القرآن وعلومه
مدخل
...
القرآن وعلومه:
1- القرآن هو النصوص الإلهية للدعوة الإسلامية، النصوص التي نزلت من السماء على محمد بن عبد الله عليه السلام. تنبئه أولا بأنه النبي المنتظر ورسول الله إلى الناس، وتطلب إليه ثانيا أن يبلغ دعوة الله إلى الناس، بأن يتلو عليهم آيات الله ليزكيهم، ويعلمهم الكتاب والحكمة، ويعلمهم ما لم يكونوا يعلمون.
والقرآن يستخدم اليوم بمعنى الاسم العلم، فهو علم على مجموع النصوص التي يشتمل عليها المصحف. أما حين كان الوحي ينزل من السماء فقد كانت كلمة القرآن تطلق على الدفعات التي تنزل من السماء. أي: على بعض ما يسمى الآن بالقرآن. وكان معنى اللفظ يومذاك ما يقرأ مما ينزل من السماء. وذلك هو الذي تشير إليه الآيات! {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآَنَهُ} , {وَقُرْآَنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآَنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} . والكلمة هنا مصدر قرأ بمعنى تلا. والقرآن على وزن غفران ورضوان.
ولعلماء الأصول والفقهاء تعريف للقرآن خاص بهم يقولون فيه: هو كلام الله المنزل على نبيه محمد -صلى الله عليه وسلم، المعجز بلفظه، المتعبد بتلاوته، المنقول بالتواتر، المكتوب في المصاحف من أول سورة الفاتحة إلى آخر سورة الناس.
وللمتكلمين ورجال أصول الدين تعريف خاص بهم أيضا يقولون فيه:(1/5)
إنه صنعة التكلم القائمة بذاته تعالى باعتبار تعلقه بالكلمات النفسية القديمة القائمة بذاته تعالى.
وهذا التعريف هو الذي أنشأ المحنة التي عانى منها الفكر الإسلامي على أيام المأمون الخليفة العباسي والتي دارت حول قضية خلق القرآن, أي: هل هو مخلوق أو غير مخلوق باعتباره كلام الله؟
وللقرآن أسماء أخرى مثل: الكتاب. الفرقان. الذكر. وهي في الحقيقة صفات وليست أسماء فيما يتعلق بالفرقان والذكر من حيث إنه يفرق بين الحق والباطل؛ ولأنه يذكر الناس بأحداث التاريخ على سبيل الموعظة.
أما صفة الكتاب؛ فلأنه مأخوذ من كتاب الله الذي في السماء المسمى باللوح المحفوظ، أو الكلمة.
2- والقرآن الكريم قد نزل من السماء بلسان عربي مبين. وكان هذا النزول سببا في رفض أهل مكة للقرآن ولنبوة محمد عليه السلام من حيث إنهم كانوا يذهبون إلى أن هناك لغة دينية مقدسة تنزل بها كتب السماء هي في الغالب السريانية التي ذهبوا إلى أنها لغة الحساب في القبر ويوم القيامة.
وأنكر القرآن الكريم أن تكون هناك لغة دينية بعينها، وقدر في الوقت ذاته أن الرسول حين يبعث إنما يتحدث بلغة القوم الذين بعث فيهم، ليبين لهم رسالة السماء وليفهموا عنه مضامين هذه الرسالة.
جاء في القرآن الكريم: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ} .
وعلى هذا الأساس مضى القرآن الكريم في الحوار مع هؤلاء الذين يعتقدون باللغة المقدسة, وقرر في الوقت ذاته أن القرآن الذي ينزل على محمد لا بد وأن يكون باللغة العربية.(1/6)
جاء في القرآن الكريم: {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآَنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آَيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ} .
وهذا الموقف من القرآن الكريم فيه إنكار لما يقولون وتعجب مما يقولون. فلو أن كتاب السماء نزل أعجميا لطلبوا تفصيل آياته من محمد عليه السلام. وعند ذلك سوف يكون التفصيل والبيان باللغة العربية.
وجاء فيه أيضا: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} .
كما جاء: {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ، نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ، عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ، بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} .
وكل هذه الآيات وكثير أمثالها إنما تؤكد هذه الحقيقة الاجتماعية التي قررها القرآن الكريم وهي: أن الرسول إنما يرسل بلسان قومه ليبين لهم ويفهموا عنه.
3- ونزل القرآن الكريم على دفعات ولم ينزل دفعة واحدة. وقد كان هذا الأمر مثل سابقه أداة لإنكار أن يكون القرآن من عند الله، وبالتالي إنكار نبوة محمد عليه السلام.
لقد كانوا يذهبون إلى أن كتاب السماء إنما ينزل دفعة واحد من حيث أنه موجود منذ الأزل، ومرقوم في اللوح المحفوظ.
ووقف القرآن الكريم ليدحض هذا القول ويزيل من الوجود هذه الشبهات, وليبين في الوقت ذاته أن النزول على دفعات هو القاعدة السليمة في كل الدعوات الجديدة التي تدعو إلى إحداث تغييرات جذرية.
إنه القاعدة السليمة بالنسبة إلى كل من الداعي والمدعو.
جاء في القرآن الكريم! {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآَنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا} .(1/7)
أي: إن الداعي وهو محمد عليه السلام في حاجة إلى أن يتريث حتى يتأكد له أن الذي ينزل عليه هو وحي السماء. وهذا التأكيد إنما يثبت في حدود التكرار الذي سبيله نزول في دفعات وهذا معنى قوله: {لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ} .
وجاء في القرآن الكريم أيضا: {وَقُرْآَنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا} .
أي: إن المدعوين إلى التغيير في حاجة إلى أن تأتيهم الدعوة إلى التغيير على مراحل لتستعد أذهانهم وعقولهم إلى ما يطلب منهم من تحقيق التغيير.
إن التغيير إنما يجب أن يتم على مراحل. وهذا هو الهدف من قول القرآن الكريم: {فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ} .
الأصل أن تكون نصوص الدعوة الجديدة في دفعات متتابعة وليس دفعة واحدة.
والدفعة الأولى من القرآن الكريم مختلف فيها، كذلك الدفعة الأخيرة.
والخلاف بين المسلمين في الدفعة الأولى أمره هين جدا من حيث الظروف التي أحاطت بهذه الدفعة. أما الخلاف في شأن الدفعة الأخيرة فهو الأمر الذي يدعو إلى العجب حقا.
لقد نزلت الدفعة الأولى ولم يكن محمد عليه السلام قد تأكد أن الذي جاءه هو وحي السماء ومن هنا تريث حتى تكون الدفعة الثانية ويتأكد من نفسه أنه نبي بعد تأكده من أن هذا الذي جاءه هو الروح الأمين وليس شيطانا من الشياطين.
وعندما تأكد له ذلك أعلنه في الناس وأعلنه بالدفعتين في وقت معا. ومن هنا نشأ الاختلاف في شأن الدفعة الأولى.
أما أمر الدفعة الأخيرة فقد كان ومحمد رسول الله حقا يدين له الناس(1/8)
بالطاعة ويعرفون من شأنه كل صغيرة وكبيرة، وقد كان له كتبة للوحي يكتبون عنه كل ما ينزل عليه من السماء ويجيئه من الوحي. هذا إلى جانب الكثرة الكاثرة من الصحابة التي كانت إلى جانبه في كل وقت تقريبا ويعرفون من أنباء الوحي الشيء الكثير.
وعلى كل فليس أمامنا إلا أن نعرض الموقف كما صوره لنا الأقدمون ممن أرخوا نزول القرآن الكريم.
يختلفون في أول ما نزل من القرآن على أربعة أقوال. والراجح قولان هما: أن أول ما نزل من القرآن هو أول سورة العلق، أو هو أول سورة المدثر.
وأشهر الأقوال أن الدفعة الأولى كانت قوله تعالى من سورة العلق: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ، اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ، الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ، عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} .
أما الدفعة الأخيرة أو آخر ما نزل فقد قالوا فيها:
1- قوله تعالى من سورة البقرة: {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} .
2- قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} .
3- قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} .
4- قوله تعالى: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ} .
5- قوله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} .(1/9)
6- قوله تعالى: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ، فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} .
7- قوله تعالى: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} .
8- قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} .
وليس يعقل أبدا أن يكون الاختلاف إلى هذا الحد وأن يكون الاختلاف في آخر ما نزل أكبر منه في أول ما نزل مع وجود المبررات في أول ما نزل.
والقول المشهور أن آخر ما نزل هو قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} .
لكن هذا القول المشهور مدفوع بأن هذه الآية قد نزلت في حجة الوداع وأن النبي عليه السلام قد عاش بعد هذه الحجة مدة سبعة أشهر تقريبا، وأن القرآن الكريم لم يتوقف عن النزول في هذه المدة.
4- اعتمد النبي عليه السلام في قيد القرآن وتسجيله، أو بعبارة أخرى في توثيق النصوص الإلهية النازلة من السماء، على عمليتين من عمليات التوثيق.
الأولى: القيد عن طريق المشافهة والحفظ, أي: الاعتماد على الذاكرة.
والثانية: القيد عن طريق الكتابة في الصحف. وكانت يومذاك تؤخذ من الأكتاف واللخاف ومن الكراتيب والعسب.
والعملية الأولى كانت السائدة يومذاك من حيث إن العربي الجاهلي كان يعتمد أصلا على الذاكرة لندرة القراءة والكتابة في ذلك الحين حتى ليصح(1/10)
القول بأنه لم يعتمد الكتابة كأسلوب من أساليب القيد في كل وقائع حياته. فأيام العرب تروى عن طريق المشافهة والحفظ، والشعر العربي يحفظ ويروى، والتاريخ العربي كله بما فيه الأنساب والأمجاد التاريخية يقيد في الذاكرة ليس غير.
والاعتماد على المشافهة والحفظ هو العملية التي تتناسب والنصوص الإلهية في ذلك الحين من حيث إن النبي عليه السلام لم يكن قد اتخذ كتبة للوحي في ذلك الحين، ومن حيث إن الدعوة الإسلامية كانت في حاجة إلى من ينقل نصوصها الإلهية عند مختلف الناس وفي مختلف القبائل، لدعوتهم إلى الإسلام واستقطابهم حول هذه الدعوة، ولم يكن يحسن ذلك غير الحفظة للقرآن من حيث إمكانية توفير العدد اللازم كذلك في أقصر وقت ممكن.
والذين يعتمدون على الذاكرة من الحفظة للقرآن الكريم كانوا على مستويات مختلفة من حيث قدرة الذاكرة على الاستيعاب لمدة طويلة.. الأمر الذي يجعل منهم الخاصة والعامة. والخاصة من الحفاظ هم الذين ارتاع عمر في مقتلهم في واقعة اليمامة من حروب الردة.
