المجلد الأول
مقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وصحبه وسلم.
يقول سيدنا وشيخنا الإمام العالم العلامة البحر الفهامة، الرّحلة جلال الدين، نجل سيدنا الإمام العالم العلامة كمال الدين السيوطيّ الشافعيّ، فسح الله في مدته:
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ تَبْصِرَةً لِأُولِي الْأَلْبَابِ وَأَوْدَعَهُ مِنْ فُنُونِ الْعُلُومِ وَالْحِكَمِ الْعَجَبَ الْعُجَابَ وَجَعَلَهُ أَجَلَّ الْكُتُبِ قَدْرًا وَأَغْزَرَهَا عِلْمًا وَأَعْذَبَهَا نَظْمًا وَأَبْلَغَهَا فِي الْخِطَابِ، قرآنا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ وَلَا مخلوق، لا شُبْهَةَ فِيهِ وَلَا ارْتِيَابَ.
وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ رَبُّ الأرباب، الذي عنت لقيوميته الوجوه وَخَضَعَتْ لِعَظَمَتِهِ الرِّقَابُ.
وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الْمَبْعُوثُ مِنْ أَكْرَمِ الشُّعُوبِ وَأَشْرَفِ الشِّعَابِ إِلَى خَيْرِ أُمَّةٍ بِأَفْضَلِ كِتَابٍ الْأَنْجَابِ صَلَاةً وَسَلَامًا دَائِمَيْنِ إِلَى يَوْمِ الْمَآبِ.
وَبَعْدُ فَإِنَّ الْعِلْمَ بَحْرٌ زَخَّارٌ لَا يُدْرَكُ لَهُ مِنْ قَرَارٍ وَطَوْدٌ شَامِخٌ لَا يُسْلَكُ إِلَى قُنَّتِهِ وَلَا يُصَارُ مَنْ أَرَادَ السَّبِيلَ إِلَى اسْتِقْصَائِهِ لَمْ يَبْلُغْ إِلَى ذَلِكَ وُصُولًا(1/15)
وَمَنْ رَامَ الْوُصُولَ إِلَى إِحْصَائِهِ لَمْ يَجِدْ إِلَى ذَلِكَ سَبِيلًا كَيْفَ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى مُخَاطِبًا لِخَلْقِهِ: {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً} وَإِنَّ كِتَابَنَا الْقُرْآنَ لَهُوَ مُفَجِّرُ الْعُلُومِ وَمَنْبَعُهَا وَدَائِرَةُ شَمْسِهَا وَمَطْلَعُهَا أَوْدَعَ فِيهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عِلْمَ كل شيء وأبان فيه كُلَّ هَدْيٍ وَغَيٍّ فَتَرَى كُلَّ ذِي فَنٍّ مِنْهُ يَسْتَمِدُّ وَعَلَيْهِ يَعْتَمِدُ فَالْفَقِيهُ يَسْتَنْبِطُ مِنْهُ الْأَحْكَامَ وَيَسْتَخْرِجُ حُكْمَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ.
وَالنَّحْوِيُّ يَبْنِي مِنْهُ قَوَاعِدَ إِعْرَابِهِ وَيَرْجِعُ إِلَيْهِ فِي مَعْرِفَةِ خَطَأِ الْقَوْلِ مِنْ صَوَابِهِ.
وَالْبَيَانِيُّ يَهْتَدِي بِهِ إِلَى حُسْنِ النِّظَامِ وَيَعْتَبِرُ مَسَالِكَ الْبَلَاغَةِ فِي صَوْغِ الْكَلَامِ.
وَفِيهِ مِنَ الْقَصَصِ وَالْأَخْبَارِ مَا يُذَكِّرُ أُولِي الْأَبْصَارِ وَمِنَ الْمَوَاعِظِ وَالْأَمْثَالِ مَا يَزْدَجِرُ بِهِ أُولُو الْفِكْرِ وَالِاعْتِبَارِ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ عُلُومٍ لَا يُقَدِّرُ قَدْرَهَا إِلَّا مَنْ عَلِمَ حَصْرَهَا هَذَا مَعَ فَصَاحَةِ لَفْظٍ وَبَلَاغَةِ أُسْلُوبٍ تَبْهَرُ الْعُقُولَ وَتَسْلُبُ الْقُلُوبَ وَإِعْجَازُ نَظْمٍ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ إِلَّا عَلَّامُ الْغُيُوبِ.
وَلَقَدْ كُنْتُ فِي زَمَانِ الطَّلَبِ أَتَعَجَّبُ مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ إِذْ لَمْ يُدَوِّنُوا كِتَابًا فِي أَنْوَاعِ عُلُومِ الْقُرْآنِ كَمَا وَضَعُوا ذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى عِلْمِ الْحَدِيثِ فَسَمِعْتُ شَيْخَنَا أُسْتَاذَ الْأُسْتَاذِينَ وَإِنْسَانَ عَيْنِ النَّاظِرِينَ خُلَاصَةَ الْوُجُودِ عَلَّامَةَ الزَّمَانِ فَخْرَ الْعَصْرِ وَعَيْنَ الْأَوَانِ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ مُحْيِيَ الدِّينِ الْكَافِيَجِيَّ مَدَّ اللَّهُ فِي أَجَلِهِ وَأَسْبَغَ عَلَيْهِ ظِلَّهُ يَقُولُ قَدْ دَوَّنْتُ فِي عُلُومِ التَّفْسِيرِ كِتَابًا لَمْ أُسْبَقْ إِلَيْهِ فَكَتَبْتُهُ عَنْهُ فَإِذَا هُوَ صَغِيرُ الْحَجْمِ جِدًّا وَحَاصِلُ مَا فِيهِ بَابَانِ:
الْأَوَّلُ: فِي ذِكْرِ مَعْنَى التَّفْسِيرِ وَالتَّأْوِيلِ وَالْقُرْآنِ وَالسُّورَةِ وَالْآيَةِ. وَالثَّانِي: فِي(1/16)
شُرُوطِ الْقَوْلِ فِيهِ بِالرَّأْيِ وَبَعْدَهُمَا خَاتِمَةٌ فِي آدَابِ الْعَالِمِ وَالْمُتَعَلِّمِ فَلَمْ يَشْفِ لِي ذَلِكَ غَلِيلًا وَلَمْ يَهْدِنِي إِلَى الْمَقْصُودِ سَبِيلًا.
ثُمَّ أَوْقَفَنِي شَيْخُنَا شَيْخُ مَشَايِخِ الْإِسْلَامِ قَاضِي الْقُضَاةِ وَخُلَاصَةُ الْأَنَامِ حَامِلُ لِوَاءِ الْمَذْهَبِ الْمُطَّلِبِيِّ عَلَمُ الدِّينِ الْبُلْقِينِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى كِتَابٍ فِي ذَلِكَ لِأَخِيهِ قَاضِي الْقُضَاةِ جَلَالِ الدِّينِ سَمَّاهُ: "مَوَاقِعُ الْعُلُومِ مِنْ مَوَاقِعِ النُّجُومِ" فَرَأَيْتُهُ تَأْلِيفًا لَطِيفًا وَمَجْمُوعًا ظَرِيفًا ذَا تَرْتِيبٍ وَتَقْرِيرٍ وَتَنْوِيعٍ وَتَحْبِيرٍ قَالَ فِي خُطْبَتِهِ.
قَدِ اشْتُهِرَتْ عَنِ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مُخَاطَبَةٌ لِبَعْضِ خُلَفَاءِ بَنِي الْعَبَّاسِ فِيهَا ذِكْرُ بَعْضِ أَنْوَاعِ القرآن يحصل منها لمقصدنا الاقتباس وَقَدْ صَنَّفَ فِي عُلُومِ الْحَدِيثِ جَمَاعَةٌ فِي الْقَدِيمِ وَالْحَدِيثِ وَتِلْكَ الْأَنْوَاعُ فِي سَنَدِهِ دُونَ مَتْنِهِ وفي مُسْنِدِيهِ وَأَهْلِ فَنِّهِ وَأَنْوَاعِ الْقُرْآنِ شَامِلَةً وَعُلُومِهِ كَامِلَةً فَأَرَدْتُ أَنْ أَذْكُرَ فِي هَذَا التَّصْنِيفِ مَا وَصَلَ إِلَى عِلْمِي مِمَّا حَوَاهُ الْقُرْآنُ الشَّرِيفُ مِنْ أَنْوَاعِ عِلْمِهِ الْمَنِيفِ وَيَنْحَصِرُ فِي أُمُورٍ:
الْأَوَّلُ: مَوَاطِنُ النُّزُولِ وَأَوْقَاتُهُ وَوَقَائِعُهُ وَفِي ذلك اثنا عشر نوعا: الْمَكِّيُّ الْمَدَنِيُّ السَّفَرِيُّ الْحَضَرِيُّ اللَّيْلِيُّ النَّهَارِيُّ الصَّيْفِيُّ الشتائي الفراشي النومي أَسْبَابُ النُّزُولِ أَوَّلُ مَا نَزَلَ آخِرُ مَا نَزَلَ.
الْأَمْرُ الثَّانِي: السَّنَدُ وَهُوَ سِتَّةُ أَنْوَاعٍ الْمُتَوَاتِرُ الْآحَادُ الشَّاذُّ قِرَاءَاتُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرُّوَاةُ الْحُفَّاظُ.(1/17)
الْأَمْرُ الثَّالِثُ: الْأَدَاءُ وَهُوَ سِتَّةُ أَنْوَاعٍ الْوَقْفُ الِابْتِدَاءُ الْإِمَالَةُ الْمَدُّ تَخْفِيفُ الْهَمْزَةِ الْإِدْغَامُ.
الْأَمْرُ الرَّابِعُ: الْأَلْفَاظُ وَهُوَ سَبْعَةُ أَنْوَاعٍ الْغَرِيبُ الْمُعَرَّبُ الْمَجَازُ الْمُشْتَرَكُ الْمُتَرَادِفُ الِاسْتِعَارَةُ التَّشْبِيهُ.
الْأَمْرُ الْخَامِسُ: الْمَعَانِي الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْأَحْكَامِ وَهُوَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ نَوْعًا الْعَامُّ الْبَاقِي عَلَى عُمُومِهِ الْعَامُّ الْمَخْصُوصُ الْعَامُّ الَّذِي أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوصُ مَا خَصَّ فِيهِ الْكِتَابُ السنة ما خصصت فِيهِ السُّنَّةُ الْكِتَابَ الْمُجْمَلُ الْمُبَيِّنُ المؤول الْمَفْهُومُ الْمُطْلَقُ الْمُقَيَّدُ النَّاسِخُ وَالْمَنْسُوخُ نَوْعٌ مِنَ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ وَهُوَ مَا عُمِلَ بِهِ مِنَ الْأَحْكَامِ مُدَّةً مُعَيَّنَةً وَالْعَامِلُ بِهِ وَاحِدٌ مِنَ الْمُكَلَّفِينَ.
الْأَمْرُ السَّادِسُ: الْمَعَانِي المتعلقة بالألفاظ وَهُوَ خَمْسَةُ أَنْوَاعٍ الْفَصْلُ الْوَصْلُ الإيجاز الْإِطْنَابُ الْقَصْرُ. وَبِذَلِكَ تَكَمَّلَتِ الْأَنْوَاعُ خَمْسِينَ وَمِنَ الْأَنْوَاعِ مَا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْحَصْرِ الْأَسْمَاءُ الْكُنَى الْأَلْقَابُ الْمُبْهَمَاتُ فَهَذَا نِهَايَةُ مَا حُصِرَ مِنَ الْأَنْوَاعِ.
هَذَا آخِرُ مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي جَلَالُ الدِّينِ فِي الْخُطْبَةِ ثُمَّ تَكَلَّمَ فِي كُلِّ نَوْعٍ مِنْهَا بِكَلَامٍ مُخْتَصَرٍ يَحْتَاجُ إِلَى تَحْرِيرٍ وَتَتِمَّاتٍ وَزَوَائِدَ مُهِمَّاتٍ فَصَنَّفْتُ فِي ذَلِكَ كِتَابًا سَمَّيْتُهُ: {التَّحْبِيرُ فِي عُلُومِ التَّفْسِيرِ} ضَمَّنْتُهُ ما ذكر الْبُلْقِينِيُّ مِنَ الْأَنْوَاعِ مَعَ زِيَادَةٍ مِثْلِهَا وَأَضَفْتُ إِلَيْهِ فَوَائِدَ سَمَحَتِ الْقَرِيحَةُ بِنَقْلِهَا وَقُلْتُ فِي خُطْبَتِهِ(1/18)
أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ الْعُلُومَ وَإِنْ كَثُرَ عَدَدُهَا وَانْتَشَرَ فِي الْخَافِقَيْنِ مددها فغايتها بحرقعره لَا يُدْرَكُ وَنِهَايَتُهَا طَوْدٌ شَامِخٌ لَا يُسْتَطَاعُ إِلَى ذُرْوَتِهِ أَنْ يُسْلَكَ وَهَذَا يَفْتَحُ لِعَالِمٍ بَعْدَ آخَرَ مِنَ الْأَبْوَابِ مَا لَمْ يَتَطَرَّقْ إِلَيْهِ مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ الْأَسْبَابُ وَإِنَّ مِمَّا أَهْمَلَ المتقدمون تَدْوِينِهِ حَتَّى تَحَلَّى فِي آخِرِ الزَّمَانِ بِأَحْسَنِ زِينَةٍ عِلْمَ التَّفْسِيرِ الَّذِي هُوَ كَمُصْطَلَحِ الْحَدِيثِ فَلَمْ يُدَوِّنْهُ أَحَدٌ لَا فِي الْقَدِيمِ وَلَا فِي الْحَدِيثِ حَتَّى جَاءَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَعُمْدَةُ الْأَنَامُ عَلَّامَةُ الْعَصْرِ قَاضِي الْقُضَاةِ جَلَالُ الدِّينِ الْبُلْقِينِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَعَمِلَ فيه كِتَابِهِ مَوَاقِعُ الْعُلُومِ مِنْ مَوَاقِعِ النُّجُومِ فَنَقَّحَهُ وَهَذَّبَهُ وَقَسَّمَ أَنْوَاعَهُ وَرَتَّبَهُ وَلَمْ يُسْبَقْ إِلَى هَذِهِ الْمَرْتَبَةِ فَإِنَّهُ جَعَلَهُ نَيِّفًا وَخَمْسِينَ نَوْعًا مُنْقَسِمَةً إِلَى سِتَّةِ أَقْسَامٍ وَتَكَلَّمَ فِي كُلِّ نَوْعٍ مِنْهَا بِالْمَتِينِ مِنَ الْكَلَامِ فَكَانَ كَمَا قال الإمام أبو السعادات ابن الْأَثِيرِ فِي مُقَدِّمَةِ نِهَايَتِهِ: كُلُّ مبتدئ لشيء لم يسبق إليه ومبتدع أمرا لَمْ يُتَقَدَّمْ فِيهِ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَكُونُ قَلِيلًا ثُمَّ يَكْثُرُ وَصَغِيرًا ثُمَّ يَكْبُرُ.
فَظَهَرَ لِيَ اسْتِخْرَاجُ أنواع لم يسبق إليها وزيادة مُهِمَّاتٍ لَمْ يُسْتَوْفَ الْكَلَامُ عَلَيْهَا فجردت الْهِمَّةُ إِلَى وَضْعِ كِتَابٍ فِي هَذَا الْعِلْمِ وَأَجْمَعُ بِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى شَوَارِدَهُ وَأَضُمُّ إِلَيْهِ فَوَائِدَهُ وَأُنَظِّمُ فِي سِلْكِهِ فَرَائِدَهُ لِأَكُونَ فِي إِيجَادِ هَذَا الْعِلْمِ ثَانِيَ اثْنَيْنِ وَوَاحِدًا فِي جَمْعِ الشَّتِيتِ مِنْهُ كَأَلْفٍ أَوْ كَأَلْفَيْنِ وَمُصَيِّرًا فَنَّيِ التَّفْسِيرِ وَالْحَدِيثِ فِي اسْتِكْمَالِ التَّقَاسِيمِ إِلْفَيْنِ وَإِذْ برز نور أكمامه وَفَاحَ وَطَلَعَ بَدَرُ كَمَالِهِ وَلَاحَ وَأَذَّنَ فَجْرُهُ بِالصَّبَاحِ وَنَادَى دَاعِيهِ بالفلاح سَمَّيْتُهُ التَّحْبِيرِ فِي عُلُومِ التَّفْسِيرِ. وَهَذِهِ فَهْرَسْتُ الْأَنْوَاعِ بَعْدَ الْمُقَدِّمَةِ:(1/19)
النَّوْعُ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي: الْمَكِّيُّ وَالْمَدَنِيُّ.
الثالث وَالرَّابِعُ: الْحَضَرِيُّ وَالسَّفَرِيُّ.
الْخَامِسُ وَالسَّادِسُ: النَّهَارِيُّ وَاللَّيْلِيُّ.
السَّابِعُ وَالثَّامِنُ: الصَّيْفِيُّ وَالشِّتَائِيُّ.
التَّاسِعُ وَالْعَاشِرُ: الْفِرَاشِيُّ وَالنَّوْمِيُّ.
الْحَادِيَ عَشَرَ: أَسْبَابُ النُّزُولِ.
الثَّانِيَ عَشَرَ: أَوَّلُ مَا نَزَلَ.
الثَّالِثَ عَشَرَ: آخِرُ مَا نَزَلَ.
الرَّابِعَ عَشَرَ: مَا عُرِفَ وَقْتُ نُزُولِهِ.
الْخَامِسَ عَشَرَ: مَا أُنْزِلَ فِيهِ وَلَمْ يَنْزِلْ عَلَى أَحَدٍ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ.
السَّادِسَ عَشَرَ: مَا أُنْزِلَ مِنْهُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ.
السَّابِعَ عَشَرَ: مَا تَكَرَّرَ نُزُولُهُ.
الثَّامِنَ عَشَرَ: مَا نَزَلَ مُفَرَّقًا.
التَّاسِعَ عَشَرَ: مَا نَزَلَ جَمْعًا.
الْعِشْرُونَ: كَيْفِيَّةُ إنزاله.
وهذه كلها متعلقة بالنزول.
الْحَادِي وَالْعِشْرُونَ: الْمُتَوَاتِرُ.
الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ. الْآحَادُ.
الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ: الشَّاذُّ.
الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ: قِرَاءَاتُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
الْخَامِسُ وَالسَّادِسُ وَالْعِشْرُونَ: الرُّوَاةُ وَالْحُفَّاظُ.
السَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ: كَيْفِيَّةُ التَّحَمُّلِ.(1/20)
الثَّامِنُ وَالْعِشْرُونَ: الْعَالِي وَالنَّازِلُ.
التَّاسِعُ وَالْعِشْرُونَ: الْمُسَلْسَلُ وهذه متعلقة بالسند.
الثَّلَاثُونَ: الِابْتِدَاءُ.
الْحَادِي وَالثَّلَاثُونَ: الْوَقْفُ.
الثَّانِي وَالثَّلَاثُونَ: الْإِمَالَةُ.
الثَّالِثُ وَالثَّلَاثُونَ: الْمَدُّ.
الرَّابِعُ وَالثَّلَاثُونَ: تَخْفِيفُ الْهَمْزَةِ.
الْخَامِسُ وَالثَّلَاثُونَ: الْإِدْغَامُ.
السَّادِسُ وَالثَّلَاثُونَ: الْإِخْفَاءُ.
السَّابِعُ وَالثَّلَاثُونَ: الْإِقْلَابُ.
الثَّامِنُ وَالثَّلَاثُونَ: مَخَارِجُ الْحُرُوفِ وهذه متعلقة بالأداء.
التَّاسِعُ وَالثَّلَاثُونَ: الْغَرِيبُ.
الْأَرْبَعُونَ: الْمُعَرَّبُ.
الْحَادِي وَالْأَرْبَعُونَ: الْمَجَازُ.
الثَّانِي وَالْأَرْبَعُونَ: الْمُشْتَرَكُ.
الثَّالِثُ وَالْأَرْبَعُونَ: الَمُتَرَادِفُ.
الرَّابِعُ وَالْخَامِسُ: وَالْأَرْبَعُونَ الْمُحْكَمُ وَالْمُتَشَابِهُ.
السَّادِسُ وَالْأَرْبَعُونَ: الْمُشْكِلُ.
السَّابِعُ وَالثَّامِنُ وَالْأَرْبَعُونَ: الْمُجْمَلُ وَالْمُبَيَّنُ.
التَّاسِعُ وَالْأَرْبَعُونَ: الِاسْتِعَارَةُ.
الخمسون: التشبيه.
الحادي والثاني والخمسون: الكناية والتعريض.(1/21)
مقدمة المؤلف
بسم الله الرحمن الرحيم
وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وصحبه وسلم.
يقول سيدنا وشيخنا الإمام العالم العلامة البحر الفهامة، الرّحلة جلال الدين، نجل سيدنا الإمام العالم العلامة كمال الدين السيوطيّ الشافعيّ، فسح الله في مدته:
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ تَبْصِرَةً لِأُولِي الْأَلْبَابِ وَأَوْدَعَهُ مِنْ فُنُونِ الْعُلُومِ وَالْحِكَمِ الْعَجَبَ الْعُجَابَ وَجَعَلَهُ أَجَلَّ الْكُتُبِ قَدْرًا وَأَغْزَرَهَا عِلْمًا وَأَعْذَبَهَا نَظْمًا وَأَبْلَغَهَا فِي الْخِطَابِ، قرآنا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ وَلَا مخلوق، لا شُبْهَةَ فِيهِ وَلَا ارْتِيَابَ.
وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ رَبُّ الأرباب، الذي عنت لقيوميته الوجوه وَخَضَعَتْ لِعَظَمَتِهِ الرِّقَابُ.
وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الْمَبْعُوثُ مِنْ أَكْرَمِ الشُّعُوبِ وَأَشْرَفِ الشِّعَابِ إِلَى خَيْرِ أُمَّةٍ بِأَفْضَلِ كِتَابٍ الْأَنْجَابِ صَلَاةً وَسَلَامًا دَائِمَيْنِ إِلَى يَوْمِ الْمَآبِ.
وَبَعْدُ فَإِنَّ الْعِلْمَ بَحْرٌ زَخَّارٌ لَا يُدْرَكُ لَهُ مِنْ قَرَارٍ وَطَوْدٌ شَامِخٌ لَا يُسْلَكُ إِلَى قُنَّتِهِ وَلَا يُصَارُ مَنْ أَرَادَ السَّبِيلَ إِلَى اسْتِقْصَائِهِ لَمْ يَبْلُغْ إِلَى ذَلِكَ وُصُولًا(1/15)
وَمَنْ رَامَ الْوُصُولَ إِلَى إِحْصَائِهِ لَمْ يَجِدْ إِلَى ذَلِكَ سَبِيلًا كَيْفَ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى مُخَاطِبًا لِخَلْقِهِ: {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً} وَإِنَّ كِتَابَنَا الْقُرْآنَ لَهُوَ مُفَجِّرُ الْعُلُومِ وَمَنْبَعُهَا وَدَائِرَةُ شَمْسِهَا وَمَطْلَعُهَا أَوْدَعَ فِيهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عِلْمَ كل شيء وأبان فيه كُلَّ هَدْيٍ وَغَيٍّ فَتَرَى كُلَّ ذِي فَنٍّ مِنْهُ يَسْتَمِدُّ وَعَلَيْهِ يَعْتَمِدُ فَالْفَقِيهُ يَسْتَنْبِطُ مِنْهُ الْأَحْكَامَ وَيَسْتَخْرِجُ حُكْمَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ.
وَالنَّحْوِيُّ يَبْنِي مِنْهُ قَوَاعِدَ إِعْرَابِهِ وَيَرْجِعُ إِلَيْهِ فِي مَعْرِفَةِ خَطَأِ الْقَوْلِ مِنْ صَوَابِهِ.
وَالْبَيَانِيُّ يَهْتَدِي بِهِ إِلَى حُسْنِ النِّظَامِ وَيَعْتَبِرُ مَسَالِكَ الْبَلَاغَةِ فِي صَوْغِ الْكَلَامِ.
وَفِيهِ مِنَ الْقَصَصِ وَالْأَخْبَارِ مَا يُذَكِّرُ أُولِي الْأَبْصَارِ وَمِنَ الْمَوَاعِظِ وَالْأَمْثَالِ مَا يَزْدَجِرُ بِهِ أُولُو الْفِكْرِ وَالِاعْتِبَارِ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ عُلُومٍ لَا يُقَدِّرُ قَدْرَهَا إِلَّا مَنْ عَلِمَ حَصْرَهَا هَذَا مَعَ فَصَاحَةِ لَفْظٍ وَبَلَاغَةِ أُسْلُوبٍ تَبْهَرُ الْعُقُولَ وَتَسْلُبُ الْقُلُوبَ وَإِعْجَازُ نَظْمٍ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ إِلَّا عَلَّامُ الْغُيُوبِ.
وَلَقَدْ كُنْتُ فِي زَمَانِ الطَّلَبِ أَتَعَجَّبُ مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ إِذْ لَمْ يُدَوِّنُوا كِتَابًا فِي أَنْوَاعِ عُلُومِ الْقُرْآنِ كَمَا وَضَعُوا ذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى عِلْمِ الْحَدِيثِ فَسَمِعْتُ شَيْخَنَا أُسْتَاذَ الْأُسْتَاذِينَ وَإِنْسَانَ عَيْنِ النَّاظِرِينَ خُلَاصَةَ الْوُجُودِ عَلَّامَةَ الزَّمَانِ فَخْرَ الْعَصْرِ وَعَيْنَ الْأَوَانِ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ مُحْيِيَ الدِّينِ الْكَافِيَجِيَّ مَدَّ اللَّهُ فِي أَجَلِهِ وَأَسْبَغَ عَلَيْهِ ظِلَّهُ يَقُولُ قَدْ دَوَّنْتُ فِي عُلُومِ التَّفْسِيرِ كِتَابًا لَمْ أُسْبَقْ إِلَيْهِ فَكَتَبْتُهُ عَنْهُ فَإِذَا هُوَ صَغِيرُ الْحَجْمِ جِدًّا وَحَاصِلُ مَا فِيهِ بَابَانِ:
الْأَوَّلُ: فِي ذِكْرِ مَعْنَى التَّفْسِيرِ وَالتَّأْوِيلِ وَالْقُرْآنِ وَالسُّورَةِ وَالْآيَةِ. وَالثَّانِي: فِي(1/16)
شُرُوطِ الْقَوْلِ فِيهِ بِالرَّأْيِ وَبَعْدَهُمَا خَاتِمَةٌ فِي آدَابِ الْعَالِمِ وَالْمُتَعَلِّمِ فَلَمْ يَشْفِ لِي ذَلِكَ غَلِيلًا وَلَمْ يَهْدِنِي إِلَى الْمَقْصُودِ سَبِيلًا.
ثُمَّ أَوْقَفَنِي شَيْخُنَا شَيْخُ مَشَايِخِ الْإِسْلَامِ قَاضِي الْقُضَاةِ وَخُلَاصَةُ الْأَنَامِ حَامِلُ لِوَاءِ الْمَذْهَبِ الْمُطَّلِبِيِّ عَلَمُ الدِّينِ الْبُلْقِينِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى كِتَابٍ فِي ذَلِكَ لِأَخِيهِ قَاضِي الْقُضَاةِ جَلَالِ الدِّينِ سَمَّاهُ: "مَوَاقِعُ الْعُلُومِ مِنْ مَوَاقِعِ النُّجُومِ" فَرَأَيْتُهُ تَأْلِيفًا لَطِيفًا وَمَجْمُوعًا ظَرِيفًا ذَا تَرْتِيبٍ وَتَقْرِيرٍ وَتَنْوِيعٍ وَتَحْبِيرٍ قَالَ فِي خُطْبَتِهِ.
قَدِ اشْتُهِرَتْ عَنِ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مُخَاطَبَةٌ لِبَعْضِ خُلَفَاءِ بَنِي الْعَبَّاسِ فِيهَا ذِكْرُ بَعْضِ أَنْوَاعِ القرآن يحصل منها لمقصدنا الاقتباس وَقَدْ صَنَّفَ فِي عُلُومِ الْحَدِيثِ جَمَاعَةٌ فِي الْقَدِيمِ وَالْحَدِيثِ وَتِلْكَ الْأَنْوَاعُ فِي سَنَدِهِ دُونَ مَتْنِهِ وفي مُسْنِدِيهِ وَأَهْلِ فَنِّهِ وَأَنْوَاعِ الْقُرْآنِ شَامِلَةً وَعُلُومِهِ كَامِلَةً فَأَرَدْتُ أَنْ أَذْكُرَ فِي هَذَا التَّصْنِيفِ مَا وَصَلَ إِلَى عِلْمِي مِمَّا حَوَاهُ الْقُرْآنُ الشَّرِيفُ مِنْ أَنْوَاعِ عِلْمِهِ الْمَنِيفِ وَيَنْحَصِرُ فِي أُمُورٍ:
الْأَوَّلُ: مَوَاطِنُ النُّزُولِ وَأَوْقَاتُهُ وَوَقَائِعُهُ وَفِي ذلك اثنا عشر نوعا: الْمَكِّيُّ الْمَدَنِيُّ السَّفَرِيُّ الْحَضَرِيُّ اللَّيْلِيُّ النَّهَارِيُّ الصَّيْفِيُّ الشتائي الفراشي النومي أَسْبَابُ النُّزُولِ أَوَّلُ مَا نَزَلَ آخِرُ مَا نَزَلَ.
الْأَمْرُ الثَّانِي: السَّنَدُ وَهُوَ سِتَّةُ أَنْوَاعٍ الْمُتَوَاتِرُ الْآحَادُ الشَّاذُّ قِرَاءَاتُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرُّوَاةُ الْحُفَّاظُ.(1/17)
الْأَمْرُ الثَّالِثُ: الْأَدَاءُ وَهُوَ سِتَّةُ أَنْوَاعٍ الْوَقْفُ الِابْتِدَاءُ الْإِمَالَةُ الْمَدُّ تَخْفِيفُ الْهَمْزَةِ الْإِدْغَامُ.
الْأَمْرُ الرَّابِعُ: الْأَلْفَاظُ وَهُوَ سَبْعَةُ أَنْوَاعٍ الْغَرِيبُ الْمُعَرَّبُ الْمَجَازُ الْمُشْتَرَكُ الْمُتَرَادِفُ الِاسْتِعَارَةُ التَّشْبِيهُ.
الْأَمْرُ الْخَامِسُ: الْمَعَانِي الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْأَحْكَامِ وَهُوَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ نَوْعًا الْعَامُّ الْبَاقِي عَلَى عُمُومِهِ الْعَامُّ الْمَخْصُوصُ الْعَامُّ الَّذِي أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوصُ مَا خَصَّ فِيهِ الْكِتَابُ السنة ما خصصت فِيهِ السُّنَّةُ الْكِتَابَ الْمُجْمَلُ الْمُبَيِّنُ المؤول الْمَفْهُومُ الْمُطْلَقُ الْمُقَيَّدُ النَّاسِخُ وَالْمَنْسُوخُ نَوْعٌ مِنَ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ وَهُوَ مَا عُمِلَ بِهِ مِنَ الْأَحْكَامِ مُدَّةً مُعَيَّنَةً وَالْعَامِلُ بِهِ وَاحِدٌ مِنَ الْمُكَلَّفِينَ.
الْأَمْرُ السَّادِسُ: الْمَعَانِي المتعلقة بالألفاظ وَهُوَ خَمْسَةُ أَنْوَاعٍ الْفَصْلُ الْوَصْلُ الإيجاز الْإِطْنَابُ الْقَصْرُ. وَبِذَلِكَ تَكَمَّلَتِ الْأَنْوَاعُ خَمْسِينَ وَمِنَ الْأَنْوَاعِ مَا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْحَصْرِ الْأَسْمَاءُ الْكُنَى الْأَلْقَابُ الْمُبْهَمَاتُ فَهَذَا نِهَايَةُ مَا حُصِرَ مِنَ الْأَنْوَاعِ.
هَذَا آخِرُ مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي جَلَالُ الدِّينِ فِي الْخُطْبَةِ ثُمَّ تَكَلَّمَ فِي كُلِّ نَوْعٍ مِنْهَا بِكَلَامٍ مُخْتَصَرٍ يَحْتَاجُ إِلَى تَحْرِيرٍ وَتَتِمَّاتٍ وَزَوَائِدَ مُهِمَّاتٍ فَصَنَّفْتُ فِي ذَلِكَ كِتَابًا سَمَّيْتُهُ: {التَّحْبِيرُ فِي عُلُومِ التَّفْسِيرِ} ضَمَّنْتُهُ ما ذكر الْبُلْقِينِيُّ مِنَ الْأَنْوَاعِ مَعَ زِيَادَةٍ مِثْلِهَا وَأَضَفْتُ إِلَيْهِ فَوَائِدَ سَمَحَتِ الْقَرِيحَةُ بِنَقْلِهَا وَقُلْتُ فِي خُطْبَتِهِ(1/18)
أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ الْعُلُومَ وَإِنْ كَثُرَ عَدَدُهَا وَانْتَشَرَ فِي الْخَافِقَيْنِ مددها فغايتها بحرقعره لَا يُدْرَكُ وَنِهَايَتُهَا طَوْدٌ شَامِخٌ لَا يُسْتَطَاعُ إِلَى ذُرْوَتِهِ أَنْ يُسْلَكَ وَهَذَا يَفْتَحُ لِعَالِمٍ بَعْدَ آخَرَ مِنَ الْأَبْوَابِ مَا لَمْ يَتَطَرَّقْ إِلَيْهِ مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ الْأَسْبَابُ وَإِنَّ مِمَّا أَهْمَلَ المتقدمون تَدْوِينِهِ حَتَّى تَحَلَّى فِي آخِرِ الزَّمَانِ بِأَحْسَنِ زِينَةٍ عِلْمَ التَّفْسِيرِ الَّذِي هُوَ كَمُصْطَلَحِ الْحَدِيثِ فَلَمْ يُدَوِّنْهُ أَحَدٌ لَا فِي الْقَدِيمِ وَلَا فِي الْحَدِيثِ حَتَّى جَاءَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَعُمْدَةُ الْأَنَامُ عَلَّامَةُ الْعَصْرِ قَاضِي الْقُضَاةِ جَلَالُ الدِّينِ الْبُلْقِينِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَعَمِلَ فيه كِتَابِهِ مَوَاقِعُ الْعُلُومِ مِنْ مَوَاقِعِ النُّجُومِ فَنَقَّحَهُ وَهَذَّبَهُ وَقَسَّمَ أَنْوَاعَهُ وَرَتَّبَهُ وَلَمْ يُسْبَقْ إِلَى هَذِهِ الْمَرْتَبَةِ فَإِنَّهُ جَعَلَهُ نَيِّفًا وَخَمْسِينَ نَوْعًا مُنْقَسِمَةً إِلَى سِتَّةِ أَقْسَامٍ وَتَكَلَّمَ فِي كُلِّ نَوْعٍ مِنْهَا بِالْمَتِينِ مِنَ الْكَلَامِ فَكَانَ كَمَا قال الإمام أبو السعادات ابن الْأَثِيرِ فِي مُقَدِّمَةِ نِهَايَتِهِ: كُلُّ مبتدئ لشيء لم يسبق إليه ومبتدع أمرا لَمْ يُتَقَدَّمْ فِيهِ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَكُونُ قَلِيلًا ثُمَّ يَكْثُرُ وَصَغِيرًا ثُمَّ يَكْبُرُ.
فَظَهَرَ لِيَ اسْتِخْرَاجُ أنواع لم يسبق إليها وزيادة مُهِمَّاتٍ لَمْ يُسْتَوْفَ الْكَلَامُ عَلَيْهَا فجردت الْهِمَّةُ إِلَى وَضْعِ كِتَابٍ فِي هَذَا الْعِلْمِ وَأَجْمَعُ بِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى شَوَارِدَهُ وَأَضُمُّ إِلَيْهِ فَوَائِدَهُ وَأُنَظِّمُ فِي سِلْكِهِ فَرَائِدَهُ لِأَكُونَ فِي إِيجَادِ هَذَا الْعِلْمِ ثَانِيَ اثْنَيْنِ وَوَاحِدًا فِي جَمْعِ الشَّتِيتِ مِنْهُ كَأَلْفٍ أَوْ كَأَلْفَيْنِ وَمُصَيِّرًا فَنَّيِ التَّفْسِيرِ وَالْحَدِيثِ فِي اسْتِكْمَالِ التَّقَاسِيمِ إِلْفَيْنِ وَإِذْ برز نور أكمامه وَفَاحَ وَطَلَعَ بَدَرُ كَمَالِهِ وَلَاحَ وَأَذَّنَ فَجْرُهُ بِالصَّبَاحِ وَنَادَى دَاعِيهِ بالفلاح سَمَّيْتُهُ التَّحْبِيرِ فِي عُلُومِ التَّفْسِيرِ. وَهَذِهِ فَهْرَسْتُ الْأَنْوَاعِ بَعْدَ الْمُقَدِّمَةِ:(1/19)
النَّوْعُ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي: الْمَكِّيُّ وَالْمَدَنِيُّ.
الثالث وَالرَّابِعُ: الْحَضَرِيُّ وَالسَّفَرِيُّ.
الْخَامِسُ وَالسَّادِسُ: النَّهَارِيُّ وَاللَّيْلِيُّ.
السَّابِعُ وَالثَّامِنُ: الصَّيْفِيُّ وَالشِّتَائِيُّ.
التَّاسِعُ وَالْعَاشِرُ: الْفِرَاشِيُّ وَالنَّوْمِيُّ.
الْحَادِيَ عَشَرَ: أَسْبَابُ النُّزُولِ.
الثَّانِيَ عَشَرَ: أَوَّلُ مَا نَزَلَ.
الثَّالِثَ عَشَرَ: آخِرُ مَا نَزَلَ.
الرَّابِعَ عَشَرَ: مَا عُرِفَ وَقْتُ نُزُولِهِ.
الْخَامِسَ عَشَرَ: مَا أُنْزِلَ فِيهِ وَلَمْ يَنْزِلْ عَلَى أَحَدٍ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ.
السَّادِسَ عَشَرَ: مَا أُنْزِلَ مِنْهُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ.
السَّابِعَ عَشَرَ: مَا تَكَرَّرَ نُزُولُهُ.
الثَّامِنَ عَشَرَ: مَا نَزَلَ مُفَرَّقًا.
التَّاسِعَ عَشَرَ: مَا نَزَلَ جَمْعًا.
الْعِشْرُونَ: كَيْفِيَّةُ إنزاله.
وهذه كلها متعلقة بالنزول.
الْحَادِي وَالْعِشْرُونَ: الْمُتَوَاتِرُ.
الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ. الْآحَادُ.
الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ: الشَّاذُّ.
الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ: قِرَاءَاتُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
الْخَامِسُ وَالسَّادِسُ وَالْعِشْرُونَ: الرُّوَاةُ وَالْحُفَّاظُ.
السَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ: كَيْفِيَّةُ التَّحَمُّلِ.(1/20)
الثَّامِنُ وَالْعِشْرُونَ: الْعَالِي وَالنَّازِلُ.
التَّاسِعُ وَالْعِشْرُونَ: الْمُسَلْسَلُ وهذه متعلقة بالسند.
الثَّلَاثُونَ: الِابْتِدَاءُ.
الْحَادِي وَالثَّلَاثُونَ: الْوَقْفُ.
الثَّانِي وَالثَّلَاثُونَ: الْإِمَالَةُ.
الثَّالِثُ وَالثَّلَاثُونَ: الْمَدُّ.
الرَّابِعُ وَالثَّلَاثُونَ: تَخْفِيفُ الْهَمْزَةِ.
الْخَامِسُ وَالثَّلَاثُونَ: الْإِدْغَامُ.
السَّادِسُ وَالثَّلَاثُونَ: الْإِخْفَاءُ.
السَّابِعُ وَالثَّلَاثُونَ: الْإِقْلَابُ.
الثَّامِنُ وَالثَّلَاثُونَ: مَخَارِجُ الْحُرُوفِ وهذه متعلقة بالأداء.
التَّاسِعُ وَالثَّلَاثُونَ: الْغَرِيبُ.
الْأَرْبَعُونَ: الْمُعَرَّبُ.
الْحَادِي وَالْأَرْبَعُونَ: الْمَجَازُ.
الثَّانِي وَالْأَرْبَعُونَ: الْمُشْتَرَكُ.
الثَّالِثُ وَالْأَرْبَعُونَ: الَمُتَرَادِفُ.
الرَّابِعُ وَالْخَامِسُ: وَالْأَرْبَعُونَ الْمُحْكَمُ وَالْمُتَشَابِهُ.
السَّادِسُ وَالْأَرْبَعُونَ: الْمُشْكِلُ.
السَّابِعُ وَالثَّامِنُ وَالْأَرْبَعُونَ: الْمُجْمَلُ وَالْمُبَيَّنُ.
التَّاسِعُ وَالْأَرْبَعُونَ: الِاسْتِعَارَةُ.
الخمسون: التشبيه.
الحادي والثاني وَالْخَمْسُونَ: الْكِنَايَةُ وَالتَّعْرِيضُ.(1/21)
الثَّالِثُ وَالْخَمْسُونَ: الْعَامُّ الْبَاقِي عَلَى عُمُومِهِ.
الرَّابِعُ وَالْخَمْسُونَ: الْعَامُّ الْمَخْصُوصُ.
الْخَامِسُ وَالْخَمْسُونَ: الْعَامُّ الَّذِي أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوصُ.
السَّادِسُ وَالْخَمْسُونَ: مَا خَصَّ فِيهِ الْكِتَابُ السُّنَّةَ.
السَّابِعُ وَالْخَمْسُونَ: مَا خَصَّتْ فِيهِ السُّنَّةُ الكتاب.
الثامن والخمسون: المؤول.
التَّاسِعُ وَالْخَمْسُونَ: الْمَفْهُومُ.
السِّتُّونَ وَالْحَادِيُ وَالسِّتُّونَ: الْمُطْلَقُ وَالْمُقَيَّدُ.
الثَّانِي وَالثَّالِثُ وَالسِّتُّونَ: النَّاسِخُ وَالْمَنْسُوخُ.
الرَّابِعُ وَالسِّتُّونَ: مَا عَمِلَ بِهِ وَاحِدٌ ثُمَّ نُسِخَ.
الْخَامِسُ وَالسِّتُّونَ: مَا كَانَ وَاجِبًا عَلَى وَاحِدٍ.
السَّادِسُ وَالسَّابِعُ وَالثَّامِنُ وَالسِّتُّونَ: الْإِيجَازُ وَالْإِطْنَابُ وَالْمُسَاوَاةُ.
التَّاسِعُ وَالسِّتُّونَ: الْأَشْبَاهُ.
السَّبْعُونَ وَالْحَادِيُ وَالسَّبْعُونَ: الْفَصْلُ وَالْوَصْلُ.
الثَّانِي وَالسَّبْعُونَ: الْقَصْرُ.
الثَّالِثُ وَالسَّبْعُونَ: الِاحْتِبَاكُ.
الرَّابِعُ وَالسَّبْعُونَ: الْقَوْلُ بِالْمُوجِبِ.
الْخَامِسُ وَالسَّادِسُ والسابع وَالسَّبْعُونَ: الْمُطَابَقَةُ وَالْمُنَاسَبَةُ وَالْمُجَانَسَةُ.
الثَّامِنُ وَالتَّاسِعُ وَالسَّبْعُونَ: التَّوْرِيَةُ وَالِاسْتِخْدَامُ.
الثَّمَانُونَ: اللَّفُّ وَالنَّشْرُ.
الْحَادِي وَالثَّمَانُونَ: الِالْتِفَاتُ.
الثَّانِي وَالثَّمَانُونَ: الْفَوَاصِلُ وَالْغَايَاتُ.(1/22)
الثَّالِثُ وَالرَّابِعُ وَالْخَامِسُ وَالثَّمَانُونَ: أَفْضَلُ الْقُرْآنِ وَفَاضِلُهُ وَمَفْضُولُهُ.
السَّادِسُ وَالثَّمَانُونَ: مُفْرَدَاتُ الْقُرْآنِ.
السَّابِعُ وَالثَّمَانُونَ: الْأَمْثَالُ.
الثَّامِنُ وَالتَّاسِعُ وَالثَّمَانُونَ: آدَابُ الْقَارِئِ وَالْمُقْرِئِ.
التِّسْعُونَ: آدَابُ الْمُفَسِّرِ.
الْحَادِي وَالتِّسْعُونَ: مَنْ يُقْبَلُ تَفْسِيرُهُ وَمَنْ يُرَدُّ.
الثَّانِي وَالتِّسْعُونَ: غَرَائِبُ التَّفْسِيرِ.
الثَّالِثُ وَالتِّسْعُونَ: مَعْرِفَةُ الْمُفَسِّرِينَ.
الرَّابِعُ وَالتِّسْعُونَ: كِتَابَةُ الْقُرْآنِ.
الْخَامِسُ وَالتِّسْعُونَ: تَسْمِيَةُ السُّوَرِ.
السَّادِسُ وَالتِّسْعُونَ: تَرْتِيبُ الْآيِ وَالسُّوَرِ.
السَّابِعُ وَالثَّامِنُ وَالتَّاسِعُ وَالتِّسْعُونَ: الْأَسْمَاءُ وَالْكُنَى وَالْأَلْقَابُ.
الْمِائَةُ: الْمُبْهَمَاتُ.
الْأَوَّلُ بَعْدَ الْمِائَةِ: أَسْمَاءُ مَنْ نَزَلَ فِيهِمُ الْقُرْآنُ.
الثَّانِي بَعْدَ الْمِائَةِ: التَّارِيخُ.
وَهَذَا آخِرُ مَا ذَكَرْتُهُ فِي خُطْبَةِ: "التَّحْبِيرِ " وَقَدْ تَمَّ هَذَا الْكِتَابُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ مِنْ سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ وَكَتَبَهُ مَنْ هُوَ فِي طَبَقَةِ أَشْيَاخِي مِنْ أُولِي التَّحْقِيقِ ثُمَّ خطر لي بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ أُؤَلِّفَ كِتَابًا مَبْسُوطًا وَمَجْمُوعًا مَضْبُوطًا أَسْلُكُ فِيهِ طَرِيقَ الْإِحْصَاءِ وَأَمْشِي فِيهِ عَلَى مِنْهَاجِ الِاسْتِقْصَاءِ هَذَا كُلُّهُ وَأَنَا أَظُنُّ أَنِّي مُتَفَرِّدٌ بِذَلِكَ غَيْرُ مَسْبُوقٍ بِالْخَوْضِ فِي هَذِهِ الْمَسَالِكِ فَبَيْنَا أَنَا أُجِيلُ فِي ذَلِكَ فِكْرًا أُقَدِّمُ رِجْلًا وَأُؤَخِّرُ أُخْرَى إِذْ بَلَغَنِي أَنَّ الشَّيْخَ الْإِمَامَ بدر الدين محمد(1/23)
ابن عَبْدِ اللَّهِ الزَّرْكَشِيَّ أَحَدَ مُتَأَخِّرِي أَصْحَابِنَا الشَّافِعِيِّينَ أَلَّفَ كِتَابًا فِي ذَلِكَ حَافِلًا يُسَمَّى: "الْبُرْهَانُ فِي عُلُومِ الْقُرْآنِ " فَتَطَلَّبْتُهُ حَتَّى وَقَفْتُ عَلَيْهِ فَوَجَدْتُهُ قَالَ فِي خُطْبَتِهِ:
لَمَّا كَانَتْ عُلُومُ الْقُرْآنِ لَا تحصى ومعانيه لا تُسْتَقْصَى وَجَبَتِ الْعِنَايَةُ بِالْقَدْرِ الْمُمْكِنِ وَمِمَّا فَاتَ الْمُتَقَدِّمِينَ وَضْعُ كِتَابٍ يَشْتَمِلُ عَلَى أَنْوَاعِ عُلُومِهِ كَمَا وَضَعَ النَّاسُ ذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى عِلْمِ الْحَدِيثِ فَاسْتَخَرْتُ اللَّهَ تَعَالَى وَلَهُ الْحَمْدُ فِي وَضْعِ كِتَابٍ فِي ذَلِكَ جَامِعٍ لِمَا تَكَلَّمَ النَّاسُ فِي فُنُونِهِ وَخَاضُوا فِي نُكَتِهِ وَعُيُونِهِ وَضَمَّنْتُهُ مِنَ الْمَعَانِي الْأَنِيقَةِ وَالْحِكَمِ الرَّشِيقَةِ مَا بَهَرَ الْقُلُوبَ عَجَبًا لِيَكُونَ مِفْتَاحًا لِأَبْوَابِهِ عنوانا على كِتَابِهِ مُعِينًا لِلْمُفَسِّرِ عَلَى حَقَائِقِهِ مُطَّلِعًا عَلَى بَعْضِ أَسْرَارِهِ وَدَقَائِقِهِ وَسَمَّيْتُهُ: "الْبُرْهَانُ فِي عُلُومِ الْقُرْآنِ "، وَهَذِهِ فَهْرَسَتُ أَنْوَاعِهِ:
النَّوْعُ الْأَوَّلُ: مَعْرِفَةُ سَبَبِ النُّزُولِ.
الثَّانِي: مَعْرِفَةُ المناسبة بَيْنَ الْآيَاتِ.
الثَّالِثُ: مَعْرِفَةُ الْفَوَاصِلِ.
الرَّابِعُ: مَعْرِفَةُ الْوُجُوهِ وَالنَّظَائِرِ.
الْخَامِسُ: عِلْمُ الْمُتَشَابِهِ.
السَّادِسُ: عِلْمُ الْمُبْهَمَاتِ.(1/24)
السَّابِعُ: فِي أَسْرَارِ الفواتح.
الثَّامِنُ: فِي خَوَاتِمِ السُّوَرِ.
التَّاسِعُ: فِي مَعْرِفَةِ الْمَكِّيِّ وَالْمَدَنِيِّ.
الْعَاشِرُ: فِي مَعْرِفَةِ أَوَّلِ مَا نَزَلَ.
الْحَادِيَ عَشَرَ: مَعْرِفَةُ عَلَى كَمْ لُغَةٍ نَزَلَ.
الثَّانِيَ عَشَرَ: فِي كَيْفِيَّةِ إنزاله.
الثالث عشر: في بَيَانُ جَمْعِهِ وَمَنْ حَفِظَهُ مِنَ الصَّحَابَةِ.
الرَّابِعَ عَشَرَ: مَعْرِفَةُ تَقْسِيمِهِ.
الْخَامِسَ عَشَرَ: مَعْرِفَةُ أَسْمَائِهِ.
السَّادِسَ عَشَرَ: مَعْرِفَةُ مَا وَقَعَ فِيهِ مِنْ غَيْرِ لُغَةِ الْحِجَازِ.
السَّابِعَ عَشَرَ: مَعْرِفَةُ مَا فِيهِ مِنْ غَيْرِ لُغَةِ الْعَرَبِ.
الثَّامِنَ عَشَرَ: مَعْرِفَةُ غَرِيبِهِ.
التَّاسِعَ عَشَرَ: مَعْرِفَةُ التَّصْرِيفِ.
الْعِشْرُونَ: مَعْرِفَةُ الْأَحْكَامِ.
الْحَادِي وَالْعِشْرُونَ: مَعْرِفَةُ كَوْنِ اللَّفْظِ أَوِ التَّرْكِيبِ أَحْسَنَ وَأَفْصَحَ.
الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ: مَعْرِفَةُ اخْتِلَافِ الْأَلْفَاظِ بِزِيَادَةٍ أَوْ نَقْصٍ.
الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ: مَعْرِفَةُ تَوْجِيهِ الْقُرْآنِ.
الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ: مَعْرِفَةُ الْوَقْفِ.
الْخَامِسُ وَالْعِشْرُونَ: عِلْمُ مَرْسُومِ الْخَطِّ.
السَّادِسُ وَالْعِشْرُونَ: مَعْرِفَةُ فَضَائِلِهِ.
السَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ: مَعْرِفَةُ خَوَاصِّهِ.
الثَّامِنُ وَالْعِشْرُونَ: هَلْ فِي الْقُرْآنِ شَيْءٌ أَفْضَلُ مِنْ شَيْءٍ.(1/25)
التَّاسِعُ وَالْعِشْرُونَ: فِي آدَابِ تِلَاوَتِهِ.
الثَّلَاثُونَ: فِي أَنَّهُ هَلْ يَجُوزُ فِي التَّصَانِيفِ وَالرَّسَائِلِ وَالْخُطَبِ اسْتِعْمَالُ بَعْضِ آيَاتِ الْقُرْآنِ.
الْحَادِي وَالثَّلَاثُونَ: مَعْرِفَةُ الْأَمْثَالِ الْكَامِنَةِ فِيهِ.
الثَّانِي وَالثَّلَاثُونَ: مَعْرِفَةُ أَحْكَامِهِ.
الثَّالِثُ وَالثَّلَاثُونَ: مَعْرِفَةُ جَدَلِهِ.
الرَّابِعُ وَالثَّلَاثُونَ: مَعْرِفَةُ نَاسِخِهِ وَمَنْسُوخِهِ.
الْخَامِسُ وَالثَّلَاثُونَ: مَعْرِفَةُ مُوهِمِ الْمُخْتَلِفِ.
السَّادِسُ وَالثَّلَاثُونَ: مَعْرِفَةُ الْمُحْكَمِ مِنَ الْمُتَشَابِهِ.
السَّابِعُ وَالثَّلَاثُونَ: فِي حُكْمِ الْآيَاتِ الْمُتَشَابِهَاتِ الْوَارِدَةِ فِي الصِّفَاتِ.
الثَّامِنُ وَالثَّلَاثُونَ: مَعْرِفَةُ إِعْجَازِهِ.
التَّاسِعُ وَالثَّلَاثُونَ: مَعْرِفَةُ وُجُوبِ مُتَوَاتِرِهِ.
الْأَرْبَعُونَ: فِي بَيَانِ مُعَاضَدَةِ السنة الكتاب.
الْحَادِي وَالْأَرْبَعُونَ: مَعْرِفَةُ تَفْسِيرِهِ.
الثَّانِي وَالْأَرْبَعُونَ: مَعْرِفَةُ وُجُوهِ الْمُخَاطَبَاتِ.
الثَّالِثُ وَالْأَرْبَعُونَ: بَيَانُ حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ.
الرَّابِعُ وَالْأَرْبَعُونَ: فِي الْكِنَايَاتِ وَالتَّعْرِيضِ.
الْخَامِسَ وَالْأَرْبَعُونَ: فِي أَقْسَامِ مَعْنَى الْكَلَامِ.
السَّادِسُ وَالْأَرْبَعُونَ: فِي ذِكْرِ مَا تَيَسَّرَ مِنْ أَسَالِيبِ الْقُرْآنِ.
السَّابِعُ وَالْأَرْبَعُونَ: فِي مَعْرِفَةِ الْأَدَوَاتِ.(1/26)
وَاعْلَمْ أَنَّهُ مَا مِنْ نَوْعٍ مِنْ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ إِلَّا وَلَوْ أَرَادَ الْإِنْسَانُ اسْتِقْصَاءَهُ لَاسْتَفْرَغَ عُمْرَهُ ثُمَّ لَمْ يَحْكُمْ أَمْرَهُ وَلَكِنِ اقْتَصَرْنَا مِنْ كُلِّ نَوْعٍ عَلَى أُصُولِهِ وَالرَّمْزِ إِلَى بَعْضِ فُصُولِهِ فَإِنَّ الصِّنَاعَةَ طَوِيلَةٌ وَالْعُمُرَ قَصِيرٌ وَمَاذَا عَسَى أَنْ يَبْلُغَ لِسَانُ التَّقْصِيرِ!
هَذَا آخَرُ كَلَامِ الزَّرْكَشِيِّ فِي خُطْبَتِهِ.
وَلَمَّا وَقَفْتُ عَلَى هَذَا الْكِتَابِ ازْدَدْتُ بِهِ سُرُورًا وَحَمِدْتُ اللَّهَ كَثِيرًا وَقَوِيَ الْعَزْمُ عَلَى إِبْرَازِ مَا أَضْمَرْتُهُ وَشَدَدْتُ الْحَزْمَ فِي إِنْشَاءِ التَّصْنِيفِ الَّذِي قَصَدْتُهُ فَوَضَعْتُ هَذَا الْكِتَابَ الْعَلِيَّ الشَّأْنِ الْجَلِيَّ الْبُرْهَانِ الْكَثِيرَ الْفَوَائِدِ وَالْإِتْقَانِ وَرَتَّبْتُ أَنْوَاعَهُ تَرْتِيبًا أَنْسَبَ مِنْ تَرْتِيبِ الْبُرْهَانِ وَأَدْمَجْتُ بَعْضَ الْأَنْوَاعِ فِي بَعْضٍ وَفَصَلْتُ مَا حَقُّهُ أَنْ يُبَانَ وَزِدْتُهُ عَلَى مَا فِيهِ مِنَ الْفَوَائِدِ وَالْفَرَائِدِ وَالْقَوَاعِدِ وَالشَّوَارِدِ مَا يُشَنِّفُ الْآذَانَ وسميته بالإتقان فِي عُلُومِ الْقُرْآنِ وَسَتَرَى فِي كُلِّ نَوْعٍ مِنْهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ بِالتَّصْنِيفِ مُفْرَدًا وَسَتُرْوَى مِنْ مَنَاهِلِهِ الْعَذْبَةِ رِيًّا لَا ظَمَأَ بَعْدَهُ أَبَدًا وَقَدْ جَعَلْتُهُ مُقَدِّمَةً لِلتَّفْسِيرِ الْكَبِيرِ الَّذِي شَرَعْتُ فِيهِ وسميته بمجمع الْبَحْرَيْنِ وَمَطْلَعِ الْبَدْرَيْنِ الْجَامِعِ لِتَحْرِيرِ الرِّوَايَةِ وَتَقْرِيرِ الدِّرَايَةِ وَمِنَ اللَّهِ أَسْتَمِدُّ التَّوْفِيقَ وَالْهِدَايَةَ وَالْمَعُونَةَ وَالرِّعَايَةَ إِنَّهُ قَرِيبٌ مُجِيبٌ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أنيب وَهَذِهِ فَهْرَسَتُ أَنْوَاعِهِ:
النَّوْعُ الْأَوَّلُ: مَعْرِفَةُ الْمَكِّيِّ وَالْمَدَنِيِّ.
الثَّانِي: مَعْرِفَةُ الْحَضَرِيِّ وَالسَّفَرِيِّ.(1/27)
الثَّالِثُ: النَّهَارِيُّ وَاللَّيْلِيُّ.
الرَّابِعُ: الصَّيْفِيُّ وَالشِّتَائِيُّ.
الْخَامِسُ: الْفِرَاشِيُّ وَالنَّوْمِيُّ.
السَّادِسُ: الْأَرْضِيُّ وَالسَّمَائِيُّ.
السَّابِعُ: أَوَّلُ مَا نَزَلَ.
الثَّامِنُ: آخِرُ مَا نَزَلَ.
التَّاسِعُ: أَسْبَابُ النُّزُولِ.
الْعَاشِرُ: مَا نَزَلَ عَلَى لِسَانِ بَعْضِ الصَّحَابَةِ.
الْحَادِيَ عَشَرَ: مَا تَكَرَّرَ نُزُولُهُ.
الثاني عشر: ما تأخر حكمه عَنْ نُزُولِهِ وَمَا تَأَخَّرَ نُزُولُهُ عَنْ حُكْمِهِ.
الثَّالِثَ عَشَرَ: مَعْرِفَةُ مَا نَزَلَ مُفَرَّقًا وَمَا نَزَلَ جَمْعًا.
الرَّابِعَ عَشَرَ: مَا نَزَلَ مُشَيَّعًا وَمَا نَزَلَ مُفْرَدًا.
الْخَامِسَ عَشَرَ: مَا أُنْزِلَ مِنْهُ عَلَى بَعْضِ الْأَنْبِيَاءِ وَمَا لَمْ يُنَزَّلْ مِنْهُ عَلَى أَحَدٍ قَبْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السَّادِسَ عَشَرَ: فِي كَيْفِيَّةِ إِنْزَالِهِ.
السَّابِعَ عَشَرَ: فِي مَعْرِفَةِ أَسْمَائِهِ وَأَسْمَاءِ سُوَرِهِ.
الثَّامِنَ عَشَرَ: فِي جَمْعِهِ وَتَرْتِيبِهِ.
التَّاسِعَ عَشَرَ: فِي عَدَدِ سُوَرِهِ وَآيَاتِهِ وَكَلِمَاتِهِ وَحُرُوفِهِ.
الْعِشْرُونَ: فِي حُفَّاظِهِ وَرُوَاتِهِ.
الْحَادِي وَالْعِشْرُونَ: فِي الْعَالِي وَالنَّازِلِ.
الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ: مَعْرِفَةُ الْمُتَوَاتِرِ.
الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ فِي الْمَشْهُورِ.(1/28)
الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ: فِي الْآحَادِ.
الْخَامِسُ وَالْعِشْرُونَ: فِي الشَّاذِّ.
السَّادِسُ وَالْعِشْرُونَ: الْمَوْضُوعُ.
السَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ: الْمُدْرَجُ.
الثَّامِنُ وَالْعِشْرُونَ: فِي مَعْرِفَةِ الْوَقْفِ وَالِابْتِدَاءِ.
التَّاسِعُ وَالْعِشْرُونَ: فِي بَيَانِ الْمَوْصُولِ لَفْظًا الْمَفْصُولِ مَعْنًى.
الثَّلَاثُونَ: فِي الْإِمَالَةِ وَالْفَتْحِ وَمَا بَيْنَهُمَا.
الْحَادِي وَالثَّلَاثُونَ: فِي الْإِدْغَامِ وَالْإِظْهَارِ وَالْإِخْفَاءِ وَالْإِقْلَابِ.
الثَّانِي وَالثَّلَاثُونَ: فِي الْمَدِّ وَالْقَصْرِ.
الثَّالِثُ وَالثَّلَاثُونَ: فِي تَخْفِيفِ الْهَمْزَةِ.
الرَّابِعُ وَالثَّلَاثُونَ: فِي كَيْفِيَّةِ تَحَمُّلِهِ.
الْخَامِسُ وَالثَّلَاثُونَ: فِي آدَابِ تِلَاوَتِهِ.
السَّادِسُ وَالثَّلَاثُونَ: فِي مَعْرِفَةِ غَرِيبِهِ.
السَّابِعُ وَالثَّلَاثُونَ: فِيمَا وَقَعَ فِيهِ بِغَيْرِ لُغَةِ الْحِجَازِ.
الثَّامِنُ وَالثَّلَاثُونَ: فِيمَا وَقَعَ فِيهِ بِغَيْرِ لُغَةِ الْعَرَبِ.
التَّاسِعُ وَالثَّلَاثُونَ: فِي مَعْرِفَةِ الْوُجُوهِ وَالنَّظَائِرِ.
الْأَرْبَعُونَ: فِي مَعْرِفَةِ مَعَانِي الْأَدَوَاتِ الَّتِي يَحْتَاجُ إِلَيْهَا الْمُفَسِّرُ.
الْحَادِي وَالْأَرْبَعُونَ: فِي مَعْرِفَةِ إِعْرَابِهِ.
الثَّانِي وَالْأَرْبَعُونَ: فِي قَوَاعِدَ مُهِمَّةٍ يَحْتَاجُ الْمُفَسِّرُ إِلَى مَعْرِفَتِهَا.
الثَّالِثُ وَالْأَرْبَعُونَ: فِي الْمُحْكَمِ وَالْمُتَشَابِهِ.
الرَّابِعُ وَالْأَرْبَعُونَ: فِي مُقَدَّمِهِ وَمُؤَخَّرِهِ.
الْخَامِسُ وَالْأَرْبَعُونَ: فِي خَاصِّهِ وَعَامِّهِ.(1/29)
السَّادِسُ وَالْأَرْبَعُونَ: فِي مُجْمَلِهِ وُمُبَيَّنِهِ.
السَّابِعُ وَالْأَرْبَعُونَ: فِي نَاسِخِهِ وَمَنْسُوخِهِ.
الثَّامِنُ وَالْأَرْبَعُونَ: فِي مُشْكِلِهِ وَمُوهِمِ الِاخْتِلَافِ وَالتَّنَاقُضِ.
التَّاسِعُ وَالْأَرْبَعُونَ: فِي مُطْلَقِهِ وَمُقَيَّدِهِ.
الْخَمْسُونَ: فِي مَنْطُوقِهِ وَمَفْهُومِهِ.
الْحَادِي وَالْخَمْسُونَ: فِي وُجُوهِ مُخَاطَبَاتِهِ.
الثَّانِي وَالْخَمْسُونَ: فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ.
الثَّالِثُ وَالْخَمْسُونَ: فِي تَشْبِيهِهِ وَاسْتِعَارَتِهِ.
الرَّابِعُ وَالْخَمْسُونَ: فِي كِنَايَاتِهِ وَتَعْرِيضِهِ.
الْخَامِسُ وَالْخَمْسُونَ: فِي الْحَصْرِ وَالِاخْتِصَاصِ.
السَّادِسُ وَالْخَمْسُونَ: فِي الْإِيجَازِ وَالْإِطْنَابِ.
السَّابِعُ وَالْخَمْسُونَ: فِي الْخَبَرِ وَالْإِنْشَاءِ.
الثَّامِنُ وَالْخَمْسُونَ: فِي بَدَائِعِ الْقُرْآنِ.
التَّاسِعُ وَالْخَمْسُونَ: فِي فَوَاصِلِ الْآيِ.
السِّتُّونَ: فِي فَوَاتِحِ السُّوَرِ.
الْحَادِي وَالسِّتُّونَ: فِي خَوَاتِمِ السُّوَرِ.
الثَّانِي وَالسِّتُّونَ: فِي مُنَاسَبَةِ الْآيَاتِ وَالسُّوَرِ.
الثَّالِثُ وَالسِّتُّونَ: فِي الْآيَاتِ الْمُشْتَبِهَاتِ.
الرَّابِعُ وَالسِّتُّونَ: فِي إِعْجَازِ الْقُرْآنِ.
الْخَامِسُ وَالسِّتُّونَ: فِي الْعُلُومِ الْمُسْتَنْبَطَةِ مِنَ الْقُرْآنِ.
السَّادِسُ وَالسِّتُّونَ: فِي أَمْثَالِهِ.(1/30)
السَّابِعُ وَالسِّتُّونَ: فِي أَقْسَامِهِ.
الثَّامِنُ وَالسِّتُّونَ: فِي جَدَلِهِ.
التَّاسِعُ وَالسِّتُّونَ: فِي الْأَسْمَاءِ وَالْكُنَى وَالْأَلْقَابِ.
السَّبْعُونَ: فِي مُبْهَمَاتِهِ.
الْحَادِي وَالسَّبْعُونَ: فِي أَسْمَاءِ مَنْ نَزَلَ فِيهِمُ الْقُرْآنُ.
الثَّانِي وَالسَّبْعُونَ: فِي فَضَائِلِ الْقُرْآنِ.
الثَّالِثُ وَالسَّبْعُونَ: فِي أَفْضَلِ الْقُرْآنِ وَفَاضِلِهِ.
الرَّابِعُ وَالسَّبْعُونَ: فِي مُفْرَدَاتِ الْقُرْآنِ.
الْخَامِسُ وَالسَّبْعُونَ: فِي خَوَاصِّهِ.
السَّادِسُ وَالسَّبْعُونَ: فِي رُسُومِ الْخَطِّ وَآدَابِ كِتَابَتِهِ.
السَّابِعُ وَالسَّبْعُونَ: فِي مَعْرِفَةِ تَأْوِيلِهِ وَتَفْسِيرِهِ وَبَيَانِ شَرَفِهِ وَالْحَاجَةِ إِلَيْهِ.
الثَّامِنُ وَالسَّبْعُونَ: فِي شُرُوطِ الْمُفَسِّرُ وَآدَابِهِ.
التَّاسِعُ وَالسَّبْعُونَ: فِي غَرَائِبِ التَّفْسِيرِ.
الثَّمَانُونَ: فِي طَبَقَاتِ الْمُفَسِّرِينَ.
فَهَذِهِ ثَمَانُونَ نَوْعًا عَلَى سَبِيلِ الْإِدْمَاجِ وَلَوْ نَوَّعْتُ بِاعْتِبَارِ مَا أَدْمَجْتُهُ فِي ضِمْنِهَا لَزَادَتْ عَلَى الثَّلَاثِمِائَةِ وَغَالِبُ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ فِيهَا تَصَانِيفُ مُفْرَدَةٌ وَقَفْتُ عَلَى كَثِيرٍ مِنْهَا.
وَمِنَ الْمُصَنَّفَاتِ فِي مِثْلِ هَذَا النَّمَطِ وَلَيْسَ فِي الْحَقِيقَةِ مِثْلَهُ وَلَا قَرِيبًا مِنْهُ وَإِنَّمَا هِيَ طَائِفَةٌ يَسِيرَةٌ ونبذة قصيرة وفنون الْأَفْنَانِ فِي عُلُومِ الْقُرْآنِ لِابْنِ الجوزي وجمال الْقُرَّاءِ لِلشَّيْخِ عَلَمِ الدِّينِ السَّخَاوِيِّ والمرشد الْوَجِيزُ فِي عُلُومٍ تَتَعَلَّقُ بِالْقُرْآنِ الْعَزِيزِ لِأَبِي شامة والبرهان فِي مُشْكِلَاتِ الْقُرْآنِ لِأَبِي الْمَعَالِي(1/31)
عَزِيزِيُّ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْمَعْرُوفُ بِشَيْذَلَةَ وَكُلُّهَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى نَوْعٍ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ كَحَبَّةِ رَمْلٍ فِي جَنْبِ رَمْلٍ عَالِجٍ وَنُقْطَةِ قَطْرٍ في حيال بَحْرٍ زَاخِرٍ.
وَهَذِهِ أَسْمَاءُ الْكُتُبِ الَّتِي نَظَرْتُهَا عَلَى هَذَا الْكِتَابِ وَلَخَّصْتُهُ مِنْهَا.
فَمِنَ الْكُتُبِ النَّقْلِيَّةِ:
تَفْسِيرُ ابْنِ جَرِيرٍ وَابْنِ أَبِي حَاتِمٍ وابن مروديه وأبي الشيخ وابن حَيَّانَ، وَالْفِرْيَابِيِّ وَعَبْدِ الرَّزَّاقِ وَابْنِ الْمُنْذِرِ وَسَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ - وَهُوَ جُزْءٌ مِنْ سُنَنِهِ - وَالْحَاكِمِ - وَهُوَ جُزْءٌ مِنْ مُسْتَدْرَكِهِ - وَتَفْسِيرُ الْحَافِظِ عِمَادِ الدِّينِ بْنِ كَثِيرٍ وَفَضَائِلُ الْقُرْآنِ لِأَبِي عُبَيْدٍ وَفَضَائِلُ الْقُرْآنِ لابن الضر يس وَفَضَائِلُ الْقُرْآنِ لِابْنِ أَبِي شَيْبَةَ والمصاحف لِابْنِ أَبِي دَاوُدَ الْمَصَاحِفُ لِابْنِ أَشْتَةَ الرَّدُّ عَلَى مَنْ خَالَفَ مُصْحَفَ عُثْمَانَ لِأَبِي بَكْرِ بْنِ الأنبا ري أَخْلَاقُ حَمَلَةِ الْقُرْآنِ لِلْآجُرِّيِّ التِّبْيَانُ فِي آدَابِ حَمَلَةِ الْقُرْآنِ لِلنَّوَوِيِّ شَرْحُ الْبُخَارِيِّ لِابْنِ حَجَرٍ.
وَمِنْ جوامع الحديث والمسانيد مالا يُحْصَى.
وَمِنْ كُتُبِ الْقِرَاءَاتِ وَتَعَلُّقَاتِ الْأَدَاءِ:
جَمَالُ الْقُرَّاءِ لِلسَّخَاوِيِّ، النَّشْرُ والتقريب لابن الجزري، الكامل لِلْهُذَلِيِّ، الْإِرْشَادُ فِي الْقِرَاءَاتِ الْعَشْرِ لِلْوَاسِطِيِّ، الشَّوَاذُّ لِابْنِ غَلْبُونَ، الْوَقْفُ والابتداء لابن الأنبا ري وَلِلسَّجَاوَنْدِيِّ وَلِلنَّحَّاسِ، وَلِلدَّانِي وَلِلْعَمَّانِيِّ وَلِابْنِ النِّكْزَاوِيِّ، قُرَّةُ الْعَيْنِ فِي الْفَتْحِ وَالْإِمَالَةِ بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ لِابْنِ الْقَاصِحِ.
وَمِنْ كُتُبِ اللُّغَاتِ وَالْغَرِيبِ وَالْعَرَبِيَّةِ وَالْإِعْرَابِ:(1/32)
مُفْرَدَاتُ الْقُرْآنِ لِلرَّاغِبِ، غَرِيبُ الْقُرْآنِ لِابْنِ قُتَيْبَةَ وَلِلْعُزَيْزِيِّ، الْوُجُوهُ وَالنَّظَائِرُ لِلنَّيْسَابُورِيِّ وَلِابْنِ عَبْدِ الصَّمَدِ، الْوَاحِدُ والجمع في القرآن لأبي الحسن الْأَخْفَشِ الْأَوْسَطِ، الزَّاهِرُ لِابْنِ الْأَنْبَارِيِّ، شَرْحُ التَّسْهِيلِ وَالِارْتِشَافِ لِأَبِي حَيَّانَ، الْمُغْنِي لِابْنِ هِشَامٍ، الْجَنَى الدَّانِيُّ فِي حُرُوفِ الْمَعَانِي لِابْنِ أُمِّ قَاسِمٍ، إِعْرَابُ الْقُرْآنِ لِأَبِي الْبَقَاءِ وَلِلسَّمِينِ وَلِلسَّفَاقِسِيِّ وَلِمُنْتَخَبِ الدين، والمحتسب فِي تَوْجِيهِ الشَّوَاذِّ لِابْنِ جِنِّيٍّ، الْخَصَائِصُ لَهُ، الْخَاطِرِيَّاتُ لَهُ، ذَا الْقَدِّ لَهُ، أَمَالِي ابْنِ الْحَاجِبِ الْمُعْرَّبُ لِلْجَوَالِيقِيِّ مُشْكِلُ الْقُرْآنِ لِابْنِ قُتَيْبَةَ اللُّغَاتُ الَّتِي نَزَلَ بِهَا القرآن للقاسم بن سلام الْغَرَائِبُ وَالْعَجَائِبُ لِلْكَرْمَانِيِّ قَوَاعِدُ فِي التَّفْسِيرِ لِابْنِ تَيْمِيَةَ.
وَمِنْ كُتُبِ الْأَحْكَامِ وَتَعَلُّقَاتِهَا:
أَحْكَامُ الْقُرْآنِ لِإِسْمَاعِيلَ الْقَاضِي، وَلِبَكْرِ بْنِ الْعَلَاءِ، وَلِأَبِي بَكْرِ الرَّازِيِّ، وَلِلْكِيَا الْهَرَّاسِيِّ وَلِابْنِ الْعَرَبِيِّ وَلِابْنِ الْفَرَسِ وَلِابْنِ خُوَيْزِ مَنْدَادَ النَّاسِخُ وَالْمَنْسُوخُ لِمَكِّيِّ وَلِابْنِ الْحَصَّارِ وَلِلسَّعِيدِيِّ وَلِأَبِي جَعْفَرٍ النَّحَّاسِ وَلِابْنِ الْعَرَبِيِّ وَلِأَبِي دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيِّ، وَلِأَبِي عُبَيْدِ الْقَاسِمِ بْنِ سَلَّامٍ وَلِأَبِي مَنْصُورٍ عَبْدِ الْقَاهِرِ بْنِ طَاهِرٍ التَّمِيمِيِّ الْإِمَامُ فِي أَدِلَّةِ الْأَحْكَامِ لِلشَّيْخِ عِزِّ الدِّينِ بْنِ عَبَدِ السَّلَامِ.
وَمِنَ الْكُتُبِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْإِعْجَازِ وَفُنُونِ الْبَلَاغَةِ:
إِعْجَازُ الْقُرْآنِ لِلْخَطَّابِيِّ، وَلِلرُّمَّانِيِّ، وَلِابْنِ سُرَاقَةَ، وَلِلْقَاضِي أَبِي بَكْرِ الْبَاقِلَانِيِّ، وَلِعَبْدِ الْقَاهِرِ الْجُرْجَانِيِّ، وَلِلْإِمَامِ فَخْرِ الدِّينِ، وَلِابْنِ أَبِي الْأُصْبُعِ -(1/33)
وَاسْمُهُ الْبُرْهَانُ -،وَلِلزَّمْلَكَانِيِّ - وَاسْمُهُ الْبُرْهَانُ أَيْضًا - وَمُخْتَصَرُهُ لَهُ - وَاسْمُهُ الْمَجِيدُ - مَجَازُ الْقُرْآنِ لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ الْإِيجَازُ فِي الْمَجَازِ لِابْنِ الْقَيِّمِ نِهَايَةُ التَّأْمِيلِ فِي أَسْرَارِ التَّنْزِيلِ لِلزَّمْلَكَانِيِّ التِّبْيَانُ فِي الْبَيَانِ لَهُ الْمَنْهَجُ الْمُفِيدُ فِي أَحْكَامِ التَّوْكِيدِ لَهُ بَدَائِعُ الْقُرْآنِ لِابْنِ أَبِي الْأُصْبُعِ التَّحْبِيرُ لَهُ الْخَوَاطِرُ السَّوَانِحُ فِي أَسْرَارِ الْفَوَاتِحِ لَهُ أَسْرَارُ التَّنْزِيلِ لِلشَّرَفِ الْبَارِزِيِّ الْأَقْصَى الْقَرِيبُ لِلتَّنُوخِيِّ مِنْهَاجُ الْبُلَغَاءِ لِحَازِمٍ الْعُمْدَةُ لِابْنِ رَشِيقٍ الصِّنَاعَتَيْنِ لِلْعَسْكَرِيِّ الْمِصْبَاحُ لِبَدْرِ الدِّينِ بْنِ مَالِكٍ التِّبْيَانُ لِلطَّيِّبِيِّ الْكِنَايَاتُ لِلْجُرْجَانِيِّ الْإِغْرِيضُ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْكِنَايَةِ وَالتَّعْرِيضِ لِلشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ السُّبْكِيِّ الِاقْتِنَاصُ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْحَصْرِ وَالِاخْتِصَاصِ لَهُ عَرُوسُ الْأَفْرَاحِ لِوَلَدِهِ بَهَاءِ الدِّينِ رَوْضُ الْأَفْهَامِ فِي أَقْسَامِ الِاسْتِفْهَامِ لِلشَّيْخِ شَمْسِ الدِّينِ بْنِ الصَّائِغِ نَشْرُ الْعَبِيرِ فِي إِقَامَةِ الظَّاهِرِ مَقَامَ الضَّمِيرِ لَهُ الْمُقَدِّمَةُ فِي سر الألفاظ المقدمة لَهُ إِحْكَامُ الرَّايِ فِي أَحْكَامِ الْآيِ لَهُ مُنَاسَبَاتُ تَرْتِيبِ السُّوَرِ لِأَبِي جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ فَوَاصِلُ الْآيَاتِ لِلطُّوفِيِّ الْمَثَلُ السَّائِرُ لِابْنِ الْأَثِيرِ الْفَلَكُ الدَّائِرُ عَلَى الْمَثَلِ السَّائِرِ كَنْزُ الْبَرَاعَةِ لِابْنِ الْأَثِيرِ شَرْحُ بَدِيعِ قُدَامَةَ لِلْمُوَفَّقِ عَبْدِ اللَّطِيفِ.
وَمِنَ الْكُتُبِ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِنَ الْأَنْوَاعِ:
الْبُرْهَانُ فِي مُتَشَابِهِ الْقُرْآنِ لِلْكَرْمَانِيِّ دُرَّةُ التَّنْزِيلِ وَغُرَّةُ التَّأْوِيلِ فِي الْمُتَشَابِهِ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ الرَّازِيِّ كَشْفُ الْمَعَانِي عن متشابه الْمَثَانِي لِلْقَاضِي بَدْرِ الدِّينِ بْنِ جَمَاعَةٍ أَمْثَالُ الْقُرْآنِ لِلْمَاوَرْدِيِّ أَقْسَامُ الْقُرْآنِ لِابْنِ الْقَيِّمِ جَوَاهِرُ الْقُرْآنِ لِلْغَزَالِيِّ التَّعْرِيفُ وَالْإِعْلَامُ فِيمَا وَقَعَ فِي الْقُرْآنِ مِنَ الْأَسْمَاءِ وَالْأَعْلَامِ لِلسُّهَيْلِيِّ الذَّيْلُ عَلَيْهِ لِابْنِ عَسَاكِرَ التِّبْيَانُ فِي مُبْهَمَاتِ الْقُرْآنِ لِلْقَاضِي بَدْرِ(1/34)
الدِّينِ بْنِ جَمَاعَةَ أَسْمَاءُ مِنْ نَزَلَ فِيهِمُ الْقُرْآنُ لِإِسْمَاعِيلَ الضَّرِيرِ ذَاتُ الرُّشْدِ فِي عَدَدِ الْآيِ وَشَرْحِهَا لِلْمَوْصِلِيِّ شَرْحُ آيَاتِ الصِّفَاتِ لِابْنِ اللَّبَّانِ الدُّرُّ النَّظِيمُ فِي مَنَافِعِ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ لِلْيَافِعِيِّ.
وَمِنْ كُتُبِ الرَّسْمِ:
الْمُقَنَّعُ لِلدَّانِيِّ شَرْحُ الرَّائِيَةِ لِلسَّخَاوِيِّ شَرْحُهَا لِابْنِ جُبَارَةَ.
وَمِنَ الْكُتُبِ الْجَامِعَةِ:
بَدَائِعُ الْفَوَائِدِ لِابْنِ الْقَيِّمِ كَنْزُ الْفَوَائِدِ لِلشَّيْخِ عِزِّ الدِّينِ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ الْغُرَرُ وَالدُّرَرُ لِلشَّرِيفِ الْمُرْتَضَى تَذْكِرَةُ الْبَدْرِ بْنِ الصَّاحِبِ جَامِعُ الْفُنُونِ لِابْنِ شَبِيبٍ الْحَنْبَلِيِّ النَّفِيسُ لِابْنِ الْجَوْزِيِّ الْبُسْتَانُ لِأَبِي اللَّيْثِ السَّمَرْقَنْدِيِّ.
وَمِنْ تَفَاسِيرِ غَيْرِ الْمُحَدِّثِينَ.
الْكَشَّافُ وَحَاشِيَتُهُ لِلطَّيِّبِيِّ تَفْسِيرُ الْإِمَامِ فَخْرِ الدِّينِ تَفْسِيرُ الْأَصْبِهَانِيِّ وَالْحَوْفِيِّ وَأَبِي حَيَّانَ وَابْنِ عَطِيَّةَ وَالْقُشَيْرِيِّ وَالْمُرْسِيِّ وَابْنِ الْجَوْزِيِّ وَابْنِ عَقِيلٍ وَابْنِ رَزِينٍ وَالْوَاحِدِيِّ وَالْكَوَاشِيِّ وَالْمَاوَرْدِيِّ وَسُلَيْمٍ الرَّازِيِّ وَإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَابْنِ بَرَّجَانَ وَابْنِ بَزِيزَةَ وَابْنِ الْمُنِيرِ أَمَالِي الرَّافِعِيِّ عَلَى الْفَاتِحَةِ مُقَدِّمَةُ تَفْسِيرِ ابن النقيب.
وَهَذَا أَوَانُ الشُّرُوعِ فِي الْمَقْصُودِ بِعَوْنِ الْمَلِكِ الْمَعْبُودِ.(1/35)
النَّوْعُ الْأَوَّلُ: فِي مَعْرِفَةِ الْمَكِّيِّ وَالْمَدَنِيِّ
أَفْرَدَهُ بِالتَّصْنِيفِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ مَكِّيُّ وَالْعِزُّ الدَّيْرِينِيُّ وَمِنْ فَوَائِدِ مَعْرِفَةِ ذَلِكَ الْعِلْمُ بِالْمُتَأَخِّرِ فَيَكُونُ نَاسِخًا أَوْ مُخَصَّصًا عَلَى رَأْيِ مَنْ يَرَى تَأْخِيرَ الْمُخَصَّصِ.
قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَبِيبٍ النَّيْسَابُورِيُّ فِي كِتَابِ التَّنْبِيهِ عَلَى فَضْلِ عُلُومِ الْقُرْآنِ: مِنْ أَشْرَفِ عُلُومِ الْقُرْآنِ عِلْمُ نُزُولِهِ وَجِهَاتِهِ وَتَرْتِيبِ مَا نَزَلَ بِمَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَمَا نَزَلَ بِمَكَّةَ وَحُكْمُهُ مَدَنِيٌّ وَمَا نَزَلَ بِالْمَدِينَةِ وَحُكْمُهُ مَكِّيٌّ وَمَا نَزَلَ بِمَكَّةَ فِي أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَا نَزَلَ بِالْمَدِينَةِ فِي أَهْلِ مَكَّةَ وَمَا يُشْبِهُ نُزُولَ الْمَكِّيِّ فِي الْمَدَنِيِّ وَمَا يُشْبِهُ نُزُولَ الْمَدَنِيِّ فِي الْمَكِّيِّ وَمَا نَزَلَ بِالْجُحْفَةِ وَمَا نَزَلَ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَمَا نَزَلَ بِالطَّائِفِ وَمَا نَزَلَ بِالْحُدَيْبِيَةَ وَمَا نَزَلَ لَيْلًا وَمَا نَزَلَ نَهَارًا وَمَا نَزَلَ مُشَيَّعًا وَمَا نَزَلَ مُفْرَدًا وَالْآيَاتُ الْمَدَنِيَّاتُ فِي السُّوَرِ الْمَكِّيَّةِ وَالْآيَاتُ الْمَكِّيَّاتُ فِي السُّوَرِ الْمَدَنِيَّةِ وَمَا حُمِلَ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَمَا حُمِلَ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى مَكَّةَ وَمَا حُمِلَ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ وَمَا نَزَلَ مُجْمَلًا وَمَا نَزَلَ مُفَسَّرًا وَمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ مَدَنِيٌّ وَبَعْضُهُمْ مَكِّيٌّ فَهَذِهِ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ وَجْهًا مَنْ لَمْ يَعْرِفْهَا وَيُمَيِّزْ بَيْنَهَا لَمْ يَحْلُ لَهُ أَنْ يَتَكَلَّمَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى. انْتَهَى.(1/36)
قُلْتُ: وَقَدْ أَشْبَعْتُ الْكَلَامَ عَلَى هَذِهِ الْأَوْجُهِ فَمِنْهَا مَا أَفْرَدْتُهُ بِنَوْعٍ وَمِنْهَا مَا تَكَلَّمْتُ عَلَيْهِ فِي ضِمْنِ بَعْضِ الْأَنْوَاعِ.
وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي كِتَابِهِ النَّاسِخُ وَالْمَنْسُوخُ: الَّذِي عَلِمْنَاهُ عَلَى الْجُمْلَةِ مِنَ الْقُرْآنِ أَنَّ مِنْهُ مَكِّيًّا وَمَدَنِيًّا وَسَفَرِيًّا وَحَضَرِيًّا وَلَيْلِيًّا وَنَهَارِيًّا وَسَمَائِيًّا وَأَرْضِيًّا وَمَا نَزَلَ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَمَا نَزَلَ تَحْتَ الْأَرْضِ فِي الْغَارِ.
وَقَالَ ابْنُ النَّقِيبِ فِي مُقَدِّمَةِ تَفْسِيرِهِ: الْمُنَزَّلُ مِنَ الْقُرْآنِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ مَكِّيٌّ وَمَدَنِيٌّ وَمَا بَعْضُهُ مَكِّيٌّ وَبَعْضُهُ مَدَنِيٌّ وَمَا لَيْسَ بِمَكِّيٍّ وَلَا مَدَنِيٍّ.
اعْلَمْ أَنَّ لِلنَّاسِ فِي الْمَكِّيِّ وَالْمَدَنِيِّ اصْطِلَاحَاتٌ ثَلَاثَةٌ:
أَشْهَرُهَا: أَنَّ الْمَكِّيَّ مَا نَزَلَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ وَالْمَدَنِيَّ مَا نَزَلَ بَعْدَهَا سَوَاءٌ نَزَلَ بِمَكَّةَ أَمْ بِالْمَدِينَةِ عَامَ الْفَتْحِ أَوْ عَامَ حِجَّةِ الْوَدَاعِ أَمْ بِسَفَرٍ مِنَ الْأَسْفَارِ.
أَخْرَجَ عثمان ابن سعد الرازي بِسَنَدِهِ إِلَى يَحْيَى بْنِ سَلَامٍ قَالَ: مَا نَزَلَ بِمَكَّةَ وَمَا نَزَلَ فِي طَرِيقِ الْمَدِينَةِ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ فَهُوَ مِنَ الْمَكِّيِّ وَمَا نَزَلَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم في أَسْفَارِهِ بَعْدَ مَا قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَهُوَ مِنَ الْمَدَنِيِّ وَهَذَا أَثَرٌ لَطِيفٌ يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ مَا نَزَلَ فِي سَفَرِ الْهِجْرَةِ مَكِّيٌّ اصْطِلَاحًا.
الثَّانِي: أَنَّ الْمَكِّيَّ مَا نَزَلَ بِمَكَّةَ وَلَوْ بَعْدَ الْهِجْرَةِ وَالْمَدَنِيُّ مَا نَزَلَ بِالْمَدِينَةِ وَعَلَى هَذَا تَثْبُتُ الْوَاسِطَةُ فَمَا نَزَلَ بِالْأَسْفَارِ لَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ مَكِّيٌّ وَلَا مَدَنِيٌّ. وَقَدْ أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ مِنْ طَرِيقِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ عُفَيْرِ بْنِ مَعْدَانَ عَنِ ابْنِ عَامِرٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أُنْزِلَ الْقُرْآنُ فِي ثَلَاثَةِ أَمْكِنَةٍ: مَكَّةَ وَالْمَدِينَةَ وَالشَّامَ " قَالَ الْوَلِيدُ: يَعْنِي بَيْتَ(1/37)
الْمَقْدِسِ. وَقَالَ الشَّيْخُ عِمَادُ الدِّينِ بْنُ كَثِيرٍ: بَلْ تَفْسِيرُهُ بِتَبُوكٍ أَحْسَنُ.
قُلْتُ: وَيَدْخُلُ فِي مَكَّةَ ضَوَاحِيهَا كَالْمَنْزِلِ بِمِنَى وَعَرَفَاتٍ وَالْحُدَيْبِيَةَ وَفِي الْمَدِينَةِ ضَوَاحِيهَا كَالْمُنَزَّلِ بِبَدْرٍ وَأُحُدٍ وَسَلْعٍ.
الثَّالِثُ: أَنَّ الْمَكِّيَّ مَا وَقَعَ خِطَابًا لِأَهْلِ مَكَّةَ وَالْمَدَنِيُّ مَا وَقَعَ خِطَابًا لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَحُمِلَ عَلَى هَذَا قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ الْآتِي.
قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ فِي الِانْتِصَارِ: إِنَّمَا يَرْجِعُ فِي مَعْرِفَةِ الْمَكِّيِّ وَالْمَدَنِيِّ إِلَى حِفْظِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَلَمْ يَرِدْ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ قَوْلٌ لِأَنَّهُ لَمْ يُؤْمَرْ بِهِ وَلَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ عِلْمَ ذَلِكَ مِنْ فَرَائِضِ الْأُمَّةِ وَإِنْ وَجَبَ فِي بَعْضِهِ عَلَى أَهْلِ الْعِلْمِ مَعْرِفَةُ تَارِيخِ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ فَقَدْ يُعْرَفُ ذَلِكَ بِغَيْرِ نَصِّ الرَّسُولِ انْتَهَى.
وَقَدْ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ: "وَالَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ مَا نَزَلَتْ آيَةٌ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى إِلَّا وَأَنَا أَعْلَمُ فِيمَنْ نَزَلَتْ وَأَيْنَ نَزَلَتْ ".
وَقَالَ أَيُّوبٌ: سَأَلَ رَجُلٌ عكرمة عَنْ آيَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ فَقَالَ: "نَزَلَتْ فِي سَفْحِ ذَلِكَ الْجَبَلِ "- وَأَشَارَ إِلَى سَلْعٍ. أَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ.
وَقَدْ وَرَدَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ عَدُّ الْمَكِّيِّ وَالْمَدَنِيِّ وَأَنَا أَسُوقُ مَا وَقَعَ لِي مِنْ ذَلِكَ ثُمَّ أُعْقِبُهُ بِتَحْرِيرِ مَا اخْتُلِفَ فِيهِ.
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ: أَنْبَأَنَا الْوَاقِدِيُّ حَدَّثَنِي قُدَامَةُ بْنُ مُوسَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ الْحَضْرَمِيِّ سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ: "سَأَلْتُ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ عَمَّا نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ بِالْمَدِينَةِ فَقَالَ نَزَلَ بِهَا سَبْعٌ وَعِشْرُونَ سُورَةً وَسَائِرُهَا بِمَكَّةَ ".(1/38)
وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ النَّحَّاسُ فِي كِتَابِهِ النَّاسِخُ وَالْمَنْسُوخُ: حَدَّثَنِي يَمُوتُ بْنُ الْمُزَرِّعِ حَدَّثَنَا أَبُو حَاتِمٍ سَهْلُ بْنُ مُحَمَّدٍ السِّجِسْتَانِيُّ أَنْبَأَنَا أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى حدثني يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ سَمِعْتُ أَبَا عَمْرِو بْنَ الْعَلَاءِ يَقُولُ: سَأَلْتُ مُجَاهِدًا عَنْ تَلْخِيصِ آيِ الْقُرْآنِ الْمَدَنِيِّ مِنَ الْمَكِّيِّ فَقَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: "سُورَةُ الْأَنْعَامِ نَزَلَتْ بِمَكَّةَ جُمْلَةً وَاحِدَةً فَهِيَ مَكِّيَّةٌ إِلَّا ثَلَاثَ آيَاتٍ مِنْهَا نَزَلْنَ بِالْمَدِينَةِ: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ} إِلَى تَمَامِ الْآيَاتِ الثَّلَاثِ وَمَا تَقَدَّمَ مِنَ السُّوَرِ مَدَنِيَّاتٌ. وَنَزَلَتْ بِمَكَّةَ سُورَةُ الْأَعْرَافِ وَيُونُسَ وَهُودٍ وَيُوسُفَ وَالرَّعْدِ وَإِبْرَاهِيمَ وَالْحِجْرِ وَالنَّحْلِ - سِوَى ثَلَاثِ آيَاتٍ مِنْ آخِرِهَا فَإِنَّهُنَّ نَزَلْنَ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةَ فِي مُنْصَرَفِهِ مِنْ أُحُدٍ - وَسُورَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَالْكَهْفِ وَمَرْيَمَ وَطه وَالْأَنْبِيَاءِ وَالْحَجِّ - سِوَى ثَلَاثِ آيَاتٍ: {هَذَانِ خَصْمَانِ} إِلَى تَمَامِ الَآيَاتِ الثَّلَاثِ فَإِنَّهُنَّ نَزَلْنَ بالمدينة - وسورة المؤمنين وَالْفَرْقَانِ وَسُورَةُ الشُّعَرَاءِ - سِوَى خَمْسِ آيَاتٍ مِنْ أخراها نَزَلْنَ بِالْمَدِينَةِ: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ} إِلَى آخِرِهَا. وَسُورَةُ النَّمْلِ وَالْقَصَصِ وَالْعَنْكَبُوتِ وَالرُّومِ وَلُقْمَانَ - سِوَى ثَلَاثِ آيَاتٍ مِنْهَا نَزَلْنَ بِالْمَدِينَةِ: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ} إِلَى تَمَامِ الْآيَاتِ - وَسُورَةُ السَّجْدَةِ سِوَى ثَلَاثِ آيَاتٍ: {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً} إِلَى تَمَامِ الْآيَاتِ الثَّلَاثِ وَسُورَةُ سَبَأٍ وَفَاطِرٍ وَيس وَالصَّافَّاتِ وَص وَالزَّمْرِ سِوَى ثَلَاثِ آيَاتٍ نَزَلْنَ بِالْمَدِينَةِ فِي وَحْشِيٍّ قَاتِلِ حَمْزَةَ: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا} إِلَى تَمَامِ(1/39)
الثلاث آيات والحوا ميم السبع وق والداريات وَالطُّورُ وَالنَّجْمُ وَالْقَمَرُ وَالرَّحْمَنُ وَالْوَاقِعَةُ وَالصَّفُّ وَالتَّغَابُنُ إِلَّا آيَاتٌ مِنْ آخِرِهَا نَزَلْنَ بِالْمَدِينَةِ. وَالْمُلْكُ وَن وَالْحَاقَّةُ وَسَأَلَ وَسُورَةُ نُوحٍ وَالْجِنِّ وَالْمُزَّمِّلِ إِلَّا آيَتَيْنِ: {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ} وَالْمُدَّثِّرِ إِلَى آخِرِ الْقُرْآنِ إِلَّا إِذَا زُلْزِلَتِ وإذا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ وَقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ فَإِنَّهُنَّ مَدَنِيَّاتٌ. وَنَزَلَ بِالْمَدِينَةِ سُورَةُ الْأَنْفَالِ وَبَرَاءَةٍ وَالنُّورِ وَالْأَحْزَابِ وَسُورَةُ مُحَمَّدٍ وَالْفَتْحِ وَالْحُجُرَاتِ وَالْحَدِيدِ وَمَا بَعْدَهَا إِلَى التَّحْرِيمِ ".
هَكَذَا أَخْرَجَهُ بِطُولِهِ وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ رِجَالُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ مِنْ عُلَمَاءِ الْعَرَبِيَّةِ الْمَشْهُورِينَ.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ: أَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ زِيَادٍ الْعَدْلُ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ نَصْرِ بْنِ مَالِكٍ الْخُزَاعِيُّ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ عَنْ أَبِيهِ حَدَّثَنِي يَزِيدُ النَّحْوِيُّ عن عكرمة والحسن بْنُ أَبِي الْحَسَنِ قَالَا: "أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْقُرْآنِ بِمَكَّةَ: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ وَن وَالْمُزَّمِّلَ وَالْمُدَّثِّرَ وَتَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَإِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ وَسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأعلى وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى وَالْفَجْرِ وَالضُّحَى وألم نشرح والعصر والعاديات والكوثر وألهاكم التكاثر وأرأيت وقل يا أيها الكافرون وأصحاب الفيل والفلق وقل أعوذ برب الناس وقل هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَالنَّجْمَ وَعَبَسَ وَإِنَّا أنزلناه والشمس وَضُحَاهَا وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ وَالتِّينِ(1/40)
الزيتون ولإيلاف قُرَيْشٍ وَالْقَارِعَةَ وَلَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ وَالْهُمَزَةَ وَالْمُرْسَلَاتِ وَق ولا أقسم بهذا البلد والسماء وَالطَّارِقِ وَاقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَص وَالْجِنَّ وَيس وَالْفُرْقَانَ وَالْمَلَائِكَةَ وَطه وَالْوَاقِعَةَ وَطسم وَطس وَطسم وَبَنِي إِسْرَائِيلَ وَالتَّاسِعَةَ وَهُودَ وَيُوسُفَ وَأَصْحَابَ الْحِجْرِ وَالْأَنْعَامَ وَالصَّافَّاتِ وَلُقْمَانَ وَسَبَأَ وَالزُّمَرَ وَحم الْمُؤْمِنِ وَحم الدُّخَانِ وحم السجدة وحمعسق وحم الزخرف والجاثية والأحقاف والداريات والغاشية وأصحاب الكهف والنحل ونوح وَإِبْرَاهِيمَ وَالْأَنْبِيَاءَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالم السَّجْدَةَ وَالطَّوْرَ وَتَبَارَكَ وَالْحَاقَّةَ وَسَأَلَ وَعم يتساءلون والنازعات وإذا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ وَإِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ وَالرُّومَ وَالْعَنْكَبُوتَ.
وَمَا نَزَلَ بِالْمَدِينَةِ: وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ وَالْبَقَرَةُ وَآلُ عِمْرَانَ وَالْأَنْفَالُ وَالْأَحْزَابُ وَالْمَائِدَةُ وَالْمُمْتَحَنَةُ وَالنِّسَاءُ وَإِذَا زُلْزِلَتِ وَالْحَدِيدُ وَمُحَمَّدٌ وَالرَّعْدُ وَالرَّحْمَنُ وَهَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ وَالطَّلَاقُ وَلَمْ يَكُنْ وَالْحَشْرُ وَإِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالنُّورُ وَالْحَجُّ وَالْمُنَافِقُونَ وَالْمُجَادَلَةُ وَالْحُجُرَاتُ وَيا أيها النبي صلى الله عليه وسلم لِمَ تُحَرِّمُ وَالصَّفُّ وَالْجُمْعَةُ وَالتَّغَابُنُ وَالْفَتْحُ وَبَرَاءَةٌ.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَالتَّاسِعَةُ يُرِيدُ بِهَا سُورَةَ يُونُسَ قَالَ وَقَدْ سَقَطَ مِنْ هَذِهِ الرِّوَايَةِ الْفَاتِحَةُ وَالْأَعْرَافُ وَكهيعص فِيمَا نَزَلَ بِمَكَّةَ.
قَالَ: وَقَدْ أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَارُ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زُرَارَةَ الرَّقِّيُّ(1/41)
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقُرَشِيُّ حَدَّثَنَا خَصِيفٌ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ إِنَّ أَوَّلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى نَبِيِّهِ مِنَ الْقُرْآنِ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ فَذَكَرَ مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ وَذَكَرَ السُّوَرَ الَّتِي سَقَطَتْ مِنَ الرِّوَايَةِ الْأُولَى فِي ذِكْرِ مَا نَزَلَ بِمَكَّةَ وَقَالَ وَلِلْحَدِيثِ شَاهِدٌ فِي تَفْسِيرِ مُقَاتِلٍ وَغَيْرِهِ مَعَ الْمُرْسَلِ الصَّحِيحِ الَّذِي تَقَدَّمَ.
وقال ابن الضر يس فِي فَضَائِلِ الْقُرْآنِ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جعفر الرازي أنبأنا عمرو بْنُ هَارُونَ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: "كَانَتْ إِذَا أنزلت فاتحة الكتاب بِمَكَّةَ كُتِبَتْ بِمَكَّةَ ثُمَّ يَزِيدُ اللَّهُ فِيهَا مَا شَاءَ وَكَانَ أَوَّلَ مَا أَنْزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ ثُمَّ ن ثُمَّ يا أيها المزمل ثم يا أيها الْمُدَّثِّرُ ثُمَّ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ ثُمَّ إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ ثُمَّ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى ثُمَّ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى ثُمَّ وَالْفَجْرِ ثُمَّ وَالضُّحَى ثُمَّ أَلَمْ نَشْرَحْ ثُمَّ وَالْعَصْرِ ثُمَّ وَالْعَادِيَّاتِ ثُمَّ إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ ثُمَّ أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ ثُمَّ أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ ثُمَّ قُلْ يا أيها الْكَافِرُونَ ثُمَّ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ ثُمَّ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ثُمَّ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ثُمَّ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ثُمَّ وَالنَّجْمِ ثُمَّ عَبَسَ ثُمَّ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ثُمَّ وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا ثُمَّ وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ ثُمَّ والتين ثُمَّ لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ ثُمَّ الْقَارِعَةُ ثُمَّ لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ ثُمَّ وَالْمُرْسَلَاتِ ثُمَّ ق ثُمَّ لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ ثُمَّ وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ ثُمَّ اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ ثُمَّ ص ثُمَّ الْأَعْرَافُ ثُمَّ قُلْ(1/42)
أُوحِيَ ثُمَّ يس ثُمَّ الْفُرْقَانُ ثُمَّ الْمَلَائِكَةُ ثم كهيعص ثم طه ثُمَّ الْوَاقِعَةُ ثُمَّ طسم الشُّعَرَاءِ ثُمَّ طس ثُمَّ الْقَصَصُ ثُمَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ ثُمَّ يُونُسَ ثُمَّ هَودٌ ثُمَّ يُوسُفَ ثُمَّ الحجر ثم الأنعام ثم الصافات ثم لقمان ثم سبأ ثم الزمر ثم حم الْمُؤْمِنِ ثُمَّ حم السَّجْدَةِ ثُمَّ حم عسق ثُمَّ حم الزُّخْرُفِ ثُمَّ الدُّخَانِ ثُمَّ الْجَاثِيَةِ ثُمَّ الْأَحْقَافِ ثُمَّ الذَّارِيَاتُ ثُمَّ الْغَاشِيَةُ ثُمَّ الْكَهْفُ ثُمَّ النَّحْلُ ثُمَّ إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا ثُمَّ سُورَةُ إِبْرَاهِيمَ ثُمَّ الأنبياء ثم المؤمنين ثُمَّ تَنْزِيلُ السَّجْدَةِ ثُمَّ الطَّوْرُ ثُمَّ تَبَارَكَ الْمُلْكِ ثُمَّ الْحَاقَّةُ ثُمَّ سَأَلَ ثُمَّ عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ ثُمَّ النَّازِعَاتُ ثُمَّ إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ ثُمَّ إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ ثم الروم ثم الْعَنْكَبُوتُ ثُمَّ وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ فَهَذَا مَا أَنْزَلَ الله بمكة.
ثم أُنْزِلَ بِالْمَدِينَةِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ ثُمَّ الْأَنْفَالِ ثُمَّ آلِ عِمْرَانَ ثُمَّ الْأَحْزَابِ ثُمَّ الْمُمْتَحَنَةِ ثُمَّ النِّسَاءِ ثُمَّ إِذَا زُلْزِلَتِ ثُمَّ الْحَدِيدِ ثُمَّ الْقِتَالِ ثُمَّ الرَّعْدِ ثُمَّ الرَّحْمَنِ ثُمَّ الْإِنْسَانِ ثُمَّ الطَّلَاقِ ثُمَّ لَمْ يَكُنْ ثُمَّ الْحَشْرِ ثُمَّ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ ثُمَّ النُّورِ ثُمَّ الْحَجِّ ثُمَّ الْمُنَافِقُونَ ثُمَّ الْمُجَادَلَةِ ثُمَّ الْحُجُرَاتِ ثُمَّ التَّحْرِيمِ ثُمَّ الْجُمْعَةِ ثُمَّ التَّغَابُنِ ثُمَّ الصَّفِّ ثُمَّ الْفَتْحِ ثُمَّ الْمَائِدَةِ ثُمَّ بَرَاءَةٍ ".
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي فَضَائِلِ الْقُرْآنِ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ وَمُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ قَالَ: نَزَلَتْ بِالْمَدِينَةِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ وَآلِ عِمْرَانَ وَالنِّسَاءِ وَالْمَائِدَةِ وَالْأَنْفَالِ وَالتَّوْبَةِ وَالْحَجِّ والنور والأحزاب والذين كَفَرُوا وَالْفَتْحِ وَالْحَدِيدِ وَالْمُجَادَلَةِ وَالْحَشْرِ وَالْمُمْتَحَنَةِ وَالْحِوَارِيِينَ - يُرِيدُ الصَّفَّ - وَالتَّغَابُنِ ويا أيها النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ(1/43)
النساء ويا أيها النبي صلى الله عليه وسلم لِمَ تُحَرِّمُ وَالْفَجْرِ وَاللَّيْلِ وَإِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَلَمْ يَكُنِ وَإِذَا زُلْزِلَتِ وَإِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَسَائِرِ ذَلِكَ بِمَكَّةَ ".
وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْأَنْبَارِيِّ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْقَاضِي حَدَّثَنَا حجاج ابن مِنْهَالٍ نَبَّأَنَا هِشَامٌ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: "نَزَلَ فِي الْمَدِينَةِ مِنَ الْقُرْآنِ الْبَقَرَةُ وَآلُ عِمْرَانَ وَالنِّسَاءُ وَالْمَائِدَةُ وَبَرَاءَةٌ وَالرَّعْدُ وَالنَّحْلُ وَالْحَجُّ وَالنُّورُ وَالْأَحْزَابُ وَمُحَمَّدٌ وَالْفَتْحُ وَالْحُجُرَاتُ وَالْحَدِيدُ وَالرَّحْمَنُ وَالْمُجَادَلَةُ والحشرو الممتحنة والصف والجمعة والمنافقون والتغابن والطلاق وياأيها النبي صلى الله عليه وسلم لم تحرم إلى رأس العشروإذا زلزلت وإذا جاء نصرا لله وسائر القرآن نزل بمكة ".
وقال أبو الحسن بن الحصارفي كِتَابِهِ النَّاسِخُ وَالْمَنْسُوخُ: الْمَدَنِيُّ بِاتِّفَاقِ عِشْرُونَ سُورَةً والمختلف فيه اثْنَتَا عَشْرَةَ سُورَةً وَمَا عَدَا ذَلِكَ مَكِّيٌّ بِاتِّفَاقٍ ثُمَّ نَظَمَ فِي ذَلِكَ أَبْيَاتًا فَقَالَ:
يَا سَائِلِي عَنْ كِتَابِ اللَّهِ مُجْتَهِدًا
وَعَنْ ترتب مَا يُتْلَى مِنَ السُّوَرِ
وَكَيْفَ جَاءَ بِهَا الْمُخْتَارُ مِنْ مُضَرٍ
صَلَّى الْإِلَهُ عَلَى الْمُخْتَارِ مِنْ مُضَرِ
وَمَا تَقَدَّمَ مِنْهَا قَبْلَ هِجْرَتِهِ
وَمَا تَأَخَّرَ فِي بَدْوٍ وَفِي حَضَرِ
لِيَعْلَمَ النَّسَخَ وَالتَّخْصِيصَ مُجْتَهِدٌ
يُؤَيِّدُ الْحُكْمَ بِالتَّارِيخِ وَالنَّظَرِ
تَعَارَضَ النَّقْلُ فِي أُمِّ الْكُتَّابِ وَقَدْ
تُؤُوِّلَتِ الْحِجْرُ تَنْبِيهًا لِمُعْتَبِرِ
أُمُّ الْقُرَانِ وَفِي أُمِّ الْقُرَى نَزَلَتْ
مَا كَانَ لِلْخَمْسِ قَبْلَ محمد مِنْ أَثَرٍ(1/44)
وَبَعْدَ هِجْرَةِ خَيْرِ النَّاسِ قَدْ نَزَلَتْ
عِشْرُونَ مِنْ سُوَرِ الْقُرْآنِ فِي عَشْرِ
فَأَرْبَعٌ مِنْ طُوَالِ السَّبْعِ أَوَّلُهَا
وَخَامِسُ الْخَمْسِ فِي الْأَنْفَالِ ذِي الْعِبَرِ
وَتَوْبَةُ اللَّهِ إِنْ عُدَّتْ فَسَادِسَةٌ
وَسُورَةُ النُّورِ وَالْأَحْزَابِ ذِي الذِّكْرِ
وَسُورَةٌ لِنَبِيِّ اللَّهِ مَحْكَمَةٌ
وَالْفَتْحُ وَالْحُجُرَاتُ الْغِرُّ فِي غُرَرِ
ثُمَّ الْحَدِيدُ وَيَتْلُوهَا مُجَادَلَةٌ
وَالْحَشْرُ ثُمَّ امْتِحَانُ اللَّهِ لِلْبَشَرِ
وَسُورَةٌ فَضَحَ اللَّهُ النِّفَاقَ بِهَا
وَسُورَةُ الْجَمْعِ تِذْكَارٌ لِمُدَّكِرِ
وَلِلطَّلَاقِ وَلِلتَّحْرِيمِ حُكْمُهُمَا
وَالنَّصْرُ وَالْفَتْحُ تَنْبِيهًا عَلَى الْعُمْرِ
هَذَا الَّذِي اتَّفَقَتْ فِيهِ الرُّوَاةُ لَهُ
وَقَدْ تَعَارَضَتِ الْأَخْبَارُ فِي أُخَرِ
فَالرَّعْدُ مُخْتَلِفٌ فِيهَا مَتَى نَزَلَتْ
وَأَكْثَرُ النَّاسِ قَالُوا الرَّعْدُ كَالْقَمَرِ
وَمِثْلُهَا سُورَةُ الرَّحْمَنِ شَاهِدُهَا
مِمَّا تَضَمَّنَ قَوْلَ الْجِنِّ فِي الْخَبَرِ
وَسُورَةٌ اللحواريين قَدْ عُلِمَتْ
ثُمَّ التَّغَابُنُ وَالتَّطْفِيفُ ذُو النُّذُرِ
وَلَيْلَةُ الْقَدْرِ قَدْ خُصَّتْ بِمِلَّتِنَا
وَلَمْ يَكُنْ بَعْدَهَا الزِّلْزَالُ فَاعْتَبِرِ
وَقُلْ هُوَ اللَّهُ مِنْ أَوْصَافِ خَالِقِنَا
وَعَوْذَتَانِ تَرُدُّ الْبَأْسَ بِالْقَدْرِ
وَذَا الَّذِي اخْتَلَفَتْ فِيهِ الرُّوَاةُ لَهُ
وَرُبَّمَا اسْتُثْنِيَتْ آيٌ مِنَ السُّوَرِ
وَمَا سِوَى ذَاكَ مَكِّيٌّ تَنَزُّلُهُ
فَلَا تَكُنْ مِنْ خِلَافِ النَّاسِ فِي حَصَرِ
فَلَيْسَ كُلُّ خِلَافٍ جَاءَ مُعْتَبَرًا
إِلَّا خِلَافٌ لَهُ حَظٌّ مِنَ النَّظَرِ(1/45)
فَصْلٌ: فِي تَحْرِيرِ السُّوَرِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا
سُورَةُ الْفَاتِحَةِ: الْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّهَا مَكِّيَّةٌ بَلْ وَرَدَ أَنَّهَا أَوَّلُ مَا نَزَلَ كَمَا سَيَأْتِي فِي النَّوْعِ الثَّامِنِ وَاسْتُدِلَّ لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثَانِي} وقد فسرها بِالْفَاتِحَةِ كَمَا فِي الصَّحِيحِ وَسُورَةُ الْحِجْرِ مَكِّيَّةٌ بِاتِّفَاقٍ وَقَدِ امْتَنَّ عَلَى رَسُولِهِ فِيهَا بِهَا فَدَلَّ عَلَى تَقَدُّمِ نُزُولِ الْفَاتِحَةِ عَلَيْهَا إِذْ يَبْعُدُ أَنْ يَمْتَنَّ عَلَيْهِ بِمَا لَمْ يَنْزِلْ بَعْدُ وَبِأَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّ فَرْضَ الصَّلَاةِ كَانَ بِمَكَّةَ وَلَمْ يُحْفَظْ أَنَّهُ كَانَ فِي الْإِسْلَامِ صَلَاةٌ بِغَيْرِ الْفَاتِحَةِ ذَكَرَهُ ابْنُ عَطِيَّةَ وَغَيْرُهُ.
وقد روى الواحدي والثعلبي مِنْ طَرِيقِ الْعَلَاءِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنِ الْفَضْلِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ نَزَلَتْ فَاتِحَةُ الْكِتَابِ بِمَكَّةَ مِنْ كَنْزٍ تَحْتَ الْعَرْشِ.
وَاشْتُهِرَ عَنْ مُجَاهِدٍ الْقَوْلُ بِأَنَّهَا مَدَنِيَّةٌ أَخْرَجَهُ الْفِرْيَابِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ وَأَبُو عُبَيْدٍ فِي الْفَضَائِلِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْهُ قَالَ الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ هَذِهِ هَفْوَةٌ مِنْ مُجَاهِدٍ لِأَنَّ الْعُلَمَاءَ عَلَى خِلَافِ قَوْلِهِ وَقَدْ نَقَلَ ابْنُ عَطِيَّةَ الْقَوْلَ بِذَلِكَ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَعَطَاءٍ وَسَوَادَةَ بْنِ زِيَادٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ.
وَوَرَدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ قَالَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الأوسط: حدثنا عبيد ابن غَنَّامٍ نَبَّأَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نَبَّأَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ عَنْ مَنْصُورٍ(1/46)
عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ إِبْلِيسَ رَنَّ حِينَ أُنْزِلَتْ فَاتِحَةُ الْكِتَابِ وَأُنْزِلَتْ بِالْمَدِينَةِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْجُمْلَةَ الْأَخِيرَةَ مُدْرَجَةٌ مِنْ قَوْلِ مُجَاهِدٍ.
وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّهَا نَزَلَتْ مَرَّتَيْنِ مَرَّةً بِمَكَّةَ وَمَرَّةً بِالْمَدِينَةِ مُبَالَغَةً فِي تَشْرِيفِهَا.
وَفِيهَا قَوْلٌ رَابِعٌ أَنَّهَا نَزَلَتْ نِصْفَيْنِ نِصْفُهَا بِمَكَّةَ وَنِصْفُهَا بِالْمَدِينَةِ حكاه أبو الليث السَّمَرْقَنْدِيُّ.
سُورَةُ النِّسَاءِ: زَعَمَ النَّحَّاسُ أَنَّهَا مَكِّيَّةٌ مُسْتَنِدًا إِلَى أَنَّ قَوْلَهُ: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ} الآية نَزَلَتْ بِمَكَّةَ اتِّفَاقًا فِي شَأْنِ مِفْتَاحِ الْكَعْبَةِ وَذَلِكَ مُسْتَنَدٌ وَاهٍ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ نُزُولِ آيَةٍ أَوْ آيَاتٍ مِنْ سُورَةٍ طَوِيلَةٍ نَزَلَ مُعْظَمُهَا بِالْمَدِينَةِ أَنْ تَكُونَ مَكِّيَّةً خُصُوصًا أَنَّ الْأَرْجَحَ أَنَّ مَا نَزَلَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ مَدَنِيٌّ وَمَنْ رَاجَعَ أَسْبَابَ نُزُولِ آياتهاعرف الرَّدَّ عَلَيْهِ وَمِمَّا يَرُدُّ عَلَيْهِ أَيْضًا مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ مَا نَزَلَتْ سُورَةُ الْبَقَرَةِ وَالنِّسَاءِ إِلَّا وَأَنَا عِنْدَهُ وَدُخُولُهَا عَلَيْهِ كَانَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ اتِّفَاقًا. وَقِيلَ: نَزَلَتْ عِنْدَ الْهِجْرَةِ.
سورة يونس: الْمَشْهُورُ أَنَّهَا مَكِّيَّةٌ وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رِوَايَتَانِ فَتَقَدَّمَ فِي الْآثَارِ السَّابِقَةِ عَنْهَا أَنَّهَا مَكِّيَّةٌ وَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيقِ الْعَوْفِيِّ عَنْهُ وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْهُ وَمِنْ طَرِيقِ خَصِيفٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ.
وَأَخْرَجَ مِنْ طَرِيقِ عُثْمَانَ بْنِ عَطَاءٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهَا مَدَنِيَّةٌ وَيُؤَيِّدُ الْمَشْهُورَ مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ الضَّحَّاكِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:(1/47)
لَمَّا بَعَثَ اللَّهُ مُحَمَّدًا رَسُولًا أَنْكَرَتِ الْعَرَبُ ذَلِكَ أَوْ مَنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ مِنْهُمْ فَقَالُوا اللَّهُ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يَكُونَ رَسُولُهُ بَشَرًا فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَباً} الآية.
سُورَةُ الرَّعْدِ تَقَدَّمَ مِنْ طَرِيقِ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ أَنَّهَا مَكِّيَّةٌ وَفِي بَقِيَّةِ الْآثَارِ أَنَّهَا مَدَنِيَّةٌ.
وَأَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ مِثْلَهُ عَنْ قَتَادَةَ وَأَخْرَجَ الْأَوَّلَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ.
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ فِي سُنَنِهِ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ قَالَ: سَأَلْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ} أَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ؟ فَقَالَ: كَيْفَ وَهَذِهِ السُّورَةُ مَكِّيَّةٌ! وَيُؤَيِّدُ الْقَوْلَ بِأَنَّهَا مَدَنِيَّةٌ مَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: {اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى} إِلَى قوله: {وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ} نَزَلَ فِي قِصَّةِ أَرْبَدَ بْنِ قَيْسٍ وَعَامِرِ بْنِ الطُّفَيْلِ حِينَ قَدِمَا الْمَدِينَةَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَالَّذِي يَجْمَعُ بِهِ بَيْنَ الِاخْتِلَافِ: أَنَّهَا مَكِّيَّةٌ إِلَّا آيَاتٌ.
مِنْهَا سُورَةُ الحج: تَقَدَّمَ مِنْ طَرِيقِ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهَا مَكِّيَّةٌ إِلَّا الآيات الَّتِي اسْتَثْنَاهَا وَفِي الْآثَارِ الْبَاقِيَةِ: أَنَّهَا مَدَنِيَّةٌ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيقِ الْعَوْفِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ وَعُثْمَانَ عَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمِنْ طَرِيقِ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ: أَنَّهَا(1/48)
مَدَنِيَّةٌ. قَالَ ابْنُ الْفَرَسِ فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ: وَقِيلَ إِنَّهَا مَكِّيَّةٌ إِلَّا: {هَذَانِ خَصْمَانِ} الْآيَاتُ. وَقِيلَ: إِلَّا عَشْرَ آيَاتٍ. وَقِيلَ: مَدَنِيَّةٌ إِلَّا أَرْبَعَ آيَاتٍ: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ} إِلَى: {عَقِيمٍ} . قَالَهُ قَتَادَةُ وَغَيْرُهُ.
وَقِيلَ: كُلُّهَا مَدَنِيَّةٌ قَالَهُ الضَّحَّاكُ وَغَيْرُهُ وَقِيلَ: هِيَ مُخْتَلِطَةٌ فِيهَا مَدَنِيٌّ وَمَكِّيٌّ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ انْتَهَى.
وَيُؤَيِّدُ مَا نَسَبَهُ إِلَى الْجُمْهُورِ أَنَّهُ وَرَدَ فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ مِنْهَا أَنَّهُ نَزَلَ بِالْمَدِينَةِ كَمَا حَرَّرْنَاهُ فِي أَسْبَابِ النُّزُولِ.
سُورَةُ الفرقان: قَالَ ابْنُ الْفَرَسِ الْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهَا مَكِّيَّةٌ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: مَدَنِيَّةٌ.
سورة يس: حكى أبو سليمان الدمشقي له قَوْلًا أَنَّهَا مَدَنِيَّةٌ، قَالَ: وَلَيْسَ بِالْمَشْهُورِ.
سُورَةُ ص: حَكَى الْجَعْبَرِيُّ قَوْلًا أَنَّهَا مَدَنِيَّةٌ خِلَافَ حِكَايَةِ جَمَاعَةِ الْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّهَا مَكِّيَّةٌ.
سُورَةُ مُحَمَّدٍ: حَكَى النَّسْفِيُّ قَوْلًا غَرِيبًا أَنَّهَا مَكِّيَّةٌ.
سُورَةُ الحجرات: حُكِيَ قَوْلٌ شَاذٌّ أَنَّهَا مَكِّيَّةٌ.
سُورَةُ الرَّحْمَنِ: الْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهَا مَكِّيَّةٌ وَهُوَ الصَّوَابُ وَيَدُلُّ لَهُ مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: "لَمَّا قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَصْحَابِهِ سُورَةَ الرَّحْمَنِ حَتَّى فَرَغَ قَالَ: مالي أَرَاكُمْ سُكُوتًا لَلْجِنُّ كَانُوا أَحْسَنَ مِنْكُمْ رَدًّا مَا قَرَأْتُ عَلَيْهِمْ مِنْ مَرَّةٍ: {فَبِأَيِّ آلاءِ(1/49)
رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} إِلَّا قَالُوا: وَلَا بِشَيْءٍ مِنْ نِعَمِكَ رَبَّنَا نُكَذِّبُ فَلَكَ الْحَمْدُ ".
قَالَ الْحَاكِمُ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ: وَقِصَّةُ الْجِنِّ كَانَتْ بِمَكَّةَ.
وَأَصْرَحُ مِنْهُ فِي الدَّلَالَةِ مَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي مَسْنَدِهِ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُصَلِّي نَحْوَ الرُّكْنِ قَبْلَ أَنْ يَصْدَعَ بِمَا يُؤْمَرُ وَالْمُشْرِكُونَ يَسْمَعُونَ: {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى تَقَدُّمِ نُزُولِهَا عَلَى سُورَةِ الْحِجْرِ.
سورة الحديد: قَالَ ابْنُ الْفَرَسِ: الْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهَا مَدَنِيَّةٌ وَقَالَ قَوْمٌ إِنَّهَا مَكِّيَّةٌ وَلَا خِلَافَ أَنَّ فِيهَا قُرْآنًا مَدَنِيًّا لَكِنْ يُشْبِهُ صَدْرُهَا أَنْ يَكُونَ مَكِّيًّا.
قُلْتُ: الْأَمْرُ كَمَا قَالَ فَفِي مُسْنَدِ الْبَزَّارِ وَغَيْرِهِ عَنْ عُمْرَ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى أُخْتِهِ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ فَإِذَا صَحِيفَةٌ فِيهَا أَوَّلُ سُورَةِ الْحَدِيدِ فَقَرَأَهَا وَكَانَ سَبَبَ إِسْلَامِهِ.
وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ وَغَيْرُهُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ بَيْنَ إِسْلَامِهِ وَبَيْنَ أَنْ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ يُعَاتِبُهُمُ اللَّهُ بِهَا إِلَّا أَرْبَعَ سِنِينَ: {وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ} الآية.
سورة الصف: الْمُخْتَارُ أَنَّهَا مَدَنِيَّةٌ وَنَسَبُهُ ابْنُ الْفَرَسِ إِلَى الْجُمْهُورِ وَرَجَّحَهُ وَيَدُلُّ لَهُ مَا أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ وَغَيْرُهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ قَالَ: قَعَدْنَا نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَذَاكَرْنَا فَقُلْنَا: لَوْ نَعْلَمُ أَيُّ الْأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ لَعَمِلْنَاهُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ: {سَبَّحَ لِلَّهِ(1/50)
مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ} حَتَّى خَتَمَهَا قَالَ عَبْدُ اللَّهِ فَقَرَأَهَا عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى خَتَمَهَا.
سورة الجمعة: الصَّحِيحُ أَنَّهَا مَدَنِيَّةٌ لِمَا رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: "كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَنْزَلَ عَلَيْهِ سُورَةِ الْجُمُعَةِ: {وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ} قلت من هم يارسول اللَّهِ؟ " الْحَدِيثَ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ إِسْلَامَ أَبِي هُرَيْرَةَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ بِمُدَّةٍ وقوله: {قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا} خِطَابٌ لِلْيَهُودِ وَكَانُوا بِالْمَدِينَةِ وَآخِرُ السُّورَةِ نَزَلَ فِي انفضاضهم حَالَ الْخُطْبَةِ لِمَا قَدِمَتِ الْعِيرُ كَمَا فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فَثَبَتَ أَنَّهَا مَدَنِيَّةٌ كُلُّهَا.
سُورَةُ التَّغَابُنِ: قِيلَ: مَدَنِيَّةٌ وَقِيلَ: مَكِّيَّةٌ إِلَّا آخِرَهَا.
سُورَةُ الْمُلْكِ: فِيهَا قَوْلٌ غَرِيبٌ إِنَّهَا مَدَنِيَّةٌ.
سُورَةُ الْإِنْسَانِ: قِيلَ: مَدَنِيَّةٌ وَقِيلَ: مَكِّيَّةٌ إِلَّا آيَةً وَاحِدَةً: {وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً} .
سُورَةُ الْمُطَفِّفِينَ: قَالَ ابْنُ الْفَرَسِ: قِيلَ: إِنَّهَا مَكِّيَّةٌ لِذِكْرِ الْأَسَاطِيرِ فِيهَا، وَقِيلَ: مَدَنِيَّةٌ لِأَنَّ أَهْلَ الْمَدِينَةِ كَانُوا أَشَدَّ النَّاسِ فَسَادًا فِي الْكَيْلِ:(1/51)
وَقِيلَ: نَزَلَتْ بِمَكَّةَ إِلَّا قِصَّةُ التَّطْفِيفِ وَقَالَ قَوْمٌ: نَزَلَتْ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ. انْتَهَى.
قُلْتُ: أَخْرَجَ النَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: "لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ كَانُوا مِنْ أَخْبَثِ النَّاسِ كَيْلًا فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ} فَأَحْسَنُوا الْكَيْلَ".
سُورَةُ الْأَعْلَى: الْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهَا مَكِّيَّةٌ. قَالَ ابْنُ الْفَرَسِ: وَقِيلَ: إِنَّهَا مَدَنِيَّةٌ لِذِكْرِ صَلَاةِ الْعِيدِ وَزَكَاةِ الْفِطْرِ فِيهَا.
قُلْتُ: وَيَرُدُّهُ مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: أَوَّلُ مَنْ قَدِمَ عَلَيْنَا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ وَابْنُ أم مكتوم فجعلا يقرآننا الْقُرْآنَ ثُمَّ جَاءَ عَمَّارٌ وَبِلَالٌ وَسَعْدٌ ثُمَّ جَاءَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي عِشْرِينَ ثُمَّ جَاءَ النبي صلى الله عليه وسلم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَا رَأَيْتُ أَهْلَ الْمَدِينَةِ فَرِحُوا بِشَيْءٍ فَرَحَهُمْ بِهِ فَمَا جَاءَ حَتَّى قَرَأْتُ: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} فِي سور مِثْلِهَا.
سُورَةُ الْفَجْرِ: فِيهَا قَوْلَانِ حَكَاهُمَا ابْنُ الْفَرَسِ قَالَ أَبُو حَيَّانَ وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهَا مَكِّيَّةٌ.
سُورَةُ الْبَلَدِ: حَكَى ابْنُ الْفَرَسِ فِيهَا أَيْضًا قَوْلَيْنِ، وَقَوْلُهُ: {بِهَذَا الْبَلَدِ} يَرُدُّ الْقَوْلَ بِأَنَّهَا مَدَنِيَّةٌ.
سُورَةُ اللَّيْلِ: الْأَشْهُرُ أَنَّهَا مَكِّيَّةٌ وَقِيلَ: مَدَنِيَّةٌ لِمَا وَرَدَ فِي سَبَبِ(1/52)
نُزُولِهَا مِنْ قِصَّةِ النَّخْلَةِ كَمَا أَخْرَجْنَاهُ فِي أسباب النُّزُولِ وَقِيلَ فِيهَا مَكِّيٌّ وَمَدَنِيٌّ.
سُورَةُ الْقَدْرِ: فِيهَا قَوْلَانِ وَالْأَكْثَرُ أَنَّهَا مَكِّيَّةٌ وَيُسْتَدَلُّ لِكَوْنِهَا مَدَنِيَّةً بِمَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى بَنِي أُمَيَّةَ عَلَى مِنْبَرِهِ فَسَاءَهُ ذَلِكَ فَنَزَلَت: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} وَنَزَلَتْ: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} الْحَدِيثَ قَالَ الْمِزِّيُّ: وَهُوَ حَدِيثٌ مُنْكَرٌ.(1/53)
سُورَةُ لَمْ يَكُنْ: قَالَ ابْنُ الْفَرَسِ: الْأَشْهُرُ أَنَّهَا مَكِّيَّةٌ.
قُلْتُ: وَيَدُلُّ لِمُقَابِلِهِ مَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ عَنْ أَبِي حَبَّةَ الْبَدْرِيِّ قَالَ: "لَمَّا نَزَلَتْ: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ} إِلَى آخِرِهَا: قَالَ جِبْرِيلُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ رَبَّكَ يَأْمُرُكَ أَنْ تُقْرِئَهَا أُبَيًّا ". الْحَدِيثَ. وَقَدْ جَزَمَ ابن كثير بأنها مَدَنِيَّةٌ وَاسْتَدَلَّ بِهِ.
سُورَةُ الزَّلْزَلَةِ: فِيهَا قَوْلَانِ وَيُسْتَدَلُّ لِكَوْنِهَا مَدَنِيَّةً بِمَا أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: "لَمَّا نَزَلَتْ: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ} الْآيَةَ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي لَرَاءٍ عَمَلِي." الْحَدِيثَ. وَأَبُو سَعِيدٍ لَمْ يَكُنْ إِلَّا بِالْمَدِينَةِ وَلَمْ يَبْلُغْ إِلَّا بَعْدَ أُحُدٍ.
سُورَةُ الْعَادِيَاتِ: فِيهَا قَوْلَانِ.
وَيُسْتَدَلُّ لِكَوْنِهَا مَدَنِيَّةً بِمَا أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ وَغَيْرُهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: قَالَ: "بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْلًا فَلَبِثَتْ شَهْرًا لَا يَأْتِيهِ مِنْهَا خَبَرٌ فَنَزَلَتْ: {وَالْعَادِيَاتِ ... } . " الْحَدِيثَ.
سُورَةُ أَلْهَاكُمْ: الْأَشْهَرُ أَنَّهَا مَكِّيَّةٌ وَيَدُلُّ لِكَوْنِهَا مَدَنِيَّةً - وَهُوَ الْمُخْتَارُ - مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي قَبِيلَتَيْنِ مِنْ قَبَائِلِ الْأَنْصَارِ تَفَاخَرُوا ... الْحَدِيثَ.
وَأُخْرِجَ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي الْيَهُودِ.
وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: "كُنَّا نَرَى هَذَا مِنَ الْقُرْآنِ - يَعْنِي " لَوْ كَانَ لِابْنِ آدَمَ وَادٍ مَنْ ذَهَبٍ "- حَتَّى نَزَلَتْ: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} .(1/54)
وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: مَا زِلْنَا نَشُكُّ فِي عَذَابِ الْقَبْرِ حَتَّى نَزَلَتْ وَعَذَابُ الْقَبْرِ لَمْ يُذْكَرْ إِلَّا بِالْمَدِينَةِ كَمَا فِي الصَّحِيحِ فِي قِصَّةِ الْيَهُودِيَّةِ.
سُورَةُ أَرَأَيْتَ: فِيهَا قَوْلَانِ حَكَاهُمَا ابْنُ الْفَرَسِ.
سُورَةُ الْكَوْثَرِ: الصَّوَابُ أَنَّهَا مَدَنِيَّةٌ وَرَجَّحَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ لِمَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عن أنس قال: "بيننا رسول الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ بَيْنَ أَظْهُرِنَا إِذْ أَغْفَى إغفاءة فرفع رأسه متبسما فَقَالَ: أُنْزِلَتْ عَلَيَّ آنِفًا سُورَةٌ فَقَرَأَ: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} حَتَّى خَتَمَهَا ... الْحَدِيثَ.
سُورَةُ الْإِخْلَاصِ: فِيهَا قَوْلَانِ لِحَدِيثَيْنِ في سبب نزولها مُتَعَارِضَيْنِ.
وَجَمَعَ بَعْضُهُمْ بَيْنَهُمَا بِتَكَرُّرِ نُزُولِهَا ثُمَّ ظَهَرَ لِي بَعْدَ تَرْجِيحٍ أَنَّهَا مَدَنِيَّةٌ كَمَا بَيَّنْتُهُ فِي أَسْبَابِ النُّزُولِ.
الْمُعَوِّذَتَانِ: الْمُخْتَارُ أَنَّهُمَا مَدَنِيَّتَانِ لِأَنَّهُمَا نَزَلَتَا فِي قِصَّةِ سِحْرِ لَبِيدِ بْنِ الْأَعْصَمِ كَمَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ.(1/55)
فَصْلٌ
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ: فِي بَعْضِ السُّوَرِ الَّتِي نَزَلَتْ بِمَكَّةَ آيَاتٌ نَزَلَتْ بِالْمَدِينَةِ فَأُلْحِقَتْ بِهَا وَكَذَا قَالَ ابْنُ الْحَصَّارِ وكل نَوْعٍ مِنَ الْمَكِّيِّ وَالْمَدَنِيِّ مِنْهُ آيَاتٌ مُسْتَثْنَاةٌ قَالَ إِلَّا أَنَّ مِنَ النَّاسِ مَنِ اعْتَمَدَ فِي الِاسْتِثْنَاءِ عَلَى الِاجْتِهَادِ دُونَ النَّقْلِ.
فَصْلٌ: فِي ذِكْرِ مَا اسْتُثْنِيَ مِنَ الْمَكِّيِّ وَالْمَدَنِيِّ
وَقَالَ ابْنُ حجر في شرح البخاري: قد اعْتَنَى بَعْضُ الْأَئِمَّةِ بِبَيَانِ مَا نَزَلَ مِنَ الْآيَاتِ بِالْمَدِينَةِ فِي السُّوَرِ الْمَكِّيَّةِ. قَالَ: وَأَمَّا عَكْسُ ذلك وهو نُزُولُ شَيْءٍ مِنْ سُورَةٍ بِمَكَّةَ تَأَخُّرُ نُزُولِ تِلْكَ السُّورَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلَمْ أَرَهُ إِلَّا نَادِرًا. قلت: وها أنا أَذْكُرُ مَا وَقَفْتُ عَلَى اسْتِثْنَائِهِ مِنَ النَّوْعَيْنِ مُسْتَوْعِبًا مَا رَأَيْتُهُ مِنْ ذَلِكَ عَلَى الِاصْطِلَاحِ الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي وَأُشِيرَ إِلَى أَدِلَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ لِأَجْلِ قَوْلِ ابْنِ الْحَصَّارِ السَّابِقِ وَلَا أَذْكُرُ الْأَدِلَّةَ بِلَفْظِهَا اخْتِصَارًا وَإِحَالَةً عَلَى كِتَابِنَا أَسْبَابُ النُّزُولِ.
الْفَاتِحَةُ: تَقَدَّمَ قَوْلٌ أَنَّ نِصْفَهَا نَزَلَ بِالْمَدِينَةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ النِّصْفُ الثَّانِي وَلَا دَلِيلَ لِهَذَا الْقَوْلِ.
الْبَقَرَةُ: اسْتُثْنِيَ مِنْهَا آيَتَانِ: {فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا} وَ: {لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ} .(1/56)
الْأَنْعَامُ: قَالَ ابْنُ الْحَصَّارِ: اسْتُثْنِيَ مِنْهَا تِسْعُ آيَاتٍ وَلَا يَصِحُّ بِهِ نَقْلٌ خُصُوصًا قَدْ وَرَدَ أَنَّهَا نَزَلَتْ جُمْلَةً.
قُلْتُ: قَدْ صَحَّ النَّقْلُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ استثناء: {قُلْ تَعَالَوْا} الْآيَاتِ الثَّلَاثَ كَمَا تَقَدَّمَ وَالْبَوَاقِي: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} .
لِمَا أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي مَالِكِ بن الصيف وقوله: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً} الْآيَتَيْنِ نَزَلَتَا فِي مُسَيْلِمَةَ. وَقَوْلُهُ: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ} وَقَوْلُهُ: {وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ} .
وَأَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ عَنِ الْكَلْبِيِّ قَالَ: نَزَلَتِ الْأَنْعَامُ كُلُّهَا بِمَكَّةَ إِلَّا آيَتَيْنِ نَزَلَتَا بِالْمَدِينَةِ فِي رَجُلٍ مِنَ الْيَهُودِ وَهُوَ الَّذِي قَالَ: {مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ} .
وَقَالَ الْفِرْيَابِيُّ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ لَيْثٍ عَنْ بِشْرٍ قَالَ: الْأَنْعَامُ مَكِّيَّةٌ إِلَّا: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ} وَالْآيَةُ الَّتِي بَعْدَهَا.
الْأَعْرَافِ: أَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ بْنُ حَيَّانَ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: الْأَعْرَافُ مَكِّيَّةٌ إِلَّا آيَةَ: {وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ} . وَقَالَ غَيْرُهُ مِنْ هُنَا إِلَى: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ} مَدَنِيٌّ.(1/57)
الْأَنْفَالُ: اسْتُثْنِيَ مِنْهَا: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا} الآية قَالَ مُقَاتِلٌ: نَزَلَتْ بِمَكَّةَ.
قُلْتُ: يَرُدُّهُ مَا صَحَّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ بِعَيْنِهَا نَزَلَتْ بِالْمَدِينَةِ كَمَا أَخْرَجْنَاهُ فِي أَسْبَابِ النُّزُولِ وَاسْتَثْنَى بَعْضُهُمْ قَوْلَهُ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ} الْآيَةَ وَصَحَّحَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ وَغَيْرُهُ.
قُلْتُ: يُؤَيِّدُهُ مَا أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهَا نَزَلَتْ لَمَّا أَسْلَمَ عُمَرُ.
بَرَاءَةٌ: قَالَ ابْنُ الْفَرَسِ: مَدَنِيَّةٌ إِلَّا آيَتَيْنِ: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ} إِلَى آخِرِهَا.
قُلْتُ: غَرِيبٌ كَيْفَ وَقَدْ وَرَدَ أَنَّهَا آخِرُ مَا نَزَلَ! وَاسْتَثْنَى بَعْضُهُمْ: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ} الآية لِمَا وَرَدَ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِأَبِي طالب: "لأستغفرن لك مالم أُنْهَ عَنْكَ ".
يُونُسُ: اسْتُثْنِيَ مِنْهَا: {فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ} الآيتين وَقَوْلُهُ: {وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ} الآية. قِيلَ: نَزَلَتْ فِي الْيَهُودِ.
وَقِيلَ: مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى رَأْسِ أَرْبَعِينَ مكي والباقي مدني حكاه ابْنُ الْفَرَسِ وَالسَّخَاوِيُّ فِي جَمَالِ الْقُرَّاءِ.
هُودٌ: اسْتُثْنِيَ مِنْهَا ثَلَاثُ آيَاتٍ: {فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ} {أَفَمَنْ(1/58)
كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ} {وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ} .
قُلْتُ: دَلِيلُ الثَّالِثَةِ مَا صَحَّ مِنْ عِدَّةِ طُرُقٍ أَنَّهَا نَزَلَتْ بِالْمَدِينَةِ فِي حَقِّ أَبِي الْيُسْرِ.
يُوسُفُ: اسْتُثْنِيَ مِنْهَا ثَلَاثُ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِهَا حَكَاهُ أَبُو حَيَّانَ وَهُوَ وَاهٍ جِدًّا لَا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ.
الرَّعْدُ: أَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: سُورَةُ الرَّعْدِ مَدَنِيَّةٌ إِلَّا آيَةً قَوْلُهُ: {وَلا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ} وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا مَكِّيَّةٌ يُسْتَثْنَى قَوْلُهُ: {اللَّهُ يَعْلَمُ} إِلَى قَوْلِهِ: {شَدِيدُ الْمِحَالِ} كَمَا تَقَدَّمَ وَالْآيَةُ آخِرُهَا فَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ جُنْدُبٍ قَالَ: جَاءَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ حَتَّى أَخَذَ بِعِضَادَتَيْ بَابَ الْمَسْجِدِ قَالَ: أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ أَيْ قوم أتعلمون أَنِّي الَّذِي أُنْزِلَتْ فِيهِ: {وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ} ؟ قَالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ.
.إِبْرَاهِيمُ: أَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ سُورَةُ إِبْرَاهِيمَ مَكِّيَّةٌ غَيْرَ آيَتَيْنِ مَدَنِيَّتَيْنِ: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً} إِلَى: {وَبِئْسَ الْقَرَارُ} .
الْحِجْرُ: اسْتَثْنَى بَعْضُهُمْ مِنْهَا: {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً} الْآيَةَ.(1/59)
قُلْتُ: وَيَنْبَغِي اسْتِثْنَاءُ قَوْلِهِ: {وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ} الآية. لِمَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ فِي سَبَبِ نُزُولِهَا وَأَنَّهَا فِي صُفُوفِ الصَّلَاةِ.
النَّحْلُ: تَقَدَّمَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ اسْتَثْنَى آخِرَهَا وَسَيَأْتِي فِي السَّفَرِيِّ مَا يُؤَيِّدُهُ وَأَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ نَزَلَتِ النَّحْلُ كُلُّهَا بِمَكَّةَ إِلَا هَؤُلَاءِ الْآيَاتِ: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ} إِلَى آخِرِهَا.
وَأُخْرِجَ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: سُورَةُ النَّحْلِ مِنْ قَوْلِهِ: {وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا} إِلَى آخِرِهَا مَدَنِيٌّ، وَمَا قَبْلَهَا إِلَى آخِرِ السُّورَةِ مَكِّيٌّ، وَسَيَأْتِي فِي أَوَّلِ مَا نَزَلَ عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ أَنَّ النَّحْلَ نَزَلَ مِنْهَا بِمَكَّةَ أَرْبَعُونَ وَبَاقِيهَا بِالْمَدِينَةِ. وَيَرُدُّ ذَلِكَ مَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ فِي نُزُولِ: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ} وَسَيَأْتِي فِي نَوْعِ التَّرْتِيبِ.
الْإِسْرَاءُ: اسْتُثْنِيَ مِنْهَا: {وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الرُّوحِ} الْآيَةَ لِمَا أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهَا نَزَلَتْ بِالْمَدِينَةِ فِي جَوَابِ سُؤَالِ الْيَهُودِ عَنِ الرُّوحِ. وَاسْتُثْنِيَ مِنْهَا أَيْضًا: {وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ} إلى قوله: {نَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً} وَقَوْلُهُ: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْأِنْسُ وَالْجِنُّ} الْآيَةَ وَقَوْلُهُ: {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيا} الآية و: {إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ} لِمَا أَخْرَجْنَاهُ فِي أَسْبَابِ النُّزُولِ.(1/60)
الْكَهْفُ اسْتُثْنِيَ مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى: {جُرُزاً} وَقَوْلُهُ: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ} الْآيَةَ وَ: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا} إِلَى آخِرِ السُّورَةِ.
مَرْيَمُ: اسْتُثْنِيَ مِنْهَا آيَةُ السَّجْدَةِ وَقَوْلُهُ: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} .
طه: اسْتُثْنِيَ مِنْهَا: {فاصبر على ما يقولون} الآية.
قُلْتُ: يَنْبَغِي أَنْ يُسْتَثْنَى آيَةٌ أُخْرَى فَقَدْ أَخْرَجَ الْبَزَّارُ وَأَبُو يَعْلَى عَنْ أَبِي رَافِعٍ قَالَ: أَضَافَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى اله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَيْفًا فَأَرْسَلَنِي إِلَى رَجُلٍ مِنَ الْيَهُودِ: أَنْ أَسْلِفْنِي دَقِيقًا إِلَى هِلَالِ رَجَبٍ فَقَالَ: لَا إِلَّا بِرَهْنٍ فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ: "أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لِأَمِينٌ فِي السَّمَاءِ أَمِينٌ فِي الْأَرْضِ " فَلَمْ أَخْرُجْ مِنْ عِنْدِهِ حَتَّى نَزَلَتْ هَذِهِ الآية: {وَلا تَمُدَّنَ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِنْهُمْ} .الْأَنْبِيَاءُ اسْتُثْنِيَ مِنْهَا: {أَفَلا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ} الْآيَةَ.
الْحَجُّ: تَقَدَّمَ مَا يُسْتَثْنَى منها.
المؤمنين: اسْتُثْنِيَ مِنْهَا: {حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ} إِلَى قَوْلِهِ: {مُبْلِسُونَ} .(1/61)
الْفُرْقَانُ: اسْتُثْنِيَ مِنْهَا: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ} إِلَى: {رَحِيماً} .
الشُّعَرَاءُ: اسْتَثْنَى ابْنُ عَبَّاسٍ مِنْهَا: {وَالشُّعَرَاءُ} إِلَى آخِرِهَا كَمَا تَقَدَّمَ زَادَ غَيْرُهُ قَوْلَهُ: {أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرائيلَ} حَكَاهُ ابْنُ الْفَرَسِ.
الْقَصَصُ: اسْتُثْنِيَ مِنْهَا: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ} إِلَى قَوْلِهِ: {الْجَاهِلِينَ} فَقَدْ أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهَا نَزَلَتْ هِيَ وَآخِرُ الْحَدِيدِ فِي أَصْحَابِ النَّجَاشِيِّ الَّذِينَ قَدِمُوا وَشَهِدُوا وَقْعَةَ أُحُدٍ وَقَوْلُهُ: {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ} الْآيَةَ لِمَا سَيَأْتِي.
الْعَنْكَبُوتُ: اسْتُثْنِيَ مِنْ أولها إلى: {وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ} لِمَا أَخْرَجَهُ ابْنُ جَرِيرٍ فِي سَبَبِ نُزُولِهَا قُلْتُ وَيُضَمُّ إِلَيْهِ: {وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ} الْآيَةَ. لِمَا أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي سَبَبِ نُزُولِهَا.
لُقْمَانُ: اسْتَثْنَى مِنْهَا ابْنُ عَبَّاسٍ: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ} الْآيَاتِ الثَّلَاثَ كَمَا تَقَدَّمَ.
السَّجْدَةُ: اسْتَثْنَى مِنْهَا ابْنُ عَبَّاسٍ: {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً}(1/62)
الْآيَاتِ الثَّلَاثَ كَمَا تَقَدَّمَ وَزَادَ غَيْرُهُ: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ} وَيَدُلُّ لَهُ مَا أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ عَنْ بِلَالٍ قَالَ كُنَّا نَجْلِسُ فِي الْمَسْجِدِ وَنَاسٌ مِنَ الصَّحَابَةِ يُصَلُّونَ بَعْدَ الْمَغْرِبِ إِلَى الْعِشَاءِ فَنَزَلَتْ.
سَبَأٌ: اسْتُثْنِيَ مِنْهَا: {وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} الْآيَةَ. وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ فَرْوَةَ بن نسيك الْمُرَادِيِّ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا أُقَاتِلُ مَنْ أَدْبَرَ مِنْ قَوْمِي ... الْحَدِيثَ وَفِيهِ وَأُنْزِلَ فِي سَبَأٍ مَا أُنْزِلَ فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا سَبَأٌ؟ الْحَدِيثَ. قَالَ ابْنُ الْحَصَّارِ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْقِصَّةَ مَدَنِيَّةٌ لِأَنَّ مُهَاجَرَةَ فَرْوَةَ بَعْدَ إِسْلَامِ ثَقِيفٍ سَنَةَ تِسْعٍ قَالَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ وَأُنْزِلَ حِكَايَةً عَمَّا تَقَدَّمَ نُزُولُهُ قَبْلَ هِجْرَتِهِ.
يس: اسْتُثْنِيَ منها: {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى} الآية لِمَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: كَانَتْ بَنُو سَلَمَةَ فِي نَاحِيَةِ الْمَدِينَةِ فَأَرَادُوا النَّقْلَةَ إِلَى قُرْبِ الْمَسْجِدِ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ. قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ آثَارَكُمْ تُكْتَبُ " فَلَمْ يَنْتَقِلُوا - وَاسْتَثْنَى بَعْضُهُمْ: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا} الْآيَةَ قِيلَ: نَزَلَتْ فِي الْمُنَافِقِينَ.
الزُّمَرُ: اسْتُثْنِيَ مِنْهَا: {قُلْ يَا عِبَادِيَ} الْآيَاتِ الثَّلَاثَ كَمَا تَقَدَّمَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.(1/63)
وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْهُ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي وَحْشِيِّ قَاتِلِ حَمْزَةَ وَزَادَ بَعْضُهُمْ: {قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ} الآية ذَكَرَهُ السَّخَاوِيُّ فِي جَمَالِ الْقُرَّاءِ وَزَادَ غَيْرُهُ: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ} الآية. وَحَكَاهُ ابْنُ الْجَزَرِيِّ.
غَافِرٌ: اسْتُثْنِيَ مِنْهَا: {إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ} إِلَى قَوْلِهِ: {لَا يَعْلَمُونَ} فَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ وَغَيْرِهِ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي الْيَهُودِ لَمَّا ذَكَرُوا الدَّجَّالَ وَأَوْضَحْتُهُ في أسباب النزول.
شورى: اسْتُثْنِيَ مِنْهَا: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى} إِلَى قَوْلِهِ: {بَصِيرٌ} قُلْتُ: بِدَلَالَةِ مَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ وَالْحَاكِمُ فِي سَبَبِ نُزُولِهَا فَإِنَّهَا نَزَلَتْ فِي الْأَنْصَارِ وَقَوْلُهُ: {وَلَوْ بَسَطَ} الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي أَصْحَابِ الصُّفَّةِ وَاسْتَثْنَى بَعْضُهُمْ: {وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ} إلى قوله: {مِنْ سَبِيلٍ} حَكَاهُ ابْنُ الْفَرَسِ.
الزُّخْرُفُ: اسْتُثْنِيَ مِنْهَا: {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا} الْآيَةَ قِيلَ نَزَلَتْ بِالْمَدِينَةِ وَقِيلَ فِي السَّمَاءِ.
الْجَاثِيَةُ: اسْتُثْنِيَ مِنْهَا: {قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا} الْآيَةَ حَكَاهُ فِي جَمَالِ الْقُرَّاءِ عَنْ قَتَادَةَ.(1/64)
الْأَحْقَافُ: اسْتُثْنِيَ مِنْهَا: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} الْآيَةَ فَقَدْ أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ أَنَّهَا نَزَلَتْ بِالْمَدِينَةِ فِي قِصَّةِ إِسْلَامِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ وَلَهُ طُرُقٌ أُخْرَى لَكِنْ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ بمكة إنما كَانَ إِسْلَامُ ابْنُ سَلَامٍ بِالْمَدِينَةِ وَإِنَّمَا كَانَتْ خُصُومَةٌ خَاصَمَ بِهَا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَأَخْرَجَ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ لَيْسَ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ وَهَذِهِ الْآيَةُ مَكِّيَّةٌ وَاسْتَثْنَى بَعْضُهُمْ: {وَوَصَّيْنَا الْأِنْسَانَ} الْآيَاتِ الْأَرْبَعَ وَقَوْلُهُ: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُوا الْعَزْم} الْآيَةَ حَكَاهُ فِي جَمَالِ الْقُرَّاءِ.
ق: اسْتُثْنِيَ مِنْهَا: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ} إلى: {لُغُوبٍ} فَقَدْ أَخْرَجَ الْحَاكِمُ وَغَيْرُهُ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي الْيَهُودِ.
النَّجْمُ: اسْتُثْنِيَ منها: {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ} إِلَى: {اتَّقَى} وَقِيلَ: {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى} الآيات التسع.
القمر: اسْتُثْنِيَ مِنْهَا: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ} الْآيَةَ. هو مَرْدُودٌ لِمَا سَيَأْتِي فِي النَّوْعِ الثَّانِي عَشْرَ وَقِيلَ: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ} الْآيَتَيْنِ.
الرَّحْمَنُ: اسْتُثْنِيَ مِنْهَا: {يَسْأَلُهُ} حَكَاهُ فِي جَمَالِ الْقُرَّاءِ.
الْوَاقِعَةُ: اسْتُثْنِيَ مِنْهَا: {ثُلَّةٌ مِنَ الأَوَّلِينَ وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ}(1/65)
وَقَوْلُهُ: {فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ} إِلَى: {تُكَذِّبُونَ} لِمَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي سَبَبِ نُزُولِهَا.
الْحَدِيدُ: يُسْتَثْنَى مِنْهَا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا مَكِّيَّةٌ آخِرُهَا.
الْمُجَادَلَةُ اسْتُثْنِيَ مِنْهَا: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ} الْآيَةَ حَكَاهُ ابْنُ الْفَرَسِ وَغَيْرُهُ.
التَّغَابُنُ: يُسْتَثْنَى مِنْهَا عَلَى أَنَّهَا مَكِّيَّةٌ آخِرُهَا لِمَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ فِي سَبَبِ نُزُولِهَا.
التَّحْرِيمُ: تَقَدَّمَ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ الْمَدَنِيَّ مِنْهَا إِلَى رَأْسِ الْعَشْرِ وَالْبَاقِي مَكِّيٌّ.
تَبَارَكَ: أَخْرَجَ جُوَيْبِرٌ فِي تَفْسِيرِهِ عَنِ الضَّحَّاكِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ أُنْزِلَتِ: الْمُلْكُ فِي أَهْلِ مَكَّةَ إِلَّا ثَلَاثَ آيَاتٍ.
ن: اسْتُثْنِيَ مِنْهَا: {إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ} إِلَى: {يَعْلَمُونَ} ، وَمِنْ: {فَاصْبِرْ} إِلَى: {الصَّالِحِينَ} فَإِنَّهُ مَدَنِيٌّ حَكَاهُ السَّخَاوِيُّ فِي جَمَالِ الْقُرَّاءِ.
الْمُزَّمِّلُ: اسْتُثْنِيَ مِنْهَا: {وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ} الْآيَتَيْنِ حَكَاهُ الْأَصْبِهَانِيُّ وَقَوْلُهُ: {إِنَّ رَبَّكَ} إِلَى آخِرِ السُّورَةِ حَكَاهُ ابْنُ الْفَرَسِ وَيَرُدُّهُ مَا أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهُ نَزَلَ بَعْدَ نُزُولِ(1/66)
صَدْرِ السُّورَةِ بِسَنَةٍ وَذَلِكَ حِينَ فُرِضَ قِيَامُ اللَّيْلِ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ قَبْلَ فَرْضِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ. الْإِنْسَانُ
اسْتُثْنِيَ مِنْهَا: {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ} .الْمُرْسَلَاتُ اسْتُثْنِيَ مِنْهَا: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ} حَكَاهُ ابْنُ الْفَرَسِ وَغَيْرُهُ.
الْمُطَفِّفِينَ: قِيلَ: مَكِّيَّةٌ إِلَا سِتَّ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِهَا.
الْبَلَدُ: قِيلَ: مَدَنِيَّةٌ إِلَّا أَرْبَعَ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِهَا.
اللَّيْلُ: قِيلَ: مَكِّيَّةٌ إِلَّا أَوَّلَهَا.(1/67)
ضوابط في المكي والمدني
{أَرَأَيْتَ} نَزَلَ ثَلَاثُ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِهَا بِمَكَّةَ وَالْبَاقِي بِالْمَدِينَةِ ضَوَابِطُ فِي الْمَكِّيِّ وَالْمَدَنِيِّ أَخْرَجَ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ وَالْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ طَرِيقِ الْأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: مَا كَانَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} أُنْزِلَ بِالْمَدِينَةِ وَمَا كَانَ {يَا أَيُّهَا النَّاسُ} فَبِمَكَّةَ.
وَأَخْرَجَهُ أَبُو عُبَيْدٍ فِي الْفَضَائِلِ عَنْ عَلْقَمَةَ مُرْسَلًا.
وَأُخْرِجَ عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ قَالَ: مَا كَانَ فِي القرآن: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ} أو: {يَا بَنِي آدَمَ} فَإِنَّهُ مَكِّيٌّ وَمَا كَانَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} فَإِنَّهُ مَدَنِيٌّ.
قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ وَابْنُ الْفَرَسِ وَغَيْرُهُمَا: هو في: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} صحيح وأما: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ} فَقَدْ يَأْتِي فِي الْمَدَنِيِّ.
وَقَالَ ابْنُ الحصار: قد اعْتَنَى الْمُتَشَاغِلُونَ بِالنَّسْخِ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَاعْتَمَدُوهُ عَلَى ضَعْفِهِ وَقَدِ اتَّفَقَ النَّاسُ عَلَى أَنْ " النِّسَاءَ " مَدَنِيَّةٌ وأولها: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ} وَعَلَى أَنَّ " الْحَجَّ " مَكِّيَّةٌ وفيها: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} .
وَقَالَ غَيْرُهُ: هَذَا الْقَوْلُ إِنْ أُخِذَ عَلَى إِطْلَاقِهِ فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ سُورَةَ الْبَقَرَةِ مَدَنِيَّةٌ وَفِيهَا: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ} {يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ} . وَسُورَةُ النِّسَاءِ مَدَنِيَّةٌ وَأَوَّلُهَا: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ} .(1/68)
وَقَالَ مَكِّيٌّ: هَذَا إِنَّمَا هُوَ فِي الْأَكْثَرِ وَلَيْسَ بِعَامٍّ وَفِي كَثِيرٍ مِنَ السُّوَرِ الْمَكِّيَّةِ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} .
وَقَالَ غَيْرُهُ: الْأَقْرَبُ حَمْلُهُ عَلَى أَنَّهُ خِطَابٌ الْمَقْصُودُ بِهِ - أَوْ جُلُّ الْمَقْصُودِ بِهِ - أَهْلُ مَكَّةَ أَوِ الْمَدِينَةِ.
وَقَالَ الْقَاضِي: إِنْ كَانَ الرُّجُوعُ فِي هَذَا إِلَى النَّقْلِ فَمُسْلِمٌ وَإِنْ كَانَ السَّبَبُ فِيهِ حُصُولَ الْمُؤْمِنِينَ بِالْمَدِينَةِ عَلَى الْكَثْرَةِ دُونَ مَكَّةَ فَضَعِيفٌ إِذْ يَجُوزُ خِطَابُ الْمُؤْمِنِينَ بِصِفَتِهِمْ وَبِاسْمِهِمْ وَجِنْسِهِمْ وَيُؤْمَرُ غَيْرُ الْمُؤْمِنِينَ بِالْعِبَادَةِ كَمَا يُؤْمَرُ الْمُؤْمِنُونَ بِالِاسْتِمْرَارِ عَلَيْهَا وَالِازْدِيَادِ مِنْهَا. نَقَلَهُ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ فِي تَفْسِيرِهِ.
وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ مِنْ طَرِيقِ يُونُسَ بْنِ بَكِيرٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كُلُّ شَيْءٍ نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ فِيهِ ذِكْرُ الْأُمَمِ وَالْقُرُونِ فَإِنَّمَا نَزَلَ بِمَكَّةَ وَمَا كَانَ مِنَ الْفَرَائِضِ وَالسُّنَنِ فَإِنَّمَا نَزَلَ بِالْمَدِينَةِ. وَقَالَ الْجَعْبَرِيُّ: لِمَعْرِفَةِ الْمَكِّيِّ وَالْمَدَنِيِّ طَرِيقَانِ: سَمَاعِيٌّ وَقِيَاسِيٌّ فَالسَّمَاعِيُّ مَا وَصَلَ إِلَيْنَا نُزُولُهُ بِأَحَدِهِمَا وَالْقِيَاسِيُّ كُلُّ سُورَةٍ فِيهَا: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ} فَقَطْ، أَوْ {كَلَّا} أَوْ أَوَّلُهَا حَرْفُ تَهَجٍّ سِوَى الزَّهْرَاوَيْنِ وَالرَّعْدِ أَوْ فِيهَا قِصَّةُ آدَمَ وَإِبْلِيسَ سِوَى الْبَقَرَةِ فَهِيَ مَكِّيَّةٌ. وَكُلُّ سُورَةٍ فِيهَا قَصَصُ الْأَنْبِيَاءِ وَالْأُمَمِ الْخَالِيَةِ مَكِّيَّةٌ وَكُلُّ سُورَةٍ فِيهَا فَرِيضَةٌ أَوْ حَدٌّ فَهِيَ مَدَنِيَّةٌ. انْتَهَى.
وَقَالَ مَكِّيٌّ: كُلُّ سُورَةٍ فِيهَا ذِكْرُ الْمُنَافِقِينَ فَمَدَنِيَّةٌ زَادَ غَيْرُهُ سِوَى الْعَنْكَبُوتِ.
وَفِي كَامِلِ الْهُذَلِيِّ كُلُّ سُورَةٍ فِيهَا سَجْدَةٌ فَهِيَ مَكِّيَّةٌ.(1/69)
وَقَالَ الدِّيرِينِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ:
وَمَا نَزَلَتْ كَلَّا بِيَثْرِبَ فَاعْلَمَنْ
وَلَمْ تَأْتِ فِي الْقُرْآنِ فِي نِصْفِهِ الْأَعْلَى
وَحِكْمَةُ ذَلِكَ أَنَّ نِصْفَهُ الْأَخِيرَ نَزَلَ أَكْثَرُهُ بِمَكَّةَ وَأَكْثَرُهَا جَبَابِرَةٌ فَتَكَرَّرَتْ فِيهِ عَلَى وَجْهِ التَّهْدِيدِ وَالتَّعْنِيفِ لَهُمْ وَالْإِنْكَارِ عَلَيْهِمْ بِخِلَافِ النِّصْفِ الْأَوَّلِ وَمَا نَزَلَ مِنْهُ فِي الْيَهُودِ لَمْ يَحْتَجْ إِلَى إِيرَادِهَا فِيهِ لِذِلَّتِهِمْ وَضَعْفِهِمْ ذَكَرَهُ الْعِمَّانِيُّ.
فَائِدَةٌ
أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ نَزَلَ الْمُفَصَّلُ بِمَكَّةَ فَمَكَثْنَا حِجَجًا نَقْرَؤُهُ لَا يَنْزِلُ غَيْرُهُ.
تَنْبِيهٌ
قَدْ تَبَيَّنَ بِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الْأَوْجُهِ الَّتِي ذَكَرَهَا ابْنُ حَبِيبٍ الْمَكِّيُّ وَالْمَدَنِيُّ وَمَا اخْتُلِفَ فِيهِ وَتَرْتِيبُ نُزُولِ ذَلِكَ وَالْآيَاتُ الْمَدَنِيَّاتُ فِي السُّوَرِ الْمَكِّيَّةِ وَالْآيَاتُ الْمَكِّيَّاتُ فِي السُّوَرِ الْمَدَنِيَّةِ وَبَقِيَ أَوْجُهٌ تَتَعَلَّقُ بِهَذَا النَّوْعِ ذَكَرَ هُوَ أَمْثِلَتَهَا فَنَذْكُرُهُ.
مِثَالُ مَا نَزَلَ بِمَكَّةَ وَحُكْمُهُ مدني: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى} الآية، نزل بِمَكَّةَ يَوْمَ الْفَتْحِ وَهِيَ مَدَنِيَّةٌ لِأَنَّهَا نَزَلَتْ بَعْدَ الْهِجْرَةِ. وَقَوْلُهُ: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} كَذَلِكَ.(1/70)
قُلْتُ: وَكَذَا قَوْلُهُ: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} فِي آيَاتٍ أُخَرَ.
وَمِثَالُ مَا نَزَلَ بِالْمَدِينَةِ وَحُكْمُهُ مَكِّيٌّ سُورَةُ الْمُمْتَحَنَةِ فَإِنَّهَا نَزَلَتْ بِالْمَدِينَةِ مُخَاطِبَةً لِأَهْلِ مَكَّةَ. وَقَوْلُهُ فِي النَّحْلِ: {وَالَّذِينَ هَاجَرُوا} إِلَى آخِرِهَا نَزَلَ بِالْمَدِينَةِ مُخَاطِبًا بِهِ أَهْلَ مَكَّةَ وَصَدْرُ بَرَاءَةٍ نَزَلَ بِالْمَدِينَةِ خِطَابًا لِمُشْرِكِي أَهْلِ مَكَّةَ.
وَمِثَالُ مَا يُشْبِهُ تَنْزِيلَ الْمَدَنِيِّ فِي السُّوَرِ الْمَكِّيَّةِ قَوْلُهُ فِي النَّجْمِ: {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْأِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ} فَإِنَّ الْفَوَاحِشَ كُلُّ ذَنْبٍ فِيهِ حَدٌّ وَالْكَبَائِرُ كُلُّ ذَنْبٍ عَاقِبَتُهُ النَّارُ وَاللَّمَمُ مَا بَيْنَ الْحَدَّيْنِ مِنَ الذُّنُوبِ وَلَمْ يَكُنْ بِمَكَّةَ حَدٌّ وَلَا نَحْوُهُ.
وَمِثَالُ مَا يُشْبِهُ تَنْزِيلَ مَكَّةَ فِي السُّوَرِ الْمَدَنِيَّةِ قَوْلُهُ: {وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحاً} وَقَوْلُهُ فِي الْأَنْفَالِ: {وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ} الآية.
وَمِثَالُ مَا حُمِلَ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ سُورَةُ يُوسُفَ وَالْإِخْلَاصِ.
قلت: وسبح كَمَا تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ الْبُخَارِيِّ.
وَمِثَالُ مَا حُمِلَ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى مَكَّةَ: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ} وَآيَةُ الرِّبَا وَصَدْرُ بَرَاءَةٍ وَقَوْلُهُ: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ} الْآيَاتِ.(1/71)
وَمِثَالُ مَا حُمِلَ إِلَى الْحَبَشَةِ: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ} الْآيَاتِ.
قُلْتُ: صَحَّ حَمْلُهَا إِلَى الرُّومِ.
وَيَنْبَغِي أَنْ يُمَثَّلَ لِمَا حُمِلَ إِلَى الْحَبَشَةِ بِسُورَةِ مَرْيَمَ فَقَدْ صَحَّ أَنَّ جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَرَأَهَا عَلَى النَّجَاشِيِّ وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ.
وَأَمَّا ما نزل بِالْجُحْفَةِ وَالطَّائِفِ وَبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَالْحُدَيْبِيَةِ فَسَيَأْتِي فِي النَّوْعِ الَّذِي يَلِي هَذَا وَيُضَمُّ إِلَيْهِ مَا نَزَلَ بِمِنًى وَعَرَفَاتٍ وَعُسْفَانَ وَتَبُوكٍ وَبَدْرٍ وَأُحُدٍ وَحِرَاءَ وَحَمْرَاءِ الْأَسَدِ.(1/72)
النوع الثاني: في مَعْرِفَةُ الْحَضَرِيِّ وَالسَّفَرِيِّ
أَمْثِلَةُ الْحَضَرِيِّ كَثِيرَةٌ وَأَمَّا السَّفَرِيُّ فَلَهُ أَمْثِلَةٌ تَتَبَّعْتُهَا مِنْهَا: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً} نَزَلَتْ بِمَكَّةَ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: لَمَّا طَافَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ عُمَرُ: هَذَا مَقَامُ أَبِينَا إِبْرَاهِيمَ قال: قَالَ: نَعَمْ قَالَ: أَفَلَا نَتَّخِذُهُ مُصَلَّى؟ فَنَزَلَتْ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ مَرَّ بِمَقَامِ إِبْرَاهِيمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَيْسَ نَقُومُ مَقَامَ خَلِيلِ رَبِّنَا؟ قَالَ: بَلَى قَالَ: أَفَلَا نَتَّخِذُهُ مُصَلَّى فَلَمْ يَلْبَثْ إِلَا يَسِيرًا حَتَّى نَزَلَتْ.
وَقَالَ ابْنُ الْحَصَّارِ: نَزَلَتْ إِمَّا فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ أَوْ فِي غَزْوَةِ الْفَتْحِ أَوْ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ.
وَمِنْهَا: {وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا} الْآيَةَ رَوَى ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي عُمْرَةِ الْحُدَيْبِيَةِ. وَعَنِ السَّدِّيِّ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ.
وَمِنْهَا: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} فَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ صفوان ابن أُمَيَّةَ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى الِلَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَضَمِّخٌ بِالزَّعْفَرَانِ(1/73)
عَلَيْهِ جُبَّةٌ فَقَالَ: كَيْفَ تَأْمُرُنِي فِي عُمْرَتِي؟ فَنَزَلَتْ فَقَالَ: "أَيْنَ السَّائِلُ عَنِ الْعُمْرَةِ؟ أَلْقِ عَنْكَ ثِيَابَكَ ثُمَّ اغْتَسِلْ ... " الْحَدِيثَ.
وَمِنْهَا: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ} الْآيَةَ نَزَلَتْ بِالْحُدَيْبِيَةَ كَمَّا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ وَالْوَاحِدِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
وَمِنْهَا: {آمَنَ الرَّسُولُ} الْآيَةَ قِيلَ: نَزَلَتْ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ وَلَمْ أَقِفْ لَهُ عَلَى دليل.
ومنها: {اتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ} الْآيَةَ نَزَلَتْ بِمِنًى عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ فِيمَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ.
وَمِنْهَا: {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ} الْآيَةَ أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهَا نَزَلَتْ بِحَمْرَاءَ الْأَسَدِ.
وَمِنْهَا آيَةُ التَّيَمُّمِ فِي النِّسَاءِ أَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ الْأَسْلَعِ بْنِ شَرِيكٍ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي بَعْضِ أَسْفَارِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم.
وَمِنْهَا: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} نَزَلَتْ يَوْمَ الْفَتْحِ فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ كَمَا أَخْرَجَهُ سُنَيْدٌ فِي تَفْسِيرِهِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ وَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
وَمِنْهَا: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ} الْآيَةَ نَزَلَتْ بِعُسْفَانَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ كَمَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ عَنْ أَبِي عَيَّاشٍ الزُّرَقِيِّ.(1/74)
وَمِنْهَا: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ} أَخْرَجَ الْبَزَّارُ وَغَيْرُهُ عَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّهَا نَزَلَتْ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وسلم صَلَّى الِلَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَسِيرٍ لَهُ.
وَمِنْهَا: أَوَّلُ الْمَائِدَةِ أَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ أَنَّهَا نَزَلَتْ بِمِنًى وَأَخْرَجَ فِي الدَّلَائِلِ عَنْ أُمِّ عَمْرٍو عَنْ عَمِّهَا أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي مَسِيرٍ لَهُ.
وأخرج أبو عبيد عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: نَزَلَتْ سُورَةُ الْمَائِدَةِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فِيمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ.
وَمِنْهَا: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} فِي الصَّحِيحِ عَنْ عُمْرَ أَنَّهَا نَزَلَتْ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَلَهُ طُرُقٌ كَثِيرَةٌ لَكِنْ أَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهَا نَزَلَتْ يَوْمَ غَدِيرِ خُمٍّ.
وَأَخْرَجَ مِثْلَهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَفِيهِ أَنَّهُ الْيَوْمُ الثَّامِنَ عَشْرَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ مَرْجِعُهُ مِنْ حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَكِلَاهُمَا لَا يَصِحُّ.
وَمِنْهَا: آيَةُ التَّيَمُّمِ فِيهَا فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا نَزَلَتْ بِالْبَيْدَاءِ وَهُمْ دَاخِلُونَ الْمَدِينَةَ. وُفِي لفظ " بالبيداء أَوْ بِذَاتِ الْجَيْشِ ".
قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ: يُقَالُ إِنَّهُ كَانَ فِي غَزْوَةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الَاسْتِذْكَارِ وَسَبَقَهُ إِلَى ذَلِكَ ابْنُ سَعْدٍ وَابْنُ حِبَّانَ وَغَزْوَةُ بَنِي الْمُصْطَلِقِ هِيَ غَزْوَةُ الْمُرَيْسِيعِ وَاسْتَبْعَدَ ذَلِكَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ قَالَ: لِأَنَّ الْمُرَيْسِيعَ مِنْ نَاحِيَةِ مَكَّةَ بَيْنَ قُدَيْدٍ وَالسَّاحِلِ وَهَذِهِ الْقِصَّةُ مِنْ نَاحِيَةِ خيبر لقول عائشة: "إنها نزلت بِالْبَيْدَاءِ أَوْ بِذَاتِ الْجَيْشِ " وَهُمَا بَيْنَ الْمَدِينَةِ وَخَيْبَرَ،(1/75)
كَمَا جَزَمَ بِهِ النَّوَوِيُّ لَكِنْ جَزَمَ ابْنُ التِّينِ بِأَنَّ الْبَيْدَاءَ هِيَ ذُو الْحُلَيْفَةِ.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْبَكْرِيُّ: الْبَيْدَاءُ هُوَ الشَّرَفُ الَّذِي قُدَّامَ ذِي الْحُلَيْفَةِ مِنْ طَرِيقِ مَكَّةَ قَالَ وَذَاتُ الْجَيْشِ مِنَ الْمَدِينَةِ عَلَى بَرِيدٍ.
وَمِنْهَا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ} الْآيَةَ. أَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّهَا نَزَلَتْ عَلَى رَسُولِ الِلَّهِ صَلَّى الِلَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِبَطْنِ نَخْلٍ في الغزوة السابقة حِينَ أَرَادَ بَنُو ثَعْلَبَةَ وَبَنُو مُحَارِبٍ أَنْ يَفْتِكُوا بِهِ فَأَطْلَعَهُ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ.
وَمِنْهَا: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} فِي صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي السَّفَرِ: وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي ذَاتِ الرِّقَاعِ بِأَعْلَى نَخْلٍ فِي غَزْوَةِ بَنِي أَنْمَارٍ.
وَمِنْهَا: أَوَّلُ الْأَنْفَالِ نَزَلَتْ بِبَدْرٍ عقب الوقعة كَمَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ.
وَمِنْهَا: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ} الْآيَةَ نَزَلَتْ بِبَدْرٍ أَيْضًا كَمَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ عُمَرَ.
وَمِنْهَا: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ} الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ كَمَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ عَنْ ثَوْبَانَ.(1/76)
وَمِنْهَا قَوْلُهُ: {لَوْ كَانَ عَرَضاً قَرِيباً} الْآيَاتِ نَزَلَتْ فِي غَزْوَةِ تَبُوكٍ كَمَا أَخْرَجَهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
وَمِنْهَا: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ} نزلت في غزوة تبوك كما أخرجه ابن أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ.
وَمِنْهَا: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا} الْآيَةَ أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهَا نَزَلَتْ لَمَّا خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى الِلَّهِ عليه وسلم صَلَّى الِلَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعْتَمِرًا وَهَبَطَ مِنْ ثَنِيَّةِ عُسْفَانَ فَزَارَ قَبْرَ أُمِّهِ وَاسْتَأْذَنَ فِي الَاسْتِغْفَارِ لَهَا.
وَمِنْهَا: خَاتِمَةُ النَّحْلِ أَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ وَالْبَزَّارُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهَا نَزَلَتْ بِأُحُدٍ وَالنَّبِيُّ صَلَّى الِلَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الِلَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاقِفٌ عَلَى حَمْزَةَ حِينَ اسْتُشْهِدَ وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّهَا نَزَلَتْ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ.
وَمِنْهَا: {وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا} . أَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ مِنْ طَرِيقِ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي تَبُوكٍ.
وَمِنْهَا: أَوَّلُ الْحَجِّ أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ: "لَمَّا نَزَلَتْ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ} إِلَى قَوْلِهِ: {وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} ، نزلت عَلَيْهِ هَذِهِ وَهُوَ فِي سَفَرٍ ... " الْحَدِيثَ. وَعِنْدَ ابْنِ مَرْدَوَيْهِ مِنْ طريق الكلبي عن أبي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي مَسِيرِهِ فِي غَزْوَةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ.(1/77)
ومنها: {هَذَانِ خَصْمَانِ} الْآيَاتِ قَالَ الْقَاضِي جَلَالُ الدِّينِ الْبَلْقِينِيُّ: الظَّاهِرِ أَنَّهَا نَزَلَتْ يَوْمَ بَدْرٍ وَقْتَ الْمُبَارَزَةِ لِمَا فِيهِ من الإشارة بهذان.
ومنها: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ} الْآيَةَ أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا أُخْرِجُ النَّبِيُّ صَلَّى الِلَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَكَّةَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَخْرَجُوا نَبِيَّهُمْ لَيُهْلَكُنَّ. فَنَزَلَتْ قَالَ ابْنُ الحصار: استنبط بَعْضُهُمْ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهَا نزلت فِي سَفَرِ الْهِجْرَةِ.
وَمِنْهَا: {أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ} الْآيَةَ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ نَزَلَتْ بِالطَّائِفِ وَلَمْ أَقِفْ لَهُ عَلَى مُسْتَنَدٍ.
وَمِنْهَا: {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ} نَزَلَتْ بِالْجُحْفَةِ فِي سَفَرِ الْهِجْرَةِ كَمَا أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ الضَّحَّاكِ.
وَمِنْهَا: أَوَّلُ الرُّومِ رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ ظَهَرَتِ الرُّومُ عَلَى فَارِسَ فَأَعْجَبَ ذَلِكَ الْمُؤْمِنِينَ فَنَزَلَتْ: {الم غُلِبَتِ الرُّومُ} إِلَى قَوْلِهِ: {بِنَصْرِ اللَّهِ} قَالَ التِّرْمِذِيُّ: غَلَبَتِ الرُّومُ يَعْنِي بِالْفَتْحِ.
وَمِنْهَا: {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا} الْآيَةَ، قال ابن حبيب: نزلت في بيت الْمَقْدِسِ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ.
وَمِنْهَا: {وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً} الْآيَةَ قَالَ السَّخَاوِيُّ فِي جَمَالِ الْقُرَّاءِ: قِيلَ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا تَوَجَّهَ مهاجرا إلى المدينة،(1/78)
وقف ونظر إِلَى مَكَّةَ وَبَكَى فَنَزَلَتْ.
وَمِنْهَا: سُورَةُ الْفَتْحِ. أخرج الحاكم عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ وَمَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ قَالَا: نَزَلَتْ سُورَةُ الْفَتْحِ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ فِي شَأْنِ الْحُدَيْبِيَةِ مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى آخِرِهَا وَفِي الْمُسْتَدْرَكِ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ مَجْمَعِ بْنِ جَارِيَةَ أَنَّ أَوَّلَهَا نَزَلَ بِكُرَاعِ الْغَمِيمِ.
وَمِنْهَا: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى} الْآيَةَ أَخْرَجَ الْوَاحِدِيُّ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّهَا نَزَلَتْ بِمَكَّةَ يَوْمَ الْفَتْحِ لَمَّا رَقِيَ بِلَالٌ عَلَى ظَهْرِ الْكَعْبَةِ وَأَذَّنَ فَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ أَهَذَا الْعَبْدُ الْأَسْوَدُ يُؤَذِّنُ عَلَى ظَهْرِ الْكَعْبَةِ؟!.
وَمِنْهَا: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ} الْآيَةَ قِيلَ: إِنَّهَا نَزَلَتْ يَوْمَ بَدْرٍ حَكَاهُ ابْنُ الْفَرَسِ وَهُوَ مَرْدُودٌ لِمَا سَيَأْتِي فِي النَّوْعِ الثَّانِي عَشَرَ ثُمَّ رَأَيْتُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَا يُؤَيِّدُهُ.
وَمِنْهَا: قَالَ النَّسَفِيُّ قَوْلَهُ: {ثُلَّةٌ مِنَ الأَوَّلِينَ} وَقَوْلُهُ: {أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ} نزلتا في سفره إِلَى الْمَدِينَةِ وَلَمْ أَقِفْ لَهُ عَلَى مُسْتَنَدٍ.
وَمِنْهَا: {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ} أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ يَعْقُوبَ بْنِ مُجَاهِدٍ أَبِي حزرة قَالَ: نَزَلَتْ فِي رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ فِي غَزْوَةِ تَبُوكٍ لَمَّا نَزَلُوا الْحِجْرَ فَأَمَرَهُمْ رَسُولُ الِلَّهِ صلى الله عليه وسلم إلا يَحْمِلُوا مِنْ مَائِهَا شَيْئًا ثُمَّ ارْتَحَلَ ثُمَّ نَزَلَ مَنْزِلًا آخَرَ وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ فَشَكَوْا ذَلِكَ فَدَعَا فَأَرْسَلَ اللَّهُ سَحَابَةً فَأَمْطَرَتْ عَلَيْهِمْ حَتَّى اسْتَقَوْا مِنْهَا فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ(1/79)
الْمُنَافِقِينَ: إِنَّمَا مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا فَنَزَلَتْ.
وَمِنْهَا: آية الامتحان: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ} الْآيَةَ أَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّهَا نَزَلَتْ بِأَسْفَلِ الْحُدَيْبِيَةِ.
ومنها: سورة المنافقين، أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ أَنَّهَا نَزَلَتْ لَيْلًا فِي غزوة تبوك. وأخرج سُفْيَانَ أَنَّهَا فِي غَزْوَةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ وَبِهِ جَزَمَ ابْنُ إِسْحَاقَ وَغَيْرُهُ.
وَمِنْهَا: سُورَةُ الْمُرْسَلَاتِ، أَخْرَجَ الشَّيْخَانِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: قَالَ: "بَيْنَمَا نَحْنُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَارٍ بِمِنًى إِذْ نَزَلَتْ عَلَيْهِ: وَالْمُرْسَلَاتِ ".الْحَدِيثَ.
وَمِنْهَا: سُورَةُ الْمُطَفِّفِينَ. أَوْ بَعْضُهَا حَكَى النَّسَفِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي سَفَرِ الْهِجْرَةِ قَبْلَ دُخُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ.
وَمِنْهَا: أَوَّلُ سُورَةِ اقْرَأْ نَزَلَ بِغَارِ حِرَاءَ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ.
وَمِنْهَا: سُورَةُ الْكَوْثَرِ. أَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهَا نَزَلَتْ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ وفيه نظر.
ومنها: النَّصْرِ. أَخْرَجَ الْبَزَّارُ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: أُنْزِلَتْ هَذِهِ السُّورَةُ: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} عَلَى رَسُولِ الِلَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْسَطَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَعَرَفَ أَنَّهُ الْوَدَاعِ فَأَمَرَ بِنَاقَتِهِ الْقَصْوَاءِ فَرَحَلَتْ ثُمَّ قَامَ فَخَطَبَ النَّاسَ فَذَكَرَ خُطْبَتَهُ الْمَشْهُورَةَ.(1/80)
النَّوْعُ الثَّالِثُ: مَعْرِفَةُ النَّهَارِيِّ وَاللَّيْلِيِّ
أَمْثِلَةُ النَّهَارِيِّ كَثِيرَةٌ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ نَزَلَ أَكْثَرُ الْقُرْآنِ نَهَارًا وأما الليل فَتَتَبَّعْتُ لَهُ أَمْثِلَةً:
مِنْهَا: آيَةُ تَحْوِيلِ الْقِبْلَةِ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: بَيْنَمَا النَّاسُ بقباء في صلاة الصبح إذا أَتَاهُمْ آتٍ فَقَالَ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ اللَّيْلَةَ قُرْآنٌ وَقَدْ أُمِرَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ.
وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يصلي ببيت الْمَقْدِسِ فَنَزَلَتْ: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ} الْآيَةَ فَمَرَّ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلَمَةَ وَهُمْ رُكُوعٌ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ وَقَدْ صَلَّوْا رَكْعَةً فَنَادَى أَلَا إِنَّ الْقِبْلَةَ قَدْ حُوِّلَتْ فَمَالُوا كُلُّهُمْ نَحْوَ الْقِبْلَةِ لَكِنْ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ الْبَرَاءِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى قَبَلَ بَيْتُ الْمَقْدِسِ سِتَّةَ عَشْرَ - أَوْ سَبْعَةَ عَشْرَ - شَهْرًا وَكَانَ يُعْجِبُهُ أَنْ تَكُونَ قِبْلَتُهُ قِبَلَ الْبَيْتِ وَإِنَّهُ أَوَّلُ صَلَاةٍ صَلَّاهَا الْعَصْرَ وَصَلَّى مَعَهُ قَوْمٌ فَخَرَجَ رَجُلٌ مِمَّنْ صَلَّى مَعَهُ فَمَرَّ عَلَى أَهْلِ مَسْجِدٍ وَهُمْ رَاكِعُونَ فَقَالَ: أَشْهَدُ بِالِلَّهِ لَقَدْ صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ الِلَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِبَلَ الْكَعْبَةِ فَدَارُوا كَمَا هُمْ قِبَلَ الْبَيْتِ فَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهَا نَزَلَتْ نَهَارًا بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ.
قَالَ الْقَاضِي جَلَالُ الدِّينِ: وَالْأَرْجَحُ بِمُقْتَضَى الَاسْتِدْلَالِ نُزُولُهَا بِاللَّيْلِ لِأَنَّ قَضِيَّةَ أَهْلِ قُبَاءَ كَانَتْ فِي الصُّبْحِ وَقُبَاءُ قَرِيبَةٌ مِنَ الْمَدِينَةِ فَيَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ(1/81)
رَسُولُ الِلَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَّرَ الْبَيَانَ لَهُمْ مِنَ الْعَصْرِ إِلَى الصُّبْحِ.
وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: الْأَقْوَى أَنَّ نُزُولَهَا كَانَ نَهَارًا. وَالْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ الْخَبَرَ وَصَلَ وَقْتَ الْعَصْرِ إِلَى مَنْ هُوَ دَاخِلَ الْمَدِينَةِ وَهُمْ بَنُو حَارِثَةَ.
وَوَصَلَ وَقْتَ الصُّبْحِ إِلَى مَنْ هُوَ خَارِجَ الْمَدِينَةِ وَهُمْ بَنُو عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ أَهْلُ قُبَاءَ. وَقَوْلُهُ: "قَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ اللَّيْلَةَ " مَجَازٌ مِنْ إِطْلَاقِ اللَّيْلَةِ عَلَى بَعْضِ الْيَوْمِ الْمَاضِي وَالَّذِي يَلِيهِ.
قُلْتُ: وَيُؤَيِّدُ هَذَا مَا أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ عَنْ أَبِي سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلَّى قَالَ: مَرَرْنَا يَوْمًا وَرَسُولُ الِلَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاعِدٌ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقُلْتُ: لَقَدْ حَدَثَ أَمْرٌ فَجَلَسْتُ فَقَرَأَ رَسُولُ الِلَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ الْآيَةَ: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ} حَتَّى فَرَغَ مِنْهَا ثُمَّ نَزَلَ فَصَلَّى الظُّهْرَ.
وَمِنْهَا: أَوَاخِرُ آلِ عِمْرَانَ أَخْرَجَ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَابْنُ أَبِي الدُّنْيَا فِي كِتَابِ التَّفَكُّرِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ بِلَالًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُؤَذِّنُّهُ لِصَلَاةِ الصُّبْحِ فَوَجَدَهُ يَبْكِي فَقَالَ: يَا رَسُولَ الِلَّهِ مَا يُبْكِيكَ؟ قَالَ وَمَا يَمْنَعُنِي أَنْ أَبْكِيَ وَقَدْ أُنْزِلَ عَلَيَّ هَذِهِ اللَّيْلَةَ: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الأَلْبَابِ} ! ثُمَّ قَالَ: وَيْلٌ لِمَنْ قَرَأَهَا وَلَمْ يَتَفَكَّرْ!
وَمِنْهَا: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحْرَسُ حَتَّى نَزَلَتْ فَأَخْرَجَ رَأْسَهُ مِنَ الْقُبَّةِ فَقَالَ: "أَيُّهَا النَّاسُ انْصَرِفُوا فَقَدْ عَصَمَنِي اللَّهُ".(1/82)
وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ عِصْمَةَ بْنِ مَالِكٍ الْخَطْمِيِّ قَالَ: كُنَّا نَحْرُسُ رَسُولَ الِلَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِاللَّيْلِ حَتَّى نَزَلَتْ فَتَرَكَ الْحَرَسَ.
وَمِنْهَا: سُورَةُ الْأَنْعَامِ. أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ وَأَبُو عُبَيْدٍ فِي فَضَائِلِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: نَزَلَتْ سُورَةُ الْأَنْعَامِ بِمَكَّةَ لَيْلًا جُمْلَةً حَوْلَهَا سَبْعُونَ أَلْفَ مَلِكٍ يَجْأَرُونَ بِالتَّسْبِيحِ.
وَمِنْهَا: آيَةُ الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا فَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ كَعْبٍ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَوْبَتَنَا حين بَقِيَ الثُّلُثُ الْأَخِيرُ مِنَ اللَّيْلِ.
وَمِنْهَا: سُورَةُ مَرْيَمَ. رَوَى الطَّبَرَانِيُّ وَأَبُو عُبَيْدٍ فِي فَضَائِلِهِ عَنِ ابْنِ عباس قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ الِلَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: وُلِدَتْ لِيَ اللَّيْلَةَ جَارِيَةٌ فَقَالَ: وَاللَّيْلَةَ أنزلت عَلَيَّ سُورَةُ مَرْيَمَ سَمِّهَا مَرْيَمَ.
وَمِنْهَا: أَوَّلُ الْحَجِّ. ذَكَرَهُ ابْنُ حَبِيبٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ بَرَكَاتٍ السعيدي فِي كِتَابِهِ النَّاسِخُ وَالْمَنْسُوخُ وَجَزَمَ بِهِ السَّخَاوِيُّ فِي جَمَالِ الْقُرَّاءِ. وَقَدْ يَسْتَدِلُّ لَهُ بِمَا أَخْرَجَهُ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَنَّهَا نَزَلَتْ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ وَقَدْ نَعَسَ بَعْضُ الْقَوْمِ وَتَفَرَّقَ بَعْضُهُمْ فَرَفَعَ بِهَا صَوْتَهُ ... الْحَدِيثَ.
وَمِنْهَا: آيَةُ الْإِذْنِ فِي خُرُوجِ النِّسْوَةِ فِي الْأَحْزَابِ قَالَ الْقَاضِي جلال الدين. والظاهر أنها: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ} الْآيَةَ فَفِي الْبُخَارِيِّ عَنْ عَائِشَةَ: خَرَجَتْ سودة بعدما ضُرِبَ الْحِجَابُ لِحَاجَتِهَا - وَكَانَتِ امْرَأَةً جَسِيمَةً لَا تَخْفَى عَلَى مَنْ يَعْرِفُهَا - فَرَآهَا عُمَرُ فَقَالَ: يَا سَوْدَةُ أَمَا وَالِلَّهِ مَا تَخْفَيْنَ عَلَيْنَا فَانْظُرِي كَيْفَ تَخْرُجِينَ قَالَتْ فَانْكَفَأْتُ رَاجِعَةً إِلَى رَسُولِ الِلَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّهُ لِيَتَعَشَّى وَفِي يَدِهِ عَرْقٌ فَقُلْتُ:(1/83)
يَا رَسُولَ الِلَّهِ خَرَجْتُ لِبَعْضِ حَاجَتِي فَقَالَ لي عمر كذ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ وَإِنَّ الْعَرْقَ فِي يَدِهِ مَا وَضَعَهُ – فَقَالَ: إِنَّهُ قَدْ أُذِنَ لَكُنَّ أَنْ تَخْرُجْنَ لِحَاجَتِكُنَّ.
قَالَ الْقَاضِي جَلَالُ الدِّينِ: وَإِنَّمَا قُلْنَا إِنَّ ذَلِكَ كَانَ لَيْلًا لِأَنَّهُنَّ إِنَّمَا كُنَّ يَخْرُجْنَ لِلْحَاجَةِ لَيْلًا كَمَا فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَائِشَةَ فِي حَدِيثِ الْإِفْكِ.
وَمِنْهَا: {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا} عَلَى قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ إِنَّهَا نَزَلَتْ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ.
وَمِنْهَا: أَوَّلُ الْفَتْحِ. فَفِي الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ: "لقد أنزلت عَلَيَّ اللَّيْلَةَ سُورَةٌ هِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ فَقَرَأَ: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً} ... " الحديث.
ومنها: سورة المرسلات. قَالَ السَّخَاوِيُّ فِي جَمَالِ الْقُرَّاءِ: رُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهَا نزلت ليلة الجن بِحِرَاءَ.
قُلْتُ: هَذَا أَثَرٌ لَا يُعْرَفُ ثُمَّ رَأَيْتُ فِي صَحِيحِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ وَهُوَ مُسْتَخْرِجُهُ عَلَى الْبُخَارِيِّ أَنَّهَا نَزَلَتْ لَيْلَةَ عَرَفَةَ بِغَارِ مِنًى وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ بِدُونِ قَوْلِهُ: "لَيْلَةَ عَرَفَةَ " وَالْمُرَادُ بِهَا لَيْلَةَ التَّاسِعِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ فَإِنَّهَا الَّتِي كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَبِيتُهَا بِمِنًى.
وَمِنْهَا: الْمُعَوِّذَتَانِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ أشته في المصاحف: نبأنا محمد بن عقوب نَبَّأَنَا أَبُو دَاوُدَ نَبَّأَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نَبَّأْنَا جَرِيرٌ عَنْ بَيَانٍ عَنْ قَيْسٍ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الِلَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أُنْزِلَتْ عَلَيَّ اللَّيْلَةَ آيَاتٌ لَمْ يُرَ مِثْلُهُنَّ، {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} ،وَ {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} ".(1/84)
فرع
وَمِنْهُ مَا نَزَلَ بَيْنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ فِي وَقْتِ الصُّبْحِ وَذَلِكَ آيَاتٌ:
مِنْهَا: آيَةُ التَّيَمُّمِ فِي الْمَائِدَةِ فَفِي الصَّحِيحِ عَنْ عَائِشَةَ: وَحَضَرَتِ الصبح فالتمس الماء فلم يوجد فنزلت: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} إِلَى قَوْلِهِ: {لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} .
وَمِنْهَا: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ} فَفِي الصَّحِيحِ أَنَّهَا نَزَلَتْ وَهُوَ فِي الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ حِينَ أَرَادَ أَنْ يَقْنُتَ يَدْعُوَ عَلَى أَبِي سُفْيَانَ وَمَنْ ذُكِرَ مَعَهُ.
تَنْبِيهٌ
فَإِنْ قُلْتَ فَمَا تَصْنَعُ بِحَدِيثِ جَابِرٍ مَرْفُوعًا: "أَصْدَقُ الرُّؤْيَا مَا كَانَ نَهَارًا لِأَنَّ الِلَّهِ خَصَّنِي بِالْوَحْيِ نَهَارًا "؟ أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي تَارِيخِهِ.
قُلْتُ: هَذَا الْحَدِيثُ مُنْكَرٌ لَا يُحْتَجُّ بِهِ.(1/85)
النَّوْعُ الرَّابِعُ: الصَّيْفِيُّ وَالشِّتَائِيُّ
قَالَ الْوَاحِدِيُّ: أَنْزَلَ اللَّهُ فِي الْكَلَالَةِ آيَتَيْنِ: إِحْدَاهُمَا فِي الشِّتَاءِ وَهِيَ الَّتِي فِي أَوَّلِ النِّسَاءِ وَالْأُخْرَى فِي الصَّيْفِ وَهِيَ الَّتِي فِي آخِرِهَا.
وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عُمْرَ: مَا رَاجَعْتُ رَسُولَ الِلَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شَيْءٍ مَا رَاجَعْتُهُ فِي الْكَلَالَةِ وَمَا أَغْلَظَ فِي شَيْءٍ مَا أَغْلَظَ لِي فِيهِ حَتَّى طَعَنَ بِأُصْبُعِهِ فِي صَدْرِي وَقَالَ: "يَا عُمَرُ أَلَا تَكْفِيكَ آيَةُ الصَّيْفِ الَّتِي فِي آخِرِ سُورَةِ النِّسَاءِ! "!
وَفِي الْمُسْتَدْرَكِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ الِلَّهِ مَا الْكَلَالَةُ؟ قَالَ: أَمَا سَمِعْتَ الْآيَةَ الَّتِي نَزَلَتْ فِي الصَّيْفِ: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ} وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ ذَلِكَ فِي سَفَرِ حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَيُعَدُّ مِنَ الصَّيْفِيِّ مَا نَزَلَ فِيهَا كَأَوَّلِ الْمَائِدَةِ وَقَوْلُهُ: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} {وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ} وَآيَةُ الدَّيْنِ وَسُورَةُ النَّصْرِ.
وَمِنْهُ: الْآيَاتُ النَّازِلَةُ فِي غَزْوَةِ تَبُوكٍ فَقَدْ كَانَتْ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ مِنْ طَرِيقِ ابن إِسْحَاقَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ وَعَبْدِ الِلَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ أَنَّ رسول الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ مَا كَانَ يَخْرُجُ فِي وَجْهٍ مِنْ مَغَازِيهِ إِلَا أَظْهَرَ أَنَّهُ يُرِيدُ غَيْرَهُ غَيْرَ أَنَّهُ فِي غَزْوَةِ تَبُوكٍ قَالَ: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي أُرِيدُ الرُّومَ " فَأَعْلَمَهُمْ وَذَلِكَ فِي زَمَانِ الْبَأْسِ وَشِدَّةِ(1/86)
الْحَرِّ وَجَدْبِ الْبِلَادِ فَبَيْنَمَا رَسُولُ الِلَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ فِي جِهَازِهِ إِذْ قَالَ لِلْجَدِّ بْنِ قَيْسٍ: "هَلْ لَكَ فِي بَنَاتِ بَنِي الْأَصْفَرِ؟ " قَالَ يَا رَسُولَ الِلَّهِ لَقَدْ علم قومي أنه ليس أحد أَشَدُّ عُجْبًا بِالنِّسَاءِ مِنِّي وَإِنِّي أَخَافُ إِنْ رَأَيْتُ نِسَاءَ بَنِي الأصفر أن يفتنني فائذن لِي. فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي} الْآيَةَ.
وَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْمُنَافِقِينَ: لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً} وَمِنْ أَمْثِلَةِ الشِّتَائِيِّ قَوْلُهُ: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْأِفْكِ} إِلَى قَوْلِهِ: {وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} فَفِي الصَّحِيحِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي يَوْمٍ شَاتٍ.
وَالْآيَاتُ الَّتِي فِي غَزْوَةِ الْخَنْدَقِ مِنْ سُورَةِ الْأَحْزَابِ فَقَدْ كَانَتْ فِي الْبَرْدِ فَفِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ: تَفَرَّقَ النَّاسُ عَنْ رَسُولِ الِلَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْأَحْزَابِ إِلَا اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا فَأَتَانِي رَسُولُ الِلَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ: قُمْ فَانْطَلِقْ إِلَى عَسْكَرِ الْأَحْزَابِ قُلْتُ: يَا رَسُولَ الِلَّهِ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا قُمْتُ لَكَ - إِلَا حَيَاءً - مِنَ الْبَرْدِ ... الْحَدِيثَ، وَفِيهِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ} إِلَى آخِرِهَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ.(1/87)
النوع الخامس: الفراشي والنومي
من أَمْثِلَةِ الْفِرَاشِيِّ قَوْلُهُ: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} كَمَا تَقَدَّمَ وَآيَةُ الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا فَفِي الصَّحِيحِ أَنَّهَا نَزَلَتْ وَقَدْ بَقِيَ مِنَ اللَّيْلِ ثُلُثُهُ وَهُوَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ أُمِّ سَلَمَةَ.
وَاسْتَشْكَلَ الْجَمْعُ بَيْنَ هَذَا وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَقِّ عَائِشَةَ: "مَا نَزَلَ عَلَيَّ الْوَحْيُ فِي فِرَاشِ امْرَأَةٍ غَيْرِهَا ". قَالَ الْقَاضِي جَلَالُ الدِّينِ: وَلَعَلَّ هَذَا كَانَ قَبْلَ الْقِصَّةِ الَّتِي نَزَلَ الْوَحْيُ فِيهَا فِي فِرَاشِ أُمِّ سَلَمَةَ.
قُلْتُ: ظَفِرْتُ بِمَا يُؤْخَذُ مِنْهُ الْجَوَابُ الَّذِي أَحْسَنُ مِنْ هَذَا فَرَوَى أَبُو يَعْلَى فِي مُسْنَدِهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: "أُعْطِيتُ تِسْعًا ... " الْحَدِيثَ. وَفِيهِ: "وَإِنْ كَانَ الْوَحْيُ لِيَنْزِلُ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي أَهْلِهِ فَيَنْصَرِفُونَ عَنْهُ وَإِنْ كَانَ لِيَنْزِلُ عَلَيْهِ وَأَنَا مَعَهُ فِي لِحَافِهِ ".وَعَلَى هَذَا لَا مُعَارَضَةَ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ كَمَا لَا يَخْفَى.
وَأَمَّا النومي: فمن أَمْثِلَتِهِ سُورَةُ الْكَوْثَرِ لِمَا رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: بَيْنَا رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَظْهُرِنَا إِذْ أَغْفَى إِغْفَاءَةً ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ مُتَبَسِّمًا فقلنا: ما أضحكك يا رَسُولَ الِلَّهِ؟ فَقَالَ: أُنْزِلَ عَلَيَّ آنِفًا سُورَةٌ فقرأ: بسم الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ} .
وَقَالَ الْإِمَامُ الرَّافِعِيُّ فِي أَمَالِيهِ: فَهُمْ فَاهِمُونَ مِنَ الْحَدِيثِ أَنَّ السُّورَةَ(1/88)
نَزَلَتْ فِي تِلْكَ الْإِغْفَاءَةِ وَقَالُوا: مِنَ الْوَحْيِ مَا كَانَ يَأْتِيهِ فِي النَّوْمِ لِأَنَّ رُؤْيَا الْأَنْبِيَاءِ وَحْيٌ. قَالَ: وَهَذَا صَحِيحٌ لَكِنَّ الْأَشْبَهَ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ الْقُرْآنَ كُلَّهُ نَزَلَ فِي الْيَقَظَةِ وَكَأَنَّهُ خَطَرَ لَهُ فِي النَّوْمِ سُورَةُ الْكَوْثَرِ الْمُنَزَّلَةِ فِي الْيَقَظَةِ أَوْ عُرِضَ عَلَيْهِ الْكَوْثَرُ الَّذِي وَرَدَتْ فِيهِ السُّورَةُ فَقَرَأَهَا عَلَيْهِمْ وَفَسَّرَهَا لَهُمْ.
ثُمَّ قَالَ: وَوَرَدَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُ أُغْمِيَ عَلَيْهِ وَقَدْ يُحْمَلُ ذَلِكَ عَلَى الْحَالَةِ الَّتِي كَانَتْ تَعْتَرِيهِ عِنْدَ نُزُولِ الوحي ويقال لها: برحاء الْوَحْيِ. انْتَهَى.
قُلْتُ: الَّذِي قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي غَايَةِ الِاتِّجَاهِ وَهُوَ الَّذِي كُنْتُ أَمِيلُ إِلَيْهِ قَبْلَ الْوُقُوفِ عَلَيْهِ وَالتَّأْوِيلُ الْأَخِيرِ أَصَحُّ مِنَ الْأَوَّلُ لِأَنَّ قَوْلَهُ: "أُنْزِلَ عَلَيَّ آنِفًا "، يَدْفَعُ كَوْنَهَا نَزَلَتْ قَبْلَ ذَلِكَ بَلْ نَقُولُ نَزَلَتْ في تلك الحالة وليس الْإِغْفَاءُ إِغْفَاءَ نَوْمٍ بَلِ الْحَالَةُ الَّتِي كَانَتْ تَعْتَرِيهِ عِنْدَ الْوَحْيِ فَقَدْ ذَكَرَ الْعُلَمَاءُ أَنَّهُ كَانَ يُؤْخَذُ عَنِ الدُّنْيَا.(1/89)
النَّوْعُ السَّادِسُ: الْأَرْضِيُّ وَالسَّمَائِيُّ
تَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: إِنَّ مِنَ الْقُرْآنِ سَمَائِيًّا وَأَرْضِيًّا وَمَا نَزَلَ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَمَا نَزَلَ تَحْتَ الْأَرْضِ فِي الْغَارِ. قَالَ: وَأَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْفِهْرِيُّ قَالَ أَنْبَأَنَا التَّمِيمِيُّ أَنْبَأَنَا هِبَةُ الِلَّهِ الْمُفَسِّرُ قَالَ: نَزَلَ الْقُرْآنُ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ إِلَا سِتَّ آيَاتٍ نَزَلَتْ لَا فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ ثَلَاثٌ فِي سُورَةِ الصَّافَّاتِ: {وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ} الْآيَاتُ الثَّلَاثُ وَوَاحِدَةٌ فِي الزُّخْرُفِ: {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا} الْآيَةَ وَالْآيَتَانِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ نزلت لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ.
قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَلَعَلَّهُ أَرَادَ فِي الْفَضَاءِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، قَالَ: وَأَمَّا مَا نَزَلَ تَحْتَ الْأَرْضِ فَسُورَةُ الْمُرْسَلَاتِ كَمَا فِي الصَّحِيحِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ.
قُلْتُ أَمَّا الْآيَاتُ الْمُتَقَدِّمَةُ فَلَمْ أَقِفْ عَلَى مُسْتَنَدٍ لِمَا ذَكَرَهُ فِيهَا إِلَّا آخِرَ الْبَقَرَةِ فَيُمْكِنُ أَنْ يُسْتَدَلَّ بِمَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: لَمَّا أُسْرِيَ بِرَسُولِ الِلَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْتَهَى إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى الْحَدِيثَ.
وَفِيهِ: "فَأُعْطِيَ رَسُولُ الِلَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهَا ثَلَاثًا أُعْطِيَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ وَأُعْطِيَ خَوَاتِيمَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ وَغُفِرَ لِمَنْ لَا يُشْرِكُ مِنْ أُمَّتِهِ بِالِلَّهِ شَيْئًا الْمُقْحِمَاتُ ".
وَفِي الْكَامِلِ لِلْهُذَلِيِّ نزلت: {آمَنَ الرَّسُولُ} إِلَى آخِرِهَا بِقَابَ قَوْسَيْنِ.(1/90)
النَّوْعُ السَّابِعُ: مَعْرِفَةُ أَوَّلِ مَا نَزَلَ
اخْتُلِفَ فِي أَوَّلِ مَا نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلَى أَقْوَالٍ:
أَحَدُهَا وَهُوَ الصَّحِيحُ: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} رَوَى الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: "أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ الِلَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْوَحْيِ الرُّؤْيَا الصَّادِقَةُ فِي النَّوْمِ فَكَانَ لَا يَرَى رُؤْيَا إِلَا جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ ثُمَّ حُبِّبَ إِلَيْهِ الْخَلَاءُ فَكَانَ يَأْتِي حِرَاءَ فَيَتَحَنَّثُ فِيهِ اللَّيَالِي ذَوَاتِ الْعَدَدِ وَيَتَزَوَّدُ لِذَلِكَ ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى خَدِيجَةَ رَضِيَ الِلَّهِ عَنْهَا فَتُزَوِّدُهُ لِمِثْلِهَا حَتَّى فَجَأَهُ الْحَقُّ وَهُوَ فِي غَارِ حِرَاءَ فَجَاءَهُ الْمَلَكُ فِيهِ فَقَالَ: اقْرَأْ قَالَ رَسُولُ الِلَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَقُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدُ ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ: اقْرَأْ فَقُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ فَغَطَّنِي الثَّانِيةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدُ ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ: اقْرَأْ فَقُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ فَغَطَّنِي الثَّالِثَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدُ ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} حَتَّى بَلَغَ: {مَا لَمْ يَعْلَمْ} فَرَجَعَ بِهَا رَسُولُ الِلَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرْجُفُ بَوَادِرُهُ ... " الْحَدِيثَ.
وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ وَصَحَّحَاهُ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: "أَوَّلُ سُورَةٍ نَزَلَتْ مِنَ الْقُرْآنِ: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} ".
وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ بِسَنَدٍ عَلَى شَرْطِ الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي رَجَاءٍ(1/91)
الْعُطَارِدِيِّ، قَالَ: كَانَ أَبُو مُوسَى يُقْرِئُنَا فَيُجْلِسُنَا حِلَقًا عَلَيْهِ ثَوْبَانِ أَبْيَضَانِ فَإِذَا تَلَا هَذِهِ السُّورَةَ: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} ، قَالَ: هَذِهِ أَوَّلُ سُورَةٍ أُنْزِلَتْ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ فِي سُنَنِهِ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ: جَاءَ جِبْرِيلُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ: اقْرَأْ، قَالَ: وَمَا أَقْرَأُ؟ فَوَالِلَّهِ مَا أَنَا بِقَارِئٍ، فَقَالَ: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} : فَكَانَ يَقُولُ هُوَ أَوَّلُ مَا أُنْزِلَ.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي فَضَائِلِهِ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَنْ سُفْيَانَ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: إِنَّ أَوَّلَ مَا أَنْزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} و: {نْ وَالْقَلَمِ} .
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَشْتَةَ فِي كِتَابِ الْمَصَاحِفِ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ: قَالَ: جَاءَ جِبْرِيلُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَمَطٍ فَقَالَ: اقْرَأْ، قَالَ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ، قَالَ: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ فَيَرَوْنَ أَنَّهَا أَوَّلُ سُورَةٍ أُنْزِلَتْ مِنَ السَّمَاءِ.
وَأَخْرَجَ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ بِحِرَاءَ إِذْ أَتَى مَلَكٌ بِنَمَطٍ مِنْ دِيبَاجٍ فِيهِ مَكْتُوبٌ: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} إِلَى {مَا لَمْ يَعْلَمْ} .
القول الثاني: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} روى الشيخان عن سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: سَأَلْتُ جَابِرَ بْنَ عَبَدِ الِلَّهِ أَيُّ الْقُرْآنِ أُنْزِلَ قَبْلُ قَالَ: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} قُلْتُ: أَوِ {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} قَالَ: أُحَدِّثُكُمْ مَا حَدَّثَنَا بِهِ رَسُولُ الِلَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنِّي جَاوَرْتُ بِحِرَاءَ فَلَمَّا قَضَيْتُ جِوَارِي نَزَلْتُ فَاسْتَبْطَنْتُ الْوَادِي(1/92)
فَنَظَرْتُ أَمَامِي وَخَلْفِي وَعَنْ يَمِينِي وَشِمَالِي ثُمَّ نَظَرْتُ إِلَى السَّمَاءِ فَإِذَا هُوَ يَعْنِي جِبْرِيلَ فَأَخَذَتْنِي رَجْفَةٌ فَأَتَيْتُ خَدِيجَةَ فَأَمَرَتْهُمْ فَدَثَّرُونِي فَأَنْزَلَ الله: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ} .
وَأَجَابَ الْأَوَّلُ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ بِأَجْوِبَةٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّ السُّؤَالَ كَانَ عَنْ نُزُولِ سُورَةٍ كَامِلَةٍ فَبَيَّنَ أَنَّ سُورَةَ الْمُدَّثِّرِ نَزَلَتْ بِكَمَالِهَا قَبْلَ نُزُولِ تمام سورة اقْرَأْ فَإِنَّهَا أَوَّلُ مَا نَزَلَ مِنْهَا صَدْرُهَا. وَيُؤَيِّدُ هَذَا مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضًا عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ جَابِرٍ: سَمِعْتُ رَسُولَ الِلَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُحَدِّثُ عَنْ فَتْرَةِ الْوَحْيِ فقال في حديثه: بينا أَنَا أَمْشِي سَمِعْتُ صَوْتًا مِنَ السَّمَاءِ فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإِذَا الْمَلَكُ الذي جاءني بحراء عَلَى كُرْسِيٍّ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ فَرَجَعْتُ فَقُلْتُ: زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي فَدَثَّرُونِي فأنزل الله: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} فَقَوْلُهُ: "الْمَلَكُ الَّذِي جَاءَنِي بِحِرَاءَ " يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْقِصَّةَ مُتَأَخِّرَةٌ عَنْ قِصَّةِ حِرَاءَ الَّتِي نَزَلَ فِيهَا: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} .
ثَانِيهَا: أَنَّ مُرَادَ جَابِرٍ بالأولية مَخْصُوصَةٌ بِمَا بَعْدَ فَتْرَةِ الْوَحْيِ لَا أَوَّلِيَّةٌ مُطْلَقَةٌ.
ثَالِثُهَا: أَنَّ الْمُرَادَ أَوَّلِيَّةٌ مَخْصُوصَةٌ بِالْأَمْرِ بِالْإِنْذَارِ وَعَبَّرَ بَعْضُهُمْ عَنْ هَذَا بِقَوْلِهِ أَوَّلُ مَا نَزَلَ لِلنُّبُوَّةِ: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} وأول ما نزل للرسالة: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} .
رَابِعُهَا: أَنَّ الْمُرَادَ أَوَّلُ مَا نَزَلَ بِسَبَبٍ مُتَقَدِّمٍ وَهُوَ مَا وَقَعَ مِنَ التَّدَثُّرِ النَّاشِئِ عن الرعب وأما اقرأ فنزلت ابتداء بِغَيْرِ سَبَبٍ مُتَقَدِّمٍ ذَكَرَهُ ابْنُ حَجَرٍ.(1/93)
خَامِسُهَا: أَنَّ جَابِرًا اسْتَخْرَجَ ذَلِكَ بِاجْتِهَادِهِ وَلَيْسَ هُوَ مِنْ رِوَايَتِهِ فَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ مَا رَوَتْهُ عَائِشَةُ. قَالَهُ الْكَرْمَانِيُّ.
وَأَحْسَنُ هَذِهِ الْأَجْوِبَةِ الْأَوَّلُ وَالْأَخِيرُ.
الْقَوْلُ الثَّالِثُ: سُورَةُ الْفَاتِحَةِ قَالَ فِي الْكَشَّافِ: ذَهَبَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ إِلَى أَنَّ أَوَّلَ سُورَةٍ نَزَلَتْ "اقْرَأْ " وَأَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ إِلَى أَنَّ أَوَّلَ سُورَةٍ نَزَلَتْ فَاتِحَةُ الْكِتَابِ.
قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَالَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَئِمَّةِ هُوَ الْأَوَّلُ. وَأَمَّا الَّذِي نَسَبَهُ إِلَى الْأَكْثَرِ فَلَمْ يَقُلْ بِهِ إِلَا عَدَدٌ أَقَلُّ مِنَ الْقَلِيلِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَنْ قَالَ بِالْأَوَّلِ وَحُجَّتُهُ مَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ وَالْوَاحِدِيُّ مِنْ طَرِيقِ يُونُسَ بْنِ بُكَيْرٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي مَيْسَرَةَ عَمْرِو بْنِ شُرَحْبِيلَ أَنَّ رَسُولَ الِلَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِخَدِيجَةَ: "إِنِّي إِذَا خَلَوْتُ وَحْدِي سَمِعْتُ نِدَاءً فَقَدْ وَالِلَّهِ خَشِيتُ أَنْ يَكُونَ هَذَا أَمْرًا "، فَقَالَتْ: مَعَاذَ الِلَّهِ مَا كَانَ الِلَّهُ لِيَفْعَلَ بِكَ فَوَالِلَّهِ إِنَّكَ لَتُؤَدِّي الْأَمَانَةَ وَتَصِلُ الرَّحِمَ وَتَصْدُقُ الْحَدِيثَ.
فَلَمَّا دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ ذَكَرَتْ خَدِيجَةُ حَدِيثَهُ لَهُ وَقَالَتْ: اذْهَبْ مَعَ مُحَمَّدٍ إِلَى وَرَقَةَ. فَانْطَلَقَا فَقَصَّا عَلَيْهِ فَقَالَ: "إِذَا خَلَوْتُ وَحْدِي سَمِعْتُ نِدَاءً خَلْفِي: يَا مُحَمَّدُ يَا مُحَمَّدُ! فَأَنْطَلِقُ هَارِبًا فِي الْأُفُقِ "،فَقَالَ: لَا تَفْعَلْ إِذَا أَتَاكَ فَاثْبُتْ حَتَّى تَسْمَعَ مَا يَقُولُ ثُمَّ ائْتِنِي فَأَخْبِرْنِي فَلَمَّا خَلَا نَادَاهُ: يَا مُحَمَّدُ قُلْ: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} حَتَّى بَلَغَ: {وَلا الضَّالِّينَ} " الْحَدِيثَ. هَذَا مُرْسَلٌ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ.(1/94)
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: إِنْ كَانَ مَحْفُوظًا يحتمل أَنْ يَكُونَ خَبَرًا عَنْ نُزُولِهَا بعدما نَزَلَتْ عَلَيْهِ اقْرَأْ وَالْمُدَّثِّرُ.
الْقَوْلُ الرَّابِعُ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ حَكَاهُ ابْنُ النَّقِيبِ فِي مُقَدِّمَةِ تَفْسِيرِهِ قَوْلًا زَائِدًا.
وَأَخْرَجَ الو احدي بِإِسْنَادِهِ عَنْ عِكْرِمَةَ وَالْحَسَنِ قَالَا أَوَّلُ مَا نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} وَأَوَّلُ سورة: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} .و
أَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَغَيْرُهُ مِنْ طَرِيقِ الضَّحَّاكِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ أَوَّلُ مَا نَزَلَ جِبْرِيلُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَا مُحَمَّدُ اسْتَعِذْ ثُمَّ قُلْ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.
وَعِنْدِي أَنَّ هَذَا لَا يُعَدُّ قَوْلًا بِرَأْسِهِ فَإِنَّهُ مِنْ ضَرُورَةِ نُزُولِ السُّورَةِ نُزُولُ الْبَسْمَلَةِ مَعَهَا فَهِيَ أَوَّلُ آيَةٍ نَزَلَتْ عَلَى الْإِطْلَاقِ.
وَوَرَدَ فِي أَوَّلِ مَا نَزَلَ حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: "إِنَّ أَوَّلَ مَا نَزَلَ سُورَةٌ مِنَ الْمُفَصَّلِ فِيهَا ذِكْرُ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ حَتَّى إِذَا ثَابَ النَّاسُ إِلَى الْإِسْلَامِ نَزَلَ الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ ".
وَقَدِ اسْتَشْكَلَ هَذَا بِأَنَّ أَوَّلَ مَا نَزَلَ " اقْرَأْ " وَلَيْسَ فِيهَا ذِكْرُ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ مِنْ مقدره أي من أَوَّلُ مَا نَزَلَ وَالْمُرَادُ سُورَةُ الْمُدَّثِّرِ فَإِنَّهَا أَوَّلُ مَا نَزَلَ بَعْدَ فَتْرَةِ الْوَحْيِ وَفِي آخِرِهَا ذِكْرُ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ فَلَعَلَّ آخِرَهَا نزل قَبْلَ نُزُولِ بَقِيَّةَ " اقْرَأْ ".(1/95)
فَرْعٌ
أَخْرَجَ الْوَاحِدِيُّ مِنْ طَرِيقِ الْحُسَيْنِ بْنِ وَاقَدٍ قَالَ سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ يَقُولُ أَوَّلُ سُورَةٍ نَزَلَتْ بِمَكَّةَ {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} وَآخِرُ سُورَةٍ نَزَلَتْ بِهَا الْمُؤْمِنُونَ وَيُقَالُ: الْعَنْكَبُوتُ. وَأَوَّلُ سُورَةٍ نَزَلَتْ بِالْمَدِينَةِ: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ} وَآخِرُ سُورَةٍ نَزَلَتْ بِهَا: {بَرَاءَةٌ} وَأَوَّلُ سُورَةٍ أَعْلَنَهَا رَسُولُ الِلَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ النَّجْمُ.
وَفِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ لَابْنِ حَجَرٍ: اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ سُورَةَ الْبَقَرَةِ أَوَّلُ سُورَةٍ أُنْزِلَتْ بِالْمَدِينَةِ. وَفِي دَعْوَى الَاتِّفَاقِ نَظَرٌ لِقَوْلِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ الْمَذْكُورِ.
وَفِي تَفْسِيرِ النَّسَفِيِّ عَنِ الْوَاقِدِيِّ أَنَّ أَوَّلَ سُورَةٍ نَزَلَتْ بِالْمَدِينَةِ سُورَةُ الَقَدْرِ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ أَبْيَضَ فِي جُزْئِهِ الْمَشْهُورِ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ عُبَيْدُ الِلَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَعْيَنَ الْبَغْدَادِيُّ حَدَّثَنَا حَسَّانُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْكَرْمَانِيُّ حَدَّثَنَا أُمَيَّةُ الْأَزْدِيُّ عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: أَوَّلُ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْقُرْآنِ بِمَكَّةَ: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} ثُمَّ: {نْ وَالْقَلَمِ} ثُمَّ: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ} ثم: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} ثُمَّ: {الْفَاتِحَةَ} ثُمَّ: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} ثُمَّ: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} ثُمَّ: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} ثُمَّ: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} ثُمَّ: {وَالْفَجْرِ} ثُمَّ: {وَالضُّحَى} ثُمَّ: {أَلَمْ نَشْرَحْ} ثُمَّ: {وَالْعَصْرِ} ثُمَّ: {وَالْعَادِيَاتِ} ثُمَّ {الْكَوْثَرَ} ثُمَّ: {أَلْهَاكُمُ} ثُمَّ: {أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ} ثُمَّ: {الْكَافِرُونَ} ثُمَّ: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ} ثُمَّ: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} ثُمَّ: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} ثُمَّ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ثُمَّ: {وَالنَّجْمِ} ثُمَّ: {عَبَسَ} ثُمَّ: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً} ثُمَّ: {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} ثُمَّ: {الْبُرُوجِ} ثُمَّ: {وَالتِّينِ} ثُمَّ: {لِإِيلافِ} ثُمَّ: {الْقَارِعَةُ} ثُمَّ: {الْقِيَامَةِ} ثُمَّ: {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ} ثُمَّ: {وَالْمُرْسَلاتِ} ثُمَّ: {ق}(1/96)
ثُمَّ: {الْبَلَدُ} ثُمَّ: {الطَّارِقُ} ثُمَّ: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ} ثُمَّ: {ص} ثُمَّ: {الْأَعْرَافَ} ثُمَّ: {الْجِنَّ} ثُمَّ: {يس} ثم: {الفرقان} ثم: {الملائكة} ثم: {كهيعص} ثُمَّ: {طه} ثُمَّ: {الْوَاقِعَةَ} ثُمَّ: {الشُّعَرَاءَ} ثُمَّ: {طس سُلَيْمَانَ} ثُمَّ: {طسم} {الْقِصَصِ} ثُمَّ: {بَنِي إِسْرَائِيلَ} ثُمَّ التَّاسِعَةَ يَعْنِي: {يُونُسَ} ثُمَّ: {هَودٌ} ثُمَّ: {يُوسُفَ} ثُمَّ: {الْحِجْرُ} ثم: {الأنعام} ثم: {الصافات} ثم: {لقمان} ثم: {سبأ} ثم: {الزمر} ثم: {حم} {المؤمن} ثم: {حم السَّجْدَةِ} ثُمَّ حم: {الزُّخْرُفِ} ثُمَّ حم: {الدُّخَانِ} ثُمَّ حم: {الْجَاثِيَةِ} ثُمَّ حم: {الْأَحْقَافِ} ثُمَّ: {الذاريات} ثم: {الغاشية} ثم: {الكهف} ثُمَّ حم: {عسق} ثُمَّ: {تَنْزِيلَ السَّجْدَةِ} ثُمَّ: {الْأَنْبِيَاءَ} ثُمَّ: {النَّحْلَ أَرْبَعِينَ وَبَقِيَّتَهَا بِالْمَدِينَةِ} ثُمَّ: {إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا} ثُمَّ: {الطَّوْرَ} ثُمَّ: {الْمُؤْمِنُونَ} ثُمَّ: {تَبَارَكَ} ثُمَّ: {الْحَاقَّةَ} ثُمَّ: {سَأَلَ} ثُمَّ: {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ} ثُمَّ: {وَالنَّازِعَاتِ} ثُمَّ: {إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ} ثُمَّ: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} ثم: {الروم} ثم: {الْعَنْكَبُوتَ} ثُمَّ: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ} فَذَاكَ مَا أُنْزِلَ بِمَكَّةَ.
وَأُنْزِلَ بِالْمَدِينَةِ سُورَةَ الْبَقَرَةِ ثُمَّ: {آلَ عِمْرَانَ} ثُمَّ: {الْأَنْفَالَ} ثُمَّ: {الْأَحْزَابَ} ثُمَّ: {الْمَائِدَةَ} ثُمَّ: {الْمُمْتَحَنَةَ} ثُمَّ: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ} ثُمَّ: {النُّورِ} ثُمَّ: {الْحَجِّ} ثُمَّ: {الْمُنَافِقُونَ} ثُمَّ: {الْمُجَادَلَةِ} ثُمَّ: {الْحُجُرَاتِ} ثُمَّ: {التَّحْرِيمِ} ثُمَّ: {الْجُمْعَةِ} ثُمَّ: {التَّغَابُنَ} ثُمَّ: {سَبَّحَ الْحَوَارِيِّينَ} ثُمَّ: {الْفَتْحَ} ثم: {التوبة} وخاتمة الْقُرْآنِ.
قُلْتُ: هَذَا سِيَاقٌ غَرِيبٌ وَفِي هَذَا التَّرْتِيبِ نَظَرٌ وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ مِنْ عُلَمَاءِ التَّابِعِينَ بالْقُرْآنِ وَقَدِ اعْتَمَدَ الْبُرْهَانُ الْجَعْبَرِيُّ عَلَى هَذَا الْأَثَرِ فِي قَصِيدَتِهِ الَّتِي سَمَّاهَا تَقْرِيبُ الْمَأْمُولِ فِي تَرْتِيبِ النُّزُولِ فَقَالَ:
مَكِّيُهَا سِتٌّ ثَمَانُونَ اعْتَلَتْ
نُظِمَتْ عَلَى وَفْقِ النُّزُولِ لِمَنْ تَلَا
اقْرَأْ وَنُونٌ مُزَّمِّلٌ مُدَّثِّرٌ
وَالْحَمْدُ تَبَّتْ كُوِّرَتِ الْأَعْلَى عَلَا(1/97)
ليل وفجر والضحى شرح وعصر
الْعَادِيَّاتِ وَكَوْثَرٌ أَلْهَاكُمْ تَلَا
أَرَأَيْتَ قُلْ بِالْفِيلِ مَعْ فَلَقٍ كَذَا
نَاسٌ وَقُلْ هُوَ نَجْمُهَا عَبَسٌ جَلَا
قَدْرٌ وَشَمْسٌ وَالْبُرُوجُ وَتِينُهَا
لِإِيلَافِ قَارِعَةً قِيَامَةَ أَقْبَلَا
وَيْلٌ لِكُلِّ الْمُرْسَلَاتِ وَقَافُ مَعْ
بَلَدٌ وَطَارِقُهَا مَعَ اقْتَرَبَتْ كِلَا
صَادٌ وَأَعْرَافٌ وَجِنٌّ ثُمَّ يَا
سِينٌ وَفُرْقَانٌ وَفَاطِرٌ اعْتَلَى
كَافٌ وَطه ثلة الشعرا وَنَمْـ
لُ قَصُّ الْإِسْرَا يُونُسُ هُودٌ وَلَا
قُلْ يُوسُفُ حِجْرٌ وَأَنْعَامٌ وَذَبْـ
حٌ ثُمَّ لُقْمَانُ سبأ زمر جلا
مَعَ غَافِرٍ مَعَ فُصِّلَتْ مَعَ زُخْرُفٍ
وَدُخَانُ جَاثِيَةٍ وَأَحْقَافٌ تَلَا
ذَرَوٌ وَغَاشِيَةٌ وَكَهْفٌ ثُمَّ شُو
رى والخليل والأنبيا نَحْلٌ حَلَا
وَمَضَاجِعٌ نُوحٌ وَطُورٌ وَالْفَلَا
حُ الْمُلْكِ وَاعِيَةٌ وَسَالَ وَعَمَّ لَا
غَرَقٌ مَعَ انْفَطَرَتْ وَكَدْحٌ ثُمَّ رُو
مُ الْعَنْكَبُوتِ وَطُفِّفَتْ فَتَكَمَّلَا
وَبِطَيِّبَةٍ عِشْرُونَ ثُمَّ ثَمَانٌ الطُّو
لَى وَعِمْرَانٌ وَأَنْفَالٌ جَلَا
لِأَحْزَابِ مَائِدَةِ امْتِحَانٌ وَالنِّسَا
مَعَ زُلْزِلَتْ ثُمَّ الْحَدِيدِ تَأَمَّلَا
وَمُحَمَّدٌ وَالرَّعْدُ والرحمن الإنسان
الطَّلَاقُ وَلَمْ يَكُنْ حَشْرٌ مَلَا
نصر ونور ثُمَّ حَجَّ وَالْمُنَا
فِقُ مَعْ مُجَادَلَةٍ وَحُجْرَاتٍ وَلَا
تَحْرِيمُهَا مَعَ جُمْعَةٍ وَتَغَابُنٍ
صَفٌّ وَفَتْحٌ تَوْبَةٌ خُتِمَتْ أُولَى
أَمَّا الَّذِي قَدْ جَاءَنَا سَفَرِيُّهُ
عُرْفِيٌ اكْمَلْتُ لَكُمْ قَدْ كُمِّلَا
لَكِنْ إِذَا قُمْتُمْ فَجَيْشِيٌّ بَدَا
وَاسْأَلْ مَنَ ارْسَلْنَا الشَّآمِيُّ اقْبَلَا
إِنَّ الَّذِي فَرَضَ انْتَمَى جُحْفِيُّهَا
وَهُوَ الَّذِي كَفَّ الْحُدَيْبِيُّ انْجَلَى(1/98)
فَرْعٌ فِي أَوَائِلَ مَخْصُوصَةٍ
أَوَّلُ مَا نَزَلَ فِي الْقِتَالِ: رَوَى الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَوَّلُ آيَةٍ نَزَلَتْ فِي الْقِتَالِ: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا} وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ قَالَ: أَوَّلُ آيَةٍ نَزَلَتْ فِي الْقِتَالِ بِالْمَدِينَةِ: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ} . وَفِي الْإِكْلِيلِ لِلْحَاكِمِ: إِنَّ أَوَّلَ مَا نَزَلَ فِي الْقِتَالِ: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ} .
أَوَّلُ مَا نَزَلَ فِي شَأْنِ الْقَتْلِ: آيَةُ الْإِسْرَاءِ: {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً} الْآيَةَ أَخْرَجَهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ الضَّحَّاكِ.
أَوَّلُ مَا نَزَلَ فِي الْخَمْرِ: رَوَى الطَّيَالِسِيُّ فِي مُسْنَدِهِ - عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: نَزَلَ فِي الْخَمْرِ ثَلَاثُ آيَاتٍ فَأَوَّلُ شَيْءٍ {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ} الْآيَةَ، فَقِيلَ: حُرِّمَتِ الْخَمْرُ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ الِلَّهِ دَعْنَا نَنْتَفِعْ بِهَا كَمَا قَالَ اللَّهُ فَسَكَتَ عَنْهُمْ، ثُمَّ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {لَا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} فَقِيلَ: حُرِّمَتِ الْخَمْرُ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ الِلَّهِ لَا نَشْرَبُهَا قُرْبَ الصَّلَاةِ فَسَكَتَ عَنْهُمْ ثُمَّ نَزَلَتْ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ} فقال رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: حُرِّمَتِ الْخَمْرُ.
أَوَّلُ آيَةٍ نَزَلَتْ فِي الْأَطْعِمَةِ بِمَكَّةَ آيَةُ الْأَنْعَامِ: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً} ثُمَّ آيَةُ النَّحْلِ: {فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالاً طَيِّباً}(1/99)
إِلَى آخِرِهَا. وَبِالْمَدِينَةِ آيَةُ الْبَقَرَةِ: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ} الْآيَةَ ثُمَّ آيَةُ الْمَائِدَةِ: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} الْآيَةَ قَالَهُ ابْنُ الْحَصَّارِ.
وَرَوَى الْبُخَارِيُّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: أَوَّلُ سُورَةٍ أُنْزِلَتْ فِيهَا سَجْدَةٌ النَّجْمُ.
وَقَالَ الْفِرْيَابِيُّ: حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: {لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ} قَالَ: هِيَ أَوَّلُ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ سُورَةِ بَرَاءَةٍ.
وَقَالَ أَيْضًا: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ نَبَّأَنَا سَعِيدٌ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ أَبِي الضُّحَى قَالَ: أَوَّلُ مَا نَزَلَ مِنْ بَرَاءَةٍ: {انْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً} ثُمَّ نَزَلَ أَوَّلُهَا ثُمَّ نَزَلَ آخِرُهَا.
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَشْتَةَ فِي كِتَابِ الْمَصَاحِفِ عَنْ أَبِي مَالِكٍ قَالَ: كَانَ أَوَّلُ بَرَاءَةَ: {انْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً} سَنَوَاتٍ ثُمَّ أُنْزِلَتْ بَرَاءَةٌ أَوَّلُ السُّورَةِ فَأَلْفَتْ بِهَا أَرْبَعُونَ آيَةً.
وَأَخْرَجَ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ دَاوُدَ عَنْ عَامِرٍ فِي قَوْلِهِ: {انْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً} قَالَ: هِيَ أَوَّلُ آيَةٍ نَزَلَتْ فِي بَرَاءَةٍ فِي غَزْوَةِ تَبُوكٍ فَلَمَّا رَجَعَ مِنْ تَبُوكٍ نَزَلَتْ بَرَاءَةٌ إِلَا ثَمَانٌ وَثَلَاثِينَ آيَةً مِنْ أَوَّلِهَا.
وَأَخْرَجَ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ وَغَيْرِهِ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: أَوَّلُ مَا نَزَلَ مِنَ آلِ عِمْرَانَ: {هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ} ثُمَّ أُنْزِلَتْ بَقِيَّتُهَا يَوْمَ أُحُدٍ.(1/100)
النَّوْعِ الثَّامِنِ: مَعْرِفَةُ آخِرِ مَا نَزَلَ
فِيهِ اخْتِلَافٌ فَرَوَى الشَّيْخَانِ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: آخَرُ آيَةٍ نَزَلَتْ: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ} وَآخَرُ سُورَةٍ نَزَلَتْ بَرَاءَةٌ.
وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: آخِرُ آيَةٍ نَزَلَتْ آيَةُ الرِّبَا.
وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عُمَرَ مِثْلَهُ وَالْمُرَادُ بها قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا} وَعِنْدَ أَحْمَدَ وَابْنِ مَاجَهْ عَنْ عُمَرَ: مِنْ آخِرِ مَا نَزَلَ آيَةُ الرِّبَا.
وَعِنْدَ ابْنِ مَرْدَوَيْهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: خَطَبَنَا عُمَرُ فَقَالَ: إِنَّ مِنْ آخِرِ الْقُرْآنِ نُزُولًا آيَةُ الرِّبَا.
وَأَخْرَجَ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: آخِرُ شَيْءٍ نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ: {وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ} . الْآيَةَ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ نَحْوَهُ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِلَفْظِ آخِرُ آيَةٍ نَزَلَتْ.
وَأَخْرَجَهُ ابْنُ جَرِيرٍ مِنْ طَرِيقِ الْعَوْفِيِّ وَالضَّحَّاكِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
وَقَالَ الْفِرْيَابِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الْكَلْبِيِّ عَنِ ابْنِ صَالِحٍ(1/101)
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: آخَرُ آيَةٍ نَزَلَتْ: {وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ} الْآيَةَ وَكَانَ بَيْنَ نُزُولِهَا وَبَيْنَ مَوْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَدٌ وَثَمَانُونَ يَوْمًا.
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ آخِرُ مَا نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ كُلِّهِ: {وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ} الْآيَةَ، وَعَاشَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ تِسْعَ لَيَالٍ ثُمَّ مَاتَ لَيْلَةَ الَاثْنَيْنِ لِلَيْلَتَيْنِ خَلَتَا مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ مِثْلَهُ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ.
وَأَخْرَجَ مِنْ طَرِيقِ عَطِيَّةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: آخَرُ آيَةٍ نَزَلَتْ: {وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ} الْآيَةَ.
وَأَخْرَجَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي الْفَضَائِلِ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: آخِرُ الْقُرْآنِ عَهْدًا بِالْعَرْشِ آيَةُ الرِّبَا وَآيَةُ الدَّيْنِ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ بَلَّغَهُ أَنَّ أَحْدَثَ الْقُرْآنِ عَهْدًا بِالْعَرْشِ آيَةُ الدَّيْنِ. مُرْسَلٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ.
قُلْتُ: وَلَا مُنَافَاةَ عِنْدِي بَيْنَ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ فِي آيَةِ الرِّبَا: {وَاتَّقُوا يَوْماً} وَآيَةُ الدَّيْنِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهَا نَزَلَتْ دُفْعَةً وَاحِدَةً كَتَرْتِيبِهَا فِي الْمُصْحَفِ وَلِأَنَّهَا فِي قِصَّةٍ وَاحِدَةٍ فَأَخْبَرَ كُلٌّ عَنْ بَعْضِ مَا نَزَلَ بِأَنَّهُ آخِرٌ وَذَلِكَ صَحِيحٌ وَقَوْلُ الْبَرَاءِ: آخِرُ مَا نَزَلَ: {يَسْتَفْتُونَكَ} ، أَيْ فِي شَأْنِ الْفَرَائِضِ.
وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ: طَرِيقُ الْجَمْعِ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ فِي آيَةِ الرِّبَا: {وَاتَّقُوا يَوْمًا} أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ هِيَ خِتَامُ الْآيَاتِ الْمُنَزَّلَةِ فِي الرِّبَا إِذْ هِيَ مَعْطُوفَةٌ عَلَيْهِنَّ وَيَجْمَعُ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ قَوْلِ الْبَرَاءِ بِأَنَّ الْآيَتَيْنِ نَزَلَتَا جَمِيعًا فَيَصْدُقُ أَنَّ كُلًّا(1/102)
مِنْهُمَا آخِرٌ بِالنِّسْبَةِ لِمَا عَدَاهُمَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ الْآخِرِيَّةُ فِي آيَةِ النِّسَاءِ مُقَيَّدَةً بِمَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَوَارِيثِ بِخِلَافِ آيَةِ الْبَقَرَةِ وَيُحْتَمَلُ عَكْسُهُ والأول أَرْجَحُ لِمَا فِي آيَةِ الْبَقَرَةِ مِنَ الْإِشَارَةِ إلى معنى الوفاء الْمُسْتَلْزَمَةِ لِخَاتِمَةِ النُّزُولِ انْتَهَى وَفِي الْمُسْتَدْرَكِ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: آخِرُ آيَةٍ نَزَلَتْ: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ} إِلَى آخِرِ السُّورَةِ.
وَرَوَى عَبْدُ الِلَّهِ بْنُ أَحْمَدَ فِي زَوَائِدِ الْمُسْنَدِ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ أَبِيٍّ أَنَّهُمْ جَمَعُوا الْقُرْآنَ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ وَكَانَ رِجَالٌ يَكْتُبُونَ فَلَمَّا انْتَهَوْا إِلَى هَذِهِ الْآيَةِ مِنْ سُورَةِ بَرَاءَةٍ، {ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ} ظَنُّوا أَنَّ هَذَا آخِرُ مَا نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ فَقَالَ لَهُمْ أَبِيُّ بْنُ كَعْبٍ: إِنَّ رسول الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ أَقْرَأَنِي بَعْدَهَا آيَتَيْنِ: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ} إِلَى قَوْلِهِ: {وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} وَقَالَ: هَذَا آخِرُ مَا نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ قَالَ: فَخَتَمَ بِمَا فَتَحَ بِهِ بِالِلَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَا هُوَ وَهُوَ قَوْلُهُ: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ أُبَيٍّ أَيْضًا قَالَ: آخِرُ الْقُرْآنِ عَهْدًا بِالِلَّهِ هَاتَانِ الْآيَتَانِ: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ} وَأَخْرَجَهُ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ بِلَفْظِ أَقْرَبُ الْقُرْآنِ بِالسَّمَاءِ عَهْدًا وَأَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ فِي تَفْسِيرِهِ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ عَنْ يُوسُفَ الْمَكِّيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قال: آخر آية نَزَلَتْ: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ} وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: آخَرُ سُورَةٍ نَزَلَتْ: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} .(1/103)
وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: "آخِرُ سُورَةٍ نَزَلَتِ الْمَائِدَةُ فَمَا وَجَدْتُمْ فِيهَا مِنْ حَلَالٍ فَاسْتَحِلُّوهُ ... "الْحَدِيثَ.
وَأَخْرَجَا أَيْضًا عَنْ عَبْدِ الِلَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: آخِرُ سُورَةٍ نَزَلَتْ سُورَةُ الْمَائِدَةِ وَالْفَتْحِ.
قُلْتُ: يَعْنِي إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَفِي حَدِيثِ عُثْمَانَ الْمَشْهُورِ: بَرَاءَةٌ مِنْ آخِرِ الْقُرْآنِ نُزُولًا.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: يَجْمَعُ بَيْنَ هَذِهِ الَاخْتِلَافَاتِ - إِنْ صَحَّتْ - بِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ أَجَابَ بِمَا عِنْدَهُ.
وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ فِي الَانْتِصَارِ: هَذِهِ الْأَقْوَالُ لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ مَرْفُوعٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكُلٌّ قَالَهُ بِضَرْبٍ مِنْ الِاجْتِهَادِ وَغَلَبَةِ الظَّنِّ وَيُحْتَمَلُ أَنْ كُلًّا مِنْهُمْ أَخْبَرَ عَنْ آخِرٍ مَا سَمِعَهُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْيَوْمِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ أَوْ قَبْلَ مَرَضِهِ بِقَلِيلٍ وَغَيْرُهُ سَمِعَ مِنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْهُ هُوَ. وَيُحْتَمَلُ أَيْضًا أَنْ تَنْزِلَ هَذِهِ الْآيَةَ الَّتِي هِيَ آخِرُ آيَةٍ تَلَاهَا الرَّسُولُ مَعَ آيَاتٍ نَزَلَتْ مَعَهَا فَيُؤْمَرُ بِرَسْمِ مَا نَزَلَ مَعَهَا بَعْدَ رَسْمِ تِلْكَ فَيَظُنُّ أَنَّهُ آخِرُ مَا نَزَلَ فِي التَّرْتِيبِ. انْتَهَى.
وَمِنْ غَرِيبِ مَا وَرَدَ فِي ذَلِكَ مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ أَنَّهُ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ} الْآيَةَ: وَقَالَ: إِنَّهَا آخِرُ آيَةٍ نَزَلَتْ مِنَ الْقُرْآنِ. قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: هَذَا أَثَرٌ مُشْكِلٌ وَلَعَلَّهُ أَرَادَ أَنَّهُ لَمْ يَنْزِلْ بَعْدَهَا آيَةٌ تَنْسَخُهَا وَلَا تُغَيِّرُ حُكْمَهَا بَلْ هِيَ مُثْبَتَةٌ مُحْكَمَةٌ.
قُلْتُ: وَمِثْلُهُ مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: نَزَلَتْ هَذهِ(1/104)
الْآيَةُ: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} هِيَ آخِرُ مَا نَزَلَ وَمَا نَسَخَهَا شَيْءٌ.
وَعِنْدَ أَحْمَدَ وَالنِّسَائِيِّ عَنْهُ: لَقَدْ نَزَلَتْ فِي آخِرِ مَا نَزَلَ مَا نَسَخَهَا شَيْءٌ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيقِ مُجَاهِدٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: آخَرُ آيَةٍ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ} إِلَى آخِرِهَا.
قُلْتُ: وَذَلِكَ أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ الِلَّهِ أَرَى اللَّهَ يَذْكُرُ الرِّجَالَ وَلَا يَذْكُرُ النِّسَاءَ؟ فَنَزَلَتْ: {وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ} وَنَزَلَتْ: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ} وَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فَهِيَ آخِرُ الثَّلَاثَةِ نُزُولًا أَوْ آخِرُ مَا نَزَلَ بعدما كَانَ يَنْزِلُ فِي الرِّجَالِ خَاصَّةً.
وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الِلَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ فَارَقَ الدُّنْيَا عَلَى الْإِخْلَاصِ لِلَّهِ وَحْدَهُ وَعِبَادَتِهِ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ فَارَقَهَا وَاللَّهُ عَنْهُ رَاضٍ ". قَالَ أَنَسٌ: وَتَصْدِيقُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الِلَّهِ فِي آخِرِ مَا نَزَلَ: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ} الآية.
قُلْتُ: يَعْنِي فِي آخِرِ سُورَةٍ نَزَلَتْ.
وَفِي الْبُرْهَانِ لِإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ إِنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً} الآية مِنْ آخِرِ مَا نَزَلَ.(1/105)
وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ الْحَصَّارِ بِأَنَّ السُّورَةَ مَكِّيَّةٌ بِاتِّفَاقٍ وَلَمْ يَرِدْ نَقْلٌ بتأخر هَذِهِ الْآيَةِ عَنْ نُزُولِ السُّورَةِ بَلْ هِيَ فِي مُحَاجَّةِ الْمُشْرِكِينَ وَمُخَاصَمَتِهِمْ وَهُمْ بِمَكَّةَ. انْتَهَى.
تَنْبِيهٌ
مِنَ الْمُشْكِلِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} فَإِنَّهَا نَزَلَتْ بِعَرَفَةَ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَظَاهِرُهَا إكمال جميع الْفَرَائِضِ وَالْأَحْكَامِ قَبْلَهَا وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمُ السُّدِّيُّ فَقَالَ لَمْ يَنْزِلْ بَعْدَهَا حَلَالٌ وَلَا حَرَامٌ مَعَ أَنَّهُ وَارِدٌ فِي آيَةِ الرِّبَا وَالدَّيْنِ وَالْكَلَالَةِ أَنَّهَا نَزَلَتْ بَعْدَ ذَلِكَ.
وَقَدِ اسْتَشْكَلَ ذَلِكَ ابْنُ جَرِيرٍ وَقَالَ: الْأَوْلَى أَنْ يَتَأَوَّلَ عَلَى أَنَّهُ أَكْمَلَ لَهُمْ دِينَهُمْ بإفرادهم بِالْبَلَدِ الْحَرَامِ وَإِجْلَاءِ الْمُشْرِكِينَ عَنْهُ حَتَّى حَجَّهُ الْمُسْلِمُونَ لَا يُخَالِطُهُمُ الْمُشْرِكُونَ. ثُمَّ أَيَّدَهُ بِمَا أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ الْمُشْرِكُونَ وَالْمُسْلِمُونَ يَحُجُّونَ جَمِيعًا، فَلَمَّا نَزَلَتْ بَرَاءَةٌ نُفِيَ الْمُشْرِكُونَ عَنِ الْبَيْتِ، وَحَجَّ الْمُسْلِمُونَ لَا يُشَارِكُهُمْ فِي الْبَيْتِ الْحَرَامِ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَكَانَ ذَلِكَ مِنْ تَمَامِ النِّعْمَةِ {وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} .(1/106)
النَّوْعُ التَّاسِعُ: مَعْرِفَةُ سَبَبِ النُّزُولِ
أَفْرَدَهُ بِالتَّصْنِيفِ جَمَاعَةٌ أَقْدَمُهُمْ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ شَيْخُ الْبُخَارِيِّ وَمِنْ أَشْهَرِهَا كِتَابُ الْوَاحِدِيِّ عَلَى مَا فِيهِ مِنْ إِعْوَازٍ وَقَدِ اخْتَصَرَهُ الْجَعْبَرِيُّ فَحَذَفَ أَسَانِيدَهُ وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ شَيْئًا وَأَلَّفَ فِيهِ شَيْخُ الإسلام أبو الفضل بن حَجَرٍ كِتَابًا مَاتَ عَنْهُ مُسْوَدَّةً فَلَمْ نَقِفْ عَلَيْهِ كَامِلًا وَقَدْ أَلَّفْتُ فِيهِ كِتَابًا حَافِلًا مُوجَزًا مُحَرَّرًا لَمْ يُؤَلَّفْ مَثَلُهُ فِي هَذَا النَّوْعِ سَمَّيْتُهُ: "لُبَابُ النُّقُولِ فِي أَسْبَابِ النُّزُولِ ".
قَالَ الْجَعْبَرِيُّ: نُزُولِ الْقُرْآنِ عَلَى قِسْمَيْنِ: قِسْمٌ نَزَلَ ابْتِدَاءً وَقِسْمٌ نَزَلَ عَقِبَ وَاقِعَةٍ أَوْ سُؤَالٍ وَفِي هَذَا النَّوْعِ مَسَائِلٌ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى:
زَعَمَ زَاعِمٌ أَنَّهُ لَا طَائِلَ تَحْتَ هَذَا الْفَنِّ لِجَرَيَانِهِ مَجْرَى التَّارِيخِ وَأَخْطَأَ فِي ذَلِكَ بَلْ لَهُ فَوَائِدُ مِنْهَا مَعْرِفَةُ وَجْهِ الْحِكْمَةِ الْبَاعِثَةِ عَلَى تَشْرِيعِ الْحُكْمِ.
وَمِنْهَا: تَخْصِيصُ الْحُكْمِ بِهِ عِنْدَ مَنْ يَرَى أَنَّ الْعِبْرَةَ بِخُصُوصِ السَّبَبِ.
وَمِنْهَا: أَنَّ اللَّفْظَ قَدْ يَكُونُ عَامًّا وَيَقُومُ الدَّلِيلُ عَلَى تخصصه فَإِذَا عُرِفَ السَّبَبُ قَصُرَ التَّخْصِيصُ عَلَى مَا عَدَا صُورَتَهُ فَإِنَّ دُخُولَ صُورَةِ السَّبَبِ قَطْعِيٌّ وَإِخْرَاجُهَا بِالَاجْتِهَادِ مَمْنُوعٌ كَمَا حَكَى الْإِجْمَاعَ عَلَيْهِ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ فِي التقريب ولا التفات إِلَى مَنْ شَذَّ فَجَوَّزَ ذَلِكَ.(1/107)
وَمِنْهَا: الْوُقُوفُ عَلَى الْمَعْنَى وَإِزَالَةُ الْإِشْكَالِ قَالَ الْوَّاحِدِيُّ: لَا يُمْكِنُ تَفْسِيرُ الْآيَةَ دُونَ الْوُقُوفِ عَلَى قِصَّتِهَا وَبَيَانِ نُزُولِهَا.
وَقَالَ ابْنُ دَقِيقٍ الْعِيدُ: بَيَانُ سَبَبِ النُّزُولِ طَرِيقٌ قَوِيٌّ فِي فَهْمِ مَعَانِي الْقُرْآنِ.
وَقَالَ ابْنُ تَيْمِيَةَ: مَعْرِفَةُ سَبَبِ النُّزُولِ يُعِينُ عَلَى فَهْمِ الْآيَةِ فَإِنَّ الْعِلْمَ بِالسَّبَبِ يُوَرِّثُ الْعِلْمَ بِالْمُسَبَّبِ.
وَقَدْ أَشْكَلَ عَلَى مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا} الآية، وَقَالَ: لَئِنْ كَانَ كُلُّ امْرِئٍ فَرِحٌ بِمَا أُوتِيَ وَأَحَبَّ أَنْ يُحْمَدَ بِمَا لَمْ يَفْعَلْ مُعَذَّبًا لَنُعَذَّبَنَّ أَجْمَعُونَ حَتَّى بَيَّنَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ حِينَ سَأَلَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ شَيْءٍ فَكَتَمُوهُ إِيَّاهُ وَأَخْبَرُوهُ بِغَيْرِهِ وَأَرَوْهُ أَنَّهُمْ أَخْبَرُوهُ بِمَا سَأَلَهُمْ عَنْهُ وَاسْتَحْمَدُوا بِذَلِكَ إِلَيْهِ. أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ.
وَحُكِيَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ وَعَمْرِو بْنِ مَعْدِي كَرِبَ أَنَّهُمَا كَانَا يَقُولَانِ: الْخَمْرُ مُبَاحَةٌ وَيَحْتَجَّانِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} الآية وَلَوْ عَلِمَا سَبَبَ نُزُولِهَا لَمْ يَقُولَا ذَلِكَ وَهُوَ أَنَّ نَاسًا قَالُوا لَمَّا حُرِّمَتِ الْخَمْرُ: كَيْفَ بِمَنْ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ الِلَّهِ وَمَاتُوا وَكَانُوا يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ وَهِيَ رِجْسٌ؟ فَنَزَلَتْ. أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمَا.
وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ} فَقَدْ أَشْكَلَ مَعْنَى هَذَا الشَّرْطِ عَلَى بَعْضِ(1/108)
الْأَئِمَّةِ حَتَّى قَالَ الظَّاهِرِيَّةُ بِأَنَّ الْآيِسَةَ لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا إِذَا لَمْ تُرَتِّبْ. وَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ سَبَبَ النُّزُولِ وَهُوَ أَنَّهُ لَمَّا نَزَلَتِ الْآيَةُ الَّتِي فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ فِي عِدَدِ النِّسَاءِ قَالُوا قَدْ بَقِيَ عَدَدٌ مِنْ عِدَدِ النِّسَاءِ لَمْ يُذْكَرْنَ الصِّغَارُ وَالْكِبَارُ فَنَزَلَتْ. أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ عَنْ أُبَيٍّ. فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ الْآيَةَ خِطَابٌ لِمَنْ لَمْ يَعْلَمْ مَا حُكْمُهُنَّ فِي الْعِدَّةِ وَارْتَابَ: هَلْ عَلَيْهِنَّ عِدَّةٌ أَوْ لَا؟ وَهَلْ عِدَّتُهُنَّ كَاللَّاتِي فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ أَوْ لَا؟ فَمَعْنَى {إِنِ ارْتَبْتُمْ} إِنْ أَشْكَلَ عَلَيْكُمْ حُكْمُهُنَّ وَجَهِلْتُمْ كَيْفَ يعتدون فَهَذَا حُكْمُهُنَّ.
وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} فَإِنَّا لَوْ تُرِكْنَا وَمَدْلُولَ اللَّفْظِ لَاقْتَضَى أَنَّ الْمُصَلِّيَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ سَفَرًا وَلَا حَضَرًا وَهُوَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ فَلَمَّا عُرِفَ سبب نزولها علم أَنَّهَا فِي نَافِلَةِ السَّفَرِ أَوْ فِيمَنْ صَلَّى بِالَاجْتِهَادِ وَبَانَ لَهُ الْخَطَأُ عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَاتِ فِي ذَلِكَ.
وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} الآية فَإِنَّ ظَاهِرَ لَفْظِهَا لَا يَقْتَضِي أَنَّ السَّعْيَ فَرْضٌ وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى عَدَمِ فَرْضِيَّتِهِ تَمَسُّكًا بِذَلِكَ وَقَدْ رَدَّتْ عَائِشَةُ عَلَى عُرْوَةَ فِي فَهْمِهِ ذَلِكَ بِسَبَبِ نُزُولِهَا وَهُوَ أَنَّ الصَّحَابَةَ تَأَثَّمُوا مِنَ السَّعْيِ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُ مِنْ عَمَلِ الْجَاهِلِيَّةِ. فَنَزَلَتْ.
وَمِنْهَا: دَفْعُ تَوَهُّمِ الْحَصْرِ قَالَ الشَّافِعِيُّ مَا مَعْنَاهُ فِي قَوْلِهُ تَعَالَى: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً} الآية: أَنَّ الْكُفَّارَ لَمَّا حَرَّمُوا مَا أَحَلَّ(1/109)
اللَّهُ وَأَحَلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَكَانُوا عَلَى المضادة والمحاداة فَجَاءَتِ الْآيَةُ مُنَاقِضَةً لِغَرَضِهِمْ فَكَأَنَّهُ قَالَ: لَا حَلَالَ إِلَا مَا حَرَّمْتُمُوهُ وَلَا حَرَامَ إِلَا مَا أحللتموه نازلا نزلة مِنْ يَقُولُ: لَا تَأْكُلِ الْيَوْمَ حَلَاوَةً فَتَقُولُ: لَا آكُلُ الْيَوْمَ إِلَا الْحَلَاوَةَ وَالْغَرَضُ الْمُضَادَّةُ لَا النَّفْيُ وَالْإِثْبَاتُ عَلَى الْحَقِيقَةِ فَكَأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: لَا حَرَامَ إِلَا مَا أَحْلَلْتُمُوهُ مِنَ الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ ولحم الخنزير وما أهل لغير الِلَّهِ بِهِ وَلَمْ يَقْصِدْ حِلَّ مَا وَرَاءَهُ إِذِ الْقَصْدُ إِثْبَاتُ التَّحْرِيمِ لَا إِثْبَاتُ الْحِلِّ.
قَالَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ: وَهَذَا فِي غَايَةِ الْحُسْنِ وَلَوْلَا سَبْقُ الشَّافِعِيِّ إِلَى ذَلِكَ لَمَا كُنَّا نَسْتَجِيزُ مُخَالَفَةَ مَالِكٍ فِي حَصْرِ الْمُحَرَّمَاتِ فِيمَا ذَكَرَتْهُ الْآيَةُ.
وَمِنْهَا: مَعْرِفَةُ اسْمِ النَّازِلِ فِيهِ الْآيَةُ وَتَعْيِينُ الْمُبْهَمُ فِيهَا وَلَقَدْ قَالَ مَرْوَانُ فِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ: إِنَّهُ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ: {وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا} حَتَّى رَدَّتْ عَلَيْهِ عَائِشَةُ وَبَيَّنَتْ لَهُ سَبَبَ نُزُولِهَا.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ:
اخْتَلَفَ أَهْلُ الْأُصُولِ: هَلْ الْعِبْرَةُ بِعُمُومِ اللَّفْظِ أَوْ بِخُصُوصِ السَّبَبِ؟
وَالْأَصَحُّ عِنْدَنَا الْأَوَّلُ وَقَدْ نَزَلَتْ آيَاتٌ فِي أَسْبَابٍ وَاتَّفَقُوا عَلَى تَعْدِيَتِهَا إِلَى غَيْرِ أَسْبَابِهَا كَنُزُولِ آيَةِ الظِّهَارِ فِي سَلَمَةَ بْنِ صَخْرٍ وَآيَةِ اللِّعَانِ فِي شَأْنِ هِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ وَحَدِّ الْقَذْفِ فِي رُمَاةِ عَائِشَةَ ثُمَّ تَعَدَّى إِلَى غَيْرِهِمْ. وَمَنْ لَمْ يَعْتَبِرْ عُمُومَ اللَّفْظِ قَالَ: خَرَجَتْ هَذِهِ الْآيَاتُ وَنَحْوُهَا لِدَلِيلٍ آخَرَ كَمَا قُصِرَتْ آيَاتٌ عَلَى أَسْبَابِهَا اتِّفَاقًا لِدَلِيلٍ قَامَ عَلَى ذَلِكَ. قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي سُورَةِ الْهُمَزَةِ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ السَّبَبُ خَاصًّا وَالْوَعِيدُ عَامًّا لِيَتَنَاوَلَ كُلَّ مَنْ بَاشَرَ ذَلِكَ الْقَبِيحَ وَلِيَكُونَ ذَلِكَ جَارِيًا مَجْرَى التَّعْرِيضِ.(1/110)
قُلْتُ: وَمِنَ الْأَدِلَّةِ عَلَى اعْتِبَارِ عُمُومِ اللَّفْظِ احْتِجَاجُ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ فِي وَقَائِعَ بِعُمُومِ آيَاتٍ نَزَلَتْ عَلَى أَسْبَابٍ خَاصَّةٍ شَائِعًا ذَائِعًا بَيْنَهُمْ قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي مَعْشَرٍ أَخْبَرْنَا أَبِي أَبُو مَعْشَرٍ نَجِيحٌ سَمِعْتُ سَعِيدَ الْمَقْبُرِيَّ يُذَاكِرُ مُحَمَّدَ بْنَ كَعَّبٍ الْقُرَظِيَّ فَقَالَ سَعِيدٌ: إِنَّ فِي بَعْضِ كُتُبِ الِلَّهِ: إِنَّ لِلَّهِ عِبَادًا أَلْسِنَتُهُمْ أَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ وَقُلُوبُهُمْ أَمَرُّ مِنَ الصَّبْرِ لَبِسُوا لِبَاسَ مَسُوكِ الضَّأْنِ مِنَ اللِّينِ يَجْتَرُّونَ الدُّنْيَا بِالدِّينِ. فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ هَذَا فِي كِتَابِ الِلَّهِ: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} الآية، فَقَالَ سَعِيدٌ قَدْ عَرَفْتُ فِيمَنْ أُنْزِلَتْ؟ فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ: إِنَّ الْآيَةَ تَنْزِلُ فِي الرَّجُلِ ثُمَّ تَكُونُ عَامَّةً بَعْدُ.
فَإِنْ قُلْتَ: فَهَذَا ابْنُ عَبَّاسٍ لَمْ يَعْتَبِرْ عُمُومَ: {لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ} الآية، بَلْ قَصَرَهَا عَلَى مَا أُنْزِلَتْ فيه مِنْ قِصَّةِ أَهْلِ الْكِتَابِ.
قُلْتُ: أُجِيبُ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّهُ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ أَنَّ اللَّفْظَ أَعَمُّ مِنَ السَّبَبِ لَكِنَّهُ بَيَّنَ أَنَّ الْمُرَادَ بِاللَّفْظِ خَاصٌّ وَنَظِيرُهُ تَفْسِيرُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم الظلم فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} بِالشِّرْكِ مِنْ قَوْلِهِ: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} مَعَ فَهْمِ الصَّحَابَةِ الْعُمُومَ فِي كُلِّ ظُلْمٍ. وَقَدْ وَرَدَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَا يَدُلُّ عَلَى اعْتِبَارِ الْعُمُومِ فَإِنَّهُ قَالَ بِهِ فِي آيَةِ السَّرِقَةِ مَعَ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي امْرَأَةٍ سَرَقَتْ قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي حَمَّادٍ حَدَّثَنَا أَبُو ثَمِيلَةَ بْنُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ عَنْ نَجْدَةَ الْحَنَفِيِّ(1/111)
قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ قَوْلِهِ: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} أخاص أم عَامٌّ؟ قَالَ: بَلْ عَامٌّ.
وَقَالَ ابْنُ تَيْمِيَةَ: قَدْ يَجِيءُ كَثِيرًا مِنْ هَذَا الْبَابِ قَوْلُهُمْ: هَذِهِ الْآيَةُ نَزَلَتْ فِي كَذَا لَا سِيَّمَا إِنْ كَانَ الْمَذْكُورُ شَخْصًا كَقَوْلِهِمْ: إِنَّ آيَةَ الظِّهَارِ نَزَلَتْ فِي امْرَأَةِ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ وَإِنَّ آيَةَ الْكَلَالَةِ نَزَلَتْ فِي جَابِرِ بْنِ عَبْدِ الِلَّهِ وَإِنَّ قَوْلَهُ: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ} نَزَلَتْ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ وَالنُّضَيْرِ وَنَظَائِرُ ذَلِكَ مِمَّا يَذْكُرُونَ أَنَّهُ نَزَلَ فِي قَوْمٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ بِمَكَّةَ أَوْ فِي قَوْمٍ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى أَوْ فِي قَوْمٍ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ. فَالَّذِينَ قَالُوا ذَلِكَ لَمْ يَقْصِدُوا أَنَّ حُكْمَ الْآيَةِ يَخْتَصُّ بِأُولَئِكَ الْأَعْيَانِ دُونَ غَيْرِهِمْ فَإِنَّ هَذَا لَا يَقُولُهُ مُسْلِمٌ وَلَا عَاقِلٌ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَالنَّاسُ وَإِنْ تَنَازَعُوا فِي اللَّفْظِ الْعَامِّ الْوَارِدِ عَلَى سَبَبٍ: هَلْ يَخْتَصُّ بِسَبَبِهِ؟ فَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إِنَّ عُمُومَاتِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ تَخْتَصُّ بِالشَّخْصِ الْمُعَيَّنِ وَإِنَّمَا غَايَةُ مَا يُقَالُ إِنَّهَا تَخْتَصُّ بِنَوْعِ ذَلِكَ الشَّخْصِ فتعم مَا يُشْبِهُهُ وَلَا يَكُونُ الْعُمُومُ فِيهَا بِحَسْبِ اللَّفْظِ وَالْآيَةُ الَّتِي لَهَا سَبَبٌ مُعَيَّنٌ إِنْ كَانَتْ أمرا ونهيا فَهِيَ مُتَنَاوِلَةٌ لِذَلِكَ الشَّخْصِ وَلِغَيْرِهِ مِمَّنْ كَانَ بِمَنْزِلَتِهِ وَإِنْ كَانَتْ خَبَرًا بِمَدْحٍ أَوْ ذَمٍّ فَهِيَ متناولة لذلك الشخص كَانَ بِمَنْزِلَتِهِ. انْتَهَى.
تَنْبِيهٌ
قَدْ عَلِمْتَ مِمَّا ذُكِرَ أَنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ فِي لَفْظٍ لَهُ عُمُومٌ أَمَّا آيَةٌ نَزَلَتْ فِي مُعَيَّنٍ وَلَا عُمُومَ لِلَفْظِهَا فَإِنَّهَا تَقْصُرُ عَلَيْهِ قَطْعًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى} فَإِنَّهَا نَزَلَتْ فِي أَبِي بَكْرٍ الصَّدِّيقِ(1/112)
بِالْإِجْمَاعِ وَقَدِ اسْتَدَلَّ بِهَا الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ الرَّازِّيُّ مَعَ قَوْلِهِ: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} عَلَى أَنَّهُ أَفْضَلُ النَّاسِ بَعْدَ رَسُولِ الِلَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَوَهِمَ مَنْ ظَنَّ أَنَّ الْآيَةَ عَامَّةٌ فِي كُلِّ مَنْ عَمِلَ عَمَلَهُ إِجْرَاءً لَهُ عَلَى الْقَاعِدَةِ وَهَذَا غَلَطٌ فَإِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ لَيْسَ فِيهَا صِيغَةُ عُمُومٍ إِذِ الْأَلِفُ وَاللَّامُ إِنَّمَا تُفِيدُ الْعُمُومَ إِذَا كَانَتْ مَوْصُولَةً أَوْ مُعَرَّفَةً فِي جَمْعٍ زَادَ قَوْمٌ: أو مفرد بشرط ألا يَكُونَ هُنَاكَ عَهْدٌ وَاللَّامُ فِي " الْأَتْقَى " لَيْسَتْ مَوْصُولَةً لِأَنَّهَا لَا تُوصَلُ بِأَفْعَلِ التَّفْضِيلِ إِجْمَاعًا " وَالْأَتْقَى " لَيْسَ جَمْعًا بَلْ هُوَ مُفْرَدٌ وَالْعَهْدُ مَوْجُودٌ خُصُوصًا مَعَ مَا يُفِيدُهُ صِيغَةُ " أَفْعَلَ " مِنَ التَّمْيِيزِ وَقَطْعِ الْمُشَارَكَةِ فَبَطَلَ الْقَوْلُ بِالْعُمُومِ وَتَعَيَّنَ الْقَطْعُ بِالْخُصُوصِ وَالْقَصْرِ عَلَى مَنْ نَزَلَتْ فِيهِ رَضِيَ الِلَّهِ عنه.
المسألة الثالثة:
تَقَدَّمَ أَنَّ صُورَةَ السَّبَبِ قَطْعِيَّةُ الدُّخُولِ فِي الْعَامِّ وَقَدْ تَنْزِلُ الْآيَاتُ عَلَى الْأَسْبَابِ الْخَاصَّةِ وَتُوضَعُ مَعَ مَا يُنَاسِبُهَا مِنَ الْآيِ الْعَامَّةِ رِعَايَةً لِنَظْمِ الْقُرْآنِ وَحُسْنِ السِّيَاقِ فَيَكُونُ ذَلِكَ الْخَاصُّ قَرِيبًا مِنْ صُورَةِ السَّبَبِ فِي كَوْنِهِ قَطْعِيَّ الدُّخُولِ فِي الْعَامِّ كَمَا اخْتَارَ السُّبْكِيُّ أَنَّهُ رُتْبَةٌ مُتَوَسِّطَةٌ دُونَ السَّبَبِ وَفَوْقَ الْمُجَرَّدِ مِثَالُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ} إِلَى آخِرِهِ فَإِنَّهَا إِشَارَةٌ إِلَى كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ وَنَحْوِهِ مِنْ عُلَمَاءِ الْيَهُودِ لَمَّا قَدِمُوا مَكَّةَ وَشَاهَدُوا قَتْلَى بَدْرٍ حَرَّضُوا الْمُشْرِكِينَ عَلَى الْأَخْذِ بِثَأْرِهِمْ وَمُحَارَبَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلُوهُمْ:(1/113)
مَنْ أَهْدَى سَبِيلًا؟ مُحَمَّدٌ وَأَصْحَابُهُ أَمْ نَحْنُ؟ فَقَالُوا: أَنْتُمْ مَعَ عِلْمِهِمْ بِمَا فِي كِتَابِهِمْ مِنْ نَعْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُنْطَبِقِ عَلَيْهِ وَأَخْذِ الْمَوَاثِيقِ عليهم ألا يَكْتُمُوهُ فَكَانَ ذَلِكَ أَمَانَةً لَازِمَةً لَهُمْ وَلَمْ يُؤَدُّوهَا حَيْثُ قَالُوا لِلْكُفَّارِ أَنْتُمْ أَهْدَى سَبِيلًا حَسَدًا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدْ تَضَمَّنَتْ هَذِهِ الْآيَةُ مَعَ هَذَا الْقَوْلِ التَّوَعُّدَ عَلَيْهِ الْمُفِيدَ لِلْأَمْرِ بِمُقَابِلِهِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى أَدَاءِ الْأَمَانَةِ الَّتِي هِيَ بَيَانُ صِفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِفَادَةِ أَنَّهُ الْمَوْصُوفُ فِي كِتَابِهِمْ وَذَلِكَ مُنَاسِبٌ لِقَوْلِهِ: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} فَهَذَا عَامٌّ فِي كُلِّ أَمَانَةٍ وَذَلِكَ خَاصٌّ بِأَمَانَةٍ هِيَ صِفَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم بِالطَّرِيقِ السَّابِقِ وَالْعَامُّ تَالٍ لِلْخَاصِّ فِي الرَّسْمِ مُتَرَاخٍ عَنْهُ فِي النُّزُولِ وَالْمُنَاسَبَةُ تَقْتَضِي دُخُولَ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْخَاصُّ فِي الْعَامِّ وَلِذَا قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي تَفْسِيرِهِ: وَجْهُ النَّظْمِ أَنَّهُ أَخْبَرَ عَنْ كِتْمَانِ أَهْلِ الْكِتَابِ صِفَةَ محمد وَقَوْلُهُمْ: إِنَّ الْمُشْرِكِينَ أَهْدَى سَبِيلًا فَكَانَ ذَلِكَ خِيَانَةً مِنْهُمْ فَانْجَرَّ الْكَلَامُ إِلَى ذِكْرِ جَمِيعِ الْأَمَانَاتِ. انْتَهَى.
قَالَ بَعْضُهُمْ: وَلَا يَرِدُ تَأَخُّرُ نُزُولِ آيَةِ الْأَمَانَاتِ عَنِ الَّتِي قَبْلَهَا بِنَحْوِ سِتِّ سِنِينَ لِأَنَّ الزَّمَانَ إِنَّمَا يُشْتَرَطُ فِي سَبَبِ النُّزُولِ لَا فِي الْمُنَاسَبَةِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا وَضْعُ آيَةٍ فِي مَوْضِعٍ يُنَاسِبُهَا وَالْآيَاتُ كَانَتْ تُنَزَّلُ عَلَى أَسْبَابِهَا وَيَأْمُرُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِوَضْعِهَا فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي عَلِمَ مِنَ الِلَّهِ أَنَّهَا مَوَاضِعُهَا.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ:
قَالَ الْوَاحِدِيُّ: لَا يَحِلُّ الْقَوْلُ فِي أَسْبَابِ نُزُولِ الْكِتَابِ إِلَّا بِالرِّوَايَةِ وَالسَّمَاعِ مِمَّنْ شَاهَدُوا التَّنْزِيلَ وَوَقَفُوا عَلَى الْأَسْبَابِ وَبَحَثُوا عَنْ عِلْمِهَا(1/114)
وقد قال محمد بن سِيرِينَ: سَأَلْتُ عُبَيْدَةَ عَنْ آيَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ فَقَالَ: اتَّقِ الِلَّهَ وَقُلْ سَدَادًا ذَهَبَ الَّذِينَ يَعْلَمُونَ فيم أَنْزَلَ اللَّهُ الْقُرْآنَ!
وَقَالَ غَيْرُهُ: مَعْرِفَةُ سَبَبِ النُّزُولِ أَمْرٌ يَحْصُلُ لِلصَّحَابَةِ بِقَرَائِنَ تَحْتَفُّ بِالْقَضَايَا وَرُبَّمَا لَمْ يَجْزِمْ بَعْضُهُمْ فَقَالَ أَحْسَبُ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي كَذَا كَمَا أَخْرَجَ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ عَنْ عَبْدِ الِلَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: خَاصَمَ الزُّبَيْرُ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ فِي شِرَاجِ الْحُرَّةِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اسْقِ يَا زُبَيْرُ ثُمَّ أَرْسِلِ الْمَاءَ إِلَى جَارِكَ فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ: يَا رَسُولَ الِلَّهِ إِنْ كَانَ ابْنُ عَمَّتِكَ! فَتَلَوَّنَ وَجْهُهُ ... " الْحَدِيثَ. قَالَ الزُّبَيْرُ: فَمَا أَحْسَبُ هَذِهِ الْآيَاتِ إِلَا نَزَلَتْ فِي ذَلِكَ: {فَلا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} .
قَالَ الْحَاكِمُ فِي عُلُومِ الْحَدِيثِ: إِذَا أَخْبَرَ الصَّحَابِيُّ الَّذِي شَهِدَ الْوَحْيَ وَالتَّنْزِيلَ عَنْ آيَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي كَذَا فَإِنَّهُ حَدِيثٌ مُسْنَدٌ وَمَشَى عَلَى هَذَا ابْنُ الصَّلَاحِ وَغَيْرُهُ وَمَثَّلُوهُ بِمَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: كَانَتِ الْيَهُودُ تَقُولُ: مَنْ أَتَى امْرَأَتَهُ مِنْ دُبُرِهَا فِي قُبُلِهَا جَاءَ الْوَلَدُ أَحْوَلَ فَأَنْزَلَ الله: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ} .
وَقَالَ ابْنُ تَيْمِيَةَ: قَوْلُهُمْ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي كَذَا يُرَادُ بِهِ تَارَةً سَبَبُ النُّزُولِ وَيُرَادُ به تارة أَنَّ ذَلِكَ دَاخِلٌ فِي الْآيَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنِ السَّبَبَ كَمَا(1/115)
تَقُولُ عُنِيَ بِهَذِهِ الْآيَةِ كَذَا. وَقَدْ تَنَازَعَ الْعُلَمَاءُ فِي قَوْلِ الصَّحَابِيِّ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي كَذَا هَلْ يَجْرِي مَجْرَى الْمُسْنَدِ كَمَا لَوْ ذُكِرَ السَّبَبُ الَّذِي أُنْزِلَتْ لِأَجْلِهِ أَوْ يَجْرِي مَجْرَى التَّفْسِيرِ مِنْهُ الَّذِي لَيْسَ بِمُسْنَدٍ فَالْبُخَارِيُّ يُدْخِلُهُ فِي الْمُسْنَدِ وَغَيْرُهُ لَا يُدْخِلُهُ فِيهِ وَأَكْثَرُ الْمَسَانِيدِ عَلَى هَذَا الَاصْطِلَاحِ كَمُسْنَدِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ بِخِلَافِ مَا إِذَا ذُكِرَ سَبَبًا نَزَلَتْ عَقِبَهُ فَإِنَّهُمْ كُلُّهُمْ يُدْخِلُونَ مِثْلَ هَذَا فِي الْمُسْنَدِ. انْتَهَى.
وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِي الْبُرْهَانِ: قَدْ عُرِفَ مِنْ عَادَةِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ أَنَّ أَحَدَهُمْ إِذَا قَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي كَذَا فَإِنَّهُ يُرِيدُ بِذَلِكَ أَنَّهَا تَتَضَمَّنُ هَذَا الْحُكْمَ لَا أَنَّ هَذَا كَانَ السَّبَبَ فِي نُزُولِهَا فَهُوَ مَنْ جِنْسِ الَاسْتِدْلَالِ عَلَى الْحُكْمِ بِالْآيَةِ لَا مَنْ جِنْسِ النَّقْلِ لِمَا وَقَعَ.
قُلْتُ: وَالَّذِي يَتَحَرَّرُ فِي سَبَبِ النُّزُولِ أَنَّهُ مَا نَزَلَتِ الْآيَةُ أَيَّامَ وُقُوعِهِ لِيُخْرِجَ مَا ذَكَرَهُ الْوَاحِدِيُّ فِي سُورَةِ الْفِيلِ مِنْ أَنَّ سَبَبَهَا قِصَّةُ قُدُومِ الْحَبَشَةِ بِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ أَسْبَابِ النُّزُولِ فِي شَيْءٍ بَلْ هُوَ مِنْ بَابِ الْإِخْبَارِ عَنِ الْوَقَائِعِ الْمَاضِيَةِ كَذِكْرِ قِصَّةِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَبِنَاءِ الْبَيْتِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَكَذَلِكَ ذَكَرَهُ فِي قَوْلِهِ: {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً} سَبَبُ اتِّخَاذِهِ خَلِيلًا لَيْسَ ذَلِكَ مِنْ أَسْبَابِ نُزُولِ الْقُرْآنِ كَمَا لَا يَخْفَى.(1/116)
تَنْبِيهٌ
مَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْمُسْنَدِ مِنَ الصَّحَابِيِّ إِذَا وَقَعَ مِنْ تَابِعِيٍّ فَهُوَ مَرْفُوعٌ أَيْضًا لَكِنَّهُ مُرْسَلٌ فَقَدْ يُقْبَلُ إِذَا صَحَّ السَّنَدُ إِلَيْهِ وَكَانَ مِنْ أَئِمَّةِ التَّفْسِيرِ الْآخِذِينَ عَنِ الصَّحَابَةِ كَمُجَاهِدٍ وَعِكْرِمَةَ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَوِ اعْتَضَدَ بِمُرْسَلٍ آخَرَ وَنَحْوِ ذَلِكَ.
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ:
كَثِيرًا مَا يَذْكُرُ الْمُفَسِّرُونَ لِنُزُولِ الْآيَةِ أَسْبَابًا مُتَعَدِّدَةً وَطَرِيقُ الَاعْتِمَادِ فِي ذَلِكَ أَنْ يُنْظَرَ إِلَى الْعِبَارَةِ الْوَاقِعَةِ فَإِنْ عَبَّرَ أَحَدُهُمْ بِقَوْلِهِ: نَزَلَتْ فِي كَذَا وَالْآخَرُ: نَزَلَتْ فِي كَذَا. وَذَكَرَ أَمْرًا آخَرَ فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ هَذَا يُرَادُ بِهِ التَّفْسِيرُ لَا ذِكْرُ سَبَبِ النزول فلا منافاة بين قولهما إِذَا كَانَ اللَّفْظُ يَتَنَاوَلُهُمَا كَمَا سَيَأْتِي تَحْقِيقُهُ فِي النَّوْعِ الثَّامِنِ وَالسَّبْعِينَ وَإِنْ عَبَّرَ وَاحِدٌ بِقَوْلِهِ نَزَلَتْ فِي كَذَا وَصَرَّحَ الْآخَرُ بِذِكْرِ سَبَبِ خِلَافِهِ فَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وذاك استنباط مِثَالُهُ مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: أُنْزِلَتْ {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ} فِي إِتْيَانِ النِّسَاءِ فِي أَدْبَارِهِنَّ. وَتَقَدَّمَ عَنْ جَابِرٍ التَّصْرِيحُ بِذِكْرِ سَبَبِ خِلَافِهِ فَالْمُعْتَمَدُ حَدِيثُ جَابِرٍ لِأَنَّهُ نَقْلٌ وَقَوْلُ ابْنِ عُمَرَ اسْتِنْبَاطٌ مِنْهُ وَقَدْ وَهَمَهُ فِيهِ ابْنُ عَبَّاسٍ وَذَكَرَ مِثْلَ حَدِيثِ جَابِرٍ كَمَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْحَاكِمُ.
وَإِنَّ ذِكْرَ وَاحِدٍ سَبَبًا وَآخَرَ سَبَبًا غَيْرَهُ فَإِنْ كَانَ إِسْنَادُ أَحَدِهِمَا صَحِيحًا دُونَ الْآخَرِ فَالصَّحِيحُ الْمُعْتَمَدُ مِثَالُهُ مَا أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا عَنْ جُنْدُبٍ:(1/117)
اشْتَكَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَقُمْ لَيْلَةً أَوْ لَيْلَتَيْنِ فَأَتَتْهُ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ يَا مُحَمَّدُ مَا أَرَى شَيْطَانَكَ إِلَا قَدْ تَرَكَكَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {وَالضُّحَى وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى ما مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} .
وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ حَفْصِ بْنِ مَيْسَرَةَ عَنْ أُمِّهِ عَنْ أُمِّهَا - وَكَانَتْ خَادِمَ رَسُولِ الِلَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ جَرْوًا دَخَلَ بَيْتَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَخَلَ تَحْتَ السَّرِيرِ فَمَاتَ فَمَكَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ لَا يَنْزِلُ عَلَيْهِ الْوَحْيُ فَقَالَ يَا خَوْلَةُ مَا حَدَثَ فِي بَيْتِ رَسُولِ الِلَّهِ؟ جِبْرِيلُ لَا يَأْتِينِي فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: لَوْ هَيَّأْتُ الْبَيْتَ وَكَنَسْتُهُ! فَأَهْوَيْتُ بِالْمِكْنَسَةِ تَحْتَ السَّرِيرِ فَأَخْرَجْتُ الْجَرْوَ فَجَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرْعَدُ لِحْيَتُهُ - وَكَانَ إِذَا نَزَلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ أَخَذَتْهُ الرِّعْدَةُ - فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {وَالضُّحَى} إِلَى قَوْلِهِ: {فَتَرْضَى} .و
قَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ: قِصَّةُ إِبْطَاءِ جِبْرِيلَ بِسَبَبِ الْجَرْوِ مَشْهُورَةٌ لَكِنَّ كَوْنَهَا سَبَبَ نُزُولِ الْآيَةِ غَرِيبٌ وَفِي إِسْنَادِهِ مَنْ لَا يُعْرَفُ فَالْمُعْتَمَدُ مَا فِي الصَّحِيحِ.
وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ أَيْضًا مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عباس أن رسول الله صلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ أَمَرَهُ اللَّهُ أَنْ يَسْتَقْبِلَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ فَفَرِحَتِ الْيَهُودُ فَاسْتَقْبَلَهُ بِضْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا - وَكَانَ يُحِبُّ قِبْلَةَ إِبْرَاهِيمَ - فَكَانَ يَدْعُو الِلَّهَ وَيَنْظُرُ إِلَى السَّمَاءِ فَأَنْزَلَ الله: {فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} فَارْتَابَ مِنْ ذَلِكَ الْيَهُودُ وَقَالُوا:(1/118)
مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ} وَقَالَ: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ وَغَيْرُهُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ نَزَلَتْ: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} أَنْ تُصَلِّيَ حَيْثُمَا تَوَجَّهَتْ بِكَ رَاحِلَتُكَ فِي التَّطَوُّعِ.
وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ - وَضَعَّفَهُ - مِنْ حَدِيثِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ قَالَ: كُنَّا فِي سَفَرٍ فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ فَلَمْ نَدْرِ أَيْنَ الْقِبْلَةُ فَصَلَّى كُلُّ رَجُلٍ مِنَّا عَلَى حِيَالِهِ فَلَمَّا أَصْبَحْنَا ذَكَرْنَا ذَلِكَ لرسول الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ فَنَزَلَتْ.
وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ نَحْوَهُ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ أَيْضًا.
وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} قَالُوا: إِلَى أَيْنَ؟ فَنَزَلَتْ. مُرْسَلٌ.
وَأَخْرَجَ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ أَخًا لَكُمْ قَدْ مَاتَ فَصَلُّوا عَلَيْهِ فَقَالُوا: إِنَّهُ كَانَ لَا يُصَلِّي إِلَى الْقِبْلَةِ فَنَزَلَتْ. مُعْضَلٌ غَرِيبٌ جِدًّا.
فَهَذِهِ خَمْسَةُ أَسْبَابٍ مُخْتَلِفَةٍ وَأَضْعَفُهَا الْأَخِيرُ لِإِعْضَالِهِ ثُمَّ مَا قَبْلَهُ لِإِرْسَالِهِ ثُمَّ مَا قَبْلَهُ لِضَعْفِ رُوَاتِهِ وَالثَّانِي صَحِيحٌ لَكِنَّهُ قَالَ: قَدْ أُنْزِلَتْ فِي كَذَا وَلَمْ يُصَرِّحْ بِالسَّبَبِ وَالْأَوَّلُ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَصَرَّحَ فِيهِ بِذِكْرِ السَّبَبِ فَهُوَ الْمُعْتَمَدُ.
وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ أَيْضًا مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ إِسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي مُحَمَّدٍ عَنْ عِكْرِمَةَ - أَوْ سَعِيدٍ - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: خَرَجَ أُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ وَأَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ وَرِجَالٌ مِنْ قُرَيْشٍ فَأَتَوْا رَسُولَ الِلَّهِ صَلَّى اللَّهُ(1/119)
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ تَعَالَ فَتَمَسَّحْ بِآلِهَتِنَا وَنَدْخُلُ مَعَكَ فِي دِينِكَ - وَكَانَ يُحِبُّ إِسْلَامَ قَوْمِهِ - فَرَقَّ لَهُمْ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} الْآيَاتِ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيقِ الْعَوْفِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ ثَقِيفًا قَالُوا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَجِّلْنَا سَنَةً حَتَّى يُهْدَى لِآلِهَتِنَا فَإِذَا قَبَضْنَا الَّذِي يُهْدَى لَهَا أَحْرَزْنَاهُ ثُمَّ أَسْلَمْنَا. فَهَمَّ أَنْ يُؤَجِّلَهُمْ فَنَزَلَتْ. هَذَا يَقْتَضِي نُزُولَهَا بِالْمَدِينَةِ وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ وَالْأَوَّلُ يَقْتَضِي نُزُولَهَا بِمَكَّةَ وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ وَلَهُ شَاهِدٌ عِنْدَ أَبِي الشَّيْخِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ يَرْتَقِي إِلَى دَرَجَةِ الصَّحِيحِ فَهُوَ الْمُعْتَمَدُ.
الْحَالُ الرَّابِعُ: أَنْ يَسْتَوِيَ الْإِسْنَادَانِ فِي الصِّحَّةِ فَيُرَجَّحُ أَحَدُهُمَا بِكَوْنِ رَاوِيهِ حَاضِرَ الْقِصَّةِ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِنْ وُجُوهِ التَّرْجِيحَاتِ مِثَالُهُ مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: كُنْتُ أَمْشِي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ وَهُوَ يَتَوَكَّأُ عَلَى عَسِيبٍ فَمَرَّ بِنَفَرٍ مِنَ الْيَهُودِ فَقَالَ: بَعْضُهُمْ لَوْ سَأَلْتُمُوهُ! فَقَالُوا: حَدِّثْنَا عَنِ الرُّوحِ فَقَامَ سَاعَةً وَرَفَعَ رَأْسَهُ فَعَرَفْتُ أَنَّهُ يُوحَى إِلَيْهِ حَتَّى صَعِدَ الْوَحْيُ ثُمَّ قَالَ: {قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً} .
وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ- وَصَحَّحَهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ – قَالَ: قَالَتْ قُرَيْشٌ لِلْيَهُودِ: أَعْطُونَا شَيْئًا نَسْأَلُ هَذَا الرَّجُلَ فَقَالُوا: اسْأَلُوهُ عَنِ الرُّوحِ فَسَأَلُوهُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الرُّوحِ} الْآيَةَ فَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهَا نَزَلَتْ بِمَكَّةَ وَالْأَوَّلُ خِلَافُهُ وَقَدْ رَجَّحَ بِأَنَّ مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ أَصَحُّ مِنْ غَيْرِهِ وَبِأَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ كَانَ حَاضِرَ الْقِصَّةِ.(1/120)
الْحَالُ الْخَامِسُ: أَنْ يُمْكِنَ نُزُولُهَا عُقَيْبَ السَّبَبَيْنِ والأسباب الْمَذْكُورَةِ بِأَلَّا تَكُونَ مَعْلُومَةَ التَّبَاعُدِ كَمَا فِي الْآيَاتِ السَّابِقَةِ فَيُحْمَلُ عَلَى ذَلِكَ وَمِثَالُهُ مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عباس أن هلال بن أُمَيَّةَ قَذَفَ امْرَأَتَهُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَرِيكِ بن سحماء فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْبَيِّنَةُ أَوْ حَدٌّ فِي ظَهْرِكَ " فَقَالَ يَا رَسُولَ الِلَّهِ إِذَا رَأَى أَحَدُنَا مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا يَنْطَلِقُ يَلْتَمِسُ الْبَيِّنَةَ! فَأُنْزِلَ عَلَيْهِ: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} حَتَّى بَلَغَ: {إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ} .
وَأَخْرَجَ الشَّيْخَانِ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: جَاءَ عُوَيْمِرٌ إِلَى عَاصِمِ بْنِ عَدِيٍّ فَقَالَ: اسْأَلْ رَسُولَ الِلَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَرَأَيْتَ رَجُلًا وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا فَقَتَلَهُ أَيُقْتَلُ بِهِ أَمْ كَيْفَ يَصْنَعُ؟ فَسَأَلَ عَاصِمٌ رَسُولَ الِلَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَابَ السَّائِلَ فَأَخْبَرَ عَاصِمٌ عُوَيْمِرًا فَقَالَ: وَالِلَّهِ لَآتِيَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم فلأ سألنه فَأَتَاهُ فَقَالَ: أَنَّهُ قَدْ أُنْزِلَ فِيكَ وَفِي صاحبتك قرآنا ... " الْحَدِيثَ. جَمَعَ بَيْنِهِمَا بِأَنَّ أَوَّلَ ما وَقَعَ لَهُ ذَلِكَ هِلَالٌ وَصَادَفَ مَجِيءُ عُوَيْمِرٍ أَيْضًا فَنَزَلَتْ فِي شَأْنِهِمَا مَعًا. وَإِلَى هَذَا جَنَحَ النَّوَوِيُّ وَسَبَقَهُ الْخَطِيبُ فَقَالَ لَعَلَّهُمَا اتَّفَقَ لَهُمَا ذَلِكَ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ.
وَأَخْرَجَ الْبَزَّارُ عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الِلَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي بَكْرٍ: لَوْ رَأَيْتَ مَعَ أُمِّ رُومَانَ رَجُلًا مَا كُنْتَ فَاعِلًا بِهِ؟ قَالَ: شَرًّا قَالَ:(1/121)
فَأَنْتَ يَا عُمْرُ؟ قَالَ: كُنْتُ أَقُولُ: لَعَنَ اللَّهُ الْأَعْجَزَ فَإِنَّهُ لِخَبِيثٌ. فَنَزَلَتْ.
قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: لَا مَانِعَ مِنْ تَعَدُّدِ الْأَسْبَابِ.
الْحَالُ السادس: ألا يُمْكِنَ ذَلِكَ فَيُحْمَلَ عَلَى تَعَدُّدِ النُّزُولِ وَتَكَرُّرِهِ مِثَالُهُ مَا أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ عَنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ: لَمَّا حَضَرَ أَبَا طَالِبٍ الْوَفَاةُ دَخَلَ عَلَيْهِ رَسُولُ الِلَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدَهُ أَبُو جَهْلٍ وَعَبْدُ الِلَّهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ فَقَالَ: أَيْ عَمُّ قُلْ لَا إِلَهَ إِلَا اللَّهُ أُحَاجُّ لَكَ بِهَا عِنْدَ الِلَّهِ فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: وَعَبْدُ الِلَّهِ يَا أَبَا طَالِبٍ! فَلَمْ يَزَالَا يُكَلِّمَانِهِ حَتَّى قَالَ: هُوَ عَلَى مِلَّةِ عَبْدِ الْمَطْلَبِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ مَا لَمْ أُنْهَ عَنْهُ " فَنَزَلَتْ: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ} الآية.
وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ - وَحَسَّنَهُ - عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: سَمِعْتُ رَجُلًا يَسْتَغْفِرُ لِأَبَوَيْهِ وَهُمَا مُشْرِكَانِ فَقُلْتُ: تَسْتَغْفِرُ لِأَبَوَيْكَ وَهُمَا مُشْرِكَانِ! فَقَالَ: اسْتَغْفَرَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَهُوَ مُشْرِكٌ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ الِلَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَزَلَتْ.
وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ وَغَيْرُهُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا إِلَى الْمَقَابِرِ فَجَلَسَ إِلَى قَبْرٍ مِنْهَا فَنَاجَاهُ طَوِيلًا ثُمَّ بَكَى فَقَالَ: إِنَّ الْقَبْرَ الَّذِي جَلَسْتُ عِنْدَهُ قَبْرُ أُمِّي وَإِنِّي اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي فِي الدُّعَاءِ لَهَا فَلَمْ يَأْذَنْ لِي فَأُنْزِلَ عَلَيَّ: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ} فنجمع بَيْنَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ بِتَعَدُّدِ النُّزُولِ.
وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ أَيْضًا مَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَالْبَزَّارُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى(1/122)
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَفَ عَلَى حَمْزَةَ حِينَ اسْتُشْهِدَ وَقَدْ مُثِّلَ بِهِ فَقَالَ: "لَأُمَثِّلَنَّ بِسَبْعِينَ مِنْهُمْ مَكَانَكَ " فَنَزَلَ جِبْرِيلُ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاقِفٌ بِخَوَاتِيمِ سُورَةِ النَّحْلِ: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} إِلَى آخِرِ السُّورَةِ.
وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ أُصِيبَ مِنَ الْأَنْصَارِ أَرْبَعَةٌ وَسِتُّونَ وَمِنَ الْمُهَاجِرِينَ سِتَّةٌ مِنْهُمْ حَمْزَةُ فَمَثَّلُوا بِهِمْ فَقَالَتِ الْأَنْصَارُ: لَئِنْ أَصَبْنَا مِنْهُمْ يَوْمًا مِثْلَ هَذَا لَنُرْبِيَنَّ عَلَيْهِمْ فَلَمَّا كَانَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ أَنْزَلَ اللَّهُ: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ} الْآيَةَ فَظَاهِرُهُ تَأْخِيرُ نُزُولِهَا إِلَى الْفَتْحِ وَفِي الْحَدِيثِ الَّذِي قَبْلَهُ نُزُولُهَا بِأُحُدٍ قَالَ ابْنُ الحصار: ويجمع بأنها نَزَلَتْ أَوَّلًا بِمَكَّةَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ مَعَ السُّورَةِ لِأَنَّهَا مَكِّيَّةٌ ثُمَّ ثَانِيًا بِأُحُدٍ ثُمَّ ثَالِثًا يَوْمَ الْفَتْحِ تَذْكِيرًا مِنَ الِلَّهِ لِعِبَادِهِ وَجَعَلَ ابْنُ كَثِيرٍ مِنْ هَذَا الْقِسْمِ آيَةُ الرُّوحِ.
تَنْبِيهٌ:
قَدْ يَكُونُ فِي إِحْدَى الْقِصَّتَيْنِ فَتَلَا فَيَهِمُ الرَّاوِي فَيَقُولُ: "فَنَزَلَ" مِثَالُهُ مَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ - وَصَحَّحَهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ – قَالَ: مَرَّ يَهُودِيٌّ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: كَيْفَ تَقُولُ يَا أَبَا الْقَاسِمِ إِذَا وَضَعَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ عَلَى ذِهِ وَالْأَرَضِينَ عَلَى ذِهِ وَالْمَاءَ عَلَى ذِهِ وَالْجِبَالَ عَلَى ذِهِ وَسَائِرَ الْخَلْقِ عَلَى ذِهِ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} الآية،(1/123)
وَالْحَدِيثُ فِي الصَّحِيحِ بِلَفْظِ " فَتَلَا رَسُولُ الِلَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وَهُوَ الصَّوَابُ فَإِنَّ الْآيَةَ مَكِّيَّةٌ.
وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ أَيْضًا مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: سَمِعَ عَبْدُ الِلَّهِ بْنُ سَلَامٍ بِمَقْدِمِ رَسُولِ الِلَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَاهُ فَقَالَ: إِنِّي سَائِلُكَ عَنْ ثَلَاثٍ لَا يَعْلَمُهُنَّ إِلَا نَبِيٌّ: مَا أَوَّلَ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ؟ وَمَا أَوَّلُ طَعَامِ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَمَا يَنْزِعُ الْوَلَدُ؟ إِلَى أَبِيهِ أَوْ إِلَى أُمِّهِ؟ قَالَ: أَخْبَرَنِي بِهِنَّ جِبْرِيلُ آنِفًا قَالَ: جِبْرِيلُ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: ذَاكَ عَدُوُّ الْيَهُودِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ فَقَرَأَ هذه الآية: {قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ} قَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ: ظَاهِرُ السِّيَاقِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ الْآيَةَ رَدًّا عَلَى قَوْلِ الْيَهُودِ وَلَا يَسْتَلْزِمُ ذَلِكَ نُزُولَهَا حِينَئِذٍ. قَالَ: وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ فَقَدْ صَحَّ فِي سَبَبِ نُزُولِ الْآيَةِ قِصَّةٌ غَيْرُ قِصَّةٍ ابْنِ سَلَامٍ.
تَنْبِيهٌ
عَكْسُ مَا تَقَدَّمَ أَنْ يُذْكَرَ سَبَبٌ وَاحِدٌ فِي نُزُولِ آيات متفرقة وَلَا إِشْكَالَ فِي ذَلِكَ فَقَدْ يَنْزِلُ فِي الواقعة الْوَاحِدَةِ آيَاتٌ عَدِيدَةٌ فِي سُورٍ شَتَّى مِثَالُهُ مَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ الِلَّهِ لَا أَسْمَعُ الِلَّهَ ذَكَرَ النِّسَاءَ فِي الْهِجْرَةِ بِشَيْءٍ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ} إِلَى آخِرِ الْآيَةِ.
وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ عَنْهَا أَيْضًا قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ الِلَّهِ تَذْكُرُ الرِّجَالَ(1/124)
وَلَا تَذْكُرُ النِّسَاءَ فَأُنْزِلَتْ: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ} وَأُنْزِلَتْ: {أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى} .
وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْهَا أَنَّهَا قالت: يغزو الرِّجَالُ وَلَا تَغْزُو النِّسَاءُ وَإِنَّمَا لَنَا نِصْفُ الْمِيرَاثِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ} وَأَنْزَلَ: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ}
وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ أَيْضًا مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّ رَسُولَ الِلَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْلَى عَلَيْهِ: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} ، فَجَاءَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ وَقَالَ: يارسول الِلَّهِ لَوْ أَسْتَطِيعُ الْجِهَادَ لَجَاهَدْتُ - وَكَانَ أَعْمَى - فأنزل الله: {أُولِي الضَّرَرِ} .
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَيْضًا قَالَ: كُنْتُ أَكْتُبُ لِرَسُولِ الِلَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنِّي لِوَاضِعٌ الْقَلَمَ عَلَى أُذُنِي إذ أَمَرَ بِالْقِتَالِ فَجَعَلَ رَسُولُ الِلَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْظُرُ مَا يَنْزِلُ عَلَيْهِ إِذْ جَاءَ أَعْمَى فَقَالَ: كَيْفَ لِي يَا رَسُولَ الِلَّهِ وَأَنَا أَعْمَى! فَأُنْزِلَتْ: {لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ} .
وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ الِلَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسًا فِي ظِلِّ حُجْرَةٍ فَقَالَ: إِنَّهُ سَيَأْتِيكُمْ إِنْسَانٌ يَنْظُرُ بِعَيْنَيْ شَيْطَانٍ فَطَلَعَ رَجُلٌ أَزْرَقُ فَدَعَاهُ رَسُولُ الِلَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ عَلَامَ تَشْتُمُنِي أَنْتَ وَأَصْحَابُكَ؟ فَانْطَلَقَ الرَّجُلُ فجاء بأصحابه فَحَلَفُوا بِالِلَّهِ مَا قَالُوا حَتَّى تَجَاوَزَ عَنْهُمْ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {يَحْلِفُونَ بِاللَّه(1/125)
مَا قَالُوا} الْآيَةَ وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ وَأَحْمَدُ بِهَذَا اللَّفْظِ وَآخِرُهُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ} الآية.
تَنْبِيهٌ
تَأَمَّلْ مَا ذَكَرْتُهُ لَكَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَاشْدُدْ بِهِ يَدَيْكَ فَإِنِّي حَرَّرَتْهُ وَاسْتَخْرَجْتُهُ بِفِكْرِي مِنِ اسْتِقْرَاءِ صَنِيعِ الْأَئِمَّةِ وَمُتَفَرِّقَاتِ كَلَامِهِمْ وَلَمْ أُسْبَقْ إِلَيْهِ.(1/126)
النَّوْعُ الْعَاشِرُ: فِيمَا أُنْزِلَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلَى لِسَانِ بَعْضِ الصَّحَابَةِ
هُوَ فِي الْحَقِيقَةِ نَوْعٌ مِنْ أَسْبَابِ النُّزُولِ وَالْأَصْلُ فِيهِ مُوَافِقَاتُ عُمْرَ وَقَدْ أَفْرَدَهَا بِالتَّصْنِيفِ جَمَاعَةٌ.
وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أن رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِنَّ الِلَّهَ جَعَلَ الْحَقَّ عَلَى لِسَانِ عُمْرَ وَقَلْبِهِ" قَالَ ابْنُ عُمَرَ: وَمَا نَزَلَ بِالنَّاسِ أَمْرٌ قَطُّ فَقَالُوا: وَقَالَ: إِلَّا نَزَلَ الْقُرْآنُ عَلَى نَحْوِ مَا قَالَ عُمَرُ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ كَانَ عُمْرُ يَرَى الرَّأْيَ فَيَنْزِلُ بِهِ الْقُرْآنِ.
وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ عُمَرُ: وَافَقْتُ رَبِّي فِي ثَلَاثٍ قُلْتُ: يَا رَسُولَ الِلَّهِ لَوِ اتَّخَذْنَا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلَّى فَنَزَلَتْ: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً} وَقُلْتُ: يَا رَسُولَ الِلَّهِ إِنَّ نِسَاءَكَ يَدْخُلُ عَلَيْهِنَّ الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ فَلَوْ أَمَرْتَهُنَّ أَنْ يَحْتَجِبْنَ؟ فَنَزَلَتْ آيَةُ الْحِجَابِ وَاجْتَمَعَ عَلَى رَسُولِ الِلَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاؤُهُ فِي الْغَيْرَةِ، فَقُلْتُ لَهُنَّ: {عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مِنْكُنَّ} ، فَنَزَلَتْ كَذَلِكَ.
وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ عُمَرَ قَالَ وَافَقْتُ رَبِّي فِي ثَلَاثٍ فِي الحجاب وفي أساري بَدْرٍ وَفِي مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ عُمَرُ وَافَقْتُ رَبِّي - أَوْ وَافَقَنِي(1/127)
رَبِّي فِي أَرْبَعٍ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ} الْآيَةَ فَلَمَّا نَزَلَتْ قُلْتُ أَنَا: "فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ " فَنَزَلَتْ: {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} .
وَأَخْرَجَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى أَنَّ يَهُودِيًّا لَقِيَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَقَالَ إِنَّ جِبْرِيلَ الَّذِي يَذْكُرُ صَاحِبَكُمْ عَدُوٌّ لَنَا فَقَالَ عُمَرُ: {مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ} قال فَنَزَلَتْ عَلَى لِسَانِ عُمَرَ.
وَأَخْرَجَ سُنَيْدٌ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ لَمَّا سَمِعَ مَا قِيلَ فِي أَمْرِ عَائِشَةَ قَالَ: {سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ} فَنَزَلَتْ كَذَلِكَ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَخِي مِيمِي فِي فَوَائِدِهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ كَانَ رَجُلَانِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا سَمِعَا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ قَالَا: {سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ} زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ وَأَبُو أَيُّوبَ فَنَزَلَتْ كَذَلِكَ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ لَمَّا أَبْطَأَ عَلَى النِّسَاءِ الْخَبَرَ فِي أُحُدٍ خَرَجْنَ يَسْتَخْبِرْنَ فَإِذَا رجلان مقبلان على بعير فقالت امرأة: مَا فَعَلَ رَسُولُ الِلَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم؟ قال: حَيٌّ، قَالَتْ: فَلَا أُبَالِي يَتَّخِذُ الِلَّهِ مِنْ عِبَادِهِ الشُّهَدَاءَ فَنَزَلَ الْقُرْآنُ عَلَى مَا قَالَتْ: {وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ} .
وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ أَخْبَرَنَا الْوَاقِدِيُّ حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ محمد ابن شُرَحْبِيلَ الْعَبْدَرِيُّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ حَمَلَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ اللِّوَاءَ يَوْمَ أُحُدٍ فَقُطِعَتْ يَدُهُ الْيُمْنَى فَأَخَذَ اللِّوَاءَ بِيَدِهِ الْيُسْرَى وَهُوَ يَقُولُ: {وَمَا مُحَمَّدٌ(1/128)
إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ} ثُمَّ قطعت يده اليسرى فحنا عَلَى اللِّوَاءِ وَضَمَّهُ بِعَضُدَيْهِ إِلَى صَدْرِهِ وَهُوَ يَقُولُ: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ} الآية ثم قتل فسقط اللواء قال محمد بن شرحبيل وما نزلت هذه الآية: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ} يَوْمَئِذٍ حَتَّى نَزَلَتْ بَعْدَ ذَلِكَ
تَذْنِيبٌ
يَقْرُبُ مِنْ هَذَا مَا وَرَدَ فِي الْقُرْآنِ عَلَى لِسَانِ غير الله كالنبي صلى الله عليه وسلم وجبريل والملائكة غير مصرح فإضافته إِلَيْهِمْ وَلَا مَحْكِيٌّ بِالْقَوْلِ كَقَوْلِهِ: {قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ} الآية فإن هذا ورد عَلَى لِسَانِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِقَوْلِهِ آخِرِهَا: {وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ} .
وَقَوْلُهُ: {أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً} الآية فإنه أوردها أَيْضًا عَلَى لِسَانِهِ.
وَقَوْلُهُ: {وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ} الْآيَةَ وَارِدٌ عَلَى لِسَانِ جِبْرِيلَ.
وَقَوْلُهُ: {وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ} وَارِدٌ عَلَى لِسَانِ الْمَلَائِكَةِ.
وَكَذَا: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} وَارِدٌ عَلَى أَلْسِنَةِ الْعِبَادِ إِلَا أَنَّهُ يُمْكِنُ هُنَا تَقْدِيرُ الْقَوْلِ أَيْ قُولُوا وَكَذَا الْآيَتَانِ الْأُولَيَانِ يَصِحُّ أَنْ يُقَدَّرَ فِيهِمَا [قُلْ] بِخِلَافِ الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ(1/129)
النَّوْعُ الْحَادِي عَشَرَ: مَا تَكَرَّرَ نُزُولُهُ
صَرَّحَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ بِأَنَّ مِنَ الْقُرْآنِ مَا تَكَرَّرَ نُزُولُهُ قَالَ ابْنُ الْحَصَّارِ: قَدْ يَتَكَرَّرُ نُزُولُ الْآيَةِ تَذْكِيرًا وَمَوْعِظَةً وَذَكَرَ مِنْ ذَلِكَ خَوَاتِيمَ سُورَةِ النَّحْلِ وَأَوَّلَ سُورَةِ الرُّوم.
وَذَكَرَ ابْنُ كَثِيرٍ مِنْهُ آيَةَ الرُّوحِ. وَذَكَرَ قَوْمٌ مِنْهُ الْفَاتِحَةَ. وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ مِنْهُ قَوْلَهُ: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا} الْآيَةَ.
وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِي الْبُرْهَانِ: قَدْ يَنْزِلُ الشَّيْءُ مَرَّتَيْنِ تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ وَتَذْكِيرًا عِنْدَ حُدُوثِ سَبَبِهِ خوف نِسْيَانِهِ. ثُمَّ ذَكَرَ مِنْهُ آيَةَ الرُّوحِ وَقَوْلُهُ: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ} الآية.
قَالَ: فَإِنَّ سُورَةَ الْإِسْرَاءِ وَهُودٍ مَكِّيَّتَانِ وَسَبَبُ نُزُولِهِمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمَا نَزَلَتَا بِالْمَدِينَةِ وَلِهَذَا أَشْكَلَ ذَلِكَ عَلَى بَعْضِهِمْ.
وَلَا إِشْكَالَ لِأَنَّهَا نَزَلَتْ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ قَالَ: وَكَذَلِكَ مَا وَرَدَ فِي سُورَةِ الْإِخْلَاصِ مِنْ أَنَّهَا جَوَابٌ لِلْمُشْرِكِينَ بِمَكَّةَ وَجَوَابٌ لِأَهْلِ الْكِتَابِ بالمدينة وكذلك قوله: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا} الآية قَالَ: وَالْحِكْمَةُ فِي هَذَا كُلِّهِ أَنَّهُ قَدْ يَحْدُثُ سَبَبٌ مِنْ سُؤَالٍ أَوْ حَادِثَةٍ تَقْتَضِي نُزُولَ آيَةٍ وَقَدْ نَزَلَ قَبْلَ ذَلِكَ مَا يَتَضَمَّنُهَا فَيُوحِي إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِلْكَ الْآيَةَ بِعَيْنِهَا تَذْكِيرًا لَهُمْ بِهَا وَبِأَنَّهَا تَتَضَمَّنُ هَذِهِ.(1/130)
تَنْبِيهٌ
قَدْ يُجْعَلُ مِنْ ذَلِكَ الْأَحْرُفُ الَّتِي تُقْرَأُ عَلَى وَجْهَيْنِ فَأَكْثَرَ وَيَدُلُّ لَهُ مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أُبَيٍّ: "إِنَّ رَبِّي أَرْسَلَ إِلَيَّ أَنْ أَقْرَأَ الْقُرْآنَ عَلَى حَرْفٍ فَرَدَدْتُ إِلَيْهِ: أَنْ هَوِّنْ عَلَى أُمَّتِي فَأَرْسَلَ إلي أن اقرأه عَلَى حَرْفَيْنِ فَرَدَدْتُ إِلَيْهِ: أَنْ هَوِّنْ عَلَى أُمَّتِي فَأَرْسَلَ إِلَيَّ أَنِ اقْرَأْهُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ " فَهَذَا الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقُرْآنِ لَمْ يَنْزِلْ مِنْ أَوَّلِ وَهْلَةٍ بَلْ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى.
وَفِي جَمَالِ الْقُرَّاءِ لِلسَّخَاوِيِّ بَعْدَ أَنْ حَكَى الْقَوْلَ بِنُزُولِ الْفَاتِحَةِ مَرَّتَيْنِ: إِنْ قِيلَ: فَمَا فَائِدَةُ نُزُولِهَا مَرَّةً ثَانِيَةً؟ قُلْتُ: يَجُوزُ أن يكون نَزَلَتْ أَوَّلَ مَرَّةٍ عَلَى حَرْفٍ وَاحِدٍ وَنَزَلَتْ فِي الثَّانِيةِ بِبَقِيَّةِ وُجُوهِهَا نَحْوُ مَلِكِ وَمَالِكِ وَالسِّرَاطَ وَالصِّرَاطَ وَنَحْوُ ذَلِكَ. انْتَهَى.
تَنْبِيهٌ
أَنْكَرَ بَعْضُهُمْ كَوْنَ شَيْءٍ مِنَ الْقُرْآنِ يَتَكَرَّرُ نُزُولُهُ كَذَا رَأَيْتُهُ فِي كِتَابِ: "الْكَفِيلِ بِمَعَانِي التَّنْزِيلِ "وَعِلَلِهِ بِأَنَّ تَحْصِيلَ مَا هُوَ حَاصِلٌ لَا فَائِدَةَ فِيهِ.
وَهُوَ مَرْدُودٌ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ فَوَائِدِهِ وَبِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ مَا نَزَلَ بِمَكَّةَ نَزَلَ بِالْمَدِينَةِ مَرَّةً أُخْرَى فَإِنَّ جِبْرِيلَ كان يعارضه القرآن كُلَّ سَنَةٍ وَرَدَّ بِمَنْعِ الْمُلَازَمَةِ وَبِأَنَّهُ لَا مَعْنَى لِلْإِنْزَالِ إِلَّا أَنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يَنْزِلُ عَلَى رسول الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ بِقُرْآنٍ لَمْ يَكُنْ نَزَلَ بِهِ مِنْ قَبْلُ فيقرئه إِيَّاهُ. وَرَدَّ بِمَنْعِ اشْتِرَاطِ قَوْلِهِ: "لَمْ يَكُنْ نَزَلَ بِهِ مِنْ قَبْلُ " ثُمَّ قَالَ: وَلَعَلَّهُمْ يَعْنُونَ بِنُزُولِهَا مَرَّتَيْنِ أَنَّ جِبْرِيلَ نَزَلَ حِينَ حُوِّلَتِ الْقِبْلَةُ فَأَخْبَرَ الرَّسُولُ أَنَّ الْفَاتِحَةَ رُكْنٌ فِي الصَّلَاةِ كَمَا كَانَتْ بِمَكَّةَ فَظَنَّ ذَلِكَ نُزُولًا لَهَا مَرَّةً أُخْرَى أَوْ أَقْرَأَهُ فِيهَا قِرَاءَةً أُخْرَى لَمْ يُقْرِئْهَا لَهُ بِمَكَّةَ فَظَنَّ ذَلِكَ إِنْزَالًا. انْتَهَى.(1/131)
النَّوْعُ الثَّانِي عَشَرَ: مَا تَأَخَّرَ حُكْمُهُ عَنْ نُزُولِهِ وَمَا تَأَخَّرَ نُزُولُهُ عَنْ حُكْمِهِ
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِي الْبُرْهَانِ قَدْ يَكُونُ النُّزُولُ سَابِقًا عَلَى الْحُكْمِ كَقَوْلِهِ: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} فَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ. وَأَخْرَجَ الْبَزَّارُ نَحْوَهُ مَرْفُوعًا.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا أَدْرِي مَا وجه هذا التَّأْوِيلِ لِأَنَّ السُّورَةَ مَكِّيَّةٌ وَلَمْ يَكُنْ بِمَكَّةَ عِيدٌ وَلَا زَكَاةٌ وَلَا صَوْمٌ! وَأَجَابَ الْبَغَوِيُّ بِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ النُّزُولُ سَابِقًا عَلَى الْحُكْمِ كَمَا قَالَ: {لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ} فَالسُّورَةُ مَكِّيَّةٌ وَقَدْ ظَهَرَ أَثَرُ الْحِلِّ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ حَتَّى قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: "أُحِلَّتْ لِي سَاعَةٌ مِنْ نَهَارٍ " وكذلك نزل بِمَكَّةَ: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: فَقُلْتُ: أَيُّ جَمْعٍ؟ فَلَمَّا كَانَ يَوْمَ بَدْرٍ وَانْهَزَمَتْ قُرَيْشٌ نَظَرْتُ إِلَى رسول الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ فِي آثَارِهِمْ مُصَلِّتًا بِالسَّيْفِ وَيَقُولُ: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} فَكَانَتْ لِيَوْمِ بَدْرٍ. أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ.
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: {جُنْدٌ مَا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الأَحْزَابِ} .قَالَ قَتَادَةُ وَعَدَهُ اللَّهُ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ بِمَكَّةَ أَنَّهُ سَيَهْزِمُ جُنْدًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَجَاءَ تَأْوِيلُهَا يَوْمَ بَدْرٍ أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ.(1/132)
ومثله أيضا قوله تعالى: {قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ} .
أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ في قوله: {قُلْ جَاءَ الْحَقُّ} قَالَ: السَّيْفُ وَالْآيَةُ مَكِّيَّةٌ مُتَقَدِّمَةٌ عَلَى فَرْضِ الْقِتَالِ وَيُؤَيِّدُ تَفْسِيرَ ابْنِ مَسْعُودٍ مَا أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ مِنْ حَدِيثِهِ أَيْضًا قَالَ: دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ يَوْمَ الْفَتْحِ وَحَوْلَ الْكَعْبَةِ ثَلَاثُمِائَةٍ وَسِتُّونَ نُصْبًا فَجَعَلَ يَطْعَنُهَا بِعُودٍ كَانَ فِي يَدِهِ وَيَقُولُ: {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً} {قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ} .
وَقَالَ ابْنُ الْحَصَّارِ: ذَكَرَ اللَّهُ الزَّكَاةَ فِي السُّوَرِ الْمَكِّيَّاتِ كَثِيرًا تَصْرِيحًا وَتَعْرِيضًا بِأَنَّ الِلَّهَ سَيُنْجِزُ وَعْدَهُ لِرَسُولِهِ وَيُقِيمُ دِينَهُ وَيُظْهِرُهُ حَتَّى تُفْرَضَ الصَّلَاةُ وَالزَّكَاةُ وَسَائِرُ الشَّرَائِعِ وَلَمْ تُؤْخَذِ الزَّكَاةُ إِلَّا بِالْمَدِينَةِ بِلَا خِلَافٍ وَأَوْرَدَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلَهُ تَعَالَى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} وَقَوْلُهُ فِي سُورَةِ الْمُزَّمِّلِ: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} . وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ فِيهَا: {وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} .
وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً} فَقَدْ قَالَتْ عَائِشَةُ وَابْنُ عُمَرَ وَعِكْرِمَةُ وَجَمَاعَةٌ إِنَّهَا نَزَلَتْ فِي الْمُؤَذِّنِينَ وَالْآيَةُ مَكِّيَّةٌ وَلَمْ يُشْرَعِ الْأَذَانُ إِلَّا بِالْمَدِينَةِ.
وَمِنْ أَمْثِلَةِ مَا تَأَخَّرَ نُزُولُهُ عَنْ حُكْمِهِ آيَةُ الْوُضُوءِ فَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: "سَقَطَتْ قِلَادَةٌ لِي بِالْبَيْدَاءِ وَنَحْنُ دَاخِلُونَ الْمَدِينَةَ فَأَنَاخَ رَسُولُ الِلَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَزَلَ فَثَنَى رَأْسَهُ فِي حِجْرِي رَاقِدًا وَأَقْبَلَ(1/133)
أَبُو بَكْرٍ فَلَكَزَنِي لَكْزَةً شَدِيدَةً وَقَالَ: حَبَسْتِ النَّاسَ فِي قِلَادَةٍ! ثُمَّ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَيْقَظَ وَحَضَرَتِ الصُّبْحُ فَالْتَمَسَ الْمَاءُ فَلَمْ يُوجَدْ فَنَزَلَتْ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} إِلَى قَوْلِهِ: {لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} فَالْآيَةُ مَدَنِيَّةٌ إِجْمَاعًا وَفَرْضُ الْوُضُوءِ كَانَ بِمَكَّةَ مَعَ فَرْضِ الصَّلَاةِ.
قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: مَعْلُومٌ عِنْدَ جَمِيعِ أَهْلِ الْمَغَازِي أَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ مُنْذُ فُرِضَتْ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ إِلَا بِوُضُوءٍ وَلَا يَدْفَعُ ذَلِكَ إِلَّا جَاهِلٌ أَوْ مُعَانِدٌ قَالَ وَالْحِكْمَةُ فِي نُزُولِ آيَةِ الْوُضُوءِ مَعَ تَقَدُّمِ الْعَمَلِ بِهِ لِيَكُونَ فَرْضُهُ مَتْلُوًّا بِالتَّنْزِيلِ.
وَقَالَ غَيْرُهُ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَوَّلُ الْآيَةِ نَزَلَ مُقَدَّمًا مَعَ فَرْضِ الْوُضُوءِ ثُمَّ نَزَلَ بَقِيَّتُهَا وَهُوَ ذِكْرُ التَّيَمُّمِ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ.
قُلْتُ: يَرُدُّهُ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ الْآيَةَ مَدَنِيَّةٌ.
وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ أَيْضًا آيَةُ الْجُمُعَةِ فَإِنَّهَا مَدَنِيَّةٌ وَالْجُمُعَةُ فُرِضَتْ بِمَكَةَ وَقَوْلُ ابْنُ الْفَرَسِ: إِنَّ إِقَامَةَ الْجُمُعَةِ لَمْ تَكُنْ بِمَكَّةَ قَطُّ يَرُدُّهُ مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كُنْتُ قَائِدَ أُبَيٍّ حِينَ ذَهَبَ بَصَرُهُ فَكُنْتُ إِذَا خَرَجْتُ بِهِ إِلَى الْجُمُعَةِ فَسَمِعَ الْأَذَانَ يَسْتَغْفِرُ لِأَبِي أُمَامَةَ أَسْعَدِ بْنِ زُرَارَةَ فَقُلْتُ يَا أَبَتَاهُ أَرَأَيْتَ صَلَاتَكَ عَلَى أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ كُلَّمَا سَمِعْتُ النِّدَاءَ بِالْجُمُعَةِ، لِمَ هَذَا؟ قَالَ: أَيْ بُنَيَّ كَانَ أَوَّلُ مَنْ صَلَّى بِنَا الْجُمُعَةَ قَبْلَ مَقْدَمِ رَسُولِ الِلَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَكَّةَ.
وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} الْآيَةَ فَإِنَّهَا نَزَلَتْ سَنَةَ تِسْعٍ وَقَدْ فُرِضَتِ الزَّكَاةُ قَبْلَهَا فِي أَوَائِلِ الْهِجْرَةِ.(1/134)
قَالَ ابْنُ الْحَصَّارِ: فَقَدْ يَكُونُ مَصْرِفُهَا قَبْلَ ذَلِكَ مَعْلُومًا وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ قُرْآنٌ مَتْلُوٌّ كَمَا كَانَ الْوُضُوءُ مَعْلُومًا قَبْلَ نُزُولِ الْآيَةُ ثُمَّ نَزَلَتْ تِلَاوَةُ الْقُرْآنِ تَأْكِيدًا بِهِ.(1/135)
النَّوْعُ الثَّالِثَ عَشَرَ: مَا نَزَلَ مُفَرَّقًا وَمَا نَزَلَ جَمْعًا
الْأَوَّلُ غَالِبُ الْقُرْآنِ وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ فِي السُّوَرِ الْقِصَارِ: {اقْرَأْ} أَوَّلُ مَا نَزَلَ مِنْهَا إِلَى قَوْلِهِ: {مَا لَمْ يَعْلَمْ} وَالضُّحَى أَوَّلُ مَا نَزَلَ مِنْهَا إِلَى قَوْلِهِ: {فَتَرْضَى} كَمَا فِي حَدِيثِ الطَّبَرَانِيِّ.
وَمِنْ أَمْثِلَةِ الثَّانِي سُورَةُ الْفَاتِحَةِ وَالْإِخْلَاصِ وَالْكَوْثَرِ وَتَبَّتْ وَلَمْ يَكُنْ وَالنَّصْرُ وَالْمُعَوِّذَتَانِ نَزَلَتَا مَعًا.
وَمِنْهُ فِي السُّوَرِ الطِّوَالِ الْمُرْسَلَاتُ فَفِي الْمُسْتَدْرَكِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَارٍ فَنَزَلَتْ عَلَيْهِ: {وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً} ، فَأَخَذْتُهَا مِنْ فِيهِ وَإِنَّ فَاهُ رَطْبٌ بِهَا فَلَا أَدْرِي بِأَيِّهَا خَتَمَ {فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ} أَوْ: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ} .
وَمِنْهُ سُورَةُ الصَّفِّ لِحَدِيثِهَا السَّابِقِ فِي النَّوْعِ الْأَوَّلِ.
وَمِنْهُ سُورَةُ الْأَنْعَامِ فَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو عُبَيْدٍ وَالطَّبَرَانِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ نَزَلَتْ سُورَةُ الْأَنْعَامِ بِمَكَّةَ لَيْلًا جُمْلَةً حَوْلَهَا سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ.
وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقِ يُوسُفَ بْنِ عَطِيَّةَ الصَّفَّارِ - وَهُوَ مَتْرُوكٌ - عَنِ ابْنِ عون عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الِلَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "نَزَلَتْ عَلَيَّ سُورَةُ الْأَنْعَامِ جُمْلَةً وَاحِدَةً يُشَيِّعُهَا سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ ".
وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ بِسَنَدٍ فِيهِ مَنْ لَا يُعْرَفُ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: أنزل(1/136)
الْقُرْآنُ خَمْسًا خَمْسًا إِلَا سُورَةَ الْأَنْعَامِ فَإِنَّهَا نَزَلَتْ جُمْلَةً فِي أَلْفٍ يُشَيِّعُهَا مِنْ كُلِّ سَمَاءٍ سَبْعُونَ مَلَكًا حَتَّى أَدَّوْهَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَأَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ مَرْفُوعًا: "أُنْزِلَتْ عَلَيَّ سُورَةُ الْأَنْعَامِ جُمْلَةً وَاحِدَةً يُشَيِّعُهَا سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ ".
وَأَخْرَجَ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: "نَزَلَتِ الْأَنْعَامُ كُلُّهَا جُمْلَةً وَاحِدَةً مَعَهَا خَمْسُمَائَةِ مَلَكٍ ".
وَأَخْرَجَ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: "أُنْزِلَتِ الْأَنْعَامُ جَمِيعًا وَمَعَهَا سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ ".
فَهَذِهِ شَوَاهِدُ يُقَوِّي بَعْضُهَا بَعْضًا.
وَقَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ فِي فتاويه: الحديث الوارد في أَنَّهَا نَزَلَتْ جُمْلَةً رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ. وَفِي إِسْنَادِهِ ضَعْفٌ وَلَمْ نَرَ لَهُ إِسْنَادًا صَحِيحًا وَقَدْ رُوِيَ مَا يُخَالِفُهُ فَرُوِيَ أَنَّهَا لَمْ تَنْزِلْ جُمْلَةً وَاحِدَةً بَلْ نَزَلَتْ آيَاتٌ مِنْهَا بِالْمَدِينَةِ اخْتَلَفُوا فِي عَدَدِهَا فَقِيلَ: ثَلَاثٌ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ. انتهى. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.(1/137)
النَّوْعُ الرَّابِعَ عَشَرَ: مَا نَزَلَ مُشَيَّعًا وَمَا نَزَلَ مُفْرَدًا
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ، وَتَبِعَهُ ابْنُ النَّقِيبِ: مِنَ الْقُرْآنِ مَا نَزَلَ مُشَيَّعًا وَهُوَ سُورَةُ الْأَنْعَامِ شَيَّعَهَا سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ وَفَاتِحَةُ الْكِتَابِ نَزَلَتْ وَمَعَهَا ثَمَانُونَ أَلْفَ مَلَكٍ وَآيَةُ الْكُرْسِيِّ نَزَلَتْ وَمَعَهَا ثَلَاثُونَ أَلْفَ مَلَكٍ وَسُورَةُ يس نَزَلَتْ وَمَعَهَا ثَلَاثُونَ أَلْفَ مَلَكٍ: {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا} نَزَلَتْ وَمَعَهَا عِشْرُونَ أَلْفَ مَلَكٍ وَسَائِرُ الْقُرْآنِ نَزَلَ بِهِ جِبْرِيلُ مُفْرَدًا بِلَا تَشْيِيعٍ.
قُلْتُ: أَمَّا سُورَةُ الْأَنْعَامِ فَقَدْ تَقَدَّمَ حَدِيثُهَا بِطُرُقِهِ وَمِنْ طُرُقِهِ أَيْضًا مَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ وَالطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا: "نَزَلَتْ سُورَةُ الْأَنْعَامِ وَمَعَهَا مَوْكِبٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ يَسُدُّ مَا بَيْنَ الْخَافِقَيْنِ لَهُمْ زَجَلٌ بِالتَّقْدِيسِ وَالتَّسْبِيحِ وَالْأَرْضُ تَرْتَجُّ ".
وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ سُورَةُ الْأَنْعَامِ سَبَّحَ رَسُولُ الِلَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ: "شَيَّعَ هَذِهِ السُّورَةَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مَا سَدَّ الْأُفُقَ ". قَالَ الْحَاكِمُ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ لَكِنْ قَالَ الذَّهَبِيُّ فِيهِ انْقِطَاعٌ وَأَظُنُّهُ مَوْضُوعًا.
وَأَمَّا الْفَاتِحَةُ وَسُورَةُ يس، وَ: {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا} فَلَمْ أَقِفْ عَلَى حَدِيثٍ فِيهَا بِذَلِكَ وَلَا أَثَرٍ.
وَأَمَّا آيَةُ الْكُرْسِيِّ فَقَدْ وَرَدَ فِيهَا وَفِي جَمِيعِ آيَاتِ الْبَقَرَةِ حَدِيثٌ أَخْرَجَ(1/138)
أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ رَسُولَ الِلَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "الْبَقَرَةُ سَنَامُ الْقُرْآنِ وَذُرْوَتُهُ نَزَلَ مَعَ كُلِّ آيَةٍ مِنْهَا ثَمَانُونَ مَلَكًا وَاسْتُخْرِجَتْ: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} مِنْ تَحْتِ الْعَرْشِ فَوُصِلَتْ بِهَا ".
وَأَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ فِي سُنَنِهِ عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ قَالَ: خَوَاتِيمُ سُورَةِ الْبَقَرَةِ جَاءَ بِهَا جِبْرِيلُ وَمَعَهُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مَا شَاءَ اللَّهُ وَبَقِيَ سُوَرٌ أُخْرَى مِنْهَا سُورَةُ الْكَهْفِ قَالَ ابْنُ الضُّرَيْسِ فِي فَضَائِلِهِ.
أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الطَّيَالِسِيُّ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ رَافِعٍ قَالَ: بَلَغَنَا أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ قَالَ: "أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِسُورَةٍ مَلْءُ عَظَمَتِهَا مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ شَيَّعَهَا سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ سُورَةُ الْكَهْفِ ".
تَنْبِيهٌ
لِيَنْظُرَ فِي التَّوْفِيقِ بَيْنَ مَا مَضَى وَبَيْنَ مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ مَا جَاءَ جِبْرِيلُ بِالْقُرْآنِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا وَمَعَهُ أَرْبَعَةٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ حَفَظَةٌ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ الضَّحَّاكِ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا بُعِثَ إِلَيْهِ الْمَلَكُ بُعِثَ مَلَائِكَةٌ يَحْرُسُونَهُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ ومن خلفه مخافة أَنْ يَتَشَبَّهَ الشَّيْطَانُ عَلَى صُورَةِ الْمَلَكِ
فَائِدَةٌ
قَالَ ابْنُ الضُّرَيْسِ: أَخْبَرَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ أَخْبَرَنِي الْوَلِيدُ - يَعْنِي ابْنَ جَمِيلٍ - عَنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: أَرْبَعُ(1/139)
آيَاتٍ نَزَلَتْ مِنْ كَنْزِ الْعَرْشِ لَمْ يَنْزِلْ مِنْهُ شَيْءٌ غَيْرُهُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَآيَةُ الْكُرْسِيِّ وَخَاتِمَةُ سُورَةِ الْبَقَرَةِ وَالْكَوْثَرِ.
قُلْتُ: أَمَّا الْفَاتِحَةُ فأخرج الْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ مَرْفُوعًا: "إِنَّ الِلَّهَ أَعْطَانِي فِيمَا مَنَّ بِهِ عَلَيَّ: إِنِّي أَعْطَيْتُكَ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ وَهِيَ مِنْ كُنُوزِ عَرْشِي".
وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ مَرْفُوعًا: "أُعْطِيتُ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ وَخَوَاتِيمَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ مِنْ تَحْتِ الْعَرْشِ ".
وَأَخْرَجَ ابْنُ رَاهَوَيْهِ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ فقال: حدثنا نبي الله أَنَّهَا نَزَلَتْ مِنْ كَنْزٍ تَحْتَ الْعَرْشِ. وَأَمَّا آخِرُ الْبَقَرَةِ فَأَخْرَجَ الدَّارِمِيُّ فِي مَسْنَدِهِ عَنْ أَيْفَعَ الْكُلَاعِيِّ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ الِلَّهِ أَيُّ آيَةٍ تُحِبُّ أَنْ تُصِيبَكَ وَأُمَّتُكَ؟ قَالَ: "آخِرُ سُورَةِ الْبَقَرَةِ فَإِنَّهَا مِنْ كَنْزِ الرَّحْمَةِ مِنْ تَحْتِ عَرْشِ الِلَّهِ."
وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ مَرْفُوعًا: "اقرؤوا هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ فَإِنَّ رَبِّي أَعْطَانِيهِمَا مِنْ تَحْتِ الْعَرْشِ ".
وَأَخْرَجَ مِنْ حَدِيثِ حُذَيْفَةَ: "أُعْطِيتُ هَذِهِ الْآيَاتِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ مِنْ كَنْزٍ تَحْتَ الْعَرْشِ لَمْ يُعْطَهَا نَبِيٌّ قَبْلِي ".
وَأَخْرَجَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ: "أُعْطِيتُ خَوَاتِيمَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ مِنْ كَنْزٍ تَحْتَ الْعَرْشِ لَمْ يُعْطَهُنَّ نَبِيٌّ قَبْلِي ".
وَلَهُ طُرُقٌ كَثِيرَةٌ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَغَيْرِهِمْ.
وَأَمَّا آيَةُ الْكُرْسِيِّ فَتَقَدَّمَتْ فِي حَدِيثِ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ السَّابِقِ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كان رسول الله صلى الله عَلَيْهِ(1/140)
وَسَلَّمَ إِذَا قَرَأَ آيَةَ الْكُرْسِيِّ ضَحِكَ وَقَالَ: "إِنَّهَا مَنْ كَنْزِ الرَّحْمَنِ تَحْتَ الْعَرْشِ. "
وَأَخْرَجَ أَبُو عُبَيْدٍ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: "آيَةُ الْكُرْسِيِّ أُعْطِيَهَا نَبِيُّكُمْ مِنْ كَنْزٍ تَحْتَ الْعَرْشِ وَلَمْ يُعْطَهَا أَحَدٌ قَبْلَ نَبِيِّكُمْ ".
وَأَمَّا سُورَةُ الْكَوْثَرِ فَلَمْ أَقِفْ فِيهَا عَلَى حَدِيثٍ وَقَوْلُ أَبِي أُمَامَةَ فِي ذَلِكَ يَجْرِي مَجْرَى الْمَرْفُوعِ وَقَدْ أَخْرَجَهُ أبو الشيخ بن حَيَّانَ وَالدَّيْلَمِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ الدَّقِيقِيِّ عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ بِإِسْنَادِهِ السَّابِقِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ مَرْفُوعًا.(1/141)
النَّوْعُ الْخَامِسَ عَشَرَ: مَا أُنْزِلَ مِنْهُ عَلَى بَعْضِ الْأَنْبِيَاءِ وَمَا لَمْ يُنَزَّلْ مِنْهُ عَلَى أَحَدٍ قَبْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
مِنَ الثَّانِي الْفَاتِحَةُ وَآيَةُ الْكُرْسِيِّ وَخَاتِمَةُ الْبَقَرَةِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْأَحَادِيثِ قَرِيبًا.
وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَلَكٌ، فَقَالَ: "أَبْشِرْ بِنُورَيْنِ قَدْ أُوتِيتَهُمَا لَمْ يُؤْتَهُمَا نَبِيٌّ قَبْلَكَ: فَاتِحَةُ الْكِتَابِ وَخَوَاتِيمُ سُورَةِ الْبَقَرَةِ ".
وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: تَرَدَّدُوا فِي الْآيَتَيْنِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ: {آمَنَ الرَّسُولُ} إِلَى خَاتِمَتِهَا فَإِنَّ الِلَّهَ اصْطَفَى بِهَا مُحَمَّدًا.
وَأَخْرَجَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي فَضَائِلِهِ عَنْ كَعْبٍ قَالَ: إِنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُعْطِيَ أَرْبَعَ آيَاتٍ لَمْ يُعْطَهُنَّ مُوسَى وَإِنَّ مُوسَى أُعْطِيَ آيَةً لَمْ يُعْطَهَا مُحَمَّدٌ قَالَ: وَالْآيَاتُ الَّتِي أُعْطِيهِنَّ مُحَمَّدٌ: {لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ} حَتَّى خَتَمَ الْبَقَرَةَ فَتِلْكَ ثَلَاثُ آيَاتٍ وَآيَةُ الْكُرْسِيِّ. وَالْآيَةُ الَّتِي أُعْطِيهَا مُوسَى: "اللَّهُمَّ لَا تُولِجِ الشَّيْطَانَ فِي قُلُوبِنَا وَخَلِّصْنَا مِنْهُ مِنْ أَجْلِ أَنَّ لَكَ الْمَلَكُوتَ وَالْأَيْدِ وَالسُّلْطَانَ وَالْمُلْكَ وَالْحَمْدَ وَالْأَرْضَ والسماء الدهر الدَّاهِرَ أَبَدًا أَبَدًا آمِينَ آمِينَ ".
وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: السَّبْعُ الطُّوَالُ(1/142)
لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ إِلَّا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأُعْطِيَ مُوسَى مِنْهَا اثْنَتَيْنِ.
وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا أَعْطَيْتُ أُمَّتِي شَيْئًا لَمْ يُعْطَهُ أَحَدٌ مِنَ الْأُمَمِ عِنْدَ الْمُصِيبَةِ: {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} .
وَمِنْ أَمْثِلَةِ الْأَوَّلِ مَا أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} ، قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كُلُّهَا فِي صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى "، فَلَمَّا نَزَلَتْ: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى} فَبَلَغَ: {وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى} قَالَ وَفَّى: {أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} إِلَى قَوْلِهِ: {هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولَى} .
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ الِلَّهِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: هَذِهِ السُّورَةُ فِي صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَأَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: "بِلَفْظِ نُسِخَ مِنْ صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى ".
وَأَخْرَجَ عَنِ السُّدِّيِّ قَالَ: إِنَّ هَذِهِ السُّورَةَ فِي صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى مِثْلَ مَا نَزَلَتْ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَالَ الْفِرْيَابِيُّ: نَبَّأَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عِكْرِمَةَ: {إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى} قَالَ: هَؤُلَاءِ الْآيَاتِ.
وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى إِبْرَاهِيمَ مِمَّا أَنْزَلَ عَلَى مُحَمَّدٍ: {التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ} إِلَى قَوْلِهِ: {وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} وَ: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} إِلَى قَوْلِهِ: {فِيهَا خَالِدُونَ} وَ: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ} الْآيَةَ وَالَّتِي فِي سَأَلَ: {الَّذِينَ(1/143)
هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ} إِلَى قَوْلِهِ: {قَائِمُونَ} فَلَمْ يَفِ بِهَذِهِ السِّهَامِ إِلَّا إِبْرَاهِيمُ وَمُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ الله بن عمرو بن العاص قَالَ: إِنَّهُ - يَعْنِي - النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لموصوف فِي التَّوْرَاةِ بِبَعْضِ صِفَتِهِ فِي القرآن: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً} ، وَحِرْزًا لِلْأُمِّيِّينَ ... الْحَدِيثَ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ الضُّرَيْسِ وَغَيْرِهِ عَنْ كَعْبٍ قَالَ: فُتِحَتِ التَّوْرَاةُ: بِـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} وَخُتِمَتْ: بـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً} إِلَى قَوْلِهِ: {وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً} .
وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْهُ قَالَ: فَاتِحَةُ التَّوْرَاةِ فَاتِحَةُ الْأَنْعَامِ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ} ، وَخَاتِمَةُ التَّوْرَاةِ خَاتِمَةُ هُودٍ: {فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ}
وَأَخْرَجَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْهُ قَالَ: أَوَّلُ مَا أُنْزِلُ فِي التَّوْرَاةِ عَشْرُ آيَاتٍ مِنْ سُورَةِ الْأَنْعَامِ: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ} إِلَى آخِرِهَا.
وَأَخْرَجَ أَبُو عُبَيْدٍ عَنْهُ قَالَ: أَوَّلُ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِي التَّوْرَاةِ عَشْرَ آيَاتٍ مِنْ سُورَةِ الْأَنْعَامِ: بِسْمِ الِلَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ} الْآيَاتِ قَالَ بَعْضُهُمْ: يَعْنِي أَنَّ هَذِهِ الْآيَاتِ اشْتَمَلَتْ عَلَى الْآيَاتِ الْعَشْرِ الَّتِي كَتَبَهَا اللَّهُ لِمُوسَى فِي التَّوْرَاةِ أَوَّلَ مَا كَتَبَ وَهِيَ تَوْحِيدُ الِلَّهِ وَالنَّهْيُ عَنِ الشِّرْكِ وَالْيَمِينُ(1/144)
الكاذبة والعقوق والقتل والزنا وَالسَّرِقَةُ وَالزُّورُ وَمَدُّ الْعَيْنِ إِلَى مَا فِي يَدِ الْغَيْرِ وَالْأَمْرُ بِتَعْظِيمِ السَّبْتِ.
وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَأُعَلِّمَنَّكَ آيَةً لَمْ تَنْزِلْ عَلَى نَبِيٍّ بَعْدَ سُلَيْمَانَ غَيْرِي {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} .
وروى البيهقي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ أَغْفَلَ النَّاسُ آيَةً مِنْ كِتَابِ اللَّهِ لَمْ تَنْزِلْ عَلَى أَحَدٍ قَبْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}
وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ عن مَيْسَرَةَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مَكْتُوبَةٌ فِي التَّوْرَاةِ بِسَبْعِمِائَةِ آيَةٍ: {يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} أَوَّلُ سُورَةِ الْجُمُعَةِ.
فَائِدَةٌ
يَدْخُلُ فِي هَذَا النَّوْعِ مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ قَالَ الْبُرْهَانُ الَّذِي أُرِيَ يُوسُفَ ثَلَاثُ آيَاتٍ مِنْ كِتَابِ الِلَّهِ: {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَاماً كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ} وَقَوْلُهُ: {وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ} الآية، وَقَوْلُهُ: {أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ} زَادَ غَيْرُهُ آيَةً أُخْرَى: {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى} .
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ أَيْضًا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: {لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهَانَ رَبِّهِ} قَالَ: رَأَى آيَةً مِنْ كِتَابِ الِلَّهِ نَهَتْهُ مَثُلَتْ لَهُ فِي جِدَارِ الْحَائِطِ.(1/145)
النَّوْعُ السَّادِسَ عَشَرَ: فِي كَيْفِيَّةِ إِنْزَالِهِ
فِيهِ مَسَائِلُ
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى:
قَالَ تَعَالَى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} وَقَالَ: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} .
اخْتُلِفَ فِي كَيْفِيَّةِ إِنْزَالِهِ مِنَ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ:
أَحَدُهَا: وَهُوَ الْأَصَحُّ الْأَشْهَرُ أَنَّهُ نَزَلَ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا لَيْلَةَ الَقَدْرِ جُمْلَةً وَاحِدَةً ثُمَّ نَزَلَ بَعْدَ ذَلِكَ مُنَجَّمًا فِي عشرين سنة وثلاث وعشرين أو خمس وَعِشْرِينَ عَلَى حَسْبِ الْخِلَافِ فِي مُدَّةِ إِقَامَتِهِ بمكة بعد البعثة.
وأخرج الْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ طَرِيقِ مَنْصُورٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أُنْزِلَ الْقُرْآنُ فِي لَيْلَةِ الَقَدْرِ جُمْلَةً وَاحِدَةً إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا وَكَانَ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ وَكَانَ اللَّهُ يُنَزِّلُهُ عَلَى رَسُولِ الِلَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْضُهُ فِي إِثْرِ بَعْضٍ.
وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ أُنْزِلَ الْقُرْآنُ في ليلة واحدة إلى السماء الدُّنْيَا لَيْلَةَ الَقَدْرِ ثُمَّ أُنْزِلَ بَعْدَ ذَلِكَ بِعِشْرِينَ سَنَةً ثُمَّ قَرَأَ: {وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ(1/146)
إِلاَّ جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً} {وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلاً} .
وَأَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَفِي آخِرِهِ فَكَانَ الْمُشْرِكُونَ إِذَا أَحْدَثُوا شَيْئًا أَحْدَثَ اللَّهُ لَهُمْ جَوَابًا.
وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ حَسَّانِ بْنِ حُرَيْثٍ عَنْ سَعِيدِ ابْنُ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: فُصِلَ الْقُرْآنُ مِنَ الذِّكْرِ فَوُضِعَ فِي بَيْتِ الْعِزَّةِ مِنَ السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَجَعَلَ جِبْرِيلُ يَنْزِلُ بِهِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. أَسَانِيدُهَا كُلُّهَا صَحِيحَةٌ.
وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أُنْزِلَ القرآن في ليلة القدر في شهر رمضان إلى سماء الدنيا جملة واحدة ثم أنزل نجوما. إسناده لا بأس به.
وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ وَالْبَزَّارُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْهُ قَالَ أُنْزِلُ الْقُرْآنِ جُمْلَةً وَاحِدَةً حَتَّى وُضِعَ فِي بَيْتِ الْعِزَّةِ فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا وَنَزَّلَهُ جبريل على محمد بِجَوَابِ كَلَامِ الْعِبَادِ وَأَعْمَالِهِمْ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي فَضَائِلِ الْقُرْآنِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْهُ دُفِعَ إِلَى جِبْرِيلَ فِي لَيْلَةِ الَقَدْرِ جُمْلَةً وَاحِدَةً فَوَضَعَهُ فِي بَيْتِ الْعِزَّةِ ثُمَّ جَعَلَ يُنَزِّلُهُ تَنْزِيلًا.
وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ مِنْ طَرِيقِ السُّدِّيِّ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنِ ابْنِ أَبِي الْمُجَالِدِ عَنْ مِقْسَمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ سَأَلَ عَطِيَّةَ بْنَ الْأَسْوَدِ فَقَالَ: أَوْقَعَ فِي قَلْبِي الشَّكُّ قَوْلُهُ تَعَالَى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} وَقَوْلُهُ: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} وَهَذَا نَزَلَ فِي شَوَّالَ(1/147)
وفي ذي القعدة وفي ذي الْحِجَّةِ وَفِي الْمُحَرَّمِ وَصَفَرَ وَشَهْرِ رَبِيعٍ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ إِنَّهُ أنزل في رمضان لَيْلَةِ الَقَدْرِ جُمْلَةً وَاحِدَةً ثُمَّ أُنْزِلَ عَلَى مَوَاقِعِ النُّجُومِ رَسْلًا فِي الشُّهُورِ وَالْأَيَّامِ.
قَالَ أَبُو شَامَةَ: قَوْلُهُ: "رَسْلًا " أَيْ رِفْقًا وَعَلَى مَوَاقِعِ النُّجُومِ أَيْ عَلَى مثل مَسَاقِطُهَا يُرِيدُ: أُنْزِلَ فِي رَمَضَانَ فِي لَيْلَةِ الَقَدْرِ جُمْلَةً وَاحِدَةً ثُمَّ أُنْزِلَ عَلَى مَا وَقَعَ مُفَرَّقًا يَتْلُو بَعْضُهُ بَعْضًا عَلَى تُؤَدَةٍ وَرِفْقٍ.
الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ نزل إلى السماء الدُّنْيَا فِي عِشْرِينَ لَيْلَةِ قَدْرٍ أو ثلاث وَعِشْرِينَ أَوْ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مَا يُقَدِّرُ الِلَّهُ إِنْزَالَهُ فِي كُلِّ السَّنَةِ ثُمَّ نَزَلَ بَعْدَ ذَلِكَ مُنَجَّمًا فِي جَمِيعِ السَّنَةِ. وَهَذَا الْقَوْلُ ذَكَرَهُ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ الرَّازِيُّ بَحْثًا فَقَالَ: يُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَانَ يُنْزِلُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ قَدْرَ مَا يَحْتَاجُ النَّاسُ إِلَى إِنْزَالِهِ إِلَى مِثْلِهَا مِنَ اللَّوْحِ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا. ثُمَّ تَوَقَّفَ هَلْ هَذَا أَوْلَى أَوِ الْأَوَّلُ!.
قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: وَهَذَا الَّذِي جَعَلَهُ احْتِمَالًا نَقَلَهُ الْقُرْطُبِيُّ عَنْ مُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ وَحَكَى الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّهُ نَزَلَ جُمْلَةً وَاحِدَةً مِنَ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ إِلَى بَيْتِ الْعِزَّةِ فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا.
قُلْتُ: وَمِمَّنْ قَالَ بِقَوْلِ مُقَاتِلٍ الْحَلِيمِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَيُوَافِقُهُ قَوْلُ ابْنِ شِهَابٍ آخِرُ الْقُرْآنِ عَهْدًا بِالْعَرْشِ آيَةُ الدَّيْنِ.
الْقَوْلُ الثَّالِثُ: أَنَّهُ ابْتُدِئَ إِنْزَالُهُ فِي لَيْلَةِ الَقَدْرِ ثُمَّ نَزَلَ بَعْدَ ذَلِكَ مُنَجَّمًا فِي أَوْقَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ مِنْ سَائِرِ الْأَوْقَاتِ وَبِهِ قَالَ الشَّعْبِيُّ.
قَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ: وَالْأَوَّلُ هُوَ الصَّحِيحُ الْمُعْتَمَدُ: قَالَ:(1/148)
وَقَدْ حَكَى الْمَاوَرْدِيُّ قَوْلًا رَابِعًا أَنَّهُ نَزَلَ مِنَ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ جُمْلَةً وَاحِدَةً وَأَنَّ الْحَفَظَةَ نَجَّمَتْهُ عَلَى جِبْرِيلَ فِي عِشْرِينَ لَيْلَةً وَأَنَّ جِبْرِيلَ نَجَّمَهُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عِشْرِينَ سَنَةً. وَهَذَا أَيْضًا غَرِيبٌ وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يُعَارِضُهُ فِي رَمَضَانَ بِمَا يَنْزِلُ بِهِ عليه فِي طُولِ السَّنَةِ.
وَقَالَ أَبُو شَامَةَ: كَأَنَّ صَاحِبَ هَذَا الْقَوْلِ أَرَادَ الْجَمْعَ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي.
قُلْتُ: هَذَا الَّذِي حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ الضَّحَّاكِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: نَزَلَ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً مِنْ عِنْدِ الِلَّهِ مِنَ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ إِلَى السَّفَرَةِ الْكِرَامِ الْكَاتِبِينَ فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَنَجَّمَتْهُ السَّفَرَةُ عَلَى جِبْرِيلَ عِشْرِينَ لَيْلَةً وَنَجَّمَهُ جِبْرِيلُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِشْرِينَ سَنَةً.
تَنْبِيهَاتٌ
الْأَوَّلُ: قِيلَ السِّرُّ فِي إِنْزَالِهِ جُمْلَةً إِلَى السَّمَاءِ تَفْخِيمُ أَمْرِهِ وَأَمْرِ مَنْ نَزَلَ عَلَيْهِ وذلك بإعلام سكان السموات السَّبْعِ أَنَّ هَذَا آخِرُ الْكُتُبِ الْمُنَزَّلَةِ عَلَى خَاتَمِ الرُّسُلِ لِأَشْرَفِ الْأُمَمِ قَدْ قَرَّبْنَاهُ إِلَيْهِمْ لِنُنَزِّلَهُ عَلَيْهِمْ وَلَوْلَا أَنَّ الْحِكْمَةَ الْإِلَهِيَّةَ اقْتَضَتْ وُصُولَهُ إِلَيْهِمْ مُنَجَّمًا بِحَسْبِ الْوَقَائِعِ لَهَبَطَ بِهِ إِلَى الْأَرْضِ جُمْلَةً كَسَائِرِ الْكُتُبِ الْمُنَزَّلَةِ قَبْلَهُ وَلَكِنَّ اللَّهَ بَايَنَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا فَجَعَلَ لَهُ الْأَمْرَيْنِ: إِنْزَالُهُ جُمْلَةً ثُمَّ إِنْزَالُهُ مُفَرَّقًا تَشْرِيفًا لِلْمُنَزَّلِ عَلَيْهِ ذَكَرَ ذَلِكَ أَبُو شَامَةَ فِي الْمُرْشِدِ الْوَجِيزِ.
وَقَالَ الْحَكِيمُ التِّرْمِذِيُّ: أُنْزِلَ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا تَسْلِيمًا مِنْهُ لِلْأُمَّةِ مَا كَانَ أَبْرَزَ لَهُمْ مِنَ الْحَظِّ بمبعث مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَلِكَ(1/149)
أن بعثته كَانَتْ رَحْمَةً فَلَمَّا خَرَجَتِ الرَّحْمَةُ بِفَتْحِ الْبَابِ جَاءَتْ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِالْقُرْآنِ فَوُضِعَ الْقُرْآنُ بِبَيْتِ الْعِزَّةِ فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا لِيَدْخُلَ فِي حَدِّ الدُّنْيَا وَوُضِعَتِ النُّبُوَّةُ فِي قَلْبِ مُحَمَّدٍ وَجَاءَ جِبْرِيلُ بِالرِّسَالَةِ ثُمَّ الْوَحْيِ كَأَنَّهُ أَرَادَ تَعَالَى أَنَّ يُسَلِّمَ هَذِهِ الرَّحْمَةَ الَّتِي كَانَتْ حَظَّ هَذِهِ الْأُمَّةِ مِنَ اللَّهِ إِلَى الْأُمَّةِ.
وَقَالَ السَّخَاوِيُّ فِي جَمَالِ الْقُرَّاءِ: فِي نُزُولِهِ إِلَى السَّمَاءِ جُمْلَةً تَكْرِيمُ بَنِي آدَمَ وَتَعْظِيمُ شَأْنِهِمْ عِنْدَ الْمَلَائِكَةِ وَتَعْرِيفُهُمْ عِنَايَةَ اللَّهِ بِهِمْ وَرَحْمَتَهُ لَهُمْ وَلِهَذَا الْمَعْنَى أَمَرَ سَبْعِينَ أَلْفًا مِنَ الْمَلَائِكَةِ أَنْ تُشَيِّعَ سُورَةَ الْأَنْعَامِ وَزَادَ سُبْحَانَهُ فِي هَذَا الْمَعْنَى بِأَنْ أَمَرَ جِبْرِيلَ بِإِمْلَائِهِ عَلَى السَّفَرَةِ الْكِرَامِ وَإِنْسَاخِهِمْ إِيَّاهُ وَتِلَاوَتِهِمْ لَهُ.
قَالَ: وَفِيهِ أَيْضًا التَّسْوِيَةُ بين نبينا وَبَيْنَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي إِنْزَالِهِ كِتَابَهُ جُمْلَةً وَالتَّفْضِيلُ لِمُحَمَّدٍ فِي إِنْزَالِهِ عَلَيْهِ مُنَجَّمًا لِيَحْفَظَهُ.
قَالَ أَبُو شَامَةَ: فَإِنْ قُلْتَ: فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} مِنْ جُمْلَةِ الْقُرْآنِ الَّذِي نَزَلَ جُمْلَةً أَمْ لَا؟ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْهُ فَمَا نَزَلَ جُمْلَةً وَإِنْ كَانَ مِنْهُ فَمَا وَجْهُ صِحَّةِ هَذِهِ الْعِبَارَةِ؟
قُلْتُ: لَهُ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ مَعْنَى الْكَلَامِ إِنَّا حَكَمْنَا بِإِنْزَالِهِ فِي لَيْلَةِ الَقَدْرِ وَقَضَيْنَاهُ وَقَدَّرْنَاهُ فِي الْأَزَلِ. وَالثَّانِي: أَنَّ لَفْظَهُ لَفْظُ الْمَاضِي وَمَعْنَاهُ الِاسْتِقْبَالُ أَيْ يُنَزِّلُهُ جُمْلَةً فِي لَيْلَةِ الَقَدْرِ انْتَهَى.
الثَّانِي: قَالَ أَبُو شَامَةَ أَيْضًا: الظَّاهِرُ أَنَّ نُزُولَهُ جُمْلَةً إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا قَبْلَ ظُهُورِ نُبُوَّتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ بَعْدَهَا.
قُلْتُ: الظَّاهِرُ هُوَ الثَّانِي وَسِيَاقُ الْآثَارِ السَّابِقَةِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ صَرِيحٌ فِيهِ.(1/150)
وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِ البخاري: قد أخرج أَحْمَدُ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ لِسِتٍّ مَضَيْنَ مِنْ رَمَضَانَ والإنجيل لثلاث عشرة خَلَتْ مِنْهُ وَالزَّبُورُ لِثَمَانِ عَشَرَةَ خَلَتْ مِنْهُ وَالْقُرْآنُ لِأَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ خَلَتْ مِنْهُ ". وَفِي رِوَايَةٍ: "وَصُحُفُ إِبْرَاهِيمَ لِأَوَّلِ لَيْلَةٍ " قَالَ: وَهَذَا الْحَدِيثُ مُطَابِقٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} وَلِقَوْلِهِ: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لَيْلَةَ الَقَدْرِ فِي تِلْكَ السَّنَةِ كَانَتْ اللَّيْلَةَ فَأُنْزِلَ فِيهَا جُمْلَةً إِلَى سماء الدُّنْيَا ثُمَّ أُنْزِلَ فِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ إِلَى الْأَرْضِ أَوَّلُ: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} .
قُلْتُ: لَكِنْ يُشْكِلُ عَلَى هَذَا مَا اشْتُهِرَ مِنْ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُعِثَ فِي شَهْرٍ رَبِيعٍ وَيُجَابُ عَنْ هَذَا بِمَا ذَكَرُوهُ أنه نبئ أَوَّلًا بِالرُّؤْيَا فِي شَهْرِ مَوْلِدِهِ ثُمَّ كَانَتْ مُدَّتُهَا سِتَّةَ أَشْهُرٍ ثُمَّ أُوحِيَ إِلَيْهِ فِي الْيَقَظَةِ. ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ.
نَعَمْ يُشْكِلُ عَلَى الْحَدِيثِ السَّابِقِ مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي فَضَائِلِ الْقُرْآنِ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ قَالَ أُنْزِلَتِ الْكُتُبُ كَامِلَةً لَيْلَةَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ مِنْ رَمَضَانَ.
الثَّالِثُ: قَالَ أَبُو شَامَةَ أَيْضًا فَإِنْ قِيلَ مَا السِّرُّ فِي نُزُولِهِ مُنَجَّمًا وَهَلَّا نزل كَسَائِرِ الْكُتُبِ جُمْلَةً!
قُلْنَا: هَذَا سُؤَالٌ قَدْ تَوَلَّى اللَّهُ جَوَابَهُ فَقَالَ تَعَالَى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً} ، يَعْنُونَ كَمَا أُنْزِلَ عَلَى مَنْ قَبْلَهُ مِنَ الرُّسُلِ فَأَجَابَهُمْ تَعَالَى بِقَوْلِهِ: {كَذَلِكَ} أَيْ أَنْزَلْنَاهُ كَذَلِكَ مُفَرَّقًا: {لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ} أَيْ لِنُقَوِّيَ بِهِ قَلْبَكَ فَإِنَّ الْوَحْيَ إِذَا كَانَ يَتَجَدَّدُ فِي كُلِّ حَادِثَةٍ(1/151)
كَانَ أَقْوَى بِالْقَلْبِ وَأَشَدَّ عِنَايَةً بِالْمُرْسَلِ إِلَيْهِ وَيَسْتَلْزِمُ ذَلِكَ كَثْرَةَ نُزُولِ الْمَلَكِ إِلَيْهِ وَتَجَدُّدِ الْعَهْدِ بِهِ وَبِمَا مَعَهُ مِنَ الرِّسَالَةِ الْوَارِدَةِ مِنْ ذَلِكَ الْجَنَابِ الْعَزِيزِ فَيَحْدُثُ لَهُ مِنَ السُّرُورِ مَا تَقْصُرُ عَنْهُ الْعِبَارَةُ وَلِهَذَا كَانَ أَجْوَدَ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ لِكَثْرَةِ لِقَائِهِ جِبْرِيلَ.
وَقِيلَ: مَعْنَى {لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ} أَيْ لنحفظه فَإِنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ أُمِّيًّا لَا يَقْرَأُ وَلَا يَكْتُبُ فَفُرِّقَ عَلَيْهِ لِيَثْبُتَ عِنْدَهُ حِفْظُهُ بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ فَإِنَّهُ كَانَ كَاتِبًا قَارِئًا فَيُمْكِنُهُ حِفْظُ الْجَمِيعِ.
وَقَالَ ابْنُ فَوْرَكَ: قِيلَ: أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ جُمْلَةً لِأَنَّهَا نَزَلَتْ عَلَى نَبِيٍّ يَكْتُبُ وَيَقْرَأُ وَهُوَ مُوسَى وَأَنْزَلَ اللَّهُ الْقُرْآنَ مُفَرَّقًا لِأَنَّهُ أُنْزِلَ غَيْرَ مَكْتُوبٍ عَلَى نَبِيٍّ أُمِّيٍّ.
وَقَالَ غَيْرُهُ: إِنَّمَا لَمْ يَنْزِلْ جُمْلَةً وَاحِدَةً لِأَنَّ مِنْهُ النَّاسِخُ وَالْمَنْسُوخُ وَلَا يَتَأَتَّى ذَلِكَ إِلَّا فِيمَا أُنْزِلَ مُفَرَّقًا وَمِنْهُ ما هو جواب لسؤال وما هُوَ إِنْكَارٌ عَلَى قَوْلٍ قِيلَ أَوْ فِعْلٍ فُعِلَ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ: وَنَزَّلَهُ جِبْرِيلُ بِجَوَابِ كَلَامِ الْعِبَادِ وَأَعْمَالِهِمْ وَفَسَّرَ بِهِ قَوْلَهُ: {وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ} أَخْرَجَهُ عَنْهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ.
فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْآيَةَ تَضَمَّنَتْ حِكْمَتَيْنِ لِإِنْزَالِهِ مُفَرَّقًا.
تَذْنِيبٌ
مَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ هَؤُلَاءِ مِنْ أَنَّ سَائِرَ الْكُتُبِ أُنْزِلَتْ جُمْلَةً. هُوَ مَشْهُورٌ فِي كَلَامِ الْعُلَمَاءِ وَعَلَى ألسنتهم. حتى كاد يَكُونَ إِجْمَاعًا وَقَدْ رَأَيْتُ بَعْضَ(1/152)
فُضَلَاءَ الْعَصْرِ أَنْكَرَ ذَلِكَ وَقَالَ إِنَّهُ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ بَلِ الصَّوَابُ أَنَّهَا نَزَلَتْ مُفَرَّقَةً كَالْقُرْآنِ.
وَأَقُولُ: الصَّوَابُ الْأَوَّلُ وَمِنَ الْأَدِلَّةِ عَلَى ذَلِكَ آيَةُ الْفَرْقَانِ السَّابِقَةُ.
أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَتِ الْيَهُودُ: يَا أَبَا الْقَاسِمِ لَوْلَا أُنْزِلُ هَذَا الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ عَلَى مُوسَى فَنَزَلَتْ وَأَخْرَجَهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْهُ بِلَفْظِ: "قَالَ الْمُشْرِكُونَ " وَأَخْرَجَ نَحْوَهُ عَنْ قَتَادَةَ وَالسُّدِّيِّ.
فَإِنْ قُلْتَ: لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ التَّصْرِيحُ بِذَلِكَ وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى تَقْدِيرِ ثُبُوتِهِ قَوْلُ الْكُفَّارِ!
قُلْتُ: سُكُوتُهُ تَعَالَى عَنِ الرَّدِّ عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ وَعُدُولِهِ إِلَى بَيَانِ حِكْمَتِهِ دَلِيلٌ عَلَى صِحَّتِهِ وَلَوْ كَانَتِ الْكُتُبُ كُلُّهَا نَزَلَتْ مُفَرَّقَةً لَكَانَ يَكْفِي فِي الرَّدِّ عَلَيْهِمْ أَنْ يَقُولَ: إِنَّ ذَلِكَ سُنَّةُ اللَّهِ فِي الْكُتُبِ الَّتِي أَنْزَلَهَا عَلَى الرُّسُلِ السَّابِقَةَ كَمَا أَجَابَ بِمِثْلِ ذَلِكَ قَوْلَهُمْ: {وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الأَسْوَاقِ} فَقَالَ: {وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الأَسْوَاقِ} وَقَوْلُهُمْ: {أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَراً رَسُولاً} فقال: {وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ} وَقَوْلُهُمْ كَيْفَ يَكُونُ رَسُولًا وَلَا هَمَّ لَهُ إِلَّا النِّسَاءُ! فَقَالَ: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً} إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ.(1/153)
وَمِنَ الْأَدِلَّةِ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا قَوْلُهُ تَعَالَى فِي إِنْزَالِ التَّوْرَاةِ عَلَى مُوسَى يَوْمَ الصَّعْقَةِ: {فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ} {وألقى الألواح} {وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدىً وَرَحْمَةٌ} {وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ} فَهَذِهِ الْآيَاتُ كُلُّهَا دَالَّةٌ عَلَى إِتْيَانِهِ التَّوْرَاةَ جُمْلَةً.
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أُعْطِيَ مُوسَى التَّوْرَاةَ فِي سَبْعَةِ أَلْوَاحٍ مِنْ زَبَرْجَدٍ فِيهَا تِبْيَانٌ لِكُلِّ شَيْءٍ وَمَوْعِظَةٌ فَلَمَّا جَاءَ بِهَا فَرَأَى بَنِي إِسْرَائِيلَ عُكُوفًا عَلَى عِبَادَةِ الْعِجْلِ رَمَى بِالتَّوْرَاةِ مِنْ يَدِهِ فَتَحَطَّمَتْ فَرَفَعَ اللَّهُ مِنْهَا سِتَّةَ أَسْبَاعٍ وَبَقِيَ مِنْهَا سُبْعٌ.
وَأَخْرَجَ مِنْ طَرِيقِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ رَفَعَهُ قَالَ: الْأَلْوَاحُ الَّتِي أُنْزِلَتْ عَلَى مُوسَى كَانَتْ مِنْ سِدْرِ الْجَنَّةِ كَانَ طُولَ اللَّوْحِ اثْنَيْ عَشَرَ ذِرَاعًا.
وَأَخْرَجَ النَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي حَدِيثِ الْفِتُونِ، قَالَ: أَخَذَ مُوسَى الْأَلْوَاحَ بَعْدَمَا سكت عَنْهُ الْغَضَبُ فَأَمَرَهُمْ بِالَّذِي أَمَرَ اللَّهُ أَنْ يُبَلِّغَهُمْ مِنَ الْوَظَائِفِ فَثَقُلَتْ عَلَيْهِمْ وَأَبَوْا أَنْ يُقِرُّوا بِهَا حَتَّى نَتَقَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَبَلَ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَدَنَا مِنْهُمْ حَتَّى خَافُوا أَنْ يَقَعَ عَلَيْهِمْ فَأَقَرُّوا بِهَا.
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ ثَابِتِ بْنِ الْحَجَّاجِ قَالَ: جَاءَتْهُمُ التَّوْرَاةُ جُمْلَةً وَاحِدَةً فَكَبُرَ عَلَيْهِمْ فَأَبَوْا أَنْ يأخذوها حَتَّى ظَلَّلَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَبَلَ فَأَخَذُوهَا عِنْدَ ذَلِكَ.(1/154)
فَهَذِهِ آثَارٌ صَحِيحَةٌ صَرِيحَةٌ فِي إِنْزَالِ التَّوْرَاةِ جُمْلَةً وَيُؤْخَذُ مِنِ الْأَثَرِ الْأَخِيرِ مِنْهَا حِكْمَةٌ أُخْرَى لِإِنْزَالِ الْقُرْآنِ مُفَرَّقًا فَإِنَّهُ أَدْعَى إِلَى قَبُولِهِ إِذَا نَزَلَ عَلَى التَّدْرِيجِ بِخِلَافِ مَا لَوْ نَزَلَ جُمْلَةً وَاحِدَةً فَإِنَّهُ كَانَ يَنْفِرُ مِنْ قَبُولِهِ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ لِكَثْرَةِ مَا فِيهِ مِنَ الْفَرَائِضِ وَالْمَنَاهِي.
وَيُوَضِّحُ ذَلِكَ مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: إِنَّمَا نَزَلَ أَوَّلَ مَا نَزَلَ منه سُورَةٌ مِنَ الْمُفَصَّلِ فِيهَا ذِكْرُ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ حَتَّى إِذَا ثَابَ النَّاسُ إِلَى الْإِسْلَامِ نَزَلَ الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ وَلَوْ نَزَلَ أَوَّلُ شَيْءٍ: "لَا تَشْرَبُوا الْخَمْرَ " لَقَالُوا: لَا نَدَعُ الْخَمْرَ أَبَدًا وَلَوْ نَزَلَ: "لَا تَزْنُوا " لَقَالُوا: لَا نَدَعُ الزِّنَا أَبَدًا. ثُمَّ رَأَيْتُ هَذِهِ الْحِكْمَةَ مُصَرَّحًا بِهَا فِي النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ لِمَكِّيٍ.
فَرْعٌ
الَّذِي اسْتُقْرِئَ مِنَ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَغَيْرِهَا أَنَّ الْقُرْآنَ كَانَ يَنْزِلُ بِحَسْبِ الْحَاجَةِ خمس آيات وعشرا وَأَكْثَرُ وَأَقَلُّ وَقَدْ صَحَّ نُزُولُ الْعَشْرِ آيَاتٍ فِي قِصَّةِ الْإِفْكِ جُمْلَةً وَصَحَّ نُزُولُ عَشْرِ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِ "الْمُؤْمِنُونَ" جُمْلَةً، وَصَحَّ نُزُولُ: {غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} وَحْدَهَا وَهِيَ بَعْضُ آيَةٍ وَكَذَا قَوْلُهُ: {وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً} إِلَى آخِرِ الْآيَةِ نَزَلَتْ بَعْدَ نُزُولِ أَوَّلِ الْآيَةِ كَمَا حَرَّرْنَاهُ فِي أَسْبَابِ النُّزُولِ وَذَلِكَ بَعْضُ آيَةٍ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَشْتَةَ فِي كِتَابِ الْمَصَاحِفِ عَنْ عِكْرِمَةَ فِي قوله: {بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ} قَالَ: أَنْزَلَ اللَّهُ الْقُرْآنَ نُجُومًا ثَلَاثَ آيَاتٍ وَأَرْبَعَ آيَاتٍ وَخَمْسَ آيَاتٍ.
وَقَالَ النِّكْزَاوِيُّ فِي كِتَابِ الْوَقْفِ: كَانَ الْقُرْآنُ يَنْزِلُ مُفَرَّقًا الْآيَةَ وَالْآيَتَيْنِ وَالثَّلَاثَ وَالْأَرْبَعَ وَأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ.(1/155)
وَأَخْرَجَهُ ابْنُ عَسَاكِرَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي نَضْرَةَ قَالَ كَانَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ يُعَلِّمُنَا الْقُرْآنَ خَمْسَ آيَاتٍ بِالْغَدَاةِ وَخَمْسَ آيَاتٍ بِالْعَشِيِّ وَيُخْبِرُ أَنَّ جِبْرِيلَ نَزَلَ بِالْقُرْآنِ خَمْسَ آيَاتٍ خَمْسَ آيَاتٍ.
وَأَمَّا مَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي خَلْدَةَ عَنْ عُمَرَ قَالَ: تَعَلَّمُوا الْقُرْآنَ خَمْسَ آيَاتٍ خَمْسَ آيَاتٍ فَإِنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يَنْزِلُ بِالْقُرْآنِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَمْسًا خَمْسًا وَمِنْ طَرِيقٍ ضَعِيفٍ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: أُنْزِلَ الْقُرْآنُ خَمْسًا خَمْسًا إِلَّا سُورَةَ الْأَنْعَامِ وَمَنْ حَفِظَ خَمْسًا خَمْسًا لَمْ يَنْسَهُ.
فَالْجَوَابُ أَنَّ مَعْنَاهُ - إِنْ صَحَّ - إِلْقَاؤُهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم بهذا الَقَدْرَ حَتَّى يَحْفَظَهُ ثُمَّ يُلْقِي إِلَيْهِ الْبَاقِي لَا إِنْزَالُهُ بِهَذَا الَقَدْرِ خَاصَّةً وَيُوَضِّحُ ذَلِكَ مَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا عَنْ خَالِدِ بْنِ دِينَارٍ قَالَ: قَالَ لَنَا أَبُو الْعَالِيَةِ: تَعَلَّمُوا الْقُرْآنَ خَمْسَ آيَاتٍ خَمْسَ آيَاتٍ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْخُذُهُ مِنْ جِبْرِيلَ خَمْسًا خَمْسًا.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيةُ: فِي كَيْفِيَّةِ الْإِنْزَالِ وَالْوَحْيِ:
قَالَ الْأَصْفَهَانِيُّ فِي أَوَائِلِ تَفْسِيرِهِ: اتَّفَقَ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ عَلَى أَنَّ كَلَامَ اللَّهِ مُنَزَّلٌ وَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى الْإِنْزَالِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إِظْهَارُ الْقِرَاءَةِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَلْهَمَ كَلَامَهُ جِبْرِيلَ وَهُوَ فِي السَّمَاءِ وَهُوَ عَالٍ مِنَ الْمَكَانِ وَعَلَّمَهُ قِرَاءَتَهُ ثُمَّ جِبْرِيلُ أَدَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَهُوَ يَهْبِطُ فِي الْمَكَانِ. وَفِي التَّنْزِيلِ طَرِيقَانِ أَحَدُهُمَا: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْخَلَعَ مِنْ صُورَةِ الْبَشَرِيَّةِ إِلَى صُورَةِ الْمَلَكِيَّةِ وَأَخَذَهُ مِنْ جِبْرِيلَ. وَالثَّانِي: أَنَّ الْمَلَكَ انْخَلَعَ إِلَى الْبَشَرِيَّةِ حَتَّى يَأْخُذَهُ الرَّسُولُ مِنْهُ وَالْأَوَّلُ أَصْعَبُ الْحَالَيْنِ. انْتَهَى.(1/156)
وَقَالَ الطِّيبِيُّ: لَعَلَّ نُزُولَ الْقُرْآنِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَتَلَقَّفَهُ الْمَلَكُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى تَلَقُّفًا رُوحَانِيًّا أَوْ يَحْفَظُهُ مِنَ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ فَيَنْزِلُ بِهِ إِلَى الرَّسُولِ وَيُلْقِيهِ عَلَيْهِ.
وَقَالَ الْقُطْبُ الرَّازِيُّ فِي حَوَاشِي الكشاف: الإنزال لُغَةً بِمَعْنَى الْإِيوَاءِ وَبِمَعْنَى تَحْرِيكِ الشَّيْءِ مِنَ علو إلى أسفل وكلاهما لا يتحققان فِي الْكَلَامِ فَهُوَ مُسْتَعْمَلٌ فِيهِ فِي مَعْنَى مَجَازِيٍّ فَمَنْ قَالَ الْقُرْآنُ مَعْنًى قَائِمٌ بِذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنْزَالُهُ أَنْ يُوجِدَ الْكَلِمَاتِ وَالْحُرُوفَ الدَّالَّةَ عَلَى ذَلِكَ الْمَعْنَى وَيُثْبِتَهَا فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ وَمَنْ قَالَ: الْقُرْآنُ هُوَ الْأَلْفَاظُ فَإِنْزَالُهُ مُجَرَّدُ إِثْبَاتِهِ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ وَهَذَا الْمَعْنَى مُنَاسِبٌ لِكَوْنِهِ مَنْقُولًا عَنِ الْمَعْنَيَيْنِ اللُّغَوِيَّيْنِ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِإِنْزَالِهِ إِثْبَاتُهُ فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا بَعْدَ الْإِثْبَاتِ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ وَهَذَا مُنَاسِبٌ لِلْمَعْنَى الثَّانِي وَالْمُرَادُ بِإِنْزَالِ الْكُتُبِ عَلَى الرُّسُلِ أَنْ يَتَلَقَّفَهَا الْمَلَكُ مِنَ اللَّهِ تَلَقُّفًا روحيا أَوْ يَحْفَظَهَا مِنَ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ وَيَنْزِلُ بِهَا فَيُلْقِيهَا عَلَيْهِمُ. انْتَهَى.
وَقَالَ غَيْرُهُ: فِي الْمُنَزَّلُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّهُ اللَّفْظُ وَالْمَعْنَى وَأَنَّ جِبْرِيلَ حَفِظَ الْقُرْآنَ مِنَ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ وَنَزَلَ بِهِ. وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ أَحْرُفَ الْقُرْآنِ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ كُلُّ حَرْفٍ مِنْهَا بِقَدْرِ جَبَلٍ قَافٍ وَأَنَّ تحت كل حرف منها معان لَا يُحِيطُ بِهَا إِلَّا اللَّهُ.
وَالثَّانِي: أَنَّ جِبْرِيلَ إِنَّمَا نَزَلَ بِالْمَعَانِي خَاصَّةً وَأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِمَ تِلْكَ الْمَعَانِي وَعَبَّرَ عَنْهَا بِلُغَةِ الْعَرَبِ وَتَمَسَّكَ قَائِلُ هَذَا بِظَاهِرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ}(1/157)
وَالثَّالِثُ: أَنَّ جِبْرِيلَ أَلْقَى إِلَيْهِ الْمَعْنَى وَأَنَّهُ عَبَّرَ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ بِلُغَةِ الْعَرَبِ وَأَنَّ أَهْلَ السَّمَاءِ يقرؤونه بِالْعَرَبِيَّةِ ثُمَّ إِنَّهُ نَزَلَ بِهِ كَذَلِكَ بَعْدَ ذَلِكَ.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} يُرِيدُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ إِنَّا أَسْمَعْنَا الْمَلَكَ وَأَفْهَمْنَاهُ إِيَّاهُ وَأَنْزَلْنَاهُ بِمَا سَمِعَ فيكون الملك منتقلا به مِنْ عُلُوٍّ إِلَى أَسْفَلَ.
قَالَ أَبُو شَامَةَ: هَذَا الْمَعْنَى مُطَّرِدٌ فِي جَمِيعِ أَلْفَاظِ الْإِنْزَالِ الْمُضَافَةِ إِلَى الْقُرْآنِ أَوْ إِلَى شَيْءٍ مِنْهُ يَحْتَاجُ إِلَيْهِ أَهْلُ السُّنَّةِ الْمُعْتَقِدُونَ قِدَمَ الْقُرْآنِ وَأَنَّهُ صِفَةٌ قَائِمَةٌ بِذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى.
قُلْتُ: وَيُؤَيِّدُ أَنَّ جِبْرِيلَ تَلَقَّفَهُ سَمَاعًا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى مَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ مَرْفُوعًا: إِذَا تَكَلَّمَ اللَّهُ بِالْوَحْيِ أَخَذَتِ السَّمَاءَ رَجْفَةٌ شَدِيدَةٌ مِنْ خَوْفِ اللَّهِ فَإِذَا سَمِعَ بِذَلِكَ أَهْلُ السَّمَاءِ صُعِقُوا وَخَرُّوا سُجَّدًا فَيَكُونُ أَوَّلُهُمْ يَرْفَعُ رَأْسَهُ جِبْرِيلُ فَيُكَلِّمُهُ اللَّهُ مِنْ وَحْيِهِ بِمَا أَرَادَ فَيَنْتَهِي بِهِ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَكُلَّمَا مَرَّ بِسَمَاءٍ سَأَلَهُ أَهْلُهَا مَاذَا قَالَ رَبُّنَا؟ قَالَ: الْحَقُّ. فَيَنْتَهِي بِهِ حَيْثُ أَمَرَ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَفَعَهُ إِذَا تَكَلَّمَ اللَّهُ بِالْوَحْيِ سمع أهل السموات صَلْصَلَةً كَصَلْصَلَةِ السِّلْسِلَةِ عَلَى الصَّفْوَانِ فَيَفْزَعُونَ وَيَرَوْنَ أَنَّهُ مِنْ أَمْرِ الساعة وَأَصْلُ الْحَدِيثِ فِي الصَّحِيحِ.
وَفِي تَفْسِيرِ عَلِيِّ بْنِ سَهْلٍ النَّيْسَابُورِيِّ: قَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ: نَزَلَ الْقُرْآنُ جُمْلَةً فِي لَيْلَةِ الَقَدْرِ مِنَ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ إِلَى بَيْتٍ يُقَالُ لَهُ بَيْتُ الْعِزَّةِ فَحِفْظَهُ جبريل وغشي على أهل السموات مِنْ هَيْبَةِ كَلَامِ اللَّهِ فَمَرَّ بِهِمْ جِبْرِيلُ وَقَدْ أَفَاقُوا فَقَالُوا: مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ؟ قَالُوا الْحَقَّ - يَعْنِي الْقُرْآنَ،(1/158)
- وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ: {حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ} فَأَتَى بِهِ جِبْرِيلُ إِلَى بَيْتِ الْعِزَّةِ فَأَمْلَاهُ عَلَى السَّفَرَةِ الْكَتَبَةِ يَعْنِي الْمَلَائِكَةَ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {بِأَيْدِي سَفَرَةٍ كِرَامٍ بَرَرَةٍ} .
وَقَالَ الْجُوَيْنِيُّ: كَلَامُ اللَّهِ الْمُنَزَّلُ قِسْمَانِ: قِسْمٌ قَالَ اللَّهُ لِجِبْرِيلَ: قُلْ لِلنَّبِيِّ الَّذِي أَنْتَ مُرْسَلٌ إِلَيْهِ: إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ: افْعَلْ كَذَا وكذا وأمر بكذا وكذا فَفَهِمَ جِبْرِيلُ مَا قَالَهُ رَبُّهُ ثُمَّ نَزَلَ عَلَى ذَلِكَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ لَهُ مَا قَالَهُ رَبُّهُ وَلَمْ تَكُنِ الْعِبَارَةُ تِلْكَ الْعِبَارَةَ كَمَا يَقُولُ الْمَلِكُ لِمَنْ يَثِقُ بِهِ: قُلْ لِفُلَانٍ: يَقُولُ لَكَ الْمَلِكُ: اجْتَهِدْ فِي الْخِدْمَةِ وَاجْمَعْ جُنْدَكَ لِلْقِتَالِ فَإِنْ قَالَ الرَّسُولُ: يَقُولُ الْمَلِكُ لَا تَتَهَاوَنْ فِي خِدْمَتِي وَلَا تَتْرُكِ الْجُنْدَ تَتَفَرَّقُ وَحُثَّهُمْ عَلَى الْمُقَاتَلَةِ لَا يُنْسَبُ إِلَى كَذِبٍ وَلَا تَقْصِيرٍ فِي أَدَاءِ الرِّسَالَةِ. وَقِسْمٌ آخَرُ قَالَ اللَّهُ لجبريل: اقرأ على النبي صلى الله عليه وسلم هَذَا الْكِتَابَ فَنَزَلَ جِبْرِيلُ بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ مِنْ غَيْرِ تَغْيِيرٍ كَمَا يَكْتُبُ الْمَلِكُ كِتَابًا وَيُسَلِّمُهُ إِلَى أَمِينٍ، وَيَقُولُ اقْرَأْهُ عَلَى فُلَانٍ فَهُوَ لَا يُغَيِّرُ مِنْهُ كَلِمَةً وَلَا حَرْفًا. انْتَهَى
قُلْتُ: الْقُرْآنُ هُوَ الْقِسْمُ الثَّانِي وَالْقِسْمُ الْأَوَّلُ هُوَ السُّنَّةُ كَمَا وَرَدَ أَنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يَنْزِلُ بِالسُّنَّةِ كَمَا يَنْزِلُ بِالْقُرْآنِ. وَمِنْ هُنَا جَازَ رِوَايَةُ السُّنَّةِ بِالْمَعْنَى لِأَنَّ جِبْرِيلَ أَدَّاهُ بِالْمَعْنَى وَلَمْ تَجُزِ الْقِرَاءَةُ بِالْمَعْنَى لِأَنَّ جِبْرِيلَ أَدَّاهُ بِاللَّفْظِ وَلَمْ يُبِحْ لَهُ إِيحَاءَهُ بِالْمَعْنَى وَالسِّرُّ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ التَّعَبُّدُ بِلَفْظِهِ وَالْإِعْجَازُ بِهِ فَلَا يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَأْتِيَ بِلَفْظٍ يَقُومُ مَقَامَهُ. وَأَنَّ تَحْتَ كُلِّ حَرْفٍ مِنْهُ مَعَانِيَ لَا يُحَاطُ بِهَا كَثْرَةً فَلَا يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَأْتِيَ بَدَلَهُ بِمَا يَشْتَمِلُ عَلَيْهِ وَالتَّخْفِيفُ عَلَى الْأُمَّةِ حَيْثُ جَعَلَ الْمُنَزَّلَ إِلَيْهِمْ عَلَى قِسْمَيْنِ:(1/159)
قِسْمٌ يَرْوُونَهُ بِلَفْظِهِ الْمُوحَى بِهِ وَقِسْمٌ يَرْوُونَهُ بِالْمَعْنَى وَلَوْ جُعِلَ كُلُّهُ مِمَّا يُرْوَى بِاللَّفْظِ لَشَقَّ أَوْ بِالْمَعْنَى لَمْ يُؤْمَنِ التَّبْدِيلُ وَالتَّحْرِيفُ فَتَأَمَّلْ.
وَقَدْ رَأَيْتُ عَنِ السَّلَفِ مَا يُعَضِّدُ كَلَامَ الْجُوَيْنِيِّ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ عَقِيلٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الْوَحْيِ فَقَالَ: الْوَحْيُ مَا يُوحِي اللَّهُ إِلَى نَبِيٍّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ فَيُثْبِتُهُ فِي قَلْبِهِ فَيَتَكَلَّمُ بِهِ وَيَكْتُبُهُ وَهُوَ كَلَامُ اللَّهِ وَمِنْهُ مَا لَا يَتَكَلَّمُ بِهِ وَلَا يَكْتُبُهُ لْأَحَدٍ وَلَا يَأْمُرُ بِكِتَابَتِهِ وَلَكِنَّهُ يُحَدِّثُ بِهِ النَّاسَ حَدِيثًا وَيُبَيِّنُ لَهُمْ أَنَّ اللَّهَ أَمَرَهُ أَنْ يُبَيِّنَهُ لِلنَّاسِ ويبلغهم إياه.
فصل
وَقَدْ ذَكَرَ الْعُلَمَاءُ لِلْوَحْيِ كَيْفِيَّاتٍ:
إِحْدَاهَا: أَنْ يَأْتِيَهُ الْمَلَكُ فِي مِثْلِ صَلْصَلَةِ الْجَرَسِ كَمَا فِي الصَّحِيحِ وَفِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ سَأَلَتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ تُحِسُّ بِالْوَحْيِ فَقَالَ أَسْمَعُ صَلَاصِلَ ثُمَّ أَسْكُتُ عِنْدَ ذَلِكَ فَمَا مِنْ مَرَّةٍ يُوحَى إِلَيَّ إِلَّا ظَنَنْتُ أَنَّ نَفْسِي تُقْبَضُ. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَالْمُرَادُ أَنَّهُ صَوْتٌ مُتَدَارِكٌ يسمعه ولا يبين له أَوَّلَ مَا يَسْمَعُهُ حَتَّى يَفْهَمَهُ بَعْدُ. وَقِيلَ: هُوَ صَوْتُ خَفْقِ أَجْنِحَةِ الْمَلَكِ وَالْحِكْمَةُ فِي تَقَدُّمِهِ أَنْ يَفْرُغَ سَمْعُهُ لِلْوَحْيِ فَلَا يَبْقَى فِيهِ مَكَانًا لِغَيْرِهِ. وَفِي الصَّحِيحِ أَنَّ هَذِهِ الْحَالَةَ أَشَدُّ حَالَاتِ الْوَحْيِ عَلَيْهِ وَقِيلَ: إِنَّهُ إِنَّمَا كَانَ يَنْزِلُ هَكَذَا إِذَا نَزَلَتْ آيَةُ وعيد وتهديد.(1/160)
الثَّانِيةُ: أَنْ يَنْفُثَ فِي رَوْعِهِ الْكَلَامَ نَفْثًا كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ رُوحَ الَقُدُسِ نَفَثَ فِي رَوْعِي ". أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ. وَهَذَا قَدْ يَرْجِعُ إِلَى الْحَالَةِ الْأُولَى أَوِ الَّتِي بَعْدَهَا بِأَنْ يَأْتِيَهُ فِي إِحْدَى الْكَيْفِيَّتَيْنِ وَيَنْفُثَ فِي رَوْعِهِ.
الثَّالِثَةُ: أَنْ يَأْتِيَهُ فِي صُورَةِ الرَّجُلِ فَيُكَلِّمَهُ كَمَا فِي الصَّحِيحِ: "وَأَحْيَانًا يَتَمَثَّلُ لِيَ الْمَلَكُ رَجُلًا فَيُكَلِّمُنِي فَأَعِي مَا يَقُولُ "، زَادَ أَبُو عَوَانَةَ فِي صَحِيحِهِ: "وَهُوَ أَهْوَنُهُ عَلَيَّ".
الرَّابِعَةُ: أَنَّ يَأْتِيَهُ الْمَلَكُ فِي النَّوْمِ وَعَدَّ مِنْ هَذَا قَوْمٌ سُورَةَ الْكَوْثَرِ وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا فِيهِ.
الْخَامِسَةُ: أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِمَّا فِي الْيَقَظَةِ كَمَا فِي لَيْلَةِ الْإِسْرَاءِ أَوْ فِي النَّوْمِ كَمَا فِي حَدِيثِ مُعَاذٍ: "أَتَانِي رَبِّي فَقَالَ: فِيمَ يَخْتَصِمُ الْمَلَأُ الْأَعْلَى.." الْحَدِيثَ.
وَلَيْسَ فِي الْقُرْآنِ مِنْ هَذَا النَّوْعِ شَيْءٌ فِيمَا أَعْلَمُ نَعَمْ يُمْكِنُ أَنْ يُعَدَّ مِنْهُ آخِرُ سُورَةِ الْبَقَرَةِ لِمَا تَقَدَّمَ وَبَعْضُ سُورَةِ الضُّحَى وَأَلَمْ نَشْرَحْ فَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ حَدِيثِ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "سَأَلْتُ رَبِّي مَسْأَلَةً وَدِدْتُ أَنِّي لِمْ أَكُنْ سَأَلْتُهُ قُلْتُ: أَيْ رَبِّ اتَّخَذْتَ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا وَكَلَّمْتَ مُوسَى تَكْلِيمًا فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ أَلَمْ أَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَيْتُ وَضَالًّا فَهَدَيْتُ وَعَائِلًا فَأَغْنَيْتُ وَشَرَحْتُ لَكَ صَدْرَكَ وَحَطَطْتُ عَنْكَ وِزْرَكَ وَرَفَعْتُ لَكَ ذِكْرَكَ فَلَا أُذْكَرُ إِلَّا ذُكِرْتَ مَعِي! ".
فَائِدَةٌ
أَخْرَجَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي تَارِيخِهِ مِنْ طَرِيقِ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدَ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: أُنْزِلَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النُّبُوَّةُ وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعِينَ سَنَةً فَقَرَنَ بِنُبُوَّتِهِ إِسْرَافِيلَ ثَلَاثَ سِنِينَ فَكَانَ يُعَلِّمُهُ الْكَلِمَةَ وَالشَّيْءَ وَلَمْ يُنَزِّلْ عَلَيْهِ(1/161)
الْقُرْآنَ عَلَى لِسَانِهِ فَلَمَّا مَضَتْ ثَلَاثُ سِنِينَ قَرَنَ بِنُبُوَّتِهِ جِبْرِيلَ فَنَزَّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنَ عَلَى لِسَانِهِ عِشْرِينَ سَنَةً. قَالَ ابْنُ عَسَاكِرَ: وَالْحِكْمَةُ في توكيل إسرافيل أَنَّهُ الْمُوَكَّلُ بِالصُّورِ الَّذِي فِيهِ هَلَاكُ الْخَلْقِ وَقِيَامُ السَّاعَةِ وَنَبُّوتُهُ مُؤْذِنَةٌ بِقُرْبِ السَّاعَةِ وَانْقِطَاعِ الْوَحْيِ كَمَا وَكَّلَ بِذِي الْقَرْنَيْنِ رِيَافِيلَ الَّذِي يَطْوِي الْأَرْضَ وَبِخَالِدِ بْنِ سِنَانٍ مَالِكَ خَازِنَ النَّارِ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ سَابِطٍ قَالَ: "فِي أُمِّ الْكِتَابِ كُلُّ شَيْءٍ هُوَ كَائِنٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَوَكَّلَ ثَلَاثَةً بِحِفْظِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ فَوَكَّلَ جِبْرِيلَ بِالْكُتُبِ وَالْوَحْيِ إِلَى الْأَنْبِيَاءِ وَبِالنَّصْرِ عِنْدَ الْحُرُوبِ وَبِالْمُهْلِكَاتِ إِذَا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يُهْلِكَ قَوْمًا وَوَكَّلَ مِيكَائِيلَ بِالْقَطْرِ وَالنَّبَاتِ وَوَكَّلَ مَلَكَ الْمَوْتِ بِقَبْضِ الْأَنْفُسِ فَإِذَا كَانَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَارَضُوا بَيْنَ حِفْظِهِمْ وَبَيْنَ مَا كَانَ فِي أُمِّ الْكِتَابِ فَيَجِدُونَهُ سَوَاءً ".
وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ قَالَ: أَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ جِبْرِيلُ لْأَنَّهُ كَانَ أَمِينَ اللَّهِ عَلَى رُسُلِهِ.
فَائِدَةٌ ثَانِيَةٌ
أَخْرَجَ الْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أُنْزِلَ الْقُرْآنِ بِالتَّفْخِيمِ كَهَيْئَتِهِ: {عُذْراً أَوْ نُذْراً} وَ: {الصَّدَفَيْنِ} وَ: {أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ} وَأَشْبَاهُ هَذَا. قُلْتُ: أَخْرَجَهُ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ فِي(1/162)
كِتَابِ الْوَقْفِ وَالِابْتِدَاءِ فَبَيَّنَ أَنَّ الْمَرْفُوعَ مِنْهُ أُنْزِلَ الْقُرْآنُ بِالتَّفْخِيمِ فَقَطْ وَأَنَّ الْبَاقِيَ مُدْرَجٌ مِنْ كَلَامِ عَمَّارِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ أَحَدِ رُوَاةِ الْحَدِيثِ.
فَائِدَةٌ أُخْرَى
أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ قَالَ لَمْ يَنْزِلْ وَحْيٌ إِلَّا بِالْعَرَبِيَّةِ ثُمَّ تَرْجَمَ كُلُّ نَبِيٍّ لِقَوْمِهِ.
فَائِدَةٌ أُخْرَى
أَخْرَجَ ابْنُ سَعْدٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا نَزَلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ يَغُطُّ فِي رَأْسِهِ وَيَتَرَبَّدُ وَجْهُهُ أَيْ يَتَغَيَّرُ لَوْنُهُ بِالْجَرِيدَةِ وَيَجِدُ بَرْدًا فِي ثَنَايَاهُ وَيَعْرَقُ حَتَّى يَتَحَدَّرَ مِنْهُ مِثْلُ الجمان.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: فِي الْأَحْرُفِ السَّبْعَةِ الَّتِي نَزَلَ الْقُرْآنُ عَلَيْهَا.
قُلْتُ: وَرَدَ حَدِيثُ: "نَزَلَ الْقُرْآنُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ " مِنْ رِوَايَةِ جَمْعٍ مِنَ الصَّحَابَةِ: أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَأَنَسٍ وَحُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ وَزَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ وَسَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ وسليمان بْنِ صُرَدٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ وَعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعَمْرِو بْنِ أَبِي سَلَمَةَ وَعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَهِشَامِ بْنِ حَكِيمٍ وَأَبِي بَكْرَةَ وَأَبِي جَهْمٍ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَأَبِي طَلْحَةَ الْأَنْصَارِيِّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي أَيُّوبَ.
فَهَؤُلَاءِ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ صَحَابِيًّا وَقَدْ نَصَّ أَبُو عُبَيْدٍ عَلَى تَوَاتُرِهِ.
وَأَخْرَجَ أَبُو يَعْلَى فِي مُسْنَدِهِ أَنَّ عُثْمَانَ قَالَ عَلَى الْمِنْبَرِ أَذْكَرَ اللَّهُ رَجُلًا،(1/163)
سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِنَّ الْقُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ كُلُّهَا شَافٍ كَافٍ " لَمَّا قَامَ فَقَامُوا حَتَّى لَمْ يُحْصَوْا فَشَهِدُوا بِذَلِكَ فَقَالَ: وَأَنَا أَشْهَدُ مَعَهُمْ.
اختلاف الأقوال في نزول القرآن على سبعة أحرف
وَسَأَسُوقُ مِنْ رُوَاتِهِمْ مَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ فَأَقُولُ: اخْتُلِفَ فِي مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى نَحْوِ أَرْبَعِينَ قَوْلًا:
أَحَدُهَا: أَنَّهُ مِنِ الْمُشْكِلِ الَّذِي لَا يُدْرَى مَعْنَاهُ لْأَنَّ الْحَرْفَ يَصْدُقُ لُغَةً عَلَى حَرْفِ الْهِجَاءِ وَعَلَى الْكَلِمَةِ وَعَلَى الْمَعْنَى وَعَلَى الْجِهَةِ قَالَهُ ابْنُ سَعْدَانَ النَّحْوِيُّ.
الثَّانِي: أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالسَّبْعَةِ حَقِيقَةَ الْعَدَدِ بَلِ الْمُرَادُ التَّيْسِيرُ وَالتَّسْهِيلُ وَالسَّعَةُ وَلَفْظُ [السَّبْعَةِ] يُطْلَقُ عَلَى إِرَادَةِ الْكَثْرَةِ فِي الْآحَادِ كَمَا يُطْلَقُ السَّبْعُونَ فِي الْعَشَرَاتِ وَالسَّبْعُمِائَةِ فِي الْمِئِينَ وَلَا يُرَادُ الْعَدَدُ الْمُعَيَّنُ. وَإِلَى هَذَا جَنَحَ عِيَاضُ وَمَنْ تَبِعَهُ وَيَرُدُّهُ مَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "أَقْرَأَنِي جِبْرِيلُ عَلَى حَرْفٍ فَرَاجَعْتُهُ فَلَمْ أَزَلْ أَسْتَزِيدُهُ وَيَزِيدُنِي حَتَّى انْتَهَى إِلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ "،وَفِي حَدِيثِ أُبَيٍّ عِنْدَ مُسْلِمِ: "إِنَّ رَبِّي أَرْسَلَ إِلَيَّ أَنْ أَقْرَأَ الْقُرْآنَ عَلَى حَرْفٍ فَرَدَدْتُ إِلَيْهِ: أَنْ هَوِّنْ عَلَى أُمَّتِي فَأَرْسَلَ إِلَيَّ: أَنْ أَقْرَأَ عَلَى حَرْفَيْنِ فَرَدَدْتُ إِلَيْهِ: أَنْ هَوِّنْ عَلَى أُمَّتِي: فَأَرْسَلَ إِلَيَّ أَنِ اقْرَأْهُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ ".
وَفِي لَفْظٍ عَنْهُ عِنْدَ النَّسَائِيِّ: "إِنَّ جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ أَتَيَانِي فَقَعَدَ جِبْرِيلُ عَنْ يَمِينِي وَمِيكَائِيلَ عَنْ يَسَارِي فَقَالَ جِبْرِيلُ: اقْرَأِ الْقُرْآنَ عَلَى حَرْفٍ،(1/164)
فَقَالَ مِيكَائِيلُ: اسْتَزِدْهُ ... حَتَّى بَلَغَ سَبْعَةَ أَحْرُفٍ:، وفي حديث أبي بكرة عنه: "فَنَظَرْتُ إِلَى مِيكَائِيلَ فَسَكَتَ فَعَلِمْتُ أَنَّهُ قَدِ انْتَهَتِ الْعِدَّةُ ". فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى إِرَادَةِ حَقِيقَةِ الْعَدَدِ وَانْحِصَارِهِ.
الثَّالِثُ: أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا سَبْعُ قِرَاءَاتٍ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ لَا يُوجَدُ فِي الْقُرْآنِ كَلِمَةٌ تُقْرَأُ على سبعة أوجه إلاالقليل مثل: {وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ} و، {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} .
الرَّابِعُ: وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ كُلَّ كَلِمَةٍ تُقْرَأُ بِوَجْهٍ أَوْ وَجْهَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ أَوْ أَكْثَرَ إِلَى سَبْعَةٍ وَيُشْكِلُ عَلَى هَذَا أَنَّ فِي الْكَلِمَاتِ مَا قُرِئَ عَلَى أَكْثَرَ وَهَذَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ قَوْلًا رَابِعًا.
الْخَامِسُ: أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا الْأَوْجُهُ الَّتِي يَقَعُ فيها التَّغَايُرُ ذَكَرَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ قَالَ: فَأَوَّلُهَا مَا يَتَغَيَّرُ حَرَكَتُهُ وَلَا يزول معناه وصورته مثل: {وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ} بِالْفَتْحِ وَالرَّفْعِ وَثَانِيهَا مَا يَتَغَيَّرُ بِالْفِعْلِ مِثْلُ: {بَاعَدَ} و {بَاعِدْ} بِلَفْظِ الْمَاضِي وَالطَّلَبِ وَثَالِثُهَا مَا يَتَغَيَّرُ بِالنَّقْطِ مثل: {نُنْشِزُهَا} و {نَنْشُرُهَا} وَرَابِعُهَا مَا يَتَغَيَّرُ بِإِبْدَالِ حَرْفٍ قَرِيبِ الْمَخْرَجِ مثل: {طَلْحٍ مَّنْضُودٍ} وَ {طَلْعٍ} وَخَامِسُهَا مَا يَتَغَيَّرُ بِالتَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ مِثْلُ: {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ} وَ "سَكْرَةُ الْحَقِّ بِالْمَوْتِ". وَسَادِسُهَا مَا يَتَغَيَّرُ بِزِيَادَةٍ(1/165)
أَوْ نُقْصَانٍ مِثْلَ: {وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى} و" الذكر وَالْأُنْثَى "، وَسَابِعُهَا مَا يَتَغَيَّرُ بِإِبْدَالِ كَلِمَةٍ بِأُخْرَى مِثْلُ: {كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ} وَ" كَالصُّوفِ الْمَنْفُوشِ ". وَتَعَقَّبَ هَذَا قَاسِمُ بْنُ ثَابِتٍ بِأَنَّ الرُّخْصَةَ وَقَعَتْ وَأَكْثَرُهُمْ يَوْمَئِذٍ لَا يَكْتُبُ وَلَا يَعْرِفُ الرَّسْمَ وَإِنَّمَا كَانُوا يَعْرِفُونَ الْحُرُوفَ وَمَخَارِجَهَا. وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ تَوْهِينُ مَا قَالَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ لَاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الَانْحِصَارُ الْمَذْكُورُ فِي ذَلِكَ وَقَعَ اتِّفَاقًا وَإِنَّمَا اطَّلَعَ عَلَيْهِ بِالِاسْتِقْرَاءِ.
السَّادِسُ: وَقَالَ أَبُو الْفَضْلِ الرَّازِّيُّ فِي اللوامح الْكَلَامُ لَا يَخْرُجُ عَنْ سَبْعَةِ أَوْجُهٍ: فِي الِاخْتِلَافِ. الْأَوَّلُ: اخْتِلَافُ الْأَسْمَاءِ مِنْ إِفْرَادٍ وَتَثْنِيَةٍ وَجَمْعٍ وتذكير وتأنيث. الثاني: اخْتِلَافُ تَصْرِيفِ الْأَفْعَالِ مِنْ مَاضٍ وَمُضَارِعٍ وَأَمْرٍ. الثَّالِثُ: وُجُوهُ الْإِعْرَابِ. الرَّابِعُ: النَّقْصُ وَالزِّيَادَةُ. الْخَامِسُ: التَّقْدِيمُ وَالتَّأْخِيرُ. السَّادِسُ: الْإِبْدَالُ. السَّابِعُ: اخْتِلَافُ اللُّغَاتِ كَالْفَتْحِ وَالْإِمَالَةِ، وَالتَّرْقِيقِ وَالتَّفْخِيمِ، وَالْإِدْغَامِ وَالْإِظْهَارِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَهَذَا هُوَ الْقَوْلُ السَّادِسُ.
السَّابِعُ: وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْمُرَادُ بِهَا كَيْفِيَّةُ النُّطْقِ بِالتِّلَاوَةِ مِنْ إِدْغَامٍ وَإِظْهَارٍ وَتَفْخِيمٍ وَتَرْقِيقٍ وَإِمَالَةٍ وَإِشْبَاعٍ وَمَدٍّ وَقَصْرٍ وتشديد وتخفيف وتليين وتحقيق. وَهَذَا هُوَ الْقَوْلُ السَّابِعُ.
الثَّامِنُ: وَقَالَ ابْنُ الْجَزَرِيِّ: قَدْ تَتَبَّعْتُ صحيح القراءة وَشَاذَّهَا وَضَعِيفَهَا وَمُنْكَرَهَا فَإِذَا هِيَ يَرْجِعُ اخْتِلَافُهَا إِلَى سَبْعَةِ أَوْجُهٍ لَا يَخْرُجُ عَنْهَا وَذَلِكَ إِمَّا فِي الْحَرَكَاتِ بِلَا تَغَيُّرٍ فِي الْمَعْنَى والصورة نحو: {بِالْبُخْلِ} بِأَرْبَعَةٍ وَيُحْسَبُ بِوَجْهَيْنِ أَوْ مُتَغَيِّرٌ فِي الْمَعْنَى فَقَطْ نَحْوَ: {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ(1/166)
كَلِمَاتٍ} وَإِمَّا فِي الْحُرُوفِ بِتَغَيُّرِ الْمَعْنَى لَا الصُّورَةِ نحو: {تَبْلُو} وَ: {تَتْلُو} أَوْ عَكْسُ ذَلِكَ نَحْوُ: {الصِّرَاطَ} وَ: "السِّرَاطَ" أَوْ بتغيرهما نحو: {وَامْضُوا} " واسعوا " وَإِمَّا فِي التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ نَحْوُ: {فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ} أَوْ فِي الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ نَحْوُ: {وَصَّى} وَ " أَوْصَى " فَهَذِهِ سَبْعَةٌ لَا يَخْرُجُ الَاخْتِلَافُ عَنْهَا قَالَ: وَأَمَّا نَحْوُ اخْتِلَافِ الْإِظْهَارِ وَالْإِدْغَامِ وَالرَّوْمِ والإشمام والتحقيق وَالتَّسْهِيلِ وَالنَّقْلِ وَالْإِبْدَالِ فَهَذَا لَيْسَ مِنْ الِاخْتِلَافِ الذي يتنوع فيه اللفظ أو المعنى لْأَنَّ هَذِهِ الصِّفَاتِ الْمُتَنَوِّعَةَ فِي أَدَائِهِ لَا تُخْرِجُهُ عَنْ أَنْ يَكُونَ لَفْظًا وَاحِدًا. انْتَهَى. وَهَذَا هُوَ الْقَوْلُ الثَّامِنُ.
وَمِنْ أَمْثِلَةِ التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ قِرَاءَةُ الْجُمْهُورِ: {كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ} ، وَقَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ: "عَلَى قَلْبِ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ".
التَّاسِعُ: أَنَّ الْمُرَادَ سَبْعَةُ أَوْجُهٍ مِنَ الْمَعَانِي الْمُتَّفِقَةِ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ نَحْوَ أَقْبِلْ وَتَعَالَ وَهَلُمَّ وَعَجِّلْ وَأَسْرِعْ وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ وَهْبٍ وَخَلَائِقُ. وَنَسَبَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ لِأَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ وَيَدُلُّ لَهُ مَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ " أَنَّ جِبْرِيلَ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ اقْرَأِ الْقُرْآنَ عَلَى حَرْفٍ قَالَ مِيكَائِيلُ: اسْتَزِدْهُ ... حَتَّى بَلَغَ سَبْعَةَ أَحْرُفٍ، قَالَ: كُلُّ شَافٍ كَافٍ ما لم تختم آيَةُ عَذَابٍ بِرَحْمَةٍ أَوْ رَحْمَةٌ بِعَذَابٍ نَحْوُ قَوْلِكَ: تَعَالَ وَأَقْبِلْ وَهَلُمَّ وَاذْهَبْ وَأَسْرِعْ وَعَجِّلْ ". هَذَا اللَّفْظُ رِوَايَةُ أَحْمَدَ وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ.(1/167)
وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ أَيْضًا عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ نَحْوَهُ وَعِنْدَ أَبِي دَاوُدَ عَنْ أُبَيٍّ: "قُلْتُ: سَمِيعًا عَلِيمًا عَزِيزًا حَكِيمًا مَا لَمْ تُخْلَطْ آيَةُ عَذَابٍ بِرَحْمَةٍ أَوْ آية رَحْمَةٍ بِعَذَابٍ ".
وَعِنْدَ أَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: "أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ عَلِيمًا حَكِيمًا غَفُورًا رَحِيمًا " وَعِنْدَهُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ: "أَنَّ الْقُرْآنَ كُلَّهُ صَوَابٌ مَا لَمْ تَجْعَلْ مَغْفِرَةً عَذَابًا أَوْ عَذَابًا مَغْفِرَةً " أَسَانِيدُهَا جِيَادٌ.
قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: إِنَّمَا أَرَادَ بِهَذَا ضَرْبَ الْمَثَلِ لِلْحُرُوفِ الَّتِي نَزَلَ الْقُرْآنُ عَلَيْهَا أَنَّهَا مَعَانٍ مُتَّفِقٌ مَفْهُومُهَا مُخْتَلِفٌ مَسْمُوعُهَا لَا يَكُونُ فِي شَيْءٍ مِنْهَا مَعْنًى وَضِدُّهُ وَلَا وَجْهٌ يُخَالِفُ مَعْنَى وَجْهٍ خِلَافًا يَنْفِيهِ وَيُضَادُّهُ كَالرَّحْمَةِ الَّتِي هِيَ خِلَافُ الْعَذَابِ وَضِدُّهُ. ثُمَّ أَسْنَدَ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ: {كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ} " مَرُّوا فِيهِ " " سَعَوْا فِيهِ " وَكَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ يَقْرَأُ: {لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا} أَمْهِلُونَا أَخِّرُونَا.
قَالَ الطَّحَّاوِيُّ: وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ رُخْصَةً لِمَا كَانَ يَتَعَسَّرُ عَلَى كَثِيرٍ مِنْهُمُ التِّلَاوَةُ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ لِعَدَمِ عِلْمِهِمْ بِالْكِتَابَةِ وَالضَّبْطِ وَإِتْقَانِ الْحِفْظِ ثُمَّ نُسِخَ بِزَوَالِ الْعُذْرِ وَتَيَسُّرِ الْكِتَابَةِ وَالْحِفْظِ. وَكَذَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَالْبَاقِلَّانِيُّ وَآخَرُونَ.
