند الله، لما اختلف الذين أوتوا الكتاب فيه.
وكان اختلافهم الذي خذلهم الله فيه، وهدى له الذين آمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم فوفقهم لإصابته: "الجمعة" ضلوا عنها، وقد فرضت عليهم كالذي فرض علينا، فجعلوها "السبت" فقال صلى الله عليه وسلم: "نحن الآخرون السابقون، بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا، وأوتيناه من بعدهم، وهذا اليوم الذي اختلفوا فيه، فهدانا الله له، فلليهود غدا، وللنصارى بعد غد" حدثنا بذلك محمد بن حميد قال: حدثنا سلمة عن ابن إسحاق، عن عياض بن دينار الليثي قال: سمعت أبا هريرة يقول: أبو القاسم صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث ا. هـ.
ثم ساق الطبري حديث أبي هريرة الذي قال ابن حجر عنه أنه استظهر به وبهذا يتضح النص ويتصل. وقد يكون الساقط: هذا المقطع والإشارة إلى رأي الطبري هذا ليس غير.(1/531)
"الصحيحين"1 فساق من طريق معمر عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة في هذه الآية {فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ} قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نحن الآخرون الأولون يوم القيامة، نحن أول الناس دخولا الجنة بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا وأوتيناه من بعدهم فهدانا الله لما اختلفوا فيه [من الحق بإذنه] 2، فهذا اليوم الذي هدانا الله له، والناس لنا فيه تبع غدا لليهود، بعد غد للنصارى" 3.
وأخرجه ابن أبي حاتم من طريق عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه رفعه: "نحن الآخرون السابقون" فذكر فيه الهداية للجمعة وزاد فيه: واختلفوا في الصلاة فمنهم من يركع ولا يسجد، ومنهم من يسجد ولا يركع، ومنهم من يصلي وهو يتكلم، ومنهم من يصلي وهو يمشي.
123- قوله تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا} [الآية: 214] .
1-[قال الواحدي] 4: قال قتادة والسدي: نزلت هذه الآية في غزوة الخندق حين أصاب المسلمين ما أصابهم من الجهد والشدة والخوف والحر5 والبرد وضيق
__________
1 انظر "صحيح البخاري" كتاب "الجمعة" باب فرض الجمعة "الفتح" "2/ 354" عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة و"صحيح مسلم"كتب "الجمعة" باب هداية الأمة ليوم الجمعة "2/ 585-586" من عدة طرق عن أبي هريرة وطريق الأعمش برقم "20".
2 استدركتها من الطبري.
3 في الأصل: وللنصارى بعد غد فحولتها موافقة لنص الطبري المنقول عنه و"لصحيح مسلم".
4 زيادة لا بد منها انظر "الأسباب" "ص60".
5 ذكر الحر هنا غريب! فإن الروايات تشير إلى البرد آنذاك انظر "الفتح" باب غزوة الخندق "7/ 392 و407" ونص "تفسير عبد الرزاق": "أصاب النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يوميذ بلاء وحصر" فالحر محرف عن "الحصر" والله أعلم.(1/532)
العيش وأنواع الأذى فكان كما قال الله تعالى: {وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِر} 1.
قلت: أخرجه عبد الرزاق2 عن معمر عن قتادة. [وأخرج الطبري] 3 من طريق أسباط عن السدي قال:
أصابهم هذا يوم الأحزاب حين قال4 قائلهم: {مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا} 5.
2- قال الواحدي6: وقال عطاء: لما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم [وأصحابه] 7 المدينة اشتد الضرر عليهم فإنهم خرجوا بلا مال وتركوا ديارهم وأموالهم بأيدي المشركين وآثروا رضى الله ورسوله وأظهرت لهم اليهود العداوة8 وأسر قوم من الأغنياء النفاق فأنزل الله تعالى تطييبا لقلوبهم {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّة} الآية.
124- قوله تعالى: {يَسْأَلونَكَ مَاذَا يُنْفِقُون} [الآية: 215] 9.
1- قال مقاتل10: نزل الأمر بالصدقة قبل أن ينزل لمن الصدقة فسأل عمرو
__________
1 سورة الأحزاب: "10".
2 في "تفسيره" "ص25" ومن طريقه الطبري "4/ 289" "4065" وفي اللفظ اختلاف.
3 سقط هذا من الأصل، وهو لا بد منه كما هو واضح. انظر الطبري "4/ 289" "4064".
4 في الأصل: حتى يقول! وأثبت ما في الطبري.
5 سورة الأحزاب: "12" وقد رد دروزة هذا القول لبعده عن ظروف نزول هذه الآية وترتيبها ولا سيما أن وقعة الخندق قد وردت في سورة الأحزاب وقال عن القول الثاني إنه مناسب لظروف نزول الآية أكثر انظر "التفسير الحديث" "7/ 325".
6 "ص60".
7 سقطت من الأصل.
8 العبارة في الواحدي: وأظهرت اليهود العداوة لرسول الله.
9 من هنا آخر الكتاب عدل الحافظ عن البدء بكلام الواحدي، واستقل بالتأليف.
10 "1/ 107" والنقل بالمعنى.(1/533)
بن الجموح1 فنزلت.
وقال الثعلبي: نزلت في عمرو بن الجموح كان شيخا كبيرا فقال:
يا رسول الله بماذا نتصدق وعلى من ننفق فنزلت.
كذا ذكره بغير إسناد وعزاه الواحدي2 لرواية الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس3، وذكره ابن عسكر4 في "ذيل الأعلام"5 بلفظ6: نزلت في عمرو بن الجموح سأل عن مواضع النفقة فنزلت {يَسْأَلونَكَ مَاذَا يُنْفِقُون} ثم سأل بعد ذلك
__________
1 في تفسير مقاتل": "-قتل يوم أحد-" وفي هذا إشارة إلى تاريخ نزول الآية.
2 "ص60".
3 ولم يذكر المؤلف شيئًا من ذلك في ترجمته في كتابه "الإصابة" "2/ 529".
4 هو القاضي العلامة ذو الفنون أبو عبد الله محمد بن علي بن خضر الغساني، المالقي، المالكي، توفي سنة "636" انظر ترجمته في "السير" للذهبي "23/ 65-66" و"بغية الوعاة" للسيوطي "1/ 179-180".
5 سماه الذهبي في "السير": الإتمام على كتاب "التعريب والأعلام" للسهيلي، وابن حجر في "الفتح" "8/ 632": الذيل كما هنا والسيوطي في البغية: صلة الأعلام، وفي "مفحمات الأقران" "ص7": "التكميل والإتمام"، وبهذا الاسم ذكره الحاج خليفة في "كشف الظنون" "1/ 421-422" ومنه نسخ في الظاهرية بدمشق ومكتبة عارف حكمت بالمدينة المنورة وغيرهما انظر "الفهرس الشامل للتراث العربي الإسلامي المخطوط" "1/ 245".
6 نقله عنه السيوطي في كتابه "مفحمات الأقران في مبهمات القرآن" "ص20" دون الجملة الأخيرة وتصحف فيه اسم عسكر إلى عساكر، في هذه الصفحة وفي كل الصفحات الأخرى التي ذكره فيها وهي كثيرة، وربما صحف في الصفحة مرتين، وفي طبعة هذ الكتاب بلا يا! وكذلك صحف إلى "عساكر" في "الإتقان" "2/ 145" و"ابن حجر" للدكتور شاكر محمود "1/ 284" و"ابن حجر ومنهجه في فتح الباري" للدكتور عبد الحميد عبطان "ص55" وقد ذكرا تاريخ وفاته وهو "571"، وهذا تاريخ وفاة ابن عساكر المحدث المؤرخ صاحب "تاريخ دمشق"، وكذلك تصحف في مقدمة "تغليق التعليق" للدكتور القزقي "1/ 184".(1/534)
كم النفقة؟ فنزلت الآية الأخرى {قُلِ الْعَفْو} 1. ونسبه إلى ابن فطيس2.
2- قول آخر أخرج عبد الغني بن سعيد الثقفي بسنده الواهي عن عطاء عن ابن عباس3: نزلت في رجل أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن لي دينارا، فقال: "أنفقه على نفسك"، قال: إن لي دينارين، قال: "أنفقهما على أهلك"، قال: فإن لي ثلاثة، قال: "أنفقها على خادمك"، قال: فإن لي أربعة، قال: "أنفقها على والدتك"، قال: فإن لي خمسة، قال: "أنفقها على قرابتك"، قال: فإن لي ستة، قال: "أنفقها في سبيل الله هو أحسنها". وهذا سياق منكر والمعروف في هذا المتن غير هذا السياق، وهو ما أخرجه4 أحمد وأبو داود5 والنسائي6 وصححه ابن حبان7 والحاكم8 عن أبي هريرة أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله معي دينار، قال: "أنفقه على نفسك"، قال: يا رسول الله عندي آخر، قال: "أنفقه على ولدك"، قال: عندي آخر، قال: "أنفقه على زوجتك"، قال: عندي آخر، قال: "تصدق به على خادمك"، قال: عندي آخر، قال: "أنت
__________
1 البقرة "219".
2 ابن فطيس هو الإمام العلامة الوزير القاضي أبو المطرف: عبد الرحمن بن محمد بن عيسى بن فطيس القرطبي المالكي ولد سنة "347" وتوفي سنة "402" ومن مؤلفاته: "القصص" ثلاث مجلدات، و"أسباب النزول" في مائة جزء، وغير ذلك انظر ترجمته في "سير أعلام النبلاء" "17/ 210-212" و"تذكرة الحافظ" "3/ 1060" للذهبي و"طبقات المفسرين" للداودي "1/ 385-387" وغيرهما مما هو في هامش السير، وقد تصحف فطيس في "مفحمات الأقران" "ص107" إلى نطيس!
3 ذكره الواحدي من رواية عطاء عن دون سند "60".
4 انظر "المسند" "2/ 251 و471".
5 انظر "السنن" "كتب الزكاة باب في صلة الرحمن "2/ 132" "1691".
6 انظر "السنن" كتاب الزكاة باب تفسير ذلك "أي: الصدقة عن ظهر غنى" "5/ 62"، وفي عشرة النساء، في "الكبرى" كما مر في "التحفة" "9/ 493-494".
7 انظر "الإحسان" "كتاب الزكاة باب صدقة التطوع "8/ 126-127".
8 "المستدرك" "1/ 415" وصححه على شرط مسلم ووافقه الذهبي.(1/535)
أبصر"، ووقع عند أبي داود بلفظ: "تصدق". وعند غيره بلفظ: "أنفق"، وقدم أبو داود الولد، على الزوجة والنسائي الزوجة على الولد1، وهكذا ذكره الثعلبي عن أبي هريرة لكن زاد بعد الولد الوالدين ثم القرابة، والباقي سواء إلا أنه لم يذكر الخادم وليس عندهم أن هذه الآية نزلت في ذلك، وقال قتادة في سبب نزولها: أهمتهم النفقة فسألوا نبي الله صلى الله عليه وسلم فنزلت {مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْر} 2. وأخرج الطبري3 نحوه عن مجاهد.
125- قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ} [الآية: 216] .
هي نحو قوله تعالى في سورة النساء: {فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَة} الآية4.
وكأن هذه سابقة على آية البقرة فإن فيها نوع تسلية وترغيب في امتثال الأمر بالقتال5.
__________
1 وزاد الشيخ شعيب الأرنئوط في تعليقه على "الإحسان" عزاه إلى الشافعي "2/ 63-64" والطبري "4/ 340" "4170" والبيهقي في "الكبرى" "7/ 466" والبغوي -في "شرح السنة"- "1685" و"1686".
قلت: وقد نقله ابن كثير "1/ 256" في تفسير الآية "219" عن الطبري ثم قال: "وقد رواه مسلم في صحيحه".
قال أحمد شاكر: "وقد وهم رحمه الله، فإن الحديث ليس في صحيح مسلم، على اليقين، بعد طول التتبع مني ومن أخي السيد محمود".
قلت: انظر لزامًا هامش "شرح السنة" للبغوي "6/ 193".
2 عزاه السيوطي "1/ 585" إلى عبد بن حميد وابن المنذر.
3 "4/ 294" "4069" من تفسير سنيد.
4 الآية "77".
5 لا أرى ذلك ونص الآية يشير إلى عتاب على التثاقل عن الجهاد فتأمل: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا} .(1/536)
وأخرج الطبري1 من طريق أسباط عن السدي قال: كره المسلمون القتال فقال الله تعالى: عسى أن تكرهوا القتال وهو خير لكم يقول: إن في القتال الغنيمة والظهور والريادة2 أي: اجتماعا وافتراقا، وفي تركه يفوت ذلك3.
126- قوله تعالى: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيه} [الآية: 217] .
أخرج الطبراني في "المعجم الكبير"4 من طريق سليمان التيمي عن الحضرمي -هو ابن لاحق وهو اسم بلفظ النسب ثقة5- عن أبي السوار العدوي -هو حسان
__________
1 "4/ 298" "4078" وفي النقل تصرف وحذف.
2 كذا في الأصل وفي الطبري: الشهادة!
3 والنص في الطبري: "أن لكم في القتال الغنيمة والظهور والشهادة، ولكم في العقود أن لا تظهروا على المشركين ولا تستشهدوا، ولا تصيبوا شيئًا".
4 انظر "2/ 162" "1668" و"مجمع الزوائد" كتاب المغازي والسير باب سرية عبد الله بن جحش "6/ 198" وقال: "رواه الطبراني ورجاله ثقات" رواه الطبري في "التاريخ" "2/ 45" من طريق سليمان عن أبيه عن رجل عن أبي السوار، وأبو يعلى في "مسنده" "3/ 102" وقال محققه: "إسناده حسن".
5 ليس في "المعجم الكبير" اسم أبي "حضرمي" فهو من إضافة الحافظ، والظاهر أنه نظر في "تهذيب الكمال" للمزي وكتب هذا، وقد قال المزي: "ذكره ابن حبان في الثقات".
ولكن الحافظ في "تهذيب التهذيب" رجع إلى "الثقات"، وأضاف تتمة كلام ابن حبان، فظهر أن في نقل المزي بترًا.
قال الحافظ: "قلت وفرق [ابن حبان] بين الحضرمي بن لاحق، وحضرمي الذي يروي عنه سليمان التيمي فقال في الثاني: لا أدري من هو ولا ابن من هو انتهى كلامه". ثم أضاف قائلًا: "وكذلك قال ابن المديني: حضرمي شيخ بالبصرة روى عنه التيمي: مجهول، وكان قاصًا وليس هو بالحضرمي ابن لاحق".
ثم ختم الترجمة بقوله: "قلت: والذي يظهر لي أنهما اثنان" وهذا مخالف لرأيه هنا، ولكشف الصورة أقول:
اختلف العلماء في حضرمي الذي يروي عنه التيمي أهو ابن لاحق أم غيره؟ فذهب أبو حاتم إلى =(1/537)
بن حريث على الراجح ثقة أيضا1- عن جندب بن عبد الله2 عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه بعث رهطا وبعث عليهم أبا عبيدة ابن الجراح فلما3 ذهب لينطلق بكى صبابة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس، وبعث عبد الله بن جحش مكانه، وكتب له كتابا وأمره أن لا يقرأ الكتاب حتى يبلغ مكان كذا وكذا، وقال: "لا تكرهن أحدا من أصحابك على المسير معك"، فلما قرأ الكتاب استرجع ثم قال: سمعا4 وطاعة لله ورسوله فخبرهم الخبر وقرأ عليهم الكتاب فرجع رجلان ومضى بقيتهم فلقوا ابن الحضرمي فقتلوه، ولم يدروا أن ذلك اليوم من رجب أو جمادى فقال المشركون للمسلمين: قتلتم في الشهر الحرام! فأنزل الله تعالى: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَام} الآية فقال بعضهم: إن لم يكونوا أصابوا وزرا فليس لهم أجر فأنزل الله عز وجل {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ}
__________
= أنهما واحد، ويبدو من صنيع المزي أنه تابعه، وفرق بينهما يحيى بن معين وعلي بن المديني والبخاري وابن حبان والذهبي في "الميزان" وابن حجر في "التهذيب".
وكان رأي يحيى وابن عدي فيه: ليس به بأس.
ورأي ابن المديني وابن حبان ما علمت.
وأما ابن لاحق فلم أقف على من وثقه إلا ذكر ابن حبان له في "الثقات".
هذا وقد قال الحافظ في "التقريب" "ص171": "حضرمي بن لاحق التميمي، اليمامي القاص -بتشديد المهملة: لا بأس به، من السادسة، وفرق ابن المديني بين الحضرمي شيخ سليمان التيمي، وبين ابن لاحق".
وهذا رأيه الاخير.
انظر "التاريخ الكبير" "3/ 125" "الجرح والتعديل" "3/ 202" و"تهذيب الكمال" "6/ 552" "ميزان الاعتدال" "1/ 555" و"تهذيب التهذيب" "2/ 394" هامش "الفتح السماوي" "1/ 253-254".
1 انظر "التقريب" "ص158"، وباب الكنى "ص646".
2 هو البجلي انظر ترجمته في "الإصابة" "1/ 248-249".
3 في الأصل: فأينا! وأثبت ما في المعجم الكبير والمجمع".
4 في "المجمع": سمع.(1/538)
الآية1.
وهذا سنده حسن وقد علق البخاري طرفا منه في كتاب العلم من "صحيحه"2.
وأخرجه الطبري من هذا الوجه3، وهذه القصة ذكرها محمد بن إسحاق في كتاب "المغازي"4: قال حدثني الزهري ويزيد بن رومان عن عروة بن الزبير قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن جحش مقفلة من بدر الأولى وبعث معه ثمانية رهط من المهاجرين ليس فيهم من الأنصار أحد، وكتب له كتابا وأمره أن لا ينظر فيه حتى
__________
1 البقرة: "218".
2 وذلك في باب ما يذكر في المناولة، وكتاب أهل بالعلم إلى البلدان "الفتح" "1/ 153-154" ونصه: "واحتج بعض أهل الحجاز في المناولة بحديث النبي صلى الله عليه وسلم حيث كتب لأمير السرية كتابًا وقال: "لا تقرأه تبلغ مكان كذا وكذا"، فلما بلغ ذلك المكان قرأه على الناس وأخبرهم بأمر النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال الحافظ في شرحه "1/ 155": "الحديث الذي أشار إليه لم يورده موصولًا في هذا الكتاب، وهو صحيح، وقد وجدته من طريقين: أحدهما مرسلة ذكرها ابن إسحاق في "المغازي" عن يزيد بن رومان، وأبو اليمان في نسخته عن شعيب عن الزهري كلاهما عن عروة بن الزبير. والأخرى موصولة أخرجها الطبراني من حديث جندب البجلي بإسناد حسن. ثم وجدت له شاهدًا من حديث ابن عباس عند الطبري في التفسير، فمجموع هذه الطرق يكون صحيحًا".
قلت: والمروي عن ابن عباس في الطبري من طريق العوفي "4/ 308" "4087".
وقال الهيثمي في "المجمع" "1/ 198-199": "وعن ابن عباس في قوله عز وجل: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ} "قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن فلان في سرية فلقوا عمرو بن الحضرمي ببطن نخلة. قال -وذكر الحديث بطوله- رواه البزار وفيه أبو سعيد وهو ضعيف.
3 "4/ 306" "4084".
وزاد السيوطي "1/ 600" نسبته إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في "سننه" [9/ 11-12] وقال: بسند صحيح عن جندب.
4 انظر "السيرة" لابن هشام "1/ 601-605"، وقد روى الخبر عن ابن إسحاق الطبري في "التفسير" "4/ 302" "4082" وفي "التاريخ" "2/ 410-413"، والواحدي في "الأسباب" "ص61" وفي نقل الحافظ تصرف يسير واختصار من آخره.(1/539)
يسير يومين ثم ينظر فيه فيمضي لما أمره به ولا يستكره من أصحابه أحدا - وذكر أسماءهم فالأمير عبد الله بن جحش وعكاشة بن محصن وعتبة بن غزوان وسعد بن أبي وقاص وعامر بن ربيعة وواقد بن عبد الله وخالد بن البكير وسهيل بن بيضاء- قال: فلما سار عبد الله بن جحش يومين فتح الكتاب فنظر فيه فإذا فيه: إذا نظرت [في] 1 كتابي فسر2 حتى تنزل نخلة بين مكة والطائف فترصد بها قريشا وتعلم لنا من أخبارهم فلما نظر عبد الله بن جحش في الكتاب قال: سمع3 وطاعة ثم قال لأصحابه: قد أمرني4 رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أمضي إلى نخلة -إلى آخره- فمن كان منكم يريد الشهادة ويرغب [فيها] 5 فلينطلق ومن كره ذلك فليرجع فأما أنا فإني6 ماضٍ لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم. فمضى ومضى أصحابه معه فلم يتخلف عنه أحد وسلك على الحجاز حتى إذا كان بمعدن فوق الفرع7 يقال له بحران أضل سعد وعتبة بعيرًا لهما كان يعتقبان عليه8 فتخلفا في طلبه ومضى عبد الله ومن معه حتى نزل بنخلة فمرت به عير لقريش تحمل زبيبا وأدما وتجارة من تجارة قريش فيها عمرو بن
__________
1 من السيرة والتاريخ.
2 في السيرة: فامض وعند الطبري في كتابيه: فسر، وترجح عندي أن ابن حجر نقل من "تفسير الطبري".
3 في السيرة والتفسير: سمعًا، وفي التاريخ: سمع.
4 في الأصل: أمر وأثبت ما في الثلاثة.
5 في المصادر الثلاثة السيرة والتفسير والتاريخ.
6 لم يذكر في المصادر.
7 قال ياقوت في "معجم البلدان" في مادة الفرع "4/ 252": "بضم أوله وسكون ثانية وآخره عين مهملة ... قال ابن الفقيه: فأما إعراض المدينة فأضخمها الفرع وبه منزل الوالي وبه مسجد صلى به النبي صلى الله عليه وسلم وقال السهيلي: هو بضمتين".
قلت: ولم أجد هذا في "الروض الأنف".
8 في المصادر الثلاثة: يتعقبانه".(1/540)
الحضرمي وعثمان بن عبد الله بن المغيرة المخزومي وأخوه نوفل بن عبد الله والحكم بن كيسان مولاهم فلما رآهم القوم خافوهم وقد نزلوا قريبا منهم فأشرف لهم عكاشة بن محصن وكان قد حلق رأسه فلما رأوه آمنوا وقالوا1: قوم2 عمار فلا بأس علينا3 منهم، وتشاور القوم وذلك آخر يوم من جمادى4 فقال القوم: والله إن تركتم القوم هذه الليلة ليدخلن الحرم فليمتنعن به منكم ولئن قتلتموهم لتقتلنهم في الشهر الحرام! فتردد القوم فهابوا الإقدام عليهم ثم تشجعوا5 عليهم وأجمعوا على قتل من قدروا عليه منهم وأخذ ما معهم فرمى واقد بن عبد الله عمرو بن الحضرمي [بسهم] 6 فقتله واستأسر عثمان والحكم وأفلت نوفل فأعجزهم وقدم عبد الله بن جحش وأصحابه بالغنيمة7 والأسيرين على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة، قال ابن إسحاق: وقد ذكر بعض آل عبد الله بن جحش: أن عبد الله قال لأصحابه: إن لرسول الله صلى الله عليه وسلم مما غنمتم الخمس، وذلك قبل أن يفرض الخمس من الغنائم فعزل خمس الغنيمة8 وقسم سائرها بين أصحابه، فلما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما أمرتكم بقتال في الشهر الحرام! " فوقف العير والأسيرين وأبى أن يأخذ من ذلك شيئا فسقط في أيدي القوم وظنوا أنهم قد هلكوا وعنفهم المسلمون فيما صنعوا وقالوا لهم: صنعتم ما لم تؤمروا به! وقالت قريش: قد استحل محمد وأصحابه الشهر الحرام، فسفكوا فيه
__________
1 في الأصل: قال وأثبت ما في الثلاثة.
2 لم ترد في الثلاثة.
3 في ابن هشام والتاريخ: عليكم وأثبت ابن حجر ما في التفسير.
4 هكذا هنا وفي التفسير، ولكن في ابن هشام والتاريخ: من رجب.
5 في السيرة شجعوا أنفسهم: شجعوا وفي التاريخ مثل ما هنا.
6 من المصادر.
7 في المصادر: بالعير.
8 وكذا في التاريخ: وفي السيرة والتفسير: العير.(1/541)
الدم الحرام1 وأخذوا فيه الأموال وأسروا2 فقال من بمكة من المسلمين: إنما أصابوا ما أصابوا في جمادى2 وقالت اليهود تتفاءل على المسلمين: عمرو بن الحضرمي قتله واقد بن عبد الله، عمرو عمرت الحرب، والحضرمي حضرت الحرب، وواقد بن عبد الله وقدت الحرب! فجعل الله ذلك عليه وبهم، فلما أكثر الناس في ذلك أنزل الله على رسوله {يَسْأَلونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ} إلى آخر الآيات فلما نزل القرآن بهذا فرج الله عن المسلمين ما كانوا فيه وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم الخمس. ورواه شعيب4 عن الزهري مختصرا ومن طريقه أخرجه الواحدي5: وفيه: وكان ابن الحضرمي أول قتيل قتل من المشركين بيد المسلمين6 فركب وفد من كفار قريش حتى قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: أتحل القتال في الشهر الحرام؟ فأنزل الله تعالى: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَال} الآية.
وأخرجه عبد الرزاق7 عن معمر عن الزهري، وعن عثمان الجزري عن8 مقسم [مولى ابن عباس] 9 نحو رواية شعيب باختصار، ولم يذكر عروة وزاد الزهري: وكان فيما بلغنا يحرم القتال في الشهر الحرام ثم أحل له بعد.
__________
1 لم ترد في المصادر.
2 وكذلك النص في التفسير، وزاد في السيرة والتاريخ: "فيه الرجال".
3 وكذا في التفسير، وفي السيرة والتاريخ: شعبان.
4 هو ابن أبي حمزة.
5 انظر "ص61".
6 العبارة في الواحدي: "بين المسلمين والمشركين".
7 في تفسيره "ص27" وعنه الطبري "4/ 308" "4086".
8 من "تفسير عبد الرزاق".
9 هذا مرسل مروي عن اثنين من التابعين هما: الزهري ومقسم، فرواه معمر عن الزهري ورواه عن عثمان الجزري عن مقسم وقد زاد أحمد شاكر واوًا قبل "عن" هذه وهي هنا لا تصح!(1/542)
وأخرج عبد بن حميد من طريق الحكم بن أبان عن عكرمة، فذكر القصة مختصرة وعنده أن1 رجلا من المشركين آذى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقتله رجل1 من المسلمين فأنكروا عليه من كان معه وفي آخره فقال المسلمون لأهل1 السرية: قد عوفيتم من الإثم فليس لكم أجر فأنزل الله {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا} الآية.
ومن طريق حميد2 بن عبد الرحمن عن أبي مالك في هذه القصة: والمسلمون يرون أنه آخر يوم من جمادى الآخرة وهو أول يوم من رجب وفيه: فقال المشركون تزعمون أنكم تحلون الحلال وتحرمون الحرام، وقد قتلتم في الشهر الحرام؟
وعند الفريابي3 من طريق مجاهد في هذه الآية: نزلت في رجل من بني سهم كان في سرية فمر بابن الحضرمي وهو يحمل خمرا من الطائف إلى مكة وكان بين قريش والمسلمين عهد4 وفي الشهر الحرام فنزلت، تقول: الكفر والصد عن سبيل الله وما ذكره كل ذلك أكبر من قتل ابن الحضرمي.
وأخرج الطبري5 من طريق أسباط عن السدي هذه القصة بطولها نحو سياق ابن إسحاق وقال في أسمائهم: أبو حذيفة بن عتبة وعامر بن فهيرة بدل عكاشة وخالد، وقال فيه: وأمره أن لا يقرأه حتى ينزل بطن مَلَل -وهو بفتح "الميم"6 واللام بعدها لام أخرى7- وقال عبد الله بن المغيرة والمغيرة بن عثمان بدل عثمان بن عبد الله بن المغيرة ونوفل أخيه، وقال فيه: وانفلت المغيرة، وقال: فكانت أول غنيمة غنمها
__________
1 هنا بياض في التصوير بمقدار كلمة، والظاهر أن الذاهب ما أثبت.
2 كذا هنا والحديث أخرجه أيضًا الطبري "4/ 309" "4089" عن حصين.
3 والطبري أيضًا "4/ 307" "4085"، وكان الحافظ تصرف في النقل.
4 لفظ الطبري: ومحمد عقد.
5 "4/ 305" "4083" وكذلك في "التاريخ" "2/ 413".
6 يوجد في الأصل هنا إشارة لحق، ولكنه لم يصور ولا بد أنه "الميم".
7 هذا من إضافة المؤلف.(1/543)
الصحابة، وقال فيه: فطلبوا أن يفادوا بالأسيرين فقال1 النبي صلى الله عليه وسلم:
"حتى ننظر ما فعل سعد ورفيقه" 2، وقال فيه: فقالوا يزعم محمد أنه يتبع طاعة الله وهو أول من استحل الشهر الحرام.
وذكر ابن ظفر: أنه وقع في رواية قتادة: عبد الله بن واقد كذا قال، والمحفوظ: واقد بن عبد الله كما تقدم ونقل حديث جندب من كتاب "الأحكام" لإسماعيل القاضي فقال بدل أبي عبيدة بن الجراح: عبيدة بن الحارث بن المطلب3.
127- قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّه} [الآية 218] .
تقدم في قوله تعالى: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيه} 4.
ونقل ابن ظفر عن الزهري قال:
لما فرج الله عن أهل تلك السرية ما كانوا فيه من الغم؛ لقتالهم في الشهر الحرام طمعوا في الثواب. فقالوا: يا نبي الله أنطمع أن تكون هذه غزوة نعطى فيها أجر المجاهدين؟ فنزلت هذه الآية5.
__________
1 زدت الفاء من الطبري.
2 العبارة في الطبري: ما فعل صاحبانا.
3 وقد ذكر الواحدي خبر السرية مطولًا من دون سند سوى أنه قال: "قال المفسرون".
انظر "ص62-64" وطواه المؤلف.
4 وهي الآية السابقة.
