المحتويات
مقدمة: ... ... 3
1- المصطلح الأول عند المحدثين في أول هذه المنظومة قولهم: (فلان نزكوه): ... 3
2- المصطلح الثاني قولهم في الراوي: (فلان ما كان يسوى طُلَيَّة أو: طُليتيْن في الحديث): ... 3
3- المصطلح الثالث قولهم في الراوي: (بعرة أحب إليَّ منه): ... 3
4-المصطلح الرابع قولهم في الراوي: (فلان لا يسوى نواة في الحديث): ... 3
5- المصطلح الخامس قولهم في الراوي: (كال لك من جراب النَّورة): ... 3
6- المصطلح السادس قولهم في الراوي: (جراب الكذب): ... 3
7- المصطلح السابع قولهم في الراوي: (ما هذه العين المالحة): ... 3
8- المصطلح الثامن قولهم في الراوي: (لأَنْ قطع الطريق أحب إليَّ من أن أروي عنه): ... 3
9- المصطلح التاسع قولهم في الراوي: (ليس هو من عيالنا): ... 3
10- المصطلح العاشر قولهم في الراوي: (لا يخفى حاله على العميان). ... 3
11- المصطلح الحادي عشر قولهم في الراوي: (ما كان يدري أي رجليه أطول): ... 3
12- المصطلح الثاني عشر قولهم في الراوي: (ارم به): ... 3
13- المصطلح الثالث عشر قولهم في الراوي: (ما أحوجه أن تُضرَب عنقه): ... 3
14- المصطلح الرابع عشر قولهم في الراوي: (يستأهل أن يُحفر له بئر فيلقى فيها): ... 3
15- المصطلح الخامس عشر قولهم في الراوي: (ليس ينشرح له الصدر): ... 3
16- المصطلح السادس عشر قولهم في الراوي: (لم أر أعمى قلباً منه): ... 3
17- المصطلح السابع عشر قولهم في الراوي: (كتب عمن دب ودرج): ... 3
18- المصطلح الثامن عشر قولهم في الراوي: (كان يلتقط الشيوخ من السكك): ... 3
19- المصطلح التاسع عشر قولهم في الراوي: (آية من الآيات): ... 3
20- المصطلح العشرون قولهم في الراوي: (طير طرأ علينا، طير غريب، طير طيار): ... 3
21- المصطلح الواحد والعشرون قولهم في الراوي: (لا يجوز في الضحايا): ... 3
22- المصطلح الثاني والعشرون قولهم في الراوي: (هو عندي أضعف من كل ضعيف): ... 3(1/1)
23- المصطلح الثالث والعشرون قولهم في الراوي: ( ذاك الخائب، أو: خائب كالريح، أو: فلان كان يحفظ الرياح، أو: هو والريح سواء، أو: هو بمنزلة الريح): ... 3
24- المصطلح الرابع والعشرون في ذِكر: (فائدة مهمة في اصطلاحات متنوعة وضعت لتجريح الرواة مثل: ... 3
25- المصطلح الخامس والعشرون قولهم في الراوي: (أظن أن الشيطان تبدى على صورته): ... 3
26\27- المصطلح السادس والعشرون، والسابع والعشرون قولهم في الراوي: (سداد من عيش، وفلان كان فسلاً) ... 3
28- المصطلح الثامن والعشرون قولهم في الراوي: (فلان ليس من جمال المحامل)؟. ... 3
29- المصطلح التاسع والعشرون قولهم في الراوي: (ما أشبه حديثه بثياب نيسابور): ... 3
30- المصطلح الثلاثون قولهم: (على يدي عدل): ... 3
31- المصطلح الواحد والثلاثون قولهم في الراوي: (فلان لا يكتب عنه إلا زحفاً). ... 3
32- المصطلح الثاني والثلاثون قولهم في الراوي: (كان ممن أخرجت له الأرض أفلاذ أكبادها): ... 3
33- المصطلح الثالث والثلاثون قول ابن المبارك في راوٍ: (قد عرفته): ... 3
34- المصطلح الرابع والثلاثون قول ابن المبارك أيضاً في الراوي: (اتق حيات سلم لا تلسعك): ... 3
35- المصطلح الخامس والثلاثون قولهم في الراوي: (دجال من الدجاجلة): ... 3
36- المصطلح السادس والثلاثون قولهم في الراوي: (يفتعل الحديث): ... 3
37- المصطلح السابع والثلاثون قولهم في الراوي: (فلان كان يثبج الحديث): ... 3
38- المصطلح الثامن والثلاثون قولهم في الراوي: (كان مجالد يجلد في الحديث): ... 3
39- المصطلح التاسع والثلاثون قولهم في الراوي: (هو عصا موسى تلقف ما يأفكون) ... 3
40- المصطلح الأربعون قولهم في الراوي: (فلان حمالة الحطب، أو:حاطب ليل): ... 3
41- المصطلح الواحد والأربعون قولهم في الراوي: (فلان قد فرغ منه منذ دهر): ... 3
42- المصطلح الثاني والأربعون قولهم في الراوي: (بيض الله عيني من يروي عنه): ... 3(1/2)
43- المصطلح الثالث والأربعون قولهم في الراوي: (الله المستعان، أو: نسأل الله السلامة، أو: أسأل الله السلامة، اللهم سلِّم، نسأل الله الستر والصيانة، نسأل الله العافية، فلان له طامات، أوابد، يأتي بالعجائب، ونحوها). ... 3
44- المصطلح الرابع والأربعون قول صالح جزرة-رحمه الله تعالى-في الراوي: (مثنى بن الصباح عن عمرو ابن شعيب يقطع الصلاة وينقض الوضوء): ... 3
45- المصطلح الخامس والأربعون قولهم في الراوي: (ذهب كأمس الذاهب). ... 3
46- المصطلح السادس والأربعون قولهم: (لم يكن من القريتين عظيم): ... 3
47- المصطلح السابع والأربعون قول أيوب: (حدثنا بو زبير بو زبير): ... 3
48- المصطلح الثامن والأربعون قول ابن أبي شيبة: (لو كان فيه طباخ لحدثتكم عنه): ... 3
49- المصطلح التاسع والأربعون قولهم: (فلان كان لعنة، أو: لعن الله من يكتب عنه، أو: بيض الله عيني من يروي عنه): ... 3
50- المصطلح الخمسون قولهم في الراوي: (ظالم لنفسه): ... 3
51- المصطلح الواحد والخمسون قولهم في الراوي: (أجاثيه بين يدي الله غداً): ... 3
52- المصطلح الثاني والخمسون قول أبي حاتم: (عندي بليته قدم رجاله): ... 3
53- المصطلح الثالث والخمسون قول أبي عروبة: (في رجله خيط أو: حَبَط): ... 3
54- المصطلح الرابع والخمسون قول ابن معين: (كلاهما وتمراً). ... 3
55- أشعار فى مدح أهل الحديث .........................................................................642
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة:
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ).(1/3)
وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَّاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً).
وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظيماً).
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.(1/4)
أما بعد: فهذه الرسالة المختصرة المتواضعة نظمت فيها بعض ألفاظ وقواعد التجريح النادرة أو: قليلة الاستعمال التي أوردها الدكتور سعدي الهاشمي في كتابه القيم: (شرح ألفاظ التجريح النادرة، أو: قليلة الاستعمال) (1) ، و(الرفع والتكميل في الجرح والتعديل) للشيخ اللكنوي بتحقيق: شيخنا العلامة عبد الفتاح أبي غدة، و(شفاء العليل بألفاظ وقواعد الجرح والتعديل) للشيخ مصطفى بن إسماعيل، و(معجم علوم الحديث النبوي) للدكتور عبد الرحمن الخميسي، و(ضوابط الجرح والتعديل) لشيخنا عبد العزيز بن محمد آلعبد اللطيف، و(ضوابط الجرح والتعديل عند الحافظ الذهبي) للشيخ محمد الثاني بن عمر بن موسى، و(تيسير مصطلح الحديث) للدكتور محمود الطحان، و(التأصيل لأصول التخريج (2)
__________
(1) -وهذه القواعد والفوائد والألفاظ كنت جمعت معظمها من كتب الحديث المتنوعة التي قرأتها داخل السجن، قبل أن يرسل لي شيخنا العلامة أبو أويس هذا الكتاب: (شرح ألفاظ التجريح النادرة...)، فجعلته منطلق النظم-حفظ الله شيخنا أبا أويس من كل مكروه-، وكتابي: (شفاء التبريح...) هذا، يعتبر تذييلاً-بل: واستدراكاً-على كتاب الدكتور الهاشمي.
(2) -فائدة مهمة في ثمرة التخريج: قال الشيخ الألباني في (الإرواء) (1\11): (واعلم أن فن التخريج ليس غاية في نفسه عند المحققين من المحدثين، بحيث يقتصر أمره على أن يقول: مخرج الحديث: "أخرجه فلان وفلان، وعن فلان عن النبي-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم"، كما يفعله عامة المحدثين قديماً وحديثاً، بل: لا بد أن يضم إلى ذلك بيانه لدرجة كونه ضعيفاً، فإنه والحالة هذه لا بد له من تتبع طرقه وشواهده لعله يرتقي الحديث بها إلى مرتبة القوة، وهذا ما يُعرف في علم الحديث: "بالحسن لغيره"، أو: "الصحيح لغيره".
وهذا في الحقيقة من أصعب أنواع علوم الحديث وأشقها، لأنه يتطلب سعة في الاطلاع على الأحاديث والأسانيد في بطون كتب الحديث مطبوعها ومخطوطها، ومعرفة جيدة بعلل الحديث وتراجم رجاله، أضف إلى ذلك دأباً وجلداً على البحث، فلا جرم أنه تقاعس عن القيام بذلك جماهير المحدثين قديماً، والمشتغلين به حديثاً وقليل ما هم.
على أنني أرى أنه لايجوز في هذه الأيام الاقتصار على التخريج دون بيان المرتبة، لما فيه من إيهام عامة القراء الذين يستلزمون من التخريج القوة-أن الحديث ثابت على كل حال-وهذا مما لا يجوز كما بينته في مقدمة: "غاية المرام" فراجعه فإنه مهم).
وقال أيضاً في (تمام المنة) (ص337): (فكان على المؤلف-هو شيخنا سيد سابق-أن ينقل عنه ما يدل على صحة الحديث، ولا يقتصر على التخريج، لأن التخريج بالنسبة لدرجة الحديث كالوسيلة مع الغاية، فما الفائدة من الإتيان بالوسيلة دون الغاية، وهذه مصيبة عامة لم ينج منها أكثر المؤلفين قديماً وحديثاً والله المستعان).(1/5)
وفوائد الجرح والتعديل) للدكتور بكر أبي زيد، وغيرها مما سأذكر عناوينها في هوامش هذا الكتاب المتواضع، وهي أيضاً عبارة وخلاصة وعصارة ما انتقيته واستخرجته من كتب علم الحديث دراية ورواية (1) ، وأودعت معظمها في كتبي التالية:
1-(قناص الشوارد الغالية، وإبراز الفوائد والفرائد الحديثية). (تحت الطبع).
2- و(إتحاف الطالب بمراتب الطلب، أو: كيف نطلب العلم؟). سيقدم للطباعة قريباً-إن شاء الله-
3- و(إمداد السقاة بدلو الرواة). (تحت الطبع).
4- و(القول الحصيف فيمن يعتد بالتجحيف أو: تنبيه العقلاء إلى مطاعن الضعفاء). سيقدم للطباعة قريباً-إن شاء الله-.
5- و(القول المقبول فيمن قال فيه الحافظ: فلان مقبول). سيقدم للطباعة قريباً-إن شاء الله-.
6- و(إعادة النظر فيمن قال فيه البخاري: فلان فيه نظر، أو: بعض النظر، أو: في حديثه نظر). سيقدم للطباعة قريباً-إن شاء الله تعالى.
7- و(ذاكرة سجين مكافح). (مخطوط-والكتاب فيه أربعة أجزاء، ولا زلت أكتب فيه).
8- و(قَنْص الفوائد النفيسة في أيامي الحبيسة). (مخطوط).
9- و(القول الحثيث فيمن قال فيه البخاري: فلان منكر الحديث). (مخطوط).
__________
(1) -وقال الخطيب البغدادي في (الجامع) (قلَّ ما يَتمهر في علم الحديث، ويقف على غوامضه، ويستثير الخفي من فوائده، إلا من جمع متفرقه، وألف متشتته، وضم بعضه إلى بعض، واشتغل بتصنيف أبوابه وترتيب أصنافه). انظر: (التأصيل لأصول التخريج وفوائد الجرح والتعديل) (1\96).(1/6)
وجمعت معظم فوائد هذا الكتب أثناء دراستي لكتب مصطلح الحديث الكثيرة والمتنوعة، وكتب الجرح والتعديل، وكتب التراجم، وكتب الضعفاء، وكتب العلل، وغيرها من كتب علم الحديث رواية ودراية، بالسجن المركزي بالقنيطرة، والسجن الزكي بسلا، وأكثرها بالسجن المحلي بتطوان وكنت أسجل كل ما يمر بي من الفوائد والنكت (1) الإسنادية والقواعد الحديثية، وألفاظ التجريح النادرة، أو: قليلة الاستعمال، حتى تجَمَّع لديَّ ما يقارب أربعة الآف صفحة من الحجم الكبير-من غير مبالغة.
وكنت أشعر بمتعة جيدة، وراحة فريدة من نوعها، عند ما أقف على فائدة جديدة، أو: قاعدة مفيدة، أو: نكتة نادرة، لم يسبق لي قراءتها، الشأن في ذلك معي-في هذه الفوائد اليتيمة والنادرة-كما قال ابن العميد:
(ما كنت أظن في الدنيا حلاوة كحلاوة الوزارة أو: الرياسة التي أنا فيها، حتى شاهدت مذاكرة الطبراني وأبي بكر الجعابي بحضرتي، وكان الطبراني يغلبه بكثرة حفظه، وكان أبو بكر يغلبه بفطنته حتى ارتفعت أصواتهما، إلى أن قال الجعابي: (عندي حديث ليس في الدنيا إلا عندي)، فقال: (هات)، قال:
__________
(1) -جمع نكتة، وهي مسألة لطيفة أخرجت بدقة نظر، وإمعان فكر، ومن نَكَتَ رمحه بالأرض إذا أثَّر فيها، وسميت المسألة الدقيقة نكتة لتأثير الخواطر في استنباطها. انظر: (التعريفات) (ص:316) للجرجاني، و(لسان العرب) (2\100)، ومقدمة كتاب (النكت على تقريب التهذيب) (ص:9) لشيخنا العلامة عبد العزيز بن باز.(1/7)
(حدثنا أبو خليفة أنا (1) سليمان بن أيوب) و(حدث بحديث)، فقال الطبراني: (أنا سليمان بن أيوب ومني سمعه أبو خليفة، فاسمعه مني عالياً)، فخجل الجعابي (2) ، فوددت أن الوزارة لم تكن، وكنت أنا الطبراني، وفرحت كفرحه) (3) .
قيل لأبي جعفر المنصور-الخليفة العباسي-: (يا أمير المؤمنين، هل بقي شيء من اللذات لم تنله؟ قال: شيء واحد، قالوا: وما هو؟ قال: قول المحدث للشيخ: من ذكرت رحمك الله، فاجتمع وزراؤه وكتابه، وجلسوا حوله، وقالوا: ليُمل علينا أمير المؤمنين شيئاً من الحديث، فقال: لستُ منهم، إنما هم الدنسة ثيابهم، المشققة أرجلهم، الطويلة شعورهم، رواد الآفاق، وقُطاع المسافات، تارة بالعراق، وتارة بالحجاز، وتارة بالشام، وتارة باليمن، فهؤلاء نقلة الحديث) (4) .
نعم، أهل الحديث: (آثروا قطع المفاوز والقفار، على التنعُّم في الدّمن والأوطار، وتنعّموا بالبؤس في الأسفار مع مساكنة أهل العلم والأخبار، وقنعوا عند جمع الأحاديث والآثار، بوجود الكسر والأطمار. جعلوا المساجد بيوتهم، وأساطينها تكاياتهم، وبواريها فرشهم، نبذوا الدنيا بأسرها وراءهم، وجعلوا غذاءهم الكتابة، وسمرهم المعارضة، واسترواحهم المذاكرة، وخَلُوقهم المداد، ونومهم السهاد) (5) .
وفيهم يقول شيخنا المحدث العلامة محمد الأثيوبي:
__________
(1) -أنا: رمز إلى (أخبرنا). انظر: (معجم علوم الحديث النبوي) (ص:53\رقم:114).
(2) -انظر: (تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام) (8/146).
(3) -انظر: (السير) (16/124)، و(تهذيب التهذيب) (1/183)، و(شفاء العليل بألفاظ وقواعد الجرح والتعديل) (1/6)، انتهى من كتابي: (إتحاف الطالب...) (ص:846).
(4) -انظر: (البداية والنهاية) (1\125\126)، و(صور من صبر العلماء) (ص:30).
(5) -كما في: (معرفة علوم الحديث) (ص:3/4). أما النسخة التي عندي داخل زنزانتي الانفرادية ففيها اختلاف كبير في المضمون... (ص:109) تحقيق: أحمد بن فارس.(1/8)
لَمَّا حَمَى اللَّهُ الكِتَابَ المُنْزَلاَ * عن أن يُزَادَ فيه أوْ: يُبَدَّلا
أَخَذَ أَقْوَامٌ يزيدون عَلَى* أخْبَارِ مَن أَرْسَلَهُ لِيَفْصِلاَ
فَأَنشأ اللَّهُ حُماةَ الدِّين * مُميِّزِين الغثَّ عن سَمينِ
قَدْ أيَّدَ اللهُ بِهِمْ أعْصارَا * وَ نَوَّرُوا البِلاَدَ، والأَمْصارا
وَحَرَسُوا الأرضَ كَأمْلاكِ السّمَا*أكْرِمْ بِفُرْسَانٍ يَجُولُونَ الحِمى
وقال سفيان: الملائكةُ قَدْ * حرَسَتِ السَّمَاءَ عن طَاغٍ مَرَدْ
وَحَرَسَ الأَرضَ رُوَاةُ الخَبَرِ * عَنْ كُلِّ مَنْ لِكَيْدِ شَرْعٍ يَفْتَرِي
وابن زُرَيْعٍ (1) قَال قَوْلاً يُعْتَبَرْ * لِكُلِّ دِينٍ جَاء فُرْسَانٌ غُرَرْ
فُرْسَانُ هَذَا الدّين أصْحاب السَّنَدْ* فَاسْلك سَبيلَهم فإنه الرَّشدْ
إلى أن قال:
فرحم الإلهُ أصحابَ السنَنْ * التَمَسوا الحق من الوَجْهِ الحََسنْ
تَقَرَّبُوا إليه باتباع مَنْ * مِنْهاجُهُ خَيْرُ طَريقٍ وسَنَنْ
و طَلبوا أخباره فغرَّبوا * و شرقوا براً وبحراً ركبُوا
ونقَّرُوا عنها إلى أن يتضحْ * صحيحها من السقيم المفتضحْ
و ناسخٌ من عكسه و من عَدَلْ * عنها برأيه السَّخيفِ المُبْتَذَلْ
فنَبَّهوا عليه حتى نجما * الحقُّ بعد كَوْنِهِ قد أحجَمَا
وانقاد للسُّنَّة من قد أعرضا * و انتَبَهَ الغافل حتى انتهضا
وعابَهُمْ بغير علمٍ جاهلُ * لحمْلِهِمْ ذا الضَّعفِ فهو باطِلُ
كذاك للغريب لكن لهمُ * بحملهم لذيْن سِرٌّ ناجِمُ
وَ ذَاك تمييزٌ لما صَحَّ و ما * سَقِمَ كَيْ يَعْلَمَه ذوُو العَمى
ومَرَّ أحمدُ على أهل الأثرْ * يُقابلُون كُتْبَهُم لِتُعْتَبَرْ
فقال: ما أحْسِبُهُم إلاَّ وَفَا * عليهمُ قولُ النبيِّ المُقتَفِى
__________
(1) -هو أبو معاوية يزيد بن زريع البصري المتوفى سنة 182/هـ قال: (لكل دين فرسان، وفرسان هذا الدين أصحاب الأسانيد). (تهذيب الكمال) (32/124). و(الجليس الأمين ص:46)، و(إتحاف الطالب...) (ص:779).(1/9)
حيث يقولُ: لاتزالُ طائفَهْ * من أمتي حتى تجئ الآزفهْ
وَمَن أحَقُّ منهمُ بذا الشَّرَفْ * قَدْ فارَقُوا أهْلاً و مَالاً وغُرَفْ
و قَنِعُوا بالكَسْرِ و الأطْمَارِ * في طَلَبِ السُّنَنِ و الآثارِ
فهم يَجولُون البراري والقِفارْ * و لا يُبالُون بِبُؤْسٍ و افْتِقَارْ
مُتَّبِعِينَ هَدْيَ خَيْرِ الخَلْقِ * ومُرْشِدِ الكلِّ لدينِ الحقِّ
فَهُمْ يَرُدُّون افتراءَ المفتري * على خِتَام الرسْلِ صافِي الخبَرِ
صلى عليه الله ما دام الأثَرْ * و أهْلُهُ الأعْلَوْنَ من بين البَشَرِ
و آله و صحبه الهُدَاةِ * السالكين مَنْهَجَ النّجَاةِ (1)
وقال أيضاً في (ألفية علل الحديث-المسماة: شافية الغُلل بمهمات علم العلل):
ثم اعلمنْ أن الحديثَ كانا * علماً شريفاً فائقاً أرْكانا
قد اعتنتْ به يدُ الجَهابذهْ (2) * خادمةً حاميةً مُنابِذهْ
وكان معناه مُحاطاً بالكَرَمْ * وكلُّ مَنْ أتى إليه يُحْتَرَمْ
ثم عراه الوهْنُ حيث عزَّا * رُوَّادُهُ فلمْ يَجِدْ مُعَزَّا
فكاد يَنهارُ بِناءُ أهله * لكنّه سبحانه بفضله
__________
(1) -انظر: (الجليس الأمين) (ص9/145/إلى 50)، و(ألفية علل الحديث...) (ص:227\228\260\284).
(2) -فال فضيلة شيخنا العلامة المحدث محمد الأثيوبي في كتابه القيم: (ألفية علل الحديث-المسماة: شافية الغُلَل بمهمات علم العلل) في المقدمة تحت المسألة الأولى: (في بيان شرف الحديث وأهله):
("الجهابذة": جَمع جِهبِذ-بكسر الجيم، وسكون الهاء، وكسر الموحدة، آخره ذال معجمة-: وهو كما في "القاموس": النَّقَّاد الخبير. وقوله: (خادمة..) أي: حال كونها خادمة للحديث، مانعة له عما يوهنه، ومدافعة ما يورده أعداؤه من الشبهات-انظر: (شفاء العليل) (1\93).
قوله: "الوهن" أي: أصابه الضعف. وقوله: "حيث عَزَّا" بألف الإطلاق رواده. أي: قل: طلابه. وقوله: "معزا"-بضم الميم-، أي: محل إعزاز، أو: بفتحها، أي: مَحل عز).(1/10)
أقام في كل العُصور (1) طائفهْ * تَنْشُرُه حتى تجيءَ الآزفة
فأيَّد الله بهم أعصارا * ونوروا البلاد و الأمصارا
وَحَرَسُوا الأرضَ كَأمْلاكِ السّمَا * أكْرِمْ بِفُرْسَانٍ يَجُولُونَ الحِمى
قد بَذَلُوا أنفُسَهم لخدمة * أخبارِ مَن جاء بخير ملةِ (2)
قال العلامة صديق حسن خان في كتابه القيم (الحطة في ذكر الصحاح الستة) (ص:86): وللخطيب أبي بكر-أحمد بن علي بن ثابت، الخطيب البغدادي، أبو بكر (3) -:
إن علم الحديث علمُ رجال * تركوا الإبتداعَ للإتباع
فإذا جن (4) ليلهمْ كتبوه * وإذا أصبحوا غدوا للسماع (5)
وصدق من قال:
أهل الحديث طويلة أعمارهم * ووجوههم بدُعا النبي منضرة
__________
(1) -فال فضيلة شيخنا العلامة المحدث محمد الأثيوبي في كتابه القيم: (ألفية علل الحديث-المسماة: شافية الغُلَل بمهمات علم العلل) في المقدمة تحت المسألة الأولى: (في بيان شرف الحديث وأهله):
("العصور": جمع عصر مثلثة، وبضمتين: بمعنى الدهر، ويُجمع أيضاً على أعصار، وأعصر، وعصر. وقوله: "الآزفة". أي: القيامة).
(2) -انظر: (ألفية علل الحديث-المسماة: شافية الغُلَل بمهمات علم العلل) في المقدمة تحت المسألة الأولى: (في بيان شرف الحديث وأهله) (ص:8\رقم:21\إلى:29).
(3) -انظر ترجمته في (التذكرة) (3/1135)، و(المنتظم) (8/265)، و(البداية والنهاية) (2/101). والصحيح أن الأبيات ليست للخطيب بل: هي للحافظ أبي طاهر السلفي أحمد بن محمد بن إبراهيم (ت:576 هـ).
(4) -أي: اشتد ظلامه.
(5) -كما في: (تاريخ إربل) (1/415) لابن المستوفي، و(السير) (21/36)، و(تذكرة الحفاظ) للذهبي (4/1303/رقم:1082)، ترجمة الحافظ السلفي، و(الوافي) (7/353) للصفدي، و(إسبال المطر) (679) للصنعاني، و(الإلزامات والتتبع) (ص:64). للدارقطني. تحقيق: الشيخ مُقبل-رحمه الله-..(1/11)
وسمعت من بعض المشايخ أنهم * أرزاقهم أيضاً به متكثرة (1)
وقال أبو العباس العزفي:
أهل الحديث عصابة الحق * فازوا بدعوة سيد الخلق
فوجوههم زُهْرٌ منضرة * لألاؤها كتألق البرق
يا ليتني معهم فيدركني * ما أدركوه بها من السبق
وهذا عَلَمُ الجرح والتعديل ابن معين يقول: (إني لأحدث بالحديث، فأسهر له مخافة أن أكون قد أخطأت فيه) (2) .
ولقد كتب ابن معين-رحمه الله تعالى-من الحديث وجمع من الأصول شيئاً كثيراً، يقول أحمد بن عقبة: سألت يحيى بن معين-رحمه الله تعالى ونفعنا بعلمه-: كم كتبت من الحديث يا أبا زكريا؟ قال: كتبت بيدي هذه ستمائة ألف حديث (3) .
__________
(1) -انظر: (الأحاديث التي حسنها أبو عيسى الترمذي وانفرد بإخراجها عن أصحاب الكتب الستة) (ص:8). تأليف: عبد الرحمن بن صالح محيي الدين.
(2) -كما في: (تاريخ بغداد) (14/184)، و(الجامع: 100)، و(تاريخ دمشق)(101)، و(تهذيب الكمال) (760). و(يحيى بن معين في تاريخه) (1/54/55).
(3) -انظر: (شرح العلل) (2/489) لابن رجب. قال أبو زرعة الرازي: (كان أحمد بن حنبل يحفظ ألف ألف حديث). قال ابنه عبد الله: (وكتب أبي ألف-ألف-حديث، وترك لقوم لم يرو عنهم مائتي ألف حديث-شرح العلل لابن رجب 2/479)وقال الحاكم في (المدخل) (كان الواحد من الحفاظ يحفظ خمسمائة ألف حديث). وقال البخاري: (أحفظ مائة ألف حديث صحيح، ومائتي ألف حديث غير صحيح).
وروى الخطيب في (تاريخه) عن أبي العباس بن عقدة الحافظ قال: أحفظ بالأسانيد والمتون خمسين ومائتي ألف حديث، وأذاكر بالأسانيد وبعض المتون والمراسيل والمقاطيع بست مائة ألف حديث). وفي (الجامع لأخلاق الراوي وآدب السامع) (2/175) فصل لطيف ذكر فيه-الخطيب-بعض أخبار الموصوفين بالإكثار من حفظ الحديث. انتهى من كتابي: (ذاكرة سجين مكافح) (1/135)، و(إمداد السقاة) (ص:7\9).(1/12)
قال الإمام أحمد-رحمه الله-: وإني أظن أن المحدثين قد كتبوا له بأيديهم ستمائة ألف، وستمائة ألف. ويقول محمد بن نصر الطبري: سمعت يحيى بن معين يقول: قد كتبت بيدي ألف ألف حديث-وهذا العدد يدخل فيه الآثار والموقوفات وفتاوى الصحابة ونحوها، لأن المرفوعات لا تبلغ هذا العدد: (مليون حديثاً) (1) .
__________
(1) -قال شيخنا أبو غدة في كتابه القيم: (قيمة الزمن عند العلماء) (ص35): (يَعُدُّ المحدثون كل خبر أو: كلمة من كلام الرسول-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-، أو: كلام صحابي أو: التابعي، أو:التفسير للفظ غريب، أو: لفظ مبهم، أو: نحو ذلك، إذا رُوي بالسند: حديثاً. فهذا العدد على هذا المعنى).
وقرر مثله فضيلة شيخنا العلامة محمد بو خبزة في كتابه النفيس: (جراب السائح...). ولما ذكر القنوجي في (الحطة) (ص:244/255) أن: (الحافظ هو من حفظ مائة ألف حديث متناً وسنداً، ثم الحجة وهو من حفظ ثلاث مائة ألف-حديث سنداً ومتناَ...). قال فضيلة شيخنا محمد بوخبزة معلقاً على هذا الكلام في نسخته الخاصة بمكتبته-بعث بها إليّ لأقوم بتصويرها-:
(العجب من المؤلف والمحقق-علي حسن الحلبي-حيث لم يتعقبوا هذا الكلام وما بعده من كلام السبكي فإنه لا حقيقة له ولا طائل تحته ولا يوجد من الحديث صحيحه وغيره خمسون ألفاً، وقد اعتذر عن هذه الأعداد الوهمية الذهبي بإرادة الموقوفات والطرق ورغم ذلك فمن الصعب جداً تمثل ذلك وحفظه).
وذكر أيضاً القنوجي في (الحطة) (ص:463-الفصل الثامن: أحمد بن حنبل): (... وكان إمام المحدثين من أصحاب الشافعي-مترجم في "طبقات الشافعية" (2/27)-يحفظ ألف ألف حديث). وعلق عليه أيضاً شيخنا العلامة أبو أويس قائلا: (كلمة قيلت كثيراً؟ ولا معنى لها إلا التهويل أو: المراد: الأسانيد والطرق وآثار الصحابة والتابعين كما سبق). كما تجد ذلك-مفصلاٌ-في مقدمة أم الفضل لكتابي: (قناص الشوارد الغالية...) (ص:33/ و:810/811/رقم:145)، و(إتحاف الطالب...) (ص:272)، و(إمداد السقاة بدلو الرواة) (ص:7\8).(1/13)
- قال الحافظ الذهبي في (سير أعلام النبلاء) في ترجمة الإمام أحمد بن حنبل-رحمه الله-(11/187) ما نصه: (قال الخلال-يعني في مناقب الإمام أحمد-وعن أحمد الدورقي عن أبي عبد الله-يعني أحمد بن حنبل-قال: نحن كتبنا الحديث من ستة وجوه وسبعة ولم نضبطه فكيف يضبطه من كتبه من وجه واحد، قال عبد الله بن أحمد قال لي أبو زرعة: أبوك-يعني أحمد-يحفظ ألف ألف حديث فقيل له: وما يدريك؟ قال: ذاكرته فأخذت عليه الأبواب اهـ
قال الذهبي: فهذه حكاية صحيحة في سعة علم أبي عبد الله، وكانوا يعدون في ذلك المكرر والأثر وفتوى التابعي وما فسّر ونحو ذلك، وإلا فالمتون المرفوعة القوية لا تبلغ عُشُر مِعشار ذلك).
وقال: فضيلة شيخنا العلامة محمد بوخبزة-: وتعقيب الذهبي هذا يحل إشكالاً طالما تردد على ألسنة من لم يفهم القصد.
ومنهم من كان يعتقد وجود هذا العدد من الحديث، ولكنه إذا بُوحث وذكر له ما حرر من أعداد أحاديث الجوامع والمصنفات الكبار الذي لا يبلغ عشرين ألفاً تَحيَّر وارْتاب وتشكَّكَ، والواقع ما ذكره الحافظ الذهبي بإضافة فتاوى الصحابة والموقوفات والأسانيد المكررة المعبّر عنها بالوجوه فيقال: كتب هذا الحديث من كذا وكذا وجهاً. أي: سنداً وطريقاً ويعد كل وجه أو: سند أو: طريق مستقل حديثاً) (1)
__________
(1) -انظر: (نُقل النَّديم، وسُلوان الكظيم) (ص:6)، و(حَفنة دُر) (ص:37/57) لفضيلة شيخنا أبي أويس محمد بن الأمين بوخبزة الحسني. وقال أيضاً في تعليقه على (جؤنة العطار) (2/18/45/47) لشيخه أحمد بن الصديق-عند قوله عن الجعابي: (ونقل عنه أنه قال: أحفظ أربعة ألف حديث وأذاكر في ستمائة ألف)-: (لا يوجد في الدنيا هذا العدد ولا نصفه ولا ربعه، وإنما مرادهم بهذه الأعداد الهائلة: الطرق والوجوه مع الموقوفات ونحوها).
وانظر للتوسع في الموضوع أكثر مقدمة أم الفضل لكتابي: (قناص الشوارد الغالية...) (ص:33) فقد قالت: (لعل هذا العدد يدخل فيه الآثار والموقوفات وفتاوى الصحابة ونحوها، لأن المرفوعات لا تبلغ هذا العدد-ألف ألف حديث-"مليون حديثاً"). انظر أيضاً ما بينته في كتابي: (قناص الشوارد الغالية...) (ص:810/811/رقم:145).(1/14)
-.
- ويقول ابن معين: أشتهي أن أقع على شيخ عنده بيت مليء كتباً، أكتب عنه وحدي... وكان منهجه في هذا: الجمع والتقميش-أولاً، ثم التفتيش ثانياً-، ولهذا كان يقول: (إذا كتبت فقمّش. وإذا حدثت ففتِّش) (1) .
- وهذا الذي يشتهيه ابن معين هو النهم والحرص على التحصيل، وهذا معنى قول ابن عباس-رضي الله عنهما-: (منهومان لا يشبعان: طالب علم، وطالب دنيا) (2) .
ومما قلته-في مسألة النهم-بالسجن المركزي بالقنيطرة في قصيدة طويلة-من بحر الرمل-بعنوان: (هم أقطاب الرواية، ومجمع الدراية) هذا البيت:
__________
(1) -يقال: قمش القماش: جمعه من هنا ومن هنا، وهو ما على وجه الأرض من فتات الأشياء. (التاج) (4/340)، والمراد هنا جمع الأحاديث من كل الطرق لدراستها بعد ذلك وتمييز الصحيح من غيره، انظر: (الباعث الحثيث) (1\441). انتهى من مقدمة أم الفضل لكتابي: (قناص الشوارد الغالية...) (ص:58)، و(إتحاف الطالب...) (ص:267).
(2) -رواه ابن عدي عن أنس، والبزار، والدارمي (1/96/رقم:337) عن ابن عباس-والبزار في (مسنده) (163-كشف الأستار)، والطبراني في (الكبير) (11/76/77/رقم:11095)، و(الأوسط) (19-مجمع البحرين)، وصححه المحدث الألباني في مواضع كثيرة من كتبه-تحقيقاً وتصحيحاً، وتأليفاً-منها: (العلم) (141) لأبي خيثمة، و(صحيح الجامع) (رقم:6624)، و(المشكاة) (رقم:260) وقال-بعد أن ضعف طريق قتادة عن أنس-: (لكن الحديث عندي صحيح، فإن له طريقاً أخرى عن حميد عن أنس عند ابن عدي وابن عساكر، وله شاهد من حديث ابن عباس عند أبي خيثمة في "العلم" وسنده لا بأس به في الشواهد). انظر باقي شواهد الحديث في هامش: (جامع ببان العلم وفضله) (1/404/405/406/رقم:583).(1/15)
طالبُ العلم الذي لا شكَّ يُرفَعْ * كل منهوم (1) -بحقٍّ-ليس يشبع (2)
وقد قال الزمخشري-رحمه الله تعالى، وعفا عنا وعنه- واصفاً تلذذ العلماء بإيقاظ ليلهم، وطول سهرهم لتنقيح العلوم، وتلقيح الفهوم:
سَهَري لتنقيح العلوم ألذّ لي * من وصْل غانيةٍ وطِيب عِناقِ
وتمايلي طرباً لحلِّ عويصة * أشهى و أحلى من مُدامة ساقي
وصَريرُ أقلامي على أوراقها * أحلى من الدَّوكاه (3) والعشَّاقِ
وألذُ من نَقْرِ الفتاة لدُفِّها * نقري لألقي الرَّمْلَ عن أوراقي
أأبِيتُ سهران الدُّجى وتبيتَه * نوماً وتبغي بعد ذاك لحاقي (4) ؟!
__________
(1) -المنهوم معناه: الحريص, والنهم: بلوغ الهمة في الشيء، أو: إفراط الشهوة في الطعام. (النهاية) (5/138)، وقال صاحب (القاموس) (ص:1050): (النهم، محركة، والنَّهامة، كسحابة: إفراط الشهوة في الطعام، وأن لا تمتلئ عين الآكل ولا يَشبعَ، نَهِم، كفرِح، وعني، فهو نَهِمٌ ونهيم ومنهوم. والنَّهْمة: الحاجة، وبلوغ الهمة والشهوة في الشيء. وهو منهوم بكذا: مولع به). انتهى من كتابي: (إتحاف الطالب...) (ص:223).
(2) -انظر: (إمداد السقاة بدلو الرواة) (ص:9\10).
(3) -الدوكاه: الحجر الذي يُسحق به الطيب. قال شيخنا أبو غدة-رحمه الله-في كتابه النفيس: (صفحات من صبر العلماء) (ص:139\رقم:112): الدُّوْكاهُ: نوع من أنواع النَّغم المطرب عندهم.
(4) -قال شيخنا أبو غدة-رحمه الله-في كتابه القيم: (صفحات من صبر العلماء) (ص139\رقم:112): بعد أن ذكر الأبيات المنسوبة للزمخشري: (هذه الأبيات وجدتها معزوَّةً للزمخشري، في الترجمة المذكورة له في آخر تفسيره (الكشَّاف) التي كتبها الشيخ إبراهيم بن عبد الغفار الدُّسوقي رئيس المصححين بدار الطباعة الميرية (البولاقية) في مصر، المتوفى سنة 1300-رحمه الله تعالى-، في طبعة (الكشاف) البولاقية سنة 1281، ثم نُقِلتْ عنه في الطبعة التي تلتها، ولم أقف عليها في مصادر ترجمته التي رجعت إليها.
وذكر هذه الأبيات العلامة الآلوسي المفسِّر المتوفى سنة 1270 في كتابه (غرائب الاغتراب) (ص:61)، في سياق كلام له قائلاً: (... يحق لي أن أقول...). ثم أوردها وجاء فيها عنده البيت الخامس، ولم يرد في سياقة الترجمة المذكورة.
ولا شكَّ أنه تمثل بها، فقد ذكر العلامة الفقيه أحمد الطحْطاوي الحنفي المتوفى سنة 1231، في حاشيته على (الدر المختار) (1/22)، الأبيات الأربعة الأولى، وعزاها إلى التَّاج السبكي، وتابعه العلامة الفقيه ابن عابدين في حاشيته (رد المحتار على الدر المختار) (1/23)، ولعل التاج السبكي تمثَّل بها، فهي بشعر الزمخشري وأسلوبه أشبه، والله تعالى أعلم). انتهى من كتابي: (إتحاف الطالب...) (ص:813).(1/16)
فالعلماء ينصرفون عن ملذات الدنيا المباحة كلها من مال وزوجة وأولاد من أجل العلم-والعلم وحده لا غير-حتى قال بعض الشعراء في ذلك-وقد أتته جارية جميلة تعرض نفسها عليه للزواج بها-بعد أن دفعت له كيساً من الدنانير الذهبية تطلب منه أن يتزوجها لتقوم بخدمته لا غير-فرفض قائلاً-خشية أن تشغله عن طلب العلم-:
فقلت: ذريني واتركيني فإنني
شغلت بتحصيل العلوم وكشفها
ولي في طلاب العلم والفضل والتقى
غنى عن غناء الغانيات وعرفها
ويقول ابن الجوزي: (من أنفق عصر الشباب في العلم، فإنه في زمن الشيخوخة يحمد جني ما غرس، ويلتذ بتصنيف ما جمع، ولا يرى ما يفقد من لذة البدن شيئاً بالإضافة إلى ما يناله من لذات العلم، هذا مع وجود لذاته في الطلب الذي كان تأمل به إدراك المطلوب وربما كانت تلك الأعمال أطيب مما نيل منها كما قال الشاعر:
أهتز عند تمني وصلها طرباً * ورب أمنية أحلى من الظفر
ولقد تأملت نفسي بالإضافة إلى عشيرتي الذين أنفقوا أعمارهم في اكتساب الدنيا، وأنفقت زمن الصبوة والشباب في طلب العلم، فرأيتني لم يفتني مما نالوه إلا ما لو حصل لي ندمت عليه، ثم تأملت حالي فإذا عيشي في الدنيا أجود من عيشهم، وجاهي بين الناس أعلى من جاههم، وما نلته من معرفة العلم لا يُقَوَّمُ، فقال لي إبليس: ونسيت تعبك وسهرك؟! فقلت له أيها الجاهل: تقطيع الأيدي لا وقع له عند رؤية يوسف، وما طالت طريق أدت إلى صديق.
جزى الله المسير إليه خيراً * وإن ترك المطايا كالمزاد) (1) .
__________
(1) -انظر: (صيد الخاطر) (2\329)، و(صور من صبر العلماء على شدائد العلم والتحصيل) (ص:307) لصلاح الدين محمود السعيد. والمطايا: المراد هنا النوق التي أضناهن السير، حتى تركها جلداً على عظم، والمزاد جمع مزادة، وهي القربة من جلد إذا كانت خالية من الماء، فإنها تكون لا قوة فيها.(1/17)
أما شبابنا في هذا العصر عصر النيت والفتن والمصائب والعري والظلم! والحرية والتقدم! فكما قال أبو عبد الله المراغي الفقيه الشافعي:
إذا رأيت شباب الحي قد نشئوا * لا ينقلون قلال الحبر و الورقا
ولا تراهم لدى الأشياخ في حلق * يعون من صالح الأخبار ما اتسقا
فذرهم عنك واعلم أنهم همج (1) *قد بدلوا بعلو الهمة الحمقا (2)
ثم يقول ابن الجوزي: (ولقد كنت في حلاوة طلبي العلم ألقى من الشدائد ما هو عندي أحلى من العسل، لأجل ما كنت أطلب وأرجو.
ومن تكن العلياء همة نفسه * فكل الذي يلقاه فيها محبب
كنت في زمن الصبا آخذ معي أرغفة يابسة، فأخرج في طلب الحديث، وأقعد على نهر عيسى في بغداد، فلا أقدر على أكلها إلا عند الماء، فكلما أكلت لقمة شربت عليها، وعين همتي لا ترى إلا لذة تحصيل العلم، فأثمر ذلك عندي أني عُرفت بكثرة سماعي لحديث الرسول-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-وأحواله وآدابه، وأحوال أصحابه وتابعيهم) (3) .
وهذا المسند ابن عبد الدائم المقدسي، زين الدين أبو العباس، أحمد بن الدائم، طلب العلم مدة طويلة إلى أن أضر بآخر عمره، وأدركته الشيخوخة، وغلبه الضعف، وتوقف عن الاشتغال بالعلم وكَتْبه فقال أبياتاً يَرثي حاله:
__________
(1) -رواه الدارمي في (مسنده) (323) عن خالد بن معدان. ومثله عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - انظر تخريجه بتوسع في (جامع بيان العلم وفضله) (1/145/146/رقم:149)، و(1/247/رقم:284). قال أبو سفيان الحميري سعيد بن يحيى: (ليس الأدب إلا في صنفين من الناس:
1-رجل تأدب بالسلطان،
2-ورجل تأدب بالفقه،
3- و(سائر الناس همج). (إسناده حسن، بالنظر إلى طرقه). (الجامع) (1/145/رقم:148). انتهى من هامش: (إتحاف الطالب...) (ص:705)
(2) -انظر: (الأنساب) (8\97) للسمعاني، و(صور من صبر العلماء...) (ص:308).
(3) -انظر: (صيد الخاطر) (2\329)، و(صور من صبر العلماء...) (ص:308).(1/18)
عجزت عن حمل قرطاس وعن قلم * من بعد إلفي بالقرطاس والقلم
كتبت ألفاً وألفاً من مجلدة * فيها علوم الورى من غير ما ألمِ
ما العلم فخر امرئ إلا لعامله * إن لم يكن عمل فالعلم كالعدم
العلم زين وتشريف لصاحبه * فاعمل به فهو للطلاب كالعَلَمِ
ما زلتُ أطلبه دهري وأكتبه*حتى ابتليتُ بضعف الجسم و الهرم (1)
نعم، عند ما أقف على فائدة يتيمة، وقاعدة معزولة، وطرة مطروزة، ونكتة منظومة، أجدني كأن الدنيا قد حيزت لي، وأن الجراح والآلام أصبحت آمالاً وضَّاءةً، ولا أشعر بالحبس الانفرادي، ولا الحراسة المستمرة والدائمة المضروبة، ولا ترغيب وترهيب الجلادين الظالمين، ليل نهار على زنزانتي الانفرادية بحي (باء رقم:2) (2) ، وصدق من قال:
على قدر فضل المرء تأتي خطوبه * ويُعرف عند الصبر فيما يصيبه
ومن قلّ فيما يتقيه اصطباره * فقد قلّ فيما يرتجيه نصيبه (3)
__________
(1) -انظر: (العبر) (5\288) للذهبي، و(البداية والنهاية) (13\257) لابن كثير، و(فوات الوفيات) (1\46) لابن شاكر، و(صور من صبر العلماء...) (ص:305).
(2) -قال أبو سعيد الحرمي الحافظ: (لا يصبر على الخل إلا دوده) قال الذهبي في (تذكرة الحفاظ) (4/1229): (يعني: لا يصبر على الحديث إلا أهله). انظر: (تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام) (8/97/رقم:181) للذهبي، و(شفاء العليل بألفاظ وقواعد الجرح والتعديل) (1/6) للشيخ مصطفى بن إسماعيل، و(إتحاف الطالب...) (ص:692).
(3) -والبيتان لحجة الدين ابن المظفر الصقلي المكي الحموي، أبي عبد الله بن عبد الله بن ظفر. انظر: (إنباه الرواة) (3\74) للقفطي، و(الوفيات) (1\522) لابن خلكان، و(بغية الوعاة) (ص:59) للسيوطي، و(صور من صبر العلماء...) (ص:296).(1/19)
أعيش حياة سعيدة-مع كتب العلم-لا يعرف قيمتها إلا من تذوق العلوم الشرعية، لو عرفها الملوك وأبناء الملوك لجالدونا عليها بالسيوف، تصوَّر هذه السعادة الجميلة أيها الطالب وأنت تعيش وتنتقل مع قول الحفاظ والنُّقاد في الرواة:
(فلان من الأئمة متشدد في الجرح والتعديل، وآخر: متساهل، وثالث: معتدل)، أو: (مراتب التعديل عند فلان كذا وكذا، وعند غيره كذا وكذا)، أو: (مراتب التجريح عند فلان كذا وكذا، وعند غيره كذا وكذا)، أو: تقرأ: (باب: في مصطلحات خاصة لبعض الأئمة في بعض الألفاظ)، أو: (فصل: في ذكر ألفاظ لها منزلة معينة عند إطلاقها جرحاً، أو: تعديلاً، ولا تنتقل عنها إلا لقرينة صارفة)، أو: (باب: في ذكر ألفاظ ظاهرها الجرح (1) أو: التعديل والأمر على خلاف ذلك).
أو: (بيان شرف الحديث وأهله)، أو: (باب: في بيان نقل الحديث جيلاً بعد جيل حتى تم تدوينه في الكتب)، أو: (باب: في بيان اختلاف العلماء في كتابة الحديث وفي أول من دون الحديث في الأمصار المختلفة من العلماء وبيان مناهجهم في ذلك)، أو: (باب: في بيان أن الكلام في الجرح والتعديل جائز بإجماع السلف).
أو: (تنبيه: في ذكر ألفاظ وعبارات مترددة بين مرتبتين فأكثر من مراتب الجرح والتعديل والترجيح-دائماً-بالقرينة)، أو: (فرع: في ذِكر ألفاظ تختلف في المعنى وقد يُظن اتحادها أو: تقاربها)، أو: (نكتة: في ذِكر ألفاظ يتفق معناها وقد يظن اختلافها، أو: ذكر ألفاظ وعبارات لا يلزم منها تضعيف الراوي مطلقاً، أو: ذكر ألفاظ خفيفة الجرح وتطلق أحياناً على الجرح الشديد، أو: ذِكر ألفاظ الجرح المجمل والمفسر).
__________
(1) -الجرح: هو الطعن في الرواة والقدح فيهم. انظر: (معجم علوم الحديث النبوي) (ص:84\رقم:206)، وفي (لسان العرب) (2\422-مادة: "جرح")، و(تاج اللغة وصحاح العربية) (1\358)، و(مجمل اللغة) (1\168-مادة: "جرح")،(1/20)
أو: (فصل: في عبارات تدل على معنىً مغاير لما وضعت له)، أو: (فصل: في عبارات مشتهرة توسع في مدلولاتها المتأخرون)، أو: (فصل: في عبارات تعديل لا تحمل على إطلاقها)، أو: (فصل: في عبارات نادرة الاستعمال)، أو: (فصل: في عبارات تعديل غير مطردة)، أو: (فصل: في عبارات توضح كيفية احتجاج الأئمة بالرواة المختلف فيهم)، أو: (فصل: في عبارات عامة في تزكية الرواة)، أو: (فصل: في عبارات توضح كيفية ترك الأئمة الاحتجاج بحديث المختلف فيهم).
أو: (فصل: في التعريفات والحدود:
الجرح لغة:
الجرح-بالفتح-في لغة العرب هو: التأثير في الجسم بسيف أو: نحوه، ويطلق على بيان عيب الإنسان ونقصه عن المقام السَّوِيّ العدل.
الجرح اصطلاحاً:
الجرح عند أهل الاصطلاح هو: وصف الحافظ الناقد للراوي بما يقتضي ردّ روايته أو: تضعيفها.
ويقال في الفعل منه: جرح بتخفيف الراء، وجرّح بتشديدها للكثرة والمبالغة.
التعديل لغة:
التعديل عند أهل اللغة هو: تزكية الإنسان ومدحُه، ونسبته إلى العدالة والاستواء في شؤونه.
التعديل اصطلاحاً:
التعديل عند علماء الاصطلاح هو: وصف الحافظ الناقد للراوي بما يقتضي سلامتَه من الجارح في دينه وسلوكه، وتوثيقه وقبول روايته. قال الحاكم (1) : (النوع الثامن عشر من علوم الحديث: معرفة الجرح والتعديل، وهما في الأصل نوعان، كل نوع منهما علم برأسه، وهو-أي: الجرح والتعديل-ثمرة هذا العلم، والمرقاة الكبيرة (2) منه)، وهما غير الصحيح والسقيم، وغير معرفة علل الحديث.
__________
(1) -انظر: (معرفة علوم الحديث) (ص:52/112)، أو: (ص:225-النسخة التي عندي داخل السجن).
(2) -وفي هامش: (معرفة علوم الحديث) (ص:225): (قال المؤتمن الساجي: صوابه الرفيعة أو: الموصلة إليه).(1/21)
وقال صاحب (كشف الظنون) (1) فيه: (علم الجرح والتعديل وهو: علمٌ يبحث فيه عن جرح الرواة وتعديلهم بألفاظ مخصوصة، وعن مراتب تلك الألفاظ) (2) .
وكذا أساليب أئمة الجرح والتعديل في الكلام على الرواة، وتعابيرهم واصطلاحاتهم الغامضة والنادرة التي لا تعرف إلا إذا ترجمها وبينها وشرحها تلامذتهم النجباء.
__________
(1) -انظر: (1/582)، و(جامع الأصول) (1\126)، و(معرفة علوم الحديث) (ص:225)، و(اللمحات) (ص:178) لشيخنا أبي غدة، و(ضوابط الجرح والتعديل عند الحافظ الذهبي) (1\20)، و(ضوابط الجرح والتعديل) (ص:10\11) لشيخنا عبد العزيز آلعبد اللطيف.
(2) -وقد قسم العلماء الجرح إلى قسمين:
1-جرح الديانة،
2-وجرح الرواية،
فأما الجرح في الديانة، فيثبت بفعل الحرام المقطوع بتحريمه سواء كان فاعله متأولاً، أو: غير ذلك، مثل حرب علي-رضي الله عنه-، وغيره من الفتن.
وأما الجرح في الرواية: فلا يثبت الجرح فيه بارتكاب بعض الحرام الذي يمكن تأويله مع دعوى التأويل وظهور الصدق. انظر هامش: (ثمرات النظر في علم الأثر) (ص:141). عند قول الصنعاني: (فباب الرواية غيرُ باب الديانة).(1/22)
أو: من يأتي بعدهم من الألباء، والنقاد المبدعين الأصفياء، والمستقرئين الغواصين الأذكياء... ست سنوات وأنا أصطاد وأسجل بزنزانتي الانفرادية ما يقع لي من الفوائد اللطيفة الجامعة المانعة اللامعة الرائعة والفرائد الغالية العالية، أثناء دراستي لكتب الجرح والتعديل (1) -وكل ما له علاقة بعلم الحديث رواية ودراية-التي اشتملت على مُلَحٍ لطيفة، وألفاظ فصيحة، ومعان بديعة، ونكت عزيزة، وطرائف غزيرة، وفوائد عديدة، وشوارد دقيقة، ومنارات منيفة، وتُحَفٍ سَنِية جليلة، وطُرَر جلية وجيزة، ميزت الصحيح القوي القائم، والضعيف السقيم الواهي المردود، حتى إن الأعداء اعترفوا-كما اغترفوا-ونطقوا بالثناء على هذا العلم وأهله يقول الدكتور سبرنجر: (يحق للمسلمين أن يفتخروا بعلم الرجال كما شاءوا.
فلم توجد أمة في الماضي ولا في الحاضر دونت تراجم وسير العلماء خلال اثني عشر قرناً كما فعل المسلمون.
فبإمكاننا، الحصول على تراجم خمسمائة عالم من المشهورين من كتبهم).
والفضل والحق-كما يقال-ما شهدت به الأعداء.
وما الفضل إلا ما أقرت به العدا
لصاحبه والشمس لا تَتَسَتَّرُ (2)
__________
(1) -الجرح والتعديل: هو قواعد وألفاظ تعارف عليها المحدثون في تزكية الرواة ونقدهم. انظر: (معجم علوم الحديث النبوي) (ص:84\رقم:207\298\209). ثم الجرح إن بُيّن فيه سببه، فهو جرح مفسَّر، وإن لم يذكر فيه سببه فهو جرح مبهم.
(2) -انظر: (إتحاف الطالب إلى مراتب الطلب) (ص:743). والله لو كان يجوز لي أن أمدح الشيوعيين على هذه الخدمة الجليلة-أعني: سجنهم وتعذيبهم لي-وأشكرهم لفعلت، فقد دبروا لي شراً قبيحاً وقلب الله شرهم خيراً عظيماً... وفي الشر خير كبير... (وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم).
فقد كذبو علي وقالوا عني ما لا يحسن الشيطان مثله، يخلقون ما يقولون، وكأن منصور بن سليمان عناهم حين قال:
لي حيلة فيمن يَنُمُّ * وليس في الكذاب حيلهْ
من كان يخلق ما يقول * فحيلتي فيه طويلهْ
انظر: (تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام) (7\110\رقم:303) تحقيق: الدكتور بشار عواد، و(ذاكرة سجين مكافح) (3\89).(1/23)
وقال آخر: (فليفخر المسلمون بعلم حديثهم) (1) .
وقال أبو نصر بن سَلاَم: (ليس شيء أثقل على أهل الإلحاد ولا أبغض إليهم من سماع الحديث، وروايته، وإسناده). كذا ذكره صاحب (الخلاصة) (ص:33).
وقال الإمام العلامة الهمام، والحافظ والمفسر المقتدر أبو بكر بن العربي-رحمه الله تعالى، ونفعنا بعلومه-، في كتابه (سراج المريدين): (والله أكرم هذه الأمة بالإسناد، لم يعطه لأحد غيرها، فاحذروا أن تسلكوا مسلك اليهود والنصارى، فتُحدثوا بغير إسناد، فتكونوا سالبين نعمة الله عن أنفسكم، مُطَرِّقين للتهمة إليكم، حافظين لمنزلتكم، ومشتركين مع قوم لعنهم الله وغضب عليهم، وراكبين لِسَنَنهم) (2) .
وقد عقد الشيخ رحمة الله بن خليل الرحمن الدهلوي-رحمه الله تعالى-في كتابه: (إظهار الحق)-الذي دون فيه مناظراته العجيبة والمتنوعة في الهند لكبير قسيسي النصارى في عصره (فندر)-رضي الله عن غيره وعليه بهلة الله المتتالية إلى يوم القيامة، ولا رحم فيه مغرز إبرة-: عقد (الفصل الثاني في بيان أن أهل الكتاب لا يوجد عندهم سند متصل لكتاب من كتب العهد العتيق والجديد) (3) .
__________
(1) -انظر: (شفاء العليل بألفاظ وقواعد الجرح والتعديل) (1\8).
(2) -نقله عنه العلامة عبد الحي الكتاني في: (فهرس الفهارس والأثبات) (1\50)، انظر: (الإسناد من الدين) (ص:29)، و(ذاكرة سجين مكافح) (4\56).
(3) -وساق فيه الأدلة الناطقة بذلك من كتبهم وأقوالهم في: (45-صفحة) من: (1\101\145). انظر: (الإسناد من الدين) (ص:29)، و(ذاكرة سجين مكافح) (4\57). انتهى من (إتحاف الطالب...) (ص:753\754).(1/24)
هذه المدة-أعني: ست سنوات التي قضيتها بالمحلي بتطوان، عجل الله لنا بالفرج قريباً من غير منة من أحد-كلها داخل زنزانتي الانفرادية لا شغل لي فيها إلا القراءة، والمطالعة، والبحث، والتنقيب، والتحقيق، والتعليق، والتقييد، والنظم، والنثر، والتقميش (1) والتفتيش (2)
__________
(1) -يقال: قمش القماش: جمعه من هنا ومن هنا، وهو ما على وجه الأرض من فتات الأشياء. (التاج) (4/340)، والمراد هنا جمع الأحاديث من كل الطرق لدراستها بعد ذلك وتمييز الصحيح من غيره. والمراد كتب العلم عن كل أحد، أهل أو: غير أهل. ومنه قوله ابن معين، وأبي حاتم: (إذا كتبت فقمش، وإذا حدثت ففتش) انظر: (لسان العرب) (6\338)، و(علوم الحديث) (ص:225)، و(معجم علوم الحديث النبوي) (ص:76\رقم:177). انتهى من مقدمة أم الفضل لكتابي: (قناص الشوارد...) (ص:58)، و(الإتحاف) (ص:267)، و(إمداد السقاة بدلو الرواة) (ص:10)..
(2) -انظر ما قاله العلامة بكر بن عبد الله أبو زيد في كتابه: (التأصيل لأصول التخريج وقواعد الجرح والتعديل) (1\191)، حول التفتيش.
وقال الدكتور عبد المحسن في كتابه (الجرح والتعديل) (ص:5\6): (وقال يحيى بن سعيد القطان: الشعبي أول من فتش عن الإسناد. قال يعقوب بن شيبة: سمعت علي بن المديني يقول: كان ابن سيرين ممن ينظر في الحديث ويفتش عن الإسناد، لا نعلم أحداً أول منه، ثم كان أيوب، وابن عون، ثم كان شعبة، ثم كان يحيى بن سعيد القطان، وعبد الرحمن بن مهدي. قال يعقوب: قلت لعلي: فمالك بن أنس؟ فقال: أخبرني سفيان بن عيينة قال: ما كان أشد انتقاء مالك للرجال.
قال الذهبي: فأول من زكى وجرح عند انقضاء عصر الصحابة: الشعبي، وابن سيرين، ونحوهما، وحفظ عنهم توثيق أناس وتضعيف آخرين...... فلما كان عند انقراض عامة التابعين في حدود الخمسين ومائة، تكلم طائفة من الجهابذة في التوثيق والتضعيف، كالأعمش، وشعبة ابن الحجاج، ومالك بن أنس.
فالنقولات التي سبقت عن أهل العلم في ذكرهم أول من بدأ بالتفتيش أقوال متقاربة، وذكروا علماء متعاصرين، متقاربين في السن والبلدان، ومتباعدين في البلدان؛ لذلك فإن بداياتهم كانت متقاربة، أو كل واحد في بلده، أو كان البعض أنشط من الآخر، والله أعلم).(1/25)
-والإمام الهمام يحيى بن معين-رحمه الله تعالى-هو صاحب المنهج العظيم في تلقي العلم ونشره، إذ يقول كلمته المشهورة التي صارت دستورَ المحدثين والعلماء، في التحصيل والأداء:
(إذا كتبت فقمِّش (1) -أي: اكتب كل ما تسمع واجمعه-وإذا حدَّثْت ففتش، وسيندم المنتخب في الحديث حيث لا تنفعه الندامة) (2) -.
__________
(1) -قال العلامة بكر بن عبد الله أبو زيد-رحمه الله تعالى-في كتابه القيم: (التأصيل لأصول التخريج وقواعد الجرح والتعديل) (1\13): (... ومنه ما نقله الخطيب البغدادي-رحمه الله-في (الجامع) (2\282)، وعنه في (فتح المغيث) (2\339)-عن بعض شيوخه أنه قال: "من أراد الفائدة فليكسر قلم النسخ وليأخذ قلم التخريج".
ومن قبلُ عن يحيى بن معين-رحمه الله تعالى-في الحث على التفتيش للتخريج: "(إذا كتبت فقمِّش وإذا حدَّثْت ففتش، وسيندم المنتخب في الحديث حيث لا تنفعه الندامة". أي: فجانبُ التحمل ليس مثل جانب الرواية والأداء).
انظر: (السير) (11\85)، و(فتح المغيث) (3\300\302) ونسبها أيضاً لابن أبي حاتم الرازي.
(2) -انظر: (التاج) (4/340)، ومقدمة أم الفضل لكتابي: (قناص الشوارد الغالية...) (ص:58)، و(إمداد السقاة...) (ص:9\36).(1/26)
إلى أن وقفت على قول العلامة الحافظ المقتدر، والناقد الأمين، والباحث المبدع المبين، مؤرخ الإسلام، وصيرفيّ (1) الرجال شمس الدين أبي عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن الذهبي (2) ،
__________
(1) -قال أبو الحسن المصري في كتابه: (شفاء العليل) (1\107): (ومن ذلك قولهم: "فلان صيرفي الحديث، أو: من صيارفة الحديث" والصيرفي والصيرف والصراف: النقاد... قال أبو الهيثم: الصيرف: المحتال المتقلب في أموره المجرب لها، وقيل لم يميز: صيرف وصيرفي-كما في "اللسان" (9\191)-واللفظ الأول قاله الأعمش في إبراهيم النخعي-كما في "تذكرة الحفاظ" (1\74)-ووجه المدح بذلك أن الراوي بصير بالأحاديث وطرقها والصحيح منها والسقيم والله أعلم)..
(2) -قال تلميذه السبكي-رحمه الله تعالى-: (لو أقيم على أكمة والرواة بين يديه، لعرف كلا منهم بأسمائهم وأسماء آبائهم)-انظر: (الطبقات) (9\101) للسبكي، وعنه في مقدمة تحقيق (سير أعلام النبلاء) (1\56)، وقال تلميذه الصفدي في: (الوافي) (2\163\166)-و"نكت الهميان" (ص:242)-، وعنه في مقدمة تحقيق (السير) (1\53):
(لم أجد عنده جمود المحدثين، ولا كودنة النقله-الكَوْدَنة: البلادة-بل: هو فقيه النظر، له دربة بأقوال الناس، ومذاهب الأئمة من السلف وأرباب المقالات، وأعجبني منه ما يعانيه في تصانيفه من أنه لا يتعدى حديثاً يورده حتى يبين ما فيه من ضعف متن أو: ظلام إسناد، أو: طعن في رواته. وهذا لم أر غيره يراعي هذه الفائدة فيما يورده).
وقال العلامة بكر-رحمه الله تعالى-في: (التأصيل لأصول التخريج وقواعد الجرح والتعديل) (1\25): (وكان من ورعه وعمله بعلمه-رحمه الله تعالى-أنه ترك الرحلة في طلب العلم لما احتاجت أمه إليه. وممن لم يرحل براً بأمه: شيخ البخاري: محمد بن بشار-كما في "الميزان" (برقم:7269). هكذا تكون الحال: اقتران العلم بالعمل، فرحم الله عبداً جمع بينهما). انظر: كتاب شيخ الإسلام ابن تيمية-رحمه الله تعالى-إلى والدته، في (الفتاوى) (28\48\50).(1/27)
-المشهور بين العلماء بالذهبي-في كتابه النفيس (1) : (الموقظة في علم مصطلح الحديث) (ص:82) بتحقيق: شيخنا العلامة عبد الفتاح أبي غدة-رحمه الله-: (... ثم نحن نفتقر إلى تحرير عبارات التعديل والجرح وما بين ذلك من العبارات المتجاذبة، ثم أهم من ذلك أن نعلم بالاستقراء التام (2) عرف ذلك الإمام الجِهبِذ واصطلاحه ومقاصده بعباراته الكثيرة...).
وأيضاً وقفت على قول الحافظ السخاوي تلميذ الحافظ أحمد بن حجر-رحمهما الله تعالى، ونفعنا بعلومهما-في كتابه: (فتح المغيث شرح ألفية الحديث) عند كلامه على زيادات الحافظ العراقي-رحمه الله تعالى-على كل من ابن أبي حاتم (3) وابن الصلاح-رحمهما الله تعالى-ما في كلام أئمة الحديث، قال-رحمه الله تعالى-:
__________
(1) -قرأته بالسجن المحلي بتطوان ثلاث مرات.
(2) -والحافظ الذهبي (ت 748هـ-1374م)-وهو من أهل الاستقراء التام في نقد الرجال رحمه الله-انظر: (نزهة النظر) (ص:190)، و(ضوابط الجرح والتعديل عند الحافظ الذهبي) (1\34\إلى:58)، ومقدمة: (كتاب السلسبيل في شرح ألفاظ وعبارات الجرح والتعديل) (ص:11)، انتهى من هامش كتابي: (إتحاف الطالب...) (ص:1330\1358).
(3) -انظر: (تهذيب التهذيب) (9/39/44)، و(السير) (7/35/46/47)، و(ميزان الاعتدال) (3/472)، و(لسان الميزان) (1\42)، و(تاريخ بغداد) (1/231/232)، و(تاريخ الدارمي) (ص:44). انتهى من كتاب: (شرح ألفاظ التجريح النادرة أو: قليلة الاستعمال) (1/7/8)، و(قناص الشوارد الغالية...) (ص:834\835\رقم:175)، و(إتحاف الطالب...) (ص:699\1301).(1/28)
(... يعني بدون استقصاء، وإلا فمن نظر في كتب الرجال ككتاب ابن أبي حاتم المذكور و(الكامل) لابن عدي، و(التهذيب) وغيرها ظفر بألفاظ كثيرة، ولو اعتنى بارع بتتبعها ووضع كل لفظة بالمرتبة المشابهة لها مع شرح معانيها لغة واصطلاحاً لكان حسناً) (1) .
ثم قال-بعد كلام طويل جميل ومهم-: وقد كان شيخنا-أي: ابن حجر رحمه الله تعالى ونفعنا بعلومه-يلهج بذكر ذلك فما تيسر له، والواقف على عبارات القوم يفهم مقاصدهم (2)
__________
(1) -انظر: (فتح المغيث شرح ألفية الحديث) (1/336)، و(الباعث الحثيث) (ص:107)، أو: (1\321) انتهى من (شرح ألفاظ التجريح النادرة أو: قليلة الاستعمال) (1/7)، و(إتحاف الطالب...) (ص:1242\1243)، و(قناص الشوارد الغالية...) (ص:650\652\رقم:119\وص:834\835\رقم:175).
(2) -قال العلامة بكر بن عبد الله أبو زيد-رحمه الله تعالى-في كتابه القيم والمفيد: (التأصيل لأصول التخريج وقواعد الجرح والتعديل) (1\14): (ومباحث "التخريج" وإن كانت مدونة في مصطلح الحديث وعلومه، فذكروا: تعريفه، وطرقه، وطرق تصنيفه، وكتبه، وفوائده...، لكن أصوله تشتكي القِضاب فهي أشتات لا يجمعها كتاب، وما هذا إلا لأنها عند من مضى معلومة، أو: بحكم المعلومة، لحفظهم وجامعيتهم وتمرسهم في: الحديث، وعلومه، ورجاله، فكأنما هذه العلوم في صفحة واحدة، يأخذ منها واحدهم طلبته من بابها، ويسلك بها جادتها من غير تعسف ولا جهالة ولا شطط، ولهذا-والله أعلم-لم يفردوا: "أصول التخريج" بالتأليف.
لكن الناظر في مؤلفات هؤلاء، وأمثالهم يلتقط هذه الأصول فيجد أنساً بالغاً بمعرفتها، والوقوف عليها، لنصبها منارات على طريق التخريج اللاحب، ليهتدى بها، ومراقي إلى معرفة صحيح الأخبار من سقيمها، وراجحها من مرجوحها).(1/29)
بِما عرف من عباراتهم في غالب الأحوال وبقرائن ترشد إلى ذلك (1) . إلى آخر ما سيأتي قريباً في هذه الرسالة المتواضعة، وبهذا وغيره قويت رغبتي في جمع بعض ألفاظ التجريح النادرة، أو: قليلة الاستعمال، فلما فتشت في كتب الجرح والتعديل، وكتب التاريخ، وكتب الضعفاء، وكتب العلل فجرتُ منها ثَبَجَ بحر، وازددت يقيناً أنه (كم ترك الأول للآخر) (2) .
ويقيني بخطأ تلك المقولة المشهورة والمشئومة التي تقول: (لم يترك الأول للآخر شيئاً)، ويقيني أيضاً بصواب قول حبيب ابن أوس الطائي (3) :
لا زلت من شكريَ في حُلةٍ * لابسها ذو سلبٍ فاخرِ
يقول من تقرع أسماعه * كم ترك الأول للآخر
__________
(1) -ذكر الحافظ ابن كثير في كتابه: (الباعث الحثيث) (1\321) تحت عنوان: (النوع الثالث والعشرون: معرفة من تُقبل روايتُه ومن لا تقبل، وبيان الجرح والتعديل) ما نصه: (... وقد بسط ابن الصلاح الكلام في ذلك-انظر: "المقنع" (1\282\287)-. والواقف على عبارات القوم يَفهم مقاصدَهم بما عَرَف من عباراتهم في غالب الأحوال، وبقرائن ترشد إلى ذلك، والله الموفق).
(2) -وقد قيل: (ليس كلمةٌ أضرَّ بالعلم من قولهم: "ما ترك الأول للآخر"، لأنه يقطع الآمال عن العلم، ويحمل على التقاعد عن التعلم، قالوا: وليس كلمة أحض على طلب العلم من قول علي-رضي الله عنه-:قيمة كل امرئٍ ما يحسن). انظر: (قواعد التحديث) (ص:38/39) للقاسمي، و(علو الهمة) (ص:59).
(3) -انظر: (ديوانه) (2\161)، و(شرح المقامات) (1\36) للشريشي. وكما قيل: "ليس أضر على طالب العلم منها". انظر هامش: (تعقبات الحافظ ابن حجر على الإمام الذهبي في "ميزان الاعتدال") (ص:5) للأستاذ: علي بن محمد العمران.(1/30)
(ولا لوم على العلماء-علمهم الله-في ذلك ولا دَرَكَ، لأن: "الكلام الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه هو: كلام الله الحكيم، وكلام من شهد بعصمته القرآن الكريم، وكل كلام بعد ذلك فله خطأ وصواب، وقِشر ولباب" (1) . ولله در القائل: (حراسة العلم أولى من حراسة العالم) (2) .
وقد قال ابن مالك-رحمه الله تعالى-إمام أهل عصره في علمي العربية واللغة، وأحد مشايخ محيي الدين (النووي) كلمة رائعة مشبكة بحروف من ذهب في أول كتابه القيم (التسهيل): (وإذا كانت العلوم منحاً إلهية، ومواهب اختصاصية، فغير مستبعد أن يدخر لبعض المتأخرين، ما عسر -فهمه- على كثير من المتقدمين) (3) .
__________
(1) -انظر: (الروض الباسم) (1\11) لابن الوزير، و(تعقبات الحافظ ابن حجر على الإمام الذهبي في "ميزان الاعتدال") (ص:5\6) للأستاذ: علي بن محمد العمران
(2) -ولهذه الكلمة الحكيمة قصة رائعة، من المناسب أن نسوقها هنا. قال أبو حيان التوحيدي-كما في "البصائر" (9\20)-: "قال أبو سعيد-السيرافي-: كان أبو بكر-يعني ابن دُريد-ضعيفاً في التصريف والنحو خاصة، وفي كتاب (الجمهرة) خلل كثير، قلنا له: فلو فصّلت بالبيان عن هذا الخلل، وفتحت لنا باباً من العلم، فقال: نحن إلى سَتر زلات العلماء أحوج منا إلى كشفها، وانتهى الكلام.
فلما نهضنا من مجلسه قال بعض أصحابنا: قد كان ينبغي لنا أن نقول له: (حراسة العلم أولى من حراسة العالم)، وفي السكوت عن أبي بكر إجلال، ولكن خيانة للعلم". انظر: (تعقبات الحافظ ابن حجر على الإمام الذهبي في "ميزان الاعتدال") (ص:6) للأستاذ: علي بن محمد العمران.
(3) -انظر: حاشية: (الرفع والتكميل في الجرح والتعديل) (ص:51) للشيخ اللكنوي، و(نماذج من رسائل الأئمة السلف وأدبهم العلمي) (ص:54) لشيخنا أبي غدة، ومقدمة أم الفضل لكتاب (إتحاف الطالب...) (ص:96).(1/31)
ولا نعلمه سبحانه خص بالعلم قوماً دون قوم، ولا وقَفه على زمن دون زمن، بل: جعله مشتركاً مقسوماً بين عباده، يَفتح للآخِر منه ما أغلقه عن الأول، ويُنبه المقِلَّ منه على ما غفل عنه المكثر، ويُحييه بمتأخر ويَتعقب قول متقدم، وتالٍ يَعتبر على ماض (1) .
ولله در القائل في نظمه:
قل لمن لا يرى المعاصر شيئاً * ويرى للأوائل التقديما
إن ذاك التقديمَ كان حديثاً * وسيبقى هذا الحديث قديماً
ذكر العلامة المحقق المدقق شيخ الإسلام ابن قيم الجوزية-رحمه الله تعالى، ونفعنا بعلمه-كلاماً جميلاً جامعاً مانعاً-كأنه خرج من مشكاة النبوة-في كتابه القيم والنافع الذي أسماه: (مدارج السالكين) فيقول: (ولولا أن الحق لله ورسوله-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-، وأن كل ما عدا الله ورسوله، فمأخوذ من قوله ومتروك، وهو عُرضة الوهم والخطأ: لما اعترضنا على من لا نلحق غبارهم ولا نجري معهم في مضمارهم، ونراهم فوقنا في مقامات الإيمان، ومنازل السائرين كالنجوم الدراري، ومن كان عنده علم فليرشدنا إليه.
ومن رأى في كلامنا زيفاً، أو: نقصاً، أو: خطأً، فليهد إلينا الصواب، نشكر له سعيه (2) ، ونقابله بالقبول والإذعان (3)
__________
(1) -انظر: (نماذج من رسائل الأئمة السلف وأدبهم العلمي) (ص:54) .
(2) -ومن نبهنا أو: صحح أخطاءنا نشكره رقماً ونطقاً، وننسب التصحيح له مقروناً بالشكر، والاعتراف بالجميل.
(3) -قال أبو الفضل عمر الحدوشي في: (نشر العبير في منظومة قواعد التفسير): (ص:34): (وسنتقي-إن شاء الله-مأثور القول البذيء والجارح بعد اليوم، مرة أخرى عذرًا شيوخنا ومغفرة، وعفوًا من زلة القلم، ومن بعض عقاربه المسمومة. قلقل الله أنيابه. وما أردنا من ذلك إلا نصرة الإسلام، ولكن أخطأنا بابه، لأن السباب والحمية للإسلام-في الغالب-ساكنان لا يلتقيان، ولا أحب أن أُلاَمَ وأحاسب على الفعل الماضي، نعم على الحال والاستقبال فأهلاً وسهلاً.
ولا زال أهل العلم يتراجعون إلى ما هو أفضل، وللإمام الشافعي مذهبان-القديم والجديد-، وللأشعري ثلاث حالات، ولابن معين وابن حنبل رأيان بل: سبعة أقوال في بعض المسائل، وهكذا...ولا أظنني بهذا الاعتراف أمكنت الرامي من صفاء الثغرة، وليس بيننا وبين الحق حجاب. ورحم الله امرأً أهدى لنا عيوبنا، (ومن حذرك كمن بشرك)...). انتهى من كتاب: (إتحاف الطالب...) (ص:1466).(1/32)
والانقياد والتسليم. والله أعلم. وهو الموفق) (1) .
وينظر إلى هذا المعنى ما قاله المقَّري-رحمه الله تعالى-في: (نفح الطيب) (2) : (ألفيتُ لعبد الحق الإشبيلي-رحمه الله تعالى-بيتاً هو عندي أفضل من قصيدة، وهو:
قد يُساق المراد وهو بعيدٌ * ويُريد المريد وهو قريب
قال الشيخ بكر بن عبد أبو زيد-رحمه الله تعالى-: ومن أراد معرفة قدر هذا البيت، فليتلُ: (الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب)...
وقال العلامة الهمام، والكاتب البارع، والمفسر المطلع، الإمام صديق حسن خان-رحمه الله تعالى-: (كيف ونتائج الأفكار لا تقف عند حد، وتصرفات الأنظار لا تنتهي إلى غاية، بل: لكل عالم ومتعلم منها حظ يحرزه في وقته المقدر له، وليس لأحد أن يزاحمه فيه، لأن العالَم (3) المعنوي واسع كالبحر الزاخر، والفيض الإلهي، ليس له انقطاع ولا آخر، والعلوم مِنح إلهية، ومواهب صمدانية، فغير مستبعَد أن يُدخر لبعض المتأخرين ما لم يُدخر لكثير من المتقدمين.
قال صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: (مثلُ أمتي مثلُ المَطر، لا يُدرى أوله خير أم آخره).
__________
(1) -انظر: (مدراج السالكين) (2\137)، و(التأصيل لأصول التخريج وفوائد الجرح والتعديل) (1\28).
(2) -انظر: (نفح الطيب) (1\292)، والطبعة الثانية: (5\327)، و(التأصيل لأصول التخريج وفوائد الجرح والتعديل) (1\100).
(3) -العالَم: ما سوى الله، سُمي عالَماً، لأنه علم على وجود الصانع تعالى. انظر: (الحدود الأنيقة والتعريفات الدقيقة) (ص:66) للقاضي زكرياء ابن محمد الأنصاري.(1/33)
رواه (1) البغوي في "المصابيح" (2) عن أنس.
وقال رسول الله-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-: (أمتي أمة مباركة لا يُدرى أولها خير أم آخرها) (3) .
__________
(1) -علق شيخنا الفاضل العلامة المقتدر أبو أويس محمد بوخبزة على قول القنوجي (الحطة) (ص:56): (رواه البغوي)-حين رأى أن المحقق علي الحلبي سكت على هذا التعبير فقال-حفظه الله وشفاه-: (هذا التعبير خطأ، والصواب أن يقال: أورده.. أو: ذكره).
(2) -رواه أحمد، والترمذي، وابن عساكر، والطيالسي، وابن عدي عن أنس، وأحمد، وابن حبان عن عمار، وأبو يعلى عن علي، والطبراني، والقضاعي عن ابن عمر... وغيرهم. وهو صحيح لطرقه.
انظر: (صحيح الجامع الصغير) (رقم:5730)، و(الجامع الكبير) (2/736)، و(مصابيح السنة) (2/211)، انتهى من هامش (الحطة) (ص:56).
(3) -رواه ابن عساكر... مرسلاً، كذا قال السيوطي في (الكبير) (1/150)، وضعفه شيخ شيخنا الإمام العلامة المحدث محمد ناصر الدين الألباني-رحمه الله-في (ضعيف الجامع) (رقم:1375)، وقد ورد بلفظ آخر عن أبي موسى، وهو: (إن هذه الأمة أمة مرحومة، لا عذاب عليها..).
رواه أحمد (4/408)، والحاكم (4/254/344)، والطبراني في (الصغير) (118)، وله ألفاظ مختلفة، وطرق عديدة، انظر: (العلل المتناهية) (رقم:1546)، و(السلسلة الصحيحة) (رقم:959)، و(الحطة) (ص:56).
قال أبو الفضل عمر الحدوشي: وقد يكون بعض الناس-لا كلهم-من آخر هذه الأمة مثل أولها أو: أفضل منها: (... فآخرهم كمثل أولهم-كما نقله الحافظ السيوطي في "مفتاح الجنة" (رقم:335)-على ما رواه الشيخ المقدسي في كتاب "الحجة على تارك المحجة" بإسناد متصل-أن النبي-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-قال: (إن في آخر أمتي قوماً يعطون من الأجر مثل ما لأولهم-فقيل لإبراهيم بن موسى: من هم؟ قال: أهل الحديث).
رواه الفسوي في "المعرفة والتاريخ" (1/535) عن رجل من الصحابة بسند فيه من لم يوثقه إلا ابن حبان! ورواه أحمد بالسند نفسه مختصراً في (المسند) (4/62/و5/375)، ولكن له شاهد عن أبي ثعلبة الخشني، رواه أبو داود (رقم:4341)، وابن ماجه (رقم:4014)، والترمذي (رقم:3058) بسند ضعيف، والبخاري في (خلق أفعال العباد) (رقم:155)، فهو-به-حسن إن شاء الله). انتهى من (تاريخ أهل الحديث تعيين الفرقة الناجية وأنها طائفة أهل الحديث!) (ص:34)، و(ذاكرة سجين مكافح) (2\89).(1/34)
وعن أبي موسى الأشعري-رضي الله تعالى عنه-عن سيدنا سول الله-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-قال: (إن هذه الأمة أمة مرحومة، ليس عليها في الآخرة عذاب، جُعل عذابها في الدنيا القتلَ والفتن والزلازل) (1) .
وقال ابن عبد ربه (2) في (العقد الفريد): (إنني رأيت آخر كل طبقة واضعي كل حكمة ومؤلفي كل أدب أهذب لفظاً وأسهل لغة وأحكم مذاهب وأوضح طريقة من الأول لأنه ناقص متعقَّب، والأول بادئ متقدم) (3) .
قال أبو العلاء المعري:
وإني وإن كنت الأخير زمانه * لآت بما لم تستطعه الأوائل
ولا غرو في هذا، فرب حديث تقدم على قديم وسبق وإن تأخر.
__________
(1) -أخرجه الشهاب في (مسنده) (رقم:968/989)، وأحمد (4/408/410/418)، والبخاري في (التاريخ الكبير) (1/1/38/39)، والطبراني في (الصغير) (1/10)، والقاضي الخَولاني في (تاريخ داريا) (82/83)، وأبو بكر الكلاباذي في (مفتاح المعاني) (1/154)، والواحدي في (الوسيط) (1/128/1) من طرق كثيرة عن أبي بردة. والحاكم (4/253/254) من طريق آخر عن أبي بردة وقال: (صحيح الإسناد) وسكت عليه الذهبي.
وقال الألباني في (الصحيحة) وهو كما قالا وأبو داود (4258)، والحاكم من طريق ثانية (4/444) وصححه أيضاً وسكت عليه الذهبي، وحسنه الحافظ في (بذل الماعون) (2/54). انظر تخريجه بتوسع في: (الصحيح المسند في عذاب القبر) (ص:79) لعكاشة عبد المنان.
(2) -وهو أحمد بن محمد، المعروف بابن عبد ربه القرطبي، (ت:328 هـ) له ترجمة في (وفيات الأعيان) (1/110)، و(معجم الأدباء) (4/211)، و(البداية والنهاية) (1/193)، انتهى من هامش (الحطة) (ص:56).
(3) -قلت: ومع ذلك فالأمر كما قال ابن مالك في (خلاصته) متأدباً مع ابن معطي:
وهْوَ بسبقٍ حائزٌ تفضيلا * مستوجبٌ ثنائي الجميلا(1/35)
ثم بين أن لكل زمان خاصيته ومحاسنه وخواطره فقال: فالرجال معادن، ولكل زمان محاسن، والخواطر موارد لا تنزح (1) ، والأفكار مصابيح لا تطفئ (2) والأفهام مرايا لا تتناهى صورها، والعقول سحائب لا ينفَد مطرها، والمعالي غير متناهية، والفضائل غير متوارية، وأم الليالي ولود، والفضل في كل حين مشهود، وإن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء..........) (3) .
والعلم يراد للعمل لا للتقميش والتفتيش فحسب. وصدق من قال:
إن الذي يروي ولكنه * يجهل ما يروي وما يكتب
كصخرة تَنْبُعُ أمواههَا * تسقي الأراضي وهي لا تشربُ (4)
والله أسأل أن يجزي الجميع-من شيوخنا وآبائنا وأمهاتنا ومن له حق علينا-خير الجزاء وأن يجعل دعاءنا لهم في ميزان حسناتهم إنه سميع مجيب، والله من وراء القصد.
فدونك-أيها القارئ الكريم-جهد المقل فإن أصابت منك القبول والرضا فهذا فضل الله ومنته وتوفيقه، وإن كانت الأخرى فمني ومن الشيطان، والله أسأل أن يجنبنا حظ نفوسنا، ويدفع عنّا الرياء (5) والعجب والسمعة، وألا يجعل في قلوبنا غلاّ للذين آمنوا آمين آمين يا رب العالمين.
__________
(1) -أي: لا تقل. (الحطة) (ص:56).
(2) -لعلها: لا تنطفي. (الحطة) (ص:57).
(3) -انظر: (الحطة) (ص:56/57)، انتهى من مقدمة أم الفضل لكتابي: (إتحاف الطالب...) (ص:96\98).
(4) -انظر: (فتح المغيث) (2/330)، ومقدمة: (قناص الشوارد الغالية...) (ص:17).
(5) -قال الحافظ الذهبي في: (تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام) (7/558/رقم:415)-ترجمة: محمد بن عبد الوهاب أبو علي الثقفي النيسابوري الزاهد الواعظ الفقيه: (وقال أبو بكر الرازي: سمعته يقول: ترك الرياء للرياء أقبح من الرياء)، وجاء في (تاريخ الإسلام) (10/226/رقم:153) ترجمة: محمد بن عبيد الله بن علي، أبو الحسن العلوي الحسيني البلْخي: (ومن نثره: معاداة الأغنياء من عادات الأغبياء، الغني معان، ومن عادى معاناً عاد مهاناً. ليس للفسوق سوق، ولا للرياء رُواء).(1/36)
وقبل الشروع في الجواب أريد أن أهمس في آذانكم بأنني لن أتكلم كلمة واحدة من عندياتي" وما مثلي إلا كمثل إنسان رأى جواهر ولآلئ ودرراً ثمينة مبعثرة هنا وهناك فجمعها ونظمها في عقدٍ واحدٍ، أو: كمثل شخص دخل حديقة غناء فيها من أحاسن الأثمار والورود والأزهار ما يدهش الأبصار، فامتدت يده برفق إليها فجعلها في باقة (1) واحدة، ووضعها في كأس، فكانت بهجة للقلب وفتنة للعين" (2) .
ومن هنا سأترك يراعي للأئمة يتكلمون، والسلف ومن نسج على منوالهم يتحدثون، فهم حماة هذا الدين وُحَّراسُه، فبهم وبإخلاصهم وتضحياتهم ودعوتهم ودعواتهم قام هذا الدين العظيم.
ولولا حفظ الله لدينه ثم هؤلاء الأئمة لاندرس هذا الشامخ، ولكن هيهات هيهات فإن الله تعالى تعهد بحفظ دينه وسنة نبيه-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
(والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون) (3) . (وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أن يتم نوره ولو كره الكافرون) (4) .
__________
(1) -الباقة: الحزمة من البقل، وكثيراً ما تستخدم خطأ للحزمة من الورود والريحان وغيرهما من الورود، والصواب في الثانية: (الطاقة). فصوابه أن نقول: في (طاقة واحدة). انظر: حاشية (السير) (13/508)، و(إتحاف الطالب...) (ص:233\234)، و(ذاكرة سجين مكافح) (1/9).
(2) -انظر: مقدمة شيخنا الصابوني لكتابه القيم "روائع البيان" (ص:12) ورسالة بعنوان "اللباب في فرضية النقاب" (ص:37)، وكتابي: (القول السديد في معالم التوحيد) (ص:7-فلتُصَحَّح هناك إلى طاقة، بدل باقة).
(3) -سورة يوسف، رقم: الآية: (21).
(4) -سورة التوبة، رقم الآية: (32).(1/37)
وأخيراً لا أنسى أن أقول لأخي القارئ: (إذا عثرت على هفوة صدرت منا في هذه الرسالة أو: غيرها، أو: كبوة فإنما نحن كالذي تفرد في سلوك السبيل، فلا يأمن من أن يناله أمر (وبيل)، ومن توحد بالذهاب في الشعاب والقفار فلا يبعد أن تلقاه الأهوال والأخطار، ولا يسلم من الخطأ، إلا من جُعِل التوفيق دليله في مفترقات السبل وهم الأنبياء والرسل).
هذا ومن ظن أنه سيرضي الناس كلهم فهو مجنون، ومن ظن أنه لا يتكلم في عرضه فهو مجنون، ومن ظن أنه يسلم من ألسنة المبتدعة، أو يريد ذلك فهو مجنون:
ومن ذا الذي ترضى سجاياه كلها * كفى المرء نبلاً أن تعد معايبه (1)
وإرضاء الناس كلهم-كما يعلم الجميع- غاية لا تدرك، وأن: (مَنْ أَرضى الناس بسخط الله وكَلَه الله إلى الناس) (2) .
__________
(1) -انظر: (جواهر العقود ومعين القضاة والموقعين والشهود) (60012/ط1374هـ)، و(اعتذارات الأئمة) (ص:65).
(2) -بل: لزاماً على أهل العلم بيان ضعيف الأقوال ومردودها، وتفنيد باطلها ومرذولها، إذ هم على ذلك مؤتمنون، وبه مُطالبون. قال الحافظ الخطيب البغدادي في مقدمة: (الموضح) (1\5\6): (ولما جعل الله تعالى في الخلق أعلاماً، ونصب لكل قوم إماماً، لزم المهتدين بمبين أنوارهم، والقائمين بالحق في اقتفاء آثارهم ممن رُزق البحث والفهم، وإنعام النظر في العلم؛ بيان ما أهملوا، وتسديد ما أغفلوا. إذ لم يكونوا معصومين من الزلل، ولا آمنين من مقارفة الخطأ والخلل).
وقال العلامة ابن الوزير اليماني في (الروض الباسم) (1\11): (ولو أن العلماء-رضي الله عنهم-تركوا الذب عن الحق خوفاً من كلام الخلق، لكانوا قد أضاعوا كثيراً، وخافوا حقيراً). انظر: (تعقبات الحافظ ابن حجر على الإمام الذهبي في "ميزان الاعتدال") (ص:7) للأستاذ: علي بن محمد العمران.(1/38)
كما قال رسول الله-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- (1) .
ولله در من قال:
و لست بناج من مقالة طاعنٍ
ولو كنتُ في غارٍ على جبل وعر
ومن ذا الذي ينجو من الناس سالماً
ولو غاب عنهم بين خافِيَتَي نسرِ (2)
ولكن: (إذا كان رضى الخلق معسوراً لا يدرك، كان رضى الله ميسوراً لا يترك) (3) .
ومن ظن أن شجياً يسلم من خلي فقد غلط غلطاً فاحشاً ورحم الله ابن حزم إذ يقول: (العقل والراحة في اطراح المبالاة بكلام الناس واستعمال المبالاة بكلام الخالق- عز وجل- ومن قدر أنه يسلم من طعن الناس وعيبهم فهو مجنون) (4) .
وقديماً قيل:
والعذر عند كرام الناس مقبول * والعفو من شيم السادات مأمول
والله المسئول أن يرزقنا العلم النافع والعمل به والدعوة إليه، وينفعنا بما نقرأ ويزيدنا علماً إلى أن نلقاه،-مع المحبرة إلى المقبرة (5)
__________
(1) -رواه الترمذي والقضاعي وابن بشران وغيرهم، وقد تكلم الألباني (رحمه الله). على الحديث وطرقه في (تخريج أحاديث شرح العقيدة الطحاوية). ثم في (الصحيحة). (2311). وبين أنه لا يضره وقف من أوقفه وأنه صححه ابن حبان. كما في (صفة الصلاة). (44).
(2) - الخوافي: ريشات إذا ضم الطائر جناحيه خفيت، وتكون وراء القوادم.
(3) -انظر: (السير) (17\808)، و(إعلام الخائض بجواز مس المصحف للجنب والحائض) (ص:4) الطبعة الثانية، و(ذاكرة سجين مكافح) (3\67).
(4) -انظر: (الأخلاق والسير) (ص 17). لابن حزم. انتهى من كتابي: (أناشيد عربية لا إسلامية) (ص:5/6). و(القول السديد في معالم التوحيد) (ص:146).
(5) -قال صالح بن أحمد بن حنبل: (رأى رجل مع أبي محبرة، فقال له: يا أبا عبد الله، أنت قد بلغت هذا المبلغ، وأنت إمام المسلمين-يعني: احتاج إليك الناس ومعك المحبرة تحملها-فقال: مع المحبرة إلى المقبرة)، وفي رواية أنه قال: (أنا أطلب العلم إلى أن أدخل القبر)-كما في (مناقب الإمام أحمد) (ص:31).
قال ابن القيم-رحمه الله-: العلماء بالله وأمره هم حياة الموجود وروحه، ولا يُستغنى عنهم طرفة عين، فحاجة القلب إلى العلم ليست كالحاجة إلى التنفس في الهواء، بل: أعظم، وبالجملة فالعلم للقلب مثل الماء للمسك، إذا فقده مات، فنسبة العلم إلى القلب كنسبة ضوء العين إليها.
وقال محمد بن إسماعيل الصائغ: (كنت أصوغ مع أبي ببغداد، فمر بنا أحمد بن حنبل وهو يعدو ونعلاه في يديه، فأخذ أبي بمجامع ثوبه، فقال: يا أبا عبد الله، ألا تستحي، إلى متى تعدو مع هؤلاء؟ قال: إلى الموت).
وقال الحسين بن منصور الجصاص: قلت لأحمد بن حنبل-رحمه الله-: إلى متى يكتب الرجل الحديث؟ قال: إلى الموت.
وقال نعيم بن حماد: سمعت عبد الله بن المبارك-رحمه الله-وقد عابه قوم في كثرة طلبه للحديث، فقالوا له: إلى متى تسمع؟ قال: إلى الممات.
وقال عبد الله بن بشر الطالقاني: أرجو أن يأتيني أمري والمحبرة بين يدي، ولم يفارقني العلم والمحبرة.
وقال حميد بن محمد بن يزيد البصري: جاء ابن بسطام الحافظ يسألني عن الحديث، فقلت له: ما أشد حرصك على الحديث! قال: أوما أحب أن أكون في قطار آل رسول الله-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-.
وسئل الحسن عن رجل له ثمانون سنة: أيحسن أن يطلب العلم؟ قال: إن كان يحسن به أن يعيش. انظر: (مفتاح دار السعادة) (1\74)، و(صور من صبر العلماء...) (ص:24).
وقد ذكر الحافظ الخطيب في (شرف أصحاب الحديث) (ص:53) أبياتاً في وصف المحبرة هذا مطلعها:
قناديلُ دين الله يسعى بحملها * رجال بهم يحيا حديث محمد
هم حملوا الآثار عن كل عالم * تقيٍّ، صدوقٍ، فاضل متعبد
محابرهم زُهْرٌ تُضيء كأنها * قناديل حبر ناسكٍ وسط مسجدِ
تساق إلى من كان في الفقه عالماً * ومن صنف الأحكام من كل مسند
وقال أحمد بن منيع بن عبد الرحمن البغوي: سمعت جدي يقول: مرَّ أحمد بن حنبل جائياً من الكوفة، وبيده خريطة-هي الكيس له خيط بفمه يُشَدُّ فيُغلَق-، فأخذت بيده، فقلت: مرة إلى الكوفة! ومرة إلى البصرة! إذا كتب الرجل ثلاثين ألف حديث لم يكفه؟ فسكت، ثم قلت: ستين ألفاً؟ فسكت، فقلت: مائة ألف؟ فقال: حينئذ يعرف شيئاً. قال أحمد بن منيع: فنظرنا، فإذا أحمد كتب ثلاثمائة ألف، عن بهز بن أسد وعفان، وأظنه قال: روح بن عبادة. كما في (مناقب الإمام أحمد) (ص:28)، و(صور من صبر العلماء على شدائد العلم والتحصيل) (ص:111\112) لأبي أنس صلاح الدين السعيد.(1/39)
-وأن لا يؤاخذنا بنقصنا وقصورنا وخطئِنا وجهلنا وسهونا.
فهنا يحسن قول الحريري:
وإن تجد عيباً فسد الخللا * فجل من لا عيب فيه وعلا
وقد ذيلته بقولي:
فالمرء ذو نقص طبيعي فلا * تعجَبْ إذا عمَّ القصور العقلاَ
فكلنا يُخْْطي وكل مبتلى * فنسأل اللهَ الختام الأجملاَ
زيد كعمرو لا تقُل ذا فُضِّلاَ * كلاهما من طينة قد جُبِلاَ
ميزان أعمالي إذا ما اعتدلاَ * فغايتي إحساني ذاك العملاَ
وقلت أيضاً:
فنسأل الله لنا توفيقَا * وأن يُرِي الحق لنا طريقَا
فكل سهوٍ أو: خطا في قولنا * يغفره الله بفضله لنا
كما نرجوه تعالى أن يخفف آلامنا، ويحقق آمالنا بانتصار الإسلام والمسلمين في كل بقاع العالم آمين.
وبهذه المناسبة أختم هذه المقدمة بقولي:
فكل داعٍ يجيب الله دعوته
العفو كان بلطف الله مقروناً
أخلِصْ له نيةً تظفر بمغفرةٍ
تشفي بها الهمَّ والآلام والهُونا
إن النجاة غداة الروع مُشْفَعَةٌ
بطاعة الله، حتماً ترفع الدُّونا
سبحان ربي له الأفلاك ساجدةً
و الناس طراً وما قد كان مخزونا (1)
و(غفر الله لقارئه، ولمن نظر فيه، وللسامعين ولمن سد خللاً وجد فيه إن اطلع، وكشط شيئاً قاله المؤلف فخرج بقوله عن الكتاب والسنة ووقع، لأن المؤلف قليل العلم، كثير الجهل، غافل عن أهوال يوم المطَّلَع، فرحم الله من دعا له بحسن الخاتمة، وأن يجعله ممن أطاع ربه، وذل لعزته وعظمته، وخضع.
يا ناظراً في كتابي حين تقرؤه
عدل هديت بلا حيف ولا شطط
إن مر سهو فلا تعجل بسبك لي
__________
(1) -يا أخي القارئ إذا وقفت على خطأٍ في النظم أو: النثر فقم بتصحيحه-وراسلنا به-تربح شكرنا، واقبل عذر المسجون البعيد أو: المبعَد عن مكتبته العامرة.
يَا مَن يُرى حُرّاً طليقاً فَاقْبَلاَ * عُذرَ ابن مَسعود إِذَا الجَهْلُ انجَلَى
بِالدّمْعِ يَكُسو العيْن فِي خَوْفٍ أَلاَ * يَكْفِي بأنَّ البَابَ عَنّي أُقْفِلاَ؟!(1/40)
واعذر فلستُ بمعصوم عن الغلط) (1) .
كتبه الفقير إلى عفو ربه، وحسن توفيقه وعونه أبو الفضل عمر بن مسعود ابن الفقيه بن عمر بن حدوش الحدوشي بزنزانته الانفرادية بالسجن المحلي بتطوان 28 محرم 1430 هـ
(بداية المنظومة):
نحمد الله على بيض الأيادي ... وكذا نثني على طبِّ الفؤاد
أحمد المختار من أجلى الدياجي (هذه منظومة فيها فوائدْ ... بضياء الهدْيِ من خير سراج
هذه سمط القريض المنتقى ... فاقْبِسَنْ من معانيها الفرائدْ
وتمعَّنْ في الدلالات العميقهْ ... بشذى المعنى تُزكِّي المنطقا)
هذه ألفاظ تجريح نوادرْ ... كم بها تكمنُ أفكار دقيقهْ
نَزَكُوهُ أيْ: بمعنى طَعَنُوهُ ... فاعقلنها صاحِ من عندي وذاكِرْ
عندنا ما كان يَسْوَى ذا طُلَيَّهْ ... هَكَذا كُلُّ فتى يَنْبِسُ فُوهُ
لا يساوي دسْتَجَهْ بَقلٍ تأمَّلْ ... في حَدِيثٍ أوْ: طُليتينِ شَيَّهْ (2)
بَعْرَةٌ عِنْدِي يا صَاحِ أحَبُّ ... رُبَّ قَوْلٍ صَحَّ أمْضى من عَمَلْ
هو لا يسْوى نواة في الحديث ... مِنْه رِيحُ المِسْكِ مِنْها قد يهُبُّ
ليس يسوى في اعتبار الحق كعْباً ... فكْرهُ يسْبَحُ في وهْمٍ خبيثِ
من جراب النورة قد كال كيلاً ... مُسْتبِدٌّ يأْخُذُ الأشْياء غَصْباً
عُدَّ للكِذْبِ جِراباً فاحْذَرُوه ... لكَ في زَهْوٍ غريرٍ جَرَّ ذيلاً
يا تُرى ما هذه العينُ المَلُوح؟! ... وتَحروا إخوتِي أن تَتْبَعوهُ
ولأَنْ أقطَعَ مِنْهَاجاً طويلاً (3) ... الظَّما زادَ بِهَا هَذَا قَبيحُ
ليْسَ يَدْخُلْ قَطُّ في حُكْمِ عِيَالِ ... ليَ أَهْوَى أن أَرْوي عَنْهُ قِيلاً
حَالُهُ لم يَخفَ عن عُمْي ألاَ اعْجَبْ ... ذَا لَنَا كَيْفَ يُعَدَّنْ مِنْ رِجالِ؟!
__________
(1) -انظر: (اللمع في الحوادث والبدع) (1\1\2) للإمام إدريس بن بيدكين التركماني الحنفي، و(اعتذرات الأئمة) (ص:80) للأستاذ خليل بن عثمان الجبور السبيعي.
(2) -أي: شيئاً.
(3) -انظر: (تاريخ الإسلام) (4/443/رقم:245). قال ابن المبارك: (لأن أقطع الطريق أحب إلي من أن أروي عنه).(1/41)
لا يَمِيزُ أيَّ رجْليهِ هِيَ أطْوَلْ ... كُلُّ مَبْني لَهُ هُوَ مُعْرَبْ
فانتَبِهْ! وارْمِ بِه ثَمَّ بَعِيدَا ... فَتَرَاهُ لأمور الدّينِ أجْهَلْ
ولضرب العُنْقِ مِنْهُ هُوَ أحْوَجْ ... ولِمِثلِهِ حاذِرْ ألاَّ تَعُودَا
يَسْتَهِلْ أَنْ يُحْفَرَنْ بِئْرٌ عَمِيقٌ ... مَالَهُ من ذا الخيار أيُّ مَخْرَجْ
ما انْشَرَحْ صَدْرٌ لَهُ فِيما سَمِعْنَا (1) ... لَهْ فَيُلْقَى طيَّهَا هَذَا يليقُ
لمْ أُشَاهِد مِثلَهُ أعْمَى فُؤَاداً ... أو: إليه ارتاحَ منْ قد تَبِعْنَا
قد كتبْ عمَّن دَرَجْ قبلُ وَدَبَّا (2) ... أو: ضليلاً قبله لجَّ عناداً
كان من دَيْدَنِه يحكِي مَسيخَا ... لَم يُمَيِّز بيْنَ من شابَ وَشبَّا
إنَّهُ آيَهْ (3) مِن الآياتِ حَقّاً ... يِلْتَقطْ مِنْ سِكَكٍ شَتَّى الشُّيُوخَا (4)
وهو طَيْرٌ قد طَرَا كَرْهاً عَلَيْنَا (5) ... آفَةٌ شَقَّتْ من الآياتِ طُرْقاً
أيُّ طَبْلٍ لَيْسَ يَدْرِي ما يَخْرُجْ ... غِرَبٌ طَيَّار لا يَمْلأُ عَيْنَا
ذا مُخَرَّقْ ما له صوتٌ يُذَاعُ ... مِنْهُ مِنْ فرطِ غَبَاءٍ ذاك يَسْمَجْ
لا يجوزنَّ خليلي في الضّحايَا ... ما تحلَّقَ حَوْلَهُ إلا الرّعاعُ
هو عندي صاح من كل ضَعِيف ... كيف يوماً يكتمل فيه رجايا
خائبٌ يحْفَظ يا هذا الرّيَاحَا ... أضعفن أنصت لذي الرأي الحصيفِ
شِبْهُ ريح وهو منها بمكان ... فهو والريح سواء حيثُ راحا
__________
(1) -انظر: (تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام) (4/580).
(2) -انظر: (تاريخ الإسلام) (8/402/رقم:155).
(3) -انظر: كتابي (قناص الشوارد الغالية...) (ص:854 رقم:71)، و(ص1039إلى 1046 رقم:175).
(4) -انظر: (تاريخ الإسلام) (4/1205).
(5) -انظر: (الميزان) (1/120)، و(لسانه)، للحافظ (1/223)، و(لسان العرب) (4/508)، و(15/6)، و(تاج العروس) (3/364)، و(10/223/224)، و(شرح ألفاظ التجريح النادرة أو: قليلة الاستعمال) (1/115/وما بعدها)، و(قناص الشوارد الغالية، وإبراز الفوائد والفرائد الحديثية) (ص:1490)، و(القول الحصيف...) (76).(1/42)
لَيس يُدرَى من ترى ذَا الحيوانُ ... ذَاك حقاً من أعَاجِيب الزمَانِ
حيوانٌ مُتَّهَمْ من أهْلِ بَرٍّ ... غَلَبَ الذُّلُّ عليه والهوانُ!
هو أكذبْ من حماري صاح هذا ... في دُرُوب الجَفْوِ والغِلْظَةِ يجْرِي
مُرْجِفٌ أكْذَبُ مِن رَوْثِ حِمَارِ ... لم يجدْ من زُخرفِ القولِ مَلاَذَا
رافضيٌّ كَحِمَارٍ رَافِضِيُّ ... دَجَّلٍ مِنْهُ خَلِيلِي حَذَار!
أحسبُ الشيطانَ حَقّاً قد تَبَدَّى ... مِثلُ جَرْو الكَلبِِ ذا يا صاحِ غِيُّ
ولَو الشّيطانُ يوماً قد تراءى ... واضحاً في صُورَتِهْ أبشع جِدّا
ذاكَ مِنْ عَيْشٍ خَلِيلي سِدَادُ ... لهُمُ لَدَبَّجُوا فيه الهُرَاءَ
لَمْ يَكُن مِثَلَ الجمالِ الحَامِلاَتِ (1) ... كانَ فَسْلاً حَبَّذَا مِنْهُ ابْتعَادُ
لم يَكُنْ ذا قطّ من أهل القبَابِ ... أو: جمازات المحاملْ في المآتي
فَحدِيثُهْ أشْبَهَنْ مِن نَيْسَبُورِ ... فتَنَحَّوْا عنْ طَرِيقهْ يَا صِحَابي
حَيْثُ في دار فُلان يَزْعُمُونا ... بِثيَابٍ تَتَلاشَى لفُتُورِ
هُوْ عَلَى يَدَيْ عَدْلٍ لاَ مَحَالَهْ ... شَجَرٌ يَحْمِلْ حَدِيثاً صَحَّ فينا
كان مِمَّنْ أخْرَجَتْ لَهْ ذي البَسِيطَهْ ... عَنْهُ زَحْفَا يَكْتُبَنْ بَعْدَ اسْتِمالَهْ
إنْ يَقُلْ إبنُ المُبَارَكْ عَن رَاوِ ... فِلْذةُ أكْبَادِهَا حَتْماً نَشِيطَهْ
إحْذَرَنْ حَيَّاتِ سَلْمٍ خَوْفَ لَسْعِ ... قدْ عَرَفْتُهْ أهْلكَهْ يَا للْمَسَاوي
هَو دَجَّالٌ قَمِيئُ مِنْ دَجَاجِلْ ... إنَّهَا تَنْهَش ضِلْعاً بعْدَ ضِلْعِ
حيثُ يأتي بالحديث في افتعال ... لَيْسَ يُدْرَى بالوَرَى ما هُوَ فَاعِلْ
مُثبِجاً تِلْكَ الأحاديثَ بِمَكِر ... مُزْرِفاً فيه بوضع وانتحالِ
ذا مُجَالِدْ بجْلِدَنْ في الحديثِ ... حاسِباً أفَعَاله آياتِ فِكْرِ
هُوْ عَصَا مُوسى غَدت ما يأفكون ... يُكْثِر التَّدْلِيسَ في سَعْيٍ حَثِيثِ
وهو حَمَّالُ حَطَبْ حَاطِبُ لَيْلٍ ... ذي تَلقَّف في اقْتِدَارٍ وفُنُون
__________
(1) -انظر: (تاريخ الإسلام) (4/850/رقم:109).(1/43)
قَدْ فُرِغْ يا صَاحِ مِنْهُ مُنْذُ دَهْرِ ... زَبَدٌ مُحْتَمَلٌ مِنْ كُلِّ سَيْلٍ
وهو لو فِكَّرْتَ جِدياً خُرافهْ ... كيف يُعتدُّ بهْ في كل أمرِ
مَن رَوى عن ذلك العبد البياضِ ... ليْسَ يَخْلُو مِن كُمِدْيَا وظُرَافَهْ!
حسبي الله على تِلْك الصّفاتِ ... ذَهب الله بِعَيْنَيْهِ المِراضِ
نسألُُُُُُُ الله مَوْلانا السَّلامهْ ... مستعاناً عندِ صَحْوِي وسُبَاتِي
لَمْ نجِدْ نِدّاً لِذَا صَاحِبْ أوَابدْ ... سَلِّمِ اللَّهُمَّ أذْهِبْ لِلسَّآمَهْ
ذو مَنَاكير أوابدْ مُبهراتِ سَلْ أخي عَن صَّباحٍ عن شُعَيْبِ ... حَيثُ يَرْوِي عن فَلانٍ كُمْ فرائِدْ
يَنْقُضُ الوضُوء لكن لا يجدَّدْ ... قد روى عنهُ فُلاَنٌ مُعْجِبَاتِ
مثل أمسِ الذاهبِ يَذهبْ ذُهوباً ... يَقْطَعُ الصَّلا بِلاَ عُذْرِ مُجِيبِ
لم يَكن من قريتين ذا عظيمُ ... ويحل الأمر طوراً ثُم يعْقِدْ
حدثنا بوزبير بو زبير ... مثلما الشمس إذا رامتْ غُروباً
كم أتانا بو زبيرٍ بو زبيرِ (1) ... كيف يؤتى وهو صفر عَديمُ
إن يكن فيه أخو طبخ مُؤاتي ... من تراه بو زبيرٍ ليت شعري؟!
ليس حِلاَّ لأحَدْ سَرْدُ الروايَهْ ... بو زبير من حديثٍ محضِ نكرِ
لَعَنَ اللهُ الذي يكتب عَنْهُ ... حَدَّثكم عنه يا للسُّخْرِيَاتِ
ظَالِمٌ من بعدِ نَفْسِهِ لسِوَاهُ ... عنه فهْو لُعْنَةٌ وهْوَ نِكَايَهْ
في لِقَا الله غداً أُجاثيه ... أو: يحاولْ مرةً يَقْرُبُ مِنْهُ
قدَمُ رِجالِهِ عنْدي بَليَّهْ ... مَا جَوَابُهْ يَوْمَ يَسْأَلْهُ الإلَهُ
حَبَطٌ في رجْلِهِ آثارُ جُرْح ... فهو حسبي كل يوم أرتجيه
فُلْهُما يَا خِلُّ مِنِّي تَمْرَاهُ ... لَهُ فاحفظْ صاحِ عنّي ذي الوصيَّهْ
عَمَدَ النقادُ في جَرْحِ الرواةِ ... في مَساءٍ دَبَّ أوْ إبَّانَ صُبْحِ
حيثُ تحريكٌ وقبضٌ للأيادي ... وكذا كل لئيم نَقْلاَه
عن رضىً أو: تركِ نقل المَرْوِيَات ... وكذا توثيقهم بالحركاتِ
__________
(1) -انظر: (تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام) (3/518/رقم:305)، و(العلل ومعرفة الرجال-برواية ابنه) (1/219).(1/44)
كَمْ مُشيرٍ يا أخِي مِنْهُم لفيهِ ... وإشاراتُ رؤوس في النوادي
كدِليلِ عن كَذِبْ راوٍ مُودِ ... إيهِ عَنْهُم أو: كَلُوحِ القَسَمَاتِ
تَمَّتِ الدُّرَّةُ فِي أزهَى حُلاَهَا ... ولسانِهْ في ذَكَاءٍ تمْوِيهِي
يا رميصاءُ ويا حبي صُهَيْبَا ... واسْتِحْسان لِمَنْ يُسْمَى المُؤدِّي
بَيْنَ جُدْرَان سُجَيْنٍ فِيهِ أقْبَعْ ... فتأمل في بَهَاها وسَنَاها
فاقْبَلَنْ يا رَبَّ مِنِّي دُرَّتِي ... وَعَصيماً ويا عفْرا الأحِبَّا
خَاشِعَ النُّظْرَةِ نَحْوَ اللَّه أضْرَعْ
واخْتِمَنْ بالخَيْر لي ذُرّيتي
كتبه المأسور في سبيل عقيدته ودينه أبو الفضل عمر بن مسعود ابن الفقيه عمر بن حدوش الحدوشي بزنزانته الانفرادية بالسجن المحلي بتطوان 28 محرم 1430 هـ
(بداية توضيح متن المنظومة):
نحمد الله على بيض الأيادي * وكذا نثني على طب الفؤاد
أحمد المختار من أجلى الدياجي * بضياء الهدي من خير سراج
(هذه منظومة فيها فوائدْ * فاقْبِسَنْ من معانيها الفرائدْ
هذه سمط القريض المنتقى * بشذى المعنى تُزكِّي المنطقا)
وتمعَّنْ في الدلالات العميقهْ * كم بها تكمنُ أفكار دقيقهْ
هذه ألفاظ تجريح نوادرْ * فاعقلنها صاحِ من عندي وذاكِرْ
1- المصطلح الأول عند المحدثين في أول هذه المنظومة قولهم: (فلان نزكوه):
وإليه أشرت بقولي:
نَزَكُوهُ أيْ: بمعنى طَعَنُوهُ * هَكَذا كُلُّ فتى يَنْبِسُ فُوهُ(1/45)
وقد بينت معنى هذا المصطلح لغة واصطلاحاً في كتابي: (قناص الشوارد الغالية...) (ص:854\رقم:174-فائدة في علم الرجال) وهذا لفظه: (ومن ألفاظ التجريح القليلة الاستعمال قولهم: (نزكوه) بالنون والزاي-ولقلة استعمالها تصفحت إلى: (تركوه) (1) بالتاء والراء. ولعل أول من استعملها: عبد الله بن عون بن أرطبان أبو عون البصري الثقة الثبت (ت: 150 هـ)-رحمه الله تعالى- حيث جرح بها: شهر بن حوشب الأشعري الشامي (2)
__________
(1) -قال أبو إسحاق إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني في كتابه: (أحوال الرجال) (ص:96\رقم:141) تحت عنوان: (البصريون): (شهر بن حوشب: أحاديثه لا تشبه حديثَ الناس-أي: أهل الحديث-وحُدثت عن النضر بن شُميل أن ابن عون سئل عن حديثٍ لشهر فقال: إن شهراً تركوه، إن شهراً تركوه). زاد الحافظ الذهبي في (تاريخ الإسلام) (6\388)، و(كتاب السلسبيل في شرح ألفاظ وعبارات الجرح والتعديل) (ص:105\رقم:125): (قال النضر: طعنوا فيه).
انظر: (تاريخ الدوري) (4031\5159)، و(التاريخ الكبير) (4\2730)، و(الجرح والتعديل) (4\1668)، و(الضعفاء والمتروكين) (294)، و(المجروحين) (1\361)، و(الكامل) (2\ق84)، و(الضعفاء الكبير) (ق93) للعقيلي، و(التهذيب) (ق296)، و(الميزان) (2\283).
(2) -انظر أقوال نقاد الحديث في شهر بن حوشب، وأسباب تجريحه، ومن وثقه في (شرح ألفاظ التجريح النادرة أو: قليلة الاستعمال) (1\7\إلى:20)، و(ضوابط الجرح والتعديل عند الحافظ الذهبي) (1\526)، و(2\681\إلى:883)، و(الجرح والتعديل-من خلال كتب الذهبي) (1\227\رقم:1و54).
قال أبو حفص الفلاس: (كان يحيى بن سعيد القطان لا يحدث عن شهر. وكان عبد الرحمن يحدث عنه. قلت: يعني: الاحتجاج وعدمه). انظر: (سير أعلام النبلاء) (4\375)، و(كتاب السلسبيل في شرح ألفاظ وعبارات الجرح والتعديل) (ص:19\رقم:3).
قال الإمام الترمذي في (1\396-شرح ابن رجب)، و(الجامع) (4\390-مع التحفة)، و(13\315-مع العارضة): "قال علي: ولم يرو يحيى عن شريك، ولا عن أبي بكر بن عياش، ولا عن الربيع بن صُبيح، ولا عن المبارك بن فضالة.
قال أبو عيسى: وإن كان يحيى بن سعيد قد ترك الرواية عن هؤلاء، فلم يترك الرواية عنهم أنه اتهمهم بالكذب، ولكنه تركهم لحال حفظهم. وذُكر عن يحيى بن سعيد أنه كان إذا رأى الرجل يحدث من حفظه، مرة هكذا ومرة هكذا، لا يثبت على رواية واحدة تركه".
وقد حدث عن هؤلاء الذين تركهم يحيى بن سعيد القطان: عبد الله بن المبارك، ووكيع بن الجراح، وعبد الرحمن بن مهدي وغيرهم من الأئمة".
ثم اعلم أن الأئمة النقاد عدُّوا يحيى بن سعيد القطان من الأئمة المتشددين في الجرح، ومن هؤلاء النقاد:
أ-الإمام الذهبي في (الموقظة) (ص:83): "ومن ثم قيل: تجب حكاية الجرح والتعديل، فمنهم من نفسه حادٌّ في الجرح، ومنهم من هو معتدل، ومنهم من هو متساهل.
فالحاد فيهم: يحيى بن سعيد القطان، وابن معين، وأبو حاتم، وابن خراش، وغيرهم". انظر: (الميزان)، و(تذكرة الحفاظ) (1\298).
كذا قال في كتابه: (ذكر من يعتمد قوله في الجرح) (ص:171\172) وما بعدها. وذكر في الطبقة الثانية من المتعنتين في التوثيق: (يحيى القطان، وابن مهدي، ويحيى أشدهما). كما في (إعلان بالتوبيخ لمن ذم التاريخ) (ص:104\205) للسخاوي. وهي النسخة التي عندي داخل زنزانتي الانفرادية بالسجن.
ب-الحافظ ابن حجر: فقال في (الهدي) (ص:445)، أو: (2\147) في ترجمة: عثمان بن عمر بن فارس: "ويحيى بن سعيد شديد التعنت في الرجال لا سيما من كان من أقرانه". وقال في (الفتح) (11\441)-و(التوجيه) (17\235)-ترجمة: (الحسن بن ذكوان أبي سلمة... ليس له في البخاري سوى حديث واحد من رواية القطان عنه مع تعنته في الرجال). انظر ترجمة: يحيى بن سعيد بن فروخ القطان التميمي، أبي سعيد البصري الأوحل الحافظ: (تهذيب التهذيب) (7\45\47\رقم:8849) دار الكتب العلمية، النسخة التي عندي داخل السجن، و(الرفع والتكميل) (ص:260\رقم:الإيقاظ:16).(1/46)
مولى الصحابية أسماء بنت يزيد الأنصارية-رضي الله عنها-. فقد روى مسلم-رحمه الله تعالى-في (مقدمة صحيحه) (1) ذلك فقال: (حدثنا عبيد الله بن سعيد قال مسلم-رحمه الله-: (يقول: أخذته ألسنة الناس. تكلموا فيه) (2) .
المعنى اللغوي:
وورد في كتب اللغة: النزك: سوء القول في الإنسان، ورمْيك الإنسان بغير الحق. ونقول: نزكه بغير ما رأى منه، ورجلٌ نُزُكٌ: طعان في الناس. وفي "الصحاح": ورجل نزّاك أي: عياب، وقال أبو زيد: نزكت الرجل إذا خَرَّقته.
ومنه قول رؤبة:
فلا تَسَمّع قول دساس نزك * وارع تقى الله بنسك متنسك
وقال الزمخشري: ومن المجاز: نزكه عابه بغير ما رأى منه، وشهر قد نزكوه، وفلان نزيكة معيبةٌ (3) .
2- المصطلح الثاني قولهم في الراوي: (فلان ما كان يسوى طُلَيَّة أو: طُليتيْن في الحديث):
__________
(1) -تنبيه: هل ميز العلماء بين ما رواه مسلم في مقدمة (صحيحه) وما رواه في (صحيحه)، أم لا؟.
الجواب: قال ابن القيم في (الفروسية) (ص:44): (مقدمة كتاب مسلم لم يشترط فيها ما شرطه في الكتاب من الصحة، فلها شأن، ولسائر كتبه شأن آخر، ولا يشك أهل الحديث في ذلك). انظر: (الأجوبة الفاضلة للأسئلة العشرة الكاملة) (ص:28\300) للعلامة محمد عبد الحي اللكنوي، و(إتحاف الطالب...) (ص:725).
(2) -انظر: (مقدمة صحيح مسلم) (1/17)، و(صيانة صحيح مسلم) (ص:121/122) لابن الصلاح، وهامش: (شرح ألفاظ التجريح النادرة أو: قليلة الاستعمال) (1\7).
(3) -انظر: (الصحاح) (4/42)، و(مجمع بحار الأنوار) (4/686)، و(صيانة مسلم) (ص:122)، و(لسان العرب) (10/498)، و(تاج العروس) (7/186)، و(أساس البلاغة) (ص:452)، و(الفائق) (3/234)، و(النهاية) (5/1612)، و(غريب الحديث) (2/278/279)، و(شرح ألفاظ التجريح النادرة أو: قليلة الاستعمال) (2/7/20)، و(قناص الشوارد الغالية...) (ص:854\رقم:174).(1/47)
قال بعض العلماء: هذا تعبير نادر لم أقف على أحد من النقاد استعمله غير حماد بن زيد الثقة الثبت الفقيه البصري المتوفى سنة (179هـ).
ضعف به الجلد بن أيوب البصري. فقد روى ابن أبي حاتم بسنده إلى النضر بن شُميل أنه قال: "سمعت حماد بن زيد يقول" ما كان جلد بن أيوب يسوى طلية أو: طليتين في الحديث (1) .
وقد وقع التصحيف في هذه الكلمة حيث وردت في كتاب (الضعفاء) (2) للعقيلي المطبوع إلى "طلبة أو: طلبتين" بالباء.
المعنى اللغوي:
والطُّلية في كتب اللغة هي الصوفة التي تُطلى بها الإبل الجربى، ويقال: فلان ما يساوي طُلية.
قال أبو طالب: ما يُساوي طُلية أي: الخيط الذي يشد في رجل الجدي ما دام صغيراً، وقيل: الطلية خِرقة العارك (الحائض) وقيل: الثملة-بفتح الثاء والميم-الصوفة أو: الخرقة التي يُهنأ بها الجرب، وقال ابن بَري (ت:582 هـ) وقول العامة لا يساوي طلية (3)
__________
(1) -انظر: (الجرح والتعديل) (1/ق1/549)، و(لسان الميزان) (2/133).
(2) -كما في: (1/205).
(3) -قال الشيخ مصطفى بن إسماعيل-حفظه الله تعالى-في كتابه النفيس: (شفاء العليل بألفاظ وقواعد الجرح والتعديل) (1\188) تحت المرتبة الرابعة: من مراتب التجريح: (وقولهم: "فلان لا يساوي شيئاً، أو: فلس خير منه، أو: لا يساوي فلساً، أو: لا يساوي بعرة، أو: لا يساوي تمرة، أو: لا يساوي نواة في الحديث، أو: ليس يساوي قليلاً ولا كثيراً، أو: لا يساوي دستجة بقل-أي: حزمة بقل-أو: لا يساوي كعباً".
قال الأزهري في علي بن الحسن المعروف بابن الرازي-كما في "تاريخ بغداد" (11\388)-: "كذاب لا يساوي كعباً"، والكلمة بمجردها محلها هنا، "أو: لا يساوي حديثه كفاً من تراب" قاله ابن المبارك-رحمه الله تعالى-في عباد بن كثير كما في "شرح علل الترمذي" (ص:71)، "أو: لا تسوى أحاديثه النقل" قاله حفص بن غياث-رحمه الله تعالى-في محمد بن سالم أبي سهل الكوفي-كما في "الجرح والتعديل" (7\272)-، كذا جاء بالنون وقد ورد بالباء الموحدة، "أو: كان لا يساوي طلية أو: طليتين" قاله حماد بن زيد-رحمه الله تعالى-في الجلد بن أيوب البصري-كما في "لسان الميزان" (2\133) للحافظ ابن حجر-رحمه الله تعالى-....)، قال الدكتور عبد الرحمن الخميسي-حفظه الله تعالى-: (لا يساوي فلساً: من المرتبة الرابعة من مراتب الجرح عند السخاوي والسندي وزكرياء الأنصاري). انظر: (معجم علوم الحديث النبوي) (ص:181\رقم:518).(1/48)
غلط إنما هو طِلوة، والطِّلوة: "قطعة جبل" (1) .
يتضح لنا من المعنى اللغوي أن كلمة (طُلية) استعملها العرب للدلالة على شيء تافه، أو: مستقبح مستقذر، فهي خيط يشد في رجل الجدي الصغير، أو: الخرقة المستعملة لإزالة الجرب عن الإبل المصابة بهذا الداء بعد غمرها بالقطران أو: هي خرقة الحيض وهي دلالة واضحة على أن الراوي المنعوت بها لا يعول عليه ولا على رواياته، فالمعنى اللغوي مطابق للمعنى الذي أراده النقاد وجلد هذا نعته بالضعف غير واحد من النقاد ...
وحماد بن زيد لما جرح جلداً بهذا التعبير وضح السبب حينما ذكره فقال: (عمدوا-أي: الرواة عن جلد-إلى شيخ لا يميز بين قُرء وحيض وغير ذلك فحملوه على أن قاله أنس فقال لهم هكذا أو: نحوه).
وروى العقيلي-رحمه الله تعالى-بسنده إلى ابن عيينة-رحمه الله تعالى- أنه قال: (حديث الجلد بن أيوب في الحيض حديث محدَث لا أصل له) (2) .
وروى بسنده أيضاً إلى حماد بن زيد أنه قال: (سألت الجلد بن أيوب عن حديثه، فقال: المستحاضة تقعد ثلاثة إلى عشرة فقلت: الحائض؟ فقال المستحاضة تقعد ثلاث عشرة فإذا هو لا يفرق بين الحائض والمستحاضة) (3) .
يبدو-والله أعلم-أن حماد بن زيد جرحه-أي: جلداً-بهذا التعبير لعدم تمييزه بين الحائض والمستحاضة.
وخلاصة القول أن قول حماد بن زيد: "ما كان يسوى طلية أو: طليتين في الحديث" يعني أنه: "ضعيف الحديث".
ومن هذا اللفظ أيضاً قولهم: (فلان لا يساوي دَسْتَجة بقل):
__________
(1) -انظر: (لسان العرب) (11/93-و15/11)، و(تاج العروس) (10/228).
(2) -انظر: (الضعفاء) (1/204).
(3) -انظر: (الضعفاء) (1/204)، و(لسان الميزان) (2/133).(1/49)
ومن الألفاظ التي انفرد باستعمالها أحد المجرحين (لا يساوي دستجة بقل) فقد جرح بها عثمان بن دحية اللغوي: الإمام الزاهد الصادق مطر بن طهمان الوراق (1)
المتوفى سنة (129هـ) (2)
__________
(1) -قال الحافظ في: (التقريب) (رقم:6699): (صدوق كثير الخطأ، وحديثه عن عطاء ضعيف). وقال الأرنؤوط وعواد في (تحرير التقريب) (3\384\رقم:6699): (بل: ضعيف يعتبر به في المتابعات والشواهد، فقد ضعفه:
1-يحيى بن سعيد القطان،
2-وأحمد بن حنبل،
3-وابن معين،
4-والنسائي،
5-وابن سعد،
6-وأبو داود،
7-والعقيلي،
8-والدارقطني،
9-وابن عدي،
وقال: (وهو مع ضعفه يُجمع حديثه ويكتب).
وشدد بعضهم على تضعيفه في عطاء خاصة.
1-وقال أبو زرعة وأبو حاتم: صالح الحديث.
2-وقال البزار: ليس به بأس،
3-وذكره ابن حبان في: (الثقات)، ورواية مسلم له متابعة). انتهى من هامش: (إتحاف الطالب...) (ص:740)
(2) -كذا ذكر-وفاته الذهبي في (سير أعلام النبلاء) (5/453)، و(الكاشف) (3/132)-وهو أحد قولي ابن حبان في (الثقات) (5/435) والقول الآخر (سنة 125 هـ)، وفي (الجمع بين رجال الصحيحين) (2/526) (119 هـ) وفي (تهذيب التهذيب) (10/169) قال ابن حجر: قرأت في تذكرة ابن حمدون أن المنصور قتله فعلى هذا تكون قد تأخرت وفاته إلى قرب الأربعين ومائة، انظر: (تقريب التهذيب) (2/252\رقم:6699)، (شرح ألفاظ التجريح النادرة أو: قليلة الاستعمال) (1/26).
قال الحافظ ابن حجر في (التقر يب) (3\384\رقم:6699-مع التحرير): (مطر، بفتحتين، ابن طهمان الوراق، أبو رجاء السُّلَمي مولاهم، الخراساني، سكن البصرة: صدوق كثير الخطأ، وحديثه عن عطاء ضعيف، من السادسة، مات سنة خمس وعشرين، من السادسة، مات سنة خمس وعشرين، ويقال: سنة تسع. خت م4).
وقال المحرران: (بل: ضعيف يعتبر به في المتابعات والشواهد، فقد ضعفه:
1-يحيى بن سعيد القطان، ... 2-وأحمد بن حنبل، ... ... 3-وابن معين،
4-والنسائي، ... ... 5-وابن سعد، ... ... 6-وأبو داود،
7-والعقيلي، ... 8-والدارقطني، ... ... ... 9-وابن عدي،
وقال: "وهو مع ضعفه يُجمع حديثه ويكتب". وشدد بعضهم على تضعيفه في عطاء خاصة. وقال أبو زرعة وأبو حاتم: صالح الحديث، وقال البزار: ليس به بأس، وذكره ابن حبان في "الثقات"، ورواية مسلم له متابعة).(1/50)
نقل ذلك-أي: التجريح-الحافظ الذهبي-رحمه الله تعالى-.
المعنى اللغوي:
ومعنى هذه الكلمة في اللغة: الحزمة وهي أن دستجة-بفتح الدال وسكون السين المهملة وفتح المثناة الفوقية والجيم-والضِّغْثُ-وهي قبضةٌ من قضبان مختلفة، يجمعهما أصل واحد مثل الأسل، والكُرَّاث، ونحوها-
وقيل: هو-أي: الضغث دون الحزمة وقيل هو الحزمة من الحشيش، والدستجة، فارسي معرب يقال دستجة من كذا، وجمعه الدساتج.
ومن معرفة المعنى اللغوي يتبين أن تجريح عثمان بن دحية مبالغ فيه، فمطر لا تترك روايته بل: يعتبر بها في المتابعات والشواهد ... ) (1) .
وإلى هذا أشرتُ بقولي:
عندنا ما كان يَسْوَى ذا طُلَيَّهْ * في حَدِيثٍ أوْ: طُليتينِ شَيَّهْ
لا يساوي دسْتَجَهْ بَقلٍ تأمَّلْ * رُبَّ قَوْلٍ صَحَّ أمْضى من عَمَلْ
3- المصطلح الثالث قولهم في الراوي: (بعرة أحب إليَّ منه):
هذا اللفظ انفرد به الإمام الناقد الورع الثقة الثبت المجاهد سيد العلماء عبد الله بن المبارك (ت:181 هـ)-رحمه الله تعالى-حيث جرح به عبد الله بن محرر (كمعظم) الجزري، القاضي المتوفى في خلافة أبي جعفر (137-158 هـ).
__________
(1) -انتهى من كتاب: (شرح ألفاظ التجريح النادرة أو: قليلة الاستعمال) (1/26)، و(قناص الشوارد الغالية، وإبراز الفوائد والفرائد الحديثية) (ص:792\793\رقم:152)، و(إتحاف الطالب...) (ص:1096).(1/51)
روى مسلم في (مقدمة صحيحه) بسنده إلى عبد الله بن المبارك أنه قال: "لو خُيِّرتُ بين أن أدخل الجنة وبين أن ألقى عبد الله بن محَرَّر، لاخترتُ أن ألقاه، ثم ادخل الجنة، فلما رأيته، كانت بعرةٌ أحبَّ إليَّ منه" (1) .
المعنى اللغوي:
قال الفيروزآبادي في (القاموس): (البعْر، ويُحرك: رجيع الخُفِّ والظِّلْف، واحدته بهاءٍ، جمع أبعار...) (2) . وقال غيره: والبعرة في اللغة: (واحدة البعر. والبعر: رجيع ذي الخف والظِّلف من الإبل والشاء وبقر الوحش والظباء...) (3) .
وقالت العرب في الذم: هو أهون عليَّ من بعرة يُرمى بها كلبٌ، وأصله من فعل المعتدة بعد وفاة زوجها، ويقال منه بعرت المعتدة فهي باعرة إذا انقضت عدتها أي: رمت بالبعرة، وبعرته رمته (4) بها. فكلمة: (بعرة أحب إليّ منه) تعني عند ابن المبارك: متروك الحديث.
__________
(1) -انظر: (صحيح مسلم) (1/27)، قال أبو عبد الله السنوسي (ت: 895 هـ) في (مكمل إكمال الإكمال) (1/38): ومعنى هذا الكلام لو خيرت بين أن أدخل الجنة قبل أن ألقى عبد الله بن محرر وبين أن أتأخر حتى ألقاه لاخترت أن أتأخر حتى ألقاه والله أعلم. (الكامل) (4/1451) لابن عدي، و(المجروحين) (2/23)، والنسخة التي عندي داخل السجن: (1/516/رقم:545-تحقيق: حمدي عبد المجيد السلفي)، و(الميزان) (2/500)، و(تهذيب التهذيب) (5/389)، و(قناص الشوارد الغالية...) (ص:851\رقم:175).
(2) -انظر: (القاموس) (ص:318)، طبعة كاملة في مجلد واحد. وهي النسخة التي عندي داخل السجن.
(3) -انظر: (لسان العرب) (4/389)، و(تاج العروس) (3/52).
(4) -انظر: (أساس البلاغة) (ص:26)، و(تاج العروس) (3/53).(1/52)
وهذا يظهر بالنظر إلى ما قاله الأئمة عنه. فقد قال عمرو بن علي، والدارقطني وغيرهم عنه: (متروك الحديث). وقال البخاري: (منكر الحديث) (1) ...
وإلى هذا أشرت بقولي:
بَعْرَةٌ عِنْدِي ياصَاحِ أحَبُّ * مِنْه رِيحُ المِسْكِ مِنْها قد يهُبُّ
4-المصطلح الرابع قولهم في الراوي: (فلان لا يسوى نواة في الحديث):
وقد قلت في (قناص الشوارد الغالية، وإبراز الفوائد والفرائد الحديثية) (ص:799\793\رقم:152):
ومن ألفاظ التجريح قولهم في الراوي: (فلان لا يسوي نواة في الحديث).
وقد جاء في (تهذيب التهذيب) (7/82/رقم:8903) ترجمة: (يحيى بن عثمان بن سعيد بن كثير بن دينار القرشي، أبو سليمان، ويقال: أبو زكرياء الحمصي): (وقال ابن عدي: قال لنا أبو عروبة: يحيى ابن عثمان هذا لا يَسْوى نواة في الحديث، كان يتلقى كل شيء).
قال الدكتور سعدي الهاشمي: (هذا التجريح تفرد به أبو عروبة الحسين بن أبي معشر محمد بن مودود السلمي الحراني الحافظ الإمام المتوفى سنة (318 هـ). حيث ضعف به (د س ق) يحيى بن عثمان ابن كثير بن دينار القرشي، الحمصي المتوفى سنة (255 هـ).
المعنى اللغوي:
والنواة في اللغة: عجمة التمر والزبيب، وغيرهما.
وقال المبرد-رحمه الله تعالى-: (العرب تريد بالنواة خمسة دراهم، قال وأصحاب الحديث يقولون على نواة من ذهب قيمتها خمسة دراهم قال وهو خطأ وغلط، وسئل الإمام أحمد-رحمه الله تعالى-: كم وزن نواة من ذهب؟ قال ثلاثة دراهم وثلث) (2) .
__________
(1) -انتهى من كتاب: (شرح ألفاظ التجريح النادرة أو: قليلة الاستعمال) (2/21/38)، و(قناص الشوارد الغالية، وإبراز الفوائد والفرائد الحديثية) (ص:884\855\رقم:175-فوائد متنوعة في شرح ألفاظ التجريح)، و(إتحاف الطالب...) (ص:1096\1097).
(2) -كما في كتب اللغة، أذكر منها: (لسان العرب) (15/349)، و(النهاية) (5/131/132)، و(تاج العروس) (10/380) (مادة:نوى).(1/53)
ومن المعنى اللغوي يتبين لنا أن قول أبي عروبة-رحمه الله تعالى-الذي جرح به يحيى بن عثمان-رحمه الله تعالى-فيه مبالغة فإن كان يريد به المعنى الذي ذهب إليه أصحاب الحديث فهو التقليل من شأنه، وإن أراد العجمة، فقد بالغ أكثر وعلى كلا المعنيين يريد التزهيد والتنفير من مروياته وعدم التعويل عليها...
بينما نظرة النقاد الآخرين تختلف عن قول أبي عروبة-رحمه الله تعالى-اختلافاً كبيراً ...
ومن هذا المصطلح قولهم في الراوي: (لا يسوى كعباً-في الحديث).
وهذا اللفظ النادر: (فلان لا يسوى كعباً في الحديث) تفرد به عبيد الله بن أحمد الأزهري (ت: 435 هـ) (1) -رحمه الله تعالى-.
حيث جرح به علي بن الحسن بن علي بن الحسن، أبو الحسن المعروف بابن الرازي (ت: 391 هـ).
وقد نقل الإمام الحافظ الكبير الخطيب البغدادي-رحمه الله تعالى- (2)
__________
(1) -هو المحدث الحجة المقرئ، أبو القاسم عبيد الله بن أحمد بن عثمان الأزهري البغدادي الصيرفي، ابن السوادي قال الخطيب-رحمه الله تعالى-: (كان أحد المعنيين بالحديث والجامعين له، مع صدق واستقامة ودوام تلاوة. سمعنا منه المصنفات الكبار، وكمل الثمانين ت: 435 هـ).
انظر: (تاريخ بغداد) (10/385)، و(السير) (17/578)، و(شذرات الذهب) (3/255)، و(غاية النهاية) (1/485).
(2) -قال ابن نقطة-في حق الخطيب-رحمهما الله-: (أصحاب الحديث عيال على كتب الخطيب). وقال السيوطي-رحمه الله-في ترجمة الإمام الذهبي-رحمه الله-: (والذي أقوله: إن المحدثين عيال الآن في الرجال وغيرها من فنون الحديث على أربعة:
1-المزي،
2-والذهبي،
3-والعراقي،
4-وابن حجر).
وعلق على هذا القول العلامة عبد الحي بن عبد الكبير الكتاني قائلاً: (إذ له في أسماء الرجال وتراجمهم ما لم يأت به أحد)-كما في (فهرس الفهارس) (1\419).
وقال الشوكاني في (البدر الطالع) (2\110\111): (وجميع مصنفاته مقبولة مرغوب فيها، رحل الناس لأجلها، وأخذوها عنه وتداولوها، وقرأوها وكتبوها في حياته، وطارت في جميع بقاع الأرض، وله فيها تعبيرات رائقة، وألفاظ رشيقة، غالباً لم يسلك مسلكه فيها أهلُ عصره، ولا من قبلهم ولا من بعدهم.
وبالجملة فالناس في التاريخ من أهل عصره فمَن بعدهم عيال عليه، ولم يجمع أحد في هذا الفن كجمعه، ولا حرره كتحريره).
والذي أقوله من وراء القضبان بعد أن قرأت كل كتب الألباني التي تيسر لي الحصول عليها داخل السجن وهي كثيرة: إن الناس الآن عيال على كتب المحدث الألباني-رحمه الله-.
انظر: (التقييد) (1\170)، وعنه في (نخبة الفكر) (ص:16)، و(ذيل تذكرة الحفاظ) (ص:348)، و(الرسالة المستطرفة) (ص:143)، و(فهرس الفهارس) (1\417\419)، و(التأصيل لأصول التخريج وقواعد الجرح والتعديل) (1\21).(1/54)
عنه أنه قال: (كذاب لا يسوى كعباً) (1) .
المعنى اللغوي:
ومعنى الكعب في اللغة: العظمُ لكل ذي أربع والكعب: كل مَفصِل للعظام، وقال ابن الأثير: الكعبان العظمان الناتئان عند مفصل الساق والقدم.
وقال اللحياني-رحمه الله تعالى-: الكعب والكعبة الذي يُلعب به "وقال الزمخشري-رحمه الله تعالى-: ولعب الصبيان بالكِعاب" وهو فص النرد (2) .
وجمع الكعب كعاب، وجمع الكعبة كعب وكعبات، لم يحك ذلك غيره كقولك جمرة وجمرات.
والكعب: عقدة ما بين الأنبوبين من القَصَب والقنا، وقيل: هو أُنبوب ما بين كل عقدتين، وقيل: الكعب هو طرف الأنبوب الناشز (3) .
والظاهر-والله أعلم-أن الأزهري-رحمه الله تعالى-أراد بالكعب في قوله هذا: (مفصل العظم) وهو تعبير يدل على التنفير من حديث علي بن الحسن-ابن الرازي-والتحذير وقرن هذا اللفظ إلى وصمه بالكذب ...
وإلى هذا أشرت بقولي:
هو لا يسْوى (4)
__________
(1) -انظر: (تاريخ بغداد) (11/388).
(2) -واللعب بها حرام، وكرهها عامة الصحابة، ومن الجدير بالذكر أن الصبيان وغيرهم يلعبون بالنرد، وكذلك يلعب الصبيان بمفاصل العظام (الكعاب).
(3) -انظر: (أساس البلاغة) (ص:394)، و(النهاية) (4/177/179)، (لسان العرب) (1/718/719)، و(مجمع بحار الأنوار) (4/407)، و(تاج العروس) (1/456-مادة: كعب).
(4) -وهذا التعبير مثل قولهم: (فلان ما كان يسوى طُلية أو: طليتين في الحديث)، أو: (لا يساوي دستجة بقل)، أو: (لا يسوى نواة في الحديث)، أو: (لا يسوى كعباً في الحديث) ونحوها.
قال أبو الفتح الأزدي: (لا يسوى بلحة). وقال أبو زرعة، عن خالد بن إلياس-سمعت أبا نعيم يقول: (ليس يسوى حديثه فلسين). والطلية: هي الصوفة التي تُطلى بها الإبل الجَرْبى، ويقال: فلان ما يساوي طلية.
وقال أبو طالب: ما يساوي طلية أي: الخيط الذي يُشَد في رجل الجدي ما دام صغيراً، وقيل: الطلية خرقة العارك (الحائض)... والدستجة-بفتح الدال وسكون السين المهملة وفتح المثناة الفوقية والجيم-: الحزمة.. والدستجة، فارسي معرَّب يقال: دستجة من كذا، وجمعه الدساتج... والنواة في اللغة: عَجَمَة التمر والزبيب، وغيرهما.
وقال المبرد: العرب تريد بالنواة خمسة دراهم... والكعب في اللغة: العظم لكل ذي أربع والكعب: كل مفصل للعظام.
وقال ابن الأثير: الكعبان العظمان الناتئان عند مفصل الساق والقدم.
راجع-للتوسع-: (تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام) (4/352/رقم:95)، و(5/447/رقم:377)، و(الجرح والتعديل) (3/الترجمة:1440)، و(3/398)، و(شرح ألفاظ التجريح النادرة أو: قليلة الاستعمال) (1\21/38)، وكتابي: (قناص الشوارد الغالية، وإبراز الفوائد والفرائد الحديثية) (ص:1425)، و(القول الحصيف...) (ص:97)، و(إتحاف الطالب..) (ص:1097\1099).(1/55)
نواة في الحديث * فكْرهُ يسْبَحُ في وهْمٍ خبيثِ
ليس يسوى في اعتبار الحق كعْبَا * مُسْتبِدٌّ يأْخُذُ الأشْياء غَصْبا (1)
5- المصطلح الخامس قولهم في الراوي: (كال لك من جراب النَّورة):
هذا التعبير مما تفرد به أحد رواة الشيعة الضعفاء-في نظر نقاد الحديث من أهل السنة والجماعة (2)
__________
(1) -انتهى من كتاب: (شرح ألفاظ التجريح النادرة أو: قليلة الاستعمال) (2/21/38)، و(قناص الشوارد الغالية، وإبراز الفوائد والفرائد الحديثية) (ص:792\793\رقم:152).
(2) -وقال ابن الجوزي في (تلبيس إبليس) (ص:30): (ولا ريب في أن أهل النقل والأثر، المتبعين آثار رسول الله-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-، وآثار أصحابه: هم أهل السنة، لأنهم على تلك الطريق التي لم يَحدُث فيها حادث، وإنما وقعت الحوادث والبدع بعد رسول الله-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-وأصحابه).
وقال لإمام الإسفراييني-كما في: "التبصرة في الدين" (ص:185)،-: (وليس في فرق الأمة أكثر متابعة لأخبار الرسول-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-وأكثر اتباعاً لسنته من هؤلاء؛ ولهذا سموا "بأهل السنة والجماعة".
ومنها: أن الرسول-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-لما سئل عن الفرقة الناجية قال: "ما أنا عليه وأصحابي"-(رواه الترمذي، والحاكم بإسناد صحيح)-وهذه الصفة تقررت لأهل السنة؛ لأنهم ينقلون الأخبار والآثار عن الرسول-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-، والصحابة-رضوان الله عليهم أجمعين). انظر: (الأزهار المنثورة) (ص:14).(1/56)
-وهو زرارة بن أعين الكوفي (المتوفى سنة: 150 هـ) (1) . حيث فسر به كلام الإمام الصالح جعفر الصادق (المتوفى سنة: 148 هـ)-رحمه الله تعالى، ولعن من كذب عليه-.
فقد روى الحافظ العقيلي-رحمه الله تعالى-بسنده إلى أبي العباس محمد بن صبيح العجلي المشهور بابن السماك الزاهد القدوة (2)
__________
(1) -زرارة بن أعين بن سنسن-وكان سنسن راهباً في بلد الروم-الشيباني، عده الطوسي من رجال الباقر تارة، وأخرى من أصحاب الصادق، وثالثة من أصحاب الكاظم، ووثقه، وقال النجاشي: شيخ أصحابنا في زمانه ومتقدميهم وكان قارئاً فقيهاً متكلماً شاعراً أديباً اجتمعت فيه خلال الفضل والدين صادقاً فيما يرويه وقال عنه المامقاني ثقة وأي ثقة.
ثم قال بعد إشارته لورود أخبار في مدحه وأخبار في ذمه ووثقه كل من صنف في الرجال وإن اختلفت في حاله الأخبار فالأصحاب متفقون على أن هذا الرجل بلغ من الجلالة والعظمة ورفعة الشأن وسمو المكان إلى ما فوق الوثاقة المطلوبة للقبول والاعتماد وتظافرت الروايات بذلك بل: تواترت معنى.
انظر: (اختيار معرفة الرجال) (ص:133\160)، و(جامع الرواة) (1\324\329)، و(تنقيح المقال) (1\438\446)، و(معجم رجال الحديث) (7\218\257)، وذهب علماء الشيعة إلى أن الأخبار الواردة في ذمه محمولة كلها-على التقية وحفظ دمه وعرضه-و(الضعفاء) للعقيلي (2\96\97)، و(الميزان) (2\69\70)، و(لسانه) (2\473\474)، انتهى من كتاب: (شرح ألفاظ التجريح النادرة أو: قليلة الاستعمال) (1/39).
(2) -أبو العباس محمد بن صبيح العجلي المشهور بـ(ابن السماك) الزاهد القدوة، وسيد الوعاظ وثقه:
1-ابن حبان وقال: مستقيم الحديث.
2-وقال الدارقطني: لا بأس به.
3-وقال ابن نمير: صدوق، وقال مرة: حديثه ليس بشيء.
انظر: (لسان الميزان) (5\204)، و(سير أعلام النبلاء) (8\291\293)، و(حلية الأولياء) (8\203\207). انتهى من كتاب: (شرح ألفاظ التجريح النادرة أو: قليلة الاستعمال) (1/40).(1/57)
(ت: 183 هـ) أنه قال: خرجت إلى مكة فلقيني زرارة بن أعين بالقادسية (1) .
فقال لي: إن لي إليك حاجة، وأرجو أن أبلغها بك وعظمها فقلت: ما هي؟ فقال: إذا لقيت جعفر بن محمد-رضي الله تعالى عنه- فأقرئه مني السلام، وسله أن يخبرني: أمن أهل الجنة أنا، أم من أهل النار؟
فأنكرت ذلك عليه، فقال لي: إنه يعلم ذلك، فلم يزل بي حتى أجبته، فلما لقيت جعفر بن محمد-رضي الله عنه- أخبرته بالذي كان منه، فقال: هو من أهل النار، فوقع في نفسي شيء مما قال، فقلت: ومن أين علمت ذاك؟
__________
(1) -القادسية: مدينة على سيف البادية، على خمسة فراسخ غربة الكوفة وهي أول مرحلة من طريق الحج إلى مكة. وبقربها أحرز المسلمون الفاتحون سنة 14 هـ نصراً مبيناً في أول معاركهم مع الفرس، أسفر عن استيلائهم على العراق.
انظر: (بلدان الخلافة الشرقية) (ص:102\103)، و(معجم البلدان) (4\291\293-مادة: "القادسية" وكتاب المناسك) (ص:281\526). انتهى من هامش: (شرح ألفاظ التجريح النادرة أو: قليلة الاستعمال) (1/40).(1/58)
فقال: من ادعى علي أني أعلم هذا فهو من أهل النار، فلما رجعت لقيني زرارة بن أعين فسألني عما عملت في حاجته، فأخبرته بأنه قال لي: إنه من أهل النار. فقال: (كال (1) لك يا عبد الله (2) من جراب النُّورة...) (3) .
والجراب معناه لغة:
الجراب في معناه في لغة العرب هو: وعاءٌ من إهاب الشاء لا يوعى فيه إلا يابس وهو بالكسر والعامة تفتحه فتقول: الْجَرابُ، والجمع أجْرِبة وجُرُبٌ وجُرْبٌ (4) .
والنورة: الهناء وهي الكِلس يعمل من صدف حيوان بحري، ومن حجارة مستديرة، ومن رديء الرخام، بأن يحرق حتى يبيض، وقوة كل كِلس محرقة ملهبة مُلْذِعة تكوي (5) .
وإلى هذا أشرت بقولي:
من جراب النورة قد كال كيلاً * لك في زَهْوٍ غريرٍ جَرَّ ذيلاً
__________
(1) -قال في (لسان العرب) (11\604-مادة: "كيل")، و(المفردات في غريب القرآن) (ص:244)، وتصفحت الكلمة في (الضعفاء) (2\197) للعقيلي إلى (كان). انتهى من هامش: (شرح ألفاظ التجريح النادرة أو: قليلة الاستعمال) (1/40).