وَفِي فَضَائِلِ أَبِي عُبَيْدٍ مِنْ طَرِيقِ عَوْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ أقرأ رجلا: {إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ طَعَامُ الأَثِيمِ} فَقَالَ الرَّجُلُ: "طَعَامُ الْيَتِيمِ " فَرَدَّهَا فَلَمْ يَسْتَقِمْ بِهَا لِسَانُهُ فَقَالَ: أتسطيع أَنْ تَقُولَ: طَعَامُ الْفَاجِرِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَافْعَلْ.(1/168)
الْعَاشِرُ: أَنَّ الْمُرَادَ سَبْعُ لُغَاتٍ وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ أَبُو عُبَيْدٍ وثعلب والأزهري وَآخَرُونَ وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَطِيَّةَ وَصَحَّحَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ. وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ لُغَاتِ الْعَرَبِ أَكْثَرُ مِنْ سَبْعَةٍ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَفْصَحُهَا فَجَاءَ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: نَزَلَ الْقُرْآنِ عَلَى سَبْعِ لُغَاتٍ مِنْهَا خَمْسٌ بِلُغَةِ الْعَجُزِ مِنْ هَوَازِنَ قَالَ وَالْعَجُزُ: سَعْدُ بْنُ بكر وجشم بن بَكْرٍ وَنَصْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ وَثَقِيفٌ وَهَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ مِنْ هَوَازِنَ وَيُقَالُ لَهُمْ: عُلْيَا هَوَازِنَ وَلِهَذَا قَالَ أَبُو عَمْرِو بْنُ الْعَلَاءِ: أَفْصَحُ الْعَرَبِ عُلْيَا هَوَازِنَ وَسُفْلَى تَمِيمٍ - يَعْنِي بَنِي دَارِمٍ.
وَأَخْرَجَ أَبُو عُبَيْدٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: نَزَلَ الْقُرْآنِ بِلُغَةِ الْكَعْبِيِّينَ: كَعْبِ قُرَيْشٍ وَكَعْبِ خُزَاعَةَ قِيلَ: وَكَيْفَ ذَاكَ؟ قَالَ: لْأَنَّ الدَّارَ وَاحِدَةٌ - يَعْنِي أَنَّ خُزَاعَةَ كَانُوا جِيرَانَ قُرَيْشٍ فَسَهُلَتْ عَلَيْهِمْ لُغَتُهُمْ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ السِّجِسْتَانِيُّ: نَزَلَ بِلُغَةِ قُرَيْشٍ وَهُذَيْلٍ وَتَمِيمٍ وَالْأَزْدِ وَرَبِيعَةَ وَهَوَازِنَ وَسَعْدِ بْنِ بَكْرٍ وَاسْتَنْكَرَ ذَلِكَ ابْنُ قُتَيْبَةَ وَقَالَ: لَمْ يَنْزِلِ الْقُرْآنُ إِلَّا بِلُغَةِ قُرَيْشٍ وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ} فَعَلَى هَذَا تَكُونُ اللُّغَاتُ السَّبْعُ فِي بُطُونِ قُرَيْشٍ وَبِذَلِكَ جَزَمَ أَبُو عَلِيٍّ الْأَهْوَازِيُّ.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: لَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ كُلَّ كَلِمَةٍ تُقْرَأُ عَلَى سَبْعِ لُغَاتٍ بَلِ اللُّغَاتُ السَّبْعُ مُفَرَّقَةٌ فِيهِ فَبَعْضُهُ بِلُغَةِ قُرَيْشٍ وَبَعْضُهُ بِلُغَةِ هُذَيْلٍ وَبَعْضُهُ بِلُغَةِ هَوَازِنَ وَبَعْضُهُ بِلُغَةِ الْيَمَنِ وَغَيْرِهِمْ قَالَ وَبَعْضُ اللغات أسعد بها مِنْ بَعْضٍ وَأَكْثَرُ نَصِيبًا.
وَقِيلَ: نَزَلَ بِلُغَةِ مُضَرَ خَاصَّةً لِقَوْلِ عُمَرَ: نَزَلَ الْقُرْآنُ بِلُغَةِ مُضَرَ.(1/169)
وَعَيَّنَ بَعْضُهُمْ فِيمَا حَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ السَّبْعَ مِنْ مُضَرَ أَنَّهُمْ: هُذَيْلٌ وَكِنَانَةُ وَقَيْسٌ وَضَبَّةُ وَتَيْمُ الرِّبَابِ وَأَسَدُ بْنُ خُزَيْمَةَ وَقُرَيْشٌ فَهَذِهِ قَبَائِلُ مُضَرَ، تَسْتَوْعِبُ سَبْعَ لُغَاتٍ.
وَنَقَلَ أَبُو شَامَةَ عَنْ بَعْضِ الشُّيُوخِ أَنَّهُ قَالَ: أُنْزِلَ الْقُرْآنُ أَوَّلًا بِلِسَانِ قُرَيْشٍ وَمَنْ جَاوَرَهُمْ مِنَ الْعَرَبِ الْفُصَحَاءِ ثُمَّ أُبِيحَ لِلْعَرَبِ أَنْ يقرؤوه بِلُغَاتِهِمُ الَّتِي جَرَتْ عَادَتُهُمْ بِاسْتِعْمَالِهَا على اخْتِلَافِهِمْ فِي الْأَلْفَاظِ وَالْإِعْرَابِ وَلَمْ يكلف أحد مِنْهُمْ الِانْتِقَالُ عَنْ لُغَتِهِ إِلَى لُغَةٍ أُخْرَى لِلْمَشَقَّةِ وَلِمَا كَانَ فِيهِمْ مِنَ الْحَمِيَّةِ وَلِطَلَبِ تَسْهِيلِ فَهْمِ الْمُرَادِ.
وَزَادَ غَيْرُهُ أَنَّ الْإِبَاحَةَ الْمَذْكُورَةَ لَمْ تَقَعْ بِالتَّشَهِّي بِأَنْ يُغَيِّرَ كُلُّ أَحَدٍ الْكَلِمَةَ بِمُرَادِفِهَا فِي لُغَتِهِ بَلِ الْمَرْعِيُّ فِي ذَلِكَ السَّمَاعُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَاسْتَشْكَلَ بَعْضُهُمْ هَذَا بِأَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يَلْفِظُ بِاللَّفْظِ الْوَاحِدِ سَبْعَ مَرَّاتٍ!
وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ إنما يَلْزَمُ هَذَا لَوِ اجْتَمَعَتِ الْأَحْرُفُ السَّبْعَةُ فِي لَفْظٍ وَاحِدٍ وَنَحْنُ قُلْنَا كَانَ جِبْرِيلُ يَأْتِي فِي كُلِّ عَرْضَةٍ بِحَرْفٍ إِلَى أَنْ تَمَّتْ سَبْعَةً.
وَبَعْدَ هَذَا كُلِّهِ رد هذا الْقَوْلُ بِأَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَهِشَامَ بْنَ حَكِيمٍ كِلَاهُمَا قُرَشِيٌّ من لغة واحدة وقبيلة وَاحِدَةٍ وَقَدِ اخْتَلَفَتْ قِرَاءَتُهُمَا وَمُحَالٌ أَنْ يُنْكِرَ عَلَيْهِ عُمَرُ لُغَتَهُ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَحْرُفِ السبعة غير اللغات.
الْحَادِي عَشَرَ: أَنَّ الْمُرَادَ سَبْعَةُ أَصْنَافٍ وَالْأَحَادِيثُ السَّابِقَةُ تَرُدُّهُ وَالْقَائِلُونَ بِهِ اخْتَلَفُوا فِي تَعْيِينِ السَّبْعَةِ. فَقِيلَ: أَمْرٌ وَنَهْيٌ وَحَلَالٌ وَحَرَامٌ وَمُحْكَمٌ وَمُتَشَابِهٌ وَأَمْثَالٌ وَاحْتَجُّوا بِمَا أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "كَانَ الْكِتَابُ الْأَوَّلُ يَنْزِلُ مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ(1/170)
عَلَى حَرْفٍ وَاحِدٍ وَنَزَلَ الْقُرْآنُ مِنْ سَبْعَةِ أَبْوَابٍ عَلَى سَبْعَةِ أحرف زاجر وآمر وحلال وَحَرَامٌ وَمُحْكَمٌ وَمُتَشَابِهٌ وَأَمْثَالٌ ... " الْحَدِيثَ.
وَقَدْ أَجَابَ عَنْهُ قَوْمٌ بِأَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْأَحْرُفِ السَّبْعَةِ الَّتِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا فِي الْأَحَادِيثِ الْأُخْرَى لْأَنَّ سِيَاقَ تِلْكَ الْأَحَادِيثِ يَأْبَى حَمْلَهَا عَلَى هَذَا بل هي ظَاهِرِهِ فِي أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ الْكَلِمَةَ تُقْرَأُ عَلَى وَجْهَيْنِ وَثَلَاثَةٍ إِلَى سَبْعَةٍ تَيْسِيرًا وَتَهْوِينًا وَالشَّيْءُ الْوَاحِدُ لَا يَكُونُ حَلَالًا وَحَرَامًا فِي آيَةٍ وَاحِدَةٍ.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: الْمُرَادُ بِالسَّبْعَةِ الْأَحْرُفِ هُنَا الْأَنْوَاعُ الَّتِي نَزَلَ عَلَيْهَا وَالْمُرَادُ بِهَا فِي تِلْكَ الْأَحَادِيثِ اللُّغَاتُ الَّتِي يُقْرَأُ بِهَا. وَقَالَ غَيْرُهُ: مِنْ أول الأحرف السبعة بِهَذَا فَهُوَ فَاسِدٌ لْأَنَّهُ مُحَالٌ أَنْ يَكُونَ الْحَرْفُ مِنْهَا حَرَامًا لا ما سواه أو حلالا لا مَا سِوَاهُ وَلْأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْقُرْآنُ يُقْرَأُ عَلَى أَنَّهُ حَلَالٌ كُلُّهُ أَوْ حَرَامٌ كُلُّهُ أَوْ أَمْثَالٌ كُلُّهُ.
وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: هَذَا الْقَوْلُ ضَعِيفٌ لْأَنَّ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ التَّوْسِعَةَ لَمْ تَقَعْ فِي تَحْرِيمِ حَلَالٍ وَلَا تَحْلِيلِ حَرَامٍ وَلَا فِي تَغْيِيرِ شَيْءٍ مِنَ الْمَعَانِي الْمَذْكُورَةِ.
وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: هَذَا الْقَوْلُ خَطَأٌ لْأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشَارَ إِلَى جَوَازِ الْقِرَاءَةِ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْحُرُوفِ وَإِبْدَالِ حَرْفٍ بِحَرْفٍ وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى تَحْرِيمِ إِبْدَالِ آيَةِ أَمْثَالٍ بِآيَةِ أَحْكَامٍ.
وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْأَهْوَازِيُّ وأبو العلاء الهمذاني: قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ: "زَاجِرٌ وَآمِرٌ " إِلَخْ. اسْتِئْنَافُ كَلَامٍ آخَرَ أَيْ هُوَ زَاجِرٌ أَيِ الْقُرْآنُ وَلَمْ يُرَدْ بِهِ تَفْسِيرُ الْأَحْرُفِ السَّبْعَةِ وَإِنَّمَا تَوَهَّمَ ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ الَاتِّفَاقِ فِي الْعَدَدِ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ زَجْرًا وَأَمْرًا - بِالنَّصْبِ - أَيْ نَزَلَ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ فِي الْأَبْوَابِ السَّبْعَةِ.(1/171)
وَقَالَ أَبُو شَامَةَ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ التَّفْسِيرُ الْمَذْكُورُ لِلْأَبْوَابِ لَا لِلْأَحْرُفِ أَيْ هِيَ سَبْعَةُ أَبْوَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْكَلَامِ وَأَقْسَامِهِ أَيْ أَنْزَلَهُ اللَّهُ عَلَى هَذِهِ الْأَصْنَافِ لَمْ يَقْتَصِرْ مِنْهَا عَلَى صِنْفٍ وَاحِدٍ كَغَيْرِهِ مِنَ الْكُتُبِ.
الثَّانِي عَشَرَ: وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِهَا الْمُطْلَقُ وَالْمُقَيَّدُ وَالْعَامُّ والخاص والنص والمؤول وَالنَّاسِخُ وَالْمَنْسُوخُ وَالْمُجْمَلُ وَالْمُفَسَّرُ وَالَاسْتِثْنَاءُ وَأَقْسَامُهُ حَكَاهُ شَيْذَلَةُ عَنِ الْفُقَهَاءِ وَهَذَا هُوَ الْقَوْلُ الثَّانِي عَشَرَ.
الثَّالِثَ عَشَرَ: وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِهَا الْحَذْفُ وَالصِّلَةُ وَالتَّقْدِيمُ وَالتَّأْخِيرُ وَالَاسْتِعَارَةُ وَالتَّكْرَارُ وَالْكِنَايَةُ وَالْحَقِيقَةُ وَالْمَجَازُ وَالْمُجْمَلُ وَالْمُفَسَّرُ وَالظَّاهِرُ وَالْغَرِيبُ حَكَاهُ عَنْ أَهْلِ اللُّغَةِ وَهَذَا هُوَ الْقَوْلُ الثَّالِثُ عَشَرَ.
الرَّابِعَ عَشَرَ: وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِهَا التَّذْكِيرُ وَالتَّأْنِيثُ وَالشَّرْطُ وَالْجَزَاءُ وَالتَّصْرِيفُ وَالْإِعْرَابُ وَالْأَقْسَامُ وَجَوَابُهَا وَالْجَمْعُ وَالْإِفْرَادُ وَالتَّصْغِيرُ وَالتَّعْظِيمُ وَاخْتِلَافُ الْأَدَوَاتِ حَكَاهُ عَنِ النُّحَاةِ وَهَذَا هُوَ الرَّابِعَ عَشَرَ.
الْخَامِسَ عَشَرَ: وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِهَا سَبْعَةُ أَنْوَاعٍ مِنَ الْمُعَامَلَاتِ الزُّهْدُ وَالْقَنَاعَةُ مَعَ الْيَقِينِ وَالْجَزْمِ وَالْخِدْمَةُ مَعَ الْحَيَاءِ وَالْكَرَمِ وَالْفُتُوَّةُ مَعَ الْفَقْرِ وَالْمُجَاهَدَةِ وَالْمُرَاقَبَةُ مَعَ الْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ وَالتَّضَرُّعِ وَالِاسْتِغْفَارُ مَعَ الرِّضَا وَالشُّكْرِ وَالصَّبْرُ مَعَ الْمُحَاسَبَةِ وَالْمَحَبَّةِ وَالشَّوْقُ مَعَ الْمُشَاهَدَةِ. حَكَاهُ عَنِ الصُّوفِيَّةِ وَهَذَا هُوَ الْخَامِسَ عشر.
السَّادِسَ عَشَرَ: أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا سَبْعَةُ عُلُومٍ: عِلْمُ الْإِنْشَاءِ وَالْإِيجَادِ وَعِلْمُ التَّوْحِيدِ وَالتَّنْزِيهِ وَعِلْمُ صِفَاتِ الذَّاتِ وَعَلَمُ صِفَاتِ الْفِعْلِ وَعِلْمُ الْعَفْوِ وَالْعَذَابِ وَعَلَمُ الْحَشْرِ وَالْحِسَابِ وَعَلَمُ النُّبُوَّاتِ.(1/172)
وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: ذَكَرَ الْقُرْطُبِيُّ عَنِ ابْنِ حِبَّانَ أَنَّهُ بَلَغَ الَاخْتِلَافُ فِي الْأَحْرُفِ السَّبْعَةِ إِلَى خَمْسَةٍ وَثَلَاثِينَ قَوْلًا وَلَمْ يَذْكُرِ الْقُرْطُبِيُّ مِنْهَا سِوَى خَمْسَةٍ وَلَمْ أَقِفْ عَلَى كَلَامِ ابْنِ حَبَّانِ فِي هَذَا بَعْدَ تَتَبُّعِي مَظَانَّهُ.
قُلْتُ: قَدْ حَكَاهُ ابْنُ النَّقِيبِ فِي مُقَدِّمَةِ تَفْسِيرِهِ عَنْهُ بِوَاسِطَةِ الشَّرَفِ الْمُزَنِيِّ الْمُرْسِيِّ فَقَالَ: قَالَ ابْنُ حِبَّانَ. اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي مَعْنَى الْأَحْرُفِ السَّبْعَةِ عَلَى خَمْسَةٍ وَثَلَاثِينَ قَوْلًا.
فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: هِيَ زَجْرٌ وَأَمْرٌ وَحَلَالٌ وَحَرَامٌ وَمُحْكَمٌ وَمُتَشَابِهٌ وَأَمْثَالٌ.
الثَّانِي: حَلَالٌ وَحَرَامٌ وَأَمْرٌ وَنَهْيٌ وَزَجْرٌ وَخَبَرُ مَا هُوَ كَائِنٌ بَعْدُ وَأَمْثَالٌ.
الثَّالِثُ: وَعْدٌ وَوَعِيدٌ وَحَلَالٌ وَحَرَامٌ وَمَوَاعِظُ وَأَمْثَالٌ وَاحْتِجَاجٌ.
الرَّابِعُ: أَمْرٌ وَنَهْيٌ وَبِشَارَةٌ وَنِذَارَةٌ وَأَخْبَارٌ وَأَمْثَالٌ.
الْخَامِسُ: مُحْكَمٌ وَمُتَشَابِهٌ وَنَاسِخٌ وَمَنْسُوخٌ وَخُصُوصٌ وَعُمُومٌ وَقَصَصٌ.
السَّادِسُ: أَمْرٌ وَزَجْرٌ وَتَرْغِيبٌ وَتَرْهِيبٌ وَجَدَلٌ وَقَصَصٌ وَمَثَلٌ.
السَّابِعُ: أَمْرٌ وَنَهْيٌ وَحَدٌّ وَعِلْمٌ وَسَرٌّ وَظَهْرٌ وَبَطْنٌ.
الثَّامِنُ: نَاسِخٌ وَمَنْسُوخٌ وَوَعْدٌ وَوَعِيدٌ وَرُغْمٌ وَتَأْدِيبٌ وَإِنْذَارٌ.
التَّاسِعُ: حَلَالٌ وَحَرَامٌ وَافْتِتَاحٌ وَأَخْبَارٌ وَفَضَائِلُ وَعُقُوبَاتٌ.
الْعَاشِرُ: أَوَامِرُ وَزَوَاجِرُ وَأَمْثَالٌ وَأَنْبَاءٌ وَعَتَبٌ وَوَعْظٌ وَقَصَصٌ.
الْحَادِي عَشَرَ: حَلَالٌ وَحَرَامٌ وَأَمْثَالٌ وَمَنْصُوصٌ وَقَصَصٌ وَإِبَاحَاتٌ.
الثَّانِي عَشَرَ: ظَهْرٌ وَبَطْنٌ وَفَرْضٌ وَنَدْبٌ وَخُصُوصٌ وَعُمُومٌ وَأَمْثَالٌ.(1/173)
لثالث عَشَرَ: أَمْرٌ وَنَهْيٌ وَوَعْدٌ وَوَعِيدٌ وَإِبَاحَةٌ وَإِرْشَادٌ وَاعْتِبَارٌ.
الرَّابِعَ عَشَرَ: مُقَدَّمٌ وَمُؤَخَّرٌ وَفَرَائِضُ وَحُدُودٌ وَمَوَاعِظَ وَمُتَشَابِهٌ وَأَمْثَالٌ.
الْخَامِسَ عَشَرَ: مُفَسَّرٌ وَمُجْمَلٌ وَمَقْضِيٌّ وَنَدْبٌ وَحَتْمٌ وَأَمْثَالٌ.
السَّادِسَ عَشَرَ: أَمْرُ حَتْمٍ وَأَمَرُ نَدْبٍ وَنَهْيُ حَتْمٍ وَنَهْيُ نَدْبٍ وَأَخْبَارٌ وَإِبَاحَاتٌ.
السَّابِعَ عَشَرَ: أَمْرُ فَرْضٍ وَنَهْيُ حَتْمٍ وَأَمْرُ نَدْبٍ وَنَهْيُ مُرْشِدٍ وَوَعْدٌ وَوَعِيدٌ وَقَصَصٌ.
الثَّامِنَ عَشَرَ: سَبْعُ جِهَاتٍ لَا يَتَعَدَّاهَا الْكَلَامُ لَفْظٌ خَاصٌّ أُرِيدَ بِهِ الْخَاصُّ وَلُفِظٌ عَامٌّ أُرِيدَ بِهِ الْعَامٌّ وَلَفْظٌ عَامٌّ أُرِيدَ بِهِ الْخَاصُّ وَلَفْظٌ خَاصٌّ أُرِيدَ بِهِ الْعَامُّ ولفظ ييستغنى بِتَنْزِيلِهِ عَنْ تَأْوِيلِهِ وَلَفْظٌ لَا يَعْلَمُ فِقْهَهُ إِلَّا الْعُلَمَاءُ وَلَفْظٌ لَا يَعْلَمُ مَعْنَاهُ إِلَّا الرَّاسِخُونَ.
التَّاسِعَ عَشَرَ: إِظْهَارُ الرُّبُوبِيَّةِ وَإِثْبَاتُ الْوَحْدَانِيَّةِ وَتَعْظِيمُ الْأُلُوهِيَّةِ وَالتَّعَبُّدُ لِلَّهِ وَمُجَانَبَةُ الْإِشْرَاكِ وَالتَّرْغِيبُ فِي الثَّوَابِ وَالتَّرْهِيبُ مِنَ الْعِقَابِ.
الْعِشْرُونَ سَبْعُ لُغَاتٍ مِنْهَا خَمْسٌ مِنْ هَوَازِنَ وَاثْنَتَانِ لِسَائِرِ الْعَرَبِ.
الْحَادِيَ وَالْعِشْرُونَ: سَبْعُ لُغَاتٍ مُتَفَرِّقَةٍ لِجَمِيعِ الْعَرَبِ كُلُّ حَرْفٍ مِنْهَا لِقَبِيلَةٍ مَشْهُورَةٍ.
الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ: سَبْعُ لُغَاتٍ أَرْبَعٌ لِعَجُزِ هَوَازِنَ سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ وجشم بن بكر ونصر بن مُعَاوِيَةَ وَثَلَاثٌ لِقُرَيْشٍ.
الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ: سَبْعُ لُغَاتٍ لُغَةُ قُرَيْشٍ وَلُغَةٌ لِلْيَمَنِ وَلُغَةٌ لَجُرْهُمَ وَلُغَةٌ لِهَوَازِنَ وَلُغَةٌ لِقُضَاعَةَ وَلُغَةٌ لِتَمِيمٍ وَلُغَةٌ لطيء.
الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ: لُغَةُ الْكَعْبِيِّينَ كَعْبِ بْنِ عَمْرٍو كعب بْنِ لُؤَيٍّ وَلَهُمَا سَبْعُ لُغَاتٍ.(1/174)
الْخَامِسُ وَالْعِشْرُونَ: اللُّغَاتُ الْمُخْتَلِفَةُ لِأَحْيَاءِ الْعَرَبِ فِي مَعْنًى وَاحِدٍ مِثْلُ هَلُمَّ وَهَاتِ وَتَعَالَ وَأَقْبِلْ.
السَّادِسُ وَالْعِشْرُونَ: سَبْعُ قِرَاءَاتٍ لِسَبْعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْهُمْ.
السَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ: هَمْزٌ وَإِمَالَةٌ وَفَتْحٌ وَكَسْرٌ وَتَفْخِيمٌ وَمَدٌّ وَقَصْرٌ.
الثَّامِنُ وَالْعِشْرُونَ: تَصْرِيفٌ وَمَصَادِرُ وَعَرُوضٌ وَغَرِيبٌ وَسَجْعٌ وَلُغَاتٌ مُخْتَلِفَةٌ كُلُّهَا فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ.
التَّاسِعُ وَالْعِشْرُونَ: كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ تُعْرَبُ بِسَبْعَةِ أَوْجُهٍ حَتَّى يَكُونَ الْمَعْنَى وَاحِدًا وَإِنِ اختلف اللفظ فيه.
الثَّلَاثُونَ: أُمَّهَاتُ الْهِجَاءِ الْأَلِفُ وَالْبَاءُ وَالْجِيمُ وَالدَّالُ وَالرَّاءُ وَالسِّينُ وَالْعَيْنُ لْأَنَّ عَلَيْهَا تَدُورُ جَوَامِعُ كَلَامِ الْعَرَبِ.
الْحَادِي وَالثَّلَاثُونَ: أَنَّهَا فِي أَسْمَاءِ الرَّبِّ مِثْلُ الْغَفُورِ الرَّحِيمِ السَّمِيعِ الْبَصِيرِ الْعَلِيمِ الْحَكِيمِ.
الثَّانِي وَالثَّلَاثُونَ: هِيَ آيَةٌ فِي صِفَاتِ الذات آية تَفْسِيرُهَا فِي آيَةٍ أُخْرَى وَآيَةٌ بَيَانُهَا فِي السُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ وَآيَةٌ فِي قِصَّةِ الْأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ وَآيَةٌ فِي خَلْقِ الْأَشْيَاءِ وَآيَةٌ فِي وَصْفِ الْجَنَّةِ وَآيَةٌ فِي وَصْفِ النَّارِ.
الثَّالِثُ وَالثَّلَاثُونَ: آية فِي وَصْفِ الصَّانِعِ وَآيَةٌ فِي إِثْبَاتِ الْوَحْدَانِيَّةِ لَهُ وَآيَةٌ فِي إِثْبَاتِ صِفَاتِهِ وَآيَةٌ فِي إِثْبَاتِ رُسُلِهِ وَآيَةٌ فِي إِثْبَاتِ كُتُبِهِ وَآيَةٌ فِي إِثْبَاتِ الْإِسْلَامِ وَآيَةٌ فِي نَفْيِ الْكُفْرِ.(1/175)
الرَّابِعُ وَالثَّلَاثُونَ: سَبْعُ جِهَاتٍ مِنْ صِفَاتِ الذَّاتِ لِلَّهِ الَّتِي لَا يَقَعُ عَلَيْهَا التَّكْيِيفُ.
الْخَامِسُ وَالثَّلَاثُونَ: الْإِيمَانُ بِاللَّهِ وَمُبَايَنَةُ الشِّرْكِ وَإِثْبَاتُ الْأَوَامِرِ وَمُجَانَبَةُ الزَّوَاجِرِ وَالثَّبَاتُ عَلَى الْإِيمَانِ وَتَحْرِيمُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَطَاعَةُ رَسُولِهِ.
قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: فَهَذِهِ خَمْسَةٌ وَثَلَاثُونَ قَوْلًا لِأَهْلِ الْعِلْمِ وَاللُّغَةِ فِي مَعْنَى إِنْزَالِ الْقُرْآنِ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ وَهِيَ أَقَاوِيلُ يُشْبِهُ بَعْضُهَا بَعْضًا وَكُلُّهَا مُحْتَمَلَةٌ وَتَحْتَمِلُ غَيْرَهَا.
وَقَالَ الْمُرْسِيُّ: هَذِهِ الْوُجُوهُ أَكْثَرُهَا مُتَدَاخِلَةٌ وَلَا أَدْرِي مُسْتَنَدَهَا وَلَا عَمَّنْ نُقِلَتْ وَلَا أَدْرِي لِمَ خَصَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ هَذِهِ الْأَحْرُفَ السَّبْعَةَ بِمَا ذَكَرَ مَعَ أَنَّ كُلَّهَا مَوْجُودَةٌ فِي الْقُرْآنِ فَلَا أَدْرِي مَعْنَى التخصيص! وفيها أشياء لَا أَفْهَمُ مَعْنَاهَا عَلَى الْحَقِيقَةِ وَأَكْثَرُهَا يُعَارِضُهُ حَدِيثُ عُمَرَ مَعَ هِشَامِ بْنِ حَكِيمٍ الَّذِي فِي الصَّحِيحِ فَإِنَّهُمَا لَمْ يَخْتَلِفَا فِي تَفْسِيرِهِ وَلَا أَحْكَامِهِ إِنَّمَا اخْتَلَفَا فِي قِرَاءَةِ حُرُوفِهِ وَقَدْ ظَنَّ كَثِيرٌ مِنَ الْعَوَامِّ أَنَّ الْمُرَادَ بها القراءات السبعة وهو جهل قبيح.
تَنْبِيهٌ
اخْتُلِفَ: هَلِ الْمَصَاحِفُ الْعُثْمَانِيَّةُ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى جَمِيعِ الْأَحْرُفِ السَّبْعَةِ؟ فَذَهَبَ جَمَاعَاتٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ وَالْقُرَّاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ إِلَى ذَلِكَ وَبَنَوْا عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ عَلَى الْأُمَّةِ أَنْ تُهْمِلَ نَقْلَ شَيْءٍ مِنْهَا وَقَدْ أَجْمَعَ الصَّحَابَةُ عَلَى نَقْلِ الْمَصَاحِفِ الْعُثْمَانِيَّةِ مِنَ الصُّحُفِ الَّتِي كَتَبَهَا أَبُو بَكْرٍ وَأَجْمَعُوا عَلَى تَرْكِ مَا سِوَى ذَلِكَ.
وَذَهَبَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ وَأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ إِلَى أَنَّهَا مُشْتَمِلَةٌ(1/176)
عَلَى مَا يُحْتَمَلُ رَسْمُهَا مِنَ الْأَحْرُفِ السَّبْعَةِ فَقَطْ جَامِعَةٌ لِلْعَرْضَةِ الْأَخِيرَةِ الَّتِي عَرَضَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى جِبْرِيلَ مُتَضَمِّنَةٌ لَهَا لَمْ تَتْرُكْ حَرْفًا مِنْهَا.
قَالَ ابْنُ الْجَزَرِيِّ: وَهَذَا هُوَ الَّذِي يُظْهِرُ صَوَابَهُ.
وَيُجَابُ عَنِ الْأَوَّلُ بِمَا ذَكَرَهُ ابْنُ جَرِيرٍ أَنَّ الْقِرَاءَةَ عَلَى الْأَحْرُفِ السَّبْعَةِ لَمْ تَكُنْ وَاجِبَةً عَلَى الْأُمَّةِ وَإِنَّمَا كَانَ جَائِزًا لَهُمْ وَمُرَخَّصًا لَهُمْ فِيهِ فَلَمَّا رَأَى الصَّحَابَةُ أَنَّ الْأُمَّةَ تَفْتَرِقُ وَتَخْتَلِفُ إِذَا لَمْ يَجْتَمِعُوا عَلَى حَرْفٍ وَاحِدٍ اجْتَمَعُوا عَلَى ذَلِكَ اجْتِمَاعًا شَائِعًا وَهُمْ مَعْصُومُونَ مِنَ الضَّلَالَةِ وَلَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ تَرْكُ وَاجِبٍ وَلَا فِعْلُ حَرَامٍ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْقُرْآنَ نُسِخَ مِنْهُ فِي الْعَرْضَةِ الْأَخِيرَةِ وَغُيِّرَ فَاتَّفَقَ الصَّحَابَةِ عَلَى أَنْ كَتَبُوا مَا تَحَقَّقُوا أَنَّهُ قُرْآنٌ مُسْتَقِرٌّ فِي الْعَرْضَةِ الْأَخِيرَةِ وَتَرَكُوا مَا سِوَى ذلك.
أَخْرَجَ ابْنُ أَشْتَةَ فِي الْمَصَاحِفِ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي فَضَائِلِهِ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ عُبَيْدَةَ السَّلْمَانِيِّ قَالَ: الْقِرَاءَةُ الَّتِي عُرِضَتْ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْعَامِ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ هِيَ الْقِرَاءَةُ الَّتِي يَقْرَؤُهَا النَّاسُ الْيَوْمَ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَشْتَةَ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ: كَانَ جِبْرِيلُ يُعَارِضُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلَّ سَنَةٍ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ [مَرَّةً] ، فَلَمَّا كَانَ الْعَامُ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ عَارَضَهُ مَرَّتَيْنِ فَيَرَوْنَ أَنْ تَكُونَ قِرَاءَتُنَا هَذِهِ عَلَى الْعَرْضَةِ الْأَخِيرَةِ.
وَقَالَ الْبَغَوِيُّ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ: يُقَالُ إِنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ شَهِدَ الْعَرْضَةَ الْأَخِيرَةَ الَّتِي بُيِّنَ فِيهَا مَا نُسِخَ وَمَا بَقِيَ وكتبها لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَرَأَهَا عَلَيْهِ وَكَانَ يُقْرِئُ النَّاسَ بِهَا حَتَّى مَاتَ وَلِذَلِكَ اعْتَمَدَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فِي جَمْعِهِ وَوَلَّاهُ عُثْمَانُ كَتْبَ الْمَصَاحِفِ.(1/177)
النَّوْعُ السَّابِعَ عَشَرَ: فِي مَعْرِفَةِ أَسْمَائِهِ وَأَسْمَاءِ سُوَرِهِ
قَالَ الْجَاحِظُ: سَمَّى اللَّهُ كِتَابَهُ اسْمًا مُخَالِفًا لِمَا سَمَّى الْعَرَبُ كَلَامَهُمْ عَلَى الجملة وَالتَّفْصِيلِ. سَمَّى جُمْلَتَهُ قُرْآنًا كَمَا سَمَّوْا دِيوَانًا وَبَعْضُهُ سُورَةٌ كَقَصِيدَةٍ وَبَعْضُهَا آيَةٌ كَالْبَيْتِ وَآخِرُهَا فَاصِلَةٌ كقافية.
وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي عُزَيْزِيُّ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ المعروف بشيذلة فِي كِتَابِ الْبُرْهَانِ: اعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ سَمَّى الْقُرْآنَ بِخَمْسَةٍ وَخَمْسِينَ اسْمًا:
سَمَّاهُ كِتَابًا وَمُبِينًا فِي قوله: {حم وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ} .
وقرآنا وكريما: {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ} .
وَكَلَامًا: {حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ} .
وَنُورًا: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً} .
وهدى ورحمة: {وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} .
وَفُرْقَانًا: {نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ} .
وَشِفَاءً: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ} .
وموعظة: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ} .(1/178)
وَذِكْرًا وَمُبَارَكًا: {وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ} .
وَعَلِيًّا: {وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ} .
وحكمة: {حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ} .
وحكيما: {لْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ} .
وَمُهَيْمِنًا: {مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً} .
وحبلا: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ} .
وَصِرَاطًا مُسْتَقِيمًا: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً} .
وقيما: {قَيِّماً لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً} .
وَقَوْلًا وَفَصْلًا: {إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ} .
وَنَبَأً عَظِيمًا: {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ عَنِ النَّبَأِ الْعَظِيمِ} .
وَأَحْسَنَ الْحَدِيثِ وَمُتَشَابِهًا وَمَثَانِيَ: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ} .
وَتَنْزِيلًا: {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ} .
وَرُوحًا: {أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا} .
ووحيا: {إِنَّمَا أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ} .(1/179)
وعربيا: {قُرْآناً عَرَبِيّاً} .
وبصائر: {هَذَا بَصَائِرُ} .
وبيانا: {هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ} .
وَعِلْمًا: {مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ} .
وَحَقًّا: {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ} .
وَهَدْيًا {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي}
وعجبا: {قُرْآناً عَجَباً} .
وتذكرة: {وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ} .
والعروة الوثقى: {فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى} .
وصدقا: {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ} .
وعدلا: {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً} .
وَأَمْرًا: {ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ} .
وَمُنَادِيًا: {سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلْإِيمَانِ} .
وبشرى: {هُدىً وَبُشْرَى} .
وَمَجِيدًا: {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ} .(1/180)
وَزَبُورًا: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ} .
وَبَشِيرًا وَنَذِيرًا: {كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ بَشِيراً وَنَذِيراً} .
وعزيزا: {وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ} .
وبلاغا: {هَذَا بَلاغٌ لِلنَّاسِ} .
وقصصا: {أَحْسَنَ الْقَصَصِ} .
وسماه أربعة أسماء في آيتين وَاحِدَةٍ: {فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ} انْتَهَى.
فَأَمَّا تَسْمِيَتُهُ كِتَابًا فَلِجَمْعِهِ أَنْوَاعَ الْعُلُومِ وَالْقِصَصِ وَالْأَخْبَارِ عَلَى أَبْلَغِ وَجْهٍ وَالْكِتَابُ لُغَةً الْجَمْعُ.
وَالْمُبِينَ لْأَنَّهُ أَبَانَ أَيْ أَظْهَرَ الْحَقَّ مَنِ الْبَاطِلِ.
وَأَمَّا الْقُرْآنُ فَاخْتُلِفَ فِيهِ فَقَالَ جَمَاعَةٌ: هُوَ اسْمُ عَلَمٍ غَيْرُ مُشْتَقٍّ خَاصٌّ بِكَلَامِ اللَّهِ فَهُوَ غَيْرُ مَهْمُوزٍ وَبِهِ قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنِ الشَّافِعِيِّ أَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ وَالْخَطِيبُ وَغَيْرُهُمَا عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَهْمِزُ قَرَأْتَ وَلَا يَهْمِزُ الْقُرْآنَ وَيَقُولُ: الْقُرَانَ اسْمٌ وَلَيْسَ بِمَهْمُوزٍ ولم يؤخذ من قرأت وَلَكِنَّهُ اسْمٌ لِكِتَابِ اللَّهِ مِثْلَ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ.(1/181)
وَقَالَ قَوْمٌ مِنْهُمُ الْأَشْعَرِيُّ: هُوَ مُشْتَقٌّ مَنْ قَرَنْتُ الشَّيْءَ بِالشَّيْءِ إِذَا ضَمَمْتَ أَحَدَهُمَا إِلَى الْآخَرِ وَسُمِّيَ بِهِ لِقِرَانِ السُّوَرِ وَالْآيَاتِ وَالْحُرُوفِ فِيهِ.
وَقَالَ الْفَرَّاءُ: هُوَ مُشْتَقٌّ مِنَ الْقَرَائِنِ لْأَنَّ الْآيَاتِ مِنْهُ يُصَدِّقُ بَعْضُهَا بَعْضًا وَيُشَابِهُ بَعْضُهَا بَعْضًا وَهِيَ قَرَائِنُ وَعَلَى القولين هو بِلَا هَمْزٍ أَيْضًا وَنُونُهُ أَصْلِيَّةٌ.
وَقَالَ الزَّجَّاجُ: هَذَا الْقَوْلُ سَهْوٌ والصحيح أن ترك الهمزة فِيهِ مِنْ بَابِ التَّخْفِيفِ وَنَقْلِ حركة الهمزة إِلَى السَّاكِنِ قَبْلَهَا.
وَاخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِأَنَّهُ مَهْمُوزٌ فَقَالَ قَوْمٌ مِنْهُمُ اللِّحْيَانِيُّ هُوَ مَصْدَرٌ لَقَرَأْتُ كَالرُّجْحَانِ وَالْغُفْرَانِ سُمِّيَ بِهِ الْكِتَابُ الْمَقْرُوءُ مِنْ بَابِ تَسْمِيَةِ الْمَفْعُولِ بِالْمَصْدَرِ.
وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمُ الزَّجَّاجُ: هُوَ وَصْفٌ عَلَى فُعْلَانٌ مُشْتَقٌّ مِنَ الْقَرْءِ بِمَعْنَى الْجَمْعِ وَمِنْهُ قَرَأْتُ الْمَاءَ فِي الْحَوْضِ أَيْ جَمَعْتُهُ.
قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: وَسُمِّيَ بِذَلِكَ لْأَنَّهُ جَمَعَ السُّوَرِ بَعْضَهَا إِلَى بَعْضٍ.
وَقَالَ الرَّاغِبُ: لَا يُقَالُ لِكُلِّ جَمْعٍ قُرْآنٌ وَلَا لِجَمْعِ كَلِّ كَلَامٍ قُرْآنٌ قَالَ وَإِنَّمَا سُمِّيَ قُرْآنًا لِكَوْنِهِ جَمْعٌ ثَمَرَاتُ الْكُتُبِ السَّالِفَةِ الْمُنَزَّلَةِ.
وَقِيلَ: لْأَنَّهُ جَمَعَ أَنْوَاعَ الْعُلُومِ كُلَّهَا.
وَحَكَى قُطْرُبُ قَوْلًا: إِنَّهُ إِنَّمَا سُمِّيَ قُرْآنًا لْأَنَّ الْقَارِئَ يُظْهِرُهُ وَيُبَيِّنُهُ مِنْ فِيهِ أَخْذًا مِنْ قَوْلِ الْعَرَبِ: مَا قَرَأَتِ النَّاقَةُ سَلًا قَطُّ أَيْ مَا رَمَتْ بِوَلَدٍ أَيْ مَا أَسْقَطَتْ وَلَدًا أَيْ مَا حَمَلَتْ قَطُّ وَالْقُرْآنُ يلفظه الْقَارِئُ مِنْ فِيهِ وَيُلْقِيهِ فَسُمِّيَ قُرْآنًا.
قُلْتُ: وَالْمُخْتَارُ عِنْدِي فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ.(1/182)
وَأَمَّا الْكَلَامُ: فَمُشْتَقٌّ مِنَ الْكَلِمِ بِمَعْنَى التَّأْثِيرِ لْأَنَّهُ يُؤَثِّرُ فِي ذِهْنِ السَّامِعِ فَائِدَةً لَمْ تَكُنْ عِنْدَهُ.
وَأَمَّا النُّورُ: فَلِأَنَّهُ يُدْرَكُ بِهِ غَوَامِضُ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ.
وَأَمَّا الْهُدَى، فَلْأَنَّ فِيهِ الدَّلَالَةَ عَلَى الْحَقِّ وَهُوَ مِنْ بَابِ إِطْلَاقِ الْمَصْدَرِ عَلَى الْفَاعِلِ مُبَالَغَةً.
وَأَمَّا الْفُرْقَانُ، فَلِأَنَّهُ فَرْقٌ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ وَجَّهَهُ بِذَلِكَ مُجَاهِدٌ كَمَا أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ.
وَأَمَّا الشِّفَاءُ، فَلْأَنَّهُ يَشْفِي مِنَ الْأَمْرَاضِ الْقَلْبِيَّةِ كَالْكُفْرِ وَالْجَهْلِ وَالْغِلِّ وَالْبَدَنِيَّةِ أَيْضًا.
وَأَمَّا الذِّكْرُ فَلِمَا فِيهِ مِنَ الْمَوَاعِظِ وَأَخْبَارِ الْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ وَالذِّكْرُ أَيْضًا الشَّرَفُ قَالَ تَعَالَى: {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ} ، أَيْ شَرَفٌ لْأَنَّهُ بِلُغَتِهِمْ.
وَأَمَّا الْحِكْمَةُ، فَلْأَنَّهُ نَزَلَ عَلَى الْقَانُونِ الْمُعْتَبَرِ مِنْ وَضْعِ كُلِّ شَيْءٍ فِي مَحَلِّهِ أَوْ لْأَنَّهُ مُشْتَمِلٌ عَلَى الْحِكْمَةِ.
وَأَمَّا الْحَكِيمُ، فَلْأَنَّهُ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ بِعَجِيبِ النَّظْمِ وَبَدِيعِ الْمَعَانِي وَأُحْكِمَتْ عَنْ تَطَرُّقِ التَّبْدِيلِ وَالتَّحْرِيفِ وَالِاخْتِلَافِ وَالتَّبَايُنِ.
وَأَمَّا الْمُهَيْمِنُ، فَلْأَنَّهُ شَاهِدٌ عَلَى جَمِيعِ الْكُتُبِ وَالْأُمَمِ السَّالِفَةِ.
وَأَمَّا الْحَبْلُ، فَلْأَنَّهُ مَنْ تَمَسَّكَ بِهِ وَصَلَ إِلَى الْجَنَّةِ أَوِ الْهُدَى وَالْحَبَلُ السَّبَبُ.
وَأَمَّا الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ، فَلْأَنَّهُ طَرِيقٌ إِلَى الْجَنَّةِ قَوِيمٌ لَا عِوَجَ فِيهِ.(1/183)
وَأَمَّا الْمَثَانِي، فَلْأَنَّ فِيهِ بَيَانُ قِصَصِ الْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ فَهُوَ ثَانٍ لما تقدمه. وقيل: لتكرر الْقَصَصِ وَالْمَوَاعِظِ فِيهِ وَقِيلَ: لْأَنَّهُ نَزَلَ مَرَّةً بِالْمَعْنَى وَمَرَّةً بِاللَّفْظِ والمعنى كقوله: {إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى} حكاه الرماني فِي عَجَائِبِهِ.
وَأَمَّا الْمُتَشَابِهُ، فَلِأَنَّهُ يُشْبِهُ بَعْضُهُ بَعْضًا فِي الْحُسْنِ وَالصِّدْقِ.
وَأَمَّا الرُّوحُ، فَلْأَنَّهُ تَحْيَا بِهِ الْقُلُوبُ وَالْأَنْفُسُ.
وَأَمَّا الْمَجِيدُ، فَلِشَرَفِهِ.
وَأَمَّا الْعَزِيزُ، فَلْأَنَّهُ يَعِزُّ عَلَى مَنْ يَرُومُ مُعَارَضَتَهُ.
وَأَمَّا الْبَلَاغُ، فَلْأَنَّهُ أُبْلِغَ بِهِ النَّاسُ مَا أُمِرُوا بِهِ وَنُهُوا عَنْهُ أَوْ لِأَنَّ فِيهِ بَلَاغَةً وَكِفَايَةً عَنْ غَيْرِهِ.
قَالَ السِّلَفِيُّ فِي بَعْضِ أَجْزَائِهِ: سَمِعْتُ أَبَا الْكَرَمِ النَّحْوِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا الْقَاسِمِ التَّنُوخِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَنِ الرماني وسئل: كُلُّ كِتَابٍ لَهُ تَرْجَمَةٌ فَمَا تَرْجَمَةُ كِتَابِ اللَّهِ؟ فَقَالَ: {هَذَا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ} .
وَذَكَرَ أَبُو شَامَةَ وَغَيْرُهُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى} إِنَّهُ الْقُرْآنُ.
فَائِدَةٌ
حَكَى الْمُظَفَّرِيُّ فِي تَارِيخِهِ قَالَ: لَمَّا جَمَعَ أَبُو بَكْرٍ الْقُرْآنَ قَالَ: سَمُّوهُ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: سَمُّوهُ إِنْجِيلًا فَكَرِهُوهُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: سَمُّوهُ سِفْرًا فَكَرِهُوهُ مِنْ يَهُودٍ. فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: رَأَيْتُ بِالْحَبَشَةِ كِتَابًا يَدْعُونَهُ الْمُصْحَفَ فَسَمَّوْهُ بِهِ.(1/184)
قُلْتُ: أَخْرَجَ ابْنُ أَشْتَةَ فِي كِتَابِ الْمَصَاحِفِ مِنْ طَرِيقِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: لَمَّا جَمَعُوا الْقُرْآنِ فَكَتَبُوهُ فِي الْوَرَقِ قَالَ: أَبُو بَكْرٍ الْتَمِسُوا لَهُ اسْمًا فَقَالَ بَعْضُهُمْ السِّفْرُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْمُصْحَفُ فَإِنَّ الْحَبَشَةَ يُسَمُّونَهُ الْمُصْحَفَ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ أَوَّلَ مَنْ جَمَعَ كِتَابَ اللَّهَ وَسَمَّاهُ الْمُصْحَفَ ثُمَّ أَوْرَدَهُ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ وَسَيَأْتِي فِي النَّوْعِ الَّذِي يَلِي هَذَا.
فَائِدَةٌ ثَانِيَةٌ
أَخْرَجَ ابْنُ الضُّرَيْسِ وَغَيْرُهُ عَنْ كَعْبٍ قَالَ: فِي التَّوْرَاةِ: "يَا مُحَمَّدُ إِنِّي مُنْزِلٌ عَلَيْكَ تَوْرَاةً حَدِيثَةً تَفْتَحُ أَعْيُنًا عُمْيًا وَآذَانًا صُمًّا وَقُلُوبًا غُلْفًا "
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: لَمَّا أَخَذَ مُوسَى الْأَلْوَاحَ قَالَ: يَا رَبِّ إِنِّي أَجِدُ فِي الْأَلْوَاحِ أُمَّةً أَنَاجِيلُهُمْ فِي قُلُوبِهِمْ فَاجْعَلْهُمْ أُمَّتِي قَالَ: تِلْكَ أُمَّةُ أَحْمَدَ.
فَفِي هَذَيْنَ الْأَثَرَيْنِ تَسْمِيَةُ الْقُرْآنِ تَوْرَاةً وَإِنْجِيلًا وَمَعَ هَذَا لَا يَجُوزُ الْآنَ أَنْ يُطْلَقَ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَهَذَا كَمَا سُمِّيَتِ التَّوْرَاةُ فُرْقَانًا فِي قَوْلِهِ: {وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ} وسمى الزَّبُورَ قُرْآنًا فِي قَوْلِهِ: "خُفِّفَ عَلَى دَاوُدَ الْقُرْآنُ ".(1/185)
فَصْلٌ فِي أَسْمَاءِ السُّوَرِ
قَالَ الْقَتَبِيُّ: السُّورَةُ تُهْمَزُ وَلَا تُهْمَزُ فَمَنْ هَمَزَهَا جَعَلَهَا مِنْ أَسْأَرَتْ أَيْ أَفْضَلَتْ مِنَ السُّؤْرِ وَهُوَ مَا بَقِيَ مِنَ الشَّرَابِ فِي الْإِنَاءِ كَأَنَّهَا قِطْعَةٌ مِنَ الْقُرْآنِ وَمَنْ لَمْ يَهْمِزْهَا جَعَلَهَا مِنَ الْمَعْنَى الْمُتَقَدِّمِ وَسَهَّلَ هَمْزَهَا.
وَمِنْهُمْ مَنْ يُشَبِّهُهَا بسور الْبِنَاءِ، أَيْ الْقِطْعَةُ مِنْهُ أَيْ مَنْزِلَةٌ بَعْدَ مَنْزِلَةٍ وَقِيلَ مِنْ سُوَرِ الْمَدِينَةِ لِإِحَاطَتِهَا بِآيَاتِهَا وَاجْتِمَاعِهَا كَاجْتِمَاعِ الْبُيُوتِ بِالسُّورِ وَمِنْهُ السُّوَارُ لِإِحَاطَتِهِ بِالسَّاعِدِ.
وَقِيلَ: لَارْتِفَاعِهَا لْأَنَّهَا كَلَامُ اللَّهِ وَالسُّورَةُ الْمَنْزِلَةُ الرَّفِيعَةُ قَالَ النَّابِغَةُ:
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَعْطَاكَ سُورَةً
تَرَى كُلَّ مُلْكٍ حَوْلَهَا يَتَذَبْذُبٍ
وَقِيلَ: لِتَرْكِيبِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ مِنَ التَّسَوُّرِ بِمَعْنَى التَّصَاعُدِ وَالتَّرَكُّبِ وَمِنْهُ: {إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ} .
وَقَالَ الْجَعْبَرِيُّ: حَدُّ السُّورَةِ قُرْآنٌ يَشْتَمِلُ عَلَى آي ذِي فَاتِحَةٍ وَخَاتِمَةٍ وَأَقَلُّهَا ثَلَاثُ آيَاتٍ.
وَقَالَ غَيْرُهُ: السُّورَةُ الطَّائِفَةُ الْمُتَرْجَمَةُ تَوْقِيفًا أَيِ الْمُسَمَّاةُ بِاسْمٍ خَاصٍّ بِتَوْقِيفٍ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَدْ ثَبَتَ جَمِيعُ أَسْمَاءِ السُّوَرِ بِالتَّوْقِيفِ مِنَ الْأَحَادِيثِ وَالْآثَارِ وَلَوْلَا خَشْيَةُ الْإِطَالَةِ لَبَيَّنْتُ ذَلِكَ.(1/186)
وَمِمَّا يَدُلُّ لِذَلِكَ مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: كَانَ الْمُشْرِكُونَ يَقُولُونَ: سُورَةُ الْبَقَرَةِ وَسُورَةُ الْعَنْكَبُوتِ يَسْتَهْزِئُونَ بِهَا فَنَزَلَ: {إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئينَ} .
وَقَدْ كَرِهَ بَعْضُهُمْ أَنْ يُقَالَ: سُورَةُ كَذَا لِمَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا: "لَا تَقُولُوا سُورَةُ الْبَقَرَةِ وَلَا سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ وَلَا سُورَةُ النِّسَاءِ وَكَذَا الْقُرْآنُ كُلُّهُ وَلَكِنْ قُولُوا السُّورَةُ الَّتِي تُذْكَرُ فِيهَا الْبَقَرَةُ وَالَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا آلُ عِمْرَانَ وَكَذَا الْقُرْآنُ كُلُّهُ ".وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ بَلِ ادَّعَى ابْنُ الْجَوْزِيِّ أَنَّهُ مَوْضُوعٌ.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: إِنَّمَا يُعْرَفُ مَوْقُوفًا عَلَى ابْنِ عُمَرَ ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْهُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ وَقَدْ صَحَّ إِطْلَاقُ سُورَةِ الْبَقَرَةِ وَغَيْرِهَا عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَفِي الصَّحِيحِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ: هَذَا مَقَامُ الَّذِي أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يَكْرَهْهُ الْجُمْهُورُ.
فَصْلٌ
قَدْ يَكُونُ لِلسُورَةِ اسْمٌ وَاحِدٌ وَهُوَ كَثِيرٌ وَقَدْ يَكُونُ لَهَا اسمان فأكثر من ذَلِكَ:
الْفَاتِحَةُ: وَقَدْ وَقَفْتُ لَهَا عَلَى نَيْفٍ وَعِشْرِينَ اسْمًا وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى شَرَفِهَا فَإِنَّ كَثْرَةَ الْأَسْمَاءِ دَالَّةٌ عَلَى شَرَفِ الْمُسَمَّى.
أَحَدُهَا: فَاتِحَةُ الْكِتَابِ أَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنِ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:(1/187)
" هِيَ أُمُّ الْقُرْآنِ وَهِيَ فَاتِحَةُ الْكِتَابِ وَهِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي" وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لْأَنَّهُ يُفْتَتَحُ بِهَا فِي الْمَصَاحِفِ وَفِي التَّعْلِيمِ وَفِي الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ وَقِيلَ: لْأَنَّهَا أَوَّلُ سورة نزلت وَقِيلَ: لْأَنَّهَا أَوَّلُ سُورَةٍ كُتِبَتْ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ.
حَكَاهُ الْمُرْسِيُّ وَقَالَ: إِنَّهُ يَحْتَاجُ إِلَى نَقْلٍ وَقِيلَ: لْأَنَّ الْحَمْدَ فَاتِحَةُ كُلِّ كَلَامٍ وَقِيلَ: لْأَنَّهَا فَاتِحَةُ كُلِّ كِتَابٍ. حَكَاهُ الْمُرْسِيُّ ورده بأن لذي افْتُتِحَ بِهِ كُلُّ كِتَابٍ هُوَ الْحَمْدُ فَقَطْ لَا جَمِيعَ السُّورَةِ وَبِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْكِتَابِ الْقُرْآنُ لَا جِنْسَ الْكِتَابِ. قَالَ: لْأَنَّهُ قَدْ رُوِيَ مِنْ أَسْمَائِهَا فَاتِحَةُ الْقُرْآنِ فَيَكُونُ الْمُرَادُ بِالْكِتَابِ وَالْقُرْآنِ وَاحِدًا.
ثَانِيهَا: فَاتِحَةُ الْقُرْآنِ كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ الْمُرْسِيُّ.
وَثَالِثُهَا، وَرَابِعُهَا: أُمُّ الْكِتَابِ وَأُمُّ الْقُرْآنِ وَقَدْ كَرِهَ ابْنُ سِيرِينَ أَنْ تُسَمَّى أُمَّ الْكِتَابِ وَكَرِهَ الْحَسَنُ أَنْ تُسَمَّى أُمَّ الْقُرْآنِ وَوَافَقَهُمَا بَقِيُّ بْنُ مَخْلَدٍ لْأَنَّ أُمَّ الْكِتَابِ هُوَ اللَّوْحُ الْمَحْفُوظُ قَالَ تعالى: {وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} ، {وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ} وَآيَاتُ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ قَالَ تَعَالَى: {آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ} ، قَالَ الْمُرْسِيُّ وَقَدْ رُوِيَ حَدِيثٌ لَا يَصِحُّ: "لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ أُمُّ الْكِتَابِ وَلْيَقُلْ فَاتِحَةُ الْكِتَابِ ".
قُلْتُ: هَذَا لَا أَصْلَ لَهُ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ وَإِنَّمَا أَخْرَجَهُ ابْنُ الضُّرَيْسِ بِهَذَا اللَّفْظِ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ فَالْتَبَسَ عَلَى الْمُرْسِيِّ وَقَدْ ثَبَتَ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ تَسْمِيَتُهَا بِذَلِكَ فَأَخْرَجَ الدارقطني وَصَحَّحَهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: "إِذَا قرأتم الحمد فاقرؤوا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ إِنَّهَا أُمُّ الْقُرْآنِ وَأُمُّ الْكِتَابِ وَالسَّبْعُ الْمَثَانِي ".(1/188)
وَاخْتُلِفَ لِمَ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ فَقِيلَ: لْأَنَّهَا يُبْدَأُ بِكِتَابَتِهَا فِي الْمَصَاحِفِ وَبِقِرَاءَتِهَا فِي الصَّلَاةِ قَبْلَ السُّورَةِ قَالَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ فِي مَجَازِهِ وَجَزَمَ بِهِ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ وَاسْتَشْكَلَ بِأَنَّ ذَلِكَ يُنَاسِبُ تَسْمِيَتَهَا فَاتِحَةَ الْكِتَابِ لَا أُمَّ الْكِتَابِ وأجيب بأن ذلك بالنظر إلى أن الأم مبتدأ الْوَلَدِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِتُقَدُّمِهَا وَتَأَخُّرِ مَا سِوَاهَا تَبَعًا لَهَا لْأَنَّهَا أُمَّتُهُ أَيْ تَقَدَّمَتْهُ وَلِهَذَا يُقَالُ لِرَايَةِ الْحَرْبِ أُمٌّ لِتَقَدُّمِهَا وَاتِّبَاعِ الْجَيْشِ لَهَا. وَيُقَالُ لِمَا مَضَى مِنْ سني الإنسان أَمْ لِتُقَدُّمِهَا وَلِمَكَّةَ أُمُّ الْقُرَى لتقدمها عَلَى سَائِرِ الْقُرَى. وَقِيلَ: أَمُّ الشَّيْءِ أَصْلُهُ وَهِيَ أَصْلُ الْقُرْآنِ لَانْطِوَائِهَا عَلَى جَمِيعِ أَغْرَاضِ الْقُرْآنِ وَمَا فِيهِ مِنَ الْعُلُومِ وَالْحِكَمِ كَمَا سَيَأْتِي تَقْرِيرُهُ فِي النَّوْعِ الثَّالِثِ وَالسَّبْعِينَ.
وَقِيلَ: سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لْأَنَّهَا أَفْضَلُ السُّوَرِ كَمَا يُقَالُ لِرَئِيسِ الْقَوْمِ: أُمُّ الْقَوْمِ.
وَقِيلَ: لْأَنَّ حُرْمَتَهَا كَحُرْمَةِ الْقُرْآنِ كُلِّهِ. وَقِيلَ: لْأَنَّ مَفْزَعَ أَهْلِ الْإِيمَانِ إِلَيْهَا كَمَا يُقَالُ لِلرَّايَةِ أُمٌّ لْأَنَّ مَفْزَعَ الْعَسْكَرِ إِلَيْهَا. وَقِيلَ: لْأَنَّهَا مُحْكَمَةٌ وَالْمُحْكَمَاتُ أُمُّ الْكِتَابِ.
خَامِسُهَا: الْقُرْآنُ الْعَظِيمُ، رَوَى أَحْمَدُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِأُمِّ الْقُرْآنِ: "هِيَ أُمُّ الْقُرْآنِ وَهِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي وَهِيَ الْقُرْآنُ الْعَظِيمُ "، وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لَاشْتِمَالِهَا عَلَى الْمَعَانِي الَّتِي فِي الْقُرْآنِ.
سَادِسُهَا: السَّبْعُ الْمَثَانِي، وَرَدَ تَسْمِيَتُهَا بِذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ وَأَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ أَمَّا تَسْمِيَتُهَا سَبْعًا فَلْأَنَّهَا سَبْعُ آيَاتٍ أَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ. وَقِيلَ: فِيهَا سَبْعَةُ آدَابٍ فِي كُلِّ آيَةٍ أَدَبٌ وَفِيهِ بُعْدٌ. وَقِيلَ: لْأَنَّهَا خَلَتْ مِنْ سَبْعَةِ أَحْرُفٍ الثَّاءُ وَالْجِيمُ وَالْخَاءُ وَالزَّايُ وَالشِّينُ وَالظَّاءُ وَالْفَاءُ قَالَ الْمُرْسِيُّ: وَهَذَا أَضْعَفُ مِمَّا قَبِلَهُ لْأَنَّ الشَّيْءَ إِنَّمَا يُسَمَّى بِشَيْءٍ وُجِدَ(1/189)
فِيهِ لَا بِشَيْءٍ فُقِدَ مِنْهُ. وَأَمَّا الْمَثَانِي: فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُشْتَقًّا مِنَ الثَّنَاءِ لِمَا فِيهَا مِنَ الثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنَ الثَّنْيَا لْأَنَّ اللَّهَ اسْتَثْنَاهَا لِهَذِهِ الْأُمَّةِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنِ التَّثْنِيَةِ قِيلَ لْأَنَّهَا تَثْنِي فِي كُلِّ رَكْعَةٍ، وَيُقَوِّيهِ مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ جَرِيرٍ بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنْ عُمَرَ قَالَ: السَّبْعُ الْمَثَانِي فَاتِحَةُ الْكِتَابِ تَثْنِي فِي كُلِّ رَكْعَةٍ. وَقِيلَ: لْأَنَّهَا تُثَنَّى بِسُورَةٍ أُخْرَى وَقِيلَ: لْأَنَّهَا نَزَلَتْ مَرَّتَيْنِ وَقِيلَ: لْأَنَّهَا عَلَى قِسْمَيْنِ ثَنَاءٌ وَدُعَاءٌ وَقِيلَ: لْأَنَّهَا كُلَّمَا قَرَأَ الْعَبْدُ مِنْهَا آيَةً ثَنَاهُ اللَّهُ بِالْإِخْبَارِ عَنْ فِعْلِهِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ وَقِيلَ: لْأَنَّهَا اجْتَمَعَ فِيهَا فَصَاحَةُ الْمَبَانِي وَبَلَاغَةُ الْمَعَانِي وَقِيلَ: غَيْرُ ذَلِكَ.
سَابِعُهَا: الْوَافِيَةُ، كَانَ سُفْيَانُ بْنُ عيينة يُسَمِّيهَا بِهِ لْأَنَّهَا وَافِيَةٌ بِمَا فِي الْقُرْآنِ مِنَ الْمَعَانِي قَالَهُ فِي الْكَشَّافِ. وَقَالَ الثَّعْلَبِيُّ: لْأَنَّهَا لَا تَقْبَلُ التَّصْنِيفَ فَإِنَّ كُلَّ سُورَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ لَوْ قُرِئَ نصفها في كل رَكْعَةٍ وَالنِّصْفُ الثَّانِي فِي أُخْرَى لَجَازَ بِخِلَافِهَا. وقال الْمُرْسِيُّ: لْأَنَّهَا جَمَعَتْ بَيْنَ مَا لِلَّهِ وَبَيْنَ مَا لِلْعَبْدِ.
ثَامِنُهَا: الْكَنْزُ، لِمَا تَقَدَّمَ فِي أُمِّ الْقُرْآنِ قَالَهُ فِي الْكَشَّافِ وَوَرَدَ تَسْمِيَتُهَا بِذَلِكَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ السَّابِقِ فِي النَّوْعِ الرَّابِعَ عَشَرَ.
تَاسِعُهَا: الْكَافِيَةُ، لْأَنَّهَا تَكْفِي فِي الصَّلَاةِ عَنْ غَيْرِهَا وَلَا يَكْفِي عَنْهَا غَيْرُهَا.
عَاشِرُهَا: الْأَسَاسُ، لْأَنَّهَا أَصْلُ الْقُرْآنِ وَأَوَّلُ سُورَةٍ فِيهِ.
حَادِي عَشْرِهَا: النُّورُ.
ثَانِي عَشْرِهَا وَثَالِثُ عَشْرِهَا: سُورَةُ الْحَمْدِ وَسُورَةُ الشُّكْرِ.
رَابِعُ عَشْرِهَا وَخَامِسُ عَشْرِهَا: سُورَةُ الْحَمْدِ الْأُولَى وَسُورَةُ الْحَمْدِ الْقُصْرَى.(1/190)
سَادِسُ عَشْرِهَا وَسَابِعُ عَشْرِهَا وَثَامِنُ عَشْرِهَا: الرُّقْيَةُ وَالشِّفَاءُ وَالشَّافِيَةُ لِلْأَحَادِيثِ الْآتِيَةِ فِي نَوْعِ الْخَوَاصِّ.
تَاسِعُ عَشْرِهَا: سُورَةُ الصَّلَاةِ لِتَوَقُّفِ الصَّلَاةِ عَلَيْهَا.
الْعِشْرُونَ: وَقِيلَ إِنَّ مِنْ أَسْمَائِهَا الصَّلَاةَ أَيْضًا لِحَدِيثِ قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ أَيِ السُّورَةَ قَالَ الْمُرْسِيُّ لْأَنَّهَا مِنْ لَوَازِمِهَا فَهُوَ مِنْ بَابِ تَسْمِيَةِ الشَّيْءِ بِاسْمِ لَازِمِهِ وَهَذَا الَاسْمُ الْعِشْرُونَ.
الْحَادِي وَالْعِشْرُونَ: سُورَةُ الدُّعَاءِ، لَاشْتِمَالِهَا عَلَيْهِ فِي قَوْلِهِ: {اهْدِنَا} .
الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ: سُورَةُ السُّؤَالِ، لِذَلِكَ ذَكَرَهُ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ.
الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ: سُورَةُ تَعْلِيمِ، الْمَسْأَلَةِ قَالَ الْمُرْسِيُّ لْأَنَّ فِيهَا آدَابَ السُّؤَالِ لْأَنَّهَا بُدِئَتْ بِالثَّنَاءِ قَبْلَهُ.
الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ: سُورَةُ الْمُنَاجَاةِ لْأَنَّ الْعَبْدَ يُنَاجِي فِيهَا رَبَّهُ بِقَوْلِهِ: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} .
الْخَامِسُ وَالْعِشْرُونَ: سُورَةُ التَّفْوِيضِ لِاشْتِمَالِهَا عَلَيْهِ فِي قَوْلِهِ: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} .
فَهَذَا مَا وَقَفْتُ عَلَيْهِ مِنْ أَسْمَائِهَا وَلَمْ تَجْتَمِعْ فِي كِتَابٍ قَبْلَ هَذَا.
وَمِنْ ذَلِكَ:
سُورَةُ الْبَقَرَةِ: كَانَ خَالِدُ بْنُ مَعْدَانَ يُسَمِّيهَا فُسْطَاطَ الْقُرْآنِ وَوَرَدَ فِي حَدِيثٍ مَرْفُوعٍ فِي مُسْنَدِ الْفِرْدَوْسِ وَذَلِكَ لِعِظَمِهَا وَلِمَا جُمِعَ فِيهَا مِنَ الْأَحْكَامِ الَّتِي لَمْ تُذْكَرْ فِي غَيْرِهَا وَفِي حَدِيثِ الْمُسْتَدْرَكِ تَسْمِيَتُهَا: "سَنَامُ الْقُرْآنِ " وَسَنَامُ كُلِّ شَيْءٍ أَعْلَاهُ.(1/191)
وَآلُ عِمْرَانَ: رَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ فِي سُنَنِهِ عَنْ أَبِي عَطَّافٍ قَالَ: اسْمُ آلِ عِمْرَانَ فِي التَّوْرَاةِ طَيِّبَةٌ. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ: تَسْمِيَتُهَا وَالْبَقَرَةُ الزَّهْرَاوَيْنِ.
وَالْمَائِدَةُ: تُسَمَّى أَيْضًا الْعُقُودُ وَالْمُنْقِذَةُ قَالَ ابْنُ الْفَرَسِ لْأَنَّهَا تُنْقِذُ صَاحِبَهَا مِنْ مَلَائِكَةِ الْعَذَابِ.
وَالْأَنْفَالُ: أَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جبير قال: قلت لابن عَبَّاسٍ: سُورَةُ الْأَنْفَالِ، قَالَ: تِلْكَ سُورَةُ بَدْرٍ.
وَبَرَاءَةٌ: تُسَمَّى أَيْضًا التَّوْبَةُ لِقَوْلِهِ فِيهَا: {لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ} الْآيَةَ. وَالْفَاضِحَةُ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: قُلْتُ لَابْنِ عَبَّاسٍ: سُورَةُ التَّوْبَةِ. قَالَ: التَّوْبَةُ، بَلْ هِيَ الْفَاضِحَةُ مَا زَالَتْ تَنْزِلُ: "وَمِنْهُمْ وَمِنْهُمْ ... "حَتَّى ظننا ألا يَبْقَى أَحَدٌ مِنَّا إِلَّا ذُكِرَ فِيهَا. وَأَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: قَالَ عُمَرُ: مَا فَرَغَ مِنْ تَنْزِيلِ بَرَاءَةٍ حَتَّى ظَنَنَّا أنه لا يبق مِنَّا أَحَدٌ إِلَّا سَيَنْزِلُ فِيهِ.
وَكَانَتْ تُسَمَّى الْفَاضِحَةَ وَسُورَةُ الْعَذَابِ. أَخْرَجَ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ عَنْ حذيفة قال: التي تسمونها سورة التوبة وهي سورة العذاب وأخرج أَبُو الشَّيْخِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِذَا ذُكِرَ لَهُ سُورَةُ بَرَاءَةٍ فَقِيلَ: سُورَةُ التَّوْبَةِ قَالَ: هِيَ إِلَى الْعَذَابِ أَقْرَبُ مَا كَادَتْ تُقْلِعُ عَنِ النَّاسِ حَتَّى مَا كَادَتْ تُبْقِي مِنْهُمْ أَحَدًا.
وَالْمُقَشْقِشَةُ أَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لَابْنِ عُمَرَ: سُورَةُ التَّوْبَةِ فَقَالَ: وَأَيَّتُهُنَّ سُورَةُ التَّوْبَةِ؟ فَقَالَ: بَرَاءَةٌ فَقَالَ: وَهَلْ(1/192)
فَعَلَ بِالنَّاسِ الْأَفَاعِيلَ إِلَّا هِيَ! مَا كُنَّا نَدْعُوهَا إِلَّا الْمُقَشْقِشَةَ. أَيْ الْمُبَرِّئَةَ مِنَ النِّفَاقِ.
وَالْمُنَقِّرَةُ، أَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ: كَانَتْ تُسَمَّى بَرَاءَةٌ الْمُنَقِّرَةُ نَقَرَتْ عَمَّا فِي قُلُوبِ الْمُشْرِكِينَ.
وَالْبُحُوثُ بِفَتْحِ الْبَاءِ أَخْرَجَ الْحَاكِمُ عَنِ الْمِقْدَادِ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ لَوْ قَعَدْتُ الْعَامَ عَنِ الْغَزْوِ قَالَ أَتَتْ عَلَيْنَا الْبُحُوثُ يَعْنِي بَرَاءَةً. الْحَدِيثَ.
وَالْحَافِرَةُ، ذَكَرَهُ ابْنُ الْفَرَسِ لْأَنَّهَا حَفَرَتْ عَنْ قُلُوبِ الْمُنَافِقِينَ.
وَالْمُثِيرَةُ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: كَانَتْ هَذِهِ السُّورَةُ تُسَمَّى الْفَاضِحَةُ فَاضِحَةُ الْمُنَافِقِينَ وَكَانَ يُقَالُ لَهَا الْمُثِيرَةُ أَنْبَأَتْ بِمَثَالِبِهِمْ وَعَوْرَاتِهِمْ.
وحكى ابْنُ الْفَرَسِ مِنْ أَسْمَائِهَا الْمُبَعْثَرَةَ وَأَظُنُّهُ تَصْحِيفُ الْمُنَقِّرَةِ فَإِنْ صَحَّ كملت الأسماء عشرة ثم رأيته كذلك - أعني الْمُبَعْثَرَةَ - بِخَطِّ السَّخَاوِيِّ فِي جَمَالِ الْقُرَّاءِ وَقَالَ: لْأَنَّهَا بَعْثَرَتْ عَنْ أَسْرَارِ الْمُنَافِقِينَ.
وَذَكَرَ فِيهِ أَيْضًا مِنْ أَسْمَائِهَا الْمُخْزِيَةَ وَالْمُنَكِّلَةَ وَالْمُشَرِّدَةَ وَالْمُدَمْدِمَةَ.
النَّحْلِ: قَالَ قَتَادَةُ: تُسَمَّى سُورَةَ النَّعَمَ أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ قَالَ ابْنُ الْفَرَسِ لِمَا عَدَّدَ اللَّهُ فِيهَا مِنَ النِّعَمِ عَلَى عِبَادِهِ.
الْإِسْرَاءُ: تُسَمَّى أَيْضًا سُورَةُ " سُبْحَانَ " وَسُورَةُ بَنِي إِسْرَائِيلَ.
الْكَهْفُ: وَيُقَالُ لَهَا سُورَةُ أَصْحَابِ الْكَهْفِ كَذَا فِي حَدِيثٍ أَخْرَجَهُ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا أَنَّهَا تُدْعَى فِي التَّوْرَاةِ الْحَائِلَةَ تَحُولُ بَيْنَ قَارِئِهَا وَبَيْنَ النَّارِ وَقَالَ: إِنَّهُ مُنْكَرٌ.(1/193)
طه: تسمى أيضا سورة التكليم، ذَكَرَهُ السَّخَاوِيُّ فِي جَمَالِ الْقُرَّاءِ.
الشُّعَرَاءُ: وَقَعَ فِي تَفْسِيرِ الْإِمَامِ مَالِكٍ تَسْمِيَتُهَا بِسُورَةِ الْجَامِعَةِ.
النَّمْلُ: تُسَمَّى أَيْضًا سُورَةُ سُلَيْمَانَ.
السَّجْدَةُ: تُسَمَّى أَيْضًا الْمَضَاجِعِ.
فَاطِرٌ: تُسَمَّى سُورَةَ الْمَلَائِكَةِ.
يس: سماها قَلْبَ الْقُرْآنِ: أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ. وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ مَرْفُوعًا: "سُورَةُ يس تُدْعَى فِي التَّوْرَاةِ الْمُعِمَّةَ نعم بِخَيْرَيِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَتُدْعَى الدَّافِعَةُ وَالْقَاضِيَةُ تَدْفَعُ عَنْ صَاحِبِهَا كُلَّ سُوءٍ وَتَقْضِي لَهُ كُلَّ حَاجَةٍ ". وَقَالَ إِنَّهُ حَدِيثٌ مُنْكَرٌ.
الزُّمَرُ: تُسَمَّى سُورَةُ الْغُرَفِ.
غَافِرٌ: تُسَمَّى سُورَةُ الطَّوْلِ، وَالْمُؤْمِنِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى فيها {وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ} .
فُصِّلَتْ: تُسَمَّى السَّجْدَةَ وَسُورَةُ الْمَصَابِيحِ.
الْجَاثِيَةُ: تُسَمَّى الشَّرِيعَةَ وَسُورَةُ الدَّهْرِ حَكَاهُ الْكَرْمَانِيُّ فِي الْعَجَائِبِ.
سورة مُحَمَّدٌ: تُسَمَّى الْقِتَالَ.
ق: تُسَمَّى سُورَةُ الْبَاسِقَاتِ.
اقْتَرَبَتْ: تُسَمَّى الْقَمَرَ، وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: "أَنَّهَا(1/194)
تُدْعَى فِي التَّوْرَاةِ الْمُبَيِّضَةُ تُبَيِّضُ وَجْهَ صَاحِبِهَا يَوْمَ تَسْوَدُّ الْوُجُوهُ وَقَالَ: إِنَّهُ مُنْكَرٌ.
الرَّحْمَنُ: سُمِّيَتْ فِي حَدِيثٍ عَرُوسُ الْقُرْآنِ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَلِيٍّ مَرْفُوعًا.
الْمُجَادَلَةُ: سُمِّيَتْ فِي مُصْحَفِ أُبَيٍّ الظِّهَارَ.
الْحَشْرُ: أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ عَنْ سَعِيدِ بن جبير قال: قلت لابن عَبَّاسٍ: سُورَةُ الْحَشْرِ قَالَ: قُلْ: سُورَةُ بَنِي النَّضِيرِ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: كَأَنَّهُ كَرِهَ تَسْمِيَتَهَا بِالْحَشْرِ لِئَلَّا يُظَنَّ أَنَّ الْمُرَادَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ به هنا إِخْرَاجُ بَنِي النَّضِيرِ.
الْمُمْتَحَنَةُ: قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: الْمَشْهُورُ فِي هَذِهِ التَّسْمِيَةِ أَنَّهَا بِفَتْحِ الْحَاءِ وَقَدْ تكسر فعلى الأول هو صِفَةُ الْمَرْأَةِ الَّتِي نَزَلَتِ السُّورَةُ بِسَبَبِهَا وَعَلَى الثَّانِي هِيَ صِفَةُ السُّورَةِ كَمَا قِيلَ لِبَرَاءَةٍ: الْفَاضِحَةَ وَفِي جَمَالِ الْقُرَّاءِ تُسَمَّى أَيْضًا سُورَةُ الِامْتِحَانِ وَسُورَةُ الْمَوَدَّةِ.
الصَّفُّ: تُسَمَّى أَيْضًا سُورَةُ الْحَوَارِيِّينَ.
الطَّلَاقُ: تسمى سورة النساء القصرى كذا سَمَّاهَا ابْنُ مَسْعُودٍ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ وَقَدْ أَنْكَرَهُ الدَّاوُدِيُّ فَقَالَ: لَا أَرَى قَوْلَهُ: الْقُصْرَى مَحْفُوظًا وَلَا يُقَالُ: فِي سُورَةِ مِنَ الْقُرْآنِ قُصْرَى وَلَا صُغْرَى قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَهُوَ رَدٌّ لِلْأَخْبَارِ الثَّابِتَةِ بِلَا مُسْتَنَدٍ وَالْقِصَرُ وَالطُّولُ أَمْرٌ نِسْبِيٌّ. وَقَدْ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُ قال: "طولى الطوليين " وَأَرَادَ بِذَلِكَ سُورَةَ الْأَعْرَافِ.
التَّحْرِيمُ: يُقَالُ لَهَا سُورَةُ: الْمُتَحَرِّمُ وَسُورَةَ لِمَ تُحَرِّمُ.(1/195)
تَبَارَكَ: تُسَمَّى سُورَةُ الْمُلْكِ: وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ وَغَيْرُهُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: هِيَ فِي التَّوْرَاةِ سُورَةُ الْمُلْكِ وَهِيَ الْمَانِعَةُ تَمْنَعُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: "هِيَ الْمَانِعَةُ هِيَ الْمُنْجِيَةُ تُنْجِيهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ ". وَفِي مُسْنَدِ عُبَيْدٍ مِنْ حَدِيثِ: "أَنَّهَا الْمُنْجِيَةُ وَالْمُجَادِلَةُ تُجَادِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّهَا لِقَارِئِهَا ".
وَفِي تَارِيخِ ابْنِ عَسَاكِرَ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمَّاهَا الْمُنْجِيَةَ. وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: كُنَّا نُسَمِّيهَا فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَانِعَةَ. وَفِي جَمَالِ الْقُرَّاءِ: تسمى أيضا الواقية والمناعة.
سَأَلَ: تُسَمَّى الْمَعَارِجَ وَالْوَاقِعَ.
عَمَّ: يُقَالُ لَهَا النَّبَأُ، وَالتَّسَاؤُلُ، وَالْمُعْصِرَاتُ.
لَمْ يَكُنْ: تُسَمَّى سُورَةُ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَكَذَلِكَ سُمِّيَتْ فِي مُصْحَفِ أُبَيٍّ وَسُورَةُ الْبَيِّنَةِ وَسُورَةُ الْقِيَامَةِ وَسُورَةُ الْبَرِيَّةِ وَسُورَةُ الانفكاك ذكر ذَلِكَ فِي جَمَالِ الْقُرَّاءِ.
أَرَأَيْتَ: تُسَمَّى سُورَةُ الدِّينَ وَسُورَةُ الْمَاعُونِ.
الْكَافِرُونَ: تُسَمَّى الْمُقَشْقِشَةُ أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى قَالَ فِي جَمَالِ الْقُرَّاءِ: وَتُسَمَّى أَيْضًا سُورَةُ الْعِبَادَةِ.
قَالَ: وسورة النَّصْرِ: تُسَمَّى سُورَةُ التَّوْدِيعَ لِمَا فِيهَا مِنَ الْإِيمَاءِ إِلَى وَفَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ: وسورة تبت: تسمى سورة المسد.(1/196)
وسورة الْإِخْلَاصِ: تُسَمَّى الْأَسَاسَ لَاشْتِمَالِهَا عَلَى تَوْحِيدِ اللَّهِ وَهُوَ أَسَاسُ الدِّينِ.
قَالَ: وَالْفَلَقُ وَالنَّاسُ: يُقَالُ لَهُمَا الْمُعَوِّذَتَانِ بِكَسْرِ الْوَاوِ وَالْمُشَقْشِقَتَانِ مِنْ قَوْلِهِمْ: خَطِيبٌ مُشَقْشِقٌ.
تَنْبِيهٌ
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِي الْبُرْهَانُ: يَنْبَغِي الْبَحْثُ عَنْ تَعْدَادِ الْأَسَامِي: هَلْ هُوَ تَوْقِيفِيٌّ أَوْ بِمَا يَظْهَرُ مِنَ الْمُنَاسَبَاتِ فَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَلَمْ يَعْدَمِ الْفَطِنُ أَنْ يَسْتَخْرِجَ مِنْ كُلِّ سُورَةٍ مَعَانِيَ كَثِيرَةً تَقْتَضِي اشْتِقَاقَ أَسْمَاءٍ لَهَا. وَهُوَ بَعِيدٌ.
قَالَ: وَيَنْبَغِي النَّظَرُ فِي اخْتِصَاصِ كُلِّ سُورَةٍ بِمَا سُمِّيَتْ بِهِ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْعَرَبَ تُرَاعِي فِي كَثِيرٍ من المسميات أخد أَسْمَائِهَا مِنْ نَادِرٍ أَوْ مُسْتَغْرَبٍ يَكُونُ فِي الشَّيْءِ مِنْ خَلْقٍ أَوْ صِفَةٍ تَخُصُّهُ أَوْ يكون مَعَهُ أَحْكَمَ أَوْ أَكْثَرَ أَوْ أَسْبَقَ لِإِدْرَاكِ الرَّائِي لِلْمُسَمَّى. وَيُسَمُّونَ الجملة من الكلام أو القصيدة الطَّوِيلَةِ بِمَا هُوَ أَشْهَرُ فِيهَا وَعَلَى ذَلِكَ جَرَتْ أَسْمَاءُ سُوَرِ الْقُرْآنِ كَتَسْمِيَةِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ بِهَذَا الَاسْمِ لِقَرِينَةِ قِصَّةِ الْبَقَرَةِ الْمَذْكُورَةِ فِيهَا وَعَجِيبِ الْحِكْمَةِ فِيهَا وَسُمِّيَتْ سُورَةُ النِّسَاءِ بِهَذَا الَاسْمِ لَمَّا تَرَدَّدَ فِيهَا شَيْءٌ كَثِيرٌ مِنْ أَحْكَامِ النِّسَاءِ وَتَسْمِيَةِ سُورَةِ الْأَنْعَامِ لِمَا وَرَدَ فِيهَا مِنْ تَفْصِيلِ أحوالها وإن كان قد وَرَدَ لَفْظُ " الْأَنْعَامِ " فِي غَيْرِهَا إِلَّا أَنَّ التَّفْصِيلَ الْوَارِدَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمِنَ الأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشاً} إِلَى قَوْلِهِ: {أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ} لَمْ يَرِدْ فِي غَيْرِهَا كَمَا وَرَدَ ذِكْرُ النِّسَاءِ(1/197)
فِي سُوَرٍ إِلَّا أَنَّ مَا تَكَرَّرَ وَبُسِطَ مِنْ أَحْكَامِهِنَّ لَمْ يَرِدْ فِي غَيْرِ سُورَةِ النِّسَاءِ وَكَذَا سُورَةُ الْمَائِدَةِ لَمْ يَرِدْ ذِكْرُ الْمَائِدَةِ فِي غَيْرِهَا فَسُمِّيَتْ بِمَا يَخُصُّهَا.
قَالَ: فَإِنْ قِيلَ: قَدْ وَرَدَ فِي سُورَةِ هُودٍ ذِكْرُ نُوحٍ وَصَالِحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَلُوطٍ وَشُعَيْبٍ وَمُوسَى فَلِمَ خُصَّتْ بِاسْمِ هُودٍ وَحْدَهُ مَعَ أَنَّ قِصَّةَ نُوحٍ فِيهَا أَوْعَبَ وَأَطْوَلَ؟ قِيلَ: تَكَرَّرَتْ هَذِهِ الْقِصَصُ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ وَسُورَةِ هُودٍ وَالشُّعَرَاءِ بِأَوْعَبَ مِمَّا وَرَدَتْ فِي غَيْرِهَا وَلَمْ يَتَكَرَّرْ فِي وَاحِدَةٍ مِنْ هَذِهِ السُّوَرِ الثَّلَاثِ اسْمُ هُودٍ كَتَكَرُّرِهِ فِي سُورَتِهِ فَإِنَّهُ تَكَرَّرَ فِيهَا في أَرْبَعَةُ مَوَاضِعَ وَالتَّكْرَارُ مِنْ أَقْوَى الْأَسْبَابِ الَّتِي ذَكَرْنَا.
قَالَ: فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ تَكَرَّرَ اسْمُ نُوحٍ فِيهَا فِي سِتَّةِ مَوَاضِعَ! قِيلَ: لَمَّا أُفْرِدَتْ لِذِكْرِ نُوحٍ وَقِصَّتِهِ مَعَ قَوْمِهِ سُورَةٌ بِرَأْسِهَا فَلَمْ يَقَعْ فِيهَا غَيْرُ ذَلِكَ كَانَتْ أَوْلَى بِأَنْ تُسَمَّى بِاسْمِهِ مِنْ سُورَةٍ تَضَمَّنَتْ قِصَّتَهُ وَقِصَّةَ غَيْرِهِ. انْتَهَى.
قُلْتُ: وَلَكَ أَنْ تَسْأَلَ فَتَقُولُ: قَدْ سُمِّيَتْ سُوَرٌ جَرَتْ فِيهَا قَصَصُ أَنْبِيَاءَ بِأَسْمَائِهِمْ كَسُورَةِ نُوحٍ وَسُورَةِ هُودٍ وَسُورَةِ إِبْرَاهِيمَ وَسُورَةِ يُونُسَ وَسُورَةِ آلِ عِمْرَانَ وَسُورَةِ طس سُلَيْمَانَ وَسُورَةِ يُوسُفَ وَسُورَةِ مُحَمَّدٍ وَسُورَةِ مَرْيَمَ وَسُورَةِ لُقْمَانَ وَسُورَةِ الْمُؤْمِنِ وَقِصَّةُ أَقْوَامٍ كذلك كسورة بَنِي إِسْرَائِيلَ وَسُورَةُ أَصْحَابِ الْكَهْفِ وَسُورَةُ الْحِجْرِ وَسُورَةُ سَبَأٍ وَسُورَةُ الْمَلَائِكَةِ وَسُورَةُ الْجِنِّ وَسُورَةُ الْمُنَافِقِينَ وَسُورَةُ الْمُطَفِّفِينَ وَمَعَ هَذَا كُلِّهِ لَمْ يُفْرَدْ لِمُوسَى سُورَةٌ تُسَمَّى بِهِ مَعَ كَثْرَةِ ذِكْرِهِ فِي الْقُرْآنِ حَتَّى قَالَ(1/198)
بَعْضُهُمْ: كَادَ الْقُرْآنُ أَنْ يَكُونَ كله موسى وَكَانَ أَوْلَى سُورَةٍ أَنْ تُسَمَّى بِهِ سُورَةُ طه أو الْقَصَصِ أَوِ الْأَعْرَافِ لِبَسْطِ قِصَّتِهِ فِي الثَّلَاثَةِ مَا لَمْ يُبْسَطْ فِي غَيْرِهَا وَكَذَلِكَ قِصَّةُ آدَمَ ذُكِرَتْ فِي عِدَّةِ سُوَرٍ وَلَمْ تُسَمَّ بِهِ سُورَةٌ كَأَنَّهُ اكْتِفَاءٌ بِسُورَةِ الْإِنْسَانِ وَكَذَلِكَ قِصَّةُ الذَّبِيحِ مِنْ بَدَائِعِ الْقَصَصِ وَلَمْ تُسَمَّ بِهِ سُورَةُ الصَّافَّاتِ وَقِصَّةُ دَاوُدَ ذُكِرَتْ فِي ص وَلَمْ تُسَمَّ بِهِ فَانْظُرْ فِي حِكْمَةِ ذَلِكَ عَلَى أَنِّي رَأَيْتُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي جَمَالِ الْقُرَّاءِ لِلسَّخَاوِيِّ أَنَّ سُورَةَ طه تُسَمَّى سُورَةَ الْكِلِيمَ وَسَمَّاهَا الْهُذَلِيُّ فِي كَامِلِهِ سُورَةَ مُوسَى وَأَنَّ سُورَةَ ص تُسَمَّى سُورَةَ دَاوُدَ. وَرَأَيْتُ فِي كَلَامِ الْجَعْبَرِيِّ أَنَّ سُورَةَ الصَّافَّاتِ تُسَمَّى سُورَةَ الذَّبِيحِ وَذَلِكَ يَحْتَاجُ إِلَى مُسْتَنَدٍ مِنَ الْأَثَرِ.
فَصْلٌ
وَكَمَا سُمِّيَتِ السُّورَةُ الْوَاحِدَةُ بِأَسْمَاءٍ سُمِّيَتْ سُوَرٌ بِاسْمٍ وَاحِدٍ كَالسُّوَرِ الْمُسَمَّاةِ بـ" ألم " أو " ألر"، عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ فَوَاتِحَ السُّوَرِ أَسْمَاءٌ لَهَا.
فَائِدَةٌ فِي إِعْرَابِ أَسْمَاءِ السُّوَرِ
قَالَ أَبُو حَيَّانَ فِي شَرْحِ التَّسْهِيلِ:
مَا سُمِّيَ مِنْهَا بِجُمْلَةٍ تُحْكَى نَحْوَ: {قُلْ أُوحِيَ} و: {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ} أَوْ بِفِعْلٍ لَا ضَمِيرَ فِيهِ أُعْرِبَ إِعْرَابَ مَا لَا يَنْصَرِفُ إِلَّا مَا فِي أَوَّلِهِ هَمْزَةُ وَصْلٍ فَتُقْطَعُ أَلِفُهُ وَتُقْلَبُ تَاؤُهُ هَاءً فِي الْوَقْفِ وَيُكْتَبُ بِهَاءٍ عَلَى صُورَةِ الْوَقْفِ فَتَقُولُ: قَرَأَتْ اقْتَرَبَةْ وَفِي الْوَقْفِ اقْتَرَبَهْ أَمَّا الإعراب فلأنها صارت أسماء وَالْأَسْمَاءُ مُعْرَبَةٌ إِلَّا لِمُوجَبِ بِنَاءٍ. وَأَمَّا قَطْعُ هَمْزَةِ الْوَصْلِ فَلْأَنَّهَا لَا تَكُونُ فِي الْأَسْمَاءِ إِلَّا فِي أَلْفَاظٍ مَحْفُوظَةٍ لَا يُقَاسُ عَلَيْهَا. وَأَمَّا قَلْبُ تَائِهًا هَاءً فلأن ذلك حُكْمُ(1/199)
تَاءِ التَّأْنِيثِ الَّتِي فِي الْأَسْمَاءِ وَأَمَّا كَتْبُهَا هَاءً فَلْأَنَّ الْخَطَّ تَابِعٌ لِلْوَقْفِ غَالِبًا.
وَمَا سُمِّيَ مِنْهَا بِاسْمٍ فَإِنْ كَانَ مِنْ حُرُوفِ الْهِجَاءِ وَهُوَ حَرْفٌ وَاحِدٌ وأضفت إِلَيْهِ سُورَةٌ فَعِنْدَ ابْنِ عُصْفُورٍ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ لَا إِعْرَابَ فِيهِ وَعِنْدَ الشَّلَوْبِينَ يَجُوزُ فِيهِ وَجْهَانِ: الْوَقْفُ وَالْإِعْرَابُ أَمَّا الْأَوَّلُ - وَيُعَبَّرُ عَنْهُ بِالْحِكَايَةِ فَلِأَنَّهَا حُرُوفٌ مُقَطَّعَةٌ تُحْكَى كَمَا هِيَ. وَأَمَّا الثَّانِي: فعلى جعله اسما لِحُرُوفِ الْهِجَاءِ وَعَلَى هَذَا يَجُوزُ صَرْفُهُ بِنَاءً عَلَى تَذْكِيرِ الْحَرْفِ وَمَنْعِهِ بِنَاءً عَلَى تَأْنِيثِهِ وَإِنْ لَمْ تُضَفِ إِلَيْهِ سُورَةٌ لَا لَفْظًا وَلَا تَقْدِيرًا فَلَكَ الْوَقْفُ وَالْإِعْرَابُ مَصْرُوفًا وَمَمْنُوعًا. وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ حَرْفٍ فَإِنْ وزان الأسماء الأعجمية كطاسين وحاميم وَأُضِيفَتْ إِلَيْهِ سُورَةُ أَمْ لَا فَلَكَ الْحِكَايَةُ وَالْإِعْرَابُ مَمْنُوعًا، لِمُوَازَنَةِ قَابِيلَ وَهَابِيلَ وَإِنْ لَمْ يُوَازِنْ فَإِنْ أَمْكَنَ فِيهِ التَّرْكِيبُ كَطَاسِينْ مِيمْ وَأُضِيفَتْ إِلَيْهِ سُورَةٌ فَلَكَ الْحِكَايَةُ وَالْإِعْرَابُ إِمَّا مُرَكَّبًا مَفْتُوحَ النون كحضرموت أَوْ مُعْرَبَ النُّونِ مُضَافًا لِمَا بعده مصروفا وَمَمْنُوعًا. عَلَى اعْتِقَادِ التَّذْكِيرِ وَالتَّأْنِيثِ وَإِنْ لَمْ تُضَفْ إِلَيْهِ سُورَةٌ فَالْوَقْفُ عَلَى الْحِكَايَةِ وَالْبِنَاءُ كَخَمْسَةَ عشر والإعراب ممنوعا. وإن لم يمكن التَّرْكِيبُ فَالْوَقْفُ لَيْسَ إِلَّا أُضِيفَتْ إِلَيْهِ سُورَةُ أَمْ لَا نَحْوُ كهيعص وحمعسق وَلَا يَجُوزُ إِعْرَابُهُ لْأَنَّهُ لَا نَظِيرَ لَهُ فِي الْأَسْمَاءِ الْمُعْرَبَةِ وَلَا تَرْكِيبُهُ مَزْجًا لْأَنَّهُ لَا يُرَكَّبُ كَذَلِكَ أَسْمَاءٌ كَثِيرَةٌ وَجَوَّزَ يُونُسُ إِعْرَابَهُ مَمْنُوعًا.
وَمَا سُمِّيَ مِنْهَا بِاسْمِ غَيْرِ حرف الهجاء فَإِنْ كَانَ فِيهِ اللَّامُ انْجَرَّ نَحْوَ الْأَنْفَالِ وَالْأَعْرَافِ وَالْأَنْعَامِ وَإِلَّا مُنِعَ الصَّرْفُ إِنْ لَمْ يُضَفْ إِلَيْهِ سُورَةٌ نَحْوَ هَذِهِ هُودٌ وَنُوحٌ وَقَرَأْتُ هُودُ وَنُوحُ وَإِنْ أَضَفْتَ بَقِيَ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ قَبْلُ(1/200)
فَإِنْ كَانَ فِيهِ مَا يُوجِبُ الْمَنْعَ مُنِعَ نَحْوَ قُرِأَتْ سُورَةُ يُونُسَ وَإِلَّا صُرِفَ نَحْوُ سُورَةِ نُوحٍ وَسُورَةِ هُودٍ انْتَهَى مُلَخَّصًا.
خَاتِمَةٌ
قُسِّمَ الْقُرْآنُ إِلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ وَجُعِلَ لِكُلِّ قِسْمٍ مِنْهُ اسْمٌ أَخْرَجَ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "أُعْطِيتُ مَكَانَ التَّوْرَاةِ السبع الطول وَأَعْطَيْتُ مَكَانَ الزَّبُورِ الْمِئِينَ وَأَعْطَيْتُ مَكَانَ الْإِنْجِيلِ الْمَثَانِيَ وَفُضِّلْتُ بِالْمُفَصَّلِ ". وَسَيَأْتِي مَزِيدُ كَلَامٍ فِي النَّوْعِ الَّذِي يَلِي هَذَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَفِي جَمَالِ الْقُرَّاءِ: قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ فِي الْقُرْآنِ ميادين وبساتين ومقاصير وعرائس وديابيح وَرِيَاضٌ فَمَيَادِينُهُ مَا افْتُتِحَ ب الم وَبَسَاتِينُهُ مَا افْتُتِحَ بـ" الر " وَمَقَاصِيرُهُ الْحَامِدَاتُ وَعَرَائِسُهُ الْمُسَبِّحَاتُ وَدَيَابِيجُهُ آلُ عِمَرانَ وَرِيَاضُهُ الْمُفَصَّلُ وَقَالُوا الطَّوَاسِيمَ وَالطَّوَاسِينَ وَآل حم وَالْحَوَامِيمَ.
قُلْتُ: وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: الْحَوَامِيمُ دِيبَاجُ الْقُرْآنِ قَالَ: السَّخَاوِيُّ وَقَوَارِعُ الْقُرْآنِ الْآيَاتُ الَّتِي يُتَعَوَّذُ بِهَا وَيُتَحَصَّنُ سُمِّيَتْ بذلك لأنها تقرع الشَّيْطَانَ وَتَدْفَعُهُ وَتَقْمَعُهُ كَآيَةِ الْكُرْسِيِّ وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ وَنَحْوِهَا.
قُلْتُ: وَفِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ مَرْفُوعًا آيَةُ الْعِزِّ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً} الْآيَةَ.(1/201)
النَّوْعُ الثَّامِنَ عَشَرَ: فِي جَمْعِهِ وَتَرْتِيبِهِ
قَالَ الديرعاقولي فِي فَوَائِدِهِ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: قُبِضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَكُنِ الْقُرْآنُ جُمِعَ فِي شَيْءٍ.
قَالَ الْخَطَّابِيُّ: إِنَّمَا لَمْ يجمع الْقُرْآنَ فِي الْمُصْحَفِ لِمَا كَانَ يَتَرَقَّبُهُ مِنْ وُرُودِ نَاسِخٍ لِبَعْضِ أَحْكَامِهِ أَوْ تِلَاوَتِهِ فَلَمَّا انْقَضَى نُزُولُهُ بِوَفَاتِهِ أَلْهَمَ اللَّهُ الْخُلَفَاءَ الرَّاشِدِينَ ذَلِكَ وَفَاءً بِوَعْدِهِ الصَّادِقِ بِضَمَانِ حِفْظِهِ عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ فَكَانَ ابْتِدَاءُ ذَلِكَ عَلَى يَدِ الصِّدِّيقِ بِمَشُورَةِ عُمَرَ. وَأَمَّا مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا تَكْتُبُوا عَنِّي شَيْئًا غَيْرَ الْقُرْآنِ ... " الْحَدِيثَ، فَلَا يُنَافِي ذَلِكَ لْأَنَّ الْكَلَامَ فِي كِتَابَةٍ مَخْصُوصَةٍ عَلَى صِفَةٍ مَخْصُوصَةٍ وَقَدْ كَانَ الْقُرْآنُ كُتِبَ كُلُّهُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَكِنْ غَيْرُ مَجْمُوعٍ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ ولا مرتب السور.
القول في جمع القرآن ثلاث مرات
وقال الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ جُمِعَ الْقُرْآنُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ:
إِحْدَاهَا: بِحَضْرَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ أُخْرِجَ بِسَنَدٍ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: "كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُؤَلِّفُ الْقُرْآنَ مِنَ الرِّقَاعِ ... "الْحَدِيثَ.(1/202)
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: يُشَبَّهُ أَنْ يَكُونَ أن الْمُرَادُ بِهِ تَأْلِيفُ مَا نَزَلَ مِنَ الْآيَاتِ المتفرقة فِي سُوَرِهَا وَجَمْعُهَا فِيهَا بِإِشَارَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
الثَّانِيةُ: بِحَضْرَةِ أَبِي بَكْرٍ رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: أَرْسَلَ إِلَيَّ أَبُو بَكْرٍ مَقْتَلَ أَهْلِ الْيَمَامَةِ فَإِذَا عُمَرُ بْنُ الْخِطَّابِ عِنْدَهُ فقال أبوبكر: إِنَّ عُمَرَ أَتَانِي فَقَالَ: إِنَّ الْقَتْلَ قَدِ اسْتَحَرَّ بِقُرَّاءِ الْقُرْآنِ وَإِنِّي أَخْشَى أَنْ يَسْتَحِرَّ الْقَتْلُ بِالْقُرَّاءِ فِي الْمَوَاطِنِ فَيَذْهَبُ كَثِيرٌ مِنَ الْقُرْآنِ وَإِنِّي أَرَى أَنْ تَأْمُرَ بِجَمْعِ الْقُرْآنِ فَقُلْتُ: لِعُمَرَ كَيْفَ تَفْعَلُ شَيْئًا لَمْ يَفْعَلْهُ رسول الله صلى الله عليه وسلم! قال عمر: وهو وَاللَّهِ خَيْرٌ فَلَمْ يَزَلْ يُرَاجِعُنِي حَتَّى شَرَحَ اللَّهُ صَدْرِي لِذَلِكَ وَرَأَيْتُ فِي ذَلِكَ الَّذِي رَأَى عُمَرُ. قَالَ زَيْدٌ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّكَ شَابٌّ عَاقِلٌ لَا نَتَّهِمُكَ وَقَدْ كُنْتَ تَكْتُبُ الْوَحْيَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَتَبَّعِ الْقُرْآنِ فَاجْمَعْهُ - فَوَاللَّهِ لَوْ كَلَّفُونِي نَقْلَ جَبَلٍ مِنَ الْجِبَالِ مَا كَانَ أَثْقَلَ عَلَيَّ مِمَّا أَمَرَنِي بِهِ مِنْ جَمْعِ الْقُرْآنِ – قُلْتُ: كَيْفَ تَفْعَلَانِ شَيْئًا لَمْ يَفْعَلْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ! قَالَ: هُوَ وَاللَّهِ خَيْرٌ فَلَمْ يَزَلْ أَبُو بَكْرٍ يُرَاجِعُنِي حَتَّى شَرَحَ اللَّهُ صَدْرِي لِلَّذِي شَرَحَ بِهِ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ. فَتَتَبَّعْتُ الْقُرْآنَ أَجْمَعُهُ مِنَ الْعُسُبِ وَاللِّخَافِ وَصُدُورِ الرِّجَالِ وَوَجَدْتُ آخِرَ سُورَةِ التَّوْبَةِ مَعَ أَبِي خُزَيْمَةَ الْأَنْصَارِيِّ لَمْ أَجِدْهَا مَعَ غَيْرِهِ: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ} . حَتَّى خَاتِمَةِ بَرَاءَةٍ. فَكَانَتِ الصُّحُفُ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ ثُمَّ عِنْدَ عُمَرَ حَيَاتَهُ ثُمَّ عِنْدَ حَفْصَةَ بِنْتِ عُمَرَ.(1/203)
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ فِي الْمَصَاحِفِ بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنْ عَبْدِ خَيْرٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيًّا يَقُولُ: أَعْظَمُ النَّاسِ فِي الْمَصَاحِفِ أَجْرًا أَبُو بَكْرٍ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَى أَبِي بَكْرٍ! هُوَ أَوَّلُ مَنْ جَمَعَ كِتَابَ اللَّهِ لَكِنْ أَخْرَجَ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ: لَمَّا مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آلَيْتُ أَلَّا آخُذَ عَلَيَّ رِدَائِي إِلَّا لِصَلَاةِ جُمْعَةٍ حَتَّى أَجْمَعَ الْقُرْآنَ. فَجَمَعَهُ.
قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: هَذَا الْأَثَرُ ضَعِيفٌ لَانْقِطَاعِهِ وَبِتَقْدِيرِ صِحَّتِهِ فَمُرَادُهُ بِجَمْعِهِ حَفِظُهُ فِي صَدْرِهِ وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ خَيْرٍ عَنْهُ أَصَحُّ فَهُوَ الْمُعْتَمَدُ.
قُلْتُ: قَدْ وَرَدَ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ أَخْرَجَهُ ابْنُ الضُّرَيْسِ فِي فَضَائِلِهِ: حَدَّثَنَا بِشْرُ ابن مُوسَى حَدَّثَنَا هَوْذَةُ بْنُ خَلِيفَةَ حدثنا عون عن محمد بن سِيرِينَ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: لَمَّا كَانَ بَعْدَ بَيْعَةِ أَبِي بَكْرٍ قَعَدَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فِي بَيْتِهِ فَقِيلَ لْأَبِي بَكْرٍ: قَدْ كَرِهَ بَيْعَتَكَ فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ فَقَالَ: أَكَرِهْتَ بَيْعَتِي؟ قَالَ: لَا وَاللَّهِ، قَالَ: مَا أَقْعَدَكَ عَنِّي قَالَ: رَأَيْتُ كِتَابَ اللَّهِ يُزَادُ فِيهِ فَحَدَّثْتُ نفسي ألا أَلْبَسَ رِدَائِي إِلَّا لِصَلَاةٍ حَتَّى أَجْمَعَهُ قَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ: فَإِنَّكَ نِعْمَ مَا رَأَيْتَ. قَالَ مُحَمَّدٌ: فَقُلْتُ لِعِكْرِمَةَ: أَلِّفُوهُ كَمَا أُنْزِلَ الْأَوَّلُ فَالْأَوَّلُ قَالَ: لَوِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يؤلفوه ذلك التَّأْلِيفَ مَا اسْتَطَاعُوا.
وَأَخْرَجَهُ ابْنُ أَشْتَةَ فِي الْمَصَاحِفِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ وَفِيهِ أَنَّهُ كَتَبَ فِي مُصْحَفِهِ النَّاسِخَ وَالْمَنْسُوخَ وَأَنَّ ابْنَ سِيرِينَ قَالَ: فطلبت ذَلِكَ الْكِتَابَ وَكَتَبْتُ فِيهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلَمْ أَقْدِرْ عَلَيْهِ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ أَنَّ عُمَرَ سَأَلَ عَنْ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَقِيلَ: كَانَتْ مَعَ فُلَانٍ قُتِلَ يَوْمَ الْيَمَامَةِ فَقَالَ: إِنَّا لِلَّهِ! وَأَمَرَ بِجَمْعِ الْقُرْآنِ(1/204)
فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ جَمَعَهُ فِي الْمُصْحَفِ. إِسْنَادُهُ مُنْقَطِعٌ وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: "فَكَانَ أَوَّلُ مَنْ جَمَعَهُ " أَيْ أَشَارَ بِجَمْعِهِ.
قُلْتُ: وَمِنْ غَرِيبِ مَا وَرَدَ فِي أَوَّلِ مَنْ جَمَعَهُ مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ أَشْتَةَ فِي كِتَابِ الْمَصَاحِفِ مِنْ طَرِيقِ كَهْمَسَ عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ قَالَ: أَوَّلُ مَنْ جَمَعَ الْقُرْآنَ فِي مُصْحَفٍ سَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ أَقْسَمَ لَا يَرْتَدِي بِرِدَاءٍ حَتَّى يجمعه فَجَمَعَهُ ثُمَّ ائْتَمَرُوا: مَا يُسَمُّونَهُ؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: سَمُّوهُ السِّفْرَ قَالَ: ذلك اسم تَسْمِيَةُ الْيَهُودِ فَكَرِهُوهُ فَقَالَ رَأَيْتُ مِثْلَهُ بِالْحَبَشَةِ يُسَمَّى الْمُصْحَفَ فَاجْتَمَعَ رَأْيُهُمْ عَلَى أَنْ يُسَمُّوهُ الْمُصْحَفَ. إِسْنَادُهُ مُنْقَطِعٌ أَيْضًا وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ أَحَدَ الْجَامِعَيْنِ بِأَمْرِ أَبِي بَكْرٍ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ قَالَ: قَدِمَ عُمَرُ فَقَالَ: مَنْ كَانَ تَلَقَّى مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا مِنَ الْقُرْآنِ فَلْيَأْتِ بِهِ وَكَانُوا يَكْتُبُونَ ذَلِكَ فِي الصُّحُفِ وَالْأَلْوَاحِ وَالْعُسُبِ وَكَانَ لَا يَقْبَلُ مِنْ أحد شيئا حتى يشهد به شَهِيدَانِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ زَيْدًا كَانَ لا يكتفي لمجرد وِجْدَانِهِ مَكْتُوبًا حَتَّى يَشْهَدَ بِهِ مَنْ تَلَقَّاهُ سَمَاعًا مَعَ كَوْنِ زَيْدٍ كَانَ يَحْفَظُ فَكَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ مُبَالَغَةً فِي الِاحْتِيَاطِ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ قَالَ لِعُمَرَ وَلِزَيْدٍ: اقْعُدَا عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ فَمَنْ جَاءَكُمَا بِشَاهِدَيْنِ عَلَى شَيْءٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَاكْتُبَاهُ. رِجَالُهُ ثِقَاتٌ مَعَ انْقِطَاعِهِ.
قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَكَأَنَّ الْمُرَادَ بِالشَّاهِدَيْنِ الْحِفْظُ وَالْكِتَابُ.
وَقَالَ السَّخَاوِيُّ فِي جَمَالِ الْقُرَّاءِ: الْمُرَادُ أَنَّهُمَا يَشْهِدَانِ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الْمَكْتُوبَ(1/205)
كتب بين يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوِ الْمُرَادَ أَنَّهُمَا يَشْهَدَانِ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ مِنِ الْوُجُوهِ الَّتِي نَزَلَ بِهَا الْقُرْآنُ.
قَالَ أَبُو شَامَةَ: وَكَانَ غَرَضُهُمْ ألا يُكْتَبَ إِلَّا مِنْ عَيْنِ مَا كُتِبَ بَيْنَ يَدَيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا مِنْ مُجَرَّدِ الْحِفْظِ. قَالَ: وَلِذَلِكَ قَالَ فِي آخِرِ سُورَةِ التَّوْبَةِ: لَمْ أَجِدْهَا مَعَ غَيْرِهِ أَيْ لَمْ أَجِدْهَا مَكْتُوبَةً مَعَ غَيْرِهِ لْأَنَّهُ كَانَ لَا يَكْتَفِي بِالْحِفْظِ دُونَ الْكِتَابَةِ.
قُلْتُ: أَوِ الْمُرَادُ أَنَّهُمَا يَشْهَدَانِ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ مِمَّا عُرِضَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ وَفَاتِهِ كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا تَقَدَّمَ آخِرُ النَّوْعِ السَّادِسَ عَشَرَ.
وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ أَشْتَةَ فِي الْمَصَاحِفِ عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: أَوَّلُ مَنْ جَمَعَ الْقُرْآنَ أَبُو بَكْرٍ وَكَتَبَهُ زَيْدٌ وَكَانَ النَّاسُ يَأْتُونَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ فَكَانَ لَا يَكْتُبُ آيَةً إِلَّا بِشَاهِدَيْ عَدْلٍ وَإِنَّ آخِرَ سُورَةِ بَرَاءَةٍ لَمْ تُوجَدْ إلا مع خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ فَقَالَ: اكْتُبُوهَا فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ شَهَادَتَهُ بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ فَكَتَبَ. وَإِنَّ عُمَرَ أَتَى بِآيَةِ الرَّجْمِ فَلَمْ يَكْتُبْهَا لْأَنَّهُ كَانَ وَحْدَهُ.
وَقَالَ الْحَارِثُ الْمُحَاسَبِيُّ فِي كِتَابِ فَهْمِ السُّنَنِ: كِتَابَةُ الْقُرْآنِ لَيْسَتْ بِمُحْدَثَةٍ فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْمُرُ بِكِتَابَتِهِ وَلَكِنَّهُ كَانَ مُفَرَّقًا فِي الرِّقَاعِ وَالْأَكْتَافِ وَالْعُسُبِ فَإِنَّمَا أَمَرَ الصَّدِيقِ بِنَسْخِهَا مِنْ مَكَانٍ إِلَى مَكَانٍ(1/206)
مُجْتَمِعًا وَكَانَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ أَوْرَاقٍ وُجِدَتْ فِي بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا القرآن مُنْتَشِرٌ فَجَمَعَهَا جَامِعٌ وَرَبَطَهَا بِخَيْطٍ حَتَّى لَا يَضِيعَ مِنْهَا شَيْءٌ.
قَالَ: فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ وَقَعَتِ الثِّقَةُ بِأَصْحَابِ الرِّقَاعِ وَصُدُورِ الرِّجَالِ؟ قِيلَ: لْأَنَّهُمْ كَانُوا يُبْدُونَ عَنْ تَأْلِيفٍ مُعْجِزٍ وَنَظْمٍ مَعْرُوفٍ قَدْ شَاهَدُوا تِلَاوَتَهُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِشْرِينَ سَنَةً فَكَانَ تَزْوِيرُ مَا لَيْسَ مِنْهُ مَأْمُونًا وَإِنَّمَا كَانَ الْخَوْفُ مِنْ ذَهَابِ شَيْءٍ مِنْ صُحُفِهِ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ زَيْدٍ أَنَّهُ جَمَعَ الْقُرْآنَ مِنَ الْعُسُبِ وَاللِّخَافِ وَفِي رِوَايَةٍ " وَالرِّقَاعِ " وَفِي أُخْرَى: "وَقِطَعِ الْأَدِيمِ "، وَفِي أُخْرَى: "وَالْأَكْتَافِ " وَفِي أُخْرَى: "وَالْأَضْلَاعِ " وَفِي أُخْرَى: "وَالْأَقْتَابِ " فَالْعُسُبِ: جَمْعُ عَسِيبٍ وَهُوَ جَرِيدُ النَّخْلِ كَانُوا يَكْشِطُونَ الْخُوصَ وَيَكْتُبُونَ فِي الطَّرَفِ الْعَرِيضِ.
وَاللِّخَافُ بِكَسْرِ اللَّامِ وَبِخَاءٍ مُعْجَمَةٍ خَفِيفَةٍ آخِرُهُ فَاءٌ: جَمْعُ لَخْفَةٍ بِفَتْحِ اللَّامِ وَسُكُونِ الْخَاءِ وَهِيَ الْحِجَارَةُ الدِّقَاقُ، وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: صَفَائِحُ الْحِجَارَةِ. وَالرِّقَاعُ: جَمْعُ رُقْعَةٍ وَقَدْ تَكُونُ من جلد أو رق أَوْ كَاغِدٍ وَالْأَكْتَافُ جَمَعَ كَتِفٍ وَهُوَ الْعَظْمُ الَّذِي لِلْبَعِيرِ أَوِ الشَّاةِ كَانُوا إِذَا جَفَّ كَتَبُوا عليه.
والأقتاب: جمع قتب هو الْخَشَبُ الَّذِي يُوضَعُ عَلَى ظَهْرِ الْبَعِيرِ لِيَرْكَبَ عَلَيْهِ.
وَفِي مُوَطَّأِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ الله ابن عُمَرَ قَالَ: جَمَعَ أَبُو بَكْرٍ الْقُرْآنَ فِي قَرَاطِيسَ وَكَانَ سَأَلَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ فِي ذَلِكَ فأبى حتى استعان بِعُمَرَ فَفَعَلَ.
وَفِي مَغَازِي مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: قَالَ: لَمَّا أُصِيبَ الْمُسْلِمُونَ بِالْيَمَامَةِ فَزِعَ أَبُو بَكْرٍ وَخَافَ أَنْ يَذْهَبَ مِنَ الْقُرْآنِ طَائِفَةٌ فَأَقْبَلَ الناس(1/207)
بما كان مَعَهُمْ وَعِنْدَهُمْ حَتَّى جُمِعَ عَلَى عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ فِي الْوَرَقِ فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ أَوَّلَ مَنْ جَمَعَ الْقُرْآنَ فِي الصُّحُفِ.
قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيَّةَ أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ قَالَ: فَأَمَرَنِي أَبُو بَكْرٍ فَكَتَبْتُهُ فِي قِطَعِ الْأَدِيمِ وَالْعُسُبِ فَلَمَّا هَلَكَ أَبُو بَكْرٍ وَكَانَ عُمَرُ كَتَبْتُ ذَلِكَ فِي صَحِيفَةٍ وَاحِدَةٍ فَكَانَتْ عِنْدَهُ.
قَالَ: وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ إِنَّمَا كَانَ فِي الْأَدِيمِ وَالْعُسُبِ أَوَّلًا قيل أَنْ يُجْمَعَ فِي عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ ثُمَّ جُمِعَ فِي الصُّحُفِ فِي عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْأَخْبَارُ الصَّحِيحَةُ الْمُتَرَادِفَةُ.
قَالَ الْحَاكِمُ: وَالْجَمْعُ الثَّالِثُ هُوَ تَرْتِيبُ السُّوَرِ فِي زَمَنِ عُثْمَانَ رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ قَدِمَ عَلَى عُثْمَانَ وَكَانَ يُغَازِي أَهْلَ الشَّامِ فِي فَتْحِ أَرْمِينِيَّةَ وَأَذْرَبِيجَانَ مَعَ أَهْلِ الْعِرَاقِ فَأَفْزَعَ حُذَيْفَةَ اخْتِلَافُهُمْ فِي الْقِرَاءَةِ فَقَالَ لِعُثْمَانَ: أَدْرِكِ الْأُمَّةَ قَبْلَ أَنْ يَخْتَلِفُوا اخْتِلَافَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى. فَأَرْسَلَ إِلَى حَفْصَةَ: أَنْ أَرْسِلِي إِلَيْنَا الصُّحُفَ نَنْسَخُهَا فِي الْمَصَاحِفِ ثُمَّ نَرُدُّهَا إِلَيْكِ. فأرسلت بها حفصة إ لى عُثْمَانَ فَأَمَرَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ وَسَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ فَنَسَخُوهَا فِي الْمَصَاحِفِ. وَقَالَ عُثْمَانُ لِلرَّهْطِ الْقُرَشِيِّينَ الثَّلَاثَةِ: إِذَا اخْتَلَفْتُمْ أَنْتُمْ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ فِي شَيْءٍ مِنَ الْقُرْآنِ فَاكْتُبُوهُ بِلِسَانِ قُرَيْشٍ فَإِنَّهُ إِنَّمَا نَزَلَ بِلِسَانِهِمْ فَفَعَلُوا حَتَّى إِذَا نَسَخُوا الصُّحُفَ فِي الْمَصَاحِفِ رَدَّ عُثْمَانُ الصُّحُفَ إِلَى حَفْصَةَ وَأَرْسَلَ إِلَى كُلِّ أُفُقٍ بِمُصْحَفٍ مِمَّا نَسَخُوا،(1/208)
وَأَمَرَ بِمَا سِوَاهُ مِنَ الْقُرْآنِ فِي كُلِّ صحيفة ومصحف أن يحرق. قال زيد: فقدت آيَةً مِنَ الْأَحْزَابِ حِينَ نَسَخْنَا الْمُصْحَفَ قَدْ كُنْتُ أَسْمَعُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ بِهَا فَالْتَمَسْنَاهَا فَوَجَدْنَاهَا مَعَ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيِّ {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} ، فَأَلْحَقْنَاهَا فِي سُورَتِهَا فِي الْمُصْحَفِ.
قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَكَانَ ذَلِكَ فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ قَالَ وَغَفَلَ بَعْضُ مَنْ أَدْرَكْنَاهُ فَزَعَمَ أَنَّهُ كَانَ فِي حُدُودِ سَنَةِ ثَلَاثِينَ وَلَمْ يَذْكُرْ لَهُ مُسْتَنَدًا. انْتَهَى.
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَشْتَةَ مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَامِرٍ يُقَالُ لَهُ أَنْسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ: اخْتَلَفُوا في القراءة عَلَى عَهْدِ عُثْمَانَ حَتَّى اقْتَتَلَ الْغِلْمَانُ وَالْمُعَلِّمُونَ فَبَلَغَ ذَلِكَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ فَقَالَ: عِنْدِي تُكَذِّبُونَ بِهِ وَتَلْحَنُونَ فِيهِ فَمَنْ نَأَى عَنِّي كَانَ أَشَدَّ تَكْذِيبًا وَأَكْثَرَ لَحْنًا. يَا أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ اجْتَمِعُوا فَاكْتُبُوا لِلنَّاسِ إِمَامًا. فَاجْتَمَعُوا فَكَتَبُوا فكانوا إذا اختلفوا وتدا رءوا في آيَةٍ قَالُوا: هَذِهِ أَقْرَأَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فُلَانًا فَيُرْسِلُ إِلَيْهِ وَهُوَ عَلَى رأس ثلاث من المدينة فقال لَهُ: كَيْفَ أَقْرَأَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آيَةَ كَذَا وَكَذَا؟ فَيَقُولُ: كَذَا وَكَذَا، فَيَكْتُبُونَهَا وَقَدْ تَرَكُوا لِذَلِكَ مَكَانًا.
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ مِنْ طريق محمد بن سِيرِينَ عَنْ كَثِيرِ بْنِ أَفْلَحَ قَالَ: لَمَّا أَرَادَ عُثْمَانُ أَنْ يَكْتُبَ الْمَصَاحِفَ جَمَعَ لَهُ اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا مِنْ قُرَيْشٍ وَالْأَنْصَارِ فَبَعَثُوا إِلَى الرَّبْعَةِ الَّتِي فِي بَيْتِ عُمَرَ فَجِيءَ بِهَا وَكَانَ عثمان يتعاهد هم فَكَانُوا إِذَا تَدَارَءُوا فِي شَيْءٍ أَخَّرُوهُ. قَالَ مُحَمَّدٌ: فَظَنَنْتُ أَنَّمَا كَانُوا(1/209)
يُؤَخِّرُونَهُ لِيَنْظُرُوا أَحْدَثَهُمْ عَهْدًا بِالْعَرْضَةِ الْأَخِيرَةِ فَيَكْتُبُونَهُ عَلَى قَوْلِهِ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ سُوِيدِ بْنِ غَفَلَةَ قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ: لَا تَقُولُوا فِي عُثْمَانَ إِلَّا خَيْرًا فَوَاللَّهِ مَا فَعَلَ الَّذِي فَعَلَ فِي الْمَصَاحِفِ إِلَّا عَنْ مَلَأٍ مِنَّا قَالَ: مَا تَقُولُونَ فِي هَذِهِ الْقِرَاءَةِ؟ فَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ بَعْضَهُمْ يَقُولُ: إِنَّ قِرَاءَتِي خَيْرٌ مِنْ قِرَاءَتِكَ وَهَذَا يَكَادُ يَكُونُ كُفْرًا قُلْنَا: فَمَا تَرَى؟ قَالَ: أَرَى أَنْ يُجْمَعَ النَّاسُ عَلَى مُصْحَفٍ وَاحِدٍ فَلَا تَكُونُ فُرْقَةٌ وَلَا اخْتِلَافٌ قُلْنَا: نِعْمَ مَا رَأَيْتَ.
قَالَ ابْنُ التِّينِ وَغَيْرُهُ: الْفَرْقُ بَيْنَ جَمْعِ أَبِي بَكْرٍ وَجَمْعِ عُثْمَانَ أَنَّ جَمْعَ أَبِي بَكْرٍ كَانَ لِخَشْيَةِ أَنْ يَذْهَبَ مِنَ الْقُرْآنِ شيء بذهاب جملته لْأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَجْمُوعًا فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ فَجَمَعَهُ فِي صَحَائِفَ مُرَتِّبًا لِآيَاتِ سُوَرِهِ عَلَى مَا وَقَّفَهُمْ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَمْعُ عُثْمَانَ كَانَ لَمَّا كَثُرَ الَاخْتِلَافُ فِي وُجُوهِ القراءة حتى قرؤوه بِلُغَاتِهِمْ عَلَى اتِّسَاعِ اللُّغَاتِ فَأَدَّى ذَلِكَ بَعْضَهُمِ إِلَى تَخْطِئَةِ بَعْضٍ فَخَشِيَ مِنْ تَفَاقُمِ الْأَمْرِ فِي ذَلِكَ فَنَسَخَ تِلْكَ الصُّحُفَ فِي مُصْحَفٍ وَاحِدٍ مُرَتِّبًا لِسُوَرِهِ وَاقْتَصَرَ مِنْ سَائِرِ اللُّغَاتِ عَلَى لُغَةِ قُرَيْشٍ مُحْتَجًّا بِأَنَّهُ نَزَلَ بِلُغَتِهِمْ وإن كان قد وسع قِرَاءَتِهِ بِلُغَةِ غَيْرِهِمْ رَفْعًا لِلْحَرَجِ وَالْمَشَقَّةِ فِي ابْتِدَاءِ الْأَمْرِ فَرَأَى أَنَّ الْحَاجَةَ إِلَى ذَلِكَ قَدِ انْتَهَتْ فَاقْتَصَرَ عَلَى لُغَةٍ وَاحِدَةٍ.
وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ فِي الَانْتِصَارِ: لَمْ يَقْصِدْ عُثْمَانُ قَصْدَ أَبِي بَكْرٍ فِي جَمْعِ نَفْسِ الْقُرْآنِ بَيْنَ لَوْحَيْنِ وَإِنَّمَا قَصَدَ جَمْعَهُمْ عَلَى الْقِرَاءَاتِ الثَّابِتَةِ الْمَعْرُوفَةِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِلْغَاءَ مَا لَيْسَ كَذَلِكَ وَأَخْذِهِمْ بِمُصْحَفٍ(1/210)
لَا تَقْدِيمَ فِيهِ وَلَا تَأْخِيرَ وَلَا تَأْوِيلَ أُثْبِتَ مَعَ تَنْزِيلٍ وَلَا مَنْسُوخٌ تِلَاوَتُهُ كُتِبَ مَعَ مُثْبَتٍ رَسْمُهُ وَمَفْرُوضٌ قِرَاءَتُهُ وَحِفْظُهُ خَشْيَةَ دُخُولِ الْفَسَادِ وَالشُّبْهَةِ عَلَى مَنْ يَأْتِي بَعْدُ.
وَقَالَ الْحَارِثُ الْمُحَاسَبِيُّ: الْمَشْهُورُ عِنْدَ النَّاسِ أَنَّ جَامِعَ الْقُرْآنِ عُثْمَانَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إِنَّمَا حَمَلَ عُثْمَانُ النَّاسَ عَلَى الْقِرَاءَةِ بِوَجْهٍ وَاحِدٍ عَلَى اخْتِيَارٍ وَقَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْ شَهِدَهُ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ لَمَّا خَشِيَ الْفِتْنَةَ عِنْدَ اخْتِلَافِ أَهْلِ الْعِرَاقِ وَالشَّامِ فِي حُرُوفِ الْقِرَاءَاتِ فَأَمَّا قَبْلَ ذَلِكَ فَقَدْ كَانَتِ الْمَصَاحِفُ بِوُجُوهٍ مِنَ الْقِرَاءَاتِ الْمُطْلِقَاتِ عَلَى الحروف السَّبْعَةِ الَّتِي نَزَلَ بِهَا الْقُرْآنُ فَأَمَّا السَّابِقُ إِلَى الْجَمْعِ مِنَ الْحَمْلَةِ فَهُوَ الصِّدِّيقُ وَقَدْ قَالَ عَلِيٌّ: لَوْ وَلِيتُ لَعَمِلْتُ بِالْمَصَاحِفِ عمل عثمان بها. انتهى.
اخْتُلِفَ فِي عِدَّةِ الْمَصَاحِفِ الَّتِي أَرْسَلَ بِهَا عُثْمَانُ إِلَى الْآفَاقِ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهَا خَمْسَةٌ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ حَمْزَةَ الزَّيَّاتِ قَالَ: أَرْسَلَ عُثْمَانُ أَرْبَعَةَ مَصَاحِفَ. قَالَ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ: وَسَمِعْتُ أَبَا حَاتِمٍ السِّجِسْتَانِيَّ يَقُولُ: كُتِبَ سَبْعَةُ مَصَاحِفَ فَأَرْسَلَ إِلَى مكة وإلى الشام وَإِلَى الْيَمَنِ وَإِلَى الْبَحْرَيْنِ وَإِلَى الْبَصْرَةِ وَإِلَى الْكُوفَةِ وَحَبَسَ بِالْمَدِينَةِ واحدا.
فصل
الْإِجْمَاعُ وَالنُّصُوصُ الْمُتَرَادِفَةُ عَلَى أَنَّ تَرْتِيبَ الْآيَاتِ توقيفي لا شبهة في ذلك وأما الْإِجْمَاعُ فَنَقَلَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْهُمُ الزَّرْكَشِيُّ فِي الْبُرْهَانِ وَأَبُو جَعْفَرِ بْنُ الزُّبَيْرِ فِي مُنَاسَبَاتِهِ وَعِبَارَتُهُ: تَرْتِيبُ الْآيَاتِ فِي سُوَرِهَا وَاقِعٌ بِتَوْقِيفِهِ(1/211)
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَأَمْرِهِ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ فِي هَذَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ. انْتَهَى.
وَسَيَأْتِي مِنْ نُصُوصِ الْعُلَمَاءِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ.
وَأَمَّا النُّصُوصُ فَمِنْهَا حَدِيثُ زَيْدٍ السَّابِقُ: "كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُؤَلِّفُ الْقُرْآنَ مِنَ الرِّقَاعِ ".
وَمِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قُلْتُ لِعُثْمَانَ: مَا حَمَلَكُمْ عَلَى أَنْ عَمَدْتُمْ إِلَى الْأَنْفَالِ وَهِيَ مِنَ الْمَثَانِي وَإِلَى بَرَاءَةٍ وَهِيَ مِنَ الْمِئِينَ فَقَرَنْتُمْ بَيْنَهُمَا وَلَمْ تَكْتُبُوا بَيْنَهُمَا سَطْرَ " بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ " وَوَضَعْتُمُوهَا في السبع الطول؟ فَقَالَ عُثْمَانُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَنْزِلُ عليه السور ذوات الْعَدَدِ فَكَانَ إِذَا نَزَلَ عَلَيْهِ الشَّيْءُ دَعَا بَعْضَ مَنْ كَانَ يَكْتُبُ فَيَقُولُ: ضَعُوا هَؤُلَاءِ الْآيَاتِ فِي السُّورَةِ الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا كَذَا وَكَذَا. وَكَانَتِ الْأَنْفَالُ مِنْ أَوَائِلِ مَا نَزَلَ في المدينة وَكَانَتْ بَرَاءَةٌ مِنْ آخِرِ الْقُرْآنِ نُزُولًا وَكَانَتْ قِصَّتُهَا شَبِيهَةً بِقِصَّتِهَا فَظَنَنْتُ أَنَّهَا مِنْهَا فَقُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يُبَيِّنْ لَنَا أَنَّهَا مِنْهَا فَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ قَرَنْتُ بَيْنَهُمَا وَلَمْ أَكْتُبْ بَيْنَهُمَا سَطْرَ " بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ " وَوَضَعْتُهَا فِي السبع الطول.
وَمِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ شَخَصَ بِبَصَرِهِ ثُمَّ صَوَّبَهُ ثُمَّ قَالَ: "أَتَانِي جِبْرِيلُ فَأَمَرَنِي أَنْ أَضَعَ هَذِهِ الْآيَةَ هَذَا الْمَوْضِعَ مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى} إِلَى آخِرِهَا".(1/212)
وَمِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: قُلْتُ لِعُثْمَانَ: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً} قَدْ نَسَخَتْهَا الْآيَةُ الْأُخْرَى فَلَمْ تَكْتُبْهَا وَلَمْ تَدَعْهَا؟ قَالَ: يَا بن أَخِي لَا أُغَيِّرُ شَيْئًا مِنْهُ مِنْ مَكَانِهِ.
وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ عُمَرَ قَالَ: مَا سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ شَيْءٍ أَكْثَرَ مِمَّا سَأَلْتُهُ عَنِ الْكَلَالَةِ حَتَّّى طَعَنَ بِإِصْبَعِهِ فِي صَدْرِي وَقَالَ: "تَكْفِيكَ آيَةُ الصَّيْفِ الَّتِي فِي آخِرِ سُورَةِ النِّسَاءِ:.
وَمِنْهَا الْأَحَادِيثُ فِي خَوَاتِيمِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ.
وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ مَرْفُوعًا: "مَنْ حَفِظَ عَشْرَ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ الْكَهْفِ عُصِمَ مِنَ الدَّجَّالِ " وَفِي لَفْظٍ عِنْدَهُ: "مَنْ قَرَأَ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ مِنْ سُورَةِ الْكَهْفِ ".
وَمِنَ النُّصُوصِ الدَّالَّةِ عَلَى ذَلِكَ إِجْمَالًا مَا ثَبَتَ من قراءته لِسُوَرٍ عَدِيدَةٍ كَسُورَةِ الْبَقَرَةِ وَآلِ عِمْرَانَ وَالنِّسَاءِ فِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ وَالْأَعْرَافِ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ قرأها في المغرب، وقَدْ أَفْلَحَ، رَوَى النَّسَائِيُّ أَنَّهُ قَرَأَهَا فِي الصُّبْحِ حَتَّى إِذَا جَاءَ ذِكْرُ مُوسَى وَهَارُونَ أَخَذَتْهُ سَعْلَةٌ فَرَكَعَ.
وَالرُّومِ رَوَى الطَّبَرَانِيُّ أَنَّهُ قَرَأَهَا فِي الصُّبْحِ وَ: "الم تَنْزِيلُ"وَ، "هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ" رَوَى الشَّيْخَانِ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهُمَا فِي صُبْحِ الْجُمُعَةِ، وَ " ق " فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهَا فِي الْخُطْبَةِ وَالرَّحْمَنِ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ قَرَأَهَا عَلَى الْجِنِّ وَ: "النَّجْمِ " فِي الصَّحِيحِ قَرَأَهَا بِمَكَّةَ عَلَى الْكُفَّارِ وَسَجَدَ فِي آخِرِهَا. وَ: "اقْتَرَبَتْ" عِنْدَ مُسْلِمٍ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهَا مَعَ: "ق" فِي العيد والجمعة. وَ" الْمُنَافِقُونَ " فِي مُسْلِمٍ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ بِهِمَا فِي صَلَاةِ الجمعة والصف فِي الْمُسْتَدْرَكِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ(1/213)
أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَهَا عَلَيْهِمْ حِينَ أُنْزِلَتْ حتى ختمها في سُوَرٍ شَتَّى مِنَ الْمُفَصَّلِ تَدُلُّ قراءته لَهَا بِمَشْهَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ أَنَّ تَرْتِيبَ آيَاتِهَا تَوْقِيفِيٌّ وَمَا كَانَ الصَّحَابَةُ لِيُرَتِّبُوا تَرْتِيبًا سَمِعُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ عَلَى خِلَافِهِ فَبَلَغَ ذَلِكَ مَبْلَغَ التواتر ابن خزيمة نَعَمْ يُشْكِلُ عَلَى ذَلِكَ مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ فِي الْمَصَاحِفِ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَتَى الْحَارِثُ ابن خُزَيْمَةَ بِهَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ بَرَاءَةٍ فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنِّي سَمِعْتُهُمَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوَعَيْتُهُمَا فَقَالَ عُمَرُ: وَأَنَا أَشْهَدُ لَقَدْ سَمِعْتُهُمَا ثُمَّ قَالَ: لَوْ كَانَتْ ثَلَاثَ آيَاتٍ لَجَعَلْتُهَا سُورَةً عَلَى حِدَةٍ فَانْظُرُوا آخِرَ سُورَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ فَأَلْحِقُوهَا فِي آخِرِهَا.
قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: ظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُمْ كَانُوا يُؤَلِّفُونَ آيَاتِ السُّوَرِ بِاجْتِهَادِهِمْ وَسَائِرُ الْأَخْبَارِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ لَمْ يَفْعَلُوا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ إِلَّا بِتَوْقِيفٍ.
قُلْتُ: يُعَارِضُهُ مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ أَبِي الْعَالِيَةِ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّهُمْ جَمَعُوا الْقُرْآنَ فَلَمَّا انْتَهَوْا إِلَى الْآيَةِ الَّتِي فِي سُورَةِ بَرَاءَةٍ: {ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ} ظَنُّوا أَنَّ هَذَا آخِرُ مَا أُنْزِلَ فَقَالَ أُبَيٌّ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْرَأَنِي بَعْدَ هَذَا آيَتَيْنِ: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ} إِلَى آخِرِ السُّورَةِ.
وَقَالَ مَكِّيٌّ وَغَيْرُهُ: تَرْتِيبُ الْآيَاتِ فِي السُّوَرِ بِأَمْرٍ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم ولما لم يَأْمُرْ بِذَلِكَ فِي أَوَّلِ بَرَاءَةٍ تُرِكَتْ بِلَا بَسْمَلَةٍ.
وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ فِي الَانْتِصَارِ: تَرْتِيبُ الْآيَاتِ أَمْرٌ وَاجِبٌ وَحُكْمٌ لَازِمٌ فَقَدْ كَانَ جِبْرِيلُ يَقُولُ: "ضَعُوا آيَةَ كَذَا فِي مَوْضِعِ كَذَا ".(1/214)
وَقَالَ أَيْضًا: الَّذِي نَذْهَبُ إِلَيْهِ أَنَّ جَمِيعَ الْقُرْآنِ الَّذِي أَنْزَلَهُ اللَّهِ وَأَمَرَ بِإِثْبَاتِ رَسْمِهِ وَلَمْ يَنْسَخْهُ وَلَا رَفَعَ تِلَاوَتَهُ بَعْدَ نُزُولِهِ هُوَ هَذَا الَّذِي بَيْنَ الدَّفَّتَيْنِ الَّذِي حَوَاهُ مُصْحَفُ عُثْمَانَ وَأَنَّهُ لَمْ يَنْقُصْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَا زِيدَ فِيهِ وَأَنَّ تَرْتِيبَهُ وَنَظْمَهُ ثَابِتٌ عَلَى مَا نَظَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَرَتَّبَهُ عَلَيْهِ رَسُولُهُ مِنْ آيِ السُّوَرِ لَمْ يُقَدِّمْ مِنْ ذلك مؤخر ولا أخر منه مقدم وَإِنَّ الْأُمَّةَ ضَبَطَتْ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرْتِيبَ آيِ كُلِّ سُورَةٍ وَمَوَاضِعِهَا وَعَرَفَتْ مَوَاقِعَهَا كَمَا ضُبِطَتْ عَنْهُ نَفْسُ الْقِرَاءَاتِ وَذَاتُ التِّلَاوَةِ وَأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ رَتَّبَ سُوَرَهُ وَأَنْ يَكُونَ قَدْ وَكَلَ ذَلِكَ إِلَى الْأُمَّةِ بَعْدَهُ وَلَمْ يَتَوَلَّ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ قَالَ: وَهَذَا الثَّانِي أَقْرَبُ.
وَأَخْرَجَ عَنِ ابْنِ وَهْبٍ قَالَ: سَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ: إِنَّمَا أُلِّفَ الْقُرْآنُ عَلَى مَا كَانُوا يَسْمَعُونَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَالَ الْبَغَوِيُّ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ: الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهِ عَنْهُمْ جَمَعُوا بَيْنَ الدَّفَّتَيْنِ الْقُرْآنَ الَّذِي أَنْزَلَهُ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ زَادُوا أَوْ نَقَصُوا مِنْهُ شَيْئًا خَوْفَ ذَهَابِ بَعْضِهِ بِذَهَابِ حَفَظَتِهِ فَكَتَبُوهُ كَمَا سَمِعُوا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَيْرِ أن قدموا شيئا أو أخروا أَوْ وَضَعُوا لَهُ تَرْتِيبًا لَمْ يَأْخُذُوهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُلَقِّنُ أَصْحَابَهُ وَيُعَلِّمُهُمْ مَا نَزَلَ عَلَيْهِ مِنَ الْقُرْآنِ عَلَى التَّرْتِيبِ الَّذِي هُوَ الْآنَ فِي مَصَاحِفِنَا بِتَوْقِيفِ جِبْرِيلَ إِيَّاهُ عَلَى ذَلِكَ وَإِعْلَامِهِ عِنْدَ نُزُولِ كُلِّ آيَةٍ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ تُكْتَبُ عَقِبَ آيَةِ كَذَا فِي سُورَةِ كَذَا فَثَبَتَ أَنَّ سَعْيَ الصَّحَابَةِ كَانَ فِي جَمْعِهِ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ لَا فِي تَرْتِيبِهِ فَإِنَّ الْقُرْآنَ مَكْتُوبٌ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ عَلَى هَذَا(1/215)
التَّرْتِيبِ أَنْزَلَهُ اللَّهُ جُمْلَةً إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا ثُمَّ كَانَ يُنْزِلُهُ مُفَرَّقًا عِنْدَ الْحَاجَةِ وَتَرْتِيبُ النُّزُولِ غَيْرُ تَرْتِيبِ التِّلَاوَةِ.
وَقَالَ ابْنُ الْحَصَّارِ: تَرْتِيبُ السُّوَرِ وَوَضْعُ الْآيَاتِ مَوَاضِعَهَا إِنَّمَا كَانَ بِالْوَحْيِ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "ضَعُوا آيَةَ كَذَا فِي مَوْضِعِ كَذَا " وَقَدْ حَصَلَ الْيَقِينُ مِنَ النَّقْلِ الْمُتَوَاتِرِ بِهَذَا التَّرْتِيبِ مِنْ تِلَاوَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمِمَّا أَجْمَعَ الصَّحَابَةُ عَلَى وَضْعِهِ هَكَذَا في المصحف.
فصل
وَأَمَّا تَرْتِيبُ السُّوَرِ فَهَلْ هُوَ تَوْقِيفِيٌّ أَيْضًا أَوْ هُوَ بِاجْتِهَادٍ مِنَ الصَّحَابَةِ؟
خِلَافٌ، فَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ عَلَى الثَّانِي مِنْهُمْ مَالِكٌ وَالْقَاضِي أَبُو بكر في قَوْلَيْهِ.
قَالَ ابْنُ فَارِسٍ: جُمِعَ الْقُرْآنُ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا تَأْلِيفُ السُّوَرِ كَتَقْدِيمِ السَّبْعِ الطُّوَالِ وَتَعْقِيبِهَا بِالْمِئِينَ فَهَذَا هُوَ الَّذِي تَوَلَّتْهُ الصَّحَابَةُ وَأَمَّا الْجَمْعُ الْآخَرُ وَهُوَ جَمْعُ الْآيَاتِ فِي السُّوَرِ فَهُوَ تَوْقِيفِيٌّ تَوَلَّاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا أَخْبَرَ بِهِ جِبْرِيلُ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ. وَمِمَّا اسْتُدِلَّ بِهِ لِذَلِكَ اخْتِلَافُ مَصَاحِفِ السَّلَفِ فِي تَرْتِيبِ السُّوَرِ فَمِنْهُمْ مَنْ رَتَّبَهَا عَلَى النُّزُولِ وَهُوَ مُصْحَفُ عَلِيٍّ كَانَ أَوَّلَهُ اقْرَأْ ثُمَّ الْمُدَّثِّرُ ثُمَّ ن ثُمَّ الْمُزَّمِّلُ ثُمَّ تَبَّتْ ثُمَّ التَّكْوِيرُ وَهَكَذَا إِلَى آخِرِ الْمَكِّيِّ وَالْمَدَنِيِّ وَكَانَ أَوَّلَ مُصْحَفِ ابْنِ مَسْعُودٍ الْبَقَرَةُ ثُمَّ النِّسَاءُ ثُمَّ آلُ عِمْرَانَ عَلَى اخْتِلَافٍ شَدِيدٍ وَكَذَا مُصْحَفُ أُبَيٍّ وَغَيْرِهِ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَشْتَةَ فِي الْمَصَاحِفِ مِنْ طَرِيقِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ حِبَّانَ ابن يَحْيَى عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ الْقُرَشِيِّ قَالَ: أَمَرَهُمْ عُثْمَانُ أَنْ يُتَابِعُوا الطُّوَالَ فَجُعِلَتْ سُورَةُ الْأَنْفَالِ وَسُورَةُ التَّوْبَةِ فِي السَّبْعِ وَلَمْ يُفْصَلْ بَيْنَهُمَا بـ " بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ".(1/216)
وَذَهَبَ إِلَى الْأَوَّلِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمُ الْقَاضِي فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ.
قَالَ أبو بكر الأنبا ري: أَنْزَلَ اللَّهُ الْقُرْآنَ كُلَّهُ إِلَى سماء الدُّنْيَا ثُمَّ فَرَّقَهُ فِي بِضْعٍ وَعِشْرِينَ فَكَانَتِ السُّورَةُ تَنْزِلُ لْأَمْرٍ يَحْدُثُ وَالْآيَةُ جَوَابًا لِمُسْتَخْبِرٍ وَيُوقِفُ جِبْرِيلُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَوْضِعِ الْآيَةِ وَالسُّورَةِ فَاتِّسَاقُ السُّوَرِ كَاتِّسَاقِ الْآيَاتِ وَالْحُرُوفِ كله عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَنْ قَدَّمَ سُورَةً أَوْ أَخَّرَهَا فَقَدْ أَفْسَدَ نَظْمَ الْقُرْآنِ.
وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ فِي الْبُرْهَانِ: تَرْتِيبُ السُّوَرِ هَكَذَا هُوَ عِنْدَ اللَّهِ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ وَعَلَيْهِ كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْرِضُ عَلَى جِبْرِيلَ كُلَّ سَنَةٍ مَا كَانَ يَجْتَمِعُ عِنْدَهُ مِنْهُ وَعَرَضَهُ عَلَيْهِ فِي السَّنَةِ الَّتِي تُوَفِّيَ فِيهَا مَرَّتَيْنِ وَكَانَ آخِرُ الْآيَاتِ نُزُولًا: {وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ} ، فَأَمَرَهُ جِبْرِيلُ أَنْ يَضَعَهَا بَيْنَ آيَتَيِ الرِّبَا وَالدَّيْنِ.
وَقَالَ الطِّيبِيُّ: أُنْزِلَ الْقُرْآنُ أَوَّلًا جُمْلَةً وَاحِدَةً مِنَ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا ثُمَّ نَزَلَ مُفَرَّقًا عَلَى حَسَبِ الْمَصَالِحِ ثُمَّ أُثْبِتَ فِي الْمَصَاحِفِ عَلَى التَّأْلِيفِ وَالنَّظْمِ الْمُثْبَتِ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ.
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِي الْبُرْهَانِ: وَالْخِلَافُ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ لَفْظِيٌّ لْأَنَّ الْقَائِلَ بِالثَّانِي يَقُولُ إنه رمز إليهم بذلك ليعلمهم بِأَسْبَابِ نُزُولِهِ وَمَوَاقِعِ كَلِمَاتِهِ وَلِهَذَا قَالَ مَالِكٌ: إِنَّمَا أَلَّفُوا الْقُرْآنَ عَلَى مَا كَانُوا يَسْمَعُونَهُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ قَوْلِهِ بِأَنَّ تَرْتِيبَ السُّوَرِ بِاجْتِهَادٍ مِنْهُمْ فَآلَ الْخِلَافُ إِلَى أنه: هل هُوَ بِتَوْقِيفٍ قَوْلِيٍّ أَوْ بِمُجَرَّدِ استناد فِعْلِيٍّ بِحَيْثُ بَقِيَ لَهُمْ فِيهِ مَجَالٌ لِلنَّظَرِ وَسَبَقَهُ إِلَى ذَلِكَ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ الزُّبَيْرِ.(1/217)
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَدْخَلِ: كَانَ الْقُرْآنُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرَتَّبًا سُوَرُهُ وَآيَاتُهُ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ إِلَّا الْأَنْفَالَ وَبَرَاءَةَ لِحَدِيثِ عُثْمَانَ السَّابِقِ وَمَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ إِلَى أَنَّ كَثِيرًا مِنَ السُّوَرِ كَانَ قَدْ عُلِمَ تَرْتِيبُهَا فِي حَيَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَالسَّبْعِ الطُّوَالِ وَالْحَوَامِيمِ وَالْمُفَصَّلِ وَأَنَّ مَا سِوَى ذَلِكَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ قَدْ فَوَّضَ الْأَمْرَ فِيهِ إِلَى الْأُمَّةِ بَعْدَهُ.
وَقَالَ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ الزُّبَيْرِ: الْآثَارُ تَشْهَدُ بِأَكْثَرَ مِمَّا نَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ عَطِيَّةَ وَيَبْقَى مِنْهَا قَلِيلٌ يُمْكِنُ أَنْ يَجْرِيَ فيه الخلاف كقوله: "اقرؤوا الزَّهْرَاوَيْنِ: الْبَقَرَةَ وَآلَ عِمْرَانَ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَكَحَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ خَالِدٍ: "قَرَأَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالسَّبْعِ الطُّوَالِ فِي رَكْعَةٍ ".رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ وفيه أنه كان عليه الصلاة والسلام يَجْمَعُ الْمُفَصَّلَ فِي رَكْعَةٍ.
وَرَوَى الْبُخَارِيُّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ وَالْكَهْفِ وَمَرْيَمَ وَطه وَالْأَنْبِيَاءِ: "إِنَّهُنَّ مِنَ الْعِتَاقِ الْأُوَلِ وَهُنَّ مِنْ تِلَادِي "، فَذَكَرَهَا نَسَقًا كَمَا اسْتَقَرَّ تَرْتِيبُهَا.
وفي البخاري أنه كَانَ إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ كُلَّ لَيْلَةٍ جَمَعَ كَفَّيْهِ ثُمَّ نَفَثَ فِيهِمَا فَقَرَأَ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ. وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ النَّحَّاسُ: الْمُخْتَارُ أَنَّ تَأْلِيفَ السُّوَرِ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَدِيثِ وَاثِلَةَ: "أُعْطِيتُ مَكَانَ التَّوْرَاةِ السَّبْعَ الطُّوَالَ ... " الْحَدِيثَ.
قَالَ: فَهَذَا الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ تَأْلِيفَ الْقُرْآنِ مَأْخُوذٌ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَّهُ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ وَإِنَّمَا جُمِعَ فِي الْمُصْحَفِ عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ،(1/218)
لْأَنَّهُ قَدْ جَاءَ هَذَا الْحَدِيثُ بِلَفْظِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى تَأْلِيفِ الْقُرْآنِ.
وَقَالَ ابْنُ الْحَصَّارِ: تَرْتِيبُ السُّوَرِ وَوَضْعُ الْآيَاتِ مَوَاضِعَهَا إِنَّمَا كَانَ بِالْوَحْيِ.
وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: تَرْتِيبُ بَعْضِ السُّوَرِ عَلَى بَعْضِهَا أَوْ مُعْظَمِهَا لَا يُمْتَنَعُ أَنْ يَكُونَ تَوْقِيفِيًّا. قَالَ: وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أن ترتيبها توقيفي مَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ عَنْ أَوْسِ بْنِ أَبِي أَوْسٍ حُذَيْفَةَ الثَّقَفِيِّ قَالَ: كُنْتُ فِي الْوَفْدِ الَّذِينَ أَسْلَمُوا مِنْ ثَقِيفٍ ... الْحَدِيثَ، وَفِيهِ فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "طَرَأَ عَلَيَّ حِزْبِي مِنَ الْقُرْآنِ فأردت ألا أَخْرُجَ حَتَّى أَقْضِيَهُ "، فَسَأَلْنَا أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْنَا: كَيْفَ تُحَزِّبُونَ الْقُرْآنَ؟ قَالُوا نُحَزِّبُهُ ثَلَاثَ سُوَرٍ وَخَمْسَ سُوَرٍ وَسَبْعَ سُوَرٍ وَتِسْعَ سُوَرٍ وَإِحْدَى عَشْرَةَ وَثَلَاثَ عَشْرَةَ وَحِزْبُ الْمُفَصَّلِ مِنْ "ق" حَتَّى نَخْتِمَ. قَالَ: فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ تَرْتِيبَ السُّوَرِ عَلَى مَا هُوَ فِي الْمُصْحَفِ الْآنَ كَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الَّذِي كَانَ مُرَتَّبًا حِينَئِذٍ حِزْبُ الْمُفَصَّلِ خَاصَّةً بِخِلَافِ مَا عَدَاهُ.
قُلْتُ: وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ توقيفي كَوْنُ الْحَوَامِيمِ رُتِّبَتْ وَلَاءً وَكَذَا الطَّوَاسِينِ وَلَمْ تُرَتَّبِ الْمُسَبِّحَاتُ وَلَاءً بَلْ فُصِلَ بَيْنَ سُوَرِهَا وَفُصِلَ بَيْنَ طسم الشُّعَرَاءِ وَطسم الْقَصَصِ بطس مَعَ أَنَّهَا أَقْصَرُ مِنْهُمَا وَلَوْ كَانَ التَّرْتِيبُ اجْتِهَادِيًّا لَذُكِرَتِ الْمُسَبِّحَاتُ وَلَاءً وَأُخِّرَتْ طس عَنِ الْقَصَصِ. وَالَّذِي يَنْشَرِحُ لَهُ الصَّدْرُ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْبَيْهَقِيُّ وَهُوَ أَنَّ جَمِيعَ السُّوَرِ تَرْتِيبُهَا تَوْقِيفِيٌّ إِلَّا بَرَاءَةَ وَالْأَنْفَالَ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يستدل بقراءته سُوَرًا وَلَاءً عَلَى أَنَّ تَرْتِيبَهَا كَذَلِكَ وَحِينَئِذٍ فَلَا يَرِدَ(1/219)
حَدِيثُ قِرَاءَتِهِ النِّسَاءَ قَبْلَ آلِ عِمْرَانَ لْأَنَّ تَرْتِيبَ السُّوَرِ فِي الْقِرَاءَةِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ فَلَعَلَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ لِبَيَانِ الْجَوَازِ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَشْتَةَ فِي كِتَابِ الْمَصَاحِفِ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ سُلَيْمَانَ ابن بِلَالٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَبِيعَةَ يَسْأَلُ: لِمَ قُدِّمَتِ الْبَقَرَةُ وَآلُ عِمْرَانَ وَقَدْ نَزَلَ قَبْلَهُمَا بِضْعٌ وَثَمَانُونَ سُورَةً بِمَكَّةَ وَإِنَّمَا أُنْزِلَتَا بِالْمَدِينَةِ؟ فَقَالَ: قُدِّمَتَا وَأُلِّفَ الْقُرْآنُ عَلَى عِلْمٍ مِمَّنْ أَلَّفَهُ بِهِ وَمَنْ كَانَ مَعَهُ فِيهِ وَاجْتِمَاعُهُمْ عَلَى عِلْمِهِمْ بِذَلِكَ فَهَذَا مِمَّا يُنْتَهَى إِلَيْهِ وَلَا يُسْأَلُ عَنْهُ.
خَاتِمَةٌ
السَّبْعُ الطُّوَالُ: أَوَّلُهَا الْبَقَرَةُ وَآخِرُهَا بَرَاءَةٌ. كَذَا قَالَ جَمَاعَةٌ لَكِنْ أَخْرَجَ الْحَاكِمُ وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: السبع الطول: الْبَقَرَةُ وَآلُ عِمْرَانَ وَالنِّسَاءُ وَالْمَائِدَةُ وَالْأَنْعَامُ وَالْأَعْرَافُ. قَالَ الرَّاوِي: وَذَكَرَ السَّابِعَةَ فَنَسِيتُهَا وَفِي رِوَايَةٍ صَحِيحَةٍ عَنِ ابْنِ أَبِي حَاتِمٍ وَغَيْرِهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهَا يُونُسُ.
وَتَقَدَّمَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلُهُ فِي النَّوْعِ الْأَوَّلِ وَفِي رِوَايَةٍ عِنْدَ الْحَاكِمِ أَنَّهَا الْكَهْفُ.
وَالْمِئُونُ: مَا وَلِيَهَا سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لْأَنَّ كُلَّ سُورَةٍ مِنْهَا تَزِيدُ عَلَى مِائَةِ آيَةٍ أَوْ تُقَارِبُهَا.
وَالْمَثَانِي: مَا وَلِيَ الْمِئِينَ لْأَنَّهَا ثَنَّتْهَا أَيْ كَانَتْ بَعْدَهَا فَهِيَ لَهَا ثَوَانٍ وَالْمِئُونُ لَهَا أَوَائِلُ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: هِيَ السُّورَةُ الَّتِي آيُهَا أَقَلُّ من مائة لْأَنَّهَا تُثَنَّى أَكْثَرَ مِمَّا يُثَنَّى الطُّوَالُ وَالْمِئُونَ. وَقِيلَ: لِتَثْنِيَةِ الْأَمْثَالِ فيها بِالْعِبَرِ وَالْخَبَرِ. حَكَاهُ النِّكْزَاوِيُّ.
وَقَالَ فِي جَمَالِ الْقُرَّاءِ: هِيَ السُّوَرُ الَّتِي ثُنِّيَتْ فِيهَا الْقَصَصُ وَقَدْ تُطْلَقُ عَلَى الْقُرْآنِ كُلِّهِ وَعَلَى الْفَاتِحَةِ كَمَا تَقَدَّمَ.(1/220)
وَالْمُفَصَّلُ: مَا وَلِيَ الْمَثَانِي مِنْ قِصَارِ السُّوَرِ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِكَثْرَةِ الْفُصُولِ الَّتِي بَيْنَ السُّوَرِ بِالْبَسْمَلَةِ وَقِيلَ لِقِلَّةِ الْمَنْسُوخِ مِنْهُ وَلِهَذَا يُسَمَّى بِالْمُحْكَمِ أَيْضًا كَمَا رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: إِنَّ الَّذِي تَدْعُونَهُ الْمُفَصَّلَ هُوَ الْمُحْكَمُ وَآخِرُهُ سُورَةُ النَّاسِ بِلَا نِزَاعٍ.
وَاخْتُلِفَ فِي أَوَّلِهِ عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ قَوْلًا:
أَحَدُهَا: ق لِحَدِيثِ أَوْسٍ السَّابِقِ قَرِيبًا.
الثَّانِي: الْحُجُرَاتِ وَصَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ.
الثَّالِثُ: الْقِتَالِ عَزَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ لِلْأَكْثَرِينَ.
الرَّابِعُ: الجاثية حكاه القاضي عياض.
والخامس: الصَّافَّاتِ.
السَّادِسُ: الصَّفِّ.
السَّابِعُ: تَبَارَكَ حَكَى الثَّلَاثَةَ ابْنُ أَبِي الصَّيْفِ اليمني في نكته عَلَى التَّنْبِيهِ.
الثَّامِنُ: الْفَتْحِ حَكَاهُ الْكَمَالُ الذِّمَارَيُّ فِي شَرْحِ التَّنْبِيهِ.
التَّاسِعُ: الرَّحْمَنِ حَكَاهُ ابْنُ السِّيدِ في أمياله عَلَى الْمُوَطَّأِ.
الْعَاشِرُ: الْإِنْسَانِ.
الْحَادِي عَشَرَ: سَبِّحِ حَكَاهُ ابْنُ الْفِرْكَاحِ في تعليقه عن الْمَرْزُوقِيِّ.
الثَّانِي عَشَرَ: الضُّحَى حَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ وَوَجَّهَهُ بِأَنَّ الْقَارِئَ يَفْصِلُ بَيْنَ هَذِهِ السُّوَرِ بِالتَّكْبِيرِ وَعِبَارَةُ الرَّاغِبِ فِي مُفْرَدَاتِهِ الْمُفَصَّلُ مِنَ الْقُرْآنِ السُّبُعُ الْأَخِيرُ.(1/221)
فَائِدَةٌ
لِلْمُفَصَّلِ طِوَالٌ وَأَوْسَاطٌ وَقِصَارٌ قَالَ ابْنُ مَعْنٍ: فَطِوَالُهُ إِلَى عَمَّ وَأَوْسَاطُهُ مِنْهَا إِلَى الضُّحَى وَمِنْهَا إِلَى آخِرِ الْقُرْآنِ قِصَارُهُ. هَذَا أَقْرَبُ مَا قِيلَ فِيهِ.
تَنْبِيهٌ
أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ فِي كِتَابِ الْمَصَاحِفِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ ذُكِرَ عِنْدَهُ الْمُفَصَّلُ فَقَالَ: وَأَيُّ الْقُرْآنِ ليست بِمُفَصَّلٍ وَلَكِنْ قُولُوا قِصَارُ السُّوَرِ وَصِغَارُ السُّوَرِ. وَقَدِ اسْتُدِلَّ بِهَذَا عَلَى جَوَازِ أَنْ يُقَالَ: سُورَةٌ قصيرة أو صغيرة. وَقَدْ كَرِهَ ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ أَبُو الْعَالِيَةِ وَرَخَّصَ فِيهِ آخَرُونَ ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ.
وَأَخْرَجَ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ وَأَبِي الْعَالِيَةِ قَالَا: لَا تَقُلْ: سُورَةٌ خَفِيفَةٌ فَإِنَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً} ولكن سورة يسيرة.
فائدة
في ترتيب مصحفي أبي وابن مسعود
قَالَ ابْنُ أَشْتَةَ فِي كِتَابِ الْمَصَاحِفِ: أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الْكُوفِيُّ قَالَ: هَذَا تَأْلِيفُ مُصْحَفِ أُبَيٍّ الْحَمْدُ ثُمَّ الْبَقَرَةُ ثُمَّ النِّسَاءُ ثُمَّ آلُ عِمْرَانَ ثُمَّ الْأَنْعَامُ ثُمَّ الْأَعْرَافُ ثُمَّ الْمَائِدَةُ ثُمَّ يُونُسُ ثُمَّ الْأَنْفَالُ ثُمَّ بَرَاءَةٌ ثُمَّ هَوَّدٌ ثُمَّ مَرْيَمُ ثُمَّ الشُّعَرَاءُ ثُمَّ الْحَجُّ ثُمَّ يُوسُفُ ثُمَّ الْكَهْفُ ثُمَّ النَّحْلُ ثم الأحزاب ثم بني إِسْرَائِيلَ ثُمَّ الزُّمَرُ أَوَّلُهَا حم ثُمَّ طه ثُمَّ الْأَنْبِيَاءُ ثُمَّ النُّورُ ثُمَّ الْمُؤْمِنُونَ ثُمَّ سَبَأٌ ثُمَّ الْعَنْكَبُوتُ ثُمَّ الْمُؤْمِنُ ثُمَّ الرَّعْدُ ثُمَّ الْقَصَصُ ثُمَّ النَّمْلُ،(1/222)
ثُمَّ الصَّافَّاتُ ثُمَّ ص ثُمَّ يس ثُمَّ الحجر ثم حمعسق ثُمَّ الرُّومُ ثُمَّ الْحَدِيدُ ثُمَّ الْفَتْحُ ثُمَّ الْقِتَالُ ثُمَّ الظِّهَارُ ثُمَّ تَبَارَكَ الْمُلْكُ ثُمَّ السَّجْدَةُ ثُمَّ إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا ثُمَّ الْأَحْقَافُ ثُمَّ ق ثُمَّ الرَّحْمَنُ ثُمَّ الْوَاقِعَةُ ثُمَّ الْجِنُّ ثُمَّ النَّجْمُ ثُمَّ سَأَلَ سَائِلٌ ثُمَّ الْمُزَّمِّلُ ثُمَّ الْمُدَّثِّرُ ثُمَّ اقْتَرَبَتْ ثُمَّ حم الدُّخَانُ ثُمَّ لُقْمَانُ ثُمَّ حم الْجَاثِيَةُ ثُمَّ الطَّوْرُ ثُمَّ الذَّارِيَاتُ ثُمَّ ن ثُمَّ الْحَاقَّةُ ثُمَّ الْحَشْرُ ثُمَّ الْمُمْتَحَنَةُ ثُمَّ الْمُرْسَلَاتُ ثُمَّ عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ ثُمَّ لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ ثُمَّ يا أيها إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ ثُمَّ النَّازِعَاتُ ثُمَّ التَّغَابُنُ ثُمَّ عَبَسَ ثُمَّ الْمُطَفِّفِينَ ثُمَّ إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ ثُمَّ وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ ثُمَّ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ ثُمَّ الْحُجُرَاتُ ثُمَّ الْمُنَافِقُونَ ثُمَّ الْجُمُعَةُ ثُمَّ لِمَ تُحَرِّمُ ثُمَّ الْفَجْرُ ثُمَّ لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ ثُمَّ وَاللَّيْلِ ثُمَّ إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ ثُمَّ وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا ثُمَّ وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ ثُمَّ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ ثُمَّ الْغَاشِيَةُ ثُمَّ الصَّفُّ ثُمَّ سُورَةُ أَهْلِ الْكِتَابِ وَهِيَ لَمْ يَكُنْ ثُمَّ الضُّحَى ثُمَّ أَلَمْ نَشْرَحْ ثُمَّ الْقَارِعَةُ ثُمَّ التَّكَاثُرُ ثُمَّ الْعَصْرُ ثُمَّ سُورَةُ الْخُلْعِ ثُمَّ سُورَةُ الْحَفْدِ ثُمَّ وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ ثُمَّ إِذَا زُلْزِلَتِ ثُمَّ الْعَادِيَاتُ ثُمَّ الْفِيلُ ثُمَّ لِإِيلَافِ ثُمَّ أَرَأَيْتَ ثُمَّ إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ ثُمَّ الْقَدْرُ ثُمَّ الْكَافِرُونَ ثُمَّ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ ثُمَّ تَبَّتْ ثُمَّ الصَّمَدُ ثُمَّ الْفَلَقُ ثُمَّ النَّاسُ.
قَالَ ابْنُ أَشْتَةَ أَيْضًا: وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ بْنُ نَافِعٍ أَنَّ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ مُوسَى حَدَّثَهُمْ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ سَالِمٍ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مِهْرَانَ الطَّائِيُّ حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ قَالَ تَأْلِيفُ مُصْحَفِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ:(1/223)
الطُّوَالُ الْبَقَرَةُ وَالنِّسَاءُ وَآلُ عِمْرَانَ وَالْأَعْرَافُ وَالْأَنْعَامُ وَالْمَائِدَةُ وَيُونُسَ.
وَالْمَئِينُ: بَرَاءَةٌ وَالنَّحْلُ وَهُودٌ وَيُوسُفُ وَالْكَهْفُ وبني إِسْرَائِيلَ وَالْأَنْبِيَاءُ وَطه وَالْمُؤْمِنُونَ وَالشُّعَرَاءُ وَالصَّافَّاتُ.
وَالْمَثَانِي: الْأَحْزَابُ وَالْحَجُّ وَالْقَصَصُ وَطس النَّمْلُ وَالنُّورُ وَالْأَنْفَالُ وَمَرْيَمُ وَالْعَنْكَبُوتُ وَالرُّومُ وَيس وَالْفُرْقَانُ وَالْحِجْرُ وَالرَّعْدُ وَسَبَأٌ وَالْمَلَائِكَةُ وَإِبْرَاهِيمُ وَص وَالَّذِينَ كَفَرُوا ولقمان والزمر وَالْحَوَامِيمُ حم الْمُؤْمِنُ وَالزُّخْرُفُ وَالسَّجْدَةُ وحمعسق وَالْأَحْقَافُ وَالْجَاثِيَةُ وَالدُّخَانُ وَإِنَّا فَتَحْنَا لَكَ وَالْحَشْرُ وَتَنْزِيلُ السَّجْدَةُ وَالطَّلَاقُ وَن وَالْقَلَمُ وَالْحُجُرَاتُ وَتَبَارَكَ وَالتَّغَابُنُ وَإِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ وَالْجُمُعَةُ والصف وقل أوحي وإنا أرسلنا والمجادلة والممتحنة ويا أيها النبي صلى الله عليه وسلم لِمَ تُحَرِّمُ.
وَالْمُفَصَّلُ: الْرَحْمَنُ وَالنَّجْمُ وَالطَّوْرُ وَالذَّارِيَاتُ واقتربت الساعة والواقعة والنازعات وسأل سَائِلٌ وَالْمُدَّثِّرُ وَالْمُزَّمِّلُ وَالْمُطَفِّفِينَ وَعَبَسَ وَهَلْ أَتَى وَالْمُرْسَلَاتُ وَالْقِيَامَةُ وعم يَتَسَاءَلُونَ وَإِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ وإذا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ وَالْغَاشِيَةُ وَسَبِّحْ وَاللَّيْلُ وَالْفَجْرُ وَالْبُرُوجُ وإذا السماء انشقت واقرأ بِاسْمِ رَبِّكَ وَالْبَلَدُ وَالضُّحَى وَالطَّارِقُ وَالْعَادِيَاتُ وَأَرَأَيْتَ وَالْقَارِعَةُ وَلَمْ يكن والشمس وضحاها والتين وويل لكل همزة وألم تر كيف ولإيلاف قريش وألهاكم وإنا أنزلناه وإذا زلزلت والعصر وإذا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْكَوْثَرُ وَقل يا أيها الكافرون وتبت وقل هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَأَلَمْ نَشْرَحْ وَلَيْسَ فِيهِ الْحَمْدُ وَلَا الْمُعَوِّذَتَانِ.(1/224)
النَّوْعُ التَّاسِعُ عَشَرَ: فِي عَدَدِ سُوَرِهِ وَآيَاتِهِ وَكَلِمَاتِهِ وَحُرُوفِهِ
أَمَّا سُوَرِهِ فَمِائَةٌ وَأَرْبَعَ عَشْرَةَ سُورَةٍ بِإِجْمَاعِ مَنْ يُعْتَدُّ بِهِ وَقِيلَ وَثَلَاثَ عشرة بجعل الأنفال وبراءة سُورَةً وَاحِدَةً أَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ عَنْ أَبِي رَوْقٍ قَالَ الْأَنْفَالُ وبراءة سُورَةٌ وَاحِدَةٌ.
وَأَخْرَجَ عَنْ أَبِي رَجَاءٍ قَالَ سَأَلْتُ الْحَسَنَ عَنِ الأنفال وبراءة: سُورَتَانِ أَمْ سُورَةٌ؟ قَالَ: سُورَتَانِ. وَنُقِلَ مِثْلُ قَوْلِ أَبِي رَوْقٍ عَنْ مُجَاهِدٍ وَأَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ سُفْيَانَ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَشْتَةَ عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، قَالَ: يَقُولُونَ: إِنَّ بَرَاءَةٌ مِنْ يَسْأَلُونَكَ وإنما لم تكتب بَرَاءَةٌ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} لأنها مِنْ {يَسْأَلونَكَ} وَشُبْهَتُهُمُ اشْتِبَاهُ الطَّرَفَيْنِ وَعَدَمُ الْبَسْمَلَةِ وَيَرُدُّهُ تَسْمِيَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلًا مِنْهُمَا.
وَنَقَلَ صَاحِبُ الْإِقْنَاعِ أَنَّ الْبَسْمَلَةَ ثابتة لبراءة فِي مُصْحَفِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: وَلَا يُؤْخَذُ بِهَذَا.
قَالَ الْقُشَيْرِيُّ: الصَّحِيحُ أَنَّ التَّسْمِيَةَ لَمْ تَكُنْ فِيهَا لِأَنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمْ يَنْزِلْ بِهَا فِيهَا.
وَفِي الْمُسْتَدْرَكِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ سَأَلْتُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ: لِمَ لَمْ تُكْتَبْ فِي بَرَاءَةٌ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ؟ قَالَ: لأنها أمان وبراءة نُزِّلَتْ بِالسَّيْفِ.(1/225)
وَعَنْ مَالِكٍ أَنَّ أَوَّلَهَا لَمَّا سَقَطَ سَقَطَ مَعَهُ الْبَسْمَلَةُ فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهَا كَانَتْ تَعْدِلُ الْبَقَرَةَ لِطُولِهَا.
وَفِي مُصْحَفِ ابْنِ مَسْعُودٍ مِائَةٌ وَاثْنَتَا عَشْرَةَ سُورَةٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَكْتُبِ الْمُعَوِّذَتَيْنِ وَفِي مُصْحَفِ أُبَيٍّ سِتَّ عَشْرَةَ لِأَنَّهُ كَتَبَ فِي آخِرِهِ سُورَتَيِ الْحَفْدِ وَالْخُلْعِ.
أَخْرَجَ أَبُو عُبَيْدٍ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ كَتَبَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ فِي مُصْحَفِهِ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ وَاللَّهُمَّ إِنَّا نَسْتَعِينُكَ وَاللَّهُمَّ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَتَرَكَهُنَّ ابْنُ مَسْعُودٍ وَكَتَبَ عُثْمَانُ مِنْهُنَّ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ.
وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الدُّعَاءِ مِنْ طَرِيقِ عَبَّادِ بْنِ يَعْقُوبَ الْأَسَدِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْلَى الْأَسْلَمِيِّ عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنِ ابْنِ هُبَيْرَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زُرَيْرٍ الْغَافِقِيِّ قَالَ: قَالَ لِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ: لَقَدْ عَلِمْتُ مَا حَمَلَكَ عَلَى حُبِّ أَبِي تُرَابٍ إِلَّا أَنَّكَ أَعْرَابِيٌّ جَافٌّ فَقُلْتُ: وَاللَّهِ لَقَدْ جَمَعْتُ الْقُرْآنَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَجْتَمِعَ أَبَوَاكَ وَلَقَدْ عَلَّمَنِي مِنْهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ سُورَتَيْنِ عَلَّمَهُمَا إِيَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا عَلِمْتَهُمَا أَنْتَ وَلَا أَبُوكَ: اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْتَعِينُكَ وَنَسْتَغْفِرُكَ وَنُثْنِي عَلَيْكَ وَلَا نُكْفُرُكَ وَنَخْلَعُ وَنَتْرُكُ مَنْ يَفْجُرُكَ. اللَّهُمَّ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَلَكَ نُصَلِّي وَنَسْجُدُ وَإِلَيْكَ نَسْعَى وَنَحْفِدُ نَرْجُو رَحْمَتَكَ وَنَخْشَى عَذَابَكَ إِنَّ عَذَابَكَ بِالْكُفَّارِ مُلْحَقٌ.
وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَنَتَ بَعْدَ الرُّكُوعِ فَقَالَ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْتَعِينُكَ وَنَسْتَغْفِرُكَ وَنُثْنِي عَلَيْكَ ولا نكفرك ونخلع ونترك من يفجرك. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ اللَّهُمَّ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَلَكَ(1/226)
نُصَلِّي وَنَسْجُدُ وَإِلَيْكَ نَسْعَى وَنَحْفِدُ نَرْجُو رَحْمَتَكَ وَنَخْشَى نِقْمَتَكَ إِنَّ عَذَابَكَ بِالْكَافِرِينَ مُلْحَقٌ.
قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: حِكْمَةُ الْبَسْمَلَةِ أَنَّهُمَا سُورَتَانِ فِي مُصْحَفِ بَعْضِ الصَّحَابَةِ.
وَأَخْرَجَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيُّ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّهُ كَانَ يَقْنُتُ بِالسُّورَتَيْنِ فَذَكَرَهُمَا وَأَنَّهُ كَانَ يَكْتُبْهُمَا فِي مُصْحَفِهِ.
وَقَالَ ابْنُ الضُّرَيْسِ: أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَمِيلٍ الْمَرْوَزِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ أَنْبَأَنَا الْأَجْلَحُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: فِي مُصْحَفِ ابْنِ عَبَّاسٍ قِرَاءَةُ أُبي وَأَبِي مُوسَى: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْتَعِينُكَ وَنَسْتَغْفِرُكَ وَنُثْنِي عَلَيْكَ الْخَيْرَ وَلَا نَكْفُرُكَ ونخلع ونترك من يفجرك. وفيه: اللهم اياك نَعْبُدُ وَلَكَ نُصَلِّي وَنَسْجُدُ وَإِلَيْكَ نَسْعَى وَنَحْفِدُ نَخْشَى عَذَابَكَ وَنَرْجُو رَحْمَتَكَ إِنَّ عَذَابَكَ بِالْكُفَّارِ مُلْحَقٌ.
وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: أَمَّنَا أُمِّيَّةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدِ بْنِ أُسَيْدٍ بِخُرَاسَانَ فَقَرَأَ بِهَاتَيْنِ السُّورَتَيْنِ: إِنَّا نَسْتَعِينُكَ وَنَسْتَغْفِرُكَ.
وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ فِي الْمَرَاسِيلِ عَنْ خَالِدِ بْنِ أَبِي عِمْرَانَ أَنَّ جِبْرِيلَ نَزَلَ بِذَلِكَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ مَعَ قَوْلِهِ: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ} الآية لَمَّا قَنَتَ يَدْعُو عَلَى مُضَرَ.(1/227)
تَنْبِيهٌ
كَذَا نَقَلَ جَمَاعَةٌ عَنْ مُصْحَفِ أُبَيٍّ أَنَّهُ سِتَّ عَشْرَةَ سورة [ومائة] , وَالصَّوَابُ أَنَّهُ خَمْسَ عَشْرَةَ فَإِنَّ سُورَةَ الْفِيلِ وَسُورَةَ لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ فِيهِ سُورَةٌ وَاحِدَةٌ وَنَقَلَ ذَلِكَ عن السَّخَاوِيُّ فِي جَمَالِ الْقُرَّاءِ عَنْ جَعْفَرٍ الصَّادِقِ وَأَبِي نَهِيكٍ أَيْضًا. قُلْتُ: وَيَرُدُّهُ مَا أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ والطبراني من حديث أم هاني أن رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "فَضَّلَ اللَّهُ قُرَيْشًا بِسَبْعٍ ... " الْحَدِيثَ، وَفِيهِ: "وَإِنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ فِيهِمْ سُورَةً مِنَ الْقُرْآنِ لَمْ يَذْكُرْ فِيهَا مَعَهُمْ غَيْرَهُمْ لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ ".
وَفِي كَامِلِ الْهُذَلِيِّ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ قَالَ الضحى وألم نَشْرَحْ سُورَةٌ وَاحِدَةٌ نَقَلَهُ الْإِمَامُ الرَّازِيُّ فِي تفسيره عن طاووس وعمر بن عبد العزيز.
فَائِدَةٌ
قِيلَ: الْحِكْمَةُ فِي تَسْوِيرِ الْقُرْآنِ سُوَرًا تَحْقِيقُ كَوْنِ السُّورَةِ بِمُجَرَّدِهَا مُعْجِزَةً وَآيَةً مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْإِشَارَةُ إِلَى أَنَّ كُلَّ سُورَةٍ نَمَطٌ مُسْتَقِلٌّ فَسُورَةُ يُوسُفَ تُتَرْجِمُ عَنْ قِصَّتِهِ وَسُورَةُ بَرَاءَةٌ تُتَرْجِمُ عَنْ أَحْوَالِ الْمُنَافِقِينَ وَأَسْرَارِهِمْ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ. وَسُوِّرَتِ السُّوَرُ طِوَالًا وَأَوْسَاطًا وَقِصَارًا تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ الطُّولَ لَيْسَ مِنْ شَرْطِ الْإِعْجَازِ فَهَذِهِ سُورَةُ الْكَوْثَرِ ثَلَاثُ آيَاتٍ وَهِيَ مُعْجِزَةٌ إِعْجَازَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ ثُمَّ ظَهَرَتْ لِذَلِكَ حِكْمَةٌ فِي التَّعْلِيمِ وَتَدْرِيجِ الْأَطْفَالِ مِنَ السُّورِ الْقِصَارِ إِلَى مَا فَوْقَهَا تَيْسِيرًا مِنَ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ لِحِفْظِ كِتَابِهِ.(1/228)
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِي الْبُرْهَانِ: فَإِنْ قُلْتَ فَهَلَّا كَانَتِ الْكُتُبُ السَّالِفَةُ كَذَلِكَ؟
قُلْتُ: لِوَجْهَيْنِ، أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ مُعْجِزَاتٍ مِنْ جِهَةِ النَّظْمِ وَالتَّرْتِيبِ، وَالْآخَرُ: أَنَّهَا لَمْ تُيَسَّرْ لِلْحِفْظِ لَكِنْ ذَكَرَ الزَّمَخْشَرِيُّ مَا يُخَالِفُهُ فَقَالَ فِي الْكَشَّافِ:
الْفَائِدَةُ فِي تَفْصِيلِ الْقُرْآنِ وَتَقْطِيعِهِ سُوَرًا كَثِيرَةً وَكَذَلِكَ أَنْزَلَ اللَّهُ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَالزَّبُورَ وَمَا أَوْحَاهُ إِلَى أَنْبِيَائِهِ مُسَوَّرَةً وَبَوَّبَ الْمُصَنِّفُونَ فِي كُتُبِهِمْ أَبْوَابًا مُوَشَّحَةَ الصُّدُورِ بِالتَّرَاجِمِ مِنْهَا أَنَّ الْجِنْسَ إِذَا انْطَوَتْ تَحْتَهُ أَنْوَاعٌ وَأَصْنَافٌ كَانَ أَحْسَنَ وَأَفْخَمَ مِنْ أَنْ يَكُونَ بَابًا وَاحِدًا.
وَمِنْهَا أَنَّ الْقَارِئَ إِذَا خَتَمَ سُورَةً أَوْ بَابًا مِنَ الْكِتَابِ ثُمَّ أَخَذَ فِي آخَرَ كَانَ أَنْشَطَ لَهُ وَأَبْعَثَ عَلَى التَّحْصِيلِ مِنْهُ لَوِ اسْتَمَرَّ عَلَى الْكِتَابِ بِطُولِهِ وَمَثَلُهُ الْمُسَافِرُ إِذَا قَطَعَ مِيلًا أَوْ فَرْسَخًا [وانتهى إلى رأس برية] نَفَّسَ ذَلِكَ مِنْهُ وَنَشِطَ لِلسَّيْرِ وَمِنْ ثَمَّ جزيء الْقُرْآنُ أَجْزَاءً وَأَخْمَاسًا وَمِنْهَا أَنَّ الْحَافِظَ إِذَا حَذَقَ السُّورَةَ اعْتَقَدَ أَنَّهُ أَخَذَ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ طَائِفَةً مُسْتَقِلَّةً بِنَفْسِهَا فَيَعْظُمُ عِنْدَهُ مَا حَفِظَهُ وَمِنْهُ حَدِيثُ أَنَسٍ: "كَانَ الرَّجُلُ إِذَا قَرَأَ الْبَقَرَةَ وَآلَ عِمْرَانَ جَدَّ فِينَا ". وَمِنْ ثَمَّ كَانَتِ الْقِرَاءَةُ فِي الصَّلَاةِ بِسُورَةٍ أَفْضَلَ. ومنها التَّفْصِيلَ بِسَبَبِ تَلَاحُقِ الْأَشْكَالِ وَالنَّظَائِرِ وملائمة بَعْضِهَا لِبَعْضٍ وَبِذَلِكَ تَتَلَاحَظُ الْمَعَانِي وَالنُّظُمُ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْفَوَائِدِ. انْتَهَى.
وَمَا ذَكَرَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ مِنْ تَسْوِيرِ سَائِرِ الْكُتُبِ هُوَ الصَّحِيحُ أَوِ الصَّوَابُ،(1/229)
فَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ كُنَّا نَتَحَدَّثُ أَنَّ الزَّبُورَ مِائَةٌ وَخَمْسُونَ سُورَةً كُلُّهَا مَوَاعِظُ وَثَنَاءٌ لَيْسَ فِيهِ حَلَالٌ وَلَا حَرَامٌ وَلَا فَرَائِضُ وَلَا حُدُودٌ وَذَكَرُوا أَنَّ فِي الْإِنْجِيلِ سُورَةً تُسَمَّى سُورَةُ الْأَمِثَالِ.
فَصْلٌ فِي عَدِّ الْآيِ
أَفْرَدَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الْقُرَّاءِ بِالتَّصْنِيفِ قَالَ الْجَعْبَرِيُّ حَدُّ الْآيَةِ قُرْآنٌ مُرَكَّبٌ مِنْ جُمَلٍ وَلَوْ تَقْدِيرًا ذُو مَبْدَإٍ أَوْ مَقْطَعٍ مُنْدَرِجٍ فِي سُورَةٍ وَأَصْلُهَا الْعَلَامَةُ وَمِنْهُ: {إِِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ} لِأَنَّهَا عَلَامَةٌ لِلْفَضْلِ وَالصِّدْقِ أَوِ الْجَمَاعَةِ لِأَنَّهَا جَمَاعَةُ كَلِمَةٍ.
وَقَالَ غَيْرُهُ: الْآيَةُ طَائِفَةٌ مِنَ الْقُرْآنِ مُنْقَطِعَةٌ عَمَّا قَبْلَهَا وَمَا بَعْدَهَا.
وَقِيلَ: هِيَ الْوَاحِدَةُ مِنَ الْمَعْدُودَاتِ فِي السُّوَرِ سُمِّيَتْ بِهِ لِأَنَّهَا عَلَامَةٌ عَلَى صِدْقِ مَنْ أَتَى بها وعلى عجز الْمُتَحَدِّي بِهَا.
وَقِيلَ: لِأَنَّهَا عَلَامَةٌ على علامة انْقِطَاعِ مَا قَبْلَهَا مِنَ الْكَلَامِ وَانْقِطَاعِهِ مِمَّا بَعْدَهَا.
قَالَ الْوَاحِدِيُّ: وَبَعْضُ أَصْحَابِنَا يُجَوِّزُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ تَسْمِيَةَ أَقَلِّ مِنَ الْآيَةِ آيَةً لَوْلَا أَنَّ التَّوْقِيفَ وَرَدَ بِمَا هِيَ عَلَيْهِ الْآنَ وَقَالَ أَبُو عَمْرٍو الدَّانِيُّ لَا أَعْلَمُ كَلِمَةً هِيَ وَحْدَهَا آيَةً إِلَّا قَوْلَهُ: {مُدْهَامَّتَانِ} .
وَقَالَ غَيْرُهُ: بَلْ فِيهِ غَيْرُهَا مِثْلُ: وَالنَّجْمِ وَالضُّحَى وَالْعَصْرِ وَكَذَا فَوَاتِحُ السُّوَرِ عِنْدَ مَنْ عَدَّهَا.
قَالَ بَعْضُهُمُ: الصَّحِيحُ أَنَّ الْآيَةَ إِنَّمَا تُعْلَمُ بِتَوْقِيفٍ مِنَ الشَّارِعِ كَمَعْرِفَةِ السُّورَةِ. قَالَ: فَالْآيَةُ طَائِفَةٌ مِنْ حُرُوفِ الْقُرْآنِ عُلِمَ بِالتَّوْقِيفِ انْقِطَاعُهَا،(1/230)
يَعْنِي عَنِ الْكَلَامِ الَّذِي بَعْدَهَا فِي أَوَّلِ الْقُرْآنِ وَعَنِ الْكَلَامِ الَّذِي قَبْلَهَا فِي آخِرِ الْقُرْآنِ وَعَمَّا قَبْلَهَا وَمَا بَعْدَهَا فِي غَيْرِهِمَا غَيْرَ مُشْتَمِلٍ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ. قَالَ: وَبِهَذَا الْقَيْدِ خَرَجَتِ السُّورَةُ.
وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: الْآيَاتُ عِلْمٌ تَوْقِيفِيٌّ لَا مَجَالَ لِلْقِيَاسِ فِيهِ وَلِذَلِكَ عَدُّوا " الم " آيَةً حَيْثُ وَقَعَتْ، وَ " المص "، وَلَمْ يَعُدُّوا " المر ", وَ " الر "، وَعَدُّوا " حم " آيَةً فِي سُوَرِهَا، وَ " طه " وَ " يس " وَلَمْ يَعُدُّوا " طس ".
قُلْتُ: وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ تَوْقِيفِيٌّ مَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ طَرِيقِ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ عَنْ زِرٍّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: أَقْرَأَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُورَةً مِنَ الثَّلَاثِينَ مِنْ آلِ حم قال: يعني الأحقاف. قال: وكانت السُّورَةُ إِذَا كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِينَ آيَةً سُمِّيَتِ الثَّلَاثِينَ ... الْحَدِيثَ.
وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: ذَكَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الْفَاتِحَةَ سَبْعُ آيَاتٍ وَسُورَةُ الْمُلْكِ ثَلَاثُونَ آيَةً. وَصَحَّ أَنَّهُ قَرَأَ الْعَشْرَ الْآيَاتِ الْخَوَاتِيمَ مِنْ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ. قَالَ: وَتَعْدِيدُ الْآيِ مِنْ مُعْضِلَاتِ الْقُرْآنِ وَمِنْ آيَاتِهِ طَوِيلٌ وَقَصِيرٌ وَمِنْهُ مَا يَنْتَهِي إِلَى تَمَامِ الْكَلَامِ وَمِنْهُ مَا يَكُونُ فِي أَثْنَائِهِ.
وَقَالَ غَيْرُهُ: سَبَبُ اخْتِلَافِ السَّلَفِ فِي عَدَدِ الْآيِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقِفُ عَلَى رؤوس الْآيِ لِلتَّوْقِيفِ فَإِذَا عُلِمَ مَحَلُّهَا وَصَلَ لِلتَّمَامِ فَيَحْسَبُ السَّامِعُ حِينَئِذٍ أَنَّهَا لَيْسَتْ فَاصِلَةً.
وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ الضُّرَيْسِ مِنْ طَرِيقِ عُثْمَانَ بْنِ عَطَاءٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: جَمِيعُ آيِ القرآن ستة آلاف وستمائة وست عشرة آيَةً وَجَمِيعُ حُرُوفِ الْقُرْآنِ ثَلَاثُمِائَةِ أَلْفِ حَرْفٍ وَثَلَاثَةٌ وَعِشْرُونَ أَلْفَ حَرْفٍ وَسِتُّمِائَةِ حَرْفٍ وَوَاحِدٌ وَسَبْعُونَ حَرْفًا.(1/231)
قَالَ الدَّانِيُّ: أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ عَدَدَ آيَاتِ الْقُرْآنِ سِتَّةُ آلَافِ آيَةٍ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِيمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَزِدْ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: وَمِائَتَا آيَةٍ وَأَرْبَعُ آيَاتٍ وَقِيلَ: وَأَرْبَعَ عَشْرَةَ وَقِيلَ: وَتِسْعَ عَشْرَةَ وَقِيلَ: وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ وَقِيلَ: وَسِتٌّ وَثَلَاثُونَ
قُلْتُ: أَخْرَجَ الدَّيْلَمِيُّ فِي مُسْنَدِ الْفِرْدَوْسِ مِنْ طَرِيقِ الْفَيْضِ بْنِ وَثِيقٍ عَنْ فُرَاتِ بْنِ سَلْمَانَ عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا دَرَجُ الْجَنَّةِ عَلَى قَدْرِ آيِ الْقُرْآنِ بِكُلِّ آيَةٍ دَرَجَةٌ فَتِلْكَ سِتَّةُ آلَافِ آيَةٍ وَمِائَتَا آيَةٍ وَسِتُّ عَشْرَةَ آيَةٍ بَيْنَ كُلِّ دَرَجَتَيْنِ مِقْدَارُ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ الْفَيْضُ قَالَ فِيهِ ابْنُ مَعِينٍ: كَذَّابٌ خَبِيثٌ.
وَفِي الشُّعْبِ لِلْبَيْهَقِيِّ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا: "عَدَدُ دَرَجِ الْجَنَّةِ عَدَدُ آيِ الْقُرْآنِ فَمَنْ دَخَلَ الْجَنَّةَ مِنْ أَهْلِ الْقُرْآنِ فَلَيْسَ فَوْقَهُ دَرَجَةٌ ". قَالَ الْحَاكِمُ: إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ لَكِنَّهُ شَاذٌّ وَأَخْرَجَهُ الْآجُرِّيُّ فِي حَمَلَةِ الْقُرْآنِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْهَا مَوْقُوفًا.
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَوْصِلِيُّ فِي شَرْحِ قَصِيدَتِهِ ذَاتُ الرَّشَدِ فِي الْعَدَدِ: اخْتَلَفَ في عد الْآيِ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَمَكَّةَ وَالشَّامِ وَالْبَصْرَةِ وَالْكُوفَةِ وَلِأَهْلِ الْمَدِينَةِ عَدَدَانِ: عَدَدٌ أَوَّلٌ وَهُوَ عَدَدُ أَبِي جَعْفَرٍ يَزِيدَ بْنِ الْقَعْقَاعِ وَشَيْبَةَ بْنِ نِصَاحٍ وَعَدَدٌ آخَرُ وَهُوَ عَدَدُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي كَثِيرٍ الْأَنْصَارِيِّ وَأَمَّا عَدَدُ أَهْلِ مَكَّةَ فَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَأَمَّا عَدَدُ أَهْلِ الشَّامِ فَرَوَاهُ هَارُونُ بْنُ مُوسَى الْأَخْفَشُ وَغَيْرُهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ذَكْوَانَ وَأَحْمَدُ بْنُ يَزِيدَ الْحُلْوَانِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ هِشَامِ بْنِ عَمَّارٍ وَرَوَاهُ ابْنُ ذَكْوَانَ وَهِشَامٌ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ تَمِيمٍ الْقَارِئِ عَنْ يَحْيَى بْنِ الْحَارِثِ(1/232)
الذِّمَارِيِّ. قَالَ: هَذَا الْعَدَدُ الَّذِي نَعُدُّهُ عَدَدُ أَهْلِ الشَّامِ مِمَّا رَوَاهُ الْمَشْيَخَةُ لَنَا عَنِ الصَّحَابَةِ وَرَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرٍ الْيَحْصَبِيُّ لَنَا وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءَ.
وَأَمَّا عَدَدُ أَهْلِ الْبَصْرَةِ فَمَدَارُهُ عَلَى عَاصِمِ بْنِ الْعَجَّاجِ الْجَحْدَرِيِّ. وَأَمَّا عَدَدُ أَهْلِ الْكُوفَةِ فَهُوَ الْمُضَافُ إِلَى حَمْزَةَ بْنِ حَبِيبٍ الزَّيَّاتِ وَأَبِي الْحَسَنِ الْكِسَائِيِّ وَخَلَفِ بْنِ هِشَامٍ قَالَ حَمْزَةُ أَخْبَرَنَا بِهَذَا الْعَدَدِ ابْنُ أَبِي لَيْلَى عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ.
قَالَ الْمَوْصِلِيُّ: ثُمَّ سُوَرُ الْقُرْآنِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: قِسْمٌ لَمْ يُخْتَلَفْ فِيهِ لَا فِي إِجْمَالٍ وَلَا فِي تَفْصِيلٍ وَقِسْمٌ اخْتُلِفَ فِيهِ تَفْصِيلًا لَا إِجْمَالًا وَقِسْمٌ اخْتُلِفَ فِيهِ إِجْمَالًا وَتَفْصِيلًا.
فَالْأَوَّلُ أَرْبَعُونَ سُورَةً: يُوسُفُ مِائَةٌ وَإِحْدَى عَشْرَةَ الْحِجْرُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ النَّحْلُ مِائَةٌ وَثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ الْفُرْقَانُ سبع وسبعون الأحزاب ثلاثة وَسَبْعُونَ الْفَتْحُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ الْحُجُرَاتُ والتغابن ثَمَانِ عَشْرَةَ ق خَمْسٌ وَأَرْبَعُونَ الذَّارِيَاتُ سِتُّونَ الْقَمَرُ خَمْسٌ وَخَمْسُونَ الْحَشْرُ أَرْبَعٌ وَعِشْرُونَ الْمُمْتَحَنَةُ ثَلَاثَ عَشْرَةَ الصَّفُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ الْجُمُعَةُ والمنافقون والضحى والعاديات إِحْدَى عَشْرَةَ التَّحْرِيمُ اثْنَتَا عَشْرَةَ ن اثْنَتَانِ وَخَمْسُونَ الْإِنْسَانُ إِحْدَى وَثَلَاثُونَ الْمُرْسَلَاتُ خَمْسُونَ التَّكْوِيرُ تِسْعٌ وعشرون الانفطار وسبح تِسْعَ عَشْرَةَ التَّطْفِيفُ سِتٌّ وَثَلَاثُونَ الْبُرُوجُ اثْنَتَانِ وَعِشْرُونَ الْغَاشِيَةُ سِتٌّ وَعِشْرُونَ الْبَلَدُ عِشْرُونَ اللَّيْلُ إِحْدَى وعشرون ألم نشرح والتين وألهاكم ثمان الهمزة تسع الفيل والفلق وتبت خمس الكافرون ست الكوثر والنصر ثَلَاثٌ.(1/233)
وَالْقِسْمُ الثَّانِي أَرْبَعُ سُوَرٍ: الْقَصَصُ ثَمَانٌ وَثَمَانُونَ عَدَّ أَهْلُ الْكُوفَةِ طسم وَالْبَاقُونَ بَدَلَهَا: {أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ} الْعَنْكَبُوتُ تِسْعٌ وَسِتُّونَ عَدَّ أَهْلُ الْكُوفَةِ " الم "،وَالْبَصْرَةِ بَدَلَهَا: {مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} وَالشَّامِ {وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ} .ا
الْجِنُّ ثَمَانٌ وَعِشْرُونَ، عَدَّ الْمَكِّيُّ: {لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ} وَالْبَاقُونَ بَدَلَهَا: {وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً} .
الْعَصْرُ ثَلَاثٌ، عَدَّ الْمَدَنِيُّ الْأَخِيرَ: {وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ} دُونَ {وَالْعَصْرِ} وَعَكَسَ الْبَاقُونَ.
وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ سَبْعُونَ سُورَةً:
الْفَاتِحَةُ: الْجُمْهُورُ سَبْعٌ فَعَدَّ الْكُوفِيُّ وَالْمَكِّيُّ الْبَسْمَلَةَ دُونَ {أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} وَعَكَسَ الْبَاقُونَ. وَقَالَ الْحَسَنُ: ثَمَانٌ فَعَدَّهُمَا وَبَعْضُهُمْ سِتٌّ فَلَمْ يُعِدَّهُمَا وَآخَرُ تِسْعٌ فَعَدَّهُمَا وَ: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} . وَيُقَوِّي الْأَوَّلَ مَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَالْحَاكِمُ وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَغَيْرُهُمْ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} ،فقطعها آيَةً آيَةً وَعَدَّهَا عَدَّ الْأَعْرَابِ، وَعَدَّ: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} آيَةً وَلَمْ يَعُدَّ: {عَلَيْهِمْ} . وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ عَبْدِ خَيْرٍ،(1/234)
قَالَ: سُئِلَ عَلِيٌّ عَنِ السَّبْعِ الْمَثَانِي، فَقَالَ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} فَقِيلَ لَهُ إِنَّمَا هِيَ سِتُّ آيَاتٍ فَقَالَ: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} آيَةٌ.
الْبَقَرَةُ: مِائَتَانِ وَثَمَانُونَ وَخَمْسٌ وَقِيلَ: سِتٌّ وَقِيلَ: سَبْعٌ.
آلُ عِمْرَانَ: مِائَتَانِ وَقِيلَ: إِلَّا آيَةً.
النِّسَاءُ: مِائَةٌ وَسَبْعُونَ وَخَمْسٌ وَقِيلَ: سِتٌّ وَقِيلَ: سَبْعٌ.
الْمَائِدَةُ: مِائَةٌ وَعِشْرُونَ وَقِيلَ وَاثْنَتَانِ وَقِيلَ وَثَلَاثٌ.
الْأَنْعَامُ: مِائَةٌ وَسَبْعُونَ وَخَمْسٌ وَقِيلَ: سِتٌّ وَقِيلَ: سَبْعٌ.
الْأَعْرَافُ: مِائَتَانِ وَخَمْسٌ وَقِيلَ: سِتٌّ.
الْأَنْفَالُ: سَبْعُونَ وَخَمْسٌ وَقِيلَ: سِتٌّ وَقِيلَ: سَبْعٌ.
بَرَاءَةٌ: مِائَةٌ وَثَلَاثُونَ وَقِيلَ: إِلَّا آيَةً.
يُونُسَ: مِائَةٌ وعشرة وَقِيلَ: إِلَّا آيَةً.
هُودٌ: مِائَةٌ وَإِحْدَى وَعِشْرُونَ وَقِيلَ: اثْنَتَانِ وَقِيلَ: ثَلَاثٌ.
الرَّعْدُ: أَرْبَعُونَ وَثَلَاثٌ وَقِيلَ: أَرْبَعٌ وَقِيلَ: سَبْعٌ.
إِبْرَاهِيمُ: إِحْدَى وَخَمْسُونَ وَقِيلَ: اثْنَتَانِ وَقِيلَ: أَرْبَعٌ وَقِيلَ: خَمْسٌ.
الْإِسْرَاءُ: مِائَةٌ وَعَشْرٌ وَقِيلَ: وَإِحْدَى عَشْرَةَ.
الْكَهْفُ: مِائَةٌ وَخَمْسٌ وَقِيلَ: وَسِتٌّ وَقِيلَ: وَعَشْرٌ وقيل: إحدى عَشْرَةَ.
مَرْيَمُ: تِسْعُونَ وَتِسْعٌ وَقِيلَ: ثَمَانٍ.
طه: مِائَةٌ وَثَلَاثُونَ وَاثْنَتَانِ وَقِيلَ: أَرْبَعٌ وَقِيلَ: خَمْسٌ وَقِيلَ: وَأَرْبَعُونَ.(1/235)
الْأَنْبِيَاءُ: مِائَةٌ وَإِحْدَى عَشْرَةَ وَقِيلَ: وَاثْنَتَا عَشْرَةَ.
الْحَجُّ: سَبْعُونَ وَأَرْبَعٌ وقيل: خمس وقيل: ست وَقِيلَ: ثَمَانٍ.
قَدْ أَفْلَحَ: مِائَةٌ وَثَمَانِ عَشْرَةَ وَقِيلَ: تِسْعَ عَشْرَةَ.
النُّورُ: سِتُّونَ وَاثْنَتَانِ وَقِيلَ: أَرْبَعٌ.
الشُّعَرَاءُ: مِائَتَانِ وَعِشْرُونَ وَسِتٌّ وَقِيلَ: سَبْعٌ.
النَّمْلُ: تِسْعُونَ وَاثْنَتَانِ وَقِيلَ: أَرْبَعٌ وَقِيلَ: خَمْسٌ.
الرُّومُ: سِتُّونَ وَقِيلَ: إِلَّا آيَةً.
لُقْمَانُ: ثَلَاثُونَ وَثَلَاثٌ وَقِيلَ: أَرْبَعٌ.
السَّجْدَةُ: ثَلَاثُونَ وَقِيلَ: إِلَّا آيَةً.
سَبَأٌ: خَمْسُونَ وَأَرْبَعٌ وَقِيلَ: خَمْسٌ.
فَاطِرٌ: أَرْبَعُونَ وَسِتٌّ وَقِيلَ: خَمْسٌ.
يس: ثَمَانُونَ وَثَلَاثٌ وَقِيلَ: اثْنَتَانِ.
الصَّافَّاتُ: مِائَةٌ وَثَمَانُونَ وَآيَةٌ وَقِيلَ: آيَتَانِ.
ص: ثَمَانُونَ وَخَمْسٌ وَقِيلَ: سِتٌّ وَقِيلَ: ثَمَانٍ.
الزُّمَرُ: سَبْعُونَ وَآيَتَانِ وَقِيلَ: ثَلَاثٌ وَقِيلَ: خَمْسٌ.
غَافِرٌ: ثَمَانُونَ وَآيَتَانِ وَقِيلَ: أَرْبَعٌ وَقِيلَ: خَمْسٌ وَقِيلَ: سِتٌّ.
فُصِّلَتْ: خَمْسُونَ وَاثْنَتَانِ وَقِيلَ: ثَلَاثٌ وَقِيلَ: أَرْبَعٌ.
الشُّورَى: خمسون وقيل: ثلاث.
الزُّخْرُفُ: ثَمَانُونَ وَتِسْعٌ وَقِيلَ: ثَمَانٍ.(1/236)
الدُّخَانُ: خَمْسُونَ وَسِتٌّ وَقِيلَ: سَبْعٌ وَقِيلَ: تِسْعٌ.
الْجَاثِيَةُ: ثَلَاثُونَ وَسِتٌّ وَقِيلَ: سَبْعٌ.
الْأَحْقَافُ: ثَلَاثُونَ وَأَرْبَعٌ وَقِيلَ: خَمْسٌ.
الْقِتَالُ: أَرْبَعُونَ وَقِيلَ: إِلَّا آيَةً وَقِيلَ: إِلَّا آيَتَيْنِ.
الطُّورُ: أَرْبَعُونَ وَسَبْعٌ وَقِيلَ: ثَمَانٍ وَقِيلَ: تِسْعٌ.
النَّجْمُ: إِحْدَى وَسِتُّونَ وَقِيلَ: اثْنَتَانِ.
الرَّحْمَنُ: سَبْعُونَ وَسَبْعٌ وَقِيلَ: سِتٌّ وَقِيلَ: ثَمَانٍ.
الْوَاقِعَةُ: تِسْعُونَ وَتِسْعٌ وَقِيلَ: سَبْعٌ قيل: سِتٌ.
الْحَدِيدُ: ثَلَاثُونَ وَثَمَانٍ وَقِيلَ: تِسْعٌ قَدْ سَمِعَ اثْنَتَانِ وَقِيلَ: إِحْدَى وَعِشْرُونَ.
الطَّلَاقُ: إِحْدَى وَقِيلَ: اثْنَتَا عَشْرَةَ.
تَبَارَكَ: ثَلَاثُونَ وَقِيلَ: إِحْدَى وَثَلَاثُونَ، بِعَدِّ: {قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ} .
قَالَ الْمَوْصِلِيُّ: وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ قَالَ ابْنُ شَنَبُوذٍ: وَلَا يَسُوغُ لِأَحَدٍ خِلَافُهُ لِلْأَخْبَارِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ أَخْرَجَ أَحْمَدُ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِنَّ سُورَةً فِي الْقُرْآنِ ثَلَاثِينَ آيَةً شَفَعَتْ لِصَاحِبِهَا حَتَّى غُفِرَ لَهُ: {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ} ". وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "سُورَةٌ فِي الْقُرْآنِ مَا هِيَ إِلَّا ثَلَاثُونَ آيَةً خَاصَمَتْ عَنْ صَاحِبِهَا حَتَّى أَدْخَلَتْهُ الْجَنَّةَ وَهِيَ سُورَةُ تَبَارَكَ ".(1/237)
الْحَاقَّةُ: إِحْدَى – وَقِيلَ: اثْنَتَانِ – وَخَمْسُونَ.
المعا رج: أَرْبَعُونَ وَأَرْبَعٌ وَقِيلَ: ثَلَاثٌ.
نُوحٌ: ثَلَاثُونَ وَقِيلَ: إِلَّا آيَةً وَقِيلَ: إلا آيتين.
الْمُزَّمِّلِ: عِشْرُونَ وَقِيلَ: إِلَّا آيَةً وَقِيلَ: إِلَّا آيَتَيْنِ.
الْمُدَّثِّرِ: خَمْسُونَ وَخَمْسٌ وَقِيلَ: سِتٌ.
الْقِيَامَةُ: أَرْبَعُونَ وَقِيلَ: إِلَّا آيَةً.
عَمَّ: أَرْبَعُونَ وَقِيلَ: وَآيَةً.
النَّازِعَاتُ: أَرْبَعُونَ وَخَمْسٌ وَقِيلَ: سِتٌ.