5 انظر "الدر المنثور" "1/ 603-604" رواية يزيد بن رومان عن عروة وقرون ابن إسحاق به الزهري انظر "تفسير الطبري" "4/ 302" "4082" و"السيرة" لابن هشام "1/ 605" و"أسباب النزول" للواحدي "ص62" هذا وقد علق الناسخ في الهامش هنا "قد تقدم في القولة السابقة ما يتعلق بسبب نزول هذه الآية أيضًا".(1/544)
128- قوله تعالى: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِر} [الآية: 219] .
أسند الإمام أحمد1 عن أبي هريرة قال: حرمت الخمر ثلاث مرات قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وهم يشربون الخمر ويأكلون الميسر، فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فأنزل الله تعالى: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} الآية. فقال الناس: لم تحرم علينا إنما قال: {فِيهِمَا إِثْم} فكانوا يشربون الخمر حتى كان يوم من الأيام صلى رجل المغرب فخلط في قراءته فأنزل الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} 2 الآية، فكانوا يشربونها حتى يأتي أحدهم الصلاة وهو مفيق فنزلت {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَان} 3 الآية، فقالوا انتهينا يا رب، وفي رجاله أبو المعشر المدني وهو ضعيف4. وله شاهد من حديث ابن عمر5 وستأتي بقية طرقه في تفسير سورة النساء6 وتفسير سورة المائدة إن شاء الله تعالى.
وقال مقاتل في "تفسيره"7: نزلت في عبد الرحمن بن عوف وعلي بن أبي طالب وعمر بن الخطاب ونفر من الأنصار8 أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: أفتنا في الخمر والميسر فإنهما مذهبة للعقل مسلبة للمال، فأنزل الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ} الآية.
__________
1 انظر "المسند" "2/ 351" وفي النقل تصرف واختصار.
2 سورة النساء الآية "43".
3 سورة المائدة "90".
4 مر ذكره في الآية "204" انظر "مرويات الإمام أحمد في التفسير" "1/ 174".
5 انظره في "تفسير الطبري" "4/ 231" "4143" ولاحظ تعليق أحمد شاكر.
6 أي: في الآية "43".
7 "1/ 111-112".
8 ما بعد هذا لم أجده في "تفسير مقاتل"!(1/545)
وقال الثعلبي: نزلت في عمر بن الخطاب ومعاذ بن جبل ونفر من الأنصار قالوا: يا رسول الله أفتنا في الخمر والميسر1.
129- قوله ز2 تعالى: {وَيَسْأَلونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْو} .
تقدم3 وقال الثعلبي: حثهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصدقة ورغبهم فيها فقالوا: ماذا ننفق؟.
وأخرج ابن أبي حاتم بسند صحيح إلى يحيى بن أبي كثير أنه بلغه أن معاذ بن جبل وثعلبة أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالا: يا رسول الله إن لنا أرقاء وأهلين فما ننفق من أموالنا فأنزل الله الآية.
ومن طريق ابن أبي ليلى عن الحكم بن مقسم عن ابن عباس قال: ما يفضل عن أهلك4.
وقال مقاتل بن سليمان5: أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالصدقة -قبل أن تنزلت الصدقات في براءة6- فقال عمرو بن الجموح7: كم ننفق وعلى من ننفق فقال: قال تعالى:
__________
1 وأورد هذا الواحدي في الأسباب "ص64-65" وتتمة الخبر عنده كما في الخبر الذي أورده مقاتل.
2 لا يوجد "ز" في الأصل، وكل "زاي" من هنا إلى آخر الكتاب فمن زيادتي.
3 أي: في الآية "215".
4 أخرجه الطبري أيضًا "4/ 337" "4153".
وعزاه السيوطي كذلك "1/ 607" إلى وكيع وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر والنحاس في "ناسخه" والطبراني والبيهقي في "شعب الإيمان".
5 "1/ 107-108" في تفسير الآية "215" وفي النقل تصرف وتبديل وحذف.
6 هذه الجملة من زيادة المؤلف.
7 في "الفتح السماوي" "1/ 257": "قيل: سائله عمرو بن الجموع: لم يرد"!(1/546)
{قُلِ الْعَفْو} يقول فضل قوتك فإن كان الرجل من أهل الذهب والفضة أمسك الثلث وتصدق بسائره وإن كان من أهل الزرع والنخل أمسك بما يكفيه في سنته وتصدق بسائره وإن كان ممن يعمل بيده أمسك ما يكفيه في يومه وتصدق بسائره فما زالوا على ذلك حتى نزلت آية الصدقات في براءة.
130- قوله تعالى: {وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ} [الآية: 220] .
أخرج أحمد1 والنسائي2 وعبد بن حميد والحاكم3 من طرق عن عطاء بن السائب4 عن سعيد بن جبير عن ابن عباس: لما نزلت {وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَن} عزلوا أموال اليتامى حتى جعل الطعام يفسد واللحم ينتن فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فنزلت.
لفظ5 إسرائيل عند أحمد، ولفظ النسائي من رواية أبي كدينة نحوه وزاد: ونزلت {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا} 6 اجتنب الناس مال اليتيم وطعامه
__________
1 انظر "المسند" "1/ 325" من طريق إسرائيل: و"مرويات الإمام أحمد في التفسير" "1/ 177".
2 انظر "السنن"، كتاب الوصايا، باب ما للوصي من مال اليتيم إذا قام عليه "6/ 256" "3670" من طريق عمران بن عيينة ومن طريق أبي كدينة.
3 انظر "المستدرك" كتاب التفسير "2/ 278-279" من طريق إسرائيل و"2/ 303 و318" من طريق جرير وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.
4 وكذلك أبو داود انظر "السنن" كتاب الوصايا باب مخالطة اليتيم في الطعام "3/ 114" "2871".
من طريق جرير وقد عزاه ابن كثير "1/ 256" للمذكورين دون عبد، وأضاف ابن أبي حاتم وابن مردويه. قلت: وأخرجه كذلك الواحدي في "الأسباب" "ص56" من طريق جرير.
5 في الأصل: "ولفظ" فحذفت "الواو" لأن هذا اللفظ لفظ إسرائيل.
6 أي: ذكر آيتين.(1/547)
فشق ذلك على الناس1 فشكوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ذلك فأنزل الله تعالى: {وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْر} إلى قوله: {حَكِيم} 2.
وأخرجه سفيان الثوري في "تفسيره"3 من رواية أبي حذيفة النهدي4 عنه عن سالم الأفطس عن سعيد بن جبير مرسلا لم يذكر ابن عباس وهو أقوى فإن عطاء بن السائب ممن اختلط وسالم أتقن منه5.
ووافق الثوري على إرساله قيس بن الربيع عن سالم وسياقه أتم ولفظه6: كان أهل البيت يكون عندهم الأيتام في حجورهم فيكون لليتيم الصرمة من الغنم، ويكون الخادم لأهل ذلك البيت فيبعثون7 خادمهم فيرعى للأيتام وتكون لأهل البيت الصرمة من الغنم، والخادم للأيتام، فيبعثون خادم الأيتام يرعى عليهم فإذا كان الرسل وضعوا أيديهم جميعا ويكون الطعام للأيتام والخادم لأهل البيت، أو يكون الخادم للأيتام والطعام لأهل البيت، فيأمرون الخادم فتصنع الطعام فيضعون
__________
1 في النسائي: المسلمين.
2 في الأصل: علم وهو خطأ.
وفي النسائي: إلى قوله: {لاعْنَتَكُم} .
3 انظر "ص91" في سورة النساء وعنه الواحدي في "الأسباب" "ص65" وتفسيره من مرويات الحافظ انظر "المعجم المفهرس" "ص86".
4 في الأصل: المهدي وهو تحريف.
وهو موسى بن مسعود النهدي -بفتح النون- مختلف فيه لخص الحافظ ذلك بقوله: "صدوق سيئ الحفظ وكان يصحف مات سنة "220" أو بعدها وقد جاوز التسعين، وحديثه عند البخاري في المتابعات" انظر "التهذيب" "10/ 370" و"التقريب" "ص554"، ومقدمة التفسير "ص36-37".
5 ومن طريق أبي حذيفة الواحدي في "الأسباب" "ص65".
6 عزاه السيوطي "1/ 612" إلى ابن المنذر.
7 الكلمتان غير واضحتين في الأصل.(1/548)
أيديهم جميعا فلما نزلت {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا} 1 الآية قالوا: هذه موجبة فاعتزلوهم وفرقوا ما كان من خلطه فشق ذلك عليهم وشكوا للنبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: إن الغنم ليس لها راعٍ والطعام ليس له من يصنعه، فقال: "قد سمع الله قولكم فإن شاء أجابكم": فنزلت {وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُم} .
وعن قيس عن أشعث بن سوار عن الشعبي: لما نزلت {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا} اعتزلوا أموال اليتامى حتى نزلت {وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ} وهذا مرسل يعضد الأول.
وجاء من وجه ثالث مرسل أيضا قال عبد الرزاق2 عن معمر عن قتادة فذكر نحو الأول وقال في روايته: فلم يخالطوهم في مأكل ولا مشرب ولا مال، فشق ذلك على الناس فأنزل الله تعالى: {وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْيَتَامَى} الآية.
وأخرجه عبد بن حميد عن يونس بن محمد بن شيبان النحوي عن قتادة3، لكن قال في روايته: كان قد نزل قبل ذلك في سورة بني إسرائيل {وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَن} 4 فكانوا لا يخالطوهم.
وجاء من وجه رابع مرسل ذكر الثعلبي من طريق العوفي بسنده عن ابن عباس قال كانت العرب في الجاهلية يعظمون شأن اليتيم ويشددون أمره حتى كانوا لا يؤاكلونهم ولا يركبون له دابة ولا يستخدمون له خادما وكانوا يتشاءمون بملابسة
__________
1 سورة النساء الآية "10".
2 في تفسيره "ص28" وعنه الطبري "4/ 351" "4187" وقد ذكر الحافظ لفظه، وفي "تفسيره عبد الرزاق": "في مأكول ولا مشروب".
3 وأخرجه الطبري "4/ 350" "4186" عن سعيد عنه.
4 الآية "34".(1/549)
أموالهم فلما جاء الإسلام سألوا عن ذلك فنزلت هكذا حكاه الثعلبي عن ابن عباس من رواية عطية عنه1 وحكى مثله عن السدي2 والضحاك3 وحكى عن ابن عباس من رواية علي بن أبي طلحة عنه4: لما نزل: {وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَن} الآية: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا} الآية اعتزلوا أموال اليتامى إلى آخره، قال: وعن قتادة والربيع بن أنس مثله5.
وأخرج عبد بن حميد6 من طريق عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء بن أبي رباح قال: لما نزل في اليتامى ما نزل اجتنبهم الناس فلم يؤاكلوهم ولم يشاربوهم ولم يخالطوهم فأنزل الله تعالى: {إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْر} فخالطهم الناس في الطعام وفيما سوى ذلك.
وقال مقاتل بن سليمان7: "لما نزلت: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا} أشفق المسلمون" فذكر نحو ما تقدم "فقال ثابت بن رفاعة الأنصاري:
قد سمعنا ما أنزل الله عز وجل فعزلناهم والذي لهم فشق علينا وعليهم، فهل يصلح لنا خلطهم فيكون البيت والطعام واحدا والخدمة وركوب الدابة؟ فنزلت: {وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُم} يقول ما كان لليتيم فيه صلاح فهو خير.
__________
1 وهو في الطبري من هذا الطريق "4/ 354" "4196" بمعناه واللفظ مختلف تمامًا.
2 انظر قوله في الطبري "4/ 353" "4195".
3 انظر فيه كذلك "4/ 354" "4197".
4 انظره فيه "4/ 352" "4191".
5 خبر قتادة في الطبري "4/ 351" "4187" وخبر الربيع "4188" ومن الواضح أن الثعلبي نقل عن الطبري.
6 عزاه إليه فقط السيوطي "1/ 612".
7 "1/ 112-113" وفي النقل اختصار.(1/550)
131- قوله تعالى: {وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ} .
قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زرعة ثنا عمرو بن حماد1 ثنا أسباط عن السدي: نزلت في عبد الله بن رواحة وكانت له أمة سوداء وأنه غضب عليها فلطمها ثم فزع فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال: "ما هي يا عبد الله؟ " قال: تصلي وتصوم وتحسن الوضوء وتشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، فقال: "يا عبد الله هذه مؤمنة" فقال: والذي بعثك بالحق لأعتقنها وأتزوجها فطعن عليه ناس من المسلمين وقالوا: نكح أَمَة! وكانوا يريدون أن ينكحوا إلى المشركين وينكحوا المشركات رغبة في أحسابهم فنزلت.
ومن طريق بكير بن معروف2 عن مقاتل بن حيان في قوله تعالى: {وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِن} نزلت في أبي مرثد الغنوي استأذن النبي صلى الله عليه وسلم في عناق أن يتزوجها وهي امرأة مسكينة من قريش وكانت ذات حظ من جمال وهي مشركة وأبو مرثد يومئذ مسلم فقال: يا رسول الله إنها تعجبني فأنزل الله تعالى: {وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِن} إلى آخر الآية.
وبه إلى مقاتل بن حيان3: بلغنا في قوله: {وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَة} أنها كانت أمة لحذيفة سوداء فأعتقها وتزوجها.
وقال الكلبي4 عن أبي صالح عن ابن عباس: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا من
__________
1 وأخرجه الطبري من طريقه "4/ 368" "4225" وكذلك الواحدي في "الأسباب" "ص66".
2 وعنه الواحدي أيضًا "ص66".
3 وإليه عزاه السيوطي في "الدر" "1/ 616" وفي "اللباب" "ص42" وزاد: ابن المنذر، والواحدي انظر "الأسباب" "ص66".
4 أورد هذا الواحدي عنه في "الأسباب" "ص67".(1/551)
غني يقال له مرثد بن أبي مرثد حليفا لبني هاشم إلى مكة ليخرج ناسا من المسلمين بها أسرا1 فلما قدمها سمعت به امرأة يقال لها عناق وكانت خليلة له في الجاهلية، فلما أسلم أعرض عنها فأتته فقالت: ويحك يا مرثد ألا تخلو؟ فقال: إن الإسلام قد حال بيني وبينك وحرمه علينا ولكن إن شئت تزوجتك، إذا رجعت استأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك فقالت له: أبي تتبرم؟ ثم استغاثت عليه فضربوه ضربا شديدا ثم خلوا سبيله فلما قضى حاجته بمكة انصرف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعلمه بالذي كان من أمره وأمر عناق وما لقي بسببها فقال: يا رسول الله أيحل لي2 أن أتزوجها؟ فنهاه عن ذلك ونزلت3 {وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِن} الآية 4.
وذكره مقاتل5 بمعناه وطوله وقال في أوله: كان أبو مرثد رجلا صالحا واسمه أيمن وكان المشركون أسروا أناسا من المسلمين فكان أبو مرثد ينطلق إلى مكة مستخفيا فيرصد المسلم ليلا فإذا خرج إلى البراز خرج معه من يحفظه فيتركه عند البراز فينطلق أبو مرثد فيحمل الرجل على عنقه حتى يلحقه بالمدينة فانطلق مرة فلقي عناق -فذكر قصتها- وقوله: إن أبا مرثد اسمه "أيمن" منكر والمعروف أن اسمه
__________
1 رسمت في الأصل هكذا: أسرا.
2 رسمت في الأصل: بي.
3 النص في الواحدي: "فأنزل الله ينهاه عن ذلك قوله".
4 قال الحافظ في كتابه "الكافي الشاف" "1/ 264 ": "نزولها في هذه القصة ليس بصحيح فقد رواه أبو داود والترمذي والنسائي من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: كان رجل يقال له مرثد بن أبي مرثد الغنوي وكان رجلًا شديدًا، يحمل الأسارى من مكة حتى يأتي بهم المدينة، الحديث بطوله وفيه: حتى نزلت {الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ} قال: فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأها علي وقال: "لا تنكحها". وكذا أخرجه أحمد وإسحاق والبزار وقال: لا نعلم لمرثد بن أبي مرثد حديثًا أسنده إلا هذا انتهى" ونقله المناوي في "الفتح السماوي" "1/ 262-263" ولم يصرح باسم مصدره.
5 انظر التفسير "1/ 113" وفي النقل تصرف.(1/552)
كَنَّاز -بفتح الكاف وتشديد النون وآخره زاي منقوطة-1
132- قوله تعالى: {وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذى} [الآية: 222] .
أخرج مسلم2 من طريق ثابت البناني عن أنس أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة منهم لم يؤاكلوها ولم يشاربوها ولم يجامعوها في البيوت فسئل النبي صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تعالى: {وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذى} الآية فأمرهم أن يؤاكلوهن ويشاربوهن وأن يكونوا معهن في البيوت وأن يفعلوا كل شيء ما خلا النكاح، فقالت اليهود: ما يريد هذا الرجل أن يدع شيئا من أمرنا إلا خالفنا فيه، فجاء عباد بن بشر وأسيد بن حضير فأخبراه بذلك وقالا: يا رسول الله أفلا ننكحهن في المحيض؟ فتمعر وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ظننا أنه قد غضب عليهما، فقاما فاستقبلهما هدية من لبن فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم في آثارهما فسقاهما فعلمنا أنه لم يغضب عليهما.
وأخرج عبد بن حميد من طريق شيبان عن قتادة3: كان أهل الجاهلية إذا حاضت المرأة لم يجامعوها في بيت، ولم يؤاكلوها في إناء فأنزل الله تعالى في ذلك، وحرم فرجها وأحل ما سوى ذلك.
وقال مقاتل بن سليمان4:
__________
1 ذكره الحافظ في "الإصابة" حرف الكاف "3/ 307" "7462" وتحرف في الطبع إلى كنان وأحال إلى الكنى وهو فيها "4/ 177" "1032" قال: "أبو مرثد الغنوي: كناز بن حصين" وبعد أن ذكر الخلاف في اسمه قال: "والمشهور الأول".
2 في "صحيحه"، كتاب الحيض باب جواز غسل الحائض رأس زوجها "1/ 246"، وأخرجه الواحدي "ص67" إلى قوله: "الآية" والمؤلف تبع نصه وبين النصين خلاف، ثم زاد تتمة الحديث، وهي تولفق ما في مسلم معنى، وبين اللفظين خلاف كذلك.
والحديث أخرجه أصحاب السنن الأربعة أيضًا انظر "الفتح السماوي" "1/ 264".
3 وأخرجه الطبري "4/ 373" "4231" من طريق سعد بلفظ مقارب.
4 في تفسيره "1/ 115" وفي النقل اختصار.(1/553)
نزلت هذه الآية في عمر1 بن الدحداح الأنصاري وهو من بلى -حي2 من قضاعة- فلما نزلت {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ} أخرجوهن3 من البيوت والفرش كفعل العجم ولم يؤاكلوهن في إناء واحد، فقال ناس4 للنبي صلى الله عليه وسلم: قد شق علينا اعتزال الحائض والبرد شديد، فقال: "إنما أمرتم باعتزال الفرج" وقرأ عليهم: {وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْن} .
وقال الواحدي5: قال المفسرون فذكر هذا لكن قال فيه فسأل أبو الدحداح6 عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكره.
وأخرج أيضا7 من طريق سابق بن عبد الله البربري8 بإسناده إلى جابر عن
__________
1 كذا هنا وفي نسخة من "تفسير مقاتل"، وفي نسخة أخرى منه: عمرو وهو الذي أثبته محقق التفسير الدكتور عبد الله شحاته ولا وجود لعمر أو عمرو بن الدحداح في "الإصابة".
وقد روى الطبري "4/ 374" "4234" عن السدي: أن السائل كان ثابت بن الدحداح الأنصاري وزاد السيوطي "1/ 619" قوله: أخرج ابن المنذر ابن أبي حاتم عن مقاتل بن حيان قال: أنزلت في ثابت بن الدحداح.
وثابت بن الدحداح معروف في الصحابة وقد ترجم له المؤلف في "الإصابة" بهذا الاسم "1/ 191" "878" وقال: "ويقال ابن الدحداحة ويكنى أبا الدحداح وأبا الدحداحة ... ، وروى البارودي [في كتابه عن الصحابة، وفي "اللباب" للسيوطي "ص43" تحرف إلى البارودي] من طريق ابن إسحاق، حدثني محمد بن أبي محمد [في الأصل: عدي وهو تحريف وهذا السند مشهور] عن عكرمة أو سعيد بن جبير عن ابن عباس أن ثابت بن الدحداحة سأل النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت {وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ} .
2 لم أجد هذه العبارة في التفسير المطبوع.
3 في الأصل: فأخرجوهن ولا داعي لهذه الفاء.
4 في التفسير: ناس من العرب.
5 "ص86-69".
6 وقد نقلت قريبًا أن هذه كنية ثابت فلا تعارض.
7 "ص68" قبل أن ينقل قول المفسرين.
8 في الواحدي: "الرقي" بدل "البربري.(1/554)
رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله عز وجل: {وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ} قالت اليهود:
من أتى امرأته من دبرها كان ولده أحول وكان نساء الأنصار لا يدعن أزواجهن يأتونهن من أدبارهن فجاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألوه عن إتيان الرجل امرأته وهي حائض وعما1 قالت اليهود: فأنزل الله تعالى: {وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْمَحِيض قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} يعني الاغتسال {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ} يعني القبل.
وقال: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُم} وإنما الحرث حيث ينبت الولد ويخرج منه.
قلت: وهذا مع انقطاعه فيه نكارة في سياقه2.
__________
= وقد ذكره الذهبي في الميزان "2/ 109" "3041" وبعد أن ذكر له خبرًا منكرًا قال: "ذكر ابن عدي سابقًا، وكناه أبا عبد الله قال: ويقال: أبو سعيد، ويقال: أبو المهاجر. يروي عنه.. وروى محمد بن عبيد الله القردواني عن أبيه، عن سابق الرقي نحو ثلاثين حديثًا. قال ابن عدي: وهو غير سابق البربري الزاهد، ذاك له كلام في الزهد".
قلت: وقد ذكر ابن حبان سابقًا في "مشاهير علماء الأمصار" في طبقة أتباع التابعين بالشام "ص185" فقال: "سابق بن عبد الله البربري أبو سعيد، من أهل حران، يغرب ويهم" فكناه أبا سعيد -كما ترى- والخبر الذي أخرجه الواحدي هو من رواية القردواني عن أبيه عنه فالظهر أنهما واحد.
وسابق هذا ليس من رجال التهذيب ولا ذكره البخاري في "التاريخ الكبير". وله ترجمة في "تاريخ دمشق" للحافظ ابن عساكر انظر "تهذيبه" للشيخ عبد القادر بدران "6/ 40" وقد أورد قول ابن عدي الذي يفرق بين الرقي والبربري ثم قال: "قال الحافظ: قلت: هما واحد ... ".
1 في الأصل: ما وأثبت ما في الواحدي.
2 لم أعرف موضع الانقطاع فسابق يرويه عن خصيف بن عبد الرحمن الجزري -المتوفى سنة "139" على أكثر تقدير- عن محمد بن المنكدر التابعي الجليل المتوفى سنة "130" على أقل القولين، وهو يروي عن جابر، وأما خصيف فهو ضعيف انظر "تهذيب الكمال" "8/ 257" ولم يذكر روايته عن ابن المنكدر ولكنها ممكنة كما ترى وانظر ترجمة ابن المنكدر في "التهذيب" لابن حجر "9/ 473".(1/555)
133- قوله تعالى: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} 1.
1- نزلت في حيي بن أخطب واليهود قالوا للمسلمين: إنه لا يحل لكم أن تأتوا النساء إلا مستلقيات وإنا نجد في كتاب الله أن جماع المرأة غير مستلقية ذنب فنزلت.
ذكره مقاتل بن سليمان2 وأصله في "الصحيحين"3 من حديث محمد بن المنكدر عن جابر ولفظه: كانت اليهود تقول في الذي يأتي امرأته في قبلها من دبرها: إن الولد يكون أحول، فأنزل الله تعالى: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} .
وفي رواية لمسلم من طريق سهيل بن أبي صالح عن ابن المنكدر: قالت اليهود: إن الرجل إذا أتى امرأته باركة كان الولد أحول4.
وفي لفظ إذا نكح [الرجل] امرأته مجبية5 جاء ولدها أحول، وفي هذه الطريق: إن شاء مجبية وإن شاء غير مجبية غير أن ذلك في صمام6 واحد، أخرجه
__________
1 من أول الكتاب إلى هنا نقل ناسخ الكتاب الشيخ العلامة عبد الحق بن محمد السنباطي من خط من سماه: "الشيخ الإمام العامل العالم العلامة كمال الدين.." وهو أقل من نصف الكتاب ومن هنا إلى آخر الكتاب نقله من خط المؤلف ابن حجر مباشرة.
2 في تفسيره "1/ 115".
3 "صحيح البخاري"، كتاب التفسير، باب {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ} "الفتح" "8/ 189" و"صحيح مسلم"، كتاب النكاح، باب جواز جماعه امرأته في قبلها ... "2/ 1058" وفي نقل الحافظ تصرف رواه آخرون انظر "الدر المنثور" "1/ 226-627".
4 السند موجود في الموضع المشار إليه ولكن المتن غير موجود! وقد أحال على متنين ليس لهذا أحدهما وقد أخرج الواحدي "ص70" من طريق شعبة عن ابن المنكدر سمعت جابرًا فذكر هذا المتن.
5 أي: منكبة على وجهها، تشبيها بهيئة السجود كما في "النهاية" لابن الأثير "1/ 238".
6 في الأصل: ضمام وهو تحريف.(1/556)
مسلم1 من رواية النعمان بن راشد عن الزهري عن محمد بن المنكدر بهذا قال أبو حامد بن الشرقي: تفرد بن النعمان بن راشد عن الزهري وهذا الحديث يساوي مائة حديث2.
وأخرج أبو داود والدارمي3 وإسحاق4 في "مسنده" من طرق عن ابن إسحاق والحاكم5 واللفظ له6 عن أبان بن صالح7 عن مجاهد قال: عرضت القرآن على ابن عباس ثلاث عرضات من فاتحة الكتاب إلى خاتمته8 أوقفه عند كل آية منه فأسأله
__________
1 "2/ 1059" وقد أخذ المؤلف هذا من كتاب الواحدي "ص70-71"، والموجود في مسلم من قوله: {إِنْ شَاءَ} إلى آخرة، وما بين المعقوفين من الوحدي.
2 قول أبي حامد من كتاب الواحدي "ص71".
وهو أحمد بن محمد بن الحسن النيسابوري صاحب الصحيح وتلميذ مسلم قال الخطيب: أبو حامد ثبت حافظ متقن وقال الخليلي: هو إمام وقته بلا مدافعة مات سنة "325" انظر ترجمته في "سير أعلام النبلاء" للذهبي "15/ 37-40" وفي هامشه ذكر مصادر ترجمته.
3 هو الحافظ الإمام أحد الأعلام عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي دون "المسند" و"التفسير توفي سنة "255" انظر ترجمته في "السير" "12/ 224-232".
4 هو إسحاق بن راهوية من المشاهير ترجمته في "السير" "11/ 358-383".
5 "سنن أبي داود" كتاب "النكاح"، باب في جامع النكاح "2/ 249" "2164" ولم يعزه المزي في "التحفة" "5/ 213" إلى غيره، و"سنن الدارمي"، كتاب "الصلاة والطهارة" باب إتيان النساء في أدبارهن "1/ 257" "طبعة دهمان" وقد سقط سنده من المطبوعة! و"1/ 205" "طبعة المدني" والسند فيها مذكور، و"المستدرك"، كتاب "النكاح" "2/ 195"، وكتاب التفسير "2/ 279" وقال في الموضع الأول: "صحيح الإسناد على شرط مسلم ولم يخرجاه بهذه السياقة" ووافقة الذهبي في الموضعين قلت: وأخرجه الطبري "4/ 409" والبيهقي "7/ 195"، والواحدي "69-70" وانظر "الدر المنثور" "1/ 629" وهامش الطبري "4/ 409".
6 ليس الأمر كذلك.
7 تحريف في أسباب الواحدي إلى مسلم. وانظر ترجمته في "التهذيب" "1/ 90" وهو ثقة.
8 قوله: "مِن" لم يرد في الحاكم وهو في الواحدي.(1/557)
فيمن أنزلت وفيم أنزلت1 فقلت: يا أبا عباس2 أرأيت قول الله تعالى: {فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ} قال: من حيث أمركم الله أن تعتزلوهن3، قال ابن عباس: إن هذا الحي من قريش كانوا يشرحون4 النساء بمكة يتلذذون بهن مقبلات ومدبرات فلما قدموا المدينة تزوجوا إلى5 الأنصار فذهبوا ليفعلوا بهن كما كانوا يفعلون بمكة، فأنكرن ذلك، وقلن هذا شيء لم نكن نؤتى عليه فانتشر الحديث حتى انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تعالى في ذلك {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} قال6: مقبلة ومدبرة وإنما يعني موضع الولد للحرث يقول ائت الحرث أنى7 شئت. وأول الحديث عند أبي داود: إن ابن عمر -والله يغفر له- أوهم، إنما كان هذا الحي من الأنصار وهم أهل وثن8 مع هذا الحي من اليهود الحديث.
وقال ابن الكلبي9 عن أبي صالح عن ابن عباس: نزلت هذه الآية في المهاجرين لما قدموا المدينة ذكروا إتيان النساء فيما بينهم وبين الأنصار واليهود من بين أيديهن ومن خلفهن إذا كان المأتي واحدا في الفرج فعابت10 اليهود ذلك
__________
1 عبارة الدرمي: فيم أنزلت وفيم كانت، والحاكم: فيم نزلت وكيف كانت، والطبري والواحدي: فأسأله عنها.
2 هذه كنية ابن عباس انظر "تذكرة الحفاظ" "للذهبي "1/ 40".
3 من قوله: "فقلت" إلى هنا لم أجده في الطبري والحاكم والواحدي، وهو في الدرامي.
4 في الأصل: يسرحون.
5 في الطبري: في، والحاكم والواحدي: من.
6 هذه العبارة إلى الأخير لفظ الطبري والواحدي وفي النقل اختصار.
7 في الطبري والواحدي: حيث.
8 في الأصل: دين وهو تحريف.
9 أخذ المؤلف هذا النص من الواحدي "ص71-72" وحذف كلمات قليلة، ثم نقله السيوطي في "الدر" "1/ 635".