والمشافهة كانت أول الأمر بلغة قريش حيث كان النبي عليه السلام بمكة، وحيث كان المجتمع المكي متجانسا من حيث التركيب السكاني واللغة. أما حين انتقل النبي إلى المدينة واختلفت اللغة المدنية عن اللغة المكية، ودخل في الإسلام أناس من القبائل المختلفة التي لها لغاتها الخاصة بها، فقد اقتضى الأمر التيسير على كل هؤلاء في القراءة, من حيث إن دفعهم إلى استخدام لغة قريش فقط يعتبر من الأمور الشاقة؛ لأنه تغيير في الأدوات الصوتية وفي عمليات ضبط الكلمات. لذا دعا النبي ربه التيسير على أمته واستجاب الله لنبيه. وأعلن النبي ذلك في المسلمين: "إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على سبعة أحرف، فأيما حرف قرءوا عليها فقد أصابوا".(1/11)
ويرى المؤرخون للقرآن أن العدد سبعة ليس مقصودا لذاته فإنا هو وارد للتيسير والتوسعة.
ويرى الخاصة منهم أن الحرف هنا يراد به اللغة. قال أبو عبيدة، وأبو العباس: "نزل على سبع لغات من لغات العرب. قال: وليس معناه أن يكون للحرف الواحد سبعة أوجه, هذا لم يسمع به، قال: ولكن هذه اللغات متفرقة في القرآن ... ".
وإذا كان معنى الحرف هو الوجه، وهو القراءة، وهو اللهجة، فإن مرد الفرق بينهما جميعا هو التباين في العناصر الصوتية والدلالية.
فالوجه في القراءة أساسا أنه مباين لآخر صوتا أو دلالة.
والقراءة تتميز عن غيرها بمجموع الاختلافات الناشئة عن اختلاف الوجوه. واللهجات تتميز إحداها عن الأخرى بقدر ما تحتوي من خصائص صوتية ودلالية.
أما العملية الثانية وهي عملية القيد عن طريق الكتابة فقد استخدمت للعناية بالقرآن الكريم حتى لنرى النبي نفسه ينهى عن كتابة غير القرآن حيث كان يقول: "لا تكتبوا عني شيئا غير القرآن".
ويؤكد هذا المعنى أن القرآن الكريم قد أمر المؤمنين في آخر ما نزل فيه بالاعتماد على الكتابة فيما بينهم من معاملات مالية حيث نراه يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} حيث لم يكن للعرب أصلا أسلوب خاص بهم في المجالات الكتابية.. اللهم إلا ما قيل من تعليقهم بعض الوثائق الخاصة بالاتفاقات، وبعض القصائد الشعرية في الكعبة تقديسا لها أو احتراما لشأنها.
والتاريخ الذي بدأ فيه النبي عليه السلام لهذه العملية غير معروف في(1/12)
دقة، ويبدو أنه كان في وقت مبكر حيث تدل حادثة إسلام عمر على أن القرآن كان يكتب، فقد وجد عمر لدى أخته صحيفتين فيهما شيء من القرآن.
وأول من كتب للنبي بمكة عبيد الله بن أبي سرح الذي يقول في شأنه إنه ارتد ثم عاد فأسلم بعد فتح مكة وحسن إسلامه.
وكتب له أيضا بمكة الزبير بن العوام، وخالد وأبان ابنا سعيد بن العاص بن أمية، وحنظلة بن الربيع الأسدي، ومعيقب بن أبي فاطمة، وعبد الله بن الأرقم الزهري، وشرحبيل بن حسنة، وعبد الله بن رواحة، وغيرهم وبخاصة الخلفاء.
ومن المؤكد أن بعض الصحابة كانوا يكتبون لأنفسهم مع اعتمادهم على الذاكرة، يكتبون حتى لا يكون هناك خطأ أو نسيان، بدليل وجود مصاحف خاصة بهم.
والكتابة حينذاك كانت بلغة قريش، واستمرت الكتابة بهذه اللغة أيضا بعد أن هاجر النبي إلى المدينة وكتب له فيها أبي بن كعب وزيد بن ثابت. وقد كان زيد أكثر الكتبة ملازمة للنبي عليه السلام. ومن هنا وقع عليه الاختيار ليكون الكاتب الأول في عملية جمع القرآن في عهد كل من أبي بكر وعثمان بن عفان.
واعتماد لغة قريش في كتابة النصوص الإلهية في كل من العهدين: المكي والمدني، يشير إلى أن هذه التوسعة في القراءة عن محفوظ وفي تعليم الناس قراءة القرآن، لم تكن موجودة بكاملها في القيد عن طريق الكتابة أي: إنها كانت في الحفظ عن ظهر قلب أكثر.
ويذكر المؤرخون للقرآن الكريم أن هناك ظاهرة في مصاحف النبي، تحتاج إلى بيان وهي اختلاف هذه المصاحف بعضها عن بعض في النصوص القرآنية بزيادة أو نقصان.(1/13)
ويقوم هذا البيان عندهم على أساس أن هؤلاء الصحابة كانوا يكتبون إلى جانب النص القرآني بعض التفسيرات التي سمعوها عن النبي عليه السلام، وأنهم على أيامهم كانوا يعرفون تماما النص ويميزون بينه وبين التفسير. أما بعض من تواتر عنهم هذه المصاحف فقد عجزوا عن التمييز وظنوا أن ذلك كله هو النص القرآني المأخوذ عن رسول الله.
ومن الأمثلة التي أوردها في ذلك:
قراءة ابن عباس: "لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فِي مَواسِمِ الْحَجِّ" وقراءته: "وشاورهم في بعض الأمر".
وقراءة سعيد بن أبي وقاص: "وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ مِنْ أُمّ"..
وقراءة ابن مسعود والأعمش وقتادة: "فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مُتَتابِعاتٍ".
وقراءة ابن الزبير: "وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَأْمُرونَ بِالمعْروفِ ويَنْهونَ عَنِ المُنْكَرِ ويَسْتَعينونَ باللهِ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ".
إلى غير ذلك من اختلافات بالزيادة والنقصان.
وذلك إنما يعني أن التوثيق عن طريق الكتابة كانت له مشكلاته هو الآخر، وأن المسألة لم تكن صوتية أو دلالية فحسب.
5- نزلت النصوص الإلهية من السماء على محمد بن عبد الله عليه السلام في دفعات، وكل دفعة تشتمل على بعض الآيات. ويذكر المؤرخون للقرآن الكريم شيئا عن عدد هذه الدفعات على أنهم وقفوا طويلا عند عدد الآيات. وعدد الحروف، وعدد السور.
ونزول هذه النصوص الإلهية على دفعات يقتضي في حكم العقل والمنطق أن يكون هناك روابط قوية بين كل دفعة وما نزل قبلها من الدفعات حتى لا يترك الأمر فوضى في نصوص إلهية تنزل من السماء.
وقد تحققت هذه الروابط في الصورة التي بين أيدينا للمصحف الإمام(1/14)
المصحف الذي انتهى إليه أمر المصاحف على عهد الخليفة الثالث عثمان بن عفان.
والظواهر التي يحسن تسجيلها في هذا المقام هي الظواهر الثلاث التالية:
أ- أن هذه الدفعات من النصوص الإلهية موزعة في سور قرآنية يبلغ عددها في المصحف الإمام مائة وأربع عشرة سورة تختلف فيما بينها طولا وقصرا. وأن أطول سورة هي البقرة وأقصر سورة هي الكوثر.
ب- وأن ارتباط نصوص السورة والواحدة لم يقم على أساس من التسلسل التاريخي، ولا على أساس من الالتزام الموضوعي وإنما قام على أساس آخر لحكمة لم نتبينها بعد.
وعدم الالتزام في التسلسل التاريخي كانت له ظواهره التي تثبت وجود آيات مكية في السور المدنية، ووجود آيات مدنية في السور المكية. كما كان له أيضا تقديم النصوص التي تصور الأحداث التاريخية المتأخرة على النصوص التي تصور الأحداث التي وقعت أولا كما هو ملاحظ في أمر غزوتي أحد وبدر حيث صورت الأولى في سورة آل عمران، وصورت الثانية في سورة الأنفال المتأخرة في الترتيب مع أن غزوة بدر كانت أولا من الناحية التاريخية.
ومن الأمور التي وقف عندها المؤرخون للقرآن الكريم -فيما يخص مسألة الترتيب هذه- أن الآيات الناسخة كانت تتقدم في الترتيب القرآني الآيات المنسوخة. وهذه عبارة أحدهم. وليس أدل على هذا من تقدم بعض الآيات الناسخة على الآيات المنسوخة مع أن الناسخ متأخر عن المنسوخ في النزول. وذلك من مثل آية: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} . فإنها ناسخة للآية: {وَالَّذِينَ(1/15)
يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ} فالأولى متقدمة في الترتيب متأخرة في النزول.
وعدم الالتزام الموضوعي هو الذي جعل الآيات المرتبطة بالموضوع الواحد موزعة في أكثر من سورة، ويعرض القرآن للموضوع الواحد في أكثر من مكان, وذلك لمقتضيات التدرج في التشريع، ولمقتضيات أخرى تتعلق بارتباط القصص القرآنية بالظروف التاريخية للدعوة الإسلامية.
د- ما سجله المؤرخون للقرآن الكريم من الكيفية التي تم على أساسها اتباع هذا الترتيب. فقد وردت الآثار بأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كانت تنزل عليه السورة ذات العدد، وكان إذا نزل عليه شيء دعا بعض من كان يكتب فيقول له: "ضعوا هؤلاء الآيات في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا". وورد بأن زيد بن ثابت كان يقول: كنا عند النبي -صلى الله عليه وسلم- نؤلف القرآن من السماع، وورد بأن محمد بن سيرين قال: قلت لعكرمة: ألفوه -أي: القرآن- كما أنزل, الأول فالأول. قال: لو اجتمعت الإنس والجن على أن يؤلفوه هذا التأليف ما استطاعوا. وصدق عكرمة فإن ترتيبه على حسب النزول غير مستطاع لأحد من البشر.
وفي الأثر أيضا أن النبي عليه السلام كان يقرأ في رمضان من كل عام مع جبريل عليه السلام ما نزل من القرآن مرتبا على الصورة التي كان يمليها عليه السلام على حفظة القرآن وكتبة الوحي بعد أن يحذف في القراءة ما نسخت تلاوته. وأنه عليه السلام قرأ في رمضان من عامه الأخير مع جبريل القرآن كاملا، قرأه مرتين لا مرة واحدة. وأنه من هذه القراءة الأخيرة شعر عليه السلام بدنو أجله.