(2) -وفي (سير أعلام النبلاء) (15\239): (يا أبا عبد الله)، وفي (الضعفاء الكبير) (2\97) (يا عبد الله)، ولعله هو الصواب والله أعلم، لأن كنية ابن السماك (أبو العباس) وخاطبه بعبد الله باعتبار كل الناس عبيد الله. انتهى من هامش: (شرح ألفاظ التجريح النادرة أو: قليلة الاستعمال) (1/41).
(3) -انظر: (الضعفاء) (2\96\97)، و(سير أعلام النبلاء) (15\238\239)، و(ميزان الاعتدال) (2\69\70)، و(لسان الميزان) (2\473\474). انتهى من هامش: (شرح ألفاظ التجريح النادرة أو: قليلة الاستعمال) (1/41).
(4) -انظر: (لسان العرب) (1\261-مادة: جرب)، و(تاج العروس) (1\179) انتهى من هامش: (شرح ألفاظ التجريح النادرة أو: قليلة الاستعمال) (1/41)
(5) -انظر: (المعتمد في الأدوية المفردة) (ص:428\529)، و(لسان العرب) (5\244)، و(تاج العروس) (3\588-مادة:نور). انتهى من هامش: (شرح ألفاظ التجريح النادرة أو: قليلة الاستعمال) (1/41)(1/59)
6- المصطلح السادس قولهم في الراوي: (جراب الكذب):
وهذا التعبير أراد به بعض النقاد تجريح أبي الحسن محمد بن عبد الله بن القاسم، الحارثي النحوي الرازي، (ت:277 هـ) فقد روى الفلكي (أبو الفضل علي بن الحسين بن أحمد الحافظ (ت: 428 هـ) في كتاب الألقاب له قال: قيل لمحمد إنك تلقب جراب الكذب؟ فقال: بل: أنا جوالق الكذب (1) فإن شئت فاسمع أو: دع) (2) . وكذبه أحمد بن عبد الرحمن الحافظ (ت: 411 هـ) وكذا محمد بن عبد الواحد الخزاعي قال عنه: كان يكذب.
وذكر ذهبي العصر الحافظ ابن حجر (3)
__________
(1) -الجوالق، بكسر اللام وفتحها: وعاء من الأوعية معروف معرب، والجمع جوالق، بفتح الجيم، وجواليق، قال الراجز:
يا حبذا ما في الجواليق السّودْ * من خَشْكِنَانٍ وسَوِيقٍ مَقْنُودْ
والجواليق يساوي زملين، والزمل، الحمل، وعليه فالجوالق أكبر من الجراب. (لسان العرب) (10/36)، و(6/306)، و(الشوارد في اللغة) (ص:280).
(2) -انظر: (الميزان) (4/406)، و(المغني في الضعفاء) (2/601)، و(لسان الميزان) (5/225)، و(نزهة الألباب في الألقاب) (2/162)، و(الأنساب) (13/53) وفيه: (فاسمع وإلا فامضِ).
(3) -قال (التأصيل لأصول التخريج وقواعد الجرح والتعديل) (1\26): (لقبه بذهبي العصر: الكتاني-رحمه الله-في "فِهرس الفهارس" (1\321).
وقال عنه تلميذه السخاوي-رحمهما الله-: "شرب ماء زمزم لنيل مرتبة-الذهبي-والكيل بمعيار فطنته". (الإعلان بالتوبيخ) (ص:472)، و(طبقات الحفاظ) (ص:518) للسيوطي، وفي (الجواهر والدرر) (1\106) ذكر تاريخ شربه لمّا حج عام 800 هـ أو: عام 805 هـ).(1/60)
أن بعض أهل الحديث عرضوا حديثاً كان قد رواه لهم، على شيخهم أبي علي بن عبد الرحيم فقال لهم: قولوا حدثنا جراب الكذب، في رواية: الكذب بحديث كذب (1) .
قال الخطيب البغدادي: حدثني أبو الوليد الحسن بن محمد الدرْبَندِي-حافظ صدوق ت: 456 هـ-قال: سمعت أبا نصر أحمد بن علي بن عبدوس الجصاص بالأهواز يقول: كنا نسمي ابن أبي علي الأصبهاني جراب الكذب.
وقولهم في الراوي: (فلان جراب الكذب)، أو: (جبل في الكذب)، من المرتبة العليا من مراتب الجرح عند ابن حجر والسخاوي والسيوطي والسندي، وهي ما دل منها على المبالغة.
قال شيخنا أبو غدة-رحمه الله-في هامش: (الرفع والتكميل في الجرح والتعديل) معلقاً على هذه المرتبة: (كقولهم: في بعض كبار الكذابين: "جبل في الكذب"، أو: "كذاب جبل"، ففي "الميزان" للذهبي، في ترجمة: عيسى بن مهران: رافضي كذاب جبل، وعلى هذا فلفظ: (جبل) يقال في أعلى التعديل، ويقال في أسوأ التجريح، ويفرق بينهما بالإضافة أو: الوصف، وكقولهم في الراوي المحترق بكثرة الكذب: (جراب الكذب).
ففي "الميزان"، في ترجمة: محمد بن الحسن الأهوازي: قال أحمد بن علي الجصاص: كنا نسميه: جراب الكذب، وفيه أيضاً، في ترجمة: محمد بن عبد الله الحارثي، عن أبي حاتم الرازي: كان يقال له: جراب الكذب.
__________
(1) -انظر: (تاريخ بغداد) (2/218/219)، و(الميزان) (3/516)، و(لسانه) (5/124/125). انتهى من كتاب: (شرح ألفاظ التجريح النادرة أو: قليلة الاستعمال) (1\44\46)، و(قناص الشوارد الغالية، وإبراز الفوائد والفرائد الحديثية) (ص:854\855\رقم:175).(1/61)
روى الفلكي في الألقاب له، قال: قيل لمحمد: إنك تلقب جراب الكذب! فقال: بل: أنا جوالق الكذب فإن شئت فاسمع أو: دع) (1) .
وإلى هذا أشرت بقولي:
عُدَّ للكِذْبِ جِراباً فاحْذَرُوه (2) * وتَحروا إخوتِي أن تَتْبَعُوهُ
7- المصطلح السابع قولهم في الراوي: (ما هذه العين المالحة):
هذا الأسلوب الكنائي استعمله الناقد حماد بن زيد الثقة الثبت الفقيه (ت: 179 هـ) في تجريح مهدي بن هلال أبي عبد الله البصري.
فقد روى مسلم بن الحجاج في (مقدمة صحيحه) عن عبيد الله بن عمر القواريري (ثقة ثبت توفي سنة: 235 هـ) أنه قال: سمعت حماد بن زيد يقول لرجل بعد ما جلس مهدي بن هلال بأيام: (ما هذه العين المالحة التي نبعت قبلكم؟ قال: نعم يا أبا إسماعيل) (3) .
__________
(1) -انظر: (الميزان) (4/406)، و(المغني في الضعفاء) (2/601)، و(لسان الميزان) (5/225)، و(نزهة الألباب في الألقاب) (2/162)، و(الأنساب) (13/53) وفيه: (فاسمع وإلا فامضِ). انتهى من هامش: (الرفع والتكميل) (ص:167)، و(معجم علوم الحديث النبوي) (ص:83\84\رقم:205).
(2) -قال الحافظ الذهبي في: (تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام) (4/485)، و(9/452/رقم:280-ترجمة: محمد بن الحسن بن أحمد المعروف بابن أبي علي، الأصبهاني): (قال أحمد بن علي الجصاص بالأهواز: كنا نسمي ابن أبي علي الأصبهاني: "جراب الكذب").
(3) -انظر: (مقدمة صحيح مسلم مع شرحه مكمِّل إكمال الإكمال) (1/35) للسنوسي (ت:895 هـ) قال السنوسي في شرحه: (كناية عن ضعفه وجرحه، ومهدي متفق على ضعفه ... ثم قال: قوله: نعم يا أبا إسماعيل، كأنه وافقه على جرحه)، و(صحيح مسلم بشرح النووي) (1\74).(1/62)
وهذا الوصف (بالعين المالحة) ينطبق على مهدي بن هلال، وهو تشبيه في محله، فعين الماء تحمد إذا تدفق منها الماء العذب وقد وصف الله سبحانه وتعالى بعض عيون الجنة كالسلسبيل، والنضاخة، والتسنيم، وأما إذا لم يكن ماؤها قراحاً معيناً حلواً ينفع الشرب والزرع فلا فائدة منها، وكذلك مهدي بن هلال لو كان حديثه كحديث الثقات لكان نافعاً ومفيداً لكنه لما عرف عنه الكذب ورواية الموضوعات، عن الأثبات، والمعضلات عن الثقات، خرج عن حد الاحتجاج به بحال (1) ، إضافة إلى ذلك فهو مبتدع يدعو لبدعته (2) .
وإلى هذا أشرت بقولي:
يا تُرى ما هذه العينُ المَلُوح؟! * الظَّما زادَ بِهَا هَذَا قَبيحُ
8- المصطلح الثامن قولهم في الراوي: (لأَنْ قطع الطريق أحب إليَّ من أن أروي عنه):
وهذا التعبير استعمله الإمام عبد الله بن المبارك في تجريح عبد القدوس بن حبيب الكلاعي، الشامي، الدمشقي بقي إلى ما بعد (170 هـ).
فقد روى العقيلي بسنده إلى سفيان بن عبد الملك أنه قال: "سمعت ابن المبارك يقول: لأَنْ أقطع الطريق أحب إليَّ من أن أروي عن عبد القدوس الشامي" (3) .
__________
(1) -انظر: (المجروحين) (3/30)، والنسخة التي عندي داخل زنزانتي الانفرادية هي: (2/369/رقم:1071) ولفظه هكذا: (كان ممن يروي الموضوعات عن الأثبات، والمعضلات عن الثقات، ...)، و(معجم علوم الحديث النبوي) (ص:157\158\رقم:437).
(2) -انظر: (معارج القبول) (2\503\504)، وما علقته على كتاب الصنعاني: (ثمرات النظر في علم الأثر) (ص:24\25).
(3) -انظر: (المجروحين) (2/131)، والنسخة التي عندي داخل زنزانتي من (المجروحين) (2/113/رقم:725)، و(الأنساب) (13/287)، و(الموضوعات) (1/232)، و(سير أعلام النبلاء) (8/122)، و(لسان الميزان) (4/46).(1/63)
وعقب أبو سعد السمعاني على ذلك بقوله: "قلت: إنما قال-رحمه الله-ذلك لأنه كان يضع الحديث على الثقات" (1) .
ثم استدل على ذلك بقول ابن حبان البستي: (وكان يضع الحديث على الثقات، لا يحل كتابة حديثه ولا الرواية عنه، فكان ابن المبارك يقول: لأن أقطع الطريق أحب إلى من أن أروي عن عبد القدوس الشامي....) (2) .
وقال الشيخ مصطفى بن إسماعيل في المرتبة الخامسة: من مراتب التجريح من كتابه النفيس: (شفاء العليل): (وقول أحدهم: " لأن أقطع الطريق أو: أزني، أو: أخر من السماء، أو: أشرب من بول حماري هذا حتى أروى، أو: ألقى في هذا البئر، أو: ألقى من فوق هذه المنارة أحب إلى من أن أقول: حدثنا فلان أو: أروي عن فلان":
انظر ترجمة: خالد العبد-رحمه الله تعالى-في "الجرح والتعديل" (3) ، وقد قال شعبة في الحسن بن عمارة-رحمه الله تعالى-: "ما أبالي حدثت عن الحسن بن عمارة بحديث، أو: زنيت زنية في الإسلام" (4) .
وهذا كله محمول على المبالغة والزجر عن رواية من قيلت فيه هذه العبارة، ليست صريحة في أن الراوي كذَب-أو: كذاب) (5) .
وقد أشرت إلى هذا بقولي:
__________
(1) -انظر: (الأنساب) (3/287)، و(المجروحين) (2/131). والنسخة التي عندي داخل السجن من (المجروحين) (2/113/رقم:725).
(2) -انظر: (شرح ألفاظ التجريح النادرة أو: قليلة الاستعمال) (1\52\53)، و(قناص الشوارد الغالية...) (ص:856\رقم:175).
(3) -انظر: (الجرح والتعديل) (3\364)، و(شفاء العليل بألفاظ وقواعد الجرح والتعديل) (1\251) تحت المرتبة الخامسة: من مراتب التجريح.
(4) -انظر: "المجروحين" (1\229)، و(شفاء العليل بألفاظ وقواعد الجرح والتعديل) (1\251) تحت المرتبة الخامسة: من مراتب التجريح.
(5) -انظر: (شفاء العليل بألفاظ وقواعد الجرح والتعديل) (1\251\252).(1/64)
ولأَنْ أقطَعَ مِنْهَاجاً طويلاً (1) * ليَ أَهْوَى أن أَرْوي عَنْهُ قِيلاً
9- المصطلح التاسع قولهم في الراوي: (ليس هو من عيالنا):
وأول من استعمل هذا التعبير أبو نعيم الفضل بن دُكَيْن الكوفي الثقة الثبت (219 هـ). حيث لين به كوثر بن حكيم بن أبان بن عبد الله بن العباس الحمداني الحلبي (أبو مخلد الكوفي الأصل) "سألت أحمد بن حنبل عن كوثر؟ فقال: ليس هو من عيالنا، قال: كان أبو نعيم إذا لم يرو عن إنسان قال: ليس هو من عيالنا، متروك الحديث" (2) .
وقال ابن حبان: (كان ممن يروي المناكير عن المشاهير، ويأتي عن الثقات ما ليس من حديث الأثبات) (3) .
وقال الشيخ مصطفى بن إسماعيل في المرتبة السادسة: من مراتب التجريح من كتابه النفيس: (شفاء العليل): (قول الإمام أحمد-رحمه الله-في أحد الرواة: "ليس هو من عيالنا"، جاء في "لسان الميزان" ترجمة: كوثر بن حكيم، عن عطاء ومكحول (4)
__________
(1) -انظر: (تاريخ الإسلام) (4/443/رقم:245). قال ابن المبارك: (لأن أقطع الطريق أحب إلي من أن أروي عنه).
(2) -انظر: (الكامل) (6/2096) لابن عدي، و(لسان الميزان) (4/491)، و(الجرح والتعديل) (3/ق2/176).
(3) -انظر: (المجروحين) (2/233/رقم:898).
(4) -فائدة:مراسيل عطاء والحسن لا يحتج بها، لأنهما كانا يأخذان عن كل أحد، وكذلك مراسيل أبي قلابة وأبي العالية. ولا يقبل تدليس الأعمش لأنه يحيل على غير ثقة. ويقبل تدليس ابن عيينة، لأنه إذا وقف أحال على ابن جريج ومعمر، ونظائرهما، وقال يحيى بن معين: كان هشيم والأعمش والوليد بن مسلم مدلسين.
وقال ابن عبد البر في (التمهيد)(1/30 /31): (والتدليس في أهل الكوفة كثير، ولم يكن بالكوفة أحد إلا وهو يدلس، إلا مِسعراً وشريكاً). انظر:(معرفة علوم الحديث) (ص:211/212)، قال علي بن المديني: (مرسلات يحيى بن أبي كثير شبه الريح، ومرسلات الحسن البصري التي رواها عنه الثقات، صحاح، ما أقل تدليسه).
قال أبو زرعة: كل شيء قال الحسن: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وجدت له أصلاً ثابتاً، ما خلا أربعة أحاديث!!. وقد تكلم غير واحد من السلف في مراسيل الحسن منهم: ابن سيرين، والإمام أحمد، وغيرهما.
انظر: (المنتخب من:العلل للخلال) (ص:153) لابن قدامة المقدسي، و(شرح علل الترمذي) لابن رجب (1/536/539)، و(الكامل) (1/228) لابن عدي، و(المعرفة والتاريخ) (2/32)، و(تهذيب الكمال) (2/114-وما بعدها)، و(تاريخ الإسلام-وفيات101/120-ص:48)، و(سير أعلام النبلاء) (4/563/588)، وحاشية (علل ابن المديني) (ص:91-تحقيق:حسام) انتهى من (ذاكرة سجين مكافح) (1\77) ومقدمة: (قناص الشوارد الغالية...) (ص:8).
فائد: (في ذكر من عرف بالتدليس وكان له شيوخ لا يدلس عنهم، فحديثه عنهم متصل).
قال شيخنا المحدث محمد الأثيوبي في (ألفية علل الحديث-المسماة: شافية الغُلل بمهمات علم العلل) (ص:121) القاعدة الرابعة:
بعضُ المدلِّسين ما كان حصلْ * تدليسه عن بعضِ مَن عنه حمَلْ
فإنْ روى عنهمْ يكُنْ مُتَّصِلاَ * مثلُ هُشَيمٍ عن حُصَينٍ فاقبَلاَ
كذلك الثوريُّ ما دلَّسَ عن * حبيبٍ أو: نجْلِ كُهَيْلٍ فاعلمَنْ
ولا عن المنصور ما أقلَّ ما * دلَّسَ قالَ ذا البخاريُّ اعْلَمَا
"هشيم": هو ابن بشير، و"حصين": هو ابن عبد الرحمن، و"حبيب": هو ابن أبي ثابت، و"نجل كُهيل": هو سلمة، و"منصور": هو ابن المعتمر. انتهى من (مزيل الخلل عن أبيات شافية الغُلل) (ص:121).(1/65)
-وهو كوفي نزل حلب-قال أبو طالب: سألت أحمد بن حنبل عن كوثر؟ فقال: "هو ليس من عيالنا"، قال: "وكان أحمد إذا لم يرو عن رجل قال: ليس هو من عيالنا متروك الحديث" (1) .
ووقع في "الكامل" قال أبو طالب: "سألت أحمد بن حنبل عن كوثر؟ فقال: ليس هو من عيالنا، قال: كان أبو نعيم إذا لم يرو عن إنسان قال: ليس من عيالنا، متروك الحديث" (2) .
والأظهر ما في "لسان الميزان" وكوثر هذا قد قال فيه أحمد: "ليس يسوى شيئاً أحاديثه بواطيل"، وقال البخاري: "كان أحمد لا يرى الكتابة عنه"، وكثير من النقاد كلامهم فيه شديد الجرح (3) ، وأبو طالب تلميذ للإمام أحمد وهو أعلم بقصد شيخه-رحمهما الله) (4) .
المعنى اللغوي:
قال ابن منظور: وعيال الرجل وعيَّله: الذين يتكفل بهم ويعولهم ويقال: عنده كذا وكذا عيّلاً أي: كذا وكذا نفساً من العيال، وواحد العيال عَيِّلٌ، ويجمع على عيائل (5) .
وإلى هذا أشرت بقولي:
لَيْسَ يَدْخُلْ قَطُّ في حُكْمِ عِيَالِ * ذَا لَنَا كَيْفَ يُعَدَّنْ مِنْ رِجالِ؟!
10- المصطلح العاشر قولهم في الراوي: (لا يخفى حاله على العميان).
ومن ألفاط التجريح الشديد قولهم: (لا يخفى حاله على العميان). هذا التعبير استعمله الحافظ الذهبي في تجريح إسحاق بن بشر أبي حذيفة البخاري (ت:206 هـ).
__________
(1) -انظر: (لسان الميزان) (4/491).
(2) -انظر: (الكامل) (6/2096) لابن عدي.
(3) -انظر: (الكامل) (6/2086) لابن عدي.
(4) -انظر: (شفاء العليل بألفاظ وقواعد الجرح والتعديل) (1\304).
(5) -انظر: (لسان العرب) (11/488-مادة: عيل)، و(شرح ألفاظ التجريح النادرة أو: قليلة الاستعمال) (1\52\53)، و(قناص الشوارد الغالية...) (ص:856\رقم:175).(1/66)
قال الحافظ الذهبي: (تفرد الدارابجْردي بتوثيق أبي حذيفة، فلم يلتفت إليه أحد، لأن أبا حذيفة بيّن الأمر لا يخفى حاله على العميان) (1) .
وإسحاق بن بشر لشدة ضعفه ووضوح أمره في الكذب وسقوط حديثه بحيث لا يحتاج مَن الحديثُ بضاعتُه أن يبحث في الحكم عليه لذلك جرحه الحافظ الذهبي بهذا الأسلوب وقال عنه: (مجمع على تركه، وقد اتهم بالكذب).
بل: صرح بعض المحدثين بأنه وضاع يضع الحديث وينسبه للنبي-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- (2) .
قال الإمام ابن حبان-رحمه الله تعالى-: (كان يضع الحديث على الثقات، ويأتي بما لا أصل له عن الأثبات، لا يحل كتْب حديثه إلا على جهة التعجب فقط) (3) .
قال عنه ابن المديني، وابن أبي شيبة، والدارقطني-رحمهم الله تعالى-: كذاب، وزاد الدارقطني: متروك... وقال ابن الجوزي-رحمه الله تعالى، ونفعنا بعلمه-: (أجمعوا على أنه كذاب) (4) .
وإلى هذا أشرت بقولي:
__________
(1) -انظر: (الميزان) (1/185)، و(لسانه) (1/354)، و(شرح ألفاظ التجريح النادرة أو: قليلة الاستعمال) (2/56).
(2) -قال ابن حبان في (المجروحين) (1/146/رقم:60): (كان يضع الحديث على الثقات، ويأتي بما لا أصل له عن الأثبات، مثل مالك وغيره، روى عنه البغداديون وأهل خراسان، لا يحل كتابة حديثه إلا على جهة التعجب فقط).
انظر: (الجرح والتعديل) (2/214)، و(الضعفاء الكبير) للعقيلي (1/98/100)، و(1/342) لابن عدي، و(90) للنسائي، و(308) لابن الجوزي، و(لسان الميزان) (1/542/545).كما في هامش: (المجروحين) (1/135).
(3) -انظر: (المجروحين) (1/135)، و(الميزان) (1/184)، و(لسانه) (1/354)، و(المغني في الضعفاء) (1/69).
(4) -انظر: (الكامل) (1/331)، و(الضعفاء والمتروكون) للدارقطني (ص:142)، و(تهذيب تاريخ دمشق) (2/434/435)، و(الوافي بالوفيات) (8/406)، و(شرح ألفاظ التجريح النادرة أو: قليلة الاستعمال) (1/56)، و(قناص الشوارد الغالية...) (ص:788\789\رقم:150).(1/67)
حَالُهُ لم يَخفَ عن عُمْي ألاَ اعْجَبْ * كُلُّ مَبْني لَهُ هُوَ مُعْرَبْ
11- المصطلح الحادي عشر قولهم في الراوي: (ما كان يدري أي رجليه أطول):
وقد سألتني أم الفضل-حفظها الله-قائلة: (شيخنا الفاضل ما معنى قول بعض المحدثين في الراوي: (ما كان يدري أي رجليه أطول)؟
فأجبتها-آنذاك-قائلاً: هذا التعبير-أم الفضل-استعمله الحافظ محمد بن بشار بن عثمان العبدي الثقة (ت: 252 هـ)-رحمه الله تعالى-. حيث ليّن به الإمام الحافظ عبد الأعلى بن عبد الأعلى القرشي (ت: 189 هـ).
فقد نقل عنه الحافظ الذهبي-رحمه الله تعالى-هذا التعبير قائلاً: (والله ما كان يدري أي رجليه أطول) (1) .
والحافظ الكبير بندار-محمد بن بشار- (2) -رحمه الله تعالى-قد استعار تعبيره هذا من أمثال العرب.
قال أبو عبيد: ومن أمثالهم في هذا: (ما يدري أي طرفيْه أطول)، ومعناه: (لا يدري أنسب أبيه أفضل أم نسب أمه).
__________
(1) - انظر: (ميزان الاعتدال) (2/531)، وفي (سير أعلام النبلاء) (9/243)، قال بندار: (والله ما كان عبد الأعلى بن عبد الأعلى يدري أي طرفيه أطول أو: أي رجليه أطول)
وفي (الضعفاء) للعقيلي (3/59) قال: (والله ما كان يدري عبد الأعلى بن عبد الأعلى أن طرفيه أطول أو: أي رجليه أطول). وقال المحقق في الحاشية (104) بعد أن نقل عبارة (الميزان): وظاهره أن كلتا العبارتين لا تحمل جرحاً حديثياً موضوعياً؟! وفي أصل الكتاب المخطوط واضحة (أي). كما في: (شرح ألفاظ التجريح النادرة، أو: قليلة الاستعمال) (2/57) وما بعدها.
(2) -وبندار: هو محمد بن بشار، شيخ الجماعة، لأنه كان بُندار الحديثَ. أي: مكثراً منه، والبندار: المكثر من الشيء يشتريه ثم يبيعه. قاله السمعاني. انظر: (ألقاب ابن الفَرَضي) (23)، و(نزهة الألباب) (449)، و(الأنساب) (2\311)، و(البداية والنهاية) (11\11)، و(الإكمال) (1\356)، و(تاريخ بغداد) (2\101)، و(الباعث الحثيث) (2\613).(1/68)
وقال البكر في شرح كتاب (الأمثال): هذا الذي ذكره أبو عبيد هو قول الفراء وأنشد:
وكيف بأطْرافي إذا ما شتمْتَنِي * وما بعد شتمِ الوالديْن صلوح
وقال ابن الأعرابي: طرفاه: ذَكره ولسانه، وقال بعض الشعراء: يجعل مكان الطرفين الرجلين:
أتيتُكَ مُرتاداً من العِلْم بُلْغَةً * لمن ليس يدري أيُّ رِجليْه أطولُ
يَظُن بأن الخَملَ في القَطفِ ثابت * وأن الذي في داخل التين خردلُ (1)
ومن المعنى السابق يتضح لنا أن محمد بن بشار أراد التقليل من شأن عبد الأعلى وعدم معرفته، وأنه ليس بذاك الثقة الثبت، ولقد خالفه في ذلك الأئمة النقاد فوثقه:
1-ابن معين،
2-وأبو زرعة،
3-والعجلي،
4-وابن خلفون،
5- وابن حبان (2) .
وتوسط في أمره أبو حاتم الرازي فقال: "صالح الحديث" (3) .
- استطراد مناسب: سألتني أم الفضل قائلة: (كثيراً ما نجد الحافظ ابن حجر-وابن عدي- وأبا حاتم الرازي-كما هنا-يقولون في الراوي: (أرجو أنه لا بأس به)، أو: (صويلح الحديث)، هل هذا يعتبر منهما توثيقاً للراوي أم ماذا؟).
فأجبتها قائلاً: هاتان الكلمتان: (أرجو أنه لا بأس به)، و(صويلح الحديث): للتوثيق مما يكتب حديث صاحبها للاعتبار فقط، وليس للاحتجاج.
قال السيوطي في (تدريب الراوي): (الرابعة وهي سادسة بحسب ما ذكرنا (صالح) فإنه يكتب حديثه للاعتبار).
وزاد الحافظ العراقي-رحمه الله-فيها: (صدوق إن شاء الله تعالى، أو: أرجو أنه لا بأس به، صويلح).
__________
(1) -انظر: (فصل المقال في شرح كتاب الأمثال) (ص:516)، و(جمهرة الأمثال) للعسكري (2/194).
(2) -انظر: (التاريخ) لابن معين (رقم:339)، و(الجرح والتعديل) (3/ق1/28)، و(تهذيب التهذيب) (6/96)، و(تذكرة الحفاظ) (1/296)، و(شرح ألفاظ التجريح النادرة أو: قليلة الاستعمال) (1/58).
(3) -انظر: (الميزان) (1/185)، و(لسانه) (1/354)، و(شرح ألفاظ التجريح النادرة أو: قليلة الاستعمال) (1/56).(1/69)
وبالجملة فمن قيل فيه (صويلح)، أو: (لا بأس به)، يكون حديثه في عداد من ينجبر ضعفه بالمتابعة وتعدد الطرق (1) .
__________
(1) -(تنبيه): يرى الشيخ الألباني-ورأيه صحيح-أن تقوية الحديث بكثرة الطرق ليس على إطلاقه. فقد قال في (تمام المنة) (ص:31): (من المشهور عند أهل العلم أن الحديث إذا جاء من طرق متعددة فإنه يتقوى بها، ويصير حجة، وإن كان كل طريق منها على انفراده ضعيفاً، ولكن هذا ليس على إطلاقه، بل: هو مقيد عند المحققين منهم بما إذا كان ضعف رواته في مختلف طرقه ناشئاً من سوء حفظهم، لا من تهمة في صدقهم أو: دينهم، وإلا فإنه لا يتقوى مهما كثرت طرقه، وهذا ما نقله المحقق المناوي في (فيض القدير) عن العلماء، قالوا: (وإذا قوي الضعف لا ينجبر بوروده من وجه آخر، وإن كثرت طرقه، ومن ثم اتفقوا على ضعف حديث: (من حفظ على أمتي أربعين حديثاً) مع كثرة طرقه، لقوة ضعفه، وقصورها عن الجبر، خلاف ما خفَّ ضعفه، ولم يقصر الجابر عن جبره، فإنه ينجبر ويعتضد).
وراجع لهذا (قواعد التحديث) (ص:90)، و(شرح النخبة) (ص:25). وعلى هذا فلا بد لمن يريد أن يقوي الحديث بكثرة طرقه، أن يقف على رجال كل طريق منها حتى يتبين له مبلغ الضعف فيها، ومن المؤسف أن القليل جداً من العلماء من يفعل ذلك، ولا سيما المتأخرين منهم، فإنهم يذهبون إلى تقوية الحديث بمجرد نقلهم عن غيرهم أن له طرقاً دون أن يقفوا عليها، ويعرفوا ماهيّة ضعفها! والأمثلة على ذلك كثيرة، من ابتغاها وجدها في كتب التخريج).
وقال أيضاً في (الصحيحة) (1/20): (فهذا كله يدل على أن مجرد كون الراوي ضعيفاً لا يعني عند العلماء أنه لا يستشهد به).
وقال في (الضعيفة) (5/133) أيضاً: (وهو مثال صالح من الأمثلة الكثيرة التي تؤكد أن قاعدة تقوية الحديث بكثرة الطرق ليست على إطلاقها، وأن تطبيقها لا يتيسر أو: لا يجوز إلا لمن كان على معرفة قوية بأسانيد الأحاديث ورواتها).
قال العلامة أحمد شاكر: (الضعيف لا حجة فيه وإن اعتضد بمائة ضعيف مثله، إلا ما كان ضعفه من قبل حفظ الراوي، فهذا يقويه ما يتابعه فيه غيره ممن هو مثله أو: أقوى منه).
انظر: (الصحيحة) (1/1/81/93/1/2/ 903/ 906). انتهى من (ذاكرة سجين مكافح) (1\78)، و(قناص الشوارد الغالية...) (ص:107\رقم:8)(1/70)
شريطة أن يكون المتابع صالحاً للمتابعة.
فإذا كان المتابع ممن قيل فيه: متروك الحديث، أو: واهيه، أو: كذاب، فهو ساقط، لا يكتب حديثه ولا يعتبر ولا يستشهد به كما قال السيوطي والعراقي وغيرهما (1) .
فمن قيل فيه تلك الألفاظ يكتب حديثه للاعتبار والاستشهاد لا للاحتجاج، ومنها ما يكتب حديثه وينظر فيه. وطريق النظر أن يقابل حديثه بحديث الضابطين فإن كان أكثره موافقاً فهو ضابط يحتج بحديثه ولا تضره مخالفته النادرة، وإن كانت المخالفة أكثر والموافقة نادرة ففي ضبطه خلل لا يحتج به (2) .
و(قول المحدثين: (صالح الحديث) هكذا يقولون دائماً في مقام التعديل والترجيح للراوي: (صالح الحديث)، بإضافة (الحديث) إلى (صالح)، أما إذا قالوا فيه: (صالح)، أو: (شيخ صالح)، بدون إضافة (الحديث) إليه فإنما يعنون به الصَّلاحيةَ في دينه، جرياً على عادتهم في إطلاق الصلاحية، حيث يريدون بها الدّيانة، أما حيث أُريد الصلاحية في الحديث فيقيدونها) (3) .
ويقولون في الإخبار عن الراوي إذا كان (صالح الحديث): صَلَّحَهُ فلانٌ، كما يقولون في الإخبار عن الراوي الضعيف: مَرَّضَهُ فلان.
وهو تعبير اصطلاحي حادث، لم يأت في لغة العرب بهذا المعنى.
__________
(1) -انظر: (صيانة الإنسان عن وسوسة الشيخ دحلان) (ص:57) للعلامة محمد بشير السهسواني الهندي.
(2) -انظر: (السلسلة الصحيحة) (7/القسم الأول ص:240 رقم:3090)، و(7/322/ رقم:3120 /3139/ص:382) وما بعدها، و(الرفع والتكميل) (ص:131/135/139/ وغيرها)، قال السهسواني: (...فإن هذا وشبهه يدل على عدم الضعف المطلق).
(3) -انتهى من (فتح المغيث) للسخاوي في (بحث المنكر) (ص:84).(1/71)
ومن شواهد هذا الاستعمال في كلامهم: قول الإمام شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي-رحمه الله تعالى-في (الميزان) (1) : (حماد بن الجَعْد، ويقال: ابن أبي الجعد، قال ابن معين: ليس بشيء، وقال النسائي: ضعيف. وقال أبو زرعة: لَيِّنٌ، وصَلّحَهُ أبو حاتم).
وفيه أيضاً (2) : (حماد بن نجيح، وثقه أحمد، وابن معين، وذكره ابن عدي في (الكامل)، وصلَّحَه وقوَّاه).
وفي (ميزان الاعتدال) (3) أيضاً للحافظ الذهبي: (حماد بن قيراط النيسابوري، كان أبو زرعة يُمَرِّضُ القول فيه.
وقال الإمام ابن حبان-رحمه الله تعالى-: (لا تجوز الرواية عنه)، وفي (تهذيب التهذيب) (4) في ترجمة: (ثابت بن عجلان): (قال عبد الله بن أحمد-رحمهما الله تعالى-: سألت أبي عنه فقلت: هو ثقة؟ فسكت، كأنه مرَّض في أمره) (5) .
قال الإمام المجدد النفَّاعة العَلم المحدث محمد ناصر الدين الألباني-رحمه الله تعالى ونفعنا بعلمه-في (السلسلة الضعيفة) (3\112):
(ثم إن قول ابن عدي: "أرجو أنه لا بأس به" (6) .
__________
(1) -انظر: (1/589)..
(2) -انظر: (1/600).
(3) -انظر: (1/599).
(4) -انظر: (2/10).
(5) -انتهى مستفاداً من حاشية شيخنا أبي غدة لكتاب: (الرفع والتكميل في الجرح والتعديل) (ص:138)، و(قناص الشوارد الغالية...) (ص:184\186\رقم:61).
(6) -قال الحافظ الذهبي في: (الميزان) (2\29)، و(كتاب السلسبيل في شرح ألفاظ وعبارات الجرح والتعديل) (ص:27\28\رقم:8) تحت مدلول قول ابن عدي في الراوي: (لا بأس بحديثه): (ديلم بن غزوان البصري، ذكره ابن عدي في "الكامل" (3\104\105)، وقوى أمره، وقال: "لا بأس بحديثه".
قال المعلق خليل بن محمد: لم أجد في ترجمة ديلم بن غزوان من المطبوع من "الكامل" هذا القول الذي نسبه إليه الإمام الذهبي-رحمه الله تعالى-، فلعله يكون من السقط الكثير الحادث في النسخة المطبوعة والوحيدة المتداولة وهي طبعة سقيمة للغاية.
وعلى كلٍّ: فيستفاد من كلمة ابن عدي في الراوي: "لا بأس بحديثه" أنه تقوية لحاله، على ما ذكره االإمام الذهبي ها هنا.
ولكن العلامة المعلمي-رحمه الله-يوجه هذه المقالة-وما شابهها-الصادرة من ابن عدي توجيهاً مختلفاً تمام الاختلاف عما ذكره الإمام الذهبي ها هنا، فقال في تعليقه على (الفوائد المجموعة) للإمام الشوكاني (ص:51) على كلمة ابن عدي: "أرجو أنه لا بأس به" في ترجمة: يوسف بن محمد بن المنكدر من (كامله) (7\156) فقال المعلمي اليماني: "هذه الكلمة رأيت ابن عدي يطلقها في مواضع تقتضي أن يكون مقصوده: "أرجو أنه لا يتعمد الكذب" وهذا منها، لأنه قالها بعد أن ساق أحاديث يوسف، وعامتها لم يتابع عليها".
ولا يخفى مدى الفرق الشاسع بين تفسيري الناقدين:
1-الحافظ الذهبي،
2-والمحدث اليماني-رحمهما الله تعالى-،
فتفسير الذهبي يقتضي أن حال الراوي يصلح للاعتبار. وأما تفسير اليماني فيقتضي أن هذا الراوي واهٍ جداً غير أنه لا يكذب.
ومهما يكن من أمر، فمن الواضح جداً أن أقوال ابن عدي في الرواة: "أرجو أنه لا بأس به"، أو: "أرجو أنه لا بأس به وبحديثه" وغيرهما في حاجة ماسة إلى استقصائها، وبيان مدى مدلولاتها، فلعل الله-تعالى-يسخر لنا من يَتجَشَّم لهذا الأمر، والله الموفق).(1/72)
-قال جامعه: أما ابن معين: (فلا بأس به، عنده تعني: ثقة بالدرجة الثانية، وليس بالدرجة الأولى)-.
ليس نصاً في التوثيق، ولئن سلم فهو أدنى درجة في مراتب التعديل، أو: أوّل مرتبة من مراتب التجريح، مثل قولهم: "ما أعلم به بأساً" كما في "التدريب" (234)...)-
فبصرف النظر عن أقوال الموثقين له فإن محمد بن بشار-رحمه الله تعالى-أراد بهذا التعبير تضعيف الراوي.
وإلى ذلك أشرت بقولي:
لا يَمِيزُ أيَّ رجْليهِ هِيَ أطْوَلْ * فَتَرَاهُ لأمور الدّينِ أجْهَلْ
12- المصطلح الثاني عشر قولهم في الراوي: (ارم به):
وهذا التعبير استعمله الإمام الناقد عبد الله بن المبارك في تجريح بعض الرواة، ومن الذين جرحهم ابن المبارك بقوله هذا: أيوب ابن سويد الرملي السَّيباني (ت: 193 هـ أو: 202 هـ).
فقد روى العقيلي بسنده إلى سفيان بن عبد الملك (من كبار أصحاب ابن المبارك ثقة ت: 200 هـ) أنه قال: (سمعت ابن المبارك يقول: أيوب بن سويد ارم به) (1) .
وهو تعبير يدل على تضعيف ذلك الراوي المنعوت به، ويدل عليه فعل ابن المبارك نفسه حيث ترك حديثه ولم يروه، صرح بذلك الإمام الترمذي فيما رواه ابن عدي وغيره من طريقه) (2) .
وعد الحافظ العراقي (3) -رحمه الله تعالى-كلمة: (ارم به) في المرتبة الثالثة من مراتب التجريح (4) .
__________
(1) -انظر: (الضعفاء الكبير) (1/113) للعقيلي، و(ميزان الاعتدال) (1/287)، و(تهذيب التهذيب) (1/406).
(2) -انظر: (الكامل) (1/352)، و(تهذيب الكمال) (3/467)، و(تهذيبه) (1/405)، و(المغني) (1/96) للذهبي.
(3) -فائدة: (من عجائب الاتفاق أن شيوخ ابن حجر الثلاثة:
1-ابن الملقن،
2-والبلقين،
3-والعراقي-رحمهم الله-
وُلد كل واحد منهم قبل الآخَر بعام، وتوفي بعده بعام، وكان أولهم: ابن الملقن، ولد سنة 723 هـ وتوفي سنة 804 هـ-رحمه الله تعالى-) انتهى من هامش: (التأصيل لأصول التخريج وقواعد الجرح والتعديل) (1\17).
(4) -انظر: (التقييد والإيضاح) (ص:163).(1/73)
وكذا تابعه الحافظ السخاوي (1) -رحمه الله تعالى-.
أما الحافظ ابن حجر (2) -رحمه الله تعالى-فعد حديثه من الضعيف، لأنه قال عنه:
"صدوق يخطيء" (3) . وهي المرتبة الخامسة عنده (4) .
وكذلك جرح ابن المبارك-رحمه الله تعالى-بهذا التعبير: يزيد بن أبي زياد القرشي الهاشمي مولاهم الكوفي (ت: 136 هـ).
فقد روى العقيلي بسنده إلى سفيان بن عبد الملك أنه قال: (سمعت ابن المبارك يقول: يزيد بن أبي زياد: ارم به) (5) ...
__________
(1) -انظر: (فتح المغيث) (1/373).
(2) -وفي لقبه: (ابن حجر) قال بعض الظرفاء: "رجح نبأ ابن حجر" فتقرأ طرداً وعكساً، كقول الله تعالى: (كل في فلك)، وقوله تعالى: (وربك فكبر).
ومن أجل كتبه: (الإصابة) جلس في تأليفه أربعين عاماً، ومات قبل عمل "المبهمات". قال تلميذه السخاوي-رحمه الله تعالى-: (وأرجو عملها-فتح المغيث:3\85). ولم أعلمه عملها...). انتهى من هامش: (التأصيل لأصول التخريج وقواعد الجرح والتعديل) (1\26).
قال أبو الفضل عمر الحدوشي في (ذاكرة سجين مكافح) (3\78): (وقال السخاوي في (الإعلان بالتوبيخ لمن ذم التاريخ) (ص:114): وكتاب شيخنا المسمى بـ(الإصابة) جامع لما تفرق منها مع تحقيق، ولكنه لم يكمل).
(3) -انظر: (تقريب التهذيب) (1/90).
(4) -انظر: (تقريب التهذيب) (1/4).
(5) -ومن ذلك قولهم: (فلان نبذوا حديثه): (والنبذ: طرحك الشيء من يدك أو: وراءك، نبذت الشيء نبذاً: إذا ألقيته من يدك، ونبّذته: للكثرة، ونبذت الشيء أيضاً: إذا رميته وأبعدته... ونبذ الكتاب وراء ظهره: ألقاه. وفي التنزيل: (فنبذوه وراء ظهورهم)...
والمنبوذ: ولد الزنا لأنه يُنبذ على الطريق-كما في: "لسان العرب" (3\511)، واللفظ قاله الجوزجاني في جعفر بن الزبير الحنفي-كما في: "أحوال الرجال" (ص:111)-والنسخة التي عندي داجل زنزانتي الانفرادية (ص:110\رقم:177: نبذوا حديثه)-والرجل قد كذبه شعبة وصرح بتركه غير شعبة-كما في: "تهذيب التهذيب" "2\91"). انظر: (شفاء العليل) (1\224) تحت المرتبة الخامسة: من مراتب التجريح.(1/74)
واستعمله في تجريح: مقاتل بن سليمان بن بشير الخراساني، أبي الحسن البلخي، (ت: 150 هـ). وأبي شيبة عبد الرحمن ابن إسحاق بن الحارث الواسطي من السابعة.
فقد روى العقيلي-رحمه الله تعالى-بسنده إلى سفيان بن عبد الملك-ثقة من كبار أصحاب ابن المبارك (ت: 200 هـ)- أنه قال: سمعت ابن المبارك وسئل عن مقاتل بن سليمان وأبي شيبة الواسطي؟.
فقال: ارم بهما، ومقاتل بن سليمان ما أحسن تفسيره لو كان ثقة) (1) .
وإلى هذا أشرت بقولي:
فانتَبِهْ! وارْمِ بِه ثَمَّ بَعِيدَا * ولِمِثلِهِ حاذِرْ ألاَّ تَعُودَا
13- المصطلح الثالث عشر قولهم في الراوي: (ما أحوجه أن تُضرَب عنقه):
وهذا التعبير استعمله سفيان بن عيينة الإمام الحافظ (ت: 198 هـ)-رحمه الله تعالى- في تجريح: معلى بن هلال بن سويد الحضرمي الطحان الكوفي (روى عن الإمام الأعمش-رحمه الله تعالى-المتوفى سنة: 148 هـ).
روى العقيلي-رحمه الله تعالى- بسنده إلى ابن عيينة-رحمه الله تعالى- أنه قال: إن كان المعلى بن هلال-رحمه الله تعالى- يحدث عن ابن أبي نجيح-عبد الله بن يسار-رحمه الله تعالى-: (الذي رأينا ما أحوجه أن تُضْرَب عنقه) (2) .
__________
(1) -انظر: (الضعفاء الكبير) للعقيلي (4/240)، و(تاريخ بغداد) (13/164)، و(تهذيب الكمال) (3/1367)، و(تهذيبه) (10/280)، انتهى من كتاب (شرح ألفاظ التجريح النادرة أو: قليلة الاستعمال) (1\59\65)، و(قناص الشوارد الغالية...) (ص:207\290\857\858\ رقم:175).
(2) -انظر: (الضعفاء الكبير) (4/215) للعقيلي، و(الجرح والتعديل) (4/ق1/331)، و(الكامل) (6/2369)، و(الميزان) (4/152)، و(تهذيب التهذيب) (10/241)، انتهى من كتاب (شرح ألفاظ التجريح النادرة أو: قليلة الاستعمال) (1\59\65)، و(قناص الشوارد الغالية...) (ص:857\858\رقم:175).(1/75)
ومما قرأته داخل زنزانتي الانفرادية بالسجن المحلي بتطوان في (لسان الميزان)، للحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني المتوفى سنة: (852 هـ) في ترجمة: إبراهيم بن العلاء أبو هارون الغَنَوي (1) قول أمير المؤمنين في الحديث (2) : (شعبة: لأن أقدم فتضرب عنقي أحب من أقول: حدثنا أبو هارون الغنوي) (3) .
وإلى هذا أشرت بقولي:
ولضرب العُنْقِ مِنْهُ هُوَ أحْوَجْ * مَا لَهُ من ذا الخيار أيُّ مَخْرَجْ
14- المصطلح الرابع عشر قولهم في الراوي: (يستأهل أن يُحفر له بئر فيلقى فيها):
وهذا التعبير استعمله الإمام الناقد يحيى بن معين-رحمه الله تعالى- في تجريح: زكرياء بن يحيى بن حوثرة الكسائي الكوفي.
فقد روى العقيلي عن عبد الله بن أحمد-رحمهما الله تعال- أنه سأل عنه يحيى بن معين-رحمه الله تعالى-فقال: "رجل سوء" يحدث بأحاديث سوء، قلت ليحيى-القائل عبد الله-إنه قال لي: إنك كتبت عنه!
__________
(1) - الغنوي: هذه النسبة إلى غني بن أعصر، وقيل: يعصر، كما في (اللباب) (2\392)، و(الأنساب) (4\315)، و(لب اللباب) (2\137)، وهامش: (لسان الميزان) (1\182\رقم:232).
(2) - قال أبو الحسن المصري في (شفائه) (1\75\76): (... ومن ذلك قول يحيى بن يمان: "كان الثوري أمير المؤمنين في الحديث، وكان ابن عيينة صاحب شرطته". أي: أنه يرفع الثوري على ابن عيينة كارتفاع الأمير على صاحب الشرطة، وأن ابن عيينة يسمع ويطيع له والله أعلم). انظر: (الكامل) (1\93). وسيأتي تفصيل الكلام على هذا اللقب قريباً في رسالتي: (دليل الفلاح) (ص:546).
(3) - انظر: (لسان الميزان) (1\182\رقم:232)، و(المغني) (1\20)، و(الضعفاء) (1\42)، و(الجرح والتعديل) (2\120).(1/76)
فحوَّل يحيى وجهه إلى القبلة وحلف بالله مجتهداً أنه لا يعرفه، ولا أتاه، ولا كتب عنه إلا أن يكون رآه في طريق، وهو لا يعرفه ثم قال يحيى-رحمه الله تعالى-: (يستأهل أن يحفر له بئر فيلقى فيها) (1) .
وهذا يوافق قول النقاد فيه فقد قال عنه النسائي-رحمه الله تعالى-، والدارقطني-رحمه الله تعالى-: (متروك) (2) .
وقال الحافظ مؤرخ الإسلام شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي-رحمه الله تعالى: (رافضي هالك) (3) .
وإلى هذا أشرت بقولي:
يَسْتَهِلْ أَنْ يُحْفَرَنْ بِئْرٌ عَمِيقٌ * لَهْ فَيُلْقَى طيَّهَا هذا يليقُ
15- المصطلح الخامس عشر قولهم في الراوي: (ليس ينشرح له الصدر):
وهذا التعبير استعمله الإمام أحمد بن حنبل-رحمه الله تعالى-في توهين إسماعيل بن زكرياء بن مرة الخُلقاني الكوفي (توفي: 194 هـ).
__________
(1) -انظر: (الضعفاء الكبير) (2/86) للعقيلي، و(الكامل) (3/1070) وتصحفت فيه كلمة: (يحفر) إلى: (يحضر) و(الميزان) (2/75)، و(لسانه) (2/483)، و(تنزيه الشريعة) (1/61).
(2) -انظر: (الميزان) (2/76)، و(لسانه) (2/484).
(3) -انظر: (المغني في الضعفاء) (1/230).(1/77)
فقد نقل العقيلي-رحمه الله تعالى-عن الإمام عبد الملك بن عبد الحميد الميموني-ثقة فاضل توفي: 274 هـ-رحمه الله تعالى-أنه قال: قلت لأبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل-رحمه الله تعالى-: إسماعيل بن زكرياء كيف هو؟ فقال لي: أما الأحاديث (1) المشهورة التي يرويها فهو فيها مقارب الحديث (2) ،
__________
(1) -يقول صادق الرافعي في (وحي القلم) عن الأحاديث النبوية المشرفة: (إنه كلام كلما زدته فكراً زادك معنى). انظر: (موسوعة: الإعجاز العلمي في الحديث النبوي) (1\8) للدكتور أحمد شوقي إبراهيم.
(2) -قال الحافظ السخاوي: هو من القرب ضد البعد، وهو-مقارِب-بكسر الراء، ومعناه: أن حديثه مقارب لحديث غيره من الثقات، وبفتح الراء أيضاً أي: حديثه يقاربه حديث غيره فهو بالكسر والفتح. ومعناه واحد: وهو أن حديثه وسَطٌ لا ينتهي إلى درجة السقوط، ولا الجلالة، وهو نوع مدح، وقال ابن رشيد: أي: ليس حديثه بشاذ ولا منكر.
انظر: (فتح المغيث بشرح ألفية الحديث) (1/366/367)، و(شرح ألفية العراقي) (2/5) وهي من ألفاظ المرتبة السادسة حسب ترتيب السخاوي (1/366/367).
وقد قلت في (قناص الشوارد الغالية...) (ص:593\594\رقم:96): (وهذا اللفظ (مقارب الحديث) عند البخاري الأغلب أنه من ألفاظ التعديل إلا أنه دون الثقة المتيقظ. فقد قال في عبد الله بن محمد بن عقيل: (مقارب الحديث) وصحح له حديثاً يعتبر أصلاً من الأصول في إثبات الصوت لله عز وجل، وهو حديث جابر بن عبد الله، عن عبد الله بن عباس-رضي الله عنهما-).
قال الألباني-رحمه الله تعالى-في (الإرواء) (2/10): (فائدة: قال عبد الحق الإشبيلي-رحمه الله تعالى-في كتاب (التهجد) (ق 65/1) في قول البخاري-رحمه الله تعالى-في أبي ظلال: مقارب الحديث: (يريد أن حديثه يقرب من حديث الثقات. أي: لا بأس به). انظر: (التنكيل)، و(2/786) و(تهذيب التهذيب) (1/421).
ومعنى قولهم في الراوي: (قريب الإسناد)معناه: قريب من الصواب والصحة.
وقد يأتي هذا اللفظ على معنى آخر كما جاء في (الأنساب)(2/280) أو: في (1/396-دار الكتب العلمية): (...وكان أبو إسحاق الطالقاني-رحمه الله تعالى-يقول:سألت عبد الله بن المبارك-رحمه الله تعالى-عن أبي سعيد البقال-رحمه الله تعالى-، فقال: كان قريب الإسناد. قال أبو حاتم بن حبان-رحمه الله تعالى-: يريد بقوله: كان قريب الإسناد، أي: أنا كتبنا عنه أنه لقرب إسناده، ولولا ذلك لم نكتب عنه شيئاً). ويُفهم من قوله: (لم نكتب عنه شيئاً): شدة ضعفه.
قال شيخنا أبو غدة-رحمه الله تعالى-في هامش (الرفع والتكميل في الجرح والتعديل) (ص:162): فالمعنيُّ بقرب الإسناد هنا-مع شدة ضعفه عُلُوُّه لا قربه من الصواب والصحة والله أعلم). وهذا المعنى لا يعرف إلا بالتنبيه عليه. وقد جمعت بعض الأمثلة في كتابي: (ذاكرة سجين مكافح) (3\67\69).
وهي كثيرة منها:
1-في (تهذيب التهذيب) (5/125/رقم:6096-ترجمة: عمران بن عيينة بن أبى عمران الهلالي، أبو الحسن الكوفي، أخو سفيان): (وقال الآجري: سئل أبو داود ... عن إبراهيم، وعمران، ومحمد بن عيينة، فقال: كلهم صالح، وحديثهم قريب).
2-وفي (تهذيب التهذيب) (5/173/رقم:6196-ترجمة: العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب الحُرَقي، أبو شبل المدني): (وقال الدوري عن ابن معين: ليس حديثه بحجة، وهو وسهيل قريب من السواء).
3-وفي (تهذيب التهذيب) (5/380/رقم:6600-ترجمة: كامل بن طلحة الجَحْدري، أبو يحيى البصري، نزيل بغداد): (قال العقيلي عن أحمد بن أصرم: سمعت أحمد سُئل عن كامل، فقال: كان مقارب الحديث).
4-وفي (تهذيب التهذيب) (5/705/رقم:7204-ترجمة: محمد بن عبد الرحمن بن عَنَج، ويقال: ابن يزيد بن عَنَج المدني، نزيل مصر): (قال الميموني عن أحمد: شيخ مقارب الحديث).
5-وفي (تهذيب التهذيب) (6/58/رقم:7445-ترجمة: محمد بن مصعب بن صدقة القُرْقساني، أبو عبد الله وقيل: أبو الحسن، نزيل بغداد): (قال أبو داود: سمعت أحمد يقول: حديث القُرْقساني عن الأوزاعي مقارب، وأما عن حماد بن سلمة ففيه تخليط، قلت لأحمد تحدث عنه؟ قال: نعم).
6-وفي (تهذيب التهذيب) (6/130رقم:7583-ترجمة: محمد بن يوسف بن واقد بن عثمان الضَّبّي مولاهم، أبو عبد الله الفريابي، نزيل قيسارية، من ساحل الشام، أدرك الأعمش):
(وقال ابن أبي خيثمة: سئل ابن مَعِين عن أصحاب الثوري أيهم أثبت؟ فقال:
هم خمسة:
1-القطان، 2-ووكيع، 3-وابن المبارك، 4-وابن مهدي، 5-وأبو نعيم-رحمهم الله أجمعين،
وأما: 1-الفريابي، 2-وأبو حذيفة، 3-وقبيصة، 4-وعُبيد الله بن أبى موسى، 5-وأبو أحمد الزُّبَيْرِي، 6-وعبد الرزاق، 7-وأبو عاصم-رحمهم الله أجمعين-، والطبقة فهم كلهم في سفيان بعضهم قريب من بعض، وهم ثقات كلهم، دون أولئك في الضبط والمعرفة).
7-وفي (تحرير تقريب التهذيب) (2/233/رقم:3440-ترجمة: عبد الله بن عبد الرحمن الضَّبِّي، أبو نصر الكوفي ثقة. قال فيه البخاري: (مقارب).
8-وفي (تهذيب التهذيب) (6/683/رقم:8629-ترجمة: هلال بن أبى هلال أبو ظلال القَسْمَلي).
قال البخاري: مقارب الحديث)-قال الحافظ ابن حجر في (الفتح) (10/117): (أبو ظلال بن هلال: ضعيف عند الجميع. إلا أن البخاري قال: إنه مقارب الحديث، وليس له في البخاري سوى موضع واحد متابعاً).
9-وفي (تهذيب التهذيب) (7/89/رقم:8918-ترجمة: يحيى بن عيسى بن عبد الرحمن ويقال: ابن محمد التميمي) قال عبد الله بن أحمد عن أبيه: (ما أقرب حديثه).
10-وفي (تهذيب التهذيب) (7/79/رقم:8897-ترجمة: يحيى بن عبيد الله بن موهب التيمي المدني): وقال الجوزجاني: أبوه لا يعرف، وأحاديثه متقاربة، من حديث أهل الصدق).
وهذه الصورة أوضح من قولهم: (مقارب الحديث) لهذا ذكرتها هنا.
11-وفي (تهذيب التهذيب) (7/158/رقم:9031-ترجمة: يزيد بن سنان بن يزيد التميمي الجزري أبو فروة الرُّهاَوي)، وقال البخاري: مقارب الحديث إلا أن ابنه محمد يروي عنه مناكير.
12-وفي (تهذيب التهذيب) (7/174/رقم:9062-ترجمة: يزيد بن عطاء بن يزيد بن عبد الرحمن اليشكري، مولاهم، ويقال: الكندي، ويقال: السّلمي، أبو خالد الواسطي البزار): (وقال عبد الله بن أحمد: سئل أبي عن يزيد بن عطاء، فقال: لم يكن به بأس... حديثه متقارب).
13-وفي (تهذيب التهذيب) (7/220/رقم:9155-ترجمة: يعقوب بن محمد بن عيسى بن عبد الملك بن حميد بن عبد الرحمن ابن عوف الزهري أبو يوسف المدني نزيل بغداد): (وقال أبو زرعة: ليس عليه قياس يعقوب بن محمد الزهري، وابن زبالة، والواقدي، وعمر بن أبي بكر المليكي يتقاربون في الضعف) هذه الصورة ذكرتها من أجل التقارب في الضعف.
14-وفي (تهذيب التهذيب) (7/309/رقم:9415-ترجمة: أبي بكر بن عياش بن سالم الأسدي الكوفي الحناط المقرئ): (وقال عثمان الدارمي قلت لابن معين: فأبو الأحوص أحب إليك في أبي إسحاق أو: أبو بكر بن عياش؟؟ قال: ما أقربهما).
15-وفي (تهذيب التهذيب) (7/343/رقم:9551-ترجمة: أبي حسان الأعرج، ويقال: الأحرد أيضاً، البصري-مشهور بكنيته-اسمه مسلم بن عبد الله): (قال الأثرم عن أحمد: مستقيم الحديث أو: مقارب الحديث).
وقال الحافظ في (التقريب) (3\373\و4\178\رقم:8046-مع تحرير التقريب): (صدوق رمي برأي الخوارج).
وعقب عليه المحرران بقولهما: (بل: ثقة، فقد وثقه ابن معين، والعجلي، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وأثنى عليه أبو داود، وقال أبو زرعة: لا بأس به).
16-وفي (تهذيب التهذيب) (7/536/رقم:10536-ترجمة: أبي يحيى القتات الكوفي الكناني): (قال الأثرم عن أحمد: روى إسرائيل عن أبي يحيى القتات أحاديث مناكير جداً كثيرة، وأما حديث سفيان عنه فمقارب).
17-جاء في (توجيه القاري) (17/346) (ابن عجلان سيئ الحفظ لا يقارب ابن أبي ذئب).
18-وفي (التوجيه) (17/270)، و(الفتح) (9/480/و13/187) في ترجمة: عبد الرحمن بن أبي الزناد: (قال ابن معين: ليس ممن يحتج به أصحاب الحديث، ليس بشيء... قال ابن المديني: حديثه بالمدينة مقاب، وبالعراق مضطرب).
19-جاء في (المسند) للإمام أحمد (2/36/رقم:985-في الحاشية-ط مؤسسة الرسالة) (عبيد الله بن زحَر مختلف فيه ضعفه أحمد، وابن المديني، وابن حبان، والحاكم، والدارقطني، والخطيب، ووثقه أحمد بن صالح، وقال النسائي: ليس به بأس. وقال البخاري: مقارب الحديث).
20-وجاء في (تنزيه الشريعة) (2/183/رقم:21) طبعة دار الكتب العلمية تحقيق: شيخنا عبد الله بن محمد بن الصديق الغماري-رحمه الله تعالى-: أبو فروة يزيد بن سنان الرهاوي متروك (تعقب) بأنه من رجال الترمذي وابن ماجه وقال البخاري: (مقارب الحديث).
وهذه صيغة توثيق-كذا قال). (قال عبد الله بن أحمد: قال أبي: أبو أيوب حديثه مقارب). (العلل ومعرفة الرجال) للإمام أحمد (1/222/496/ 265/115).(1/78)
ولكنه ليس ينشرح الصدر له،
هو شيخ ليس يعرف هكذا-يريد الطلب) (1) .
__________
(1) -انظر: (الضعفاء الكبير) للعقيلي (1/78)، و(تاريخ بغداد) (6/217)، و(تهذيب الكمال) (3/93/94)، وفي (تهذيب التهذيب) (1/297) بعد مقارب الحديث (... صالح ولكن ليس ينشرح الصدر له ليس يعرف هكذا يريد بالطلب)، وفي (الميزان) (1/229) واكتفى بقوله: (ليس ينشرح له الصدر) وفي (المغني في الضعفاء) (1/81) اكتفى من رواية العقيلي إلى قوله: (ولكنه ليس ينشرح الصدر له).
و(هناك فرق بين قولهم: "فلان قريب الإسناد"، و"فلان قريب الأمر": فالقول الأول ظاهره أن الراوي عالي الإسناد وقريب من النبي-عليه الصلاة والسلام-لأن من وصف بأنه عليُّ الإسناد فمعنى ذلك قلة عدد الوسائط بينه وبين نهاية الإسناد، ومثل هذا لا يلزم منه ثبوت عدالة أو: ضبط، فقد يكون بكَّر في الطلب أو: عَمَّرَ فَعَلاَ إسناده، وقد يكون من الثقات الحفاظ كما قيل في مرار بن حمّويه الثقفي الثقة الحافظ: "قديم الموت قريب الإسناد جليل الخطر"-كما في "تهذيب التهذيب" (10\81).
أما القول الثاني: فمعناه أن حديثه مقارب لحديث الثقات، وسبق أن قولهم في الراوي: "مقارب" بفتح الراء أو: بكسرها من ألفاظ التعديل التي تصلح في الشواهد والمتابعات.
وقال أبو الحسن المصري: هذا ما يظهر لي من الفرق بين اللفظين، وهل يطلقان بمعنى: "مقارب"؟ رجحه الشيخ مقبل بن هادئ الوادعي-رحمه الله-). انظر: (شفاء العليل) (1\487\488)، وسيأتي التفصيل قريباً-إن شاء الله-في هذا الكتاب.
انظر الكلام على قولهم: (فلان عالي الإسناد) بتوسع كبير في (شفاء العليل) (1\327\328).
أما قولهم: (فلان مثل فلان)، أو: (فلان قريب من فلان) فتطلق تارة على سبيل التقوية، وتارة على سبيل التجريح. قال أبو حاتم في (الجرح والتعديل) (5\126): (عبد الله بن عياش قريب من ابن لهيعة). قال الذهبي في (السير) (7\334): "وقول أبي حاتم: "هو قريب من ابن لهيعة" تصليح لحال ابن لهيعة، إذ يقارب في الوزن بشيخ خرَّج له مسلم، ولا ريب أنه أوثق من ابن لهيعة، وأن ابن لهيعة أعلم بكثير منه".
قال الشيخ خليل العربي في هامش: (كتاب السلسبيل في شرح ألفاظ وعبارات الجرح والتعديل) للذهبي (ص:28\رقم:9): (وكما وجه الإمام الذهبي قول أبي حاتم هذا على سبيل التقوية، فإن أبا حاتم يطلقها أيضاً على سبيل التجريح، ومن ذلك ما قاله ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" (2\84): "سمعت أبي يقول: إبراهيم بن إسماعيل بن مجمع يكتب حديثه ولا يحتج به، وهو قريب من ابن أبي حبيبة، كثير الوهم، ليس بالقوي".
وقال في ابن أبي حبيبة-وهو إبراهيم بن إسماعيل الأشهلي-: "شيخ ليس بقوي، يكتب حديثه ولا يحتج به، منكر الحديث". كما في "الجرح والتعديل" (2\83)...).(1/79)
وقال الشيخ أبو الحسن في المرتبة الثانية: من مراتب التجريح: ("وليس ينشرح له الصدر" وهذا اللفظ قاله أحمد في إسماعيل بن زكرياء الخلقاني) (1) .
وإلى هذا أشرت بقولي:
ما انْشَرَحْ صَدْرٌ لَهُ فِيما سَمِعْنَا (2) * أو: إليه ارتاحَ منْ قد تَبِعْنَا
16- المصطلح السادس عشر قولهم في الراوي: (لم أر أعمى قلباً منه):
وهذا التعبير استعمله الثقة الحافظ أبو إسماعيل محمد بن إسماعيل بن يوسف الترمذي (توفي سنة: 280 هـ)-رحمه الله تعالى-في تجريح: إبراهيم بن يحيى بن محمد بن عباد بن هانئ الشجري-روى عنه البخاري في غير الصحيح-فقد نقل الحافظ الذهبي عن محمد بن إسماعيل الترمذي-رحمه الله تعالى-أنه قال: (لم أر أعمى قلباً منه، قلت له: حدثكم أبوك! فقال: حدثكم أبوك. فقلت له: حدثكم إبراهيم بن سعد! فقال: حدثكم إبراهيم بن سعد) (3) .
وقوله هذا مأخوذ من قوله سبحانه وتعالى: (فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور) (4) .
وأبو إسماعيل الترمذي قال قوله هذا: (لم أر أعمى قلباً منه) ثم ذكر السبب الذي حمله على تجريحه بهذا القول وهو إجابة إبراهيم الشجري ولم ينفرد الترمذي بتجريحه لإبراهيم بن يحيى بل: جرحه أيضاً أبو حاتم الرازي حيث قال عنه: (ضعيف الحديث) (5) .
__________
(1) -انظر: (الميزان) (1\229)، و(تهذيب التهذيب) (1\297)، و(شفاء العليل) (1\162).
(2) -انظر: (تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام) (4/580).
(3) -انظر: (الميزان) (1/74)، و(تهذيب التهذيب) (1/176)، و(تهذيب الكمال) (2/231).
(4) -سورة الحج الآية رقم: (46).
(5) -انظر: (الجرح والتعديل) (1/ق1/147)، و(تهذيب الكمال) (2/231)، و(تهذيب التهذيب) (1/176)، و(الميزان) (1/74)، و(المغني في الضعفاء) (1/29)، و(الكاشف) (1/50).(1/80)
وقال الشيخ مصطفى بن إسماعيل في المرتبة السادسة: من مراتب التجريح من كتابه النفيس: (شفاء العليل): (وقولهم: "كان فلان أعمى القلب" أي: أنه يكذب ولا يحسن الكذب، قال الأزهري في محمد بن عبيد الله بن الفضل الكيال: "كان أعمى القلب حدثني أبو عبد الله بن بكير عنه أنه خرَّج حديث الثوري وكان عنده نسخة لابن عيينة بنزول فأخرجها كلها في حديث الثوري" (1) ، وقوله: "أعمى القلب" يدل على أن ذلك وقع منه على سبيل العمد، والله أعلم) (2) .
ومنه قولهم في الراوي: (فلان أعور بين عميان):
وقولهم: (فلان أعور بين عميان)، أي: أنه ليس بالأعمى المتروك ولا بالبصير الثبت، واللفظ قاله الدارقطني في أبي يوسف القاضي يعقوب بن إبراهيم (3) ، وقد سبق التنبيه على أن معرفة حال الرجال تُبحث في مظانها، والمقصود في بحثنا هذا بيان معنى الألفاظ ومراتبها دون الثقات إلى قائلها ولا إلى من قيلت فيه، والله أعلم (4) .
وقال الشيخ مصطفى بن إسماعيل في المرتبة السادسة: من مراتب التجريح من كتابه النفيس: (شفاء العليل): (وقولهم: "فلان بيّن الأمر لا يخفى حاله على العميان"، وهذا لا يكون إلا كذاباً لأن بعض العباد الذين يقع الكذب منهم (وهما) يخفى حاله على النقاد-وقد ذكرت أم الفضل في مقدمتها لكتابي: (القول الحصيف...) (ص:33\34\35) في: (-السبب السادس من أسباب الوضع: الاحتساب في الوضع للترغيب والترهيب: قال السيوطي (5) : (وكان أبو داود النخعي-سليمان بن عمرو البغدادي- أطول الناس قياماً بليل، وأكثرهم صياماً بنهار، وكان يضع!).
__________
(1) -انظر: (تاريخ بغداد) (2\332)، و(شفاء العليل) (1\278).
(2) -انظر: (شفاء العليل) (1\278).
(3) -انظر: (تاريخ بغداد) (14\260)، و(شفاء العليل) (1\185).
(4) -انظر: (شفاء العليل) (1\185).
(5) -انظر: (التدريب) (ص: 185).(1/81)
وجاء في ترجمته في (ميزان الاعتدال) (1) : (قال ابن عدي: أجمعوا على أن سليمان بن عمر يضع الحديث، وقال ابن حبان: كان رجلاً صالحاً في الظاهر إلا أنه كان يضع الحديث وضعاً!) (2) .
وقال ابن عدي: (كان وهب بن حفص-الحراني-من الصالحين، مكث عشرين سنة لا يكلم أحداً، وكان يكذب كذباً فاحشاً).
وروى مسلم في (مقدمة صحيحه): (قال يحيى بن سعيد القطان: لم نر الصالحين في شيء أكذب منهم في الحديث!).
قال مسلم (3) : (يقول: يجري الكذب على لسانهم، ولا يتعمدون الكذب).
وقال البيهقي في شرح قول يحيى القطان: (ما رأيت الكذب في أحد منه فيمن ينسب إلى الخير)، قال: (لأنهم اشتغلوا بالعبادة عن ضبط الحديث وإتقانه، فأدخل عليهم الكذابون ما ليس من حديثهم، ومنهم قوم توهموا أن في وضع الأحاديث في الترغيب والترهيب أجراً وجهلوا ما في الكذب على رسول الله-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-من كبير الإثم) (4) .
وروى مسلم: (عن أيوب السختياني البصري قال: إن لي جاراً ثم ذكر من فضله...، ولو شهد عندي على تمرتين، ما رأيت شهادته جائزة).
وروى بعده (5) عن عبد الله بن المبارك قال: (لو: خُيّرت بين أن أدخل الجنة وبين أن ألقى عبد الله بن محرَّر-الجزري الرَّقِّي قاضي الرَّقَّة- لاخترت أن ألقاه ثم أدخل الجنة، فلما رأيته كانت بعرةٌ أجب إليَّ منه).
وفي هذا السبب يقول شيخ شيخنا المحدث محمد الأثيوبي في (الجليس الأمين) (6) :
ورابع الأصناف قوم نُسِبوا * للزهد جاهلين ذاك ارتَكبوا
قد وَضعوا الحديث في الترغيب * للناس في الخير وللترهيب
ومن يرى جوازَ ذا فإنه * قد غره الشيطان مُرديّاً له
لأن في السنة والكتاب * غِنىً عن اختلاق ذا الكَذَّاب
__________
(1) -انظر: (ميزان الاعتدال) (2/217/218).
(2) -انظر: (المجروحين) (1/419// رقم: 411).
(3) -انظر: (مقدمة صحيحه) (1/94).
(4) -انظر: (الأداب الشرعية) (2/156) لابن مفلح.
(5) -انظر: (مقدمة صحيحه) (1/104).
(6) -انظر: (1/121).(1/82)
وخالفوا إجماع أهل الملة * في حُرمة الكذب على ذي السنة
وأنه من الكبائر التي * تُرْدي بأهلها إلى الهاوية
وبَالغ الشيخ أبو محمدِ * مكفراً به لهذا المعتدي
والهَمَذَانيُّ له موافقُ * والذهبيُّ لهما يُرافِقُ
إن حَرَّم الحلال، أوْفَى ضِده * وإنما الشأن يجي في غيره
ومن يقل مؤولاً لمن كذب * في رجلٍ معيَّنٍ فقد كَذَبَ
وقد قلت في (قناص الشوارد الغالية...) إن هناك رجالاً خرجوا من الضعف الغالب على الزهد والصوفية. (وقد أشار الحافظ الذهبي-رحمه الله-إلى هذا المغزى في بعض تراجم كتابه (سير أعلام النبلاء)، ومن ذلك: ما جاء في ترجمة (علي بن فضيل بن عياض التميمي اليربوعي) (توفي قبل أبيه المتوفى سنة 178 هـ):
1-قال فيه الإمام النسائي: (ثقة مأمون) (1) .
2-وقال الحافظ المزي (2) : (وكان من سادات المسلمين علماً وزهداً وعبادة، وخَوْفاً وورعاً، وكان يُفضَّل على أبيه في العبادة والخوف...).
3-وقال الحافظ الذهبي-رحمه الله-: (خرج هو وأبوه من الضعف الغالب على الزهاد والصوفية، وعُدَّا في الثقات إجماعاً، وكان عليٌّ قانتاً خاشعاً، وجلا، ربّانياً، كبيرَ الشأن) (3) .
وأبوه: هو فضيل بن عياض بن مسعود بن بشر التميمي اليربوعي (ت:187 هـ) وثقه جمع من الأئمة منهم:
1-سفيان بن عيينة (4) .
2-وابن سعد (5) ،
3-وأحمد بن عبد الله العجلي (6) ،
4-والنسائي (7) ،
5-والدارقطني (8) ،
6-وقال أبو حاتم (9) : (صدوق) (10) .
__________
(1) -انظر: (تهذيب الكمال) (21/97).
(2) -انظر: (التهذيب) (21/96/97).
(3) -انظر: (السير) (8/443).
(4) -انظر: (الجرح والتعديل) (7/73).
(5) -انظر: (الطبقات) (5/500)
(6) -انظر: (الثقات) (2/207)
(7) -انظر: (تهذيب الكمال) (23/287).
(8) -انظر: (سؤالات السلمي) (ص: 260).
(9) -انظر: (الجرح والتعديل) (7/73).
(10) -انظر: (ضوابط الجرح والتعديل عند الحافظ الذهبي) (1/400/401)، و(قناص الشوارد الغالية...) (ص: 1030)، و(ذاكرة سجين مكافح) (2/103/107).(1/83)
-وأيضاً بعض الكذابين يخفى حاله على النقاد فضلاً عن العميان، فالذي لا يخفى حاله على العميان لا يكون إلا كذاباً خبيثاً مكشوف الأمر جاء في "لسان الميزان" (1) : إسحاق بن بشر أبو حذيفة البخاري: "كذاب"، وثقه محمد بن عمر الداربجردي وحده فلم يلتفت إليه أحد لأن أبا حذيفة بيِّن الأمر لا يخفى حاله على العميان) (2) .
وإلى هذا أشرت بقولي:
لمْ أُشَاهِد مِثلَهُ أعْمَى فُؤَاداً * أو: ضليلاً قبله لَجَّ عناداً
17- المصطلح السابع عشر قولهم في الراوي: (كتب عمن دب ودرج):
وهذا التعبير استعمله بعض النقاد، منهم: أبو سعد الإدريسي حيث جرح به عبد الله بن موسى السلاَّمي (3) .
فقد روى الخطيب-رحمه الله تعالى-بسنده إلى أبي سعد الإدريسي-رحمه الله تعالى-أنه قال: كان أديباً شاعراً جيد الشعر كثير الحفظ للحكايات والنوادر والأشعار، صنف كتباً كثيرة في التواريخ، ونوادر الحكام، قدم علينا سمرقند قبل (350 هـ).
وخرج من عندنا إلى بلخ وحدث بها... إلى أن قال- رحمه الله تعالى-: كان صحيح السماعات، إلا أنه كتب عمن دب ودرج (4) من المجهولين وأصحاب الزوايا (5) .؟
__________
(1) -انظر: (لسان الميزان) (1\354)، و(شفاء العليل بألفاظ وقواعد الجرح والتعديل) (1\272).
(2) -انظر: (شفاء العليل بألفاظ وقواعد الجرح والتعديل) (1\272).
(3) -انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد) (10/149)، و(الميزان) (2/509) وقد ذكر الذهبي هذه الترجمة ثلاث مرات: ذكرها برقم: (4629-و:4632-و:4634)، و(لسانه) (3/368).
(4) -انظر: (تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام) (14\225\رقم:439-سنة ست وثلاثين وستمائة).
(5) -انظر: (تاريخ بغداد) (10/149)، وفي (الميزان) (2/509) نسب الذهبي الكلام إلى الحاكم فقال: "وقال الحاكم: صحيح السماعات إلا أنه كتب عمن دب ودرج من المجهولين"، وفي (لسان الميزان) (3/368): (قال الحاكم صحيح السماعات إلا أنه كتب عمن دب ودرج من المجهولين وأصحاب الروايات-والصواب: الزوايات!؟-.
ثم قال الحافظ ابن حجر بعد أن ذكر قول الذهبي فيه: قال الإدريسي كان شاعراً كثير الحفظ للحكايات والنوادر صنف كتباً كثيرة وكان صحيح السماع إلا أنه كتب عمن دب ودرج. وأعاده المؤلف بعد ترجمة واحدة مختصراً وغفل عن أن ينبه على ذلك).(1/84)
وقد استعمل هذه العبارة الحافظ الذهبي-رحمه الله تعالى-في ترجمة: مروان بن معاوية بن الحارث بن أسماء بن خارجة الفزاري أبي عبد الله الكوفي الحافظ (ت:193 هـ): (ثقة عالم صاحب حديث لكن يروي عمن دب ودرج (1) ، فيُستأنى في شيوخه) (2) .
واستعملها أيضاً-رحمه الله تعالى-أيضاً في تجريح بقية بن الوليد (3) .
__________
(1) -قال الشيخ مصطفى بن إسماعيل في (شفاء العليل) (1\505): (وهناك عبارات تدل على أن الراوي لا ينتقي في الروايات بل: يروي عمن دب ودرج فمن ذلك: قولهم: "وفلان يروي عمن دب ودرج"...).
(2) -انظر: (ميزان الاعتدال) (4/93)، و(تهذيب التهذيب) (10/98)، و(العقد الثمين) (7/171).
(3) -بقية هذا ذكره الحافظ في (طبقات المدلسين) (ص:49-ضمن الطبقة الرابعة). قال أبو الحسن المصري في (شفاء العليل) (1\176) تحت المرتبة الثالثة: من مراتب التجريح: (وقولهم: "فلان أحاديثه ليست نقية" إن كان ذلك بسبب الضعف في حفظه، أما إن كان بسبب التدليس فأمر آخر وقد قال أبو مسهر-الغساني-في بقية بن الوليد: "أحاديث بقية ليست نقية فكن منها على تقية").
انظر: (تهذيب الكمال) (4\192)، و(تهذيب التهذيب) (1\446\473\476)، و(الكامل في ضعفاء الرجال) (2\72) لابن عدي، و(الجرح والتعديل) (2\1728)، و(الميزان) (1\331)، وهامش: (بيان الفجر الصادق) (ص:4) الطبعة الثانية.(1/85)
فقال في ترجمة علي بن زبيد، شيخ لبقية لا يُدرَى من هو (1) : كدأب بقية في الأخذ عمن دب ودرج (2) .
وقال أيضاً (3) : وكان من أوعية العلم، لكنه كدر ذلك بالإكثار عن الضعفاء والعوام، والحمل عمن دب ودرج.
وقال أيضاً: في ترجمته في موضع آخر: أحد الأئمة الحفاظ يروي عمن دب ودرج وله غرائب تستنكر أيضاً عن الثقات لكثرة حديثه (4) .
واستعمل الذهبي أيضاً هذا التعبير في تجريح: محمد بن عبد الواحد الأصبهاني. حيث قال: عُني بهذا الفن وكتب عمن دب ودرج وكان محدثاً أثرياً فقيراً متقللاً (5) .
ولم يذكر من شيوخه غير الثلاثة المذكورين ولم أقف على تجريح ناقد لأحدهم، ولعل الحافظ الذهبي نعته بهذا التعبير لأنه أكثر من الرحلة في طلب العلم، وشغف بالسماع من كل محدث يلقاه دونما انتقاء، فكان منهم الثقة، والضعيف-والمجهول-. الله أعلم.
واستعمله أيضاً في تجريح: المبارك بن كامل الخفاف حيث قال عنه: (محدث بغداد، ومفيدها، أخذ عمن دب ودرج، وأفنى عمره في هذا الشأن فلم يمهر فيه) (6) .
__________
(1) -قال الشيخ مصطفى بن إسماعيل في (شفاء العليل) (1\504): (وفرق بين قولهم في الراوي: "فلان لا يُدرى ما هو"، و"فلان لا يدى من هو": أكثر من يستعمل هذين اللفظين هو الإمام الذهبي-رحمه الله تعالى-في كتابيه: "الميزان"، و"المغني"، والظاهر أن الأول بمعنى جهالة الحال والثاني بمعنى جهالة العين، وقد يقول الذهبي: "لا يدرى ما هو" على مجهول العين الذي لم يرو عنه إلا واحد، ولا عجب في هذا فإنه يقول في الراوي: "مجهول الحال" أو: "لا يدرى ما حاله" على من هو مجهول العين...).
(2) -انظر: (الميزان) (3/127)، و(لسانه) (4/230).
(3) -كما في: (السير) (8/456)، و(المغني في الضعفاء) (1/109).
(4) -كما في: (المغني في الضعفاء) (1/109).
(5) -انظر: (العبر) (2/408)، و(شذرات الذهب) (4/53).
(6) -انظر: (العبر) (2/465)، و(السير) (20/299).(1/86)
وقال في موضع آخر: (أفنى عمره في الطلب، وكتب عمن درب ودرج، وسمع العالي والنازل، لا يسمع بمن يقدم إلا ويبادر إلى السماع منه) (1) .
المعنى اللغوي:
دب النمل وغيره من الحيوان على الأرض، يدِبُّ دباً ودبيباً: مشى على هِينَتِهِ، ودَبَبَت أدب دَبَّة خفية، ودَبَّ الشيخُ أي: مشى مشياً رُوَيْداً...
وأدببتُ الصبيَّ أي: حَملته على الدبيب. ودبَّ القومُ إلى العدو دبيباً إذا مشوا على هينتِهم، لم يُسرِعوا. وفي الحديث: (عنده غُلَيِّمٌ يُدَبِّبُ) أي: يَدرُجُ في المشي رويداً، وكل ماشٍ على الأرض: دابةٌ ودبيب، وقولهم: أكذب مَن دب ودرج أي: أكذب الأحياء، والأموات، فدبَّ: مشى، ودرج: مات وانقرض عَقِبهُ...
وإلى هذا أشرت بقولي:
قد كتبْ عمَّن دَرَجْ قبلُ وَدَبَّا * لَم يُمَيِّز بيْنَ من شابَ وَشبَّا
18- المصطلح الثامن عشر قولهم في الراوي: (كان يلتقط الشيوخ من السكك):
ولقد عبر محمد بن عبد الله بن نمير-رحمه الله- بهذا الأسلوب اللطيف لبيان حال مروان الفزاري في انتقاء شيوخه فقد روى ابن أبي حاتم بسنده إلى ابن نمير أنه قال: كان مروان بن معاوية الفزاري يلتقط الشيوخ من السكك (2) .
المعنى اللغوي:
والسكك في اللغة جمع سِكَّة، وهي الطريق المستوى من الأزقة سميت (بذلك) لاصطفاف الدور فيها على التشبيه بالسكة من النخل (3) ، والسكة أوسع من الزقاق.
__________
(1) -انظر: (السير) (20/299).
(2) -انظر: (الجرح والتعديل) (4/ق1/273)، و(تهذيب الكمال) (3/1317)، و(تهذيب التهذيب) (10/295)، و(الميزان) (4/94)، ووقع خطأ في (تذكرة الحفاظ) (1/295) حيث نسب هذا القول لابن معين.
(3) -انظر: (أساس البلاغة) (ص:216)، و(غريب الحديث) (1/349) للهروي، و(لسان العرب) (10/441)، و(السير) (9/53)، و(تاج العروس) (7/143)، و(النهاية) (2/384).(1/87)
ومن هذا المعنى اللغوي يتضح لنا تبكيت ابن نمير بالفزاري فكأنه هو يختلق لشيوخه الأسماء وذلك لأنهم مجاهيل غير معروفين بالعلم عند أهله وإن عرفوهم فهم من الرواة الضعفاء أو: الكذابين، وهذا قد يقع لمن تزداد شهوته في طلب الشيوخ والاستزادة منهم، وعليه فهذا الأسلوب موافق لقول الحافظ المؤرخ الكبير المشهور بالذهبي، أو: بابن الذهبي-رحمه الله تعالى-في شيوخ الفزاري-مروان بن معاوية-والله أعلم (1) .
وإلى هذا أشرت بقولي:
كان من دَيْدَنِه يحكِي مَسيخَا * يِلْتَقطْ مِنْ سِكَكٍ شَتَّى الشُّيُوخَا (2)
19- المصطلح التاسع عشر قولهم في الراوي: (آية من الآيات):
استعمل هذا التعبير أبو إسحاق الجوزجاني (ت: 259 هـ) في تجريح: عوبد بن أبي عمران الجوني البصري فقال عنه: (آية من الآيات) (3) .
وعوبد هذا ما عدله أحد من النقاد، وهذه طائفة من أقوالهم:
1-أمير المؤمنين في الحديث سيدي محمد بن إسماعيل البخاري-رحمه الله تعالى-قال عنه: (منكر الحديث) (4) .
2-وكذا قال أبو حاتم وزاد: (ضعيف) (5) .
3-وقال يحيى بن معين: (ليس بشيء) (6) .
4-وقال النسائي: (متروك الحديث) (7) .
__________
(1) -قال الشيخ مصطفى بن إسماعيل في (شفاء العليل) (1\505): (وهناك عبارات تدل على أن الراوي لا ينتقي في الروايات بل: يروي عمن دب ودرج فمن ذلك: قولهم: "فلان يلتقط الشيوخ من السكك"...).
(2) -انظر: (تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام) (4/1205).
(3) -انظر: (أحوال الرجال) (ص:107\رقم:167)، و(الكامل) (5/2019)، و(الميزان) (3/304)، و(لسانه) (4/386).
(4) -انظر: (التاريخ الكبير) (4/ق1/92/رقم ترجمة:413).
(5) -كما في: (الجرح والتعديل) (3/ق2/45)..
(6) -كما في: (التاريخ-برواية الدوري) (2/460)، و(الضعفاء) (3/423) للعقيلي، و(الكامل) (5/2018)، و(الجرح والتعديل) (3/ق2/45).
(7) -كما في: (الضعفاء والمتروكين) (ترجمة:441)، و(الميزان) (3/304)، و(لسانه) (4/386).(1/88)
5-وقال أبو داود: (أحاديث شبه البواطيل) (1) .
6-وقال العقيلي: (لا يتابع عليه) (2) .-
-استطراد ذُكر هنا للمناسبة: وقد سألتني أم الفضل-كما في (قناص الشوارد الغالية) (ص:160\162\رقم:42)-عن قول المحدثين في (الثقة): (لا يُتابع على حديثه) هل هو من الجرح أم ماذا؟.
فأجبتها قائلاً: ليس من الجرح قولهم، في الثقة: (لا يتابع على حديثه). وذكرت لها قول الحافظ ابن حجر في (تهذيب التهذيب) في ترجمة، (أسماء بن الحكم الفزاري) (3) : (قال البخاري: لم يُروَ عنه إلا هذا الحديث وحديث آخر لم يتابع عليه.
قال المِزّي: هذا لا يقدح في صحة الحديث، لأن وجود المتابعة ليس شرطاً في صحة كل حديث صحيح) (4) .
وقال-رحمه الله (5) -: (رُبَّما يطعنُ العُقَيلي أحداً ويجرحه بقوله: فلان لا يتابع على حديثه. فهذا ليس من الجرح في شيء، وقد رد عليه العلماء في كثير من المواضع بجرحه الثقات بذلك، قال الذهبي (6) -أثناء نقله لصنيع العُقيلي في جرحه الثقات بما ليس بجارح-:
(وإنما اشتهي أن تعرفني من هو الثقة الثَّبْتُ الذي ما غلط ولا انفرد بما لا يتابع عليه، بل: الثقة الحافظ إذا انفرد بأحاديث كان أرفع وأكمل رتبة، وأدل على اعتنائه بعلم الأثر وضبطه دون أقرانه لأشياءَ ما عرفوها، إلا أن يتبين غلطُه ووَهَمُهُ في الشيء فيُعرف بذلك. وإن تفَرُّدَ الثقة المتقن يُعَدُّ صحيحاً غربياً...).
__________
(1) -كذا في (سؤالات الآجري) (المخطوطة) وفي المطبوعة (أحاديثه البواطيل) (ص:332)، وفي (لسان الميزان) (4/387)، وورد في موضع آخر من (السؤالات) (ص:281): (ليس بشيء). .
(2) -كما في: (الضعفاء) (3/424).
(3) -انظر: (تهذيب التهذيب) (1/267).
(4) -نقله العلامة التهانوي في كتابه: (قواعد في علم الحديث) (ص:356). تحقيق شيخنا العلامة عبد الفتاح أبي غدة-رحمه الله تعالى-.
(5) -انظر: المرجع السابق (ص:277).
(6) -انظر: (الميزان) (2/231).(1/89)
وقال الحافظ ابن حجر-رحمه الله تعالى- (1) : (قال العقيلي: لا يتابع على حديثه. وتعقب ذلك أبو الحسن بن القطان بأن ذلك لا يَضر، إلا إذا كثرت منه روايات المناكير ومخالفة الثقات. وهو كما قال) (2) .
__________
(1) -قاله في (هدي الساري) في ترجمة (ثابت بن عجلان الأنصاري) (2/120).
(2) -انتهى بتصرف يسير من (هامش) كتاب: (الرفع والتكميل في الجرح والتعديل) (ص:160/ 161) تحقيق شيخنا العلامة عبد الفتاح أبي غدة. (ربما يجرحون الراوي الثقة بقولهم: (تغير بأخَرَة)، أو: (اختلط)، وهذا ليس بجرح ما لم يكثر منه ذلك، قال الذهبي في (الميزان)(3/255) في ترجمة: (هشام بن عروة)، بعد توثيقه: (لا عبرة بما قاله أبو الحسن بن القطان من أنه اختلط وتغير، نعم الرجل تغير قليلاً ولم يبق حفظه كهو في حال شبابه، فنسي بعض محفوظه أو: وهم فكان ماذا؟ أهو معصوم من النسيان؟ ومثل هذا يقع لمالك ولشعبة ولوكيع ولكبار الثقات).
وإذا كثر منه الاختلاط فما رواه أصحابه القدماء عنه فهو حجة، وما رواه المتأخرون من أصحابه لا يحتج به إلا إذا علم بالتاريخ أن سماعه منه كان قبل الاختلاط، كما يظهر من (هدي الساري) للحافظ ابن حجر ، (بيان الوهم والإيهام ... ) (5/363/وما بعدها/2535).
قال الشيخ خليل العربي في هامش: (كتاب السبيل في شرح ألفاظ وعبارات الجرح والتعديل) (ص:96\رقم:107) للذهبي تحت عنوان: (مدلول قول النسائي في الراوي: "تغير": حصين بن عبد الرحمن، قال النسائي: "تغير". قال الذهبي-في "من تكلم فيه وهو موثق" (ص:69): (تنبيه: إنما يتجه تفسير الحافظ الذهبي لقول النسائي: "تغير" بأنه بسبب الكبر، هذا إذا عُرف صحيح حديثه من ضعيفه، وألا يطبق عليه وصف الاضطراب).(1/90)
ولفظ كلام ابن القطان: (وقوله-أي: عبد الحق الإشبيلي- في ثابت بن عجلان: لا يحتج به (1) ، قول لم يقله غيره فيما أعلم، ونهاية ما قال فيه العقيلي: (لا يتابع على حديثه) (2) .
وهذا من العقيلي تحامل عليه، فإنه يمس بهذا من لا يعرف بالثقة، فأما من عرف بها، فانفراده لا يضره، إلا أن يكثر ذلك منه) (3) .
ثم ذكر من وثقه (4) ، نعم، يضره الانقطاع بين عطاء-رحمه الله تعالى-وأم سلمه-رضي الله عنها-، لأنه لم يسمع منها. نصّ على ذلك الإمام علي بن المديني، والإمام أحمد بن حنبل-رحمهما الله تعالى-.
7-وقال ابن عدي: (الضعف على حديثه بيِّن) (5) .
8-وقال ابن حبان-رحمه الله تعالى-: (كان ممن ينفرد عن أبيه بما ليس من حديثه توهماً على قلة روايته فبطل الاحتجاج بخبره) (6) .
9-وقال أبو نعيم الأصبهاني-رحمه الله تعالى-: (روى عن أبيه أحاديث منكرة، قاله البخاري) (7) .
وهكذا يتبين لنا أن استعمال الجوزجاني-رحمه الله تعالى-لهذا التعبير يراد به التجريح؟.
واستعمل هذا التعبير أيضاً أبو داود السجستاني (توفي سنة: 275 هـ)-رحمه الله تعالى-في تجريح: عبد الرحمن بن مالك بن مغول أبي زكرياء الكوفي (توفي سنة: 195 هـ).
__________
(1) -انظر: (الأحكام الوسطى) (2/169).
(2) -انظر: (الضعفاء الكبير) للعقيلي (175/176).
(3) -انظر: (بيان الوهم والإيهام ... ) (5/362/363/364/ رقم:2535).
(4) -انظر: (الجرح والتعديل) (2/455)، و(التهذيب) (2/10)، و(الكامل) (2/524).
(5) -كما في (لسان الميزان) (4/386)، و(الكامل) (5/2019)..
(6) -كما في: (المجروحين) (2/191/192)، و(لسان الميزان) (4/387).
(7) -كما في: (الضعفاء) (ص:126/رقم:185) لأبي نعيم، و(لسان الميزان) (4/387).(1/91)
فقد سأل الآجري أبا داود عنه-رحمهما الله تعالى-فقال: (آية من الآيات كذاب)، وسئل عنه مرة أخرى فقال: (كان يضع الحديث) (1) . واستعمل هذا الأسلوب أيضاً الإمام الناقد الدارقطني-رحمه الله تعالى-حيث جرح به طائفة من الرواة، وأراد به تجريحهم، وهم:
1- محمد بن محمد بن الأشعث الكوفي، أبو الحسن نزيل مصر.
قال حمزة بن يوسف السهمي رحمه الله تعالى-: سألت الدارقطني-رحمه الله تعالى، ونفعنا بعلمه-عنه: فأجابه بعبارة جامعة وغريبة حيث قال- إنه-:
2- محمد بن سليمان بن زَبَّان شيخ كان بالبصرة.
قال حمزة بن يوسف السهمي سألت الدارقطني عنه؟ فقال: (مدبر، آية من آيات الله، قلت له:-القائل السهمي-كان يضع الحديث؟ قال: نعم) (2) .
المعنى اللغوي-لكلمة:-مدبر:
وكلمة (مدبر) لغة: دبر الرجل: شاخ، ودبر الحديث عن فلان، حدثه عنه بعد موته وهو يدبر حديث فلان أي: يرويه، وروى الأزهري بسنده إلى سلام بن مسكين بن ربيعة الأزدي قال: سمعت قتادة السدوسي (3)
__________
(1) -كما في (سؤالات أبي عبيدة الآجري) (5/ق25-ب-) و(تاريخ بغداد) (10/237)، واكتفى في: (ميزان الاعتدال) (2/584)، و(لسانه) (3/427) بقوله: (قال أبو داود:كذاب، وقال مرة: يضع الحديث).
(2) -انظر: (سؤالات حمزة السهمي) (ص:103/رقم:58)، وفي (الميزان) (3/573): (قال الدارقطني: قيل كان يضع الحديث، وكان مدبراً)، وكذا في (لسان الميزان) (5/190)، ومقدمة (تنزيه الشريعة) (1/106)، و(الكشف الحثيث) (ص:378).
(3) -قال الحافظ الذهبي في (السير) (10\95) ترجمة: (قتادة بن دعامة السدوسي البصري) بعد أن نقل عن أبي سلمة المنقري قال: حدثنا أبان العطار، قال: ذكر يحيى بن أبي كثير عند قتادة فقال: "متى كان العلم في السّمّاكين"، فذُكر قتادة عند يحيى فقال: "لا يزال أهل البصرة بِشَرِّ ما كان فيهم قتادة".
فعلّق عليه بقوله: "كلام الأقران يُطوى ولا يُروى، فإن ذُكر تأمَّله المحدث، فإن وجد له متابعاً، وإلاّ أعرض عنه".
وقد أشار الفسوي، إلى ما بين هذين العَلَمَيْن من فساد ذات البين، ما جعل يحيى يتحوَّل من البصرة إلى اليمامة فقال: "ويحيى ثقة"، جُمع أحاديثه، بصريّ الأصل تحوّل منها لمكان قتادة، كان يؤذيه فتحول). انظر: (المعرفة والتاريخ) (2\466)، و(ضوابط الجرح والتعديل عند الحافظ الذهبي) (2\658\659).(1/92)
يحدث عن فلان؟ يرويه عن أبي الدرداء يدبره عن رسول الله-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-فذكر حديث دعاء الملكين للكريم المنفق، والبخيل الممسك.
قال شمر بن حمدويه الهروي: ودبرت الحديث غير معروف وإنما يذبره بالذال المعجمة أي: يتقنه، قال الأزهري: وأما أبو عبيد القاسم بن سلام فإن أصحابه رووا عنه يدبره كما ترى (1) .
وقال الزمخشري: (حقيقة قولهم: دبرت الحديث: أنه جعل له دُبراً أي: آخراً ومستنداً كقولك روى فلان عن فلان عن النبي-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم) (2) .
وقال ثعلب: إنما هو يذبره بالذال المعجمة أي: يتقنه قال الزجاج الذبر: القراءة (3) .
والذي يستفاد من المعنى اللغوي للكلمة أن المدبر هو الرجل الضعيف الذي يروي أحاديث شيوخ بعد وفاتهم، حتى لا يُسألوا عن رواية الضعيف عنهم ويُتثبت منهم عن صدق روايته، ونعتُ الدارقطني لمحمد بن سليمان هذا ينطبق عليه، فلا يستبعد عن الذي يضع الحديث أن يحدث عن شيوخه الذين ماتوا حتى إذا ما تصرف في الحديث من زيادة أو: نقصان أو: تغيير في الإسناد يطمأن بأنه لا يُنقر عليه أحد.
3-محمد بن عبيد الله الخوارزمي أبو جعفر خَتَن أبي الأذان بسُرَّ مَنْ رأى بعد 300 هـ. قال عنه الدارقطني: (كان مخلطاً، آية من آيات الله) (4) .
4-الحسين بن عبد الغفار بن عمرو أبي علي الأزدي حدث بمصر سنة: (299 هـ، 305 هـ). قال عنه: (هذا آية، متروك، كان بلية) (5) ...
__________
(1) -انظر: (تاج العروس) (3/198)، و(مجمع بحار الأنوار) (2/144).
(2) -انظر: (الفائق) (1/410).
(3) -انظر: (النهاية) (2/98)، و(2/155).
(4) -انظر: (سؤالات السهمي) (ص:113/رقم:76)، و(الميزان) (3/612)، و(3/637)، و(لسانه) (5/238)، و(المغني في الضعفاء) (2/611).
(5) -انظر: (سؤالات السهمي) (ص:205/رقم:271)، و(الميزان) (1/540)، و(لسانه) (2/295)، و(تهذيب تاريخ دمشق) (4/311).(1/93)
5-خالد بن غسان بن مالك أبو عيسى الدارمي، كتب عنه ابن عدي في البصرة. قال عنه: (متروك يحدث بما لم يسمع، وكان آية) (1) .
ومن خلال التراجم السابقة يتبين لنا: أن قول الدارقطني: (آية من آيات الله) يعتبر من أقوال التجريح الشديدة وهو في أغلب الحالات يستعملها مقرونة بكلمة تدل على اتهام صاحبها بالوضع أو: الكذب.
واستعملها أحمد بن سيار بن أيوب المروزي الفقيه الثقة الحافظ (توفي سنة: 268 هـ) في مدح محمد بن إسحاق بن حرب اللؤلؤي السهمي مولاهم البلخي (توفي سنة: 244 هـ).
فقد روى الخطيب البغدادي بسنده إلى أحمد بن سيار-وذكر من كان ببلخ من أهل العلم-فقال: (وكان بها إنسان يقال له: ابن أبي يعقوب، واسمه محمد بن إسحاق أبو عبد الله، وكان لا يخضب، وكان قارب ثمانين سنة، وكان آية من الآيات في حفظ الحديث (2) ، ومعرفة أيام الناس، وله لسان وبصر بالشعر، ومعرفة بالأدب، ولا يكلمه إنسان إلا علاه في كل فن) (3) .
فالحافظ أحمد بن سيار حدد مراده من هذا التعبير حيث شهد له بالحفظ في الحديث، وأيام الناس، والأدب.
ولا يلزم الحفظ التوثيق، فكم من حافظ وهو مردود الرواية أو: كذاب مجروح، ومحمد بن إسحاق هذا قال عنه الخطيب: (لم يكن يوثَقُ به) (4) .
__________
(1) -انظر: (سؤالات السهمي) (ص:213/رقم:286)، و(الميزان) (1/637)، و(لسانه) (2/383).
(2) -قرأت في (تاريخ) الحافظ ابن الزبير، قال: "أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن الكماد السبتي: ذكر لي شيخنا أبو الخطاب بن خليل على جلالته وسنِّه أنه لم يلق أحداً أحفظ من ابن الكماد، كان في حفظ الحديث آية من الآيات". قال ابن الذهبي في (تذكرة الحفاظ) (4\1460): (يعني: المتون).
(3) -انظر: (تاريخ بغداد) (1/235)، واكتفى في: (الميزان) (3/476) بقوله: (كان آية) من الآيات في الحفظ وكان لا يكلمه أحد إلا علاه في كل فن. وكذا في: (لسان الميزان) (5/66).
(4) -انظر: (تاريخ بغداد) (1/235).(1/94)
وذكره أحمد بن سيار المروزي لأبي رجاء قتيبة بن سعد (1) فجعل يذكره بأسوءِ الذكر، قال (2) : وسمعت أبا رجاء يقول: حدّثت أنه بالكوفة شتم أم المؤمنين فأرادوا أخذه فهرب من ثَمَّ (3) .
وقال ابن عدي: (لا أرى حديثه يشبه حديث أهل الصدق) (4) .
وقال الشيخ مصطفى بن إسماعيل في كتابه النفيس: (شفاء العليل): (قولهم: "فلان آية أو: آية من آيات الله": هذه العبارة تأتي بمعنى أن الراوي قد بلغ الغاية (5) والنهاية في التعديل أو: في التجريح، وأنا أذكر لكل حالة بعض أمثلة تدل على ما قلت وما أهملته أكثر، أما عن ورود هذه الألفاظ في التعديل فقد جاء في مقدمة "الكامل" (6) : "قال الربيع بن سليمان: أبو زرعة آية وإن الله إذا جعل إنساناً آية أبان من شكله حتى لا يكون له ثانٍ".
__________
(1) -ثقة ثبت (ت: 240 هـ).
(2) -القائل هو أحمد بن سيار المروزي.
(3) -انظر: (تاريخ بغداد) (1/235).
(4) -انظر: (الكامل) (6/2282)، و(الميزان) (3/476)، و(لسانه) (5/66).
(5) -وجاء في (لسان العرب) (15\143): (الغاية: مدى الشيء وغاية كل شيء مداه ومنتهاه). وهذا اللفظ من الألفاظ التي تذكر في أعلى درجات التعديل وفي أردأِ درجات التجريح، وقد قال ابن المبارك في أبي حنيفة: "ما رأيت أفقه منه وكان آية، قيل له: في الخير أو: في الشر؟ فقال: اسكت يا هذا يقال غاية في الشر وآية في الخير-كما في "تاريخ بغداد" "13\336".
والظاهر لي أن قولهم: "آية" يتردد بين الجرح والتعديل كما سبق، وكذا قولهم: "غاية" يتردد بين الجرح والتعديل، فقد ذكر ابن المبارك أنه يأتي في الشر، لكن وقفت على ترجمة تدل على المدح-كما في "تاريخ بغداد" "3\258"-قال عبد الرحمن بن يوسف بن خراش في محمد بن مسلم بن وارة: "كان ابن مسلم غاية شيئاً عجباً"، وقال مرة: "كان من المتقنين الأمناء". انظر: (شفاء العليل) (1\431\432).
(6) -انظر: (الكامل) (1\142).(1/95)
وجاء في (النبلاء) (1) ترجمة: الإمام البخاري-رحمه الله-قال أبو الطيب حاتم بن منصور الكيّسي: "محمد بن إسماعيل آية من آيات الله في بصره ونفاذه في العلم"، وقال رجاء الحافظ: "فضل محمد بن إسماعيل على العلماء كفضل الرجال على النساء، فقال رجل: يا أبا محمد كل ذلك بمرة؟ قال: وآية من آيات الله يمشي على ظهر الأرض".
وقال قتيبة: "لو كان محمد-يعني ابن إسماعيل البخاري-في الصحابة لكان آية" (2) ، واعلم أنهم يقولون ذلك فيمن بلغ الغاية والذروة في الحديث أو: في الفقه أو: في العبادة، والله أعلم.
وأما عن ورودها في التجريح فقد جاء في "الجرح والتعديل" (3) ترجمة: سليمان بن عمر النخعي الكذاب قال أبو زرعة-رحمه الله تعالى-: "كان آية وذكر عنه أشياء منكرة وغَلَّظ القول فيه جداً".
وفي "سؤالات الدارقطني" (4) قال السهمي: "سألت الدارقطني عن محمد بن محمد بن الأشعث الكوفي؟ فقال: آية من آيات ذلك الكتاب هو وضعه-أعني العلويات"، وفيها أيضاً قال الدارقطني: "محمد بن سليمان بن زبان بن مدبر آية من آيات الله، فقال السهمي: كان يضع الحديث؟ قال: نعم". وفي "تاريخ بغداد" (5) ترجمة: عبد الرحمن بن مالك بن مغول الكوفي قال أبو داود: "آية من الآيات كذاب"، وقال مرة: "كان يضع الحديث"
وفي المغني" (6) للذهبي قال الدارقطني في محمد بن عبيد الله ختن أبي الآذان: "كان مخلصاً آية من الآيات"، وفي "سؤالات السهمي للدارقطني" بعض تحريف وسقط في هذه العبارة، والله أعلم) (7) .
وإلى هذا أشرت بقولي:
__________
(1) -انظر: (سير أعلام النبلاء) (12\427).
(2) -انظر: (سير أعلام النبلاء) (12\431).
(3) -انظر: (الجرح والتعديل) (4\132\133).
(4) -انظر: (سؤالات السهمي للدارقطني) (ص:101).
(5) -انظر: (تاريخ بغداد) (10\237).
(6) -انظر: (المغني) (2\611).
(7) -انظر: (شفاء العليل) (1\431\432).(1/96)
إنَّهُ آيَهْ (1) مِن الآياتِ حَقّاً * آفَةٌ شَقَّتْ من الآياتِ طُرْقاً
20- المصطلح العشرون قولهم في الراوي: (طير طرأ علينا، طير غريب، طير طيار):
استعمل هذا التعبير أبو أحمد الحاكم النيسابوري الكرابيسي-رحمه الله تعالى-(توفي سنة: 378 هـ) في توهين أحمد بن علي الأنصاري (2) فقال عنه: (طير طرأ علينا) (3) .
وعقب الحافظ الذهبي-رحمه الله تعالى-على قوله هذا فقال: (قلت: يوهِّنه الحاكم بهذا القول) (4) . ثم حكم عليه الذهبي بأنه واهٍ (5) .
وممن استخدم هذا التعبير قبل الحاكم أبي عبد الله، ما جاء عن ابن عيينة قال: (قلت ليحيى: أبو ماجد؟ قال: طارئ طرأ علينا فحدثنا، وهو منكر الحديث). رواه البخاري في (التاريخ الكبير) (9\73) عن الحميدي، عن ابن عيينة به (6) .
المعنى اللغوي:
الطير: معروف-عند علماء اللغة-اسمٌ لجماعةِ ما يطير مؤنث، والواحد طائرٌ، والأنثى طائرة، وهي قليلة (7) .
وطرأ طرواً: أتى من مكان بعيد، أو: أتى من غير أن يعلموا، والطري: الغريب، وطَرَى إذا أتى، وطرى إذا مضى، وطرى إذا تجدد، وطَرِيَ يَطْرى إذا أقبل وطَرِيَ إذا مَرَّ.
__________
(1) -انظر كتابي: (قناص الشوارد الغالية...) (ص:854\رقم:71)، و(ص:1039\إلى:1046\رقم:175).
(2) -أبو علي أحمد بن علي الأنصاري روى عن أحمد بن حنبل قال عنه الذهبي: (واهٍ) توفي سنة ثماني عشرة وثلاثمائة. انظر: (الميزان) (1/120)، و(لسانه) (1/223)، و(المغني في الضعفاء) (1/49).
(3) -انظر: (الميزان) (1/120)، و(لسانه) (1/223).
(4) -انظر: (الميزان) (1/120)، و(لسانه) (1/223)، و(تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام) (23\556)، و(كتاب السلسبيل في شرح ألفاظ وعبارات الجرح والتعديل) (ص:98\رقم:109)
(5) -انظر: (الميزان) (1/120)، و(لسانه) (1/223).
(6) -انظر: (كتاب السلسبيل في شرح ألفاظ وعبارات الجرح والتعديل) (ص:98\رقم:109)
(7) -انظر: (لسان الميزان) (4/508)، و(تاج العروس) (3/364) مادة: طير.(1/97)
يقال: رجلٌ طاريٌّ وطورانيٌّ وطُخْرورٌ وطُمرورٌ أي: غريب، ويقال للغرباء الطُّرَّاءُ، وهم الذين يأتون من مكان بعيد (1) .
ولكون هذا الراوي أحمد الأنصاري-من الغرباء غير معروف عند أهل العلم نعته الحاكم بهذا النعت، وقد كفانا الحافظ الذهبي مؤنة إيضاح المعنى الاصطلاحي الذي ينطبق عليه حيث قال بعد أن بيَّن مراد الحاكم: (واهٍ).
وهي من ألفاظ المرتبة الرابعة عند الحافظ العراقي، وتعادل المرتبة الخامسة عند السخاوي، وحديث رواة هذه المرتبة يخرج حديثهم للاعتبار لإشعار هذه الصيغ بصلاحية المتصف بها لذلك وعدم منافاتها لها (2) .
ولعل أول من استعمل هذا التعبير هو يحيى بن عبد الله بن الحارث الجابر قال ابن عيينة-فيما رواه عنه الحميدي-
قلت ليحيى: من أبو ماجد؟ قال:
1- (طير طار علينا فحدثنا وهو منكر الحديث).
2- أو: (طار علينا طير...).
3- أو: (طارئ طرأ علينا...).
4- أو: (طار طرى علينا...).
5- أو: (طرأ علينا...).
6- (طار طرأ علينا...) (3) ...
ومما يدخل في هذه الفائدة أيضاً قولهم: (طير غريب):
هذا التعبير استعمله الحافظ الذهبي-رحمه الله تعالى-في تجريح:
__________
(1) -انظر: (لسان العرب) (15/6)، و(تاج العروس) (10/223/224).
(2) -انظر: (شرح ألفية العراقي) (2/12)، و(فتح المغيث) (ص:374).
(3) -انظر: (تهذيب الكمال) (3/1642)، وفي (الضعفاء) لأبي زرعة (ص:674): (طار علينا طير فحدثنا وهو منكر الحديث)، وفي (تهذيب التهذيب) (12/217) بلفظ: (طير طرأ علينا وهو منكر الحديث)، وهناك أمثلة واستعمالات أخرى تطلب من (الضعفاء الصغير)، و(التاريخ الكبير) (9/73) و(التاريخ الصغير) (ص:111)، والثلاثة للبخاري، و(الميزان) (4/567)، و(المعرفة والتاريخ) للفسوي (2/579/815)، و(العلل) (ص:107/108) لابن المديني.(1/98)
1- القاسم بن داود البغدادي (1) .
فقال: (طير غريب، أو: لا وجود له). انفرد عنه أبو بكر النقاش (2) ذاك التالف، وقال عنه: (من حيوانات البر، أو: لا وجود له...) (3) .
ولعل الحافظ الذهبي حمل عليه بهذا الأسلوب الشديد لأنه ادعى كتابته الحديث عن ستة آلاف شيخ، ومن كتب عن هذا العدد (إن صحت رواية النقاش-وهو تالف-عنه) لا يمكن أن يكون مجهولاً لا يعرفه أهل العلم، ولما كان أهل بغداد لم يعرفوا خبره أو: حاله (4) ، قال عنه الحافظ شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي-رحمه الله تعالى-ما قال واحتمل عدم وجوده.
2- واستعمله أيضاً في تجريح منصور بن الحكم الفرغاني (5) .
فقال في ترجمته: (عن جعفر بن نسطور (6) طير غريب. متهم بالكذب).
__________
(1) -القاسم بن داود البغدادي كان يقول: (كتبت عن ستة آلاف شيخ). (تاريخ بغداد) (2/440)، و(الميزان) (3/370)، و(لسانه) (4/460).
(2) -محمد بن الحسن بن محمد الموصلي البغدادي، أبو بكر النقاش قال عنه البرقاني: (كل حديثه منكر). وقال هبة الله اللالكائي: (تفسير النقاش ذاك أشقى الصدور، وليس بشفاء الصدور) (تاريخ بغداد) (2/205)، و(الأنساب) (13/163/165)، و(ميزان الاعتدال) (3/520).
(3) -انظر: (الميزان) (3/370)، و(لسانه) (4/460).
(4) -فلم يذكر الخطيب البغدادي في ترجمته ما يفيد ذلك.
(5) -منصور بن الحكم الفرغاني الزاهد. روى عن جعفر بن نسطور-الذي ادعى الصحبة-نسخة مكذوبة. (الميزان) (4/183)، و(لسانه) (6/93)، و(تنزيه الشريعة) (1/120).
(6) -جعفر بن نسطور الرومي أحد الكذابين الذين ادعوا الصحبة بعد النبي-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-بمئين من السنين. وقال عنه الذهبي: (الإسناد إليه ظلمات والمتون باطلة وهو دجال أو: لا وجود له). (الإصابة) (ق4/1/551)، و(تجريد الصحابة) (1/85)، و(الميزان) (1/419)، و(4\183)، و(6\93)، و(تنزيه الشريعة) (1\120).(1/99)
3- واستعمله أيضاً في تجريح محمد بن إبراهيم السمرقندي الكسائي (1) .
فقال في ترجمته: (شيخ لابن السماك (2) في وصية النبي-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-لعلي الموضوعة. طير غريب (3) لا يدرى من هو) (4) .
وقال الحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني-رحمه الله تعالى-في ترجمة ابن السماك: صدوق في نفسه، لكن روايته لتلك البلايا (5)
__________
(1) -انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد) (1/407)، و(الميزان) (3/449)، و(لسانه) (5/24)، و(الكشف الحثيث) (ص:344).
(2) -انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد) (11/302/303) (السير) (15/444)، و(الميزان) (3/31).
(3) -قال الشيخ مصطفى بن إسماعيل في كتابه القيم: (شفاء العليل) (1\195) تحت المرتبة الرابعة: من مراتب التجريح: (وقولهم: "فلان طير غريب"، أي: مجهول العين، وقد قال الذهبي في القاسم بن داود البغدادي: "طير غريب أو: لا وجود له، انفرد به أبو بكر النقاش ذاك التالف"-كما في "الميزان" (3\370). وقد يقال هذا في الكذاب كما في ترجمة: منصور بن الحكم-انظر: (لسان الميزان) (6\93)...).
(4) -انظر: (المغني في الضعفاء) (2/546).
(5) -البلايا: هي الموضوعات والأكاذيب، قال ابن عراق في "تنزيه الشريعة" (1\19): (قولهم: فلان له بلايا، أو: هذا الحديث من بلايا فلان. قال الحافظ برهان الدين الحلبي: هو كناية عن الوضع فيما أحسب لأن البلية المصيبة).
قال شيخنا أبو غدة-رحمه الله-: (ومن هذه المرتبة والباب أيضاً قولهم: (حدث بنسخة فيها بلايا)، و(من مصائب فلان كذا) أي: من موضوعاته ومفترياته، وما وقع في كلام الحافظ برهان الدين الحلبي بلدينا-رحمه الله-من التردد في هذا المقام فلا داعي له، ومن شواهد ذلك:
أ-وفي "الميزان" (1\82) ترجمة: أحمد بن إسحاق بن إبراهيم بن نبيط بن شريط، عن أبيه، عن جده بنسخة فيها بلايا...
ب-وفي "الميزان" (3\324) أيضاً، ترجمة: عيسى بن مهران، رافضي كذاب جبل، وقع إليَّ كتاب من تصنيفه في الطعن في الصحابة وتكفيرهم، فلقد قف شعري وعظم تعجبي مما فيه من الموضوعات والبلايا).
ثم أورد شيخنا أبو غدة-رحمه الله-أمثله أخرى تجدها في هامش (الرفع والتكميل) (ص:171)، وعنه الخميسي في كتابه: (معجم علوم الحديث النبوي) (ص:69\61)\رقم:135).(1/100)
عن طيور كوصية أبي هريرة-رضي الله تعالى عنه-، فالآفة من فوق. ذكر حديثاً في ترجمته ثم قال: وهذا الإسناد ظلمات وينبغي أن يغمز ابن السماك لروايته هذه الفضائح (1) .
وعقب عليه الحافظ ابن حجر-رحمه الله-بقوله: ولو فتح المؤلف-أي: الذهبي-على نفسه ذكر من روى خبراً كذباً آفته من غيره ما سلم معه سوى القليل من المتقدمين فضلاً عن المتأخرين وإني لكثير التألم من ذكره لهذا الرجل الثقة في هذا الكتاب بغير مستند ولا سلف وقد عظمه الدارقطني وذكر توثيقه وتوثيق النقاد الآخرين (2) ...
4- واستعمله أيضاً في تجريح موسى بن عبد الله الفارسي الطويل حيث قال بعد أن ذكر حديث: (طوبى لمن رآني...) (3) .
__________
(1) -انظر: (الميزان) (4/183)، و(لسانه) (6/93)، و(تنزيه الشريعة) (1/120).
(2) -انظر: (الميزان)، و(لسان الميزان) (4/131).
(3) -(حديث حسن). انظر: (موسوعة الأحاديث والآثار الضعيفة والموضوعة) (5/104/رقم:13764)، و(الألحاظ) (رقم:362). وورد بلفظ: (طوبى لمن رآني ولمن رآى من رآني، طوبى لهم وحسن مآب).
أخرجه الحاكم في (مستدركه) (4/86) وقال: (هذا حديث قد روي بأسانيد قريبة عن أنس بن مالك، وأقرب هذه الروايات إلى الصحة ما ذكرنا) وتعقبه الحافظ الذهبي في (تلخيص المستدرك) (4/86) بقوله: (قلت: جميع واه)، ومرة قال في (الشفاعة) (ص:47): (منكر الحديث، لا يجوز أن يحتج به)، كذا قال في (الجرح والتعديل) (1/105/رقم:461-استخرج نصوصه: خليل بن محمد العربي).
والحديث رواه أنس، وأبو سعيد، وأبو أمامة وإليكم تخريجه:
1-نبدأ بحديث أنس فنقول: أخرجه ابن أبي عاصم في (السنة) (2/631/رقم:1488)، والبغدادي في (تاريخه) (6/201).
2-ونثني بحديث أبي سعيد الخدري فقد رواه ابن أبي عاصم أيضاً في (السنة) (2/631/رقم:1487)، والبغدادي في (التاريخ) (4/61)، والبخاري في (التاريخ الكبير) (1/1/335).
3-أما حديث أبي أمامة فقد أخرجه البخاري في (التاريخ الكبير) (1/2/37)، وابن أبي عاصم في (السنة) (2/630/رقم:1483)، وأورده الهيثمي في (المجمع) (10/20) بدون قوله: (ولمن رآى) وزاد: (وطوبى لهم وحسن مآب) وقال: (رواه الطبراني وفيه بقية وقد صرح بالسماع فزالت الدلسة، وبقية رجاله ثقات).
وصححه الألباني في مواضع من كتبه منها: (السنة لأبي عاصم ومعه ظلال الجنة في تخريج السنة) (2/630/631/رقم:1486)، وقال في (الصحيحة) (رقم:1254): (وقد وقفت على إسناده، أخرجه الضياء في "المختارة"(ق113/2) من طريق أبي يعلى، والطبراني عن بقية، وقال الطبراني عنه: ثنا محمد بن عبد الرحمن بن عرق اليحصبي عن عبد الله بن بسر به.
ورجاله معروفون، غير اليحصبي فقد ترجمه ابن أبي حاتم في (الجرح والتعديل) (3/2/306) برواية جماعة عنه. ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً، ووثقه ابن حبان في-الثقات-5/377). انظر تخريجه بتوسع في هامش: (ثمرات النظر في علم الأثر) (ص:109\110) للعلامة محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني، تحقيق!!!: رائد بن صبري، وهامش: (ص:86\87).(1/101)
ورواه دينار عن أنس ورواه أبو هُدبة عن أنس، فكل طبل وكل طير غريب يزعم أنه رواه عن أنس (1) .
وهذا التعبير يستعمله سليمان بن مهران الأعمش (ت: 148 هـ) في تجريح وتليين الرواة.
وهو مثل قوله في الراوي: (طبل مخرق ليس له صوت).
فقد روى ابن عدي في مقدمة (الكامل) بسنده إلى أبي بكر بن عياش (2) أنه قال: كنا نسمي الإمام الأعمش (3) سيد المحدثين، فكنا نمر به إذا انصرفنا من عند المشيخة، وكان يقول لنا عند من كنتم اليوم؟ فنقول:
__________
(1) -انظر: (الميزان) (4/210)، و(لسانه) (6/122). ...
(2) -أبو بكر بن عياش ثقة عابد إلا أنه لما كبر وساء حفظه وكتابه صحيح. (التقريب) (ص:627).
(3) -فائدة: قال المحدث الألباني في (الصحيحة) (4/403) عن عنعنة الأعمش: (لكن العلماء جروا على تمشية رواية الأعمش المعنعنة، ما لم يظهر الانقطاع فيها، وقال الذهبي في ترجمته في (الميزان): (ومتى قال (عن) تطرق إليه احتمال التدليس، إلا في شيوخ له أكثر عنهم: كإبراهيم، وأبي وائل، وأبي صالح السَّمَّان، فإن روايته عن هذا الصنف محمولة على الاتصال).
وقال في (الضعيفة) (3/68): (العلماء المتأخرون قد مشَّوا أحاديثه المعنعنة، إلا إذا بدا لهم ما يمنع من ذلك). قلت: ما عدا روايته عن مجاهد، فإنه قليل السماع من مجاهد، وعامة ما يرويه عن مجاهد مدلس. كما في (العلل) لابن أبي حاتم (2/210). انظر هامش: (المسند للإمام أحمد) (11/78/ - ط: مؤسسة الرسالة). وكتابي: (ذاكرة سجين مكافح)(1\155)، و(قناص الشوارد الغالية) (ص:110\رقم:10).(1/102)
عند فلان، فيقول: جيد ويعقد ثلاثين (1) ، ثم يقول: عند من كنتم اليوم؟ فنقول: عند فلان، فيقول بأصابعه: أميٌّ ما به بأس، ويحرك أصابعه ثم يقول: عند من كنتم اليوم؟ فنقول: عند فلان فيقول: طبل مخرق (2) ليس له صوت (3) ، والشاهد في هذا النص قوله: (طبل مخرق ليس له صوت).
ومخرق معناه: ممزق. وتعبيره هذا أبلغ في التليين والتضعيف من التعبير السابق (4) .
ومما يدخل في هذه الفائدة أيضاً قولهم في الراوي: (طبل):
استعمل هذا التعبير ابن عدي-رحمه الله تعالى-في تجريح بعض الرواة. فقال في موسى بن عبد الله الطويل يحدث عن أنس-رضي الله عنه- بمناكير وهو مجهول يكنى أبا عبد الله فارسي حدث عنه أهل واسط، روى من طريقه عن أنس بن مالك-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: (طوبى لمن رآني ومن رأى من رآني ومن رآى من رأى من رآني) (5) .
__________
(1) -أي: يضع رأس السبابة على رأس الإبهام.
(2) -ورد في مقدمة (الكامل) ط: بغداد (ممزق). انظر: (المحدث الفاصل) (ص:238)، و(الجرح والتعديل) (2\25)، و(الإرشاد) (1\177) للخليلي، و(الكفاية) (ص:436)، و(المدخل) للبيهقي (ص:95)، و(فتح المغيث) (3\361)، و(معرفة علوم الحديث وكمية أجناسه) (ص:124\رقم:25).
(3) -انظر: (الكامل) (1/76) لابن عدي وط: بغداد (المقدمة) (ص:109) رواه الخطيب في (تاريخ بغداد) (9/11)، ونقله الذهبي في (السير) (6/247) بلفظ الخطيب ورواية الخطيب فيها اختلاف في بعض الألفاظ.
(4) -انظر: (لسان العرب) (10/342)، و(تاج العروس) (7/69-مادة: مزق).
(5) -رواه ابن عدي في (الكامل) (3/977) في ترجمة دينار بن عبد الله، والخطيب في (تاريخ بغداد) (6/200/2350) في ترجمة موسى الطويل، ورواه أيضاً في: (1/212) بلفظ: (طوبى لمن أبصرني ومن أبصر من أبصرني والذي يبصر من أبصر من أبصرني).(1/103)
ثم قال: هذا الحديث يرويه عن أنس-رضي الله تعالى عنه- (كل طبل)، وكل مجهول، وكل ضعيف، وموسى هذا رواه عن أنس-رضي الله عنه-وهو مجهول، ورواه إبراهيم بن هدبة (1) عن أنس-رضي الله عنه-وهو أضعف منه، ورواه دينار (2) عن أنس وكلهم ضعفاء (3) .
ولقد استعمل هذا التعبير أيضاً أبو أحمد الحاكم الكرابيسي الإمام (ت: 378 هـ)-رحمه الله تعالى-في تليين أبي عبد الله الحاكم النيسابوري ابن البيع (ت: 405 هـ).
فقد ذكر أبو سعد السمعاني (توفي سنة: 562 هـ)-رحمه الله تعالى-مناظرة بين ابن البيع والشيرازي واحتكامهما إلى الكرابيسي. يقول السمعاني: (وقع للحاكم أبي عبد الله بن البيع مع أبي بكر أحمد بن عبد الرحمن الشيرازي (توفي سنة: 407 هـ) قصة فكان الشيرازي يقول في (عمرو بن زرارة) هما اثنان وكان-أي: الحاكم-يقول: هما واحد فتحاكما إلى الشيخ أبي أحمد الحافظ الكرابيسي الإمام فقال له الشيرازي: ما قول الشيخ فيمن يقول عَمْرو بن زرارة، وعُمَر بن زرارة واحد؟ قال: فقال أبو أحمد: من هذا الطبل الذي لا يفصل بينهما؟ هما اثنان:
1-عَمرو بن زرارة بن واقد نيسابوري كنيته أبو محمد،
__________
(1) -إبراهيم بن هدبة، أبو هدبة الفارسي البصري بقي إلى سنة (200 هـ) قال النسائي وغيره: متروك. وقال أبو حاتم: وغيره: كذاب. (الكامل) (1/211/212)، و(تاريخ بغداد) (6/200/202)، و(ميزان الاعتدال) (1/71).
(2) -دينار أبو مليس الحبشي حدث في حدود (240 هـ) بوقاحة عن أنس بن مالك. قال ابن حبان: يروي عن أنس أشياء موضوعة، لا يحل ذكره في الكتب ولا كتابة ما رواه إلا على سبيل القدح فيه. وقال ابن عدي: منكر الحديث، وقال أيضاً: ضعيف ذاهب، وقال: (شبه المجهول). (المجروحين) (1/362/رقم:330)، و(الكامل) (3/976/979)، أو: (3/109/112)، و(تاريخ بغداد) (8/381)، أو: (8/301)، و(الميزان) (6/122).
(3) -انظر: (الكامل) (6/243)، و(الميزان) (4/209) باختصار، وكذا في: (لسان الميزان) (6/122).(1/104)
2-وعُمر بن زرارة الحدثي من أهل الحديثة، حدث ببغداد كنيته أبو حفص (1) فخجل أبو عبد الله وتشوَّر-أي: خجل. (لسان العرب) (4\436)-فقلت-القائل الشيرازي-في ذلك أبياتاً وهي قولي فيه:
قل لمن يزعم جهلاً * إنه كابن حرارة
ثم لا يفصل عمراً * عن عمير بن زرارة
حافظ تدعي ولكن * أنت عدل للغرارة (2)
ولا تذكر بعد هذا أو: كما قال (3) .
__________
(1) -انظر: (تاريخ بغداد) (1/202/203)، و(السير) (1/407/408)، و(لسان الميزان) (4/436).
(2) -الغرارة: الجوالق، واحدة الغرائر التي تستعمل للتبن، والجوالق بكسر اللام وفتحها: وعاء من الأوعية معروف، وأنشد ثعلب اللغوي:
ونازلةٍ بالحيِّ يوماً، قَريتُها * جوالق أصفاراً وناراً تحرَّق
(لسان العرب) (5/18)، و(10/36).
(3) -انظر: (الأنساب) (4/89/90). قال الدكتور سعدي الهاشمي: واللفظة الواردة فيها إن كانت: (طبل)، فهي ضمن هذا المبحث، وإن كانت (طفل) فهي لفظة أخرى أراد بها التليين الخفيف-والله أعلم. انظر: (شرح ألفاظ التجريح النادرة، أو: قليلة الاستعمال) (1/124).
وقال أبو الحسن المصري في (شفاء العليل) (1\206\207): (قولهم: "فلان طبل" قال أبو علي الحافظ الحسين بن علي في محمد بن أبي الطيب أحمد بن أبي القاسم أبي الفتح البغوي: "طبل لا يدري ما يخرج من رأسه"-كما في "تاريخ بغداد" (1\31)-وجاء في "النبلاء" (11\408): "سئل أبو أحمد الحاكم ما يقول الشيخ فيمن جعل عمر بن زرارة الحدثي عمرو بن زرارة الكلابي؟ فقال: من هذا الطبل؟ فقالوا له: هو أبو عبد الله بن البيع".
وفي "تذكرة الحفاظ" (3\1066): "فقال: من هذا الطفل؟-بالفاء-الذي لا يفصل بينهما؟"، والظاهر لي أن لفظ: "فلان طبل" أنه ليس بشيء ولا يفهم ولا يعرف ما يخرج من رأسه كما سبق من قول أبي علي الحافظ. أما قولهم: "فلان طفل" أي: أنه صبي ليس له رسوخ وليس بقوي في هذا الشأن...).(1/105)
وذكر هذه الحكاية الحافظ شمس الدين محمد بن أحمد الذهبي في (سير أعلام النبلاء) (1) باختصار، فيها: "من هذا الطبل".
وفي (تذكرة الحفاظ) (2) ذكرها في ترجمة الشيرازي-رحمه الله-بلفظ: (من هذا الطفل الذي لا يفصل بينهما).
وقول أبي أحمد الكرابيسي في أبي عبد الله بن البيع لا يعتبر تجريحاً مخلاًّ، وإنما توهيناً محتملاً بين شيخ وتلميذه والحاكم إنما أخطأ في التمييز بين هذين الراويين ثم تبين له الصواب فتراجع وهذا يحصل لكثير من الحفاظ، فهذا الإمام البخاري كان يقع له الغلط والوهم في (تاريخه) في أخبار أهل الشام (3) .
وقيل لعبد الرحمن بن مهدي: أكتب عمن يغلط في عشرة؟ قال: نعم. قيل له: يغلط في عشرين؟ قال: نعم. قلت-القائل هو سليمان بن أحمد الدمشقي ضعفه النسائي وغيره ووثقه عبدان-: فثلاثين؟ قال: نعم.
قلت: فخمسين؟ قال: نعم. قلت: أكتب عمن يغلط في مائة؟ قال: لا، مائة كثير، قال ابن أبي حاتم: يعني مائة حديث (4) .
وقال البرذعي: شهدت أبا زرعة ذكر عبد الرحمن بن مهدي-رحمه الله تعالى-ومدحه وأطنب في مدحه، وقال: وهم في غير شيء، قال: عن شهاب بن شريفة، وإنما هو شهاب بن شُرنْفَة.
وقال عن سماك، عن عبد الله بن ظالم، وإنما هو مالك بن ظالم (5) ...
ومن ذلك أيضاً قولهم في الراوي: (طبل لايدري ما يخرج من رأسه، أو: طبل مخرق ليس له صوت):
وهذا التعبير: (طبل لا يدري ما يخرج من رأسه) استعمله غير واحد من نقاد الحديث، في تجريح أو: تليين بعض الرواة.
__________
(1) -كما في: (11/408).
(2) -انظر: (تذكرة الحفاظ) (3/1066).
(3) -انظر: (جامع العلوم والحكم) (ص:244)، وانظر المزيد في كتاب: (أبي زرعة الرازي وجهوده في السنة) (1/189/192).
(4) -انظر: (الجرح والتعديل) (1/ق1/28/33).
(5) -انظر: (أبو زرعة الرازي وجهوده في السنة) (2/326/327)، و(الميزان) (2/282،ب2/282)، و(تصحيفات المحدثين للعسكري-لوحة:36).(1/106)
فقد روى محمد بن عبد الله بن نعيم النيسابوري-أبو عبد الله الحاكم-رحمه الله تعالى-قال: سألت أبا علي الحسين بن علي الحافظ النيسابوري-أحد جهابذة الحديث (ت: 349 هـ):-عن حديث مالك بن أنس، عن الزهري، عن أنس أن النبي-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-: (أهدى جملاً كان لأبي جهل) (1) .
فقال: باطل، فقلت حدث به يعقوب بن الأخرم عن سويد بن سعيد.
قال: أخطأ فيه فإنه لم يتابع عليه.
قلت: وقد حدث به أيضاً شيخكم أحمد بن الحسن الصوفي (2) ، عن سويد، فأنكره جداً عن أحمد بن الحسن. قال: من يرويه؟
قلت: حدثنيه أبو الفتح ابن بنت أبي القاسم بن منيع (3) في المذاكرة، قال قد عرفت أبا الفتح هذا هو طبل لا يدري ما يخرج من رأسه.
__________
(1) -أخرجه مالك في (الموطأ) (1/377/رقم:138) عن نافع، عن أبي حزم وقال: هذا مرسل-وأشار إلى هذا الخطيب البغدادي في: (التاريخ) (4/84).-ويستند من حديث ابن عباس، ورواه أبو داود في "سننه" كتاب المناسك باب: في الهدي (2/360/رقم:1749) عن ابن عباس وكذلك أحمد في "المسند" (1/261) عنه أيضاً، ورواه الخطيب البغدادي في (تاريخ بغداد) (4/83/84) من طرق، ومنها ما رواه بسنده من طريق يعقوب بن يوسف الأخرم الحافظ النيسابوري قال: ثنا سويد ابن سعيد...الخ.
وقال الخطيب: يعقوب عندهم من الثقات، ثم قال بعد سرده لطريق أبي الفتح الأزدي-فيه نظر-: والتعويل على رواية يعقوب ابن يوسف الأخرم في متابعته الصوفي، فبرئ الصوفي من عهدة هذا الحديث وحصل الحمل فيه على سويد على أن هذا الحديث هو ما أنكره الناس قديماً على سويد ثم روى بسنده إلى يحيى بن معين... ووهم الصوفي فيه وهماً قبيحاً.
(2) -انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد) (4/82/86)، و(طبقات الحنابلة) (1/36/37)، و(المنهج الأحمد) (1/315)..
(3) -محمد بن أبي الطيب أحمد بن أبي القاسم عبد الله بن محمد البغدادي قال الخطيب عنه لم يبلغني عن حاله الأخير (ت: 353 هـ). (تاريخ بغداد) (1/312/313).(1/107)
قلت: أبو بكر الإسماعيلي (أحمد بن إبراهيم ت:371 هـ) ترضاه؟ قال: إمام. قلت: قد حدث بهذا الحديث عن الصوفي فسكت أبو علي (1) .
المعنى اللغوي:
وأما المعنى اللغوي فقال الجوهري وغيره: الطَّبْل: معروف الذي يُضرب به وهو ذو الوجه الواحد والوجهين والجمع أطبال وطبول (2) .
وأراد الحسين بن علي الحافظ بتعبيره هذا أن يشبه أبا الفتح ابن بنت أبي القاسم بالطبل، فكما أن الطبل أجوف فارغ فكذلك هذا الراوي فارغ من العلم أي: جاهل لا يدري بالذي يقوله خطأ أم صواب وَهِمَ فيه أم أتقن الجواب.
ولعل الحسين النيسابوري تشدد في تجريحه هذا فالخطيب البغدادي قال عن أبي الفتح لم يبلغني عن حاله إلاَّ خَير، إضافة إلى ذلك رواية الإسماعيلي لهذا الحديث وإقرار النيسابوري بإمامته.
وإلى هذه المعاني أشرت بقولي:
وهو طَيْرٌ قد طَرَا كَرْهاً عَلَيْنَا * غِرَبٌ طَيَّار لا يَمْلأُ عَيْنَا
أيُّ طَبْلٍ لَيْسَ يَدْرِي ما يَخْرُجْ * مِنْهُ مِنْ فرطِ غَبَاءٍ ذاك يَسْمَجْ
ذا مُخَرَّقْ ما له صوتٌ يُذَاعُ * ما تحلَّقَ حَوْلَهُ إلا الرّعاعُ
21- المصطلح الواحد والعشرون قولهم في الراوي: (لا يجوز في الضحايا):
ومن ألفاظ التجريح قول يحيى بن معين-رحمه الله تعالى-في: (سويد بن عبد العزيز نمير: لا يجوز في الضحايا) (3) .
قال الدكتور سعدي-حفظه الله-: (هذا التعبير-يعني: لا يجوز في الضحايا-انفرد به يحيى ابن معين حيث جرَّح به سويد بن عبد العزيز الدمشقي (توفي سنة: 194 هـ).
فقد نقل أحد الرواة أقوال يحيى بن معين-رحمه الله تعالى-في الرجال وهو محمد بن عوف الطائي عنه أنه قال في سويد بن عبد العزيز "لا يجوز في الضحايا" (4) .
__________
(1) -انظر: (تاريخ بغداد) (1/313).
(2) -انظر: (لسان العرب) (11/398).
(3) -انظر: (تهذيب التهذيب) (3/106/ رقم:3156).
(4) -انظر: (تهذيب الكمال) (1/561)، و(تهذيب التهذيب) (4/276).(1/108)
وتعبيره هذا كناية عن تجريح هذا الراوي فكأنه في ضعفه لم يستوف شروط من تقبل روايته كالنعم من الضأن والبقر والإبل-التي لا تقبل في الأضحية لعدم توفر الشروط فيها (1) ، وهذا الراوي كذلك حاله في عدم توفر شروط التوثيق فهو من الضعفاء الذين لا يحتج النقاد بهم إذا انفردوا، وأقوال يحيى بن معين الأخرى تؤيد تجريحه فقال عنه: ليس بثقة وقال مرة: ليس بشيء، وقال مرة: ضعيف (2) . وكذلك أقوال النقاد الآخرين ... ) (3) .
وقال الشيخ مصطفى بن إسماعيل في المرتبة الرابعة: من مراتب التجريح من كتابه النفيس: (شفاء العليل): (وقولهم: "فلان لا يجوز في الضحايا" أي: به عيب يرده لأن الأضحية لها شروط فإن كانت معيبة فلا تجزئ في بابها، يدل على هذا أن ابن معين-رحمه الله تعالى-قال في سويد بن عبد العزيز:
1-"ليس بثقة"،
2-وقال مرة: (ليس بشيء)،
3-وقال مرة: "ضعيف" (4) ،
4-وقال مرة: "لا يحوز في الضحايا"،
والإمام عَلَم الرواية والدراية ابن معين يقول في كثير من الرواة: "ضعيف" على سبيل الجرح الشديد) (5) .
وإلى هذا أشرت بقولي:
لا يجوزنَّ خليلي في الضّحايَا * كيف يوماً يكتمل فيه رجايا
22- المصطلح الثاني والعشرون قولهم في الراوي: (هو عندي أضعف من كل ضعيف):
__________
(1) -السن، وألا تكون عوراء، ولا عرجاء، ولا جرباء، ولا عجفاء.
(2) -انظر: (التاريخ) لعباس الدوري (2/244)، و(الكامل) (3/1260) لابن عدي، و(الجرح والتعديل) (2*ق1/138)، و(الضعفاء الكبير) للعقيلي (2/157)، و(ميزان الاعتدال) (2/252).
(3) -انظر: (شرح ألفاظ التجريح النادرة أو: قليلة الاستعمال) (1/126/129).
(4) -قال الشيخ مصطفى بن إسماعيل في كتابه: (شفاء العليل) (1\205) تحت المرتبة الرابعة: من مراتب التجريح: (وقد قال عثمان بن مطر الشيباني: "كان ضعيفاً ضعيفاً"، وقال مرة: "ليس بشيء"، ولكن ابن معين يقول: "ضعيف" على من هو ليس بثقة-في الغالب).
(5) -انظر: (تهذيب التهذيب) (4\276)، و(شفاء العليل) (1\188).(1/109)
هذا التعبير استعمله البخاري في تجريح سليمان بن داود بن بشر المِنقري البصري الشاذكوني (1) .
فقد روى الخطيب بسنده إلى أبي العباس الأزهري أنه قال: سمعت محمد بن إسماعيل البخاري وذكر سليمان يعني الشاذكوني فقال: (هو عندي أضعف من كل ضعيف) (2) .
والبخاري أراد بلا شك تجريح الشاذكوني بهذا التعبير ويؤيد ذلك قول البخاري الآخر فيه وكذلك أقوال النقاد الآخرين، أما قوله الآخر فيه فهو (فيه نظر) (3) .
ولفظة التجريح هذه عدَّها الحافظ الذهبي من ألفاظ المرتبة الثالثة (4) ، وعدها الحافظ العراقي في المرتبة الثانية (5) .
وقال الحافظ العراقي أيضاً: فلان فيه نظر، وفلان سكتوا عنه (6)
__________
(1) - انظر: (تاريخ بغداد) (9/40)، و(لسان الميزان) (3/84/88)، و(تذكرة الحفاظ) (2/288).
(2) - انظر: (تاريخ بغداد) (9/47)، و(الأنساب) للسمعاني (7/7)، ، و(سير أعلام النبلاء) (10/288).
(3) - انظر: (الضعفاء) المطبوع باسم (التاريخ الصغير) (2/334)، و(الكامل) لابن عدي (3/1142)، و(المغني في الضعفاء) (1/279)، و(ميزان الاعتدال) (2/205)، و(لسان الميزان) (3/84).
(4) - انظر: (االميزان) (1/4)، و(لسانه) (1/8) وهي عند الذهبي في منزلة المتروك والساقط والذاهب الحديث. ولكن الذهبي قال عنه في: (السير) (10/683): (قلت: مع ضعفه لم يكَد يوجد له حديث ساقط بخلاف ابن حميد فإنه ذو مناكير).
(5) - انظر: (شرح ألفية العراقي) (2/11).
(6) - وقد قال البخاري في (الضعفاء الصغير) (218) ترجمة: محمد بن مروان الكوفي: "سكتوا عنه لا يكتب حديثه البتة"، وقال أيضاً في ترجمة: إبراهيم بن يزيد الخوزي: "سكتوا عنه"، فقال الدولابي: (يعني: تركوه) كما في (تهذيب التهذيب) (1\180)، و(شفاء العليل) (1\311\312).
تنبيه: السعدي في كتابه: "أحوال الرجال" (128\رقم:213) يقول في الراوي-يزيد بن عياض بن يزيد بن جُعْدُبَة الليثي-: "ذهب حديثُه، سكت الناس عنه"، أو: "السكوت على حديثه أسلم" في الجرح الشديد، إما لكثرة التخليط أو: للجهالة، انظر: ترجمة: يزيد بن عياض بن يزيد الليثي، وترجمة: أبي العطوف الجراح بن منهال الجزري: قد سُكت عن حديثه-(ص:176\رقم:317)-، والمسيب بن شريك: سَكت الناس عن حديثه-(ص:195\)-وعبد الغفور الذي يروي عن أبي علي-(ص:181-وانظر ترجمة: عبد الغفور هذا في "الكامل" (5\1966) فليتأمل الباحث عند وقوفه على مثل ذلك، والله المستعان).
انظر: (الجرح والتعديل) (9\1192)، و(الضعفاء الصغير) (406)، و(الضعفاء والمتروكين) (647)، و(الكامل) (3\ق247)، و(تهذيب الكمال) (ق770\ب)، و(تهذيبه) (11\352)، و(المجروحين) (3\108)، و(الميزان) (4\436)، و(لسان الميزان) (2\99)، و(تاريخ بغداد) (14\331).(1/110)
وهاتان العبارتان يقولهما البخاري فيمن تركوا حديثه (1) ، والحافظ العراقي جعل هذه اللفظة مع المتهمين بالوضع والكذب (2) ، وجعل السخاوي هذه اللفظة ضمن المرتبة الثالثة (3) .
وقال: فيه نظر، وفلان سكتوا عنه (4) ،
__________
(1) - انظر: (شرح ألفية العراقي) (2/11)، و(السير) (12\439)، و(تاريخ الإسلام) (حوادث ووفيات سنة:251\260 هـ ص:259)، و(الميزان) (2\416)، و(3\52)، و(ضوابط الجرح عند الحافظ الذهبي) (2\859\864).
(2) - انظر: (شرح ألفية العراقي) (2/11).
(3) - انظر: (فتح المغيث) (1/372).
(4) -قال أبو الحسن المصري في كتابه: (شفاء العليل) (1\166\167) تحت المرتبة الثانية من مراتب التجريح: (وقولهم: "سكتوا عنه"، وقد فرق الأخ عداب الحمش في رسالته: "رواة الحديث..." (ص:10) بين قولهم: "سكتوا عنه" و"سكتوا عليه" مع إشارته إلى أن الحافظ سوَّى بينهما في "نكته على ابن الصلاح" ثم استدل على التفرقة: بأن النقاد وخاصة البخاري استعمل قوله: "سكتوا عنه" فيمن ترك حديثه بخلاف "سكتوا عليه". اهـ
قلت: والذي يظهر صحة إطلاق اللفظين على من لم يُتكلم فيه بجرح أو: تعديل كما نص عليه الحافظ الذهبي في "الموقظة"، ونص عليه الحافظ ابن حجر في "النكت"، وتلميذه السخاوي في "فتح المغيث"، وأما استدلاله بأن البخاري استعمل قولهم: "سكتوا عنه" فيمن ترك حديثه فلا يلزم منه صحة ما قال، بل: الظاهر منه أن قولهم: "سكتوا عنه" جرح خفيف ولكن البخاري لطيف العبارة في التجريح فاستعمل عبارة خفيفة الجرح في موضع الجرح الشديد).
وانظر ما قاله أبو الحسن أيضاً في (شفائه) (1\311\312\314) عند قول البخاري-رحمه الله-في الراوي: "سكتوا عنه"، وعند قوله: "فيه نظر"، و(الميزان) (2\416\و3\41\52)، و(الجرح والتعديل) (9\129)، و(الضعفاء الصغير) (218)، و(التهذيب) (1\180)، و(الكامل) (5\1966)، و(أحوال الرجال) (ص:128\176\181\195).(1/111)
وكثيراً ما يعبر البخاري بهاتين الأخيرتين فيمن تركوا حديثه، بل: قال ابن كثير: (وثَم اصطلاحات لأشخاص ينبغي التوقيف عليها: من ذلك أن البخاري إذا قال في الرجل: "سكتوا عنه"، أو: "فيه نظر"، فإنه يكون في أدنى المنازل إنها أدنى المنازل وأردئها عنده، ولكنه لطيف العبارة في التجريح فليعلم ذلك) (1) .
قلت-القائل السخاوي-لأنه لورعه قلَّ أن يقول: كذاب (2) أو: وضاع، نعم ربما يقول: كذبه فلان ورماه فلان بالكذاب، فعلى هذا فإدخالهما في هذه المرتبة بالنسبة للبخاري خاصة مع تجوّز فيه أيضاً وإلا فموضعهما منه التي قبلها-يعني: مرتبة: كذاب ويضع (3) -...).
وعقب الشيخ المحدث حبيب الرحمن الأعظمي-سلمه الله-على كلام الحافظين:
1-الذهبي
2-والعراقي بعد أن سرد (11-مثالاً) (4)
__________
(1) - انظر: (فتح المغيث) (1/344)، و(الباعث الحثيث) (1\317\320). النسخة التي عندي داخل السجن
(2) -فقد كذب البخاري: الحسن بن عمرو بن سيف العبدي. انظر: (تهذيب التهذيب)، و(ضعفاء العقيلي)، و(التاريخ الكبير) (2\299)، و(تحرير التقريب) (1\277\رقم:1269)، و(شفاء العليل) (1\311)
(3) - انظر: (فتح المغيث) (1/344)، و(شفاء العليل) (1\311\312).
(4) - قال أبو الحسن المصري في (شفاء العليل) (1\313): (واعترض حبيب الرحمن الأعظمي على ذلك بقوله: "لا ينقضي عجبي حين أقرأ كلام العراقي والذهبي هذا ثم أرى أئمة الشأن لا يعبأون بهذا فيوثقون من قال فيه البخاري: "فيه نظر" أو: يدخلونه في الصحيح، وإليك أمثلته...".
ثم ذكر أحد عشر مثالاً ينازع في أكثرها لأن مخالفة الأئمة-إن ثبت ما قال-لا يلزم منها ما قال فلكل إمام مصطلح وليس منهم أحد إلا توبع أو: انفرد أو: خولف فيما يقوله، وأيضاً فإن الذهبي-رحمه الله-لم يدَّع إطلاق ذلك بل: قيده بالأغلب، نعم هناك حالات يقول فيها البخاري هذا اللفظ ولا يعني الجرح الشديد بل: يعني حديثاً بعينه من جملة حديث الراوي لا كل حديثه، وقد يقول ذلك طعناً في إسناد هذا الراوي عن شيخه أو: طعناً في سماع بعض رجال السند من بعضهم ...).(1/112)
بقوله:
(والصواب عندي: أن ما قاله العراقي ليس بمطرد ولا صحيح على إطلاقه، بل: كثيراً ما يقوله البخاري ولا يوافقه عليه الجهابذة.
وكثيراً ما يقوله ويريد به إسناداً خاصاً وذكر مثالاً على ذلك.. ثم قال: وكثيراً ما يقوله ولا يعني الراوي، بل: حديث الراوي، فعليك بالتثبت والتأني) (1) .
وقد قام الدكتور مسفر غرم الله الدميني بكتابة دراسة مفصلة تقع في (602-صفحة مع الفهارس) عن قول البخاري: (فيه نظر) ونحوه-أي: في إسناده نظر، في حديثه نظر... وذكر أكثر من عشرين عبارة-وخرج بالنتيجة التالية في قول البخاري: (فيه نظر).
يقول: (على هذا فقول البخاري في راوٍ-فيه نظر-ليس جرحاً مؤثراً كما قرره بل: هو كالجرح بقوله: "ضعيف" ونحوه ولا اختصاص له في الجرح الشديد بهذا اللفظ-دون غيره من العلماء-كما قرره:
1-الذهبي
2-والعراقي
3-والسخاوي
ومن تابعهم من العلماء) (2) .
لكن الشيخ محمد الثاني ذكر في كتابه القيم، ودراسته النافعة: (ضوابط الجرح والتعديل عند الحافظ الذهبي) في: (المطلب الثاني: من مصطلحات الإمام محمد بن إسماعيل البخاري "ت: 256 هـ") ما يلي: (أولاً: قوله: "فيه نظر".
__________
(1) - انظر: (الرفع والتكميل) (ص:389/392)، و(السير) (12/439).
(2) - وقد كنت كتبت مؤلفاً مختصراً بالسجن المحلي بتطوان بعنوان: (إعادة النظر فيمن قال فيه البخاري: فلان فيه نظر). وهو لا زال مخطوطاً يسر الله لنا طبعه-بعد أن نعيد فيه النظر-قريباً إن شاء الله.(1/113)
قال الحافظ الذهبي-رحمه الله-في ترجمة: "الإمام البخاري": "من نظر في كلامه في الجرح والتعديل علم ورعه في الكلام في الناس، وإنصافه فيمن يضعِّفه، فإنه أكثر ما يقول: "منكر الحديث"، "سكتوا عنه"، "فيه نظر" ونحو هذا، وقل أن يقول: "فلان كذاب" (1) ، أو: "كان يضع الحديث"، حتى إنه قال: "إذا قلت: فلان في حديثه نظر، فهو متهم واه، وهذا معنى قوله: "لا يحاسبني الله أني اغتبت أحداً"، وهذا-والله-غاية الورع" (2) .
قال الإمام الذهبي في (سير أعلام النبلاء): قال بكر بن منير: سمعت أبا عبد الله البخاري يقول: (أرجو أن ألقى الله ولا يحاسبني أني اغتبت أحداً) (3) .
__________
(1) -انظر تكذيبه لحسن بن عمرو بن سيف في: (تحرير التقريب) (1\277\رقم:1269).