10 في الأصل: فعاتب وهو تحريف.(1/558)
إلا من بين أيديهن خاصة وقالوا: إنا نجد في كتاب الله أن كل إتيان يؤتى النساء غير مستلقيات دنس عند الله ومنه يكون الحول والخبل فذكر المسلمون ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: إنا كنا في الجاهلية وبعدما أسلمنا نأتي النساء كيف شئنا وإن اليهود عابت علينا، فأكذب الله اليهود وأنزل {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} يقول: الفرج مزرعة الولد فأتوا حرثكم كيف شئتم من بين يديها ومن خلفها في الفرج.
وأخرج أحمد والترمذي والنسائي وابن حبان1 من طريق يعقوب القمي عن جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: جاء عمر بن الخطاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: هلكت، قال: "وما ذاك؟ " قال: حولت رحلي البارحة، فلم يرد عليه شيئًا، فأوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} يقول: "أقبل وأدبر واتق الدبر والحيضة". وقد تقدم مرسل سابق
__________
1 انظر "مسند أحمد" "1/ 297" و"مرويات الإمام أحمد في التفسير" "1/ 183" و"سنن الترمذي" كتاب التفسير" "5/ 200" "2980" والنسائي في التفسير "ص22" الرقم "60" وفي عشرة النساء "ص78" "91" عزاه المزي في "التحفة" "4/ 404"، و"الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان" كتاب "النكاح" باب النهي عن إتيان النساء في أعجازهن "9/ 516" وقال محققه الشيخ شعيب الأرنئوط: "إسناده حسن": وهو في "مسند أبي يعلى" "2736"، وأخرجه الواحدي في "أسباب النزول" "ص48" والطبراني "12317" والبيهقي "7/ 198" والبغوي التنزيل "1/ 198" من طرق عن يعقوب القمي، بهذا الإسناد، وقال الترمذي: "حديث حسن غريب".
وأورده السيوطي "1/ 529" وزاد نسبته إلى عبد بن حميد وأبي يعلى وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والخرائطي في "مساوئ الأخلاق" والضياء في "المختاره".
2 قال ابن الأثير في "النهاية" من مادة رحل "2/ 209": "كنى برحله عن زوجته، أراد به غشيانها في قبلها من جهة ظهرها؛ لأن المجامع يعلو المرأة ويركبها مما يلي وجهها، فحيث ركبها من جهة طهرها كنى عنه بتحويل رحله، إما أن يريد به النزول أو المأوى، وإما أن يريد به الرحل الذي تركب عليه الإبل، وهو الكور".(1/559)
البربري في الذي قبله1.
وأخرج الطبري2 من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: قوله: {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُم} يعني بالحرث الفرج، يقول تأتيه كيف شئت مستقبله ومستدبره وعلى ما3 أردت بعد أن لا تجاوز الفرج إلى غيره.
طرق أخرى: قال عبد بن حميد4: ثنا هاشم بن القاسم عن المبارك هو ابن فضالة عن الحسن: إن اليهود كانوا قوما حُسَّدًا، فقالوا يا أصحاب محمد والله ما لكم أن تأتوا النساء إلا من وجه واحد فكذبهم الله تعالى وأنزل {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُم} فخلى بين الرجال وبين نسائهم فيتفكه الرجل5 من امرأته يأتيها إن شاء من قبل قبلها وإن شاء من قبل دبرها غير أن المسلك واحد قال6: وثنا عوف عن الحسن قال: قالت اليهود للمسلمين: إنكم تأتون نساءكم كما تأتي البهائم بعضها بعضا تبركونهن فأنزل الله تعالى: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُم} فلا بأس أن يغشى الرجل المرأة كيف شاء إذا أتاها في الفرج.
ومن طريق شيبان عن قتادة نحو الأول إلى قوله: "وبين نسائهم"7.
ومن طريق حصين بن عبد الرحمن عن مرة الهمداني قال: قال ناس من اليهود لناس من المسلمين يأتي أحدكم امرأته باركة؟ فقالوا: نعم، قال: فذكر ذلك
__________
1 انظر الكلام على الآية "222".
2 "4/ 398" "4311".
3 في الطبري: على أي ذلك.
4 وعزاه إليه وحده السيوطي "1/ 628".
5 في الأصل: هنا زيادة "من الرجل" وهو سهو من الناسخ فحذفته.
6 أي: عبد بن حميد وهو في "الدر المنثور" "1/ 628" كذلك.
7 وهو في "الدر" "1/ 628".(1/560)
النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت1.
وأخرج الطبري2 من طريق سعيد بن أبي هلال أن عبد الله بن علي حدثه أنه بلغه أن ناسا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم جلسوا يوما ورجل من اليهود قريب منهم فجعل بعضهم يقول: إني لآتي امرأتي وهي مضطجعة، ويقول الآخر: إني لآتيها وهي قاعدة، ويقول الآخر: إني لآتيها وهي على جنب أو وهي باركة فقال اليهودي: ما أنتم إلا أمثال البهائم ولكنا إنما نأتيها على هيئة واحدة فأنزل الله تعالى: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُم} الآية.
ومن طريق الحكم بن أبان عن عكرمة:3 جاء رجل إلى ابن عباس فقال: أتيت أهلي في دبرها وسمعت قول الله تعالى: {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُم} فظننت أن ذلك لي حلال فقال: لا يا لكع إنما قوله: {أَنَّى شِئْتُم} قائمة وقاعدة ومقبلة ومدبرة في القبل لا تعدوه إلى غيره.
طريق أخرى عن ابن عباس أخرجها الطبري4 من طريق داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس أنه كان يكره أن تؤتى المرأة في دبرها ويقول: إنما الحرث من القبل الذي يكون منه النسل والحيض، وينهى عن إتيان المرأة في دبرها ويقول: إنما أنزلت هذه الآية {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [يقول: من أي وجه شئت] 5 [وعنه أيضا قال:] 6 ذاك ظهرها لبطنها غير معاجزة يعني الدبر.
__________
1 وهو في الطبري "4/ 400" "4315".
2 "4/ 400" "4318".
3 عزاه السيوطي "1/ 631" إلى عبد بن حميد.
4 "4/ 401" "4319".
5 استدركت هذا من الطبري.
6 زدت هذه العبارة ليستقيم الكلام، وقول ابن عباس هذا مروي بنفس السند السابق انظر "4/ 401" "4320".(1/561)
حديث آخر في ذلك عن أم سلمة أخرج أحمد واللفظ له والترمذي1 وعبد بن حميد وغيرهم2 من طريق عبد الله بن عثمان بن خثيم عن ابن سابط هو عبد الرحمن بن عبد الله بن سابط عن حفصة بنت3 عبد الرحمن قال: قلت لها: إني أريد أن أسألك عن شيء وأنا أستحي أن أسألك عنه، قالت4: سل يابن أخي كما بدا لك، قال: أسألك عن إتيان النساء في أدبارهن فقالت:5 حدثتني أم سلمة قالت: كانت الأنصار لا تجبي وكانت المهاجرون تجبي فتزوج رجل من المهاجرين امرأة من الأنصار فجباها فأتت أم سلمة فذكرت ذلك لها، فلما أن جاء النبي صلي الله عليه وسلم استحيت الأنصارية فخرجت، فذكرت ذلك أم سلمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "ادعوها لي" فدعيت فقال: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُم} "صماما واحدا" قال: "والصمام السبيل الواحد".
وأخرجه عبد بن حميد عن عبد الرزاق عن معمر عن ابن خثيم عن صفية بنت شيبة عن أم سلمة وسياقه أخصر من هذا، وفي رواية أبي جعفر الطبري6: حفصة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر عن أم سلمة قالت: تزوج رجل امرأة فأراد أن يجبيها فأبت عليه وقالت: حتى أسأل رسول الله قالت: فذكرت ذلك لي فذكرته لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "أرسلي إليها"، فلما جاءته قرأ عليها:
__________
1 انظر "مسند أحمد" "6/ 305" و"سنن الترمذي"، كتاب التفسير "5/ 198" "2979" وقال: هذا حديث حسن.
2 كالدارمي في "سننه "1/ 256" والطبري "4/ 412" "4345" وسينقله المؤلف والبيهقي في "الكبرى" "7/ 195" وزاد السيوطي "1/ 628" نسبته إلى أبن أبي شيبة وابن أبي حاتم.
3 في الأصل: حفص بن وهو تحريف.
4 في الأصل: قال وهو تحريف.
5 في الأصل: فقال وهو تحريف.
6 "4/ 410" "4342".(1/562)
{نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُم} "صماما واحدا صماما واحدا". وفي رواية له1: قدم المهاجرون فتزاوجوا في الأنصار وكانوا يجبون وكانت الأنصار لا تفعل ذلك.
2- قول آخر: أخرج الطبري2 من طريق الحسن3 بن صالح عن ليث عن عيسى بن سنان عن سعيد بن المسيب {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} : فإن شئتم فاعزلوا وإن شئتم فلا تعزلوا.
وأخرج الواحدي4 من طريق عبد الرحمن بن محمد المحاربي عن ليث بن أبي سليم عن أبي صبيح عن سعيد بن المسيب أنه سئل عن قوله تعالى: {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} فقال: نزلت في العزل. قلت: هو سند ضعيف.
وقد أخرج عبد بن حميد والطبري5 من رواية زائدة بن عمير: سألت ابن عباس عن العزل فقال: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُم} الآية لفظ عبد. وفي رواية الطبري: فقال: إن شئت فاعزل وإن شئت فلا تعزل.
3- قول آخر6 قال البخاري في التفسير من "صحيحه":
__________
1 "4/ 410" "4342" عن أبي كريب.
2 "4/ 408" "4335" وكذلك ابن أبي شيبة كما في "الدر" "1/ 639".
3 كأن الاسم في الأصل: الحسين وهو خطأ انظر "التقريب" "ص161".
4 "ص71 ".
5 "4/ 408" "4336".
6 مدار هذا القول الثالث على حديث ابن عمر، وسيورده الحافظ من رواية البخاري ويوضحها ويذكر المتابعات بتوسع لا يوجد في كتبه الأخرى لا "التلخيص الحبير" ولا "الفتح"، ولما كان الحديث صحيحًا لم أتوسع في التعليق، واكتفيت بوضع عناوين فرعية للتوضيح.
ملاحظة لابن حجر كتاب بعنوان "تحفة المستريض بمسألة التحميض" وهو في طرق أحاديث النهي عن إتيان النساء في أدبارهن وعللها، والتنبيه على الصحيح منها والسقيم وذكر ما عارضها، وبيان علله أيضًا وسياق ما وقف عليه من كلام الصحابة والتابعين والأئمة المخالفين في حكم ذلك إباحة ومنعا وفاقًا وخلافًا. انظر ابن حجر "1/ 349" ولعل هذا يفسر لنا توسعه في الكلام هنا.(1/563)
حدثنا1 إسحاق -يعني ابن راهويه- أنا النضر بن شميل أنا عبد الله بن عون عن نافع قال: كان ابن عمر إذا قرأ القرآن لم يتكلم حتى يفرغ منه، قال فأخذت عليه يوما فقرأ سورة البقرة حتى انتهى إلى مكان فقال: تدري فيم أنزلت؟ قلت: لا، قال: نزلت في كذا وكذا ثم مضى
وعن عبد الصمد حدثني2 أبي هو عبد الوارث بن سعيد حدثني أيوب عن نافع عن ابن عمر في قوله تعالى: {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُم} قال: "يأتيها في"3.
ورواه محمد بن يحيى بن سعيد عن أبيه -هو القطان- عن عبيد الله -يعني ابن عمر- عن نافع عن ابن عمر انتهى ما ذكره البخاري.
وقد أشكل على كثير من الناس وجزم الحميدي4 في "الجمع بين الصحيحين"5 بأن الظرف الذي عبر عنه بقوله "يأتيها في" هو الفرج وليس
__________
1 انظر "الفتح" "8/ 189".
2 من هنا إلى قوله: "حدثني" ساقط من فتح الباري" ومن "تغليق التعليق" "4/ 180".
3 وضع الناسخ هنا رمز الصحة لكي لا يتصور الناظر أن ثم سقطًا.
4 هو الإمام القدوة الأثري المتقن الحافظ شيخ المحدثين أبو عبد الله محمد بن أبي نصر الأزدي الحميدي الأندلسي، الميورقي الفقيه الظاهري صاحب ابن حزم وتلميذه ولد قبل سنة "420" وتوفي بغداد سنة "488" انظر ترجمته في "السير للذهبي "19/ 120-127".
5 وقفت على مجلدين منه مختلفين ينتمي الأول إلى نسخة، والثاني إلى نسخة، وكلاهما وقف السلطان مصطفى خان، وفي آخر المجلد الأول: "يتلوه في المجلد الثاني المتفق عليه من سند عبد الله بن عباس رضي الله عنه".
ويبدأ المجلد الثاني من النسخة الأخرى بـ"المتفق عليه من مسند أبي هريرة الدوسي". وليس في المجلدين مسند عبد الله بن عمر.(1/564)
كما قال الحميدي، وقد بينت في "تغليق التعليق"1 ما هو مراد البخاري بإيراد الطرق الثلاثة عمن نقلها عنهم.
"بيان طرق البخاري"2
أما طريق إسحاق فرويناها في "مسنده" وفي "تفسيره"3 قال: أنا النضر بن شميل، فساقه كما ساقه البخاري سواء إلى قوله: "حتى انتهى إلى قوله تعالى: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} فقال: أتدري فيم أنزلت هذه الآية؟ قلت: لا. قال: نزلت في إتيان النساء في أدبارهن".
وأما الرواية الثانية فأخرجها إسحاق أيضا في "مسنده" و"تفسيره":
قال: "أنا عبد الصمد بن عبد الوارث" فساقه كما ساقه البخاري إلى قوله: "يأتيها في" فقال في روايته: "يأتيها في الدبر" وهكذا أخرجه أبو جعفر بن جرير الطبري في "التفسير"4 عن أبي قلابة عبد الملك الرقاشي عن عبد الصمد بن عبد
__________
1 حقق هذا الكتاب السيد سعيد عبد الرحمن القزقي وطبع في خمسة مجلدات منها المجلد الأول مقدمات، انظر "4/ 180-182".
2 زدت هذا العنوان للتوضيح.
3 ومثل هذا في "الدر المنثور" "1/ 635" وإلى التفسيبر فقط عزاه الحافظ في "التخليص الحبير" "3/ 184" و"تفسير إسحاق" من مرويات الحافظ انظر "المعجم المفهرس" "ص87".
وجاء في "السير" للذهبي في ترجمته "11/ 373 ": "قال أحمد بن سلمة: سمعت أبا حاتم الرازي" يقول: ذكرت لأبي زرعة حفظ إسحاق بن راهوية، فقال أبو زرعة: مارئي أحفظ من إسحاق، ثم قال أبو حاتم: والعجب من إتقانه، وسلامته من الغلط مع ما رزق من الحفظ فقلت لأبي حاتم: إنه أملة التفسير عن ظهر قلبه. قال: وهذا أعجب، فإن ضبط الأحاديث المسندة أسهل وأهون من ضبط أسانيد التفسير وألفاظها" ثم قال الذهبي "ص375": "قد كان مع حفظه إمامًا في التفسير، رأسًا في الفقه، من أئمة الاجتهاد".
4 "4/ 406" "4331".(1/565)
الوارث به سندا ومتنا.
وأما الرواية الثالثة فرويناها في "المعجم الأوسط" للطبراني1 قال: نا علي بن سعيد أنا أبو بكر محمد بن أبي غياث الأعين نا محمد بن يحيى بن سعيد القطان ثنا أبي عن عبيد الله بن عمر بن نافع عن ابن عمر قال: إنما نزلت {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} على رسول الله صلى الله عليه وسلم رخصة في إتيان الدبر.
قال الطبراني: لم يروه عن عبيد الله2 إلا يحيى القطان3، تفرد به ابنه محمد. انتهى.
وأخرجه الحسن بن سفيان4 في" مسنده" عن أبي بكر الأعين، وأخرجه أبو نعيم5 في "المستخرج"6 عن أبي عمرو بن حمدان، وأخرجه الحاكم في "المستدرك"7 عن محمد بن جعفر المزكي كلاهما عن الحسن بن سفيان8.
وقد تابع النضر بن شميل على روايته عن ابن عون: إسماعيل بن إبراهيم بن
__________
1 وقد ساقها في "التلخيص الحبير" أيضًا "3/ 184".
2 في "الفتح" "8/ 190": عبد وهو خطأ.
3 هذا الحصر مردود بما سيأتي قريبًا.
4 هو الإمام الحافظ الثبت أبو العباس الشيباني، ولد سنة بضع وثمانين ومائتين مات سنة "303" انظر ترجمته في "السير" للذهبي "14/ 157-162".
5 هو الإمام الحافظ الثقة العلامة شيخ الإسلام أحمد بن عبد الله الأصبهاني ولد سنة "636" وتوفي سنة "430" انظر ترجمته في "السير" "17/ 453-464".
6 الظاهر أنه مستخرجه على البخاري.
7 لم أجده في كتاب "النكاح" ولا في كتاب التفسير، وقد عزاه في "تغليق التعليق" "4/ 182" وفي "التلخيص الحبير" "3/ 184" وفي "هدي الساري" "ص53" إلى الحاكم في "التاريخ" فلعل ما هنا وهم، وقد ذكر السيوطي في "الدر" "1/ 636" هؤلاء المخرجين ولم يقل في "المستدرك".
8 في "الدر المنثور": إن سنده حسن.(1/566)
مقسم المعروف بابن علية وإسماعيل بن إبراهيم الكرابيسي1.
أما ابن علية فقال أبو جعفر بن جرير الطبري في "تفسيره"2: حدثنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي نا ابن علية عن ابن عون فذكر مثل3 رواية النضر سواء.
وأما رواية الكرابيسي فأخرجها ابن جرير أيضا4 عن إبراهيم بن عبد الله قال: نا أبو عمر الضرير، نا إسماعيل بن إبراهيم الكرابيسي عن ابن عون عن نافع قال: كنت أمسك المصحف على ابن عمر، إذ تلا هذه الآية {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} فقال: نزلت هذه الآية في الذي يأتيها في دبرها5.
"الرد على حصر الطبراني"6:
وقد توبع يحيى بن قطان على روايته لهذا الحديث عن عبيد الله بن عمر بخلاف ما زعم الطبراني أنه تفرد به عن عبيد الله بن عمر فأخرج7 الدارقطني في "غرائب مالك"8 من طريق أبي بشر الدولابي ثنا أبو الحارث أحمد بن سعيد نا أبو ثابت محمد بن عبد الله المدني حدثني عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن
__________
1 وكذلك هشيم، وقد أخرج روايات الثلاثة الطبري ورواية هشيم برقم "4326" كلها صحيحه كما قال أحمد شاكر "4/ 404".
2 "4/ 404" "4326"، وهو ساقط من التفسير وزاد المحققان نقلًا من "تفسير ابن كثير" وتأيدًا بأن ابن حجر نقله في "الفتح" "8/ 1960" و"تلخيص الحبير" كتاب "النكاح" الفصل الخامس "3/ 184" "1542" ونقله هنا يؤيد ذلك أيضًا.
3 كتب الناسخ: "مثل": في الهامش ووضع عليها رمز الصحة.
4 "4/ 404" "4327".
5 عبارة الطبري: "أن يأتيها في دبرها" وليس فيه: نزلت إلخ.
6 العنوان من زيادتي للتوضيح.
7 في الأصل: وأخرج، وما أثبته أولى.
8 هذه الرواية ورواية حامد الرفاء الآتية في "الدر المنثور" "1/ 636".(1/567)
عبيد1 الله بن عمر بن حفص وابن أبي ذئب ومالك بن أنس فرقهم كلهم عن نافع قال: قال لي ابن عمر: أمسك علي المصحف يا نافع فقرأ حتى أتى على {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} قال لي: تدري يا نافع فيم نزلت هذه الآية؟
قال: قلت: لا. قال: نزلت في رجل من الأنصار أصاب امرأته في دبرها فأعظم الناس ذلك فأنزل الله تعالى: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ} الآية، قلت له: من دبرها في قبلها؟ قال: لا إلا في دبرها2.
وتابع الدراوردي عن ابن أبي ذئب: أبو صفوان الأموي أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط" وابن مردويه في "التفسير" كلاهما من طريق محمد بن علي بن زيد الصائغ المكي عن يعقوب بن حميد نا أبو صفوان هو عبد الله بن سعيد بن عبد الملك عن ابن أبي ذئب به.
ورويناه في الجزء الثاني من "رواية حامد الرفاء3، تخريج الدارقطني" قال الرفاء: "حدثنا أبو أحمد بن عبدوس نا علي بن الجعد نا ابن أبي ذئب عن نافع عن ابن عمر قال: وقع رجل على امرأته في دبرها فأنزل الله تعالى: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} قال: فقلت لابن أبي ذئب: ما تقول أنت في هذا؟ قال: ما أقول فيه بعد هذا! ".
__________
1 في الأصل: عبد وهو خطأ.
2 هذه الرواية في "التلخيص الحبير" "3/ 184".
3 هو حامد بن محمد بن عبد الله بن معاذ الرفاء، حدث عن عثمان بن سعد الدارمي وغيره. كتب الناس عنه بانتخاب الدارقطني وكان ثقة "ت356هـ".
انظر ترجمته في "تاريخ بغداد" "8/ 172-174" و"العبر" "2/ 304" و"شذرات الذهب" "3/ 19" و"فوائده" هذه مخطوطة في المكتبة الظاهرية. انظر "الإمام الدارقطني وجهوده في الحديث وعلومه" للأخ الفاضل مظفر شاكر الحياني "ص227".(1/568)
ورواه عن مالك أيضا إسحاق بن محمد القروي: أخرجه الثعلبي من طريق محمد بن عيسى الطرسوسي عن إسحاق ولفظه: "كنت أمسك المصحف على ابن عمر فقرأ هذه الآية فقال: تدري فيم نزلت؟ قلت: لا، قال: نزلت في رجل أتى امرأته في دبرها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فشق ذلك عليه فنزلت".
"رواه آخرون عن نافع وهم خمسة"1.
ورواه عن نافع2 غير من تقدم ذكره جماعة:
1- منهم ابنه عبد الله.
2- وعمر بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر.
3- وهشام بن سعد.
4- وأبان بن صالح.
5- وإسحاق بن عبد الله بن أبي فروة.
1- أما حديث عبد الله بن نافع فأخرجه أحمد بن أسامة بن أحمد التجيبي3 في "فوائده" من طريق أشهب حدثني عبد الله بن نافع عن أبيه عن ابن
__________
1 من زيادتي.
2 استدركها الناسخ في الهامش ووضع بعدها رمز الصحة.
3 لم أعثر له على ترجمة وقد رجعت إلى "الغنية" وهي فهرست القاضي عياض وفهرست ابن عطية "المفسر" وفهرست ما رواه عن شيوخه أبو بكر الإشبيلي وبرنامج الوادي آشي "وبغية الملتمس في تاريخ رجال أهل الأندلس" "لأحمد بن يحيى الضبي "ت599هـ" و"سير أعلام النبلاء" و"تذكرة الحافظ" و"ميزان الاعتدال" للذهبي و"معجم الأدباء" لياقوت و"التهذيب والتقريب" و"لسان الميزان" لابن حجر، و"بغية الوعاة" للسيوطي و"كشف الظنون" للحاج خليفة و"هدية العارفين" للبغدادي و"الرسالة المستطرقة" للكتاني.(1/569)
عمر قال: أصاب رجل امرأته في دبرها فأنكر الناس ذلك فأنزل الله عز وجل {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ} الآية. وبه إلى نافع عن ابن عمر أنه كان إذا قرأ السورة لا يتكلم حتى يختمها فقرأ سورة البقرة فمر بهذه الآية فقال: أتدري فيم نزلت؟ فذكر ما تقدم.
وبه إلى أشهب قال لي عبد الله بن نافع: لا بأس به إلا أن يتركه أحد تقذرا.
2- وأما عمر بن محمد فقال عبد الرزاق في "تفسيره"1: نا سفيان الثوري عن عمر بن محمد بن زيد عن نافع عن ابن عمر في قوله تعالى: {أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ، وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ} 2 أي: مثله من النساء.
قال سلمة بن شبيب الراوي عن عبد الرزاق وبه يحتج أهل المدينة.
وأخرجه أحمد بن أسامة التجيبي في "فوائده" بسنده إلى سلمة بن شبيب، ونقل عن أصبغ بن الفرج أنه احتج بها لذلك.
وذكر أبو بكر بن العربي في "أحكام القرآن"3 عن محمد بن كعب القرظي أنه احتج على الجواز بهذه الآية. وزاد: ولو لم يبح ذلك من الأزواج ما قبح " "4 انتهى.
وكذا نقل عن زيد بن أسلم وابن الماجشون5.
__________
1 لم أجد هذا في تفسير البقرة ولا في سورة الشعراء.
2 سورة الشعراء "165-166".
3 لم أجد ما نقله فيه وقد رجعت إلى طبعتيه بتحقيق البجاوي وعطا.
واحتجاج محمد بن كعب موجود في "شرح معاني الآثار" "للطحاوي كتاب "النكاح" "3/ 45".
4 فراغ في الأصل ويمكن أن يكون: "ما قبح من الذكور".
5 هو العلامة الفقيه مفتي المدينة أبو مروان عبد الملك بن الإمام عبد العزيز بن عبد الله التيمي مولاهم، تلميذ الإمام مالك توفي سنة "213" انظر ترجمته في "السير" للذهبي "10/ 359-360"، وفي هامشه شرح "الماجشون" وأنه الأبيض المشرب بحمرة، معرب "ماهكون" معناه لون القمر.(1/570)
وأخرج أبو الشيخ ابن حيان الأصبهاني في "فوائده" من طريق عصام بن زيد عن الثوري عن عمر بن محمد عن نافع عن ابن عمر أنه كان يتأول هذه الآية {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} أي: حيث شئتم.
3- وأما رواية هشام بن سعد فأخرجها1 الطبراني2 وابن مردويه من طريق هارون بن موسى عن أبيه.
وأخرجها3 أحمد بن أسامة التجيبي في "فوائده"4 من طريق معن بن عيسى كلاهما عن هشام بن سعد عن نافع: قال قرأ ابن عمر هذه السورة فمر بهذه الآية {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُم} الآية فقال: تدري فيم أنزلت هذه الآية؟ قلت: لا. قال: في رجال كانوا يأتون النساء في أدبارهن.
4- وأما رواية أبان بن صالح فأخرجها الحاكم في "تاريخه"5 من طريق يعقوب بن إبراهيم بن سعد عن أبيه عن محمد بن إسحاق عن أبان بن صالح عن نافع قال: كنت أمسك المصحف على ابن عمر، فذكر الحديث بطوله نحو ما تقدم. وهو في القطعة التي انقطعت روايتها من "صحيح ابن خزيمة"6 أخرجه الحاكم عن
__________
1 في الأصل: فأخرجه وهو خطأ.
2 لم أجده في "المعجم الكبير" وأحاديث نافع عن ابن عمر فيه "12/ 363-386".
3 في الأصل: وأخرجه وهو خطأ.
4 وذكر هذا السيوطي في "الدر" "1/ 637".
5 انظر ما جاء عن هذا الكتاب المفقود الآن في "السير" للذهبي "17/ 167" وهامشه لمحققي الجزء الأستاذين شعيب الأرنئوط ومحمد نعيم العرقسوسي.
6 قال الحافظ في كتابه "المعجم المفهرس" حين ذكر "صحيح ابن خزيمة" "ص20 من المخطوط": "المسموع لنا منه القدر الذي حصل لزاهر بن طاهر مسموعًا على عدة شيوخ، وعدم سائره" ثم قال ص21": "وقد وقع لي من هذا الكتاب الصحيح كتاب التوحيد وكتاب التوكل وكتاب السياسة وسأذكرها في المفردات". وانظر مقدمة ما طبع منه "ص17" بقلم الدكتور محمد مصطفى الأعظمي.(1/571)
أبي علي الحافظ النيسابوري عن ابن خزيمة وقال أبو علي: لم أكتبه إلا عن "ابن"1 خزيمة.
5- وأما رواية إسحاق بن أبي فروة فأخرجها أحمد بن أسامة التجيبي في "فوائده" من طريق أبي علقمة القروي عنه عن نافع قال: لي ابن عمر: أمسك علي المصحف فذكر الحديث بطوله نحو رواية الدراوردي عن شيوخه الثلاثة.
"عود إلى رواية مالك"2.
- وأما رواية مالك فرواها عنه جماعة غير من تقدم:
فأخرج الدارقطني في غرائب مالك"3 من طريق زكريا بن يحيى الساجي نا محمد بن الحارث المدني نا أبو مصعب عن مالك عن نافع عن ابن عمر أنه قال: يا نافع أمسك علي المصحف قال: فقرأ عبد الله بن عمر حتى بلغ {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُم} الآية فقال: يا نافع أتدري فيم أنزلت هذه الآية؟ قلت: لا، قال: نزلت في رجل من الأنصار أصاب امرأته في دبرها فوجد في نفسه من ذلك فسأل النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله عز وجل الآية، قال الدارقطني: هذا ثابت عن مالك.
وأخرج أيضا من طريق إسحاق بن محمد القروي عن مالك نحوه، لكن قال: أنزلت في الذي يأتي امرأته في دبرها.
وأخرجه دعلج4 في "غرائب مالك" والثعلبي في "التفسير" من طريق إسحاق
__________
1 سقط هذا من الأصل، فزدته، وكان الناسخ قد وضع "كذا" على خزيمة.
2 من زياداتي.
3 رواية الدارقطني هذه رواية دعلج الآتية في "الدر المنثور" "1/ 637" وانظر "التخليص الحبير" "3/ 184".
4 هو المحدث الحجة الفقيه الإمام دعلج بن أحمد بن عبد الرحمن السجستاني ثم البغدادي التاجر ذو الأموال العظيمة ولد سنة "559" أو قبلها بقليل وتوفي سنة "351" انظر ترجمته في "السير" للذهبي "16/ 30-35" و "الرسالة المستطرفة" "ص 113".(1/572)
المذكور.
"ثلاثة رووا الحديث عن ابن عمر غير نافع"1.
ورواه عن عبد الله بن عمر جماعة غير نافع2:
- منهم زيد بن أسلم أخرجه النسائي3 والطبري4 والحاكم5 من طريق سليمان بن بلال عنه عن عبد الله بن عمر قال: أتى رجل امرأته في دبرها في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد من ذلك وجدا شديدا فأنزل الله الآية.