عَبَسَ: أَرْبَعُونَ وَقِيلَ: وَآيَةٌ وَقِيلَ: وَآيَتَانِ.
الِانْشِقَاقُ: عِشْرُونَ وَثَلَاثٌ وَقِيلَ: أَرْبَعٌ وَقِيلَ: خَمْسٌ.
الطَّارِقُ: سَبْعَ عَشْرَةَ وَقِيلَ: سِتَّ عَشْرَةَ.
الْفَجْرُ: ثَلَاثُونَ وَقِيلَ: إِلَّا آيَةً وَقِيلَ: اثْنَتَانِ وَثَلَاثُونَ.
الشَّمْسُ: خَمْسَ عَشْرَةَ وَقِيلَ: سِتَّ عَشْرَةَ.
اقْرَأْ: عِشْرُونَ وَقِيلَ: إِلَّا آيَةً.
الْقَدْرُ: خَمْسٌ وَقِيلَ: سِتٌ.
لَمْ يَكُنْ: ثَمَانٍ وَقِيلَ: تِسْعٌ.
الزَّلْزَلَةُ: تِسْعٌ وَقِيلَ: ثَمَانٍ.
الَقَارِعَةُ: ثَمَانٍ وَقِيلَ: عَشْرٌ وَقِيلَ: إِحْدَى عَشْرَةَ.
قُرَيْشٌ: أَرْبَعٌ وَقِيلَ: خَمْسٌ.
أَرَأَيْتَ: سَبْعٌ وَقِيلَ: سِتٌّ.(1/238)
الِإِخْلَاصُ: أَرْبَعٌ وَقِيلَ: خَمْسٌ.
النَّاسُ: سَبْعٌ وَقِيلَ: سِتٌ.
ضَوَابِطٌ
الْبَسْمَلَةُ نَزَلَتْ مَعَ السُّورَةِ فِي بَعْضِ الْأَحْرُفِ السَّبْعَةِ مَنْ قَرَأَ بِحَرْفٍ نَزَلَتْ فِيهِ عَدَّهَا وَمَنْ قَرَأَ بِغَيْرِ ذَلِكَ لِمَ يَعُدَّهَا.
وَعَدَّ أَهْلُ الْكُوفَةِ الم حَيْثُ وَقَعَ آية وكذا المص وطه وكهيعص وطسم ويس وحم وعدوا حمعسق آيَتَيْنِ وَمَنْ عَدَاهُمْ لَمْ يَعُدَّ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ.
وَأَجْمَعَ أَهْلُ الْعَدَدِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُعَدُّ الر حَيْثُ وَقَعَ آيَةً وَكَذَا المر وطس وص وق ون. ثُمَّ مِنْهُمْ مَنْ عَلَّلَ بِالْأَثَرِ وَاتِّبَاعِ الْمَنْقُولِ وَأَنَّهُ أَمْرٌ لَا قِيَاسَ فِيهِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ لم يعدوا ص ون وق لِأَنَّهَا عَلَى حَرْفٍ وَاحِدٍ وَلَا طس لِأَنَّهَا خَالَفَتْ أَخَوَيْهَا بِحَذْفِ الْمِيمِ وَلِأَنَّهَا تُشْبِهُ الْمُفْرَدَ كَقَابِيلَ ويس وَإِنْ كَانَتْ بِهَذَا الْوَزْنِ لَكِنَّ أَوَّلَهَا يَاءٌ فَأَشْبَهَتِ الْجَمْعَ إِذْ لَيْسَ لَنَا مُفْرَدٌ أَوَّلُهُ يَاءٌ. وَلَمْ يَعُدُّوا الر بِخِلَافِ الم لِأَنَّهَا أَشْبَهُ بِالْفَوَاصِلِ مِنْ الر وَكَذَلِكَ أَجْمَعُوا عَلَى عد {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} آيَةً لِمُشَاكَلَتِهِ الْفَوَاصِلَ بَعْدَهُ وَاخْتَلَفُوا فِي: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ} .
قَالَ الْمَوْصِلِيُّ: وَعَدُّوا قَوْلَهُ: {ثُمَّ نَظَرَ} آيَةً وَلَيْسَ فِي الْقُرْآنِ أَقْصَرَ مِنْهَا أَمَّا مِثْلُهَا فعم وَالْفَجْرُ وَالضُّحَى.(1/239)
تَذْنِيبٌ
نَظَمَ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ الْغَالِي أُرْجُوزَةً فِي الْقَرَائِنِ وَالْأَخَوَاتِ ضَمَّنَهَا السُّوَرَ الَّتِي اتَّفَقَتْ فِي عِدَّةِ الْآيِ كَالْفَاتِحَةِ وَالْمَاعُونِ وَكَالرَّحْمَنِ وَالْأَنْفَالِ وَكَيُوسُفَ وَالْكَهْفِ وَالْأَنْبِيَاءِ وَذَلِكَ مَعْرُوفٌ مما تقدم.
فائدة
يترتب على معرفة الآي وَعَدِّهَا وَفَوَاصِلِهَا أَحْكَامٌ فِقْهِيَّةٌ:
مِنْهَا: اعْتِبَارُهَا فِيمَنْ جَهِلَ الْفَاتِحَةَ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ بَدَلَهَا سَبْعُ آيَاتٍ.
وَمِنْهَا: اعْتِبَارُهَا فِي الْخُطْبَةِ فَإِنَّهُ يَجِبُ فِيهَا قِرَاءَةُ آيَةٍ كَامِلَةٍ وَلَا يَكْفِي شَطْرَهَا إِنْ لَمْ تَكُنْ طَوِيلَةً وَكَذَا الطَّوِيلَةُ عَلَى ما أطلقه الجمهور وها هنا بَحْثٌ وَهُوَ أَنَّ مَا اخْتُلِفَ فِي كَوْنِهِ آخِرَ آيَةٍ هَلْ تَكْفِي الْقِرَاءَةُ بِهِ فِي الْخُطْبَةِ؟ مَحَلُّ نَظَرٍ وَلَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَهُ.
وَمِنْهَا: اعْتِبَارُهَا فِي السُّورَةِ الَّتِي تُقْرَأُ فِي الصَّلَاةِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهَا فَفِي الصَّحِيحِ أنه كَانَ يَقْرَأُ فِي الصُّبْحِ بِالسِّتِّينَ إِلَى الْمِائَةِ.
وَمِنْهَا: اعْتِبَارُهَا فِي قِرَاءَةِ قِيَامِ اللَّيْلِ فَفِي أَحَادِيثَ: "مَنْ قَرَأَ بِعَشْرِ آيَاتٍ لَمْ يُكْتَبْ مِنَ الْغَافِلِينَ "،وَ " مَنْ قَرَأَ بِخَمْسِينَ آيَةً فِي لَيْلَةٍ كُتِبَ مِنَ الْحَافِظِينَ "، وَ "مَنْ قَرَأَ بِمِائَةِ آيَةٍ كُتِبَ مِنَ الْقَانِتِينَ "، وَ " مَنْ قَرَأَ بِمِائَتَيْ آيَةٍ كُتِبَ مِنَ الْفَائِزِينَ "، " ومن قَرَأَ بِثَلَاثِمِائَةِ آيَةٍ كُتِبَ لَهُ قِنْطَارٌ مِنَ الْأَجْرِ "، وَ " مَنْ قرأ بخمسمائة وسبعمائة وَأَلْفِ آيَةٍ ... " أَخْرَجَهَا الدَّارِمِيُّ فِي مُسْنَدِهِ مُفَرَّقَةً.
وَمِنْهَا: اعْتِبَارُهَا فِي الْوَقْفِ عَلَيْهَا كَمَا سَيَأْتِي.
وَقَالَ الْهُذَلِيُّ فِي كَامِلِهِ: اعْلَمْ أَنَّ قَوْمًا جَهِلُوا الْعَدَدَ وَمَا فِيهِ مِنَ الْفَوَائِدِ،(1/240)
حَتَّى قَالَ الزَّعْفَرَانِيُّ: الْعَدَدُ لَيْسَ بِعِلْمٍ وَإِنَّمَا اشْتَغَلَ بِهِ بَعْضُهُمْ لِيُرَوِّجَ بِهِ سُوقَهُ. قَالَ: وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَفِيهِ مِنَ الْفَوَائِدِ مَعْرِفَةُ الْوَقْفِ وَلِأَنَّ الْإِجْمَاعَ انْعَقَدَ عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَصِحُّ بِنِصْفِ آيَةٍ وَقَالَ جَمْعٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ: تجزئ بآية وآخرون بثلاثة آيَاتٍ وَآخَرُونَ لَا بُدَّ مِنْ سَبْعٍ وَالْإِعْجَازُ لَا يَقَعُ بِدُونِ آيَةٍ فَلِلْعَدَدِ فَائِدَةٌ عَظِيمَةٌ فِي ذَلِكَ. انْتَهَى.
فَائِدَةٌ ثَانِيَةٌ
ذِكْرُ الْآيَاتِ فِي الْأَحَادِيثِ وَالْآثَارِ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يُحْصَى كَالْأَحَادِيثِ فِي الْفَاتِحَةِ وَأَرْبَعِ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِ الْبَقَرَةِ وَآيَةِ الْكُرْسِيِّ وَالْآيَتَيْنِ خَاتِمَةِ الْبَقَرَةِ وَكَحَدِيثِ اسْمِ اللَّهِ الْأَعْظَمِ فِي هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} و: {الم اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} .
وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: إِذَا سَرَّكَ أَنْ تَعْلَمَ جَهْلَ الْعَرَبِ فَاقْرَأْ مَا فَوْقَ الثَّلَاثِينَ وَمِائَةٍ مِنْ سُورَةِ الْأَنْعَامِ: {قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ} إِلَى قَوْلِهِ: {مُهْتَدِينَ} .
وَفِي مُسْنَدِ أَبِي يَعْلَى عَنِ الْمُسَوَّرِ بْنِ مَخَرَمَةَ قال: قلت لعبد الرحمن ابن عَوْفٍ: يَا خَالُ أَخْبِرْنَا عَنْ قِصَّتِكُمْ يَوْمَ أُحَدٍ قَالَ اقْرَأْ بَعْدَ الْعِشْرِينَ وَمِائَةَ مِنْ آلِ عِمْرَانَ تَجِدُ قِصَّتَنَا: {وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ}(1/241)
فصل
وَعَدَّ قَوْمٌ كَلِمَاتِ الْقُرْآنِ سَبْعَةً وَسَبْعِينَ أَلْفَ كَلِمَةٍ وَتِسْعَمِائَةٍ وَأَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ كَلِمَةٍ وَقِيلَ: وَأَرْبَعُمِائَةٍ وسبع وثلاثون وَمِائَتَانِ وَسَبْعٌ وَسَبْعُونَ وَقِيلَ: غَيْرُ ذلك.
قيل: وَسَبَبُ الِاخْتِلَافِ فِي عَدِّ الْكَلِمَاتِ أَنَّ الْكَلِمَةَ لَهَا حَقِيقَةٌ وَمَجَازٌ وَلَفْظٌ وَرَسْمٌ وَاعْتِبَارُ كُلٍّ مِنْهَا جَائِزٌ وَكُلٌّ مِنَ الْعُلَمَاءِ اعْتَبَرَ أَحَدَ الْجَوَائِزِ.
فَصْلٌ
وَتَقَدَّمَ عَنِ ابن عباس عد حُرُوفِهِ وَفِيهِ أَقْوَالٌ أُخَرُ وَالِاشْتِغَالُ بِاسْتِيعَابِ ذَلِكَ مِمَّا لَا طَائِلَ تَحْتَهُ وَقَدِ اسْتَوْعَبَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي فُنُونِ الْأَفْنَانِ وَعَدَّ الْأَنْصَافَ وَالْأَثْلَاثَ إِلَى الْأَعْشَارِ وَأَوْسَعَ الْقَوْلَ فِي ذَلِكَ فَرَاجِعْهُ مِنْهُ فَإِنَّ كِتَابَنَا مَوْضُوعٌ لِلْمُهِمَّاتِ لَا لِمِثْلِ هذه البطالات.
وقد قَالَ السَّخَاوِيُّ: لَا أَعْلَمُ لِعَدَدِ الْكَلِمَاتِ وَالْحُرُوفِ مِنْ فَائِدَةٍ لِأَنَّ ذَلِكَ إِنْ أَفَادَ فَإِنَّمَا يُفِيدُ فِي كِتَابٍ يُمْكِنُ فِيهِ الزِّيَادَةُ وَالنُّقْصَانُ وَالْقُرْآنُ لَا يُمْكِنُ فِيهِ ذَلِكَ.
وَمِنَ الْأَحَادِيثِ فِي اعْتِبَارِ الْحُرُوفِ مَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا: "مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا لَا أَقُولُ الم حَرْفٌ وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ وَلَامٌ حَرْفٌ وَمِيمٌ حَرْفٌ ".
وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ مَرْفُوعًا: "الْقُرْآنُ أَلْفُ ألف حرف وسبعة وعشرون أَلِفِ حَرْفٍ فَمَنْ قَرَأَهُ صَابِرًا مُحْتَسِبًا كَانَ لَهُ بِكُلِّ حَرْفٍ زَوْجَةٌ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ ".رِجَالُهُ ثِقَاتٌ إِلَّا شَيْخَ الطَّبَرَانِيِّ مُحَمَّدَ بْنَ عبيد بن آدم(1/242)
ابن أَبَى إِيَاسٍ تَكَلَّمَ فِيهِ الذَّهَبِيُّ لهذا الحديث. وَقَدْ حُمِلَ ذَلِكَ عَلَى مَا نُسِخَ رَسْمُهُ مِنَ الْقُرْآنِ أَيْضًا إِذِ الْمَوْجُودُ الْآنَ لَا يَبْلُغُ هَذَا الْعَدَدَ.
فَائِدَةٌ
قَالَ بَعْضُ الْقُرَّاءِ: الْقُرْآنُ الْعَظِيمُ لَهُ أَنْصَافٌ بِاعْتِبَارَاتٍ فَنَصِفُهُ بِالْحُرُوفِ "النُّونُ" مِنْ: {نُكْراً} في الكهف "والكاف" مِنَ النِّصْفِ الثَّانِي.
وَنِصْفُهُ بِالْكَلِمَاتِ "الدَّالُ" مِنْ قوله: {وَالْجُلُودُ} فِي الْحَجِّ وَقَوْلُهُ: {وَلَهُمْ مَقَامِعُ} مِنَ النِّصْفِ الثَّانِي.
وَنِصْفُهُ بِالْآيَاتِ {يَأْفِكُونَ} مِنْ سُورَةِ الشُّعَرَاءِ وَقَوْلُهُ: {فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ} مِنَ النِّصْفِ الثَّانِي.
وَنِصْفُهُ عَلَى عِدَادِ السُّورِ آخِرُ الْحَدِيدِ وَالْمُجَادَلَةُ مِنَ النِّصْفِ الثَّانِي وَهُوَ عَشْرَةٌ بِالْأَحْزَابِ. وَقِيلَ: إِنَّ النِّصْفَ بِالْحُرُوفِ "الْكَافُ". مِنْ نُكْرًا وَقِيلَ: "الْفَاءُ" مِنْ قَوْلِهِ: {وَلْيَتَلَطَّفْ}(1/243)
النَّوْعُ الْعِشْرُونَ: فِي مَعْرِفَةِ حُفَّاظِهِ ورواته
رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "خُذُوا الْقُرْآنَ مِنْ أَرْبَعَةٍ: "مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَسَالِمٍ وَمُعَاذٍ وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ "،أَيْ تَعَلَّمُوا مِنْهُمْ. وَالْأَرْبَعَةُ الْمَذْكُورُونَ اثْنَانِ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَهُمَا الْمُبْتَدَأُ بِهِمَا وَاثْنَانِ مِنَ الْأَنْصَارِ وَسَالِمٌ هُوَ ابْنُ مَعْقِلٍ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ وَمُعَاذٌ هُوَ ابْنُ جَبَلٍ. قَالَ الْكَرْمَانِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ الْإِعْلَامَ بِمَا يَكُونُ بَعْدَهُ أَيْ أَنَّ هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَةُ يَبْقَوْنَ حَتَّى يَنْفَرِدُوا بِذَلِكَ.
وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُمْ لَمْ يَنْفَرِدُوا بَلِ الَّذِينَ مَهَرُوا فِي تَجْوِيدِ الْقُرْآنِ بَعْدَ الْعَصْرِ النَّبَوِيِّ أَضْعَافُ الْمَذْكُورِينَ وَقَدْ قُتِلَ سَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ فِي وَقْعَةِ الْيَمَامَةِ وَمَاتَ مُعَاذٌ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ وَمَاتَ أُبَيٌّ وَابْنُ مَسْعُودٍ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ وَقَدْ تَأَخَّرَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَانْتَهَتْ إِلَيْهِ الرِّيَاسَةُ فِي الْقِرَاءَةِ وَعَاشَ بَعْدَهُمْ زَمَنًا طَوِيلًا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَمَرَ بِالْأَخْذِ عَنْهُمْ فِي الْوَقْتِ الَّذِي صَدَرَ فِيهِ ذَلِكَ الْقَوْلُ وَلَا يَلْزَمُ من ذلك ألا يَكُونَ أَحَدٌ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ شَارَكَهُمْ فِي حِفْظِ الْقُرْآنِ بَلْ كان الذي يَحْفَظُونَ مِثْلَ الَّذِي حَفِظُوهُ وَأَزْيَدَ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ. وَفِي الصَّحِيحِ فِي غَزْوَةِ بِئْرِ مَعُونَةَ أَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا بِهَا مِنَ الصَّحَابَةِ كَانَ يُقَالُ لَهُمُ الْقُرَّاءُ وَكَانُوا سبعين رجلا.
وروى الْبُخَارِيُّ أَيْضًا عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: سَأَلُتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ: مَنْ جَمَعَ الْقُرْآنَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم؟ فَقَالَ: أَرْبَعَةٌ كُلُّهُمْ مِنْ الْأَنْصَارِ:(1/244)
أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَأَبُو زَيْدٍ، قُلْتُ مَنْ أَبُو زَيْدٍ؟ قَالَ أَحَدُ عُمُومَتِي.
وَرَوَى أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: مَاتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَجْمَعِ الْقُرْآنَ غَيْرُ أَرْبَعَةٍ: أَبُو الدَّرْدَاءِ، وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَأَبُو زَيْدٍ، وَفِيهِ مُخَالَفَةٌ لِحَدِيثِ قَتَادَةَ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا التَّصْرِيحُ بِصِيغَةِ الْحَصْرِ فِي الْأَرْبَعَةِ وَالْآخَرُ ذِكْرُ أَبِي الدَّرْدَاءِ بَدَلَ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَقَدِ اسْتَنْكَرَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ الْحَصْرَ فِي الْأَرْبَعَةِ.
وَقَالَ الْمَازِرِيُّ: لَا يَلْزَمُ مِنْ قَوْلِ أَنَسٍ: "لَمْ يَجْمَعُهُ غَيْرُهُمْ أَنْ يَكُونَ الْوَاقِعُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ كَذَلِكَ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ أَنَّ سِوَاهُمْ جَمَعَهُ وَإِلَّا فَكَيْفَ الْإِحَاطَةُ بِذَلِكَ مَعَ كَثْرَةِ الصَّحَابَةِ وَتَفَرُّقِهِمْ فِي الْبِلَادِ! وَهَذَا لَا يَتِمُّ إِلَّا إِنْ كَانَ لَقِيَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَى انْفِرَادِهِ وَأَخْبَرَهُ عَنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ لَمْ يَكْمُلْ لَهُ جَمْعٌ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم وهذا فِي غَايَةِ الْبُعْدِ فِي الْعَادَةِ وَإِذَا كَانَ الْمَرْجِعُ إِلَى مَا فِي عِلْمِهِ لَمْ يَلْزَمْ أَنْ يَكُونَ الْوَاقِعُ كَذَلِكَ.
قَالَ: وَقَدْ تَمَسَّكَ بِقَوْلِ أَنَسٍ هَذَا جَمَاعَةٌ مِنَ الْمَلَاحِدَةِ وَلَا مُتَمَسَّكَ لَهُمْ فِيهِ فَإِنَّا لَا نُسَلِّمُ حَمْلَهُ عَلَى ظَاهِرِهِ سَلَّمْنَاهُ وَلَكِنْ مِنْ أَيْنَ لَهُمْ أَنَّ الْوَاقِعَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ كَذَلِكَ سَلَّمْنَاهُ لَكِنْ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ كُلٍّ مِنَ الْجَمِّ الْغَفِيرِ لَمْ يُحَفِّظْهُ كُلَّهُ أَلَّا يَكُونَ حَفِظَ مَجْمُوعَهُ الْجَمُّ الْغَفِيرُ وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِ التَّوَاتُرِ أَنْ يَحْفَظَ كُلُّ فَرْدٍ جَمِيعَهُ بَلْ إِذَا حُفِظَ الْكُلُّ وَلَوْ عَلَى التَّوْزِيعِ كَفَى.
وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: قَدْ قُتِلَ يَوْمَ الْيَمَامَةِ سَبْعُونَ مِنَ الْقُرَّاءِ وَقُتِلَ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبِئْرِ مَعُونَةَ مِثْلُ هَذَا الْعَدَدِ. قَالَ: وَإِنَّمَا خَصَّ أَنَسٌ(1/245)
الْأَرْبَعَةَ بِالذِّكْرِ لِشِدَّةِ تَعَلُّقِهِ بِهِمْ دُونَ غَيْرِهِمْ أَوْ لِكَوْنِهِمْ كَانُوا فِي ذِهْنِهِ دُونَ غَيْرِهِمْ.
وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَانِيُّ: الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ أَنَسٍ مِنْ أَوْجِهٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّهُ لَا مَفْهُومَ لَهُ فلا يلزم ألا يَكُونَ غَيْرُهُمْ جَمَعَهُ.
الثَّانِي: الْمُرَادُ لَمْ يَجْمَعْهُ عَلَى جَمِيعِ الْوُجُوهِ وَالْقِرَاءَاتِ الَّتِي نَزَلَ بِهَا إِلَّا أُولَئِكَ.
الثَّالِثُ: لَمْ يَجْمَعْ مَا نُسِخَ مِنْهُ بَعْدَ تِلَاوَتِهِ وَمَا لَمْ يُنْسَخْ إِلَّا أُولَئِكَ.
الرَّابِعُ: أَنَّ الْمُرَادَ بِجَمْعِهِ تَلَقِّيهِ مِنْ فِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا بِوَاسِطَةٍ بِخِلَافِ غَيْرِهِمْ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ تَلَقَّى بَعْضَهُ بِالْوَاسِطَةِ.
الْخَامِسُ: أَنَّهُمْ تَصَدَّوْا لِإِلْقَائِهِ وَتَعْلِيمِهِ فَاشْتُهِرُوا بِهِ وَخَفِيَ حَالُ غَيْرِهِمْ عَمَّنْ عَرَفَ حَالَهُمْ فَحَصَرَ ذَلِكَ فِيهِمْ بِحَسْبِ عِلْمِهِ وَلَيْسَ الْأَمْرُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ كَذَلِكَ.
السَّادِسُ: الْمُرَادُ بِالْجَمْعِ الْكِتَابَةُ فَلَا يَنْفِي أَنْ يَكُونَ غَيْرُهُمْ جَمَعَهُ حِفْظًا عَنْ ظَهْرِ قَلْبِهِ وَأَمَّا هَؤُلَاءِ فَجَمَعُوهُ كِتَابَةً وَحَفِظُوهُ عَنْ ظَهْرِ قَلْبٍ.
السَّابِعُ: الْمُرَادُ أَنَّ أَحَدًا لَمْ يُفْصِحْ بِأَنَّهُ جَمَعَهُ بِمَعْنَى أَكْمَلَ حِفْظَهُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا أُولَئِكَ بِخِلَافِ غَيْرِهِمْ فَلَمْ يُفْصِحْ بِذَلِكَ لِأَنَّ أَحَدًا مِنْهُمْ لَمْ يُكْمِلْهُ إِلَّا عِنْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ نَزَلَتْ آخَرُ آيَةٍ فَلَعَلَّ هَذِهِ الْآيَةَ الْأَخِيرَةَ وَمَا أَشْبَهَهَا مَا حَضَرَهَا إِلَّا أُولَئِكَ الْأَرْبَعَةُ مِمَّنْ جَمَعَ جَمِيعَ الْقُرْآنِ قَبْلَهَا وَإِنْ كَانَ قَدْ حَضَرَهَا مَنْ لَمْ يَجْمَعْ غَيْرَهَا الْجَمْعُ الْكَثِيرُ.
الثَّامِنُ: أَنَّ الْمُرَادَ بِجَمْعِهِ السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ لَهُ وَالْعَمَلُ بِمُوجَبِهِ وَقَدْ أَخْرَجَ(1/246)
أَحْمَدُ فِي الزُّهْدِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الزَّاهِرِيَّةِ أَنَّ رَجُلًا أَتَى أَبَا الدَّرْدَاءِ فَقَالَ: إِنَّ ابْنِي جَمَعَ الْقُرْآنَ فَقَالَ: اللَّهُمُّ غُفْرًا إِنَّمَا جَمَعَ الْقُرْآنَ مَنْ سَمِعَ لَهُ وَأَطَاعَ.
قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَفِي غَالِبِ هَذِهِ الِاحْتِمَالَاتِ تَكَلُّفٌ وَلَا سِيَّمَا الْأَخِيرُ. قَالَ: وَقَدْ ظَهَرَ لِيَ احْتِمَالٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ الْمُرَادَ إِثْبَاتُ ذَلِكَ لِلْخَزْرَجِ دُونَ الْأَوْسِ فَقَطْ فَلَا يَنْفِي ذَلِكَ عَنْ غَيْرِ الْقَبِيلَتَيْنِ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ لِأَنَّهُ قَالَ: ذَلِكَ فِي مَعْرِضِ الْمُفَاخَرَةِ بَيْنَ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ كَمَا أَخْرَجَهُ ابْنُ جَرِيرٍ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: افْتَخَرَ الْحَيَّانِ: الْأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ فَقَالَ الْأَوْسُ: مِنَّا أَرْبَعَةٌ: مَنِ اهْتَزَّ لَهُ الْعَرْشُ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ ومن عدلت شهادته رَجُلَيْنِ خُزَيْمَةُ بْنُ ثَابِتٍ وَمَنْ غَسَّلَتْهُ الْمَلَائِكَةُ حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي عَامِرٍ وَمِنْ حَمَتْهُ الدُّبُرُ عَاصِمُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ فَقَالَ الْخَزْرَجُ: مِنَّا أَرْبَعَةٌ جَمَعُوا الْقُرْآنَ لَمْ يَجْمَعْهُ غَيْرُهُمْ فَذَكَرَهُمْ.
قَالَ: وَالَّذِي يَظْهَرُ مِنْ كَثِيرٍ مِنَ الْأَحَادِيثِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ يَحْفَظُ الْقُرْآنَ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَفِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ بَنَى مَسْجِدًا بِفِنَاءِ دَارِهِ فَكَانَ يَقْرَأُ فِيهِ الْقُرْآنَ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا كَانَ نَزَلَ مِنْهُ إِذْ ذَاكَ.
قَالَ: وَهَذَا مِمَّا لَا يُرْتَابُ فِيهِ مَعَ شِدَّةِ حِرْصِ أَبِي بَكْرٍ عَلَى تَلَقِّي الْقُرْآنِ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفَرَاغِ بَالِهِ لَهُ وَهُمَا بِمَكَّةَ وَكَثْرَةِ مُلَازَمَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ حَتَّى قالت عائشة إنه كَانَ يَأْتِيهِمْ بُكْرَةً وَعَشِيًّا. وَقَدْ صَحَّ حَدِيثُ: "يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ " وَقَدْ قَدَّمَهُ فِي مَرَضِهِ إِمَامًا لِلْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ أَقْرَأَهُمُ. انتهى.
وسبقه إلى ذَلِكَ ابْنُ كَثِيرٍ.(1/247)
قُلْتُ: لَكِنْ أَخْرَجَ ابْنُ أَشْتَةَ فِي الْمَصَاحِفِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ محمد بن سِيرِينَ قَالَ: مَاتَ أَبُو بَكْرٍ وَلَمْ يُجْمَعِ الْقُرْآنُ وَقُتِلَ عُمَرُ وَلَمْ يُجْمَعِ الْقُرْآنُ قَالَ ابْنُ أَشْتَةَ: قَالَ بَعْضُهُمْ: يَعْنِي لَمْ يَقْرَأْ جَمِيعَ الْقُرْآنِ حِفْظًا وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ جَمْعُ الْمَصَاحِفِ.
قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَقَدْ وَرَدَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ جَمَعَ الْقُرْآنَ عَلَى تَرْتِيبِ النُّزُولِ عَقِبَ مَوْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ.
وَأَخْرَجَ النَّسَائِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن عمر قَالَ: "جَمَعْتُ الْقُرْآنَ فَقَرَأْتُ بِهِ كُلَّ لَيْلَةٍ فَبَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: اقْرَأْهُ فِي شَهْرٍ ... " الْحَدِيثَ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ قَالَ: جَمَعَ الْقُرْآنَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَمْسَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ: مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَعُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ وَأَبُو الدَّرْدَاءِ وَأَبُو أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيُّ.
وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَدْخَلِ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ: جَمَعَ الْقُرْآنَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعَةٌ لَا يُخْتَلَفُ فِيهِمْ: مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ وَزَيْدٌ وَأَبُو زَيْدٍ وَاخْتَلَفُوا فِي رَجُلَيْنِ مِنْ ثَلَاثَةٍ: أَبِي الدَّرْدَاءِ وَعُثْمَانَ. وَقِيلَ: عُثْمَانُ وَتَمِيمٌ الدَّارِيُّ.
وأخرج هو وأبو دَاوُدَ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: جَمَعَ الْقُرْآنَ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِتَّةٌ: أُبَيٌّ وزيد ومعاذ وأبو الدرداء وسعد بْنُ عُبَيْدٍ وَأَبُو زَيْدٍ وَمُجَمِّعُ بْنُ جَارِيَةَ قد أَخَذَهُ إِلَّا سُورَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً.
وَقَدْ ذَكَرَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي كِتَابِ الْقِرَاءَاتِ الْقُرَّاءَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ(1/248)
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَدَّ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ: الْخُلَفَاءَ الْأَرْبَعَةَ وَطَلْحَةَ وَسَعْدًا وَابْنَ مَسْعُودٍ وَحُذَيْفَةَ وَسَالِمًا وَأَبَا هُرَيْرَةَ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ السَّائِبِ وَالْعَبَادِلَةَ وَعَائِشَةَ وَحَفْصَةَ وَأُمَّ سَلَمَةَ وَمِنَ الْأَنْصَارِ: عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ وَمُعَاذًا الَّذِي يُكَنَّى أَبَا حَلِيمَةَ وَمُجَمِّعَ بْنَ جَارِيَةَ وَفُضَالَةَ بْنَ عُبَيْدٍ وَمَسْلَمَةَ بْنَ مُخَلَّدٍ. وَصَرَّحَ بِأَنَّ بَعْضَهُمْ إِنَّمَا أَكْمَلَهُ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا يَرِدُ عَلَى الْحَصْرِ الْمَذْكُورِ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ وَعَدَّ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ مِنْهُمْ تَمِيمًا الدَّارِيَّ وَعُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ.
وَمِمَّنْ جَمَعَهُ أَيْضًا أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ ذَكَرَهُ أَبُو عَمْرٍو الدَّانِيُّ.
تَنْبِيهٌ
أَبُو زَيْدٍ الْمَذْكُورُ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ اخْتُلِفَ فِي اسمه فقيل: سعد ابن عُبَيْدِ بْنِ النُّعْمَانِ أَحَدُ بَنِي عَمْرِو بْنِ عون وَرُدَّ بِأَنَّهُ أَوْسِيٌّ وَأَنَسٌ خَزْرَجِيٌّ. وَقَدْ قَالَ إِنَّهُ أَحَدُ عُمُومَتِهِ وَبِأَنَّ الشَّعْبِيَّ عَدَّهُ هُوَ وَأَبُو زَيْدٍ جَمِيعًا فِيمَنْ جَمَعَ الْقُرْآنَ كَمَا تَقَدَّمَ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُهُ.
وَقَالَ أَبُو أَحْمَدَ الْعَسْكَرِيُّ لَمْ يَجْمَعِ الْقُرْآنَ مِنَ الْأَوْسِ غَيْرُ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدٍ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ فِي الْمُحَبَّرِ: سَعْدُ بْنُ عُبَيْدٍ أَحَدُ مَنْ جَمَعَ الْقُرْآنَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: قَدْ ذَكَرَ أَبِي دَاوُدَ فِيمَنْ جَمَعَ الْقُرْآنَ قَيْسَ بْنَ أَبِي صَعْصَعَةَ وَهُوَ خَزْرَجِيٌّ يُكَنَّى أَبَا زَيْدٍ فَلَعَلَّهُ هو. وذكر أيضا سعد بن المنذر بن أوس ابن زُهَيْرٍ وَهُوَ خَزْرَجِيٌّ لَكِنْ لَمْ أَرَ التَّصْرِيحَ بِأَنَّهُ يُكَنَّى أَبَا زَيْدٍ.
قَالَ: ثُمَّ وَجَدْتُ عند ابْنِ أَبِي دَاوُدَ مَا رَفَعَ الْإِشْكَالَ فَإِنَّهُ رَوَى بِإِسْنَادٍ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ إِلَى ثُمَامَةَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ أَبَا زَيْدٍ الَّذِي جَمَعَ القرآن اسمه قيس(1/249)
ابن السَّكَنِ. قَالَ: وَكَانَ رَجُلًا مِنَّا مِنْ بَنِي عَدِيِّ بْنِ النَّجَّارِ أَحَدَ عُمُومَتِي وَمَاتَ وَلَمْ يَدَعْ عَقِبًا وَنَحْنُ وَرِثْنَاهُ.
قَالَ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ: حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ خَالِدٍ الْأَنْصَارِيُّ قَالَ: هُوَ قَيْسُ بْنُ السَّكَنِ بْنِ زَعْوَرَاءَ مِنْ بَنِي عَدِيِّ بْنِ النَّجَّارِ. قَالَ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ: مَاتَ قَرِيبًا مِنْ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَهَبَ عِلْمُهُ وَلَمْ يُؤْخَذْ عَنْهُ وَكَانَ عَقَبِيًّا بَدْرِيًّا. وَمِنَ الْأَقْوَالِ فِي اسْمِهِ: ثَابِتٌ وَأَوْسٌ وَمُعَاذٌ.
فَائِدَةٌ
ظَفِرْتُ بِامْرَأَةٍ مِنَ الصَّحَابِيَّاتِ جَمَعَتِ الْقُرْآنَ لَمْ يَعُدَّهَا أَحَدٌ مِمَّنْ تَكَلَّمَ فِي ذَلِكَ فَأَخْرَجَ ابْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ: أَنْبَأَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ قال: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُمَيْعٍ قَالَ: حَدَّثَتْنِي جَدَّتِي عَنْ أُمِّ وَرَقَةَ بِنْتِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ - وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَزُورُهَا وَيُسَمِّيهَا الشَّهِيدَةَ وَكَانَتْ قَدْ جَمَعَتِ الْقُرْآنَ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ غَزَا بَدْرًا قَالَتْ لَهُ: أَتَأْذَنُ لي فأخرج معك أداوي جَرْحَاكُمْ وَأُمَرِّضَ مَرْضَاكُمْ لَعَلَّ اللَّهَ يُهْدِي لِي شَهَادَةً؟ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ مُهْدٍ لَكِ شَهَادَةً. وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَمَرَهَا أَنْ تَؤُمَّ أَهْلَ دَارِهَا وَكَانَ لَهَا مُؤَذِّنٌ فَغَمَّهَا غُلَامٌ لَهَا وَجَارِيَةٌ كَانَتْ دَبَّرَتْهُمَا فَقَتَلَاهَا فِي إِمَارَةِ عُمَرَ فَقَالَ عُمَرُ: صَدَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ: انْطَلِقُوا بنا نزور الشهيدة.(1/250)
فصل
في المشتهرين بالإقراء
الْمُشْتَهِرُونَ بِإِقْرَاءِ الْقُرْآنِ مِنَ الصَّحَابَةِ سَبْعَةٌ: عُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَأُبَيٌّ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَأَبُو الدَّرْدَاءِ وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ كَذَا ذَكَرَهُمُ الذَّهَبِيُّ فِي طَبَقَاتِ الْقُرَّاءِ. قَالَ: وَقَدْ قَرَأَ عَلَى أُبَيٍّ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ مِنْهُمْ أَبُو هُرَيْرَةَ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ السَّائِبِ وَأَخَذَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ زَيْدٍ أَيْضًا وَأَخَذَ عَنْهُمْ خَلْقٌ مِنَ التَّابِعَيْنَ.
فَمِمَّنْ كَانَ بِالْمَدِينَةِ: ابْنُ الْمُسَيَّبِ وَعُرْوَةُ وَسَالِمٌ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَسُلَيْمَانُ وعطاء ابنا يَسَارٍ وَمُعَاذُ بْنُ الْحَارِثِ الْمَعْرُوفُ بِمُعَاذٍ الْقَارِئِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ هُرْمُزٍ الْأَعْرَجُ وَابْنُ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ وَمُسْلِمُ بْنُ جُنْدُبٍ وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ.
وَبِمَكَّةَ: عَبِيدُ بْنُ عُمَيْرٍ وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ وَطَاوُسٌ وَمُجَاهِدٌ وَعِكْرِمَةُ وَابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ.
وَبِالْكُوفَةِ: عَلْقَمَةُ وَالْأُسْوَدُ وَمَسْرُوقٌ وَعُبَيْدَةُ وَعَمْرُو بْنُ شُرَحْبِيلَ وَالْحَارِثُ بْنُ قَيْسٍ وَالرَّبِيعُ بْنُ خُثَيْمٍ وَعَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ وَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ وَزِرُّ بْنُ حُبَيْشٍ وَعَبِيدُ بْنُ نُضَيْلَةَ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَالنَّخَعِيُّ وِالشَّعْبِيُّ.
وَبِالْبَصْرَةِ: أَبُو الْعَالِيَةِ وَأَبُو رَجَاءٍ وَنَصْرُ بْنُ عَاصِمٍ وَيَحْيَى بْنُ يَعْمُرَ وَالْحَسَنُ وَابْنُ سِيرِينَ وَقَتَادَةُ.
وَبِالشَّامِ: الْمُغِيرَةُ بْنُ أَبِي شِهَابٍ الْمَخْزُومِيُّ صَاحِبُ عُثْمَانَ وَخَلِيفَةُ ابن سَعْدٍ صَاحِبُ أَبِي الدَّرْدَاءِ.(1/251)
ثُمَّ تَجَرَّدَ قَوْمٌ وَاعْتَنَوْا بِضَبْطِ الْقِرَاءَةِ أَتَمَّ عِنَايَةٍ حَتَّى صَارُوا أَئِمَّةً يُقْتَدَى بِهِمْ وَيُرْحَلُ إِلَيْهِمْ فَكَانَ بِالْمَدِينَةِ: أَبُو جَعْفَرٍ يَزِيدُ بْنُ الْقَعْقَاعِ ثُمَّ شَيْبَةُ بْنُ نِصَاحٍ ثُمَّ نَافِعُ بْنُ أَبِي نُعَيْمٍ.
وَبِمَكَّةَ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَثِيرٍ وَحُمَيْدُ بْنُ قَيْسٍ الْأَعْرَجُ وَمُحَمَّدُ بْنُ مُحَيْصِنٍ وَبِالْكُوفَةِ يَحْيَى بْنُ وَثَّابٍ وَعَاصِمُ بْنُ أَبِي النَّجُودِ وَسُلَيْمَانُ الْأَعْمَشُ ثُمَّ حَمْزَةُ ثُمَّ الْكِسَائِيُّ.
وَبِالْبَصْرَةِ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ وَعِيسَى بْنُ عُمَرَ وَأَبُو عمر بْنُ الْعَلَاءِ وَعَاصِمُ الْجَحْدَرَيُّ ثُمَّ يَعْقُوبُ الْحَضْرَمِيُّ.
وَبِالشَّامِ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرٍ وَعَطِيَّةُ بْنُ قَيْسٍ الْكِلَابِيُّ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُهَاجِرِ ثُمَّ يَحْيَى بْنُ الْحَارِثِ الذِّمَارِيُّ ثُمَّ شُرَيْحُ بْنُ يَزِيدَ الْحَضْرَمِيُّ.
وَاشْتُهِرَ مِنْ هَؤُلَاءِ فِي الْآفَاقِ الْأَئِمَّةُ السَبْعَةُ:
نَافِعٌ وَقَدْ أَخَذَ عَنْ سَبْعِينَ مِنَ التَّابِعِينَ مِنْهُمْ أَبُو جَعْفَرٍ.
وَابْنُ كَثِيرٍ وَأَخَذَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ الصَّحَابِيِّ.
وَأَبُو عَمْرٍو وَأَخَذَ عَنِ التَّابِعِينَ.
وَابْنُ عَامِرٍ وَأَخَذَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ وَأَصْحَابِ عُثْمَانَ.
وَعَاصِمٌ وَأَخَذَ عَنِ التَّابِعِينَ.
وَحَمْزَةُ وَأَخَذَ عَنْ عَاصِمٍ وَالْأَعْمَشِ وَالسَّبِيعِيِّ وَمَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ وَغَيْرِهِ. وَالْكِسَائِيُّ وَأَخَذَ عَنْ حَمْزَةَ وَأَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ.
ثُمَّ انْتَشَرَتِ الْقِرَاءَاتُ فِي الْأَقْطَارِ وَتَفَرَّقُوا أُمَمًا بَعْدَ أُمَمٍ وَاشْتُهِرَ مِنْ رُوَاةِ كُلِّ طَرِيقٍ مِنْ طُرُقِ السَّبْعَةِ رَاوِيَانِ:(1/252)
فَعَنْ نَافِعٍ: قَالُونُ وَوَرْشٌ عَنْهُ.
وَعَنِ ابْنِ كَثِيرٍ: قُنْبُلٌ وَالْبَزِّيُّ عَنْ أَصْحَابِهِ عَنْهُ.
وَعَنْ أَبِي عَمْرٍو: الدُّورِيُّ وَالسُّوسِيُّ عَنِ الْيَزِيدِيِّ عَنْهُ.
وَعَنِ ابْنِ عَامِرٍ: هِشَامٌ وَابْنُ ذَكْوَانَ عَنْ أَصْحَابِهِ عَنْهُ.
وَعَنْ عَاصِمٍ: أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ وَحَفْصٌ عَنْهُ.
وَعَنْ حَمْزَةَ: خَلَفٌ وَخَلَّادٌ عَنْ سُلَيْمٍ عَنْهُ.
وعن الكسائي: الدوري وأبو الْحَارِثِ.
ثُمَّ لَمَّا اتَّسَعَ الْخَرْقُ وَكَادَ الْبَاطِلُ يَلْتَبِسُ بِالْحَقِّ قَامَ جَهَابِذَةُ الْأُمَّةِ وَبَالَغُوا فِي الِاجْتِهَادِ وَجَمَعُوا الْحُرُوفَ وَالْقِرَاءَاتِ وَعَزَوُا الْوُجُوهَ وَالرِّوَايَاتِ وَمَيَّزُوا الصَّحِيحَ وَالْمَشْهُورَ وَالشَّاذَّ بِأُصُولٍ أَصَّلُوهَا وَأَرْكَانٍ فَصَّلُوهَا.
فَأَوَّلُ مَنْ صَنَّفَ فِي الْقِرَاءَاتِ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ ثُمَّ أَحْمَدُ بْنُ جُبَيْرٍ الْكُوفِيُّ ثُمَّ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْمَالِكِيُّ صَاحِبُ قَالُونَ ثُمَّ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ ثُمَّ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ الداجواني ثُمَّ أَبُو بَكْرِ بْنُ مُجَاهِدٍ ثُمَّ قَامَ النَّاسُ فِي عَصْرِهِ وَبَعْدَهِ بِالتَّأْلِيفِ فِي أَنْوَاعِهَا جَامِعًا وَمُفْرَدًا وَمُوجَزًا وَمُسْهَبًا وَأَئِمَّةُ الْقِرَاءَاتِ لَا تُحْصَى.
وَقَدْ صَنَّفَ طَبَقَاتِهِمْ حَافِظُ الْإِسْلَامِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الذهبي ثم حافظ القراءات أبو الخير ابن الْجَزَرِيِّ.(1/253)
النَّوْعُ الْحَادِي وَالْعِشْرُونَ: فِي مَعْرِفَةِ الْعَالِي وَالنَّازِلِ مِنْ أَسَانِيدِهِ
اعْلَمْ أَنَّ طَلَبَ عُلُوِّ الْإِسْنَادِ سُنَّةٌ فَإِنَّهُ قُرْبٌ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَقَدْ قَسَّمَهُ أَهْلُ الْحَدِيثِ إِلَى خَمْسَةِ أَقْسَامٍ وَرَأَيْتُهَا تَأْتِي هُنَا:
الْأَوَّلُ: الْقُرْبُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حَيْثُ الْعَدَدِ بِإِسْنَادٍ نَظِيفٍ غَيْرِ ضَعِيفٍ وَهُوَ أَفْضَلُ أَنْوَاعِ الْعُلُوِّ وَأَجَلُّهَا وَأَعْلَى مَا يَقَعُ لِلشُّيُوخِ فِي هَذَا الزَّمَانِ إِسْنَادٌ رِجَالُهُ أَرْبَعَةَ عَشْرَ رَجُلًا وَإِنَّمَا يَقَعُ ذَلِكَ مِنْ قِرَاءَةِ ابْنِ عَامِرٍ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ ذَكْوَانَ ثُمَّ خَمْسَةَ عَشَرَ وَإِنَّمَا يَقَعُ ذَلِكَ مِنْ قِرَاءَةِ عَاصِمٍ مِنْ رِوَايَةِ حَفْصٍ وَقِرَاءَةِ يَعْقُوبَ مِنْ رِوَايَةِ رُوَيْسٍ.
الثَّانِي: مِنْ أَقْسَامِ الْعُلُوِّ عِنْدَ الْمُحَدِّثِينَ الْقُرْبُ إِلَى إِمَامٍ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ كَالْأَعْمَشِ وَهُشَيْمٍ وابن جريح وَالْأَوْزَاعِيِّ وَمَالِكٍ وَنَظِيرُهُ هُنَا الْقُرْبُ إِلَى إِمَامٍ من الأئمة السَّبْعَةِ فَأَعْلَى مَا يَقَعُ الْيَوْمَ لِلشُّيُوخِ بِالْإِسْنَادِ الْمُتَّصِلِ بِالتِّلَاوَةِ إِلَى نَافِعٍ اثْنَا عَشَرَ وَإِلَى عَامِرٍ اثْنَا عَشَرَ.
الثَّالِثُ: عِنْدَ الْمُحَدِّثِينَ الْعُلُوُّ بِالنِّسْبَةِ إِلَى رِوَايَةِ أَحَدِ الْكُتُبِ السِّتَّةِ بِأَنْ يَرْوِي حَدِيثًا لَوْ رَوَاهُ مِنْ طَرِيقِ كِتَابٍ مِنَ السِّتَّةِ وَقَعَ أَنْزَلَ مِمَّا لَوْ رَوَاهُ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِهَا وَنَظِيرُهُ هُنَا الْعُلُوُّ بِالنِّسْبَةِ إِلَى بَعْضِ الْكُتُبِ الْمَشْهُورَةِ فِي الْقِرَاءَاتِ كَالتَّيْسِيرِ وَالشَّاطِبِيَّةِ وَيَقَعُ فِي هَذَا النَّوْعِ الْمُوَافَقَاتُ وَالْإِبْدَالُ وَالْمُسَاوَاةُ وَالْمُصَافَحَاتُ.(1/254)
فَالْمُوَافَقَةُ: أَنْ تَجْتَمِعَ طَرِيقُهُ مَعَ أَحَدِ أَصْحَابِ الْكُتُبِ فِي شَيْخِهِ وقد يَكُونُ مَعَ عُلُوٍّ عَلَى مَا لَوْ رَوَاهُ مِنْ طَرِيقِهِ وَقَدْ لَا يَكُونُ مِثَالُهُ فِي هَذَا الْفَنِّ قِرَاءَةُ ابْنِ كَثِيرٍ رِوَايَةَ الْبَزِّيِّ طَرِيقِ ابْنِ بَنَّانٍ عَنْ أَبِي رَبِيعَةَ عَنْهُ يَرْوِيهَا ابْنُ الْجَزَرِيِّ مِنْ كِتَابِ الْمِفْتَاحِ لِأَبِي منصور مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ خَيْرُونَ وَمِنْ كِتَابِ الْمِصْبَاحِ لِأَبِي الكرم الشهر زوري وَقَرَأَ بِهَا كُلٌّ مِنَ الْمَذْكُورِينَ عَلَى عَبْدِ السَّيِّدِ بْنِ عَتَّابٍ فَرِوَايَتُهُ لَهَا مِنْ أَحَدِ الطَّرِيقَيْنِ تُسَمَّى مُوَافَقَةٌ لِلْآخَرِ بِاصْطِلَاحِ أَهْلِ الْحَدِيثِ.
وَالْبَدَلُ: أَنْ يَجْتَمِعَ مَعَهُ في شَيْخُ شَيْخِهِ فَصَاعِدًا وَقَدْ يَكُونُ أَيْضًا بِعُلُوٍّ وَقَدْ لَا يَكُونُ مِثَالُهُ هُنَا قِرَاءَةُ أَبِي عَمْرٍو رِوَايَةَ الدُّورِيِّ طَرِيقِ ابْنِ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِي الزَّعْرَاءِ عَنْهُ رَوَاهَا ابْنُ الْجَزَرِيِّ مِنْ كِتَابِ التَّيْسِيرِ قَرَأَ بِهَا الدَّانِيُّ عَلَى أَبِي الْقَاسِمِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ جَعْفَرٍ الْبَغْدَادِيِّ وَقَرَأَ أبو القاسم بِهَا عَلَى أَبِي طَاهِرٍ عَنِ ابْنِ مُجَاهِدٍ وَمِنْ الْمِصْبَاحِ قَرَأَ بِهَا أَبُو الْكَرَمِ عَلَى أَبِي الْقَاسِمِ يَحْيَى بْنِ أَحْمَدَ السَّبْتِيِّ وَقَرَأَ بها يحيى عَلَى أَبِي الْحَسَنِ الْحَمَّامِيِّ وَقَرَأَ أبو الحسن عَلَى أَبِي طَاهِرٍ فَرِوَايَتُهُ لَهَا مِنْ طَرِيقِ الْمِصْبَاحِ تُسَمَّى بَدَلًا لِلدَّانِي فِي شَيْخِ شَيْخِهِ.
وَالْمُسَاوَاةُ: أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الرَّاوِي وَالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوِ الصَّحَابِيِّ أَوْ مَنْ دُونَهُ إِلَى شَيْخِ أَحَدِ أَصْحَابِ الْكُتُبِ كَمَا بَيْنَ أَحَدِ أَصْحَابِ الْكُتُبِ وَالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوِ الصَّحَابِيِّ أَوْ مَنْ دُونَهُ عَلَى مَا ذُكِرَ مِنَ الْعَدَدِ.
وَالْمُصَافَحَةُ: أَنْ يَكُونَ أَكْثَرَ عَدَدًا مِنْهُ بِوَاحِدٍ فَكَأَنَّهُ لَقِيَ صَاحِبَ ذَلِكَ الْكِتَابِ وَصَافَحَهُ وَأَخَذَ عَنْهُ مِثَالُهُ قِرَاءَةُ نَافِعٍ رَوَاهَا الشَّاطِبِيُّ عَنْ أَبِي عَبْدِ الله محمد ابن عَلِيٍّ النِّفَّرِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ غُلَامِ الْفُرْسِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ نَجَاحٍ وَغَيْرِهِ عَنْ أَبِي عَمْرٍو الدَّانِيِّ عَنْ أَبِي الْفَتْحِ فَارِسِ بْنِ أَحْمَدَ،(1/255)
عَنْ عَبْدِ الْبَاقِي بْنِ الْحَسَنِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بن عمر المقرئ عن أبي الحسين بْنِ بُويَانَ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ الْأَشْعَثِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الرَّبَعِيِّ الْمَعْرُوفِ بِأَبِي نَشِيطٍ عَنْ قَالُونَ عَنْ نَافِعٍ وَرَوَاهَا ابْنُ الْجَزَرِيِّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْخَيَّاطِ عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ الْبَغْدَادِيِّ وَغَيْرِهِ عَنِ الصَّائِغِ عَنِ الْكَمَالِ بْنِ فَارِسٍ عَنْ أَبِي الْيُمْنِ الْكِنْدِيِّ عَنْ أَبِي الْقَاسِمِ هِبَةِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ الْحَرِيرِيِّ عَنْ الْفَرَضِيِّ عَنِ ابْنِ بُويَانَ. فَهَذِهِ مُسَاوَاةٌ لِابْنِ الْجَزَرِيِّ لِأَنَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ابْنِ بُويَانَ سَبْعَةٌ وَهُوَ الْعَدَدُ الَّذِي بَيْنَ الشَّاطِبِيِّ وَبَيْنَهُ وَهِيَ لِمَنْ أَخَذَ عَنِ ابْنِ الْجَزَرِيِّ مُصَافَحَةً لِلشَّاطِبِيِّ.
وَمِمَّا يُشْبِهُ هَذَا التَّقْسِيمَ الَّذِي لِأَهْلِ الْحَدِيثِ تَقْسِيمُ الْقُرَّاءِ أَحْوَالَ الْإِسْنَادِ إِلَى قِرَاءَةٍ وَرِوَايَةٍ وَطَرِيقٍ وَوَجْهٍ فَالْخِلَافُ إِنْ كَانَ لِأَحَدِ الْأَئِمَّةِ السبعة أو العشرة أَوْ نَحْوِهِمْ وَاتَّفَقَتْ عَلَيْهِ الرِّوَايَاتُ وَالطُّرُقُ عَنْهُ فَهُوَ قِرَاءَةٌ وَإِنْ كَانَ لِلرَّاوِي عَنْهُ فَرِوَايَةٌ أَوْ لمن بعده فنازلا فطريق أولا عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ مِمَّا هُوَ رَاجِعٌ إِلَى تَخْيِيرِ الْقَارِئِ فِيهِ فَوَجْهٌ.
الرَّابِعُ: مِنْ أَقْسَامِ الْعُلُوِّ تَقَدُّمُ وَفَاةِ الشَّيْخِ عَنْ قَرِينِهِ الَّذِي أَخَذَ عَنْ شَيْخِهِ فَالْأَخْذُ مَثَلًا عَنِ التَّاجِ بْنِ مَكْتُومٍ أَعْلَى مِنَ الْأَخْذِ عَنْ أَبِي الْمَعَالِي بْنِ اللَّبَّانِ وَعَنِ ابْنِ اللَّبَّانِ أَعْلَى مِنَ الْبُرْهَانِ الشَّامِيِّ وَإِنِ اشْتَرَكُوا فِي الْأَخْذِ عَنْ أَبِي حَيَّانَ لِتَقَدُّمِ وَفَاةِ الْأَوَّلِ عَلَى الثَّانِي وَالثَّانِي عَلَى الثَّالِثِ.
الخامس: الْعُلُوُّ بِمَوْتِ الشَّيْخِ لَا مَعَ الْتِفَاتٍ لِأَمْرٍ آخَرَ أَوْ شَيْخٍ آخَرَ مَتَى يَكُونُ قَالَ بَعْضُ الْمُحَدِّثِينَ يُوصَفُ الْإِسْنَادُ بِالْعُلُوِّ إِذَا مَضَى عَلَيْهِ مِنْ مَوْتِ(1/256)
الشَّيْخِ خَمْسُونَ سَنَةً. وَقَالَ ابْنُ مَنْدَهْ: ثَلَاثُونَ فَعَلَى هَذَا الْأَخْذُ عَنْ أَصْحَابِ ابْنِ الْجَزَرِيِّ عَالٍ مِنْ سَنَةِ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ وَثَمَانِمِائَةٍ لِأَنَّ ابْنَ الْجَزَرِيِّ آخِرُ مَنْ كَانَ سَنَدُهُ عَالِيًا وَمَضَى عَلَيْهِ حِينَئِذٍ مِنْ مَوْتِهِ ثَلَاثُونَ سَنَةً.
فَهَذَا مَا حَرَّرْتُهُ مِنْ قَوَاعِدِ الْحَدِيثِ وَخَرَّجْتُ عَلَيْهِ قَوَاعِدُ الْقِرَاءَاتِ وَلَمْ أُسْبَقْ إِلَيْهِ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ.
وَإِذَا عَرَفْتَ الْعُلُوَّ بِأَقْسَامِهِ عَرَفْتَ النُّزُولَ فَإِنَّهُ ضِدُّهُ وَحَيْثُ ذُمَّ النُّزُولُ فَهُوَ مَا لَمْ ينجبر بكون رجاله أعلم وأحفظ وأتقن أَوْ أَجَلُّ أَوْ أَشْهَرُ أَوْ أَوْرَعُ أَمَّا إِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَيْسَ بِمَذْمُومٍ وَلَا مَفْضُولٍ.(1/257)
النَّوْعُ الثَّانِي وَالثَّالِثِ وَالرَّابِعِ وَالْخَامِسِ وَالسَّادِسِ وَالسَّابِعِ وَالْعِشْرُونَ: مَعْرِفَةُ الْمُتَوَاتِرِ وَالْمَشْهُورِ وَالْآحَادِ وَالشَّاذِّ وَالْمَوْضُوعِ وَالْمُدْرَجِ
اعْلَمْ أَنَّ الْقَاضِيَ جَلَالَ الدِّينِ الْبَلْقِينِيَّ قَالَ: الْقِرَاءَةُ تَنْقَسِمُ إِلَى مُتَوَاتِرٍ وَآحَادٍ وَشَاذٍّ فَالْمُتَوَاتِرُ الْقِرَاءَاتُ السَّبْعَةُ الْمَشْهُورَةُ وَالْآحَادُ قِرَاءَاتُ الثَّلَاثَةِ الَّتِي هِيَ تَمَامُ الْعَشْرِ وَيَلْحَقُ بِهَا قِرَاءَةُ الصَّحَابَةِ وَالشَّاذُّ قِرَاءَاتُ التَّابِعِينَ كَالْأَعْمَشِ وَيَحْيَى بْنِ وَثَّابٍ وَابْنِ جُبَيْرٍ وَنَحْوِهِمْ.
وَهَذَا الْكَلَامُ فِيهِ نَظَرٌ يُعْرَفُ مِمَّا سَنَذْكُرُهُ وَأَحْسَنُ مَنْ تَكَلَّمَ فِي هَذَا النَّوْعِ إِمَامُ الْقُرَّاءِ فِي زَمَانِهِ شَيْخُ شُيُوخِنَا أَبُو الْخَيْرِ بْنُ الْجَزَرِيِّ قَالَ فِي أَوَّلِ كِتَابِهِ النَّشْرِ: كُلُّ قِرَاءَةٍ وَافَقَتِ الْعَرَبِيَّةَ وَلَوْ بِوَجْهٍ وَوَافَقَتْ أَحَدَ الْمَصَاحِفِ الْعُثْمَانِيَّةِ وَلَوِ احْتِمَالًا وَصَحَّ سَنَدُهَا فَهِيَ الْقِرَاءَةُ الصَّحِيحَةُ الَّتِي لَا يَجُوزُ رَدُّهَا وَلَا يَحِلُّ إِنْكَارُهَا بَلْ هِيَ مِنَ الْأَحْرُفِ السَّبْعَةِ الَّتِي نَزَلَ بِهَا الْقُرْآنُ وَوَجَبَ عَلَى النَّاسِ قَبُولُهَا سَوَاءً كَانَتْ عَنِ الْأَئِمَّةِ السَّبْعَةِ أَمْ عَنِ الْعَشْرَةِ أَمْ عَنْ غَيْرِهِمْ مِنَ الْأَئِمَّةِ الْمَقْبُولِينَ وَمَتَى اخْتَلَّ رُكْنٌ مِنْ هَذِهِ الْأَرْكَانِ الثَّلَاثَةِ أُطْلِقَ عَلَيْهَا ضَعِيفَةٌ أَوْ شَاذَّةٌ أَوْ بَاطِلَةٌ سَوَاءٌ كَانَتْ عَنِ السَّبْعَةِ أو عَمَّنْ هُوَ أَكْبَرُ مِنْهُمْ.
هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ أَئِمَّةِ التَّحْقِيقِ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ صَرَّحَ بِذَلِكَ الدَّانِيُّ وَمَكِّيٌّ وَالْمَهْدَوِيُّ وَأَبُو شَامَةَ وَهُوَ مَذْهَبُ السَّلَفِ الَّذِي لَا يُعْرَفُ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ خِلَافُهُ.
قَالَ أَبُو شَامَةَ فِي الْمُرْشِدِ الْوَجِيزِ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُغْتَرَّ بِكُلِّ قِرَاءَةٍ تُعْزَى(1/258)
إِلَى أَحَدِ السَّبْعَةِ وَيُطْلَقُ عَلَيْهَا لَفْظُ الصِّحَّةِ وَأَنَّهَا أُنْزِلَتْ هَكَذَا إِلَّا إِذَا دَخَلَتْ فِي ذَلِكَ الضَّابِطِ وَحِينَئِذٍ لَا يَنْفَرِدُ بِنَقْلِهَا مُصَنِّفٌ عَنْ غَيْرِهِ وَلَا يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِنَقْلِهَا عَنْهُمْ بَلْ إِنْ نُقِلَتْ عَنْ غَيْرِهِمْ مِنَ الْقُرَّاءِ فذلك لايخرجها عَنِ الصِّحَّةِ فَإِنَّ الِاعْتِمَادَ عَلَى اسْتِجْمَاعِ تِلْكَ الْأَوْصَافِ لَا عَلَى مَنْ تُنْسَبُ إِلَيْهِ فَإِنَّ الْقِرَاءَةَ الْمَنْسُوبَةَ إِلَى كُلِّ قَارِئٍ مِنَ السَّبْعَةِ وَغَيْرِهِمْ مُنْقَسِمَةٌ إِلَى الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ وَالشَّاذِّ غَيْرَ أَنَّ هَؤُلَاءِ السَّبْعَةَ لِشُهْرَتِهِمْ وَكَثْرَةِ الصَّحِيحِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ فِي قِرَاءَتِهِمْ تَرْكَنُ النَّفْسُ إِلَى مَا نُقِلَ عَنْهُمْ فَوْقَ مَا يُنْقَلُ عَنْ غَيْرِهِمْ.
ثُمَّ قَالَ ابْنُ الْجَزَرِيِّ: فَقَوْلُنَا فِي الضَّابِطِ: "وَلَوْ بِوَجْهٍ " نُرِيدُ بِهِ وَجْهًا مِنْ وُجُوهِ النَّحْوِ سَوَاءٌ كَانَ أَفْصَحَ أَمْ فَصِيحًا مُجْمَعًا عَلَيْهِ أَمْ مُخْتَلَفًا فِيهِ اخْتِلَافًا لَا يَضُرُّ مِثْلُهُ إِذَا كَانَتِ القراءة مِمَّا شَاعَ وَذَاعَ وَتَلَقَّاهُ الْأَئِمَّةُ بِالْإِسْنَادِ الصَّحِيحِ إِذْ هُوَ الْأَصْلُ الْأَعْظَمُ وَالرُّكْنُ الْأَقْوَمُ. وَكَمْ مِنْ قِرَاءَةٍ أَنْكَرَهَا بَعْضُ أَهْلِ النَّحْوِ أَوْ كَثِيرٌ مِنْهُمْ وَلَمْ يُعْتَبَرْ إِنْكَارُهُمْ كَإِسْكَانِ: {بَارِئْكُمْ} و: {يَأْمُرْكُمْ} وخفض: {وَالأَرْحَامِ} ونصب {لِيُجْزَى قَوْماً} وَالْفَصْلِ بَيْنَ الْمُضَافَيْنِ فِي: {قَتْل أَوْلادِهِمْ شُرَكَائِهِمْ} وَغَيْرِ ذَلِكَ.
قَالَ الدَّانِيُّ: وَأَئِمَّةُ الْقُرَّاءِ لَا تَعْمَلُ فِي شَيْءٍ مِنْ حُرُوفِ الْقُرْآنِ عَلَى الْأَفْشَى فِي اللُّغَةِ وَالْأَقْيَسِ فِي الْعَرَبِيَّةِ بَلْ عَلَى الْأَثْبَتِ فِي الْأَثَرِ وَالْأَصَحِّ فِي النَّقْلِ وَإِذَا ثَبَتَتِ الرِّوَايَةُ لَمْ يَرُدَّهَا قِيَاسُ عَرَبِيَّةٍ وَلَا فُشُوُّ لُغَةٍ لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ سُنَّةٌ مُتَّبَعَةٌ يَلْزَمُ قَبُولُهَا وَالْمَصِيرُ إِلَيْهَا.(1/259)
قُلْتُ: أَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ فِي سُنَنِهِ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: الْقِرَاءَةُ سُنَّةٌ مُتَّبَعَةٌ. قال البيهقي: أراد اتِّبَاعَ مَنْ قَبْلَنَا فِي الْحُرُوفِ سُنَّةٌ مُتَّبَعَةٌ. لَا يَجُوزُ مُخَالَفَةُ الْمُصْحَفِ الَّذِي هُوَ إِمَامٌ وَلَا مُخَالَفَةُ الْقِرَاءَاتِ الَّتِي هِيَ مَشْهُورَةٌ. وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ سَائِغًا فِي اللُّغَةِ أَوْ أَظْهَرَ مِنْهَا.
ثُمَّ قَالَ ابْنُ الْجَزَرِيِّ: وَنَعْنِي بِمُوَافَقَةِ أَحَدِ الْمَصَاحِفِ مَا كَانَ ثَابِتًا فِي بَعْضِهَا دُونَ بَعْضٍ كقراءة ابن عامر: {قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ} في البقرة بغير واو، و: {بِالزُّبُرِ وَبِالْكِتَابِ} بِإِثْبَاتِ الْبَاءِ فِيهِمَا فَإِنَّ ذَلِكَ ثَابِتٌ فِي الْمُصْحَفِ الشَّامَيِّ وَكَقِرَاءَةِ ابْنِ كَثِيرٍ: {تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ} فِي آخِرِ بَرَاءَةٍ بِزِيَادَةِ "مِنْ" فَإِنَّهُ ثَابِتٌ فِي الْمُصْحَفِ الْمَكِّيِّ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ فِي شَيْءٍ مِنَ الْمَصَاحِفِ الْعُثْمَانِيَّةِ فَشَاذٌّ لِمُخَالَفَتِهَا الرَّسْمَ الْمُجَمَعَ عَلَيْهِ.
وَقَوْلُنَا: "وَلَوِ احْتِمَالًا "، نَعْنِي بِهِ مَا وَافَقَهُ وَلَوْ تَقْدِيرًا: كَـ {مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ} فَإِنَّهُ كُتِبَ فِي الْجَمِيعِ بِلَا أَلِفٍ فَقِرَاءَةُ الْحَذْفِ تَوَافِقُهُ تَحْقِيقًا وَقِرَاءَةُ الْأَلِفِ تَوَافِقُهُ تَقْدِيرًا لِحَذْفِهَا فِي الْخَطِّ اخْتِصَارًا كَمَا كُتِبَ: {مَلِكَ الْمُلْكِ} .
وَقَدْ يُوَافِقُ اخْتِلَافُ الْقِرَاءَاتِ الرَّسْمَ تَحْقِيقًا، نَحْوُ " تَعْلَمُونَ " بِالتَّاءِ وَالْيَاءِ و" يغفر لَكُمْ " بِالْيَاءِ وَالنُّونِ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا يَدُلُّ تَجَرُّدُهُ عَنِ النَّقْطِ وَالشَّكْلِ فِي حَذْفِهِ وَإِثْبَاتِهِ عَلَى فَضْلٍ عَظِيمٍ لِلصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فِي عِلْمِ الْهِجَاءِ خَاصَّةً وَفَهْمٍ ثَاقِبٍ فِي تَحْقِيقِ كُلِّ عِلْمٍ. وَانْظُرْ كَيْفَ كَتَبُوا " الصِّرَاطَ " بِالصَّادِّ الْمُبْدَلَةِ مِنَ السِّينِ وَعَدَلُوا عَنِ السِّينِ الَّتِي هِيَ الْأَصْلُ لِتَكُونَ قِرَاءَةُ(1/260)
السِّينِ - وَإِنْ خَالَفَتِ الرَّسْمَ مِنْ وَجْهٍ - قَدْ أَتَتْ عَلَى الْأَصْلِ فَيَعْتَدِلَانِ وَتَكُونُ قِرَاءَةُ الْإِشْمَامِ مُحْتَمِلَةٌ وَلَوْ كُتِبَ ذَلِكَ بِالسِّينِ عَلَى الْأَصْلِ لَفَاتَ ذَلِكَ.
وَعُدَّتْ قِرَاءَةُ غَيْرِ السِّينِ مُخَالِفَةً لِلرَّسْمِ وَالْأَصْلِ وَلِذَلِكَ اخْتُلِفَ فِي: {بَصْْطَةً} الْأَعْرَافِ دون: {بَسْطَةً} الْبَقَرَةِ لِكَوْنِ حَرْفِ الْبَقَرَةِ كُتِبَ بِالسِّينِ وَالْأَعْرَافِ بِالصَّادِ عَلَى أَنَّ مُخَالِفَ صَرِيحِ الرَّسْمِ فِي حَرْفٍ مُدْغَمٍ أَوْ مُبْدَلٍ أَوْ ثَابِتٍ أَوْ مَحْذُوفٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ لَا يُعَدُّ مُخَالِفًا إِذَا ثَبَتَتِ الْقِرَاءَةُ بِهِ وَوَرَدَتْ مَشْهُورَةً مُسْتَفَاضَةً وَلِذَا لَمْ يَعُدُّوا إِثْبَاتَ يَاءِ الزَّوَائِدِ وَحَذْفَ يَاءِ: {فَلا تَسْأَلْنِي} في الكهف وواو: {وَأَكُونَ مِنَ الصَّالِحِينَ} والظاء من: {بِضَنِينٍ} وَنَحْوَهُ مِنْ مُخَالَفَةِ الرَّسْمِ الْمَرْدُودَةِ فَإِنَّ الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ مُغْتَفَرٌ إِذْ هُوَ قَرِيبٌ يَرْجِعُ إِلَى مَعْنًى وَاحِدٍ وَتُمَشِّيهِ صِحَّةُ الْقِرَاءَةِ وَشُهْرَتُهَا وَتَلَقِّيهَا بِالْقَبُولِ بِخِلَافِ زِيَادَةِ كَلِمَةٍ وَنُقْصَانِهَا وَتَقْدِيمِهَا وَتَأْخِيرِهَا حَتَّى وَلَوْ كَانَتْ حَرْفًا وَاحِدًا مِنْ حُرُوفِ الْمَعَانِي فَإِنَّ حُكْمَهُ فِي حُكْمِ الْكَلِمَةِ لا تسوغ مُخَالَفَةُ الرَّسْمِ فِيهِ وَهَذَا هُوَ الْحَدُّ الْفَاصِلُ فِي حَقِيقَةِ اتِّبَاعِ الرَّسْمِ وَمُخَالَفَتِهِ.
قَالَ: وَقَوْلُنَا: "وَصَحَّ مسندها " نَعْنِي بِهِ أَنْ يَرْوِيَ تِلْكَ الْقِرَاءَةَ الْعَدْلُ الضَّابِطُ عَنْ مِثْلِهِ وَهَكَذَا حَتَّى يَنْتَهِيَ وَتَكُونُ مَعَ ذَلِكَ مَشْهُورَةً عِنْدَ أَئِمَّةِ هَذَا الشَّأْنِ غَيْرَ مَعْدُودَةٍ عِنْدَهُمْ مِنَ الْغَلَطِ أَوْ مِمَّا شَذَّ بِهَا بَعْضُهُمْ.
قَالَ: وَقَدْ شَرَطَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ التَّوَاتُرَ فِي هَذَا الرُّكْنِ وَلَمْ يَكْتَفِ بِصِحَّةِ السَّنَدِ وَزَعَمَ أَنَّ الْقُرْآنَ لَا يَثْبُتُ إِلَّا بِالتَّوَاتُرِ وَأَنَّ مَا جَاءَ مَجِيءَ الْآحَادِ لَا يَثْبُتُ بِهِ قُرْآنٌ.(1/261)
قَالَ: وَهَذَا مِمَّا لَا يَخْفَى مَا فِيهِ: فَإِنَّ التَّوَاتُرَ إِذَا ثَبَتَ لَا يُحْتَاجُ فِيهِ إِلَى الرُّكْنَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ مِنَ الرَّسْمِ وَغَيْرِهِ إِذْ مَا ثَبَتَ مِنْ أَحْرُفِ الْخِلَافِ مُتَوَاتِرًا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَبَ قَبُولُهُ وَقُطِعَ بِكَوْنِهِ قُرْآنًا سَوَاءٌ وَافَقَ الرَّسْمَ أَمْ لَا وَإِذَا شَرَطْنَا التَّوَاتُرَ فِي كُلِّ حَرْفٍ مِنْ حُرُوفِ الْخِلَافِ انْتَفَى كَثِيرٌ مِنْ أَحْرُفِ الْخِلَافِ الثَّابِتِ عَنِ السَّبْعَةِ. وَقَدْ قَالَ أَبُو شَامَةَ: شَاعَ عَلَى أَلْسِنَةِ جَمَاعَةٍ مِنَ الْمُقْرِئِينَ الْمُتَأَخِّرِينَ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْمُقَلِّدِينَ أَنَّ السَّبْعَ كُلَّهَا مُتَوَاتِرَةٌ أَيْ كُلُّ فَرْدٍ فِيمَا رُوِيَ عَنْهُمْ.
قَالُوا: وَالْقَطْعُ بِأَنَّهَا مُنَزَّلَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاجِبٌ وَنَحْنُ بِهَذَا نَقُولُ وَلَكِنْ فِيمَا اجْتَمَعَتْ عَلَى نَقْلِهِ عَنْهُمُ الطُّرُقُ وَاتَّفَقَتْ عَلَيْهِ الْفِرَقُ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ لَهُ فَلَا أَقَلَّ مِنِ اشْتِرَاطِ ذَلِكَ إِذَا لَمْ يَتَّفِقِ التَّوَاتُرُ فِي بَعْضِهَا.
وَقَالَ الْجَعْبَرِيُّ: الشَّرْطُ وَاحِدٌ وَهُوَ صِحَّةُ النَّقْلِ وَيَلْزَمُ الْآخَرَانِ فَمَنْ أَحْكَمَ مَعْرِفَةَ حَالِ النَّقَلَةِ وَأَمْعَنَ فِي العربية وأتقن الرسم انحلت لَهُ هَذِهِ الشُّبْهَةُ.
وَقَالَ مَكِّيٌّ: مَا رُوِيَ فِي الْقُرْآنِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:
قِسْمٌ يُقْرَأُ بِهِ وَيَكْفُرُ جَاحِدُهُ وَهُوَ مَا نَقَلَهُ الثِّقَاتُ وَوَافَقَ الْعَرَبِيَّةَ وَخَطَّ الْمُصْحَفِ.
وَقِسْمٌ صَحَّ نَقْلُهُ عَنِ الْآحَادِ وَصَحَّ فِي الْعَرَبِيَّةِ وَخَالَفَ لَفْظُهُ الْخَطَّ فَيُقْبَلُ وَلَا يُقْرَأُ بِهِ لِأَمْرَيْنِ: مُخَالَفَتِهِ لِمَا أُجْمِعَ عَلَيْهِ وَأَنَّهُ لَمْ يُؤْخَذْ بِإِجْمَاعٍ بَلْ بِخَبَرِ الْآحَادِ وَلَا يَثْبُتُ بِهِ قُرْآنٌ وَلَا يَكْفُرُ جَاحِدُهُ وَلَبِئْسَ مَا صَنَعَ إِذْ جَحَدَهُ!(1/262)
وقسم نَقَلَهُ ثِقَةٌ وَلَا وَجْهَ لَهُ فِي الْعَرَبِيَّةِ أَوْ نَقَلَهُ غَيْرُ ثِقَةٍ فَلَا يُقْبَلُ وَإِنْ وَافَقَ الْخَطَّ.
وَقَالَ ابْنُ الْجَزَرِيِّ: مِثَالُ الْأَوَّلِ كَثِيرٌ كَـ" مَالِكِ " وَ " مَلِكَ " وَ " يَخْدَعُونَ " وَ " يُخَادِعُونَ " وَمِثَالُ الثَّانِي قِرَاءَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ وَغَيْرِهِ " وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى " وَقِرَاءَةُ ابْنِ عَبَّاسٍ: وَكَانَ أَمَامَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ صَالِحَةٍ "وَنَحْوَ ذَلِكَ. قَالَ: وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْقِرَاءَةِ بِذَلِكَ وَالْأَكْثَرُ عَلَى الْمَنْعِ لِأَنَّهَا لَمْ تَتَوَاتَرْ وَإِنْ ثَبَتَتْ بِالنَّقْلِ فَهِيَ مَنْسُوخَةٌ بِالْعَرْضَةِ الْأَخِيرَةِ أَوْ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ عَلَى الْمُصْحَفِ الْعُثْمَانِيِّ.
وَمِثَالُ مَا نَقَلَهُ غَيْرُ ثِقَةٍ كَثِيرٌ مِمَّا فِي كُتُبِ الشَّوَاذِّ مِمَّا غَالِبُ إِسْنَادِهِ ضَعِيفٌ وَكَالْقِرَاءَةِ الْمَنْسُوبَةِ إِلَى الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ الَّتِي جَمَعَهَا أَبُو الْفَضْلِ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْخُزَاعِيُّ وَنَقَلَهَا عَنْهُ أَبُو الْقَاسِمِ الْهُذَلِيُّ وَمِنْهَا {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءَ} بِرَفْعِ " اللَّهُ " وَنَصْبِ " الْعُلَمَاءَ " وَقَدْ كَتَبَ الدَّارَقُطْنِيُّ وَجَمَاعَةٌ بِأَنَّ هَذَا الْكِتَابَ مَوْضُوعٌ لَا أَصْلَ لَهُ.
وَمِثَالُ مَا نَقَلَهُ ثِقَةٌ وَلَا وَجْهَ لَهُ فِي الْعَرَبِيَّةِ قَلِيلٌ لَا يَكَادُ يُوجَدُ وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ مِنْهُ رِوَايَةَ خَارِجَةَ عَنْ نَافِعٍ " معائش " بالهمز.
قَالَ: وَبَقِيَ قِسْمٌ رَابِعٌ مَرْدُودٌ أَيْضًا وَهُوَ مَا وَافَقَ الْعَرَبِيَّةَ وَالرَّسْمَ وَلَمْ يُنْقَلِ الْبَتَّةَ فَهَذَا رَدُّهُ أَحَقُّ وَمَنْعُهُ أَشَدُّ وَمُرْتَكِبُهُ مُرْتَكِبٌ لِعَظِيمٍ مِنَ الْكَبَائِرِ وَقَدْ ذُكِرَ جَوَازُ ذَلِكَ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مِقْسَمٍ وَعُقِدَ لَهُ بِسَبَبِ ذَلِكَ مَجْلِسٌ وَأَجْمَعُوا عَلَى مَنْعِهِ وَمِنْ ثَمَّ امْتَنَعَتِ الْقِرَاءَةُ بِالْقِيَاسِ الْمُطْلَقِ الَّذِي لَا أَصْلَ له يُرْجَعُ إِلَيْهِ وَلَا رُكْنَ يُعْتَمَدُ فِي الْأَدَاءِ عَلَيْهِ.(1/263)
قَالَ: أَمَّا مَا لَهُ أَصْلٌ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ مِمَّا يُصَارُ إِلَى قَبُولِ الْقِيَاسِ عَلَيْهِ كَقِيَاسِ إِدْغَامِ"قال رجلان" على " قال رب " وَنَحْوِهِ مِمَّا لَا يُخَالِفُ نَصًّا وَلَا أَصْلًا وَلَا يَرُدُّ إِجْمَاعًا مَعَ أَنَّهُ قَلِيلٌ جِدًّا.
قُلْتُ: أَتْقَنَ الْإِمَامُ ابْنُ الْجَزَرِيِّ هَذَا الْفَصْلَ جِدًّا وَقَدْ تَحَرَّرَ لِي مِنْهُ أَنَّ الْقِرَاءَاتِ أَنْوَاعٌ:
الْأَوَّلُ: الْمُتَوَاتِرُ وَهُوَ مَا نَقَلَهُ جَمْعٌ لَا يُمْكِنُ تَوَاطُؤُهُمْ عَلَى الْكَذِبِ عَنْ مِثْلِهِمْ إِلَى مُنْتَهَاهُ وَغَالِبُ الْقِرَاءَاتِ كَذَلِكَ.
الثَّانِي: الْمَشْهُورُ وَهُوَ مَا صَحَّ سَنَدُهُ وَلَمْ يَبْلُغْ دَرَجَةَ التَّوَاتُرِ وَوَافَقَ الْعَرَبِيَّةَ وَالرَّسْمَ واشتهر عن القراء فلم يعده مِنَ الْغَلَطِ وَلَا مِنَ الشُّذُوذِ وَيُقْرَأُ بِهِ عَلَى مَا ذَكَرَ ابْنُ الْجَزَرِيِّ وَيُفْهِمُهُ كَلَامُ أَبِي شَامَةَ السَّابِقُ وَمِثَالُهُ مَا اخْتَلَفَتِ الطُّرُقُ فِي نَقْلِهِ عَنِ السَّبْعَةِ فَرَوَاهُ بَعْضُ الرُّوَاةِ عَنْهُمْ دُونَ بَعْضٍ وَأَمْثِلَةُ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ فِي فَرْشِ الْحُرُوفِ مِنْ كُتُبِ الْقِرَاءَاتِ كَالَّذِي قَبْلَهُ وَمِنْ أَشْهَرِ مَا صُنِّفَ فِي ذَلِكَ التَّيْسِيرُ لِلدَّانِيِّ وقصيدة الشاطبي وأوعية النَّشْرُ فِي الْقِرَاءَاتِ الْعَشْرِ وَتَقْرِيبِ النَّشْرِ كِلَاهُمَا لِابْنِ الْجَزَرِيِّ.
الثَّالِثُ: الْآحَادُ وَهُوَ مَا صَحَّ سَنَدُهُ وَخَالَفَ الرَّسْمَ أَوِ الْعَرَبِيَّةَ أَوْ لَمْ يَشْتَهِرْ الِاشْتِهَارَ الْمَذْكُورَ وَلَا يُقْرَأُ بِهِ وَقَدْ عَقَدَ التِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ وَالْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ لِذَلِكَ بَابًا أَخْرَجَا فِيهِ شَيْئًا كَثِيرًا صَحِيحَ الإسناد من ذَلِكَ مَا أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ عَاصِمٍ الْجَحْدَرَيِّ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ: "مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفَارِفَ خضر وعبقري حِسَانٍ".(1/264)
وَأَخْرَجَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أنه قَرَأَ: "فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّاتِ أَعْيُنٍ".
وَأَخْرَجَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَرَأَ: "لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفَسِكُمْ" بِفَتْحِ الْفَاءِ. وَأَخْرَجَ عَنْ عائشة أنه قَرَأَ: "فَرُوحٌ وَرَيْحَانٌ" يَعْنِي بِضَمِّ الرَّاءِ.
الرَّابِعُ: الشَّاذُّ وَهُوَ مَا لَمْ يَصِحَّ سَنَدُهُ وَفِيهِ كُتُبٌ مُؤَلَّفَةٌ مِنْ ذَلِكَ قِرَاءَةُ: "مَلَكَ يَوْمَ الدِّينِ" بِصِيغَةِ الْمَاضِي وَنَصْبِ " يَوْمَ " وَ" إِيَّاكَ يُعْبَدُ "بِبِنَائِهِ لِلْمَفْعُولِ.
الْخَامِسُ: الْمَوْضُوعُ كَقِرَاءَاتِ الْخُزَاعِيِّ.
وَظَهَرَ لِي سَادِسٌ يُشْبِهُهُ مِنْ أَنْوَاعِ الْحَدِيثِ الْمُدْرَجِ وَهُوَ مَا زِيدَ فِي الْقِرَاءَاتِ عَلَى وَجْهِ التَّفْسِيرِ كَقِرَاءَةِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ: "وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ مِنْ أُمٍّ " أَخْرَجَهَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ.
وَقِرَاءَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ: "لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فِي مَوَاسِمِ الْحَجِّ ". أَخْرَجَهَا الْبُخَارِيُّ.
وَقِرَاءَةِ ابْنِ الزُّبَيْرِ: "وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيَسْتَعِينُونَ بِاللَّهِ عَلَى مَا أصابهم " قال عمر: فَمَا أَدْرِي: أَكَانَتْ قِرَاءَتَهُ أَمْ فَسَّرَ؟ أَخْرَجَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وأخرجه ابن الأنبا ري وَجَزَمَ بِأَنَّهُ تَفْسِيرٌ.(1/265)
وَأَخْرَجَ عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ: "وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا"الْوُرُودُ الدُّخُولُ. قَالَ ابْنُ الأنبا ري: قَوْلُهُ: "الْوُرُودُ الدُّخُولُ "، تَفْسِيرٌ مِنَ الْحَسَنِ لِمَعْنَى الْوُرُودِ وَغَلِطَ فِيهِ بَعْضُ الرُّوَاةِ فَأَلْحَقَهُ بِالْقُرْآنِ.
قَالَ ابْنُ الْجَزَرِيِّ فِي آخِرِ كَلَامِهِ: وَرُبَّمَا كَانُوا يُدْخِلُونَ التَّفْسِيرَ فِي الْقِرَاءَةِ إِيضَاحًا وَبَيَانًا لِأَنَّهُمْ مُحَقِّقُونَ لِمَا تَلَقَّوْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُرْآنًا فَهُمْ آمِنُونَ مِنَ الِالْتِبَاسِ وَرُبَّمَا كَانَ بَعْضُهُمْ يَكْتُبُهُ مَعَهُ.
وَأَمَّا مَنْ يَقُولُ: إِنَّ بَعْضَ الصَّحَابَةِ كَانَ يُجِيزُ الْقِرَاءَةَ بِالْمَعْنَى فَقَدْ كَذَبَ. انْتَهَى.
وَسَأُفْرِدُ فِي هَذَا النَّوْعِ - أَعْنِي الْمُدَرَجَ - تَأْلِيفًا مُسْتَقِلًّا.
تَنْبِيهَاتٌ
الْأَوَّلُ: لَا خِلَافَ أَنَّ كُلَّ مَا هُوَ مِنَ الْقُرْآنِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُتَوَاتِرًا فِي أَصْلِهِ وَأَجْزَائِهِ وَأَمَّا فِي مَحَلِّهِ وَوَضْعِهِ وَتَرْتِيبِهِ فَكَذَلِكَ عِنْدَ مُحَقِّقِي أَهْلِ السُّنَّةِ لِلْقَطْعِ بِأَنَّ الْعَادَةَ تَقْضِي بِالتَّوَاتُرِ فِي تَفَاصِيلِ مِثْلِهِ لِأَنَّ هَذَا الْمُعْجِزَ الْعَظِيمَ الَّذِي هُوَ أَصْلُ الدِّينِ الْقَوِيمِ وَالصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ مِمَّا تَتَوَفَّرُ الدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِ جُمَلِهِ وَتَفَاصِيلِهِ فَمَا نُقِلَ آحَادًا وَلَمْ يَتَوَاتَرْ يُقْطَعُ بِأَنَّهُ لَيْسَ مِنَ الْقُرْآنِ قَطْعًا.
وَذَهَبَ كَثِيرٌ مِنَ الْأُصُولِيِّينَ إِلَى أَنَّ التَّوَاتُرَ شَرْطٌ فِي ثُبُوتِ مَا هُوَ مِنَ الْقُرْآنِ بِحَسَبِ أَصْلِهِ وَلَيْسَ بِشَرْطٍ فِي مَحَلِّهِ وَوَضْعِهِ وَتَرْتِيبِهِ بَلْ يَكْثُرُ فِيهَا نَقْلُ الْآحَادِ. قِيلَ: وَهُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ صُنْعُ الشَّافِعِيِّ فِي إِثْبَاتِ الْبَسْمَلَةِ مِنْ كُلِّ سُورَةٍ.(1/266)
وَرُدَّ هَذَا الْمَذْهَبُ بِأَنَّ الدَّلِيلَ السَّابِقَ يَقْتَضِي التَّوَاتُرَ فِي الْجَمِيعِ ولأنه ولم يُشْتَرَطْ لَجَازَ سُقُوطُ كَثِيرٍ مِنَ الْقُرْآنِ الْمُكَرَّرِ وَثُبُوتُ كَثِيرٍ مِمَّا لَيْسَ بِقُرْآنٍ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّا لَوْ لَمْ نَشْتَرِطِ التَّوَاتُرَ فِي الْمَحَلِّ جاز ألا يتواتر كثير من المتكررات الْوَاقِعَةِ فِي الْقُرْآنِ مِثْلِ: {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يَتَوَاتَرْ بَعْضُ الْقُرْآنِ بِحَسَبِ الْمَحَلِّ جَازَ إِثْبَاتُ ذَلِكَ الْبَعْضِ فِي الْمَوْضِعِ بِنَقْلِ الْآحَادِ.
وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ فِي الِانْتِصَارِ: ذَهَبَ قَوْمٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ إِلَى إِثْبَاتِ قُرْآنٍ حُكْمًا لَا عِلْمًا بِخَبَرِ الْوَاحِدِ دُونَ الِاسْتِفَاضَةِ وَكَرِهَ ذَلِكَ أَهْلُ الْحَقِّ وَامْتَنَعُوا مِنْهُ.
وَقَالَ قَوْمٌ مِنَ الْمُتَكَلِّمِينَ: إِنَّهُ يَسُوغُ إِعْمَالُ الرَّأْيِ وَالِاجْتِهَادِ فِي إِثْبَاتِ قِرَاءَةٍ وَأَوْجُهٍ وَأَحْرُفٍ إِذَا كَانَتْ تِلْكَ الْأَوْجُهُ صَوَابًا فِي الْعَرَبِيَّةِ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ بِهَا وَأَبَى ذَلِكَ أَهْلُ الحق وأنكروه وخطؤوا مَنْ قَالَ بِهِ. انْتَهَى.
وَقَدْ بَنَى الْمَالِكِيَّةُ وَغَيْرُهُمْ مِمَّنْ قَالَ بِإِنْكَارِ الْبَسْمَلَةِ قَوْلَهُمْ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ وَقَرَّرُوهُ بِأَنَّهَا لَمْ تَتَوَاتَرْ فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ وَمَا لَمْ يَتَوَاتَرْ فَلَيْسَ بِقُرْآنٍ.
وَأُجِيبُ مِنْ قِبَلِنَا بِمَنْعِ كَوْنِهَا لَمْ تَتَوَاتَرْ فَرُبَّ مُتَوَاتِرٍ عِنْدَ قَوْمٍ دُونَ آخَرِينَ وَفِي وَقْتٍ دُونَ آخَرَ وَيَكْفِي فِي تَوَاتُرِهَا إِثْبَاتُهَا فِي مَصَاحِفِ الصَّحَابَةِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ بِخَطِّ الْمُصْحَفِ مَعَ مَنْعِهِمْ أَنْ يُكْتَبَ فِي الْمُصْحَفِ مَا لَيْسَ مِنْهُ كَأَسْمَاءِ السُّوَرِ وَآمِينَ وَالْأَعْشَارِ فَلَوْ لَمْ تَكُنْ قُرْآنًا لَمَا اسْتَجَازُوا إِثْبَاتَهَا بِخَطِّهِ مِنْ غَيْرِ تَمْيِيزٍ لِأَنَّ ذَلِكَ يُحْمَلُ عَلَى اعْتِقَادِهَا فَيَكُونُونَ مُغَرِّرِينَ بِالْمُسْلِمِينَ حَامِلِينَ لَهُمْ عَلَى اعْتِقَادِ مَا لَيْسَ بِقُرْآنٍ قُرْآنًا وَهَذَا مِمَّا لَا يَجُوزُ اعْتِقَادُهُ فِي الصَّحَابَةِ.(1/267)
فَإِنْ قِيلَ: لَعَلَّهَا أُثْبِتَتْ لِلْفَصْلِ بَيْنَ السُّورِ أُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا فِيهِ تَغْرِيرٌ وَلَا يَجُوزُ ارْتِكَابُهُ لِمُجَرَّدِ الْفَصْلِ وَلَوْ كَانَتْ لَهُ لَكُتِبَتْ بَيْنَ بَرَاءَةٌ وَالْأَنْفَالِ.
وَيَدُلُّ لِكَوْنِهَا قُرْآنًا مُنَزَّلًا مَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالْحَاكِمُ وَغَيْرُهُمْ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ... الْحَدِيثِ، وَفِيهِ وَعَدَّ: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} آيَةً وَلَمْ يَعُدَّ: {عَلَيْهِمْ} .
وَأَخْرَجَ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ مِنْ طَرِيقِ سعيد ابْنُ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: اسْتَرَقَ الشَّيْطَانُ مِنَ النَّاسِ أَعْظَمَ آيَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ".
وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ وابن مروديه بِسَنَدٍ حَسَنٍ مِنْ طَرِيقِ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَغْفَلَ النَّاسُ آيَةً مِنْ كِتَابِ اللَّهِ لَمْ تَنْزِلْ عَلَى أَحَدٍ سِوَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ".
وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ عَنْ بُرَيْدَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا أَخْرُجُ مِنَ الْمَسْجِدِ حَتَّى أُخْبِرَكَ بِآيَةٍ لَمْ تَنْزِلْ عَلَى نَبِيٍّ بَعْدَ سُلَيْمَانَ غَيْرِي " ثُمَّ قَالَ: بِأَيِّ شَيْءٍ تَفْتَتِحُ الْقُرْآنَ إِذَا افْتَتَحْتَ الصَّلَاةَ؟، قُلْتُ: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} قَالَ: "هِيَ هِيَ ".
وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ وَالْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ وَالْبَزَّارُ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَعْرِفُ فَصْلَ السُّورَةِ حَتَّى تَنْزِلَ عَلَيْهِ: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} زاده الْبَزَّارُ: "فَإِذَا نَزَلَتْ عَرَفَ أَنَّ السُّورَةَ قَدْ خُتِمَتْ وَاسْتَقْبَلَتْ أَوِ ابْتُدِئَتْ سُورَةٌ أُخْرَى ".(1/268)
وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: "كَانَ الْمُسْلِمُونَ لَا يَعْلَمُونَ انْقِضَاءَ السُّورَةِ حَتَّى تَنْزِلَ: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ، فَإِذَا نَزَلَتْ عَلِمُوا أَنَّ السُّورَةَ قَدِ انْقَضَتْ" إِسْنَادُهُ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ.
وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ أَيْضًا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ سَعِيدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا جَاءَهُ جِبْرِيلُ فَقَرَأَ: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} عَلِمَ أَنَّهَا سُورَةٌ. إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ.
وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ وَغَيْرُهُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: كُنَّا لَا نَعْلَمُ فَصْلًا بَيْنَ السُّورَتَيْنِ حَتَّى تَنْزِلَ: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} .
قَالَ أَبُو شَامَةَ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ وقت عرضه عَلَى جِبْرِيلَ كَانَ لَا يَزَالُ يَقْرَأُ فِي السُّورَةِ إِلَى أَنْ يَأْمُرَهُ جِبْرِيلُ بِالتَّسْمِيَةِ فَيَعْلَمُ أَنَّ السورة قد انقضت. وعبر بِلَفْظِ النُّزُولِ إِشْعَارًا بِأَنَّهَا قُرْآنٌ فِي جَمِيعِ أَوَائِلِ السُّوَرِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّ جَمِيعَ آيَاتِ كُلِّ سُورَةٍ كَانَتْ تَنْزِلُ قَبْلَ نُزُولِ الْبَسْمَلَةِ فَإِذَا كَمُلَتْ آيَاتُهَا نَزَلَ جِبْرِيلُ بِالْبَسْمَلَةِ وَاسْتَعْرَضَ السُّورَةَ فَيَعْلَمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا قَدْ خُتِمَتْ وَلَا يُلْحَقُ بِهَا شَيْءٌ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَالْبَيْهَقِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: السَّبْعُ الْمَثَانِي فَاتِحَةُ الْكِتَابِ، قِيلَ: فَأَيْنَ السَّابِعَةُ قَالَ: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} .
وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ السَّبْعِ الْمَثَانِي،(1/269)
فَقَالَ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} فَقِيلَ لَهُ: إِنَّمَا هِيَ سِتُّ آيَاتٍ فَقَالَ: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} آيَةٌ.
وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ وَأَبُو نُعَيْمٍ وَالْحَاكِمُ فِي تَارِيخِهِ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عمر أن رسول الله صلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "كَانَ جِبْرِيلُ إِذَا جَاءَنِي بِالْوَحْيِ أَوَّلُ مَا يُلْقِي عَلَيَّ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ".
وَأَخْرَجَ الْوَاحِدِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ نَزَلَتْ: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} فِي كُلِّ سُورَةٍ وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ وَجْهٍ ثَالِثٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ فِي الصَّلَاةِ: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} وَإِذَا خَتَمَ السُّورَةَ قَرَأَهَا وَيَقُولُ مَا كُتِبَتْ فِي الْمُصْحَفِ إِلَّا لِتُقْرَأَ.
وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِذَا قَرَأْتُمِ الْحَمْدُ فاقرؤوا: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} إِنَّهَا أُمُّ الْقُرْآنِ وَأُمُّ الْكِتَابِ وَالسَّبْعُ المثاني وبسم اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ إِحْدَى آيَاتِهَا ".
وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: بينا رسول الله صلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ بَيْنَ أَظْهُرِنَا إذا أَغْفَى إِغْفَاءَةً ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ مُتَبَسِّمًا فَقَالَ: أُنْزِلَتْ عَلَيَّ آنِفًا سُورَةٌ فَقَرَأَ: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} ... الْحَدِيثَ.
فَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ تُعْطِي التَّوَاتُرَ الْمَعْنَوِيَّ بِكَوْنِهَا قُرْآنًا مُنَزَّلًا فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ.
وَمِنَ الْمُشْكِلِ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ فَخَرُ الدِّينِ قَالَ: نُقِلَ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ الْقَدِيمَةِ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ كَانَ يُنْكِرُ كَوْنَ سُورَةِ الْفَاتِحَةِ وَالْمُعَوِّذِتَيْنِ(1/270)
مِنَ الْقُرْآنِ وَهُوَ فِي غَايَةِ الصُّعُوبَةِ لِأَنَّا إِنْ قُلْنَا: إِنَّ النَّقْلَ الْمُتَوَاتِرَ كَانَ حَاصِلًا فِي عصر الصحابة بكون ذَلِكَ مِنَ الْقُرْآنِ فَإِنْكَارُهُ يُوجِبُ الْكُفْرَ وَإِنْ قُلْنَا: لَمْ يَكُنْ حَاصِلًا فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ فَيَلْزَمُ أَنَّ الْقُرْآنَ لَيْسَ بِمُتَوَاتِرٍ فِي الْأَصْلِ. قَالَ: وَإِلَّا غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ أَنَّ نَقْلَ هَذَا الْمَذْهَبِ عن ابن مسعود نَقْلٌ بَاطِلٌ وَبِهِ يَحْصُلُ الْخَلَاصُ عَنْ هَذِهِ الْعُقْدَةِ. وَكَذَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ: لَمْ يَصِحَّ عَنْهُ أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنَ الْقُرْآنِ وَلَا حُفِظَ عَنْهُ. إِنَّمَا حَكَّهَا وَأَسْقَطَهَا مِنْ مُصْحَفِهِ إِنْكَارًا لِكِتَابَتِهَا لَا جَحْدًا لِكَوْنِهَا قُرْآنًا لِأَنَّهُ كَانَتِ السُّنَّةُ عِنْدَهُ أَلَّا يُكْتَبَ فِي الْمُصْحَفِ إِلَّا مَا أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِثْبَاتِهِ فِيهِ وَلَمْ يَجِدْهُ كَتَبَ ذَلِكَ وَلَا سَمِعَهُ أَمَرَ بِهِ.
وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ الْمُعَوِّذَتَيْنِ وَالْفَاتِحَةَ مِنَ الْقُرْآنِ وَأَنَّ مَنْ جَحَدَ مِنْهَا شَيْئًا كَفَرَ وَمَا نُقِلَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ بَاطِلٌ لَيْسَ بِصَحِيحٍ.
وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ فِي الْمُحَلَّى: هَذَا كَذِبٌ عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ وَمَوْضُوعٌ وَإِنَّمَا صَحَّ عَنْهُ قِرَاءَةُ عَاصِمٍ عَنْ زِرٍّ عَنْهُ وَفِيهَا الْمُعَوِّذَتَانِ وَالْفَاتِحَةُ.
وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ: قَدْ صَحَّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ إِنْكَارُ ذَلِكَ فَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَابْنُ حِبَّانَ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ لَا يَكْتُبُ الْمُعَوِّذَتَيْنِ فِي مُصْحَفِهِ.
وَأَخْرَجَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ فِي زِيَادَاتِ الْمُسْنَدِ وَالطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيقِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ النَّخَعِيِّ، قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ يَحُكُّ الْمُعَوِّذَتَيْنِ مِنْ مَصَاحِفِهِ وَيَقُولُ: إِنَّهُمَا لَيْسَتَا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ.
وَأَخْرَجَ الْبَزَّارُ وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَحُكُّ الْمُعَوِّذَتَيْنِ مِنَ الْمُصْحَفِ وَيَقُولُ: إِنَّمَا أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُتَعَوَّذَ بهما وكان لَا يَقْرَأُ بِهِمَا أَسَانِيدُهُ صَحِيحَةٌ.(1/271)
قال البزار: لم يُتَابِعِ ابْنَ مَسْعُودٍ عَلَى ذَلِكَ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ بِهِمَا فِي الصَّلَاةِ.
قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: فَقَوْلُ مَنْ قَالَ إِنَّهُ كَذِبٌ عَلَيْهِ مَرْدُودٌ وَالطَّعْنُ فِي الرِّوَايَاتِ الصَّحِيحَةِ بِغَيْرِ مُسْتَنَدٍ لَا يُقْبَلُ بَلِ الرِّوَايَاتُ صَحِيحَةٌ وَالتَّأْوِيلُ مُحْتَمَلٌ.
قَالَ: وَقَدْ أَوَّلَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ عَلَى إِنْكَارِ الْكِتَابَةِ كَمَا سَبَقَ. قَالَ: وَهُوَ تَأْوِيلٌ حَسَنٌ إِلَّا أَنَّ الرِّوَايَةَ الصَّرِيحَةَ الَّتِي ذَكَرْتُهَا تَدْفَعُ ذَلِكَ حَيْثُ جَاءَ فِيهَا: "وَيَقُولُ: إِنَّهُمَا لَيْسَتَا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ " قَالَ: وَيُمْكِنُ حَمْلُ لَفْظِ " كِتَابِ اللَّهِ " عَلَى الْمُصْحَفِ فَيَتِمُّ التَّأْوِيلُ الْمَذْكُورُ. قَالَ: لَكِنَّ مَنْ تَأَمَّلَ سِيَاقَ الطُّرُقِ الْمَذْكُورَةِ اسْتَبْعَدَ هَذَا الْجَمْعَ.
قَالَ: وَقَدْ أَجَابَ ابْنُ الصَّبَّاغِ بِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَقِرَّ عِنْدَهُ الْقَطْعُ بِذَلِكَ ثُمَّ حَصَلَ الِاتِّفَاقُ بَعْدَ ذَلِكَ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُمَا كَانَتَا مُتَوَاتِرَتَيْنِ فِي عَصْرِهِ لَكِنَّهُمَا لَمْ يَتَوَاتَرَا عِنْدَهُ انْتَهَى.
وَقَالَ ابْنُ قُتَيْبَةُ فِي مُشَكِلِ الْقُرْآنِ: ظَنَّ ابْنُ مَسْعُودٍ أَنَّ الْمُعَوِّذَتَيْنِ لَيْسَتَا مِنَ الْقُرْآنِ لِأَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَوِّذُ بِهِمَا الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ فَأَقَامَ عَلَى ظَنِّهِ وَلَا يقول: إِنَّهُ أَصَابَ فِي ذَلِكَ وَأَخْطَأَ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ قَالَ: وَأَمَّا إِسْقَاطُهُ الْفَاتِحَةَ مِنْ مُصْحَفِهِ فَلَيْسَ لِظَنِّهِ أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنَ الْقُرْآنِ مَعَاذَ اللَّهِ! وَلَكِنَّهُ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ الْقُرْآنَ إِنَّمَا كُتِبَ وَجُمِعَ بَيْنَ اللَّوْحَيْنِ مَخَافَةَ الشَّكِّ وَالنِّسْيَانِ وَالزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ وَرَأَى أَنَّ ذَلِكَ مَأْمُونٌ فِي سُورَةِ الْحَمْدُ لِقِصَرِهَا وَوُجُوبِ تَعَلُّمِهَا عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ.(1/272)
قُلْتُ وَإِسْقَاطُهُ الْفَاتِحَةَ مِنْ مُصْحَفِهِ أَخْرَجَهُ أَبُو عُبَيْدٍ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ كَمَا تَقَدَّمَ فِي أَوَائِلِ النَّوْعِ التَّاسِعَ عَشَرَ.
التَّنْبِيهُ الثَّانِي
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِي الْبُرْهَانِ: الْقُرْآنُ وَالْقِرَاءَاتُ حَقِيقَتَانِ مُتَغَايِرَتَانِ فَالْقُرْآنُ هُوَ الْوَحْيُ المنزل على محمد لِلْبَيَانِ وَالْإِعْجَازِ وَالْقِرَاءَاتُ اخْتِلَافُ أَلْفَاظِ الْوَحْيِ الْمَذْكُورِ فِي الْحُرُوفِ أَوْ كَيْفِيَّتِهَا مِنْ تَخْفِيفٍ وَتَشْدِيدٍ وَغَيْرِهِمَا وَالْقِرَاءَاتُ السَّبْعُ مُتَوَاتِرَةٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ. وَقِيلَ: بَلْ مَشْهُورَةٌ.
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهَا مُتَوَاتِرَةٌ عَنِ الْأَئِمَّةِ السَّبْعَةِ أَمَّا تَوَاتُرُهَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ إِسْنَادَهُمْ بِهَذِهِ الْقِرَاءَاتِ السبعة مَوْجُودٌ فِي كُتُبِ الْقِرَاءَاتِ وَهِيَ نَقْلُ الْوَاحِدِ عَنِ الْوَاحِدِ.
قُلْتُ: فِي ذَلِكَ نَظَرٌ لِمَا سَيَأْتِي وَاسْتَثْنَى أَبُو شَامَةَ - كَمَا تَقَدَّمَ الْأَلْفَاظَ الْمُخْتَلَفَ فِيهَا عَنِ الْقُرَّاءِ.
وَاسْتَثْنَى ابْنُ الْحَاجِبِ مَا كَانَ مِنْ قَبِيلِ الْأَدَاءِ كَالْمَدِّ وَالْإِمَالَةِ وَتَحْقِيقِ الْهَمْزَةِ.
وَقَالَ غَيْرُهُ: الْحَقُّ أَنَّ أَصْلَ الْمَدِّ وَالْإِمَالَةِ مُتَوَاتِرٌ وَلَكِنَّ التَّقْدِيرَ غَيْرُ مُتَوَاتِرٍ لِلِاخْتِلَافِ فِي كَيْفِيَّتِهِ. كَذَا قَالَ: الزَّرْكَشِيُّ، قَالَ: وَأَمَّا أَنْوَاعُ تَحْقِيقِ الْهَمْزَةِ فَكُلُّهَا مُتَوَاتِرَةٌ.
وَقَالَ ابْنُ الْجَزَرِيِّ: لَا نَعْلَمُ أَحَدًا تَقَدَّمَ ابْنَ الْحَاجِبِ إِلَى ذَلِكَ وَقَدْ نَصَّ عَلَى تَوَاتُرِ ذَلِكَ كُلِّهِ أَئِمَّةُ الأصول كالقاضي أبو بَكْرٍ وَغَيْرِهِ وَهُوَ الصَّوَابُ لِأَنَّهُ إِذَا ثَبَتَ تَوَاتُرُ اللَّفْظِ ثَبَتَ تَوَاتُرُ هَيْئَةِ أَدَائِهِ لِأَنَّ اللَّفْظَ لَا يَقُومُ إِلَّا بِهِ وَلَا يَصِحُّ إِلَّا بِوُجُودِهِ(1/273)
التَّنْبِيهُ الثَّالِثُ
قَالَ أَبُو شَامَةَ: ظَنَّ قَوْمٌ أَنَّ الْقِرَاءَاتِ السَّبْعَ الْمَوْجُودَةُ الْآنَ هِيَ الَّتِي أُرِيدَتْ فِي الْحَدِيثِ وَهُوَ خِلَافُ إِجْمَاعِ أَهْلِ الْعِلْمِ قَاطِبَةً وَإِنَّمَا يَظُنُّ ذَلِكَ بَعْضُ أَهْلِ الْجَهْلِ.
وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ عَمَّارٍ: لَقَدْ نَقَلَ مُسَبِّعٌ هَذِهِ السَّبْعَةَ مَا لَا يَنْبَغِي لَهُ وَأَشْكَلَ الْأَمْرَ عَلَى الْعَامَّةِ بِإِيهَامِهِ كُلَّ مَنْ قَلَّ نَظَرُهُ أَنَّ هَذِهِ الْقِرَاءَاتِ هِيَ الْمَذْكُورَةُ فِي الْخَبَرِ وَلَيْتَهُ إِذَا اقْتَصَرَ نَقَصَ عَنِ السَّبْعَةِ أَوْ زَادَ لِيُزِيلَ الشُّبْهَةَ.
وَوَقْعَ لَهُ أَيْضًا فِي اقْتِصَارِهِ عَنْ كُلِّ إِمَامٍ عَلَى رَاوِيَيْنِ أَنَّهُ صَارَ مَنْ سَمِعَ قِرَاءَةَ رَاوٍ ثَالِثٍ غَيْرِهِمَا أَبْطَلَهَا وَقَدْ تَكُونُ هِيَ أَشْهَرُ وَأَصَحُّ وَأَظْهَرُ وَرُبَّمَا بَالَغَ مَنْ لَا يَفْهَمُ فَخَطَّأَ أَوْ كَفَّرَ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ: لَيْسَتْ هَذِهِ السَّبْعَةُ مُتَعَيِّنَةً لِلْجَوَازِ حَتَّى لَا يَجُوزَ غَيْرُهَا كَقِرَاءَةِ أَبِي جَعْفَرٍ وَشَيْبَةَ وَالْأَعْمَشِ وَنَحْوِهِمْ فَإِنَّ هَؤُلَاءِ مِثْلُهُمْ أَوْ فَوْقَهُمْ.
وَكَذَا قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَكِّيٌّ وأبو الْعَلَاءِ الْهَمَذَانِيُّ وَآخَرُونَ مِنْ أَئِمَّةِ الْقُرَّاءِ.
وَقَالَ أَبُو حَيَّانَ: لَيْسَ فِي كِتَابِ ابْنِ مُجَاهِدٍ وَمَنْ تَبِعَهُ مِنَ الْقِرَاءَاتِ الْمَشْهُورَةِ إِلَّا النَّزْرُ الْيَسِيرُ فَهَذَا أَبُو عَمْرِو بْنُ الْعَلَاءِ اشْتُهِرَ عَنْهُ سَبْعَةُ عَشَرَ رَاوِيًا ثُمَّ سَاقَ أَسْمَاءَهُمْ وَاقْتَصَرَ فِي كِتَابِ ابْنِ مُجَاهِدٍ عَلَى الْيَزِيدِيِّ وَاشْتُهِرَ عَنِ الْيَزِيدِيِّ عَشْرَةُ أَنْفُسٍ فَكَيْفَ يَقْتَصِرُ عَلَى السُّوسِيِّ وَالدُّورِيِّ وَلَيْسَ لَهُمَا مَزِيَّةٌ عَلَى غَيْرِهِمَا! لِأَنَّ الْجَمِيعَ يَشْتَرِكُونَ فِي الضَّبْطِ وَالْإِتْقَانِ وَالِاشْتِرَاكِ فِي الْأَخْذِ.
قَالَ: وَلَا أَعْرِفُ لِهَذَا سَبَبًا إِلَّا مَا قُضِيَ مِنْ نَقْصِ الْعِلْمِ.
وَقَالَ مَكِّيٌّ: مَنْ ظَنَّ أَنَّ قِرَاءَةَ هَؤُلَاءِ الْقُرَّاءِ كَنَافِعٍ وَعَاصِمٍ هِيَ الْأَحْرُفُ(1/274)
السَّبْعَةُ الَّتِي فِي الْحَدِيثِ فَقَدْ غَلِطَ غَلَطًا عَظِيمًا قَالَ: وَيَلْزَمُ من هذا أَنَّ مَا خَرَجَ عَنْ قِرَاءَةِ هَؤُلَاءِ السَّبْعَةِ مِمَّا ثَبَتَ عَنِ الْأَئِمَّةِ وَغَيْرِهِمْ وَوَافَقَ خَطَّ الْمُصْحَفِ أَلَّا يَكُونَ قُرْآنًا وَهَذَا غَلَطٌ عَظِيمٌ فَإِنَّ الَّذِينَ صَنَّفُوا الْقِرَاءَاتِ مِنَ الْأَئِمَّةِ الْمُتَقَدِّمِينَ كَأَبِي عُبَيْدٍ الْقَاسِمِ بْنِ سَلَّامٍ وَأَبِي حَاتِمٍ السِّجِسْتَانِيِّ وَأَبِي جَعْفَرٍ الطَّبَرِيِّ وَإِسْمَاعِيلَ الْقَاضِي قَدْ ذَكَرُوا أَضْعَافَ هَؤُلَاءِ وَكَانَ النَّاسُ عَلَى رَأْسِ الْمِائَتَيْنِ بِالْبَصْرَةِ عَلَى قِرَاءَةِ أَبِي عَمْرٍو وَيَعْقُوبَ وَبِالْكُوفَةِ عَلَى قِرَاءَةِ حَمْزَةَ وَعَاصِمٍ وَبِالشَّامِ عَلَى قِرَاءَةِ ابْنِ عَامِرٍ وَبِمَكَّةَ عَلَى قِرَاءَةِ ابْنِ كَثِيرٍ وَبِالْمَدِينَةِ عَلَى قِرَاءَةِ نَافِعٍ وَاسْتَمَرُّوا عَلَى ذَلِكَ فَلَمَّا كَانَ عَلَى رَأْسِ الثَّلَاثِمِائَةِ أَثْبَتَ ابْنُ مُجَاهِدٍ اسْمَ الْكِسَائِيَّ وَحَذَفَ يَعْقُوبَ. قَالَ: وَالسَّبَبُ فِي الِاقْتِصَارِ عَلَى السَّبْعَةِ - مَعَ أَنَّ فِي أَئِمَّةِ الْقُرَّاءِ مَنْ هُوَ أَجَلُّ مِنْهُمْ قدرا ومثلهم أَكْثَرُ مِنْ عَدَدِهِمْ - أَنَّ الرُّوَاةَ عَنِ الْأَئِمَّةِ كَانُوا كَثِيرًا جِدًا فَلَمَّا تَقَاصَرَتِ الْهِمَمُ اقْتَصَرُوا مِمَّا يُوَافِقُ خَطَّ الْمُصْحَفِ عَلَى مَا يَسْهُلُ حِفْظُهُ وَتَنْضَبِطُ الْقِرَاءَةُ بِهِ فَنَظَرُوا إِلَى مَنِ اشْتُهِرَ بِالثِّقَةِ وَالْأَمَانَةِ وَطُولِ الْعُمُرِ فِي مُلَازَمَةِ القراءة وَالِاتِّفَاقِ عَلَى الْأَخْذِ عَنْهُ فَأَفْرَدُوا مِنْ كُلِّ مِصْرٍ إِمَامًا وَاحِدًا وَلَمْ يَتْرُكُوا مَعَ ذَلِكَ نَقْلَ مَا كَانَ عَلَيْهِ الْأَئِمَّةُ غَيْرُ هَؤُلَاءِ مِنَ الْقِرَاءَاتِ وَلَا الْقِرَاءَةَ بِهِ كَقِرَاءَةِ يَعْقُوبَ وَأَبِي جَعْفَرٍ وَشَيْبَةَ وَغَيْرِهِمْ.
قَالَ: وَقَدْ صَنَّفَ ابْنُ جُبَيْرٍ الْمَكِّيُّ قَبْلَ ابْنِ مُجَاهِدٍ كِتَابًا فِي الْقِرَاءَاتِ فَاقْتَصَرَ عَلَى خَمْسَةٍ اخْتَارَ مِنْ كُلِّ مِصْرٍ إِمَامًا وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّ الْمَصَاحِفَ الَّتِي أَرْسَلَهَا عُثْمَانُ كَانَتْ خَمْسَةً إِلَى هَذِهِ الْأَمْصَارِ وَيُقَالُ: إِنَّهُ وَجَّهَ بِسَبْعَةٍ: هَذِهِ الْخَمْسَةَ وَمُصْحَفًا إِلَى الْيَمَنِ وَمُصْحَفًا إِلَى الْبَحْرَيْنِ لَكِنْ لَمَّا لَمْ يُسْمَعْ لِهَذَيْنِ الْمُصْحَفَيْنِ خَبَرٌ وَأَرَادَ ابْنُ مُجَاهِدٍ وَغَيْرُهُ مُرَاعَاةَ عَدَدِ المصاحف استبدلوا من مصحف الْبَحْرَيْنِ وَالْيَمَنِ قَارِئَيْنِ كَمُلَ بِهِمَا الْعَدَدُ فَصَادَفَ ذَلِكَ مُوَافَقَةَ الْعَدَدِ الَّذِي وَرَدَ الْخَبَرُ بِهِ فَوَقَعَ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَعْرِفْ أَصْلَ الْمَسْأَلَةِ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِطْنَةٌ،(1/275)
فَظَنَّ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَحْرُفِ السَّبْعَةِ الْقِرَاءَاتُ السَّبْعُ. وَالْأَصْلُ الْمُعْتَمَدُ عَلَيْهِ صِحَّةُ السَّنَدِ فِي السَّمَاعِ وَاسْتِقَامَةُ الْوَجْهِ فِي الْعَرَبِيَّةِ وَمُوَافَقَةُ الرَّسْمِ وَأَصَحُّ الْقِرَاءَاتِ سَنَدًا نَافِعٌ وَعَاصِمٌ وَأَفْصَحُهَا أَبُو عَمْرٍو وَالْكِسَائِيُّ.
وَقَالَ الْقَرَّابُ فِي الشَّافِي: التَّمَسُّكُ بِقِرَاءَةِ سَبْعَةٍ مِنَ الْقُرَّاءِ دُونَ غَيْرِهِمْ لَيْسَ فِيهِ أَثَرٌ وَلَا سُنَّةٌ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ جَمْعِ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ فَانْتَشَرَ وَأَوْهَمَ أَنَّهُ لَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى ذَلِكَ وَذَلِكَ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ.
وَقَالَ الْكَوَاشِيُّ: كُلُّ مَا صَحَّ سَنَدُهُ وَاسْتَقَامَ وَجْهُهُ فِي الْعَرَبِيَّةِ وَوَافَقَ خَطَّ الْمُصْحَفِ الْإِمَامِ فَهُوَ مِنَ السَّبْعَةِ الْمَنْصُوصَةِ وَمَتَى فُقِدَ شَرْطٌ مِنَ الثَّلَاثَةِ فَهُوَ الشَّاذُّ.
وَقَدِ اشْتَدَّ إِنْكَارُ أَئِمَّةِ هَذَا الشَّأْنِ عَلَى مَنْ ظَنَّ انْحِصَارَ الْقِرَاءَاتِ الْمَشْهُورَةِ فِي مِثْلِ مَا فِي التيسير والشاطبية وَآخِرُ مَنْ صَرَّحَ بِذَلِكَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ السُّبْكِيُّ فَقَالَ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ: قَالَ الْأَصْحَابُ: تَجُوزُ الْقِرَاءَةُ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا بِالْقِرَاءَاتِ السَّبْعِ ولا تجوز بالشاذة وَظَاهِرُ هَذَا يُوهِمُ أَنَّ غَيْرَ السَّبْعِ الْمَشْهُورَةِ مِنَ الشَّوَاذِّ وَقَدْ نَقَلَ الْبَغَوِيُّ الِاتِّفَاقَ عَلَى الْقِرَاءَةِ بِقِرَاءَةِ يَعْقُوبَ وَأَبِي جَعْفَرٍ مَعَ السَّبْعِ الْمَشْهُورَةِ وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الصَّوَابُ.
قَالَ: وَاعْلَمْ أَنَّ الْخَارِجَ عَنِ السَّبْعِ الْمَشْهُورَةِ عَلَى قِسْمَيْنِ: مِنْهُ مَا يُخَالِفُ رَسْمَ الْمُصْحَفِ فَهَذَا لَا شك فيه أَنَّهُ لَا تَجُوزُ قِرَاءَتُهُ لَا فِي الصَّلَاةِ وَلَا فِي غَيْرِهَا.
وَمِنْهُ مَا لَا يُخَالِفُ رَسْمَ الْمُصْحَفِ وَلَمْ تَشْتَهِرِ الْقِرَاءَةُ بِهِ وَإِنَّمَا وَرَدَ مِنْ طَرِيقٍ غَرِيبٍ لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهَا وَهَذَا يَظْهَرُ الْمَنْعُ مِنَ الْقِرَاءَةِ بِهِ أَيْضًا. ومنه ما اشتهر(1/276)
عند أَئِمَّةِ هَذَا الشَّأْنِ الْقِرَاءَةُ بِهِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا فَهَذَا لَا وَجْهَ لِلْمَنْعِ مِنْهُ وَمِنْ ذَلِكَ قِرَاءَةُ يَعْقُوبَ وَغَيْرُهُ.
قَالَ وَالْبَغَوِيُّ: أَوْلَى مَنْ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ فَإِنَّهُ مُقْرِئٌ فَقِيهٌ جَامِعٌ لِلْعُلُومِ قَالَ: وَهَكَذَا التَّفْصِيلُ فِي شَوَاذِّ السَّبْعَةِ فَإِنَّ عَنْهُمْ شَيْئًا كَثِيرًا شَاذًّا. انْتَهَى.
وَقَالَ وَلَدُهُ فِي مَنْعِ الْمَوَانِعِ: إِنَّمَا قُلْنَا فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ وَالسَّبْعُ مُتَوَاتِرَةٌ ثُمَّ قُلْنَا فِي الشَّاذِّ وَالصَّحِيحِ: إِنَّهُ مَا وَرَاءَ الْعَشَرَةِ وَلَمْ نَقُلْ: وَالْعَشْرُ مُتَوَاتِرَةٌ لِأَنَّ السَّبْعَ لَمْ يُخْتَلَفْ فِي تَوَاتُرِهَا فَذَكَرْنَا أَوَّلًا مَوْضِعَ الْإِجْمَاعِ ثُمَّ عَطَفْنَا عَلَيْهِ مَوْضِعَ الْخِلَافِ. قَالَ: عَلَى أَنَّ الْقَوْلَ بِأَنَّ الْقِرَاءَاتِ الثَّلَاثَ غَيْرُ مُتَوَاتِرَةٍ فِي غَايَةِ السُّقُوطِ وَلَا يَصِحُّ الْقَوْلَ بِهِ عَمَّنْ يُعْتَبَرُ قَوْلُهُ فِي الدِّينِ وَهِيَ لَا تُخَالِفُ رَسْمَ الْمُصْحَفِ. قَالَ: وَقَدْ سَمِعْتُ أَبِي يُشَدِّدُ النَّكِيرَ عَلَى بَعْضِ الْقُضَاةِ وَقَدْ بَلَغَهُ أَنَّهُ مَنَعَ مِنَ الْقِرَاءَةِ بِهَا وَاسْتَأْذَنَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا مَرَّةً فِي إِقْرَاءِ السَّبْعِ فَقَالَ أَذِنْتُ لَكَ أَنْ تقرئ الْعَشْرَ. انْتَهَى.
وَقَالَ فِي جَوَابِ سُؤَالٍ سَأَلَهُ ابْنُ الْجَزَرِيِّ: الْقِرَاءَاتُ السَّبْعُ الَّتِي اقْتَصَرَ عَلَيْهَا الشَّاطِبِيُّ وَالثُّلَاثُ الَّتِي هِيَ قِرَاءَةُ أَبِي جَعْفَرٍ وَيَعْقُوبَ وَخَلَفٍ مُتَوَاتِرَةٌ مَعْلُومَةٌ مِنَ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ وَكُلُّ حَرْفٍ انْفَرَدَ بِهِ وَاحِدٌ مِنَ الْعَشَرَةِ مَعْلُومٌ مِنَ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُكَابِرُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إِلَّا جَاهِلٌ.(1/277)
التَّنْبِيهُ الرَّابِعُ
بِاخْتِلَافِ الْقِرَاءَاتِ يَظْهَرُ الِاخْتِلَافُ فِي الْأَحْكَامِ وَلِهَذَا بَنَى الْفُقَهَاءُ نَقْضَ وُضُوءِ الْمَلْمُوسِ وَعَدَمِهِ عَلَى اخْتِلَافِ الْقِرَاءَةِ فِي: "لَمَسْتُمُ "وَ: "لامستم ".
وَجَوَازَ وَطْءِ الْحَائِضِ عِنْدَ الِانْقِطَاعِ قَبْلَ الْغُسْلِ وَعَدَمِهِ عَلَى الِاخْتِلَافِ في: "يطهرن"وَقَدْ حَكَوْا خِلَافًا غَرِيبًا فِي الْآيَةِ إِذَا قرأت بقراءتين فَحَكَى أَبُو اللَّيْثِ السَّمَرْقَنْدِيُّ فِي كِتَابِ الْبُسْتَانِ قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ اللَّهَ قَالَ بِهِمَا جَمِيعًا وَالثَّانِي أَنَّ اللَّهَ قَالَ بِقِرَاءَةٍ وَاحِدَةٍ إِلَّا أَنَّهُ أَذِنَ أَنْ نَقْرَأَ بِقِرَاءَتَيْنِ. ثُمَّ اخْتَارَ تَوَسُّطًا وَهُوَ أَنَّهُ إِنْ كَانَ لِكُلِّ قِرَاءَةٍ تَفْسِيرٌ يُغَايِرُ الْآخَرَ فَقَدْ قَالَ بِهِمَا جَمِيعًا وَتَصِيرُ الْقِرَاءَتَانِ بِمَنْزِلَةِ آيَتَيْنِ، مِثْلُ: "حَتَّى يَطْهُرْنَ " وَإِنْ كان تفسيرهما واحدا كـ"البيوت" و " البيوت " فإنما قال بإحداهما، وَأَجَازَ الْقِرَاءَةَ بِهِمَا لِكُلِّ قَبِيلَةٍ عَلَى مَا تَعَوَّدَ لِسَانُهُمْ.
قَالَ: فَإِنْ قِيلَ: إِذَا قُلْتُمْ إِنَّهُ قَالَ بِإِحْدَاهُمَا فَأَيُّ الْقِرَاءَتَيْنِ هِيَ؟ قُلْنَا: الَّتِي بِلُغَةِ قُرَيْشٍ انْتَهَى.
وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: لِاخْتِلَافِ الْقِرَاءَاتِ وَتَنَوُّعِهَا فَوَائِدٌ:
مِنْهَا: التَّهْوِينُ وَالتَّسْهِيلُ وَالتَّخْفِيفُ عَلَى الْأُمَّةِ.
وَمِنْهَا: إِظْهَارُ فَضْلِهَا وَشَرَفِهَا عَلَى سَائِرِ الْأُمَمِ إِذْ لَمْ يَنْزِلُ كِتَابُ غَيْرِهِمْ إِلَّا عَلَى وَجْهٍ وَاحِدٍ.(1/278)
وَمِنْهَا: إِعْظَامُ أَجْرِهَا مِنْ حَيْثُ إِنَّهُمْ يُفْرِغُونَ جُهْدَهُمْ فِي تَحْقِيقِ ذَلِكَ وَضَبْطِهِ لَفْظَةً لَفْظَةً حَتَّى مَقَادِيرِ الْمَدَّاتِ وَتَفَاوُتِ الْإِمَالَاتِ ثُمَّ فِي تَتَبُّعِ مَعَانِي ذَلِكَ وَاسْتِنْبَاطِ الْحُكْمِ وَالْأَحْكَامِ مِنْ دَلَالَةِ كُلِّ لَفْظٍ وَإِمْعَانِهِمُ الْكَشْفَ عَنِ التَّوْجِيهِ وَالتَّعْلِيلِ وَالتَّرْجِيحِ.
وَمِنْهَا: إِظْهَارُ سِرِّ اللَّهِ فِي كِتَابِهِ وَصِيَانَتُهُ لَهُ عَنِ التَّبْدِيلِ وَالِاخْتِلَافِ مَعَ كَوْنِهِ عَلَى هَذِهِ الْأَوْجُهِ الْكَثِيرَةِ.
وَمِنْهَا: الْمُبَالَغَةُ فِي إِعْجَازِهِ بِإِيجَازِهِ إِذْ تَنَوُّعُ الْقِرَاءَاتِ بِمَنْزِلَةِ الْآيَاتِ وَلَوْ جُعِلَتْ دَلَالَةُ كُلِّ لَفْظٍ آيَةً عَلَى حِدَةٍ لَمْ يَخْفَ مَا كَانَ فِيهِ مِنَ التَّطْوِيلِ وَلِهَذَا كان قوله: {وَأَرْجُلَِكُمْ} مُنَزَّلًا لِغَسْلِ الرِّجْلِ وَالْمَسْحِ عَلَى الْخُفِّ وَاللَّفْظُ الواحد لَكِنْ بِاخْتِلَافِ إِعْرَابِهِ.
وَمِنْهَا: أَنَّ بَعْضَ الْقِرَاءَاتِ يُبَيِّنُ مَا لَعَلَّهُ يجهل في القراءة الْأُخْرَى فَقِرَاءَةُ: "يَطَّهَّرْنَ " بِالتَّشْدِيدِ مُبَيِّنَةٌ لِمَعْنَى قِرَاءَةِ التَّخْفِيفِ وَقِرَاءَةُ: "فَامْضُوا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ " تُبَيِّنُ أَنَّ المراد بقراءة: "فاسعوا "الذَّهَابُ لَا الْمَشْيُ السَّرِيعُ.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي فَضَائِلِ الْقُرْآنِ: الْمَقْصِدُ مِنَ الْقِرَاءَةِ الشَّاذَّةِ تَفْسِيرُ الْقِرَاءَةِ الْمَشْهُورَةِ وَتَبْيِينُ مَعَانِيهَا كَقِرَاءَةِ عَائِشَةَ وحفصة " والصلاة الوسطى صَلَاةِ الْعَصْرِ "،وَقِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ: "فَاقْطَعُوا أَيْمَانَهُمَا " وَقِرَاءَةِ جَابِرٍ: "فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ لَهُنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ " قَالَ: فَهَذِهِ الْحُرُوفُ وَمَا شَاكَلَهَا قَدْ صَارَتْ مُفَسِّرَةً لِلْقُرْآنِ وَقَدْ كَانَ يُرْوَى مِثْلُ هَذَا عَنِ التَّابِعِينَ(1/279)
فِي التَّفْسِيرِ فَيُسْتَحْسَنُ فَكَيْفَ إِذَا رُوِيَ عَنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ ثُمَّ صَارَ فِي نَفْسِ الْقِرَاءَةِ فَهُوَ أَكْثَرُ مِنَ التَّفْسِيرِ وَأَقْوَى فَأَدْنَى مَا يُسْتَنْبَطُ مِنْ هَذِهِ الْحُرُوفِ مَعْرِفَةُ صِحَّةِ التَّأْوِيلِ. انْتَهَى.
وَقَدِ اعتنيت في كتاب أَسْرَارِ التَّنْزِيلِ بِبَيَانِ كُلِّ قِرَاءَةٍ أَفَادَتْ مَعْنًى زَائِدًا عَلَى الْقِرَاءَةِ الْمَشْهُورَةِ.
التَّنْبِيهُ الْخَامِسُ
اخْتُلِفَ فِي الْعَمَلِ بِالْقِرَاءَةِ الشَّاذَّةِ فَنَقَلَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي الْبُرْهَانِ عَنْ ظَاهِرِ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَتَبِعَهُ أَبُو نَصْرٍ الْقُشَيْرِيُّ وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الْحَاجِبِ لِأَنَّهُ نَقَلَهُ عَلَى أَنَّهُ قُرْآنٌ وَلَمْ يَثْبُتْ. وَذَكَرَ الْقَاضِيَانِ: أَبُو الطَّيِّبِ وَالْحُسَيْنُ وَالرُّويَانِيُّ وَالرَّافِعِيُّ الْعَمَلَ بِهَا تَنْزِيلًا لَهَا مَنْزِلَةَ خَبَرِ الْآحَادِ وَصَحَّحَهُ ابْنُ السُّبْكِيِّ فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ وشرح الْمُخْتَصَرِ. وَقَدِ احْتَجَّ الْأَصْحَابُ عَلَى قَطْعِ يَمِينِ السَّارِقِ بِقِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَعَلَيْهِ أَبُو حَنِيفَةَ أَيْضًا. وَاحْتَجَّ عَلَى وُجُوبِ التَّتَابُعِ فِي صَوْمِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ بِقِرَاءَتِهِ: "مُتَتَابِعَاتٍ "وَلَمْ يَحْتَجَّ بِهَا أَصْحَابُنَا لِثُبُوتِ نَسْخِهَا كَمَا سَيَأْتِي.
التَّنْبِيهُ السَّادِسُ
مِنَ الْمُهِمِّ مَعْرِفَةُ تَوْجِيهِ الْقِرَاءَاتِ وَقَدِ اعْتَنَى بِهِ الْأَئِمَّةُ وَأَفْرَدُوا فِيهِ(1/280)
كُتُبًا مِنْهَا الْحُجَّةُ لِأَبِي عَلِيٍّ الفارسي والكشف لمكي والهداية للمهدوي والمحتسب فِي تَوْجِيهِ الشَّوَاذِّ لِابْنِ جِنِّيٍّ قَالَ الْكَوَاشِيُّ وفائدته أَنْ يَكُونَ دَلِيلًا عَلَى حَسَبِ الْمَدْلُولِ عَلَيْهِ أَوْ مُرَجِّحًا إِلَّا أَنَّهُ يَنْبَغِي التَّنْبِيهُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ أَنَّهُ قَدْ تُرَجَّحُ إِحْدَى الْقِرَاءَتَيْنِ عَلَى الْأُخْرَى تَرْجِيحًا يَكَادُ يُسْقِطُهَا وَهَذَا غَيْرُ مَرَضِيٍّ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُتَوَاتِرٌ.
وَقَدْ حَكَى أَبُو عُمَرَ الزَّاهِدُ فِي كِتَابِ الْيَوَاقِيتِ عَنْ ثَعْلَبٍ أَنَّهُ قَالَ: إِذَا اخْتَلَفَ الْإِعْرَابَانِ فِي القرآن لَمْ أُفَضِّلْ إِعْرَابًا عَلَى إِعْرَابٍ فَإِذَا خَرَجْتُ إِلَى كَلَامِ النَّاسِ فَضَّلْتُ الْأَقْوَى.
وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ النَّحَّاسُ: السَّلَامَةُ عِنْدَ أَهْلِ الدِّينِ إِذَا صَحَّتِ الْقِرَاءَتَانِ أَلَّا يُقَالَ: إِحْدَاهُمَا أَجْوَدُ لِأَنَّهُمَا جَمِيعًا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَأْثَمُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ وَكَانَ رُؤَسَاءُ الصَّحَابَةِ يُنْكِرُونَ مِثْلَ هَذَا.
وَقَالَ أَبُو شَامَةَ: أَكْثَرَ الْمُصَنِّفُونَ مِنَ التَّرْجِيحِ بَيْنَ قِرَاءَةِ " مَالِكِ " وَ " مَلِكَ " حَتَّى أَنَّ بَعْضَهُمْ يبالغ إِلَى حَدٍّ يَكَادُ يُسْقِطُ وَجْهَ الْقِرَاءَةِ الْأُخْرَى وَلَيْسَ هَذَا بِمَحْمُودٍ بَعْدَ ثُبُوتِ الْقِرَاءَتَيْنِ. انْتَهَى.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ تَوْجِيهُ الْقِرَاءَاتِ الشَّاذَّةِ أَقْوَى فِي الصِّنَاعَةِ مِنْ تَوْجِيهِ الْمَشْهُورَةِ.
خَاتِمَةٌ
قَالَ النَّخَعِيُّ: كَانُوا يَكْرَهُونَ أَنْ يَقُولُوا: قِرَاءَةُ عَبْدِ اللَّهِ وَقِرَاءَةُ سَالِمٍ وَقِرَاءَةُ أُبَيٍّ وَقِرَاءَةَ زَيْدٍ بَلْ يُقَالُ فُلَانٌ كَانَ يَقْرَأُ بِوَجْهِ كَذَا وَفُلَانٌ يَقْرَأُ بِوَجْهِ كَذَا قَالَ النَّوَوِيُّ وَالصَّحِيحُ أَنَّ ذَلِكَ لَا يُكْرَهُ.(1/281)
النَّوْعُ الثَّامِنُ وَالْعِشْرُونَ: فِي مَعْرِفَةِ الْوَقْفِ وَالِابْتِدَاءِ
أَفْرَدَهُ بِالتَّصْنِيفِ خَلَائِقٌ مِنْهُمْ أَبُو جَعْفَرٍ النَّحَّاسُ وَابْنُ الْأَنْبَارِيِّ وَالزُّجَاجُ وَالدَّانِيُّ وَالْعُمَانِيُّ وَالسَّجَاوَنْدِيُّ وَغَيْرُهُمْ. وَهُوَ فَنٌّ جَلِيلٌ بِهِ يُعْرَفُ كَيْفَ أَدَاءُ الْقِرَاءَةِ. وَالْأَصْلُ فيه ما أخرج النَّحَّاسُ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْأَنْبَارِيُّ حَدَّثَنَا هِلَالُ بْنُ العلاء بن أُبَيٌّ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَا: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عمر الزُّرَقِيُّ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَوْفٍ الْبَكْرِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ ابن عُمَرَ يَقُولُ: لَقَدْ عِشْنَا بُرْهَةً مِنْ دَهْرِنَا وَإِنَّ أَحَدَنَا لَيُؤْتَى الْإِيمَانَ قَبْلَ الْقُرْآنِ وَتَنْزِلُ السُّورَةُ على محمد فَنَتَعَلَّمُ حَلَالَهَا وَحَرَامَهَا وَمَا يَنْبَغِي أَنْ يُوقَفَ عِنْدَهُ مِنْهَا كَمَا تَتَعَلَّمُونَ أَنْتُمُ الْقُرْآنَ الْيَوْمَ وَلَقَدْ رَأَيْنَا الْيَوْمَ رِجَالًا يُؤْتَى أَحَدُهُمُ الْقُرْآنَ قَبْلَ الْإِيمَانِ فَيَقْرَأُ مَا بَيْنَ فَاتِحَتِهِ إِلَى خَاتِمَتِهِ مَا يَدْرِي مَا آمِرُهُ وَلَا زَاجِرُهُ وَلَا مَا يَنْبَغِي أَنْ يُوقَفَ عِنْدَهُ مِنْهُ. قَالَ النَّحَّاسُ: فَهَذَا الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا يَتَعَلَّمُونَ الْأَوْقَافَ كَمَا يَتَعَلَّمُونَ الْقُرْآنَ.
وَقَوْلُ ابْنِ عُمَرَ: "لَقَدْ عِشْنَا بُرْهَةً مِنْ دَهْرِنَا " يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ إِجْمَاعٌ مِنَ الصَّحَابَةِ ثابت أَخْرَجَ هَذَا الْأَثَرَ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ.
وَعَنْ عَلَيٍّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً} ، قَالَ: التَّرْتِيلُ تَجْوِيدُ الْحُرُوفِ وَمَعْرِفَةُ الْوُقُوفِ.
قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ مِنْ تَمَامِ مَعْرِفَةِ الْقُرْآنِ مَعْرِفَةُ الْوَقْفِ وَالِابْتِدَاءِ فِيهِ.(1/282)
وَقَالَ النِّكْزَاوِيُّ: بَابُ الْوَقْفِ عَظِيمُ الْقَدْرِ جَلِيلُ الخطر لأنه لايتأتى لِأَحَدٍ مَعْرِفَةُ مَعَانِي الْقُرْآنِ وَلَا اسْتِنْبَاطُ الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ مِنْهُ إِلَّا بِمَعْرِفَةِ الْفَوَاصِلِ.
وَفِي النَّشْرِ لِابْنِ الْجَزَرِيِّ: لَمَّا لَمْ يُمَكَّنِ الْقَارِئُ أَنْ يَقْرَأَ السُّورَةَ أَوِ الْقِصَّةَ فِي نَفَسٍ وَاحِدٍ وَلَمْ يَجُزِ التَّنَفُّسُ بَيْنَ كَلِمَتَيْنِ حَالَةَ الْوَصْلِ بَلْ ذَلِكَ كَالتَّنَفُّسِ فِي أَثْنَاءِ الْكَلِمَةِ وَجَبَ حينئذ اختيار وقف لِلتَّنَفُّسِ وَالِاسْتِرَاحَةِ وَتَعَيَّنَ ارْتِضَاءُ ابْتِدَاءٍ بعده وتحتم أَلَّا يَكُونَ ذَلِكَ مِمَّا يُحِيلُ الْمَعْنَى وَلَا يُخِلُّ بِالْفَهْمِ إِذْ بِذَلِكَ يَظْهَرُ الْإِعْجَازُ وَيَحْصُلُ الْقَصْدُ وَلِذَلِكَ حَضَّ الْأَئِمَّةُ عَلَى تَعَلُّمِهِ وَمَعْرِفَتِهِ. وَفِي كَلَامِ عَلِيٍّ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ ذَلِكَ وَفِي كَلَامِ ابْنِ عُمَرَ بُرْهَانٌ عَلَى أَنَّ تَعَلُّمَهُ إِجْمَاعٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَصَحَّ - بَلْ تَوَاتَرَ - عِنْدَنَا تَعَلُّمُهُ وَالِاعْتِنَاءُ بِهِ مِنَ السَّلَفِ الصَّالِحِ كَأَبِي جَعْفَرٍ يَزِيدَ بْنِ الْقَعْقَاعِ أَحَدُ أَعْيَانِ التَّابِعِينَ وَصَاحِبِهِ الْإِمَامِ نَافِعٍ وَأَبِي عَمْرٍو وَيَعْقُوبَ وَعَاصِمٍ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْأَئِمَّةِ وَكَلَامُهُمْ فِي ذَلِكَ مَعْرُوفٌ وَنُصُوصُهُمْ عَلَيْهِ مَشْهُورَةٌ فِي الْكُتُبِ وَمِنْ ثَمَّ اشْتَرَطَ كَثِيرٌ مِنَ الْخَلَفِ عَلَى الْمُجِيزِ ألا يحيز أحدا إلا بعد معرفته الْوَقْفَ وَالِابْتِدَاءَ وَصَحَّ عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ قَالَ:(1/283)
إِذَا قَرَأْتَ {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ} فَلَا تَسْكُتْ حَتَّى تَقْرَأَ: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْأِكْرَامِ} .
قُلْتُ أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ.
فصل: في أنواع الوقف
اصْطَلَحَ الْأَئِمَّةُ عَلَى أَنَّ لِأَنْوَاعِ الْوَقْفِ وَالِابْتِدَاءِ أَسْمَاءً وَاخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ فَقَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: الْوَقْفُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: تَامٌّ، وَحَسَنٌ، وَقَبِيحٌ.
فَالتَّامُّ: الَّذِي يَحْسُنُ الْوَقْفُ عَلَيْهِ وَالِابْتِدَاءُ بِمَا بَعْدَهُ وَلَا يَكُونُ بَعْدَهُ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ كقوله: {وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} وَقَوْلِهِ: {أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} .
وَالْحَسَنُ: هُوَ الَّذِي يَحْسُنُ الْوَقْفُ عَلَيْهِ وَلَا يَحْسُنُ الِابْتِدَاءُ بِمَا بَعْدَهُ كَقَوْلِهِ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ} لِأَنَّ الابتداء بـ {رَبِّ الْعَالَمِينَ} لَا يَحْسُنُ لِكَوْنِهِ صِفَةً لِمَا قَبْلَهُ.
وَالْقَبِيحُ: هُوَ الَّذِي لَيْسَ بِتَامٍّ وَلَا حَسَنٍ، كَالْوَقْفِ عَلَى " بِسْمِ " مِنْ قَوْلِهِ: {بِسْمِ اللَّهِ} .قَالَ: وَلَا يَتِمُّ الْوَقْفُ عَلَى الْمُضَافِ دُونَ الْمُضَافِ إِلَيْهِ وَلَا الْمَنْعُوتِ دُونَ نَعْتِهِ وَلَا الرَّافِعِ دُونَ مَرْفُوعِهِ وَعَكْسِهِ وَلَا النَّاصِبِ دُونَ مَنْصُوبِهِ وَعَكْسِهِ وَلَا الْمُؤَكَّدِ دُونَ تَوْكِيدِهِ وَلَا الْمَعْطُوفِ دُونَ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ،(1/284)
وَلَا الْبَدَلِ دُونَ مُبْدَلِهِ وَلَا إِنَّ أَوْ كَانَ أَوْ ظَنَّ وَأَخَوَاتِهَا دُونَ اسْمِهَا وَلَا اسْمِهَا دُونَ خَبَرِهَا وَلَا الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ دُونَ الِاسْتِثْنَاءِ وَلَا الْمَوْصُولِ دُونَ صلته اسميا أوحرفيا وَلَا الْفِعْلِ دُونَ مَصْدَرِهِ وَلَا حرف دُونَ مُتَعَلَّقِهِ وَلَا شَرْطٍ دُونَ جَزَائِهِ.
وَقَالَ غَيْرُهُ: الْوَقْفُ يَنْقَسِمُ إِلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ: تَامٍّ مُخْتَارٍ، وَكَافٍ جَائِزٍ، وَحَسَنٍ مَفْهُومٍ، وَقَبِيحٍ مَتْرُوكٍ.
فَالتَّامُّ: هُوَ الَّذِي لَا يَتَعَلَّقُ بِشَيْءٍ مِمَّا بَعْدَهُ فَيَحْسُنُ الْوَقْفُ عَلَيْهِ وَالِابْتِدَاءُ بِمَا بَعْدَهُ وأكثر ما يوجد عند رؤوس الْآيِ غَالِبًا كَقَوْلِهِ: {وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} وَقَدْ يُوجَدُ فِي أَثْنَائِهَا كَقَوْلِهِ: {وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً} ، هُنَا التَّمَامُ لِأَنَّهُ انْقَضَى كَلَامُ بِلْقِيسٍ ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: {وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ} .
وَكَذَلِكَ: {لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي} هُنَا التَّمَامُ لِأَنَّهُ انْقَضَى كَلَامُ الظَّالِمِ أُبَيِّ بْنِ خَلَفٍ ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: {وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولاً} .
وَقَدْ يُوجَدُ بَعْدَهَا كَقَوْلِهِ: {مُصْبِحِينَ وَبِاللَّيْلِ} هُنَا التَّمَامُ لِأَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى الْمَعْنَى أَيْ بِالصُّبْحِ وَبِاللَّيْلِ.
وَمِثْلِهِ: {يَتَّكِئُونَ وَزُخْرُفاً} رأس الآية " يتكئون " و " زخرفا " هُوَ التَّمَامُ لِأَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ.(1/285)
وَآخَرِ كُلِّ قِصَّةٍ وَمَا قَبْلَ أَوَّلِهَا وَآخَرِ كُلِّ سُورَةٍ وَقَبْلَ ياء النداء وفعل الأم وَالْقَسَمِ وَلَامِهِ دُونَ الْقَوْلِ وَالشَّرْطِ مَا لَمْ يتقدم جوابه: "وكان الله "، " وما كان " و " ذلك " وَ " لَوْلَا " غَالِبُهُنَّ تَامٌّ مَا لَمْ يَتَقَدَّمْهُنَّ قَسَمٌ أَوْ قَوْلٌ أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ.
وَالْكَافِي مُنْقَطِعٌ فِي اللَّفْظِ مُتَعَلِّقٌ فِي الْمَعْنَى: فَيَحْسُنُ الْوَقْفُ عَلَيْهِ وَالِابْتِدَاءُ بِمَا بَعْدَهُ أَيْضًا نَحْوُ: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} هنا الوقف ويتبدأ بِمَا بَعْدَ ذَلِكَ وَهَكَذَا كُلُّ رَأْسِ آيَةٍ بَعْدَهَا " لَامُ كَيْ " وَ " إِلَّا " بِمَعْنَى " لَكِنْ " وَ " إِنَّ " الشَّدِيدَةُ الْمَكْسُورَةُ، وَالِاسْتِفْهَامُ، وَ " بَلْ "، وَ " أَلَا " الْمُخَفَّفَةُ، وَ " السِّينُ "، وَ " سَوْفَ " لِلتَّهْدِيدِ، وَ " نِعْمَ " وَ " بِئْسَ " وَ " كَيْلَا "، مالم يَتَقَدَّمْهُنَّ قَوْلٌ أَوْ قَسَمٌ.
وَالْحَسَنُ: هُوَ الَّذِي يَحْسُنُ الْوَقْفُ عَلَيْهِ وَلَا يَحْسُنُ الِابْتِدَاءُ بِمَا بَعْدَهُ نَحْوَ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} وَالْقَبِيحُ: هُوَ الَّذِي لَا يُفْهَمُ مِنْهُ الْمُرَادُ: كَـ {الْحَمْدُ} وَأَقْبَحُ مِنْهُ الْوَقْفُ عَلَى: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا} ، وَيَبْتَدِئُ: {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ} لِأَنَّ الْمَعْنَى مُسْتَحِيلٌ بِهَذَا الِابْتِدَاءِ وَمَنْ تَعَمَّدَهُ وَقَصَدَ مَعْنَاهُ فَقَدْ كَفَرَ. وَمِثْلُهُ(1/286)
فِي الْوَقْفِ: {فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ} {فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ} .
وَأَقْبَحُ مِنْ هَذَا الْوَقْفُ عَلَى الْمَنْفِيِّ دُونَ حرف الإيجاب، نحو: {لا إِلَهَ} {إلا الله} {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ} {إِلَّا مُبَشِّراً وَنَذِيراً} فَإِنِ اضْطُرَّ لِأَجْلِ التَّنَفُّسِ جَازَ ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى مَا قَبْلَهُ حَتَّى يَصِلَهُ بِمَا بَعْدَهُ وَلَا حَرَجَ. انْتَهَى.
وَقَالَ السَّجَاوَنْدِيُّ: الْوَقْفُ عَلَى خَمْسِ مَرَاتِبَ: لَازِمٌ، وَمُطْلَقٌ، وَجَائِزٌ، وَمُجَوَّزٌ لِوَجْهٍ، وَمُرَخَّصٌ ضَرُورَةً.
فَاللَّازِمُ: مَا لَوْ وُصِلَ طَرَفَاهُ غُيِّرَ الْمُرَادُ نَحْوُ قَوْلِهِ: {وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ} يَلْزَمُ الْوَقْفُ هُنَا إِذْ لَوْ وُصِلَ بِقَوْلِهِ: {يُخَادِعُونَ اللَّهَ} تُوُهِّمَ أَنَّ الْجُمْلَةَ صِفَةٌ لِقَوْلِهِ {بِمُؤْمِنِينَ} فَانْتَفَى الْخِدَاعُ عَنْهُمْ وَتَقَرَّرَ الْإِيمَانُ خَالِصًا عَنِ الْخِدَاعِ كَمَا تَقُولُ: مَا هُوَ بِمُؤْمِنٍ مُخَادِعٍ. وَالْقَصْدُ فِي الْآيَةِ إِثْبَاتُ الْخِدَاعِ بَعْدَ نَفْيِ الْإِيمَانِ.
وَكَمَا فِي قَوْلِهِ: {لَا ذَلُولٌ تُثِيرُ الأَرْضَ} فَإِنَّ جُمْلَةَ "تُثِيرُ" صِفَةٌ لِـ"ذَلُولٌ" دَاخِلَةٌ حَيِّزِ النَّفْيِ أَيْ لَيْسَتْ ذَلُولًا مُثِيرَةً لِلْأَرْضِ.
وَنَحْوُ: {سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ} فَلَوْ وَصَلَهَا بِقَوْلِهِ: {لَهُ(1/287)
مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ} لَأَوْهَمَ أَنَّهُ صِفَةٌ لِوَلَدٍ وَأَنَّ الْمَنْفِيَّ وَلَدٌ مَوْصُوفٌ بِأَنَّ له ما في السموات والمراد الْوَلَدِ مُطْلَقًا.
وَالْمُطْلَقُ: مَا يَحْسُنُ الِابْتِدَاءُ بِمَا بَعْدَهُ كَالِاسْمِ الْمُبْتَدَأِ بِهِ نَحْوَ: {اللَّهَ يَجْتَبِي} .
وَالْفِعْلِ الْمُسْتَأْنَفِ نَحْوَ: {يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً} و: {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ} وَ: {سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً} .
وَمَفْعُولِ الْمَحْذُوفِ نَحْوَ: {وَعَدَ اللَّهُ} {سُنَّةَ اللَّهِ} .
وَالشَّرْطِ نَحْوَ: {مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ} .
وَالِاسْتِفْهَامِ وَلَوْ مُقَدَّرًا نَحْوَ: {أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا} {تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا} .
وَالنَّفْيِ: {مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ} {إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَاراً} حَيْثُ لَمْ يَكُنْ كُلُّ ذَلِكَ مَقُولًا لِقَوْلٍ سَابِقٍ.
وَالْجَائِزُ: مَا يَجُوزُ فِيهِ الْوَصْلُ وَالْفَصْلُ لِتَجَاذُبِ الْمُوَجِبَيْنِ مِنَ الطَّرَفَيْنِ نَحْوُ: {وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ} فَإِنَّ وَاوَ الْعَطْفِ تَقْتَضِي الْوَصْلَ وَتَقْدِيمُ الْمَفْعُولِ عَلَى الْفِعْلِ يَقْطَعُ النَّظْمَ فَإِنَّ التَّقْدِيرَ: "وَيُوقِنُونَ بِالْآخِرَةِ ".
وَالْمُجَوَّزُ لِوَجْهٍ: نَحْوَ: {أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ}(1/288)
لِأَنَّ الْفَاءَ فِي قَوْلِهِ: {فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ} تَقْتَضِي التَّسَبُّبَ وَالْجَزَاءَ وَذَلِكَ يُوجِبُ الْوَصْلَ وَكَوْنُ نظم الْفِعْلِ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ يَجْعَلُ لِلْفَصْلِ وَجْهًا.
وَالْمُرَخَّصُ ضَرُورَةً: مَا لَا يَسْتَغْنِي مَا بَعْدَهُ عَمَّا قَبْلَهُ لَكِنَّهُ يُرَخَّصُ لِانْقِطَاعِ النَّفَسِ وَطُولِ الْكَلَامِ وَلَا يَلْزَمُهُ الْوَصْلُ بِالْعَوْدِ لِأَنَّ مَا بَعْدَهُ جُمْلَةٌ مَفْهُومَةٌ كقوله: {وَالسَّمَاءَ بِنَاءً} لأن قوله: {وَأَنْزَلَ} لَا يَسْتَغْنِي عَنْ سِيَاقِ الْكَلَامِ فَإِنَّ فَاعِلَهُ ضَمِيرٌ يَعُودُ إِلَى مَا قَبْلَهُ غَيْرَ أَنَّ الْجُمْلَةَ مَفْهُومَةٌ.
وَأَمَّا مَا لَا يَجُوزُ الْوَقْفُ عَلَيْهِ فَكَالشَّرْطِ دُونَ جَزَائِهِ وَالْمُبْتَدَأِ دُونَ خَبَرِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.
وَقَالَ غَيْرُهُ: الْوَقْفُ فِي التَّنْزِيلِ عَلَى ثَمَانِيَةِ أَضْرُبٍ تَامٍّ وَشَبِيهٍ بِهِ وَنَاقِصٍ وَشَبِيهٍ بِهِ وَحَسَنٍ وَشَبِيهٍ بِهِ، وَقَبِيحٍ وَشَبِيهٍ بِهِ.
وَقَالَ ابْنُ الْجَزَرِيِّ: أَكْثَرُ مَا ذَكَرَ النَّاسُ فِي أَقْسَامِ الْوَقْفِ غَيْرُ مُنْضَبِطٍ وَلَا مُنْحَصِرٍ وَأَقْرَبُ مَا قُلْتُهُ فِي ضَبْطِهِ: أَنَّ الْوَقْفَ يَنْقَسِمُ إِلَى اخْتِيَارِيٍّ وَاضْطِرَارِيٍّ لِأَنَّ الْكَلَامَ إِمَّا أَنْ يَتِمَّ أَوْ لَا فَإِنْ تَمَّ كَانَ اختياريا وكونه تاما لا يخلوا إِمَّا أَلَّا يَكُونَ لَهُ تَعَلُّقٌ بِمَا بَعْدَهُ الْبَتَّةَ - أَيْ لَا مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ وَلَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى - فَهُوَ الْوَقْفُ الْمُسَمَّى بِالتَّامِّ لِتَمَامِهِ الْمُطْلَقِ يُوقَفُ عَلَيْهِ ويبتدأ بِمَا بَعْدَهُ ثُمَّ مَثَّلَهُ بِمَا تَقَدَّمَ فِي التَّامِّ.
قَالَ: وَقَدْ يَكُونُ الْوَقْفُ تَامًّا فِي تَفْسِيرٍ وَإِعْرَابٍ وَقِرَاءَةٍ غَيْرُ تَامٍّ عَلَى آخَرَ نَحْوُ: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ} تَامٌّ إِنْ كَانَ مَا بَعْدَهُ مُسْتَأْنَفًا(1/289)
غَيْرُ تَامٍّ إِنْ كَانَ مَعْطُوفًا. وَنَحْوُ فَوَاتِحِ السُّوَرِ الْوَقْفُ عَلَيْهَا تَامٌّ إِنْ أُعْرِبَتْ مُبْتَدَأً وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ أَوْ عَكْسُهُ أَيْ الم هَذِهِ أَوْ هَذِهِ الم أَوْ مَفْعُولًا بِ قُلْ مُقَدَّرًا غَيْرُ تَامٍّ إِنْ كَانَ مَا بَعْدَهَا هُوَ الْخَبَرُ.
وَنَحْوُ: {مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً} تَامٌّ عَلَى قِرَاءَةِ: {وَاتَّخِذُوا} بِكَسْرِ الْخَاءِ كَافٍ عَلَى قِرَاءَةِ الْفَتْحِ وَنَحْوُ: {إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} تَامٌّ عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ رَفَعَ الِاسْمَ الْكَرِيمَ بَعْدَهَا حَسَنٌ عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ خَفَضَ.
وَقَدْ يَتَفَاضَلُ التَّامُّ نَحْوَ: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} كِلَاهُمَا تَامٌّ إِلَّا أَنَّ الْأَوَّلَ أَتَمُّ مِنَ الثَّانِي لِاشْتِرَاكِ الثَّانِي فِيمَا بَعْدَهُ فِي مَعْنَى الْخِطَابِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ.
وَهَذَا هُوَ الَّذِي سَمَّاهُ بَعْضُهُمْ شَبِيهًا بِالتَّامِّ.
وَمِنْهُ ما يتأكد استحسانه لِبَيَانِ الْمَعْنَى الْمَقْصُودِ بِهِ وَهُوَ الَّذِي سَمَّاهُ السَّجَاوَنْدِيُّ بِاللَّازِمِ وَإِنْ كَانَ لَهُ تَعَلُّقٌ فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى فَقَطْ وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالْكَافِي لِلِاكْتِفَاءِ بِهِ وَاسْتِغْنَائِهِ عَمَّا بَعْدَهُ وَاسْتِغْنَاءِ مَا بَعْدَهُ عَنْهُ كَقَوْلِهِ: {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} وَقَوْلِهِ: {وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ} وَقَوْلِهِ: {عَلَى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ} .
أويتفاضل في الكفاية كتفاضل التام نَحْوُ: {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ} كَافٍ: {فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً} أَكْفَى مِنْهُ: {بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} أَكَفَى مِنْهُمَا.
وَقَدْ يَكُونُ الْوَقْفُ كَافِيًا عَلَى تَفْسِيرٍ وَإِعْرَابٍ وَقِرَاءَةٍ غَيْرُ كَافٍ عَلَى آخَرَ،(1/290)
نَحْوُ قَوْلِهِ: {يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} كَافٍ إِنْ جُعِلَتْ مَا بَعْدَهُ نَافِيَةً حَسَنٌ إِنَّ فُسِّرَتْ مَوْصُولَةً.
{وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ} كَافٍ إِنْ أُعْرِبَ مَا بَعْدَهُ مُبْتَدَأً خَبَرُهُ: {عَلَى هُدىً} حَسَنٌ إِنْ جُعِلَ خَبَرَ: {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} أَوْ خَبَرَ: {وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ} .
{وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ} كَافٍ عَلَى قِرَاءَةِ أَمْ تَقُولُونَ بِالْخِطَابِ حَسَنٌ عَلَى قِرَاءَةِ الْغَيْبِ.
{يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ} كَافٍ عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ رَفَعَ: {فَيَغْفِرُ} وَ: {يُعَذِّبُ} حَسَنٌ عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ جَزَمَ.
وَإِنْ كَانَ التَّعَلُّقُ مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ فَهُوَ الْمُسَمَّى بِالْحُسْنِ لِأَنَّهُ فِي نَفْسِهِ حَسَنٌ مُفِيدٌ يَجُوزُ الْوَقْفُ عَلَيْهِ دُونَ الِابْتِدَاءِ بِمَا بَعْدَهُ لِلتَّعَلُّقِ اللَّفْظِيِّ إِلَّا أَنْ يَكُونَ رَأْسَ آيَةٍ فَإِنَّهُ يَجُوزُ فِي اخْتِيَارِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْأَدَاءِ لِمَجِيئِهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ الْآتِي.
وَقَدْ يَكُونُ الْوَقْفُ حَسَنًا عَلَى تَقْدِيرٍ وَكَافِيًا أَوْ تَامًّا عَلَى آخَرَ نَحْوُ: {هُدىً لِلْمُتَّقِينَ} حَسَنٌ إِنْ جُعِلَ مَا بَعْدَهُ نَعْتًا كَافٍ إن جعل خبر مقدر أو مفعول مقدر عَلَى الْقَطْعِ تَامٌّ إِنْ جُعِلَ مُبْتَدَأً خَبَرُهُ: {أُولَئِكَ} .
وَإِنْ لَمْ يَتِمَّ الْكَلَامُ كَانَ الْوَقْفُ عَلَيْهِ اضْطِرَارِيًّا وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالْقَبِيحِ،(1/291)
لَا يَجُوزُ تَعَمُّدُ الْوَقْفِ عَلَيْهِ إِلَّا لِضَرُورَةٍ مِنِ انْقِطَاعِ نَفَسٍ وَنَحْوِهِ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ أَوْ لِفَسَادِ المعنى نحو: {صِرَاطَ الَّذِينَ} .
وَقَدْ يَكُونُ بَعْضُهُ أَقْبَحَ مِنْ بَعْضٍ نَحْوُ: {فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ} لإبهامه أَنَّهُمَا مَعَ الْبِنْتِ شُرَكَاءَ فِي النِّصْفِ.
وَأَقْبَحَ مِنْهُ نَحْوَ: {إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي} {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ} {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ} .
فَهَذَا حُكْمُ الْوَقْفِ اخْتِيَارِيًّا وَاضْطِرَارِيًّا.
وَأَمَّا الِابْتِدَاءُ فَلَا يَكُونُ إِلَّا اخْتِيَارِيًّا لِأَنَّهُ لَيْسَ كَالْوَقْفِ تَدْعُو إِلَيْهِ ضَرُورَةٌ فَلَا يَجُوزُ إِلَّا بِمُسْتَقِلٍّ بِالْمَعْنَى مُوفٍ بِالْمَقْصُودِ وَهُوَ فِي أَقْسَامِهِ كَأَقْسَامِ الْوَقْفِ الْأَرْبَعَةِ وتتفاوت تَمَامًا وَكِفَايَةً وَحُسْنًا وَقُبْحًا بِحَسَبِ التَّمَامِ وَعَدَمِهِ وَفَسَادِ الْمَعْنَى وَإِحَالَتِهُ نَحْوُ الْوَقْفِ عَلَى: {وَمِنَ النَّاسِ} فَإِنَّ الِابْتِدَاءَ بِـ" النَّاسِ " قَبِيحٌ وبـ {وَآمَنََّا} تَامٌّ فَلَوْ وُقِفَ عَلَى مَنْ يقول كَانَ الِابْتِدَاءُ بِـ" يَقُولُ " أَحْسَنَ من الابتداء بِـ" مَنْ ".
وَكَذَا الْوَقْفُ عَلَى: {خَتَمَ اللَّهُ} قَبِيحٌ وَالِابْتِدَاءُ بِ اللَّهُ أَقْبَحُ وَبِـ" خَتَمَ " كَافٍ.
وَالْوَقْفُ عَلَى: {عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ} وَ: {الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ} قبيح والابتداء بابن قبيح وَبِعُزَيْرٍ وَالْمَسِيحِ أَشَدُّ قُبْحًا.(1/292)
وَلَوْ وُقِفَ عَلَى: {مَا وَعَدَنَا اللَّهُ} ضَرُورَةً كَانَ الِابْتِدَاءُ بِالْجَلَالَةِ قَبِيحًا وَبِـ" وَعَدَنَا " أَقْبَحَ مِنْهُ وَبِـ" مَا " أَقْبَحَ مِنْهُمَا.
وَقَدْ يَكُونُ الْوَقْفُ حَسَنًا وَالِابْتِدَاءُ بِهِ قَبِيحًا نَحْوُ: {يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ} الْوَقْفُ عَلَيْهِ حَسَنٌ وَالِابْتِدَاءُ بِهِ قَبِيحٌ لِفَسَادِ الْمَعْنَى إِذْ يَصِيرُ تَحْذِيرًا مِنَ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ.
وَقَدْ يَكُونُ الْوَقْفُ قَبِيحًا وَالِابْتِدَاءُ جَيِّدًا نَحْوُ: {مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا} الْوَقْفُ عَلَى هَذَا قَبِيحٌ لِفَصْلِهِ بَيْنَ الْمُبْتَدَأِ وَخَبَرِهِ وَلِأَنَّهُ يُوهِمُ أَنَّ الْإِشَارَةَ إِلَى الْمَرْقَدِ وَالِابْتِدَاءُ بِهَذَا كَافٍ أَوْ تَامٌّ لِاسْتِئْنَافِهِ.
تَنْبِيهَاتٌ
الْأَوَّلُ: قَوْلُهُمْ: لَا يَجُوزُ الْوَقْفُ عَلَى الْمُضَافِ دُونَ الْمُضَافِ إليه ولا كذا قَالَ ابْنُ الْجَزَرِيِّ: إِنَّمَا يُرِيدُونَ بِهِ الْجَوَازَ الْأَدَائِيَّ وَهُوَ الَّذِي يَحْسُنُ فِي الْقِرَاءَةِ وَيَرُوقُ فِي التِّلَاوَةِ وَلَا يُرِيدُونَ بِذَلِكَ أَنَّهُ حَرَامٌ وَلَا مَكْرُوهٌ اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يَقْصِدَ بِذَلِكَ تَحْرِيفَ الْقُرْآنِ وَخِلَافَ الْمَعْنَى الَّذِي أَرَادَهُ اللَّهُ فَإِنَّهُ يَكْفُرُ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَأْثَمَ.
الثَّانِي: قَالَ ابْنُ الْجَزَرِيِّ أيضا: ليس كلما يَتَعَسَّفُهُ بَعْضُ الْمُعْرِبِينَ أَوْ يَتَكَلَّفُهُ بَعْضُ الْقُرَّاءِ أَوْ يَتَأَوَّلُهُ بَعْضُ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ مِمَّا يَقْتَضِي وَقْفًا أو ابتداء يَنْبَغِي أَنْ يُتَعَمَّدَ الْوَقْفُ عَلَيْهِ بَلْ يَنْبَغِي تَحَرِّي الْمَعْنَى الْأَتَمِّ وَالْوَقْفِ الْأَوْجَهِ،(1/293)
وَذَلِكَ نَحْوُ الْوَقْفِ عَلَى: {وَارْحَمْنَا أَنْتَ} وَالِابْتِدَاءُ {مَوْلانَا فَانْصُرْنَا} عَلَى مَعْنَى النِّدَاءِ.
وَنَحْوُ: {ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ} وَيَبْتَدِئُ {بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا} .
ونحو: {يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ} وَيَبْتَدِئُ بِاللَّهِ {إِنَّ الشِّرْكَ} عَلَى مَعْنَى الْقَسَمِ.
وَنَحْوُ: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ} وَيَبْتَدِئُ {اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} .
وَنَحْوُ: {فَلا جُنَاحَ} وَيَبْتَدِئُ {عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} .
فَكُلُّهُ تَعَسُّفٌ وَتَمَحُّلٌ وَتَحْرِيفٌ لِلْكَلِمِ عَنْ مَوَاضِعِهِ.
الثَّالِثُ: يُغْتَفَرُ فِي طُولِ الْفَوَاصِلِ وَالْقَصَصِ وَالْجُمَلِ الْمُعْتَرِضَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَفِي حَالَةِ جَمْعِ القراءت وَقِرَاءَةِ التَّحْقِيقِ وَالتَّنْزِيلِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي غَيْرِهَا فَرُبَّمَا أُجِيزَ الْوَقْفُ وَالِابْتِدَاءُ لِبَعْضِ مَا ذُكِرَ وَلَوْ كَانَ لِغَيْرِ ذَلِكَ لَمْ يُبَحْ وَهَذَا الَّذِي سَمَّاهُ السَّجَاوَنْدِيُّ الْمُرَخَّصُ ضَرُورَةً وَمَثَّلَهُ بِقَوْلِهِ: {وَالسَّمَاءَ بِنَاءً} .
قَالَ ابْنُ الْجَزَرِيِّ: وَالْأَحْسَنُ تَمْثِيلُهُ بِنَحْوِ: {قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ} وبنحو: {النَّبِيِّينَ} وَبِنَحْوِ: {وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ} وبنحو: {عَاهَدُوا} وَبِنَحْوِ كُلٍّ مِنْ فَوَاصِلِ: {قَدْ أَفْلَحَ} الْمُؤْمِنُونَ إِلَى آخِرِ الْقِصَّةِ.(1/294)
وَقَالَ صَاحِبُ الْمُسْتَوْفَى: النَّحْوِيُّونَ يَكْرَهُونَ الْوَقْفَ النَّاقِصَ فِي التَّنْزِيلِ مَعَ إِمْكَانِ التَّامِّ فَإِنْ طَالَ الْكَلَامُ وَلَمْ يُوجَدْ فِيهِ وَقْفٌ تَامٌّ حَسُنَ الْأَخْذُ بِالنَّاقِصِ كَقَوْلِهِ: {قُلْ أُوحِيَ} إِلَى قَوْلِهِ: {فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً} إِنْ كَسَرْتَ بَعْدَهُ إِنْ وَإِنْ فَتَحْتَهَا فَإِلَى قَوْلِهِ: {كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً} .
قَالَ: وَيُحَسِّنُ الْوَقْفَ النَّاقِصَ أُمُورٌ مِنْهَا أَنْ يَكُونَ لِضَرْبٍ مِنَ الْبَيَانِ كَقَوْلِهِ: {وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا} فَإِنَّ الْوَقْفَ هُنَا يُبَيِّنُ أَنَّ {قِيَماً} مُنْفَصِلٌ عَنْهُ وَأَنَّهُ حَالٌ فِي نِيَّةِ التَّقْدِيمِ وَكَقَوْلِهِ: {وَبَنَاتُ الْأُخْتِ} لِيَفْصِلَ بِهِ بَيْنَ التَّحْرِيمِ النَّسَبِيِّ وَالسَّبَبِيِّ وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ الْكَلَامُ مَبْنِيًّا عَلَى الْوَقْفِ نَحْوُ: {يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ} .
قَالَ ابْنُ الْجَزَرِيِّ: وَكَمَا اغْتُفِرَ الْوَقْفُ لِمَا ذُكِرَ قَدْ لَا يُغْتَفَرُ وَلَا يَحْسُنُ فِيمَا قَصُرَ مِنَ الْجُمَلِ وَإِنْ لَمْ يَكُنِ التَّعَلُّقُ لَفْظِيًّا نَحْوُ: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ} ، {وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ} لقرب الوقف على {بِالرُّسُلِ} وعلى {الْقُدُسِ} . وَكَذَا يُرَاعَى فِي الْوَقْفِ الِازْدِوَاجُ فَيُوصِلُ مَا يُوقَفُ عَلَى نَظِيرِهِ مِمَّا يُوجَدُ التَّمَامُ عَلَيْهِ وَانْقَطَعَ تَعَلُّقُهُ بِمَا بَعْدَهُ لَفْظًا وَذَلِكَ مِنْ أَجْلِ ازْدِوَاجِهِ نَحْوُ: {لهَا مَا كَسَبَتْ} - مع - {وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ} .(1/295)
وَنَحْوُ: {فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} مَعَ: {وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} .
وَنَحْوُ: {يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ} – مَعَ - {وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ} .
وَنَحْوُ: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ} مَعَ {وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا} .
الرَّابِعُ: قَدْ يُجِيزُونَ الْوَقْفَ عَلَى حرف ويجيز آخرون الوقف على آخَرَ وَيَكُونُ بَيْنَ الْوَقْفَيْنِ مُرَاقَبَةٌ عَلَى التَّضَادِّ فَإِذَا وُقِفَ عَلَى أَحَدِهِمَا امْتَنَعَ الْوَقْفُ عَلَى الْآخَرِ كَمَنْ أَجَازَ الْوَقْفَ عَلَى: {لَا رَيْبَ} فَإِنَّهُ لَا يُجِيزُهُ عَلَى: {فِيهِ} وَالَّذِي يُجِيزُهُ عَلَى: {فِيهِ} لَا يُجِيزُهُ عَلَى: {لَا رَيْبَ} .
وَكَالْوَقْفِ عَلَى: {وَلا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ} فَإِنَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ: {كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ} مُرَاقَبَةً وَالْوَقْفِ عَلَى: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ} فَإِنَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} مُرَاقَبَةً.
قَالَ ابْنُ الْجَزَرِيِّ وَأَوَّلُ مَنْ نَبَّهَ عَلَى الْمُرَاقَبَةِ فِي الْوَقْفِ أَبُو الْفَضْلِ الرَّازِيُّ أَخَذَهُ مِنَ الْمُرَاقَبَةِ فِي الْعَرُوضِ.
الْخَامِسُ: قَالَ ابْنُ مُجَاهِدٍ لَا يَقُومُ بِالتَّمَامِ فِي الْوَقْفِ إِلَّا نَحْوِيٌّ عَالِمٌ بِالْقِرَاءَاتِ عَالَمٌ بِالتَّفْسِيرِ وَالْقَصَصِ وَتَخْلِيصِ بَعْضِهَا مِنْ بَعْضٍ عَالِمٌ بِاللُّغَةِ الَّتِي نَزَلَ بِهَا الْقُرْآنُ.(1/296)
وَقَالَ غَيْرُهُ: وَكَذَا عِلْمُ الْفِقْهِ وَلِهَذَا مَنْ لَمْ يَقْبَلْ شَهَادَةَ الْقَاذِفِ وَإِنْ تَابَ يَقِفُ عِنْدَ قَوْلِهِ: {وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً} . وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِذَلِكَ النِّكْزَاوِيُّ فَقَالَ فِي كِتَابِ الْوَقْفِ: لَا بُدَّ لِلْقَارِئِ مِنْ مَعْرِفَةِ بَعْضِ مَذَاهِبِ الْأَئِمَّةِ الْمَشْهُورِينَ فِي الْفِقْهِ لِأَنَّ ذَلِكَ يُعِينُ عَلَى مَعْرِفَةِ الْوَقْفِ وَالِابْتِدَاءِ لِأَنَّ فِي الْقُرْآنِ مَوَاضِعَ يَنْبَغِي الْوَقْفُ عَلَى مَذْهَبِ بَعْضِهِمْ وَيَمْتَنِعُ عَلَى مَذْهَبِ آخَرِينَ.
فَأَمَّا احْتِيَاجُهُ إِلَى عِلْمِ النَّحْوِ وَتَقْدِيرَاتِهِ فَلِأَنَّ مَنْ جَعَلَ: {مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ} مَنْصُوبًا عَلَى الْإِغْرَاءِ وَقَفَ عَلَى مَا قَبْلَهُ أما إذا أعمل فيه ما قبله فلا [يقف] .
وَأَمَّا احْتِيَاجُهُ إِلَى الْقِرَاءَاتِ فَلِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْوَقْفَ قَدْ يَكُونُ تَامًّا عَلَى قِرَاءَةٍ غَيْرَ تَامٍّ عَلَى أُخْرَى.
وَأَمَّا احْتِيَاجُهُ إِلَى التَّفْسِيرِ فَلِأَنَّهُ إِذَا وَقَفَ عَلَى: {فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً} كَانَ الْمَعْنَى إِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ هَذِهِ الْمُدَّةَ وَإِذَا وَقَفَ عَلَى: {عَلَيْهِمْ} كَانَ الْمَعْنَى إِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَبَدًا وَأَنَّ التِّيهَ أَرْبَعِينَ فَرَجَعَ في هَذَا إِلَى التَّفْسِيرِ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ أَيْضًا أَنَّ الْوَقْفَ يَكُونُ تَامًّا عَلَى تَفْسِيرٍ وَإِعْرَابٍ غَيْرُ تَامٍّ عَلَى تَفْسِيرٍ وَإِعْرَابٍ آخَرَ.
وَأَمَّا احْتِيَاجُهُ إِلَى الْمَعْنَى فَضَرُورَةٌ لِأَنَّ مَعْرِفَةَ مَقَاطِعِ الْكَلَامِ إِنَّمَا تَكُونُ بَعْدَ مَعْرِفَةِ مَعْنَاهُ كَقَوْلِهِ: {وَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ} فَقَوْلُهُ: {إِنَّ الْعِزَّةَ} اسْتِئْنَافٌ لَا مَقُولُهُمْ وَقَوْلُهُ: {فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآياتِنَا} ويبتدئ: {أَنْتُمَا} وَقَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ: الْأَحْسَنُ الْوَقْفُ عَلَى {إِلَيْكُمَا} ،(1/297)
لِأَنَّ إِضَافَةَ الْغَلَبَةِ إِلَى الْآيَاتِ أَوْلَى مِنْ إِضَافَةِ عَدَمِ الْوُصُولِ إِلَيْهَا لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْآيَاتِ الْعَصَا وَصِفَاتُهَا وَقَدْ غَلَبُوا بِهَا السَّحَرَةَ وَلَمْ تَمْنَعْ عَنْهُمْ فِرْعَوْنَ.
وَكَذَا الْوَقْفُ عَلَى قَوْلِهِ: {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ} ويبتدئ: {وَهَمَّ بِهَا} عَلَى أَنَّ الْمَعْنَى: "لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ لَهَمَّ بِهَا " فَقُدِّمَ جَوَابُ " لَوْلَا "، وَيَكُونُ هَمُّهُ مُنْتَفِيًا فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ مَعْرِفَةَ الْمَعْنَى أَصْلٌ فِي ذَلِكَ كَبِيرٌ.
السَّادِسُ: حَكَى ابْنُ بَرْهَانٍ النَّحْوِيُّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ الْقَاضِي صَاحِبِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ تَقْدِيرَ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ مِنَ الْقُرْآنِ بِالتَّامِّ وَالنَّاقِصِ وَالْحَسَنِ وَالْقَبِيحِ وَتَسْمِيَتِهِ بِذَلِكَ بِدْعَةٌ وَمُتَعَمِّدُ الْوُقُوفِ عَلَى نَحْوِهِ مُبْتَدِعٌ قَالَ: لِأَنَّ الْقُرْآنَ مُعْجِزٌ وَهُوَ كالقطعة الْوَاحِدَةِ فَكُلُّهُ قُرْآنٌ وَبَعْضُهُ قُرْآنٌ وَكُلُّهُ تَامٌّ حَسَنٌ وَبَعْضُهُ تَامٌّ حَسَنٌ.
السَّابِعُ: لِأَئِمَّةِ الْقُرَّاءِ مَذَاهِبٌ فِي الْوَقْفِ وَالِابْتِدَاءِ فَنَافِعٌ كَانَ يُرَاعِي محاسنهما بِحَسَبِ الْمَعْنَى وَابْنُ كَثِيرٍ وَحَمْزَةُ حَيْثُ يَنْقَطِعُ النَّفَسُ وَاسْتَثْنَى ابْنُ كَثِيرٍ: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ} {وَمَا يُشْعِرُكُمْ} ، {إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ} فَتَعَمَّدَ الْوَقْفَ عَلَيْهَا وَعَاصِمٌ وَالْكِسَائِيُّ حَيْثُ تَمَّ الْكَلَامُ وَأَبُو عَمْرٍو يتعمد رؤوس الْآيِ وَيَقُولُ هُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ فَقَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ إِنَّ الْوَقْفَ عَلَيْهِ سُنَّةٌ.(1/298)
وَقَالَ الْبَيْهَقِيٌّ فِي الشُّعَبِ وَآخَرُونَ: الْأَفْضَلُ الْوَقْفُ على رؤوس الْآيَاتِ وَإِنْ تَعَلَّقَتْ بِمَا بَعْدَهَا اتِّبَاعًا لِهَدْيِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسُنَّتِهِ.
رَوَى أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا قَرَأَ قَطَّعَ قِرَاءَتَهُ آيَةً آيَةً يَقُولُ: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ثُمَّ يَقِفُ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ، ثُمَّ يَقِفُ {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ثُمَّ يَقِفُ.
الثَّامِنُ: الْوَقْفُ وَالْقَطْعُ وَالسَّكْتُ عِبَارَاتٌ يُطْلِقُهَا الْمُتَقَدِّمُونَ غَالِبًا مُرَادًا بِهَا الْوَقْفُ وَالْمُتَأَخِّرُونَ فَرَّقُوا فَقَالُوا:
الْقَطْعُ: عِبَارَةٌ عَنْ قَطْعِ الْقِرَاءَةِ رَأْسًا فَهُوَ كَالِانْتِهَاءِ فَالْقَارِئُ بِهِ كَالْمُعْرِضِ عَنِ الْقِرَاءَةِ وَالْمُنْتَقِلِ إِلَى حَالَةٍ أُخْرَى غَيْرِهَا وَهُوَ الَّذِي يُسْتَعَاذُ بَعْدَهُ لِلْقِرَاءَةِ الْمُسْتَأْنَفَةِ وَلَا يَكُونُ إِلَّا عَلَى رَأْسِ آيَةٍ لأن رؤوس الآي في نفسها مقاطع أَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ فِي سُنَنِهِ حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ عَنْ أَبِي سِنَانٍ عَنِ ابْنِ أَبِي الْهُذَيْلِ أَنَّهُ قَالَ كَانُوا يَكْرَهُونَ أن يقرؤوا بعض الآية وَيَدَعُوا بَعْضَهَا. إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ. وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي الْهُذَيْلِ تَابِعِيٌّ كَبِيرٌ وَقَوْلُهُ: "كَانُوا " يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا يَكْرَهُونَ ذَلِكَ.
وَالْوَقْفُ عِبَارَةٌ عَنْ قَطْعِ الصَّوْتِ عَنِ الْكَلِمَةِ زَمَنًا يُتَنَفَّسُ فِيهِ عَادَةً بِنِيَّةِ اسْتِئْنَافِ الْقِرَاءَةِ لَا بنية الإعراض ويكون في رؤوس الْآيِ وَأَوْسَاطِهَا وَلَا يَأْتِي فِي وَسَطِ الْكَلِمَةِ وَلَا فِيمَا اتَّصَلَ رَسْمًا.
وَالسَّكْتُ: عِبَارَةٌ عَنْ قَطْعِ الصَّوْتِ زَمَنًا هُوَ دُونَ زَمَنِ الْوَقْفِ عَادَةً مِنْ غَيْرِ تَنَفُّسٍ وَاخْتِلَافُ أَلْفَاظِ الْأَئِمَّةِ فِي التَّأْدِيَةِ عَنْهُ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى طُولِهِ وَقِصَرِهِ فَعَنْ حَمْزَةَ فِي السَّكْتِ عَلَى السَّاكِنِ قَبْلَ الْهَمْزَةِ سَكْتَةٌ يَسِيرَةٌ وَقَالَ الْأُشْنَانِيُّ،(1/299)
قَصِيرَةٌ وَعَنِ الْكِسَائِيِّ. سَكْتَةٌ مُخْتَلَسَةٌ مِنْ غَيْرِ إِشْبَاعٍ وَقَالَ ابْنُ غَلْبُونَ: وَقْفَةٌ يَسِيرَةٌ وَقَالَ مَكِّيٌّ: وَقْفَةٌ خَفِيفَةٌ وَقَالَ ابْنُ شُرَيْحٍ: وُقَيْفَةٌ. وَعَنْ قُتَيْبَةَ: مِنْ غَيْرِ قَطْعِ نَفَسٍ وَقَالَ الدَّانِيُّ سَكْتَةٌ لَطِيفَةٌ مِنْ غَيْرِ قَطْعٍ.
وَقَالَ الْجَعْبَرِيُّ: قَطْعُ الصَّوْتِ زَمَنًا قَلِيلًا أَقْصَرُ مِنْ زَمَنِ إِخْرَاجِ النَّفَسِ لِأَنَّهُ إِنْ طَالَ صَارَ وَقْفًا فِي عِبَارَاتٍ أُخَرَ.
قَالَ ابْنُ الْجَزَرِيِّ: وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مُقَيَّدٌ بِالسَّمَاعِ وَالنَّقْلِ وَلَا يَجُوزُ إِلَّا فِيمَا صَحَّتِ الرِّوَايَةُ بِهِ لِمَعْنًى مَقْصُودٍ بذاته. وقيل: يجوز في رؤوس الْآيِ مُطْلَقًا حَالَةَ الْوَصْلِ لِقَصْدِ الْبَيَانِ وَحَمَلَ بَعْضُهُمُ الْحَدِيثَ الْوَارِدَ عَلَى ذَلِكَ.
ضَوَابِطٌ
1- كُلُّ مَا فِي الْقُرْآنِ مِنَ " الَّذِي " وَ " الَّذِينَ " يَجُوزُ فِيهِ الْوَصْلُ بِمَا قَبْلَهُ نَعْتًا وَالْقَطْعُ عَلَى أَنَّهُ خَبَرٌ إِلَّا فِي سَبْعَةِ مَوَاضِعَ فَإِنَّهُ يَتَعَيَّنُ الِابْتِدَاءُ بِهَا.
{الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ} فِي الْبَقَرَةِ.
{الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ} فِيهَا وَفِي الْأَنْعَامِ أَيْضًا.
{الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا} فِي البقرة.
{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا} فِي بَرَاءَةٌ.
{الَّذِينَ يُحْشَرُونَ} فِي الْفُرْقَانِ.(1/300)
{الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ} فِي غَافِرٍ.
وَفِي الْكَشَّافِ فِي قَوْلِهِ: {الَّذِي يُوَسْوِسُ} يَجُوزُ أَنْ يَقِفَ الْقَارِئُ عَلَى الْمَوْصُوفِ وَيَبْتَدِئَ بِـ" الَّذِي " إِنْ حَمَلْتَهُ عَلَى الْقَطْعِ بِخِلَافِ مَا إِذَا جَعَلْتَهُ صِفَةً.
وَقَالَ الرُّمَّانِيُّ: الصِّفَةُ إِنْ كَانَتْ لِلِاخْتِصَاصِ امْتَنَعَ الْوَقْفُ عَلَى مَوْصُوفِهَا دُونَهَا وَإِنْ كَانَتْ لِلْمَدْحِ جَازَ لِأَنَّ عَامِلَهَا فِي الْمَدْحِ غَيْرُ عَامِلِ الْمَوْصُوفِ.
2- الْوَقْفُ عَلَى الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ دُونَ الْمُسْتَثْنَى إِنْ كَانَ مُنْقَطِعًا فِيهِ مَذَاهِبُ الْجَوَازُ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى مُبْتَدَأٍ حُذِفَ خَبَرُهُ لِلدَّلَالَةِ عَلَيْهِ.
وَالْمَنْعُ مُطْلَقًا لِاحْتِيَاجِهِ إِلَى مَا قَبْلَهُ لَفْظًا لِأَنَّهُ لَمْ يُعْهَدِ اسْتِعْمَالُ "إِلَّا" وَمَا فِي مَعْنَاهَا إِلَّا مُتَّصِلَةً بِمَا قَبْلَهَا وَمَعْنَى لِأَنَّ مَا قَبْلَهَا مُشْعِرٌ بِتَمَامِ الْكَلَامِ فِي الْمَعْنَى إِذْ قَوْلُكَ: مَا فِي الدَّارِ أَحَدٌ هُوَ الَّذِي صَحَّحَ " إِلَّا الْحِمَارَ "، وَلَوْ قُلْتَ: "إِلَّا الْحِمَارَ " عَلَى انْفِرَادِهِ كَانَ خَطَأً.
وَالثَّالِثُ التَّفْصِيلُ فَإِنْ صَرَّحَ بِالْخَبَرِ جَازَ لِاسْتِقْلَالِ الْجُمْلَةِ وَاسْتِغْنَائِهَا عَمَّا قَبْلَهَا وَإِنْ لِمْ يُصَرَّحْ بِهِ فَلَا لِافْتِقَارِهَا قَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي أَمَالِيهِ.
3- الْوَقْفُ عَلَى الْجُمْلَةِ النِّدَائِيَّةِ جَائِزٌ كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ عَنِ الْمُحَقِّقِينَ لِأَنَّهَا مُسْتَقِلَّةٌ وَمَا بَعْدَهَا جُمْلَةٌ أُخْرَى وَإِنْ كَانَتِ الْأُولَى تَتَعَلَّقُ بِهَا.(1/301)
4- كُلُّ مَا فِي الْقُرْآنِ مِنَ الْقَوْلِ لَا يَجُوزُ الْوَقْفُ عَلَيْهِ لِأَنَّ مَا بَعْدَهُ حِكَايَتُهُ قَالَهُ الْجُوَيْنِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ.
5- " كَلَّا " فِي الْقُرْآنِ فِي ثَلَاثَةٍ وَثَلَاثِينَ مَوْضِعًا مِنْهَا سَبْعَةٌ لِلرَّدْعِ اتِّفَاقًا فَيُوقَفُ عَلَيْهَا وَذَلِكَ:
{عَهْداً كَلَّا} فِي مَرْيَمَ.
{عِزّاً كَلَّا} فِي مَرْيَمَ.
{أَنْ يَقْتُلُونِ قَالَ كَلَّا} فِي الشُّعَرَاءِ.
{إِنَّا لَمُدْرَكُونَ قَالَ كَلَّا} فِي الشُّعَرَاءِ.
{شُرَكَاءَ كَلَّا} فِي سَبَأٍ.
{أَنْ أَزِيدَ كَلَّا} فِي الْمُدَّثِّرِ.
{أَيْنَ الْمَفَرُّ كَلَّا} فِي الْقِيَامَةِ.
وَالْبَاقِي مِنْهَا مَا هُوَ بِمَعْنَى حَقًّا قَطْعًا فَلَا يُوقَفُ عَلَيْهِ وَمِنْهَا مَا احْتَمَلَ الْأَمْرَيْنِ فَفِيهِ الْوَجْهَانِ وَقَالَ مَكِّيٌّ: هِيَ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ:
الْأَوَّلُ: مَا يَحْسُنُ الْوَقْفُ فِيهِ عَلَيْهَا عَلَى مَعْنَى الرَّدْعِ وَهُوَ الِاخْتِيَارُ وَيَجُوزُ الِابْتِدَاءُ بِهَا عَلَى مَعْنَى " حَقًّا " وَذَلِكَ أَحَدَ عَشَرَ مَوْضِعًا:
اثْنَانِ فِي مَرْيَمَ وَفِي: {قَدْ أَفْلَحَ} وَسَبَأٍ وَاثْنَانِ فِي الْمَعَارِجِ وَاثْنَانِ فِي الْمُدَّثِّرِ: {أَنْ أَزِيدَ كَلَّا} {مُنَشَّرَةً كَلَّا} ، وَفِي الْمُطَفِّفِينَ: {أَسَاطِيرُ(1/302)
الأَوَّلِينَ كَلَّا} وفي الفجر: {أَهَانَنِ كَلَّا} وَفِي الْهُمَزَةِ: {أَخْلَدَهُ كَلَّا}
الثَّانِي: مَا يَحْسُنُ الْوَقْفُ عَلَيْهَا وَلَا يَجُوزُ الِابْتِدَاءُ بِهَا وَهُوَ مَوْضِعَانِ فِي الشُّعَرَاءِ: {أَنْ يَقْتُلُونِ قَالَ كَلَّا} {إِنَّا لَمُدْرَكُونَ قَالَ كَلَّا}
الثَّالِثُ: مَا لَا يَحْسُنُ الْوَقْفُ عليها ولا الِابْتِدَاءُ بِهَا بَلْ تُوصَلُ بِمَا قَبْلَهَا وَبِمَا بَعْدَهَا وَهُوَ مَوْضِعَانِ فِي عَمَّ وَالتَّكَاثُرِ: {ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ} {ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ}
الرَّابِعُ: مَا لَا يَحْسُنُ الْوَقْفُ عَلَيْهَا وَلَكِنْ يبتدأ بها وهو الثَّمَانِيَةَ عَشَرَ الْبَاقِيَةُ.
6- " بَلَى " فِي الْقُرْآنِ فِي اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ مَوْضِعًا وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ:
الْأَوَّلُ: مَا لَا يَجُوزُ الْوَقْفُ عَلَيْهَا إِجْمَاعًا لتعليق ما بعدها بما قبلها وهو سَبْعَةُ مَوَاضِعَ:
فِي الْأَنْعَامِ: {بَلَى وَرَبِّنَا} .
فِي النَّحْلِ: {بَلَى وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً} .
فِي سَبَأٍ: {قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ} .(1/303)
فِي الزُّمَرِ: {بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ} .
فِي الْأَحْقَافِ: {بَلَى وَرَبِّنَا} .
فِي التَّغَابُنِ: {قُلْ بَلَى وَرَبِّي} .
فِي الْقِيَامَةِ: {بَلَى قَادِرِينَ} .
الثَّانِي: مَا فِيهِ خِلَافٌ وَالِاخْتِيَارُ الْمَنْعُ وَذَلِكَ خَمْسَةُ مَوَاضِعَ:
فِي البقرة: {لَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} .
فِي الزُّمَرِ: {بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ} .
فِي الزُّخْرُفِ: {بَلَى وَرُسُلُنَا} .
فِي الْحَدِيدِ: {قَالُوا بَلَى} .
فِي تَبَارَكَ: {قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا} .
الثَّالِثُ: مَا الِاخْتِيَارُ جَوَازُ الْوَقْفِ عَلَيْهَا وَهُوَ الْعَشَرَةُ الْبَاقِيَةُ.
7- " نَعَمْ " فِي الْقُرْآنِ فِي أَرْبَعَةِ مَوَاضِعَ:
فِي الْأَعْرَافِ: {قَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ} . وَالْمُخْتَارُ الْوَقْفُ عَلَيْهَا لِأَنَّ مَا بَعْدَهَا غَيْرُ مُتَعَلِّقٍ بِمَا قَبْلَهَا إِذْ لَيْسَ مِنْ قَوْلِ أَهْلِ النَّارِ. [وَالْبَوَاقِي فِيهَا] .(1/304)
وَفِي الشُّعَرَاءِ: {قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذاً لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ} .
وَفِي الصَّافَّاتِ: {قُلْ نَعَمْ وَأَنْتُمْ دَاخِرُونَ} . وَالْمُخْتَارُ لَا يُوقَفُ عَلَيْهَا لِتَعَلُّقِ مَا بَعْدَهَا بِمَا قَبْلَهَا لِاتِّصَالِهِ بِالْقَوْلِ.
ضَابِطٌ
قَالَ ابْنُ الْجَزَرِيِّ فِي النَّشْرِ كُلُّ مَا أَجَازُوا الْوَقْفَ عَلَيْهِ أَجَازُوا الِابْتِدَاءَ بِمَا بَعْدَهُ.
فَصْلٌ: فِي كَيْفِيَّةِ الْوَقْفِ عَلَى أَوَاخِرِ الْكَلِمِ
لِلْوَقْفِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ أَوْجُهٌ مُتَعَدِّدَةٌ وَالْمُسْتَعْمَلُ مِنْهَا عِنْدَ أئمة القراءة تِسْعَةٌ: السُّكُونُ، وَالرَّوْمُ، وَالْإِشْمَامُ، وَالْإِبْدَالُ، وَالنَّقْلُ، وَالْإِدْغَامُ، وَالْحَذْفُ، وَالْإِثْبَاتُ، وَالْإِلْحَاقُ.
فَأَمَّا السُّكُونُ: فَهُوَ الْأَصْلُ فِي الْوَقْفِ عَلَى الْكَلِمَةِ الْمُحَرَّكَةِ وَصْلًا لِأَنَّ مَعْنَى الْوَقْفِ التَّرْكُ وَالْقَطْعُ وَلِأَنَّهُ ضِدُّ الِابْتِدَاءِ فَكَمَا لَا يُبْتَدَأُ بِسَاكِنٍ لَا يُوقَفُ عَلَى مُتَحَرِّكٍ وَهُوَ اخْتِيَارُ كَثِيرٍ مِنَ الْقُرَّاءِ.
وَأَمَّا الرَّوْمُ: فَهُوَ عِنْدَ الْقُرَّاءِ عِبَارَةٌ عَنِ النُّطْقِ بِبَعْضِ الْحَرَكَةِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ تَضْعِيفُ الصَّوْتِ بِالْحَرَكَةِ حَتَّى يَذْهَبَ مُعْظَمُهَا. قَالَ ابْنُ الْجَزَرِيِّ: وَكِلَا الْقَوْلَيْنِ وَاحِدٌ. وَيَخْتَصُّ بِالْمَرْفُوعِ وَالْمَجْزُومِ وَالْمَضْمُومِ وَالْمَكْسُورِ بِخِلَافِ الْمَفْتُوحِ لِأَنَّ الْفَتْحَةَ خَفِيفَةٌ إِذَا خَرَجَ بَعْضُهَا خَرَجَ سَائِرُهَا فَلَا تَقْبَلُ التَّبْعِيضَ.(1/305)
وَأَمَّا الْإِشْمَامُ: فَهُوَ عِبَارَةٌ عَنِ الْإِشَارَةِ إِلَى الْحَرَكَةِ مِنْ غَيْرِ تَصْوِيتٍ وَقِيلَ أَنْ تَجْعَلَ شَفَتَيْكَ عَلَى صُورَتِهَا وَكِلَاهُمَا وَاحِدٌ وَيَخْتَصُّ بِالضَّمَّةِ سَوَاءٌ كَانَتْ حَرَكَةَ إِعْرَابٍ أَمْ بِنَاءٍ إِذَا كَانَتْ لَازِمَةً أَمَّا الْعَارِضَةُ وَمِيمُ الْجَمْعِ عِنْدَ مَنْ ضَمَّ وَهَاءُ التَّأْنِيثِ فَلَا رَوْمَ فِي ذَلِكَ وَلَا إِشْمَامَ وَقَيَّدَ ابْنُ الْجَزَرِيِّ هَاءَ التَّأْنِيثِ بِمَا يُوقَفُ عَلَيْهَا بِالْهَاءِ بِخِلَافِ مَا يُوقَفُ عَلَيْهَا بِالتَّاءِ لِلرَّسْمِ ثُمَّ إِنَّ الْوَقْفَ بِالرَّوْمِ وَالْإِشْمَامِ ورد عن أبي عمرو وَالْكُوفِيِّينَ نَصًّا وَلَمْ يَأْتِ عَنِ الْبَاقِينَ فِيهِ شَيْءٌ وَاسْتَحَبَّهُ أَهْلُ الْأَدَاءِ فِي قِرَاءَتِهِمْ أَيْضًا وَفَائِدَتُهُ بَيَانُ الْحَرَكَةِ الَّتِي تَثْبُتُ فِي الْوَصْلِ لِلْحِرَفِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ لِيَظْهَرَ لِلسَّامِعِ أَوِ النَّاظِرِ كَيْفَ تِلْكَ الْحَرَكَةُ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهَا.
وَأَمَّا الْإِبْدَالُ: فَفِي الِاسْمِ الْمَنْصُوبِ الْمُنَوَّنِ يُوقَفُ عَلَيْهِ بِالْأَلِفِ بَدَلًا مِنَ التَّنْوِينِ وَمِثْلِهِ إِذَنْ وَفِي الِاسْمِ الْمُفْرَدِ المؤنث بالتاء يوقف عليها بِالْهَاءِ بَدَلًا مِنْهَا وَفِيمَا آخِرُهُ هَمْزَةٌ مُتَطَرِّفَةٌ بَعْدَ حَرَكَةٍ أَوْ أَلِفٍ فَإِنَّهُ يُوقَفُ عَلَيْهِ عِنْدَ حَمْزَةَ بِإِبْدَالِهَا حَرْفَ مَدٍّ مِنْ جِنْسِ مَا قَبْلَهَا. ثُمَّ إِنْ كَانَ أَلِفًا جَازَ حَذْفُهَا نَحْوُ: {اقْرَأْ} و {نَبِّئْ} و {يَبْدأُ} و {إِنِ امْرُؤٌ} و {مِنْ شَاطِئِ} و {يَشَاءُ} و {مِنَ السَّمَاءِ} و {مِنْ مَاءٍ} وَأَمَّا النَّقْلُ فَفِيمَا آخِرُهُ هَمْزَةٌ بَعْدَ سَاكِنٍ فَإِنَّهُ يُوقَفُ عَلَيْهِ عِنْدَ حَمْزَةَ بِنَقْلِ حَرَكَتِهَا إِلَيْهِ فتحرك بهاء ثُمَّ تُحْذَفُ هِيَ سَوَاءٌ أَكَانَ السَّاكِنُ صَحِيحًا نحو: {دِفْءٌ} {مِلءُ} {يَنْظُرُ الْمَرْءُ} {لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ} {بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ} {يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ} {يُخْرِجُ الْخَبْءَ} - وَلَا ثَامِنَ(1/306)
لَهَا أَمْ يَاءً أَوْ وَاوًا أَصْلِيَّتَيْنِ سَوَاءً كَانَتَا حَرْفَ مَدٍّ. نحو: {الْمُسِيءُ} {وَجِيءَ} و {يضيء} {أَنْ تَبُوءَ} {لَتَنُوءُ} {وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ} أَمْ لِينٍ نَحْوُ: {شَيْء} {قَوْمَ سَوْءٍ} {مَثَلُ السَّوْءِ}
وَأَمَّا الْإِدْغَامُ: فَفِيمَا آخِرُهُ هَمْزٌ بَعْدَ يَاءٍ أَوْ وَاوٍ زَائِدَتَيْنِ فَإِنَّهُ يُوقَفُ عَلَيْهِ عِنْدَ حَمْزَةَ أَيْضًا بِالْإِدْغَامِ بَعْدَ إِبْدَالِ الْهَمْزِ مِنْ جِنْسِ مَا قَبْلَهُ نَحْوُ: {النَّسِيءُ} و: {بَرِيءٌ} و {قُرُوءٍ} .
وَأَمَّا الْحَذْفُ: فَفِي الْيَاءَاتِ الزَّوَائِدِ عِنْدَ مَنْ يُثْبِتُهَا وَصْلًا وَيَحْذِفُهَا وَقْفًا وَيَاءَاتُ الزَّوَائِدِ - وَهِيَ الَّتِي لَمْ تُرْسَمْ - مِائَةٌ وَإِحْدَى وَعِشْرُونَ مِنْهَا خَمْسٌ وَثَلَاثُونَ فِي حَشْوِ الْآيِ وَالْبَاقِي فِي رؤوس الْآيِ فَنَافِعٌ وَأَبُو عَمْرٍو وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَأَبُو جَعْفَرٍ يُثْبِتُونَهَا فِي الْوَصْلِ دُونَ الْوَقْفِ وَابْنُ كَثِيرٍ وَيَعْقُوبُ يُثْبِتَانِ فِي الْحَالَيْنِ وَابْنُ عَامِرٍ وَعَاصِمٌ وَخَلَفٌ يَحْذِفُونَ فِي الْحَالَيْنِ وَرُبَّمَا خَرَجَ بَعْضُهُمْ عَنْ أَصْلِهِ فِي بَعْضِهَا.
وَأَمَّا الْإِثْبَاتُ: فَفِي الْيَاءَاتِ الْمَحْذُوفَاتِ وَصْلًا عِنْدَ مَنْ يُثْبِتُهَا وَقْفًا نَحْوَ: {هَادٍ} وَ: {وَالٍ} وَ: {وَاقٍ} وَ: {بَاقٍ} .
وَأَمَّا الْإِلْحَاقُ: فَمَا يَلْحَقُ آخِرَ الْكَلِمِ مِنْ هَاءَاتِ السَّكْتِ عِنْدَ مَنْ يُلْحِقُهَا فِي: {عَمَّ} وَ: {فِيمَ} وَ: {بِمَ} وَ: {لِمَ} وَ: {مِمَّ} وَالنُّونِ الْمُشَدَّدَةِ مِنْ جَمْعِ الْإِنَاثِ نَحْوُ: {هُنَّ} وَ: {مِثْلَهُنَّ} وَالنُّونِ الْمَفْتُوحَةِ نَحْوُ: {الْعَالَمِينَ} وَ: {الَّذِينَ} وَ: {الْمُفْلِحُونَ} . وَالْمُشَدَّدِ الْمَبْنِيِّ نَحْوُ: {أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ} و: {خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} و: {مصرخي} و: {لَدَيَّ} .(1/307)
قَاعِدَةٌ
أَجْمَعُوا عَلَى لُزُومِ اتِّبَاعِ رَسْمِ الْمَصَاحِفِ الْعُثْمَانِيَّةِ فِي الْوَقْفِ إِبْدَالًا وَإِثْبَاتًا وَحَذْفًا وَوَصْلًا وَقَطْعًا إِلَّا أَنَّهُ وَرَدَ عَنْهُمُ اخْتِلَافٌ فِي أَشْيَاءَ بِأَعْيَانِهَا كَالْوَقْفِ بِالْهَاءِ عَلَى مَا كُتِبَ بِالتَّاءِ وَبِإِلْحَاقِ الْهَاءِ فِيمَا تَقَدَّمَ وَغَيْرِهِ وَبِإِثْبَاتِ الْيَاءِ فِي مَوَاضِعَ لَمْ تُرْسَمْ بِهَا وَالْوَاوِ فِي: {وَيَدْعُ الْأِنْسَانُ} {يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ} {سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ} و: {وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ} والألف في: {أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ} {أَيُّهَا السَّاحِرُ} {أَيُّهَا الثَّقَلانِ} .