(2) - انظر: (السير) (12\439)، قال الحافظ العراقي في: (شرح الالفية) (2/11): (فلان فيه نظر، وفلان سكتوا عنه: يقولهما البخاري فيمن تركوا حديثه.
وقال الذهبي في: (مقدمة ميزان الاعتدال) (1/3\4): (قوله: فيه نظر، وفي حديثه نظر، لا يقوله البخاري إلا فيمن يتهمه غالباً).
(3) - انظر: (السير) (12\439\144)، و(طبقات الحنابلة) (1/276)، و(تاريخ بغداد) (2/13)، و(تهذيب الأسماء واللغات) (1/168)، و(تهذيب الكمال) (لوحة:1170)، و(طبقات السبكي) (2/223\224)، و(مقدمة الفتح) (481).(1/114)
وفي رواية أن محمد بن أبي حاتم الوراق: سمعته-يعني البخاري-يقول: لا يكون لي خصم في الآخرة، فقلت: إن بعض الناس ينقمون عليك في كتاب (التاريخ) ويقولون: فيه اغتياب الناس، فقال: إنما روينا ذلك رواية لم نقله من عند أنفسنا، قال النبي-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-: (بئس مولى العشيرة) يعني: حديث عائشة (1) . وسمعته يقول: (ما اغتبت أحدا قط منذ علمت أن الغيبة تضر أهلها).
وقال في (تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام) (2) : "... يقول في الرجل المتروك أو: الساقط: "فيه نظر"، أو: "سكتوا عنه"، ولا يكاد يقول: "فلان كذاب"، ولا: "فلان يضع الحديث" وهذا من شدة ورعه". وقال في "ميزان الاعتدال": "وقد قال البخاري: "فيه نظر"، ولا يقول هذا إلا فيمن يتهمه غالباً".
وقال في "الموقظة": "وكذا عادته إذا قال: "فيه نظر" (3) بمعنى أنه متهم، أو: ليس بثقة، فهو عنده أسوأ حالاً من الضعيف".
وقال أيضاً: "وقل أن يكون عند البخاري رجل فيه نظر إلا وهو متهم" (4) ، وهذه النصوص عن الذهبي تدل على ما يلي:
__________
(1) - أخرجه الإمام مالك في (الموطأ) (2/903\904) في حسن الخلق، والبخاري في (صحيحه) (10/378\379) في الأدب: باب لم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم - فاحشاً ولا متفحشاً، ومسلم (رقم:2591) في البر والصلة: باب مداراة من يتقى فحشه، وأبو داود (رقم:4791)، والترمذي (رقم:1996)، وأحمد (6/38) عن عائشة-رضي الله عنه-أن رجلاً استأذن على النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "ائذنوا له بئس أخو العشيرة وبئس ابن العشيرة، فلما دخل عليه، ألان له القول، قالت عائشة: فقلت: يا رسول الله قلت له الذي قلت، ثم ألنت له القول؟ قال يا عائشة: إن شر الناس منزلة عند الله يوم القيامة من تركه الناس اتقاء شره".
(2) - انظر: (شرح ألفاظ التجريح النادرة أو: قليلة الاستعمال) (1/130/132).
(3) - انظر: (شفاء العليل) (1\378\379).
(4) - انظر: (2\416).(1/115)
أولاً: أن البخاري يقول: "فيه نظر" فيمن يتهمه أو: ليس بثقة.
ثانياً: أن ذلك قاعدة أغلبية عنده، وليست مطردة في جميع المواطن.
ومما يدل على ذلك ما نقله الترمذي في كتابه: (العلل الكبير) (1) عن البخاري أنه قال في حكيم بن جبير: "لنا فيه نظر"، فعلق عليه الترمذي قائلاً: "ولم يَعزم فيه على شيء". يعني: لم يقطع فيه بشيء.
ثالثاً: أن تفسير هذا المصطلح منقول عن البخاري من لفظه، وليس من استنباط متتبع لكلامه، وعلى هذا فلا يسوغ أن يُستدرك عليه بأن الاستقراء دل على خلافه، إذ الإمام إذا نص على مراده كان أقوى من مجرد استقراء غيره لأقواله، فكيف إذا كان الاستقراء مبنياً على موازنة أقوال ذلك الإمام بأقوال غيره من الأئمة، إذ من الجائز أن يخالف إمام مجتهد غيرَه من الأئمة المجتهدين، فيتفرد بحكم على راوٍ غيرُه على خلافه، وهذا أمر معروف عندهم، فلا يُحَكَّمُ قولُه وحكمُه، إلى أقوال بقية الأئمة على سبيل نقضه مدلوله عنده، وإسقاط معناه الذي اصطلح عليه، بل: على سبيل الترجيح والاختيار. والله أعلم.
__________
(1) - انظر: (العلل الكبير) (ص:390) تحقيق: السامرائي. وهي النسخة التي عندي داخل السجن.(1/116)
وقد جزم أبو الحجاج المزي-رحمه الله تعالى-عن الحافظ أبي محمد عبد الله بن أحمد بن سعيد بن يربوع الإشبيلي-رحمه الله تعالى-أنه قال: قال البخاري-رحمه الله تعالى- في "التاريخ" (1) : "كل من لم أبيِّن فيه جرحةً فهو على الاحتمال (2) ، وإذا قلت: فيه نظر، فلا يحتمل" (3) .
وقد تابع الذهبيَّ على ذلك: الحافظُ ابن كثير حيث قال: "من ذلك: أن البخاري إذا قال: في الرجل: "سكتوا عنه"، أو: "فيه نظر"، فإنه يكون في أدنى المنازل، وأردئها عنده، ولكنه لطيف العبارة في التجريح، فليُعلم ذلك" (4) .
__________
(1) - قال الشيخ محمد الثاني في (ضوابط الجرح والتعديل عند الحافظ الذهبي-رحمه الله تعالى) (2\861): لم أقف على موضعه في "التاريخ الكبير" للبخاري، ولعل ذلك وقع في إحدى نسخه، ولا سيما أن الناقل لهذه العبارة عنه هو عبد الله بن أحمد الإشبيلي، وكان ممن عرفت عنايته بجمع الكتب الحسان، وقد وصفه ابن بشكوال بقوله: "وكان حافظاً للحديث وعلله، عارفاً بأسماء رجاله ونقلته، يبصر المعدلين منهم والمجروحين، ضابطاً لما كتبه، ثقة فيما رواه. وكتب بخطه علماً كثيراً... "-كما في كتاب: "الصلة في تاريخ أئمة الأندلس" (1\283).
(2) - قال الشيخ محمد الثاني في (ضوابط الجرح والتعديل عند الحافظ الذهبي) (2\861): (مراده بذلك-والله أعلم-أن من لم يذكر فيه جرحاً، أو: تعديلاً فهو على احتمال أن يكون مقبول الرواية، ويحتمل خلاف ذلك، فينظر في حاله).
(3) - انظر: (تهذيب الكمال) (18\265)، (ضوابط الجرح والتعديل عند الحافظ الذهبي) (2\861).
(4) - انظر: (اختصار علوم الحديث) (1\320)، و(ضوابط الجرح والتعديل عند الحافظ الذهبي) (2\861).(1/117)
وتابعه أيضاً أيضاً العراقي (1) ، والسخاوي (2) ، وجلال الدين السيوطي (3) ، والمعلمي (4) ، رحمهم الله أجمعين" (5) .
__________
(1) - انظر: (شرح الألفية) (2\11)، و(التقييد والإيضاح) (ص:139)، و(ضوابط الجرح والتعديل عند الحافظ الذهبي) (2\861).
(2) - انظر: (فتح المغيث) (2\122)، و(ضوابط الجرح والتعديل عند الحافظ الذهبي) (2\861).
(3) - انظر: (تدريب الراوي) (1\439)، و(ضوابط الجرح والتعديل عند الحافظ الذهبي) (2\861).
(4) - انظر: (التنكيل) (1\205)، و(ضوابط الجرح والتعديل عند الحافظ الذهبي) (2\861).
(5) - وثمة ألفاظ عن البخاري مشابهة لقوله: "فيه نظر"، ومفارقة له في المعنى، منها: قوله: "في حديثه نظر": قال العلامة المعلمي-رحمه الله-عن هذه العبارة بأنها "تشعر بأنه صالح، وإنما الخلل في حديثه لغفلة أو: سوء حفظ". (التنكيل) والذين قال فيهم البخاري: "في حديثه نظر" ونحوه يغلب عليهم الضعف، وأكثرهم ممن تفرد بالرواية عنه واحد، وأيضاً اشتهر أغلبهم بحديث عرف به، حتى قيل فيه: "فلان صاحب حديث كذا". انظر: (قول البخاري: سكتوا عنه) للدكتور مسفر الدميني (ص:15).
قوله: "في إسناده نظر": قد يقول هذه العبارة للدلالة على عدم ثبوت سماع المترجم من شيخه في السند كقوله في أوس بن عبد الله أبي الجوزاء البصري: "في إسناده نظر"-كما في: "التاريخ الكبير" (2\17).
قال ابن عدي: "ويقول البخاري: في إسناده نظر: إنه لم يسمع من مثل ابن مسعود، وعائشة، وغيرهما، لا أنه ضعيف عنده، وأحاديثه مستقيمة عندهم، مستغنية عن أن أذكر منها شيئاً في هذا الموضع"-كما في (الكامل) (2\411)، (ووقع فيه: "إلا أنه ضعيف". وهو تحريف، صوابه: ما أثبته، انظر: "مختصر الكامل" للمقريزي "ص: 172"، و"تهذيب التهذيب" "1\384".).
وقد قال هذه العبارة أيضاً في جماعة من الصحابة، مثل الأسود بن الأصرم المحاربي، وحبشي بن جنادة السلولي، وسفينة مولى أم سلمة، وعبد الله جراد.-انظر: "التاريخ الكبير" (1\440\و3\128\و4\209\و5\35)-.
وفي "المغني" (1\146) ترجمة: (حبشي بن جنادة السلولي) قال: (تناكد ابن عدي وذكره في كتاب "الكامل" (2\442)، وشبهته في ذلك قول البخاري في حديثه: "إسناده فيه نظر"، وذلك عائد إلى الرواة عن حبشي لا إليه).
وأطلق هذه العبارة في تراجم عدد من الثقات، مثل: أوس بن عبد الله الربعي-كما تقدم-، وأويس القرني، وكل هؤلاء يعني البخاري بقوله في تراجمهم: "في إسناده نظر" أن الإسناد إليهم فيه نظر. انظر: "التاريخ الكبير" (2\55)، ورسالة: "قول البخاري: سكتوا عنه" (ص:16).
(أما غيرهم ممن قال فيه: "في إسناده نظر" فهم بين ضعيف أو: مجهول، وأكثرهم ممن له حديث أشتهر به لضعفه ونكارته). انظر: "قول البخاري: سكتو عنه" (ص:16)، و(ضوابط الجرح والتعديل عند الحافظ الذهبي) (2\861\862).(1/118)
ثانياً: قوله: (سكتوا عنه): تقدم قول الحافظ الذهبي: "يقول في الرجل المتروك أو: الساقط: "فيه نظر"، أو: "سكتوا عنه"...).
وقال في "الموقظة" (ص:62): (أما قول البخاري: "سكتو عنه" فظاهرها أنهم ما تعرضوا له بجرح ولا تعديل، وعلمنا مقصده بها بالاستقراء إنها بمعنى تركوا حديثه) (1) .
__________
(1) -وجاء في كتاب: (الجمع بين الموقظة والاقتراح) (ص:126\127) تحت: (فصل مهم في ألفاظ الجرح عند العلماء): (والكلام في الرواة يحتاج إلى ورع تام، وبراءة من الهوى والميل، وخبرة كاملة بالحديث، وعلله، ورجاله.
ثم نحن نفتقر إلى تحرير عبا رات التعديل، والجرح، وما بين ذلك من العبارات المتجاذبة. ثم أهم من ذلك أن نعلم بالاستقراء التام: عُرف ذلك الإمام الجهبذ، واصطلاحه، ومقاصده بعباراته الكثيرة.
أما قول البخاري: "سكتوا عنه"، فظاهرها أنهم ما تعرضوا له بجرح ولا تعديل، وعلمنا مقصده بها بالاستقراء: أنها بمعنى تركوه. وكذا عادته إذا قال: "فيه نظر"، بمعنى أنه متهم، أو: ليس بثقة، فهو عنده أسوأ حالاً من الضعف).
قال الشيخ المحدث الألباني-رحمه الله تعالى-في (السلسلة الصحيحة) (1\379): (ومِلتُ إلى توثيق ابن حبان إياه (9\15)، لأن قول البخاري المتقدم: "فيه نظر" جرح غير مفسر). وقال عصام موسى في (الروض الداني في الفوائد الحديثية) (ص:50\51): (قلت: هذا الكلام غير صحيح، والصواب أن قول البخاري: "فيه نظر" جرح مفسر بل: شديد كما قاله شيخنا في عدة مواطن ومنها: "الإرواء" حيث تكلم عن ذات الحديث وذات الراوي فقاال: "3\216": (قلت: وأنا متعجب من قول الذهبي فيه: "ثقة" مع أنه لم يوثقه أحد غير ابن حبان، وعهدي بالذهبي أنه لا يتقيد بتوثيقه، ولا سيما وقد خالف فيه إمام الأئمة البخاري فقد جرحه أشد الجرح بألين عبارة، وهو قوله: "فيه نظر").
وقال في "غاية المرام" (273): "قال البخاري: "فيه نظر". ولا يقول هذا إلا فيمن يتهمه غالباً كما قال الذهبي". وقال في (السلسلة الضعيفة) (6\558): قوله: "فيه نظر": هو أشد الجرح عنده).
وقال في (الإرواء) (2\252): (قال البخاري: "فيه نظر". يعني: أنه متهم كما هو معروف عن البخاري).(1/119)
وقد تقدم قول ابن كثير-رحمه الله- بأن هذه العبارة في أدنى منازل الجرح وأردئها عند البخاري.
قال المعلمي-رحمه الله-: "وقد علمت أن سكتوا عنه" هي أخت "فيه نظر"، بل هي الكبرى) (1) .
وقام الدكتور مسفر الدميني بدراسة ضافية لهذه العبارة ومعناها عند الإمام البخاري-رحمه الله- وخلص في دراسته إلى نتائج مجملها ما يأتي:
أولاً: ما من أحد ممن أطلق عليه الإمام البخاري هذه العبارة إلا وقد جرحه واحد من العلماء أو: أكثر-غير البخاري- وذلك بلفظ من ألفاظ الجرح الواردة في المرتبة الرابعة عند السخاوي أو: بأشد منها.
ثانياً: بلغ عدد الرواة الذين أطلق عليهم هذا اللفظ وكان ضعفهم شديداً ممن قيل فيه: كذاب، أو: كذبوه، وهجروه، أو: يضع الحديث، أو: متروك، أو: متروك وكذبه فلان، ونحو ذلك من العبارات المتقدمة، سبعة وعشرين راوياً أي: بنسبة77? حيث بلغ عدد من اتهم بالكذب أو: كُذّب اثني عشر راوياً،والآخرون بين متروك ونحوه.
ثالثاً: الرواة الذين أطلق عليهم وقيل فيهم: ضعيف، ونحوه من ألفاظ الجرح اليسيرة بلغ عددهم سبعة رواة، أما الثامن فهو فقيه مشهور، وهؤلاء الضعفاء منهم من قيل فيه: ضعيف اختلط ووصل مراسيل، أو: ضعيف منكر الحديث، أو: ضعيف يقبل التلقين، ونحو ذلك.
ومن كل ما تقدم نعلم أن قول الأئمة السابقين: (إن قول البخاري في الراوي: "سكتوا عنه" يعني: "تركوا حديثه" صحيح حيث قرن البخاري في ثمان تراجم-مما تقدم (2) -بين قوله: "سكتوا عنه" وبين قول:
"رماه فلان بالكذب" أو: "يرمونه بالكذب"، أو: قال فلان: "يكذب... ونحو ذلك") (3) .
__________
(1) - انظر: (التنكيل) (1\205).
(2) - يعني: في الدراسة المذكرورة.
(3) - انظر: (ضوابط الجرح والتعديل عند الحافظ الذهبي) (2\859\864).(1/120)
أقول: لكن بخصوص قول البخاري-رحمه الله تعالى- في الشاذكوني: (هو عندي أضعف من كل ضعيف) فهو منسجم، وموافق لقوله فيه: (فيه نظر) (1) فيكون على ما فسره الحفاظ:
1- الذهبي،
2- وابن كثير،
3- والعراقي. والله أعلم (2) .
وقد جمعت أمثلة كثيرة من كتاب (التاريخ الكبير) للإمام البخاري بالسجن المحلي بتطوان أثناء دراستي لكتب البخاري، أودعتها كتابي: (إعادة النظر فيمن قال فيه البخاري: فلان فيه نظر، أو: بعض النظر، أو: في حديثه نظر). سيطبع مفرداً إن شاء الله تعالى.
وقال أبو الحسن مصطفى بن إسماعيل في كتابه الفذ: (شفاء العليل بألفاظ وقواعد الجرح والتعديل) تحت المرتب السادسة: من مراتب التجريح: (وقول أحدهم: "فلان أضعف عندي من كل ضعيف" والكذابون من الضعفاء، فهذا اللفظ معناه أنه ليس له نظير في الكذب، وهذا اللفظ قاله أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري في الشاذكوني وهو متهم بالوضع وشرب الخمر-انظر: "تاريخ بغداد" (9\47)-.
وقد قال فيه عباس العنبري-رحمه الله-: "ما مات ابن الشاذكوني حتى انسلخ من العلم انسلاخ الحية من قشرها") (3) .
تنبيه: الإمام البخاري-رحمه الله تعالى-كان لمزيد ورعه وخشيته واستحضار عظمة الله وخوفه من اغتياب الناس قل أن يقول: فلان كذاب، أو: يكذب، أو: فلان وضاع، أو: يضع-ونحوها من صيغ التجريح الشديدة.
__________
(1) -انظر: (الميزان) (2\416)، و(الباعث الحثيث) (1\320).
(2) - انظر: (شرح ألفاظ التجريح النادرة أو: قليلة الاستعمال) (1/130/132)، و(قناص الشوارد الغالية...) (ص:1008)، و(ذاكرة سجين مكافح) (3\67).
(3) -انظر: (شفاء العليل بألفاظ وقواعد الجرح والتعديل) (1\2777\278).(1/121)
أكثر ما كان يقول: (سكتوا عنه) (1) ،
__________
(1) -قال الحافظ الذهبي في: (كتاب السلسبيل في شرح ألفاظ وعبارات الجرح والتعديل) (ص:75\رقم:77) تحت: (مدلول قول البخاري في أحد الرواة: "سكتوا عنه": قال بكر بن منير: سمعت أبا عبد الله البخاري يقول: "أرجو أن ألقى الله ولا يحاسبني أني اغتبت أحداً"):
(قلت: يشهد لهذه المقالة كلامه-رحمه الله-في التجريح والتضعيف، فإنه أبلغ منا، يقول في الرجل المتروك أو: الساقط: "فيه نظر"، أو: "سكتوا عنه"، ولا يكاد يقول: فلان كذاب، ولا فلان يضع الحديث، وهذا من شدة ورعه).
وقال في (الموقظة) (ص:83)، أو: (ص:126): (أما البخاري: "سكتوا عنه"، فظاهرها أنهم ما تعرضوا له بجرح ولا تعديل، وعلمنا مقصده بها بالاستقراء: أنها بمعنى تركوه).
وقال السخاوي في (فتح المغيث) (2\122): "وكثير ما يعبّر البخاري بهاتين الأخيرتين-يعني: فيه نظر، وسكتوا عنه-فيمن تركوا حديثه، بل: قال ابن كثير: إنها أدنى المنازل عنده وأردأها).
ومن أقدم مَن وقفت له فسَّر قول البخاري هذا: الإمام الدولابي.. فقال ابن عدي في (الكامل) (1\226): "قال محمد بن إسماعيل: إبراهيم بن يزيد أبو إسماعيل الخوزي، المكي سكتوا عنه. قال ابن حماد-يعني: الدولابي-يعني: سكتوا عنه: تركوه".
ثم اعلم أن الإمام البخاري-رحمه الله تعالى-كان أحياناً يطلق جملة: "سكتوا عنه" دون أن يقرنها مع غيرها من ألفاظ التجريح، وهذا هو الأكثر في استعماله، وأخرى كان يقرنها مع غيرها بأشد عبارات التجريح، ومن هذه العبارات:
أ-التصريح بالترك:
1-فقال في (تاريخه الكبير) (1\178): (محمد بن عمر الواقدي، سكتوا عنه، تركه أحمد وابن نمير).
2-عبد الله بن واقد، أبو قتادة الحراني، ترجم له الإمام الذهبي في (الميزان) (2\517)، وقال: "قال البخاري: سكتوا عنه، وقال أيضاً: تركوه".
ب-التصريح بالكذب:
1-القاسم بن عبد الله بن عمر العمري، قال البخاري لما ترجم له في (تاريخه الكبير): "سكتوا عنه، قال أحمد: كان يكذب".
2-وهب بن وهب أبو البختري القاضي، قال البخاري في (تاريخه الكبير) (8\170): "سكتوا عنه، كان وكيع يرميه بالكذب".
ج-التصريح بالبدعة:
1-النعمان بن ثابت، قال البخاري لما ترجم له في (التاريخ الكبير) (8\81): (كان مرجئاً، سكتوا عنه، وعن رأيه، وعن حديثه).
د-أو: أي صيغة من صيغ التجريح الأخرى، وذلك قوله في:
1-نصر بن طريف الباهلي، قال لما ترجم له في (التاريخ الكبير) (8\105): (سكتوا عنه، ذاهب).
2-مقاتل بن سليمان البلخي، قال البخاري: (منكر الحديث، سكتوا عنه) انظر: (الكامل) (6\435).(1/122)
(فيه نظر) (1) ،
__________
(1) -قال الحافظ الذهبي في: (تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام) (19\259)، و(الميزان) (1\279)، و(كتاب السلسبيل في شرح ألفاظ وعبارات الجرح والتعديل) (ص:72\77\رقم:72\77) تحت عنوان: (من مدلولات قول الإمام البخاري في حديث صحابي، أو: من دونه من الثقات: "إسناده فيه نظر":
1-قال البخاري: "أويس بن عامر القرني في إسناده نظر فيما يرويه"، وقال البخاري في "الضعفاء" أيضاً: "في إسناده نظر، يروي عن أويس في إسناده ذلك"):
(قلت-القائل الذهبي-: هذه عبارته، يريد أن الحديث الذي رُويَ عن أويس في الإسناد إلى أويس نظر، وما روى الرجل شيئاً يضعف من أجله).
2-وفي (المغني في الضعفاء) (1\219) قول البخاري في حديث حُبشي بن جنادة السلولي الصحابي: "في إسناده نظر"، ذلك عائد في الرواة إلى حُبشي لا إليه.
وقال الحافظ الذهبي في: (كتاب السلبيل في شرح ألفاظ وعبارات الجرح والتعديل) (ص:74\75\رقم:75\75\76) تحت: (مدلول قول البخاري في أحد الرواة: "فيه نظر": عبد الله بن داود الواسطي التمار، قال البخاري: "فيه نظر". البخاري لا يقول هذا إلا فيمن يتهمه غالباً-كما في (الميزان) "2\415\416".
وقال أيضاً في: (الميزان) (3\52): "وقل أن يكون عند البخاري رجل فيه نظر إلا وهو متهم-وقال في: (تاريخ الإسلام) (19\259): يقول-يعني: البخاري-: في الرجل المتروك، أو: الساقط: "فيه نظر، أو: سكتوا عنه" ولا يكاد يقول: فلان كذاب، ولا فلان يضع الحديث، وهذا من شدة ورعه).
وقال ابن عدي في (كامله) (1\411) شارحاً قول البخاري في أوس بن عبد الله الربعي: "في إسناده نظر" قال: "إنه لم يسمع من مثل ابن مسعود، وعائشة وغيرهما، لا أنه ضعيف عنده".
قال الشيخ خليل العربي: (ثم اعلم أن الإمام البخاري-رحمه الله تعالى-له ثلاث عبارات متقاربة اللفظ، وهي:
1-فيه نظر.
2-في حديثه نظر.
ج-في إسناده نظر.
1-فأما الأولى: "فيه نظر" فقد أبان عن معناها عند البخاري: الإمام الذهبي في غير ما موضع من مصنفاته، فقال في "الموقظة" (ص:83)، أو: (ص:127-النسخة التي عندي داخل السجن): وكذا عادته-يعني: البخاري-إذا قال: فيه "نظر"، بمعنى أنه متهم، أو: ليس بثقة. فهو عنده أسوأ حالاً من الضعيف".
وقال في ترجمة: عبد الله بن داود الواسطي التمار من "ميزانه" (2\416): "وقد قال البخاري: "فيه نظر"، ولا يقول هذا إلا فيمن يتهمه غالباً".
وقال في ترجمة: عثمان بن فائد من "ميزانه" (3\52): "وقل أن يكون عند البخاري رجل فيه نظر إلا وهو متهم".
وهذا إذا كان قول البخاري جاء في ترجمة أحد الضعفاء، أما إذا قاله في ترجمة الصحابة، أو: فيمن دونهم من الثقات، فإن قوله هذا يتجه حينئذٍ إلى عدم ثبوت الحديث الذي ذكره في سياق الترجمة، وقد أفصح البخاري نفسه عن مقصده فيما نحن بصدده، فقال في ترجمة عبد الله بن محمد بن عبد الله بن زيد بن عبد ربه الأنصاري الخزرجي في (تاريخه الكبير) (5\183) بعد أن ذكر حديثه الذي رواه عن أبيه، عن جده: "فيه نظر، لأنه لم يذكر سماع بعضهم من بعض".
2-وأما العبارة الثانية، وهي قوله: "في حديثه نظر":
أ-سفيان بن أبي العوجاء، قال البخاري: "في حديثه نظر" فقال الذهبي في: "الميزان" (2\170)-بعد أن أورد قول البخاري هذا-: "يعني: من أصيب بقتل أو: خبل، فإنه يختار إحدى ثلاث...وذكر الحديث، ولا يُعرف بغير هذا الحديث، وهو حديث منكر".
ب-عبد الملك بن عبد الملك، عن مصعب بن أبي ذئب، قال البخاري: "في حديثه نظر". قال الذهبي في (الميزان) (2\659)- بعد أن أورد قول البخاري هذا-: "يريد حديث عمرو بن الحارث، عن عبد الملك، أنه حدثه عن المصعب بن أبي ذئب...-فذكره-... ثم قال: "وقال ابن حبان وغيره: لا يتابع على حديثه".
وأما إذا كان الراوي من المكثرين في الحديث، ووقع في بعض ما يرويه النكارة، فإنه يعبر عنه بقوله: "في بعض حديثه النظر". وذلك مثل قوله في سويد بن عبد العزيز الدمشقي: "في بعض حديثه نظر" كما في (الميزان) (2\252)، ولما ترجم له البخاري في "تاريخه الكبير" (4\148) قال: "عنده مناكير" يعني: في بعض ما يرويه منكرات، وهذا موافق لِما فسرنا قوله: "في بعض حديثه نظر" فقد تكلمنا عليها من قبل. والله الموفق).
قال المحدث الألباني في (الضعيفة) (قال الحافظ ابن كثير في "مختصر علوم الحديث" (118): "إذا قال البخاري في الرجل: "سكتوا عنه، أو: فيه نظر". فإنه يكون في أدنى المنازل وأردئها عنده، ولكنه لطيف العبارة في التجريح، فليعلم ذلك".
وقال الحافظ العراقي في "شرح ألفيته": "هذه العبارة يقولها البخاري فيمن تركوا حديثه". انظر: (الرفع والتكميل) (ص:182\183).
وقال المروزي في "مسائل الإمام أحمد" (217): "قلت: متى يترك حديث الرجل؟ قال: إذا كان الغالب عليه الخطأ". فتأمل فإن معنى قول البخاري: "سكتوا عنه"، أنه جرح مفسَّر خلافاً لما يظنه بعضهم). انظر: (الروض الداني...) (ص:112).(1/123)
(تركوه)،
(منكر الحديث) (1) ، (أضعف عندي من كل ضعيف)، كما قال هنا في الشاذكوني كأنه يتهمه بالوضع ونحو هذا.
نعم، ربما يقول: (كذبه فلان، أو: رماه فلان بالكذب) وهذه بعض نماذج من ذلك القليل الذي قال فيه البخاري: (كذبه فلان...) نقلتها من كتابي (ذاكرة سجين مكافح) (3\77\79)، و(قناص الشوارد الغالية...) (ص:38\42)، ومن حاشية: (الرفع والتكميل)، وغيرها:
1- قال الذهبي في (الميزان) (ترجمة الحسن بن عَمرو بن سيف العبدي) (2) : (كذبه ابن المديني، وقال البخاري: كذاب. نقل ذلك ابن الجوزي، ولم أجده في (الضعفاء) للبخاري) كذا قال الذهبي، وفي (تهذيب التهذيب) (3) في ترجمته قول الحافظ ابن حجر: (قرأت بخط الذهبي: ولم أجده في (الضعفاء) للبخاري.
قلت: قال العقيلي: حدثنا عبد الرحمن بن الفضل، حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا الحسن بن عَمْرو بن سيف: كذاب. ففهم ابن الجوزي أن محمد بن إسماعيل هذا هو البخاري، ويحتمل أن يكون غيره).
كذا قال، بل: هو البخاري بلحمه وشحمه وقد قال ذلك في (التاريخ الكبير) (4) وهذه عبارته فيه: (الحسن بن عمرو العبدي، يروي عن علي بن سويد وأبى نعامة، كذاب).
2- وفي:(الميزان) (5) في ترجمة: (الخصيب بن جَحْدَر): (وقال البخاري: كذاب). والذي يظهر لي من خلال الرجوع إلى (التاريخ الكبير) (6) و(التاريخ الصغير) (7) أنه لم يقل هذه العبارة من لفظه بل: قالها نقلاً عن غيره وهذا لفظه: (خصيب بن جحدر، قال يحيى بن سعيد: كذاب).
__________
(1) -قال المحدث أحمد شاكر: (وكذلك قوله: "منكر الحديث"؛ فإنه يريد به الكذابين، ففي (الميزان) للذهبي (1\5)، "نَقَل ابنُ القطان أن البخاريَّ قال: كل من قلتُ فيه: منكر الحديث، فلا تحل الرواية عنه" انظر: (الباعث الحثيث) (1\320).
(2) -كما في: (1/516).
(3) -كما في:(2/311).
(4) -كما في: (1/2: 299).
(5) -كما في: (1/653).
(6) -كما في: (2/1: 221).
(7) -كما في: (ص192).(1/124)
3- وفي (الميزان) أيضاً (1) في ترجمة: (عباد بن جويرية): (قال أحمد: كذاب أفاك، وكذبه البخاري).
وتعقبه الحافظ في (لسان الميزان) (2) بقوله: (قلت: وفي تواريخ البخاري الثلاثة: قال أحمد كذاب. فلم يقله البخاري إلا نقلاً، وكذا هو في كتاب ابن عدي).
وقال البخاي في (التاريخ الكبير) (3) ، و(التاريخ الصغير) (4) : (عباد بن جويرية البصري، قال أحمد: كذاب).
4- جاء في (الميزان) أيضاً (5) في ترجمة: (عمرو بن مالك الراسبي): (قال الترمذي: قال محمد ابن إسماعيل: هذا كذاب، كان استعار كتاب أبي جعفر المُسْنَدِي، فألحق فيه أحاديث). وأقره الحافظ ابن حجر في (لسان الميزان) (6) ولم يذكره البخاري في (التاريخ الكبير)، و(التاريخ الصغير) ولا (الضعفاء الصغير).
5- وفي (الميزان) أيضاً (7) في ترجمة (سعيد بن سلاّم العطار): (كذبه ابن نمير، وقال البخاري: يُذكر بوضع الحديث) وهو بهذا اللفظ في (التاريخ الصغير) (228) وذكره في (التاريخ الكبير) (2/1: 481-بقوله: منكر الحديث).
6- وفي (الميزان) أيضاً (8) في ترجمة (عبد العزيز بن يحيى المدني): (قال البخاري: يضع الحديث) (9) .
وفيما ذكرنا كفاية وقد تتبع مصطلحات البخاري شيخنا أبو غدة-كما في حاشية الرفع والتكميل-فارجع إليها هناك.
وإلى هذا أشرت بقولي:
هو عندي صاح من كل ضَعِيف * أَضْعَفَنْ أَنصت لذي الرأي الحصيفِ
__________
(1) -كما في: (2/365).
(2) -كما في: (3/288).
(3) -كما في: (3/2: 43).
(4) -كما في: (ص225).
(5) -كما في: (3/286).
(6) -كما في: (4/374).
(7) -كما في:(4/374).
(8) -كما في: (2/636).
(9) -انظر باقي الأمثلة في: (تهذيب التهذيب) (6/363)، و(الميزان) (4/250/ 324)، و(التاريخ الكبير) (4/2: 106)، و(الصغير) (ص:209)، و(تنزيه الشريعة) (1/62/71)، و(طبقات الشافعية الكبرى) للتاج السبكي (2/230)، و(هدي الساري)، وغير ذلك من كتب الرجال. انتهى من كتاب (ذاكرة سجين مكافح) (1\124).(1/125)
23- المصطلح الثالث والعشرون قولهم في الراوي: ( ذاك الخائب، أو: خائب (1) كالريح، أو: فلان كان يحفظ الرياح، أو: هو والريح سواء، أو: هو بمنزلة الريح):
ومن الاستعمالات والتجريحات النادرة أو: قليلة الاستعمال، التي استعملها النقاد في تجريح الشاذكوني ما روي عن الإمام الناقد يحيى بن سعيد القطان البصري (198 هـ) أنه كان إذا ذكر عنده الشاذكوني قال: (ذاك الخائب) (2) .
المعنى اللغوي لهذا التخريج:
خاب يخيب خيبة: حُرم ولم يَنَل ما طلب والخيبة: الحرمان والخسران. وفي حديث علي-رضي الله عنه-: (من فاز منكم فقد فاز بالقَدحِ الأخيب، أي: بالسهم الخائب، الذي لا نصيب له. من قِداحِ الميسر، وهي ثلاثة المنيحُ، والسفيح، والوَغْد.
والوغد: هو الخائب (3) .
وقال جار الله الزمخشري في قوله تعالى: (وعنت الوجوه للحي القيوم وقد خاب من حمل ظلماً) (4) . وكل من ظلم فهو خائب خاسر (5) ، وقول القطان ينطبق على الشاذكوني فأي ظلم وأي خسران لمن لم ينفعه الله بعلمه.
__________
(1) -قال الشيخ مصطفى بن إسماعيل في كتابه النفيس: (شفاء العليل بألفاظ وقواعد الجرح والتعديل) (1\252) تحت المرتبة الخامسة: من مراتب التجريح: (وقولهم: "فلان خائب": قاله يحيى بن سعيد في سليمان بن داود المنقري الشاذكوني-كما في "ضعفاء" (2\128) للعقيلي-والخائب في اللغة هو الخاسر، نسأل الله السلامة).
(2) -انظر: (العلل ومعرفة الرجال) (2/8)، و(الضعفاء) للعقيلي (2/128) وفيه: (كان يحيى بن سعيد يسمي الشاذكوني: الخائب).نقلها عن عبد الله بن أحمد وكذا في (تاريخ بغداد) (9/44)، و(لسان الميزان)(3/87).
(3) -انظر: (لسان العرب) (1/368/و3/464)، و(تاج العروس) (1/242).
(4) -سورة طه، الآية رقم: (111).
(5) -انظر: (الكشف) (2/448)، ووردت كلمة خاب في مواضع أخرى من القرآن الكريم.(1/126)
تنبيه: جاء في كتاب: (منهج النقدين في علوم الحديث) للدكتور نور الدين بن عتر-حفظه الله تعالى-ما نصه: سليمان بن داود الشاذكوني تكلم فيه غير واحد من النقاد بجرح شديد، مع حفظه للحديث وسعة مروياته (1) :
أ-قال الإمام أحمد-رحمه الله-: (كان يحيى بن سعيد إذا ذكر عنده سليمان الشاذكوني قال: (ذاك الخائب) (2) .
ب-قال إبراهيم بن عبد الله بن الجنيد: سمعت يحيى بن معين وذكر ابن الشاذَكوني، فقال: (قد سمع إلا أنه يكذب، ويضع الحديث) (3) .
قال أحمد بن محمد الحضرم-رحمه الله تعالى-: سألت يحيى بن معين، عن سليمان الشاذكوني فقال لي: (ليس بشيء) (4) .
وقال علي بن الحسين بن الجنيد-رحمه الله تعالى-: سمعت يحيى بن معين يقول-وقيل: إن الشاذكوني روى عن حماد بن زيد-حديثاً ذُكر له-فقال-رحمه الله تعالى-: (كذاب عدو الله (5) ، كان يضع الحديث) (6) .
وقال ابن الغلابي: قال يحيى بن معين-رحمهما الله تعالى-: (جربت على ابن الشاذكوني الكذب) (7) .
__________
(1) -انظر: (منهج النقدين في علوم الحديث) (ص:33\34).
(2) -انظر: (العلل ومعرفة الرجال) (2\430)، وهامش: (ضوابط الجرح والتعديل عند الحافظ الذهبي) (1\404).
(3) -انظر: (سؤالات ابن الجنيد) (ص:281)، و(ضوابط الجرح والتعديل عند الحافظ الذهبي) (1\404).
(4) -انظر: (الضعفاء) (2\128) للعقيلي، و(ضوابط الجرح والتعديل عند الحافظ الذهبي) (1\404).
(5) -قال ابن حبان في (الثقات) (5\230): (ومن أمحل المحال أن يُجرح العدل بكلام المجروح)، انظر: (ضوابط الجرح والتعديل عند الحافظ الذهبي) (1\402).
(6) -انظر: (الجرح والتعديل) (4\115)، و(ضوابط الجرح والتعديل عند الحافظ الذهبي) (1\404).
(7) -انظر: (تاريخ بغداد) (9\47)، و(ضوابط الجرح والتعديل عند الحافظ الذهبي) (1\405).(1/127)
جـ- وقال الإمام أحمد-رحمه الله تعالى-: (هو من نحو عبد الله بن سلمة الأفطس-يعني: أنه يكذب) (1) .
د- وقال محمد بن إسماعيل البخاري-رحمه الله تعالى-: (هو عندي أضعف من كل ضعيف) (2) .
هـ- وقال أبو عبد الرحمن النسائي-رحمه الله تعالى-: (ليس بثقة) (3) .
ولما ترجم له الحافظ الذهبي في (السير) قال فيه: (العالم الحافظ البارع... أحد الهلكى) (4) .
ثم لما ذكر قول عمرو الناقد: (لما قدم سليمان الشاذكوني بغداد، قال لي أحمد بن حنبل: اذهب بنا إلى سليمان نتعلم منه نقد الرجال) (5) .
علق عليه الحافظ الذهبي-رحمه الله تعالى-بقوله: (كفى بها مصيبة أن يكون رأساً في نقد الرجال ولا ينقُد نفسَه) (6) .
وقد سألتني أم الفضل قائلة: (ومما قرأت-شيخنا-في كتب الرجال قولهم في الراوي: (فلان كالريح)، أو: (فلان كان يحفظ الرياح)، أو: (هو والريح سواء)، أو: (فلان شبه الريح)، أو: (هو بمنزلة الريح)، ماذا يقصدون بهذا المصطلاحات، أفيدونا فرج الله عنكم؟).
__________
(1) -انظر: (الجرح والتعديل) (4\115)، و(ضوابط الجرح والتعديل عند الحافظ الذهبي) (1\405).
(2) -انظر: (تاريخ بغداد) (9\47)، و(ضوابط الجرح والتعديل عند الحافظ الذهبي) (1\405).
(3) -انظر: (تاريخ بغداد) (9\47)، و(ضوابط الجرح والتعديل عند الحافظ الذهبي) (1\405).
(4) -انظر: (سير أعلام النبلاء) (10\679)، و(ضوابط الجرح والتعديل عند الحافظ الذهبي) (1\405).
(5) -انظر: (تاريخ بغداد) (9\41)، وظاهر هذه الرواية أن ذلك في أول قدومه بغداد، قبل أن ينكشف أمره للإمام أحمد-رحمه الله-انظر: (ضوابط الجرح والتعديل عند الحافظ الذهبي) (1\405).
(6) -انظر: (سير أعلام النبلاء) (10\679)، و(ضوابط الجرح والتعديل عند الحافظ الذهبي) (1\405)، و(سؤالات ابن الجنيد) (ص:281)، و(شرح ألفاظ التجريح النادرة أو: قليلة الاستعمال) (1\139\140)، و(قناص الشوارد الغالية...) (ص:659\660\رقم:121).(1/128)
فأجبتها قائلاً: (يقصدون أنها من ألفاظ التجريح، قال الحافظ في (تهذيبه) (6/530-رقم:8353-ترجمة: نجيح بن عبد الرحمن السندي، أبو معشر المدني-بعد أن ذكر من كذبه وجرحه-قال: (وقال ابن أبي خيثمة عن ابن معين: ليس بشيء أبو معشر ريح).
أما قولهم في الراوي: (كان يحفظ الرياح) فتعبير انفرد به عيسى بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي في تجريح مقاتل بن سليمان.
فقد روى العقيلي بسنده إلى محمد بن داود الْحُداني-نسبة إلى حُدان وهم من الأزد وعامتهم بصريون-أنه قال: سمعت عيسى بن يونس وسئل عن مقاتل بن سليمان؟ فقال ابن دوال دوز (1) جئت إليه أنا وحفص بن غياث-ثقة فقيه-(فسألناه) عن حديث؟ فقال: "أخبرني به الضحاك فتركته أياماً فسألته عن ذلك الحديث فقال: أخبرني به عطاء فتركته أياماً ثم جئت إليه فقال: أخبرني به أبو جعفر-أو: فلان-قال عيسى: كان يحفظ الرياح كذا وكذا" (2) .
وقوله هذا يدل على تضعيفه لمقاتل بن سليمان وتجريحه فهو لا يضبط ولا يحفظ الأسانيد ولا يبالي عمن رواه، فتارة يحدث بالحديث عن فلان، وتارة يحدث به عن آخر وهكذا من غير عناية ولا اهتمام ... كالريح لا تمسك منها شيئاً.
وقد جرحه تجريحاً شديداً معظم النقاد وتركوا الرواية عنه حتى قال الحافظ ابن حجر في (التقريب) (ص:545): (كذبوه وهجروه ورمي بالتجسيم) (3) .
__________
(1) -قرأها محقق (ضعفاء العقيلي) خطأً وكتبها هكذا: (أين رواك دونه!) والصواب: ما أثبته. انظر: (تهذيب الكمال) (3\2367)، وضبطها محقق: (سير أعلام النبلاء) (6\340): (ابن دََوَال دُوز). وهو لقب لوالد مقاتل، و(شرح ألفاظ التجريح النادرة أو: قليلة الاستعمال) (1\141).
(2) -انظر: (تاريخ بغداد)(13/165)، و(تهذيب التهذيب) (3/1367).
(3) -انظر: (تحرير التقريب) (3\413\رقم:6868).(1/129)
ومن الألفاظ التي استعملها النقاد في تشبيه بعض الرواة أو: مروياتهم بالريح ما روي عن عثمان بن أبي شيبة ... حيث جرح بهذه العبارة: أسد بن عمرو البجلي (1) .
روى ابن أبي شاهين (2) بسنده إلى عثمان بن أبي شيبة أنه قال في أسد بن عمرو: (هو والريح سواء، لا شيء في الحديث، إنما كان يبصر الرأي)...
أما قولهم في الراوي: (شبه الريح)، و(هو بمنزلة الريح): فقد استعمل بعض النقاد هذا النوع من التشبيه في وصف روايات بعض الأئمة والرواة والثقات.
1-قال علي بن المديني: قلت: ليحيى بن سعيد القطان سعيد بن المسيب، عن أبي بكر؟ قال: (ذاك شبه الريح) (3) .
وذلك لأنه-أي: ابن المسيب-ولد لسنتين مضتا من خلافة عمر-رضي الله عنه-أي: لم يلقه فكيف يروي عنه.
2-وقال أيضاً مرسلات ابن عيينة (4)
__________
(1) -انظر: (الميزان) (1/206)، و(تاريخ بغداد) (7/16/17)، وفي (لسان الميزان) (1\384) (وهو والريح عندهم سواء)، وفي (تعجيل المنفعة) (ص:25): (هو الريح سواء)، و(أحوال الرجال) (ص:76\77\رقم:96)، انظر: (المرتبة الرابعة: من مراتب التجريح) في كتاب: (شفاء التعليل) (1\200).
(2) -انظر: (تاريخ أسماء الضعفاء والكذابين) (ورقة:4) لابن شاهين.
(3) -انظر: (تقدمة الجرح والتعديل) (ص:243)، و(مقدمة المراسيل) (ص:4/رقم:3)، و(ص:72/رقم:251).
(4) -فائدة: ذكر فضيلة شيخنا المحدث محمد الأثيوبي في (ألفية علل الحديث) (ص:121\رقم:996\997) تحت القاعدة الخامسة: (في ذكر من كان يدلس بعبارة دون أخرى):
وإن يقل سفيانُ عن عمروٍ سمعْ * من جابرٍ فهْوَ صحيح فاتَّبِعْ
وإن يقل سمع عمروٌ جابرا * فذوا انقطاع نصَّ بعضُ الكُبَرا
أي: نص على ذلك بعض الكبرا، وهو العجلي. قال: إذا قال سفيان بن عيينة: عن عمرو سمع جابراً؛ فصحيح، وإذا قال: سمع عمروٌ جابراً فليس بشيء.(1/130)
(شبه الريح) (1) . ثم قال: أي والله وسفيان بن سعيد.
3-قال الإمام أحمد في عبد الأعلى بن عامر الثعلبي (ت219هـ): "روايته عن ابن الحنفية شبه الريح، كأنه لم يصححها، وضعفها أيضاً سفيان الثوري" (2) ...
__________
(1) -انظر: (التنكيل) (2/917/918)، قال الذهبي في: (السير) (8/465): (وقد كان سفيان بن عيينة مشهوراً بالتدليس، عمد إلى أحاديث رفعت إليه من حديث الزهري، فيحذف اسم من حدثه، ويدلسها إلا أنه لا يدلس إلا عن ثقة عنده).
وقال الذهبي أيضاً في: (السير)(8/465): (وأما المدلسون الذين هم ثقات وعدول، فإنا لا نحتج بأخبارهم إلا ما بينوا السماع فيما رووا مثل الثوري، والأعمش، وأبي إسحاق وأضرابهم من الأئمة المتقنين وأهل الورع والدين، لأنا متى قبلنا خبر مدلس لم يُبَيّن السماع فيه وإن كان ثقة، لزمنا قبول المقاطيع والمراسيل كلها لأنه لا يدري لعلَّ هذا المدلس دلس هذا الخبر عن ضعيف يَنهِي الخبر بذكره إذا عُرف. اللهم إلا أن يكون المدلس يُعلم أنه ما دلس قط إلا عن ثقة، فإذا كان كذلك، قبلت روايته، وإن لم يُبيّن السماع، وهذا ليس في الدنيا إلا سفيان بن عيينة وحده، فإنه كان يدلس، ولا يدلس إلا عن ثقة متقن، ولا يكاد يوجد لسفيان بن عيينة خبر دلس فيه إلا وجد ذلك الخبر بعينه قد بين سماعه عن ثقة مثل نفسه).
وقال الذهبي أيضاً في (السير) (8/458): (وسفيان بن عيينة أثبت الناس في عمرو بن دينار). انتهى من (ذاكرة سجين مكافح) (1\42)، ومقدمة: (قناص الشوارد الغالية) (ص:9).
(2) -انظر: (التاريخ الكبير) (3/2:72)، و(الصغير)، و(الضعفاء الكبير) للعقيلي (3/58)، و(الكامل) (5/1953)، و(تهذيب الكمال) (2/760)، و(تهذيبه) (6/94)، و(العلل) (1/345)، و(شرح ألفاظ التجريح النادرة أو: قليلة الاستعمال) (1/141/ إلى:162)، وقد قال ابن معين في: (تاريخه) (3/121/رقم:506-هامشه): (هذا والريح بمنزلة)، و(قناص الشوارد العالية...) (ص:657\659\رقم:120).(1/131)
قال ابن المديني: (مرسلات يحيى بن أبي كثير شبه الريح) (1) .
وقال الشيخ مصطفى بن إسماعيل في المرتبة الرابعة: من مراتب الجرح والتعديل من كتابه القيم: (شفاء العليل): (وقولهم: "فلان أسانيده مثل الريح، أو: هو والريح سواء": وهذا اللفظ قاله عثمان بن أبي شيبة في أسد بن عمرو البجلي (2) وزاد: "لا شيء في الحديث إنما كان يبصر الرأي"-كما في (تاريخ بغداد) (3) .
وإلى هذه المعاني والألفاظ والمصطلحات أشرت بقولي:
خائبٌ يحْفَظ يا هذا الرّيَاحَا * فهو والريح سواء حيثُ راحا
شِبْهُ ريح وهو منها بمكان * ذَاك حقاً من أعَاجِيب الزمَانِ
24- المصطلح الرابع والعشرون في ذِكر: (فائدة مهمة في اصطلاحات متنوعة وضعت لتجريح الرواة مثل:
1- لا يدرى من ذا الحيوان،
__________
(1) -انظر: (العلل) (ص:91) لابن المديني تحقيق: حسام محمد، و(التهذيب) (2/121).
(2) -ذكر الحاكم في (المعرفة) (ص:592\593) تحت عنوان: (ذكر النوع السابع والأربعين من معرفة علوم الحديث: معرفة المتشابه في قبائل الرواة، وبلدانهم، وكناهم، وصناعتهم...): (فالجنس الأول من هذه الأجناس: معرفة المتشابه من القبائل. فمن ذلك..: البَجَليُّون، والنَّخْليُّون، والبَجْلِيّون-بالباء بدل النون، وسكون الجيم-:
فالبجليون كثير، من بَجِيلة فيهم صحابيون وتابعيون.
والنخليون: ولد عمران النَّخْلي، ومنهم: أبو عبد الله محمد بن عمران النخلي من كبار المحدثين، حدث عنه أبو بكر بن أبي الأسود وغيره-وفي الهامش: "التصحيفات" للعسكري (ص:316)، وقال السمعاني في (الأنساب) (5\476): هذه النسبة إلى النخل، وظني أنها الق رية المعروفة التي على ستة فراسخ من مكة، وأهلها أكثرهم من هذيل، والمشهور بهذه النسبة عمران النخلي.
والبجْليون: منهم عيسى بن عبد الرحمن السلمي البجْلي الكوفي من بني سليم-كما في (الأنساب) (1\286)، و(الإكمال) (1\386) لابن ماكولا).
(3) -انظر: (تاريخ بغداد) (7\17)، و(شفاء العليل) (1\194).(1/132)
2- أو: حيوان متهم،
3- أو: من حيوانات البر،
4- هو أكذب من حماري هذا،
5- هو أكذب من روث حمار الدجال،
6- رافضي مثل الحمار،
7- رافضي كأنه جرة كلب).
استعمل بعض النقاد هذه الألفاظ وغيرها في تجريح طائفة من الرواة، وهي كناية عن شدة ضعفهم أو: كذبهم ووضعهم للأحاديث ولعل البعض حينما يمر على هذه الكلمات يظن أن أولئك النقاد تشددوا في تجريحهم، ولم يتورعوا في وصم هؤلاء الرواة بهذه الألفاظ.
والحق أن نقاد الحديث قد يلجأ بعضهم إلى استعمال هذه الأوصاف والألفاظ الشديدة القاسية الأخرى غَيرة منهم على سنة النبي الكريم الذي حذر أمته من الكذب عليه، وبشر المفتري عليه بمقعده من النار.
فلما كان أولئك الضعفاء والكذابون لم يرتدعوا بتحذير النبي الكريم واستمروا في بهتانهم وافترائهم تَوَجَّبَ على الأئمة العدول فضح هؤلاء والتشنيع عليهم، وفصل دخيلهم الخبيث وظلمتهم المفتراة عن نور مشكاة النبوة والوحي الثاني المبين.
فمع المصطلحات والألفاظ التي استعملها النقاد في تجريح الوضاعين والكذابين:
أ- ومن ذلك قولهم في الراوي: (لا يدرى من ذا الحيوان):
هذا التعبير استعمله الذهبي في تجريح ضرار بن سهل الضراري الذي حدث عن الحسن بن عرفة العبدي (صدوق ت: 257 هـ). قال الحافظ الذهبي: ضرار بن سهل، عن الحسن بن عرفة بخبر باطل (ولا يُدرى مَن ذا الحيوان) (1) ...
ب- ومن ذلك قولهم في الراوي: (حيوان متهم):
استعمل هذا التعبير الحافظ الذهبي أيضاً في تجريح موسى بن عبد الله الطويل.
__________
(1) -انظر: (ميزان الاعتدال) (2/327)، و(لسان الميزان) (3/202)، و(تنزيه الشريعة) (1/69)، وقال الذهبي في (المغني في الضعفاء) حدث: بخبر موضوع فيه جهالة.(1/133)
وقال الذهبي بعد أن أورد له بعض الأحاديث الموضوعة: ومنها ما روى بالسند إلى موسى الطويل أنه قال: رأيت عائشة-رضي الله عنها-بالبصرة على جمل أورق في هودج أخضر، قلت: انظر إلى هذا الحيوان المتهم، كيف يقول في حدود سنة مائتين أنه رأى عائشة فمن الذي يصدقه (1) .
جـ-ومن ذلك قولهم في الراوي: (من حيوانات البر):
استعمل هذا التعبير الحافظ الذهبي أيضاً في تجريح القاسم بن داود البغدادي فقال عنه: (من حيوانات البر أو: لا وجود له) (2) .
د-ومن ذلك قولهم في الراوي: (هو أكذب من حماري هذا):
هذا التعبير استعمله علي بن ثابت الجَزَري-رحمه الله تعالى-في تجريح إبراهيم بن هدبة أبو هدبة الفارسي.
روى الخطيب بسنده إلى مجاهد بن موسى الخوارزمي الخُتلي أبو علي أنه سئل عن إبراهيم بن هدبة فقال: قال علي بن ثابت: (هو أكذب من حماري هذا) (3) .
__________
(1) -انظر: (ميزان الاعتدال) (4/210)، و(لسان الميزان) (6/122) وورد فيه (المبهم) بدل: (المتهم).
(2) -انظر: (المغني في الضعفاء) (2/518).
(3) -قال أبو الحسن في كتابه النافع: (شفاء العليل بألفاظ وقواعد الجرح والتعديل) (1\271\272) تحت المرتبة السادسة: من مراتب التجريح: (وقولهم: "فلان مكشوف الأمر دجال، أو: مكشوف الأمر جداً" انظر: ترجمة: يحيى بن عنبسة-في "لسان الميزان" (6\272)، و"الكامل" (7\2710)-، وقد قال ابن معين في إبراهيم بن هدبة أبي هدبة الفارسي ثم البصري: "مكشوف الأمر أو: الحال"، ومعناه: أن كذبه لائح بيِّن لا يحتاج إلى بحث وسؤال.
وقد قال فيه ابن معين أيضاً: "قدم أبو هدبة فاجتمع عليه الخلق فقالوا: اخرج رجلك كانوا يخافون أن يكون رجله رجل حمار أو: شيطان"، وعلة ذلك ما جاء في بعض الآثار أن الشياطين آخر الزمان يحدثون الناس بأحاديث كذب قاله الذهبي-رحمه الله-انظر: "لسان الميزان" "1\119".
ونحو هذا القول: "كنت أتأمل فلاناً تأملاً مفرطاً خشية أن يكون شيطاناً" وهذا يدل على أن الراوي كذاب جرئ، ونحوه قول علي بن ثابت في أبي هدبة أيضاً: "هو أكذب من حماري هذا"، وأشد منه ما قيل في أبي الصلت الهروي عبد السلام بن صالح وهو رافضي خبيث: "هو أكذب من روث حمار الدجال"-كما في "أحوال الرجال" "ص:206"...).(1/134)
وتعبيره هذا يدل على تجريحه الشديد لهذا الراوي وهو ينطبق عليه فأمره بالكذب ووضع الأحاديث مشهور معروف عند نقاد الحديث وهذه طائفة من أقوالهم فيه.
قال ابن حبان عنه: (دجال من الدجاجلة (1) وكان رقاصاً بالبصرة يدعى إلى الأعراس فيرقص فيها فلما كبر جعل يروي عن أنس ويضع عليه ... ) (2) .
وقد توسعت في الحديث على ترجمته في كتابي: (القول الحصيف) (ص:19\45) تحت عنوان: (فصل في ذكر بعض ما قيل في أبي هدبة). هذا نصه بحواشيه:
فصل في ذكر بعض ما قيل في أبي هدبة
قال الفقير إلى عفو ربه أبو الفضل عمر الحدوشي:
فَمنهمو القصيُّ إبراهيمُ * بَنْ هُدبة بكذْبهِ موسوم
الضعيف الأول: أبو هدبة إبراهيم بن هدبة الفارسي البصري (3) ،
__________
(1) -وممن استعمل لفظة: (دجال) في التجريح الشديد ابن نقطة-كما في-(تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام) (13\33\رقم:12-الوفيات: سنة إحدى وستين ومائة).
(2) -انظر: (المجروحين) (1/114/115)، و(الكشف الحثيث) (ص:48)، و(الكامل) (1/211/212)، و(تاريخ بغداد) (6/201)، و(ميزان الاعتدال) (1/71)، و(لسان الميزان) (1/119).
(3) -قال اللكنوي في (تحفة الكملة على حواشي تحفة الطلبة) (ص:5) بعد أن ذكر أن من المحدثين من له إفراط ومبالغة في الحكم بوضع الأحاديث-ثم ذكر قول السخاوي في "فتح المغيث" (ص:107): ربما أدرج ابن الجوزي في "الموضوعات" الحسن والصحيح مما هو في أحد "الصحيحين" فضلاً عن غيرهما. وهو توسع منكر، ينشأ عنه غاية الضرر، مِن ظن ما ليس بموضوع موضوعاً، مما قد يقلده فيه العارف تحسيناً للظن به، حيث لم يبحث، فضلاً عن غيره:
(وممن أفرد-بعد ابن الجوزي-في الحديث الموضوع كُراسة: الرضي الصَّغَاني اللغوي، ذَكر فيها الأحاديث من (الشهاب) للقضاعي، و(النجم) لِلأُقْليشي وغيرهما، كـ"الأربعين" لابن ودعان، و"فضائل العلماء" لمحمد بن سُرور البلخي، و"الوصية" لعلي ابن أبي طالب-رضي الله عنه-، و"خطبة الوَداع"، و"آداب النبي - صلى الله عليه وسلم - "، وأحاديث أبي الدنيا الأشج، ونَسطور، ونُعيم بن سالم-أو: يَغْنَم بن سالم-، ودينار الحبشي، وأبي هُدْبة إبراهيم بن هدبة، ونسخةِ سمعان عن أنس-رضي الله عنه-، وفيها الكثير من الصحيح والحسن وما فيه ضعف يسير).
انتهى من هامش (الرفع والتكميل في الجرح والتعديل) (ص:198/199) تحقيق: شيخنا أبي غدة-رحمه الله-، وانظر أيضاً كلاماً طويلاً في الموضوع نقله شيخنا عبد العزيز الغماري في كتابه: (التهاني في التعقب على موضوعات الصغاني) من (ص:4\إلى:20).
تنبيه: قال ابن كثير-رحمه الله تعالى-في (البداية والنهاية) (12/198): (حدث محمد بن علي بن ودعان عن عمه بالأربعين الودعانية، وقد سرقها عمه أبو الفتح بن ودعان من زيد بن رفاعة الهاشمي، فركب لها أسانيد إلى من بعد زيد بن رفاعة، وهي موضوعة كلها، وإن كان في بعضها معانٍ صحيحة). انظر: (الفوائد المجموعة) للشوكاني (ص: 423/424)(1/135)
حدَّثَ ببغداد وغيرها بالأباطيل (1) ،
وحدَّث بعد المائتين بعجائب (2)
__________
(1) -هذا اللفظ يطلقه المحدثون على الخبر المكذوب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فهو وقولهم: (موضوع) بمعنى واحد. وقد جاء هذا الاصطلاح على ألسنة المحدثين القدماء والمتأخرين، وكثر ذلك منهم، وبعض من ألف-أعني الجوزقاني-في الموضوعات سمى كتابه فقال: (الأباطيل والمناكير والصحاح والمشاهير). والنسخة التي عندي داخل السجن بتحقيق: كمال عبد الله، ط: دار الفكر.
انظر: (لسان الميزان) (5/253)، ترجمة: محمد عبد الرحمن بن غزوان. و(معجم علوم الحديث النبوي) (ص:58) للشيخ عبد الرحمن الخميسي، و(شفاء العليل بألفاظ وقواعد الجرح والتعديل) (1/223)، للشيخ مصطفى بن إسماعيل.
وجاء أيضاً في (شفاء العليل) (1/249) ما نصه:
(ثم اعلم أن هناك ألفاظاً شديدة الجرح تتردد بين مرتبة الخامسة والسادسة وأكثر ما تطلق في الكذابين لكنها مجملة ومحتملة لأن يكون سبب إطلاقها في الرواة أمراً آخر غير الكذب في حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سبق بعض منها وأذكر بقيتها فمن ذلك:
قولهم: (فلان أحاديثه بواطيل أو: لم يكن حديثه بصحيح، أحاديثه بواطيل، أو: أحاديثه مسواة موضوعة، أو: من أباطيله كذا وكذا).
وإن كان برهان الدين الحلبي قد صرح بأن قولهم: (من أباطيله كذا وكذا ومن بلاياه كذا وكذا، أو: من مصائبه كذا وكذا): أنه كناية عن الوضع كما في كتابه (الكشف الحثيث عمن روي بوضع الحديث) (ص:81/121/130/132-وغير ذلك).
والظاهر لي أن ذلك مجمل فقد يكون سبب ذلك الغفلة الشديدة دون تعمد الوضع ونحوه قولهم: (أتى بطامة لا تطاق، أو: أتى بطامات وفضائح). انظر: حاشية (الرفع والتكميل) (ص:169-إلى: 176). و(التنكيل) (1/402/406/408/411/ 432/433/455/460/478).
(2) -قال الشيخ عبد الرحمن بن إبراهيم الخميسي في كتابه: (معجم علوم الحديث النبوي) (ص:147/إلى:151\رقم:414):
أ-العجائب لغة:
قيل: إنها جمع عجيب مثل: أفيل وأفائل، وتبيع وتبائع، وقال ابن منظور في (لسان العرب) (1580/582):
(إنها لا واحدة لها من لفظها، والعجيب: الأمر يتعجب منه، وأمر عجيب، معجب.
ب-واصطلاحاً:
ومعناها عندي: الموضوعات.
أما ابن عراق في (تنزيه الشريعة) (1/19)، فقد تردد في معناها، فقال: (قولهم: له طامات وأوابد ويأتي بالعجائب، فلا أدري هل يقتضي اتهام المقول فيه ذلك بالكذب أو: لا يفيد غير وصف حديثه بالنكارة؟
وقد سألت بعض أشياخي عن ذلك فلم يفدني فيه شيئاً، نعم، رأيت الحافظ ابن حجر قال في بعض من قيل فيه ذلك: إنه لم يتهم بكذب).
قلت-القائل عبد الرحمن الخميسي-: والذي يشهد لما رجحته من أن (العجائب) معناها الموضوعات أقوال العلماء، حيث يطلقون هذا اللفظ على أحاديث الرجل الكذاب الوضاع.
وإليك الشواهد-في (تنزيه الشريعة) (1/52)-:
1-الحسين بن داود بن معاذ أبو علي البلخي، عن عبد الرزاق والفضيل بن عياض، قال الخطيب: حديثه موضوع، وقال الحاكم: له عجائب يستدل بها على حاله.
2-حفص بن أسلم الأصفر عن ثابت. قال ابن عدي: له عجائب، وقال ابن حبان: يروي ما لا أصل له، حتى يسبق إلى القلب أنه الواضع لها. انظر: (تنزيه الشريعة) (1/553)، و(الكامل). (2/801)، و(المجروحين) (1/256).
3-عبد الله بن السري المدائني، قال ابن حبان: يروي عن أبي عمران الجوني العجائب التي لا يشك أنها موضوعة.
انظر: (تنزيه الشريعة) (1/73)، و(المجروحين) (1/23).
ثم ذكر 13 شاهداً تجدها في المصادر التالية: (تنزيه الشريعة) (1/83/97/121)، و(المجروحين) (1/381/344/345)، (2/45/47/151/185/151/156/90/305)، (3/149)، و(الميزان) (2/348/382)، (3/103/625).
ثم قال: وهذه الشواهد كلها تدل على ما قررته من معنى العجائب، غير أن هناك شواهد أخرى عن ابن حبان أيضاً لا تدل على ذلك المعنى، ولعله أراد بلفظ العجائب هنا المعنى اللغوي لا غير، ومن ذلك:
1-سهل بن عبد الله، شيخ يروي عن عبد الملك بن مهران، روى عنه مروان بن معاوية، منكر الحديث، يأتي بالعجائب التي تنكرها القلوب. انظر: (المجروحين) (1/345)
2-عبد الله بن عيسى الفروي، أبو علقمة الأصم، من أهل المدينة، يروي عن ابن نافع ومطرف بن عبد الله بن الأصم العجائب، ويقلب على الثقات الأخبار. انظر: (المجروحين) (1/45)
3-عبد السلام بن صالح بن سليمان بن ميسرة، أبو الصلت الهروي، يروي عن حماد بن زيد وأهل العراق العجائب في فضل علي وأهل بيته، لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد. انظر: (المجروحين) (1/151).
4-محمد بن عيسى بن كيسان الهذلي، كنيته أبو يحيى صاحب الطعام، من أهل البصرة، ويقال له: العبدي، شيخ يروي عن محمد ابن المنكدر العجائب، وعن الثقات الأوابد، لا يجوز الاحتجاج بخبره إذا انفرد، روى عنه أهل البصرة، والله أعلم.
انظر: (المجروحين) (1/256). انتهى.
قال أبو الفضل عمر الحدوشي: الراجح أن هذه العبارة، تفيد تلييناً في الراوي إذا قرنت بقرينة دالة على ذلك، أو: جاءت مفسرة، فمثلاً: جاء في ترجمة (علي بن معبد بن نوح البغدادي ثم المصري الصغير-ت:259 هـ):
أن أبا بكر بن الجعابي قال فيه: (علي بن معبد بن نوح، نزل مصر... عند علي عجائب..).
فعلق الحافظ الذهبي-رحمه الله-على هذا بقوله: (قول أبي بكر: "عنده عجائب" عبارة محتملة للتليين فلا تقبل إلا مفسرةً، والرجل ثقة صادق، صاحب حديث، ولكنه يأتي بغرائب عمن يحتملها). انظر: (تاريخ بغداد) (12/110)، و(تهذيب الكمال) (21/142).
قال محمد الثاني بن عمر بن موسى: قوله: (ولكنه يأتي بغرائب عمن يحتملها):
يحتمل أن يراد به معنيان:
الأول أنه أتى بالغرائب عمن يحتملها لكثرة سماعه، وسعة حفظه، وذلك أنه روى عن شيوخ مكثرين في الرواية والرحلة، الذين يحتمل منهم التفرد و الإغراب، لكثرة ما كتبوا من الأحاديث، فقد روى علي بن معبد، عن:
1-الإمام أحمد بن حنبل،
2-ويزيد بن هارون،
3-وروح بن عبادة،
4-ويعلى بن عبيد،
وأمثال هؤلاء ممن كتب وسمع الكثير، وتفرد بأشياء احتُملت عنه، لأن من أكثر من الحديث، فلا بد أن ينفرد، فرواية علي بن معبد أفراداً وغرائب عن مثل هؤلاء محتملة، لاحتمال كون الغرابة جاءت منهم، لا منه، اللهم إلا أن تكون ثمة قرينة مُسفِرة عن خطئِه ووهمه في تلك الرواية.
الثاني: أنه يأتي بالغرائب عمن يحتملها لضعفه وخفة ضبطه، وذلك أنه يروي الغرائب عن شيوخ ضعفاء، أو: من لا يُقبل تفردهم، مثل:
1-منصور بن سقير البغدادي،
2-وعمرو بن هاشم البيروتي،
وغيرِهما ممن يسبق إلى الذهن إلصاق الوهم والخطأ بهم لمكان ضعفهم، وخفة ضبطهم.
ولعل الحافظ الذهبي-رحمه الله-أراد الأول وذلك بالنظر إلى شيوخ علي بن معبد الذين سرد المزي أسماءهم في ترجمته، فإن أغلبهم ثقات يحتمل تفردهم.
قال الشيخ مصطفى بن إسماعيل: (قولهم في الراوي: "يأتي بعجائب": اعلم أن هذا له أسباب:
1-فقد يكون سارقاً كذاباً،
2-وقد يكون صاحب غفلة وأوهام،
3-وقد يكون مدلساً،
4-وقد يكون لسعة اطلاعه،
كما جاء في (المغني) (2\446) ترجمة علي بن الحسين أبي الفرج الأصبهاني مؤلف (الأغاني) قال الذهبي: "شيعي يأتي بعجائب يحتمل لسعة اطلاعه"، وقد سبق أن المكثرين في الحديث المجتهدين في الطلب عندهم غرائب وعجائب لسعة اطلاعهم ولم يُقدح فيهم لهذا، والله أعلم).
ومرة قال: (فرق بين قولهم: "فلان عنده عجائب"، و"فلان عنده بواطيل": فالقول الثاني أشد في الجرح، جاء في "سؤالات البرقاني للدارقطني" (ص:19): (وسألته عن بزيع بن حسان فقال: أبو الخليل البصري متروك، قلت: له عن هشام بن عروة عجائب؟ قال: هي بواطيل، ثم قال: كل شيء له باطل).
فتأمل كيف جعل البواطل أشد من العجائب في الجرح، ولعل وجه ذلك أن العجائب قد تكون مدحاً بمعنى أن الراوي واسع الحفظ وعنده ما ليس عند غيره كما سبق في فصل الألفاظ المترددة، بخلاف كلمة: "البواطيل" فإنه لا وجه لها إلا الجرح، ومما يقوي هذا ما جاء في "النبلاء" (10\634) ترجمة علي بن معبد بن نوح الإمام الحافظ، قال أبو بكر بن الجعابي: "نزل مصر وعنده عجائب"، فقال الذهبي.... (عبارة محتملة للتليين).
فتأمل قول الذهبي: "عبارة محتملة للتليين فلا تقبل إلا مفسرة" أي: أنها قد تأتي في التعديل، والله أعلم).
انظر: (سير أعلام النبلاء) (10/634)، و(تهذيب الكمال) (21/1442/143)، و(ضوابط الجرح والتعديل عند الحافظ الذهبي) (1/542/543)، و(2/848\840)، و(شفاء العليل) (1/435/461). ...(1/136)
وكان رقاصاً بالبصرة يُدعى إلى العرائس؟ فيرقص لهم.
قال بشر بن عمر: (كان في جوارنا عرس فدُعي له أبو هدبة فأكل وشرب وسكر فجعل يُغَني) (1) .
قال العلامة عبد الرحمن المعلمي (2) في (التنكيل) (1/461): (هالك) كما في (النكت الجياد المنتخبة من كلام شيخ النقاد...) (ص:705 رقم:841). لأبي أنس إبراهيم بن سعيد.
وقد ذكر الهندي في (تذكرة الموضوعات) (ص:15/16) حديثاً موضوعاً ثم قال: (فيه إبراهيم بن هدبة كذاب).
ومرة قال في: (ص:62/67) بعد أن ذكر حديثين موضوعين: (من نسخة أبي هدبة عن أنس)، وقال أيضاً في (قانون الموضوعات والضعفاء) (ص:234): (إبراهيم بن هدبة (3) أبو هدبة كذاب يروي عن أنس وغيره).
__________
(1) -انظر: (الميزان) (1/71/72).
(2) -قال العلامة بكر أبو زيد-رحمه الله تعالى-في كتابه: (التأصيل لأصول التخريج وقواعد الجرح والتعديل) (1\27): (تحقيقات هذا الحبر، نقش في حجر، ينافس الكبار كالحافظ ابن حجر-فرحم الله الجميع-ويكفيه فخراً كتابه "التنكيل").
والدكتور بكر أبو زيد-رحمه الله-تحقيقاته تكتب بالإبَر على آماق البصر، وبالخناجر على المحاجر، ينافس في أسلوبه الرصين، وتعابيره السديدة ابن القيم، فهو ابن قيم عصره-رحم الله الجميع-ويكفيه فخراً كتابيه: (التأصيل)، و(معجم المناهي اللفظية).
(3) -قال شيخنا عبد الفتاح أبو غدة في حاشية (الرفع والتكميل في الجرح والتعديل) (ص:120/121/263): (نقل شيخنا التهانوي في (قواعد في علوم الحديث) (ص:429) قول الحافظ ابن حجر في (هدي الساري) (2/168) في ترجمة: هدبة بن خالد القيسي): (قرأت بخط الذهبي: قواه النسائي مرةً وضعفه أخرى. قلت -القائل ابن حجر-: لعله ضعفه في شيء خاص؟).
قال شيخنا التهانوي عقبه: وإذا اختلف قول الناقد في رجل فضعفه مرة ، وقواه أخرى، فالذي يدل عليه صنيع الحافظ أن الترجيح للتعديل، ويحمل الجرح على شيء بعينه).(1/137)
قال الشوكاني في (الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة) (ص:136\ كتاب النكاح، رقم:58)، عند حديث: (المرأة وزوجها إذا اختصما في البيت يكون الشيطان يصفق، يقول فرح الله من فرحني): قال في (الذيل): هو من أبي هدبة عن أنس رضي الله عنه).
وقال أيضاً في (ص424) تحت: (بحث في النُّسَخ الموضوعة): (ومنها أحاديث أبي هدبة القيسي). وقال الذهبي في (ميزان الاعتدال) (4/210)، و(الجرح والتعديل- من خلال كتب الحافظ الذهبي) (2/583) (رقم:2774). ترجمة: (أبي هدبة الفارسي): (طبل، خبر غريب زعم أنه رواه-يعني حديثاً موضوعاً-عن أنس-رضي الله عنه).
وقال الإمام العلَم المحقق المدقق سيد الحفاظ، وقدوة ومرجع المحدثين، مؤرخ الإسلام شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان المشهور بالذهبي، أو: بابن الذهبي أيضاً في كتابه النفيس والممتع الذي أسماه: (سير أعلام النبلاء)، في ترجمة أبي هدبة الفارسي (1) : (أبو هدبة الفارسي، ثم البصري: لا يوثق به (2) ،
__________
(1) -انظر: (السير) (3/396)، و(الجرح والتعديل) (1/28/رقم:69) للذهبي. استخرج نصوصه ورتبه وعلق عليه الشيخ: خليل العربي
(2) - قول الحافظ الذهبي: (لا يوثق به): هذا اللفظ مثل قوله: (ليس بمأمون-ليس بمأمون: جرح من قبل العدالة- أو: ليس بالمرضي) أو: (ليس بثقة: ولا مأمون).
1-قال الحافظ ابن حجر في (نهذيب التهذيب): (4/347): (لفظة: "ليس بثقة" في الاصطلاح توجب الضعف الشديد).
2-وقال المعلمي: في (التنكيل) (1/70): (إذا قيل: "ليس بثقة ولا مأمون" تعني الجرح الشديد)، فإن اقتصر على: (ليس بالثقة فالمتبادر جرح شديد، ولكن إن كان هناك ما يشعر بأنها استعملت في المعنى الآخر حملت عليه).
3-وقال صاحب (معجم علوم الحديث النبوي) (ص183 رقم: 527-لا يوثق به-): (هذا عندي مثل قولهم: ليس بمأمون، وليس بالمرضي).
وقال في موضوع آخر من المصدر نفسه (ص:160\رقم:442-: غير ثقة ولا مأمون، ليس بالثقة، ليس بثقة، ليس بالثقة ولا مأمون-):
هذه الألفاظ من المرتبة السادسة من مراتب الجرح عند الذهبي والسخاوي والسندي، ومن الثانية عند العراقي والسيوطي-والخامسة عند ابن أبي حاتم وابن الصلاح-).
4-قال الشيخ مصطفى بن إسماعيل في (شفاء العليل) (1/214) وما بعدها: (وأما قولهم: "ليس بثقة أو ليس بالثقة" فمعلوم أن الأول أشد جرحاً من الثاني، وليس بمنكر أن تجمع المرتبة الواحدة ألفاظاً متفاوتة في المعنى طالما أنها متقاربة ومتشابهة وتكون هذه الالفاظ بمجموعها تختلف عن ألفاظ المرتبة التي قبلها والتي تليها، لكن هل محلها بين اللفظين في هذه المرتبة كما هو صريح صنيع الحافظ العراقي أم لا؟
الظاهر صحة ما صنع الحافظ العراقي خلافاً لبعض علماء عصرنا الأفاضل، حيث قال بعضهم: إن قولهم: (ليس بالثقة) نفي للدرجة العليا من الثقة فقط، والذي يظهر لي من خلال تتبعي لهذين اللفظين أنهما يطلقان في الجرح الشديد، والعبرة في ذلك بالاصطلاح.
وأنا أذكر عدة تراجم وهي تدل على المقصود وأترك كثيراً من التراجم خشية الملل، جاء في (تاريخ بغداد) (5\326)، ترجمة: محمد بن سليم أبي عبد الله القاضي، قال ابن معين: (وأما ابن سليم فهو والله صاحبنا وهو لنا محب ولكن ليس فيه حيلة البتة وما رأيت أحداً قط يشير بالكتاب عنه ولا يرشد إليه).
وقال في موضع آخر: (قد والله سمع سماعاً كثيراً وهو معروف ولكن لا يقصر على ما سمع يتناول ما لم يسمع، فقيل: يكتب عنه؟ قال: لا).
وقال أحمد بن زهير: سمعت ابن معين يقول: ليس بثقة. قلت: لم صار ليس بثقة؟ قال: لأنه يكذب في الحديث).
(انظر في (تاريخ بغداد) (2/194) ترجمة: محمد بن الحسن بن أزهر الأصم، و(2/250)، ترجمة محمد بن الحسين الخفاف. و(3/113/114) ترجمة محمد بن العباس بن سهيل الخطيب.
وقال الذهبي في (الميزان) (4/66) ترجمة محمد بن يحيى الغراف: (ليس بثقة زوَّر طبقة)، وقد يقال هذا اللفظ فيمن لا يتهم في سماعه ولكن أتى كبيرة من الكبائر والعياذ بالله-كما جاء في (الجرح والتعديل) (9/206) ترجمة: (يعقوب بن حميد بن كاسب-قال ابن معين ...(ليس بثقة)
قال ابن أبي خيثمة: (من أين قلت ذاك؟ قال: (لأنه محدود). قلت: أليس هو في سماعه ثقة ؟ قال: (بلى...)، فتأمل كيف فهم ابن أبي خيثمة أن قول ابن معين: (ليس بثقة) أنه طعن في صحة سماع يعقوب حتى ظهر له سبب آخر.
وفي كتاب (المجروحين) (2/140)، والنسخة التي بين يدي في زنزانتي الانفرادية هي في: (2/123/رقم:741)، قال ابن معين في عبد العزيز بن أبان القرشي: (ليس بثقة)، قيل: من أين جاء ضعفه؟ قال: (كان يأخذ كتب-أو: أحاديث-الناس فيرويها).
وقد يقولون: (ليس بثقة)، على من هو ليس من أهل الحديث كما قال ابن معين في عبد العزيز بن عمران بن أبي ثابت: (ليس بثقة، إنما كان صاحب شعر)-كما في (المجروحين) (2/139)، والنسخة التي داخل زنزانتي هي في: (2/122 رقم:740)-
وقد وقفت على صريح ذلك من كلام حافظ عصره وقريع دهره أبي الفضل أحمد بن علي بن حجر كما جاء في (تهذيب التهذيب) (4/347) ترجمة شعبة بن دينار الهاشمي مولى ابن عباس قال مالك: (ليس بثقة)، وقال البخاري: (يتكلم فيه مالك ويحتمل منه).
وقال أبو الحسن بن القطان قوله: (يحتمل منه) يعني من شعبة وليس هو ممن يترك حديثه، قال: (ومالك لم يضعفه وإنما شح عليه بلفظ: "ثقة"، قال الحافظ ابن حجر: قلت: (هذا التأويل غير شائع بل: لفظة (ليس بثقة) في الاصطلاح توجب الضعف الشديد، وقد قال ابن حبان-في (المجروحين) (1/458/رقم: 469)-: روى-أو: يروي-عن ابن عباس ما لا أصل له كأنه ابن عباس آخر... لم يكن بثقة).
وأيضاً في ترجمة إسماعيل بن عبد الله بن أويس، قال النسائي: (ضعيف)، وقال في موضع آخر: (غير ثقة)، وقال اللالكائي: (بالغ النسائي في الكلام عليه إلى أن يؤدي إلى تركه ولعله بان له ما لم يبن لغيره لأن كلام هؤلاء كلهم يؤول إلى أنه ضعيف)-انظر: (1/311) من (تهذيب التهذيب)-، فتأمل فهم اللالكائي لقول النسائي (غير ثقة).
ثم ذكر الحافظ قول من اتهمه وذكر حكايته في ذالك ثم قال: (قلت وهذا هو الذي بان للنسائي منه حتى تجنب حديثه وأطلق القول فيه بأنه ليس بثقة ولعل هذا من إسماعيل كان في شبيبته ثم انصلح.. . كما في: (1/312) من (تهذيب التهذيب)-.
وقد يقولون: (ليس بثقة) على المجهول، كما قاله ابن عدي في (كامله) (3/1247/1248) في ترجمة سعيد بن عقبة، وقد يقولون نحو ذلك على الضعيف في الحديث ولكن حيث توجد قرينة، كما جاء في: (الجرح والتعديل) (8/187) ترجمة: مسلم بن النحات وهو ابن صاعد، قال ابن أبي حاتم: (سألت أبي عنه؟ فقال: هو ضعيف الحديث عندي، فقيل له: إن يحيى بن معين قال: هو ثقة، فقال: ما هو بثقة عندي). فالظاهر من هذا أنه عند أبي حاتم ليس بمنزلة من يقال فيه (ثقة).
وقد ذكر المعلمي أن كلمة (ليس بثقة) حقيقتها اللغوية نفى أن يكون بحيث يقال له: (ثقة) ولا مانع من استعمالها بهذا المعنى، قال: وقد ذكره الخطيب في (الكفاية من أمثلة الجرح غير المفسر، ثم ذكر المعلمي أمثلة لا تسلم من منازعة ثم قال: (نعم إذا قيل (ليس بثقة ولا مأمون) تعين الجرح الشديد، وإن اقتصر على (ليس بثقة) فالمتبادر جرح شديد لكن إذا كان هناك ما يشعر بأنها استعملت في المعنى الآخر حملت عليه).
وهذا الذي ذكره المعلمي في (التنكيل) غاية في التحقيق... أما قولهم: (ليس بالثقة) فأنا أذكر ترجمتين ورد فيهما هذا اللفظ في الجرح الشديد كما جاء في (تاريخ بغداد) (14/164/165) ترجمة يحيى بن هاشم بن كثير الغساني، قال ابن معين: لا يحمل عن مثله الحديث، وقال مرة: (دجال هذه الأمة).
وقال مهنا عنه: ( ليس هو بالثقة كذاب خبيث، قال: (قلت ليحيى: قد حدث عنه يزيد بن هارون قال: ولو حدث عنه منصور ابن المعتمر لم يكن بالثقة قال: قلت ليحيى تراه وضع هذه الأحاديث؟ قال: هو لا يحسن يضع هذه الأحاديث ولكن وضعت له). وجاء في (الميزان) (4/18) ترجمة محمد بن كثير العبدي، قال أحمد بن أبي خيثمة: قال لنا ابن معين: (لا تكتب عنه لم يكن بالثقة، ...).(1/138)
طرح حديثه (1) جملة، عاش بعد المائتين، لا اعتبار به) (2) .
__________
(1) -وهذا مثل قولهم: (طرح حديثه، أو تركوا حديثه، -مطرح-مطرح الحديث): أي: (ارموا بحديثه، وهذه الألفاظ من المرتبة الثالثة من مراتب الجرح عند العراقي، والسيوطي، ومن الخامسة عند السخاوي، والسندي... وكذا قولهم: رد حديثه، ردوا حديثه، مردود الحديث، ضعيف جداً، واه بمرة، تالف، طرحوا حديثه، ارم به، مطرح...
وإلى هذا أشرت بقولي:
فانتبه! وارم به ثَم بعيدا * ولمثله احترس ألا تعودا
وقولهم: مردود الحديث أو: مطروح من عبارات الجرح الشديد ولكن في كتاب (قواعد علوم الحديث) (ص:101) للتهانوي نقل أبو غدة في الحاشية كلاماً لمحمد عوامة عند كلامه على احتجاج أحمد بالحديث الضعيف، وعد هذا اللفظ من ألفاظ الضعف المتوسط أي: الذي يصلح في الشواهد والمتابعات، والصواب أنه من ألفاظ الجرح الشديد كما صرح به الحافظ العراقي في (ألفيته) عند ذكره لمراتب التجريح.
انظر للتوسع في هذه المرتبة: (الرفع والتكميل) (153/178) و(شرح ألفية العراقي) (2/10) و(الجرح والتعديل) (1/37)، و(مقدمة ابن الصلاح) (ص:135)، (وفتح المغيث) (1/372)، و(شفاء العليل) (1\188)، و(معجم علوم الحديث النبوي) (145/رقم:403).
(2) -وعكسه يقال: فلان لا اعتبار به، أو: لا يعتبر به، أو: لا يعتبر بحديثه، ومعناه: لا يعتد بالحديث الذي يأتي من طريقه: متابعاً ولا شاهداً لحديث آخر، ليقوَّى به ذلك الحديث المتابَع، لأن ضعف هذا الراوي شديد لا يحتمل أن يقوَّى بحديثه حديثُ غيره، فلا يصلح للمتابعات ولا للشواهد.
المتابعة لغة: الموافقة.
واصطلاحاً: هي مشاركة راوٍ لراوي آخر في حديث ظن تفرده به بروايته له عن شيخه، أو: عمن فوقه إلى ذلك الصحابي نفسه-
والاعتبار: هو تتبع طرق الحديث الواحد في كتب السنة، وهي:
1-الجوامع، 2-والسنن، 3-والمستخرجات، 4-والموطَّآت، 5-والمصنفات، 6-والمسانيد،
7-والمعاجم، 8-والمشيخات، 9-والفوائد، 19-والأجزاء،
وسواها، ليُعلم هل لهذا الحديث (متابِع) تابَع راويَه على روايته بلفظه أو: بمعناه، في طبقة من الطبقات من طريق ذلك الصحابي راوي الحديث؟
أو: (شاهد) جاء من طريق صحابي آخر يشهد لمضمون ذلك الحديث ومعناه؟ أم هو حديث فرد؟ كما هو مبسوط في مبحث (الاعتبار، والمتابعات والشواهد) في كتب المصطلح.
انظر هامش (الرفع والتكميل) (ص:153/162/173/183)، كتابي الكبير: (قناص الشوارد الغالية، وإبراز الفوائد والفرائد الحديثية) (ص:1428)، و(ضوابط الجرح والتعديل عند الحافظ الذهبي) (2/774)، و(تحرير علوم الحديث) (1073/1100)، و(معجم علوم الحديث النبوي) (ص:43\44\195/257)، و(الصحيحة) (1/825)، و(إمداد السقاة بدلو الرواة) (ص:191\192).
قال الحافظ العراقي في "ألفيته":
الاعتبار سَبْرُك الحديث هل * شارَك راوٍ غيرَه فيما حَمَل
عن شيخه، فإن يكن شورك من * معتبر به فتابعٌ، وإن
شورك شيخه ففوقُ فكذا * وقد يسمى شاهداً، ثم إذا
متنٌ بمعناه أتى فالشاهد * وما خلا عن كل ذا مُفارِدُ
مثاله "لو أخذوا إهابها" * فلفظة الدباغ ما أتى بها
عن عمروٍ إلا ابنُ عيينةٍ، وقد * تُوبِع عمرو في الدباغ فاعتَضَدْ
ثم وجدنا "أيما إهاب" * فكان فيه شاهداً في الباب(1/139)
وقال الحافظ الذهبي أيضاً: (يحدث عن أنس بالأباطيل، روى عنه حميد بن الربيع، ومحمد بن عبيد الله ابن المنادي، وسعدان بن نصر، والخَضِر بن أبان، وله عنه نسخة، ورُستَة.
قال أبو نعيم الحافظ (1) : قدم أصبهان فحدث على المنبر عن أنس، فرُفع ذلك إلى جرير بن عبد الحميد، فصدقه. قال: وكان المأمون أيضاً يصدقه. قلت: وتصديقهما لا ينفعه، فإنه ذاهب الحديث، متهم عند الحفاظ بالكذب (2) .
__________
(1) -انظر: (الحلية) (8/20)، و(أخبار أصبهان) (1/170).
(2) -قولهم: (متهم)، أو: (متهم بالكذب)، ماذا يراد بهما؟ قرأت في (التنكيل) (606/607) في ترجمة: (قطن بن إبراهيم)، أن السبيل إلى معرفة كيفية الحكم على الراوي بأنه متهم بالكذب بينه المعلمي في قوله: (وينبغي أن يعلم أن التهمة تقال على وجهين:
1-قول المحدثين: (فلان متهم بالكذب)، وتحرير ذلك أن المجتهد في أحوال الرواة قد يثبت عنده بدليل يصح الاستناد إليه أن الخبر لا أصل له وأن الحمل فيه على هذا الراوي، ثم يحتاج بعد ذلك إلى النظر في الراوي أتعمد الكذب أم: غلط؟
فإذا تدبر وأمعن النظر فقد يتجه له الحكم بأحد الأمرين جزماً، وقد يميل ظنه إلى أحدهما إلا أنه لم يبلغ أن يجزم به، فعلى هذا الثاني إذا مال ظنه إلى أن الراوي تعمد الكذب قال فيه: (متهم بالكذب) أو: نحو ذلك مما يؤدي هذا المعنى، قال: ودرجة الاجتهاد المشار إليها لا يبلغها أحد من أهل العصر فيما يتعلق بالرواة المتقدمين، اللهم إلا أن يتهم بعض المتقدمين رجلاً في حديث يزعم أنه تفرد به، فيجد له بعض أهل العصر متابعات صحيحة، وإلا حيث يختلف المتقدمون فيسعى في الترجيح، فأما من وثقه إمام من المتقدمين أو: أكثر ولم يتهمه أحد من الأئمة فيحاول بعض أهل العصر أن يكذبه أو: يتهمه فهذا مردود، لأنه إن تهيأ له اثبات إتيان الخبر وأنه ثابت عن ذلك الراوي ثبوتاً لا ريب فيه لا يتهيأ له الجزم بأنه تفرد به ولا أن شيخه لم يروه قط ولا النظر الفني الذي يحق لصاحبه أن يجزم بتعمد الراوي للكذب، أو: يتهمه، بل: قد يتيسر بعض هذه الأمور فيمن كذبه المتقدمون لكن مع الاستناد إلى كلامهم...).
قال برهان الدين الحلبي في كتابه (الكشف الحثيث) (ص:304) ترجمة: علي بن محمد بن عيسى بن الخياط-بعد أن ذكر كلام الذهبي: (وهَّاه بن ماكولا واتهمه ابن يونس فقال: لايجوز الاحتجاج به...)-:
والذي ظهر لي أنه اتهمه بالكذب ولم يرد بالوضع لقوله: (لا يجوز الاحتجاج به) ولو قال: (ولا يجوز الاحتجاج به) لكان الوضع أظهر، ولكن قوله: (لا يجوز الاحتجاج به) ليست بعبارة وافية بالمقصود).
قال شيخنا عبد العزيز بن محمد بن إبراهيم آلعبد اللطيف في (ضوابط الجرح والتعديل) (ص:107/146)-كما نقل من: (نزهة النظر) (ص:44/45)، و(الميزان) (1/129)-: (متهم بالكذب. يطلق هذا اللفظ على الراوي في حالين هما:
أ-إذا تفرد برواية من يخالف أصول الدين وقواعده العامة ولم يكن في الإسناد من يتهم بذلك غيره.
ب-إذا عرف عنه الكذب في كلامه وإن لم يظهر منه وقوع ذلك في الحديث النبوي. وحديث متهم بالكذب يسمى (المتروك).
انظر: (الرفع والتكميل) (ص:176)، و(ضوابط الجرح والتعديل عند الحافظ الذهبي) (1/227)، و(شفاء العليل) (1\459/460).(1/140)
ولمحمد بن سُليم المعري عنه نسخة. قال عباس-رحمه الله تعالى- (1) : سمعت يحيى بن معين-رحمه الله تعالى-يقول: قدم أبو هدبة، فاجتمع عليه الخَلْق، فقالوا له: أخْرِج رجلك، خافوا أن تكون رجله رجل حمار أو: شيطان.
وقال أحمد بن سنان القطان: سمعت محمد بن بلال الكِندي يقول: كان أبو هدبة عدو الله يُحَفِّل الغَنَم عندنا بواسط) (2) .
قال الإمام ابن حبان-رحمه الله تعالى-: (شيخ يروي عن أنس بن مالك، دجال من الدجاجلة (3) ، كان رقاصاً بالبصرة، يدعى إلى الأعراس فيرقص فيها، فلما كبر جعل يروي عن أنس، عن النبي-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-ويضع عليه).
-استدراك للمناسبة. قال أبو الفضل فقولهم: (فلان شيخ) ذكر ابن رجب في شرحه (لعلل الترمذي) (2/56): أن الشيوخ في اصطلاح أهل هذا العلم عبارة عمن دون الأئمة الحفاظ وقد يكون فيهم الثقة وغيره.
__________
(1) -انظر: (تاريخه) (1/15).
(2) -انتهى من (تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام) (4/1066/رقم:8-ترجمة: إبراهيم بن هدبة)، و(5/25/رقم:15).
(3) -انظر هذه العبارة في مواضع من كتابي: (قناص الشوارد الغالية، وإبراز الفوائد والفرائد الحديثية) في: (مقدمة أم الفضل لـ"قناص الشوارد" ص:31/42) وفي (ص:307) (رقم الفائدة:52-الفرق بين الجرح والنصيحة)، و(ص:853/ رقم:71)، و(ص:1372/ رقم:162)، و(ص:1408/ رقم:175)، و(ص:1410/ رقم:175)، و(ص:1411/ رقم:175)، (ص:1412/ رقم: 175)، و(ص:1413/ رقم:175)، و(الرفع والتكميل) (ص:139/151/168)، و(شفاء العليل) (1/261/272)، و(معجم علوم الحديث النبوي) (ص:102).(1/141)
وقال الذهبي في (الميزان) (2/385) في ترجمة العباس بن الفضل العدني نزيل البصرة: (سمع منه أبو حاتم وقال: شيخ)، وعلق الحافظ الذهبي-رحمه الله تعالى-قائلاً: (فقوله: "هو شيخ" ليس هي (1) عبارة جرح ولهذا لم أذكر في كتابنا أحداً ممن قال فيه ذلك، ولكنها أيضاً لا هي بعبارة توثيق، وبالاستقراء يلوح لك أنه ليس بحجة).
وقد يقولون: (شيخ) أو: "شيوخ" على الحفاظ كما حكى علي بن خشرم فقال: (قال لنا وكيع: أي الإسنادين أحب إليكم:
1-الأعمش عن أبي وائل عن عبد الله،
__________
(1) -وقال الحافظ الذهبي في (الميزان) (2\385)، و(كتاب السلسبيل في شرح ألفاظ وعبارات الجرح والتعديل) (ص:91\رقم:98) تحت: (مدلول قول أبي حاتم في الراوي: "شيخ")-ترجمة: العباس بن الفضل العدني، سمع منه أبو حاتم، وقال: "شيخ"-: (فقوله: "شيخ" ليس هو عبارة جرح، ولهذا لم أذكر في كتابنا أحداً ممن قال فيه ذلك، ولكنها أيضاً ما هي عبارة توثيق، وبالاستقراء يلوح لك أنه ليس بحجة).
قال الشيخ خليل العربي: (ولفظة: "شيخ" جعلها ابن أبي حاتم في (الجرح والتعديل) (2\37) في المرتبة الثالثة من مراتب التعديل، فقال-رحمه الله تعالى-: "وإذا قيل: شيخ فهو بالمنزلة الثالثة: يكتب حديثه، وينظر فيه إلا أنه دون الثانية"-يعني المرتبة الثانية من مراتب التعديل، وهي قولهم: "صدوق، أو: محله الصدق، أو: لا بأس به".
وأما الحافظ العراقي فقد جعل لفظة: "شيخ" في المرتبة الرابعة من مراتب التعديل قارناً معها قولهم: "محله الصدق، أو: رووا عنه، أو: إلى الصدق ما هو، أو: شيخ وسط، أو: صالح الحديث...إلخ"-كما في (فتح المغيث) (2\38)-.
وقد قال الحافظ الذهبي في مقدمة: (الميزان) (1\3\4): (ولم أتعرض لذكر من قيل فيه: "محله الصدق"، ولا من قيل فيه: "لا بأس به"، ولا مَن قيل فيه: "هو صالح الحديث"، أو: "يكتب حديثه"، أو: "هو شيخ"، فإن هذا وشبهه يدل على عدم الضعف المطلق).(1/142)
2-أو: سفيان عن منصور عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله؟.
قال: فقلنا: الأعمش عن أبي وائل عن عبد الله-للعلو والله أعلم-قال: يا سبحان الله! الأعمش شيخ، وأبو وائل شيخ، وسفيان فقيه، ومنصور فقيه، وإبراهيم فقيه، وحديث يتداوله الفقهاء خير من أن يتداوله-وفي رواية: خير من حديث يتداوله-الشيوخ) (1) .
وذلك لأن الفقيه-إذا كان متقناً-إذا سمع حديثاً يمتنع حمله على ظاهره فإنه يبحث عنه حتى يعرف الثابت في ذلك وما يمكن به تأويله.
وقد ورد لفظ الشيوخ في من هو لين في حفظه كما قال الذهبي في أبي عمر الزاهد العلامة اللغوي محمد ابن عبد الواحد في (السير) (15/508/509): (وهو في عداد الشيوخ في الحديث لا الحفاظ، وإنما ذكرته لسعة حفظه للسان العرب، وصدقه، وعلو إسناده).
وقول أبي حاتم في شبيب بن بشر البجلي كما في (تاريخ بغداد) (7/189): (هو لين الحديث، حديثه حديث الشيوخ والله أعلم.
ونحوه قول ابن معين لجعفر بن محمد الطيالسي-وكان ثقة ثبتاً صعب الأخذ حسن الحفظ-: لو أدركت أنت زيد بن الحباب وأبا أحمد الزبيري لم تكتب عنهما يعني في شدة أخذه عن الشيوخ فقيل لجعفر لم؟ قال: إنما كانوا شيوخاً).
1-(1/265 رقم:208) ترجمة: جامع بن أبي رشيد: (ثقة ثبت إلا أن ربيعاً أرفع منه في العبادة، وهما في عداد الشيوخ ليس حديثهما بكثير وجامع كوفي ثقة).
2-وكذا قال في (1/367 رقم:491) ترجمة: زبيد بن الحارث.
3-و(1/373 رقم:511) ترجمة: زياد بن علاقة.
4-و(1/377 رقم: 524) ترجمة: زيد بن جبير.
__________
(1) -انظر: (المحدث الفاصل) (ص:238)، و(الجرح والتعديل) (2\25)، و(الإرشاد) للخليلي (1\177)، و(الكفاية) (ص:436)، و(المدخل) للبيهقي (ص:95)، و(فتح المغيث) (3\361)، و(معرفة علوم الحديث وكمية أجناسه) (ص:124\رقم:25) وقال محقق (معرفة العلوم): (والأعمش وأبو وائل أعلى من المنزلة التي أنزلهما بها وكيع بن الجراح).(1/143)
5-و(1/419 رقم:637) ترجمة: سلم بن زرير العطاردي، فظهر بهذا أنه لا يقصد بهذا اللفظ قلة الضبط ولكن يقصد قلة الحديث-كما أفاد ابن رجب أن لفظة "شيخ" لا يفيد توثيقاً ولا تضعيفاً فقد يكون ثقة وقد يكون غير ذلك-.
وجاء في (تهذيب التهذيب) (3/311) أن ابن سعد قال في زيد بن الحارث بن عبد الكريم: (كان ثقة وله أحاديث وكان في عداد الشيوخ وليس بكثير الحديث).
فهل مصطلح ابن سعد في ذلك كمصطلح العجلي محل تأمل لأني رجعت إلى طبقات ابن سعد (6/310) فالذي وجدت فيها: (وكان ثقة له أحاديث) ولم يذكر (وكان في عداد الشيوخ) و(ليس بكثير الحديث). فلعل الحافظ وقف على نسخة أخرى فيها ما ذكر، والله أعلم.
قال الشيخ مصطفى بن إسماعيل (1) : -قولهم (فلان شيخ أو: من الشيوخ، أو في عداد الشيوخ)-: (سبق أن هذه الألفاظ من المراتب التي يكتب حديث أهلها للاعتبار).
وقد قال أبو حاتم في (الجرح والتعديل) (4/357)ترجمة شبيب بن بشر البجلي: (هو لين الحديث حديثه حديث الشيوخ).
ولما ذكر الخلال حديث صالح بن حيان القرشي عن ابن بريدة: (شربت مع أنس الطلاء على النصف) غضب أحمد وقال-كما في (تهذيب التهذيب) (4/386)-: (لا نرى هذا في كتاب إلا حرقته أو: حككته ما أعلم في تحليل النبيذ حديثاً صحيحاً اتَّهِموا حديث الشيوخ).
__________
(1) -انظر: (شفاء العليل) (1/139/140/191/317/341/463).(1/144)
قال أبو الفضل عمر الحدوشي: (قال الحافظ الزيلعي في: (نصب الراية) (4/233) نقلاً عن ابن القطان في كتابه: (بيان الوهم والإيهام) في ترجمة: طالب بن حزير أبي حزير، وسئل عنه الرازيان-يعني أبا حاتم وأبا زرعة- فقالا: "شيخ": يعنيان بذلك أنه ليس من طلبة العلم ومقتنيه، وإنما هو رجل اتفقت له رواية الحديث، أو: أحاديث أخذت عنه) (1) .
وجاء في (ترتيب المدارك) (3/17) (للقاضي عياض) ترجمة: زكرياء بن منظور القرظي الأنصاري: (قال أحمد بن حنبل: زكرياء بن منظور شيخ، ولينه).
وقال في (3/52) ترجمة: عثمان بن الحكم الجذامي المصري: قال ابن أبي حاتم: سألت أبي عنه فقال: (شيخ ليس بالمتقن).
وقال أيضاً في (3/88) ترجمة: البهلول بن راشد القيرواني: (قال العقيلي): (هو شيخ من أهل المغرب ليس به بأس (2) وقال مثله علي بن المديني).
__________
(1) -انظر: (بيان الوهم والإيهام) (3/482\رقم:1248)، وهذا اللفظ منه. أما ما ذكره الزيلعي فلفظه هكذا: وسئل عنه الرازيان فقالا: شيخ، يعنيان بذلك أنه ليس من أهل العلم وإنما هو صاحب رواية. انظر: (الجرح والتعديل) (4/496)، و(الثقات) لابن حبان (8/328)
(2) -ذكر الحافظ الذهبي في (كتاب السلسبيل في شرح ألفاظ وعبارات الجرح والتعديل) (ص:42\رقم:18) في الفصل الثاني عشر: (عبارات تعديل لا تُحمَلُ على إطلاقها): (عبد الله بن سالم الأشعري الوحاظي، قال النسائي: "ليس به بأس". قلت: يعني في نقله، أما في رأيه فيه بأس شديد). وذلك، لأنه ناصبي. انظر: (سؤالات الآجري) عن أبي داود (ت1727)، و(ميزان الاعتدال) (2\426)، و(تاريخ الإسلام) (11\205\206).(1/145)
وهذا اللفظ من المرتبة الثالثة من مراتب التعديل عند ابن أبي حاتم-يكتب حديثه-وينظر فيه ومن الرابعة عند ابن الصلاح والذهبي والعراقي، ومن الخامسة عند السيوطي، ومن السادسة عند السخاوي والسندي) (1) .
ثم ذكر له-بعض ما روى فقال:
1-روى عن أنس-رضي الله عنه-، عن النبي-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-قال: (إذا تصدق الحَيُّ عن الميت، حملت الملائكة صدقته على أطباق من نور، فيأتون به قبر الميت، فينادونه: يا صاحب القبر الغريب هذه هدية أهداها لك أهلك، فهو فرح مستبشر، وصاحبه إلى جنبه كئيب حزين، يقول: ألم أُخْلِفْ مالاً؟ ألم أُخْلِفْ أهلاً؟) (2) .
__________
(1) -انظر: للتوسع في هذه اللفظة (شيخ): (ضوابط الجرح والتعديل عند الحافظ الذهبي) (1/219/222)، و(معجم علوم الحديث النبوي (132/133) و(الرفع والتكميل) (ص:149/150). ويرى شيخنا عبد الفتاح أبو غدة أن لفظة (شيخ) في وصف الراوي، عنوان تلين لا تمتين، كما استفيد ذلك من الأمثلة المذكورة.
قلت: وما ذهب إليه شيخنا أبو غدة ليس على إطلاقه بل اللفظة فيها تفصيل كما سبق في كلام ابن رجب. سئل الشيخ مقبل-كما في كتابه (المقترح في أجوبة بعض أسئلة المصطلح) (ص:108\رقم:181)-: (وبعضهم يقول فلان من المحدثين وفلان من الشيوخ، هل يعني أنه من الشيوخ الفقهاء أم ماذا؟ فأجاب: يعني أنه من الشيوخ الذين ليسوا بأثبات). وهذا أيضاً فيه نظر.
(2) -انظر تخريجه في: (موسوعة الأحاديث والآثار الضعيفة والموضوعة) (1/457/رقم:1312)، و(العلل المتناهية) (2/912/رقم:1524)، و(تذكرة الحفاظ) (50) للذهبي، و(المجروحين) (1/113)، (رقم: 29). أفادته أم الفضل حرم وتلميذة المؤلف.(1/146)
2-وروى عن أنس-رضي الله عنه-، عن النبي-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-قال: (لو أن الله عز وجل أذن للسماوات والأرضين أن يتكلما لبشرتا لمن صام رمضان بالجنة) (1) .
3-وروى عن أنس-رضي الله عنه-، عن النبي-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-قال: (ما من يوم يصبح فيه الإنسانُ إلا استقبل فيه الروحُ الجسدَ، فيقول: يا جسدي أسألك بوجه الذي لا يرد سائله أن لا تعمل اليوم عملاً يوردني جهنم) (2) .
ثم قال ابن حبان-رحمه الله تعالى-: فيما يشبه هذه الأحاديث التي لا أصل (3) لها من حديث رسول
__________
(1) -انظر تخريجه في (الموسوعة) (8/332/رقم:20883)، و(ذخيرة الحفاظ) (رقم:4591)، و(اللآلئ) (2/103)، و(الموضوعات) (2/191)، و(تذكرة الحفاظ) (651) للذهبي، و(المجروحين) (1/113) (رقم:29). أفادته أم الفضل حرم وتلميذة المؤلف.
(2) -انظر تخريجه في (الموسوعة) (9/14/رقم:22350)، و(تنزيه الشريعة المرفوعة) (2/219/رقم:7-كتاب الأحكام والحدود-الفصل الأول) تحقيق: شيخ شيخنا عبد الله الغماري. و(تذكرة الحفاظ) (رقم:201أو:687)، و(اللآلئ) (2/186)، و(الموضوعات) (3/103-وقال ابن حبان: هذا لا أصل له من حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ولا يحل لمسلم أن يكتب حديث إبراهيم ابن هدبة...)، انظر: (المجروحين) (1/113/114 رقم:29). وباختلاف يسير جاء في (الموسوعة) (9/14/15/رقم:22352). أفادته أم الفضل حرم وتلميذة المؤلف.
(3) - انظر: هذه العبارة في كتابي: (قناص الشوارد الغالية...) في المواضع التالية: (ص:459/517\ \54\551/558/695/704/736\رقم:70)، و(ص:779/844/847\ رقم:71)،و(ص:861\رقم:72)، و(ص:985\رقم:95)، و(ص:1003/رقم:97)، و(ص:1083\رقم:118)، و(ص:1244/رقم:129)، و(1249 رقم:134)، و(1255 رقم:137)، و(ص:1297/1299/1300/1304\رقم:142)، و(ص:1314\رقم:150)، و(1322\رقم:152) و(1350\رقم: 158)، و(ص:1531\رقم:199). و(شفاء العليل) (1/231/491).(1/147)
ولم يكن أبو هدبة يعرف بالحديث ولا بكتابته، إنما كان يلعب ويُسْخر به في المجالس والأعراس، ولم يزل على هذا يحفل الغنم ويرقص في المجالس حتى شاخ، فلما كبر زعم أنه سمع أنس بن مالك، وجعل يضع عليه مثل ما ذكرت، فلا يحل لمسلم أن يكتب حديثه (1)
__________
(1) -ومثل ذلك قول البخاري (ت:256) في إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة الأشْهلي المدني (83-165 هـ): منكر الحديث، وقول أبي حاتم الرازي (ت:277هـ) فيه: شيخٌ. ليس بقوي، يكتب حديثه ولا يحتج به، منكر الحديث، (ص:211/رقم:22).
قال السيوطي في (تدريب الراوي): (الرابعة وهي سادسة بحسب ما ذكرنا (صالح) فإنه يكتب حديثه للاعتبار) (ص:321 رقم:61).
فإذا كان المتابع ممن قيل فيه: متروك الحديث، أو: واهيه، أو: كذاب، فهو ساقط، لا يكتب حديثه ولا يعتبر ولا يستشهد به كما قال السيوطي والعراقي وغيرهما.
فمن قيل فيه تلك الألفاظ يكتب حديثه للاعتبار والاستشهاد لا للاحتجاج، ومنها ما يكتب حديثه وينظر فيه. (ص322/رقم:61).
وقال النسائي: (ليس بثقة ولا يكتب حديثه). وقال مرة: (متروك الحديث). وقال صالح بن محمد البغدادي: (لا يكتب حديثه وأحاديثه كلها مناكير)...
وقال ابن أبي حاتم: سألت أبي عنه فقال: (لا يكتب حديثه وهو ضعيف الحديث لا يصدق متروك. (ص:325\رقم:62)
وقال ابن عدي: يكتب حديثه. وقال الحافظ شمس الدين الذهبي: هو صدوق رديء الحفظ. (ص:343\رقم:63).
وقال الدارقطني: (يترك وهو مغفل). وقال ابن عدي: (هو مع ضعفه يكتب حديثه) (ص:352\رقم:63).
وقال أبو حاتم الرازي: (لا يحتج به) قال ابن عدي: (هو في جملة من يكتب حديثه من الضعفاء). (353\رقم:63)
أبو حاتم إذا أطلق هذا التعبير: (ليس بالقوي) فبالاستقراء-عند المحدثين-يريد أن هذا الشيخ لم يبلغ درجة القوي الثبت.
أما قول أبي حاتم أيضاً: (يكتب حديثه). فنقول: ذكر الذهبي في (الميزان) في (ترجمة الوليد
ابن كثير المُزَني) ما نصه: (روى له النسائي، وُثِّق، وقال أبو حاتم: (يكتب حديثه). مع أن قول أبي حاتم هذا، ليس بصيغة توثيق ولا هو بصيغة إهدار).
قال شيخنا أبو غدة في حاشية (الرفع والتكميل): (قلت: ليس بصيغة توثيق)، لأن من قيل فيه ذلك ضعيفٌ نازل عن رتبة الاحتجاج بحديثه، وقال: (لا هو بصيغة إهدار). لأنه ليس ضعيفاً جداً، بحيث لا يصلح حديثه للمتابعات والشواهد، بل: يكتب حديثه لصلاحيته لذلك، فهو بمثابة قولهم في هذه المرتبة: (يعتبرُ به).
ويقابله قولهم-المسئول عنه أيضاً: (لا يكتب حديثه). الآتي في المرتبة الرابعة من مراتب الجرح). ومثله قولهم: (لا يشتغل به). وذلك يعني: أنه ضعيف جداً نازل عن مرتبة صلاحية حديثه للمتابعة والشواهد، وإذا كان كذلك فلا فائدة من كتابة حديثه لهذه الغاية، فلذا لا يكتب حديثه.
جاء في (الجرح والتعديل). وفي (تهذيب التهذيب) في ترجمة: (إبراهيم بن مهاجر البجَلي): (قال أبو حاتم: (ليس بالقوي)، هو وحصَيْن بن عبد الرحمن وعطاءُ بن السائب قريب بعضهم من بعض، ومحلُّهم عندنا محل الصدق، يكتب حديثهم، ولا يحتَجُّ به. قال عبد الرحمن بن أبي حاتم: قلت لأبي: ما معنى (لا يحتج بحديثهم)؟ قال: كانوا قوماً لا يحفظون، فيحدثون بما لا يحفظون فيغلطون، ترى في أحاديثهم اضطراباً ما شئت). انتهى.
وقد انتقد الحافظ-شيخ الإسلام-ابن تيمية قولةَ أبي حاتم في بعض الرواة: (يكتب حديثه ولا يحتج به)، وجعلها من تشدده وتعنته في التعديل، جاء في (مجموع الفتوى) له قوله: (قول أبي حاتم: يكتب حديثه ولا يحتج به. أبو حاتم يقول مثل هذا في كثير من رجال (الصحيحين)، وذلك أن شرطه في التعديل صعب.
و(الحجةَ) في اصطلاحه، ليس هو (الحجة) في اصطلاح جمهور أهل العلم. وأبو حاتم من أصعب الناس تزكيةً). وقال أيضاً في (إقامة الدليل): (وأبو حاتم من أشد المزكين شرطاً في التعديل).اهـ. (ص:378-380\رقم:64).
ثم قال: (وقد قال الإمام أحمد: له أشياء مناكير، وإنما يكتب حديثه يعتبر به، فأما أن يكون حجة فلا).(ص:387\رقم:65). وانظر عبارة (لا يكتب حديثه) في: (قناص الشوارد الغالية...): (ص:440/455/458/رقم:70\489/484/504/505/568/516/519/544/545/546/566/585/586/593/598/609/622/625/631/633/654/664/680/690/707/708/720\793\رقم:71-و861\رقم:72-و986\رقم:95-و1025\رقم:104-و1375رقم:162).
و(يكتب حديثه) في (ص:387/407/441/450/457/رقم:70-و489/474/476/494/512/ 515/532/545/557/559/560/578/586/587/595/597/628/653/656/600/660/ 666 /676/677/696/702/725/816\رقم:71-و887/رقم:75-و900\رقم:76-و1025\رقم:104-1106\رقم:122-و1258\رقم:139-و1378\رقم:162-و1385\رقم:167-و1394\رقم:175).(1/148)
ولا يذكره
إلا على جهة التعجب (1) !.
أخبرنا عمرو بن محمد، قال حدثنا محمد بن علي المصغري، قال: حدثنا أحمد بن سيار، قال: حدثنا محمد بن بلال-وكان صاحب سنة-قال: سمعته يقول: أبو هدبة هذا عدو الله، كان يحفِّل الغنم عندنا، ثم قعد يحدث عن أنس بن مالك-رضي الله عنه) (2) .
قال الحافظ الذهبي-رحمه الله تعالى-: (حدث ببغداد وغيرها بالأباطيل، قال عباس عن ابن معين-رحمهما الله تعالى-: قال: قدم أبو هدبة فاجتمع عليه الخلق فقالوا: أخرج رجلك كانوا يخافون أن تكون رجله رجل حمار أو: شيطان (3) .
قال محمد بن عبيد الله بن المنادى-رحمه الله-: كان أبو هدبة ببغداد يسأل الناس على الطريق وقيل: كان رقاصاً بالبصرة يدعى إلى العرائس فيرقص لهم. قال النسائي وغيره: متروك (4) .
__________
(1) -انظر: (ضوابط الجرح والتعديل عند الحافظ الذهبي) (1\85).
(2) -انتهى من كتاب ابن حبان: (المجروحين من المحدثين) (1/113/114/رقم:29).
(3) -انظر: في هذا: (شرح ألفاظ التجريح النادرة أو: قليلة الاستعمال) (1/185/188) ففيه ما يكفي ويشفي عند قول النقاد: (لو ظهر لهم الشيطان لحدثوا عنه).
(4) -قال أحمد بن صالح: (لا يترك حديث الرجل حتى يجتمع الجميع على ترك حديثه). قد يقال: (فلان ضعيف). فأما أن يقال: (فلان متروك). فلا، إلا أن يجتمع-أو: يُجْمِع-الجميع على ترك حديثه).
قال الحافظ ابن كثير-في (الباعث الحثيث) (1\320)، و(المعرفة والتاريخ) (2\191)-: (ورو ابن الصلاح عن أحمد بن صالح المصري أنه قال: لا يُترك الرجل حتى يجتمع الجميع...).
كما في (الكفاية) للخطيب (ص:110) و(مقدمة ابن صلاح) (ص:136) في (النوع:23). و(فتح المغيث) للسخاوي (1/373)، و(التدريب) (1/350).
وجاء في (شرح الألفية) للسخاوي: (ص:160/161) أن ابن مهدي-رحمه الله-قال: سئل شعبة: من الذي يترك حديثه؟ فقال:
1-من يُتهم بالكذب.
2-ومن يكثر الغلط.
3-ومن يخطئ في حديث يُجمع عليه فلا يَتَهِمُ نفسه ويُقيم على غلطه،
4-ورجل روى عن المعروفين ما لا يعرفه المعروفون.
وقال أحمد بن صالح: (لا يترك حديث الرجل حتى يجتمع الجميع على ترك حديثه، يعني بخلاف قولهم: ضعيف). وفي رواية بلفظ: (قال ابن مهدي): قيل لشعبة: من الذي يُترك حديثه؟ قال:
1-إذا روى عن المعروفين ما لا يعرفه المعروفون فأكثر طُرح حديثه،
2-وإذا أكثر الغلط طُرح حديثه،
3-وإذا اتهم بالكذب طُرح حديثه،
4-وإذا روى حديثاً مجتمعاً عليه فلم يتهم نفسه عليه طُرح حديثه،
ثم قال: وأما غير ذلك فَارْوِ عنهُ).
فقول أحمد بن صالح: (قد يقال: (فلان ضعيف)، فأما أن يقال: (فلان متروك) فلا، أو: (متروك الحديث) إلا أن يجتمع الجميع على ترك حديثه) معناه: أنه لا يقال: (فلان متروك)، إلا عند إجماعهم على تركه.
قال شيخنا أبو غدة في (حاشية الرفع والتكميل) (ص:140): (ولا يعني هذا الذي قاله أحمد بن صالح، أنه لا يقال في رجل (متروك)، إلا وقد اجتمع الجميع كافةً على تركه، فهذا الذي قاله أحمد بن صالح، ثم النسائي، ثم غيرهما، هو الأصل لمدلول لفظ (متروك) عندهم، ولكنَّ هذا لا يمنع أن يقول أحد النُّقَّاد في راوٍ: (ثقة)، ويقول فيه ناقد آخر: (متروك).
وقد وقع هذا في كلامهم غيرَ قليل، ففي (تهذيب التهذيب) (1/93) في ترجمة (أبان بن إسحاق الأسدي الكوفي): (قال ابن معين ليس به بأس-أي: ثقة، على اصطلاح ابن معين-.
قلت: وقال العجلي: ثقة. وأما الأزدي فقال: متروك الحديث. وذكره ابن حبان في (الثقات).
قلت: كلام الحافظ تصرف فيه شيخنا أبو غدة تصرفاً مخلاًّ بالمعنى فقمت بتصحيحه من (تهذيب التهذيب) (1/89- ط: دار الكتب العلمية، وهي النسخة التي عندي داخل زنزانتي الانفرادية بالسجن المحلي بتطوان).
وفي (تهذيب التهذيب) أيضاً (1/158/159) في ترجمة شيخ الإمام الشافعي-رضي الله عنه-: (إبراهيم بن محمد ابن أبي يحيى الأسلم المدني)، الذي كذَّبه غير واحد من أئمة الجرح والتعديل، وأغلظوا فيه الطعن والذم، جاء فيه من قولهم (فيه) مما يتصل بالمقام هنا ما يلي:
1-(قال أحمد: لا يكتب حديثه، ترك الناس حديثه، كان يروي أحاديث منكرة لا أصل لها، وكان يأخذ أحاديث الناس يضعها في كتبه).
2-وقال بشر بن المفضَّل: (سألت فقهاء أهل المدينة عنه فكلهم يقولون: كذَّاب.
3-وقال علي بن المديني عن يحيى بن سعيد: كذاب...
4-وقال البخاري: جهمي تركه ابن المبارك والناس، كان يرى القدر...
5-وقال النسائي: متروك الحديث...
6-وقال الدارقطني: متروك، قيل للربيع: فما حمل الشافعي على أن روى عنه؟ قال: كان يقول: لأن يخر إبراهيم من بُعد أحب إليه من أن يكذب، وكان ثقة في الحديث).
فهذا كذاب متروك، كل بلاء فيه كما قاله الإمام أحمد، وثّقه الشافعي واحتج بحديثه فقولهم فيه: (متروك)، لا يلزم منه أن الجميع قاطبةً تركوه، كما أسلفت بيانه قريباً، وأمثال هذا الحكم فيمن قيل فيه: (متروك) كثير جداً في كلام المحدثين وتراجم الرواة.
ولعل هذا الذي أشرت إليه، هو الذي دعا العلامة علياً القاري، أن يُفَسِّر لفظة: (الجميع) بالأكثر، وكان دقيقاً مصيباً، فقال رحمه الله في (شَرِْح شرحِ النخبة) (ص:238)، عند قول الحافظ ابن حجر: (ولهذا كان مذهب النسائي أن لا يُتركَ حديثُ الرجل حتى يجتمع الجميع-أي: الأكثر-على تركه).
وهذه فائدة غالية فاقبض يدكِ عليها-عزيزي القارئ-ومما ينبغي أن يُتنبه إليه ما استفيد من النصوص السابقة، وهو أن هناك فرقاً بين قولهم: (تركوه) وقولهم: (تركه فلان)، فإنه قد يكون جرحاً وقد يكون غير جرح.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في (مجموع الفتاوى) (24/349): (قولهم: تركه شعبة، معناه: أنه لم يرو عنه، وترك الرواية قد يكون لشبهة لا توجب الجرح، وهذا معروف في غير واحد قد خُرّج له في الصحيح).
وقد يقولون: (تركه فلان) بمعنى ترك الكتابة عنه، لا بمعنى الترك الاصطلاحي، كما نبه عليه الحافظ الذهبي... قال الذهبي في (الميزان) (3/70) والحافظ ابن حجر في (تهذيب التهذيب) (7/203) في ترجمة الإمام (عطاء بن أبي رباح المكي): (سيد التابعين علماً وعملاً وإتقاناً في زمانه بمكة... وروى محمد بن عبد الرحيم، عن علي بن المديني، قال: كان عطاء بأخَرةٍ قد تركه ابن جريج، وقيس بن سعد.
قلت-القائل الذهبي-: لم يَعْنِ الترك الاصطلاحي، بل: عنى أنهما بطَّلاَ-أي: تركا-الكتابة عنه، وإلا فعطاء ثبتٌ رِضىً حجة إمام كبير الشأن).
وقال العلامة المعلمي في كتابه القيم: (التنكيل) (ص:925): "ترك بعض الأئمة أو: الرواة الرواية عن بعض المشايخ ليس منحصراً في اعتقاد ضعفهم بل: قد يكون لغير ذلك، كما امتنع ابن وهب من الرواية عن المفضل ابن فضالة القِتْباني لأنه قضى عليه بقضية وامتنع مسلم من الرواية عن محمد بن يحيى الذهلي لما جرى له في شأن اختلافه مع البخاري"...).
انظر: (علوم الحديث) (ص:240)، و(لسان الميزان) (1/12)، و(فتح المغيث) (1/372)، و(مجموع الفتاوى) (24/350/439)، و(السير) (5/87/168)، و(الميزان) (3/70/264)، و(تاريخ بغداد) (10/402)، و(تاريخ الدوري) (2/372)، و(الجرح والتعديل)، (5/255/357)، و(طبقات ابن سعد) (5/483)، و(تهذيب الكمال) (18/347)، و(نزهة النظر) (ص:122أو:ص:113)، و(شرح لألفية) للسخاوي (ص:160/161)، و(مقدمة ابن الصلاح) (ص:136-في النوع:23)، و(تهذيب التهذيب) (1/89/150\رقم:165/284)، و(8/397)، و(سؤالات أبي داود) (ص230/231)، و(معجم علوم الحديث النبوي) (ص:169/رقم:587)،و(شفاء العليل بألفاظ وقواعد الجرح والتعديل) (1/213/230/232/242/282). وغيرها.
و(المعرفة والتاريخ) (2/153)، (3/364/365) و(ضوابط الجرح والتعديل عند الحافظ الذهبي) (2/688/690) وقد ذكر محمد الثاني في (ضوابطه) هذه كلاماً طيباً في المبحث الثامن تحت عنوان: (قد يطلق الإمام لفظاً من ألفاظ الجرح ويحمل على غير معناه الاصطلاحي)، ولولا الإطالة لنقلته كاملاً في هذه الحاشية-راجعه إن شئت ففيه متعة وفائدة يرحل إليها خمسين فرسخاً-و(الرفع والتكميل) (ص:139/140/141/153).
قال شيخنا عبد العزيز بن محمد آلعبد اللطيف في كتابه: (ضوابط الجرح والتعديل) (ص:145/146): (وأمَّا قوله: (تركه فلان) فلا يلزم منه ترك الراوي مطلقاً وذلك لما يلي:
أ-لاحتمال أن يكون ترك الإمام لذلك الراوي بسبب شبهة لا توجب الجرح.
ب-لأن العبارة قد تستعمل في غير الترك الاصطلاحي المعروف، فقد قال علي بن المديني في عطاء بن أبي رباح: (كان عطاء اختلط بأخَرة، تركه ابن جريج، وقيس بن سعد).
قال الحافظ الذهبي: (لم يَعْنِ عليٌّ بقوله: (تركه هذان) الترك العرفي ولكنه كبر وضعُفت حواسُّه، وكانا قد تكفَّيَا منه وتفقها وأكثرا عنه فبطَّلا فهذا مراده بقوله: (تركاه).
كما في (السير 5/87) وقال في موضع آخر: (لم يعْنِ الترك الاصطلاحي، بل: عنى أنهما بطَّلا الكتابة عنه-أي: تركا الكتابة عنه-وإلا فعطاء ثبت رضى).
انظر: (شفاء العليل بألفاظ وقواعد الجرح والتعديل) (1\330\331) (قناص الشوارد الغالية...) (ص:61/165\و(273\رقم:38\و343/برقم:63\و392\رقم:65\425\رقم:68\و488/489/498/519/523/537/555/562/588/598/621/646/650/681/686/687/695/735\رقم:70\و778/783/795/818/رقم:71\و858/860/862/863/864\رقم:72\و1314\رقم:150\و1380\رقم:175\و1535/رقم:199)، و(كتاب السلسبيل في شرح عبارات وألفاظ التجريح) (ص:103\105\رقم:123\124) تحت عنوان: (الخامس والخمسون: بيان أن قولهم: "تركه فلان" لا يُراد به في كثير من الأحيان الترك الاصطلاحي)، و(السير) (5\86\87)، و(الميزان) (3\70).(1/149)
وقال الخطيب: حدث عن أنس بالأباطيل. يروي عنه عيسى بن سالم الشاشي، وسعدان بن النضر، ومحمد بن عبيد الله بن المنادى، والخضر بن أبان الكوفي، وقال أحمد: لا شيء. قلت: بقي إلى سنة مائتين.
روى أبو نعيم، عن إبراهيم بن عبد الله بن أبي العزائم بالكوفة، حدثنا الخضر بن أبان المقري، حدثنا إبراهيم بن هدبة (1) ، حدثنا أنس-رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-: (أيما امرأة خرجت من غير أمر زوجها كانت في سخط الله حتى ترجع إلى بيتها أو: يرضى عنها) (2) .
وبسنده أيضاً إلى إبراهيم بن هدبة، عن أنس-رضي الله تعالى عنه-قال: قال رسول الله-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-:: (من بكى على ذنبه في الدنيا حرم الله ديباجة وجهه على جهنم) (3) .
__________
(1) -انظر ترجمته في: (اللسان) (1/222/رقم:375-"241")، و(الجرح والتعديل) (2/145/رقم:471)، و(الضعفاء الكبير) (1/69). أفادته أم الفضل حرم وتلميذة المؤلف.
(2) -أخرجه الخطيب في "تاريخه" (6/200/201)من طريق أبي نعيم بسنده عن إبراهيم بن هدبة. انظر تخريجه في (الموسوعة) (3/328/رقم:7182)، و(ضعيف الجامع) (رقم:2222)، و(الضعيفة) (3/88/رقم:1020-وقال الألباني: موضوع-ثم ساق أقوال الأئمة في جرح إبراهيم بن هدبة)، و(الكشف الإلهي) (رقم:156)، و(المغير) (رقم:41). أفادته أم الفضل حرم وتلميذة المؤلف.
(3) -انظر تخريجه في: (الموسوعة) (9/334/رقم:23963)، و(تنزيه الشريعة) (2/314/رقم:114-كتاب الأطعمة-الفصل الثالث)، و(ذيل اللآلئ) (رقم:191)، و(الفوائد المجموعة) (ص:251/رقم:89-كتاب الأدب والزهد والطب وعيادة المريض)، وقال: (هذا من نسخة موضوعة). تحقيق: العلامة المعلمي.
قال الحافظ في (تهذيب التهذيب) (1/121/رقم:375-241): (قال ابن أبي حاتم: سألت أبي عن أبي هدبة فقال: كذاب. وقال أبو الشيخ في (طبقات الأصبهانيين): متروك الحديث. وقال مكي بن عبدان: سألت مسلماً عنه فقال: ليس بشيء. وقال العقيلي: يرمى بالكذب، وكذا قال الخليلي...
وقال عبد الله بن علي بن المديني: ضعفه أبي جداً. وذكره الحاكم في باب أقوام لا تحل الرواية عنهم، إلا بعد بيان أحوالهم). وقولهم في ترجمة الراوي: (له نسخة موضوعة) يعنون أنها مما عملت يداه، وهذا يعتبر جرحاً شديداً جداً. أفادته أم الفضل حرم وتلميذة المؤلف.(1/150)
قال أبو حاتم وغيره: كذاب (1) .
__________
(1) -قولهم: (كذاب) الإطلاق المشهور لهذا اللفظ ينصرف إلى من كذب على النبي-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-ولو مرة واحدة. وثمة إطلاق آخر فقد قال ابن الوزير في (الروض الباسم) (ص:82) ومن لطيف علم هذا الباب أن يعلم أن لفظة (كذاب) قد يطلقها كثير من المتعنتين في الجرح على من يهم ويخطأ في حديثه وإن لم يتبين أنه تعمد ذلك ولا تبين أن خطأه أكثر من صوابه ولا مثله وهذا يدل على أن هذا اللفظ من جملة الألفاظ المطلقة التي لم يفسر سببها، ولهذا أطلقه كثير من الثقات على جماعة من الرفعاء من أهل الصدق والأمانة فحذار أن تغتر بذلك في حق من قيل فيه من الثقات الرفعاء، فالكذب في الحقيقة اللغوية يطلق على الوهم والعمد معاً، ويحتاج إلى تفسير إلا أن يدل على التعمد قرينة صحيحة).
وقد بينت هذا بتوسع في كتابي (قناص الشوارد) (ص:1088)، قال صاحب كتاب (شفاء العليل بألفاظ وقواعد الجرح والتعديل) (ص:343/344): (قولهم: (فلان كذاب): الظاهر من هذا اللفظ أن الراوي يكذب في الرواية إما بالسرقة أو: بالتركيب أو: بالوضع، ولكنهم قد يقولون ذلك على المبتدع كما قال ابن معين في تليد بن سليمان محاربي: (تليد كذاب كان يشتم عثمان وكل من يشتم عثمان أو: طلحة أو: أحداً من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهو دجال لا يكتب عنه وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين). (تاريخ بغداد) (7/138).
ويقولون ذلك أيضاً على من يكذب في حديث الناس لا في الرواية، وقد جاء في (الميزان) (1/436/437) ترجمة: الحارث الأعور ذكر الذهبي أقوال من كذبه ثم قال: (وحديث الحارث في السنن الأربعة، والنسائي مع تعنته في الرجال فقد احتج به وقوَّى أمره،.... فهذا الشعبي يكذبه ثم يروي عنه، قال: والظاهر أنه كان يكذب في لهجته وحكاياته وأما في الحديث النبوي فلا وكان من أوعية العلم). وقد كتب شيخنا عبد العزيز الغماري في الدفاع عن الحارث الأعور رسالتين أصاب فيهما بعض الشيء.
قلت: وما قاله الذهبي رحمه الله محتمل وليس بصريح لأنهم يروون أحاديث الكذابين في رواية ويبينون أمرهم ويحذرون منهم ومن وضّح أمر الكذاب فقد برئت وحدته، لكن ذكرته شاهداً لهذه الحالة من كلام أهل العلم والله أعلم. وقد يقولون: (فلان كذاب على أن يخطئوا ويهموا لا على من يتعمد، كما جاء في (لسان الميزان) (2/7) ترجمة: برد مولى سعيد بن المسيب قال ابن حبان في (الثقات) (6/114): كان يخطأ وأهل الحجاز يسمون الخطأ كذباً).
وجاء في (تهذيب التهذيب) (7/346 ) ترجمة علي بن عاصم بن صهيب الواسطي: (...قال ابن معين: كذاب ليس بشيء ولا يحتج به قلت: ما أنكر عليه، قال: الخطأ ليس ممن يكتب حديثه،...).
فتأمل كيف كذبه وسئل عن سبب ذلك فقال: الخطأ والغلط لكن لما كثر ذلك عند ابن معين تركه، والله أعلم.
وقال الشيخ المعلمي: (قولهم: فلان يكذب أو: كذاب، وقد يقصد بها الوهم ومخالفة الصواب ولذا عدها بعضهم من الجرح غير المفسر ولكن العبرة ببقية الأقوال في الترجمة... فمثلاً قال ابن معين لأبي بدر شجاع بن الوليد السكوني: (يا كذاب، وقال ابن أبي خيثمة عن ابن معين في شجاع: (شجاع بن الوليد ثقة وثقه غير واحد ولكنه يهم يغلط)،
انظر: (التنكيل) (495)، و(الفوائد المجموعة) (448)-وقد يقولون: (فلان كذاب على سبيل المزاح)-كما في: (حاشية الرفع والتكميل ) (ص:168)، و(ضوابط الجرح والتعديل) لشيخنا عبد العزيز آلعبد اللطيف (ص:147)، و(معجم علوم الحديث النبوي) (ص:49/173/223/232)، و(ضوابط الجرح والتعديل عند الحافظ الذهبي) (1/227).(1/151)
قلت: حدث بعيد المائتين عن أنس بعجائب. روى عنه حميد بن الربيع، وعبد الرحمن بن عمر رُسْتة (1) . قال أبو نعيم: قدم أصبهان فحدث على المنبر عن أنس، فرفع ذلك إلى جرير بن عبد الحميد فصدقه. وكان المأمون أيضاً يصدقه.
قلت: تصديقهما لا ينفعه، فإنه مكشوف الحال. روى الخطيب بسنده إلى مجاهد بن موسى الخوارزمي أبي علي نزيل بغداد أنه سئل عن إبراهيم بن هدبة فقال علي بن ثابت (2) : (هو أكذب من حماري هذا) (3) .
__________
(1) -رسته: بضم الراء وسكون السين المهملة لقب عبد الرحمن بن عمر بن أبي الحسن الزهري الأصبهاني (القاموس) (140) طبعة جديدة كاملة في مجلد واحد
(2) -انتهى من (ميزان الاعتدال) (1/71/172)، و(لسانه) (1/120). أو: (1/175/178)، و(الضعفاء) (ص43/رقم:9) للنسائي، و(1/69) للعقيلي، و(1/208/209) لابن عدي، و(12) للدارقطني، و(131) لابن الجوزي، و(الجرح والتعديل) (2/143/144). أفادته أم الفضل حرم وتلميذة المؤلف.
(3) -قال الأستاذ سعدي في كتابه (شرح ألفاظ التجريح النادرة أو: قليلة الاستعمال) (2/166/167): هذا التعبير استعمله علي ابن ثابت في تجريح إبراهيم بن هدبة أبو هدبة الفارسي. روى الخطيب بسنده إلى مجاهد بن موسى الخوارزمي أبي علي الختلي نزيل بغداد أنه سئل عن إبراهيم بن هدبة فقال: قال علي بن ثابت: (هو أكذب من حماري هذا).
وتعبيره هذا يدل على تجريحه الشديد لهذا الراوي وهو ينطبق عليه فأمره بالكذب ووضع الأحاديث مشهور معروف عند نقاد الحديث وهذه طائفة من أقوالهم فيه. قال ابن حبان في (المجروحين) (1/114/115): (دجال من الدجاجلة...).
انظر: الكشف الحثيث ص:48). وقال ابن عدي في (الكامل) (1/211/212): (حدث عن أنس وغيره بالبواطيل-وقال في آخر ترجمته بعد أن أخرج له بعض الأحاديث "مناكير": وهذه الأحاديث مع غيرها مما رواه أبو هدبة كلها بواطيل وهو متروك الحديث بَيِّن الأمر في الضعف جداً).
وقال الخطيب في (تاريخ بغداد) (6/201): (حدث عن أنس بالأباطيل). وقال الذهبي في (الميزان) (1/71)، و(لسانه) (1/119) للحافظ ابن حجر: (حدث بُعَيْد المائتين عن أنس بعجائب). انظر للتوسع-ما يقصدون بهذا التعبير-في: (قناص الشوارد الغالية، وإبراز الفوائد والفرائد الحديثية) (ص:1420)(1/152)
وقال أحمد بن كنان القطان: سمعت محمد بن بلال الكندي يقول: كان أبو هدبة عدو الله يحفِّل الغنم عندنا. وكذلك لا يفرح عاقل بما جاء-بإسناد مظلم (1) عن يحيى بن بدر.
__________
(1) -قال الدكتور الخميسي في كتابه: (معجم علوم الحديث النبوي) (ص:32\33\رقم:75-إسناده مظلم): (جاءت هذه العبارة على لسان بعض الأئمة كابن معين وابن عدي والذهبي-رحمهم الله-وغيرهم، ومن تتبعي لبعض الأسانيد التي قيل فيها ذلك ظهر لي أن المراد به الإسناد الذي فيه مجاهيل لا يعرفون.
وإليك بعض الشواهد على ذلك:
1-حديث أبي بن عمارة-رضي الله عنه-أنه قال: "يا رسول الله! أمسح على الخفين؟ قال: "نعم". قال: يوماً؟ قال: "نعم". قال: ويومين؟ قال: "نعم". قال: وثلاثة أيام؟ قال: "وما شئت". رواه أبو داود، وقال: ليس بالقوي.
قال المنذري (مختصر سنن أبي داود): "قال الإمام أحمد: رجاله لا يعرفون، وقال ابن معين: إسناده مظلم".
2-قال الذهبي في ترجمة: (أحمد بن زرارة المدني) من "الميزان" (1\98): "لا يعرف وخبره باطل، لكن السند إليه مظلم".
قال ابن حجر في (لسان الميزان) (1\173) نقلاً عن الخطيب بعد إيراده الخبر الذي أشار إليه الذهبي: "هذا حديث منكر، وفي إسناده غير واحد من المجهولين".
3-قال ابن عدي في "الكامل" (3\1162) ترجمة: (سلامة بن روح الأيلي)، عن حديث: "من صلى صلاة لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي خداج" قال: "وقد روي هذا أيضاً بإسناد مظلم عن مالك، عن الزهري، عن أبي السائب، والمحفوظ في هذه الرواية رواية العلاء بن عبد الرحمن، عن أبي السائب".-وانظر رواية مالك في "العلل" (9\17) للدارقطني).(1/153)
قال يحيى بن معين: أبو هدبة لا بأس به ثقة. فهذا القول باطل، فقد قال إبراهيم بن عبد الله بن الجنيد: سمعت يحيى بن معين، وسئل عن أبي هدبة فقال: قدم علينا هاهنا، فكتبنا عنه عن أنس، ثم تبين لنا أنه كذاب خبيث (1) .
قال محمد بن إسماعيل بن عطية البصري: حدثنا نصر بن علي، حدثنا بشر بن عمر، قال: كان في جوارنا عرس فدعي له أبو هدبة صاحب أنس فأكل وشرب وسكر فجعل يغني-مجزوء الرمل-:
أخذ القمل ثيابي* فترقصت لهنهْ) (2) .
قال ابن عدي: (... كان بالبصرة ثم وافى بغداد، وحدث عن أنس وغيره بالبواطيل (3) .
حدثنا عبد الله بن أبي سفيان الموصلي، ومحمد بن أحمد بن حماد قالا: حدثنا عباس بن محمد، قال: سمعت يحيى بن معين-رحمه الله تعالى- يقول: قدم أبو هدبة فاجتمع عليه الخلق فقالوا له: أخرج رجلك، قالوا ليحيى: لِم قالوا له: أخرج رجلك؟ قال: كانوا يخافون أن تكون رجله رجل حمار يكون أو: فيكون شيطاناً (4) .
__________
(1) انظر: (تاريخ بغداد) (6/202)، و(تاريخ ابن معين) (4/333) و(الضعفاء الكبير) للعقيلي (رقم:70)، و(الجرح والتعديل) (1/143)، و(المجروحين) (1/114)، و(الكامل لابن عدي) (رقم:211)، و(الميزان) (1/71)، و(المغني) (1/29)، كلاهما للذهبي و(لسان الميزان) (1/119)، و(شرح ألفاظ التجريح النادرة أو: قليلة الاستعمال) (1/119)، و(ضعفاء النسائي) (ص:43\رقم:9).
(2) -ل: فرقصت هامش (الميزان) (1/71/72)، وفي حاشية (لسان الميزان) (1/220/375-(241)-)، والحكاية التي أشار إليها المؤلف في أول (بغية المستفيد) لابن عساكر. وفيها أيضاً: لعله: ثوبي.
(3) -انظر هذه العبارة في كتابي (قناص الشوارد...): (ص:92 المقدمة) (ص:325/رقم:62\و510/519/533/645/666 رقم:70\و800/817/835/853/رقم:71\و983\1343\رقم:157\1440/رقم:175).و(شفاء العليل) (1/461).
(4) -انظر: (شرح ألفاظ التجريح النادرة أو: قليلة الاستعمال) (1/185/188).(1/154)
سمعت أحمد بن محمد بن حماد، حدثنا معاوية بن صالح، عن يحيى قال: كان أبو هدبة يقول: حدثنا أنس عن النبي-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-، قال هشيم: لو كان شعبة (1) حياً لاستعدى عليه الناس.
سمعت عبد الملك بن محمد يقول: أخبرنا محمد بن عبيد الله المنادي قال: كان أبو هدبة ببغداد يسأل الناس على الطريق قال عبد الملك: وبلغني أنه: كان رقاصاً بالبصرة يدعى إلى العرائس فيرقص لهم.
قال عبد الملك: وأخبرت عن إبراهيم الأصبهاني عن علي بن نصر، عن بشر بن عمرو، قال: عرست فدعوت أنا هدبة فجعل يرقص ويقول:
أخذ النمل ثيابي * فترقصت لهن.
قال الشيخ: وقال أبو عبد الرحمن النسائي، فيما أخبرني محمد بن العباس عنه: إبراهيم بن هدبة، أبو هدبة: متروك الحديث.
__________
(1) -قال الإمام أحمد-رحمه الله تعالى-في حق شعبة-رحمه الله تعالى-: (كان أمة وحده في هذا الشأن)، وقال فيه حماد بن زيد-رحمه الله-: (هو فارس في الحديث خذوا عنه)، وقال فيه الثوري-رحمه الله تعالى-: (أمير المؤمنين في الحديث).
وقد فسره ابن أبي حاتم في (الجرح والتعديل) (1\126) فقال: (يعني فوق العلماء في زمانه)، ومعناه أيضاً: أن من قيل فيه: "أمير المؤمنين في الحديث" أي: فهو في المحدثين كالأمير في الناس يهابه الناس ويطيعون له ويتركون قولهم لقوله. انظر: (شفاء العليل بألفاظ وقواعد الجرح والتعديل) (1\34).(1/155)
حدثنا محمد بن عبيد الله بن طعمة المعري بمعرة النعمان، حدثنا محمد بن سليم المعري القرشي، حدثنا إبراهيم بن هدبة عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-: (إن في جهنم بحراً أسودَ مظلماً منتن الرائحة يغرق الله فيه من أكل رزقه وعبد غيره) (1) .
قال الشيخ: وبهذا الإسناد بضعة عشر حديثاً مناكير. وحدث بشيء منه عن أبي هدبة حميد بن الربيع، ومحمد بن عبيد الله بن المنادي وغيرهما (2) ..
حدثنا عبد الوهاب بن أبي عصمة-رحمه الله تعالى-، قال: حدثنا حميد بن الربيع-رحمه الله تعالى-، قال: حدثنا أبو هدبة، قال: حدثنا أنس-رضي الله تعالى عنه-قال: قال رسول الله-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-: (طوبى لمن أبصرني، وأبصر من أبصرني والذي أبصر من أبصر من أبصرني) (3) .
__________
(1) -انظر تخريجه في (الموسوعة) (2/588/رقم:5639)، و(ترتيب الموضوعات) (1139)، و(تنزيه الشريعة) (2/379/رقم:8-كتاب البعث-الفصل الأول. وقال: من حديث أنس ولا يصح، فيه: أبو هدبة)، و(ذخيرة الحفاظ) (1949)، و(اللآلئ) (2/464)، و(الموضوعات) (3/264/265). وقال: (هذا حديث لا يصح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . وإبراهيم قد كذبه أحمد، ويحيى، وعلي بن المديني).
(2) -نظر: (الجرح والتعديل) (143/144)، و(الكامل) (1/208/209)، و(الضعفاء) و(المتروكين) لابن الجوزي (131)..
(3) -انظر: (موسوعة الأحاديث والآثار الضعيفة والموضوعة) (5/104/رقم:13764)، و(الألحاظ) (رقم:362). وورد بلفظ: (طوبى لمن رآني ولمن رآى من رآني، طوبى لهم وحسن مآب).
أخرجه الحاكم في (مستدركه) (4/86) وقال: (هذا حديث قد روي بأسانيد قريبة عن أنس بن مالك، وأقرب هذه الروايات إلى الصحة ما ذكرنا) وتعقبه الحافظ الذهبي في (تلخيص المستدرك) (4/86) بقوله: (قلت: جميع واه)، ومرة قال في (الشفاعة) (ص:47): (منكر الحديث، لا يجوز أن يحتج به)، كذا قال في (الجرح والتعديل) (1/105/رقم:461-استخرج نصوصه: خليل ابن محمد العربي).
والحديث رواه أنس، وأبو سعيد، وأبو أمامة وإليكم تخريجه:
1-نبدأ بحديث أنس فنقول: أخرجه ابن أبي عاصم في (السنة) (2/631/رقم:1488)، والبغدادي في (تاريخه) (6/201).
2-ونثني بحديث أبي سعيد الخدري فقد رواه ابن أبي عاصم أيضاً في (السنة) (2/631/رقم:1487)، والبغدادي في (التاريخ) (4/61)، والبخاري في (التاريخ الكبير) (1/1/335).
3-أما حديث أبي أمامة فقد أخرجه البخاري في (التاريخ الكبير) (1/2/37)، وابن أبي عاصم في (السنة) (2/630/رقم:1483)، وأورده الهيثمي في (المجمع) (10/20) بدون قوله: (ولمن رآى) وزاد: (وطوبى لهم وحسن مآب) وقال: (رواه الطبراني وفيه بقية وقد صرح بالسماع فزالت الدلسة، وبقية رجاله ثقات).
وصححه الألباني في مواضع من كتبه منها: (السنة لأبي عاصم ومعه ظلال الجنة في تخريج السنة) (2/630/631/رقم:1486)، وقال في (الصحيحة) (رقم:1254): (وقد وقفت على إسناده، أخرجه الضياء في "المختارة"(ق113/2) من طريق أبي يعلى، والطبراني عن بقية، وقال الطبراني عنه: ثنا محمد بن عبد الرحمن بن عرق اليحصبي عن عبد الله بن بسر به.
ورجاله معروفون، غير اليحصبي فقد ترجمه ابن أبي حاتم في (الجرح والتعديل) (3/2/306) برواية جماعة عنه. ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً، ووثقه ابن حبان في-الثقات-5/377). انظر تخريجه بتوسع في هامش: (ثمرات النظر في علم الأثر) (ص:109\110) للعلامة محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني، تحقيق!!!: رائد بن صبري.(1/156)
حدثنا أحمد بن حفص السعدي، حدثنا محمد بن سليمان القدسي، حدثنا إبراهيم بن هدبة عن أنس قال: قال رسول الله-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قال: (أيما رجل طلق امرأته والمرأة لا تعلم وهو مصر عليها فكل ولد يولد له يموت، إلا أن يكون الأجر للمرأة، والرجل لا يكون له أجر شيء، ويجيء يوم القيامة في جبينه مكتوب: هذا فاجر) (1) .
حدثنا أحمد بن حفص، حدثنا محمد بن سليمان، والمختار بن سنان الجرجاني قالا: أنبأنا أبو هدبة إبراهيم بن هدبة عن أنس-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-: (اللهم بارك لأمتي في غدوها وبارك لها في رواحها) (2) .
حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز، حدثنا عيسى بن سالم الشاشي، حدثنا أبو هدبة الفارسي قال: سمعت أنس بن مالك -رضي الله تعالى عنه-قال: قال رسول الله-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-: (لو أن الله عز وجل أذن للسماوات والأرضين أن يتكلما لبشرتا لمن صام رمضان بالجنة) (3) .
__________
(1) -انظر: (الكامل في ضعفاء الرجال) (1/208/209/رقم:55).
(2) -انظر: (الكامل في ضعفاء الرجال) (1/208/209/رقم:55). و(تذكرة الحفاظ) (147)، و(المجروحين) (1/170\رقم:90) لكن بلفظ: (اللهم بارك لأمتي في بكورها يوم خميسها).
ورواه الحاكم في (علوم الحديث) (ص:661)، وانظر تخريجه في: (بيان الوهم والإيهام) (6/485) (رقم:1252/1253/12)، وقال الحافظ الذهبي في (تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام) (4/699/رقم:215-ترجمة: عمر بن مُساور البصري): (قال البخاري-في "تاريخه الكبير" (6/الترجمة:2166)-: يروي عن أبي جمرة، عن ابن عباس-رضي الله عنه-مرفوعاً: بورك لأمتي في بكورها)، وهذا منكر). انظر: (الجرح والتعديل) (6/الترجمة:731).
(3) -يُنظر في: (تذكرة الحفاظ) (651) للذهبي، و(المجروحين) (1/113/رقم:29) سبق تخريجه آنفاً. وقال الصغاني في (الدرر الملتقط) (ص:6): (ونسخة إبراهيم بن هدبة القيسي كلها موضوعة).(1/157)
حدثنا أحمد بن علي بن المثنى أبو يعلى، حدثنا موسى بن محمد بن حيان، حدثنا عبد القدوس بن الحواري، حدثنا أبو هدبة عن الأشعث الحراني عن أنس بن مالك-رضي الله عنه-أن رسول الله-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-فذكر نحوه (1) .
حدثنا أبو يعلى الموصلي حدثنا موسى بن محمد بن حيان، حدثنا عبد القدوس بن الحواري، حدثنا أبو هدبة عن الأشعث الحراني عن أنس بن مالك-رضي الله عنه-أن رسول الله-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-قال:
(من فارق الدنيا وهو سكران دخل القبر سكراناً، وبعث من قبره سكراناً وأمر به إلى النار سكراناً، إلى جبل يقال له: سكران فيه عين يجري منها القيح والدم هو طعامهم وشرابهم ما دامت السموات والأرض) (2) .
قال الشيخ: وهذه الأحاديث مع غيرها مما رواه أبو هدبة كلها بواطيل، وهو متروك الحديث بين الأمر في الضعف جداً) (3) .
وذكر له العقيلي في (ضعفائه) حديثاً آخر فقال: (ومن حديثه ما حدثناه عبيد بن محمد الكشوري، قال: حدثنا محمد بن عبد الله الخشاش، قال: حدثني يحيى بن دومى، قال: حدثنا إبراهيم بن هدبة قال: حدثني أنس-رضي الله عنه-قال: نهى رسول الله-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-عن الصلاة في الحمام، وعن السلام على بادي العورة) (4) .
__________
(1) -انظر: (الكامل في ضعفاء الرجال) (1/208/209/210/211/رقم:55).