ومما تقدم نتبين أن المؤرخين للقرآن الكريم مجمعون على أن ترتيب الآيات في السور كان بتوقيف من الله للنبي عليه السلام.(1/16)
قال القاضي أبو بكر الباقلاني: والذي نذهب إليه أن جميع القرآن الذي أنزله الله وأمر بإثبات رسمه ولم ينسخه وإن رفع تلاوته بعد نزوله هو هذا الذي بين الدفتين والذي رواه مصحف عثمان، وأنه لم ينقص منه شيء ولا زيد فيه، وأن ترتيبه ونظمه كان على ما نظمه الله ورتبه عليه من آي السور لم يقدم من ذلك مؤخر ولا آخر منه مقدم. وإن الأمة ضبطت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ترتيب آي كل سورة ومواضعها وعرفت مواقعها، كما ضبطت عن نفس القراءات وذات التلاوة.
وينهي الباقلاني فقرته السابقة بهذه العبارة التي تشير إلى فرع آخر من الترتيب هو ترتيب السور بعضها مع بعض.
قال: وإنه يمكن أن يكون الرسول قد رتب سوره، وأن يكون قد وكل ذلك إلى الأمة بعده، ولم يتول ذلك بنفسه.
قال: وهذا الثاني أقرب.
وهذا الترجيح الذي انتهى إليه القاضي أبو بكر هو الذي اعتمده أكثر المؤرخين للقرآن الكريم، وهو أن ترتيب السور في المصحف كان باجتهاد من الخلفاء ولم يكن من عمل رسول الله، والذي يدفعهم إلى هذا أن القرآن كله لم يجمع في مصحف واحد أو في مكان واحد في زمن النبي عليه السلام. وإنما كان في صحف متفرقة وموزعة على أكثر من بيت. والذي جمع القرآن هو أبو بكر رضي الله عنه، جمعه في سور متفرقة كل واحدة منها قائمة بذاتها وغير مرتبطة بغيرها.
ومما يؤكد هذا ما ذهب إليه ابن أشنة في المصاحف حين قال عن الخلاف الشديد بين مصاحف الصحابة: فهذا الخلاف الشديد بين مصاحف الصحابة هو الدليل على أنه لم ينقل عن النبي شيء من هذا(1/17)
الخلاف الذي يشير إليه ابن أشنه هو:
كان ترتيب مصحف علي بن أبي طالب حسب النزول حيث بدأ المصحف بسورة: اقرأ، ثم المدثر، ثم ن، ثم المزمل.. وهكذا.
وكان ترتيب مصحف ابن مسعود: البقرة، ثم النساء، ثم آل عمران، ثم الأعراف..
وكان ترتيب مصحف أبي بن كعب: الحمد، ثم البقرة، ثم آل عمران، ثم الأنعام ... إلخ.
وهذا كله مما يدل على أن ترتيب السور في المصحف، كان باجتهاد من الصحابة. وأن الترتيب الذي بين أيدينا اليوم هو الترتيب الذي ارتضاه عثمان بن عفان رضي الله عنه.
وفي عصرنا الحاضر قام الأستاذ محمد عزة دروزة بعملية ترتيب سور القرآن ترتيبا تاريخيا بقدر ما يستطيع الجهد البشري من تتبع روايات الأقدمين في ذلك. وقام بتفسير للقرآن الكريم على هذا الأساس. الأمر الذي سوف نشير إليه عند حديثنا عن التفسير.
وقام بمثل هذا الصنيع مكتفيا بذكر الترتيب التاريخي لنزول القرآن مع الإبقاء على السور القرآنية في وضعها الموجود في المصحف العثماني، الشيخ أحمد السكندري وشيخ المقارئ وآخرون فعلوا ذلك في طبعة واحدة ليس غير.
6- لم يأخذ القرآن الكريم صورة الكتاب الواحد في عهد النبي عليه السلام، وإنما كان من حيث القيد والكتابة صحفا مفرقة، وكان هذا هو الأمر الذي تقتضيه الظروف يومذاك فلم يكن القرآن قد كمل حتى يوضع في صورة كتاب.
وعدم قيد القرآن الكريم في كتاب واحد لا ينفي أن من الصحابة من(1/18)
كان يحفظ القرآن جميعه، وأن منهم ومن كتبة الوحي من كان يملك مجموعة من الصحف التي تحتوي القرآن.
أ- وأول من جمع هذه الصحف في مكان هو أبو بكر رضي الله عنه بعد مراجعة في ذلك من عمر. وكان الباعث على ذلك هو الخوف على ضياع القرآن وبعد موت الحفظة له في واقعة اليمامة من حروب الردة.
جاء في البخاري بسنده عن زيد بن ثابت قال: أرسل إلي أبو بكر مقتل أهل اليمامة فإذا عمر بن الخطاب عنده فقال أبو بكر: إن عمر بن الخطاب أتاني فقال: إن القتل استحر بقراء القرآن وإني أخشى أن يستحر القتل في المواطن فيذهب كثير من القرآن، وإني أرى أن يجمع القرآن. فقلت لعمر: كيف تفعل شيئا لم يفعله رسول الله. فقال عمر: هو والله خير. فلم يزل يراجعني حتى شرح الله صدري لذلك، ورأيت في ذلك الذي رأى عمر.
قال زيد: قال أبو بكر: إنك رجل عاقل وشاب لا نتهمك. وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله فتتبع القرآن من جمعه. فوالله لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل علي مما أمرني به من جمع القرآن.
قلت: كيف تفعلان شيئا لم يفعله رسول الله؟ قالا: وهو والله خير. فلم يزل أبو بكر يراجعني حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر أبي بكر وعمر.
فتتبعت القرآن أجمعه من العسب واللخاف وصدور الرجال ... إلخ.
وقد أخرج ابن أبي داود عن طريق هشام بن عروة عن أبيه أن أبا بكر قال لعمر ولزيد: اقعدا على باب المسجد فمن جاءكما بشاهدين على شيء من كتاب الله فاكتباه.
وعلى هذا الأساس لم يقبل في جمع أبي بكر للقرآن إلا ما ثبت أنه قرآن.(1/19)
وكتب بالأحرف السبعة التي نزل بها القرآن، وجمعت صحف كل سورة على حدة وشدت بعضها إلى بعض من حيث إن ترتيب السور بعضها إلى جانب بعض لم يكن مطلوبا يوم ذاك. فلم يزل القرآن في صحف وليس في صورة كتاب.
وكانت هذه الصحف عند أبي بكر، ثم عند عمر، ثم عند حفصة بنت عمر بعد وفاته, وقد كانت زوجا للنبي عليه السلام.
ب- ثم حدث في أيام عثمان ما دفعه إلى أن يجمع المسلمين على قراءة القرآن بحرف واحد ليقضي على الفتنة التي نشبت لسبب قراءة القرآن على أكثر من حرف, حيث أخذ القراء يخطئ بعضهم بعضا، ويكفر بعضهم بعضا، حيث كان يعتقد كل واحد منهم أن قراءته هي المأخوذة عن رسول الله.
بعث عثمان في طلب الصحف التي كانت عند حفصة واتخذ منها الأساس لعملية الجمع هذه.
روى البخاري في صحيحه: أن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان رضي الله عنه وكان يغازي أهل الشام في فتح أرمينية وأذربيجان مع أهل العراق. فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة. فقال حذيفة لعثمان: يا أمير المؤمنين أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى.
هال الأمر عثمان وتشاور هو والصحابة فيما ينبغي ورأوا معه أن يجمع الناس على مصحف واحد لا يتأتى فيه اختلاف ولا تنازع. ثم عهد عثمان إلى زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام أن ينسخوا الصحف التي كانت عند حفصة في مصحف واحد وقال لهؤلاء الأربعة: إذا اختلفتم فاكتبوه بلسان قريش فإنما نزل بلسانهم.(1/20)
فقاموا بالعملية المعهود بها إليهم، وكتبوا المصاحف مرتبة السور على الوجه المعروف اليوم.
أرسل عثمان إلى كل مصر من الأمصار بمصحف ليجتمع الناس في القراءة عليه تلافيا لما حدث، وأمر بسواها من الصحف أن تحرق أو تخزق.
لقد اقتصر الأمر في مصحف عثمان على حرف واحد هو حرف قريش.
وأرسل عثمان مع المصاحف من يقرئ المسلمين بما فيه حتى ينتشر أمر هذا الحرف حرف قريش.
ولكن هذا الذي عمله عثمان لم ينه مشكلة المصاحف وإن وضع حجر الأساس في الاستقرار.
لقد أحرق الناس ما بأيديهم من الصحف، ولكنهم ما كانوا يستطيعون أن يحرقوا ما حفظوا عن الصحابة من وجوه مختلفة. لقد ظل أمر هذه الوجوه قائما ولكنه محصور في نطاق الرواية والمشافهة يتلقاها من يشاء من أفواه الحافظين لها.
والأمر الجدير بالتنبيه عليه هو أن مصحف عثمان قد اتخذ معيارا للقراءة من حيث إن القراءة التي تجيء خارجة عما رسم مصحف عثمان تعتبر شاذة.
وقد اشترط القراء فيما بعد شروطا ثلاثة للقراءة الصحيحة.
أولها: أن تكون موافقة لقواعد اللغة العربية.
ثانيها: أن تكون موافقة لرسم المصحف الإمام.
ثالثها: صحة السند في تواترها عن رسول الله أو أحد الصحابة.
وانتهى القراء من حيث التواتر إلى تقسيم القراءات أقساما ثلاثة:(1/21)
قسم اتفق على تواتره وهو الذي يوجد في القراءات السبع.
وقسم اختلف فيه وغلب على الظن تواتره وهو الذي يوجد في القراءات الثلاث المكملة للعشر.
وقسم اتفق على شذوذه وهو القراءات الأربع التالية.
7- كانت المصاحف التي بعث بها عثمان رضي الله عنه إلى الأمصار مكتوبة من غير نقط أو شكل، فلم يكن هناك نقط تميز بين الحروف المتشابهة، ولم تكن هناك علامات تدل على حركات الحروف من حيث إن الكتابة كانت حديثة العهد في المجتمع المكي:
كان هذا الوضع مقبولا في العصر العثماني لقرب الناس من زمن التلقي ومشافهة النبي عليه السلام، لكن الأمر قد تغير بمضي الزمن وأصبح بقاء المصحف مجردا من النقط والشكل باعثا قويا من بواعث الخطأ في القراء والتصحيف في الكتابة.
وبلغ الأمر مداه في زمن عبد الملك بن مروان، وانتشر التصحيف في أمصار العراق إلى الحد الذي أزعج الوالي هناك, وقد كان الحجاج بن يوسف الثقفي.
ومما زاد الأمر تعقيدا كثرة من دخلوا في الإسلام من غير العرب ممن كانت الكتابة والقراءة بالعربية عسيرة لهم، وممن وقعوا كثيرا في عمليات التصحيف.