وَتُحْذَفُ النُّونُ فِي: {وَكَأَيِّنْ} حَيْثُ وَقَعَ فَإِنَّ أَبَا عَمْرٍو يَقِفُ عليه بالياء ويوصل: {أياما} فِي الْإِسْرَاءِ وَ: {مَالَ} فِي النِّسَاءِ وَالْكَهْفِ وَالْفُرْقَانِ وَسَأَلَ وَقَطَعَ: {وَيْكَأَنَّ} {وَيْكَأَنَّهُ} و: {ألا يسجدوا} .
وَمِنَ الْقُرَّاءِ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسْمَ فِي الْجَمِيعِ.(1/308)
النَّوْعُ التَّاسِعُ وَالْعِشْرُونَ: فِي بَيَانِ الْمَوْصُولِ لَفْظًا المفصول معنى
وهو نَوْعٌ مُهِمٌّ جَدِيرٌ أَنْ يُفْرَدَ بِالتَّصْنِيفِ وَهُوَ أَصْلٌ كَبِيرٌ فِي الْوَقْفِ وَلِهَذَا جَعَلْتُهُ عَقِبَهُ وَبِهِ يَحْصُلُ حَلُّ إِشْكَالَاتٍ وَكَشْفُ مُعْضِلَاتٍ كَثِيرَةٍ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا} إِلَى قَوْلِهِ: {جَعَلا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} فَإِنَّ الْآيَةَ فِي قِصَّةِ آدَمَ وَحَوَّاءَ كَمَا يُفْهِمُهُ السِّيَاقُ وَصَرَّحَ بِهِ فِي حَدِيثٍ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ مِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ مَرْفُوعًا وَأَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَغَيْرُهُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ لَكِنَّ آخِرَ الْآيَةِ مُشْكِلٌ حَيْثُ نُسِبَ الْإِشْرَاكُ إِلَى آدَمَ وَحَوَّاءَ وَآدَمُ نَبِيٌّ مُكَلَّمٌ وَالْأَنْبِيَاءُ مَعْصُومُونَ مِنَ الشِّرْكِ قَبْلَ النُّبُوَّةِ وَبَعْدَهَا إِجْمَاعًا وَقَدْ جَرَّ ذَلِكَ بَعْضَهُمْ إِلَى حَمْلِ الْآيَةِ عَلَى غَيْرِ آدَمَ وَحَوَّاءَ وَأَنَّهَا فِي رَجُلٍ وَزَوْجَتِهِ كَانَا مِنْ أَهْلِ الْمُلْكِ وَتَعَدَّى إِلَى تَعْلِيلِ الْحَدِيثِ وَالْحُكْمِ بِنَكَارَتِهِ وَمَا زِلْتُ فِي وَقْفَةٍ مِنْ ذَلِكَ حَتَّى رَأَيْتُ ابْنَ أَبِي حَاتِمٍ قَالَ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ حَكِيمٍ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ عَنِ السُّدِّيِّ فِي قَوْلِهِ: {فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} قَالَ: هَذِهِ فَصْلٌ مِنْ آيَةِ آدَمَ خَاصَّةٌ فِي آلِهَةِ الْعَرَبِ.
وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أخبرنا ابْنُ عُيَيْنَةَ سَمِعْتُ صَدَقَةَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَثِيرٍ الْمَكِّيَّ يُحَدِّثُ عَنِ السُّدِّيِّ قَالَ: هَذَا من الْمَوْصُولُ الْمَفْصُولُ.(1/309)
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي حَمَّادٍ حَدَّثَنَا مِهْرَانُ عَنْ سُفْيَانَ عَنِ السُّدِّيِّ عَنْ أَبِي مَالِكٍ قَالَ: هَذِهِ مَفْصُولَةٌ إِطَاعَةً فِي الْوَلَدِ: {فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} هَذِهِ لِقَوْمِ مُحَمَّدٍ فَانْحَلَّتْ عَنِّي هَذِهِ الْعُقْدَةُ وَانْجَلَتْ لِي هَذِهِ الْمُعْضِلَةُ وَاتَّضَحَ بِذَلِكَ أَنَّ آخَرَ قِصَّةِ آدَمَ وَحَوَّاءَ: {فِيمَا آتَاهُمَا} وَأَنَّ مَا بَعْدَهُ تَخَلُّصٌ إِلَى قِصَّةِ الْعَرَبِ وَإِشْرَاكِهُمُ الْأَصْنَامَ. وَيُوَضِّحُ ذَلِكَ تَغْيِيرُ الضَّمِيرِ إِلَى الْجَمْعِ بَعْدَ التَّثْنِيَةِ وَلَوْ كَانَتِ الْقِصَّةُ وَاحِدَةٌ لَقَالَ عَمَّا يُشْرِكَانِ كَقَوْلِهِ: {دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحاً جَعَلا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا} وَكَذَلِكَ الضَّمَائِرُ فِي قَوْلِهِ بَعْدَهُ: {أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئاً} وَمَا بَعْدَهُ إِلَى آخِرِ الْآيَاتِ وَحُسْنُ التَّخَلُّصِ وَالِاسْتِطْرَادُ مِنْ أَسَالِيبِ القرآن.
ومِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ} الْآيَةَ فَإِنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ الْوَصْلِ يَكُونُ: "الرَّاسِخُونَ يَعْلَمُونَ تَأْوِيلَهُ " وَعَلَى تَقْدِيرِ الْفَصْلِ بِخِلَافِهِ وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ وَأَبِي نَهْيِكٍ قَالَا إِنَّكُمْ تَصِلُونَ هَذِهِ الْآيَةَ وَهِيَ مَقْطُوعَةٌ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ كَوْنُ الْآيَةِ دَلَّتْ عَلَى ذَمِّ مُتَّبِعِي الْمُتَشَابِهِ وَوَصْفِهِمْ بِالزَّيْغِ.
وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} فَإِنَّ ظَاهِرَ الْآيَةِ يَقْتَضِي أَنَّ الْقَصْرَ مَشْرُوطٌ بِالْخَوْفِ وَأَنَّهُ لَا قَصْرَ مَعَ الْأَمْنِ وَقَدْ قَالَ بِهِ لِظَاهِرِ الْآيَةِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ عَائِشَةُ لَكِنْ بُيِّنَ سَبَبُ النُّزُولِ أَنَّ هَذَا مِنَ الْمَوْصُولِ الْمَفْصُولِ،(1/310)
فَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ مِنْ حَدِيثِ علي قال سأل قوم من بني النجار رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يارسول اللَّهِ إِنَّا نَضْرِبُ فِي الْأَرْضِ فَكَيْفَ نُصَلِّي؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ} ثُمَّ انْقَطَعَ الْوَحْيُ فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ بِحَوْلٍ غَزَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى الظُّهْرَ فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: لَقَدْ أَمْكَنَكُمْ مُحَمَّدٌ وَأَصْحَابُهُ مِنْ ظُهُورِهِمْ هَلَّا شَدَدْتُمْ عَلَيْهِمْ! فَقَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ: إِنَّ لَهُمْ أُخْرَى مِثْلَهَا فِي أَثَرِهَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ: {إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} إِلَى قَوْلِهِ: {عَذَاباً مُهِيناً} ، فَنَزَلَتْ صَلَاةُ الْخَوْفِ فَتَبَيَّنَ بِهَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ قَوْلَهُ: {إِنْ خِفْتُمْ} شَرْطٌ فِيمَا بَعْدَهُ وَهُوَ صَلَاةُ الخوف لا في صَلَاةُ الْقَصْرِ وَقَدْ قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: هَذَا تَأْوِيلٌ فِي الْآيَةِ حسن لو لم تكن فِي الْآيَةِ " إِذَا "
قَالَ ابْنُ الْفَرَسِ: وَيَصِحُّ مَعَ إِذَا عَلَى جَعْلِ الْوَاوِ زَائِدَةً.
قُلْتُ: يَعْنِي وَيَكُونُ مِنِ اعْتِرَاضِ الشَّرْطِ عَلَى الشَّرْطِ وَأَحْسَنُ مِنْهُ أَنْ تَجْعَلَ " إِذَا " زَائِدَةً بِنَاءً عَلَى قَوْلِ مَنْ يُجِيزُ زِيَادَتَهَا.
وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي كِتَابِهِ التَّفْسِيرِ: قَدْ تَأْتِي الْعَرَبُ بِكَلِمَةٍ إِلَى جَانِبِ كلمة أُخْرَى كَأَنَّهَا مَعَهَا وَهِيَ غَيْرُ مُتَّصِلَةٍ بِهَا وَفِي الْقُرْآنِ: {يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ} هَذَا قَوْلُ الْمَلَأِ فَقَالَ فِرْعَوْنُ: {مَاذَا تَأْمُرُونَ} وَمِثْلُهُ: {أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ} انْتَهَى كَلَامُهَا، فَقَالَ يُوسُفُ ذَلِكَ: {لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ} .(1/311)
وَمِثْلُهُ: {إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً} هَذَا مُنْتَهَى قَوْلِهَا فَقَالَ تعالى: {وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ} .
وَمِثْلُهُ: {مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا} انْتَهَى قَوْلُ الْكُفَّارِ فَقَالَتِ الْمَلَائِكَةُ: {هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ} وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ قَتَادَةَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ قَالَ آيَةٌ مِنْ كِتَابِ الِلَّهِ أَوَّلُهَا أَهْلُ الضَّلَالَةِ وَآخِرُهَا أَهْلُ الْهُدَى قَالُوا: {يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا} هَذَا قَوْلُ أَهْلِ النِّفَاقِ وَقَالَ أَهْلُ الْهُدَى حِينَ بُعِثُوا مِنْ قُبُورِهِمْ: {هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ} .
وَأَخْرَجَ عَنْ مُجَاهِدٍ في قَوْلَهُ: {وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ} قَالَ وَمَا يُدْرِيكُمْ أَنَّهُمْ يُؤْمِنُونَ إِذَا جَاءَتْ ثُمَّ اسْتَقْبَلَ بِخَبَرٍ فَقَالَ: {أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ} .(1/312)
النَّوْعُ الثَّلَاثُونَ: فِي الْإِمَالَةِ وَالْفَتْحِ وَمَا بَيْنَهُمَا
أَفْرَدَهُ بِالتَّصْنِيفِ جَمَاعَةٌ مِنَ الْقُرَّاءِ مِنْهُمُ ابْنُ الْقَاصحِ عَمِلَ كِتَابَهُ: قُرَّةَ الْعَيْنِ فِي الْفَتْحِ والإمالة وبين اللفظين.
قال الدَّانِيُّ: الْفَتْحُ وَالْإِمَالَةُ لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ فَاشِيَّتَانِ عَلَى أَلْسِنَةِ الْفُصَحَاءِ مِنَ الْعَرَبِ الَّذِينَ نَزَلَ الْقُرْآنُ بِلُغَتِهِمْ فَالْفَتْحُ لُغَةُ أَهْلِ الْحِجَازِ وَالْإِمَالَةُ لُغَةُ عَامَّةِ أَهْلِ نَجْدٍ مِنْ تميم وَأَسْدٍ وَقَيْسٍ قَالَ: وَالْأَصْلُ فِيهَا حَدِيثُ حُذَيْفَةَ مرفوعا: "اقرؤوا الْقُرْآنَ بِلُحُونِ الْعَرَبِ وَأَصْوَاتِهَا وَإِيَّاكُمْ وَأَصْوَاتِ أَهْلِ الْفِسْقِ وَأَهْلِ الْكِتَابَيْنِ "، قَالَ: فَالْإِمَالَةُ لَا شَكَّ مِنَ الْأَحْرُفِ السَّبْعَةِ وَمَنْ لُحُونِ الْعَرَبِ وَأَصْوَاتِهَا.
وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: كَانُوا يَرَوْنَ أَنَّ الْأَلِفَ وَالْيَاءَ فِي الْقِرَاءَةِ سَوَاءٌ قَالَ يَعْنِي بِالْأَلِفِ وَالْيَاءِ التَّفْخِيمَ وَالْإِمَالَةَ.
وَأَخْرَجَ فِي تَارِيخِ الْقُرَّاءِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي عَاصِمٍ الضَّرِيرِ الْكُوفِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بن عبد الله عَنْ عَاصِمٍ عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ قَالَ: قَرَأَ رَجُلٌ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ "طهَ" وَلَمْ يَكْسِرْ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: "طِهِ" وَكَسَرَ الطَّاءَ وَالْهَاءَ. فَقَالَ الرَّجُلُ: "طَهَ "وَلَمْ يَكْسِرْ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: "طِهِ " وَكَسَرَ الطَّاءَ وَالْهَاءَ،(1/313)
فَقَالَ الرَّجُلُ: "طَهَ " وَلَمْ يَكْسِرْ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: "طِهِ " وَكَسَرَ ثُمَّ قَالَ هَكَذَا عَلَّمَنِي رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم. قَالَ ابْنُ الْجَزَرِيِّ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ إِلَّا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ وَهُوَ الْعَزْرَمِيُّ فَإِنَّهُ ضَعِيفٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَكَانَ رَجُلًا صَالِحًا لَكِنْ ذَهَبَتْ كُتُبُهُ فَكَانَ يُحَدِّثُ مِنْ حِفْظِهِ فَأَتِيَ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ.
قُلْتُ: وَحَدِيثُهُ هَذَا أَخْرَجَهُ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ فِي تَفْسِيرِهِ وَزَادَ فِي آخِرِهِ وَكَذَا نَزَلَ بِهَا جِبْرِيلُ.
وَفِي جَمَالِ الْقُرَّاءِ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ: {يَا يَحْيَى} فَقِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ تُمِيلُ وَلَيْسَ هِيَ لُغَةَ قُرَيْشٍ؟ فَقَالَ: هِيَ لُغَةُ الْأَخْوَالِ بَنِي سَعْدٍ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَشَتَّةَ عَنْ ابن أَبِي حَاتِمٍ قَالَ: احْتَجَّ الْكُوفِيُّونَ فِي الْإِمَالَةِ بِأَنَّهُمْ وَجَدُوا فِي الْمُصْحَفِ الْيَاءَاتِ فِي مَوْضِعِ الْأَلِفَاتِ فَاتَّبَعُوا الْخَطَّ وَأَمَالُوا لِيَقْرُبُوا مِنَ الْيَاءَاتِ.
الْإِمَالَةُ: أَنْ يَنْحُوَ بِالْفَتْحَةِ نَحْوَ الْكَسْرَةِ وَبِالْأَلِفِ نَحْوَ الْيَاءِ كَثِيرًا وَهُوَ الْمَحْضُ وَيُقَالُ لَهُ أَيْضًا: الْإِضْجَاعُ وَالْبَطْحُ وَالْكَسْرُ قَلِيلًا وَهُوَ بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ وَيُقَالُ لَهُ أَيْضًا: التَّقْلِيلُ وَالتَّلْطِيفُ وَبَيْنَ بَيْنَ فَهِيَ قِسْمَانِ: شَدِيدَةٌ وَمُتَوَسِّطَةٌ وَكِلَاهُمَا جَائِزٌ فِي الْقِرَاءَةِ وَالشَّدِيدَةُ يُجْتَنَبُ مَعَهَا الْقَلْبُ الْخَالِصُ وَالْإِشْبَاعُ الْمُبَالَغُ فِيهِ وَالْمُتَوَسِّطَةُ بَيْنَ الْفَتْحِ الْمُتَوَسِّطِ والإمالة الشديدة.(1/314)
قال الدَّانِيُّ: وَعُلَمَاؤُنَا مُخْتَلِفُونَ أَيُّهُمَا أَوْجَهُ وَأَوْلَى؟ وَأَنَا أَخْتَارُ الْإِمَالَةَ الْوُسْطَى الَّتِي هِيَ بَيْنَ بَيْنَ لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنَ الْإِمَالَةِ حَاصِلٌ بِهَا وَهُوَ الإعلام بأن أَصْلُ الْأَلِفِ الْيَاءَ وَالتَّنْبِيهُ عَلَى انْقِلَابِهَا إِلَى الْيَاءِ فِي مَوْضِعٍ أَوْ مُشَاكَلَتِهَا لِلْكَسْرِ الْمُجَاوِرِ لَهَا أَوِ الْيَاءِ.
وَأَمَّا الْفَتْحُ فَهُوَ فَتْحُ الْقَارِئِ فَاهُ بِلَفْظِ الْحَرْفِ وَيُقَالُ لَهُ التَّفْخِيمُ وَهُوَ شَدِيدٌ وَمُتَوَسِّطٌ فَالشَّدِيدُ هُوَ نِهَايَةُ فَتْحِ الشَّخْصِ فَاهُ بِذَلِكَ الْحَرْفِ وَلَا يَجُوزُ فِي الْقُرْآنِ بَلْ هُوَ مَعْدُومٌ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ وَالْمُتَوَسِّطُ مَا بَيْنَ الْفَتْحِ الشَّدِيدِ وَالْإِمَالَةِ المتوسطة. قال الدَّانِيُّ: وَهَذَا هُوَ الَّذِي يَسْتَعْمِلُهُ أَصْحَابُ الْفَتْحِ مِنَ الْقُرَّاءِ.
وَاخْتَلَفُوا: هَلِ الْإِمَالَةُ فَرْعٌ عَنِ الْفَتْحِ أَوْ كُلٌّ مِنْهُمَا أَصْلٌ بِرَأْسِهِ؟ وَوَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّ الْإِمَالَةَ لَا تَكُونُ إِلَّا لِسَبَبٍ فَإِنْ فُقِدَ لَزِمَ الْفَتْحُ وَإِنْ وُجِدَ جَازَ الْفَتْحُ وَالْإِمَالَةُ فَمَا مِنْ كَلِمَةٍ تُمَالُ إِلَّا فِي الْعَرَبِ مَنْ يَفْتَحُهَا فَدَلَّ اطِّرَادُ الْفَتْحِ عَلَى أَصَالَتِهِ وَفَرْعِيَّتِهَا.
وَالْكَلَامُ فِي الْإِمَالَةِ مِنْ خَمْسَةِ أَوْجُهٍ: أَسْبَابِهَا وَوُجُوهِهَا وَفَائِدَتِهَا وَمَنْ يُمِيلُ وَمَا يُمَالُ.
أما أَسْبَابُهَا فَذَكَرُهَا الْقُرَّاءُ عَشَرَةً قَالَ ابْنُ الْجَزَرِيِّ: وَهِيَ تَرْجِعُ إِلَى شَيْئَيْنِ: أَحَدُهُمَا الْكَسْرَةُ وَالثَّانِي الْيَاءُ وَكُلٌّ مِنْهُمَا يَكُونُ مُتَقَدِّمًا عَلَى مَحَلِّ الإمالة من الكلمة أو متاخرا عَنْهُ وَيَكُونُ أَيْضًا مُقَدَّرًا فِي مَحَلِّ الْإِمَالَةِ. وَقَدْ تَكُونُ الْكَسْرَةُ وَالْيَاءُ غَيْرَ مَوْجُودَتَيْنِ فِي اللَّفْظِ وَلَا مُقَدَّرَتَيْنِ فِي مَحَلِّ الْإِمَالَةِ وَلَكِنَّهُمَا مِمَّا يَعْرِضُ فِي بَعْضِ تَصَارِيفِ الْكَلِمَةِ. وَقَدْ تُمَالُ الْأَلِفُ أَوِ الْفَتْحَةُ لِأَجْلِ أَلِفٍ(1/315)
أُخْرَى أَوْ فَتْحَةٍ أُخْرَى مُمَالَةٍ وَتُسَمَّى هَذِهِ إِمَالَةٌ لِأَجْلِ إِمَالَةٍ وَقَدْ تُمَالُ الْأَلِفُ تَشْبِيهًا بِالْأَلِفِ الْمُمَالَةِ.
قَالَ ابْنُ الْجَزَرِيِّ: وَتُمَالُ أَيْضًا بِسَبَبِ كَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ وَلِلْفَرْقِ بَيْنَ الِاسْمِ وَالْحَرْفِ فَتَبْلُغُ الْأَسْبَابُ اثْنَيْ عَشَرَ سَبَبًا.
فَأَمَّا الْإِمَالَةُ لأجل الكسرة السابقة فشر طها أن يكون الفاصل بينهما وَبَيْنَ الْأَلِفِ حَرْفًا وَاحِدًا نَحْوُ كِتَابٌ وَحِسَابٌ - وَهَذَا الْفَاصِلُ إِنَّمَا حَصَلَ بِاعْتِبَارِ الْأَلِفِ وَأَمَّا الْفَتْحَةُ الْمُمَالَةُ فَلَا فَاصِلَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْكَسْرَةِ - أو حرفين أو لهما سَاكِنٌ نَحْوُ إِنْسَانٌ أَوْ مَفْتُوحَيْنِ وَالثَّانِي هَاءٌ لِخَفَائِهَا.
وَأَمَّا الْيَاءُ السَّابِقَةُ فَإِمَّا مُلَاصِقَةٌ لِلْأَلِفِ كَالْحَيَاةِ وَالْأَيَامَى أَوْ مَفْصُولَةٌ بِحَرْفَيْنِ أَحَدُهُمَا الْهَاءُ كَيَدِهَا.
وَأَمَّا الْكَسْرَةُ الْمُتَأَخِّرَةُ فَسَوَاءٌ كَانَتْ لَازِمَةً نَحْوَ عَابِدٍ أَمْ عَارِضَةً نَحْوَ مِنَ النَّاسِ وفي النَّارِ. وَأَمَّا الْيَاءُ الْمُتَأَخِّرَةُ فَنَحْوُ: مُبَايِعٌ وَأَمَّا الْكَسْرَةُ الْمُقَدَّرَةُ فَنَحْوَ خَافَ إِذِ الْأَصْلُ خَوِفَ.
وَأَمَّا الياء المقدرة فنحو: يخشى والهدى وَأَبَى وَالثَّرَى فَإِنَّ الْأَلِفَ فِي كُلِّ ذَلِكَ مُنْقَلِبَةٌ عَنْ يَاءٍ تَحَرَّكَتْ وَانْفَتَحَ مَا قَبْلَهَا.
وَأَمَّا الْكَسْرَةُ الْعَارِضَةُ فِي بَعْضِ أَحْوَالِ الْكَلِمَةِ فَنَحْوُ طَابَ وَجَاءَ وَشَاءَ وَزَادَ لِأَنَّ الْفَاءَ تُكْسَرُ مِنْ ذَلِكَ مَعَ ضَمِيرِ الرَّفْعِ الْمُتَحَرِّكِ.
وَأَمَّا الْيَاءُ الْعَارِضَةُ كَذَلِكَ نَحْوُ: تَلَا وَغَزَا فَإِنَّ أَلِفَهُمَا عَنْ وَاوٍ وَإِنَّمَا أُمِيلَتْ لِانْقِلَابِهَا يَاءً فِي تُلِيَ وَغُزِيَ..
وَأَمَّا الْإِمَالَةُ لِأَجْلِ الْإِمَالَةِ فَكَإِمَالَةِ الْكِسَائِيِّ الْأَلِفَ بَعْدَ النُّونِ مِنْ: {إِنَّا لِلَّهِ}(1/316)
لِإِمَالَةِ الْأَلِفِ مِنْ: "لِلَّهِ " وَلَمْ يُمِلْ: "وَإِنَّا إِلَيْهِ " لِعَدَمِ ذَلِكَ بَعْدَهُ وَجَعَلَ مِنْ ذَلِكَ إِمَالَةَ: الضُّحَى وَالْقُرَى وَضُحَاهَا وَتَلَاهَا.
وَأَمَّا الْإِمَالَةُ لِأَجْلِ الشَّبَهِ: فَإِمَالَةُ أَلِفِ التَّأْنِيثِ فِي نَحْوِ الحسنى ألف مُوسَى وَعِيسَى لِشَبَهِهَا بِأَلِفِ الْهُدَى.
وَأَمَّا الْإِمَالَةُ لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ فَكَإِمَالَةِ: النَّاسِ فِي الْأَحْوَالِ الثَّلَاثِ عَلَى مَا رَوَاهُ صَاحِبُ الْمُبْهِجِ.
وَأَمَّا الْإِمَالَةُ لِلْفَرْقِ بَيْنَ الِاسْمِ وَالْحَرْفِ فَكَإِمَالَةِ الْفَوَاتِحِ كَمَا قَالَ سِيبَوَيْهِ إِنَّ إِمَالَةَ بَاءٍ وَتَاءٍ فِي حُرُوفِ الْمُعْجَمِ لِأَنَّهَا أَسْمَاءُ مَا يُلْفَظُ بِهِ فَلَيْسَتْ مِثْلَ مَا ولا وَغَيْرِهِمَا مِنَ الْحُرُوفِ.
وَأَمَّا وُجُوهُهَا: فَأَرْبَعَةٌ تَرْجِعُ إِلَى الْأَسْبَابِ الْمَذْكُورَةِ. أَصْلُهَا اثْنَانِ: الْمُنَاسَبَةُ وَالْإِشْعَارُ. فَأَمَّا الْمُنَاسَبَةُ فَقِسْمٌ وَاحِدٌ وَهُوَ فِيمَا أُمِيلَ لِسَبَبٍ مَوْجُودٍ فِي اللَّفْظِ وَفِيمَا أُمِيلَ لِإِمَالَةِ غَيْرِهِ فَإِنَّهُمْ أَرَادُوا أَنْ يَكُونَ عَمَلُ اللِّسَانِ ومجاورة النطق بالحرف الممال لسبب الْإِمَالَةِ مِنْ وَجْهٍ وَاحِدٍ وَعَلَى نَمَطٍ وَاحِدٍ.
وَأَمَّا الْإِشْعَارُ فَثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: إِشْعَارٌ بِالْأَصْلِ وَإِشْعَارٌ بِمَا يَعْرَضُ فِي الْكَلِمَةِ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ وَإِشْعَارٌ بِالشَّبَهِ الْمُشْعِرِ بِالْأَصْلِ(1/317)
وَأَمَّا فَائِدَتُهَا فَسُهُولَةُ اللَّفْظِ وَذَلِكَ أَنَّ اللِّسَانَ يَرْتَفِعُ بِالْفَتْحِ وَيَنْحَدِرُ بِالْإِمَالَةِ وَالِانْحِدَارُ أَخَفُّ عَلَى اللِّسَانِ مِنْ الِارْتِفَاعِ فَلِهَذَا أَمَالَ مَنْ أَمَالَ وَأَمَّا مَنْ فَتَحَ فَإِنَّهُ رَاعَى كَوْنَ الْفَتْحِ أَمْتَنَ أَوِ الأصل.
أما مَنْ أَمَالَ فَكُلُّ الْقُرَّاءِ الْعَشَرَةِ إِلَّا ابْنَ كَثِيرٍ فَإِنَّهُ لَمْ يُمِلْ شَيْئًا فِي جَمِيعِ الْقُرْآنِ.
وَأَمَّا مَا يُمَالُ فَمَوْضِعُ اسْتِيعَابِهِ كُتُبُ الْقِرَاءَاتِ وَالْكُتُبُ الْمُؤَلَّفَةُ فِي الْإِمَالَةِ.
وَنَذْكُرُ هُنَا مَا يَدْخُلُ تَحْتَ ضَابِطٍ:
فَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَخَلَفٌ أَمَالُوا كُلَّ أَلِفٍ مُنْقَلِبَةٍ عَنْ يَاءٍ حَيْثُ وَقَعَتْ فِي الْقُرْآنِ فِي اسْمٍ أَوْ فِعْلٍ كَالْهُدَى وَالْهَوَى وَالْفَتَى وَالْعَمَى وَالزِّنَا وَأَتَى وَأَبَى وسعى ويخشى ويرضى وَاجْتَبَى وَاشْتَرَى وَمَثْوَى وَمَأْوَى وَأَدْنَى وَأَزْكَى.
وَكُلَّ أَلِفِ تَأْنِيثٍ عَلَى فُعْلَى بِضَمِّ الْفَاءِ أَوْ كَسْرِهَا أَوْ فَتْحِهَا كَطُوبَى وَبُشْرَى وَقُصْوَى وَالْقُرْبَى وَالْأُنْثَى وَالدُّنْيَا وَإِحْدَى وَذِكْرَى وَسِيمَا وَضِيزَى وَمَوْتَى وَمَرْضَى وَالسَّلْوَى وَالتَّقْوَى وَأَلْحَقُوا بِذَلِكَ مُوسَى وَعِيسَى وَيَحْيَى.
وَكُلَّ مَا كَانَ عَلَى وَزْنِ فُعَالَى بِالضَّمِّ أَوِ الْفَتْحِ كَسُكَارَى وَكُسَالَى وَأُسَارَى وَيَتَامَى وَنَصَارَى وَالْأَيَامَى.
وَكُلَّ مَا رُسِمَ فِي الْمَصَاحِفِ بالياء نحو بلى ومتى ويا أسفى ويا ويلتى،(1/318)
ويا حسرتى وأنى لِلِاسْتِفْهَامِ وَاسْتُثْنِيَ مِنْ ذَلِكَ حَتَّى وَإِلَى وَعَلَى وَلَدَى وَمَا زَكَّى فَلَمْ تُمَلْ بِحَالٍ.
وَكَذَلِكَ أَمَالُوا مِنَ الْوَاوِيِّ مَا كُسِرَ أَوَّلُهُ أَوْ ضُمَّ وَهُوَ الرِّبَا كَيْفَ وقع والضحى كَيْفَ جَاءَ وَالْقُوَى وَالْعُلَى.
وَأَمَالُوا رؤوس الْآيِ مِنْ إِحْدَى عَشْرَةَ سُورَةً جَاءَتْ عَلَى نَسَقٍ وَهِيَ: طه وَالنَّجْمِ وَسَأَلَ وَالْقِيَامَةِ وَالنَّازِعَاتِ وَعَبَسَ وَالْأَعْلَى وَالشَّمْسِ وَاللَّيْلِ وَالضُّحَى وَالْعَلَقِ وَوَافَقَ عَلَى هَذِهِ السُّوَرِ أَبُو عَمْرٍو وَوَرْشٌ.
وَأَمَالَ أَبُو عَمْرٍو كُلَّ مَا كَانَ فِيهِ رَاءٌ بعد أَلِفٌ بِأَيِّ وَزْنٍ كَانَ كَذِكْرَى وَبُشْرَى وَأَسْرَى وَأَرَاهُ وَاشْتَرَى وَيَرَى وَالْقُرَى وَالنَّصَارَى وَأُسَارَى وَسُكَارَى وَوَافَقَ عَلَى أَلِفَاتِ فُعْلَى كَيْفَ أَتَتْ.
وَأَمَالَ أَبُو عَمْرٍو وَالْكِسَائِيُّ كُلَّ أَلِفٍ بَعْدَهَا رَاءٌ مُتَطَرِّفَةٌ مَجْرُورَةٌ نَحْوُ الدَّارِ وَالنَّارِ وَالْقَهَّارِ وَالْغَفَّارِ وَالنَّهَارِ وَالدِّيَارِ وَالْكُفَّارِ وَالْإِبْكَارِ وَبِقِنْطَارِ وَأَبْصَارِهِمْ وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا وَحِمَارِكَ سَوَاءٌ كَانَتِ الْأَلِفُ أَصْلِيَّةً أَمْ زَائِدَةً.
وَأَمَالَ حَمْزَةُ الْأَلِفَ مِنْ عَيْنِ الْفِعْلِ الْمَاضِي مِنْ عَشَرَةِ أَفْعَالٍ وَهِيَ زَادَ وَشَاءَ وَجَاءَ وَخَابَ وَرَانَ وَخَافَ وَزَاغَ وَطَابَ وَضَاقَ وَحَاقَ حَيْثُ وَقَعَتْ وَكَيْفَ جَاءَتْ.
وَأَمَالَ الْكِسَائِيُّ هَاءَ التَّأْنِيثِ وَمَا قَبْلَهَا وَقْفًا مُطْلَقًا بَعْدَ خَمْسَةَ عَشَرَ حَرْفًا يَجْمَعُهَا قَوْلُكَ: "فَجَثَتْ زَيْنَبُ لِذَوْدِ شَمْسٍ "، فَالْفَاءُ كَخَلِيفَةٍ وَرَأْفَةٍ وَالْجِيمُ كَوَلِيجَةٍ وَلُجَّةٍ وَالثَّاءُ كَثَلَاثَةٍ وَخَبِيثَةٍ وَالتَّاءُ كَبَغْتَةٍ وَالْمَيْتَةِ وَالزَّايُ(1/319)
كبارزة وأعزة والياء كخشية وشية وَالنُّونُ كَسُنَّةٍ وَجَنَّةٍ وَالْبَاءُ كَحَبَّةٍ وَالتَّوْبَةِ وَاللَّامُ كَلَيْلَةٍ وَثُلَّةٍ وَالذَّالُ كَلَذَّةٍ وَالْمَوْقُوذَةِ وَالْوَاوُ كَقَسْوَةٍ وَالْمَرْوَةِ وَالدَّالُ كَبَلْدَةٍ وَعِدَّةٍ وَالشِّينُ كَالْفَاحِشَةِ وَعِيشَةٍ وَالْمِيمُ كَرَحْمَةٍ وَنِعْمَةٍ وَالسِّينُ كالخامسة وخمسة.
ويفتح مطلقا بعد عشرة حرف وَهِيَ جَاعَ وَحُرُوفُ الِاسْتِعْلَاءِ " قِظَّ خُصَّ ضَغْطٍ " وَالْأَرْبَعَةُ الْبَاقِيَةُ وَهِيَ " أَكْهَرْ " إِنْ كَانَ قَبْلَ كُلٍّ مِنْهَا يَاءٌ سَاكِنَةٌ أَوْ كَسْرَةٌ مُتَّصِلَةٌ أَوْ مُنْفَصِلَةٌ بِسَاكِنٍ يُمِيلُ وإلا يفتح.
وَبَقِيَ أَحْرُفٌ فِيهَا خُلْفٌ وَتَفْصِيلٌ وَلَا ضَابِطَ يَجْمَعُهَا فَلْتُنْظَرْ مِنْ كُتُبِ الْفَنِّ.
وَأَمَّا فَوَاتِحُ السُّوَرِ فَأَمَالَ الر فِي السُّورِ الْخَمْسَةِ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَخَلَفٌ وَأَبُو عَمْرٍو وَابْنُ عَامِرٍ وَأَبُو بَكْرٍ وَبَيْنَ بَيْنَ وَرْشٌ.
وَأَمَالَ الْهَاءَ مِنْ فاتحة مريم وطه وأبو عَمْرٍو وَالْكِسَائِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ.
وَأَمَالَ حَمْزَةُ وَخَلَفٌ طه دُونَ مَرْيَمَ.
وَأَمَالَ الْيَاءَ مِنْ أَوَّلِ مَرْيَمَ مَنْ أَمَالَ الر إِلَّا أَبَا عَمْرٍو عَلَى الْمَشْهُورِ عَنْهُ.
وَمِنْ أَوَّلِ يس الثَّلَاثَةُ الْأَوَّلُونَ وَأَبُو بَكْرٍ.
وَأَمَالَ هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَةُ الطَّاءَ من طه وطسم وطس وَالْحَاءَ مَنْ حم فِي السُّوَرِ السَّبْعِ وَوَافَقَهُمْ فِي الْحَاءِ ابْنُ ذَكْوَانَ.(1/320)
خَاتِمَةٌ
كَرِهَ قَوْمٌ الْإِمَالَةَ لِحَدِيثِ: "نَزَلَ الْقُرْآنُ بِالتَّفْخِيمِ "،وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَوْجُهٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّهُ نَزَلَ بِذَلِكَ ثُمَّ رُخِّصَ فِي الْإِمَالَةِ.
ثَانِيهَا: أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يُقْرَأُ عَلَى قِرَاءَةِ الرِّجَالِ لَا يَخْضَعُ الصَّوْتُ فِيهِ كَكَلَامِ النِّسَاءِ.
ثَالِثُهَا: أَنَّ مَعْنَاهُ أُنْزِلَ بِالشِّدَّةِ وَالْغِلْظَةِ عَلَى الْمُشْرِكِينَ قَالَ فِي جَمَالِ الْقُرَّاءِ وَهُوَ بَعِيدٌ فِي تَفْسِيرِ الْخَبَرِ لِأَنَّهُ نَزَلَ أَيْضًا بِالرَّحْمَةِ وَالرَّأْفَةِ.
رَابِعُهَا: أن معناه بالتعظيم والتبجيل أَيْ عَظِّمُوهُ وَبَجِّلُوهُ فَحَضَّ بِذَلِكَ عَلَى تَعْظِيمِ الْقُرْآنِ وَتَبْجِيلِهِ.
خَامِسُهَا: أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّفْخِيمِ تَحْرِيكُ أَوْسَاطِ الْكَلِمِ بِالضَّمِّ وَالْكَسْرِ فِي الْمَوَاضِعِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا دُونَ إِسْكَانِهَا لِأَنَّهُ أَشْبَعُ لَهَا وَأَفْخَمُ.
قَالَ الدَّانِيُّ: وَكَذَا جَاءَ مُفَسَّرًا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ثُمَّ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ خَاقَانَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ سَمِعْتُ الْكِسَائِيَّ يُخْبِرُ عَنْ سَلْمَانَ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: نَزَلَ الْقُرْآنُ بِالتَّثْقِيلِ وَالتَّفْخِيمِ نَحْوُ قَوْلِهُ: "الْجُمُعَةَ " وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ مِنَ التَّثْقِيلِ ثُمَّ أَوْرَدَ حَدِيثَ الْحَاكِمِ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ مَرْفُوعًا: "نَزَلَ الْقُرْآنُ بِالتَّفْخِيمِ ".
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَحَدُ رُوَاتِهِ: سَمِعْتُ عَمَّارًا يَقُولُ: {عُذْراً أَوْ نُذْراً} و: {الصَّدَفَيْنِ} يَعْنِي بِتَحْرِيكِ الْأَوْسَطِ فِي ذَلِكَ.(1/321)
قَالَ: وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ أَبَى عُبَيْدَةَ: أَهْلُ الْحِجَازِ يُفَخِّمُونَ الْكَلَامَ كُلَّهُ إِلَّا حَرْفًا وَاحِدًا: "عَشْرَةً " فَإِنَّهُمْ يَجْزِمُونَهُ وَأَهْلُ نَجْدٍ يَتْرُكُونَ التَّفْخِيمَ فِي الْكَلَامِ إِلَّا هَذَا الْحَرْفَ فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ عَشِرَةَ بِالْكَسْرِ.
قَالَ الدَّانِيُّ: فَهَذَا الْوَجْهُ أَوْلَى فِي تَفْسِيرِ الْخَبَرِ.(1/322)
النَّوْعُ الْحَادِي وَالثَّلَاثُونَ: فِي الْإِدْغَامِ وَالْإِظْهَارِ وَالْإِخْفَاءِ وَالْإِقْلَابِ
أَفْرَدَ ذَلِكَ بِالتَّصْنِيفِ جَمَاعَةٌ مِنَ الْقُرَّاءِ.
الْإِدْغَامُ: هُوَ اللَّفْظُ بِحَرْفَيْنِ حَرْفًا كَالثَّانِي مُشَدَّدًا. وَيَنْقَسِمُ إِلَى كَبِيرٍ وَصَغِيرٍ:
الإدغام الكبير
فَالْكَبِيرُ مَا كَانَ أَوَّلُ الْحَرْفَيْنِ فيه متحركا سَوَاءٌ كَانَا مِثْلَيْنِ أَمْ جِنْسَيْنِ أَمْ مُتَقَارِبَيْنِ وَسُمِّيَ كَبِيرًا لِكَثْرَةِ وُقُوعِهِ إِذِ الْحَرَكَةُ أَكْثَرُ مِنَ السُّكُونِ، وَقِيلَ: لِتَأْثِيرِهِ فِي إِسْكَانِ الْمُتَحَرِّكِ قَبْلَ إِدْغَامِهِ وَقِيلَ: لِمَا فِيهِ مِنَ الصُّعُوبَةِ وَقِيلَ: لِشُمُولِهِ نَوْعَيْ الْمِثْلَيْنِ وَالْجِنْسَيْنِ وَالْمُتَقَارِبَيْنِ وَالْمَشْهُورُ بِنِسْبَتِهِ إِلَيْهِ مِنَ الْأَئِمَّةِ الْعَشْرَةِ هُوَ أَبُو عَمْرِو بْنُ الْعَلَاءِ وَوَرْدَ عَنْ جَمَاعَةٍ خَارِجَ الْعَشْرَةِ كَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَالْأَعْمَشِ وَابْنِ مُحَيْصِنٍ وغَيْرِهِمْ.
وَوَجْهُهُ: طَلَبُ التَّخْفِيفِ وَكَثِيرٌ مِنَ الْمُصَنِّفِينَ فِي الْقِرَاءَاتِ لَمْ يَذْكُرُوهُ الْبَتَّةَ كَأَبِي عُبَيْدٍ فِي كِتَابِهِ وَابْنِ مُجَاهِدٍ فِي مُسَبَّعَتِهِ وَمَكِّيٍّ فِي(1/323)
تَبْصِرَتِهِ وَالطَّلَمَنْكِيِّ فِي رَوْضَتِهِ وَابْنِ سُفْيَانٍ فِي هَادِيهِ وَابْنِ شُرَيْحٍ فِي كَافِيهِ وَالْمَهْدَوِيِّ فِي هِدَايَتِهِ وَغَيْرِهِمْ.
قَالَ فِي تَقْرِيبِ النَّشْرِ: وَنَعْنِي بِالْمُتَمَاثِلَيْنِ مَا اتَّفَقَا مَخْرَجًا وَصِفَةً وَالْمُتَجَانِسَيْنِ مَا اتَّفَقَا مخرجا واختلفا صفة وبالمتقاربين مَا تَقَارَبَا مَخْرَجًا أَوْ صِفَةً فَأَمَّا الْمُدْغَمُ مِنَ الْمُتَمَاثِلَيْنِ فَوَقَعَ فِي سَبْعَةَ عَشَرَ حَرْفًا وَهِيَ الْبَاءُ وَالتَّاءُ وَالثَّاءُ وَالْحَاءُ وَالرَّاءُ وَالسِّينُ وَالْعَيْنُ وَالْغَيْنُ وَالْفَاءُ وَالْقَافُ وَالْكَافُ وَاللَّامُ وَالْمِيمُ وَالنُّونُ وَالْوَاوُ وَالْهَاءُ وَالْيَاءُ نَحْوُ: {الْكِتَابَ بِالْحَقِّ} {الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا} {حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ} {النِّكَاحِ حَتَّى} {شَهْرُ رَمَضَانَ ا} {النَّاسَ سُكَارَى} {يَشْفَعُ عِنْدَهُ} {يَبْتَغِ غَيْرَ الْأِسْلامِ} {اخْتَلَفَ فِيهِ} {أَفَاقَ قَالَ} {إِنَّكِ كُنْتِ} {لا قِبَلَ لَهُمْ} {الرَّحِيمِ مَالِكِ} {وَنَحْنُ نُسَبِّحُ} {هُوَ وَلِيُّهُمُ} {فِيهِ هُدىً} {يَأْتِيَ يَوْمٌ} .
وَشَرْطُهُ أَنْ يَلْتَقِيَ الْمِثْلَانِ خَطًّا فَلَا يُدْغَمُ فِي نَحْوِ: {أَنَا نَذِيرٌ} من أجل وجود الألف وأن يكونا مِنْ كَلِمَتَيْنِ فَإِنِ الْتَقَيَا مِنْ(1/324)
كَلِمَةٍ فَلَا يُدْغَمُ إِلَّا فِي حَرْفَيْنِ نَحْوُ: {مَنَاسِكَكُمْ} فِي الْبَقَرَةِ وَ: {مَا سَلَكَكُمْ} فِي الْمُدَّثِّرِ وألا يكون الأول تاء ضمير المتكلم أَوْ خِطَابًا فَلَا يُدْغَمُ نَحْوَ: {كُنْتُ تُرَاباً} {أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ} وَلَا مُشَدَّدًا فَلَا يُدْغَمُ نَحْوُ: {مَسَّ سَقَرَ} {رَبِّ بِمَا} وَلَا مُنَوَّنًا فَلَا يُدْغَمُ نَحْوُ: {غَفُورٌ رَحِيمٌ} {سَمِيعٌ عَلِيمٌ}
وَأَمَّا الْمُدْغَمُ مِنَ الْمُتَجَانِسَيْنِ وَالْمُتَقَارِبَيْنِ فَهُوَ سِتَّةَ عَشَرَ حَرْفًا يَجْمَعُهَا: رُضْ سَنَشُدُّ حُجَّتَكَ بِذُلِّ قَثْمٍ وَشَرْطُهُ أَلَّا يَكُونَ الْأَوَّلُ مُشَدَّدًا نَحْوَ: {أَشَدَّ ذِكْراً} وَلَا مُنَوَّنًا نَحْوَ: {فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاثٍ} وَلَا تَاءَ ضَمِيرٍ نَحْوَ: {خَلَقْتَ طِيناً} فَالْبَاءُ تُدْغَمُ فِي الْمِيمِ فِي: {يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ} فَقَطْ
وَالتَّاءُ فِي عَشَرَةِ أَحْرُفٍ الثَّاءِ: {بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ} والجيم: {الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ} والذال: {السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ} والزاي: {الْجَنَّةَ} {زُمَراً} والسين: {الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ} وَلَمْ يُدْغَمْ: {وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً} لِلْجَزْمِ مَعَ خِفَّةِ الْفَتْحَةِ وَالشِّينِ: {بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} والصاد: {وَالْمَلائِكَةُ صَفّاً} والضاد: {وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحاً} وَالطَّاءِ: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ} والظاء: {الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي} .
وَالثَّاءُ فِي خَمْسَةِ أَحْرُفٍ التَّاءِ: {حَيْثُ تُؤْمَرُونَ} والذال: {وَالْحَرْثِ ذَلِكَ} والسين: {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ} والشين: {حَيْثُ شِئْتُمَا} والضاد: {حَدِيثُ ضَيْفِ} .
وَالْجِيمُ فِي حَرْفَيْنِ الشِّينِ: {أَخْرَجَ شَطْأَهُ} والتاء: {ذِي الْمَعَارِجِ تَعْرُجُ} وَالْحَاءُ فِي الْعَيْنِ فِي: {زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ} فَقَطْ.
وَالدَّالُ فِي عَشَرَةِ أَحْرُفٍ التَّاءِ الْمَسَاجِدِ تلك: {بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} ،(1/325)
والثاء: {يُرِيدُ ثَوَابَ} والجيم: {دَاوُدُ جَالُوتَ} والذال: {وَالْقَلائِدَ ذَلِكَ} والزاي: {يَكَادُ زَيْتُهَا} والسين: {الأَصْفَادِ سَرَابِيلُهُمْ} والشين: {وَشَهِدَ شَاهِدٌ} والصاد: {نَفْقِدُ صُوَاعَ} والضاد: {مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ} والظاء: {يُرِيدُ ظُلْماً} وَلَا تُدْغَمُ مَفْتُوحَةً بَعْدَ سَاكِنٍ إِلَّا فِي التَّاءِ لِقُوَّةِ التَّجَانُسِ
وَالذَّالُ فِي السِّينِ فِي قَوْلِهِ: {فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ} وَالصَّادِ فِي قَوْلِهِ مَا اتَّخَذَ صاحبة.
وَالرَّاءُ فِي اللَّامِ نَحْوُ: {هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ} المصير: {لا يُكَلِّفُ} والنهار لآيات فَإِنْ فُتِحَتْ وَسَكَنَ مَا قَبْلَهَا لَمْ تُدْغَمْ نَحْوُ: {وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا} وَالسِّينُ فِي الزَّايِ فِي قَوْلِهِ: {وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ} وَالشِّينِ فِي قَوْلِهِ: {الرَّأْسُ شَيْباً} .
وَالشِّينُ فِي السِّينِ فِي: {ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً} فَقَطْ وَالضَّادُ فِي: {لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ} فَقَطْ.
وَالْقَافُ فِي الْكَافِ إِذَا مَا تَحَرَّكَ مَا قَبْلَهَا نَحْوُ: {يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ} وكذا إذا كانت معها في كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ وَبَعْدَهَا مِيمٌ نَحْوُ: {خَلَقَكُمْ} .
وَالْكَافُ فِي الْقَافِ إِذَا تَحَرَّكَ مَا قَبْلَهَا نَحْوُ: {وَنُقَدِّسُ لَكَ} قال إلا إِنْ سَكَنَ نَحْوُ: {وَتَرَكُوكَ قَائِماً} .
وَاللَّامُ فِي الرَّاءِ إِذَا تَحَرَّكَ مَا قَبْلَهَا نَحْوُ: {رُسُلُ رَبِّكَ} أَوْ سَكَنَ وَهِيَ مَضْمُومَةٌ أَوْ مَكْسُورَةٌ نَحْوُ: {لَقَوْلُ رَسُولٍ} {إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ} إلا إِنْ فُتِحَتْ نَحْوُ: {فَيَقُولَ رَبِّ} إِلَّا لَامَ قَالَ فَإِنَّهَا تُدْغَمُ حَيْثُ وَقَعَتْ نَحْوَ: {قَالَ رَبِّ} {قَالَ رَجُلانِ} .(1/326)
وَالْمِيمُ تُسْكَنُ عِنْدَ الْبَاءِ إِذَا تَحَرَّكَ مَا قَبْلَهَا فَتَخْفَى بِغُنَّةٍ نحو: {أَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ} {يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ} {مَرْيَمَ بُهْتَاناً} وَهَذَا نَوْعٌ مِنَ الْإِخْفَاءِ الْمَذْكُورِ فِي التَّرْجَمَةِ وَذِكْرُ ابْنِ الْجَزَرِيِّ لَهُ فِي أَنْوَاعِ الْإِدْغَامِ تَبِعَ فِيهِ بَعْضَ الْمُتَقَدِّمِينَ وَقَدْ قَالَ هُوَ فِي النَّشْرِ إِنَّهُ غَيْرُ صَوَابٍ فَإِنْ سَكَنَ مَا قَبْلَهَا أظهرت نحو: {إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ} .
وَالنُّونُ تُدْغَمُ إِذَا تَحَرَّكَ مَا قَبْلَهَا فِي الرَّاءِ وَفِي اللَّامِ نحو: {تَأَذَّنَ رَبُّكَ} {لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ} فَإِنْ سَكَنَ أُظْهِرَتْ عِنْدَهُمَا نَحْوُ: {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ} {أَنْ تَكُونَ لَهُمْ} إِلَّا نُونَ نَحْنُ فَإِنَّهَا تُدْغَمُ نحو: {نَحْنُ لَهُ} {وَمَا نَحْنُ لَكَ} لكثرة دورها وَتَكْرَارِ النُّونِ فِيهَا وَلُزُومِ حَرَكَتِهَا وَثِقْلِهَا.
تَنْبِيهَانِ
الْأَوَّلُ: وَافَقَ أَبُو عَمْرٍو حَمْزَةَ وَيَعْقُوبَ فِي أَحْرُفٍ مَخْصُوصَةٍ اسْتَوْعَبَهَا ابْنُ الْجَزَرِيِّ فِي كِتَابَيْهِ النشر والتقريب.
الثَّانِي: أَجْمَعَ الْأَئِمَّةُ الْعَشَرَةُ عَلَى إدغام: {مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ} وَاخْتَلَفُوا فِي اللَّفْظِ بِهِ فَقَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ بِإِدْغَامِهِ مَحْضًا بِلَا إِشَارَةٍ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْإِشَارَةِ رَوْمًا وَإِشْمَامًا.(1/327)
ضَابِطٌ
قَالَ ابْنُ الْجَزَرِيِّ: جَمِيعُ مَا أَدْغَمَهُ أَبُو عَمْرٍو مِنَ الْمِثْلَيْنِ وَالْمُتَقَارِبَيْنِ إِذَا وَصَلَ السُّورَةَ بِالسُّورَةِ أَلْفُ حَرْفٍ وَثَلَاثُمِائَةٍ وَأَرْبَعَةُ أَحْرُفٍ لِدُخُولِ آخِرِ " الْقَدْرِ " بِـ" لَمْ يَكُنْ "وَإِذَا بَسْمَلَ وَوَصْلَ آخِرَ السُّورَةِ بِالْبَسْمَلَةِ أَلْفٌ وَثَلَاثُمِائَةٍ وَخَمْسَةٌ لِدُخُولِ آخِرِ " الرَّعْدِ " بِأَوَّلِ " إِبْرَاهِيمَ " وَآخِرِ " إِبْرَاهِيمَ " بِأَوَّلِ " الْحِجْرِ " وَإِذَا فَصَلَ بِالسَّكْتِ وَلَمْ يُبَسْمِلْ ألف وثلاثمائة وثلاثة.
الإدغام الصغير
وَأَمَّا الْإِدْغَامُ الصَّغِيرُ: فَهُوَ مَا كَانَ الْحَرْفُ الْأَوَّلُ فِيهِ سَاكِنًا وَهُوَ وَاجِبٌ وَمُمْتَنِعٌ وَجَائِزٌ وَالَّذِي جَرَتْ عَادَةُ الْقُرَّاءُ بِذِكْرِهِ فِي كُتُبِ الْخِلَافِ هُوَ الْجَائِزُ لِأَنَّهُ الَّذِي اخْتَلَفَ الْقُرَّاءُ فِيهِ، وَهُوَ قِسْمَانِ:
الْأَوَّلُ: إِدْغَامُ حَرْفٍ مِنْ كَلِمَةٍ فِي حُرُوفٍ مُتَعَدِّدَةٍ مِنْ كَلِمَاتٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَتَنْحَصِرُ فِي إِذْ وَقَدْ وَتَاءِ التَّأْنِيثِ وَهَلْ وَبَلْ.
فإذ اخْتُلِفَ فِي إِدْغَامِهَا وَإِظْهَارِهَا عِنْدَ سِتَّةِ أَحْرُفٍ التَّاءِ: {إِذْ تَبَرَّأَ} والجيم: {إِذْ جَعَلَ} والدال: {إِذْ دَخَلْتَ} والزاي: {وَإِذْ زَاغَتِ} والسين: {إِذْ سَمِعْتُمُوهُ} والصاد: {وَإِذْ صَرَفْنَا} .
وقد اخْتُلِفَ فِيهَا عِنْدَ ثَمَانِيَةِ أَحْرُفٍ الْجِيمِ: {وَلَقَدْ جَاءَكُمْ} والذال: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا} والزاي: {وَلَقَدْ زَيَّنَّا} والسين: {قَدْ سَأَلَهَا} ،(1/328)
والشين: {قَدْ شَغَفَهَا} والصاد: {وَلَقَدْ صَرَّفْنَا} والضاد: {قَدْ ضَلُّوا} والظاء: {فَقَدْ ظَلَمَ} .
وَتَاءِ التَّأْنِيثِ اخْتُلِفَ فِيهَا عِنْدَ سِتَّةِ أَحْرُفٍ الثَّاءِ: {بَعِدَتْ ثَمُودُ} والجيم: {نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ} والزاي: {خَبَتْ زِدْنَاهُمْ} والسين: {أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ} والصاد: {لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ} والظاء: {كَانَتْ ظَالِمَةً} .
ولام هل وبل اخْتُلِفَ فِيهَا عِنْدَ ثَمَانِيَةِ أَحْرُفٍ تَخْتَصُّ بَلْ مِنْهَا بِخَمْسَةٍ الزَّايِ: {بَلْ زُيِّنَ} والسين: {بَلْ سَوَّلَتْ} والضاد: {بَلْ ضَلُّوا} والطاء: {بَلْ طَبَعَ} والظاء: {بَلْ ظَنَنْتُمْ} .
وَتَخْتَصُّ هَلْ بِالثَّاءِ: {هَلْ ثُوِّبَ} وَيَشْتَرِكَانِ فِي التَّاءِ وَالنُّونِ: {هَلْ تَنْقِمُونَ} {بَلْ تَأْتِيهِمْ} {هَلْ نَحْنُ} {بَلْ نَتَّبِعُ}
الْقِسْمُ الثَّانِي: إِدْغَامُ حُرُوفٍ قَرُبَتْ مَخَارِجُهَا وَهِيَ سَبْعَةَ عَشَرَ حَرْفًا اخْتُلِفَ فِيهَا:
أَحَدُهَا: الْبَاءُ عِنْدَ الْفَاءِ فِي: {أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ} {وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ} {اذْهَبْ فَمَنْ} {فَاذْهَبْ فَإِنَّ} {وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ}
الثاني:: {يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ} فِي الْبَقَرَةِ.
الثَّالِثُ: {ارْكَبْ مَعَنَا} فِي هُودٍ.
الرَّابِعُ: {نَخْسِفْ بِهِمُ} فِي سَبَأٍ.
الْخَامِسُ: الرَّاءُ السَّاكِنَةُ عِنْدَ اللَّامِ نَحْوُ: {يَغْفِرْ لَكُمْ} {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ} .
السَّادِسُ: اللَّامُ السَّاكِنَةُ فِي الذَّالِ: {مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ} حَيْثُ وَقَعَ.(1/329)
السَّابِعُ: الثَّاءُ فِي الذَّالِ فِي: {يَلْهَثْ ذَلِكَ} .
الثَّامِنُ: الدَّالُ فِي الثَّاءِ: {وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ} حَيْثُ وَقَعَ.
التَّاسِعُ: الذَّالُ فِي التَّاءِ مِنِ: {اتَّخَذْتُمُ} وَمَا جَاءَ مِنْ لَفْظِهِ.
الْعَاشِرُ: الذَّالُ فِيهَا مِنْ: {فَنَبَذْتُهَا} فِي طه.
الْحَادِي عَشَرَ: الذَّالُ فِيهَا أَيْضًا فِي: {عُذْتُ بِرَبِّي} فِي غَافِرٍ والدخان.
الثَّانِي عَشَرَ: الثَّاءُ مِنْ: {لَبِثْتُمْ} و: {لَبِثْتَ} كَيْفَ جَاءَا.
الثَّالِثَ عَشَرَ: الثَّاءُ في: {أُورِثْتُمُوهَا} في الأعراف والزخرف.
الرَّابِعَ عَشَرَ: الدَّالُ فِي الذَّالِ فِي: {كهيعص ذِكْرُ} .
الْخَامِسَ عَشَرَ: النُّونُ فِي الْوَاوِ مِنْ: {يس وَالْقُرْآنِ} .
السَّادِسَ عَشَرَ: النُّونُ فِيهَا مِنْ: {نْ وَالْقَلَمِ} .
السَّابِعَ عَشَرَ: النُّونُ عِنْدَ الْمِيمِ مِنْ: {طسم} أول الشعراء والقصص.
قَاعِدَةٌ
كُلُّ حَرْفَيْنِ الْتَقَيَا أَوَّلُهُمَا سَاكِنٌ وَكَانَا مِثْلَيْنِ أَوْ جِنْسَيْنِ وَجَبَ إِدْغَامُ الْأَوَّلِ مِنْهُمَا لُغَةً وَقِرَاءَةً.
فَالْمِثْلَانِ نَحْوُ: {اضْرِبْ بِعَصَاكَ} {رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ} {وَقَدْ دَخَلُوا} {اذْهَبْ بِكِتَابِي} {وَقُلْ لَهُمْ} {وَهُمْ مِنْ} {عَنْ نَفْسٍ} {يُدْرِكْكُمُ} {يُوَجِّهْهُ} .
والجنسان نحو: {قَالَتْ طَائِفَةٌ} وقد تبين: {إِذْ ظَلَمْتُمْ} {بَلْ رَانَ} {هَلْ رَأَيْتُمْ} {قُلْ رَبِّ} مَا لَمْ يَكُنْ أَوَّلُ الْمِثْلَيْنِ حَرْفُ مَدٍّ(1/330)
نحو: {قَالُوا وَهُمْ} {الَّذِي يُوَسْوِسُ} أَوْ أَوَّلُ الْجِنْسَيْنِ حَرْفُ حَلْقٍ نَحْوُ: {فَاصْفَحْ عَنْهُمْ} .
فَائِدَةٌ
كَرِهَ قَوْمٌ الْإِدْغَامَ فِي الْقُرْآنِ وَعَنْ حَمْزَةَ أَنَّهُ كَرِهَهُ فِي الصَّلَاةِ فَتَحَصَّلْنَا عَلَى ثَلَاثَةِ أقوال.
تَذْنِيبٌ
يَلْحَقُ بِالْقِسْمَيْنِ السَّابِقَيْنِ قِسْمٌ آخَرَ اخْتُلِفَ فِي بَعْضِهِ وَهُوَ أَحْكَامُ النُّونِ السَّاكِنَةِ وَالتَّنْوِينِ وَلَهُمَا أَحْكَامٌ أَرْبَعَةٌ: إِظْهَارٌ وَإِدْغَامٌ وَإِقْلَابٌ وَإِخْفَاءٌ.
فَالْإِظْهَارُ لِجَمِيعِ الْقُرَّاءِ عِنْدَ سِتَّةِ أَحْرُفٍ وَهِيَ حُرُوفُ الْحَلْقِ: الْهَمْزَةُ وَالْهَاءُ وَالْعَيْنُ وَالْحَاءُ وَالْغَيْنُ والخاء نحو: {يَنْأَوْنَ} {مَنْ آمَنَ} {فَانْهَارَ} {مِنْ هَادٍ} {جُرُفٍ هَارٍ} {أَنْعَمْتَ} {مِنْ عَمَلِ} {عَذَابٌ عَظِيمٌ} {وَانْحَرْ} {مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} {فَسَيُنْغِضُونَ} {مِنْ غِلٍّ} {إِلَهٍ غَيْرُهُ} {وَالْمُنْخَنِقَةُ} {مِنْ خَيْرٍ} {قَوْمٌ خَصِمُونَ} .
وَبَعْضُهُمْ يُخْفِي عِنْدَ الْخَاءِ وَالْغَيْنِ.
وَالْإِدْغَامُ فِي سِتَّةٍ: حَرْفَانِ بِلَا غُنَّةٍ وَهُمَا اللَّامُ وَالرَّاءُ نَحْوُ: {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا} {هُدىً لِلْمُتَّقِينَ} {مِنْ رَبِّهِمْ} {ثَمَرَةٍ رِزْقاً} وَأَرْبَعَةٌ بِغُنَّةٍ وَهِيَ النُّونُ وَالْمِيمُ وَالْيَاءُ وَالْوَاوُ نَحْوَ: {عَنْ نَفْسٍ} {حِطَّةٌ نَغْفِرْ} {مِنْ مَالٍ} {مَثَلاً مَا} {مِنْ وَالٍ} {وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ} {مَنْ يَقُولُ} {وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ}(1/331)
وَالْإِقْلَابُ عِنْدَ حَرْفٍ وَاحِدٍ وَهُوَ الْبَاءُ نَحْوُ: {أَنْبِئْهُمْ} {مِنْ بَعْدِهِمْ} {صُمٌّ بُكْمٌ} بِقَلْبِ النُّونِ وَالتَّنْوِينِ عِنْدَ الْبَاءِ مِيمًا خَاصَّةً فَتُخْفَى بِغُنَّةٍ.
وَالْإِخْفَاءُ عِنْدَ بَاقِي الْحُرُوفِ وَهِيَ خَمْسَةَ عَشَرَ التَّاءُ وَالثَّاءُ وَالْجِيمُ وَالدَّالُ وَالذَّالُ وَالزَّايُ وَالسِّينُ وَالشِّينُ وَالصَّادُ وَالضَّادُ وَالطَّاءُ وَالظَّاءُ وَالْفَاءُ وَالْقَافُ والكاف نحو: {كُنْتُمْ} {مَنْ تَابَ} {جَنَّاتٍ تَجْرِي} {الْأُنْثَى} {من ثمرة} {قَوْلاً ثَقِيلاً} {أَنْجَيْتَنَا} {إِنْ جَعَلَ} {خَلْقاً جَدِيداً} {أَنْدَاداً} {أَنْ دَعَوْا} {وَكَأْساً دِهَاقاً} {أَأَنْذَرْتَهُمْ} {مِنْ ذَهَبٍ} {وَكِيلاً ذُرِّيَّةٌ} {تَنْزِيلٌ مِنَ} {مِنْ زَوَالٍ} {صَعِيداً زَلَقاً} {الْإِنْسَانُ} {مِنْ سُوءٍ} {وَرَجُلاً سَلَماً} {أَنْشَرَهُ} {إِنْ شَاءَ} {غَفُورٌ شَكُورٌ} {وَالأَنْصَارِ} {أَنْ صَدُّوكُمْ} {وجمالات صفر} {مَنْضُودٍ} {مَنْ ضَلَّ} {وَكُلّاً ضَرَبْنَا} {الْمُقَنْطَرَةِ} {مِنْ طِينٍ} {صَعِيداً طَيِّباً} {يُنْظَرُونَ} {مِنْ ظَهِيرٍ} {ظِلاًّ ظَلِيلاً} {فَانْفَلَقَ} {مِنْ فَضْلِهِ} {خَالِداً فِيهَا} {انْقَلَبُوا} {مِنْ قَرَارٍ} {سَمِيعٌ قَرِيبٌ} {الْمُنْكَرِ} {مِنْ كِتَابٍ} {كِتَابٌ كَرِيمٌ} وَالْإِخْفَاءُ حَالَةٌ بَيْنَ الْإِدْغَامِ وَالْإِظْهَارِ وَلَا بُدَّ مِنَ الْغُنَّةِ مَعَهُ.(1/332)
النَّوْعُ الثَّانِي وَالثَّلَاثُونَ: فِي الْمَدِّ وَالْقَصْرِ
أَفْرَدَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الْقُرَّاءِ بِالتَّصْنِيفِ وَالْأَصْلُ فِي الْمَدِّ مَا أخرجه سعيد ابن مَنْصُورٍ فِي سُنَنِهِ حَدَّثَنَا شِهَابُ بْنُ خِرَاشٍ حَدَّثَنِي مَسْعُودُ بْنُ يَزِيدٍ الْكِنْدِيُّ قَالَ كَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ يُقْرِئُ رَجُلًا فَقَرَأَ الرَّجُلُ: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} مُرْسَلَةً فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: مَا هَكَذَا أَقْرَأَنِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: كَيْفَ أَقْرَأَكَهَا يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ؟ فَقَالَ: أَقْرَأَنِيهَا: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} فَمَدَّ. وَهَذَا حديث حسن جَلِيلٌ حُجَّةٌ وَنَصٌّ فِي الْبَابِ رِجَالُ إِسْنَادِهِ ثِقَاتٌ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ.
الْمَدُّ: عِبَارَةٌ عَنْ زِيَادَةِ مَطٍّ فِي حَرْفِ الْمَدِّ عَلَى الْمَدِّ الطَّبِيعِيِّ وَهُوَ الَّذِي لَا تَقُومُ ذَاتُ حَرْفِ الْمَدِّ دُونَهُ.
وَالْقَصْرُ: تَرْكُ تِلْكَ الزِّيَادَةِ وَإِبْقَاءُ الْمَدِّ الطَّبِيعِيِّ عَلَى حَالِهِ.
وَحَرْفُ الْمَدِّ الألف مطلقا والواو السَّاكِنَةُ الْمَضْمُومُ مَا قَبْلَهَا وَالْيَاءُ السَّاكِنَةُ الْمَكْسُورُ مَا قَبْلَهَا.
وَسَبَبُهُ لَفْظِيٌّ وَمَعْنَوِيٌّ فَاللَّفْظِيُّ إِمَّا هَمْزٌ أَوْ سُكُونٌ فَالْهَمْزُ يَكُونُ بَعْدَ حَرْفِ الْمَدِّ وَقَبْلَهُ وَالثَّانِي نَحْوُ: {آدَمَ} {وَرَأى} {وإِيمَان} {وخَاطِئِينَ} {وأُوتُوا} {والمَوْؤُودَةُ} .(1/333)
وَالْأَوَّلُ إِنْ كَانَ مَعَهُ فِي كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ فَهُوَ الْمُتَّصِلُ نَحْوُ: {أُولَئِكَ} {شَاءَ اللَّهُ} وَ: {السُّوءَ} و: {مِنْ سُوءٍ} و: {يُضِيءُ} .
وَإِنْ كَانَ حَرْفُ الْمَدِّ آخَرَ كَلِمَةٍ وَالْهَمْزُ أَوَّلُ أُخْرَى فَهُوَ الْمُنْفَصِلُ نَحْوُ: {بِمَا أُنْزِلَ} {يَا أَيُّهَا} {قَالُوا آمَنَّا} {أَمْرُهُ إِلَى اللهِ} {فِي أَنْفُسِكُمْ} {بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ} .
وَوَجْهُ الْمَدِّ لِأَجْلِ الْهَمْزِ أَنَّ حَرْفَ الْمَدِّ خَفِيٌّ وَالْهَمْزُ صَعْبٌ فَزِيدَ فِي الْخَفِيِّ لِيُتَمَكَّنَ مِنَ النُّطْقِ بِالصَّعْبِ.
وَالسُّكُونُ إِمَّا لَازِمٌ وَهُوَ الَّذِي لَا يَتَغَيَّرُ فِي حَالَيْهِ نَحْوُ: {الضَّالِّينَ} و: {دَابَّةٍ} و: {أَلَمْ} و: {أَتُحَاجُّونِّي} أَوْ عَارِضٌ: وَهُوَ الَّذِي يَعْرِضُ لِلْوَقْفِ وَنَحْوِهِ نحو: {الْعِبَادِ} و: {الْحِسَابِ} وَ: {نَسْتَعِينُ} وَ: {الرَّحِيمِ} وَ: {يُوقِنُونَ} - حَالَةَ الْوَقْفِ - وَ: {فِيهِ هُدىً} و: {قَالَ لَهُمُ} و: {يَقُولُ رَبَّنَا} - حَالَةَ الْإِدْغَامِ -.
وَوَجْهُ الْمَدِّ لِلسُّكُونِ التَّمَكُّنُ مِنَ الْجَمْعِ بَيْنَ السَّاكِنَيْنِ فَكَأَنَّهُ قَامَ مَقَامَ حَرَكَةٍ.
وَقَدْ أَجْمَعَ الْقُرَّاءُ عَلَى مَدِّ نَوْعَيِ الْمُتَّصِلِ وَذِي السَّاكِنِ اللَّازِمِ وَإِنِ اخْتَلَفُوا فِي مِقْدَارِهِ وَاخْتَلَفُوا فِي مَدِّ النَّوْعَيْنِ الْآخَرَيْنِ: وَهُمَا الْمُنْفَصِلُ وَذُو السَّاكِنِ الْعَارِضِ وَفِي قَصْرِهِمَا.
فَأَمَّا الْمُتَّصِلُ فَاتَّفَقَ الْجُمْهُورُ عَلَى مَدِّهِ قَدْرًا وَاحِدًا مُشَبَّعًا مِنْ غَيْرِ إِفْحَاشٍ.
وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى تَفَاضُلِهِ كَتَفَاضُلِ الْمُنْفَصِلِ فَالطُّولِيُّ لِحَمْزَةَ وَوَرْشٍ وَدُونَهَا لِعَاصِمٍ وَدُونَهَا لِابْنِ عَامِرٍ وَالْكِسَائِيِّ وَخَلَفٍ وَدُونَهَا لِأَبِي عَمْرٍو وَالْبَاقِينَ.
وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّهُ مَرْتَبَتَانِ فَقَطْ الطُّولِيُّ لِمَنْ ذَكَرَ وَالْوَسَطِيُّ لِمَنْ بَقِيَ.(1/334)
وَأَمَّا ذُو السَّاكِنِ وَيُقَالُ لَهُ مَدُّ الْعَدْلِ لِأَنَّهُ يَعْدِلُ حَرَكَةً - فَالْجُمْهُورُ أَيْضًا عَلَى مَدِّهِ مُشَبَّعًا قَدْرًا وَاحِدًا مِنْ غَيْرِ إِفْرَاطٍ وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى تَفَاوُتِهِ.
وَأَمَّا الْمُنْفَصِلُ - وَيُقَالُ لَهُ مَدُّ الْفَصْلِ لِأَنَّهُ يَفْصِلُ بَيْنَ الْكَلِمَتَيْنِ وَمَدُّ الْبَسْطِ لِأَنَّهُ يَبْسُطُ بَيْنَ الْكَلِمَتَيْنِ وَمَدُّ الِاعْتِبَارِ لِاعْتِبَارِ الْكَلِمَتَيْنِ مِنْ كَلِمَةٍ وَمَدُّ حَرْفٍ بِحَرْفٍ أَيْ مَدُّ كَلِمَةٍ بِكَلِمَةٍ وَالْمَدُّ الْجَائِزُ مِنْ أَجْلِ الْخِلَافِ فِي مَدِّهِ وَقَصْرِهِ - فَقَدِ اخْتَلَفَتِ الْعِبَارَاتُ فِي مِقْدَارِ مَدِّهِ اخْتِلَافًا لَا يُمْكِنُ ضَبْطُهُ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ لَهُ سَبْعَ مَرَاتِبَ:
الْأُولَى: الْقَصْرُ وَهُوَ حَذْفُ الْمَدِّ الْعَرَضِيِّ وَإِبْقَاءُ ذَاتِ حَرْفِ الْمَدِّ عَلَى مَا فِيهَا مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَهِيَ فِي الْمُنْفَصِلِ خَاصَّةً لِأَبِي جَعْفَرٍ وَابْنِ كَثِيرٍ وَلِأَبِي عَمْرٍو عِنْدَ الْجُمْهُورِ.
الثَّانِيَةُ: فُوَيْقَ الْقَصْرِ قَلِيلًا وَقُدِّرَتْ بِأَلِفَيْنِ وَبَعْضُهُمْ بِأَلِفٍ وَنِصْفٍ وَهِيَ لِأَبِي عَمْرٍو فِي الْمُتَّصِلِ وَالْمُنْفَصِلِ عِنْدَ صَاحِبِ التَّيْسِيرِ.
الثَّالِثَةُ: فُوَيْقَهَا قَلِيلًا وَهِيَ التَّوَسُّطُ عِنْدَ الْجَمِيعِ وَقُدِّرَتْ بِثَلَاثِ أَلِفَاتٍ وَقِيلَ بِأَلِفَيْنِ وَنِصْفٍ وَقِيلَ بِأَلِفَيْنِ عَلَى أَنَّ مَا قَبْلَهَا بِأَلْفٍ وَنِصْفٍ وَهِيَ لِابْنِ عَامِرٍ وَالْكِسَائِيِّ فِي الضَّرْبَيْنِ عِنْدَ صَاحِبِ التَّيْسِيرِ.
الرَّابِعَةُ: فُوَيْقَهَا قَلِيلًا وَقُدِّرَتْ بِأَرْبَعِ أَلِفَاتٍ وَقِيلَ بِثَلَاثٍ وَنِصْفٍ وَقِيلَ بِثَلَاثٍ عَلَى الْخِلَافِ فِيمَا قَبْلَهَا وَهِيَ لِعَاصِمٍ فِي الضَّرْبَيْنِ عِنْدَ صَاحِبِ التَّيْسِيرِ.(1/335)
الخامسة: فويقها قليلا وَقَدِّرَتْ بِخَمْسِ أَلِفَاتٍ وَبِأَرْبَعٍ وَنِصْفٍ وَبِأَرْبَعٍ عَلَى الْخِلَافِ وَهِيَ فِيهَا لِحَمْزَةَ وَوَرْشٍ عِنْدَهُ.
السَّادِسَةُ: فَوْقَ ذَلِكَ وَقَدَّرَهَا الْهُذَلِيُّ بِخَمْسِ أَلِفَاتٍ عَلَى تَقْدِيرِ الْخَامِسَةِ بِأَرْبَعٍ وَذَكَرَ أَنَّهَا لِحَمْزَةَ.
السَّابِعَةُ: الْإِفْرَاطُ قَدَّرَهَا الْهُذَلِيُّ بِسِتٍّ وَذَكَرَهَا لِوَرْشٍ قَالَ ابْنُ الْجَزَرِيِّ وَهَذَا الِاخْتِلَافُ فِي تَقْدِيرِ الْمَرَاتِبِ بِالْأَلِفَاتِ لَا تَحْقِيقَ وَرَاءَهُ بَلْ هُوَ لَفْظِيٌّ لِأَنَّ الْمَرْتَبَةَ الدُّنْيَا - وَهِيَ الْقَصْرُ - إِذَا زِيدَ عَلَيْهَا أَدْنَى زِيَادَةٍ صَارَتْ ثَانِيَةً ثُمَّ كَذَلِكَ حَتَّى تَنْتَهِيَ إِلَى الْقُصْوَى.
وَأَمَّا الْعَارِضُ فَيَجُوزُ فِيهِ - لِكُلٍّ مِنَ الْقُرَّاءِ - كُلٌّ مِنَ الْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ: الْمَدُّ وَالتَّوَسُّطُ وَالْقَصْرُ وَهِيَ أَوْجُهُ تَخْيِيرٍ وَأَمَّا السَّبَبُ الْمَعْنَوِيُّ فَهُوَ قَصْدُ الْمُبَالَغَةِ فِي النَّفْيِ وَهُوَ سَبَبٌ قَوِيٌّ مَقْصُودٌ عِنْدَ الْعَرَبِ وَإِنْ كَانَ أَضْعَفَ مِنَ اللَّفْظِيِّ عِنْدَ الْقُرَّاءِ وَمِنْهُ مَدُّ التَّعْظِيمِ فِي نَحْوِ: {لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} {لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} {لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ} وَقَدْ وَرَدَ عَنْ أَصْحَابِ الْقَصْرِ فِي الْمُنْفَصِلِ لِهَذَا الْمَعْنَى وَيُسَمَّى مَدُّ الْمُبَالَغَةِ قَالَ ابْنُ مِهْرَانَ فِي كِتَابِ الْمَدَّاتِ إِنَّمَا سُمِّيَ مَدُّ الْمُبَالَغَةِ لِأَنَّهُ طَلَبٌ لِلْمُبَالَغَةِ فِي نَفْيِ إِلَهِيَّةِ سِوَى اللَّهِ تَعَالَى قَالَ وَهَذَا مَذْهَبٌ مَعْرُوفٌ عِنْدَ الْعَرَبِ لِأَنَّهَا تَمُدُّ عِنْدَ الدُّعَاءِ وَعِنْدَ الِاسْتِغَاثَةِ وَعِنْدَ الْمُبَالَغَةِ فِي نَفْيِ شَيْءٍ وَيَمُدُّونَ مَا لَا أَصْلَ لَهُ بِهَذِهِ الْعِلَّةِ قَالَ ابْنُ الْجَزَرِيِّ وَقَدْ وَرَدَ عَنْ حَمْزَةَ مَدَّ الْمُبَالَغَةِ لِلنَّفْيِ فِي لَا الَّتِي لِلتَّبْرِئَةِ نَحْوُ: {لا رَيْبَ(1/336)
فِيهِ} {لا شِيَةَ فِيهَا} {لا مَرَدَّ لَهُ} {لا جَرَمَ} وَقَدْرُهُ فِي ذَلِكَ وَسَطٌ لَا يَبْلُغُ الْإِشْبَاعَ لِضَعْفِ سَبَبِهِ نَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ الْقِصَاعِ وَقَدْ يَجْتَمِعُ السَّبَبَانِ اللَّفْظِيُّ وَالْمَعْنَوِيُّ فِي نَحْوِ: {لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} ، وَ {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} ، و {فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} فَيُمَدُّ لِحَمْزَةَ مَدًّا مُشْبَعًا عَلَى أَصْلِهِ فِي الْمَدِّ لِأَجْلِ الْهَمْزِ وَيُلْغَى الْمَعْنَوِيُّ إِعْمَالًا لِلْأَقْوَى وَإِلْغَاءً لِلْأَضْعَفِ.
قَاعِدَةٌ
إِذَا تَغَيَّرَ سَبَبُ الْمَدِّ جَازَ الْمَدُّ مُرَاعَاةً لِلْأَصْلِ وَالْقَصْرُ نَظَرًا لِلَّفْظِ سَوَاءٌ كَانَ السَّبَبُ هَمْزًا أَوْ سُكُونًا سَوَاءٌ تَغَيَّرَ الْهَمْزُ بِبَيْنَ بَيْنَ أَوْ بِإِبْدَالٍ أَوْ حَذْفٍ وَالْمَدُّ أَوْلَى فِيمَا بَقِيَ لِتَغَيُّرِ أَثَرِهِ نَحْوُ: {هَؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ} فِي قِرَاءَةِ قَالُونَ وَالْبَزِّيِّ وَالْقَصْرُ فِيمَا ذَهَبَ أَثَرُهُ نَحْوَهَا فِي قِرَاءَةِ أَبِي عَمْرٍو.
قَاعِدَةٌ
مَتَى اجْتَمَعَ سَبَبَانِ: قَوِيٌّ وَضَعِيفٌ عُمِلَ بِالْقَوِيِّ وَأُلْغِيَ الضَّعِيفُ إِجْمَاعًا وَيَتَخَرَّجُ عَلَيْهَا فُرُوعٌ:
مِنْهَا: الْفَرْعُ السَّابِقُ فِي اجْتِمَاعِ اللَّفْظِيِّ وَالْمَعْنَوِيِّ.
وَمِنْهَا: نحو: {جَاؤُوا آبَاءَهُم} ، و {رَأَى أَيْدِيَهُمْ} إِذَا قُرِئَ لِوَرْشٍ لَا يَجُوزُ(1/337)
فِيهِ الْقَصْرُ وَلَا التَّوَسُّطُ بَلِ الْإِشْبَاعُ عَمَلًا بِأَقْوَى السَّبَبَيْنِ وَهُوَ الْمَدُّ لِأَجْلِ الْهَمْزِ بَعْدَهُ فَإِنْ وقف على: {جَاؤُوا} أَوْ، {رَأَى} جَازَتِ الْأَوْجُهُ الثَّلَاثَةُ بِسَبَبِ تَقَدُّمِ الْهَمْزِ عَلَى حَرْفِ الْمَدِّ وَذَهَابِ سَبَبِيَّةِ الْهَمْزِ بَعْدَهُ.
فَائِدَةٌ
قَالَ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ مِهْرَانَ النَّيْسَابُورِيُّ: مَدَّاتُ الْقُرْآنِ عَلَى عَشَرَةِ أَوْجُهٍ:
مَدُّ الْحَجْزِ فِي نَحْوِ: {أَأَنْذَرْتَهُمْ} ، {أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ} ، {أَإِذَا مِتْنَا} ، {أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ} لِأَنَّهُ أَدْخَلَ بَيْنَ الْهَمْزَتَيْنِ حَاجِزًا خَفَّفَهُمَا لِاسْتِثْقَالِ الْعَرَبِ جَمْعَهُمَا وَقَدْرُهُ أَلِفٌ تَامَّةٌ بِالْإِجْمَاعِ فَحُصُولُ الْحَجْزِ بِذَلِكَ.
وَمَدُّ الْعَدْلِ فِي كُلِّ حَرْفٍ مُشَدَّدٍ وَقَبْلَهُ حَرْفُ مَدٍّ وَلِينٍ نَحْوُ: {الضَّالِّينَ} لِأَنَّهُ يَعْدِلُ حَرَكَةً أَيْ يَقُومُ مَقَامَهَا فِي الْحَجْزِ بَيْنَ السَّاكِنَيْنِ.
وَمَدُّ التَّمْكِينِ فِي نَحْوِ: {وَأُولَئِكَ} و {الْمَلائِكَةِ} و {شَعَائِرِ} وَسَائِرِ الْمِدَّاتِ الَّتِي تَلِيهَا هَمْزَةٌ لِأَنَّهُ جُلِبَ لِيُتَمَكَّنَ بِهِ مِنْ تَحْقِيقِهَا وَإِخْرَاجِهَا مِنْ مَخْرَجِهَا.
وَمَدُّ الْبَسْطِ وَيُسَمَّى أَيْضًا مَدُّ الْفَصْلِ فِي نَحْوِ: {بِمَا أُنْزِلَ} لِأَنَّهُ يُبْسَطُ بَيْنَ كَلِمَتَيْنِ ويصل بِهِ بَيْنَ كَلِمَتَيْنِ مُتَّصِلَتَيْنِ.
وَمَدُّ الرَّوْمِ فِي نَحْوِ: {هَا أَنْتُمْ} لِأَنَّهُمْ يَرُومُونَ الْهَمْزَةَ مِنْ: {أَنْتُمْ}(1/338)
وَلَا يُحَقِّقُونَهَا وَلَا يَتْرُكُونَهَا أَصْلًا وَلَكِنْ يُلَيِّنُونَهَا وَيُشِيرُونَ إِلَيْهَا وَهَذَا عَلَى مَذْهَبِ مَنْ لَا يَهْمِزُ: {هَا أَنْتُمْ} وَقَدْرُهُ أَلِفٌ وَنِصْفٌ.
وَمَدُّ الْفَرْقِ فِي نَحْوِ: {الْآنَ} لِأَنَّهُ يُفَرَّقُ بِهِ بَيْنَ الِاسْتِفْهَامِ وَالْخَبَرِ وَقَدْرُهُ أَلِفٌ تَامَّةٌ بِالْإِجْمَاعِ فَإِنْ كَانَ بَيْنَ أَلِفِ الْمَدِّ حَرْفٌ مُشَدَّدٌ زِيدَ أَلِفٌ أُخْرَى لِيُتَمَكَّنَ بِهِ مِنْ تَحْقِيقِ الْهَمْزَةِ نحو: {الذَّاكِرِينَ اللَّهَ} .
وَمَدُّ الْبِنْيَةِ فِي نَحْوِ: {مَاءً} وَ {دُعَاءً} وَ {نِدَاءً} و {زَكَرِيَّا} ، لِأَنَّ الِاسْمَ بُنِيَ عَلَى الْمَدِّ فَرْقًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَقْصُورِ.
وَمَدُّ الْمُبَالَغَةِ فِي نَحْوِ: {لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} .
وَمَدُّ الْبَدَلِ مِنَ الْهَمْزَةِ فِي نَحْوِ: {آدَمَ} وَ {آخَرَ} وَ {آمَنَ} وَقَدْرُهُ أَلِفٌ تَامَّةٌ بِالْإِجْمَاعِ.
وَمَدُّ الْأَصْلِ فِي الْأَفْعَالِ الْمَمْدُودَةِ نَحْوُ: {جَاءَ} وَ {شَاءَ} وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَدِّ الْبِنْيَةِ أَنَّ تِلْكَ الْأَسْمَاءَ بُنِيَتْ عَلَى الْمَدِّ فَرْقًا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَقْصُورِ وَهَذِهِ مَدَّاتٌ فِي أُصُولِ أَفْعَالٍ أُحْدِثَتْ لِمَعَانٍ. انْتَهَى.(1/339)
النَّوْعُ الثَّالِثُ وَالثَّلَاثُونَ: فِي تَخْفِيفِ الْهَمْزِ
فِيهِ تَصَانِيفُ مُفْرَدَةٌ:
اعْلَمْ أَنَّ الْهَمْزَ لَمَّا كَانَ أَثْقَلَ الْحُرُوفِ نُطْقًا وَأَبْعَدَهَا مَخْرَجًا تَنَوَّعَ الْعَرَبُ فِي تَخْفِيفِهِ بِأَنْوَاعِ التَّخْفِيفِ وَكَانَتْ قُرَيْشٌ وَأَهْلُ الْحِجَازِ أَكْثَرَهُمْ لَهُ تَخْفِيفًا وَلِذَلِكَ أَكْثَرُ مَا يَرِدُ تَخْفِيفُهُ مِنْ طُرُقِهِمْ كَابْنِ كَثِيرٍ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ فُلَيْحٍ وَكَنَافِعٍ مِنْ رِوَايَةِ وَرْشٍ وَكَأَبِي عَمْرٍو فَإِنَّ مَادَّةَ قِرَاءَتِهِ عَنْ أَهْلِ الْحِجَازِ وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ عَدِيٍّ مِنْ طَرِيقِ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ مَا هَمَزَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم وَلَا أَبُو بَكْرٍ وَلَا عُمَرُ وَلَا الْخُلَفَاءُ وَإِنَّمَا الْهَمْزُ بِدْعَةٌ ابْتَدَعُوهَا مَنْ بَعْدَهُمْ.
قَالَ أَبُو شَامَةَ: هَذَا حَدِيثٌ لَا يُحْتَجُّ بِهِ وَمُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ الرَّبَذِيُّ ضَعِيفٌ عِنْدَ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ.
قُلْتُ: وَكَذَا الْحَدِيثُ الَّذِي أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ مِنْ طَرِيقِ حُمْرَانَ بْنِ أَعْيَنَ عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ الدُّؤَلِيِّ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا نَبِيءَ اللَّهِ فَقَالَ: لَسْتُ بِنَبِيءِ اللَّهِ وَلَكِنِّي نَبِيُّ اللَّهِ قَالَ: الذَّهَبِيُّ حَدِيثٌ مُنْكَرٌ وَحُمْرَانُ رَافِضِيٌّ لَيْسَ بِثِقَةٍ.
وَأَحْكَامُ الْهَمْزِ كَثِيرَةٌ لَا يُحْصِيهَا أَقَلُّ مِنْ مُجَلَّدٍ وَالَّذِي نُورِدُهُ هُنَا أَنَّ تَحْقِيقَهُ أَرْبَعَةُ أَنْوَاعٍ:
أَحَدُهَا: النَّقْلُ لِحَرَكَتِهِ إِلَى السَّاكِنِ قَبْلَهُ فَيَسْقُطُ نحو: {قَدْ أَفْلَحَ} بِفَتْحِ الدَّالِّ وَبِهِ قَرَأَ نَافِعٌ مِنْ طَرِيقِ وَرْشٍ وَذَلِكَ حَيْثُ كَانَ السَّاكِنُ(1/340)
صَحِيحًا آخِرًا وَالْهَمْزَةُ أَوَّلًا وَاسْتَثْنَى أَصْحَابُ يَعْقُوبَ عَنْ وَرْشٍ: {كِتَابِيَهْ إِنِّي ظَنَنْتُ} فَسَكَّنُوا الْهَاءَ وَحَقَّقُوا الْهَمْزَةَ وَأَمَّا الباقون فحققوا وَسَكَّنُوا فِي جَمِيعِ الْقُرْآنِ.
وَثَانِيهَا: الْإِبْدَالُ بِأَنْ تُبْدَلَ الْهَمْزَةُ السَّاكِنَةُ حَرْفَ مَدٍّ مِنْ جِنْسِ حَرَكَةِ مَا قَبْلَهَا فَتُبْدَلُ أَلْفًا بَعْدَ الْفَتْحِ نحو: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ} واوا بعد الضم نحو: {يُؤْمِنُونَ} وَيَاءً بَعْدَ الْكَسْرِ نَحْوَ: {جِيتَ} وَبِهِ يَقْرَأُ أَبُو عَمْرٍو وَسَوَاءٌ كَانَتِ الْهَمْزَةُ فَاءً أَمْ عَيْنًا أَمْ لَامًا إِلَّا أَنْ يَكُونَ سُكُونُهَا جزما نحو: {نَنْسَاهَا} أَوْ بِنَاءً نَحْوَ: {أَرْجِئْهُ} أَوْ يَكُونَ تَرْكُ الْهَمْزِ فِيهِ أَثْقَلُ وهو: {تُؤْوِي إِلَيْكَ} فِي الْأَحْزَابِ أَوْ يُوقِعَ فِي الِالْتِبَاسِ وهو: {رئياً} فِي مَرْيَمَ فَإِنْ تَحَرَّكَتْ فَلَا خِلَافَ عَنْهُ فِي التَّحْقِيقِ نَحْوُ: {يؤدوه} .
ثَالِثُهَا: التَّسْهِيلُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَرَكَتِهَا فَإِنِ اتَّفَقَ الْهَمْزَتَانِ فِي الْفَتْحِ سَهَّلَ الثَّانِيَةَ الْحَرَمِيَّانِ وَأَبُو عَمْرٍو وَهِشَامٌ وَأَبْدَلَهَا وَرْشٌ أَلِفًا وَابْنُ كَثِيرٍ لَا يُدْخِلُ قَبْلَهَا أَلْفًا وَقَالُونُ وَهِشَامٌ وَأَبُو عَمْرٍو يُدْخِلُونَهَا وَالْبَاقُونَ مِنَ السَّبْعَةِ يُحَقِّقُونَ وَإِنِ اخْتَلَفَا بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ سَهَّلَ الْحَرَمِيَّانِ وَأَبُو عَمْرٍو الثَّانِيَةَ وَأَدْخَلَ قَالُونُ وَأَبُو عَمْرٍو قَبْلَهَا أَلِفًا وَالْبَاقُونَ يُحَقِّقُونَ. أَوْ بِالْفَتْحِ وَالضَّمِّ وَذَلِكَ فِي: {قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ} {أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ} {أَأُلْقِيَ} فَقَطْ فَالثَّلَاثَةُ يُسَهِّلُونَ وَقَالُونُ يُدْخِلُ أَلِفًا وَالْبَاقُونَ يُحَقِّقُونَ.
قَالَ الدَّانِيُّ: وَقَدْ أَشَارَ الصَّحَابَةُ إِلَى التَّسْهِيلِ بِكِتَابَةِ الثَّانِيَةِ وَاوًا.
رَابِعُهَا: الْإِسْقَاطُ بِلَا نَقْلٍ وَبِهِ قَرَأَ أَبُو عَمْرٍو إِذَا اتَّفَقَا فِي الْحَرَكَةِ وَكَانَا فِي كَلِمَتَيْنِ فَإِنِ اتَّفَقَا كَسْرًا نَحْوَ: {هَؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ} جَعَلَ وَرْشٌ(1/341)
وَقُنْبُلٌ الثَّانِيَةَ كَيَاءٍ سَاكِنَةٍ وَقَالُونُ وَالْبَزِّيُّ الْأُولَى كَيَاءٍ مَكْسُورَةٍ وَأَسْقَطَهَا أَبُو عَمْرٍو وَالْبَاقُونَ يُحَقِّقُونَ وَإِنِ اتَّفَقَا فَتْحًا نَحْوَ: {جَاءَ أَجَلُهُمْ} جَعَلَ وَرْشٌ وَقُنْبُلٌ الثَّانِيَةَ كَمَدَّةٍ وَأَسْقَطَ الثَّلَاثَةَ الْأُولَى وَالْبَاقُونَ يُحَقِّقُونَ أَوْ ضَمًّا وَهُوَ: {أَوْلِيَاءُ أُولَئِكَ} فَقَطْ أَسْقَطَهَا أَبُو عَمْرٍو وَجَعَلَهَا قَالُونُ وَالْبَزِّيُّ كَوَاوٍ مَضْمُومَةٍ وَالْآخَرَانِ يَجْعَلَانِ الثَّانِيَةَ كَوَاوٍ سَاكِنَةٍ وَالْبَاقُونَ يُحَقِّقُونَ.
ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي السَّاقِطِ هَلْ هُوَ الْأُولَى أَوِ الثَّانِيَةُ الْأَوَّلُ عَنْ أَبِي عَمْرٍو وَالثَّانِي عَنِ الْخَلِيلِ مِنَ النُّحَاةِ.
وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَافِ فِي الْمَدِّ فَإِنْ كَانَ السَّاقِطُ الْأُولَى فَهُوَ مُنْفَصِلٌ أَوِ الثَّانِيَةُ فَهُوَ مُتَّصِلٌ.(1/342)
النَّوْعُ الرَّابِعُ وَالثَّلَاثُونَ: فِي كَيْفِيَّةِ تَحَمُّلِهِ
اعْلَمْ أَنَّ حِفْظَ الْقُرْآنِ فَرْضُ كِفَايَةٍ عَلَى الْأُمَّةِ صَرَّحَ بِهِ الْجُرْجَانِيُّ فِي الشَّافِي وَالْعُبَادِيُّ وَغَيْرُهُمَا. قَالَ الْجُوَيْنِيُّ: وَالْمَعْنَى فِيهِ أَلَّا يَنْقَطِعَ عَدَدُ التَّوَاتُرِ فِيهِ فَلَا يَتَطَرَّقُ إِلَيْهِ التَّبْدِيلُ وَالتَّحْرِيفُ فَإِنْ قَامَ بِذَلِكَ قَوْمٌ يَبْلُغُونَ هَذَا الْعَدَدَ سَقَطَ عَنِ الْبَاقِينَ وَإِلَّا أَثِمَ الْكُلُّ.
وَتَعْلِيمُهُ أَيْضًا فرض كفاية وهو من أَفْضَلُ الْقُرَبِ فَفِي الصَّحِيحِ: "خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ ".
وَأَوْجُهُ التَّحَمُّلِ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ السَّمَاعُ مِنْ لَفْظِ الشَّيْخِ وَالْقِرَاءَةُ عَلَيْهِ وَالسَّمَاعُ عَلَيْهِ بِقِرَاءَةِ غَيْرِهِ وَالْمُنَاوَلَةُ وَالْإِجَازَةُ وَالْمُكَاتَبَةُ وَالْوَصِيَّةُ وَالْإِعْلَامُ وَالْوِجَادَةُ فَأَمَّا غَيْرُ الْأَوَّلَيْنِ فَلَا يَأْتِي هُنَا لِمَا يُعْلَمُ مِمَّا سَنَذْكُرُهُ.
وَأَمَّا الْقِرَاءَةُ عَلَى الشَّيْخِ فَهِيَ الْمُسْتَعْمَلَةُ سَلَفًا وَخَلَفًا وَأَمَّا السَّمَاعُ مِنْ لَفْظِ الشَّيْخِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ بِهِ هُنَا لِأَنَّ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّمَا أَخَذُوا الْقُرْآنَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَكِنْ لَمْ يَأْخُذْ بِهِ أَحَدٌ مِنَ الْقُرَّاءِ وَالْمَنْعُ فِيهِ ظَاهِرٌ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُنَا كَيْفِيَّةُ الْأَدَاءِ وَلَيْسَ كُلُّ مَنْ سَمِعَ مِنْ لَفْظِ الشَّيْخِ يَقْدِرُ عَلَى الْأَدَاءِ كَهَيْئَتِهِ بِخِلَافِ الْحَدِيثِ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ فِيهِ الْمَعْنَى أَوِ اللَّفْظُ لَا بِالْهَيْئَاتِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي أَدَاءِ الْقُرْآنِ وَأَمَّا الصَّحَابَةُ فَكَانَتْ(1/343)
فَصَاحَتُهُمْ وَطِبَاعُهُمُ السَّلِيمَةُ تَقْتَضِي قُدْرَتَهُمْ عَلَى الْأَدَاءِ كَمَا سَمِعُوهُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهُ نَزَلَ بِلُغَتِهِمْ.
وَمِمَّا يَدُلُّ لِلْقِرَاءَةِ عَلَى الشَّيْخِ عَرْضُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقُرْآنَ عَلَى جِبْرِيلَ فِي رَمَضَانَ كُلَّ عَامٍ وَيُحْكَى أَنَّ الشَّيْخَ شَمْسَ الدِّينِ بْنَ الْجَزَرِيِّ لَمَّا قَدِمَ الْقَاهِرَةَ وَازْدَحَمَتْ عَلَيْهِ الْخَلْقُ لَمْ يَتَّسِعْ وَقْتُهُ لِقِرَاءَةِ الْجَمِيعِ فَكَانَ يَقْرَأُ عَلَيْهِمُ الْآيَةَ ثُمَّ يُعِيدُونَهَا عَلَيْهِ دُفْعَةً وَاحِدَةً فَلَمْ يَكْتَفِ بِقِرَاءَتِهِ.
وَتَجُوزُ الْقِرَاءَةُ عَلَى الشَّيْخِ وَلَوْ كَانَ غَيْرُهُ يَقْرَأُ عَلَيْهِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ إِذَا كَانَ بِحَيْثُ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ حَالُهُمْ وَقَدْ كَانَ الشَّيْخُ عَلَمُ الدِّينٍ السَّخَاوِيُّ يَقْرَأُ عَلَيْهِ اثْنَانِ وَثَلَاثَةٌ فِي أَمَاكِنَ مُخْتَلِفَةٍ وَيَرُدُّ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمْ وَكَذَا لَوْ كَانَ الشَّيْخُ مُشْتَغِلًا بِشُغْلٍ آخَرَ كَنَسْخٍ وَمُطَالَعَةٍ.
وَأَمَّا الْقِرَاءَةُ مِنَ الْحِفْظِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِشَرْطٍ بَلْ يَكْفِي وَلَوْ مِنَ الْمُصْحَفِ.
فَصْلٌ
كَيْفِيَّاتُ الْقِرَاءَةِ ثَلَاثٌ:
أَحَدُهَا: التَّحْقِيقُ وَهُوَ إِعْطَاءُ كُلِّ حَرْفٍ حَقَّهُ مِنْ إِشْبَاعِ الْمَدِّ وَتَحْقِيقِ الْهَمْزَةِ وَإِتْمَامِ الْحَرَكَاتِ وَاعْتِمَادِ الْإِظْهَارِ وَالتَّشْدِيدَاتِ وَبَيَانِ الْحُرُوفِ وَتَفْكِيكِهَا وَإِخْرَاجِ بَعْضِهَا مِنْ بَعْضٍ بِالسَّكْتِ وَالتَّرْتِيلِ وَالتُّؤَدَةِ وَمُلَاحَظَةِ الْجَائِزِ مِنَ الْوُقُوفِ بِلَا قَصْرٍ وَلَا اخْتِلَاسٍ وَلَا إِسْكَانِ مُحَرَّكٍ وَلَا إِدْغَامِهِ وَهُوَ يَكُونُ لِرِيَاضَةِ الْأَلْسُنِ وَتَقْوِيمِ الْأَلْفَاظِ وَيُسْتَحَبُّ الْأَخْذُ بِهِ عَلَى الْمُتَعَلِّمِينَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُتَجَاوَزَ فِيهِ إِلَى حَدِّ الْإِفْرَاطِ بِتَوْلِيدِ الْحُرُوفِ مِنَ الْحَرَكَاتِ وَتَكْرِيرِ الرَّاءَاتِ وَتَحْرِيكِ السَّوَاكِنِ وَتَطْنِينِ النُّونَاتِ بِالْمُبَالَغَةِ فِي الْغُنَّاتِ، كَمَا قَالَ(1/344)
حَمْزَةُ لِبَعْضِ مَنْ سَمِعَهُ يُبَالِغُ فِي ذَلِكَ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ مَا فَوْقَ الْبَيَاضِ بَرَصٌ وَمَا فَوْقَ الْجُعُودَةِ قَطَطٌ وَمَا فَوْقَ الْقِرَاءَةِ لَيْسَ بِقِرَاءَةٍ؟!
وَكَذَا يُحْتَرَزُ مِنَ الْفَصْلِ بَيْنَ حُرُوفِ الْكَلِمَةِ كَمَنْ يَقِفُ عَلَى التَّاءِ مِنْ: {نَسْتَعِينُ} وَقْفَةً لَطِيفَةً مُدَّعِيًا أَنَّهُ يُرَتِّلُ وَهَذَا النَّوْعُ مِنَ الْقِرَاءَةِ مَذْهَبُ حَمْزَةَ وَوَرْشٍ وَقَدْ أَخْرَجَ فِيهِ الدَّانِيُّ حَدِيثًا فِي كِتَابِ التَّجْوِيدِ مُسَلْسَلًا إِلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّهُ قَرَأَ عَلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم التَّحْقِيقَ وَقَالَ: إِنَّهُ غَرِيبٌ مُسْتَقِيمُ الْإِسْنَادِ.
الثَّانِيَةُ: الْحَدْرُ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَسُكُونِ الدَّالِ الْمُهْمَلَتَيْنِ وَهُوَ إِدْرَاجُ الْقِرَاءَةِ وَسُرْعَتُهَا وَتَخْفِيفُهَا بِالْقَصْرِ وَالتَّسْكِينِ وَالِاخْتِلَاسِ وَالْبَدَلِ وَالْإِدْغَامِ الْكَبِيرِ وَتَخْفِيفِ الْهَمْزَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا صَحَّتْ بِهِ الرِّوَايَةُ مَعَ مُرَاعَاةِ إِقَامَةِ الْإِعْرَابِ وَتَقْوِيمِ اللَّفْظِ وَتَمَكُّنِ الْحُرُوفِ بِدُونِ بَتْرِ حُرُوفِ الْمَدِّ وَاخْتِلَاسِ أَكْثَرِ الْحَرَكَاتِ وَذَهَابِ صَوْتِ الْغُنَّةِ وَالتَّفْرِيطِ إِلَى غَايَةٍ لَا تَصِحُّ بِهَا الْقِرَاءَةُ وَلَا تُوصَفُ بِهَا التِّلَاوَةُ وَهَذَا النَّوْعُ مَذْهَبُ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَبِي جَعْفَرٍ. وَمَنْ قَصَرَ الْمُنْفَصِلَ كَأَبِي عَمْرٍو وَيَعْقُوبَ.
الثَّالِثَةُ: التَّدْوِيرُ: وَهُوَ التَّوَسُّطُ بَيْنَ الْمَقَامَيْنِ مِنَ التَّحْقِيقِ وَالْحَدْرِ وَهُوَ الَّذِي وَرَدَ عَنْ أَكْثَرِ الْأَئِمَّةِ مِمَّنْ مَدَّ الْمُنْفَصِلَ وَلَمْ يَبْلُغْ فِيهِ الْإِشْبَاعَ وَهُوَ مَذْهَبُ سَائِرِ الْقُرَّاءِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْأَدَاءِ.
تَنْبِيهٌ
سَيَأْتِي فِي النَّوْعِ الَّذِي يَلِي هَذَا اسْتِحْبَابُ التَّرْتِيلِ فِي الْقِرَاءَةِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّحْقِيقِ - فِيمَا ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ - أَنَّ التَّحْقِيقَ يَكُونُ لِلرِّيَاضَةِ وَالتَّعْلِيمِ(1/345)
وَالتَّمْرِينِ وَالتَّرْتِيلَ يَكُونُ لِلتَّدَبُّرِ وَالتَّفَكُّرِ وَالِاسْتِنْبَاطِ فَكُلُّ تَحْقِيقٍ تَرْتِيلٌ وَلَيْسَ كُلُّ تَرْتِيلٍ تَحْقِيقًا.
فَصْلٌ
مِنَ الْمُهِمَّاتِ تَجْوِيدُ الْقُرْآنِ وَقَدْ أَفْرَدَهُ جَمَاعَةٌ كَثِيرُونَ بِالتَّصْنِيفِ وَمِنْهُمُ الدَّانِيُّ وَغَيْرُهُ أَخْرَجَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ: "جَوِّدُوا الْقُرْآنَ ".
قَالَ الْقُرَّاءُ: التَّجْوِيدُ حِلْيَةُ الْقِرَاءَةِ وَهُوَ إِعْطَاءُ الْحُرُوفِ حُقُوقَهَا وَتَرْتِيبَهَا وَرَدُّ الْحَرْفِ إِلَى مَخْرَجِهِ وَأَصْلِهِ وَتَلْطِيفُ النُّطْقِ بِهِ عَلَى كَمَالِ هَيْئَتِهِ مِنْ غَيْرِ إِسْرَافٍ وَلَا تَعَسُّفٍ وَلَا إِفْرَاطٍ وَلَا تَكَلُّفٍ وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ: "مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ غَضًّا كَمَا أُنْزِلَ فَلْيَقْرَأْهُ عَلَى قِرَاءَةِ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ " - يَعْنِي ابْنَ مَسْعُودٍ - وَكَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَدْ أُعْطِيَ حَظًّا عَظِيمًا فِي تَجْوِيدِ الْقُرْآنِ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْأُمَّةَ كَمَا هُمْ مُتَعَبِّدُونَ بِفَهْمِ مَعَانِي الْقُرْآنِ وَإِقَامَةِ حُدُودِهِ هُمْ مُتَعَبِّدُونَ بِتَصْحِيحِ أَلْفَاظِهِ وَإِقَامَةِ حُرُوفِهِ عَلَى الصِّفَةِ الْمُتَلَقَّاةِ مِنْ أَئِمَّةِ الْقُرَّاءِ الْمُتَّصِلَةِ بِالْحَضْرَةِ النَّبَوِيَّةِ وَقَدْ عَدَّ الْعُلَمَاءُ الْقِرَاءَةَ بِغَيْرِ تَجْوِيدٍ لَحْنًا فَقَسَّمُوا اللَّحْنَ إِلَى جَلِيٍّ وَخَفِيٍّ فَاللَّحْنُ خَلَلٌ يَطْرَأُ عَلَى الْأَلْفَاظِ فَيُخِلُّ إِلَّا أَنَّ الْجَلِيَّ يُخِلُّ إِخْلَالًا ظَاهِرًا يَشْتَرِكُ فِي مَعْرِفَتِهِ عُلَمَاءُ الْقِرَاءَةِ وَغَيْرُهُمْ وَهُوَ الْخَطَأُ فِي الْإِعْرَابِ وَالْخَفِيَّ يُخِلُّ إِخْلَالًا يَخْتَصُّ بِمَعْرِفَتِهِ عُلَمَاءُ الْقِرَاءَةِ وَأَئِمَّةُ الْأَدَاءِ الَّذِينَ تَلَقَّوْهُ مِنْ أَفْوَاهِ الْعُلَمَاءِ وَضَبَطُوهُ مِنْ أَلْفَاظِ أَهْلِ الْأَدَاءِ.
قَالَ ابْنُ الْجَزَرِيِّ: وَلَا أَعْلَمُ لِبُلُوغِ النِّهَايَةِ فِي التَّجْوِيدِ مِثْلَ رِيَاضَةِ الْأَلْسُنِ(1/346)
وَالتَّكْرَارِ عَلَى اللَّفْظِ الْمُتَلَقَّى مِنْ فَمِ الْمُحَسِّنِ. وَقَاعِدَتُهُ تَرْجِعُ إِلَى مَعْرِفَةِ كَيْفِيَّةِ الْوَقْفِ وَالْإِمَالَةِ وَالْإِدْغَامِ وَأَحْكَامِ الْهَمْزِ وَالتَّرْقِيقِ وَالتَّفْخِيمِ وَمَخَارِجِ الْحُرُوفِ وَقَدْ تَقَدَّمَتِ الْأَرْبَعَةُ الْأُوَلُ وَأَمَّا التَّرْقِيقُ فَالْحُرُوفُ الْمُسْتَفِلَةُ كُلُّهَا مُرَقَّقَةٌ لَا يَجُوزُ تَفْخِيمُهَا إِلَّا اللَّامَ مِنِ اسْمِ اللَّهِ بَعْدَ فَتْحَةٍ أَوْ ضَمَّةٍ إِجْمَاعًا أَوْ بَعْدَ حُرُوفِ الْإِطْبَاقِ فِي رِوَايَةٍ إِلَّا الرَّاءَ الْمَضْمُومَةَ أَوِ الْمَفْتُوحَةَ مُطْلَقًا أَوِ السَّاكِنَةَ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ. وَالْحُرُوفُ الْمُسْتَعْلِيَةُ كُلُّهَا مُفَخَّمَةٌ لَا يُسْتَثْنَى مِنْهَا شَيْءٌ فِي حَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ.
وَأَمَّا مَخَارِجُ الْحُرُوفِ فَالصَّحِيحُ عِنْدَ الْقُرَّاءِ وَمُتَقَدِّمِي النُّحَاةِ كَالْخَلِيلِ أَنَّهَا سَبْعَةَ عَشَرَ.
وَقَالَ كَثِيرٌ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ: سِتَّةَ عَشَرَ فَأَسْقَطُوا مَخْرَجَ الْحُرُوفِ الْجَوْفِيَّةِ وَهِيَ حُرُوفُ الْمَدِّ وَاللِّينِ وَجَعَلُوا مَخْرَجَ الْأَلِفِ مِنْ أَقْصَى الْحَلْقِ وَالْوَاوِ مِنْ مَخْرَجِ الْمُتَحَرِّكَةِ وَكَذَا الْيَاءُ.
وَقَالَ قَوْمٌ: أَرْبَعَةَ عَشَرَ فَأَسْقَطُوا مَخْرَجَ النُّونِ وَاللَّامِ وَالرَّاءِ وَجَعَلُوهَا مِنْ مَخْرَجٍ وَاحِدٍ.
قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَكُلُّ ذَلِكَ تَقْرِيبٌ وَإِلَّا فَلِكُلِّ حَرْفٍ مَخْرَجٌ عَلَى حدة.
قال القراء: واختيار مَخْرَجِ الْحَرْفِ مُحَقَّقًا أَنْ تَلْفِظَ بِهَمْزَةِ الْوَصْلِ وَتَأْتِيَ بِالْحَرْفِ بَعْدَهُ سَاكِنًا أَوْ مُشَدَّدًا وَهُوَ أَبْيَنُ مُلَاحِظًا فِيهِ صِفَاتِ ذَلِكَ الْحَرْفِ:(1/347)
الْمَخْرَجُ الْأَوَّلُ: الْجَوْفُ لِلْأَلِفِ وَالْوَاوِ وَالْيَاءِ السَّاكِنَتَيْنِ بَعْدَ حَرَكَةٍ تُجَانِسُهُمَا.
الثَّانِي: أَقْصَى الْحَلْقِ لِلْهَمْزَةِ وَالْهَاءِ.
الثَّالِثُ: وَسَطُهُ لِلْعَيْنِ وَالْحَاءِ الْمُهْمَلَتَيْنِ.
الرَّابِعُ: أَدْنَاهُ لِلْفَمِ لِلْغَيْنِ وَالْخَاءِ.
الْخَامِسُ: أَقْصَى اللِّسَانِ مِمَّا يَلِي الْحَلْقَ وَمَا فَوْقَهُ مِنَ الْحَنَكِ لِلْقَافِ.
السَّادِسُ: أَقْصَاهُ مِنْ أَسْفَلِ مَخْرَجِ الْقَافِ قَلِيلًا وَمَا يَلِيهِ مِنَ الْحَنَكِ لِلْكَافِ.
السَّابِعُ: وَسَطُهُ بينه وبين وسط الحنك الجيم وَالشِّينِ وَالْيَاءِ.
الثَّامِنُ: لِلضَّادِ الْمُعْجَمَةِ مِنْ أَوَّلِ حَافَّةِ اللِّسَانِ وَمَا يَلِيهِ مِنَ الْأَضْرَاسِ مِنَ الْجَانِبِ الْأَيْسَرِ وَقِيلَ الْأَيْمَنِ. التَّاسِعُ: اللَّامُ مِنْ حَافَةِ اللِّسَانِ مِنْ أَدْنَاهَا إِلَى مُنْتَهَى طَرَفِهِ وَمَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَا يَلِيهَا مِنَ الْحَنَكِ الْأَعْلَى. الْعَاشِرُ: لِلنُّونِ مِنْ طَرَفِهِ أَسْفَلَ اللَّامِ قَلِيلًا.
الْحَادِيَ عَشَرَ: لِلرَّاءِ مِنْ مَخْرَجِ النُّونِ لَكِنَّهَا أَدْخَلُ فِي ظَهْرِ اللِّسَانِ.(1/348)
الثَّانِيَ عَشَرَ: لِلطَّاءِ وَالدَّالِ وَالتَّاءِ مِنْ طَرَفِ اللِّسَانِ وَأُصُولِ الثَّنَايَا العلياء مُصْعِدًا إِلَى جِهَةِ الْحَنَكِ.
الثَّالِثَ عَشَرَ: الْحَرْفُ الصغير الصاد والسين والزاء مِنْ بَيْنِ طَرَفِ اللِّسَانِ وَفُوَيْقَ الثَّنَايَا السُّفْلَى.
الرَّابِعَ عَشَرَ: لِلظَّاءِ وَالثَّاءِ وَالذَّالِ مِنْ بَيْنِ طَرَفِهِ وأطراف الثنايا العلياء.
الْخَامِسَ عَشَرَ: لِلْفَاءِ مِنْ بَاطِنِ الشَّفَةِ السُّفْلَى واطراف الثنايا العلياء.
السَّادِسَ عَشَرَ لِلْبَاءِ وَالْمِيمِ وَالْوَاوِ غَيْرِ الْمَدِّيَّةِ بَيْنَ الشَّفَتَيْنِ
السَّابِعَ عَشَرَ الْخَيْشُومُ لِلْغُنَّةِ فِي الْإِدْغَامِ والنون أوالميم السَّاكِنَةِ.
قَالَ فِي النَّشْرِ: فَالْهَمْزَةُ وَالْهَاءُ اشْتَرَكَا مَخْرَجًا وَانْفِتَاحًا وَاسْتِفَالًا وَانْفَرَدَتِ الْهَمْزَةُ بِالْجَهْرِ وَالشِّدَّةِ وَالْعَيْنُ وَالْحَاءُ اشْتَرَكَا كَذَلِكَ وَانْفَرَدَتِ الْحَاءُ بِالْهَمْسِ وَالرَّخَاوَةِ الْخَالِصَةِ. وَالْغَيْنُ وَالْخَاءُ اشْتَرَكَا مَخْرَجًا وَرَخَاوَةً وَاسْتِعْلَاءً وَانْفِتَاحًا وَانْفَرَدَتِ الْغَيْنُ بِالْجَهْرِ. وَالْجِيمُ وَالشِّينُ وَالْيَاءُ اشْتَرَكَتْ مَخْرَجًا وَانْفِتَاحًا وَاسْتِفَالًا وَانْفَرَدَتِ الْجِيمُ بالشدة وَاشْتَرَكَتْ مَعَ الْيَاءِ فِي الْجَهْرِ وَانْفَرَدَتِ الشِّينُ بِالْهَمْسِ وَالتَّفَشِّي وَاشْتَرَكَتْ مَعَ الْيَاءِ فِي الرَّخَاوَةِ. وَالضَّادُ وَالظَّاءُ اشْتَرَكَا صِفَةً جَهْرًا وَرَخَاوَةً وَاسْتِعْلَاءً وَإِطْبَاقًا وَافْتَرَقَا(1/349)
مَخْرَجًا وَانْفَرَدَتِ الضَّادُ بِالِاسْتِطَالَةِ. وَالطَّاءُ وَالدَّالُ وَالتَّاءُ اشْتَرَكَتْ مَخْرَجًا وَشِدَّةً وَانْفَرَدَتِ الطَّاءُ بِالْإِطْبَاقِ وَالِاسْتِعْلَاءِ وَاشْتَرَكَتْ مَعَ الدَّالِ فِي الْجَهْرِ وَانْفَرَدَتِ التَّاءُ بِالْهَمْسِ وَاشْتَرَكَتْ مَعَ الدَّالِ فِي الِانْفِتَاحِ وَالِاسْتِفَالِ.
وَالظَّاءُ وَالذَّالُ وَالثَّاءُ اشْتَرَكَتْ مَخْرَجًا وَرَخَاوَةً وَانْفَرَدَتِ الظَّاءُ بِالِاسْتِعْلَاءِ وَالْإِطْبَاقِ وَاشْتَرَكَتْ مَعَ الذَّالِ فِي الْجَهْرِ وَانْفَرَدَتِ الثَّاءُ بِالْهَمْسِ وَاشْتَرَكَتْ مَعَ الذَّالِ انْفِتَاحًا وَاسْتِفَالًا. وَالصَّادُ وَالزَّايُ وَالسِّينُ اشْتَرَكَتْ مَخْرَجًا وَرَخَاوَةً وَصَفِيرًا وَانْفَرَدَتِ الصَّادُ بِالْإِطْبَاقِ وَالِاسْتِعْلَاءِ وَاشْتَرَكَتْ مَعَ السِّينِ فِي الْهَمْسِ وَانْفَرَدَتِ الزَّايُ بِالْجَهْرِ وَاشْتَرَكَتْ مَعَ السِّينِ فِي الِانْفِتَاحِ وَالِاسْتِفَالِ فَإِذَا أَحْكَمَ الْقَارِئُ النُّطْقَ بِكُلِّ حَرْفٍ عَلَى حِدَتِهِ مُوَفًّى حَقَّهُ فَلْيُعْمِلْ نَفْسَهُ بِإِحْكَامِهِ حَالَةَ التَّرْكِيبِ لِأَنَّهُ يَنْشَأُ عَنِ التَّرْكِيبِ مَا لَمْ يَكُنْ حَالَةَ الْإِفْرَادِ بِحَسَبِ مَا يُجَاوِرُهَا مِنْ مُجَانِسٍ وَمُقَارِبٍ وَقَوِيٍّ وَضَعِيفٍ وَمُفَخَّمٍ وَمُرَقَّقٍ فَيَجْذِبُ الْقَوِيُّ الضَّعِيفَ وَيَغْلِبُ الْمُفَخَّمُ الْمُرَقَّقَ وَيَصْعُبُ عَلَى اللِّسَانِ النُّطْقُ بِذَلِكَ عَلَى حَقِّهِ إِلَّا بِالرِّيَاضَةِ الشَّدِيدَةِ: فَمَنْ أَحْكَمَ صِحَّةَ التَّلَفُّظِ حَالَةَ التَّرْكِيبِ حَصَّلَ حَقِيقَةَ التَّجْوِيدِ.
وَمِنْ قَصِيدَةِ الشَّيْخِ عَلَمِ الدِّينِ فِي التَّجْوِيدِ - وَمِنْ خَطِّهِ نَقَلْتُ:
لَا تَحْسَبِ التَّجْوِيدَ مَدًّا مُفْرِطًا
أَوْ مَدَّ مَا لَا مَدَّ فِيهِ لِوَانِ
أَوْ أَنْ تُشَدِّدَ بَعْدَ مَدٍّ هَمْزَةً
أَوْ أَنْ تَلُوكَ الْحَرْفَ كَالسَّكْرَانِ
أَوْ أَنْ تَفُوهَ بِهَمْزَةٍ مُتَهَوِّعًا
فَيَفِرُّ سَامِعُهَا مِنَ الْغَثَيَانِ
لِلْحَرْفِ مِيزَانٌ فَلَا تَكُ طَاغِيًا
فِيهِ وَلَا تَكُ مُخْسِرَ الْمِيزَانِ(1/350)
فإذا همزت فجيء بِهِ مُتَلَطِّفًا
مِنْ غَيْرِ مَا بُهْرٍ وَغَيْرِ تَوَانِ
وَامْدُدْ حُرُوفَ الْمَدِّ عِنْدَ مُسَكَّنٍ
أَوْ هَمْزَةٍ حَسَنًا أَخَا إِحْسَانِ
فَائِدَةٌ
قَالَ فِي جَمَالِ الْقُرَّاءِ: قَدْ ابْتَدَعَ النَّاسُ فِي قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ أَصْوَاتَ الْغِنَاءِ وَيُقَالُ: إِنَّ أَوَّلَ مَا غُنِّيَ بِهِ مِنَ الْقُرْآنِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ} ،نَقَلُوا ذَلِكَ مِنْ تَغَنِّيهِمْ بِقَوْلِ الشَّاعِرِ:
أَمَّا الْقَطَاةُ فَإِنِّي سَوْفَ أَنْعَتُهَا
نَعْتًا يُوَافِقُ عِنْدِي بَعْضَ مَا فِيهَا
وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَؤُلَاءِ: "مَفْتُونَةٌ قُلُوبُهُمْ وَقُلُوبُ مَنْ يُعْجِبُهُمْ شَأْنُهُمْ ".
وَمِمَّا ابْتَدَعُوهُ شَيْءٌ سَمَّوْهُ التَّرْعِيدَ وَهُوَ أَنْ يُرْعِدَ صَوْتَهُ كَالَّذِي يُرْعِدُ مِنْ بَرْدٍ أَوْ ألم.
وآخره سَمَّوْهُ التَّرْقِيصَ وَهُوَ أَنْ يَرُومَ السكون عَلَى السَّاكِنِ ثُمَّ يَنْفِرُ مَعَ الْحَرَكَةِ كَأَنَّهُ فِي عَدْوٍ أَوْ هَرْوَلَةٍ.
وَآخَرُ يُسَمَّى التَّطْرِيبَ وَهُوَ أَنْ يَتَرَنَّمَ بِالْقُرْآنِ وَيَتَنَغَّمَ بِهِ فَيَمُدَّ فِي غَيْرِ مَوَاضِعِ الْمَدِّ وَيَزِيدَ فِي الْمَدِّ عَلَى مَا لَا يَنْبَغِي.
وَآخَرُ يُسَمَّى التَّحْزِينَ وَهُوَ أَنْ يَأْتِيَ عَلَى وَجْهٍ حَزِينٍ يَكَادُ يَبْكِي مَعَ خُشُوعٍ وَخُضُوعٍ.
وَمِنْ ذَلِكَ نَوْعٌ أَحْدَثَهُ هؤلاء الذين يجتمعون فيقرؤون كُلُّهُمْ بِصَوْتٍ وَاحِدٍ فَيَقُولُونَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَفَلا تَعْقِلُونَ} " أَفَلَ تعقلون " بحذف الألف،(1/351)
وقال: {آمَنَّا} بِحَذْفِ الْوَاوِ وَيَمُدُّونَ مَا لَا يُمَدُّ لِيَسْتَقِيمَ لَهُمُ الطَّرِيقُ الَّتِي سَلَكُوهَا وَيَنْبَغِي أَنْ يُسَمَّى التَّحْرِيفَ. انْتَهَى.
فَصْلٌ: فِي كَيْفِيَّةِ الْأَخْذِ بِإِفْرَادِ الْقِرَاءَاتِ وَجَمْعِهَا
الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ السَّلَفُ أَخْذُ كُلِّ خَتْمَةٍ بِرِوَايَةٍ لَا يَجْمَعُونَ رِوَايَةً إِلَى غَيْرِهَا إِلَّا أَثْنَاءَ الْمِائَةِ الْخَامِسَةِ فَظَهَرَ جَمْعُ الْقِرَاءَاتِ فِي الْخَتْمَةِ الْوَاحِدَةِ وَاسْتَقَرَّ عَلَيْهِ، الْعَمَلُ وَلَمْ يَكُونُوا يَسْمَحُونَ بِهِ إِلَّا لِمَنْ أَفْرَدَ الْقِرَاءَاتِ وَأَتْقَنَ طُرُقَهَا وَقَرَأَ لِكُلِّ قَارِئٍ بِخَتْمَةٍ عَلَى حِدَةٍ بَلْ إِذَا كَانَ لِلشَّيْخِ روايات قرؤوا لِكُلِّ رَاوٍ بِخَتْمَةٍ ثُمَّ يَجْمَعُونَ لَهُ وَهَكَذَا.
وَتَسَاهَلَ قَوْمٌ فَسَمَحُوا أَنْ يَقْرَأَ لِكُلِّ قَارِئٍ مِنَ السَّبْعَةِ بِخَتْمَةٍ سِوَى نَافِعٍ وَحَمْزَةَ فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَأْخُذُونَ بِخَتْمَةٍ لِقَالُونَ ثُمَّ خَتْمَةٍ لِوَرْشٍ ثُمَّ خَتْمَةٍ لِخَلَفٍ ثُمَّ خَتْمَةٍ لِخَلَّادٍ وَلَا يَسْمَحُ أَحَدٌ بِالْجَمْعِ إِلَّا بَعْدَ ذَلِكَ نَعَمْ إِذَا رَأَوْا شَخْصًا أَفْرَدَ وَجَمَعَ عَلَى شَيْخٍ مُعْتَبَرٍ وَأُجِيزَ وَتَأَهَّلَ وَأَرَادَ أَنْ يَجْمَعَ الْقِرَاءَاتِ فِي خَتْمَةٍ لَا يُكَلِّفُونَهُ الْإِفْرَادَ لِعِلْمِهِمْ بِوُصُولِهِ إِلَى حَدِّ الْمَعْرِفَةِ وَالْإِتْقَانِ. ثُمَّ لَهُمْ فِي الْجَمْعِ مَذْهَبَانِ:
أَحَدُهُمَا: الْجَمْعُ بِالْحَرْفِ بِأَنْ يَشْرَعَ فِي الْقِرَاءَةِ فَإِذَا مَرَّ بِكَلِمَةٍ فِيهَا خُلْفٌ أَعَادَهَا بِمُفْرَدِهَا حَتَّى يَسْتَوْفِيَ مَا فِيهَا ثُمَّ يَقِفَ عَلَيْهَا إِنَّ صَلَحَتْ لِلْوَقْفِ وَإِلَّا وَصَلَهَا بِآخِرِ وَجْهٍ حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى الْوَقْفِ. وَإِنْ كَانَ الْخُلْفُ يَتَعَلَّقُ بِكَلِمَتَيْنِ كَالْمَدِّ الْمُنْفَصِلِ وَقَفَ عَلَى الثَّانِيَةِ وَاسْتَوْعَبَ الْخِلَافَ وَانْتَقَلَ إِلَى(1/352)
مَا بَعْدَهَا وَهَذَا مَذْهَبُ الْمِصْرِيِّينَ وَهُوَ أَوْثَقُ فِي الِاسْتِيفَاءِ وَأَخَفُّ عَلَى الْآخِذِ لَكِنَّهُ يَخْرُجُ عَنْ رَوْنَقِ الْقِرَاءَةِ وَحُسْنِ التِّلَاوَةِ.
الثَّانِي: الْجَمْعُ بِالْوَقْفِ بِأَنْ يَشْرَعَ بِقِرَاءَةِ مَنْ قَدَّمَهُ حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى وَقْفٍ ثُمَّ يَعُودَ إِلَى الْقَارِئِ الَّذِي بَعْدَهُ إِلَى ذَلِكَ الْوَقْفِ ثُمَّ يَعُودَ وَهَكَذَا حَتَّى يَفْرُغَ وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّامِيِّينَ وَهُوَ أَشَدُّ اسْتِحْضَارًا وَأَشَدُّ اسْتِظْهَارًا وَأَطْوَلُ زَمَنًا وَأَجْوَدُ مَكَانًا وَكَانَ بَعْضُهُمْ يَجْمَعُ بِالْآيَةِ عَلَى هَذَا الرَّسْمِ وَذَكَرَ أَبُو الْحَسَنِ الْقَيْجَاطِيُّ فِي قَصِيدَتِهِ وشرحها: الجامع الْقِرَاءَاتِ شُرُوطًا سَبْعَةً حَاصِلُهَا خَمْسَةٌ:
أَحَدُهَا: حُسْنُ الْوَقْفِ.
ثَانِيهَا: حُسْنُ الِابْتِدَاءِ.
ثَالِثُهَا: حُسْنُ الْأَدَاءِ.
رَابِعُهَا: عَدَمُ التَّرْكِيبِ، فَإِذَا قَرَأَ لِقَارِئٍ لَا يَنْتَقِلُ إِلَى قِرَاءَةِ غَيْرِهِ حَتَّى يُتِمَّ مَا فِيهَا فَإِنْ فَعَلَ لَمْ يَدَعْهُ الشَّيْخُ بَلْ يُشِيرُ إِلَيْهِ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَتَفَطَّنْ قَالَ: لَمْ تَصِلْ فَإِنْ لَمْ يَتَفَطَّنْ مَكَثَ حَتَّى يَتَذَكَّرَ فَإِنْ عَجَزَ ذَكَرَ لَهُ. الْخَامِسُ: رِعَايَةُ التَّرْتِيبِ فِي الْقِرَاءَةِ وَالِابْتِدَاءُ بِمَا بَدَأَ بِهِ الْمُؤَلِّفُونَ فِي كُتُبِهِمْ فَيَبْدَأُ بِنَافِعٍ قَبْلَ ابْنِ كَثِيرٍ وَبِقَالُونَ قَبْلَ وَرْشٍ.
قَالَ ابْنُ الْجَزَرِيِّ: وَالصَّوَابُ أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِشَرْطٍ بَلْ مُسْتَحَبٌّ بَلِ الَّذِينَ أَدْرَكْنَاهُمْ مِنَ الْأُسْتَاذَيْنِ لَا يَعُدُّونَ الْمَاهِرَ إِلَّا مَنْ يَلْتَزِمُ تَقْدِيمَ شَخْصٍ(1/353)
بِعَيْنِهِ وَبَعْضُهُمْ كَانَ يُرَاعِي فِي الْجَمْعِ التَّنَاسُبَ فَيَبْدَأُ بِالْقَصْرِ ثُمَّ بِالرُّتْبَةِ الَّتِي فَوْقَهُ وَهَكَذَا إِلَى آخِرِ مَرَاتِبِ الْمَدِّ وَيَبْدَأُ بِالْمُشْبَعِ ثُمَّ بِمَا دُونَهُ إِلَى الْقَصْرِ وَإِنَّمَا يُسْلَكُ ذَلِكَ مَعَ شَيْخٍ بَارِعٍ عَظِيمِ الِاسْتِحْضَارِ أَمَّا غَيْرُهُ فَيُسْلَكُ مَعَهُ تَرْتِيبٌ وَاحِدٌ.
قَالَ: وَعَلَى الْجَامِعِ أَنْ يَنْظُرَ مَا فِي الْأَحْرُفِ مِنَ الْخِلَافِ أُصُولًا وَفَرْشًا فَمَا أَمْكَنَ فِيهِ التَّدَاخُلُ اكْتُفِيَ مِنْهُ بِوَجْهٍ وَمَا لَمْ يُمْكِنْ فِيهِ نُظِرَ فَإِنْ أَمْكَنَ عَطْفُهُ عَلَى مَا قَبْلَهُ بِكَلِمَةٍ أَوْ كَلِمَتَيْنِ أَوْ بِأَكْثَرَ مِنْ غَيْرِ تَخْلِيطٍ وَلَا تَرْكِيبٍ اعْتَمَدَهُ وَإِنْ لَمْ يَحْسُنْ عَطْفُهُ رَجَعَ إِلَى مَوْضِعِ ابْتِدَائِهِ حَتَّى يَسْتَوْعِبَ الْأَوْجُهَ كُلَّهَا مِنْ غَيْرِ إِهْمَالٍ وَلَا تَرْكِيبٍ وَلَا إِعَادَةِ مَا دَخَلَ فَإِنَّ الْأَوَّلَ مَمْنُوعٌ وَالثَّانِي مَكْرُوهٌ وَالثَّالِثَ مَعِيبٌ.
وَأَمَّا الْقِرَاءَةُ بِالتَّلْفِيقِ وَخَلْطُ قِرَاءَةٍ بِأُخْرَى فَسَيَأْتِي بَسْطُهُ فِي النَّوْعِ الَّذِي يَلِي هَذَا.
وَأَمَّا الْقِرَاءَاتُ وَالرِّوَايَاتُ وَالطُّرُقُ وَالْأَوْجُهُ فَلَيْسَ لِلْقَارِئِ أَنْ يَدَعَ مِنْهَا شَيْئًا أَوْ يُخِلَّ بِهِ فَإِنَّهُ خَلَلٌ فِي إِكْمَالِ الرِّوَايَةِ إِلَّا الْأَوْجُهَ فَإِنَّهَا عَلَى سَبِيلِ التَّخْيِيرِ فَأَيُّ وَجْهٍ أَتَى بِهِ أَجْزَأَهُ فِي تِلْكَ الرِّوَايَةِ.
وَأَمَّا قَدْرُ مَا يُقْرَأُ حَالَ الْأَخْذِ فَقَدْ كَانَ الصَّدْرُ الْأَوَّلُ لَا يَزِيدُونَ عَلَى عَشْرِ آيَاتٍ لِكَائِنٍ مَنْ كَانَ وَأَمَّا مَنْ بَعْدَهُمْ فَرَأَوْهُ بِحَسَبِ قُوَّةِ الْآخِذِ.
قَالَ ابْنُ الْجَزَرِيِّ: والذي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الْعَمَلُ الْأَخْذُ فِي الْإِفْرَادِ بِجُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ مِائَةٍ وَعِشْرِينَ وَفِي الْجَمْعِ بِجُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ مِائَتَيْنِ وَأَرْبَعِينَ وَلَمْ يَحُدَّ لَهُ آخَرُونَ حَدًّا وَهُوَ اخْتِيَارُ السَّخَاوِيِّ.(1/354)
وَقَدْ لَخَّصْتُ هَذَا النَّوْعَ وَرَتَّبْتُ فِيهِ مُتَفَرِّقَاتِ كَلَامِ أَئِمَّةِ الْقِرَاءَاتِ وَهُوَ نَوْعٌ مُهِمٌّ يَحْتَاجُ إِلَيْهِ الْقَارِئُ كَاحْتِيَاجِ الْمُحَدِّثِ إِلَى مِثْلِهِ مِنْ عِلْمِ الْحَدِيثِ.
فَائِدَةٌ
ادَّعَى ابْنُ خَيْرٍ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَنْقُلَ حَدِيثًا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا لَمْ يَكُنْ لَهُ بِهِ رِوَايَةٌ وَلَوْ بِالْإِجَازَةِ فَهَلْ يَكُونُ حُكْمُ الْقُرْآنِ كَذَلِكَ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَنْقُلَ آيَةً أَوْ يَقْرَأَهَا مَا لَمْ يَقْرَأْهَا عَلَى شَيْخٍ؟ لَمْ أَرَ فِي ذَلِكَ نَقْلًا وَلِذَلِكَ وَجْهٌ مِنْ حَيْثُ إِنَّ الِاحْتِيَاطَ فِي أَدَاءِ أَلْفَاظِ الْقُرْآنِ أَشَدُّ مِنْهُ فِي أَلْفَاظِ الْحَدِيثِ. وَلِعَدَمِ اشْتِرَاطِهِ فِيهِ وَجْهٌ مِنْ حَيْثُ إِنَّ اشْتِرَاطَ ذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ وَإِنَّمَا هُوَ لِخَوْفِ أَنْ يُدْخَلَ فِي الْحَدِيثِ مَا لَيْسَ مِنْهُ أَوْ يُتَقَوَّلَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا لَمْ يَقُلْهُ وَالْقُرْآنُ مَحْفُوظٌ مُتَلَقًّى مُتَدَاوَلٌ مُيَسَّرٌ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ.
فَائِدَةٌ ثَانِيَةٌ:
الْإِجَازَةُ مِنَ الشَّيْخِ غَيْرُ شَرْطٍ فِي جَوَازِ التَّصَدِّي لِلْإِقْرَاءِ وَالْإِفَادَةِ فَمَنْ عَلِمَ مِنْ نَفْسِهِ الْأَهْلِيَّةَ جَازَ لَهُ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يُجِزْهُ أَحَدٌ وَعَلَى ذَلِكَ السَّلَفُ الْأَوَّلُونَ وَالصَّدْرُ الصَّالِحُ وَكَذَلِكَ فِي كُلِّ عِلْمٍ وَفِي الْإِقْرَاءِ وَالْإِفْتَاءِ خِلَافًا لِمَا يَتَوَهَّمُهُ الْأَغْبِيَاءُ مِنِ اعْتِقَادِ كَوْنِهَا شَرْطًا. وَإِنَّمَا اصْطَلَحَ النَّاسُ عَلَى الْإِجَازَةِ لِأَنَّ أَهْلِيَّةَ الشَّخْصِ لَا يَعْلَمُهَا غَالِبًا مَنْ يُرِيدُ الْأَخْذَ عَنْهُ مِنَ الْمُبْتَدِئِينَ وَنَحْوِهِمْ لِقُصُورِ مَقَامِهِمْ عَنْ ذَلِكَ وَالْبَحْثُ عَنِ الْأَهْلِيَّةِ قَبْلَ الْأَخْذِ شَرْطٌ فَجُعِلَتِ الْإِجَازَةُ كَالشَّهَادَةِ مِنَ الشَّيْخِ لِلْمُجَازِ بِالْأَهْلِيَّةِ.(1/355)
فَائِدَةٌ ثَالِثَةٌ
مَا اعْتَادَهُ كَثِيرٌ مِنْ مَشَايِخِ الْقُرَّاءِ مِنِ امْتِنَاعِهِمْ مِنَ الْإِجَازَةِ إِلَّا بِأَخْذِ مَالٍ فِي مُقَابِلِهَا لَا يَجُوزُ إِجْمَاعًا بَلْ إِنْ عَلِمَ أَهْلِيَّتَهُ وَجَبَ عَلَيْهِ الْإِجَازَةُ أَوْ عَدَمَهَا حَرُمَ عَلَيْهِ وَلَيْسَتِ الْإِجَازَةُ مِمَّا يُقَابَلُ بِالْمَالِ فَلَا يَجُوزُ أَخْذُهُ عَنْهَا وَلَا الْأُجْرَةُ عَلَيْهَا. وَفِي فَتَاوَى الصَّدْرِ مَوْهُوبٌ الْجَزَرِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ شَيْخٍ طَلَبَ مِنَ الطَّالِبِ شَيْئًا عَلَى إِجَازَتِهِ فَهَلْ لِلطَّالِبِ رَفْعُهُ إِلَى الْحَاكِمِ وَإِجْبَارُهُ عَلَى الْإِجَازَةِ؟ فَأَجَابَ: لَا تَجِبُ الْإِجَازَةُ عَلَى الشَّيْخِ وَلَا يَجُوزُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَيْهَا.
وَسُئِلَ أَيْضًا عَنْ رَجُلٍ أَجَازَهُ الشَّيْخُ بِالْإِقْرَاءِ ثُمَّ بَانَ أَنَّهُ لَا دِينَ لَهُ وَخَافَ الشَّيْخُ مِنْ تَفْرِيطِهِ فَهَلْ لَهُ النُّزُولُ عَنِ الْإِجَازَةِ: فَأَجَابَ لَا تَبْطُلُ الْإِجَازَةُ بِكَوْنِهِ غَيْرَ دَيِّنٍ. وَأَمَّا أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَى التَّعْلِيمِ فَجَائِزٌ فَفِي الْبُخَارِيِّ: "إِنَّ أَحَقَّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا كِتَابُ اللَّهِ " وَقِيلَ: إِنْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ لَمْ يَجُزْ وَاخْتَارَهُ الْحَلِيمِيُّ وَقِيلَ لَا يَجُوزُ مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ أَبُو حَنِيفَةَ لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُدَ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّهُ عَلَّمَ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الصُّفَّةِ الْقُرْآنَ فَأَهْدَى لَهُ قَوْسًا فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنْ سَرَّكَ أَنْ تُطَوَّقَ بِهَا طَوْقًا مِنْ نَارٍ فَاقْبَلْهَا ".
وَأَجَابَ مَنْ جَوَّزَهُ بِأَنَّ فِي إِسْنَادِهِ مَقَالًا وَلِأَنَّهُ تَبَرَّعَ بِتَعْلِيمِهِ فَلَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا ثُمَّ أَهْدَى إِلَيْهِ عَلَى سَبِيلِ الْعِوَضِ فَلَمْ يَجُزْ لَهُ الْأَخْذُ بِخِلَافِ مَنْ يَعْقِدُ مَعَهُ إِجَارَةً قَبْلَ التَّعْلِيمِ.(1/356)
وَفِي الْبُسْتَانِ لِأَبِي اللَّيْثِ: التَّعْلِيمُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:
أَحَدُهَا: لِلْحِسْبَةِ وَلَا يَأْخُذُ بِهِ عِوَضًا.
وَالثَّانِي: أَنْ يُعَلِّمَ بِالْأُجْرَةِ.
وَالثَّالِثُ: أَنْ يُعَلِّمَ بِغَيْرِ شَرْطٍ فَإِذَا أُهْدِيَ إِلَيْهِ قَبِلَ.
فَالْأَوَّلُ مَأْجُورٌ وَعَلَيْهِ عَمَلُ الْأَنْبِيَاءِ وَالثَّانِي مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَالْأَرْجَحُ الْجَوَازُ وَالثَّالِثُ يَجُوزُ إِجْمَاعًا لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مُعَلِّمًا لِلْخَلْقِ وَكَانَ يَقْبَلُ الْهَدِيَّةَ.
فَائِدَةٌ رَابِعَةٌ
كَانَ ابْنُ بُصْحَانَ إِذَا رَدَّ عَلَى الْقَارِئِ شَيْئًا فَاتَهُ فَلَمْ يَعْرِفْهُ كَتَبَهُ عَلَيْهِ عِنْدَهُ فَإِذَا أَكْمَلَ الْخَتْمَةَ وَطَلَبَ الْإِجَازَةَ سَأَلَهُ عَنْ تِلْكَ الْمَوَاضِعِ فَإِنْ عَرَفَهَا أَجَازَهُ وَإِلَّا تَرَكَهُ يَجْمَعُ خَتْمَةً أُخْرَى.
فَائِدَةٌ أُخْرَى
عَلَى مُرِيدِ تَحْقِيقِ الْقِرَاءَاتِ وَإِحْكَامِ تِلَاوَةِ الْحُرُوفِ أَنْ يَحْفَظَ كِتَابًا كَامِلًا يَسْتَحْضِرُ بِهِ اختلاف القراءة وتميز الْخِلَافِ الْوَاجِبِ مِنَ الْخِلَافِ الْجَائِزِ.(1/357)
فَائِدَةٌ أُخْرَى
قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ فِي فَتَاوِيهِ: قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ كَرَامَةٌ أَكْرَمَ اللَّهُ بِهَا الْبَشَرَ فَقَدْ وَرَدَ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ لَمْ يُعْطُوا ذَلِكَ وَأَنَّهَا حَرِيصَةٌ لِذَلِكَ عَلَى اسْتِمَاعِهِ مِنَ الْإِنْسِ.(1/358)
النَّوْعُ الْخَامِسُ وَالثَّلَاثُونَ: فِي آدَابِ تِلَاوَتِهِ وَتَالِيهِ
أَفْرَدَهُ بِالتَّصْنِيفِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمُ النَّوَوِيُّ فِي التِّبْيَانِ وَقَدْ ذَكَرَ فِيهِ وَفِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَفِي الْأَذْكَارِ جُمْلَةً مِنَ الْآدَابِ وَأَنَا أُلَخِّصُهَا هُنَا وَأَزِيدُ عَلَيْهَا أَضْعَافَهَا وَأُفَصِّلُهَا مَسْأَلَةً مَسْأَلَةً لِيَسْهُلَ تَنَاوُلُهَا.
مَسْأَلَةٌ
يُسْتَحَبُّ الْإِكْثَارُ مِنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَتِلَاوَتِهِ قَالَ تَعَالَى مُثْنِيًا عَلَى مَنْ كَانَ ذَلِكَ دأبه {تْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْل} .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: "لَا حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ الْقُرْآنَ فَهُوَ يَقُومُ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ ".
وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ: "مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا".
وَأَخْرَجَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَقُولُ الرَّبُّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مَنْ شَغَلَهُ الْقُرْآنُ وَذِكْرِي عَنْ مَسْأَلَتِي أَعْطَيْتُهُ أَفْضَلَ مَا أُعْطِي السَّائِلِينَ وَفَضْلُ كَلَامِ اللَّهِ عَلَى سَائِرِ الْكَلَامِ كَفَضْلِ اللَّهِ عَلَى سَائِرِ خَلْقِهِ ".(1/359)
وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أمامة: "اقرؤوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لِأَصْحَابِهِ ".
وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ: "الْبَيْتُ الَّذِي يُقْرَأُ فِيهِ الْقُرْآنُ يَتَرَاءَى لِأَهْلِ السَّمَاءِ كَمَا تَتَرَاءَى النُّجُومُ لِأَهْلِ الْأَرْضِ ".
وَأَخْرَجَ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ: "نَوِّرُوا مَنَازِلَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ ".
وَأَخْرَجَ مِنْ حَدِيثِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ: "أَفْضَلُ عِبَادَةِ أُمَّتِي قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ ".
وَأَخْرَجَ مِنْ حَدِيثِ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ: "كُلُّ مُؤْدِبٍ يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى مَأْدُبَتُهُ وَمَأْدُبَةُ اللَّهِ الْقُرْآنُ فَلَا تَهْجُرُوهُ".
وَأَخْرَجَ مِنْ حَدِيثِ عُبَيْدَةَ الْمَكِّيِّ مَرْفُوعًا وَمَوْقُوفًا: "يَا أَهْلَ الْقُرْآنِ لَا تَتَوَسَّدُوا الْقُرْآنَ وَاتْلُوهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَأَفْشُوهُ وَتَدَبَّرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ".
وَقَدْ كَانَ لِلسَّلَفِ فِي قَدْرِ الْقِرَاءَةِ عَادَاتٌ فَأَكْثَرُ مَا وَرَدَ فِي كَثْرَةِ الْقِرَاءَةِ: "مَنْ كَانَ يَخْتِمُ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ ثَمَانِيَ خَتَمَاتٍ: أَرْبَعًا فِي اللَّيْلِ وَأَرْبَعًا فِي النَّهَارِ "،وَيَلِيهِ: "مَنْ كَانَ يَخْتِمُ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ أَرْبَعًا "، وَيَلِيهِ ثَلَاثًا وَيَلِيهِ ختمين وَيَلِيهِ خَتْمَةً.
وَقَدْ ذَمَّتْ عَائِشَةُ ذَلِكَ فَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ مِخْرَاقٍ قَالَ: قُلْتُ لِعَائِشَةَ: إِنَّ رِجَالًا يَقْرَأُ أَحَدُهُمُ الْقُرْآنَ فِي لَيْلَةٍ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا فَقَالَتْ: قرؤوا ولم يقرؤوا كُنْتُ أَقُومُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ التَّمَامِ فَيَقْرَأُ بِالْبَقَرَةِ وَآلِ عِمْرَانَ وَالنِّسَاءِ فَلَا يَمُرُّ بِآيَةٍ فِيهَا اسْتِبْشَارٌ إِلَّا دَعَا وَرَغِبَ وَلَا بِآيَةٍ فِيهَا تَخْوِيفٌ إِلَّا دَعَا وَاسْتَعَاذَ.(1/360)
وَيْلِي ذَلِكَ مَنْ كَانَ يَخْتِمُ فِي لَيْلَتَيْنِ وَيَلِيهِ مَنْ كَانَ يَخْتِمُ فِي كُلِّ ثَلَاثٍ وَهُوَ حَسَنٌ.
وَكَرِهَ جَمَاعَاتٌ الْخَتْمَ فِي أَقَلِّ مِنْ ذَلِكَ لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: "لَا يَفْقَهُ مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فِي أقل من ثلاث ".
وأخرج ابن دَاوُدَ وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ مَوْقُوفًا: "قَالَ لَا تقرؤوا الْقُرْآنَ فِي أَقَلِّ مِنْ ثَلَاثٍ ".
وَأَخْرَجَ أَبُو عُبَيْدٍ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ أَنْ يُقْرَأَ الْقُرْآنُ فِي أَقَلِّ مِنْ ثَلَاثٍ.
وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَأَبُو عُبَيْدَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُنْذِرِ - وَلَيْسَ لَهُ غَيْرُهُ – قَالَ: قُلْتُ: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أَقْرَأُ الْقُرْآنَ فِي ثَلَاثٍ؟ قَالَ: نَعَمْ إِنِ اسْتَطَعْتَ.
وَيَلِيهِ: مَنْ خَتَمَ فِي أَرْبَعٍ ثُمَّ فِي خَمْسٍ ثُمَّ فِي سِتٍّ ثُمَّ فِي سَبْعٍ وَهَذَا أَوْسَطُ الْأُمُورِ وَأَحْسَنُهَا وَهُوَ فِعْلُ الْأَكْثَرِينَ مِنَ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ.
أَخْرَجَ الشَّيْخَانِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اقْرَأِ الْقُرْآنَ فِي شَهْرٍ قُلْتُ: إِنِّي أَجِدُ قُوَّةً قَالَ: أَقْرَأْهُ فِي عَشْرٍ قُلْتُ: إِنِّي أَجِدُ قُوَّةً قَالَ: اقْرَأْهُ فِي سَبْعٍ وَلَا تَزِدْ عَلَى ذَلِكَ ".
وَأَخْرَجَ أَبُو عُبَيْدٍ وَغَيْرُهُ مِنْ طَرِيقِ وَاسِعِ بْنِ حِبَّانَ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ - وَلَيْسَ لَهُ غَيْرُهُ - أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فِي كَمْ أَقْرَأُ الْقُرْآنَ؟ قَالَ: فِي خَمْسَةَ عَشَرَ قُلْتُ: إِنِّي أَجِدُنِي أَقْوَى مِنْ ذَلِكَ قَالَ: اقْرَأْهُ فِي جُمُعَةٍ.
وَيْلِي ذَلِكَ: مَنْ خَتَمَ فِي ثَمَانٍ ثُمَّ فِي عَشْرٍ ثُمَّ فِي شَهْرٍ ثُمَّ فِي شَهْرَيْنِ.(1/361)
أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ عَنْ مَكْحُولٍ قَالَ: كَانَ أَقْوِيَاءُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم يقرؤون الْقُرْآنَ فِي سَبْعٍ وَبَعْضُهُمْ فِي شَهْرٍ وَبَعْضُهُمْ فِي شَهْرَيْنِ وَبَعْضُهُمْ فِي أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ.
وَقَالَ أَبُو اللَّيْثِ فِي الْبُسْتَانِ: يَنْبَغِي لِلْقَارِئِ أَنْ يَخْتِمَ فِي السَّنَةِ مَرَّتَيْنِ إِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الزِّيَادَةِ.
وَقَدْ رَوَى الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَالَ مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فِي كُلِّ سَنَةٍ مَرَّتَيْنِ فَقَدْ أَدَّى حقه لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم عَرَضَ عَلَى جِبْرِيلَ فِي السَّنَةِ الَّتِي قُبِضَ فِيهَا مَرَّتَيْنِ.
وَقَالَ غَيْرُهُ: يُكْرَهُ تَأْخِيرُ خَتْمِهِ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِينَ يَوْمًا بِلَا عُذْرٍ نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ لِأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كَمْ نَخْتِمُ الْقُرْآنَ قَالَ فِي أَرْبَعِينَ يَوْمًا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.
وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْأَذْكَارِ: الْمُخْتَارُ أَنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ فَمَنْ كَانَ يَظْهَرُ لَهُ بِدَقِيقِ الْفِكْرِ لَطَائِفُ وَمَعَارِفُ فَلْيَقْتَصِرْ عَلَى قَدْرٍ يَحْصُلُ لَهُ مَعَهُ كَمَالُ فَهْمِ مَا يَقْرَأُ وَكَذَلِكَ مَنْ كَانَ مَشْغُولًا بِنَشْرِ الْعِلْمِ أَوْ فَصْلِ الْحُكُومَاتِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مُهِمَّاتِ الدِّينِ وَالْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ فَلْيَقْتَصِرْ عَلَى قَدْرٍ لَا يَحْصُلُ بِسَبَبِهِ إِخْلَالٌ بِمَا هُوَ مُرْصَدٌ لَهُ وَلَا فَوَاتُ كَمَالِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ هَؤُلَاءِ الْمَذْكُورِينَ فَلْيَسْتَكْثِرْ مَا أَمْكَنَهُ مِنْ غَيْرِ خُرُوجٍ إِلَى حَدِّ الْمَلَلِ أَوِ الْهَذْرَمَةِ فِي الْقِرَاءَةِ.(1/362)
مَسْأَلَةٌ
نِسْيَانُهُ كَبِيرَةٌ صَرَّحَ بِهِ النَّوَوِيُّ فِي الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُدَ وَغَيْرِهِ: "عُرِضَتْ عَلَيَّ ذُنُوبُ أُمَّتِي فَلَمْ أَرَ ذَنْبًا أَعْظَمَ مِنْ سُورَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ أَوْ آيَةٍ أُوتِيَهَا رَجُلٌ ثُمَّ نَسِيَهَا".
وَرَوَى أَيْضًا حَدِيثَ: "مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ ثُمَّ نَسِيَهُ لَقِيَ اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَجْذَمَ ".
وَفِي الصحيحين: "تعاهدوا القرآن فوالدي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَهْوَ أَشَدُّ تَفَلُّتًا مِنَ الْإِبِلِ فِي عُقُلِهَا ".
مَسْأَلَةٌ
يُسْتَحَبُّ الْوُضُوءُ لِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ لِأَنَّهُ أَفْضَلُ الْأَذْكَارِ وَقَدْ كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَكْرَهُ أَنْ يَذْكُرَ اللَّهَ إِلَّا عَلَى طُهْرٍ كَمَا ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ.
قَالَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ: وَلَا تُكْرَهُ الْقِرَاءَةُ لِلْمُحْدِثِ لِأَنَّهُ صَحَّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ مَعَ الْحَدَثِ. قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذِّبِ: وَإِذَا كَانَ يَقْرَأُ فَعَرَضَتْ لَهُ رِيحٌ أَمْسَكَ عَنِ الْقِرَاءَةِ حَتَّى يَسْتَقِيمَ خُرُوجِهَا. وَأَمَّا الْجُنُبُ وَالْحَائِضُ فَتَحْرُمُ عَلَيْهِمَا الْقِرَاءَةُ نَعَمْ يَجُوزُ لَهُمَا النَّظَرُ فِي الْمُصْحَفِ وَإِمْرَارُهُ عَلَى الْقَلْبِ وَأَمَّا مُتَنَجِّسُ الْفَمِ فَتُكْرَهُ لَهُ الْقِرَاءَةُ.
وَقِيلَ: تَحْرُمُ كَمَسِّ الْمُصْحَفِ بِالْيَدِ النَّجِسَةِ.(1/363)
مَسْأَلَةٌ
وَتُسَنُّ الْقِرَاءَةُ فِي مَكَانٍ نَظِيفٍ وَأَفْضَلُهُ الْمَسْجِدُ وَكَرِهَ قَوْمٌ الْقِرَاءَةَ فِي الْحَمَّامِ وَالطَّرِيقِ قَالَ النَّوَوِيُّ وَمَذْهَبُنَا لَا تُكَرَهُ فِيهِمَا قَالَ وَكَرِهَهَا الشَّعْبِيُّ فِي الْحُشِّ وَبَيْتِ الرَّحَا وَهِيَ تَدُورُ قَالَ: وَهُوَ مُقْتَضَى مَذْهَبِنَا.
مَسْأَلَةٌ
وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَجْلِسَ مُسْتَقْبِلًا مُتَخَشِّعًا بِسَكِينَةٍ وَوَقَارٍ مُطْرِقًا رَأْسَهُ.
مَسْأَلَةٌ
وَيُسَنُّ أَنْ يَسْتَاكَ تَعْظِيمًا وَتَطْهِيرًا وَقَدْ رَوَى ابْنُ مَاجَهْ عَنْ عَلِيٍّ مَوْقُوفًا وَالْبَزَّارُ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ عَنْهُ مَرْفُوعًا: "إِنَّ أَفْوَاهَكُمْ طُرُقٌ لِلْقُرْآنِ فَطَيِّبُوهَا بِالسِّوَاكِ ".
قُلْتُ: وَلَوْ قَطَعَ الْقِرَاءَةَ وَعَادَ عَنْ قُرْبٍ فَمُقْتَضَى اسْتِحْبَابِ التَّعَوُّذِ إِعَادَةُ السِّوَاكِ أَيْضًا.
مَسْأَلَةٌ
وَيُسَنُّ التَّعَوُّذُ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ قَالَ تَعَالَى {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} أَيْ أَرَدْتَ قِرَاءَتَهُ.
وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ يَتَعَوَّذُ بَعْدَهَا لِظَاهِرِ الْآيَةِ وَقَوْمٌ إِلَى وُجُوبِهَا لِظَاهِرِ الأمر.(1/364)
الْإِسْرَارُ فَلَا بُدَّ مِنَ التَّلَفُّظِ وَإِسْمَاعِ نَفْسِهِ وَقِيلَ الْكِتْمَانُ بِأَنْ يَذْكُرَهَا بِقَلْبِهِ بِلَا تَلَفُّظٍ.
قَالَ: وَإِذَا قَطَعَ الْقِرَاءَةَ إِعْرَاضًا أَوْ بِكَلَامٍ أَجْنَبِيٍّ - وَلَوْ رَدِّ السَّلَامِ اسْتَأْنَفَهَا أَوْ يَتَعَلَّقُ بِالْقِرَاءَةِ فَلَا. قَالَ: وَهَلْ هِيَ سُنَّةُ كِفَايَةٍ أَوْ عَيْنٍ حَتَّى لَوْ قَرَأَ جَمَاعَةٌ جُمْلَةً فَهَلْ يَكْفِي اسْتِعَاذَةُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ كَالتَّسْمِيَةِ عَلَى الْأَكْلِ أَوْ لَا لَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا وَالظَّاهِرُ الثَّانِي لِأَنَّ الْمَقْصُودَ اعْتِصَامُ الْقَارِئِ وَالْتِجَاؤُهُ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّ الشَّيْطَانِ فَلَا يَكُونُ تَعَوُّذُ وَاحِدٍ كَافِيًا عَنْ آخَرَ. انْتَهَى كَلَامُ ابْنُ الْجَزَرِيِّ.
مَسْأَلَةٌ
وَلْيُحَافِظْ عَلَى قِرَاءَةِ الْبَسْمَلَةِ أَوَّلَ كُلِّ سُورَةٍ غَيْرِ بَرَاءَةٌ لِأَنَّ أَكْثَرَ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهَا آيَةٌ فَإِذَا أَخَلَّ بِهَا كَانَ تَارِكًا لِبَعْضِ الْخَتْمَةِ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ فَإِنْ قَرَأَ مِنْ أَثْنَاءِ سُورَةٍ اسْتُحِبَّتْ لَهُ أَيْضًا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِيمَا نَقَلَهُ الْعُبَادِيُّ قَالَ الْقُرَّاءُ: وَيَتَأَكَّدُ عِنْدَ قِرَاءَةِ نَحْوِ: {إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ} {وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ} لِمَا فِي ذِكْرِ ذَلِكَ بَعْدَ الِاسْتِعَاذَةِ مِنَ الْبَشَاعَةِ وَإِيهَامِ رُجُوعِ الضَّمِيرِ إِلَى الشَّيْطَانِ.
قَالَ ابْنُ الْجَزَرِيِّ: الِابْتِدَاءُ بِالْآيِ وَسَطَ بَرَاءَةٍ قَلَّ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ وَقَدْ صَرَّحَ بِالْبَسْمَلَةِ فِيهِ أَبُو الْحَسَنِ السخاوي ورد عليه الجعبري.(1/365)
الْإِسْرَارُ فَلَا بُدَّ مِنَ التَّلَفُّظِ وَإِسْمَاعِ نَفْسِهِ وَقِيلَ الْكِتْمَانُ بِأَنْ يَذْكُرَهَا بِقَلْبِهِ بِلَا تَلَفُّظٍ.
قَالَ: وَإِذَا قَطَعَ الْقِرَاءَةَ إِعْرَاضًا أَوْ بِكَلَامٍ أَجْنَبِيٍّ - وَلَوْ رَدِّ السَّلَامِ اسْتَأْنَفَهَا أَوْ يَتَعَلَّقُ بِالْقِرَاءَةِ فَلَا. قَالَ: وَهَلْ هِيَ سُنَّةُ كِفَايَةٍ أَوْ عَيْنٍ حَتَّى لَوْ قَرَأَ جَمَاعَةٌ جُمْلَةً فَهَلْ يَكْفِي اسْتِعَاذَةُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ كَالتَّسْمِيَةِ عَلَى الْأَكْلِ أَوْ لَا لَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا وَالظَّاهِرُ الثَّانِي لِأَنَّ الْمَقْصُودَ اعْتِصَامُ الْقَارِئِ وَالْتِجَاؤُهُ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّ الشَّيْطَانِ فَلَا يَكُونُ تَعَوُّذُ وَاحِدٍ كَافِيًا عَنْ آخَرَ. انْتَهَى كَلَامُ ابْنُ الْجَزَرِيِّ.
مَسْأَلَةٌ
وَلْيُحَافِظْ عَلَى قِرَاءَةِ الْبَسْمَلَةِ أَوَّلَ كُلِّ سُورَةٍ غَيْرِ بَرَاءَةٌ لِأَنَّ أَكْثَرَ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهَا آيَةٌ فَإِذَا أَخَلَّ بِهَا كَانَ تَارِكًا لِبَعْضِ الْخَتْمَةِ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ فَإِنْ قَرَأَ مِنْ أَثْنَاءِ سُورَةٍ اسْتُحِبَّتْ لَهُ أَيْضًا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِيمَا نَقَلَهُ الْعُبَادِيُّ قَالَ الْقُرَّاءُ: وَيَتَأَكَّدُ عِنْدَ قِرَاءَةِ نَحْوِ: {إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ} {وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ} لِمَا فِي ذِكْرِ ذَلِكَ بَعْدَ الِاسْتِعَاذَةِ مِنَ الْبَشَاعَةِ وَإِيهَامِ رُجُوعِ الضَّمِيرِ إِلَى الشَّيْطَانِ.
قَالَ ابْنُ الْجَزَرِيِّ: الِابْتِدَاءُ بِالْآيِ وَسَطَ بَرَاءَةٍ قَلَّ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ وَقَدْ صَرَّحَ بِالْبَسْمَلَةِ فِيهِ أَبُو الْحَسَنِ السَّخَاوِيُّ وَرَدَّ عَلَيْهِ الْجَعْبَرِيُّ.(1/366)
مَسْأَلَةٌ
لَا تَحْتَاجُ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ إِلَى نِيَّةٍ كَسَائِرِ الْأَذْكَارِ إِلَّا إِذَا نَذَرَهَا خَارِجَ الصَّلَاةِ فَلَا بُدَّ مِنْ نِيَّةِ النَّذْرِ أَوِ الْفَرْضِ وَلَوْ عَيَّنَ الزَّمَانَ فَلَوْ تَرَكَهَا لَمْ تَجُزْ نَقَلَهُ الْقَمُولِيُّ فِي الْجَوَاهِرِ.
مَسْأَلَةٌ
يُسَنُّ التَّرْتِيلُ فِي قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ قَالَ تَعَالَى {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً} .
وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّهَا نَعَتَتْ قِرَاءَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "قِرَاءَةً مُفَسَّرَةً حَرْفًا حَرْفًا ".
وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ قِرَاءَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: "كَانَتْ مَدًّا ثُمَّ قَرَأَ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ يَمُدُّ " اللَّهَ " وَيَمُدُّ " الرَّحْمَنَ " وَيَمُدُّ" الرَّحِيمَ ".
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لَهُ: إِنِّي أَقْرَأُ الْمُفَصَّلَ فِي رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ فَقَالَ: "هَذًّا كَهَذِّ الشعر إن قوما يقرؤون الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ وَلَكِنْ إِذَا وَقَعَ فِي الْقَلْبِ فَرَسَخَ فِيهِ نَفَعَ ".
وَأَخْرَجَ الْآجُرِّيُّ فِي حَمَلَةِ الْقُرْآنِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: "لَا تَنْثُرُوهُ نَثْرَ الدَّقَلِ ولا تهذوه هذا الشِّعْرِ قِفُوا عِنْدَ عَجَائِبِهِ وَحَرِّكُوا بِهِ الْقُلُوبَ وَلَا يَكُونُ هَمُّ أَحَدِكُمْ آخِرَ السُّورَةِ ".(1/367)
وَأَخْرَجَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: "يُقَالُ لِصَاحِبِ الْقُرْآنِ اقْرَأْ وَارْقَ فِي الدَّرَجَاتِ وَرَتِّلْ كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ فِي الدُّنْيَا فَإِنَّ مَنْزِلَتَكَ عِنْدَ آخِرِ آيَةٍ كُنْتَ تَقْرَؤُهَا "
قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: وَاتَّفَقُوا عَلَى كَرَاهَةِ الْإِفْرَاطِ فِي الْإِسْرَاعِ.
قَالُوا: وَقِرَاءَةُ جُزْءٍ بِتَرْتِيلٍ أَفْضَلُ مِنْ قراءة جزأين فِي قَدْرِ ذَلِكَ الزَّمَانِ بِلَا تَرْتِيلٍ.
قَالُوا: وَاسْتِحْبَابُ التَّرْتِيلِ لِلتَّدَبُّرِ وَلِأَنَّهُ أَقْرَبُ إِلَى الْإِجْلَالِ وَالتَّوْقِيرِ وَأَشَدُّ تَأْثِيرًا فِي الْقَلْبِ وَلِهَذَا يُسْتَحَبُّ لِلْأَعْجَمِيِّ الَّذِي لَا يَفْهَمُ مَعْنَاهُ انْتَهَى.
وَفِي النَّشْرِ: اخْتُلِفَ هَلِ الْأَفْضَلُ التَّرْتِيلُ وَقِلَّةُ الْقِرَاءَةِ أَوِ السُّرْعَةُ مَعَ كَثْرَتِهَا؟ وَأَحْسَنَ بَعْضُ أَئِمَّتِنَا فَقَالَ: إِنَّ ثَوَابَ قِرَاءَةِ التَّرْتِيلِ أَجَلُّ قَدْرًا وَثَوَابُ الْكَثْرَةِ أَكْثَرُ عَدَدًا لِأَنَّ بِكُلِّ حَرْفٍ عَشْرَ حَسَنَاتٍ.
وَفِي الْبُرْهَانِ لِلزَّرْكَشِيِّ: كَمَالُ التَّرْتِيلِ تَفْخِيمُ أَلْفَاظِهِ وَالْإِبَانَةُ عَنْ حُرُوفِهِ وَأَلَّا يُدْغَمَ حَرْفٌ فِي حَرْفٍ وَقِيلَ هَذَا أَقَلُّهُ وَأَكْمَلُهُ أَنْ يَقْرَأَهُ عَلَى مَنَازِلِهِ فَإِنْ قَرَأَ تَهْدِيدًا لَفِظَ بِهِ لَفْظَ الْمُتَهَدِّدِ أَوْ تَعْظِيمًا لَفِظَ بِهِ عَلَى التَّعْظِيمِ.
مَسْأَلَةٌ
وَتُسَنُّ الْقِرَاءَةُ بِالتَّدَبُّرِ وَالتَّفَهُّمِ فَهُوَ الْمَقْصُودُ الْأَعْظَمُ وَالْمَطْلُوبُ الْأَهَمُّ وَبِهِ تَنْشَرِحُ الصُّدُورُ وَتَسْتَنِيرُ الْقُلُوبُ قَالَ تَعَالَى {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ}(1/368)
وقال {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ} وَصِفَةُ ذَلِكَ أَنْ يَشْغَلَ قَلْبَهُ بِالتَّفْكِيرِ فِي مَعْنَى مَا يَلْفِظُ بِهِ فَيَعْرِفُ مَعْنَى كُلِّ آيَةٍ وَيَتَأَمَّلُ الْأَوَامِرَ وَالنَّوَاهِيَ وَيَعْتَقِدُ قَبُولَ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ مِمَّا قَصَّرَ عَنْهُ فِيمَا مَضَى اعْتَذَرَ وَاسْتَغْفَرَ وَإِذَا مَرَّ بِآيَةِ رَحْمَةٍ اسْتَبْشَرَ وَسَأَلَ أَوْ عَذَابٍ أَشْفَقَ وَتَعَوَّذَ أَوْ تَنْزِيهٍ نَزَّهَ وَعَظَّمَ أَوْ دُعَاءٍ تَضَرَّعَ وَطَلَبَ.
أَخْرَجَ مُسْلِمٌ عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَافْتَتَحَ الْبَقَرَةَ فَقَرَأَهَا ثُمَّ النِّسَاءَ فَقَرَأَهَا ثُمَّ آلَ عِمْرَانَ فَقَرَأَهَا يَقْرَأُ مُتَرَسِّلًا إِذَا مَرَّ بِآيَةٍ فِيهَا تَسْبِيحٌ سَبَّحَ وَإِذَا مَرَّ بِسُؤَالٍ سَأَلَ وَإِذَا مَرَّ بِتَعَوُّذٍ تَعَوَّذَ.
وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمَا عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قُمْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم لَيْلَةً فَقَامَ فَقَرَأَ سُورَةَ الْبَقَرَةِ لَا يَمُرُّ بِآيَةِ رَحْمَةٍ إِلَّا وَقَفَ وَسَأَلَ وَلَا يَمُرُّ بِآيَةِ عَذَابٍ إِلَّا وَقَفَ وَتَعَوَّذَ.
وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ حَدِيثَ مَنْ قرأ: {التِّينِ وَالزَّيْتُونِ} فَانْتَهَى إِلَى آخِرِهَا فَلْيَقُلْ: بَلَى وَأَنَا عَلَى ذَلِكَ مِنَ الشَّاهِدِينَ. وَمَنْ قَرَأَ: {لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} فَانْتَهَى إِلَى آخِرِهَا {أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى} فَلْيَقُلْ بَلَى وَمَنْ قَرَأَ {وَالْمُرْسَلاتِ} فَبَلَغَ {فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ} فَلْيَقُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ.
وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا قَرَأَ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} قَالَ سُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْلَى.
وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ(1/369)
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَصْحَابِهِ فَقَرَأَ عَلَيْهِمْ سُورَةَ الرَّحْمَنِ مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى آخِرِهَا فَسَكَتُوا فَقَالَ لَقَدْ قَرَأَتُهَا عَلَى الْجِنِّ فَكَانُوا أَحْسَنَ مَرْدُودًا مِنْكُمْ كُنْتُ كُلَّمَا أَتَيْتُ عَلَى قَوْلِهِ {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} قَالُوا وَلَا بِشَيْءٍ مِنْ نِعَمِكَ رَبَّنَا نُكَذِّبُ فَلَكَ الْحَمْدُ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ مروديه وَالدَّيْلَمِيُّ وَابْنُ أَبِي الدُّنْيَا فِي الدُّعَاءِ وَغَيْرُهُمْ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ جِدًّا عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ} الْآيَةَ فَقَالَ: اللَّهُمَّ أَمَرْتَ بِالدُّعَاءِ وَتَكَفَّلْتَ بِالْإِجَابَةِ لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ أَشْهَدُ أَنَّكَ فَرْدٌ أَحَدٌ صَمَدٌ لَمْ تَلِدْ وَلَمْ تُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَكَ كفؤا أَحَدٌ وَأَشْهَدُ أَنَّ وَعْدَكَ حَقٌّ وَلِقَاءَكَ حَقٌّ وَالْجَنَّةَ حَقُّ وَالنَّارَ حَقٌّ وَالسَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّكَ تَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ.
وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ عَنْ وَائِلِ بْنِ حَجَرٍ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ: {وَلا الضَّالِّينَ} فَقَالَ: "آمِينَ " يَمُدُّ بِهَا صَوْتَهُ.
وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ بِلَفْظِ قَالَ: "آمِينَ " ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ بِلَفْظِ: قَالَ: "رَبِّ اغْفِرْ لِي آمِينَ ".
وَأَخْرَجَ أَبُو عُبَيْدٍ عَنْ أَبِي مَيْسَرَةَ أَنَّ جِبْرِيلَ لَقَّنَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ خَاتِمَةِ الْبَقَرَةِ " آمِينَ ".
وَأَخْرَجَ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ أَنَّهُ كَانَ إِذَا خَتَمَ سُورَةَ الْبَقَرَةِ قَالَ: آمِينَ.
قَالَ النَّوَوِيُّ: وَمِنَ الْآدَابِ إِذَا قَرَأَ نَحْوَ {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ}(1/370)
{وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ} أَنْ يَخْفِضَ بِهَا صَوْتَهُ كَذَا كَانَ النَّخَعِيُّ يَفْعَلُ.
مَسْأَلَةٌ
لَا بَأْسَ بِتَكْرِيرِ الْآيَةِ وَتَرْدِيدِهَا رَوَى النَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي ذَرٍّ أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قَامَ بِآيَةٍ يُرَدِّدُهَا حَتَّى أَصْبَحَ: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ} الْآيَةَ.
مَسْأَلَةٌ
يُسْتَحَبُّ الْبُكَاءُ عِنْدَ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَالتَّبَاكِي لِمَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ وَالْحُزْنُ وَالْخُشُوعُ قَالَ تَعَالَى: {وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ} .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ حَدِيثُ قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِيهِ" فَإِذَا عَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ ".
وَفِي الشُّعَبِ لِلْبَيْهَقِيِّ عَنْ سَعْدِ بْنِ مَالِكٍ مَرْفُوعًا: "إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ نَزَلَ بِحُزْنٍ وَكَآبَةٍ فَإِذَا قَرَأْتُمُوهُ فَابْكُوا فَإِنْ لَمْ تَبْكُوا فَتَبَاكُوا".
وَفِيهِ مِنْ مُرْسَلِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه قَالَ: "إِنِّي قَارِئٌ عَلَيْكُمْ سُورَةً فَمَنْ بَكَى فَلَهُ الْجَنَّةُ فَإِنْ لَمْ تَبْكُوا فَتَبَاكُوا " وَفِي مُسْنَدِ أبي يعلى حديث: "اقرؤوا الْقُرْآنَ بِالْحُزْنِ فَإِنَّهُ نَزَلَ بِالْحُزْنِ "(1/371)
وَعِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ: "أَحْسَنُ النَّاسِ قِرَاءَةً مَنْ إِذَا قَرَأَ الْقُرْآنَ يَتَحَزَّنُ بِهِ "
قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: وَطَرِيقُهُ فِي تَحْصِيلِ الْبُكَاءِ أَنْ يَتَأَمَّلَ مَا يَقْرَأُ مِنَ التَّهْدِيدِ وَالْوَعِيدِ الشَّدِيدِ وَالْمَوَاثِيقِ وَالْعُهُودِ ثُمَّ يُفَكِّرُ فِي تَقْصِيرِهِ فِيهَا فَإِنْ لَمْ يَحْضُرْهُ عِنْدَ ذَلِكَ حُزْنٌ وَبُكَاءٌ فَلْيَبْكِ عَلَى فَقْدِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ مِنَ الْمَصَائِبِ.
مَسْأَلَةٌ
يُسَنُّ تَحْسِينُ الصَّوْتِ بِالْقِرَاءَةِ وَتَزْيِينُهَا لِحَدِيثِ ابْنِ حِبَّانَ وَغَيْرِهِ: "زَيِّنُوا الْقُرْآنَ بِأَصْوَاتِكُمْ " وَفِي لَفْظٍ عِنْدَ الدَّارِمِيِّ: "حَسِّنُوا الْقُرْآنَ بِأَصْوَاتِكُمْ فَإِنَّ الصَّوْتَ الْحَسَنَ يَزِيدُ الْقُرْآنَ حُسْنًا "
وَأَخْرَجَ الْبَزَّارُ وَغَيْرُهُ حَدِيثَ: "حُسْنُ الصَّوْتِ زِينَةُ الْقُرْآنِ ".
وَفِي أَحَادِيثَ صَحِيحَةٍ كَثِيرَةٍ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَسَنَ الصَّوْتِ حَسَّنَهُ مَا اسْتَطَاعَ بِحَيْثُ لَا يَخْرُجُ إِلَى حَدِّ التَّمْطِيطِ.
وَأَمَّا الْقِرَاءَةُ بِالْأَلْحَانِ فَنَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهَا وَعَنْ رِوَايَةِ الرَّبِيعِ الْجِيزِيِّ أَنَّهَا مَكْرُوهَةٌ.
قَالَ الرَّافِعِيُّ: قَالَ الْجُمْهُورُ لَيْسَتْ عَلَى قَوْلَيْنِ بَلِ الْمَكْرُوهُ أَنْ يُفَرِّطَ فِي الْمَدِّ وَفِي إِشْبَاعِ الْحَرَكَاتِ حَتَّى يَتَوَلَّدَ مِنَ الْفَتْحَةِ أَلِفٌ وَمِنَ الضَّمَّةِ وَاوٌ وَمِنَ الْكَسْرَةِ يَاءٌ أَوْ يَدْغَمَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الْإِدْغَامِ فَإِنْ لَمْ يَنْتَهِ إِلَى هَذَا الْحَدِّ فَلَا كَرَاهَةَ.
قَالَ فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ: وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْإِفْرَاطَ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ حَرَامٌ يَفْسُقُ بِهِ الْقَارِئُ وَيَأْثَمُ الْمُسْتَمِعُ لِأَنَّهُ عَدَلَ بِهِ عَنْ نَهْجِهِ الْقَوِيمِ. قَالَ: وَهَذَا مُرَادُ الشَّافِعِيِّ بِالْكَرَاهَةِ.(1/372)
قلت: وفيه حديث: "اقرؤوا الْقُرْآنَ بِلُحُونِ الْعَرَبِ وَأَصْوَاتِهَا وَإِيَّاكُمْ وَلُحُونَ أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ وَأَهْلِ الْفِسْقِ فَإِنَّهُ سَيَجِيءُ أَقْوَامٌ يُرَجِّعُونَ بِالْقُرْآنِ تَرْجِيعَ الْغِنَاءِ وَالرَّهْبَانِيَّةِ لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ مَفْتُونَةٌ قُلُوبُهُمْ وَقُلُوبُ مَنْ يُعْجِبُهُمْ شَأْنُهُمْ ". أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ.
قَالَ النَّوَوِيُّ وَيُسْتَحَبُّ طَلَبُ الْقِرَاءَةِ مِنْ حَسَنِ الصَّوْتِ وَالْإِصْغَاءُ إِلَيْهَا لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ وَلَا بَأْسَ بِاجْتِمَاعِ الْجَمَاعَةِ فِي الْقِرَاءَةِ وَلَا بِإِدَارَتِهَا وَهِيَ أَنْ يَقْرَأَ بَعْضُ الْجَمَاعَةِ قِطْعَةً ثُمَّ الْبَعْضُ قِطْعَةً بَعْدَهَا.
مَسْأَلَةٌ
يُسْتَحَبُّ قِرَاءَتُهُ بِالتَّفْخِيمِ لِحَدِيثِ الْحَاكِمِ: "نَزَلَ الْقُرْآنُ بِالتَّفْخِيمِ " قَالَ الْحَلِيمِيُّ: وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ يَقْرَؤُهُ عَلَى قِرَاءَةِ الرِّجَالِ وَلَا يُخْضِعُ الصَّوْتَ فِيهِ كَكَلَامِ النِّسَاءِ. قَالَ: وَلَا يَدْخُلُ فِي هَذَا كَرَاهَةُ الْإِمَالَةِ الَّتِي هِيَ اخْتِيَارُ بَعْضِ الْقُرَّاءِ. وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْقُرْآنُ نَزَلَ بِالتَّفْخِيمِ فَرُخِّصَ مَعَ ذَلِكَ فِي إِمَالَةِ مَا يَحْسُنُ إِمَالَتُهُ.
مَسْأَلَةٌ
وَرَدَتْ أَحَادِيثُ تَقْتَضِي اسْتِحْبَابَ رَفْعِ الصَّوْتِ بِالْقِرَاءَةِ وَأَحَادِيثُ تَقْتَضِي الْإِسْرَارَ وَخَفْضَ الصَّوْتِ فَمِنَ الْأَوَّلِ حَدِيثُ الصَّحِيحَيْنِ: "مَا أَذِنَ اللَّهُ لِشَيْءٍ مَا أَذِنَ لِنَبِيٍّ حَسَنِ الصَّوْتِ يَتَغَنَّى بِالْقُرْآنِ يَجْهَرُ بِهِ ".
وَمِنَ الثَّانِي حَدِيثُ أَبِي دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيِّ: "الْجَاهِرُ بِالْقُرْآنِ كَالْجَاهِرِ بِالصَّدَقَةِ وَالْمُسِرُّ بِالْقُرْآنِ كَالْمُسِرِّ بِالصَّدَقَةِ ".(1/373)
قَالَ النَّوَوِيُّ: وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْإِخْفَاءَ أَفْضَلُ حَيْثُ خَافَ الرِّيَاءَ أَوْ تَأَذَّى مُصَلُّونَ أَوْ نِيَامٌ بِجَهْرِهِ وَالْجَهْرُ أَفْضَلُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ لِأَنَّ الْعَمَلَ فِيهِ أَكْثَرُ وَلِأَنَّ فَائِدَتَهُ تَتَعَدَّى إِلَى السَّامِعِينَ وَلِأَنَّهُ يُوقِظُ قَلْبَ الْقَارِئِ وَيَجْمَعُ هَمَّهُ إِلَى الْفِكْرِ وَيَصْرِفُ سَمْعَهُ إِلَيْهِ وَيَطْرُدُ النَّوْمَ وَيَزِيدُ فِي النَّشَاطِ وَيَدُلُّ لِهَذَا الْجَمْعِ حَدِيثُ أَبِي دَاوُدَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ: اعْتَكَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ فَسَمِعَهُمْ يَجْهَرُونَ بِالْقِرَاءَةِ فَكَشَفَ السِّتْرَ وَقَالَ: "أَلَا إِنَّ كُلَّكُمْ مُنَاجٍ لِرَبِّهِ فَلَا يُؤْذِيَنَّ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَلَا يَرْفَعُ بَعْضُكُمْ عَلَى بعضكم في القراءة ".
وقال بعضهم: يستحب الجهر ببعض القراءة والإسرار ببعضها لأن المسر قد يمل فيأنس بالجهر والجاهر قد يكل فيستريح بالإسرار.
مَسْأَلَةٌ
الْقِرَاءَةُ فِي الْمُصْحَفِ أَفْضَلُ مِنَ الْقِرَاءَةِ مِنْ حِفْظِهِ لِأَنَّ النَّظَرَ فِيهِ عِبَادَةٌ مَطْلُوبَةٌ قَالَ النَّوَوِيُّ هَكَذَا قَالَهُ أَصْحَابُنَا وَالسَّلَفُ أَيْضًا وَلَمْ أَرَ فِيهِ خِلَافًا.
قَالَ: وَلَوْ قِيلَ إِنَّهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ فَيُخْتَارُ الْقِرَاءَةُ فِيهِ لِمَنِ اسْتَوَى خُشُوعُهُ وَتَدَبُّرُهُ فِي حَالَتَيِ الْقِرَاءَةِ فِيهِ وَمِنَ الْحِفْظِ وَيُخْتَارُ الْقِرَاءَةُ مِنَ الْحِفْظِ لِمَنْ يَكْمُلُ بِذَلِكَ خُشُوعُهُ وَيَزِيدُ عَلَى خُشُوعِهِ وَتَدَبُّرِهِ لَوْ قَرَأَ مِنَ الْمُصْحَفِ لَكَانَ هَذَا قَوْلًا حَسَنًا.
قُلْتُ: وَمِنْ أَدِلَّةِ الْقِرَاءَةِ فِي الْمُصْحَفِ مَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ مِنْ حَدِيثِ أَوْسٍ الثَّقَفِيِّ مَرْفُوعًا: "قِرَاءَةُ الرَّجُلِ فِي غَيْرِ الْمُصْحَفِ أَلْفُ دَرَجَةٍ وَقِرَاءَتُهُ فِي الْمُصْحَفِ تُضَاعَفُ أَلْفَيْ دَرَجَةٍ ".(1/374)
وَأَخْرَجَ أَبُو عُبَيْدٍ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ: "فَضْلُ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ نَظَرًا عَلَى مَنْ يَقْرَؤُهُ ظَاهِرًا كَفَضْلِ الْفَرِيضَةِ عَلَى النَّافِلَةِ ".
وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا: "مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُحِبَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَلْيَقْرَأْ فِي الْمُصْحَفِ " وَقَالَ إِنَّهُ مُنْكَرٌ.
وَأَخْرَجَ بِسَنَدٍ حَسَنٍ مَوْقُوفًا: "أَدِيمُوا النَّظَرَ فِي الْمُصْحَفِ ".
وَحَكَى الزَّرْكَشِيُّ فِي الْبُرْهَانِ مَا بَحَثَهُ النَّوَوِيُّ قَوْلًا وَحَكَى مَعَهُ قَوْلًا ثَالِثًا: إِنَّ الْقِرَاءَةَ مِنَ الْحِفْظِ أَفْضَلُ مُطْلَقًا وَإِنَّ ابْنَ عَبْدِ السَّلَامِ اخْتَارَهُ لِأَنَّ فِيهِ مِنَ التَّدَبُّرِ مَا لَا يَحْصُلُ بِالْقِرَاءَةِ فِي الْمُصْحَفِ.
مَسْأَلَةٌ
قَالَ فِي التِّبْيَانِ: إِذَا أُرْتِجَ عَلَى الْقَارِئِ فَلَمْ يَدْرِ مَا بَعْدَ الْمَوْضِعِ الَّذِي انْتَهَى إِلَيْهِ فَسَأَلَ عَنْهُ غَيْرَهُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَتَأَدَّبَ بِمَا جَاءَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَالنَّخَعِيِّ وَبَشِيرِ بْنِ أَبِي مَسْعُودٍ قَالُوا: إِذَا سَأَلَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ عَنْ آيَةٍ فَلْيَقْرَأْ مَا قَبْلَهَا ثُمَّ يَسْكُتُ وَلَا يَقُولُ كَيْفَ كَذَا وَكَذَا فَإِنَّهُ يُلَبِّسُ عَلَيْهِ. انْتَهَى.
وَقَالَ ابْنُ مُجَاهِدٍ: إِذَا شَكَّ الْقَارِئُ فِي حَرْفٍ: هَلْ بِالتَّاءِ أَوْ بِالْيَاءِ؟ فَلْيَقْرَأْهُ بِالْيَاءِ فَإِنَّ الْقُرْآنَ مُذَكَّرٌ وَإِنْ شَكَّ فِي حَرْفٍ: هَلْ هُوَ مَهْمُوزٌ أَوْ غَيْرُ مَهْمُوزٍ؟ فَلْيَتْرُكِ الْهَمْزَ وَإِنْ شَكَّ فِي حِرَفٍ: هَلْ يَكُونُ مَوْصُولًا أَوْ مَقْطُوعًا؟(1/375)
فَلْيَقْرَأْ بِالْوَصْلِ وَإِنْ شَكَّ فِي حَرْفٍ: هَلْ هُوَ مَمْدُودٌ أَوْ مَقْصُورٌ؟ فَلْيَقْرَأْ بِالْقَصْرِ وَإِنْ شَكَّ فِي حَرْفٍ: هَلْ هُوَ مَفْتُوحٌ أَوْ مَكْسُورٌ؟ فَلْيَقْرَأْ بِالْفَتْحِ لِأَنَّ الْأَوَّلَ غَيْرُ لَحْنٍ فِي مَوْضِعٍ وَالثَّانِي لَحْنٌ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ.
قُلْتُ: أَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: إِذَا اخْتَلَفْتُمْ فِي يَاءٍ وَتَاءٍ فَاجْعَلُوهَا يَاءً ذَكِّرُوا الْقُرْآنَ. فَفَهِمَ مِنْهُ ثَعْلَبٌ أَنَّ مَا احْتُمِلَ تَذْكِيرُهُ وَتَأْنِيثُهُ كَانَ تَذْكِيرُهُ أَجْوَدَ. وَرُدَّ بِأَنَّهُ يَمْتَنِعُ إِرَادَةُ تَذْكِيرِ غَيْرِ الْحَقِيقِيِّ التَّأْنِيثِ لِكَثْرَةِ مَا فِي الْقُرْآنِ مِنْهُ بِالتَّأْنِيثِ نَحْوُ {النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ} {وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ} {قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ} وإذ امْتَنَعَ إِرَادَةُ غَيْرِ الْحَقِيقِيِّ فَالْحَقِيقِيُّ أَوْلَى قَالُوا وَلَا يَسْتَقِيمُ إِرَادَةُ أَنَّ مَا احْتَمَلَ التَّذْكِيرَ وَالتَّأْنِيثَ غَلَبَ فِيهِ التَّذْكِيرُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ} {أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ} فَأَنَّثَ مَعَ جَوَازِ التَّذْكِيرِ قَالَ تَعَالَى {أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ} {مِنَ الشَّجَرِ الأَخْضَرِ} .
قَالُوا فَلَيْسَ الْمُرَادُ مَا فُهِمَ بَلِ الْمُرَادُ بِ ذَكِّرُوا الْمَوْعِظَةَ وَالدُّعَاءَ كَمَا قَالَ تَعَالَى {فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ} إِلَّا أَنَّهُ حَذَفَ الْجَارَ وَالْمَقْصُودُ ذَكِّرُوا النَّاسَ بِالْقُرْآنِ أَيِ ابْعَثُوهُمْ عَلَى حِفْظِهِ كَيْلَا يَنْسَوْهُ.
قُلْتُ: أَوَّلُ الْأَثَرِ يَأْبَى هَذَا الْحَمْلَ.
وَقَالَ الْوَاحِدِيُّ: الْأَمْرُ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ ثَعْلَبٌ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ إِذَا احْتَمَلَ اللَّفْظُ التَّذْكِيرَ وَالتَّأْنِيثَ وَلَمْ يُحْتَجْ فِي التَّذْكِيرِ إِلَى مُخَالَفَةِ الْمُصْحَفِ ذُكِّرَ نَحْوُ(1/376)
{وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ} قَالَ وَيَدُلُّ عَلَى إِرَادَةِ هَذَا أَنَّ أَصْحَابَ عَبْدِ اللَّهِ مِنْ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ كَحَمْزَةَ وَالْكِسَائِيِّ ذَهَبُوا إلى هذا فقرؤوا ما كل مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ بِالتَّذْكِيرِ نَحْوُ {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ} وَهَذَا فِي غَيْرِ الْحَقِيقِيِّ.
مَسْأَلَةٌ
يُكْرَهُ قَطْعُ الْقِرَاءَةِ لِمُكَالَمَةِ أَحَدٍ قَالَ الْحَلِيمِيُّ لِأَنَّ كَلَامَ اللَّهِ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُؤْثَرَ عَلَيْهِ كَلَامُ غَيْرِهِ.
وَأَيَّدَهُ الْبَيْهَقِيُّ بِمَا فِي الصَّحِيحِ كَانَ ابْنُ عُمَرَ إِذَا قَرَأَ الْقُرْآنَ لَمْ يَتَكَلَّمْ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْهُ.
وَيُكْرَهُ أَيْضًا الضَّحِكُ وَالْعَبَثُ وَالنَّظَرُ إِلَى مَا يُلْهِي.
مَسْأَلَةٌ
وَلَا يَجُوزُ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ بِالْعَجَمِيَّةِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ أَحْسَنَ الْعَرَبِيَّةَ أَمْ لَا فِي الصَّلَاةِ أَمْ خَارِجِهَا. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَجُوزُ مُطْلَقًا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ لِمَنْ لَا يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ لَكِنْ فِي شَارِحِ الْبَزْدَوِيِّ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ وَوَجْهُ الْمَنْعِ أَنَّهُ يُذْهِبُ إِعْجَازَهُ الْمَقْصُودَ مِنْهُ.
وَعَنِ الْقَفَّالِ مِنْ أَصْحَابِنَا إِنَّ الْقِرَاءَةَ بِالْفَارِسِيَّةِ لَا تُتَصَوَّرُ قِيلَ لَهُ:(1/377)
فَإِذَنْ لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يُفَسِّرَ الْقُرْآنَ قَالَ: لَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّ هُنَاكَ يَجُوزُ أَنْ يَأْتِيَ بِبَعْضِ مُرَادِ اللَّهِ وَيَعْجِزَ عَنِ الْبَعْضِ أَمَّا إِذَا أَرَادَ أَنْ يَقْرَأَهُ بِالْفَارِسِيَّةِ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَأْتِيَ بِجَمِيعِ مُرَادِ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ التَّرْجَمَةَ إِبْدَالُ لَفْظَةٍ بِلَفْظَةٍ تَقُومُ مَقَامَهَا وَذَلِكَ غَيْرُ مُمْكِنٍ بِخِلَافِ التَّفْسِيرِ.
مَسْأَلَةٌ
لَا تَجُوزُ الْقِرَاءَةُ بِالشَّاذِّ نَقَلَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ الْإِجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ لَكِنْ ذكر موهوب الْجَزَرِيُّ جَوَازَهَا فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ قِيَاسًا عَلَى رِوَايَةِ الْحَدِيثِ بِالْمَعْنَى.
مَسْأَلَةٌ
الْأَوْلَى أَنْ يَقْرَأَ عَلَى تَرْتِيبِ الْمُصْحَفِ قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: لِأَنَّ تَرْتِيبَهُ لِحِكْمَةٍ فَلَا يَتْرُكُهَا إِلَّا فِيمَا وَرَدَ فِيهِ الشَّرْعُ كَصَلَاةِ صُبْحِ يَوْمِ الْجُمُعَةَ بألم تنزيل وهل أَتَى وَنَظَائِرِهِ فَلَوْ فَرَّقَ السُّوَرَ أَوْ عَكَسَهَا جَازَ وَتَرَكَ الْأَفْضَلَ. قَالَ: وَأَمَّا قِرَاءَةُ السُّورَةِ مِنْ آخِرِهَا إِلَى أَوَّلِهَا فَمُتَّفَقٌ عَلَى مَنْعِهِ لِأَنَّهُ يُذْهِبُ بَعْضَ نَوْعِ الْإِعْجَازِ وَيُزِيلُ حِكْمَةَ التَّرْتِيبِ.
قُلْتُ: وَفِيهِ أَثَرٌ أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ مَنْكُوسًا قَالَ: ذَاكَ مَنْكُوسُ الْقَلْبِ.
وَأَمَّا خَلْطُ سُورَةٍ بِسُورَةٍ فَعَدَّ الْحَلِيمِيُّ تَرْكَهُ مِنَ الْآدَابِ لِمَا أَخْرَجَهُ أَبُو عُبَيْدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَسَلَّمَ مَرَّ بِبِلَالٍ(1/378)
وَهُوَ يَقْرَأُ مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ وَمِنْ هَذِهِ السُّورَةِ فَقَالَ: يَا بِلَالُ مَرَرْتُ بِكَ وَأَنْتَ تَقْرَأُ مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ وَمِنْ هَذِهِ لسورة قال: خلطت الطَّيِّبَ بِالطَّيِّبِ فَقَالَ: "اقْرَأِ السُّورَةَ عَلَى وَجْهِهَا - أَوْ قَالَ - عَلَى نَحْوِهَا " مُرْسَلٌ صَحِيحٌ وَهُوَ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ مَوْصُولٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِدُونِ آخِرِهِ.
وَأَخْرَجَهُ أَبُو عُبَيْدٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عُمَرَ مَوْلَى غُفْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِبِلَالٍ: "إِذَا قَرَأْتَ السُّورَةَ فَأَنْفِذْهَا.
وَقَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاذٌ عَنِ ابْنِ عَوْنٍ قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ سِيرِينَ عَنِ الرَّجُلِ يَقْرَأُ مِنَ السُّورَةِ آيَتَيْنِ ثُمَّ يَدَعُهَا وَيَأْخُذُ فِي غيرها وقال: لِيَتَّقِ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْثَمَ إِثْمًا كَبِيرًا وَهُوَ لَا يَشْعُرُ.
وَأَخْرَجَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: إِذَا ابْتَدَأْتَ فِي سُورَةٍ فَأَرَدْتَ أَنْ تَتَحَوَّلَ مِنْهَا إِلَى غَيْرِهَا فَتَحَوَّلْ إِلَى {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} فَإِذَا ابْتَدَأَتْ فِيهَا فَلَا تَتَحَوَّلْ مِنْهَا حَتَّى تَخْتِمَهَا.
وَأَخْرَجَ عَنِ ابْنِ أَبِي الْهُذَيْلِ قَالَ كَانُوا يَكْرَهُونَ أَنْ يقرؤوا بَعْضَ الْآيَةِ وَيَدَعُوا بَعْضَهَا.
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الْأَمْرُ عِنْدَنَا عَلَى كَرَاهَةِ قِرَاءَةِ الْآيَاتِ الْمُخْتَلِفَةِ كَمَا أَنْكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى بِلَالٍ وَكَمَا كَرِهَهُ ابْنُ سِيرِينَ.
وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ فَوَجْهُهُ عِنْدِي أَنْ يَبْتَدِئَ الرَّجُلُ فِي السُّورَةِ يُرِيدُ إِتْمَامَهَا ثُمَّ يَبْدُو لَهُ فِي أُخْرَى فَأَمَّا مَنِ ابْتَدَأَ الْقِرَاءَةَ وَهُوَ يُرِيدُ التَّنَقُّلَ مِنْ آيَةٍ إِلَى آيَةٍ وَتَرَكَ التَّأْلِيفَ لِآيِ الْقُرْآنِ فَإِنَّمَا يَفْعَلُهُ مَنْ لَا عِلْمَ لَهُ لِأَنَّ اللَّهَ لَوْ شَاءَ لَأَنْزَلَهُ عَلَى ذَلِكَ
انْتَهَى.(1/379)
وَقَدْ نَقَلَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْإِجْمَاعَ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ قِرَاءَةِ آيَةً آيَةً مِنْ كُلِّ سُورَةٍ.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَأَحْسَنُ مَا يَحْتَجُّ بِهِ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ هَذَا التَّأْلِيفَ لِكِتَابِ اللَّهِ مَأْخُوذٌ مِنْ جِهَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَخَذَهُ عَنْ جِبْرِيلَ فَالْأَوْلَى لِلْقَارِئِ أَنْ يَقْرَأَهُ عَلَى التَّأْلِيفِ الْمَنْقُولِ وَقَدْ قَالَ ابْنُ سِيرِينَ تَأْلِيفُ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ تَأْلِيفِكُمْ.
مَسْأَلَةٌ
قَالَ الْحَلِيمِيُّ: يُسَنُّ اسْتِيفَاءُ كُلِّ حَرْفٍ أَثْبَتَهُ قَارِئٌ لِيَكُونَ قَدْ أَتَى عَلَى جَمِيعِ مَا هُوَ قُرْآنٌ. وَقَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ وَالنَّوَوِيُّ إِذَا ابْتَدَأَ بِقِرَاءَةِ أَحَدٍ مِنَ الْقُرَّاءِ فَيَنْبَغِي أَلَّا يُزَادَ عَلَى تِلْكَ الْقِرَاءَةِ مَا دَامَ الْكَلَامُ مُرْتَبِطًا فَإِذَا انْقَضَى ارْتِبَاطُهُ فَلَهُ أَنْ يَقْرَأَ بِقِرَاءَةٍ أُخْرَى وَالْأَوْلَى دَوَامُهُ عَلَى الْأُولَى فِي هَذَا الْمَجْلِسِ.
وَقَالَ غَيْرُهُمَا بِالْمَنْعِ مُطْلَقًا.
قَالَ ابْنُ الْجَزَرِيِّ: وَالصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ: إِنْ كَانَتْ إِحْدَى الْقِرَاءَتَيْنِ مُرَتَّبَةً عَلَى الْأُخْرَى مُنِعَ ذَلِكَ مَنْعَ تَحْرِيمٍ كَمَنْ يَقْرَأُ {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ} بِرَفْعِهِمَا أَوْ نَصْبِهِمَا أَخَذَ رَفْعَ "آدَمُ" مِنْ قِرَاءَةِ غَيْرِ ابْنِ كَثِيرٍ وَرَفْعَ "كَلِمَاتٍ" مِنْ قِرَاءَتِهِ وَنَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَجُوزُ فِي الْعَرَبِيَّةِ وَاللُّغَةِ وَمَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَرَّقَ فِيهِ بَيْنَ مَقَامِ الرِّوَايَةِ وَغَيْرِهَا فَإِنْ كَانَ عَلَى سَبِيلِ الرِّوَايَةِ حَرُمَ أَيْضًا لِأَنَّهُ كَذِبٌ فِي الرِّوَايَةِ وَتَخْلِيطٌ وَإِنْ كَانَ عَلَى سَبِيلِ التِّلَاوَةِ جَازَ.(1/380)
مَسْأَلَةٌ
يُسَنُّ الِاسْتِمَاعُ لِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَتَرْكُ اللَّغَطِ وَالْحَدِيثِ بِحُضُورِ الْقِرَاءَةِ قَالَ تَعَالَى {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ} .
مَسْأَلَةٌ
يُسَنُّ السُّجُودُ عِنْدَ قِرَاءَةِ آيَةِ السَّجْدَةِ وَهِيَ أَرْبَعَ عَشَرَةَ فِي الْأَعْرَافِ وَالرَّعْدِ وَالنَّحْلِ وَالْإِسْرَاءِ وَمَرْيَمَ وَفِي الْحَجِّ سَجْدَتَانِ وَالْفُرْقَانِ وَالنَّمْلِ وَ {الم تَنْزِيلُ} وَفُصِّلَتْ وَالنَّجْمِ وَ {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} وَ {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} وَأَمَّا ص فَمُسْتَحَبَّةٌ وَلَيْسَتْ مِنْ عَزَائِمِ السُّجُودِ أَيْ مُتَأَكِّدَاتِهِ وَزَادَ بَعْضُهُمْ آخِرَ الْحِجْرِ نَقَلَهُ ابْنُ الْفَرَسِ فِي أَحْكَامِهِ.
مَسْأَلَةٌ
قَالَ النَّوَوِيُّ: الْأَوْقَاتُ الْمُخْتَارَةُ لِلْقِرَاءَةِ أَفْضَلُهَا مَا كَانَ فِي الصَّلَاةِ ثُمَّ اللَّيْلُ ثُمَّ نِصْفُهُ الْأَخِيرُ وَهِيَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ مَحْبُوبَةٌ وَأَفْضَلُ النَّهَارِ بَعْدَ الصُّبْحِ وَلَا تُكْرَهُ فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَوْقَاتِ لِمَعْنًى فِيهِ وَأَمَّا مَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ عَنْ مُعَاذِ بْنِ رِفَاعَةَ عَنْ مَشَايِخِهِ،: أَنَّهُمْ كَرِهُوا الْقِرَاءَةَ بَعْدَ الْعَصْرِ – وَقَالُوا: هُوَ دِرَاسَةُ يَهُودَ - فَغَيْرُ مَقْبُولٍ وَلَا أَصْلَ لَهُ.
وَيُخْتَارُ مِنَ الْأَيَّامِ يَوْمُ عَرَفَةَ ثُمَّ الْجُمُعَةِ ثُمَّ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ.
وَمِنَ الْأَعْشَارِ الْعَشْرُ الْأَخِيرُ مِنْ رَمَضَانَ وَالْأُوَلُ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ وَمِنَ الشُّهُورِ رَمَضَانَ.(1/381)
وَيُخْتَارُ لِابْتِدَائِهِ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ وَلِخَتْمِهِ لَيْلَةَ الْخَمِيسِ فَقَدْ رَوَى ابْنُ أَبِي دَاوُدَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ أَنَّهُ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ.
وَالْأَفْضَلُ الْخَتْمُ أَوَّلَ النَّهَارِ أَوْ أَوَّلَ اللَّيْلِ لِمَا رَوَاهُ الدَّارِمِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ إِذَا وَافَقَ خَتْمُ الْقُرْآنِ أَوَّلَ اللَّيْلِ صَلَّتْ عَلَيْهِ الْمَلَائِكَةُ حَتَّى يُصْبِحَ وَإِنْ وَافَقَ خَتْمُهُ أَوَّلَ النَّهَارِ صَلَّتْ عَلَيْهِ الْمَلَائِكَةُ حَتَّى يُمْسِيَ، قَالَ فِي الْإِحْيَاءِ وَيَكُونُ الْخَتْمُ أَوَّلَ النَّهَارِ فِي رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ وَأَوَّلَ اللَّيْلِ فِي رَكْعَتَيْ سُنَّةِ الْمَغْرِبِ.
مسألة
وَعَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ يُسْتَحَبُّ الْخَتْمُ فِي الشِّتَاءِ أَوَّلَ اللَّيْلِ وَفِي الصَّيْفِ أَوَّلَ النَّهَارِ.
مَسْأَلَةٌ
يُسَنُّ صَوْمُ يَوْمِ الْخَتْمِ أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ التَّابِعِينَ وَأَنْ يَحْضُرَ أَهْلُهُ وَأَصْدِقَاؤُهُ. أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ كَانَ إِذَا خَتَمَ الْقُرْآنَ جَمَعَ أَهْلَهُ وَدَعَا.
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ قَالَ: أَرْسَلَ إِلَيَّ مُجَاهِدٌ وَعِنْدَهُ ابْنُ أبي أمامة وَقَالَا: إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَيْكَ لِأَنَّا أَرَدْنَا أَنْ نَخْتِمَ الْقُرْآنَ وَالدُّعَاءُ يُسْتَجَابُ عِنْدَ خَتْمِ الْقُرْآنِ.