(2) -انظر: (الكامل في ضعفاء الرجال) (1/208/209/رقم:55)، و(المدخل إلى الصحيح) (ص:115/116).
(3) -انظر: (الكامل في ضعفاء الرجال) (1/208/209/رقم:55/رقم:3).
(4) -انظر: (الضعفاء الكبير) للعقيلي (1/69/رقم:70). وقال المحقق: (فلما كبر جعل يروي عن أنس ويضع عدو الله أحاديث قيض الله من يكشف وضع ودجل هذا الفاسق).(1/158)
قال النسائي: (أبو هدبة: متروك الحديث) (1) .
قال شيخنا عبد العزيز الغماري في كتابه: (التهاني في التعقب على موضوعات الصغاني) بعد أن قال: قال الصغاني: أسامي الضعفاء والمتروكين عند أئمة الحديث: (قلت: ذكر هنا بعض الرجال لكن فيهم من لم يترك وقد تقدم في أول الكتاب ذكر بعض الضعفاء والوضاعين أيضاً. وسأذكرهم هنا مع هؤلاء مرتبين على الحروف مع بيان حال كل منهم...
إبراهيم بن هدبة (2)
__________
(1) -انظر: (الضعفاء والمتركين) (ص:253/رقم:661-كما في المجموع في الضعفاء والمتروكين)، و(الضعفاء الكبير) للعقيلي (1/69/رقم:70)، وابن حبان في (المجروحين) (1/144)، والذهبي في (الميزان) (1/71)، والحافظ في (اللسان) (1/119).
(2) -أما هدبة بن خالد فقد قال الذهبي في ترجمته: (هدبة بن خالد بن أسود القيسي البصري توفي 235 هـ): (روى علي بن الجنيدي، عن يحيى بن معين: (ثقة)، وقال أبو حاتم: (صدوق) واحتج به الشيخان. وما أدري مستند قول النسائي وهو ضعيف).
انظر: (الكامل) (7/139)، و(سؤالات ابن الجوزي) (ص:358)، و(الجرح والتعديل) (9/114)، و(تهذيب الكمال) (30/155)، (وسير أعلام النبلاء) (11/98)، (وضوابط الجرح والتعديل عند الحافظ الذهبي) (2/814)- وقال في موضع آخر واحتج به الشيخان... وتبادر ابن عدي في ذكره في: (الكامل) (7/138/139)، ثم اعتذر وقال: استغنيت أن أخرج له حديثاُ، لأني لا أعرف له حديثاً منكراً، فيما يرويه وهو كثير الحديث، وقد وثقه الناس وهو صدوق لا بأس به).
وذكره ابن حبان في (الثقات) (9/246)، والذهبي في (السير) (11/98)، و(ضوابط الجرح والتعديل عند الحافظ الذهبي) (2/929/930)، ما نصه: (وإنما ذكر ابن عدي ابن هدبة في كتابه، لمقالة عباس بن عبد العظيم فيه، بأنه يحدث من كتب أخيه أمية بن خالد، وقد تقدمت مناقشة هذا الصنيع، وأنه لا يضر بهدبة، إذ أنه شارك أخاه في سماع هذه الكتب وضبطها، فلا بأس عليه في روايته منها.(1/159)
القيسي أبو هدبة الفارسي. قال الذهبي في "الميزان": حدث ببغداد وغيرها بالأباطيل.
قلت: وهو من المشهورين بالكذب والوضع ولكن من العجب أن المأمون كان يصدقه وكذلك جرير بن عبد الحميد ولكن ذلك لا ينفعه كما قال الذهبي-رحمه الله تبارك وتعالى-فإنه مكشوف الحال (1) .
وكذلك وثقه يحيى بن سعيد في رواية، لكن كذبها الذهبي أيضاً، ونقل عنه أنه قال: قدم علينا يعني أبا هدبة وكتبنا عنه عن أنس ثم تبين لنا أنه كذاب خبيث، وانظر الأصل فقد ذكرت ما ينبغي الوقوف عليه من حاله.
__________
(1) -وفي بعض الروايات (مكشوف الأمر أو: الحال)، ومعناه: (أن كذبه لائح بين لا يحتاج إلى بحث وسؤال وقد قال فيه ابن معين أيضاً: (قدم أبو هدبة فاجتمع عليه الخلق فقالوا: أخرج رجلك كانوا يخافون أن يكون رجله رجل حمار أو: شيطان)، وعلة ذلك ما جاء في بعض الآثار أن الشياطين آخر الزمان يحدثون الناس بأحاديث كذب قاله الذهبي. انظر: (لسان الميزان) (1/119)، و(شفاء العليل) (1/291).
قال أبو الفضل عمر الحدوشي: ذكر تلك الآثار الشيخ خالد بن ناصر بن سعيد الغامدي-حفظه الله-في دراسة تقدم بها إلى جامعة محمد بن سعود الإسلامية لنيل درجة ماجستير-وقد حصل عليها بتقدير ممتاز-تحت عنوان: (أشراط الساعة في مسند الإمام أحمد وزوائد الصحيحين) (1\243\إلى:261\الأرقام من:111\إلى:126-جمعاً وتخريجاً وشرحاً ودراسة-لولا الإطالة لنقلتها هنا كاملة).(1/160)
ومع اشتهار حاله ورميه بالكذب والوضع عند جميع أهل الجرح. ترى القرطبي يكثر من ذكر أحاديثه في (التذكرة) ساكتاً عنها وبدون أن يشير إلى وضعها. بل: يذكرها أصلاً ودليلاً على مسائله في كتاب (التذكرة) والأمر لله) (1) .
قال المحبوس في سبيل عقيدته عمر الحدوشي: وكتاب (التذكرة) للقرطبي مليء بالأباطيل والخرافات والمبالغات الواضحة كما أنه مليء بالأحاديث الضعيفة والواهية والموضوعة، قرأته بالسجن المركزي بالقنيطرة فرأيت فيه عجباً، والله لقد كان فيه القرطبي-رحمه الله-حاطب ليل وجارف سيل، ولعل حجته في ذلك: (من أسند لك فقد أعذر!!). والكتاب يحتاج إلى خدمة موسعة وشاملة-دراسة وتحقيقاً وتخريجاً وتنقيحاً وتصحيحاً وتنبيهاً على ما فيه من الخرافات والمخالفات، قيض الله له طالباً مجداً نشيطاً باحثاً حتى يقوم بهذا الأمر.
جاء في حاشية (معرفة علوم الحديث) للحاكم (ص:120) (أبو هدبة إبراهيم بن هدبة...قال حدثنا أنس بن مالك وهذه النسخة عندنا بهذا الإسناد): عن ابن الصلاح: (أبو هدبة ضعيف).
هو بصري كذبه أبو حاتم وغيره، وكان رقاصاً يدعى إلى الأعراس، فلما كبر جعل يحدث عن أنس بالأباطيل (2) .
د-ومن ذلك قولهم في الراوي: (هو أكذب من حماري هذا):
هذا التعبير استعمله علي بن ثابت الجَزَري في تجريح إبراهيم بن هدبة أبو هدبة الفارسي.
__________
(1) -انتهى من (التهاني في التعقب على موضوعات الصغاني) (ص:62/63). لشيخنا عبد العزيز الغماري، انظر: (الجرح والتعديل) (1/28/رقم:69)، و(تارخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام) (6/290)، والنسخة التي عندي داخل السجن في زنزانتي الانفرادية بالسجن المحلي بتطوان بتحقيق: بشار عواد-وهي أحسن ما في عالم الكتاب حالياً لولا غلاؤها وارتفاع ثمنها-(4/1066 رقم:8)، -حوادث ووفيات: تراجم الأعيان في هذا العصر)، و(السير) (3/396)، و(ذاكرة سجين مكافح) (3/113) .
(2) -انظر (الكامل) (1/211)، و(الميزان) (1\71).(1/161)
روى الخطيب بسنده إلى مجاهد بن موسى الخوارزمي الخُتلي أبو علي أنه سئل عن إبراهيم بن هدبة فقال: قال علي بن ثابت: (هو أكذب من حماري هذا).
وتعبيره هذا يدل على تجريحه الشديد لهذا الراوي وهو ينطبق عليه فأمره بالكذب ووضع الأحاديث مشهور معروف عند نقاد الحديث وهذه طائفة من أقوالهم فيه.
قال ابن حبان عنه: (دجال من الدجاجلة (1) وكان رقاصاً بالبصرة يدعى إلى الأعراس فيرقص فيها فلما كبر جعل يروي عن أنس ويضع عليه ... ) (2) .
هـ-ومن ذلك قولهم في الراوي: (هو أكذب من روث حمار دجال):
وهذا التعبير انفرد به أحد الأئمة الأعلام في تجريح عبد السلام بن صالح الهروي-رحمه الله تعالى-: قال الإمام العلامة الثقة إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني-رحمه الله تعالى-: (كان زائغاً عن الحق، مائلاً (3)
__________
(1) -ذكر هذا المصطلح الشيخ مصطفى بن إسماعيل في كتابه النفيس: (شفاء العليل بألفاظ وقواعد الجرح والتعديل) (1\260\261)، تحت المرتبة السادسة: من مراتب التجريح، وشيخنا عبد العزيز آلعبد اللطيف في (ضوابط الجرح والتعديل) (ص:163\168).
(2) -انظر: (المجروحين) (1/114/115)، و(الكشف الحثيث) (ص:48)، و(الكامل) (1/211/212)، و(تاريخ بغداد) (6/201)، و(ميزان الاعتدال) (1/71)، و(لسان الميزان) (1/119).
(3) -ذكر أبو أنس الصبيحي في (النكت الجياد) (ص:174\175\176) قول العلامة المعلمي-رحمه الله تعالى-: (... فأما ميل الجوزجاني إلى النصب فقال ابن حبان في (الثقات): "كان حريزي المذهب ولم يكن بداعية، وكان صلباً في السنة... إلا أنه من صلابته ربما كان يتعدى طوره" وقال ابن عدي: "كان شديد الميل إلى مذهب أهل دمشق في الميل على عليٍّ".
وليس في هذا ما يُبين درجته في الميل.. (ثم طعن المعلمي في قصة الفروجة المنسوبة للجوزجاني-ونصها: زعموا أن جارية أخرجت للجوزجاني فروجة لتذبحها، فلم تجد من يذبحها فقال: سبحان الله! فروجة لا يوجد من يذبحها، وعليّ يذبح في ضحوة نيفاً وعشرين ألف مسلم؟-بأنها من رواية محمد بن الحسين السلمي النيسابوري عن الدارقطني بها، فالسلمي تكلموا فيه حتى رموه بوضع الحديث، والدارقطني لم يدرك الجوزجاني، إنما سمع هذا الحكاية على ما في معجم البلدان "حوزجانان" (3\167) من عبد الله بن أحمد ابن عدبس وهو مجهول الحال ليس في ترجمته من "تاريخ بغداد" (9\384)، و"تهذيب تاريخ ابن عساكر" (2\310)، و(7\288) ما يُبيِّن حاله، فلا تقوم بخبره حجة). انظر: (تهذيب التهذيب) (1\182)، و(الكامل) (2\ق114).
ثم قال: فأما حط الجوزجاني على أهل الكوفة فخاصٌّ بمن كان شيعياًً يبغض الصحابة أو: يكون ممن يظن به ذلك... ثم تقدم في القاعدة الرابعة من قسم القواعد النظر في حط الجوزجاني على الشيعة، واتضح أنه لا يجاوز الحد، وليس فيه ما يسوغ اتهامه بتعمد الحكم بالباطل، أو: يخدش في روايته ما فيه غض منهم أو: طعن فيهم، وتوثيق أهل العلم له يدفع ذلك البتة كما تقدم في القواعد والله أعلم. اهـ
وقال رحمه الله في القاعدة الرابعة من قسم القواعد من "التنكيل" (1\60) وهي قاعدة: "قدح الساخط، ومدح المحب ونحو ذلك". قال: وقد تتبعت كثيراً من كلام الجوزجاني في المتشيعين، فلم أجده متجاوزاً الحد،...).(1/162)
عن القصد (1) سمعت من حدثني عن بعض الأئمة أنه قال فيه هو أكذب من روث حمار الدجال وكان قديماً متلوثاً في الأقذار) (2) .
هذا التعبير نقله الجوزجاني وهو ثقة حافظ (3)
__________
(1) -ومن نظر في كتاب: (أحوال الرجال) لأبي إسحاق إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني السعدي علم أنه يطلق قوله: (فلان مائل أو: مائل عن القصد أو: مفتر أو: مجاهر أو: كوفي المذهب أو: زائغ أو: جائر): على متشيعة الكوفة وعلى من اعتقد التشيع، وإن كان يقوي من حال بعضهم في الحديث، فليس كل من فيه أحد هذه الألفاظ كان ضعيفاً في الحديث عنده، وقد نص بعض الحفاظ كابن عدي والذهبي وابن حجر-رحمهم الله-على أن السعدي يطلق ذلك في المتشيعة والله أعلم). انظر: (شفاء العليل) (1\324).
(2) -انظر: (أحوال الرجال) (ص:205/206/رقم:379)، و(تاريخ بغداد) (11/51)، و(تهذيب التهذيب) (2/832)، واكتفى في (تهذيب التهذيب) (6/321) بقوله: (كان مائلاً عن الحق).
(3) -قال العلامة المعلمي-رحمه الله-في كتابه النافع والممتع: (التنكيل) في ترجمة: (إبراهيم بن يعقوب أبو إسحاق الجوزجاني رقم:10): (وأما الجوزجاني فحافظ كبير متقن عارف، وثقه تلميذه النسائي جامع: "خصائص علي" وقائل تلك الكلمات في معاوية، ووثقه آخرون).
وعلق أبو أنس إبراهيم الصبيحي في (النكت الجياد المنتخبة من كلام شيخ النقاد ذهبي العصر العلامة: عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني) (ص:173\رقم:31): (يعني أن توثيق النسائي-مع ما عُرف عنه من التشيع-للجوزجاني-مع ما عُرف عنه من النصب وهو ضد التشيع، ليَدُلُّ على أن الجوزجاني لم يجاوز الحدَّ في بغضه للشيعة، ولم يصل إلى الدرجة التي يُتهم فيها عند غضه منهم أو: طعنه فيهم... ولا شك أن توثيق الرجل لمن يخالفه أو: في المذهب ليرفع من درجة هذا التوثيق، فهذا هو مراد الشيخ المعلمي بقوله في النسائي: "خصائص علي، وقائل تلك الكلمات في معاوية". والله الموفق).
قال المسجون-فك الله أسره-: (وقد زعم ابن حبان أنه حريزي، فقال: كان حريزيَّ المذهب، ولم يكن بداعيةٍ إليه، وكان صلباً في السنة حافظاً للحديث... وحريز بن عثمان الرحبي الحمصي الذي يُنسب إليه أنه اتُّهم بالنصب أيضاً هو ثقة. فقال أحمد فيه: "ثقة ثقة"، ووثقه ابن معين وجماعة، وقال أبو حاتم: لا أعلم بالشام أثبت منه، وقال الحافظ ابن حجر: ثقة ثبت رُمي بالنصب. أخرج له (خ و4). إلا أن حريزاً نفسه أنكر أن يكون ناصبياً، وكان يترحم على أمير المؤمنين علي-رضي الله عنه-
قال شبابه: سمعت رجلاً يقول لحريز بن عثمان: بلغني أنك لا تترحم على علي فقال: اسكت، ثم التفت إليَّ، فقال: رحمه الله مائة مرة. وقال علي بن عياش: سمعت حريزاً يقول: ما سببتُ علياً-رضي الله عنه-قط). انظر: (تاريخ بغداد) (9\384)، و(تهذيب تاريخ ابن عساكر) (7\591)، و(ترتيب الثقات) (1\ق21ب)، و(تهذيب التهذيب) (1\182)، و(الميزان) (1\475)، ومقدمة: (أحوال الرجال) (ص:14\15\16).(1/163)
-عن بعض الأئمة ولم يصرح باسم الإمام، وكذلك لم يصرح باسم الراوي الذي نقل هذا التعبير عن ذلك الإمام، لكن رواية الحافظ الخطيب البغدادي لهذا الخبر بإسناده إلى الجوزجاني (1) ، ونقل المزي لها وعدم التعقيب عليها بشيء يشعر بقبولهما لهذا الخبر والأمر هين فهو نقل تجريح أحد الأئمة لأحد الرواة الضعفاء المتهمين بالكذب، بل: صرح بعضهم بذلك ...
والدجال إنما سمي بالدجال لأنه كذاب ويدجل الحق بالباطل وسترته الحق بكذبه، أصل الدَّجْل الخَلْط.
يقال: دجَّلَ إذا لَبَّس ومَوَّه، والدجال (2) فعَّال من ابنية المبالغة: أي: يكثر منه الكذب والتلبيس (3) .
__________
(1) -وقال أبو إسحاق إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني السعدي أيضاً في كتابه: (أحوال الرجال) (ص:68\رقم:77): (عبد الملك بن هارون بن عنترة: دجال كذاب). انظر: (العلل ومعرفة الرجال) (1\384)، و(الجرح والتعديل) (5\1748)، و(الضعفاء الصغير) (218)، و(الضعفاء والمتروكين) (384)، و(المجروحين) (2\133)، و(الميزان) (2\666)، و(الكامل) (2\ق306).
وقال الجوزجاني أيضاً في (أحوال الرجال) (ص:202\رقم:373): (مقاتل بن سليمان: كان دجالاً جسوراً). انظر: (الجرح والتعديل) (8\1630)، و(التاريخ الصغير) (2\227)، و(المجروحين) (3\14)، و(الميزان) (4\173)، و(الكامل) (3\ق154).
(2) -دجال من المرتبة الأولى من مراتب الجرح عند الذهبي والعراقي والسيوطي، ومن الثانية عند ابن حجر والسخاوي والسندي. انظر: (معجم علوم الحديث النبوي) (ص:102\رقم:264).
(3) -انظر: (غريب الحديث) (1/626/627)، و(المجموع المغيث) (1/640)، و(الفائق) (1/412)، و(النهاية) (2/102).(1/164)
فتعبير هذا الإمام يدل على شدة تجريحه لهذا الراوي فالدجال-كما ذكره أهل اللغة-وكما هو مشهور بالحديث الصحيح، كذاب مشهور أمره بالكذب، وكان يكفي لوصفه بالدجال للتدليل على كذبه ولكنه أراد المبالغة، والتهويل في أمره-والله أعلم-فنقاد الحديث أجمعوا على تضعيفه لكنني لم أقف على قول أشد في تجريحه من هذا القول ...
و-ومن ذلك قولهم في الراوي: (رافضي مثل الحمار):
وهذا التشبيه استعمله جرير بن يزيد بن هارون في تجريح جعفر بن سليمان الضبعي المتوفى سنة (178هـ). روى ابن حبان بسند إلى جرير بن يزيد بن هارون أنه قال بين يدي أبيه: "بعثني أبي إلى جعفر بن سليمان الضبعي فقلت له: بلغنا أنك تسب أبا بكر وعمر! قال: أما السب فلا، ولكن البغض ما شئت قال: فإذا هو رافضي مثل الحمار" (1) .
وقوله هذا يدل على تجريحه وتضعيفه ولم ينفرد هو وحده بذلك بل: شاركه غيره وليس التضعيف بسبب بدعة الاعتقاد-كما يلوح من كلام جرير-بل: من حيث الصناعة الحديثية، وهذه طائفة من أقوال النقاد التي تتناول الناحيتين.
كان يحيى بن سعيد لا يكتب حديثه، ولا يروي عنه كان يستضعفه (2) ...
ز-ومن ذلك قولهم: (رافضي كأنه جرو كلب):
__________
(1) -انظر: (الثقات) (6/140)، و(إكمال تهذيب الكمال) (2/79-أ)، و(ميزان الاعتدال) (1/408)، و(تهذيب التهذيب) (2/97).
(2) -انظر: (الضعفاء الكبير) (1/189) للعقيلي، و(الجرح والتعديل) (1/ق1/481)، و(الكامل) (2/568)، و(تهذيب الكمال) (5/47)، و(تهذيبه) (2/95/96)، و(ميزان الاعتدال) (1/408).(1/165)
وهذا التشبيه استعمله أبو أحمد الزبيري-رحمه الله تعالى-في تجريح عمران بن مسلم الفزاري، ويقال الأودي الكوفي-من السابعة-روى العقيلي بسنده إلى أبي أحمد الزبيري أنه قال: كان عمران بن مسلم الذي قال: سألت مجاهداً عن السلام (1) -(رافضي كأنه جرو كلب) (2) .
وعمران هذا إنما قال فيه الزبيري هذا القول لأنه من الرافضة الذين يطعنون في الشيخين: أبي بكر وعمر ويتبرءون منهما وقد اختلف نقاد الحديث في الاحتجاج برواية الرافضة على ثلاثة أقوال:
1-المنع مطلقاً.
2-الترخص مطلقاً إلا فيمن يكذب ويضع.
3-التفصيل، فتقبل رواية الرافضي الصدوق العارف بما يحدث وتُرَد رواية الرافضي الكذاب.
وقد أوردت أم الفضل في مقدمة كتابي: (قناص الشوارد الغالية) (ص:11) ما نصه-تحت عنوان: شر وأكذب أهل الأهواء تحت أديم السماء الروافض)-:
وقال الإمام أحمد-رحمه الله تعالى-: (يكتب الحديث عن الناس كلهم إلا عن ثلاثة:
1-صاحب هوى يدعو إليه،
2-أو كذاب،
3-أو: رجل يغلط في الحديث فيرد عليه فلا يقبل).
__________
(1) -ولعله أراد الإشارة لحديث وقوفه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم على باب بيت علي-رضي الله عنه-وقوله: السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله وبركاته. أخرجه ابن مردويه عن أبي سعيد الخدري ... (تفسير الطبري) (22/6/8)، و(تفسير) ابن كثير (3/484/487)، و(الدر المنثور) (6/603/606).
(2) -انظر: (الضعفاء) (3/304)، و(ميزان الاعتدال) (3/242)، وفي (تهذيب الكمال) (2/1059) بلفظ: (كان رافضياً كأنه جرو كلب) وكذا في (تهذيب التهذيب) (8/140).(1/166)
وقال سفيان الثوري-رحمه الله تعالى-: (لا يؤخذ الحلال والحرام إلا عن الرؤساء المشهورين الذين يعرفون الزيادة والنقصان ولا بأس بما سوى ذلك من المشايخ) (1) .
قال عبد الله بن المبارك-رحمه الله تعالى-: قال أبو حنيفة-رحمه الله تعالى-: (تكتب الآثار ممن كان عدلاً في هواه إلا الشيعة فإن أصل عقدهم تضليل أصحاب محمد-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-ومن أتى السلطان طائعاً حتى انقادت العامة له فذاك لا نبغي أن يكون من أئمة المسلمين) (2) .
وقال حرملة-رحمه الله تعالى-: سمعت الشافعي-رحمه الله تعالى-يقول: (ما في أهل الأهواء قوم أشهد بالزور من الرافضة)-.
أما أحمد الزبيري الكوفي-الذي قال عنه العجلي ثقة يتشيع-فشبهه بجرو الكلب تنقيصاً له وهو أعرف به من غيره لأنه كوفي مثله.
ومن النقاد من عدله فقد ذكره الإمام ابن حبان-رحمه الله تعالى- في كتابه: (الثقات) (3) .
وعدله الأزدي فقال: (قد حدث عنه يحيى بن سعيد-يعني القطان-ومن حدث عنه فهو في عداد أهل الصدق) (4) .
__________
(1) -فائدة: قال الذهبي: (ليث بن أبي سليم: لا يبلغ حديثه مرتبة الحسن، بل عداده في مرتبة الضعيف المقارب فيروى في الشواهد والاعتبار، وفي الرغائب والفضائل، أما في الواجبات فلا)، (السير)(6/184)، انتهى من (ذاكرة سجين مكافح) (1\50).
(2) -ولكن يمكن أن يكون من أئمة المجروحين المجرمين الظالمين.
(3) -كما في: (7/242)، وكذا في (تهذيب التهذيب) (8/140).
(4) -انظر: (تهذيب التهذيب) (8/140). قالت أم الفضل حرم وتلميذة المؤلف: هذه فائدة مهمة: أن كل من حدث عنه يحيى بن سعيد القطان يعد في عداد أهل الصدق لأن القطان متشدد في الجرح-كما هو معلوم-على أنها قاعدة أغلبية. فتأمل.(1/167)
وقال أبو حاتم الرازي: (شيخ) (1) . وشرح ابن القطان الفاسي (ت:628 هـ) مراد أبي حاتم بقوله: (شيخ) يعني أنه ليس من أهل العلم وإنما هو صاحب رواية (2) .
وقال الحافظ الذهبي-رحمه الله تعالى-: فقوله-أي: قول أبي حاتم-هو شيخ، ليس هو عبارة جرح، ولهذا لم أذكر في كتابنا هذا ممن قال فيه ذلك. ولكنها أيضاً ما هي بعبارة توثيق. وبالاستقراء يلوح لك أنه ليس بحجة.
ومن ذلك قوله-أي: قول أبي حاتم-رحمه الله تعالى-: يُكتب حديثه" (3)
__________
(1) -كما في: (الجرح والتعديل) (3/ق1/409)، و(تهذيب التهذيب) (8/140).
(2) -انظر: (نصب الراية) (4/233).
(3) -قال الشيخ مصطفى بن إسماعيل في (شفاء العليل) (1\488): (وفرق بين قولهم: "فلان يكتب حديثه"، وقول أحدهم: "كتبت عن فلان": فالقول الأول إخبار بأن الراوي يكتب حديثه في الشواهد والمتابعات ولا يحتج به، أما القول الثاني: فلا يلزم منه الإخبار بأن الراوي يكتب حديثه ويستشهد به، لأننا لا نعرف على أي وجه كتب عنه؟
هل للاحتجاج أو: للاستشهاد أو: للمعرفة والبيان، والكتابة عن الراوي لا يلزم منها التعديل، حتى وإن كان الكاتب لا يروي إلا عن ثقة، لأن هناك فرقاً بين الكتابة والرواية، وقد قالوا-أي: ابن حاتم، وابن معين-: "إذا كتبت فقمش وإذا رويت ففتش"...). وقال ابن الصلاح: (وليس بمُوفَّقٍ مَن ضَيَّع شيئاً من وقته في الاستكثار من الشيوخ لمجرد الكثرة وَصيتها!
قال: وليس من ذلك قول أبي حاتم الرازي: إذا متبت فقمِّشْ، وإذا حدَّثْتَ ففتِّش).
قال الحافظ العراقي: (كأنه أراد: اكتب الفائدة ممن سمعتها ولا تؤخرها حتى تنظر: هل هو أهلٌ للأخذ عنه أم لا؟ فربما فات ذلك بموته أو: سفره أو: غير ذلك، فإذا كان وقت الرواية أو: العمل ففتش حينئذ). وقول ابن حاتم رواه الخطيب في (جامعه) (1670)، وقول ابن معين رواه أيضاً الخطيب-لكن-في (تاريخه) (1\43)، انظر: (تاج العروس) (4\340) للزبيدي.
ويُفسره قولُ إبراهيم بن أُورْمةَ لابن صاعد: (اكْتُب عن كل إنسانٍ فإذا حَدَّثتَ فأنت بالخيار). رواه السِّلفي في "جزء القراءة على الشيوخ"-كما في "فتح المغيث" (3\300)-انتهى من هامش (الباعث الحثيث) (2\441).(1/168)
أي: ليس هو بحجة" (1) أي: أن حديثه يكتب للاعتبار (2) .
وإلى هذه الألفاظ والمعاني والمصطلحات أشرت بقولي:
لَيس يُدْرَى من ترى ذَا الحيوانُ * غَلَبَ الذُّلُّ عليه والهوانُ!
حيوانٌ مُتَّهَمْ من أهْلِ بَرٍّ * في دُرُوب الجَفْوِ والغِلْظَةِ يجْرِي
هو أكذبْ من حماري صاح هذا * لم يجدْ من زُخرفِ القولِ مَلاَذَا
مُرْجِفٌ أكْذَبُ مِن رَوْثِ حِمَارِ * دَجَّلٍ مِنْهُ خَلِيلِي حَذَار!
رافضيٌّ كَحِمَارٍ رَافِضِيُّ * مِثلُ جَرْو الكَلبِِ ذا يا صاحِ غِيُّ
25- المصطلح الخامس والعشرون قولهم في الراوي: (أظن أن الشيطان تبدى على صورته):
هذا التعبير استعمله الحافظ معمّر بن عبد الواحد (ت: 564 هـ). في تجريح إبراهيم بن الفضل الأصبهاني الحافظ (ت: 530 هـ) حيث نقل عنه الذهبي أنه قال: (رأيته في السوق وقد روى مناكير بأسانيد الصحاح، وكنت أتأمله تأملاً مفرطاً أظن أن الشيطان تبدى على صورته) (3) .
__________
(1) -انظر: (ميزان الاعتدال) (2/385).
(2) -انتهى من كتاب: (شرح ألفاظ التجريح النادرة أو: قليلة الاستعمال) (2/163/184)، و(قناص الشوارد الغالية) (ص:822\ إلى:826\رقم:162)، انظر الفرق بين قولهم: (فلان يكتب حديثه)، و(فلان في عداد من يكتب حديثه) في (شفاء العليل) (1\488).
(3) -انظر: (الميزان) (1/53)، و(لسانه) (1/90)، والنسخة التي عندي داخل السجن طبعة دار الكتب العلمية: (1\187\رقم:261)، وأحال محققه على: (ديوان الضعفاء) (12)، و(تنزيه الشريعة) (1\23)، و(المغني) (1\22)، و(الوافي بالوفيات) (6\90)، و(شذرات الذهب) (4\94)، و(دائرة المعارف) (2\346)، و(الأنساب) (2\23)، و(الكشف الحثيث) (46)، و(سير أعلام النبلاء) (19\629).(1/169)
والظاهر أن الحافظ المفيد ما قال هذا الكلام إلا بعد ما فحص مروياته، وسماعه للأسانيد الواهية المنكرة التي كان يحدث بها في سوق أصبهان والتي فضحته وكشفت حاله، ولم ينفرد ابن الفاخر المفيد في تجريحه ونقده وتكذيبه، بل: جميع نقاد الحديث الذين اطلعوا على حاله كذبوه وجرحوه، وقد فصل أبو سعد السمعاني (ت: 562 هـ) في بيان حاله فقال:
(كان ممن رحل في طلب الحديث وجال في الأقاليم ورأى الشيوخ المسندين وحفظ الحديث ونسخ بخطه الكثير غير أنه كان كذاباً غير موثوق به وسمعت أنه يضع الحديث ويركب المتون على الأسانيد ولما دخلت أصبهان وجدت الألسنة كلها متفقة على جرحه وطرحه ... ) (1) .
وهكذا نرى أن كلام الحافظ ابن الفاخر في إبراهيم الفضل الأصبهاني ينطبق على حاله وكذبه وتكذيب النقاد له.
ومن ذلك-أيضاً-قولهم في الراوي: (لو ظهر لهم الشيطان لكتبوا عنه):
هذا التعبير استعمله يزيد بن زريع الثقة الثبت المتوفى سنة (182 هـ) في تجريح إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى سمعان الأسلمي مولاهم أبو إسحاق المدني (ت:184 هـ).
فقد روى ابن عدي في ترجمة إبراهيم بن محمد، بسنده إلى يزيد بن زريع أنه رأى ابن أبي يحيى يحدث فقال: (لو ظهر لهم الشيطان لكتبوا عنه) (2) .
__________
(1) -انظر: (الأنساب) (2/23)، و(الميزان) (1/52)، و(لسانه) (1/89)، و(الكشف الحثيث) (ص:46).
(2) -انظر: (الكامل) (1/220)، و(تهذيب الكمال) (2/187).(1/170)
ويزيد بن زريع ما قال هذا الكلام إلا لينفر الناس عنه ويتركوا حديثه وهذا موقف أكثر النقاد منه إلا موقف الشافعي، وابن عقدة الذي رواه ابن عدي وأيده ... قال البخاري عنه: تركه ابن المبارك والناس (1) .
وكذبه ابن معين، وأبو حاتم، وفقهاء أهل المدينة، واتهمه بوضع الحديث البزار، والنسائي ...
وقال الشيخ مصطفى بن إسماعيل في كتابه القيم: (شفاء العليل) (قولهم: "فلان شيطان" الظاهر من هذا: الجرحُ فإنهم يقولون ذلك على الكذابين وعلى الزنادقة والمبتدعة كما قال ابن المبارك في جهم بن صفوان (2) :
عجبت لشيطان أتى الناس داعياً * إلى النار وانشق اسمه من جهنم
وفي "النبلاء" ترجمة: منصور بن عمار الواعظ البليغ قال أبو حاتم: "صاحب مواعظ ليس بالقوي"، وقال أبو بكر بن أبي شيبة: "كنا عند ابن عيينة فسأله منصور عن القرآن فزبره وأشار إليه بعكازه، فقيل: يا أبا محمد إنه عابد، فقال: ما أراه إلا شيطاناً... وقيل لمنصور: تتكلم بهذا الكلام ونرى منك أشياء؟ فقال: احبسوني درة على كناسة".
وفي "تاريخ بغداد" (3) ترجمة: محمد بن ميسر أبي سعد الجعفي الصاغاني قال أبو زكرياء: "قد رأيت أبا سعد الأعمى الصاغاني صاحب ابن أبي داود ليس هو بشيء"، وقال في موضع آخر: "جهمي خبيث عدو الله قد كتبت عنه حديثاً كثيراً... وقال مرة: "كان مكفوفاً وكان جهمياً وليس هو بشيء كان شيطاناً من الشياطين".
__________
(1) -يقصد بالناس: أهل الحديث. انظر: (التاريخ الكبير) (1/ق1/323)، و(الكامل) (1/220) لابن عدي، و(تهذيب الكمال) (2/187)، و(السير) (8/398)، و(الميزان) (1/58)، و(تهذيب التهذيب) (1/158)، و(شرح ألفاظ التجريح النادرة أو: قليلة الاستعمال) (2/185) وما بعدها، و(قناص الشوارد الغالية) (ص:827\828\رقم:163).
(2) -كما في (سير أعلام النبلاء) (9\94).
(3) -انظر: (تاريخ بغداد) (3\282).(1/171)
وقد يقال هذا اللفظ في أهل الرأي-كما في "الكامل" (1) لابن عدي-لكن هذا اللفظ قد يذكرونه على سبيل المدح الرفيع ، كما جاء في "النبلاء" (2) ترجمة: يحيى بن سعيد القطان قال ابن مهدي: "لما قدم الثوري البصرة قال: يا عبد الرحمن جئني بإنسان أذاكره، فأتيته بيحيى بن سعيد فذاكره، فلما خرج قال: قلت لك: جئني بإنسان فجئتني بشيطان-يعني: بهره حفظه" (3) -وقد سبق قول ابن معين في الأثرم: "كأن أحد أبويه جني" لشدة حفظه) (4) .
وإلى هذا أشرت بقولي:
__________
(1) -انظر: (الكامل) (7\2475).
(2) -كما في: (سير أعلام النبلاء) (9\94).
(3) -انظر مثالاً آخر في: (تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام) (14\596).
(4) -انظر: (شفاء العليل) (1\355\356)، ذكره الشيخ خليل بن محمد العربي في (كتاب السلسبيل في شرح ألفاظ وعبارات الجرح والتعديل) للحافظ محمد بن عثمان الذهبي (ص:17\رقم:1) تحت عنوان: (عبارات تدل على معنى مغاير لما وضعت له). وزاد في الهامش قائلاً: (ومن استخدامهم لفظة: "شيطان" في جودة الحفظ ما أورده الخطيب البغدادي في "الجامع" (رقم:1298) بإسناده إلى شعبة وذُكر عنده أوس بن ضَمْعَج، فقال: "والله ما أراه كان إلا شيطاناً" يعني: لجودة حديثه.انظر: (تحرير التقريب) (1\154\رقم:576-النسخة التي عندي داخل السجن المحلي بتطوان).
إلا أن الأغلب في استعمال هذه اللفظة تجيء في ساق التجريح والذم، ومن أمثلة ذلك:
أ-قول ابن معين-في رواية الدوري "2\541"-: "أبو سعد الصنعاني، محمد بن ميسر، وكان مكفوفاً وكان جهمياً، ليس هو بشيء، كان شيطاناً من الشياطين".
ب-قال العقيلي في (الضعفاء) (3\429): "حدثنا محمد بن أحمد، قال: سمعت بنداراً وهو يقرأ علينا حديث عوف، فقال: يقولون: عوف! والله لقد كان عوف قدرياً رافضياً شيطاناً".
ج-وقال ابن عدي في "الكامل" (1\351): "كان الباغندي شيطاناً في التدليس"). انظر: (السير) (9\177).(1/172)
أحسبُ الشيطانَ حَقّاً قد تَبَدَّى*واضحاً في صُورَتِهْ ابْشَعَ جِدّا
ولَوِ الشّيطانُ يوماً قد تراءى * لهُمُ لَدَبَّجُوا فيه الهُرَاءَ
26\27- المصطلح السادس والعشرون، والسابع والعشرون قولهم في الراوي: (سداد من عيش، وفلان كان فسلاً)
قولهم: (سداد من عيش): هذه العبارة استعملها أبو بكر الأعين، في وصف حال سويد بن سعيد بن سهل الهروي الحدثاني (ت: 240 هـ) (1) حيث قال عنه: (هو سِداد من عيش هو شيخ).
المعنى اللغوي:
قال الجوهري: وأما قولهم: "فيه سدد من عوز، وأصبت سداداً من عيش"، أي: ما تسد به الخلة، فيكسر، ويفتح، والكسر أفصح.
__________
(1) -ذكر الزركشي-في: "النكت على مقدمة ابن الصلاح" (1\51\52)، وقد أسنده الخطيب في "جامعه"، وابن السمعاني في: (أدب الإملاء) (ص:110)-أن أبا القاسم البغوي-رحمه الله تعالى-، قال: "سألت أبا عبد الله أحمد بن حنبل-رحمه الله تعالى-أن يكتب كتاباً إلى سويد بن سعيد الحدثاني، فكتب: هذا رجل يكتب الحديث، فقلت: يا أبا عبد الله، لو كتبتَ: من أهل الحديث، فقال: أهل الحديث عندنا من يستعمل الحديث".
قال أبو الفضل عمر الحدوشي: هذا التقييد من الإمام أحمد جبل السنة-رحمه الله تعالى- حقه أن يكتب بحروف الذهب لأنه إليه يتوجه ما ورد في فضل أهل الحديث العاملين به وليس المشتغلين به فحسب، فبه تخرج الطوائف الضالة من الروافض والطرقية وغيرهم، ممن خالف أهل الحديث في مسائل الصفات، والقدر، والوعيد، والأسماء، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ونحوها، فقد بين جبل السنة أن أهل الحديث يعرفون باتباع الكتاب والسنة بفهم السلف الصالح، غير مقوقعين في حزب أو: جماعة أو: نحلة، فمذهبهم الكتاب والسنة، وحزبهم هو حزب الله الحق ألا إن حزب الله هم المفلحون-لا ينصرف ذهنك إلى حزب الله الرافضي بلبنان، فإنه (حزب اللاّهي-أي: إبليس) الذي يرأسه الرافضي حسن نصر اللاَّت.(1/173)
وقال أبو عبيدة: قوله: (سداد من عيش) أي: قواماً وهو بكسر السين، وكل شيء سددت به خللاً فهو سداد بالكسر. وعن النضر بن شميل قال: سِداد من عوز إذا لم يكن تاماً.
وقال الأصمعي: (سداد من عوز) بالكسر، ولا يقال بالفتح، ومعناه: إن أعوز الأمرُ كله ففي هذا ما يسد بعض الأمر (1) .
ومنه حديث النبي الكريم صلى الله عليه وسلم في السؤال: (حتى يصيب سداداً من عيش
أو: قوام) (2) ، أي: ما يكفي حاجته (3) ، والسداد بالكسر: كل شيء سددت به خللاً.
وهذا الاستعمال من الأمثلة العربية المستعملة، وأصل السداد والعوز بينهما...النضر بن شميل فقال: أصل السداد شيء من اللبن ييبس في إحليل الناقة سمي به لأنه يسد مجرى اللبن، والعوز: اسم من الإعواز، يقال: أعوز الرجل إذا افتقر، وعوز مثله، وعُوز الشيء، يعوز عوزاً، إذا لم يوجد، قال الميداني: يضرب-أي: هذا المثل-للقليل يسد الخلة (4) .
ومن هذا المعنى اللغوي، والبيان النبوي يتضح لنا أن كلام أبي بكر الأعين ينطبق إلى حد كبير على حقيقة سويد بن سعيد الحدثاني، فهو كما وصفه الحافظ الذهبي: كان من أوعية العلم ثم شاخ، وأضر، ونقص حفظه فأتى في حديثه أحاديث منكرة، فترى مسلماً يتجنب تلك المناكير ويخرج له في أصوله المعتبرة فقط (5) ...
__________
(1) -انظر: (النهاية) (2/353)، و(تهذيب اللغة) (12/277)، و(لسان العرب) (3/207)، و(تاج العروس) (2/373).
(2) -رواه مسلم في الزكاة (رقم:1044)، وأبو داود في "سننه" (2/290)، والنسائي من حديث قبيصة بن مخارق الهلالي (رقم:2580).
(3) -انظر: (لسان الميزان) (1/42/ تحت عنوان: مبحث في ألفاظ خاصة عند أهل الجرح والتعديل) دار الكتب العلمية. الطبعة الأولى (سنة 1416هـ).
(4) -انظر: (مجمع الأمثال) (1/338).
(5) -انظر: (تذكرة الحفاظ) (2/455)، (تهذيب التهذيب) (4\274)، و(تحرير تقريب التهذيب) (2\94\رقم:2690).(1/174)
قال الشيخ مصطفى بن إسماعيل-بعد أن ذكر كلام الدكتور سعدي الهاشمي-: (إذا علمت هذا فاعلم أن الصواب في هذا اللفظ أن يكون في هذه المرتبة-يعني: المرتبة الرابعة-من مراتب التعديل لا من ألفاظ التجريح كما عده الدكتور الهاشمي، يدلك على هذا: المعنى اللغوي وما جاء في ترجمة سويد بن سعيد بن شهريار قال أبو بكر الأعين: "هو سداد من عيش هو شيخ" (1) ، وفي (النبلاء): (هو شيخ من سداد من عيش) (2) ، فاتضح بهذا أن هذا اللفظ بمنزلة قولهم: "شيخ" وهو من ألفاظ التعديل في الجملة لا من ألفاظ التجريح، ومعلوم أن كثيراً من ألفاظ مراتب الشواهد في مراتب التعديل يكثر ورودها في مراتب الشواهد من مراتب التجريح مع فروق بسيطة والأمر سهل لأن الجميع من ألفاظ الشواهد والمتابعات لا من ألفاظ الاحتجاج أو: الرد) (3) .
والذي يظهر بالنظر إلى بعض الأمثلة التي ذكرها الحافظ الذهبي-رحمه الله تعالى-في (سيره)، و(تذكرته)، والحافظ ابن حجر-رحمه الله تعالى-في (تهذيبه): أن ما ذهب إليه الشيخ مصطفى هو الأرجح. والله أعلم.
__________
(1) -انظر: (تذكرة الحفاظ) (2/455)، (تهذيب التهذيب) (4\274)، و(تحرير تقريب التهذيب) (2\94\رقم:2690)، و(الميزان) (2\250).
(2) -انظر: (السير) (11\413).
(3) -انظر: (شفاء العليل بألفاظ وقواعد الجرح والتعديل) (1\143)، و(معجم علوم الحديث النبوي) (ص:124\رقم:334).(1/175)
ومن الألفاظ الخاصة عند أهل الجرح والتعديل قولهم: (فلان كان فسلاً) (1) بفتح الفاء وسكون السين. وهذا التعبير استعمله شعبة بن الحجاج في اثنين من الرواة:
1-ميمون البصري الكندي،
2-وسيف بن وهب التيمي.
والفسل في اللغة: الرذل النذل الذي لا مروءة له ولا جلد، والجمع أفسل وفسول وفسال وفسل. ويقال: أفسل فلان على فلان متاعه إذا أرذله، وأفسل عليه دراهمه إذا زيفها، وهي دراهم فسول، وأفسلا عليه أي: أرذلا وزيّفاً منها، وأصلها من الفسل وهو الرديء، الرذل من كل شيء (2) .
ومن المعنى اللغوي يتبين لنا أن الراوي المنعوت بهذا الوصف هو راوٍ ضعيف وأحاديثه ضعيفة ومعلة (3) .
وأخذوا من المعنى اللغوي المعنى الاصطلاحي الذي أراده وهو أنه ضعيف وأحاديثه ضعيفة ومعلة. (لسان الميزان) (1/42).
وإلى هذين اللفظين أشرت بقولي:
ذاكَ مِنْ عَيْشٍ خَلِيلَي سِدَادُ * كانَ فَسْلاً حَبَّذَا مِنْهُ ابْتعَادُ
28- المصطلح الثامن والعشرون قولهم في الراوي: (فلان ليس من جمال المحامل)؟.
__________
(1) -قال الشيخ مصطفى بن إسماعيل في (شفاء العليل بألفاظ وقواعد الجرح والتعديل) (1\176): (قولهم: "فلان كان فسلاً" جاء في "لسان العرب" (14\33): "والفسل: الرذل النذل الذي لا مروءة له ولا جلد والجمع أفسل وفسول وفسال وفسل... وقالوا: فُسَلاء وهذا نادر... وقال أبو عمرو: الفسل الرجل الأحمق، ويقال: أفسل فلان فسول،... والفسل الردئ الرذل من كل شيء"-واللفظ قاله شعبة في سيف بن وهب التميمي-كما في "تهذيب التهذيب" (4\298)، وقاله في ميمون أبي عبد الله مولى عبد الرحمن بن سمرة-كما في "ضعفاء" (4\185) للعقيلي).
(2) -انظر: (تهذيب اللغة) (12/429)، و(لسان العرب) (11/519)، و(تاج العروس) (8/58).
(3) -كما في (لسان العرب) (11/519) (مادة: فسل)، و(شرح ألفاظ التجريح النادرة أو: قليلة الاستعمال) (2\9\11)، و(قناص الشوارد الغالية) (ص:649\650\رقم:119).(1/176)
وقد سألتني أم الفضل قائلة: (شيخنا ما معنى قول ابن معين وغيره: (فلان ليس من جمال المحامل)؟.
فأجبتها قائلاً: جمل المحامل هو الجمل القوي الشديد الذي يقدر على حمل الرجلين العديلين لمسافات بعيدة، فوصف الرجل بأنه (جمل محامل)، كناية عن القوة، وقولهم: (ليس من جمال المحامل) (1) كناية عن الضعف لكنه ضعف يسير، ولذلك ذكرها السخاوي في المرتبة التي تلي مراتب التوثيق من مراتب التجريح.
وقد ذكر الحافظ في (تهذيب التهذيب)(2/733/رقم:2898-ترجمة: سلْم بن قتيبة الشعيري، أبو قتيبة الخراساني الفريابي، نزيل البصرة): (وقال عمرو بن علي عن يحيى بن سعيد: ليس أبو قتيبة من الجمال التي تحمل المحامل).
وفي (2/436/رقم:2285-ترجمة: رِشدين بن سعد بن مفلح بن هلال المَهري): (وقال محمد بن أحمد بن الجنيد عن ابن معين: ليس من جمال المحامل).
والمحامل: جمع (محمل) بكسر الميم الأولى وسكون الحاء وفتح الميم الثانية. قال ابن سِيده: المحْمَل: (شقان على البعير يحمل فيهما العديلان) (لسان العرب 11/178 مادة: حمل).
__________
(1) -قال أبو الحسن المصري في كتابه: (شفاء العليل) (1\157): (وقولهم: "فلان ليس من جمال المحامل، أو: ليس من أهل المحامل، أو: ليس من الإبل التي تحمل المحامل، أو: ليس من أهل القباب، أو: ليس من إبل القباب" وقد سبق بيان هذا من جهة اللغة في المرتبة الأولى فارجع إليه، ووجه الجرح بهذه الألفاظ أن الراوي ليس ممن يعتمد على حديثه بمفرده وأنه ليس بالقوي المتين).
وقال في (شفائه) أيضاً (1\159) تحت المرتبة الثانية من مراتب التجريح: (وعند السخاوي: "فيه مقال، وأدنى مقال، وضُعِّف... وليس من إبل القباب،... وليس من إبل المحامل، وليس من جمازات المحامل"...).(1/177)
وقال صاحب (القاموس المحيط) (1) (ص:889-مادة: حَمل-الطبعة الكاملة في مجلد واحد): (والمَحْمِل، كَمجلس: شِقَّانِ على البعير يُحْمَل فيهما العَديلان، ج: مَحَامِل).
(جمال المحامل) هذه: استعملها المحدثون على معناها المجازي في تجريح الرواة وتعديلهم فقالوا: جمال المحامل أو: جمازات المحامل أو: ليس من أهل القباب يعنون به كمال الرجل في عقله وتجربته فَتُسْتَعمل بالمعنى الاصطلاحي في التوثيق كما تستعمل في التجريح إذا سبقت (بليس) أي: ليس هو من جمال المحامل، وكذلك من أهل القباب أو: ليس من أهل القباب (2) .
__________
(1) -وهي النسخة التي عندي داخل السجن حالياً، انظر للتوسع أكثر في هذه اللفظة: (معجم المقاييس في اللغة) (ص:284) لأبي الحسين أحمد بن فارس بن زكرياء (المتوفى سنة:395 هـ). دار الفكر. وهي النسخة التي عندي داخل زنزانتي الانفرادية.
(2) -قال الشيخ مصطفى بن إسماعيل في: (شفاء العليل بألفاظ وقواعد الجرح والتعديل) (1\55): (وقول أحدهم: "فلان كان من جمال المحامل، أو: من إبل المحامل أو: من جمازات المحامل، أو: من الجمال التي تحمل المحامل، أو: ممن يتحمل الحمالات"، كما قاله يعقوب بن شيبة في روح بن عبادة القيسي-كما في "تذكرة الحفاظ" (1\350)-.
وقولهم: "كان من أهل القباب... هذه كلها أوصاف للإبل، فالمحامل أي: الأثقال، ووصف البعير بأنه يتحمل الأثقال، ويستطيع السير بها مسافات طويلة، يدل على أنه قد كملت قوته، وقد سبق قولهم: "فلان من البزَّل الكمل"، وقولهم: "من جمازات المحامل" يدل على القوة، فالجماز هو البعير الذي يركبه المجمز-كما في "اللسان" (5\323)-وقولهم: "فلان من أهل القباب": أي: من الإبل التي تحمل الهودج الذي يركب فيه النساء، وكل هذه الأوصاف تدل على قوة الحَمول-بفتح الحاء-وهو البعير الذي يحمل الحُمول-بضم الحاء... وتشبيه الراوي بذلك يدل على أن الراوي قد بلغ تمام القوة في الرواية).(1/178)
وأول من استعمل هذا التعبير هو الإمام مالك حيث جرح به عطاف بن خالد بن عبد الله ابن العاص أبا صفوان المدني فقال عنه: (ليس هو من جمال المحامل).
ونقل المزني عنه أنه قال: (ليس من أهل القباب) ومعنى القباب (1) : الهوادج وهي مركب من مراكب النساء.
قال صاحب (المحكم)-رحمه الله تعالى-: هو من العصا يجعل فوق الخشب فيقبب، وقال العلامة ابن الأثير-رحمه الله تعالى-: القبة من الخباء بيت صغير مستدير وهو من بيوت العرب.
وخلاصة القول فيه: أنه لا يقوى على تحمل الحديث (2) .
وبعد كتابة ما سبق حول مصطلح (جِمال المحامل) أرسل لي فضيلة شيخنا العلامة أبو أويس محمد بوخبزة كتاب (شرح ألفاظ التجريح النادرة أو: قليلة الاستعمال) لمؤلفه الدكتور سعدي الهاشمي (3) ، فألفيت فيه بحثاً طيباً حول هذا المصطلح أعني: (جمال المحامل)، فرأيت أن ألخصه لكِ أم الفضل لتعم الفائدة.
__________
(1) -انظر: (معجم علوم الحديث النبوي) (ص:ص:190\رقم:567).
(2) -انظر: (لسان الميزان) (1/43- مقدمة التحقيق). دار الكتب العلمية.ط الأولى (1416 هـ) تحت عنوان: مبحث في (ألفاظ خاصة عند أهل الجرح والتعديل).
(3) -لما وجدت فيه معظم ما كنت أبحث عنه من قواعد وألفاظ التجريح النادرة، قمت بنظم قواعده كلها والفضل لله ثم لفضيلة شيخنا أبي أويس-حفظه الله تعالى-الذي أتحفني بهذا الكتاب: (شرح ألفاظ التجريح النادرة أو: قليلة الاستعمال).(1/179)
قال المؤلف: (من الألفاظ التي استعملها المحدثون على معناها المجازي في تجريح الرواة وتعديلهم لفظة: (جمال المحامل) أو: (جمازات المحامل) (1) أو: (الجمال التي تحمل المحامل)، أو: (ليس من أهل القباب) (2) ، وأصل هذا الاستعمال هو التشبيه (بالجمال) ولقد شبه العرب بالجمل في صفات غير قليلة كقولهم: (رجل بازل على التشبيه بالبعير يعنون به كماله في عقله وتجربته) (3) .
ويقولون: (رجل جمالي ضخم الأعضاء تام الخلق كالجمل) (4) ، ولا زال كثير من العرب يستعملون هذا التشبيه بالجمل-فيصف أهل نجد وغيرهم الرجل الذي يتحمل الشدائد والمصاعب ويرجع إليه في معضلات الأمور وعويص المشكلات الصبور عند الفتن والمحن بأنه (جمل محامل).
وهذا التشبيه استعمله الأئمة النقاد من المحدثين منذ القدم في تجريح الرواة وتعديلهم فإذا أرادوا توثيق راوٍ قالوا عنه: إنه من (جمال المحامل)، وإذا أرادوا أن يضعفوه ويوهنوا أمره قالوا: (ليس من جمال المحامل)...
__________
(1) -انظر: (معجم علوم الحديث النبوي) (ص:ص:190\رقم:568).
(2) -قال الشيخ مصطفى بن إسماعيل في: (شفاء العليل بألفاظ وقواعد الجرح والتعديل) (1\157) في المرتبة الأولى من مراتب التجريح: (وقولهم: "ليس من جمال المحامل، أو: ليس من أهل المحامل، أو: ليس من أهل القباب، أو: ليس من إبل القباب".
وقد سبق بيان هذا من جهة اللغة في المرتبة الأولى من مراتب التعديل فارجع إليه، ووجه الجرح بهذا الألفاظ أن الراوي ليس ممن يعتمد على حديثه بمفرده وأنه ليس بالقوي المتين).
وقال أيضاً في المرتبة الثانية: من مراتب التجريح: (وعند السخاوي: "... وليس من إبل القباب... وليس من إبل المحامل، وليس من جمازات المحامل": واعلم أن ألفاظ هذه المرتبة تشابه ألفاظ المرتبة الأولى، ولذا تجد الحافظ السخاوي لم يذكر شيئاً في السابقة...). انظر: (شفاء العليل) (1\159).
(3) -انظر: (لسان العرب) (11/52).
(4) -انظر: (تاج العروس) (7/263).(1/180)
الإمام مالك أول من استعمل هذا التشبيه في تجريح أحد الرواة:
إن أول من وجدناه استعمل هذا التشبيه الإمام مالك بن أنس (ت:197 هـ) حيث جرَّح به عطاف بن خالد ابن عبد الله بن العاص أبو صفوان المدني المولود عام (91 هـ) فقال عنه: ليس هو من (جِمال المحامل) (1) ونقل المزي عن مالك بن أنس (2)
__________
(1) -انظر: (تاج العروس) (7/263).
(2) -قال شيخنا المحدث محمد الأثيوبي في (ألفية علل الحديث) (ص:125\126\رقم:1032\إلى:1045) تحت القاعدة الثانية عشرة: (فيما ذكره أهل الحديث من الضابط لمعرفة الثقات):
وكلُّ مَن نَقَل عنه مالكُ * وثَّقه أحمدُ نِعمَ الناسكُ
والنَّسَئِيُّ مالكاً لم نعلمِ * روى عن المشهور ضعفاً فاعلمِ
عن غير عمروٍ وشريكٍ عاصمِ * ولا لمتروك وهى فلتعلمِ
أي: قال النسائي: (لا نعلم مالكاً روى عن إنسان ضعيف مشهور بالضعف، إلا عاصم بن عبيد الله، فإنه روى عنه حديثاً، وعن عمرو بن أبي عمرو، وهو أصلح من عاصم، وعن شريك بن أبي نمر، وهو أصلح من عمرو).
ثم قال شيخنا-حفظه الله-:
سوى أبي أمية وما نُمي * إلى البخاريِّ فلا تُسَلِّمِ
قال المحبوس عمر الحدوشي من أجل عقيدته: (أبو أمية هو: عبد الكريم بن أبي المخارق، المعلم أبا أمية البصري نزيل مكة: وهو ضعيف جداً). انظر ما علقه المحدث المعلمي في هامش: (الفوائد المجموعة) للشوكاني (ص:222)، كما في "النكت الجياد..." (ص:484\رقم:466) لإبراهيم الصبيحي. وقد ضعفه الحافظ في (التقريب) (2\378\رقم:4156-مع التحرير). قول شيخنا الأثيوبي: (وما نُمي * إلى البخاريِّ فلا تُسَلِّمِ) فيه غموض، بل ينبغي أن يقول: (له في البخاري زيادة في أول قيام الليل من طريق سفيان، عن سليمان الأحول، عن طاووس، عن ابن عباس، في الذكر عند القيام، قال سفيان: "زاد عبد الكريم" فذكر شئاً، وهذا موصول، وعلَّم له المزي علامةَ التعليق، وله ذكر في (مقدمة مسلم)، أفاده الحافظ ابن حجر في "تقريبه"...).
ثم قال شيخنا-حفظه الله-:
من قوله لم نر مالكاً نَقَلْ * عن الذي يُترَك إلا ما حصَلَ
عن الخراسانيِّ أيْ عطاء * قد خالف الجُلَّ بقولٍ ناءِ
قوله: (بقول ناءِ) أي: بقول بعيد عن الصواب. ثم قال:
فوَثَّقوه معَ سوء الحِفظ أو: * كثرةِ إرسال فرجِّحْ ما رأوا
وما نُمي إلى سعيد أنه * كذَّبه فقد أبانوا مَيْنَهُ
قول شيخنا: (وما نُمي إلى سعيد) المراد به: سعيد بن المسيب، أي: ما نُسب إليه من تكذيب عطاء الخراساني، فقد أوضحوا مينه، أي: كونه كذباً. ثم قال:
وابن المدينيِّ يقول كلَّ مَنْ * لم يَروِ عنه مالكٌ فوَهِّنَنْ
إن كان ساكن المدينة وذا * قولٌ على الإطلاق لنْ يُحَبَّذا
فما روى عن سعدٍ الزهري معْ * توثيقهم له بلا خُلفٍ وقعْ
قول شيخنا: (فما روى عن سعدٍ الزهري): هو سعد بن إبراهيم المديني، ثقة حجة فاضل (125 هـ). انظر: (التقريب) (2\14\رقم:2227). ثم قال:
نظيرُه ما قال بعضٌ مَن سَكَتَ * ابنُ معين عنه إنه ثَبَتْ
قال أبو داود كلُّ مَن روى * عنه حَريزٌ ثقةٌ يا مَن حوى
قال أبو حاتم الثبْتُ كذا * في كلِّ مَن عنه ابن حرب أخذا
قول شيخنا: (بعض) فاعل، "قال"، و"من سكت" مبتدأ، خبره جملة "إنه ثبت"، و"ابن معين" فاعل "سكت"، أي: نظير ما تقدم من قول ابن المديني: ليس على إطلاقه، قول بعضهم، وهو: عبد الله بن أحمد الدورقي: كل من سكت عنه ابن معين فهو ثقة. و"حريز"-بصيغة المكبر، أوله حاء مهملة، وآخره زاي-هو ابن عثمان الرحبي الحمصي، ثقة ثبت رمي بالنصب (163 هـ) وله (83 سنة). و"ابن حرب": هو سليمان بن حرب الأزدي الواشحي البصري القاضي بمكة، ثقة إمام حافظ (224 هـ). انتهى من (مزيل الخلل عن أبيات شافية الغلل) (ص:125\126).(1/181)
أنه قال عن عطاف-وقد بلغه أنه قد حدث:
(ليس هو من أهل القباب) (1) .
وقال مرة: عطاف يحدث؟ قيل: نعم. قال: إنا لله وإنا إليه راجعون) (2) .
المعنى اللغوي لـ(ليس هو من جِمال المحامل، ليس هو من أهل القباب).
لقد تعددت أسماء الإبل عند العرب، وذلك حسب أنواعها، وصفاتها التي تتصف بها، فمنها:
1-الزاملة (3) .
2-والجماز (4) .
3-والحمولة (5) .
إلى غير ذلك من الأسماء والصفات التي استعملها العرب في حمل الأثقال، والمتاع، والمسافرين.
والْمَحْمِل كمجلِس، وضُبط في نسخ المُحكَم كمِنبَر-وعليه علامة الصحة-شقان على البعير يحمل فيها العديلان (6) ، وتقول العرب: المزاملة وهي المعادلة على البعير، قال ابن دريد: زملت الرجل على البعير فهو زميل (7) ، والمحمِل واحد محامل الحجّاج-أي: ابن يوسف الثقفي ... نسب إليه لأنه أول من اتخذها، ويقول فيه الراجز:
أول عبد تحمل المحاملا * أخزاه ربي عاجلاً وآجلا (8)
ولا يوصف كل بعير بهذا الوصف إلا إذا كان قوياً، شديداً، كبيراً، بحيث يقدر على أن يحمل رجلين عليه لمسافات بعيدة.
وأما قوله في الراوي: (ليس هو من أهل القباب):
__________
(1) -انظر: (تهذيب سنن أبي داود) (1/363) لابن القيم.
(2) -انظر: (تهذيب التهذيب) (7/222).
(3) -الزاملة: بعير يستظهر به الرجل يحمل عليه متاعه وطعامه. انظر: (لسان العرب) (11/310).
(4) -وسيأتي الكلام عنها قريباً.
(5) -الإبل التي تحمل عليها الأثقال. انظر: (لسان العرب) (11/179).
(6) -انظر: (المحكم لابن سيده مادة: حمل) (11/178)، و(تاج العروس) (7/289)، وتقول العرب: عدله في المحمل وعادله ركب معه، وعديلك معادلك في المحمل، ويطلقون أيضاً (العدل) بكسر على نصف الحمل على أحد جنبي البعير. كما في (تاج العروس) (8/10).
(7) -انظر: (لسان العرب) (11/310)..
(8) -انظر: (لسان العرب) (11/178)، و(تاج العروس) (7/289)..(1/182)
وأما قوله: (ليس هو من أهل القباب) فهو شبيه بقوله: (ليس هو من جمال المحامل) فأهل القباب: هي (الجمال التي يحمل عليها الهوادج)، والهودج كما قاله الأزهري: مركب من مراكب النساء (1) .
ونقل الزبيدي عن صاحب (التوشيح) أنه قال: والهودج محمل له قبة تستر بالثياب يركب فيه النساء (2) .
وقال ابن منظور: الهودج: من مراكب النساء مقبب وغير مقبب، ويصنع-كما قال صاحب (المحكم)-: من العصى ثم يجعل فوقه الخشب فيقبب (3) ، ويطلق على الإبل التي لها القدرة على حمل الهودج (الحمول).
قال ابن منظور: والحمول بالضم بلا هاء: الهوادج كان فيها النساء أو: لم يكن واحدها حمل، ولا يقال حمول من الإبل إلا لما عليه الهوادج (4) .
والقباب: جمع قبة بالضم.
قال العلامة ابن الأثير-رحمه الله تعالى-: القبة من الخباء بيت صغير مستدير وهو من بيوت العرب (5) .
وقالت العرب: بيت مقبب عمل فوقه قبة والهوادج تقبب (6) ، والقباب ككتان لقب لمن كان يعمل الهوادج (7) .
__________
(1) -انظر: (تهذيب) (6/4)..
(2) -انظر: (تاج العروس) (2/115)..
(3) -انظر: (المحكم) لابن سيده (هدج)، و(لسان العرب) (2/389)، و(تاج العروس) (2/115)..
(4) -انظر: (لسان العرب) (11/179)، و(تاج العروس) (7/289)..
(5) -انظر: (النهاية) (4/3)، و(لسان العرب) (1/159)، و(تاج العروس) (1/419)..
(6) -انظر: (تاج العروس) (1/420)..
(7) -انظر: (تاج العروس) (1/420)، وفي (الأنساب) (10/315) والقبَّاب بفتح القاف والباء المشددة الموحدة وبعد الألف باء ثانية، وهذه النسبة إلى عمل القباب-إن شاء الله-التي هي كالهوادج والله أعلم. (اللباب) (3/10).(1/183)
واستنبط الإمام مالك بن أنس تشبيهه لهذا الراوي-عطاف بن خالد-من هذا المعنى اللغوي فكما أنه لا يقوى على حمل الهوادج ذات القباب، ولا يقوى على حمل المحامل إلا البعير القوي، الشديد، الصبور على السير مسافات بعيدة بأثقاله أو: عليه من-العدلين، أو: العديلين-كذلك لا يقوى على تحمل الحديث وروايته كل راو.
فالراوي الذي يحفظ الحديث ويؤديه كما سمعه، وله معرفة بطرقه وألفاظه يعده من المحدثين الذين يستحقون تشبيههم (بجمال المحامل أو: جمال القباب) (1) ، ومن لم يكن كذلك فهو ليس يشبه (جمال المحامل ولا أهل القباب). والله أعلم.
أثر تجريح الإمام مالك-رحمه الله تعالى- لعطاف بن خالد وقبول المحدثين لذلك منه:
تجريح الإمام مالك لعطاف هل قبله الأئمة النقاد ووافقوه عليه أو: خالفوه؟ الظاهر من النصوص المنقولة عن الأئمة النقاد أنهم اختلفوا في أمر عطاف هذا،
1-ففريق وافق الإمام مالكاً على تجريحه،
__________
(1) -قال أبو الحسن المصري في كتابه: (شفاء العليل) (1\55): (وقول أحدهم: "فلان كان من جمال المحامل، أو: من إبل المحامل، أو: من جمازات المحامل، أو: من الجمال التي تحمل المحامل، أو: ممن يتحمل الحمالات" كما قاله يعقوب بن شيبة في روح بن عبادة القيسي-كما في "تذكرة الحفاظ" (2\350).
وقولهم: "كان من أهل القباب..." هذه كلها أوصاف للإبل، فالمحامل أي: الأثقال، ووصف البعير بأنه يتحمل الأثقال، ويستطيع السير بها مسافات طويلة، يدل على أنه قد كملت قوته، وقد سبق قولهم: "فلان من البزّل الكمل".
وقولهم: "من جمازات المحامل" يدل على القوة فالجماز هو البعير الذي يركبه المجمز كما في "اللسان" (5\323)، وقولهم: "من أهل القباب": أي: من الإبل التي تحمل الهودج الذي يركب فيه النساء، وكل هذه الأوصاف تدل على تمام قوة الحَمول بفتح الحاء وهو البعير الذي يحمل الحُمول بضم الحاء... وتشبيه الراوي بذلك يدل على أن الراوي قد بلغ تمام القوة في الرواية).(1/184)
2-وفريق آخر خالفه ورضي برواية عطاف،
فقال الإمام أبو أحمد الحاكم-رحمه الله تعالى-في كتابه: (الكنى) عنه: ليس بالمتين عندهم. غمزه مالك (1) .
وقال البخاري-رحمه الله تعالى-: لم يحمده مالك (2) ، وروى ابن أبي حاتم بسنده إلى عبد الرحمن بن مهدي أنه ذهب إلى عطاف فلم يرضه (3) .!
وقال ابن حبان-رحمه الله تعالى-يروي عن نافع وغيره من الثقات ما لا يشبه حديثهم، وأحسبه كان يؤتى ذلك من سوء حفظه فلا يجوز عندي الاحتجاج بروايته إلا فيما وافق الثقات، ثم قال: كان مالك ابن أنس لا يرضاه (4) .
ثم ذكر أقوال أئمة الجرح والتعديل فيه فقال: وبهذا وبتلك الأقوال نرى ترجيح قول الإمام مالك فيه وأنه في محله، فهو ليس من الثقات الأثبات، ولو كان كذلك لخرج له أصحاب الصحيح حديثه في صحاحهم (5) .
ومن الأئمة النقاد الذين استعملوا هذا التعبير في تجريح الرواة أيضاً-ابن القطان (6) -فروى عنه أنه قال: سلم ابن قتيبة الشعيري، أبو قيبة الخراساني الفريابي: (ليس من الجمال التي يحمل المحامل) (7) ...
__________
(1) -انظر: (ميزان الاعتدال) (3/69)، و(سير أعلام النبلاء) (8/243)..
(2) -انظر أيضاً: (ميزان الاعتدال) (3/69)، و(سير أعلام النبلاء) (8/243)...
(3) -انظر: (الجرح والتعديل) (3/ق2/32)..
(4) -انظر: (المجروحين) (2/193)..
(5) -قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في تقدمته لـ(تعجيل المنفعة) (ص:2/3) (إن النفوس تركن إلى من أخرج له بعض الأئمة الستة أكثر من غيرهم لجلالتهم في النفوس وشهرتهم، ولأن أصل وضع التصنيف للحديث على الأبواب أن يقتصر فيه على ما يصلح للاحتجاج أو: للاستشهاد). أفادته أم الفضل حرم المؤلف.
(6) -انظر ترجمته في: (الحلية) (8/380)، و(تاريخ بغداد) (14/135)، و(تهذيب التهذيب) (11/116/220).
(7) -انظر: (هدي الساري) (ص:407)، و(تهذيب التهذيب) (4/133)، و(ميزان الاعتدال) (2/186).(1/185)
ومن الأئمة الذين استعملوا هذا اللفظ في التضعيف النسبي للرواة: يحيى بن معين-رحمه الله تعالى- حيث ضعَّف به رشدين بن سعد بن مفلح بن هلال المهري (1) ، أبو الحجاج المصري، وهو رشدين بن أبي رشدين.
فقال عنه: (ليس من جمال المحامل) نقله عنه محمد بن أحمد بن الجنيد (2) ... .
ومن الذين استعملوا هذا التعبير في التضعيف النسبي للرواة: المحدث الثقة داود بن رشدين البغدادي-رحمه الله تعالى- (3) ، حيث جرَّح به سريج بن يونس بن إبراهيم البغدادي، أو: الحارث العابد، حيث قال عنه: (ليس سريج من جمازات المحامل) (4) .
معنى الجمازات في اللغة:
قال السخاوي: جمازات أي: أبعرة المحامل، والجماز: البعير، والجمزى بالتحريك ضرب من السير سريع، فوق العنق ودون الخصر الشديد، يقال: الناقة تعدو الجمزى، والوكرى، والولقى، وقد جمزت، وهو العدو الذي كأنه ينزو.
قال أمية بن أبي عائذ الهذلي:
كأني ورحلي إذا زعتها * على جمزى جازئ بالرحال
وأصحم حام جراميزه * حزابية حيدى بالدحال
شبه ناقته بحمار وحش ووصفه بجمزى وهو السريع، وتقديره على حمار جمزى.
وقال الأصمعي: لم أسمع بفعلى في صفة المذكر إلا في هذا البيت يعني أن
1-جمزى.
2-وبشكى.
3-وزلجى.
4-ومرطى.
__________
(1) -بفتح الميم وسكون الهاء وفي آخرها الراء، هذه النسبة إلى مهرة بن حيدان بن عمرو بن قضاعة، قبيلة كبيرة. انظر: (اللباب) (3/275)، و(تهذيب التهذيب) (3/278).
(2) -انظر: (سؤالات ابن الجنيد ليحيى بن معين)، و(تاريخ بغداد) (6/120)، و(تاريخ التراث) (1/159).
(3) -انظر ترجمته في: (الجرح والتعديل) (1/ق2/412)، و(تاريخ بغداد) (8/367/368)، و(تهذيب التهذيب) (3/184)، و(هدي الساري) (ص:401)..
(4) -انظر: (فتح المغيث) (ص:374)..(1/186)
وما جاء على هذا الباب لا يكون إلا في صفة الناقة دون الجمل (1) ، وقال ابن منظور: والجماز: البعير الذي يركبه المجمّز، ومنه قول الراجز:
أنا النجاشي على جماز * حاد ابن حسّان عن ارتجازي (2)
ويتبين لنا من هذه المعاني اللغوية أن الجماز صفة البعير الشديد القوي الذي يستطيع أن يحمل على ظهره المحمل، وبالتالي هي نفس المعاني السابقة جمال المحامل أو: (الجمال التي تحمل المحامل).
ولقد خالف الأئمة النقاد داود بن رشيد في حكمه على سريج بن يونس، حيث وثقوه ... ثم قال-بعد أن ذكر من وثقه-: ومن هذه الأقوال المروية عن الأئمة النقاد يتضح لنا أن داود بن رشيد كان متشدداً في تجريحه هذا لسريج-لا سيما وأن بعض النقاد المتشددين-كابن معين-قد وثقه.
ولا يعول على حكمه هذا لما ذكرنا، ولأن سريج بن يونس خرج حديثه كل من الإمام البخاري والإمام مسلم في (صحيحيهما)، ومن خرج عنه في (الصحيح) جاز القنطرة (3) .
__________
(1) -انظر: (تهذيب اللغة) (10/629/630)، و(النهاية) (1/294) لابن الأثير، و(تاج العروس) (4/17)، و(لسان العرب) (5/323)..
(2) -انظر: (لسان العرب) (5/323).
(3) -وكان الحافظ أبو الحسن علي بن المُفَضَّل المقدسي يقول في الرجل الذي يُخَرَّج عنه في "الصحيح": (هذا جاز القنطرة). يعني بذلك أنه لايُلتفتُ إلى ما قيل فيه.
قال الإمام أبو الفتح محمد بن علي وهب القشيري المنفلوطي: "وهكذا نعتقد وبه نقول، ولا يخرج عنه إلا ببيان شاف وحجة ظاهرة تزيد في غلبة الظن على المعنى الذي قدمناه، من اتفاق الناس بعد الشيخين على تسمية كتابيهما بالصحيح".
وقال الحاكم في كتابه (المدخل إلى معرفة رجال الصحيحين): (والبيان أنهما-يعني الشيخين-لم يخرجا الحديث في كتابيهما إلا عن الثقات الأثبات، إلا عند الاستشهاد بخبر لم يستغنيا فيه عن تقييده بمتابع شاهد، يكون في الحفظ والإتقان دون المتابع لأن كلا منهما قد احتاط لدينه فيما نحا نحوه، وأتعب من بعده في طلب ما خرجه فجزاهما الله عن دينهما ونبيهما-عليه الصلاة والسلام-خيراً). انظر: (هدي الساري) (ص:384)، و(الاقتراح) (ص:283)، و(افتتاح القاري لصحيح البخاري) ضمن (مجموع رسائل الحافظ ابن ناصر الدين الدمشقي) (ص:345\346)، و(شرح ألفاظ التجريح النادرة أو: قليلة الاستعمال) (2\12\27)، و(قناص الشوارد الغالية...) (ص:520\528\رقم:74).
وقال الشيخ مصطفى بن إسماعيل في كتابه: (شفاء العليل) (1\321\322) تحت قول الذهبي-رحمه الله-في تصانيفه: (فلان قفز القنطرة): (ذكر الحافظ ابن حجر في "هدي الساري مقدمة فتح الباري" (ص:384-الفصل التاسع) ومن قبله ابن دقيق العيد أن أبا الحسن المقدسي-رحمه الله-كان يقول فيمن خُرِّج في الصحيح: "هذا حاز القنطرة"، قال الحافظ: "يعني بذلك أنه لا يلتفت إلى ما قيل فيه".
واستعمل هذا اللفظ الذهبي في كثير من الرواة فقد قال في عبد الله بن محمد بن أبي شيبة أبي بكر الحافظ الكبير: "ممن قفز القنطرة وإليه المنتهى في الثقة"-كما في "الميزان" (2\490)-وقال في خالد بن مخلد القطواني-كما في "الميزان" (2\615)-: "وخالد ذو مناكير لكنه قفز القنطرة" كما في ترجمة: عبد السلام بن حفص، وقال في يحيى بن معين فقال: "ويحيى قد قفز القنطرة، بل: قد قفز من الجانب الشرقي إلى الجانب الغربي"-كما في (الميزان) (4\410)-رداً على أحمد حين قال: "أكره الكتابة عمن أجاب في المحنة كيحيى وأبي نصر التمار"، وقد يعبر الذهبي عن ذلك بعبارات مرادفة، كقوله في محمد بن كثير العبدي: "الرجل ممن طفر القنطرة وما علمنا به شيئاً منكراً يُليَّن به"-كما في "السير" (10\384)-وكقوله في إسماعيل بن عبد الله بن أويس: "الرجل وثب إلى ذلك البر واعتمده صاحبا "الصحيحين" ولا ريب أنه صاحب أفراد ومناكير تنغمر في سعة ما روى فإنه صاحب أفراد ومناكير تنغمر في سعة ما روى فإنه من أوعية العلم" انتهى.
فالذي يظهر من هذا اللفظ أنه يقال في الأئمة الأثبات ويقال فيمن فيه كلام لا يضره ما دام داخل الصحيح، أما إذا كان خارج الصحيح نالته سهامهم، والله أعلم.
واستعمل هذا اللفظ أبو علي الحافظ بمعنى المدح الرفيع ولا التفات إلى من تكلّم في الراوي وإن لم يُخَرَّج للراوي في "الصحيحين"، كقوله في جوصاء: "هذا إمام من أئمة المسلمين قد جاز القنطرة"-كما في "تذكرة الحفاظ" (3\797) للذهبي).(1/187)
وإلى هذه المعاني والمصطلحات أشرت بقولي:
لَمْ يَكُن مِثَلَ الجمالِ الحَامِلاَتِ * أو: جمازات المحاملْ في المآتي
لم يَكُنْ ذا قطّ من أهل القبَابِ * فتَنَحَّوْا عنْ طَرِيقهْ يَا صِحَابي
29- المصطلح التاسع والعشرون قولهم في الراوي: (ما أشبه حديثه بثياب نيسابور):
انفرد الإمام إبراهيم بن يعقوب السعدي الجوزجاني (ت: 259 هـ)-رحمه الله تعالى- في هذا التجريح، وأطلقه الحافظ الإمام محدث الشام وعالمها وإمامها إسماعيل (1) بن عايش العنسي (2)
__________
(1) -إسماعيل بن عياش بن سليم العنسي، بالنون، أبو عتبة الحمصي كان من بحور العلم، صادق اللهجة متين الديانة، صاحب سنة واتباع، وجلالة ووقار. قال يعقوب بن سفيان: وتكلم قوم في إسماعيل، وإسماعيل ثقة، عدل، أعلم الناس بحديث الشاميين، ولا يدفعه دافع وأكثر ما تكلموا فيه قالوا: يُغرب عن ثقات المدنيين، والمكيين، قال الحافظ الذهبي: (حديث إسماعيل عن الحجازيين والعراقيين لا يحتج به، وحديثه عن الشاميين صالح، من قبيل الحسن، ويحتج به إن لم يعارضه أقوى منه).
(2) -ذكر الحاكم في (المعرفة) (ص:589\590) تحت عنوان: (ذكر النوع السابع والأربعين من معرفة علوم الحديث: معرفة المتشابه في قبائل الرواة، وبلدانهم، وكناهم، وصناعتهم...): (فالجنس الأول من هذه الأجناس: معرفة المتشابه من القبائل. فمن ذلك: القيسيون، والعيشيون، والعنسيون، والعبسيون:
فالقيسيون: بطن من تميم، وهم رهط قيس بن عاصم المنقري، وكل قبيلة من قبائل العرب فيهم زعيم مشهور اسمه قيس، ولِعَقِب المسمى قيس فيقال له: قيسي-وفي الهامش: كذا في كتابه وهو مختل ومع اختلاله فينبغي أن يكون المسمى قيساً فيقال لعقبه: قيسي. قال ابن ناصر: والصواب فيه أن يقال: كل من انتسب إلى قيس غيلان.. فهو قيسي، وليس يقتصر هذا على بني تميم وحدهم-"الأنساب" (4\577).
والعيشيون: بصريون منهم عبد الرحمن بن المبارك وغيره.
والعنسيون: شاميون منهم عمير بن هانئ وهو تابعي، وبلال بن سعد الزاهد وغيره من تابعي أهل الشام.
والعبسيون: كوفيون منهم عُبيد الله بن موسى وغيره).(1/188)
-رحمه الله تعالى- (1) قال الجوزجاني: قلت لأبي اليمان-الحكم بن نافع البهراني (ت: 222 هـ):
(ما أشبه إسماعيل بثياب نيسابور يرقم بائعه على الثوب المائة، ولعله اشتراه بعشرة أو: بدونها، وكان من أروى الناس عن الكذابين وهو في حديث الثقات من الشاميين أحمد-رحمه الله تعالى-منه في حديث غيرهم) (2) .
__________
(1) -انظر: ترجمته في: (تهذيب التهذيب) (1/321/326)، و(الميزان) (1/240/244)، و(تاريخ بغداد) (6\221\226)،
و(السير) (8/277/291)، و(المعرفة والتاريخ) (1/172)، و(المجروحين) (1/124)، و(تذكرة الحفاظ) (1/233)، و(تهذيب تاريخ ابن عساكر) (3/42/43)، و(الأنساب) (9/396/397)، و(إعلام الموقعين) (3\28)، أو: (3\34) بتحقيق: محيي الدين، و(العلل) (1\259\رقم:116) لابن أبي حاتم، و(نصب الراية) (1\195)، و(التلخيص الحبير) (1\138)، و(النكت على تقريب التهذيب) (ص:50\رقم:31) لفضيلة شيخنا ابن باز.
(2) -كذا في (تهذيب تاريخ ابن عساكر) (3/42/43)، وفي (سير أعلام النبلاء) (8/284)، (ما أشبه حديث إسماعيل بن عياش إلا بثياب نيسابور، يرقم بائعه على الثوب المائة وأقل شرائه دون عشرة دراهم-وفي نسخة: ولعله اشتراه بعشرة أو: دونه-قال: وكان من أروى الناس عن الكذابين، وهو في حديث الثقات عن الشاميين أحمد منه في حديث غيرهم، ... .)، (تهذيب التهذيب) (1/324)، انظر للزيادة كتاب: (شرح ألفاظ التجريح النادرة أو: قليلة الاستعمال) (2\28).(1/189)
هذا التشبيه الذي استعمله الحافظ الجوزجاني (1) لتضعيف رواية إسماعيل بن عياش وتجريحه مأخوذ من طريقة أهل نيسابور في بيعهم للثياب حيث يضعون الأثمان العالية كي يغرو بها المشتري.
وقال ابن منظور: رقم الثوب يرقمه رقماً ورقمه خططه، والتاجر يرقم ثوبه بسمته، ورقم الثوب: كتابه وهو في الأصل مصدر، يقال: رقمت الثوب ورقمته ترقيماً مثله.
وفي الحديث كان يزيد في الرقم أي: ما يكتب على الثياب من أثمانها لتقع المرابحة عليه أو: يغتر به المشتري، ثم استعمله المحدثون فيمن يكذب ويزيد في حديثه (2) .
أما الكذب فلم أجد أحداً من الأئمة النقاد وصفه به.
وأما الزيادة في الحديث والاضطراب فقد وقع في حديثه، قال ابن عدي: إذا روى إسماعيل عن قوم من أهل الحجاز:
1-كيحيى بن سعيد،
2-ومحمد بن عمرو،
3-وهشام بن عروة،
4-وابن جريج،
5-وعمر بن محمد،
6-وعبيد الله الوصاف فلا يخلو من غلط فيغلط.
__________
(1) -قال الجوزجاني في كتابه: (أحوال الرجال) (173\173\174\175\رقم:331): (... أما إسماعيل بن عياش فقلت لأبي اليمان: ما أشبه حديثه بثياب سابور يُرقم على الثوب المائة ولعل شراءه دون عشرة، قال: كان من أروى الناس عن الكذابين، وهو في حديث الثقات من الشاميين أحمدُ منه في حديث غيره). انظر: (الجرح والتعديل) (2\650)، و(الكامل) (1\ق100)، و(تهذيب الكمال) (3\163)، و(تهذيب التهذيب) (1\321)، و(الميزان) (1\240).
(2) -انظر: (لسان العرب) (12/249)، و(النهاية) لابن الأثير (2/253)، و(مجمع بحار الأنوار) (2/364)(1/190)
أما أن يكون حديثه برأسه، أو: مرسلاً يوصله، أو: موقوفاً يرفعه (1) .
__________
(1) -قال أبو الحسن المصري في كتابه: (شفاء العليل) (1\178): (وقولهم: "فلان كان رفاعاً أو: كان من الرفاعين" فقد قال شعبة في عدي بن ثابت الأنصاري الكوفي: "كان من الرفاعين"-"تهذيب التهذيب" (7\165\166)-وقال أيضاً في يزيد بن أبي زياد: "كان رفاعاً"-كما في "الكامل" (7\2729)-وهذا اللفظ معناه أنه يرفع الموقوفات، أو: يسند المرسلات على سبيل الوهم، وقد جاء في (أحوال الرجال) (ص:91\رقم:131) ترجمة: إبراهيم بن مسلم الهجري بلفظ: (رقاع) والظاهر أنه تصحيف لأن الحافظ بيّن قول شعبة فقال: "ليّن الحديث رفع موقوفات"، ونحوه قول الحميدي: "قال سفيان: كان إبراهيم بن مسلم الهجري رفاعاً وكان يرفع عامة هذه الأحاديث..." انظر: "ضعفاء العقيلي" (1\66)...).
قال المحبوس: وقرأت في (كتاب السلسبيل في شرح ألفاظ وعبارات الجرح والتعديل) (ص:55\5642\43) تحت مدلول قولهم: (يرفع حديثاً كثيراً)، و(السير) (7\282)، و(الجرح والتعديل) (8\339) كلاماً له علاقة بقولهم: (فلان كان رفاعاً)، أو: (يرفع حديثاً كثيراً) هذا نصه: (قال أبو طالب: عن أحمد بن حنبل: "كان مبارك بن فضالة يرفع حديثاً كثيراً، ويقول في غير حديث: عن الحسن البصري، حدثنا عمران، وحدثنا ابن مغفل، وأصحاب الحسن يقولون ذلك".
ومثاله ما جاء عن الإمام أحمد أيضاً-كما في "الجرح والتعديل" (8\361)-: "أبو طالب قال: سألت أحمد عن مجالد-يعني: ابن سعيد-؟ فقال: ليس بشيء، يرفع حديثاً كثيراً، لا يرفعه الناس".
وقال يحيى بن سعيد القطان: "لو أردت أن يرفع لي مجالد حديثه كله رفعه، قيل له: ولِمَ يرفع حديثه؟ قال: لضعفه". وفي المقابل كان الأئمة يثنون على من كان شديد الحرص والتحرز في رفعه الحديث إلى النبي-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-، ومن هؤلاء: مسلم بن أبي مريم، مولى لبني سليم، فقد جاء في "الجرح والتعديل" (8\196): "... عبد الله بن مسلمة بن قعنب قال: كان مالك يثني على مسلم بن أبي مريم، وقال: كان لا يكاد يرفع حديثاً إلى النبي-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم".
وأحياناً كان الأئمة يختصرون هذه العبارة بقولهم: "كان رفاعاً"... يزيد بن أبي زياد الكوفي، قال شعبة: "كان رفاعاً". قال الذهبي في "السير" (6\130): يعني: الآثار التي هي من أقوال الصحابة يرفعها).
وفي كتاب "إكمال تهذيب الكمال" لمغلطاي (1\292\293): (إبراهيم بن مسلم الهجري، قال علي بن المديني: الهجري رفاعاً، وضعفه.
وقال الساجي: صدوق يهم، كان رفَّاعاً للأحاديث، وكان سيء الحفظ فيه ضعف-قال الألباني في "الضعيفة" (3\150): لأن السيء الحفظ حديثه من قسم المردود كما هو مقرر في "المصطلح" وخصوصاً في "شرح النخبة" للحافظ ابن حجر-:، وكان ابن عيينة يضعفه، وكرهه يحيى بن سعيد، وقال شعبة: كان رفَّاعاً. وقال الأزدي: هو صدوق، لكنه رفَّاع كثير الوهم. وقال يعقوب بن سفيان: كان رفّاعاً، لا بأس به).
انظر: (الجرح والتعديل) (2\417)، و(الكامل) (7\275)، و(المجروحين) (1\99)، و(الضعفاء والمتروكين) (6)، و(الميزان) (1\65)، و(تهذيب الكمال) (2\203)، و(أحوال الرجال) (ص:91\رقم:131).(1/191)
وحديثه في الشاميين إذا روى عنه ثقة، فهو مستقيم، وفي الجملة: هو ممن يكتب حديثه، ويحتج به، من حديث الشاميين خاصة (1) .
وكشف ابن معين-رحمه الله تعالى-عن سبب ضعف روايته عن الحجازيين حيث يقول: هو ثقة فيما روى عن الشاميين، وأما روايته عن أهل الحجاز فإن كتابه ضاع، فخلط في حفظه عنهم (2) ...
وبهذا يتبين لنا مطابقة تشبيه الحافظ الجوزجاني-رحمه الله تعالى-لواقع رواية إسماعيل بن عياش، وبه يستدل على خبرته وعدم مجازفته في الجرح والتعديل.
2-ومن ذلك قولهم في الراوي: (في دار فلان شجر يحمل الحديث):
وهذا التعبير انفرد به أبو الحسن علي بن المديني (ت:234هـ) وقد استعمله في تجريحه لاثنين من الرواة هما:
1-عبد الرحمن بن عمرو بن جبلة-الذي روى عن سلام بن أبي مطيع الخزاعي (ت: 164 هـ).
2-وخليفة بن خياط بن خليفة بن خياط العصفري، أبو عمرو البصري (ت: 240 هـ).
فقال: (في دار عبد الرحمن بن عمرو بن جبلة، وشباب بن خياط شجر يحمل الحديث) (3) .
وهذا التعبير يحتمل عدة معانٍ من الناحية اللغوية، فيمكن أن يكون كناية عن حملها للحديث دون عقله، أو: كثرة حديثهما، أو: كناية عن اختلاق الحديث الذي ينبت في داره دون أن يتلقاه عن الشيوخ قال:
__________
(1) -انظر: (سير أعلام النبلاء) (8/285)، و(تهذيب التهذيب) (1/324).
(2) -انظر: (سير أعلام النبلاء) (8/282)، و(تهذيب التهذيب) (1/323)، و(تاريخ بغداد) (6/226)، و(تهذيب تاريخ دمشق) (3/43).
(3) -انظر: (الضعفاء الكبير) للعقيلي (1/لوحة 122)، و(تهذيب الكمال) (3/161) في ترجمة خليفة بن خياط.(1/192)
ولا يمكن توجيه النص إلا بقرائن خارجة عنه.... والآفة (1) من عبد الرحمن فإنه كذاب...
وقال الشيخ مصطفى بن إسماعيل في المرتبة الخامسة: من مراتب التجريح من كتابه النفيس: (شفاء العليل بألفاظ وقواعد التجريح): (وقولهم: "في دار فلان شجر يحمل الحديث": هذا اللفظ يحتمل عدة معان أذكرها بعد ذكر عدة تراجم ورد فيها هذا اللفظ، جاء في "تهذيب التهذيب" (2) ترجمة: خليفة بن خياط الملقب بـ(شباب) الذي لم يكتب عنه بعضهم قال فيه ابن المديني: "في دار عبد الرحمن بن عمرو بن جبلة وشباب بن خياط شجر يحمل الحديث"،
وقال ابن عدي: "كثير الحديث وحسن التاريخ..." (3) ، وذكره العقيلي في "الضعفاء" (4) ، وقال: "غمزه ابن المديني، وقيل عن ابن المديني أنه قال: لو لم يحدث لكان خيراً له، لكن ضعف ذلك ابن عدي لضعف الكديمي راويها عن ابن المديني".
__________
(1) -وقول المحدثين: الآفة من فلان أو: آفته فلان كناية عن الوضع. قال الحافظ برهان الدين الحلبي سبط ابن العجمي قوله-أي: الحافظ الذهبي-هو آفته فيه كالتصريح بأنه وضعه.وقال أيضاً معقباً على شيخه العراقي الذي قال في الحسين بن أحمد الشماخي: (والآفة منه) وقول شيخنا: والآفة منه أشار إلى أنه وضعه. كما في: (الكشف الحثيث) (1/67/185).
(2) -انظر: (شفاء العليل بألفاظ وقواعد الجرح والتعديل) (1\246).
(3) -انظر: و(شفاء العليل بألفاظ وقواعد الجرح والتعديل) (1\246).
(4) -انظر: (الضعفاء) (3\161) للعقيلي، و(شفاء العليل بألفاظ وقواعد الجرح والتعديل) (1\246).(1/193)
ودافع ابن عدي عن خليفة وحسن حاله انظر "الكامل" (1) ، وفي (سير أعلام النبلاء) (2) ترجمة: داود بن عمرو بن زهير بن عمرو قال أبو الحسن العطار: "رأيت أحمد يأخذ لداود بالركب"، وقال البغوي (3) : "حدثنا داود بن عمرو الثقة المأمون"، وقد كان البغوي مكثراً عنه فكان مجّان الطلبة يقولون: (في دار أبي القاسم ابن بنت منيع شجرة تحمل داود بن عمرو الضبي).
وفي "الكامل" ذكر ابن عدي تضعيف المشايخ لابن بنت منيع سحرة-كذا بمهملتين-تحمل داود بن عمرو الضبي من كثرة ما يروى عنه، وانظر ذلك في "النبلاء" (4) ،
وزاد في "الكامل" (5) : "وما علمت أحداً حدث عنه أكثر مما حدث هو"، ثم دافع ابن عدي عن ابن بنت منيع بعد أن ذكر قول ابن المديني في عبد الرحمن بن عمرو بن شباب.
وقال الدكتور سعدي الهاشمي في رسالته السابقة: "وهذا التعبير يحتمل عدة معانٍ من الناحية اللغوية، فيمكن أن يكون كناية عن حملها للحديث دون عقله، أو: كثرة حديثهما، أو: كناية عن اختلاق الحديث الذي ينبت في داره دون أن يتلقاه عن الشيوخ قال: ولا يمكن توجيه النص إلا بقرائن خارجة عنه، ثم استدل على أنه من ألفاظ التجريح (6) ...
__________
(1) -انظر: (الكامل) (3\935)، و(شفاء العليل بألفاظ وقواعد الجرح والتعديل) (1\246).
(2) -انظر: (السير) (11\131)، و(شفاء العليل بألفاظ وقواعد الجرح والتعديل) (1\246).
(3) -انظر: (شفاء العليل بألفاظ وقواعد الجرح والتعديل) (1\246).
(4) -انظر: (السير) (14\1579)، و(شفاء العليل بألفاظ وقواعد الجرح والتعديل) (1\246).
(5) -انظر: (الكامل) (4\1579)، و(شفاء العليل بألفاظ وقواعد الجرح والتعديل) (1\246).
(6) -هذه العبارة تحتمل التوثيق والتجريح، فيمكن أن تكون كناية عن حمل الحديث دون فهمه... (معجم علوم الحديث النبوي) (ص:162\رقم:455).(1/194)
وذكر الدكتور كلام المعلمي على ما قاله أبو حاتم حيث قال: سكون غضب أبي الوليد يشعر بأنه لم يكذب خليفة، ويحتمل أن يكون شباب قد استكثر من حديث أبي الوليد آخذاً من أصوله وكانت تلك الثلاثة مما لا يحفظها أبو الوليد فأنكرها، ثم لما عرف أن شباباً هو رواها عنه حملها على أنها عنده في أصوله ولكنه لا يحفظها، قال: وكأنه لهذا الاحتمال اقتصر أبو حاتم على قوله: "غير قوي"، ثم ذكر كلام أبي زرعة في تركه لشباب).
واعلم أن الشيخ المعلمي-رحمه الله تعالى-له نقد متين في الكلام على الأحاديث والرواة، لكن في هذا المقام إن كان يحق لي أن أقول فالذي أراه خلاف ما قاله المعلمي-رحمه الله-، لأن سياق كلام أبي حاتم يدل على التجريح، وما ذكره العلامة المعلمي يدل على أن هذه الأحاديث صحيحة.
وأيضاً فإن أبا حاتم شاهدُ عدلٍ فقوله واصفاً لأبي الوليد: "فعرفه وسكن غضبه": في مقام الاستدلال على عدم تحديثه عن شباب يدل على أنه فهم من موقف أبي الوليد التجريح وأن رواية مثل شباب لا يشتغل بها (1) ، أضف إلى ذلك التجريح الشديد من أبي زرعة، وأما قول العلامة المعلمي-رحمه الله تعالى-"وكأنه لهذا الاحتمال اقتصر أبو حاتم على قوله: "غير قوي"، وقول الحافظ ابن حجر-رحمه الله-في (هدي الساري): هذه الحكاية محتملة.
__________
(1) -ومن ذلك قولهم في الراوي: (لا يشتغل به) أي: لا يكتب حديثه ولا تحل الرواية عنه، فهو مردود الحديث، فيكون على هذا من المرتبة الثالثة من مراتب الجرح عند العراقي والسيوطي، ومن الرابعة عند السخاوي والسندي والذهبي). انظر: (معجم علوم الحديث النبوي) (ص:168\169\رقم:487).(1/195)
فلست أنكر أنها تحتمل الجرح والتعديل ولكن أبا حاتم-رحمه الله-ساق ذلك دليلاً على قوله: "لا أحدث عنه"، ولو كانت الأحاديث صحيحة فما وجه قول أبي حاتم: "غير قوي"؟ ولست أشك أن مثل الشيخ المعلمي-رحمه الله-لا يغيب عنه أنهم قد يطلقون ألفاظ الضعف الخفيف ويقصدون بذلك الجرح الشديد والعبرة في ذلك بالسياق. ذكرت هذا وإن لم يكن محله هنا لما ذكره الدكتور سعدي ولم يعقب عليه.
نرجع إلى معنى قولهم: "في دار فلان شجر يحمل الحديث": فالذي يظهر لي أن هذا اللفظ إن قيل فيمن اتهم فهو جرح ويكون معناه: أن الراوي يحدث بأحاديث لم يسمعها ممن يحدث عنهم فربما أنه سرقها أو: وضعها، وإذا قيل في رجل قد ثبتت عدالته فمعناه: أنه مكثر كما قاله ابن عدي والذهبي-رحمهما الله- وقد تكون هذه الكثرة بطريق السماع الصحيح وقد تكون تدليساً والله المستعان) (1) .
وإلى هذين اللفظين أشرت بقولي
فَحدِيثُهْ أشْبَهَنْ مِن نَيْسَبُورِ * بِثيَابٍ تَتَلاشَى لفُتُورِ
حَيْثُ في دار فُلان يَزْعُمُونا * شَجَرٌ يَحْمِلْ حَدِيثاً صَحَّ فينا
30- المصطلح الثلاثون قولهم: (على يدي عدل):
وقد قلت في (قناص الشوارد الغالية) (ص:834\835\رقم:175- فوائد متنوعة في شرح ألفاظ التجريح):
(وقد ترد ألفاظ نادرة الاستعمال على لسان أحد النقاد ويستعملها في تجريح أحد الضعفاء أو: تعديل أحد الثقات، وقد يصعب معرفة مراده في بعض الأحيان، هل يريد التوثيق في قوله الذي أطلقه على ذلك الراوي أو: يريد التجريح؟ حتى إن الحافظ العراقي (ت: 804 هـ) وهو إمام الصنعة في وقته التبس عليه مراد أبي حاتم في قوله: (على يدي عدل) حيث عدها في ألفاظ التوثيق ...
__________
(1) -انظر: (شفاء العليل بألفاظ وقواعد الجرح والتعديل) (1\246\248).(1/196)
وهي في الحقيقة من ألفاظ التجريح، وقد تنبه لذلك الحافظ العَلم الهمام العملاق أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت: 852 هـ) فقال: كنت أظن ذلك كذلك إلى أن ظهر لي أنها عند أبي حاتم من ألفاظ التجريح (1) ، ولمشقاتها وصعوبتها.
حتى إن الحافظ السخاوي تمنى لو أن بارعاً تتبع هذه المصطلحات، ووضع كل لفظة بالمرتبة المشابهة لها مع شرح معانيها لغة واصطلاحاً لكان حسناً، ثم قال: وقد كان شيخنا-أي: ابن حجر-يلهج بذكر ذلك فما تيسر له، والواقف على عبارات القوم يفهم مقاصدهم (2) لما عرف من عباراتهم في غالب الأحوال وبقرائن ترشد إلى ذلك (3) .
__________
(1) -انظر: (تهذيب التهذيب) (9/39/44)، و(السير) (7/35/46/47)، و(ميزان الاعتدال) (3/472)، و(لسانه) (1\42)، و(تاريخ بغداد) (1/231/232)، و(تاريخ الدارمي) (ص:44). انتهى من كتاب: (شرح ألفاظ التجريح النادرة أو: قليلة الاستعمال) (1/7/8)، و(قناص الشوارد الغالية) (ص:834\835\رقم:175).
(2) -وجاء في كتاب في (الجمع بين الموقظة والاقتراح في مصطلح الحديث وعلومه) (ص:126) (فصل مهم في ألفاظ الجرح عند العلماء): (والكلام في الرواة يحتاج إلى ورع تام، وبراءة من الهوى والميل، وخبرة كاملة بالحديث، وعلله، ورجاله، ونحن نفتقر إلى تحرير عبارات التعديل، والجرح، وما بين ذلك من العبارات المتجاذبة. ثم أهم من ذلك أن نعلم بالاستقراء التام: عُرف ذلمك الإمام الجهبذ، ومقاصده بعباراته الكثيرة). جمع بينهما وعلق عليهما عمرو عبد المنعم.
(3) -انظر: (فتح المغيث) (1/336)، و(الباعث الحثيث) (ص:107)، انتهى من (شرح ألفاظ التجريح النادرة أو: قليلة الاستعمال) (1/7) بتصرف يسير مني، انظر ما سيأتي في هامش (ص:159).(1/197)
وقلت أيضاً: في (القناص) (ص:650\652\رقم:119)، بعد أن نقلت كلام الحافظ ابن حجر من كتابه: (لسان الميزان) (1\42): (حين تسمع بعض الألفاظ النادرة الاستعمال، وقد وردت على لسان أحد النقاد وهو يستعملها في تجريح أحد الضعفاء أو: تعديل أحد الثقات فيصعب عليه معرفة مراده في بعض الأحيان هل أراد التوثيق أو: قصد التجريح؟ حتى إن الحافط العراقي وهو إمام هذا الفن في وقته التبس عليه مراد أبي حاتم في قوله: (هو على يدي عدل) حيث عدها في ألفاظ التوثيق وهي في الحقيقة من ألفاظ التجريح.
قال ابن حجر العسقلاني: كنت أظن أنها من ألفاظ التوثيق حتى ظهر لي أنها عند ابن أبي حاتم من ألفاظ التجريح ومن وقف على عبارات القوم ومصطلحاتهم فيها فَهِمَ مقاصدهم ومراميهم، ولكي أسهل لك مهمة التّعرف على بعض هذه العبارات التي استعملت في تجريح الرجال وتوثيقهم سأقوم بشرح بعض ألفاظها شرحاً مبسطاً لعلك بها تهتدي وبسلوك أهلها تقتدي).
ثم إن قولهم: (هو على يدي عدل): (هذه العبارة من ألفاظ التجريح وأول من استعملها أبو حاتم الرازي، وكان البعض يظنها من ألفاظ التعديل منهم الحافظ العراقي وقد نقل ذلك عنه تلميذه الحافظ ابن حجر العسقلاني، والعبارة كما عرفها تلاميذ الحافظ العراقي في أنها كناية عن الهالك وهو تضعيف شديد.
وذكرها أبو حاتم الرازي في جبارة بن المغلس وشبهه بالقاسم بن أبي شيبة وكلاهما ضعيف متروك الحديث، وكانت طريقة أبي حاتم في تخريجه لبعض الرواة ينعتهم بأكثر من لفظ أو: يجمع ألفاظاً مترادفة، ويعْقبها بلفظة شديدة قاسية، فيذكر أحدهم مجرحاً له بقوله: ضعيف الحديث، ليس بقوي.(1/198)
هو (على يدي عدل). فقوله: ضعيف الحديث يعني من المنزلة الثالثة: أي: لا يطرح حديثه بل: يعتبر به. وقوله: ليس بقوي أي: دون من قال فيه: (لين الحديث) وهو الذي يكتب حديثه وينظر فيه اعتباراً، وقد يراد بها الذي لم يبلغ درجة القوي الثبت (1) .
__________
(1) -فائدة: قال الشيخ خليل العربي في هامش: (كتاب السلسبيل في شرح ألفاظ وعبارات الجرح والتعديل) (ص:95\96\رقم:106) تحت مدلول قولهم في الراوي: (ليس بالقوي)-عند قول الحافظ الذهبي في (تاريخ الإسلام) (8\79) في ترجمة: حكيم بن جبير الأسدي الكوفي، مشَّاه النسائي، وقال: "ليس بالقوي"-: (وقال الإمام الذهبي في كتابه: "الموقظة" (ص:82)، أو: (ص:118\119): (وقد قيل في جماعات: "ليس بالقوي"، واحتُج به، وهذا النسائي قد قال في عدة: "ليس بالقوي"، ويُخرج لهم في كتابه، فإن قولنا: "ليس بالقوي"، ليس بجرح مفسِد).
قال المسجون: (تخريج النسائي لحديث الراوي لا يقتضي أن يكون توثيقاً له، وقول الحافظ الذهبي فيمن قيل فيه: (ليس بالقوي) أنه جرح غير مفسد: يعني: أنه لا يصل به إلى الضعف الشديد، بل: ضعفه محتمل، وحديثه قد يحسن أو: يصحح إذا تابعه عليه الثقات، بخلاف المتروك والواهي والمتهم والكذاب والوضاع.
قال الشيخ المحدث الألباني في (السلسلة الصحيحة) (2\28): "فإن ثمة فرقاً أيضاً بين قول الحافظ: "ليس بالقوي"، وقوله: "ليس بقوي"، فإن هذا ينفي عنه مطلق القوة، فهو يساوي قوله: "ضعيف"، وليس كذلك قوله الأول: "ليس بالقوي" فإنه ينفي نوعاً خاصاً من القوة، وهي قوة الحفاظ الأثبات).
وقال أيضاً في (النصيحة) (183): (قول أبي حاتم: "ليس بالقوي": فهذا لا يعني أنه ضعيف، لأنه ليس بمعنى: "ليس بقوي"؛ فبين هذا وبين ما قال فرق ظاهر عند أهل العلم، ويؤيده أنه سئل: كيف حديثه؟ فقال: "صالح، هو لين الحديث". فهذا يعني أنه وسط حسن الحديث).
وقال العلامة المحدث المعلمي اليماني في كتابه النافع والممتع: (التنكيل) (1\232): (بين العبارتين فرق، فكلمة: "ليس بقوي"، تنفي القوة مطلقاً، وإن لم تثبت الضعف مطلقاً، وكلمة: "ليس بالقوي"، إنما تنفي الدرجة الكاملة من القوة، والنسائي يراعي هذا الفرق، فقد قال هذه الكلمة في جماعة أقوياء، منهم:
10عبد ربه بن نافع،
2-وعبد الرحمن بن الغسيل،
فبيّن ابن حجر في ترجمتيهما من مقدمة (الفتح) أن المقصود بذلك أنهما ليسا في درجة الأكابر من أقرانهما). انتهى من (القناص) (ص:1069)، و(ذاكرة سجين مكافح) (3\78\81).
قال الحافظ الذهبي في (الموقظة) (ص:83)، أو: (ص:118\119\127-الجمع بين الموقظة والاقتراح): (وبالاستقراء إذا قال أبو حاتم: "ليس بالقوي"، يريد بها أن هذا الشيخ لم يبلغ درجة القوي الثبت. والبخاري قد يُطلق على الشيخ: "ليس بالقوي" ويريد أنه ضعيف).
وقال الحافظ ابن حجر في (هدي الساري) (ص:405): (أحمد بن بشير الكوفي، قال النسائي: ليس بذلك القوي، فأما تضعيف النسائي له، فمشعر بأنه غير حافظ). وقال أيضاً في (الهدي) (ص:416): (الحسن بن الصباح البزار قال النسائي في الكنى: "ليس بالقوي". قلت: هذا تليين هين).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في (إقامة الدليل) (3\243) ضمن "الفتاوى الكبرى"، عند ذكر (عتبة بن حُميد الضبي البصري): (قال فيه الإمام أحمد: ضعيف ليس بالقوي، لكن أحمد يَقصد بهذه العبارة "ليس بالقوي" أنه ليس ممن يصحح حديثه، بل: هو ممن يُحَسَّن حديثه. وقد كانوا يسمون حديث مثل هذا ضعيفاً، ويحتجون به، لأنه حسن، إذ لم يكن الحديث إذ ذاك مقسوماً إلا إلى صحيح وضعيف). انظر: (قواعد في علوم الحديث) (ص:394) للتهانوي، و(الرفع والتكميل في الجرح والتعديل) (ص:154) كلاهما بتحقيق: شيخنا العلامة عبد الفتاح أبي غدة، و(معجم علوم الحديث النبوي) (ص:186).(1/199)
وقوله: هو (على يدي عدل) أنه متروك الحديث أراد بهذا المنهج في عباراته التدرج في وصفه وبيان حاله حتى انتهى به إلى ترك حديثه والله أعلم) (1) .
قال شيخنا عبد العزيز في (ضوابط الجرح والتعديل) (ص:154/155): (هو "على يدي عدل" كناية عن الهالك فهو تضعيف شديد.
وأصل ذلك مثل عند العرب حيث كان أحد التَّبَابِعة (ملوك اليمن) إذا أراد قتل أحد دفعه إلى وَالِيهِ على شرطته واسمه (عدل) من بني سعد العشيرة فمن وُضِع على يديه فقد تحقق هلاكه (2) .
قال المسجون عمر الحدوشي: وقد توسع في معنى هذه العبارة شيخنا أبو غدة في هامش (الرفع والتكميل) (176/177/178)، وإليكم كلامه-رحمه الله-قال: (وهو على يَدَيْ عَدْلٍ. وهو بإضافة عَدل على مُثنى يَد (3) ، ولهذه العبارة مدلول تاريخي، وهو الذي جعلها من ألفاظ الجرح والتضعيف الشديد.
__________
(1) -انظر: (لسان الميزان) (1/42/44) و(ضوابط الجرح والتعديل) (ص:153).
(2) -انظر: (فتح المغيث) (1/378). وفي هامش (الضوابط) (ص:154) ما نصه: (اعتبر العراقي هذه الجملة توثيقاً للراوي. فقد ذكر السخاوي عن شيخه ابن حجر أن العراقي كان ينطق بها هكذا-بكسر الدال الأولى-حيث تكون اللفظة للواحِدِ، وبرفع اللام وتنوينها-وقد استشكل الحافظ ابن حجر كونها للتوثيق لقول أبي حاتم في ترجمة جبارة بن المغلس: (ضعيف الحديث).
وقوله لما سأله ابنه عنه: (هو على يدي عدل) فقد استعمل هذه العبارة في حق راوٍ ضعَّفه ثم تحقق ابن حجر من كونها للجرح الشديد بعد وقوفه على أصل العبارة عند العرب). انظر: (الجرح والتعديل) (2/550)، و(فتح المغيث) (1/377/378).
(3) -انظر: (معجم علوم الحديث النبوي) (ص:245\رقم:739).(1/200)
قال السخاوي في (شرح الالفية) (ص:163): (أفادنا شيخنا الحافظ ابن حجر، أن شيخه الحافظ العراقي كان يقول في قول أبي حاتم: (هو على يديْ عدل): إنها من ألفاظ التوثيق، وكان ينطق بها هكذا-وهو على يدي عدل-بكسر الدال الأولى بحيث تكون اللفظة للواحد، وبرفع اللام وتنوينها.
قال شيخنا: وكنت أظن أن ذلك كذلك، إلى أن ظهر لي أنها عند أبي حاتم من ألفاظ التجريح، وذلك أن ابنه قال في (الجرح والتعديل) (1/1: 550-في ترجمة: جُبَارة بن المُغَلَس): سمعت أبي يقول: هو ضعيف الحديث.
ثم قال: سألت أبي عنه فقال: هو على يَدَيْ عدل،-وقال مثله أيضاً في ترجمة: (محمد بن خالد الواسطي) (3/2: 244-وفي ترجمة: (يعقوب بن محمد بن عيسى الزهري) (4/2: 215-ووقع في (تهذيب التهذيب) (11/397-في ترجمته هكذا: (هو عندي عدل).
وهو تحريف-ثم حكى-أي: ابن أبي حاتم-أقوال الحفاظ فيه بالتضعيف، ولم ينقل عن أحد فيه توثيقاً، ومع ذلك فما فهمتُ معناها ولا اتّجه لي ضبطها! ثم بان لي أنها كناية عن الهالك، وهو تضعيف شديد.
ففي كتاب (إصلاح المنطق) ليعقوب بن السكيت (ص:315) عن ابن الكلبي قال: جَزْء بن سَعْد العشيرة بن مالك، من ولده العَدْلُ، وكان وَلِيَ شُرَطَ تُبَّع، إذا أراد قتل رجلٍ دفعه إليْه. فمن ذلك قال الناس: وُضِعَ على يَدَيْ عَدْل، ومعناه هلك! قلت-القائل السخاوي-ونَحْوُهُ عند ابن قتيبة في أوائل (أدب الكاتب) (ص:54)، وزاد: ثم قيل ذلك لكل شيءٍ قد يُئِسَ منه).
قال شيخنا أبو غدة-رحمه الله تعالى-: (وقد ذُكر هذا في غير كتاب من كتب اللغة كـ(الصحاح)، و(اللسان)، و(القاموس)، في (عدل) و(الاشتقاق) لابن دريد (ص:410)، و(شرح أدب الكاتب) للجواليقي (ص:195) و(شرحه) للبطليوسي (ص:119) و(جنى الجنتين) للمحبي (ص:147) وقال الزَّبيدي في (تاج العروس) في (عدل) ... : (جزء بن سعد العشيرة) ...
31- المصطلح الواحد والثلاثون قولهم في الراوي: (فلان لا يكتب عنه إلا زحفاً).(1/201)
من ألفاظ التجريح قولهم في الراوي: (فلان لا يكتب عنه إلا زحفاً) (1) ومعناه: من أراد أن يتكلف الكتابة عنه فلا بأس كالذي يمشي زحفاً.
وهذا المصطلح من مفردات أبي حاتم الرازي-فيما أعلم-ولم يشاركه واحد من رجال الجرح والتعديل (2) فيه.
وقد استعملها أبو حاتم-رحمه الله تعالى- في خمسة من الرواة:
1- خالد بن إلياس أو: إياس بن صخر بن أبي الجهم بن حذيفة لم يوثقه أحد من النقاد.
2- عبد الحكيم بن عبد الله القسملي، لم يوثقه أحد واتهمه البعض بالوضع، قال البخاري: (منكر الحديث).
3- عبد الحق بن زيد بن واقد الدمشقي. ضعفه النقاد، ولم يعدله أحد منهم.
4- داود بن عطاء المزني: لم يوثقه أحد.
5- حمزة بن نجيح أبو عمارة: يكتب حديثه زحفاً كسابقيه (لسان الميزان) (1/44)، و(ضوابط الجرح والتعديل) (ص:154-في الفصل الأول: معاني بعض عبارات الجرح والتعديل).
أحال على حاشية (الجرح والتعديل) (3/216) لابن أبي حاتم-رحمه الله، تحقيق: المعلمي
وقال الدكتور سعدي الهاشمي: (وهذا التعبير انفرد به الإمام أبو حاتم الرازي أيضاً، ولم أجد أحداً من الأئمة النقاد شاركه فيه، وفي الغالب يستعمل معها ألفاظاً أخرى تدل صراحة على تضعيف ذلك الراوي وتجريحه، والعبارة وقع فيها التصحيف في بعض المواضع من كتب الجرح والتعديل، لذا ينبغي إيضاح معناها اللغوي ثم كيفية استعمالها في تجريح الرواة.
__________
(1) -انظر: (معجم علوم الحديث النبوي) (ص:182\183\رقم:526).
(2) -التعديل معناه: تزكية الرواة والثناء عليهم. انظر: (معجم علوم الحديث النبوي) (ص:73\رقم:170).(1/202)
قال الزهري (ت: 370 هـ) (1) -رحمه الله تعالى-: أصل الزحف للصبي، وهو أن يزحف على إسته قبل أن يقوم، وإذا فعل ذلك على بطنه قيل قد حبا، وشبه بزحف الصبيان مشي الفئتين تلتقيان فتمشي كل فئة مشياً رويداً إلى الفئة الأخرى قبل التداني للضراب، وهي مزاحف أهل الحرب، وربما استجنت الرجالة بجننها وتزاحفت من قعود إلى أن يعرض لها الضراب أو: الطعان) (2) .
وزحف الشيء: جره جراً ضعيفاً، وزحف العسكر إلى العدو: مشوا إليهم في ثقل لكثرتهم (3) . قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفاً) (4) .
وورد في السنة النبوية المطهرة ما رواه الخطيب-رحمه الله تعالى-بسنده إلى عبد الله بن مسعود-رضي الله عنه-قال: قال لي رسول الله-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-: (هل تدري أي المؤمنين أعلم؟ قلت: الله ورسوله أعلم. قال: إذا اختلفوا-وشبك رسول الله-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-بين أصابعه-أبصرهم بالحق وإن كان في علمه تقصير وإن كان يزحف على إسته زحفاً).
فقد نص رسول الله-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-أن الحق يصيبه بالعلم بعض أهل الاختلاف ومنع أن يصيبه جميعهم مع اختلافهم (5) .
__________
(1) -انظر ترجمته في: (السير) (5\337).
(2) -انظر: (تهذيب اللغة) (4/369/370)، و(مقاييس اللغة) (3/49)، و(المفردات) (ص:212) للأصبهاني، و(المحكم والمحيط) (3/169) لابن سيده، و(لسان العرب) (9/129).
(3) -انظر: (أساس البلاغة) (ص:189).
(4) -سورة الأنفال، الآية رقم: (15).
(5) -انظر: (الفقيه والمتفقه) (2/61).(1/203)
ومنه الحديث: (يزحفون على أستاههم) (1) ... قال العلامة المحقق المعلمي-رحمه الله تعالى-: يريد-أي: أبو حاتم-من أراد أن يتكلف الكتابة عنه فلا بأس كالذي يمشي زحفاً (2) .
والظاهر أن عبارة أبي حاتم-رحمه الله تعالى-: يكتب حديثه زحفاً. أقل تجريحاً من عبارته-هو على يدي عدل-والرواة الذين نعتهم بـ.. يكتب حديثه زحفاً (3) ، أقل ضعفاً من المنعوتين بـ.. هو على يدي عدل- ...
__________
(1) -هذا الحديث ذكره ابن الأثير في (النهاية) (2/298) وعزاه للهروي، وأعتذر عن عدم تخريجه هنا لأنني لا أتوفر على كتب السنة الكافية داخل زنزانتي الانفرادية بالسجن المحلي بتطوان-قبح الله الشيوعيين الظالمين، والعلمانيين المائعين-الذين حبسونا وظلمونا. إرضاءً لأسيادهم: أبناء القردة والخنازير. عليهم بهلة الله جميعاً.
(2) -انظر حاشية: (الجرح والتعديل) (1/ق2/216).
(3) -قال الشيخ مصطفى بن إسماعيل في (شفاء العليل) (1\162)-في المرتبة الثالثة: من مراتب التجريح-: (وقولهم: "فلان يكتب حديثه زحفاً، أو: لا يكتب حديثه إلا زحفاً": أطلق هذا أبو حاتم-رحمه الله تعالى-في حمزة بن نجيح أبي عمارة وقال: "هو ضعيف الحديث"، فقال ابنه: "يكتب حديثه؟" قال: "زحفاً"،.
فقال المحدث العلامة المحقق الشيخ المعلمي اليماني-رحمه الله-: "يريد من أراد أن يتكلف الكتابة عنه فلا بأس كالذي يمشي زحفاً، قال: وقد استعمل أبو حاتم هذه الكلمة في غير موضع، انظر: ترجمة خالد بن إياس وداود بن عطاء-انظر: (الجرح والتعديل) (3\216) مع الحاشية).(1/204)
بعد هذا الإيضاح يظهر لنا أن الإمام أبا حاتم الرازي أراد بهذا التجريح أنه لا يطرح حديثه ولا يكون ساقطاً بل: يكتب حديثه ولكنه دون غيره من الذين يعتبر بحديثهم (1) ، عند التعارض والحاجة إلى الترجيح والله أعلم) (2) .
وإلى هذين اللفظين والمصطلحين أشرت بقولي:
هُوْ عَلَى يَدَيْ عَدْلٍ لاَ مَحَالَهْ * عَنْهُ زَحْفَا يَكْتُبَنْ بَعْدَ اسْتِمالَهْ
32- المصطلح الثاني والثلاثون قولهم في الراوي: (كان ممن أخرجت له الأرض أفلاذ أكبادها):
هذا التعبير استعمله ابن حبان البستي في تجريح الرواة، جرح به:
1- محمد بن عبد الرحمن البيلماني الكوفي، حيث قال: (كان ممن أخرجت الأرض أفلاذ أكبادها، حدث عن أبيه بنسخة بمائتي حديث كلها موضوعة لا يجوز الاحتجاج به، ولا ذكره في الكتب إلا على جهة التعجب) (3) .
وتجريح ابن حبان هذا يدل بوضوح، مع ما أعقبه من كلام، على أن محمد البيلماني هذا من الرواة الضعفاء الذين يروون الأحاديث المكذوبة والموضوعة، ولم أقف على أحد من النقاد غير ابن حبان استعمل هذا الأسلوب في تجريح الرواة.
المعنى اللغوي:
قال أهل اللغة: ومن المجاز الأفلاذ من الأرض كنوزها وأموالها، وقد جاء في حديث أشراط الساعة وتقيء الأرض أفلاذ كبدها، وفي رواية: تلقي الأرض بأفلاذها، وفي أخرى: بأفلاذ كبدها.
__________
(1) -انظر: (شفاء العليل) (1\362\363).
(2) -انتهى من (شرح ألفاظ التجريح النادرة أو: قليلة الاستعمال)(2/42/ إلى:49)، و(قناص الشوارد الغالية...) (ص:660\662\رقم:122).
(3) -انظر: (المجروحين) (2/264)، واكتفى في: (تهذيب التهذيب) (9/294) بقوله: (حدث عن أبيه بنسخة بمائتي حديث كلها موضوعة لا يجوز الاحتجاج به ولا ذكره إلا على جهة التعجب)، وفي: (الكشف الحثيث) (2/486) اكتفى بقوله: (حدث عن أبيه... إلى قوله: موضوعة).(1/205)
قال الأصمعي-رحمه الله تعالى-: وضرب أفلاذ الكبد مثلاً للكنوز أي: تخرج الأرض كنوزها المدفونة تحت الأرض وهو استعارة (1) .
ويبدو لي-والله أعلم-أن الإمام ابن حبان أخذ هذا التشبيه من المعنى اللغوي، ومن حديث رسول الله-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: (تلقى الأرض أفلاذ كبدها أمثال الأسطوان من الذهب والفضة، فيجيء القاتل فيقول في هذا قتلت، ويجيء القاطع فيقول: في هذا قطعت رحمي، ويجيء السارق فيقول: في هذا قطعت يدي، ثم يدعونه فلا يأخذون منه شيئاً) (2) .
والمقصود أن البيلماني لم يأخذ أحاديثه بالرواية عن الشيوخ، وهي الأحاديث المتداولة المعروفة، بل: جاء بأحاديث موضوعة لا تعرف أصولها، فكأن الأرض انشقت عنها وألقتها إليه كما تلقى كنوزها. ويدل على ذلك حال الرجل حيث لم يوثقه أحد من النقاد (3) .
أقوال الأئمة النقاد في محمد بن عبد الرحمن البيلماني:
__________
(1) -انظر: (النهاية) (3/502)، و(تاج العروس) (2/573) وكذلك مادة: (كبدة) في: (لسان العرب) (3/375)، و(تاج العروس) (2/482).
(2) -رواه الترمذي في (جامعه) (2/334)، أبواب الفتن، باب: ما جاء في أشراط الساعة، وقال: (حديث حسن صحيح غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه).
(3) -انظر: (معجم علوم الحديث النبوي) (ص:167\168\رقم:484).(1/206)
1-قال البخاري، وأبو حاتم، والنسائي، والساجي-رحمهم الله تعالى، ونفعنا بعلمهم-: (منكر الحديث) (1) . زاد البخاري: وكان الحميدي يتكلم فيه لضعفه (2) . وزاد أبو حاتم: ضعيف الحديث، مضطرب الحديث (3) .
2-وقال ابن عدي: وكل ما يرويه ابن البيلماني فالبلاء فيه منه وإذا روى عنه محمد بن الحارث (4) فهما ضعيفان (5) .
__________
(1) -انظر: (التاريخ الكبير) (1\ق1\163)، و(الجرح والتعديل) (3\ق2\311)، و(تهذيب التهذيب) (9\293\294)، و(الميزان) (3\617)، و(الكشف الحثيث عمن رمي بوضع الحديث) (2\486)، انتهى من (شرح ألفاظ التجريح النادرة أو: قليلة الاستعمال) (2/50\52)، و(قناص الشوارد الغالية) (ص:837\838\رقم:175).
(2) -انظر: (التاريخ الكبير) (1\ق1\161)، انتهى من (شرح ألفاظ التجريح النادرة أو: قليلة الاستعمال) (2/50\52)، و(قناص الشوارد الغالية...) (ص:837\838\رقم:175).
(3) -انظر: (الجرح والتعديل) (3\ق2\311)، انتهى من (شرح ألفاظ التجريح النادرة أو: قليلة الاستعمال) (2/50\52)، و(قناص الشوارد الغالية...) (ص:837\838\رقم:175).
(4) -محمد بن الحارث بن زياد بن الربيع الحارثي البصري، ضعيف من السابعة. انظر: (التقريب) (2\152)، و(تحرير التقريب) (3\224\225\رقم:5797)، و(شرح ألفاظ التجريح النادرة أو: قليلة الاستعمال)(2/50\52)، و(قناص الشوارد الغالية...) (ص:837\838\رقم:175).
(5) -انظر: (تهذيب التهذيب) (9\293\294)، و(الميزان) (3\617)، و(الكشف الحثيث عمن رمي بوضع الحديث) (2\487)، انتهى من (شرح ألفاظ التجريح النادرة أو: قليلة الاستعمال) (2/50\52)، و(قناص الشوارد الغالية...) (ص:837\838\رقم:175).(1/207)
2-واستعمل ابن حبان هذا الأسلوب أيضاً في تجريح: محمد بن السائب بن بشر الكلبي، أبو النضر الكوفي (ت:146هـ)، فقال عنه (1) : يروي عن أبي صالح (2) ، عن ابن عباس.
قال الشيخ مصطفى بن إسماعيل: (وقولهم: "فلان أخرجت له الأرض أفلاذ أكبادها، أو: لمَّا احتيج إليه أخرجت له الأرض أفلاذ أكبادها" (3) :
والفلذة: القطعة من الكبد واللحم والمال والذهب والفضة والجمع أفلاذ... وضرب أفلاذ الكبد مثلاً للكنوز التي تخرج من الأرض... وفي حديث بدر: "هذه مكة قد رمتكم بأفلاذ كبدها". أراد صميم قريش ولبابها وأشرافها كما يقال: فلان قلبُ عشيرته لأن الكبد أشرف الأعضاء) (4) .
وهذا اللفظ استعمله ابن حبان-رحمه الله-في عدة تراجم في كتابه (المجروحين) كثيراً جداً......
__________
(1) -انتهى من (شرح ألفاظ التجريح النادرة أو: قليلة الاستعمال) (2/50\52)، و(قناص الشوارد الغالية...) (ص:837\838\رقم:175).
(2) -ذكوان أبو صالح السمان الزيات المدني (التقريب) (1/238).
(3) -تنبيه: هذه الألفاظ وإن قيلت في الكذابين إلا أنها مجملة، فيحتمل أن السبب في هذه الكثرة الأوهام الفاحشة، وعلى هذا محل هذه الألفاظ في المرتبة السابقة، والله أعلم. انظر هامش: (شفاء العليل بألفاظ وقواعد الجرح والتعديل) (1\276).
(4) -انتهى باختصار من (لسان العرب) (3\502\503)، و(شرح ألفاظ التجريح النادرة أو: قليلة الاستعمال) (2/50\52)، و(قناص الشوارد الغالية...) (ص:837\838\رقم:175).(1/208)
وهذا اللفظ يدل على أن الراوي ليس مكثراً في الرواية أو: في صحيح سماعه ولكنه لم يكتف بذلك بل: أكثر جداً من الرواية للموضوعات سواء كانت من وضعه أو: من وضع غيره وادعى لقاء من لم يلق وسماع ما لم يسمع، وكأنه في إكثاره هذا كمن أخرجت له الأرض كنوزها التي أخفتها على غيره وهذا على سبيل الاستهزاء به، فقد قال في أحمد بن عبد الرحمن بن وهب وهو ابن أخي ابن وهب المصري: (كان يحدث بأشياء مستقيمة قديمة... ثم جعل يأتي عن عمه بما لا أصل له، كأن الأرض أخرجت له أفلاذ أكبادها) (1) .
وقال في قصيد بن جحدر: (يروي عن الشاميين الثقات الأحاديث الموضوعة كان عنده ثلاثة عشر حديثاً فقط فلما احتيج إليه أخرجت الأرض أفلاذ كبدها) (2) .
والرجل قد استعدى عليه شعبة أي: طلب من السلطان أو: من في يده الأمر أن يعاقبه وقال: "هذا يكذب".
وانظر ترجمة: الزبير بن عدي الهمداني اليامي من (ثقات ابن حبان) (3) ، وقد قال يحيى بن سعيد في إسماعيل بن قيس بن سعد الأنصاري: (الأرض أخرجت له أفلاذ كبدها) (4) .
وإلى هذا أشرت بقولي:
كان مِمَّنْ أخْرَجَتْ لَهْ ذي البَسِيطَهْ * فِلْذةُ أكْبَادِهَا حَتْماً نَشِيطَهْ
33- المصطلح الثالث والثلاثون قول ابن المبارك في راوٍ: (قد عرفته):
__________
(1) -انظر: (المجروحين) (1\149)، و(شفاء العليل بألفاظ وقواعد الجرح والتعديل) (1\276).
(2) -انظر: (المجروحين) (1\287)، و(شفاء العليل بألفاظ وقواعد الجرح والتعديل) (1\276).
(3) -انظر: (ثقات ابن حبان) (4\264)، و(شفاء العليل بألفاظ وقواعد الجرح والتعديل) (1\276).
(4) -انظر: (المجروحين) (1\127)، و(شفاء العليل بألفاظ وقواعد الجرح والتعديل) (1\276)، و(قناص الشوارد الغالية...) (ص:837\838\رقم:175).(1/209)
إذا قال الإمام المجاهد عبد الله بن المبارك في الراوي: (قد عرفته فقد أهلكه) (1) . قال الحسن بن عيسى النيسابوري مولى ابن المبارك (ت:240هـ): سألت عبد الله بن المبارك عنه-أي: عن عبد السلام بن حرب؟-فقال: قد عرفته، إذا قال: قد عرفته فقد أهلكه (2) .
وقد يكون مراد الحسن بن عيسى من مصطلح (هالك) المعنى المعروف عند أئمة الحديث ونقاده حيث عدها الحافظ الذهبي في المرتبة الثالثة (3) من مراتب التجريح، وكذا هي عند السخاوي (4) ، وأما الحافظ العراقي فقد عدها في المنزلة الثانية (5) .
وقال الحافظ العراقي عمن نعت بهذا التجريح: لا يحتج بحديثه، ولا يستشهد به، ولا يعتبر به.
وخلاصة القول: أن مصطلح ابن المبارك: (قد عرفته) وتفسير الحسن بن عيسى له، بأنه: (قد أهلكه) قد لا يريد به إلا مجرد التضعيف وليس مرتبة الجرح الشديد المفضي إلى تركه إذا أردنا التقريب بين حكم ابن المبارك عليه وأحكام بقية النقاد، ولكن من المحتمل أيضاً أنه قصد الجرح الشديد وخالف النقاد الآخرين، وهو أمر كثير الحدوث-أي: انفراد النقاد برأي-خاصة وأن الحكم على عبد السلام بن حرب كان ملتبساً على ناقد متخصص في العلل وهو ابن المديني بحيث عدل عن الحكم بالنكارة إلى الحكم بالمقاربة، وواضح أن عسر عبد السلام في الرواية، والنظر إلى مجموعة من غرائبه دون بقية حديثه هو الذي أوقعه في اللبس، فلا يبعد أن ابن المبارك وقع فيما وقع فيه ابن المديني (6) .
__________
(1) -هذه العبارة من ألفاظ التجريح عند ابن المبارك ... انظر: (معجم علوم الحديث النبوي) (ص:165\رقم:469).
(2) -انظر: (تهذيب التهذيب) (6/317).
(3) -انظر: (ميزان الاعتدال) (1/4).
(4) -انظر: (فتح المغيث) (1/372).
(5) -انظر: (شرح ألفية العراقي) (2/11).
(6) -انتهى من كتاب: (شرح ألفاظ التجريح النادرة أو: قليلة الاستعمال) (1/28/ إلى:55)، و(قناص الشوارد الغالية...) (ص:838\839\رقم:175). .(1/210)
قال الشيخ أبو الحسن مصطفى بن إسماعيل في (شفاء العليل بألفاظ وقواعد الجرح والتعديل) (1\303): (جاء في "تهذيب التهذيب" (6\317) ترجمة عبد السلام بن حرب بن سلم النهدي الملائي، قال الحسن بن عيسى: "سألت ابن المبارك عنه فقال: قد عرفته، قال الحسن بن عيسى: وكان إذا قال: قد عرفته فقد أهلكه".
فأنت ترى أن هذا اللفظ من ابن المبارك جرح شديد في الرواة، غير أن الدكتور: سعدي الهاشمي ذكر في رسالته: "شرح ألفاظ التجريح النادرة" لقول ابن المبارك هذا وجهين:
الأول: أن هذا اللفظ بمعنى التضعيف فقط لا الإهلاك، وحمله على هذا بقية أقوال الأئمة في الراوي عبد السلام.
الثاني: أنه بمعنى الإهلاك كما صرح به تلميذه ويحمل على اختلاف أقوال الأئمة في الراوي). انتهى مختصراً.
قلت-القائل أبو الحسن-: "والوجه الثاني هو الوجيه لأن الحسن بن عيسى ثقة والتلميذ أعرف بشيخه وهو عدل في نقله فالظاهر العمل بقوله دون إهماله، ولأنه لا يشترط اتفاق أقوال الأئمة في الرجل، يدلك على هذا أن ابن المبارك سيء الرأي في عبد السلام كما جاء في (ضعفاء العقيلي) (3\70) قال ابن المبارك: "ما تحملني رجلي إليه أو: ما تنقلني رجلي إليه"، وهذا معناه أنه قد هجره وتركه، والله أعلم).
وإلى هذا أشرت بقولي:
إنْ يَقُلْ إبنُ المُبَارَكْ عَن رَاوِ * قدْ عَرَفْتُهْ أهْلكَهْ يَا للْمَسَاوي
34- المصطلح الرابع والثلاثون قول ابن المبارك أيضاً في الراوي: (اتق حيات سلم لا تلسعك):
وهذا التعبير استعمله الإمام المجاهد ابن المبارك (ت:181هـ)-رحمه الله تعالى-حيث جرح به:(1/211)
1-سلم بن سالم، أبو محمد-وقيل: أبو عبد الرحمن البلخي (1) الزاهد (ت: 194 هـ) فقال عنه: (اتق حيات سلم لا تلسعك) (2) .
وفي رواية نعيم بن حماد الخزاعي (ت: 228 هـ) وذكر عند ابن المبارك حديث لسلم بن سالم، فقال: (هذا من عقارب سلم) (3) .
وقول ابن المبارك يدل على اتهامه لسلم بالكذب في الحديث، ويؤكد هذا تصريح ابن المبارك نفسه بتكذيبه لسلم. قال ابن حبان: كان ابن المبارك يكذبه... (4) .
__________
(1) - انظر ترجمته في: (طبقات ابن سعد) (7/374)، و(تاريخ بغداد) (9/140)، و(الجرح والتعديل) (2/ق1/266)، و(سير أعلام النبلاء) (9/321).
(2) - انظر: (الجرح والتعديل) (2/ق1/267)، و(أجوبة أبي زرعة) (ص:533)، و(ميزان الاعتدال) (2/185)، و(لسان الميزان) (3/63)، و(تنزيه الشريعة) (1/64)، و(بيان الوهم والإيهام...) (3/211/رقم:929).
(3) - انظر: (الجرح والتعديل) (2/ق1/267)، و(تاريخ بغداد) (9/144).
(4) - انظر: (المجروحين) (1/344)، و(تاريخ بغداد) (9/142)، و(شرح ألفاظ التجريح النادرة أو: قليلة الاستعمال) (1\56\57)، وعنه الدكتور عبد الرحمن بن إبراهيم الخميسي في كتابه: (معجم علوم الحديث النبوي) (ص:9).(1/212)
كذبوه مع كونهم وصفوه بالزاهد وفي مثله يقول ابن طاهر المقدسي: (سمعت أبا محمد السمرقندي الحافظ الحسن بن أحمد، سمعت أبا العباس المستغفري الحافظ، سمعت أبا عبد الله محمد بن إسحاق بن منده الحافظ، يقول: إذا رأيت في إسناد: حدثنا فلان الزاهد فاغسل يديك من ذلك الإسناد) (1) .
وقال فضيلة شيخنا المحدث محمد الأثيوبي في (ألفية علل الحديث-المسماة-: شافية الغلل بمهمات علم العلل)، تحت القاعدة الأولى: (في حكم أحاديث الصالحين غير العلماء):
الصالحون دون علم يَغلِب * وهْمٌ على حديثهم فيُعطِبُ (2)
قال ابن مندَهْ إن رأيتَ سندَا * حدّثَنا الزاهدُ فاغسِلِ اليدا
وما رأيت الصالحين أكْذَبا * منهمْ بالاخبار ليحيى نُسِبا (3)
وفسّروا ذا أنه يجري الكذبْ * على لسانهم بلا قصدٍ نُسِبْ
لذا حديثهم وُجوباً وُقِفا * حتى يَبِينُ أمرُهُ بِلاَ خَفَا (4)
وإلى هذا أشرت بقولي:
إحْذَرَنْ حَيَّاتِ سَلْمٍ خَوْفَ لَسْعِ * إنَّهَا تَنْهَش ضِلْعاً بعْدَ ضِلْعِ
__________
(1) -قالت أم الفضل في مقدمة (قناص الشوارد الغالية...) (ص:11): حاشا سفيان الثوري، وعياض، وابنه، وحبيب العجمي زاهد البصرة في زمانه، ومن على شاكلتهم من الصالحين والعباد. أفاده فضيلة شيخنا أبي الفضل عمر الحدوشي. ثم ذكر قول الحافظ الذهبي في: (السير)(8/443): (خرج علي بن الفضيل وأبوه من الضعف الغالب على الزهاد والصوفيه وعُدّا في الثقات). انتهى من كتاب فضيلة شيخنا أبي الفضل عمر الحدوشي: (ذاكرة سجين مكافح) (1\66).
(2) - "فيعطب" من الإعطاب، أي: يُفسد ذلك الوهم حديثهم. (مزيل الخلل عن أبيات شافية الغلل) (ص:115).
(3) - قولي: "بالاخبار" بنقل حركة الهمزة وحذفها. والباء بمعنى: "في"، و"يحيى": هو ابن سعيد القطان. انظر: (مزيل الخلل عن أبيات شافية الغلل) (ص:115).
(4) - انظر: (مزيل الخلل عن أبيات شافية الغلل) (ص:115).(1/213)
35- المصطلح الخامس والثلاثون قولهم في الراوي: (دجال من الدجاجلة) (1) :
سبق الحديث بتوسع كبير على مصطلح (دجال من الدجاجلة)، نقلاً من كتابي (قناص الشوارد الغالية...)، ولا بد من إعادته وتكراره هنا لمناسبة اقتضاها شرح ألفاظ التجريح التي ذكرتها في منظومتي المسماة: (شفاء التبريح في توضيح بعض ألفاظ التجريح)، أو: (شفاء التبريح من داء التجريح) وهذا لفظه: (قال جامعه المحبوس أبو الفضل عمر الحدوشي في (قناص الشوارد الغالية...) (ص:840\855\رقم:175):
(قولهم: (دجال من الدجاجلة):
وهذا التعبير استعمله بعض العلماء من الأئمة النقاد وأذكر منهم هنا ثمانية:
1-الإمام مالك بن أنس الأصبحي إمام دار الهجرة-رحمه الله تعالى ونفعنا بعلومه-(ت:179هـ).
قال أبو زرعة الدمشقي-رحمه الله تعالى-: ذاكرت دحيماً في قول مالك-يعني: في ابن إسحاق-: (دجال من الدجاجلة). فرأى أن ذلك ليس للحديث، إنما هو لأنه اتهم بالقدر (2)
2-أبو حاتم محمد بن حبان البستي-رحمه الله تعالى-(ت:354هـ).
3-يحيى بن معين-رحمه الله تعالى-في رواة كثيرين.
4-عمرو بن علي بن بحر بن كنيز الباهلي أبو حفص الفلاس-رحمه الله تعالى-.
5-أبو إسحاق إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني-رحمه الله تعالى- (3) .
6-الدارقطني علي بن عمر بن أحمد بن مهدي-رحمه الله تعالى-.
__________
(1) - انظر: (لسان الميزان) (1\45\188\رقم:261).
(2) -انظر: (السير) (7\42)، و(كتاب السلسبيل في شرح ألفاظ وعبارات الجرح والتعديل) (ص:99\رقم:111).
(3) -استعملها الجوزجاني في موضعين من كتابه: (أحوال الرجال)، الأول في: (ص:76\رقم:77)، قال: (عبد الملك بن هارون بن عنترة: دجال كذاب). الثاني في: (ص:205\206\رقم:379)، قال: (أبو الصلت الهروي: كان زائغاً عن الحق، مائلاً عن القصد. سمعت من حدثني عن بعض الأئمة أنه قال فيه: هو أكذب من روث حمار الدجال وكان قديماً متلوثاً في الأقذار).(1/214)
7-أبو القاسم عبيد الله بن أحمد بن عثمان الصيرفي-رحمه الله تعالى-.
8-أبو الفضل محمد بن طاهر المقدسي، وغيرهم-رحم الله جمع علمائنا ونفعنا بعلومهم آمين.
المعنى اللغوي:
قال الأزهري: كل كذاب فهو دجال، وجمعه دجالون، قيل للكذاب دجال، لأنه يستر الحق بكذبه (1) .
وقال الزمخشري: ومن المجاز: رجل دجال: كذاب شبه بالدجال.
ودجّل فلان إذا لبّس وموّه وفَعل فِعل الدجّال كما يقال طفّل إذا فعل فعل طفيل (2) .
وقال ابن منظور: والدجال: هو المسيح الكذاب، وإنما دجله سحر، وكذبه (3) .
وقال ابن سيدَه: المسيح الدجال رجل من يهود يخرج في آخر هذه الأمة، سمي بذلك لأنه يدجل الحق بالباطل، وقيل: بل: لأنه يغطي الأرض بكثرة جموعه، وقيل: لأنه يغطي على الناس بكفره، وقيل: لأنه يدعي الربوبية، سمي بذلك لكذبه، وكل هذه المعاني متقاربة (4) .
وأما في اصطلاح المحدثين:
فإنهم يطلقون كلمة دجال ويريدون بها الضعيف الكذاب. ويطلقونها على الضال المبتدع الذي لا يستحق أن يذكر ضمن رواة الحديث (5) .
ولقد عدها الحافظ السخاوي-رحمه الله تعالى-في المرتبة الثانية من مراتب التجريح (6) .
وهذه بعض أمثلة ذلك:
أ-استعمل هذا الكلمة-: (دجال من الدجاجلة)-الإمام مالك-رحمه الله تعالى-في نعت إمام السير والمغازي محمد بن إسحاق بن يسار، أبي بكر المطلبي مولاهم (توفي سنة:151هـ)-رحم الله تعالى أئمتنا الكرام، ونفع بعلمهم سائر الأنام.
__________
(1) - انظر: (تهذيب اللغة) (10/653).
(2) - انظر: (أساس البلاغة) (ص:126).
(3) - انظر: (لسان العرب) (11/236).
(4) - انظر: (لسان العرب) (11/236).
(5) - انظر: (شرح ألفاظ التجريح النادرة أو: قليلة الاستعمال) (1/60).
(6) - انظر: (فتح المغيث) (1/343).(1/215)
روى ابن أبي حاتم-رحمه الله تعالى- بسنده إلى عبد الله بن إدريس الأودي (توفي سنة:192هـ)-رحمه الله تعالى-أنه قال: كنت عند مالك بن أنس-رحمه الله تعالى- فقال له رجل: يا أبا عبد الله إني كنت بالريّ عند أبي عبيد الله وزير المهدي وعنده محمد بن إسحاق-رحمه الله تعالى- فسمعته يقول: أعرضوا علي علم مالك فإني أنا بيطاره.
فغضب مالك وقال: انظروا إلى دجال من الدجاجلة يقول: اعرضوا علي علم مالك.
قال ابن إدريس-رحمه الله تعالى-: وما سمعت أحداً جمع الدجال قبل ذلك (1) ، وفي رواية عنه أيضاً قال:
دجال من الدجاجلة يقول هكذا؟! نحن نفيناه من المدينة (2) . واحتاط الأئمة والحفاظ في قبول هذا التجريح في إمام المغازي إذ هما من الأقران، وكلامهم يطوى ولا يروى...
__________
(1) - انظر: (تقدمة الجرح والتعديل) (1\19/20)، و(الجرح والتعديل) (3/ق2/193)، و(أجوبة أبي زرعة) (ص:591/596)، و(السير) (7/40\50)، و(الإرشاد للخليلي)-كما في المنتخب-في ترجمة ابن إسحاق، و(تاريخ بغداد) (1/223)، و(تهذيب التهذيب) (9/41)، و(الميزان) (3/469)، وقال الحافظ في: (لسانه العرب) (11/237):
وصوابه أن يقول: لم يجمعه على دجاجلة إلا مالك بن أنس-رضي الله عنه-، إذ قد جمعه النبي صلى الله عليه وسلم في حديثه الصحيح فقال: (يكون في آخر الزمان دجالون-أي: كذابون مموهون). وقال: (إن بين يدي الساعة دجالين كذابين فاحذروهم).
انظر تخريج هذين الحديثين في كتاب: (أشراط الساعة في مسند الإمام أحمد وزوائد الصحيحين جمعاً وتخريجاً وشرحاً ودراسة) (1\243\إلى:261).
انتهى من (شرح ألفاظ التجريح النادرة أو: قليلة الاستعمال) (1/59) وما بعدها، و(الأجوبة الفاضلة للأسئلة العشرة الكاملة) (ص:28)، وكتابي: (قناص الشوارد الغالية...) (ص:840\849\رقم:175).
(2) - انظر: (شرح ألفاظ التجريح النادرة أو: قليلة الاستعمال) (1/130/132).(1/216)
للتوضيح أكثر: أن ابن إسحاق زعم أن مالكاً وأباه وجده وأعمامه موالي لبني تيم بن مرة.. قال ابن عبد البر-رحمه الله تعالى- (1) في (الانتقاء) (2) : (هذا هو السبب لتكذيب مالك لمحمد ابن إسحاق وطعنه عليه).
وذكر غيره سبباً آخر كما سيأتي.
1-وقد وثق ابنَ إسحاق، ابنُ المبارك فقال: (ثقة، ثقة، ثقة).
2-والبخاري في كتاب (القراءة خلف الإمام) (3) .
3-وأثنى عليه ابن شهاب،
4-وشعبة،
5-والثوري،
6-وابن عيينة،
7-وجماعة جِلة.
8-انظر في توثيقه (نصب الراية) للزيلعي (4) . وقال ابن حبان في (ثقاته) (5) : (وأما مالك فإنه كان ذلك منه مرة واحدة، ثم عَادَ لَهُ إلى ما يُحب، وذلك بأنه لم يكن في الحجاز أحد أعلم بأنساب الناس وأيامهم من ابن إسحاق-رحمه الله تعالى-، وكان يزعم أن مالكاً-رحمه الله تعالى-من موالي ذي أصبح، وكان مالك يزعم أنه من أنفسها، فوقع بينهم لذلك منافرة.
__________
(1) -قال عنه العلامة المطلع بكر بن عبد الله أبو زيد-رحمه الله تعالى-في هامش كتابه القيم: (التأصيل لأصول التخريج وقواعد الجرح والتعديل) (1\23): (هذا العَلَم الميمون، من الأفراد القلائل الذين يسوقون طوال المعاني بقصار المباني، والموضوع الطويل باللفظ المحرر الوجيز.
ثم قال: وانظر كيف اتفقت وفاة حافظ المشرق الخطيب البغدادي وحافظ المغرب ابن عبد البر في عام واحد).
(2) -كما في: (ص:11).
(3) -كما في: (ص:13/14).
(4) -انظر:(1/107/ و(فتح القدير) لابن الهمام (1/159)، و(جامع بيان العلم وفضله) لابن رجب (2/106)، و(الترغيب والترهيب) للمنذري (6/356)، و(تهذيب مختصر سنن أبي داود) (7/94/97)، و(عيون الآثار) لابن سيد الناس (1/10/ 17)، و(تاريخ أبي زرعة) (1/537)، والحافظ في (تهذيبه 9/42)، وهامش: (الرفع والتكميل) (ص:411/412)، و(ذاكرة سجين مكافح) (2\56).
(5) -انظر: (7/381/385).(1/217)
فلما صنف مالك (الموطأ) قال ابن إسحاق: ائتوني به فأنا بيطاره، فنُقل ذلك إلى مالك فقال: دجّال من الدجاجلة يروي عن اليهود، وكان بينهما ما يكون بين الناس، حتى عزم ابن إسحاق على الخروج إلى العراق فتصالحا حينئذ، وأعطاه مالك عند الوداع خمسين ديناراً ونصف ثمرته تلك السنة.
ولم يقدح فيه مالك من أجل الحديث، وإنما كان ينكر عليه تتبعه غزوات النبي-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-من أولاد اليهود الذين أسلموا، وحفظوا قصة خيبر وقريظة والنضير وما أشبه ذلك من الغزوات عن أسلافهم، وكان ابن إسحاق يتتبع هذا عنهم ليعلم ذلك من غير أن يحتج بهم، وكان مالك لا يرى الرواية إلا عن متقن صدوق).
فالجرح إذا صدر من تعصب أو: عداوة أو: منافرة ونحو ذلك، فهو جرح مردود، ولا يؤمن به إلا المطرود (1) .
__________
(1) -انظر: (الرفع والتكميل) (ص:409/ إيقاظ -25- في بيان حكم الجرح غير البرئ):
1-كالجرح بسبب التحاسد،
2-أو: الاختلاف في المذهب،
3-أو: المشرب،
لأن الاختلاف بين العلماء في المذاهب والمشارب، أمر مركوز في الطبائع والفِطَر الإنسانية، ولا يمكن انتفاؤه في صفوف أهل العلم والفضل والصلاح.
قال الإمام أحمد-حمه الله تعالى-في الإمام إسحاق بن راهويه-رحمه الله تعالى-: (لم يَعْبُر الجسر إلى خراسان مثل إسحاق، وإن كان يخالفنا في أشياء، فإن الناس لم يزل يخالف بعضهم بعضاً). كما في (تاريخ بغداد) (6/348). انتهى من (ذاكرة سجين مكافح) (1\78).(1/218)
قال الإمام الذهبي-رحمه الله تعالى- في (سير أعلام النبلاء) (في ترجمة السَّمِين المفسّر: (أبي عبد الله محمد بن حاتم البغدادي)... وثقه ابن عدي والدارقطني، وذكره أبو حفص الفلاّس فقال: ليس بشيء. قلت: هذا من كلام الأقران (1) الذي لا يسمع، فإن الرجل ثبْت حجة).