قال ابن عبد البر6: "الرواية عن ابن عمر بهذا المعنى صحيحة معروفة عنه مشهورة من رواية نافع فغير نكير أن يرويها زيد بن أسلم أيضا".
قلت: وقد رواها غير نافع وزيد7 فأخرج النسائي8 والطبري9
__________
1 من زياداتي للتوضيح.
2 تكررت كلمة جماعة هنا ووضع الناسخ فوقها: كذا فحذفتها.
3 في "سننه الكبري"، في عشرة النساء كما في "التحفة" "5/ 349" ولم يعزه إلى غيره، وقد طبع كتاب "عشرة النساء" على حدة "ص80" الرقم "95".
4 "4/ 407" "4333".
5 لم أجده في "المستدرك" وقد نظرت في كتاب "النكاح" وكتاب التفسير "سورة البقرة"، فلعله في "التاريخ" وفي "التخليص الحبير" "3/ 184" ذكر الأولين ولم يذكر الحاكم.
6 لم أهتد إلى موضوع كلامه بعد.
7 هذه الرواية مخرجوها في "الدر" "1/ 637" وفي "التلخيص الحبير" "3/ 185" بدون ذكر الدارقطني.
8 في "عشرة النساء" "ص79" الرقم "93" عزاه إليه في "تحفة الأشراف" "5/ 434".
9 "4/ 405" "4329".(1/573)
والطحاوي1 والدارقطني2 من طريق ابن القاسم قلت لمالك، فقال لي: اشهد على ربيعة يحدثني عن سعيد بن يسار أنه سأل عبد الله بن عمر فقال3: [لا بأس به] .
وعند الطبري: أن ناسا يروون عن سالم: كذب4 العبد على أبي فقال مالك: أشهد على يزيد بن رومان أنه أخبرني عن سالم عن ابن عمر مثل ما قاله نافع.
وقد أنكر عبد الله بن عباس على عبد الله بن عمر هذا القول ونسبه إلى الوهم في الفهم فقال فيما أخرجه أبو داود وغيره5 من طريق محمد بن إسحاق عن أبان بن صالح عن مجاهد عنه قال: ابن عمر -والله يغفر له- قد أوهم إنما كان هذا الحي من الأنصار، فذكر القصة وفي آخرها: فأنزل الله {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} أي: مقبلات ومدبرات ومستلقيات يعني موضع الولد أي: من قبل دبرها أي: في قبلها، وقد تقدم في طرق القول الأول بأنها تكون باركة أو منبطحة وهذا الذي صار إليه أكثر العلماء، والمبين يقضي على المجمل والله أعلم.
وقد جاء عن أبي سعيد الخدري6 كنحو ما رواه نافع وغيره عن ابن عمر
__________
1 في كتابه "شرح معاني الآثار" كتاب "النكاح" "3/ 41".
والطحاوي وهو الإمام العلامة الحافظ الكبير محدث الديار المصرية وفقيهها أبو جعفر أحمد بن محمد ولد سنة "239" ومات سنة "321" في "السير" "15/ 27-32".
2 لم أجده في "السنن" فلعله في "غرائب مالك".
3 وضع الناسخ هنا رمز الصحة، وفي النص سقط فكأنه أراد أن يقول إنه ليس من قبله، وقد استدركت الساقط من "عشرة النساء".
4 أي: أن سالمًا يقول: كذب.
5 مر تخريجه موسعًا في بداية الكلام على الآية، وهو في "التلخيص الحبير" "3/ 185" من طريق أبي داود فقط وقد أرود له شاهد من حديث أم سلمة عند الإمام أحمد.
6 انظر "التخليص الحبير" "3/ 185".
وقد ذكر السيوطي في هذه الرواية ومخرجيها كما هنا، وأضاف ابن راهوية وحكم على السند أنه حسن انظر "الدر" "1/ 637".(1/574)
أخرجه أبو يعلى1 والطحاوي في "مشكل الآثار"2 والطبري3 وابن مردويه في "تفسيريهما" من طريق عبد الله بن نافع نا هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري قال: أثفر4 رجل امرأته على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: أثفر فلان امرأته فأنزل الله عز وجل الآية والقول: في هذا كالقول في حديث ابن عمر لأنه إذا أولج وهي باركة صار ذكره كالثفر للدابة سواء كان الإيلاج في القبل أم الدبر، فحمله على القبل موافق للروايات الأولى وهي أصح وأشهر والله أعلم.
وجاء نحو ذلك من مرسل خصيف عن مجاهد أخرجه عبد بن حميد من
__________
1 في مسنهد "2/ 354-355".
وأرود الهيثمي في "مجمع الزوائد" "6/ 319" وقال: "واهٍ أبو يعلى عن شيخه الحارث بن سريج، وهو ضعيف كذاب". وأبو يعلى هو الإمام الحافظ محدث الموصل أحم بن على ولد سنة "210" ومات سنة "307". انظر "السير" للذهبي "14/ 174-182". و"مسنده" من مرويات الحافظ انظر "المعجم المفهرس" "ص114".
2 لم أجده فيه، ووجدته في "شرح معاني الآثار" "3/ 40".
3 "4/ 408" "433".
4 تصحف أثفر في مسند أبي يعلى إلى: أبعر! وفسره المحقق حسن أسد تفسيرًا عجيبًا فقال: "أبعر المعي، وبعره، أي: نثل ما فيه من البعر. وهي هنا كناية عن إتيان المرأة في دبرها"! وتحرف في "شرح معاني الآثار" للطحاوي ف"3/ 40" إلى "أتعز بها" وفسر في الهامش بما يأتي: "أي: أتجعلها لا زوج لها"! وأشير إلى أن الفعل في نسخه: "أثفرها" وهو الصواب، كما تصحف في "فتح الباري" "8/ 191" إلى: "قالوا: نعيرها" وقد قال الشيخ أحمد شاكر في هامش الطبري "4/ 408" قوله "أثفرها": من "الثفر بفتح الثاء المثلثة والفاء، وهو ما يوضع للدابة تحت ذنبها يشد به السرج، شبه ذلك الفعل بوضع الثفر على دبر الدابة.
وفي الحديث: "أنه أمر المستحاضة أن تستثفر" قال ابن الأثير في "النهاية" "1/ 214" "هو أن تشد فرجها بخرقة عريضة بعد أن تحتشي قطنا، وتوثق طرفيها في شيء تشده على وسطها، فتمنع بذلك سيل الدم، وهو مأخوذ من ثفر الدابة الذي يجعل تحت ذنبها".(1/575)
طريقه ولفظه: كانوا يجتنبون النساء في المحيض فلا يجامعوهن في فروجهن، ويأتونهن في أدبارهن فسألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فأنزل الله {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُم} الآية هكذا قال خصيف، والمحفوظ عن مجاهد التشديد في ذلك لا الرخصة.
134- قوله تعالى: {وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ} [الآية: 224] .
1- قال ابن الكلبي1: نزلت في عبد الله بن رواحة تنهاه عن قطيعة ختنه بشير بن النعمان2 وذلك أن ابن رواحة حلف أن لا يدخل عليه أبدا ولا يكلمه ولا يصلح بينه وبين امرأته، ويقول: قد حلفت بالله أن لا أفعل ولا يحل لي إلا أن أبر في يميني، فأنزل الله تعالى الآية.
وقال مقاتل بن سليمان3: نزلت في أبي بكر الصديق وفي ابنه عبد الرحمن بن أبي بكر4 وكان أبو بكر حلف أن لا يصله حتى يسلم وكان الرجل إذا حلف قال: لا يحل لي إلا أن أبر، وكان هذا قبل أن تنزل الكفارة.
وعن ابن جريج نزلت في أبي بكر حين حلف أن لا ينفق على مسطح حين خاض مع أهل الإفك أخرجه الطبري5.
وأخرج الطبري6 من طريق عمرو عن أسباط عن7 السدي: أما قوله
__________
1 أورده الواحدي: انظر "الأسباب" "ص72" وفيه: "قال الكلبي" من دون "ابن".
وكل ما ذكر بعد زيادة من الحافظ.
2 ذكره المؤلف في "الإصابة" "1/ 160" "707" باختصار ونقل عن القداح أنه قتل يوم الحرة، وقتل أبوه يوم اليمامة.
3 في تفسيره "1/ 116" وفي النقل تصرف.
4 ذكر الأب من إضافة المؤلف.
5 "4/ 423" "4368" وفي النقل إضافة.
6 4/ 421" "4358".
7 في الأصل: بن وهو تحريف.(1/576)
{عُرْضَة} فيعرض بينك وبين الرجل الأمر فتحلف بالله لا تكلمه ولا تصله، وإما {أَنْ تَبَرُّوا} فالرجل يحلف لا يبر ذا رحمه فيقول: قد حلفت فأمر الله أن لا يعرض بيمينه بينه وبين ذي رحمه وليبره ولا يبالي بيمينه وأما {وَتُصْلِحُوا} فالرجل يصلح بين الاثنين فيعصيانه فيحلف أن لا يصلح بينهما وينبغي1 له أن يصلح ولا يبالي بيمينه، قال: وهذا قبل أن تنزل الكفارة.
ومن طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس2: المعنى: لا تجعلني عرضة ليمينك أن لا تصنع الخير، ولكن كفر عن يمينك واصنع الخير.
ومن طريق العوفي عن ابن عباس3: كان الرجل يحلف على الشيء من البر والتقوى لا يفعله فنهى الله عن ذلك بهذه الآية.
ومن طريق سعيد بن جبير ومجاهد ومكحول وإبراهيم النخعي نحو ذلك4.
قال عبد الرزاق5: أنا معمر عن ابن طاوس عن أبيه في هذه الآية {وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا} : هو الرجل يحلف على الأمر الذي لا يصلح [ثم] 6 يعتل بيمينه، يقول الله {أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا} يقول: هو خير من أن تمضي على ما لا يصلح، فإن7 حلف كفر يمينه وفعل الذي هو خير8.
__________
1 في الطبري: فينبغي وهو أولى.
2 "4/ 422" "4360".
3 "4/ 422" "4361".
4 انظر الأخبار عنهم في "4/ 422-424".
5 في تفسيره "ص29" وأخرجه عنه الطبري "4/ 420" "4351".
6 من عبد الرزاق.
7 من هنا إلى الأخير لم يرد في "تفسير عبد الرزاق"، وهو موجود في الطبري بلفظ: "وإن حلفت كفرت عن يمينك وفعلت ... ".
8 جاء في الأصل هنا بعد خير: "فأنزل الله الآية" ووضع الناسخ على "فأنزل" كذا، والعبارة قلقة ولم ترد في الطبري فحذفتها.(1/577)
وعن معمر وعن قتادة نحوه1.
وأخرجه عبد بن حميد عن عبد الرزاق وأخرجه، أيضا من طريق إسرائيل عن السدي عن من حدثه عن ابن عباس قال: هو الرجل يحلف لا يكلم قرابته أو مسلما أو لا يتصدق أو لا يقرض أو لا يصلح بين اثنين، يقول: قد حلفت فلا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم وكفر عن يمينك2. وعن إسرائيل عن منصور عن إبراهيم نحوه.
وأخرج عبد أيضا من طريق الربيع بن أنس: كان الرجل يحلف أن لا يصل رحمه ولا يصلح بين الناس فنزلت3.
2- وجاء في سبب ذلك قول آخر أخرجه الطبري4 من طريق ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة عن عائشة في هذه الآية قالت: لا تحلفوا بالله وإن بررتم5.
قال الطبري6: "أولى الأقوال تأويل من قال: لا تجعلوا الحلف بالله حجة لكم في ترك فعل الخير فيما بينكم وذلك أن العرضة في اللغة القوة -والمراد بها هنا الحجة7- فالمعنى لا تجعلوا اليمين بالله حجة لأيمانكم أن لا تفعلوا الخير فليفعل ويحنث ثم يكفر".
__________
1 انظر "تفسير عبد الرزاق" "ص28" وأخرج الطبري "4/ 420" "4353" نحو ما تقدم عن قتادة من طريق سعيد.
2 وأخرجه الطبري عن إسرائيل "4/ 420" "4353 بلفظ مقارب.
3 وأخرجه الطبري أيضًا "4/ 423" "4366" بأطول مما هنا.
4 "4/ 423" "4367".
5 لا أجد في هذا القول سبب نزول.
6 انظر "4/ 424-425" وقد نقل بالمعنى.
7 هذه الجملة لم أجدها في الطبري.(1/578)
وقد ذُكرت الكفارة في آية المائدة1 وقوله بعدها: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُم} إشارة إلى أن الكفارة إنما تجب في اليمين التي يُوقع2 القصد إليها لا التي تقع من غير قصد إلى اليمين، أو عن خطأ أو نسيان ونحو ذلك.
135- قوله تعالى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُر} [الآية: 226] .
قال عبد بن حميد: نا يونس عن شيبان عن قتادة3: كان أهل الجاهلية [يعدون] 4 الإيلاء طلاقا فحد لهم أربعة أشهر فإن فاء فيها كفر يمينه وكانت امرأته وإن مضت أربعة أشهر ولم يفئ بها فهي تطليقه5.
وذكر الثعلبي6 عن سعيد بن المسيب: كان الإيلاء من ضرار أهل الجاهلية، كان أحدهم لا يريد المرأة ولا يحب أن يتزوجها غيره، فيحلف أن لا يقربها أبدا، فكان يتركها كذلك لا أيما ولا ذات بعل وكانوا يفعلون ذلك في الجاهلية والإسلام7 فجعل الله الأجل الذي يعلم به ما عند الرجل في المرأة أربعة أشهر وأنزل {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُر} الآية.
وذكر الواحدي8 من طريق الحارث بن عبيد نا عامر الأحول عن عطاء عن ابن عباس قال: كان إيلاء أهل الجاهلية السنة والسنتين وأكثر من ذلك فوقت الله بأربعة
__________
1 الرقم "89".
2 لم تنقط الياء وقد رجحت ما أثبته.
3 وأخرجه الطبري عنه "4/ 485" "4598" من طريق سعيد.
طمست الكلمة في الأصل واستدركتها من الطبري.
5 وتتمة القول في الطبري: "بائنة، وهي أحق بنفسها، وهو أحد الخطاب".
6 وكذلك الواحدي "ص72-73".
7 من قوله: {وَكَانُوا} لم يرد في الواحدي.
8 "ص72".(1/579)
أشهر فمن كان إيلاؤه أقل من أربعة أشهر فليس بإيلاء.
136- قوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوء} .
يأتي كلام قتادة ومقاتل بن حيان في ذلك في قوله تعالى: {الطَّلاقُ مَرَّتَان} إن شاء الله.
137- قوله ز تعالى: {وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِن} 1.
1- قال عبد الرزاق2: أنا معمر عن قتادة في قوله: {وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِن} قال: كانت المرأة تكتم حملها حتى تجعله لرجل آخر فنهاهن الله عن ذلك.
ورواه عبد من طريق شيبان والطبري3 من طريق سعيد كلاهما، عن قتادة ولفظه: لتذهب بالولد إلى غير أبيه فكره الله ذلك لهن.
وفي رواية له4: وتكتم ذلك مخافة الرجعة فنهى الله عن ذلك.
2- قول آخر: أخرج الطبري5 من طريق أسباط بن نصر عن السدي في هذه الآية: نزلت6 في رجل يريد أن يطلق امرأته فيسألها حل بك حمل؟ فتكتمه إرادة أن تفارقه فيطلقها وقد كتمته حتى تضع7.
__________
1 لا أجد فيها ذكر هنا سبب نزول.
2 في تفسيره "ص29".
3 "4/ 521" "4750".
4 "4/ 522" "4751".
5 "4/ 523" "4753".
6 نصه بعد أن ذكر الآية: "فالرجل ... " ولم يقل: نزلت.
7 في الأصل: كتمته فيضيع، والتصحيح من الطبري وللقول تتمة هي: "وإذا علم بذلك فإنها ترد إليه، عقوبة لما كتمته وزوجها أحق برجعتها صاغرة".(1/580)
138- قوله تعالى: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَان} [الآية: 229] 1.
قال مالك في "الموطأ"2 عن هشام بن عروة عن أبيه قال: كان الرجل إذا طلق امرأته ثم ارتجعها قبل أن تنقضي عدتها، كان ذلك له وإن طلقها ألف مرة، فعمد رجل الى امرأة له فطلقها ثم أمهلها3 حتى إذا شارفت انقضاء عدتها ارتجعها، ثم طلقها4 وقال: والله لا آويك إلي5، ولا تحلين أبدا، فأنزل الله عز وجل {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَان} 6. هكذا ذكره مرسلا، وكذا سمعناه عاليا في "مسند" عبد بن حميد7: نا جعفر بن عون عن هشام ولفظه: "كان الرجل يطلق امرأته ثم يراجعها ليس لذلك شيء، ينتهي إليه فقال رجل من الأنصار. فذكره وفيه: فذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تشكو ذلك فأنزل الله {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ} الآية، فاستقبل الناس أمرا جديدا من كان يطلق ومن لم يطلق".
ووصله يعلى8 بن شبيب عن هشام موصولا يذكر عائشة وقع لنا بعلو في
__________
1 لم يذكر الواحدي في هذه الآية سوى رواية مالك، والرواية عن عائشة انظر "ص73".
2 انظر "الموطأ" روية أبي مصعب الزهري كتاب "الطلاق" باب جامع الطلاق "1/ 652" "1697".
3 "ثم أمهلها" لم ترد في المطبوع.
4 في الأصل: يطلقها وأثبت ما في "الموطأ".
5 في "الموطأ" زيادة: أبدًا.
6 وتتمته: "فاستقبل الناس طلاقًا جديدًا من يومئذ، من كان منهم طلق، أو لم يطلق".
7 لم أجده في "المنتخب منه".
8 هو المكي قال في "التقر يب" "ص609": "مولى آل الزبير، لين الحديث، من الثامنة ت ق".(1/581)
"جزء لوين"1.
وأخرجه الترمذي2 عن قتيبة عنه، وفيه "يطلق امرأته ما شاء [أن يطلقها] وهي امرأته إذا ارتجعها وهي في العدة وإن طلقها مائة مرة أو أكثر" فذكر نحو رواية جعفر لكن لم يقل من الأنصار، وفيه "فذهبت المرأة حتى دخلت على عائشة [فأخبرتها فسكتت عائشة حتى جاء] 3 النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته فسكت حتى نزلت {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ} الآية. قالت عائشة: فاستأنفت4 الناس الطلاق مستقبلا من كان طلق ومن لم يكن طلق".
ثم أخرجه من رواية عبد الله بن إدريس عن هشام5 مرسلا أيضا. وقال: هذا أصح من حديث يعلى بن شبيب.
قلت: ووصل الطبري6 رواية ابن إدريس ولفظه: قال رجل لامرأته على عهد النبي صلى الله عليه وسلم: لا أؤيك ولا أدعك تحلين، أطلقك فإذا دنا أجل عدتك راجعتك فأتت
__________
1 هو الحافظ الصدوق الإمام شيخ الثغر أبو جعفر محمد بن سليمان بن حبيب الأسدي البغدادي نزيل المصيصة، مات في أذنة في سنة "245".
انظر ترجمته في "تاريخ بغداد" "5/ 292" "السير" للذهبي "11/ 500" "التهذيب" "9/ 198" وصاحب الجزء -كما قال الذهبي في "التذكرة"- هو أبو جعفر بن محمد بن المزربان الأبهري، المتوفى بأصبهان سنة "393". انظر "الرسالة المستطرقة" للكتابي "ص89"، ولم أقف على موضع هذا القول في "التذكرة".
2 انظر "الجامع"، كتاب "الطلاق" باب "لم يذكر عنوانًا" "3/ 497" "1192". وما بين المعقوفين منه.
3 في الأصل: فجاء.
4 في الترمذي: فأستأنف.
5 طمس في الأصل، واستدركته من الترمذي.
6 "4/ 539-540" "4780" وفي النقل اختصار.(1/582)
النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ} الآية1.
وقال عبد الرزاق2 عن معمر عن قتادة كان الطلاق ليس له وقت حتى اأنزل الله {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ} .
وأخرجه الطبري3 من رواية سعيد بن أبي عروبة عن قتادة قال:
كان أهل الجاهلية يطلق أحدهم امرأته ثم يراجعها لا حد في ذلك هي امرأته ما راجعها [في عدتها] فجعل الله حد ذلك ثلاثة قروء وجعل حد الطلاق ثلاث تطليقات.
ونقل الثعلبي عن مقاتل بن حيان والكلبي قالا:
كان4 الرجل في أول الإسلام إذا طلق امرأته وهي حبلى فهي أحق برجعتها ما لم تضع ولدها، إلى أن نسخ الله تعالى ذلك بقوله {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ} الآية.
قال الكلبي: وطلق إسماعيل بن عبد الله الغفاري5 زوجته قتيلة وهي حبلى.
وقال مقاتل: هو مالك بن الأشتر6، رجل من أهل الطائف، قالا جميعا: ولم يشعر الرجل بحبلها ولم تخبره فلما علم بحبلها راجعها وردها إلى بيته
__________
1 وقد تلكم الشيخ أحمد شاكر على هذا الحديث كلامًا جيدًا فراجعه.
2 في "تفسيره" "ص29".
3 "4/ 541" "4782" وما بين المعقوفين منه.
4 في الأصل: كان في ووضع الناسخ فوق "في" كذا، ولا يصح السياق معها فحذفتها.
5 ذكره ابن حجر في "الإصابة" "1/ 40" "142" اعتمادًا على الثعلبي، وهبة الله بن سلامة في الناسخ وقال: "استدركه ابن فتحون".
6 رسم الاسم في الأصل هكذا: الأسن غير منقط ولم أعرف كيف يقرأ ولم أجد له ذكرًا في "الإصابة" ورأى الأستاذ الدكتور محيي هلال السرحان أنه الأشتر فأثبت ما رآه.(1/583)
فولدت فماتت ومات ولدها وفيها أنزل الله {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوء} 1.
وأخرج الطبري2 من طريق يزيد النحوي عن عكرمة والحسن البصري قالا في قوله تعالى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} الآية: كان الرجل إذا طلق امرأته كان أحق برجعتها ولو طلقها ثلاثا فنزلت {الطَّلاقُ مَرَّتَان} فنسخ ذلك، فإذا طلقها الثالثة لم تحل له رجعتها إلا ما دامت في عدتها.
139- قوله ز تعالى: {وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا3 مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ 4 شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ} .
قال ابن جريج نزلت هذه الآية في ثابت بن قيس وفي حبيبة، قال: وكانت اشتكته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "تردين عليه حديقته؟ " فقالت: نعم فدعاه فذكر ذلك له فقال: ويطيب لي ذلك؟ قال: "نعم"، قال: [قد فعلت] 5 فنزلت {وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا} الآية إلى قوله: {فَلا تَعْتَدُوهَا} .
أخرجه سنيد6 في "تفسيره" عن حجاج عنه، والطبري من طريق7 وذكره الثعلبي بغير إسناد فقال: نزلت هذه الآية في جميلة بنت عبد الله بن أبي وفي زوجها
__________
1 ومثل هذا في "تفسير مقاتل بن سليمان "1/ 118".
وعزاه السيوطي "1/ 660" إلى ابن المنذر عن مقاتل بن حيان وقال: "نزلت في رجل من غفار ... ".
2 "4/ 527-528" "4756" وفي النقل تصرف وزيادة.
3 في الأصل: ولا تأخذوا ووضع الناسخ عليها: كذا.
4 في الأصل: تأخذوا منهن!
5 من الطبري.
6 في الأصل: سعيد وهو تصحيف.
7 "4/ 557" "4811".(1/584)
ثابت بن قيس وكان يحبها حبا شديدا وتبغضه بغضا شديدا، فكان بينهما كلام فشكت إلى أبيها فذكر القصة مطولة إلى أن قال: خذ منها ما أعطيتها وخل سبيلها ففعل فكان أول خلع في الإسلام وأنزل الله تعالى: {وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا} .
وأصل قصة ثابت بن قيس بن شماس وحبيبة بنت سهل عند مالك في "الموطأ"1 من رواية عمرة بنت2 عبد الرحمن عنها.
وعند أبي داود3 من وجه آخر عن عمرة عن عائشة: جاءت حبيبة بنت سهل.
وله قصة أخرى مع جميلة بنت أبي أخت عبد الله في الخلع أخرجه الطبري4 من طريق عبد الله بن رباح عن جميلة.
وقال ابن عباس: أول خلع وقع في الإسلام أخت عبد الله بن أبي الحديث أخرجه الطبري أيضا5، كذا سماه ونسبها ويؤكد6 ما ذكره7 من أنها بنت عبد الله بن أبي لا أخته قوله: إنها شكت إلى أبيها لأن والد عبد الله8 لم يكن موجودا إذ ذاك9.
__________
1 في كتاب "الطلاق"، باب ما جاء في الخلع "1/ 619" "1610".
2 في الأصل: "عمر بن" وهو تحريف!
3 انظر "السنن"، كتاب "الطلاق"، باب في الخلع "2/ 269" "228".
4 "4/ 556" "4810" وإسناده صحيح كما قال أحمد شاكر.
5 "4/ 552" "4807".
6 في الأصل: ويتأكد.
7 أي: الثعلبي.
8 أي: المنافق، وابن عبد الله صحابي جليل، اسمه كاسم أبيه.
9 وانظر ما كتب عن هذا الموضوع في "فتح الباري" "9/ 399" باب الخلع.(1/585)
140- قوله ز تعالى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَه} [الآية: 230] .
قال الثعلبي: نزلت هذه الآية في تميمة1، وقيل: عائشة بنت عبد الرحمن بن عتيك القرظي كانت تحت رفاعة بن وهب بن عقيل فطلقها ثلاثا فتزوجت بعده عبد الرحمن بن الزبير النضري فطلقها، فأتت نبي الله فقالت: إني كنت عند رفاعة فطلقني فبتَّ طلاقي فتزوجت بعده عبد الرحمن بن الزبير، وإنما معه مثل هدبة الثوب، ولقد طلقني قبل أن يمسني أفأرجع الى ابن عمي؟ فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "تريدين أن ترجعي إلى رفاعة"، لا الحديث، قال: فلبثت ما شاء الله ثم رجعت فقالت: إن زوجي كان قد مسني، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: "كذبت بقولك الأول فلن نصدقك" فلبثت حتى قبض النبي فأتت أبا بكر فردها، ثم أتت عمر فردها، وقال لها: لأن رجعت لأرجمنك.
قلت: أصل القصة في "الصحيحين"2 وليس في شيء من طرقه أن الآية نزلت فيها وإنما أوردته تبعا للثعلبي لاحتمال أن يكون وقعت له رواية3.
__________
1 انظر عن هذا الاسم "فتح الباري" "9/ 464" في شرح باب إذا طلقها ثلاثًا. وانظر عن تميمة "الإصابة" "4/ 256".
2 انظر "صحيح البخاري" كتاب "الطلاق" باب من جوز الطلاق الثلاث "الفتح" "9/ 361" وانظر باب من قال لامرأته: أنت على حرام "الفتح" "9/ 371" وباب إذا طلقها ثلاثًا ... "الفتح" "9/ 464" و"صحيح مسلم"، كتاب "النكاح"، باب لا تحل المطلقة ثلاثًا لمطلقها حتى تنكح.. "2/ 1055-1057".
3 ما بعد هذا إلى الكلام على الآية "231" كتب لحقًا في الهامش، وقد سقط منه في التصوير حروف كثيرة استدركتها من المصادر.(1/586)
وقال مقاتل1: نزلت في تميمة بنت وهب بن عتيك النضري2، وفي زوجيها رفاعة وعبد الرحمن3 بن الزبير القرظيين تزوجها عبد الرحمن بعد أن طلقها رفاعة يقول فإن طلقها الزوج الثاني عبد الرحمن فلا جناح عليهما يعني الزوج الأول رفاعة ولا على المرأة تميمة أن يتراجعها بعقد جديد ومهر جديد.
قلت: الأصل في القصة ما أخرجه الشيخان في "الصحيحين" واللفظ لأحمد [من] 4 طريق الزهري عن عروة [عن عائشة] 5 قالت: دخلت امرأة رفاعة القرظي وأنا وأبو بكر عند النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إن رفاعة [طلقني] البتة وإن عبد الرحمن [بن الزبير] تزوجني وإنما عنده مثل هذه الهدبة6 وأخذت هدبة من جلبابها، وخالد بن سعيد بن العاص بالباب لم يؤذن [له] فقال: يا أبا بكر ألا تنهى هذه عما [تجهر به] بين يدي رسول الله فصلى الله عليه وسلم؟! ما زاد رسول الله صلى الله عليه وسلم على التبسم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كأنك تريدين أن ترجعي إلى رفاعة؟ لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسليتك" أخرجه البخاري7 من طريق هشام بن عروة عن أبيه مختصرا8 واتفقا عليه من رواية القاسم عن عائشة9.
وأخرجه مالك في "الموطأ"10 عن المسور بن رفاعة القرظي عن الزبير بن عبد
__________
1 "1/ 119" وفي النقل تصرف.
2 تحرفت في المطبوع إلى: النقري.
3 في المطبوع: زوجها رفاعة بن عبد الرحمن وهو تحريف شديد.
4 ذهبت في التصوير واستدركتها من "المسند" "6/ 34" وكذلك كل ما كان بين معقوفين.
5 ذهبت كذلك.
6 في "المسند" مثل هدبتي.
7 في الأصل: أخرجه من طريق البخاري هشام وهو مقلوب.
8 انظر "الفتح" "9/ 371 و464".
9 انظر "الفتح" "9/ 362" و"شرح مسلم" للنووي "10/ 4".
10 "1/ 577" "1492" وفي نقله اختصار.(1/587)
الرحمن بن الزبير أن رفاعة بن سموءل1 طلق امرأته تميمة بنت وهب في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثا فنكحت عبد الرحمن بن الزبير فأعرض2 عنها فلم يستطع أن يمسها فطلقها3 فأراد رفاعة أن ينكحها فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فنهاه عن تزويجها وقال: "لا تحل لك حتى تذوق العسيلة".
هكذا أخرجه مرسلا ورواه إبراهيم بن طهمان وعبد الله بن وهب عن مالك فقالا في آخر السند [عن أبيه] 4 وهو عبد الرحمن بن الزبير صاحب القصة.
141- قوله تعالى: {وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا} .