إنه من هنا لزم الأمر أن يكون هناك ضبط للنص القرآني بالنقط وبالشكل، فقام الحجاج بمشورة عبد الملك باتخاذ ما يلزم من هذا العمل، وبعث في طلب رجلين من تلامذة أبي أسود الدؤلي للقيام بهذه العملية هما: نصر بن عاصم الليثي، ويحيى بن يعمر العدواني. وقام الرجلان بهذه المهمة على خير وجه، ووضعا النقط من واحدة إلى ثلاث للحروف(1/22)
المتشابهة، وخالفوا بين أماكنها وتوقيعها بعضها فوق نقط، وبعضها تحت الحروف.
وكان العلماء في الصدر الأول يرون كراهة نقط المصحف وضبطه بالشكل مبالغة منهم في المحافظة على القرآن، على هيئة ما كتب بين يدي النبي عليه السلام. ولكن الحال قد تغير عما كان عليه في عهد النبي مما اضطر المسلمون إلى النقط والشكل كما بينا.
قال الإمام النووي: قال العلماء: ويستحب نقط المصحف وشكله فإنه صيانة من اللحن فيه وتصحيفه.
وأما كراهة الشعبي والنخعي النقط فإنما كرها ذلك في ذلك الزمان خوفا من التغيير فيه, وقد أمن ذلك اليوم فلا منع.
ولا يمنع من ذلك لكونه محدثا، من المحدثات الحسنة فلا يمنع منه كنظائره، مثل: تصنيف العلم وبناء المدارس والرباطات وغير ذلك.
والله أعلم.
8- الدعوة الإسلامية مرتبطة بالقرآن الكريم من حيث إنه المنشئ لها والمسدد لخطواتها. وقد اتخذت الدعوة الإسلامية من المدينتين الكبيرتين: مكة والمدينة مراكز انطلاق لها.
مكثت الدعوة في مكة مدة ثلاث عشرة سنة كثرت فيها المقاومة والأذى والاضطهاد إلى الحد الذي دفع بالدعوة إلى أن تهاجر وتتخذ من المدينة مركزا جديدا لها.
اتخذ رجال الدين الإسلامي حادث الهجرة هذا مبدأ تاريخ لهم، وجعلوا منه أيضا حدا فاصلا بين نوعين من النصوص الإلهية هما: المكي والمدني من القرآن، واصطلحوا على أن ما نزل قبل الهجرة هو المكي، وأن ما(1/23)
نزل بعد الهجرة هو المدني.
وعند تصنيفهم للسور على أساس من هذا المبدأ لم يتعمقوا في كل شيء، فقد خرجت بعض السور، عن حد الاتفاق المجمع عليه، وكان تصنيفها على أساس من الاجتهاد وغلبة الظن.
وقد اجتهد العلماء في وضع بعض الضوابط التي يمكن التميز بها بين المكي والمدني فقالوا:
يمتاز المكي بأنه:
أ- دعوة إلى أصول الإيمان الاعتقادية من الإيمان بالله، واليوم الآخر وما فيه من البعث والحشر والجزاء، والإيمان بالرسالة، وإقامة الأدلة العقلية والكونية على ذلك.
ب- محاجة المشركين ومجادلتهم فيما يخص بطلان عبادة الأصنام، وبيان أنها بمعزل عن أن تكون آلهة تستحق العبادة. وكذلك فيما يخص عبادة الملائكة التي كانوا يعتقدون أنها تقربهم إلى الله زلفى، وأنهم الشفعاء عند الله.
جـ- حث على التحلي بالفضائل وحض على التخلي عن الرذائل مثل: وأد البنات، وأكل أموال الناس بالباطل وبخاصة اليتامى، ومثل: الظلم والاستغلال وتطفيف المكيال والميزان، والاستكبار على الناس.
د- ذكر قصص الأنبياء وبخاصة تلك التي تقص من أخبار الأقدمين ما يبعث على الخوف من الله، وما يبين مواقف الأقوام من الرسل والأنبياء وكيف انتهى الأمر إلى نصر دين الله.
هـ- الإيجاز في العبارات، وقصر الفقرات، وكثرة السجع، وقوة الجرس اللفظي، وهي من الأمور التي كانت تستهوي أهل مكة ممن كانوا يسمعون(1/24)
الشعر ويتذوقون الأدب.
أما ما قالوه في المدني فقد كان:
أ- التحدث عن التشريعات التفصيلية والأحكام العملية في العبادات والمعاملات من حيث إن القرآن الكريم إنما كان ينزل في المدينة لتنظيم الجماعة الإسلامية، وليس لدعوة الناس إلى الدخول في الإسلام كما كان الحال في مكة.
ب- محاجة أهل الكتاب ممن كانوا يساكنون النبي عليه السلام في المدينة، ودعوتهم إلى كلمة سواء بعد لومهم على تحريف كتبهم، واتخاذهم أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله.
د- إن الموقف الواضح من النفاق والمنافقين باعتبار أن النفاق من الظواهر الاجتماعية التي لم تظهر في مكة حيث كان النبي عليه السلام في صفوف الضعفاء. أما في المدينة فقد كثر المسلمون وانتصر النبي بهم على الأعداء، وملكوا من القوة ما يساعد في إبراز ظاهرة النفاق.
و الحض على الجهاد والانتصار للظلم الذي أوقعه أهل مكة بالمسلمين الأولين الذين هاجروا إلى الحبشة وإلى المدينة، إنزال التشريعات الخاصة بالغنائم والأنفال وما أشبه.
هـ- أما من حيث الأسلوب فتخلو العبارات من السجع وتَطُول الفقرات عما كان في مكة، ويكون الإطناب والتطويل في بعض الآيات التي تتعلق بالتشريع.
9- والدراسات التي قامت حول النصوص القرآنية عديدة ومتنوعة، ويسميها الأقدمون علوم القرآن. ويقصدون من ذلك كل البحوث والدراسات المتعلقة بالقرآن من حيث نزوله وجمعه وترتيبه وإعجازه وشرح(1/25)
غريبه وتفسيره وغير ذلك من الجهود التي بذلت في الدراسات القرآنية لمعرفة الأحوال التي لابست القرآن منذ نزوله إلى الوقت الحاضر.
وأشهر الكتب التي تحدثت عن علوم القرآن علما علما كتابان هما:
البرهان في علوم القرآن للزركشي.
والإتقان في علوم القرآن للسيوطي.
ونشير هنا إلى أهم هذه العلوم القرآنية غير التفسير من حيث إنا قد أفردنا له فقرة خاصة به.
ألف في الناسخ والمنسوخ قتادة بن دعامة السدوسي المتوفى عام 118هـ.
وألف في الناسخ والمنسوخ أيضا أبو عبيدة القاسم بن سلام المتوفى عام 224 هجرية؛ وأبو داود السجستاني صاحب السنن المتوفى عام 275 هجرية.
وألف في أسباب النزول الشيخ البخاري علي بن المديني المتوفى عام 234 هجرية، والواحدي النيسابوري المتوفى عام 486 هجرية.
وألف في مجاز القرآن أبو عبيدة معمر بن المثنى المتوفى عام 209 هجرية.
وألف في تأويل مشكل القرآن ابن قتيبة الدينوري المتوفى عام 276 هجرية.
وألف في غريب القرآن كل من أبي بكر السجستاني المتوفى عام 330 هجرية، والراغب الأصفهاني المتوفى عام 502 هجرية.
وألف في إعراب القرآن العكبري المتوفى عام 616 هجرية.(1/26)
وألف في إعجاز القرآن كل من: الرماني المتوفى عام 386 هجرية، الباقلاني المتوفى عام 453 هجرية، الجرجاني المتوفى عام 471 هجرية.
وألف في أقسام القرآن ابن القيم المتوفى عام 751 هجرية.
ويضم إلى هؤلاء بعض المؤلفين من العصر الحديث من أمثال: الشيخ محمد عبد العظيم الزرقاني في كتابه: مناهل العرفان في علوم القرآن.
والشيخ محمد علي سلامة في كتابه: منهج الفرقان في علوم القرآن ومطصفى صادق الرافعي في كتابه: إعجاز القرآن. والدكتوران أحمد السيد الكوفي، محمد أحمد يوسف القاسم في كتابهما علوم القرآن.
والدكتور عبد الصبور شاهين في كتابه تاريخ القرآن.
وكل هذه الكتب مطبوعة، وبعض الكتب القديمة مطبوعة على هوامش كتب أخرى وبخاصة كتب التفسير.
والأمر الذي نشير إليه في هذا المقام بتأكيد تام هو أن هذه الموضوعات القرآنية المستقلة قد دخلت فيما بعد في كتب التفسير؛ ذلك لأن الدراسات القرآنية قد بدأت أولا في موضوعات بعينها أو في آيات بعينها، ولم تأخذ هذه الصورة التي تتناول فيها الدراسة للقرآن آية آية وسورة سورة إلا فيما بعد. ومن هنا يمكن القول بأن كتب التفسير تغني عن هذه الكتب في الغالب، وقد لا يحتاج إليها غير المتخصصين.(1/27)
تفسير القرآن
مدخل
...
تفسير القرآن:
10- التفسير هو البيان والإيضاح أخذا من قوله تعالى: {وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاَّ جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا} .
والتفسير في اللغة هو الإبانة وكشف المغطى.
وعلم التفسير هو العلم الذي يبحث عن مراد الله تعالى من كلامه المنزل على محمد بن عبد الله عليه السلام، وعلى هذا يكون موضوعه كتاب الله -القرآن الكريم.
وأول من قام بهذه العملية هو رسول الله ثم تلاه فيها الصحابة والتابعون.
وقيام النبي بهذا الأمر كان بتكليف من المولى سبحانه وتعالى حين قال له: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} .
وطلب القرآن الكريم إلى الناس أيضا القيام بهذه المهمة، وعاب على بعضهم أن لم يقوموا بها.
جاء في القرآن الكريم: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} .
كما جاء: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} .
وكان النبي عليه السلام يحض الصحابة على ذلك حتى يعرفوا معاني ما يحفظون من القرآن أولا فأولا. وقد روى الطبري عن ابن مسعود أنه قال: كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات لم يجاوزهن حتى يعرف معانيهن، والعمل بهن.
بدأ تفسير القرآن في حدود ضيقة حيث كان القوم عربا يعرفون معاني الألفاظ القرآنية إلا في القليل النادر الذي يرجعون فيه إلى الرسول عليه السلام, ولكن هذه الحدود الضيقة لم تلبث أن اتسعت بالتدريج تأسيسا على اتساع الإسلام ودخول غير العرب فيه وحاجتهم القصوى إلى فهم الغامض والمبهم من معاني كتاب الله الكريم.
فسر النبي عليه السلام من القرآن الكريم ما كان من مسائل الغيب(1/28)
التي أطلعه الله عليها وكانت خافية على الصحابة، وما كان مجملا أو عاما أو مطلقا ويحتاج إلى تخصيص أو تقييد، وما كان من الألفاظ الدينية التي تدخل العربية لأول مرة، وما كان عربيا من الألفاظ ولكنه أخذ معنى جديدا شرعيا.