وقال-رحمه الله تعالى-في (ميزان الاعتدال) (2) في ترجمة: (أبي بكر بن أبي داود السجستاني)، بعد ما ذكر توثيقه عن جمع من العلماء الثقات، وعن ابن صاعد وغيره تضعيفه:
(قلت: لا ينبغي سماع قول ابن صاعد-رحمه الله تعالى-فيه، كما لم نعتدّ بتكذيبه لابن صاعد، وكذا لا يسمع كلام ابن جرير-رحمه الله تعالى-فيه، فإن هؤلاء بينهم عداوة بينة، فقف في كلام الأقران (3)
__________
(1) -قال الحافظ الذهبي-رحمه الله تعالى-: (كلام الأقران بعضهم في بعض مُهْدَر لا عبرة به). انظر للتوسع في كلام الأقران: (المبحث الخامس: لا يلتفت إلى كلام الأقران بعضهم في بعض إلا بمتابع) من كتاب: (ضوابط الجرح والتعديل عند الحافظ الذهبي) (2\649\إلى:680). ولعل لنا إليه عودة في مكان آخر في غير هذا الكتاب.
انظر: (السير) (1/140/7/46/270/ و11/432/ و12/61/285/462/ و14/40/42/ 505/ 385/ و19/17/24/ و20/597)، و(الميزان) (2/200، ومواضع أخرى تجدها في كتاب (ذاكرة سجين مكافح) (1\100) وما بعدها.
(2) -كما في:(2/43) و(تذكرة الحفاظ) (2/772).
(3) -الأقران، لغة: جمع قرين، وهو المصاحب كما قال ابن السكيت-"الصحاح" (6\2182)-.
واصطلاحاً: هم المتقاربون في السن والإسناد، وقيده فصيح الهروي بالأكفاء، فقال: "هم الأكفاء المتقاربون في السن والإسناد". وقال ابن دقيق العيد: (هم المتقاربون في السن والطبقة)، ويقصد بالطبقة: "الإسناد".
انظر: (علوم الحديث) (ص:278)، و(الاقتراح) (ص:311)، و(جواهر الأصول) (ص:66)، و(معجم علوم الحديث النبوي) (ص:48).(1/219)
بعضهم في بعض) (1) .
وقال (2) في ترجمة: (أبي بكر عبد الله بن أبي داود السجستاني): (لا يُسمع قول الأعداء بعضهم في بعض).
وفي (الميزان) (3) أيضاً قال: في ترجمة (محمد بن جرير الطبري) الإمام المفسر (أبو جعفر): (إن كلام العلماء بعضهم في بعض، ينبغي أن يُتأنَّى فيه، ولا سيما في مثل إمام (4)
__________
(1) -فائدة: في كلام الأقران بعضهم في بعض، قال الإمام ابن عبد البر في (جامع بيان العلم وفضله) (ص:442): (هذا باب قد غلط فيه كثير من الناس وضلّت به نابتة جاهلة لا تدري ما عليها في ذلك، والصحيح في هذا الباب أن من صحت عدالته وثبت في العلم أمانته وبانت ثقته وعنايته بالعلم لم يلتفت فيه إلى قول أحد إلا أن يأتي في جرحته ببينة عادلة تصح بها جرحته على طريق الشهادات والعمل فيها من المشاهدة والمعاينة لذلك بما يوجب قوله من جهة الفقه والنظر.
وأما من لم تثبت إمامته ولا عرفت عدالته ولا صحت لعدم الحفظ والإتقان روايته، فإنه ينظر فيه إلى ما اتفق أهل العلم عليه، ويجتهد في قبول ما جاء به على حسب ما يؤدي النظر إليه والدليل على أنه لا يقبل فيمن اتخذه جمهور من جماهير المسلمين إماماً في الدين قول أحد من الطاعنين).
انظر: (ذاكرة سجين مكافح) (3\78\79)، و(معجم علوم الحديث النبوي) (ص:48).
(2) -انظر: (الميزان 2/433) و(3/607)، و(التذكرة) (2/662)، و(السير) (14/42/ 505)، ومواضع أخرى محلها: (ذاكرة سجين مكافح) (1\80) تحت عنوان: (كلام الناقد الورع في الضعفاء من النصح لدين الله، والذب عن السنة). أو: تحت عنوان: (خصومة الأكابر تطوى، ولا تروى).
(3) -كما في: (3/35).
(4) -الإمام لغة: هو الذي يقتدى به. واصطلاحاً: هو من ألفاظ التعديل، وقد جعله السخاوي والسندي-رحمهما الله-في المرتبة الرابعة من مراتب التعديل، وهي: ما انفرد فيه بصيغة دالة على التوثيق كثقة، أو: ثبت، أو: كأنه مصحف، أو: حجة أو: إمام، أو: ضابط، أو: حافظ.
وقال الذهبي-رحمه الله-: "إن قولهم: ثبت، وحجة، وإمام، وثقة، ومتقن، من عبارات التعديل التي لا نزاع فيها". وقال أيضاً في "الموقظة" (ص:76)، بعد أن ذكر طبقات الحفاظ: "فمثل يحيى القطان يقال فيه: إمام، وحجة، وثبت، وجهبذ، وثقة ثقة".
فجعل-رحمه الله-لفظ: (الإمام) في المرتبة الأولى من مراتب التعديل وهو الأليق به. ولكنه-رحمه الله-مع هذا وصف أبا بكر محمد بن أحمد الجرجرائي المفيد بالشيخ الإمام الضعيف، فضعفه مع قوله فيه إنه إمام).
انظر: (سير أعلام النبلاء) (16\269)، و(فتح المغيث) (1\335\340)، و(الرفع والتكميل) (ص:155\158)، و(معجم علوم الحديث النبوي) (ص:51\52).(1/220)
كبير).
وفيه أيضاً (1) عند ترجمة (عفان الصّفّار): (كلام النظراء والأقران ينبغي أن يتأمّل ويُتأنى فيه).
وفي (2) ترجمة (أبي الزناد عبد الله بن ذكوان): (قال ربيعة فيه: ليس بثقة ولا رضىً. قلت: لا يُسمع قول ربيعة فيه، فإنه كان بينهما عداوة ظاهرة).
وما أجمل ما قاله الحافظ الذهبي في (الميزان) (3) عند ترجمة (علي بن المديني)-بعد أن ذكر بأن العقيلي ذكره في كتاب (الضعفاء الكبير) وذلك من أجل إجابته في مسألة خلق القرآن-:
فبئس ما صنع! إلى أن قال: (هذا أبو عبد الله البخاري-وناهيك به-قد شحن (صحيحه) بحديث علي بن المديني، وقال: (ما استصغرت نفسي بين يدي أحد من العلماء إلا بين يدي ابن المديني) (4) .
ولو تُرِك حديث علي، وصاحبيه محمد-الإمام البخاري-وشيخه عبد الرزاق-بن همام الصنعاني صاحب (المصنف)-وعثمان بن أبي شيبة، وإبراهيم بن سعد، وعفان-بن مسلم الأنصاري شيخ البخاري-وأبان العطار، وإسرائيل-وهو ابن يونس الكوفي-، وأزهر بن السمان، وبهز بن أسد، وثابت البناني، وجرير بن عبد الحميد: لغلقنا الباب (5) ، وانقطع الخطاب، ولماتت الآثار، واستولت الزنادقة، ولخرج الدجالون!!
أفما لك عقل يا عقيلي؟!
أتدري فيمن تتكلم؟!
__________
(1) -كما في: (2/202).
(2) -كما في: (2/36).
(3) -كما في: (2/230).
(4) -فائدة: قال الذهبي في (السير) (1/57): (كان ابن المديني يزيد في الحديث). (ذاكرة سجين مكافح) (ص:60). انظر ترجمته في أول كتابه: (العلل)(ص:7/إلى:33). تحقيق: حسام محمد بوقريص.
(5) -قال الذهبي في (تاريخ الإسلام-وفيات:381/400/ص:324)، و(السير) (7/40/ 41): (ولو سمعنا كلام الأقران بعضهم في بعض لاتّسع الخرق). انتهى من كتابي: (ذاكرة سجين مكافح) (1\98). ولابن رجب بحث جيد في (جامع العلم وفضله) (ص:442) في كلام الأقران لمن أراد أن يرجع إليه ففيه متعة وفائدة.(1/221)
وإنما تبعناك في ذكر هذا النمط لنذبَّ عنهم، ولنُزَيّف ما قيل فيهم، كأنك لا تدري أن كل واحد من هؤلاء أوثق منك بطبقات؟!
بل: أوثق من ثقات كثيرين لم توردهم في كتابك، فهذا مما لا يرتاب فيه محدث، وإنما اشتهي أن تُعَرّفني من هو الثقة الثبت الذي ما غلط ولا انفرد بما لا يُتابع عليه؟
بل: الثقة الحافظ-إذا انفرد بأحاديث-كان أرفع له وأكمَل لرتبته، وأدل على اعتنائه بعلم الأثر وضبطه دون أقرانه لأشياء ما عرفوها، اللهم إلا أن يتبين غلطه ووهمه في الشيء فيُعرف ذلك.
فانظر إلى أصحاب رسول الله-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-الكبار والصغار ما فيهم أحد إلا وقد انفرد بسنة، أفيقال له: هذا الحديث لا يتابع عليه؟! وكذلك التابعون (1) كلُّ واحد عنده ما ليس عند الآخر من العلم.
وما الغرض هذا، فإن هذا مقرر في علم الحديث على ما ينبغي، وإنّ تفرد الثقة المتقن يُعد صحيحاً غريباً، وإن تفرد الصدوق ومن دونه يُعد منكراً، وإن إكثار الراوي من الأحاديث التي لا يوافق عليها لفظاً أو: إسناداً يُصَيّره متروكَ الحديث.
ثم ما كل من فيه بدعة، أو: له هفوة، أو ذنوب يقدح فيه بما يوهن حديثه، ولا من شرط الثقة أن يكون معصوماً من الخطايا والخطأ...).
قال شيخنا أبو غدة في آخر كتاب: (الرفع والتكميل) (2) : (فإنه لم يسلم من الخطأ أحد من الأئمة المشهود لهم بالحفظ والعلم والضبط والإتقان.
__________
(1) -قال الخطيب: التابعي من صحب صحابياً، ولا يكتفي فيه بمجرد اللقي، بخلاف الصحابي مع النبي-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-ولذلك ذكر مسلم وابن حبان: (الأعمش) في طبقة التابعين لأن له لقياً وحفظاً، رأى أنس بن مالك، وإن لم يصح له سماع المسند عنه...". انظر هامش: (لسان الميزان) (1\5)، وما سيأتي في كتابنا هذا.
(2) -كما في:(ص:563/564).(1/222)
حتى قال الإمام يحيى بن معين: (لست أعجب ممن يحدث ويخطئ، وإنما العجب ممن يحدث فيصيب. إلى أن قال: من لا يخطئ في الحديث-أي: من زعم أنه لا يخطئ في الحديث-فهو كذاب)-كما في (تاريخه) في الفقرة (52/2682)-.
قلت: وحتى لو أصر الحافظ الثقة على خطئه وثوقاً بحفظه أو: بكتابه.
فإن ذلك لا ينزله عن درجة الثقة، كما وقع للإمام مالك في (عمر بن عثمان) فإنه كان يُصر على أنه (عُمر) بضم العين وفتح الميم، ويشير بيده إلى داره، إيذاناً منه بأنه يعلم أنه يخالفونه، ويجزم أن الصواب فيه (عُمَر)، والجمهور على أنه (عَمرو بن عثمان) بفتح العين وسكون الميم، كما حكاه الحافظ ابن الصلاح في (معرفة أنواع علم الحديث) (1) .
وجاء في (الميزان) (2) في ترجمة (الحافظ الثبت المتقن الإمام الحجة (سعيد بن منصور) صاحب (السنن): (قال يعقوب الفسوي: كان إذا رأى في كتابه خطأ لم يرجع عنه).
فرده الحافظ ابن حجر في (تقريب التهذيب) (3) بقوله: (وكان لا يرجع عما في كتابه لشدة وثوقه به). نعم، إنما يضره الإصرار على الخطأ (4)
__________
(1) -كما في: (ص:88/ في النوع الرابع عشر).
(2) -كما في:(2/159)، و(تهذيب التهذيب ) (4/90).
(3) -كما في:(1/306). وكذا في (تحرير التقريب) (2/43/رقم:2399).
(4) -الإصرار على الخطأ يؤدي إلى طرح رواية الراوي إذا كان ذلك على سبيل العناد، أو: كان الخطأ فاحشاً، لكن إذا أصر على خطئه أحد الأثبات المشاهير فلا يقدح هذا في بقية حديثه ولا سيما إن كان الخطأ ليس فاحشاً، فقد أصر مالك بن أنس إمام المتقين وكبير المتثبتين-كما قاله الحافظ ابن حجر-على قوله: عمر بن عثمان-بضم العين المهملة-في حديث: (لا يرث الكافرالمسلم)، والصواب: عمرو بن عثمان-بفتح العين المهملة-ولم يقدح هذا فيه، وكذا ذكر الدارقطني أن أبا حفص عمر بن شاهين صاحب كتاب: (الثقات) كان يصر على خطئه ويلج فيه وهو ثقة إمام.
قال المعلمي في كتابه: (التنكيل) (ص:34): (الخطأ الذي يضر الراوي الإصرار عليه هو ما يخشى أن تترتب عليه مفسدة ويكون الخطأ من المصر نفسه، كمن يسمع حديثاً بسند صحيح فيغلط فيركب على ذلك السند متناً موضوعاً فينبهه أهل العلم فلا يرجع... ثم ذكر أن الثبات على تغيير خفيف في الاسم لا يضر بل: يدل على عظم الأمانة وشدة التثبت وإذ لم يستحل أن يغير ما في أصله وقد وقع هذا لمالك بن أنس).
قلت-القائل أبو الحسن المصري-: وقد يكون ثباته على ما في أصله دليلاً على تثبته-كما قال المعلمي-وإلا اتهم بقبول التلقين، جاء في (الضعفاء الكبير) (1\175) للعقيلي ترجمة: ثابت بن يزيد الأودي قال يحيى بن سعيد-وقد سئل عنه كيف كان؟-: "وسط ثم قال: إنما أتيته مرة فأملى علي ثم لم أعد إليه، ثم قال: إذا كان الشيخ إذا لقنته قبل فذلك بلاء وإن ثبت على شيء واحد فلا بأس به"، كما أنه ليس الثبات على القول محموداً في كل الأحوال فقد جاء في "تاريخ بغداد" (9\26) أن أبا داود الطيالسي حدث بحديث: "النهي عن بيع الولاء وهبته"-وقد أخطأ فيه شعبة أحد رجال السند وجعل النهي عن القزع-فحدث به أبو داود الطيالسي في المجلس فصاح به الناس: "يا أبا داود ليس هذا من حديثك هذا حديث شبابة، فقال أبو داود: فدعوه إذن فدعوه، قال أبو مسعود: قلت لأحمد في خطأ أبي داود، قال: لا يعد لأبي داود خطأ إنما الخطأ إذا قيل له لم يعرفه وأما أبو داود قيل له فعرف، ليس هو خطأ".
قال المعلمي: ذكر الخطيب في (الكفاية) (ص:713) ما يتعلق بخطأ الراوي وبعدم رجوعه، فذكروا أنه تُرد رواية من كان الغالب عليه الغلط ومن يغلط في حديث مجتمع عليه فينكر عليه فلا يرجع، ومعلوم من تصرفاتهم ومقتضى أدلتهم أن هذا حكم الغلط الفاحش الذي تعظم مفسدته فلا يدخل ما كان من قبيل اللحن الذي لا يفسد المعنى ومن قبيل ما كان يقع من شعبة من الخطأ في الأسماء وما كان يقع من وكيع وأشباه ذلك وكما وقع من مالك".
ومن تدبر هذه المسألة أعني مسألة الإصرار على الخطأ علم أن رجوع الراوي عن بعض رواياته يحتمل أنه رجع عن ذلك أمام الأئمة لكنه كذاب ويعود إلى التحديث بذلك مرة أخرى، ويحتمل أنه يقبل التلقين مع صلاحه وعبادته لكنه لا يميز، ويحتمل أنه علم بخطئه ورجع إلى الرشد والصواب، وقد يرجع احتياطاً بمعنى أنه يترك رواية هذا الحديث بالمرة لأنه لا يريد أن يخالف الأكثر ولا يريد أن يصلح ما وجده في أصله لقول غيره، وهذا من ورع بعض المحدثين وسماحتهم في الحديث...
وفي المقابل قد يكون المصر على خطئه كذاباً مستهزئاً بمن ينكر عليه كما يفعل ذلك سقطة القصاص وقليلو الحياء منهم، وقد يخاف أن يطعن بأنه يقبل التلقين، فالأمر يحتاج في كل ذلك إلى تأمل إصرار المصر ورجوع من رجع على أي جهة كان ذلك، والله أعلم). انظر: (شفاء العليل) (1\348\350).(1/223)
إذا ظهر أن ذلك منه على جهة العناد أو: نحو ذلك، كما ذكره الحافظ ابن الصلاح في كتابه (1) في النوع الثالث والعشرين في آخر المسألة الثالثة عشرة).
قال أبو الفضل في كتابه: (البديل الإسلامي لجماعة العدل والإحسان) (2) : (قال السيوطي في ألفيته:
ومن يُعرَّفْ وَهْمه ثم أصرْ * يُرَد كل ما روى وقُيِّدا *
بأن يُبينَ عالمٌ وعاندا*
قال فضيلة شيخنا المحدث محمد بن علي بن آدم الأثيوبي في (إسعاف ذوي الوطر بشرح نظم الدرر في علم الأثر) (3) :
(وحاصل المعنى: أن من بُيِّن له غلطه في حديثٍ ولو مرة واحدة فأصر على روايته ولم يرجع سقطت رواياته كلها، ولم يكتب عنه، لكن هذا إن كان إصراره عناداً أو: نحوه) (4) .
ب- وقد استعمل الإمام ابن حبان هذا المصطلح في جرح:
1- محمد بن أبي الزعيزعة الذي روى عنه أهل العراق دجال من الدجاجلة كان يروي الموضوعات (5) ...
2- واستعمل هذا التعبير أيضاً في: أحمد بن عبد الله بن خالد بن موسى بن فارس بن مرداس بن نهيك التيمي العبسي، أبو علي الجويباري، (دجال من الدجاجلة، كذاب) (6) .
3- واستعمل هذا التعبير أيضاً في: صالح بن محمد الترمذي الذي يروي عن محمد بن مروان السدي، قال عنه: (ذاك مرجئ دجال من الدجاجلة) (7) ...
__________
(1) -كما في: (ص:132).
(2) -كما في: (2/112/325).
(3) -كما في: (1/354).
(4) انظر: (نشر الإعلام) لفضيلة شيخنا العلامة محمد بوخبزة (ص:97) علق عليه وكتب حواشيه وخرج أحاديثه تلميذه أبو الفضل-فرج الله عنه-.
(5) - انظر: (المجروحين) (2/289)، و(الميزان) (3/549)، و(لسانه) (5/167)، و(تنزيه الشريعة) (1/105).
(6) - انظر: (المجروحين) (1/142)، و(الأنساب) (3/374/375/424)، و(اللباب) (1/313)، و(الميزان) (1/107)، و(لسانه) (1/193)، و(الموضوعات) (1/132).
(7) - انظر: (الثقات) (8/317)، و(الميزان) (2/300)، و(لسانه) (3/176)، و(تنزيه الشريعة) (1/68)، و(العلل المتناهية) (1/236).(1/224)
4- ومن الذين قال فيهم ابن حبان دجال من الدجاجلة أيضاً: إسحاق بن نجيح الملطي، أبو صالح، وقيل: أبو يزيد الأزدي، قال عنه: (دجال من الدجاجلة كان يضع الحديث على رسول الله صراحاً) (1) .
5-واستعمل هذا التعبير أيضاً في تجريح: مأمون بن أحمد السلمي، أبي عبد الله، من أهل هراة، قال عنه: (كان دجالاً من الدجاجلة...) (2) ...
وقد يقتصر الإمام ابن حبان-في بعض الأحيان-في تجريح الرواة وكشف الكذابين على قوله: (دجال) دون (دجال من الدجاجلة) وقد يضيف لها بعض الألفاظ الأخرى (كوضاع) أو: غير ذلك، وهذه طائفة من الرواة الذين نعتهم بهذا الوصف:
1- إسماعيل بن زياد ويقال: ابن أبي السكوني-بفتح السين وضم الكاف وفي آخرها النون هذه النسبة إلى السكون، وهو بطن من كندة-قاضي الموصل.
قال عنه الإمام ابن حبان: (شيخ دجال).
لا يحل ذكره في الحديث إلا على سبيل القدح فيه (3) ، صاحب: (أبغض الكلام إلى الله الفارسية، وكلام
2- بكر بن زياد الباهلي، قال عنه: (شيخ دجال يضع الحديث على الثقات، لا يحل ذكره في الكتب إلا على سبيل القدح فيه) (4) .
3- وقال الإمام ابن حبان-رحمه الله تعالى-أيضاً: سعيد بن ذي لعوة (5) : (شيخ دجال يزعم أنه رأى عمر ابن الخطاب رضي الله عنه) (6) .
__________
(1) - انظر: (المجروحين) (1/143)، و(اللباب) (3/25).
(2) - انظر: (المجروحين) (2/383/رقم:1094)، و(الميزان) (3/429).
(3) - انظر: (المجروحين) (1/129)، و(الميزان) (1/230)، و(الموضوعات) (1/111)، ورجح الحافظ في: (تهذيب التهذيب) (1/299) أن قاضي الموصل الذي أخرج له ابن ماجه ليس هو راوي حديث أبغض الكلام.
(4) - انظر: (المجروحين) (1/196/197)، و(الميزان) (1/345)، و(لسان الميزان) (2/50).
(5) - وما أظن الرجل رآه حتى في المنام!، حتى لو ادعى أنه رآه في المنام لا يصدق لأنه دجال أفاك...
(6) - انظر: (المجروحين) (1/316)، و(الميزان) (2/134)، و(لسان الميزان) (3/27).(1/225)
4- وقال الإمام ابن حبان-رحمه الله تعالى- أيضاً: عباس بن الضحاك البلخي: (شيخ دجال يضع الحديث لا يعرفه أصحاب الحديث، وما أحسب أن أحداً من أصحابنا كتب عنه، لكني ذكرته ليعرف وتجتنب روايته) (1) .
5- وقال الإمام ابن حبان- رحمه الله تعالى-أيضاً: عبد الله بن وهب النسوي: (شيخ دجال يضع الحديث على الثقات، ويلزق الموضوعات بالضعفاء.
لا يحل ذكره في الكتب بحيلة إلا على سبيل الجرح فيه، وهذا الشيخ ليس يعرفه كل إنسان إلا من تتبع حديثه) (2) .
6- يحيى بن عنبسة القرشي، قال عنه: (شيخ دجال يضع الحديث على الثقات، لا تحل الرواية عنه بحال ولا كتابة حديثه إلا للاعتبار-وعكسه قولهم: فلان لا اعتبار به).
جـ- ولقد استعملها غير ابن حبان-رحمه الله تعالى-عدد غير قليل من الأئمة النقاد نذكر نماذج عن طائفة منهم: يحيى بن معين (233 هـ):
1- سئل يحيى بن معين عن تليد بن سليمان المحاربي أبو سليمان، ويقال: أبو إدريس الأعرج الكوفي، فقال: (كذاب كان يشتم عثمان، وكل من يشتم عثمان أو: طلحة-أو: أحداً من أصحاب النبي-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-دجال، لا يكتب عنه، وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين) (3) .
2- وقال أيضاً -رحمه الله تعالى-عن بشار بن موسى الشيباني، ويقال العجلي الخفاف، "أبو عثمان" البصري (توفي سنة: 228 هـ) فيما رواه الغلابي (من الدجالين) (4) .
__________
(1) - انظر: (المجروحين) (2/191)، و(الميزان) (2/383)، و(لسان الميزان) (3/240).
(2) - انظر: (المجروحين) (2/43)، واكتفى في (الميزان) (2/523) بقوله: (دجال يضع الحديث)، وكذا في: (لسان الميزان) (3/375).
(3) - انظر: (تاريخ ابن معين رواية الدارمي) (2/66)، و(تاريخ بغداد) (7/138)، و(تهذيب التهذيب) (1/509).
(4) - انظر: (تهذيب التهذيب) (1/441).(1/226)
د- ومن الأئمة الذين استعملوا هذا التجريح: عمرو بن علي بن بحر بن كنيز الباهلي أبو حفص البصري الصيرفي الفلاس (249 هـ) الذي قال عنه أبو زرعة: كان من فرسان الحديث (1) .
فقد سئل عن عمر بن رياح العبدي، أبي حفص البصري، فقال: (هو دجال) (2) .
وأراد به أنه كذاب يضع الحديث. وقد حكم عليه الأئمة بذلك...
هـ- ومن الأئمة النقاد الذين استعملوا هذا التجريح: أبو إسحاق إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني السعدي (المتوفى سنة: 259 هـ)-رحمه الله تعالى- فقد قال في عبد الملك بن هارون بن عنترة بن عبد الرحمن الشيباني: ويقال له: عبد الملك بن أبي عمرو حتى لا يعرف. كنيته أبو عمر. قال عنه: (دجال كذاب) (3) .
و- وكذلك استعمله الدارقطني علي بن عمر بن أحمد بن مهدي أبو الحسن البغدادي-رحمه الله تعالى- (385 هـ) حيث أطلقه في طائفة من الرواة منهم:
__________
(1) - انظر: (تذكرة الحفاظ) (ص:487)، و(تهذيب التهذيب) (8/81)، و(تاريخ أصبهان) (2/29).
(2) - انظر: (تهذيب التهذيب) (7/448)، و(الميزان) (3/197).
ولله در شيخنا المحدث محمد بن علي الأثيوبي حين قال يمدح أهل الحديث:
وابن زُرَيْعٍ قَال قَوْلاً يُعْتَبَرْ * لِكلِّ دِينٍ جَاء فُرْسَانٌ غُرَرْ
فُرْسَانُ هَذَا الدّين أصْحاب السَّنَدْ* فَاسْلك سَبيلَهم فإنه الرَّشدْ
(3) - انظر: (أحوال الرجال) (ص:68\رقم:77) للجوزجاني، و(الميزان) (2/666)، و(لسان الميزان) (3/71).(1/227)
1- أحمد بن نصر بن عبد الله بن الفتح أبو بكر الذارع سمع منه أبو علي الحسن بن حسين (1) النعالي -رحمه الله تعالى-سنة (365 هـ) (2) ، قال عنه: (كذاب دجال) (3) .
2- إسحاق بن إبراهيم بن أبي نافع بن عمرو بن معدي كرب، أبو الحسين قال عنه: (دجال) (4) .
3- محمد بن عبد الله بن إبراهيم بن ثابت أبو بكر الأشناني (5) العنبري البغدادي، حدث عن يحيى بن معين وغيره، وقال عنه: (كذاب دجال) (6) .
ز- واستعمله أيضاً العلامة المقتدر الجهبذ أبو القاسم عبيد الله بن أحمد بن عثمان الصيرفي (ت:435هـ) (7) .
جرح به محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الله، أبو المفضل، الشيباني، الكوفي (المتوفى سنة: 387 هـ).
__________
(1) -فائدة: قال الحافظ الذهبي في: (السير) (19\101)، و(كتاب السلسبيل في شرح ألفاظ وعبارات الجرح والتعديل) للحافظ محمد بن عثمان الذهبي (ص:20\رقم:4) تحت عنوان: (عبارات تدل على معنى مغاير لما وضعت له) ترجمة: الحسين بن أحمد بن محمد النعالي، البغدادي الحافظ: (يعني: يحفظ ثياب الحمام وغلته). وجاء في (لسان الميزان) (3\94) عن أبي الغنائم: (وكان يعرف بالحافظ، لأنه كان يحفظ ثياب الناس في الحمام).
(2) - انظر: (تاريخ بغداد) (5/184)
(3) - انظر: (الموضوعات) (1/314)، و(الميزان) (1/161)، و(لسان الميزان) (1/317) اكتفى بقوله: (دجال).
(4) - انظر: (الميزان) (1/180)، و(لسان الميزان) (1/348)، وفي (تاريخ بغداد) (6/387)قال عنه: (ذاك دجال).
(5) - الأشناني-بضم الألف وسكون الشين المنقوطة وفتح النون الأولى وكسر الثانية-هذه النسبة إلى بيع الأشنان وشرائه. (الأنساب) (1/273)، و(اللباب) (1/67).
(6) - انظر: (تاريخ بغداد) (5/441)، و(الأنساب) (1/274)، و(الموضوعات) (1/313)، وفي (الميزان) (1/604) قال عنه: (دجال). وكذا في: (لسان الميزان) (5/225).
(7) - انظر ترحمته في: (تاريخ بغداد) (10/385)، و(الأنساب) (1/190)، و(7/285/286)، و(5/303)، و(اللباب) (1/48).(1/228)
فقال -رحمه الله تعالى-عنه: (كان أبو المفضل-الشيباني الكوفي-دجالاً كذاباً...) (1) .
حـ- واستعمله الحافظ الهمام، مؤرخ الإسلام، وقدوة الأنام الذهبي-أو: ابن الذهبي- (توفي سنة: 748 هـ) وجرح به:
1- أحمد بن عبد الله بن محمد، أبو الحسن البكري حيث قال: (الكذاب الدجال واضع القصص التي لم تكن قط فما أجهله وأقل حياءه، وما روى حرفاً من العلم بسنده) (2) .
2- وجرح به أيضاً: أحمد بن عبد الله بن يزيد الحراني، المؤدب أبو جعفر روى عن عبد الرزاق الصنعاني (ت: 271 هـ). فقال عنه: (دجال كذاب) (3) .
وخلاصة القول: إن المعنى الاصطلاحي للفظة (دجال) طابق المعنى اللغوي وأنها استعملت عند سائر النقاد بمعنى"كذاب").
وإلى هذا أشرت بقولي:
هَو دَجَّالٌ قَمِيئُ مِنْ دَجَاجِلْ * لَيْسَ يُدْرَى بالوَرَى ما هُوَ فَاعِلْ
36- المصطلح السادس والثلاثون قولهم في الراوي: (يفتعل الحديث):
استعمل هذا التعبير: "فلان يفتعل الحديث" الإمامان الجليلان: أبو حاتم وأبو زرعة-رحمهما الله تعالى ونفعنا بعلومهما-في تجريح: محمد بن أبان بن عائشة القصراني-بفتح القاف وسكون الصاد والراء المفتوحة بعدها ألف، وفي آخرها نون (4) ، أخو الوليد بن أبان كاتب عيسى بن جعفر.
__________
(1) - انظر: (تاريخ بغداد) (5/468)، وقد بين الحافظ الذهبي: أنه كان يضع الأحاديث للرافضة كما في:(الميزان) (2/608)، وقال ابن حجر في (لسان الميزان) (5/231): وقال الأزهري:-كان يخلط وأساء الثناء عليه-: كان دجالاً كذاباً ما رأيت له أصلاً قط).
(2) - انظر: (ميزان الاعتدال) (1/112)، و(لسانه) (1/202).
(3) - انظر: (الميزان) (1/339)، و(لسانه) (2/41)، و(شرح ألفاظ التجريح النادرة أو: قليلة الاستعمال) (1/59/75).
(4) -القصراني-بفتح القاف وسكون الصاد والراء المفتوحة بعدها الألف وفي آخرها النون-هذه النسبة إلى القصران، وهما قصران الخارج والداخل وهما ناحيتان كبيرتان بمدينة الري.(1/229)
قال ابن أبي حاتم: سمعت أبي وأبا زرعة يقولان: (هو كذاب يفتعل الحديث) وكان لا يحسن أن يفتعل، كان يحدث بعد هشام (1) في مسجد حرم، ويجتمع عليه الناس، قال أبو زرعة: أول ما قدم الري قال للناس: أي شيء يشتهي أهل الري من الحديث؟ فقيل: له أحاديث في الإرجاء، فافتعل لهم جزءاً في الإرجاء (2) .
كما استعمل هذه العبارة أبو حاتم في تجريح سهل بن عامر البجلي قال عنه البخاري: (منكر الحديث) (3) -وأستاذ الأساتذة الإمام الهمام محمد بن إسماعيل البخاري، أمير المؤمنين في الحديث-رحمه الله تعالى-هو الذي قال-: وكل ما قلت فيه إنه منكر الحديث فلا تحل الرواية عنه (4) .
__________
(1) -هشام بن عبيد الله الرازي السبتي يقول: لقيت ألفاً وسبعمائة شيخ وأنفقت في العلم سبعمائة ألف درهم. قال عنه أبو حاتم: (صدوق وروى عنه). انظر: (تهذيب التهذيب) (11/47/48).
(2) -انظر: (الجرح والتعديل) (3/ق2/200)، و(لسان الميزان) (5/33)، و(الأنساب) (10/439)، و(الكشف الحثيث) (2/436).
(3) -انظر: (الكامل) (6/2096) لابن عدي.
(4) -انظر: (1\6) في ترجمة: (أبان بن جبلة الكوفي). وقال الحافظ ابن حجر في (لسان الميزان) (1\20): وهذا القول مروي بإسناد صحيح عن عبد السلام بن أحمد الخفاف عن البخاري). انتهى من كتابي: (ذاكرة سجين مكافح) (3\67)، و(القول الحثيث فيمن قال فيه البخاري: فلان منكر الحديث) (ص:14)،وكتاب: (الفهرس الحثيث لمن قال فيه البخاري: منكر الحديث) (ص:7) للشيخ عبد العزيز بن محمد بن عبد الله السرحان، و(شفاء العليل) (1\306\311).(1/230)
ولعلك ترى من خلق ابن أبان لأحاديث الإرجاء أنه كان كذاباً وضاعاً يختلق الأسانيد والمتون لترويج بدعة الإرجاء وذلك من أقوى الأدلة على أن عبارة (يفتعل الحديث) (1) تعد من الألفاظ الصريحة الدالة على الوضع (2) .
وقال الشيخ مصطفى بن إسماعيل في المرتبة السادسة: من مراتب التجريح من كتابه النفيس: (شفاء العليل): (وقولهم: "فلان يفتعل الحديث" (3) ، "يقال: شعر مفتعل إذا ابتدعه قائله ولم يحذه على مثال تقدمه فيه من قبله، وكان يقال: أعذب الأغاني ما افتعل وأظرف الشعر ما افتعل...ويقال لكل شيء يسوى على غير مثال: مفتعل" (4) .
وقولهم: "كان ممن يفتعل الأحاديث، أو: هذا مما عملته يداه أو: كان يعمل هذه الأحاديث في صباه"، قاله ابن حبان في أحمد بن محمد بن الأزهر السجستاني.
وقولهم: "يختلق الحديث":
وقولهم في الراوي: (فلان يختلق الحديث)، والخلق في كلام العرب: ابتداع الشيء على مثال لم يسبق إليه، وكل شيء خلقه الله وهو مبتدؤه على غير مثال سبق إليه (ألا الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين).
الخلق في كلام العرب:
قال أبو بكر الأنباري: "الخلق في كلام العرب على وجهين:
__________
(1) -انظر: (شرح ألفاظ التجريح النادرة أو: قليلة الاستعمال) (2\74\78)، و(قناص الشوارد الغالية...) (ص:805\رقم:175)
(2) -انظر: (الميزان) (1/5/412/و4/397)، و(طبقات الشافعية) للسبكي (2/9)، و(الرفع والتكميل) (ص:20/209)، وتقديمة (لسان الميزان) (1/46/47).
(3) -قال الشيخ مصطفى بن إسماعيل في (شفاء العليل) (1\504): (وهناك عبارات تدل على أن الراوي يضع ويفتري على رسول الله-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-فمن ذلك قولهم...: "وفلان يفتعل الحديث"، "وفلان يختلق الحديث"..)
(4) -انظر: (شفاء العليل بألفاظ وقواعد الجرح والتعديل) (1\261) تحت المرتبة السادسة: من مراتب التجريح-انتهى باختصار من "اللسان" "11\529").(1/231)
أحدهما: الإنشاء على مثال أبدعه والآخر التقدير... والخلق الكذب، وخلق الكذب والإفك يخلُقه واختلقه وافتراه: ابتدعه، ومنه قوله تعالى: (وتخلقون إفكاً)، ويقال: هذه قصيدة مخلوقة أي: منحولة إلى غير قائلها، ومنه قوله تعالى: (إن هذا إلا خلق الأولين) فمعناه كذب الأولين..." (1) .
وقولهم: "من اختلاق فلان كذا أو: ليس من أهل الصدق (2) أو: بعيد عن أوعية الصدق"...
__________
(1) -انظر: (شفاء العليل بألفاظ وقواعد الجرح والتعديل) (1\262) تحت المرتبة السادسة: من مراتب التجريح-انتهى باختصار من "اللسان" "10\85\88").
(2) - قال أبو الحسن المصري في: (شفاء العليل) (1\357): (هذا اللفظ الظاهر منه المدح الرفيع وأنه من المشهورين بالعدالة والصدق في الرواية، لكن يأتي أيضاً فيمن هو سيء الحفظ ومن يقع في حديثه المناكير من جهة قلة ضبطه لا من جهة أنه تعمد متناً أو: إسناداً، فقد قال ابن عدي في ترجمة: حسان بن إبراهيم الكرماني: "حدث بإفرادات كثيرة وهو من أهل الصدق إلا أنه يغلط"، وفي (تهذيب التهذيب) (12\57).
وفي "تاريخ بغداد" (10\7\8) ترجمة: عبد الله بن عبد الله بن أويس قال عمرو بن علي: (فيه ضعف وهو عندهم من أهل الصدق)، وقال أيضاً في (تاريخ بغداد) (10\212) في ترجمة: عبد الرحمن بن يزيد بن جابر: "ضعيف الحديث حدث عن مكحول أحاديث مناكير وهو عندهم من أهل الصدق" وقال أيضاً في (تاريخه) (11\452): وقال زكرياء بن يحيى الساجي في علي بن عاصم بن صهيل الصديقي: "كان من أهل الصدق ليس بالقوي في الحديث"..).(1/232)
وقولهم: "فلان أفك الحديث أو: اخترق الحديث" (1) ، والتخرق لغة في التخلق من الكذب، وخرق الكذب وتخرقه وخرقه كله: اختلقه، قال الله عز وجل: (وخرقوا له بنين وبنات بغير علم سبحانه) قرأ نافع وحده "خرّقوا له" بتشديد الراء وسائر القراء قرءوا بالتخفيف، قال الفراء: "معنى خرقوا افتعلوا ذلك كذباً وكفراً، وقال: وخرقوا واخترقوا وخلقوا واحد".
وقال أبو الهيثم: "الاختراق والاختلاق والاختراص والافتراء واحد، ويقال: خرق الكلمة واختلقها وخرقها واخترقها إذا ابتدعها كذباً وتخرق الكذب تخلقه-انتهى مختصراً من "لسان العرب"-، فهذا اللفظ صريح في تكذيب الراوي والله أعلم..." (2) .
المعنى اللغوي:
قال أهل اللغة: ومن المجاز افتعل عليه كذباً وزوراً أى: اختلقه قال ذو الرمة:
غرائب قد عرفن بكل أفق * من الآفاق تفتعل افتعالاً
وقال ابن الأعرابي: افتعل فلان حديثاً إذا اختلقه وأنشد:
ذكر شيء يا سليمى قد مضى * ووشاة ينطقون المفتعل
وسئل الزبيري (3)
__________
(1) -قال أبو الحسن المصري في كتابه: (شفاء العليل) (1\258): (وقولهم: حرقوا حديثه أو: خرقوا حديثه).
(2) -انظر: (شفاء العليل بألفاظ وقواعد الجرح والتعديل) (1\262\263) تحت المرتبة السادسة: من مراتب التجريح-انتهى باختصار من "اللسان" "10\75").
(3) -ذكر الحاكم في (المعرفة) (ص:589\590) تحت عنوان: (ذكر النوع السابع والأربعين من معرفة علوم الحديث: معرفة المتشابه في قبائل الرواة، وبلدانهم، وكناهم، وصناعتهم...): (فالجنس الأول من هذه الأجناس: معرفة المتشابه من القبائل. فمن ذلك...: الزُّبيدي، والزَّبِيدي، والزيدي، والرَّبَذِي، والزَّنْبَرِي، والزُّبَيْرِي:
رجاء بن ربيعة الزُّبَيْدِي وابنه إسماعيل، إسماعيل بن رجاء كوفيان تابعيان. وأبو حُمَة محمد بن (ط\222) يوسف الزَّبِيدي وغيره من أهل اليمن-ينسب إلى زَبيد من بلاد اليمن. كما في (الأنساب) (3\135).
والزيديون: منتمون إلى الإمام الشهيد أبي الحُسين زيد بن علي بن الحُسين انتماء نسب أو: مذهب.
والرَّبَذِي: موسى بن عَبيدة الربذي وغيره ممن ينسب إلى الرَّبَذَة-والربذة: في اللغة الشدة، وهي من قرى المدينة..
والزَّنْبَرِيُّون: مدنيون، منهم داود بن زَنْبَرين القرشي-هو داود بن سعيد بن أبي زنبر المديني الزنبري كما في (الأنساب) (3\167)-وهو أول من أخذ الفقه عن مالك بن أنس، وابنه سعيد بن داود كثير الحديث والأفراد.
والزُّبَيْرِيون: ولد الزبير بن العوام القرشي وفيهم (ع\97)كثرة ورواة. وفي نسخة: ورواية).(1/233)
عن جرحه فقال: أرقني وجاء بالمفتعل أى: جاء بأمر عظيم, قيل له-أي: الزبيري-أتقوله في كل شيء؟ قال: نعم (1) .
ومن المجاز أيضاً خلق الإفك إذا افتراه كاختلقه ومنه قوله تعالى: (وتخلقون إفكاً) (2) . وقرئ: (إن هذا إلا خلق الأولين) (3) . أي: كذبهم واختلاقهم وقوله: (إن هذا إلا اختلاق) (4) . أي: تخرص وكذب (5) .
ومن المجاز: خلق الكلام وغيره إذا صنعه اختلاقاً، وتقول العرب: حدثنا فلان بأحاديث الخلق وهي الخرافات من الأحاديث المفتعلة (6) . ومن المجاز: خرق الكذب واختلقه إذا صنعه واشتقه (7) .
ومن هذه المعاني اللغوية المجازية يتضح لنا أن أفتعل، واختلق، واخترق، وأفك تعني الكذب والزور ووضع الكلام واصطناعه.
قال شيخنا المحدث محمد ابن الشيخ الأثيوبي المدرس بدار الحديث الخيرية بمكة المكرمة في كتابه النفيس: (الجليس الأمين في شرح تذكرة الطالبين في بيان الموضوع وأصناف الوضاعين) (ص:3\13) تحت عنوان: (فصل في حقيقة الموضوع وأماراته وحكمه):
هو اسم مفعول لدى من ضبطه * مِن وضع الشيء بمعنى أسقطه
وقيل: ألصقه: أو: تركه * أو: وضع الكلام، واختلقه (8)
وبهذا يتبين لنا أن من قيل فيه: "يفتعل الحديث" فهو كذاب وضاع، وأنها من الألفاظ الصريحة الدالة على الوضع (9) .
__________
(1) -انظر: (تهذيب اللغة) (4/405/406)، و(لسان العرب) (11/529)، و(تاج العروس) (8/64).
(2) -سورة العنكبوت، الآية رقم: (17).
(3) -سورة الشعراء، الآية رقم: (137).
(4) -سورة ص، الآية رقم: (7).
(5) -انظر: (تاج العروس) (6/335).
(6) -انظر: (تاج العروس) (6/328).
(7) -انظر: (تاج العروس) (6/335).
(8) -انظر كتاب: (الجليس الأمين في شرح تذكرة الطالبين في بيان الموضوع وأصناف الوضاعين) (ص:3\13/رقم البيتين:13/14).
(9) -انظر: (شرح ألفاظ التجريح النادرة أو: قليلة الاستعمال) (2\75\78)، و(قناص الشوارد الغالية) (ص:805\رقم:157)(1/234)
ولقد استعملها أبو حاتم الرازي أيضاً في تجريح راوٍ آخر هو سهل بن عامر البجلي.
الذي روى عن مالك بن مغول (توفي سنة: 159هـ) حيث قال: روى أحاديث بواطيل، أدركته بالكوفة وكان يفتعل الحديث (1) .
وإلى هذا أشرت بقولي:
حيثُ يأتي بالحديث في افتعال * مُزْرِفاً فيه (2) بوضع وانتحالِ
37- المصطلح السابع والثلاثون قولهم في الراوي: (فلان كان يثبج الحديث):
هذا المصطلح-(فلان كان يثبج الحديث)-استعمله معمر بن راشد الأزدي مولاهم أبو عروة البصري الثقة الثبت (توفي سنة: 154 هـ) في تجريح إسماعيل بن شروس-بن أبي سعد-الصنعاني أبي المقدام (3) .
فقد جاء في (الضعفاء الكبير) للعقيلي (1/84/رقم:94-إسماعيل بن شروس الصنعاني):
__________
(1) -انظر: (الجرح والتعديل) (2/ق1/202)، و(الميزان) (2/239) وقال عنه: (كذبه أبو حاتم)، (لسان الميزان) (3/119).
(2) -وقولي في البيت: (مزرفاً): عنيت به قول المحدثين: (كان فلان يُزَرِّف)، أي: يكذب قاله قرة بن خالد في محمد بن السائب الكلبي، وقال فيه ابن حبان: "وضوح الكذب فيه أشهر من أن يحتاج إلى الإغراق في وصفه"، وفي "تهذيب التهذيب" (9\180)، و"الكامل" (6\2128) لابن عدي: قيل للأصمعي-تلميذ قرة في السند-: "ما التزريف؟ قال: الزيادة"، وقولهم: "يُزرّف"، أي: يزيد في الحديث مثل يُزلف.-كما في "لسان العرب" (9\134)، انظر: (شفاء العليل بألفاظ وقواعد الجرح والتعديل) (1\270) تحت المرتبة السادسة: من مراتب التجريح.
(3) -انظر: ترجمته في: (الجرح والتعديل) (1/ق1/177)، و(التاريخ الكبير) (1/ق1/359)، و(الميزان) (1/234)، و(لسانه) (1/411)، و(الكشف الحثيث) (1/121).(1/235)
( ... قال البخاري: قال عبد الرزاق عن معمر (1) : كان يثبج في الحديث) (2) .
قال المعلق: (إسماعيل بن شروس: المرجع فيه قول البخاري-رحمه الله-عنه-في: (التاريخ الكبير) (1/1:359)-منقولاً عن عبد الرزاق-رحمه الله-أنه قال: (كان يثبج الحديث) أي: يضعه (3) .
ووثقه الإمام ابن حبان-رحمه الله تعالى (4)
__________
(1) -فائدة: قال الذهبي في (السير) (7/12): (ومع كون معمر ثقة ثبتاً، فله أوهام، ولا سيما لما قدم البصرة لزيارة أمه، فإنه لم يكن معه كتبه، فحدث من حفظه، فوقع للبصريين فيه أغاليط، وحديث هشام-بن يوسف قاضي صنعاء-وعبد الرزاق-هو ابن همام-عنه أصح، لأنهم أخذوا عنه من كتبه. والله أعلم).
انتهى من (ذاكرة سجين مكافح) (1\45). وجاء في (السير) (8/392) أيضاً أن: (محمد بن موسى (قال):سمعت إبراهيم بن موسى يقول: كنت عند يحيى بن معين، فجاءه رجل فقال: من أثبت في معمر؟ ابن المبارك أو: عبد الرزاق؟ وكان يحيى متكئاً فجلس وقال: كان ابن المبارك خيراً من عبد الرزاق ومن أهل قريته، كان عبد الله سيداً من سادات المسلمين). انتهى من مقدمة: (قناص الشوارد الغالية) (ص:10).
(2) -قال الشيخ مصطفى بن إسماعيل في (شفاء العليل) (1\504): (وهناك عبارات تدل على أن الراوي يضع ويفتري على رسول الله-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-فمن ذلك قولهم...: "وفلان ينتج الحديث" بالنون والمثناة الفوقية "وفلان يثبج الحديث" بالمثلثة والموحدة "وفلان يولّد الحديث" إلى غير ذلك من الألفاظ التي سبق كثير منها في المرتبة السادسة من مراتب التجريح).
(3) -انظر: (معجم علوم الحديث النبوي) (ص:168\رقم:486).
(4) -يطلق بعضهم هذا فيمن ذكره ابن حبان في (ثقاته)، وقد بين العلامة المعلمي والألباني وغيرهما في غير ما موضع أن هذا قصور وتساهل لا يخفى على من اشتغل بهذا الفن كما بينت في (قناص الشوارد الغالية...) (ص:182\183\رقم:58\59)، وهذا نص الفائدتين:
سألتني أم الفضل-كما في الفائدة:58-قائلة: (وهل هناك فرق بين قولهم في الراوي: ذكره ابن حبان في (الثقات) وبين قولهم: وثقه ابن حبان؟ أم لا فرق بينهما؟).
الجواب: من أهل العلم من يقول: وثقه ابن حبان، ومعناه أنه ذكره ابن حبان في (الثقات) وهذا صنيع الحافظ في (تهذيب التهذيب) أما إذا اطَّلعت أنت على (ثقات ابن حبان) ووجدتيه ينص على شخص بأنه ثقة فهو أرفع من مجرد ذكره في كتابه (الثقات) لأنّ له شرطاً في توثيق المجهولين خالف فيه الجمهور هو وشيخه ابن خزيمة كما ذكر هذا الحافظ ابن حجر في مقدمة (لسان الميزان) فمجرد ذكره في كتاب (الثقات) لا يغني الراوي، فقد جاء عن ابن حبان أنه قال: فلان لا أدري من هو ولا ابن من هو؟ فهذا دليل على أنه يوثق المجهولين، يقول: إذا روى الراوي حديثاً ولم يرو ما ينكر وروى عنه ثقة وهو روى عن ثقة فإنه يوثق، وهذه قاعدة مردودة لدى أهل العلم فإنه يشترط في الراوي الذي يوثق الحفظ والعدالة، وهذا الذي لا نعرف حاله أحافظ هو أم ليس بحافظ؟ ولا ندري أعدل هو أم ليس بعدل؟ فعلى هذا توثيق ابن حبان لا يعتبر به العلماء حتى (وإن وثق تابعياً!) وقد تناقض بعض (العصريين) فتارة يضعف بتوثيق ابن حبان، وأخرى يقبل توثيق ابن حبان.
وأما أحمد شاكر-رحمه الله- فإنه يقبل توثيق ابن حبان مطلقاً وهذا ليس على ما ينبغي والله أعلم
وفي:59-فائدة: قالت أم الفضل: ذكرت شيخنا في جوابك على السؤال السابق في الفرق بين قولهم: (ذكره ابن حبان في الثقات) وقولهم: (وثقه ابن حبان) فنرجو منك التوضيح أكثر؟.
الجواب: ذكره ابن حبان في (الثقات) يستعملها الحافظ لمن ذكر في (الثقات) ولو لم يوثقه ابن حبان، لكن بما أن (الثقات) أصبح موجوداً بين يديك فإذا وجدت ابن حبان يقول في الراوي: ثقة، أو: ثقة متقن، أو: مستقيم الحديث، فهذا أحسن، والمعلمي يرى قبول مثل هذا، وإذا وجدت مجرد ذكره في (الثقات) ولم يقل: ثقة، فهذا مما تتوقفين فيه.
وبما أن (ثقات ابن حبان) موجود عند كل طالب علم فارجعي إليه فإذا وجدتِ مجرد ذكره في كتاب ابن حبان فمعناه أنه ذكره في كتاب (الثقات)، وإذا وجدت أنه نص على توثيقه وقال: مستقيم الحديث، ثقة، أو: ثقة متقن إلى غير ذلك، فهذا مما نصَّ على توثيقه. وهنا شيءٌ أريد أن أنبه عليه فكما أن ابن حبان متساهل في توثيق المجهولين فهو متشدد في التجريح فأمر عجيب من ابن حبان، فربما قال في بعض رجال (الصحيح) وهو في (الصحيح): يروي المعضلات عن الأثبات فاستحق الترك وهو من رجال الصحيح، فينبغي أن تتنبهين لهذا أم الفضل-فكما أنه متساهل في توثيق المجهولين فهو متشدد في التجريح.
انتهى من كتاب: (التنكيل) (1\437\438)، و(غارة الأشرطة) (1\300\303) للشيخ مقبل. و(معجم علوم الحديث النبوي) (ص:103\104\248\رقم:271\746).(1/236)
في (الثقات) (6/31) وابن شاهين-رحمه الله تعالى).
والثبج اضطراب الكلام وتفننه يعْني لم يؤت به على الوجه الصحيح، لكن استعمال معمر بن راشد لهذا التعبير في إسماعيل بن شروس يفيد أنه كان يضع الحديث لأن هذا التعبير كناية عن الوضع (1) .
وقال عبد الرزاق: قلت لمعمر: لِمَ لَمْ تكتب عن ابن شروس؟ قال: (كان يثبج الحديث) (2) .
المعنى اللغوي:
قال أهل اللغة: الثبج: اضطراب الكلام وتفننه. والثبج: تعمية الخط، وترك بيانه كالتثبيج، يقال: ثبج الكتاب تثبيجاً، لم يبينه، وقيل: لم يأت به على وجهه، والتثبيج التخليط (3) .
معنى الثبج لغة واضح يراد به أن المتكلم المنعوت بهذا الوصف لم يبين كلامه، أو: لم يأت به على وجهه الصحيح.
وأما معنى تعبيره الذي استعمله معمر بن راشد-رحمه الله تعالى-فيه، فهو أن إسماعيل بن شروس كان يضع الحديث فيكون التعبير كناية عن الوضع.
ولقد خالف كل من ابن حبان وابن شاهين (أبو حفص عمر البغدادي توفي سنة: 385 هـ) هؤلاء النقاد فذكراه في كتابيهما "الثقات"، وهذا تساهل منهما والله أعلم (4) .
__________
(1) -انظر: (شرح ألفاظ التجريح النادرة أو: قليلة الاستعمال) (ص:80/81) وما بعدها، و(ضوابط الجرح والتعديل) (ص:155). وتقديمة (اللسان) (1/46/47) دار الكتب العلمية طـ: الأولى سنة 1416هـ.
(2) -انظر: (الكامل) (1/1/224)، و(الميزان) (1/234)، و(الكشف الحثيث) (1/121)، وفي و(لسان الميزان) (1/411)، قال: (كان يضع الحديث، بدل: يثبج الحديث).
(3) -انظر: (تهذيب اللغة) (11/25)، و(لسان العرب) (2/220)، و(تاج العروس) (2/13).
(4) -انظر: (شرح ألفاظ التجريح النادرة أو: قليلة الاستعمال) (2\80)، و(قناص الشوارد الغالية) (ص:805\رقم:157)(1/237)
وقال الشيخ مصطفى بن إسماعيل في المرتبة السادسة: من مراتب التجريح من كتابه النفيس: (شفاء العليل): (وقولهم: "فلان يفتعل الحديث" (1) ، "يقال: شعر مفتعل إذا ابتدعه قائله ولم يحذه على مثال تقدمه فيه من قبله، وكان يقال: أعذب الأغاني ما افتعل وأظرف الشعر ما افتعل...ويقال لكل شيء يسوى على غير مثال: مفتعل" (2) .
وقال الشيخ مصطفى بن إسماعيل في المرتبة السادسة: من مراتب التجريح من كتابه النفيس: (شفاء العليل): (وقولهم: "كان فلاناً يثبج الحديث" (3) ، وثبج بالثاء المثلثة والباء الموحدة الكتابَ والكلامَ تثبيجاً: لم يبينه، وقيل: لم يأت به على وجهه.
والثبج: اضطراب الكلام وتفننه، والثبج: تعمية الخط وترك بيانه، قال الليث: التثبيج التخليط (4) .
وهذا اللفظ دليل على الكذب، فقد قال معمر في إسماعيل بن شروس الصنعاني: كان يثبج
وإلى هذا أشرت بقولي:
مُثبِجاً تِلْكَ الأحاديثَ بِمَكِر * حاسِباً أفَعَاله آياتِ فِكْرِ
38- المصطلح الثامن والثلاثون قولهم في الراوي: (كان مجالد يجلد في الحديث):
وهذا من قول الشافعي في تجريح الرواة وهو نوع من تخفيف الجرح وتجنب الألفاظ الشديدة التي يستعملها بعض الأئمة النقاد.
__________
(1) -انظر: (معجم علوم الحديث النبوي) (ص:257\رقم:776).
(2) -انظر: (شفاء العليل بألفاظ وقواعد الجرح والتعديل) (1\261) تحت المرتبة السادسة: من مراتب التجريح-انتهى باختصار من "اللسان" "11\529").
(3) -وفي حاشية (التاريخ الكبير) (1\359) للبخاري تفسيرٌ لقول معمر: "كان يثبج الحديث": (أي: لا يأتي به على الوجه). انظر: (شفاء العليل بألفاظ وقواعد الجرح والتعديل) (1\264) تحت المرتبة السادسة: من مراتب التجريح.
(4) -انظر: (شفاء العليل بألفاظ وقواعد الجرح والتعديل) (1\264) تحت المرتبة السادسة: من مراتب التجريح-انتهى باختصار من "اللسان" "2\220").(1/238)
ولم يقل: كذاب وكان-رضي الله عنه-يدعو على بعض الرواة ولم يصرح بتكذيبهم. وقد ذُكر له مرة أبو جابر البياضي فقال: (بيض الله عيني من يروي عنه) (1) .
وقال عن حرام بن عثمان المديني: (حدثنا إبراهيم بن موسى قال: سمعت محمد بن عبد الله ابن عبد الحكم يقول: سمعت الشافعي يقول: (الحديث عن حرام بن عثمان حرام) (2) .
وفي رواية في (الميزان)(1/468): (الرواية عن حرام حرام) ولم يقل: حرام بن عثمان كذاب.
وكان هذا هو الغالب منه-رحمه الله-في تجريح الرواة (3) ،
__________
(1) -وعقب ابن أبي حاتم على ذلك بقوله: (يريد بذلك: تغليظاً على من يكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ). انظر: (آداب الشافعي) (ص:218)، و(الميزان) (3/617)، و(لسانه) (5/244).
(2) -انظر: (شفاء العليل) (1\188) تحت المرتبة الرابعة: من مراتب التجريح..
(3) -ومن ألفاظ التجريح ما جاء في (تاريخ بغداد) (8\329)-وفي سنده مبهم-ترجمة: خلف بن سالم أبو محمد المخرمي، قال: سمع أبا المحلم يقول: (إن أخانا خلف بن سالم ليس عليه أحد بسالم)، وكقول الشافعي في حرام بن عثمان الأنصاري: (الحديث عن حرام بن عثمان حرام)، وانظر بقية أقوال الأئمة فيه في (الجرح والتعديل) (3\282)، وقال ذلك الجوزجاني-كما في: "أحوال الرجال" (ص:127)، و"تاريخ بغداد" (8\279)-وزاد: (لأنه لم يقتصد)، وقاله صالح بن محمد-كما في "تاريخ بغداد" (8\279)، وكقول الشافعي-كما في "الجرح والتعديل" (7\325)، و"لسان الميزان" (5\244)-في محمد بن عبد الرحمن أبي جابر البياضي: "من حدث عن أبي جابر البياضي بيض الله تعالى عينيه"، فقال أبو محمد بن أبي حاتم في "الجرح والتعديل": (أراد بذلك تغليظاً على من يكذب على رسول الله-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-).
وجاء في (الجرح والتعديل) (2\433) ترجمة: بركة بن محمد الأنصاري، نظر صالح بن أبي الأشرس في بعض حديث أبي الحسن السمناني عن بركة فقال: "ليس هذا بركة هذا عقوبة"، وكقول الحوزي في ثور بن يزيد الكلاعي في أبيات:
وثور كاسمه إن شئت فاقلب *.............................
وكقول ابن معين في رشدين بن سعد-كما في "تهذيب التهذيب" (3\278)-: (ليس برشيد)، وقال مرة فيه: "لا يكتب حديثه"، وقال مرة: (ليس بشيء).
وكقول ابن المنادي في رياح بن عبيدة السلمي: (حديث رياح كالرياح)، وقول الشافعي في رفيع بن مهران أبي العالية الرياحي: (الحديث عن أبي العالية الرياحي رياح)، وقد خصه الذهبي ببعض حديثه، وكقول الشافعي-كما في "الكامل" (6\2415\2416)-: (مجالد هو مجالد)، وورد بلفظ: (مجالد يجلد).
وفي (الميزان) (4\37) ترجمة: محمد بن مسلم: كان أيوب يقول: (حدثنا أبو الزبير وأبو الزبير أبو الزبير)، فقال أحمد: (يضعفه بذلك)، وفي (لسان الميزان) (2\133) ترجمة: الجلد بن أيوب البصري كان ابن عيينة يقول: (ما جلد من جلد ومن كان جلد)، وفي (الكامل) (5\1848) ترجمة: علي بن غراب سأل رجل يحيى عنه فقال: (طار مع الغراب).
وفي (طبقات الحنابلة) (1\41) للقاضي أبي يعلى، ترجمة: هبة الله بن مبارك السقطي، ذكر قصة تدل على أنه ليس بثقة وقال ابن ناصر: "السقطي لا شيء وهو مثل نسبه من سقط المتاع"، وقال ابن كثير-كما ذكر عنه محقق "خصائص علي" (ص:21) للنسائي-في حبة بن جوين العرني: (حبة لا يساوي حبة). انتهى من كتاب: (شفاء العليل بألفاظ وقواعد الجرح والتعديل) (1\540\541).(1/239)
حتى إنه نهى تلميذه المزني أن يقول: فلان كذاب، وطلب منه أن يقول: (حديثه ليس بشيء).
فقد ورد عن المزني أنه قال: سمعني الشافعي يوماً وأنا أقول فلان كذا، فقال لي: يا إبراهيم أكس ألفاظك أحسنها لا تقل فلان كذاب، ولكن قل: حديثه ليس بشيء (1) .
وممن جرحهم الشافعي وأراد بتجريحه تكذيبهم:
مجالد بن سعيد بن عمير، الهمداني، أبو عمرو الكوفي (توفي سنة: 144 هـ) فقد روى ابن حبان بسنده عن الحسن بن سفيان أنه قال: (سمعت حرملة بن يحيى قال: سمعت الشافعي يقول: الحديث عن حرام بن عثمان حرام. والحديث عن مجالد يجالد الحديث، وعن أبي العالية الرياحي رياح) (2) .
وقال أهل اللغة: وفي حديث الشافعي: كان مجالد (3) يجلد-أي: يكذب-أي: كان يتهم ويرمى بالكذب.
__________
(1) -انظر: (فتح المغيث) (1/345)، و(اللسان) (1/47)، و(الضعفاء الكبير) للعقيلي (1/321/رقم:396).
(2) -انظر: (المجروحين) (3/10) انتهى من هامش كتاب: (شرح ألفاظ التجريح النادرة أو: قليلة الاستعمال) (1/82). قال الحافظ الذهبي في (تاريخ الإسلام) (6\531)، و(الميزان) (2\54)، و(كشف السلسبيل في شرح ألفاظ وعبارات الجرح والتعديل) (ص:125\رقم:179): (قال أبو حاتم: ثنا حرملة، سمعت الشافعي يقول: "حديث أبي العالية الرياحي رياح". قال أبو حاتم: يعني الذي يروى عن النبي-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-في الضحك في الصلاة، أن على الضاحك الوضوء).
(3) -هو: مجالد بن سعيد بن عمير بن بسطام الكوفي، المتوفى سنة: (144 هـ) جمهور المحدثين على تضعيفه، وعدم الاحتجاج بمفاريده، ومن بينهم يحيى بن سعيد القطان، وكان يضعفه، ويقول فيه: (في نفسي منه شيء).
انظر بقية أقوال النقاد فيه: (الضعفاء) (ص:116) للبخاري، و(الجرح والتعديل) (8\361)، و(الضعفاء الكبير) (4\232\234)، و(الكامل) (6\420\423)، و(تهذيب الكمال) (27\219\225)، و(ضوابط الجرح والتعديل عند الحافظ الذهبي) (2\640).(1/240)
فكأنه وضع الظن موضع التهمة (1) ... ولقد شارك يحيى بن سعيد الإمام الشافعي-رحمهما الله-
تعالى-في تكذيبه لمجالد بن سعيد، فقد روى عن عمر بن علي الفلاس أنه قال: سمعت يحيى ابن سعيد يقول لبعض أصحابه: أين تذهب؟ قال: إلى وهب بن جرير أكتب السيرة عن أبيه عن مجالد (2) .
قال: تكتب كذباً كثيراً (3)
__________
(1) -انظر: (القاموس المحيط) (3/294)، و(النهاية) (1/285)، و(لسان العرب) (3/127)، و(تاج العروس) (2/323).
(2) -ذكر الحافظ الذهبي في (سير أعلام النبلاء) (6\256) في ترجمة: (جعفر الصادق)، أن ابن المديني قال: سئل يحيى بن سعيد بن جعفر بن محمد فقال: "في نفسي منه شيء". فقلت: فمجالد؟ قال: "مجالد أحب إلي منه".
فتعقبه الحافظ الذهبي-رحمه الله-بقوله: (هذه من زلقات يحيى القطان بل: أجمع أئمة هذا الشأن على أن جعفراً أوثق من مجالد، ولم يلتفتوا إلى قول يحيى). انظر: (الكامل) (2\131)، و(ضوابط الجرح والتعديل عند الحافظ الذهبي) (2\639\640).
(3) - قال عمرو بن علي الفلاس: سمعت يحيى، يقول لعبيد الله: "أين تذهب؟" قال: "أذهب إلى وهب بن جرير أكتب السيرة"، قال: "تكتب كذباً كثيراً"-كما في (الضعفاء الكبير) للعقيلي (4\25)- قال الحافظ الذهبي في "السير" (7\52): (كان وهب يرويها عن أبيه، عن ابن إسحاق، وأشار يحيى القطان إلى ما في السير من الواهي من الشعر، ومن بعض الآثار المنقطعة المنكرة، فلو حُذف منها ذلك، لَحسُنت، وثمّ أحاديث جمة في الصحاح، والمسانيد مما يتعلق بالسيرة والمغازي، ينبغي أن تُضم إليها وتُرتّب، وقد فعل غالب هذا الإمام أبو بكر البيهقي في "دلائل النبوة" له).
وهذا من الحافظ الذهبي تفسيرٌ لقول يحيى بن سعيد السّابق: "تكتب كذباً كثيراً" إذ ظاهره تكذيبٌ لشيخ وهب، الذي هو أبوه جرير بن حازم، او: شيخ أبيه محمد بن إسحاق، ولما كانت حال الرّجلين على خلاف ذلك، اقتضى الأمرُ تفسير كلام يحيى بما يطابق مقتضى الحال، وهو ما أشار إليه الذهبي، من أنه عنى بالكذب في حديثه ما يرويه ابن اسحاق في مغازيه من الشعر الواهي الذي لا يعرف له أصل، وبعض الآثار المنكرة، ولا يلزم من رواية الكذب أن يكون الرَّاوي نفسه كذاباً، إذ في نسبة النّقل إلى ناقله ما يبرِّئ عهدة الناقل عنه، كحال ابن اسحاق في هذا. والله أعلم. انظر: (ضوابط الجرح والتعديل عند الحافظ الذهبي) (2\867)، و(طبقات فحول الشعراء) (1\7\8).(1/241)
لو شئت أن يجعلها لي في مجالد كلها عن الشعبي عن مسروق عن عبد الله فعل (1) ... ومن ذلك يتضح لنا أن عبارة: (كان يجلد الحديث) (2) تعني: أنه كان يكذب في الحديث (3) .
وقال الشيخ مصطفى بن إسماعيل في المرتبة السادسة: من مراتب التجريح من كتابه النفيس: (شفاء العليل): (وقولهم: "كان فلان يجلد في الحديث" (4) .
وفي "اللسان" (5) : "وإنه ليجلد بكل خير أي: يظن به، ورواه أبو حاتم بالذال المعجمة: يجلذ، وفي حديث الشافعي: كان مجالد يجلد أي: يتهم ويرمى بالكذب فكأنه وضع الظن موضع التهمة".
وهذا اللفظ قاله الشافعي في مجالد بن سعيد بن عمير الهمذاني، انظر (المجروحين) (6) لابن حبان، والظاهر منه التكذيب لا مجرد التهمة، والله أعلم) (7) .
وإلى هذا أشرت بقولي:
ذا مُجَالِدْ بجْلِدَنْ في الحديثِ * يُكْثِر التَّدْلِيسَ في سَعْيٍ حَثِيثِ
39- المصطلح التاسع والثلاثون قولهم في الراوي: (هو عصا موسى تلقف ما يأفكون)
__________
(1) -انظر: (تهذيب التهذيب) (10/10)، و(ميزان الاعتدال) (3/438).
(2) -انظر: (معجم علوم الحديث النبوي) (ص:168\169\رقم:487).
(3) -انظر: (شرح ألفاظ التجريح النادرة أو: قليلة الاستعمال) (2\81\83)، و(قناص الشوارد الغالية...) (ص:807\808\رقم:157).
(4) -وفال أبو الحسن المصري في (شفاء العليل) (1\501) الباب السابع: تحت عنوان: (ذكر ألفاظ يتفق معناها وقد يظن اختلافهما): (ومن ذلك قول ابن مهدي في مجالد بن سعيد: "حديث مجالد عند الأحداث يحيى بن سعيد وأبي أسامة ليس بشيء"...).
(5) -انظر: (لسان العرب) (3\127)، و(شفاء العليل بألفاظ وقواعد الجرح والتعديل) (1\264) تحت المرتبة السادسة: من مراتب التجريح.
(6) -انظر: (المجروحين) (3\10)، و(شفاء العليل بألفاظ وقواعد الجرح والتعديل) (1\264) تحت المرتبة السادسة: من مراتب التجريح.
(7) -انظر: (شفاء العليل بألفاظ وقواعد الجرح والتعديل) (1\264) تحت المرتبة السادسة: من مراتب التجريح.(1/242)
انفرد بهذا التعبير-"هو عصا موسى تلقف ما يافكون"-الإمام العلامة الكبير العَلَم الجهبذ
(مطين) (1) أبو جعفر محمد بن عبد الله الحضرمي (توفي سنة: 297 هـ) حيث جرح به الحافظ محمد بن عثمان بن أبي شيبة-رحمه الله تعالى-، فقال عنه: (هو عصا موسى تلقف ما يافكون) (2) .
وورد هذا القول بلفظ: (تلقف ما يافكون) (3) . وورد بلفظ: (يلقف ما يافكون) (4) .
وهذا التجريح كناية عن الكذب والوضع في الحديث، وأخذ هذا المعنى من القرآن الكريم من وصف الله تعالى لعصا موسى عليه السلام قال تعالى: (فألقى موسى عصاه فإذا هي تلقف ما يافكون) (5) .
فكما أن عصا موسى لما ألقاها بوحي من الله تعالى انقلبت إلى أفعى كبيرة تلقف ما يأفكون أي: تخطفه وتجمعه من كل بقعة وتبتلعه فلم تدع منه شيئاً (6) ، وكانت تخطف وتجمع ما صنعه السحرة من كذب، وباطل (7) كما وصف الله تعالى ذلك بقوله: ( ... فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى ... ) (8) .
__________
(1) -وقال الذهبي في (تذكرة الحفاظ) (2/662) في ترجمة الحافظ، (مطين: أبي جعفر محمد بن عبد الله الحضرمي الكوفي): (سُئل عنه الدارقطني فقال: ثقة جبل. قلت-القائل الذهبي-: ولأبي جعفر العبْسي-محمد بن عثمان بن أبي شيبة الكوفي-كلام في مُطيَّن، فلا يلتفتُ إلى كلام الأقران بعضهم في بعض).
(2) -انظر: (السير)(14/22).
(3) -انظر: (ميزان الاعتدال) (3/642)، و(لسانه) (5/280)، و(طبقات المفسرين) (2/192) للداودي.
(4) -انظر: (تذكرة الحفاظ) (2/661).
(5) -سورة الشعراء، الآية رقم: (45).
(6) -انظر: (مختصر ابن كثير) (2/647).
(7) -انظر المعنى اللغوي في: (لسان العرب) (10/390).
(8) -سورة طه، الآيات رقم: (66-67-68-69).(1/243)
فكذلك محمد بن عثمان بن أبي شيبة يتلقف كل حديث باطل وكذب، فاللقف في اللغة تناول الشيء يرمى به إليك تقول: لقَّفَني تلقيفاً فلقِفْته والتقفته، ورجل لقْف ثقْف أي: سريع الفهم لما يرمى إليه من كلام باللسان، وسريع الأخذ لما يُرمى إليه باليد (1) .
قال الفراء: لَقِفْتُ الشيء ألقفه لقفاً ولقفاناً، قال: وهي التفسير تبتلع (2) .
ومنه حديث الحج: (تلقفتُ التلبية من في رسول الله-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-) أي: تلقفتها وحفظتها بسرعة (3) ... وهذا القول من مطين من المنافسة التي تقع بين الأقران، قال أبو نعيم-رحمه الله تعالى-: وقع بين ابن أبي شيبة ومطين كلام حتى خرج كل واحد منهما إلى الخشونة والوقيعة في صاحبه (4) .
قال الذهبي في ترجمة: مطين: (وكان متقناً، وقد تكلم فيه محمد بن عثمان بن أبي شيبة، وتكلم هو في ابن عثمان، فلا يعتد غالباً بكلام الأقران، لا سيما إذا كان بينهما منافسة، فقد عدد لمطين نحواً من ثلاثة أوهام، فكان ماذا؟! ومطين أوثق الرجلين، ويكفيه تزكية مثل الدارقطني له) (5) .
__________
(1) -انظر: (تهذيب اللغة) (9/155)، و(لسان العرب) (9/320)، و(تاج العروس) (6/248).
(2) -انظر: (تهذيب اللغة) (9/155).
(3) -انظر: (النهاية) (4/265).
(4) -انظر: (لسان الميزان) (1/47/ دار الكتب العلمية).
(5) -انظر: (السير) (14/42).(1/244)
وقال الشيخ مصطفى بن إسماعيل في المرتبة الخامسة: من مراتب التجريح من كتابه النفيس: (شفاء العليل): (وقولهم: "فلان عصى موسى تلقف ما يأفكون" (1) : هذا اللفظ قاله مطين محمد بن عبد الله الحضرمي إمام الكوفة وأحد أئمة الجرح والتعديل في محمد بن عثمان بن أبي شيبة الكوفي، ومطين قد توبع على تجريح محمد وخالفه آخرون، وحمل الحافظ الذهبي كلامهما في بعضهما على أنه من كلام الأقران في بعضهم الذين لا يقبل قول أحدهم في صاحبه (2) .
وأما عن معنى هذا اللفظ فقد سبق تفسير "اللقف" وهو تناول الشيء بسرعة، وهذا اللفظ يحتمل أن ابن أبي شيبة راوية للموضوعات والأباطيل فإذا سمع حديثاً موضوعاً فإنه يرويه عن شيخه الذي سمعه منه، وعيبه في هذه الحالة عدم التمييز أو: الشره الذي يؤدي إلى كثرة المناكير والبواطيل في حديثه، ويحتمل أنه يأخذ هذه الأحاديث ويدعيها لنفسه، وهذه سرقة والسرقة نوع من الكذب!
ولو تدبرت هذا اللفظ لوجدت أن الذي يليق به هو الاحتمال الأول وأنه راوية للموضوعات، سواء علم أنها موضوعة أو: جهل هذا ولم يميزه، لأن السارق غالباً يسرق الأحاديث الصحيحة الغريبة التي يشتهيها الناس، أما إذا كان الحديث موضوعاً أو: ضعيفاً ففي الغالب أن المحدثين لا ينشطون لسماعه أو: الرحلة إليه.
فإن قيل: إن كثيراً من النقاد بل: إن مطيناً نفسه قد صرح بكذبه وكذا ابن خراش-كما في "تاريخ بغداد"-فيحمل قول مطين السابق على أنه تكذيب لأن كلامه يفسر بعضه بعضاً؟
__________
(1) -وهذا اللفظ كناية عن قذف الراوي بالكذب والوضع في الحديث. انظر: (معجم علوم الحديث النبوي) (ص:245\رقم:738).
(2) -انظر: (تاريخ بغداد) (3\43\44\45)، و(14\43\45)، و(السير) (14/42)، و(تذكرة الحفاظ) (2\662)، و(الميزان) (3\607)، و(الكامل) (6\295)، و(التنكيل) (1\170\440\441\461)، و(ضوابط الجرح والتعديل عند الحافظ الذهبي) (2\670\672).(1/245)
فالجواب: أن قول من قال: بأنه يضع الحديث وقول مطين السابق ليسا في محل واحد فإن عصا موسى-عليه السلام-لم تختلق كذباً وإفكاً بل: تحولت إلى ما يلقف كذبهم وإفكهم، وقد نص مطين-رحمه الله تعالى-نفسه على مراده بقوله: "عصا موسى تلقف ما يأفكون".
وهذا اللفظ لولا مجموعة قرائن تدل على أنه لفظ تجريح لكان احتمال التعديل به أوجه، لأن عصى موسى أبطل الله بها الباطل وأقام بها الحق، وأما قول مطين-رحمه الله تعالى-بتكذيبه فلست أنكر أن يكون للإمام منهم في الرجل الواحد عدة أقوال متفاوتة عن أن تكون متقاربة، وإن كان هذا خلافاً للغالب من أقوالهم، والله أعلم) (1) .
وإلى هذا أشرت بقولي:
هُوْ عَصَا مُوسى غَدت ما يأفكون * ذي تَلقَّف في اقْتِدَارٍ وفُنُون
40- المصطلح الأربعون قولهم في الراوي: (فلان حمالة الحطب، أو:حاطب ليل):
ومن عبارات الجرح قولهم: (فلان حمالة الحطب (2) ، حاطب ليل) وهذه العبارة وقعت كثيراً في كتب الرجال وهي من استعمالات الناقد يحيى بن معين في تجريح النضر بن منصور الباهلي ويقال: العَنزي ويقال: الغنوي، قال عنه ابن معين: ليس بثقة، كذاب.
__________
(1) -انظر: (شفاء العليل بألفاظ وقواعد الجرح والتعديل) (1\256\257) تحت المرتبة الخامسة: من مراتب التجريح.
(2) -قال أبو الحسن المصري في كتابه: (شفاء العليل) (1\107): (وقولهم: "فلان من حمالة الحطب" جاء في "الجرح والتعديل" (8\479) ترجمة: النضر بن منصور قال عثمان بن سعيد: "قلت ليحيى بن معين: النضر بن منصور الغزي يروي عن ابن أبي معشر عن أبي الجنوب عن علي-رضي الله عنه-من هؤلاء؟ قال: أولاء حمالة الحطب" قال أبو محمد وهو عبد الرحمن بن أبي حاتم: "يعني أنهم ضعفاء" والرجل ترجم له الحافظ في "التقريب" بقوله: "ضعيف" والله أعلم). انظر: (4\18\رقم:7150)(1/246)
قال عثمان بن سعيد الدارمي-رحمه الله تعالى-: قلت-أي: ليحيى بن معين رحمه الله تعالى-: النضر بن منصور العنزي تعرفه؟ يروي عنه ابن أبي معشر محمد بن نجيح (1) ، عن أبي الجنوب (2) ، عن علي: من هؤلاء؟ فقال: (هؤلاء حمالة الحطب) (3) .
ولقد بين ابن أبي حاتم مراد يحيى بن معين في قوله هذا-حمالة الحطب (4) -فقال بعد روايته الخبر: يعني: أنهم ضعفاء (5) .
ولابن معين-رحمه الله تعالى-أقوال أخرى في النضر بن منصور:
1-نقل عنه الدوري (6)
__________
(1) -محمد بن نجيح السندي وهو ابن أبي معشر: صدوق، من العاشرة، مات سنة سبع وأربعين، وقد قارب المائة (التقريب) (2/213). و(تحريره) (3/326/رقم:6349).
(2) -عقبة بن علقمة اليشكري، أبو الجنوب-بفتح الجيم وضم النون وآخره موحدة-، كوفي: ضعيف من الثالثة (التقريب) (2/27)، و(تحريره) (3/27/28/رقم:4646).
(3) -انظر: (تاريخ عثمان بن سعيد) (ص:220)، و(الكامل) (لوحة:757أ) لابن عدي، و(الجرح والتعديل) (4/ق1/479)، و(المجروحين) (3/50)، و(الضعفاء) للعقيلي (نسخة الظاهرية ورقة:436)، و(تهذيب الكمال) (706ب)، و(تهذيبه) (10/445).
(4) -انظر: (معجم علوم الحديث النبوي) (ص:97\98\رقم:248).
(5) -انظر: (الجرح والتعديل) (4/ق1/479).
(6) -جاء في: (كتاب السلسبيل في شرح ألفاظ وعبارات الجرح والتعديل) للحافظ محمد بن عثمان الذهبي (ص:18\رقم:2) تحت عنوان: (عبارات تدل على معنى مغاير لما وضعت له) للذهبي، استخرج نصوصه ورتبه وعلق عليه وقدم له الشيخ: خليل ابن محمد العربي: (قال الأصم: لم أر في مشايخي أحسن حديثاً من عباس الدوري.
قلت: يحتمل أنه أراد بحسن الحديث:
أ-الإتقان-ومن ذلك ما أورده الترمذي في "العلل الكبير" (رقم:143) لما أورد حديث يعلى بن أمية-رضي الله عنه-قال: سمعت النبي-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-يقرأ على المنبر: (ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك). فقال: سألت محمداً-يعني: البخاري-عن هذا الحديث؟ فقال: "هو حديث حسن".
قال الشيخ خليل: ومع وصف البخاري لحديث يعلى بن أمية بالحسن، فقد أخرجه في أصول "صحيحه" (رقم:4819)، وكذلك مسلم (871).
ومنه أيضاً ما ذكره ابن أبي حاتم في تقدمة: (الجرح والتعديل) (1\175\176) عن شعبة بن الحجاج قال: "باب: ذكر مما رزق الله عز وجل شعبة من حسن الحديث"، ثم روى بإسناده عن يحيى القطان قوله: "ما لقيت أحداً أحسن حديثاً من شعبة. وقال أحمد بن حنبل: وشعبة حسن الحديث عن أبي إسحاق، وعن كل من يحدث عنه!!".
ب-أو: أنه يتبع المتون المليحة فيرويها.
قال الشيخ خليل بن محمد: سواء كان المتن صحيحاً أو: ضعيفاً بسبب ما فيه من غرابة أو: نكارة، ومن أمثلة ما يطلق اصطلاح الحسن على المتون الغريبة والمنكرة:
أ-ما رواه ابن أبي حاتم في تقدمة: (الجرح والتعديل) (1\146) بإسناده إلى أمية بن خالد: "قلت لشعبة: ما لك لا تحدث عن عبد الملك بن أبي سليمان؟ قال: تركت حديثه. قلت: تحدث عن فلان وتدع عبد الملك بن أبي سليمان؟! قال: تركته. قلت: إنه كان حسن الحديث. قال: من حسنها فررت".
ولمزيد الاطلاع والاستفادة في هذه الحيثية انظر ما ذكره أخونا الشيخ طارق بن عوض في كتابه الماتع: "الإرشادات في تقوية الأحاديث بالشواهد والمتابعات" (ص:127\150).
ج-أو: أنه أراد علو الإسناد.
د-أو: نظافة الإسناد، وتركه رواية الشاذ، والمنكر، والمنسوخ، ونحو ذلك.
فهذه أمور تقضي للمحدث إذا لازمها أن يقال: ما أحسن حديثه). انظر: (السير) (12\523).(1/247)
أنه قال عن النضر بن منصور: (ليس بشيء).
2-ومرة قال عنه: (ضعيف) (1) .
3-ونقل ابن أبي مريم أحمد بن سعد بن الحكم-رحمه الله تعالى-... أنه قال عنه: (ليس بثقة كذاب) (2) .
4-ونقل الساجي أبو يحيى زكرياء بن يحيى البصري عن ابن معين-رحمه الله تعالى-أنه قال فيه: (منكر الحديث) (3) .
المعنى اللغوي لحمالة الحطب:
قال الثعلبي-رحمه الله تعالى-: حمالة الحطب هي: أم جميل بنت حرب امرأة أبي لهب، وأخت أبي سفيان التي ذكرها الله في سورة تبت-(المسد)-يضرب بها المثل في الخسران فيقال: أخسر من حمالة الحطب.
قال الشاعر:
جمعت شيئاً ولم تحرز له بدلاً * لأنت أخسر من حمالة الحطب (4) .
ومراد ابن معين من هذا التعبير واضح بيّن فيه تضعيف الراوي المنعوت بهذا النعت.
كما استعمل تعبير (حاطب ليل) سعيد بن عبد العزيز بن أبي يحيى الدمشقي الثقة الثبت في سعيد بن بشير الأزدي مولاهم أبو عبد الرحمن البصري حيث قال عنه: (كان حاطب ليل)، وإنما شبهه بحاطب ليل لأنه إذا حطب ليلاً ربما نهشته الحية أو: العقرب أثناء احتطابه ليلاً فنهشته، فكذلك المكثر من الكلام ربما يتكلم بما فيه هلاكه.
قال ابن عدي: له عند أهل دمشق تصانيف ولا أرى بما يرويه بأساً، ولعله يهم في الشيء بعد الشيء ويغلط والغالب على حديثه الاستقامة والغالب عليه الصدق. (لسان الميزان) (1/47). قال صاحب (الضوابط) (ص:155) (صاحب ليل-أو: حاطب ليل-: كناية عن عدم الانتقاء وعما يعتري المُكثر من عدم الإتقان)-
__________
(1) -انظر حاشية: (التاريخ) لعثمان بن سعيد (220)، و(شرح ألفاظ التجريح النادرة أو: قليلة الاستعمال) (2\89).
(2) -انظر: (الكامل) (لوحة:757أ) لابن عدي، و(شرح ألفاظ التجريح النادرة أو: قليلة الاستعمال) (2\89).
(3) -انظر: (تهذيب التهذيب) (10\445)، و(شرح ألفاظ التجريح النادرة أو: قليلة الاستعمال) (2\89).
(4) -انظر: (ثمار القلوب في المضاف والمنسوب) (ص:241) لأبي منصور عبد الملك بن محمد الثعالبي.(1/248)
المعنى اللغوي:
قال أهل اللغة: ومن المجاز قولهم في الراوي: (رجل حاطب ليل) يتكلم بالغث والسمين مخلط في كلامه وأمره، لا يتفقد كلامه كالحاطب بالليل يحطب كل رديءٍ وجيد لأنه لا يبصر ما يجمع في حبله.
وقال الأزهري: شبه الجاني على نفسه بلسانه بحاطب الليل لأنه إذا حطب ليلاً ربما وقعت يده على أفعى فنهشته، وكذلك الذي لا يزم لسانه ويهجو الناس ويذمهم ربما كان ذلك سبباً لحتفه (1) .
وفي (مجمع الأمثال) يقال: المكثار كحاطب ليل، هذا من كلام أكثم بن صيفي-رحمه الله تعالى-.
قال أبو عبيد: وإنما شبهه بحاطب الليل لأنه ربما نهشته الحية ولدغته العقرب في احتطابه ليلاً، فكذلك المكثار ربما يتكلم بما فيه هلاكه، يضرب للذي يتكلم بكل ما يهجس في خاطره (2) .
قال الشاعر:
يا عجباً والدهر ذو عجائب * من شاهد وقلبه كالغائب
كحاطب يحطب في نجاده (3) * في ظلمة الليل وفي سواده (4)
ومن هذا المعنى اللغوي نجد أن تشبيه سعيد بن عبد العزيز ينطبق على حال سعيد بن بشير، فلكثرة مروياته عن قتادة وقعت فيها بعض الروايات التي أنكرها النقاد عليه، ويعود السبب في كثرة روايته عن قتادة بالرغم من كونه دمشقياً، وقتادة (بصري) صحبته لأبيه وإقامته معه في البصرة، وذلك لأن أباه كان شريكاً لسعيد بن أبي عروبة.
قال أبو حاتم الرازي لأحمد بن صالح: سعيد بن بشير دمشقي كيف هذه الكثرة عن قتادة؟ قال: كان أبوه شريكاً لأبي عروبة فأقدم بشير ابنه سعيداً البصرة فبقي يطلب مع سعيد بن أبي عروبة (5) .
__________
(1) -انظر: (تهذيب اللغة) (4/393)، و(لسان العرب) (1/322)، و(تاج العروس) (1/216).
(2) -انظر: (مجمع الأمثال) (2/304).
(3) -النجاد: حمائل السيف وحبائل الحمام.
(4) -انظر: (ثمار القلوب) (ص:513/514).
(5) -انظر: (الجرح والتعديل) (2/ق1/7)، و(تهذيب التهذيب) (4/9).(1/249)
ويبدو أنه كان حريصاً على الإكثار من روايته عن قتادة، ولم يكن متقناً ضابطاً لروايتها فعد ذلك ضعفاً فيه) (1) .
وهذه أمثلة ثلاثة من هذا التعبير (حاطب ليل) حضرتني الآن تنظر في كتاب:
1-(تهذيب التهذيب)(2/623/رقم:2683)،
2-و(4/250/رقم:4909)، (قال إسماعيل بن داود المخراقي عن مالك: كان ابن جريج حاطب ليل).
3-و(5/328/رقم:6502). قال الشعبي: قتادة (حاطب ليل) (2) .
وقال الشيخ مصطفى بن إسماعيل في المرتبة الرابعة: من مراتب التجريح من كتابه النفيس: (شفاء العليل)-بعد أن ذكر المعنى اللغوي للفظة: (حاطب ليل)-: (وقد قال الدارقطني في محمد بن مروان القطان: "شيخ من الشيعة حاطب ليل متروك لا يكاد يحدث عن ثقة" (3) .
وقال أبو خليد لسعيد بن عبد العزيز: "خذ عن سعيد بن بشير مولى بني نصر التفسير ودع ما سوى ذلك فإنه حاطب ليل" (4) .
وأنت إذا نظرت في هذا علمت أن الوصف بذلك يدل على أن الراوي ليس عنده تمييز ولا معرفة بالصحيح والسقيم، وهذا إما لقلة اشتغاله بهذا العلم أو: لإحكام غفلته.
غير أن هذا اللفظ ورد أيضاً في حق الأئمة المشاهير، كما قال الشعبي في قتادة بن دعامة السدوسي: "قتادة حاطب ليل"، فقال عبد الكريم الحوزي لابن عيينة-بعد أن ذكر بعض ما سبق عن أهل اللغة-: "هذا مثل ضربته لطالب العلم أنه إذا حمل من العلم ما لا يطيقه قتله علمه كما قتلت الأفعى حاطب ليل" (5) .
__________
(1) -انتهى من (شرح ألفاظ التجريح النادرة أو: قليلة الاستعمال) (1/88/ إلى:92).
(2) -انظر كتابي: (ذاكرة سجين مكافح) (1/56).
(3) -انظر: (سؤالات البرقاني للدارقطني) (ص:62)، و(شفاء العليل) (1\209)، تحت المرتبة الرابعة: من مراتب التجريح.
(4) -انظر: (الضعفاء الكبير) (2\100) للعقيلي، و(شفاء العليل) (1\209)، تحت المرتبة الرابعة: من مراتب التجريح.
(5) -انظر: (سير أعلام النبلاء) (5\272)، و(شفاء العليل) (1\210)، تحت المرتبة الرابعة: من مراتب التجريح(1/250)
وقال مالك بن أنس-رحمه الله تعالى-: "كان ابن جريج حاطبَ ليل". وقال يزيد بن زريع: "كان ابن جريج صاحبَ غثاء" (1) .
وقيل هذا في الثوري أيضاً-وهذا اللفظ إذا أطلق في هؤلاء الأئمة فلا يجوز لطالب علم أن يقول: إن هؤلاء الأئمة يروون الغث والسمين بدون علم منهم، أو: بدون تمييز لهذا من ذاك، ولكن معنى ذلك في حق هؤلاء الكبار أنهم يروون عن كل أحد ولا يتحرون الرواية عن الثقات، وقد يكون لهم في ذلك مقاصد معتبرة عند أهل الحديث كأن يكون قصدهم نشر الأخبار في الأمصار كما ذكره ابن حبان (2) عن الثوري في ترجمة: جابر بن يزيد الجعفي.
إذا علمت هذا اتضح لك أن صنيع الدكتور الهاشمي في رسالته النفيسة: (شرح ألفاظ التجريح النادرة، أو: قليلة الاستعمال) فيه قصور، حيث أشار إلى أن هذا اللفظ من عبارات التجريح ولم يفصّل بين ما إذا قيلت في إمام مشهور أو: في غيره، وإن كان الأصل في إطلاقها الجرح الشديد لكنه من عادته في هذه الرسالة أن يذكر الوجوه التي استعمل فيها اللفظ، وهذه الكلمة في حق المشاهير ليست جرحاً، غاية ما فيها أنها تدل على أن الإمام منهم ليس ممن ينتقي وهذا مذهب بعض الأئمة، والله أعلم-
__________
(1) -انظر: (المجروحين) (1\203)، و(شفاء العليل) (1\210)، تحت المرتبة الرابعة: من مراتب التجريح
(2) -انظر: (سير أعلام النبلاء) (5\272)، و(شفاء العليل) (1\210)، تحت المرتبة الرابعة: من مراتب التجريح(1/251)
وقال أيضاً: قول أحدهم: "فلان حاطب ليل": سبق أن هذا اللفظ من ألفاظ المرتبة الرابعة من مراتب التجريح، وأنه يدل على أن الراوي ليس عنده تمييز بين الصحيح والسقيم وبين حديثه وحديث غيره وأن الغفلة قد استحكمت به، لكن كما سبق أنهم قد يطلقون ذلك في الأئمة المشاهير المعروفين بالعدالة والإتقان كقتادة، وابن جريج وغيرهما، وهذا اللفظ في حق هؤلاء معناه أنهم لا يتقون في الرواية ويروون عن كل أحد، فإذا انفرد أحدهم بالرواية عن رجل ولم يعرف الرجل من جهة أخرى يكون مجهول عين، وستأتي إن شاء الله الألفاظ المرادفة لهذا اللفظ) (1) .
-وهذا الاستدراك-هذه المرة-من الشيخ مصطفى فيه نظر وقصور، والحق مع الدكتور الهاشمي فيما ذهب إليه (2) . والله أعلم
وإلى هذا أشرت بقولي:
وهو حَمَّالُ حَطَبْ حَاطِبُ لَيْلٍ * زَبَدٌ مُحْتَمَلٌ مِنْ كُلِّ سَيْلٍ
41- المصطلح الواحد والأربعون قولهم في الراوي: (فلان قد فرغ منه منذ دهر):
هذا التعبير والأسلوب (3) -(فلان قد فرغ منه منذ دهر)-استعمله أبو إسحاق إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني (ت: 259 هـ) في تجريح حفص بن سليمان الأسدي أبي عمر البزار الكوفي القارئ (ت: 180 هـ) فقد قال عنه: (حفص بن سليمان قد فرغ منه منذ دهر).
__________
(1) -انظر: (شفاء العليل) (1\209\210\333)، تحت المرتبة الرابعة: من مراتب التجريح
(2) -انظر: (معجم علوم الحديث النبوي) (ص:87\رقم:218).
(3) -انظر: (معجم علوم الحديث النبوي) (ص:165\رقم:470).(1/252)
وهذا الأسلوب كناية عن تجريحه وترك حديثه، ولم ينفرد الجوزجاني في تضعيفه لحفص هذا، بل: ضعفه أيضاً معظم النقاد وترك الرواية عنه عدد منهم... قال عبد الرحمن بن مهدي: والله ما تحل الرواية عنه (1) ...
والجوزجاني شابه في تعبيره هذا قول الإمام أحمد بن حنبل في: أبان بن أبي عياش فيروز أبو إسماعيل البصري العبدي (توفي في حدود 140 هـ): متروك الحديث، ترك الناس حديثه منذ دهر (2) إلا أن قول الإمام أحمد أكثر صراحة في تجريحه (3) ...
وقال الشيخ مصطفى بن إسماعيل في المرتبة الخامسة: من مراتب التجريح من كتابه النفيس: (شفاء العليل): (وقولهم: "فلان قد تركوا حديثه منذ دهر أو: قد فرغ منه منذ دهر": وممن يستعمل ذلك السعدي-رحمه الله-في كتابه: "أحوال الرجال" (ص:77\78\رقم:96\إلى:99)، ونحو ذلك قوله في أسد بن عمرو، وأبي يوسف، ومحمد ابن الحسن، والحسن بن زياد اللؤلؤي: "قد فرغ الله-تبارك وتعالى-منهم") (4) .
ومن ذلك قولهم في الراوي: (فلان خرافة)، أو: (حديث فلان حرافة):
__________
(1) -انظر: (أحوال الرجال) للجوزجاني (ص:77\رقم:96\97\98\99: أسد بن عمرو، وأبو يوسف يعقوب بن إبراهيم القاضي، ومحمد بن الحسن، واللؤلؤي: قد فرغ الله منهم)، وفي: (ص:110\رقم:174: أبو عمر بن سليمان: قد فرغ منه منذ دهر)، و(تهذيب التهذيب) (2/401).
(2) -انظر: (تهذيب التهذيب) (1/98)، وفي (العلل ومعرفة الرجال) (ص:135) بلفظ: (ترك الناس حديثه مذ دهر من الدهر).
(3) -انظر: (شرح ألفاظ التجريح النادرة أو: قليلة الاستعمال) (1/92/93).
(4) -انظر: (شفاء العليل بألفاظ وقواعد الجرح والتعديل) (1\219).(1/253)
هذه الكلمة استعملها الثقة الحجة (1) إبراهيم بن سعد بن إبراهيم الزهري المدني (ت: 185 هـ) في تضعيف شأن إبراهيم بن أبي يحيى الأسلمي مولاهم المدني.
فقد روى العقيلي بسنده إلى إبراهيم بن سعد أنه قال: (كنا نسمي إبراهيم بن أبي يحيى، ونحن نطلب الحديث: خرافة) (2) .
وكلمة: (خرافة) جاءت في حديث روته أمنا عائشة وأنس (3)
__________
(1) -الحجة لغة: البرهان. واصطلاحاً: هو من أحاط علمه بثلاثمائة ألف حديث، وقيل هو أقوى من الثقة، وكلام أبي داود السجستاني-رحمه الله-يقتضيه، فقد سأله الآجري عن سليمان ابن بنت شرحبيل، أهو حجة؟ فقال: الحجة أحمد بن حنبل، وكذا قال عثمان بن أبي شيبة في أحمد بن عبد الله بن يونس: ثقة، وليس بحجة، وقال ابن معين في محمد بن إسحاق: ثقة، وليس بحجة، وفي أبي خالد الأحمر: صدوق وليس بحجة.
ولعله لهذه النكتة قدمها الخطيب حيث قال: أرفع العبارات أن يقال: حجة أو: ثقة. انظر: (فتح المغيث) (1\337)، و(معجم علوم الحديث النبوي) (ص:89\90\رقم:222).
(2) -انظر: (الضعفاء الكبير) للعقيلي (1/62)، و(الميزان) (1/60)، و(السير) (8/398)، و(تهذيب التهذيب) (1/160).
(3) -وحديث أنس-رضي الله عنه-رواه ابن حبان في (المجروحين) (2\97) من طريق عثمان بن معاوية-يروي عن ثابت البناني الأشياء الموضوعة التي لم يحدث بها ثابت قط لا تحل الرواية عنه إلا على سبيل القدح فيه-وذكره الذهبي في (الميزان) (3\55\56) وذكر معه حديث عائشة.
وانظر الحديث في: (التذكرة في الأحاديث المشتهرة) للزركشي (ص:206)، و(المقاصد الحسنة) (ص:199\رقم:435)، و(تمييز الطيب) (ص:72)، و(كشف الخفاء) (رقم:1207)، و(مختصر المقاصد) (ص:101)، و(شرح ألفاظ التجريح النادرة أو: قليلة الاستعمال) (1\203).(1/254)
-رضي الله عنهما -قالت أمنا عائشة-رضي الله عنها-: (حدث رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ذات ليلة نساءه حديثاً، فقالت امرأة منهن: كأن الحديث حديث خرافة فقال: أتدرون ما خرافة؟ إن خرافة كان رجلاً من عُذْرة أَسَرَته الجن في الجاهلية، فمكث فيهم دهراً ثم ردوه إلى الإنس، فكان يحدث الناس بما رأى فيهم من الأعاجيب فقال الناس: حديث خرافة) (1) .
ووردت في كتب اللغة، وغريب الحديث والأمثال، والأدب.
__________
(1) -هذا الحديث ضعيف. رواه الترمذي في (الشمائل)، باب: ما جاء في كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في السمر.-أو: "أوصاف النبي - صلى الله عليه وسلم - " (ص:203\رقم:251)، وأحمد في (مسنده) (6/157)، وأبو يعلى، وقال الهيثمي في (المجمع) (4/315): رواه أحمد، وأبو يعلى، والبزار، ورجال أحمد ثقات، وفي بعضهم كلام لا يقدح. أقول: فيه مجالد بن سعيد اتهمه بالكذب الشافعي، ويحيى القطان، وعزاه الهيثمي أيضاً إلى الطبراني في "الأوسط"، وقال عنه: وفي إسناد الطبراني علي بن أبي سارة وهو ضعيف.
ورواه أبو الفرج النهرواني في (الجليس الصالح) (1\273)، وقال الحافظ ابن كثير في (البداية والنهاية) (6/47): (ومن غرائب الأحاديث وفيه نكارة، ومجالد بن سعيد يتكلمون فيه).
وضعفه الشيخ الألباني في مواضع كثيرة من كتبه، أذكر الآن:
1-(مختصر الشمائل)، (ص:134)،
2-وقال في (ضعيف الجامع الصغير وزيادته) (1/80): (ضعيف، وقال: مخرج في "الضعيفة" 1712).
3-وفي (السلسلة الضعيفة) (رقم:1712).
انظر: حاشية (شرح ألفاظ التجريح النادرة أو: قليلة الاستعمال) (1\202\206)، (وقناص الشوارد الغالية...) (ص:915\917\رقم:199).(1/255)
قال ابن منظور: والخرافة: الحديث المستملح من الكذب ثم قال بعد ذكره لحديث عائشة-رضي الله عنها-ولا تدخله الألف واللام لأنه معرفة إلا أن يريد الخرافات الموضوعة من حديث الليل أجروه على كل ما يكذبونه من الأحاديث، وعلى كل ما يُسْتَملح ويُتَعَجب منه (1) .
وقال النهرواني في تعليقه على الحديث: (عوامّ الناس يَرون أن قول القائل: هذا خرافة إنما معناه أنها حديث لا حقيقة له، وأنه مما يجري في السّمر للتأنس به وينتظم من الأعاجيب وطرف الأخبار ما يرتاح إليه ويستمتع أهل الأندية بالإفاضة فيه ويقطعون أوقات ندامهم بتداوله، وأنه أو: معظمه لا أصل له... ومما قاله أيضاً... ويقولون لما لا يحققون صحته من الأخبار: هذه خرافة، وهذا حديث خرافة) (2) .
والمعنى اللغوي الذي ذكره أهل الحديث، واللغة، والأدب ينطبق على حال إبراهيم بن أبي يحيى فقد كذبه جمع من الأئمة النقاد الصيارفة في تمييز الحديث ومعرفة الرجال...
__________
(1) -وفي: (تاج اللغة وصحاح العربية) (4/1349) وفيه: (فكان يحدث بما رأى-أي: فكذبوه)، و(المجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث) (1/569) وفيه: (... فكان يحدث بعجائب رآها يُصدقها الناس ويكذبها البعض...)، و(النهاية في غريب الحديث) (2/25)، و(لسان العرب) (9/65/66)، و(تاج العروس) (6/83-مادة:خرف)، و(مجمع الأمثال) (1/195/رقم:1028).
(2) -انظر: (الجليس الصالح الكافي) (1/274/275).(1/256)
واستعملها (1) أيضاً: أبو إسحاق إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني في تضعيف بقية بن الوليد بن صائد بن كعب الكَلاعي (2) -.
-وقال أبو مسهر الغساني: (أحاديث بقية ليست نقية فكن منها على تقية) (3) -.
حيث قال: وأما أبو يُحْمِد-فرحمه الله وغفر له-، ما كان يبالي إذا وجد خرافة عمن يأخذه فأما حديثه عن الثقات فلا بأس به (4) ...
وإلى هذين اللفظين أشرت بقولي:
قَدْ فُرِغْ يا صَاحِ مِنْهُ مُنْذُ دَهْرِ * كيف يُعتدُّ بهْ في كل أمرِ
__________
(1) -انظر: (شرح ألفاظ التجريح النادرة أو: قليلة الاستعمال) (1/202\206)، و(قناص الشوارد الغالية) (ص:915\917\رقم:199).
(2) -قال الحافظ في (التقريب) (رقم:734): (بقية بن الوليد بن صائد بن كعب الكلاعي: صدوق كثير التدليس عن الضعفاء). وعقب عليه الأرناؤوط، وعواد في (تحرير التقريب) (1\197\رقم:734) بقولهما: (بل: ضعيف، لأنه كان يدلس تدليس التسوية، وصورته أن يروي حديثاً عن شيخ ثقة، وذلك الثقة يرويه عن ضعيف غير ثقة، فيأتي المدلِّس الذي سمع الحديث من الثقة الأول فيسقط الضعيف من السند، ويجعل الحديث عن شيخه الثقة، عن الثقة الثاني بلفظ محتمل، فيستوي الإسناد كله ثقات، وهو شر أنواع التدليس، قادح في عدالة فاعله، وقد صح عن بقية أنه كان يفعله.
قال الذهبي في (الميزان): "قال أبو الحسن ابن القطان: بقية يدلس عن الضعفاء، ويستبيح ذلك، وهذا إن صح مفسد لعدالته. قلت-القائل هو الذهبي-: نعم والله صح عنه هذا أنه يفعله". وروى له مسلم حديثاً واحداً في المتابعات."1429 ").
(3) -انظر: (تهذيب التهذيب) (\446) ط: دار الكتب العلمية، و(الكامل في ضعفاء الرجال) (\72)، و(الصحيحة) (2\307\308\رقم:693)، و(5\8\9\رقم:2002)، و(قناص الشوارد الغالية...) (ص:173\رقم:52)، وهامش: (بيان الفجر الصادق) (ص:34\58).
(4) -انظر: (أحوال الرجال) (ص:175/رقم:312)، و(تهذيب تاريخ دمشق) (3/279)، و(السير) (8/459)، و(الميزان) (1/332).(1/257)
وهو لو فِكْره جِدّياً خُرافهْ * ليْسَ يَخْلُو مِن كُمِدْيَا وظُرَافَهْ!
42- المصطلح الثاني والأربعون قولهم في الراوي: (بيض الله عيني من يروي عنه):
هذا التعبير انفرد باستعماله الإمام محمد بن إدريس الشافعي حيث جرح به محمد بن عبد الله أبا جابر البياضي المدني. قال ابن أبي حاتم الرازي: ثنا ابن عبد الحكم-هو محمد بن عبد الله بن عبد الحكم بن أُعْيَن المصري-سمعت الشافعي وذكر له أبو جابر البياضي فقال: (بيض الله عيني من يروي عنه) (1) . وهذا جرح شديد لأن الإمام الشافعي كان ورعاً يتجنب الألفاظ الشديدة القاسية في التجريح ...
ثم ذكر الدكتور سعدي أقوال من جرحه جرحاً شديداً وختمها بقوله: وعليه فكلام الشافعي يدل على التجريح الشديد له، والحكم عليه بالترك لكذبه (2) .
وإلى هذا أشرت بقولي:
مَن رَوى عن ذلك العبد البياضِ * ذَهب الله بِعَيْنَيْهِ المِراضِ
43- المصطلح الثالث والأربعون قولهم في الراوي: (الله المستعان، أو: نسأل الله السلامة، أو: أسأل الله السلامة، اللهم سلِّم، نسأل الله الستر والصيانة، نسأل الله العافية، فلان له طامات، أوابد، يأتي بالعجائب، ونحوها).
__________
(1) -انظر: (آداب الشافعي) (ص:218)، و(الجرح والتعديل) (3/ق2/325)، و(الكنى) للدولابي (1/137)، و(الكامل) (6/2189)، و(الحلية) (9/108)، و(مناقب الشافعي) (ص:83) للفخر الرازي، قال الذهبي في (الميزان)(3/617): "من حدث عن أبي جابر البياضي بيض الله تعالى عينيه" وكذا في (لسان الميزان) (5/244). انتهى من كتاب (شرح ألفاظ التجريح النادرة أو: قليلة الاستعمال) (2/207) وما بعدها، و(شفاء العليل) (1\540).
(2) -انظر: (شرح ألفاظ التجريح النادرة أو: قليلة الاستعمال) (1\207\210)، و(قناص الشوارد الغالية...) (ص:795\796\رقم:153)(1/258)
وقد كنت بينت معاني هذه الألفاظ ونحوها في كتابي: (قناص الشوارد الغالية، وإبراز الفوائد والفرائد الحديثية) (ص:473\إلى:530\رقم:71) في سؤال رفعته إليَّ أم الفضل-حفظها الله-بالسجن المحلي بتطوان وهذا نص السؤال مع جوابه:
(مَرَّ بي-وأنا أقرأ في كتب الحديث-مصطلح أو: قاعدة لعلماء الجرح والتعديل وهي قولهم:
1-(هذا السند-أو: الحديث-آفته فلان) (1) .
2-أو: (فلان أو: شيخه).
3-أو: قولهم أيضاً: (الحمل فيه على فلان) (2) .
4-أو: (البلاء فيه من فلان).
5-أو: (البلية في هذا الحديث من فلان).
6-أو: (فلان له بلايا).
7-وتارة يزيدون إلى هذا الوصف أوصافاً أخرى فيقولون: (له بلايا، وطامات، وأوابد).
8-أو: يفردون كل وصف على حدة فيقولون: (فلان له طامات).
9-أو: (فلان له أوابد).
__________
(1) -ويرى البعض أن هذه العبارة: (آفته فلان): تلتحق بالمرتبة الثالثة عند السخاوي والسندي، وبالمرتبة الثانية عند العراقي والذهبي، وبالمرتبة الخامسة عند السيوطي، وبالمرتبتين الأخيرتين عند ابن أبي حاتم وابن الصلاح، وبالمرتبة الحادية عشرة عند الحافظ ابن حجر. انظر: (تنزيه الشريعة) (1\34)، و(معجم علوم الحديث النبوي) (ص:41\42\رقم:84).
(2) -أي: المتهم بوضعه فلان، وعليه فتكون من المرتبة الثانية من مراتب الجرح عند الذهبي والعراقي والسيوطي، ومن الثالثة عند السخاوي والسندي، وقد قال-شيخنا-الشيخ عبد الفتاح أبو غدة-رحمه الله-بأن السخاوي والسندي جعلها من الثانية، ولا أظن ذلك يستقيم على تقسيمهما، فقد نقل عنهما اللكنوي في (الرفع والتكميل) (ص:168\160): أن المرتبة الثانية عندهما من وصف بدجال وكذاب ووضاع، والثالثة من قيل فيه: يسرق الحديث، أو: متهم بالكذب أو: الوضع...
فكان حق هذه الجملة بهذا المعنى الذي قررته وقرره غيري، هو المرتبة الثالثة على تقسيمهما، لا الثانية، والله أعلم. انظر: (معجم علوم الحديث النبوي) (ص:98\رقم:250). بتصرف يسير مني.(1/259)
10-أو: (له عجائب عن فلان).
11-أو: (يأتي بالعجائب) (1) .
12-أو: (أحاديث فلان بواطيل، أو: لم يكن حديثه بصحيح، أحاديثه مسواة موضوعة،
أو: من أباطيله كذا وكذا) (2) .
وقواعد أخرى لو رمت حصرها وتسجيلها كلها لجاءت في مؤلف كبير من غير مبالغة.
ولا أدري هل المراد منها الجرح الشديد، أم الجرح الخفيف المغتفر؟ أفيدونا-كثر الله
فوائدكم-زوجي وأستاذي العزيز أطلق الله سراحكم (3) ؟.
ج: أقول: دامت-أم الفضل-فوائدكِ، ومدت على الطالبات موائدك، ونفعكِ-الله-ونفع بك في علم الحديث رواية ودراية.
__________
(1) -انظر: (معجم علوم الحديث النبوي) (ص:147\148\151\رقم:414).
(2) -قال الشيخ مصطفى بن إسماعيل في كتابه النفيس: (شفاء العليل بألفاظ وقواعد الجرح والتعديل) (1\249) تحت المرتبة الخامسة: من مراتب التجريح: (وإن كان برهان الدين الحلبي قد صرح بأن قولهم: "من أباطيله كذا وكذا، أو: من بلاياه كذا وكذا، أو: من مصائبه كذا وكذا": أنه كناية عن الوضع كما في كتابه: "الكشف الحثيث عمن رمي بوضع الحديث" (ص:81\121\130\132-وغير ذلك):
والظاهر لي أن ذلك مجمل فقد يكون سبب ذلك الغفلة الشديدة دون تعمد الوضع، ونحوه قولهم: "أتى بطامة لا تطاق، أو: أتى بطامات وفضائح".).
قال المحبوس عمر الحدوشي: والذي يظهر لي-خلاف ما ذهب إليه الشيخ أبو الحسن-أن الحق مع العلامة برهان الدين الحلبي إذا قيد بقولنا: (في الغالب الأعم)، وما جاء على خلاف ما قرره الإمام برهان الدين-رحمه الله-فيقال: هذه الصورة مستثناة من التقرير العام الذي قرره العلامة برهان الدين. والله أعلم.
(3) -فائدة: يقال أُطلق سراح فلان وهو خطأ لأن الإطلاق هو السراح، والصواب أن يقال أطلق فلان، أو سرح. من كتاب (نقل النديم) (ص:28) لشيخنا العلامة الأديب أبي أويس محمد بوخبزة.(1/260)
فبالمذاكرة والتحديث يحيى الحديث، كما قال أبو سعيد: (تذاكروا الحديث، فإن الحديث يهيج الحديث). وفي رواية أخرى: (تحدثوا وتذاكروا، فغُنَّ الحديث يذكر بعضه بعضاً).
وفي رواية أخرى عن علقمة: (تذاكروا الحديث، فإنَ ذكر الحديث حياته) (1) .
فكثرة الاشتغال والممارسة لألفاظ النبي-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-تكسبكِ-أم الفضل-ملكة واختصاصاً واطلاعاً كبيراً في معرفة الصحيح، والضعيف، والموضوع (2) .
__________
(1) -انظر: (المدخل إلى السنن الكبرى) (2/5/6). للإمام البيهقي، في (جامع بيان العلم وفضله) (1\251) أن الإمام ابن شهاب الزهري قال: (العلم ذكر يحبه ذكور الرجال، ويكرهه مؤنثه).
(2) -قالت أم الفضل في (إشعار النبيه إلى فوائد التنبيه) (ص:5\6): (وقد جزم الشيخ أبو محمد الجويني والد الإمام الحرمين أبي المعالي بكفر من تعمد الكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحكى ابنه عن والده أنه كان يقول في درسه كثيراً: (من كذب على رسول الله عمداُ كفر وأريق دمه).
وضعف ابنه هذا القول فقال: إنه لم يره لأحد من الأصحاب، وإنه هفوة عظيمة-يعني من والده الشيخ أبي محمد الجويني.
قال السيوطي في "ألفية الحديث":
كالواضعين في فضائل السور * فمن رواها في كتابه فَذَرْ
والوضع في الترغيب ذو ابتداع * جوزه (مخالف الإجماع
وجزم الشيخ أبو محمد * بكفره بوضعه إن يقصِدِ)
وغالب الموضوع مما اختلقا * واضعه وبعضهم قد لفَّقَا
كلام بعض الحكما ومنه ما * وقوعُه من غير قصدٍ وَهَمَا
وفي كتاب ولد الجوزي ما * ليس من الموضوع حتى وُهِّما
(من الصحيح) والضعيف (والحسن * ضمنته كتابيَ "القوْل الحسَنْ"
ومن غريب ما تراه فاعلم * فيه حديث من صحيح مسلم!)
وقال شيخنا المحدث محمد الأثيوبي في (الجليس الأمين...) (ص:35):
وبالغ الشيخ أبو محمدِ * مكفراً به لهذا المعتدي
والهَمَذانيًّ له موافق * والذهبيّ له ما يرافق
إن حرم الحلال، أوفى ضِدِّهِ * وإنَّما الشأن يجي في غيره
ومن يقل: مؤَوِّلاً لمن كَذَبْ *في رجلٍ معَيَّنٍ فقد كذبْ).(1/261)
ونحوها فقد قال الربيع بن خيثم (1) : (إن للحديث ضوءاً كضوء النهار تعرفه، وظلمة كظلمة الليل تنكره) (2) .
وقال ابن الجوزي: (الحديث المنكر يقشعر له جلد طالب العلم، وينفر منه قلبه في الغالب، قال البُلقيني (3) : وشاهد ذلك-وفي رواية: وشاهد هذا-أن إنساناً لو خدم إنساناً آخر سنين، ويعرف ما يحب وما يكره، فادعى أنه كان يكره شيئاً يعلم ذلك أنه يحبه، فبمجرد سماعه يبادر إلى تكذيبه).
ولابن القيم في أول (مناره) (ص:44\45) جواب قيم فارجعي إليه-إن شئْتِ- ففيه متعة وفائدة.
وهناك عبارات كثيرة طيبة وثرية ومفيدة (4) للسلف والخلف تضبط الأسانيد والمتون مطلقاً فدونكِ هذا الجواب لعله يروي الغُلة، ويشفي العلة.
أقول: قولهم في الراوي: (آفته فلان): كناية عن الوضع، والمتهم بوضعه فلان، أو: آفته في رده أو: نكارته، أو: غير ذلك فلان.
__________
(1) -قال عنه عامر الشعبي: (كان من معادن الصدق) (تهذيب التهذيب) (3/3242).
(2) -انظر: (المحدث الفاصل) (ص:316)، و(الكفاية) (ص:431)، و(الكامل في ضعفاء الرجال) (1\55)، و(تنزيه الشريعة) (1\7)، و(معرفة علوم الحديث وكمية أجناسه) (ص:244) تحت عنوان: (ذكر النوع التاسع عشر من علوم الحديث: معرفة الصحيح والسقيم)، انتهى من هامش: (بيان الفجر الصادق) (ص:30).
(3) -انظر: (تدريب الراوي) (ص:180)، وهامش: (بيان الفجر الصادق) (ص:30).
(4) -ولمشقتها وصعوبتها قال الحافظ السخاوي: (ولو اعتنى بارع بتتبعها ووضع كل لفظة بالمرتبة المشابهة لها مع شرح معانيها لغة واصطلاحاً لكان حسناً، وقد كان شيخنا-أي: الحافظ ابن حجر-يلهج بذكر ذلك مهما تيسر، والواقف على عبارات القوم يعرف مقاصدهم لما عرف من عباراتهم في غالب الأحوال وبقرائن ترشد إلى ذلك). انظر: (فتح المغيث)(1/336)، و(الباعث الحثيث) (ص:107). انظر ما سبق حول هذا الموضوع في هذا الجزء (ص:6\115\117)(1/262)
وهذه العبارة: (آفته فلان) جاءت في كتاب (تنزيه الشريعة المرفوعة)-لابن عراق مئات المرات فإليك بعض النماذج من ذلك-
وكذا من "تهذيب التهذيب" و(هدي الساري) وغيرهما من الكتب التي تعنى بالرجال-:
1-وجاء في (تنزيه الشريعة المرفوعة) (1/22) ترجمة: (إبراهيم بن صبيح الطَّلْحي، شيخٌ لمُطَيَّن، روى عن ابن جريج خبراً موضوعاً، هو آفته).
2-وجاء في (تنزيه الشريعة المرفوعة) (1/23) ترجمة: (إبراهيم بن عيسى القنطري، عن أحمد بن أبي الحَوَارى، بخبر موضوع، هو آفته).
3-وجاء في (تنزيه الشريعة المرفوعة) (1/26) ترجمة: (أحمد بن حجاج بن الصّلت، عن سَعْدُوْيَه، وعنه عن محمد بن مَخْلد العطار، بخبر باطل، وهو آفته).
4-وجاء في (تهذيب التهذيب) (2/45/رقم:1480-ترجمة: الحسن بن صالح بن حَي، وهو حيّان بن شُفَى بن هُنَى بن رافع الهمذاني الثوري. قال البخاري: يقال: حَي لقب): (...وقد حدث أحمد بن يونس عنه عن جابر، عن نافع، عن ابن عمر في شرب الفضيخ وهذا حديث منكر. قلت: الآفة من جابر وهو الجعفي) (1) .
__________
(1) -فائدة: قال الحاكم: (هو-يعني خارجة بن مصعب الخراساني-في نفسه ثقة). قال الذهبي في (السير) (7\327)، و(تاريخ الإسلام) (10\158)، و(كتاب السلسبيل في شرح ألفاظ وعبارات الجرح والتعديل) (ص:32\34\رقم:13): (يعني: ما هو بمتهم). وأحياناً يعبرون بقولهم: "هو صدوق في نفسه". قاله الذهبي في ترجمة: علي بن عمر، أبي الحسن الحميري الحربي من "ميزانه" (3\148).
والأئمة حينما يطلقون هذا القول في الرواة، يريدون به عدة معان:
أ-الثوثيق المطلق:
ومثاله ما قاله أبو حاتم الرازي في يزيد بن عبد الله بن الهادي الليثي-كما في (الجرح والتعديل) (9\275)-: "ابن الهاد أحب إليَّ من عبد الرحمن بن الحارث، وأحب إليَّ من محمد بن عمرو بن علقمة، وهو وابن عجلان متساويان، وهو في نفسه ثقة".
وقد قال في ابن عجلان: "ثقة" كما في (الجرح والتعديل) (8\50). إلا أن استخدامهم هذا التعبير في الرواة الثقات مطلقاً من أندر ما يكون.
ب-أن يكون الراوي أحد المتروكين، وقد اتهم بالكذب، وهو بريء منه: كما جاء عن الحاكم ها هنا في خارجة بن مصعب الخراساني، وفسره الذهبي بكونه غير متهم.
ج-أن يكون الراوي أحد الثقات، إلا أنه قد مُسَّ بضرب من ضروب التجريح، ومن ذلك:
أن يُذكر في أسانيد تأتي من طريقها متون منكرة، وتكون العلة من غيره، وذلك مثل:
1-إبراهيم بن أبي عبلة، قال الدارقطني-كما في "سؤلات الحاكم" (ت274)-: "الطرقات إليه ليس تصفو، وهو بنفسه ثقة، لا يخالف الثقات، إذا روى عنه ثقة".
2-بقية بن الوليد، قال ابن عدي في (الكامل) (5\174): "بقية يحدث عن مجهولين بعجائب، وهو في نفسه ثقة لا بأس به صدوق، ما يقع فيه حديثه من الإنكار فإنما يقع من جهة من يروي عنه".
3-أبو الزبير محمد بن مسلم بن تدرس المكي، قال ابن عدي في (الكامل) (6\126): (وكفى بأبي الزبير صدقاً إن حدث عنه مالك، فإن مالكاً لا يحدث إلا عن ثقة-قال الحدوشي: هذا في الأصل الغالب وإلا فقد ثبت أنه أخذ وحدث عن عبد الكريم أبي المخارق وبينه وبين التوثيق كما بين السماء والأرض-ولا أعلم أحداً من الثقات تخلف عن أبي الزبير إلا وقد كتب عنه، وهو في نفسه ثقة، إلا أن يروي من قبله، وأبو الزبير يروي أحاديث صالحة، ولم يتخلف عنه أحد، وهو صدوق وثقة، لا بأس به).
أو: أن يكون مدلساً:
1-قال الحافظ ابن عبد البر في مقدمة: (التمهيد) (1\17): (مَن عُرِف بالتدليس المجتمع عليه، وكان من المسامحين في الأخذ عن كل أحد، لم يُحتج بشيء مما رواه حتى يقول: أخبرنا، أو: سمعت. هذا إذا كان عدلاً ثقة في نفسه).
2-وقال الحافظ الذهبي في ترجمة: ابن جريج من (السير) (6\332): (الرجل في نفسه ثقة، حافظ، لكنه يدلس بلفظة: "عن"، و"قال"...).
أو: مرسلاً:
1-قال ابن عدي في (الكامل) (5\116): (وعمرو بن شعيب في نفسه ثقة، إلا أنه إذا روى عن أبيه، عن جده على ما نسبه أحمد بن حنبل يكون ما رواه عن أبيه، عن جده، عن النبي-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-مرسلاً).
2-قال الذهبي في (المغني) (ت4202): (علقمة بن وائل بن حجر، عن أبيه، قال ابن معين: مرسل، قلت: هو في نفسه ثقة).
أو: أن يُرمى ببدعة:
1-قال الحافظ الذهبي في (السير) (6\338): (سيف بن سليمان المكي، هو في نفسه ثقة، لكن رماه يحيى بن معين بالقدر).
أو: اتهم بإلحاق اسمه في غير مسموعاته:
1-قال الخطيب البغدادي في ترجمة: علي بن عمر بن محمد الحميري السكري من (تاريخه) (12\41): (سألت الأزهري عن السكري؟ فقال: صدوق، كان سماعه من كتب أخيه، لكن بعض أصحاب الحديث قرأ عليه شيئاً منها لم يكن فيه سماعه، وألحق فيه السماع، وجاء آخرون فحكوا الإلحاق وأنكروه، وأما الشيخ فكان في نفسه ثقة).
أو: بسبب روايته نسخة متكلم في إسنادها:
1-قال الإمام أبو زرعة الرازي: (عمرو بن شعيب مكي، كأنه ثقة في نفسه، إنما تكلم فيه بسبب كتاب عنده)-كما في (الجرح والتعديل) (6\139)-ومما سبق ذكره يُعلم أن جُلَّ من قيل فيه: "في نفسه ثقة" أو: ما شابهها وكان من الثقات فلا بد وأن يكون قد مُسَّ بضربٍ من ضروب التجريح. انتهى من هامش: (كتاب السلسبيل في شرح ألفاظ وعبارات الجرح والتعديل) (ص:32\34\رقم:13).(1/263)
5- وجاء في (تهذيب التهذيب) (5/179/رقم:6211-ترجمة: العلاء بن هلال بن عمر بن هلال بن أبي عطية الباهلي، أبو محمد الرَّقِّي):
(وقال النسائي: هلال بن العلاء روى عن أبيه غير حديث منكر، فلا أدرى منه أتى أو: من أبيه).
6- وفي (6/38/رقم:7417-ترجمة: محمد بن مرداس الأنصاري أبو عبد الله البصري): (ذكر صاحب (الميزان) أنه روى عن خارجة بن مصعب (1) خبراً باطلاً، وعندي أن الآفة فيه من شيخه).
7- قال الحافظ الذهبي في (الميزان) (3/51/52) في ترجمة: (عثمان بن فائد القرشي البصري)، وقد ساق فيها جملة من الأحاديث الموضوعة، وقال في بعضها: والآفة فيه عثمان، وبعضها: المتهم بوضعها عثمان).
8- وقال الحافظ في (هدي الساري) (434/463) من (توجيه القاري) (17/345): (897-ابن حبان: من أوهامه تضعيف راوٍ الآفة فيمن دُونه).
9- وفي (هدي الساري) أيضاً: (434/444/463) و(التوجيه) (17/346): (ابن عدي: من أوهامه في (الكامل) تضعيف أحاديث شيخ والآفة فيمن يروي عنه).
10- ومن العجب والعجائب جمة أقرأ سؤالك هذا-أم الفضل-الآن وفي يدي (مسند) الإمام أحمد ط: مؤسسة الرسالة، وقد وصلت-في قراءته-إلى:
(2/177/رقم:792-هامش): (قيس بن الربيع مضطرب الحديث (2)
__________
(1) -قال الشيخ مصطفى بن إسماعيل في كتابه النفيس: (شفاء العليل بألفاظ وقواعد الجرح والتعديل) (1\250) تحت المرتبة الخامسة: من مراتب التجريح: (ومن ذلك قول أبي الأحوص: "كنت إذا مررت بجابر الجعفي سألت ربي العافية"-كما في "تهذيب التهذيب" (2\49)، وهذا إما لفحش قوله وخبث معتقده فقد كان يؤمن بالرجعة، ويحتمل أن ذلك للكذب الذي رمي به فقد كذبه غير واحد، ومع الإجمال فمحله هنا، والله أعلم).
(2) -مضطرب: من المرتبة الرابعة من مراتب الجرح عند العراقي، ومن الخامسة عند السخاوي والسندي. انظر: (معجم علوم الحديث النبوي) (ص:221\رقم:667).
وقيس بن الربيع الأسدي من السابعة، قال عنه الحافظ في (التقريب) (رقم:5573): (صدوق تغير لما كبر وأدخل عليه ابنه ما ليس من حديثه فحدث به).
وعقب على الحافظ ابن حجر الأرناؤؤط وعواد في (تحرير التقريب) (3\186\187\رقم:5573): (بل: ضعيف يُعتبر به في الشواهد والمتابعات، فقد ضعفه:
1-يحيى بن معين،
2-وعفان،
3-ويعقوب بن شيبة،
4-ويعقوب بن سفيان،
5-وابن حبان،
6-والدارقطني،
7-وأبو أحمد الحاكم، وغيرهم.
ووثقه شعبة وسفيان الثوري، لكن قال ابن المبارك: "قد سَبَرتُ أخبار قيس بن الربيع من رواية القدماء والمتأخرين وتتبعتها فرأيته صدوقاً مأموناً حيث كان شاباً، فلما كبر ساء حفظه وامتحن بابن سوء، فكان يُدخل عليه الحديث فيجيب فيه ثقة بابنه، فلما غلب المناكير على صحيح حديثه ولم يتميز استحق مجانبته عند الاحتجاج، فكل من مدحه من أئمتنا وحث عليه كان ذلك منهم لما نظر إلى الأشياء المستقيمة التي حدث بها عن سماعه، وكل من وهاه منهم، فكان ذلك لما علموا مما في حديثه من المناكير التي أدخل عليه ابنه وغيره".
قلنا: من هنا جاء توثيق شعبة وسفيان له إذ عرفوه شاباً، لكن نظراً لاختلاط حديثه الصحيح بمنكراته وعدم وجود السبيل للفصل بينهما، فإنه يُضعف).(1/264)
وضعّفه غير واحد، وآفته من ابن له كان يأخذ حديث الناس، فيدخله في كتاب قيس ولا يَعْرف الشيخ ذلك، ولينه أحمد، وقال: روى أحاديث منكرة).
11- وجاء في (تذكرة الحفاظ) للذهبي (1/274/رقم:259-ترجمة: شيخ الإسلام إبراهيم ابن محمد بن الحارث أبو إسحاق الفزاري): (أخبرنا أحمد بن إسحاق أنا المبارك، أنا ابن أبي الجواد، أنا أحمد بن أبي غالب، أنا عبد العزيز بن علي، أنا أبو طاهر المخلص، نا محمد بن هارون، نا زيد بن سعيد، نا أبو إسحاق الفزاري، عن الأعمش، عن مجاهد، عن ابن عباس قال: قال رسول الله-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-: (من أدخل على مؤمن سروراً فقد سرَّني ومن سَرني فقد اتخذ عند الله عهداً فلن تمسّه النار أبداً).
هذا حديث منكر غريب مردود لا يحتمله (1) أبو إسحاق وزيد الآفة منه مع أنه ما ذكروه من الضعفاء).
12- وفي (تذكرة الحفاظ) (4/1239/رقم:1051-ترجمة: أبي الفتيان عمر بن عبد الكريم الرواسي): ذكر حديثاً: (من حفظ على أمتي حديثاً واحداً كان له أجر أحد وسبعين نبياً وصديقاً). فقال: (قال أبو الفتيان: كتبه عني أبو بكر الخطيب الحافظ بصور.
قلت: هذا مما تحرم روايته إلا مقروناً بأنه مكذوب من غير تردد قبح الله من وضعه وإسناده مظلم وفيهم ابن رزام كذاب لعله آفته).
13-وجاء في (تنزيه الشريعة) (1/26/رقم:95) ترجمة: (أحمد بن حجاج بن الصلت عن سعدويه وعنه محمد بن مخلد العطار بخبر باطل وهو آفته)
14-وجاء في (تنزيه الشريعة) (1/28/رقم:116) ترجمة: (أحمد بن سعيد بن خيشنة الحمصي عن عبيد الله بن القاسم بخبر موضوع، الآفة هو أو: شيخه).
__________
(1) -ويشبه هذا التعبير-في الإثبات-قولهم: (قد احتمله الناس)، (تُحتمل رواياته): فإنه يدل على أن في رواياته المناكير الكثيرة، لكن لا يترك حديثه وهذا من ألفاظ التجريح. انظر: (شفاء العليل) (1\147).(1/265)
15-وجاء في (تنزيه الشريعة) (1/28/رقم:131) (أحمد بن عبد الله بن مسمار عن أبي الربيع الزهراني، بخبر باطل في فضل معاوية وآخر عن الربيع بن سليمان كذب فهو الآفة قاله الذهبي).
16-وجاء في (تنزيه الشريعة) (1/29/رقم:139) ترجمة: (أحمد بن عبد الله بن محمد.. قال في "الكَشْف" ذكره الذهبي في ترجمة عبد الله بن الزبير، وقال: موضوع لعل الآفة الشيباني (قلت): هذا يحتمل أنه الجويباري فإنه يقال له الشيباني أيضاً والله أعلم).
17-وجاء في (تنزيه الشريعة) (1/30/رقم: 152) ترجمة: (أحمد بن عصمة النيسابوري أبو الفضل قاضي نيسابور، عن إسحاق بن راهويه مُتَّهم قال الذهبي: روى خبراً موضوعاً هو آفته).
18-وجاء في (تنزيه الشريعة) (1/32/رقم:196) ترجمة: (أحمد بن محمد بن صالح بن عبد ربه أبو العباس المنصوري القاضي عن أبي روق الهزاني بخبر باطل هو آفته).
19-وجاء في (تنزيه الشريعة) (1/33/رقم:197) ترجمة: (أحمد بن محمد بن صالح التمار، قال: ثنا ابن وارة فذكر خبراً موضوعاً هو آفته).
20-وجاء في (تنزيه الشريعة) (1/34/رقم:216) ترجمة: (أحمد بن محمد المخْرَمِي عن عبد العزيز ابن الرماح عن ابن عيينة عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس قال: لما قتل ابن آدم أخاه قال آدم:
تغيرت البلاد ومن عليها *............
الأبيات، قال الذهبي: الآفة المخرمي أو: شيخه.
(تنبيه مهم) قال الحافظ برهان الدين الحلبي-في (الكشف الحثيث عمن رمي بوضع الحديث)-الظاهر قولهم: (إن آفته فلان كناية عن الوضع، ويحتمل أن يكون المراد آفته في رده أو: نكارته أو: غير ذلك).
قال ابن عراق: (إن قالوا: موضوع أو: باطل آفته فلان، فهو كناية عن الوضع-قال شيخنا أبو غدة: أي: المتهم بوضعه فلان أو: واضعه فلان، أو: وضعه فلان-وإن قالوا: منكرٌ آفته فلان، فمرادهم في نكارته، وإن قالوا: آفته فلان، فقط، فهذا محلُّ التَّردُّد، والله أعلم).(1/266)
21-وجاء في (تنزيه الشريعة) (1/35/رقم: 240) ترجمة: (أحمد بن يوسف المنبجي، لا يعرف وأتى بخبر كذب قال الذهبي: هو آفته).
22-وجاء في (تنزيه الشريعة) (1/44/رقم:6) ترجمة: (جامع بن سواد عن آدم بن أبي إياس، قال الذهبي: أتى بخبر باطل في الجمع بين الزوجين كأنه آفته).
23-وجاء في (تنزيه الشريعة) (1/45/رقم:14) ترجمة: (جعفر بن عتبة بن عبد الرحمن الحرستاني بخبرين باطلين، فالآفة هو أو: أبوه) (1) .
24-وجاء في (تنزيه الشريعة) (1/46/رقم:30) (جعفر بن محمد بن بكار الموصلي عن أبي خليفة الجمحي بخبر موضوع كأنه آفته).
25-وجاء في (تنزيه الشريعة) (1/47/رقم:8-من حرف الحاء المهملة): ترجمة: (حامد بن حماد العسكري عن إسحاق بن سيار النصيبي بخبر موضوع هو آفته).
26-وجاء في (تنزيه الشريعة) (1/52/رقم:12) ترجمة: (الحسين بن سليمان النحوي عن أحمد بن حنبل بثلاثة أحاديث مكذوبة هو آفتها).
27-وجاء في (تنزيه الشريعة) (1/57/رقم:20) ترجمة: (خزيمة بن ماهان المروزي بخبر موضوع، وعنه محمد بن أحمد القطواني فآفته أحدهما).
28-وجاء في (تنزيه الشريعة) (1/57/رقم:22) ترجمة: (خطاب بن عبد الدايم عن يحيى بن المبارك الصنعاني، وعنه محمد بن فارس بخبر باطل والثلاثة ضعفاء فآفته أحدهم).
وقولهم: (الحمل فيه على فلان) نحو قولهم: (آفته فلان): يعنون به أيضاً: (أنه المتهم بوضعه).
فإليكِ بعض الشواهد في ذلك:
__________
(1) -قال الشيخ مصطفى بن إسماعيل في كتابه النفيس: (شفاء العليل بألفاظ وقواعد الجرح والتعديل) (1\250) تحت المرتبة الخامسة: من مراتب التجريح: (وقوله: "فلان من الآفات": والآفة: العاهة، وفي "المحكم": "عرض مفسد لما أصاب من شيء، ويقال: آفة الظرف الصّلف، وآفة العلم النسيان، وطعام مؤوف: أصابته آفة"، وفي غير "المحكم": "طعام مأووف وإيف الطعام فهو مئيف مثل معيف"-كما في "اللسان" "9\16").(1/267)
1- جاء في (ميزان الاعتدال) للحافظ الذهبي (1/91) في ترجمة: (أحمد بن الحسن أبو حَنَش).
قول الذهبي: (اتّهمَه الخطيب بوضع هذا الحديث... قال الخطيب: والحمل فيه عليه).
2- وجاء في (تنزيه الشريعة المرفوعة) ترجمة: (1/50): (الحسن بن علي بن محمد بن إسحاق بن زر اليماني الدمشقي، عن علي بن بابويه الأسواري، بخبر كذب، والحمل فيه عليه أو: على شيخه فإنهما مجهولان).
3- وجاء في (تنزيه الشريعة المرفوعة) (1/68) ترجمة: (صالح بن الفتح بن الحارث أبو محمد الشامي، عن الفضل بن أحمد بن عامر، بخبر موضوع، وهو وشيخه مجهولان، فالحمل فيه على أحدهما).
4- وجاء في (تنزيه الشريعة المرفوعة) ترجمة: (عُمر نسطاس، عن بكير بن القاسم، بخبر باطل، والحمل فيه عليه).
5- وجاء في (تنزيه الشريعة المرفوعة) ترجمة: (محمد بن أحمد الحليمي، عن آدم بن أبي إياس، بأحاديث باطلة، قال ابن ماكولا: الحمل فيه عليه).
6- قال المحدث المعلمي في كتابه المليء بالفوائد الحديثية الموسوم بـ(التنكيل بما في تأنيب الكوثري من أباطيل) (1/282): (ثم مال الأستاذ-يعني: الكوثري-إلى الإنصاف فذكر أنه يجب الذب عن إبراهيم بن سعيد-الجوهري-ولكنه جعل الحمل على عبد الرحمن بن حراش).
7- وفي (1/406/رقم:36) ترجمة: أحمد بن محمد المنكدري-بعد أن ذكر قول الكوثري: (أما المنكدري فكثير الانفراد والإغراب، قال الإدريسي: في حديثه المناكير، وأنكر عليه أيضاً أبو جعفر الأرزناني، وقال الحاكم: كان له إفرادات وعجائب.
وقال السمعاني: يقع في حديثه المناكير والعجائب والإفرادات): (أقول: الذي في (الميزان) و(اللسان) عن الإدريسي: (يقع في حديثه المناكير ومثله إن شاء الله لا يتعمد الكذب، سألت محمد بن أبي سعيد السمرقندي الحافظ فرأيته حسن الرأي فيه وسمعته يقول: سمعت المنكدري يقول: أناظر في ثلثمائة ألف حديث، فقلت: هل رأيت بعد ابن عقدة أحفظ من المنكدري؟ قال: لا).(1/268)
ومن يضاهي ابن عقدة في الحفظ والإكثار فلابد أن يقع في حديثه الإفراد والغرائب وإن كان أوثق الناس (1) ، فأما المناكير فقد يكون الحمل فيها على من فوقه).
8-وفي (1/432/433): (... أن ابن زنبور ثقة فجعل الحمل على الحارث، وخالفه آخرون فجعلوا الحمل على ابن زنبور: قال مسلمة في ابن زنبور: (تكلم فيه لأنه روى عن الحارث بن عمير مناكير لا أصول لها وهو ثقة).
وقال الحاكم أبو أحمد في زنبور: (ليس بالمتين عندهم تركه محمد بن إسحاق) (2) ...
وقال ابن حجر في (ترجمة الحارث) من (التهذيب): (قال ابن حبان كان ممن يروي عن الأثبات الأشياء الموضوعة، وساق له عن جعفر بن محمد...) فذكر الحديث... وقول ابن حبان: (هذا موضوع لا أصل له).
ثم ساقه ابن حجر بسنده إلى محمد بن أبي الأزهر عن الحارث، وكذلك ذكره السيوطي في (اللآلي المصنوعة) (1/118).
ثم قال ابن حجر: (والذي يظهر لي أن العلة فيه ممن دون الحارث). يعني من ابن زنبور... ويحمل الأنكار في بعض حديث ابن زنبور عن الحارث على خطأ ابن زنبور، وقد قال فيه ابن حبان ... : (ربما أخطأ) ثم ذكر حديثاً ذكره الذهبي في (الميزان): (ابن حبان ثنا الحسن بن سفيان ثنا محمود بن غيلان أنبأنا أبو أسامة ثنا الحارث بن عمير عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس.
قال العباس: لأعلمن ما بقاء رسول الله-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-فينا، فأتاه فقال: يا رسول الله لو اتخذنا لك مكاناً تكلم الناس منه، قال: بل: أصبر عليهم ينازعوني ردائي ويطئون عقبي ويصيبني غبارهم حتى يكون الله هو يريحني منهم.
__________
(1) -لفظ: (أوثق الناس) من المرتبة الأولى من ألفاظ التجريح عند الحافظ ابن حجر، والسخاوي، والسيوطي، والسندي وغيرهم. انظر: (معجم علوم الحديث النبوي) (ص:55\رقم:124).
(2) -انظر معنى قولهم في الراوي: (تركه فلان) في كتاب: (شفاء العليل) (1\330\331).(1/269)
رواه حماد بن زيد عن أيوب فأرسله: أو: أن ابن عباس قاله-شك) فهذا الحديث لا شأن لابن زنبور فيه وليس في سنده من يتجه الحمل عليه غير الحارث) (1) .
9-وفي (1/449) (... وخالد بن هياج يروي عن جماعة منهم: أبوه هياج بن بساط، وهياج قال فيه الإمام أحمد: (متروك الحديث).
وقال يحيى بن معين: (ضعيف ليس بشيء)... فإما أن يكون ابن عساكر يبرئ هياجاً أيضاً ويجعل الحمل على خالد كما فعل الحاكم ويحيى بن أحمد بن زياد الهروي).
10-وفي (1/455) (...ولا داعي إلى الحمل على إبراهيم لأنه لم يوثقه أحد، وذكر ابن حبان له في (الثقات) لا يجدي لأنه لم يثبت عنه أحاديث كثيرة يعرف باعتبارها أثقة هو أم لا؟
إلا أن يقال: لعل إبراهيم سمع ذلك من بعض الهلكى بل: الحمل على ابن الثلجي كما ذكر الذهبي، وكذلك ما ذكره عن عباد بن صهيب مع أن عباداً متروك، وقال عبدان: (لم يكذبه الناس وإنما لقنه صهيب بن محمد بن صهيب أحاديث في آخر الأمر) فعلى هذا فعباد وهو المبتلى بابن أخيه يدخل عليه في حديثه، وفي (الميزان) أحاديث من مناكيره).
__________
(1) -انظر: (المجروحين) لابن حبان (1/266/267/رقم: 202-تحقيق: الأستاذ حمدي السلفي)، و(تاريخ الدوري) (2/93)، و(تهذيب الكمال) (5/269/270)، و(تذكرة الحفاظ) للذهبي (965)، و(الجرح والتعديل) (3/83/84)، و(الضعفاء والمتروكون) (722) لابن الجوزي.(1/270)
11-وجاء في (تهذيب التهذيب)(1/44/رقم:69-ترجمة: أحمد بن صالح الشمومي المصري، نزيل مكة): ذكره ابن حبان في (الضعفاء) فقال: يأتي عن الأثبات بالمعضلات، تجب مجانبة ما روى لِتَنَكُّبه الطريق المستقيم في الرواية ولم يكن أصحاب الحديث يكتبون عنه، وإنما يوجد حديثه عند من كان يكتب عنه بمكة من الرحَّالة (1) .
وأخرج أبو نعيم في (الحلية) من طريقه حديثاً وقال: غريب لا نكتبه إلا من حديث الشمومي، والحمل فيه عليه).
12-وفي (1/289/رقم:564-ترجمة: إسماعيل بن عبد الله بن الحارث البصري، ابن بنت محمد بن سيرين، ويقال: ابن أخته): (...وقال الأزدي: ذاهب الحديث (2) ، وأورد له عن أبان عن أنس حديثاً منكراً فالحمل فيه على أبان).
13-وجاء في (تهذيب التهذيب) (2/280/رقم:1951-ترجمة خالد بن عبد الرحمن بن خالد بن سلمة المخزومي): (وقال البخاري في (الأوسط): رماه عمرو بن علي بالوضع. وقال صالح بن محمد: منكر الحديث... وقال الدارقطني: ضعيف، وذكر له حديثاً، فقال: الحمل فيه على خالد).
__________
(1) -ولفظ ابن حبان في (المجروحين) (1/163/164/رقم:81): (كان ممن يأتي عن الأثبات المعضلات وعن المجروحين الطامات، يجب مجانبة ما روى من الأخبار وترك ما حدث من الآثار، لتنكبه الطريق المستقيم في الرواية وركوبه أضل السبيل في التحديث، وهذا شيخ لم يكن يكتب عنه أصحاب الحديث، ولا يكاد يوجد حديثه إلا عند أهل خراسان الذين كانوا يكتبون عنه بمكة، لكني ذكرته ليعرف قبح روايته). و(الضعفاء والمتروكون) (57) للدارقطني، و(187) لابن الجوزي، و(لسان الميزان) (1/281/282).
(2) -وقولهم: (ذاهب)، معناه: (زائل)، و(ذاهب الحديث)، أي: زائل الحديث، وهذان اللفظان من المرتبة الأولى من مراتب الجرح عند ابن أبي حاتم وابن الصلاح، ومن الثانية عند الذهبي والسخاوي والسندي، ومن الثانية عند العراقي والسيوطي. انظر: (معجم علوم الحديث النبوي) (ص:103\رقم:268).(1/271)
14-وجاء في (تهذيب التهذيب) (4/19/رقم:4663) ترجمة: عبد الرحمن بن قيس الضبي، أبو معاوية الزعفراني الواسطي، سكن بغداد ثم نيسابور).
بعد أن ذكر من ضعفه، ومن كذبه قال: (وقال الحاكم: روى عن محمد بن عمر وحماد بن سلمة أحاديث منكرة، منها حديث: (من كرامة المؤمن على الله أن يغفر لمشيعيه). قال: وهذا عندي موضوع، وليس الحمل فيه إلا عليه).
قال الحاكم في (المستدرك) (2/52) بعد أن ذكر حديث: (من وهب هبة، فهو أحق بها...): (حديث صحيح على شرط الشيخين، إلا أن يكون الحمل فيه على شيخنا). وسكت عنه الذهبي في (التلخيص)، وأورده في (الميزان) فقال: (روى عنه الحاكم واتهمه). وقال الحافظ في (اللسان) بعد أن نقلها عنه: (قلت: الحمل فيه عليه بلا ريب، وهذا الكلام معروف من قول عمر غير مرفوع) (1) .
15-وجاء في (تهذيب التهذيب) (4/183/184/رقم:4787-ترجمة: عبد العزيز بن أبان بن محمد بن عبد الله بن سعيد بن العاص بن أمية الأُمَوي السعيدي، أبو خالد الكوفي، نزيل بغداد).
ذكر أن ابن معين قال عنه: كذاب خبيث، يضع الحديث، يحدث بأحاديث موضوعة وضع أحاديث على سفيان. كان والله كذاباً.
ثم ذكر من تركه... (...وقال الحاكم: روى أحاديث موضوعة، وكذا قال أبو سعيد النقاش. وقال الخليلي: ضعفوه، والحمل عليه).
16-وجاء في (تهذيب التهذيب) (5/217/رقم:6295-ترجمة: عيسى بن موسى التيمي ... مولاهم أبو محمد البخاري الأزرق المعروف بغنجار لقب بذلك لحمرة لونه): (...وهو في نفسه صدوق محتج به في (الجامع الصحيح) إلا أنه إذا روى عن المجهولين كثرت المناكير في حديثه، وليس الحمل فيها عليه فإني تتبعت رواياته عن الثقات فوجدتها مستقيمة).
__________
(1) -انظر في: (الإرواء) (6/56/رقم:1613).(1/272)
17-وجاء في (تهذيب التهذيب) (5/224/رقم:6310) ترجمة: غالب بن خطاف وهو ابن أبي غيلان القطان، أبو سليمان البصري مولى ابن كريز، وقيل: مولى بني تميم وقيل غير ذلك): (وقال ابن عدي بعد أن ساق له أحاديث: الضَّعْف على أحاديثه بَيّنٌ، وفي حديثه النكرة، ثم أورد له حديثاً منكراً الحمل فيه على الراوي عنه عمر بن المختار.
وقال الذهبي: لعل الذي ضعفه ابن عدي آخر).
18-وجاء في (تهذيب التهذيب) (5/666/رقم:7127) ترجمة: محمد بن عبد الله بن زياد الأنصاري، أبو سلمة البصري، وقيل محمد بن عمرو بن عبد الله): (قال العقيلي: منكر الحديث.
وقال أبو أحمد الحاكم: روى يحيى بن خذام عنه عن مالك بن دينار أحاديث منكرة والله أعلم (1) الحمل فيه على أبي سلمة أو: على يحيى).
18-وفي (6/399/رقم:8097-ترجمة: مقاتل بن سليمان بن بشير الأزدي الخراساني، أبو الحسن): (وقال الخليلي: محله عند أهل التفسير محل كبير، وهو واسع، لكن الحفاظ ضعفوه في الرواية، وهو قديم معمر، وقد روى عنه الضعفاء مناكير، والحمل فيها عليهم).
19-وجاء في (تذكرة الحفاظ) (3/806/رقم:795-ترجمة: الإمام الحافظ الثقة أبو حامد أحمد بن حمدون بن أحمد بن عمارة بن رستم النيسابوري): (... ثم تأملت أجزاءً عديدة بخطه فلم أجد فيها حديثاً يكون الحمل فيه عليه).
__________
(1) -إذا سئل المحدث الجهبذ عن الراوي فأجاب بقوله: "الله أعلم"، فإن هذا منه إشارة إلى جرحه وعدم تزكيته، لأن عدم جوابه على السؤال ورد العلم إلى الله دلالة على أن حاله بالنسبة له مجهولة وإلا لوثقه، فكان قوله فيه: "الله أعلم" من باب الجرح، وليس من التعديل في شيء، كما قرره الفقهاء في كتاب الشهادة وبحث تزكيته الشهود. انظر هامش (الرفع والتكميل) (ص:173)، و(معجم علوم الحديث النبوي) (ص:50).(1/273)
20-وجاء في(تذكرة الحفاظ) (3/1012/رقم:944-ترجمة: الرقي الحافظ الجوال أبو بكر محمد بن يوسف بن يعقوب) ذكر له حديثاً موضوعاً ثم قال: (...الحمل في وضعه على الرقي).
قولهم في الراوي: (البلاء فيه من فلان) أو: (البلية فيه من فلان):
أما قولهم في الراوي: (البلاء فيه من فلان) أو: (البلية فيه من فلان) (1) ، فيقصدون أنه المتهم بوضعه.
وهذه بعض شواهد ذلك:
1-جاء في: (تنزيه الشريعة المرفوعة) (1/37) ترجمة: (إسحاق بن محمد بن إسحاق السوسي: قال الذهبي: أتى بموضوعات سَمجة في فضائل معاوية فالبلاء منه أو: من شيوخه المجهولين).
2-وفيه أيضاً: (1/52) ترجمة: (الحسين بن الحسن الأشقر. عن شريك اتَّهمه ابن عدي فقال في خبر: البلاء عندي فيه من الأشقر. وقال أبو معمر الهذلي: كذاب).
3-وفيه أيضاً: (1/57): ترجمة: (خَطَّاب بن عمر، عن محمد بن يحيى المازني مجهول، له خبر باطل، فالبلاء منه أو: من شيخه).
4-وفيه أيضاً: (1/61): ترجمة: (زياد بن فائد بن زيََّاد بن أبي هند، عن أبيه، عن جده، بحديث باطل، قال ابن حبان: فالبلاء منه أو: من أبيه، أو: من جده).
5-وفيه أيضاً: (1/65): ترجمة: (سمانة بنت حمدان بن موسى الأنباري، عن أبيها، عن عمرو بن زياد، بأباطيل، وكأن البلاء من عمرو).