وَأَخْرَجَ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ كَانُوا يَجْتَمِعُونَ عِنْدَ خَتْمِ الْقُرْآنِ وَيَقُولُ عِنْدَهُ تُنَزَّلُ الرَّحْمَةُ.(1/382)
مَسْأَلَةٌ
يُسْتَحَبُّ التَّكْبِيرُ مِنَ الضُّحَى إِلَى آخِرِ الْقُرْآنِ وَهِيَ قِرَاءَةُ الْمَكِّيِّينَ. أَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ وَابْنُ خُزَيْمَةَ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي بَزَّةَ سَمِعْتُ عِكْرِمَةَ بْنَ سُلَيْمَانَ قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمَكِّيِّ فَلَمَّا بَلَغْتُ الضُّحَى قَالَ: كَبِّرْ حَتَّى تَخْتِمَ فَإِنِّي قَرَأْتُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَثِيرٍ فَأَمَرَنِي بِذَلِكَ وَقَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مُجَاهِدٍ فَأَمَرَنِي بِذَلِكَ وَأَخْبَرَنِي مُجَاهِدٌ أَنَّهُ قَرَأَ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَأَمْرَهُ بِذَلِكَ.
وَأَخْبَرَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَرَأَ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ فَأَمَرَهُ بِذَلِكَ. كَذَا أَخْرَجْنَاهُ مَوْقُوفًا.
ثُمَّ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ ابْنِ بَزَّةَ مَرْفُوعًا.
وَأَخْرَجَهُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ أَعْنِي الْمَرْفُوعَ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ وَصَحَّحَهُ وَلَهُ طُرُقٌ كَثِيرَةٌ عَنِ الْبَزِّيِّ.
وَعَنْ مُوسَى بْنِ هَارُونَ قَالَ: قَالَ لِي الْبَزِّيُّ: قَالَ لِي مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ: إِنْ تَرَكْتَ التَّكْبِيرَ فَقَدْتَ سُنَّةً مِنْ سُنَنِ نَبِيِّكَ قَالَ الْحَافِظُ عِمَادُ الدِّينِ بْنُ كَثِيرٍ: وَهَذَا يَقْتَضِي تَصْحِيحَهُ لِلْحَدِيثِ.
وَرَوَى أَبُو الْعَلَاءِ الْهَمْدَانِيُّ عَنِ الْبَزِّيِّ أَنَّ الْأَصْلَ فِي ذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْقَطَعَ عَنْهُ الْوَحْيُ فقال المشركون: قلا مُحَمَّدًا رَبُّهُ فَنَزَلَتْ سُورَةُ الضُّحَى فَكَبَّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: وَلَمْ يُرْوَ ذَلِكَ بِإِسْنَادٍ يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِصِحَّةٍ وَلَا ضَعْفٍ.
وَقَالَ الْحَلِيمِيُّ: نُكْتَةُ التَّكْبِيرِ التَّشْبِيهُ لِلْقِرَاءَةِ بِصَوْمِ رَمَضَانَ إِذَا أَكْمَلَ عِدَّتَهُ يُكَبِّرُ فَكَذَا هُنَا يُكَبِّرُ إِذَا أَكْمَلَ عِدَّةَ السُّورَةِ. قَالَ: وَصِفَتُهُ أَنْ يَقِفَ بَعْدَ كُلِّ سُورَةٍ وَقْفَةً وَيَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ.(1/383)
وَكَذَا قَالَ سُلَيْمٌ الرَّازِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا فِي تَفْسِيرِهِ: يُكَبِّرُ بَيْنَ كُلِّ سُورَتَيْنِ تَكْبِيرَةً وَلَا يَصِلُ آخِرَ السُّورَةِ بِالتَّكْبِيرِ بَلْ يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا بِسَكْتَةٍ. قَالَ: وَمَنْ لَا يُكَبِّرُ مِنَ الْقُرَّاءِ حُجَّتُهُمْ أَنَّ فِي ذَلِكَ ذَرِيعَةً إِلَى الزِّيَادَةِ فِي الْقُرْآنِ بِأَنْ يُدَاوَمَ عَلَيْهِ فتوهم أَنَّهُ مِنْهُ.
وَفِي النَّشْرِ: اخْتَلَفَ الْقُرَّاءُ فِي ابْتِدَائِهِ هَلْ هُوَ مِنْ أَوَّلِ الضُّحَى أَوْ مِنْ آخِرِهَا؟ وَفِي انْتِهَائِهِ: هَلْ هُوَ أَوَّلُ سُورَةِ النَّاسِ أَوْ آخِرُهَا؟ وَفِي وَصْلِهِ بِأَوَّلِهَا أَوْ آخِرِهَا وَقَطْعِهِ وَالْخِلَافُ فِي الْكُلِّ مَبْنِيٌّ عَلَى أَصْلٍ وَهُوَ أَنَّهُ: هَلْ هُوَ لِأَوَّلِ السُّورَةِ أَوْ لِآخِرِهَا وَفِي لَفْظِهِ فَقِيلَ: اللَّهُ أَكْبَرُ وَقِيلَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ وَسَوَاءٌ فِي التَّكْبِيرِ فِي الصَّلَاةِ وَخَارِجِهَا صَرَّحَ بِهِ السَّخَاوِيُّ وَأَبُو شَامَةَ.
مَسْأَلَةٌ
يُسَنُّ الدُّعَاءُ عَقِبَ الْخَتْمِ لِحَدِيثِ الطَّبَرَانِيِّ وَغَيْرِهِ عَنِ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ مَرْفُوعًا: "مَنْ خَتَمَ الْقُرْآنَ فَلَهُ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ ".
وَفِي الشُّعَبِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ مَرْفُوعًا: "مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ وَحَمِدَ الرَّبَّ وَصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ فَقَدْ طَلَبَ الْخَيْرَ مَكَانَهُ ".
مَسْأَلَةٌ
يُسَنُّ إِذَا فَرِغَ مِنَ الْخَتْمَةِ أَنْ يَشْرَعَ فِي أُخْرَى عَقِبَ الْخَتْمِ لِحَدِيثِ التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ: "أَحَبُّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ الْحَالُّ الْمُرْتَحِلُ الَّذِي يَضْرِبُ مِنْ أَوَّلِ الْقُرْآنِ إِلَى آخِرِهِ كُلَّمَا حَلَّ ارْتَحَلَ ".
وَأَخْرَجَ الدَّارِمِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا قَرَأَ {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} افْتَتَحَ(1/384)
مِنَ الْحَمْدِ ثُمَّ قَرَأَ مِنَ الْبَقَرَةِ إِلَى: {أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} ، ثُمَّ دَعَا بِدُعَاءِ الْخَتْمَةِ ثُمَّ قَامَ.
مَسْأَلَةٌ
عَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ مَنَعَ مِنْ تَكْرِيرِ سُورَةِ الْإِخْلَاصِ عِنْدَ الْخَتْمِ لَكِنَّ عَمَلَ النَّاسِ عَلَى خِلَافِهِ. قَالَ بَعْضُهُمْ: وَالْحِكْمَةُ فِيهِ مَا وَرَدَ أَنَّهَا تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ فَيَحْصُلُ بِذَلِكَ خَتْمَةٌ.
فَإِنْ قِيلَ: فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ تُقْرَأَ أَرْبَعًا لِيَحْصُلَ لَهُ خَتْمَتَانِ!.
قُلْنَا: الْمَقْصُودُ أَنْ يَكُونَ عَلَى يَقِينٍ مِنْ حُصُولِ خَتْمَةٍ إِمَّا الَّتِي قَرَأَهَا وَإِمَّا الَّتِي حَصَلَ ثَوَابُهَا بِتَكْرِيرِ السُّورَةِ. انْتَهَى.
قُلْتُ: وَحَاصِلُ ذَلِكَ يَرْجِعُ إِلَى جَبْرِ مَا لَعَلَّهُ حَصَلَ فِي الْقِرَاءَةِ مِنْ خَلَلٍ وَكَمَا قَاسَ الْحَلِيمِيُّ التَّكْبِيرَ عِنْدَ الْخَتْمِ عَلَى التَّكْبِيرِ عِنْدَ إِكْمَالِ رَمَضَانَ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَاسَ تَكْرِيرُ سُورَةِ الْإِخْلَاصِ عَلَى إِتْبَاعِ رَمَضَانَ بِسِتٍّ مِنْ شَوَّالَ.
مَسْأَلَةٌ
يُكْرَهُ اتِّخَاذُ الْقُرْآنِ مَعِيشَةً يُتَكَسَّبُ بِهَا. وَأَخْرَجَ الْآجُرِّيُّ مِنْ حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ مَرْفُوعًا: "مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فَلْيَسْأَلِ اللَّهَ بِهِ فَإِنَّهُ سيأتي قوم يقرؤون الْقُرْآنَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ بِهِ ".
وَرَوَى الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ الْكَبِيرِ بِسَنَدٍ صَالِحٍ حَدِيثَ: "مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ عِنْدَ ظَالِمٍ لِيَرْفَعَ مِنْهُ لُعِنَ بِكُلِّ حِرَفٍ عَشْرَ لَعَنَاتٍ ".(1/385)
مَسْأَلَةٌ
يُكْرَهُ أَنْ يَقُولَ: نَسِيتُ آيَةَ كَذَا بَلْ أُنْسِيتُهَا لِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ فِي النَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ.
مَسْأَلَةٌ
الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ عَلَى وُصُولِ ثَوَابِ الْقِرَاءَةِ لِلْمَيِّتِ وَمَذْهَبُنَا خِلَافُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} .
فَصْلٌ فِي الِاقْتِبَاسِ وَمَا جَرَى مَجْرَاهُ
الِاقْتِبَاسُ تَضْمِينُ الشِّعْرِ أَوِ النَّثْرِ بَعْضَ الْقُرْآنِ لَا عَلَى أَنَّهُ مِنْهُ بِأَلَّا يُقَالَ فِيهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَنَحْوُهُ فَإِنَّ ذَلِكَ حِينَئِذٍ لَا يَكُونُ اقْتِبَاسًا. وَقَدِ اشْتُهِرَ عَنِ الْمَالِكِيَّةِ تَحْرِيمُهُ وَتَشْدِيدُ النَّكِيرِ عَلَى فَاعِلِهِ وَأَمَّا أَهْلُ مَذْهَبِنَا فَلَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ الْمُتَقَدِّمُونَ وَلَا أَكْثَرُ الْمُتَأَخِّرِينَ مَعَ شُيُوعِ الِاقْتِبَاسِ فِي أَعْصَارِهِمْ وَاسْتِعْمَالِ الشُّعَرَاءِ لَهُ قَدِيمًا وَحَدِيثًا. وَقَدْ تَعَرَّضَ لَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ فَسُئِلَ عَنْهُ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ ابن عَبْدِ السَّلَامِ فَأَجَازَهُ وَاسْتَدَلَّ لَهُ بِمَا وَرَدَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَوْلِهِ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا: "وَجَّهْتُ وَجْهِيَ: "إِلَى آخِرِهِ وَقَوْلِهِ: "اللَّهُمَّ فَالِقَ الْإِصْبَاحِ وَجَاعِلَ اللَّيْلِ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانَا اقْضِ عَنِّي الدَّيْنَ وَأَغْنِنِي مِنَ الْفَقْرِ ".
وَفِي سِيَاقِ كَلَامٍ لِأَبِي بَكْرٍ: {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} .(1/386)
وَفِي آخِرِ حَدِيثٍ لِابْنِ عُمَرَ: "قَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ". انْتَهَى.
وَهَذَا كُلُّهُ إِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِهِ فِي مقام الموعظ وَالثَّنَاءِ وَالدُّعَاءِ وَفِي النَّثْرِ لَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى جَوَازِهِ فِي الشِّعْرِ وَبَيْنَهُمَا فَرْقٌ فَإِنَّ الْقَاضِيَ أَبَا بَكْرٍ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ صَرَّحَ بِأَنَّ تَضْمِينَهُ فِي الشِّعْرِ مَكْرُوهٌ وَفِي النَّثْرِ جَائِزٌ.
وَاسْتَعْمَلَهُ أَيْضًا فِي النَّثْرِ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي مَوَاضِعَ مِنْ خُطْبَةِ الشِّفَا.
وَقَالَ الشَّرَفُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ الْمُقْرِئِ الْيَمَنِيُّ صَاحِبُ مُخْتَصَرِ الرَّوْضَةِ فِي شَرْحِ بَدِيعِيَّتِهِ: مَا كَانَ مِنْهُ فِي الْخُطَبِ وَالْمَوَاعِظِ وَمَدْحِهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم وآله وصحبه وَلَوْ فِي النَّظْمِ فَهُوَ مَقْبُولٌ؟ وَغَيْرُهُ مَرْدُودٌ.
وَفِي شَرْحِ بَدِيعِيَّةِ ابْنِ حُجَّةَ: الِاقْتِبَاسُ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: مَقْبُولٌ، وَمُبَاحٌ، وَمَرْدُودٌ.
فَالْأَوَّلُ: مَا كَانَ فِي الْخُطَبِ وَالْمَوَاعِظِ وَالْعُهُودِ.
وَالثَّانِي: مَا كَانَ فِي الْقَوْلِ وَالرَّسَائِلِ وَالْقِصَصِ.
وَالثَّالِثُ: عَلَى ضَرْبَيْنِ أَحَدُهُمَا مَا نَسَبَهُ اللَّهُ إِلَى نَفْسِهِ - وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِمَّنْ يَنْقُلُهُ إِلَى نَفْسِهِ كَمَا قِيلَ عَنْ أَحَدِ بَنِي مَرْوَانَ أَنَّهُ وَقَّعَ عَلَى مُطَالَعَةٍ فِيهَا شِكَايَةُ عُمَّالِهِ: {إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ} - وَالْآخَرُ تَضْمِينُ آيَةٍ فِي مَعْنَى هَزْلٍ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ ذَلِكَ، كقوله:
أوحى إِلَى عُشَّاقِهِ طَرْفَهُ
هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ
وَرِدْفُهُ يَنْطِقُ مِنْ خَلْفِهِ
لِمِثْلِ ذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ
قُلْتُ: وَهَذَا التَّقْسِيمُ حَسَنٌ جِدًّا وَبِهِ أَقُولُ.(1/387)
وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَاجُ الدِّينِ بْنُ السُّبْكِيِّ فِي طَبَقَاتِهِ فِي تَرْجَمَةِ الْإِمَامِ أَبِي مَنْصُورٍ عَبْدِ الْقَاهِرِ بْنِ الطَّاهِرِ التَّمِيمِيِّ الْبَغْدَادِيِّ مِنْ كِبَارِ الشَّافِعِيَّةِ وَأَجِلَّائِهِمْ أَنَّ مِنْ شِعْرِهِ قَوْلَهُ:
يَا من عدا ثُمَّ اعْتَدَى ثُمَّ اقْتَرَفْ
ثُمَّ انْتَهَى ثُمَّ ارْعَوَى ثُمَّ اعْتَرَفْ
أَبْشِرْ بِقَوْلِ اللَّهِ فِي آيَاتِهِ:
إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفْ
وَقَالَ: اسْتِعْمَالُ مِثْلِ الْأُسْتَاذِ أَبِي مَنْصُورٍ مِثْلَ هَذَا الِاقْتِبَاسِ فِي شِعْرِهِ لَهُ فَائِدَةٌ فَإِنَّهُ جَلِيلُ الْقَدْرِ وَالنَّاسُ يَنْهَوْنَ عَنْ هَذَا وَرُبَّمَا أَدَّى بَحْثُ بَعْضِهِمْ إِلَى أَنَّهُ يَجُوزُ.
وَقِيلَ: إِنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا يَفْعَلُهُ مِنَ الشُّعَرَاءِ الَّذِينَ هُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ وَيَثِبُونَ عَلَى الْأَلْفَاظِ وَثْبَةَ مَنْ لَا يُبَالِي وَهَذَا الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ مِنْ أَئِمَّةِ الدِّينِ وَقَدْ فَعَلَ هَذَا وَأَسْنَدَ عَنْهُ هَذَيْنِ الْبَيْتَيْنِ الْأُسْتَاذُ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ عَسَاكِرَ.
قُلْتُ: لَيْسَ هَذَانِ الْبَيْتَانِ مِنْ الِاقْتِبَاسِ لِتَصْرِيحِهِ بِقَوْلِ اللَّهِ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ ذَلِكَ خَارِجٌ عَنْهُ.
وَأَمَّا أَخُوهُ الشَّيْخُ بَهَاءُ الدِّينِ فَقَالَ فِي عَرُوسِ الْأَفْرَاحِ الْوَرَعُ اجْتِنَابُ ذَلِكَ كُلِّهِ وَأَنْ يُنَزَّهَ عَنْ مِثْلِهِ كَلَامُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ.
قُلْتُ: رَأَيْتُ اسْتِعْمَالَ الِاقْتِبَاسِ لِأَئِمَّةٍ أَجِلَّاءَ مِنْهُمُ الْإِمَامُ أَبُو الْقَاسِمِ الرَّافِعِيُّ، قَالَ وَأَنْشَدَهُ فِي أَمَالِيهِ وَرَوَاهُ عَنْهُ أَئِمَّةٌ كِبَارٌ:
الْمُلْكُ لِلَّهِ الَّذِي عَنَتِ الْوُجُو
هُ لَهُ وَذَلَّتْ عِنْدَهُ الْأَرْبَابُ
مُتَفَرِّدٌ بِالْمُلْكِ وَالسُّلْطَانِ قَدْ
خَسِرَ الَّذِينَ تَجَاذَبُوهُ وَخَابُوا
دَعْهُمْ وَزَعْمَ الْمُلْكِ يَوْمَ غُرُورِهِمْ
فَسَيَعْلَمُونَ غَدًا مَنِ الْكَذَّابُ!(1/388)
وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ عَنْ شَيْخِهِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ قَالَ أَنْشَدَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَزِيدَ لِنَفْسِهِ:
سَلِ اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ وَاتَّقِهِ
فَإِنَّ التُّقَى خَيْرُ مَا تَكْتَسِبُ
وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَصْنَعْ لَهُ
وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ
وَيَقْرُبُ مِنْ الِاقْتِبَاسِ شَيْئَانِ:
أَحَدُهُمَا: قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ يُرَادُ بِهَا الْكَلَامُ. قَالَ النَّوَوِيُّ فِي التِّبْيَانِ: ذَكَرَ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ فِي هَذَا اخْتِلَافًا فَرَوَى النَّخَعِيُّ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ أَنْ يُتَأَوَّلَ الْقُرْآنُ لِشَيْءٍ يَعْرِضُ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا.
وَأَخْرَجَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَرَأَ فِي صَلَاةِ الْمَغْرِبِ بِمَكَّةَ: {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ وَطُورِ سِينِينَ} ثُمَّ رَفَعَ صَوْتَهُ فَقَالَ: {وَهَذَا الْبَلَدِ الأَمِينِ} .
وَأَخْرَجَ عَنْ حَكِيمِ بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْمُحَكِّمَةِ أَتَى عَلِيًّا وَهُوَ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ فَقَالَ: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} فَأَجَابَهُ فِي الصَّلَاةِ: {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ} . انْتَهَى. وَقَالَ غَيْرُهُ: يُكَرَهُ ضَرْبُ الْأَمْثَالِ فِي الْقُرْآنِ صَرَّحَ بِهِ مِنْ أَصْحَابِنَا الْعِمَادُ الْبَيْهَقِيُّ تِلْمِيذُ الْبَغَوِيِّ كَمَا نَقَلَهُ الصَّلَاحُ فِي فَوَائِدِ رِحْلَتِهِ.
الثَّانِي: التَّوْجِيهُ بِالْأَلْفَاظِ الْقُرْآنِيَّةِ فِي الشِّعْرِ وَغَيْرِهِ وَهُوَ جَائِزٌ بِلَا شَكٍّ، وَرُوِّينَا عَنِ الشَّرِيفِ تَقِيِّ الدِّينِ الْحُسَيْنِيِّ أَنَّهُ لَمَّا نَظَمَ قَوْلَهُ:
مَجَازٌ حَقِيقَتُهَا فَاعْبُرُوا
وَلَا تَعْمُرُوا هَوِّنُوهَا تَهُنْ
وَمَا حُسْنُ بَيْتٍ لَهُ زُخْرُفٌ
تَرَاهُ إِذَا زُلْزِلَتْ لَمْ يَكُنْ!(1/389)
خَشِيَ أَنْ يَكُونَ ارْتَكَبَ حَرَامًا لِاسْتِعْمَالِهِ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ الْقُرْآنِيَّةَ فِي الشِّعْرِ فَجَاءَ إِلَى شَيْخِ الْإِسْلَامِ تَقِيِّ الدِّينِ بْنِ دَقِيقِ الْعِيدِ يَسْأَلُهُ عَنْ ذَلِكَ فَأَنْشَدَهُ إِيَّاهُمَا فَقَالَ لَهُ: قُلْ: "وَمَا حُسْنُ كَهْفٍ " فَقَالَ: يَا سَيِّدِي أَفَدْتَنِي وَأَفْتَيْتَنِي.
خَاتِمَةٌ
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِي الْبُرْهَانِ: لَا يَجُوزُ تَعَدِّي أَمْثِلَةِ الْقُرْآنِ: وَلِذَلِكَ أَنْكَرَ عَلَى الْحَرِيرِيِّ قَوْلَهُ: "فَأَدْخَلَنِي بَيْتًا أَحْرَجَ مِنَ التَّابُوتِ وَأَوْهَى مِنْ بَيْتِ الْعَنْكَبُوتِ ".
وَأَيُّ مَعْنًى أَبْلَغُ مِنْ مَعْنًى أَكَّدَهُ اللَّهُ مِنْ سِتَّةِ أَوْجُهٍ حَيْثُ قَالَ: {وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ} فَأَدْخَلَ "إِنَّ" وَبَنَى أَفْعَلَ التَّفْضِيلِ وَبَنَاهُ مِنَ الْوَهْنِ وَأَضَافَهُ إِلَى الْجَمْعِ وَعَرَّفَ الْجَمْعَ بِاللَّامِ وَأَتَى فِي خَبَرِ "إِنَّ" بِاللَّامِ.
لَكِنِ اسْتَشْكَلَ هَذَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا} ، وَقَدْ ضَرَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَثَلَ بِمَا دُونَ(1/390)
الْبَعُوضَةِ فَقَالَ: "لَوْ كَانَتِ الدُّنْيَا تَزِنُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ ... ".
قُلْتُ: قَدْ قَالَ قَوْمٌ فِي الْآيَةِ: إِنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: {فَمَا فَوْقَهَا} فِي الْخِسَّةِ وَعَبَّرَ بَعْضُهُمْ عَنْ هَذَا بِقَوْلِهِ: مَعْنَاهُ: "فَمَا دونها " فزال الإشكال.
تم الجزء الأول من كتاب الإتقان في علوم القرآن
للإمام السيوطي ويليه الجزء الثاني وأوله:
الباب السَّادِسُ وَالثَّلَاثُونَ فِي مَعْرِفَةِ غَرِيبِهِ.(1/391)
المجلد الثاني
النَّوْعُ السَّادِسُ وَالثَّلَاثُونَ: فِي مَعْرِفَةِ غريبه
...
بسم الله الرحمن الرحيم
النَّوْعُ السَّادِسُ وَالثَّلَاثُونَ: فِي مَعْرِفَةِ غَرِيبِهِ
أَفْرَدَهُ بِالتَّصْنِيفِ خَلَائِقٌ لَا يُحْصَوْنَ: مِنْهُمْ أَبُو عُبَيْدَةَ وَأَبُو عُمَرَ الزَّاهِدُ وَابْنُ دُرَيْدٍ. وَمِنْ أَشْهَرِهَا كِتَابُ الْعُزَيْزِيِّ فَقَدْ أَقَامَ فِي تَأْلِيفِهِ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً يُحَرِّرُهُ هُوَ وَشَيْخُهُ أَبُو بَكْرِ بن الأنبا ري.
وَمِنْ أَحْسَنِهَا الْمُفْرَدَاتُ لِلرَّاغِبِ وَلِأَبِي حَيَّانَ فِي ذَلِكَ تَأْلِيفٌ مُخْتَصَرٌ فِي كُرَّاسَيْنِ.
قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: وحيث رأيت في كتاب التَّفْسِيرِ: "قَالَ أَهْلُ الْمَعَانِي "، فَالْمُرَادُ بِهِ مُصَنِّفُو الْكُتُبِ فِي مَعَانِي الْقُرْآنِ كَالزَّجَّاجِ وَالْفَرَّاءِ وَالْأَخْفَشِ وَابْنِ الأنبا ري. انْتَهَى.
وَيَنْبَغِي الِاعْتِنَاءُ بِهِ فَقَدْ أَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: "أَعْرِبُوا الْقُرْآنَ وَالْتَمِسُوا غرائبه ".
وأخرج مثله عُمَرَ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ مَوْقُوفًا.
وَأَخْرَجَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: " مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فَأَعْرَبَهُ كَانَ لَهُ بِكُلِّ حَرْفٍ عِشْرُونَ حَسَنَةً وَمَنْ قَرَأَهُ بِغَيْرِ إِعْرَابٍ كَانَ لَهُ بِكُلِّ حَرْفٍ عَشْرُ حَسَنَاتٍ ". الْمُرَادُ بِإِعْرَابِهِ مَعْرِفَةُ مَعَانِي أَلْفَاظِهِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ الْإِعْرَابَ الْمُصْطَلَحَ عَلَيْهِ عِنْدَ النُّحَاةِ وَهُوَ مَا يُقَابِلُ اللَّحْنَ لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ مَعَ فَقْدِهِ لَيْسَتْ قِرَاءَةً وَلَا ثَوَابَ فِيهَا.(2/3)
وَعَلَى الْخَائِضِ فِي ذَلِكَ التَّثَبُّتُ وَالرُّجُوعُ إِلَى كُتُبِ أَهْلِ الْفَنِّ وَعَدَمُ الْخَوْضِ بِالظَّنِّ فَهَذِهِ الصَّحَابَةُ - وَهُمُ الْعَرَبُ الْعَرْبَاءُ وَأَصْحَابُ اللُّغَةِ الْفُصْحَى وَمَنْ نَزَلَ الْقُرْآنُ عَلَيْهِمْ وَبِلُغَتِهِمْ - تَوَقَّفُوا فِي أَلْفَاظٍ لَمْ يَعْرِفُوا مَعْنَاهَا فَلَمْ يَقُولُوا فِيهَا شَيْئًا، فَأَخْرَجَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي الْفَضَائِلِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ سُئِلَ عَنْ قوله: {وَفَاكِهَةً وَأَبّاً} ، فَقَالَ: أَيُّ سَمَاءٍ تُظِلُّنِي أَوْ أَيُّ أَرْضٍ تُقِلُّنِي إِنْ أَنَا قُلْتُ فِي كِتَابِ اللَّهِ مَا لَا أَعْلَمُ!
وَأَخْرَجَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَرَأَ عَلَى الْمِنْبَرِ {وَفَاكِهَةً وَأَبّاً} ، فَقَالَ: هَذِهِ الْفَاكِهَةُ قَدْ عَرَفْنَاهَا فَمَا الْأَبُّ؟ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى نَفْسِهِ فَقَالَ: إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْكَلَفُ يَا عُمَرُ!
وَأَخْرَجَ مِنْ طَرِيقِ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كُنْتُ لَا أَدْرِي مَا فَاطِرُ السموات حَتَّى أَتَانِي أَعْرَابِيَّانِ يَخْتَصِمَانِ فِي بِئْرٍ فَقَالَ أَحَدُهُمَا: أَنَا فَطَرْتُهَا، يَقُولُ: أَنَا ابْتَدَأْتُهَا.
وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ: {وَحَنَاناً مِنْ لَدُنَّا} ، فَقَالَ: سَأَلْتُ عَنْهَا ابْنَ عَبَّاسٍ، فَلَمْ يُجِبْ فِيهَا شَيْئًا.
وَأَخْرَجَ مِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَا وَاللَّهِ مَا أَدْرِي مَا حَنَانًا!
وَأَخْرَجَ الْفِرْيَابِيُّ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ حَدَّثَنَا سِمَاكُ بْنُ حَرْبٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كُلُّ الْقُرْآنِ أَعْلَمُهُ إِلَّا أَرْبَعًا: {غِسْلِينٍ} و {وَحَنَاناً} و {أَوَّاهٌ} و {وَالرَّقِيمِ} .(2/4)
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَا كُنْتُ أَدْرِي مَا قَوْلُهُ: {رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ} ، حَتَّى سَمِعْتُ قَوْلَ بِنْتِ ذِي يَزِنَ: "تَعَالَ أُفَاتِحَكَ " تَقُولُ: تَعَالَ أُخَاصِمَكَ.
وَأَخْرَجَ مِنْ طَرِيقِ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: مَا أَدْرِي ما الفسلين! وَلَكِنِّي أَظُنُّهُ الزَّقُّومَ.
فَصْلٌ
مَعْرِفَةُ هَذَا الْفَنِّ [أمر] ضروري للمفسر كَمَا سَيَأْتِي فِي شُرُوطِ الْمُفَسِّرِ. قَالَ فِي الْبُرْهَانِ: وَيَحْتَاجُ الْكَاشِفُ عَنْ ذَلِكَ إِلَى مَعْرِفَةِ عِلْمِ اللُّغَةِ: أَسْمَاءً وَأَفْعَالًا وَحُرُوفًا فَالْحُرُوفُ لِقِلَّتِهَا تَكَلَّمَ النُّحَاةُ عَلَى مَعَانِيهَا فَيُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْ كُتُبِهِمْ وَأَمَّا الأسماء والأفعال فتأخذ مَنْ كُتُبِ عِلْمِ اللُّغَةِ وَأَكْبَرُهَا كِتَابُ ابْنِ السِّيدِ.
وَمِنْهَا التَّهْذِيبُ لِلْأَزْهَرِيِّ وَالْمُحْكَمُ لِابْنِ سِيدَهْ وَالْجَامِعُ لِلْقَزَّازِ وَالصِّحَاحُ لِلْجَوْهَرِيِّ وَالْبَارِعُ لِلْفَارَابِيِّ وَمَجْمَعُ الْبَحْرَيْنِ لِلصَّاغَانِيِّ.
وَمِنَ الْمَوْضُوعَاتِ فِي الْأَفْعَالِ كِتَابُ ابْنِ الْقُوطِيَّةِ وَابْنِ طَرِيفٍ وَالسَّرَقُسْطِيِّ.
وَمِنْ أَجْمَعِهَا كِتَابُ ابْنِ الْقَطَّاعِ.
قُلْتُ: وَأَوْلَى مَا يُرْجَعُ إِلَيْهِ فِي ذَلِكَ مَا ثَبَتَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَصْحَابِهِ(2/5)
الْآخِذِينَ عَنْهُ فَإِنَّهُ وَرَدَ عَنْهُمْ مَا يَسْتَوْعِبُ تَفْسِيرَ غَرِيبِ الْقُرْآنِ بِالْأَسَانِيدِ الثَّابِتَةِ الصَّحِيحَةِ.
وَهَا أَنَا أَسُوقُ هُنَا مَا وَرَدَ مِنْ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي طَلْحَةَ خَاصَّةً فَإِنَّهَا مِنْ أَصَحِّ الطُّرُقِ عَنْهُ وَعَلَيْهَا اعْتَمَدَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ مُرَتَّبًا عَلَى السور.
سورة البقرة
قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أبي – [ح] وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى – قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بن صالح عن علي بن أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:
{لا يُؤْمِنُونَ} ، قال: لا يصدقون.
{يَعْمَهُونَ} : يتمادون.
{مُطَهَّرَةٌ} : من القذر والأذى.
{الْخَاشِعِينَ} : الْمُصَدِّقِينَ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ.
{وَفِي ذَلِكُمْ بَلاءٌ} : نعمة.
{وَفُومِهَا} : الحنطة.
{إِلَّا أَمَانِيَّ} : أحاديث.
{قُلُوبُنَا غُلْفٌ} : في غطاء.(2/6)
{مَا نَنْسَخْ} : نبدل.
{أَوْ نُنْسِهَا} : نتركها فلا نبدلها.
{مَثَابَةً} : يَثُوبُونَ إِلَيْهِ ثُمَّ يَرْجِعُونَ.
{حَنِيفاً} : حاجا.
{شَطْرَهُ} : نحوه.
{فَلا جُنَاحَ} : فلا حرج.
{خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ} : عَمَلَهُ.
{أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ} : ذبح للطواغيت.
{وَابْنَ السَّبِيلِ} : الضَّيْفَ الَّذِي يَنْزِلُ بِالْمُسْلِمِينَ.
{إِنْ تَرَكَ خَيْراً} : مالا.
{جَنَفاً} : إثما.
{حُدُودُ اللَّهِ} : طَاعَةُ اللَّهِ.
{لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ} : شرك.
{فَمَنْ فَرَضَ} : أحرم.(2/7)
{قُلِ الْعَفْوَ} : ما لا يتبين في أحوالكم.
{لَأَعْنَتَكُمْ} : لَأَحْرَجَكُمْ وَضَيَّقَ عَلَيْكُمْ.
{مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا} :.الْمَسُّ: الْجِمَاعُ، وَالْفَرِيضَةُ الصَّدَاقُ.
{فِيهِ سَكِينَةٌ} : رحمة.
{سِنَةٌ} : نعاس.
{وَلا يَؤُودُهُ} : يثقل عليه.
{كَمَثَلِ صَفْوَانٍ} : حَجَرٌ صَلْدٌ لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ.
آل عمران
{مُتَوَفِّيكَ} : مميتك.
{رِبِّيُّونَ} : جموع.
النساء
{حُوباً كَبِيراً} : إثما عظيما.
{نِحْلَةً} مهرا.(2/8)
{وَابْتَلُوا الْيَتَامَى} : اختبروا.
{آنَسْتُمْ} : عرفتم.
{رُشْداً} : صلاحا.
{كَلالَةً} مَنْ لَمْ يَتْرُكْ وَالِدًا وَلَا وَلَدًا.
{وَلا تَعْضُلُوهُنَّ} : تقهروهن.
{وَالْمُحْصَنَاتُ} : كل ذات زوج.
{طَوْلاً} : سعة.
{مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ} : عَفَائِفٍ غَيْرَ زَوَانٍ فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ.
{وَلا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ} : أخلاء.
{فَإِذَا أُحْصِنَّ} : تزوجن.
{الْعَنَتَ} : الزنا.
{مَوَالِيَ} : عصبة.
{قَوَّامُونَ} أمراء.
{قَانِتَاتٌ} : مطيعات.(2/9)
{وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى} الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ قَرَابَةٌ.
{وَالْجَارِ الْجُنُبِ} : الَّذِي لَيْسَ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ قَرَابَةٌ.
{وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ} الرفيق.
{فَتِيلاً} : الَّذِي فِي الشِّقِّ الَّذِي فِي بَطْنِ النَّوَاةِ.
{الْجِبْتِ} : الشرك.
{نَقِيراً} النُّقْطَةُ الَّتِي فِي ظَهْرِ النَّوَاةِ.
{وَأُولِي الأَمْرِ} : أهل الفقه والدين.
{ثُبَاتٍ} : عصبا سرايا متفرقين.
{مُقِيتاً} حفيظا.
{أَرْكَسَهُمْ} : أوقعهم.
{حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ} : ضاقت.
{أُولِي الضَّرَرِ} : العذر.
{مُرَاغَماً} : التَّحَوُّلَ مِنَ الْأَرْضِ إِلَى الْأَرْضِ.
{وَسَعَةً} : الرزق.
{مَوْقُوتاً} : مفروضا.(2/10)
{تَأْلَمُونَ} : توجعون.
{خَلْقَ اللَّهِ} : دين الله.
{نُشُوزاً} : بغضا.
{كَالْمُعَلَّقَةِ} لَا هِيَ أَيِّمٌ وَلَا هِيَ ذَاتُ زَوْجٍ.
{وَإِنْ تَلْوُوا} : أَلْسِنَتَكُمْ بِالشَّهَادَةِ أَوْ تُعْرِضُوا عَنْهَا.
{وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَاناً} : يعني رموها بالزنا.
المائدة
{أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} مَا أَحَلَّ وَمَا حَرَّمَ وَمَا فَرَضَ وَمَا حَدَّ فِي الْقُرْآنِ كله.
{لا يَجْرِمَنَّكُمْ} : يحملنكم.
{شَنَآنُ} : عداوة.
{عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} : الْبِرُّ: مَا أُمِرْتَ بِهِ، وَالتَّقْوَى: مَا نُهِيتَ عنه.
{وَالْمُنْخَنِقَةُ} : التي تخنق فتموت.
{وَالْمَوْقُوذَةُ} : الَّتِي تُضْرَبُ بِالْخَشَبِ فَتَمُوتُ.
{وَالْمُتَرَدِّيَةُ} : التي تتردى من الجبل.(2/11)
{وَالنَّطِيحَةُ} : الشَّاةُ الَّتِي تَنْطَحُ الشَّاةَ.
{وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ} : مَا أَخَذَ.
{إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ} : ذبحتم وبه روح.
{بِالأَزْلامِ} : القداح.
{غَيْرَ مُتَجَانِفٍ} : متعد لإثم.
{مِنَ الْجَوَارِحِ} : الْكِلَابِ وَالْفُهُودِ وَالصُّقُورِ وَأَشْبَاهِهَا.
{مُكَلِّبِينَ} : ضَوَارِي.
{وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} : ذبائحهم.
{فَافْرُقْ} : فَافْصِلْ.
{وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ} : ضلالته.
{وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ} : أَمِينًا الْقُرْآنُ أَمِينٌ عَلَى كُلِّ كِتَابٍ قَبْلَهُ.
{شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً} : سَبِيلًا وَسُنَّةً.
{أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} : رحماء.
{مَغْلُولَةٌ} : يَعْنُونَ بَخِيلٌ أَمْسَكَ مَا عِنْدَهُ تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ.
{بَحِيرَةٍ} : هِيَ النَّاقَةُ إِذَا أَنْتَجَتْ خَمْسَةَ أَبْطُنٍ نَظَرُوا إِلَى الْخَامِسِ فَإِنْ كَانَ ذَكَرًا ذَبَحُوهُ فَأَكَلَهُ الرِّجَالُ دُونَ النِّسَاءِ وَإِنْ كَانَتْ أُنْثَى(2/12)
جدعوا آذانها. وَأَمَّا السَّائِبَةُ فَكَانُوا يُسَيِّبُونَ مِنْ أَنْعَامِهِمْ لِآلِهَتِهِمْ لَا يَرْكَبُونَ لَهَا ظَهْرًا وَلَا يَحْلِبُونَ لَهَا لَبَنًا وَلَا يَجُزُّونَ لَهَا وَبَرًا وَلَا يَحْمِلُونَ عَلَيْهَا شَيْئًا وَأَمَّا الْوَصِيلَةُ فَالشَّاةُ إِذَا نَتَجَتْ سَبْعَةَ أَبْطُنٍ نَظَرُوا السَّابِعَ فَإِنْ كَانَ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مَيْتٌ اشْتَرَكَ فِيهِ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ وَإِنْ كَانَتْ أُنْثَى وَذَكَرًا فِي بَطْنٍ اسْتَحْيَوْهَا وَقَالُوا: وَصَلَتْهُ أُخْتُهُ فَحَرَّمَتْهُ عَلَيْنَا وَأَمَّا الْحَامُ فَالْفَحْلُ مِنَ الْإِبِلِ إِذَا وُلِدَ لِوَلَدِهِ قَالُوا: حَمَى هَذَا ظَهْرَهُ فَلَا يَحْمِلُونَ عَلَيْهِ شَيْئًا وَلَا يَجُزُّونَ لَهُ وَبَرًا وَلَا يَمْنَعُونَهُ مِنْ حِمَى رَعْيٍ وَلَا مِنْ حَوْضٍ يَشْرَبُ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ الْحَوْضُ لِغَيْرِ صَاحِبِهِ.
الأنعام
{مِدْرَاراً} : يتبع بعضها بعضا.
{وَيَنْأَوْنَ} : يتباعدون.
{فَلَمَّا نَسُوا} : تركوا.
{مُبْلِسُونَ} : آيسون.
{يَصْدِفُونَ} : يعدلون.
{يَدْعُونَ} : يعبدون.(2/13)
{جَرَحْتُمْ} : كسبتم من الإثم.
{يُفَرِّطُونَ} : يضيعون.
{شِيَعاً} : أَهْوَاءَ مُخْتَلِفَةً.
{لِكُلِّ نَبَأٍ مُسْتَقَرٌّ} : حقيقة.
{أَنْ تُبْسَلَ} تفضح.
{بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ} : البسط الضرب.
{فَالِقُ الْإِصْبَاحِ} : ضَوْءُ الشَّمْسِ بِالنَّهَارِ وَضَوْءُ الْقَمَرِ بِاللَّيْلِ.
{حُسْبَاناً} : عَدَدُ الْأَيَّامِ وَالشُّهُورِ وَالسِّنِينَ.
{قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ} : قِصَارُ النَّخْلِ اللَّاصِقَةُ عُرُوقُهَا بِالْأَرْضِ.
{وَخَرَقُوا لَهُ} : تخرصوا.
{قُبُلاً} : معاينة.
{مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ} : ضالا فهديناه.
{عَلَى مَكَانَتِكُمْ} : ناحيتكم.
{وَحَرْثٌ حِجْرٌ} : حرام.
{حَمُولَةً} : الْإِبِلُ وَالْخَيْلُ وَالْبِغَالُ وَالْحَمِيرُ وَكُلُّ شَيْءٍ يُحْمَلُ عليه.(2/14)
{وَفَرْشاً} : الغنم.
{مَسْفُوحاً} : مهراقا.
{مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا} : مَا عَلِقَ بِهَا مِنَ الشَّحْمِ.
{الْحَوَايَا} : المبعر.
{مِنْ إِمْلاقٍ} : الفقر.
{عَنْ دِرَاسَتِهِمْ} : تلاوتهم.
{وَصَدَفَ عَنْهَا} : أعرض.
الأعراف
{مَذْءُوماً} : ملوما.
{وَرِيشاً} : مالا.
{حَثِيثاً} : سريعا.
{رِجْسٌ} : سخط.
{بِكُلِّ صِرَاطٍ} : الطريق.(2/15)
{رَبَّنَا افْتَحْ} : اقض.
{آسَى} : أحزن.
{حَتَّى عَفَوْا} : كثروا.
{وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ} : يترك عبادتك.
{الطُّوفَانَ} : المطر.
{مُتَبَّرٌ} : خسران.
{أَسِفاً} : الأسف الْحَزِينُ.
{إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ} : إِنْ هُوَ إِلَّا عَذَابُكَ.
{وَعَزَّرُوهُ} : حموه ووقروه.
{ذَرَأْنَا ل} : خلقنا.
{فَانْبَجَسَتْ} : انفجرت.
{وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ} : رفعناه.
{كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا} : لطيف بها.
{مَسَّهُمْ طَائِفٌ} : الطائف اللمة.
{لَوْلا اجْتَبَيْتَهَا} : لَوْلَا أَحْدَثْتَهَا لَوْلَا تَلَقَّنْتَهَا فَأَنْشَأْتَهَا.(2/16)
الأنفال
{كُلَّ بَنَانٍ} : البنان: الأطراف.
{جَاءَكُمُ الْفَتْحُ} : الفتح المدد.
{فُرْقَاناً} : مخرجا.
{لِيُثْبِتُوكَ} : ليوثقوك.
{يَوْمَ الْفُرْقَانِ} : يَوْمَ بَدْرٍ فَرَّقَ اللَّهُ فِيهِ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ.
{فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ} : نَكِّلْ بِهِمْ مَنْ بَعْدَهُمْ.
{مِنْ وَلَايَتِهِمْ} : ميراثهم.
سورة التوبة
{يُضَاهِئُونَ} : يشبهون.
{كَافَّةً} : جميعا.
{لِيُوَاطِئُوا} : يشبهوا.
{وَلا تَفْتِنِّي} : ولا تخرجني.
{إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ} : فَتْحٌ أَوْ شَهَادَةٌ.(2/17)
{أَوْ مَغَارَاتٍ} : الغيران في الجبل.
{مُدْخَلاً} السرب.
{هُوَ أُذُنٌ} : يَسْمَعُ مِنْ كُلِّ أَحَدٍ.
{وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ} أَذْهِبِ الرِّفْقَ عَنْهُمْ.
{وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ} : صلوات الرسول استغفاره.
{سَكَنٌ لَهُمْ} : رحمة.
{رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ} : شَكٌّ.
{إِلّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ} : يعني الموت.
{لَأَوَّاهٌ} : الْأَوَّاهُ الْمُؤْمِنُ التَّوَّابُ.
{مِنْهُمْ طَائِفَةٌ} : عصبة.
يونس
{أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ} : سَبَقَ لَهُمُ السَّعَادَةُ فِي الذِّكْرِ الْأَوَّلِ.
{وَلا أَدْرَاكُمْ بِهِ} : أعلمكم.
{تَرْهَقُهُمْ} : تغشاهم.(2/18)
{مِنْ عَاصِمٍ} : مانع.
{إِذْ تُفِيضُونَ} : تفعلون.
{وَمَا يَعْزُبُ} : يغيب.
هود
{يَثْنُونَ} : يكنون.
{حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ} : يغطون رؤوسهم.
{لا جَرَمَ} بلى.
{وَأَخْبَتُوا} : خافوا.
{وَفَارَ التَّنُّورُ} : نبع.
{أَقْلِعِي} : اسكني.
{كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا} : يغنوا يعيشوا.
{حَنِيذٍ} : نضيج.
{سِيءَ بِهِمْ} : سَاءَ ظَنًّا بِقَوْمِهِ.
{وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعاً} : بأضيافه.(2/19)
{عَصِيبٌ} : شديد.
{يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ} يسرعون.
{بِقِطْعٍ} : سواد.
{مُسَوَّمَةً} : معلمة.
{عَلَى مَكَانَتِكُمْ} : ناحيتكم.
{إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ} : موجع.
{زَفِيرٌ} : صوت شديد.
{وَشَهِيقٌ} : صوت ضعيف.
{غَيْرَ مَجْذُوذٍ} : غير منقطع.
{وَلا تَرْكَنُوا} : تذهبوا.
يوسف
{شَغَفَهَا} : غلبها.
{مُتَّكَأً} : مجلسا.
{أَكْبَرْنَهُ} : أعظمنه.(2/20)
{فَاسْتَعْصَمَ} : امتنع.
{بَعْدَ أُمَّةٍ} : حين.
{مِمَّا تُحْصِنُونَ} : تخزنون.
{يَعْصِرُونَ} : الأعناب والدهن.
{حَصْحَصَ} : تبين.
{زَعِيمٌ} : كفيل.
{لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ} : خطئك.
الرعد
{صِنْوَانٌ} : مجتمع.
{وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} : داع.
{مُعَقِّبَاتٌ} : الْمَلَائِكَةُ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ بِإِذْنِهِ.
{بِقَدَرِهَا} : على قدر طاقتها.
{وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} : سوء العاقبة.(2/21)
{طُوبَى لَهُمْ} فَرَحٌ وَقُرَّةُ عَيْنٍ.
{أَفَلَمْ يَيْأَسِ} : يعلم.
إبراهيم
{مُهْطِعِينَ} : ناظرين.
{فِي الأَصْفَادِ} : في وثاق.
{مِنْ قَطِرَانٍ} : النحاس المذاب.
الحجر
{رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا} : يتمنى.
{مُسْلِمِينَ} : موحدين.
{فِي شِيَعِ الأَوَّلِينَ} : أُمَمِ.
{مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ} : معلوم.
{مِنْ حَمَأٍ مَسْنُونٍ} : طين رطب.
{أَغْوَيْتَنِي} : أضللتني.
{فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ} : فأمضه.(2/22)
النحل
{بِالرُّوحِ} : بالوحي.
{فِيهَا دِفْءٌ} : الثياب.
{وَمِنْهَا جَائِرٌ} : الأهواء المختلفة.
{تُسِيمُونَ} : ترعون.
{مَوَاخِرَ} : جواري.
{تُشَاقُّونَ فِيهِمْ} : تخالفون.
{يَتَفَيَّأُ} : يتميل.
{وَحَفَدَةً} : الأصهار.
{عَنِ الْفَحْشَاءِ} : الزنا.
{يَعِظُكُمْ} : يوصيكم.
{هِيَ أَرْبَى} : أكثر.
الإسراء
{وَقَضَيْنَا} : أعلمنا.
{فَجَاسُوا} : فمشوا.(2/23)
{حَصِيراً} : سجنا.
{فَصَّلْنَاهُ} : بيناه.
{أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا} : سلطنا شرارها.
{فَدَمَّرْنَاهَا} : أهلكناها.
{وَقَضَى رَبُّكَ} : أمر.
{وَلا تَقْفُ} : ولا تقل.
{رُفَاتًا} : غبارا.
{فَسَيُنْغِضُونَ} : يهزون.
{بِحَمْدِهِ} بأمره.
{لَأَحْتَنِكَنَّ} : لأستولين.
{يُزْجِي} : يجرى.
{قَاصِفاً} : عاصفا.
{تَبِيعاً} : نظيرا.
{زَهُوقاً} : ذاهبا.
{يَؤُوساً} : قنوطا.(2/24)
{شَاكِلَتِهِ} : ناحيته.
{كِسَفاً} قطعا.
{مَثْبُوراً} ملعونا.
{فَرَقْنَاهُ} فصلناه.
الكهف
{عِوَجاً} : ملتبسا.
{قِيَماً} : عدلا.
{وَالرَّقِيمِ} : الكتاب.
{تَزَاوَرُ} : تميل.
{تَقْرِضُهُمْ} : تذرهم.
{بِالْوَصِيدِ} : بِالْفِنَاءِ.
{وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ} : لَا تَتَعَدَّاهُمْ إِلَى غَيْرِهِمْ.
{كَالْمُهْلِ} : عكر الزيت.
{وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ} : ذكر الله.
{مَوْبِقاً} مهلكا.(2/25)
{مَوْئِلاً} : ملجأ.
{حُقُباً} : دَهْرًا.
{مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً} : علما.
{مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً} : حارة.
{زُبَرَ الْحَدِيدِ} : قطع الحديد.
{بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ} : الجبلين.
مريم
{سَوِيّاً} مِنْ غَيْرِ خَرَسٍ.
{وَحَنَاناً مِنْ لَدُنَّا} : رحمة من عندنا.
{سَرِيّاً} : هو عيسى.
{جَبَّاراً شَقِيّاً} : عصيا.
{وَاهْجُرْنِي} : اجتنبني.
{بِي حَفِيّاً} : لطيفا.
{لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيّاً} : الثناء الحسن.
{غَيّاً} : خسرانا.(2/26)
{لَغْواً} : باطلا.
{أَثَاثاً} : مالا.
{ضِدّاً} : أعوانا.
{تَؤُزُّهُمْ أَزّاً} : تُغْوِيهِمْ إِغْوَاءً.
{نَعُدُّ لَهُمْ عَدّاً} أَنْفَاسَهُمُ الَّتِي يَتَنَفَّسُونَ فِي الدُّنْيَا.
{وِرْداً} : عطاشا.
{عَهْداً} : شَهَادَةَ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ.
{إِدّاً} : عظيما.
{هَدّاً} : هدما.
{رِكْزاً} : صوتا.
طه
{بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ} : المبارك واسمه طوى.
{أَكَادُ أُخْفِيهَا} : لَا أُظْهِرُ عَلَيْهَا أَحَدًا غَيْرِي.
{سِيرَتَهَا} : حالتها.(2/27)
{وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً} : اختبرناك اختبارا.
{وَلا تَنِيَا} : لَا تُبْطِئَا.
{أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ} : خَلَقَ لِكُلِّ شَيْءٍ رُوحَهُ ثُمَّ هَدَاهُ لِمَنْكَحِهِ وَمَطْعَمِهِ وَمَشْرَبِهِ وَمَسْكَنِهِ.
{لا يَضِلُّ} : لا يخطئ.
{تَارَةً} : مرة.
{فَيُسْحِتَكُمْ} : فيهلككم.
{وَالسَّلْوَى} : طَائِرٌ شَبِيهٌ بِالسِّمَّانِيِّ.
{وَلا تَطْغَوْا} : لا تظلموا.
{فَقَدْ هَوَى} : شقي.
{بِمَلْكِنَا} : بأمرنا.
{ظَلْتَ عَلَيْهِ} : أقمت.
{لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ} : لنذرينه في البحر.
{سَاءَ} : بئس.
{يَتَخَافَتُونَ} يتسارون.(2/28)
{قاعا} : مستويا
{صَفْصَفاً} لا نبات فيه.
{عِوَجاً} : واديا.
{أَمْتاً} : رابية.
{وَخَشَعَتِ الأَصْوَاتُ} : سكتت.
{هَمْساً} : الصوت الخفي.
{وَعَنَتِ الْوُجُوهُ} : ذلت.
{فَلا يَخَافُ ظُلْماً} أَنْ يُظْلَمَ فَيَزْدَادُ فِي سَيِّئَاتِهِ.
الأنبياء
{فَلَكٍ} دوران.
{يَسْبَحُونَ} : يجرون.
{نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا} : تنقص أهلها وبركتها.
{جُذَاذاً} : حُطَامًا.
{فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ} : أَنْ لَنْ يَأْخُذَهُ الْعَذَابُ الَّذِي أَصَابَهُ.(2/29)
{مِنْ كُلِّ حَدَبٍ} : شرف.
{يَنْسِلُونَ} : يقبلون.
{حَصَبُ جَهَنَّمَ} : شجر.
{كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ} : كطي الصحيفة على الكتاب.
الحج
{بَهِيجٍ} حسن.
{ثَانِيَ عِطْفِهِ} : مستكبرا في نفسه.
{وَهُدُوا} : ألهموا.
{تَفَثَهُمْ} : وَضْعَ إِحْرَامِهِمْ مِنْ حَلْقِ الرَّأْسِ وَلَبْسِ الثِّيَابِ وَقَصِّ الْأَظْفَارِ وَنَحْوِ ذلك.
{مَنْسَكاً} : عيدا.
{الْقَانِعَ} : المتعفف.
{المُعْتَرَّ} : السائل.
{إِذَا تَمَنَّى} : حدث.(2/30)
{فِي أُمْنِيَّتِهِ} : حديثه.
{يَسْطُونَ} : يبطشون.
المؤمنون
{خَاشِعُونَ} : خائفون ساكنون.
{تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ} : هو الزيت.
{هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ} : بعيد بعيد.
{تَتْرَى} : يَتْبَعُ بَعْضُهَا بَعْضًا.
{وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ} : خائفين.
{يَجْأَرُونَ} : يستغيثون.
{تَنْكِصُونَ} : تدبرون.
{سَامِراً تَهْجُرُونَ} : تَسْمُرُونَ حَوْلَ الْبَيْتِ وَتَقُولُونَ هَجْرًا.
{عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ} : عن الحق عادلون.
{تُسْحَرُونَ} : تكذبون.
{كَالِحُونَ} : عابسون.(2/31)
النور
{يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} : الحرائر.
{مَا زَكَى مِنْكُمْ} : ما اهتدى.
{وَلا يَأْتَلِ} : لا يقسم.
{دِينِهِمْ} : حسابهم.
{تَسْتَأْنِسُوا} : تَسْتَأْذِنُوا.
{وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ} : لَا تُبْدِي خَلَاخِيلَهَا وَمِعْضَدَيْهَا وَنَحْرَهَا وَشَعْرَهَا إِلَّا لِزَوْجِهَا.
{غَيْرِ أُولِي الْأِرْبَةِ} : الْمُغَفَّلِ الَّذِي لَا يَشْتَهِي النِّسَاءَ.
{إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً} : إِنْ عَلِمْتُمْ لَهُمْ حِيلَةً.
{وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ} ضَعُوا عَنْهُمْ مِنْ مُكَاتَبَتِهِمْ.
{فَتَيَاتِكُمُ} : إمائكم.
{الْبِغَاءِ} : الزنا.
{نُورُ السَّمَاوَاتِ} : هَادِي أَهْلِ السَّمَاوَاتِ.
{مَثَلُ نُورِهِ} : هُدَاهُ فِي قَلْبِ الْمُؤْمِنِ.(2/32)
{كَمِشْكَاةٍ} : موضع الفتيلة.
{فِي بُيُوتٍ} : المساجد.
{أَنْ تُرْفَعَ} : تكرم.
{وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} : يتلى فيها كتابه.
{يُسَبِّحُ} : يصلى.
{بِالْغُدُوِّ} : صلاة الغداة
{وَالْآصَالِ} : صلاة العصر.
{بِقِيعَةٍ} : أرض مستوية.
{تَحِيَّةً} : التحية السلام.
الفرقان
{ثُبُوراً} : ويلا.
{بُوراً} : هلكى.
{هَبَاءً مَنْثُوراً} : الماء المهراق.
{سَاكِناً} : دائما.(2/33)
{قَبْضاً يَسِيراً} : سَرِيعًا.
{جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً} : مَنْ فَاتَهُ شَيْءٌ مِنَ اللَّيْلِ أَنْ يَعْمَلَهُ أدركه بالنهار.
{وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ} : المؤمنون.
{هَوْناً} : بِالطَّاعَةِ وَالْعَفَافِ وَالتَّوَاضُعِ.
{لَوْلا دُعَاؤُكُمْ} : إيمانكم.
الشعراء
{كَالطَّوْدِ} : كالجبل.
{فَكُبْكِبُوا} : جمعوا.
{رِيعٍ} شرف.
{لَعَلَّكُمْ} : كأنكم.
{خُلُقُ الأَوَّلِينَ} : دين الأولين.
{هَضِيمٌ} : معشبة.
{فَارِهِينَ} : حاذقين.(2/34)
{الأَيْكَةِ} : الغيضة.
{وَالْجِبِلَّةَ} : الْخَلْقَ.
{فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ} : في كل لغو يخوضون.
النمل
{بُورِكَ} : قدس.
{أَوْزِعْنِي} : اجعلني.
{يُخْرِجُ الْخَبْءَ} : يَعْلَمُ كُلَّ خَفِيَّةٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ.
{طَائِرُكُمْ} : مصائبكم.
{ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ} : غاب علمهم.
{رَدِفَ} : قرب.
{يُوزَعُونَ} : يدفعون.
{دَاخِرِينَ} : صاغرين.
{جَامِدَةً} : قائمة.
{أَتْقَنَ} : أحكم.(2/35)
القصص
{جَذْوَةٍ} : شهاب.
{سَرْمَداً} : دائما.
{لَتَنُوءُ} : تثقل.
العنكبوت
{وَتَخْلُقُونَ} : تصنعون.
{إِفْكاً} : كذبا.
الروم
{أَدْنَى الأَرْضِ} : طَرَفِ الشَّامِ.
{وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} : أيسر.
{يَصَّدَّعُونَ} : يتفرقون.
لقمان
{وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ} : لَا تَتَكَبَّرْ فَتَحْقِرْ عِبَادَ اللَّهِ وَتُعْرِضْ عَنْهُمْ بِوَجْهِكَ إِذَا كَلَّمُوكَ.(2/36)
{الْغُرُورِ} : الشيطان.
السجدة
{إِنَّا نَسِينَاكُمْ} : تركناكم.
{مِنَ الْعَذَابِ الأَدْنَى} : مصائب الدنيا وأسقامها وبلائها.
الأحزاب
{سَلَقُوكُمْ} : استقبلوكم.
{تُرْجِي} : تؤخر.
{لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ} : لنسلطنك عليهم.
{الأَمَانَةَ} : الفرائض.
{جَهُولاً} : غرا بأمر الله.
سبأ
{إِلَّا دَابَّةُ الأَرْضِ} : الأرضة.
{مِنْسَأَتَهُ} : عصاه.(2/37)
{سَيْلَ الْعَرِمِ} : الشديد.
{خَمْطٍ} : الأراك.
{حَتَّى إِذَا فُزِّعَ} : جلي.
{الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ} : القاضي.
{فَلا فَوْتَ} : فَلَا نَجَاةَ.
{وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ} : فكيف لهم بالرد.
فاطر
{الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} : ذكر الله.
{وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ} : أداء الفرائض.
{مِنْ قِطْمِيرٍ} : الْجِلْدُ الَّذِي يَكُونُ عَلَى ظَهْرِ النواة.
{مِنْ لُغُوبٍ} : إعياء.
يس
{يَا حَسْرَةً} : ويل.
{كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ} : أصل العذق العتيق.(2/38)
{الْمَشْحُونِ} : الممتلئ.
{مِنَ الأَجْدَاثِ} : الأجداث القبور.
{فَاكِهُونَ} : فرحون.
الصافات
{فَاهْدُوهُمْ} : وجهوهم.
{لا فِيهَا غَوْلٌ} : صداع.
{بَيْضٌ مَكْنُونٌ} : اللؤلؤ المكنون.
{سَوَاءِ الْجَحِيمِ} : وسط الجحيم.
{أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ} : وَجَدُوا.
{وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ} : لِسَانَ صِدْقٍ لِلْأَنْبِيَاءِ كُلِّهِمْ.
{مِنْ شِيعَتِهِ} : أَهْلِ دِينِهِ.
{بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ} : العمل.
{وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ} : صرعه.
{فَنَبَذْنَاهُ} : ألقيناه.(2/39)
{بِالْعَرَاءِ} : بالساحل.
{بِفَاتِنِينَ} : مضلين.
ص
{وَلاتَ حِينَ مَنَاصٍ} : ليس حين فرار.
{اخْتِلاقٌ} : تخريص.
{فَلْيَرْتَقُوا فِي الأَسْبَابِ} : السماء.
{مِنْ فَوَاقٍ} : ترداد.
{عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا} : العذاب.
{فَطَفِقَ مَسْحاً} : جعل يمسح.
{جَسَداً} : شيطانا.
{رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ} : مُطِيعَةً لَهُ حَيْثُ أَرَادَ.
{ضِغْثاً} : حزمة.
{أُولِي الأَيْدِي} : القوة.
{وَالأَبْصَارِ} : الْفِقْهِ فِي الدِّينِ.(2/40)
{قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ} : عن غير أزواجهن.
{أَتْرَابٌ} : مستويات.
{وَغَسَّاقٌ} : الزمهرير.
{أَزْوَاجٌ} : ألوان من العذاب.
الزمر
{يُكَوِّرُ اللَّيْلَ} : يحمل.
{لَمِنَ السَّاخِرِينَ} : المخرفين.
{مِنَ الْمُحْسِنِينَ} : المهتدين.
غافر
{ذِي الطَّوْلِ} : السِّعَةِ وَالْغِنَى.
{مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ} : حال.
{فِي تَبَابٍ} : خسران.
{ادْعُونِي} : وحدوني.(2/41)
فصلت
{فَهَدَيْنَاهُمْ} : بينا لهم.
الشورى
{رَوَاكِدَ} : وقوفا.
{أَوْ يُوبِقْهُنَّ} : يهلكهن.
الزخرف
{وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ} : مطيقين.
{وَمَعَارِجَ} : الدرج.
{وَزُخْرُفاً} : الذهب.
{وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ} : شرف.
{تُحْبَرُونَ} : تكرمون.
الدخان
{وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْواً} : سمتا.(2/42)
الجاثية
{وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ} : في سابق علمه.
الأحقاف
{فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ} : لم نمكنكم فيه.
محمد
{مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ} : متغير.
الحجرات
{لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} : لَا تَقُولُوا خِلَافَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ.
{وَلا تَجَسَّسُوا} : هُوَ أَنْ تُتَّبَعَ عَوْرَاتُ الْمُؤْمِنِ.
ق
{الْمَجِيدِ} : الكريم.
{مَرِيجٍ} : مختلف.(2/43)
{وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ} : طوالا.
{فِي لَبْسٍ} : شك.
{مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} : الوريد عرق العنق.
الذاريات
{قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ} : يَعْنِي الْمُرْتَابُونَ.
{فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ} : في ضلالتهم يتمادون.
{يُفْتَنُونَ} : يعذبون.
{مَا يَهْجَعُونَ} : ينامون.
{فِي صَرَّةٍ} : صيحة.
{فَصَكَّتْ وَجْهَهَا} : لطمت.
{فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ} : بقوته.
{بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ} : بقوة.
{ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} : الشديد.
{ذَنُوباً} : دلوا.(2/44)
الطور
{وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ} : المحبوس.
{يَوْمَ تَمُورُ} : تحرك.
{يَوْمَ يُدَعُّونَ} : يدفعون.
{فَاكِهِينَ} : معجبين.
{وَمَا أَلَتْنَاهُمْ} : ما نقصناهم.
{وَلا تَأْثِيمٌ} : كذب.
{رَيْبَ الْمَنُونِ} : المنون الموت.
{الْمُصَيْطِرُونَ} : المسلطون الجبارون.
النجم
{ذُو مِرَّةٍ} : منظر حسن.
{أَغْنَى وَأَقْنَى} : أعطى وأرضى.
{الْآزِفَةِ} : مِنْ أَسْمَاءِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ.
{سَامِدُونَ} : لاهون.(2/45)
الرحمن
{وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ} : النَّجْمُ مَا يَنْبَسِطُ عَلَى الْأَرْضِ وَالشَّجَرُ مَا يَنْبُتُ عَلَى سَاقٍ.
{لِلْأَنَامِ} : الخلق.
{ذُو الْعَصْفِ} : التبن.
{وَالرَّيْحَانُ} : خُضْرَةُ الزَّرْعِ.
{فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا} : بِأَيِّ نِعْمَةِ اللَّهِ.
{مِنْ مَارِجٍ} : خالص النار.
{مَرَجَ} : أرسل.
{بَرْزَخٌ} حاجز.
{ذُو الْجَلالِ} : ذُو الْعَظَمَةِ وَالْكِبْرِيَاءِ.
{سَنَفْرُغُ لَكُمْ} : هَذَا وَعِيدٌ مِنَ اللَّهِ لِعِبَادِهِ وَلَيْسَ بِاللَّهِ شُغْلٌ.
{لَا تَنْفُذُونَ} : لَا تَخْرُجُونَ مِنْ سُلْطَانِي.
{شُوَاظٌ} : لهب النار.
{وَنُحَاسٌ} : دخان النار.(2/46)
{وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ} : ثمار.
{لم لَمْ يَطْمِثْهُنَّ} : يدن منهن.
{نَضَّاخَتَانِ} : فائضتان.
{رَفْرَفٍ خُضْرٍ} : المجالس.
الواقعة
{مُتْرَفِينَ} : منعمين.
{لِلْمُقْوِينَ} : المسافرين.
{غَيْرَ مَدِينِينَ} : محاسبين.
{فَرَوْحٌ} : راحة.
الحديد
{أَنْ نَبْرَأَهَا} : نخلقها.
الممتحنة
{لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا} : لَا تُسَلِّطْهُمْ عَلَيْنَا فَيَفْتِنُونَنَا.
{وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ} : لَا يُلْحِقْنَ بِأَزْوَاجِهِنَّ غَيْرَ أَوْلَادِهِمْ.(2/47)
المنافقون
{قَاتَلَهُمُ اللَّهُ} : لَعَنَهُمْ وَكُلُّ شَيْءٍ فِي الْقُرْآنِ قَتْلٌ فَهُوَ لعن.
{وَأَنْفِقُوا} : تصدقوا.
الطلاق
{وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً} : يُنْجِيهِ مِنْ كُلِّ كُرَبٍ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.
{عَتَتْ} : عصت يعني أهلها.
الملك
{تَمَيَّزُ} : تتفرق.
{فَسُحْقاً} : بعدا.
القلم
{لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ} : لَوْ تُرَخِّصُ لَهُمْ فَيُرَخِّصُونَ.
{زَنِيمٍ} : ظلوم.
{قَالَ أَوْسَطُهُمْ} : أَعْدَلُهُمْ.(2/48)
{يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ} : هُوَ الْأَمْرُ الشَّدِيدُ الْمُفَظَّعُ مِنَ الْهَوْلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
{وَهُوَ مَكْظُومٌ} : مغموم.
{مَذْمُومٌ} : ملوم.
{لَيُزْلِقُونَكَ} : ينفذونك.
الحاقة
{لَمَّا طَغَا الْمَاءُ} : طغى كثر.
{أُذُنٌ وَاعِيَةٌ} : واعية حافظة.
{إِنِّي ظَنَنْتُ} : أيقنت.
{مِنْ غِسْلِينٍ} : صديد.
{الْخَاطِئُونَ} : أهل النار.
المعارج
{ذِي الْمَعَارِجِ} : العلو والفواضل(2/49)
نوح
{سُبُلاً} : طرقا.
{فِجَاجاً} : مختلفة.
الجن
{جَدُّ رَبِّنَا} : فِعْلُهُ وَأَمْرُهُ وَقُدْرَتُهُ.
{فَلا يَخَافُ بَخْساً} : نَقْصًا مِنْ حَسَنَاتِهِ.
{وَلا رَهَقاً} : زيادة في سيئاته.
المزمل
{كَثِيباً مَهِيلاً} : الرمل السائل.
{وَبِيلاً} : شديدا.
المدثر
{يَوْمٌ عَسِيرٌ} : شديد.
{لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ} : مغيرة.(2/50)
القيامة
{فَإِذَا قَرَأْنَاهُ} : بيناه.
{فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} : اعْمَلْ بِهِ.
{وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ} آخِرُ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ الدُّنْيَا وَأَوَّلُ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ الْآخِرَةِ فَتَلْتَقِي الشِّدَّةُ بِالشِّدَّةِ.
{سُدىً} : هملا.
الإنسان
{أمشاج} : مختلفة الألوان.
{مُسْتَطِيراً} : فاشيا.
{عَبُوساً} : ضيقا.
{قَمْطَرِيراً} : طويلا.
المرسلات
{كِفَاتاً} : كنا.
{رَوَاسِيَ} : جبالا.
{شَامِخَاتٍ} : مشرفات.(2/51)
{مَاءً فُرَاتاً} : عذبا.
النبأ
{سِرَاجاً وَهَّاجاً} : مضيئا.
{مِنَ الْمُعْصِرَاتِ} : السحاب.
{ثَجَّاجاً} : منصبا.
{أَلْفَافاً} : مجتمعة.
{جَزَاءً وِفَاقاً} : وفق أعمالهم.
{مَفَازاً} : متنزها.
{وَكَوَاعِبَ} : نواهد.
{يَقُومُ الرُّوحُ} : مَلَكٌ مِنْ أَعْظَمِ الْمَلَائِكَةِ خَلْقًا.
{وَقَالَ صَوَاباً} : لا إله إلا الله.
النازعات
{الرَّادِفَةُ} : النفخة الثانية.
{وَاجِفَةٌ} : خائفة.(2/52)
{فِي الْحَافِرَةِ} : الحياة.
{سَمْكَهَا} : بناءها.
{وَأَغْطَشَ} : أظلم.
عبس
{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ} : مشرقة.
التكوير
{كُوِّرَتْ} : أظلمت.
{انْكَدَرَتْ} : تغيرت.
{إِذَا عَسْعَسَ} : أدبر.
الانفطار
{فُجِّرَتْ} : بعضها في بعض.
{بُعْثِرَتْ} : بحثت.(2/53)
المطففين
{لَفِي عِلِّيِّينَ} : الجنة.
الانشقاق
{لَنْ يَحُورَ} : لن يبعث.
{بِمَا يُوعُونَ} : يسرون.
البروج
{الْوَدُودُ} : الحبيب.
الطارق
{لَقَوْلٌ فَصْلٌ} : حق.
{بِالْهَزْلِ} : بالباطل.
الأعلى
{غُثَاءً} : هشيما.
{أَحْوَى} : أسود متغيرا.
{مَنْ تَزَكَّى} : مِنَ الشِّرْكِ.(2/54)
{وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ} : وحد الله.
{فَصَلَّى} : الصلوات الخمس.
الغاشية
{الْغَاشِيَةِ} وَ {الطَّامَّةُ} وَ {الصَّاخَّةُ} وَ {الْحَاقَّةُ} وَ {الْقَارِعَةُ} : مِنْ أَسْمَاءِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ.
{مِنْ ضَرِيعٍ} : شجر ذو شوك.
{وَنَمَارِقُ} : المرافق.
{بِمُصَيْطِرٍ} : بجبار.
الفجر
{لَبِالْمِرْصَادِ} : يسمع ويرى.
{جَمّاً} : شديدا.
{وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى} : كيف له.(2/55)
البلد
{النَّجْدَيْنِ} : الضلالة والهدى.
الشمس
{طَحَاهَا} : قسمها.
{فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} : بَيَّنَ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ.
{وَلا يَخَافُ عُقْبَاهَا} : لا يخاف من أحد عاقبة.
الضحى
{سَجَى} : ذَهَبَ.
{مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} : ما تركك وما أبغضك.
الشرح
{فَانْصَبْ} في الدعاء.
قريش
{إِيلافِهِمْ} : لزومهم.(2/56)
الكوثر
{شَانِئَكَ} : عدوك.
الإخلاص
{الصَّمَدُ} : السَّيِّدُ الَّذِي كَمُلَ فِي سُؤْدُدِهِ.
الْفَلَقِ
{الْفَلَقِ} : الْخَلْقِ.
هَذَا لَفْظُ ابْنِ عَبَّاسٍ أَخْرَجَهُ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي تَفْسِيرِهِمَا مُفَرَّقًا فَجَمَعْتُهُ وَهُوَ وَإِنْ لَمْ يَسْتَوْعِبْ غَرِيبَ الْقُرْآنِ فَقَدْ أَتَى عَلَى جُمْلَةٍ صَالِحَةٍ مِنْهُ.
وَهَذِهِ أَلْفَاظٌ لَمْ تُذْكَرْ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ سُقْتُهَا مِنْ نُسْخَةِ الضَّحَّاكِ عَنْهُ.
قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ حَدَّثَنَا مِنْجَابُ بْنُ الْحَارِثِ [ح] ، وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حُدِّثْتُ عَنِ الْمِنْجَابِ - حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ عُمَارَةَ عَنْ أَبِي رَوْقٍ عَنِ الضَّحَّاكِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:
{الْحَمْدُ لِلَّهِ} : قَالَ الشُّكْرُ لِلَّهِ.
{رَبِّ الْعَالَمِينَ} : قَالَ لَهُ الْخَلْقُ كُلُّهُ.
{لِلْمُتَّقِينَ} : الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَتَّقُونَ الشِّرْكَ وَيَعْمَلُونَ بِطَاعَتِي.(2/57)
{وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ} : إِتْمَامُ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالتِّلَاوَةِ وَالْخُشُوعِ وَالْإِقْبَالِ عَلَيْهَا.
{مَرَضٌ} : نفاق.
{عَذَابٌ أَلِيمٌ} : نكال موجع.
{يَكْذِبُونَ} : يبدلون ويحرفون.
{السُّفَهَاءُ} : الجهال.
{طُغْيَانِهِمْ} : كفرهم.
{كَصَيِّبٍ} : المطر.
{أَنْدَاداً} : أشباها.
{وَنُقَدِّسُ لَكَ} : التقديس التطهير.
{رَغَداً} سعة المعيشة.
{وَلا تَلْبِسُوا} : تخلطوا.
{أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} : يضرون.
{وَقُولُوا حِطَّةٌ} : قُولُوا هَذَا الْأَمْرُ حَقٌّ كَمَا قِيلَ لَكُمُ.
{الطُّورَ} مَا أَنْبَتَ مِنَ الْجِبَالِ وَمَا لَمْ يَنْبُتْ فَلَيْسَ بِطُورٍ.
{خَاسِئِينَ} : ذليلين.(2/58)
{نَكَالاً} : عقوبة.
{لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا} : من بعدهم.
{وَمَا خَلْفَهَا} : الذين بقوا معهم.
{وَمَوْعِظَةً} : تَذْكِرَةً.
{بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ} : بِمَا أَكْرَمَكُمْ بِهِ.
{بِرُوحِ الْقُدُسِ} : الِاسْمُ الَّذِي كَانَ عِيسَى يُحْيِي بِهِ الْمَوْتَى.
{قَانِتُونَ} : مطيعون.
{الْقَوَاعِدَ} : أساس البيت.
{صِبْغَةَ اللَّهِ} : دين الله.
{أَتُحَاجُّونَنَا} : أتخاصموننا.
{يُنْظَرُونَ} : يؤخرون.
{أَلَدُّ الْخِصَامِ} : شديد الخصومة.
{فِي السِّلْمِ} : في الطاعة.
{كَافَّةً} : جميعا.
{كَدَأْبِ} : كصنع.(2/59)
{بِالْقِسْطِ} : بالعدل.
{الأَكْمَهَ} : الَّذِي يُولَدُ وَهُوَ أَعْمَى.
{رَبَّانِيِّينَ} : علماء فقهاء.
{وَلا تَهِنُوا} : وَلَا تَضْعُفُوا.
{وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ} : يَقُولُونَ اسْمَعْ لَا سَمِعْتَ.
{لَيّاً بِأَلْسِنَتِهِمْ} : تحريفا بالكذب.
{إِلَّا إِنَاثاً} : موتى.
{وَعَزَّرْتُمُوهُمْ} : أَعَنْتُمُوهُمْ.
{لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ} : قَالَ أَمَرَتْهُمْ.
{ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ} : حجتهم.
{بِمُعْجِزِينَ} : بمسابقين.
{قَوْماً عَمِينَ} : كفارا.
{بَسْطَةً} : شدة.
{وَلا تَبْخَسُوا} : لا تنقصوا.(2/60)
{وَالْقُمَّلَ} : الْجَرَادَ الَّذِي لَيْسَ لَهُ أَجْنِحَةٌ.
{يَعْرِشُونَ} : يبنون.
{مُتَبَّرٌ} : هالك.
{فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ} : بجد وحزم.
{إِصْرَهُمْ} : عهدهم ومواثيقهم.
{مُرْسَاهَا} : منتهاها.
{خُذِ الْعَفْوَ} : أنفق الفضل.
{وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ} : بالمعروف.
{وَجِلَتْ} : فرقت.
{الْبُكْمُ} الخرس.
{فُرْقَاناً} : نصرا.
{بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا} : شَاطِئِ الْوَادِي.
{إِلّاً وَلا ذِمَّةً} : الْإِلُّ الْقَرَابَةُ وَالذِّمَّةُ الْعَهْدُ.
{أَنَّى يُؤْفَكُونَ} : كيف يكذبون.
{ذَلِكَ الدِّينُ} : القضاء.(2/61)
{عَرَضاً} : غنيمة.
{الشُّقَّةُ} : المسير.
{فَثَبَّطَهُمْ} : حبسهم.
{مَلْجَأً} : الْحِرْزُ فِي الْجَبَلِ.
{أَوْ مَغَارَاتٍ} : الْأَسْرَابُ فِي الْأَرْضِ الْمُخِيفَةِ.
{أَوْ مُدَّخَلاً} : المأوى.
{وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا} : السعاة.
{نَسُوا اللَّهَ} : تركوا طاعة الله.
{فَنَسِيَهُمْ} : تَرَكَهُمْ مِنْ ثَوَابِهِ وَكَرَامَتِهِ.
{بِخَلاقِهِمْ} : بدينهم.
{الْمُعَذِّرُونَ} : أهل العذر.
{مَخْمَصَةٍ} : مجاعة.
{غِلْظَةً} شدة.
{يُفْتَنُونَ} : يبتلون.
{عَزِيزٌ} : شديد.(2/62)
{مَا عَنِتُّمْ} : مَا شَقَّ عَلَيْكُمْ.
{ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ} : انهضوا إلي.
{وَلا تُنْظِرُونِ} : تؤخرون.
{حَقَّتْ} : سبقت.
{وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا} : يَأْتِيهَا رِزْقُهَا حَيْثُ كَانَتْ.
{مُنِيبٌ} : الْمُقْبِلُ إِلَى طَاعَةِ اللَّهِ.
{وَلا يَلْتَفِتْ} : يتخلف.
{وَلا تَعْثَوْا} : تسعوا.
{هَيْتَ لَكَ} : تَهَيَّأْتُ لَكَ وَكَانَ يَقْرَؤُهَا مَهْمُوزَةً.
{وَأَعْتَدَتْ} : هيأت.
{عَلَى الْعَرْشِ} : السرير.
{هَذِهِ سَبِيلِي} : دعوتي.
{الْمَثُلاتُ} : مَا أَصَابَ الْقُرُونَ الْمَاضِيَةَ مِنَ الْعَذَابِ.
{الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ} : السر والعلانية.
{شَدِيدُ الْمِحَالِ} : شَدِيدُ الْمَكْرِ وَالْعَدَاوَةِ.(2/63)
{عَلَى تَخَوُّفٍ} : نَقْصٍ مِنْ أَعْمَالِهِمْ.
{وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ} : ألهمها.
{وَأَضَلُّ سَبِيلاً} : أبعد حجة.
{قَبِيلاً} : عَيَانًا.
{وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً} : اطْلُبْ بَيْنَ الْإِعْلَانِ وَالْجَهْرِ وَبَيْنَ التَّخَافُتِ وَالْخَفْضِ طَرِيقًا لَا جَهْرًا شَدِيدًا وَلَا خَفْضًا لَا يُسْمِعُ أذنيك.
{رُطَباً جَنِيّاً} : طريا.
{أَنْ يَفْرُطَ} : يعجل.
{يَطْغَى} يعتدي.
{لا تَظْمَأُ} : لا تعطش.
{وَلا تَضْحَى} : لَا يُصِيبُكَ حَرٌّ.
{إِلَى رَبْوَةٍ} : المكان المرتفع.
{ذَاتِ قَرَارٍ} : خصب.
{وَمَعِينٍ} : ماء طاهر.
{أُمَّتُكُمْ} : دينكم.
{تَبَارَكَ} : تفاعل من البركة.(2/64)
{كَرَّةً} : رجعة.
{خَاوِيَةٌ} : سَقَطَ أَعْلَاهَا عَلَى أَسْفَلِهَا.
{فَلَهُ خَيْرٌ} : ثواب.
{يُبْلِسُ} : ييأس.
{جُدَدٌ} : طرائق.
{إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ} : طريق النار.
{وَقِفُوهُمْ} : احبسوهم.
{إِنَّهُمْ مَسْؤُولُونَ} : مُحَاسَبُونَ.
{مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ} : تمانعون.
{مُسْتَسْلِمُونَ} : مستنجدون.
{وَهُوَ مُلِيمٌ} : مسيء مذنب.
{فُصِّلَتْ} : بينت.
{وَالْغَوْا فِيهِ} : عيبوه.
{مُهْطِعِينَ} : مقبلين.
{وَبُسَّتِ} : فتت.(2/65)
{وَلا يُنْزِفُونَ} : لَا يَقِيئُونَ كَمَا يَقِيءُ صَاحِبُ خَمْرِ الدُّنْيَا.
{الْحِنْثِ الْعَظِيمِ} : الشرك.
{الْمُهَيْمِنُ} : الشاهد.
{الْعَزِيزُ} : الْمُقْتَدِرُ عَلَى مَا يَشَاءُ.
{الْحَكِيمُ} : الْمُحْكِمُ لِمَا أَرَادَ.
{خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ} : نخل.
{مِنْ فُطُورٍ} : تشقق.
{وَهُوَ حَسِيرٌ} : كَلِيلٌ ضَعِيفٌ.
{لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً} : لَا تَخَافُونَ لَهُ عَظَمَةً.
{جَدُّ رَبِّنَا} : عظمته.
{أَتَانَا الْيَقِينُ} : الموت.
{يَتَمَطَّى} : يختال.
{أَتْرَاباً} : فِي سَنٍّ وَاحِدٍ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ سَنَةً.
{مُرْسَاهَا} : منتهاها.
{مَتَاعاً لَكُمْ} : منفعة.
{مَمْنُونٍ} : منقوص.(2/66)
فصل
قال أبو يكربن الأنبا ري قَدْ جَاءَ عَنِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ - كَثِيرًا - الِاحْتِجَاجُ عَلَى غَرِيبِ الْقُرْآنِ وَمُشْكِلِهِ بِالشِّعْرِ وَأَنْكَرَ جَمَاعَةٌ - لَا عِلْمَ لَهُمْ - عَلَى النَّحْوِيِّينَ ذَلِكَ وَقَالُوا: إِذَا فَعَلْتُمْ ذَلِكَ جَعَلْتُمِ الشِّعْرَ أَصْلًا لِلْقُرْآنِ وَقَالُوا: وَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يُحْتَجَّ بِالشِّعْرِ عَلَى الْقُرْآنِ وَهُوَ مَذْمُومٌ فِي الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ!
قَالَ: وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا زَعَمُوهُ مِنْ أَنَّا جَعَلْنَا الشِّعْرَ أَصْلًا لِلْقُرْآنِ بَلْ أَرَدْنَا تَبْيِينَ الْحَرْفِ الْغَرِيبِ مِنَ الْقُرْآنِ بِالشِّعْرِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً} ، وقال: {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} .
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الشِّعْرُ دِيوَانُ الْعَرَبِ فَإِذَا خَفِيَ عَلَيْنَا الْحَرْفُ مِنَ الْقُرْآنِ الَّذِي أَنْزَلَهُ اللَّهُ بِلُغَةِ الْعَرَبِ رَجَعْنَا إِلَى دِيوَانِهَا فَالْتَمَسْنَا مَعْرِفَةَ ذَلِكَ مِنْهُ.
ثُمَّ أَخْرَجَ مِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إِذَا سَأَلْتُمُونِي عَنْ غَرِيبِ الْقُرْآنِ فَالْتَمِسُوهُ فِي الشِّعْرِ فَإِنَّ الشِّعْرَ دِيوَانُ الْعَرَبِ.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي فَضَائِلِهِ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ عَنْ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يُسْأَلُ عَنِ الْقُرْآنِ فَيُنْشِدُ فِيهِ الشِّعْرَ.
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: يَعْنِي كَانَ يَسْتَشْهِدُ بِهِ عَلَى التَّفْسِيرِ.
قُلْتُ: قَدْ رُوِّينَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ كَثِيرًا مِنْ ذَلِكَ وَأَوْعَبُ مَا رُوِّينَاهُ عَنْهُ مَسَائِلُ نَافِعِ بْنِ الْأَزْرَقِ وَقَدْ أَخْرَجَ بَعْضَهَا ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ فِي كِتَابِ الْوَقْفِ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْكَبِيرِ وَقَدْ رَأَيْتُ أَنْ أَسُوقَهَا هُنَا بِتَمَامِهَا لِتُسْتَفَادَ:(2/67)
أَخْبَرَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الصَّالِحِيُّ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ التَّنُوخِيِّ عَنِ القاسم بن عساكر أخبرنا أَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الشِّيرَازِيُّ أخبرنا أَبُو الْمُظَفَّرِ مُحَمَّدُ بْنُ أَسْعَدَ العراقي أخبرنا أَبُو عَلِيٍّ مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبْهَانَ الكاتب أخبرنا أَبُو عَلِيِّ بْنُ شَاذَانَ حَدَّثَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ علي بْنِ مُكْرَمٍ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ الطَّسِّيِّ حَدَّثَنَا أَبُو سهل السري الْجُنْدَيْسَابُورِيُّ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي عُبَيْدَةَ بَحْرُ بْنُ فَرُّوخَ الْمَكِّيُّ أخبرنا سعيد بن أبي سعيد أخبرنا عِيسَى بْنُ دَأَبٍ عَنْ حُمَيْدٍ الْأَعْرَجِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: بَيْنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ جَالِسٌ بِفِنَاءِ الْكَعْبَةِ قَدِ اكْتَنَفَهُ النَّاسُ يَسْأَلُونَهُ عَنْ تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ فَقَالَ: نَافِعُ بْنُ الْأَزْرَقِ لِنَجْدَةَ بْنِ عُوَيْمِرٍ: قُمْ بِنَا إِلَى هَذَا الَّذِي يَجْتَرِئُ عَلَى تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ بِمَا لَا عِلْمَ لَهُ بِهِ: فَقَامَا إِلَيْهِ فَقَالَا: إِنَّا نُرِيدُ أَنْ نَسْأَلَكَ عَنْ أَشْيَاءَ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَتُفَسِّرَهَا لَنَا وَتَأْتِيَنَا بِمُصَادَقَةٍ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِنَّمَا أَنْزَلَ الْقُرْآنَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: سَلَانِي عَمَّا بَدَا لَكُمَا فَقَالَ نَافِعٌ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ} ، قال العزون: الحلق الرقاق، قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ أَمَا سَمِعْتَ عُبَيْدَ بْنَ الْأَبْرَصِ وَهُوَ يَقُولُ:
فجاؤا يهرعون إليه حت
يَكُونُوا حَوْلَ مِنْبَرِهِ عِزِينَا(2/68)
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ: {وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ} قَالَ: الْوَسِيلَةُ الْحَاجَةُ، قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ أَمَا سَمِعْتَ عَنْتَرَةَ وَهُوَ يَقُولُ:
إِنَّ الرِّجَالَ لَهُمْ إِلَيْكِ وَسِيلَةٌ
إِنْ يَأْخُذُوكِ تَكَحَّلِي وَتَخَضَّبِي
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ: {شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً} قَالَ: الشِّرْعَةُ: الدِّينُ، وَالْمِنْهَاجُ: الطَّرِيقُ. قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ أَبَا سفيان ابن الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَهُوَ يَقُولُ:
لَقَدْ نَطَقَ الْمَأْمُونُ بِالصِّدْقِ والهدى
وبين للإسلام دين ومنهاجا
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ: {إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ} قَالَ: نُضْجِهِ وَبَلَاغِهِ قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الشَّاعِرِ:
إِذَا مَا مَشَتْ وَسْطَ النِّسَاءِ تَأَوَّدَتْ
كَمَا اهْتَزَّ غُصْنٌ نَاعِمُ النَّبْتِ يَانِعُ
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تعالى: {وريشا} ، قَالَ: الرِّيشُ الْمَالُ قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ الشَّاعِرَ يَقُولُ:
فَرِشْنِي بخير طالما ما قَدْ بَرَيْتَنِي
وَخَيْرُ الْمَوَالِي مَنْ يَرِيشُ وَلَا يَبْرِي
قَالَ أَخْبِرْنِي: عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ فِي كَبَدٍ} ، قَالَ: فِي اعْتِدَالٍ وَاسْتِقَامَةٍ، قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ لَبِيدَ بْنَ بيعة وَهُوَ يَقُولُ:
يَا عَيْنُ هَلَّا بَكَيْتِ أَرْبَدَ إِذْ
قُمْنَا وَقَامَ الْخُصُومُ فِي كَبَدِ(2/69)
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ} قَالَ: السَّنَا الضَّوْءُ، قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ الْحَارِثِ يَقُولُ:
يَدْعُو إِلَى الْحَقِّ لَا يَبْغِي بِهِ بَدَلًا
يَجْلُو بِضَوْءِ سَنَاهُ دَاجِيَ الظُّلَمِ
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَحَفَدَةً} قَالَ: وَلَدُ الْوَلَدِ وَهُمُ الْأَعْوَانُ، قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ أَمَا سَمِعْتَ الشَّاعِرَ يَقُولُ:
حَفْدُ الْوَلَائِدِ حَوْلَهُنَّ وَأَسْلَمَتْ
بِأَكُفِّهِنَّ أزمة الأجمال
قَالَ أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَحَنَاناً مِنْ لَدُنَّا} قَالَ: رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ أَمَا سَمِعْتَ طَرَفَةَ بْنَ الْعَبْدِ يَقُولُ:
أَبَا مُنْذِرٍ أَفْنَيْتَ فَاسْتَبْقِ بَعْضَنَا
حَنَانَيْكَ بَعْضُ الشَّرِّ أَهْوَنُ مِنْ بَعْضِ
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا} قَالَ: أَفَلَمْ يَعْلَمْ بِلُغَةِ بَنِي مَالِكٍ قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ أَمَا سَمِعْتَ مالك ابن عَوْفٍ يَقُولُ:
لَقَدْ يَئِسَ الْأَقْوَامُ أَنِّي أَنَا ابْنُهُ
وَإِنْ كُنْتُ عن أرض العشيرة نائبا
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {مَثْبُوراً} قَالَ: مَلْعُونًا مَحْبُوسًا مِنَ الْخَيْرِ قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ أَمَا سَمِعْتَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزِّبَعْرَى يَقُولُ:(2/70)
إِذْ أَتَانِي الشَّيْطَانُ فِي سِنَةِ النوم
وَمَنْ مَالَ مَيْلَهُ مَثْبُورًا
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ} قَالَ: أَلْجَأَهَا قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ حَسَّانَ بْنَ ثَابِتٍ يَقُولُ:
إِذْ شَدَدْنَا شَدَّةً صَادِقَةً
فَأَجَأْنَاكُمْ إِلَى سَفْحِ الْجَبَلِ
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {نَدِيّاً} قَالَ: النَّادِي الْمَجْلِسُ قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ الشَّاعِرَ يَقُولُ:
يَوْمَانِ يَوْمُ مَقَامَاتٍ وَأَنْدِيَةٍ
وَيَوْمُ سَيْرٍ إِلَى الْأَعْدَاءِ تَأْوِيبِ
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَثَاثاً وَرِئْياً} قَالَ: الْأَثَاثُ الْمَتَاعُ، وَالرِّئْيُ مِنَ الشَّرَابِ. قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ الشَّاعِرَ يَقُولُ:
كَأَنَّ عَلَى الْحُمُولِ غَدَاةَ وَلَّوْا
مِنَ الرِّئْيِ الْكَرِيمِ مِنَ الْأَثَاثِ
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَيَذَرُهَا قَاعاً صَفْصَفاً} قَالَ: الْقَاعُ الْأَمْلَسُ، وَالصَّفْصَفُ الْمُسْتَوِي قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ الشَّاعِرَ يَقُولُ:
بِمَلْمُومَةٍ شَهْبَاءَ لَوْ قَذَفُوا بِهَا
شَمَارِيخَ مِنْ رَضْوَى إِذَنْ صَفْصَفًا
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلا تَضْحَى} ،(2/71)
قَالَ: لَا تَعْرَقُ فِيهَا مِنْ شِدَّةِ حَرِّ الشَّمْسِ قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ الشَّاعِرَ يَقُولُ:
رَأَتْ رَجُلًا أَمَّا إِذَا الشَّمْسُ عَارَضَتْ
فَيَضْحَى وَأَمَّا بِالْعَشِيِّ فَيَخْصَرُ
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَهُ خُوَارٌ} قَالَ: لَهُ صِيَاحٌ، قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ: قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الشَّاعِرِ:
كَأَنَّ بَنِي مُعَاوِيَةَ بْنَ بَكْرٍ
إِلَى الْإِسْلَامِ صَائِحَةٌ تَخُورُ
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تَنِيَا فِي ذِكْرِي} قَالَ: لَا تَضْعُفَا عَنْ أَمْرِي قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الشَّاعِرِ:
إِنِّي وَجَدِّكَ مَا وَنَيْتُ وَلَمْ أَزَلْ
أَبْغِي الْفِكَاكَ لَهُ بِكُلِّ سَبِيلِ
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قوله تعالى: {الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} قَالَ: الْقَانِعُ الَّذِي يَقْنَعُ بِمَا أُعْطِيَ وَالْمُعْتَرُّ الَّذِي يَعْتَرِضُ الْأَبْوَابَ قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الشَّاعِرِ:
على مكثريهم حق من يعتريهم
وَعِنْدَ الْمُقِلِّينَ السَّمَاحَةُ وَالْبَذْلُ
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقَصْرٍ مَشِيدٍ} قال: مشيد بالجص والآخر قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ عَدِيَّ بْنَ زَيْدٍ يَقُولُ:
شَادَهُ مَرْمَرًا وَجَلَّلَهُ كِلْسًا
فَلِلطَّيْرِ فِي ذُرَاهُ وُكُورُ(2/72)
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {شُوَاظٌ} قَالَ: الشُّوَاظُ اللَّهَبُ الَّذِي لَا دُخَانَ لَهُ قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ أُمَيَّةَ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ:
يَظَلُّ يَشُبُّ كِيرًا بَعْدَ كِيرٍ
وَيَنْفُخُ دَائِبًا لَهَبَ الشُّوَاظِ
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} قَالَ: فَازُوا وَسَعِدُوا قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ لَبِيدِ بْنِ رَبِيعَةَ:
فَاعْقِلِي إِنْ كُنْتِ لَمَّا تَعْقِلِي
وَلَقَدْ أَفْلَحَ مَنْ كَانَ عَقَلْ
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ} قَالَ: يُقَوِّي قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ:
برجال لستموا أَمْثَالَهُمْ
أَيَّدُوا جِبْرِيلَ نَصْرًا فَنَزَلْ
قَالَ أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَنُحَاسٌ} قَالَ: هُوَ الدُّخَانُ الَّذِي لَا لَهَبَ فِيهِ قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الشَّاعِرِ:
يُضِيءُ كَضَوْءِ سِرَاجِ السَّلِيطِ
لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ فِيهِ نُحَاسًا
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قوله تعالى: {أَمْشَاجٍ} قَالَ: اخْتِلَاطُ مَاءِ(2/73)
الرَّجُلِ وَمَاءِ الْمَرْأَةِ إِذَا وَقَعَ فِي الرَّحِمِ قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ أَبِي ذُؤَيْبٍ:
كَأَنَّ الرِّيشَ وَالْفَوْقَ مِنْهُ
خِلَالَ النَّصْلِ خَالَطَهُ مَشِيجُ
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قوله تعالى: {وَفُومِهَا} قَالَ: الْحِنْطَةُ قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ أَبِي مِحْجَنٍ الثَّقَفِيِّ:
قَدْ كُنْتُ أَحْسَبُنِي كَأَغْنَى وَاحِدٍ
قَدِمَ الْمَدِينَةَ عَنْ زِرَاعَةِ فُومِ
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ} قَالَ: السُّمُودُ اللَّهْوُ وَالْبَاطِلُ. قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ هُزَيْلَةَ بِنْتِ بَكْرٍ وَهِيَ تَبْكِي قَوْمَ عَادٍ:
لَيْتَ عَادًا قَبِلُوا الْحَقَّ
وَلَمْ يُبْدُوا جُحُودًا
قِيلَ فَقُمْ فَانْظُرْ إِلَيْهِمْ
ثُمَّ دَعْ عَنْكَ السُّمُودَا
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا فِيهَا غَوْلٌ} قَالَ: لَيْسَ فِيهَا نَتَنٌ وَلَا كَرَاهِيَةٌ كَخَمْرِ الدُّنْيَا قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ امْرِئِ الْقَيْسِ:
رُبَّ كَأْسٍ شَرِبْتُ لَا غُولَ فِيهَا
وَسَقَيْتُ النَّدِيمَ مِنْهَا مِزَاجًا(2/74)
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ} قَالَ: اتِّسَاقُهُ اجْتِمَاعُهُ قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ طَرَفَةَ بْنِ الْعَبْدِ:
إِنَّ لَنَا قَلَائِصًا نَقَانِقَا
مُسْتَوْسِقَاتٍ لَوْ تَجِدْنَ سَائِقًا
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} قَالَ: بَاقُونَ لَا يَخْرُجُونَ مِنْهَا أَبَدًا قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ عَدِيِّ بْنِ زَيْدٍ:
فَهَلْ مِنْ خَالِدٍ إِمَّا هَلَكْنَا
وَهَلْ بِالْمَوْتِ يَا لَلنَّاسِ من عَارُ
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ} قَالَ: كَالْحِيَاضِ قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ طَرَفَةَ بْنِ الْعَبْدِ:
كَالْجَوَابِي لَا تَنِي مُتْرَعَةً
لِقِرَى الْأَضْيَافِ أَوْ لِلْمُحْتَضِرْ
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} قال: الفجور والزنى قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الْأَعْشَى:
حَافِظٌ لِلْفَرْجِ رَاضٍ بِالتُّقَى
لَيْسَ مِمَّنْ قَلَبُهُ فِيهِ مَرَضْ
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {مِنْ طِينٍ لازِبٍ} قَالَ: الْمُلْتَزِقُ قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ النَّابِغَةِ:(2/75)
فَلَا يَحْسَبُونَ الْخَيْرَ لَا شَرَّ بَعْدَهُ
وَلَا يَحْسَبُونَ الشَّرَّ ضَرْبَةَ لَازِبِ
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تعالى: {أَنْدَاداً} قَالَ: الْأَشْبَاهُ وَالْأَمْثَالُ قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ لَبِيدِ بْنِ رَبِيعَةَ:
أَحْمَدُ اللَّهَ فَلَا نِدَّ لَهُ
بِيَدَيْهِ الْخَيْرُ مَا شَاءَ فَعَلْ
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تعالى: {لَشَوْباً مِنْ حَمِيمٍ} قال: الخلط الْحَمِيمِ وَالْغَسَّاقِ قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الشَّاعِرِ:
تِلْكَ الْمَكَارِمُ لَا قَعْبَانِ مِنْ لَبَنٍ
شِيبَا بِمَاءٍ فَعَادَا بَعْدُ أَبْوَالًا
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا} قَالَ: الْقِطُّ الْجَزَاءُ قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الْأَعْشَى:
وَلَا الْمَلِكُ النُّعْمَانُ يَوْمَ لَقِيتَهُ
بِنِعْمَتِهِ يُعْطِي الْقُطُوطَ وَيُطْلِقُ
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {مِنْ حَمَأٍ مَسْنُونٍ} قَالَ: الْحَمَأُ السَّوَادُ وَالْمَسْنُونُ الْمُصَوَّرُ قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ:
أَغَرٌّ كَأَنَّ البدر سنة وَجْهِهِ
جَلَا الْغَيْمَ عَنْهُ ضَوْءُهُ فَتَبَدَّدَا(2/76)
قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} قَالَ: الَّذِي لَا يَجِدُ شَيْئًا مِنْ شِدَّةِ الْحَالِ قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ طَرَفَةَ:
يَغْشَاهُمُ الْبَائِسُ الْمُدْقِعُ
وَالضَّيْفُ وَجَارٌ مُجَاوِرٌ جُنُبُ
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تعالى: {مَاءً غَدَقاً} قَالَ: كَثِيرًا جَارِيًا قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ قَالَ: نَعَمْ أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الشَّاعِرِ:
تُدْنِي كَرَادِيسَ مُلْتَفًّا حَدَائِقُهَا
كَالنَّبْتِ جَادَتْ بِهَا أنهارها غدقا
قال: أخبرنا عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {بِشِهَابٍ قَبَسٍ} قَالَ: شُعْلَةٌ مِنْ نَارٍ يَقْتَبِسُونَ مِنْهُ قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ طَرَفَةَ بْنِ الْعَبْدِ:
هَمٌّ عَرَانِي فَبِتُّ أَدْفَعُهُ
دُونَ سُهَادِي كَشُعْلَةِ الْقَبَسِ
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قوله تعالى: {عَذَابٌ أَلِيمٌ} قَالَ: الْأَلِيمُ الْوَجِيعُ قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الشَّاعِرِ:
نَامَ مَنْ كَانَ خَلِيًّا مِنْ أَلَمْ
وَبَقِيتُ اللَّيْلَ طُولًا لَمْ أَنَمْ
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ} قَالَ: أَتْبَعْنَا عَلَى آثَارِ الْأَنْبِيَاءِ أَيْ بَعَثْنَا قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ عَدِيِّ بْنِ زَيْدٍ:(2/77)
يَوْمَ قَفَّتْ عِيرُهُمْ مِنْ عِيرِنَا
وَاحْتِمَالُ الْحَيِّ فِي الصُّبْحِ فَلَقْ
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِذَا تَرَدَّى} قَالَ: إِذَا مَاتَ وَتَرَدَّى فِي النَّارِ قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ عَدِيِّ بْنِ زَيْدٍ:
خَطَفَتْهُ مَنِيَّةٌ فَتَرَدَّى
وَهُوَ فِي الْمُلْكِ يَأْمُلُ التَّعْمِيرَا
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ} قَالَ: النَّهَرُ السَّعَةُ قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ لَبِيدِ بْنِ رَبِيعَةَ:
مَلَكْتُ بِهَا كَفِّي فَأَنْهَرْتُ فَتْقَهَا
يرى قائم مِنْ دُونِهَا مَا وَرَاءَهَا
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ} قَالَ: الْخَلْقُ قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ لَبِيدِ بْنِ رَبِيعَةَ:
فَإِنْ تَسْأَلِينَا مِمَّ نَحْنُ فَإِنَّنَا
عَصَافِيرُ من هذي الْأَنَامِ الْمُسَحَّرِ
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَنْ لَنْ يَحُورَ} قَالَ: أَنْ لَنْ يَرْجِعَ بِلُغَةِ الْحَبَشَةِ قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الشَّاعِرِ:
وَمَا الْمَرْءُ إِلَّا كَالشِّهَابِ وَضَوْئِهِ
يَحُورُ رَمَادًا بَعْدَ إِذْ هُوَ سَاطِعُ
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُوا} قال:(2/78)
أجدى أَلَّا تَمِيلُوا قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الشَّاعِرِ:
إِنَّا تَبِعْنَا واطرحوا
قول وَعَالُوا فِي الْمَوَازِينِ
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَهُوَ مُلِيمٌ} قَالَ: الْمُسِيءُ الْمُذْنِبُ قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ أُمَيَّةَ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ:
مِنَ الْآفَاتِ لَيْسَ لَهَا بِأَهْلٍ
وَلَكِنَّ الْمُسِيءَ هُوَ الْمُلِيمُ
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تعالى: {إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ} قَالَ: تَقْتُلُونَهُمْ قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الشَّاعِرِ:
وَمِنَّا الَّذِي لَاقَى بِسَيْفِ مُحَمَّدٍ
فَحَسَّ بِهِ الْأَعْدَاءَ عُرْضَ الْعَسَاكِرِ
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {مَا أَلْفَيْنَا} قَالَ: يَعْنِي وَجَدْنَا قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ نَابِغَةِ بَنِي ذُبْيَانَ:
فَحَسَّبُوهُ فَأَلْفَوْهُ كَمَا زَعَمَتْ
تِسْعًا وَتِسْعِينَ لَمْ تَنْقُصْ وَلَمْ تَزِدِ
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تعالى: {جَنَفاً} قَالَ: الْجَوْرُ وَالْمَيْلُ فِي الْوَصِيَّةِ قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ عدي بن زيد:
أمك يَا نُعْمَانُ فِي أَخَوَاتِهَا
تَأْتِينَ مَا يَأْتِينَهُ جَنَفًا
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ} قَالَ: الْبَأْسَاءُ(2/79)
الْخِصْبُ وَالضَّرَّاءُ الْجَدْبُ قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ زَيْدِ بْنِ عَمْرٍو:
إِنَّ الْإِلَهَ عَزِيزٌ وَاسِعٌ حَكَمٌ
بِكَفِّهِ الضُّرُّ وَالْبَأْسَاءُ وَالنِّعَمُ
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِلَّا رَمْزاً} قال: الإشارة باليد والوحي بِالرَّأْسِ قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الشَّاعِرِ:
مَا فِي السَّمَاءِ مِنَ الرَّحْمَنِ مُرْتَمَزٌ
إِلَّا إِلَيْهِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ وَزَرِ
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَقَدْ فَازَ} قَالَ: سَعِدَ وَنَجَا قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ:
وَعَسَى أَنْ أَفُوزَ ثَمَّتَ أَلْقَى
حُجَّةً أَتَّقِي بِهَا الْفَتَّانَا
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تعالى: {سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} قَالَ: عَدْلٌ قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الشَّاعِرِ:
تَلَاقَيْنَا فَقَاضَيْنَا سَوَاءً
وَلَكِنْ جُرَّ عَنْ حَالٍ بِحَالِ
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ} ، قال: السفينة الموقرة الممتلئة قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ عُبَيْدِ بْنِ الْأَبْرَصِ:
شَحَنَّا أَرْضَهُمْ بِالْخَيْلِ حَتَّى
تَرَكْنَاهُمْ أَذَلَّ مِنَ الصِّرَاطِ(2/80)
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {زَنِيمٍ} قَالَ: وَلَدُ الزِّنَى قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الشَّاعِرِ:
زَنِيمٌ تَدَاعَتْهُ الرِّجَالُ زِيَادَةً
كَمَا زِيدَ فِي عَرْضِ الْأَدِيمِ الْأَكَارِعُ
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {طَرَائِقَ قِدَداً} قَالَ: الْمُنْقَطِعَةُ فِي كُلِّ وَجْهٍ قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الشَّاعِرِ:
وَلَقَدْ قُلْتُ وَزَيْدٌ حَاسِرٌ
يَوْمَ وَلَّتْ خَيْلُ زَيْدٍ قِدَدًا
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {بِرَبِّ الْفَلَقِ} قَالَ: الصُّبْحُ إِذَا انْفَلَقَ مِنْ ظُلْمَةِ اللَّيْلِ قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ زُهَيْرِ بْنِ أَبِي سُلْمَى:
الْفَارِجُ الْهَمِّ مَسْدُولًا عَسَاكِرُهُ
كَمَا يُفَرِّجُ غَمَّ الظُّلْمَةِ الْفَلَقُ
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تعالى: {مِنْ خَلاقٍ} قَالَ: نَصِيبٌ قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ أُمَيَّةَ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ:
يَدْعُونَ بِالْوَيْلِ فِيهَا لَا خَلَاقَ لَهُمْ.
إِلَّا سَرَابِيلُ مِنْ قَطْرٍ وَأَغْلَالِ
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ} قَالَ: مُقِرُّونَ قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ عَدِيِّ بْنِ زَيْدٍ:
قَانِتًا لِلَّهِ يَرْجُو عَفْوَهُ
يَوْمَ لَا يُكْفَرُ عَبْدٌ مَا ادَّخَرْ(2/81)
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {جَدُّ رَبِّنَا} قَالَ: عَظَمَةُ رَبِّنَا قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ أُمَيَّةَ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ:
لَكَ الْحَمْدُ وَالنَّعْمَاءُ وَالْمُلْكُ رَبَّنَا
فَلَا شَيْءَ أَعْلَى مِنْكَ جَدًّا وَأَمْجَدُ
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {حَمِيمٍ آنٍ} قَالَ: الْآنُ الَّذِي انْتَهَى طَبْخُهُ وَحَرُّهُ قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ نَابِغَةِ بَنِي ذُبْيَانَ:
وَيَخْضِبُ لِحْيَةً غدرت وحانت
بأحمى من نجيع الخوف آنِ
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ} قَالَ: الطَّعْنُ بِاللِّسَانِ قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الْأَعْشَى:
فِيهِمُ الْخِصْبُ وَالسَّمَاحَةُ وَالنَّجْدَةُ
فِيهِمْ وَالْخَاطِبُ الْمِسْلَاقُ
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تعالى: {وَأَكْدَى} قَالَ: كَدَّرَهُ بِمَنِّهِ قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الشَّاعِرِ:
وَأَعْطَى قَلِيلًا ثُمَّ أَكْدَى بِمَنِّهِ
وَمَنْ يَنْشُرُ الْمَعْرُوفَ فِي النَّاسِ يُحْمَدُ
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {لا وَزَرَ} قَالَ: الْوَزَرُ الْمَلْجَأُ قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ عَمْرِو بْنِ كُلْثُومٍ:
لَعَمْرُكَ مَا إِنْ لَهُ صَخْرَةً
لَعَمْرُكَ مَا إِنْ لَهُ مِنْ وَزَرْ(2/82)
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {قَضَى نَحْبَهُ} قَالَ: أَجَلَهُ الَّذِي قُدِّرَ لَهُ قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ لَبِيدِ بْنِ رَبِيعَةَ:
أَلَا تَسْأَلَانِ الْمَرْءَ مَاذَا يُحَاوِلُ
أَنَحْبٌ فَيُقْضَى أَمْ ضَلَالٌ وَبَاطِلُ
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {ذُو مِرَّةٍ} قَالَ: ذُو شِدَّةٍ فِي أَمْرِ اللَّهِ قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ نَابِغَةِ بَنِي ذُبْيَانَ:
وَهُنَا قِرَى ذِي مِرَّةٍ حَازِمِ
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {الْمُعْصِرَاتِ} قَالَ: السَّحَابُ يَعْصِرُ بَعْضُهَا بَعْضًا فَيَخْرُجُ الْمَاءُ بَيْنَ السَّحَابَتَيْنِ قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ النَّابِغَةِ:
تَجُرُّ بِهَا الْأَرْوَاحُ مِنْ بَيْنِ شَمْأَلٍ
وَبَيْنَ صَبَاهَا الْمُعْصِرَاتُ الدَّوَامِسُ
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {سَنَشُدُّ عَضُدَكَ} قَالَ: الْعَضُدُ الْمُعِينُ النَّاصِرُ قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ النَّابِغَةِ:
فِي ذِمَّةٍ مِنْ أَبِي قَابُوسَ مُنْقِذَةٍ
لِلْخَائِفِينَ وَمَنْ لَيْسَتْ لَهُ عَضُدُ
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تعالى: {فِي الْغَابِرِينَ} قَالَ: فِي الْبَاقِينَ قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ عُبَيْدِ بْنِ الْأَبْرَصِ:(2/83)
ذَهَبُوا وَخَلَّفَنِي الْمُخَلِّفُ فِيهِمُ
فَكَأَنَّنِي فِي الْغَابِرِينَ غَرِيبُ
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلا تَأْسَ} قَالَ: لَا تَحْزَنْ قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ امْرِئِ الْقَيْسِ:
وُقُوفًا بِهَا صَحْبِي عَلَيَّ مَطِيَّهُمْ
يَقُولُونَ لَا تَهْلِكْ أَسًى وَتَجَمَّلِ
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {يَصْدِفُونَ} قَالَ: يُعْرِضُونَ عَنِ الْحَقِّ قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ أَبِي سُفْيَانَ:
عَجِبْتُ لِحِلْمِ اللَّهِ عَنَّا وَقَدْ بَدَا
لَهُ صَدْفُنَا عَنْ كُلِّ حَقٍّ مُنَزَّلِ
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَنْ تُبْسَلَ} قَالَ: تُحْبَسَ قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ زُهَيْرٍ:
وَفَارَقَتْكَ بِرَهْنٍ لَا فِكَاكَ لَهُ
يَوْمَ الْوَدَاعِ فَقَلْبِي مُبْسَلٌ غَلِقَا
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلَمَّا أَفَلَتْ} قَالَ: زَالَتِ الشَّمْسُ عَنْ كَبِدِ السَّمَاءِ قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ:
فَتَغَيَّرَ الْقَمَرُ الْمُنِيرُ لِفَقْدِهِ
وَالشَّمْسُ قَدْ كُسِفَتْ وَكَادَتْ تَأْفُلُ
قَالَ: أَخْبِرْنِي عن قوله تعالى: {كَالصَّرِيمِ} قال: الذاهب قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الشَّاعِرِ:
غَدَوْتُ عَلَيْهِ غُدْوَةً فَوَجَدْتُهُ
قُعُودًا لَدَيْهِ بِالصَّرِيمِ عَوَاذِلُهُ(2/84)
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {تَفْتَأُ} قال: لا تزال قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الشَّاعِرِ:
لَعَمْرُكَ مَا تَفْتَأُ تَذْكُرُ خَالِدًا
وَقَدْ غَالَهُ مَا غَالَ تُبَّعَ مِنْ قَبْلُ
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {خَشْيَةَ إِمْلاقٍ} قال: مخافة الفقر قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الشَّاعِرِ:
وَإِنِّي عَلَى الْإِمْلَاقِ يَا قَوْمِ مَاجِدٌ
أُعِدُّ لِأَضْيَافِي الشِّوَاءَ الْمُضَهَّبَا
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تعالى: {حَدَائِقَ} قال: البساتين فال: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الشَّاعِرِ:
بِلَادٌ سَقَاهَا اللَّهُ أَمَّا سُهُولُهَا
فَقَضْبٌ وَدُرٌّ مُغْدِقٌ وَحَدَائِقُ
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {مُقِيتاً} قال: قادرا مقتدرا قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ أُحَيْحَةَ الْأَنْصَارِيِّ:
وَذِي ضِغْنٍ كَفَفْتُ النَّفْسَ عَنْهُ
وَكُنْتُ عَلَى مُسَاءَتِهِ مُقِيتَا
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تعالى: {وَلا يَؤُودُهُ} قال: لا يثقله قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الشَّاعِرِ:
يُعْطِي الْمِئِينَ وَلَا يؤوده حَمْلُهَا
مَحْضُ الضَّرَائِبِ مَاجِدُ الْأَخْلَاقِ
قَالَ أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {سَرِيّاً} قال: النهر الصغير قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الشاعر:
سهل الخليفة مَاجِدٌ ذُو نَائِلٍ
مِثْلُ السَّرِيِّ تُمِدُّهُ الْأَنْهَارُ(2/85)
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَكَأْساً دِهَاقاً} قال: ملأى قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الشَّاعِرِ:
أَتَانَا عَامِرٌ يَرْجُو قِرَانَا
فَأَتْرَعْنَا لَهُ كَأْسًا دِهَاقًا
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَكَنُودٌ} قَالَ: كَفَوْرٌ لِلنِّعَمِ وَهُوَ الَّذِي يَأْكُلُ وَحْدَهُ وَيَمْنَعُ رِفْدَهُ وَيُجِيعُ عبده قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الشَّاعِرِ:
شَكَرْتُ لَهُ يَوْمَ الْعُكَاظِ نَوَالَهُ
وَلَمْ أَكُ لِلْمَعْرُوفِ ثَمَّ كَنُودَا
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُوسَهُمْ} قال: يحركون رؤوسهم استهزاء قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الشَّاعِرِ:
أَتُنْغِضُ لِي يَوْمَ الْفَخَارِ وَقَدْ تَرَى
خُيُولًا عَلَيْهَا كَالْأُسُودِ ضَوَارِيَا
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تعالى: {يُهْرَعُونَ} قال: يقبلون إليه بالغضب قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الشَّاعِرِ:
أَتَوْنَا يُهْرَعُونَ وَهُمْ أُسَارَى
نَسُوقُهُمُ عَلَى رَغْمِ الْأُنُوفِ
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ} قَالَ: بِئْسَ اللَّعْنَةُ بَعْدَ اللَّعْنَةِ قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الشاعر:
لا تقذفن بِرُكْنٍ لَا كَفَاءَ لَهُ
وَإِنْ تَأَثَّفَكَ الْأَعْدَاءُ بِالرِّفَدِ
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {غَيْرَ تَتْبِيبٍ} قال: تخسير قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ بِشْرِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ:
هُمُ جَدَعُوا الْأُنُوفَ فَأَوْعَبُوهَا
وَهُمْ تَرَكُوا بَنِي سَعْدٍ تَبَابَا(2/86)
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ} ما يقطع؟ قَالَ: آخِرُ اللَّيْلِ سَحَرًا، قَالَ مَالِكُ بْنُ كِنَانَةَ:
وَنَائِحَةٌ تَقُومُ بِقِطْعِ لَيْلٍ
عَلَى رَجُلٍ أَصَابَتْهُ شعوب
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {هَيْتَ لَكَ} قال: تهيأت لك قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ أُحَيْحَةَ الْأَنْصَارِيِّ:
بِهِ أَحْمِي الْمُضَافَ إِذَا دَعَانِي
إِذَا مَا قِيلَ لِلْأَبْطَالِ هَيْتَا
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {يَوْمٌ عَصِيبٌ} قال: شديد قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الشَّاعِرِ:
هُمُ ضَرَبُوا قَوَانِسَ خَيْلِ حُجْرٍ
بِجَنْبِ الرَّدْهِ فِي يَوْمٍ عَصِيبِ
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تعالى: {مُؤْصَدَةٌ} قال: مطبقة قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الشَّاعِرِ:
تَحِنُّ إِلَى أَجْبَالِ مَكَّةَ نَاقَتِي
وَمِنْ دُونِنَا أَبْوَابُ صَنْعَاءَ مُؤْصَدَةٌ
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا يَسْأَمُونَ} قَالَ: لَا يَفْتُرُونَ وَلَا يَمَلُّونَ قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الشَّاعِرِ:
مِنَ الْخَوْفِ لَا ذُو سَأْمَةٍ مِنْ عِبَادَةٍ
وَلَا هُوَ مِنْ طُولِ التَّعَبُّدِ يُجْهَدُ
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {طَيْراً أَبَابِيلَ} قَالَ ذَاهِبَةً وَجَائِيَةً تَنْقُلُ الْحِجَارَةَ بِمَنَاقِيرِهَا وَأَرْجُلِهَا فَتُبَلْبِلُ عَلَيْهِمْ فَوْقَ رؤوسهم قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتُ قَوْلَ الشَّاعِرِ:(2/87)
وَبِالْفَوَارِسِ مِنْ وَرْقَاءَ قَدْ عَلِمُوا
أَحْلَاسَ خَيْلٍ عَلَى جُرْدٍ أَبَابِيلِ
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {ثَقِفْتُمُوهُمْ} قال: وجدتموهم قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ حَسَّانَ:
فَإِمَّا تَثْقَفَنَّ بَنِي لُؤَيٍّ
جَذِيمَةَ إِنَّ قَتْلَهُمُ دَوَاءُ
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً} قَالَ: النَّقْعُ مَا يَسْطَعُ مِنْ حَوَافِرِ الْخَيْلِ قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ حَسَّانَ:
عَدِمْنَا خَيْلَنَا إِنْ لَمْ تَرَوْهَا
تُثِيرُ النَّقْعَ مَوْعِدُهَا كَدَاءُ
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ} قال: وسط الجحيم قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الشَّاعِرِ:
رَمَاهَا بِسَهْمٍ فَاسْتَوَى فِي سَوَائِهَا
وَكَانَ قَبُولًا لِلْهَوَى ذِي الطَّوَارِقِ
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تعالى: {فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ} قَالَ: الَّذِي لَيْسَ لَهُ شَوْكٌ قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ أُمَيَّةَ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ:
إِنَّ الْحَدَائِقَ فِي الْجِنَانِ ظَلِيلَةٌ
فِيهَا الْكَوَاعِبُ سِدْرُهَا مَخْضُودُ
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {طَلْعُهَا هَضِيمٌ} قال: منهضم بعضه إلى بعض قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ امْرِئِ الْقَيْسِ:
دَارٌ لِبَيْضَاءِ الْعَوَارِضِ طَفْلَةٍ
مَهْضُومَةُ الْكَشْحَيْنِ رَيَّا الْمِعْصَمِ(2/88)
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {قَوْلاً سَدِيداً} قال: قولا عدلا حقا قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ حَمْزَةَ:
أَمِينٌ عَلَى مَا اسْتَوْدَعَ اللَّهُ قَلْبَهُ
فَإِنْ قَالَ قَوْلًا كَانَ فِيهِ مُسَدَّدًا
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِلّاً وَلا ذِمَّةً} قَالَ: الْإِلُّ الْقُرَابَةُ وَالذِّمَّةُ الْعَهْدُ قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الشَّاعِرِ:
جَزَى اللَّهُ إِلًّا كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ
جَزَاءَ ظَلُومٍ لَا يُؤَخِّرُ عَاجِلًا
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {خَامِدِينَ} قال: ميتين قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ لَبِيَدٍ:
حَلُّوا ثِيَابَهُمْ عَلَى عَوْرَاتِهِمْ
فَهُمْ بِأَفْنِيَةِ الْبُيُوتِ خُمُودُ
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {زُبَرَ الْحَدِيدِ} قال: قطع الحديد قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ:
تَلَظَّى عَلَيْهِمْ حِينَ أَنْ شَدَّ حَمْيُهَا
بِزُبْرِ الْحَدِيدِ وَالْحِجَارَةِ سَاجِرُ
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَسُحْقاً} قال: بعدا قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ حَسَّانَ:
أَلَا مِنْ مُبْلِغٍ عَنِّي أُبَيًّا
فَقَدْ أُلْقِيتُ فِي سُحْقِ السَّعِيرِ
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِلَّا فِي غُرُورٍ} قال: في باطل قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ حسان:(2/89)
تمنتك الْأَمَانِيَ مِنْ بَعِيدٍ
وَقَوْلُ الْكُفْرِ يَرْجِعُ فِي غُرُورِ
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَحَصُوراً} قَالَ: الَّذِي لَا يَأْتِي النِّسَاءَ قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الشَّاعِرِ:
وَحَصُورٌ عَنِ الْخَنَا يأمرالنا
سَ بِفِعْلِ الْخَيْرَاتِ وَالتَّشْمِيرِ
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {عَبُوساً قَمْطَرِيراً} قَالَ: الَّذِي يَنْقَبِضُ وَجْهُهُ مِنْ شِدَّةِ الْوَجَعِ قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الشَّاعِرِ:
وَلَا يَوْمَ الْحِسَابِ وَكَانَ يَوْمًا
عُبُوسًا فِي الشَّدَائِدِ قَمْطَرِيرًا
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ} قَالَ: عن شدة الآخرة قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الشَّاعِرِ:
قَدْ قَامَتْ بِنَا الْحَرْبُ عَلَى سَاقِ
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تعالى: {إِيَابَهُمْ} قال: الإياب المرجع قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ عُبَيْدِ بْنِ الْأَبْرَصِ:
وَكُلُّ ذِي غيبة يؤوب
وغائب الموت لا يؤوب
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {حُوباً} قَالَ: إِثْمًا بِلُغَةِ الْحَبَشَةِ قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ نَعَمْ أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الْأَعْشَى:
فَإِنِّي وَمَا كَلَّفْتُمُونِي مِنْ أَمْرِكُمْ
لِيُعْلَمَ مَنْ أَمْسَى أَعَقَّ وَأَحْوَبَا(2/90)
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تعالى: {الْعَنَتَ} قال: الإثم قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الشَّاعِرِ:
رَأَيْتُكَ تَبْتَغِي عَنَتِي وَتَسْعَى
مَعَ السَّاعِي عَلَيَّ بِغَيْرِ ذَحْلِ
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَتِيلاً} قَالَ: الَّتِي تَكُونُ فِي شِقِّ النواة قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ النَّابِغَةِ:
يَجْمَعُ الْجَيْشَ ذَا الْأُلُوفِ وَيَغْزُو
ثُمَّ لَا يَرْزَأُ الْأَعَادِي فَتِيلًا
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {مِنْ قِطْمِيرٍ} قَالَ: الْجِلْدَةُ الْبَيْضَاءُ الَّتِي عَلَى النواة قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ أُمَيَّةَ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ:
لَمْ أَنَلْ مِنْهُمْ فَسِيطًا وَلَا زُبْدًا
وَلَا فُوفَةً وَلَا قِطْمِيرًا
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَرْكَسَهُمْ} قال: حبسهم قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ أُمَيَّةَ:
أُرْكِسُوا فِي جَهَنَّمَ إِنَّهُمْ كا
نواعتاة تقول كِذْبًا وَزُورًا
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا} قال: سلطنا قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ لَبِيَدٍ:
إِنْ يُغْبَطُوا يَيْسَرُوا وَإِنْ أَمِرُوا
يَوْمًا يَصِيرُوا لِلْهُلْكِ وَالْفَقْدِ
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} قَالَ:(2/91)
يُضِلَّكُمْ بِالْعَذَابِ وَالْجَهْدِ بِلُغَةِ هَوَازِنَ قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الشَّاعِرِ:
كُلُّ امْرِئٍ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ مُضْطَهَدٌ
بِبَطْنِ مَكَّةَ مَقْهُورٌ وَمَفْتُونُ
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا} قال: كأن لم يكونوا قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ لَبِيدٍ:
وَغَنَّيْتَ سَبْتًا قَبْلَ مَجْرَى دَاحِسٍ
لَوْ كَانَ لِلنَّفْسِ اللَّجُوجِ خُلُودُ
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {عَذَابَ الْهُونِ} قال: الهوان قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الشَّاعِرِ:
إِنَّا وَجَدْنَا بِلَادَ اللَّهِ وَاسِعَةً
تُنْجِي مِنَ الذُّلِّ وَالْمَخْزَاةِ وَالْهُونِ
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً} قَالَ: النَّقِيرُ مَا فِي شِقِّ النَّوَاةِ وَمِنْهُ تنبت النخلة قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الشَّاعِرِ:
وَلَيْسَ النَّاسُ بَعْدَكَ فِي نَقِيرٍ
وَلَيْسُوا غَيْرَ أَصْدَاءٍ وَهَامِ
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {لا فَارِضٌ} قال: الهرمة قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الشَّاعِرِ:
لَعَمْرِي لَقَدْ أَعْطَيْتَ ضَيْفَكَ فَارِضًا
يُسَاقُ إِلَيْهِ مَا يَقُومُ عَلَى رَجُلِ
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ} قَالَ: بَيَاضُ النَّهَارِ مِنْ سَوَادِ اللَّيْلِ وَهُوَ الصُّبْحُ إِذَا انْفَلَقَ قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ أُمَيَّةَ:(2/92)
الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ ضَوْءُ الصُّبْحِ مُنْفَلِقٌ
وَالْخَيْطُ الْأَسْوَدُ لَوْنُ اللَّيْلِ مَكْمُومُ
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ} قَالَ: بَاعُوا نَصِيبَهُمْ مِنَ الْآخِرَةِ بِطَمَعٍ يَسِيرٍ من الدُّنْيَا قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الشَّاعِرِ:
يُعْطَى بِهَا ثَمَنًا فَيَمْنَعُهَا
وَيَقُولُ صَاحِبُهَا أَلَا تَشْرِي
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {حُسْبَاناً مِنَ السَّمَاءِ} قال: نار من السَّمَاءِ قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ حَسَّانَ:
بَقِيَّةُ مَعْشَرٍ صُبَّتْ عَلَيْهِمْ
شَآبِيبٌ مِنَ الْحُسْبَانِ شُهْبُ
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَعَنَتِ الْوُجُوهُ} قال: استسلمت وخضعت قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الشَّاعِرِ:
لِيَبْكِ عَلَيْكَ كُلُّ عَانٍ بِكُرْبَةٍ
وَآلُ قُصَيٍّ مِنْ مُقِلٍّ وَذِي وَفْرِ
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {مَعِيشَةً ضَنْكاً} قال: الضنك الضيق الشديد قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الشَّاعِرِ:
وَالْخَيْلُ قَدْ لَحِقَتْ بِهَا فِي مَأْزِقٍ
ضَنْكٍ نَوَاحِيهِ شَدِيدِ الْمَقْدِمِ
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {مِنْ كُلِّ فَجٍّ} قال: طريق قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الشَّاعِرِ:
وَحَازُوا الْعِيَالَ وَسَدُّوا الْفِجَاجَ
بِأَجْسَادِ عَادٍ لَهَا آيَدَانِ(2/93)
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {ذَاتِ الْحُبُكِ} قَالَ: ذَاتُ طَرَائِقَ وَالْخَلْقِ الْحَسَنِ قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ زُهَيْرِ بْنِ أَبِي سُلْمَى:
هُمْ يَضْرِبُونَ حَبِيكَ الْبَيْضِ إِذْ لَحِقُوا
لَا ينكصون إذا ما استرحموا رحموا
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {حَرَضاً} قال: المدنف الهالك من شدة الوجع قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الشَّاعِرِ:
أَمِنْ ذِكْرِ لَيْلَى أَنْ نَأَتْ غُرْبَةٌ بِهَا
كَأَنَّكَ جُمٌّ لِلْأَطِبَّاءِ مُحْرَضُ
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {يَدُعُّ الْيَتِيمَ} قال: يدفعه عن حقه قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ أَبِي طَالِبٍ:
يُقَسِّمُ حَقًّا لِلْيَتِيمِ وَلَمْ يَكُنْ
يَدُعُّ لَدَى أَيْسَارِهِنَّ الْأَصَاغِرَا
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ} قَالَ: مُنْصَدِعٌ مِنْ خَوْفِ يَوْمِ القيامة قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الشاعر:
ظباهن حتى أعرض الليل دونها
أفاطير وسمي رواء جُذُورُهَا
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَهُمْ يُوزَعُونَ} قَالَ: يُحْبَسُ أَوَّلُهُمْ عَلَى آخِرِهِمْ حَتَّى تَنَامَ الطير قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الشَّاعِرِ:
وَزِعْتُ رَعِيلَهَا بِأَقَبَّ نَهْدٍ
إِذَا مَا الْقَوْمُ شَدُّوا بَعْدَ خَمْسِ
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {كُلَّمَا خَبَتْ} قَالَ: الْخَبْوُ الَّذِي يُطْفَأُ مَرَّةً وَيُسَعَّرُ أُخْرَى قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الشاعر:(2/94)
وتخبو النار عن آذان قومي
وأضرمها إذا ابتردوا سَعِيرًا
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {كَالْمُهْلِ} قال: كدردي الزيت أخرى قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الشَّاعِرِ:
تُبَارِي بِهَا الْعِيسُ السُّمُومَ كَأَنَّهَا
تَبَطَّنَتِ الْأَقْرَابَ مِنْ عِرْقِ مُهْلًا
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَخْذاً وَبِيلاً} قَالَ: شَدِيدًا لَيْسَ لَهُ مَلْجَأٌ قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الشَّاعِرِ:
وَخِزْيُ الْحَيَاةِ وَخِزْيُ الْمَمَاتِ
وَكُلًّا أَرَاهُ طَعَامًا وَبِيلًا
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ} قال: هربوا بلغة اليمن قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ عَدِيِّ بْنِ زَيْدٍ:
نَقَبُوا فِي الْبِلَادِ مِنْ حَذَرِ الْمَوْ
تِ وَجَالُوا فِي الْأَرْضِ أَيَّ مَجَالِ
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِلَّا هَمْساً} قَالَ: الْوَطْءُ الْخَفِيُّ وَالْكَلَامُ الْخَفِيُّ قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الشَّاعِرِ:
فَبَاتُوا يُدْلِجُونَ وَبَاتَ يَسْرِي
بَصِيرٌ بِالدُّجَا هَادٍ هَمُوسُ
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {مُقْمَحُونَ} قَالَ: الْمُقْمَحُ الشَّامِخُ بِأَنْفِهِ الْمُنَكِّسُ رأسه قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الشَّاعِرِ:
وَنَحْنُ عَلَى جَوَانِبِهَا قُعُودٌ
نَغُضُّ الطَّرْفَ كَالْإِبِلِ الْقِمَاحِ(2/95)
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ} قال: المريج الباطل قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الشَّاعِرِ:
فَرَاعَتْ فَابْتَدَرْتُ بِهَا حَشَاهَا
فَخَرَّ كَأَنَّهُ خُوطٌ مَرِيجُ
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {حَتْماً مَقْضِيّاً} قال: الحتم الواجب قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ أُمَيَّةَ:
عِبَادُكَ يُخْطِئُونَ وَأَنْتَ رَبٌّ
بِكَفَّيْكَ الْمَنَايَا وَالْحُتُومُ
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قوله تعالى: {وَأَكْوَابٍ} قَالَ: الْقِلَالُ الَّتِي لَا عُرَى لها قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الْهُذَلِيِّ:
فَلَمْ يَنْطِقِ الدِّيكُ حَتَّى مَلَأَتُ
كُؤُوبَ الدِّنَانِ لَهُ فَاسْتَدَارَا
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ} قال: لا يسكرون قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ:
ثُمَّ لَا يُنْزَفُونَ عَنْهَا وَلَكِنْ
يَذْهَبُ الْهَمُّ عَنْهُمُ وَالْغَلِيلُ
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {كَانَ غَرَاماً} قَالَ: مُلَازِمًا شَدِيدًا كَلُزُومِ الْغَرِيمِ الغريم قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ بِشْرِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ:
وَيَوْمَ النسار ويوم الجفا
ركانا عَذَابًا وَكَانَا غَرَامًا
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تعالى: {وَالتَّرَائِبِ} قَالَ: هُوَ مَوْضِعُ الْقِلَادَةِ مِنَ المرأة قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الشَّاعِرِ:(2/96)
وَالزَّعْفَرَانُ عَلَى تَرَائِبِهَا
شَرَقًا بِهِ اللِّبَّاتُ وَالنَّحْرُ
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَكُنْتُمْ قَوْماً بُوراً} قَالَ: هَلْكَى بِلُغَةِ عُمَانَ وَهُمْ مِنْ الْيَمَنِ قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الشَّاعِرِ:
فَلَا تَكْفُرُوا مَا قَدْ صَنَعْنَا إِلَيْكُمُو
وَكَافُوا بِهِ فَالْكُفْرُ بُورٌ لِصَانِعِهْ
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {نَفَشَتْ} قال: النفش الرعي بالليل قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ لَبِيَدٍ:
بُدِّلْنَ بَعْدَ النَّفَشِ الو جيفا
وَبَعْدَ طُولِ الْجِرَّةِ الصَّرِيفَا
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَلَدُّ الْخِصَامِ} قَالَ: الْجَدِلُ الْمُخَاصِمُ فِي الْبَاطِلِ قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ مُهَلْهِلٍ:
إِنَّ تَحْتَ الْأَحْجَارِ حَزْمًا وَجُودًا
وَخَصِيمًا أَلَدَّ ذَا مِعْلَاقِ
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {بِعِجْلٍ حَنِيذٍ} قَالَ: النَّضِيجُ مِمَّا يُشْوَى بِالْحِجَارَةِ قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الشاعر:
لهم راح وفار المسك فيهم
وشاويهم إذا شاؤوا حَنِيذَا
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {مِنَ الأَجْدَاثِ} قال: القبور قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ ابْنِ رَوَاحَةَ:
حِينًا يَقُولُونَ إِذْ مَرُّوا عَلَى جَدَثَيْ
أَرْشِدْهُ يَا رَبِّ مِنْ عَانٍ وَقَدْ رَشَدَا
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {هَلُوعاً} قال: ضجرا جزوعا قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ بِشْرِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ:(2/97)
لَا مَانِعًا لِلْيَتِيمِ نِحْلَتَهُ
وَلَا مُكِبًّا لِخَلْقِهِ هَلِعًا
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلاتَ حِينَ مَنَاصٍ} قال: ليس بحين فرار قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الْأَعْشَى:
تَذَكَّرَتْ لَيْلَى حِينَ لَاتَ تَذَكُّرٍ
وَقَدْ بِنْتُ مِنْهَا وَالْمَنَاصُ بَعِيدُ
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تعالى: {وَدُسُرٍ} قَالَ: الدُّسُرُ الَّذِي تَخْرَزُ بِهِ السفينة قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الشَّاعِرِ:
سَفِينَةُ نُوتِيٍّ قَدَ احْكَمَ صنعها
مثخنة الْأَلْوَاحِ مَنْسُوجَةُ الدُّسُرِ
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تعالى: {رِكْزاً} قال: حسا قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الشَّاعِرِ:
وَقَدْ تَوَجَّسَ رِكْزًا مُقْفِرٌ نَدُسُّ
بِنَبْأَةِ الصَّوْتِ مَا فِي سَمْعِهِ كَذِبُ
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {بَاسِرَةٌ} قال: كالحة قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ عُبَيْدِ بْنِ الْأَبْرَصِ:
صَبَحْنَا تَمِيمًا غداة النسار
شَهْبَاءَ مَلْمُومَةً بَاسِرَةْ
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تعالى: {ضِيزَى} قال: جائرة قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ امْرِئِ الْقَيْسِ:
ضَازَتْ بَنُو أَسَدٍ بِحُكْمِهِمُ
إِذْ يَعْدِلُونَ الرَّأْسَ بِالذَّنَبِ(2/98)
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَمْ يَتَسَنَّهْ} قال: لم تغيره السنون قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الشَّاعِرِ:
طَابَ مِنْهُ الطَّعْمُ وَالرِّيحُ معا
لن ترا مُتَغَيِّرًا مِنْ آسَنْ
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تعالى: {خَتَّارٍ} قال: الغدار الظلوم الغشوم قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الشَّاعِرِ:
لَقَدْ عَلِمَتْ وَاسْتَيْقَنَتْ ذَاتُ نَفْسِهَا
بِأَلَّا تَخَافَ الدَّهْرَ صَرْمِي وَلَا خَتْرِي
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {عَيْنَ الْقِطْرِ} قال: الصفر قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الشَّاعِرِ:
فَأَلْقَى فِي مَرَاجِلَ مِنْ حَدِيدٍ
قُدُورَ الْقِطْرِ لَيْسَ مِنَ الْبَرَاةِ
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {أُكُلٍ خَمْطٍ} قال: الأراك قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الشَّاعِرِ:
وَمَا مِغْزَلٌ فَرْدٌ تُرَاعِي بِعَيْنِهَا
أَغَنَّ غَضِيضَ الطَّرَفِ مِنْ خَلَلِ الْخَمْطِ
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {اشْمَأَزَّتْ} قال: نفرت قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ عَمْرِو بْنِ كُلْثُومٍ:
إِذَا عَضَّ الثقاف بها اشمأزت
وولته عشو زنة زَبُونَا
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {جُدَدٌ} قال: طرائق قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الشَّاعِرِ:
قَدْ غَادَرَ النِّسْعَ فِي صَفَحَاتِهَا جُدَدًا
كَأَنَّهَا طُرُقٌ لَاحَتْ عَلَى أَكَمِ(2/99)
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَغْنَى وَأَقْنَى} قَالَ: أَغْنَى مِنَ الْفَقْرِ وَأَقْنَى مِنَ الْغِنَى فقنع به قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ عَنْتَرَةَ الْعَبْسِيِّ:
فَأَقْنِي حَيَاءَكِ لَا أبالك وَاعْلَمِي
أَنِّي امْرُؤٌ سَأَمُوتُ إِنْ لَمْ أُقْتَلِ
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا يَلِتْكُمْ} قَالَ: لَا يَنْقُصُكُمْ بِلُغَةِ بَنِي عبس قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الْحُطَيْئَةِ الْعَبْسِيِّ:
أَبْلِغْ سَرَاةَ بَنِي سَعْدٍ مُغَلْغَلَةً
جَهْدَ الرِّسَالَةِ لَا أَلْتًا وَلَا كَذِبًا
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَبّاً} قَالَ: الْأَبُّ مَا تَعْتَلِفُ مِنْهُ الدواب قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الشَّاعِرِ:
تَرَى بِهِ الْأَبَّ وَالْيَقْطِينَ مُخْتَلِطًا
عَلَى الشَّرِيعَةِ يَجْرِي تَحْتَهَا الْغَرْبُ
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا تُوَاعِدُوهُنَّ} قال: السر الجماع قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ امْرِئِ الْقَيْسِ:
أَلَا زَعَمَتْ بَسْبَاسَةُ الْيَوْمَ أَنَّنِي
كَبِرْتُ وَأَلَّا يُحْسِنَ السِّرَّ أَمْثَالِي
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فِيهِ تُسِيمُونَ} قال: ترعون قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الْأَعْشَى:
وَمَشَى الْقَوْمُ بِالْعِمَادِ إِلَى الرز
حى وَأَعْيَا الْمُسِيمُ أَيْنَ الْمَسَاقُ
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً} قَالَ: لَا تَخْشَوْنَ لِلَّهِ عَظَمَةً قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ أَبِي ذُؤَيْبٍ:(2/100)
إِذَا لَسَعَتْهُ النَّحْلُ لَمْ يَرْجُ لَسْعَهَا
وَخَالَفَهَا فِي بَيْتِ نَوْبٍ عَوَاسِلُ
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {ذَا مَتْرَبَةٍ} قال: ذا حاجة وجهد قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الشاعر:
تربت يداك ثُمَّ قَلَّ نَوَالُهَا
وَتَرَفَّعَتْ عَنْكَ السَّمَاءُ سِجَالُهَا
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قوله تعالى: {مُهْطِعِينَ} قال: مذعنين خاضعين قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ تُبَّعٍ:
تَعَبَّدَنِي نَمِرُ بْنُ سَعْدٍ وَقَدْ دَرَى
وَنَمِرُ بْنُ سَعْدٍ لِي مَدِينٌ وَمُهْطِعُ
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً} قال: ولدا قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الشَّاعِرِ:
أَمَّا السَّمِيُّ فَأَنْتَ مِنْهُ مُكْثِرٌ
وَالْمَالُ فِيهِ تَغْتَدِي وَتَرُوحُ
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {يُصْهَرُ} قال يذاب قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الشَّاعِرِ:
سَخُنَتْ صُهَارَتُهُ فَظَلَّ عُثَانُهُ
فِي سَيْطَلٍ كُفِيَتْ بِهِ يَتَرَدَّدُ
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ} قال: لتثقل قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ امْرِئِ الْقَيْسِ:
تَمْشِي فَتُثْقِلُهَا عَجِيزَتُهَا
مَشْيَ الضَّعِيفِ يَنُوءُ بِالْوَسْقِ(2/101)
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {كُلَّ بَنَانٍ} قال: أطراف الأصابع قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ عَنْتَرَةَ:
فَنِعْمَ فَوَارِسُ الْهَيْجَاءِ قَوْمِي
إِذَا عَلِقُوا الْأَسِنَّةَ بِالْبَنَانِ
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِعْصَارٌ} قال: الريح الشديدة قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الشَّاعِرِ:
فَلَهُ فِي آثَارِهِنَّ خُوَارٌ
وَحَفِيفٌ كَأَنَّهُ إِعْصَارُ
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قوله تعالى: {مُرَاغَماً} قال: منفسحا بلغة هذيل قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الشاعر:
وأترك أرض هجرة إِنَّ عِنْدِي
رَجَاءً فِي الْمُرَاغَمِ وَالتَّعَادِي
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تعالى: {صَلْداً} قال: أملس قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ أَبِي طَالِبٍ:
وَإِنِّي لَقُرْمٌ وَابْنُ قُرْمٍ لِهَاشِمٍ
لِآبَاءِ صِدْقٍ مَجْدُهُمْ مَعْقِلٌ صَلْدُ
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ} قال: غير منقوص قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ زُهَيْرٍ:
فَضَلَ الْجَوَادُ عَلَى الْخَيْلِ الْبِطَاءِ فَلَا
يُعْطِي بِذَلِكَ مَمْنُونًا وَلَا نَزِقًا
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {جَابُوا الصَّخْرَ} قَالَ: نَقَبُوا الْحِجَارَةَ فِي الْجِبَالِ فَاتَّخَذُوهَا بُيُوتًا قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ أُمَيَّةَ:
وَشَقَّ أَبْصَارَنَا كَيْمَا نَعِيشَ بِهَا
وَجَابَ لِلسَّمْعِ أَصْمَاخًا وَآذَانًا(2/102)
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {حُبّاً جَمّاً} قال: كثيرا قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ أُمَيَّةَ:
إِنْ تَغْفِرِ اللَّهُمَّ تَغْفِرُ جَمًّا
وَأَيُّ عَبْدٍ لَكَ لَا أَلَمَّا
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تعالى: {غَاسِقٍ} قال: الظلمة قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ زُهَيْرٍ:
ظَلَّتْ تَجُوبُ يَدَاهَا وَهِيَ لَاهِيَةٌ
حَتَّى إِذَا جَنَحَ الْإِظْلَامُ وَالْغَسَقُ
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ} قال: النفاق قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الشَّاعِرِ:
أُجَامِلُ أَقْوَامًا حَيَاءً وَقَدْ أَرَى
صُدُورَهُمْ تَغْلِي عَلَيَّ مِرَاضُهَا
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {يَعْمَهُونَ} قال: يلعبون ويترددون قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الْأَعْشَى:
أُرَانِي قَدْ عَمِهْتُ وَشَابَ رَأْسِي
وَهَذَا اللِّعْبُ شَيْنٌ بِالْكَبِيرِ
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِلَى بَارِئِكُمْ} قال: خالقكم قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ تُبَّعٍ:
شَهِدْتُ عَلَى أَحْمَدَ أَنَّهُ
رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ بَارِي النَّسَمْ
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا رَيْبَ فِيهِ} قال: لا شك فِيهِ قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ ابْنِ الزِّبَعْرَى:
لَيْسَ فِي الْحَقِّ يَا أُمَامَةَ رَيْبٌ
إِنَّمَا الرَّيْبُ مَا يَقُولُ الْكَذُوبُ(2/103)
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ} قال: طبع عليها قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الْأَعْشَى:
وَصَهْبَاءَ طَافَ يَهُودُ بِهَا
فَأَبْرَزَهَا وَعَلَيْهَا خُتُمْ
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قوله تعالى: {كَمَثَلِ صَفْوَانٍ} قال: الحجر الأملس قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ أَوْسِ بْنِ حَجَرٍ:
عَلَى ظَهْرِ صَفْوَانٍ كَأَنَّ مُتُونَهُ
عُلِلْنَ بِدُهْنٍ يُزْلِقُ الْمُتَنَزِّلَا
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فِيهَا صِرٌّ} قال: برد قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ نَابِغَةَ:
لَا يَبْرَمُونَ إِذَا مَا الْأَرْضُ جَلَّلَهَا
صِرُّ الشِّتَاءِ مِنَ الْإِمْحَالِ كَالْأَدَمِ
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ} قال: توطن المؤمنين قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الْأَعْشَى:
وَمَا بَوَّأَ الرَّحْمَنُ بَيْتَكَ مَنْزِلًا
بِأَجْيَادِ غَرْبِيِّ الصَّفَا وَالْمُحَرَّمِ
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {رِبِّيُّونَ} قال: جموع كثيرة قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ حَسَّانَ:
وَإِذْ مَعْشَرٌ تُجَافَوْا عَنِ الْقَصْدِ
حَمَلْنَا عَلَيْهِمُ رِبِّيَّا
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {مَخْمَصَةٍ} قال: مجاعة قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الْأَعْشَى:(2/104)
تَبِيتُونَ فِي الْمَشْتَى مِلَاءً بُطُونُكُمْ
وجاراتكم غرثى يَبِتْنَ خَمَائِصًا
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ} قَالَ: لِيَكْتَسِبُوا مَا هُمْ مُكْتَسِبُونَ قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ لَبِيدٍ:
وَإِنِّي لِآتٍ مَا أَتَيْتُ وَإِنَّنِي
لِمَا اقْتَرَفَتْ نَفْسِي عَلَيَّ لِرَاهِبُ
هَذَا آخِرُ مَسَائِلِ نَافِعِ بْنِ الْأَزْرَقِ وَقَدْ حَذَفْتُ مِنْهَا يَسِيرًا نَحْوَ بِضْعَةَ عَشَرَ سُؤَالًا أَسْئِلَةٌ مَشْهُورَةٌ وَأَخْرَجَ الْأَئِمَّةُ أَفْرَادًا مِنْهَا بِأَسَانِيدَ مُخْتَلِفَةٍ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ.
وَأَخْرَجَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الأنبا ري فِي كِتَابِ الْوَقْفِ وَالِابْتِدَاءِ مِنْهَا قِطْعَةً وَهِيَ الْمُعَلَّمُ عَلَيْهَا بِالْحُمْرَةِ صُورَةُ [ك] قَالَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ أَنَسٍ أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ ابن الْحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ أَنْبَأَنَا أَبُو صَالِحٍ هُدْبَةُ بْنُ مُجَاهِدٍ أَنْبَأَنَا مُجَاهِدُ بْنُ شُجَاعٍ أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ الْيَشْكُرِيُّ عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ قَالَ: دَخَلَ نَافِعُ بْنُ الْأَزْرَقِ الْمَسْجِدَ فَذَكَرَهُ.
وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْكَبِيرِ مِنْهَا قِطْعَةً وَهِيَ الْمُعَلَّمُ عَلَيْهَا صُورَةُ [ط] مِنْ طَرِيقِ جُوَيْبِرٍ عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ قَالَ: خَرَجَ نَافِعُ بْنُ الْأَزْرَقِ فَذَكَرَهُ.(2/105)
النَّوْعُ السَّابِعُ وَالثَّلَاثُونَ: فِيمَا وَقَعَ فِيهِ بِغَيْرِ لُغَةِ الْحِجَازِ
تَقَدَّمَ الْخِلَافُ فِي ذَلِكَ فِي النَّوْعِ السَّادِسَ عَشَرَ وَنُورِدُ هُنَا أَمْثِلَةَ ذَلِكَ. وَقَدْ رَأَيْتُ فِيهِ تَأْلِيفًا مُفْرَدًا.
أَخْرَجَ أَبُو عُبَيْدٍ مِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ في قوله: {وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ} قَالَ: الْغِنَاءُ وَهِيَ يَمَانِيَةٌ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ عِكْرِمَةَ: هِيَ بِالْحِمْيَرِيَّةِ.
وَأَخْرَجَ أَبُو عُبَيْدٍ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: كُنَّا لَا نَدْرِي مَا الْأَرَائِكُ حَتَّى لَقِيَنَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ فَأَخْبَرَنَا أَنَّ الْأَرِيكَةَ عِنْدَهُمْ: الْحَجَلَةُ فِيهَا السَّرِيرُ.
وَأَخْرَجَ عَنِ الضَّحَّاكِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ} ، قَالَ: سُتُورَهُ بِلُغَةِ أَهْلِ الْيَمَنِ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ الضَّحَّاكِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا وَزَرَ} قال: لا حيل وَهِيَ بِلُغَةِ أَهْلِ الْيَمَنِ.
وَأَخْرَجَ عَنْ عِكْرِمَةَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ} قَالَ: هِيَ لُغَةٌ يَمَانِيَةٌ وَذَلِكَ أَنْ أَهْلَ الْيَمَنِ يَقُولُونَ: زَوَّجْنَا فُلَانًا بِفُلَانَةٍ، قَالَ الرَّاغِبُ فِي مفرداته. ولم يجيء فِي الْقُرْآنِ: "زَوَّجْنَاهُمْ حُورًا " كَمَا يُقَالُ: زَوَّجْتُهُ امْرَأَةً تَنْبِيهًا أَنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ عَلَى حَسَبِ الْمُتَعَارَفِ فِيمَا بَيْنَنَا بِالْمُنَاكَحَةِ.(2/106)
وَأَخْرَجَ عَنِ الْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً} قَالَ: اللَّهْوُ بِلِسَانِ الْيَمَنِ: الْمَرْأَةُ.
وَأَخْرَجَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ} قال: هي بلغة طيء: ابْنُ امْرَأَتِهِ.
قُلْتُ: وَقَدْ قُرِئَ: "وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهاُ ".
وَأَخْرَجَ عَنِ الضَّحَّاكِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَعْصِرُ خَمْراً} قَالَ: عِنَبًا بِلُغَةِ أَهْلِ عُمَانَ يُسَمَّوْنَ الْعِنَبَ خَمْرًا.
وَأَخْرَجَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَتَدْعُونَ بَعْلاً} قَالَ: رَبًّا بِلُغَةِ أَهْلِ الْيَمَنِ. وَأَخْرَجَ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: بَعْلًا: ربا، بلغة أزدشنوءة.
وأخرج أبو بكر بن الأنبا ري فِي كِتَابِ الْوَقْفِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الْوَزَرُ: وَلَدُ الْوَلَدِ بِلُغَةِ هُذَيْلٍ.
وَأَخْرَجَ فِيهِ عَنِ ابْنِ الْكَلْبِيِّ قَالَ: الْمَرْجَانُ صِغَارُ اللُّؤْلُؤِ بِلُغَةِ الْيَمَنِ.
وَأَخْرَجَ فِي كِتَابِ الرَّدِّ عَلَى مَنْ خَالَفَ مُصْحَفَ عُثْمَانَ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: الصواع الطر جهالة بِلُغَةِ حِمْيَرٍ.
وَأَخْرَجَ فِيهِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا} قَالَ: أَفَلَمْ يَعْلَمُوا بِلُغَةِ هَوَازِنَ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: قَالَ الْكَلْبِيُّ: بِلُغَةِ النَّخَعِ.
وَفِي مَسَائِلِ نَافِعِ بْنِ الأزرق لابن عباس: {يَفْتِنَكُمُ} يُضِلَّكُمْ بِلُغَةِ هَوَازِنَ.(2/107)
وفيها: {بُوراً} هَلْكَى بِلُغَةِ عُمَانَ،
وَفِيهَا: {فَنَقَّبُوا} هَرَبُوا بِلُغَةِ الْيَمَنِ،
وَفِيهَا: {لَا يَلِتْكُمْ} لَا يَنْقُصُكُمْ بِلُغَةِ بَنِي عَبْسٍ،
وَفِيهَا: {مُرَاغَماً} مُنْفَسِحًا بِلُغَةِ هُذَيْلٍ، وَأَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ فِي سُنَنِهِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُرَحْبِيلَ فِي قَوْلِهِ تعالى: {سَيْلَ الْعَرِمِ} : الْمُسَنَّاةُ بِلُغَةِ أَهْلِ الْيَمَنِ.
وَأَخْرَجَ جُوَيْبِرٌ فِي تَفْسِيرِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {فِي الْكِتَابِ مَسْطُوراً} قَالَ: مَكْتُوبًا وَهِيَ لُغَةٌ حِمْيَرِيَّةٌ يُسَمُّونَ الْكِتَابَ أَسْطُورًا.
وَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ فِي الْكِتَابِ الَّذِي أَلَّفَهُ فِي هَذَا النَّوْعِ فِي الْقُرْآنِ.
بِلُغَةِ كنانة
{السُّفَهَاءُ} : الجهال.
{خَاسِئِينَ} : صاغرين.
{شَطْرَهُ} : تلقاءه.
{لا خَلاقَ} : لا نصيب.(2/108)
{وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً} : أحرارا.
{قَبِيلاً} : عيانا.
{بِمُعْجِزِينَ} سابقين.
{يَعْزُبُ} : يغيب.
{وَلا تَرْكَنُوا} : ولا تميلوا.
{فِي فَجْوَةٍ} : ناحية.
{مَوْئِلاً} : ملجأ.
{مُبْلِسُونَ} آيسون.
{دُحُوراً} : طردا.
{الْخَرَّاصُونَ} : الكذابون.
{أَسْفَاراً} : كتبا.
{أُقِّتَتْ} : جمعت.
{لَكَنُودٌ} : كفور للنعم.(2/109)
بلغة هذيل:
{وَالرُّجْزَ} : العذاب.
{شَرَوْا} : باعوا.
{عَزَمُوا الطَّلاقَ} : حققوا.
{صَلْداً} : نقيا.
{آنَاءَ اللَّيْلِ} : ساعاته.
{مِنْ فَوْرِهِمْ} : وجههم.
{مِدْرَاراً} : متتابعا.
{فُرْقَاناً} : مخرجا.
{حَرِّضِ} : حض.
{عَيْلَةً} : فاقة.
{وَلِيجَةً} : بطانة.
{انْفِرُوا} : اغزوا.
{السَّائِحُونَ} : الصائمون.
{الْعَنَتَ} : الإثم.(2/110)
{بِبَدَنِكَ} : بدرعك.
{غُمَّةً} : شبهة.
{لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} : زوالها.
{شَاكِلَتِهِ} : ناحيته.
{رَجْماً} : ظنا.
{مُلْتَحَداً} : ملجأ.
{يَرْجُو} : يخاف.
{هَضْماً} : نقصا.
{هَامِدَةً} : مغبرة.
{وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ} : أسرع.
{الأَجْدَاثِ} : القبور.
{ثَاقِبٌ} : مضيء.
{بَالَهُمْ} : حالهم.
{يَهْجَعُونَ} : ينامون.
{ذَنُوباً} : عذابا.(2/111)
{وَدُسُرٍ} : المسامير.
{مِنْ تَفَاوُتٍ} : عيب.
{أَرْجَائِهَا} : نواحيها.
{أَطْوَاراً} : ألوانا.
{بَرْداً: نوما.
{وَاجِفَةٌ} : خائفة.
{مَسْغَبَةٍ} : مجاعة.
{الْمُبَذِّرِينَ} : الْمُسْرِفِينَ.
وَبِلُغَةِ حِمْيَرٍ:
{أَنْ تَفْشَلا} : أن تجبنا.
{عُثِرَ} : اطلع.
{فِي سَفَاهَةٍ} : جنون.
{فَزَيَّلْنَا} : فميزنا.
{مَرْجُوّاً} : حقيرا.(2/112)
{السِّقَايَةَ} : الإناء.
{مَسْنُونٍ} : منتن.
{إِمَامٍ} : كتاب.
{فَسَيُنْغِضُونَ} : يحركون.
{حُسْبَاناً} : بردا.
{مِنَ الْكِبَرِ عِتِيّاً} : نحولا.
{مَآرِبُ} : حاجات.
{خَرْجاً} : جعلا.
{غَرَاماً} : بلاء.
{الصَّرْحَ} : البيت.
{أَنْكَرَ الأَصْوَاتِ} أقبحها.
{يَتِرَكُمْ} : ينقصكم.
{مَدِينِينَ} : محاسبين.
{رَابِيَةً} : شديدة.
{وَبِيلاً} : شديدا.(2/113)
بلغة جرهم:
{بِجَبَّارٍ} : بمسلط.
{مَرَضٌ} زنا.
{الْقِطْرِ} النحاس.
{مَحْشُورَةً} : مجموعة.
{مَعْكُوفاً} : محبوسا.
{فَبَاءُوا} : استوجبوا.
{شِقَاقٍ} : ضلال.
{خَيْراً} : مالا.
{كَدَأْبِ} : كأشباه.
{تَعُولُوا} : تميلوا.
{لَمْ يَغْنَوْا} : لم يتمتعوا.
{فَشَرِّدْ} : نكل.
{أَرَاذِلُنَا} : سفلتنا.
{عَصِيبٌ} : شديد.(2/114)
{لَفِيفاً} : جميعا.
{مَحْسُوراً} : منقطعا.
{حَدَبٍ} : جانب.
{مِنْ خِلالِهِ} : السحاب.
{الْوَدْقَ} : المطر.
{لَشِرْذِمَةٌ} : عصابة.
{رِيعٍ} : طريق.
{يَنْسِلُونَ} : يخرجون.
{لَشَوْباً} : مزجا.
{الْحُبُكِ} : الطرائق.
{بِسُورٍ} : الحائط.
وبلغة أزدشنوءة:
{لا شِيَةَ ْ} : لا وضح.
{تَعْضُلُوهُنَّ} : العضل: الحبس.
{أُمَّةً} : سنين.(2/115)
{الرَّسِّ} : البئر.
{كَاظِمِينَ} : مكروبين.
{غِسْلِينٍ} : الْحَارُّ الَّذِي تَنَاهَى حَرُّهُ.
{لَوَّاحَةٌ} : حراقه.
وبلغة مذحج:
{رَفَثَ} : جماع.
{مُقِيتاً} : مقتدرا.
{بِظَاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ} : بكذب.
{بِالْوَصِيدِ} : الفناء.
{حُقُباً} : دهرا.
{الْخُرْطُومِ} : الأنف.
وبلغة خثعم:
{تُسِيمُونَ} : ترعون.
{مَرِيجٍ} : منتشر.
{صَغَتْ} : مالت.(2/116)
{هَلُوعاً} : ضجورا.
{شَطَطاً} : كَذِبًا.
وَبِلُغَةِ قَيْسِ عَيْلَانَ:
{نِحْلَةً} : فريضة.
{حَرَجاً} : ضيقا.
{لَخَاسِرُونَ} : مضيعون.
{تُفَنِّدُونِ} : تستهزئون.
{مِنْ صَيَاصِيهِمْ} : حصونهم.
{تُحْبَرُونَ} : تنعمون.
{رَجِيمٍ} : ملعون.
{يَلِتْكُمْ} : يَنْقُصُكُمْ.
وَبِلُغَةِ سَعْدِ الْعَشِيرَةِ:
{وَحَفَدَةً} : أختان.
{كَلٌّ} : عيال.(2/117)
وبلغة كندة:
{فِجَاجاً} : طرقا.
{وَبُسَّتِ} : فتتت.
{تَبْتَئِسْ} : تحزن.
وبلغة عذرة:
{اخسؤوا} : اخزوا.
وبلغة حضرموت:
{رِبِّيُّونَ} : رجال.
{دَمَّرْنَا} : أهلكنا.
{لُغُوبٌ} : إعياء.
{مِنْسَأَتَهُ} : عصاه.
وبلغة غسان:
{طَفِقَا} : عمدا.
{بَئِيسٍ} : شديد.
{سِيءَ بِهِمْ} : كَرِهَهُمْ.(2/118)
وبلغة مزينة:
{لا تَغْلُوا} : لا تزيدوا.
وبلغة لخم:
{إِمْلاٍ ق} : جوع.
{وَلَتَعْلُنَّ} : وَلَتُقْهَرُنَّ.
وَبِلُغَةِ جُذَامٍ:
{فَجَاسُوا خِلالَ الدِّيَارِ} تَخَلَّلُوا الْأَزِقَّةَ.
وَبِلُغَةِ بَنِي حَنِيفَةَ:
{بِالْعُقُودِ} : العهود.
{جَنَاحَ} : اليد.
{الرَّهْبِ} : الفزع.
وبلغة اليمامة:
{حَصِرَتْ} : ضَاقَتْ.
وَبِلُغَةِ سَبَأٍ:
{تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً} : تخطئوا خطأ بينا.
{تَبَّرْنَا} : أهلكنا.(2/119)
وبلغة سليم:
{نَكَصَ} : رجع.
وبلغة عمارة:
{الصَّاعِقَةُ} : الموت
وبلغة طيء:
{يَنْعِقُ} : يصيح.
{رَغَداً} : خصبا.
{سَفِهَ نَفْسَهُ} : خسرها.
{يس} : يَا إِنْسَانُ.
وَبِلُغَةِ خُزَاعَةَ:
{أَفِيضُوا} : انْفِرُوا.
{وَالْإِفْضَاءُ} : الْجِمَاعُ.
وَبِلُغَةِ عُمَانَ:
{خَبَالاً} : غيا.
{نَفَقاً} : سربا.
{حَيْثُ أَصَابَ} : أراد.(2/120)
وبلغة تميم:
{أُمَّةً} : نسيان.
{بَغْياً} : حسدا.
وبلغة أنمار:
{طَائِرَهُ} : عمله.
{أَغْطَشَ} : أظلم.
وبلغة الأشعريين:
{لأَحْتَنِكَنَّ} : لاستأصلن.
{تَارَةً} : مرة.
{اشْمَأَزَّتْ} : مَالَتْ وَنَفَرَتْ.
وَبِلُغَةِ الْأَوْسِ:
{لِينَةٍ} : النخل.
وبلغة الخزرج:
{يَنْفَضُّوا} : يذهبوا.
وبلغة مدين:
{فَافْرُقْ} : فَاقْضِ.
انْتَهَى مَا ذَكَرَهُ أَبُو الْقَاسِمِ مُلَخَّصًا.(2/121)
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْوَاسِطِيُّ فِي كِتَابِهِ: الْإِرْشَادُ فِي الْقِرَاءَاتِ الْعَشْرِ: فِي الْقُرْآنِ مِنَ اللُّغَاتِ خَمْسُونَ لُغَةً: لُغَةُ قُرَيْشٍ وَهُذَيْلٍ وَكِنَانَةَ وَخَثْعَمَ وَالْخَزْرَجِ وَأَشْعَرَ وَنُمَيْرٍ وَقَيْسِ وعيلان وجرهم واليمن وأزدشنوءة وَكِنْدَةَ وَتَمِيمٍ وَحِمْيَرٍ وَمَدْيَنَ وَلَخْمٍ وَسَعْدِ الْعَشِيرَةِ وَحَضْرَمَوْتَ وَسَدُوسٍ وَالْعَمَالِقَةِ وَأَنْمَارٍ وَغَسَّانَ وَمَذْحِجٍ وَخُزَاعَةَ وَغَطَفَانَ وسبأ وعمان وبنو حَنِيفَةَ وَثَعْلَبَةَ وَطَيِّئٍ وَعَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ وَأَوْسٍ وَمُزَيْنَةَ وَثَقِيفٍ وَجُذَامٍ وَبَلِيٍّ وَعُذْرَةَ وَهَوَازِنَ وَالنَّمِرِ وَالْيَمَامَةِ.
وَمِنْ غَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ: الْفُرْسِ وَالرُّومِ وَالنَّبَطِ وَالْحَبَشَةِ وَالْبَرْبَرِ وَالسُّرْيَانِيَّةِ وَالْعِبْرَانِيَّةِ وَالْقِبْطِ. ثُمَّ ذَكَرَ فِي أَمْثِلَةِ ذَلِكَ غَالِبَ مَا تَقَدَّمَ عَنْ أبي القاسم، وزاد:
{الرِّجْزُ} : الْعَذَابُ، بِلُغَةِ بَلِيٍّ.
{طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ} : نخسة بلغة ثقيف.
{بِالأَحْقَافِ} الرِّمَالِ، بِلُغَةِ ثَعْلَبَةَ.
وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي فُنُونِ الْأَفْنَانِ: فِي الْقُرْآنِ بِلُغَةِ هَمَذَانَ:
{وَرَيْحَانٌ} : الرزق.
{عَيْنٍ} : بيض.
{وَعَبْقَرِيٍّ} : الطَّنَافِسُ.(2/122)
وبلغة نصر بن معاوية:
{خَتَّارٍ} : الْغَدَّارُ.
وَبِلُغَةِ عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ:
{وَحَفَدَةً} : الحفدة: الخدم.
وبلغة ثقيف:
{تَعُولُوا} : الْعَوْلُ الْمَيْلُ.
وَبِلُغَةِ عَكٍّ.
{الصُّورِ} : الْقَرْنُ.
وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ: قَوْلُ مَنْ قَالَ: نَزَلَ بِلُغَةِ قُرَيْشٍ مَعْنَاهُ عِنْدِي الْأَغْلَبُ لِأَنَّ غَيْرَ لُغَةِ قُرَيْشٍ مَوْجُودَةٌ فِي جَمِيعِ الْقِرَاءَاتِ مِنْ تَحْقِيقِ الْهَمْزَةِ وَنَحْوِهَا وَقُرَيْشٌ لَا تَهْمِزُ.
وَقَالَ الشَّيْخُ جَمَالُ الدِّينِ بْنُ مَالِكٍ: أَنْزَلَ اللَّهُ الْقُرْآنَ بِلُغَةِ الْحِجَازِيِّينَ إِلَّا قَلِيلًا فَإِنَّهُ نَزَلَ بِلُغَةِ التَّمِيمِيِّينَ كَالْإِدْغَامِ فِي {وَمَنْ يُشَاقِّ اللَّهَ} ، وفي {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ} ، فَإِنَّ إِدْغَامَ الْمَجْزُومِ لُغَةُ تَمِيمٍ وَلِهَذَا قَلَّ وَالْفَكُّ لُغَةُ الْحِجَازِ وَلِهَذَا كَثُرَ نَحْوُ: {وَلْيُمْلِلِ} ، {يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} ،(2/123)
{اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي} ، {وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي} .
قَالَ: وَقَدْ أَجْمَعَ الْقُرَّاءُ عَلَى نَصْبِ: {إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ} ، لأن لغة الحجاز بين الْتِزَامُ النَّصْبِ فِي الْمُنْقَطِعِ كَمَا أَجْمَعُوا عَلَى نَصْبِ {مَا هَذَا بَشَراً} ، لِأَنَّ لُغَتَهُمْ إِعْمَالُ"مَا".
وَزَعَمَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي قَوْلِهِ: {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} أَنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ جَاءَ عَلَى لُغَةِ بَنِي تَمِيمٍ.
فَائِدَةٌ
قَالَ الْوَاسِطِيُّ: لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ حَرْفٌ غَرِيبٌ مِنْ لُغَةِ قُرَيْشٍ غَيْرَ ثَلَاثَةِ أَحْرُفٍ لِأَنَّ كَلَامَ قُرَيْشٍ سَهْلٌ لَيِّنٌ وَاضِحٌ. وَكَلَامَ الْعَرَبِ وَحْشِيٌّ غَرِيبٌ فَلَيْسَ فِي الْقُرْآنِ إِلَّا ثَلَاثَةُ أَحْرُفٍ غَرِيبَةٍ: {فَسَيُنْغِضُونَ} : وهو تحريك الرأس، {مُقِيتاً} : مقتدرا {فَشَرِّدْ بِهِمْ} : سَمِّعْ.(2/124)
النَّوْعُ الثَّامِنُ وَالثَّلَاثُونَ: فِيمَا وَقَعَ فِيهِ بِغَيْرِ لُغَةِ الْعَرَبِ
قَدْ أَفْرَدْتُ فِي هَذَا النَّوْعِ كِتَابًا سَمَّيْتُهُ: "الْمُهَذَّبَ فِيمَا وَقَعَ فِي الْقُرْآنِ مِنَ الْمُعَرَّبِ "، وَهَا أَنَا أُلَخِّصُ هُنَا فَوَائِدَهُ فَأَقُولُ: اخْتَلَفَ الْأَئِمَّةُ فِي وُقُوعِ الْمُعَرَّبِ فِي الْقُرْآنِ: فَالْأَكْثَرُونَ وَمِنْهُمُ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ وَابْنُ جَرِيرٍ وَأَبُو عُبَيْدَةَ وَالْقَاضِي أبو بكر وبن فَارِسٍ عَلَى عَدَمِ وُقُوعِهِ فِيهِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قُرْآناً عَرَبِيّاً} وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآناً أَعْجَمِيّاً لَقَالُوا لَوْلا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ} وَقَدْ شَدَّدَ الشَّافِعِيُّ النَّكِيرَ عَلَى الْقَائِلِ بِذَلِكَ.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: إِنَّمَا أُنْزِلَ الْقُرْآنُ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ فَمَنْ زَعَمَ أَنَّ فِيهِ غَيْرَ الْعَرَبِيَّةِ فَقَدْ أَعْظَمَ الْقَوْلَ وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ كذابا بِالنَّبَطِيَّةِ فَقَدْ أَكْبَرَ الْقَوْلَ.
وَقَالَ ابْنُ فَارِسٍ: لَوْ كَانَ فِيهِ مِنْ لُغَةِ غَيْرِ الْعَرَبِ شَيْءٌ لَتَوَهَّمَ مُتَوَهِّمٌ أَنَّ الْعَرَبَ إِنَّمَا عَجَزَتْ عَنِ الْإِتْيَانِ بِمِثْلِهِ لِأَنَّهُ أَتَى بِلُغَاتٍ لَا يَعْرِفُونَهَا.
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: مَا وَرَدَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ مِنْ تَفْسِيرِ أَلْفَاظٍ مِنَ الْقُرْآنِ أَنَّهَا بِالْفَارِسِيَّةِ أَوِ الْحَبَشِيَّةِ أَوِ النَّبَطِيَّةِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ إِنَّمَا اتَّفَقَ فِيهَا تَوَارُدُ اللُّغَاتِ فَتَكَلَّمَتْ بِهَا الْعَرَبُ وَالْفُرْسُ وَالْحَبَشَةُ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ.
وَقَالَ غَيْرُهُ: بَلْ كَانَ لِلْعَرَبِ الْعَارِبَةِ الَّتِي نَزَلَ الْقُرْآنُ بِلُغَتِهِمْ بَعْضُ مُخَالَطَةٍ لِسَائِرِ الْأَلْسِنَةِ فِي أَسْفَارِهِمْ فَعَلَّقَتْ مِنْ لُغَاتِهِمْ أَلْفَاظًا غَيَّرَتْ بَعْضَهَا بِالنَّقْصِ(2/125)
مِنْ حُرُوفِهَا وَاسْتَعْمَلَتْهَا فِي أَشْعَارِهَا وَمُحَاوَرَاتِهَا حَتَّى جَرَتْ مَجْرَى الْعَرَبِيِّ الْفَصِيحِ وَوَقَعَ بِهَا الْبَيَانُ وَعَلَى هَذَا الْحَدِّ نَزَلَ بِهَا الْقُرْآنُ.
وَقَالَ آخَرُونَ: كُلُّ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ عَرَبِيَّةٌ صِرْفَةٌ وَلَكِنَّ لُغَةَ الْعَرَبِ مُتَّسِعَةٌ جِدًّا وَلَا يَبْعُدُ أَنْ تَخْفَى عَلَى الْأَكَابِرِ الْجِلَّةِ وَقَدْ خَفِيَ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ مَعْنَى " فَاطِرِ " وَ " فَاتِحٍ ".
قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الرِّسَالَةِ: لَا يُحِيطُ بِاللُّغَةِ إِلَّا نَبِيٌّ.
وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي عُزَيْزِيُّ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ: إِنَّمَا وُجِدَتْ هَذِهِ الْأَلِفَاظُ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ لِأَنَّهَا أَوْسَعُ اللُّغَاتِ وَأَكْثَرُهَا أَلْفَاظًا وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونُوا سُبِقُوا إِلَى هَذِهِ الْأَلْفَاظِ.
وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى وُقُوعِهِ فِيهِ وَأَجَابُوا عَنْ قَوْلِهِ تعالى: {قُرْآناً عَرَبِيّاً} ، بِأَنَّ الْكَلِمَاتِ الْيَسِيرَةَ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ لَا تُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ عَرَبِيًّا وَالْقَصِيدَةُ الْفَارِسِيَّةُ لَا تَخْرُجُ عَنْهَا بِلَفْظَةٍ فِيهَا عَرَبِيَّةٍ وَعَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ} بِأَنَّ الْمَعْنَى مِنَ السِّيَاقِ: "أَكَلَامٌ أَعْجَمِيٌّ وَمُخَاطَبٌ عَرَبِيٌّ! ".
وَاسْتَدَلُّوا بِاتِّفَاقِ النُّحَاةِ عَلَى أَنَّ مَنْعَ صَرْفِ نَحْوِ " إِبْرَاهِيمَ " لِلْعَلَمِيَّةِ وَالْعُجْمَةِ وَرُدَّ هَذَا الِاسْتِدْلَالُ بِأَنَّ الْأَعْلَامَ لَيْسَتْ مَحَلَّ خِلَافٍ فَالْكَلَامُ فِي غَيْرِهَا مُوَجَّهٌ بِأَنَّهُ إِذَا اتُّفِقَ عَلَى وُقُوعِ الْأَعْلَامِ فَلَا مَانِعَ مِنْ وُقُوعِ الْأَجْنَاسِ. وَأَقْوَى مَا رَأَيْتُهُ لِلْوُقُوعِ - وَهُوَ اخْتِيَارِي - مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ جَرِيرٍ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ أَبِي مَيْسَرَةَ التَّابِعِيِّ الْجَلِيلِ قَالَ: فِي الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ لِسَانٍ.
وَرُوِيَ مِثْلُهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَوَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ.
فَهَذِهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ حِكْمَةَ وُقُوعِ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ فِي الْقُرْآنِ أَنَّهُ حَوَى عُلُومَ(2/126)
الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ وَنَبَأَ كُلِّ شَيْءٍ فَلَا بُدَّ أَنْ تَقَعَ فِيهِ الْإِشَارَةُ إِلَى أَنْوَاعِ اللُّغَاتِ وَالْأَلْسُنِ لِيَتِمَّ إِحَاطَتُهُ بِكُلِّ شَيْءٍ فَاخْتِيرَ لَهُ مِنْ كُلِّ لُغَةٍ أَعْذَبُهَا وَأَخَفُّهَا وَأَكْثَرُهَا اسْتِعْمَالًا لِلْعَرَبِ. ثُمَّ رَأَيْتُ ابْنَ النَّقِيبِ صَرَّحَ بِذَلِكَ فَقَالَ: مِنْ خَصَائِصِ الْقُرْآنِ عَلَى سَائِرِ كُتُبِ اللَّهِ تَعَالَى الْمُنَزَّلَةِ أَنَّهَا نَزَلَتْ بِلُغَةِ الْقَوْمِ الَّذِينَ أُنْزِلَتْ عَلَيْهِمْ وَلَمْ يَنْزِلْ فِيهَا شَيْءٌ بِلُغَةِ غَيْرِهِمْ وَالْقُرْآنُ احْتَوَى عَلَى جَمِيعِ لُغَاتِ الْعَرَبِ وَأُنْزِلَ فِيهِ بِلُغَاتِ غَيْرِهِمْ مِنَ الرُّومِ وَالْفُرْسِ وَالْحَبَشَةِ شَيْءٌ كَثِيرٌ. انْتَهَى.
وأيضا النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلٌ إِلَى كُلِّ أُمَّةٍ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ} ، فَلَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ فِي الْكِتَابِ الْمَبْعُوثِ بِهِ مِنْ لِسَانِ كُلِّ قَوْمٍ وَإِنْ كَانَ أَصْلُهُ بِلُغَةِ قَوْمِهِ هُوَ.
وَقَدْ رَأَيْتُ الْخُوَيِّيَّ ذَكَرَ لِوُقُوعِ الْمُعَرَّبِ فِي الْقُرْآنِ فَائِدَةً أُخْرَى فَقَالَ: إِنْ قيل إن " إستبرق " لَيْسَ بِعَرَبِيٍّ وَغَيْرُ الْعَرَبِيِّ مِنَ الْأَلْفَاظِ دُونَ الْعَرَبِيِّ فِي الْفَصَاحَةِ وَالْبَلَاغَةِ فَنَقُولُ: لَوِ اجْتَمَعَ فُصَحَاءُ الْعَالَمِ وَأَرَادُوا أَنْ يَتْرُكُوا هَذِهِ اللَّفْظَةَ وَيَأْتُوا بِلَفْظٍ يَقُومُ مَقَامَهَا فِي الْفَصَاحَةِ لَعَجَزُوا عَنْ ذَلِكَ وَذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِذَا حَثَّ عِبَادَهُ عَلَى الطَّاعَةِ فَإِنْ لَمْ يُرَغِّبْهُمْ بِالْوَعْدِ الْجَمِيلِ وَيُخَوِّفْهُمْ بِالْعَذَابِ الْوَبِيلِ لَا يَكُونُ حَثُّهُ عَلَى وَجْهِ الْحِكْمَةِ فَالْوَعْدُ وَالْوَعِيدُ نَظَرًا إِلَى الْفَصَاحَةِ وَاجِبٌ ثُمَّ إِنَّ الْوَعْدَ بِمَا يَرْغَبُ فِيهِ الْعُقَلَاءُ وَذَلِكَ مُنْحَصِرٌ فِي أُمُورٍ: الْأَمَاكِنِ الطَّيِّبَةِ ثُمَّ الْمَآكِلِ الشَّهِيَّةِ ثُمَّ الْمَشَارِبِ الْهَنِيَّةِ ثُمَّ الْمَلَابِسِ الرَّفِيعَةِ،(2/127)
ثُمَّ الْمَنَاكِحِ اللَّذِيذَةِ ثُمَّ مَا بَعْدَهُ مِمَّا يَخْتَلِفُ فِيهِ الطِّبَاعُ فَإِذَنْ ذِكْرُ الْأَمَاكِنِ الطَّيِّبَةِ وَالْوَعْدِ بِهِ لَازِمٌ عِنْدَ الْفَصِيحِ وَلَوْ تَرَكَهُ لَقَالَ مَنْ أُمِرَ بِالْعِبَادَةِ وَوُعِدَ عَلَيْهَا بِالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ: إِنَّ الْأَكْلَ وَالشُّرْبَ لَا أَلْتَذُّ بِهِ إِذَا كُنْتُ فِي حَبْسٍ أَوْ مَوْضِعٍ كَرِيهٍ فَإِذَنْ ذَكَرَ اللَّهُ الْجَنَّةَ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِيهَا وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَذْكُرَ مِنَ الْمَلَابِسِ مَا هُوَ أَرْفَعُهَا وَأَرْفَعُ الْمَلَابِسِ فِي الدُّنْيَا الْحَرِيرُ وَأَمَّا الذَّهَبُ فَلَيْسَ مِمَّا يُنْسَجُ مِنْهُ ثَوْبٌ. ثُمَّ إِنَّ الثَّوْبَ الَّذِي مِنْ غَيْرِ الْحَرِيرِ لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الْوَزْنُ وَالثِّقَلُ وَرُبَّمَا يَكُونُ الصَّفِيقُ الخفيف أرفع من الثقيف الْوَزْنِ وَأَمَّا الْحَرِيرُ فَكُلَّمَا كَانَ ثَوْبُهُ أَثْقَلَ كَانَ أَرْفَعَ فَحِينَئِذٍ وَجَبَ عَلَى الْفَصِيحِ أَنْ يَذْكُرَ الأثقل والأثخن وَلَا يَتْرُكَهُ فِي الْوَعْدِ لِئَلَّا يُقَصِّرَ فِي الْحَثِّ وَالدُّعَاءِ. ثُمَّ هَذَا الْوَاجِبُ الذِّكْرِ إِمَّا أَنْ يُذْكَرَ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ مَوْضُوعٍ لَهُ صَرِيحٍ أَوْ لَا يُذْكَرَ بِمِثْلِ هَذَا وَلَا شَكَّ أَنَّ الذِّكْرَ بِاللَّفْظِ الْوَاحِدِ الصَّرِيحِ أَوْلَى لِأَنَّهُ أَوْجَزُ وَأَظْهَرُ فِي الْإِفَادَةِ وَذَلِكَ " إِسْتَبْرَقٍ " فَإِنْ أَرَادَ الْفَصِيحُ أَنْ يَتْرُكَ هَذَا اللَّفْظَ وَيَأْتِيَ بِلَفْظٍ آخَرَ لَمْ يُمْكِنْهُ لِأَنَّ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ إِمَّا لَفْظٌ وَاحِدٌ أَوْ أَلْفَاظٌ مُتَعَدِّدَةٌ وَلَا يَجِدُ الْعَرَبِيُّ لَفْظًا وَاحِدًا يَدُلُّ عَلَيْهِ لِأَنَّ الثِّيَابَ مِنَ الْحَرِيرِ عَرَفَهَا الْعَرَبُ مِنَ الْفُرْسِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ بِهَا عَهْدٌ وَلَا وُضِعَ فِي اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ لِلدِّيبَاجِ الثَّخِينِ اسْمٌ وَإِنَّمَا عَرَّبُوا مَا سَمِعُوا مِنَ الْعَجَمِ وَاسْتَغْنَوْا بِهِ عَنِ الْوَضْعِ لِقِلَّةِ وَجُودِهِ عِنْدَهُمْ وَنُدْرَةِ تَلَفُّظِهِمْ بِهِ وَأَمَّا إِنْ ذَكَرَهُ بِلَفْظَيْنِ فَأَكْثَرَ فَإِنَّهُ يَكُونُ قَدْ أَخَلَّ بِالْبَلَاغَةِ لِأَنَّ ذِكْرَ لَفْظَيْنِ لِمَعْنًى يُمْكِنُ ذِكْرُهُ بِلَفْظٍ تَطْوِيلٌ فَعُلِمَ بِهَذَا أَنَّ لَفْظَ " إِسْتَبْرَقٍ " يَجِبُ عَلَى كُلِّ فَصِيحٍ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ فِي مَوْضِعِهِ وَلَا يَجِدُ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ وَأَيُّ فَصَاحَةٍ أَبْلَغُ مِنْ أَنْ لَا يُوجَدَ غَيْرُهُ مِثْلَهُ!. انْتَهَى.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ بَعْدَ أَنْ حَكَى الْقَوْلَ بِالْوُقُوعِ عَنِ الْفُقَهَاءِ(2/128)
والمنع عن الْعَرَبِيَّةِ: وَالصَّوَابُ عِنْدِي مَذْهَبٌ فِيهِ تَصْدِيقُ الْقَوْلَيْنِ جَمِيعًا وَذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ الْأَحْرُفَ أُصُولُهَا أَعْجَمِيَّةٌ كَمَا قَالَ الْفُقَهَاءُ، لَكِنَّهَا وَقَعَتْ لِلْعَرَبِ فَعَرَّبَتْهَا بِأَلْسِنَتِهَا وَحَوَّلَتْهَا عَنْ أَلْفَاظِ الْعَجَمِ إِلَى أَلْفَاظِهَا فَصَارَتْ عَرَبِيَّةً ثُمَّ نَزَلَ الْقُرْآنُ وَقَدِ اخْتَلَطَتْ هَذِهِ الْحُرُوفُ بِكَلَامِ الْعَرَبِ فَمَنْ قَالَ إِنَّهَا عَرَبِيَّةٌ فَهُوَ صَادِقٌ، وَمَنْ قَالَ أَعْجَمِيَّةٌ فَصَادِقٌ. وَمَالَ إِلَى هَذَا الْقَوْلِ الْجَوَالِيقِيُّ وَابْنُ الْجَوْزِيِّ وَآخَرُونَ.
وَهَذَا سَرْدُ الْأَلْفَاظِ الْوَارِدَةِ فِي الْقُرْآنِ مِنْ ذَلِكَ مرتبة على حروف المعجم:
{أباريق} : حَكَى الثَّعَالِبِيُّ فِي فِقْهِ اللُّغَةِ أَنَّهَا فَارِسِيَّةٌ وَقَالَ الْجَوَالِيقِيُّ: الْإِبْرِيقُ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ وَمَعْنَاهُ طَرِيقُ الْمَاءِ أَوْ صَبُّ الْمَاءِ عَلَى هِينَةٍ.
{أَبٌّ} : قَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ الْحَشِيشُ بِلُغَةِ أَهْلِ الْغَرْبِ حَكَاهُ شَيْذَلَةُ.
{ابْلَعِي} : أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {ابْلَعِي مَاءَكِ} قَالَ: بِالْحَبَشِيَّةِ " ازْدَرِدِيهِ ". وَأَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ مِنْ طَرِيقِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: اشْرَبِي بلغة الهند.
{أَخْلَدَ} : قَالَ الْوَاسِطِيُّ فِي الْإِرْشَادِ: أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ رَكَنَ بِالْعِبْرِيَّةِ.
{الأَرَائِكِ} : حَكَى ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي فُنُونِ الْأَفْنَانِ، أَنَّهَا السُّرُرُ بِالْحَبَشِيَّةِ.
{آزَرَ} عُدَّ فِي الْمُعَرَّبِ عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ: إِنَّهُ لَيْسَ بِعَلَمٍ لِأَبِي إِبْرَاهِيمَ وَلَا لِلصَّنَمِ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: ذُكِرَ عَنْ مُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يَقْرَأُ: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ} يَعْنِي بِالرَّفْعِ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّهَا أَعْوَجُ وَأَنَّهَا أَشَدُّ كَلِمَةٍ قَالَهَا إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هِيَ بِلُغَتِهِمْ يَا مُخْطِئُ.(2/129)
{أَسْبَاطٌ} : حَكَى أَبُو اللَّيْثِ فِي تَفْسِيرِهِ أَنَّهَا بِلُغَتِهِمْ كَالْقَبَائِلِ بِلُغَةِ الْعَرَبِ.
{إِسْتَبْرَقٍ} : أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ الضَّحَّاكِ أَنَّهُ الدِّيبَاجُ الْغَلِيظُ بلغة العجم.
{أَسْفَار} : قَالَ الْوَاسِطِيُّ فِي الْإِرْشَادِ: هِيَ الْكُتُبُ بِالسُّرْيَانِيَّةِ، وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ الضَّحَّاكِ قَالَ: هِيَ الكتب بالنبطية.
{إِصْرِي} : قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ فِي لُغَاتِ الْقُرْآنِ: مَعْنَاهُ عهدي بالنبطية.
{أَكْوَابٍ} : حَكَى ابْنُ الْجَوْزِيِّ أَنَّهَا الْأَكْوَازُ بِالنَّبَطِيَّةِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ الضَّحَّاكِ أَنَّهَا بِالنَّبَطِيَّةِ جِرَارٌ لَيْسَتْ لَهَا عُرًى.
{إِلٌّ} : قَالَ ابْنُ جِنِّيٍّ: ذَكَرُوا أَنَّهُ اسْمُ اللَّهِ تَعَالَى بِالنَّبَطِيَّةِ.
{أَلِيمٌ} : حَكَى ابْنُ الْجَوْزِيِّ أَنَّهُ الْمُوجِعُ بِالزِّنْجِيَّةِ وَقَالَ شَيْذَلَةُ بِالْعِبْرَانِيَّةِ.
{إِنَاهُ} : نُضْجَهُ بِلِسَانِ أَهْلِ الْمَغْرِبِ ذَكَرَهُ شَيْذَلَةُ، وَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ: بِلُغَةِ الْبَرْبَرِ وَقَالَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {حَمِيمٍ آنٍ} : هُوَ الَّذِي انْتَهَى حَرُّهُ بِهَا، وَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ} أي حارة بها.
{أَوَّاهٌ} : أخرج أبو الشيخ بن حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الْأَوَّاهُ الْمُوقِنُ بِلِسَانِ الْحَبَشَةِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِثْلَهُ عَنْ مُجَاهِدٍ وَعِكْرِمَةَ. وَأَخْرَجَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُرَحْبِيلَ قَالَ: الرَّحِيمُ بِلِسَانِ الْحَبَشَةِ، وَقَالَ الْوَاسِطِيُّ: الْأَوَّاهُ الدَّعَّاءُ بِالْعِبْرِيَّةِ.
{أَوَّابٌ} : أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُرَحْبِيلَ قَالَ: الْأَوَّابُ:(2/130)
الْمُسَبِّحُ بِلِسَانِ الْحَبَشَةِ، وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوِّبِي مَعَهُ} ، قَالَ: سَبِّحِي بِلِسَانِ الْحَبَشَةِ.
{الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ} قَالَ شَيْذَلَةُ: الْجَاهِلِيَّةُ الْأُولَى أَيْ الْآخِرَةُ فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ أَيْ الْأُولَى بِالْقِبْطِيَّةِ وَالْقِبْطُ يُسَمُّونَ الْآخِرَةَ الْأُولَى وَالْأُولَى الْآخِرَةَ. وَحَكَاهُ الزَّرْكَشِيُّ فِي البرهان.
{بَطَائِنُهَا} : قَالَ شَيْذَلَةُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ} أَيْ ظَوَاهِرُهَا بِالْقِبْطِيَّةِ. وَحَكَاهُ الزَّرْكَشِيُّ.
{بَعِيرٍ} : أَخْرَجَ الْفِرْيَابِيُّ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {كَيْلَ بَعِيرٍ} أَيْ كَيْلَ حِمَارٍ، وَعَنْ مُقَاتِلٍ: إِنَّ الْبَعِيرَ كُلُّ مَا يُحْمَلُ عليه بالعبرانية.
{بِيَعٌ} : قَالَ الْجَوَالِيقِيُّ فِي كِتَابِ الْمُعَرَّبِ: الْبِيعَةُ وَالْكَنِيسَةُ جَعَلَهُمَا بَعْضُ الْعُلَمَاءِ فارسيين معربين.
{تنور} ذكروا الْجَوَالِيقِيُّ وَالثَّعَالِبِيُّ أَنَّهُ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ.
{تَتْبِيراً} : أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيراً} قَالَ: تَبَّرَهُ بِالنَّبَطِيَّةِ.
{تَحْتِ} : قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ فِي لُغَاتِ الْقُرْآنِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا} أَيْ بَطْنِهَا بِالنَّبَطِيَّةِ. وَنَقَلَ الْكَرْمَانِيُّ فِي الْعَجَائِبِ مِثْلَهُ عَنْ مُؤَرِّخٍ.(2/131)
{الْجِبْتِ} : أخر ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الْجِبْتُ اسْمُ الشَّيْطَانِ بالحبشية. وأخرج عبد بن حُمَيْدٍ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ الْجِبْتُ بِلِسَانِ الْحَبَشَةِ الشَّيْطَانُ وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: الْجِبْتُ السَّاحِرُ بِلِسَانِ الْحَبَشَةِ.
{جَهَنَّمُ} : قِيلَ: أَعْجَمِيَّةٌ، وَقِيلَ: فَارِسِيَّةٌ وَعِبْرَانِيَّةٌ، أَصْلُهَا: "كَهْنَامُ ".
{حُرِّمَ} : أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ وَحَرُمَ وَجَبَ بِالْحَبَشِيَّةِ، حَصَبُ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {حَصَبُ جَهَنَّمَ} . قَالَ: حَطَبُ جَهَنَّمَ بِالزِّنْجِيَّةِ.
{حِطَّةٌ} : قِيلَ: مَعْنَاهُ: قُولُوا صَوَابًا بِلُغَتِهِمْ.
{حَوَارِيُّونَ} أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ الضَّحَّاكِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ الْغَسَّالُونَ بِالنَّبَطِيَّةِ وَأَصْلُهُ هَوَارِيُّ.
{حُوب} تَقَدَّمَ فِي مَسَائِلِ نَافِعِ بْنِ الْأَزْرَقِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قال حوبا: إِثْمًا بِلُغَةِ الْحَبَشَةِ.
{دَارَسْتُ} : مَعْنَاهُ قَارَأْتُ بِلُغَةِ اليهود.
{دُرِّيٌّ} : مَعْنَاهُ الْمُضِيءُ بِالْحَبَشِيَّةِ حَكَاهُ شَيْذَلَةُ وَأَبُو الْقَاسِمِ.
{دِينَارٍ} : ذَكَرَ الْجَوَالِيقِيُّ وغيره أنه فارسي.
{رَاعِنَا} : أَخْرَجَ أَبُو نُعَيْمٍ فِي دَلَائِلَ النُّبُوَّةِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: رَاعَنَا سَبٌّ بِلِسَانِ الْيَهُودِ.
{ربَّانِيُّونَ} : قَالَ الْجَوَالِيقِيُّ: قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: الْعَرَبُ لَا تَعْرِفُ(2/132)
الرَّبَّانِيِّينَ وَإِنَّمَا عَرَفَهَا الْفُقَهَاءُ وَأَهْلُ الْعِلْمِ. قَالَ: وَأَحْسَبُ الْكَلِمَةَ لَيْسَتْ بِعَرَبِيَّةٍ وَإِنَّمَا هِيَ عِبْرَانِيَّةٌ أَوْ سُرْيَانِيَّةٌ، وَجَزَمَ الْقَاسِمُ بِأَنَّهَا سُرْيَانِيَّةٌ.
{رِبِّيُّونَ} : ذَكَرَ أَبُو حَاتِمٍ أَحْمَدُ بْنُ حَمْدَانَ اللُّغَوِيُّ فِي كِتَابِ الزِّينَةِ أنها سريانية.
{الرَّحْمَنِ} : ذَهَبَ الْمُبَرِّدُ وَثَعْلَبٌ إِلَى أَنَّهُ عِبْرَانِيٌّ وَأَصْلُهُ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ.
{الرَّسِّ} : فِي الْعَجَائِبِ لِلْكَرْمَانِيِّ إِنَّهُ عَجَمِيٌّ وَمَعْنَاهُ الْبِئْرُ.
{الرقيم} : قِيلَ: إِنَّهُ اللَّوْحُ بِالرُّومِيَّةِ حَكَاهُ شَيْذَلَةُ. وَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ: هُوَ الْكِتَابُ بِهَا، وَقَالَ الْوَاسِطِيُّ: هُوَ الدواة بها.
{رَمْزاً} : عَدَّهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي فُنُونِ الْأَفْنَانِ مِنَ الْمُعَرَّبِ. وَقَالَ الْوَاسِطِيُّ هُوَ تَحْرِيكُ الشَّفَتَيْنِ بِالْعِبْرِيَّةِ.
{رَهْواً} : قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْواً} أَيْ سَهْلًا دَمِثًا بِلُغَةِ النَّبَطِ.
وَقَالَ الْوَاسِطِيُّ: أَيْ سَاكِنًا بِالسُّرْيَانِيَّةِ.
{الرُّومُ} : قَالَ الْجَوَالِيقِيُّ: هُوَ أَعْجَمِيٌّ اسْمٌ لِهَذَا الْجِيلِ مِنَ النَّاسِ.
{زَنْجَبِيلٌ} : ذَكَرَ الْجَوَالِيقِيُّ وَالثَّعَالِبِيُّ أَنَّهُ فارسي.
{السِّجِلِّ} : أَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الْجَوْزَاءِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: السِّجِلُّ بِلُغَةِ الْحَبَشَةِ الرَّجُلُ. وَفِي الْمُحْتَسِبِ لِابْنِ جِنِّيٍّ السِّجِلُّ: الْكِتَابُ قَالَ قَوْمٌ: هُوَ فَارِسِيٌّ معرب.(2/133)
{سِجِّيلٍ} : أَخْرَجَ الْفِرْيَابِيُّ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ سِجِّيلٌ بِالْفَارِسِيَّةِ أَوَّلُهَا حِجَارَةٌ وَآخِرُهَا طين.
{سِجِّينٍ} : ذَكَرَ أَبُو حَاتِمٍ فِي كِتَابِ الزِّينَةِ أَنَّهُ غَيْرُ عَرَبِيٍّ.
{سُرَادِقُ} : قَالَ الْجَوَالِيقِيُّ: فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ وَأَصْلُهُ سِرَادِرُ وَهُوَ الدِّهْلِيزُ، وَقَالَ غَيْرُهُ. الصَّوَابُ أَنَّهُ بِالْفَارِسِيَّةِ سِرَابِرْدِهْ أَيْ سِتْرُ الدَّارِ.
{سَرِيٌّ} : أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قوله تعالى: {سَرِيّاً} قَالَ: نَهْرًا، بِالسُّرْيَانِيَّةِ، وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ بِالنَّبَطِيَّةِ وَحَكَى شَيْذَلَةُ أَنَّهُ بِالْيُونَانِيَّةِ.
{سَفَرَةٍ} : أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: مِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {بِأَيْدِي سَفَرَةٍ} قال بالنبطية القراء.
{سَقَرَ} : ذَكَرَ الْجَوَالِيقِيُّ أَنَّهَا أَعْجَمِيَّةٌ.
{سُجَّداً} : قَالَ الْوَاسِطِيُّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّداً} أي مقنعي الرؤوس بِالسُّرْيَانِيَّةِ.
{سَكَرٌ} : أَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيقِ الْعَوْفِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: السَّكَرُ بِلِسَانِ الْحَبَشَةِ الْخَلُّ.
{سَلْسَبِيل} : حَكَى الْجَوَالِيقِيُّ أَنَّهُ عَجَمِيٌّ.
{سَنَا} : عَدَّهُ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ فِي نَظْمِهِ وَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ لِغَيْرِهِ.(2/134)
{سُنْدُسٍ} : قَالَ الْجَوَالِيقِيُّ: هُوَ رَقِيقُ الدِّيبَاجِ بِالْفَارِسِيَّةِ، وَقَالَ اللَّيْثُ: لَمْ يَخْتَلِفْ أَهْلُ اللُّغَةِ وَالْمُفَسِّرُونَ فِي أَنَّهُ مُعَرَّبٌ. وَقَالَ شَيْذَلَةُ: هُوَ بِالْهِنْدِيَّةِ.
{سَيِّدَهَا} : قَالَ الْوَاسِطِيُّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ} أَيْ زَوْجَهَا بِلِسَانِ الْقِبْطِ، قَالَ أَبُو عَمْرٍو لَا أَعْرِفُهَا فِي لغة العرب.
{سِينِينَ} : أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ جَرِيرٍ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ سِينِينَ الْحَسَنُ بِلِسَانِ الْحَبَشَةِ.
{سَيْنَاءَ} : أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ الضَّحَّاكِ قَالَ سَيْنَاءَ بِالنَّبَطِيَّةِ الْحَسَنُ.
{شَطْرَ} : أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ رُفَيْعٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {شَطْرَ الْمَسْجِدِ} قَالَ: تِلْقَاءَ بِلِسَانِ الْحَبَشِ.
{شَهْرُ} : قَالَ الْجَوَالِيقِيُّ: ذَكَرَ بَعْضُ أَهْلِ اللُّغَةِ أَنَّهُ بِالسُّرْيَانِيَّةِ.
{الصِّرَاطَ} : حَكَى النَّقَّاشُ وَابْنُ الْجَوْزِيِّ أَنَّهُ الطَّرِيقُ بِلُغَةِ الرُّومِ ثُمَّ رَأَيْتُهُ فِي كِتَابِ الزينة لأبي حاتم.
{صرهن} : أَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَصُرْهُنَّ} قَالَ: هِيَ نَبَطِيَّةٌ فَشَقِّقْهُنَّ. وَأَخْرَجَ مِثْلَهُ عَنِ الضَّحَّاكِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ قال: مامن اللُّغَةِ شَيْءٌ إِلَّا مِنْهَا فِي الْقُرْآنِ شَيْءٌ قِيلَ: وَمَا فِيهِ مِنَ الرُّومِيَّةِ؟ قَالَ: "فَصِرْهُنَّ " يَقُولُ: قطعهن.
{صَلَوَاتٌ} : قَالَ الْجَوَالِيقِيٌّ: هِيَ بِالْعِبْرَانِيَّةِ كَنَائِسُ الْيَهُودِ وَأَصْلُهَا " صُلُوتَا ". وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ نَحْوَهُ عَنِ الضَّحَّاكِ.(2/135)
{طه} : أَخْرَجَ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ مِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {طه} قَالَ: هُوَ كَقَوْلِكَ: يَا مُحَمَّدُ بِلِسَانِ الْحَبَشِ، وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: "طه " بِالنَّبَطِيَّةِ.
وَأَخْرَجَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: طه يَا رَجُلُ بِالنَّبَطِيَّةِ. وَأَخْرَجَ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ طه يَا رَجُلُ بِلِسَانِ الْحَبَشَةِ.
{الطاغوت} : هو الكاهن بالحبشية.
{طَفِقَا} : قَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ قَصَدَا بِالرُّومِيَّةِ وَحَكَاهُ شَيْذَلَةُ.
{طوبى} : اسم الجنة بالحبشية وأخرج أَبُو الشَّيْخِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: بالهندية.
{طور} : أَخْرَجَ الْفِرْيَابِيُّ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ الطُّورُ الْجَبَلُ بِالسُّرْيَانِيَّةِ، وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ الضَّحَّاكِ أَنَّهُ بالنبطية.
{طوى} : فِي الْعَجَائِبِ لِلْكَرْمَانِيِّ قِيلَ هُوَ مُعَرَّبٌ مَعْنَاهُ لَيْلًا وَقِيلَ هُوَ رَجُلٌ بِالْعِبْرَانِيَّةِ.
{عَبَّدْتَ} : قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرائيلَ} مَعْنَاهُ قَتَلْتَ بِلُغَةِ النَّبَطِ.
{عَدْنٍ} : أَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ سَأَلَ كَعْبًا عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {جَنَّاتِ عَدْنٍ} قَالَ: جَنَّاتُ كُرُومٍ وَأَعْنَابٍ بِالسُّرْيَانِيَّةِ، وَمِنْ تَفْسِيرِ جُوَيْبِرٍ أَنَّهُ بِالرُّومِيَّةِ.(2/136)
{الْعَرِمِ} : أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: الْعَرِمُ بِالْحَبَشِيَّةِ وَهِيَ الْمُسَنَّاةُ الَّتِي يُجْمَعُ فِيهَا الْمَاءُ ثُمَّ يَنْبَثِقُ.
{غَسَّاق} : قَالَ الْجَوَالِيقِيُّ والو اسطي: هُوَ الْبَارِدُ الْمُنْتِنُ بِلِسَانِ التُّرْكِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ قَالَ الْغَسَّاقُ المنتن وهو بالطخارية.
{غِيضَ} : قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ: غِيضَ نَقَصَ بِلُغَةِ الْحَبَشَةِ.
{فِرْدَوْسِ} : أخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد وقال: الْفِرْدَوْسُ بُسْتَانٌ بِالرُّومِيَّةِ. وَأَخْرَجَ عَنِ السُّدِّيِّ قَالَ: الْكَرْمُ بِالنَّبَطِيَّةِ وَأَصْلُهُ " فِرْدَاسًا ".
{فُومِ} : قَالَ الْوَاسِطِيُّ: هُوَ الحنطة بالعبرية.
{قَرَاطِيسَ} : قَالَ الْجَوَالِيقِيُّ: يُقَالُ: إِنَّ الْقِرْطَاسَ أَصْلُهُ غَيْرُ عَرَبِيٍّ.
{قِسْطِ} : أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قال: القسط الْعَدْلِ بِالرُّومِيَّةِ.