قال عبد الرزاق5: أنا معمر عن قتادة: كان الرجل يحلف بطلاق امرأته فإذا بقي من عدتها شيء6 أرجعها ليضرها بذلك ويطيل عليها، فنهاهم الله عن ذلك وأمر أن يمسكوهن بمعروف أو يسرحوهن بمعروف.
وأخرج الطبري7 بسند صحيح عن الحسن البصري: كان الرجل يطلق المرأة ثم يراجعها ثم يطلقها ثم يراجعها يضارها بذلك8 فنهاهم الله عن ذلك.
ومن طريق العوفي عن ابن عباس نحوه9.
__________
1 رسم في الأصل: سمؤل وفي "الموطأ" سِمْوال، وانظر عنه "الإصابة" "1/ 518".
2 في "الموطأ": فاعترض.
3 فيه: ففارقها.
4 سقط هذا في التصوير، واستدركته من "الفتح" "9/ 469"، ونص على أن روايتهما عن مالك في "الغرائب" للدارقطني.
5 في "تفسيره" "ص30" وأخرجه عنه الطبري "5/ 9-10" "4916" والمذكور هنا لفظ الطبري.
6 في الأصل: يسير ووضع الناسخ فوقه: كذا وأثبت ما في الطبري.
7 "5/ 8" "4910".
8 لم ترد "بذلك" فيه.
9 "5/ 9" "4913".(1/588)
ومن طريق مجاهد نحوه1.
وقيل: الرجعة تأخير زمن العدة وهو أظهر في المضارة.
ومن طريق الربيع بن أنس نحوه بالزيادة2.
ومن طريق الضحاك نحوه3 وزاد: أنها نزلت في رجل من الأنصار اسمه ثابت بن يسار.
142- قوله ز تعالى: {وَلا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا} 4.
أخرج الطبري5 بسند صحيح6 عن الزهري عن سليمان بن أرقم أن الحسن حدثه7: أن الناس كانوا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يطلق الرجل أو يعتق فيقال له: ما صنعت؟ فيقول: كنت لاعبًا، قال الحسن: وهو قول الله تعالى: {وَلا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا} .
قلت: وهو من رواية الأكابر عن الأصاغر فإن سليمان بن أرقم أصغر من الزهري8.
__________
1 "4911".
2 "5/ 9" "4914". وليس في هذه الأقوال سب نزول صريح فتأمل.
3 "5/ 9" "4918 ".
4 ليس في المذكور هنا سبب نزول مباشر.
5 "5/ 13" "4932" وفي النقل اختصار.
6 أخشى أن يكون هذا وهمًا من الناسخ فإن سليمان كما يقول الحافظ في "التقريب" "ص250" "2532": "ضعيف" ثم إنه مرسل كما قال ابن كثير "1/ 281" وانظر تخريج الشيخ أحمد شاكر "5/ 13".
7 في الطبري: حدثهم.
8 قال المؤلف في "التهذيب" في ترجمته سليمان "4/ 168": "روى عن الزهري ... وعنه الزهري شيخه".(1/589)
ومن طريق الربيع بن أنس1: كان الرجل يطلق أو يتزوج2 أو يعتق أو يتصدق فيقول: إنما فعلت لاعبا فنهوا عن ذلك فقال تعالى: {وَلا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا} .
143- قوله تعالى: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُن} [الآية: 232] .
1- أخرج البخاري3 من طريق إبراهيم بن طهمان عن يونس بن عبيد عن الحسن -وهو البصري- قال في قوله تعالى: {فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا} الآية. قال حدثني معقل بن يسار أنها نزلت فيه قال: كنت زوجت أختا لي من رجل فطلقها حتى إذا انقضت عدتها جاء يخطبها فقلت له: زوجتك وأفرشتك وأكرمتك فطلقتها ثم جئت تخطبها لا والله لا تعود إليها أبدا، قال:
وكان رجلا لا بأس به وكانت المرأة تريد أن ترجع إليه فأنزل الله تعالى هذه الآية، فقلت: الآن أفعل يا رسول الله فزوجتها إياه.
__________
1 "5/ 13-14" "4924".
2 في الأصل: يزوج.
3 في كتاب "النكاح" باب من قال: لا نكاح إلا بولي "الفتح" "9/ 183" وكذلك أبو داود في كتاب "النكاح" باب في الفصل "2/ 565-570" والنسائي في "التفسير" "ص32" الرقم "62" عزاه إليه في "التحفة" "8/ 461 "، والدارقطني في "السنن" "3/ 223"، والواحدي في "الأسباب" "ص74" وانظر "الدر المنثور" "1/ 685" ففيه مزيد.
4 ما بين المعترضتين زيادة من المؤلف.(1/590)
وأخرجه البخاري أيضا1 والطبري2 والدارقطني3 من طريق عباد بن راشد عن الحسن حدثني معقل بن يسار قال: كانت لي أخت "تخطب إلي"4 وكنت أمنعها من الناس، فأتاني ابن عم لي فخطبها مع الخطاب5 فأنكحتها إياه، فاصطحبا6 ما شاء الله، ثم طلقها طلاقا له رجعة، ثم تركها حتى انقضت عدتها فخطبها مع الخطاب فقلت: منعتها الناس زوجتك بها ثم طلقتها طلاقا له رجعة ثم تركتها حتى انقضت عدتها فلما خطبت إلي أتيتني تخطبها لا أزوجك أبدا فأنزل الله الآية إلى قوله: {أَزْوَاجَهُن} فكفرت عن يميني وأنكحتها7.
وأخرجه عبد بن حميد وأبو مسلم الكجي8 من رواية مبارك بن فضالة عن الحسن عن معقل بن يسار: إنه زوج أخته رجلا من المسلمين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانت عنده ما كانت ثم طلقها تطليقة ولم يراجعها حتى انقضت العدة فهويها، وهويته فخطبها مع الخطاب فقال له: يا لكع أكرمتك بها فطلقتها والله، لا
__________
1 في كتاب التفسير باب {إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء} "الفتح" "8/ 192" ولم يذكر سوى صدره إلى "إلي".
2 "5/ 18" "4929".
3 في "السنن"، كتاب "النكاح"، "3/ 224" "16" وكذلك الواحدي في "الأسباب" "ص74".
4 هذه الزيادة من البخاري، وفي الطبري، تخطب، والدارقطني: فخطبت إلي.
5 قوله: "مع الخطاب" لم يدر في المصادر الثلاثة.
6 في الدارقطني: فاضطجعها ولكن الحافط نقل عنه في "الفتح" "9/ 168": "فاصطحبا" فعل الأول تحريف.
7 لم أبين كل الاختلاف لعدم أهمية ذلك.
8 هو الشيخ الإمام الحافظ المعمر شيخ العصر إبراهيم بن عبد الله البصري صاحب "السنن" ولد سنة نيف وتسعين ومائة ومات سنة "292" انظر ترجمته في "السير" "13/ 423-425".
و"سننه" من مرويات الحافظ، انظر "المعجم المفهرس" "ص26".
ومن طريقه أخرج الواحدي هذا الحديث، انظر "الأسباب" "ص75".(1/591)
ترجع إليك أبدا أحرما عليك1، قال: فعلم الله حاجته إليها وحاجتها إليه فأنزل الله هذه الآية قال: فسمع ذلك معقل بن يسار فقال: سمعا لربي وطاعة فدعا زوجها فقال: أزوجك وأكرمك، فزوجها إياه.
وأخرجه البخاري2 من وجه آخر عن الحسن مرسلا.
وأخرجه عبد الرزاق عن معمر عن الحسن وقتادة قالا في قوله تعالى: {فَلا تَعْضُلُوهُن} نزلت في معقل بن يسار كانت أخته تحت رجل فطلقها فذكر القصة بنحوه.
وأخرجه البخاري3 والطبري4 من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن عن معقل باختصار، وأرسله قتادة مرة أخرى5 وأفاد الطبري6 من طريق ابن جريج أن اسم أخت معقل جمل7.
ومن طريق الثوري8 عن أبي إسحاق السبيعي: هي فاطمة بنت يسار.
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد من طريق مجاهد هذه القصة مختصرة مرسلة.
__________
1 كذا في الأصل ولم أجد العبارة في أسباب الواحدي ولا في مصدر آخر ولم أدر ما تعني، ولعلها: آخر ما عليك أو أحرمها عليك.
2 في كتاب التفسير "الفتح" "8/ 192" وفي "الطلاق" باب {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِن} "الفتح" "9/ 482".
3 في كتاب "الطلاق" انظر الموضع السابق.
4 "5/ 17" "4927".
5 "4930".
6 "5/ 20" "4933".
7 وبهذا الاسم ذكرها في "الإصابة" "4/ 260" "228" ثم ذكر الاختلاف في ذلك وقال: "أخرج الطبري من طريق ابن جريج أن اسمها جميلة" وهو تحريف والصحيح: جُمْل.
8 "5/ 21" "4936".(1/592)
وأخرج الفريابي أيضا عن قيس بن الربيع عن خصيف عن مجاهد وعكرمة قالا في هذه الآية: كان الرجل يطلق امرأته فيندم وتندم حتى يحب أن ترجع إليه وتحب هي ذلك فيأنف الولي فقال الله عز وجل: {فَلا تَعْضُلُوهُن} الآية.
وأخرج عبد بن حميد من طريق عبيدة بن معتب نحو هذا، وفيه: فيقول أولياؤها والله لا ترجعين أبدا إليه لقد استخف بحقنا بطلاقك فنزلت وأخرج " "1.
2- قول آخر: أخرج الطبري2 من طريق أسباط بن عمرو عن السدي عن رجاله3 قال: نزلت هذه الآية في جابر بن عبد الله الأنصاري كانت له بنت عم فطلقها زوجها تطليقة فانقضت عدتها ثم رجع يريد خطبتها4 فأبى5 جابر وقال: طلقت بنت عمنا وتريد أن تنكحها الثانية! وكانت المرأة تريد زوجها قد رضيته فنزلت هذه الآية.
144- قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} 6.
قال عبد بن حميد7: نا شبابة عن ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في
__________
1 فراغ في الأصل بمقدار ثلاث كلمات ووضع الناسخ في وسطه: كذا.
2 "5/ 21" "4939" وكذلك الواحدي "ص75-76".
3 لم يقل الطبري: "عن رجاله" ولكن ذلك معروف عنه، وقال قاله الواحدي "ص76".
4 في الطبري: رجعتها.
5 في الطبري: فأما وأرواه تحريفًا.
6 لا أجد فيما ذكر هنا سبب تزول فتأمل.
7 وعزاه السيوطي "1/ 692" إلى "الفرياني والبخاري وأبي داود والنسائي وابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم والبيهقي". وانظر الطبري "5/ 258-259" "5586-5588" في تفسير الآية "240".(1/593)
هذه الآية قال كانت هذه العدة تعتد عند أهل زوجها واجب ذلك عليها، فأنزل الله الآية التي بعد {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ} الآية، قال: جعل الله لها تمام السنة سبعة أشهر وعشرين يوما وصية، إن شاءت سكنت في وصيتها وإن شاءت خرجت، فالعدة كما هي واجبة عليها، قال: وقال عطاء عن ابن عباس: نسخت هذه الآية عدتها تعتد حيث شاءت قال عطاء: ثم جاء الميراث فنسخ السكنى فتعتد حيث شاءت ولا سكنى لها.
وأخرج ابن أبي حاتم1 من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: كان الرجل إذا مات وترك امرأته اعتدت سنة في بيته ينفق عليها من ماله يعني ولا ترث ثم أنزل الله تعالى بعد {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} فهذه عدة المتوفى عنها إلا أن تكون حاملا فعدتها أن تضع ما في بطنها وأنزل {وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُم وَلَد} 2، بين الله ميراث المرأة وتركت الوصية لها والنفقة عليها.
ومن طريق ابن جريج3 عن عطاء وهو الخراساني عن ابن عباس نحوه.
ومن طريق قتادة4: كانت المرأة إذا توفي عنها زوجها كانت لها السكنى والنفقة حولا من مال زوجها ما لم تخرج ثم نسخ ذلك بعد يعني بقوله تعالى هذه الآية. وكذا جاء عن جماعة من التابعين وستأتي بقية القول فيه في الآية الأخرى.
__________
1 وكذلك الطبري "5/ 255" "5574" في تفسير الآية "240".
وأخرج بعضه في "5/ 79" "5071".
2 سورة النساء الآية "12". وفي الأصل: فلهن، وهو خطأ.
3 "5/ 255-256" "5577" ولا أدري لم قال المؤلف عن عطاء: "هو الخراساني"! مع أن ابن جريج تحمل البقرة وآل عمران عن عطاء بن أبي رباح كما تقدم.
4 "5/ 254" "5572" وفي النقل اختصار.(1/594)
ونقل1 ابن ظفر عن " "2 وابن عباس كان الرجل3 إذا مات وترك امرأته اعتدت في بيته سنة4 ينفق عليها من ماله5، ثم نزل {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} الآية، فصارت هي عدة المتوفى عنها إلا أن6 تكون حاملا.
145- قوله تعالى: {وَلا جُنَاح عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ} .
قال عبد بن حميد عن يونس عن شيبان عن قتادة: كان الرجل يأخذ عهد المرأة في مرضه أن لا تنكح زوجا غيره فنهى الله عن ذلك وأحل القول بالمعروف.
وقال ابن ظفر: قيل كان السبب في نزولها أن الفاجر كان يدخل على المعتدة فتظهر له شدة الرغبة في التزويج فيطالبها بتعجيل الوقاع.
قلت: وهو موافق لمن فسر السر هنا بالزنا، وقد نقلوه عن أكثر العلماء7.
وقال الشعبي: هو أن يأخذ ميثاقها على أن لا تتزوج غيره ففسر المواعدة
__________
1 من هنا إلى الأخير كتب في الهامش بجانب قوله: "الآية الأخرى" وكتب في آخره: رمز الصحة.
2 كلمة ذهبت في التصوير.
3 كلمة ذهبت كذلك ولا بد أنها كما أثبت.
4 لم يبق في الأصل منها: إلا السين.
5 لم يبق في الأصل منها إلا "ما".
6 لفظ "أن" من اجتهادي وموضوعه ذاهب.
7 ذكر ابن الجوزي في تفسيره "زاد المسير" "1/ 177-178" أن في المراد بالسر أربعة أقوال، الثالث منها: الزنا قال: "قاله الحسن وجابر بن زيد وأبو مجلز، وإبراهيم وقتادة والضحاك" وقد أورد الطبري الروايات إلى هؤلاء. انظر "5/ 105-107". ثم رجع هذا القول انظر "5/ 110-111"، والظاهرب أن ابن الجوزي اعتمد في ذكر هؤلاء عليه.(1/595)
بالمعاهدة والسر بالتزويج1.
146- قوله تعالى: {وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِين} .
قال ابن ظفر: إن هذه الآية لما نزلت قال قائل: إن أردنا الإحسان متعناهن فنزل {حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} 2 فقالوا حينئذ: كلنا نتقي الله أو نحوه3.
قلت: وسيأتي من أخرجه في الآية الأخرى من عند الطبري.
وقال مجاهد4: نزلت في رجل من الأنصار تزوج امرأة من بني حنيفة ولم يسم لها مهرا ثم طلقها قبل أن يمسها فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "أطلقتها؟ " قال: نعم إني لم أجد نفقة. قال: "متعها بقلنسوتك أما إنها لا تساوي شيئا، ولكن أردت أن أحيي سنة".
147- قوله ز5 تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى} .
أخرج الطبري6 من طريق شعبة أخبرني عمرو بن أبي حكيم سمعت الزبرقان يحدث عن عروة بن الزبير عن زيد بن ثابت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الظهر
__________
1 لا أجد فيما ذكر سبب نزول مباشرًا.
2 سورة البقرة الآية "241".
3 أن موضع هذا في الآية الثانية وليس هنا.
4 ربما كان هذا القول من تفسير ابن ظفر، وقد تظرت في تفسير الطبري وابن كثير والسيوطي فلم أجده، ورأيت مثله غير منسوب لقائل في "تفسير مقاتل بن سليمان" "1/ 123" وفيه بدل قوله: "أطلقتها". وجوابه: "هل متعتها بشيء؟ " قال: لا قال: "متعها ... " إلخ وقد نقله ابن الجوزي في زاده "1/ 279".
5 في الأصل: باب قوله، وباب هنا قلقة فحذفتها وربما كان المراد: "سبب".
6 "5/ 206" "5459" وقد تكلم أحمد شاكر على رجال سنده وبين من أخرجه، والحديث في "لباب النقول" للسيوطي "ص47" فانظره.(1/596)
بالهاجرة، ولم يكن يصلي صلاة أشد على أصحابه منها قال: فنزلت {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى} قال: وقال إن قبلها صلاتين وبعدها صلاتين" يعني1 ليليتين ونهاريتين ومن طريق ابن أبي ذئب2 عن الزبرقان: إن رهطا من قريش مر بهم زيد بن ثابت فأرسلوا إليه رجلين يسألانه عن الصلاة الوسطى فقال زيد: هي الظهر، فقام رجلان منهما فلقيا3 أسامة بن زيد فسألاه فقال: هي الظهر، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي الظهر بالهجير فلا يكون وراءه إلا الصف والصفان [الناس] 4 يكونون في قائلتهم وفي تجارتهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لقد هممت أن أحرق على أقوام لا يشهدون الصلاة بيوتهم" فنزلت هذه الآية {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى} .
قلت: وقد اختلف في تعيين الوسطى على أقوال كثيرة، أصحها أنها العصر، وجمع الحافظ شرف الدين الدمياطي5 فيها كتابا اتصلت روايته وليس هذا محل بسط ذلك6.
__________
1 هذا التفسير من المؤلف.
2 "5/ 207" "5460" وهو منقطع. وانظر "مسند أحمد" "5/ 206".
3 في الطبري: فأتيا.
4 من الطبري.
5 ولد سنة "613" وتوفي سنة "705". انظر ترجمته في "تذكرة الحافظ" "4/ 1477" و"حسن المحاضرة" "1/ 357" و"طبقات الحفاظ" "ص512". ويوجد من كتابه المذكور نسخة مخطوطة مصورة في مكتبة الشيخ صبحي السامرائي.
6 قال في "الفتح" "8/ 196": "اختلف السلف في المراد بالصلاة الوسطى، وجمع الدمياطي في ذلك جزءًا مشهورًا سماه "كشف الغطا عن الصلاة الوسطى" فبلغ تسعة عشر قولًا" وقد أورد هذه الأقوال وزاد قولًا تتمة العشرين فعد إليه".
ومن قبله ذكره ونقل عنه ابن كثير "1/ 291" وسماه "كشف الغطا في تبيين ... "(1/597)
148- قوله تعالى: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِين} .
أخرج الشيخان في "صحيحهما"1 وآخرون2 عن زيد بن أرقم: كان أحدنا يكلم صاحبه في الصلاة حتى نزلت: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِين} فأمرنا بالسكوت3 ونهينا عن الكلام4.
وأخرج النسائي5 والطبري6 من طريق كلثوم بن المصطلق عن ابن مسعود قال:
إن النبي صلى الله علي وسلم كان عودني أن يرد علي السلام في الصلاة فأتيته7 ذات يوم
__________
1 "صحيح البخاري" كتاب "العمل في الصلاة" باب ما ينهى من الكلام في الصلاة "الفتح" "3/ 72-73".
وكتاب التفسير باب {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِين} "الفتح" "8/ 198".
و"صحيح مسلم"، كتاب "المساجد ومواضع الصلاة" باب تحريم الكلام في الصلاة، ونسخ ما كان من إباحته "1/ 383" "539"
2 منهم أحمد في "المسند" "4/ 368" والطبري "5/ 232" "5524" والبيهقي في "السنن الكبرى"، كتاب "الصلاة" باب ما لا يجوز من الكلام في الصلاة "2/ 248"، وقد نقل ابن كثير "1/ 294" رواية المسند ثم قال: "رواه الجماعة سوى ابن ماجه من طرق عن إسماعيل به" وعزاه السيوطي في "اللباب" "ص47" إلى الأئمة الستة، وفي "الدر المنثور" "1/ 730" إلى وكيع وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن خزيمة والطحاوي وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن حبان والطبراني" ووقع فيه اسم الصحابي "زيد بن أسلم" قال الشيخ أحمد شاكر: وهذا خطأ مطبعي يقينًا صوابه: زيد بن أرقم.
3 وفي الأصل: بالصلاة. وهو تحريف.
4 انظر الجمع بين هذا الحديث والذي بعده وإيضاح ما يفيده ظاهرهما من التعارض في "الفتح" "3/ 74".
5 في "السنن" كتاب "الصلاة"، باب الكلام في الصلاة "3/ 18-19" "1220".
6 "5/ 233" "5526" وقد نقل المؤلف لفظه.
7 في الأصل: فأتيت وأثبت ما في المصدرين.(1/598)
فسلمت، فلم يرد علي، وقال: "إن الله يحدث في أمره ما يشاء وإنه قد أحدث 1 أن لا يتكلم في الصلاة أحد إلا بذكر الله وما ينبغي من تسبيح وتحميد 2 {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِين} 3 ".
ومن طريق زر بن حبيش عن ابن مسعود4 وله طرق عند الطبري منها طريق السدي5 في خبر ذكره عن مرة عن ابن مسعود: "كنا نقوم في الصلاة ونتكلم ويسأل6 الرجل صاحبه، عن حاجته، ويخبره، ويرد عليه، حتى دخلت فسلمت فلم يردوا علي فاشتد علي فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم صلاته: قال: "إنه لم يمنعني أن أرد عليك إلا أنا أمرنا أن نقوم قانتين لا نتكلم في الصلاة" والقنوت السكوت. وأخرجه أبو يعلى7 من وجه آخر عن ابن مسعود.
وأخرج الفريابي عن الثوري عن منصور عن مجاهد كانوا يتكلمون في الصلاة يكلم الرجل بحاجته حتى نزلت {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِين} فقطعوا الكلام، والقنوت السكوت والقنوت الطاعة.
__________
1 في الطبري: أحدث لكم في الصلاة.
2 فيه: تمجيد.
3 قال أحمد شاكر "5/ 234 ": "إسناده صحيح. وأصل المعنى ثابت عن ابن مسعود، في "المسند" و"الصحيحين"، وغيرهما، إلا أنه ليس فيه النص على آية {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِين} ".
4 الطبري "5/ 232" "5523" وفي المسند: الحكم بن ظهير، وهو كما مر في الآية "207" متروك رمي بالرفض واتهمه ابن معين.
5 "5/ 231-232" "5522" وفي النقل تصرف.
وقد ذكره السيوطي "1/ 730" ولم ينسبه إلى غير الطبري.
6 في "الدر": ويسارر.
7 أخرج أبو يعلى عن ابن مسعود حديثين من طريق علقمة وأبي الرضراض. انظر "9/ 118-119" "5188-5189" وقال محققه الأستاذ حسين أسد عن الأول: "إسناده صحيح" وعن أبي الرضراض: "لم نر فيه جرحًا معللًا، ولم يوثقه غير ابن حبان، وباقي رجال إسناده ثقات".(1/599)
وأخرجه عبد بن حميد من رواية الثوري، ومن طريق أبي معشر1 عن محمد بن كعب قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يتكلمون في الصلاة إذا أرادوا الحاجة كما يتكلم اليهود حتى نزلت {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِين} قال: فتركوا الكلام.
149- قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ} [الآية: 240] 2.
أخرج إسحاق بن راهويه3 في "تفسيره" من طريق مقاتل بن حيان في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ} الآية: إن رجلا من أهل الطائف قدم المدينة، وله أولاد رجال ونساء ومعه أبوان وامرأته فمات بالمدينة فرفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأعطى الوالدين وأعطى أولاده بالمعروف ولم يعط امرأته شيئا غير أنهم أمروا4 أن ينفقوا عليها من تركة زوجها إلى الحول.
وقال مقاتل بن سليمان في "تفسيره" عن حكيم بن الأشرف، فذكر نحوه وزاد في آخره5: وذلك قبل أن تنزل آية المواريث ثم نزلت {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} ونزلت آية المواريث فجعل للمرأة الثمن أو الربع، وكان ميراثها قبل ذلك نفقة6 سنة. وقد تقدم في قوله تعالى:
__________
1 مر في الآية "204".
2 رقم محقق أسباب الواحدي هذه الآية بـ"234" وهو خطأ، اشتبهت عليه بالتي قبلها.
3 وإليه وحده عزاه السيوطي "1/ 739" وقد أخرجه من طريقه الواحدي في "الأسباب" "ص76" ولم يذكر التفسير.
4 في الواحدي: غير أنه أمرهم.
5 انظر "1/ 124-125" وفي النقل تصرف.
6 في الأصل: بقية. وأثبت ما في مقاتل.(1/600)
{وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} 1 نحو هذا عن ابن عباس. وهذه الآية التي هنا سابقة في النزول والتي هناك سابقة في رسم المصحف2، وقد قال عثمان لعبد الله بن الزبير لما سأله عن ذلك: يابن أخي لا أغير شيئا منه مكانه3 يعني بقاء رسمها بعد التي نسختها.
150- قوله تعالى: {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِين} تقدم في الآية التي قبلها التي في آخرها {حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِين} 4.
قال الطبري5: حدثني يونس أنا ابن وهب قال: قال ابن زيد بن أسلم: لما نزلت {وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِين} قال رجل: إن أحسنت فعلت6، فقال الله عز وجل: {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِين} .
وأخرج الطبري7 من طريق سعيد بن جبير بسند صحيح قال: لكل مطلقة8
__________
1 الآية "234".
2 انظر ما قاله الأستاذ محمد عزة دروزة في تفسيره الحديث" "7/ 360 و369" عن هذا الموضوع.
3 روى هذا: البخاري في "صحيحه" في بابين من كتاب التفسير "الفتح" "8/ 193 و201" ونصه في الموضع الثاني عن ابن أبي ملكية قال: قال ابن الزبير: قلت لعثمان: هذه الآية التي في البقرة {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا -إلى قوله- غَيْرَ إِخْرَاجٍ} قد نسختها الأخرى فلم تكتبها؟ قال: تدعها يابن أخي، لا أغير شيئًا منه من مكانه" وعزاه السيوطي "1/ 738" إلى البيهقي أيضًا.
4 الآية "236".
5 "5/ 264" "5595".
6 وتتمة القول: وإن لم أرد ذلك لم أفعل.
7 "5/ 263" "5592".
8 في الأصل: مطلق وهو تحريف.(1/601)
متاع بالمعروف قال الطبري1: في الأولى حكم عير الممسوسة إذا طلقت، وفي هذه بيان حكم جميع المطلقات.
151- قوله تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَة} 245.
1- قال مقاتل بن سليمان2: نزلت في أبي الدحداح واسمه عمر3.
وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من تصدق بصدقة فله مثلها في الجنة" فقال أبو الدحداح: إن تصدقت بحديقتي فلي مثلها في الجنة؟ قال: "نعم" 4 قال: وأم الدحداح معي؟ قال: "نعم" قال: والصبية؟ قال: "نعم" وكان له حديقتان، فتصدق بأفضلهما واسمها الجنينة فضاعف الله صدقته ألفي ألف ضعف فذلك قوله تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَة} فرجع أبو الدحداح إلى حديقته فوجد أم الدحداح والصبية في الحديقة التي جعلها صدقة فقام على باب الحديقة وتحرج5 أن يدخلها قال: يا أم الدحداح قالت: لبيك يا أبا الدحداح قال: إني قد جعلت حديقتي هذه صدقة واشترطت مثلها في الجنة وأم الدحداح معي والصبية معي، فقالت: بارك الله6 في ما اشتريت فخرجوا منها وسلم الحديقة
__________
1 "5/ 264-265" والنقل بالمعنى.
2 في "تفسير" "1/ 126-127".
3 فرق المؤلف في "الإصابة" في الكنى بين أبي الدحداح صاحب الصدقة وبين أبي دحداح اسمه ثابت ولكنه قال في ترجمة من اسمه ثابت، في "4/ 59": "تقدم في الأسماء وزعم مقاتل بن سليمان أن اسمه عمر" وكان ينبغي أن يقول هذا في ترجمة المتصدق".
4 قوله: "قال: نعم" لم يرد في المطبوع.
5 وضع الناسخ تحت الحاء من تحج: ح للتنبيه على أنه حاء مهملة.
6 في التفسير زيادة لك.(1/602)
للنبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "كم من نخلة تدلي 1 عذوقها في الجنة لأبي الدحداح لو اجتمع على عذق فيها 2 أهل منى 3 أن يقلوه ما أقلوه".
وأصح من ذلك4 ما وقع في حديث ابن مسعود بعكس ذلك وهو أن الآية سبب لتصدق أبي الدحداح بذلك فأخرج الطبري5 وابن أبي حاتم6 والطبراني7
__________
1 فيه" مدلًا.
2 فيه: منها.
3 في الأصل: أمتي، وهو تحريف وأثبت ما في التفسير.
4 في قول المؤلف "وأصح من ذلك" نظر طويل ففي السند الذي سيورده الأعرج وقد ذكره هو في "التهذيب" "3/ 53" بعد "حميد بن يزيد" وقال: "حميد الأعرج الكوفي القاص الملائي وهو حميد بن عطاء ويقال: ابن علي، ويقال: ابن عبد الله ويقال: ابن عبيد". ثم ذكر أقوال النقاد في تضعيفه ومنها: "قال أبو حاتم: ضعيف الحديث، منكر الحديث، قد لزم عبد الله بن الحارث عن ابن مسعود، ولا نعلم لعبد الله عن ابن مسعود شيئًا".
وختم الترجمة بقوله: "قلت: وقال ابن حبان: يروى عن عبد الله بن الحارث عن ابن مسعود نسخة كأنها موضوعة وقال الدارقطني: متروك وأحاديثه تشبه الموضوعة، وذكره العقيلي والساجي وابن الجارود وغيرهم في الضعفاء".
5 "5/ 284-285" "5620".
6 نقله عن ابن كثير "1/ 299".
7 أورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" في كتاب "المناقب" باب ما جاء في أبي الدحداح "9/ 323-324" وقال: "رواه أبو يعلى والطبراني ورجالهما ثقات ورجال أبي يعلى رجال الصحيح" كذا قال!
وذكره في كتاب التفسير "6/ 321" وقال: "رواه البزار ورجاله ثقات".
وهو في "مسند أبي يعلى" "8/ 404" "4986".