6-وفيه أيضاً: (1/113): ترجمة: (محمد بن كثير بن مروان الفهري، قال ابن معين: إذا مررت به فارجُمْه وقال ابن عدي: روى أباطيل والبلاء منه).
__________
(1) -قولهم: (البلاء فيه من فلان)، أو: (البلية فيه من فلان) أي: المتهم بوضعه، وعليه فتكون هذه العبارة من المرتبة الثانية من مراتب الجرح عند السخاوي، والسندي، والذهبي، والعراقي وغيرهم. انظر شواهد ذلك أعلاه، وفي هامش: (الرفع والتكميل) (ص:170)، و(معجم علوم الحديث النبوي) (ص:59\60\رقم:133).(1/274)
7-جاء في: (التنكيل) (1/281): (... أخاف أن يكون هذا من بلايا الإجازة فإن أبا نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني ربما يكون له إجازة عامة من شيخ، ثم يسمع الشيء ويرويه رجل عن ذلك الشيخ فيرويه أو: نعيم-كذا في الأصل لعله: أبو نعيم-عن الشيخ نفسه بلفظ (أخبرنا) على اصطلاحه في الإجازة... فيكون البلاء في هذا الحديث من الرجل الذي بين أبي نعيم وابن شاهين ويبرأ غيره والله أعلم.
8-وفي: (1/324) في ترجمة: (أحمد بن عبيد بن ناصح أبو عصيدة النحوي قال ابن عدي: (حدث عن الأصمعي، ومحمد بن مصعب بمناكير): (... أقول: كأن ابن حبان وابن عدي رأيا أنه لا يتعمد الكذب ولكن يخطئ ويهم، مع احتمال أن يكون البلاء في كثير من مناكيره من محمد بن مصعب، فإنه ضعيف يروي المناكير واتهمه بعضهم).
9-وفي: (1/373): (... قال البرقاني: (قلت للدارقطني: أيش أكثر ما في نفسك من ابن عقدة؟ قال: الإكثار بالمناكير).
وفي (الميزان): (قرأت بخط يوسف بن أحمد الشيرازي: سئل الدارقطني عن ابن عقدة فقال: لم يكن في الدين بالقوي وأكذب من يتهمه بالوضع، وإنما بلاؤه هذه الوجادات).
وفيه: قال ابن عدي: سمعت أبا بكر بن أبي غالب يقول: ابن عقدة لا يتدين بالحديث لأنه كان يحمل شيوخاً بالكوفة على الكذب يسوي لهم نسخاً ويأمرهم أن يَرْوُوها ثم يرويها عنهم).
وفي (اللسان): (وقال ابن عدي أيضاً: سمعت أبا بكر الباغندي يقول: كتب إلينا ابن عقدة: قد خرج شيخ بالكوفة عنده نسخ الكوفيين، فقدمنا عليه وقصدنا الشيخ فطالبناه بالأصول، فقال: ما عندي أصل وإنما جاءني ابن عقدة بهذه النسخ وقال لي: إروِ هذه يكون لك ذكر ويرحل إليك أهل بغداد، قال: وسمعت ابن مكرم يقول لنا عند ابن عثمان ابن سعيد في بيت وقد وضع بين أيدينا كتباً كثيرةً فنزع ابن عقدة سراويله وملأه منها سراً من الشيخ ومنا فلما خرجنا قلنا: ما هذا الذي تحمله؟ فقال: دعونا من ورعكم هذا)...(1/275)
أراد الحضرمي أبو جعفر-يعني مطيناً-أن ينشر أن ابن عقدة كذاب ويصنف في ذلك فتوفي-رحمه الله-قبل أن يفعل).
قال المحبوس عمر: وكم في القبور من آهات وحسرات، وأمنيات، وحاجات لم تتم، وهي تجأر إلى الله من باطن الأرض!! .
10-وفي: (التنكيل) (1/410) بعد أن ذكر كلام الكوثري: (في ذكر أبي نعيم الاصبهاني: (أخرج رحلةً... بسند فيه أحمد بن موسى النجار وعبد الله محمد البلوي هما كذابان معروفان): (أقول: البلاء من البَلوي وهو الكذاب المعروف).
11- وفي (التنكيل) (1/22/223-ترجمة: جراح بن منهال أبو العطوف: (...قوله: (ولا مانع من الرواية عنه قبل طُروء الغفلة): هذه دعوى مجردة فلم يذكر أحد قبل الأستاذ-أي: الكوثري-أن أبا العطوف طرأت عليه الغفلة، بل: قدحوا فيه على الإطلاق كما ترى بعض ذلك في الطليعة) (ص:80). ولو كان إنما بليته الغفلة.
12- وفي: (1/448 ترجمة: الحسين بن إدريس الهروي): (في (تاريخ بغداد) (13/408): أخبرنا البرقاني أخبرنا محمد بن عبد الله بن خميرويه أخبرنا الحسين بن إدريس قال: قال ابن عمار..
قال الأستاذ (ص:133): (يقول عنه ابن أبي حاتم بعد أن ذكر له أحاديث باطلة: (لا أدري البلاء منه أم من خالد بن هياج)... وهياج قال فيه الإمام أحمد: (متروك الحديث).
وقال يحيى بن معين: (ضعيف الحديث ليس بشيء). وقال أبو داود: (تركوا حديثه). وأَلاَنَ ابن أبي حاتم القول فيه قال: (يكتب حديثه (1)
__________
(1) -إذا قال أبو حاتم: هذه العبارة: (يكتب حديثه) فهو في عداد من يكتب حديثه للاعتبار والشواهد، وفي الترغيب والترهيب، والزهد والآداب، ولا يحتج به في الحلال والحرام، وهذا نص ابن أبي حاتم في (تقدمة الجرح والتعديل) (1/10) حيث قال-في صدد ذكره مراتب الرواة-:
(ومنهم صدوق الورع المغفل، الغالب عليه الوهم والخطأ، والغلط والسهو، فهذا يكتب من حديثه الترغيب والترهيب، والزهد والآداب ولا يحتج بحديثه في الحلال والحرام).
وبيان قوله: (يكتب من حديثه...)، أن من أهل الحديث من لا يكتب من الأحاديث إلا الصحيح الثابت، سواء في مسائل الحلال، أو: في الترغيب والترهيب، والزهد والآداب، وما ذلك سبيله.
ومنه من يكتب كل شيء، ولا ينتقي فيما يكتب سواء ذلك في مسائل الحلال والحرام، أو: في الفضائل والرقائق، لكن ينتقي عند الآداب على منهج-ابن معين- إذا جمعت فقمش وإذا حدثت ففتش-كما في (الجامع في أخلاق الراوي وآداب السامع) (2/220)-.
ومنهم من يتوسط فيكتب ما صح وثبت عنده، ويكتب ما خف ضعفه إما يدخل في حيز الاعتبار في المتابعات والشواهد رجاء أن يجد ما يقويه، فيرفعه به إلى حيز الحسن لغيره على أقل الأحوال وفي هذا الضرب من يقتصر في كتابة ما يصلح في الاعتبار في المتابعات والشواهد على ما كان يتعلق بالفضائل والرقائق، لا في الحلال والحرام، وإلى هذا يشير قول ابن أبي حاتم .
فمعناه أنه ليس بحجة فهذا يكتب من حديثه الترغيب والترهيب، والزهد والآداب.
قال المعلمي في (الأنوار الكاشفة) (ص87/88)،كان من الأئمة من إذا سمع الحديث لم يروه حتى يتبين له أنه صحيح، أو: قريب من الصحيح أو: يوشك أن يصح إذا وجد ما يعضده، فإذا كان دون ذلك لم يروه البتة.
ومنهم من إذا وجد الحديث غير الشديد الضعف، وليس فيه حكم ولا سنة، إنما هو في فضيلة عمل متفق عليه كالمحافظة على الصلوات في جماعة ونحو ذلك لم يمتنع من روايته).
قال الحافظ الذهبي في(السير) (6/68) ترجمة هشام بن حسان الأزدي: قد علمت بالإستقراء التام، أن أبا حاتم الرازي إذا قال في رجل: (يكتب حديثه). معناه عنده أنه ليس بحجة) وقال في (تاريخ الإسلام) (حوادث ووفيات سنة 141-160هـ:304) هذا القول من أبي حاتم دال على أنه ليس بحجة).
وقال في( الميزان) (4/345) قول أبي حاتم هذا ليس بصيغة توثيق ولا هو بصيغة إصدار). وقال أيضاً في (2/385) يكتب حديثه، أي: ليس هو بحجة).
قال مصطفي بن إسماعيل في (شفاء العليل) (1/147/148/149): (وقد عد البعض هذا اللفظ في عبارات التجريح، والذي يظهر لي أنه من عبارات التعديل التي يستشهد بأهلها فقد ذكر الذهبي في مقدمة (المغني في الضعفاء) وبيّن من احتوى كتابه عليهم فقال: (وكذا لم أذكر فيه من قيل فيه: "محله الصدق" ولا من قيل فيه: "يكتب حديثه" ولا من قيل فيه "لا بأس به" ولا من قيل فيه "هو شيخ" أو "صالح الحديث" فإن هذا باب تعديل...).
وعبارته في ديباجة (الميزان) (1/4) بعد أن ذكر أكثر هذه العبارة: (... إن هذا وشبهه يدل على عدم الضعف المطلق، ومعلوم أن مراتب التعديل التي لا يحتج بأهلها لا يطلق عليها الضعف المطلق ومع ذلك فالظاهر لي أن قولهم في الراوي: (يروى عنه أو: يروى حديثه)، أرفع في المعنى من قولهم: (يكتب عنه) أو: (يكتب حديثه)...
وأما قول ابن عدي في (الكامل) (1/243) كما في (الميزان) (1/70): معنى قول ابن معين (يكتب حديثه) أنه في جملة الضعفاء) فيحمل على التسامح في العبارات فلا شك أن حديث أهل هذه المرتبة لا يحتج به وهذا لضعف فيهم إن كان لا يطلق عليهم الضعف المطلق وهل قولهم: (يكتب حديثه) معنى قولهم (كتبنا عنه)؟
جاء في الرسالة الفذة (رواة الحديث الذين سكت عليهم أئمة الجرح والتعديل) (ص:42) لعداب الحمش..: فرق بين الكتابة عن الراوي وسكوت عنه في الكتابة أقل درجاتها أن الكاتب يعرف عين المكتوب عنه... ثم قال: (وكلمة كتبنا عنه): تعني: (يكتب حديثه) وكذا كلمة (شيخ) انتهى.
واستدل بقول أبي زرعة لما سئل عن الحسن بن مدرك السدوسي: (كتبنا عنه)، ولما سئل عنه أبو حاتم قال: (شيخ).
قلت: كذا قال وفيه تأمل لأن من عادة الأئمة المجتهدين في هذا الفن أنهم في بداية طلبهم يكتبون عن كل أحد كما سبق. ومعلوم أن الحديث يكتب على ثلاثة أوجه:
1-إما للعمل به،
2-وإما للنظر فيه، هل له ما يقويه أم لا؟
3-وإما للمعرفة والبيان،
بل: قد يحصل بعضهم النسخ المنكرة أو: الباطلة كي لا يقلب الكذابون إسنادها بالثقات كما فعل ابن معين، وقد نص أبو زرعة، وأبو حاتم في تراجم كثيرة كما في كتاب (الجرح والتعديل) لابن أبي حاتم على ضعف رواةٍ ضعفاً شديداً مع ذكر أنهما أو: أحدهما قد كتب عنه، ولست في حاجة إلى جمع عدة تراجم تشهد لما قلته بل: أذكر ما ذكره الأخ عداب في رسالته (ص: 39/40) فقال:
(حتى لا يغتر لقول التهانوي بأن كل من كتب عنه أبو حاتم وأبو زرعة ثقة، فقد وقفت على تراجم كثيرة فيها التصريح بالكتابة عنه ومع ذلك فقد صرحا أيضاً بأنهم غير ثقات أو: أشارا إلى عدم معرفتهما بهم أو: سكتا عنهم وجرحهم غيرهما كما أنهما أدركا أناساً ثقات ولم يكتبا عنهم كما لم يكتبا عن كثير ممن أدركاه من الضعفاء).
وذكر أمثلةً منها: (ما جاء في ترجمة أحمد بن عمران الأخنس كتب عنه أبو زرعة فقال: كتبت عنه ببغداد وكان كوفياً وتركوه).
قال عداب: فهذا أبو زرعة قد كتب عنه مع أنه متروك الرواية فالكتابة شيء والتحديث والرواية شيء آخر). ولولا وضوح هذا لذكرت عدة تراجم تشهد بهذا بأن قولهم (يكتب حديثه) إخبار بمعنى أنه لا يترك حديثه وليس ممن يرد حديثه بخلاف قولهم: (كتبنا عنه) فلا ندري على أي الوجوه كتبوا عنه، نعم إلا إنه لم يثبت فيه جرح أو: توثيق فهو رافع لجهالة العين-على تفاصيل في ذلك-ويكون مع هذا أقل من قولهم: (يروى عنه ويكتب حديثه والعلم عند الله تعالى). انتهى من (القول الحصيف) (ص:79\80).(1/276)
ولا يحتج به).
وخالد بن هياج يروي عن أبيه مناكير كثيرة روى عنه الحسين بن إدريس عدة منها، فتلك الأحاديث التي أنكرها ابن أبي حاتم يجوز أن يكون البلاء فيها من هياج ويبرأ منها خالد والحسين... كان مرجئاً يروي الموضوعات عن الثقات...
وقال ابن عساكر عقب كلمة ابن أبي حاتم: (البلاء في الأحاديث المذكور من خالد بلا شك). فإما أن يكون ابن عساكر يُبَرّئُ هياجاً أيضاً ويجعل الحمل على خالد).
13- وفي: (التنكيل) (1/459/460) ترجمة: خالد بن يزيد بن عبد الرحمن بن أبي مالك: (...وقال ابن عدي: لم أر من أحاديث خالد هذا إلا كل ما يحتمل في الرواية أو: يرويه ضعيف عنه فيكون البلاء من الضعيف لا منه، وكتاب الديات قد يكون ما فيه مما استنكره ابن معين مما أخذه خالد عن الضعفاء فأرسله).
14- وفي: (التنكيل) (1/477/478) ترجمة: سفيان بن وكيع: (... وذكره ابن حبان في (المجروحين) (1) : وقال: (كان شيخاً فاضلاً صدوقاً إلا أنَّهُ ابتلي بوراق سوء... وهو من الضرب الذين لأن يخر أحدهم من السماء أحب إليهم من أن يكذبوا على رسول الله-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم).
__________
(1) -ولفظه في (المجروحين) (1/456/رقم:664): (وكان شيخاً فاضلاً صدوقاً إلا أنه ابتلي بوراق، كان يدخل عليه الحديث، وكان يثق به، فيجيب فيما يقرأ عليه، وقيل له بعد ذلك في أشياء منها فلم يرجع، فمن أجل إصراره على ما قيل له استحق الترك، وكان ابن خزيمة يروي عنه، وسمعته يقول: حدثنا بعض من أمسكنا عن ذكره، وهو من الضرب الذي ذكرته مراراً أن لو خر من السماء فتخطفه الطير أحب إليه من أن يكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولكنه أفسدوه، وما كان ابن خزيمة يحدث عنه إلا بالحرف بعد الحرف ... ).
انظر: (التاريخ الصغير) (2/385) للبخاري، و(الجرح والتعديل) (4/231/232)، و(الكامل) (3/417/419)، و(الضعفاء والمتروكون) (304) للنسائي، و(1452) لابن الجوزي.(1/277)
وذكر له ابن عدي خمسة أحاديث معروفة إلا أن في أسانيدها خَلَلاً ثم قال: إنما بلاؤه أنه كان يتلقن، يقال: كان له وراق يلقنه من حديث موقوف فيرفعه أو: مرسل يوصله أو: يبدل رجلاً برجل).
قال الحافظ: ( ... كان صدوقاً إلا أنه ابتلي بوراقه فأدخل عليه ما ليس من حديثه، فنُصح فلم يقبل فسقط حديثه) (1) .
وقال محررا (أحكام التقريب) (2/52/رقم:2456): (يعني: ضعيف، ضعفه:
1- أبو حاتم، 2-والبخاري، 3-والنسائي، 4-وأبو داود، 5-والذهبي، 6-وقال أبو زرعة: كان يتهم بالكذب!). 7- قال البخاري: (يتكلمون فيه) (2) .
15- جاء في: (تهذيب التهذيب) (1/18/19/رقم:11-ترجمة: أحمد بن إسماعيل بن محمد بن نبيه بن عبد الرحمن السهمي، أبو حُذَافَة المدني، نزيل بغداد): (قال الحاكم أبو أحمد: متروك الحديث.
وقال ابن عدي: حدث عن مالك بالموطأ وحدث عن غيره بالبواطل... وقال ابن عدي: في ترجمة سعد بن سعيد المقبُري إثر حديث أبي حذافة: ضعيف جداً (3) لعل البلاء منه).
16-وفي: (1/109/110/رقم:205-ترجمة: إبراهيم بن الحكم بن أبان):
__________
(1) -كما في: (التقريب) (ص:196/رقم:2456)، و(تحرير التقريب) (2\52\رقم:2456).
(2) -كما في: (تهذيب الكمال) (7/384/رقم:2400) أو: (11/200)، و(تهذيبه) (3/407/رقم:2530) أو: (4/123)، و(الخلاصة) (1/441/رقم:2595)، و(الكاشف) (1/333/رقم:2022). ومعنى قول البخاري في الراوي: (يتكلمون فيه)، وقول غيره: (تكلموا فيه)، أو: (تكلم فيه فلان، وفلان)، أي: ضعفوه، وهي من المرتبة الخامسة من مراتب الجرح عند الذهبي والعراقي، ومن السادسة عند السخاوي والسيوطي والسندي. انظر: (معجم علوم الحديث النبوي) (ص:76\رقم:180).
(3) -هذه العبارة-(ضعيف جداً)-من المرتبة الثالثة من مراتب الجرح عند العراقي والسيوطي، ومن الرابعة عند الذهبي والسخاوي والسندي. انظر: (معجم علوم الحديث النبوي) (ص:149\رقم:395).(1/278)
1-(وقال ابن معين: ليس بثقة، وقال مرة: ضعيف ليس بشيء، أو: مرة قال: لا شيء.
2-وقال البخاري: سكتوا عنه.
3-وقال النسائي: ليس بثقة، ولا يكتب حديثه.
4-وقال أبو زرعة: ليس بالقوي، وهو ضعيف...
وقال ابن عدي: وبلاؤه ما ذكروه أنه كان يوصل المراسيل عن أبيه، وعامة ما يرويه لا يتابع عليه).
17-وفي: (1/289/286/رقم:558-ترجمة: إسماعيل بن سليمان بن أبي المغيرة الازرق التميمي الكوفي):
1-(قال ابن معين: ليس حديثه بشيء.
2-وقال أبو زرعة: ضعيف الحديث، واهي الحديث.
3-وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث.
4-وقال ابن نمير: متروك.
5-وقال النسائي: متروك.
6-وقال الدارقطني: ضعيف...
7-وقال الساجي: ضعيف.
8-وقال أبو أحمد بن عدي: روى حديث الطير وغيره من الأحاديث البلاء فيها منه).
18-وفي: (1/417/418/رقم: 820 ترجمة: بشر بن الحارث بن عبد الرحمن بن عطاء ابن هلال المروزي، أبو نصر الزاهد المعروف بالحافي): (وقال الدارقطني: ثقة زاهد، جبل (1)
__________
(1) -قولهم: (فلان جبل): (الأصل في هذا اللفظ أن الراوي من جبال الحفظ، والدارقطني-رحمه الله-يستعمل هذا كثيراً في هذا المعنى، لكن يَرِد هذا اللفظ أحياناً بمعنى أنه جبل في العبادة والزهد، وإن كان ضعيفاً في الحديث، وأيضاً يقصد بهذا اللفظ العبادة وإن كان الراوي ليس كغيره من المشاهير، كما قال إبراهيم الحربي في القاسم بن سلام أبي عبيد الإمام: "كان أبو عبيدة كأنه جبل نفخ فيه الروح يحسن كل شيء إلا الحديث صناعة أحمد ويحيى-كما في "تاريخ بغداد" (12\413)".
فأبو عبيد وإن لم يكن كالإمام أحمد ويحيى في معرفة طرق الأحاديث إلا أنه ثقة في نفسه بل: قد قال فيه أحمد: أبو عبيد ممن يزداد كل يوم عندنا خيراً-كما في "تاريخ بغداد" (12\415)-.
وقد وقفت على هذا اللفظ في الجرح الشديد كما قال الذهبي في "المغني" (1\34) ترجمة: أحمد بن عبد الله بن خالد الجوباري ويقال: الجويباري: "في عصر شيوخ الأئمة كذاب جبل"). انظر: (شفاء العليل) (1\345\346).(1/279)
ليس يروي إلا حديثاً صحيحاً، وربما تكون البلية ممن يروي عنه).
19-وجاء في (تنزيه الشريعة المرفوعة) (1/19) في ترجمة أحد الوضاعين: (أبان بن سفيان المقدسي، ويقال: أبْيَن، روى أشياء موضوعة، وقيل: أبْيَنُ غيرُ أبان، قال الذهبي في (المغني): وهو الصحيح، وكلاهما له بلايا-أي: موضوعات-قال ابن عراق: قولهم: فلان له بلايا، أو: هذا الحديث من بلايا فلان، قال الحافظ برهان الدين الحلبي: هو كناية عن الوضع-فيما أحسب-لأن البلية المصيبة).
20-وجاء في: (تهذيب التهذيب) (2/161/رقم:1702-ترجمة: الحكم بن أبان المدني أبو عيسى): (... وقال ابن عدي في ترجمة: حسين بن عيسى: الحكم بن أبان فيه ضعف، ولعل البلاء منه لا من حسين بن عيسى).
21-وفيه أيضاً: (2/49/رقم:1488-ترجمة: الحسن بن عطية بن سعد بن جنادة العوفي): (وقال ابن قانع: مات سنة (181/ وكذا أرّخه ابن حبان في (الضعفاء)، وزاد: منكر الحديث، فلا أدري البلية (في أحاديثه) منه، أو: من أبيه، أو: منهما معاً-(لأن أباه ليس بشيء في الحديث، وأكثر روايته عن أبيه، فمن هنا اشتبه أمره ووجب تركه،) (1) .
22-وفيه أيضاً: (2/212/رقم:1796-ترجمة: حمزة بن أبي حمزة، ميمون الجعفي الجزري النصيبي): (وقال ابن عدي: عامة ما يرويه مناكير موضوعة، والبلاء منه).
__________
(1) -والكلام الموجود بين قوسين هكذا ( ... ) استدراك من (المجروحين). وزاد ابن حبان في (المجروحين) (1/279/رقم:211): ( ... مات سنة إحدى عشرة ومائتين). النسخة التي عندي داخل السجن.
انظر في ترجمته: (تهذيب الكمال) (4/368/رقم:1226)، أو:(6/211)، و(تهذيبه) (2/272/رقم:1313)، أو: (2/294)، و(تقريبه) (ص:115/رقم:1256) و(تحريره) (1/275/رقم:1256)، و(الخلاصة) (237/238/ رقم:1357)، و(الكاشف) (1/178/رقم:1050)(1/280)
23-وفي: (2/301/رقم:1991-ترجمة: خالد بن يزيد بن عبد الرحمن بن أبي مالك هانئ الهمداني الدمشقي أبو هاشم): (وقال ابن عدي بعد أن روى له أحاديث: ولم أر من أحاديث خالد هذا إلا كل ما يحتمل في الرواية، أو: يرويه ضعيف عنه فيكون البلاء من الضعيف لا منه).
24-وفي: (2/360/رقم:2128) ترجمة: داود بن عجلان المكي، أبو سليمان البزاز، أصله خراساني): (وقال ابن عدي: معروف بهذا الحديث، وإن كان له غيره، ولعله حديث أو: حديثان على أن البلاء من أبي عقال دونه).
وقال ابن حبان: أصله بلخي، يروي عن أبي عقال، عن أنس المناكير الكثيرة والأشياء الموضوعة) (1) .
25-وفي: (3/321/رقم:3561) ترجمة: عاصم بن ضمرة السَّلُولي الكوفي (... وقد تبع الجوزجاني في تضعيفه ابن عدي، فقال: وعن علي أحاديث باطلة لا يتابعه الثقات عليها والبلاء منه).
26-وفي: (3/562/رقم:4014) ترجمة: عبد الله بن عُبيدة بن نشيط الرَّبذي، مولى بني عامر بن لؤي): (وقد ذكره ابن حبان في (الضعفاء) فقال:
__________
(1) -ولفظ ابن حبان: (من أهل مكة، أصله من خراسان من بلخ، سكن مكة، يروي عن أبي عقال المناكير الكثيرة والأشياء الموضوعة).
انظر: (المجروحين) (1/354/رقم:318)، و(تاريخ الدوري) (2/153)، و(الجرح والتعديل) (3/421)، و(الضعفاء) (2/38) للعقيلي، و(الكامل) (3/93) و(الضعفاء والمتروكون) (1157) لابن الجوزي، و(التهذيب) (6/27/1757)، أو: (8/417/418/)، و(تهذيبه) (3/14/رقم:1863)، أو: (3/193)، و(تقريبه) (ص:151/رقم:1800)، و(تحريره) (1/375/رقم:1800)، و(الخلاصة) (1/331/رقم:1932)، و(الكاشف) (1/246/رقم:1464)(1/281)
(منكر الحديث جداً (1) ، ليس له راو غير أخيه موسى، وموسى ليس بشيء في الحديث، ولا أدري البلاء من أيهما) (2) .
__________
(1) -قال المحدث الألباني في (السلسلة الضعيفة) (2\2\13) عند قول البخاري: "منكر الحديث": (قلت: وأفاد البخاري بكلمته السابقة أنه لا تحل الرواية عنه فهو عنده متهم).
(2) -ولفظ ابن حبان: (منكر الحديث جداً، فلست أدري السبب الواقع في أخباره منه أو: من أخيه، لأن أخاه موسى ليس بشيء في الحديث، وليس له راوٍ غيره، فمن هنا اشتبه أمره ووجب تركه).
كما في: (المجروحين) (1/496/رقم:517)، و(الثقات) (5/45) كلاهما لابن حبان، و(تاريخ الدوري) (2/594)، و(التاريخ الكبير) (5/143) للبخاري، و(الجرح والتعديل) (5/101)، و(الضعفاء الكبير) (2/274) للعقيلي، و(الكامل) (4/131/132)، (الضعفاء والمتروكون) (517) للدارقطني،
و(2069) لابن الجوزي، و(تهذيب الكمال) (10/314/رقم:3391)، أو:(15/263/266)، و(تهذيبه) (4/388/رقم:3548)، أو: (5/309)، و(تقريبه) (ص:263/رقم:3458-قال الحافظ: "ثقة").
وقال محررا "أحكام التقريب" (2/237/رقم:3458): (بل: صدوق حسن الحديث في أحسن أحواله، فقد ضعفه:
1-يحيى بن معين،
2-وأحمد بن حنبل،
3-وابن حبان،
4-وابن عدي،
ولكن وثقه:
1-يعقوب بن شيبة،
2-والدارقطني.
3-وقال النسائي: ليس به بأس.
أخرج له البخاري حديثاً واحداً من رواية صالح بن كيسان، عنه، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن ابن عباس في المغازي، في ذكر مسيلمة الكذاب وقدومه المدينة (رقم:5378)، وفي التعبير (رقم:7033)، وأبهمه في الروايتين، فقال: عن ابن عبيدة بن نشيط، لكنه ذكر في المغازي عقبه: وكان في موضع آخر اسمه عبد الله.
وهذا الحديث رواه النسائي في الرؤيا من "سننه الكبرى" من رواية صالح بن كيسان، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن ابن عباس من غير ذكر عبد الله بن عتبة هذا، كما في "تحفة الأشراف": 5/55/رقم:5826). و(الخلاصة) (2/91/92/رقم:3643)، و(الكاشف) (2/103/رقم:2868).(1/282)
27-وفي: (5/25/رقم:5902) ترجمة: عمرو بن خالد، أبو حفص الأعشى الكوفي. بعد أن ذكر ابن عدي حديث عائشة في فضل الخبز والعنب قال: (وهذا بهذا الإسناد باطل موضوع، والبلاء من أبي يوسف، لم يحضرني له غير هذا الحديث انتهى كلامه وقال أبو نعيم الأصبهاني: روى عن هشام بن عروة موضوعات).
28-وفي: (5/99/رقم:6042) ترجمة: عمرو بن النعمان الباهلي البصري: (وقال ابن عدي: روى عن جماعة من الضعفاء أحاديث منكرة، ولا أدري البلاء منه أو: من الضعيف الذي روى هو عنه).
29-وفي: (5/260/رقم:6381) ترجمة: الفضل بن عطية بن عمرو بن خالد المَرْوَزي، مولى بني عَبْس: (وقال ابن عدي: روى عنه ابنه مناكير، والبلاء من ابنه محمد والفضل خير من ابنه محمد).
30-وفي (5/299/رقم:6448-ترجمة: القاسم بن عبد الرحمن الشامي، أبو عبد الرحمن الدمشقي مولى آل أبي سفيان بن حرب الأموي): (وقال جعفر بن محمد بن أبان الحراني: سمعت أحمد بن حنبل يقول: ما أرى البلاء إلا من القاسم).
31-وفي: (5/699/رقم:7192-ترجمة: محمد بن عبد الرحمن بن البيلماني الكوفي النحوي، مولى آل عمر):
1-(قال عثمان الدارمي عن ابن معين: ليس بشيء.
2-وقال البخاري، وأبو حاتم، والنسائي: منكر الحديث،
3-وقال البخاري: وكان الحميدي يتكلم فيه لضعفه.
4-وقال أبو حاتم أيضاً: مضطرب الحديث.
5-وقال ابن عدي: وكل ما يرويه ابن البيلماني فالبلاء فيه منه، وإذا روى عنه محمد بن الحارث فهما ضعيفان.(1/283)
6-قلت-القائل الحافظ ابن حجر-: وقال ابن حبان: حدث عن أبيه بنسخة شبيهاً بمائتي حديث، كلها موضوعة، لا يجوز الاحتجاج به، ولا ذكره (في الكتب) إلا على وجه التعجب) (1) .
7-قال الحافظ: (ضعيف، وقد اتهمه ابن عدي وابن حبان).
8-وقال الشيخ الأرناؤوط وعواد: (بل: متروك، فقد قال أبو حاتم والبخاري والنسائي وأبو نعيم: منكر الحديث، ... وضعفه الباقون جداً، فلا يقال في مثل هذا: ضعيف) (2) .
32-وفي: (6/25/رقم:739-ترجمة: محمد بن كثير بن مروان الفهري الشامي):
1-(وقال علي بن الجنيد: منكر الحديث.
2-وقال الأزدي: متروك.
3-وقال ابن عدي: روى بواطيل والبلاء منه فمنها: عن ابن أبي الزياد، عن أبيه، عن خارجة بن زيد، عن أبيه مرفوعاً: (لا يقر مصلوب على خشبة أكثر من ليلة واحدة).
33-وفي: (6/296/297/رقم:7918-ترجمة: مُطرِح بن يزيد الأسدي الكناني، أبو المهلب الكوفي):
1-(وقال أبو حاتم: ليس بالقوي، ضعيف الحديث، يروي أحاديث عن ابن زُحر عن علي بن يزيد فلا أدري البلاء منه أو من علي بن يزيد.
2-وقال الآجري عن أبي داود: وزعموا أن البلية من قبل علي بن يزيد).
__________
(1) -انظر: (المجروحين) (2/273/رقم:944-هامش) و(تاريخ الدارمي) (740)، و(الضعفاء) (329)، للبخاري، و(551) للنسائي، و(4/101) للعقيلي، و(6/178/181) لابن عدي، و(216) لأبي نعيم، و(453) للدارقطني، و(3062) لابن الجوزي، و(الجرح والتعديل) (7/311)، و(المدخل إلى الصحيح) (174)، و(تهذيب الكمال) (16/482/رقم:5981)، و(25/594)، و(تهذيبه) (7/276/رقم:6312)، أو: (9/294)، و(الخلاصة) (3/6/رقم:6424)، و(الكاشف) (3/50/رقم:5041).
(2) -انظر: (التقريب) (ص:446/6067)، و(تحريره) (3/277/278/رقم:6067).(1/284)
34-وفي: (7/72/رقم:8889-ترجمة: يحيى بن عبد الحميد بن عبد الله بن عبد الرحمن الحماني الحافظ أبو زكرياء الكوفي، لقب جده بَشْمين): (وقال محمد بن عبد الرحيم البزاز: كنا إذا قعدنا إلى الحماني تبين لنا منه بلايا) (1) .
35-قال ابن عدي...: في ترجمة الحسن بن أبي جعفر بعد أن ساق حديثين من رواية عثمان بن مطرد عنه: لعل البلاء فيهما من عثمان).
36-وفي: (تذكرة الحفاظ) (3/827/رقم:809-ترجمة: محمد بن نوح الحافظ أبو الحسن الجند نيسابوري).
ذكر له حديث عائشة قالت: (أقبل عليٌّ يوماً فقال رسول الله-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-: هذا سيد المرسلين. فقلت: ألست سيد المرسلين يا رسول الله؟ قال: أنا خاتم النبيين ورسول رب العالمين. هذا حديث منكر، ولعل البلاء من العوسجي).
ومثل هذا التعبير أيضاً قولهم: فلان حدث بنسْخَةٍ فيها بلايا، أو: فيها مصائب، أو: فيها طامات، أو: فيها ضلالات.
ومن شواهد ذلك:
__________
(1) -قال الحافظ ابن حجر في (التقريب) (رقم:7591): (... بَشْمِين-بفتح الموحدة وسكون المعجمة- الحِمِّاني-بكسر المهملة وتشديد الميم-، الكوفي، حافظ إلا أنهم اتهموه بسرقة الحديث، من صغار التاسعة، مات سنة ثمان وعشرين. م). وقال محررا (أحكام التقريب) (4\92\رقم:7591): (بل: ضعيف يعتبر به، ضعفه أحمد، والنسائي، وغير واحد، ووثقه ابن معين. وليس له في مسلم سوى ذكر في حديث: (713)، لذلك لم يرقم عليه المزي برقم مسلم، وهو الصواب).(1/285)
1-جاء في (ميزان الاعتدال)(1/82): ترجمة: (أحمد بن إسحاق بن إبراهيم بن نُبَيْطْ بن شُرَيْط، عن أبيه، عن جده، بنسخة فيها بلايا (1) ، ومن ذلك مرفوعاً: الجيزة روضة من الجنة. ومنها: يا محمد، لا أعذب بالنار من سُمي باسمك...) (2) .
2-وفيه أيضاً: (3/324): ترجمة: (عيسى بن مِهران، رافضيّ كذاب (3) جبلٌ! وقع إليَّ كتاب من تصنيفه في الطعن في الصحابة (4) وتكفيرهم، فلقد قفّ شعري، وعَظُمَ تعجبي مما فيه من الموضوعات والبلايا).
__________
(1) -أي: موضوعات وأكاذيب، وهذه العبارة من المرتبة الأولى من مراتب الجرح عند ابن أبي حاتم وابن الصلاح والذهبي والعراقي والسيوطي، ومن الثانية عند السخاوي والسندي. والله أعلم. انظر: (معجم علوم الحديث النبوي) (ص:90\رقم:224).
(2) -ولم يصح في فضائل التسمية باسمه - صلى الله عليه وسلم - شيء. انظر: (سبل الهدى والرشاد) (1/509)، و(الشفا) (1/342)، و(تذكرة المحبين في أسماء سيد المرسلين) (ص:89/90/91).
(3) -انظر: (تاريخ بغداد) (7/138)، و(الميزان) (1/436/437)، و(لسان الميزان) (2/7)، و(الثقات) (6/114)، و(تهذيب التهذيب) (7/346)، و(الروض الباسم) (ص:82)، و(قناص الشوارد الغالية..) (1008)، و(شفاء العليل بألفاظ وقواعد الجرح والتعديل) (1\343/344)، و(التنكيل) (495)، و(الفوائد المجموعة) (448)، وحاشية: (الرفع والتكميل ) (168)، و(ضوابط الجرح والتعديل) لشيخنا عبد العزيز آلعبد اللطيف (147)، و(معجم علوم الحديث النبوي) (49/173/223/232)، و(ضوابط الجرح والتعديل عند الحافظ الذهبي) (1/227).
(4) -المحققون من أهل الحديث، كالإمام أحمد، والبخاري-رحمهما الله-على أن الصحابي هو: "من لقي النبي-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-وهو مميز مؤمناً به، ومات على الإسلام، طالت مجالسته له أو: قصرت، روى عنه أو: لم يرو، غزا معه أو: لم يغز". انظر هامش: (لسان الميزان) (1\5).(1/286)
3-وفيه أيضاً: (1/653): ترجمة: (الخُصيب بن جَحْدَر، كذّبه شعبة والقطان وابن معين... ومن بلاياه: روى عن النضر بن شُفِيّ-ولا يُدرى من ذا؟-عن أبي أسماء الرَّحَبي، عن ثوبان مرفوعاً: لا يمس القرآن إلا طاهر (1) ، والعمرة خير من الدنيا وما فيها، هي الحج الأصغر).
4-وفيه أيضاً: (2/117): (السَّريُّ بن عاصم بن سهل الهَمْداني (2) ،
__________
(1) -انظر: (تاريخ ابن معين) (1/233/و2/442/485) و(بيان الوهم والإيهام ... ) (3/465)، و(الرفع والتكميل) (ص:189)، و(العواصم) (1/333)، و(إعلام الخائض بجواز مس المصحف للجنب والحائض) (ص:19/20/28/29/40) لأبي الفضل عمر الحدوشي.
(2) -فائدة: (ادعى ابن علية: أن كل من اسمه عاصم فهو سيء الحفظ، وقال غيره: كل عاصم ضعيف!!). قال شيخنا المحدث محمد الأثيوبي في (ألفية علل الحديث) (ص:124\125\رقم:1021\إلى:1030) تحت القاعدة العاشرة: (في ذكر ما قيل فيمن اسمه عاصم):
ابن عليةَ يقول مَن سُمِي * بعاصمٍ بسوءِ حفظٍ قد رُمِي
وابن معين قال كل عاصمِ * مضعَّفٌ زلا تُوَافقْ تَسْلَمِ
فإن أحمدَ عليه أنكرا * لأنَّ فيهمُ الثقاتِ الكُبرَا
كابن سليمانَ النبيلِ الأحولِ * وابنِ أبي النَّجودِ ذي التبتل
وإن يكن في حفظه مضطربا * لكنَّه للضعف ليس موجِبا
وعاصمُ بنُ عمرٍ متفَقُ * عليه كالأحولِ خذْ ما حَقَّقوا
وابنُ كليبٍ ثقةٌ وعاصمُ * ابنُ محمدِ بنِ زيدٍ سالمُ
متفَقٌ عليه ثم يحيى * وَثَّقَ ذَيْنِ فاحفظنْ لتحيا
وعاصمُ بْنُ عمرٍ أجَلُّ * من أن يقال ثقة يُجَلُّ
ثم قال شيخنا المحدث محمد الأثيوبي في (مزيل الخلل عن أبيات شافية الغُلل) (ص:125): ("الأحول": هو عاصم بن سليمان الأحول البصري ثقة (ص:140 هـ)، وعاصم بن عمر بن قتادة الأنصاري، الأوسي المدني، ثقة، عالم بالمغازي (129 هـ)، و"ابن كليب": هو عاصم بن كليب بن شهاب الجرمي الكوفي، صدوق رُمي بالإرجاء، بضع وثلاثين ومائة.
و"عاصم بن محمد" بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب العمري المدني، ثقة، و"عاصم بن عمر" بن الخطاب المدني، ولد في حياة النبي-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-(70 هـ) أو: بعدها).(1/287)
كذّبه ابن خراش، ومن بلاياه: (حدثنا محمد بن مصعب، حدثنا الأوزاعي، عن عبدة، عن أبي هريرة مرفوعاً: الإيمان بالقدر يُذْهِبُ الهَمَّ والحزن.
ومن مصائبه أنه أتى بحديث متْنُه: رأيت حول العرش وردة مكتوب فيها محمد: رسول الله، أبو بكر: الصديق. ومن مصائبه: حدثنا علي بن عاصم، عن حُميد، عن أنس مرفوعاً: لله مَلَكٌ من ياقوتةٍ على زُمُرُّدة، كلَّ يوم يُسَعِّرُ)!
وقد كنت سجلت أثناء قراءتي لكتاب (الكامل) لابن عدي أمثلة كثيرة وهذه بعضها:
1-(1/243\رقم:73)،
2-(ج2/44\رقم:281)،
3-(2/83\رقم:303)،
4-(2/150\رقم:343)،
5-(2/161\رقم:350)،
6-(2/174\رقم:361)،
7-(2/288\289\رقم:445)،
8-(2/301\رقم:446)،
9-(2/308\رقم:447)،
10-(2/355\رقم:487)،
11-(2/ 378\رقم:502)،
12-(2/386\رقم:508)،
13-(2/395\رقم:518)،
14-(2/450\رقم:562).
15-(3/9\رقم:574)،
16-(3/13\رقم:577)،
17-(3/14\رقم:578)،
18-(3/17\رقم:579)،
19-(3/28\رقم:562)،
20-(3/41\رقم:599)،
21-(3/45\رقم:604)،
22-(3/93\رقم:632)،
23-(3/141\رقم:661)،
24-(3/165\رقم:679)،
25-(3/202\رقم:700)،
26-(3/249\رقم:733)،
27-(3/327\رقم:779)،
28-(3/412\رقم:839)،
29-(3/419\رقم:844)،
30-(3/463\رقم:876)،
31-(4/33\رقم:892)،
32-(4/58\رقم:919)،
33-(4/333\رقم: 1165)،
34-(5/120\رقم:1285)،
35-(5/225\رقم:1380)،
36-(5/318\رقم: 1466).
37-(6/14\رقم:1560)،
38-(6/181\رقم:1661)،
39-(6/348\رقم:1829)،
40-(6/364\رقم: 1845)،
41-(6/رقم:1898/ص416).
42-(7/82\رقم:2007).
المعنى اللغوي لقولهم في الراوي: (له طامات):(1/288)
وقال الشيخ ابن عراق في (تنزيه الشريعة المرفوعة) (1/19): (وأما قولهم: (له طامات)، و(أوابد) و(يأتي بالعجائب)، فلا أدري هل يقتضي اتهام المقول فيه ذلك، بالكذب أم لا يفيد غيرَ وصف حديثه بالنكارة، وقد سألت بعض أشياخي عن ذلك، فلم يفدني فيه شيئاً، نعم، رأيت الحافظ ابن حجر قال في بعض من قيل فيه ذلك: إنه لم يُتَّهم بكذب والله أعلم).
قال شيخنا أبو غدة: قد يصح جَعْل هذا مطرداً بالنسبة إلى قولهم: (له طامات) فلا يصح جعله مطرداً، بل: يكون بحسب الحال المترجم، ففي مثل الجُوَيبَارِيِّ (1) ويقال: الجُوْباري (أحمد بن عبد الله)، الهَرَوي المشهور بوضع الحديث: يقتضي اتهامه فيه بالكذب.
وإليك بعض الشواهد في ذلك:
1-في: (الميزان) (1/107) في ترجمته قال الذهبي: (قلت: الْجُوْبَارِيُّ مِمَّن يُضْرَب المثل بكذبه! ومن طاماته: عن إسحاق بن نجيح الكذّاب، عن هشام بن حسان، عن حسان، عن رجاله، قال حضورُ مجلس عالمٍ خير من حضور ألف جنازة، ومن ألف ركعة، ومن ألف حجة، ومن ألف غزوة! وبه مرفوعاً، قال: أما علمت أن السنة تقضي على القرآن؟!).
2-وفي: (تنزيه الشريعة المرفوعة) (1/30): ترجمة: (أحمد بن علي الأفطح، عن يحيى بن زَهْدَم، بطامات، قال ابن عدي: لا أدري البلاء منه أو: من شيخه).
__________
(1) -قال فضيلة شيخنا المحدث محمد الأثيوبي في كتابه: (الجليس الأمين في شرح تذكرة الطالبين في بيان الموضوع وأصناف الوضاعين) (ص:15/16) عند ذكره علامات الحديث الموضوع:
كذا إذا تاريخه يكذب * مثل الجويباري بئس المذنب
والجويباري-بضم الجيم وسكون الواو-كما في القاموس-نسبة إلى قرية من قرى هراة، اسمها جويبار ينسب إليها الكذاب الخبيث أبو علي أحمد بن عبد الله بن خالد بن موسى بن فارس بن مِرداس التميمي الجويباري الهروي، يروي عن ابن عيينة، ووكيع ويضع عليهم الكثير. قاله في "اللباب"(1/313). و(جؤنة العطار) (2/33) لشيخ شيوخنا أحمد الغماري.(1/289)
3-وفيه أيضاً: (1/107): ترجمة: (محمد بن عبد الله بن زياد أبو سلمة الأنصاري، قال ابن طاهر: كَذّاب له طامَّات).
4-وفيه أيضاً: (1/128): (يزيد أبو الحسن المؤدِّب، عن حازم بن جَبَلة، والأوزاعي، بحديث لحذيفة طويل... وهو موضوع، وفيه طامات من اختلاق الطُّرُقِيَّة).
قال المحبوس بالسجن المحلي-بتطوان-: قرأت في: (تهذيب التهذيب) (1/340) بعض الشواهد بالنسبة لمن قيل فيه: (له طامات) أو: (يأتي بالطامات) (1) أنقل لكِ أم الفضل ما قرأته في الجزء الأول وعند ما أقرأ باقي الأجزاء لعلي سأوافيكِ بما أقف عليه إن شاء الله-حتى ولو بالإحالة على مواضعها-فإليكها:
1-جاء في: (تهذيب التهذيب) (1/340/341/رقم:659) (ترجمة: أصبغ بن نُبَاتة التميمي، ومِيثم من الكذابين).
1-وقول ابن معين: (ليس يساوي حديثه شيئاً.
-وقال أيضاً: ليس بثقة.
-وقال مرة: ليس حديثه بشيء).
2-وقول النسائي: (متروك الحديث. وقال مرة: ليس بثقة).
3-وقول ابن أبي حاتم عن أبيه: (لين الحديث).
4-وقول العقيلي: (كان يقول بالرّجعة).
5-(وقال ابن حبان: (وهو ممن) فُتِن بحب علي فأتى بالطامات، فاستحق(من أجلها) الترك) (2) .
2-وفي: (1/421/422/رقم:825-ترجمة: بشر بن رافع الحارثي، أبو الأسباط النَّجْراني، إمامها ومفتيها):
1-(وقال عبد لله بن أحمد عن أبيه: ليس بشيء، ضعيف في الحديث.
__________
(1) -الطامات، جمع طامة، وهي في اللغة: الأمر العظيم، والداهية تغلب ما سواها. كما في "لسان العرب" (12\370). وانظر ما قيل في هذه الكلمة اصطلاحاً مع الأمثلة في كتاب: (تنزيه الشريعة المرفوعة) (1\19)، و(1\30)، و(1\107)، و(1\128)، و(الميزان) (1\107)، و(4\531)، و(المجروحين) (3\73\148)، وهامش: (الرفع والتكميل) (ص:172)، و(معجم علوم الحديث النبوي) (ص:142\143\رقم:399).
(2) -انظر: (المجروحين) لابن حبان (1/196/رقم:107).(1/290)
2-وقال البخاري: لا يتابع في حديثه (1) .
__________
(1) -وقولهم: (فلان لا يتابع على حديثه): (هذا معناه أن الراوي يأتي بغرائب وأفراد لا يأتي بها غيره، ومثل هذا يدل على أنه قليل الضبط، وهذه الألفاظ لا تنافي الثقة لأن الثقة الضابط لحديثه لا يلزمه أن يتابع على كل حديثه، وقد ذكر العقيلي ثلاثة أحاديث غريبة لثابت بن عجلان الأنصاري السلمي وقال: "لا يتابع في حديثه.." فتعقبه ابن القطان قائلاً: "إن هذا لا يضر إلا مَن لا يُعرف بالثقة وأما من وُثِّق فانفراده لا يضره".
قال الحافظ ابن حجر في (تهذيب التهذيب) (2\10): "وصدق فإن مثل هذا لا يضره إلا مخالفة الثقات لا غير فيكون حديثه حينئذ شاذاً والله أعلم". وفي "الميزان" (1\364\365) ترجمة: ثابت بن عجلان أيضاً قال عبد الحق: "ثابت لا يحتج به" فناقشه على قوله ابن القطان وقال: "قول العقيلي فيه تحامل عليه" وقال: "إنما يمس بهذا من لا يعرف بالثقة مطلقاً أما من عرف بها فانفراده لا يضره إلا أن يكثر ذلك منه ".
قال الذهبي: (قلت: أما من عُرف بالثقة فنعم وأما من وُثِّق ومثل أحمد الإمام يتوقف فيه ومثل أبي حاتم يقول: صالح الحديث: فلا نُرقِّيه إلى رتبة الثقة فتفرد هذا يُعد منكراً، فرجح قول العقيلي وعبد الحق وهذا شيخ حمصي ليس بالمكثر).
وفي "مقدمة الفتح" (ص:445) ترجمة: مقدم بن محمد بن يحيى بن عطاء المقدمي: ذكره ابن حبان في "الثقات" وقال: "يغرب ويخالف"، قال الحافظ: "فهذا إن كان كثر منه حكم على حديثه بالشذوذ"، وفي ترجمة: أسماء بن الحكم الفزاري وقيل السلمي قال البخاري: "لم يرو عنه إلا هذا الحديث-يعني حديث على: "كنت إذا سمعت حديثاً من رسول الله-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-نفعني الله بما شاء... الحديث" وحديث آخر لم يتابع عليه".
وقال المزي: "هذا لا يقدح في صحة الحديث لأن وجود المتابعة ليس شرطاً في صحة كل حديث صحيح، على أن له متابعاً..." ثم ذكر متابعات وتعقبه الحافظ ابن حجر في المتابعات التي ذكرها-كما في "تهذيب التهذيب" (1\267\268)-وقد ذكر العلامة المعلمي-رحمه الله-في (التنكيل) (ص:293)-أن كثرة الغرائب إنما تضر الراوي في أحد حالين:
1-الأول: أن تكون مع غرابتها منكرة عن شيوخ ثقات بأسانيد جيدة،
2-الثاني: أن يكون مع كثرة غرائبه غير معروف بكثرة الطلب،
ففي الحالة الأولى: تكون تبعة النكارة على الراوي نفسه لظهور براءة من فوقه عنها،
وفي الحالة الثانية يقال: من أين له هذه الغرائب الكثيرة مع قلة الطلب؟ فيتهم بسرقة الحديث، كما قال ابن نمير في أبي هشام الرفاعي: "كان أضعفنا طلباً وأكثرنا غرائب"
فهذا الذي ذكرته عن أهل العلم يدل على أن الثقة إذا روى حديثاً لا يقال: أتى بما لم يتابع عليه، على تفاصيل في ذلك لكن هناك حالة يقال فيها على الثقة: "لم يتابع على كذا"، وذلك إذا خالف من هو مثله أو: فوقه فقال: يحتاج إلى متابع ليرجح روايته، وأمثلة هذا كثيرة في كتب "العلل" يذكرون الثقة ويقولون: تفرد بكذا-أو: لم يتابع على كذا، وقد قال الدوري ليحيى بن معين: "حديث الأعمش إذا اختلف وكيع وأبو معاوية؟ قال: يوقّف حتى يجئ من يتابع أحدهما..."). انظر: (السير) (9\153)، و(شفاء العليل) (1\331\333).(1/291)
3-وقال الترمذي: يضعف في الحديث (1) .
4-وقال النسائي: ضعيف.
5-وقال أبو حاتم: بشر بن رافع أبو الأسباط الحارثي ضعيف الحديث (2) ، منكر الحديث، لا نرى له حديثاً قائماً.
6-وقال الحاكم أبو أحمد: أبو الأسباط بشر بن رافع الحارثي اليماني: ليس بالقوي عندهم.
7-وقال العقيلي: له مناكير.
8-وقال الدارقطني: منكر الحديث.
9-وقال ابن عبد البر في (الكنى): هو ضعيف عندهم، منكر الحديث.
10-وقال في كتاب (الإنصاف): اتفقوا على إنكار حديثه وطرح ما رواه، وترك الاحتجاج به، لا يختلف علماء الحديث في ذلك.
11-وقال ابن حبان: يأتي بطامات عن يحيى بن أبي كثير موضوعة يعرفها من لم يكن الحديث صناعته كأنه المتعمد لها) (3) .
__________
(1) -هذه العبارة لا تدل على أن التضعيف شديد أو: متفق عليه، ولذلك تجدها في المرتبة الأخيرة من مراتب الجرح عند الجميع. انظر: (معجم علوم الحديث النبوي) (ص:149\رقم:391).
(2) -قولهم: (ضعيف)، أو: (ضعيف الحديث)، أو: (ضعفوه): هذه الألفاظ من المرتبة الثالثة من مراتب الجرح عند ابن أبي حاتم، وابن الصلاح، ومن الرابعة عند الذهبي والعراقي والسيوطي، ومن الخامسة عند السخاوي والسندي. انظر: (معجم علوم الحديث النبوي) (ص:141\رقم:396).
(3) -ولفظه عند ابن حبان: (يروي عن يحيى بن أبي كثير وابن عجلان، روى عنه صفوان بن عيسى وعبد الرزاق، يأتي بالطامات فيما يروي عن يحيى بن أبي كثير، وأشياء موضوعة يعرفها من لم يكن الحديث صناعته، كأنه المتعمد لها).
كما في: (المجروحين) (1/214/رقم:132)، و(تاريخ الدوري) (3/59)، و(تاريخ ابن شاهين) (76)، و(الجرح والتعديل) (2/357)، و(الضعفاء) (1/140/141) للعقيلي، و(2/11/13) لابن عدي، و(124) للنسائي، و(524) لابن الجوزي، و(تهذيب التهذيب) (3/74/رقم:676)، أو: (4/118)، و(تهذيبه) (1/469/رقم:729)، أو: (1/448)، و(تقريبه) (ص:78/رقم:685)، و(تحريره) (1/172/رقم:685)، و(الخلاصة) (1/141/رقم:768)، و(الكاشف) (1/106/رقم:584).(1/292)
3-وفي: (4/313/رقم:5030-ترجمة: عبيد الله بن زحر الضمري، مولاهم الأفريقي):
1-(وقال البخاري في (التاريخ) (1) : مقارب الحديث (2) ،
__________
(1) -قال التاج السبكي في حق البخاري-رحمهما الله-: (من ألف بعده في التاريخ فعيال عليه). انظر: (الرسالة المستطرفة) (ص:129)، و(التأصيل لأصول التخريج وقواعد الجرح والتعديل) (1\21).
(2) -قال الشيخ مصطفى بن إسماعيل في كتابه النفيس: (شفاء العليل بألفاظ وقواعد الجرح والتعديل) (1\142\144) تحت المرتبة الرابعة: من مراتب التجريح: (وأما قولهم: "فلان مقارب الحديث أو: مقارب" بفتح الراء وبكسرها فهو لفظ تعديل، فإن كان يكسرها فهو مقارب الحديث الثقات يقرب منه، وقال بعضهم: إذا كان بفتح الراء فهو تجريح بمعنى أنه ردئ، ولكن تُعُقب بأن هذا أمر لا يعرف في اللغة ولكن في العرف الحادث وهذا لا اعتماد عليه). انظر: (معجم علوم الحديث النبوي) (ص:226\227\رقم:688)، و(تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام) (9\479).
قال المسجون في معنى قول البخاري: "مقارب الحديث": قال الإمام الترمذي في (جامعه) (1\384): (رأيت البخاري يقوي أمر عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي، ويقول: هو مقارب الحديث. قلت: وأيضاً فلم يذكره في كتاب "الضعفاء" له).
وقول الإمام الذهبي: (إن البخاري لم يورد ابن نعيم الإفريقي في كتابه: "الضعفاء" غير مُسَلَّم له، إلا إذا كان مقصد الذهبي بالضعفاء الكبير، حيث ذكره البخاري في "ضعفائه الصغير" (ت 197) وقال: "في حديثه بعض المناكير".
قال السخاوي في (شرح ألفية الحديث) (2\114\115) عند الكلام على "مقارب الحديث": "من القرب ضد البعد، ومعناه: أن حديثه مقارب لحديث غيره من الثقات، فهو على المعتمد بالكسر، والفتح وسط لا يُنتهى إلى درجة السقوط ولا الجلالة، وهو نوع مدح. قال ابن رشيد في رحلته: ومعناها: يقارب الناس في حديثه ويقاربونه، أي: ليس حديثه بشاذ ولا منكر".
قال: "ومما يدلك على أن مرادهم بهذا اللفظ هذا المعنى: ما قاله الترمذي آخر باب من فضائل الجهاد من "جامعه" وقد جرى له ذكر إسماعيل بن رافع فقال: ضعفه بعض أهل الحديث، وسمعت محمداً-يعني: البخاري-يقول: هو ثقة مقارب الحديث".
وقال في باب: ما جاء من أذن فهو يقيم: والإفريقي-يعني: عبد الرحمن-ضعيف عند أهل الحديث، ضعفه يحيى بن سعيد القطان وغيره.
وقال أحمد: لا أكتب عنه. قال الترمذي: ورأيت البخاري يقوّي أمره ويقول: هو مقارب الحديث. فانظر إلى قول الترمذي: إن قوله: مقارب الحديث تقوية لأمره وتفهَّمه، فإنه من المهم الخافي الذي أوضحناه).
ثم إن الإمام محمد بن الجزري قال في نظمه المعروف بـ"الهداية" رقم: (86):
فليس بالقوي فالمقارب # ضعيف فالمتروك واهٍ ذاهب
فتعقبه شارحه السخاوي في كتابه: "الغاية في شرح الهداية" (1\202\203) بقوله: (الثالث: مقارب الحديث، وإيراد الناظم لها في ألفاظ التجريح شيء قد انفرد به عن ابن الصلاح ومن تبعه، إذ هي عندهم في المرتبة الأخيرة من ألفاظ التعديل. وصنيع البخاري يؤيده.
ولا فرق في ذلك بين ضبطها بكسر الراء أو: فتحها كما ذهب إليه غير واحد، بل: المعنى: يقارب الناس في حديثه ويقاربونه، أي: فليس حديثه بشاذ ولا منكر).
وقال فضيلة شيخنا المحدث محمد الأثيوبي في (ألفية علل الحديث-المسماة: شافية الغُلل بمهمات علم العلل) (ص:56\رقم: 480\484) المسألة الرابعة عشرة: (في بيان مراتب ألفاظ الجرح والتعديل) ذكر هذا اللفظ في المرتبة الخامسة من مراتب التعديل:
خامسها: محله الصدقُ وسَطْ # شيخٌ مكرَّرين أو: لا فانضَبَطْ
كذا رووا عنه وجيِّدُ الخَبَرْ # حَسَنُهُ كذاك صالحُ الأثَرْ
مُقَارِبُ الحديثِ أو: مقَارَبُهْ # بكسر رائِهِ وفتحاً يَصحَبُهْ ِ
أو: ضُمَّ للصدوقِ سوءُ الحفظ أو # يَهِمُ أو: يُخطي تغيُّراً رأوْا
ومنه من يُرمى بنوع بدعةِ # كالنصبِ والقدْر ومثلَ الشيعةِ
قال الشيخ خليل بن محمد العربي: (والذي قاله الحافظ السخاوي هو الحق لموافقته لما عليه الأئمة المتقدمون في استعمالهم لهذا التعبير، ولكن قبل أن أبرهن على صحة ما ذكره السخاوي أود أن أشير إلى أن الأئمة كانوا يطلقون هذا التعبير على وجهين:
الوجه الأول: غير مقرون بغيره.
والآخر: مقروناً بغيره بلفظ من ألفاظ التعديل كقولهم: "ثقة مقارب الحديث" وما شابه على ما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.
أما الوجه الأول: وهو قولهم: "مقارب الحديث" فهو لم يكن اصطلاحاً خاصاً بالإمام البخاري فحسب، بل: استعمله غير واحد من الأئمة النقاد، وكلهم استخدموه في وصف من كان في أدنى درجات التعديل على ما وضَّحه الحافظ السخاوي، ومن هؤلاء الأئمة النقاد:
أ-الإمام أحمد بن حنبل-رحمه الله-: قال الميموني في (العلل) (ت488): "وسمعت أبا عبد الله يقول: محمد بن عبد الرحمن بن عنج شيخ متقارب الحديث، يروي عنه الليث". قلت: وابن عنج هذا قال فيه أبو حاتم: "صالح الحديث". (الجرح والتعديل) (7\317)، وقال ابن حبان في (الثقات) (7\424): "يروي عن نافع بنسخة مستقيمة".
ب-محمد بن يحيى الذهلي-رحمه الله-: قال-فيما أورده عنه المزي في "تهذيبه" (19\41)-: "فهذان-يعني: إسحاق بن يحيى العوصي، وعبيد الله بن أبي زياد الرصافي-مجهولان من أصحاب الزهري، مقاربا الحديث يلحقان بهذه الطبقة الثانية، وإن كان هؤلاء أشهر منهما في حديث الزهري، فإنهما أقوم بحديث الزهري منهم".
قال المزي: "وأشار بقوله: "هؤلاء" إلى أسامة بن زيد الليثي، وابن أخي الزهري، وابن إسحاق، وعبد العزيز الماجشون، وأبي أويس، وفليح بن سليمان، وعبد الرحمن بن إسحاق وغيرهم".
قلت: فأنت ترى مع وصف الذهلي لهذين الراويين بالجهالة، إلا أنهما لما كان حديثهما عن الزهري أقوم من غيرهما ممن هم أشهر منهم من أصحاب الزهري، وصفهما بقوله: "مقاربا الحديث".
ج-ابن عدي: قال في ترجمة بشر بن رافع النجراني من "كامله" (2\13): "هو مقارب الحديث، لا بأس بأخباره، ولم أجد له حديثاً منكراً".
د-أبو يعلى الخليلي: قال في (الإرشاد) (1\346): "داود بن عبد الله الجعفري مقارب الحديث، يخطئ أحياناً. قال أبو حاتم إنه صدوق".
هـ-الحافظ ابن حجر: قال في "هدي الساري" (ص:436): "عبد الله بن العلاء بن زبر الربعي الدمشقي، وثقه ابن معين، ودحيم، وأبو داود، وابن سعد، ويعقوب بن شيبة، والفلاس، والدارقطني، وجمهور الأئمة، وقال أحمد: مقارب الحديث، وشذ أبو محمد بن حزم فقال: ضعيف!".
والحافظ ابن حجر يرى ها هنا أن قول الإمام أحمد: "مقارب الحديث" أنزل من وصف الثقة، لأنه لما ذكر توثيق الأئمة لعبد الله ابن العلاء لم يدرج معهم الإمام أحمد. ثم إنه حكم على تضعيف ابن حزم له بالشذوذ، مع سكوته عن قول الإمام أحمد: "مقارب الحديث". فيستفاد من ذلك أن الحافظ جعل صفة: "مقارب الحديث" وسطاً ما بين التوثيق والتضعيف، تمشياً لمنهج المتقدمين في استخدامهم لهذا الاصطلاح.
وأما الوجه الآخر: أن تأتي هذه العبارة مقرونة بغيرها بلفظ من ألفاظ التعديل، ومن الأئمة من نطق بها:
أ-وقال عبد الله ابن الإمام أحمد-رحمهما الله-في "العلل" (1\126)-: (قال أبي: حماد بن نجيح ثقة، مقارب الحديث). وقال ابن أبي حاتم في (الجرح والتعديل) (2\184): (نا صالح بن أحمد بن حنبل قال: قال أبي: إسماعيل السدي مقارب الحديث، صالح).
قال الميموني في (العلل) (ت475): (قلت-يعني: للإمام أحمد-إسماعيل بن زكرياء كيف هو؟ قال لي: أما الأحاديث المشهورة التي يرويها، فهو فيها مقارب الحديث، صالح). وقال أبو داود السجستاني في (سؤالاته) (ت436): (قلت لأحمد: يزيد بن عطاء؟ قال: كان ثقة، مقارب الحديث).
ب-الإمام البخاري: قال الترمذي في (علله االكبير) (ت17-ترتيب القاضي): "قال-يعني: البخاري-: محمد بن موسى المخزومي لا بأس به، مقارب الحديث".
هذا ثم وقفت بعد ما تقدم ذكره على نص هام عن الإمام أحمد يؤكد ما ذكرناه فيما نحن بصدده، قال ابن أبي حاتم في (الجرح والتعديل) (8\201) فيما رواه بإسناده إلى الإمام أحمد: (مسلم الأحرد مستقيم الحديث أو: مقارب الحديث).
وهذا النص يكفي فيما برهنا عليه-سابقاً في هذا الكتاب، وحالياً-من أن قولهم: (مقارب الحديث) هي من ألفاظ التعديل، وأن مرتبتها إذا أطلقت ولم تقترن بغيرها تكون من أدنى مراتب التعديل، وأن مَن قيل فيه هكذا يكون حديثه حسناً، أو: صالحاً-من غير شك-للاعتبار.
وأما في الحالة الثانية-أعني: حين اقترانها بلفظ من ألفاظ التعديل-فلا مجال للشك في أنها تعد من ألفاظ التعديل القوية، إلا أنها تعطي لنا بالإضافة إلى ذلك دلالة قوية إلى أن قولهم: "مقارب الحديث" من ألفاظ التعديل، إذ لو أنها من ألفاظ التجريح لما كان يمكن لهم أن يقرنوها بغيرها من ألفاظ التعديل، حيث إنهم لا يمكن أن يجمعوا بين لفظين متضادين في راوٍ واحد في آن واحد؛ كأن يقولوا في راو: (ثقة ضعيف)، أو: (صالح ضعيف). والله الموفق. انتهى من (كتاب السلسبيل في شرح ألفاظ وعبارت الجرح والتعديل) (ص:22\26\32\رقم:7\12)، و(ذاكرة سجين مكافح) (3\76\70)...).(1/293)
ولكن الشأن في علي بن يزيد ...
2-وقال أبو مسهر: هو صاحب كل معضلة وأن ذلك لبين على حديثه (1) ...
3-وقال الإمام ابن حبان-رحمه الله تعالى-في كتابه: (المجروحين): يروي الموضوعات عن الأثبات، فإذا روى عن علي بن يزيد أتى بالطامات) (2) .
4-وفي: (4/161/ترجمة:4751-ترجمة: عبد الرحيم بن يزيد الْحَوَاري العَمِّي البصري، أبو زيد).
1-قال الدارقطني: متروك الحديث.
2-وقال البخاري: تركوه.
3-وقال ابن معين: كذاب خبيث.
4-وقال أبو حاتم: يترك حديثه، واهٍ منكر الحديث، كان يفسد أباه يحدث عنه بالطامات).
5-وفي: (5/7/رقم:5869-ترجمة: عمرو بن بكر بن تميم السكسكي الشامي): (وقال ابن حبان: روى عن ابن أبي عبلة، وابن جريج، وغيرهما الأوابد (3)
__________
(1) -قال الشيخ مصطفى بن إسماعيل في كتابه النفيس: (شفاء العليل بألفاظ وقواعد الجرح والتعديل) (1\252\253) تحت المرتبة الخامسة: من مراتب التجريح: (وقولهم: "فلان صاحب كل معضلة، وإن ذلك لبين في حديثه": وهذا اللفظ يدل على أن البلايا تدور عليه ومرجعها إليه ومع ذلك فليس صريحاً في الكذب والله أعلم).
(2) -كما في: (المجروحين) (1/28/رقم:603)، و(تاريخ الدوري) (2/382)، و(الدارمي) (626)، و(تاريخ ابن شاهين) (493)، و(الجرح والتعديل) (5/315)، و(الضعفاء) (3/120/141) للعقيلي، و(4/324/325) لابن عدي، و(327) للدارقطني، و(2238) لابن الجوزي.
(3) -الأوابد لغة: جمع آبدة، وهي الأمر العظيم ينفر منه ويستوحش. والآبدة: الداهية تبقى على الأبد، والكلمة أو: الفعلة الغريبة، وغير ذلك.-كما في "لسان العرب" (3\69).
واصطلاحاً: يراد بها المنكرات والمتروكات والموضوعات وذلك بحسب حال المترجم له، وقد ظهر لي هذا من تتبع بعض التراجم عند ابن حبان ممن وصف أصحابها بذلك. وهذه أرقام الأجزاء والصفحات من كتابه "المجروحين" (1\130\140\142\152\177\و2\158\170\256). انظر: (معجم علوم الحديث النبوي) (ص:55\رقم:123).(1/294)
والطامات التي لا يشك من هذا الشأن صناعته أنها معمولة أو: مقلوبة، لا يحل الاحتجاج به) (1) .
6-وفي: (5/145/رقم:6146-ترجمة: عنبسة بن سعيد القطان الواسطي):
1-(وقال الدوري عن ابن معين: ضعيف.
2-وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث، يأتي بالطامات).
7-وفي: (6/7/8/رقم:7361-ترجمة: محمد بن الفضل بن عطية بن عامر بن خالد العَبْسي، مولاهم أبو عبد الله الكوفي):
1-(قال عبد الله بن أحمد عن أبيه: ليس بشيء، حديثه حديث أهل الكذب.
2-وقال الجوزجاني: كان كذاباً، سألت ابن حنبل عنه، فقال: ذلك عجب يجيئك بالطامات، وهو صاحب حديث ناقة ثمود وبلال المؤذن...
3-وقال ابن المديني: روى عجائب وضعفه).
__________
(1) -ولفظ ابن حبان: (يروي عن إبراهيم بن أبي عبلة وابن جريج وغيرهما من الثقات الأوابد والطامات التي لا يشك من هذا الشأن صناعته أنها معمولة أو: مقلوبة، لا يحل الاحتجاج به ... في نسخة كتبناها عنه بهذا الإسناد، أكثرها معمولة).
كما في (المجروحين) (2/48/رقم:624)، و(الجرح والتعديل) (6/222)، و(الضعفاء) (3/258) للعقيلي، و(5/146) لابن عدي، و(169) لأبي نعيم، و(2547) لابن الجوزي،
و(تهذيب الكمال) (14/178/رقم:4915)، أو: (21/549)، و(تهذيبه) (8/8)، أو: (6/119/رقم:5154)، و(تقريبه) (ص:374/رقم:4993)، و(تحريره) (3/87/رقم:4993)، و(الخلاصة) (2/351/رقم:5258)، و(الكاشف) (2/313/رقم:4181).(1/295)
8-جاء في: (التنكيل) (1/452-ترجمة:75-حماد بن سلمة بن دينار)، ثم ذكر قول الكوثري: (...وهو راوي تلك الطامات في الصفات منها: رؤية الله في صورة شاب (1) ... يروي تلك الطامات المدونة في كتب (الموضوعات) وقد أدخل في كتبه ربيباه ما شاءا من المخازي... أن حماداً روى أحاديث سماها الكوثري: طامات، وأشار إلى أن أشدها حديث رؤية الله في صورة شاب).
ثم حاول المعلمي الدفاع عنه-وعن حديث رؤية الله في صورة شاب-فأصاب في الدفاع عنه-وأخطأ في الدفاع عن حديث رؤية الله في صورة شاب وغيرها من طامات سوء منه أو: من ربيبيه).
قولهم: (من بلايا الإجازة)، ونحوه:
فقولهم: (من بلايا الإجازة)، أو: (بلاؤه هذه الوجادات)، أو: (حدث بنسخه فيها بلايا)، أو: (البلية ممن يروي عنه)، شيء واحد وإن كان لا بد(من) النظر إلى حال المترجَم، وإلى ما أدخل عليه.
__________
(1) -وهناك روايات متعددة خرجتها في كتاب فضيلة شيخنا أبي أويس الموسوم: (نشر الإعلام بمروق الكرفطي من الإسلام) (ص:50) ط: الأولى، و(ص:89) ط: الثانية. تجدين-أم الفضل-معظم هذه الروايات في: (التاريخ الكبير) (6/500/رقم:3111)، و(7/359) للبخاري، و(تاريخ بغداد) (3/311)، و(الثقات) (5/245) لابن حبان، و(المعجم الكبير) (25/143) للطبراني، و(الأسماء والصفات) (446/447) للبيهقي، و(الموضوعات) (1/125) لابن الجوزي، و(تهذيب التهذيب) (4/71/رقم:4567)، و(10/95-قال الحافظ: وهو متن منكر).
ومواضع أخرى تجدينها-أم الفضل-في حاشية الطبعة الثانية من (نشر الإعلام بمروق الكرفطي من الإسلام).و(الموسوعة الحديثية) (3/46/رقم:5931-و3/184/رقم: 6575/و3/185/رقم:6577) و(4/607) و(5/438) و(8/138/430/431/436) و(10/86)، و(تذكرة الحفاظ) للذهبي (1/409)، وقد بينت الروايات الصحيحة من غيرها، كما بينت تدليس السقاف في (تناقضاته الجائرة والحائرة) (1/29-وما بعدها).(1/296)
ومثل هذا قولهم: (له غرائب عن فلان)، أو: (الغلط فيه من فلان)، أو: (أدخل عليه هذا الحديث الموضوع)، أو: (يأتي عن الأثبات بالمعضلات). أو: (هو أبو العجائب)، أو: (أبو العجب)، هذه الألفاظ لا يفهم منها الوضع بمجرد قراءتها بل: لا بد من النظر إلى المترجم، وما أُدخل عليه من الأحاديث أو: غلط فيه عن شيخه، وينظر أيضاً إلى غرائبه، وبمعضلاته عن الأثبات ومن قيل فيه: أبو العجائب، أو: أبو العجب.
حتى لا يجرح العدل بما ليس بجرح. فقد يقال للثقة إذا روى عن غير الثقات أبو العجب وهو كثير ومن ذلك:
1- ما جاء في: (تهذيب التهذيب) (1/445/446/447/448/ رقم:880 -ترجمة: بقية ابن الوليد بن صائد بن كعب بن حريز الكَلاَعي ... ): (قال يحيى: ولقد قال لي نُعيم-يعني: ابن حماد: كان بقية يَضِن بحديثه عن الثقات، قال: طلبت منه كتاب صفوان، فقال: كتاب صفوان؟ أي:-كأنه قال يحيى بن معين-كان يحدث عن الضعفاء بمائة حديث، قبل أن يحدث عن الثقات.
قال يعقوب: بقية ثقة، حسن الحديث إذا حدث عن المعروفين. ويحدث عن قوم متروكي الحديث، وعن الضعفاء، ويحيد عن أسمائهم إلى كناهم، وعن كناهم إلى أسمائهم، ويحدث عمن هو أصغر منه، وحدث عن سويد بن سعيد الحدثاني (1) .
__________
(1) -وذكر الزركشي في: (النكت على مقدمة ابن الصلاح) (1\51\52)، وقد أسنده الخطيب في (جامعه)، وابن السمعاني في (أدب الإملاء) (ص:110): (أن أبا القاسم البغويَّ، قال: "سألت أبا عبد الله أحمد بن حنبل أن يكتب كتاباً إلى سويد بن سعيد الحدثاني، فكتب: هذا رجل يكتب الحديث، فقلت: يا أبا عبد الله، لو كتبتَ: من أهل الحديث، فقال: أهل الحديث عندنا من يستعمل الحديث").(1/297)
وقال ابن سعد: كان ثقة في روايته عن الثقات، ضعيفاً في روايته عن غير الثقات. وقال العجلي: ثقة فيما يروي عن المعروفين، وما روى عن المجهولين، فليس بشيء (1) .
وقال أبو زرعة: بقية عجبٌ إذا روى عن الثقات، فهو ثقة... فأما عن المجهولين فيحدث عن قوم لا يعرفون ولا يضبطون... ما له عيب إلا كثرة روايته عن المجهولين...
وقال أبو مُسْهِر الغَسَّاني: بقية ليست أحاديثه نقية فكن منها على تقية...
وقال حَيْوَة: سمعت بقية يقول: لما قرأت على شعبة أحاديث يحير ابن سعد قال لي: يا أبا يُحمد-كنية بقية بضم الياء وكسر الميم-لو لم أسمع هذا منك لطرت.
وقال أبو داود: سمعت أحمد يقول: روى بقية عن عبيد الله بن عمر مناكير.
__________
(1) -كما في: (معرفة الثقات) (1/250/رقم:168)، و(تهذيب الكمال) (4/198)، و(تهذيبه) (1/473)، و(تاريخ بغداد) (7/126)، وفي: (تهذيب تاريخ دمشق) (3/279): (وثقه العجلي)، و(السير) (8/522)، و(الميزان) (1/331/رقم:630)، و(علل أحمد) (1/380/382)، و(التاريخ الكبير) (1/2/150)، و(الصغير) (2/281) للبخاري، و(الجرح والتعديل) (1/1/434)، و(تعريف أهل التقديس) (ص:121/رقم:117-المرتبة الرابعة، وعدتهم إثنا عشر نفساً.
وهم: من اتفق على أنه لا يحتج بشيء من حديثهم إلا بما صرحوا فيه بالسماع لكثرة تدليسهم على الضعفاء والمجاهيل)، و(الجليس الأنيس في شرح الجوهر النفيس في نظم أسماء ومراتب الموصوفين بالتدليس) (ص:61) لشيخنا المحدث محمد الأثيوبي، و(التبيين) (ص:16/17/رقم:5) لسبط ابن العجمي، و(التأنيس بشرح منظومة الذهبي في أهل التدليس) (ص:77) وما بعدها لشيخنا عبد العزيز الغماري،(1/298)
وقال الجوزجاني: رحم الله بقية، ما كان يبالي إذا وجد خرافة عمن يأخذ، وإذا حدث عن الثقات فلا بأس به (1) .
وقال حجاج ابن الشاعر: وسئل ابن عيينة عن حديث، فقال: هو أبو العجب: أخبرنا بقية ابن الوليد أخبرنا...
وقال ابن خزيمة: لا أحتج ببقية، حدثنا أحمد بن الحسن الترمذي، سمعت أحمد بن حنبل يقول: توهمت أن بقية لا يحدث المناكير إلا عن المجاهيل، فإذا هو يحدث المناكير عن المشاهير، فعلمت من أين أُتي. قلت-القائل الحافظ ابن حجر-: أتي من التدليس...
وَأَوْرَدَ ابن حبان له عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس أحاديث.
منها: (من أدمن على حاجبيه بالمشط عُوفي من الوباء) (2) .
ومنها: (إذا جامع أحدكم فلا ينظر إلى فرجها فإن ذلك يورث العمى) (3) .
ومنها: (تَرِّبُوا الكتاب وسَجُّوه من أسفله، فإنه أنجح للحاجة) (4) .
وقال: هذه من نسخة موضوعة كتبناها، يشبه أن يكون بقية سمعها من إنسان ضعيف، عن ابن جريج فدلّس عنه فالتزق ذلك به (5) .
وقال العقيلي: صدوق اللهجة، إلا أنه يأخذ عمن أقبل وأدبر، فليس بشيء... روى عن أقوام مثل:
1-الأوزاعي،
2-والزبيدي،
3-وعبيد الله العمري أحاديث شبيهة بالموضوعة أخذها عن محمد بن عبد الرحمن، ويوسف بن السفر، وغيرهما من الضعفاء، ويسقطهم من الوسط، ويرويها عن من حدثوه بها عنهم.
__________
(1) -أما لفظه في كتابه: (أحوال الرجال) (ص:175\رقم:312) فهكذا: (وأما أبو يُحْمِد فرحمه الله وغفر له، ما كان يبالي إذا وجد خرافة عمن يأخذه، فأما حديثه عن الثقات فلا بأس به).
(2) -انظر: (تذكرة الحفاظ) (752)، و(المجروحين) (1\202).
(3) -انظر: (تذكرة الحفاظ) (53)
(4) -انظر: (تذكرة الحفاظ) (395).
(5) -وفي (المجروحين) (1/230/رقم:159) بلفظ: (حدثنا سليمان بن محمد الخزاعي بدمشق، في نسخة كتبناها بهذا الإسناد كلها موضوعة، يشبه أن يكون بقية سمعه من إنسان ضعيف عن ابن جريج، فدلس عنه، فالتزق كل ذلك به).(1/299)
وروى ابن عدي عن بقية قال: قال لي شعبة: يا أبا يُحمِد، ما أحسن حديثك، ولكن ليس له أركان.
وقال بقية: ذاكرت حماد بن زيد بأحاديث، فقال: ما أجود حديثك لو كان لها أجنحة). (أي: أسانيد)
2-ومثله ما جاء في: (تهذيب التهذيب) (1/423/رقم:827-ترجمة: بشر بن السَّري البصري، أبو عَمْرو الأفواه، سكن مكة): (قال-بعد أن ذكر من وثقه-: (وقال ابن عدي: له غرائب عن الثوري، ومسعر، وغيرهما، وهو حسن الحديث ممن يكتب حديثه، ويقع في أحاديثه من النكرة).
ومثله-كما سبق في ترجمة أحمد المنكدري-قول الحاكم في المنكدري: (كان له إفرادات وعجائب) وقال السمعاني: (يقع في حديثه المناكير، والعجائب والإفرادات).
3-وجاء في: (تهذيب التهذيب) (4/20/رقم:4455-ترجمة: (عبد الرحمن بن البيلماني، مولى عمر):
(... لا يجب أن يعتبر بشيء من حديثه إذا كان من رواية ابنه محمد، لأن ابنه يضع على أبيه العجائب) (1) .
4-وفيه أيضاً: (4/289/رقم:4984-ترجمة: عبد الوهاب بن الضحاك بن أبان السُّلَمي العُرْضي، أبو الحارث الحمصي، سكن سلمية):
1-(قال صالح بن محمد الحافظ: منكر الحديث، عامة حديثه كذب...
2-وقال محمد بن عوف: قيل له: إنه كان يأخذ فوائد أبي اليمان، فيحدث بها عن إسماعيل ابن عياش، وحدث بأحاديث كثيرة موضوعة، قال: فخرجت إليه، فقلت: ألا تخاف الله، فضمن لي أن لا يحدث بها فحدث بها بعد ذلك...
3-وقال الدارقطني: له عن إسماعيل بن عياش وغيره مقلوبات وبواطيل...
4-وقال الحاكم وأبو نعيم: روى أحاديث موضوعة..
5-وقال أبو داود: كان يضع الحديث، قد رأيته...
6-قال البخاري: عنده عجائب).
انتهى بتصرف يسير مني-وقول البخاري: عنده عجائب: من مرتبة: (يأتي بالعجائب)
__________
(1) -وللتوسع في هذا المصطلح يرجى الرجوع إلى كتاب: (شرح ألفاظ التجريح النادرة أو: قليلة الاستعمال) (2/234/إلى:246).(1/300)
إلا أن قول البخاري: في (حديثه عجائب)-هذا اللفظ-لا يقتضي التجريح إلا مفسراً، والظاهر أنه لا يطلقه إلا فيمن له غرائب.
من ذلك: قوله في سعيد بن جُمهان (1) راوي حديث: (الخلافة ثلاثون سنة)، عن سفينة-رضي الله عنه-: (في حديثه عجائب).
وسعيد هذا وثقه جماعة من العلماء العظام، والجهابذة (2) الكرام مثل:
1-أحمد،
2-وابن معين،
3-وأبو داود،
__________
(1) -قال الحافظ في (التقريب) (2\23\رقم:2279-مع تحرير التقريب): (جمهان، بضم الجيم وإسكان الميم، الأسلمي، أبو حفص البصري: صدوق له أفراد).
لكن محررا أحكام (التقريب) لم يعجبهم هذا الحكم الذي قاله الحافظ-صدوق له أفراد-، فقالا: (بل: ثقة،
1-وثقه ابن معين،
2-وأبو داود،
3-ويعقوب بن سفيان،
4-وقال المرُّوذي عن أحمد: قلت له: ما تقول في سعيد بن جمهان، فقال: ثقة، روى عنه العوَّام بن حوشب، وروى عنه حماد، وأراه ذكر عبد الوارث وغيره.
قلت: يروى عن يحيى القطان أنه سئل عنه فلم يرضه، فقال: باطل، وغضب، وقال: ما قال هذا أحد غير علي ابن المديني، ما سمعت يحيى يتكلم فيه بشيء.
وقال النسائي: ليس به بأس، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال أبو حاتم وحده: "يكتب حديثه ولا يحتج به"، وأين هذا من توثيق الجم الغفير من جهابذة أهل الجرح والتعديل؟).
(2) -فال فضيلة شيخنا العلامة المحدث محمد الأثيوبي في كتابه القيم: (ألفية علل الحديث-المسماة: شافية الغُلَل بمهمات علم العلل) في المقدمة تحت المسألة الأولى: (في بيان شرف الحديث وأهله)، عند قوله:
ثم اعلمنْ أن الحديثَ كاناَ # علماً شريفاً فائقاً أركانَا
قد اعتَنَتْ به يدُ الجهابذهْ # خادمةً حاميةً مُنابِذهْ:
("الجهابذة": جَمع جِهبِذ-بكسر الجيم، وسكون الهاء، وكسر الموحدة، آخره ذال معجمة-: وهو كما في "القاموس": النَّقَّاد الخبير).(1/301)
4-ويعقوب بن سفيان، وغيرهم، وصحح له أحمد عن سفينة المتقدم-بصرف النظر عما قيل في الحديث-وقال الذهبي في: (السير) (10/634): (قول أبي بكر-هو الجعابي-: عنده عجائب عبارة محتمله للتَّلْيِين، فلا تقبل إلا مفسرة )-.
5-وفي: (4/430/رقم:5287-ترجمة: عثمان بن عبد الرحمن بن مسلم الحراني، أبو عبد الرحمن، ويقال: أبو عبد الله، ويقال: أبو محمد، ويقال: أبو هاشم المُكْتِب المعروف بالطرائفي، مولى منصور بن محمد بن مروان، وقيل مولى بني تيم):
1-(وقال ابن عدي ...: ويحدث عن قوم مجهولين بالمناكير، وعنده عجائب...
2-وقال أبو أحمد: وصورة عثمان أنه لا بأس به (1) .
__________
(1) -قولهم: "إسناده لا بأس به"، "لا بأس بإسناده": (هذا اللفظ في مرتبة قوله: "إسناده حسن"، لأن لفظ: "صدوق" الذي يقال فيمن وصف به بأن حديثه حسن هو وقولهم: "لا بأس به، وليس به بأس" في مرتبة واحدة على الصحيح، ولا يعني إطلاق هذا الحكم على حديث ما أنه حسن في نفسه، فقد يكون الحديث مضطرباً أو: معللاً، وإنما هذا الحكم منصب على الإسناد فقط، لكن إن أطلق ولم يذكر للحديث علة تمنع من قبوله، فالراجح أنه حكم على المتن أيضاً). انظر: (معجم علوم الحديث النبوي) (ص:30\رقم:69).
وقد سألتني أم الفضل قائلة: (شيخنا الفاضل إذا كان قول ابن معين: (لا بأس به)، يساوي ثقة عند غيره فقوله: (ثقة) يساوي ماذا؟).
فأجبتها قائلاً: (قول ابن معين في الراوي: (ثقة) يعتبر أرفع من قوله: (لا بأس به) نبه على هذا أصحاب المصطلح حيث قرروا أن قوله: (لا بأس به) لا يساوي قوله: (ثقة) لأن التوثيق يتفاوت.
تنبيه: قال محقق (تاريخ ابن معين) تحت عنوان: (مصطلحات خاصة بيحيى بن معين): (...أولا: قوله: (ليس به بأس)، هل هو بمعنى (ثقة) عنده، أو: دونها في الدلالة؟ قال العراقي في (شرح ألفية الحديث) (2\7\8): تقدم أن لألفاظ التعديل مراتب، وأن قولهم: (ثقة)، أرفع من: (ليس به بأس) ورد على ذلك أن كلام ابن معين يقتضي التسوية بينهما، فإن ابن أبي خيثمة قال: قلت لابن معين إنك تقول: فلان ليس به بأس، وفلان ضعيف، قال: إذا قلت لك: (ليس به بأس)، فهو ثقة، وإذا قلت لك: هو ضعيف، فليس هو بثقة. لا تكتب حديثه.
قال ابن الصلاح: ليس في هذا حكاية ذلك عن غيره من أهل الحديث، فإنه نسبه إلى نفسه خاصة، بخلاف ما ذكره ابن أبي حاتم. قلت: ولم يقل ابن معين: إن قولي: ليس به بأس، كقولي ثقة، حتى يلزم منه التساوي بين اللفظين، إنما قال: إن من قال فيه هذا فهو ثقة. وللثقة مراتب، فالتعبير عنه بقولهم: (ثقة) أرفع من التعبير عنه بأنه (لا بأس به) وإن اشتركا في مطلق الثقة، والله أعلم.
وفي كلام دحيم ما يوافق كلام ابن معين، فإن أبا زرعة الدمشقي قال: قلت: لعبد الرحمن بن إبراهيم: ما تقول في علي بن حوشب الفزاري؟ قال: لا بأس به. قال: قلت: ولم لا تقول ثقة؟ ولا تعلم إلا خيراً.؟ قال: قد قلت لك: إنه ثقة. ويدل على أن التعبير بثقة أرفع أن عبد الرحمن بن مهدي قال: حدثنا أبو خلدة، فقيل له: أَكَان ثقة؟ قال: كان صدوقاً، وكان مأموناً، وكان خيّراً. الثقة شعبة وسفيان.
والذي يتلخص من ذلك:
1-أن ابن معين إذا أطلق قوله: (ليس به بأس) فإنه يريد بذلك مطلق التوثيق، ولا يمنع من ذلك أن يكون قوله: (ثقة) أرفع من قوله: (ليس به بأس) لأن الثقة مراتب.
2-أن مما يستدل به على تفاوت مراتب الثقة ما ذكر ابن مهدي وغيره. أن دحيماً قد وافق ابن معين في استعماله اللفظين معاً في مدلول واحد، وهذا قد يكون مصطلحاً خاصاً بهما. والذي يتَتَبَّع استعمال يحيى بن معين لهذين اللفظين في نقده الرجال، وإطلاقه هذا اللفظ تارة، واللفظ الآخر تارة أخرى، والجمع بينهما أحياناً، يتأكد له ما نقله أبو خيثمة عن يحيى.
وقد تتبعت هذين اللفظين في نقد ابن معين للرجال-في القسم المفهرس-فوجدت أن مدلول هذين اللفظين عنده واحد، فهو يطلق على الرجل الواحد تارة قوله: (ثقة) وتارة: (ليس به بأس) ويجمع بينهما أحياناً، ومن الغريب أن استعمال هذه العبارات الثلاث في ترجمة واحدة، هي ترجمة: حماد بن دليل. فقال في النص (رقم:4856): (ليس به بأس)، وهو ثقة. وفي النص (رقم:4883): (ليس به بأس). وفي النص (رقم:5006): ثقة.
والتراجم التي وقفت على جمعه فيها بين ثقة تارة، وليس به بأس تارة أخرى-حسب تسلسلها في القسم المفهرس-هي:
1-الأجلح عبد الله بن حجية. 2-أخضر بن عجلان. 3-أسد بن عمرو. 4-الحارث بن مُرَّة.
5-حشرج بن نباتة. 6-حفص بن ميسرة. 7-الحكم بن عطية. 8-حمَّاد بن دليل. 9-حوشب بن عقيل الخ.
وقد اكتفيت بتتبع أسماء الرواة الذين ورد في ترجمتهم هذان اللفظان إلى آخر حرف الحاء، نظراً لكثرة استعماله ذلك، وهذا ما يقطع بأنه يراهما في درجة واحدة عنده. والله اعلم.
أما الاستدلال على التفريق بين هذين اللفظين مما نقل عن النقاد في الإشارة إلى مراتب التوثيق، فهذا أمر مسلم به، ولا يلزم من ذلك أن يكون هذان اللفظان بالذات مختلفين عنده-كما سيأتي قريباً ما يدل على هذا-
بل: هو يراهما واحد، وهذا مصطلح خاص به-كما مر-ويشهد له كذلك ما نقل عن دحيم في التسوية بينهما. ويحيى يرى التفاوت أيضاً في درجات التوثيق، فقد قال في ترجمة مسعود بن سعد الجعفي، أبي غسان: ثقة مأمون. وحين سئل عن المفاضلة بينه وبين الفضل بن دكين قال: إنه أثبت منه، وأنكر كذلك على من قال: إن الفضل بن دكين أقلُّ خطأً من وكيع. وكلاهما ثبت عنده. لكن يحيى بن معين يرى وكيعاً أثبت منه وأقل خطأ).
قال المحبوس: فمن قال فيه ابن معين: فلان لا بأس به يساوي عنده أنه ثقة، ولكن من قال فيه: ثقة، يكون أوثق من الراوي الذي قال عنه: (لا بأس به)
انتهى من كتاب: (يحيى بن معين وكتابه: "التاريخ") (1\112\113\114) دراسة وترتيب وتحقيق أحمد بن محمد نور سيف، و(قناص الشوارد الغالية، وإبراز الفرائد والفوائد الحديثية) (ص:182\184\رقم:50).(1/302)
وتلك العجائب من جهة المجهولين، وما يقع في حديثه من الإنكار فإنما يقع من جهة من يروي عنه...
3-وقال ابن نمير: كذاب).
6-وجاء في: (تهذيب التهذيب)(4/448/رقم:5312-ترجمة: عثمان بن مطر الشيباني، أبو الفضل، ويقال: أبو علي البصري، ويقال: عثمان بن عبد الله المطري).
بعد أن ذكر من ضعفه، ومن تركه قال:
1-(وقال البخاري: عنده عجائب..
2-وقال ابن عدي ... : في ترجمة الحسن بن أبي جعفر-بعد أن ساق حديثين من رواية عثمان بن مطر عنه-: لعل البلاء فيهما من عثمان).
7-وفي (4/576/رقم:5516-ترجمة: علي بن الحَزَوَّر الكوفي، ومنهم من يقول: علي بن أبي فاطمة يدلسه):
1-(قال الدوري عن ابن معين: ليس يحل لأحد أن يروي عنه.
2-وقال البخاري: فيه نظر (1) . وقال مرة: منكر الحديث، عنده عجائب).
8-وفي: (4/751/752/رقم:5823-ترجمة: عمر بن قيس المكي، أبو حفص المعروف بسندل): (قال علي بن المديني عن يحيى بن سعيد القطان: كنت ليلة في المسجد الحرام وهو يحدث وما حفل به يحيى قال: فسمعته يحدث عن عطاء، عن عبيد بن عمير، عن عمر في دية اليهود والنصارى وعجائب).
9-وفي: (5/678/رقم:7149-ترجمة: محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان): (وقال سعد: كان كثير الحديث، عالماً. وقال البخاري: عنده عجائب).
__________
(1) -انظر: (الرفع والتكميل في الجرح والتعديل) (ص:348\388)، و(قواعد في علوم الحديث) للتهانوي (ص:254\401)، و(معجم علوم الحديث النبوي) (ص:29).(1/303)
10-وفي: (6/25/رقم:7393-ترجمة: محمد بن كريب بن أبي مسلم الهاشمي، مولى ابن عباس): (قال الأثرم عن أحمد: منكر الحديث، يجيء بعجائب (1) عن حصين بن عوف، ويسند الأحاديث وحمل عليه).
11-وفي: (5/169/رقم:6188-ترجمة: العلاء بن زيد الثقفي، أبو محمد البصري):
1-(وقال علي بن المديني: كان يضع الحديث.
2-وقال البخاري، والعقيلي، وابن عدي: منكر الحديث.
3-وقال أبو حاتم: منكر الحديث، متروك الحديث..
4-وقال أبو داود: متروك الحديث.
5-وقال ابن حبان: روى عن أنس نسخة موضوعة، لا يحل ذكره إلا تعجباً) (2) .
12-وفيه أيضاً: (5/393/رقم:6617-ترجمة: كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف بن زيد بن ملحة اليشكري المزني):
(..وقال ابن حبان: روى عن أبيه عن جده نسخة موضوعة، لا يحل ذكرها في الكتب، ولا الرواية عنه إلا على جهة التعجب) (3) .
__________
(1) -قال الشيخ مصطفى بن إسماعيل: قولهم في الراوي: (يأتي بعجائب): (اعلم أن هذا له أسباب، فقد يكون سارقاً كذاباً، وقد يكون صاحب غفلة وأوهام، وقد يكون مدلساً، وقد يكون لسعة اطلاعه ، كما جاء في "المغني" (2\446) ترجمة: علي بن الحسين أبي الفرج الأصبهاني مؤلف "الأغاني" قال الذهبي-رحمه الله-: "شيعي يأتي بعجائب يحتمل لسعة اطلاعه"، وقد سبق أن المكثرين في الحديث المجتهدين في الطلب عندهم غرائب وعجائب لسعة اطلاعهم ولم يُقدح فيهم لهذا والله أعلم). انظر: (شفاء العليل) (1\431\432).
(2) -ولفظ ابن حبان: (روى عن أنس بن مالك بنسخة موضوعة، لا يحل ذكره في الكتب إلا على التعجب ... في نسخة كتبناها عنه بهذا الإسناد كلها موضوعة ومقلوبة) (2/172/173/رقم:809)
(3) -ولفظ ابن حبان في: (المجروحين) (2/226/رقم:890): (يروي عن أبيه عن جده بنسخة موضوعة، لا يحل ذكرها في الكتب ولا الرواية عنه إلا على جهة التعجب، وكان الشافعي يقول: كثير بن عبد الله المزني ركن من أركان الكذب).(1/304)
13-وفي: (/727/رقم:8701-ترجمة: وكيع بن مُحرز بن وكيع الناجي السامي النَّبَّال البصري: قال الحافظ (وقال البخاري: عنده عجائب).
14-وفي: (6/745/رقم:8739-ترجمة: الوليد بن محمد المُوَقري يروي عن الزهري (1) عجائب؟ قال: آه ليس ذاك بشيء).
15-وفي: (7/130/رقم:8980-ترجمة: يحيى بن يمان العجلي، أبو زكرياء الكوفي: (وقال زكرياء الساجي: ضعفه أحمد وقال: حدث عن الثوري بعجائب).
16-وفي: (7/153/رقم:9021-يزيد بن أبي زياد القرشي الهاشمي، أبو عبد الله مولاهم الكوفي، رأى أنساً): (قال ابن سعد: كان ثقة في نفسه إلا أنه اختلط في آخر عمره، فجاء بالعجائب).
17-وفي: (7/231/رقم:9182-ترجمة: يوسف بن إبراهيم التميمي، أبو شيبة الجوهري ... الواسطي):
1-(وقال البخاري: صاحب عجائب.
2-وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث، منكر الحديث، عنده عجائب)
18-وفي: (7/365/رقم:9684-ترجمة: أبي الرحّال الأنصاري البصري): (وقال البخاري: عنده عجائب).
19-وفي: (5/286/رقم:6426-ترجمة: القاسم بن أبي أيوب، وهو ابن بهرام الأسدي الواسطي الأعرج، أصبهاني الأصل): (وذكر ابن بَهْرام في (الضعفاء) وقال: يروي عن أبي الزبير العجائب، لا يجوز الاحتجاج به بحاله).
20-قال الذهبي في: (تذكرة الحفاظ)(3/793/رقم:785-ترجمة: الحافظ البارع الجوال الإمام أبو بكر أحمد بن محمد بن عمر بن عبد الرحمن بن عمر ابن الحافظ محمد بن المنكدر): (قال الحاكم: ولد بالمدينة ونشأ بالحرمين وسمع عبد الجبار بن العلاء وله أفراد وعجائب).
21-وفي: (3/800/رقم:790-ترجمة: الحافظ أبو بكر أحمد بن محمد بن حسن بن أبي حمزة البلخي): (وقال الحاكم: وقع لي من كتبه بخطه وفيها عجائب).
22-وفي: (3/1011/رقم:943-ترجمة: المعافى بن زكرياء بن يحيى بن محمد النهرواني): (وله كتاب الجليس (و)الأنيس وفيه عجائب).
__________
(1) -انظر ترجمته في: (السير) (5\337\328)، و(5\328)، و(شرف أصحاب الحديث) (ص:59\60)، و(قواعد التحديث) (ص:406\408).(1/305)
23-وقال المعلمي في: (التنكيل) (1/413/رقم:46-ترجمة أسد بن موسى بن إبراهيم المرواني يقال له: أسد السنة): في (تاريخ بغداد) (13/383)، من طريق (الربيع بن سليمان يقول: سمعت أسد بن موسى قال...)، قال الأستاذ (ص:65): (منكر الحديث عند ابن حزم).
أقول: قد قال البخاري: (مشهور الحديث) وهذا بحسب الظاهر يبطل قول ابن حزم، لكن يجمع بينهما قول ابن يونس: (حدث بأحاديث منكرة وأحسب الآفة من غيره)، وقول النسائي: (ثقة ولو لم يصنف كان خيراً له).
وذلك أنه لما صنف احتاج إلى الرواية عن الضعفاء فجاءت في ذلك مناكير، فحمل ابن حزم على أسد، ورأى ابن يونس أن أحاديثه عن الثقات معروفة، وحقق البخاري فقال: (حديثه مشهور) يريد والله أعلم مشهور عمن روى عنهم فما كان فيه من إنكار فمن قبله، وقد قال ابن يونس أيضاً والبزار (1) وابن قانع-حافظ الحنفية-: ثقة، وقال العجلي: ثقة صاحب سنة (2) ، وفي: (الميزان): (استشهد به البخاري، واحتج به النسائي وأبو داود وما عملت به بأساً)-فهناك فرق بين قولهم: (حديث منكر، ومنكر الحديث، ويروي المناكير)-وكذا قولهم: (الغلط فيه من فلان).
24-جاء في: (تهذيب التهذيب)(1/123/رقم:231-ترجمة: إبراهيم بن طهمان بن شعبة الخراساني). بعد أن ذكر من وثقه قال: (... قال صالح: والغلط فيه من غير إبراهيم).
__________
(1) -انظر: (تاريخ بغداد) (4\334)، و(تذكرة الحفاظ) (2\653)، و(الميزان) (1\124)، و(13\554)، و(لسان الميزان) (1\563)، و(شذرات الذهب) (3\387)، و(النكت على تقريب التهذيب) (ص:37\رقم:6) لفضيلة شيخنا العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز.
(2) -ولفظه في (معرفة الثقات) (1/222/رقم:79): (أسد بن موسى، مصري ثقة وكان صاحب سنة).وقد أطال في ترجمته الذهبي في (السير) (10/164).(1/306)
وكذا قولهم: (هذا الحديث أُدخل عليه، أو: أدخل على فلان) (1) .
1-جاء في: (تهذيب التهذيب) (1/77/78/رقم:139-ترجمة: أحمد بن المفضل القرشي الأموي، أبو علي الكوفي الحفري): (هذا حديث باطل لعله أُدخل عليه).
وأيضاً قولهم: (يأتي عن الأثبات بالمعضلات).
2-جاء في: (تهذيب التهذيب) (1/44/رقم:69-ترجمة: أحمد بن صالح الشمُومي المصري، نزيل مكة): (ذكره ابن حبان في (الضعفاء) فقال: يأتي عن الأثبات بالمعضلات).
3-وفي (الفتح للحافظ) (12/343) كذا في: (التوجيه) (17/347) لحافظ ثنا الله الزاهدي: (الدَّؤُدِي: له عجائب في شرحه).
وفي هامش (المسند) للإمام أحمد (2/36/رقم:598-من زوائد ابنه عبد الله-مؤسسة الرسالة-): (...والقاسم-وهو ابن عبد الرحمن الشامي-قال أحمد: روى عنه علي بن يزيد-وهو الألهاني-عجائب، وما أراها إلا من قبل القاسم.
وقال ابن حبان في: (المجروحين) (2/63): وإذا اجتمع في إسناد خبر عُبيد الله بن زحر، وعلي بن يزيد، والقاسم أبو عبد الرحمن لم يكن متن ذلك الخبر إلا مما عملته أيديهم).
__________
(1) -ومن هذا اللفظ قولهم: (فلان أدخل على المشايخ): "الأصل في هذا: الجرح الشديد من جهة العدالة، ولكن قد يقع هذا من العُباد الذين لا يضبطون الحديث فيقع منهم قلب الأسانيد على سبيل الغفلة والوهم لا على سبيل العمد، وأيضاً قد يفعل هذا بعض الأئمة لاختبار الرواة، وقد جاء في "تذكرة الحفاظ" (3\1009) ترجمة: أحمد بن منصور الشيرازي الحافظ الرحال أن الحاكم قال: "جمع هذا من الحديث ما لم يجمعه أحد وصار له من القبول بشيراز بحيث يضرب به المثل".
وقال الدارقطني: "أدخل الشيرازي هذا بمصر على شيوخ أحاديث وأنا بمصر، وذكر يحيى بن منده الحافظ أن الذي صنع هذا آخر اسمه أحمد بن منصور". والظاهر أن هذا الفعل إن كان من الشيرازي الحافظ فهو على سبيل الاختبار والامتحان، والله أعلم). انظر: (شفاء العليل) (1\347).(1/307)
4-وفي: (فتح الباري) (2/380) و(التوجيه) (17/218): بين الحافظ أن إبراهيم بن طهران ثقة: (تكلم فيه محمد بن عبد الله بن عمار بخطأ حدث من المُعافى بن عمران، وإبراهيم لا ذنب له فيه).
5-وجاء في: (تهذيب التهذيب) (2/591/رقم:2619-ترجمة: السَّرِي بن إسماعيل الهمداني الكوفي، ابن عم الشعبي): (وقال الآجري عن أبي داود: ضعيف متروك الحديث، يجيء عن الشعبي بأوابد).
6-وفي: (4/370/371/رقم:5159-ترجمة: عبيد بن القاسم الأسدي التيمي الكوفي، ويقال: إنه ابن أخت سفيان الثوري):
(وقال ابن حبان: كان ممن يروي الموضوعات عن الثقات، حدث عن هشام بن عروة بنسخة موضوعة) (1) .
7-وفي: (5/713/رقم:7214-ترجمة: محمد بن عبد الواحد الطّفاوي، أبو المنذر البصري): (أورد ما رواها عن هشام بن عروة، والذنب فيها لغير الطفاوي فإنها من رواية: عمرو بن عبد الجبار السخاوي عن الطفاوي).
وقال شيخنا في هامش: (الرفع والتكميل) (ص:172/179) بعد أن ذكر قول ابن عراق: (وأما قولهم: (له طامات) و(أوابد)، (ويأتي بالعجائب...): (قد يصح جَعْلُ هذا مطرداً بالنسبة إلى قولهم: (له أوابد) (2) ، و(يأتي بالعجائب)، أما بالنسبة إلى قولهم: (له طامات)، فلا يصح جعله مطرداً، بل: يكون بحسب حال المترجم). أي: بحسب ما قالوا فيه.
__________
(1) -وفي (المجروحين) (2/166/رقم:800) بلفظ: (روى عن هشام بن عروة بنسخة موضوعة، لا يحل كتابة حديثه إلا على جهة التعجب) انظر: (تاريخ الدوري) (2/386/387)، و(تاريخ ابن شاهين) (482)، و(الضعفاء والمتروكون) (424) للنسائي، و(3/116) للعقيلي، و(5/349/350) لابن عدي، و(396) للدارقطني، و(2227) لابن الجوزي، و(الجرح والتعديل) (5/412).
(2) -وللتوسع في هذا المصطلح يرجى الرجوع إلى كتاب: (شرح ألفاظ التجريح النادرة أو: قليلة الاستعمال) (2/234/إلى: 246).(1/308)
وقال أيضاً عند مراتب الجرح: (هذه الألفاظ الثلاثة كما يبدو لي: ليست في رتبة واحدة من القوة والاستعمال في كلامهم، فلفظ: (له أوابد)، و(يأتي بالعجائب)، ويكون من هذه المرتبة الخامسة-هي: فلان لا يحتج به، أو: ضعّفوه، أو: مضطربُ الحديث، أو: له ما يُنكَر، أو: له مناكير، أو: منكر الحديث، أو: ضعيف-وأما لفظ: (له طامات) فيكون بحسب ما قيل فيه، فإذا كان من الكذابين فهو يقتضي اتهامَ المقول فيه بالكذب، كما أسلفته بشواهده قريباً في (ص:172)، وإذا لم يكن من الكذابين المحكوم عليهم بالكذب، فيمكن أن لا يقتضي اتهامه بالكذب، والله أعلم).
قال شيخنا أبو غدة-عند المرتبة الثانية من المراتب الجرح، التي هي-: (ما هو دون ذلك، كالدجال، والكذاب والوضاع. فإنها وإن اشتملت على المبالغة، لكنها دون الأولى، وكذا يضع، أو: يكذب)-: (ومما يدخل في هذه المرتبة الثانية من مراتب الجرح: ما سلكه الإمام أحمد في هذا المقام، إذا سئل عن حال راوٍ كذاب، فلم يتكلم فيه بشيء، ولكن زكّى غيره وهو لم يسأل عنه، فكان ذلك إيذاناً منه بسقوط ذاك الراوي المسؤول عنه.
جاء في: (مناقب الإمام أحمد) لابن الجوزي (ص:267)، و(تهذيب التهذيب) (9/464) في ترجمة: (محمد بن معاوية النيسابوري): (قال يعقوب بن سفيان: حدثنا سلمة بن شبيب، قال سألت أحمد بن حنبل، عن محمد بن معاوية النيسابوري، فقال لي: نِعْم الرجل يحيى بن يحيى) (1) .
__________
(1) -هو الإمام الحافظ أبو زكريا يحيى بن يحيى المِنقري النيسابوري، شيخ خراسان، ولد (سنة:142 ومات سنة:226) وهو إمام عصره بلا مدافعه، وهو أيضاً شيخ البخاري ومسلم وطبقتهما، قال أحمد: ما رأى يحيى بن يحيى مثل نفسه، وما أخرجت خراسان مثلَهُ، كنا نسميه: يحيى الشكاك، من كثرة ما كان يشك في الحديث. يعني أنه كلما توقف في كلمة أبطل سماعه لذلك الحديث ولم يروه. انظر ترجمته في (تذكرة الحفاظ) للذهبي (2/415/416).(1/309)
قال ابن الجوزي رحمه الله-عَقِبَهُ: (إنما ورَّى أحمد عن ذكر هذا المذموم بذلك الممدوح، فإن (محمد بن معاوية). معدودٌ في الكذابين، وقد قدح فيه أحمد في رواية أخرى عنه، لكنه كان يجتنب القَدح في أوقات).
قال شيخنا: (وهذا الأسلوب اللطيف في الجرح، لا يلزم منه دائماً أن يكون المجروح (كذاباً) كما وقع في هذه الترجمة، فقد يكون ضعيفاً بعض الضعف، والأسلوب هو الأسلوب، ذلك لأن الإعراض عن المسؤول عنه، وتزكية غيره: عنوان ضعفه عند المسؤول، وإلا لأجاب السائل عنه.
ومثل هذا في الإشارة إلى الجرح وعدم التزكية: ما لو سئل المحدثُ الجِهبِذُ عن الراوي، فأجاب بقوله: (الله أعلم)، لأن هذا يفيد أن حاله بالنسبة للمسؤول عنه مجهولة، لأنه لم يُجِبْ عن السؤال، ورد العلم إلى الله تعالى.
ودائماً وأبداً: والله أعلم، فلم يوثقه بشيء، فقوله فيه: (والله أعلم)، هو مِنْ بَابِ الْجَرحِ، وليس من التعديل في شيء!، كما قرره الفقهاء في كتاب الشهادة وبحث تزكية الشهود، والله تعالى أعلم.
ثم قال: ولعل من هذه المرتبة الثانية أو: المرتبة الثالثة (1) قولَهم، في حيز الراوي المجروح: (فالله المستعان) (2) .
وإليك شواهد ذلك:
__________
(1) -ذكرها أبو الحسن في المرتبة الخامسة: من مراتب التجريح في كتاب: (شفاء العليل) (1\240).
(2) -وللتوسع في هذا المصطلح يرجى الرجوع إلى كتاب: (شرح ألفاظ التجريح النادرة أو: قليلة الإستعمال) (2/211/إلى:224). انظر المرتبة الخامسة: من مراتب التجريح في كتاب: (شفاء العليل) (1\240)، وهامش (الرفع والتكميل) (ص:173\176)، و(معجم علوم الحديث النبوي) (ص:50\51).(1/310)
1-جاء في: (تهذيب التهذيب) (10/283) في ترجمة: (مقاتل بن سليمان) صاحب التفسير: (قال علي بن خَشْرَم، عن وكيع: أردنا أن نرحل إلى مقاتل، فقدم علينا، فأتيناه فوجدناه كذاباً، فلم نكتب عنه، وقال نافع بن أشرس عن وكيع: سمعت من مقاتل، ولو كان أهلاً أن يُروى عنه لروينا عنه. وقال محمود بن غيلان عن وكيع (1) : سمعت من مقاتل، فالله المستعان) (2) .
فقد جاء قوله: (فالله المستعان) معادلاً لقوله في الرواية الأولى: (كذاب)، أو: لقوله في الرواية الثانية: (لو كان أهلاً...) التي معناها: أنه هالك تالف.
2-وجاء في: (تهذيب التهذيب) (8/393) في ترجمة: (قيس بن الربيع الأسدي الكوفي): (قال المَرّوذي: سألت أحمد عنه فليّنه وقال: كان وكيع إذا ذكره قال: الله المستعان! وقال البخاري: قال علي: كان وكيع يُضَعِّفُه وقال الآجُرِّي عن أبي داود: سمعت ابن معين يقول: قيس ليس بشيء).
3-وجاء في: (الآداب الشرعية) لابن مفلح (2/151)-أحمد بن حنبل-عن أبي البَخْتَري-وهب ابن وهب القرشي المدني القاضي، المتوفى سنة: 200، وقد أجمعوا على كذبه كما في ترجمته في (لسان الميزان) لابن حجر (6/231/234) فقال: كان كذَّاباً يضع الحديث، فقال الرجل: أنا ابن عمه لَحّاً-أي: أنا ألصق ما أكونُ به قرابةً من جهة العُمُومة-قال أبو عبد الله: الله المستعان! ولكن ليس في الدين محاباة).
__________
(1) -انظر: (شفاء العليل) (1\240).
(2) -وفي (المجروحين) (3\14\16) لابن حبان: (كان يكذب في الحديث)، وقال وكيع: (لقيته وكان كذاباً)، وقال مرة: (بات عندنا ليلة والله المستعان). وقال عبد الله بن يزيد: "حدثنا "إنا لله وإنا إليه راجعون" قلنا: من يا أبا عبد الرحمن؟ قال: مقاتل بن سليمان". انظر المرتبة الخامسة: من مراتب التجريح في كتاب: (شفاء العليل) (1\240).(1/311)
4-وجاء في: (الميزان)(3/678). في ترجمة: (محمد بن عيسى القرشي): (قال صالح بن محمد: قال لي محمود ابن بنت محمد بن عيسى: هو أي: الحديث المتكلم فيه-في كتاب جدي: عن إسماعيل بن يحيى، عن بن أبي ذئب، قال صالح: -وإسماعيل كان يضع الحديث-فحدّثتُ محمد بن يحيي الذُّهلي بهذه القصة فقال: الَّلهُ المستعان!).
قال الشيخ مصطفى بن إسماعيل في المرتبة الخامسة: من مراتب التجريح، من كتابه: (شفاء العليل): (وقول أحدهم: "حدثنا فلان والله المستعان": الظاهر أن هذا في الجرح الشديد كما جاء في "الجرح والتعديل" (1) ، ترجمة: عبد الرحمن بن عمرو بن جبل الباهلي، قال ابن أبي حاتم: "سألت أبي عنه فقال: كان يكذب فضربت على حديثه، قلت: إن محمد بن مسلم يحدث عنه، فقال: الله المستعان على ذلك".
وفي "الميزان" (2) ترجمة: قيس بن الربيع الأسدي... وكان ابن المديني ووكيع يضعفانه، قال وكيع غير مرة: "حدثنا قيس بن الربيع والله المستعان" وفي: "تهذيب التهذيب" قال أحمد-رحمه الله تعالى-: "وكان وكيع إذا ذكره قال: الله المستعان" (3) .
وفي "الثقات" لابن حبان ترجمة: عمير بن المأمون التيمي: (روى عنه سعد بن طريف الإسكاف وسعد الله المستعان على أخباره) (4) .
__________
(1) -انظر: (المجروحين) (5\267)، والمرتبة الخامسة: من مراتب التجريح في كتاب: (شفاء العليل) (1\240\241).
(2) -انظر: (الميزان) (3\394)، والمرتبة الخامسة: من مراتب التجريح في كتاب: (شفاء العليل) (1\241).
(3) -انظر: (تهذيب التهذيب) (8\393)، والمرتبة الخامسة: من مراتب التجريح في كتاب: (شفاء العليل) (1\241).
(4) -انظر: (الثقات) (5\256)، والمرتبة الخامسة: من مراتب التجريح في كتاب: (شفاء العليل) (1\241).(1/312)
ويشهد لاستعمال هذه العبارة كما قدّمته، ما جاء في القرآن الكريم في سورة يوسف، من قول يعقوب عليه السلام حين أخبره أولاده، بأن يوسف أكله الذئب: (قال بل سولت لكم أنفسكم أمراً، فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون) وفي أخر سورة الأنبياء: (قل رب احكم بالحق، وربنا الرحمن المستعان على ما تصفون).
كما يشهد لاستعمالها من السنة المطهرة قول عثمان-رضي الله عنه- فيما رواه البخاري (7/43-في آخر مناقب عمر رضي الله عنه)، ومسلم (1/170/171-في آخر مناقب عثمان رضي الله عنه)، والإمام أحمد في (المسند/4/306) واللفظ للبخاري: عن أبي موسى-الأشعري-رَضِي اللَّه عَنْه قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيّ-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-فِي حَائِطٍ مِنْ حِيطَانِ الْمَدِينَةِ، فَجَاءَ رَجُلٌ فَاسْتَفْتَحَ، فَقَالَ النَّبِيُّ-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-: افْتَحْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ، فَفَتَحْتُ لَهُ فَإِذَا أَبُو بَكْرٍ، فَبَشَّرْتُهُ بِمَا قَالَ النَّبِيُّ-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-فَحَمِدَ اللَّهَ.
ثُمَّ جَاءَ رَجُلٌ فَاسْتَفْتَحَ، فَقَالَ النَّبِيّ-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-: افْتَحْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ، فَفَتَحْتُ لَهُ فَإِذَا هُوَ عُمَرُ، فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا قَالَ النَّبِيُّ-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-فَحَمِدَ اللَّهَ.
ثُمَّ اسْتَفْتَحَ رَجُلٌ فَقَالَ لِي: افْتَحْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ عَلَى بَلْوَى تُصِيبُهُ! فَإِذَا عُثْمَانُ، فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا قَالَ رَسُولُ اللَّه-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-، فَحَمِدَ اللَّهَ ثُمَّ قَالَ: اللَّهُ الْمُسْتَعَانُ).
قال علي القاري في: (المرقاة) (5/561): (أي: الله المطلوب منه المعونة على الصبر على مرارة تلك البَليَّة).(1/313)
وكذلك يشهد لهذا الاستعمال بالمعنى الذي ذكرتُه، ما جاء في حديث الإفك، الذي رواه البخاري في: (صحيحه) (5/201) في كتاب الشهادات، في (باب: تعديل النساء بعضهن بعضاً)، وفي كتاب التفسير، في تفسير سورة النور، في (باب: لولا إذ سمعتموه قلتم: ما يكون لنا أن نتكلم بهذا...) (8/365)، وفيه قول أمنا عائشة-رضي الله عنها-في دفع حادثة الإفك عنها: (وَاللَّهِ لا أَجِدُ لي ولكم مَثَلاً إِلاَّ قول أَبِي يُوسُفَ: (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ، وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ).
ولتَحَقُّقِ هذا المعنى الذي أشرت إليه في عبارة (والله المستعان)، ترى المحدثين والمؤرخين حين يذكرون خبراً كاذباً، أو: راوياً دجّالاً، أو: مُدّعياً الصحبة لرسول الله-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-، أو: التعمير إلى أزمان متأخرة يتبعون كلامَهم عليه، أو: يختمونه بقوله: (والله المستعان) أو: (فالله المستعان)، إيذاناً بكذبه، أو: كذب ما ذُكِر قبل هذا الختام، أو: بأنه شبيه بالكذب، كما تراه كثيراً منتشراً في: (الميزان) للذهبي، و(لسان الميزان) و(تهذيب التهذيب) كلاهما لابن حجر، وغيرها من كتب الرجال.
وقد يقولون في هذا المقام عبارة: (أسأل الله السلامة) (1) ، ففي(الميزان)(4/272)، في ترجمة (هارون بن حاتم الكوفي) المتوفى (سنة:249)، قول الذهبي: (وقع لنا (تاريخه) وقد سمع منه أبو زرعة وأبو حاتم، وامتنعا من الرواية عنه، سئل عنه أبو حاتم؟ فقال: أسأل الله السلامة). انتهى-بتصرف-من هامش: (الرفع والتكميل) (ص:168/إلى 176).
__________
(1) -وللتوسع في هذا المصطلح يرجى الرجوع إلى كتاب: (شرح ألفاظ التجريح النادرة أو: قليلة الاستعمال) (2/225/إلى: 233).(1/314)
1-وجاء في: (تهذيب التهذيب) (2/181/رقم:1740-ترجمة: حكيم بن جبير الأسدي ويقال: مولى الحكم بن أبي العاص الثقفي الكوفي): (قال معاذ بن معاذ: قلت لشعبة (1) : حدثني بحديث حكيم بن جبير، قال: أخاف النار... وقال الجورجاني: كذاب (2) ... وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث، منكر الحديث، له رأي غير محمود نسأل الله له السلامة غال في التشيع) (3) .
2-وفيه أيضاً: (2/108/رقم:1587-ترجمة: الحسين بن قيس الرَّحبي، أبو علي الواسطي، ولقبه حَنَش): (... وقال ابن أبي حاتم عن أبيه: ضعيف الحديث، منكر الحديث، قيل له: أكان يكذب؟ قال: أسأل الله السلامة، هو ويحيى بن عبيد الله متقاربان، قيل: هو مثل الحسين بن عبد الله بن ضميرة؟ قال: شبيه به... متروك يحدث بأحاديث بواطيل).
3-وفي: (تهذيب التهذيب) (4/444/رقم:5306-ترجمة: عثمان بن محمد إبراهيم بن عثمان بن خواستي العبْسي مولاهم (4) ،
__________
(1) -انظر ترجمته في: (تذكرة الحفاظ) (1\194)، و(السير)، و(العلل ومعرفة الرجال) (1\365)، و(الكفاية) (400\401)، و(الرحلة) (148\153)، و(المحدث الفاصل).
(2) -قال الجوزجاني في كتابه: (أحوال الرجال) (ص:48\رقم:21): (حكيم بن جبير: كذاب).
(3) -انظر: (شفاء العليل) (1\313).
(4) -قال الحافظ ابن حجر في (التقريب) (رقم:4513): (وله أوهام، وقيل: كان لا يحفظ القرآن) وقال المحرران في (تحرير التقريب) (2\445\رقم:4513) (قوله: " وله أوهام، وقيل: كان لا يحفظ القرآن" لو لم يذكرها لكان أحسن، فإن قوله: "له أوهام" إنما أخذه من قول أحمد أنه أنكر عليه أحاديث، وقد تعقبه الخطيب البغدادي فيها، وبين عذره، وكل أحد من الثقات، فيتوهم.
أما عدم حفظه القرآن، فقد استنتجها المصنف من حكايات ذكرها بعضهم أنه كان يصحف في القرآن، وهذا غير قادح في عدالته إن صحت هذه الحكايات عنه، ولا نخالها تصح، وقد أطلق توثيقه الأئمة).(1/315)
أبو الحسن بن أبي شيبة الكوفي، صاحب المسند، والتفسير): (وقال عبد الله بن أحمد: عرضت على أبي حديث عثمان-يعني ابن أبي شيبة-عن جرير، عن شيبة بن نعامة، عن فاطمة الكبرى-رضي الله عنها-عن النبي-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-في العصبة، وحديث عن جرير، عن سفيان الثوري (1) ، عن ابن عقيل، عن جابر-رضي الله عنه-أن النبي-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-: (شهد عيداً للمشركين) وعدة أحاديث من هذا النحو فأنكرها جداً وقال: هذه أحاديث موضوعة، أو: كأنها موضوعة.
ثم قال: نسأل الله السلامة في الدين والدنيا، نراه يتوهم في هذه الأحاديث، نسأل الله السلامة).
4-وفي: (4/733/رقم:5790-ترجمة: عمر بن عبد الله بن يعلى بن مرة الثقفي):
1-(قال أحمد، وابن معين، وأبو حاتم، والنسائي: منكر الحديث.
2-وقال أبو حاتم أيضاً: متروك الحديث.
3-وقال ابن معين مرة: ليس بشيء.
4-وقال أبو زرعة: ليس بقوي، قيل له: فما حاله؟ قال: أسأل الله السلامة).
5-وفي: (تذكرة الحفاظ) (3/1046/رقم:963-ترجمة: أبو عبد الرحمن السلمي): (ألف حقائق التفسير، فأتى فيه بمصائب وتأويلات الباطنية نسأل الله العافية) (2) .
__________
(1) -انظر ترجمته في: (السير) (7\229\247)، و(الحلية) (6\373)، و(الطبقات الكبرى) (6\372) لابن سعد.
(2) -انظر: (السير) (11\131)، و(شفاء العليل بألفاظ وقواعد الجرح والتعديل) (1\246).(1/316)
قال الشيخ مصطفى بن إسماعيل في المرتبة الخامسة: من مراتب التجريح، من كتابه: (شفاء العليل): (وقولهم: "حدثنا فلان ونسأل الله السلامة": هذا اللفظ جرح شديد وانظر ما يدل على ذلك ترجمة: يحيى بن أكثم التميمي-"الجرح والتعديل" (1) ، وسعيد بن خالد-كما في "تهذيب التهذيب") (2) ، ومما يدخل في مرتبة الله المستعان قولهم: (نسأل الله الستر)
1-قال الذهبي في: (تذكرة الحفاظ) (3/804/رقم:793-ترجمة: الحافظ الأوحد أبو بشر أحمد بن محمد بن عمرو بن مصعب بن بشر بن فضالة المروزي الفقيه إلا أنه كذاب... نسأل الله الستر).
2-وفي: (3/1034/رقم:959-ابن منده): (... ونسب إلى جماعة أقوالاً في المعتقدات لم يعرفوا بها، نسأل الله الستر والصيانة).
1-ومن ذلك قولهم: (فلان هو المتهم به) قال الحافظ الذهبي في (ميزان الاعتدال) (1/129): (أحمد بن محمد بن أحمد بن يحيى، لا أعرفه (3)
__________
(1) -انظر: (الجرح والتعديل) (9\129)، والمرتبة الخامسة: من مراتب التجريح في كتاب: (شفاء العليل) (1\241).
(2) -انظر: (تهذيب التهذيب) (4\45)، والمرتبة الخامسة: من مراتب التجريح في كتاب: (شفاء العليل) (1\241).
(3) - وقال أبو الحسن المصري في: (شفاء العليل) (1\329): (وقول أحدهم: (فلان لا أعرفه): الأصل في هذا اللفظ أن المسؤول مجهول عند القائل، ولكن سبق أن ابن معين قال ذلك فيمن لا يعرفه معرفة المشاهير أو: لا يعرف حاله، وغير ابن معين يفعل هذا أيضاً فقد يُسأل أحدهم عن الراوي فيقول: "ما أعرفه"، وهو يعني أنه لا يعرف له صحبة، كما جاء في (الجرح والتعديل) (3\441) ترجمة: دغفل بن حنظلة السدوسي النساب قال حرب بن إسماعيل الكرماني لأحمد: "دغفل له صحبة؟ قال: ما أعرفه، قال أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم: يعني: لا يعرف له صحبة أم لا".
لكن الذي في "ميزان الاعتدال" يدل على أنه مجهول، لأنه ذهلي شيباني فكيف لا يعرفه أحمد؟ وكذا في تهذيب التهذيب) سئل أحمد: أله صحبة؟ فقال: "من أين له صحبة؟" فالظاهر والله أعلم خلاف ما قاله ابن أبي حاتم).
وقال الحافظ ابن حجر في (التقريب) (رقم:1826): (مخضرم، ويقال: له صحبة، ولم يصح)، وعقب عليه الأرناؤوط وعواد في (تحرير التقريب) (1\380\رقم:1826) بقولهما: (لم يبين مرتبته مع جزمه بعدم صحة صحبته، وهو في أحسن أحواله (مستور). وقد ذكره علي بن المديني ضمن المجهولين الذين روى عنهم الحسن البصري. وقال أحمد: ما أعرفه.
وذكره ابن حبان في كتاب: (الثقات). وقال الذهبي في "الميزان" (يكفي في جهالته كون أحمد ما عرفه). قلنا: روى له الترمذي في (الشمائل) حديثاً واحداً ذكر فيه أن رسول الله-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-توفي وهو ابن خمس وستين سنة. وهو مخالف لما قاله أكثر الصحابة في سنه-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-، لذلك قال البخاري: لا يتابع عليه، ولا يُعرف سماع الحسن من دغفل).
وهو ممن استدركه الحافظ العراقي في (ذيل الكاشف) (1\250\رقم:1487) وقال: (مختلف في صحبته، وعنه: الحسين، وابن سيرين، وابن بريدة).(1/317)
لكن روى عنه شيخ الإسلام الهروي خبراً موضوعاً، ورواته سواه ثقات فهو المتهم به).
ولا بأس أن أذكر لكِ-أم الفضل- بعض نماذج من (تنزيه الشريعة). ففيها متعة وفائدة لكِ كنت جمعتها بالسجن المحلي بتطوان عند ما قرأت (التنزيه) ومن ذلك:
1-في: (1/27/ رقم: 113) ترجمة: (أحمد بن سالم ويقال: ابن سلمة بن خالد بن جابر ابن سمرة أبو سمرة، قال ابن حبان: روى عن الثقات الأوابد والطامات) (1) .
2-وفي: (1/30/رقم:154): (أحمد بن علي بن الأفطح عن يحيى بن زهدم بطامات، قال ابن عدي: لا أدري البلاء منه أو: من شيخه).
3-وفي: (1/30/رقم:155): (أحمد بن علي بن مهدي بن صدقة الرملي عن أبيه عن علي ابن موسى الرضى، له نسخة موضوعة)
4-وفي: (1/32/رقم:182): (أحمد بن محمد بن يحيى عن جعفر بن محمد المراغي بخبر موضوع رواه عنه أبو إسماعيل الهروي، قال الذهبي: رواته ثقات سوى أحمد هذا ولم أعرفه فهو المتهم به).
5-وفي: (1/33/208): (أحمد بن محمد أبو عيسى الواعظ عن يوسف بن الحسين الرازي بخبر باطل اتّهم به).
6-وفي: (1/34/رقم:214): (أحمد بن محمد بن الفضل بن مملك الجرجاني، أورد له الإسماعيلي خبراً وقال: أظنه موضوعاً من جهته).
7-وفي: (1/58/رقم:26): (خلف بن عمر بن حلف، عن محمد بن إبراهيم أبو بكر الخياط، المدائني (2) عن عبد الله بن هلال الغازي الزنجاني بخبر باطل، قال النجار: فالآفة هو أو: شيخه).
8-وفي: (1/62/رقم:22): (زيد بن سعيد الواسطي عن أبي إسحاق الفزاري بخبر باطل هو آفته).
__________
(1) -ولفظ ابن حبان في: (المجروحين) (1/152/رقم:66): (يروي عن الثقات الأوابد والطامات، لا يحل الاحتجاج به بحال). انظر: (الكامل) (1/169/170)، و(الضعفاء والمتروكون) (153) لابن الجوزي، و(لسان الميزان) (1/265)
(2) -انظر: (معرفة علوم الحديث وكمية أجناسه) (ص:244) تحت عنوان: (ذكر النوع التاسع عشر من علوم الحديث: معرفة الصحيح والسقيم).(1/318)
9-وقال ابن عراق في أول (التنزيه) (1/19/رقم:2): (أبان بن سفيان المقدسي ويقال: أبين عن الفضيل بن عياض، قال ابن حبان: روى أشياء موضوعة (1) ، وقيل: أبين غير أبان قال الذهبي في (المغني): وهو الصحيح وكلاهما له بلايا.
(قلت): قولهم: فلان له بلايا أو: هذا الحديث من بلايا فلان قال الحافظ برهان الدين الحلبي: هو كناية عن الوضع فيما أحسب لأن البلية المصيبة انتهى.
وأما قولهم: له طامات وأوابد ويأتي بالعجائب، فلا أدري هل يقتضي اتهام المقول فيه ذلك بالكذب أم لا يفيد غير وصف حديثه بالنكارة، وقد سألت بعض أشياخي عن ذلك فلم يفدني فيه شيئاً، نعم رأيت الحافظ ابن حجر قال في بعض من قيل فيه ذلك: إنه لم يتهم بكذب والله أعلم)-
10-وفي: (1/34/رقم:220): (أحمد بن محمد بن يحيى بن حمزة الدمشقي أتى بخبر باطل اتهمه به الذهبي).
11-وفي: (1/36/رقم:224): (إدريس بن زيد اللخمي الرملي عن عبد العزيز بخبر موضوع كذا في (الميزان) وقال في (اللسان): كان ضريراً والعهدة على شيخه).
12-وفي: (1/36/رقم:245): (أرطأة بن أشعب العدوي عن الأعمش وغيره، منكر الحديث متهم أورد الذهبي في ترجمته حديثاً وقال: هو المتهم به).
13-وفي: (1/37/رقم:261) (إسحاق بن محمد بن إسحاق السوسي، قال الذهبي: أتى بموضوعات سمجة في فضائل معاوية فالبلاء منه أو: من شيوخه المجهولين).
14-وفي: (1/39/رقم:296): (إسماعيل بن علي بن علي بن رزين الخزاعي شيخ لهلال الحفار، قال الذهبي: مُتهم يأتي بأوابد).
15-وجاء في: (تنزيه الشريعة) (1/57/رقم:18):(خالد بن يزيد بن أسلم القسري أورد له ابن الجوزي في (موضوعاته) حديثاً، وقال: إنه المتهم به).
__________
(1) -ولفظ ابن حبان في: (المجروحين) (1/93/رقم:5): (يروي عن الفضيل بن عياض وثقات أصحاب الحديث أشياء موضوعة، روى عنهم ما كثر فأكثر). انظر: (لسان الميزان) (1/32/33)، و(الضعفاء والمتروكون) (105)، للدارقطني، و(8) لابن الجوزي.(1/319)
16-وفي: (1/40/رقم:311): (أصبغ بن نباتة التميمي الحنظلي الكوفي، كذاب قال أبو بكر بن عياش: كذاب، وقال ابن حبان: فُتن بحب علي فأتى بالطامات).
17-وفي: (1/41/رقم:11-من حرف الباء): (بشر بن الحسين الأصبهاني له عن الزبير ابن عدي عن أنس نسخة باطلة نحو من مائة وخمسين حديثاً) (1) .
18-وفي: (1/41/رقم:12) (بشر بن رافع أبو الأسباط، قال ابن حبان: يروي أشياء موضوعة كأنه المتعمد لها) (2) .
19-وفي: (تنزيه الشريعة) (1/42/رقم: 16): (بشر بن عون-رحمه الله تعالى-، قال ابن حبان-رحمه الله تعالى-: له عن بكار بن تميم عن مكحول نسخة موضوعة نحو مائة حديث) (3) .
20-وفي: (1/42/رقم:23): (بكر بن خميس الكوفي العابد، قال الإمام ابن حبان-رحمه الله تعالى-: يروي عن الكوفيين والبصريين أشياء موضوعة يسبق إلى القلب أنه المتعمد لها) (4) .
__________
(1) -ولفظ ابن حبان في: (المجروحين) (1/217/رقم:136): (يروي عن الزبير بن عدي بنسخة موضوعة، ما لكثير حديث منها أصل، يرويها عن الزبير، عن أنس شبيهاً بمائة وخمسين حديثاً مسانيد كلها، وإنما سمع الزبير من أنس حديثاً واحداً: "لا يأتي عليكم زمان إلا والذي بعده شر منه". (رواه البخاري: في الفتن، 7098). روى عنه حجاج بن يوسف بن قتيبة تلك النسخة).
(2) -ولفظ ابن حبان في: (المجروحين) (1/213/رقم:132): (كنيته أبو الأسباط، كان مفتي أهل نجران، يروي عن يحيى بن أبي كثير وابن عجلان، روى عنه صفوان بن عيسى وعبد الرزاق، يأتي بالطامات فيما يروي عن يحيى بن أبي كثير، وأشياء موضوعة يعرفها من لم يكن الحديث صناعته، كأنه المتعمد لها).
(3) -ولفظ ابن حبان في: (المجروحين) (1/216/رقم:135): (روى عن بكار بن تميم عن مكحول عن واثلة نسخة نسبتها مائة حديث كلها موضوعة، لا يجوز الاحتجاج به بحال).
(4) -كما في: (المجروحين) (1/223/رقم:147) لابن حبان.(1/320)
21-وفي: (1/42/ رقم:27): (بكر بن المختار بن فلفل، قال ابن حبان-رحمه الله تعالى: يروي عن أبيه ما لا يشك من الحديث صناعته. أنه معمول، لا تحل الرواية عنه إلا على سبيل الاعتبار) (1) .
22-وفي: (1/43/رقم:1-من حرف التاء): (تمام بن نجيح، قال ابن حبان: روى أشياء موضوعة عن الثقات كأنه المتعمد لها) (2) .
23-وفي: (تنزيه الشريعة المرفوعة) (1/44/رقم:1-من حرف الجيم): (جابر بن سُليم عن يحيى بن سعيد الأنصاري، أورد له ابن الجوزي في (موضوعاته) حديثاً وقال: المتهم به جابر).
24-وفي: (1/50/رقم:46 ): (الحسن بن علي بن محمد بن إسحاق بن زر اليماني الدمشقي عن علي بن بابويه الأسواري بخبر كذب والحمل فيه عليه أو: على شيخه فإنهما مجهولان).
25-وفي: (1/52رقم:7-من اسمه الحسين): (الحسين بن الحسن الأشقر عن شريك اتهمه ابن عدي، فقال في خبر: البلاء عندي فيه من الأشقر وقال أبو معمر الهذلي: كذاب).
26-وفي: (1/52/رقم:10): (الحسين بن داود بن معاذ أبو علي البلخي عن عبد الرزاق والفضيل بن عياض قال الخطيب: حديثه موضوع، وقال الحاكم: له عجائب يستدل بها (3) على حاله).
27-وفي: (1/53/رقم:34): (حفص بن أسلم الأصفر عن ثابت قال ابن عدي: له عجائب، وقال ابن حبان-رحمه الله تعالى-: يروي (عن ثابت) ما لا أصل له حتى يسبق إلى القلب أنه الواضع له) (4) .
__________
(1) -ولفظ ابن حبان في: (المجروحين) (1/223/رقم:148).
(2) -وابن حبان في: (المجروحين) (1/235/رقم:164) قال: (يروي) بدل: (روى).
(3) -انظر: (شفاء العليل بألفاظ وقواعد الجرح والتعديل) (1\149\150) عند قولهم: (فلان يستدل به).
(4) -كما في: (المجروحين) (1/312/رقم:253).(1/321)
28-وفي: (1/55/رقم:15): (الحكم بن مصعب عن محمد بن علي والد المنصور-رحمهما الله تعالى-، ذكر له ابن الجوزي حديثاً وقال ابن حبان-رحمه الله تعالى في كتابه (المجروحين): روى نسخة موضوعة) (1) .
29-وفي: (1/57/رقم:23): (خطاب بن عمر عن محمد بن يحيى المازني، مجهول له خبر باطل فالبلاء منه أو: من شيخه).
30-وفي: (1/58/رقم:7-من حرف الدال المهملة): (داود بن سليمان بن جعفر الجرجاني الغازي، قال ابن معين: كذاب له نسخة موضوعة على ابن أبي موسى الرضى).
31-وفي: (1/59/رقم:18): (دليل بن عبد الملك عن السدي، عن زيد بن أرقم له نسخة موضوعة).
32-وفي: (1/60/رقم:4-من حرف الزاي): (زكرياء بن حكيم الحبطي (2) البدري (3) قال ابن حبان: يروي عن الأثبات ما لا يشبه حديثهم حتى يسبق إلى القلب أنه المتعمد لها، لا يحل الاحتجاج بخبره) (4) .
__________
(1) -لم أقف على هذا الكلام في ترجمة الحكم بن مصعب في (المجروحين) (1/302) نعم قال: (شيخ يروي عن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، روى عنه الوليد بن مسلم وأبو المغيرة، ينفرد بالأشياء التي لا ينكر نفي صحتها من عُني بهذا الشأن، لا يحل الاحتجاج به، ولا الرواية عنه إلا على سبيل الاعتبار)، وقد أورده ابن حبان أيضاً في (الثقات) (6/187).
(2) -قال الحافظ في (التقريب) (ص:166/167/رقم:2025): (زكرياء بن عدي الحبطي، بفتح المهملة الموحدة،عن الشعبي، وقيل: زكرياء بن حكيم، ضعيف من السابعة) كذا في (تحرير التقريب) (1/417/رقم:2024)، وقال الخزرجي في: (الخلاصة) (1/368/رقم:2148): (زكرياء بن عدي الحبطي. ذكر تمييزاً)
(3) -قال ابن حبان في (المجروحين) (1/393/رقم:374): (زكرياء بن حكيم الحبطي البدري، ويقال: البدي).
(4) -وفي (المجروحين) (1/393/رقم:374): (لا يجوز) بدل: (لا يحل). انظر: (تاريخ الدوري)(2/173)، و(الضعفاء والمتروكون) (219) للنسائي، و(2/88/89) للعقيلي، و(3/213/214) لابن عدي،
و(239) للدارقطني، و(1271) لابن الجوزي، و(التاريخ الكبير) (3/421/422) للبخاري، و(الجرح والتعديل) (3/596)، و(لسان الميزان) (3/137/138).(1/322)
33-وفي: (1/61/رقم:10): (زهدم بن الحارث الغفاري المكي عن أبيه، وعن أبيه يحيى بنسخة موضوعة) (1) .
34-وفي: (1/61/رقم:18): (زياد-بفتح أوله وتشديد المثناة التحتية-ابن فائد بن أبي هند، عن أبيه عن جده بحديث باطل، قال ابن حبان: فالبلاء منه أو: من أبيه، أو: من جده).
35-وفي: (تنزيه الشريعة المرفوعة المطهرة) (1/62/رقم:21): (زيد بن الحواري (2) العَمِّي أورد له ابن الجوزي-رحمه الله تعالى-في (موضوعاته) حديثاً، وقال: قال ابن حبان-رحمه الله تعالى-: يروي أشياء موضوعة لا أصل لها، حتى يسبق إلى القلب أنه المتعمد لها) (3) .
لما رأيت أن هذه الجُمل والأمثلة تكررت في كتاب ابن عراق رأيت أن اكتفي بذكر رقم الصفحة مع ذكر المجلد وبجانب الرقم الجملة التي جاءت فيه سواء (آفته) أو: (البلاء عنه)، أو: (المتهم به)، أو: (له نسخة موضوعة) وغيرها من الأمثلة اختصاراً للوقت.
فاليكِ أم الفضل ذلك:
__________
(1) -انظر: (الثقات) (4/269) لابن حبان.
(2) -وفي: (المجروحين) (1/387/رقم:364): (الجواري-بالجيم-كنيته أبو الحواري-بالحاء المهملة).وفي (التقريب) (1\433\رقم:2131-مع التحرير): (زيد بن الحَوَرِي-بالحاء المهملة-، أبو الحواري-بالحاء المهملة أيضاً-، العمي، البصري، قاضي هَراة، يقال: اسم أبيه مرة: ضعيف، من الخامسة. 4). وما قاله الحافظ هو الصحيح. وكذا في: (الكاشف) (1\291\رقم:1747) بلفظ: (زيد الحواري-بالحاء المهملة- أبو الحواري-بالحاء المهملة أيضاً). انظر: (تهذيب الكمال) (6\455\ رقم:2084)، و(تهذيب التهذيب) (3\223\رقم:2203)، و(الكامل) (3\198) ترجمة: (14\699)، انتهى من هامش: (الكاشف) (1\291\رقم:1747).
(3) -ولفظه عند ابن حبان في (المجروحين) (1/387/رقم:364) هكذا: (يروي عن أنس أشياء موضوعة لا أصل لها، حتى سبق إلى القلب أنه المتعمد لها، وكان يحيى مَرَّض القول فيه، وهو عندي لا يجوز الاحتجاج بخبره ولا كتابة حديثه إلا للاعتبار)(1/323)
(1/64/المتعمد لها/65/صاحب بدعة...البلاء من عمرو... نسخة مكذوبة.67/ آفته/68/فالحمل فيه على فلان/...المتهم بوضعه/69/ آفته/70/آفته/...المتهم به/آفته ..نسخة باطلة/72/آفته/73/العجائب...نسخة موضوعة/74/نسخة موضوعة/75/ يتعمد/76/ آفته77/آفته.. المتهم به.. الحمل فيه/78/ نسخة موضوعة..
الحمل فيها عليه/79/ المتهم به.. آفته 80/نسخة موضوعة... من بلاياه/81/آفته/82/آفته/ 83/عجائب.. آفته.. المتهم به/87/آفته 88/ المتهم به/89/ آفته/ 60/ آفته.. بلاياه/ 92/آفته/...اتهمه به الذهبي/95/العجائب 98/نسخة موضوعة 99/آفته.. المتهم به/ 100/ نسخة موضوعة..
الحمل فيها عليه/102/ فلان اتهمه بوضعه/111/ المتهم به 112/ آفته/113/البلاء منه/114/المتهم به/115/اتهم به... آفته/116/ آفته/117/ اتهمه به.../الحمل فيه عليه/118/ البلاء فيه من فلان/.. اتهمه به فلان/119/ الحمل فيه عليه.. آفته/ 120/المتهم به121/ عجائب/122/ آفته/ 123/ آفته..البلايا/124/ المتهم به.. المتعمد لها/126/ اتهمه به فلان..
نسخة موضوعة/127/ اتهم به... آفته 128/ طامات/129/ آفته/130/ المتهم بوضعه فلان/131\الأوابد/132/طامات/134/ والمتهم به الثلجي فلعنة الله على واضعه، إذ لا يضع مثل هذا مسلم ولا عاقل/ ..آفته/137/ آفته/139/ اتهم به/146/ المتهم به 147/ يأتي بالطامات فلا يدرى البلاء منه أو: من الطرسوسي/149/ المتهم به/169/ آفته/ 172/ البلاء منه/173/ المتهم به/174/ آفته175/البلاء منه177/ الآفة190/ العجائب197/عجائب/198/آفته199/ العجائب/201/ آفته/202/ آفته/208/ البلاء فيه من فلان/228/المتهم به/229/ بلاياه/231/ البلاء منه/248/البلاء عندي منه/254/ المتهم به..
آفته/255/الحمل فيه على فلان/256/آفته/257/آفته25/آفته/260/الحمل فيه/262/ عجائب/264/والذنب فيما استنكره من حديثه/الذنب فيه لغيره/272/البلاء منه/173/ آفته.. البلاء منه/276/الحمل فيه عليه/280/ البلاء ممن دونه..(1/324)
من بلايا أبين/283/الحمل فيه على أحدهما/286/الحمل في هذا الحديث على الخواص/295/الحمل فيه على فلان/ 308/لعل البلاء فيه من محمد بن حميد الرازي/309/نسخة موضوعة/316/ آفته/319/ الحمل فيه على فلان/324/آفته/331/المتهم به/337/ المتهم به...
آفته/314/المتهم به/342/آفته/344/آفته... ولعله من عمله/345/الحمل عليه فيها/ 346/وضعوا له نسخة فحدث بها/348/ آفته/351/المتهم به/353/فالآفة محمد بن عبيد الله... المتهم به355/ آفته/357/المتهم به/359/لعل الآفة فيه من فلان/365/آفته/367/ المتهم به/368/آفته/369/آفته/374/آفته/385/آفته/389/فلعل البلاء من أحدهم/393/ آفته/395/عجائب/..البلاء/402/الحمل فيه/405/ آفته/ ..اتهم به/406/المتهم به/ 408/آفته/409/والحمل فيه على فلان411/المتهم به/419/آفته).(1/325)
الجزء الثاني: (2/4\الحمل فيه على فلان/9/آفته... البلاء فيه من فلان/11/آفته.. البلاء منه/13/المتهم به/20/عجائب/23/عجائب/25/آفته/28/اتهم به فلان/29/آفته/30/المتهم به/39/طامات/52/والحمل فيه على فلان/57/ آفته.. والحمل فيه على فلان/58/آفته/66/ المتهم به/72/المتهم به/73/آفته/75/الحمل فيه على فلان.. آفته/77/المتهم به/82/المتهم به/ 86/المتهم به/87/اتهم به/91/اتهم به/92/اتهم به. 97/آفته/101/102/عجائب/103/البلاء فيه/114/اتهم به/121/اتهم به/122/ آفته/ 124/آفته/125/اتهم به..آفته/126/اتهم به.. البلاء فيه/136/آفته/138/ البلاء146/ المتهم به/148/آفته/149/آفته152/اتهم به/153/المتهم به/159/لا ذنب فيه لفلان/161/ آفته/163/المتهم به/165/آفته/175/آفته/178/آفته/182/الحمل فيه على فلان/184/ آفته201/آفته/204/البلاء من فلان/216/فلعل البلاء منه/218/المتهم به/221/آفته. 230/آفته/231آفته/232/آفته/236/اتهم به/239/المتهم به/240/المتهم به241/المتهم به246/آفته/259/المتهم به/260/اتهم به/261/من بلاياه/268/المتهم به269/المتهم به/270/اتهم به/271/آفته آفته... المتهم بوضعه فلان/277/الحمل فيه على فلان.. البلاء فيه من فلان/ ..آفته/282/المتهم به فلان/286/الحمل فيه على فلان/311/ آفته/322/من بلايا فلان/336/آفته/339/الحمل فيه على فلان/342/المتهم به/346/المتهم به/356/ آفته/363/المتهم به/365/آفته فلان/370/طامات/378/المتهم به/391/عجائب/393/من بلايا فلان.
وبه ختمنا ما جاء في (تنزيه الشريعة)، بجزأيه وقد حاولت أن أذكر لكِ-أم الفضل-سائر الأمثلة التي جاءت في الجزأين إلا ما زاغ عن النظر، وندَّ عنه البصر، وذاك من غفلة البشر، أو: ما أوجبه النسيان الذي لا يخلو منه إنسان.(1/326)
ولم أذكر في هذه العجالة قولهم في الراوي: اتهمه فلان بالوضع، أو: له حديث موضوع، أو: روى عنه فلان واتهمه، أو: فلان كذاب يضع الحديث، أو: اتهمه فلان بحديث أو: بأحاديث أو: يروي عن شعبة وأهل العراق ما ليس بحديثهم، أو: روى عن فلان أحاديث موضوعة، أو: عامة أحاديثه كذب، أو: حدث عن الثقات بالبواطيل أو: يقلب الأخبار.
أو: يروي عن الأثبات الملزقات، أو: يأتي عن الأثبات بما لا يشبه حديثهم، أو: روى متوناً باطلة، أو: يضع المتن ويركب له السند أو: غالب ما عنده مختلف، أو: لا يبالي بوضع الأسانيد والمتون، أو: وضاع على الأئمة وأحاديث فلان تشبه أحاديث القصاص، أو: أملى علينا أحاديث باطلة، فإن لم يتعمد فإنه لا يدري ما يقول، أو: إنه ركن من أركان الكذب (1) ، أو: من معادن الكذب، أو: يحدث بأحاديث يستأهل أن يحفر له بئر فيلقى فيه (2) ، أو: دجال من الدجاجلة، يضع الأحاديث على الفور، أو: كان كذاباً فمزقت حديثه، أو: من غلاة الشيعة (3) وهو إن شاء الله من حمير النار، أو: السند إليه مظلم أو: ظلمات بعضها فوق بعض، أو: أكذب من فرعون.
__________
(1) -قولهم في الراوي: (ركن من أركان الكذب): (من المرتبة الأولى من مراتب الجرح عند السخاوي والسندي). انظر: (معجم علوم الحديث النبوي) (ص:111\رقم:287).
(2) -قال الشيخ مصطفى بن إسماعيل في كتابه النفيس: (شفاء العليل بألفاظ وقواعد الجرح والتعديل) (1\250) تحت المرتبة الخامسة: من مراتب التجريح: (وقولهم: "فلان يستأهل أن يحفر له بئر فيلقى فيه": قاله يحيى بن معين-رحمه الله-في زكرياء بن يحيى الكسائي-كما في "الميزان" "2\75"، و"لسانه" "2\483"-بعد أن قال: رجل سوء يحدث بأحاديث سوء).