وفسر الصحابة باجتهادهم ما لم يتيسر لهم أخذه عن رسول الله ثم دعت الحاجة إلى بيانه وإيضاحه مستعينين على ذلك بما كانوا يعرفون من أوضاع اللغة وعادات العرب وأحوال أهل الكتاب.
وكان أكثر الصحابة عناية بتفسير القرآن الكريم أربعة هم: عبد الله بن عباس، وعلي بن أبي طالب، وأبي بن كعب، وعبد الله بن مسعود.
وللأخير مصحف خاص به، وله ترتيب خاص بالسور.
وتفسير الصحابة للقرآن الكريم يجري تقييمه على الأساس التالي:
1- إذا كان التفسير راجعا إلى بيان أسباب النزول، أو كان مما لا مجال للرأي فيه، فهو في حكم المرفوع إلى النبي عليه السلام، من هنا يجب الأخذ به.
2- إذا كان التفسير مما للرأي فيه مجال فهو موقوف عليه ما لم يسنده إلى رسول الله. والأخذ بهذا التفسير غير واجب؛ لأن الصحابي هنا مجتهد قد يصيب وقد يخطئ وليس له امتياز في هذا الموقف على بقية الناس.
والظواهر التي يمكن تسجيلها في هذا المقام أن التفسير في زمن الصحابة لم يدون، وأنه أخذ شكل الحديث فيما يتصل برسول الله، وأنه قد خلا من استنباط الأحكام الفقهية الممذهبة، وأنه لم يتناول كل آيات القرآن واكتفى فيه ببعض الآيات وبالمعاني الإجمالية، والتفسيرات اللغوية للألفاظ.(1/29)
جاء بعد النبي والصحابة جماعة من التابعين ممن جلسوا إلى الصحابة وأخذوا عنهم، ثم من جاء بعدهم وأخذوا عنهم بالتلقي، إلى أن جاء عصر التدوين.
وأضاف هؤلاء القادمون إلى ما ورثوه من التفسير اجتهادات لهم خاصة بهم في تفسير القرآن.
والظاهرة الجديرة بالتسجيل في هذا المقام أن هؤلاء التابعين لم يكونوا مستقرين في المدينة أو في مكة فإنما كان منهم من يقطن بالشام وبالعراق أو بمصر حسب الظروف والأحوال.
كانوا موزعين على الأمصار، وكان يجلس إليهم في كل مصر من يحب الأخذ عنهم. ومن هنا نشأت مدارس التفسير التي تنتمي غالبا إلى واحد من الصحابة الذين أخذ التابعون عنهم.
وأشهر المدارس التفسيرية في ذلك الوقت مدرسة مكة وتنتمي إلى عبد الله بن عباس. وأشهر تلاميذه من التابعين: سعيد بن جبير، ومجاهد بن جبر، وعكرمة مولى ابن عباس، وطاوس بن كيسان اليماني، وعطاء بن أبي رباح.
مدرسة المدينة، وتنتمي إلى أبي بن كعب. وأشهر تلاميذه من التابعين: أبو العالية، ورفيع بن مهران الرياحي، ومحمد بن كعب القرظي، وزيد بن أسلم.
مدرسة العراق، وتنتمي إلى عبد الله بن مسعود، وأشهر تلاميذه من التابعين: علقمة بن قيس النخعي، وعامر الشعبي، والحسن البصري، ومرة الهمداني، وقتادة بن دعامة السدوسي.
وليس يجب الأخذ بتفسير التابعي إلا حين يجمع التابعون على رأي،(1/30)
وروي عن أبي حنيفة أنه قال: ما جاء عن رسول الله فعلى الرأس والعين، وما جاء عن الصحابة تخيرنا، وما جاء عن التابعين فنحن رجال وهم رجال.
ويرد كثير من المؤرخين لحركة التفسير دخول الإسرائيليات في التفسير إلى هذه المرحلة.
وقد كان الطابع العام في التفسير هو التلقي ثم الرواية، والخطابة عن إمام المصر الذي ينتمي إليه التابعين كما سبق أن أشرنا.
ثم كانت مرحلة التدوين في التفسير، وبدأت هذه المرحلة بتدوين الحديث حيث كان التفسير بابا من أبوابه. ولم يكن التفسير قد أفرد بمؤلفات خاصة به تتناوله سورة سورة وآية آية. لقد كان جزءا من المرويات التي يجمعها رواة الحديث.
ثم انفصل التفسير عن الحديث وأصبح علما مستقلا، وأخذ المفسرون يتناولون بالبيان والإيضاح القرآن الكريم. ويتناولونه آية آية حسب ترتيب المصحف.
كان التفسير أول الأمر يقف عند حدود المرويات عن رسول الله والصحابة والتابعين.
ثم مضى المفسرون على يد ابن جرير الطبري خطوة أخرى تقوم على توجيه الأقوال بعد ذكرها وترجيح بعضها على بعض، ثم ذكر شيء من الإعراب حين تدعو الحاجة، واستنباط بعض الأحكام التي يمكن أخذها من الآيات القرآنية.
ثم تلت ذلك مرحلة تخفف فيها المفسرون من الأسانيد حيث كانوا يروون الأقوال المأثورة بدون إسنادها إلى قائليها, الأمر الذي فتح الباب أمام الوضع في التفسير واختلاط الصحيح بالسقيم.(1/31)
ثم جاء من بعد المفسرون الذين يعتمدون على أنفسهم عند فهمهم للآيات يستعينون في ذلك بالمعارف العلمية التي أخذت تستقر في المجتمع منذ أيام العباسيين إلى وقتنا هذا. ومن هنا دخل في التفسير أشياء كثيرة كان من الخير أن تظل بعيدة عن كتب التفسير.
اتجهت كتب التفسير اتجاهات متنوعة، وتحكمت المصطلحات العلمية والعقائد المذهبية، والنظريات الفلسفية، في فهم آي الذكر الحكيم.
لقد قام كل من برع في علم من العلوم أو جانب من جوانب المعرفة بتفسير القرآن الكريم على أساس ما برع فيه من علم أو فن. ومن هنا رأينا التفسير الثاني يغلب فيه الطابع النحوي، أو الطابع البلاغي، أو الطابع التاريخي الأسطوري، أو الفقه أو التصوف أو الفلسفة أو المذهب, الأمر الذي مكن من تقسيم كتب التفسير إلى أنواع.
وأهم هذه الأنواع أربعة:
1- التفسير المأثور, أي: الذي يعتمد على النقل والرواية.
2- التفسير بالرأي أو التفسير العقلي.
3- التفسير الإشاري, أي: تفسير المتصوفة ومن إليهم من بعض أصحاب المذاهب والفرق الدينية.
4- التفسير العلمي, أي: الذي يربط بين القرآن الكريم والمكتشفات العلمية.
وقد قام رجال الفكر الإسلامي بتقييم كل نوع من هذه الأنواع وانتهوا من ذلك إلى ما يلي:(1/32)
أولا: التفسير المأثور
سبق أن أشرنا إلى أنه مر بمرحلتين: مرحلة الرواية ومرحلة التدوين.
وكانت مرحلة الرواية جزءا من مرحلة رواية الحديث، وأنه من هنا خضعت المرويات في التفسير لما تخضع له المرويات في الحديث من تحري الدقة والصحة في كل من السند والمتن.
أما مرحلة التدوين فقد جرى الأمر فيها بتدوين المروي عن النبي وعن الصحابة وعن التابعين مع ذكر السند ثم مع إهمال السند. الأمر الذي خلطت فيه كتب التفسير ما لا يصح بما يصح بحيث أصبحنا في حل من الالتزام بكل المرويات.
ومما يحلنا من الالتزام أنه في مرحلة المرويات وقبل عصر التدوين كان المسلمون قد انقسموا إلى فرق منها الشيعة ومنها الخوارج ومنها الجمهور أو أهل السنة. وأن هذه الفرق قد دعمت أنفسها بالأحاديث تروى وبالآيات تؤول. فكثر وضع الأحاديث ودخلت الإسرائيليات.
ومما زاد في حجم الإسرائيليات أن من المفسرين من اهتم بالقصص والأخبار، وروى من سير الأنبياء وأقوامهم أمورا غريبة وقف العقل الإسلامي أمامها حائرا مشككا في الكثير من الأحيان.
وأشهر الذين اهتموا بالتفسير المأثور أربعة نفر هم:
1- ابن جرير الطبري المتوفى عام 310 هجرية في كتابه: جامع البيان في تفسير القرآن.
2- أبو محمد الحسين البغوي المتوفى عام 510 هجرية في كتابه معالم التنزيل.
3- الحافظ ابن كثير الدمشقي المتوفى عام 774 هجرية في كتابه: تفسير القرآن العظيم.
4- جلال الدين السيوطي المتوفى عام 911 هجرية في كتابه: الدر المنثور.(1/33)
ثانيا: التفسير بالرأي أو العقل
ويقوم هذا التفسير على اجتهاد المفسر بعد أن تكون قد اكتملت له المعرفة بكلام العرب ومناحيهم في القول، ومعرفة دلالات الألفاظ، والوقوف على أسباب النزول، ومعرفة الناسخ والمنسوخ، وغير ذلك من الأدوات التي يحتاج إليها المفسر.
وقد منع قوم التفسير بالرأي على أساس من أن القرآن الكريم قد وردت فيه الآية: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} وأن هذه الآية قد أضافت عملية بيان معاني القرآن للنبي عليه السلام، وعلى هذا ليس من حق غيره أن يقوم ببيان شيء من معاني القرآن.
أما الذين يجيزون التفسير بالرأي فقد اعتمدوا على آيات قرآنية أخرى هي قوله تعالى: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} . وقوله تعالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} .
هذا إلى جانب أن الصحابة كانوا يجتهدون في زمن النبي عليه السلام واجتهد التابعون فيما بعد، وذلك كله حسب توجيهات الآية القرآنية القائلة: {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} .
وأشهر الذين فسروا بالرأي أو بالعقل هم:
1- الفخر الرازي المتوفى سنة 606 هجرية في كتابه: مفاتيح الغيب.
2- البيضاوي المتوفى سنة 691 هجرية في كتابه: أنوار التنزيل وأسرار التأويل.(1/34)
3- أبو البركات النسفي المتوفى سنة 701 هجرية في كتابه: مدارك التنزيل وحقائق التأويل.
4- علاء الدين الخازن المتوفى سنة 741 هجرية في كتابه ألباب التأويل في معاني التنزيل.
5- أبو حيان الأندلسي المتوفى سنة 745 هجرية في كتابه: البحر المحيط.