{قِسْطَاسِ} : أَخْرَجَ الْفِرْيَابِيُّ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: الْقِسْطَاسُ الْعَدْلُ بِالرُّومِيَّةِ، وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: القسطاس بلغة الروم الميزان.
{قَسْوَرَةٍ} : أَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الْأَسَدُ يُقَالُ لَهُ: بالحبشية قسورة.
{قِطَّنَا} : قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ: مَعْنَاهُ كِتَابَنَا بِالنَّبَطِيَّةِ.
{قُفْلٌ} : حَكَى الْجَوَالِيقِيُّ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ.(2/137)
{قُمَّلَ} : قَالَ الْوَاسِطِيُّ: الدَّبَا بِلِسَانِ الْعِبْرِيَّةِ وَالسُّرْيَانِيَّةِ، قَالَ أَبُو عَمْرٍو: لَا أَعْرِفُهُ فِي لُغَةِ أَحَدٍ من العرب.
{قنطار} : ذَكَرَ الثَّعَالِبِيُّ فِي فِقْهِ اللُّغَةِ أَنَّهُ بِالرُّومِيَّةِ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ أُوقِيَّةٍ، وَقَالَ الْخَلِيلُ: زَعَمُوا أَنَّهُ بِالسُّرْيَانِيَّةِ مَلْءُ جِلْدِ ثَوْرٍ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّهُ بِلُغَةِ بَرْبَرَ أَلْفُ مِثْقَالٍ، وَقَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: قِيلَ: إِنَّهُ ثَمَانِيَةُ آلَافِ مِثْقَالٍ بِلِسَانِ أَهْلِ إِفْرِيقِيَّةَ.
{الْقَيُّومُ} : قَالَ الْوَاسِطِيُّ: هُوَ الَّذِي لَا يَنَامُ بِالسُّرْيَانِيَّةِ.
{كَافُور} : ذَكَرَ الْجَوَالِيقِيُّ وَغَيْرُهُ، أَنَّهُ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ.
{كَفِّرَ} : قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: كَفِّرْ عَنَّا مَعْنَاهُ امْحُ عَنَّا بِالنَّبَطِيَّةِ، وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ} قَالَ بِالْعِبْرَانِيَّةِ [مَحَا عَنْهُمْ] .
{كِفْلَيْنِ} أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ قَالَ كِفْلَيْنِ ضعفين بالحبشية.
{كَنْزٌ} ذَكَرَ الْجَوَالِيقِيُّ أَنَّهُ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ.
كورت أَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ كُوِّرَتْ غُوِّرَتْ وَهِيَ بالفارسية.
{لِينَةٍ} فِي الْإِرْشَادِ لِلْوَاسِطِيِّ هِيَ النَّخْلَةُ، وَقَالَ الْكَلْبِيُّ لَا أَعْلَمُهَا إِلَّا بِلِسَانِ يَهُودَ يَثْرِبَ.(2/138)
{مُتَّكَأً} : أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ تَمَامٍ الشَّقَرِيِّ قَالَ مُتَّكَأً بِلِسَانِ الْحَبَشِ يُسَمُّونَ التُّرُنْجَ مُتَّكَأً.
{مَجُوسَ} : ذَكَرَ الْجَوَالِيقِيُّ أَنَّهُ أَعْجَمِيٌّ.
{مَرْجَانُ} : حَكَى الْجَوَالِيقِيُّ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ اللُّغَةِ أَنَّهُ أَعْجَمِيٌّ.
{مِسْكٌ} : ذَكَرَ الثَّعَالِبِيُّ أَنَّهُ فَارِسِيٌّ.
{مِشْكَاةٌ} : أَخْرَجَ ابْنُ أبي حاتم عن مجاهد قال المشكاة الكوة بلغة الحبشة.
{مَقَالِيدُ} : أَخْرَجَ الْفِرْيَابِيُّ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ مَقَالِيدُ مَفَاتِيحُ بِالْفَارِسِيَّةِ، وَقَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ وَالْجَوَالِيقِيُّ الْإِقْلِيدُ وَالْمِقْلِيدُ الْمِفْتَاحُ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ.
{مَرْقُومٌ} : قَالَ الْوَاسِطِيُّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى كِتَابٌ مَرْقُومٌ أَيْ مَكْتُوبٌ بِلِسَانِ الْعِبْرِيَّةِ.
{مُزْجَاةٍ} : قَالَ الْوَاسِطِيُّ: مُزْجَاةٍ قَلِيلَةٍ بِلِسَانِ الْعَجَمِ وَقِيلَ بِلِسَانِ الْقِبْطِ.
{مَلَكُوتَ} : أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عن عِكْرِمَةَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {مَلَكُوتَ} قَالَ: هُوَ الْمُلْكُ وَلَكِنَّهُ بِكَلَامِ النَّبَطِيَّةِ " مَلَكُوتًا ".
وَأَخْرَجَهُ أَبُو الشَّيْخِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَالَ الْوَاسِطِيُّ فِي الْإِرْشَادِ: هُوَ الْمُلْكُ بِلِسَانِ النَّبَطِ.(2/139)
{مَنَاصٍ} : قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ: مَعْنَاهُ فِرَارٌ بِالنَّبَطِيَّةِ.
{مِنْسَأَةٌ} : أَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ السُّدِّيِّ قَالَ: الْمِنْسَأَةُ الْعَصَا بِلِسَانِ الْحَبَشَةِ.
{مُنْفَطِرٌ} أَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ} قَالَ: مُمْتَلِئَةٌ بِهِ بِلِسَانِ الْحَبَشَةِ
{مُهْل} : قِيلَ: هُوَ عَكَرُ الزَّيْتِ بِلِسَانِ أَهْلِ الْمَغْرِبِ حَكَاهُ شَيْذَلَةُ، وَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ: بِلُغَةِ الْبَرْبَرِ.
{نَاشِئَةَ} : أَخْرَجَ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: نَاشِئَةَ اللَّيْلِ: قِيَامُ اللَّيْلِ بِالْحَبَشِيَّةِ. وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلَهُ.
{نْ} : حَكَى الْكَرْمَانِيُّ فِي الْعَجَائِبِ عَنِ الضَّحَّاكِ أَنَّهُ فَارِسِيٌّ أصله النون وَمَعْنَاهُ: اصْنَعْ مَا شِئْتَ.
{هُدْنَا} : قِيلَ: مَعْنَاهُ: تُبْنَا بِالْعِبْرَانِيَّةِ حَكَاهُ شَيْذَلَةُ وَغَيْرُهُ.
{هُودُ} : قَالَ الْجَوَالِيقِيُّ: الْهُودُ الْيَهُودُ أَعْجَمِيٌّ.
{هُونٍ} : أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {مْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْناً} قَالَ: حُكَمَاءُ بِالسُّرْيَانِيَّةِ. وَأَخْرَجَ عَنِ الضَّحَّاكِ مِثْلَهُ، وَأَخْرَجَ عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ أَنَّهُ بِالْعِبْرَانِيَّةِ.
{هَيْتَ لَكَ} أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ هَيْتَ لَكَ هَلُمَّ لَكَ بِالْقِبْطِيَّةِ، وَقَالَ الْحَسَنُ هِيَ بِالسُّرْيَانِيَّةِ كَذَلِكَ أَخْرَجَهُ ابْنُ جَرِيرٍ.(2/140)
وَقَالَ عِكْرِمَةُ: هِيَ بِالْحَوْرَانِيَّةِ كَذَلِكَ أَخْرَجَهُ أَبُو الشَّيْخِ، وَقَالَ أَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيُّ: هِيَ بِالْعِبْرَانِيَّةِ وَأَصِلُهُ هيتلج أَيْ تَعَالَهْ.
{وَرَاءَ} : قِيلَ: مَعْنَاهُ أَمَامُ بِالنَّبَطِيَّةِ وَحَكَاهُ شَيْذَلَةُ وَأَبُو الْقَاسِمِ، وَذَكَرَ الْجَوَالِيقِيُّ أَنَّهَا غير عربية.
{وَرْدَةً} : ذَكَرَ الْجَوَالِيقِيُّ أَنَّهَا غَيْرُ عَرَبِيَّةٍ.
{وِزْرَ} : قال أبو القاسم: هو الحبل وَالْمَلْجَأُ بِالنَّبَطِيَّةِ.
{يَاقُوتٌ} : ذَكَرَ الْجَوَالِيقِيُّ وَالثَّعَالِبِيُّ وَآخَرُونَ أَنَّهُ فَارِسِيٌّ.
{يَحُورَ} أخرج ابن أبي حاتم عن داود بن هند في قوله تعالى: {إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ} قَالَ: بِلُغَةِ الْحَبَشَةِ يَرْجِعَ، وَأُخْرِجَ مِثْلُهُ عَنْ عِكْرِمَةَ، وَتَقَدَّمَ فِي أَسْئِلَةِ نَافِعِ بْنِ الْأَزْرَقِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
{يس} أَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {يس} قَالَ: يَا إِنْسَانُ بِالْحَبَشِيَّةِ، وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: يس يَا رَجُلُ بِلُغَةِ الحبشة.
{يَصُدُّونَ} : قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: مَعْنَاهُ يَضِجُّونَ بِالْحَبَشِيَّةِ.
{يُصْهَرُ} : قِيلَ: مَعْنَاهُ يُنْضَجُ، بِلِسَانِ أَهْلِ الْمَغْرِبِ حَكَاهُ شيذلة.
{الْيَمِّ} قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: الْيَمُّ الْبَحْرُ بِالسُّرْيَانِيَّةِ، وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: بِالْعِبْرَانِيَّةِ، وَقَالَ شَيْذَلَةُ: بِالْقِبْطِيَّةِ.(2/141)
{اليهود} : قَالَ الْجَوَالِيقِيُّ: أَعْجَمِيٌّ مُعَرَّبٌ مَنْسُوبُونَ إِلَى يَهُوذَا بْنِ يَعْقُوبَ فَعُرِّبَ بِإِهْمَالِ الدَّالِ.
فَهَذَا مَا وَقَفْتُ عَلَيْهِ مِنَ الْأَلْفَاظِ الْمُعَرَّبَةِ فِي الْقُرْآنِ بَعْدَ الْفَحْصِ الشَّدِيدِ سِنِينَ وَلَمْ تَجْتَمِعْ قَبْلُ فِي كِتَابٍ قَبْلَ هَذَا.
وَقَدْ نَظَمَ الْقَاضِي تَاجُ الدِّينِ بْنُ السُّبْكِيِّ مِنْهَا سَبْعَةً وَعِشْرِينَ لَفْظًا فِي أَبْيَاتٍ وَذَيَّلَ عَلَيْهَا الْحَافِظُ أَبُو الْفَضْلِ بْنُ حَجَرٍ بِأَبْيَاتٍ فِيهَا أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ لَفْظًا وَذَيَّلْتُ عَلَيْهَا بِالْبَاقِي وَهُوَ بِضْعٌ وَسِتُّونَ فَتَمَّتْ أَكْثَرَ مِنْ مِائَةِ لَفْظَةٍ فَقَالَ ابْنُ السُّبْكِيِّ:
السَّلْسَبِيلُ وَطَهَ كُوِّرَتْ بِيَعٌ
رُومٌ وَطُوبَى وَسِجِّيلٌ وَكَافُورُ
وَالزَّنْجَبِيلُ وَمِشْكَاةٌ سُرَادِقُ مَعَ
إِسْتَبْرَقٍ صَلَوَاتٌ سُنْدُسٌ طُورُ
كَذَا قَرَاطِيسُ رَبَانِيُّهُمْ وَغَسَّا
قٌ وَدِينَارُ وَالْقِسْطَاسُ مَشْهُورُ
كَذَاكَ قَسْوَرَةٌ وَالْيَمُّ نَاشِئَةٌ
وَيُؤْتَ كِفْلَيْنِ مَذْكُورٌ وَمَسْطُورُ
لَهُ مَقَالِيدُ فِرْدَوْسٌ يُعَدُّ كَذَا
فِيمَا حَكَى ابْنُ دُرَيْدٍ مِنْهُ تَنُّورُ
وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ:
وَزِدْتُ حِرْمٌ وَمُهْلٌ وَالسِّجِلُّ كَذَا
السَّرِيُّ وَالْأَبُّ ثُمَّ الْجِبْتُ مَذْكُورُ
وَقِطَّنَا وَإِنَاهُ ثُمَّ متكئا
دَارَسْتُ يُصْهَرُ مِنْهُ فَهُوَ مَصْهُورُ
وَهَيْتَ وَالسَّكَرُ الْأَوَّاهُ مَعَ حَصَبٍ
وَأَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّاغُوتُ مَسْطُورُ
صُرْهُنَّ إِصْرِي وَغِيضَ الْمَاءُ مَعَ وَزَرٍ
ثُمَّ الرَّقِيمُ مَنَاصٌ وَالسَّنَا النُّورُ(2/142)
وَقُلْتُ أَيْضًا:
وَزِدْتُ يس وَالرَّحْمَنُ مَعَ مَلَكُو
تِ ثُمَّ سِينِينَ شَطْرَ الْبَيْتِ مَشْهُورُ
ثُمَّ الصِّرَاطُ وَدُرِّيٌّ يَحُورُ وَمَرْ
جَانٌ وَيَمٌّ مَعَ الْقِنْطَارِ مَذْكُورُ
وَرَاعِنَا طَفِقَا هدنا ابلعي وورا
ء وَالْأَرَائِكُ وَالْأَكْوَابُ مَأْثُورُ
هُودٌ وَقِسْطٌ كَفِّرْ رَمْزُهُ سَقَرٌ
هَوْنٌ يَصِدُّونَ وَالْمِنْسَاةُ مَسْطُورُ
شَهْرٌ مَجُوسٌ وَأَقْفَالٌ يَهُودُ حَوَا
رِيُّونَ كَنْزٌ وَسِجِّينٌ وَتَتْبِيرُ
بَعِيرٌ آزَرُ حُوبٌ وَرْدَةٌ عَرِمٌ
إِلٌّ وَمِنْ تَحْتِهَا عَبَّدْتَ وَالصُّورُ
وَلِينَةٌ فُومُهَا رَهْوٌ وَأَخْلَدَ مُزْ
جَاةٌ وَسَيِّدَهَا الْقَيُّومُ مَوْقُورُ
وَقُمَّلٌ ثُمَّ أَسْفَارٌ عَنَى كُتُبًا
وَسُجَّدًا ثُمَّ رِبِّيُّونَ تَكْثِيرُ
وَحِطَّةٌ وَطُوًى وَالرَّسُّ نُونٌ كَذَا
عَدْنٌ وَمُنْفَطِرٌ الْأَسْبَاطُ مَذْكُورُ
مِسْكٌ أَبَارِيقُ يَاقُوتٌ رَوَوْا فَهُنَا
مَا فَاتَ مِنْ عَدَدِ الْأَلْفَاظِ مَحْصُورُ
وَبَعْضُهُمْ عَدَّ الْأُولَى مَعَ بَطَائِنِهَا
وَالْآخِرَةَ لِمَعَانِي الضِّدِّ مَقْصُورُ(2/143)
النَّوْعُ التَّاسِعُ وَالثَّلَاثُونَ: فِي مَعْرِفَةِ الْوُجُوهِ وَالنَّظَائِرِ
صَنَّفَ فِيهَا قَدِيمًا مُقَاتِلُ بْنُ سُلَيْمَانَ وَمِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ وَابْنُ الدَّامِغَانِيِّ وَأَبُو الْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْمِصْرِيُّ وَابْنُ فَارِسٍ وَآخَرُونَ.
فَالْوُجُوهُ لِلَّفْظِ الْمُشْتَرَكِ الَّذِي يُسْتَعْمَلُ فِي عِدَّةِ مَعَانٍ كَلَفْظِ الْأُمَّةِ وَقَدْ أَفْرَدْتُ فِي هَذَا الْفَنِّ كِتَابًا سَمَّيْتُهُ " مُعْتَرَكُ الْأَقْرَانِ فِي مُشْتَرَكِ الْقُرْآنِ ".
وَالنَّظَائِرُ كَالْأَلْفَاظِ الْمُتَوَاطِئَةِ. وَقِيلَ: النَّظَائِرُ فِي اللَّفْظِ وَالْوُجُوهُ فِي الْمَعَانِي وَضُعِّفَ لِأَنَّهُ لَوْ أُرِيدَ هَذَا لَكَانَ الْجَمْعُ فِي الْأَلْفَاظِ الْمُشْتَرَكَةِ وَهُمْ يَذْكُرُونَ فِي تِلْكَ الْكُتُبِ اللَّفْظَ الَّذِي مَعْنَاهُ وَاحِدٌ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ فَيَجْعَلُونَ الْوُجُوهَ نَوْعًا لِأَقْسَامٍ وَالنَّظَائِرَ نَوْعًا آخَرَ.
وَقَدْ جَعَلَ بَعْضُهُمْ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ مُعْجِزَاتِ الْقُرْآنِ حَيْثُ كَانَتِ الْكَلِمَةُ الْوَاحِدَةُ تَنْصَرِفُ إِلَى عِشْرِينَ وَجْهًا وَأَكْثَرَ وَأَقَلَّ وَلَا يُوجَدُ ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْبَشَرِ.
وَذَكَرَ مُقَاتِلٌ فِي صَدْرِ كِتَابِهِ حَدِيثًا مَرْفُوعًا: "لَا يَكُونُ الرَّجُلُ فَقِيهًا كُلَّ الْفِقْهِ حَتَّى يَرَى لِلْقُرْآنِ وُجُوهًا كَثِيرَةً ".
قُلْتُ: هَذَا أَخْرَجَهُ ابْنُ سَعْدٍ وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ مَوْقُوفًا وَلَفْظُهُ: "لَا يَفْقَهُ الرَّجُلُ كُلَّ الْفِقْهِ ": وَقَدْ فَسَّرَهُ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَنْ يَرَى اللَّفْظَ الْوَاحِدَ يَحْتَمِلُ مَعَانِيَ مُتَعَدِّدَةً فَيَحْمِلَهُ عَلَيْهَا إِذَا كَانَتْ غَيْرَ مُتَضَادَّةٍ وَلَا يَقْتَصِرُ بِهِ عَلَى مَعْنًى وَاحِدٍ.(2/144)
وَأَشَارَ آخَرُونَ إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ اسْتِعْمَالُ الْإِشَارَاتِ الْبَاطِنَةِ وَعَدَمُ الِاقْتِصَارِ عَلَى التَّفْسِيرِ الظَّاهِرِ
، وَقَدْ أَخْرَجَهُ ابْنُ عَسَاكِرٍ فِي تَارِيخِهِ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، قَالَ: "إِنَّكَ لَنْ تَفْقَهَ كُلَّ الْفِقْهِ حَتَّى تَرَى لِلْقُرْآنِ وُجُوهًا ".
قَالَ حَمَّادٌ: فَقُلْتُ لِأَيُّوبَ: أَرَأَيْتَ قَوْلَهُ: "حَتَّى تَرَى لِلْقُرْآنِ وُجُوهًا " أَهُوَ أَنْ يَرَى لَهُ وُجُوهًا فَيَهَابُ الْإِقْدَامَ عَلَيْهِ قَالَ: نَعَمْ، هُوَ هَذَا.
وَأَخْرَجَ ابْنُ سَعْدٍ مِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ أَرْسَلَهُ إِلَى الْخَوَارِجِ فَقَالَ: "اذْهَبْ إِلَيْهِمْ فَخَاصِمْهُمْ وَلَا تُحَاجَّهُمْ بِالْقُرْآنِ فَإِنَّهُ ذُو وُجُوهٍ وَلَكِنْ خَاصِمْهُمْ بِالسُّنَّةِ ".
وَأَخْرَجَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ لَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَأَنَا أَعْلَمُ بِكِتَابِ اللَّهِ مِنْهُمْ فِي بُيُوتِنَا نَزَلَ قَالَ: صَدَقْتَ وَلَكِنَّ الْقُرْآنَ حَمَّالٌ ذُو وُجُوهٍ تَقُولُ وَيَقُولُونَ وَلَكِنْ خَاصِمْهُمْ بِالسُّنَنِ فَإِنَّهُمْ لَنْ يَجِدُوا عَنْهَا مَحِيصًا فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ فَخَاصَمَهُمْ بِالسُّنَنِ فَلَمْ تَبْقَ بِأَيْدِيهِمْ حُجَّةٌ.
وَهَذِهِ عُيُونٌ مِنْ أَمْثِلَةِ هَذَا النَّوْعِ.
مِنْ ذَلِكَ:
{الْهُدَى} : يَأْتِي على تسعة عَشَرَ وَجْهًا:
بِمَعْنَى الثَّبَاتِ: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} .(2/145)
وَالْبَيَانِ: {أُولَئِكَ عَلَى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ} .
وَالدِّينِ: {إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ} .
وَالْإِيمَانِ: {وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً} .
والدعاء: {وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} ، {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا} .
وَبِمَعْنَى الرِّسْلِ وَالْكُتُبِ: {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً} .
والمعرفة: {وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ} .
وَبِمَعْنَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى} .
وَبِمَعْنَى الْقُرْآنِ: {وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى} .
وَالتَّوْرَاةِ: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْهُدَى} .
والاسترجاع: {وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} .
وَالْحُجَّةِ: {لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} ، بَعْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ} أَيْ لَا يَهْدِيهِمْ حُجَّةً.
وَالتَّوْحِيدِ: {إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ} .
والسنة: {فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} ، {وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ} .(2/146)
وَالْإِصْلَاحِ: {وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ} .
وَالْإِلْهَامِ: {أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} ، أَيْ أَلْهَمَهُمُ الْمَعَاشَ.
وَالتَّوْبَةِ: {إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ} .
وَالْإِرْشَادِ: {أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ} .
وَمِنْ ذَلِكَ:
" السُّوءُ ": يَأْتِي عَلَى أَوْجُهٍ:
الشِّدَّةِ: {يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ} .
والعقر: {وَلا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ} .
وَالزِّنَى: {مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً} ، {مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ} .
وَالْبَرَصِ: {بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ} .
وَالْعَذَابِ: {إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ} .
وَالشِّرْكِ: {مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ} .
والشدة: {لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ} .(2/147)
{وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ} .
والذنب: {يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ} .
وَبِمَعْنَى: بِئْسَ {وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} .
والضر: {وَيَكْشِفُ السُّوءَ} ، {وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ} .
وَالْقَتْلِ وَالْهَزِيمَةِ: {لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ} .
وَمِنْ ذَلِكَ:
" الصَّلَاةُ " تَأْتِي عَلَى أَوْجُهٍ:
الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ: {وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ} .
وَصَلَاةِ الْعَصْرِ: {تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ} .
وَصَلَاةِ الْجُمُعَةَ: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ} .
وَالْجِنَازَةِ: {وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ} .
والدعاء: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} .
والدين: {أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ} .
والقراءة: {وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ} .(2/148)
وَالرَّحْمَةِ وَالِاسْتِغْفَارِ: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} .
ومواضع الصلاة: {وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ} ، {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ} .
وَمِنْ ذَلِكَ:
" الرَّحْمَةُ ": وَرَدَتْ عَلَى وجه:
الْإِسْلَامِ: {يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ} .
وَالْإِيمَانِ: {وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ} .
وَالْجَنَّةِ: {فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} .
وَالْمَطَرِ: {بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ} .
وَالنِّعْمَةِ: {وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ} .
وَالنُّبُوَّةِ: {أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ} ، {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ} .
وَالْقُرْآنِ: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ} .
والرزاق: {خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي} .
وَالنَّصْرِ وَالْفَتْحِ: {إِِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءاً أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً} .
والعافية: {أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ} .(2/149)
والمودة: {رَأْفَةً وَرَحْمَةً} ، {رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} .
وَالسَّعَةِ: {تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ} .
وَالْمَغْفِرَةِ: {كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} .
وَالْعِصْمَةِ: {لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ} .
وَمِنْ ذَلِكَ:
" الْفِتْنَةُ: وَرَدَتْ عَلَى أَوْجُهٍ:
الشِّرْكِ: {وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ} ، {حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ} .
والإضلال: {ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ} .
وَالْقَتْلِ: {أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} .
والصد: {وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ} .
وَالضَّلَالَةِ: {وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ} .
وَالْمَعْذِرَةِ: {ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ} .
وَالْقَضَاءِ: {إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ} .
وَالْإِثْمِ: {أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا} .(2/150)
وَالْمَرَضِ: {يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ} .
والعبرة: {لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً} .
والعقوبة: {أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ} .
وَالِاخْتِبَارِ: {وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} .
وَالْعَذَابِ: {جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ} .
وَالْإِحْرَاقِ: {يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ} .
والجنون: {بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ} .
وَمِنْ ذَلِكَ:
" الرُّوحُ "، وَرَدَ عَلَى أَوْجُهٍ:
الْأَمْرِ: {وَرُوحٌ مِنْهُ} .
والوحي: {يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ} .
وَالْقُرْآنِ: {أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا} .
والرحمة: {وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ} .
والحياة: {فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ} .
وجبريل: {أَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا} ، {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ} .(2/151)
وَمَلَكٌ عَظِيمٌ: {يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ} .
وَجَيْشٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ: {تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا} .
وَرُوحِ الْبَدَنِ: {وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الرُّوحِ} .
وَمِنْ ذَلِكَ:
" الْقَضَاءُ ": وَرَدَ عَلَى أَوْجُهٍ.
الْفَرَاغِ: {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ}
والأمر: {إِذَا قَضَى أَمْراً} .
وَالْأَجْلِ: {فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ} .
وَالْفَصْلِ: {لَقُضِيَ الأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ} .
وَالْمُضِيِّ: {لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً} .
والهلاك: {لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ} .
والوجوب: {قُضِيَ الأَمْرُ} .
وَالْإِبْرَامِ: {فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا} .(2/152)
وَالْإِعْلَامِ: {وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرائيلَ} .
وَالْوَصِيَّةِ: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} .
والموت: {فَقَضَى عَلَيْهِ} .
وَالنُّزُولِ: {فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ} .
والخلق: {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ} .
وَالْفِعْلِ: {كَلَّا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ} ، يعني حقا لم يفعل.
وَالْعَهْدِ: {إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الأَمْرَ} .
وَمِنْ ذَلِكَ:
" الذِّكْرُ ": وَرَدَ عَلَى أَوْجُهٍ:
ذِكْرِ اللِّسَانِ: {فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ} .
وَذِكْرِ الْقَلْبِ: {ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ} .
والحفظ: {وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ} .
والطاعة والجزاء: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} .
وَالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ: {فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ} .(2/153)
وَالْعِظَةِ: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ} ، {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى} .
وَالْبَيَانِ: {أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ} .
والحديث: {اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ} ، أَيْ حَدِّثْهُ بِحَالِي.
وَالْقُرْآنِ: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذكري} ، {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ} .
والتوراة: {فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ} .
وَالْخَبَرِ: {سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْراً} .
والشرف: {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ} .
وَالْعَيْبِ: {أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ} .
وَاللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ: {مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ} .
والثناء: {وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} .
والوحي: {فَالتَّالِيَاتِ ذِكْراً} .
والرسول: {ذِكْراً رَسُولاً} .
والصلاة: {وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ} .
وَصَلَاةِ الْجُمُعَةَ: {فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} .(2/154)
وَصَلَاةِ الْعَصْرِ: {عَنْ ذِكْرِ رَبِّي} .
وَمِنْ ذَلِكَ:
" الدُّعَاءُ " وَرَدَ عَلَى أَوْجُهٍ:
الْعِبَادَةِ: {وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ} .
والاستعانة: {وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ} .
والسؤال: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} .
وَالْقَوْلِ: {دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ} .
والنداء: {يَوْمَ يَدْعُوكُمْ} .
وَالتَّسْمِيَةِ: {لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً} .
وَمِنْ ذَلِكَ:
" الْإِحْصَانُ ": وَرَدَ عَلَى أَوْجُهٍ:
الْعِفَّةِ: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} .
والتزوج: {فَإِذَا أُحْصِنَّ} .
وَالْحُرِّيَّةِ: {نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} .(2/155)
فَصْلٌ
قَالَ ابْنُ فَارِسٍ فِي كِتَابِ الْأَفْرَادِ: كُلُّ مَا فِي الْقُرْآنِ مِنْ ذِكْرِ الْأَسَفِ فَمَعْنَاهُ الحزن إلا {فَلَمَّا آسَفُونَا} فَمَعْنَاهُ أَغْضَبُونَا.
وَكُلُّ مَا فِيهِ مِنْ ذِكْرِ " الْبُرُوجِ "، فَهِيَ الْكَوَاكِبُ إِلَّا: {وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ} ، فَهِيَ الْقُصُورُ الطِّوَالُ الْحَصِينَةُ.
وَكُلُّ مَا فِيهِ مِنْ ذِكْرِ " الْبَرِّ وَالْبَحْرِ "، فَالْمُرَادُ بِالْبَحْرِ الْمَاءُ وَبِالْبَرِّ التُّرَابُ الْيَابِسُ إِلَّا: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} فَالْمُرَادُ بِهِ الْبَرِيَّةُ وَالْعُمْرَانُ.
وَكُلُّ مَا فِيهِ مِنْ " بَخْسٍ "، فَهُوَ النَّقْصُ إِلَّا: {بِثَمَنٍ بَخْسٍ} أَيْ حَرَامٍ.
وَكُلُّ مَا فِيهِ مِنَ " الْبَعْلِ "، فَهُوَ الزَّوْجُ إِلَّا: {أَتَدْعُونَ بَعْلاً} فَهُوَ الصَّنَمُ.
وَكُلُّ مَا فِيهِ مِنْ " الْبَكَمِ "، فَالْخَرَسُ عَنِ الْكَلَامِ بِالْإِيمَانِ إِلَّا: {عُمْياً وَبُكْماً وَصُمّاً} فِي الْإِسْرَاءِ، وَ {أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ} فِي النَّحْلِ، فَالْمُرَادُ بِهِ عَدَمُ الْقُدْرَةِ عَلَى الْكَلَامِ مُطْلَقًا.
وَكُلُّ مَا فِيهِ " جِثِيًّا " فَمَعْنَاهُ جَمِيعًا، إِلَّا: {وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً} فَمَعْنَاهُ تَجْثُو عَلَى رُكَبِهَا.
وَكُلُّ مَا فِيهِ مِنْ " حُسْبَانٍ " فَهُوَ الْعَدَدُ، إِلَّا: {حُسْبَاناً مِنَ السَّمَاءِ} في الْكَهْفِ فَهُوَ الْعَذَابُ.(2/156)
وَكُلُّ مَا فِيهِ " حَسْرَةٌ " فَالنَّدَامَةُ إِلَّا: {لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ} فَمَعْنَاهُ الْحُزْنُ.
وَكُلُّ مَا فِيهِ مِنْ " الدَّحْضِ " فَالْبَاطِلُ إِلَّا: {فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ} فَمَعْنَاهُ مِنَ الْمَقْرُوعِينَ.
وَكُلُّ مَا فِيهِ مِنْ " رِجْزٍ " فَالْعَذَابُ إِلَّا: {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} فَالْمُرَادُ بِهِ الصَّنَمُ.
وَكُلُّ مَا فِيهِ مِنْ " رَيْبٍ " فَالشَّكُّ إِلَّا: {رَيْبَ الْمَنُونِ} يَعْنِي حَوَادِثَ الدَّهْرِ.
وَكُلُّ مَا فِيهِ مِنْ " الرَّجْمِ " فَهُوَ الْقَتْلُ إلا: {لَأَرْجُمَنَّكَ} فمعناه أشتمنك، و {رَجْماً بِالْغَيْبِ} أَيْ ظَنَّا.
وَكُلُّ مَا فِيهِ مِنْ " الزُّورِ " فَالْكَذِبُ مَعَ الشِّرْكِ إِلَّا: {مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً} فَإِنَّهُ كَذِبٌ غَيْرُ الشِّرْكِ.
وَكُلُّ مَا فِيهِ مِنْ " زَكَاةٍ " فَهُوَ الْمَالُ إِلَّا: {وَحَنَاناً مِنْ لَدُنَّا وَزَكَاةً} أَيْ طُهْرَةً.
وَكُلُّ مَا فِيهِ مِنَ " الزَّيْغِ " فَالْمَيْلُ إِلَّا: {وَإِذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ} أَيْ شَخَصَتْ.
وَكُلُّ مَا فِيهِ مِنْ " سَخِرَ " فَالِاسْتِهْزَاءُ إِلَّا: {سُخْرِيّاً} فِي الزُّخْرُفِ فَهُوَ مِنَ التَّسْخِيرِ وَالِاسْتِخْدَامِ.(2/157)
وَكُلُّ " سَكِينَةٍ " فِيهِ طُمَأْنِينَةٌ إِلَّا الَّتِي فِي قِصَّةِ طَالُوتَ فَهُوَ شَيْءٌ كَرَأْسِ الْهِرَّةِ لَهُ جَنَاحَانِ.
وَكُلُّ " سَعِيرٍ " فِيهِ فَهُوَ النَّارُ وَالْوَقُودُ إلا: {فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ} فَهُوَ الْعَنَاءُ.
وَكُلُّ " شَيْطَانٍ " فِيهِ فَإِبْلِيسُ وَجُنُودُهُ إِلَّا: {وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ} .
وَكُلُّ " شَهِيدٍ " فِيهِ غَيْرُ الْقَتْلَى فَمَنْ يَشْهَدُ فِي أُمُورِ النَّاسِ إلا: {وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ} فَهُوَ شُرَكَاؤُكُمْ.
وَكُلُّ مَا فِيهِ مِنْ " أَصْحَابِ النَّارِ " فَأَهْلُهَا إِلَّا: {وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً} فَالْمُرَادُ خَزَنَتُهَا.
وَكُلُّ " صَلَاةٍ " فِيهِ عِبَادَةٌ وَرَحْمَةٌ إِلَّا: {وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ} فَهِيَ الْأَمَاكِنُ.
وَكُلُّ " صَمَمٌ " فِيهِ فَفِي سَمَاعِ الْإِيمَانِ وَالْقُرْآنِ خَاصَّةً إِلَّا الَّذِي فِي الْإِسْرَاءِ.(2/158)
وَكُلُّ " عَذَابٍ " فِيهِ فَالتَّعْذِيبُ إِلَّا: {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا} فَهُوَ الضَّرْبُ.
وَكُلُّ " قُنُوتٍ " فِيهِ طَاعَةٌ إِلَّا: {كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ} فمعناه مقربون.
وَكُلُّ " كَنْزٍ " فِيهِ مَالٌ إِلَّا الَّذِي فِي الْكَهْفِ فَهُوَ صَحِيفَةُ عِلْمٍ.
وَكُلُّ " مِصْبَاحٍ " فِيهِ كَوْكَبٌ إِلَّا الَّذِي فِي النُّورِ فَالسِّرَاجُ.
وَكُلُّ "نِكَاحٍ " فِيهِ تَزَوُّجٌ إِلَّا: {حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ} فَهُوَ الْحُلُمُ.
وَكُلُّ " نَبَأٍ " فِيهِ خَبَرٌ إِلَّا: {فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الأَنْبَاءُ} فَهِيَ الْحُجَجُ.
وَكُلُّ " وُرُودٍ " فِيهِ دُخُولٌ إِلَّا: {وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ} يَعْنِي هَجَمَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَدْخُلْهُ.
وَكُلُّ مَا فيه " من " [تكلبف] {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا} فَالْمُرَادُ مِنَ الْعَمَلِ إِلَّا الَّتِي فِي الطَّلَاقِ فَالْمُرَادُ مِنَ النَّفَقَةِ.
وَكُلُّ " يَأْسٍ " فِيهِ قُنُوطٌ إِلَّا الَّتِي فِي الرَّعْدِ فَمِنَ الْعِلْمِ.(2/159)
وَكُلُّ " صَبْرٍ " فِيهِ مَحْمُودٌ إِلَّا: {لَوْلا أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا} ، {وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ} .
هَذَا آخِرُ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ فَارِسٍ.
وَقَالَ غَيْرُهُ: كُلُّ " صَوْمٍ " فِيهِ فَمِنَ الْعِبَادَةِ إِلَّا: {نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً} أَيْ صَمْتًا.
وَكُلُّ مَا فِيهِ مِنَ " الظُّلُمَاتِ وَالنُّورِ " فَالْمُرَادُ الْكُفْرُ وَالْإِيمَانُ إِلَّا الَّتِي فِي أَوَّلِ الْأَنْعَامِ فَالْمُرَادُ ظُلْمَةُ اللَّيْلِ وَنُورُ النَّهَارِ.
وَكُلُّ " إِنْفَاقٍ " فِيهِ فَهُوَ الصَّدَقَةُ إِلَّا: {فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا} فَالْمُرَادُ بِهِ الْمَهْرُ.
وَقَالَ الدَّانِيُّ: كُلُّ مَا فِيهِ مِنَ " الْحُضُورِ " بِالضَّادِ فَهُوَ مِنَ الْمُشَاهَدَةِ إِلَّا مَوْضِعًا وَاحِدًا فَإِنَّهُ بِالظَّاءِ مِنَ الِاحْتِظَارِ وَهُوَ الْمَنْعُ وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ} .
وَقَالَ ابْنُ خَالَوَيْهِ: لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ " بَعْدَ " بِمَعْنَى " قَبْلَ " إِلَّا حَرْفٌ وَاحِدٌ: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ} .(2/160)
قَالَ مُغَلْطَايْ فِي كِتَابِ الْمُيَسَّرِ: قَدْ وَجَدْنَا حَرْفًا آخَرَ وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا} .
قَالَ أَبُو مُوسَى فِي كِتَابِ الْمُغِيثِ: مَعْنَاهُ هُنَا " قَبْلَ " لِأَنَّهُ تَعَالَى خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَعَلَى هَذَا خَلْقُ الْأَرْضِ قَبْلَ خَلْقِ السَّمَاءِ. انْتَهَى.
قُلْتُ: قَدْ تَعَرَّضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والصحابة والتابعون بشيء مِنْ هَذَا النَّوْعِ.
فَأَخْرَجَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَغَيْرُهُمَا مِنْ طَرِيقِ دَرَّاجٍ عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: كُلُّ حَرْفٍ فِي الْقُرْآنِ يُذْكَرُ فِيهِ الْقُنُوتُ فَهُوَ الطَّاعَةُ. هَذَا إِسْنَادُهُ جَيِّدٌ وَابْنُ حِبَّانَ يُصَحِّحُهُ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: "كُلُّ شَيْءٍ فِي الْقُرْآنِ أَلِيمٌ " فَهُوَ الْمُوجِعُ.
وَأَخْرَجَ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كُلُّ شَيْءٍ فِي الْقُرْآنِ " قُتِلَ " فَهُوَ لُعِنَ.
وَأَخْرَجَ مِنْ طَرِيقِ الضَّحَّاكِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كُلُّ شَيْءٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ " الرِّجْزِ " يَعْنِي بِهِ الْعَذَابَ.
وَقَالَ الْفِرْيَابِيُّ: حَدَّثَنَا قَيْسٌ عَنْ عَمَّارٍ الدُّهْنِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ،(2/161)
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: "كُلُّ تَسْبِيحٍ فِي الْقُرْآنِ صَلَاةٌ وَكُلُّ سُلْطَانٍ فِي الْقُرْآنِ حُجَّةٌ ".
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ" كُلُّ شَيْءٍ فِي الْقُرْآنِ " الدِّينُ " فَهُوَ الْحِسَابُ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ فِي كِتَابِ: "الْوَقْفِ وَالِابْتِدَاءِ "مِنْ طَرِيقِ السُّدِّيِّ عَنْ أَبِي مَالِكٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كُلُّ رَيْبٍ شَكٌّ إِلَّا مَكَانًا وَاحِدًا فِي الطور: {رَيْبَ الْمَنُونِ} يَعْنِي حَوَادِثَ الْأُمُورِ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَغَيْرُهُ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: كُلُّ شَيْءٍ فِي الْقُرْآنِ مِنَ " الرِّيَاحِ " فَهِيَ رَحْمَةٌ وَكُلُّ شَيْءٍ فِيهِ مِنَ " الرِّيحِ " فَهُوَ عَذَابٌ.
وَأَخْرَجَ عَنِ الضَّحَّاكِ قَالَ: كُلُّ " كَأْسٍ " ذَكَرَهُ اللَّهُ فِي الْقُرْآنِ إِنَّمَا عَنَى بِهِ الْخَمْرَ.
وَأَخْرَجَ عَنْهُ قَالَ: كُلُّ شَيْءٍ فِي الْقُرْآنِ " فَاطِرٌ " فَهُوَ خَالِقٌ.
وَأَخْرَجَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: كُلُّ شَيْءٍ فِي الْقُرْآنِ " إِفْكٌ " فَهُوَ كَذِبٌ.
وَأَخْرَجَ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ قَالَ: كُلُّ آيَةٍ فِي الْقُرْآنِ فِي الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ فَهُوَ الْإِسْلَامُ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ فَهُوَ عِبَادَةُ الْأَوْثَانِ.
وَأَخْرَجَ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ قَالَ: كُلُّ آيَةٍ فِي الْقُرْآنِ يُذْكَرُ فِيهَا " حِفْظُ(2/162)
الْفَرْجِ " فَهُوَ مِنَ الزِّنَى إِلَّا قَوْلَهُ تَعَالَى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ} فَالْمُرَادُ أَلَّا يَرَاهَا أَحَدٌ.
وَأَخْرَجَ عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: كُلُّ شَيْءٍ فِي الْقُرْآنِ " إِنَّ الْإِنْسَانَ كَفُورٌ " إِنَّمَا يَعْنِي بِهِ الْكُفَّارَ.
وَأَخْرَجَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ: كُلُّ شَيْءٍ فِي الْقُرْآنِ " خُلُودٌ " فَإِنَّهُ لَا تَوْبَةَ لَهُ.
وَأَخْرَجَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، قَالَ: كُلُّ شَيْءٍ فِي الْقُرْآنِ " يَقْدِرُ " فَمَعْنَاهُ يُقِلُّ.
وَأَخْرَجَ عَنْهُ قَالَ: "التَّزَكِّي " فِي الْقُرْآنِ كُلُّهُ إِسْلَامٌ.
وَأَخْرَجَ عَنْ أَبِي مَالِكٍ، قَالَ: "وَرَاءَ " فِي الْقُرْآنِ " أَمَامَ " كُلُّهُ غَيْرَ حَرْفَيْنِ {فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ} يَعْنِي سِوَى ذَلِكَ {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} ، يَعْنِي سِوَى ذَلِكُمْ.
وَأَخْرَجَ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ قَالَ: مَا كَانَ " كِسْفًا " فَهُوَ عَذَابٌ وَمَا كَانَ " كِسَفًا " فَهُوَ قِطَعُ السَّحَابِ.
وَأَخْرَجَ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: مَا صَنَعَ اللَّهُ فَهُوَ " السُّدّ " مَا صَنَعَ النَّاسُ فَهُوَ " السَّدّ ".
وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ أَبِي رَوْقٍ قَالَ: كُلُّ شَيْءٍ فِي الْقُرْآنِ " جَعَلَ " فَهُوَ خَلَقَ.
وَأَخْرَجَ عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: "الْمُبَاشَرَةُ " فِي كُلِّ كِتَابِ اللَّهِ الْجِمَاعُ.(2/163)
وَأَخْرَجَ عَنِ ابْنِ زَيْدٍ قَالَ كُلُّ شَيْءٍ فِي الْقُرْآنِ " فَاسِقٌ " فَهُوَ كَاذِبٌ إِلَّا قَلِيلًا.
وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ السُّدِّيِّ قَالَ: مَا كَانَ فِي الْقُرْآنِ " حَنِيفًا مُسْلِمًا "وَمَا كَانَ فِي الْقُرْآنِ " حُنَفَاءَ مُسْلِمِينَ " حُجَّاجًا.
وَأَخْرَجَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: "الْعَفْوُ " فِي الْقُرْآنِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَنْحَاءٍ: نَحْوُ تَجَاوُزٍ عَنِ الذَّنْبِ، وَنَحْوٌ فِي الْقَصْدِ فِي النَّفَقَةِ: {وَيَسْأَلونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ} وَنَحْوٌ فِي الْإِحْسَانِ فِيمَا بَيْنَ النَّاسِ: {إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} .
وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ قَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: مَا سَمَّى اللَّهُ الْمَطَرَ فِي الْقُرْآنِ إِلَّا عَذَابًا وَتُسَمِّيهِ الْعَرَبُ الْغَيْثَ.
قُلْتُ: اسْتُثْنِيَ مِنْ ذَلِكَ: {إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ} ، فَإِنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْغَيْثُ قَطْعًا.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: إِذَا كَانَ فِي الْعَذَابِ فَهُوَ " أَمْطَرَتْ " وَإِذَا كَانَ فِي الرَّحْمَةِ فَهُوَ " مَطَرَتْ ".
فَرْعٌ
أَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ عَنِ الضَّحَّاكِ قَالَ: قَالَ لِيَ ابْنُ عَبَّاسٍ: احْفَظْ عَنِّي كُلَّ شَيْءٍ فِي الْقُرْآنِ: {وَمَا لَهُمْ فِي الأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ} فَهُوَ لِلْمُشْرِكِينَ فَأَمَّا الْمُؤْمِنُونَ فَمَا أَكْثَرَ أَنْصَارَهُمْ وَشُفَعَاءَهُمْ.(2/164)
وَأَخْرَجَ: سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: كُلُّ طَعَامٍ فِي الْقُرْآنِ فَهُوَ نِصْفُ صَاعٍ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ قَالَ: كُلُّ شَيْءٍ فِي الْقُرْآنِ " قَلِيلٌ " وَ " إِلَّا قَلِيلٌ " فَهُوَ دُونَ الْعَشَرَةِ.
وَأَخْرَجَ عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: مَا كَانَ فِي الْقُرْآنِ " عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ " "حافظوا على الصلوات " فَهُوَ عَلَى مَوَاقِيتِهَا.
وَأَخْرَجَ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ قَالَ: كُلُّ شَيْءٍ فِي الْقُرْآنِ: "وَمَا يُدْرِيكَ " فلم يخبر " وَمَا أَدْرَاكَ " فَقَدْ أَخْبَرَ بِهِ.
وَأَخْرَجَ عَنْهُ قَالَ: كُلُّ " مَكْرٍ " فِي الْقُرْآنِ فَهُوَ عَمَلٌ.
وَأَخْرَجَ عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: مَا كَانَ فِي الْقُرْآنِ: "قُتل، لُعن " فَإِنَّمَا عُنِيَ بِهِ الْكَافِرُ.
وَقَالَ الرَّاغِبُ فِي مُفْرَدَاتِهِ: قِيلَ: كُلُّ شَيْءٍ ذَكَرَهُ اللَّهُ بِقَوْلِهِ: "وَمَا أَدْرَاكَ " فَسَّرَهُ وَكُلُّ شَيْءٍ ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ: "وَمَا يُدْرِيكَ " تَرَكَهُ. وَقَدْ ذَكَرَ: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ} ، {وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ} ثُمَّ فَسَّرَ الْكِتَابَ، لَا السِّجِّينُ وَلَا الْعِلِّيُّونَ. وَفِي ذَلِكَ نُكْتَةٌ لَطِيفَةٌ. انْتَهَى وَلَمْ يَذْكُرْهَا.
وَبَقِيَتْ أَشْيَاءُ تَأْتِي فِي النَّوْعِ الَّذِي يَلِي هَذَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى:(2/165)
النَّوْعُ الْأَرْبَعُونَ: فِي مَعْرِفَةِ مَعَانِي الْأَدَوَاتِ الَّتِي يَحْتَاجُ إِلَيْهَا الْمُفَسِّرُ
وَأَعْنِي بِالْأَدَوَاتِ الْحُرُوفَ وَمَا شَاكَلَهَا مِنَ الْأَسْمَاءِ وَالْأَفْعَالِ وَالظُّرُوفِ.
اعْلَمْ أَنَّ مَعْرِفَةَ ذَلِكَ مِنَ الْمُهِمَّاتِ الْمَطْلُوبَةِ لِاخْتِلَافِ مَوَاقِعِهَا وَلِهَذَا يَخْتَلِفُ الْكَلَامُ وَالِاسْتِنْبَاطُ بِحَسَبِهَا كَمَا فِي قوله تعالى: {قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} فَاسْتُعْمِلَتْ " عَلَى " فِي جَانِبِ الْحَقِّ، وَ" فِي " فِي جَانِبِ الضَّلَالِ لِأَنَّ صَاحِبَ الْحَقِّ كَأَنَّهُ مُسْتَعْلٍ يَصْرِفُ نَظَرَهُ كَيْفَ شَاءَ وَصَاحِبَ البطل كَأَنَّهُ مُنْغَمِسٌ فِي ظَلَامٍ مُنْخَفِضٍ لَا يَدْرِي أَيْنَ يَتَوَجَّهُ.
وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَاماً فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ} عَطَفَ عَلَى الْجُمَلِ. الْأُوَلِ بِالْفَاءِ وَالْأَخِيرَةِ بِالْوَاوِ لَمَّا انْقَطَعَ نِظَامُ التَّرَتُّبِ لِأَنَّ التَّلَطُّفَ غَيْرُ مُرَتَّبٍ عَلَى الْإِتْيَانِ بِالطَّعَامِ كَمَا كَانَ الْإِتْيَانُ بِهِ مُتَرَتِّبًا عَلَى النَّظَرِ فِيهِ وَالنَّظَرُ فِيهِ مُتَرَتِّبًا عَلَى التَّوَجُّهِ فِي طَلَبِهِ وَالتَّوَجُّهُ فِي طَلَبِهِ مُتَرَتِّبًا عَلَى قَطْعِ الْجِدَالِ فِي الْمَسْأَلَةِ عَنْ مُدَّةِ اللَّبْثِ وَتَسْلِيمِ الْعِلْمِ لَهُ تَعَالَى.
وَقَوْلِهِ تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} ، الْآيَةَ عَدَلَ عَنِ اللَّامِ إِلَى " فِي " فِي الْأَرْبَعَةِ الْأَخِيرَةِ إِيذَانًا إِلَى أَنَّهُمْ أَكْثَرُ اسْتِحْقَاقًا لِلْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِمْ بِمَنْ سَبَقَ ذِكْرُهُ بِاللَّامِ لِأَنَّ فِي لِلْوِعَاءِ فَنَبَّهَ بِاسْتِعْمَالِهَا عَلَى أَنَّهُمْ أَحِقَّاءُ بِأَنْ يُجْعَلُوا مَظِنَّةً لِوَضْعِ الصَّدَقَاتِ فِيهِمْ كَمَا يُوضَعُ الشَّيْءُ فِي وِعَائِهِ مُسْتَقِرًّا فِيهِ.(2/166)
وَقَالَ الْفَارِسِيُّ: إِنَّمَا قَالَ: {وَفِي الرِّقَابِ} ، وَلَمْ: يَقُلْ " وَلِلرِّقَابِ " لِيَدُلَّ عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ لَا يَمْلِكُ.
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي قَالَ: {عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ} وَلَمْ يَقُلْ: {فِي صَلاتِهِمْ} .
وَسَيَأْتِي ذِكْرُ كَثِيرٍ مِنْ أَشْبَاهِ ذَلِكَ.
وَهَذَا سَرْدُهَا مُرَتَّبَةً عَلَى حُرُوفِ الْمُعْجَمِ وَقَدْ أَفْرَدَ هَذَا النَّوْعَ بِالتَّصْنِيفِ خَلَائِقُ مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ كَالْهَرَوِيِّ فِي الْأُزْهِيَةِ وَالْمُتَأَخِّرِينَ كَابْنِ أُمِّ قَاسِمٍ فِي الْجَنَى الدَّانِي.
الْهَمْزَةُ
تَأْتِي عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: الِاسْتِفْهَامُ وَحَقِيقَتُهُ طَلَبُ الْإِفْهَامِ وَهِيَ أَصْلُ أَدَوَاتِهِ وَمِنْ ثَمَّ اخْتَصَّتْ بِأُمُورٍ:
أَحَدُهَا: جَوَازُ حَذْفِهَا كَمَا سَيَأْتِي فِي النَّوْعِ السَّادِسِ وَالْخَمْسِينَ.
ثَانِيهَا: أَنَّهَا تَرِدُ لِطَلَبِ التَّصَوُّرِ وَالتَّصْدِيقِ بِخِلَافِ هَلْ فَإِنَّهَا لِلتَّصْدِيقِ خَاصَّةً وَسَائِرُ الْأَدَوَاتِ لِلتَّصَوُّرِ خَاصَّةً.
ثَالِثُهَا: أَنَّهَا تَدْخُلُ عَلَى الْإِثْبَاتِ نَحْوَ: {أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَباً} {آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ} ، وَعَلَى النَّفْيِ نَحْوَ: {أَلَمْ نَشْرَحْ} ، وَتُفِيدُ حِينَئِذٍ مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا التَّذَكُّرُ وَالتَّنْبِيهُ كَالْمِثَالِ الْمَذْكُورِ، وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَلَمْ تَرَ(2/167)
إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ} وَالْآخَرُ: التَّعَجُّبُ مِنَ الْأَمْرِ الْعَظِيمِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ} وَفِي كِلَا الْحَالَيْنِ هِيَ تَحْذِيرٌ نَحْوَ: {أَلَمْ نُهْلِكِ الأَوَّلِينَ} .
رَابِعُهَا: تَقْدِيمُهَا عَلَى الْعَاطِفِ تَنْبِيهًا عَلَى أَصَالَتِهَا فِي التَّصْدِيرِ نَحْوَ: {أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْداً} ، {أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى} ، {أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ} ، وَسَائِرُ أَخَوَاتِهَا يَتَأَخَّرُ عَنْهُ كَمَا هُوَ قِيَاسُ جَمِيعِ أَجْزَاءِ الْجُمْلَةِ الْمَعْطُوفَةِ نَحْوَ: {فَكَيْفَ تَتَّقُونَ} ، {فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ} ، {فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} ، {فَهَلْ يُهْلَكُ} ، {فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ} ، {فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ} .
خَامِسُهَا: أَنَّهُ لَا يُسْتَفْهَمُ بِهَا حَتَّى يَهْجِسَ فِي النَّفْسِ إِثْبَاتُ مَا يُسْتَفْهَمُ عَنْهُ بِخِلَافِ هَلْ فَإِنَّهُ لِمَا لَا يَتَرَجَّحُ عِنْدَهُ فِيهِ نَفْيٌ وَلَا إِثْبَاتٌ حَكَاهُ أَبُو حَيَّانَ عَنْ بَعْضِهِمْ.
سَادِسُهَا: أَنَّهَا تَدْخُلُ عَلَى الشَّرْطِ نَحْوَ: {أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ} ، {أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ} بِخِلَافِ غَيْرِهَا.
وَتَخْرُجُ عَنِ الِاسْتِفْهَامِ الْحَقِيقِيِّ فَتَأْتِي لِمَعَانٍ تُذْكَرُ فِي النوع السابع والخمسون.(2/168)
فَائِدَةٌ:
إِذَا دَخَلَتْ عَلَى " رَأَيْتَ " امْتَنَعَ أَنْ تَكُونَ مِنْ رُؤْيَةِ الْبَصَرِ أَوِ الْقَلْبِ وَصَارَ بِمَعْنَى " أخبرني " وقد تبدل " ها "، وَخَرَجَ عَلَى ذَلِكَ قِرَاءَةُ قُنْبُلٍ {هَا أَنْتُمْ هَؤُلاءِ} بِالْقَصْرِ وَقَدْ تَقَعُ فِي الْقَسَمِ وَمِنْهُ مَا قرئ {وَلا نَكْتُمُ شَهَادَةَ} بِالتَّنْوِينِ {اللَّهِ} بِالْمَدِّ.
الثَّانِي: مِنْ وَجْهَيِ الْهَمْزَةِ أَنْ تَكُونَ حَرْفًا يُنَادَى بِهِ الْقَرِيبُ وَجَعَلَ مِنْهُ الفراء: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ} عَلَى قِرَاءَةِ تَخْفِيفِ الْمِيمِ أَيْ صَاحِبُ هَذِهِ الصِّفَاتِ.
قَالَ هِشَامٌ: وَيُبْعِدُهُ أَنَّهُ لَيْسَ فِي التَّنْزِيلِ نِدَاءٌ بِغَيْرِ يَاءٍ وَيُقَرِّبُهُ سَلَامَتُهُ مِنْ دَعْوَى الْمَجَازِ إِذْ لَا يَكُونُ الِاسْتِفْهَامُ مِنْهُ تَعَالَى عَلَى حَقِيقَتِهِ وَمِنْ دَعْوَى كَثْرَةِ الْحَذْفِ إِذِ التَّقْرِيرُ عِنْدَ مَنْ جَعَلَهَا لِلِاسْتِفْهَامِ أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ خَيْرٌ أَمْ هَذَا الْكَافِرُ. أَيْ الْمُخَاطَبُ بِقَوْلِهِ: {قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً} ، فَحُذِفَ شَيْئَانِ: مُعَادِلُ الْهَمْزَةِ وَالْخَبَرُ.
أَحَدٌ
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ فِي كِتَابِ الزِّينَةِ: هُوَ اسْمٌ أَكْمَلُ مِنَ الْوَاحِدِ أَلَا تَرَى أَنَّكَ إِذَا قُلْتَ فُلَانٌ لَا يَقُومُ لَهُ وَاحِدٌ جَازَ فِي الْمَعْنَى أن يقوم اثنا فَأَكْثَرُ بِخِلَافِ قَوْلِكَ: لَا يَقُومُ لَهُ أَحَدٌ.
وَفِي الْأَحَدِ خُصُوصِيَّةٌ لَيْسَتْ فِي الْوَاحِدِ تَقُولُ: لَيْسَ فِي الدَّارِ وَاحِدٌ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنَ الدَّوَابِّ وَالطَّيْرِ وَالْوَحْشِ وَالْإِنْسِ فَيَعُمُّ النَّاسَ وَغَيْرَهُمْ بِخِلَافِ لَيْسَ فِي الدَّارِ أَحَدٌ فَإِنَّهُ مَخْصُوصٌ بِالْآدَمِيِّينَ دُونَ غَيْرِهِمْ.(2/169)
قَالَ: وَيَأْتِي الْأَحَدُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ بِمَعْنَى الْأَوَّلِ وَبِمَعْنَى الْوَاحِدِ فَيُسْتَعْمَلُ فِي الْإِثْبَاتِ وَفِي النَّفْيِ نحو: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} أَيْ وَاحِدٌ، وَأَوَّلٌ: {فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ} ، وَبِخِلَافِهِمَا فَلَا يُسْتَعْمَلُ إِلَّا فِي النَّفْيِ تَقُولُ: مَا جَاءَنِي مِنْ أَحَدٍ، وَمِنْهُ: {أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ} وَ {أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ} {فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ} {وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ} .
وَوَاحِدٌ يُسْتَعْمَلُ فِيهَا مُطْلَقًا وَأَحَدٌ يَسْتَوِي فِيهِ الْمُذَكَّرُ وَالْمُؤَنَّثُ، قَالَ تَعَالَى: {لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ} بِخِلَافِ الْوَاحِدِ فَلَا يُقَالُ: كَوَاحِدٍ مِنَ النِّسَاءِ بَلْ كَوَاحِدَةٍ وَأَحَدٌ يصلح في الأفراد وَالْجَمْعِ.
قُلْتُ: وَلِهَذَا وَصْفُ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ} بِخِلَافِ الْوَاحِدِ.
وَالْأَحَدُ لَهُ جَمْعٌ مِنْ لَفْظِهِ وهو الأحد ون وَالْآحَادُ وَلَيْسَ لِلْوَاحِدِ جَمْعٌ مِنْ لَفْظِهِ فَلَا يُقَالُ وَاحِدُونَ بَلِ اثْنَانِ وَثَلَاثَةٌ.
وَالْأَحَدُ مُمْتَنِعُ الدُّخُولِ فِي الضَّرْبِ وَالْعَدَدِ وَالْقِسْمَةِ وَفِي شَيْءٍ مِنَ الْحِسَابِ بِخِلَافِ الْوَاحِدِ انْتَهَى مُلَخَّصًا وَقَدْ تَحَصَّلَ مِنْ كَلَامِهِ بَيْنَهُمَا سَبْعَةُ فُرُوقٍ.
وَفِي أَسْرَارِ التَّنْزِيلِ لِلْبَارِزِيِّ فِي سُورَةِ الْإِخْلَاصِ: فَإِنْ قِيلَ: الْمَشْهُورُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ أَنَّ الْأَحَدَ يُسْتَعْمَلُ بَعْدَ النَّفْيِ وَالْوَاحِدَ بَعْدَ الْإِثْبَاتِ فَكَيْفَ جَاءَ أَحَدٌ هُنَا بَعْدَ الْإِثْبَاتِ.(2/170)
قُلْنَا: قَدِ اخْتَارَ أَبُو عُبَيْدٍ أَنَّهُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَحِينَئِذٍ فَلَا يَخْتَصُّ أَحَدُهُمَا بِمَكَانٍ دُونَ الْآخَرِ وَإِنْ غَلَبَ اسْتِعْمَالُ أَحَدٍ فِي النَّفْيِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْعُدُولُ هُنَا عَنِ الْغَالِبِ رِعَايَةً لِلْفَوَاصِلِ انْتَهَى.
وَقَالَ الرَّاغِبُ فِي مُفْرَدَاتِ الْقُرْآنِ: أَحَدٌ يُسْتَعْمَلُ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا فِي النَّفْيِ فَقَطْ، وَالْآخَرُ فِي الْإِثْبَاتِ.
فَالْأَوَّلُ: لِاسْتِغْرَاقِ جِنْسِ النَّاطِقِينَ، وَيَتَنَاوَلُ الْكَثِيرَ وَالْقَلِيلَ وَلِذَلِكَ صَحَّ أَنْ يُقَالَ: مَا مِنْ أَحَدٍ فَاضِلِينَ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ} .
وَالثَّانِي: عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:
الْأَوَّلُ: الْمُسْتَعْمَلُ فِي الْعَدَدِ مَعَ الْعَشَرَاتِ نَحْوَ أَحَدَ عَشَرَ أَحَدٍ وَعِشْرِينَ.
وَالثَّانِي: الْمُسْتَعْمَلُ مُضَافًا إِلَيْهِ بِمَعْنَى الْأَوَّلِ، نَحْوَ: {أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً} .
وَالثَّالِثُ: الْمُسْتَعْمَلُ وَصْفًا مُطْلَقًا وَيَخْتَصُّ بِوَصْفِ اللَّهِ تَعَالَى نَحْوَ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ، وَأَصْلُهُ وَحَدٌ إِلَّا أَنَّ وَحَدًا يُسْتَعْمَلُ فِي غَيْرِهِ انْتَهَى.
إِذْ:
ترد على أوجه:
أحدهما: أَنْ تَكُونَ اسْمًا لِلزَّمَنِ الْمَاضِي وَهُوَ الْغَالِبُ ثُمَّ قَالَ الْجُمْهُورُ: لَا تَكُونُ إِلَّا ظَرْفًا نَحْوَ: {فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا} ،(2/171)
أَوْ مُضَافًا إِلَيْهَا الظَّرْفُ نَحْوَ: {بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا} ، {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ} ، {وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ} .
وَقَالَ غَيْرُهُمْ: تَكُونُ مَفْعُولًا بِهِ، نَحْوَ: {وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلاً} وَكَذَا الْمَذْكُورَةُ فِي أَوَائِلِ الْقَصَصِ كُلُّهَا مَفْعُولٌ بِهِ بِتَقْدِيرِ: {اذْكُرْ} .
وَبَدَلًا مِنْهُ، نَحْوَ: {وَاذْكُرْ فِي الكتاب مريم إذ انتبذت} فَإِذْ بَدَلُ اشْتِمَالٍ مِنْ مَرْيَمَ عَلَى حَدِّ الْبَدَلِ فِي: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ} ، {وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ} أَيْ اذْكُرُوا النِّعْمَةَ الَّتِي هِيَ الْجَعْلُ الْمَذْكُورُ، فَهِيَ بَدَلُ كُلٍّ مِنْ كُلٍّ وَالْجُمْهُورُ يَجْعَلُونَهَا فِي الْأَوَّلِ ظَرْفًا لِمَفْعُولٍ مَحْذُوفٍ أَيْ وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا. وَفِي الثَّانِي ظَرْفًا لِمُضَافٍ إِلَى الْمَفْعُولِ مَحْذُوفٍ، أَيْ وَاذْكُرْ قِصَّةَ مَرْيَمَ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ التَّصْرِيحُ بِهِ في: {وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً} .
وَذَكَرَ الزَّمَخْشَرِيُّ أَنَّهَا تَكُونُ مُبْتَدَأً وَخَرَّجَ عَلَيْهِ قِرَاءَةَ بَعْضِهِمْ: "لِمَنْ مَنِّ اللَّهِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ " قَالَ: التَّقْدِيرُ: "مَنُّهُ إِذْ بَعَثَ " فَإِذْ فِي مَحَلِّ رَفْعٍ كَإِذَا فِي قَوْلِكَ أَخْطُبُ مَا يَكُونُ الْأَمِيرُ إِذَا كَانَ قَائِمًا أَيْ لِمَنْ مَنِّ اللَّهِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَقْتَ بَعْثِهِ. انْتَهَى. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَلَا نَعْلَمُ بِذَلِكَ قَائِلًا.
وَذَكَرَ كَثِيرٌ أَنَّهَا تَخْرُجُ عَنِ الْمُضِيِّ إِلَى الِاسْتِقْبَالِ، نَحْوَ: {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا} ، وَالْجُمْهُورُ أَنْكَرُوا ذَلِكَ، وَجَعَلُوا الْآيَةَ مِنْ بَابِ {وَنُفِخَ(2/172)
فِي الصُّورِ} ، أَعْنِي مِنْ تَنْزِيلِ الْمُسْتَقْبَلِ الْوَاجِبِ الْوُقُوعِ مَنْزِلَةَ الْمَاضِي الْوَاقِعِ. وَاحْتَجَّ الْمُثْبِتُونَ مِنْهُمُ ابْنُ مَالِكٍ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ إِذِ الأَغْلالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ} فَإِنَّ " يَعْلَمُونَ " مُسْتَقْبَلٌ لَفْظًا وَمَعْنًى لِدُخُولِ حَرْفِ التَّنْفِيسِ عَلَيْهِ وَقَدْ عَمِلَ فِي " إِذْ " فَيَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ بِمَنْزِلَةِ " إِذَا ".
وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّهَا تَأْتِي فِي الْحَالِ نَحْوَ: {وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ} أَيْ حِينَ تُفِيضُونَ فِيهِ.
فَائِدَةٌ:
أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ السُّدِّيِّ عَنْ أَبِي مَالِكٍ قَالَ: مَا كَانَ فِي الْقُرْآنِ " إِنْ " بِكَسْرِ الْأَلِفِ فَلَمْ يَكُنْ وَمَا كَانَ " إِذْ " فَقَدْ كَانَ.
الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ تَكُونَ لِلتَّعْلِيلِ، نَحْوَ: {وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ} أي ولن ينفعكم اليوم إشراككم فِي الْعَذَابِ لِأَجْلِ ظُلْمِكُمْ فِي الدُّنْيَا. وَهَلْ هِيَ حَرْفٌ بِمَنْزِلَةِ لَامِ الْعِلَّةِ أَوْ ظَرْفٌ بِمَعْنَى وَقْتٍ وَالتَّعْلِيلُ مُسْتَفَادٌ مِنْ قُوَّةِ الْكَلَامِ لَا مِنَ اللَّفْظِ قَوْلَانِ؟، الْمَنْسُوبُ إِلَى سِيبَوَيْهِ الْأَوَّلُ وَعَلَى الثَّانِي فِي الْآيَةِ إِشْكَالٌ لِأَنَّ " إِذْ " لَا تُبْدَلُ مِنَ الْيَوْمِ لِاخْتِلَافِ الزَّمَانَيْنِ وَلَا تَكُونُ ظَرْفًا لِـ" يَنْفَعَ " لِأَنَّهُ لَا يَعْمَلُ فِي ظَرْفَيْنِ وَلَا لِـ" مُشْتَرِكُونَ " لِأَنَّ مَعْمُولَ خَبَرِ " إِنَّ " وَأَخَوَاتِهَا لَا يَتَقَدَّمُ عَلَيْهَا وَلِأَنَّ مَعْمُولَ الصِّلَةِ لَا يَتَقَدَّمُ عَلَى الْمَوْصُولِ وَلِأَنَّ اشْتِرَاكَهُمْ فِي الْآخِرَةِ لَا فِي زَمَنِ ظُلْمِهِمْ.
وَمِمَّا حُمِلَ عَلَى التَّعْلِيلِ: {وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ} ، {وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ} . وَأَنْكَرَ الْجُمْهُورُ هَذَا الْقِسْمِ وَقَالُوا: التَّقْدِيرُ: "بعد إذا ظَلَمْتُمْ ".(2/173)
وَقَالَ ابْنُ جِنِّي: رَاجَعْتُ أَبَا عَلِيٍّ مِرَارًا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ} الْآيَةَ، مُسْتَشْكِلًا إِبْدَالَ إِذْ مِنَ الْيَوْمِ وَآخِرُ مَا تَحَصَّلَ مِنْهُ أَنَّ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ مُتَّصِلَتَانِ وَأَنَّهُمَا فِي حُكْمِ اللَّهِ سَوَاءٌ فَكَأَنَّ الْيَوْمَ مَاضٍ انْتَهَى.
الْوَجْهُ الثَّالِثُ: التَّوْكِيدُ بِأَنْ تُحْمَلَ عَلَى الزِّيَادَةِ. قَالَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ وَتَبِعَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ وَحَمَلَا عَلَيْهِ آيَاتٍ مِنْهَا: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ} .
الرَّابِعُ: التَّحْقِيقُ كَقَدْ وَحُمِلَتْ عَلَيْهِ الْآيَةُ الْمَذْكُورَةُ. وَجَعَلَ مِنْهُ السُّهَيْلِيُّ قَوْلَهُ: {بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} ، قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَلَيْسَ الْقَوْلَانِ بِشَيْءٍ.
مَسْأَلَةٌ
تَلْزَمُ إِذْ الْإِضَافَةَ إِلَى جُمْلَةٍ، إِمَّا اسْمِيَّةٍ، نَحْوَ: {وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ} ، أَوْ فِعْلِيَّةٍ فِعْلُهَا مَاضٍ لَفْظًا وَمَعْنًى نَحْوَ: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ} ، {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ} أَوْ مَعْنًى لَا لَفْظًا نَحْوَ: {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ} وَقَدِ اجْتَمَعَتِ الثَّلَاثَةُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِلاّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ} . وَقَدْ تُحْذَفُ الْجُمْلَةُ لِلْعِلْمِ بِهَا، وَيُعَوَّضُ عَنْهَا التَّنْوِينُ وَتُكْسَرُ الذَّالُ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ، نَحْوَ: {وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ} ، {وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ} .
وَزَعَمَ الْأَخْفَشُ أَنَّ " إِذْ " فِي ذَلِكَ مُعْرَبَةٌ لِزَوَالِ افْتِقَارِهَا إِلَى الْجُمْلَةِ،(2/174)
وَأَنَّ الْكَسْرَةَ إِعْرَابٌ لِأَنَّ الْيَوْمَ وَالْحِينَ مُضَافَانِ إِلَيْهَا وَرُدَّ بِأَنَّ بِنَاءَهَا لِوَضْعِهَا عَلَى حَرْفَيْنِ وَبِأَنَّ الِافْتِقَارَ بَاقٍ فِي الْمَعْنَى كَالْمَوْصُولِ تُحْذَفُ صِلَتُهُ.
إِذَا
عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ تَكُونَ لِلْمُفَاجَأَةِ فَتَخْتَصُّ بِالْجُمَلِ الِاسْمِيَّةِ وَلَا تَحْتَاجُ لِجَوَابٍ وَلَا تَقَعُ فِي الِابْتِدَاءِ وَمَعْنَاهَا الْحَالُ لَا الِاسْتِقْبَالُ، نَحْوَ: {فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى} ، {فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ} ، {وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذَا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آيَاتِنَا} .
قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَمَعْنَى الْمُفَاجَأَةِ حُضُورُ الشَّيْءِ مَعَكَ فِي وَصْفٍ مِنْ أَوْصَافِكَ الْفِعْلِيَّةِ تَقُولُ: خَرَجْتُ فَإِذَا الْأَسَدُ بِالْبَابِ فَمَعْنَاهُ حُضُورُ الْأَسَدِ مَعَكَ فِي زَمَنِ وَصْفِكَ بِالْخُرُوجِ أَوْ فِي مَكَانِ خُرُوجِكَ وَحُضُورُهُ مَعَكَ فِي مَكَانِ خُرُوجِكَ أَلْصَقُ بِكَ مِنْ حُضُورِهِ فِي خُرُوجِكَ لِأَنَّ ذَلِكَ الْمَكَانَ يَخُصُّكَ دُونَ ذَلِكَ الزَّمَانِ وَكُلَّمَا كَانَ أَلْصَقَ كَانَتِ الْمُفَاجَأَةُ فِيهِ أَقْوَى.
وَاخْتُلِفَ فِي " إِذَا " هَذِهِ فَقِيلَ: إِنَّهَا حَرْفٌ وَعَلَيْهِ الْأَخْفَشُ وَرَجَّحَهُ ابْنُ مَالِكٍ. وَقِيلَ: ظَرْفُ مَكَانٍ وَعَلَيْهِ الْمُبَرِّدُ وَرَجَّحَهُ ابْنُ عُصْفُورٍ. وَقِيلَ: ظَرْفُ زَمَانٍ وَعَلَيْهِ الزَّجَّاجُ وَرَجَّحَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ وَزَعَمَ أَنَّ عَامِلَهَا فِعْلٌ مُقَدَّرٌ مُشْتَقٌّ مِنْ لَفْظِ الْمُفَاجَأَةِ قَالَ: التَّقْدِيرُ: ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ فَاجَأْتُمُ الْخُرُوجَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ ثُمَّ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَلَا يُعْرَفُ ذَلِكَ لِغَيْرِهِ وَإِنَّمَا يُعْرَفُ نَاصِبُهَا عِنْدَهُمُ الْخَبَرُ الْمَذْكُورُ أَوِ الْمُقَدَّرُ قَالَ: وَلَمْ يَقَعِ الخبر معها في التنزير إِلَّا مُصَرَّحًا بِهِ.(2/175)
الثَّانِي: أَنْ تَكُونَ لِغَيْرِ الْمُفَاجَأَةِ فَالْغَالِبُ أَنْ تَكُونَ ظَرْفًا لِلْمُسْتَقْبَلِ مُضَمَّنَةً مَعْنَى الشَّرْطِ وَتَخْتَصُّ بِالدُّخُولِ عَلَى الْجُمَلِ الْفِعْلِيَّةِ وَتَحْتَاجُ لِجَوَابٍ وَتَقَعُ فِي الِابْتِدَاءِ عَكْسَ الْفُجَائِيَّةِ. وَالْفِعْلُ بَعْدَهَا إِمَّا ظَاهِرٌ نَحْوَ: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ} أَوْ مُقَدَّرٌ نَحْوَ: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} . وَجَوَابُهَا إِمَّا فِعْلٌ نَحْوَ: {فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ} أَوْ جُمْلَةٌ اسْمِيَّةٌ مَقْرُونَةٌ بِالْفَاءِ نَحْوَ: {فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ} ، {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسَابَ} أَوْ فِعْلِيَّةٌ طَلَبِيَّةٌ كَذَلِكَ نَحْوَ: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ} أَوِ اسْمِيَّةٌ مَقْرُونَةٌ بِإِذَا الْفُجَائِيَّةِ نَحْوَ: {إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ} ، {فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} .
وَقَدْ يَكُونُ مُقَدَّرًا لِدَلَالَةِ مَا قَبْلَهُ عَلَيْهِ أَوْ لِدَلَالَةِ الْمَقَامِ وَسَيَأْتِي فِي أَنْوَاعِ الْحَذْفِ.
وَقَدْ تَخْرُجُ إِذَا عَنِ الظَّرْفِيَّةِ قَالَ الْأَخْفَشُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا} : إِنَّ إِذَا جُرَّ بِحَتَّى. وَقَالَ ابْنُ جِنِّي فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ} الْآيَةَ فِيمَنْ نَصَبَ: {خَافِضَةً رَافِعَةً} : إِنَّ إِذَا الْأُولَى مُبْتَدَأٌ وَالثَّانِيَةَ خَبَرٌ وَالْمَنْصُوبَانِ حَالَانِ وَكَذَا جُمْلَةُ لَيْسَ وَمَعْمُولَاهَا. وَالْمَعْنَى: وَقْتُ وُقُوعِ الْوَاقِعَةِ خَافِضَةً لِقَوْمٍ رَافِعَةً لِآخَرِينَ هُوَ وَقْتُ رَجِّ الْأَرْضِ. وَالْجُمْهُورُ(2/176)
أَنْكَرُوا خُرُوجَهَا عَنِ الظَّرْفِيَّةِ وَقَالُوا فِي الْآيَةِ الْأُولَى: إِنَّ " حَتَّى " حَرْفُ ابْتِدَاءٍ دَاخِلٌ عَلَى الْجُمْلَةِ بِأَسْرِهَا وَلَا عَمَلَ لَهُ وَفِي الثَّانِيَةِ إِنَّ إِذَا الثَّانِيَةَ: بَدَلٌ مِنَ الْأُولَى وَالْأُولَى ظَرْفٌ وَجَوَابُهَا مَحْذُوفٌ لِفَهْمِ الْمَعْنَى وَحَسَّنَهُ طُولُ الْكَلَامِ وَتَقْدِيرُهُ بَعْدَ إِذَا الثَّانِيَةِ أَيْ انْقَسَمْتُمْ أَقْسَامًا وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً.
وَقَدْ تَخْرُجُ عَنِ الِاسْتِقْبَالِ فَتُرَدُّ لِلْحَالِ، نَحْوَ: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} فَإِنَّ الْغَشَيَانَ مُقَارِنٌ لِلَّيْلِ {وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى} {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى} .
وَلِلْمَاضِي نَحْوَ: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً} الْآيَةَ، فَإِنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ بَعْدَ الرُّؤْيَةِ وَالِانْفِضَاضِ وَكَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ} ، {حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ} ، {حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ} .
وَقَدْ تَخْرُجُ عَنِ الشَّرْطِيَّةِ نَحْوَ: {وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ} ، {وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ} فَإِذَا فِي الْآيَتَيْنِ ظَرْفٌ لِخَبَرِ الْمُبْتَدَإِ بَعْدَهَا وَلَوْ كَانَتْ شَرْطِيَّةً وَالْجُمْلَةُ الِاسْمِيَّةُ جَوَابٌ لَاقْتَرَنَتْ بِالْفَاءِ.
وَقَوْلُ بَعْضِهِمْ: إِنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِهَا مَرْدُودٌ بِأَنَّهَا لَا تُحْذَفُ إِلَّا لِضَرُورَةٍ، وَقَوْلٌ آخَرُ: إِنَّ الضَّمِيرَ تَوْكِيدٌ لَا مُبْتَدَأٌ وَأَنَّ مَا بَعْدَهُ الْجَوَابُ تَعَسُّفٌ وَقَوْلٌ آخَرُ جَوَابُهَا مَحْذُوفٌ مَدْلُولٌ عَلَيْهِ بِالْجُمْلَةِ بَعْدَهَا تَكَلُّفٌ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ.(2/177)
تَنْبِيهَاتٌ
الْأَوَّلُ: الْمُحَقِّقُونَ عَلَى أَنَّ نَاصِبَ إِذَا شَرْطُهَا وَالْأَكْثَرُونَ أَنَّهُ مَا فِي جَوَابِهَا مِنْ فِعْلٍ أَوْ شَبَهِهِ
الثَّانِي: قَدْ تُسْتَعْمَلُ إِذَا لِلِاسْتِمْرَارِ فِي الْأَحْوَالِ الْمَاضِيَةِ وَالْحَاضِرَةِ وَالْمُسْتَقْبَلَةِ كَمَا يُسْتَعْمَلُ الْفِعْلُ الْمُضَارِعُ لِذَلِكَ وَمِنْهُ: {وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ} أَيْ هَذَا شَأْنُهُمْ أَبَدًا وَكَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى} .
الثَّالِثُ: ذَكَرَ ابْنُ هِشَامٍ فِي الْمُغْنِي " إِذْ مَا " وَلَمْ يَذْكُرْ " إِذَا مَا ".
وَقَدْ ذَكَرَهَا الشَّيْخُ بَهَاءُ الدِّينِ السُّبْكِيُّ فِي عَرُوسِ الْأَفْرَاحِ فِي أَدَوَاتِ الشَّرْطِ.
فَأَمَّا " إِذْ مَا "، فَلَمْ تَقَعْ فِي الْقُرْآنِ وَمَذْهَبُ سِيبَوَيْهِ أَنَّهَا حَرْفٌ. وَقَالَ الْمُبَرِّدُ وَغَيْرُهُ: إِنَّهَا بَاقِيَةٌ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ وَأَمَّا " إِذَا مَا " فَوَقَعَتْ فِي الْقُرْآنِ فِي قَوْلِهِ تعالى: {وَإِذَا مَا غَضِبُوا} ، {إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ} وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِكَوْنِهَا بَاقِيَةً عَلَى الظَّرْفِيَّةِ أَوْ مُحَوَّلَةً إِلَى الْحَرْفِيَّةِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَجْرِيَ فِيهَا الْقَوْلَانِ فِي " إِذْ مَا " وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُجْزَمَ بِبَقَائِهَا عَلَى الظَّرْفِيَّةِ لِأَنَّهَا أَبْعَدُ عَنِ التَّرْكِيبِ بِخِلَافِ " إِذْ مَا ".
الرَّابِعُ: تَخْتَصُّ إِذَا بِدُخُولِهَا عَلَى الْمُتَيَقَّنِ وَالْمَظْنُونِ وَالْكَثِيرِ الْوُقُوعِ بِخِلَافِ إِنْ فَإِنَّهَا تُسْتَعْمَلُ فِي الْمَشْكُوكِ وَالْمَوْهُومِ النَّادِرِ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا} ثُمَّ قَالَ: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا} فَأَتَى بِإِذَا فِي الْوُضُوءِ لِتَكَرُّرِهِ وَكَثْرَةِ أَسْبَابِهِ وَبِإِنْ فِي الْجَنَابَةِ لِنُدْرَةِ وُقُوعِهَا(2/178)
بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْحَدَثِ. وَقَالَ تَعَالَى: {فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا} ، {وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ} أَتَى فِي جَانِبِ الْحَسَنَةِ بِإِذَا لِأَنَّ نِعَمَ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ كَثِيرَةٌ وَمَقْطُوعٌ بِهَا وَبِإِنْ فِي جَانِبِ السَّيِّئَةِ لِأَنَّهَا نَادِرَةُ الْوُقُوعِ وَمَشْكُوكٌ فِيهَا.
نَعَمْ أَشْكَلَ عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ آيَتَانِ الْأُولَى قَوْلُهُ تعالى: {وَلَئِنْ مُتُّمْ} ، {أَفَإِنْ مَاتَ} فَأَتَى بِإِنْ مَعَ أَنَّ الْمَوْتَ مُحَقَّقُ الْوُقُوعِ وَالْأُخْرَى قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ} فَأَتَى بِإِذَا فِي الطَّرَفَيْنِ. وَأَجَابَ الزَّمَخْشَرِيُّ عَنِ الْأُولَى بِأَنَّ الْمَوْتَ لَمَّا كَانَ مَجْهُولَ الْوَقْتِ أُجْرِيَ مَجْرَى غَيْرِ الْمَجْزُومِ. وَأَجَابَ السَّكَّاكِيُّ عَنِ الثَّانِيَةِ بِأَنَّهُ قَصَدَ التَّوْبِيخَ وَالتَّقْرِيعَ فَأَتَى بِإِذَا لِيَكُونَ تَخْوِيفًا لَهُمْ وَإِخْبَارًا بِأَنَّهُمْ لَا بُدَّ أَنْ يَمَسَّهُمْ شَيْءٌ مِنَ الْعَذَابِ وَاسْتُفِيدَ التَّقْلِيلُ مِنْ لَفْظِ " الْمَسِّ " وَتَنْكِيرِ " ضُرٍّ ".
وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْأِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ} فَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ الضَّمِيرَ فِي " مَسَّهُ " لِلْمُعْرِضِ الْمُتَكَبِّرِ لَا لِمُطْلَقِ الْإِنْسَانِ وَيَكُونُ لَفْظُ " إِذَا " لِلتَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّ مِثْلَ هَذَا الْمَعْرِضِ يَكُونُ ابْتِلَاؤُهُ بِالشَّرِّ مَقْطُوعًا بِهِ.
وَقَالَ الْخُوَيِّيُّ: الَّذِي أَظُنُّهُ أَنَّ إِذَا يَجُوزُ دُخُولُهَا عَلَى الْمُتَيَقَّنِ وَالْمَشْكُوكِ،(2/179)
لِأَنَّهَا ظَرْفٌ وَشَرْطٌ فَبِالنَّظَرِ إِلَى الشَّرْطِ تَدْخُلُ عَلَى الْمَشْكُوكِ وَبِالنَّظَرِ إِلَى الظَّرْفِ تَدْخُلُ عَلَى الْمُتَيَقَّنِ كَسَائِرِ الظُّرُوفِ.
الْخَامِسُ: خَالَفَتْ " إِذَا "، " إِنْ " أَيْضًا فِي إِفَادَةِ الْعُمُومِ قَالَ ابْنُ عُصْفُورٍ: فَإِذَا قُلْتَ إِذَا قَامَ زَيْدٌ قَامَ عَمْرٌو أَفَادَتْ أَنَّهُ كُلَّمَا قَامَ زَيْدٌ قَامَ عَمْرٌو قَالَ هَذَا هُوَ لصحيح وَفِي أَنَّ الْمَشْرُوطَ بِهَا إِذَا كَانَ عَدَمًا يَقَعُ الْجَزَاءُ فِي الْحَالِ وَفِي إِنْ لَا يَقَعُ حَتَّى يَتَحَقَّقَ الْيَأْسُ مِنْ وُجُودِهِ وَفِي أَنَّ جَزَاءَهَا مُسْتَعْقِبٌ لِشَرْطِهَا عَلَى الِاتِّصَالِ لَا يَتَقَدَّمُ وَلَا يَتَأَخَّرُ بِخِلَافِ إِنْ وَفِي أَنَّ مَدْخُولَهَا لَا تَجْزِمُهُ لِأَنَّهَا لَا تَتَمَخَّضُ شَرْطًا.
خَاتِمَةٌ
قِيلَ: قَدْ تَأْتِي إِذَا زَائِدَةً وَخُرِّجَ عَلَيْهِ: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} أَيْ انْشَقَّتِ السَّمَاءُ كَمَا قَالَ: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ} .
إِذًا:
قَالَ سِيبَوَيْهِ: مَعْنَاهَا الْجَوَابُ وَالْجَزَاءُ فَقَالَ الشَّلَوْبِينُ: فِي كُلِّ مَوْضِعٍ، وَقَالَ الْفَارِسِيُّ: فِي الْأَكْثَرِ وَالْأَكْثَرُ أَنْ تَكُونَ جَوَابًا لِإِنْ أَوْ لَوْ ظَاهِرَتَيْنِ أَوْ مُقَدَّرَتَيْنِ: قَالَ الْفَرَّاءُ: وَحَيْثُ جَاءَتْ بَعْدَهَا اللَّامُ فَقَبْلَهَا لَوْ مُقَدَّرَةٌ إِنْ لم تكن ظاهرة نحو: {إِلَهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ} ، وَهِيَ حَرْفٌ يَنْصِبُ الْمُضَارِعَ بِشَرْطِ تَصْدِيرِهَا وَاسْتِقْبَالِهِ وَاتِّصَالِهَا أَوِ انْفِصَالِهَا بِالْقَسَمِ أَوْ بِلَا النَّافِيَةِ قَالَ النُّحَاةُ: وَإِذَا وَقَعَتْ بَعْدَ الْوَاوِ وَالْفَاءِ جَازَ فِيهَا الْوَجْهَانِ، نَحْوَ: {وَإِذاً لَا يَلْبَثُونَ(2/180)
خِلافَكَ} ، {فَإِذاً لا يُؤْتُونَ النَّاسَ} وَقُرِئَ شَاذًّا بِالنَّصْبِ فِيهِمَا.
وَقَالَ ابْنُ هِشَامٍ: التَّحْقِيقُ أَنَّهُ إِذَا تَقَدَّمَهَا شَرْطٌ وَجَزَاءٌ وَعُطِفَتْ فَإِنْ قَدَّرْتَ الْعَطْفَ عَلَى الْجَوَابِ جَزَمْتَ وَبَطَلَ عَمَلُ إِذًا لِوُقُوعِهَا حَشْوًا أَوْ عَلَى الْجُمْلَتَيْنِ جَمِيعًا جَازَ الرَّفْعُ وَالنَّصْبُ وَكَذَا إِذَا تَقَدَّمَهَا مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ فِعْلٌ مَرْفُوعٌ إِنْ عُطِفَتْ عَلَى الْفِعْلِيَّةِ رُفِعَتْ أَوِ الِاسْمِيَّةِ فَالْوَجْهَانِ.
وَقَالَ غَيْرُهُ: إِذًا نَوْعَانِ:
الْأَوَّلُ: أَنْ تَدُلَّ عَلَى إِنْشَاءِ السَّبَبِيَّةِ وَالشَّرْطِ بِحَيْثُ لَا يُفْهَمُ الِارْتِبَاطُ مِنْ غَيْرِهَا نَحْوَ أَزُورُكَ غَدًا فَتَقُولُ إِذًا أُكْرِمَكَ وَهِيَ فِي هَذَا الْوَجْهِ عَامِلَةٌ تَدْخُلُ عَلَى الْجُمَلِ الْفِعْلِيَّةِ فَتَنْصِبُ الْمُضَارِعَ الْمُسْتَقْبَلَ الْمُتَّصِلَ إِذَا صُدِّرَتْ.
وَالثَّانِي: أَنْ تَكُونَ مُؤَكِّدَةً لِجَوَابٍ ارْتَبَطَ بِمُقَدَّمٍ أَوْ مُنَبِّهَةً عَلَى مُسَبَّبٍ حَصَلَ فِي الْحَالِ وَهِيَ حِينَئِذٍ غَيْرُ عَامِلَةٍ لِأَنَّ الْمُؤَكِّدَاتِ لَا يُعْتَمَدُ عَلَيْهَا وَالْعَامِلَ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ نَحْوَ إِنْ تَأْتِنِي إِذًا آتِيكَ وَاللَّهِ إِذًا لَأَفْعَلَنَّ أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَوْ سَقَطَتْ لَفُهِمَ الِارْتِبَاطُ وَتَدْخُلُ هَذِهِ عَلَى الِاسْمِيَّةِ فَتَقُولُ إِذًا أَنَا أُكْرِمُكَ وَيَجُوزُ تَوَسُّطُهَا وَتَأَخُّرُهَا وَمِنْ هَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذاً} فَهِيَ مُؤَكِّدَةٌ لِلْجَوَابِ مُرْتَبِطَةٌ بِمَا تَقَدَّمَ.
تَنْبِيهَانِ:
الْأَوَّلُ: سَمِعْتُ شَيْخَنَا الْعَلَّامَةَ الْكَافَيَجِيَّ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذاً لَخَاسِرُونَ} : لَيْسَتْ إِذًا هَذِهِ الْكَلِمَةَ(2/181)
الْمَعْهُودَةَ وَإِنَّمَا هِيَ إِذًا الشَّرْطِيَّةُ حُذِفَتْ جُمْلَتُهَا الَّتِي تُضَافُ إِلَيْهَا وَعُوِّضَ عَنْهَا بِالتَّنْوِينِ كَمَا فِي يَوْمِئِذٍ. وَكُنْتُ أَسْتَحْسِنُ هَذَا جِدًّا وَأَظُنُّ أَنَّ الشَّيْخَ لَا سَلَفَ لَهُ فِي ذَلِكَ. ثُمَّ رَأَيْتُ الزَّرْكَشِيَّ قَالَ فِي الْبُرْهَانِ بَعْدَ ذِكْرِهِ لِإِذًا الْمَعْنَيَيْنِ السَّابِقَيْنِ:
وَذَكَرَ لَهُمَا بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مَعْنًى ثَالِثًا وَهِيَ أَنْ تَكُونَ مُرَكَّبَةً مِنْ إذ الَّتِي هِيَ ظَرْفُ زَمَنٍ مَاضٍ وَمِنْ جُمْلَةٍ بَعْدَهَا تَحْقِيقًا أَوْ تَقْدِيرًا لَكِنْ حُذِفَتِ الْجُمْلَةُ تَخْفِيفًا وَأُبْدِلَ مِنْهَا التَّنْوِينُ كَمَا فِي قَوْلِهِمْ فِي حِينَئِذٍ وَلَيْسَتْ هَذِهِ النَّاصِبَةَ لِلْمُضَارِعِ لِأَنَّ تِلْكَ تَخْتَصُّ بِهِ وَلِذَا عَمِلَتْ فِيهِ وَلَا يَعْمَلُ إِلَّا مَا يَخْتَصُّ وَهَذِهِ لَا تَخْتَصُّ بَلْ تَدْخُلُ عَلَى الْمَاضِي كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذاً لَآتَيْنَاهُمْ} ، {إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ} ، {إِذاً لَأَذَقْنَاكَ} وَعَلَى الِاسْمِ نَحْوَ: {وَإِنَّكُمْ إِذاً لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ} قَالَ: وَهَذَا الْمَعْنَى لَمْ يَذْكُرْهُ النُّحَاةُ لَكِنَّهُ قِيَاسٌ مَا قَالُوهُ فِي إِذْ.
وَفِي التَّذْكِرَةِ لِأَبِي حَيَّانَ: ذَكَرَ لِي عَلَمُ الدِّينِ الْقِمَّنِيُّ أَنَّ الْقَاضِيَ تَقِيَّ الدِّينِ بْنَ رَزِينٍ كَانَ يَذْهَبُ إِلَى أَنَّ إِذًا عِوَضٌ مِنَ الْجُمْلَةِ الْمَحْذُوفَةِ وَلَيْسَ هَذَا قَوْلَ نَحْوِيٍّ.
وَقَالَ الْخُوَيِّيُّ: وَأَنَا أَظُنُّ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ تَقُولَ لِمَنْ قَالَ: أنا آتيك: إذا أكرمك بالفرع عَلَى مَعْنَى إِذَا أَتَيْتَنِي أُكْرِمُكَ فَحُذِفَتْ أَتَيْتَنِي وَعُوِّضَتِ التَّنْوِينُ مِنَ الْجُمْلَةِ فَسَقَطَتِ الْأَلِفُ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ قَالَ: وَلَا يَقْدَحُ فِي ذَلِكَ اتِّفَاقُ النُّحَاةِ عَلَى أَنَّ الْفِعْلَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ مَنْصُوبٌ بِإِذًا لِأَنَّهُمْ يُرِيدُونَ(2/182)
بِذَلِكَ مَا إِذَا كَانَتْ حَرْفًا نَاصِبًا لَهُ وَلَا يَنْفِي ذَلِكَ رَفْعُ الْفِعْلِ بَعْدَهَا إِذَا أُرِيدَ بِهَا إِذَا الزَّمَانِيَّةُ مُعَوَّضًا مِنْ جُمْلَتِهَا التَّنْوِينُ كَمَا أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ يَجْزِمُ مَا بَعْدَ " مِنْ " إِذَا جَعَلَهَا شَرْطِيَّةً وَيَرْفَعُهُ إِذَا أُرِيدَ بِهَا الْمَوْصُولَةُ. انْتَهَى.
فَهَؤُلَاءِ قَدْ حَامُوا حَوْلَ مَا حَامَ عَلَيْهِ الشَّيْخُ إِلَّا أَنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ مِنْهُمْ مِنَ الْمَشْهُورِينَ بِالنَّحْوِ وَمِمَّنْ يُعْتَمَدُ قَوْلُهُ فِيهِ نَعَمْ ذَهَبَ بَعْضُ النُّحَاةِ إِلَى أَنَّ أَصْلَ إِذًا النَّاصِبَةِ اسْمٌ وَالتَّقْدِيرُ فِي إِذًا أُكْرِمُكَ: إِذَا جِئْتَنِي أُكْرِمُكَ فَحُذِفَتِ الْجُمْلَةُ وَعُوِّضَ مِنْهَا التَّنْوِينُ وَأُضْمِرَتْ " أَنْ " وَذَهَبَ آخَرُونَ أَنَّهَا حَرْفٌ مُرَكَّبَةٌ مِنْ إِذْ وإن حَكَى الْقَوْلَيْنِ ابْنُ هِشَامٍ فِي الْمُغْنِي.
التَّنْبِيهُ الثَّانِي
الْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ إِذًا يُوقَفُ عَلَيْهَا بِالْأَلِفِ الْمُبْدَلَةِ مِنَ النُّونِ وَعَلَيْهِ إِجْمَاعُ الْقُرَّاءِ وَجَوَّزَ قَوْمٌ مِنْهُمُ الْمُبَرِّدُ وَالْمَازِنِيُّ فِي غَيْرِ الْقُرْآنِ الْوُقُوفَ عَلَيْهَا بِالنُّونِ كَلَنْ وَإِنْ وَيَنْبَنِي عَلَى الْخِلَافِ فِي الْوُقُوفِ عَلَيْهَا كِتَابَتُهَا فَعَلَى الْأَوَّلِ تُكْتَبُ بِالْأَلِفِ كَمَا رُسِمَتْ فِي الْمَصَاحِفِ وَعَلَى الثَّانِي بِالنُّونِ.
وَأَقُولُ: الْإِجْمَاعُ فِي الْقُرْآنِ عَلَى الْوَقْفِ عَلَيْهَا وَكِتَابَتُهَا بِالْأَلِفِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا اسْمٌ مُنَوَّنٌ لَا حَرْفٌ آخِرُهُ نُونٌ خُصُوصًا أَنَّهَا لَمْ تَقَعْ فِيهِ نَاصِبَةً لِلْمُضَارِعِ فَالصَّوَابُ إِثْبَاتُ هَذَا الْمَعْنَى لَهَا كَمَا جَنَحَ إِلَيْهِ الشَّيْخُ وَمَنْ سَبَقَ النَّقْلُ عَنْهُ.(2/183)
أُفٍّ
كَلِمَةٌ تُسْتَعْمَلُ عِنْدَ التَّضَجُّرِ وَالتَّكَرُّهِ وَقَدْ حَكَى أَبُو الْبَقَاءِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} قَوْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ اسْمٌ لِفِعْلِ الْأَمْرِ أَيْ كُفَّ وَاتْرُكْ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ اسْمٌ لِفِعْلٍ مَاضٍ أَيْ كَرِهْتُ وَتَضَجَّرْتُ.
وَحَكَى غَيْرُهُ ثَالِثًا: أَنَّهُ اسْمٌ لِفِعْلٍ مُضَارِعٍ أَيْ أَتَضَجَّرُ مِنْكُمَا.
وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْأَنْبِيَاءِ: {أُفٍّ لَكُمْ} ، فَأَحَالَهُ أَبُو الْبَقَاءِ عَلَى مَا سَبَقَ فِي الْإِسْرَاءِ وَمُقْتَضَاهُ تَسَاوِيهِمَا فِي الْمَعْنَى.
وَقَالَ الْعُزَيْزِيُّ فِي غَرِيبِهِ: هُنَا أَيْ بِئْسًا لَكُمْ.
وَفَسَّرَ صَاحِبُ الصِّحَاحِ: أُفٍّ بِمَعْنَى قَذَرًا.
وَقَالَ فِي الِارْتِشَافِ: أُفٍّ أَتَضَجَّرُ.
وَفِي الْبَسِيطِ: مَعْنَاهُ التَّضَجُّرُ وَقِيلَ: الضَّجَرُ وَقِيلَ: تَضَجَّرْتُ ثُمَّ حَكَى فِيهَا تِسْعًا وَثَلَاثِينَ لُغَةً.
قُلْتُ: قُرِئَ مِنْهَا فِي السَّبْعِ " أف " بالكسر بلا تنوين و" أف " بِالْكَسْرِ وَالتَّنْوِينِ وَ" أُفَّ " بِالْفَتْحِ بِلَا تَنْوِينٍ وَفِي الشَّاذِّ أُفٌّ بِالضَّمِّ مُنَوَّنًا وَغَيْرَ مُنَوَّنٍ وأف بِالتَّخْفِيفِ.(2/184)
أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} قَالَ: لَا تُقَذِّرْهُمَا.
وَأَخْرَجَ عَنْ أَبِي مَالِكٍ قَالَ: هُوَ الرَّدِيءُ مِنَ الْكَلَامِ.
أَلْ
عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ تَكُونَ اسْمًا مَوْصُولًا بِمَعْنَى الَّذِي وَفُرُوعِهِ وَهِيَ الدَّاخِلَةُ عَلَى أَسْمَاءِ الْفَاعِلِينَ وَالْمَفْعُولِينَ نَحْوَ: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ} إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، {التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ} الْآيَةَ.
وَقِيلَ: هِيَ حِينَئِذٍ حَرْفُ تَعْرِيفٍ وَقِيلَ: مَوْصُولٌ حَرْفِيٌّ.
الثَّانِي: أَنْ تَكُونَ حَرْفَ تَعْرِيفٍ وَهِيَ نَوْعَانِ: عَهْدِيَّةٌ وَجِنْسِيَّةٌ.
وَكُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:
فَالْعَهْدِيَّةُ: إِمَّا أَنْ يَكُونَ مَصْحُوبُهَا مَعْهُودًا ذِكْرِيًّا، نَحْوَ: {كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولاً فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ} ، {فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ} وَضَابِطُ هَذِهِ أَنْ يَسُدَّ الضَّمِيرُ مَسَدَّهَا مَعَ مَصْحُوبِهَا. أَوْ مَعْهُودًا ذِهْنِيًّا، نَحْوَ: {إِِذْ هُمَا فِي الْغَارِ} ، {إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} أَوْ مَعْهُودًا حُضُورِيًّا نَحْوَ: {الْيَوْمَ(2/185)
أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} ، {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ} قَالَ ابْنُ عُصْفُورٍ: وَكَذَا كُلُّ وَاقِعَةٍ بَعْدَ اسْمِ الْإِشَارَةِ أَوْ أَيْ فِي النِّدَاءِ وَإِذَا الْفُجَائِيَّةِ أَوْ فِي اسْمِ الزَّمَانِ الْحَاضِرِ نَحْوَ الْآنَ.
وَالْجِنْسِيَّةُ: إِمَّا لِاسْتِغْرَاقِ الْأَفْرَادِ وَهِيَ الَّتِي تَخْلُفُهَا " كُلُّ " حَقِيقَةً نَحْوَ: {وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفاً} ، {عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ} وَمِنْ دَلَائِلِهَا صِحَّةُ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ مَدْخُولِهَا نَحْوَ: {إِنَّ الْأِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا} وَوَصْفُهُ بِالْجَمْعِ نَحْوَ: {أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا} .
وَإِمَّا لِاسْتِغْرَاقِ خَصَائِصِ الْأَفْرَادِ وَهِيَ الَّتِي تَخْلُفُهَا " كُلُّ " مَجَازًا نَحْوَ: {ذَلِكَ الْكِتَابُ} أَيِ الْكِتَابُ الْكَامِلُ فِي الْهِدَايَةِ الْجَامِعُ لِصِفَاتِ جَمِيعِ الْكُتُبِ الْمُنَزَّلَةِ وَخَصَائِصِهَا وَإِمَّا لِتَعْرِيفِ الْمَاهِيَّةِ وَالْحَقِيقَةِ وَالْجِنْسِ وَهِيَ الَّتِي لَا تَخْلُفُهَا " كُلُّ " لَا حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا نَحْوَ: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ} ، {أُولَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ} .
قيل: والفرق بين المعرف بأل وَبَيْنَ اسْمِ الْجِنْسِ النَّكِرَةِ هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْمُقَيَّدِ وَالْمُطْلَقِ لِأَنَّ الْمُعَرَّفَ بِهَا يَدُلُّ عَلَى الْحَقِيقَةِ بِقَيْدِ حُضُورِهَا فِي الذِّهْنِ وَاسْمُ الْجِنْسِ النَّكِرَةُ يَدُلُّ عَلَى مُطْلَقِ الْحَقِيقَةِ لَا بِاعْتِبَارِ قَيْدٍ.
الثَّالِثُ: أَنْ تَكُونَ زَائِدَةً وَهِيَ نَوْعَانِ لَازِمَةٌ كَالَّتِي فِي الْمَوْصُولَاتِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ تَعْرِيفَهَا بِالصِّلَةِ وَكَالَّتِي فِي الْأَعْلَامِ الْمُقَارِنَةِ لِنَقْلِهَا كَاللَّاتِ وَالْعُزَّى أَوْ لِغَلَبَتِهَا كَالْبَيْتِ لِلْكَعْبَةِ وَالْمَدِينَةِ لِطِيبَةَ وَالنَّجْمِ لِلثُّرَيَّا(2/186)
وَهَذِهِ فِي الْأَصْلِ لِلْعَهْدِ. أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى} ، قَالَ: الثُّرَيَّا. وَغَيْرُ لَازِمَةٍ كَالْوَاقِعَةِ فِي الْحَالِ وَخُرِّجَ عَلَيْهِ قِرَاءَةُ بَعْضِهِمْ: {لَيَخْرُجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ} ، بِفَتْحِ الْيَاءِ أَيْ ذَلِيلًا لِأَنَّ الْحَالَ وَاجِبَةُ التَّنْكِيرِ إِلَّا أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ فَصِيحٍ فَالْأَحْسَنُ تَخْرِيجُهَا عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ خُرُوجَ الْأَذَلِّ كَمَا قَدَّرَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ.
مَسْأَلَةٌ
اخْتُلِفَ فِي أَلْ فِي اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى فَقَالَ سِيبَوَيْهِ: هِيَ عوض من الهمزة لمحذوفة بِنَاءً عَلَى أَنَّ أَصْلَهُ " إِلَهٌ " دَخَلَتْ أَلْ فَنُقِلَتْ حَرَكَةُ الْهَمْزَةِ إِلَى اللَّامِ ثُمَّ أُدْغِمَتْ قَالَ الْفَارِسِيُّ: وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَطْعُ هَمْزِهَا وَلُزُومُهَا.
وَقَالَ آخَرُونَ: هِيَ مَزِيدَةٌ لِلتَّعْرِيفِ تَفْخِيمًا وَتَعْظِيمًا وَأَصْلُ " إله " " أولاه " وَقَالَ قَوْمٌ: هِيَ زَائِدَةٌ لَازِمَةٌ لَا لِلتَّعْرِيفِ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَصْلُهُ هَاءُ الْكِتَابَةِ زِيدَتْ فِيهِ لَامُ الْمِلْكِ فَصَارَ " لَه " ثُمَّ زِيدَتْ " أَلْ " تَعْظِيمًا وَفَخَّمُوهُ تَوْكِيدًا.
وَقَالَ الْخَلِيلُ وَخَلَائِقُ: هِيَ مِنْ بِنْيَةِ الْكَلِمَةِ وَهُوَ اسْمٌ عَلَمٌ لَا اشْتِقَاقَ لَهُ وَلَا أَصْلَ.
خَاتِمَةٌ
أَجَازَ الْكُوفِيُّونَ وَبَعْضُ الْبَصْرِيِّينَ وَكَثِيرٌ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ نِيَابَةَ " أَلْ " عَنِ الضَّمِيرِ الْمُضَافِ إِلَيْهِ وَخَرَّجُوا عَلَى ذَلِكَ: {فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى}(2/187)
وَالْمَانِعُونَ يُقَدِّرُونَ لَهُ، وَأَجَازَ الزَّمَخْشَرِيُّ نِيَابَتَهَا عَنِ الظَّاهِرِ أَيْضًا وَخَرَّجَ عَلَيْهِ {وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا} ، فَإِنَّ الْأَصْلَ أَسْمَاءُ الْمُسَمَّيَاتِ.
أَلَا
بِالْفَتْحِ وَالتَّخْفِيفِ، وَرَدَتْ فِي الْقُرْآنِ عَلَى أَوْجُهٍ:
أَحَدُهَا: لِلتَّنْبِيهِ، فَتَدُلُّ عَلَى تَحْقِيقِ مَا بَعْدَهَا قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَلِذَلِكَ قَلَّ وُقُوعُ الْجُمَلِ بَعْدَهَا إِلَّا مُصَدَّرَةً بِنَحْوِ مَا يُتَلَقَّى بِهِ الْقَسَمُ وَتَدْخُلُ عَلَى الِاسْمِيَّةِ وَالْفِعْلِيَّةِ نَحْوَ: {أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ} ، {أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ} قَالَ فِي الْمُغْنِي: وَيَقُولُ الْمُعْرِبُونَ فِيهَا: حَرْفُ اسْتِفْتَاحٍ فَيُبَيِّنُونَ مَكَانَهَا ويمهلون مَعْنَاهَا وَإِفَادَتُهَا التَّحْقِيقَ مِنْ جِهَةِ تَرْكِيبِهَا مِنَ الْهَمْزَةِ وَلَا وَهَمْزَةُ الِاسْتِفْهَامِ إِذَا دَخَلَتْ عَلَى النَّفْيِ أَفَادَتِ التَّحْقِيقَ: نَحْوَ: {أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ} .
الثَّانِي وَالثَّالِثُ: التَّحْضِيضُ وَالْعَرْضُ وَمَعْنَاهُمَا طَلَبُ الشَّيْءِ لَكِنَّ الْأَوَّلَ طَلَبٌ بِحَثٍّ وَالثَّانِي طَلَبٌ بِلِينٍ وتختض فِيهِمَا بِالْفِعْلِيَّةِ نَحْوَ: {أَلا تُقَاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ} ، {قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلا يَتَّقُونَ} ، {أَلا تَأْكُلُونَ} ، {أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ} .(2/188)
أَلَّا
بِالْفَتْحِ وَالتَّشْدِيدِ حَرْفُ تَحْضِيضٍ وَلَمْ يَقَعْ فِي الْقُرْآنِ لِهَذَا الْمَعْنَى فِيمَا أَعْلَمُ إِلَّا أَنَّهُ يَجُوزُ عِنْدِي أَنْ يُخَرَّجَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: {أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ} وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ} فَلَيْسَتْ هَذِهِ بَلْ هِيَ كَلِمَتَانِ أَنَّ النَّاصِبَةُ وَلَا النَّافِيَةُ أَوْ أَنْ الْمُفَسِّرَةُ وَلَا النَّاهِيَةُ.
إِلَّا
بِالْكَسْرِ وَالتَّشْدِيدِ عَلَى أَوْجُهٍ:
أَحَدُهَا: الِاسْتِثْنَاءُ مُتَّصِلًا نَحْوَ: {فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلاً} ، {مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ} أَوْ مُنْقَطِعًا نَحْوَ: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً} ، {وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى} .
الثَّانِي: بِمَعْنَى غَيْرَ فَيُوصَفُ بِهَا وَبِتَالِيهَا جَمْعٌ مُنَكَّرٌ أَوْ شِبْهُهُ وَيُعْرَبُ الِاسْمُ الْوَاقِعُ بَعْدَهَا بِإِعْرَابِ غَيْرَ نَحْوَ: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْآيَةُ لِلِاسْتِثْنَاءِ لِأَنَّ " آلِهَةً " جَمْعٌ مُنَكَّرٌ فِي الْإِثْبَاتِ فَلَا عُمُومَ لَهُ فَلَا يَصُحُّ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْهُ وَلِأَنَّهُ يَصِيرُ الْمَعْنَى حِينَئِذٍ " لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ لَيْسَ فِيهِمُ اللَّهُ لَفَسَدَتَا " وَهُوَ بَاطِلٌ بِاعْتِبَارِ مَفْهُومِهِ.(2/189)
الثَّالِثُ: أَنْ تَكُونَ عَاطِفَةً بِمَنْزِلَةِ الْوَاوِ فِي التَّشْرِيكِ ذَكَرَهُ الْأَخْفَشُ وَالْفَرَّاءُ وَأَبُو عُبَيْدَةَ وَخَرَّجُوا عَلَيْهِ: {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ} ، {لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوءٍ} ، أَيْ وَلَا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَلَا مَنْ ظَلَمَ وَتَأَوَّلَهُمَا الْجُمْهُورُ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ الْمُنْقَطِعِ.
الرَّابِعُ: بِمَعْنَى " بَلْ "، ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ وَخَرَّجَ عَلَيْهِ: {مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى إِلَّا تَذْكِرَةً} أَيْ بَلْ تَذْكِرَةً.
الْخَامِسُ: بِمَعْنَى بَدَلَ ذَكَرَهُ ابْنُ الصَّائِغِ وَخَرَّجَ عَلَيْهِ: {آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ} أَيْ بَدَلَ اللَّهِ أَوْ عِوَضَهُ وَبِهِ يُخْرَجُ عَنِ الْإِشْكَالِ الْمَذْكُورِ فِي الِاسْتِثْنَاءِ وَفِي الْوَصْفِ بِإِلَّا مِنْ جِهَةِ الْمَفْهُومِ.
وَغَلِطَ ابْنُ مَالِكٍ فَعَدَّ مِنْ أَقْسَامِهَا نَحْوَ: {إِلاّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ} وَلَيْسَتْ مِنْهَا بَلْ هِيَ كَلِمَتَانِ: إِنْ الشَّرْطِيَّةُ ولا النَّافِيَةُ.
فَائِدَةٌ
قَالَ الرُّمَّانِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ: مَعْنَى إِلَّا اللَّازِمُ لَهَا الِاخْتِصَاصُ بِالشَّيْءِ دُونَ غَيْرِهِ فَإِذَا قُلْتَ: جَاءَنِي الْقَوْمُ إِلَّا زَيْدًا فَقَدِ اخْتَصَصْتَ زَيْدًا بِأَنَّهُ لَمْ يجيء وَإِذَا قُلْتَ: مَا جَاءَنِي إِلَّا زَيْدٌ فَقَدِ اخْتَصَصْتَهُ بِالْمَجِيءِ وَإِذَا قُلْتَ مَا جَاءَنِي زَيْدٌ إِلَّا رَاكِبًا فَقَدِ اخْتَصَصْتَهُ بِهَذِهِ الْحَالَةِ دُونَ غيرها من المشيء وَالْعَدْوِ وَنَحْوِهِ.(2/190)
الْآنَ
اسْمٌ لِلزَّمَنِ الْحَاضِرِ وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ فِي غَيْرِهِ مَجَازًا. وَقَالَ قَوْمٌ: هِيَ مَحَلٌّ لِلزَّمَانَيْنِ أَيْ ظَرْفٌ لِلْمَاضِي وَظَرْفٌ لِلْمُسْتَقْبَلِ وَقَدْ يُتَجَوَّزُ بِهَا عَمَّا قَرُبَ مِنْ أَحَدِهِمَا.
وَقَالَ ابْنُ مَالِكٍ: لِوَقْتٍ حَضَرَ جَمِيعُهُ كَوَقْتِ فِعْلِ الْإِنْشَاءِ حَالَ النُّطْقِ بِهِ أَوْ بَعْضِهِ نَحْوَ: {الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ} ، {فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَاباً رَصَداً} قَالَ: وَظَرْفِيَّتُهُ غَالِبَةٌ لَا لَازِمَةٌ.
وَاخْتُلِفَ فِي " أَلْ " الَّتِي فِيهِ فَقِيلَ: لِلتَّعْرِيفِ الْحُضُورِيِّ وَقِيلَ: زَائِدَةٌ لَازِمَةٌ.
إِلَى
حَرْفُ جَرٍّ لَهُ مَعَانٍ:
أَشْهَرُهَا انْتِهَاءُ الْغَايَةِ زَمَانًا، نَحْوَ: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} ، أَوْ مَكَانًا، نَحْوَ: {إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى} .
أَوْ غَيْرَهُمَا، نَحْوَ: {وَالأَمْرُ إِلَيْكِ} أَيْ مُنْتَهٍ إِلَيْكِ وَلَمْ يَذْكُرْ لَهَا الْأَكْثَرُونَ غَيْرَ هَذَا الْمَعْنَى.
وَزَادَ ابْنُ مَالِكٍ وَغَيْرُهُ تَبَعًا لِلْكُوفِيِّينَ مَعَانِيَ أُخَرَ مِنْهَا الْمَعِيَّةُ وَذَلِكَ إِذَا ضَمَمْتَ شَيْئًا إِلَى آخَرَ فِي الْحُكْمِ بِهِ أَوْ عَلَيْهِ أَوِ التَّعَلُّقِ نَحْوَ: {مَنْ(2/191)
أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ} ، {وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} ، {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ} ، قَالَ الرَّضِيُّ: وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهَا لِلِانْتِهَاءِ أَيْ مُضَافَةٌ إِلَى الْمَرَافِقِ وَإِلَى أَمْوَالِكُمْ.
وَقَالَ غَيْرُهُ: مَا وَرَدَ من ذلك مؤول عَلَى تَضْمِينِ الْعَامِلِ وَإِبْقَاءِ إِلَى عَلَى أَصْلِهَا وَالْمَعْنَى فِي الْآيَةِ الْأُولَى: مَنْ يُضِيفُ نُصْرَتَهُ إِلَى نُصْرَةِ اللَّهِ أَوْ مَنْ يَنْصُرُنِي حَالَ كَوْنِي ذَاهِبًا إِلَى اللَّهِ.
وَمِنْهَا الظَّرْفِيَّةُ كَفِي نَحْوَ: {لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} أَيْ فِيهِ، {هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى} ، أَيْ فِي أَنْ.
وَمِنْهَا مُرَادَفَةُ اللَّامِ، وَجُعِلَ مِنْهُ: {وَالأَمْرُ إِلَيْكِ} أَيْ لَكِ وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ مِنَ الِانْتِهَاءِ.
وَمِنْهَا التَّبْيِينُ، قَالَ ابْنُ مَالِكٍ: وهي المبينة لفاعلية مجر ورها بَعْدَمَا يُفِيدُ حُبًّا أَوْ بُغْضًا مِنْ فِعْلِ تَعَجُّبٍ أَوِ اسْمِ تفضيل نحو: {قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ} .
وَمِنْهَا التَّوْكِيدُ، وَهِيَ الزَّائِدَةُ، نَحْوَ: {فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ} . فِي قِرَاءَةِ بَعْضِهِمْ بِفَتْحِ الْوَاوِ أَيْ تَهْوَاهُمْ قَالَهُ الْفَرَّاءُ.
وَقَالَ غَيْرُهُ: هُوَ عَلَى تَضْمِينِ " تَهْوَى " مَعْنَى " تَمِيلُ ".(2/192)
تَنْبِيهٌ
حَكَى ابْنُ عُصْفُورٍ فِي شَرْحِ أَبْيَاتِ الْإِيضَاحِ عَنِ ابْنِ الأنبا ري: أَنَّ إِلَى تُسْتَعْمَلُ اسْمًا فَيُقَالُ: انْصَرَفْتُ مِنْ إِلَيْكَ كَمَا يُقَالُ: غَدَوْتُ مِنْ عَلَيْهِ وَخَرَّجَ عَلَيْهِ مِنَ الْقُرْآنِ قَوْلَهُ تَعَالَى: {وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ} وَبِهِ يَنْدَفِعُ إِشْكَالُ أَبِي حَيَّانَ فِيهِ بِأَنَّ الْقَاعِدَةَ الْمَشْهُورَةَ أَنَّ الْفِعْلَ لَا يَتَعَدَّى إِلَى ضَمِيرٍ يَتَّصِلُ بِنَفْسِهِ أَوْ بِالْحَرْفِ وَقَدْ رُفِعَ الْمُتَّصِلُ وَهُمَا لِمَدْلُولٍ وَاحِدٍ فِي غَيْرِ بَابِ ظَنَّ.
اللَّهُمَّ
الْمَشْهُورُ أَنَّ مَعْنَاهُ: يَا اللَّهُ حُذِفَتْ يَاءُ النِّدَاءِ وَعُوِّضَ عَنْهَا الْمِيمُ الْمُشَدَّدَةُ فِي آخِرِهِ.
وَقِيلَ: أَصْلُهُ يَا أَللَّهُ أُمَّنَا بِخَيْرٍ فَرُكِّبَ تَرْكِيبَ حَيَّهَلَا.
وَقَالَ أَبُو رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيُّ: الْمِيمُ فِيهَا تَجْمَعُ سَبْعِينَ اسْمًا مِنْ أَسْمَائِهِ.
وَقَالَ ابْنُ ظَفَرٍ: قِيلَ إِنَّهَا الِاسْمُ الْأَعْظَمُ، وَاسْتَدَلَّ لِذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ دَالٌّ عَلَى الذَّاتِ وَالْمِيمَ دَالَّةٌ عَلَى الصِّفَاتِ التِّسْعَةِ وَالتِّسْعِينَ وَلِهَذَا قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: اللَّهُمَّ تَجْمَعُ الدُّعَاءَ.
وَقَالَ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ: مَنْ قَالَ: اللَّهُمَّ فَقَدْ دَعَا اللَّهَ بِجَمِيعِ أَسْمَائِهِ.(2/193)
أَمْ
حَرْفُ عَطْفٍ وَهِيَ نَوْعَانِ:
مُتَّصِلَةٌ وَهِيَ قِسْمَانِ:
الْأَوَّلُ: أَنْ يَتَقَدَّمَ عَلَيْهَا هَمْزَةُ التَّسْوِيَةِ نَحْوَ: {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ} ، {وَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا} ، {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ} .
وَالثَّانِي: أَنْ يَتَقَدَّمَ عَلَيْهَا هَمْزَةٌ يُطْلَبُ بِهَا وَبِأَمِ التَّعْيِينُ نَحْوَ: {آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ} .
وَسُمِّيَتْ فِي الْقِسْمَيْنِ مُتَّصِلَةً لِأَنَّ مَا قَبْلَهَا وَمَا بَعْدَهَا لَا يُسْتَغْنَى بِأَحَدِهِمَا عَنِ الْآخَرِ. وَتُسَمَّى أَيْضًا مُعَادِلَةً لِمُعَادَلَتِهَا لِلْهَمْزَةِ فِي إِفَادَةِ التَّسْوِيَةِ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ وَالِاسْتِفْهَامِ فِي الثَّانِي.
وَيَفْتَرِقُ الْقِسْمَانِ مِنْ أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ:
أَحَدُهَا وَثَانِيهَا: أَنَّ الْوَاقِعَةَ بَعْدَ هَمْزَةِ التَّسْوِيَةِ لَا تَسْتَحِقُّ جَوَابًا لِأَنَّ الْمَعْنَى مَعَهَا لَيْسَ عَلَى الِاسْتِفْهَامِ وَأَنَّ الْكَلَامَ مَعَهَا قَابِلٌ لِلتَّصْدِيقِ وَالتَّكْذِيبِ لِأَنَّهُ خَبَرٌ وَلَيْسَتْ تِلْكَ كَذَلِكَ الِاسْتِفْهَامَ مِنْهَا عَلَى حَقِيقَتِهِ.
وَالثَّالِثُ وَالرَّابِعُ: أَنَّ الْوَاقِعَةَ بَعْدَ هَمْزَةِ التَّسْوِيَةِ لَا تَقَعُ إِلَّا بَيْنَ جُمْلَتَيْنِ وَلَا تَكُونُ الْجُمْلَتَانِ مَعَهَا إِلَّا فِي تَأْوِيلِ الْمُفْرَدَيْنِ وَتَكُونُ الْجُمْلَتَانِ فِعْلِيَّتَيْنِ وَاسْمِيَّتَيْنِ وَمُخْتَلِفَتَيْنِ نَحْوَ: {سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ} ، وَأَمِ الْأُخْرَى تَقَعُ(2/194)
بَيْنَ الْمُفْرَدَيْنِ وَهُوَ الْغَالِبُ فِيهَا نَحْوَ: {أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّمَاءُ} وَبَيْنَ جُمْلَتَيْنِ لَيْسَا فِي تَأْوِيلِهِمَا.
النَّوْعُ الثَّانِي: مُنْقَطِعَةٌ، وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ:
مَسْبُوقَةٌ بِالْخَبَرِ الْمَحْضِ، نَحْوَ: {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ، {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ} .
وَمَسْبُوقَةٌ بِالْهَمْزَةِ لِغَيْرِ الِاسْتِفْهَامِ، نَحْوَ: {أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا} ، إِذِ الْهَمْزَةُ فِي ذَلِكَ لِلْإِنْكَارِ فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ النَّفْيِ وَالْمُتَّصِلَةُ لَا تَقَعُ بَعْدَهُ.
وَمَسْبُوقَةٌ بِاسْتِفْهَامٍ بِغَيْرِ الْهَمْزَةِ، نَحْوَ: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ} .
وَمَعْنَى أَمِ الْمُنْقَطِعَةِ الَّذِي لَا يُفَارِقُهَا الْإِضْرَابُ ثُمَّ تَارَةً تَكُونُ لَهُ مُجَرَّدًا وَتَارَةً تَضَمَّنُ مَعَ ذَلِكَ اسْتِفْهَامًا إِنْكَارِيًّا.
فَمِنَ الْأَوَّلِ: {أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ} لِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الِاسْتِفْهَامُ عَلَى اسْتِفْهَامٍ.
وَمِنَ الثَّانِي: {أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ} ، تَقْدِيرُهُ: بَلْ أَلَهُ الْبَنَاتُ إِذْ لَوْ قَدَّرْتَ الْإِضْرَابَ الْمَحْضَ لَزِمَ الْمُحَالُ.(2/195)
تَنْبِيهَانِ
الْأَوَّلُ: قَدْ تَرِدُ أَمْ مُحْتَمِلَةً لِلِاتِّصَالِ وَلِلِانْقِطَاعِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْداً فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} .
قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: يَجُوزُ فِي أَمْ أَنْ تَكُونَ مُعَادِلَةً بِمَعْنَى أَيُّ الْأَمْرَيْنِ كَائِنٌ عَلَى سَبِيلِ التَّقْرِيرِ لِحُصُولِ الْعِلْمِ بِكَوْنِ أَحَدِهِمَا وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مُنْقَطِعَةً.
الثَّانِي: ذَكَرَ أَبُو زَيْدٍ أَنَّ أَمْ تَقَعُ زَائِدَةً وَخَرَّجَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ تَعَالَى: {أَفَلا تُبْصِرُونَ أَمْ أَنَا خَيْرٌ} ، قَالَ: التَّقْدِيرُ: أَفَلَا يُبْصِرُونَ أَنَا خَيْرٌ.
أَمَّا
بِالْفَتْحِ وَالتَّشْدِيدِ، حَرْفُ شَرْطٍ وَتَفْصِيلٍ وَتَوْكِيدٍ.
أَمَّا كَوْنُهَا حَرْفَ شَرْطٍ، فَبِدَلِيلِ لُزُومِ الْفَاءِ بَعْدَهَا، نَحْوَ: {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ} وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ} ، فَعَلَى تَقْدِيرِ الْقَوْلِ أَيْ فَيُقَالُ لَهُمْ: أَكَفَرْتُمْ فَحُذِفَ الْقَوْلُ اسْتِغْنَاءً عَنْهُ بِالْمَقُولِ فَتَبِعَتْهُ الْفَاءُ فِي الْحَذْفِ. وَكَذَا قَوْلُهُ: {وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ} .
وَأَمَّا التَّفْصِيلُ فَهُوَ غَالِبُ أَحْوَالِهَا كَمَا تَقَدَّمَ، وَكَقَوْلِهِ: {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ} ، {وَأَمَّا الْغُلامُ} ، {وَأَمَّا الْجِدَارُ} . د يُتْرَكُ تَكْرَارُهَا اسْتِغْنَاءً بِأَحَدِ الْقِسْمَيْنِ عَنِ الْآخَرِ وَسَيَأْتِي فِي أَنْوَاعِ الحذف.(2/196)
أما التَّوْكِيدُ فَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: فَائِدَةُ: أَمَّا فِي الْكَلَامِ أَنْ تُعْطِيَهُ فَضْلَ تَوْكِيدٍ، تَقُولُ: زَيْدٌ ذَاهِبٌ فَإِذَا قَصَدْتَ تَوْكِيدَ ذَلِكَ وَأَنَّهُ لَا مَحَالَةَ ذَاهِبٌ وَأَنَّهُ بِصَدَدِ الذَّهَابِ وَأَنَّهُ مِنْهُ عَزِيمَةٌ قُلْتُ: أَمَّا زَيْدٌ فَذَاهِبٌ وَلِذَلِكَ قَالَ سِيبَوَيْهِ فِي تَفْسِيرِهِ: مَهْمَا يَكُنْ مِنْ شَيْءٍ فَزَيْدٌ ذاهب.
يفصل بَيْنَ أَمَّا وَالْفَاءِ إِمَّا بِمُبْتَدَإٍ كَالْآيَاتِ السَّابِقَةِ أَوْ خَبَرٍ نَحْوَ أَمَّا فِي الدَّارِ فَزَيْدٌ أَوْ جُمْلَةِ شَرْطٍ نَحْوَ: {فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ فَرَوْحٌ} الْآيَاتِ أَوِ اسْمٍ مَنْصُوبٍ بِالْجَوَابِ نَحْوَ: {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ} أَوِ اسْمِ مَعْمُولٍ لِمَحْذُوفٍ يُفَسِّرُهُ مَا بَعْدَ الْفَاءِ، نَحْوَ: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ} فِي قِرَاءَةِ بَعْضِهِمْ بِالنَّصْبِ.
تَنْبِيهٌ
لَيْسَ مِنْ أَقْسَامِ أَمَّا الَّتِي فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَمَّاذَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} بَلْ هِيَ كَلِمَتَانِ أَمِ الْمُنْقَطِعَةُ وَمَا الِاسْتِفْهَامِيَّةُ.
إِمَّا
بِالْكَسْرِ وَالتَّشْدِيدِ، تَرِدُ لِمَعَانٍ:
الْإِبْهَامُ نَحْوَ: {وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ} .
وَالتَّخْيِيرُ نَحْوَ: {إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً} ، {إِمَّا أَنْ(2/197)
تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى} ، {فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} .
وَالتَّفْصِيلُ، نَحْوَ: {إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً} .
تَنْبِيهَاتٌ
الْأَوَّلُ: لَا خِلَافَ أَنَّ إِمَّا الْأُولَى فِي هَذِهِ الْأَمْثِلَةِ وَنَحْوِهَا غَيْرُ عَاطِفَةٍ وَاخْتُلِفَ فِي الثَّانِيَةِ فَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّهَا عَاطِفَةٌ وَأَنْكَرَهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمُ ابْنُ مَالِكٍ لِمُلَازَمَتِهَا غَالِبًا الْوَاوَ الْعَاطِفَةَ. وَادَّعَى ابْنُ عُصْفُورٍ الْإِجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ قَالَ وَإِنَّمَا ذَكَرُوهَا فِي بَابِ الْعَطْفِ لِمُصَاحَبَتِهَا لِحَرْفِهِ، وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّهَا عَطَفَتِ الِاسْمَ عَلَى الِاسْمِ وَالْوَاوُ عَطَفَتْ إِمَّا عَلَى إِمَّا وَهُوَ غَرِيبٌ.
الثَّانِي: سَيَأْتِي أَنَّ هَذِهِ الْمَعَانِيَ لأو وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ إِمَّا أَنَّ إِمَّا يُبْنَى الْكَلَامُ مَعَهَا مِنْ أَوَّلِ الْأَمْرِ عَلَى مَا جِيءَ بِهَا لِأَجْلِهِ وَلِذَلِكَ وَجَبَ تَكْرَارُهَا وأو يُفْتَتَحُ الْكَلَامُ مَعَهَا عَلَى الْجَزْمِ ثُمَّ يَطْرَأُ الْإِبْهَامُ أَوْ غَيْرُهُ وَلِهَذَا لَمْ يَتَكَرَّرْ.
الثَّالِثُ: لَيْسَ من أقسام أما التي في قَوْلِهِ: {فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً} بَلْ هِيَ كَلِمَتَانِ إِنَّ الشَّرْطِيَّةُ وَمَا الزَّائِدَةُ.
إِنْ
بِالْكَسْرِ وَالتَّخْفِيفِ، عَلَى أَوْجُهٍ:
الْأَوَّلُ: أَنْ تَكُونَ شَرْطِيَّةً، نَحْوَ: {إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} ، {وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ} وَإِذَا دَخَلَتْ عَلَى " لَمْ " فَالْجَزْمُ بِلَمْ(2/198)
لا بها لنحو: {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا} أَوْ عَلَى لَا فَالْجَزْمُ بِهَا لَا بِلَا نَحْوَ: {وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي} ، {إِلاّ تَنْصُرُوهُ} وَالْفَرْقُ أَنَّ لَمْ عَامِلٌ يَلْزَمُ مَعْمُولَهُ وَلَا يُفْصَلُ بَيْنَهُمَا بِشَيْءٍ وإن يَجُوزُ الْفَصْلُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ مَعْمُولِهَا بمعموله ولا لَا تَعْمَلُ الْجَزْمَ إِذَا كَانَتْ نَافِيَةً فَأُضِيفَ الْعَمَلُ إِلَى إِنْ.
الثَّانِي: أَنْ تَكُونَ نَافِيَةً وَتَدْخُلُ عَلَى الِاسْمِيَّةِ وَالْفِعْلِيَّةِ نَحْوَ: {إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ} ، {إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ} ، {إِنْ أَرَدْنَا إِلّا الْحُسْنَى} ، {إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثاً} . قِيلَ: وَلَا تَقَعُ إِلَّا وَبَعْدَهَا إِلَّا كَمَا تَقَدَّمَ أَوْ لَمَّا الْمُشَدَّدَةُ نَحْوَ: {إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ} فِي قِرَاءَةِ التَّشْدِيدِ وَرُدَّ بِقَوْلِهِ: {إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَذَا} ، {وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ} .
وَمِمَّا حُمِلَ عَلَى النَّافِيَةِ قَوْلُهُ: {إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ} ، {قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ} وَعَلَى هَذَا فَالْوَقْفُ هُنَا،: {وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ} أَيْ فِي الَّذِي مَا مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَقِيلَ هِيَ زَائِدَةٌ وَيُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ قَوْلُهُ: {مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ} ، وَعَدَلَ عَنْ " مَا " لِئَلَّا تَتَكَرَّرَ فَيَثْقُلَ اللَّفْظُ.
قُلْتُ: وَكَوْنُهَا لِلنَّفْيِ هُوَ الْوَارِدُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ كَمَا تَقَدَّمَ فِي نَوْعِ الْغَرِيبِ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي طَلْحَةَ وَقَدِ اجْتَمَعَتِ الشَّرْطِيَّةُ وَالنَّافِيَةُ فِي قَوْلِهِ: {وَلَئِنْ(2/199)
زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ} وَإِذَا دَخَلَتِ النَّافِيَةُ عَلَى الِاسْمِيَّةِ لَمْ تَعْمَلْ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَأَجَازَ الْكِسَائِيُّ وَالْمُبَرِّدُ إِعْمَالَهَا عَمَلَ لَيْسَ وخرج عليه قراءة سعيد ابن جُبَيْرٍ: {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ} .
فَائِدَةٌ: أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: كُلُّ شَيْءٍ فِي الْقُرْآنِ " إِنْ " فَهُوَ إِنْكَارٌ.
الثَّالِثُ: أَنْ تَكُونَ مُخَفَّفَةً مِنَ الثَّقِيلَةِ فَتَدْخُلُ عَلَى الْجُمْلَتَيْنِ ثُمَّ الْأَكْثَرُ إِذَا دَخَلَتْ عَلَى الِاسْمِيَّةِ إِهْمَالُهَا نَحْوَ: {وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} ، {وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ} ، {إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ} فِي قِرَاءَةِ حَفْصٍ وَابْنِ كَثِيرٍ.
وَقَدْ تَعْمَلُ نَحْوَ: {وَإِنَّ كُلّاً لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ} فِي قِرَاءَةِ الْحَرَمِيَّيْنِ، وَإِذَا دَخَلَتْ عَلَى الْفِعْلِ فَالْأَكْثَرُ كَوْنُهُ مَاضِيًا نَاسِخًا نَحْوَ: {وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً} ، {وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} ، {وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ} ، {وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ} ، {وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ} وَحَيْثُ وَجَدْتَ إِنْ وَبَعْدَهَا اللَّامُ الْمَفْتُوحَةُ فَهِيَ الْمُخَفَّفَةُ مِنَ الثَّقِيلَةِ.
الرَّابِعُ: أَنْ تَكُونَ زَائِدَةً وَخُرِّجَ عَلَيْهِ: {فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ} .(2/200)
الْخَامِسُ: أَنْ تَكُونَ لِلتَّعْلِيلِ كَإِذْ قَالَهُ الْكُوفِيُّونَ وَخَرَّجُوا عَلَيْهِ قَوْلَهُ تَعَالَى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} ، {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ} ، {وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} وَنَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا الْفِعْلُ فِيهِ مُحَقَّقُ الْوُقُوعِ.
وَأَجَابَ الْجُمْهُورُ عَنْ آيَةِ الْمَشِيئَةِ بِأَنَّهُ تَعْلِيمٌ لِلْعِبَادِ كَيْفَ يَتَكَلَّمُونَ إِذَا أَخْبَرُوا عَنِ المستقيل أَوْ بِأَنَّ أَصْلَ ذَلِكَ الشَّرْطُ ثُمَّ صَارَ يُذْكَرُ لِلتَّبَرُّكِ أَوْ أَنَّ الْمَعْنَى: لَتَدْخُلُنَّ جَمِيعًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ أَلَّا يَمُوتَ مِنْكُمْ أَحَدٌ قَبْلَ الدُّخُولِ وَعَنْ سَائِرِ الْآيَاتِ بِأَنَّهُ شَرْطٌ جِيءَ بِهِ لِلتَّهْيِيجِ وَالْإِلْهَابِ كَمَا تَقُولُ لِابْنِكَ إِنْ كُنْتَ ابْنِي فَأَطِعْنِي.
السَّادِسُ: أَنْ تَكُونَ بِمَعْنَى قَدْ ذَكَرَهُ قُطْرُبٌ وَخَرَّجَ عَلَيْهِ: {فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى} أَيْ قَدْ نَفَعَتْ وَلَا يَصِحُّ مَعْنَى الشَّرْطِ فِيهِ. لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالتَّذْكِيرِ عَلَى كُلِّ حَالٍ.
وَقَالَ غَيْرُهُ: هِيَ لِلشَّرْطِ وَمَعْنَاهُ ذَمُّهُمْ وَاسْتِبْعَادٌ لِنَفْعِ التَّذْكِيرِ فِيهِمْ وَقِيلَ التَّقْدِيرُ:
وَإِنْ لَمْ تَنْفَعْ، عَلَى حَدِّ قَوْلِهِ: {سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ} .
فَائِدَةٌ
قَالَ: بَعْضُهُمْ: وَقَعَ فِي الْقُرْآنِ إِنْ بِصِيغَةِ الشَّرْطِ وَهُوَ غير مراد في ست مَوَاضِعَ:(2/201)
{وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً} .
{وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} .
{وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِباً فَرِهَانٌ} .
{إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ} .
{أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ} .
{وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحاً} .
أَنْ
بِالْفَتْحِ وَالتَّخْفِيفِ عَلَى أَوْجُهٍ:
الْأَوَّلُ: أَنْ تَكُونَ حَرْفًا مَصْدَرِيًّا نَاصِبًا لِلْمُضَارِعِ وَيَقَعُ فِي مَوْضِعَيْنِ فِي الِابْتِدَاءِ فَيَكُونُ فِي مَحَلِّ رَفْعٍ نَحْوَ: {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} ، {وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} وَبَعْدَ لَفْظٍ دَالٍّ عَلَى مَعْنًى غَيْرِ الْيَقِينِ فَيَكُونُ فِي مَحَلِّ رَفْعٍ نَحْوَ: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ} ، {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً} .
وَنَصْبٍ نَحْوَ: {نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ} ، {وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى} ، {فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا}(2/202)
وخفض نحو: {وذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا} ، {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ} .
وأن هَذِهِ مَوْصُولٌ حَرْفِيٌّ وَتُوصَلُ بِالْفِعْلِ الْمُتَصَرِّفِ مُضَارِعًا كَمَا مَرَّ وَمَاضِيًا نَحْوَ: {لَوْلا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا} ، {وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ} .
وَقَدْ يُرْفَعُ الْمُضَارِعُ بَعْدَهَا إِهْمَالًا لَهَا حَمْلًا عَلَى مَا أُخْتِهَا كَقِرَاءَةِ ابْنِ مُحَيْصِنٍ: {لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} .
الثَّانِي: أَنْ تَكُونَ مُخَفَّفَةً مِنَ الثَّقِيلَةِ فَتَقَعُ بَعْدَ فِعْلِ الْيَقِينِ أَوْ مَا نَزَلَ مَنْزِلَتَهُ نَحْوَ: {أَفَلا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً} ، {عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ} ، {وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونُ} فِي قِرَاءَةِ الرَّفْعِ.
الثَّالِثُ: أَنْ تَكُونَ مُفَسِّرَةً بِمَنْزِلَةِ أَيْ نَحْوَ: {فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا} ، {وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ} ، وَشَرْطُهَا أَنْ تُسْبَقَ بِجُمْلَةٍ فَلِذَلِكَ غَلِطَ مَنْ جَعَلَ مِنْهَا: {وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} .
وَأَنْ يَتَأَخَّرَ عَنْهَا جُمْلَةٌ وَأَنْ يَكُونَ فِي الْجُمْلَةِ السَّابِقَةِ مَعْنَى الْقَوْلِ وَمِنْهُ: {وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا} إِذْ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالِانْطِلَاقِ الْمَشْيَ بَلِ انْطِلَاقَ أَلْسِنَتِهِمْ بِهَذَا الْكَلَامِ كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ الْمَشْيَ الْمُتَعَارَفَ بَلِ الِاسْتِمْرَارَ عَلَى الْمَشْيِ.(2/203)
وَزَعَمَ الزَّمَخْشَرِيُّ أَنَّ الَّتِي فِي قَوْلِهِ: {أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً} مُفَسَّرَةٌ بِأَنْ قَبْلَهُ: {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ} وَالْوَحْيُ هَنَا إِلْهَامٌ بِاتِّفَاقٍ وَلَيْسَ فِي الْإِلْهَامِ مَعْنَى الْقَوْلِ وَإِنَّمَا هِيَ مَصْدَرِيَّةٌ أَيْ بِاتِّخَاذِ الْجِبَالِ وَأَلَّا يَكُونَ فِي الْجُمْلَةِ السَّابِقَةِ أَحْرُفُ الْقَوْلِ.
وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي قَوْلِهِ: {مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ} إِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مُفَسِّرَةً لِلْقَوْلِ عَلَى تَأْوِيلِهِ بِالْأَمْرِ أَيْ مَا أَمَرْتُهُمْ إِلَّا بِمَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهُوَ حَسَنٌ وَعَلَى هَذَا فَيُقَالُ فِي الضَّابِطِ أَنْ لا تكون فيه حروف القول إلا القول مؤول بِغَيْرِهِ.
قُلْتُ: وَهَذَا مِنَ الْغَرَائِبِ كَوْنُهُمْ يَشْرُطُونَ أَنْ يَكُونَ فِيهَا مَعْنَى الْقَوْلِ فَإِذَا جَاءَ لَفْظُهُ أَوَّلُوهُ بِمَا فِيهِ مَعْنَاهُ مَعَ صَرِيحِهِ وَهُوَ نَظِيرُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ جَعْلِهِمْ أَلْ فِي الْآنَ زَائِدَةً مَعَ قَوْلِهِمْ بِتَضَمُّنِهَا مَعْنَاهَا وَأَلَّا يَدْخُلَ عَلَيْهَا حَرْفُ جَرٍّ.
الرَّابِعُ: أَنْ تَكُونَ زَائِدَةً وَالْأَكْثَرُ أَنْ تَقَعَ بَعْدَ لَمَّا التَّوْقِيتِيَّةِ نَحْوَ: {وَلَمَّا أَنْ جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطاً} .
وَزَعَمَ الْأَخْفَشُ أَنَّهَا تَنْصِبُ الْمُضَارِعَ وَهِيَ زَائِدَةٌ وَخَرَّجَ عَلَيْهِ: {وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} ، {وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ} قَالَ فَهِيَ زَائِدَةٌ بِدَلِيلِ: {وَمَا لَنَا لَا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ} .
الْخَامِسُ: أَنْ تَكُونَ شَرْطِيَّةً كَالْمَكْسُورَةِ قَالَهُ الْكُوفِيُّونَ. وَخَرَّجُوا عَلَيْهِ:(2/204)
{أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا} ، {أََنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} ، {صَفْحاً أَنْ كُنْتُمْ قَوْماً مُسْرِفِينَ} . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُرَجِّحُهُ عِنْدِي تَوَارُدُهُمَا عَلَى مَحَلٍّ وَاحِدٍ وَالْأَصْلُ التَّوَافُقُ. وَقَدْ قُرِئَ بِالْوَجْهَيْنِ فِي الْآيَاتِ الْمَذْكُورَةِ وَدُخُولُ الْفَاءِ بَعْدَهَا فِي قوله: {فَتُذَكِّرَ} .
السَّادِسُ: أَنْ تَكُونَ نَافِيَةً قَالَ بَعْضُهُمْ. فِي قَوْلِهِ: {أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ} أَيْ لَا يُؤْتَى وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا مَصْدَرِيَّةٌ أَيْ وَلَا تُؤْمِنُوا أَنْ يُؤْتَى أَيْ بِإِيتَاءِ أَحَدٍ.
السَّابِعُ: أَنْ تَكُونَ لِلتَّعْلِيلِ كَمَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ} {يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا} وَالصَّوَابُ أَنَّهَا مَصْدَرِيَّةٌ وَقَبْلَهَا لَامُ الْعِلَّةِ مُقَدَّرَةٌ.
الثَّامِنُ: أَنْ تَكُونَ بِمَعْنَى لِئَلَّا قَالَهُ بَعْضُهُمْ فِي قَوْلِهِ: {يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا} ، وَالصَّوَابُ أَنَّهَا مَصْدَرِيَّةٌ وَالتَّقْدِيرُ: كَرَاهَةَ أَنْ تَضِلُّوا.
إِنَّ
بِالْكَسْرِ وَالتَّشْدِيدِ عَلَى أَوْجُهٍ:
أَحَدُهَا: التَّأْكِيدُ وَالتَّحْقِيقُ، وَهُوَ الْغَالِبُ نَحْوَ: {إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} ، {إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ} : قَالَ عَبْدُ الْقَاهِرِ: وَالتَّأْكِيدُ بِهَا أَقْوَى مِنَ التَّأْكِيدِ(2/205)
بِاللَّامِ، قَالَ: وَأَكْثَرُ مَوَاقِعِهَا بِحَسَبِ الِاسْتِقْرَاءِ، وَالْجَوَابُ لِسُؤَالٍ ظَاهِرٍ أَوْ مُقَدَّرٍ إِذَا كَانَ لِلسَّائِلِ فِيهِ ظَنٌّ.
وَالثَّانِي: التَّعْلِيلُ، أَثْبَتَهُ ابْنُ جِنِّي وَأَهْلُ الْبَيَانِ وَمَثَّلُوهُ بِنَحْوِ: {وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} ، {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} ، {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ} وَهُوَ نَوْعٌ مِنَ التَّأْكِيدِ.
الثَّالِثُ: مَعْنَى نَعَمْ أَثْبَتَهُ الْأَكْثَرُونَ وَخَرَّجَ عَلَيْهِ قَوْمٌ مِنْهُمُ الْمُبَرِّدُ: {إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ} .
أَنَّ
بِالْفَتْحِ وَالتَّشْدِيدِ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ تَكُونَ حَرْفَ تَأْكِيدٍ وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا فَرْعُ الْمَكْسُورَةِ وَأَنَّهَا موصول حرفي تؤول مَعَ اسْمِهَا وَخَبَرِهَا بِالْمَصْدَرِ فَإِنْ كَانَ الْخَبَرُ مُشْتَقًّا بِالْمَصْدَرِ الْمُؤَوَّلِ بِهِ مِنْ لَفْظِهِ نَحْوَ: {لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} أَيْ قُدْرَتُهُ وَإِنْ كَانَ جَامِدًا قُدِّرَ بِالْكَوْنِ.
وَقَدِ اسْتَشْكَلَ كَوْنُهَا لِلتَّأْكِيدِ، بِأَنَّكَ لَوْ صَرَّحْتَ بِالْمَصْدَرِ الْمُنْسَبِكِ مِنْهَا لَمْ يُفِدْ تَأْكِيدًا وَأُجِيبُ بِأَنَّ التَّأْكِيدَ لِلْمَصْدَرِ الْمُنْحَلِّ وَبِهَذَا يُفَرَّقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَكْسُورَةِ لِأَنَّ التَّأْكِيدَ فِي الْمَكْسُورَةِ لِلْإِسْنَادِ وهذا لِأَحَدِ الطَّرَفَيْنِ.
الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ لُغَةً فِي لَعَلَّ وَخَرَّجَ عَلَيْهَا: {وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ} فِي قِرَاءَةِ الْفَتْحِ أَيْ لَعَلَّهَا.(2/206)
أَنَّى
اسْمٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الِاسْتِفْهَامِ وَالشَّرْطِ، فَأَمَّا الِاسْتِفْهَامُ فَتَرِدُ فِيهِ بِمَعْنَى كَيْفَ نَحْوَ: {أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا} ، {أَنَّى يُؤْفَكُونَ} وَمِنْ أَيْنَ نَحْوَ: {أَنَّى لَكِ هَذَا} أَيْ مِنْ أَيْنَ أَتَى هَذَا أَيْ مِنْ أَيْنَ جَاءَنَا.
قَالَ فِي عَرُوسِ الْأَفْرَاحِ: وَالْفَرْقُ بَيْنَ أين ومن أَيْنَ أَنَّ أَيْنَ سُؤَالٌ عَنِ الْمَكَانِ الَّذِي حَلَّ فِيهِ الشَّيْءُ ومن أَيْنَ سُؤَالٌ عَنِ الْمَكَانِ الَّذِي بَرَزَ مِنْهُ الشَّيْءُ وَجُعِلَ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى مَا قُرِئَ شَاذًّا: {أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبّاً} .
وَبِمَعْنَى مَتَى وَقَدْ ذُكِرَتِ الْمَعَانِي الثَّلَاثَةُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} .
وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ الْأَوَّلَ مِنْ طَرِيقٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَخْرَجَ الثَّانِيَ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ وَاخْتَارَهُ وَأَخْرَجَ الثَّالِثَ عَنِ الضَّحَّاكِ وَأَخْرَجَ قَوْلًا رَابِعًا عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَغَيْرِهِ أَنَّهَا بِمَعْنَى " حَيْثُ شِئْتُمْ ". وَاخْتَارَ أَبُو حَيَّانَ وَغَيْرُهُ أَنَّهَا فِي الْآيَةِ شَرْطِيَّةٌ وَحُذِفَ جَوَابُهَا لِدَلَالَةِ مَا قَبْلَهَا عَلَيْهِ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتِ اسْتِفْهَامِيَّةً لَاكْتَفَتْ بِمَا بَعْدَهَا كَمَا هُوَ شَأْنُ الِاسْتِفْهَامِيَّةِ أَنْ تَكْتَفِيَ بِمَا بَعْدَهَا أَيْ تَكُونَ كَلَامًا يَحْسُنُ السُّكُوتُ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ اسْمًا أَوْ فِعْلًا.
أَوْ
حَرْفُ عَطْفٍ تَرِدُ لِمَعَانٍ:
الشَّكُّ مِنَ الْمُتَكَلِّمِ، نَحْوَ: {قَالُوا لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ} .(2/207)
وَالْإِبْهَامُ عَلَى السَّامِعِ نَحْوَ: {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} وَالتَّخْيِيرُ بَيْنَ الْمَعْطُوفَيْنِ بِأَنْ يَمْتَنِعَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا.
وَالْإِبَاحَةُ بِأَلَّا يَمْتَنِعَ الْجَمْعُ.
وَمُثِّلَ الثَّانِي بِقَوْلِهِ: {وَلا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ} الآية، ومثل الأولى بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} ، وَقَوْلِهِ: {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} .
وَاسْتُشْكِلَ بِأَنَّ الْجَمْعَ فِي الْآيَتَيْنِ غَيْرُ مُمْتَنِعٍ.
وَأَجَابَ ابْنُ هِشَامٍ بِأَنَّهُ مُمْتَنِعٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى وُقُوعِ كُلِّ كَفَّارَةٍ أَوْ فِدْيَةٍ بَلْ يَقَعُ وَاحِدٌ مِنْهُنَّ كَفَّارَةً أَوْ فَدِيَةً وَالْبَاقِي قُرْبَةً مُسْتَقِلَّةً خَارِجَةً عَنْ ذَلِكَ.
قُلْتُ: وَأَوْضَحُ مِنْ هَذَا التَّمْثِيلِ قَوْلُهُ: {أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا} الآية، عَلَى قَوْلِ مَنْ جَعَلَ الْخِيَرَةَ فِي ذَلِكَ إِلَى الْإِمَامِ فَإِنَّهُ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ الْجَمْعُ بَيْنَ هَذِهِ الْأُمُورِ بَلْ يَفْعَلُ مِنْهَا وَاحِدًا يُؤَدِّي اجْتِهَادُهُ إِلَيْهِ.
وَالتَّفْصِيلُ بَعْدَ الْإِجْمَالِ نَحْوَ: {وَقَالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا} ، {إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ} ، أَيْ قَالَ بَعْضُهُمْ كَذَا وَبَعْضُهُمْ كَذَا.
وَالْإِضْرَابُ كبل، وَخَرَّجَ عَلَيْهِ: {وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ} ، {فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى} وَقِرَاءَةُ بَعْضِهِمْ: {أَوْكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْداً} بِسُكُونِ الْوَاوِ.(2/208)
وَمُطْلَقُ الْجَمْعِ كَالْوَاوِ نَحْوَ: {لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} ، {لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً} .
وَالتَّقْرِيبُ، ذَكَرَهُ الْحَرِيرِيُّ وَأَبُو الْبَقَاءِ وَجُعِلَ مِنْهُ: {وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ} .
وَرُدَّ بِأَنَّ التَّقْرِيبَ مُسْتَفَادٌ مِنْ غَيْرِهَا.
وَمَعْنَى إِلَّا فِي الِاسْتِثْنَاءِ وَمَعْنَى إِلَى وَهَاتَانِ يُنْصَبُ الْمُضَارِعُ بَعْدَهُمَا بِأَنْ مُضْمَرَةٍ وَخُرِّجَ عَلَيْهَا: {لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً} . فَقِيلَ: إِنَّهُ مَنْصُوبٌ لَا مَجْزُومٌ بِالْعَطْفِ عَلَى تَمَسُّوهُنَّ لِئَلَّا يَصِيرَ الْمَعْنَى لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِمُهُورِ النِّسَاءِ إِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ فِي مُدَّةِ انْتِفَاءِ أَحَدِ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ مَعَ أَنَّهُ إِذَا انْتَفَى الْفَرْضُ دُونَ الْمَسِيسِ لَزِمَ مَهْرُ الْمِثْلِ وَإِذَا انْتَفَى الْمَسِيسُ دُونَ الْفَرْضِ لَزِمَ نِصْفُ الْمُسَمَّى فَكَيْفَ يَصِحُّ دَفْعُ الْجُنَاحِ عِنْدَ انْتِفَاءِ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ وَلِأَنَّ الْمُطَلَّقَاتِ الْمَفْرُوضَ لَهُنَّ قَدْ ذُكِرْنَ ثَانِيًا بِقَوْلِهِ: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ} الْآيَةَ، وَتُرِكَ ذِكْرُ الْمَمْسُوسَاتِ لِمَا تَقَدَّمَ مِنَ الْمَفْهُومِ وَلَوْ كَانَتْ تَفْرِضُوا مَجْزُومًا لَكَانَتِ الْمَمْسُوسَاتُ وَالْمَفْرُوضُ لَهُنَّ مُسْتَوِيَاتٍ فِي الذِّكْرِ وَإِذَا قُدِّرَتْ " أَوْ " بِمَعْنَى " إِلَّا " خَرَجَتِ الْمَفْرُوضُ لَهُنَّ عَنْ مُشَارَكَةِ الْمَمْسُوسَاتِ فِي الذِّكْرِ وَكَذَا إِذَا قُدِّرَتْ بِمَعْنَى " إِلَى " وَتَكُونُ غَايَةً لِنَفْيِ الْجُنَاحِ لَا لِنَفْيِ المسيس.
وأجاب ابن الحاجب عَنِ الْأَوَّلِ بِمَنْعِ كَوْنِ الْمَعْنَى مُدَّةَ انْتِفَاءِ أَحَدِهِمَا بَلْ مُدَّةً لَمْ يَكُنْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا وَذَلِكَ بِنَفْيِهِمَا جَمِيعًا لِأَنَّهُ نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ الصَّرِيحِ.(2/209)
وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ عَنِ الثَّانِي بِأَنَّ ذِكْرَ الْمَفْرُوضِ لَهُنَّ إِنَّمَا كَانَ لِتَيَقُّنِ النِّصْفِ لَهُنَّ لَا لِبَيَانِ أَنَّ لَهُنَّ شَيْئًا فِي الْجُمْلَةِ.
وَمِمَّا خُرِّجَ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى قِرَاءَةُ أُبَيٍّ: {تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ} .
تَنْبِيهَاتٌ
الْأَوَّلُ: لَمْ يَذْكُرِ الْمُتَقَدِّمُونَ لأو هَذِهِ الْمَعَانِيَ بَلْ قَالُوا: هِيَ لِأَحَدِ الشَّيْئَيْنِ أَوِ الْأَشْيَاءِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهُوَ التَّحْقِيقُ وَالْمَعَانِي الْمَذْكُورَةُ مُسْتَفَادَةٌ مِنَ الْقَرَائِنِ.
الثَّانِي: قَالَ أَبُو الْبَقَاءِ: "أَوْ " فِي النَّهْيِ نَقِيضَةُ " أَوْ " فِي الْإِبَاحَةِ فَيَجِبُ اجْتِنَابُ الْأَمْرَيْنِ كَقَوْلِهِ: {وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً} ، فَلَا يَجُوزُ فِعْلُ أَحَدِهِمَا فَلَوْ جُمِعَ بَيْنَهُمَا كَانَ فِعْلًا لِلْمَنْهِيِّ عَنْهُ مَرَّتَيْنِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَحَدُهُمَا.
وَقَالَ غَيْرُهُ: "أَوْ " فِي مِثْلِ هَذَا بِمَعْنَى الْوَاوِ تُفِيدُ الْجَمْعَ.
وَقَالَ الطَّيْبِيُّ: الْأَوْلَى أَنَّهَا عَلَى بَابِهَا وَإِنَّمَا جَاءَ التعميم فيما مِنَ النَّهْيِ الَّذِي فِيهِ مَعْنَى النَّفْيِ وَالنَّكِرَةُ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ تَعُمُّ لِأَنَّ الْمَعْنَى قَبْلَ النَّهْيِ: "تطيع آثِمًا أَوْ كَفُورًا "،أَيْ وَاحِدًا مِنْهُمَا فَإِذَا جَاءَ النَّهْيُ وَرَدَ عَلَى مَا كَانَ ثَابِتًا فَالْمَعْنَى: لَا تُطِعْ وَاحِدًا مِنْهُمَا فَالتَّعْمِيمُ فِيهِمَا مِنْ جِهَةِ النَّهْيِ وَهِيَ عَلَى بَابِهَا
الثَّالِثُ: لِكَوْنِ مَبْنَاهَا عَلَى عَدَمِ التَّشْرِيكِ عَادَ الضَّمِيرُ إِلَى مُفْرَدَيْهَا بِالْإِفْرَادِ بِخِلَافِ الْوَاوِ وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنْ يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا} فَقِيلَ: إِنَّهَا بِمَعْنَى الْوَاوِ وَقِيلَ: الْمَعْنَى أَنْ يَكُونَ الْخَصْمَانِ غَنِيَّيْنِ أَوْ فَقِيرَيْنِ.(2/210)
فَائِدَةٌ
أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: كُلُّ شَيْءٍ فِي الْقُرْآنِ " أَوْ " فَهُوَ مُخَيَّرٌ فَإِذَا كَانَ " فَمَنْ لَمْ يَجِدْ " فَهُوَ الْأَوَّلُ فَالْأَوَّلُ.
وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: كُلُّ شَيْءٍ فِي الْقُرْآنِ فِيهِ " أَوْ " فَلِلتَّخْيِيرِ إِلَّا قَوْلَهُ: {أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا} لَيْسَ بِمُخَيَّرٍ فِيهَا قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَبِهَذَا أَقُولُ
أَوْلَى
فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى} ، وَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَأَوْلَى لَهُمْ} قَالَ فِي الصِّحَاحِ: قَوْلُهُمْ: أَوْلَى لَكَ كَلِمَةُ تَهْدِيدٍ وَوَعِيدٍ قَالَ الشَّاعِرُ:
فَأَوْلَى لَهُ ثُمَّ أَوْلَى لَهُ.
قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: فَمَعْنَاهُ قَارَبَهُ مَا يُهْلِكُهُ أَيْ نَزَلَ بِهِ، قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ فِيهَا أَحْسَنَ مِمَّا قَالَ الْأَصْمَعِيُّ.
وَقَالَ قَوْمٌ: هُوَ اسْمُ فِعْلٍ مَبْنِيٌّ وَمَعْنَاهُ وَلِيَكَ شَرٌّ بَعْدَ شَرٍّ وَ" لَكَ " تَبْيِينٌ.
وَقِيلَ: هُوَ عَلَمٌ لِلْوَعِيدِ غَيْرُ مَصْرُوفٍ وَلِذَا لَمْ يُنَوَّنْ وَإِنَّ مَحَلَّهُ رَفْعٌ عَلَى الِابْتِدَاءِ وَلَكَ الْخَبَرُ وَوَزْنُهُ عَلَى هَذَا " فَعْلَى " وَالْأَلِفُ لِلْإِلْحَاقِ وَقِيلَ: "أَفْعَلْ ".
وَقِيلَ: مَعْنَاهُ الْوَيْلُ لَكَ وَأَنَّهُ مَقْلُوبٌ مِنْهُ وَالْأَصْلُ " أَوَيْلُ "، فَأُخِّرَ حَرْفُ الْعِلَّةِ وَمِنْهُ قَوْلُ الْخَنْسَاءِ:
هَمَمْتُ لِنَفْسِي بَعْضِ الْهُمُومِ
فَأَوْلَى لِنَفْسِي أَوْلَى لَهَا(2/211)
وَقِيلَ: مَعْنَاهُ الذَّمُّ لَكَ أَوْلَى مِنْ تَرْكِهِ فَحُذِفَ الْمُبْتَدَأُ لِكَثْرَةِ دَوَرَانِهِ فِي الْكَلَامِ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى أَنْتَ أَوْلَى وَأَجْدَرُ بِهَذَا الْعَذَابِ.
وَقَالَ ثَعْلَبٌ: أَوْلَى لَكَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ مَعْنَاهُ مُقَارَبَةُ الْهَلَاكِ كَأَنَّهُ يَقُولُ: قَدْ وُلِّيتُ الْهَلَاكَ أَوْ قَدْ دَانَيْتُ الْهَلَاكَ أَصْلُهُ مِنَ الْوُلْيِ وَهُوَ الْقُرْبُ وَمِنْهُ: {قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ} أَيْ يَقْرُبُونَ مِنْكُمْ.
وَقَالَ النَّحَّاسُ: الْعَرَبُ تَقُولُ: أَوْلَى لَكَ أَيْ كِدْتَ تَهْلِكُ وَكَأَنَّ تَقْدِيرَهُ: أَوْلَى لَكَ الْهَلَكَةُ.
إِي
بِالْكَسْرِ وَالسُّكُونِ، حَرْفُ جَوَابٍ بِمَعْنَى نَعَمْ، فَتَكُونُ لِتَصْدِيقِ الْمُخْبِرِ، وَلِإِعْلَامِ الْمُسْتَخْبِرِ وَلِوَعْدِ الطَّالِبِ قَالَ النُّحَاةُ: وَلَا تَقَعُ إِلَّا قَبْلَ الْقَسَمِ.
قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَإِلَّا بَعْدَ الِاسْتِفْهَامِ، نَحْوَ: {وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي} .
أَيُّ
بِالْفَتْحِ وَالتَّشْدِيدِ، عَلَى أَوْجُهٍ:
الْأَوَّلُ: أَنْ تَكُونَ شَرْطِيَّةً نَحْوَ: {أَيَّمَا الأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوَانَ عَلَيَّ} أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الحسنى.
الثَّانِي: اسْتِفْهَامِيَّةً نَحْوَ: {أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَاناً} وَإِنَّمَا يُسْأَلُ(2/212)
بِهَا عَمَّا يُمَيِّزُ أَحَدَ الْمُتَشَارِكَيْنِ فِي أَمْرٍ يَعُمُّهُمَا، نَحْوَ: {أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَاماً} أَيْ أَنَحْنُ أَمْ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ!.
الثَّالِثُ: مَوْصُولَةً نَحْوَ: {لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ} .
وَهِيَ فِي الْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ مُعْرَبَةٌ، وَتُبْنَى فِي الْوَجْهِ الثَّالِثِ عَلَى الضَّمِّ إِذَا حُذِفَ عَائِدُهَا وَأُضِيفَتْ كَالْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ. وَأَعْرَبَهَا الْأَخْفَشُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ أَيْضًا وَخَرَّجَ عَلَيْهِ قِرَاءَةَ بَعْضِهِمْ بِالنَّصْبِ وَأَوَّلَ قِرَاءَةَ الضَّمِّ عَلَى الْحِكَايَةِ وَأَوَّلَهَا غَيْرُهُ عَلَى التَّعْلِيقِ لِلْفِعْلِ وَأَوَّلَهَا الزَّمَخْشَرِيُّ عَلَى أَنَّهَا خَبَرُ مُبْتَدَإٍ مَحْذُوفٍ وتقدير الكلام لنزعن بَعْضَ كُلِّ شِيعَةٍ فَكَأَنَّهُ قِيلَ: مَنْ هَذَا الْبَعْضُ فَقِيلَ: هُوَ الَّذِي أَشَدُّ ثُمَّ حُذِفَ الْمُبْتَدَآنِ الْمُكْتَنِفَانِ لِأَيٍّ.
وَزَعَمَ ابْنُ الطَّرَاوَةِ أَنَّهَا فِي الْآيَةِ مَقْطُوعَةٌ عَنِ الْإِضَافَةِ مَبْنِيَّةٌ وَأَنَّ " هُمْ أَشَدُّ " مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ وَرُدَّ بِرَسْمِ الضَّمِيرِ مُتَّصِلًا بِأَيِّ وَبِالْإِجْمَاعِ عَلَى إِعْرَابِهَا إِذَا لَمْ تُضَفْ.
الرَّابِعُ: أَنْ تَكُونَ وَصْلَةً إِلَى نِدَاءِ مَا فِيهِ أَلْ نَحْوَ: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ} ، {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ} .
إِيَّا
زَعَمَ الزَّجَّاجُ أَنَّهَا اسْمٌ ظَاهِرٌ وَالْجُمْهُورُ ضَمِيرٌ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِيهِ على أقوال:
أحدها: أنه كلمة ضمير هو وما اتَّصَلَ بِهِ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ وَحْدَهُ ضَمِيرٌ وَمَا بَعْدَهُ اسْمٌ مُضَافٌ لَهُ يُفَسِّرُ مَا يُرَادُ بِهِ(2/213)
مِنْ تَكَلُّمٍ وَغَيْبَةٍ وَخِطَابٍ نَحْوَ: {فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ} ، {بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ} ، {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} .
وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ وَحْدَهُ ضَمِيرٌ وَمَا بَعْدَهُ حُرُوفٌ تُفَسِّرُ الْمُرَادَ.
وَالرَّابِعُ: أَنَّهُ عِمَادٌ، وَمَا بَعْدَهُ هُوَ الضَّمِيرُ. وَقَدْ غَلِطَ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ مُشْتَقٌّ وَفِيهِ سَبْعُ لُغَاتٍ قُرِئَ بِهَا: بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ وَتَخْفِيفِهَا مَعَ الْهَمْزَةِ وَإِبْدَالِهَا هَاءً مَكْسُورَةً وَمَفْتُوحَةً هَذِهِ ثَمَانِيَةٌ يَسْقُطُ مِنْهَا بِفَتْحِ الْهَاءِ مَعَ التَّشْدِيدِ
أَيَّانَ
اسْمُ اسْتِفْهَامٍ، وَإِنَّمَا يُسْتَفْهَمُ بِهِ عَنِ الزَّمَانِ الْمُسْتَقْبَلِ كَمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ مَالِكٍ وَأَبُو حَيَّانَ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ خِلَافًا.
وَذَكَرَ صَاحِبُ الْمَعَانِي مَجِيئَهَا لِلْمَاضِي.
وَقَالَ السَّكَّاكِيُّ: لَا تُسْتَعْمَلُ إِلَّا فِي مَوَاضِعِ التَّفْخِيمِ نَحْوَ: {أَيَّانَ مُرْسَاهَا} ، {أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ} .
وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ النُّحَاةِ أَنَّهَا كَمَتَى تُسْتَعْمَلُ فِي التَّفْخِيمِ وَغَيْرِهِ.
وَقَالَ بِالْأَوَّلِ مِنَ النُّحَاةِ عَلِيُّ بْنُ عِيسَى الرَّبَعِيُّ وَتَبِعَهُ صَاحِبُ الْبَسِيطِ فَقَالَ إِنَّمَا تُسْتَعْمَلُ فِي الِاسْتِفْهَامِ عَنِ الشَّيْءِ الْمُعَظَّمِ أَمْرُهُ.
وَفِي الكشاف: قيل إنها مشتقى من أوى " فَعْلَانَ " مِنْهُ لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَيَّ وَقْتٍ وَأَيَّ فِعْلٍ مِنْ آوَيْتُ إِلَيْهِ لِأَنَّ الْبَعْضَ آوٍ إِلَى الكل ومتساند وَهُوَ بَعِيدٌ(2/214)
وَقِيلَ: أَصْلُهُ أَيُّ آنٍ.
وَقِيلَ: أَيُّ أَوَانٍ حُذِفَتِ الْهَمْزَةُ مِنْ " أَوَانٍ " وَالْيَاءُ الثَّانِيَةُ مِنْ " أَيِّ " وَقُلِبَتِ الْوَاوُ يَاءً وَأُدْغِمَتِ السَّاكِنَةُ فِيهَا وَقُرِئَ بِكَسْرِ هَمْزَتِهَا.
أَيْنَ
اسْمُ اسْتِفْهَامٍ عَنِ الْمَكَانِ، نَحْوَ: {فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ} ، وَتَرِدُ شَرْطًا عَامًّا فِي الْأَمْكِنَةِ وَأَيْنَمَا أَعَمُّ مِنْهَا نَحْوَ: {أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ}
الْبَاءُ الْمُفْرَدَةُ
حَرْفُ جَرٍّ لَهُ مَعَانٍ: أَشْهَرُهَا، الْإِلْصَاقُ: وَلَمْ يَذْكُرْ لَهَا سِيبَوَيْهِ غَيْرَهُ.
وَقِيلَ: إِنَّهُ لَا يُفَارِقُهَا قَالَ فِي شَرْحِ اللُّبِّ: وَهُوَ تَعَلُّقُ أَحَدِ الْمَعْنَيَيْنِ بِالْآخَرِ ثُمَّ قَدْ يَكُونُ حَقِيقَةً نحو: {وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ} أي ألصقوا المسح برؤوسكم {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} وَقَدْ يَكُونُ مَجَازًا نَحْوَ وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ أَيْ بِمَكَانٍ يَقْرُبُونَ مِنْهُ.
الثَّانِي: التَّعْدِيَةُ كَالْهَمْزَةِ، نَحْوَ: {ذَهَبَ اللَّهُ بنورهم} ، {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ} أَيْ أَذْهَبَهُ كَمَا قَالَ: {لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ} .(2/215)
وَزَعَمَ الْمُبَرِّدُ وَالسُّهَيْلِيُّ أَنَّ بَيْنَ تَعْدِيَةِ الْبَاءِ وَالْهَمْزَةِ فَرْقًا وَأَنَّكَ إِذَا قُلْتَ ذَهَبْتُ بِزَيْدٍ كُنْتَ مُصَاحِبًا لَهُ فِي الذَّهَابِ وَرَدَّ بِالْآيَةِ.
الثَّالِثُ: الِاسْتِعَانَةُ، وَهِيَ الدَّاخِلَةُ عَلَى آلَةِ الْفِعْلِ كَبَاءِ الْبَسْمَلَةِ.
الرَّابِعُ: السَّبَبِيَّةُ وَهِيَ الَّتِي تَدْخُلُ عَلَى سَبَبِ الْفِعْلِ، نَحْوَ: {فَكُلّاً أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ} ، {ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ} ، وَيُعَبَّرُ عَنْهَا أَيْضًا بِالتَّعْلِيلِ.
الْخَامِسُ: الْمُصَاحَبَةُ كَمَعَ، نَحْوَ: {اهْبِطْ بِسَلامٍ} ، {قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ} ، {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ}
السَّادِسُ: الظَّرْفِيَّةُ كَفِي، زَمَانًا وَمَكَانًا نَحْوَ: {نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ} ، {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ} .
السَّابِعُ: الِاسْتِعْلَاءُ كَعَلَى نَحْوَ: {مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ} أَيْ عَلَيْهِ بِدَلِيلِ: {إِلَّا كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ} .
الثَّامِنُ: الْمُجَاوَزَةُ كَعَنْ نَحْوَ: {فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً} أَيْ عَنْهُ بِدَلِيلِ: {يَسْأَلونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ} ثُمَّ قِيلَ تَخْتَصُّ بِالسُّؤَالِ وَقِيلَ لَا نَحْوَ: {نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ} أَيْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ: {وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ} أَيْ عَنْهُ.(2/216)
التَّاسِعُ: التَّبْعِيضُ كَمِنْ، نَحْوَ: {عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ} أَيْ مِنْهَا.
الْعَاشِرُ: الْغَايَةُ كَإِلَى، نَحْوَ: {وَقَدْ أَحْسَنَ بِي} أَيْ إِلَى.
الْحَادِيَ عَشَرَ: الْمُقَابَلَةُ وَهِيَ الدَّاخِلَةُ عَلَى الْأَعْوَاضِ نَحْوَ: {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} وَإِنَّمَا لَمْ نُقَدِّرْهَا بَاءَ السَّبَبِيَّةِ كَمَا قَالَ الْمُعْتَزِلَةُ لِأَنَّ الْمُعْطِيَ بِعِوَضٍ قَدْ يُعْطِي مَجَّانًا وَأَمَّا الْمُسَبَّبُ فَلَا يُوجَدُ بِدُونِ السَّبَبِ.
الثَّانِي عَشَرَ: التَّوْكِيدُ وَهِيَ الزَّائِدَةُ فَتُزَادُ فِي الْفَاعِلِ وُجُوبًا فِي نحو: {أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ} ، وَجَوَازًا غَالِبًا فِي نَحْوِ: {كَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً} فإن الاسم الكريم فاعل وشهيدا نُصِبَ عَلَى الْحَالِ أَوِ التَّمْيِيزِ وَالْبَاءُ زَائِدَةٌ وَدَخَلَتْ لِتَأْكِيدِ الِاتِّصَالِ لِأَنَّ الِاسْمَ فِي قَوْلِهِ: {كَفَى بِاللَّهِ} مُتَّصِلٌ بِالْفِعْلِ اتِّصَالَ الْفَاعِلِ.
قَالَ ابْنُ الشَّجَرِيِّ: وَفَعَلَ ذَلِكَ إِيذَانًا بِأَنَّ الْكِفَايَةَ مِنَ اللَّهِ لَيْسَتْ كَالْكِفَايَةِ مِنْ غَيْرِهِ فِي عِظَمِ الْمَنْزِلَةِ فَضُوعِفَ لَفْظُهَا لِتَضَاعُفِ مَعْنَاهَا. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: دَخَلَتْ لِتُضَمِّنَ " كَفَى " مَعْنَى " أَكْتَفِي ".
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهُوَ مِنَ الْحُسْنِ بِمَكَانٍ.
وَقِيلَ: الْفَاعِلُ مُقَدَّرٌ وَالتَّقْدِيرُ كَفَى الِاكْتِفَاءُ بِاللَّهِ فَحُذِفَ الْمَصْدَرُ وَبَقِيَ مَعْمُولُهُ دَالًّا عَلَيْهِ.(2/217)
وَلَا تُزَادُ فِي فَاعِلِ " كَفَى " بِمَعْنَى وَقَى، نَحْوَ: {فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ} ، {وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ} .
وَفِي الْمَفْعُولِ نَحْوَ: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} ، {وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ} ، {فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ} ، {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ} .
وفي المبتدأ، نحو: {بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ} أَيْ أَيُّكُمْ وَقِيلَ: هِيَ ظَرْفِيَّةٌ أَيْ فِي أَيِّ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ.
وَفِي اسْمِ لَيْسَ، فِي قِرَاءَةِ بَعْضِهِمْ: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا} بِنَصْبِ الْبِرِّ.
وَفِي الْخَبَرِ الْمَنْفِيِّ، نَحْوَ: {وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ} قِيلَ: وَالْمُوجَبِ وَخَرَّجَ عَلَيْهِ: {جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا} .
وَفِي التَّوْكِيدِ، وَجُعِلَ مِنْهُ: {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ} .
فَائِدَةٌ
اخْتُلِفَ فِي الْبَاءِ مِنْ قَوْلِهِ: {وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ} ، فَقِيلَ: لِلْإِلْصَاقِ وَقِيلَ: لِلتَّبْعِيضِ وَقِيلَ: زَائِدَةٌ وَقِيلَ: لِلِاسْتِعَانَةِ وَإِنَّ فِي الْكَلَامِ حَذْفًا وَقَلْبًا فَإِنَّ " مَسَحَ " يَتَعَدَّى إِلَى الْمُزَالِ عَنْهُ بِنَفْسِهِ وَإِلَى الْمُزِيلِ بِالْبَاءِ فَالْأَصْلُ " امْسَحُوا رؤوسكم " بِالْمَاءِ.(2/218)
بَلْ
حَرْفُ إِضْرَابٍ إِذَا تَلَاهَا جُمْلَةٌ.
ثُمَّ تَارَةً يَكُونُ مَعْنَى الْإِضْرَابِ الْإِبْطَالَ لِمَا قَبْلَهَا، نَحْوَ: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ} أَيْ بَلْ هُمْ عِبَادٌ، {أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ} .
وَتَارَةً يَكُونُ مَعْنَاهُ الِانْتِقَالَ مِنْ غَرَضٍ إِلَى آخَرَ نَحْوَ: {وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هَذَا} ، فَمَا قَبْلَ " بَلْ " فِيهِ عَلَى حَالِهِ وَكَذَا: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} .
وَذَكَرَ ابْنُ مَالِكٍ فِي شَرْحِ كفايته: أَنَّهَا لَا تَقَعُ فِي الْقُرْآنِ إِلَّا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَوَهَّمَهُ ابْنُ هِشَامٍ وَسَبَقَ ابْنَ مَالِكٍ إِلَى ذَلِكَ صَاحِبُ الْبَسِيطِ وَوَافَقَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ فَقَالَ فِي شَرْحِ الْمُفَصَّلِ: إِبْطَالُ الْأَوَّلِ وَإِثْبَاتُهُ لِلثَّانِي إِنْ كَانَ فِي الْإِثْبَاتِ مِنْ بَابِ الْغَلَطِ فَلَا يَقَعُ مِثْلُهُ فِي الْقُرْآنِ. انْتَهَى.
أَمَّا إِذَا تَلَاهَا مُفْرَدٌ فَهِيَ حَرْفُ عَطْفٍ وَلَمْ تَقَعْ فِي الْقُرْآنِ كَذَلِكَ.
بَلَى
حَرْفٌ أَصْلِيُّ الْأَلِفِ وَقِيلَ الْأَصْلُ بَلْ وَالْأَلِفُ زَائِدَةٌ وَقِيلَ هِيَ لِلتَّأْنِيثِ بِدَلِيلِ إِمَالَتِهَا.(2/219)
وَلَهَا مَوْضِعَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ تَكُونَ رَدًّا لِنَفْيٍ يَقَعُ قَبْلَهَا نَحْوَ: {مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلَى} أَيْ عَمِلْتُمُ السُّوءَ،: {لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلَى} أَيْ يَبْعَثُهُمْ، {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ} {لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ} ثم قال: {بَلَى} أَيْ عَلَيْهِمْ سَبِيلٌ، {وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى} ثم قال: {بَلَى} أَيْ يَدْخُلُهَا غَيْرُهُمْ: {وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً} ثم قال: {بَلَى} ، أَيْ تَمَسُّهُمْ وَيُخَلَّدُونَ فِيهَا.
الثَّانِي: أَنْ تَقَعَ جَوَابًا لِاسْتِفْهَامٍ دَخَلَ عَلَى نَفْيٍ فَتُفِيدُ إِبْطَالَهُ سَوَاءٌ كان لاستفهام حَقِيقِيًّا نَحْوَ: أَلَيْسَ زَيْدٌ بِقَائِمٍ؟ فَتَقُولُ بَلَى وتوبيخا نَحْوَ: {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى} ، {أَيَحْسَبُ الْأِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ بَلَى} ، أَوْ تَقْرِيرِيًّا نَحْوَ: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ: لَوْ قَالُوا: نَعَمْ كَفَرُوا وَوَجْهُهُ أَنَّ نَعَمْ تَصْدِيقٌ لِلْمُخْبِرِ بِنَفْيٍ أَوْ إِيجَابٍ فَكَأَنَّهُمْ قَالُوا لَسْتَ رَبَّنَا بِخِلَافِ بَلَى فَإِنَّهَا لِإِبْطَالِ النَّفْيِ فَالتَّقْدِيرُ: أَنْتَ رَبُّنَا.
وَنَازَعَ فِي ذَلِكَ السُّهَيْلِيُّ وَغَيْرُهُ بِأَنَّ الِاسْتِفْهَامَ التَّقْرِيرِيَّ خَبَرٌ مُوجَبٌ وَلِذَلِكَ امْتَنَعَ سِيبَوَيْهِ مِنْ جَعْلِ أَمْ مُتَّصِلَةً فِي قَوْلِهِ: {أَفَلا تُبْصِرُونَ أَمْ أَنَا(2/220)
خَيْرٌ} لِأَنَّهَا بَعْدَ الْإِيجَابِ وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ إِيجَابٌ فَنَعَمْ بَعْدَ الْإِيجَابِ تَصْدِيقٌ لَهُ. انْتَهَى.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُشْكِلُ عَلَيْهِمْ أَنَّ بَلَى لَا يُجَابُ بِهَا عَنِ الْإِيجَابِ اتِّفَاقًا.
بِئْسَ
فِعْلٌ لِإِنْشَاءِ الذَّمِّ لَا يَتَصَرَّفُ.
بَيْنَ
قَالَ الرَّاغِبُ: هِيَ مَوْضُوعَةٌ لِلْخَلَلِ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ وَوَسَطَهُمَا، قَالَ تَعَالَى: {وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعاً} .
وَتَارَةً تُسْتَعْمَلُ ظَرْفًا وَتَارَةً اسْمًا فَمِنَ الظَّرْفِ: {لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} ، {فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً} ، {فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ} .
وَلَا تُسْتَعْمَلُ إِلَّا فِيمَا لَهُ مَسَافَةٌ نَحْوَ بين البلدين أَوْ لَهُ عَدَدٌ مَا: اثْنَانِ فَصَاعِدًا نَحْوَ: وَبَيْنَ الرَّجُلَيْنِ وَبَيْنَ الْقَوْمِ وَلَا يُضَافُ إِلَى مَا يَقْتَضِي مَعْنَى الْوَحْدَةَ إِلَّا إِذَا كُرِّرَ نَحْوَ: {وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ} ، {فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِداً} ، وَقُرِئَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ} بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهُ ظَرْفٌ وَبِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ اسْمُ مَصْدَرٍ بِمَعْنَى الْوَصْلِ.(2/221)
وَيَحْتَمِلُ الْأَمْرَيْنِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {ذَاتَ بَيْنِكُمْ} وَقَوْلُهُ: {فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا} أَيْ فِرَاقِهِمَا.
التَّاءُ
حَرْفُ جَرٍّ مَعْنَاهُ الْقَسَمُ يَخْتَصُّ بِالتَّعَجُّبِ وَبِاسْمِ اللَّهِ تَعَالَى، قَالَ فِي الْكَشَّافِ فِي قَوْلِهِ: {وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ} : الْبَاءُ أَصْلُ حَرْفِ الْقَسَمِ وَالْوَاوُ بَدَلٌ مِنْهَا وَالتَّاءُ بَدَلٌ مِنَ الْوَاوِ وَفِيهَا زِيَادَةُ مَعْنَى التَّعَجُّبِ كَأَنَّهُ تَعَجَّبَ مِنْ تَسَهُّلِ الْكَيْدِ عَلَى يَدَيْهِ وَتَأَتِّيهِ مَعَ عُتُوِّ نَمْرُوذَ وَقَهْرِهِ. انْتَهَى.
تَبَارَكَ
فِعْلٌ لَا يُسْتَعْمَلُ إِلَّا بِلَفْظِ الْمَاضِي ولا يستعمل إلا الله.
تعال
فعل لَا يَتَصَرَّفُ وَمِنْ ثَمَّ قِيلَ: إِنَّهُ اسْمُ فِعْلٍ.
ثُمَّ
حَرْفٌ يَقْتَضِي ثَلَاثَةَ أُمُورٍ:
التَّشْرِيكُ فِي الْحُكْمِ وَالتَّرْتِيبُ وَالْمُهْلَةُ وَفِي كُلٍّ خِلَافٌ.
أَمَّا التَّشْرِيكُ فَزَعَمَ الْكُوفِيُّونَ وَالْأَخْفَشُ أَنَّهُ قَدْ يَتَخَلَّفُ بِأَنْ تَقَعَ زَائِدَةً(2/222)
فَلَا تَكُونُ عَاطِفَةً أَلْبَتَّةَ وَخَرَّجُوا عَلَى ذَلِكَ: {حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ} .
وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْجَوَابَ فِيهَا مُقَدَّرٌ.
وَأَمَّا التَّرْتِيبُ وَالْمُهْلَةُ فَخَالَفَ قَوْمٌ فِي اقْتِضَائِهَا إِيَّاهُمَا تَمَسُّكًا بِقَوْلِهِ: {خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ منها زوجها} ، {وَبَدَأَ خَلْقَ الْأِنْسَانِ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ ثُمَّ سَوَّاهُ} ، {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى} وَالِاهْتِدَاءُ سَابِقٌ عَلَى ذَلِكَ: {ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ} .
وَأُجِيبُ عَنِ الْكُلِّ بِأَنَّ ثُمَّ لِتَرْتِيبِ الْأَخْبَارِ لَا لِتَرْتِيبِ الْحُكْمِ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَغَيْرُ هَذَا الْجَوَابِ أَنْفَعُ مِنْهُ لِأَنَّهُ يُصَحِّحُ التَّرْتِيبَ فقط لا المهملة إِذْ لَا تَرَاخِيَ بَيْنَ الْإِخْبَارَيْنِ وَالْجَوَابُ الْمُصَحَّحُ لَهُمَا مَا قِيلَ فِي الْأُولَى: إِنَّ الْعَطْفَ عَلَى مُقَدَّرٍ أَيْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ أَنْشَأَهَا ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا. وَفِي الثَّانِيَةِ: أَنَّ " سَوَّاهُ " عُطِفَ عَلَى الْجُمْلَةِ الْأُولَى لَا الثَّانِيَةِ. وَفِي الثَّالِثَةِ: أَنَّ الْمُرَادَ: ثُمَّ دَامَ عَلَى الْهِدَايَةِ.
فَائِدَةٌ
أَجْرَى الْكُوفِيُّونَ " ثُمَّ " مَجْرَى الْفَاءِ وَالْوَاوِ فِي جَوَازِ نَصْبِ الْمُضَارِعِ(2/223)
الْمَقْرُونِ بِهَا بَعْدَ فِعْلِ الشَّرْطِ وَخُرِّجَ عَلَيْهِ قِرَاءَةُ الْحَسَنِ: {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ} بِنَصْبِ يُدْرِكُهُ.
ثَمَّ
بِالْفَتْحِ اسْمٌ يُشَارُ بِهِ إِلَى الْمَكَانِ الْبَعِيدِ نَحْوَ: {وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ} وَهُوَ ظَرْفٌ لَا يَتَصَرَّفُ فَلِذَلِكَ غَلِطَ مَنْ أَعْرَبَهُ مَفْعُولًا لِـ"رَأَيْتَ" فِي قَوْلِهِ: {وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ} وَقُرِئَ: {فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللَّهُ} أَيْ هُنَالِكَ اللَّهُ شَهِيدٌ بِدَلِيلِ: {هُنَالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ} .
وَقَالَ الطَّبَرِيُّ فِي قَوْلِهِ: {أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ} : مَعْنَاهُ: هُنَالِكَ وَلَيْسَتْ ثُمَّ الْعَاطِفَةَ.
وَهَذَا وَهْمٌ أَشْبَهَ عَلَيْهِ الْمَضْمُومَةُ بِالْمَفْتُوحَةِ.
وَفِي التَّوْشِيحِ لِخَطَّابٍ: ثَمَّ ظَرْفٌ فِيهِ مَعْنَى الْإِشَارَةِ إِلَى حَيْثُ لِأَنَّهُ هُوَ فِي الْمَعْنَى.
جَعَلَ
قَالَ الرَّاغِبُ: لَفْظٌ عَامٌّ فِي الْأَفْعَالِ كُلِّهَا وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ فَعَلَ وَصَنَعَ وَسَائِرِ أَخَوَاتِهَا وَيَتَصَرَّفُ عَلَى خَمْسَةِ أَوْجُهٍ:(2/224)
أَحَدُهَا: يَجْرِي مَجْرَى صَارَ وَطَفِقَ وَلَا يَتَعَدَّى نَحْوَ: جَعَلَ زَيْدٌ يَقُولُ كَذَا.
وَالثَّانِي: مَجْرَى أَوْجَدَ فَيَتَعَدَّى لِمَفْعُولٍ وَاحِدٍ نَحْوَ: {وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ} .
وَالثَّالِثُ: فِي إِيجَادِ شَيْءٍ مِنْ شَيْءٍ وَتَكْوِينِهِ مِنْهُ نَحْوَ: {جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً} ، {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَاناً} .
وَالرَّابِعُ: فِي تَصْيِيرِ الشَّيْءِ عَلَى حَالَةٍ دُونَ حَالَةٍ نَحْوَ: {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً} ، {وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً} .
الْخَامِسُ: الْحُكْمُ بِالشَّيْءِ عَلَى الشَّيْءِ حَقًّا كَانَ نَحْوَ: {وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ} أَوْ بَاطِلًا نَحْوَ: {وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ} ، {الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ} .
حَاشَا
اسْمٌ بِمَعْنَى التَّنْزِيهِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ} ، {حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَراً} لَا فِعْلٌ وَلَا حَرْفٌ بِدَلِيلِ قِرَاءَةِ بَعْضِهِمْ: {حَاشَ لِلَّهِ} بِالتَّنْوِينِ، كَمَا يُقَالُ: "بَرَاءَةٌ لِلَّهِ " وَقِرَاءَةِ ابن مسعود {حَاشَ لِلَّهِ} بالإضافة كمعاذ اللَّهِ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَدُخُولِهَا عَلَى اللَّامِ فِي قِرَاءَةِ(2/225)
السَّبْعَةِ وَالْجَارُّ لَا يَدْخُلُ عَلَى الْجَارِّ وَإِنَّمَا تُرِكَ التَّنْوِينُ فِي قِرَاءَتِهِمْ لِبِنَائِهَا لِشَبَهِهَا بِحَاشَا الْحَرْفِيَّةِ لَفْظًا.
وَزَعَمَ قَوْمٌ أَنَّهَا اسْمُ فِعْلٍ مَعْنَاهُ أَتَبَرَّأُ وَتَبَرَّأْتُ لِبِنَائِهَا.
وَرُدَّ بِإِعْرَابِهَا فِي بَعْضِ اللُّغَاتِ.
وَزَعَمَ الْمُبَرِّدُ وَابْنُ جِنِّي أَنَّهَا فِعْلٌ وَأَنَّ الْمَعْنَى فِي الْآيَةِ جَانَبَ يُوسُفُ الْمَعْصِيَةَ لِأَجْلِ اللَّهِ وَهَذَا التَّأْوِيلُ لَا يَتَأَتَّى فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى.
وَقَالَ الْفَارِسِيُّ: حَاشَا فِعْلٌ مِنَ الْحَشَا وَهُوَ النَّاحِيَةُ أَيْ صَارَ فِي نَاحِيَةٍ أَيْ بَعُدَ مِمَّا رُمِيَ وَتَنَحَّى عَنْهُ فَلَمْ يَغْشَهُ وَلَمْ يُلَابِسْهُ وَلَمْ يَقَعْ فِي الْقُرْآنِ حَاشَا إِلَّا اسْتِثْنَائِيَّةً.
حَتَّى
حَرْفٌ لِانْتِهَاءِ الْغَايَةِ كَـ"إِلَى"، لَكِنْ يَفْتَرِقَانِ فِي أُمُورٍ:
فَتَنْفَرِدُ حَتَّى بِأَنَّهَا لَا تَجُرُّ إِلَّا الظَّاهِرَ وَإِلَّا الْآخِرَ الْمَسْبُوقَ بِذِي أَجْزَاءٍ أَوِ الْمُلَاقِيَ لَهُ نَحْوَ: {سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} .
وَأَنَّهَا لِإِفَادَةِ تَقَضِّي الْفِعْلِ قَبْلَهَا شَيْئًا فَشَيْئًا.
وَأَنَّهَا لَا يُقَابَلُ بِهَا ابْتِدَاءُ الْغَايَةِ.
وَأَنَّهَا يَقَعُ بَعْدَهَا الْمُضَارِعُ الْمَنْصُوبُ بِأَنِ الْمَقْدَّرَةِ وَيَكُونَانِ فِي تَأْوِيلِ مَصْدَرٍ مَخْفُوضٍ.(2/226)
ثُمَّ لَهَا حِينَئِذٍ ثَلَاثَةُ مَعَانٍ:
مُرَادَفَةُ إِلَى، نَحْوَ: {لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى} ، أَيْ إِلَى رُجُوعِهِ.
وَمُرَادَفَةُ كَيِ التَّعْلِيلِيَّةِ، نَحْوَ: {وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ} ، وَ {لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا} .
وتحتملها نحو: {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} .
وَمُرَادَفَةُ إِلَّا فِي الِاسْتِثْنَاءِ، وَجَعَلَ مِنْهُ ابْنُ مَالِكٍ وَغَيْرُهُ: {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا} .
مَسْأَلَةٌ
مَتَى دَلَّ دَلِيلٌ عَلَى دُخُولِ الْغَايَةِ الَّتِي بَعْدَ إِلَى وحتى فِي حُكْمِ مَا قَبْلَهَا أَوْ عَلَى عَدَمِ دُخُولِهِ فَوَاضِحٌ أَنَّهُ يُعْمَلُ بِهِ.
فَالْأَوَّلُ نَحْوَ: {وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} ، {وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} ، دَلَّتِ السُّنَّةُ عَلَى دُخُولِ الْمَرَافِقِ وَالْكَعْبَيْنِ فِي الْغَسْلِ.
وَالثَّانِي نَحْوَ: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} ، دَلَّ النَّهْيُ عَنِ الْوِصَالِ عَلَى عَدَمِ دُخُولِ اللَّيْلِ فِي الصِّيَامِ، {فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} ، فَإِنَّ الْغَايَةَ لَوْ دَخَلَتْ هُنَا لَوَجَبَ الْإِنْظَارُ حَالَ الْيَسَارِ أَيْضًا وَذَلِكَ يُؤَدِّي إِلَى عَدَمِ الْمُطَالَبَةِ وَتَفْوِيتِ حَقِّ الدَّائِنِ.(2/227)
وَإِنْ لَمْ يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَفِيهَا أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ:
أَحَدُهَا: وَهُوَ الْأَصَحُّ: تَدْخُلَ مَعَ " حَتَّى " دُونَ " إِلَى " حَمْلًا عَلَى الْغَالِبِ فِي الْبَابَيْنِ لِأَنَّ الْأَكْثَرَ مَعَ الْقَرِينَةِ عَدَمُ الدُّخُولِ مَعَ إِلَى وَالدُّخُولُ مَعَ حَتَّى فَوَجَبَ الْحَمْلُ عَلَيْهِ عِنْدَ التَّرَدُّدِ.
وَالثَّانِي: تَدْخُلُ فِيهِمَا عَلَيْهِ.
وَالثَّالِثُ: لَا فِيهِمَا، وَاسْتُدِلَّ لِلْقَوْلَيْنِ فِي اسْتِوَائِهِمَا بقوله: {وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ} وَقَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ: {حَتَّى حِينٍ} .
تَنْبِيهٌ
تَرِدُ حَتَّى ابْتِدَائِيَّةً أَيْ حَرْفًا يُبْتَدَأُ بَعْدَهُ الْجُمَلُ أَيْ تُسْتَأْنَفُ فَتَدْخُلُ عَلَى الِاسْمِيَّةِ وَالْفِعْلِيَّةِ الْمُضَارِعِيَّةِ وَالْمَاضِيَّةِ، نَحْوَ: {حَتَّى يَقُولُ الرَّسُولُ} بالرفع، {حَتَّى عَفَوْا وَقَالُوا} ، {حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ} .
وَادَّعَى ابْنُ مَالِكٍ أَنَّهَا فِي الْآيَاتِ جَارَّةٌ لإذا ولأن مُضْمَرَةٍ فِي الْآيَتَيْنِ، وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى خِلَافِهِ.
وَتَرِدُ عَاطِفَةً وَلَا أَعْلَمُهُ فِي الْقُرْآنِ لِأَنَّ الْعَطْفَ بِهَا قَلِيلٌ جِدًّا وَمِنْ ثَمَّ أَنْكَرَهُ الْكُوفِيُّونَ أَلْبَتَّةَ.
فَائِدَةٌ
إِبْدَالُ حَائِهَا عَيْنًا لُغَةُ هُذَيْلٍ وَبِهَا قَرَأَ ابن مسعود أخرج.(2/228)
حَيْثُ
ظَرْفُ مَكَانٍ. قَالَ الْأَخْفَشُ: وَتَرِدُ لِلزَّمَانِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الضَّمِّ تَشْبِيهًا بِالْغَايَاتِ فَإِنَّ الْإِضَافَةَ إِلَى الْجُمَلِ كَلَا إِضَافَةٍ وَلِهَذَا قَالَ الزَّجَّاجُ فِي قَوْلِهِ: {مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ} : مَا بَعْدَ حَيْثُ صِلَةٌ لَهَا وَلَيْسَتْ بِمُضَافَةٍ إِلَيْهِ يَعْنِي أَنَّهَا غَيْرُ مُضَافَةٍ لِلْجُمْلَةِ بَعْدَهَا فَصَارَتْ كَالصِّلَةِ لَهَا أَيْ كَالزِّيَادَةِ وَلَيْسَتْ جُزْءًا مِنْهَا. وَفَهِمَ الْفَارِسِيُّ أَنَّهُ أَرَادَ أَنَّهَا مَوْصُولَةٌ فَرُدَّ عَلَيْهِ.
وَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ يُعْرِبُهَا وَمِنْهُمْ مَنْ يَبْنِيهَا عَلَى الْكَسْرِ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ وَعَلَى الْفَتْحِ لِلتَّخْفِيفِ وَتَحْتَمِلُهَا قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ: {مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ} بِالْكَسْرِ: {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} ، بِالْفَتْحِ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّهَا لَا تَتَصَرَّفُ.
وَجَوَّزَ قَوْمٌ فِي الْآيَةِ الْأَخِيرَةِ كَوْنَهَا مَفْعُولًا بِهِ عَلَى السَّعَةِ قَالُوا: وَلَا تَكُونُ ظَرْفًا لِأَنَّهُ تَعَالَى لَا يَكُونُ فِي مَكَانٍ أَعْلَمَ مِنْهُ فِي مَكَانٍ، وَلِأَنَّ المعنى: أنه يَعْلَمُ نَفْسَ الْمَكَانِ الْمُسْتَحِقِّ لِوَضْعِ الرِّسَالَةِ لَا شَيْئًا فِي الْمَكَانِ وَعَلَى هَذَا فَالنَّاصِبُ لَهَا " يَعْلَمُ " مَحْذُوفًا مَدْلُولًا عَلَيْهِ بِـ" أَعْلَمُ " لَا بِهِ، لِأَنَّ أَفْعَلَ التَّفْضِيلِ لَا يَنْصِبُ الْمَفْعُولَ بِهِ إِلَّا إِنْ أَوَّلْتَهُ بِعَالِمٍ.
وَقَالَ أَبُو حَيَّانَ: الظَّاهِرُ إِقْرَارُهَا عَلَى الظَّرْفِيَّةِ الْمَجَازِيَّةِ وَتَضْمِينُ " أَعْلَمَ " مَعْنَى مَا يَتَعَدَّى إِلَى الظَّرْفِ فَالتَّقْدِيرُ: اللَّهُ أَنْفَذُ عِلْمًا حَيْثُ يَجْعَلُ أَيْ هُوَ نَافِذُ الْعِلْمِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ.(2/229)
دون
ترد ظرفا نقيص فَوْقَ فَلَا تَتَصَرَّفُ عَلَى الْمَشْهُورِ.
وَقِيلَ: تَتَصَرَّفُ وَبِالْوَجْهَيْنِ قُرِئَ: {وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ} بِالرَّفْعِ وَالنَّصْبِ.
وَتَرِدُ اسْمًا بِمَعْنَى " غَيْرَ " نَحْوَ: {أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً} أَيْ غَيْرَهُ.
وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: مَعْنَاهُ: أَدْنَى مَكَانٍ مِنَ الشَّيْءِ.
وَتُسْتَعْمَلُ لِلتَّفَاوُتِ فِي الْحَالِ نَحْوَ زَيْدٌ دُونَ عَمْرٍو أَيْ فِي الشَّرَفِ وَالْعِلْمِ.
وَاتُّسِعَ فِيهِ فَاسْتُعْمِلَ فِي تَجَاوُزِ حَدٍّ إِلَى حَدٍّ نَحْوَ: {لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} أَيْ لَا تُجَاوِزُوا وِلَايَةَ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى وِلَايَةِ الْكَافِرِينَ.
ذُو
اسْمٌ بِمَعْنَى صَاحِبٍ وُضِعَ لِلتَّوَصُّلِ إِلَى وَصْفِ الذَّوَاتِ بِأَسْمَاءِ الْأَجْنَاسِ كَمَا أَنَّ " الَّذِي " وُضِعَتْ صِلَةً إِلَى وَصْفِ الْمَعَارِفِ بِالْجُمَلِ وَلَا يُسْتَعْمَلُ إِلَّا مُضَافًا.
وَلَا يُضَافُ إِلَى ضَمِيرٍ وَلَا مُشْتَقٍّ وَجَوَّزَهُ بَعْضُهُمْ وَخَرَّجَ عَلَيْهِ قِرَاءَةَ ابْنِ مَسْعُودٍ: {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} .(2/230)
وَأَجَابَ الْأَكْثَرُونَ عَنْهَا بِأَنَّ الْعَالِمَ هُنَا مَصْدَرٌ كَالْبَاطِلِ أَوْ بِأَنَّ " ذِي " زَائِدَةٌ.
قَالَ السُّهَيْلِيُّ: وَالْوَصْفُ بِـ"ذُو" أَبْلَغُ مِنَ الْوَصْفِ بِصَاحِبٍ وَالْإِضَافَةُ بِهَا أَشْرَفُ فَإِنَّ "ذُو" يُضَافُ لِلتَّابِعِ وَصَاحِبَ يُضَافُ إِلَى الْمَتْبُوعِ تَقُولُ: أَبُو هُرَيْرَةَ صَاحِبُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا تَقُولُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَاحِبُ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَأَمَّا ذُو فَإِنَّكَ تَقُولُ: ذُو الْمَالِ وَذُو الْفَرَسِ فَتَجِدُ الِاسْمَ الْأَوَّلَ مَتْبُوعًا غَيْرَ تَابِعٍ وَبُنِيَ عَلَى هَذَا الْفَرْقِ أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ فِي سُورَةِ الْأَنْبِيَاءِ: {وَذَا النُّونِ} فَأَضَافَهُ إِلَى النُّونِ وَهُوَ الْحُوتُ وَقَالَ فِي سُورَةِ ن: {وَلا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ} قَالَ: وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ، لَكِنْ بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ تَفَاوُتٌ كَثِيرٌ فِي حُسْنِ الْإِشَارَةِ إِلَى الْحَالَتَيْنِ فَإِنَّهُ حِينَ ذَكَرَهُ فِي مَعْرِضِ الثَّنَاءِ عَلَيْهِ أَتَى بِذِي لِأَنَّ الْإِضَافَةَ بِهَا أَشْرَفُ وَبِالنُّونِ لِأَنَّ لَفْظَهُ أَشْرَفُ مِنْ لَفْظِ الْحُوتِ لِوُجُودِهِ فِي أَوَائِلِ السُّورِ وَلَيْسَ فِي لَفْظِ الْحُوتِ مَا يُشَرِّفُهُ لِذَلِكَ فَأَتَى بِهِ وَبِصَاحِبٍ حِينَ ذَكَرَهُ فِي مَعْرِضِ النَّهْيِ عَنِ اتِّبَاعِهِ.
رُوَيْدًا
اسْمٌ لَا يُتَكَلَّمُ بِهِ إِلَّا مُصَغَّرًا مَأْمُورًا بِهِ وَهُوَ تَصْغِيرُ "رَوَدٍ" وَهُوَ الْمَهَلُ.(2/231)
رُبَّ
حَرْفٌ فِي مَعْنَاهُ ثَمَانِيَةُ أَقْوَالٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّهَا لِلتَّقْلِيلِ دَائِمًا وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ.
الثَّانِي: لِلتَّكْثِيرِ دَائِمًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ} فَإِنَّهُ يَكْثُرُ مِنْهُمْ تَمَنِّي ذَلِكَ وَقَالَ الْأَوَّلُونَ: هُمْ مَشْغُولُونَ بِغَمَرَاتِ الْأَهْوَالِ فَلَا يُفِيقُونَ بِحَيْثُ يَتَمَنَّوْنَ ذَلِكَ إِلَّا قَلِيلًا.
الثَّالِثُ: أَنَّهَا لَهُمَا عَلَى السَّوَاءِ.
الرَّابِعُ: لِلتَّقْلِيلِ غَالِبًا وَالتَّكْثِيرِ نَادِرًا وَهُوَ اخْتِيَارِيٌّ.
الْخَامِسُ: عَكْسُهُ.
السَّادِسُ: لَمْ تُوضَعْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا بَلْ هِيَ حَرْفُ إِثْبَاتٍ لَا يدل عَلَى تَكْثِيرٍ وَلَا تَقْلِيلٍ وَإِنَّمَا يُفْهَمُ ذَلِكَ مِنْ خَارِجٍ.
السَّابِعُ: لِلتَّكْثِيرِ فِي مَوْضِعِ الْمُبَاهَاةِ وَالِافْتِخَارِ وَلِلتَّقْلِيلِ فِيمَا عَدَاهُ.