(3) -انظر: (الميزان) (1\4\6)، و(معجم علوم الحديث النبوي) (ص:112)، وما علقته على (ثمرات النظر في علم الأثر) (ص:30).(1/327)
وما أشبه ذلك من الألفاظ التي يتهم من وُصف بها أو: المتهم به فلان، أو: اتهم به فلان-وإن كان هذه الصيغة ذكرت منها بعض الامثلة فقط لكثرتها في كتاب (التنزيه)-وكذا قولهم في الراوي: صاحب بلايا، أو: البلاء منه أو: من شيخه، أو: الذنب فيه له أو: لغيره، أو: له نسخة موضوعة وما أشبه ذلك من الأمثلة التي جاءت في كتاب: (تنزيه الشريعة المرفوعة)...
ومما يجب التنبه له أن الصفحة الواحدة قد يكون فيها أربع جمل أو: أكثر متشابهة لرواة مختلفة أسماؤهم فأذكر منها جملة واحدة، ولم أذكر رقم الرواة الذين قيل فيهم تلك الجمل لأنني لو ذكرت رقم كل راو مع ما قيل فيه لجاء ذلك في مؤلف كبيرـ
ثانياً: قد أتصرف في تعبير ابن عراق وغيره مثل أن يقال: (لعل الآفة من فلان)، أو: (لعل الحمل فيه على شيخه)، أو: (الذنب فيه له، أو: لغيره)، فأختصرها فأقول: (آفته)، أو: (الذنب لغيره) أو: (الحمل فيه)، وهكذا.
وقد كنت نقلت بعض هذه الأمثلة من (تهذيب التهذيب) لابن حجر ومن (تذكرة الحفاظ). لعل ما ذكرته لك يكفي ويشفي إن شاء الله تعالى.
تنبيه: (آفة من الآفات) وقد يقع اللبس والتصحيف في قولهم: (آية من الآيات). و(آفة من الآفات) أو: قد يظن أنهما واحد، والصواب أنهما يختلفان: فأما قولهم: (آية من الآيات) فسيأتي الحديث عليه، وأما قولهم: (آفة من الآفات) فهو تعبير استعمله أبو زرعة الرازي في تجريح بعض الرواة وهم:
1-أحمد بن عبد الرحمن بن وهب بن مسلم المصري مولاهم (ت: 264 هـ) قال البرذعي-سعيد بن عمرو الحافظ الناقد (ت:292 هـ) حملت معي من مصر جزءاً بخطي مما أنكرته من حديث أحمد بن عبد الرحمن ابن أخي ابن وهب وأبي عبيد الله، ومما لديهم من الأسانيد والمتون فدفعت الجزء إلى أبي زرعة ...(1/328)
وذكر ابن علان بن عبد الرحمن المصري-صدوق-أعطاه بعض الأحاديث بخط ابن أخي ابن وهب قال البرذعي: فدفعت الرقعة أيضاً إلى أبي زرعة فجعل يقرأ ما في الكتاب، ويتعجب ثم قال لي أبو زرعة: لا أرى ظهر بمصر منذ دهر أوضع للحديث، وأجسر على الكذب من هذا ... وأنكر أبو زرعة بعض الأحاديث المروية في الكتاب ثم قال:-أي: أبو زرعة-: كان أبو حاتم يلقى إلي عنه أحاديث كنت استحسنها مثل: حديث أبي الزعراء (1) ، وغيره، فإذا هذا آفة من الآفات قلت: أي: البرذعي-: فتكتب بخطك إلى أصحابنا بمصر فكتب بخطه كلاماً غليظاً يأمر بهجرانه، ومباينته، ونسبه إلى الكذب المصرح (2) .
2-أحمد بن الخليل بن حرب بن عبد الله بن سوار بن سابق النوفلي أبو عبد الله القومسي-(المتوفى قبل سنة:310 هـ).
قال البرذعي: جرى بيني وبين أبي زرعة في بابه-أحمد بن الخليل القومسي-كلام كثير، فسمعت أبا زرعة يقول: كذاب يكذب على من لقي، ويحدث عن من لم يلقه، ويحدث عن قوم قد ماتوا قبل أن يولد بنحو عشر سنين ...
__________
(1) -أبو الزعراء - صلى الله عليه وسلم - : ذكره ابن منده وقال: عداده في أهل مصر وذكر من طريق عبد الله بن جنادة المعافري، عن أبي عبد الرحمن الحبلي، عن أبي الزعراء، قال: خرجت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفر له، فغشيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحن على ظهر، فسمعته يقول: "غير الدجال أخوف على أمتي" الحديث وبه: (الأئمة المضلون). انظر: (الجرح والتعديل) (4/2/374)، و(الإصابة) (7/153/154)، و(شرح ألفاظ التجريح النادرة أو: قليلة الاستعمال) (2/105).
(2) -انظر: (أجوبة أبي زرعة على أسئلة البرذعي) (2/709/716).(1/329)
وذكر روايته عن عفان بن سيار الجرجاني (ت:181 هـ)ثم قال: وحمل إلى أبي زرعة كتباً رواها بالمراغة (1) ، فكان أبو زرعة يوقفني على حديث، حديث من رواياته ويعجب من إقدامه على الكذب.. ثم نصح أبو زرعة البرذعي بعد أن بيّن له بعض أوهامه، وأحاديث أخطأ فيها-بقوله: بادر إلى كتبك إلى محمد بن خلاد، ومحمد بن مالك ومن هناك ولا تقصر فيه فإن هذا آفة من الآفات (2) .
3-سليمان بن عمرو النخعي وهو ابن عمرو بن عبد الله بن وهب أبو داود الكوفي.
ذكره أبو زرعة في أسماء الضعفاء وقال عنه: (آفة من الآفات) (3)
ولم ينفرد أبو زرعة في تجريح سليمان النخعي هذا بل: قال ابن عدي: أجمعوا على أنه يضع الحديث (4) .
قال الحافظ ابن حجر: الكلام فيه لا يحصر فقد كذبه ونسبه إلى الوضع من المتقدمين والمتأخرين ممن نقل كلامهم في الجرح والعدالة فوق الثلاثين نفساً، وهذا الكلام سبق قريباً في هذا الكتاب، لكن إعادته هنا لمناسبة شرح هذه الأبيات، التي أشرت إليها بقولي (5) :
__________
(1) -مراغة بالفتح، والغين المعجمة: بلدة مشهورة عظيمة تقع جنوبي مدينة تبريز بحوالي 80 كيلاً.انظر: (معجم البلدان) (5/93)، و(إيران) لمحمود شاكر (ص:46).
(2) -انظر: (أجوبة أبي زرعة) (2/732/735)، وقال الذهبي في (ميزان الاعتدال) (1/96) ضعفه أبو زرعة، وكذا في (لسان الميزان) (1/167)، و(أسماء الضعفاء) لابن الجوزي.
(3) -انظر: (أسماء الضعفاء) (2/732/735/رقم:131)، وفي (الجرح والتعديل) (2/ق1/132/133)، نقل ابن أبي حاتم عن أبي زرعة أنه قال عنه: "كان آية. وذكر أشياء منكرة وغلظ القول فيه جداً". وفي "أجوبة أبي زرعة" (2/522): (شهدت أبا زرعة ذكره فغلظ فيه القول جداً ... ). .
(4) -انظر: (الكامل) (3/1100)، و(ميزان الاعتدال) (2/216/217)، و(لسان الميزان) (3/97/99).
(5) -انظر: (لسان الميزان) (3/99) انتهى من (شرح ألفاظ التجريح النادرة أو: قليلة الاستعمال) (2/104/إلى:106).(1/330)
حسبي الله على تِلْك الصّفاتِ * مستعاناً عندِ صَحْوِي وسُبَاتِي
نسألُُُُُُُ الله مَوْلانا السَّلامهْ * سَلِّمِ اللَّهُمَّ أذْهِبْ لِلسَّآمَهْ
لَمْ نجِدْ نِدّاً لِذَا صَاحِبْ أوَابدْ * حَيثُ يَرْوِي عن فَلانٍ كُمْ فرائِدْ
ذو مَنَاكير أوابدْ مُبهراتِ * قد روى عنهُ فُلاَنٌ مُعْجِبَاتِ
44- المصطلح الرابع والأربعون قول صالح جزرة-رحمه الله تعالى-في الراوي: (مثنى بن الصباح عن عمرو ابن شعيب يقطع الصلاة وينقض الوضوء):
هذا التعبير انفرد به صالح جزرة (1) في تجريح المثنى بن الصباح اليماني الأبناوي، أبو عبد الله، أو: يحيى (2) ، حيث رواه ابن عدي، عن الحسن بن أبي الحسن (3) ، عنه أنه قال: (مثنى بن الصباح عن عمرو بن شعيب يقطع الصلاة وينقض الوضوء) (4) .
وذهب جمهور النقاد إلى تضعيفه في عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وهو في غيره ضعيف أيضاً يكاد
وأسباب الضعف حددتها أقوال النقاد وهي:
1-الاختلاط وخاصة في عطاء بن أبي رباح.
__________
(1) -انظر: (التقريب) (3\346\رقم:6471-مع التحرير)، وهامش كتاب: (شرح ألفاظ التجريح النادرة أو: قليلة الاستعمال) (1\247)، و(قناص الشوارد الغالية...) (ص:917\918\رقم:199).
(2) -انظر: (شرح ألفاظ التجريح النادرة أو: قليلة الاستعمال) (1\247\248\250)، و(قناص الشوارد الغالية...) (ص:917\918\رقم:199).
(3) -ذكره السمعاني في مادة: (البرزَنْدي) فقال: أبو الحسن بن أبي الحسن البرزندي، حدث بآمل طبرستان عن عبد الرحمن بن قريش الهروي، انظر: (الأنساب) (2\159)، وهامش كتاب: (شرح ألفاظ التجريح النادرة أو: قليلة الاستعمال) (1\247)، و(قناص الشوارد الغالية...) (ص:917\918\رقم:199).
(4) -انظر: (الكامل) (6/2418).(1/331)
فقد روى العقيلي بسنده إلى يحيى بن سعيد القطان أنه قال: لم نتركه من أجل حديث عمرو بن شعيب، ولكن كان اختلاطاً منه في عطاء (1) .
2-اضطراب حديثه. قال الإمام أحمد بن حنبل الشيباني: (لا يساوي حديثه شيئاً مضطرب الحديث) (2) .
وإلى هذا أشرت بقولي:
سَلْ أخي عَن صَّباحٍ عن شُعَيْبِ * يَقْطَعُ الصَّلا بِلاَ عُذْرِ مُجِيبِ
يَنْقُضُ الوضُوء لكن لا يجدَّدْ * ويحل الأمر طوراً ثُم يعْقِدْ
45- المصطلح الخامس والأربعون قولهم في الراوي: (ذهب كأمس الذاهب).
ومن ألفاظ التجريح النادرة أو: قليلة الاستعمال قولهم في الراوي: (ذهب كأمس الذاهب).
__________
(1) -انظر: (شرح ألفاظ التجريح النادرة أو: قليلة الاستعمال) (1\247\248\250)، و(قناص الشوارد الغالية) (ص:917\918\رقم:199).
(2) -انظر: (العلل ومعرفة الرجال) (1\356)، و(الجرح والتعديل) (4\1\324)، و(الضعفاء الكبير) (4\249) للعقيلي، و(الكامل) (6\1417) لابن عدي، و(التهذيب) (3\1303)، وقال أبو حاتم في (الجرح والتعديل) (4\1\224): (يروي عن عطاء ما لم يرو عنه أحد، وهو ضعيف)، كما في هامش كتاب: (شرح ألفاظ التجريح النادرة أو: قليلة الاستعمال) (1\248)، و(قناص الشوارد الغالية...) (ص:918\رقم:199).(1/332)
وقد جاء في (تهذيب التهذيب) (7/72/رقم:8889) في ترجمة: (يحيى بن عبد الحميد بن عبد الله بن ميمون بن عبد الرحمن الحماني الحافظ أبو زكرياء الكوفي، لقب جده بَشْمِين): (وقال إبراهيم الجوزجاني: يحيى الحمّاني ساقط، متلون، ترك حديثه فلا ينبعث. وقال ابن خزيمة: سمعت محمد بن يحيى وذكر يحيى بن عبد الحميد، فقال ذهب كأمس الذاهب) (1) .
وقال الشيخ مصطفى بن إسماعيل في المرتبة الخامسة: من مراتب التجريح، من كتابه القيم: (شفاء العليل): (وقولهم: "فلان ذهب كأمس الذاهب" أي: أنه سقط فلا يرجى استقامته بعد ذلك كما يئس من رجوع الأمس، وهذا اللفظ قاله محمد بن يحيى في ابن الحماني) (2) .
وإلى هذا أشرت بقولي:
مثل أمسِ الذاهبِ يَذهبْ ذُهوباً * مثلما الشمس إذا رامتْ غُروباً
46- المصطلح السادس والأربعون قولهم: (لم يكن من القريتين عظيم):
__________
(1) -قال الجوزجاني في كتابه: (أحوال الرجال) (ص:85\رقم:115): (يحيى بن عبد الحميد: ساقط متلون، تُرك حديثه فلا ينبعث). انظر: (التاريخ الكبير) (8\3037)، و(الضعفاء الصغير) (398)، و(الضعفاء والمتروكين) (398)، و(الضعفاء والمتروكين) (625)، و(الجرح والتعديل) (9\605)، و(الميزان) (4\392).
(2) -انظر: (تهذيب التهذيب) (11\246)، و(شفاء العليل) (1\227).(1/333)
هذا التعبير استعمله أبو سلمة التبوذكي في تضعيف عبد الله بن المثنى الأنصاري قال أبو داود ثنا أبو طليق التمار ثنا أبو سلمة قال: (ثنا عبد الله المثنى، ولم يكن من القريتين عظيم) (1) ، أو: (في القريتين بعظيم)، أو: (من القريتين بعظيم) (2) .
وهذا الأسلوب يستعمل لتضعيف الراوي، كما يستعمل على سبيل المزاح والمداعبة فقد روى أبو نعيم بسنده إلى الإمام الأعمش أنه قال: دخل عليَّ إبراهيم يعودني وكان يمازحني فقال: أما أنت فيعرف من في منزله، أنه ليس برجل من القريتين عظيم (3) .
فالتبوذكي عمد إلى تضعيف وتهوين أمر عبد الله بن المثنى بهذا الأسلوب ويبدو أن أبا دود السجستاني فهم منه التضعيف لذا نجده أهمل حديث عبد الله بن المثنى وجانبه، وما ذلك إلا لضعفه.
__________
(1) -انظر: (سؤالات أبي عبيد الآجري لأبي داود في الجرح والتعديل) (3/299/رقم:436)، و(تهذيب الكمال) (2/732-مصورة دار المأمون)، و(تهذيب التهذيب) (5/388)، و(الضعفاء الكبير) (2/304) للعقيلي، و(الميزان) (2/500)
(2) -قال أبو الحسن المصري في كتابه: (شفاء العليل) (1\107): (وقولهم: "فلان لم يكن من القريتين بعظيم" الظاهر لي أنه بمعنى "ليس بالقوي ولا بالساقط" قال أبو سلمة: "حدثنا عبد الله بن المثنى الأنصاري ولم يكن من القريتين بعظيم وكان ضعيفاً منكر الحديث"-كما في "ضعفاء العقيلي" "2\304"، وفي "ثقات العجلي" (ص:369) ترجمة: عمر بن قيس الملائي: ".....متعبد...قال لرقية إيش عندك؟ قالت له رقية: والله ما أنت فتعرف في منزلة أنه ليس من القريتين بعظيم"، وفي "النبلاء" (6\230) ترجمة: الأعمش قال الأعمش: "دخل علي إبراهيم يعودني فقال: أما أنت فتعرف في منزلة أنه ليس من القريتين بعظيم". وهذا اللفظ مذكور أيضاً في مقدمة: "الكامل"، والله أعلم).
(3) -انظر: (حلية الأولياء) (5/50).(1/334)
قال أبو عبيد الآجري: سألت أبا داود عن عبد الله بن المثنى الأنصاري؟ فقال: (لا أخرج حديثه) (1) .
وإلى هذا أشرت بقولي:
لم يَكن من قريتين ذا عظيمُ * كيف يؤتى وهو صفر وعَديمُ
47- المصطلح السابع والأربعون قول أيوب: (حدثنا بو زبير بو زبير):
هذا التعبير استعمله أيوب السختياني حيث ضعف به محمد بن مسلم بن تدرس الأسدي مولاهم، أبا الزبير المكي (ت: 126 هـ).
قال الإمام أحمد-فيما رواه عنه ولده عبد الله، رحمهما الله تعالى-: وكان أيوب يقول: حدثنا أبو الزبير، وأبو الزبير أبو الزبير (2) . قلت لأبي: كأنه يضعفه؟ قال: نعم (3) .
وقال الذهبي-رحمه الله تعالى-: (... وكان أيوب-يعني: السختياني-إذا روى عنه يقول: حدثنا أبو الزبير، وأبو الزبير أبو الزبير (4) .
قال أحمد: يضعفه بذلك) (5) .
__________
(1) -انظر: (سؤالات أبي عبيد الآجري) (3/232/233).
(2) -قال الشيخ مصطفى بن إسماعيل في (شفاء العليل) (1\162)-في المرتبة الثانية: من مراتب التجريح-: (وقولهم: "فلان يحتاج إلى دعامة" أي: أنه لا يحتج به بمفرده، وقد احتج رجل على الشافعي بحديث عن أبي الزبير فقال: "أبو الزبير يحتاج إلى دعامة"-كما في "الميزان" (4\38).
(3) -انظر: (العلل ومعرفة الرجال-برواية ابنه) (1/219\رقم:1203)، و(الجرح والتعديل) (4\ق1\75)، و(تهذيب الكمال) (3\126)، و(شرح علل الترمذي) (1\338)، و(تهذيب التهذيب) (9\441)، و(الميزان) (4\37).
(4) -انظر الكلام عليه بتوسع في كتاب: (رواية أبي الزبير عن جابر) للأستاذ نشأت بن كمال المصري.
(5) -انظر: (تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام) (3/518/رقم:305)، أو: (8\250)، و(السير) (5\381)، و(تذكرة الحفاظ) (1\127)، و(الميزان) (4\37)، و(كتاب السلسبيل في شرح ألفاظ وعبارات الجرح والتعديل) (ص:54)، تحت عنوان: (مدلول تكرير الأئمة الاسم الراوي)، و(العلل ومعرفة الرجال-برواية ابنه) (1/219\رقم:1203).
قال الشيخ خليل بن محمد العربي: (على أنه قد جاءت رواية أخرى عن أيوب السختياني فيها تكريره لاسم أبي الزبير ودلَّت على أنها توثيق من أيوب لأبي الزبير. رواها الفسوي في "المعرفة" (2\23) والترمذي في "جامعه" كلاهما عن محمد بن أبي يحيى العدني قال: حدثنا سفيان، قال: سمعت أيوب السختياني يقول: "حدثني أبو الزبير، وأبو الزبير، وأبو الزبير". قال سفيان بيده يقبضها.
قال أبو عيسى: "إنما يعني بذلك الإتقان والحفظ". وانظر حول تعارض هاتين الجملتين في مدلولهما ما فصله الدكتور الفاضل أحمد معبد عبد الكريم في كتابه الممتع: "ألفاظ وعبارات الجرح والتعديل بين الإفراد، والتكرير، والتركيب" (ص:62\69). انتهى من هامش: (كتاب السلسبيل...) (53\54\55\رقم:39).(1/335)
وقد فهم بعض النقاد والحفاظ أن أيوب السختياني-رحمه الله تعالى-أراد بهذا التعبير التوثيق لا التضعيف، ومن هؤلاء الأئمة-رحم الله الجميع-:
1-ذكر الإمام أبو عيسى الترمذي في كتابه الرائع: (العلل) بعض أقوال الأئمة في حفظ أبي الزبير، حيث قال: (حدثنا ابن أبي عمر-صدوق صنف "المسند" وكان لزم ابن عيينة (ت: 243 هـ)-حدثنا سفيان، قال: سمعت أيوب السختياني يقول: حدثني أبو الزبير، وأبو الزبير أبو الزبير.
قال سفيان بن عيينة: بيده يقبضها، قال أبو عيسى: إنما يعني به الإتقان والحفظ) (1) .
2-وروى يعقوب بن سفيان الفارسي، أبو يوسف الفسوي-رحمه الله تعالى-: حدثني محمد بن يحيى، حدثنا سفيان، قال: سمعت أيوب إذا ذكر أبا الزبير يقول: أبو الزبير، أبو الزبير، أبو الزبير، وقال-أي: سفيان-
بكفه يقبضها قال محمد: أبي يوثقه (2) .
الأدلة على أن المراد من قول أيوب السختياني، هو التضعيف:
1-تفسير الإمام أحمد بن حنبل الشيباني-رحمه الله تعالى-السابق.
2-ما رواه العقيلي بسنده من طريق البخاري، عن علي بن المديني، ثنا سفيان، ثنا أيوب، حدثنا الزبير (3) ، وهو أبو الزبير فغمزه (4) .
__________
(1) -انظر: (العلل) (5\757)، و(الكامل) لابن عدي (6\2134)، و(التهذيب) (9\441)، و(تهذيبه) (9\443)
(2) -انظر: (المعرفة والتاريخ) (2\23)، و(شرح ألفاظ التجريح النادرة أو: قليلة الاستعمال) (1\264).
(3) -محمد بن مسلم بن تدرس، أبو الزبير، قال عنه الحافظ: (صدوق، إلا أنه يدلس) (تحرير التقريب) (3\316\رقم:6291).
(4) -انظر: (الجرح والتعديل) (4\ق1\75)، و(الضعفاء) (4\132)، و(شرح علل الترمذي) (1\337)، و(الكامل) (6\2134)، و(شرح ألفاظ التجريح النادرة أو: قليلة الاستعمال) (1\264).(1/336)
3-ما رواه ابن أبي حاتم، والعقيلي، وابن عدي بأسانيدهم من طريق أبي عوانة-ثقة ثبت (ت: 175 هـ)-أنه قال: كنا عند عمرو بن دينار جلوساً ومعنا أيوب، فحدثنا أبو الزبير بحديث فقلت لأيوب: أتدري ما هذا؟ فقال: هو لا يدري ما حدث، أنا أدري؟! (1) .
وعقب ابن رجب الحنبلي البغدادي على هذا الخبر بقوله: (وهذا يدل على أن أيوب كان يغمزه لا أنه كان يقوِّيه) (2) .
ثم ذكر الدكتور سعدي الهاشمي القول الرابع والخامس والسادس والسابع والثامن، ثم ذكر دفاع ابن عبد البر عن أبي الزبير، حيث فند أقوال النقاد في أبي الزبير، إلى آخر ما جاء في كتابه النفيس: (شرح ألفاظ
التجريح النادرة أو: قليلة الاستعمال) (3) .
وقال الشيخ مصطفى بن إسماعيل في المرتبة الخامسة: من مراتب التجريح من كتابه النفيس: (شفاء العليل): (ومن ذلك قول ابن جريج في أبي الزبير: "ما كنت أرى أن أعيش حتى يروى حديث أبي الزبير": انظر: (ص:201) من شرح "علل الترمذي"، فهذا يدل على أنه ليس أهلاً للرواية عنه بل: ينبغي أن يترك.
هذا معنى قول ابن جريج، أما حال أبي الزبير فأرفع من هذا والله أعلم، أما إذا قالوا: "ما كنا نعيش إلى زمن يسكت فيه عن حديث فلان أو: يسأل عن فلان": فأكثر وروده في التعديل الرفيع، والله أعلم) (4) .
وإلى هذا أشرت بقولي:
حدثنا بو زبير بو زبير * من تراه بو زبيرٍ ليت شعري؟!
__________
(1) -انظر: (الضعفاء الكبير) للعقيلي (4\132)، و(شرح علل الترمذي) (1\337)، و(سؤالات محمد بن أبي شيبة) (ص:87\رقم:80)، و(السير) (5\382)، و(تهذيب التهذيب) (9\443)، و(شرح ألفاظ التجريح النادرة أو: قليلة الاستعمال) (1\264).
(2) -انظر: (شرح علل الترمذي) (1\337)، و(شرح ألفاظ التجريح النادرة أو: قليلة الاستعمال) (1\264).
(3) -انظر: (شرح ألفاظ التجريح النادرة أو: قليلة الاستعمال) (1\264\274).
(4) -انظر: (شفاء العليل بألفاظ وقواعد الجرح والتعديل) (1\245).(1/337)
كم أتانا بو زبيرٍ بو زبيرِ * بو زبير من حديثٍ محضِ نكرِ
48- المصطلح الثامن والأربعون قول ابن أبي شيبة: (لو كان فيه طباخ لحدثتكم عنه):
هذا التعبير انفرد به-فما أعلم-ابن أبي شيبة عبد الله بن محمد الكوفي (ت: 235 هـ) الثقة الحافظ-حيث جرح به الحكم بن ظُهير.
قال أبو حاتم الرازي: قال ابن أبي شيبة-وذكر الحكم بن ظهير-فقال: (لو كان فيه طباخ لحدثتكم عنه) (1) .
المعنى اللغوي:
ومعنى الطباخ لغة: بالفتح، والضم، الأحكام والقُوَّة والسِّمن. يقال: رجل في كلامه طباخ، إذا كان محكماً، ورجل ليس به طباخ، أي: ليس به قوة ولا سمن...
وإلى هذا أشرت بقولي:
إن يكن فيه أخو طبخ مُؤاتي * حَدَّثكم عنه يا للسُّخْرِيَاتِ
49- المصطلح التاسع والأربعون قولهم: (فلان كان لعنة، أو: لعن الله من يكتب عنه، أو: بيض الله عيني من يروي عنه):
وأذكر أن أم الفضل سألتني مرة قائلة: (شيخنا الفاضل كثيراً ما أقرأ في كتب الرجال قولهم: فلان كان لعنة، أو: لعن الله من يكتب عنه، أو: بيض الله عيني من يروي عنه، وماذا يقصدون بهذا؟.
فأجبت قائلاً: ذكرت في سؤالك أم الفضل مصطلحات ثلاثة:
أ-المصطلح الأول قولهم: (فلان كان لعنة). أو: (ذاك لا يحل لأحد أن يروي عنه كان لُعنة).
ب-الثاني قولهم: (لعن الله من يكتب عنه) (2) .
__________
(1) -انظر: (الجرح والتعديل) (1/ق2/119).
(2) -وقال الشيخ أبو الحسن المصري في كتابه: (شفاء العليل بألفاظ وقواعد الجرح والتعديل) (1\266\267) تحت المرتبة السادسة: من مراتب التجريح: (وقولهم: "لعن الله من يكتب عن فلان" هذا اللفظ ظاهره أن المكتوب عنه من الكذابين وإلا فما وجه لعنة الكاتب عنه؟ فإذا كان هذا حال الكاتب فما ظنك بحال المكتوب عنه؟
وهذا اللفظ قاله ابن معين في الفضل بن سخيت، كما في: (المغني) (2\511)، مع أن اللفظ يحتمل أن المكتوب عنه صاحب بدعة خبيثة أو: مهتوك الحال ومكشوف ستره بارتكابه للمعاصي، ونحوه قول أحدهم: "لا يكتب عن فلان إنسان فيه خير". قيل هذا في عبد الله بن محمد بن عبد الله بن داهر، كما في "الجرح والتعديل" (5\161)، و"الميزان" (2\416)، وقد يقال هذا من أجل الفسق لا الكذب في الرواية كما قال ابن معين في محمد بن مناذر الشاعر: "لا يروي عنه من فيه خير"، وسئل عنه فقال: "أعرفه كان يرسل العقارب في المسجد الحرام حتى تلسع الناس، وكان يصب المداد في الليل في أماكن الوضوء حتى يسود وجوههم"-كما في "الميزان" "4\74").(1/338)
جـ-الثالث قول ابن معين: (بيض الله عيني من يروي عنهم).
1-أما المصطلح الأول: (فلان كان لعنة ... ) فهو مصطلح وتعبير استعمله يحيى بن معين في تجريح عبد الحميد بن سليمان الخزاعي، الضرير أبو عمرو الداني. فقد سأله ابن الجنيد عنه؟ فقال: ذاك لا يحل لأحد أن يروي عنه. (كان لعنة) (1) .
وقال الشيخ مصطفى بن إسماعيل في كتابه النفيس: (شفاء العليل): (قولهم: "فلان لعنه الله أو: ملعون" قد يكون سبب لعنته الكذب كما في ترجمة: حامد بن أبي آدم المروزي قال أبو داود السنجي لابن معين: "عندنا شيخ يقال له حامد بن آدم يروي عن يزيد عن الجريري... وساق له حديثاً، فقال: هذا كذاب لعنه الله" (2) .
ويقال هذا اللفظ أو: نحوه في المبتدع كما ترجمة: الحسين بن علي الكرابيسي الفقيه قال الخطيب: "حديثه يعز جداً لأن أحمد بن حنبل كان يتكلم فيه بسبب مسألة اللفظ، وهو أيضاً كان يتكلم في أحمد بن حنبل فتجنب الناس الأخذ عنه، فلما بلغ يحيى أنه يتكلم في أحمد لعنه الله وقال: ما أحوجه إلى أن يضرب" (3) .
وكما قال العجلي في بشر المريسي: "رأيت بشراً عليه لعنة الله مرة واحدة... ثم قال: يرحمه الله فلقد كان فاسقاً") (4) .
معنى اللُّعْنة: بالضم:
اللعنة بالضم من يلعنه الناس لشره وحكى علي بن المبارك أبو الحسن اللحياني: (لا تك لُعنة على أهل بيتك، أي: لا يُسَبَّنَّ أهل بيتك بسببك.
قال الشاعر:
والضيفَ أكرمه، فإن مبيته * حقٌّ ولا تك لُعنةً للنُّزَّل (5)
__________
(1) -انظر: (سؤالات ابن الجنيد) (ص:473/رقم:818).
(2) -انظر: (الميزان) (1\447).
(3) -انظر: (الميزان) (1\544)، و(تاريخ بغداد) (8\64).
(4) -انظر: (ثقات العجلي) (ص:81)، و(شفاء العليل) (1\391\392).
(5) -انظر: (لسان العرب) (13/388)، و(تاج العروس) (9/334).(1/339)
وابن معين أراد بتعبيره هذا التجريح الشديد أن ينفر الرواة عن عبد الحميد بن سليمان ويدل على ذلك أقواله الأخرى حيث قال عنه-في رواية الدورقي: ليس بثقة ... ) (1) .
2-لعن الله من يكتب عنه: هذا التعبير استعمله يحيى بن معين في تجريح الفضل بن السُّكين بن السُّخَيْت القطيعي السندي الأسود أبي العباس.
روى ذلك عنه ابن الجنيد فقال: وسمعت يحيى بن معين وذكروا الفضل بن سُخَيْت أبا العباس السندي فقال: "كذاب ما سمع من عبد الرزاق شيئاً، كان يتصدق قالوا: إنه يحدث. قال: لعن الله من يكتب عنه، من صغير أو: كبير إلا أن يكون لا يعرفه ... " (2) .
وإلى هذين اللفظين أشرت بقولي:
ليس حِلاَّ لأحَدْ سَرْدُ الروايَهْ عنه فهْو لُعْنَةٌ وهْوَ نِكَايَهْ
لَعَنَ اللهُ الذي يكتب عَنْهُ * أو يحاولْ مرةً يَقْرُبُ مِنْهُ
50- المصطلح الخمسون قولهم في الراوي: (ظالم لنفسه):
هذا التعبير استعمله الحافظ الذهبي في تجريح محمد بن يوسف الرازي. حيث قال عنه: (شيخ يروي عنه أبو بكر بن زياد النقاش، ظالم لنفسه، وضع كثيراً في القراءات) (3) .
__________
(1) -انظر: (الكامل) (5/1956)، و(الميزان) (2/541).
(2) -انظر: (سؤالات ابن الجنيد) (ص:416/رقم:806) وسمعه يقول: أبو العباس السندي يكذب. و(تاريخ بغداد) (12/362) بسنده إلى ابن الجنيد دون قوله: (كان يتصدق)!، وفي (الميزان) (3/351) بلفظ: (ما سمع من عبد الرزاق، لعن الله من يكتب عنه وهو أبو العباس السندي كذاب). وكذا في (لسان الميزان) (4/441)، وفي (المغني في الضعفاء) (2/511): (ما سمع من عبد الرزاق لعن الله من يكتب عنه).
(3) -انظر: (الميزان) (4/72)، و(لسانه) (5/436)، و(الكشف الحثيث) (ص:415/رقم:755).(1/340)
وكلام الذهبي في هذا الوضاع لا يحتاج إلى إيضاح وتفصيل لبيان مقصوده وهو يريد-بلا شك-تجريحه وتركه بها-ظالم لنفسه (1) .
ومستند الذهبي في تجريحه هذا قول الإمام الناقد الدارقطني فقد قال فيه: (شيخ دجال كذاب، يضع الحديث، والقراءات والنُّسَخ، وضع نحواً من ستين نسخة قراءات ليس لشيء منها أصل، ووضع من الأحاديث المسندة ما لا يضبط، قدم إلى هاهنا قبل الثلاث مائة فسمع منه ابن مجاهد (2) ، وغيره ثم تبين كذبه فلم يحك عنه ابن مجاهد حرفاً.
وقد روى عنه النقاش غير شيء، فمرة ينسبه إلى محمد بن طريف بن عاصم مولى علي بن أبي طالب، ومرة يقول: محمد بن نبهان، ومرة يقول: محمد بن يوسف، ومرة يقول: محمد بن عاصم الحنفي (3) .
__________
(1) -قال الشيخ مصطفى بن إسماعيل في كتابه النفيس: (شفاء العليل بألفاظ وقواعد الجرح والتعديل) (1\257) تحت المرتبة الخامسة: من مراتب التجريح: (وقولهم: "فلان ظالم لنفسه": قاله الذهبي في محمد بن يوسف بن يعقوب الرازي وزاد: "وضع كثيراً في القراءات"، غير أن هذا اللفظ يستعمل في أهل الفسق والظلم لعباد الله كما في "العبر في خبر من غبر" للذهبي).
(2) -أحمد بن موسى بن العباس بن مجاهد، شيخ العصر، أبو بكر البغدادي العطشيّ المقرئ الأستاذ مصنِّف كتاب: (القراءات السبع) قال عنه الخطيب كان ثقة مأموناً ت: 324 هـ. انظر: (تاريخ بغداد) (5\144)، و(معرفة القراء الكبار) (1\269)، و(طبقات القراء)، و(غاية النهاية) (1\139).
(3) -انظر: (تاريخ بغداد) (3\397\398)، و(ميزان الاعتدال) (4\72)، و(لسان الميزان) (5\346)، و(كشف الخثيث) (ص:415).(1/341)
ولعل الحافظ الذهبي-رحمه الله تعالى-وهم حيث قال في ترجمته: قال الخطيب: يُتَّهم بوضع الحديث (1) .
والصواب: هذا كلام الدارقطني، ويؤيد هذا أن الذهبي قال في ترجمته في (المغني) قال الدارقطني: يتهم بوضع الحديث) (2) .
وإلى هذا أشرت بقولي:
ظَالِمٌ من بعدِ نَفْسِهِ لسِوَاهُ * مَا جَوَابُهْ يَوْمَ يَسْأَلْهُ الإلَهُ
51- المصطلح الواحد والخمسون قولهم في الراوي: (أجاثيه بين يدي الله غداً) (3) :
هذا التعبير استعمله القاسم بن زكرياء بن يحيى أبو بكر المقرئ المطرز (4) في محمد بن يونس بن موسى القرشي
السامي الكديمي البصري (5) .
__________
(1) -انظر: المصادر السابقة عدا (تاريخ بغداد)، حيث لم يقل الخطيب فيه هذا القول، أو: يكون الحطيب قال فيه هذا القول في مصدر آخر لم أقف عليه والله أعلم. انتهى من هامش: (شرح ألفاظ التجريح النادرة أو: قليلة الاستعمال) (1\294\295).
(2) -انظر: (المغني) (2\645).
(3) -انظر: (قناص الشوارد الغالية) (ص:919\رقم:199)، و(شرح ألفاظ التجريح النادرة أو: قليلة الاستعمال) (1\296\302).
(4) -انظر: (تاريخ بغداد) (12\441)، و(قناص الشوارد الغالية...) (ص:919\رقم:199)، و(شرح ألفاظ التجريح النادرة أو: قليلة الاستعمال) (1\296).
(5) -انظر: (تاريخ بغداد) (3\435)، و(الميزان) (4\74)، و(قناص الشوارد الغالية...) (ص:919\رقم:199)، و(شرح ألفاظ التجريح النادرة أو: قليلة الاستعمال) (1\296).(1/342)
فقد نقل الدارقطني عن شيخه أحمد بن المطلب بن عبد الله بن الواثق الهاشمي الثقة أنه قال: (كنا يوماً عند القاسم المطرِّز وكان يقرأ علينا مسند أبي هريرة فمر في كتابه حديث الكديمي فامتنع عن قراءته فقام إليه محمد بن عبد الجبار-وكان قد أكثر عن الكديمي-فقال أيها الشيخ أحب أن تقرأه، فأبى وقال: "أجاثيه بين يدي الله يوم القيامة، وأقول إن هذا كان يكذب على رسول الله-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- وعلى العلماء" (1) .
وقول المطرز هذا يدل على التجريح الشديد للكديمي والتحذير من الرواية عنه-بصرف النظر عمن كتب عنه ووثقه من الأئمة- والمطرز لم ينفرد بهذا التضعيف الشديد، فقد كذبه أبو داود السجستاني، وموسى بن هارون، واتهمه بالوضع ابن عدي، وابن حبان، وسبط ابن العجمي وغيرهم...
وإلى هذا أشرت بقولي:
في لقا الله غداً أُجاثيه * فهو حسبي كل يوم أرتجيه
52- المصطلح الثاني والخمسون قول أبي حاتم: (عندي بليته قدم رجاله):
هذا التعبير استعمله أبو حاتم الرازي في تجريح يحيى بن نصر بن حاجب بن عمرو بن سلمة القرشي المخزومي (2) .
__________
(1) -انظر: (سؤالات حمزة السهمي للدارقطني) (ص: 112\رقم: 74)، و(تاريخ بغداد) (3\442)، و(التهذيب) (3\1294)، و(الميزان) (4\75)، و(الكشف الحثيث) (ص: 417)، و(قناص الشوارد الغالية...) (ص:919\رقم:199)، و(شرح ألفاظ التجريح النادرة أو: قليلة الاستعمال) (1\296).
(2) -انظر: (تاريخ بغداد) (14\160)، و(الجرح والتعديل) (ج4\ق2\193)، و(الميزان) (4\412)، و(لسانه) (6\278)، و(الثقات) (9\254)، و(قناص الشوارد الغالية) (ص:919\رقم:199)، و(شرح ألفاظ التجريح النادرة أو: قليلة الاستعمال) (1\302).(1/343)
قال ابن أبي حاتم-رحمه الله تعالى-: (سمعت أبي يقول: قلت ليحيى بن نصر بن حاجب: أي شيء قصتك، أرى أصحاب الحديث منقبضين عنك؟ قال كان بيني وبين بشر المريسي (1) في الحداثة معرفة فلما قدمت أتاني مسلماً عليه. قيل لأبي: فعرف حاله لذاك؟ قال هو ادعى ذاك، وعندي بليته قدم رجاله) (2) ، ومعنى قول أبي حاتم أنه يروي عن شيوخ قديمي الوفاة ومن هؤلاء الشيوخ الذين روى عنهم:
1-سفيان الثوري (ت: 161 هـ).
2-مالك بن أنس (ت: 179 هـ).
3-عبد الله بن شُبْرُمة (ت: 144 هـ).
4-ثور بن يزيد (ت: 150-155) (3) .
5-هلال بن خَبَّاب (ت: 144هـ).
6-حَيْوَة بن شريح (ت: 124 هـ)، أو: (ت: 159 هـ).
7-مغيرة بن مسلم (من السادسة).
8-النعمان بن ثابت الكوفي (ت: 150 هـ).
9-يونس بن يزيد (ت: 159 هـ).
10-عبد الله بن مبارك (ت: 181 هـ).
11-عاصم الأحول (ت بعد: 140 هـ).
12-إسحاق بن سويد (ت: 131 هـ).
فبعض هؤلاء الرواة، كإسحاق، وابن شبرمة، وهلال بن خباب، يصعب عليه إدراكهم، والرواية عنهم...
وإلى هذا أشرت بقولي:
قدَمُ رِجالِهِ عنْدي بَليَّهْ * لَهُ فاحفظْ صاحِ عنّي ذي الوصيَّهْ
__________
(1) -انظر: (تاريخ بغداد) (7\56)، و(الميزان) (1\322)، و(لسانه) (2\29)، و(قناص الشوارد الغالية...) (ص:919\رقم:199)، و(شرح ألفاظ التجريح النادرة أو: قليلة الاستعمال) (1\302).
(2) -انظر: (تاريخ بغداد) (14\160)، و(الجرح والتعديل) (ج4\ق2\193)، و(الميزان) (4\412)، و(لسانه) (6\278)، و(قناص الشوارد الغالية...) (ص:919\رقم:199)، و(شرح ألفاظ التجريح النادرة أو: قليلة الاستعمال) (1\302).
(3) -انظر: (تهذيب الكمال) (4\418)، و(تهذيبه) (2\33)، و(السير) (6\344)، و(الكاشف) (724)، و(التقريب) (1\121)، أو: (ص:861)، أو: (ص:869)، و(تحرير التقريب) (1\203\رقم:861-ثقة ثبت إلا أنه يرى القدر)، و(النكت على تقريب التهذيب) (ص:61\62\رقم:51) لفضيلة شيخنا العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز.(1/344)
53- المصطلح الثالث والخمسون قول أبي عروبة: (في رجله خيط أو: حَبَط):
هذا التعبير استعمله أبو عروبة الحسين بن محمد بن مودود الحراني (1) (ت: 318 هـ) في تجريح: العباس بن الحسن الخِضرمي الجزري.
روى ابن نقطة الحنبلي الثقة الثبت المتوفى: (629 هـ) بسنده إلى محمد بن إبراهيم العاصمي-يعني أبا بكر بن المقرئ الحافظ الثقة ت: 381 هـ-أنه قال: سألت أبا عروبة عن العباس بن الحسن الخضرمي. فقال: "كان لا شيء، وفي رجله خيط" (2) .
ولعل الصواب: (في كلمة: "خيط" "حبط" بالحاء المهملة والباء الموحدة والطاء المشالة).
قال الفيروزآبادي (3) : (الحبط محركة: آثار الجرح أو: الصياط بالبدن بعد البرء أو: الآثار الوارمة التي لم تشقق...).
__________
(1) -انظر: (سير أعلام النبلاء) (4\510)، و(تذكرة الخفاظ) (2\7074)، و(الشذرات) (2\279)، و(قناص الشوارد الغالية...) (ص:919\رقم:199)، و(شرح ألفاظ التجريح النادرة أو: قليلة الاستعمال) (1\305).
(2) -انظر: (تكملة الإكمال) (2\506)، و(الميزان) (383)، و(لسانه) (3\239)، و(قناص الشوارد الغالية...) (ص:919\رقم:199)، و(شرح ألفاظ التجريح النادرة أو: قليلة الاستعمال) (1\305).
(3) -انظر: (القاموس المحيط) (2\366)، ز(تاج العروس) (4\263)، و(قناص الشوارد الغالية...) (ص:919\رقم:199)، و(شرح ألفاظ التجريح النادرة أو: قليلة الاستعمال) (1\306).(1/345)
قال الدكتور سعدي الهاشمي: والذي يبدو لي أن أبا عروبة الحراني استعار هذا المعنى، فكما أن الذي يبقى في رجله أثر جرح ألَمَّ به. أو: تورم يعيقه في مشيه عن اللحاق بالرجل السليم الصحيح المعافى، فكذلك العباس ابن الحسن الخضرمي (1) لضعف في روايته، وبعض الأحاديث المنكرة التي رواها قصر عن اللحاق بالرواة الثقة... ثم ذكر باقي أقوال النقاد الآخرين فيه... فقال: لا يكاد يقارب روايات الثقات للضّعف الذي فيه. والله أعلم.
وإلى هذا أشرت بقولي:
حَبَطٌ في رجْلِهِ آثارُ جُرْح * في مَساءٍ دَبَّ أوْ إبَّانَ صُبْحِ
54- المصطلح الرابع والخمسون قول ابن معين: (كلاهما وتمراً).
هكذا ورد هذا التعبير في رواية الدارمي عن الإمام الناقد يحيى بن معين وصف به كلاً من:
1-مُندَل بن علي العَنَزي، أبي عبيد الله الكوفي (ت: 187 هـ).
2-وحِبان بن علي العنزي أبي علي الكوفي (ت: 171 هـ).
__________
(1) -الخضرمي: بكسر الحاء المعجمة، وسكون الضاد المعجمة، وبعدها الراء، هذه النسبة إلى خضرمة بلد بأرض اليمامة لربيعة. انظر: (معجم البلدان) (2\377)، و(الأنساب) (5\153)، و(الإكمال) (3\258)، و(المشتبه للذهبي) (1\239\240)، و(تبصرة المنتبه) (2\506)، و(الميزان) (2\383)، و(سؤالات السهمي للدارقطني) (ص:242)، و(قناص الشوارد الغالية...) (ص:919\رقم:199)، و(شرح ألفاظ التجريح النادرة أو: قليلة الاستعمال) (1\307)، و(شفاء العليل بألفاظ وقواعد الجرح والتعديل) (1\211) تحت المرتبة الرابعة: من مراتب التجريح..(1/346)
قال عثمان بن سعيد الدارمي (ت: 280 هـ)، وسألته-أي يحيى بن معين-عن مندل بن علي؟ فقال: "صدوق". قلت: أيهما أحب إليك؟ فقال: "كلاهما وتمراً" كأنه يضعفهما (1) .
ولعله أخذ هذا التعبير من قول عمر بن حمران الجعدي، وذلك أنه كان في إبل لأهله يرعاها فمر به رجل قد جهده الجوع والعطش، وبين يدي عمرو زبد، وقرص، وتمر، فقال له الرجل: أطعمني من زبدك أو: من قرصك، فقال له عمرو: "كلاهما وتمراً" أي: كلاهما وأزيدك تمراً، وقد يروى: (كليهما وتمراً).
وقال أبو عبيد: جاءنا عن بعض الخلفاء أنه عرض على رجلين خلتين فقال: (كلاهما وتمراً) (2) فغضب عليه، وقال أعندي تمزح ولم يوله شيئاً (3) .
__________
(1) -انظر: (تاريخ عثمان الدارمي) (1\92)، و(الكامل) (2\833\835)، و(6\2447)، و(تاريخ بغداد) (8\255)، و(تهذيب التهذيب) (2\173)، وفي (تهذيب الكمال) (5\341\342) بلفظ: (وتَمَرَّى)، و(قناص الشوارد الغالية...) (ص:919\رقم:199)، و(شرح ألفاظ التجريح النادرة أو: قليلة الاستعمال) (1\310).
(2) -قال أبو الحسن المصري في كتابه: (شفاء العليل) (1\284): (... فقال عثمان بن سعيد: قلت: فأخوه حبان؟ فقال: صدوق، فقل: أيهما أعجب إليك؟ قال: كلاهما وتمرى-كأنه يضعفهما). انظر: (الكامل) (6\2447).
(3) -قال علاقة الكلابي: الرجل الذي مر بعمرو بن حمران هو عائذ بن يزيد اليشكري، ومما قاله عائذ في ذلك:
فلَما لاَحَني سَغَبٌ ولُوحٌ * وقَدْ مَتَعَ النهارُ لَقيتُ عَمراً
فَقُلْتُ هَلُمَ زُبْداً أَوْ: سَوِيقاً * فقالَ كِلاَهُمَا وتُزَادُ تَمْراً
ومن رفع (كلاهما) فعلى تقدير: لك كلاهما، وأزيد تمراً، ومن نصبهما فعلى تقدير: أطعمك كليهما وتمراً.
انظر: (الأمثال) لأبي عبيد القاسم (ص: 200)، و(جمهرة الأمثال) للعسكري (2\147)، و(الفاخر) (ص: 149) للمفضل بن سلمة، و(مجمع الأمثال) (2\151) للميداني، و(الفائق) (2\231) للزمخشري، و(فصل المقال في شرح كتاب الأمثال) (ص: 110) للبكري، و(قناص الشوارد الغالية...) (ص:919\رقم:199)، و(شرح ألفاظ التجريح النادرة أو: قليلة الاستعمال) (1\311).(1/347)
فلعل الإمام الناقد ابن معين أراد بقوله هذا: التقليلَ من شأن مندل، وحِبان، وتليينهما، واستعمل هذا الأسلوب كما استعمله ذلك الرجل بين يدي أحد الخلفاء وهو يمزح معه...
وإلى هذا أشرت بقولي:
فكلاهُما خَليليْ تَمْرَاهُ * وكذا كل لئيم نَقْلاَهُ
تنبيه: جاء في (الرفع والتكميل في الجرح والتعديل) (ص:223/224)، (إيقاظ-10-في بيان مراد أحمد من قوله في الراوي: هو كذا وكذا):
(قال الذهبي في (ميزانه)(3/339) (1) في ترجمة: (يونس بن أبي إسحاق عَمْرو السَّبِيعي) (2) : قال عبد الله بن أحمد-رحمهما الله تعالى: سألت أبي عن يونس بن أبي إسحاق؟ قال: كذا وكذا (3) .
__________
(1) -انظر: (الميزان) (1/67)، و(2/49)، و(2/553)، و(3/438)، و(4/483)، و(تهذيب التهذيب)(1/167)، و(6/152)، و(6/153)، و(10/414)، و(11/434)، و(تقريبه) (1/475)، و(الجرح والتعديل) (1/ق/1/133)، و(1/ق2/513)،
و(4/ق2/244)، (4/ق1/361)، و(العلل ومعرفة الرجال) (ص:135)، و(هدي الساري) (ص:417)، و(شرح ألفاظ التجريح النادرة، أو: قليلة الاستعمال) (2/118/ إلى:122) للدكتور سعدي الهاشمي. صهر الدكتور أكرم ضياء العمري.
(2) -قال الإمام أحمد في "العلل ومعرفة الرجال" (1\244\442)في ترجمة: أبي إسحاق عمرو بن عبد الله: حدثنا أبو أسامة عن المفضل بن مهلهل، عن المغيرة قال: "ما أفسد أحد حديث الكوفة إلا أبو إسحاق-يعني السبيعي- وسليمان الأعمش".
قال الحافظ الذهبي في "السير" (5\399) إثر هذا القول: (لا يسمع قول الأقران بعضهم في بعض، وحديث أبي إسحاق محتج به في دواوين الإسلام...). لكن الحافظ ابن حجر حمل كلام المغيرة على إرادة التدليس، فقال: "يعني: للتدليس".انظر: (تهذيب التهذيب) (2\67)، و(ضوابط الجرح والتعديل عند الحافظ الذهبي) (2\659).
(3) -انظر: (قناص الشوارد الغالية...) (ص:578\593\رقم:95).(1/348)
قلت: هذه العبارة يستعملها عبد الله بن أحمد كثيراً فيما يجيبه به والده، وهي بالاستقراء كناية عمن فيه لين) (1) .
قال شيخنا أبو غدة-رحمه الله تعالى-: (وقد جاء ذلك في مواضع كثيرة من كتاب (العلل ومعرفة الرجال) للإمام أحمد، منها:
1-في: (1/135) قال عبد الله: (سألته عن أبي قيس عبد الرحمن بن ثروان؟ فقال: هو
كذا وكذا (2) ، روى عنه:
1-الأعمش، 2-وشعبة، 3-وسفيان، وهو يخالف في أحاديث.
وسألته عن مجالد؟ فقال: كذا وكذا-وحَرّك يده-ولكنه يزيد في الإسناد).
2-وفي: (1/136) (سألته عن حبيب بن أبي حبيب؟ فقال: هو كذا، كان ابن مهدي يحدث عنه).
3-وفي: (1/365) (سألته عن إبراهيم بن المهاجر؟ فقال: ليس به بأس، هو كذا وكذا).
__________
(1) -انظر: (الميزان) (4\483)، و(كتاب السلسبيل في شرح ألفاظ وعبارات الجرح والتعديل) (ص:53\رقم:38) تحت الفصل الثاني: (ألفاظ وعبارات الجرح، الأول: مدلول قول الإمام أحمد في الراوي: "هو كذا وكذا").
(2) -قال الدكتور سعدي الهاشمي في كتابه القيم: (شرح ألفاظ التجريح النادرة، أو: قليلة الاستعمال) (2/118/119/120)-تحت عنوان: قول الإمام أحمد بن حنبل في الراوي: "هو كذا وكذا"-: (ومن الأساليب التي استعملها الإمام أحمد بن حنبل في تجريح الرواة أن يقول في بعض الرواة: "هو كذا وكذا" حينما يسأله ولده عبد الله.
ولقد تتبع الحافظ الذهبي ذلك (ت 748هـ)-وهو من أهل الاستقراء التام في علم الرجال رحمه الله-وخرج بنتيجة لخصها بقوله: هذه العبارة يستعملها عبد الله بن أحمد بن حنبل كثيراً فيما يجيبه به والده، وهي بالاستقراء كناية عمن فيه لين ... ).(1/349)
4-وفي: (1/369) (سألته عن أبي إسرائيل المُلائي؟ فقال: هو كذا، قلت: ما شأنه؟ قال: خالف الناس في أحاديث، وكأنه عنده). كذا في المطبوعة، وفي المخطوطة وعليه العلامة صح صح (1) . أي: كأنه عنده فيه لين (2) .
__________
(1) -هذه الكلمة تكتب بعد الانتهاء من كتابة الساقط (اللحق) دلالة على صحته، ويراد بكتابتها معانٍ أخرى انظرها في: (علوم الحديث) (ص:181)، و(معجم علوم الحديث النبوي) (135\رقم:366\367\368).
(2) - تنبيه: قال أبو الحسن المصري في (شفائه) (1\323) وقد: وضع الحافظ الذهبي-رحمه الله تعالى-كلمة: (صح) أمام بعض تراجم "الميزان"، وجاء في بعض نسخ "الميزان" ترجمة: أبان العطار أن الذهبي قال: إذا كتبت (صح) أول الإسم فهي إشارة إلى أن العمل على توثيق ذلك الرجل... وقد تعقبه الحافظ ابن حجر-رحمه الله-في مقدمة (لسان الميزان) (1\9) وقال: "قد وجدت له-أي: للحافظ الذهبي-في أثناء الكتاب-يعني "الميزان"-ما يصلح أن يكون في الخطبة كقوله في ترجمة: أبان العطار: "إذا كتبت (صح).."
قلت: والذي ينبغي أن يعلم أن هذا اجتهاد من الحافظ الذهبي-رحمه الله-وهذا حكم منه على الراوي وهو قريب من صنيع الحافظ ابن حجر في "تقريب التهذيب" ولا يسلمان-رحمهما الله-من تعقب على أحكامهما ويزداد الأمر خطورة في "الميزان" أن نُسَخَه قد يدخلها أخطاء من النساخ أو: الطباعة؟ فقد وجدت كلمة: (صح) أمام ترجمة: عبد الملك بن الصباح مع قوله: "متهم بسرقة الحديث"-كما في (2\656) من "الميزان"-وأيضاً وضع هذه العلامة أمام ترجمة: محمد بن عبد الله بن عبيد الليثي والرجل ضعفه ابن معين وقال البخاري: "منكر الحديث"، وقال النسائي:"متروك الحديث"، وقال ابن عدي: "مع ضعفه وهو ممن يكتب حديثه"-كما في "الميزان" (3\590\591)-.
ومثل هذا لا يكون العمل على توثيقه، نعم لو تسامح الناقد في أمره لجعله ممن يكتب حديثه ولا يترك فقط.-لا أدري كيف خفي على أبي الحسن المصري أن العبارة على اصطلاح الذهبي وحكمه في "ميزانه" لا على اصطلاح غيره، إذ قد يوثق الذهبي رجلاً ويضعفه غيره، وهذا معلوم من كتب التراجم، إذا استحضرنا هذا فلا اعتراض البتة على الذهبي-.
ثم قال: وأيضاً كتب كلمة: (صح) أمام ترجمة: أحمد بن شيبان الرملي صاحب ابن عيينة (1\103) من (الميزان)، وأدخله في كتابه (المغني في الضعفاء) (1\41) دون دفاع عنه، وكتب كلمة: (صح) أمام ترجمة: أمية بن الحكم بن حجل وقال: "لا يعرف"-"1\275" (الميزان)، وذكره في (المغني) (1\9) كما ذكره في "الميزان"، فكيف يكون المجهول العمل على توثيق؟ ولعل الحافظ الذهبي قصد الترجمة التي تليها فتزحزحت إلى هذه الترجمة على سبيل الوهم من الناسخ أو: الطباعة فيراجع في ذلك عدة نسخ...)!!.(1/350)
5-وجاء في: (تهذيب التهذيب) (3/278)، في ترجمة: (رشدين بن سعد المصري) (1) : (قال الساجي: قال عبد الله، يعني ابن أحمد: قال أبي: رشدين كذا وكذا).
__________
(1) -قال فضيلة شيخنا المحدث محمد ابن الشيخ العلامة علي بن آدم الأثيوبي في كتابه النفيس: (ألفية علل الحديث-المسماة: شافية الغُلل بمهمات علم العلل) (ص:124\رقم:1020-القاعدة التاسعة: في ذكر ما قيل: فيمن اسمه رشدين):
وَلَيْسَ في الرواة من رِشْدينِ # مُوَثَّقاً فَخُذْهُ عن يَقِينِ
ابنُ كُرَيْبٍ وابنُ سَعْدٍ حَسْبُ # لاَ تَعْدُوَنْهُمَا عَدَاكَ العَيْبُ
ثم قال شيخنا الفاضل الأثيوبي في كتابه المسمى: (مُزيل الخَلَل عن أبيات شَافيَةِ الغُلَل): ("رشدين": هو ابن كريب مولى ابن عباس-رضي الله عنهما-، المدني ضعيف، الغالب عليه الوهم والخطأ. "وابن سعد": هو رشدين بن سعد بن مفلح، أبو الحجاج المصري، قال ابن يونس: كان صالحاً في دينه، فأدركته غفلة الصالحين، فخلط في الحديث (188 هـ) وله (78) سنة).
قال أبو الفضل: والبيت الأول كنت قد سمعته من فم شيخنا المحدث الأثيوبي بدار الحديث الخيرية بمكة المكرمة، عند ما سألته عن القول الصحيح فيمن اسمه رشدين، فأنشد لي قوله:
وَلَيْسَ في الرواة من رِشْدينِ # مُوَثَّقاً فَخُذْهُ عن يَقِينِ
تنبيه: كتاب: (ألفية علل الحديث-المسماة: شافية الغُلل بمهمات علم العلل) نظمه شيخنا المحدث الأثيوبي في (ألفين بيت) سنة: (1415 هـ)، وعرضه علينا بدار الحديث الخيرية بمكة المكرمة عند ما كنا ندرس عنده (شرح علل الترمدي) للحافظ ابن رجب الحنبلي، فقال: ما رأيكم فيه؟ فاتفقت كلمتنا-نحن طلبته-أن الكتاب جيد لكنه طويل جداً، فطلبنا منه اختصاره؛ فاختصره إلى: (1109)(1/351)
وفي: (الضعفاء الكبير) للعقيلي (2/340/رقم:938-ترجمة: عبد الرحمن بن أبي الزياد): (...حدثنا عبد الله بن أحمد قال: سألت أبي عن ابن أبي الزناد، فقال: (ابن الزناد) كذا وكذا، يعني: ضعيف) (1) .
وشرح هذا اللفظة الذهبي في (تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام)-(عند قول الإمام أحمد: هو كذا وكذا)-: (يعني: يُليِّنه) (2) .
قال الشيخ خليل بن محمد العربي: وانظر كذلك قول الإمام أحمد: "كذا وكذا" فيمن يُضعِّفه: "علل المروذي" (رقم:54\82).
إلا أني وقفت على رواية عن الإمام أحمد غريبة تخالف ما اشتهر عنه بتضعيف من أطلق عليه هذه العبارة، وهذه الرواية في "العلل" لعبد الله بن أحمد (1\378) قال: سألته-يعني: أباه-عن إبراهيم بن المهاجر؟ قال: "ليس به بأس، هو كذا وكذا"؟.
والمعروف أن قولهم: "ليس به بأس" من صيغ التوثيق، فكيف يجمع الإمام أحمد بينها وبين قوله: "كذا وكذا".
وقد نقل الأئمة هذه الرواية عن عبد الله بن أحمد، ولكنهم خالفوا سياق ما جاء في "العلل"، ومن هؤلاء:
أ-ابن أبي حاتم، فقال في "الجرح والتعديل" (2\33): "أنا عبد الله بن أحمد بن حنبل فيما كتب إليَّ قال: سألت أبي عن إبراهيم بن المهاجر؟ فقال: "ليس به بأس". هكذا جاءت الرواية دون قوله: "كذا وكذا". وكذلك جاء في "تهذيب الكمال" (2\212).
__________
(1) -قوله: (يعني: ضعيف). هو تفسير العقيلي لقول عبد الله ابن الإمام أحمد. وعزز ذلك بما رواه من طريق عبد الملك بن عبد الحميد قال: سألت أحمد بن حنبل عن ابن أبي الزناد؟ فقال: (هو ضعيف الحديث). انظر: (العلل ومعرفة الرجال) (2\483\484)، و(ضوابط الجرح والتعديل عند الحافظ الذهبي) (2\853)
(2) -انظر: (تاريخ الإسلام...) (11\235)، و(السير) (8\169)، و(كتاب السلسبيل في شرح ألفاظ وعبارات الجرح والتعديل) (ص:53\رقم:39).(1/352)
ب-وأما في "الكامل" لابن عدي (1\214)، و"الضعفاء" للعقيلي (1\670) فجاءت الرواية عندهما عن عبد الله بن أحمد قال: "سألت أبي عن إبراهيم بن المهاجر؟ فقال: كذا وكذا". فقط دون أن يقرن معها قوله: "ليس به بأس". وأنا في شك من سياقة عبارة العلل، والله أعلم (1) .
وقال الشيخ مصطفى بن إسماعيل كتابه النفيس: (شفاء العليل بألفاظ وقواعد الجرح والتعديل) في المرتبة الخامسة: من مراتب التجريح من كتابه النفيس: (شفاء العليل): (جاء في "ميزان الاعتدال" ترجمة عبد الرحمن بن ثروان أبي قيس الأودي، قال عبد الله بن أحمد: "سألت أبي عنه فقال هو كذا وكذا وحرك يده وهو يخالف في أحاديث" (2) ، وقال مرة: "لا يحتج به" (3) .
وفي ترجمة: يونس بن أبي إسحاق السبيعي قال ابن حزم: "ضعفه يحيى القطان وأحمد بن حنبل جداً"، وقال الذهبي-رحمه الله-: "قلت: بل: هو صدوق ما به بأس ما هو في قوة مسعر ولا شعبة، قال يحيى بن سعيد: كان فيه غفلة، وقال أحمد: حديثه مضطرب، وقال عبد الله بن أحمد: سألت أبي عن يونس بن أبي إسحاق-بن عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي-فقال: كذا وكذا".
قال الذهبي: (قلت: هذه العبارة يستعملها عبد الله بن أحمد كثيراً فيما يجيبه به والده، وهي بالاستقراء كناية عمن فيه لين) (4) .
__________
(1) -انظر: (كتاب السلسبيل في شرح ألفاظ وعبارات الجرح والتعديل) (ص:53\54\رقم:39).
(2) -انظر: (معجم علوم الحديث النبوي) (ص:246\رقم:740).
(3) -انظر: (ميزان الاعتدال) (2\553)، و(شفاء العليل) (1\302) تحت المرتبة السادسة: من مراتب التجريح.
(4) -انظر: (ميزان الاعتدال) (4\483)، وقال مثل ذلك في (تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام-حوادث سنة: 171\180 هـ ص:235)، وفي (السير) (8\169)، و(شفاء العليل) (1\302) تحت المرتبة السادسة: من مراتب التجريح.
قال الأستاذ محمد الثاني في (ضوابطه) (2\854): (ويظهر لي أن الحافظ الذهبي، يقصد بكلامه السابق، أن من قال فيه الإمام أحمد: "كذا وكذا" لا يخرج عن دائرة من يعتبر بحديثه في المتابعات والشواهد، لا أنه في درجة: "لين الحديث"، وذلك بدليل تتبع المواضع التي أطلق فيها الإمام أحمد هذه العبارة، فقد دل كلامه في مواضع أخرى على قصد التضعيف الذي لا يُخرج صاحبه عن حد الاعتبار في المتابعات والشواهد مع تفاوت مراتب ذلك.
ومن أمثلة ذلك:
أ-في ترجمة: "عبد الرحمن بن ثروان أبي قيس الأودي" (ت: 120 هـ) قال عبد الله بن أحمد: سألته عن أبي قيس عبد الرحمن بن ثروان؟ فقال: "هو كذا وكذا، روى عنه الأعمش، وشعبة، وسفيان، وهو يخالف في أحاديث-كما في: "العلل ومعرفة الرجال" (1\412).
ب-وقال في ترجمة: "مجالد بن سعيد الهمداني" (ت: 144 هـ): سألته عن مجالد؟ فقال: "كذا وكذا-وحرك يده-ولكنه يزيد في الإسناد-كما في: "العلل ومعرفة الرجال" (1\414).
وفي رواية أبي طالب: سألت أحمد بن حنبل عن مجالد؟ فقال: "ليس بشيء، يرفع حديثاً كثيراً، لا يرفعه الناس، وقد احتمله الناس-كما في "الجرح والتعديل" (8\361).
ج-وفي ترجمة: "عبد الرحمن بن حرملة بن عمرو الأسلمي المدني" (ت: 145 هـ) قال الإمام أحمد: "ابن حرملة كذا وكذا"، وابن حرملة شهد على نفسه بسوء الحفظ، وكان يقبل التلقين-كما في "العلل ومعرفة الرجال" (2\481)، و(تاريخ الدوري) (2\346)، و(الجرح والتعديل) (5\223)، و(تهذيب الكمال) (17\60).
د-وفي ترجمة: "يزيد بن سفيان أبي المهزّم التميمي البصري" قال عبد الله: (سألت-أبي-عن أبي المهزِّم؟ فقال: "هو كذا وكذا، وقد روى عنه شعبة"-كما في "العلل ومعرفة الرجال" (2\480).
وفي رواية حرب بن إسماعيل: (سألت أحمد بن حنبل، عن أبي المهزم فقال: "ما أقرب حديثه"-كما "الجرح والتعديل" (9\269).
هـ-وفي ترجمة: "إبراهيم بن مهاجر بن جابر البجلي الكوفي" قال عبد الله عن أبيه: "ليس به بأس، هو كذا وكذا"-كما في "العلل ومعرفة الرجال" (2\341).
وسئل عن أبي معشر يوسف بن يزيد البراء البصري، وإبراهيم بن مهاجر، فقال: "أبو معشر أجلّ في قلبي من إبراهيم بن مهاجر" كما في (العلل ومعرفة الرجال) (2\75).
و-وفي ترجمة: (يونس بن إبي إسحاق بن عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي الكوفي) (ت: 159 هـ) قال عبد الله بن أحمد: سألته عن عيسى بن يونس؟ قال: "عيسى يسأل عنه؟!". قلت: فأبوه يونس؟ قال: "كذا وكذا"-كما (العلل) (2\479).
وقال في موضع آخر-من "العلل" (2\479): (حديثه حديث مضطرب)، وفي رواية أبي طالب: (قال أحمد بن حنبل: "يونس بن أبي إسحاق حديثه فيه زيادة على حديث الناس". قلت: يقولون: إنه سمع في الكتاب فهو أتم؟ قال: "إسرائيل ابنه قد سمع من أبي إسحاق، وكتب، فلم يكن فيه زيادة مثل ما يزيد يونس".-كما في: "الجرح والتعديل" (9\244)، و"المعرفة والتاريخ" (2\173\174)، و"تهذيب الكمال" (32\491).
وقال أبو بكر الأثرم: سمعت أبا عبد الله، ذكر يونس بن أبي إسحاق، فضعف حديثه عن أبيه، وقال: (حديث إسرائيل أحب إلي منه).-كما في "تهذيب الكمال" (32\491).
ز-وفي ترجمة: "هشام بن سعد المدني أبي عباد" (ت: 160 هـ) قال عبد الله بن أحمد بن حنبل لأبيه: هشام بن سعد؟ قال: "كذا وكذا، وكان يحيى لا يروي عنه"-كما في: "العلل ومعرفة الرجال" (2\507).
وقال أبو حاتم الرازي في (الجرح والتعديل) (9\61): (سمعت أحمد بن حنبل يقول: "لم يكن هشام بن سعد بالحافظ"... وقال حرب بن إسماعيل الكرماني: سمعت أحمد بن حنبل-وذكر له هشام بن سعد فلم يرضه-وقال: ليس بمحكم الحديث).
ح-وفي ترجمة: "عبد الله بن عمر بن حفص بن عاصم العمري" (ت: 171 هـ) قال عبد الله: سألته عن العُمري...؟ فقال: كذا وكذ-وكأنه-كذا وردت العبارة في الأصل، وهي إشارة إلى تضعيفه للعمري). كما في (العلل ومعرفة الرجال) (2\507).
وقال أبو طالب: سألت أحمد بن حنبل، عن العُمَرِي الصغير؟ فقال: "صالح لا بأس به، قد روي عنه، ولكن ليس مثل عبيد الله-كما في: "الجرح والتعديل" (5\109\110).
وفي رواية المروذي (ص:67): "ذكر عبد الله العمري فلم يرضه، وقال: "ليِّن الحديث". وقال أبو زرعة الدمشقي: (قيل لأحمد بن حنبل: فكيف حديث عبد الله بن عمر؟ قال: "كان يزيد في الأسانيد، ويخالف، وكان رجلاً صالحاً". كما في "تاريخ بغداد" (10\20)، و"تهذيب الكمال" (15\329).
ط-وفي ترجمة: "مسلم بن خالد قَرْقَرة الزِّنجي المخزومي القرشي" (ت: 179 هـ) قال الإمام أحمد: "هو كذا وكذا"، وقال عبد الله: "يقول أبي: كذا وكذا-كان يحرك يده". كما في "العلل ومعرفة الرجال" (2\478).
ي-وفي ترجمة: "عتاب بن بشير الجزري الحراني" (ت: 190 هـ) قال: "عتاب بن بشير كذا وكذا". كما في "العلل ومعرفة الرجال" (2\481).
وفسر هذه الكناية في موضع آخر، بما يدل على أن سبب التليين، هو رواية عتاب عن خُصيف بن عبد الرحمن الجزري أحاديث مناكير، والنكارة من قِبل خصيف، وليست من قِبل عتاب-انظر: "العلل ومعرفة الرجال" (1\247)، و"الجرح والتعديل" (7\13)، و"تهذيب الكمال" (19\287).
ك-وفي ترجمة: "رشدين بن سعد بن مفلح المهري المصري" (ت: 882 هـ) قال: "رشدين بن سعد كذا وكذا"-كما في (العلل ومعرفة الرجال) (2\479).
وفي رواية الميمون "ص:195": "رشدين ليس به بأس في أحاديث الرقاق"، وفي رواية عنه قال: سمعت أبا عبد الله يقول: "رشدين ليس يبالي عمن روى، ولكنه رجل صالح يوثقه هيثم بن خارجة" وكان في المجلس، فتبسم من ذلك أبو عبد الله، ثم قال أبو عبد الله: "رشدين ليس به بأس في أحاديث الرقاق"-كما في (الضعفاء الكبير) للعقيلي (1\الورقة137\ب)، وسقط من المطبوع (2\67) كلمة: "يوثقه"، وفي (تهذيب الكمال) (9\193) (فوثقه) بدلاً من (يوثقه).
وقال حرب بن إسماعيل: "سألت أحمد بن حنبل، عن رشدين بن سعد فضعفه، وقدم ابنَ لهيعة عليه"-كما في "الجرح والتعديل" (3\513).
وقال أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي: "سئل أحمد عن رشدين بن سعد؟ فقال: "أرجو أنه صالح الحديث".-كما في "الكامل" (3\149)، و"تهذيب الكمال" (9\193).
ل-وفي ترجمة: (يحيى بن سليم الطائفي) (ت: 293 هـ) قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: "سأله عن يحيى بن سليم؟ فقال: كذا وكذا-والله إن حديثه-يعني، فيه شيء وكأنه لم يحمده... كان قد أتقن حديث ابن خثيم كانت عنده في كتاب...". كما في "العلل ومعرفة الرجال" (2\480).
وهذه المواضع دالة على مقصود الإمام أحمد-رحمه الله- من عبارته: "كذا وكذا" أن الراوي المقولَ فيه تلك الكناية، لا يخرج عنده عن حد الاعتبار به في المتابعات والشواهد. والله أعلم.
وأما قول الحافظ الذهبي-رحمه الله-: "هذه العبارة يستعملها عبد الله بن أحمد كثيراً فيما يجيبه به والده..." فظاهره دال على أن عبارة: "كذا وكذا" من مقول عبد الله، يكني به عن جواب أبيه فيما يُسأل عنه، ولكن بالنظر في الأمثلة السابقة الذكر، يظهر من سياقاتها أن الكناية من لفظ الإمام أحمد نفسه لا من لفظ عبد الله، ويؤيد ذلك ذكر عبد الله-أحياناً-الحالَ المصاحبةَ لقول الإمام أحمد هذه الكناية كتحريك يده مثلاً، كما تقدم في ترجمة: "مجالد بن سعيد"، و"مسلم بن خالد الزنجي"، ويقرن أحياناً حكايته لتلك الكناية بتفسير مراد أبيه منها، كما في ترجمة: "يحيى بن سليم الطائفي". والله أعلم).(1/353)
وبناءً على تفسير الحافظ الذهبي فمعنى قول أحمد: "كذا وكذا" أي: أن الراوي تعرف منه وتنكر (1) فتعرف الأحاديث التي يوافق فيها الثقات وتنكر الأحاديث التي يخالف فيها الثقات، لكني رأيت أحمد-رحمه الله-ذكر هذا اللفظ في مواضع أشد جرحاً، ففي ترجمة: عبد الملك ابن عبد العزيز بن عبد الله بن الماجشون صاحب مالك سئل عنه أحمد فقال: "هو كذا وكذا ومن يأخذ عنه؟".
قال ابن عبد البر: "كان فقيهاً فصيحاً دارت عليه الفتيا وكان مولعاً بسماع الغناء" (2) .
قال أحمد: "قدم علينا ومعه من يغنيه...وقال الأثرم: قلت لأحمد: إن عبد الملك الماجشون يقول في سند كذا، قال: من عبد الملك؟ عبد الملك من أهل العلم؟ من يأخذ من عبد الملك؟" (3) .
وفي ترجمة: عبد الرحمن بن أبي الزناد قال عبد الله بن أحمد: "سألت أبي عنه فقال: كذا وكذا-قال عبد الله: يعني: ضعيف".
__________
(1) -ويقال أيضاً: (يعرف وينكر) أي: تعرف منه مرة وتنكر منه أخرى، لكونه يأتي مرة بالأحاديث المشهورة المعروفة، ومرة بالأحاديث المنكرة. وهذه الجملة من ألفاظ الجرح، وهي عند الذهبي والعراقي من الخامسة، وعند السخاوي والسندي والسيوطي من السادسة. انظر: (معجم علوم الحديث النبوي) (ص:73\74\رقم:171).
(2) -انظر: (ميزان الاعتدال) (2\658)، و(شفاء العليل) (1\302) تحت المرتبة السادسة: من مراتب التجريح..
(3) -انظر: (6\408)، و(شفاء العليل) (1\302) تحت المرتبة السادسة: من مراتب التجريح.(1/354)
وقال مرة: "ضعيف الحديث" (1) ، فانظر كيف أطلق ابنه على هذا اللفظ الضعف، وهو نفسه-رحمه الله-قال مرة: "ضعيف الحديث" ومن قبل قال: "مضطرب الحديث" مع قوله لهذا اللفظ، وهذا أشد في الجرح من قولهم: "فيه لين" وإن كان الجميع يصلح في الشواهد والمتابعات) (2) .
قال المحبوس من أجل دينه وعقيدته أبو الفضل عمر بن مسعود بن عمر الحدوشي-عفا الله عنه، وفك أسره وسائر المظلومين-: تارة يقول: فهو كذا، وتارة يكررها فيقول: هو كذا وكذا.
1-وتارة يزيد على اللفظتين: (تحريك اليد)،
2-أو: يزيد: (تنفيضه) (3) ،
__________
(1) -انظر: (الضعفاء الكبير) (2\340\341)، و(شفاء العليل) (1\302\303) تحت المرتبة السادسة: من مراتب التجريح..
(2) -انظر: (ميزان الاعتدال) (2\553)، و(شفاء العليل) (1\302) تحت المرتبة السادسة: من مراتب التجريح..
(3) -قال أبو الحسن المصري في كتابه: (شفاء العليل) (1\537): (وقد يسأل أحدهم عن الرجل: "فينفض يده" وهذه الحركة أكثر ما رأيتها تكون في الجرح الشديد، ففي "تاريخ بغداد" (6\149) ترجمة: إبراهيم بن محمد بن عرعرة تكلم فيه أحمد وجرحه جداً، ولما ذُكر له حديث عنه تغير وجهه ونفض يده وأفحش القول فيه، وانظر: "الميزان" (1\57)، وجاء في: "لسان الميزان" (4\492\493) ترجمة: لوط بن يحيى أبي مخنف قال أبو عبيد الآجري: "سألت أبا حاتم عنه فنفض يده، وقال: أحد يسأل عن هذا؟" وقال غير أبي حاتم: "ليس بثقة".
وفي "اللسان" (4\231) ترجمة: علي بن سعيد بن بشير الرازي قال السهمي: "سألت الدارقطني عنه فذكر قصة وأشار بيده وقال: هو كذا وكذا ونفض بيده، قال السهمي يقول: ليس بثقة"، ولكن ليس في "سؤالات السهمي" نفض اليد كما في "ص:245"، فلعل الحافظ وقف على نسخة أخرى، وفي: "تهذيب التهذيب" (2\374) ترجمة: الحسين بن واقد المروزي ذكر عن أحمد نفض اليد، وإن لم تكن هذه الترجمة صريحة في الجرح الشديد، وفي: "الجروحين" (2\304) لابن حبان، ترجمة: محمد بن حميد: أن ابن وارة سأل أحمد عن محمد بن حميد الرازي فقال: "إذا حدث عن العراقيين يأتي بأشياء مستقيمة وإذا حدث عن أهل بلده مثل ابن المختار وغيره أتى بأشياء لا تعرف لا تدرى"، قال صالح بن أحمد: "فقال أبو زرعة وابن وارة: صح عندنا أنه يكذب، قال: فرأيت أبي بعد ذلك إذا ذكر ابن حميد نفض يده").(1/355)
3-وتارة: (يحرك يده ثم يقلبها) (1) ،
4-وتارة: (يصيح) (2) .
5-وتارة: (يتضجر) (3) ،
6-وتارة: (يضحك) (4) ،
__________
(1) -انظر: (شفاء العليل) (1\536\537).
(2) -قال أبو الحسن المصري في كتابه: (شفاء العليل) (1\538): (وقد يسأل أحدهم عن الراوي: "فيصيح" كما وقع لشعبة عند ما ذكر له زكرياء بن أبي مريم الشامي، وقيل: "هل سمع من أبي أمامة؟ فجعل يتعجب، ثم ذكر فصاح صيحة، قال أبو محمد: دل صيحة شعبة على أنه لم يرض زكرياء"-كما في: "الجرح والتعديل" "3\592\593").
(3) -قال أبو الحسن المصري في كتابه: (شفاء العليل) (1\538): (وقد يسأل أحدهم عن الراوي: "فيتضجر" من ذكره، وكان جرير بن حازم يحدث فإذا جاءه إنسان لا يشتهي أن يحدث: "ضرب بيده إلى ضرسه وقال: أوه" انظر ترجمة: جرير في "النبلاء" (7\100)، وقد يشير أحدهم بعبارة تدل على التعديل كأن يقول: حدثنا فلان "ويشير إلى الإسطوانة" إشارة إلى أنه ثبت في الحديث كتثبت هذه الإسطوانة، أو: يقول: حدثنا فلان: "ويشد على قبضته".
أو: يشير بيده كالميزان كما كان سفيان إذا ذكر عبد الملك بن أبي سليمان العرزمي-والذي وصفه بأنه ميزان-يشير بيده كالميزان كما في "النبلاء" (6\108)، هذا ما تيسر جمعه من الحركات والإشارات التي يقصد بها الأئمة جرح الرواة أو: تعديلهم وتعتبر الحركة أو: الإشارة جرحاً خفيفاً أو: شديداً بحسب ما يدل عليه السياق وبقية أقوال الأئمة في الراوي والله أعلم).
(4) -قال أبو الحسن المصري في كتابه: (شفاء العليل) (1\539): (وقد يسأل أحدهم عن الراوي: "فيضحك" كما في ترجمة: عيسى بن ميناء قالون المقرئ وهو حجة في القراءة لا الحديث، سئل عنه أحمد بن صالح المصري فضحك، وقال: "تكتبون عن كل أحد" كما في "المغني" (2د502)..).(1/356)
7-وتارة: (يصرف وجهه أو: يلتفت، أو: يقوم من المجلس ولا يجيب) (1) .
انظر أمثلة أخرى من ذلك في (تهذيب التهذيب): (2/88/رقم:1564)، وفي (2/117/رقم:1606)، وفي (3/31/رقم:3002)، وفي (7/70/رقم:8889-دار الكتب العلمية).
__________
(1) -قال أبو الحسن المصري في كتابه: (شفاء العليل) (1\536\37): (وقد يسأل أحدهم عن الراوي: "فيصرف وجهه، أو: يلتفت، أو: يقوم من المجلس ولا يجيب" أو: يدخل عليه الشيخ الضعيف، أو: جنازة الشيخ الضعيف عنده فلا يحل حبوته، أو: يدخل هو عند الشيخ الضعيف فيظهر في مجلسه أنه نائم، أو: يختفي، أو: يغطي رأسه-نسي أبو الحسن أن يقول: أو: ينتف إبطه كما كان يفعل الأعمش عند ما يسمع الشيخ الضعيف يحدث، وإذا سئل عن فعله قال: أنا في سنة وهو في كذب وبدعة-كي لا يتكلم فيه لوجوده عند ذلك الشيخ، أو: كي لا يُظن أن الشيخ حاله قوية كما كان أيوب السختياني إذا قعد إلى عمرو بن شعيب غطى رأسه.
قال الذهبي في "النبلاء" (5\169) غطى رأسه: (يعني حياءً من الناس)، وكان الثوري إذا أراد أن يسمع من عبد الوهاب بن مجاهد بن جبر جاء متقنعاً ثم قام خلفه كأنه نائم وقد أمر إنساناً أن يسأله-كما في "الضعفاء الكبير" (3\72) للعقيلي-، بيد أنه قد يدخل التلميذ متخفياً عند الشيخ لا لقدح في الشيخ ولكن خشية أن يطرده الشيخ أو: يذمه، كما جاء في "ضعفاء العقيلي" (1\143) قال عبد الله بن أحمد: "سمعت أبي فذكر بشر بن السري فقال: كان سفيان الثوري يستثقله قلت له: في ماذا؟ قال: سأل سفيان عن شيء، قلت له: عن أي شيء سأله؟ قال: عن الولدان عن أطفال المشركين، قال: فقال له سفيان: ما أنت وذا يا صبي، فكان يختلف إلى سفيان شبه المختفي".
والرجل قد وصفه العقيلي بأنه كان جهمياً يتكلم في القرآن وأنه صاحب مواعظ، لكن ذكر الذهبي أنه رجع عن قوله بالتجهم وذكر أقوال من وثقه-كما في "الميزان" (1\318)...).(1/357)
هذا، وقد يصدر من بعض الأئمة حركات تنبئ عن أحكامهم على بعض الرواة، جرحاً أو: تعديلاً فمن ذلك:
ما جاء في (الجرح والتعديل) (6/139) أن ابن المديني قال: (سمعت يحيى بن سعيد-رحمه الله تعالى-، وذكر عمر بن الوليد الشَّنِّي فقال بيده يحركها، كأنه لا يقوّيه.
قال علي-رحمه الله تعالى-: فاسترجعت أنا، فقال: مالك؟ قلت: إذا حركت يدك فقد أهلكته عندي. قال: ليس هو عندي ممن أعتمد عليه ولكنه لا بأس به) (1) .
__________
(1) -قال أبو الحسن المصري في كتابه: (شفاء العليل) (1\535): (... الكلام على الرواة بالإشارة أو: بالحركات، فلم ينحصر كلام الأئمة على الرواة على قولهم: "فلان كذا وفلان كذا"، بل: ورد عنهم حركات وإشارات تدل على تعديل الراوي أو: تجريحه، فمن ذلك أن أحدهم قد يسأل عن الرجل فيحرك يده، وكأنه إذا حرك يده إما أن يحركها بمعنى عدم الوقوف على حاله أو: يحركها بمعنى أنه يضعفه وأنك تجد من حديثه المعروف الذي يوافق فيه الثقات والمنكر الذي خالف فيه الثقات، جاء في (الجرح والتعديل) (3\53) ترجمة: الحسين بن زيد بن علي بن الحسين، قال ابن أبي حاتم: "قلت لأبي: ما تقول فيه؟ فحرك يده وقلبها يعني تعرف وتنكر"،
وقد سبق في باب المصطلحات الخاصة أن الإمام أحمد كان يقول في الراوي: "هو كذا وكذا ويحرك يده"، وهذا اللفظ يدل على الجرح الخفيف، لكن يحيى بن سعيد القطان يستعمله في الجرح الشديد كما في ترجمة: عمر بن الوليد الشني، قال ابن المديني: "سمعت يحيى وذكر عمر فقال بيده يحركها كأنه لا يقويه، قال علي: فاسترجعت أنا، قال: مالَكَ؟ قلت: إذا حركتَ يدك فقد أهلكته عندي، قال: ليس هو عندي ممن أعتمد عليه ولكنه لا بأس به-كما في: (الجرح والتعديل) (6\139)".
وهذا الفهم من علي بن المديني وتصريحه ليحيى به ولم ينكره يحيى يدل على ما قلته، وإن كان اكتفى في هذه الترجمة بالتليين، وإلا فقد جاء في (الجرح والتعديل) (6\260) في ترجمة: عمرو بن مسلم الجندي قال ابن المديني: "سمعت يحيى بن سعيد ذكر عمرو ابن مسلم فحرك يده وقال: ما أرى هشام بن حجير إلا أمثل منه، قلت له: أضرب على حديث هشام بن حجير؟ فقال: نعم".
فتأمل كيف أمر بالضرب على حديث هشام ومع هذا فهو أمثل من عمرو بن مسلم الذي حرك فيه يده).(1/358)
وهذه الحركة كانت غامضة ففسرها لنا هذا الإمام بعد مراجعة من تلميذه علي بن المديني (1) .
ومن ذلك:
ما جاء في (تاريخ بغداد) (9/229) أن عبد الله بن علي بن المديني قال: (سُئِل أبي عن سويد الأنباري فحرك رأسه وقال: ليس بشيء) (2) .
ومنه أيضاً في (الجرح والتعديل) (4/275): أن ابن المديني قال: (سألت يحيى بن سعيد عن سيف بن وهب فحَمَّضَ يحيى وجهه (3) . وقال: كان سيف هالكاً من الهالكين ). تحميض يحيى بن سعيد لوجهه: هو كناية عن الغضب.
__________
(1) -انظر ما قال الدكتور سعدي الهاشمي في كتابه القيم: (شرح ألفاظ التجريح النادرة، أو: قليلة الاستعمال) (2/120/ وما بعدها)-تحت عنوان:(حركات العلماء وإشاراتهم وتغير أحوالهم).
(2) -قال أبو الحسن المصري في كتابه: (شفاء العليل) (1\536): (وقد يسأل أحدهم عن الراوي: "فيحرك رأسه أو: يعوج فمه" انظر "الكامل" (3\1050\1051) لابن عدي، ترجمة: زياد أبي عمر البصري، وهذا على سبيل الجرح من جهة الحفظ، وقد يكون طعناً في العدالة كما في ترجمة: يعقوب بن حميد بن كاسب-من "الجرح والتعديل" (9\206)-، وقد يحرك الإمام رأسه على سبيل التليين أو: على سبيل الجرح الشديد، كما سبق أن أبا زرعة لما ذكر عند سلامٌ الطويل حرك رأسه وكان سلام عنده في موضع لا يذكر كما قال البرذعي).
(3) -قال أبو الحسن المصري في كتابه: (شفاء العليل) (1\538): (وقد يُسأل أحدهم عن الراوي: "فيحمض وجهه أو: يكلح وجهه"، وتحميض الوجه: تغييره من حال لآخر والنفس الحمضة أي: تنفر من الشيء أول سماعه، وكلح وجهه: أي: تكشره في عبوس، وهذا ظاهر في التجريح، وقد جاء في "النبلاء" (8\497) أن الإمام أحمد قال: "كان يحيى بن سعيد لا يعبأ بأبي بكر بن عياش وإذا ذكر عنده كلح وجهه، وقال فيه يحيى بن سعيد: لو كان بين يدي ما سألته عن شيء").(1/359)
وجاء في (لسان العرب)(7/140/مادة: حمض) ما نصه: (...فلان حامض الفؤاد، في الغضب إذا فسد وتغير عداوة. وفؤاد حمض، ونفس حمضة: تنفر من الشيء أول ما تسمعه وتحمّض الرجل: تحوّل من شيء إلى شيء).
وقال صاحب (القاموس) (ص:576): (...وحَمضْتُ عنه كرهته... ورجل حامضُ الفؤاد: متغيّره فاسده)
ومنه: (قال ابن عدي في: (كامله) (6/28/رقم:1574-ترجمة: (فرج بن فضالة بن النعمان بن نعيم التنوخي يكنى أبا فضالة): حدثنا ابن مكرم إجازة مشافهة، سمعت عمرو ابن علي، يقول: كنا عند يحيى يوماً ومعنا مُعاذ فقال معاذ: ثنا فرج بن فضالة قال: فرأيت يحيى كلح وجهه).
وقال البخاري ومسلم: منكر الحديث، وابن معين مرة قال: ضعيف-كما في رواية ابن أبي خيثمة-وعنه في رواية الدارمي: ليس به بأس. وقال أبو داود: إذا حدث عن الشاميين فليس به بأس (1) .
ومنه: (قال أبو أحمد عبد الله بن عدي في كتابه النفيس: (الكامل في ضعفاء الرجال) (6/27/رقم:1573)-ترجمة: (فرقد أبو يعقوب السبخي البصري): (حدثنا ابن حماد، حدثني عبد الله سألت أبي، عن فرقد السبخي فحرَّك يديه كأنه لم يرضَهْ.
وفي موضع آخر قال: سألت أبي، عن فرقد السبخي فقال: ليس هو بالقوي، قلت: هو ضعيف؟ قال: هو ذاك).
ومنه أيضاً: أن البرذعي قال: (ذكرت لأبى زرعة عمر بن عثمان الكلابي، فَكَلّح وجهه وأساء الثناء عليه) (2) .
__________
(1) -انظر (تهذيب التهذيب) (8/234). طـ. دار الفكر. و(ميزان الاعتدال) (3/343).
(2) -انظر: (الضعفاء) (759).(1/360)
كَلََحَ وَجهه (1) : أي غيره بتكشر في عبوس (2) .
ومنه أيضاً: أن البرذعي سأل أبا زرعة عن رَبَاح بن عبد الله. فأجابه قائلاً: ( كان أحمد ابن حنبل يقول: و أشار أبو زرعة بيده إلى لسانه (3) ،
__________
(1) -قال أبو الحسن المصري في كتابه: (شفاء العليل) (1\538): (وقد يسأل أحدهم عن الراوي: "فيتغير وجهه" ويكون ذلك على سبيل الجرح كما وقع من أحمد بن حنبل لما أخبر بإبراهيم بن عرعرة، وقد تقدم قبل قليل، والترجمة في (تاريخ بغداد) (6\146)، لكن هذه الإشارة أو: هذه الحركة قد تكون تعديلاً، كما جاء في "ضعفاء العقيلي" (4\293) ترجمة: النظر بن شميل قال إبراهيم بن شماس: "سألت وكيعاً عن النضير فتغير وجهه ورفع حاجبه وقال: إن له مشيخة، شبه الرضا به".
فليتأمل الباحث وفي هذا رد على من أطلق أنها إشارة وحركة وتجريح ولم يفصِّل. والله أعلم).
(2) -انظر:مادة كلح في (لسان العرب) (2/574) قال صاحب (القاموس) (ص:217): كَلَحَ، كَمَنَعَ، كُلُوحًا وكُلاحاً بضمهما: تكَشَّرَ في عُبوس).
(3) -قال أبو الحسن المصري في كتابه: (شفاء العليل) (1\537): (وقد يسأل أحدهم عن الراوي: "فيشير إلى لسانه" وهذا يحتمل أن الراوي بذيء سيِّء الخلق أو: هجاء شتام للأئمة أو: أنه يكذب.
وقد يسأل أحدهم عن الراوي: "فيشير إلى فمه" وهذا إما لأن الراوي بذيء يقع في أعراض أهل العلم والصلاح من أجل هواه، وإما أنه يكذب كما في نصر بن سلمة بن شاذان المروزي قال عبدان-كما في "الكامل" (7\2494)-: "سألت عباساً العنبري عنه فأشار إلى فمه، قال ابن عدي: أراد أنه يكذب"، وكما في "الميزان" (2\185) في ترجمة: سلم بن سالم قال أبو زرعة: "لا يكتب حديثه كان لا، ثم أومأ بيده إلى فيه، يعني لا يصدق".
وقد يشير أحدهم إلى فمه يعني أن الراوي يشرب الخمر، كما في عمرو بن برق وهو عمرو بن مسلم قال عبد الملك بن عبد الحميد: "سمعت أحمد يقول: له أشياء مناكير ومعمر قد روى عنه وكان عنده لا بأس به وكانت له علة، ثم أشار أبو عبد الله بيده إلى فيه-أي: يشرب" كما في "ضعفاء العقيلي" (3\259)...).(1/361)
أي: أنه كذاب...) (1) .
وقال ابن عدي في (الكامل) (1/62/63/ دار الفكر): أخبرنا زكرياء بن يحيى الساجي، أخبرني أحمد بن محمد بن بكر، فيما كتب إلي-أخبرنا محمد بن خلف، قال: سمعت ضرار ابن صرد، يقول: سمعت أبا بكر بن عياش يقول: كنا نسمي الأعمش سيد المحدثين، فكنا نمُرُّ به إذا انصرفنا من عند المشيخة، وكان يقول لنا: عند من كنتم اليوم؟ فنقول: عند فلان، فيقول: جيد، ويقعد ثلثين ثم يقول: عند من كنتم اليوم؟ فنقول: عند فلان، فيقول بأصابعه، أي: ما به بأس، ويحرك أصابعه، فيقول: عند من كنتم اليوم؟ فنقول: عند فلان فيقول: بأصابعه إلى فوق، طيار، فيقول: عند من كنتم اليوم؟ فنقول: عند فلان، فيقول: طبل مخرَّق ليس له صوت) وهذا جرح شديد من الإمام الأعمش-رحمه الله- (2) .
ومن هذا النحو أيضاً: ما قاله ابن عدي في: (الكامل) (6/306/رقم: 1796-من اسمه مسلم) ترجمة: (مسلم بن كيسان أبو عبد الله الأعور): (ثنا ابن حماد، قال وحدثني عبد الله، حدثني أبي قال: كان وكيع إذا حدث عن سفيان، عن مسلم الأعور يقول سفيان، عن رجل وربما قال: سفيان عن أبي عبد الله، عن مجاهد، قال أبي: وهو مسلم، فقلت لأبي: ولم لا يسميه؟ قال: كان يضعفه).
وانظر نحوه في: (الكامل) أيضاً في: (5/366/رقم:1524-ترجمة: عطاء أبي محمد الحمال).
وكذا في: (5/369/1529-ترجمة: عطاء بن أبي ميمونة بصري يكنى أبا معاذ) قال ابن عدي: (...ولعطاء بن أبي ميمونة غير ما ذكرت من الحديث وممن يروي عنه يكنيه بأبي معاذ ولا يسميه لضعفه...).
وكذا في: (7/175/رقم:2081-ترجمة: يونس بن سُليم الصنعاني): (... وهذا يرويه عبد الرزاق عن يونس بن سليم وبما كناه فيقول: أبو بكر الصنعاني ولا يسميه لأنه ليس بالمعروف).
__________
(1) -انظر: (أجوبة أبى زرعة على أسئلة البرذعي) (360).
(2) -انظر: ترجمة الأعمش في (تاريخ بغداد) (9/3)، و(تذكرة الحفاظ) (1/154).(1/362)
قال الدكتور سعدي الهاشمي-صهر الدكتور أكرم العمري-في كتابه القيم: (شرح ألفاظ التجريح النادرة، أو: قليلة الاستعمال)-تحت عنوان:(حركات العلماء وإشاراتهم وتغير أحوالهم)-:
(من الأساليب التي عمد إليها الأئمة النقاد في تجريح الرواة وتوثيقهم إذا سئلوا عنهم:
1-تحريك أيديهم.
2-أو: قبضها.
3-أو: تحريك رؤوسهم، إشارة للرضى، أو: ترك الرواية عنه.
4-أو: تتغير وجوههم.
5-أو: يشير أحدهم إلى لسانه ليدل على كذب الراوي الذي سئل عنه.
والذي يوضح مراد هؤلاء الأئمة النقاد من حركاتهم أو: تغير أحوالهم: طلابهم الملازمون لهم الذين كانوا يعرفون منهجهم في تعديل الرواة (1) وتجريحهم أو: يستقرئ أحد الحفاظ-كالذهبي-أحوالهم في الحركة أو: القول أو: تغير الوجه.
فيتضح له مراد الإمام الناقد من فعله ذاك. ولقد وقفت على طائفة من أحوالهم وأخبارهم في ذلك منها:
1-تحريك الأيدي:
كتحريك يحيى بن سعيد القطان يده حينما سئل عن عمر بن الوليد الشني (2) ، أبو سلمة، العبدي المصري.
__________
(1) -جمع راو، وهو كما قال الجزري-رحمه الله-: ناقل الحديث بإسناده. انظر: (قواعد في علوم الحديث) (ص:30)، و(معجم علوم الحديث النبوي) (ص:114\رقم:298).
(2) -الشّنّي: بفتح الشين المعجمة، وكسر النون المشددة، هذه النسبة إلى شن وهو بطن من عبد قيس بن أفصى بن دعمي بن جذيلة بن أسد بن ربيعة بن نزار. انظر: (الأنساب) (3\563)، أو: (8/161)، و(اللباب)(2/212)، و(الإكمال) لابن ماكولا. (4\503\و7\230)، و(معرفة علوم الحديث) (ص:593) للحاكم، تحت عنوان: (ذكر النوع السابع والأربعين من معرفة علوم الحديث: معرفة المتشابه في قبائل الرواة، وبلدانهم، وأساميهم، وكناهم، وصناعاتهم).(1/363)
قال علي بن المديني: سمعت يحيى بن سعيد، وذكر عمر بن الوليد الشني (1) فقال بيده يحركها كأنه لا يقويه-القائل علي بن المديني-قال علي: فاسترجعت أنا فقال: ما لك؟ قلت: إذا حركت يدك فقد أهلكته عندي. قال: ليس هو عندي ممن أعتمد عليه ولكنه لا بأس به (2) .
وفهم الحافظ الذهبي-رحمه الله تعالى-من ذلك: التليين حيث قال: ولينه يحيى القطان (3) . وكذا الحافظ ابن حجر (4) . ونقل الحافظ ابن حجر بعد قول ابن القطان تعقيب ابن المديني حيث قال: (ولم يحدث عنه) (5) -أي: يحيى القطان ...
ويبدو-والله أعلم-أن حال عمر بن الوليد (فيه لين) فقد لينه يحيى بن سعيد القطان، وهو من المتشددين، وكذلك النسائي، ويمكننا القول بأن الذهبي مال إلى تليينه أيضاً لأنه أورد الجرح ولم يذكر توثيق أو: تعديل أحد فيه-والله أعلم.
واستعمل هذا الأسلوب الإمام الناقد علي بن المديني (ت: 234 هـ) حيث جرح به: إسحاق بن نجيح الملطي الأزدي: أبو صالح، ويقال: أبو يزيد نزيل بغداد.
روى الخطيب بسنده إلى عبد الله بن علي بن المديني أنه قال: سألت أبي عنه-عن إسحاق-فقال بيده هكذا، أي: ليس بشيء وضعفه (6) .
__________
(1) -قال الحاكم في: (معرفة علوم الحديث) (ص:593)، تحت عنوان: (ذكر النوع السابع والأربعين من معرفة علوم الحديث: معرفة المتشابه في قبائل الرواة، وبلدانهم، وأساميهم، وكناهم، وصناعاتهم): (الشني، والسِّنِّيي، والسُّنِّي: أبان بن أبي عياش الشَّنِّي، قالوا: إن أباه فيروز مولى شَن، وعقبة بن خالد الشني ثقة من البصريين، حدث عن الحسن ومحمد بن سيرين...).
(2) -انظر: (الجرح والتعديل) (3/ق1/139)، و(تعجيل المنفعة) (ص:200/201).
(3) -انظر: (ميزان الاعتدال) (3/230).
(4) -انظر: (تعجيل المنفعة) (ص:200)، و(لسان الميزان) (4/337).
(5) -انظر: (لسان الميزان) (4/337).
(6) -انظر: (تاريخ بغداد) (6/323)، و(تهذيب التهذيب) (1/253)، و(ميزان الاعتدال) (1/201).(1/364)
والقائل أي: ليس بشيء وضعفه، هو عبد الله، وهذا يدل على أن علي بن المديني إذا سئل عن راوٍ فحرك يده، فمعنى ذلك أنه ضعف الراوي-والله أعلم-ولابن المديني قول آخر في إسحاق، رواه عنه أيضاً ولده عبد الله، فقال عنه: روى عجائب، وضعفه (1) .
ومن الأئمة النقاد الذين استعملوا هذا الأسلوب: أبو حاتم الرازي حيث جرح به:
الحسين بن زيد بن علي بن الحسين بن أبي طالب الهاشمي (ت: 190 هـ). قال ابن أبي حاتم: قلت لأبي: ما تقول فيه-أي: في الحسين بن زيد-؟ فحرك يده وقلبها-يعني: تعرف وتنكر.
ومن هيئة تحريك يد أبي حاتم-فحرك يده وقلبها-مع شرح ابن أبي حاتم لحركة يد أبيه بقوله: "يعني تعرف وتنكر".
يتبين لنا أن هذا الراوي له أحاديث منكرة غير معروفة، وأحاديث أخرى مقبولة ومعروفة عند المحدثين ... .
تحريك الرأس:
أما تحريك الرأس فعرف عن طائفة منهم أيضاً. وربما أرادوا به مطلق التضعيف أو: التضعيف لحد ترك الرواية عن ذلك الراوي. وممن روى عنه ذلك يحيى بن القطان حيث استعمله في تضعيف:
القاسم بن عوف الشيباني (2) البكري الكوفي، فقد روى ابن أبي حاتم بسنده إلى علي بن المديني أنه قال: ذكرنا ليحيى-يعني: القطان-القاسم بن عوف الشيباني فقال: قال شعبة: دخلت عليه-وحرك يحيى رأسه-قلت ليحيى: ما شأنه؟ فجعل يحيد (3) . فقلت: ضعفه في الحديث ...
ومن الأئمة النقاد الذين استعملوا هذا الأسلوب علي بن المديني
حيث جرح به: سويد بن سعيد بن سهل بن شهريار الهروي أبو محمد الحدثاني (ت: 240 هـ).
__________
(1) -انظر: (تاريخ بغداد) (6/324)، و(تهذيب التهذيب) (1/253).
(2) -انظر: (معرفة علوم الحديث) (ص:593)، تحت عنوان: (ذكر النوع السابع والأربعين من معرفة علوم الحديث: معرفة المتشابه في قبائل الرواة، وبلدانهم، وأساميهم، وكناهم، وصناعاتهم).
(3) -حاد عن الشيء يحيد حيداً وحيداناً ومحيداً وحيدودة: مال عنه وعدل، والرجل يحيد عن الشيء إذا صد عنه خوفاً وأنفة.(1/365)
فقد روى الخطيب بسنده إلى عبد الله بن علي بن المديني أنه قال: سئل أبي عن سويد الأنباري، فحرك رأسه، وقال: ليس بشيء، وقال: الضرير إذا كانت عنده كتب فهو عيب شديد، وقال: هذا أحد رجلين، إما رجل يحدث من كتابه، أو: من حفظه. ثم قال: هو عندي لا شيء. قيل له: فإنه يحفظ ثلاثة آلاف!. قال: فهذا أشد، يكرر عليه (1) .
وعلي بن المديني قد بيَّن رأيه في سويد بوضوح، ولم ينفرد في تجريحه، بل: جرح سويداً معظم النقاد، وأشدهم يحيى بن معين حيث قال عنه: "لا صلى الله عليه (2) ، هو حلال الدم" إلى غير ذلك. وميز أبو زرعة الرازي مروياته فقال: أما كتبه فصحاح، وكنت أتتبع أصوله فأكتب منها فأما إذا حدث من حفظه فلا (3) . والسبب في ذلك أن بصره كف في آخر عمره، فربما لقن ما ليس من حديثه (4) .
قال الشيخ مصطفى بن إسماعيل في (شفاء العليل): (كثير من الأئمة-كما سيأتي إن شاء الله-يتكلمون في الرواة بالإشارة وحركة اليد، لكن ذلك معناه الجرح الخفيف الذي يصلح معه المسئول عنه في الشواهد والمتابعات، ويكون معنى تحريك اليد أن الراوي تعرف منه وتنكر، فله أحاديث يوافق فيها الثقات وأخرى يخالف فيها الثقات، ولكن يحيى بن سعيد القطان يحرك يده على سبيل الجرح الشديد، فقد صرح بذلك ابن المديني وقال له: "إذا حركتَ يدك فقد أهلكته"-يعني عمر بن الوليد الشني-كما في "الجرح والتعديل" (6\139)-،
__________
(1) -انظر: (تاريخ بغداد) (9/229)، و(تهذيب التهذيب) (4/273).
(2) -انظر: (تاريخ بغداد) (9/229)، و(تهذيب التهذيب) (4/273/274)، و(الميزان) (2/249)، و(أجوبة أبي زرعة) (2/409).
(3) -انظر: (تاريخ بغداد) (9/230)، و(تهذيب التهذيب) (4/273)، و(تذكرة الحفاظ) (2/455)، و(شرح علل الترمذي) (ص:222).
(4) -انظر: (تاريخ بغداد) (9/229)، و(ميزان الاعتدال) (2/247)، وفي (تقريب التهذيب) (1/340) قال: (صدوق في نفسه إلا أنه أعمى فصار يتلقن ما ليس من حديثه).(1/366)
ويدل على ذلك أيضاً ما جاء في "الجرح والتعديل" (6\260) ترجمة: عمرو بن مسلم الجندي، قال ابن المديني: "سمعت يحيى بن سعيد ذكر عمرو بن مسلم فحرك يده وقال: ما أرى هشام بن حجير إلا أمثل منه، قلت له: اضرب على حديث هشام بن حجير؟ فقال: نعم".
فتصريح ابن المديني بأن هذه الإشارة عند القطان جرح شديد يدل على أن ذلك هو الأصل عند القطان إلا أن يثبت خلاف ذلك فيعمل به في محله...) (1) .
تحميض الوجه:
هذا الأسلوب استعمله يحيى بن سعيد القطان في تضعيف الرواة.
ولم أجده مستعملاً عند غيره. وقد جرح به اثنين من الرواة-فيما أعلم-هما:
1- سيف بن وهب التيمي، أبو وهب البصري-من الخامسة ... فقد روى ابن أبي حاتم بسنده إلى علي ابن المديني أنه قال: سألت يحيى بن سعيد عن سيف بن وهب، فحمض يحيى وجهه، وقال: كان سيف هالكاً من الهالكين (2) .
2- وميمون أبو عبد الله البصري الكندي-من الرابعة-فقد قال ابن المديني: سألت يحيى بن سعيد عن ميمون أبي عبد الله الذي روى عنه عوف فحمض وجهه. وقال-أي: ابن المديني-: كأن يحيى لا يحدث عنه (3) .
المعنى اللغوي:
قال أهل اللغة: فلان حامض الفؤاد في الغضب إذا فسد وتغير عداوة. وفؤاد حمض، ونفس حمضة: تنفر من الشيء أول ما تسمعه. وتحمض الرجل: تحول من شيء إلى شيء (4) .
__________
(1) -انظر: (شفاء العليل) (1\324\325).
(2) -انظر: (الجرح والتعديل) (2/ق1/275)، و(تهذيب التهذيب) (4/289).
(3) -انظر: (الجرح والتعديل) (4/ق1/233)، و(تهذيب التهذيب) (10/393)، و(ميزان الاعتدال) (4/235).
(4) -انظر: (لسان العرب) (7/140)، و(تاج العروس) (5/23).(1/367)
ومن هذا المعنى اللغوي نلمح عدم رضى يحيى القطان عن هذا الراوي، ويؤكد ذلك ما قرنه يحيى القطان-مع تغير حاله بقوله: كان هالكاً من الهالكين. ولقد جرح سيفاً بعض النقاد أيضاً، فضعفه شعبة ابن الحجاج، وغيره (1) ... ...
أبو زرعة الرازي أكثر النقاد استعمالاً لهذا الأسلوب:
لعل أكثر النقاد استعمالاً لهذا الأسلوب هو الإمام أبو زرعة الرازي، حيث جرح به طائفة من الرواة الضعفاء، وغالباً ما كان يقرن مع أسلوبه هذا عبارات توضيحية تبين مراده، أو: يشرح قصده في ذلك، أخص تلاميذه أبو عثمان سعيد بن عمرو بن عمار البرذعي الحافظ (292 هـ)، أو: عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي (ت: 327 هـ).
تحريك اليد:
جرح به سعيد بن سنان، أبو مهدي الحنفي، ويقال: الكندي الحمصي (ت 163هـ). قال ابن أبي حاتم-رحمه الله تعالى-: سألت أبا زرعة عنه: (فأومأ بيده، أنه ضعيف) (2) .
__________
(1) -انظر: (تهذيب التهذيب) (4/279)، ولقد حدث عنه شعبة كما في (التهذيب)، و(الجرح والتعديل)، و(ميزان الاعتدال) (2/259).
(2) -انظر: (الجرح والتعديل) (2/ق1/28/29)، و(تهذيب التهذيب) (4/47).(1/368)
ولقد ضعفه الأئمة النقاد الآخرون-رحمهم الله أجمعين-، وممن جرحه أبو إسحاق الجوزجاني (ت: 259 هـ) (1) حيث قال عنه: أخاف أن تكون أحاديثه موضوعة لا تشبه أحاديث الناس-أي: المحدثين (2) -وكان أبو اليمان يثني عليه في فضله وعبادته، فنظرت في أحاديثه فإذا أحاديثه معضلة، فلما رجعت إلى العراق قال لي ابن معين: لعلك كتبتها يا أبا إسحاق؟ قلت: كتبت منها شيئاً يسيراً لأعتبر به، فقال: تلك لا يعتبر بها هي بواطيل (3) ...
الإشارة إلى الفم واللسان:
وقد زاد أبو زرعة على الأئمة النقاد أسلوباً آخر وهو الإيماء-الإشارة-إلى اللسان أو: الفم، وأسلوبه هذا يريد به الكذب، وقد وضحه تلميذه: سعيد بن عمرو البرذعي.
__________
(1) -انظر: (الثقات) (8\81\82)، و(الكامل في ضعفاء الرجال) (1\310)، و(تهذيب الكمال) (2\244)، و(تهذيبه) (1\181)، و(الميزان) (1\75)، ومقدمة (لسان الميزان) (1\212)، و(التنكيل) (1\58\99\100)، و(النكت على تقريب التهذيب) (ص:43\رقم:17) لفضيلة شيخنا العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز.
(2) -قال أبو الحسن المصري في كتابه: (شفاء العليل) (1\107): (ومن ذلك قولهم: "فلان أحاديثه لا تشبه أحاديث الناس" أي: لكثرة الأخطاء والاضطراب فيها، واللفظ قاله الجوزجاني-كما في "أحوال الرجال" (ص:96) في شهر بن حوشب ونحوه: "فلان أحاديثه لا تشبه أحاديث الثقات".
فقد يكون سبب ذلك أنه روى ما لم يتابع عليه لوهمه وسوء حفظه، أو: لروايته عن كل أحد أو: يأتي عن الثقات بمناكير على سبيل التدليس-انظر: "الكامل" (5\1854)-في ترجمة: علي بن زيد الصدائي، وقد يستعمل في الجرح الشديد كما يستعمله ابن حبان في كتابه: (المجروحين) كثيراً، كما في "الكامل" (6\2156) ترجمة: محمد بن حجاج اللخمي صاحب الهريسة).
(3) -انظر: (أحوال الرجال)، و(تهذيب التهذيب) (4/46/47)، و(ميزان الاعتدال) (2/143/145)..(1/369)
1-ومن ذلك تجريحه لـ(رباح بن عبيد الله بن عمر، العمري) قال البرذعي-رحمه الله تعالى-: قلت-أي: لأبي زرعة-: رباح بن عبيد الله؟ فقال: كان أحمد بن حنبل-رحمه الله تعالى- (1) يقول: وأشار أبو زرعة بيده إلى لسانه-أي: أنه كذاب-القائل البرذعي-ثم قال لي أبو زرعة بيده إلى لسانه-أي: أنه كذاب-القائل: أي: أنه كذاب: البرذعي-، ثم قال لي أبو زرعة-رحمه الله تعالى-: منكر الحديث، يحدث عن سهيل، عن أبيه عن أبي هريرة-رضي الله تعالى عنه-: (بئس الشِّعب جياد) (2) .
لا أصل له عندي (3) .
__________
(1) -الذي نقله ابن أبي حاتم في: (الجرح والتعديل) (1/ق2/490) عن أحمد بن حنبل في رباح قوله: (منكر الحديث)، وكذا في (ميزان الاعتدال) (2/37)، و(لسان الميزان) (2/442)
(2) -هذا الحديث هو جزء من حديث أورده الهيثمي في (مجمع الزوائد) (8/490) عن أبي هريرة وقال عنه: رواه الطبراني في "الأوسط" وفيه رباح بن عبيد الله بن عمر وهو ضعيف، ورواه ابن حبان في (المجروحين) (1/300)، والذهبي في (ميزان الاعتدال) (2/37) حيث رواه بسنده، وأورده المقدسي في (تذكرة الموضوعات) (ص:28)، وضعفه السيوطي في "الجامع الصغير"(1/126)، وأجياد-بفتح أوله وسكون ثانيه-موضع بأسفل مكة معروف من شعابها يلي الصفا. انظر: (معجم البلدان-مادة: أجياد)، و(النهاية) (1/324).
(3) -انظر: (أجوبة أبي زرعة على أسئلة البرذعي) (ص:360).(1/370)
2- وقال البرذعي أيضاً: وشهدته-أي: أبا زرعة-ذكر عبد الله بن أبي بكر-بن علي بن عطاء بن مقدم-المقدمي (ت: 234 هـ) فأومى (1) بيده إلى فيه أي: الكذب-القائل أي: الكذب هو البرذعي-أمر به فلم أكتب عنه شيئاً (2) قط. ولقد روى ابن أبي حاتم (3) عن أبي زرعة أنه قال عنه: ليس بشيء، أدركته ولم أكتب عنه (4) .
3- وجرح أبو زرعة الرازي بهذا الأسلوب أيضاً سلم بن سالم البلحي (ت: 194 هـ) ... قال ابن أبي حاتم: سمعت أبا زرعة يقول: ما أعلم أني حدثت عن سلم بن سالم إلا أظنه مرة.
قلت:-القائل ابن أبي حاتم-كيف كان في الحديث؟ قال: لا يكتب حديثه, كان مرجئاً، وكان لا-وأومأ بيده إلى فيه-يعني لا يصدق (5) القائل: (يعني: لا يصدق): ابن أبي حاتم الرازي.
تكلح الوجه:
__________
(1) -الإيماء: الإشارة بالأعضاء كالرأس، واليد، والعين، والحاجب. يقال: أومأت إليه أوميء إيماءً، وومأت لغة فيه.
(2) -انظر: (أجوبة أبي زرعة على أسئلة) (ص:467).
(3) -قال الذهبي قال في (السير) (13/260): (..إذا وثق أبو حاتم رجلاً فتمسك بقوله، فإنه لا يوثق إلا رجلاً صحيح الحديث، وإذا لين رجلاً، أو قال فيه: لا يحتج به فتوقف حتى تنظر ما قال غيره فيه، فإن وثقه أحد، فلا تبْن على تجريح أبي حاتم، فإنه متعنت في الرجال، قد قال في طائفة من رجال (الصحاح): ليس بحجة، ليس بقوي، ونحو ذلك). انظر: (هدي الساري) (ص:441)، ترجمة (محمد بن أبي عدي البصري). و(ص:461/462)، و(توجيه القاري) (17/336). و(الميزان) (1/274/432)، و(لسانه) (1/492)، و(التلخيص) (3/10)، و(فتح المغيث) (981)، و(شرح علل الترمذي) (1/192). انتهى من (ذاكرة سجين مكافح) (1\88)، ومقدمة: (قناص الشوارد الغالية...) (ص:13).
(4) -انظر: (الجرح والتعديل) (2/ق2/19)، و(لسان) (3/264).
(5) -انظر: (الجرح والتعديل) (2/ق2/19)، و(ميزان الاعتدال) (2/185)، و(لسان الميزان) (3/63)، ولقد تصحف كلامه إلى: وكان مرجئاً، وكان الأصم أومأ بيده إلى فيه.(1/371)
ومن الأساليب التي استعملها أبو زرعة في تجريح الرواة: (تكليح الوجه) حيث جرح به طائفة من الرواة منهم:
1-عمرو بن عثمان بن سيار الكلابي، ويقال أبو سعيد الرقي (ت: 219-أو:217هـ). قال البرذعي: ذكرت لأبي زرعة: عمرو بن عثمان الكلابي؟ فكلح وجهه وأساء الثناء عليه (1) .
المعنى اللغوي:
قال أهل اللغة في كلح: الكلوح: تكشر في عبوس. قال ابن سيده: الكلوح، والكلاح بدو الأسنان عند العبوس. وقال أبو إسحاق: الكالح الذي قد قلصت شفته عن أسنانه نحو ما ترى من رؤوس الغنم إذا برزت الأسنان وتشمرت الشفاه (2) .
ومن هذا المعنى اللغوي يلوح لنا التطابق بين أسلوب أبي زرعة وحال الرجل، ولم ينفرد بتجريحه أبو زرعة فقط بل: جرحه النسائي والأزدي حيث قالا عنه: متروك الحديث. وذكره العقيلي في (الضعفاء) (3) .
تحريك الرأس عند أبي زرعة:
أما أسلوب تحريك الرأس في تجريح الرواة فقد استعمله أبو زرعة في عديد من الرواة، ونكتفي ببعض النماذج منها تجريحه لـ:
1-سيف بن محمد، الثوري، ابن أخت سفيان.
قال الإمام العلم الجهبذ البرذعي-رحمه الله تعالى-: وسألته، عن سيف بن محمد؟ قال: سيف وحرك رأسه (4) .
ويدل على تجريحه له بهذا الأسلوب قوله في سيف هذا لما سأله البرذعي في موضع آخر (ضعيف الحديث) (5) .
2-عبد الرزاق بن عمر الثقفي، أبو بكر الدمشقي الكبير.
__________
(1) -انظر: (أجوبة أبي زرعة على أسئلة البرذعي) (ص:759).
(2) -انظر: (لسان العرب) (2/574)، و(تاج العروس) (2/213).
(3) -انظر: (تهذيب التهذيب) (8/77)، و(ميزان الاعتدال) (3/280).
(4) -انظر: (أجوبة أبي زرعة) (ص:450).
(5) -انظر: (أجوبة أبي زرعة) (ص:322).(1/372)
قال البرذعي: سألت أبا زرعة عن عبد الرزاق بن عمر الدمشقي؟ فحرك رأسه، وقال: يحدث عن الزهري (1) أحاديث (2) .
وسأله عنه ابن أبي حاتم فقال: ضعيف الحديث ولم يقرأ علينا حديثه-القائل ابن أبي حاتم-وقال: روى عن الزهري أحاديث مقلوبة (3) ...
__________
(1) -فائدة: قال الذهبي في (السير) (5/339): (مراسيل الزهري كالمعضل، لأنه يكون قد سقط منه اثنان، ولا يسوغ أن نظن به أنه سقط الصحابي فقط، ولو كان عنده عن صحابي لأوضحه ولما عجز عن وصله ولو أنه يقول: عن بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ومن عدَّ مرسل الزهري كمرسل سعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، ونحوهما، فإنه لم يدر ما يقول، نعم مرسله كمرسل قتادة ونحوه). انتهى من كتابي: (ذاكرة سجين مكافح)(1\44)، ومقدمة: (قناص الشوارد الغالية) (ص:94).
(2) -انظر: (أجوبة أبي زرعة) (ص:484).
(3) -انظر: (الجرح والتعديل) (3/ق1/39)، وكذا في (تهذيب التهذيب) (6/310)، واكتفى ابن الجوزي في أسماء الضعفاء بقوله: (ضعيف الحديث).(1/373)
وجرت عند أبي زرعة-رحمه الله تعالى-مذاكرة في أحاديث الحجامة، وكان لا يثبت في كراهة الحجامة في يوم بعينه، ولا في استحبابه في يوم بعينه حديثاً، فقال له البرذعي-رحمه الله تعالى-: فحديث معقل بن يسار؟ فحرك رأسه كالمتقي من ذكري له ... وجرح أبو زرعة الرازي-رحمه الله تعالى-غير هؤلاء بهذا الأسلوب (1) . وقد يقرن بأسلوبه هذا كلاماً يفهم منه التوهين. قال ابن أبي حاتم: سألت أبا زرعة عن عبد الرحمن بن حماد بن عمران-الطلحي التيمي-فقال: أسأل الله السلامة (2) ، وحرك رأسه (3) ...
وقد يجمع الإمام أبو زرعة في بعض الأحيان بين تكليح الوجه، وتحريك الرأس أو: اليد.
__________
(1) -كتجريحه لعبد الرحمن بن زياد الإفريقي (ص:516/517-من الأجوبة)، ومحمد بن فليح الأسلمي (ص:532/533)، وسعيد بن عبد الرحمن الجمحي القاضي (ص:759)، ومحمد بن عبد الملك الأنصاري (ص:532/533)، ويعقوب بن حميد بن كاسب. انظر: (الجرح والتعديل) (4/ق2/206)، و(تهذيب التهذيب) (11/383)، واكتفى الذهبي في (ميزان الاعتدال) (4/450) بقوله: (وسئل أبو زرعة عنه فحرك رأسه).
(2) -انظر: (معجم علوم الحديث النبوي) (ص:19) نقلاً من هامش: (الرفع والتكميل) (ص:176).
(3) -انظر: (الجرح والتعديل) (2/ق2/226)، وكذا في (لسان الميزان) (3/412) ولم يذكر (وحرك رأسه).(1/374)
قال البرذعي: قلت-أي: لأبي زرعة-: أبو هارون البكاء (1) ؟ فكلح وجهه، وقال (2) بيده هكذا.
قلت: فأي شيء أنكروا عليه؟ قال: أما شيء كذا فلا أعلمه إلا أن أصحابنا حكوا عن يحيى بن معين أنه قال فيه شيئاً، ليس من طريق-الحديث، مثل الشرك، وأشباهه (3) .
وقال الإمام ابن أبي حاتم-رحمه الله تعالى-: (سألت أبا زرعة عن أبي هارون البكاء) فكلح وجهه، فقيل له: أي شيء أنكروا عليه؟ فقال: لا أعلم شيئاً أنكروا عليه، وأنا لا أحدث عنه ولا يعرف بالعراق-قال عبد الرحمن-وكان في كتابنا حديث قد كان حدث عنه قديماً، فلم يقرأه علينا فضربنا عليه (4) .
وإلى بعض هذه المعاني والمصطلحات أشرت بقولي
عَمَدَ النقادُ في جَرْحِ الرواةِ * وكذا توثيقهم بالحركاتِ
حيثُ تحريكٌ وقبضٌ للأيادي * وإشاراتُ رؤوس في النوادي
عن رضىً أو تركِ نقل المَرْوِيَات * إيهِ عَنْهُمْ أو: كَلُوحِ القَسَمَاتِ
كَمْ مُشيرٍ يا أخِي مِنْهُم لفيهِ * ولسانِهْ في ذَكَاءٍ تمْوِيهِي
__________
(1) -موسى بن محمد، أبو هارون البكاء، من أهل قزوين، نزل بغداد وحدث عن الليث بن سعد وغيره. قال عنه أبو حاتم: محله عندي الصدق، ولا أعلم أني عثرت عليه بشيء. وقال أحمد بن حنبل: ليس بثقة ولا أمين، ولا كرامة. انظر: (الجرح والتعديل) (4/ق1/160/161)، و(تاريخ بغداد) (13/35/36)، و(ميزان الاعتدال) (4/220)، و(لسان الميزان) (6/129).
(2) -أطلق القول على (الفعل) كما هنا. ومثله في حديث التيمم: وقال به هكذا: (أي: فعل به هكذا) لأن لفظة: (قال): لها معان ثمانية، منها: الفعل.
(3) -انظر: (أجوبة أبي زرعة) (ص:473/474)، وقد تصحف قوله في (لسان الميزان) (6/129)، إلى قوله: (إلا أن أصحابنا حكوا عن يحيى بن معين أنه قال: حب ساليس من طريق الحديث مثل السراب وأشباهه).
(4) -انظر: (الجرح والتعديل) (4/ق1/160/161)، و(تاريخ بغداد) (13/35/36).(1/375)
ومن غرائب ما يتصل بهذه الكلمات والألفاظ والمعاني والمصطلحات: ما جاء في: (ميزان الاعتدال) (2/120)، في ترجمة: (سعد بن سعيد الأنصاري المدني) (1)
__________
(1) -سعد بن سعيد، أخو يحيى بن سعيد القطان، قال أبو حاتم في (الجرح والتعديل) (4\84) في ترجمة: (سعد بن سعيد): (عن عبد الرحمن قال: سمعت أبي يقول: سعد بن سعيد الأنصاري مؤدي. قال أبو محمد: يعني: أنه كان لا يحفظ، يؤدي ما سمع).
وقد أورد الحافظ ابن القطان في كتابه: (بيان الوهم والإيهام...) (3\34) قول أبي حاتم هذا فقال: (وقال أبو حاتم: مود. واختلف في ضبط هذه اللفظة، فمنهم مَن يخففها؛ أي: هالك، ومنهم من يشددها، أي: حسن الأداء).
قال الحافظ الذهبي في (الميزان) (2\120): قال شيخنا ابن دقيق العيد: اختلف في ضبط "مود"، فمنهم من خففها؛ أي: هالك. ومنهم من شدَّدها؛ أي: حسن الأداء.
وممن استعمل هذا اللفظ أيضاً الإمام عبد الرحمن بن مهدي، كما جاء في ترجمة: مسعر بن كِدام من (تهذيب الكمال) (27\466)، و(سير أعلام النبلاء) (7\173) لما سأله الإمام أحمد عن خالد بن دينار أبي خلدة فقال: (كان ثقة؟ فقال: كان مؤدياً). انظر: (كتاب السلسبيل في شرح ألفاظ وعبارات الجرح والتعديل) (ص:43\44\رقم:22) تحت: الفصل الثالث عشر: (عبارات نادرة الاستعمال)، و(ألفاظ الجرح والتعديل بين الإفراد، والتكرير، والتركيب) (ص:53) للدكتور: أحمد معبد عبد الكريم.(1/376)
التابعي المضعَّف الموثق، من قول الحافظ شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي-رحمه الله تعالى-(قال أبو حاتم: سعد بن سعيد مُودٍ (1) .
قال شيخنا ابن دقيق العيد: اختُلف في ضبط (مُود)، فمنهم من خففها، أي: "هالك"، ومنهم من شَدَّدها، أي: حَسَنُ الأداء) (2) .
قال شيخنا عبد الفتاح أبو غدة-رحمه الله-: التشديد فيها خطأ صِرْف ولا ريب، لما علمت مما سبق، ولا يستقيم التشديد فيها إلا بهمزة فوق الواو.
وهذا التردُّد في تفسيرها يدل على عدم وضوح معناها عند الإمام ابن دقيق العيد وتلميذه الحافظ الذهبي-رحمهما الله تعالى-).
قال المحبوس عمر الحدوشي: (قد تختلف دلالة اللفظ جرحاً وتوثيقاً باختلاف ضبطه. مثل قولهم في الراوي: (فلان مُوْد) بالتخفيف بمعنى هالك، ومنه: (أودى فلان) إذا هلك. وبالتشديد مع الهمزة (مُؤَدَّ) أي: حسن الأداء) (3) .
قال الدكتور سعدي الهاشمي: (ومن ألفاظ التجريح التي استعملها النقاد كلمة (مود)-أي: هالك-وهي بالتخفيف وإذا شددت مع الهمزة أصبحت من ألفاظ التوثيق.
__________
(1) -قال الشيخ مصطفى بن إسماعيل في كتابه المفيد: (شفاء العليل) (1\391): (قولهم: "فلان مود": هذا اللفظ مما اختلف في ضبطه فإن كان بفتح الهمزة وتشديد الدال فمعنى ذلك أنه حسن الأداء، وإن كان بتسكين الواو وتخفيف الدال فمعنى ذلك أنه هالك-كما سبق-فانظر كيف أن اللفظ الواحد إذا ضبط على وجه كان مدحاً وإذا ضبط على آخر كان قدحاً).
(2) -انظر: (الميزان) (2\120)، و(كتاب السلسبيل في شرح ألفاظ وعبارات الجرح والتعديل) (ص:90\رقم:96). تحت: (مدلول قول أبي حاتم في الراوي: "مود").
(3) -كما في: (فتح المغيث) (1/348)، وقال أهل اللغة: ويقال: هو حسن الأداء إذا كان حسن إخراج الحروف من مخارجها. انظر: (تاج العروس) (10/13).(1/377)
نبه على ذلك الحافظ السخاوي فقال: وكذا ينبغي تأمل الصيغ-أي: الصيغ بالتجريح والتعديل-فرب صيغة يختلف الأمر فيها بالنظر إلى اختلاف ضبطها كقولهم: (فلان مود)، فإنها تختلف في ضبطها، فمنهم من يخففها أي: هالك. قال في (الصحاح): أودى فلان: أي: هلك فهو مود) (1) . ومنهم من يشددها مع الهمزة أي: حسن الأداء.
المعنى اللغوي:
قال أهل اللغة: أودى الرجل إذا هلك فهو مود، وفي حديث ابن عوف: وأودى سمعه إلا ندايا. أي: هلك ويريد صممه وذهاب سمعه. وأودى به الموت ذهب به ... والودى كفتى: الهلاك، اسم من أودى إذا هلك وقلما يستعمل (2) .
وأما مؤد فورد في كتب اللغة أيضاً قولهم: آدى الرجل فهو مؤد أي: قوى، وآدى الرجل للسفر فهو مؤد له إذا تهيأ له، واستعد وأخذ أداته (3) .
ومنه حديث ابن مسعود-رضي الله عنه-: (رأيت رجلاً خرج مؤدياً نشيطاً!) (4) .
استعمال النقاد لهذين اللفظين:
ورد في بعض نسخ في: (ميزان الاعتدال) (5) في ترجمة: (سعد بن سعيد بن قيس بن عمرو الأنصاري (ت 141هـ) قول أبي حاتم فيه: "مود". ولم يأت بتعقيب ابن أبي حاتم على قول أبيه، بل: اكتفى بما قاله الحافظ ابن دقيق العيد (ت:702 هـ) في ضبط هذه اللفظة, فقال الذهبي: قال شيخنا ابن دقيق العيد: اختلف في ضبط مود، فمنهم من خففها أي: هالك، ومنهم من شددها أي: حسن الأداء (6) .
__________
(1) -انظر: (الصحاح) (6/2265).
(2) -انظر: (تاج العروس) (10/387).
(3) -انظر: (لسان العرب) (14/26)، و(تاج العروس) (10/12).
(4) -انظر: (النهاية) (1/32).
(5) -انظر: (ميزان الاعتدال) (2/120).
(6) -انظر: (ميزان الاعتدال) (2/120).(1/378)
ولقد نبه الحافظ أبو الحسن علي بن محمد بن (عبد)الملك الفاسي المشهور بابن القطان (ت: 628 هـ) إلى الاختلاف في ضبط هذه اللفظة، فمنهم من يخففها أي: هالك، ومنهم من يشددها (1) ...
استعمال الإمام أحمد بن حنبل لكلمة: (كان يؤدي ما سمع):
ومن النقاد الذين استعملوا هذه الكلمة: (كان يؤدي ما سمع)-والتي شرح بها ابن أبي حاتم مراد أبيه في قوله: (مؤدى)-: الإمام أحمد بن حنبل حيث بين فيها أمر: إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي الكوفي (ت: 162 هـ).
قال أبو طالب-عصمة بن أبي عصمة العسكري (ت:244هـ): سئل أحمد أيما أثبت شريك-أي: ابن عبد الله النخعي القاضي وهو صدوق يخطئ كثيراً، تغير حفظه منذ ولي القضاء بالكوفة (177هـ) (2) .
أو: إسرائيل؟ قال: إسرائيل كان يؤدي ما سمع كان أثبت من شريك، قلت: من أحب إليك
فإذا عبارة: (كان يؤدي ما سمع) تفيد التوثيق، وتعني حسن الأداء، سواء بالاعتماد على الكتاب مثل إسرائيل السبيعي، أم الحفظ اليسير من الروايات التي لا يبلغ بصاحبه درجة الحافظ كما هو شأن سعد بن سعيد الأنصاري.
وقوع تصحيف في كلمة: (كان مؤدياً):
وقد يقع التصحيف في قولهم: (مؤد) حتى يخرج عن معناه، من ذلك قول يحيى بن معين في: سفيان بن حسين بن الحسن أبي محمد الواسطي (من أقران الثوري)، فقد ورد في "ميزان الاعتدال" عن يعقوب بن شيبة، عن يحيى بن معين أنه قال عن سفيان بن حسين: كان مؤدباً-بالباء-لم يكن بالقوي (3) .
وكذلك نقل عن ابن خراش- ... والصواب في هذه الكلمة: كان مؤدياً.
__________
(1) -انظر: (بيان الوهم ولإيهام ... ) (1/147)-وجاء فيه بلفظ: (خفيف الأداء)، والصواب: (حسن الأداء)-و(إكمال تهذيب الكمال) (ت762هـ) في ترجمة: (سعد بن سعيد)، و(تهذيب التهذيب) (3/471)، و(فتح الغيث) (1/349).
(2) -انظر: (تقريب التهذيب) (1/351).
(3) -انظر: (ميزان الاعتدال) (2/165/168)، و(الفروسية) (ص:43) لابن القيم.(1/379)
وأراد ابن معين-رحمه الله تعالى-بقوله: (كان مؤدياً) ليس بحافظ، ويؤيد ذلك ما نقله أبو داود-رحمه الله تعالى-عنه-حيث قال عن سفيان بن حسين: ليس بالحافظ، وليس بالقوي في الزهري-رحمه الله تعالى (1) .
وهذا ما اتفق عليه النقاد في سفيان هذا، فهو ليس بالحافظ، وحديثه عن الزهري فيه ضعف، والسبب في ذلك أنه سمع منه بالموسم فقط، ولم يلازمه ... .) (2) .
وإلى هذا المعنى أشرت بقولي:
كدِليلِ عن كَذِبْ راوٍ مُودِ * واسْتِحْسانِ لِمَنْ يُسْمَى المُؤدِّي
تَمَّتِ الدُّرَّةُ فِي أزهَى حُلاَهَا * فتأمل في بَهَاها وسَنَاها
يا رميصاءُ ويا حِبي صُهَيْبَا * وَعَصيماً ويا عفْرا الأحِبَّا
بَيْنَ جُدْرَان سُجَيْنٍ فِيهِ أقْبَعْ * خَاشِعَ النُّظْرَةِ نَحْوَ اللَّه أضْرَعْ
فاقْبَلَنْ يا رَبَّ مِنِّي دُرَّتِي * واخْتِمَنْ بالخَيْر لي ذُرّيتي
كتبه المحبوس في سبيل عقيدته أبو الفضل عمر بن مسعود ابن الفقيه عمر بن حدوش الحدوشي بزنزانته الانفرادية بالسجن المحلي بتطوان 19 صفر 1430 هجرية.
تنبيهات مهمة:
__________
(1) -انظر: (تهذيب التهذيب) (4/109)، و(الفروسية) (43)، و(الميزان) (2/165).
(2) -قال الشيخ مصطفى بن إسماعيل في: (شفاء العليل) (1\210)، تحت المرتبة الخامسة: من مراتب التجريح: (وأما قولهم: "مُود" فقد قال ابن دقيق العيد: "اختلف في ضبطه فمنهم من خففه أي: هالك ومنهم من شدده أي: حسن الأداء ذكر ذلك الذهبي بعد قول أبي حاتم في سعد بن سعيد أخي يحيى بن سعيد الأنصاري: مُود".
انظر: (الميزان) (2\120)، ولكن الذي في: (تهذيب التهذيب) (3\470\471): "قال أبو حاتم: يؤدي يعني أنه كان لا يحفظ ويؤدي ما سمع، وقال ابن معين: مؤد، قال ابن القطان الفاسي: اختلف في ضبط هذه اللفظة فمنهم من يخففها أي: هالك، ومنهم من يشددها أي: حسن الأداء"، وهذا اللفظ شرط كونه من ألفاظ هذه المرتبة إذا كان مخففاً بمعنى هالك).(1/380)
(بما أنه سيمر بك-عزيزي القارئ-كثيراً في هذا الكتاب قول الحفاظ في الراوي: (فلان ليس بالقوي)، و(فلان ليس بقوي) رأيت أن أنقل لكم ما ذكرته في (قناص الشوارد الغالية...) (ص:715\716\717\ رقم:139) حول التفريق بين هذين المصطلحين:
1-التنبيه الأول: فائدة في التفريق بين قولهم: (ليس بالقوي) و(ليس بقوي).
قال الشيخ المحدث الألباني في (الصحيحة) (2/28/أو13): (فإن ثمة فرقاً أيضاً بين قول الحافظ: (ليس بالقوي)، وقوله: (ليس بقوي) (1) ، فإن هذا ينفي عنه مطلق القوة، فهو يساوي قوله: (ضعيف)، وليس كذلك قوله الأول: (ليس بالقوي) فإنه ينفي نوعاً خاصاً من القوة، وهي قوة الحفاظ الأثبات).
وقال أيضاً في (النصيحة) (183): (قول أبي حاتم: (ليس بالقوي): فهذا لا يعني أنه ضعيف، لأنه ليس بمعنى: (ليس بقوي)، فبين هذا وبين ما قال فرق ظاهر عند أهل العلم، ويؤيده أنه سئل: كيف حديثه؟ فقال: (صالح، هو لين الحديث). فهذا يعني أنه وسط حسن الحديث).
وقد سبق أن ذكرنا-في غير هذه الفائدة-أن شيخنا أبا غدة زعم-رحمه الله-في هامش (الرفع والتكميل) (ص:130) أنه: (وبالاستقراء إذا قال أبو حاتم: (ليس بالقوي)، يريد بها أن هذا الشيخ لم يبلغ درجة القوي الثبت. والبخاري قد يطلق على الشيخ: (ليس بالقوي)، ويريد أنه: ضعيف).
__________
(1) -قال شيخنا عبد العزيز آلعبد اللطيف في (ضوابط الجرح والتعديل) (ص:161): (ومراتب الجرح عند ابن أبي حاتم أربعة أيضاً. وهي:
1-إذا أجابوا في الرجل بـ(ليّن الحديث) فهو ممن يكتب حديثه وينظر فيه اعتباراً.
2-وإذا قالوا: (ليس بقوي). فهو بمنزلة الأولى في كتْبَةِ حديثه إلا أنه دونه).(1/381)
قال الحافظ الذهبي-رحمه الله تعالى-في (الموقظة) (1) : (والبخاري قد يطلق على الشيخ: (ليس بالقوي)، ويريد أنه: ضعيف). وهي العبارة نفسها التي نقلها أبو غدة دون أن ينسبها لصاحبها كما رأيت (2) !-قلت: هذا اللفظ إذا أطلقه البخاري انصرف إلى الضعف المحتمل، وهو من يكتب حديثه للاعتبار (3) ،
__________
(1) -كما في: (ص:83).
(2) -انظر: (التنكيل) (1/442) و(ضوابط الجرح والتعديل) (ص:149).
(3) - قال أبو الحسن المصري في (شفائه) (485\486): (وفرق بين قولهم: "فلان يكتب حديثه للاعتبار"، و"فلان لا يكتب حديث إلا للاعتبار": فالقول الأول: غالباً ما يكون من جملة ألفاظ الشواهد والمتابعات، بمعنى أن الراوي يكتب حديثه وينظر هل له ما يقويه أم لا، وهذا يدل على أن الضعف في حديثه محتمل لا يترك حديثه من أجله، وقد جاء في "الكامل" (3\1196) ترجمة: سعد بن سنان الحمصي أبي مهدي أحد العُبَّاد قال السعدي: "فلما رجعت إلى العراق ذكرت أبا المهدي ليحيى بن معين وقلت: ما منعك يا أبا زكرياء أن تكتبها؟ قال: من يكتب تلك الأحاديث من أين وقع عليها؟ لعلك كتبت منها يا أبا إسحاق؟ قلت: كتبت منها شيئاً يسيراً لأعتبر به، قال: تلك لا يعتبر بها، هي بواطيل".
لكن هذا اللفظ قد يرد في الجرح الشديد أيضاً كما في "الميزان" (1\662) ترجمة: خلف بن محمد الخيام البخاري قال الحاكم وأبو زرعة: "كتبنا عنه الكثير ونبرأ من عهدته وإنما كتبنا عنه للاعتبار". وقال الحاكم فيه أيضاً: "سقط حديثه برواية حديث: "نهى عن الوقاع قبل الملاعبة" وقال عقيبه: خذل خلف بهذا وبغيره"، وأما اللفظ الثاني: "فلان لا يكتب حديثه إلا للاعتبار" فما أكثر التراجم التي يطلق فيها ابن حبان في كتابه "المجروحين" هذا اللفظ ويقصد به الجرح الشديد، ومعناه حينئذ أن حديث الراوي يكتب للاتعاظ ولتحذير الناس منه وكشف أمره وبيان حاله، والله أعلم).
قال المحبوس أبو الفضل: وقد صححت كلام السعدي من كتابه: (أحوال الرجال) (ص:168\169\رقم:301) لأن أبا الحسن المصري تصرف في كلام السعدي ونقله بمعناه، فرجعت للنسخة التي عندي داخل زنزانتي فنقلته بلفظه....(1/382)
فإذا وافق حديثه حديث الثقات كان صحيحاً، وإلا كان منكراً مردوداً.
وهذا اللفظة: (ليس بالقوي (1) تأتي في المرتبة الأولى في مراتب ألفاظ الجرح عند السخاوي-رحمه الله تعالى- (2) قال: (المرتبة الأولى): (...ليس بذاك القوي، ليس بالمتن، ليس بالقوي) (3) .
قال المحدث الألباني في (النصيحة) (ص:92) عن قول الدارقطني: (ليس بالقوي): (هذا يعني أنه وسط حسن الحديث) (4) .
__________
(1) - وفرق بين قولهم: (فلان ليس بالقوي، وفلان ليس بقوي-وفلان ليس بالمرضي، وفلان ليس بمرضي-وفلان ليس بالحجة وفلان ليس بحجة-ليس بالحافظ وفلان ليس بحافظ-وفلان ليس بالعمدة وفلان ليس بعمدة-وفلان ليس بالمشهور أو: بالمعروف وفلان ليس بمشهور أو: معروف): (فكل ما دخل عليه الألف واللام كان أهون وأخف في الجرح وإن كان الجميع في الأصل ألفاظ تليين وتجريح وأحياناً ترد لنفي الكمال، والله أعلم). انتهى من كتاب: (شفاء العليل) (1\484).
(2) -كما في (فتح المغيث) (2/48 مخطوط).
(3) -انظر: (علوم الحديث) (ص:240) و(التقييد والإيضاح) (ص:161) و(ضوابط الجرح والتعديل) (ص:162/167).
(4) -انظر مراتب ألفاظ التجريح في حاشية (مقدمة ابن الصلاح) للعراقي (ص:133/139) و(شرحه على الألفية) (2/3). لما ذكر اللكنوي ما قاله العلماء عن مراتب التجريح-قال في المرتبة الخامسة: ( ... وكل من ذُكر من بعد قولي: (لا يساوي شيئاً)، فإنه يخرج حديثه للاعتبار).
قال شيخنا أبو غدة: (قلت: لكن يَعترض هذا التعميمَ قولُ الحافظ ابن تيمية في "إقامة الدليل" (3/243) ضمن (الفتاوى الكبرى)، عند ذكر (عتبة بن حميد الضبي البصري): قال فيه الإمام أحمد: ضعيف، ليس بالقوي، لكن أحمد يقصد بهذه العبارة: "ليس بالقوي"أنه ليس ممن يصحح حديثه، بل: هو ممن يُحَسَّن حديثه. وقد كانوا يسمون حديث مثل هذا ضعيفاً، ويحتجون به، لأنه حسن، إذ لم يكن الحديث إذ ذاك مقسوماً إلا إلى صحيح وضعيف).(1/383)
وجاء في (الرفع والتكميل) (ص:143/179): (5-المرتبة الخامسة: ثم: يُضعَّف، وفيه ضعف، وقد ضُعِّف، ليس بالقوي...) وساق السخاوي في (شرح الألفية) (ص:162) ألفاظ التجريح عند الذهبي أيضاً على نحو آخر دون أن يعزوها إلى كتاب من كتب الذهبي فقال: (وأما الذهبي فالمراتب عنده ست.. ثم ذكر المرتبة السادسة والأخيرة: ثم: له مناكير، له ما ينكَر، فيه ضعف، ليس بالقوي...).
والشيخ الألباني له اعتراض على قول الذهبي: (له مناكير) قال: (قول الذهبي أو: غيره في الراوي: (ليس بجرح مطلقاً خلافاً لِصنيع البوطي هنا لا سيما إذا كان ثقة كما هو شأن ابن غزوان هذا على ما يأتي بيانه).
قال الذهبي في: (الميزان) (1/56): (ما كل من روى المناكير يُضَعَّف) وقال الإمام ابن دقيق العيد: قولهم في الراوي: (روى مناكير) لا يقتضي بمجرده ترك روايته حتى تكثر المناكير في روايته وينتهي إلى أن يقال فيه: منكر الحديث، لأن منكر الحديث. وصف في الرجل يستحق به الترك لحديثه (1) .
وقال المحدث الألباني أيضاً في حاشية كتابه: (دفاع عن الحديث النبوي والسيرة) (ص:74/75): (وهذا الذي قاله ابن دقيق العيد في غاية التحقيق فهو بالاعتماد عليه حقيق بخلاف ما نقله اللكنوي في (الرفع والتكميل) (ص:144-طبعة حلب) عن الذهبي مما يفيد التسوية بين قولهم: (له مناكير) و(منكر الحديث) وإن أقره عليه المعلق، فإنه لا دراية له في هذا الفن وإنما هو قماش جماع-).
__________
(1) -انظر: (فتح المغيث) للسخاوي (1/346/347).(1/384)
وسأنقل لكم ما قال اللكنوي في هذا الموضوع مع تعليق شيخنا أبي غدة في الفائدة الآتية بعد هذه-فلا يخفى على طالب العلم أن قوله: (فيه مناكير) ليس بمعنى منكر الحديث، فإن الأول معناه: أنه يقع أحياناً في حديثه منكر، والآخر معناه أنه كثير المناكير، فهذا لا يحتج به، بخلاف الأول فهو حجة عند عدم المخالفة كما ذكرنا، ولذلك احتج به مسلم، وأما البخاري فما روى له استشهاداً ومتابعة كما أفاده الحافظ في (مقدمة الفتح) (ص:451) (1) .
2- التنبيه الثاني: جرح الرواة نصيحة للمسلمين وليس غيبة:
وجاء أيضاً في (قناص الشوارد الغالية...) (ص:20\22) تحت عنوان: (جرح الشهود نصيحة...) ما نصه:
(وقال يحيى بن سعيد: سألت شعبة، وسفيان بن سعيد، وسفيان بن عيينة، ومالك بن أنس عن الرجل يحدث بالحديث يخطئ فيه، أو: يكذب فيه، فقالوا جميعاً: بَيِّن أمره، قال أحمد في رواية مهنا: هو كما قالوا فقلت له: أما تخاف أن يكون هذا من الفاحشة؟ قال: لا، هذا دين (2) .
__________
(1) -انتهى من (السلسلة الصحيحة) (2/13) و(2/28)، و(النصيحة) (ص:207)، و(الروض الداني) (ص:67/70).
(2) -قال يحيى بن سعيد: سألت شعبة وسفيان بن سعيد وسفيان بن عيينة، ومالك بن أنس عن الرجل لا يحفظ أو: يتهم في الحديث؟ فقالوا جميعاً: "بيِّن أمره". وقال أبو قتادة: سمعت ابن مهدي يقول: مررت مع سفيان الثوري برجل فقال: كذاب والله! لولا أنه لا يحل لي أن أسكت لسكت.
وقال الإمام الشافعي: إذا علم الرجل من محدث الكذب، لم يسعه السكوت عليه، ولا يكون ذلك غيبة، فإن مثل العلماء كالنقاد، فلا يسع الناقد في دينه أن لا يبين الزيوف من غيرها.
وقال محمد بن بندار السباك الجرجاني يقول: قلت لأحمد بن حنبل: يا أبا عبد الله إنه ليشتد عليّ أن أقول: فلان كذاب، فلان ضعيف، فقال لي: إذا سكت أنت، وسكت أنا فمتى يعرف الجاهل الصحيح من السقيم.
وقال الجوزقاني: (فظهر بهذا الإجماع الذي ذكرناه أن الطريق إلى معرفة الحديث، الجرح والتعديل، ويستحب أن يصنف الكتاب معللاً، فإن العلل أجل أنواع علم الحديث).
وقال أبو بكر محمد بن داود بن علي: سمعت أبي يقول: من لم يعرف حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد سماعه ولم يميز بين صحيحه وسقسمه فليس بعالم. انتهى من كتاب: (الأباطيل والمناكير والصحاح والمشاهير) (ص:21\22\رقم:5\إلى:10)، و(تحذير الخواص) (ص:128\129\130)، و(الكفاية) (ص:46)، و(معرفة علوم الحديث) (ص:112).(1/385)
جاء في: (طبقات الحنابلة) للقاضي ابن أبي يعلى في ترجمة (أبي تراب النخشبي الصوفي: عسكر بن الحصين) (1) : (قال عبد الله بن أحمد: جاء أبو تراب النخشبي إلى أبي-رضي الله عنه-، فجعل أبي يقول: فلان ضعيف، فلان ثقة، فقال أبو تراب: يا شيخ لا تغتب العلماء: فالتفت أبي إليه وقال له: ويحك! هذا نصيحة، ليس بغيبة).
وجاء في: (ترتيب المدارك) (2) للقاضي عياض في ترجمة (عبد الله بن المبارك): قال بعض الصوفية لابن المبارك-حين سمعه يضعف بعض الرواة-يا أبا عبد الرحمن تغتاب؟! قال: اسكت، إذا لم نُبيِّن، فمن أين يُعرَف الحق من الباطل؟!.
وجاء في: (تذكرة الحفاظ) (3) للذهبي: (قال محمد بن مهرويه: سمعت ابن الجنيد قال: سمعت يحيى بن معين يقول: إنا لنطعن على أقوام لعلهم قد حطوا رحالهم في الجنة من مائتي سنة، قال محمد: فدخلت على ابن أبي حاتم وهو يحدث بكتاب (الجرح والتعديل) فحدثته بهذا، فبكى وارتعدت يداه وسقط الكتاب وجعل يبكي ويستعيدني الحكاية).
قلت: وما حصل من ابن أبي حاتم بعد ما سمع هذه الحكاية يدل على أن النية في تجريح الرواة عنده خالصة لله تعالى، وأنه-وغيره من علماء الجرح والتعديل-صادق في نصيحته للمسلمين (4) ، في وضع كتاب:(الجرح والتعديل).
قال الحسن بن علي بن الحسن الإسكافي: سألت أحمد بن حنبل عن معنى الغيبة؟ فقال: إذا لم ترد عيب الرجل. قلت: فالرجل يقول: فلان لم يسمع، وفلان يخطئ، قال: لو ترك الناس هذا لم يُعرف الصحيح من غيره (5) .
__________
(1) -انظر: (1/ 248/249).
(2) -كما في: (3/51).
(3) -(3/831/ رقم:812).
(4) -قال موسى بن هارون: (استخرت الله سنتين حتى تكلمت في المَعْمَري، وذلك أني كتبت معه عن الشيوخ، وما افترقنا، فلما رأيت تلك الأحاديث قلت: من أين أتى بها). انظر: (السير) (13/511). انتهى من (ذاكرة سجين مكافح) (1\90).