6- النيسابوري المتوفى سنة 728 تقريبا في كتابه: غرائب القرآن ورغائب الفرقان.
7- أبو السعود المتوفى سنة 682 هجرية في كتابه: إرشاد العقل السليم إلى مزايا القرآن الكريم.
8- شهاب الدين الألوسي المتوفى سنة 270 هجرية في كتابه: روح المعاني.
وهناك مجموعة أخرى من الرجال وضحت المذهبية في كتبهم، ومن هؤلاء:
1- القاضي عبد الجبار المتوفى سنة 415 هجرية في كتابه: تنزيه القرآن عن المطاعن.
2- الزمخشري المتوفى عام 538 هجرية في كتابه: الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل. وهما من المعتزلة.
3- الشوكاني المتوفى سنة 1250 هجرية في كتابه: فتح القدير وهو شيعي.
4- محمد بن يوسف أطفيش المتوفى سنة 1332 هجرية في كتابه:(1/35)
هميان الزاد إلى دار المعاد.
5- تفسير هود بن محكم الهواري من علماء القرن الثالث الهجري. وهذان من الخوارج الإباضية.
والمفسرون بالرأي قد أخذوا بالمبادئ التالية:
1- ملاحظة أسباب النزول في كل آية عرف السبب الذي من أجله نزلت، ويكون ذلك قبل الدخول في شرح الآية.
2- بعد الفراغ من التعرف على سبب النزول يأخذ فيما يتعلق بالألفاظ المفردة من حيث اللغة والصرف والاشتقاق. ثم يأخذ السبيل إلى ما يتعلق بالتراكيب من حيث الإعراب، والمعاني والبيان والبديع، ثم يأخذ في بيان المعنى المراد مستنبطا من الآية ما يمكن استنباطه في حدود الأحكام الشرعية.
3- تجنب كل ما هو من قبيل الحشو، وكل ما لا يصح من أسباب النزول، وكل ما يتصل بالغرائب من الإسرائيليات وبخاصة عندما يشرح القصص القرآني ويبين المراد منه.
4- مراعاة المعاني المجازية بعد شرح المعاني الحقيقية حتى يبين المعنى المراد عندما تستخدم المعاني المجازية في العبارات الشرعية الواردة في القرآن.
5- أن يكون يقظا ليحترز من أن يجيء تفسيره بعيدا عن المعنى المراد، وعليما بأساليب التفكير ليتمكن من ترجيح رأي على الآخر عندما تكون الآية القرآنية تحتمل أكثر من وجه.(1/36)
ثالثا: التفسير الإشاري
وحقيقة هذا التفسير أنه نوع من التأويل للآية القرآنية بحيث يكون المعنى المراد على خلاف الظاهر من الآية، ويتم ذلك عن طريق إشارات خفيفة في الآية لا تظهر إلا لأرباب السلوك.
وهذا النوع من التفسير قام به أصحاب الطرق الصوفية، ومن يؤمنون بالتشيع.
ويرى هؤلاء أن كل آية تحتمل معنى آخر غير ذلك المعنى الإشاري هو المعنى الذي ينساق إليه الذهن أولا.
والتفسير الإشاري المقبول هو الذي يتحقق فيه هذان الشرطان:
الأول: أن يصبح المعنى على مقتضى الظاهر بحيث لا يكون هناك تناقض بين المعنى الظاهر والمعنى الإشاري.
الثاني: وأن يكون للمعنى الإشاري تأكيد في نص قرآني آخر.
وما لم يتحقق الشرطان يرفض التفسير الإشاري، والمرفوض يكون على شاكلة تفسير التستري للآية القرآنية الكريمة {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ} يقول: أول بيت وضع للناس بيت الله عز وجل بمكة، هذا هو الظاهر وباطنها: الرسول يؤمن به من أثبت الله في قلبه التوحيد من الناس.
وأشهر الذين فسروا القرآن تفسيرا إشاريا من المتصوفة:
1- سهل التستري المتوفى سنة 283 هجرية في كتابه: تفسير القرآن العظيم.
يذكر المعنى الإشاري دائما، ويذكر أحيانا المعاني الظاهرة.
2- أبو عبد الرحمن السلمي المتوفى سنة 412 هجرية في كتابه: حقائق التفسير. ولا يتعرض فيه للتفسير الظاهر.
3- أبو محمد الشيرازي المتوفى سنة 606 هجرية في كتابه: عرائس البيان في حقائق القرآن. ولا يتعرض هو الآخر للتفسير الظاهر.(1/37)
رابعا: التفسير العلمي
هذا النوع من التفسير يقوم على أساس من تحكيم الاصطلاحات العلمية في عبارات الآيات القرآنية.
ويجتهد أصحاب هذا النوع من التفسير في استخراج مختلف العلوم من الآيات القرآنية.
ويحتوي القرآن الكريم عند هؤلاء على كل العلوم ما كان منها وما سيكون؛ لأن القرآن في نظر أصحاب هذه الطريقة يشتمل على العلوم الدنيوية إلى جانب اشتماله على المعتقدات الدينية والأمور التعبدية والمعايير السلوكية والأخلاقية، والتشريعات الدنيوية العلمية.
وقد أيد هذا النوع من التفسير الإمام الغزالي وبذل فيه جلال الدين السيوطي جهدا عظيما في كتابه: الإكليل في استنباط التنزيل.
ويستند هؤلاء إلى الآيات القرآنية:
قول الله تعالى: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} .
وقوله: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} .
وقد عارض الشاطبي في كتابه الموافقات هذا النوع من التفسير وصرف معنى الآيات السابقة إلى ما يتعلق بالتكاليف والتعبد بالنسبة للآية الأولى، وإلى أن معنى الكتاب ليس هو القرآن وإنما معناه الذي يحمل إليه هو اللوح المحفوظ.
وما ذهب إليه الشاطبي الذي قرره فيما بعد الأستاذ أمين الخولي من حيث التسليم بما ذهب إليه السيوطي وأمثاله يقودنا إلى التسليم بأن القرآن(1/38)
الكريم مصدر للطب والفلك والهندسة والكيمياء وما إلى ذلك.
وإذا كانت قواعد العلوم وما تقوم عليه من نظريات لا ثبات لها, وأنها قد تتغير بعد زمن ما حين يتبين العقل البشري ما كان فيها من خطأ، فإن عقيدة المسلم قد تتذبذب تبعا لذلك ويسري إليها الشك فيما جاء به القرآن الكريم مما يتعلق بهذه العلوم.
وفي العصر الحديث تبنى التفسير العلمي كل من: الشيخ طنطاوي جوهري في كتابه: الجواهر في تفسير القرآن الكريم. والدكتور عبد الرزاق نوفل في كتب له عديدة تتناول موضوعات علمية وبخاصة في الزراعة.
وعلى الجملة فالتفسير في حاضرنا ما يزال موصولا بالتفسير في ماضينا ولا ينفك عنه إلا في القليل النادر.
والسمات البارزة للتفسير الحديث الموصول بالماضي نجدها عند هؤلاء:
1- الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده حيث عني عناية فائة بإبراز الجانب الاجتماعي في القرآن الكريم.
2- الأستاذ عبد الكريم الخطيب الذي عني عناية لا بأس بها في إبراز الجانب الفكري عند تفسيره للقرآن. بالقرآن.
3- الأستاذ محمد عزة دروزة الذي عني عناية فائقة بترتيب سور القرآن ترتيبا تاريخيا وقام بتفسير القرآن على هذا الأساس. ويقع هذا التفسير في اثني عشر مجلدا.(1/39)
الحديث وعلومه
مدخل
...
الحديث وعلومه:
1- الحديث، هو ما روي عن رسول الله من قول أو فعل. قول قاله وسمعه منه الصحابة، ورووه عنه، وفعل قام به وشهده بعض الصحابة فتحدثوا إلى الناس عنه وأخبروهم به.
وكانت مهمة الحديث على عهد الرسول عليه السلام أمرين:
الأول منهما: البيان التفصيلي لما جاءت به النصوص الإلهية مبهما أو عاما أو غامضا، وذلك من مثل بيانه عليه السلام لأوقات الصلاة وعدد ركعاتها.
وهذا البيان هو الذي اعتمده المفسرون للقرآن عندما أخذوا يفسرون القرآن الكريم عن طريق الرواية, وهذا هو الأمر الذي جعل التفسير نوعا من الحديث وبابا من أبوابه.
أما الثاني من الأمرين فهو الإضافات الجديدة التي كان يضيفها الحديث لمضامين الدعوة الإسلامة مما لم يرد فيه نص سماوي كميراث الجدة مثلا:
جاءت الجدة إلى أبي بكر رضي الله عنه وهو خليفة فقالت: إن لي حقا في مال ابن ابن مات.
قال أبو بكر: ما علمت لك في كتاب الله حقا، ولا سمعت من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيه شيئا.
ثم سأل. فقال المغيرة بن شعبة: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أعطاها السدس.
قال أبو بكر: ومن سمع ذلك معك؟(1/43)
فشهد محمد بن مسلمة، فأعطاها أبو بكر السدس.
2- ولم يلق الحديث من الاهتمام، من حيث عمليات التوثيق، ما لقيه القرآن. وذلك للأسباب التالية:
أولا: أن المسلمين قاطبة بمن فيهم النبي عليه السلام والصحابة رضي الله عنهم يعتبرون النصوص الإلهية هي النصوص الأصلية للدعوة الإسلامية، وأن النصوص النبوية هي النصوص الثانوية من أمر تلك الدعوة.
هذا الاعتبار جعلهم يهتمون بالقرآن من حيث عمليات التوثيق أكثر من اهتمامهم بالحديث.
ثانيا: أن تلاوة القرآن الكريم أمر يتعبد به وليس كذلك الحديث, وهذا التعبد هو الذي جعل النبي والصحابة يحرصون أشد الحرص على الصيغ اللفظية للقرآن الكريم. ومن هنا جاءت ضرورة توثيق القرآن عن طريق الحفظ والكتابة.
أما الحديث فلم يتعبد بتلاوته، وأجيزت روايته بالمعنى, الأمر الذي جعل النحاة من علماء العربية لا يستشهدون بالحديث في وضع قواعدهم اللغوية.
ثالثا: وهو الأهم: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد سلك مع الحديث مسلكا غير ذلك الذي سلكه مع القرآن، وأن الصحابة رضي الله عنهم قد استجابوا له واقتفوا أثره في ذلك.
لقد اتخذ النبي عليه السلام كتبة للوحي يكتبون عنه ما يتلو عليهم مما نزل عليه من السماء. ولم يتخذ أبدا كتبة للحديث.
ولقد اصطنع عليه السلام طائفة من القراء ممن يحفظون ما يتلوه عليهم ويقومون هم بتلاوته على الناس, وبخاصة في الأمكنة النائية عن مكة أو(1/44)
المدينة, مراكز الانطلاق في الدعوة الإسلامية.