الثَّامِنُ: لِمُبْهَمِ الْعَدَدِ تَكُونُ تَقْلِيلًا وَتَكْثِيرًا وَتَدْخُلُ عَلَيْهَا " مَا " فَتَكُفُّهَا عَنْ عَمَلِ الْجَرِّ وَتُدْخِلُهَا عَلَى الْجُمَلِ وَالْغَالِبُ حِينَئِذٍ دُخُولُهَا عَلَى الْفِعْلِيَّةِ الْمَاضِي فِعْلُهَا لَفْظًا وَمَعْنًى وَمِنْ دُخُولِهَا عَلَى الْمُسْتَقْبَلِ الْآيَةُ السَّابِقَةُ. قِيلَ: إِنَّهُ عَلَى حَدِّ: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ} .(2/232)
السِّينُ
حَرْفٌ يَخْتَصُّ بِالْمُضَارِعِ وَيُخْلِصُهُ للاستقبال وينزل مِنْهُ مَنْزِلَةَ الْجُزْءِ فَلِذَا لَمْ تَعْمَلْ فِيهِ. وَذَهَبُ الْبَصْرِيُّونَ إِلَى أَنَّ مُدَّةَ الِاسْتِقْبَالِ مَعَهُ أَضْيَقُ مِنْهَا مَعَ سَوْفَ وَعِبَارَةُ الْمُعْرِبِينَ: حَرْفُ تَنْفِيسٍ وَمَعْنَاهَا حَرْفُ تَوَسُّعٍ لأنها نقلت الْمُضَارِعَ مِنَ الزَّمَنِ الضَّيِّقِ - وَهُوَ الْحَالُ - إِلَى الزَّمَنِ الْوَاسِعِ وَهُوَ الِاسْتِقْبَالُ.
وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّهَا قَدْ تَأْتِي لِلِاسْتِمْرَارِ لَا لِلِاسْتِقْبَالِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {سَتَجِدُونَ آخَرِينَ} الآية، {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ} الآية، لِأَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا نَزَلَ بَعْدَ قَوْلِهِمْ: {مَا وَلَّاهُمْ} فَجَاءَتِ السِّينُ إِعْلَامًا بِالِاسْتِمْرَارِ لَا لِلِاسْتِقْبَالِ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهَذَا لَا يَعْرِفُهُ النَّحْوِيُّونَ بَلِ الِاسْتِمْرَارُ مُسْتَفَادٌ مِنَ الْمُضَارِعِ وَالسِّينُ بَاقِيَةٌ عَلَى الِاسْتِقْبَالِ إِذِ الِاسْتِمْرَارُ إِنَّمَا يَكُونُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ.
قَالَ: وَزَعَمَ الزَّمَخْشَرِيُّ أَنَّهَا إِذَا دَخَلَتْ عَلَى فِعْلٍ مَحْبُوبٍ أَوْ مَكْرُوهٍ أَفَادَتْ أَنَّهُ وَاقِعٌ لَا مَحَالَةَ وَلَمْ أَرَ مَنْ فَهِمَ وَجْهَ ذَلِكَ وَوُجِّهَ أَنَّهَا تفيد الوعد في محصول الْفِعْلِ فَدُخُولُهَا عَلَى مَا يُفِيدُ الْوَعْدَ أَوِ الْوَعِيدَ مُقْتَضٍ لِتَوْكِيدِهِ وَتَثْبِيتِ مَعْنَاهُ وَقَدْ أَوْمَأَ إِلَى ذَلِكَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ فَقَالَ: {فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ} ، مَعْنَى السِّينِ أَنَّ ذَلِكَ كَائِنٌ لَا مَحَالَةَ وَإِنْ تَأَخَّرَ إِلَى حِينٍ وَصَرَّحَ بِهِ فِي سُورَةِ بَرَاءَةَ فَقَالَ فِي قَوْلِهِ: {أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ} : السِّينُ مُفِيدَةٌ وُجُودَ(2/233)
الرَّحْمَةِ لَا مَحَالَةَ فَهِيَ تُؤَكِّدُ الْوَعْدَ كَمَا تُؤَكِّدُ الْوَعِيدَ فِي قَوْلِكَ: سَأَنْتَقِمُ مِنْكَ.
سَوْفَ
كَالسِّينِ وَأَوْسَعُ زَمَانًا مِنْهَا عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ لِأَنَّ كَثْرَةَ الْحُرُوفِ تَدُلُّ عَلَى كَثْرَةِ الْمَعْنَى وَمُرَادِفَةٌ لَهَا عِنْدَ غَيْرِهِمْ. وَتَنْفَرِدُ عَنِ السِّينِ بِدُخُولِ اللَّامِ عَلَيْهَا نَحْوَ: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ} .
قَالَ أَبُو حَيَّانَ: وَإِنَّمَا امْتَنَعَ إِدْخَالُ اللَّامِ عَلَى السِّينِ كَرَاهَةَ تَوَالِي الْحَرَكَاتِ فِي " لَسَيُدَحْرِجُ " ثُمَّ طَرَدَ الْبَاقِيَ.
قَالَ ابْنُ بَابَشَاذَ: وَالْغَالِبُ عَلَى " سَوْفَ " اسْتِعْمَالُهَا فِي الْوَعِيدِ وَالتَّهْدِيدِ وَعَلَى السِّينِ اسْتِعْمَالُهَا فِي الْوَعْدِ وَقَدْ تُسْتَعْمَلُ " سَوْفَ " فِي الْوَعْدِ وَالسِّينُ فِي الْوَعِيدِ.
سَوَاءٌ
تَكُونُ بِمَعْنَى مُسْتَوٍ فَتُقْصَرُ مَعَ الْكَسْرِ، نَحْوَ: {مَكَاناً سُوَىً} وَتُمَدُّ مَعَ الْفَتْحِ نَحْوَ: {فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ} .(2/234)
وَبِمَعْنَى التَّمَامِ فَكَذَلِكَ نَحْوَ: {فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً} أَيْ تَمَامًا وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ: {وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ} .
وَلَمْ تَرِدْ فِي الْقُرْآنِ بِمَعْنَى غَيْرَ وَقِيلَ: وَرَدَتْ وَجُعِلَ مِنْهُ فِي الْبُرْهَانِ: {فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ} وَهُوَ وَهْمٌ وَأَحْسَنُ مِنْهُ قَوْلُ الْكَلْبِيِّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا أَنْتَ مَكَاناً سُوَىً} : إِنَّهَا اسْتِثْنَائِيَّةٌ وَالْمُسْتَثْنَى مَحْذُوفٌ أَيْ مَكَانًا سُوَى هَذَا الْمَكَانِ حَكَاهُ الْكِرْمَانِيُّ فِي عَجَائِبِهِ قَالَ: وَفِيهِ بُعْدٌ لِأَنَّهَا لَا تُسْتَعْمَلُ غَيْرَ مُضَافَةٍ.
سَاءَ
فِعْلٌ لِلذَّمِّ لَا يَتَصَرَّفُ.
سُبْحَانَ
مَصْدَرٌ بِمَعْنَى التَّسْبِيحِ لَازِمُ النَّصْبِ وَالْإِضَافَةِ إِلَى مُفْرَدٍ ظاهر نحو: {وَسُبْحَانَ اللَّهِ} ، {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى} ، أَوْ مُضْمَرٍ نَحْوَ: {سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ} ، {سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا} وَهُوَ مِمَّا أُمِيتَ فِعْلُهُ.(2/235)
وَفِي الْعَجَائِبِ لِلْكِرْمَانِيِّ: مِنَ الْغَرِيبِ مَا ذَكَرَهُ المفضل أَنَّهُ مَصْدَرُ " سَبَّحَ " إِذَا رَفَعَ صَوْتَهُ بِالدُّعَاءِ وَالذِّكْرِ،. وَأَنْشَدَ:
قَبَّحَ الْإِلَهُ وُجُوهَ تَغْلِبَ كُلَّمَا
سَبَّحَ الْحَجِيجُ وَكَبَّرُوا إِهْلَالَا
أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: {سُبْحَانَ اللَّهِ} ، قَالَ: تَنْزِيهُ اللَّهِ نَفْسَهُ عَنِ السُّوءِ.
ظَنَّ
أَصْلُهُ لِلِاعْتِقَادِ الرَّاجِحِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ} وَقَدْ تُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى الْيَقِينِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو رَبِّهِمْ} .
أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَغَيْرُهُ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: كُلُّ ظَنٍّ فِي الْقُرْآنِ يَقِينٌ وَهَذَا مُشْكِلٌ بِكَثِيرٍ مِنَ الْآيَاتِ لَمْ تُسْتَعْمَلْ فِيهَا بِمَعْنَى الْيَقِينِ كَالْآيَةِ الْأُولَى.
وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِي الْبُرْهَانِ: الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا فِي الْقُرْآنِ ضَابِطَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ حَيْثُ وُجِدَ الظَّنُّ مَحْمُودًا مُثَابًا عَلَيْهِ فَهُوَ الْيَقِينُ وَحَيْثُ وُجِدَ مَذْمُومًا مُتَوَعَّدًا عَلَيْهِ بِالْعِقَابِ فَهُوَ الشَّكُّ.
وَالثَّانِي: أَنَّ كُلَّ ظَنٍّ يَتَّصِلُ بَعْدَهُ أَنْ الْخَفِيفَةُ فَهُوَ شَكٌّ نَحْوَ: {بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ} ، وَكُلُّ ظَنٍّ يَتَّصِلُ بِهِ أَنَّ الْمُشَدَّدَةُ فَهُوَ يَقِينٌ كَقَوْلِهِ: {إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ} ، {وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ} وَقُرِئَ: "وَأَيْقَنَ أَنَّهُ الْفِرَاقُ "، وَالْمَعْنَى فِي ذَلِكَ أَنَّ الْمُشَدَّدَةَ لِلتَّأْكِيدِ فَدَخَلَتْ(2/236)
عَلَى الْيَقِينِ وَالْخَفِيفَةَ بِخِلَافِهَا فَدَخَلَتْ فِي الشَّكِّ وَلِهَذَا دَخَلَتِ الْأُولَى فِي الْعِلْمِ نَحْوَ: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} ، {وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً} .
وَالثَّانِيَةُ فِي الْحُسْبَانِ نَحْوَ: {وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ} .
ذَكَرَ ذَلِكَ الرَّاغِبُ فِي تَفْسِيرِهِ، وَأَوْرَدَ عَلَى هَذَا الضَّابِطِ: {وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ} .
وَأُجِيبُ بِأَنَّهَا هُنَا اتَّصَلَتْ بِالِاسْمِ وَهُوَ مَلْجَأٌ وَفِي الْأَمْثِلَةِ السَّابِقَةِ اتَّصَلَتْ بِالْفِعْلِ. ذَكَرَهُ فِي الْبُرْهَانِ قَالَ: فَتَمَسَّكْ بِهَذَا الضَّابِطِ فَهُوَ مِنْ أَسْرَارِ الْقُرْآنِ.
وَقَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: قَالَ ثَعْلَبٌ: الْعَرَبُ تَجْعَلُ الظَّنَّ عِلْمًا وَشَكًّا وَكَذِبًا فَإِنْ قَامَتْ بَرَاهِينُ الْعِلْمِ فَكَانَتْ أَكْبَرَ مِنْ بَرَاهِينِ الشَّكِّ فَالظَّنُّ يَقِينٌ وَإِنِ اعْتَدَلَتْ بَرَاهِينُ الْيَقِينِ وَبَرَاهِينُ الشَّكِّ فَالظَّنُّ شَكٌّ وَإِنْ زَادَتْ بَرَاهِينُ الشَّكِّ عَلَى بَرَاهِينِ الْيَقِينِ فَالظَّنُّ كَذِبٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ} أَرَادَ يَكْذِبُونَ. انْتَهَى.
عَلَى
حَرْفُ جَرٍّ لَهُ مَعَانٍ:
أَشْهَرُهَا، الِاسْتِعْلَاءُ حِسًّا أَوْ مَعْنًى، نَحْوَ: {وَعَلَيْهَا(2/237)
وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ} ، {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ} ، {فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} ، {وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ} .
ثَانِيهَا: لِلْمُصَاحَبَةِ كَمَعَ، نَحْوَ: {وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ} أَيْ مَعَ حُبِّهِ، {وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ} .
ثَالِثُهَا: لِلِابْتِدَاءِ كَمِنْ، نَحْوَ: {إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ} أَيْ مِنَ النَّاسِ، {لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ} أَيْ مِنْهُمْ بِدَلِيلِ احْفَظْ عَوْرَتَكَ إِلَّا مِنْ زَوْجَتِكَ.
رَابِعُهَا: التَّعْلِيلُ كَاللَّامِ، نَحْوَ: {وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} ،أَيْ لِهِدَايَتِهِ إِيَّاكُمْ.
خَامِسُهَا: الظَّرْفِيَّةُ كَفِي، نَحْوَ: {وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا} أَيْ فِي حِينِ،: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ} أَيْ فِي زَمَنِ مُلْكِهِ.
سَادِسُهَا: مَعْنَى الْبَاءِ نَحْوَ: {حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لا أَقُولَ} أَيْ بِأَنْ كَمَا قَرَأَ أُبَيٌّ.(2/238)
فَائِدَةٌ
هِيَ فِي نَحْوِ: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ} ، بِمَعْنَى الْإِضَافَةِ وَالْإِسْنَادِ أَيْ أَضِفْ تَوَكُّلَكَ وَأَسْنِدْهُ إِلَيْهِ كَذَا قِيلَ وَعِنْدِي أَنَّهَا فِيهِ بِمَعْنَى بَاءِ الِاسْتِعَانَةِ وَفِي نَحْوِ: {كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} لِتَأْكِيدِ التَّفَضُّلِ لَا الْإِيجَابِ وَالِاسْتِحْقَاقِ وَكَذَا فِي نَحْوِ: {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ} لِتَأْكِيدِ الْمُجَازَاةِ.
قَالَ بَعْضُهُمْ: وَإِذَا ذُكِرَتِ النِّعْمَةُ فِي الْغَالِبِ مَعَ الحمد لم تقترن بعلى وَإِذَا أُرِيدَتِ النِّعْمَةُ أَتَى بِهَا وَلِهَذَا كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا رَأَى مَا يُعْجِبُهُ قَالَ: "الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي بِنِعْمَتِهِ تَتِمُّ الصَّالِحَاتُ "، وَإِذَا رَأَى مَا يَكْرَهُ قَالَ: "الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ ".
تَنْبِيهٌ
تَرِدُ " عَلَى " اسْمًا فِيمَا ذَكَرَهُ الْأَخْفَشُ إِذَا كَانَ مَجْرُورُهَا وَفَاعِلُ مُتَعَلِّقِهَا ضَمِيرَيْنِ لِمُسَمًّى وَاحِدٍ، نَحْوَ: {أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ} ، لِمَا تَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ إِلَيْهِ فِي إِلَى وَتَرِدُ فِعْلًا مِنَ الْعُلُوِّ وَمِنْهُ: {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ} .(2/239)
عَنْ
حَرْفُ جَرٍّ لَهُ مَعَانٍ:
أَشْهَرُهَا، الْمُجَاوَزَةُ، نَحْوَ: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ} ، أَيْ يُجَاوِزُونَهُ وَيَبْعُدُونَ عَنْهُ.
ثَانِيهَا: الْبَدَلُ، نَحْوَ: {لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً} .
ثَالِثُهَا: التَّعْلِيلُ، نَحْوَ: {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ} ، أَيْ لِأَجْلِ مَوْعِدَةٍ، {وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ} أَيْ لِقَوْلِكَ.
رَابِعُهَا: بِمَعْنَى عَلَى، نَحْوَ: {فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ} أَيْ عَلَيْهَا.
خَامِسُهَا: بِمَعْنَى مِنْ، نَحْوَ: {يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ} ، أَيْ مِنْهُمْ بِدَلِيلِ: {فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا} .
سَادِسُهَا: بِمَعْنَى بَعْدَ، نَحْوَ: {يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ} بِدَلِيلِ أَنَّ فِي آيَةٍ أُخْرَى: {مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ} ، {لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ} أَيْ حَالَةً بَعْدَ حَالَةٍ.
تَنْبِيهٌ
تَرِدُ اسْمًا إِذَا دَخَلَ عَلَيْهَا مِنْ وَجَعَلَ ابْنُ هِشَامٍ: {ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ(2/240)
أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ} ، قَالَ: فَتُقَدَّرُ مَعْطُوفَةً عَلَى مَجْرُورِ مِنْ لَا عَلَى مِنْ وَمَجْرُورِهَا.
عَسَى
فِعْلٌ جَامِدٌ لَا يَتَصَرَّفُ وَمِنْ ثَمَّ ادَّعَى قَوْمٌ أَنَّهُ حَرْفٌ وَمَعْنَاهُ التَّرَجِّي فِي الْمَحْبُوبِ وَالْإِشْفَاقُ فِي الْمَكْرُوهِ وَقَدِ اجْتَمَعَتَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ} .
قَالَ ابْنُ فَارِسٍ: وَتَأْتِي لِلْقُرْبِ وَالدُّنُوِّ، نَحْوَ: {قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ} .
وَقَالَ الْكِسَائِيُّ: كُلُّ مَا فِي الْقُرْآنِ مِنْ " عَسَى " عَلَى وَجْهِ الْخَبَرِ فَهُوَ مُوَحَّدٌ كَالْآيَةِ السَّابِقَةِ وَوُجِّهَ عَلَى مَعْنَى عَسَى الْأَمْرُ أَنْ يَكُونَ كَذَا. وَمَا كَانَ عَلَى الِاسْتِفْهَامِ فَإِنَّهُ يُجْمَعُ، نَحْوَ: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ} . قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: مَعْنَاهُ: هَلْ عَرَفْتُمْ ذَلِكَ، وهل جزتموه؟.
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَلُّ عَسَى فِي الْقُرْآنِ فَهِيَ وَاجِبَةٌ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُقَالُ: عَسَى مِنَ اللَّهِ وَاجِبَةٌ.
وَقَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: عَسَى فِي الْقُرْآنِ وَاجِبَةٌ إِلَّا فِي مَوْضِعَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: {عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ} يَعْنِي بَنِي النَّضِيرِ فَمَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ بَلْ قَاتَلَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَوْقَعَ عَلَيْهِمُ الْعُقُوبَةَ.(2/241)
وَالثَّانِي: {عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً} فَلَمْ يَقَعِ التَّبْدِيلُ، وَأَبْطَلَ بَعْضُهُمُ الِاسْتِثْنَاءَ وَعَمَّمَ الْقَاعِدَةَ لِأَنَّ الرَّحْمَةَ كَانَتْ مَشْرُوطَةً بِأَلَّا يَعُودُوا كَمَا قال: {وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا} ، وَقَدْ عَادُوا فَوَجَبَ عَلَيْهِمُ الْعَذَابُ وَالتَّبْدِيلُ مَشْرُوطًا بِأَنْ يُطَلِّقَ وَلَمْ يُطَلِّقْ فَلَا يَجِبُ.
وَفِي الْكَشَّافِ فِي سُورَةِ التَّحْرِيمِ: "عَسَى " إِطْمَاعٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لِعِبَادِهِ، وَفِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ مَا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ الْجَبَابِرَةِ مِنَ الْإِجَابَةِ بِلَعَلَّ وَعَسَى وَوُقُوعِ ذَلِكَ مِنْهُمْ مَوْقِعَ الْقَطْعِ وَالْبَتِّ.
وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ جِيءَ بِهِ تَعْلِيمًا لِلْعِبَادِ أَنْ يَكُونُوا بَيْنَ الْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ.
وَفِي الْبُرْهَانِ: عَسَى وَلَعَلَّ مِنَ اللَّهِ وَاجَبَتَانِ وَإِنْ كَانَتَا رَجَاءً وَطَمَعًا فِي كَلَامِ الْمَخْلُوقِينَ لِأَنَّ الْخَلْقَ هُمُ الَّذِينَ يَعْرِضُ لَهُمُ الشُّكُوكُ وَالظُّنُونُ وَالْبَارِئُ مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ وَالْوَجْهُ فِي اسْتِعْمَالِ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ أَنَّ الْأُمُورَ الْمُمْكِنَةَ لَمَّا كَانَ الْخَلْقُ يَشُكُّونَ فِيهَا وَلَا يَقْطَعُونَ عَلَى الْكَائِنِ مِنْهَا وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْكَائِنَ مِنْهَا عَلَى الصِّحَّةِ صَارَتْ لَهَا نِسْبَتَانِ: نِسْبَةٌ إِلَى اللَّهِ تُسَمَّى نِسْبَةَ قَطْعٍ وَيَقِينٍ وَنِسْبَةٌ إِلَى الْمَخْلُوقِينَ تُسَمَّى نِسْبَةَ شَكٍّ وَظَنٍّ فَصَارَتْ هَذِهِ الْأَلْفَاظُ لِذَلِكَ تَرِدُ تَارَةً بِلَفْظِ الْقَطْعِ بِحَسَبِ مَا هِيَ عَلَيْهِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى نَحْوَ: {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} وَتَارَةً بِلَفْظِ الشَّكِّ بِحَسَبِ مَا هِيَ عَلَيْهِ عِنْدَ الْخَلْقِ نَحْوَ: {فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ} وَنَحْوَ: {فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} ، وَقَدْ عَلِمَ اللَّهُ(2/242)
حَالَ إِرْسَالِهِمَا. مَا يُفْضِي إِلَيْهِ حَالُ فِرْعَوْنَ لَكِنْ وَرَدَ اللَّفْظُ بِصُورَةِ مَا يَخْتَلِجُ فِي نَفْسِ مُوسَى وَهَارُونَ مِنَ الرَّجَاءِ وَالطَّمَعِ. وَلَمَّا نَزَلَ الْقُرْآنُ بِلُغَةِ الْعَرَبِ جَاءَ عَلَى مَذَاهِبِهِمْ فِي ذَلِكَ وَالْعَرَبُ قَدْ تُخْرِجُ الْكَلَامَ الْمُتَيَقَّنَ فِي صُورَةِ الْمَشْكُوكِ لِأَغْرَاضٍ.
وَقَالَ ابْنُ الدَّهَّانِ: عَسَى فِعْلٌ مَاضِي اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى لِأَنَّهُ طَمَعٌ قَدْ حَصَلَ فِي شَيْءٍ مُسْتَقْبَلٍ.
وَقَالَ قَوْمٌ: مَاضِي اللَّفْظِ مُسْتَقْبَلُ الْمَعْنَى لِأَنَّهُ إِخْبَارٌ عَنْ طَمَعٍ يُرِيدُ أَنْ يَقَعَ.
تَنْبِيهٌ
وَرَدَتْ فِي الْقُرْآنِ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: رَافِعَةٌ لِاسْمٍ صَرِيحٍ بَعْدَهُ فِعْلٌ مُضَارِعٌ مَقْرُونٌ بِأَنْ وَالْأَشْهَرُ فِي إِعْرَابِهَا حِينَئِذٍ أَنَّهَا فِعْلٌ مَاضٍ نَاقِصٌ عَامِلٌ عَمَلَ كَانَ فَالْمَرْفُوعُ اسْمُهَا وَمَا بَعْدَهُ الْخَبَرُ. وَقِيلَ: مُتَعَدٍّ بِمَنْزِلَةِ قَارَبَ مَعْنًى وَعَمَلًا أَوْ قَاصِرٌ بِمَنْزِلَةِ قَرُبَ مِنْ أَنْ يَفْعَلَ وَحُذِفَ الْجَارُّ تَوَسُّعًا وَهُوَ رَأْيُ سِيبَوَيْهِ وَالْمُبَرِّدِ. وَقِيلَ قَاصِرٌ بِمَنْزِلَةِ قَرُبَ وَأَنْ يَفْعَلَ بَدَلُ اشْتِمَالٍ مِنْ فَاعِلِهَا.
الثَّانِي: أَنْ يَقَعَ بَعْدَهَا أَنْ وَالْفِعْلُ فَالْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّهَا حِينَئِذٍ تَامَّةٌ.
وَقَالَ ابْنُ مَالِكٍ: عِنْدِي أَنَّهَا نَاقِصَةٌ أَبَدًا وَأَنَّ وَصِلَتُهَا سَدَّتْ مَسَدَّ الْجُزْأَيْنِ كَمَا فِي: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا}(2/243)
عِنْدَ
ظَرْفُ مَكَانٍ تُسْتَعْمَلُ فِي الْحُضُورِ وَالْقُرْبِ سَوَاءً كَانَا حِسِّيَّيْنِ نَحْوَ: {فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرّاً عِنْدَهُ} ، {عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى} أَوْ مَعْنَوِيَّتَيْنِ، نَحْوَ: {قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ} ، {وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ} ، {فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ} ، {أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ} ، {ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ} فَالْمُرَادُ بِهَذِهِ الْآيَاتِ قُرْبُ التَّشْرِيفِ وَرِفْعَةُ الْمَنْزِلَةِ.
وَلَا تُسْتَعْمَلُ إِلَّا ظرفا أو مجرورة بمن خاصة نحو: {فَمِنْ عِنْدِكَ} ، {وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} .
وَتُعَاقِبُهَا لَدَى وَلَدُنْ، نَحْوَ: {لَدَى الْحَنَاجِرِ} ، {لَدَى الْبَابِ} ، {وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ} ، {وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ} .
وَقَدِ اجْتَمَعَتَا فِي قَوْلِهِ: {آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً} ولو جيء فيهما بعند أَوْ لَدُنْ صَحَّ لَكِنْ تُرِكَ دَفْعًا لِلتَّكْرَارِ وَإِنَّمَا حَسُنَ تَكْرَارُ لَدَى فِي: {وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ} لِتَبَاعُدِ مَا بَيْنَهُمَا.(2/244)
وَتُفَارِقُ عِنْدَ وَلَدَى لَدُنْ مِنْ سِتَّةِ أَوْجُهٍ:
فَعِنْدَ وَلَدَى تَصْلُحُ فِي مَحَلِّ ابْتِدَاءِ غَايَةٍ وَغَيْرِهَا وَلَا تَصْلُحُ لَدُنْ إِلَّا فِي ابْتِدَاءِ غَايَةٍ.
وَعِنْدَ وَلَدَى يَكُونَانِ فَضْلَةً، نَحْوَ: {وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ} ، {وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ} ، وَلَدُنْ لَا تَكُونُ فَضْلَةً.
وَجَرُّ لَدُنْ بِمِنْ أَكْثَرُ مِنْ نَصْبِهَا حتى أنها لم تجيء فِي الْقُرْآنِ مَنْصُوبَةً وَجَرُّ عِنْدَ كَثِيرٌ وَجَرُّ لَدَى مُمْتَنِعٌ.
وَعِنْدَ وَلَدَى يُعْرَبَانِ وَلَدُنْ مَبْنِيَّةٌ فِي لُغَةِ الْأَكْثَرِينَ.
وَلَدُنْ قَدْ لَا تُضَافُ وَقَدْ تُضَافُ لِلْجُمْلَةِ بِخِلَافِهِمَا.
وَقَالَ الرَّاغِبُ: لَدُنْ أَخَصُّ مِنْ عِنْدَ وَأَبْلَغُ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى ابْتِدَاءِ نِهَايَةِ الْفِعْلِ انْتَهَى.
وَ " عِنْدَ " أَمْكَنُ مِنْ لَدُنْ مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَنَّهَا تَكُونُ ظَرْفًا لِلْأَعْيَانِ وَالْمَعَانِي بِخِلَافِ لَدُنْ. وَعِنْدَ تُسْتَعْمَلُ فِي الْحَاضِرِ وَالْغَائِبِ وَلَا تُسْتَعْمَلُ لدى إِلَّا فِي الْحَاضِرِ ذَكَرَهُمَا ابْنُ الشَّجَرِيِّ وَغَيْرُهُ.
غَيْرَ
اسْمٌ مُلَازِمٌ لِلْإِضَافَةِ وَالْإِبْهَامِ فَلَا تَتَعَرَّفُ مَا لم تقع بين ضدين وَمِنْ ثَمَّ جَازَ وَصْفُ الْمَعْرِفَةِ بِهَا فِي قَوْلِهِ: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} ، وَالْأَصْلُ أَنْ تَكُونَ وَصْفًا لِلنَّكِرَةِ، نَحْوَ: {فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ} .(2/245)
وَتَقَعُ حَالًا إِنْ صَلُحَ مَوْضِعُهَا " لَا " وَاسْتِثْنَاءً إِنْ صَلُحَ مَوْضِعُهَا " إِلَّا " فَتُعْرَبُ بِإِعْرَابِ الِاسْمِ التَّالِي إِلَّا فِي ذَلِكَ الْكَلَامِ وَقُرِئَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهَا صِفَةُ " الْقَاعِدُونَ ".
أَوِ اسْتِثْنَاءٌ وَأَبْدِلْ عَلَى حَدِّ: {مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ} ، وَبِالنَّصْبِ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ وَبِالْجَرِّ خَارِجَ السَّبْعِ صِفَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ.
وَفِي الْمُفْرَدَاتِ لِلرَّاغِبِ: غَيْرُ تُقَالُ عَلَى أَوْجُهٍ:
الْأَوَّلُ: أَنْ تَكُونَ لِلنَّفْيِ الْمُجَرَّدِ مِنْ غَيْرِ إِثْبَاتِ مَعْنًى بِهِ نَحْوَ: مَرَرْتُ بِرَجُلٍ غَيْرِ قَائِمٍ أَيْ لَا قَائِمَ قَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدىً} ، {وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ} .
الثَّانِي: بِمَعْنَى " إِلَّا " فَيُسْتَثْنَى بِهَا وَتُوصَفُ بِهِ النَّكِرَةُ نَحْوَ: {مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} ، {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ}
الثَّالِثُ لِنَفْيِ الصُّورَةِ مِنْ غَيْرِ مَادَّتِهَا نَحْوَ: "الْمَاءُ إِذَا كَانَ حَارًّا غَيْرُهُ إِذَا كَانَ بَارِدًا " وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا} .
الرَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مُتَنَاوِلًا لِذَاتٍ نَحْوَ: {بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ(2/246)
غَيْرَ الْحَقِّ} ، {أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبّاً} ، {ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا} ، {يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ} انْتَهَى.
الْفَاءُ
تَرِدُ عَلَى أَوْجُهٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ تَكُونَ عَاطِفَةً فَتُفِيدُ ثَلَاثَةَ أُمُورٍ:
أَحَدُهَا التَّرْتِيبُ مَعْنَوِيًّا كَانَ نَحْوَ: {فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ} أَوْ ذِكْرِيًّا وَهُوَ عَطْفٌ مُفَصَّلٌ عَلَى مُجْمَلٍ نَحْوَ: {فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ} ، {سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً} ، {وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ} الْآيَةَ، وَأَنْكَرَهُ - أَيْ التَّرْتِيبَ - الْفَرَّاءُ وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ: {أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا} .
وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْمَعْنَى: أَرَدْنَا إِهْلَاكَهَا.
ثَانِيهَا: التَّعْقِيبُ وَهُوَ فِي كُلِّ شَيْءٍ بِحَسَبِهِ وَبِذَلِكَ يَنْفَصِلُ عَنِ التَّرَاخِي فِي نَحْوِ: {أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الأَرْضُ مُخْضَرَّةً} ، {خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً} ، الآية.
ثَالِثُهَا: السَّبَبِيَّةُ غَالِبًا نَحْوَ: {فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ} ،(2/247)
{فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ} ، {لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ} .
وَقَدْ تَجِيءُ لِمُجَرَّدِ التَّرْتِيبِ، نَحْوَ: {فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ} ، {فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ} ، {فَالزَّاجِرَاتِ زَجْراً فَالتَّالِيَاتِ}
الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ لِمُجَرَّدِ السَّبَبِيَّةِ مِنْ غَيْرِ عَطْفٍ نَحْوَ: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ فَصَلِّ} إِذْ لَا يُعْطَفُ الْإِنْشَاءُ عَلَى الْخَبَرِ وَعَكْسُهُ.
الثَّالِثُ: أَنْ تَكُونَ رَابِطَةً لِلْجَوَابِ حَيْثُ لَا يَصْلُحُ لِأَنْ يَكُونُ شَرْطًا بِأَنْ كَانَ جُمْلَةً اسْمِيَّةً نَحْوَ: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ} ، {وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} أَوْ فِعْلِيَّةً فِعْلُهَا جَامِدٌ نَحْوَ: {إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالاً وَوَلَداً فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ} ، {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ} ، {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ} ، {وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِيناً فَسَاءَ قَرِيناً} . أَوْ إِنْشَائِيٌّ نَحْوَ: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي} ، {فَإِنْ شَهِدُوا فَلا تَشْهَدْ مَعَهُمْ} وَاجْتَمَعَتِ الِاسْمِيَّةُ وَالْإِنْشَائِيَّةُ فِي قَوْلِهِ: {إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ} أَوْ مَاضٍ لَفْظًا وَمَعْنًى نَحْوَ: {إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ(2/248)
مِنْ قَبْلُ} أَوْ مَقْرُونٌ بِحَرْفِ اسْتِقْبَالٍ نَحْوَ: {مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ} ، {وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ} وَكَمَا تَرْبِطُ الْجَوَابَ بِشَرْطِهِ تَرْبِطُ شِبْهَ الْجَوَابِ بِشِبْهِ الشَّرْطِ نَحْوَ: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ} إِلَى قَوْلِهِ: {فَبَشِّرْهُمْ} .
الْوَجْهُ الرَّابِعُ: أَنْ تَكُونَ زَائِدَةً وَحَمَلَ عَلَيْهِ الزَّجَّاجُ: {هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ} ورد بأن الخبر {حَمِيمٍ} ، وَمَا بَيْنَهُمَا مُعْتَرِضٌ وَخَرَّجَ عَلَيْهِ الْفَارِسِيُّ: {بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ} وَغَيْرَهُ: {وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} إِلَى قَوْلِهِ: {فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا}
الْخَامِسُ: أَنْ تَكُونَ لِلِاسْتِئْنَافِ وَخُرِّجَ عَلَيْهِ: {كُنْ فَيَكُونُ} بالرفع.
فِي
حَرْفُ جَرٍّ لَهُ مَعَانٍ:
أَشْهَرُهَا: الظَّرْفِيَّةُ مَكَانًا أَوْ زَمَانًا نَحْوَ: {غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ} حَقِيقَةً كَالْآيَةِ أَوْ مَجَازًا نَحْوَ: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} ، {لَقَدْ كَانَ(2/249)
فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ} ، {إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} .
ثانيها: المصاحبة كمع، نحو: {ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ} أَيْ مَعَهُمْ، {فِي تِسْعِ آيَاتٍ} .
ثَالِثُهَا: التَّعْلِيلُ، نَحْوَ: {فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ} ، {لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ} أَيْ لِأَجْلِهِ.
رَابِعُهَا: الِاسْتِعْلَاءُ، نَحْوَ: {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} أَيْ عَلَيْهَا.
خَامِسُهَا: مَعْنَى الْبَاءِ، نحو: {يَذْرَأُكُمْ فِيهِ} أَيْ بِسَبَبِهِ.
سَادِسُهَا: مَعْنَى إِلَى، نَحْوَ: {فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ} أَيْ إِلَيْهَا.
سَابِعُهَا: مَعْنَى مِنْ، نحو: {وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً} أَيْ مِنْهُمْ بِدَلِيلِ الْآيَةِ الْأُخْرَى.
ثَامِنُهَا: مَعْنَى عَنْ، نَحْوَ: {فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى} أَيْ عَنْهَا وَعَنْ مَحَاسِنِهَا.
تَاسِعُهَا: الْمُقَايَسَةُ وَهِيَ الدَّاخِلَةُ بَيْنَ مَفْضُولٍ سَابِقٍ وَفَاضِلٍ لَاحِقٍ نَحْوَ: {فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ} .(2/250)
عَاشِرُهَا: التَّوْكِيدُ وَهِيَ الزَّائِدَةُ، نَحْوَ: {وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا} أي أركبوها.
قَدْ
حَرْفٌ مُخْتَصٌّ بِالْفِعْلِ الْمُتَصَرِّفِ الْخَبَرِيِّ الْمُثْبَتِ الْمُجَرَّدِ مِنْ نَاصِبٍ وَجَازِمٍ وَحَرْفِ تَنْفِيسٍ مَاضِيًا كَانَ أَوْ مُضَارِعًا وَلَهَا مَعَانٍ:
الْأَوَّلُ: التَّحْقِيقُ مَعَ الْمَاضِي، نَحْوَ: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} ، {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا} وَهِيَ فِي الْجُمْلَةِ الْفِعْلِيَّةِ الْمُجَابِ بِهَا الْقَسَمُ مِثْلَ إِنَّ وَاللَّامِ فِي الِاسْمِيَّةِ الْمُجَابِ بِهَا فِي إفادة التوكيد.
والثاني: وَالتَّقْرِيبُ مَعَ الْمَاضِي أَيْضًا تُقَرِّبُهُ مِنَ الْحَالِ، تَقُولُ: قَامَ زَيْدٌ فَيَحْتَمِلُ الْمَاضِيَ الْقَرِيبَ وَالْمَاضِيَ الْبَعِيدَ فَإِنْ قُلْتَ: قَدْ قَامَ اخْتَصَّ بِالْقَرِيبِ قَالَ النُّحَاةُ: وَانْبَنَى عَلَى إِفَادَتِهَا ذَلِكَ أَحْكَامٌ:
مِنْهَا: مَنْعُ دُخُولِهَا عَلَى لَيْسَ وَعَسَى وَنِعْمَ وَبِئْسَ، لِأَنَّهُنَّ لِلْحَالِ فَلَا مَعْنَى لِذِكْرِ مَا يُقَرِّبُ مَا هُوَ حَاصِلٌ وَلِأَنَّهُنَّ لَا يُفِدْنَ الزَّمَانَ.
وَمِنْهَا: وُجُوبُ دُخُولِهَا عَلَى الْمَاضِي الْوَاقِعِ حَالًا، إِمَّا ظَاهِرَةً، نَحْوَ: {وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا} أَوْ مُقَدَّرَةً، نَحْوَ: {هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا} ، {أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ} وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ الْكُوفِيُّونَ وَالْأَخْفَشُ وَقَالُوا: لَا تَحْتَاجُ لِذَلِكَ لِكَثْرَةِ وُقُوعِهِ حَالًا بِدُونِ قَدْ.(2/251)
وَقَالَ السَّيِّدُ الْجُرْجَانِيُّ وَشَيْخُنَا الْعَلَّامَةُ الْكَافَيَجِيُّ: مَا قَالَهُ الْبَصْرِيُّونَ غَلَطٌ سَبَبُهُ اشْتِبَاهُ لَفْظِ الْحَالِ عَلَيْهِمْ فَإِنَّ الْحَالَ الَّذِي تُقَرِّبُهُ " قَدْ " حَالُ الزَّمَانِ وَالْحَالَ الْمُبَيِّنَ لِلْهَيْئَةِ حَالُ الصِّفَاتِ وَهُمَا مُتَغَايِرَانِ فِي الْمَعْنَى.
الْمَعْنَى الثَّالِثُ: التَّقْلِيلُ مَعَ الْمُضَارِعِ، قَالَ فِي الْمُغْنِي: وَهُوَ ضَرْبَانِ تَقْلِيلُ وُقُوعِ الْفِعْلِ، نَحْوَ: "قَدْ يَصْدُقُ الْكَذُوبُ " وَتَقْلِيلُ مُتَعَلِّقِهِ، نَحْوَ: {قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ} أَيْ أَنَّ مَا هُمْ عَلَيْهِ هُوَ أَقَلُّ مَعْلُومَاتِهِ تَعَالَى قَالَ: وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَنَحْوِهَا لِلتَّحْقِيقِ انْتَهَى.
وَمِمَّنْ قَالَ بِذَلِكَ الزَّمَخْشَرِيُّ، قَالَ: إِنَّهَا أُدْخِلَتْ لِتَوْكِيدِ الْعِلْمِ وَيَرْجِعُ ذَلِكَ إِلَى تَوْكِيدِ الْوَعِيدِ.
الرَّابِعُ: التَّكْثِيرُ ذَكَرَهُ سِيبَوَيْهِ وَغَيْرُهُ وَخَرَّجَ عَلَيْهِ الزَّمَخْشَرِيُّ قَوْلَهُ: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ} قَالَ: أَيْ رُبَّمَا نَرَى وَمَعْنَاهُ تَكْثِيرُ الرُّؤْيَةِ.
الْخَامِسُ: التَّوَقُّعُ، نَحْوَ: قَدْ يُقْدِمُ الْغَائِبُ، لِمَنْ يَتَوَقَّعُ قدومه وينتظره، وقد قَامَتِ الصَّلَاةُ، لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ مُنْتَظِرُونَ ذَلِكَ، وَحَمَلَ عَلَيْهِ بَعْضُهُمْ: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ} لِأَنَّهَا كَانَتْ تَتَوَقَّعُ إِجَابَةَ اللَّهِ لِدُعَائِهَا.(2/252)
الْكَافُ
حَرْفُ جَرٍّ لَهُ مَعَانٍ:
أَشْهَرُهَا التَّشْبِيهُ، نَحْوَ: {وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالأَعْلامِ} ، وَالتَّعْلِيلُ، نَحْوَ: {كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً} إلى قوله: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} قَالَ الْأَخْفَشُ: أَيْ لِأَجْلِ إِرْسَالِنَا فِيكُمْ رَسُولًا منكم {وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ} أَيْ لِأَجْلِ هِدَايَتِهِ إِيَّاكُمْ {وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} أَيْ أَعْجَبُ لِعَدَمِ فَلَاحِهِمْ {اجْعَلْ لَنَا إِلَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ} وَالتَّوْكِيدُ وَهِيَ الزَّائِدَةُ وَحَمَلَ عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} وَلَوْ كَانَتْ غَيْرَ زَائِدَةٍ لَزِمَ إِثْبَاتُ الْمِثْلِ وَهُوَ مُحَالٌ وَالْقَصْدُ بِهَذَا الْكَلَامِ نَفْيُهُ، قَالَ ابْنُ جِنِّي: وَإِنَّمَا زِيدَتْ لِتَوْكِيدِ نَفْيِ الْمِثْلِ لِأَنَّ زِيَادَةَ الْحَرْفِ بِمَنْزِلَةِ إِعَادَةِ الْجُمْلَةِ ثَانِيًا.
وَقَالَ الرَّاغِبُ: إِنَّمَا جُمِعَ بَيْنَ الْكَافِ وَالْمِثْلِ لِتَأْكِيدِ النَّفْيِ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ اسْتِعْمَالُ الْمِثْلِ وَلَا الْكَافِ فَنَفَى بِلَيْسَ الْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا.
وَقَالَ ابْنُ فُورَكَ: لَيْسَتْ زَائِدَةً وَالْمَعْنَى لَيْسَ مِثْلَ مِثْلِهِ شَيْءٌ وَإِذَا نَفَيْتَ التَّمَاثُلَ عَنِ الْمِثْلِ فَلَا مِثْلَ لِلَّهِ فِي الْحَقِيقَةِ.
وَقَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: مِثْلُ تُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهَا الذَّاتُ كَقَوْلِكَ: مِثْلُكَ لَا يَفْعَلُ هَذَا أَيْ أَنْتَ لَا تَفْعَلُهُ كَمَا قَالَ:
وَلَمْ أَقُلْ مِثْلَكَ أَعْنِي بِهِ
سِوَاكَ يَا فَرْدًا بِلَا مُشْبِهِ(2/253)
وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا} أَيْ بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ إِيَّاهُ لِأَنَّ إِيمَانَهُمْ لَا مِثْلَ لَهُ فَالتَّقْدِيرُ فِي الْآيَةِ: لَيْسَ كَذَاتِهِ شَيْءٌ.
وَقَالَ الرَّاغِبُ: الْمِثْلُ هُنَا بِمَعْنَى الصِّفَةِ وَمَعْنَاهُ: لَيْسَ كَصِفَتِهِ صِفَةٌ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّهُ وَإِنْ كَانَ وُصِفَ بِكَثِيرٍ مِمَّا وُصِفَ بِهِ الْبَشَرُ فَلَيْسَ تِلْكَ الصِّفَاتُ لَهُ عَلَى حَسَبِ مَا تُسْتَعْمَلُ فِي الْبَشَرِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى.
تَنْبِيهٌ
تَرِدُ الْكَافُ اسْمًا بِمَعْنَى " مِثْلٍ " فَتَكُونُ فِي مَحَلِّ إِعْرَابٍ وَيَعُودُ عَلَيْهَا الضَّمِيرُ.
قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ} : إِنَّ الضَّمِيرَ فِي " فِيهِ " لِلْكَافِ فِي كَهَيْئَةٍ أَيْ فَأَنْفُخُ فِي ذَلِكَ الشَّيْءِ الْمُمَاثِلِ فَيَصِيرُ كَسَائِرِ الطُّيُورِ. انْتَهَى.
مَسْأَلَةٌ
الْكَافُ فِي " ذَلِكَ " أَيْ فِي اسْمِ الْإِشَارَةِ وَفُرُوعِهِ وَنَحْوِهِ حَرْفُ خِطَابٍ لَا مَحَلَّ لَهُ مِنَ الْإِعْرَابِ وَفِي " إِيَّاكَ " قِيلَ: حَرْفٌ وَقِيلَ: اسْمٌ مُضَافٌ إِلَيْهِ وَفِي أَرَأَيْتَكَ قِيلَ: حَرْفٌ وَقِيلَ: اسْمٌ فِي مَحَلِّ رَفْعٍ وَقِيلَ: نَصْبٍ وَالْأَوَّلُ أَرْجَحُ.(2/254)
كَادَ
فِعْلٌ نَاقِصٌ أَتَى مِنْهُ الْمَاضِي وَالْمُضَارِعُ فَقَطْ، لَهُ اسْمٌ مَرْفُوعٌ وَخَبَرٌ مُضَارِعٌ مُجَرَّدٌ مِنْ أَنْ وَمَعْنَاهَا قَارَبَ فَنَفْيُهَا نَفْيٌ لِلْمُقَارَبَةِ وَإِثْبَاتُهَا إِثْبَاتٌ لِلْمُقَارَبَةِ وَاشْتُهِرَ عَلَى أَلْسِنَةِ كَثِيرٍ أَنَّ نَفْيَهَا إِثْبَاتٌ وَإِثْبَاتَهَا نَفْيٌ فَقَوْلُكَ: كَادَ زَيْدٌ يَفْعَلُ مَعْنَاهُ لَمْ يَفْعَلْ، بِدَلِيلِ: {وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ} ، " وَمَا كَادَ يَفْعَلُ " مَعْنَاهُ: فَعَلَ بِدَلِيلِ: {وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ} .
أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ الضَّحَّاكِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كُلُّ شَيْءٍ فِي الْقُرْآنِ كَادَ، وَأَكَادُ، وَيَكَادُ، فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ أَبَدًا. وَقِيلَ: إِنَّهَا تُفِيدُ الدَّلَالَةَ عَلَى وُقُوعِ الْفِعْلِ بِعُسْرٍ، وَقِيلَ: نَفْيُ الْمَاضِي إِثْبَاتٌ، بِدَلِيلِ: {وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ} وَنَفْيُ الْمُضَارِعِ نَفْيٌ بِدَلِيلِ: {لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا} مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَرَ شَيْئًا. وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ أَنَّهَا كَغَيْرِهَا نَفْيُهَا نَفْيٌ وَإِثْبَاتُهَا إِثْبَاتٌ فَمَعْنَى كَادَ يَفْعَلُ قَارَبَ الْفِعْلَ وَلَمْ يَفْعَلْ وَمَا كَادَ يَفْعَلُ مَا قَارَبَ الْفِعْلَ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَفْعَلَ فَنَفْيُ الْفِعْلِ لَازِمٌ مِنْ نَفْيِ الْمُقَارَبَةِ عَقْلًا.
وَأَمَّا آيَةُ: {فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ} فَهُوَ إِخْبَارٌ عَنْ حَالِهِمْ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ فَإِنَّهُمْ كَانُوا أَوَّلًا بُعَدَاءَ مِنْ ذَبْحِهَا وَإِثْبَاتُ الْفِعْلِ إِنَّمَا فُهِمَ مِنْ دَلِيلٍ آخَرَ وَهُوَ قَوْلُهُ: {فَذَبَحُوهَا} .
وَأَمَّا قَوْلُهُ: {لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ} مَعَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَرْكَنْ لَا قَلِيلًا وَلَا كَثِيرًا فَإِنَّهُ مَفْهُومٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّ لَوْلَا الِامْتِنَاعِيَّةَ تَقْتَضِي ذَلِكَ.(2/255)
فَائِدَةٌ
تَرِدُ كَادَ بِمَعْنَى أَرَادَ، وَمِنْهُ: {كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ} ، {أَكَادُ أُخْفِيهَا} وَعَكْسُهُ كَقَوْلِهِ: {جِدَاراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ} أي يكاد.
كَانَ
فِعْلٌ نَاقِصٌ مُتَصَرِّفٌ يَرْفَعُ الِاسْمَ وَيَنْصِبُ الْخَبَرَ وَمَعْنَاهُ فِي الْأَصْلِ الْمُضِيُّ وَالِانْقِطَاعُ نَحْوَ: {كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالاً وَأَوْلاداً} وَتَأْتِي بِمَعْنَى الدَّوَامِ وَالِاسْتِمْرَارِ نَحْوَ: {وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً} ، {وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ} أَيْ لَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ وَعَلَى هَذَا الْمَعْنَى تَتَخَرَّجُ جَمِيعُ الصِّفَاتِ الذَّاتِيَّةِ الْمُقْتَرِنَةِ بِكَانَ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيُّ: كَانَ فِي الْقُرْآنِ عَلَى خَمْسَةِ أَوْجُهٍ:
بِمَعْنَى الْأَزَلِ وَالْأَبَدِ، كَقَوْلِهِ: {وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً} .
بِمَعْنَى الْمُضِيِّ الْمُنْقَطِعِ وَهُوَ الْأَصْلُ فِي مَعْنَاهَا، نَحْوَ: {وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ} .
وَبِمَعْنَى الْحَالِ، نَحْوَ: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} ، {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً} .(2/256)
وَبِمَعْنَى الِاسْتِقْبَالِ، نَحْوَ: {يَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مستطيرا} .
وَبِمَعْنَى صَارَ، نَحْوَ: {وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ} . انْتَهَى.
قُلْتُ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: لَوْ شَاءَ اللَّهُ لَقَالَ: "أَنْتُمْ " فَكُنَّا كُلَّنَا، وَلَكِنْ قَالَ: "كُنْتُمْ " فِي خَاصَّةِ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ.
وَتَرِدُ كَانَ بِمَعْنَى " يَنْبَغِي " نَحْوَ: {مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا} ، {مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا} .
وَبِمَعْنَى حَضَرَ أَوْ وَجَدَ، نَحْوَ: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ} ، {إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً} ، {وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً} .
وَتَرِدُ لِلتَّأْكِيدِ وَهِيَ الزَّائِدَةُ، وَجُعِلَ مِنْهُ: {وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} ، أي بما يعملون.
كَأَنَّ
بِالتَّشْدِيدِ. حَرْفٌ لِلتَّشْبِيهِ الْمُؤَكِّدِ لِأَنَّ الْأَكْثَرَ عَلَى أَنَّهُ مُرَكَّبٌ مِنْ كَافِ التَّشْبِيهِ وَأَنَّ الْمُؤَكِّدَةِ وَالْأَصْلُ فِي كَأَنَّ زَيْدًا أَسَدٌ " أَنَّ زَيْدًا كَأَسَدٍ " قُدِّمَ حَرْفُ التَّشْبِيهِ اهْتِمَامًا بِهِ فَفُتِحَتْ هَمْزَةُ أَنَّ لِدُخُولِ الْجَارِّ.(2/257)
قَالَ حَازِمٌ: وَإِنَّمَا تُسْتَعْمَلُ حَيْثُ يَقْوَى الشَّبَهُ حَتَّى يَكَادَ الرَّائِي يَشُكُّ فِي أَنَّ الْمُشَبَّهَ هُوَ الْمُشَبَّهُ بِهِ أَوْ غَيْرُهُ وَلِذَلِكَ قَالَتْ بلقيس: {كَأَنَّهُ هُوَ} .
قِيلَ: وَتَرِدُ لِلظَّنِّ وَالشَّكِّ فِيمَا إِذَا كَانَ خَبَرُهَا غَيْرَ جَامِدٍ.
وَقَدْ تُخَفَّفُ نَحْوَ: {كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ} .
كَأَيِّنْ
اسْمٌ مُرَكَّبٌ مِنْ كَافِ التَّشْبِيهِ وَأَيٍّ الْمُنَوَّنَةِ لِلتَّكْثِيرِ فِي الْعَدَدِ نَحْوَ: {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ} .
وَفِيهَا لُغَاتٌ مِنْهَا: كَائِنٌ، بِوَزْنِ بَائِعٍ، وَقَرَأَ بِهَا ابْنُ كَثِيرٍ حَيْثُ وَقَعَتْ وَكَأْيٍ بِوَزْنِ كَعْبٍ وقرئ بها {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قُتِلَ} وَهِيَ مَبْنِيَّةٌ لَازِمَةُ الصَّدْرِ مُلَازِمَةٌ لِلْإِبْهَامِ مُفْتَقِرَةٌ لِلتَّمْيِيزِ وَتَمْيِيزُهَا مَجْرُورٌ بمن غَالِبًا وَقَالَ ابْنُ عُصْفُورٍ: لَازِمًا.
كَذَا
لَمْ تَرِدْ فِي الْقُرْآنِ إِلَّا لِلْإِشَارَةِ نَحْوَ: {أَهَكَذَا عَرْشُكِ} .(2/258)
كُلُّ
اسْمٌ مَوْضُوعٌ لِاسْتِغْرَاقِ أَفْرَادِ الْمُنَكَّرِ الْمُضَافِ هُوَ إِلَيْهِ، نَحْوَ: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} .
وَالْمُعَرَّفِ الْمَجْمُوعِ، نَحْوَ: {وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً} ، {كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلاًّ} وأجزاء المفرد المعرف نحو: {طْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ} بِإِضَافَةِ " قَلْبٍ " إِلَى " مُتَكَبِّرٍ " أَيْ عَلَى كُلِّ أَجْزَائِهِ وَقِرَاءَةُ التَّنْوِينِ لِعُمُومِ أَفْرَادِ الْقُلُوبِ.
وَتَرِدُ بِاعْتِبَارِ مَا قَبْلَهَا وَمَا بَعْدَهَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ تَكُونَ نَعْتًا لِنَكِرَةٍ أَوْ مَعْرِفَةٍ فَتَدُلُّ عَلَى كَمَالِهِ وَتَجِبُ إِضَافَتُهَا إِلَى اسْمٍ ظَاهِرٍ يُمَاثِلُهُ لَفْظًا وَمَعْنًى نَحْوَ: {وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ} أَيْ بَسْطًا كُلَّ الْبَسْطِ أَيْ تَامًّا، {فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ} .
ثَانِيهَا: أَنْ تَكُونَ تَوْكِيدًا لِمَعْرِفَةٍ فَفَائِدَتُهَا الْعُمُومُ وَتَجِبُ إِضَافَتُهَا إِلَى ضَمِيرٍ رَاجِعٍ لِلْمُؤَكَّدِ نَحْوَ: {فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ} وَأَجَازَ الْفَرَّاءُ وَالزَّمَخْشَرِيُّ قَطْعَهَا حِينَئِذٍ عَنِ الْإِضَافَةِ لَفْظًا وَخُرِّجَ عَلَيْهِ قِرَاءَةُ بَعْضِهِمْ: "إِنَّا كُلاًّ فِيهَا ".
ثالثها: ألا تَكُونُ تَابِعَةً بَلْ تَالِيَةً لِلْعَوَامِلِ فَتَقَعُ مُضَافَةً إِلَى الظَّاهِرِ وَغَيْرَ(2/259)
مُضَافَةٍ، نَحْوَ: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} ، {وَكُلّاً ضَرَبْنَا لَهُ الأَمْثَالَ} .
وَحَيْثُ أُضِيفَتْ إِلَى مُنَكَّرٍ وَجَبَ فِي ضَمِيرِهَا مُرَاعَاةُ مَعْنَاهَا نَحْوَ: {وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ} ، {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ} ، {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} ، {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} ، {وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ} .
أَوْ إِلَى مُعَرَّفٍ جَازَ مُرَاعَاةُ لَفْظِهَا فِي الْإِفْرَادِ وَالتَّذْكِيرِ وَمُرَاعَاةُ مَعْنَاهَا وَقَدِ اجْتَمَعَا فِي قَوْلِهِ: {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً} .
أَوْ قُطِعَتْ فَكَذَلِكَ، نَحْوَ: {قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ} ، {فَكُلّاً أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ} ، {وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ} ، {وَكُلٌّ كَانُوا ظَالِمِينَ} .
وَحَيْثُ وَقَعَتْ فِي حَيِّزِ النَّفْيِ بِأَنْ تَقَدَّمَتْ عَلَيْهَا أَدَاتُهُ أَوِ الْفِعْلُ الْمَنْفِيُّ فَالنَّفْيُ مُوَجَّهٌ إِلَى الشُّمُولِ خَاصَّةً وَيُفِيدُ بِمَفْهُومِهِ إِثْبَاتُ الْفِعْلِ لِبَعْضِ الْأَفْرَادِ.
وَإِنْ وَقَعَ النَّفْيُ فِي خَبَرِهَا فَهُوَ مُوَجَّهٌ إِلَى كُلِّ فَرْدٍ هَكَذَا ذَكَرَهُ الْبَيَانِيُّونَ.
وَقَدْ أَشْكَلَ عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ قَوْلُهُ: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} إِذْ يَقْتَضِي إِثْبَاتَ الْحُبِّ لِمَنْ فِيهِ أَحَدُ الْوَصْفَيْنِ(2/260)
وَأُجِيبُ بِأَنَّ دَلَالَةَ الْمَفْهُومِ إِنَّمَا يُعَوَّلُ عَلَيْهَا عِنْدَ عَدَمِ الْمُعَارِضِ وَهُوَ هُنَا مَوْجُودٌ إِذْ دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى تَحْرِيمِ الِاخْتِيَالِ وَالْفَخْرِ مُطْلَقًا.
مَسْأَلَةٌ
تَتَّصِلُ " مَا " بِكُلٍّ، نَحْوَ: {كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً} ، وَهِيَ مَصْدَرِيَّةٌ وَلَكِنَّهَا نَابَتْ بِصِلَتِهَا عَنْ ظَرْفِ زَمَانٍ كَمَا يَنُوبُ عَنْهُ الْمَصْدَرُ الصَّرِيحُ وَالْمَعْنَى: كُلَّ وَقْتٍ وَلِهَذَا تُسَمَّى " مَا " هَذِهِ الْمَصْدَرِيَّةَ الظَّرْفِيَّةَ أَيِ النَّائِبَةَ عَنِ الظَّرْفِ لَا أَنَّهَا ظَرْفٌ فِي نَفْسِهَا فَكُلٌّ مِنْ " كُلَّمَا " مَنْصُوبٌ عَلَى الظَّرْفِ لِإِضَافَتِهِ إِلَى شَيْءٍ هُوَ قَائِمٌ مَقَامَهُ وَنَاصِبُهُ الْفِعْلُ الَّذِي هُوَ جَوَابٌ فِي الْمَعْنَى: وَقَدْ ذَكَرَ الْفُقَهَاءُ وَالْأُصُولِيُّونَ أَنَّ " كُلَّمَا " لِلتَّكْرَارِ.
قَالَ أَبُو حَيَّانَ وَإِنَّمَا ذَلِكَ مِنْ عُمُومِ مَا لِأَنَّ الظَّرْفِيَّةَ مُرَادٌ بِهَا الْعُمُومُ وكل أكدته.
كِلَا وَكِلْتَا
اسْمَانِ مُفْرَدَانِ لَفْظًا مُثَنَّيَانِ مَعْنًى، مُضَافَانِ أَبَدًا لَفْظًا وَمَعْنًى إِلَى كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ مُعَرَّفَةٍ دَالَّةٍ عَلَى اثْنَيْنِ. قَالَ الرَّاغِبُ: وَهُمَا فِي التَّثْنِيَةِ كَكُلٍّ فِي الْجَمْعِ، قَالَ تَعَالَى: {كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ} ، {أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا} .
كَلَّا
مُرَكَّبَةٌ عِنْدَ ثَعْلَبٍ مِنْ كَافِ التَّشْبِيهِ ولا الثانية شُدِّدَتْ لَامُهَا لِتَقْوِيَةِ الْمَعْنَى وَلِدَفْعِ تَوَهُّمِ بَقَاءِ مَعْنَى الْكَلِمَتَيْنِ.(2/261)
وَقَالَ غَيْرُهُ: بَسِيطَةٌ فَقَالَ سِيبَوَيْهِ وَالْأَكْثَرُونَ: حَرْفٌ مَعْنَاهُ الرَّدْعُ وَالزَّجْرُ لَا مَعْنَى لَهَا عِنْدَهُمْ إِلَّا ذَلِكَ حَتَّى إِنَّهُمْ يُجِيزُونَ أَبَدًا الْوَقْفَ عَلَيْهَا وَالِابْتِدَاءَ بِمَا بَعْدَهَا وَحَتَّى قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ: مَتَى سَمِعْتَ كَلَّا فِي سُورَةٍ فَاحْكُمْ بِأَنَّهَا مَكِّيَّةٌ لِأَنَّ فِيهَا مَعْنَى التَّهْدِيدِ وَالْوَعِيدِ وَأَكْثَرُ مَا نُزِّلَ ذَلِكَ بِمَكَّةَ لِأَنَّ أَكْثَرَ الْعُتُوِّ كَانَ بِهَا.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ لَا يَظْهَرُ مَعْنَى الزَّجْرِ فِي نَحْوِ: {مَا شَاءَ رَكَّبَكَ كَلَّا} ، {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ كَلَّا} ، {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ كَلَّا} ، وَقَوْلُهُمْ: انْتَهِ عَنْ تَرْكِ الْإِيمَانِ بِالتَّصْوِيرِ فِي أَيِّ صُورَةٍ شَاءَ اللَّهُ وَبِالْبَعْثِ وَعَنِ الْعَجَلَةِ بِالْقُرْآنِ تَعَسُّفٌ إِذْ لَمْ تَتَقَدَّمْ فِي الأولين حِكَايَةُ نَفْيِ ذَلِكَ عَنْ أَحَدٍ وَلِطُولِ الْفَصْلِ فِي الثَّالِثَةِ بَيْنَ كَلَّا وَذِكْرِ الْعَجَلَةِ وَأَيْضًا فَإِنَّ أَوَّلَ مَا نَزَلْ خَمْسُ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ الْعَلَقِ ثُمَّ نَزَلَ: {كَلَّا إِنَّ الْأِنْسَانَ لَيَطْغَى} فَجَاءَتْ فِي افْتِتَاحِ الْكَلَامِ.
وَرَأَى آخَرُونَ أَنَّ مَعْنَى الرَّدْعِ وَالزَّجْرِ لَيْسَ مُسْتَمِرًّا فِيهَا فَزَادُوا مَعْنًى ثَانِيًا يَصِحُّ عَلَيْهِ أَنْ يُوقَفَ دُونَهَا ويبتدأ بهاء.
ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي تَعْيِينِ ذَلِكَ الْمَعْنَى. فَقَالَ الْكِسَائِيُّ: تَكُونُ بِمَعْنَى حَقًّا. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: بِمَعْنَى أَلَا الِاسْتِفْتَاحِيَّةِ، قَالَ أَبُو حَيَّانَ: وَلَمْ يَسْبِقْهُ إِلَى ذَلِكَ أَحَدٌ وَتَابَعَهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمُ الزَّجَّاجُ. وَقَالَ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ: حَرْفُ جَوَابٍ بِمَنْزِلَةِ أَيْ وَنَعَمْ وَحَمَلُوا عَلَيْهِ: {كَلَّا وَالْقَمَرِ} . وَقَالَ الْفَرَّاءُ وَابْنُ سَعْدَانَ: بِمَعْنَى سَوْفَ وَحَكَاهُ أَبُو حَيَّانَ فِي تَذْكِرَتِهِ.(2/262)
قَالَ مَكِّيٌّ: وَإِذَا كَانَ بِمَعْنَى حَقًّا فَهِيَ اسْمٌ وَقُرِئَ: {كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ} بِالتَّنْوِينِ وَوُجِّهَ بِأَنَّهُ مَصْدَرُ كَلَّ إِذَا أَعْيَا أَيْ كَلُّوا فِي دَعْوَاهُمْ وَانْقَطَعُوا أَوْ مِنَ الْكَلِّ وَهُوَ الثِّقَلُ أَيْ حَمَلُوا كَلًّا.
وَجَوَّزَ الزَّمَخْشَرِيُّ كَوْنَهُ حَرْفَ رَدْعٍ نُوِّنَ كَمَا فِي: {سَلاسِلا} .
وَرَدَّهُ أَبُو حَيَّانَ بِأَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا صَحَّ في: {سَلاسِلا} لأن اسْمٌ أَصْلُهُ التَّنْوِينُ فَرَجَعَ بِهِ إِلَى أَصْلِهِ لِلتَّنَاسُبِ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَلَيْسَ التَّوْجِيهُ مُنْحَصِرًا عِنْدَ الزَّمَخْشَرِيِّ فِي ذَلِكَ بَلْ جَوَّزَ كَوْنَ التَّنْوِينِ بَدَلًا مِنْ حَرْفِ الْإِطْلَاقِ الْمَزِيدِ فِي رَأْسِ الْآيَةِ ثُمَّ أَنَّهُ وُصِلَ بِنِيَّةِ الْوَقْفِ.
كَمْ
اسْمٌ مَبْنِيٌّ لَازِمُ الصَّدْرِ مُبْهَمٌ مُفْتَقِرٌ إِلَى التَّمْيِيزِ وَتَرِدُ اسْتِفْهَامِيَّةً - وَلَمْ تَقَعْ فِي الْقُرْآنِ - وَخَبَرِيَّةً بِمَعْنَى كَثِيرٍ.
وَإِنَّمَا تَقَعُ غَالِبًا فِي مَقَامِ الِافْتِخَارِ وَالْمُبَاهَاةِ، نَحْوَ: {وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ} ، {وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا} ، {وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ} .
وَعَنِ الْكِسَائِيِّ أَنَّ أَصْلَهَا " كَمَا " فَحُذِفَتِ الْأَلِفُ مِثْلَ بِمَ وَلِمَ وَحَكَاهُ الزَّجَّاجُ. وَرَدَّهُ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَكَانَتْ مَفْتُوحَةَ الْمِيمِ.(2/263)
كَيْ
حَرْفٌ لَهُ مَعْنَيَانِ:
أَحَدُهُمَا: التَّعْلِيلُ نَحْوَ: {كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ} .
وَالثَّانِي: مَعْنَى أَنِ الْمَصْدَرِيَّةِ نَحْوَ: {لِكَيْلا تَأْسَوْا} لِصِحَّةِ حُلُولِ أَنْ مَحَلَّهَا وَلِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ حَرْفَ تَعْلِيلٍ لَمْ يَدْخُلْ عَلَيْهَا حَرْفُ تَعْلِيلٍ.
كَيْفَ
اسْمٌ يَرِدُ عَلَى وَجْهَيْنِ:
الشَّرْطُ، وَخُرِّجَ عَلَيْهِ: {يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ} ، {يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ} ، {فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ} .
وَجَوَابُهَا فِي ذَلِكَ كُلِّهِ مَحْذُوفٌ لِدَلَالَةِ مَا قَبْلَهَا.
وَالِاسْتِفْهَامُ وَهُوَ الْغَالِبُ وَيُسْتَفْهَمُ بِهَا عَنْ حَالِ الشَّيْءِ لَا عَنْ ذَاتِهِ.
قَالَ الرَّاغِبُ: وَإِنَّمَا يُسْأَلُ بِهَا عَمَّا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ فِيهِ شَبِيهٌ وَغَيْرُ شَبِيهٍ وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ فِي اللَّهِ: كَيْفَ. قَالَ: وَكُلَّمَا أَخْبَرَ اللَّهُ بِلَفْظِ " كَيْفَ " عَنْ نَفْسِهِ فَهُوَ اسْتِخْبَارٌ عَلَى طَرِيقِ التَّنْبِيهِ لِلْمُخَاطَبِ أَوِ التَّوْبِيخِ، نحو: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ} ، {كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْماً} .(2/264)
اللَّامُ
أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ: جَارَّةٌ، وَنَاصِبَةٌ، وَجَازِمَةٌ، وَمُهْمَلَةٌ، غَيْرُ عَامِلَةٍ.
فَالْجَارَّةُ مَكْسُورَةٌ مَعَ الظَّاهِرِ: وَأَمَّا قِرَاءَةُ بَعْضِهِمْ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ} فَالضَّمَّةُ عَارِضَةٌ لِلْإِتْبَاعِ مفتوحة مع المضمر إِلَّا الْيَاءَ. وَلَهَا مَعَانٍ:
الِاسْتِحْقَاقُ: وَهِيَ الْوَاقِعَةُ بَيْنَ مَعْنًى وَذَاتٍ، نَحْوَ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ} ، {لِلَّهِ الأَمْرُ} ، {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ} ، {لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ} .
وَالِاخْتِصَاصُ: نَحْوَ: {إِنَّ لَهُ أَباً} ، {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ} .
وَالْمِلْكُ: نَحْوَ: {لَهُ ماَ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ} .
وَالتَّعْلِيلُ: نَحْوَ: {وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ} ، أَيْ وَإِنَّهُ مِنْ أَجْلِ حُبِّ الْمَالِ لَبَخِيلٌ، {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ} الْآيَةُ، فِي قِرَاءَةِ حَمْزَةَ أَيْ لِأَجْلِ إِيتَائِي إِيَّاكُمْ بَعْضَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ ثُمَّ لِمَجِيءِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ} ، فما مَصْدَرِيَّةٌ وَاللَّامُ تَعْلِيلِيَّةٌ وَقَوْلُهُ: {لِإِيلافِ قُرَيْشٍ} وتعلقها بـ" يعبدوا ".
وقيل: بما قبلها أَيْ {فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ لِإِيلافِ قُرَيْشٍ} وَرُجِّحَ بِأَنَّهُمَا فِي مُصْحَفِ أُبَيٍّ سُورَةٌ وَاحِدَةٌ(2/265)
وَمُوَافَقَةُ " إِلَى " نَحْوَ: {بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا} ، {كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمّىً} .
وَ" عَلَى " نَحْوَ: {وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ} ، {دَعَانَا لِجَنْبِهِ} ، {وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ} ، {وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} ، {لَهُمُ اللَّعْنَةُ} أَيْ عَلَيْهِمْ، كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ.
وَ" فِي " نَحْوَ: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} ، {لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ} ، {يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي} ، أَيْ فِي حَيَاتِي. وَقِيلَ: هِيَ فِيهَا لِلتَّعْلِيلِ، أَيْ لِأَجْلِ حَيَاتِي فِي الْآخِرَةِ.
وَ" عِنْدَ " كَقِرَاءَةِ الْجَحْدَرِيِّ: {بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ} .
وَ" بَعْدَ " نَحْوَ: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} .
وَ" عَنْ " نَحْوَ: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْراً مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ} أَيْ عَنْهُمْ وَفِي حَقِّهِمْ لَا أَنَّهُمْ خَاطَبُوا بِهِ الْمُؤْمِنِينَ وَإِلَّا لَقِيلَ: "مَا سَبَقْتُمُونَا ".
وَالتَّبْلِيغُ: وَهِيَ الْجَارَّةُ لِاسْمِ السَّامِعِ لِقَوْلٍ أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ كَالْإِذْنِ.
وَالصَّيْرُورَةُ: وَتُسَمَّى لَامَ الْعَاقِبَةِ، نَحْوَ: {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ(2/266)
عَدُوّاً وَحَزَناً} ، فَهَذَا عَاقِبَةُ الْتِقَاطِهِمْ لَا عِلَّتُهُ إِذْ هِيَ التبني ومنع قول ذَلِكَ وَقَالُوا: هِيَ لِلتَّعْلِيلِ مَجَازًا لِأَنَّ كَوْنَهُ عَدُوًّا لَمَّا كَانَ نَاشِئًا عَنِ الِالْتِقَاطِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ غَرَضًا لَهُمْ - نُزِّلَ مَنْزِلَةَ الْغَرَضِ عَلَى طَرِيقِ الْمَجَازِ.
وَقَالَ أَبُو حَيَّانَ: الَّذِي عِنْدِي أَنَّهَا لِلتَّعْلِيلِ حَقِيقَةً وَأَنَّهُمُ الْتَقَطُوهُ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَذَلِكَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ تَقْدِيرُهُ: "لِمَخَافَةِ أَنْ يَكُونَ كَقَوْلِهِ: {يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا} أَيْ كَرَاهَةَ أَنْ تَضِلُّوا انْتَهَى.
وَالتَّأْكِيدُ: وَهِيَ الزَّائِدَةُ أَوِ الْمُقَوِّيَةُ لِلْعَامِلِ الضَّعِيفِ لِفَرْعِيَّةٍ أَوْ تَأْخِيرٍ نحو: {رَدِفَ لَكُمْ} ، {يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ} ، {وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ} ، {فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} ، {إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيا تَعْبُرُونَ} ، {وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ} .
وَالتَّبْيِينُ لِلْفَاعِلِ أَوِ الْمَفْعُولِ، نَحْوَ: {فَتَعْساً لَهُمْ} ، {هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ} ، {هَيْتَ لَكَ} .
وَالنَّاصِبَةُ هِيَ لَامُ التَّعْلِيلِ، وَادَّعَى الكوفيون نصبها وَقَالَ غَيْرُهُمْ بِأَنْ مَقْدَّرَةٍ فِي مَحَلِّ جَرٍّ بِاللَّامِ.
وَالْجَازِمَةُ وَهِيَ لَامُ الطَّلَبِ وَحَرَكَتُهَا الْكَسْرُ وَسُلَيْمٌ تَفْتَحُهَا وَإِسْكَانُهَا بَعْدَ الْوَاوِ وَالْفَاءِ أَكْثَرُ مِنْ تَحْرِيكِهَا، نَحْوَ: {فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي} .(2/267)
وَقَدْ تُسَكَّنُ بَعْدَ ثُمَّ نَحْوَ: {ثُمَّ لْيَقْضُوا} ، وَسَوَاءٌ كَانَ الطَّلَبُ أَمْرًا نَحْوَ: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ} أَوْ دُعَاءً نَحْوَ: {لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} .
وَكَذَا لَوْ خَرَجَتْ إِلَى الْخَبَرِ نَحْوَ: {فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ} ، {وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ} .
أَوِ التَّهْدِيدِ نَحْوَ: {وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} .
وَجَزْمُهَا فِعْلَ الْغَائِبِ كَثِيرٌ، نَحْوَ: {فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ} وَفِعْلَ الْمُخَاطَبِ قَلِيلٌ وَمِنْهُ: {فَبِذَلِكَ فَلْتَفْرَحُوا} فِي قِرَاءَةِ التَّاءِ وَفِعْلَ الْمُتَكَلِّمِ أَقَلُّ وَمِنْهُ: {وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ} وَغَيْرُ الْعَامِلَةِ: أَرْبَعٌ:
لَامُ الِابْتِدَاءِ وَفَائِدَتُهَا أَمْرَانِ تَوْكِيدُ مَضْمُونِ الْجُمْلَةِ وَلِهَذَا زَحْلَقُوهَا فِي بَابِ إِنَّ عَنْ صَدْرِ الْجُمْلَةِ كَرَاهَةَ تَوَالِي مُؤَكِّدَيْنِ وَتَخْلِيصَ الْمُضَارِعِ لِلْحَالِ وَتَدْخُلُ فِي الْمُبْتَدَإِ نَحْوَ: {لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً} .
وَفِي خَبَرِ إِنَّ نَحْوَ: {إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ} ، {وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ} ، {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} وَاسْمِهَا الْمُؤَخَّرِ نَحْوَ: {إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى وَإِنَّ لَنَا لَلْآخِرَةَ وَالأُولَى}(2/268)
وَاللَّامُ الزَّائِدَةُ فِي خَبَرِ " أَنَّ " الْمَفْتُوحَةِ كَقِرَاءَةِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: {إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ} والمفعول كَقَوْلِهِ: {يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ} وَلَامُ الْجَوَابِ لِلْقَسَمِ أَوْ " لَوْ " أَوْ " لَوْلَا " نَحْوَ: {تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ} ، {وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ} ، {لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا} ، {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ} وَاللَّامُ الْمُوَطِّئَةُ وَتُسَمَّى الْمُؤْذِنَةُ وَهِيَ الدَّاخِلَةُ عَلَى أَدَاةِ شَرْطٍ لِلْإِيذَانِ بأن الجواب بعدها مَبْنِيٌّ عَلَى قَسَمٍ مُقَدَّرٍ نَحْوَ: {لَئِنْ أُخْرِجُوا لَا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لَا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الأَدْبَارَ} وَخُرِّجَ عَلَيْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: {لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ} .
لَا
عَلَى أَوْجُهٍ:
الْوَجْهُ الْأَوَّلُ: أَنْ تَكُونَ نَافِيَةً وَهِيَ أَنْوَاعٌ:
أَحَدُهَا أَنْ تَعْمَلَ عَمَلَ " إِنَّ " وذلك إذا أريد بها نفس الْجِنْسِ عَلَى سَبِيلِ التَّنْصِيصِ وَتُسَمَّى حِينَئِذٍ تَبْرِئَةً وَإِنَّمَا يَظْهَرُ نَصْبُهَا إِذَا كَانَ اسْمُهَا مُضَافًا أَوْ شِبْهَهُ وَإِلَّا فَيُرَكَّبُ مَعَهَا نَحْوَ: {لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} ، {لا رَيْبَ فِيهِ} .(2/269)
فَإِنْ تَكَرَّرَتْ جَازَ التَّرْكِيبُ وَالرَّفْعُ نَحْوَ: {فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ ولا جدال} {لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ} {لَا لَغْوٌ فِيهَا وَلَا تَأْثِيمٌ} .
ثَانِيهَا: أَنْ تَعْمَلَ عَمَلَ لَيْسَ نَحْوَ: {وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} .
ثَالِثُهَا وَرَابِعُهَا: أَنْ تَكُونَ عَاطِفَةً أَوْ جَوَابِيَّةً وَلَمْ يَقَعَا فِي الْقُرْآنِ.
خَامِسُهَا: أَنْ تَكُونَ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ مَا بَعْدَهَا جُمْلَةً اسْمِيَّةً صَدْرُهَا مَعْرِفَةٌ أَوْ نَكِرَةٌ وَلَمْ تَعْمَلْ فِيهَا أَوْ فِعْلًا مَاضِيًا لَفْظًا أَوْ تَقْدِيرًا وَجَبَ تَكْرَارُهَا نَحْوَ: {لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ} {لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ} {لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ} .
أَوْ مُضَارِعًا لَمْ يَجِبْ نَحْوَ: {لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ} {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً} وَتَعْتَرِضُ لَا هَذِهِ بَيْنَ النَّاصِبِ وَالْمَنْصُوبِ نَحْوَ: {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ} وَالْجَازِمِ وَالْمَجْزُومِ نَحْوَ: {إِلَّا تَفْعَلُوهُ} .
الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ تَكُونَ لِطَلَبِ التَّرْكِ فَتَخْتَصُّ بِالْمُضَارِعِ وَتَقْتَضِي جَزْمَهُ وَاسْتِقْبَالَهُ سَوَاءٌ كَانَ نَهْيًا نَحْوَ: {لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي} ،(2/270)
{لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ} {وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إ} أَوْ دُعَاءً نَحْوَ: {لَا تُؤَاخِذْنَا} .
الْوَجْهُ الثَّالِثُ: التَّأْكِيدُ وَهِيَ الزَّائِدَةُ نَحْوَ: {مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ} {مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا أَلَّا تَتَّبِعَنِ} {لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ} أَيْ لِيَعْلَمُوا. قَالَ ابْنُ جِنِّي: لَا هُنَا مُؤَكِّدَةٌ قَائِمَةٌ مَقَامَ إِعَادَةِ الْجُمْلَةِ مَرَّةً أُخْرَى، وَاخْتُلِفَ فِي قَوْلِهِ: {لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} فَقِيلَ: زَائِدَةٌ وَفَائِدَتُهَا مَعَ التَّوْكِيدِ التَّمْهِيدُ لِنَفْيِ الْجَوَابِ وَالتَّقْدِيرُ: "لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا يُتْرَكُونَ سُدًى " وَمِثْلُهُ: {فَلا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ} وَيُؤَيِّدُهُ قِرَاءَةُ لَأُقْسِمُ وَقِيلَ: نَافِيَةٌ لِمَا تَقَدَّمَ عِنْدَهُمْ مِنْ إِنْكَارِ الْبَعْثِ فَقِيلَ: لَهُمْ لَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ ثُمَّ اسْتُؤْنِفَ الْقَسَمُ قَالُوا: وَإِنَّمَا صَحَّ ذَلِكَ لِأَنَّ الْقُرْآنَ كُلَّهُ كَالسُّورَةِ الْوَاحِدَةِ وَلِهَذَا يُذْكَرُ الشَّيْءُ فِي سُورَةٍ وَجَوَابُهُ فِي سورة نحو: {وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ} ، {مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ} .
وقيل: منفيتها أُقْسِمُ عَلَى أَنَّهُ إِخْبَارٌ لَا إِنْشَاءٌ وَاخْتَارَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ قَالَ: وَالْمَعْنَى نَفْيُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يُقْسِمُ بِالشَّيْءِ إِلَّا إِعْظَامًا لَهُ بِدَلِيلِ: {فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ(2/271)
النُّجُومِ وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ} فَكَأَنَّهُ قِيلَ: إِنَّ إِعْظَامَهُ بِالْإِقْسَامِ بِهِ كَلَا إِعْظَامٍ أَيْ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ إِعْظَامًا فَوْقَ ذَلِكَ.
وَاخْتُلِفَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا} فَقِيلَ: لَا نَافِيَةٌ وَقِيلَ: نَاهِيَةٌ وَقِيلَ: زَائِدَةٌ. وَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ} فَقِيلَ: زَائِدَةٌ وَقِيلَ: نَافِيَةٌ وَالْمَعْنَى يَمْتَنِعُ عَدَمُ رُجُوعِهِمْ إِلَى الْآخِرَةِ.
تَنْبِيهٌ
تَرِدُ " لَا " اسْمًا بِمَعْنَى غَيْرٍ فَيَظْهَرُ إِعْرَابُهَا فِيمَا بَعْدَهَا نَحْوَ: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} ، {لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ} ، {لا فَارِضٌ وَلا بِكْرٌ} .
فَائِدَةٌ
قَدْ تُحْذَفُ أَلِفُهَا وَخَرَّجَ عَلَيْهِ ابْنُ جِنِّي: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} .
لَاتَ
اخْتُلِفَ فِيهَا فَقَالَ قَوْمٌ: فِعْلٌ مَاضٍ بِمَعْنَى نَقْصٍ. وَقِيلَ: أَصْلُهَا لَيْسَ تَحَرَّكَتِ الْيَاءُ فَقُلِبَتْ أَلِفًا لِانْفِتَاحِ مَا قَبْلَهَا وَأُبْدِلَتِ السِّينُ تَاءً وَقِيلَ هِيَ كَلِمَتَانِ لَا النَّافِيَةُ زِيدَتْ عَلَيْهَا التَّاءُ لِتَأْنِيثِ الْكَلِمَةِ وَحُرِّكَتْ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ،(2/272)
وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ. وَقِيلَ: هِيَ لَا النَّافِيَةُ وَالتَّاءُ زَائِدَةٌ فِي أَوَّلِ الْحِينِ وَاسْتَدَلَّ لَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ بِأَنَّهُ وَجَدَهَا فِي مُصْحَفِ عُثْمَانَ مُخْتَلِطَةً بِحِينٍ فِي الْخَطِّ.
وَاخْتُلِفَ فِي عَمَلِهَا، فَقَالَ الْأَخْفَشُ: لَا تَعْمَلُ شَيْئًا فَإِنْ تَلَاهَا مَرْفُوعٌ فَمُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ أَوْ مَنْصُوبٌ فَبِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلاتَ حِينَ مَنَاصٍ} بِالرَّفْعِ أَيْ كَائِنٌ لَهُمْ وَبِالنَّصْبِ أَيْ لَا أَرَى حِينَ مَنَاصٍ. وَقِيلَ: تَعْمَلُ عَمَلَ إِنَّ.
وَقَالَ الْجُمْهُورُ: تَعْمَلُ عَمَلَ لَيْسَ وَعَلَى كُلِّ قَوْلٍ لَا يُذْكَرُ بَعْدَهَا إِلَّا أَحَدُ الْمَعْمُولَيْنِ وَلَا تَعْمَلُ إِلَّا فِي لَفْظِ الْحِينِ قِيلَ: أَوْ مَا رَادَفَهُ قَالَ الْفَرَّاءُ: وَقَدْ تُسْتَعْمَلُ حَرْفَ جَرٍّ لِأَسْمَاءِ الزَّمَانِ خَاصَّةً وَخَرَّجَ عَلَيْهَا قَوْلَهُ: {وَلاتَ حِينِ} بِالْجَرِّ.
لَا جَرَمَ
وَرَدَتْ فِي الْقُرْآنِ فِي خَمْسَةِ مَوَاضِعَ مَتْلُوَّةٍ بِأَنْ وَاسْمِهَا، وَلَمْ يجيء بَعْدَهَا فِعْلٌ وَاخْتُلِفَ فِيهَا فَقِيلَ: لَا نَافِيَةٌ لما تقدم وجرم فعل معناه حق وأن مَعَ مَا فِي حَيِّزِهِ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ.
وَقِيلَ: زَائِدَةٌ وَجَرَمَ مَعْنَاهُ كَسَبَ أَيْ كَسَبَ لَهُمْ عَمَلُهُمُ النَّدَامَةَ وَمَا فِي حَيِّزِهَا فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ.(2/273)
وَقِيلَ: هُمَا كَلِمَتَانِ رُكِّبَتَا وَصَارَ مَعْنَاهُمَا حَقًّا.
وَقِيلَ: مَعْنَاهُمَا لَا بُدَّ وَمَا بَعْدَهَا فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِإِسْقَاطِ حَرْفِ الْجَرِّ.
لَكِنَّ
مُشَدَّدَةُ النُّونِ: حَرْفٌ يَنْصِبُ الِاسْمَ وَيَرْفَعُ الْخَبَرَ وَمَعْنَاهُ الِاسْتِدْرَاكُ وَفُسِّرَ بِأَنْ تَنْسُبَ لِمَا بَعْدَهَا حُكْمًا مُخَالِفًا لِحُكْمِ مَا قَبْلَهَا وَلِذَلِكَ لَا بُدَّ أَنْ يَتَقَدَّمَهَا كَلَامٌ مُخَالِفٌ لِمَا بَعْدَهَا أَوْ مُنَاقِضٌ لَهُ، نَحْوَ: {وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا} .
وَقَدْ تَرِدُ لِلتَّوْكِيدِ مُجَرَّدًا عَنِ الِاسْتِدْرَاكِ قَالَهُ صَاحِبُ الْبَسِيطِ، وَفُسِّرَ الِاسْتِدْرَاكُ بِرَفْعِ مَا تُوُهِّمَ ثُبُوتُهُ نَحْوَ مَا زَيْدٌ شُجَاعًا لَكِنَّهُ كَرِيمٌ لِأَنَّ الشَّجَاعَةَ وَالْكَرَمَ لَا يَكَادَانِ يَفْتَرِقَانِ فَنَفْيُ أَحَدِهِمَا يُوهِمُ نَفْيَ الْآخَرِ.
وَمِثْلُ التَّوْكِيدِ بِنَحْوِ: لَوْ جَاءَنِي أَكْرَمْتُهُ لَكِنَّهُ لَمْ يجيء فَأَكَّدَتْ مَا أَفَادَتْهُ " لَوْ " مِنَ الِامْتِنَاعِ.
وَاخْتَارَ ابْنُ عُصْفُورٍ أَنَّهَا لَهُمَا مَعًا، وَهُوَ الْمُخْتَارُ، كَمَا أن كأن للتشبيه لمؤكد وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّهَا مُرَكَّبَةٌ مِنْ " لَكِنْ أَنَّ " فَطُرِحَتِ الْهَمْزَةُ لِلتَّخْفِيفِ وَنُوِّنَ " لَكِنْ " لِلسَّاكِنَيْنِ.(2/274)
لَكِنْ
مُخَفَّفَةٌ ضَرْبَانِ:
أَحَدُهُمَا: مُخَفَّفَةٌ مِنَ الثَّقِيلَةِ وَهِيَ حَرْفُ ابْتِدَاءٍ لَا يَعْمَلُ بَلْ لِمُجَرَّدِ إِفَادَةِ الِاسْتِدْرَاكِ وَلَيْسَتْ عَاطِفَةً لِاقْتِرَانِهَا بِالْعَاطِفِ فِي قَوْلِهِ: {وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ} .
وَالثَّانِي: عَاطِفَةٌ إِذَا تَلَاهَا مُفْرَدٌ وَهِيَ أَيْضًا لِلِاسْتِدْرَاكِ نَحْوَ: {لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ} ، {لَكِنِ الرَّسُولُ} ، {لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ} .
لَدَى وَلَدُنْ
تَقَدَّمَتَا فِي عِنْدَ.
لَعَلَّ
حَرْفٌ يَنْصِبُ الِاسْمَ وَيَرْفَعُ الْخَبَرَ وَلَهُ مَعَانٍ:
أَشْهَرُهَا: التَّوَقُّعُ وَهُوَ التَّرَجِّي فِي الْمَحْبُوبِ، نَحْوَ: {لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} .
وَالْإِشْفَاقُ فِي الْمَكْرُوهِ، نَحْوَ: {لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ} ، وَذَكَرَ التَّنُوخِيُّ أَنَّهَا تُفِيدُ تَأْكِيدَ ذَلِكَ.
الثَّانِي: التَّعْلِيلُ، وَخُرِّجَ عَلَيْهِ: {فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} .(2/275)
الثَّالِثُ: الِاسْتِفْهَامُ، وَخُرِّجَ عَلَيْهِ: {لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً} ، {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى} ، وَلِذَا عَلَّقَ " تَدْرِي ".
قَالَ فِي الْبُرْهَانِ: وَحَكَى الْبَغَوَيُّ عَنِ الْوَاقِدِيِّ أَنَّ جَمِيعَ مَا فِي الْقُرْآنِ مِنْ " لَعَلَّ " فَإِنَّهَا لِلتَّعْلِيلِ إِلَّا قَوْلَهُ: {لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ} فَإِنَّهَا لِلتَّشْبِيهِ، قَالَ: وَكَوْنُهَا لِلتَّشْبِيهِ غَرِيبٌ لَمْ يَذْكُرْهُ النُّحَاةُ، وَوَقَعَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ فِي قَوْلِهِ: {لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ} أَنَّ لَعَلَّ لِلتَّشْبِيهِ وَذَكَرَ غَيْرُهُ أَنَّهُ لِلرَّجَاءِ الْمَحْضِ وَهُوَ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِمْ. انْتَهَى.
قُلْتُ: أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ السُّدِّيِّ عَنْ أَبِي مَالِكٍ قَالَ: "لَعَلَّكُمْ " فِي الْقُرْآنِ بِمَعْنَى " كَيْ " غَيْرَ آيَةٍ فِي الشُّعَرَاءِ: {لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ} يَعْنِي كَأَنَّكُمْ تَخْلُدُونَ.
وَأَخْرَجَ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: كَانَ فِي بَعْضِ الْقِرَاءَةِ: {وتَتَخِّذُونَ مَصَانِعَ كَأَنَّكُمْ خَالِدُونَ} .
لَمْ
حَرْفُ جَزْمٍ لِنَفْيِ الْمُضَارِعِ وَقَلْبِهِ مَاضِيًا نَحْوَ: {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ} وَالنَّصْبُ بِهَا لُغَةٌ حَكَاهَا اللِّحْيَانِيُّ وَخَرَّجَ عَلَيْهَا قِرَاءَةَ: {أَلَمْ نَشْرَحْ} .(2/276)
لَمَّا
عَلَى أَوْجُهٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ تَكُونَ حَرْفَ جَزْمٍ فَتَخْتَصُّ بِالْمُضَارِعِ وَتَنْفِيهِ وَتَقْلِبُهُ مَاضِيًا كَـ" لَمْ " لَكِنْ يَفْتَرِقَانِ مِنْ أَوْجُهٍ أَنَّهَا لَا تَقْتَرِنُ بِأَدَاةِ شَرْطٍ وَنَفْيُهَا مُسْتَمِرٌّ إِلَى الْحَالِ وَقَرِيبٌ مِنْهُ وَمُتَوَقَّعٌ ثُبُوتُهُ قَالَ ابْنُ مَالِكٍ في: {لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ} الْمَعْنَى لَمْ يَذُوقُوهُ وَذَوْقُهُ لَهُمْ مُتَوَقَّعٌ وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي: {وَلَمَّا يَدْخُلِ الْأِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} : مَا فِي لَمَّا مِنْ مَعْنَى التَّوَقُّعِ دَالٌّ عَلَى أَنَّ هَؤُلَاءِ قَدْ آمَنُوا فِيمَا بَعْدُ وَأَنَّ نَفْيَهَا آكَدُ مِنْ نَفْيِ لَمْ فَهِيَ لِنَفْيِ قَدْ فَعَلَ وَلَمْ لِنَفْيِ فَعَلَ وَلِهَذَا قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي الْفَائِقِ تَبَعًا لِابْنِ جِنِّي: إنها مركبة من لم وما وَإِنَّهُمْ لَمَّا زَادُوا فِي الْإِثْبَاتِ " قَدْ " زَادُوا فِي النَّفْيِ " مَا " وَأَنَّ مَنْفِيَ " لَمَّا " جَائِزُ الْحَذْفِ اخْتِيَارًا بِخِلَافِ " لَمْ " وَهِيَ أَحْسَنُ مَا يُخَرَّجُ عَلَيْهِ: {وَإِنَّ كُلّاً لَمَّا} أَيْ لَمَّا يُهْمَلُوا أَوْ يُتْرَكُوا قَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَلَا أَعْرِفُ وَجْهًا فِي الْآيَةِ أَشْبَهَ مِنْ هَذَا وَإِنْ كَانَتِ النُّفُوسُ تَسْتَبْعِدُهُ لِأَنَّ مِثْلَهُ لَمْ يَقَعْ فِي التَّنْزِيلِ، قَالَ: وَالْحَقُّ أَلَّا يُسْتَبْعَدَ وَلَكِنَّ الْأَوْلَى أن يقدر " لما يوفوا أعمالها "، أَيْ إِنَّهُمْ إِلَى الْآنِ لَمْ يُوَفَّوْهَا وَسَيُوَفَّوْنَهَا.
الثَّانِي: أَنْ تَدْخُلَ على الماضي فتقضي جُمْلَتَيْنِ وُجِدَتِ الثَّانِيَةُ عِنْدَ وُجُودِ الْأُولَى نَحْوَ: {فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ} وَيُقَالُ: فِيهَا حَرْفُ وُجُودٍ لِوُجُودٍ. وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّهَا حِينَئِذٍ ظَرْفٌ بِمَعْنَى حِينٍ.
وَقَالَ ابْنُ مَالِكٍ: بِمَعْنَى إِذْ لِأَنَّهَا مُخْتَصَّةٌ بِالْمَاضِي وَبِالْإِضَافَةِ إِلَى الْجُمْلَةِ.(2/277)
وَجَوَابُ هَذِهِ يَكُونُ مَاضِيًا كَمَا تَقَدَّمَ، وَجُمْلَةً اسْمِيَّةً بِالْفَاءِ أَوْ بِإِذَا الْفُجَائِيَّةِ، نَحْوَ: {فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ} ، {فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ} .
وَجَوَّزَ ابْنُ عُصْفُورٍ كَوْنَهُ مُضَارِعًا نَحْوَ: {فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا} وَأَوَّلَهُ غَيْرُهُ بِـ"جَادَلَنَا".
الثَّالِثُ: أَنْ تَكُونَ حَرْفَ اسْتِثْنَاءٍ فَتَدْخُلُ عَلَى الِاسْمِيَّةِ وَالْمَاضِيَّةِ نَحْوَ: {إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ} بِالتَّشْدِيدِ أَيْ "إِلَّا" {وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} .
لَنْ
حَرْفُ نَفْيٍ وَنَصْبٍ وَاسْتِقْبَالٍ وَالنَّفْيُ بِهَا أَبْلَغُ مِنَ النَّفْيِ بِلَا فَهِيَ لِتَأْكِيدِ النَّفْيِ كَمَا ذَكَرَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ وَابْنُ الْخَبَّازِ حَتَّى قَالَ بَعْضُهُمْ: وَإِنْ مَنَعَهُ مُكَابَرَةً فَهِيَ لِنَفْيِ إِنِّي أفعل ولا لِنَفْيِ أَفْعَلُ كَمَا فِي " لَمْ " " ولما ".
قَالَ بَعْضُهُمْ: الْعَرَبُ تَنْفِي الْمَظْنُونَ بِلَنْ وَالْمَشْكُوكَ بِلَا ذَكَرَهُ ابْنُ الزَّمْلَكَانِيِّ فِي التِّبْيَانِ.
وَادَّعَى الزَّمَخْشَرِيُّ أيضا أنها لتأييد النَّفْيِ كَقَوْلِهِ: {لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً} {وَلَنْ تَفْعَلُوا} .(2/278)
وَقَالَ ابْنُ مَالِكٍ: وَحَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ اعْتِقَادُهُ فِي {لَنْ تَرَانِي} ، أَنَّ اللَّهَ لَا يُرَى.
وَرَدَّ غَيْرُهُ بِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ لِلتَّأْبِيدِ لَمْ يُقَيَّدْ مَنْفِيُّهَا بِالْيَوْمِ فِي {فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيّاً} ، وَلَمْ يَصِحَّ التَّوْقِيتُ فِي {لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى} وَلَكَانَ ذِكْرُ " الْأَبَدِ " فِي {وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً} تَكْرَارًا وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ وَاسْتِفَادَةُ التَّأْبِيدِ فِي {لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً} وَنَحْوِهِ مِنْ خَارِجٍ.
وَوَافَقَهُ عَلَى إِفَادَةِ التَّأْبِيدِ ابْنُ عَطِيَّةَ وَقَالَ فِي قَوْلِهِ: {لَنْ تَرَانِي} لَوْ بَقِينَا عَلَى هَذَا النَّفْيِ لَتَضَمَّنَ أَنَّ مُوسَى لَا يَرَاهُ أَبَدًا وَلَا فِي الْآخِرَةِ لَكِنْ ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ الْمُتَوَاتِرِ أَنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ يَرَوْنَهُ.
وَعَكَسَ ابْنُ الزَّمْلَكَانِيِّ مَقَالَةَ الزَّمَخْشَرِيِّ فَقَالَ: إِنَّ لَنْ لِنَفْيِ مَا قَرُبَ وَعَدَمِ امْتِدَادِ النَّفْيِ وَلَا يَمْتَدُّ مَعْنَى النَّفْيِ، قَالَ: وَسِرُّ ذَلِكَ أَنَّ الألفاظ مشاكلة للمعاني ولا آخِرُهَا الْأَلِفُ وَالْأَلِفُ يُمْكِنُ امْتِدَادُ الصَّوْتِ بِهَا بِخِلَافِ النُّونِ فَطَابَقَ كُلُّ لَفْظٍ مَعْنَاهُ. قَالَ: وَلِذَلِكَ أَتَى بِـ"لَنْ" حَيْثُ لَمْ يَرِدْ بِهِ النَّفْيُ مُطْلَقًا بَلْ فِي الدُّنْيَا حَيْثُ قَالَ: {لَنْ تَرَانِي} وَبِـ" لَا " فِي قَوْلِهِ: {لَا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ} حَيْثُ أُرِيدَ نَفْيُ الْإِدْرَاكِ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَهُوَ مُغَايِرٌ لِلرُّؤْيَةِ انْتَهَى.(2/279)
قِيلَ: وَتَرِدُ لَنْ لِلدُّعَاءِ وَخُرِّجَ عَلَيْهِ: {رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ} الآية.
لَوْ
حَرْفُ شَرْطٍ فِي الْمُضِيِّ يُصْرَفُ الْمُضَارِعُ إِلَيْهِ بِعَكْسِ إِنْ الشَّرْطِيَّةِ، وَاخْتُلِفَ فِي إِفَادَتِهَا الِامْتِنَاعَ وَكَيْفِيَّةِ إِفَادَتِهَا إِيَّاهُ عَلَى أَقْوَالٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّهَا لَا تُفِيدُهُ بِوَجْهٍ وَلَا تَدُلُّ عَلَى امْتِنَاعِ الشَّرْطِ وَلَا امْتِنَاعِ الْجَوَابِ بَلْ هِيَ لِمُجَرَّدِ رَبْطِ الْجَوَابِ بِالشَّرْطِ دَالَّةٌ عَلَى التَّعْلِيقِ فِي الْمَاضِي كَمَا دَلَّتْ " إِنْ " عَلَى التَّعْلِيقِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَلَمْ تَدُلَّ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى امْتِنَاعٍ وَلَا ثُبُوتٍ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهَذَا الْقَوْلُ كَإِنْكَارِ الضَّرُورِيَّاتِ إِذْ فَهْمُ الِامْتِنَاعِ مِنْهَا كَالْبَدِيهِيِّ فَإِنَّ كُلَّ مَنْ سَمِعَ لَوْ فَعَلَ فَهِمَ عَدَمَ وُقُوعِ الْفِعْلِ مِنْ غَيْرِ تَرَدُّدٍ وَلِهَذَا جَازَ اسْتِدْرَاكُهُ فَتَقُولُ لَوْ جَاءَ زَيْدٌ أَكْرَمْتُهُ لَكِنَّهُ لَمْ يَجِئْ.
الثَّانِي: وَهُوَ لِسِيبَوَيْهِ: قَالَ: إِنَّهَا حَرْفٌ لِمَا كَانَ سَيَقَعُ لِوُقُوعِ غَيْرِهِ، أَيْ أَنَّهَا تَقْتَضِي فِعْلًا مَاضِيًا كَانَ يُتَوَقَّعُ ثُبُوتُهُ لِثُبُوتِ غَيْرِهِ وَالْمُتَوَقَّعُ غَيْرُ وَاقِعٍ فَكَأَنَّهُ قَالَ: حَرْفٌ يَقْتَضِي فِعْلًا امْتَنَعَ لِامْتِنَاعِ مَا كَانَ يَثْبُتُ لِثُبُوتِهِ.
الثَّالِثُ: وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَلَى أَلْسِنَةِ النُّحَاةِ وَمَشَى عَلَيْهِ الْمُعْرِبُونَ: أَنَّهَا حَرْفُ امْتِنَاعٍ لِامْتِنَاعٍ أَيْ يَدُلُّ عَلَى امْتِنَاعِ الْجَوَابِ لِامْتِنَاعِ الشَّرْطِ فَقَوْلُكَ: لَوْ جِئْتَ لَأَكْرَمْتُكَ دَالٌّ عَلَى امْتِنَاعِ الْإِكْرَامِ لِامْتِنَاعِ الْمَجِيءِ وَاعْتُرِضَ(2/280)
بِعَدَمِ امْتِنَاعِ الْجَوَابِ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ} ، {وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا} فَإِنَّ عَدَمَ النَّفَادِ عِنْدَ فَقْدِ مَا ذُكِرَ وَالتَّوَلِّي عِنْدَ عَدَمِ الْإِسْمَاعِ أَوْلَى.
وَالرَّابِعُ: وَهُوَ لِابْنِ مَالِكٍ: أَنَّهَا حَرْفٌ يَقْتَضِي امْتِنَاعَ مَا يَلِيهِ وَاسْتِلْزَامَهُ لِتَالِيهِ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِنَفْيِ التَّالِي قَالَ: فَقِيَامُ زِيدٍ مِنْ قَوْلِكَ: لَوْ قَامَ زَيْدٌ قَامَ عَمْرٌو مَحْكُومٌ بِانْتِفَائِهِ وَبِكَوْنِهِ مُسْتَلْزِمًا ثُبُوتُهُ لِثُبُوتِ قِيَامٍ مِنْ عَمْرٍو وَهَلْ وَقَعَ لِعَمْرٍو قِيَامٌ آخَرُ غَيْرُ اللَّازِمِ عَنْ قِيَامِ زَيْدٍ أَوْ لَيْسَ لَهُ؟ لَا تَعَرُّضَ لِذَلِكَ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهَذِهِ أَجْوَدُ الْعِبَارَاتِ.
فَائِدَةٌ
أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ الضَّحَّاكِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كُلُّ شَيْءٍ فِي الْقُرْآنِ " لَوْ " فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ أَبَدًا.
فَائِدَةٌ ثَانِيَةٌ
تَخْتَصُّ لَوِ الْمَذْكُورَةُ بِالْفِعْلِ وَأَمَّا نَحْوُ: {قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ} فَعَلَى تَقْدِيرِهِ. قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ وَإِذَا وَقَعَتْ أَنَّ بَعْدَهَا وَجَبَ كَوْنُ خَبَرِهَا فِعْلًا لِيَكُونَ عِوَضًا عَنِ الْفِعْلِ الْمَحْذُوفِ وَرَدَّهُ ابْنُ الْحَاجِبِ بِآيَةِ ولو أن ما في الأرض وَقَالَ إِنَّمَا ذَاكَ إِذَا كَانَ مُشْتَقًّا لَا جَامِدًا وَرَدَّهُ ابْنُ مَالِكٍ بِقَوْلِهِ:(2/281)
لَوْ أَنَّ حَيًّا مُدْرِكُ الْفَلَاحِ
أَدْرَكَهُ مُلَاعِبُ الرِّمَاحِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَقَدْ وُجِدَتْ آيَةٌ فِي التَّنْزِيلِ وَقَعَ فِيهَا الْخَبَرُ اسْمًا مُشْتَقًّا وَلَمْ يَتَنَبَّهْ لَهَا الزَّمَخْشَرِيُّ كَمَا لَمْ يَتَنَبَّهْ لِآيَةِ لُقْمَانَ وَلَا ابْنُ الْحَاجِبِ وَإِلَّا لَمَا مَنَعَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا ابْنُ مَالِكٍ وَإِلَّا لَمَا اسْتَدَلَّ بِالشِّعْرِ وَهِيَ قَوْلُهُ: {يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الأَعْرَابِ} وَوُجِدَتْ آيَةُ الْخَبَرِ فِيهَا ظَرْفٌ: {لَوْ أَنَّ عِنْدَنَا ذِكْراً مِنَ الأَوَّلِينَ} .
وَرَدَّ ذَلِكَ الزَّرْكَشِيُّ فِي الْبُرْهَانِ وَابْنُ الدَّمَامِينِيِّ: بِأَنَّ لَوْ فِي الْآيَةِ الْأُولَى لِلتَّمَنِّي وَالْكَلَامُ فِي الْامْتِنَاعِيَّةِ وَأَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ مَقَالَةَ الزَّمَخْشَرِيِّ سَبَقَهُ إِلَيْهَا السِّيرَافِيُّ وَهَذَا الِاسْتِدْرَاكُ وَمَا اسْتُدْرِكَ بِهِ مَنْقُولٌ قَدِيمًا فِي شَرْحِ الْإِيضَاحِ لِابْنِ الْخَبَّازِ لَكِنْ فِي غَيْرِ مَظِنَّتِهِ فَقَالَ فِي بَابِ إِنَّ وَأَخَوَاتِهَا: قَالَ السِّيرَافِيُّ: لَوْ أَنَّ زَيْدًا أَقَامَ لَأَكْرَمْتُهُ لَا يَجُوزُ لَوْ أَنَّ زَيْدًا حَاضِرًا لَأَكْرَمْتُهُ لِأَنَّكَ لَمْ تَلْفَظْ بِفِعْلٍ يَسُدُّ مَسَدَّ ذَلِكَ الْفِعْلِ هَذَا كَلَامُهُ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَإِنْ يَأْتِ الأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الأَعْرَابِ} فَأُوقِعَ خَبَرُهَا صِفَةً وَلَهُمْ أَنَّ يُفَرِّقُوا بِأَنَّ هَذِهِ لِلتَّمَنِّي فَأُجْرِيَتْ مجرى ليت كما نقول لَيْتَهُمْ بَادُونَ. انْتَهَى كَلَامُهُ.
وَجَوَابُ " لَوْ " إِمَّا مُضَارِعٌ مَنْفِيٌّ بِـ" لَمْ " أَوْ مَاضٍ مُثْبَتٌ أَوْ مَنْفِيٌّ بِـ" مَا " وَالْغَالِبُ عَلَى الْمُثْبَتِ دُخُولُ اللَّامِ عَلَيْهِ نَحْوَ: {لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً} وَمِنْ تَجَرُّدِهِ، {لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً} وَالْغَالِبُ عَلَى الْمَنْفِيِّ تَجَرُّدُهُ، نَحْوَ: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ} .(2/282)
فائدة ثانية
قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: الْفَرْقُ بَيْنَ قَوْلِكَ: لَوْ جَاءَنِي زِيدٌ لَكَسَوْتُهُ وَلَوْ زَيْدٌ جَاءَنِي لَكَسَوْتُهُ وَلَوْ أَنَّ زَيْدًا جَاءَنِي لَكَسَوْتُهُ أَنَّ الْقَصْدَ فِي الْأَوَّلِ مُجَرَّدُ رَبْطِ الْفِعْلَيْنِ وَتَعْلِيقُ أَحَدِهِمَا بِصَاحِبِهِ لَا غَيْرَ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِمَعْنًى زَائِدٍ عَلَى التَّعَلُّقِ السَّاذَجِ وَفِي الثَّانِي انْضَمَّ إِلَى التَّعْلِيقِ أَحَدُ مَعْنَيَيْنِ إِمَّا نَفْيُ الشَّكِّ وَالشُّبْهَةِ وَأَنَّ الْمَذْكُورَ مَكْسُوٌّ لَا مَحَالَةَ وَإِمَّا بَيَانُ أَنَّهُ هُوَ الْمُخْتَصُّ بِذَلِكَ دُونَ غَيْرِهِ وَتُخَرَّجَ عَلَيْهِ آيَةُ: {قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ} وَفِي الثَّالِثِ مَعَ مَا فِي الثَّانِي زِيَادَةُ التَّأْكِيدِ الَّذِي تُعْطِيهِ " أَنَّ " وَإِشْعَارٌ بِأَنَّ زَيْدًا كَانَ حَقُّهُ أَنْ يَجِيءَ وَأَنَّهُ بِتَرْكِهِ الْمَجِيءَ قَدْ أَغْفَلَ حَظَّهُ وَيُخَرَّجُ عَلَيْهِ: {وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا} وَنَحْوُهُ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ وَخَرِّجْ عَلَيْهِ مَا وَقَعَ فِي الْقُرْآنِ مِنْ أَحَدِ الثَّلَاثَةِ.
تَنْبِيهٌ
تَرِدُ " لَوْ " شَرْطِيَّةً فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَهِيَ الَّتِي يَصْلُحُ مَوْضِعَهَا " إِنْ " نَحْوَ: {وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} ، {لَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ} وَمَصْدَرِيَّةً وَهِيَ الَّتِي يَصْلُحُ مَوْضِعَهَا أَنْ الْمَفْتُوحَةُ وَأَكْثَرُ وُقُوعِهَا بَعْدَ وَدَّ وَنَحْوِهِ نَحْوَ: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ} ، {يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ} ، {يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي} أَيِ الرَّدُّ وَالتَّعْمِيرُ وَالِافْتِدَاءُ.(2/283)
وَلِلتَّمَنِّي وَهِيَ الَّتِي يَصْلُحُ مَوْضِعَهَا لَيْتَ نَحْوَ: {فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً} وَلِهَذَا نُصِبَ الْفِعْلُ فِي جَوَابِهَا.
وللتعليل، وَخُرِّجَ عَلَيْهِ: {وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ} .
لَوْلَا
عَلَى أَوْجُهٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ تَكُونَ حَرْفَ امْتِنَاعٍ لِوُجُودٍ فَتَدْخُلُ عَلَى الْجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ وَيَكُونُ جَوَابُهَا فِعْلًا مَقْرُونًا بِاللَّامِ إِنْ كَانَ مُثْبَتًا نَحْوَ: {فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ} وَمُجَرَّدًا مِنْهَا إِنْ كَانَ مَنْفِيًّا نَحْوَ: {وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً} وَإِنْ وَلِيَهَا ضَمِيرٌ فَحَقُّهُ أَنْ يَكُونَ ضَمِيرَ رَفْعٍ نَحْوَ: {لَوْلا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ} .
الثَّانِي: أَنْ تَكُونَ بِمَعْنَى هَلَّا فَهِيَ لِلتَّحْضِيضِ وَالْعَرْضِ فِي الْمُضَارِعِ أَوْ مَا فِي تَأْوِيلِهِ نَحْوَ: {لَوْلا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ} ، {لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ} وَلِلتَّوْبِيخِ وَالتَّنْدِيمِ فِي الْمُضَارِعِ نَحْوَ: {لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} ، {فَلَوْلا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ} ، {وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ} ، {فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا} ،(2/284)
{فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ} ، {فَلَوْلا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}
الثالث: أن تكون للاستفهام ذكر الْهَرَوِيُّ وَجَعَلَ مِنْهُ: {لَوْلا أَخَّرْتَنِي} ، {لَوْلا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ} وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا فِيهِمَا بِمَعْنَى " هَلَّا ".
الرَّابِعُ: أَنْ تَكُونَ لِلنَّفْيِ ذَكَرَهُ الْهَرَوِيُّ أَيْضًا وَجَعَلَ مِنْهُ: {فَلَوْلا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ} أَيْ فَمَا آمَنَتْ قَرْيَةٌ أَيْ أَهْلُهَا عِنْدَ مَجِيءِ الْعَذَابِ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا وَالْجُمْهُورُ لَمْ يُثْبِتُوا ذَلِكَ وَقَالُوا: الْمُرَادُ فِي الْآيَةِ التَّوْبِيخُ عَلَى تَرْكِ الْإِيمَانِ قَبْلَ مَجِيءِ الْعَذَابِ وَيُؤَيِّدُهُ قِرَاءَةُ أُبَيٍّ " فَهَلَّا " وَالِاسْتِثْنَاءُ حِينَئِذٍ مُنْقَطِعٌ.
فَائِدَةٌ
نُقِلَ عَنِ الْخَلِيلِ: أَنَّ جَمِيعَ مَا فِي الْقُرْآنِ مِنْ " لَوْلَا " فَهِيَ بِمَعْنَى " هَلَّا " إِلَّا {فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ} وَفِيهِ نَظَرٌ لِمَا تَقَدَّمَ مِنَ الْآيَاتِ.
وَكَذَا قَوْلُهُ: {لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهَانَ رَبِّهِ} لَوْلَا فِيهِ امْتِنَاعِيَّةٌ وَجَوَابُهَا مَحْذُوفٌ أَيْ لَهُمْ بِهَا أَوْ لِوَاقِعِهَا.
وَقَوْلُهُ: {لَوْلا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا} وَقَوْلُهُ: {لَوْلا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا} أَيْ لَأَبْدَتْ بِهِ فِي آيَاتٍ أُخَرَ.(2/285)
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: أَنْبَأَنَا مُوسَى الْخَطْمِيُّ أَنْبَأَنَا هَارُونُ بْنُ أَبِي حَاتِمٍ أَنْبَأَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَمَّادٍ عَنْ أَسْبَاطٍ عَنِ السُّدِّيِّ عَنْ أَبِي مَالِكٍ قَالَ: كُلُّ مَا فِي الْقُرْآنِ " فَلَوْلَا " فَهُوَ " فَهَلَّا " إِلَّا حَرْفَيْنِ: فِي يُونُسَ:
{فَلَوْلا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا} ، يَقُولُ: فَمَا كَانَتْ قَرْيَةٌ وَقَوْلِهِ: {فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ} وَبِهَذَا يَتَّضِحُ مُرَادُ الْخَلِيلِ وَهُوَ أَنَّ مُرَادَهُ " لَوْلَا " الْمُقْتَرِنَةُ بِالْفَاءِ.
لَوْمَا
بِمَنْزِلَةِ " لَوْلَا " قَالَ تَعَالَى: {لَوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلائِكَةِ} وَقَالَ الْمَالِقِيُّ: لَمْ تَرِدْ إِلَّا لِلتَّحْضِيضِ.
لَيْتَ
حَرْفٌ يَنْصِبُ الِاسْمَ وَيَرْفَعُ الْخَبَرَ وَمَعْنَاهُ التَّمَنِّي وَقَالَ التَّنُوخِيُّ: إِنَّهَا تُفِيدُ تَأْكِيدَهُ.
لَيْسَ
فِعْلٌ جَامِدٌ وَمِنْ ثَمَّ ادَّعَى قَوْمٌ حَرْفِيَّتَهُ وَمَعْنَاهُ نَفْيُ مَضْمُونِ الْجُمْلَةِ فِي الْحَالِ وَنَفْيُ غَيْرِهِ بِالْقَرِينَةِ.
وَقِيلَ: هِيَ لِنَفْيِ الْحَالِ وَغَيْرِهِ وَقَوَّاهُ ابْنُ الْحَاجِبِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى:(2/286)
{أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ} فَإِنَّهُ نَفْيٌ لِلْمُسْتَقْبَلِ.
قَالَ ابْنُ مَالِكٍ: وَتَرِدُ لِلنَّفْيِ الْعَامِّ الْمُسْتَغْرَقِ المراد به الجنس كلا التَّبْرِئَةِ وَهُوَ مِمَّا يُغْفَلُ عَنْهُ وَخُرِّجَ عَلَيْهِ: {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ} .
مَا
اسْمِيَّةٌ وَحَرْفِيَّةٌ:
فَالِاسْمِيَّةُ تَرِدُ مَوْصُولَةً بِمَعْنَى الَّذِي نَحْوَ: {مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ} وَيَسْتَوِي فِيهَا الْمُذَكَّرُ وَالْمُؤَنَّثُ وَالْمُفْرَدُ وَالْمُثَنَّى وَالْجَمْعُ وَالْغَالِبُ اسْتِعْمَالُهَا فِيمَا لَا يُعْلَمُ وَقَدْ تُسْتَعْمَلُ فِي الْعَالِمِ نَحْوَ: {وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا} {وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ} أَيِ اللَّهُ وَيَجُوزُ فِي ضَمِيرِهَا مُرَاعَاةُ اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى وَاجْتَمَعَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ شَيْئاً وَلا يَسْتَطِيعُونَ} وَهَذِهِ مُعَرَّفَةٌ بِخِلَافِ الْبَاقِي.
وَاسْتِفْهَامِيَّةٌ بِمَعْنَى أَيِّ شَيْءٍ وَيُسْأَلُ بِهَا عَنْ أَعْيَانِ مَا لَا يُعْقَلُ وَأَجْنَاسِهِ وَصِفَاتِهِ وَأَجْنَاسِ الْعُقَلَاءِ وَأَنْوَاعِهِمْ وَصِفَاتِهِمْ نحو: {مَا هِيَ} {مَا لَوْنُهَا} {مَا وَلَّاهُمْ} {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ} {وَمَا الرَّحْمَنُ}(2/287)
وَلَا يُسْأَلُ بِهَا عَنْ أَعْيَانِ أُولِي الْعِلْمِ خِلَافًا لِمَنْ أَجَازَهُ. وَأَمَّا قَوْلُ فِرْعَوْنَ: {وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ} فإن قَالَهُ جَهْلًا وَلِهَذَا أَجَابَهُ مُوسَى بِالصِّفَاتِ.
وَيَجِبُ حَذْفُ أَلِفِهَا إِذَا جُرَّتْ وَإِبْقَاءُ الْفَتْحَةِ دَلِيلًا عَلَيْهَا فَرْقًا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَوْصُولَةِ نَحْوَ: {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ} {فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا} {لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ} {بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ} .
وَشُرْطِيَّةٌ نَحْوَ: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ} {وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ} {فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ} وَهَذِهِ مَنْصُوبَةٌ بِالْفِعْلِ بَعْدَهَا.
تَعَجُّبِيَّةٌ نَحْوَ: {فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ} {قُتِلَ الْأِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ} وَلَا ثَالِثَ لَهُمَا فِي الْقُرْآنِ إِلَّا فِي قِرَاءَةِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: {مَا أَغَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ} وَمَحَلُّهَا رَفْعٌ بِالِابْتِدَاءِ وَمَا بَعْدَهَا خَبَرٌ وَهِيَ نَكِرَةٌ تَامَّةٌ.
وَنَكِرَةٌ مَوْصُوفَةٌ نَحْوَ: {بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا} {نِعِمَّا يَعِظُكُمْ} أَيْ نِعْمَ شَيْئًا يَعِظُكُمْ بِهِ.
وَغَيْرُ مَوْصُوفَةٍ نَحْوَ: {فَنِعِمَّا هِيَ} أَيْ نِعْمَ شَيْئًا هِيَ.
وَالْحَرْفِيَّةُ تَرِدُ مَصْدَرِيَّةً إِمَّا زَمَانِيَّةٌ نَحْوَ: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} ،(2/288)
أَيْ مُدَّةَ اسْتِطَاعَتِكُمْ أَوْ غَيْرُ زَمَانِيَّةٍ نَحْوَ: {فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ} أَيْ بِنِسْيَانِكُمْ.
وَنَافِيَةٌ إِمَّا عَامِلَةٌ عَمَلَ لَيْسَ نَحْوَ: {مَا هَذَا بَشَراً} {مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ} {فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ} وَلَا رَابِعَ لَهَا فِي الْقُرْآنِ.
أَوْ غَيْرُ عَامِلَةٍ نَحْوَ: {وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ} {فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ} .
قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَهِيَ لِنَفْيِ الْحَالِ وَمُقْتَضَى كَلَامِ سِيبَوَيْهِ أَنَّ فِيهَا مَعْنَى التَّأْكِيدِ لِأَنَّهُ جَعَلَهَا فِي النَّفْيِ جَوَابًا لِقَدْ فِي الْإِثْبَاتِ فَكَمَا أَنَّ " قَدْ " فِيهَا مَعْنَى التَّأْكِيدِ فَكَذَلِكَ مَا جُعِلَ جَوَابًا لَهَا.
وَزَائِدَةٌ لِلتَّأْكِيدِ إِمَّا كَافَّةٌ نَحْوَ: {إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ} {أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} {كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ} {رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا} .
أَوْ غَيْرُ كَافَّةٍ نَحْوَ: {فَإِمَّا تَرَيِنَّ} {أَيّاً مَا تَدْعُوا} {أَيَّمَا الأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ} {فَبِمَا رَحْمَةٍ} {مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ} {مَثَلاً مَا بَعُوضَةً} .(2/289)
قَالَ الْفَارِسِيُّ: جَمِيعُ مَا فِي الْقُرْآنِ مِنَ الشَّرْطِ بَعْدَ " إِمَّا " مؤكد بالنون لمشابهة فِعْلَ الشَّرْطِ بِدُخُولِ مَا لِلتَّأْكِيدِ لِفِعْلِ الْقَسَمِ مِنْ جِهَةِ " أَنَّ " مَا كَاللَّامِ فِي الْقَسَمِ لِمَا فِيهَا مِنَ التَّأْكِيدِ وَقَالَ أَبُو الْبَقَاءِ: زِيَادَةُ مَا مُؤْذِنَةٌ بِإِرَادَةِ شِدَّةِ التَّأْكِيدِ.
فَائِدَةٌ
حَيْثُ وَقَعَتْ " مَا " قَبْلَ لَيْسَ أَوْ لَمْ أَوْ لَا أَوْ بَعْدَ إِلَّا فَهِيَ مَوْصُولَةٌ نَحْوَ: {مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ} {مَا لَمْ يَعْلَمْ} {مَا لا تَعْلَمُونَ} {إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا} .
وَحَيْثُ وَقَعَتْ بَعْدَ كَافِ التَّشْبِيهِ فَهِيَ مَصْدَرِيَّةٌ وَحَيْثُ وَقَعَتْ بَعْدَ الْبَاءِ فَإِنَّهَا تَحْتَمِلُهُمَا نَحْوَ: {بِمَا كَانُوا يَظْلِمُونَ} وَحَيْثُ وَقَعَتْ بَيْنَ فِعْلَيْنِ سَابِقُهُمَا عِلْمٌ أَوْ دِرَايَةٌ أَوْ نَظَرٌ احْتَمَلَتِ الْمَوْصُولَةَ وَالِاسْتِفْهَامِيَّةَ نَحْوَ: {وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ} {وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ} {وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ} .
وَحَيْثُ وَقَعَتْ فِي الْقُرْآنِ قَبْلَ إِلَّا فَهِيَ نَافِيَةٌ إِلَّا فِي ثَلَاثَةَ عَشَرَ مَوْضِعًا:
{مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلَّا أَنْ يَخَافَا} .
{فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ} .(2/290)
{بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ} .
{مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ} .
{وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ} .
{وَلا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا} .
{وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا} .
{مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلَّا} . فِي مَوْضِعَيْ هُودٍ.
{فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلاً} ، {مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا} .
{وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ} .
{وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ} ، حيث كان.
مَاذَا
تَرِدُ عَلَى أَوْجُهٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ تَكُونَ ما استفهاما وذا مَوْصُولَةً وَهُوَ أَرْجَحُ الْوَجْهَيْنِ فِي(2/291)
{وَيَسْأَلونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوُ} فِي قِرَاءَةِ الرَّفْعِ أَيِ الَّذِي يُنْفِقُونَهُ الْعَفْوُ إِذِ الْأَصْلُ أَنْ تُجَابَ الِاسْمِيَّةُ بِالِاسْمِيَّةِ وَالْفِعْلِيَّةُ بِالْفِعْلِيَّةِ.
الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مَا اسْتِفْهَامًا وذا إِشَارَةً.
الثَّالِثُ: أَنْ تَكُونَ مَاذَا كُلُّهَا اسْتِفْهَامًا عَلَى التَّرْكِيبِ وَهُوَ أَرْجَحُ الْوَجْهَيْنِ فِي {مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ} فِي قِرَاءَةِ النَّصْبِ أَيْ ينفقون العفوز
الرَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ مَاذَا كُلُّهُ اسْمَ جِنْسٍ بِمَعْنَى شَيْءٍ أَوْ مَوْصُولًا بِمَعْنَى الَّذِي.
الْخَامِسُ: أَنْ تكون ما زائدة وذا لِلْإِشَارَةِ.
السَّادِسُ: أَنْ تَكُونَ مَا استفهاما وذا زائدة ويجوز أن يخرج عليه.
مَتَى
تَرِدُ اسْتِفْهَامًا عَنِ الزَّمَانِ نَحْوَ: {مَتَى نَصْرُ اللَّهِ} وشرطا.
مع
اسم بدليل جرها بمن فِي قِرَاءَةِ بَعْضِهِمْ: {هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ} وَهِيَ بِمَعْنَى عِنْدَ وَأَصْلُهَا لِمَكَانِ الِاجْتِمَاعِ أَوْ وَقْتِهِ نَحْوَ: {وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ} {أَرْسِلْهُ مَعَنَا} {لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ}(2/292)
وَقَدْ يُرَادُ بِهِ مُجَرَّدُ الِاجْتِمَاعِ وَالِاشْتِرَاكِ مِنْ غَيْرِ مُلَاحِظَةِ الْمَكَانِ وَالزَّمَانِ نَحْوَ: {وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} {وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} ، وأما نحو: {إِنِّي مَعَكُمْ} {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا} {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} {إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} فَالْمُرَادُ بِهِ الْعِلْمُ وَالْحِفْظُ وَالْمَعُونَةُ مَجَازًا.
قَالَ الرَّاغِبُ: وَالْمُضَافُ إِلَيْهِ لَفْظُ مَعَ هُوَ الْمَقْصُودُ كَالْآيَاتِ المذكورة.
مِنْ
حَرْفُ جَرٍّ لَهُ مَعَانٍ أَشْهَرُهَا:
ابْتِدَاءُ الْغَايَةِ مَكَانًا وَزَمَانًا وَغَيْرَهُمَا نَحْوَ: {مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} ، {مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ} ، {إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ} .
وَالتَّبْعِيضُ بِأَنْ يَسُدَّ بَعْضُ مَسَدَّهَا نَحْوَ: {حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} وَقَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ: "بَعْضَ مَا تُحِبُّونَ " وَالتَّبْيِينُ وَكَثِيرًا مَا تَقَعُ بعد " ما ومهما " نَحْوَ: {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ} {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ} {مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ} .(2/293)
وَمِنْ وُقُوعِهَا بَعْدَ غَيْرِهِمَا: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ} {مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ} .
وَالتَّعْلِيلُ نَحْوَ: {مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا} {يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ} .
وَالْفَصْلُ بِالْمُهْمَلَةِ وَهِيَ الدَّاخِلَةُ عَلَى ثَانِي الْمُتَضَادَّيْنِ نَحْوَ: {يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ} {حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ} .
وَالْبَدَلُ نَحْوَ: {أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ} أَيْ بَدَلَهَا {لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الأَرْضِ} أي بدلكم.
وَتَنْصِيصُ الْعُمُومِ نَحْوَ: {وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ} قَالَ فِي الْكَشَّافِ هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْبِنَاءِ عَلَى الْفَتْحِ فِي: {لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} فِي إِفَادَةِ مَعْنَى الِاسْتِغْرَاقِ.
وَمَعْنَى " الْبَاءِ " نَحْوَ: {يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ} أي به.
و" على " نحو: {وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ} أي عليهم.
و" في " نَحْوِ: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ} أَيْ فِيهِ.(2/294)
وَفِي الشَّامِلِ عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ مِنْ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ} بِمَعْنَى فِي بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: {وَهُوَ مُؤْمِنٌ} وَعَنْ نَحْوَ: {قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا} أي عنه.
و" عند " نَحْوَ: {لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ} أَيْ عِنْدَ.
وَالتَّأْكِيدُ وَهِيَ الزَّائِدَةُ فِي النَّفْيِ أَوِ النَّهْيِ أَوِ الِاسْتِفْهَامِ نَحْوَ: {وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا} {مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ} .
وَأَجَازَهَا قَوْمٌ فِي الْإِيجَابِ وَخَرَّجُوا عَلَيْهِ: {وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَأِ الْمُرْسَلِينَ} {يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ} {مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ} {يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} .
فَائِدَةٌ
أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ السُّدِّيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَوْ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ حِينَ دَعَا قَالَ: {فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ} لَازْدَحَمَتْ عَلَيْهِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى وَلَكِنَّهُ خَصَّ حِينَ قَالَ: "أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ " فَجُعِلَ ذَلِكَ لِلْمُؤْمِنِينَ.
وَأَخْرَجَ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: لَوْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ: "فَاجْعَلْ أَفْئِدَةَ النَّاسِ تَهْوِي(2/295)
إِلَيْهِمْ لَزَاحَمَتْكُمْ عَلَيْهِ الرُّومُ وَفَارِسُ " وَهَذَا صَرِيحٌ فِي فَهْمِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ التَّبْعِيضُ مِنْ " مِنْ ".
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: حَيْثُ وَقَعَتْ: "يَغْفِرْ لَكُمْ " فِي خِطَابِ الْمُؤْمِنِينَ لَمْ تُذْكَرْ مَعَهَا مِنْ كَقَوْلِهِ فِي الْأَحْزَابِ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} وفي الصف: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أدلكم على جارة تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} إِلَى قَوْلِهِ: {يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} .
وَقَالَ فِي خِطَابِ الْكُفَّارِ فِي سُورَةِ نُوحٍ: {يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ} وَكَذَا فِي سُورَةِ إِبْرَاهِيمَ وَفِي سُورَةِ الْأَحْقَافِ وَمَا ذَاكَ إِلَّا لِلتَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْخِطَابَيْنِ لِئَلَّا يُسَوَّى بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ فِي الْوَعْدِ ذَكَرَهُ فِي الكشاف.
مَنْ
لَا تَقَعُ إِلَّا اسْمًا فَتَرِدُ مَوْصُولَةً نَحْوَ: {وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ} .
وَشَرْطِيَّةً نَحْوَ: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ} .
وَاسْتِفْهَامِيَّةً نَحْوَ: {مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا} .
وَنَكِرَةً مَوْصُوفَةً: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ} أَيْ فَرِيقٌ يَقُولُ(2/296)
وَهِيَ كَـ" مَا " فِي اسْتِوَائِهَا فِي الْمُذَكَّرِ وَالْمُفْرَدِ وَغَيْرِهِمَا وَالْغَالِبُ اسْتِعْمَالُهَا فِي الْعَالَمِ عَكْسَ مَا ونكتته مَا أَكْثَرُ وُقُوعًا فِي الْكَلَامِ مِنْهَا وَمَا لَا يَعْقِلُ أَكْثَرُ مِمَّنْ يَعْقِلُ فَأَعْطُوا مَا كَثُرَتْ مواضعه الكثير وَمَا قَلَّتْ لِلْقَلِيلِ لِلْمُشَاكَلَةِ.
قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ وَاخْتِصَاصُ مَنْ بِالْعَالَمِ وما بِغَيْرِهِ فِي الْمَوْصُولَتَيْنِ دُونَ الشَّرْطِيَّتَيْنِ لِأَنَّ الشَّرْطَ يَسْتَدْعِي الْفِعْلَ وَلَا يَدْخُلُ عَلَى الْأَسْمَاءِ.
مَهْمَا
اسْمٌ لِعَوْدِ الضَّمِيرِ عَلَيْهَا فِي {مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ} قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: عَادَ عَلَيْهَا ضَمِيرُ بِهِ وَضَمِيرُ بِهَا حَمْلًا عَلَى اللَّفْظِ وَعَلَى الْمَعْنَى وَهِيَ شَرْطٌ لِمَا لَا يَعْقِلُ غَيْرَ الزَّمَانِ كَالْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ.
وَفِيهَا تَأْكِيدٌ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ قَوْمٌ: إِنَّ أَصْلَهَا ما الشرطية وما الزَّائِدَةُ أُبْدِلَتْ أَلِفُ الْأُولَى هَاءً دَفْعًا لِلتَّكْرَارِ.
النُّونُ
عَلَى أَوْجُهٍ:
اسْمٌ وَهِيَ ضَمِيرُ النِّسْوَةِ نَحْوَ: {فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ} وَحَرْفٌ. وَهِيَ نَوْعَانِ: نُونُ التَّوْكِيدِ وَهِيَ خَفِيفَةٌ وَثَقِيلَةٌ نَحْوَ:(2/297)
{لَيُسْجَنَنَّ وَلِيَكُوناً} {لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ} وَلَمْ تَقَعِ الْخَفِيفَةُ فِي الْقُرْآنِ إِلَّا فِي هَذَيْنِ الْمَوْضِعَيْنِ.
قُلْتُ: وَثَالِثٌ فِي قِرَاءَةٍ شَاذَّةٍ وَهِيَ: {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ} .
وَرَابِعٌ: فِي قِرَاءَةِ الْحَسَنِ {أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ} ذَكَرَهُ ابْنُ جِنِّي فِي الْمُحْتَسَبِ.
وَنُونُ الْوِقَايَةِ وَتَلْحَقُ يَاءَ الْمُتَكَلِّمِ الْمَنْصُوبَةَ بِفِعْلٍ نَحْوَ: {فَاعْبُدْنِي} {لَيَحْزُنُنِي} أو حرف نحو: {يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ} {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ} وَالْمَجْرُورَةَ بِلَدُنْ نَحْوَ: {مِنْ لَدُنِّي عُذْراً} أَوْ مِنْ أَوْ عَنْ نَحْوَ: {مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ} ، {وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي} .
التَّنْوِينُ
نُونٌ تُثْبَتُ لَفْظًا لَا خَطًّا وَأَقْسَامُهُ كَثِيرَةٌ:
تَنْوِينُ التَّمْكِينِ، وَهُوَ اللَّاحِقُ لِلْأَسْمَاءِ الْمُعْرَبَةِ نَحْوَ: {وَهُدىً وَرَحْمَةً} {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً} {إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحاً} .(2/298)
وَتَنْوِينُ التَّنْكِيرِ، وَهُوَ اللَّاحِقُ لِأَسْمَاءِ الْأَفْعَالِ فَرْقًا بَيْنَ مَعْرِفَتِهَا وَنَكِرَتِهَا نَحْوَ التَّنْوِينِ اللَّاحِقِ لِأُفٍّ فِي قراءة من نونه ولهيهات فِي قِرَاءَةِ مَنْ نَوَّنَهَا.
وَتَنْوِينُ الْمُقَابَلَةِ وَهُوَ اللَّاحِقُ لِجَمْعِ الْمُؤَنَّثِ السَّالِمِ نَحْوَ: {مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ} .
وَتَنْوِينُ الْعِوَضِ إِمَّا عَنْ حَرْفِ آخِرِ مَفَاعِلِ الْمُعْتَلِّ نَحْوَ: {وَالْفَجْرِ وَلَيَالٍ} {وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ} أَوْ عَنِ اسْمٍ مُضَافٍ إِلَيْهِ فِي كُلٍّ وَبَعْضٍ وَأَيٍّ نَحْوَ: {وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} {فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} {أَيّاً مَا تَدْعُوا} .
وَعَنِ الْجُمْلَةِ الْمُضَافِ إِلَيْهَا إِذْ نَحْوَ: {وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ} أَيْ حِينَ إِذْ بَلَغَتِ الرُّوحُ الْحُلْقُومَ، أَوْ إِذَا - عَلَى مَا تَقَدَّمَ عَنْ شَيْخِنَا وَمَنْ نَحَا نَحْوَهُ – نَحْوَ: {وَإِنَّكُمْ إِذاً لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ} أَيْ إِذَا غَلَبْتُمْ.
وَتَنْوِينُ الْفَوَاصِلِ الَّذِي يُسَمَّى فِي غَيْرِ الْقُرْآنِ التَّرَنُّمَ بَدَلًا مِنْ حَرْفِ الْإِطْلَاقِ وَيَكُونُ فِي الِاسْمِ وَالْفِعْلِ وَالْحَرْفِ وَخَرَّجَ عَلَيْهِ الزَّمَخْشَرِيُّ وَغَيْرُهُ: {قَوَارِيرَا} {وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ} {كَلَّا سَيَكْفُرُونَ} بتنوين الثلاثة.(2/299)
نَعَمْ
حَرْفُ جَوَابٍ فَيَكُونُ تَصْدِيقًا لِلْمُخْبِرِ وَوَعْدًا لِلطَّالِبِ وَإِعْلَامًا لِلْمُسْتَخْبِرِ وَإِبْدَالُ عَيْنِهَا حَاءً وَكَسْرُهَا وَإِتْبَاعُ النُّونِ لَهَا فِي الْكَسْرِ لُغَاتٌ قُرِئَ بِهَا " نِعْمَ "
نِعْمَ
فِعْلٌ لِإِنْشَاءِ الْمَدْحِ لَا يَتَصَرَّفُ.
الْهَاءُ
اسْمٌ ضَمِيرٌ غَائِبٌ يُسْتَعْمَلُ فِي الْجَرِّ وَالنَّصْبِ نَحْوَ: {قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ} وَحَرْفٌ لِلْغَيْبَةِ وَهُوَ اللَّاحِقُ لِإِيَّا وَلِلسَّكْتِ نَحْوَ: {مَا هِيَهْ} {كِتَابِيَهْ} {حِسَابِيَهْ} {سُلْطَانِيَهْ} {مَالِيَهْ} {لَمْ يَتَسَنَّهْ} وَقُرِئَ بِهَا فِي أَوَاخِرِ آيِ الْجَمْعِ كَمَا تَقَدَّمَ وَقْفًا.
هَا
تَرِدُ اسْمَ فِعْلٍ بِمَعْنَى خُذْ وَيَجُوزُ مَدُّ أَلِفِهِ فَيَتَصَرَّفُ حِينَئِذٍ لِلْمُثَنَّى وَالْجَمْعِ نَحْوَ: {هَاؤُمُ اقْرَأوا كِتَابِيَهْ} .(2/300)
وَاسْمًا ضَمِيرًا لِلْمُؤَنَّثِ نَحْوَ: {فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} وَحَرْفَ تَنْبِيهٍ فَتَدْخُلُ عَلَى الْإِشَارَةِ نَحْوَ: {هَؤُلاءِ هَذَانِ خَصْمَانِ} وَهَاهُنَا وَعَلَى ضَمِيرِ الرَّفْعِ الْمُخْبَرِ عَنْهُ بِإِشَارَةٍ نَحْوَ هَا أَنْتُمْ أولاء وَعَلَى نَعْتِ " أَيٍّ " فِي النِّدَاءِ نَحْوَ: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ} وَيَجُوزُ فِي لُغَةِ أَسَدٍ حَذْفُ أَلِفِ هَذِهِ وَضَمِّهَا إِتْبَاعًا وَعَلَيْهِ قِرَاءَةُ أَيُّهُ الثقلان.
هَاتِ
فِعْلُ أَمْرٍ لَا يَتَصَرَّفُ وَمِنْ ثَمَّ ادَّعَى بَعْضُهُمْ أَنَّهُ اسم فعل.
هَلْ
حَرْفُ اسْتِفْهَامٍ يُطْلَبُ بِهِ التَّصْدِيقُ دُونَ التَّصَوُّرِ وَلَا يَدْخُلُ عَلَى مَنْفِيٍّ وَلَا شَرْطٍ وَلَا أَنْ وَلَا اسْمٍ بَعْدَهُ فِعْلٌ غَالِبًا وَلَا عَاطِفٍ، قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَلَا يَكُونُ الْفِعْلُ مَعَهَا إِلَّا مُسْتَقْبَلًا وَرُدَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقّاً} .
وَتَرِدُ بِمَعْنَى قَدْ وَبِهِ فُسِّرَ: {هَلْ أَتَى عَلَى الْأِنْسَانِ} .
وَبِمَعْنَى النَّفْيِ نَحْوَ: {هَلْ جَزَاءُ الْأِحْسَانِ إِلَّا الْأِحْسَانُ} وَمَعَانٍ أُخَرَ سَتَأْتِي فِي مَبْحَثِ الِاسْتِفْهَامِ.(2/301)
هَلُمَّ
دُعَاءٌ إِلَى الشَّيْءِ، وَفِيهِ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ أَصْلَهُ " هَا ولم " مِنْ قَوْلِكَ: لَمَمْتُ الشَّيْءَ أَيْ أَصْلَحْتُهُ فَحُذِفَتِ الْأَلِفُ وَرُكِّبَ.
وَقِيلَ: أَصْلُهُ " هَلْ أُمَّ " كَأَنَّهُ قِيلَ: هَلْ لَكَ فِي كَذَا أُمَّهُ أَيْ اقْصُدْهُ فَرُكِّبَا وَلُغَةُ الْحِجَازِ تَرْكُهُ عَلَى حَالِهِ فِي التَّثْنِيَةِ وَالْجَمْعِ وَبِهَا وَرَدَ الْقُرْآنُ وَلُغَةُ تميم إلحاقه العلامات.
هُنَا
اسْمٌ يُشَارُ بِهِ لِلْمَكَانِ الْقَرِيبِ نَحْوَ: {إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} وَتَدْخُلُ عَلَيْهِ اللَّامُ وَالْكَافُ فَيَكُونُ لِلْبَعِيدِ نَحْوَ: {هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ} .
وَقَدْ يُشَارُ بِهِ لِلزَّمَانِ اتِّسَاعًا وَخُرِّجَ عَلَيْهِ: {هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَا أَسْلَفَتْ} {هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ} .
هِيتَ
اسْمُ فِعْلٍ بِمَعْنَى أَسْرَعَ وَبَادَرَ قَالَ فِي الْمُحْتَسَبِ وَفِيهَا لُغَاتٌ قُرِئَ بِبَعْضِهَا: "هَيَّتْ " بفتح الهاء والتاء وهيت بكسر الهاء وفتح التاء وهيت بفتح الهاء(2/302)
وكسر التاء وهيت بِفَتْحِ الْهَاءِ وَضَمِّ التَّاءِ وَقُرِئَ: "هِئْتُ " بِوَزْنِ جِئْتُ وَهُوَ فِعْلٌ بِمَعْنَى تَهَيَّأْتُ وَقُرِئَ هُيِّئْتُ وَهُوَ فعل بمعنى أصلحت.
هَيْهَاتَ
اسْمُ فِعْلٍ بِمَعْنَى بَعُدَ قَالَ تَعَالَى: {هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ} قَالَ الزَّجَّاجُ: الْبُعْدُ لِمَا تُوعَدُونَ قِيلَ: وَهَذَا غَلَطٌ أَوْقَعَهُ فِيهِ اللَّامُ فَإِنَّ تَقْدِيرَهُ بَعُدَ الْأَمْرُ لِمَا تُوعَدُونَ أَيْ لِأَجْلِهِ.
وَأَحْسَنُ مِنْهُ أَنَّ اللَّامَ لِتَبْيِينِ الْفَاعِلِ وَفِيهَا لُغَاتٌ قُرِئَ مِنْهَا بِالْفَتْحِ وَبِالضَّمِّ وَبِالْخَفْضِ مَعَ التَّنْوِينِ فِي الثلاثة وعدمه.
الْوَاوُ
جَارَّةٌ وَنَاصِبَةٌ وَغَيْرُ عَامِلَةٍ فَالْجَارَّةُ وَاوُ الْقَسَمِ نَحْوَ: {وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} .
وَالنَّاصِبَةُ وَاوُ مَعَ فَتَنْصِبُ الْمَفْعُولَ مَعَهُ فِي رَأْيِ قَوْمٍ نَحْوَ: {فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ} وَلَا ثَانِيَ لَهُ فِي الْقُرْآنِ وَالْمُضَارِعَ فِي جَوَابِ النَّفْيِ أَوِ الطَّلَبِ عِنْدَ الْكُوفِيِّينَ نَحْوَ: {وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ(2/303)
الصَّابِرِينَ} {يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ} .
وَاوُ الصَّرْفِ عِنْدَهُمْ وَمَعْنَاهَا أَنَّ الْفِعْلَ كَانَ يَقْتَضِي إِعْرَابًا فَصَرَفَتْهُ عَنْهُ إِلَى النَّصْبِ نَحْوَ: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ} فِي قِرَاءَةِ النَّصْبِ.
وَغَيْرُ الْعَامِلَةِ أَنْوَاعٌ:
أَحَدُهَا: وَاوُ الْعَطْفِ وَهِيَ لِمُطْلَقِ الْجَمْعِ فَتَعْطِفُ الشَّيْءَ عَلَى مُصَاحِبِهِ نَحْوَ: {فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ} .
وعلى سابقه نحو: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً وَإِبْرَاهِيمَ} .
وَلَاحِقِهِ نَحْوَ: {يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ} .
وَتُفَارِقُ سَائِرَ حُرُوفِ الْعَطْفِ فِي اقْتِرَانِهَا بِإِمَّا نَحْوَ: {إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً} .
وَبِـ" لَا " بَعْدَ نَفْيٍ نَحْوَ: {وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ} .
وَبِـ" لَكِنْ " نَحْوَ: {وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ} وَتَعْطِفُ الْعِقْدَ عَلَى النَّيِّفِ وَالْعَامَّ عَلَى الْخَاصِّ وَعَكْسَهُ نَحْوَ: {وَمَلَائِكَتِهِ ورسله وجبريل وميكال} {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ}(2/304)
وَالشَّيْءَ عَلَى مُرَادِفِهِ نَحْوَ: {صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ} {إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ} والمجرور على الجوار نحو: {بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ} وَقِيلَ: تَرِدُ بِمَعْنَى أَوْ وَحَمَلَ عَلَيْهِ مَالِكٌ: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} الْآيَةَ.
وَلِلتَّعْلِيلِ وَحَمَلَ عَلَيْهِ الْخَارَزَنْجِيُّ الْوَاوَ الدَّاخِلَةَ عَلَى الْأَفْعَالِ الْمَنْصُوبَةِ.
ثَانِيهَا: وَاوُ الِاسْتِئْنَافِ نَحْوَ: {ثُمَّ قَضَى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُسَمّىً عِنْدَهُ} {لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً} {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ} {مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلا هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ} بِالرَّفْعِ إِذْ لَوْ كَانَتْ عَاطِفَةً لنصب نقر وَانْجَزَمَ مَا بَعْدَهُ وَنُصِبَ أَجَلٌ.
ثَالِثُهَا: وَاوُ الْحَالِ الدَّاخِلَةُ عَلَى الْجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ نَحْوَ: {وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ} {يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ} {لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ} .
وَزَعَمَ الزَّمَخْشَرِيُّ أَنَّهَا تَدْخُلُ عَلَى الْجُمْلَةِ الْوَاقِعَةِ صِفَةً لِتَأْكِيدِ ثُبُوتِ الصفة للموصوف ولصوقها بها كَمَا تَدْخُلُ عَلَى الْحَالِيَّةِ وَجَعَلَ مِنْ ذَلِكَ: {وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ} .
رَابِعُهَا: وَاوُ الثَّمَانِيَةِ ذَكَرَهَا جَمَاعَةٌ كَالْحَرِيرِيِّ وَابْنِ خَالَوَيْهِ وَالثَّعْلَبِيِّ(2/305)
وَزَعَمُوا أَنَّ الْعَرَبَ إِذَا عَدُّوا يُدْخِلُونَ الْوَاوَ بَعْدَ السَّبْعَةِ إِيذَانًا بِأَنَّهَا عَدَدٌ تَامٌّ وَأَنَّ مَا بَعْدَهُ مُسْتَأْنَفٌ وَجَعَلُوا مِنْ ذَلِكَ قَوْلَهُ: {سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ} إِلَى قَوْلِهِ: {سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ} .
وَقَوْلَهُ: {التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ} إِلَى قَوْلِهِ: {وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ} لِأَنَّهُ الْوَصْفُ الثَّامِنُ.
وَقَوْلَهُ: {مُسْلِمَاتٍ} إِلَى قَوْلِهِ: {وَأَبْكَاراً} وَالصَّوَابُ عَدَمُ ثُبُوتِهَا وَأَنَّهَا فِي الْجَمِيعِ لِلْعَطْفِ.
خَامِسُهَا: الزَّائِدَةُ وَخُرِّجَ عَلَيْهِ وَاحِدَةٌ مِنْ قَوْلِهِ: {وَتَلَّهُ للجبين وناديناه} .
سَادِسُهَا: وَاوُ ضَمِيرِ الذُّكُورِ فِي اسْمٍ أَوْ فِعْلٍ نَحْوَ: {الْمُؤْمِنُونَ} {وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ} {قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا} .
سَابِعُهَا: وَاوُ عَلَامَةِ الْمُذَكَّرِينَ فِي لُغَةِ طَيِّءٍ وَخُرِّجَ عَلَيْهِ: {وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا} {ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ} .
ثَامِنُهَا: الْوَاوُ الْمُبْدَلَةُ مِنْ هَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ الْمَضْمُومُ مَا قَبْلَهَا كَقِرَاءَةِ قنبل: {وَإِلَيْهِ النُّشُورُ وَأَمِنْتُمْ} {قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ}(2/306)
وي كأن
قَالَ الْكِسَائِيُّ: كَلِمَةُ تَنَدُّمٍ وَتَعَجُّبٍ وَأَصْلُهُ " وَيْلَكَ " وَالْكَافُ ضَمِيرٌ مَجْرُورٌ.
وَقَالَ الْأَخْفَشُ: وَيِ اسْمُ فِعْلٍ بِمَعْنَى أَعْجَبُ وَالْكَافُ حَرْفُ خِطَابٍ وَأَنَّ عَلَى إِضْمَارِ اللَّامِ وَالْمَعْنَى: أَعْجَبُ لِأَنَّ اللَّهَ.
وَقَالَ الْخَلِيلُ: وَيْ وَحْدَهَا وَكَأَنَّ كَلِمَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ لِلتَّحْقِيقِ لَا لِلتَّشْبِيهِ.
وَقَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: يَحْتَمِلُ وَيْ كَأَنَّهُ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ: أَنْ يَكُونَ وَيْكَ حَرْفًا وأنه حرف وَالْمَعْنَى " أَلَمْ " تَرَ وَأَنْ تَكُونَ كَذَلِكَ وَالْمَعْنَى " وَيْلَكَ " وَأَنْ تَكُونَ وَيْ حَرْفًا لِلتَّعَجُّبِ وَكَأَنَّهُ حَرْفٌ وَوُصِلَا خَطًّا لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ كَمَا وُصِلَ " يبنؤم ".
وَيْلٌ
قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: وَيْلٌ تَقْبِيحٌ قَالَ تَعَالَى: {وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ} .
وَقَدْ يُوضَعُ مَوْضِعَ التَّحَسُّرِ وَالتَّفَجُّعِ نَحْوَ: {يَا وَيْلَتَنَا} {يَا وَيْلَتَى أَعَجَزْتُ} .
أَخْرَجَ الْحَرْبِيُّ فِي فَوَائِدِهِ مِنْ طَرِيقِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:(2/307)
" وَيْحَكِ! "فَجَزِعْتُ مِنْهَا فَقَالَ لِي: يَا حُمَيْرَاءُ إِنَّ " وَيْحَكِ " أَوْ " وَيْسَكِ " رَحْمَةٌ فَلَا تَجْزَعِي مِنْهَا وَلَكِنِ اجْزَعِي مِنَ الْوَيْلِ ".
يَا
حَرْفٌ لِنِدَاءِ الْبَعِيدِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا وَهِيَ أَكْثَرُ أَحْرُفِهِ اسْتِعْمَالًا وَلِهَذَا لَا يُقَدَّرُ عِنْدَ الْحَذْفِ سِوَاهَا نَحْوَ: {رَبِّ اغْفِرْ لِي} {يُوسُفُ أَعْرِضْ} وَلَا يُنَادَى اسْمُ اللَّهِ وَأَيُّهَا وَأَيَّتُهَا إِلَّا بِهَا.
قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَتُفِيدُ التَّأْكِيدَ الْمُؤْذِنَ بِأَنَّ الْخِطَابَ الَّذِي يَتْلُوهُ مُعْتَنًى بِهِ جِدًّا.
أوترد لِلتَّنْبِيهِ فَتَدْخُلُ عَلَى الْفِعْلِ وَالْحَرْفِ نَحْوَ: {أَلَّا يَسْجُدُوا} {يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ} .
تَنْبِيهٌ
هَا قَدْ أَتَيْتُ عَلَى شَرْحِ مَعَانِي الْأَدَوَاتِ الْوَاقِعَةِ فِي الْقُرْآنِ عَلَى وَجْهٍ مُوجَزٍ مُفِيدٍ مُحَصِّلٍ لِلْمَقْصُودِ مِنْهُ وَلَمْ أَبْسُطْهُ لِأَنَّ مَحَلَّ الْبَسْطِ وَالْإِطْنَابِ إِنَّمَا هُوَ تَصَانِيفُنَا فِي فَنِّ الْعَرَبِيَّةِ وَكُتُبُنَا النَّحْوِيَّةُ وَالْمَقْصُودُ فِي جَمِيعِ أَنْوَاعِ هَذَا الْكِتَابِ إِنَّمَا هُوَ ذِكْرُ الْقَوَاعِدِ وَالْأُصُولِ لَا اسْتِيعَابُ الْفُرُوعِ وَالْجُزْئِيَّاتِ.(2/308)
النَّوْعُ الْحَادِي وَالْأَرْبَعُونَ: فِي مَعْرِفَةِ إِعْرَابِهِ
أَفْرَدَهُ بِالتَّصْنِيفِ خَلَائِقُ مِنْهُمْ مَكِّيٌّ وَكِتَابُهُ فِي الْمُشْكِلِ خَاصَّةً وَالْحَوْفِيُّ وَهُوَ أَوْضَحُهَا وَأَبُو الْبَقَاءِ الْعُكْبَرِيُّ وَهُوَ أَشْهَرُهَا وَالسَّمِينُ وَهُوَ أَجَلُّهَا عَلَى مَا فِيهِ مِنْ حَشْوٍ وَتَطْوِيلٍ وَلَخَّصَهُ السَّفَاقِسِيُّ فَحَرَّرَهُ وَتَفْسِيرُ أَبِي حَيَّانَ مَشْحُونٌ بِذَلِكَ.
وَمِنْ فَوَائِدِ هَذَا النَّوْعِ مَعْرِفَةُ الْمَعْنَى لِأَنَّ الْإِعْرَابَ يُمَيِّزُ الْمَعَانِيَ وَيُوقِفُ عَلَى أَغْرَاضِ الْمُتَكَلِّمِينَ.
أَخْرَجَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي فَضَائِلِهِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: "تَعَلَّمُوا اللَّحْنَ وَالْفَرَائِضَ وَالسُّنَنَ كَمَا تَعَلَّمُونَ الْقُرْآنَ ".
وَأَخْرَجَ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَتِيقٍ قَالَ: قُلْتُ لِلْحَسَنِ: يَا أَبَا سَعِيدٍ الرَّجُلُ يَتَعَلَّمُ الْعَرَبِيَّةَ يلتمس بها حسن المنطق ويقيم بِهَا قِرَاءَتَهُ قَالَ: حَسَنٌ يَا بن أَخِي فَتَعَلَّمْهَا فَإِنَّ الرَّجُلَ يَقْرَأُ الْآيَةَ فَيَعْيَا بِوَجْهِهَا فَيَهْلِكُ فِيهَا.
وَعَلَى النَّاظِرِ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى الْكَاشِفِ عَنْ أَسْرَارِهِ النَّظَرُ فِي الْكَلِمَةِ وَصِيغَتِهَا وَمَحَلِّهَا كَكَوْنِهَا مُبْتَدَأً أَوْ خَبَرًا أَوْ فَاعِلًا أَوْ مَفْعُولًا أَوْ فِي مَبَادِئِ الْكَلَامِ أَوْ فِي جَوَابٍ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ.
وَيَجِبُ عَلَيْهِ مُرَاعَاةُ أُمُورٍ:
أَحَدُهَا: وَهُوَ أَوَّلُ وَاجِبٍ عَلَيْهِ. أَنْ يَفْهَمَ مَعْنَى مَا يُرِيدُ أَنْ يُعْرِبَهُ مُفْرَدًا أَوْ مُرَكَّبًا قَبْلَ الْإِعْرَابِ فَإِنَّهُ فَرْعُ الْمَعْنَى وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ إِعْرَابُ فَوَاتِحِ السُّوَرِ إِذَا قُلْنَا بِأَنَّهَا مِنَ الْمُتَشَابِهِ الَّذِي اسْتَأْثَرَ اللَّهُ بِعِلْمِهِ.(2/309)
وَقَالُوا فِي تَوْجِيهِ نَصْبِ " كَلَالَةٍ " فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً} : إِنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْمُرَادِ بِهَا فَإِنْ كَانَ اسْمًا لِلْمَيِّتِ فَهُوَ حال و" يورث " خبر " كان " أو صفة وكان تامة أو ناقصة وكلالة خَبَرٌ أَوْ لِلْوَرَثَةِ فَهُوَ عَلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ أَيْ ذَا كَلَالَةٍ وَهُوَ أَيْضًا حَالٌ أَوْ خَبَرٌ كَمَا تَقَدَّمَ أَوْ لِلْقَرَابَةِ فَهُوَ مَفْعُولٌ لِأَجْلِهِ.
وَقَوْلُهُ: {سَبْعاً مِنَ الْمَثَانِي} : إِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِالْمَثَانِي الْقُرْآنَ – فَـ" مِنْ " لِلتَّبْعِيضِ، - أَوِ الْفَاتِحَةَ فَلِبَيَانِ الْجِنْسِ.
وَقَوْلُهُ: {إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً} فَإِنْ كَانَ بِمَعْنَى الِاتِّقَاءِ فَهِيَ مَصْدَرٌ أَوْ بِمَعْنَى مُتَّقًى أَيْ أَمْرًا يَجِبُ اتِّقَاؤُهُ فَمَفْعُولٌ بِهِ أَوْ جَمْعًا كَرُمَاةٍ فَحَالٌ.
وَقَوْلُهُ: {غُثَاءً أَحْوَى} إِنْ أُرِيدَ بِهِ الْأَسْوَدُ مِنَ الْجَفَافِ وَالْيُبْسِ فَهُوَ صِفَةٌ لِغُثَاءٍ أَوْ مِنْ شِدَّةِ الْخُضْرَةِ فَحَالٌ مِنَ الْمَرْعَى.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَقَدْ زَلَّتْ أَقْدَامُ كَثِيرٍ مِنَ الْمُعْرِبِينَ رَاعَوْا فِي الْإِعْرَابِ ظَاهِرَ اللَّفْظِ وَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مُوجِبِ الْمَعْنَى مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ: {أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ} فَإِنَّهُ يَتَبَادَرُ إِلَى الذِّهْنِ عَطْفُ " أَنْ نَفْعَلَ " عَلَى " أَنْ نَتْرُكَ "، وَذَلِكَ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْهُمْ أَنْ يَفْعَلُوا فِي أَمْوَالِهِمْ مَا يشاؤون وَإِنَّمَا هُوَ عَطْفٌ عَلَى " مَا " فَهُوَ مَعْمُولٌ لِلتَّرْكِ وَالْمَعْنَى: أَنْ نَتْرُكَ أَنْ نَفْعَلَ وَمُوجِبُ الْوَهْمِ الْمَذْكُورِ أَنَّ الْمُعْرِبَ يَرَى أَنْ وَالْفِعْلَ مَرَّتَيْنِ وَبَيْنَهُمَا حَرْفُ الْعَطْفِ.(2/310)
الثَّانِي: أَنْ يُرَاعِيَ مَا تَقْتَضِيهِ الصِّنَاعَةُ فَرُبَّمَا رَاعَى الْمُعْرِبُ وَجْهًا صَحِيحًا وَلَا يَنْظُرُ فِي صِحَّتِهِ فِي الصِّنَاعَةِ فَيُخْطِئُ.
مِنْ ذَلِكَ قَوْلُ بَعْضِهِمْ: {وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى} : إن ثمودا مَفْعُولٌ مُقَدَّمٌ وَهَذَا مُمْتَنِعٌ لِأَنَّ لِـ" مَا " النَّافِيَةِ الصَّدْرُ فَلَا يَعْمَلُ مَا بَعْدَهَا فِيمَا قَبْلَهَا بَلْ هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى " عَادًا " أَوْ على تقدير: "وأهلك ثمودا ".
وَقَوْلُ بَعْضِهِمْ فِي: {لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} ، {لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ} إِنَّ الظَّرْفَ مُتَعَلِّقٌ بَاسِمِ لَا وَهُوَ بَاطِلٌ لِأَنَّ اسْمَ " لَا " حِينَئِذٍ مُطَوَّلٌ فَيَجِبُ نَصْبُهُ وَتَنْوِينُهُ وَإِنَّمَا هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ.
وَقَوْلُ الْحَوْفِيِّ: إِنَّ الْبَاءَ مِنْ قَوْلِهِ: {فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ} مُتَعَلِّقَةٌ بِـ" نَاظِرَةٌ " وَهُوَ بَاطِلٌ لِأَنَّ الِاسْتِفْهَامَ لَهُ الصَّدْرُ بَلْ هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِمَا بَعْدَهُ.
وَكَذَا قَوْلُ غَيْرِهِ فِي: {مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا} إِنَّهُ حَالٌ مِنْ مَعْمُولِ " ثُقِفُوا " أَوْ " أُخِذُوا " بَاطِلٌ لِأَنَّ الشَّرْطَ لَهُ الصَّدْرُ بَلْ هُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى الذَّمِّ.
الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ مليا بالعربية لئلا يخرج عل مَا لَمْ يَثْبُتْ كَقَوْلِ أَبِي عُبَيْدَةَ فِي: {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ} : إِنَّ الْكَافَ قَسَمٌ حَكَاهُ مَكِّيٌّ وَسَكَتَ عَلَيْهِ فَشَنَّعَ ابْنُ الشَّجَرِيِّ عَلَيْهِ فِي سُكُوتِهِ وَيُبْطِلُهُ أَنَّ الْكَافَ لَمْ تَجِئْ(2/311)
بِمَعْنَى وَاوِ الْقَسَمِ وَإِطْلَاقَ مَا الْمَوْصُولَةِ عَلَى اللَّهِ وَرَبْطَ الْمَوْصُولِ بِالظَّاهِرِ وَهُوَ فَاعِلُ " أَخْرَجَكَ " وَبَابُ ذَلِكَ الشِّعْرُ.
وَأَقْرَبُ مَا قِيلَ فِي الآية إنها مع مجر ورها خَبَرٌ مَحْذُوفٌ أَيْ هَذِهِ الْحَالُ مِنْ تَنْفِيلِكَ الْغُزَاةَ عَلَى مَا رَأَيْتَ فِي كَرَاهَتِهِمْ لَهَا كَحَالِ إِخْرَاجِكَ لِلْحَرْبِ فِي كَرَاهِيَتِهِمْ لَهَا. وَكَقَوْلِ ابْنِ مِهْرَانَ فِي قِرَاءَةِ: "إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَتْ " بِتَشْدِيدِ التَّاءِ: إِنَّهُ مِنْ زِيَادَةِ التَّاءِ فِي أَوَّلِ الْمَاضِي وَلَا حَقِيقَةَ لِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ وَإِنَّمَا أَصْلُ الْقِرَاءَةِ: "إِنَّ الْبَقَرَةَ تَشَابَهَتْ " بِتَاءِ الْوَحْدَةِ ثُمَّ أُدْغِمَتْ فِي تَاءِ " تَشَابَهَتْ " فَهُوَ إِدْغَامٌ مِنْ كَلِمَتَيْنِ.
الرَّابِعُ: أَنْ يَتَجَنَّبَ الْأُمُورَ الْبَعِيدَةَ وَالْأَوْجُهَ الضَّعِيفَةَ وَاللُّغَاتِ الشَّاذَّةَ.
وَيُخَرِّجُ عَلَى الْقَرِيبِ وَالْقَوِيِّ وَالْفَصِيحِ فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ فِيهِ إِلَّا الْوَجْهُ الْبَعِيدُ فَلَهُ عُذْرٌ وَإِنْ ذَكَرَ الْجَمِيعَ لِقَصْدِ الْإِغْرَابِ وَالتَّكْثِيرِ فَصَعْبٌ شَدِيدٌ أَوْ لِبَيَانِ الْمُحْتَمَلِ وَتَدْرِيبِ الطَّالِبِ فَحَسَنٌ فِي غَيْرِ أَلْفَاظِ الْقُرْآنِ أَمَّا التَّنْزِيلُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُخَرَّجَ إِلَّا عَلَى مَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ إِرَادَتُهُ فَإِنْ لَمْ يَغْلِبْ شَيْءٌ فَلْيَذْكُرِ الْأَوْجُهَ الْمُحْتَمَلَةَ مِنْ غَيْرِ تَعَسُّفٍ وَمِنْ ثَمَّ خُطِّئَ مَنْ قال في: {وَقِيلِهِ} ، بِالْجَرِّ أَوِ النَّصْبِ: إِنَّهُ عُطِفَ عَلَى لَفْظِ " السَّاعَةِ " أَوْ مَحَلِّهَا لِمَا بَيْنَهُمَا مِنَ التَّبَاعُدِ وَالصَّوَابُ أَنَّهُ قَسَمٌ أَوْ مَصْدَرُ " قَالَ " مقدرا.
وَمَنْ قَالَ فِي: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ} : إِنَّ خَبَرَهُ {أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ} ، وَالصَّوَابُ أَنَّهُ مَحْذُوفٌ.
وَمَنْ قَالَ فِي: {ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ} : إِنَّ جَوَابَهُ {إِنَّ ذَلِكَ(2/312)
لَحَقٌّ} وَالصَّوَابُ أَنَّهُ مَحْذُوفٌ أَيْ مَا الْأَمْرُ كَمَا زَعَمُوا أَوْ إِنَّهُ لَمُعْجِزٌ أَوْ إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ.
وَمَنْ قَالَ فِي: {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ} : إن الوقف على " جناح " و" عليه " إِغْرَاءٌ لِأَنَّ إِغْرَاءَ الْغَائِبِ ضَعِيفٌ بِخِلَافِ الْقَوْلِ بِمِثْلِ ذَلِكَ فِي {عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا} فَإِنَّهُ حَسَنٌ لِأَنَّ إِغْرَاءَ الْمُخَاطَبِ فَصِيحٌ.
وَمَنْ قَالَ فِي: {لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ} إِنَّهُ مَنْصُوبٌ عَلَى الِاخْتِصَاصِ لِضَعْفِهِ بَعْدَ ضَمِيرِ الْمُخَاطَبِ وَالصَّوَابُ أَنَّهُ مُنَادَى.
وَمَنْ قَالَ فِي: {تَمَاماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ} بِالرَّفْعِ: إِنَّ " أَصْلَهُ " أَحْسَنُوا فَحُذِفَتِ الْوَاوُ اجْتِزَاءً عَنْهَا بِالضَّمَّةِ لِأَنَّ بَابَ ذَلِكَ الشِّعْرُ وَالصَّوَابُ تَقْدِيرُ مُبْتَدَإٍ أَيْ هُوَ أَحْسَنُ.
وَمَنْ قَالَ فِي: {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ} بِضَمِّ الرَّاءِ الْمُشَدَّدَةِ إِنَّهُ مِنْ بَابِ:
إِنَّكَ إِنْ يُصْرَعْ أَخُوكَ تُصْرَعِ
لِأَنَّ ذَلِكَ خَاصٌّ بِالشِّعْرِ وَالصَّوَابُ أَنَّهَا ضَمَّةُ إِتْبَاعٍ وَهُوَ مَجْزُومٌ.
وَمَنْ قَالَ فِي: {وَأَرْجُلَكُمْ} إِنَّهُ مَجْرُورٌ عَلَى الْجِوَارِ لِأَنَّ الْجَرَّ عَلَى الْجِوَارِ فِي نَفْسِهِ ضَعِيفٌ شَاذٌّ لَمْ يَرِدْ مِنْهُ إِلَّا أَحْرُفٌ يَسِيرَةٌ وَالصَّوَابُ أَنَّهُ مَعْطُوفٌ على {بِرُؤُوسِكُمْ} عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَسْحُ الْخُفِّ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ وَقَدْ يَكُونُ الْمَوْضِعُ لَا يَتَخَرَّجُ إِلَّا عَلَى وَجْهٍ مَرْجُوحٍ،(2/313)
فَلَا حَرَجَ عَلَى مُخْرِجِهِ كَقِرَاءَةِ: {نُجِي المُؤْمِنِينَ} قِيلَ: الْفِعْلُ مَاضٍ وَيُضَعِّفُهُ إِسْكَانُ آخِرِهِ وَإِنَابَةُ ضَمِيرِ الْمَصْدَرِ عَنِ الْفَاعِلِ مَعَ وُجُودِ الْمَفْعُولِ بِهِ.
وَقِيلَ: مُضَارِعٌ أَصْلُهُ " نُنْجِي " بِسُكُونِ ثَانِيهٍ وَيُضَعِّفُهُ أَنَّ النُّونَ لَا تُدْغَمُ فِي الْجِيمِ وَقِيلَ: أَصْلُهُ " نُنَجِّي " بِفَتْحِ ثَانِيهِ وَتَشْدِيدِ ثَالِثِهِ فَحُذِفَتِ النُّونُ وَيُضَعِّفُهُ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ إِلَّا فِي التَّاءِ.
الْخَامِسُ: أَنْ يَسْتَوْفِيَ جَمِيعَ مَا يَحْتَمِلُهُ اللَّفْظُ مِنَ الْأَوْجُهِ الظَّاهِرَةِ فَتَقُولُ فِي نَحْوِ: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} يَجُوزُ كَوْنُ الْأَعْلَى صِفَةً لِلرَّبِّ وَصِفَةً لِلِاسْمِ وَفِي نَحْوِ: {هُدىً لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ} يَجُوزُ كَوْنُ " الَّذِينَ " تَابِعًا وَمَقْطُوعًا إِلَى النَّصْبِ بِإِضْمَارِ " أَعْنِي " أَوْ " أَمْدَحُ " وَإِلَى الرَّفْعِ بِإِضْمَارِ " هُمْ ".
السَّادِسُ: أَنْ يُرَاعِيَ الشُّرُوطَ الْمُخْتَلِفَةَ بِحَسَبِ الْأَبْوَابِ وَمَتَى لَمْ يَتَأَمَّلْهَا اخْتَلَطَتْ عَلَيْهِ الْأَبْوَابُ وَالشَّرَائِطُ وَمِنْ ثَمَّ خُطِّئَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {مَلِكِ النَّاسِ إِلَهِ النَّاسِ} إِنَّهُمَا عَطْفُ بَيَانٍ وَالصَّوَابُ أَنَّهُمَا نَعْتَانِ لِاشْتِرَاطِ الِاشْتِقَاقِ فِي النَّعْتِ وَالْجُمُودِ فِي عَطْفِ الْبَيَانِ.
وَفِي قَوْلِهِ فِي: {إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ} بِنَصْبِ " تَخَاصُمِ ": إِنَّهُ صِفَةٌ لِلْإِشَارَةِ لِأَنَّ اسْمَ الْإِشَارَةِ إِنَّمَا يُنْعَتُ بِذِي اللَّامِ الْجِنْسِيَّةِ وَالصَّوَابُ كَوْنُهُ بَدَلًا.(2/314)
وَفِي قَوْلِهِ فِي: {فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ} وفي {سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا} إِنَّ الْمَنْصُوبَ فِيهِمَا ظَرْفٌ لِأَنَّ ظَرْفَ الْمَكَانِ شَرْطُهُ الْإِبْهَامُ وَالصَّوَابُ أَنَّهُ عَلَى إِسْقَاطِ الْجَارِّ تَوَسُّعًا وَهُوَ فِيهِمَا " إِلَى ".
وَفِي قَوْلِهِ: {مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ} : إِنَّ " أَنْ " مَصْدَرِيَّةٌ وَهِيَ وَصِلَتُهَا عَطْفُ بَيَانٍ عَلَى الْهَاءِ لِامْتِنَاعِ عَطْفِ الْبَيَانِ عَلَى الضَّمِيرِ كَنَعْتِهِ. وَهَذَا الْأَمْرُ السَّادِسُ عَدَّهُ ابْنُ هِشَامٍ فِي الْمُغْنِي وَيَحْتَمِلُ دُخُولُهُ فِي الْأَمْرِ الثَّانِي.
السَّابِعُ: أَنْ يُرَاعِيَ فِي كُلِّ تَرْكِيبٍ مَا يُشَاكِلُهُ فَرُبَّمَا خَرَّجَ كَلَامًا عَلَى شَيْءٍ وَيَشْهَدُ اسْتِعْمَالٌ آخَرُ فِي نَظِيرِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ بِخِلَافِهِ وَمِنْ ثَمَّ خُطِّئَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي قَوْلِهِ فِي: {وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ} إِنَّهُ عُطِفَ عَلَى {فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى} وَلَمْ يَجْعَلْهُ مَعْطُوفًا عَلَى: {يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ} لِأَنَّ عَطْفَ الِاسْمِ عَلَى الِاسْمِ أَوْلَى وَلَكِنَّ مَجِيءَ قَوْلِهِ: {يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ} بِالْفِعْلِ فِيهِمَا يَدُلُّ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ وَمِنْ ثَمَّ خُطِّئَ مَنْ قَالَ فِي: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ} إِنَّ الْوَقْفَ عَلَى " رَيْبَ " وَ" فِيهِ " خَبَرُ " هُدًى " وَيَدُلُّ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ قَوْلُهُ فِي سُورَةِ السَّجْدَةِ: {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} .(2/315)
وَمَنْ قَالَ فِي: {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} : إِنَّ الرَّابِطَ الْإِشَارَةُ وَإِنَّ الصَّابِرَ وَالْغَافِرَ جُعِلَا مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ مُبَالَغَةً وَالصَّوَابُ أَنَّ الْإِشَارَةَ لِلصَّبْرِ وَالْغُفْرَانِ بِدَلِيلِ: {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} وَلَمْ يَقُلْ " إِنَّكُمْ ".
وَمَنْ قَالَ فِي نَحْوِ: {وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ} إِنَّ الْمَجْرُورَ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ وَالصَّوَابُ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ لِأَنَّ الخبر لم يجيء فِي التَّنْزِيلِ مُجَرَّدًا مِنَ الْبَاءِ إِلَّا وَهُوَ مَنْصُوبٌ.
وَمَنْ قَالَ فِي: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} إِنَّ الِاسْمَ الْكَرِيمَ مُبْتَدَأٌ وَالصَّوَابُ أَنَّهُ فَاعِلٌ بِدَلِيلِ: {لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ} .
تَنْبِيهٌ
وَكَذَا إِذَا جَاءَتْ قِرَاءَةٌ أُخْرَى فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ بِعَيْنِهِ تساعد أحد الإعرابيين فَيَنْبَغِي أَنْ يُتَرَجَّحَ كَقَوْلِهِ: {وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ} ، قِيلَ: التَّقْدِيرُ: وَلَكِنَّ ذَا الْبِرِّ وَقِيلَ: وَلَكِنَّ البر بر مَنْ آمَنَ وَيُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ أَنَّهُ قُرِئَ: "وَلَكِنَّ الْبَارَّ ".
تَنْبِيهٌ
وَقَدْ يُوجَدُ مَا يُرَجِّحُ كُلًّا مِنَ الْمُحْتَمَلَاتِ فَيُنْظَرُ فِي أَوْلَاهَا نَحْوَ: {فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِداً} ، فَـ" مَوْعِدًا " مُحْتَمِلٌ لِلْمَصْدَرِ وَيَشْهَدُ لَهُ: {لَا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلا أَنْتَ} وَلِلزَّمَانِ وَيَشْهَدُ لَهُ: {قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ} وَلِلْمَكَانِ وَيَشْهَدُ لَهُ: {مَكَاناً سُوَىً} وَإِذَا أَعْرَبَ " مَكَانًا " بَدَلًا مِنْهُ لَا ظَرْفًا لِـ" نُخْلِفُهُ " تَعَيَّنَ ذَلِكَ.(2/316)
الثامن: أن يراعي الاسم وَمِنْ ثَمَّ خُطِّئَ مَنْ قَالَ فِي: {سَلْسَبِيلاً} إِنَّهَا جُمْلَةٌ أَمْرِيَّةٌ أَيْ سَلْ طَرِيقًا مُوَصِّلَةً إِلَيْهَا لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ كَذَلِكَ لَكُتِبَتْ مَفْصُولَةً.
وَمَنْ قَالَ فِي: {إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ} ،: إِنَّهَا إِنَّ وَاسْمُهَا أَيْ إِنَّ الْقِصَّةَ وَذَانِ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ لَسَاحِرَانِ وَالْجُمْلَةُ خَبَرُ إِنَّ وَهُوَ بَاطِلٌ برسم " أن " منفصلة وهذان مُتَّصِلَةً.
وَمَنْ قَالَ فِي: {وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ} إِنَّ اللَّامَ لِلِابْتِدَاءِ وَالَّذِينَ مُبْتَدَأٌ وَالْجُمْلَةُ بَعْدَهُ خَبَرُهُ وَهُوَ بَاطِلٌ فَإِنَّ الرَّسْمَ " وَلَا ".
وَمَنْ قَالَ في: {أَيُّهُمْ أَشَدُّ} إِنَّ " هُمْ أَشَدُّ " مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ وَأَيُّ مَقْطُوعَةٌ عَنِ الْإِضَافَةِ وَهُوَ بَاطِلٌ بِرَسْمِ " أَيُّهُمْ " مُتَّصِلَةً.
وَمَنْ قَالَ فِي: {وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ} إِنَّ " هُمْ " ضَمِيرُ رَفْعٍ مُؤَكِّدٌ لِلْوَاوِ وَهُوَ بَاطِلٌ بِرَسْمِ الْوَاوِ فِيهِمَا بِلَا أَلِفٍ بَعْدَهَا وَالصَّوَابُ أَنَّهُ مَفْعُولٌ.
التَّاسِعُ: أَنْ يَتَأَمَّلَ عِنْدَ وُرُودِ الْمُشْتَبِهَاتِ وَمِنْ ثَمَّ خُطِّئَ مَنْ قَالَ فِي: {أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَداً} إنه فعل تَفْضِيلٍ وَالْمَنْصُوبُ تَمْيِيزٌ وَهُوَ بَاطِلٌ فَإِنَّ " الْأَمَدَ " لَيْسَ مُحْصِيًا بَلْ مُحْصًى وَشَرْطُ التَّمْيِيزِ الْمَنْصُوبِ بَعْدَ(2/317)
" أَفْعَلَ " كَوْنُهُ فَاعِلًا فِي الْمَعْنَى فَالصَّوَابُ أَنَّهُ فِعْلٌ وَأَمَدًا مَفْعُولٌ مِثْلَ: {وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً} .
الْعَاشِرُ: أَلَّا يُخَرِّجَ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ أَوْ خِلَافِ الظَّاهِرِ لِغَيْرِ مُقْتَضٍ وَمِنْ ثَمَّ خُطِّئَ مَكِّيٌّ فِي قَوْلِهِ فِي: {لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى كَالَّذِي} إِنَّ الْكَافَ نَعْتٌ لِمَصْدَرٍ أَيْ إِبْطَالًا كَإِبْطَالِ الَّذِي. وَالْوَجْهُ كَوْنُهُ حَالًا مِنَ الْوَاوِ أَيْ لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ مُشْبِهِينَ الَّذِي فَهَذَا لَا حَذْفَ فِيهِ.
الْحَادِي عَشَرَ: أَنْ يَبْحَثَ عَنِ الْأَصْلِيِّ وَالزَّائِدِ نَحْوَ: {إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} فَإِنَّهُ قَدْ يُتَوَهَّمُ أَنَّ الْوَاوَ فِي {يَعْفُونَ} ضَمِيرُ الْجَمْعِ فَيُشْكِلُ إِثْبَاتُ النُّونِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هِيَ فِيهِ لَامُ الْكَلِمَةِ فَهِيَ أَصْلِيَّةٌ وَالنُّونُ ضَمِيرُ النِّسْوَةِ وَالْفِعْلُ مَعَهَا مَبْنِيٌّ وَوَزْنُهُ: "يَفْعُلْنَ " بِخِلَافِ {وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ} فَالْوَاوُ فِيهِ ضَمِيرُ الْجَمْعِ وَلَيْسَتْ مِنْ أَصْلِ الْكَلِمَةِ.
الثَّانِي عَشَرَ: أَنْ يَجْتَنِبَ إِطْلَاقَ لَفْظِ الزَّائِدِ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّ الزَّائِدَ قَدْ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا مَعْنَى لَهُ وَكِتَابُ اللَّهِ مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ وَلِذَا فَرَّ بَعْضُهُمْ إِلَى التَّعْبِيرِ بَدَلَهُ بِالتَّأْكِيدِ وَالصِّلَةِ وَالْمُقْحَمِ.
وَقَالَ ابْنُ الْخَشَّابِ اخْتُلِفَ فِي جَوَازِ إِطْلَاقِ لَفْظِ الزَّائِدِ فِي الْقُرْآنِ،(2/318)
فَالْأَكْثَرُونَ عَلَى جَوَازِهِ نَظَرًا إِلَى أَنَّهُ نَزَلَ بِلِسَانِ الْقَوْمِ وَمُتَعَارَفِهِمْ وَلِأَنَّ الزِّيَادَةَ بِإِزَاءِ الْحَذْفِ هَذَا لِلِاخْتِصَارِ وَالتَّخْفِيفِ وَهَذَا لِلتَّوْكِيدِ وَالتَّوْطِئَةِ. وَمِنْهُمْ مَنْ أَبَى ذَلِكَ وَقَالَ: هَذِهِ الْأَلْفَاظُ الْمَحْمُولَةُ عَلَى الزِّيَادَةِ جَاءَتْ لِفَوَائِدَ وَمَعَانٍ تَخُصُّهَا فَلَا أَقْضِي عَلَيْهَا بِالزِّيَادَةِ.
قَالَ: وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهُ إِنْ أُرِيدَ بِالزِّيَادَةِ إِثْبَاتُ مَعْنًى لَا حَاجَةَ إِلَيْهِ فَبَاطِلٌ لِأَنَّهُ عَبَثٌ فَتَعَيَّنَ أَنَّ إِلَيْنَا بِهِ حَاجَةً لَكِنَّ الْحَاجَةَ إِلَى الْأَشْيَاءِ قَدْ تَخْتَلِفُ بِحَسَبِ الْمَقَاصِدِ فَلَيْسَتِ الْحَاجَةُ إِلَى اللَّفْظِ الَّذِي عَدَّهُ هَؤُلَاءِ زِيَادَةً كَالْحَاجَةِ إِلَى اللَّفْظِ الْمَزِيدِ عَلَيْهِ. انْتَهَى.
وَأَقُولُ: بَلِ الْحَاجَةُ إِلَيْهِ كَالْحَاجَةِ إِلَيْهِ سَوَاءٌ بِالنَّظَرِ إِلَى مُقْتَضَى الْفَصَاحَةِ وَالْبَلَاغَةِ وَأَنَّهُ لَوْ تُرِكَ كَانَ الْكَلَامُ دُونَهُ مَعَ إِفَادَتِهِ أَصْلَ الْمَعْنَى الْمَقْصُودِ أَبْتَرَ خَالِيًا عَنِ الرَّوْنَقِ الْبَلِيغِيِّ لَا شُبْهَةَ فِي ذَلِكَ وَمِثْلُ هَذَا يُسْتَشْهَدُ عَلَيْهِ بِالْإِسْنَادِ الْبَيَانِيِّ الَّذِي خَالَطَ كَلَامَ الْفُصَحَاءِ وَعَرَفَ مَوَاقِعَ اسْتِعْمَالِهَا وَذَاقَ حَلَاوَةَ أَلْفَاظِهِمْ وَأَمَّا النَّحْوِيُّ الْجَافِي فَعَنْ ذَلِكَ بِمُنْقَطَعِ الثَّرَى.
تَنْبِيهَاتٌ
الْأَوَّلُ: قَدْ يَتَجَاذَبُ الْمَعْنَى وَالْإِعْرَابُ الشَّيْءَ الْوَاحِدَ بِأَنْ يُوجَدَ فِي الْكَلَامِ أَنَّ الْمَعْنَى يَدْعُو إِلَى أَمْرٍ وَالْإِعْرَابَ يَمْنَعُ مِنْهُ وَالْمُتَمَسَّكُ به صحة المعنى ويؤول لِصِحَّةِ الْمَعْنَى الْإِعْرَابُ وَذَلِكَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ} فَالظَّرْفُ الَّذِي هُوَ " يَوْمٌ " يَقْتَضِي الْمَعْنَى أَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِالْمَصْدَرِ وَهُوَ " رَجْعٌ " أَيْ أَنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ لَقَادِرٌ لَكِنَّ الْإِعْرَابَ يَمْنَعُ مِنْهُ لِعَدَمِ جَوَازِ الْفَصْلِ بَيْنَ الْمَصْدَرِ وَمَعْمُولِهِ فَيُجْعَلُ الْعَامِلُ فِيهِ فِعْلًا مُقَدَّرًا دَلَّ عَلَيْهِ الْمَصْدَرُ(2/319)
وَكَذَا: {أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ} فالمعنى يقتضي تعلق " إذ " بِالْمَقْتِ وَالْإِعْرَابُ يَمْنَعُهُ لِلْفَصْلِ الْمَذْكُورِ فَيُقَدَّرُ لَهُ فِعْلٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ.
الثَّانِي: قَدْ يَقَعُ فِي كَلَامِهِمْ هَذَا تَفْسِيرُ مَعْنًى وَهَذَا تَفْسِيرُ إِعْرَابٍ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ تَفْسِيرَ الْإِعْرَابِ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ مُلَاحَظَةِ الصِّنَاعَةِ النَّحْوِيَّةِ وَتَفْسِيرَ الْمَعْنَى لَا تَضُرُّهُ مُخَالَفَةُ ذَلِكَ.
الثَّالِثُ: قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي فَضَائِلِ الْقُرْآنِ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: "سَأَلْتُ عَائِشَةَ عَنْ لَحْنِ الْقُرْآنِ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ} وَعَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} وَعَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ} فقالت: يا بن أَخِي هَذَا عَمَلُ الْكُتَّابِ أَخْطَئُوا فِي الْكِتَابِ " هَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ.
وَقَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ عَنْ هَارُونَ بْنِ مُوسَى أَخْبَرَنِي الزُّبَيْرُ بْنُ الْخِرِّيتِ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: لَمَّا كُتِبَتِ الْمَصَاحِفُ عُرِضَتْ عَلَى عُثْمَانَ فَوَجَدَ فِيهَا حُرُوفًا مِنَ اللَّحْنِ فَقَالَ: لَا تُغَيِّرُوهَا فَإِنَّ الْعَرَبَ سَتُغَيِّرُهَا - أَوْ قَالَ: سَتُعْرِبُهَا بِأَلْسِنَتِهَا لَوْ كَانَ الْكَاتِبُ مِنْ ثَقِيفٍ وَالْمُمْلِي مِنْ هُذَيْلٍ لَمْ تُوجَدْ فِيهِ هَذِهِ الْحُرُوفُ. أَخْرَجَهُ ابْنُ الأنبا ري فِي كِتَابِ الرَّدِّ عَلَى مَنْ خَالَفَ مُصْحَفَ عُثْمَانَ وَابْنُ أُشْتَةَ فِي كِتَابِ الْمَصَاحِفِ.
ثُمَّ أَخْرَجَ ابن الأنبا ري نَحْوَهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْأَعْلَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ وَابْنِ أُشْتَةَ نَحْوَهُ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ.(2/320)
وَأَخْرَجَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي بِشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ: {وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ} وَيَقُولُ: هُوَ لَحْنٌ مِنَ الْكَاتِبِ.
وَهَذِهِ الْآثَارُ مُشْكِلَةٌ جِدًّا وَكَيْفَ يُظَنُّ بِالصَّحَابَةِ أَوَّلًا أَنَّهُمْ يَلْحَنُونَ فِي الْكَلَامِ فَضْلًا عَنِ الْقُرْآنِ وَهُمُ الْفُصَحَاءُ اللُّدُّ ثُمَّ كَيْفَ يُظَنُّ بِهِمْ ثَانِيًا فِي الْقُرْآنِ الَّذِي تَلَقَّوْهُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا أُنْزِلَ وَحَفِظُوهُ وَضَبَطُوهُ واتقوه ثُمَّ كَيْفَ يُظَنُّ بِهِمْ ثَالِثًا اجْتِمَاعُهُمْ كُلُّهُمْ عَلَى الْخَطَإِ وَكِتَابَتِهِ! ثُمَّ كَيْفَ يُظَنُّ بِهِمْ رَابِعًا عَدَمُ تَنَبُّهِهِمْ وَرُجُوعِهِمْ عَنْهُ ثُمَّ كَيْفَ يُظَنُّ بِعُثْمَانَ أَنَّهُ يَنْهَى عَنْ تَغْيِيرِهِ! ثُمَّ كَيْفَ يُظَنُّ أَنَّ الْقِرَاءَةَ اسْتَمَرَّتْ عَلَى مُقْتَضَى ذَلِكَ الْخَطَإِ وَهُوَ مَرْوِيٌّ بِالتَّوَاتُرِ خَلَفًا عَنْ سَلَفٍ! هَذَا مِمَّا يَسْتَحِيلُ عَقْلًا وَشَرْعًا وَعَادَةً. وَقَدْ أَجَابَ الْعُلَمَاءُ عَنْ ذَلِكَ بِثَلَاثَةِ أَجْوِبَةٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّ ذَلِكَ لَا يَصِحُّ عَنْ عُثْمَانَ فَإِنَّ إِسْنَادَهُ ضَعِيفٌ مُضْطَرِبٌ مُنْقَطِعٌ وَلِأَنَّ عُثْمَانَ جُعِلَ لِلنَّاسِ إِمَامًا يَقْتَدُونَ بِهِ فَكَيْفَ يَرَى فِيهِ لَحْنًا وَيَتْرُكُهُ لِتُقِيمَهُ الْعَرَبُ بِأَلْسِنَتِهَا! فَإِذَا كَانَ الَّذِينَ تَوَلَّوْا جَمْعَهُ وَكِتَابَتَهُ لَمْ يُقِيمُوا ذَلِكَ وَهُمُ الْخِيَارُ فَكَيْفَ يُقِيمُهُ غَيْرُهُمْ! وَأَيْضًا فَإِنَّهُ لَمْ يَكْتُبْ مُصْحَفًا وَاحِدًا بَلْ كَتَبَ عِدَّةَ مَصَاحِفَ فَإِنْ قِيلَ: إنَّ اللَّحْنَ وَقَعَ فِي جَمِيعِهَا فَبَعِيدٌ اتِّفَاقُهَا عَلَى ذَلِكَ أَوْ فِي بَعْضِهَا فَهُوَ اعْتِرَافٌ بِصِحَّةِ الْبَعْضِ وَلَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ أَنَّ اللَّحْنَ كَانَ فِي مُصْحَفٍ دُونَ مُصْحَفٍ وَلَمْ تَأْتِ الْمَصَاحِفُ قَطُّ مُخْتَلِفَةً إِلَّا فِيمَا هُوَ مِنْ وُجُوهِ الْقِرَاءَةِ وَلَيْسَ ذَلِكَ بلحن.
الوجه الثَّانِي: عَلَى تَقْدِيرِ صِحَّةِ الرِّوَايَةِ إِنَّ ذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى الرَّمْزِ وَالْإِشَارَةِ وَمَوَاضِعِ الْحَذْفِ نَحْوَ: "الكتب "، " وَالصَّابِرِينَ " وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ.
الثَّالِثُ: أنه مؤول عَلَى أَشْيَاءَ خَالَفَ لَفْظُهَا رَسْمَهَا كَمَا كَتَبُوا(2/321)
{وَلَا أَوْضَعُوا} وَ {لَا أَذْبَحَنَّهُ} بألف بعد لا و {جزاؤا الظالمين} بواو وألف و " بأييد " بِيَاءَيْنِ فَلَوْ قُرِئَ بِظَاهِرِ الْخَطِّ لَكَانَ لَحْنًا وَبِهَذَا الْجَوَابِ وَمَا قَبْلَهُ جَزَمَ ابْنُ أُشْتَةَ فِي كِتَابِ الْمَصَاحِفِ.
وَقَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ فِي كِتَابِ: "الرَّدِّ عَلَى مَنْ خَالَفَ مُصْحَفَ عُثْمَانَ "فِي الْأَحَادِيثِ الْمَرْوِيَّةِ عَنْ عُثْمَانَ فِي ذَلِكَ: لَا تَقُومُ بِهَا حُجَّةٌ لِأَنَّهَا مُنْقَطِعَةٌ غَيْرُ مُتَّصِلَةٍ وَمَا يَشْهَدُ عَقْلٌ بِأَنَّ عُثْمَانَ وَهُوَ إِمَامُ الْأُمَّةِ الَّذِي هُوَ إِمَامُ النَّاسِ فِي وَقْتِهِ وَقُدْوَتُهُمْ يَجْمَعُهُمْ عَلَى الْمُصْحَفِ الَّذِي هُوَ الْإِمَامُ فَيَتَبَيَّنُ فِيهِ خَلَلًا وَيُشَاهِدُ فِي خَطِّهِ زَلَلًا فَلَا يُصْلِحُهُ! كَلَّا وَاللَّهِ مَا يَتَوَهَّمُ عَلَيْهِ هَذَا ذُو إِنْصَافٍ وَتَمْيِيزٍ وَلَا يُعْتَقَدُ أَنَّهُ أَخَّرَ الْخَطَأَ فِي الْكِتَابِ لِيُصْلِحَهُ مَنْ بَعْدَهُ. وَسَبِيلُ الْجَائِينَ مِنْ بَعْدِهِ الْبِنَاءُ عَلَى رَسْمِهِ وَالْوُقُوفُ عِنْدَ حُكْمِهِ. وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ عُثْمَانَ أَرَادَ بِقَوْلِهِ: "أَرَى فِيهِ لَحْنًا "، أَرَى فِي خَطِّهِ لَحْنًا إِذَا أَقَمْنَاهُ بِأَلْسِنَتِنَا كَانَ لَحْنُ الْخَطِّ غَيْرَ مُفْسِدٍ وَلَا مُحَرِّفٍ مِنْ جِهَةِ تَحْرِيفِ الْأَلْفَاظِ وَإِفْسَادِ الْإِعْرَابِ فَقَدْ أَبْطَلَ وَلَمْ يُصِبْ لِأَنَّ الْخَطَّ مُنْبِئٌ عَنِ النُّطْقِ فَمَنْ لَحَنَ فِي كَتْبِهِ فَهُوَ لَاحِنٌ فِي نُطْقِهِ وَلَمْ يَكُنْ عُثْمَانُ لِيُؤَخِّرَ فَسَادًا فِي هِجَاءِ أَلْفَاظِ الْقُرْآنِ مِنْ جِهَةِ كَتْبٍ وَلَا نُطْقٍ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ كَانَ مُوَاصِلًا لِدَرْسِ الْقُرْآنِ مُتْقِنًا لِأَلْفَاظِهِ مُوَافِقًا عَلَى مَا رُسِمَ فِي المصاحف المنقذة إِلَى الْأَمْصَارِ وَالنَّوَاحِي. ثُمَّ أَيَّدَ ذَلِكَ بِمَا أَخْرَجَهُ أَبُو عُبَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُبَارَكٍ حَدَّثَنَا أَبُو وَائِلٍ - شَيْخٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ - عَنْ هَانِئٍ الْبَرْبَرِيِّ مَوْلَى عُثْمَانَ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ عُثْمَانَ وَهُمْ يَعْرِضُونَ الْمَصَاحِفَ فَأَرْسَلَنِي بِكَتِفِ شَاةٍ إِلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ فِيهَا {لَمْ(2/322)
يَتَسَن} وفيها {لا تَبْدِيل للخَلْق} وفيها {فَأَمْهِل الكافِرين} قَالَ: فَدَعَا بِالدَّوَاةِ فَمَحَا أَحَدَ اللَّامَيْنِ فَكَتَبَ: {لَخَلْقِ اللَّهِ} وَمَحَى {فَأَمْهِل} وَكَتَبَ {فَمَهِّلِ} وَكَتَبَ {لَمْ يَتَسَنَّهْ} أَلْحَقَ فِيهَا الْهَاءَ. قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: فَكَيْفَ يُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ رَأَى فَسَادًا فَأَمْضَاهُ وَهُوَ يُوقَفُ عَلَى مَا كُتِبَ وَيُرْفَعُ الْخِلَافُ إِلَيْهِ الْوَاقِعُ مِنَ النَّاسِخِينَ لِيَحْكُمَ بِالْحَقِّ وَيُلْزِمَهُمْ إِثْبَاتُ الصَّوَابِ وَتَخْلِيدُهُ؟!! انْتَهَى.
قُلْتُ: وَيُؤَيِّدُ هَذَا أَيْضًا مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ أُشْتَةَ فِي الْمَصَاحِفِ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عُثْمَانَ أَنْبَأَنَا الرَّبِيعُ بْنُ بَدْرٍ عَنْ سَوَّارِ بْنِ شَبِيبٍ قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ الزُّبَيْرِ عَنِ الْمَصَاحِفِ فَقَالَ: قَامَ رَجُلٌ إِلَى عُمَرَ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنَّ النَّاسَ قَدِ اخْتَلَفُوا فِي الْقُرْآنِ فَكَانَ عُمَرُ قَدْ هَمَّ أَنْ يَجْمَعَ الْقُرْآنَ عَلَى قِرَاءَةٍ وَاحِدَةٍ فَطُعِنَ طَعْنَتَهُ الَّتِي مَاتَ بِهَا فَلَمَّا كَانَ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ قَامَ ذَلِكَ الرَّجُلُ فَذَكَرَ لَهُ فَجَمَعَ عُثْمَانُ الْمَصَاحِفَ ثُمَّ بَعَثَنِي إِلَى عَائِشَةَ فَجِئْتُ بِالصُّحُفِ فَعَرَضْنَاهَا عَلَيْهَا حَتَّى قَوَّمْنَاهَا ثُمَّ أَمَرَ بِسَائِرِهَا فَشُقِّقَتْ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ ضَبَطُوهَا وَأَتْقَنُوهَا وَلَمْ يَتْرُكُوا فِيهَا مَا يَحْتَاجُ إِلَى إِصْلَاحٍ وَلَا تَقْوِيمٍ.
ثُمَّ قَالَ ابْنُ أُشْتَةَ: أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ أَنْبَأَنَا أَبُو دَاوُدَ سُلَيْمَانُ بْنُ الْأَشْعَثِ أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَسْعَدَةَ أَنْبَأَنَا إِسْمَاعِيلُ أَخْبَرَنِي الْحَارِثُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَبْدِ الأعلى ابن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: لَمَّا فُرِغَ مِنَ الْمُصْحَفِ أُتِيَ بِهِ عُثْمَانَ فَنَظَرَ فِيهِ فَقَالَ: أَحْسَنْتُمْ وَأَجْمَلْتُمْ! أَرَى شَيْئًا سَنُقِيمُهُ(2/323)
بِأَلْسِنَتِنَا فَهَذَا الْأَثَرُ لَا إِشْكَالَ فِيهِ وَبِهِ يَتَّضِحُ مَعْنَى مَا تَقَدَّمَ فَكَأَنَّهُ عُرِضَ عَلَيْهِ عَقِبَ الْفَرَاغِ مِنْ كِتَابَتِهِ فَرَأَى فِيهِ شَيْئًا كُتِبَ عَلَى غَيْرِ لِسَانِ قُرَيْشٍ كَمَا وَقَعَ لَهُمْ فِي " التَّابُوةُ "وَ " التَّابُوتُ " فَوَعَدَ بِأَنَّهُ سَيُقِيمُهُ عَلَى لِسَانِ قُرَيْشٍ ثُمَّ وَفَى بِذَلِكَ عِنْدَ الْعَرْضِ وَالتَّقْوِيمِ وَلَمْ يَتْرُكْ فِيهِ شَيْئًا. وَلَعَلَّ مَنْ رَوَى تِلْكَ الْآثَارَ السَّابِقَةَ عَنْهُ حَرَّفَهَا وَلَمْ يُتْقِنِ اللَّفْظَ الَّذِي صَدَرَ عَنْ عُثْمَانَ فَلَزِمَ مِنْهُ مَا لَزِمَ مِنَ الْإِشْكَالِ فَهَذَا أَقْوَى مَا يُجَابُ عَنْ ذَلِكَ. وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.
وَبَعْدُ فَهَذِهِ الْأَجْوِبَةُ لَا يَصْلُحُ مِنْهَا شَيْءٌ عَنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ أَمَّا الْجَوَابُ بِالتَّضْعِيفِ فَلِأَنَّ إِسْنَادَهُ صَحِيحٌ كَمَا تَرَى وَأَمَّا الْجَوَابُ بِالرَّمْزِ وَمَا بَعْدَهُ فَلِأَنَّ سُؤَالَ عُرْوَةَ عَنِ الأحرف المذكور لَا يُطَابِقُهُ فَقَدْ أَجَابَ عَنْهُ ابْنُ أُشْتَةَ وَتَبِعَهُ ابْنُ جُبَارَةَ فِي شَرْحِ الرَّائِيَةِ بِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهَا " أَخْطَئُوا " أَيْ فِي اخْتِيَارِ الْأَوْلَى مِنَ الْأَحْرُفِ السَّبْعَةِ لِجَمْعِ النَّاسِ عَلَيْهِ لَا أَنَّ الَّذِي كَتَبُوا مِنْ ذَلِكَ خَطَأٌ لَا يَجُوزُ. قَالَ: وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مَالَا يَجُوزُ مَرْدُودٌ بِإِجْمَاعٍ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَإِنْ طَالَتْ مُدَّةُ وُقُوعِهِ. قَالَ: وَأَمَّا قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: لَحْنٌ مِنَ الْكَاتِبِ فَيَعْنِي بِاللَّحْنِ الْقِرَاءَةَ وَاللُّغَةَ يَعْنِي أَنَّهَا لُغَةُ الَّذِي كَتَبَهَا وَقِرَاءَتُهُ وَفِيهَا قِرَاءَةٌ أُخْرَى.
ثُمَّ أَخْرَجَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ قَالَ: {إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ} و " إِنْ هَذَيْنِ لَسَاحِرَانِ " سَوَاءٌ لَعَلَّهُمْ كَتَبُوا الْأَلِفَ مَكَانَ الْيَاءِ وَالْوَاوَ فِي قَوْلِهِ: {وَالصَّابِئُونَ} مَكَانَ الْيَاءِ قَالَ ابْنُ أُشْتَةَ: يَعْنِي أَنَّهُ مِنْ إِبْدَالِ حَرْفٍ فِي الْكِتَابِ بحرف مثل الصلاة والزكاة والحياة.
وَأَقُولُ: هَذَا الْجَوَابُ إِنَّمَا يَحْسُنُ لَوْ كَانَتِ الْقِرَاءَةُ بِالْيَاءِ فِيهَا وَالْكِتَابَةُ(2/324)
بِخِلَافِهَا وَأَمَّا الْقِرَاءَةُ عَلَى مُقْتَضَى الرَّسْمِ فَلَا وَقَدْ تَكَلَّمَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ عَلَى هَذِهِ الْأَحْرُفِ وَوَجَّهُوهَا عَلَى أَحْسَنِ تَوْجِيهٍ.
أَمَّا قَوْلُهُ: {إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ} فَفِيهِ أَوْجُهٌ:
أَحَدُهَا: أَنَّهُ جَارٍ عَلَى لُغَةِ مَنْ يُجْرِي الْمُثَنَّى بِالْأَلِفِ فِي أَحْوَالِهِ الثَّلَاثَةِ وَهِيَ لُغَةٌ مَشْهُورَةٌ لِكِنَانَةَ، وَقِيلَ: لِبَنِي الْحَارِثِ.
الثَّانِي: أَنَّ اسْمَ " إِنَّ " ضَمِيرُ الشَّأْنِ مَحْذُوفًا وَالْجُمْلَةُ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ خَبَرُ إِنَّ.
الثَّالِثُ: كَذَلِكَ إِلَّا أَنَّ " سَاحِرَانِ " خَبَرُ مُبْتَدَإٍ مَحْذُوفٍ وَالتَّقْدِيرُ: لَهُمَا سَاحِرَانِ.
الرَّابِعُ: أَنَّ " إِنْ " هُنَا بِمَعْنَى: نَعَمْ.
الْخَامِسُ: أَنَّ " هَا " ضَمِيرُ الْقِصَّةِ اسْمُ إِنَّ وَ " ذَانِ لَسَاحِرَانِ " مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ وَتَقَدَّمَ رَدُّ هَذَا الْوَجْهِ بِانْفِصَالِ " إِنْ " واتصال ها فِي الرَّسْمِ.
قُلْتُ: وَظَهَرَ لِي وَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ الْإِتْيَانَ بِالْأَلِفِ لِمُنَاسَبَةِ " سَاحِرَانِ يُرِيدَانِ " كَمَا نون {سَلاسِلا} لمناسبة {وَأَغْلالاً} و {سَبَأٍ} لمناسبة {بِنَبَأٍ} .
وأما قوله: {وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ} فَفِيهِ أَيْضًا أَوْجُهٌ:
أَحَدُهَا: أَنَّهُ مَقْطُوعٌ إِلَى الْمَدْحِ بِتَقْدِيرِ: "أَمْدَحُ " لِأَنَّهُ أَبْلَغُ.
الثَّانِي: أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى الْمَجْرُورِ فِي: {يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ} أَيْ وَيُؤْمِنُونَ بِالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ وَهُمُ الْأَنْبِيَاءُ. وَقِيلَ: الْمَلَائِكَةُ وَقِيلَ:(2/325)