وقد أورده المؤلف في "المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية" "4/ 105-106" "4080" وعزاه لأبي يعلى وقال: "فيه ضعف" ونقل محققه الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي عن البوصيري قوله: "رواه ابو يعلى بسند ضعيف" وقد علق حكم الهيثمي السابق بقوله: "وكأنه وهم.
قلت: بل هو واهم جزمًا، وما قاله المؤلف في المطالب العالية هو المعتمد وكأنه هنا تبع شيخه الهيثمي، وانظر مزيد عزوٍ وكلام في "الدر المنثور" "1/ 746" وتخريج أحمد شاكر "5/ 285-286".(1/603)
من طريق خلف بن خليفة عن حميد الأعرج عن عبد الله بن الحارث عن عبد الله بن مسعود قال: لما نزلت {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا} قال أبو الدحداح: يا رسول الله أو إن الله يريد منا القرض؟ قال: "نعم يا أبا الدحداح"، قال: يدك، قال: فتناول يده، قال: فإني قد أقرضت ربي حائطي حائطا فيه ستمائة نخلة ثم جاء يمشي حتى أتى الحائط وأم الدحداح فيه في نخلها فناداها يا أم الدحداح قالت: لبيك قال: اخرجي فإني قد أقرضت ربي حائطا فيه ستمائة نخلة.
وأخرج ابن مردويه من طريق عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه نحوه1.
ولأبي الدحداح قصة أخرى رواها الواحدي2 بسند صحيح على شرط مسلم لكن لا تتعلق بسبب النزول.
2- قول آخر قال ابن حبان في النوع الثاني من القسم الأول من
__________
1 قال ابن كثير بعد أن أورد حديث ابن مسعود "1/ 299": "وقد رواه ابن مردويه من حديث عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر رضي الله عنه مرفوعًا بنحوه"! وأخرجه عبد الرزاق من قول زيد، أخرجه من طريقه الطبري "5/ 283" "5618". وللحديث طرق أخرى انظر "الدر" "1/ 746".
2 لم أجد شيئًا من ذلك في كتابه "الأسباب" وتفسيريه "الوسيط" و"الوجيز" فلعله في تفسيره "البسيط" إن لم يكن في الكلمة تحريف، هذا وقد قال في كتابه "الإصابة" في ترجمة أبي الدحداح "4/ 59" "374 ": "روى أحمد والبغوي والحاكم من طريق حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس أن رجلًا قال: يا رسول الله إن لفلان نخلة، وأنا أقيم حائطي بها، فأمره أن يعطيني حتى أقيم حائطي بها، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "أعطه إياها بنخلة في الجنة". فأبى. قال: فأتاه أبو الدحداح فقال: بعني نخلتك بحائطي. قال: ففعل. فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ابتعت النخلة. بحائطي فاجعلها له فقد أعطيتكها. فقال: "كم من عذق رداح لأبي الدحداح في الجنة! " -قالها مرارًا- قال: فأتى امرأته فقال: يا أم الدحداح اخرجي من الحائط فإني قد بعته بنخلة في الجنة. فقالت: ربح البيع. أو كلمة تشبهها".
فلعل المؤلف يريد هذه القصة. ولعل صواب العبارة في المتن: "رواها الحاكم" فإن قوله: "بسند صحيح على شرط مسلم" ألصق به وليس معتادًا ذكره مع الواحدي.(1/604)
"صحيحه"1: أخبرنا حاجب بن أركين نا أبو عمر الدوري حفص بن عمر نا أبو إسماعيل المؤدب عن عيسى بن المسيب عن نافع عن ابن عمر قال: لما نزلت {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِل} الآية2 قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رب زد أمتي" فنزلت {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا} الآية فقال: "رب زد أمتي" فنزلت {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} 3.
وأخرج الطبراني في "الأوسط" حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي نا حفص بن عمر به وقال: "لم يروه4 عن نافع إلا عيسى بن المسيب ولا عنه إلا أبو إسماعيل المؤدب تفرد به حفص". كذا قال ولم ينفرد به حفص لمتابعة إسماعيل بن إبراهيم بن بسام، عن أبي إسماعيل، أخرجه ابن أبي حاتم عن أبي زرعة عن إسماعيل5.
وأخرجه الخطيب6 في "المؤتلف"7 من طريق الحسن بن علي بن يسار العلاف عن حفص.
__________
1 انظر "الإحسان" كتاب "السير" باب فضل النفقة في سبيل الله "10/ 505" "4648" وانظر تعليق محققه عليه.
2 البقرة: "261".
3 الزمر: "10".
4 في الأصل: يرو. ورجحت ما أثبت.
5 ونقله عن ابن أبي حاتم ابن كثير "1/ 300".
6 هو -كما وصفه الذهبي: الإمام الأوحد العلامة المفتي الحافظ الناقد محدث الوقت أبو بكر أحمد بن علي البغدادي صاحب التصانيف وخاتمة الحفاظ ولد سنة "392" وتوفي سنة "463". انظر ترجمته في "السير" "18/ 270-296".
7 يقصد كتابه "المؤتنف تكملة المؤتلف والمختلف" وعده الحافظ في نزهة النظر "ص106" ذيلًا على كتاب الدارقطني وهو كذلك، وقد وقفت على نسخة مخطوطة منه سُمعت من المؤلف وعليها سماعات أخرى كثيرة تقع في "24" جزءا ولكن سقط منها "12" جزءا، وفي تسمية جزأين من الباقي أثر تغيير ففي "ص20" عنوان هو "الجزء الأول"! ولا يمكن هذا، وفي "ص40" عنوان آخر هو "الجزء الثاني"! ولا يمكن هذا أيضًا وقد سقطت كذلك أوراق هذا الجزء المعنون بـ"الثاني" كما سقطت المقدمة، وفي الصفحات الأولى كلام على حرف "الجيم" فقد سقطت الحروف الآتية: الهمزة والباء والتاء والثاء وسقط شيء آخر لا نعمله، ويقع الباقي في "227" ورقة، ولم أجد الحديث المذكور هنا فيها.(1/605)
ولم ينفرد به أبو إسماعيل، فقد أخرجه أبو بكر بن مردويه1 من وجه آخر عن عيسى فظهر أن المنفرد به عيسى وهو ضعيف عند أهل الحديث حتى إن ابن حبان ذكره في "الضعفاء"2، ولكن له شاهد من رواية [ابن المنذر عن سفيان و] 3 لفظه: لما نزلت {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} 4 قال النبي صلى الله عليه وسلم: "رب زد أمتي" فنزلت {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ} 5 الآية، فقال: "رب زد أمتي" فنزلت {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا} 6 الآية. فقال: "ربي زد أمتي" فنزلت {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَاب} 7.
وعلى تقدير أن يكون محفوظا فتضم هذه الآية إلى الآيات التي وقعت في
__________
1 عزاه إليه ابن كثير "1/ 317" وذكر سنده، والسيوطي "1/ 747".
2 طبع بعنوان "المجروحين من المحدثين والضعفاء والمتروكين" انظر "2/ 119" وفيه: "كان ممن يقلب الأخبار ولا يعلم، ويخطئ في الآثار ولا يفهم، حتى خرج عن حد الاحتجاج به، أخبرنا مكحول قال: حدثنا جعفر بن أبان قال: سألت يحيي بن معين عن عيسى بن المسيب فقال: ليس بشيء".
3 ما بين المعقوفين زيادة مني استفدتها من "الدر المنثور" "1/ 747" قدرت أن المؤلف أرادها، وقد أوردها السيوطي ولم ينسبها إلى غير ابن المنذر، وكان الناسخ قد وضع على قوله "رواية": "كذا" للدلالة على ما في السياق من سقط.
4 الأنعام: "160".
5 البقرة: "261".
6 البقرة: "245"، ولا بد من القول أن الرواية في "الدر المنثور" قدمت هذه الآية "245" على التي قبله، على عكس نقل المؤلف هنا.
7 الرمز: "10" وكل هذه الروايات بعيدة عن السياق. انظر "التفسير الحديث" لدروزة "7/ 371-373".(1/606)
ترتيب السور متقدمة على سبب نزول المتأخرة1 كما جاء في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} فإنها في النزول متأخرة عن الآية الأخرى وهي {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ} وهذه الثانية في ترتيب سورة البقرة متأخرة عن الأخرى، وقد تقدم الكلام عليهما بما يدل لما قلته.
152- قوله ز تعالى: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيد} 253.
أخرج ابن عساكر2 في ترجمة معاوية من "تاريخ دمشق"3 بسند فيه راوٍ ضعيف جدا قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاوية: "أتحب عليًّا؟ " قال: نعم، قال: "إنه سيكون بينكما قتال"، قال، فما بعده؟ قال: "عفو الله"، قال: رضيت بقضاء الله، قال: فنزلت {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيد} انتهى5، وفيه نكارة من أن سياق
__________
1 أن كلا الروايتين ضعيف فلا يمكن الاعتماد عليهما في مثل الأمر، ثم إن التأمل في الآيتين يرجح ما جاء في "الدر": ففي الأولى {فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً} وفي الثانية {كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ} .
أما آية الزمر فورودها هنا غريب جدًّا فالسورة مكية بالاتفاق إلا آيات قيل إنها نزلت في المدينة ليست هذه منها، ولا يمكن أن تكن منها لأنها بعض آية متصلة بالسياق اتصالًا وثيقًا. وانظر "زاد المسير" "7/ 160 و168" و"تفسير ابن كثير" "4/ 47-48" و"التفسير الحديث" لدروزة "5/ 65-69".
2 هو الإمام العلامة الحافظ الكبير المجود، محدث الشام أبو القاسم علي بن الشيخ أبي محمد الحسن ولد سنة "499" وتوفي في "571" انظر ترجمته في "السير" للذهبي "20/ 554-571".
3 ليس هذا الكتاب المخطوط تحتن يدي ولو تطبع منه سوى أجزاء ليس منها ترجمة معاوية انظر هامش "السير" "2/ 558-559" ولم يصل المطبوع من "تهذيب تاريخ دمشق الكبير" للشيخ عبد القادر بدران "ت1346" إلى حرف الميم.
4 وضع الناسخ هنا إشارة "لحق" ووضع في الهامش: * والظاهر أنه يرى وجود سقط هنا.
5 ذكره السيوطي "3/ 4" وقال: بسند واهٍ عن ابن عباس.(1/607)
الآيات ظاهر أن الضمير لمن في قوله قبلها {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا} والمراد بهم ما صرح به في الآية المذكورة1 {فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ} .
153- قوله ز تعالى:2 {لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْم} 255.
أخرج ابن أبي حاتم3 وأبو نعيم في "الحلية" في ترجمة سعيد بن جبير4 من طريق أشعث القمي5 عن جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد قال: قالت بنو إسرائيل لموسى: هل ينام ربك؟ فقال موسى: اتقوا الله فقالوا أيصلي6 ربك؟ قال: اتقوا الله فقالوا: هل يصبغ ربك؟ قال: اتقوا الله! قال: فأوحى الله [إليه أن بني إسرائيل سألوك أينام ربك فـ] 7 خذ زجاجتين فضعهما على كفيك، ثم قم الليل، قال: ففعل موسى ذلك، فلما ذهب من الليل الثلث8 نعس موسى فوقع لركبته ثم ضبطهما9 فقام، فلما أدبر الليل نعس أيضا فوقع لركبته فسقطت الزجاجتان فانكسرتا فأوحى الله: لو كنت أنام لسقطت10 السماوات على الأرض ولهلك كل شيء
__________
1 يقصد المؤلف: في المقطع المذكور من هذه الآية.
2 ليس في هذا سبب نزول كما سيقول المؤلف في المقطع القادم.
3 ونقل عنه ابن كثير "1/ 308-309" وأورد سنده كله عن ابن عباس: وزاد السيوطي "15/ 2" نسبته إلى "أبي الشيخ في العظمة وابن مردويه والضياء في المختارة" وفاته ذكر "الحلية" وقد مر في الآية "138".
4 انظر "4/ 276-277".
5 لم ينقط الاسم والنسبة في الأصل وهو أشعث بن إسحاق مر في الآية "138" وترجمته في "التهذيب" "1/ 350" وتصحف في "حلية الأولياء" إلى العمي.
6 في الأصل: أيصلحه وهو تحريف.
7 من "الحلية".
8 ثلث: لم ترد في "الحلية".
9 لم تذكر هذه الكملة في "الحلية" وفيه: "فقام" فقط.
10 في "الحلية": لو نمت لوقعت.(1/608)
كما هلك1 هاتان: قال أشعث2: وفيه نزلت {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّوم} الحديث3.
154- قوله ز تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِه} 255.
قال الثعلبي: قال المفسرون: سبب نزولها أن الكفار كانوا يعبدون الأصنام ويقولون: هؤلاء شفعاؤنا عند الله فأنزل {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} إلى آخرها فبين الله أن لا شفاعة إلا لمن أذن له" هذا يصلح في هذا الكتاب4، وأما الذي قبله فليس هو سبب نزولها على النبي وإنما هو سبب محصل ما اشتملت عليه5 على موسى6.
وقد ذكر الواحدي نظائر لذلك، وليس من شرطه وسيأتي بعض ذلك قريبا7.
155- قوله تعالى: {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّين} الآية 256.
1- أخرج أبو داود8 والنسائي9 والطبري10 وأحمد11 وصححه ابن
__________
1 في "الحلية": هكتنا.
2 في "الحلية": قال أشعث عن جعفر عن سعيد.
3 وتتمته: "قال: وسألوك: أيصبغ ربك؟ فأنا أصبغ الألوان كلها الأحمر والأبيض والأسود، وسألوك: أيصلي ربك؟ فإني أصلي وملائكتي على أنبيائي ورسلي فذلك صلاتي".
4 قلت: إنما يصلح لو عرفنا سنده وثوثقنا منه، فأما القول المرسل هكذا فلا يمكن الاعتماد عليه.
5 في الأصل: علنه! وهو محرف.
6 كذا في الأصل وكأن في العبارة سقطًا.
7 انظر ما سيأتي في الآية "260".
8 في "سننه"، كتاب "الجهاد"، باب في الأسير يكره على الإسلام "3/ 58" "2682 ".
9 في "تفسيره" "ص25" الرقم "68 و69" عزاه إليه في "التحفة" "4/ 401".
10 "5/ 408" "5813".
11 لم أجده في "مسنده" ابن عباس فالله أعلم!(1/609)
حبان1 من طريق شعبة عن أبي بشر2 عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله تعالى: {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّين} : "كانت المرأة من الأنصار لا يكاد يعيش لها ولد فتحلف لئن عاش لها ولد لتهودنه، فلما أجليت بنو النضير إذا فيهم ناس من أبناء الأنصار، فقالت الأنصار: يا رسول الله أبناؤنا! فأنزل الله تعالى: {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّين} قال سعيد بن جبير: فمن شاء دخل في الإسلام ومن شاء لحق بهم"3.
وأخرجه الطبري4 من طريق أبي عوانة عن أبي بشر سألت سعيد بن جبير عن قوله: {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّين} قال: نزلت في الأنصار قلت: خاصة! فذكره، وقال في آخره: قالوا: يا رسول الله أبناؤنا وإخواننا [فيهم] فسكت عنهم فأنزل الله الآية فيهم فقال: "قد خير أصحابكم فإن اختاروهم فهم منهم" [قال] : فأجلوهم معهم.
طريق أخرى: أخرج الطبري5 من طريق داود بن أبي هند عن عامر الشعبي: "كانت المرأة من الأنصار" نحوه إلى قوله: لتهودنه6، فجاء الإسلام وطوائف من أبناء
__________
1 انظر "الإحسان"، كتاب "الإيمان" باب التكليف "1/ 352" "140" وقال، محققه الأستاذ شعيب الأرنئوط: "إسناده صحيح على شرطيهما" "وموارد الظمآن" للهيثمي "ص427".
2 هو جعفر بن إياس بن أبي وحشية ثقة ترجمته في "التقريب" "ص139".
3 وأخرجه البيهقي في "السنن" "9/ 186" وأبو جعفر النحاس في "الناسخ والمنسوخ" "ص82". كما في هامش "الإحسان" والواحدي في "الأسباب" "ص76-77".
وذكره السيوطي في "الدر" "2/ 20" وزاد نسبته إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم وابن منده في "غرائب شعبة" وابن مردويه، والضياء في "المختارة".
4 "5/ 409-410" "5818" وفي النقل اختصار، وما بين المعقوفين منه.
وزاد السيوطي "2/ 20" نسبته إلى سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر والبيهقي [186/ 9] . والخبر عند الواحدي أيضا "ص77".
5 "5/ 408" "5814" وانظر "مرويات الإمام أحمد في التفسير" "1/ 220 ".
6 هذا تصرف من المؤلف، وفي الطبري: "فتنذر أن عاش ولدها أن تجعله مع أهل الكتاب على دينهم".(1/610)
الأنصار1 على دينهم فقالوا: إنما جعلناهم على دينهم ونحن نرى أن دينهم أفضل من ديننا! فإذا جاء الله بالإسلام فلنكرهنهم فنزلت {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّين} فكان فصل ما بين من اختار اليهودية والإسلام فمن لحق بهم اختار اليهودية، ومن أقام2 اختار الإسلام.
وفي لفظ له3 من هذا الوجه: فكان فصل ما بينهم، إجلاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بني النضير، فلحق بهم من لم يسلم وبقي من أسلم وفي رواية له4 أيضا لحق بخيبر5.
2- قول آخر: أخرج الطبري6 وإسماعيل القاضي7 في "أحكام القرآن" وأبو
__________
1 في الأصل: النصارى. ووضع الناسخ فوقها: كذا. وهو تحريف.
2 في الأصل: اختار. وهو خطأ وأثبت ما في الطبري.
3 "5/ 409" "5815 ".
4 "5/ 409" "5816".
5 نص الطبري: "ومن كره لحق بخيبر".
6 "5/ 410" "5819" وفي النقل اختصار وتصرف.
7 هو الإمام العلامة الحافظ شيح الإسلام إسماعيل بن إسحاق البصري المالكي قاضي بغداد وصاحب التصانيف ولد سنة "199" وتوفي فجأة سنة "282". قال الذهبي: "له كتاب أحكام القرآن" لم يسبق إلى مثله انظر "سير أعلام النبلاء" له "13/ 339" الترجمة "157". وقال ابن العربي في مقدمة "أحكام القرآن" وقد ذكر "تفسير الطبري" "1/ 3": "وأعظم من انتقى منه الأحكام بصيرة: القاضي أبو إسحاق فاستخرج دورها، واستحلب دورها وإن كان قد غير أسانيدها لقد ربط معاقدها، ولم يأت بعدهما من يلحق بهما".
وهو من مرويات الحافظ انظر "المعجم المفهرس" "ص960" من المخطوط. وتوجد قطعة منه في تونس انظر "القواعد المنهجية في التنقيب عن المفقود من الكتب والأجزاء التراثية" للدكتور حكمت بشير ياسين "ص51".
8 نقل عنه أيضًا في "الإصابة" في ترجمة أبي الحصين في "الكنى" "4/ 44" "282" ولكنه قال: "وعن السدي أسنده إلى رجل من قومه" ونقله عنه فيمن اسمه حصين "1/ 340" "1758" ولم يذكر أحدًا فوق السدي.(1/611)
داود في "الناسخ والمنسوخ"1 من طريق أسباط عن السدي2 في هذه الآية قال: نزلت في رجل من الأنصار يقال له أبو الحصين3، كان له ابنان فقدم تجار من الشام إلى المدينة يحملون الزيت فلما باعوا وأرادوا أن يرجعوا، أتاهم ابنا أبي الحصين فدعوهما إلى النصرانية، فتنصرا وذهبا معهم إلى الشام فأتى أبوهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن ابني تنصرا وخرجا أما4 أطلبهما5:؟ فقال: {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّين} ولم يؤمر يومئذ بقتال أهل الكتاب فقال: "أبعدهما اللهّ! هما أذل 6 من كفر" فوجد أبو الحصين في نفسه7 فأنزل الله {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُم} إلى قوله: {تَسْلِيمًا} 8 ثم نسخ {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّين} فأمر بقتال أهل الكتاب في سورة براءة.
- طريق أخرى: قال عبد بن حميد: نا روح بن عبادة عن موسى بن عبيدة أخبرني عبد الله بن عبيدة أن رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من بني سالم بن عون كان له ابنان تنصرا قبل أن يبعث النبي صلى الله عليه وسلم فقدما المدينة في نفر منهم يحملون.
__________
1 ذكره في "الإصابة" في الموضعين المشار إليهما لكنه قال في "الكنى": "ذكر المزي في ترجمة جعفر بن محمد أن أبا داود أخرجه في كتاب الناسخ والمنسوخ ... " فكأنه لم يعد إليه مباشرة، وانظر "تهذيب الكمال" للمزي ترجمة جعفر بن محمد بن الهذيل الكوفي "5/ 102" وفيه: "عن السدي، وأسنده إلى من فوقه". وزاد السيوطي "2/ 21" نسبته إلى ابن المنذر.
2 نقله عن السدي مجردًا الواحدي "ص77" وفي نقله اختصار.
3 نص أبي داود في "تهذيب الكمال" و"الإصابة" وقد نقل اختصار.
4 هذا ما رجحت، ويحتمل الرسم: أنا وهي في الأصل دون تنقيط.
5 في الطبري: "فأطلبهما؟ " بصيغة الاستفهام، هكذا أثبت المحقق. وفي الواحدي: "فقال: أطلبهما، فأنزل الله ... ". وهذا يحتمل الاستئذان ويحتمل الطلب.
6 في الطبري والواحدي: أول.
7 في "الدر" زيادة: "على النبي صلى الله عليه وسلم حين لم يبعث في طلبهما" وهذا يرجح الطلب.
8 النساء: "65".(1/612)
الطعام فرآهما أبوهما فالتزمهما وقال: والله لا أدعكما حتى تسلما فأبيا أن يسلما فاختصموا إلى النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن قدما المدينة فقال: يا رسول الله أيدخل بعضي النار وأنا أنظر؟ فأنزل الله تعالى: {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّين} 1.
طريق أخرى: قال محمد بن إسحاق2: حدثني محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو سعيد بن جبير في قوله: {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّين} : نزلت في رجل من بني سالم بن عوف من الأنصار يقال له الحصين كان له ابنان نصرانيان وكان هو مسلما فذكر نحو رواية السدي.
3- قول آخر أخرج الطبري3 وعبد بن حميد من رواية ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: كان اليهود أرضعوا رجالا من الأوس فلما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإجلائهم، قال أبناؤهم من الأوس: لنذهبن معهم ولندينن بدينهم! فمنعهم أهلوهم وأكرهوهم على الإسلام ففيهم نزلت هذه الآية {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّين} .
ومن رواية لعبد من هذا الوجه: كان ناس من الأنصار مسترضعين في بني قريظة.
وفي رواية الفريابي: من بني النضير، وفي أخرى عند الواحدي4: قريظة
__________
1 نقله الواحدي عن مسروق مجردًا "ص78"، نقله عن الواحدي المؤلف في "الإصابة" "341/ 1" -وقد تحرف الواحدي إلى "الواقدي- ثم قال: "وأخرجه عبد بن حميد" فذكره وقال: "موسى: ضعيف" وقد مر في الآية "191".
2 نقل هذا عن محمد بن إسحاق في "الإصابة" "1/ 341 و4/ 44" وفيهما "أخرج الطبري من طريق محمد" ثم ساقه، فيبدو أنه هنا لم يرجع إلى ابن إسحاق مباشرة، انظر "تفسير الطبري" "5/ 409" "5817" و"الفتح السماوي" "1/ 312".
3 "5/ 411" "5820".
4 "ص78" من طريق خصيف عن مجاهد.(1/613)
والنضير.
وأخرج الطبري1 من طريق أخرى عن ابن أبي نجيح عن مجاهد، وعن وائل2 عن الحسن: أن أناسا من الانصار ارتضعوا في بني النضير.
4- وأخرج الطبري3 من طريق العوفي عن ابن عباس: نزلت4 {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّين} لما دخل الناس في الدين وأعطى أهل الكتاب الجزية.
وقال عبد الرزاق5 عن معمر عن قتادة: كانت العرب لا دين لهم فأكرهوا بالسيف6 ولا يكره اليهود ولا النصارى ولا المجوس إذا أعطوا الجزية.
ونقل الثعلبي عن قتادة عن الضحاك وعطاء وأبي روق: إن معنى الآية: إن العرب كانت أمة واحدة أمية ليس لهم دين ولا كتاب فلم يقبل منهم إلا الإسلام أو السيف، فلما أسلموا طوعا أو كرها أمر الله أن يقاتل أهل الكتاب إلى أن يسلموا أو يقروا بالجزية فمن أدى الجزية لم يكره على الإسلام.
وعن مقاتل بن سليمان7 كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يقبل الجزية إلا من أهل الكتاب فلما دخل العرب في الدين قبل الجزية من المجوس قال منافقوا أهل المدينة: زعم محمد أنه لا يقبل الجزية إلا من أهل الكتاب فما بال المجوس؟ فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فأنزل
__________
1 "5/ 412" "5826".
2 لم أجده فيمن روى عن الحسن في "تهذيب الكمال"للمزي.
3 "5/ 413-414" "5832" في ضمن القول الثاني من الأقوال التي ذكرها.
4 لم يقل في التفسير "نزلت" وإنما ذكر الآية قال: "وذلك لما دخل ... ".
5 في تفسيره "ص34" وأخرجه عنه الطبري "5/ 413" "5830" وفي النقل تصرف.
6 اللفظ في عبد الرزاق: "كانت العرب ليس لها دين، فأكرهوا على الدين بالسيف، ولا يكره اليهودي ... ".
7 انظر تفسيره "1/ 135" وفي النقل اختصار كثير وتصرف.(1/614)
الله تعالى: {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} يعني بعد إسلام العرب.
156- قوله ز تعالى: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّور} [الآية: 257] 1.
أخرج الطبري2 من طريق منصور بن المعتمر عن عبدة3 بن أبي لبابة عن مجاهد أو مقسم في هذه الآية قال:
كان قوم آمنوا بعيسى، وقوم كفروا به، فلما بعث الله محمدا آمن به الذين كفروا بعيسى وكفر به الذين آمنوا بعيسى فقال الله تعالى: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا} الآية.
هذه رواية بهز4 وأخرجه من رواية معتمر5 عن منصور عن رجل عن عبدة بن أبي لبابة قال في هذه الآية: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا} كان أناس آمنوا بعيسى لما جاءهم محمد آمنوا6 به فأنزلت فيهم.
ونقله الثعلبي عن ابن عباس بلفظ: هم قوم كفروا بعيسى ثم آمنوا بمحمد فأخرجهم الله من كفرهم بعيسى إلى الإيمان بمحمد المصطفى في الأنبياء7.
__________
1 ما سيذكره المؤلف هنا هو أقرب إلى التفسير منه إلى سبب النزول.
2 "5/ 426" "5859" وفي النقل اختصار.
3 في الأصل: عبيدة وهو ترحيف. انظر "التقريب" "ص369" "4274".
4 كذا في الأصل، ولا ذكر لـ"بهز" في هذه الرواية! فالله أعلم.
5 "5/ 426" "5860".
6 أثبت محقق الطبري الأستاذ محمود شاكر هذه الكملة: "كفروا" وقال: في المطبوعة والمخطوطة: "آمنوا" والصواب أثبت، أخطأ "الناسخ" في نسخة وعجل ... ".
قلت: ويبدو من نقل ابن حجر أن الخطأ قديم!
7 كذا العبارة ولا تخلو من نظر.(1/615)
157- قوله ز تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَات} .
قال المقاتلان1: هم اليهود كانوا آمنوا بمحمد قبل أن يبعث لما يجدونه في كتبهم من نعته أي: صفته فلما بعث كفروا به2.
158- قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى} [الآية 260] .
ذكر الواحدي3: ما أورده أئمة التفسير في ذلك عن ابن عباس والحسن بن عكرمة وقتادة وعطاء الخراساني والضحاك وابن جريج وابن إسحاق في كتاب "المبتدأ"4، وهذا ليس من أسباب النزول التي يكثر السؤال عنها ويبني5 عليها الأحكامَ أهلُ الكلام حيث يكون الحكم عاما، أو يختص بها مَنْ نزلت بسببه، وإنما هو من ذكر أسباب ما وقع في الأمم الماضية، وقد أخل بالكثير من هذا أوله القصة التي قبل هذه في الذي أنزلت فيه {أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ} ، وقد استدركت كثيرا مما فاته من ذلك، من غير استيعاب، بخلاف ما هو صريح في سبب نزول الآية المخصوصة فإنني استوعبته بحسب الطاقة6، والكثير منه مما استدركته عليه.
__________
1 انظر "تفسير مقاتل بن سليمان" "1/ 136" والنقل بالمعنى. وقول مقاتل بن حيان لم أجده في ابن كثير ولا السيوطي.
2 لو وضع المؤلف هذا القول تحت عنوان: "قول آخر" في الترجمة السابقة لكان أفضل من أفراده.
3 "ص79-80".
4 التصريح بكتاب المبتدأ من زيادة المؤلف.
5 في الأصل: تنبني.
6 كتب الناسخ هنا: "وقد نبهت على الأول حيث وقع غالبًا". ثم شطب عليها، وستأتي قريبًا.(1/616)
وهو في تسمية الذين قال إنه نقل عنهم هذه القصة تابع للثعلبي، فإنه نسب ذلك ذهولا، ومراده أن الرواية عنهم على سبيل التوزيع عليهم، وقد نبهت على الأول1 حيث وقع غالبا.
ومحصل القول في السبب الذي حمل إبراهيم عليه السلام على السؤال خمسة أقوال:
- أحدها: أنه تيقن لكنه بالمشاهدة أراد أن يزداد يقينا.
وأخرج عبد بن حميد بن سلم بن قتيبة عن أبي هلال وعن روح عن عوف واللفظ له كلاهما عن الحسن قال: إن كان إبراهيم عليه السلام لموقنا بأن الله يحيي الموتى ولكن لا يكون الخبر عند ابن آدم كالعيان، وأن الله أمره أن يأخذ أربعة من الطير إلى آخره2.
- الثاني: أن إبليس أراد أن يشككه ففزع إلى سؤال ربه.