ثم إنه عليه السلام قد مضى إلى ما هو أبعد من ذلك فنهى عن أن يكتب الصحابة عنه شيئا غير القرآن.
روى مسلم في صحيحه عن أبي سعيد الخدري أنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "لا تكتبوا عني، ومن كتب عني غير القرآن فليمحه، وحدثوا عني فلا حرج، ومن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار".
ومن كل ما تقدم من أسباب يمكن التأكيد على أن الثقة بالحديث أقل بكثير جدا من الثقة بالقرآن, من حيث إن عمليات توثيق النص القرآني قد قامت على أساسين: حفظ النص عن طريق الذاكرة، وقيد النص عن طريق الكتابة. وهما أمران يوثق أحدهما الآخر توثيقا علميا.
3- كانت الذاكرة هي أداة التوثيق الوحيدة بالنسبة للحديث منذ زمن النبي عليه السلام إلى أن كان عصر تدوين الحديث بعد وفاة النبي عليه السلام بأكثر من قرن من الزمان.
وحدث في هذا الوقت أحداث دفعت بالناس منذ عهد الصحابة إلى الاستعانة بالحديث في تأييد مواقعهم وفي تلبية رغباتهم ما دامت النصوص الدينية هي الأساس في ممارسة الناس لحياتهم اليومية وحياتهم العامة.
ولم يكن باستطاعة الناس أن يلجئوا إلى القرآن الكريم يستمدون منه العون والسند ما دام النص القرآني قد وثق توثيقا علميا صنع من الاستعانة بالنص القرآني ذاته, وإن لم يمنع من تفسير النص القرآني التفسير الذي يلبي احتياجاتهم، ومن هنا كان التفسير الإشاري الذي استعان به الشيعة والخوارج.
وممن حفظوا مجموعات هائلة من الحديث بعض الصحابة الذين عاشوا إلى جانب النبي وامتد بهم الزمن بعد وفاته وتمكن التابعون من الأخذ منهم والرواية عنهم.(1/45)
بعض حفظة الحديث الكبار:
من هؤلاء: أبو هريرة الذي روى الراوون عنه 5274 حديثا. ومنهم عائشة التي رووا عنها 3210 أحاديث.
ومنهم عبد الله بن عمر وأنس بن مالك اللذان روي عن كل منهما ما يقرب مما روي عن عائشة.
ومنهم جابر بن عبد الله، وعبد الله بن عباس وقد روي عن كل منهما 1500 حديث.
ومنهم عمر بن الخطاب وقد روي عنه 527 حديثا، وينصون على أنه لم يصح منها أكثر من خمسين حديثا.
وكل هذه الأحاديث قد وضعت في عصر التدوين موضع النقد، واستبعد منها العدد الوفير كما سنشير إلى ذلك فيما بعد.
والذي يهمنا في هذا الموقف هو ما كان فيما بين الصحابة من مواقف تشير إلى أنهم لم يكونوا جميعا موضع الثقة عند بعضهم البعض.
وقد مر بنا في حديث توريث الجدة أن أبا بكر طلب شاهدا آخر قد سمع الحديث حتى يستوثق قبل الحكم.
ولقد روي أيضا من ذلك ما يفيد عدم الثقة وعدم الأخذ بالمروي، وما يفيد رفض المرويات لأسباب منها الوضع.
روي أن أبا هريرة قد روى حديثا يقول: "من حمل جنازة فليتوضأ" , ولكن ابن عباس لم يأخذ بما رواه أبو هريرة وقال: لا يلزمنا الوضوء في حمل عيدان يابسة.
وجاء في الصحيحين رواية عن أبي هريرة أيضا حديث يقول: "متى استيقظ أحدكم من نومه فليغسل يده قبل أن يضعها في الإناء فإن أحدكم لا(1/46)
يدري أين باتت يده" ولكن عائشة لم تأخذ به.
وروي أن فاطمة بنت قيس روت أن زوجها طلقها فبت الطلاق فلم يجعل رسول الله لها نفقة وسكنى وقال لها: "اعتدي في بيت ابن أم مكتوم فإنه رجل أعمى".
فردها أمير المؤمنين عمر قائلا: لا نترك كتاب الله وسنة نبينا بقول امرأة لا ندري أصدقت أو كذبت؟ حفظت أم نسيت؟
وقالت لها عائشة: ألا تتقين الله.
وروى مسلم عن ابن عباس أنه قال: إن كنا نحدث عن رسول الله إذا لم يكن يكذب عليه فلما ركب الناس الصعب والذلول تركنا الحديث عنه.
وواضح مما تقدم أن عملية الكذب على رسول الله ووضع الحديث عن لسانه قد بدأت منذ وقت مبكر جدا، بدأت مع الصحابة وفي عهد الخليفتين: أبي بكر وعمر.
ثم جاءت الأحداث بعد مقتل عثمان الخليفة الثالث واستباح الناس لأنفسهم وضع الأحاديث يؤيدون بها مواقفهم. يفعلون ذلك في ميادين: السياسة والدين والثقافة. كل يريد تأييد موقفه ودحض حجة الآخرين بالنص الديني الذي هو مصدر الحقائق.
ولم يفعل الناس هذا الصنيع فيما يخص القرآن الكريم من حيث إنه قد وثق توثيقا علميا دقيقا يحول بينهم وبين ذلك، وأن يكونوا قد استعاضوا عن ذلك بتفسير بعض الآيات القرآنية تفسيرا يساعدهم في ذلك، وقد كان الشيعة والخوارج أكثر الناس إقداما على مثل هذه التفسيرات أو التأويلات من حيث إنهم كانوا يلوون أعناق الآيات.
والتفسير المسمى بالتفسير الإشاري ليس إلا الظاهرة التي تمت عن(1/47)
أحداث العصور الأولى من أعصر الدولة الإسلامية.
ونشير في إيجاز إلى بعض الأسباب التي دفعت بالناس في ذلك الوقت المبكر إلى وضع الأحاديث.
أولا: الخصومات السياسية فيما بين علي وأبي بكر، ثم فيما بين علي ومعاوية، ثم بين الأمويين والعباسيين.
كل هذه الخصومات السياسية كانت سببا في وضع الأحاديث التي لا يلبث القارئ المدقق أن يكتشف لمن وضعت؟ وكيف وضعت؟
ويفصل لهذا النحو من وضع الأحاديث ما وضع في تفضيل العرب على العجم، وتفضيل قريش على غيرها من القبائل، وتفضيل المهاجرين على الأنصار وبالعكس.
ثانيا: الخلافات الكلامية والفقهية فقد كانت هي الأخرى سببا من أسباب وضع الأحاديث.
يختلف علماء الكلام فيما بينهم حول قضايا القدر أو الجبر والاختيار ويعمل كل فريق على تأييد موقفه بأحاديث صادقة وأحاديث موضوعة.
ويختلف الفقهاء فيما بينهم ويحاول كل منهم أن يؤيد وجهة نظره بحديث مهما يكن من الضعف, وبخاصة في المرحلة الأولى التي كان الخلاف فيها قائما بين أصحاب العقل وأصحاب النقل.
ثالثا: في أبواب الترغيب والترهيب والوعظ والإرشاد حيث أجاز الواعظون المرشدون لأنفسهم وضع الأحاديث التي تساعد على التمسك بالفضائل والتخلي عن الرذائل.
وهذا كله إلى جانب مغالاة الناس في ذلك الوقت حيث لم يكونوا يقبلون شيئا إلا إذا كان مؤيدا بالنص: القرآن أو الحديث.(1/48)
4- ثم كان عصر التدوين وتوثيق الحديث عن طريق الكتابة.
كان أول من خطا الخطوة العملية في سبيل كتابة الحديث الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز الذي تولى الخلافة عام 99 هجرية وتوفي عام 201 من الهجرة.
أخرج أبو نعيم في تاريخ أصبهان عن عمر بن عبد العزيز أنه كتب إلى أهل الآفاق: انظروا إلى حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فاجمعوه.
استجاب أهل الآفاق لدعوة عمر بن عبد العزيز وأخذوا في تدوين الأحاديث فعل ذلك في مكة ابن جريح المتوفى سنة 150 هجرية وفعله في المدينة محمد بن إسحاق المتوفى سنة 151 هجرية ومالك بن أنس المتوفى سنة 179 هجرية، وفعله بالبصرة الربيع بن صبيح المتوفى سنة 160 هجرية وسعيد بن أبي عروبة المتوفى سنة 156 هجرية وحماد بن سلمة المتوفى سنة 176 هجرية، وفعله بالكوفة سفيان الثوري المتوفى سنة 161 هجرية، وفعله بالشام الأوزاعي المتوفى سنة 156 هجرية، وفعله باليمن معمر المتوفى سنة 153 هجرية، وبخراسان ابن المبارك المتوفى سنة 181 هجرية، وفعله بمصر الليث بن سعد المتوفى سنة 175 هجرية.
ولم يصل إلينا من هذه المجموعات إلا أوصافها ما عدا مجموعة الإمام مالك المعروفة باسم الموطأ.
وقارئ الموطأ يشعر أن هذه العمليات من الجمع كان مقصودا منها خدمة التشريع الإسلامي، وأنه من هنا كانت مرتبة على أبواب الفقه وحاوية في الوقت ذاته لفتاوى الصحابة والتابعين.
ويبدو أن هذه الحركة في جمع الحديث قد استهدف منها تأييد أصحاب النقل من الفقهاء في مواجهة أصحاب العقل والمجتهدين من الفقهاء.
ويلاحظ أصحاب علوم الحديث أن هؤلاء الجامعين للحديث لم يكن(1/49)
يعنيهم أبدا التأكد من صحة نقل الأحاديث عن رسول الله فقد كان يكفيهم إسناد الحديث إلى تابعي أو إلى صحابي اعتقادا منهم أن الصحابة كلهم عدول. ومن أجل هذا سجل أصحاب علوم الحديث على موطأ الإمام مالك أن أحاديثه ليست كلها مسندة, أي: ليست كلها متصلة السند يرويها الإمام مالك عن فلان عن فلان إلى النبي عليه السلام. وأن بعضها كان مرسلا, أي: سقط من مسنده الصحابي الذي رواه عن رسول الله. وأن بعضها كان منطقعا, أي: سقط من مسنده أكثر من واحد من سلسلة الرواة.
إنه من هذه الظواهر لم تلتزم كتب الصحاح من أمثال صحيح البخاري وصحيح مسلم بكل ما رواه الإمام مالك في الموطأ.
ثم جاءت بعد تلك مرحلة متميزة في جمع الحديث تخلى فيها الجامعون عن فكرة جمع الأحاديث من أجل التشريع وحلت محلها فكرة أخرى هي جمع الحديث من أجل تدوين الحديث باعتباره نصا نبويا. ومن هنا خلت الكتب من التصنيف على أساس من الأبواب الفقهية: كالصلاة والطهارة مثلا. إلى التصنيف على أساس من المرويات ذاتها, أي: على أساس من الصحابة الذين تروى عنهم الأحاديث التي سمعوها من رسول الله.
وبرز الإسناد في هذه المرحلة كعملية من عمليات التقييم للمرويات، فقد أصبح من الضروري أن يسند الحديث إلى راويه الأول في سلسلة متتابعة من الرواة.
وسميت الكتب التي جمعت في هذه المرحلة المسانيد.
وأشهر المسانيد التي عرفت من كتب هذه المرحلة هي: مسند عبد الله بن موسى العبسي الكوفي، ومسند مسدد بن مسرهد البصري، ومسند أسد بن موسى الأموي، ومسند نعيم بن حماد الخزاعي، ومسند أحمد بن حنبل. لقد كانت الأحاديث تدار في مصنفات المرحلة الأولى على أساس من وحدة(1/50)
الموضوع. أما في هذه المرحلة فالأساس في التصنيف هو وحدة الصحابي.
وحتى نهاية هذه المرحلة لم تكن أدوات التقييم للمرويات قد اكتملت الأمر الذي من أجله لم تغربل الأحاديث الغربلة الدقيقة الموحية بالثقة.
لقد تمت هذه الغربلة في المرحلة الثالثة التي جاءت نتيجتها تلك الكتب المعروفة في تاريخ الحديث باسم الصحاح, أي: ما صحت روايته حقا عن رسول الله.(1/51)
أهم الكتب الصحاح:
وأهم هذه الصحاح الكتب الستة التالية:
1- الجامع الصحيح من حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- للبخاري المتوفى سنة 256 هجرية.
2- صحيح مسلم، وقد توفى مسلم عام 261 هجرية.
3- سنن ابن ماجه المتوفى سنة 274 هجرية.
4- سنن أبي داود المتوفى سنة 275 هجرية.
5- جامع الترمذي المتوفى سنة 279 هجرية.
6- سنن النسائي المتوفى سنة 303 هجرية.
وهذه الكتب تسمى الكتب الستة وبعدها هناك علوم الحديث وهي أصح ما جمع من الأحاديث.
ويضيف بعضهم إلى هذه الكتب الستة مسند أحمد بن حنبل ويرون أن من جاءوا بعد من رجال الحديث كانوا عالة على هذه الكتب يستمدون منها الأحاديث أو يقومون بالشرح لها والتعليق عليها.
وأشهر هذه الكتب صحيح البخاري وصحيح مسلم، وقد نال صحيح البخاري من الشهرة ما لم ينل كتاب آخر من كتب الحديث.
وقد وضع البخاري في جمع الحديث تقليدين جرى العمل عليهما عند كل من جاءوا بعده من رجال الحديث.(1/51)
التقليد الأول: الرحلة في طلب الحديث.
لقد كان الذين سبقوه يكتفون في جمع الحديث بالأحاديث التي تروى في البلد الذي يعيش فيه. أما هو فقد رحل إلى بلاد كثيرة طلب فيها كل ما يروى عن النبي عليه السلام، ذلك لكي يجمع كل ما يمكن جمعه مما قاله رسول الله.
والبلاد التي استقى منها أحاديث صحيحة هي فيما قال مؤرخو حياته: بعد أن سمع حديث بلده ذهب إلى بلخ وسمع محدثيها، ورحل إلى مرو ونيسابور والري وبغداد والبصرة والكوفة ومكة والمدينة ومصر ودمشق وقيسارية وعسقلان وحمص، وأقام في هذه الرحلات نحو ستة عشر عاما لقى فيها عناء شديدا لا يتحمله إلا الصابرون.
وأخيرا عاد إلى موطنه حيث توفي عام 256 هجرية.
وتبعه في مثل هذه الرحلات مسلم وغيره من الرجال الذين صحت مروياتهم.
وهذه الرحلات قد كان لها أثرها في تاريخ الحديث من حيث إنها وضعت يد الجامعين للحديث على أحاديث مروية بأسانيد مختلفة وطرق متعددة مما مكن من التعرف على المتواتر والآحاد من الأحاديث، وهو أمر له خطورته في حياة الفقه والتشريع.
وكان لهذه العملية أثر آخر هو التضخم في كتب الأحاديث من حيث إن الحرص على التعرف على الأسانيد التي روي بها الحديث من طرقه المختلفة جعلهم يكتبون الحديث مكررا، وقد كان لهذا التكرار أثره في تضخم هذه الكتب. فصحيح البخاري مثلا يشتمل على 9083 حديثا، ولكن بعد حذف المكرر من الأحاديث يبقى 2762 حديثا فقط.
أما التقليد الثاني فقد كان العمل الجاد من أجل التمييز بين الحديث(1/52)
الصحيح وغيره.
لقد كان رجال الحديث من قبل يقفون الوقفات القصار في هذا السبيل، ولا يعنون بالتمييز بين الصحيح وغيره هذه العناية التي نجدها عند كل من البخاري ومسلم.
ذكر المؤرخون للحديث أن البخاري اشترط في جمعه للأحاديث التي يصححها شروطا تسمى شروط البخاري. كما ذكروا أن لمسلم شروطا تختلف بعض الشيء عن شروط البخاري وتسمى هي الأخرى شروط مسلم.
ومن الملاحظ أن كلا منهما قد اشترط في الحديث أن يكون إسناده متصلا، وأن يكون كل راو من رواته مسلما صادقا غير مدلس ولا مخلط، متصفا لصفات العدالة، ضابطا سليم الذهن قليل الوهم سليم الاعتقاد.
وليس يخفى أن تعرف صحيح الحديث من ضعيفه كان المنطلق نحو ما يسمى بعلوم الحديث.
2- بدأت هذه العلوم بالإسناد, أي: بمطالبة راوي الحديث بأن يقول: حدثني فلان عن فلان عن رسول الله أنه قال كذا.
وكان الهدف من الإسناد التعرف على المحدث إن كان صادقا أو كاذبا.
جاء في مقدمة صحيح مسلم عن ابن سيرين قال: لم يكونوا يسألون عن الإسناد، فلما وقعت الفتنة قالوا: سموا لنا رجالكم، فينظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم، وينظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم.
وترتب على عملية الإسناد هذه عملية أخرى تسمى في علوم الحديث بالجرح والتعديل, أي: الكشف عن رجال رواة الحديث لتكوين الثقة أو عدم الثقة بمروياتهم.(1/53)
والتعرف على أحوال الرواة للحديث لا يتم إلا عن طريق المعرفة الواسعة بتاريخ هؤلاء الرواة، وتاريخ حياتهم ووفاتهم لبيان هل التقى الراوي بمن روى عنه أولا، كما يحتاج إلى معرفة دقيقة بكل الرواة منذ زمن جامع الأحاديث إلى زمن النبي عليه السلام من حيث: صدقهم والثقة بهم وحفظهم، ومن منهم صادق أمين ومن منهم مستور الحال، ومن منهم كاذب، ومن منهم صادق ولكنه مغفل ... إلخ.
وقد اتفق رواة الحديث وجامعوه على أن ينظروا إلى الصحابة على أنهم عدول وتقبل روايتهم بصرف النظر عن وضعهم في ميزان الجرح والتعديل.
ويتبع ذلك خطوة أخرى في مسار علوم الحديث هي النظر في الأحاديث المكررة التي تروى في الأمصار المختلفة للتعرف على ما بينها من مفارقات وموافقات، وما فيها من علل.
ومن أصعب الخطوات التي كان على أصحاب علوم الحديث أن يخطوها هي التعرف على النيات والضمائر، فقد كان عليهم أن يعرفوا مذاهب الراوة السياسية والدينية, وبخاصة في الحالات التي يضمر فيها الناس غير ما يظهرون خوفا من العامة أو ذوي الجاه والسلطان.
وفي الحقيقة لا يمكن الوقوف على ما في النيات والضمائر في سهولة ويسر ومن هنا كان اختلاف رجال الحديث حول مستور الحال. فبعض الناس يوثقه وبعضهم الآخر يكذبه، وهكذا، والبواعث النفسية على ذلك لا حصر لها.
والظاهرة الجديرة بالتسجيل هنا أن أصحاب علوم الحديث كانوا يختلفون فيما بينهم في قواعد الجرح والتعديل. فبعض هؤلاء يرفض حديث المبتدع مطلقا: الخارجي والمعتزلي، وبعضهم يقبل روايته في الأحاديث التي(1/54)
لا تتصل ببدعته. وبعضهم يقول: إن كان داعيا لها لا تقبل روايته وإن كان غير داع قبلت.
وبعض المحدثين يتشدد فلا يروي حديث من اتصلوا بالولاة. ودخلوا في أمر الدنيا مهما كان صدقهم وضبطهم.
وعلى كل فإن ثقات المحدثين قد بذلوا من الجهد في التمحيص ما لا يوصف، لقد اجتهدوا في وضع رواة الحديث من التابعين ومن بعدهم في موازين دقيقة بقدر الإمكان هي موازين: الجرح والتعديل.
والذي يلاحظ أن قواعد الجرح والتعديل تتصل بالرواة وسلاسل الرجال ولا علاقة لها بنص الحديث على الإطلاق، وذلك هو الأمر المعقول بالنسبة لقوم يجمعون الحديث باعتباره المصدر الثاني من مصادر التشريع. لقد كانوا يبذلون الجهد في سبيل التأكد من أن الرسول عليه السلام قد قال هذا الحديث، وكانوا يرون أن الحديث متى ثبتت صحته, أي: ثبت صدوره عن رسول الله، فقد وجب العمل به.
ووجوب العمل عندهم مترتب على الحكم بالصحة، وقد رأيناهم يقسمون الحديث بحسب قوته والعمل به إلى متواتر وآحاد. والمتواتر هو ما رواه جماعة يؤمن من تواطئهم على الكذب عن جماعة كذلك إلى رسول الله، وهذا يفيد العلم.
وقال قوم: إن هذا النوع لم يوجد.
وأما الأحاديث الآحاد فهي غير المتواترة وهي لا تفيد العلم عند أكثر الأصوليين والفقهاء. وإنما يجوز العمل بها عند ترجيح صدقها.
ونختم هذا البحث بتقرير حقيقة في نقد نص الحديث هي أن علماء الأصول قرروا رفض الحديث الذي يتعارض مضمونه مع نص من كتاب الله.(1/55)
الفهرست:
5 القرآن وعلومه.
27 تفسير القرآن.
32 التفسير المأثور.
34 التفسير بالرأي أو العقل.
36 التفسير الإشاري.
38 التفسير العلمي.
41 الحديث وعلومه.
46 بعض حفظة الحديث الكبار.
51 أهم الكتاب الصحاح.(1/56)