فأخرج أبو الشيخ في "التفسير" من طريق إبراهيم بن الحكم بن أبان نا أبي قال: كنت جالسا مع عكرمة عند الساحل فقال عكرمة: إن الذين يغرقون في البحر تتقسم الحيتان لحومهم فلا يبقى منهم شيء إلا العظام فتلقيها الأمواج على البر فتصير حائلة نخرة، فتمر بها الإبل فتأكلها فتبعر، ثم يجيء قوم فيأخذون ذلك البعر فيوقدون به فتخمد تلك النار فتجيء الريح فتسقي ذلك الرماد عن الأرض فإذا جاءت النفخة خرج أولئك وأهل القبور سواء، أورده الواحدي3 عقب رواية عبد الرحمن بن زيد بن أسلم4 التي أخرجها الطبري5 قال: مر إبراهيم عليه السلام
__________
1 لعله يقصد بقوله: "الأول": الثعلبي تأمل.
2 عزاه السيوطي "2/ 36" إلى البيهقي في الشعب فقط، وذكر نصه كاملًا.
3 "ص80".
4 "ص80-81".
5 "5/ 486" "5966" وقد ساق المؤلف لفظ الواحدي.(1/617)
بحوت ميت نصفه في البر ونصفه في البحر فما كان في البحر فدواب1 البحر تأكله وما كان في البر فدواب1 البر تأكله فقال له إبليس الخبيث متى يجمع الله2 هذه الأجزاء من بطون هؤلاء؟ فقال يا: {رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ} الآية.
- الثالث: أن إبراهيم عليه السلام أتى على دابة توزعتها السباع والدواب3 فقال: {رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى} .
أخرج الطبري من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة4 ومن طريق عبيد بن سليمان5 عن الضحاك قال: مر إبراهيم على دابة ميت قد بلي وتقسمته السباع والرياح فقام ينظر فقال: سبحان الله كيف يحيى الله هذا؟ وقد علم أن الله قادر على ذلك فأراد6 أن يشاهد الكيفية.
وأما ابن جريج فأخرج الطبري7 من "تفسير"8 سنيد عن حجاج عنه قال: "بلغني أن إبراهيم بينما هو يسير إذا هو بجيفة حمار" فذكر نحوه وفيه: "فعجب ثم قال: رب قد علمت لتجمعنها من بطون هذه السباع رب أرني" وفي آخره "قال: بلى ولكن ليس الخبر كالمعاينة" وهذا يمكن أن يرجع إلى الذي قبله.
__________
1 في الأصل: فذوات وأثبت ما في الطبري والواحدي.
2 ذهب لفظ الجلالة في التصوير، واستدركته من المصدرين.
3 طمست بعض حروفها واستدركتها من الطبري.
4 "5/ 485" "5964".
5 "5/ 485-486" "5963".
6 من هنا إلى الأخير لم يرد في الطبري.
7 "5/ 486" "5965" وفي النقل اختصار.
8 في الأصل: سعيد وهو تصحيف.(1/618)
وذكره مقاتل بمعناه1 لكن في آخره: ليسكن قلبي بأنك أريتني الذي أردت.
- السبب الرابع: أورده الطبري2 من طريق محمد بن إسحاق قال: لما جرى بين إبراهيم وبين قومه ما جرى3 وخرج من النار4 قال له نمرود5: أرأيت إلهك هذا الذي تدعو إلى عبادته ما بلغ من قدرته؟ قال: ربي الذي يحيي ويميت قال: أنا أحيي وأميت، فذكر ما قص الله تعالى فقال إبراهيم عند6 ذلك: {رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى} إلى قوله: {لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} عن غير شك في قدرة الله ولكنه أحب أن يعلم ذلك وتاق إليه قلبه، هكذا ساقه الطبري بسنده وذكره الواحدي7 عن ابن إسحاق بلفظ: إن إبراهيم لما احتج على نمرود قتل نمرود رجلا وأطلق رجلا ثم قال: قد أمت وأحييت فقال له إبراهيم: فإن الله يحيي بأن يرد الروح إلى جسد ميت، فقال له نمرود: هل عاينت هذا الذي تقوله؟ فلم يقدر أن يقول نعم، فانطلق إلى حجة أخرى ثم سأل ربه أن يريه إحياء الموتى لكي يطمئن قلبه عند الاحتجاج ويخبر عن مشاهدة.
وهذا أخرجه الطبري أيضا8 وفيه أن نمرود لما قال: أنا أحيي وأميت قال له إبراهيم: كيف تحيي وتميت؟ قال: آخذ رجلين قد استوجبا القتل في حكمي فأقتل أحدهما فأكون قد أمته وأعفو عن الآخر فأكون قد أحييته، فقال له إبراهيم عند ذلك: "فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فائت بها من المغرب" فبهت عند ذلك نمرود
__________
1 "1/ 139".
2 "5/ 487" "5967" وفي النقل تصرف.
3 فيه: مما قصه الله في "سورة الأنبياء".
4 هذه العبارة من إضافة المؤلف.
5 في الطبري والواحدي: نمروذ.
6 في الأصل: حقق وهو تحريف والتصحيح من الطبري.
7 "ص80".
8 لم أجده في تفسير هذه الآية ولا في تفسير سورة الأنبياء.(1/619)
ووقعت عليه الحجة.
- السبب الخامس: أخرجه الطبري1 من طريق أسباط بن نصر عن السدي قال: "لما اتخذ الله إبراهيم خليلا سأل ملك الموت ربه أن يأذن له فيبشر إبراهيم عليه السلام بذلك، فأذن له، فأتى إبراهيم وليس في البيت، فدخل داره وكان إبراهيم أغير الناس إذا خرج أغلق الباب فلما جاء فوجد في داره رجلا ثار2 إليه ليأخذه وقال له: من أذن لك أن تدخل داري؟ فقال ملك الموت: أذن لي رب هذه الدار! فقال إبراهيم: صدقت، وعرف أنه ملك الموت قال: من أنت؟ قال: أنا ملك الموت جئتك أبشرك بأن الله قد اتخذك خليلا! فحمد الله" قصة في سؤاله ملك الموت أن يريه صورته حين يقبض الكافر وفي حين يقبض المؤمن3: قال وقام إبراهيم يدعو ربه يقول: رب أرني كيف تحيي الموتى؟ حتى أعلم أني خليلك قال: أو لم تؤمن؟ أي: تصدق بأني خليلك قال: بلى ولكن ليطمئن قلبي بخلولتك4.
ثم أخرج5 من طريق عمرو بن ثابت عن أبيه عن أبي إسحاق6 عن سعيد بن جبير قال: {لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} بالخلة ومن طريق علي بن أبي طلحة7 عن ابن
__________
1 "5/ 487-488" "5968".
2 في الأصل: فار. بدون تنقيط.
3 في الأصل: الكافر وهو سهو من الناسخ.
4 في الاصل: بخولتك وهو خطأ.
5 "5/ 489" "5969".
6 لم يذكر: "عن ابن إسحاق" في الطبري.
وعمرو بن ثابت يروي عن أبيه وعن أبي إسحاق كما في "التهذيب" "8/ 9" وعمرو ضيعف رمي بالرفض. هكذا لخص المؤلف ما قيل فيه في "التقريب" "ص419 ". وأبوه يروي عن سعيد "التهذيب" "2/ 16". فلعل صحة العبارة عن أبيه عن أبي إسحاق.
7 "5/ 494" "5986".(1/620)
عباس في قوله: {لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} : أعلم أنك تجيبني إذا دعوتك، وتعطيني إذا سألتك.
قلت: وهذا يمكن أن يرد إلى الخلة لأن ذلك من شأن الخليل ويجوز أن يكون سببا آخر، ويؤخذ من هذين الأمرين أن ابن عباس حمل السؤال على الكيفية لا على أصل إحياء الموتى لأنه كان يتيقن أن الله يحيي الموتى فسأله أن يريه الكيفية وعلى هذا فقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المخرج في الصحيح1: "نحن أولى 2 بالشك من إبراهيم" معناه أنه ليس في القصة ما يقتضي أنه حصل عنده شك في القدرة وإنما أراد الاستظهار على من ينكرها إذا شاهد كيفيتها فأخبر عن معاينة، وتقدير الخبر: نحن أحق بالشك من إبراهيم أن لو شك. ومنهم من قال: المراد بقوله نحن خطاب من خطابهم والتقدير أنتم وإنما عبر بنحن تأنيسا لهم بإيهام دخوله معهم3.
159- قوله تعالى: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّه} [الآية 262] .
قال الثعلبي: قال الكلبي:4 نزلت في عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف أما عبد الرحمن بن عوف فإنه جاء إلى النبى صلى الله عليه وسلم بأربعة آلاف درهم وأربعة آلاف أقرضها ربي، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بارك الله لك 5 فيما أمسكت وفيما أعطيت"، وأما عثمان فقال: علي جهاز من6 لا جهاز له في غزوة تبوك، فجهز المسلمين
__________
1 انظر "صحيح البخاري"، كتاب أحاديث الأنبياء باب قول الله {وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ} . "الفتح" "6/ 410-411" وكتاب التفسير "الفتح" "8/ 201" من طريق واحد.
2 لفظ البخاري: أحق.
3 وانظر تفصيلًا في شرح ذلك في "الفتح" "6/ 412".
4 نقله الواحدي عنه "ص871".
5 "لك" من الواحدي.
6 رسمت في الأصل: ى.(1/621)
بألف بعير بأقتابها وأحلاسها1، وتصدق برومة -ركية كانت له2- على المسلمين فنزلت فيهما هذه الآية.
وقال مقاتل بمعناه مختصرا.
وقال ابن ظفر: نزلت في أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعبد الرحمن، أما أبو بكر فأنفق جميع ماله، وأما الباقون فأنفق نصف ما عنده وكذا ابن عوف وأما عثمان فاشترى بئر رومة وجهز جيش العسرة وأما علي فباع حائطا له باثني عشر ألفا فتصدق بجميعها وأصبح يوما وليس عنده سوى أربعة دراهم فتصدق بها وكان كثير الإيثار على نفسه3 " " [وقال] 4 أبو سعيد الخدري: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم رافعا يديه5 يدعو لعثمان بن عفان ويقول: "يا رب عثمان بن عفان رضيت عنه فارض عنه" فما زال رافعا يده حتى طلع الفجر، فأنزل الله عز وجل فيه
__________
1 انظر عن هذا التجهيز "الفتح" "5/ 408 و7/ 54".
والأقتاب جمع قتب وهو كما في "القاموس" "ص157": "الأكاف الصغير على قدر سنام البعير" والأحلاس جمع حِلْس وهو كما في "القاموس" أيضًا "ص694": "كساء على ظهر البعير تحت البرذعة".
2 قال البخاري في "صحيحه"، كتاب "الوصايا"، باب إذا وقف أرضًا أو بئرًا ... " وقال عبدان: أخبرني أبي عن شعبة عن أبي إسحاق عن أبي عبد الرحمن أن عثمان رضي الله عنه حيث حوصر أشرف عليهم وقال: أنشدكم الله، ولا أنشد إلا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: ألستم تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من حفر رومة فله الجنة"، فحفرته ألستم تعلمون أنه قال: "من جهز جيش العسرة فله الجنة"، فجهزته قال: فصدقوه بما قال" "الفتح" "5/ 406-408" وذكره دون سند في كتاب "فضائل الصحابة" مناقب عثمان "الفتح" "7/ 52" وهل حفر عثمان رومة أم اشتراها؟ خلاف ويمكن الجمع انظر "الفتح" "5/ 407-408".
3 ترك الناسخ هنا ثلاثة أرباع سطر فارغًا وكتب في منتصف السطر: كذا، وكأن ابن حجر تركه فارغًا ليثبت فيه من أخرج كلام أبي سعيد الخدري الآتي.
4 هذه الكلمة استدركتها من الواحدي "ص81" وقد ذكر قوله هذا بعد قول الكلبي السابق وزاد ابن حجر النقل عن مقاتل وابن ظفر.
5 في الواحدي: يده.(1/622)
{الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّه} الآية.
160- قوله تعالى: {وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُون} [الآية 267] .
قال عبد بن حميد: أنا عبيد الله بن موسى عن إسرائيل عن السدي عن أبي مالك عن البراء قال: نزلت فينا هذه الآية كنا أصحاب نخل فكان الرجل يأتي من نخله على قدر كثرة نخله وقلته2 فيعلقه في المسجد، وكان أهل الصفة3 ليس لهم طعام إذا جاع أحدهم أتى القنو4 فضربه فيسقط من البسر والتمر ما يأكله، وكان أناس ممن5 لا يرغب في الخير يجيء أحدهم بالقنو فيه الحشف [و] 6 بالقنو فيه الشيص [و] 6 بالقنو وقد انكسر فيعلقه قال فنزلت {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} .
وهكذا أخرجه الترمذي7 وابن أبي حاتم8 من رواية عبيد الله بن موسى.
__________
1 رجعت إلى "زاد المسير"لابن الجوزي و"التمهيد والبيان في مقتل الشهيد عثمان" للشيخ محمد بن يحيى الأشعري المالقي "ت741هـ" و"البحر" لأبي حيان و"تفسير ابن كثير" و"فتح الباري" و"الإصابة" لابن حجر و"الدر المنثور" فلم أجده.
وقد استبعد دروزة علاقة هذه الآية بغزوة تبوك وذكر هذه الآية ضمن فصل يبدأ بالآية "261" وينتهي بالآية "474". انظر التفصيل في "التفسير الحديث" "7/ 396-398".
2 في الأصل هنا زيادة "فيجيء الفقير" وهو هنا غريب فحذفته.
3 في الأصل: الصبر وكتب في الهامش: الصفة وهو الصحيح.
4 القنو: العذق والجمع: القنوان والإقناء. انظر "مختار الصحاح" "ص580".
5 في الأصل: مما هو خطأ.
6 الواو زيادة مني استدركتها في "الدر".
7 في "الجامع"، كتاب "التفسير" "5/ 203-204" "2987" وقال: "هذا حديث حسن غريب صحيح" وكذلك نقله القرطبي في "الجامع" "3/ 211" ونقل قوله ابن كثير "1/ 320" وليس فيه "صحيح"! وعزاه السيوطي في "اللباب" "ص49" إلى ابن ماجه ايضًا وفي "الدر المنثور" "2/ 85" إلى آخرين فانظره.
8 نقله عنه وذكر سنده ابن كثير "1/ 320".(1/623)
وأخرجه الروياني1 والحاكم في "المستدرك" من طريق أسباط بن نصر عن السدي عن عدي بن ثابت عن البراء نحوه ولفظه2: نزلت هذه الآية في الأنصار كانوا عند جذاذ3 النخل من حيطانها يخرجون أفناء من التمر والبسر4 فيعلقونها على حبل بين أسطوانتين في المسجد فيأكل5 منه فقراء المهاجرين الحديث فنزلت6.
وأخرج الحاكم7 من طريق أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين عن جابر
__________
1 وضع الناسخ فوقه "كذا" وكتب في الهامش كلمتين ذهب نصفهما في التصوير، ويفهم من الباقي: "لعله الفريابي" وليس كذلك، فالمقصود، الروياني، والحديث مذكور في "مسنده" في الجزء الثاني والعشرين "وفيه بقية حديث البراء" "الورقة 90ب".
وهذا المنسد من مرويات الحافظ قال في "المعجم المفهرس" "ص116": "قرأت الكثير منه وأروي سائره بالإجازة".
والروياني هو الإمام الحافظ الثقة أبو بكر، محمد بن هارون توفي سنة "307هـ"، انظر ترجمته في "السير" للذهبي "14/ 507-510" و"تاريخ التراث العربي" لسزكين "م1/ ج1/ ص335-336".
2 انظر "المستدرك" "2/ 285", لم يلتزم المؤلف باللفظ! وقد تصرف فزاد ونقص! وهذا أقرب ما يكون إلى لفظ الواحدي فقد روى هذا الحديث انظر "الأسباب" "ص82".
وقال الحاكم بعد ذكره: "هذا حديث غريب صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه" ووافقه الذهبي، ونسب ابن كثير "1/ 320" إلى الحاكم قوله: "صحيح على شرط البخاري ومسلم ولم يخرجاه" وقد عرفت الموجود في المطبوع!
3 جذه: كسره وقطعه انظر "المختار" "ص112".
4 في "مختار الصحاح" "ص64": "البسير: أوله طلع ثم خَلال -بالفتح- ثم بَلَح- بفتحتين- ثم بسر ثم رطب ثم تمر، الواحدة، بسرة".
5 هكذا في "مسند الروياني" والحاكم والواحدي وابن كثير، وفي الأصل: ينال والظاهر أنه تحريف.
6 ورواه الطبري "5/ 559" "6193 ".
7 في "المستدرك" "2/ 283-284" وقال: "صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه" ووافقه الذهبي. ونقله السيوطي عنه "2/ 59" ورواه الواحدي ايضًا "ص81-82".(1/624)
قال: [أمر] 1 النبي صلى الله عليه وسلم بزكاة الفطر بصاع من تمر فجاء رجل بتمر رديء فنزلت.
وأخرجه الفريابي وعبد بن حميد عن قبيصة عن الثوري به2 عن جعفر عن أبيه مرسلا لم يذكر جابر وزاد فيه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يجزين هذا التمر". فنزلت وأمر النبي صلى الله عليه وسلم [الذي يخرص التمر] أن لا يجيزه3.
وأخرج عبد بن حميد والنسائي4 من طريق أبي أمامة بن سهل كان المنافقون يتلومون5 شرار ثمرهم الصدقة فنزلت.
وأخرجه ابن أبي حاتم موصولا من طريق أبي الوليد عن سليمان بن كثير عن الزهري عن أبي امامة عن أبيه.
__________
1 من "المستدرك".
2 كرر هنا في الأصل: عن الثوري. ووضع الناسخ فوق "عن"كذا وهو خطأ فحذفته.
2 عزاه السيوطي "2/ 58-59" إلى عبد بن حميد فقط وليس فيه: فقال رسول الله: "لا يجزين هذا التمر" ومنه استدركت ما بين المعقوفين.
4 في "سننه" كتاب "الزكاة" باب قوله عز وجل: {وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيث} "5/ 43" "2492" ولفظه ".. {وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} قال: هو الجعرور ولون حبيق فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تؤخذ في الصدقة الرُّذالة" قال السيوطي في شرحه عليه عن المذكورين: "هما نوعان من التمر رديئان" وضبط الرذالة بضم الراء وإعجام الذال وقال: "الرديء". وكان ابن كثير أورد حديث ابن أبي حاتم، الموصول "1/ 320-321" ونصه: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن لونين من التمر والجعرور والحبيق وكان الناس يتيممون شرار ثمارهم ثم يخرجونها في الصدقة فنزلت {وَلا تَيَمَّمُوا} ثم قال: "رواه أبو داود ... وقد روى النسائي هذا الحديث من طريق عبد الجليل فذكر نحوه" وكأن ابن حجر نظر "تفسير ابن كثير" فقال ما قال، ولم يعد إلى النسائي مباشرة ولو عاد لوجد اللفظ مختلفًا!
5 لفظ ابن أبي حاتم عبد ابن كثير "1/ 321": يتيممون.
ويتلومون من تلوم في الأمر: تمكث وانتظر كما في "القاموس" مادة لوم "ص1496" وكلا اللفظتين محتمل هنا كما ترى.(1/625)
وذكره أبو داود1 عن أبي الوليد مختصرا.
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد من طريق مجاهد نحوه وعبد من طريق قتادة2: ذكر لنا أن الرجل كان يكون له حائطان3 على عهد نبي الله صلى الله عليه وسلم فينظر إلى أردئهما4 تمرا فيتصدق به ويخلط5 به الحشف، فعاب الله ذلك عليهم، وتلا هذه الآية. وعن يعلى بن عبيد عن جويبر عن الضحاك: كان ناس من المنافقين يجيئون بصدقاتهم بأردئ ما عندهم من التمر فأنزل الله تعالى: {وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ} 6. ومن طريق الحسن نحوه.
وأخرجه الثعلبي من طريق محمد بن مروان السدي الصغير في روايته عن الكلبي عن باذان عن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهم: "إن لله في أموالكم حقا فإذا بلغ حق الله فأعطوا منه" فكانوا يأتون أهل الصدقة بصدقاتهم ويضعونها في المسجد فإذا اجتمعت قسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء رجل بعد ما رق أهل المسجد وتفرق عامتهم بعذق حشف فوضعه في أهل الصدقة فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فأبصره فقال: "من جاء بهذا؟ " قالوا: لا ندري، فقال: "بئس ما صنع صاحب هذا"، وأمر به فعلق، فكل من رآه من الناس يقول: بئس ما صنع صاحب هذا الحشف فأنزل الله هذه الآية قلت: وذكره مقاتل بن سليمان7 بمعناه لكن قال في أوله: إن النبي صلى الله عليه وسلم أمر
__________
1 في "سننه"، كتاب "الزكاة" باب ما لا يجوز من الثمرة في الصدقة "2/ 110-111" "1607. وانظر "تفسير الطبري" "5/ 561" و"تفسير ابن كثير" "1/ 320-321".
2 وأخرجه عنه الطبري "5/ 562". من طريق سعيد.
3 في الأصل: حلطان، هكذا بدون تنقيط.
4 في الأصل: أرادهما.
5 في الأصل: وتحلف، بدون تنقيط.
6 وأخرجه الطبري "5/ 565-566" "6156" من طريق يزيد عن جويبر.
7 في تفسيره "1/ 142".(1/626)
بالصدقة قبل أن تنزل آية الصدقات.
محمد1 بن يحيى بن حبان2 الأنصاري أن رجلا من قومه أتى بصدقته يحملها إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنواع من التمر من الجعرور ونحوه مما لا خير فيه من التمر فردها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنزل الله تعالى هذه الآية.
161- قوله تعالى: {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} الآية 271.
1- قال الواحدي3: قال ابن الكلبي: لما نزل قوله تعالى: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ} 4 قالوا: يا رسول الله صدقة السر أفضل أم صدقة العلانية فأنزل {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ} الآية.
وذكره الثعلبي بغير إسناد.
2- قول ز آخر أخرج ابن أبي حاتم5 نا أبي نا الحسين بن زياد مؤدب محارب نا موسى بن عمير عن الشعبي في قوله تعالى: {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِي} الآية: قال: أنزلت في أبي بكر وعمر، أما عمر فجاء بنصف ماله حتى دفعه للنبي
__________
1 وضع الناسخ فوقه: كذا، إشارة إلى عدم ارتباط الكلام، وقد ذكر السيوطي في "الدر" "2/ 59" هذا الخبر وعزاه إلى ابن المنذر ونصه " ... أتى بصدقته يحملها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصناف من التمر ومعروفة من الجعرور واللينة والأرياخ والخضرة وآمعاء فارة، وكل هذا لا خير فيه ... ".
2 وضع الناسخ فوق الحاء فتحة وهو مصيب، ومحمد من أتباع التابعين في المدينة إمام أخرج عنه الستة توفي سنة "121" انظر ترجمته في "التهذيب" "9/ 507-508" وفي آخرها قال ابن حجر: "قلت: قال" وينقطع الكلام! و"مشاهير علماء الأمصار" لابن حبان "ص136" "1079" فالخبر منقطع.
3 "ص82".
4 البقرة: "270".
5 نقله بسنده ابن كثير "1/ 323" وما بين المعقوفين منه، وفي نقل المؤلف اختصار.(1/627)
صلى الله عليه وسلم، وأما أبو بكر فجاء بماله كله [يكاد] يخفيه من نفسه حتى دفعه للنبي صلى الله عليه وسلم1. وقصة إتيان أبي بكر وعمر بالمال وردت من طريق موصولة2، ولكن ليس فيها ذكر نزول الآية أخرجها3 أبو داود4 وصححها5 الترمذي6 والحاكم7 من رواية زيد ين أسلم عن أبيه عن عمر به.
162- قوله تعالى: {لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [الآية 272] .
1- قال الفريابي في "تفسيره": نا سفيان عن الاعمش عن جعفر بن إياس عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال8: كانوايكرهون أن يرضخوا لأنسابهم9 من المشركين، فسألوا فرخص لهم فنزلت هذه الآية {لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ} إلى قوله: {وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُون} .
__________
1 منقطع.
وزاد السيوطي "2/ 85" نسبته إلى ابن مردويه والأصبهاني في "الترغيب"وابن عساكر.
2 في الأصل: "موصولة أخرجها" ووضع الناسخ بعد "أخرجها": كذا. وهو مصيب فحذفتها ويغني عنها ما سيأتي.
3 في الأصل: أخرجه.
4 في "سننه"، كتاب "الزكاة" باب الرخصة في ذلك بعد باب الرجل يخرج من ماله "2/ 129" "1678".
5 في الأصل: وصححه.
6 في "جامعه" كتاب "المناقب" باب في مناقب أبي بكر وعمر رضي الله عنهما كليهما "574/ 5" "3675" وقال: "هذا حديث حسن صحيح".
7 في "مستدركه"، كتاب "الزكاة" "1/ 414" وقال: "هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه" ووافقه الذهبي.
8 في الأصل: قالوا. ووضع الناسخ فوقها كذا وعدلتها إلى ما ترى.
9 في النسائي: لأنسبائهم.(1/628)
وأخرجه النسائي1 والطبراني2 من طريق الفريابي، وكذا هو في تفسير الثوري" رواية أبي حذيفة3.
وأخرجه عبد بن حميد عن أبي داود [عمر] بن سعد4 الحفري5 عن سفيان. وأخرجه الطبري6 من طريق الحفري7 موصولا أيضا.
ومن طريق أبي أحمد8 الزبيري9 وعبد الله بن المبارك10 عن سفيان كذلك ولفظ رواية ابن المبارك: كان أناس من الأنصار لهم أنسباء وقرابة من قريظة والنضير، وكانوا يتقون11 أن يتصدقوا عليهم ويريدون أن يسلموا فنزلت {لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُم} الآية.
__________
1 في "تفسيره" "ص26" الرقم "72"، عزاه إليه في "التحفة" "4/ 402".
2 في "المعجم الكبير" "12/ 54" "12453" وأورده الهيثمي في "المجمع" "6/ 324" فسقط منه قوله: {يَكْرَهُون} وقال: "رواه الطبراني عن شيخه عبد الله بن محمد بن سعيد بن أبي مريم وهو ضعيف ورواه البزار، بنحوه ورجاله ثقات".
3 لم أجده في المطبوع من "تفسيره" وقد مررت عليه كله، وكان ابن كثير قد قال "1/ 323" بعد أن أورد طريق النسائي: "وكذا رواه أبو حذيفة وابن المبارك وابن أحمد الزبير وأبو داود الحفري عن سفيان" وكأن ابن حجر نقل منه.
4 في الأصل: عن أبي داود عن سعيد وهو خطأ شديد.
5 لم تنقط في الأصل، ورسمت كأنها الحعرى، والصواب ما أثبت، وهذه النسبة -بفتح المهملة والفاء- نسبة إلى موضع بالكوفة، وأبو داود ثقة عابد مات سنة "203" "التهذيب" "7/ 452".
6 "5/ 587" "6202" وقد ذكره بكنيته: "أبي داود" ولم يذكر نسبته.
7 تصحف في الأصل إلى الحعدي! وفي "تفسير ابن كثير" "1/ 323" إلى الحضرمي، ونقله الشيخ أحمد شاكر في تخريج الطبري ساكتًا عليه غير منتبه إلى ما فيه!
8 في الأصل: ابن وما بعدها فراغ سقط منه اسم "أحمد".
9 "5/ 588" "6204" وقد ذكره بكنيته ولم يذكر نسبته.
10 "5/ 588" "6205".
11 في الأصل: ينهون ووضع الناسخ عليها إشارة لحق وفي الهامش:.. والتصحيح من الطبري.(1/629)
وأخرج الثعلبي من تفسير الكلبي نحوه وزاد فأعطوهم بعد نزولها.
ورواه أشعث بن إسحاق عن جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير مرسلا، وخالف في سياقه ولفظه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تصدقوا إلا على أهل دينكم" فنزل قوله تعالى: [ {لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ} ] 1 فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تصدقوا على أهل الأديان".
أخرجه هكذا إسحاق في تفسيره عن جرير عنه2.
وأخرجه الواحدي من طريق [سهل] بن عثمان عن جرير3.
وأخرجه ابن أبي حاتم4 من طريق الدشتكي عن أشعث فوصله بذكر ابن عباس، ولفظه: كان يأمرنا5 أن لا نتصدق6 إلا على أهل الإسلام، حتى نزلت هذه الآية فأمرنا7 بالصدقة بعدها على كل من سألك من كل دين.
وأخرجه الطبري8 من طريق يحيى بن يمان عن أشعث9 مرسلا بلفظ: كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يتصدق على المشركين فنزلت فتصدق عليهم.
وذكره الثعلبي عن سعيد بن جبير بغير إسناد ولفظه: كانوا يتصدقون على
__________
1 الزيادة من الواحداي.
2 عزاه السيوطي "2/ 87" إلى ابن أبي شيبة فقط.
3 "ص82-83" وما بين المعقوفين استدركته منه وكان فراغًا في الأصل.
4 نقله عنه ابن كثير "1/ 323-324" والسيوطي "2/ 86" وزاد نسبته إلى ابن مردويه والضياء.
5 في ابن كثير: يأمر.
6 لم تنقط في الأصل، وفي ابن كثير: يتصدق.
7 في ابن كثير والسيوطي: فأمر.
8 "5/ 587" "6201".
9 وتتمة السند: عن جعفر عن شعبة، وقوله: شعبة تصحيف لم تنتبه له محققًا التفسير والصحيح: سعيد.(1/630)
فقراء أهل الذمة فلما كثر فقراء المسلمين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر نحو الدشتكي1 وزاد: فمنعوهم ليدخلوا في الإسلام.
وأخرج ابن أبي حاتم2 من طريق يزيد بن أبي حبيب المصري: إنما نزلت هذه الآية {وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ} في [النفقة على] اليهود والنصارى. فكأنه يشير إلى هذا التفسير المذكور عن سعيد بن جبير [و] 3 عن ابن الكلبي.
طريق آخر: أخرج عبد بن حميد والطبري4 من طريق سعيد عن قتادة: ذكر لنا أن ناسا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: أنتصدق5 على من ليس من أهل ديننا؟ قال قتادة: فأنزل الله {لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُم} الآية.
طريق آخر: وأخرج الطبري6 من طريق أبي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس: كان الرجل من المسلمين إذا كان بينه وبين الرجل من المشركين قرابة وهو محتاج فلا يتصدق عليه يقول ليس من أهل ديني فأنزل الله عز وجل {لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُم} الآية.
__________
1 وقد أسنده من قبله الطبري "5/ 589" "6209" فقال: "حدثني المثنى قال: حدثنا الحماني قال: حدثنا يعقوب القمي، عن جعفر بن أبي المغيرة، عن سعيد بن جبير قال: كانوا يتصدقون" وهنا ينقطع الكلام وإن كان الناسخ قد وصله بما بعده انتبه إلى ذلك المحقق الأستاذ محمود شاكر واستدرك تتمة الأثر من "تفسير القرطبي".
وعزاه السيوطي "2/ 87" إلى ابن المنذر.
2 نقله عنه السيوطي "2/ 88" وما بين المعقوفين منه.
3 زيادة لازمة منى.
4 "5/ 588" "6206" وقد عزاه إليهما السيوطي "2/ 87".
5 في الأصل: لا نتصدق. وأثبت ما في الطبري والسيوطي.
6 "5/ 588" "6207".(1/631)
طريق آخر: أخرج الواحدي1 من طريق سهل بن عثمان العسكري عن ابن نمير عن حجاج عن سالم2 المكي عن ابن الحنفية كان المسلمون يكرهون أن يتصدقوا على [فقراء] 3 المشركين حتى نزلت هذه الآية فأمروا أن يتصدقوا عليهم.
قول آخر: أخرج الثعلبي من تفسير ابن الكلبي4 قال: اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرة القضاء وكانت معه في تلك العمرة أسماء بنت أبي بكر فجاءتها أمها قتيلة5 وجدتها -يعني لأمها- تسألانها، وهما مشركتان فقالت: لا أعطيكما شيئا حتى أستأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنكما لستما على ديني فاستأمرته في ذلك فأنزل الله تعالى هذه الآية، فأمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد نزول هذه الآية أن تتصدق عليهما فأعطتهما. انتهى6.
وقال مقاتل بن سليمان7: نزلت في أسماء بنت أبي بكر سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن صلة جدها أبي قحافة فنزلت.
__________
1 "ص83".
2 في الواحدي: سلمان.
3 من الواحدي.
4 ونقله الواحدي عن الكلبي "ص83" ولم يذكر الثعلبي وكأنه أخذه منه.
5 ذكرها المؤلف في "الإصابة" القسم الأول "4/ 388-389" "885" باسم "قتلة" وقال: "وقيل: بالتصغير ... " ثم قال: "إن كانت عاشت إلى الفتح فالظاهر أنها أسلمت".
6 قال ابن كثير في تفسير سورة الممتحنة "4/ 349": "قال الإمام أحمد حدثنا أبو معاوية حدثنا هشام بن عروة عن فاطمة بنت المنذر عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قال: قدمت أمي وهي مشركة في عهد قريش إذ عاهدوا، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله إن أمي قدمت وهي راغبة أفأصلها؟ قال: "نعم صلي أمك". أخرجاه وثمة أحاديث أخرى وليس فيها ذكر {لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ} وإنما في بعضها فأنزل الله تعالى: {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ} .
7 في تفسيره "1/ 144".(1/632)
قلت: وهذا متوجه إن كان ما نقله ابن الكلبي ثابتا فإنه حينئذ يحتمل أن تكون أسماء سألت عن حكم صلة جدها أبي قحافة بعد أن دخلت مكة في العمرة المذكورة، والمحفوظ لأسماء أن أمها قدمت عليها المدينة تسألها كما سيأتي بيانه في تفسير سورة الممتحنة.
وقال ابن ظفر: قيل إن عبد الرحمن بن أبي بكر كان مشركا بمكة، فكتب إلى أبيه يستوصله، فكره أن يصله بشيء لشركه، وإن أسماء بنت أبي بكر قدمت عليها أمها قتيلة مشركة تستوصلها فحجبتها ومنعتها، فنزلت الآية إذنا في الصدقة على الكفار.
قلت: وقصة أسماء أشرت إليها، وأما عبد الرحمن فما عرفت سلفه فيه.
163- قوله ز تعالى: {لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّه} [الآية 273] .
قال مقاتل1 هم: أهل الصفة منهم أبو هريرة وابن مسعود والموالي أربعمائة رجل لا أموال لهم بالمدينة، فإذا كان الليل أووا إلى الصفة فأمر الله بالنفقة عليهم.
وقال ابن ظفر: قال ابن عباس: نزلت في الفقراء أهل الصفة مهاجرة الأعراب.
وقال الثعلبي: كانوا نحوا من أربعمائة رجل لا مساكن لهم بالمدينة ولا عشائر، أووا إلى صفة المسجد، فيجيئون السوق بالنهار ويتعلمون القرآن بالليل وقالوا: نخرج في كل سرية فحض الله الناس على " "2، فكان الرجل إذا كان عنده فضل أتاهم به.
__________
1 في "تفسيره" "1/ 144".
2 فراغ في الأصل بمقدار كلمة، ويصح المعنى لو قدرنا: "النفقة" أو "الصدقة".(1/633)
وذكره ابن ظفر عن ابن عباس بنحوه، وزاد في آخره حين يمسي.
164- قوله تعالى: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلانِيَة} .
1- قال مقاتل1: نزلت في علي بن أبي طالب لم يملك غير أربعة دراهم فتصدق بدرهم ليلا وبدرهم نهارا وبدرهم سرا وبدرهم علانية، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "ما حملك على ذلك؟ " قال: حملني عليه طلب ما وعد الله فقال: "لك ذلك" فأنزل الله {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلانِيَة} .
ونقل الواحدي2 هذا بعينه عن الكلبي وقد3 رويناه موصولا من طريق عبد الوهاب بن مجاهد [عن أبيه] عن ابن عباس في الطبراني4.
وأسند ابن مردويه والثعلبي من طريق أيوب عن مجاهد عن ابن عباس: كان عند علي فذكره إلى قوله: علانية.
وقد أخرجه الطبري5 وابن أبي حاتم6 من طريق عبد الوهاب بن مجاهد
__________
1 في "1/ 145" بتصرف يسير. وانظر "الدر المنثور" "2/ 100".
2 "ص86".
3 في الأصل، فقد، والواو أحسن، وهو من هنا إلى قوله، "الطبراني" استدركه الناسخ في الهامش.
4 "المعجم الكبير" "11/ 97" "11164" وما بين المعقوفين منه.
وأورده الهيثمي في "المجمع" "6/ 324" وقال: "فيه عبد الوهاب "في الأصل: الواحد وهو تحريف" ابن مجاهد وهو ضعيف" وهو من طريق عبد الرزاق.
5 في "تفسير الطبري" في هذا الموضع سقط ذهب فيه هذا الأثر وقال محققه "5/ 601": "لم أستطع أن أجد ما يدلني عليه في كتاب آخر".
ونقل ابن حجر هنا يفيد شيئًا من هذا الساقط، وقد أشار إليه من قبله ابن كثير "1/ 326" بعد أن أورده عن ابن أبي حاتم وذكر ضعف عبد الوهاب وكأن ابن حجر نقل عنه.
6 ورواه عن ابن أبي حاتم الواحدي "ص86".(1/634)
عن أبيه1: كان لعلي أربعة دراهم فذكره، وعبد الوهاب ضعيف.
وقد أخرجه عبد الرزاق2 عنه فوصله بذكر ابن عباس فيه3، وأخرجه عبد بن حميد عن عبد الرزاق بذلك، وينظر في رجال سنده4، وذكر بقيته الكلبي في "تفسيره"5.
2- قول آخر6، أخرج ابن أبي حاتم7 والطبراني8 والواحدي9 من طريق ابن10 مهدي عن يزيد بن عبد الله بن عريب11 عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم:
__________
1 جاء في ابن كثير هنا: "عن مجاهد عن ابن جبير عنه أبيه" وهذا تحريف والصحيح: مجاهد بن جبير عن أبيه".
2 في "تفسيره" "ص37".
3 ورواه عنه الواحدي "ص86".
4 هذه العبارة غريبة! فالسند هو "عبد الرزاق عن عبد الوهاب عن أبيه مجاهد عن ابن عباس" فما معنى النظر في سنده!
ثم إن قوله: "وقد أخرجه عبد الرزاق ... إلخ" قلق هنا لأن موضعه قبل قوله: "وأسند ابن مردويه ... ".
5 قول المؤلف مشعر أن "تفسير الكلبي" كان هنا تحت يده!
6 لا أجد في هذا القول سبب نزول صريحًا.
7 نقله عنه ابن كثير "1/ 326".
8 في "المعجم الكبير" في مسند "عريب أبو عبد الله المليكي" "17/ 188" "504" وزاد الهيثمي في "المجمع" "6/ 324" أنه رواه في "الأوسط" أيضًا وقال: "ويزيد بن عبد الله وأبوه لا يعرفان" وقال السيوطي في "اللباب" "ص49": مجهولان.
9 "ص84".
10 في الأصل: أبي.
11 ترجمه المؤلف في "الإصابة" "2/ 479" "5535" فقال: "عريب المليكي أبو عبد الله" وقال في نهاية الترجمة "عريب -بمهملة- بوزن عظيم" وقد تصحف في "مجمع الزوائد" و"لباب النقول" إلى غريب وتصحف المليكي في "الدر المنثور" "2/ 100" إلى المكي!.(1/635)
نزلت هذه الآية {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} الآية في أصحاب1 الخيل2.
وأخرجه عبد بن حميد3 من طريق قيس بن حجاج عن حنش4 الصنعاني عن ابن عباس قال: على الخيل في سبيل الله5. وأخرجه ابن أبي حاتم من هذا الوجه بلفظ: الذين يعلفون الخيل في سبيل الله، وأخرج الطبري6 من طريق العجلان بن سهيل عن أبي أمامة في تفسير هذه الآية {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} الآية نزلت في أصحاب الخيل فيمن لم يرتبطها لخيلاء ولا مضمار.
ومن طريق الأوزاعي مثله من قوله7.
165- قوله تعالى: {قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا} [الآية: 275] .
أخرج 8 والطبري9 من طريق ورقاء10 عن ابن أبي نجيح عن
__________
1 في "الكبير:": نفقات.
2 انظر ما قاله المؤلف عن إسناد هذا الحديث في "الإصابة".
3 وكذلك الواحدي "ص84".
4 تصحف في ابن كثير إلى: حبش.
5 النص في الواحدي: "في علف الخيل" وبهذا يتسق مع الذي بعده. وقد جمع السيوطي "2/ 100" بين الثلاثة: عبد وابن أبي حاتم والواحدي وأضاف ابن المنذر في سياق واحد وفي ابن كثير "1/ 326": قال حنش الصنعاني: عن ابن شهاب عن ابن عباس.. رواه ابن أبي حاتم.
6 سقط هذا من التفسير. وقد ساقه الواحدي بسنده "ص85" عن أبي أمامة، وعزاه السيوطي "2/ 100" إلى ابن عساكر فقط. ولو رآه في الطبري لعزاه إليه، فكأن السقط قديم!
7 سقط من التفسير أيضًا وعزاه إليه الواحدي "84" بدون سند.
8 فراغ في الأصل بمقدار كلمة.
9 "6/ 8" "6235".
10 رواية الطبري عن عيسى.(1/636)
مجاهد1: كانوا في الجاهلية يكون للرجل على الرجل الدين فيقول: لك كذا وكذا وتؤخر عني2.
ومن طريق سعيد3 عن قتادة: إن ربا أهل الجاهلية يبيع الرجل إلى أجل مسمى، فإذا حل الأجل ولم يكن عند صاحبه قضاء زاد وأخر عنه.
وقال الثعلبي: كان أهل الجاهلية إذا حل مال أحدهم على غريمه فطالبه يقول: زدني في الأجل وأزيدك في مالك فيفعلان ذاك، ويقولان: سواء علينا الزيادة في أول البيع بالربح أو عند محل المال لأجل التأخير فأكذبهم الله فقال: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا} .
وهذا أخرجه ابن أبي حاتم من طريق ابن لهيعة عن عطاء بن دينار عن سعيد بن جبير نحوه.
وأخرج الطبري4 من طريق ليث عن مجاهد: كانوا إذا حل دين بعضهم فلم يجد ما يعطي زاده وأخره فنهوا عن ذلك5.
166- قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} 278.
أخرج الطبري6 من طريق أسباط عن السدي: نزلت هذه الآية في العباس بن
__________
1 في الطبري: "قال في الربا الذي نهى الله عنه".
2 لم أجده عند ابن كثير ولا السيوطي.
3 "6/ 8" "6237".
4 لم أجده في تفسيره في هذا الموضع! ووجدته في تفسير الآية "280": "وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة" "6/ 32" "6293" وفي النقل تصرف.
5 لا أجد في المذكور هنا سبب نزول مباشرًا.
6 "6/ 22-13" "6258" وعزاه السيوطي "2/ 107" أيضًا إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم.(1/637)
عبد المطلب ورجل من بني المغيرة، كانا شريكين في الجاهلية، فيسلفان في الربا إلى ناس من ثقيف، من بني عميرة1 وهو بنو عمرو بن عمير فجاء الإسلام ولهما أموال عظيمة في الربا فنزلت.
وأخرج الواحدي2 من طريق السدي أول هذا الخبر وسمى الرجل من بني المغيرة خالد بن الوليد بن المغيرة، فذكره إلى قوله: فجاء الإسلام فقال في سياقه: ولهما أموال عظيمة في الربا فأنزل الله هذه الآية فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ألا إن كل ربا من ربا الجاهلية موضوع وأول ربا أضعه ربا العباس بن عبد المطلب".
قلت: وهذا الحديث الآخر ثابت في "الصحيحين" وغيرهما، دون ما قبله، من رواية جابر وغيره في خطبة حجة الوداع3.
ومن طريق ابن جريج4 كانت ثقيف قد صالحت رسول الله صلى الله عليه وسلم على أنه لهم ربا على الناس فهو لهم5، وما كان للناس عليهم من ربا فهو موضوع، فلما كان الفتح، استعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم على مكة عتاب بن أسيد، وكانت بنو عمرو بن عمير بن عوف يأخذون الربا من بني المغيرة، وكانت بنو المغيرة يربون لهم في الجاهلية فجاء الإسلام ولهم عليهم مال كثير، فأتاهم بنو عمرو بن عمير يطلبون رباهم، فأبى بنو
__________
1 في الطبري: عمرو وفي "الدر": ضمرة.
2 "ص87-88".
3 حديث جابر في مسلم "2/ 886" ولم يخرجه البخاري.
وأخرجه أيضًا أبو داود والنسائي وابن ماجه كما في "تحفة" "2/ 271-272"، وأخرجه ابن حبان انظر "الإحسان" "9/ 250".
4 أي: روى الطبري من طريقه عنه "6/ 23" "6259" ونقله المؤلف في "الإصابة" القسم الأول "3/ 609" في ترجمة هلال الثقفي.
5 هكذا العبارة هنا وفي "الإصابة" "وجاءت في الطبري: "على أن مالهم من ربا على الناس".(1/638)
المغيرة أن يعطوهم في الإسلام، فرفعوا ذلك إلى عتاب بن أسيد فكتب عتاب بن أسيد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا} إلى {يُظْلَمُون} فكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عتاب فقال: "إن رضوا وإلا فأذنهم بحرب"، قال ابن جريج: وذكر عكرمة أن بني عمرو بن عمير كانوا يأخذون الربا على بني المغيرة ويزعمون أنهم مسعود وعبد ياليل وحبيب وربيعة بنو عمرو بن عمير فهم الذين كان لهم الربا فأسلم عبد ياليل وحبيب وربيعة ومسعود وهلال.
قلت: لم يتقدم لهلال ذكر في الإخوة الأربعة، فيحتمل أن يكون أخاهم فعد خامسا، ويحتمل أن لا يكون أخاهم بل كان ممن له ربا من ثقيف فأسلم وسلم الحكم1.
ووقع في الرواية إشكال؛ لأن ظاهرها أن إسلام ثقيف ومصالحهم كان قبل فتح مكة! وليس كذلك، ولعل معنى الكلام أن الفاء في قوله: "فلما كان فتح مكة" معقبة لشي محذوف، وإنما ذكر فتح مكة هنا لما وقع في القصة أنهم تحاكموا إلى عتاب فبين سبب كونه حاكما ثم أكمل القصة2.
وقد ساق مقاتل بن سليمان في "تفسيره"3 سياقا واضحا فقال: نزلت [يعني {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا} ] في أربعة إخوة من ثقيف -فسماهم ونسبهم- كانوا يداينون بني المغيرة بن عبد الله بن عمرو4 بن مخزوم فلما أظهر الله نبيه على الطائف اشترطت5 ثقيف، فذكر الشرط واختصامهم إلى عتاب،
__________
1 وقال مثل هذا في الإصابة "3/ 609".
2 وقال في "الإصابة" في الموضع المشار إليه: "وفي ذكر مصالحة ثقيف، قبل قوله: فلما كان الفتح، نظر ذكرت توجيهه في "أسباب النزول" وهو يعني هذا الموضع.
3 "1/ 146-147" وما بين المعقوفين من إضافة المؤلف.
4 في مقاتل: عمر.
5 في الأصل: اشترطوا، ووضع الناسخ عليها: كذا وأثبت ما في مقاتل وهو الوجه.(1/639)
فقال بنو المغيرة: أجعلنا أشقى الناس بالربا وقد وضع عن الناس! فقالت ثقيف: إنا صالحنا على ذلك فكتب عتاب، الحديث.
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق بكير [بن] 1 معروف عن مقاتل بن حيان نحوه وزاد: كلهم إخوة وهم الطالبون، وبنو المغيرة المطلوبون، وذكر سياق القصة التي ذكرها ابن جريج وفيه "كتب لهم في الشرط ما كان لهم من ربا" إلى آخره وزاد "ولهم ما للمسلمين وعليهم ما عليهم فلما طلبوهم قالت بنو المغيرة: والله لا نعطي الربا في الإسلام وقد وضعه الله فرفعوا شأنهم لمعاذ بن جبل، ويقال عتاب بن أسيد، وأحدهما عامل رسول الله صلى الله عليه وسلم على مكة، فكتب بقصتهم، فأنزل الله على نبيه {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} فكتب إلى معاذ بن جبل: "أن اعرض عليهم هذه الآية، فإن فعلوا فلهم رءوس أموالهم، وإن أبوا فآذنهم بحرب".
وأخرج أبو يعلى في "مسنده"2 من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس أن هذه الآية نزلت في بني عمرو بن عمير فذكر القصة بطولها نحوه.
وذكر ابن ظفر أن بعضهم ذهل فسمى ابن المغيرة الوليد، وزيفه بأن الوليد ما مات حتى سلبه الله المال الممدود.
__________
1 زيادة مني.
2 "5/ 74" "341" قال: "حدثنا محمد "في الأصل: أحمد وعدلها المحقق" الأحمسي، حدثنا محمد بن فضيل، حدثنا الكلبي ... " وأخرجه الواحدي "ص87" من طريقه وفيه: "أخبرنا أبو يعلى، حدثنا أحمد بن الأخنس".
وفي ابن كثير "1/ 331": "قال الحافظ أبي يعلى: حدثنا الأخنس أحمد بن عمران ... " فلاحظ، وذكره الهيثمي في "المجمع" "4/ 119-120" وقال: "فيه الكلبي وهو كذاب" وقد عزاه السيوطي في "اللباب" "ص50" إلى ابن منده أيضًا من نفس الطريق.(1/640)
قلت: وأقوى في الرد من ذلك أنه كان مات لأن أهل الطائف إنما أسلموا بعد فتح مكة لأن1 الوليد مات قبل ذلك بدهر طويل والنبي صلى الله عليه وسلم يومئذ بمكة.
167- قوله تعالى: {وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُم} 3،2
قال الواحدي4: "قال عطاء وعكرمة: نزلت في العباس بن عبد المطلب وعثمان بن عفان وكانا قد أسلفا في التمر فلما حضر الجذاذ قال لهما صاحب التمر: لا يبقى لي ما يكفي عيالي إن أنتما أخذتما حقكما كله، فهل لكما أن تأخذا النصف وتؤخرا النصف وأضعف لكما؟ ففعلا. فلما حل الأجل طلب الزيادة فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنهاهما عن ذلك وأنزل الله تعالى هذه الآية فقالا: سمعا وطاعة وأخذا رءوس أموالهما".
168- قوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [الآية: 280] .
نقل الواحدي5 عن ابن الكلبي: قال [بنو] 6 عمرو بن عمير لبني المغيرة: هاتوا رءوس أموالنا ولكم الربا ندعه لكم، فقال بنو المغيرة: نحن اليوم أهل عسرة فأخرونا إلى أن ندرك التمر فأبوا أن يؤخروهم فأنزل الله تعالى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} .
وأخرج الطبري7 من طريق مغيرة عن إبراهيم النخعي في قوله: {فَنَظِرَةٌ إِلَى
__________
1 تكرار "لأن" فيه نظر ولكن النص ورد هكذا! ولعله سقط: "و" أي: ولأن.
2 كتب الناسخ: "الواو" ملتصقًا بـ"الألف" فبدا كأنه "فاء".
3 لم يكن يلزم المؤلف ذكر هذه الآية لأنها تابعة للتي قبلها، وما سينقله عن الواحدي كان الواحدي قد ذكره في ضمن الكلام على الآية "278" فهو قول آخر في سبب نزول هاتين الآيتين.
4 "ص87" في الكلام على الآية "278"، وذكر مثله ابن الجوزي في "زاد المسير" "1/ 332".
5 "ص88".
6 من الواحدي.
7 "6/ 30" "6279".(1/641)
مَيْسَرَة} قال: ذاك في الربا. ومن طريق يزيد بن أبي زياد1 عن مجاهد عن ابن عباس قال: نزلت في الدين.
ومن طريق ابن جريج قال لي عطاء: ذلك في الربا وفي الدين في كل ذلك2.
169- قوله ز تعالى: {وَلا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ} .
أخرج ابن أبي حاتم بعد نقله عن3 مجاهد4 والسدي وجوب الكتابة على ذلك أن سبب ذلك ما أسنده إلى بكير بن معروف عن مقاتل بن حيان قال:
الكاتب -يعني في زمانه- إذا كانت له حاجة ووجد غيره يذهب في حاجته ويلتمس غيره وذلك أن الكتاب في ذلك الزمان كانوا قليلا.
170- قوله ز تعالى: {وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} 6،5 [الآية: 282] .
أخرج عبد بن حميد والطبري7 من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة في قوله تعالى: {وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} 8 قال: كان الرجل يطوف في الحواء9
__________
1 "6/ 33" "6296" وكان قد روى "ص30" "6277" من طريقه أيضًا عن ابن عباس: "نزلت في الربا".
2 لم أجده في تفسير هذه الآية.
3 لم يكن "عن" في الأصل وكتب الناسخ في الهامش: "لعله عن".
4 في الأصل: ابن مجاهد وهو خطأ وانظر رأي مجاهد في "تفسير الطبري" "6/ 52" "6339".
5 في الأصل: ولا يأبى.
6 لا أجد فيما ذكر هنا سبب نزول مباشرًا.
7 "4/ 68" "6367".
8 في الأصل: ولا يأبى.
9 في الأصل: الحرا ووضع الناسخ إشارة لحق وفي الهامش:.. وهو تصحيف والصواب ما أثبته كما في الطبري، والحِواء -بكسر الحاء: بيوت مجتمعة من الناس على ماء. انظر "النهاية" لابن الأثير "1/ 465" مادة "حوا".(1/642)
العظيم فيدعوهم إلى الشهادة، فلا يتبعه أحد منهم فأنزل الله هذه الآية1.
وأخرج الطبري2 من طريق أبي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس قال كان الرجل، مثله قال في "القوم" بدل الحواء3 العظيم، وقال: فأنزل الله تعالى: {وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} 4.
171- قوله ز تعالى: {وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلا شَهِيد} .
قال الطبري5: حدثت عن عمار نا ابن أبي جعفر يعني الرازي عن أبيه عن الربيع بن أنس قال: لما نزلت هذه الآية {وَلا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّه} كان أحدهم: يجيء إلى الكاتب فيقول له: اكتب لي فيقول: إن لي حاجة فانطلق إلى غيري! فيلزمه ويقول: إنك قد أمرت أن تكتب لي! ولا يدعه ويضارره6 بذلك وهو يجد غيره وذكر نحو ذلك في الشاهد فأنزل الله تعالى: {وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلا شَهِيد} .
وأسند عن مجاهد7 وطاوس8 والضحاك9 وعكرمة10 والسدي11
__________
ـــــــ
1 قوله "فأنزل" من إضافة المؤلف، وفي الطبري: "قال: وكان قتادة يتأول هذه الآية: {وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} ليشهدوا لرجل على رجل".
2 "6/ 86" "6368".
3 في الأصل: الحرا وهو تصحيف كما تقدم.
4 في الأصل: يأبى.
5 "6/ 89-90" "6428".
6 فيه: "يضاره" براء واحدة.
7 "6/ 88" "6420" و"6424".
8 "6/ 90" "6429".
9 "6/ 89" "6425" و"6426".
10 "6/ 88" "6423".
11 "6/ 89" "6427".(1/643)
وغيرهم1 نحوه لكن ليس فيه: فأنزل الله إلى آخره.
172- قوله ز تعالى: {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَه} 2 [الآية: 283] .
أخرج ابن أبي حاتم3 من طريق عبد الملك بن أبي نضرة عن أبيه عن أبي سعيد. قال: نسخت هذه الآية ما تقدم من الأمر بالإشهاد والرهن.
ومن طريق الشعبي4: لا بأس إذا ائتمنه أن لا يكتب ولا يشهد.
173- قوله تعالى:5 {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ} .
قيل: نزلت في كتمان الشهادة.
أسند الطبري6 من طريق يزيد بن أبي زياد عن مقسم عن ابن عباس أنه قال في هذه الآية {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ} قال: نزلت في كتمان الشهادة7.
__________
1 وهما رواية ابن أبي طلحة عن ابن عباس "6421" والعوفي عنه كذلك "6422".
2 ليس في المذكور هنا سبب نزول!
3 نقله ابن كثير عنه "1/ 337" وقال: بإسناد جيد. ولفظه: "هذه نسخت ما قبلها".
4 نقله ابن كثير أيضًا "1/ 337": بلفظ: "وقال الشعبي" وساقه بلفظ الجمع: "إذا ائتمن بعضكم بعضًا فلا بأس أن لا تكتبوا أو لا تشهدوا".
5 ليس في المذكور هنا سبب نزول.
6 "6/ 103" "6454".
7 وتتمة القول: "وإقامتها".(1/644)
هذه رواية الثوري1 عن يزيد عن مقسم2.
وفي رواية محمد بن فضيل3 عن يزيد عن مجاهد عن ابن عباس: [يعني] في الشهادة4. وسند صحيح عن عكرمة5 قال: في6 الشهادة إذا كتمها.
ومن طريق الشعبي نحوه7.
ومن طريق جويبر عن عكرمة8: في كتمان الشهادة وأدائها على وجهها.
174- قوله تعالى: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ} الآية إلى آخر9 قوله: {فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاء} .
أخرج مسلم10 وأحمد11 وابن حبان12 من رواية العلاء بن عبد الرحمن بن
__________
1 انظر "6/ 102" "6450" ولفظه: "قال: في الشهادة" ففي قوله: "هذه رواية الثوري" نظر.
2 كان في الأصل: عن مقسم عن يزيد ووضع الناسخ على مقسم إشارة لحق، وفي الهامش: وقد أصاب فهذا مقلوب.
3 "6/ 102" "6449" وكان في مخطوطة الطبري مطبوعته: "نفيل" فصححها المحقق، وقد أصاب. وما بين المعقوفين منه.
4 في الأصل: وهى شاذة وهو تحريف والتصحيح من الطبري.
5 "6/ 102-103" "6451".
6 في الطبري: هي.
7 "6/ 103" "6453".
8 "6/ 103" "6455" وفيه: "إقامتها" بدل "أدائها".
9 كتب الناسخ هنا: "كذا" والسبب واضح ذلك أن قوله: {فَيَغْفِر ... } إلخ سابق على هذه الآية.
10 في "صحيحه"، كتاب "الإيمان" باب بيان أنه سبحانه وتعالى لم يكلف إلا ما يطاق "115/ 1" "125".
11 انظر "2/ 412" من مسند أي هريرة.
12 انظر "الإحسان" كتاب "التكليف"، ذكر الأخبار عن نفي تكليف الله عباده ما لا يطيقون "1/ 350-351" وفي روايته مغايرة لما في مسلم وتقديم وتأخير.(1/645)
يعقوب عن أبيه عن أبي هريرة قال: لما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم {لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ} اشتد ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم بركوا1 على الركب وقالوا: يا رسول الله كُلفنا من الأعمال2 ما نطيق من الصلاة والصيام3 والصدقة، وقد أنزلت هذه الآية ولا نطيقها، فقال: "أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم سمعنا وعصينا؟ بل قولوا: سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير" فلما اقترأها4 القوم، وذلت بها ألسنتهم أنزل الله في أثرها {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ} إلى قوله: {وَإِلَيْكَ الْمَصِير} .
175- قوله ز تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا 5 إِلَّا وُسْعَهَا} .
[أخرج] 6 مسلم وأحمد وابن حبان في الحديث الذي قبله: فلما فعلوا ذلك نسخها الله تعالى فأنزل الله عز وجل {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} إلى آخر السورة وزاد على التلاوة بعد قوله: {أَوْ أَخْطَأْنَا} قال: نعم. وكذا بعد قوله7: {مِنْ قَبْلِنَا} وكذا بعد قوله: {طَاقَةَ لَنَا بِه} وكذا بعد قوله {وَارْحَمْنَا} وكذا في آخر السورة8.
__________
1 وفي أحمد وابن حبان: جثوا.
2 في الأصل: الإيمان وهو تصحيف.
3 في مسلم وأحمد: "والجهاد" بعد والصيام، وهذه العبارة كلها لم ترد في ابن حبان.
4 في أحمد: فلما أقر بها.
5 لفظ الجلالة كتب في الهامش.
6 زيادة مني.
7 وهم الناسخ هنا فكتب: {وَارْحَمْنَا} ثم شطب عليها.
8 ذكرت "نعم" في مسلم أربع مرات وفي أحمد وابن حبان ثلاث مرات، وهنا خمس مرات وقد أضاف المؤلف "وكذا في آخر السورة"! وهي في مسلم مع {وَارْحَمْنَا} مرة واحده.(1/646)