(5) -انظر: (مسودة آل تيمية في أصول الفقه) (280).(1/386)
وقال شعبة لما قيل لهُ تمسك عن أبان بن أبي عياش؟ فقال: ما رأى يسعني السكوت عنه....
قال ابن مفلح (1) : (وأما جرح الرواة والشهود والأمناء على الصدقات والأوقاف والأيتام ونحوهم فيجب عند الحاجة ولا يحل الستر عليهم إذا رأى منهم ما يقدح في أهليتهم، وليس هذا من الغيبة المحرمة، بل: من النصيحة الواجبة، وهذا مجمع عليه).
وقد صرح بالوجوب النووي والعز بن عبد السلام في (قواعده) والسخاوي في (فتح المغيث) (2) ، وابن مفلح في (آدابه) (3) قالوا: القدح في الرواة واجب لما فيه من إثبات الشرع، ولما على الناس في ترك ذلك من الضرر في التحريم والتحليل وغيرهما من الأحكام، وكذلك كل خير يجوز الشرع الاعتماد عليه والرجوع إليه).
وذكر الإمام النووي في (رياضه)، و(أذكاره)، و(شرحه لصحيح مسلم)، والغزالي في (إحياء علومه)، والقرافي في (الفروق) (4) ، ومرتضى الزبيدي في (شرح الإحياء) وغيرهم: أن غيبة الرجل حياً وميتاً تباح لغرض شرعي لا يمكن الوصول إليه إلا بها، وهي ستة: ثم ذكروها (5) ...
__________
(1) -كما في (الآداب الشرعية) (1/181).
(2) -كما في: (4/356).
(3) -كما في: (2/101).
(4) -كما في: (4/205).
(5) -قال شيخنا العلامة أبو أويس: وطأ أبو العباس أحمد ابن القاضي المكناسي بيت أحمد بن حجر الهيثمي في مسوغات الغيبة ببيتين فصار الجميع ثلاثة وهي من بحر الوافر:
ألا إنَّ اغتياب الناس ظلم * عظيم الوصف من أدنى المناكرْ
تجنَّبْ غيبةً إلا حروفاً* ببَيْتٍ جاء عن بعض الأكابرْ
تظلَّمْ، واستعِنْ، واستفْتِ، حَذِّرْ *وعَرّفْ، بدعةً، فسق المجاهِرْ.
وقوله (أدنى) في البيت الأول: من الدّناءة إلا أنه غير مهموز، لا من الدنو، ومعنى (تظلم): اشرح ظلامتك وقل: فلان ظلمني واعتدى علي، واستعن على تغيير المنكر بأن فلاناً فعل كذا بشروطه، واستفت مفتياً عما فيه غيبة كقول هند عن زوجها لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن أبا سفيان رجل شحيح الخ، وحذّر من مشاركة أو: مرافقة من لا يُرضى ببيان حاله نصحاً، وعرّف من لا يعرف بلقب قبيح كالأعمش والأحول والأعرج بقصْد التعريف لا التحقير، وعرّف بدعة المبتدع ليُحذر، وهتك المجاهر بالفسق. انتهى من (رونق القرطاس، ومجلب الإيناس) (ص:124).(1/387)
3- التنبيه الثالث: جرح الشهود واجب، وكلام الأقران والأعداء يطوى ولا يروى:
جاء في (قناص الشوارد الغالية...) أيضاً (ص:21\26)، وفي (إمداد السقاة بدلو الرواة) (ص:35\37) ما نصه:
(وقال أئمتنا: (جرح الشهود عند القاضي وجرح رواة الحديث...جائز بالإجماع، بل: واجب للحاجة..). وقال المرتضى في (شرح الإحياء) (1) في مبحث جواز غيبة الفاسق: (إن ذكر الفاسق بما فيه ليحذره الناس: مشروط بقصد الاحتساب وإرادة النصيحة، دفعاً للاغترار به، فمن ذكر أحداً من هذا الصنف تشفياً لغيظه، أو: انتقاماً لنفسه...).
كما فعل النسائي مع أحمد بن صالح، حتى قال الذهبي في: ( الميزان): (إنه-أي: النسائي-آذى نفسه بكلامه فيه، والناس كلهم متفقون على إمامته وثقته).
قال الحافظ ابن حجر في (هدي الساري) في ترجمة أحمد بن صالح المصري (2) : (والسبب الحامل له على سوء رأيه فيه: أن أحمد بن صالح كان لا يحدث أحداً حتى يسأل عنه. فلما قدم النسائي مصر جاء إلى أحمد بن صالح، قد صحب قوماً من أهل الحديث لا يرضاهم أحمد، فأبى أن يحدثه، فذهب النسائي فجمع الأحاديث التي وهِم فيها أحمد، وشرع يُشنِّع عليه، وما ضره ذلك شيئاً. فهو إمام ثقة من الحفاظ المشهورين بمعرفة الحديث).
__________
(1) -كما في: (8/566).
(2) -وفيه يقول جزرة: (لم يكن بمصر من يحسن الحديث غير أحمد بن صالح المصري) وهذا القول في أحمد بن صالح يدل على أنه محدث كما يجب ديناً وأمانة وفهماً. انظر: (شفاء العليل) (1\52).(1/388)
ولم يقبل أيضاً قدح ابن معين (1)
__________
(1) -فائدة: قال الإمام ابن حزم في (المحلى) (6/21): (إنما يؤخذ كلام يحيى بن معين وغيره إذا ضعفوا غير مشهور بالعدالة، وأما دعوى ابن معين أو: غيره ضعف حديث رواه الثقات، أو: ادعوا فيه أنه: خطأ من غير أن يذكروا فيه تدليساً، فكلام مطروح مردود، لأنه دعوى بلا برهان). قال الذهبي في (الرواة الثقات المتكلم فيهم بما لا يوجب ردهم) (ص:7): (قد صح من طرق عن ابن معين انه يتكلم في الشافعي.
قلت: قد آذى ابن معين نفسه بذلك ولم يلتفت الناس إلى كلامه في الشافعي ولا إلى كلامه في جماعة من الأثبات، كما لم يلتفتوا إلى توثيقه لبعض الناس، فإنا نقبل قوله-دائماً-في الجرح والتعديل ونقدمه على كثير من الحفاظ ما لم يخالف الجمهور في اجتهاده، فإذا انفرد بتوثيق من لينه الجمهور، أو: بتضعيف من وثقه الجمهور وقبلوه، فالحكم لعموم أقوال الأئمة، إلا لمن شذ. فإن أبا زكرياء من أحد أئمة هذا الشأن، وكلامه كثير إلى الغاية في الرجال، وغالبه صواب جيد، وقد ينفرد بالكلام في الرجل بعد الرجل، فيلوح خطؤه في اجتهاده ...
فإنه بشر من البشر، وليس بمعصوم، بل: هو نفسه يوثق الشيخ تارة ويلينه تارة، يختلف اجتهاده في الرجل الواحد، فيجيب السائل بحسب ما اجتهد من القول في ذلك الوقت، وكلامه في الشافعي ليس في هذا اللفظ الذي كان عن اجتهاد وإنما هذا من فلتات اللسان بالهوى والعصبية، فإن ابن معين كان من الحنفية الغلاة في مذهبه وإن كان محدثاً).
قال بعضهم: (وادعى بعضهم أن من تكلم فيه ابن معين غير الشافعي الإمام، وهذا غير صحيح، بدليل أن الإمام أحمد لما قيل له بأن ابن معين يطعن في الشافعي قال: ابن معين لا يعرف من هو الشافعي).
وهذه بعض نماذج من تجريحات يحيى بن معين لرجال ورفض الناس لها:
1-(أحمد بن صالح الطبري: حافظ الديار المصرية وعلمها وعالمها، وهو ثقة جبل قال فيه يحيى بن معين: كذاب، ولم يلتفت إليه). (الرواة الثقات المتكلم فيهم...) (ص:11).
2-(أحمد بن عيسى التَّسْتري، احتج به الشيخان، وقال فيه يحيى بن معين: كذاب، ولا يلتفت إلى قول يحيى). (الرواة الثقات المتكلم فيهم...) (ص:11/12).
3-سليمان بن حبان، أبو خالد الأحمر. ثقة مخرج له في الكتب الستة. قال يحيى بن معين: ليس بحجة) (الرواة الثقات) (ص:16).
4- معاذ بن هشام الدستوائي. حديثه في الكتب كلها، وقال ابن معين: هو صدوق ليس بحجة). (الرواة الثقات) (ص:20).
5- عبد الرحمن الُمجبر بن عبد الرحمن بن عمر بن الخطاب. قال الحافظ ابن عبد البر: كان ابن معين يضعفه، وليس قوله بشيء، لأنه لا يحفظ له حديث منكر أتى به. وإنما قيل له المُجبر: لأنه سقط فتكسر فجبر، فقيل له المُجبر. وقد قيل: إنه كان يقال له: المكسر، فقالت حفصة: بل: هو المُجبر. وقيل: إنما قيل له المجبر، لأن أباه توفي وهو في بطن أمه، فسمته حفصة: المجبر. لعل الله يجبره.
وقال فيه الزبير بن بكار: المجْبر. وسائر الناس يقولون بتحريك الجيم وتشديد الباء-الاستذكار (1/155). وانظر أيضاً ما قاله الذهبي في (السير 9/263). في الرد على ابن معين. وأيضاً ذكر في (10/319- من السير) أن ابن معين أكرمه البابلتي، وما بالغ في تليينه وغيرها كثير. تجدها في كتابي: (ذاكرة سجين مكافح) (1\76)، و(قناص الشوارد الغالية...) (ص:99).(1/389)
في الشافعي انظر بيان ذلك بإسهاب فيما علقه شيخنا العلامة أبو غدة في (قاعدة الجرح والتعديل) للتاج السبكي (1) .
ولا قدح ابن منده في أبي نعيم الأصبهاني انظر أيضاً: بيان ذلك بإسهاب في ترجمة كل منهما في: (الميزان) للذهبي (2) .
ولهذا لم يُقبل قول مالك في محمد بن إسحاق صاحب المغازي: (إنه دجّال من الدجاجلة)، لأن ابن إسحاق زعم أن مالكاً وأباه وجده وأعمامه موالي لبني تيم بن مرة، يقول ابن عبد البر في (الانتقاء) (3) : (هذا هو السبب لتكذيب مالك لمحمد بن إسحاق وطعنه عليه). وذكر غيره سبباً آخر كما سيأتي. وقد وثق ابنَ إسحاق، ابنُ المبارك فقال: (ثقة، ثقة، ثقة). والبخاري في كتاب (القراءة خلف الإمام) (4) وأثنى عليه ابن شهاب، وشعبة، والثوري، وابن عيينة، وجماعة جِلة.
انظر في توثيقه (نصب الراية) للزيلعي (5) وقال ابن حبان في: (ثقاته) (6) : (وأما مالك فإنه كان ذلك منه مرة واحدة، ثم عَادَ لَهُ إلى ما يُحب، وذلك بأنه لم يكن في الحجاز أحد أعلم بأنساب الناس وأيامهم من ابن إسحاق، وكان يزعم أن مالكاً من موالي ذي أصبح، وكان مالك يزعم أنه من أنفسها، فوقع بينهم لذلك منافرة.
__________
(1) -كما في: (ص:14/16/27/28) طـ: الثانية و(ص:17/18/27 /28) من الطبعة الثالثة.
(2) -كما في: (1/52/ وما بعدها)، و(تذكرة الحفاظ) (3/1034/1097/ 1198)، و(السير) (7/17/35/154/167)، و(الرفع والتكميل) (ص:409/ إلى 413).
(3) -كما في: (ص:11).
(4) -كما في: (ص:13/14).
(5) -انظر:(1/107/ و(فتح القدير) لابن الهمام (1/159)، و(جامع بيان العلم وفضله) لابن رجب (2/106)، و(الترغيب والترهيب) للمنذري (6/356)، و(تهذيب مختصر سنن أبي داود) (7/94/97)، و(عيون الآثار) لابن سيد الناس (1/10/ 17)، و(تاريخ أبي زرعة) (1/537)، والحافظ ابن حجر في (تهذيبه 9/42)، انظر هامش: (الرفع والتكميل) (ص:411/412).
(6) -انظر: (7/381/385).(1/390)
فلما صنف مالك (الموطأ) قال ابن إسحاق: ائتوني به فأنا بيطاره، فنُقل ذلك إلى مالك فقال: دجّال من الدجاجلة يروي عن اليهود، وكان بينهما ما يكون بين الناس، حتى عزم ابن إسحاق على الخروج إلى العراق فتصالحا حينئذ، وأعطاه مالك عند الوداع خمسين ديناراً ونصف ثمرته تلك السنة.
ولم يقدح فيه مالك من أجل الحديث، وإنما كان ينكر عليه تتبعه غزوات النبي-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-من أولاد اليهود الذين أسلموا، وحفظوا قصة خيبر وقريظة والنضير وما أشبه ذلك من الغزوات عن أسلافهم، وكان ابن إسحاق يتتبع هذا عنهم ليعلم ذلك من غير أن يحتج بهم، وكان مالك لا يرى الرواية (1) إلا عن متقن صدوق).
__________
(1) -الرواية: هي نقل الأحاديث والإخبار بها. وقال بعض المحدثين: هي الإخبار عن عام لا ترافع فيه إلى الحكام، وخلافها الشهادة، ولها أحكام مذكورة في كتب أصول الحديث. انظر: (معجم مصطلحات توثيق الحديث) (ص:37)، وعنه صاحب (معجم علوم الحديث النبوي) (ص:116\رقم:313).(1/391)
فالجرح إذا صدر من تعصب أو: عداوة أو: منافرة ونحو ذلك، فهو جرح مردود، ولا يؤمن به إلا المطرود (1) . قال الذهبي في (سير أعلام النبلاء) (في ترجمة السَّمِين المفسّر: (أبي عبد الله محمد بن حاتم البغدادي)... وثقه ابن عدي والدارقطني، وذكره أبو حفص الفلاّس فقال: ليس بشيء. قلت: هذا من كلام الأقران (2) الذي لا يسمع، فإن الرجل ثبْت (3) حجة).
__________
(1) -انظر: (الرفع والتكميل) (ص:409/ إيقاظ-25- في بيان حكم الجرح غير البرئ). كالجرح بسبب التحاسد، أو: الاختلاف في المذهب، أو: المشرب، لأن الاختلاف بين العلماء في المذاهب والمشارب، أمر مركوز في الطبائع والفِطَر الإنسانية، ولا يمكن انتفاؤه في صفوف أهل العلم والفضل والصلاح، قال الإمام أحمد في الإمام إسحاق بن راهويه: (لم يَعْبُر الجسر إلى خراسان مثل إسحاق، وإن كان يخالفنا في أشياء، فإن الناس لم يزل يخالف بعضهم بعضاً) كما في (تاريخ بغداد) (6/348).انتهى من (ذاكرة سجين مكافح) (1\78).
(2) -قال الذهبي: (كلام الأقران بعضهم في بعض مُهْدَر لا عبرة به). انظر: (السير) (1/140/7/46/270/ و11/432/ و12/61/285/462/و14/40/42/505/385/و19/17/24/و20/597)، و(الميزان) (2/200، ومواضع أخرى تجدها في: (ذاكرة سجين مكافح) (1\100) وما بعدها.
(3) -قال السخاوي في (فتح المغيث) (1\337): "ثبت، بسكون الموحدة: الثابت القلب واللسان والكتاب والحجة". وهي من المرتبة الأولى من مراتب التعديل عند ابن أبي حاتم وابن الصلاح والنووي، ومن الثانية عند الذهبي والعراقي، ومن الثالثة عند ابن حجر والسيوطي، ومن الرابعة عند السخاوي والسندي. انظر: (معجم علوم الحديث النبوي) (79\رقم:189).(1/392)
وقال في (الميزان) (1) في ترجمة: (أبي بكر بن أبي داود السجستاني)، بعد ما ذكر توثيقه عن جمع من الثقات، وعن ابن صاعد (2) وغيره تضعيفه: (قلت: لا ينبغي سماع قول ابن صاعد فيه، كما لم نعتدّ بتكذيبه لابن صاعد، وكذا لا يسمع كلام ابن جرير فيه، فإن هؤلاء بينهم عداوة بينة، فقف في كلام الأقران بعضهم في بعض).
وقال (3) في ترجمة: (أبي بكر عبد الله بن أبي داود السجستاني): (لا يُسمع قول الأعداء بعضهم في بعض). وفي: (الميزان) (4) أيضاً قال: في ترجمة (محمد بن جرير الطبري) الإمام المفسر (أبو جعفر): (إن كلام العلماء بعضهم في بعض، ينبغي أن يُتأنَّى فيه، ولا سيما في مثل إمام كبير).
وفيه أيضاً (5) عند ترجمة (عفان الصّفّار)-رحمه الله تعالى-: (كلام النظراء والأقران ينبغي أن يتأمّل ويُتأنى فيه). وفي (6) ترجمة (أبي الزناد عبد الله بن ذكوان): (قال ربيعة فيه: ليس بثقة ولا رضىً. قلت: لا يُسمع قول ربيعة فيه، فإنه كان بينهما عداوة ظاهرة).
__________
(1) -كما في:(2/43)، و(تذكرة الحفاظ) (2/772).
(2) - هو: يحيى بن محمد بن صاعد أبو محمد أحد حفاظ الحديث، ومن عني به ورحل في طلبه. توفي: 318هـ انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد) (14\231\234)، و(ضوابط الجرح والتعديل عند الحافظ الذهبي) (2\873).
(3) -انظر: (الميزان) (2/433)، و(3/607)، و(التذكرة) (2/662)، و(السير) (14/42/505)، ومواضع أخرى محلها: (ذاكرة سجين مكافح) (1\80) تحت عنوان: (كلام الناقد الورع في الضعفاء من النصح لدين الله، والذب عن السنة). وعنوان: (خصومة الأكابر تطوى، ولا تروى).
(4) -كما في: (3/35).
(5) -كما في: (2/202).
(6) -كما في: (2/36).(1/393)
وما أجمل ما قاله الحافظ الذهبي في (الميزان) (1) عند ترجمة (علي بن المديني)-بعد أن ذكر بأن العقيلي ذكره في كتاب (الضعفاء والمتروكين) وذلك من أجل إجابته في مسألة خلق القرآن-: فبئس ما صنع! إلى أن قال: (هذا أبو عبد الله البخاري-وناهيك به-قد شحن (صحيحه) بحديث علي بن المديني، وقال: (ما استصغرت نفسي بين يدي أحد من العلماء إلا بين يدي بن المديني) (2) .
ولو تُرِك حديث علي، وصاحبيه محمد-الإمام البخاري-وشيخه عبد الرزاق-بن همام الصنعاني صاحب (المصنف)-وعثمان بن أبي شيبة، وإبراهيم بن سعد، وعفان-بن مسلم الأنصاري شيخ البخاري-وأبان العطار، وإسرائيل-وهو ابن يونس الكوفي-، وأزهر بن السمان، وبهز بن أسد، وثابت البناني، وجرير بن عبد الحميد: لغلقنا الباب (3) ، وانقطع الخطاب، ولماتت الآثار، واستولت الزنادقة، ولخرج الدجالون!! أفما لك عقل يا عقيلي؟! أتدري فيمن تتكلم؟!
وإنما تبعناك في ذكر هذا النمط لنذبَّ عنهم، ولنُزَيّف ما قيل فيهم، كأنك لا تدري أن كل واحد من هؤلاء أوثق منك بطبقات؟! بل: أوثق من ثقات كثيرين لم توردهم في كتابك.
__________
(1) -كما في: (2/230).
(2) -فائدة: قال الذهبي في (السير) (1/57): (كان ابن المديني يزيد في الحديث).(ذاكرة سجين مكافح) (1\60). انظر ترجمته في أول كتابه: (العلل) (ص:7/إلى:33). تحقيق: حسام محمد بوقريص.
(3) -قال الذهبي في (تاريخ الإسلام)، و(وفيات: 381/400/ص324)، و(السير) (7/40/ 41): (ولو سمعنا كلام الأقران بعضهم في بعض لاتّسع الخرق). انتهى من (ذاكرة سجين مكافح) (1\98). ولابن رجب بحث جيد في (جامع العلوم) في كلام الأقران لمن أراد أن يرجع إليه ففيه متعة وفائدة.(1/394)
فهذا مما لا يرتاب فيه محدث، وإنما اشتهي أن تُعَرّفني من هو الثقة (1) الثبت الذي ما غلط ولا انفرد بما لا يُتابع عليه؟ بل: الثقة الحافظ-إذا انفرد بأحاديث-كان أرفع له وأكمَل لرتبته، وأدل على اعتنائه بعلم الأثر وضبطه دون أقرانه لأشياء ما عرفوها، اللهم إلا أن يتبين غلطه ووهمه في الشيء فيُعرف ذلك.
فانظر إلى أصحاب رسول الله-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-الكبار والصغار (2)
__________
(1) -انظر: (معجم علوم الحديث النبوي) (ص:79\80\81\رقم:190\إلى:198).
(2) -قال الإمام البخاري في (صحيحه) (7\3-مع الفتح): (ومن صحب النبي - صلى الله عليه وسلم - أو: رآه من المسلمين فهو من أصحابه). وعزا الحافظ ابن حجر في (الفتح) (7\4) هذا القول إلى أحمد والجمهور من المحدثين، وعزاه أيضاً إلى شيخ البخاري علي بن المديني.
وذهب سعيد بن المسيب (كما نقل عنه الحافظ في "الفتح" "7\4" إلى أنه لا يعد في الصحابة إلا من أقام مع النبي - صلى الله عليه وسلم - سنة فصاعداً، أو: غزا معه غزوة فصاعداً.
وذهب عاصم الأحول إلى أن الصحابي من يكون صحب الصحبة العرفية فقال-(كما أخرجه أحمد "5\82" بسند صحيح عنه): قد رأى عبد الله بن سرجس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... وهذا القول مردود فقد أخرج مسلم وأصحاب السنن جملة أحاديث من طريق عاصم الأحول عن عبد الله بن سرجس وقبلها العلماء).
من هذه الأحاديث أحاديث ثلاثة أخرجها مسلم في (صحيحه) من طريق عاصم الأحول عن عبد الله بن سرجس، وهذه أرقامها: (712\و1343\و2346)، فمن كان هكذا كيف يتوقف في عده من الصحابة؟!!!!
ومنهم من اشترط طول الصحبة، واستدل لهم الحافظ ابن حجر-رحمه الله-بما عزاه إلى أنس-رضي الله عنه-وسئل هل بقي من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أحد غيرك؟ قال: لا. مع أنه كان في ذلك الوقت عدد كثير ممن لقيه من الأعراب.
قلت: وهذا القول مردود أيضاً بما أوردناه عن عبد الله بن سرجس، وبما يمكن به توجيه حديث أنس-رضي الله عنه-من أنه أجاب على حد علمه-قال الحدوشي: أو: ربما قصد أنه لم يبق أحد في بلده-
ومنهم من اشترط أن يكون الصحابي عند اجتماعه بالنبي - صلى الله عليه وسلم - بالغاً، وهو مردود لأن ذلك يخرج مثل الحسن والحسين وغيرهما من الصحابة.-للأسف يرى الإمام أحمد أن الحسنين من طبقة التابعين!!!!.
وقال النووي في (شرح مسلم) (5\391) في تعريف الصحابي: (وقد قدمنا أن الصحيح الذي عليه الجمهور أن كل مسلم رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - ولو ساعة فهو من أصحابه).
وقال الحافظ ابن حجر في (الإصابة) (1\10): (وأصح ما وقفت عليه من ذلك أن الصحابي من لقي النبي - صلى الله عليه وسلم - مؤمناً به ومات على الإسلام، قال: فيدخل فيمن لقيه من طالت مجالسته له أو: قصرت، ومن روى عنه أو: لم يرو، ومن غزا معه أو: لم يغز، ومن رآه رؤية ولو لم يجالسه، ومن لم يراه لعرض كالعمى، ويخرج بقيد الإيمان من لقيه كافراً ولو أسلم بعد ذلك إذا لم يجتمع به مرة أخرى.
وقولنا به يخرج من لقيه من مؤمني أهل الكتاب قبل البعثة، هل يدخل من لقيه منهم وآمن بأنه سيبعث أو: لا يدخل؟ محل احتمال، ومن هؤلاء بحيرا الراهب ونظراؤه ويدخل في قولنا: مؤمناً به كل مكلف من الجن والإنس فحينئذ يتعين ذكر من حفظ ذكره من الجن الذين آمنوا به بالشرط المذكور.
وأما إنكار ابن الأثير على أبي موسى تخريجه لبعض الجن الذين عرفوا في كتاب الصحابة فليس بمنكر لما ذكرته، وقد قال ابن حزم في كتاب الأقضية من "المحلى": من ادعى الإجماع فقد كذب على الأمة فإن الله تعالى قد أعلمنا أن نفراً من الجن آمنوا وسمعوا القرآن من النبي - صلى الله عليه وسلم - فهم صحابة فضلاء فمن أين للمدعي إجماع أولئك، وهذا الذي ذكره في مسألة الإجماع لا نوافقه عليه وإنما أرادت نقل كلامه في كونهم صحابة، وهل تدخل الملائكة؟ محل نظر.
وقد قال بعضهم: إن ذلك يبنى على أنه هل كان مبعوثاً إليهم أم لا؟ وقد نقل الإمام فخر الدين في "أسرار التنزيل"الإجماع على أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يكن مرسلاً إلى الملائكة ونوزع في هذا النقل، بل: رجح الشيخ تقي الدين السبكي أنه كان مرسلاً إليهم واحتج بأشياء يطول شرحها، وفي صحة بناء هذه المسألة على هذا الأصل نظر لا يخفى، وخرج بقولنا: ومات على الإسلام من لقيه مؤمناً به ثم ارتد ومات على ردته والعياذ بالله، وقد وجد من ذلك عدد يسير كعبيد الله بن جحش الذي كان زوج أم حبيبة فإنه أسلم معها وهاجر إلى الحبشة فتنصر هو ومات على نصرانيته، وكعبد الله بن خطل الذي قتل وهو متعلق بأستار الكعبة، وكربيعة بن أمية بن خلف.
قال: ويدخل فيه من ارتد وعاد إلى الإسلام قبل أن يموت سواء اجتمع به مرة أخرى أم لا، وهذا هو الصحيح المعتمد، والشق الأول لا خلاف في دخوله، وأبدى بعضهم في الشق الثاني احتمالاً وهو مردود لإطباق أهل الحديث على عدّ الأشعث بن قيس في الصحابة وعلى تخريج أحاديثه في الصحاح والمسانيد، وهو ممن ارتد ثم عاد إلى الإسلام في خلافة أبي بكر، وهذا التعريف مبني على الأصح المختار عند المحققين كالبخاري وشيخه أحمد بن حنبل ومن تبعهما.
وأورد الحافظ أقوالاً أخرى في تعريف الصحابي وحكم عليها بالشذوذ-رحمه الله). انظر: (الصحيح المسند من فضائل الصحابة) (ص:8\11) للشيخ مصطفى العدوي.(1/395)
ما فيهم أحد إلا وقد انفرد بسنة، أفيقال له: هذا الحديث لا يتابع عليه؟! وكذلك التابعون كلُّ واحد عنده ما ليس عند الآخر من العلم.
وما الغرض هذا، فإن هذا مقرر في علم الحديث على ما ينبغي، وإنّ تفرد الثقة المتقن يُعد صحيحاً غريباً، وإن تفرد الصدوق ومن دونه يُعد منكراً، وإن إكثار الراوي من الأحاديث التي لا يوافق عليها لفظاً أو: إسناداً يُصَيّره متروكَ الحديث.
ثم ما كل من فيه بدعة، أو: له هفوة، أو ذنوب يقدح فيه بما يوهن حديثه، ولا من شرط الثقة أن يكون معصوماً من الخطايا والخطأ..).
4-التنبيه الرابع: ما هو الدليل على جرح الرواة؟:
وجاء أيضاً في: (قناص الشوارد الغالية وإبراز الفرائد والفوائد الحديثية) (ص:28\35) ما نصه: (وإذا علمنا ما سبق فلا التفات إلى ما قاله بعض المعتزلة في يحيى بن معين-رحمه الله تعالى-حيث قال شاعرهم:
أرى الخيرَ في الدنيا يقلُّ كثيره * وينقص نقصاً والحديثُ يزيدُ
فلو كان خيراً كان كالخير كلِّه * ولكنَّ شيطان الحديث مَريدُ
ولابن معين في الرجال مقالة * سَيُسأل عنها والمليك شهيد
فإن كان حقاً فالمقالة غيبة * وإن كان كِذْباً فالعذاب شديد
ورد ابن معين على هذا المعتزلي الخبيث قائلاً: (لأن يكونوا خصمائي خير من أن يكون خصمي رسول الله-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-بتركي الذب عن سنته، أو: كما قال).
وفي رواية عن يحيى بن سعيد القطان أنه قال-حين قال له أبو بكر بن خلاد: أما تخشى أن يكون هؤلاء الذين تركت حديثهم خصماءَك عند الله يوم القيامة؟-: (لأن يكونوا خصمائي أحب إليَّ من أن يكون خصمي رسول الله-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-يقول لي: لِمَ لَمْ تَذب الكذب عن حديثي) (1) .
وقد رد على هذا الشاعر المعتزلي وأمثاله من المبتدعة الإمام عبد السلام الإشبيلي فقال:
ولابن معينٍ في الذي قال أسوةٌ * ورأيٌ مصيبٌ للصواب سديدُ
__________
(1) -انظر: (شرح ألفية الحديث) للعراقي (ص:463\464).(1/396)
وأحرى به يُعْلِي الإلهُ مَحلَّهُ * ويُنزله في الخُلد حيث يُرِيدُ
يُناضل عن قول النبيِّ وصحبه * ويطردُ عن أحواضه ويذودُ
وجِلةُ أهل العلم قالوا بقيلِهِ * وما هو في شيء أتاه فريدُ
ولو لم يقم أهل الحديث بديننا * فمن كان يروي علمَه ويُفيدُ
هم ورثوا علمَ النبوة واحتووا * من الفضل ما عنه الأنامُ رقودُ
هم كمصابيح الدُّجى يُهتدى بهم * ونارُهم بعد الممات وقودُ
عليك يا ابن غياث لزومَ سبيلهم * فحالهم عند الإله حميدُ (1)
قال محقق (معرفة علوم الحديث وكمية أجناسه) للحاكم (ص:263) في (النوع العشرين من علوم الحديث): (في خصوصية المصنف يحيى بن معين بصاحب الجرح والتعديل نظراً لاشتهاره به، فهو رمز هذا الفن، ومَلِكه المتوج، حتى إن منتقد هذا الفن ليخصه بالذم من دون سائر النقاد، ويجعله عرضاً لسهامه، وغاية لملامه، كقول أبي حيان التوحيدي المتفلسف:
ويحيى وما يحيى وما ذو رواية
و ما إن ليحيى ذكر علم به يحيا
سوى ثلب أقوام مضوا لسبيلهم
سيُسأل عنهم حين يسأل عن أشيا
إلى غير ذلك مما يمل إيراده، ويقل مفاده (2) ...
__________
(1) -انظر: (بستان المحدثين) (ص:100\102) للإمام الدهلوي.
(2) -انظر: (الإعلان بالتوبيخ لمن ذم التاريخ) (ص:105) للسخاوي. والنسخة التي عندي داخل السجن بتحقيق: محمد عثمان الخُشت (ص:75). وهذا نصه: (وقال الأستاذ أبو حيان، مما لم يأت فيه ببرهان، في الناقد المتين، يحيى بن معين.-ثم ذكر البيتين-فقال: إلى غير هذا مما يمل إيراده، ويقل مفاده، مما لم يعتمد أحد على شيء منه قديماً ولا حديثاً.
وربما قال المؤيد للحق: (إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث) والحق أحق أن يتبع، والدق لرأس المبطل أوفق إن لم يقطع-يقطعه ولي الأمر، أو: من ينوب عنه لا غير-والإجماع منعقد على الاعتناء بهذا الفن، والانثناء عمن في أئمته طعن).
وقال محقق (الإعلان) (ص:75) عند قوله: (إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث): (تشبيه لطيف جداً المراد منه القياس على الحكم النبوي في أن الماء إذا بلغ قلتين لم يحمل خبثاً، فعلم التاريخ لم ينتقده إلا قلة قليلة، في حين أن العارفين لقيمته هم الأكثرية والأغلبية إلى الحد الذي يسقط معه انتقاد النقادين).(1/397)
ولي في الرد على هذا الطاعن، والذب عن أبي زكرياء:
ويحيى وما يحيى وقد كان عالماً
ستُحشر يوم الدين آراؤه ريا
ومن قال بالتضليل ما ذو رواية
فقد قال إفكاً نبعه غيَّا
فيحيى إمام ذب عن دين أحمد
مقولة غالٍ فيه أو: منقصٌ شيا
ولولا قوله قد كان ذا ضعف
لمن كان ذا ضعف وتثبيته أشيا
لما عرف المقبول من دين أحمد
وما عرف المردود واحتارت الأحيا).
وجاء في (العلم الشامخ في إيثار الحق على الآباء والمشايخ) (1) للإمام العلامة المحقق المطلع النحرير صالح بن مهدي بن علي المَقبلي (ص388-تحت عنوان: (الجرح والتعديل غير غيبة) (2)
__________
(1) -قال الشيخ الألباني في حاشية (رفع الأستار) (ص:141) عن (العلم الشامخ في إيثار الحق على الآباء والمشايخ): (كتاب عظيم فيه بحوث هامة في علوم الكلام والعقيدة... ومؤلفه عالم فاضل محقق، من زيودية اليمن المتحررين أمثال المؤلف: الصنعاني والشوكاني رحمهم الله تعالى).
(2) -والكتاب نفيس كما قال شيخ شيخنا الألباني-لولا ما فيه من الهنات وهي كثيرة: من ذلك: استدلاله بالأحاديث الضعيفة وهي كثيرة، وانتقاده لأحمد، وابن معين، وابن المديني، والذهبي بأسلوب جارح وشديد في ردهم روايات بعض المبتدعة، وقبول رواية بعضهم-والمسألة قابلة للأخذ والرد-وشكه في عدالة الصحابة كما هي عادة الشيعة، وإضافة مذهب الزيدية إلى نفسه بعد أن تبرأ منه، وأنه يقول بقول المعتزلة والأشاعرة في بعض مسائل القدر، وأنه ينسب بعض الكتب لغير أصحابها كما قال في: (ص:29): (وأما من الناظرين في الكلام فلم أظفر بالتصريح بهذه المقالة إلا لابن تيمية في كتاب سماه (مفتاح دار السعادة). مع أن الكتاب والقول ليس لابن تيمية بل: هو لتلميذه العلامة ابن القيم، وذكر في (الأرواح...) (ص:576) تحت عنوان: (نكتة نفي كونه تعالى ظلاماً) ما لفظه: (ولقد كنت مستشكلاً للمبالغة في نحو قوله: (وما ربك بظلام للعبيد).
إذ ظاهر الأمر أن نفي المبالغة لا يستلزم نفي أصل الفعل بل: ربما يشعر بثبوته ولو في بعض المقامات، وأيضاً: نفي أصل الفعل أظهر في المدح، وعليه (أن الله لا يظلم مثقال ذرة). ويناظره باعتبار (لا تأخذه سنة ولا نوم)، حيث قدم السنة مثل: (لا يغادر صغيرة ولا كبيرة) ولم يقنعنِ قولهم إنه مبالغة في النفي لا في المنفي لأن ذلك منهم مجرد دعوى لمعنىً صحيح بل: دليل عليه، وسألت من لقيت وغاية فاضلنا أن يفهم ما قاله مولانا سعد الدين وأضرابه فرأيت بعد حين لبعض المتأخرين كلاماً معناه: أن صفات الباري لا تكون إلا في غاية الكمال فلو اتصف بماهية الظلم تعالى عن ذلك لما كان إلا القدر الذي يعبر عنه بصيغة المبالغة في النفي على ذلك. ونعم ما قال، وتبقى المبالغة على ظاهرها في المنفي ثم ظهر لي وجه أحسن من ذلك وهو أن قبح القبيح من الله تعالى أعظم منه من خلقه فناسب أن يعبر عنه بالمبالغة تنبيهاً على ذلك أي:لو وقع منه تعالى لكان حقيقاً أن يعبر عنه بلفظ المبالغة). الى آخر ما قال.
مع أن هذا الأسلوب ليس للمبالغة بل: هو أسلوب النسبة. قال تعالى: (وما ربك بظلام) أي بمنسوب للظُّلم قال ابن مالك:
(ومع فاعلٍ وفَعَّلٍ فَعِلَ في نَسَبٍ أغنى عن اليا فقُبِلْ)
ومآخذ أخرى جاءت من رواسب نشأته البدعية، وهو مأجور لأنه لم يقصد بكلامه البدعة بل: أراد الحق والدفاع عنه، فخانه الصواب في بعض الأشياء. والله أعلم). أفادته تلميذة وحرم المؤلف أم الفضل.(1/398)
-ويشبه كلام ابن معين-قول يحيى بن سعيد حين قيل له: (أما تخشى أن يكون هؤلاء الذين تركت حديثهم خصماءك عند الله؟ قال: ذاك أحب إلي من أن يكون رسول الله-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-يقول لي: لِمَ حدثت عني بحديث ترى أنه كذب؟). قلت: ليس هذا من الغيبة، إن كانت النية خالصة لله في نصيحة المسلمين وفي هذا المعنى أحاديث كثيرة.
1-ومن ذلك ما احتج به البخاري على غيبة أهل الفساد والرَّيْب بقوله-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-في عيينة بن حصن لما استأذن عليه: (بئس أخو العشيرة) (1) .
وفي رواية: أن رجلاً استأذن على النبي-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-، فقال: "ائذنوا له، فلبئس ابن العشيرة" أو: "بئس رجل العشيرة "، فلما دخل عليه ألان له القول، قالت عائشة: فقلت: يا رسول الله، قلت له الذي قلت، ثم ألنت له القول؟ قال: "يا عائشة، إن شر الناس منزلة عند الله يوم القيامة: من ودعه-أو: تركه-الناس اتقاء فحشه" (2) .
__________
(1) -رواه البخاري رقم:6032/ ومسلم في البر والصلة:73).
(2) -أخرجه البخاري في (صحيحه) كتاب الأدب: باب: لم يكن النبي-صلى الله عليه وعلى آله وصحبح وسلم-فاحشاً ولا متفحشاً، (رقم: 5685 ،5707 ، 5780) ومُسلم في (صحيحه) كتاب البر والصلة والآداب: باب: مداراة من يتقى فحشه، (رقم:2591 ) من طريق مُحمد بن المنكدر، عن عروة بن الزبير، عن عائشة به.(1/399)
وقال أبو عبد الله الحسين بن إبراهيم بن الحسين الهمذاني الجوزقاني في (الأباطيل والمناكير): (وفيه الدلالة على أن الأخبار عما في الرجل على الديانة ليس من الغيبة) (1) . قال الخطيب: " ففي قول النبي-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-: "بئس رجل العشيرة" دليل على أن إخبار المخبر بما يكون في الرجل من العيب على ما يوجب العلم والدين من النصيحة للسائل ليس بغيبة، إذا لو كان ذلك غيبة لما أطلقه النبي-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-، وإنما أراد عليه الصلاة والسلام بما ذكر فيه والله أعلم أن بئس للناس الحالة المذمومة منه، وهي الفحش فيجتنبوها، لا أنه أراد الطعن عليه والثلب له، وكذلك أئمتنا في العلم بهذه الصناعة؛ إنما أطلقوا الجرح فيمن ليس بعدل لئلا يتغطى أمره على من لا يخبره، فيظنه من أهل العدالة فيحتج بخبره، والإخبار عن حقيقة الأمر إذا كان على الوجه الذي ذكرناه لا يكون غيبة" (2) . قال: "وأما الغيبة التي نهى الله تعالى عنها فهي ذكر الرجل عيوب أخيه يقصد بها الوضع منه والتنقيص له والإزراء به، فيما لا يعود إلى حكم النصيحة وإيجاب الديانة، من التحذير عن ائتمان الخائن، وقبول خبر الفاسق، واستماع شهادة الكاذب" (3) .
__________
(1) -انظر: (الأباطيل والمناكير والصحاح والمشاهير) (ص:21).
(2) -انظر: (الكفاية) (ص:83\84).
(3) -انظر: (الكفاية) (ص:85).(1/400)
قال مسلم بن الحجاج-رحمه الله تعالى- يصف صنيع نقاد المحدثين: في (مقدمة صحيحه): "و إنما ألزموا أنفسهم الكشف عن معايب رواة الحديث وناقلي الأخبار، وأفتوا بذلك حين سئلوا، لما فيه من عظيم الخطر، إذ الأخبار في أمر الدين إنما تأتي بتحليل أو: تحريم أو: أمر أو: نهي أو: ترغيب أو: ترهيب، فإذا كان الراوي لها ليس بمعدن للصدق والأمانة، ثم أقدم على الرواية عنه من قد عرفه، ولم يبين ما فيه لغيره ممن جهل معرفته كان آثماً بفعله ذلك، غاشاً لعوام المسلمين، إذ لا يؤمن على بعض من سمع تلك الأخبار أن يستعملها أو: يستعمل بعضها، ولعلها أو: أكثرها أكاذيب لا أصل لها، مع أن الأخبار الصحاح من رواية الثقات وأهل القناعة أكثر من أن يضطر إلى نقل من ليس بثقة ولا مقنع" (1) .
قال شيخنا المحدث محمد الأثيوبي في (ألفية علل الحديث-المسماة: شافية الغلل بمهمات علم العلل) في المسألة الرابعة: (في بيان أن الكلام في الجرح والتعديل جائز بإجماع السلف-رضي الله تعالى عنهم):
أجمعَ أهل العلم والتفصيل (2) *على جواز الجرح والتعديل
إذ فيه تمييز لما قد يُقبل * مِن ضده مِن الحديث فاقبَلوا
وعابَهم بعضٌ من الجهلَةِ * وقال إنَّ ذا صريح الغيبةِ
وذا لجهله فليس منه ذا * فشاهدُ الزور بجَرحٍ نُبِذَا
بلاخلافٍ وهْوَ قد يَختصُّ * فكيف ما يَعُمُّ يا مُختَصُّ (3)
__________
(1) -انظر: (مقدمة: صحيح مُسلم) (1/28).
(2) -بالصاد المهملة، أي: تبيين الأحكام الشرعية. انظر: (مزيل الخلل عن أبيات شافية الغلل) (ص:36\رقم:280) في المسألة الرابعة: (في بيان أن الكلام في الجرح والتعديل جائز بإجماع السلف-رضي الله تعالى عنهم).
(3) -يعني: أن ما جرح به شاهد الزور في حق بعض الناس، فكيف بحقوق جميع الناس؟. انظر: (مزيل الخلل عن أبيات شافية الغلل) (ص:36\رقم:284) في المسألة الرابعة: (في بيان أن الكلام في الجرح والتعديل جائز بإجماع السلف-رضي الله تعالى عنهم).(1/401)
إذ الحديث يأتي للتحليل *و نحوِه من شرعنا الجميلِ
وذلك الشرعُ يكون دائمَا * على المكلَّفين حُكماً لازِمَا
لذا يكون الاحتياطُ أوجبا *من غيره فاسلُكْ طريقَ النُّجَبَا
فأنت لو أقرضت شخصاً عَشَرَهْ*وبعد فَترةٍ مضتْ قد أنكرهْ
لاحتجْتَ للعدول في استحقاقِ * فكيف بالدين الحنيف الباقي
والأصل فيه قوله: "تَبَيَّنُوا"*في نبإ الفاسق أمرٌ بَيِّنُ (1)
قال النبي قادحاً لِذي أَذَى*"بئس أخوالعشيرة"صاحبُ البَذَا (2)
و"نِعْمَ عبدُ الله" قال مادحا (3) * كذا لفاطمة قال ناصحا
__________
(1) -أي: قوله تعالى: (إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا) (الحجرات:6). أمر واضح في مشروعية جرح المجرح. انظر: (مزيل الخلل عن أبيات شافية الغلل) (ص:37\رقم:289) في المسألة الرابعة: (في بيان أن الكلام في الجرح والتعديل جائز بإجماع السلف-رضي الله تعالى عنهم).
(2) -"البَذَا" بالفتح والمد، وقُصر هنا للوزن، أي: صاحب الفحش، قال-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-لما استأذن رجل: "ائذنوا له، بئس أخو العشيرة، أو: ابن العشيرة". وهو دليل مشروعية الجرح. انظر: (مزيل الخلل عن أبيات شافية الغلل) (ص:37\رقم:289) في المسألة الرابعة: (في بيان أن الكلام في الجرح والتعديل جائز بإجماع السلف-رضي الله تعالى عنهم).
(3) -أي: قال-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-: مدحاً لعبد الله بن عمر-رضي الله عنهما-: "نِعم الرجلُ عبدُ الله". رواه البخاري، وهو دليل مجروحية التعديل. انظر: (مزيل الخلل عن أبيات شافية الغلل) (ص:37\رقم:292) في المسألة الرابعة: (في بيان أن الكلام في الجرح والتعديل جائز بإجماع السلف-رضي الله تعالى عنهم).(1/402)
"أما معاويةُ لا مالَ له" * "لا يضَعُ العَصا" لثانٍ قالهُ (1)
كذا استشار حِبَّه أُسامهْ * مع أبي الحَسَنِ ذي الكَرَامَهْ
لمَّا ذَوُو الإفك أثَاوا الفِتَنَا * يُفارقُ الأهلَ فجاءه الهَنَا (2)
أما كلامُ السلف الأئمةِ * حَدِّثْ عن البحر بلا مشَقَّةِ (3)
__________
(1) -أي: قال لفاطمة بنت قيس-رضي الله عنها-لما أخبرته بأنه تقدم إليها معاوية بن أبي سفيان وأبو جهم، وأسامة بن زيد-رضي الله عنهم-، فقال لها: "أما معاوية فصعلوك لا مال له، وأما أبو جهم فلا يضع العصا، أنكحي أسامة". انظر: (مزيل الخلل عن أبيات شافية الغلل) (ص:37\رقم:293) في المسألة الرابعة: (في بيان أن الكلام في الجرح والتعديل جائز بإجماع السلف-رضي الله تعالى عنهم).
(2) -يعني أنه-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-استشار أسامة بن زيد، وعلي بن أبي طالب-رضي الله عنهما-في فِراق أهله عائشة المبرأة-رضي الله عنها-لما أثار أهل النفاق الفتنة فجاءه الهناء، أي: البشارة من السماء ببراءة أهله. انظر: (مزيل الخلل عن أبيات شافية الغلل) (ص:37\رقم:295) في المسألة الرابعة: (في بيان أن الكلام في الجرح والتعديل جائز بإجماع السلف-رضي الله تعالى عنهم).
(3) -أي: أما كلام أئمة السلف في الجرح والتعديل، فحدث عن البحر ولا حرج، أي: تكلم عنه بتوسع، ولا مشقة عليه فيه، لكثرة ما نقل عنهم. انظر: (مزيل الخلل عن أبيات شافية الغلل) (ص:37\رقم:296) في المسألة الرابعة: (في بيان أن الكلام في الجرح والتعديل جائز بإجماع السلف-رضي الله تعالى عنهم).(1/403)
طاوُسُهُمْ وحَسَنٌ تَكَلَّمَا * في الجُهَنِيِّ مَعْبَدٍ (1) إذْ أجْرَمَا
وابن جُبيرٍ قال في طلقٍ (2) كذا * في الحارث (3) الأعور بئسما ابتَذَا
تكلم الشعبيُّ ثم النّخَعي * كذاك مَن بعدَهُمُ فاستمِعِ
أيوبُ والتيميُّ والثوريُّ * و مالكٌ كذاك الأوزاعيُّ
__________
(1) -قوله: "معبد" بالجر بدل من الجهني، وهو معبد بن خالد الجهني القدري، ويقال: إنه ابن عبد الله بن عكيم، ويقال: اسم جده عُويم، صدوق مبتدع، أول من أظهر القدر بالبصرة، قُتل سنة (80 هـ)، قال فيه الحسن البصري: إياكم ومعبداً الجهني، فإنه ضال مضل. وقول الناظم: (أجرم). أي: أذنب بهذه البدعة. انظر: (مزيل الخلل عن أبيات شافية الغلل) (ص:37\رقم:297) في المسألة الرابعة: (في بيان أن الكلام في الجرح والتعديل جائز بإجماع السلف-رضي الله تعالى عنهم).
(2) -"طلق": هو ابن حبيب العَنَزي البصري، صدوق رمي بالإرجاء (بعد 90 هـ). قال أيوب السختياني: رآني سعيد بن جبير معه، فقال: لا تجالسه. انظر: (مزيل الخلل عن أبيات شافية الغلل) (ص:38\رقم:298) في المسألة الرابعة: (في بيان أن الكلام في الجرح والتعديل جائز بإجماع السلف-رضي الله تعالى عنهم).
(3) -متعلق بتكلم الآتي، أي: تكلم الشعبي، وبعده إبراهيم النخعي، في الحارث بن عبد الله الأعور الكوفي، المتوفى في خلافة ابن الزبير. قال الشعبي: حدثني الحارث، وكان كذاباً. وقال إبراهيم: إن الحارث اتُّهم. وقول الناظم: "بئسما ابتذى"، أي: بئسما أفحش فيما ابتدعه. انظر: (مزيل الخلل عن أبيات شافية الغلل) (ص:38\رقم:298) في المسألة الرابعة: (في بيان أن الكلام في الجرح والتعديل جائز بإجماع السلف-رضي الله تعالى عنهم).(1/404)
وابن المباركِ ونجلُ عونِ (1) *وابن عُيينة حَليفو الزينِ (2)
و نجل مهديٍّ كذا وكيعُ * وكلُّ مَن مَقامُه رفيعُ
أما إمام القوم شعبة فقد * أتى لِذَبِّهِ بقولٍ يُعتمَدْ
فقال للقوم: تعالوا حتى * نغتاب في الله دفاعاً بَحتَا (3)
لقد أجاد قولَه القطانُ أن *خُوِّف بالخصم غداً وقتَ المِحَنْ (4)
لأن يكون خصمائيَ غدَا * أحبُّ من خصم النبيِّ المُقتَدَى
إذ لم أذُبَّ عن حديثه الكذب*فاسلُكْ سبيلَه لدى الذب تُصِبْ
وكلهم قد قصدوا النصيحهْ * لا حُبَّ غِيبةٍ ولا الفضيحهْ
وإنما مُرادُهمْ أن يُعرَفا *مَن ليس من أهل حديثِ المصطفى
فإنّ مَن جُرِح بعضُهم غدا * مبتدعاً يدعو فبئسما اعتدى
__________
(1) -"ونجل عون" هو: عبد الله بن عون بن أرطبان البصري الثقة الثبت (150 هـ). انظر: (مزيل الخلل عن أبيات شافية الغلل) (ص:38\رقم:301) في المسألة الرابعة: (في بيان أن الكلام في الجرح والتعديل جائز بإجماع السلف-رضي الله تعالى عنهم).
(2) -أي: هؤلاء الأئمة المتكلمون في المجروحين ملازمو الطريق الحسن. انظر: (مزيل الخلل عن أبيات شافية الغلل) (ص:38\رقم:301) في المسألة الرابعة: (في بيان أن الكلام في الجرح والتعديل جائز بإجماع السلف-رضي الله تعالى عنهم).
(3) -أي: دفاعاً عن السنة خالصاً عن حظ النفس والتفكه بأعراض الناس. انظر: (مزيل الخلل عن أبيات شافية الغلل) (ص:38\رقم:304) في المسألة الرابعة: (في بيان أن الكلام في الجرح والتعديل جائز بإجماع السلف-رضي الله تعالى عنهم).
(4) -أي: قال يحيى القطان لما خوفوه بكون الذين يتكلم فيهم خصماءه عند الله يوم القيامة: لأن يكونوا خصمائي أحب إلي من أن يكون خصمي رسول الله-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-إذ لم أذب عنه الكذب. انظر: (مزيل الخلل عن أبيات شافية الغلل) (ص:38\رقم:305) في المسألة الرابعة: (في بيان أن الكلام في الجرح والتعديل جائز بإجماع السلف-رضي الله تعالى عنهم).(1/405)
و بعضهم متهَمٌ في الخبر * و بعضهم صاحبَ غفلةٍ دُرِي
أو: كثرة الخطإ في الروايةِ * و غيرِ ذلك من الغَوايةِ (1)
لذا رأوا أن يَكشفوا أحوالهم * شَفقَةً للدين فاعرفْ فضلَهم (2)
وقد ذكر العلماء الأسباب المبيحة والمرخصة لفضح وهتك عرض أشخاص معدودين ومعينين لمصلحة شرعية قوية، وغرض شرعي صحيح مثل:
1-التظلم إلى السلطان، إذا كان لا يمكنه استيفاء حقه إلا بذلك...
2-والاستعانة على تغيير المنكر، ورد العاصي إلى منهج الصلاح...
3-الاستفتاء: بأن يقول للمفتي: ظلمني فلان، وأخذ مالي فلان، فكيف الخلاص من ظلمه؟ وإن كان الأسلم التعريض بدل التصريح، بأن يقول: "ما قولك في رجل ظلمه أبوه، أو: أخوه، أو: عمه، أو: صديقه ونحو هذا".
4-التحذير: تحذير المسلم من الشر، فمثَلاً إذا رأيت طالب علم يتردد إلى مبتدع وخفت أن تتعدى إليه بدعته، فلك أن تحذره منه وتكشف له بدعته بصدق وإخلاص، واحذر أن يكون باعثك على ذلك الحسد والكره...
5-التعريف بالشخص بما يكره، مثل أن تقول: حدثني الأعرج، أو: الأعمش، أو: الأعمى، أو: الأحدب وما يجري مجراه تفعل ذلك لضرورة التعريف به لا غير، وإن أمكنك التعريف بعبارة أخرى كان أولى وأفضل وأسلم وأحسن لك في الدنيا والآخرة، أما إن زاد على ما هو مشهور به من النقص كان ظالماً ومغتاباً-سبحان الله وأينا يسلم من هذا!! غفرانك ربنا وإليك المصير-.
__________
(1) -الغواية: بالفتح ضد الرشاد. انظر: (مزيل الخلل عن أبيات شافية الغلل) (ص:39\رقم:312) في المسألة الرابعة: (في بيان أن الكلام في الجرح والتعديل جائز بإجماع السلف-رضي الله تعالى عنهم).
(2) - انظر: (مزيل الخلل عن أبيات شافية الغلل) (ص:36\39\رقم:280\314) في المسألة الرابعة: (في بيان أن الكلام في الجرح والتعديل جائز بإجماع السلف-رضي الله تعالى عنهم).(1/406)
6-فضح وهتك ستر المجاهر بالمعصية، والإعلان والتباهي بفسقه، وستر المستتر بفسقه-فإن حرمته تراعى وتُستَر، ولا سيما إن كان من أهل الصلاح وابتُلي بشيء من القاذورات...
وقد نظم بعضهم هذه الأسباب في بيتين فقال:
القدح ليس بغيبة في ستة * متظلم ومعرف ومحذر
ومجاهر فسقاً ومستفت و من * طلب الإعانة في إزالة منكر (1)
وقال الترمذي-رحمه الله تعالى-: "وقد عاب بعض من لا يفهم على أهل الحديث (2)
__________
(1) -ولكل سبب من هذه الأسباب الستة-وغيرها-دليل خاص في السن ة الصحيحة كما بينت ذلك بتفصيل أكثر في رسالة بعنوان: (متى تباح الغيبة؟!) (ص:46).
(2) -قال شيخ الإسلام في (مجموع الفتاوى) (4\95): (ونحن لا نعني بأهل الحديث المقتصرين على سماعه، أو: كتابته، أو: روايته، بل: نعني بهم: كلَّ من كان أحقَّ بحفظه، ومعرفته، وفهمه ظاهراً وباطناً، واتباعه باطناً وظاهراً).
وقد فصل القول في التعريف بهم في (3\347) من (مجموع الفتاوى) فقال: (وبهذا يتبين أن أحق الناس بأن تكون هي الفرقة الناجية: أهل الحديث والسنة الذين ليس لهم متبوع يتعصبون له إلا رسول الله-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-وهم أعلم الناس بأقواله وأحواله، وأعظمهم تمييزاً بين صحيحها وسقيمها، وأئمتهم فقهاء فيها، وأهل معرفة بمعانيها، واتباعاً لها: تصديقاً وعملاً وحباً، وموالاة لمن والاها، ومعاداة لمن عاداها.
الذين يردون المقالات المجملة إلى ما جاء به من الكتاب والحكمة، فلا ينصبون مقالة ويجعلونها من أصول دينهم وجُمَلِ كلامهم إن لم تكن ثابتة فيما جاء به الرسول-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-، بل: يجعلون ما بُعث به الرسول-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-من الكتاب والحكمة هو الأصل الذي يعتقدونه ويعتمدونه.
وما تنازع فيه الناس من مسائل الصفات، والقدر، والوعيد، والأسماء، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وغير ذلك يردونه إلى الله ورسوله. ويفسرون الألفاظ المجملة التي تنازع فيها أهل التفرق والاختلاف، فما كان من معانيها موافقاً للكتاب والسنة أثبتوه، وما كان منها مخالفاً للكتاب والسنة أبطلوه. ولا يتبعون الظن وما تهوى الأنفس؛ فإن اتباع الظن جهل، واتباع هوى النفس بغير هدىً من الله ظلم).(1/407)
الكلام في الرجال،
وقد وجدنا (1) غير واحد من الأئمة من التابعين قد تكلموا في الرجال، منهم الحسن (2) البصري-رحمه الله تعالى- (3)
__________
(1) -انظر: مذاهب العلماء في سماع الحسن من سمرة جمعها حمدي السلفي في هامش: (المعجم الكبير) للطبراني (7/193)، والذهبي في: (السير) (3/183/184/ و4/567/587)، والعقيلي في: (الضعفاء) (2/16)، والألباني في: (التعليقات الرضية) (1/412)، وحاشية: (العلل) (ص:91/92/ وما بعدها) لابن المديني، تحقيق: حسام محمد، وقد ذكرت معظمها في: (ذاكرة سجين مكافح) (1\29\45).
(2) -قال المحدث الألباني في تخريج كتاب (السنة) لابن أبي عاصم (1/176) عن تدليس الحسن البصري: (وإنما يخشى من تدليسه إذا عنعن عن الصحابة، وأما إذا عنعن عن أقرانه من التابعين... فما علمت أنهم يخشون هذه العنعنة. والله أعلم).
وقال الأرناؤوط وعواد في (تحرير التقريب) (1\270\271\رقم:1227): (ينبغي التنبه أن تدليس الحسن قادح إذا كان عن صحابي، أما إذا كان عن تابعي فلا، ولا بد من هذا القيد).
(3) -انظر: (تهذيب الكمال) (6\95\126)، و(تهذيبه) (2\263\270)، و(تاريخ الإسلام) (4\98)، و(السير) (4\563)، و(تذكرة الحفاظ) (1\71)، و(تحرير التقريب) (1\270\271\رقم:1227)، و(النكت على تقريب التهذيب) (ص:70\71\رقم:66) لفضيلة شيخنا العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز.
انظر أقوال أهل العلم في سماع الحسن من سمر-مطلقاً-في: (التاريخ الأوسط) (1\395) للبخاري، و(المراسيل) لابن أبي حاتم (ص:32)، و(سنن الدارقطني) (2\135)، و(المحلى) (9\103\172)، و(السنن الكبرى) للبيهقي (8\35)، و(جامع التحصيل) (ص:198)، و(نصب الراية) (1\89\90)، و(تحفة التحصيل) (ص:76)، و(المعجم الكبير) (7\193\196\هامش رقم:1)، و(النكت على تقريب التهذيب) (ص:71\رقم:66) لفضيلة شيخنا ابن باز.
وقد جزم بسماع الحسن من سمرة-رضي الله عنه-مطلقاً:
1-ابن المديني،
2-وأبو داود،
3-والحاكم،
4-وهو ظاهر صنيع الترمذي في (جامعه).
انظر: هامش: (المعجم الكبير) للطبراني (7/193)، والذهبي في: (السير) (3/183/184/ و4/567/587)، والعقيلي في: (الضعفاء) (2/16)، والألباني في: (التعليقات الرضية) (1/412)، وحاشية: (العلل) (ص:91/92/ وما بعدها) لابن المديني، تحقيق: حسام محمد، وقد ذكرت معظمها في: (ذاكرة سجين مكافح) (1\29\45)، و(قناص الشوارد الغالية...) (ص:198\وما بعدها\رقم:63).
ومما جاء في (قناص الشوارد الغالية...) (ص:198\رقم:63) بعد كلام طويل حول تصحيح وتحسين الترمذي قلت: (ومنه-أي: الترمذي-ما قال تحت حديث الحسن عن سمرة-رضي الله عنه-في الشفعة: قال الترمذي: (حسن صحيح). هذا آخر كلامه.
وقد تقدم اختلاف الأئمة في سماع الحسن من سمرة والأكثر على أنه لم يسمع منه إلا حديث العقيقة. اهـ.
يقول المأسور عمر الحدوشي: وقد جمعت جزءاً صغيراً في سماع الحسن من سمرة وما قيل في ذلك من التفصيل بالسجن المركزي لا تطاله يدي الآن بالسجن المحلي بتطوان مكان حبسي-قلت: وقد حسن الترمذي وصحح حديث الحسن عن سمرة في غير ما موضع، ومنها:
1-حديث في الصلاة الوسطى.
2-وحديث في السكتتين.
3-وحديث في غسل يوم الجمعة.
4-وحديث: (نهى عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة).
5-وحديث: (جار الدار أحق بدار الجار).
6-وحديث:(لا تلاعنوا بلعنة الله ولا بغضب الله ولا بالنار).
فأكثر المحدثين لم يقبلوا تصحيحه في تلك الأحاديث.)
وجزم بعضهم بأنه لم يسمع منه مطلقاً وقال بهذا القول:
1-شعبة،
2-وابن معين،
3-ويحيى القطان،
4-وابن حبان،
5-والبرديجي،
6-وقول لابن حزم.
والقول الثالث: أنه سمع منه حديث العقيقة فقط، وقال بذلك:
1-البخاري،
2-والنسائي،
3-وإليه ميل الدارقطني،
4-واختاره عبد الغني بن سعيد المصري،
5-وعبد الحق الإشبيلي،
6-والبزار،
7-والبيهقي،
8-وابن عساكر، وغيرهم.
ودليلهم ما أخرجه البخاري في (صحيحه) وغيره من طريق حبيب الشهيد أنه قال: (أمرني ابن سيرين أن أسأل الحسن ممن سمع حديث العقيقة فسألته؟ فقال: من سمرة بن جندب).
ووقع في النسائي (6\168\رقم:3461) بإسناد جيد من طريق أيوب، عن الحسن: أنه سمع من أبي هريرة حديث المختلعات فقط.-يعني حديث: (المنتزعات والمختلعات هن المنافقات). وقال الحسن: لم أسمعه من غير أبي هريرة. وقال النسائي: (الحسن لم يسمع من أبي هريرة شيئاً)، وهو عند أحمد (15\209\رقم:9358).
وصرح بعضهم بأن ما ورد من الأسانيد التي فيها التصريح بسماعه منه فهي خطأ، وقد أطال في الاستدلال بهذه الأحاديث لإثبات سماعه منه أحمد شاكر في تعليقه على (المسند) (12\107\122\رقم:7138)، انظر للزيادة: (طبقات ابن سعد) (7\158)، و(المراسيل) (ص:34\36)، و(الجرح والتعديل) (3\41)، و(المجروحين) (1\342)، و(جامع التحصيل) (ص:196\197)، و(تحفة التحصيل) (ص:69\70).
وقد جزم بعدم سماع الحسن من أبي هريرة-رضي الله عنه:
1-أيوب السختياني،
2-وعلي بن جدعان،
3-وبهز بن أسد وهو من أصحاب الحسن،
4-ويونس بن عبيد،
5-وأبو زرعة،
6-وأبو حاتم،
7-والإمام أحمد،
8-وابن المديني،
9-وابن معين،
10-والبزار-رحمهم الله جميعاً.(1/408)
وطاوُس تكلما في معبد الجهني (1) ،
وتكلم سعيد بن جبير في طلق بن حبيب (2) ، وتكلم إبراهيم النخعي (3)
__________
(1) -أما أثرُ الحسن، فأخرجه الترمذي في "العلل الصغير" (6/248) وعبد الله بن أحمد في " السنة " (رقم:849) والآجري في: "الشريعة" (رقم:592\599) وابن عدي في "الكامل" (1/131) من طريق مَرحوم بن عبد العزيز العطار ، قال: سمعت أبي وعمِّي يقولان: سَمعنا الحسن وهو ينهى عن مجالسة مَعبد الجهني ، يقول: "لا تُجالسوه ؛ فإنه ضال مُضل" . وأخرجه العقيلي في "الضعفاء الكبير" (4/218) بإسناد آخر عن الحسن، وهو جيد .
وأما أثر طاوُس ، فأخرجه الفريابي في "القدر" (رقم:266)، وعبد الله بن أحمد في "السنة" (رقم:847)، والآجري في: "الشريعة" (رقم:590)، واللالكائي في: "السنة" (رقم:1273) من طريق سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، قال: قال لنا طاوس: "أخروا معْبد الجهني؛ فإنه قدري" .
(2) -أخرجه البخاري في "التاريخ الكبير" (2/2/359)، و"الأوسط" (1/369)، وابن سعد في "الطبقات" (7/228)، وعبد الله ابن الإمام أحمد في "السنة" (رقم:303) من طريق حمَّاد بن زيد، عن أيوب (يعني السختياني)، قال: ما رأيت أحداً أعبد من طلْْق ابن حبيب، فرآني سعيد بن جبير جالساً معه، فقال: ألم أرك مع طلقٍ؟ لا تُجالس طلقاً، وكان طلقٌ يرى الإرجاء.
(3) -فائدة: (في بيان ما روى كل من ابن سيرين، وإبراهيم النخعي عن عبيدة السلماني...) قال شيخنا المحدث محمد الأثيوبي:
وكل شيءٍ لابن سيرينَ أتَى * أي: عن عَبيدة سوى ما ثبتَا
عن رأيهِ فعن عليٍّ وكذا * ما عنه إبراهيمُ نقلاً أخذا
فلابن مسعودٍ سوى فردٍ أَثَرْ * حقَّقَ ذا العِِجليُّ حافظُ الخَبَرْ
انتهى من (ألفية علل الحديث-المسماة: شافية الغلل بمهمات علم العلل) (ص:122\رقم:998\1000).(1/409)
وعامر الشعبي في الحارث الأعور (1) ، وهكذا روي عن أيوب السختياني وعبد الله بن عون وسليمان التيمي وشعبة بن الحجاج وسفيان الثوري (2) ومالك بن أنس (3)
__________
(1) -أما عن الشعبي، فأخرجه مُسلم في "مُقدمة صحيحه" (1/19) عنه، قال: حدثني الحارث الأعور، وكان كذاباً"، وأخرجه يعقوب بن سفيان في "المعرفة والتاريخ" (3/116\117)، وعبد الله بن أحمد في "العلل" (رقم:990\1148)، وابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" (1/2 /78)، والعُقيلي (1/208)، وابنُ عدي (2/449\450)، والخطيب في "الكفاية" (ص:151) وفي رواية لأكثرهم، قال الشعبي: "حدثني الحارث الأعور، وأشهد أنه أحد الكذابين"
وأما عن إبراهيم، فأخرجه مسلم في"المقدمة" (1/19)، وابنُ أبي حاتم (1/2/78)، والعُقيلي (1/208) وابنُ عدي (2/449) بإسناد صحيح عن إبراهيم: "أن الحارث اتُّهم".
(2) -فائدة: قال الذهبي في: (السير) (8/461): (قال سفيان الثوري مرة لرجل: ما حرفتُك؟ قال: طلب الحديث قال: بَشِّرْ أهلك بالإفلاس). انتهى من (ذاكرة سجين مكافح) (1\97).
(3) -فائدة: قال المحدث الألباني في (الصحيحة) (4/645): (وقد ذكر السيوطي في مقدمة (إسعاف المُبَطأ برجال الموطأ): أن شيوخ مالك كلهم ثقات)! وقال في (الإرواء) (5/74): (لكن شيوخ مالك كلهم ثقات كما هو معلوم لدى العلماء بالرجال)!
قلت: هذا الإطلاق فيه نظر، إذ يوجد في شيوخه من هو متفق على ضعفه كأبي المخارق... انظر: مقدمة: (تحرير أحكام التقريب) (1/27). للشيخين: عواد، والأرناؤوط. قال ابن معين: (كل من حدث عنه مالك ثقة، إلا رجلاً أو: رجلين). كما في (شرح علل الترمذي) (ص:106) لابن رجب. وحاشية: (الرفع والتكميل) (ص:166) انتهى من كتابي: (ذاكرة سجين مكافح) (1\118)، و(قناص الشوارد الغالية...) (ص:105\رقم:4).(1/410)
والأوزاعي وعبد الله بن المبارك ويحيى بن سعيد القطان ووكيع بن الجراح وعبد الرحمن بن مهدي، وغيرهم من أهل العلم؛ أنهم تكلموا في الرجال وضعفوا، وإنما حملهم على ذلك عندنا-والله أعلم-النصيحة للمسلمين، لا يظن بهم أنهم أرادوا الطعن على الناس أو: الغيبة، إنما أرادوا عندنا أن يبينوا ضعف هؤلاء لكي يعرفوا؛ لأن بعضهم من الذين ضعفوا كان صاحب بدعة، وبعضهم كان متهماً في الحديث، وبعضهم كانوا أصحاب غفلة وكثرة خطأ، فأراد هؤلاء الأئمة أن يبينوا أحوالهم شفقة على الدين وتثبتاً؛ لأن الشهادة في الدين أحق أن يتثبت فيها من الشهادة في الحقوق والأموال" (1) .
2-ومنه أيضاً: خبر عتبان بن مالك في إنكار المنكر المظنون وفي (الصحيحين)-في قصة تخلف كعب بن مالك عن غزوة تبوك-أن رسول الله-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-قال: (ما فعل كعب بن مالك؟)، فقال رجل من بني سلمة: يا رسول الله حبسه برداه والنظر في عطفيه، فقال معاذ بن جبل: بئس ما قلت. فسكت رسول الله (2) .
3-ومنه قول هند للنبي-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-: (إن أبا سفيان رجل شحيح) (3) .
4-ومنه قول الحضرمي والكندي للنبي-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-لما قال له: (لك يمينه)، فقال: يا رسول الله: إنه رجل فاجر لا يبالي (4) .
__________
(1) -انظر: "العلل الصغير"، للترمذي في آخر كتاب "الجامع" (6/230\231)، "تحرير علوم الحديث" (1/192\202). ثم ساق الآثار عن السلف في شرعية نقد الرواة. انتهى من كتاب: (الجرح والتعديل) (ص:3\5\11\12\13).
(2) -رواه البخاري رقم: (388)، ومسلم رقم: (2769).
(3) -رواه البخاري رقم: (2460)، ومسلم في الأقضية رقم: (2769).
(4) -رواه مسلم في كتاب الإيمان رقم: (139) .(1/411)
5-قال أبو طالب: سئل أبو عبد الله عن الرجل يسأل الرجل يخطب إليه فيسأل عنه فيكون رجل سوء فيخبره مثل ما أخبر النبي-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-حين قال لفاطمة: (معاوية عائل، وأبو جهم عصاه على عاتقه) (1) .
يكون غيبة إن أخبره؟ قال: المستشار مؤتمن يخبره بما فيه وهو أظهر ولكن يقول: ما أرضاه لك ونحو هذا أحسن.
قال السخاوي في (فتح المغيث شرح ألفية الحديث): لا يجوز التجريح بشيئين إذا حصل بواحد، وقال في (الإعلان بالتوبيخ) (2) : (وإذا أمكنه الجرح بالإشارة المفهمة أو: بأدنى تصريح لا تجوز الزيادة على ذلك، فالأمور المرخص فيها للحاجة لا يرتقي فيها إلى زائد على ما يُحصّل الغرض.
وقد رَوَيْنا عن المزني قال: سمعني الشافعي يوماً وأنا أقول: فلان كذاب، فقال لي: يا إبراهيم أكْسُ ألفاظك، أحْسِنها، لا تقل: كذاب، ولكن قل: حديثه ليس بشيء (3) .
التنبيه الخامس: هل هناك فرق بين مجهول العين، ومجهول الحال، ومجهول العدالة؟.
هذا سؤال رفعته إليَّ أم الفضل فأجبتها آنذاك-كما في كتابي: (قناص الشوارد الغالية...) (ص: 246\251\رقم:69)-قائلاً: (نعم هناك فرق كبير بينهم فمجهول العين: هو من لم يرو عنه إلا راوٍ واحد.
وفيه أقوال:
1-الصحيح الذي عليه أكثر العلماء من أهل الحديث وغيرهم أنه لا يقبل.
2-أنه يقبل مطلقاً، وهو قول من لم يشترط في الراوي غير الإسلام.
3-أنه إن كان المنفرد عنه لا يروي إلا عن عدل قُبل، مثل ابن مهدي، ويحيى بن سعيد القطان، ومالك ذكر معهم وإلا لم يقبل.
__________
(1) -رواه مسلم في كتاب الطلاق، (رقم:47).
(2) -كما في: (ص:68/69).
(3) -يعني: كذاباً. انظر: (السير) (9/6)، و(هدي الساري) (ص:419)، و(الرفع والتكميل) (ص:99).(1/412)
4-إن كان مشهوراً في غير العلم بالزهد (1)
__________
(1) -فائدة في ذكر من تُرك حديثُه من أهل العبادة والصلاح لاشتغالهم بالعبادة وإهمالهم أحاديثهم. قال شيخنا المحدث محمد الأثيوبي في (ألفية علل الحديث-المسماة: شافية الغلل بمهمات علم العلل) (ص:51\52\رقم:435\إلى:446) المسألة الحادية عشرة:
ثم الذين اشتغلوا بالطاعةِ * ولا يُبالون لدى الروايةِ
ثلاثةٌ فمنهُمُ مَن أَهْمَلاَ * لحفظه فذا يكون مُهمَلاَ
لكثرةِ الوَهْم برفع ما وُقِفْ * ووصْلِ مُرْسَلٍ فبئسما وُصِفْ
مثلُ أَبانَ بْنِ أبي عياشِ * كذا يزِيدُ أقْصِدُ الرَّقَاشي
كذاك عبَّادٌ وَهَى وجعفرُ * والحسن الجُفْرِيُّ أيضاً يُذكَرُ
وابن مُحَرَّرٍ كذا رِشْدِينُ * كذا أبو مُقاتلٍ يَمِينُ
قوله: "أبان بن أبي عياش": هو فيروز البصري، أبو إسماعيل العبدي متروك (في حدود 140 هـ). و"يزيد": هو ابن الرقاشي، أبو عمرو البصري القاصّ الزاهد ضعيف، وقيل: متروك قبل (120 هـ). و"عباد": هو ابن كثير الثقفي البصري، كان رجلاً صالحاً، قال البخاري: تركوه. وقال النسائي: متروك الحديث، وضعفه غير واحد..
وقوله: "وهَى" من باب وقى يقي، بمعنى: ضعف. و"جعفر": هو ابن الزبير الشامي، كذبه شعبة، وقال ابن معين: ليس بثقة. وقال البخاري: تركوه. و"الحسن الجفري": هو الحسن ابن أبي جعفر البصري، ضعيف الحديث مع عبادته وفضله (167 هـ). و(الجُفْري): هو-بضم الجيم وسكون الفاء-نسبة إلى جفرة خالد ناحية بالبصرة. كما في "اللباب". و"ابن محرر": هو عبد الله بن محرر الجزري القاضي، متروك.
و"رشديم": هو ابن سعد بن مفلح المهري أبو الحجاج المصري، ضعيف، كان صالحاً في دينه فأدركته غفلة الصالحين، فخلط في الحديث (188 هـ) وله (78 سنة). و"أبو مقاتل": هو حفص بن سلم الفزاري النيسابوري صاحب تقشف وعبادة، قال ابن مهدي: لا تحل الرواية عنه، وكان يكذبه، وضعفه غيره (208 هـ).و"يَمينُ" أي: يكذب، من مان يمين مَيْناً: إذا كذب، وفي نسخة: "يلين" أي: يضعف.
ثم قال شيخنا المحدث الأثيوبي:
وغير هؤلا من العَبَدَةِ * قد ضَيَّعوا الأخبار بالعبادةِ
ومنهمُ من كان قد تعبَّدَا * بالوضع قد ضلَّ وباء بالرَّدَى
كأحمدَ بن غالبٍ ذي الوضعِ * وزكريَّا نجلِ يحيى البِدْعِي
قوله: (كأحمد بن غالب): هو أحمد بن محمد بن غالب الباهلي، غلام خليل، معروف بالوضع. وقد قلت عنه في كتابي: (القول الحصيف...) (ص:25): غلام خليل-أحمد بن محمد بن غالب الباهلي، وقد كان زاهداً متخلياً عن الدنيا وشهوتها، منقطعاً إلى العبادة والتقوى محبوباً من العامة، حتى إن بغداد أغلقت أسواقها يوم وفاته حزناً عليه! ومع ذلك فقد زيّن له الشيطان وضع أحاديث في فضائل الأذكار والأوراد، حتى قيل له: ما هذه الأحاديث التي تحدث بها من الرقائق؟ فقال: وضعناها لنرقق بها قلوب العامة-انظر: (تاريخ بغداد) (5/79)، و(الموضوعات) لابن الجوزي (1/40)، و(لمحات من تاريخ السنة وعلوم الحديث) (ص:121)-.
وقال الخطيب البغدادي في ترجمة غلام خليل: (قال أبو داود السجستاني: أخشى أن يكون غلام خليل دجَّالَ بغداد. ثم قال: قد عرض عليَّ من حديثه، فنظرت في أربعمائة حديث أسانيدها ومتونها كذب كلها!!)- انظر: (تاريخ بغداد) (5/79/80)- و"زكرياء": هو ابن يحيى، أبو يحيى الوقار المصري، يضع الحديث. وقوله: "البدعي": أي: المنسوب إلى البدعة، حيث ابتدع التعبد بوضع الحديث.
ثم قال:
ومنهمُ من ظنه قد أحسنا * بكل من حدثه فافتتنا
بحمله الحديث عن كل أحدْ * ثقةً أو: كتن بوضعه مرَد
فكلهمْ في الحكم قل سواءُ * فاحذرهُمُ فإنهمْ غُثاءُ(1/413)
والنجدة قُبل، وإلا فلا.
5-إن زكّاهُ أحد أئمة الجرح والتعديل مع رواية واحد عنه قُبل وإلا فلا، وهو اختيار أبي الحسن بن القطان في (بيان الوَهَم والإيهام).
6-إن كان صحابياً قبل مطلقاً (1) ،
__________
(1) -قال أبو الحسن المصري في كتابه: (شفاء العليل) (1\23) في الباب الأول: "ذكر مراتب الجرح والتعديل مرتبة من أعلى مراتب التعديل إلى أردءِ مراتب التجريح":
أولا: مراتب التعديل: المرتبة الأولى:
ذكر الحافظ ابن حجر-رحمه الله-في كتاب "تقريب التهذيب" أن أُولى المراتب هم الصحابة-رضي الله تعالى عنهم-، وقد اعترض على ذلك العلامة محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني-رحمه الله تعالى-في كتابه: "توضيح الأفكار" (2\263\264) فقال: "واعلم أنه جعل الحافظ ابن حجر أُولى المراتب كونه صحابياً... وظاهر هذا أن كونه صحابياً قد تضمن أنه ثقة حافظ، فصفة الصحبة قد تكفلت بالعدالة والضبط، وهذا لا إشكال فيه بالنظر إلى العدالة على أصل أئمة الحديث، ولكن بالنظر إلى الضبط والحفظ لا يخلو عن الإشكال، إذ الحفظ وعدمه من لوازم البشرية لا ينافي الصحبة؛ بل: لا ينافي النبوة، فقد صح عنه-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-أنه نسي في صلاته وغيرها،
فكيف يجعل كون الراوي صحابياً أبلغ من الموصوف بأوثق الناس ونحوه، والصحبة لا تنافي النسيان وعدم الحفظ، بل: قد ثبت في "صحيح البخاري" نسيان عمر لقصة التيمم وتذكير عمار له بها ولم يذكر، بل: قد ثبت أنه قال-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-: "رحم الله فلاناً لقد ذكرني البارحة آية كنت أُنسيتها...".
قلت: كذا قال العلامة الصنعاني وتبعه على ذلك كثير من طلبة العلم وعندي أن ما صنعه الحافظ ابن حجر-رحمه الله تعالى-يمكن أن يكون له وجه وإن لم أتبعه في صنيعه-والدفاع عما صنعه الحافظ ابن حجر-رحمه الله-يكون من وجوه:
الأول: قول الصنعاني-رحمه الله-: بأن الصحبة بل: والنبوة لا تنافي النسيان، صحيح ولكن يمكن أن يقال: والنسيان أيضاً لا ينافي الضبط، فقد ذكر العلامة النقادة المحقق الشيخ عبد الرحمن بن يحيى االمعلمي اليماني-رحمه الله تعالى-في كتابه: (التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل) أن النسيان لا يلزم منه الضبط، قال: "فإن الناسي إن نسي الحديث أصلاً لم يحدث به البتة، وكيف يحدث به وهو ناس له؟ قال: وإن عرض له تردد في قصة أو: في بعضها فإنه إذا كان ضابطاً لم يحدث بها أو: يحدث بها ويبين التردد والشك، فالضابط هو الذي لا يحدث إلا بما يتقنه فما لم يتقنه لم يحدث به أو: يبين شكه...".
وقال في موضع آخر من "التنكيل" (ص:60\61\740): "النسيان لا يلزم منه خلل الضبط، لأن غايته أنه كان أولاً يحفظ أحاديث فحدث بها ثم نسيها فلم يحدث بها، وأما الوهم فإن كان يسيراً يقع مثله لمالك، وشعبة، وكبار الثقات فلا يستحق أن يسمى خللاً في الضبط...".
الوجه الثاني: أن السخاوي-رحمه الله تعالى-ذكر أن الخلاف في مسألة قبول زيادة الثقة وردها فيمن دون الصحابي بالاتفاق، فقد قال السخاوي-رحمه الله-في "فتح المغيث" (1\218): "إذا صح السند إلى الصحابي فهي مقبولة بالاتفاق".
ومعلوم أنهم يردون زيادة الثقة إذا كانت مخالفة لرواية من هو أرجح منه على تفاصيل-مذكورة في محلها-أما الصحابي إذا تفرد بزيادة لم يروها غيره من الصحابة سواء كان عددهم أكثر، أو: كانوا أحفظ منه فلا تُرد، يوضح ذلك:
الوجه الثالث: أن الذي ينظر في كتب العلل والكتب التي فيها تخريج الأحاديث يجد أن صنيع الحافظ أو: الحفاظ في حكمهم على لفظة ما أو: جملة أو: حديث كامل بالشذوذ أو: النكارة كل ذلك راجع إلى من هو دون الصحابي، ولم أقف على حديث يخطئؤن فيه الصحابي بحجة أن من بعده من حفاظ التابعين اختلفوا عليه فيه وإن وُجد ذلك فهو نادر جداً بالنسبة لغيره، واختلاف الحفاظ على راوٍ يدل على أن الوهم منه لا منهم، نعم قد يوهمون الصحابي إذا خالف من هو أرجح منه، كأن يقدموا رواية نساء النبي-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-في صفة الاغتسال وما كان يفعله في البيت-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-على قول غيرهن من الصحابة لأنهن رضي الله عنهن أعلم بذلك من غيرهن وهكذا، هذا مع أن من وصف ممن دون الصحابة بأنه من أوثق الناس لم يسلم مع ذلك من اعترض على بعض رواياته إما في المتن وإما في الإسناد أو: فيهما، فما سلم من ذلك مالك، وهو النجم إذا ذكر الأثر، وما سلم من ذلك شعبة وهو شعبة، وغيرهما.
الوجه الرابع: أن الحافظ ذكر الصحابة لشرفهم كما صرح بذلك في "تقريبه" وربما أنه لم يقصد بذلك التعديل المتعارف عليه من الأئمة.
وقد حررت هذا الجواب دفاعاً عن الحافظ ابن حجر-رحمه الله تعالى-، فمثله يُلتمس لقوله المخارج قبل الحكم بتخطئته، وإن كنت أرى أن أبدأ ألفاظ هذه المرتبة بما ذكره الحافظ ابن حجر في المرتبة الثانية تبعاً لما عليه الأكثر والله المستعان).
وقد أشرت إلى هذا بقولي:
واعلم بأنَّ رواتنا بابن حَجَرْ * حُصِرُوا لديه جميعهم في اثني عَشَرْ
وكذلكم طبقاتهم يا صاحبي * فزن الأمور بدقَّةٍ وتناسُبِ
أمّا المراتبُ فالصحابة أوَّلُ * يعلو بهم شرفٌ، مقَامٌ أمْثَلُ
انظر: (تحرير التقريب) (1\52)، وكتابي: (إتحاف الطالب...) (ص:1427)، أما شيخنا ابن باز فلم يقل شيئاً في (نكته على تقريب التهذيب) على هذه المرتبة، بل: بدأ-رحمه الله-تنكيته من المرتبة السادسة من مراتب الرواة كما في (ص:35).(1/414)
وهو مذهب الفقهاء كما تجد ذلك مفصلاً في رسالة الشوكاني: (القول المقبول في رد خبر المجهول من غير صحابة الرسول-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم) (1) .
(الثاني): مجهول الحال: في العدالة في الظاهر والباطن مع كونه معروف العين، وفيه أقوال:
1-لايقبل حكاه ابن الصلاح وزين الدين عن الجماهير.
2-يقبل مطلقاً وإن لم تقبل رواية مجهول العين.
3-إن كان الراويان عنه لا يرويان إلا عن عدل قبل وإلا فلا.
(الثالث): مجهول العدالة الباطنة وهو عدل في الظاهر، فهذا لا يحتج به بعض من رد القسمين الأولين، وبه قطع الإمام سليم بن أيوب الرازي قال: لأن الأخبار مبنية على حسن الظن بالراوي.
ولأن رواية الأخبار تكون عند من يتعذر عليه معرفة العدالة في الباطن، وتفارق الشهادة، فإنها تكون عند الحكماء ولا يتعذر عليهم ذلك فاعتبرت فيها العدالة في الباطن والظاهر (2) .
قال الإمام محمد بن إدريس الشافعي (3) -رحمه الله تعالى- (4) : (رواية المجهول غير مقبولة بل: لا بد فيه من خبرة ظاهرة، والبحث عن سيرته وسريرته) (5) .
__________
(1) -انظر: (الفتح الرباني) (4/1667/إلى:1707)، وأخرى بعنوان: (عدالة جميع الصحابة هل هي مسلمة أم لا؟ في (الفتح) أيضاً (4/1721/إلى1733).
(2) -انظر هذه الأقسام في: (التنقيح) (ص:198) لابن الوزير الصنعاني، و(مقدمة ابن الصلاح) (ص:145)، و(فتح المغيث) للعراقي (ص:160)، وهامش: (الفتح الرباني) (4/1706/1707). قال الشوكاني: (..قال ابن الحاجب في (مختصر المنتهى) (2/64) ما لفظه: (مسألة: مجهول الحال لا يُقبل).
(3) -انظر ترجمته في: (السير) (10\10\إلى:134\267)، و(تاريخ بغداد) (2\62) وما بعدها، و(تاريخ ابن عساكر) (15\4\2)، و(الحلية) (9\97\98\102)، و(معرفة السنن والآثار) (1\138)، و(مناقب الشافعي) (ص:82\144) كلاهما للبيهقي.
(4) -انظر: (الرسالة) (ص:374).
(5) - انظر: (الكفاية) (ص:149)، و(تدريب الراوي) (1/316).(1/415)
وعند الإمام أبي حنيفة (1) قبوله، وقال المحقق ابن الإمام في (الغاية وشرحها) ما لفظه: فمن لا تُعرف عدالتُه ولا مُقابلُها بأن يكون مجهول الحال لا تُقبل روايته على المختار وهو قولُ الجمهور من العلماء ثم قال بعد أن ذكر الدليل على عدم القبول خلافاً لأبي حنيفة، وقال صاحب (الفصول): وهو قولُ محمد بن منصور وابن زيدٍ والقاضي في (العمدة) وابن فُورَكَ (2) . وقال المهدي (3) في (المعيار) (4) وشرحه ما لفظه (مسألة): الأكثر من الأصوليين العدلية (5) والأشعرية (6) -لا يجوز أن يُقبل خبرُ مسلمٍ مجهولِ العدالة أي: لم يُعرف حال عدالته.
__________
(1) -انظر ترجمته في: (السير) (6\392\398).
(2) -انظر: (المحصول) (4/402)، و(جمع الجوامع) للسبكي (2/150).
(3) -المهدي هو: أحمد بن يحيى بن المرتضى. ولد بمدينة ذمار سنة 764هـ قرأ في علم العربية، فلبث في قراءة النحو والتصريف والمعاني والبيان، قدر سبع سنين وبرع في العلوم الثلاثة. من مصنفاته (دافع الأوهام)، و(رياضة الأفهام في لطف الكلام)، و(إكليل التاج وجوهرة الوهاج)، انتهى من هامش: (الفتح الرباني) (4/1681/ رقم الرسالة:42-وهي: القول المقبول في رد خبر المجهول من غير صحابة الرسول - صلى الله عليه وسلم - ).
(4) -قال الأستاذ محمد صبحي حلاق: (واسمه: معيار العقول-وشرحه-: منهاج الوصول) وهو الكتاب السابع من موسوعته: ("البحر الزخار" وهو مرتب على مقدمة وأحد عشر باباً). (الفتح الرباني من فتاوى الأمام الشوكاني) (4/1681)، و(مؤلفات الزيدية) (2/38).
(5) -العدلية: سموا بالعدلية لقولهم: الله أعدل من أن يظلم عبده ويؤاخذه بما لم يفعله، وهو أصل كلام القدرية الذي يعرفه عامتهم وخاصتهم وهو أساس مذهبهم وشعارهم. انظر: (المنهاج) لابن تيمية (3/141). و(الفتح الرباني) (4/1681).
(6) -انظر: التعريف بها في: (الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني) (1/151).(1/416)
وقالت الحنفية (1) : بل: يجب أن تقبل وحكاه الحاكم عن الشافعي (2) وحكى الفخر الرازي (3) عن الشافعي أنه لا يقبل، وهذه الحكاية هي الأظْهَرُ ثم قال: والصحيحُ عندنا ما عليه الأكثر ومن ثم قلنا: المجهول لا يؤمن من فسقه فلا يظن صدقُه، وحصول الظن معتبر ثم احتج على ذلك وطول.
وقال السُّبكي (4) : فلا يقبل المجهول وهو المشهور خلافاً لأبي حنيفة وابن فُورَك وسُلَيمٍ الرازي ثم قال: أما المجهول باطناً أو: ظاهراً فمردود إجماعاً وكذا مجهول العين.
وقال البزدوي (5) : (ولذلك جوز أبو حنيفة-رحمه الله-القضاء بظاهر العدالة من غير تعديل، حتى إن رواية مثل هذا المجهول في زماننا لا يحل العمل به لظهور الفسق.
ثم قال:... ولهذا-أي: ولاشتراط العدالة-: لم يجعل خبر الفاسق والمستور حجة لفوات أصل العدالة في حق الفاسق، وفوات كمالها في حق المستور... إلا إن خبر المجهول في القرون الثلاثة مقبول لغلبة العدالة فيهم، وخبر المجهول بعد القرون الثلاثة مردود لغلبة الفسق).
أما مجهول الصحابة فكما قال ابن الصلاح (6) : (الأمة مجمعة على تعديل جميع الصحابة، ولا يعتد بخلاف من خالفهم). قال الشيخ تقي الدين وغيره: (الذي عليه سلف الأمة وجمهور الخلف أن الصحابة -رضي الله عنهم أجمعين-عدول بتعديل الله تعالى لهم) (7) .
__________
(1) -انظر: (مسلم الثبوت وشرحه فواتح الرحموت) (2/146/147)، من هامش: (الفتح الرباني) (4/1682).
(2) -انظر: (الرسالة للشافعي) (ص:374/378)، و(الفتح الرباني) (4/1682).
(3) -انظر: (المحصول) (4/402)، وقد توسع الحافظ الذهبي في ترجمته في (تاريخ الإسلام) (13\723).
(4) -انظر: (جمع الجوامع) (2/150).
(5) -انظر: (كشف الأسرار) (2/708/720).
(6) -انظر: (مقدمته) (ص:146/147).
(7) -انظر: (المسودة) (ص:292).(1/417)
قال الجويني (1) : (ولعل السبب في قبولهم من غير بحث عن أحوالهم أنهم نقلة الشريعة ولو ثبت التوقف في روايتهم لانحصرت الشريعة على عصر الرسول-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-ولما استرسلت على سائر الأعصار).
قال العلامة إلكيا الطبري-رحمه الله تعالى-: (وأما ما وقع بينهم من الحروب والفتن فتلك أمور مبنية على الاجتهاد وكل مجتهد مصيب! أو: المصيب واحد والمخطئ معذور بل: مأجور وكما قال عمر بن عبد العزيز: (تلك دماء طهر الله منها سيوفنا فلا نخضب بها ألسنتنا) (2) .
وكلام الأئمة في عدالة الصحابة طويل الذيل ويكفي من القلادة ما أحاط بالعنق. ومع هذا فالشوكاني ذكر أن: (مجهول الصحابة وبيانه متوقف على ذكر الخلاف في عدالة الصحابة وفيه أربعة أقوال: أنهم عدول مطلقاً ونسبه ابن الحاجب في (مختصر المنتهى وشارحه العضد) (3) . والسبكي في (جمع الجوامع) (4) إلى الأكثر. وكذلك المهدي في (المعيار) قال: مسألة: الأكثر الصحابة عدول. قال السبكي: (والأكثر على عدالة الصحابة).
قال الشوكاني في (إرشاد الفحول) (5) : (وإذا تقرر لكَ عدالة جميع من ثبتت له الصحبة علمت أنه إذا قال الراوي عن رجل من الصحابة ولم يسمِّه كان ذلك حجة ولا الجهالة لثبوت عدالتهم على العموم).
__________
(1) -انظر: (البرهان) (1/232).
(2) -أخرجه ابن عبد البر في (جامع بيان العلم وفضله) (2/934/رقم:1778) وابن الجوزي في (سيرة عمر بن عبد العزيز) (ص:165) بسند لا بأس به.
(3) -كما في: (2/67).
(4) -كما في: (2/166).
(5) -كما في: (ص:263-بتحقيق صبحي حلاق).(1/418)
قلت: وهذا القول مفروغ منه من باب السماء فوقنا والأرض تحتنا، ولا يلتفت إلى الشيعة ومن خالف الجمهور فخلافهم مردود، قال الأنباري: (وليس المراد بعدالتهم ثبوت العصمة إليْهم، إنما المراد قبول روايتهم من غير تكلف بحثٍ عن أسباب العدالة وطلب التزكية إلا أن يثبت ارتكاب قادح ولم يثبت ذلك ولله الحمد فنحن على استصحاب ما كانوا عليه في زمن رسول الله-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-حتى يثبت خلافه ولا التفات إلى ما يذكره أهل السير فإنه لا يصح، وما صح فله تأويل صحيح. ولهذا قال المحلي في (شرح الجوامع) عند قول السُّبْكي: (والأكثر على عدالة الصحابة ما لفظه: ومن طرأ له منهم قادح كسرقة أو: زنا عمل بمقتضاه) (1) .
أما القول الثاني: أن حكمهم في العدالة حكم غيرهم فيبحث عنها (2) . وهو قول أبي بكر الباقلاني ولا التفات إليه لأنه هراء بحت.
القول الثالث: أنهم كلهم عدول قبل الفتن لا بعدها فيجب البحث عنهم وأما بعدها فلا يقبل الداخلون فيها مطلقاً أي: من الطرفين لأن الفاسق من الفريقين غير معين وبه قال عمرو ابن عبيد من المعتزلة.
وهذا القول غاية الضعف أخبث من الثاني لاستلزامه إهدار غالب السنة فإن المعتزلين لتلك الحروب هم طائفة يسيرة بالنسبة إلى الداخلين فيها، وفيه أيضاً: أن الباغي غير معين من الفريقين وهو معين بالدليل الصحيح، وأيضاً: التمسك بما تمسكت به كل طائفة يخرجها من إطلاق اسم البغي عليها على تقدير تسليم أن الباغي من الفريقين غير معين.
__________
(1) -انظر: (المسودة) (ص:292) و(مقدمة ابن الصلاح) (ص:301).
(2) -انظر: (البحر المحيط) (4/229).(1/419)
القول الرابع: أنهم كلهم عدول إلا من قاتل علياً وبه قال جماعة من المعتزلة والشيعة. وقال ابن قاضي الجبل: (وهذه الأقوال باطلة بعضها منسوب إلى عمرو بن عبيد وأحزابه وما وقع بينهم محمول على الاجتهاد ولا قدح على مجتهد عند المصوبة وغيرهم) (1) .
وزاد بعضهم:
قولاً خامساً وهو: (أن من كان مشتهراً منهم بالصحبة والملازمة فهو عدل لا يبحث عن عدالته دون من قلت صحبته ولم يلازم وإن كانت له رواية. كذا قال الماوردي).
وهو قول ضعيف لاستلزامه إخراج جماعة من خيار الصحابة الذين أقاموا مع النبي-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-قليلاً ثم انصرفوا كوائل بن حُجْرٍ، ومالك بن الحويرث وعثمان بن العاص-وغيرهم (2) .
قال الإمام المجتهد المطلع ابن الصلاح-رحمه الله تعالى (3) : (للصحابة-رضوان الله تعالى عليهم أجمعين-بأسرهم خصيصة وهي أنه لا يسأل عن عدالة أحد منهم بل: ذلك مفروغ منه لكونهم-أي: الصحابة-على الإطلاق معدلين بنصوص الكتاب والسنة وإجماع من يعتد به في الإجماع من الأمة).
وقال الحافظ ابن كثير في (اختصار علوم الحديث) (4) : (والصحابة كلهم عدول عند أهل السنة (5)
__________
(1) -انظر: (الكوكب المنير) (2/476/477) و(مقدمة) ابن الصلاح (ص:301).
(2) -انظر: (الكوكب) (2/477).
(3) -انظر: (مقدمته) (ص:301).
(4) -انظر: (ص:154).
(5) -قال الإمام أبو المظفر السمعاني-رحمه الله-: (فإن قال قائل: إنكم سميتم أنفسكم أهل السنة، وما نراكم في ذلك إلا مدعين، لأنا وجدنا كل فرقة من الفرق تنتحل اتباع السنة، وتنسب من خالفها من سائر الفرق إلى البدعة، فكلها في انتحال هذا اللقب شركاء متكافئون، ولستم أولى بهذا اللقب إلا أن تأتوا بدلالة ظاهرة من الكتاب والسنة أو: من إجماع أو: معقول.
الجواب: قولكم: إنه لا يجوز لأحد دعوى إلا ببينة عادلة، أو: دلالة ظاهرة من الكتاب والسنة، هما لنا قائمتان بحمد الله ومنه.
قال الله تعالى: (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) (سورة الحشر، الآية رقم:7) فأُمرنا باتباعه، وطاعته، فيما سنَّ، وأمر ونهى، وحكم، وعلم. وقال النبي-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-"عليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي-رواه أحمد، وأبو داود، والترمذي وغيرهم"، وقال: (من رغب عن سنتي فليس مني). رواه البخاري في "صحيحه" من حديث أنس.
فوجدنا سنته، وعرفناها بهذه الآثار المشهورة، التي رويت بالأسانيد الصحاح المتصلة، التي نقلها حفاظ العلماء بعضهم عن بعض، ثم نظرنا فرأينا فرقة أصحاب الحديث لها أطلب، وفيها أرغب، ولها أجمع، ولصحاحها أتبع، فعلمنا يقيناً أنهم أهلها دون مَن سواهم من جميع الفرق...).(1/420)
والجماعة، لما أثنى الله عليهم في كتابه العزيز، وبما نطقت به السنة النبوية في المدح لهم في جميع أخلاقهم وأفعالهم، وما بذلوا من الأموال والأرواح بين يدي رسول الله-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-رغبة فيما عند الله من الثواب الجزيل، والجزاء الجميل.
وأما ما شجر بينهم بعده عليه الصلاة والسلام، فمنه ما وقع من غير قصد، كيوم الجمل، ومنه ما كان عن اجتهاد، كيوم صفين، والمجتهد يخطئ ويصيب، ولكن صاحبه معذور وإن أخطأ ومأجور أيضاً، وأما المصيب فله أجران اثنان، وكان عليّ وأصحابه أقرب إلى الحق من معاوية وأصحابه رضي الله عنهم أجمعين، وقول المعتزلة: الصحابة عدول إلا من قاتل عليّاً-قولٌ باطل مرذول ومردود) (1) !.
قال الشوكاني في (سؤال عن عدالة جميع الصحابة) (2) -بعد أن ذكر الأدلة من الكتاب والسنة على عدالتهم-: (وبالجملة فالقول بعدالة الجميع أقل ما يستحقون من المزايا التي وردت بها الأدلة الصحيحة). انتهى الجواب مختصراً من (الفتح الرباني) (3) .
وأختم هذه الرسالة بأشعار قيلت في مدح أهل الحديث:
1-أبدأ بقول شيخنا المحدث محمد ابن الشيخ الأثيوبي في منظومته: (تذكرة الطالبين في بيان الموضوع وأصناف الوضاعين) (4) :
ومرّ أحمدُ على أهل الأثرْ * يُقَابِلُونَ كُتْبَهُم لتُعْتَبَرْ
فقال: ما أحْسِبُهُمْ إلاَّ وفا * عليهمُ قَولُ النبيِّ المقتفى
حيثُ يقول: لا تزال طائِفَهْ *مِن أُمّتِي حتى تَجِئَ الآزِفَهْ
ومَن أحقُّ منهُمُ بذا الشَّرفْ * قدْ فَارقُوا أهْلاً ومَالاً وغُرَفْ
وقَنعُوا بالكسْر والأطمار * في طلَب السنن والآثَارِ
فهم يجولون البراري والقفَارْ * ولا يبالون بِبُؤْسٍ وافتقارْ
__________
(1) -انظر: (البرهان) (1/408)، و(فتح المغيث) للعراقي (ص:350).
(2) -انظر: (الفتح الرباني) (4/1728).
(3) -انظر: (4/1677/إلى:1682) مع حواشيه. و(مسلم الثبوت وشرحه فواتح الرحموت) (2/146/147).
(4) -كما في: (ص:9/50/ رقم: 140) وما بعدها.(1/421)
2-وقال شيخنا العلامة الأديب محمد (بوخبزة) في قصيدة طويلة-أرسلها إليَّ للسجن المحلي بتطوان جواباً عن قصيدة بعثت بها إليه ستأتي قريباً:
وفي سنة المختار-وهْي بيانُهُ- * لِتَنْزِيله طابت به غُرُّ أوراقيِ
فيا سَعْدَ من أفنى لها كلَّ عُمْرِه* بِدَرْسٍ وحِفْظٍ لا يضيقُ بإنفاقِ
ولَوْ لَمْ يَكُنْ إلاالصَّلاة على النّبي*يَفُوزُ بهاقاري الحديثِ بإطباقِ
... وقال فضيلة شيخنا محمد بوخبزة:-في رسالة بعث بها إليَّ للسجن المركزي بالقنيطرة، جواباً على ما بعثت به إليه- (1) .
__________
(1) -أعني قولي:
هَلْ تَرَى مَنْ مُنْشِدٍ أَوْ: مِنْ مُسَائِلْ * طالِباً عِلْماً بِقَوْلٍ أَوْ: بِقَائِلْ
مِنْ عُلُومٍ نافِعَاتٍ طَلْعُهَا ما * يُجْتَنَى مِنْ وَارِثٍ عِلْمَ الأَوَائِلْ
مِنْ رَسُولِ اللهِ وَالصَّحْبِ الكِرَامِ * تابِعِيهِمْ بَعْدَ هُمْ خَير الْفَصَائِلْ
نُورُ مِشْكاةٍ لهَ ُالشيخُ الأَمِينُ * شَيْخُنَا أَنْتُم لَها تِلْكَ الشَّمائلْ
نَصْرُكُمْ َنهْجَ الهُدى قَولاً وَفِعلاً * قَدْ حَمَيْتُمْ ذَا الحِمَى مِنْ كُلِّ صائِلْ
ذِي سُيُوفُ الحَقِّ يا شَيْخُ حقاًّ * قَدْ أَخَذْتُمْ مِنْ عُرَاهَا بِالْحَمَائِلْ
رَدَّ كَيْدَ الكَفْرِ وَالرُّويبِضَاتِ * في نُحُورٍ ثُمَّ أَرْدَى كُلَّ مَائلْ
حِرْمَةُ للسُّولِ إلا فِي عُلومٍ * قَدْ أَبَاحَ اللهُ مِنْ هَاذِ المَسائِلْ
اسْتَجِيزُ الشيخ إسْنَاداً وَ مَتْناً * يُورِدُ الأَخْبَارَ مَوْصُولَ الوَصَائلْ
لِي وَللأَزْوَاجِ وَالأَبْنَاء-فَضْلاَ- * إِنْ تَجُودُوا بِالنَّدَى أَهْلَ الفَضَائلْ
وَالدُّعَا مِنْكُمْ بِالْغَيْبِ مطمع *ذِاكَ-نَرْجُو-مِنْ جَليلاتِ الْوَسَائِلْ
زَادَكُمْ رَبُّ البَرَايا كُلَّ خَيْر *وَ اصْطَفَاُكْمْ لِلِتُّقَى بَيْنَ القلائلْ
ثُمَّ ِفي الأُخْرَى هَدَاكُمْ للسَّعَادَهْ *فِي نَعِيمٍ مِنْ جنَانٍ غَير زَائِلْ
نظمه المحبوس ظلماً وعدواناً وإرضاءً لأسيادهم الصليبيين-رضي الله عن غيرهم، وعليهم بهلة الله-عمر الحدوشي بالسجن المركزي بالقنيطرة7شعبان1425 هـ.
فأجابني فضيلة شيخنا أبي أويس قائلاً:
(الإجازة).
إلى الأخ أبي الفضل فرج الله كربه، وغفر حبوه. بعد الحمدلة والتحية قال:
يَا أخي يا مستجيزي في الهدى * لسْتَ مِنِِّي حَاوياً غُرَّ الرسائلْ
كنتَ من قبْلُ أُجِزْتُم من أخٍ * هُو يَرْجُوها تَفِي خَيْرَ عَوَائِلْ
أنت مني-يا أخَى الأوْفَى- مُجازْ * سُنةً قد سَنَّهَا خيرُالأوائلْ
فتَقبَّلْها تنَلْ يُمْنَ الذي* خطَّها يرجو بِها كلَّ الفَضَائلْ
تحتوي من بركاتِ القومِ مَا* تجدَنْ مِثلاً له من كلِّ قائلْ
من أسانيد تَراها شمِلتْ * غُرَرَ الأسْما على الحُسْنَى دلائلْ
فتوسَّل بهُداها إنها * تَنْتَهي للوَحي من أدْنى الوَسائلْ
صَلِّ يا ربّ على غايتها * مُنتهى الآمالِ دَفعاً للغَوائلْ
أكثرنْ منها ففيها فرَجٌ* من كُرُوبٍ أذْهلتْ عقلَ المسائلْ
وترقب مِنْ إلهي لطفَهُ*شاملاً يُطْوَى به شَرُّ البدائلْ
واعتصم باللهِ تَظْفَرْ بالنَّجـ*ـاة دَواماً سَالِماً من كلِّ صَائِلْ
جَرَّبَ النَّاسُ حَديثَ المصطفى*بِجميلِ القَصْدِ مَحْواً للرذائِلْ
ثُمَّ عادُوا في سلامٍ شَامِلٍ*رائِقٍ أنْسَاهُمُ شُؤْمَ الفَعَائِلْ
فاتلُ الوحي الله صبحاً ومَسا * وتدبّره كثيراً في الأصائلْ
تلِجنْ ليلاً ذكيّاً نَفْحُهُ* بِنَسيمِ الذكر من عطْرِ الخمائلْ
هذهِ ذِكرَى لِحُبِّي عمَرٍ * من أحبائي وإِخْواني القلاَئلْ
فيها تأكيد لما يطلبُه * (لبنيه) مُرْتجى طِيبِ الشمائلْ
قد أجزت (الأهل) بدءً علناً* و ختاماً كل ما عنديَّ طائلْ.(1/422)
واعتصم باللهِ تَظْفَرْ بالنَّجـ * ـاة دَواماً سَالِماً من كلِّ صَائِلْ
جَرَّبَ النَّاسُ حَديثَ المصطفى * بِجميلِ القَصْدِ مَحْواً للرذائِلْ
ثُمَّ عادُوا في سلامٍ شَامِلٍ * رائِقٍ أنْسَاهُمُ شُؤْمَ الفَعَائِلْ
3-ومما قيل في مدح أصحاب الحديث (1) نظماً ما قاله العلامة محمد بن المديني-رحمه الله-(من الطويل):
أحَقُّ أُناسٍ يُسْتَضاءُ بِهَدْيهم * أَئِمَّةُ أَصْحابِ الحديثِ الأفَاضِلِ
خَلائِفُ أصْحابِ الحديث ذَوُو الحِمَى * لَهُمْ رُتَبٌ عَليا وأَسْنَى الفَضائِلِ
فَلَوْلاَهُمُ لَمْ يَعْرِفِ الشَّرْعَ عَالِمٌ * ولَمْ تَكُ فَتْوَى في فُنُونِ المَسَائلِ
وَهَلْ نَشَرَ الآثَارَ قَوْمٌ سِوَاهُمُ * نَعَمْ حَفِظُوهَا ناقِلاً بَعْدَ ناقِلِ
فَدَيْتُْهُمُ مِنْ عُصْبَةٍ عَلَمِ الهُدَى * لَقَدْ أحْرَزُوا فَضْلاً عَلَى كُلِّ فَاضِلِ
هُمُ القَوْمُ لا يَشْقى لَعَمْري جَلِيسُهُم * فَمَنْ فَاتهُم يَحْظَى بغيْرِ الفضائلِ
4-وما قاله السيد المرتضى الحسيني في (أماليه) (من الطويل أيضاً):
عليك بأصْحابِ الحديثِ فإنّهُم
خِيارُ عِبادِ اللهِ في كُلِّ مَحْفَلِ
ولاَ تَعْدُوَنْ عَيْناكَ عنْهُم فإنَّهم
نُجُومُ الهُدى في أعْيُنِ المتَأمِّلِ
__________
(1) -قال الشهرستاني (الملل والنحل) (1\206): ("وإنما سموا أصحاب الحديث"؛ لأن عنايتهم بتحصيل الأحاديث، ونقل الأخبار، وبناء الأحكام على النصوص، ولا يرجعون إلى القياس الجلي والخفي ما وجدوا خبراً أو: أثراً).
وقال اللالكائي في (شرح أصول الاعتقاد) (1\22\24): (فمن اقتصر على هذه الآثار كان من المتبعين، وكان أولاهم بهذا الاسم، وأحقَّهم بهذا الوسم، وأخصَّهم بهذا الرسم: "أصحاب الحديث"...).(1/423)
جهَابِذَةٌ (1) شُمٌّ سَرَاةٌ فمن أتى
إلى حَيِّهم يَوْماً فَبِالنُّور يَمْتَلِي
لقد شرَقَت شمْسُ الْهُدى في وُجُوهِهِمْ
وقَدْرُهُمُ في الناس ما زَالَ يَعْتَلي
فَلِلَّهِ مَحْيَاهُمْ معاً و مَمَاتُهُمْ
لقد ظَفِرُوا أدْراكَ مَجْدٍ مُؤَثَّلِ
وقَال الإمَامُ الشّافِعِيُّ مَقَالَةً
غَدَتْ منْهُمُ فَخْراً لِكُلِّ مُحَصِّلِ
أرى المَرْءَ مِنْ أَهْلِ الحديثِ كأَنَّهُ
رَأى مِن صَحْبِ النَّبيّ المُفَضَّلِ
عَلَيْهِ صلاة الله مَا ذَرَّ شَارقٌ
وآلٍ لَهُ والصَّحْبِ أهْلِ التَّفَضُّلِ (2)
5-ومنها: ما قاله السيد المرتضى الواسطي: (من البسيط):
عِلْمُ الحديثِ شَريفٌ لَيْسَ يُدْرِكُهُ
إلاَّ الذي فارَقَ الأوْطانَ مُغْتَرِبا
وجاهَدَ النَّفْسَ فِي تَحْصِيلِه فَغَدَا
يَجْتَابُ بَحْراً وفي الأوْعَار مُضْطَرِبا
يَلْقَى الشُّيُوخ وَيَرْوي عَنْهمُ سَندَا
وَ حَافِظٌ مَا روَى عَنْهُم وما كَتَبا
ذَاكَ الذِي فازَ بالحُسْنَى وتَمَّ لَهُ
حَظُّ السَّعادةِ مَوْهوباً ومُكْتَسَبا
طُوبى لمن كَان هَذا العِلْمُ صَاحِبَهُ
لَقَدْ نَفَى اللهُ عَنْهُ الهَمَّ والوَصَبَا
6-ومنها: ما قاله بعضهم وأجاد (من البسيط أيضاً):
أَصَحُّ ما قيل بَعْدَ الذِّكْرِ منْ خَبَر
__________
(1) -الجهبد بكسر الجيم والباء وسكون الهاء: النقاد الخبير العالم. وأهل اللغة يقولون: الجهبذ، والفِهرِسْ والزِّبْرِج بالكسر. ومرادهم بالكسر إذا أطلق: كسر الأول والثالث وسكون الثاني، لأنه إذا كسر الأول امتنع ضم الثالث، لأنه وزن مهمل، وامنتع أيضاً فتحه إلا في درهم وألفاظ محصورة.
قال العلامة محمد الكردودي:
وربَّما أُطْلِق لفظُ الكسْْر*والضم والفتح بغير حصْرِ
وهي لأول كذا الثالث*والثاني ساكن سكوناً ثابت
(2) -انظر: (مقدمة تحفة الأحوذي) (1\15)، و(الجليس الأمين في شرح تذكرة الطالبين في بيان الموضوع وأصناف الوضاعين) (ص:51) لشيخنا المحدث محمد الأثيوبي.(1/424)
حَدِيثُ خَيْرِ البرايا سَيِّدُ البَشَرِ
أعْظِم بِهِ هادِياً زَكَّاهُ خالِقُهُ
بِالْعَدْلِ وَالفَضْلِ والآياتِ والسُّوَرِ
فَلَوْ تَمَسَّكَ خَلْقُ اللهِ أجْمَعُهُم
بلفظةٍ مِنْهُ نَالوا أشْرَفَ الوَطَرِ
هذا هوَ العِلْمُ والبَحْرُ الذي سَعِدَتْ
غُواصُهُ بِأَعَالي جَوْهَرِ الدُّرَرِ
تُشْفَى الصدورُ بِهِ حَقاً وخادِمُه
يَوْمَ الْوُرُودِ تَراهُ فازَ بالصَّدَر
تُلْقي مَلائِكَةُ الرَّحْمنِ أجْنِحَةً
لَهُ إذا سَار هَذا أفْخَرُ البُشَرِ
يَسْتَغْفِرُ اللهَ حِيتانُ البِحارِ لِمَنْ
يَرْعاهُ بالفَهْمِ لَوْ وَقْتاً مِنَ العُمُرِ
الفضْلُ لِلهِ هذا نُورُ مَنْ شَرَقَتْ
لَهُ البَشَائِرُ فِي الآفاقِ بِالْبُشَرِ
صلى عَلَيْهِ إلهُ العَرْشِ مَا صَدَحَتْ
وُرْقٌ عَلَى فَنَنِ الأغْصَانِ والشَّجَرِ
7-ومنها: ما قاله محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني-رحمه الله-(من الطويل):
سَلاَمٌ على أَهْلِ الحَدِيثِ فإِنَّني
نَشَأتُ على حُبِّ الأَحاديثِ مِن مَهْدِي
هُمُ بَذَلُوا في حِفْظِ سُنَّةِ أحْمَدِ
وَتَنْقِيحِها مِنْ جُهْدِهِم غَايَةَ الجُهْدِ
وأَعْنِي بِهِمْ أَسْلافَ سُنةِ أحْمدِ
أُولئكَ في بيْتِ القَصيدِ هُمُ قَصْدِي
أُولئِكَ أمْثالُ البُخاري ومُسلِمٍ
و أَحْمدَ أهْلِ الجِدِّ في العِلْمِ وَالجَدِّ
بُحُورٌ أُحَاشِيهِمْ عَنِ الجَزْرِ إنَّمَا*
لَهُمْ مَدَدٌ يأْتِي عن الله بِالْمَدِّ
رَوَوْا وارْتَوَوْا من بحر عِلمِ مُحَمّدٍ
وَلَيٍسَ لَهُمْ تِلْكَ المذاهِبُ من وَرْدِ
كَفَاهُمْ كتابُ الله والسنةُ التي
كَفَتْ قبلهم صَحْبَ الرسول ذَوي المَجْدِ
أَأَنْتُمُ أهْدَى أَمْ صَحابَةُ أَحْمَدِ
وَأَهْلُ الكِسا هَيْهَاتَ ما الشّوْكُ كَالْوَرْدِ
أُولئكَ أَهْدَى في الطَريقَةِ مِنْكُمُ
نَعَمْ قُدْوَتِي حَتَّى أُوَ سَّدَ في لَحْدِي
وَشَتَّانَ مَابيْنَ المُقَلِّدِ وَالهُدَى
وَ مَنْ يَقْتَدِي والضِّدُّ يُعْرَفُ بِالضِّدِّ(1/425)
فَمَنْ قَلّدَ النُّعْمانَ أَصْبَحَ شَارباً
نَبِيذاً وَ فِيهِ القَوْلُ لِلْبَعْضِ بِالحَدِّ
وَمَنْ يَقْتَدِي أضْحى إِمامَ مَعارِفٍ
وَ كَانَ رَئِيساً في العبادة والزُّهْدِ
فَمُقْتَدِياً في الحقِّ كُنْ لا مُقَلِّداً
وخَلِّ أَخَا التَّقليدِ في الأَسْرِ بالْقِدِّ
وَأَقْبَحُ مِن كُلِّ ابْتِداعٍ سَمِعْتُهُ
و أَنْكاهُ لِلْقَلْبِ المُوَفَّقِ للِرُّشْدِ
مَذَاهِبُ مَنْ رَامَ الخِلاَفَ لِبَعْضِها
يُعَضُّ بِأَنْيَابِ الأساوِدِ و الأُسْدِ
يُصَبُّ عَلَيْهِ سَوْطُ ذَمٍّ وَغِيبَةٍ
وَيَجْفُوه من قَدْ كانَ يَهْواهُ عَن عَمْدِ
و يُعَزَى إِلَيْهِ كُلُّ ما لا يَقُولُهُ
لِتَنْصِيصِهِ عِنْدَ التِّهامِيِّ والنَّجِدِي
فَيَرْميهِ أَهْلُ الرَّفْضِ بِالنَّصْبِ فِرْيَةً
وَيَرْميهِ أَهْلُ النَّصْبِ بِالرَّفضِ والجَحْد
ولَيْسَ لهُ ذَنْبٌ سِوى أَنَّهُ غَدَا
يُتَابِعُ قَوْلَ اللهِ في الحَلِّ والْعَقْدِ
ويَتْبَعُ أقْوالَ النّبِيِّ محمَّدٍ
وَ هَل غيرُه بالله في الشَّرْعِ من يَهْدي
لَئِنْ عَدَّهُ الجُهال ذَنباً فحبَّذا
بِهِ حَبَّذَا يَوْمَ انفِرادِيَ في لَحْدي
عَلاَمَ جَعَلْتُم أيُّها النَّاس ديننا*
لأربعَةٍ لا شكَّ في فَضْلِهِم عِنْدِي
هُمُ علماءُ الدين شَرْقاً ومَغْرِباً
و نُورُ عُيُونِ الفَضْلِ والحقِّ والزُّهْدِ
ولكِنَّهُمْ كَالنَّاس لَيْسَ كَلامُهُمْ
دَليلاً ولا تَقْليدُهُمْ في غَدٍ يُجْدي
ولا زَعَمُوا حاشاهُم أنَّ قَوْلَهُمُ
دَليلٌ فَيَسْتَهْدِي بِهِ كُلُّ مُسْتَهْدِي
بَلَى صَرَّحوا أنَّا نُقابِلُ قَوْلهُمْ
إذا خالف المَنْصُوصَ بِالْقَدْحِ والرَّدِّ (1)
__________
(1) -وقد ورد عن الأئمة الأربعة: أبي حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد، أقوال تحض أتباعهم والمقتدين بهم بالأخذ والعمل بالحديث واتباعه، وترك أقوالهم وآرائهم المخالفة له، وهذه بعضها:
1-قال الإمام أبو حنيفة-رحمه الله-: (إذا صح الحديث فهو مذهبي). ونقل ابن عابدين في (حاشيته) (1\63)، و(رسم المفتي) (1\4-من مجموعة رسائل ابن عابدين) عن (شرح الهداية): (إذا صح الحديث-وكان على خلاف المذهب عمل بالحديث، ويكون ذلك مذهبه ولا يخرج مقلده عن كونه حنفياً بالعمل به فقد صح عن أبي حنيفة أنه قال: إذا صح الحديث فهو مذهبي). انظر: (إيقاظ الهمم) (ص:62)، و(صفة الصلاة) للمحدث الألباني (ص:22).
وقال أيضاً: (لا يحل لأحد أن يأخذ بقولنا ما لم يعلم من أين أخذناه). وفي رواية: (حرام على من لم يعرف دليلي أن يفتي بكلامي)، زاد في رواية: (فإننا بشر نقول القول اليوم، ونرجع عنه غداً). وفي أخرى: (ويحك يا يعقوب! "وهو أبو يوسف" لا تكتب كل ما تسمع مني، فإني قد أرى الرأي اليوم وأتركه غداً، وأرى الرأي غداً وأتركه بعد غد).
وقال أيضاً: (إذا قلت قولاً يخالف كتاب الله تعالى وخبر الرسول-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-فاتركوا قولي). انظر: (الإيقاظ) للفلاني (ص:50)، و(الميزان) للشعراني. (1\26)، و(صفة الصلاة) (ص:23\24).
2-قال الإمام مالك-رحمه الله-: (إنما أنا بشر أخطئ وأصيب، فانظروا في رأيي فكل ما وافق الكتاب والسنة فخذوه، وكل ما لم يوافق الكتاب والسنة فاتركوه). وفي رواية أنه قال: (ليس أحد بعد النبي-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-إلا ويؤخذ من قوله ويترك، إلا النبي-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم).
انظر: (إرشاد السالك) (1\227)، و(الجامع) لابن عبد البر (2\32\91)، و(أصول الأحكام) (6\149)، و(فتاوى السبكي) (1\148)، و(مسائل الإمام أحمد) لأبي داود (ص:276)، و(مقدمة الجرح والتعديل) (1\31\32)، و(صفة الصلاة) (ص:24).
3-قال الإمام الشافعي-رحمه الله تعالى-: (كل حديث عن النبي-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-فهو قولي، وإن لم تسمعوه مني)، وفي رواية أنه قال: (ما من أحد إلا وتذهب عليه سنة لرسول الله-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-وتعزب عنه، فمهما قلتُ من قول، أو: أصلت من أصل، فيه عن رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-خلافُ ما قلت، فالقول ما قال رسول الله-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-، وهو قولي)، وفي أخرى أنه قال:
(إذا رأيتموني أقول قولا، وقد صح عن النبي-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-خلافه، فاعلموا أن عقلي قد ذهب)، وفي رواية أنه قال: (كل مسألة صح فيها الخبر عن رسول الله-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-عند أهل النقل بخلاف ما قلت، فأنا راجع عنه في حياتي وبعد موتي).
انظر: (تاريخ دمشق) (15\1\3) لابن عساكر، و(إعلام الموقعين) (2\363\364)، و(الإيقاظ) (ص:100\104)، و(الحلية) (9\107)، وقد توسع في تخريج هذه النقول الطيبة المحدث الألباني في (صفة الصلاة) (ص:26\27).
4-قال الإمام أحمد-رحمه الله-: (لا تقلدني ولا تقلد مالكاً ولا الشافعي ولا الأوزاعي ولا الثوري، وخذ من حيث أخذوا). وفي رواية: (لا تقلد دينك أحداً من هؤلاء، ما جاء عن النبي-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-وأصحابه فخذ به، ثم التابعين بعد، الرجل فيه مخير)، وقال مرة: (الاتباع أن يتبع الرجل ما جاء عن النبي-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-وعن أصحابه، ثم هو من بعد التابعين مخير)، وفي رواية أخرى: (من رد حديث رسول الله-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-فهو على شفا هَلَكة).
وفي مثل هذا يقول الإمام الطحاوي: (لا يقلد إلا عصبي أو: غبي). نقله ابن عابدين في (رسم المفتي) من (مجموعة رسائله) (1\32).
انظر: (الإيقاظ) (ص:113)، و(إعلام الموقعين) (2\302)، و(مسائل الإمام أحمد) لأبي داود (ص:276\277)، و(جامع العلوم) (2\149)، و(صفة الصلاة) (ص:28\29).(1/426)
8-روى الخطيب في (شرف أصحاب الحديث) (1) عن عبد الرحمن بن عبد الرحمن العنبري أنه قال: "كل مَن ذهب إلى مقالة ففزع منها إلى غير الحديث فإلى الضلالة يصير".
وقد أشار العلامة أبو محمد هبة الله بن الحسن الشيرازي-رحمه الله تعالى-(من الطويل أيضاً):
عليك بأصحاب الحديث فَإِنَّهُمْ
على مَنْهَجٍ للدِّين ما زالَ مُعْجَماً
ومَا النُّور إلا في الحديث وَأَهْلِه
ِ إذا مَا دَجَا الليْلُ البَهِيمُ وأظْلمَا
فأَعْلَى البَرَاياَ مَنْ إلى السُّنَنِ اعْتَزى (2)
وَأَعْمَى البَرَايا من إلى البِدَعِ انتَمى
وَمَن تَرَك الآثار ضَلَّلَ سَعْيَهُ
وَهَلْ يَتْرُكُ الآثارَ مَن كان مُسْلِمَا؟
9-ومنها: ما قاله أبو بكر ابن أبي داود السجستاني-(من الطويل أيضاً):
تَمَسَّكْ بِحَبْلِ اللهِ واتَّبِعِ الْهُدى
ولا تَكُ بِدْعِيّاً لعلك تُفْلِحُ
ولُذْ بِكِتاب اللهِ والسُّنَنِ التي
أَتَتْ عن رسول اللهِ تَنْجُو وتَرْبَحُ
وَدَعْ عَنْكَ آرَاءَ الرِّجالِ وَقَوْلَهُمْ
فَقَوْلُ رسُولُ اللهِ أزْكَى وَأشْرَحُ
وَلاَ تَكُ في قَوْمٍ تَلَهَّوْا بِدِينِهِمْ
فتطْعَنُ فِي أَهْلِ الحديثِ وتَقْدَحُ
إِذَا ما اعتقدتَ الدَّهْرَ يا صَاحِ هَذِه
فأنتَ عَلَى خَيْرٍ تَبِيتُ وتُصْبِحُ
10-ومنها: ما قاله أبو بكرٍ حُميد القرطبي-رحمه الله-من (البسيط):
نُورُ الحديثِ مُبِينٌ فَادْنُ واقْتَبِسِ
وَاحِدُ الرِّكَابِ لَهُ نَحْوَ الرِّضىَ النَّدُسِ
__________
(1) -انظر: (شرف أصحاب الحديث) (ص:109).
(2) -وفي بعض النسخ (انتسَبَ) بدل اعتزى: (رونق القرطاس) (ص:64/65).(1/427)
واطلبه بِالصّين (1) فهو العِلمُ إن رُفِعَتْ
أعْلاَمهُ برُباها يا ابن اندلُسِ
فلا تضعْ في سِوى تقييدِ شارِدِهِ
عمراً يفوتكَ بين اللَّحْظِ و النَّفَسِ
وَخلِّ سَمْعَكَ عن بَلْوَى أخي جَدَلٍ
شغلُ اللبيب بها ضرْبٌ من الهوَسِ
ما إن سَمتْ بأبي بكرٍ ولاَ عمرٍ
ولا أتتْ عن أبي هرٍّ ولا أنسِ
إلاَّ هوىً وخصوماتٌ ملفّقةٌ
ليستْ برَطْبٍ إذا أعدَّتْ ولا يبسِ
فلاَ يغّرُّكَ مِنْ أربابها هَذَرٌ
أَجدَى وجدُّكَ منْها نَغْمَةُ الجرَسِ
أعرْهُمُ آذاناً صماً إذا انطقوا
وَكنْ إذَا سألُوا تعزَى إلى خرَسِ
ما العلْمُ إلا كتاب الله أوْ أثَرٌ
يجْلو بنورِ هُداهُ كلَّ مُلتبسِ
نورٌ لمقتبسٍ خيرٌ لملتمسٍ
حمىً لمحترِسٍ نعمى لمبتئسِ
فَاعْكُفْ بِبَابِهما عَلى طُلاّبِهِمَا
تَمحُو العمى بِهِمَا عن كُلِّ مُلْتَمِسِ
وَرِدْ بِقَلْبِكَ عَذْباً منْ حِياضِهِمَا
تَغْسِلْ بِمَاءِ الهُدى ما فيه من دَنَسِ
وَاقْفُ النبيَّ وأتباعَ وَكُنْ
مِنْ هَديهم أبداً تَدْنُو إلى قَبَسِ (2)
والْزَمْ مَجَالِسَهُم واحفَظْ مُجَالِسَهُمْ
واندُبْ مَدَارِسَهُمْ بالأربعِ الدُّرُسِ
واسْلُكْ طَرِيقَهُمُ والزَمْ فريقَهُمُ
تَكُن رَفِيقَهُمُ في حضْرَةِ القُدُسِ
تلك السعادةُ إنْ تُلمِمْ بِسَاحتِها
فَحُطَّ رحْلَكَ قَدْ عُوفِيتَ مِن تَعَسِ
11-وقال مجد الدين محمد الإرْبَلي:
إذا شئت أن تتوخَّى الهدى*وأنْ تأتيَّ الْحَقَّ من بابهِ
__________
(1) -حديث: (اطلبوا العلم ولو بالصين) باطل، انظر (أسنى المطالب) (208)، و(ترتيب الموضوعات) (111)، ( ... الإفادة) (29)، و(الجامع المصنف) (156)، و(الشذرة) (570)، و(الضعيفة) (416)، و(الغماز) (26)، و(الفوائد الموضوعة) (153)، و( ... الخفايا) (1665)، و(مختصر المقاصد) (109)، و(المشتهر) (61)، و(المقاصد الحسنة) (658)، و(الموضوعات) (1/215)، و(نصيحة الداعية) (17).
(2) -تدنو: تقترب، إلى قبس. القبس: شعلة نار، وهي كناية عن النور.(1/428)
فَدَعْ كُلَّ قَوْلٍ وَمَنْ قَالَهُ* لِقَوْلِ النَّبِيّ وَأَصْحَابِهِ
فَلَمْ يَنْجُ مِنْ مُحْدثَاتِ الأمُورِ* بِغَيْرِ الحَدِيثِ وأربَابِهِ
قال الحافظ الصُّوري-نسبة إلى مدينة صور بلبنان-في مدح أهل الحديث:
قُلْ لِمَنْ عَانَدَ الحَديثَ وأضحى * عائباً أهْلَه وَمن يَدَّعِيهِ
أبِعِلْمٍ تقولُ هَذَا أبِنْ لي * أم بِجَهْل فالجَهْل خُلقُ السفيه؟
أيُعابُ الذين هم حفِظُوا الدّيـ * ـنَ مِن التُّرَّهَاتِ والتَّمْوِيهِ
وَإلى قولهمْ وما قد رَوَوْهُ * راجعٌ كلُّ عالمٍ و فقيهٍ
12-ومدحهم أيضاً تلميذ ابن حزم الحافظ الحميدي الظاهري صاحب(جذوة المُقْتَبَس) فقال:
كتاب الله عز وجل قولي
وما صحت به الآثارُ دِيني
و ما اتفق الجميعُ عليه بَدْءاً
وعوْداً فَهْوَ من حق يقين
فدَعْ ما صدَّ عن هَذا وخُذْها
تكن منها على عَيْنِ اليقين (1)
13-قال العلامة محمد بن إبراهيم في كتابه النفيس (الروض الباسم في الذب عن سنة أبي القاسم) المختصر من كتابه العظيم: (العواصم والقواصم) وهو في الرد على مبتدعة الزيدية-طبع الكتابان معاً الأول طبع قديماً بالمطبعة المنيرية طبعة تجارية في مجلد وسط ثم طبع محققاً بالحجاز في مجلدين، وكذا في دار الكتب العلمية، وأصله (العواصم) طبع مؤسسة الرسالة بتحقيق شعيب الأرناؤوط في تسع مجلدات:
عليك بأصحاب الحديث الأفاضلِ
تجد عندهم كلَّ الهُدى والفضائلِ
أَحِنّ إليهم كُلَّما هبتْ الصَّبَا
وأدْعو إليهمْ في الضُّحى والأصائلِ
لئن شَحَّتِ الأيام في الجَمْع بيننا
سَخَتْ بالقوافِي بيننا والرسائل
وقد تَلْتقِي الأرواحُ والبَوْنُ نازحٌ
__________
(1) -قال شيخنا أبو أويس محمد بوخبزة في (رونق القرطاس ومجلب الإيناس) (ص64):(لاحظ تَنَكُّبَه عن القياس لأنه ينكره كشيخه ابن حزم).(1/429)
عن الجمع للأشباحِ ذات الهياكل (1)
فيا ليت شعري والأمانيُّ ضَِلَّة (2)
متى نلتقي بَعْد النَّوَى المتطاول؟
شيوخُ حديث المصطفى ومعادنُ التـ
ـقى وبدورٌ نورُهم غيرُ آفِلِ
شَفَوْا عِلَلَ الأكباد منه وأصبحوا
و قد لَبسوا منه نفيس الغلائل
هُمُ نصحوا منها الصحيح وبَيَّنُوا
معارفه في الممتعات الحوافل (3)
فَهْمُ في مبانيهم جبالٌ منيفةٌ
وهُمْ في مغانيهم (4) شموس المحافل
يذُبون عن دين النبي محمدٍ
بألسنةٍ مثلِ السيوفِ الفواصلِ
دليلهُمُ قولُ الرسول وفعلُه
وذلك يومَ الفصل أقوى الدلائلِ
ومدرسُهم آي الكتاب، وإنه
لأقمعُ بِرهانٍ لكل مناضل
هُمَا حجةُ الإسلام لا ما يطيش من
دِمَاغٍ ألدٍّ في الخصام مجادل
و لولاهُما كان ابن سينا مُنَزَّلا
من العلم في أعلى بروج المنازل
وكان ابن مسعود وأعلام عصره
من الصَّحْبِ في مَهْوَى من الجهل نازلِ
فلا تقْتدوا إلا بِهِم وتيمَّموا
لهم منهجاً كالقِدْح ليس بمائلِ
ألم تر أن المصطفى يومَ جاءه الـ
وليد بِصَوْل الأحوذي المجادل
تجنب منهاج المِرا، وتَلا لَهُ
من السجدة (5) الآيات ذات الفواصلِ
ولم تجْعَل القرآن غيرَ مُصَدّقِ
إذا لم تقدمه دروس الأوائلِ
كذا فِعَل الطيار (6) يوم خطابه
لأصْحَمَةٍ (7) بين الخُصُوم المقاوَلِ
تَلاَ لَهُمْ آيُ الكتاب فأيقنوا
بها بِشهادة الدموع الهواطل
إلى ذاك صار الأذكياءُ من الورى
وعادوا إليه بَعْدَ بُعْدِ المراحلِ
أبو حامدٍ وابن الخطيب وهكذا (8)
__________
(1) -قال شيخنا أبو أويس في كتابه النفيس: (رونق القرطاس، ومجلب الإيناس) (ص:63): (لعله يُومي بهذا إلى الحافظ ابن حجر والهيثمي والسخاوي... ولم يلقهم لأنه في اليمن وأولئك بمصر).
(2) -الضّلة: ضد الهدى. (الرونق) (ص:63).
(3) -قال شيخنا في (الرونق) (ص:63): (يقصد المؤلفات كفتح الباري ونحوه).
(4) -أي:منازلهم.
(5) -يعني سورة السجدة.
(6) -جعفر بن عبد المطلب.
(7) -النجاشي.
(8) -ابن الخطيب: هو الفخر الرازي.(1/430)
الإمام الجُوَّينيُّ الذي لم يماثلِ
كذا ابن عقيل (1) وهْو أبرع عاقِلٍ
غدا وهو معقول لبعض العقائِلِ
فلا تسْبَحُوا في لجة البحرِ وابْعدوا
عن الخوضِ فيها واكتفوا بالسواحلِ
فإن لم يكن بُدٌّ من الخوض فاجعلوا
مَوَارِدَكم مستعذبات المناهل
عليكم بقول المصطفى فهْو عصمة
و ما عاقل عما يقول بعادلِ
سعدتُّ بِذَبِّي عن حماه وحبّه
كما شقيتْ بالصَّدَّ عنه عواذلِ
14-وقال في (الروض الباسم) (2) : (فإن المتمسكين بالآثار النبوية: هم خير الفرق الإسلامية؛ لأنهم أشبه الخَلْقِ خُلُقاً وسيرةً وعقيدةً برسول الله-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-.
والمحدث إذا كان مراعياً للسنة؛ مجانباً للبدعة، ملاحظاً لما كان عليه السلف، فهو جدير بإجماع من يعتد به على صحة ما هو عليه، وقوة ما استند إليه.
وإن كان من بعض الفرق المبتدعة فهو خير تلك الفرقة، وأشبههم خُلُقاً وسيرة برسول الله-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-، وهذا هو الغالب، ولا عبرة بالنادر، ولا بمن ليس من أهل الديانة).
ثم قال:
منطق الأولياء والأديان: * منطق الأنبياء والقرآن (3)
ولأهل النجاح عند التماري * منطق الأذكياء واليونان
فإذا ما جمعت علمَ الفريقيـ*ـن فكن مائلاً إلى الفرقانِ
وإذا ما اكتفيت يوماً بعلمٍ *كان علمَ المحدثِ الربَّاني
إن علم الحديث علمُ رجال * ورثوا هديَ ناسخ الأديانِ
جمَعوا طُرْق ما تواتر عنه * وَ رَوَوْا بَعْده صحيحَ المبَاني
وَرَوَوْا بَعْدَه حسانَ الأحاد*يث وَوَهَّوْا ما دون شرط الحِسَانِ
واعتنوا بالتفسير من غير ضبطٍ * في دعاوي معنىً بغير بيانِ
و أبانوا نقد الرواة بياناً * يكشِفُ الغامضاتِ للعُميان
__________
(1) -أبو الوفاء.
(2) -انظر: (الروض الباسم) (ص:238).
(3) -قال شيخنا في (الرونق) (ص:64): (للناظم رحمه الله كتاب: (ترجيح أساليب القرآن على أساليب اليونان) وقد طبع وهو جيد في بابه.(1/431)
فانظروا في مصنَّف ابن عديٍّ * وكتاب التكميل والميزان (1)
تعلموا أنهم قد اعتمدوا النص*ح وصححوا عن علةِ الأذهانِ
واستدلُّوا بالمسندات العوالي* في تفاريع دينهم والمباني
عملاً بالمظنون منها وقطعاً * باعتقاد المعلوم في الأديانِ
فإذا جئتَهُم تُريدَنَّ أمْراً * شمت هدْيَ المبعوث من عدْنانِ
قد رضوا ما رماهم منطقيّ * بهدى أهل بيعة الرضوان
فلُقياهُم عندي أجلُّ الأماني * وهواهمْ علامة الإيماني
15-قال الحافظ الذهبي في ترجمة: محمد بن أبي المعالي سعيد بن يحيى أبو عبد الله الدبيثي: (ولابن الدبيثي مما رواه عنه ابن النجار في (تاريخه) وانقطعت إجازته اليوم.
قال:
إذا اختار كل الناس في الدين مذهباً
وصوَّبه رأياً ودققه فعلاً
فإني أرى علم الحديث وأهله
أحقَّ اتِّباعاً بل أسَدَّه سُبلا
لِتَركهمُ فيه القياسَ وكونهم
يؤمُّون ما قال الرسول وما أملى
أنشدني أبو الحسن علي بن أحمد الحُسيني، قال: أنشدنا أبو عبد الله الدبيثي لنفسه:
علمُ الحديث فضيلةٌ تحصيلها
بالسعي والتطواف في الأمصارِ
فإذا أردتَ حصولها بإجازة
فقد استعضتَ الصُّفْرَ بالدينارِ (2)
16-قال الحافظ الذهبي في ترجمة: عبد المحسن بن حُمُود أبو الفضل التنوخي: (ومن شعره:
اشتغل بالحديث إن كنت ذا فهـ
ـم ففيه المراد والإيثارُ
فهو للعلم معلم وبه بيـ
ــن ذوي الدين تحسُنُ الآثارُ
إنما الرأي والقياس ظلامٌ
والأحاديثُ للورى أنوارُ
كن بما قد علمتَهُ عاملاً فالـ
ـعلم دَوحٌ منهن تُجنى الثمارُ
وإذا كنت عالماً وعليماً * بالأحاديث لن تمسَّك نارُ) (3) .
17-وقال بعض الأدباء:
قناديلُ دين الله يَسعى بحملها
__________
(1) -المراد: (الكامل) لابن عدي وهو أوسع كتاب في الضعفاء وقد طبع طبعاً تجارياً في 9 مجلدات، و(الميزان) للذهبي و(لسانه) للحافظ ابن حجر ولا غنى به عن لسان وقد طبع محققاً. (الرونق) (ص:64).
(2) -انظر: (14\250\251\رقم:497).
(3) -انظر: (14\\453\رقم:211).(1/432)
رجالٌ بهم يحيا حديثُ محمدِ
همُ حملوا الآثار عن كل عالِمٍ
تقيٍّ، صدوقٍ، فاضلٍ مُتعبِّدِ
مَحابرهمْ زهرٌ تُضيء كأنها
قناديلُ حَبْرٍ ناسكٍ وسْطَ مسجدِ
تساقُ إلى من كان في الفقه عالماً*
ومَن صنف الأحكامَ من كل مُسندِ
18-قال أبو مزاحم الخاقاني-رحمه الله تعالى-:
أهل الحديث همُ الناجون إنْ عملوا
به إذا ما أتى عن كل مؤتمَنِ
قد قيل إنهم خيرُ العباد على
ما كان فيهمْ إذا أنجوا من الفِتَنِ
من مات منهم كذا حانتْ شهادته
فطاب من ميِّتٍ في اللحد مرتَهَنِ
19-قال أحمد بن منصور الشيرازي:
عليكم بالحديث فليس شيء * يعادله على كل الجهات
نصحت لكم فإن الدين نُصحُ * ولا أخفي نصائح واجباتِ
وجدنا في الرواية كلَّ فقهٍ * وأحكاماً ومن كل اللغاتِ
بذكر المسندات أنِستُ ليلِي * وحفظ العلم خير الفائدات
ومن طلب الحديث أفاد ذُخراً * وفضلاً ثم ديناً ذا ثَباتِ
عليكم في الروايات اللواتي * رواها مالك أزكى الرواةِ
وشعبة وابن عمرو وابن زيدٍ *وسفيانُ:الثقاتُ عن الثقاتِ
ويحيى وابن حنبل المزكى * وإسحاق الرضا وابن الفراتِ
أئمتنا النجومُ وهل رشيدُ * تكلم في النجوم الزاهرات
20- روى الخطيب عن قتيبة بن سعيد أنه قال: (إذا رأيت الرجل يحب أهل الحديث مثل:
1-يحيى بن سعيد القطان،
2-وعبد الرحمن بن مهدي،
3-وأحمد بن حنبل،
وإسحاق بن راهويه،-وذكر قوماً آخرين-فإنه على السنة، ومن خالف هذا فاعلم أنه مبتدع).
ثم أنشد لأحمد بن كامل الخواص:
ذهبت دولة أصحاب البدعْ * ووهى حبلهمُ ثم انقطعْ
و تداعى بانصراف جمعهم * حزب إبليسَ الذي كان جَمَعْ
هل لهم يا قومُ في بدعتهم * من فقيه أو: إمام يُتَّبَعْ
مثل سفيان أخي ثورِ الذي * علَّم الناس دقيقات الورعْ
أو: سليمان أخي التيم الذي * ترك النوم لهول المطَّلَعْ
أو: فتى الإسلام أعني أحمدا * ذاك لو قارعه القُراء قَرَعْ(1/433)
لم يَخف سوطَهُمُ إذ خوفوا * لا ولا سيفَهُمُ حين لَمَعْ (1)
21-قال عبدة بن زياد الأصبهاني-وقد ادعى بعضهم: أن الأبيات للإمام أحمد!-:
دين النبي محمد أخبار
نعم المطيةُ للفتى آثارُ
لا تُخْدَعَن (2) عن الحديث وأهله
فالرأي ليل والحديث نهارُ
ولربما غلط الفتى سُبُل الهدى (3)
والشمس بازغة لها أنوارُ (4)
22-قال أبو مزاحم الخاقاني-رحمه الله تعالى-:
أهل الكلام وأهل الرأي قد عدموا
علمَ الحديث الذي ينجو به الرجلُ
لو أنهم عرفوا الآثار ما انحرفوا
عنها إلى غيرها، لكنهم جهلُوا
23-وقال أبو زيد الفقيه:
كل الكلام سوى القرآن زندقة
إلا الحديثَ وإلا الفقه في الدينِ
و العلمُ مُتَّبَعٌ ما كان "حدثنا"
وما سوى ذاك وسواس الشياطينِ
24-ومما قرأته في (السير) (21\29) للحافظ الذهبي-رحمه الله-في ترجمة الحافظ السِّلفي: قصيدة رائعة للحافظ السلفي-رحمه الله-ذكر فيها كثيراً من علماء أهل الحديث ومدحهم، وجمهرة من رؤوس البدعة والضلال فذمهم وأبلغ، فلله دره-رحمه الله تعالى ونفعنا بعلمه فقال:
دعوني من (5) أسانيد الضِّلال
و هاتوا من أسانيدٍ عوالي
رِخاص عند أهل الجهل طُراً
و عند العارفين بها غوالي
عن أشياخ الحديث وما رواه
إمامٌ في العلوم على الكمال
كمالكٍ أو:كمعمرٍ المُزكَّى
وشعبةَ أو: كسفيانَ الهلالي
وسفيانَ العراق وليثِ مصرٍ
فقِدماً كان معدومَ المثال
والأوزاعي (6) فهْو له بشرع النـ
بيِّ المصطفى أو فى اتصال
ومِسعرٍ (7) الذي في كل علمٍ
__________
(1) -انظر: (شرف أصحاب الحديث) (ص:134).
(2) -وفي رواية: (لا ترغبن).
(3) -وفي رواية: (ولربما جهل الفتى أثر الهدى).
(4) -انظر: (نزل الأبرار بالعلم المأثور من الأدعية والأذكار) (ص:161) لصديق حسن خان.
(5) -وفي نسخة: (عن) بدل: (من).
(6) - الإمام المشهور أبو عمرو عبد الرحمن بن عمرو، المتوفى سنة: (157).
(7) - يعني: مسعر بن كدام الهلالي الكوفي الثبت الثقة، المتوفى سنة: (153، أو: سنة:155 هـ).(1/434)
يُشارُ كذا إليه كالهلال
وزائدةَ (1) وزد أيضاً جريراً (2)
كل منهما رَجُلُ النِّضال
وكابن مباركٍ (3) أو:كابن وهبٍ (4)
وكالقطَّان (5) ذي شَرَفٍ وحالِ
و حمادٍ و حمادٍ (6) جميعاً
و كابن الدستوائيّ (7) الجمالِ
وبعدهم وكيعٍ (8) وابنِ مهدي (9)
المهديِّ في كل الخِلالِ
ومكيٍّ (10) ووهبٍ (11) والحميدي
عبد الله (12) ليثٍ ذي صيالِ
وضحاكٍ (13) عُقَيْبَ يزيدَ (14) أعني
__________
(1) - هو: أبو الصلت زائدة بن قدامة الثقفي الكوفي، المتوفى سنة: (160 هـ).
(2) -هو: جرير بن عبد الحميد بن قُرط الضبي الكوفي، نزيل المري، المتوفى سنة: (188 هـ).
(3) -يعني عبد الله الإمام المشهور، والمجاهد المنصور، المتوفى سنة: (181 هـ).
(4) -هو: عبد الله بن وهب بن مسلم القرشي، مولاهم، أبو محمد المصري، الفقيه، المتوفى سنة: (197 هـ).
(5) -هو: يحيى بن سعيد بن فروخ التميمي، أبو سعيد القطان المصري، المتوفى سنة: (188 هـ).
(6) -يعني الحمادين: حماد بن زيد بن درهم الأزدي الجهضمي البصري، وحماد بن أسامة القرشي الكوفي، المتوفى سنة: (201 هـ)-رحمهما الله-.
(7) -هو: أبو بكر هشام بن أبي عبد الله الدستوائي البصري البكري، المتوفى سنة: (153هـ).
(8) -هو: وكيع بن الجراح الرؤاسي، أبو سفيان الكوفي، المتوفى سنة: (196 هـ).
(9) -هو: عبد الرحمن بن مهدي بن حسان العنبري، مولاهم، أبو سعيد البصري الثقة الثبت، المتوفى سنة: (198 هـ).
(10) -هو: أبو السكن، مكي بن إبراهيم بن بشير التيمي البلخي، المتوفى سنة: (215 هـ).
(11) -هو: وهب بن جرير بن حازم بن زيد، أبو عبد الله الأزدي البصري، المتوفى سنة: (206 هـ).
(12) -هو: عبد الله بن الزبير بن عيسى الحميدي القرشي صاحب الشافعي، المتوفى سنة: (219 هـ).
(13) -لا ريب أنه يريد الضحاك بن مخلد بن الضحاك بن مسلم الشيباني، وهو أبو عاصم النبيل، المتوفى سنة: (212 هـ).
(14) -هو: يزيد بن هارون بن زاذان السلمي، مولاهم، أبو خالد الواسطي، المتوفى سنة: (201 هـ).(1/435)
ابنَ هارونَ المحققَ في الخصال
كذاك طيالسيَّا البصرة (1) اذكرْ
فما روياه من أثرٍ لآلي
وعَفانُ (2) نعَم وأبو نُعيمٍ (3)
حميدا الحال مرضيَّا الفِعالِ
ويحيى (4) شيخ نيسابورَ ثم الـ
ـإمامُ الشافعيُّ المقتدى لِي
كذاكم ابن خالدٍ (5) المكنَّى
أبا ثور وكان حوى المعالي
و أيضاً فالصدوق أبو عُبيدٍ (6)
فأعلامٌ من أرباب المقالِ
كيحيى (7) وابن حنبلٍ المعلى
بمعرفة المتون و بالرجال
وإسحاقَ (8) التقيِّ وفتى نُجيحٍ (9)
و عبدِ الله (10) ذي مدحٍ طُوال
__________
(1) -طيالسيا البصرة هما: أبو داود سليمان بن داود الجارود الطيالسي الفارسي الأصل، البصري، المتوفى سنة: (203 هـ)، وأبو الوليد هشام بن عبد الملك الطيالسي، مولى باهلة، المتوفى سنة: (227 هـ)-رحمهما الله-
(2) -هو: عفان بن مسلم بن عبد الله الباهلي، أبو عثمان الصفار البصري، المتوفى سنة: (219 هـ).
(3) -هو: الفضل بن دكين الكوفي الأحول، أبو نعيم الملائي، المتوفى سنة: (218 أو: سنة:219 هـ).
(4) -لعله يريد أبا زكرياء يحيى بن بكير بن عبد الرحمن التميمي النيسابوري، الإمام الثقة الثبت المتوفى سنة: (240هـ).
(5) -هو: إبراهيم بن خالد بن أبي اليمام الكلبي، أبو ثور الفقيه صاحب الشافعي، ثقة، المتوفى سنة: (240 هـ).
(6) -من المؤكد أنه يقصد القاسم بن سلام البغدادي الإمام المشهور، المتوفى سنة: (224 هـ).
(7) -هو: يحيى بن معين، أبو زكرياء البغدادي، الثقة الحافظ المشهور، إمام الجرح والتعديل، المتوفى سنة: (336 هـ).
(8) -هو: إسحاق بن إبراهيم بن مخلد الحنظلي، أبو محمد بن راهويه المروزي، قرين الإمام أحمد بن حنبل، المتوفى سنة: (238 هـ).
(9) -يعني به علي بن المديني الناقد المحدث المشهور، إمام العلل، المتوفى سنة: (234 هـ).
(10) -قال الحافظ الذهبي في (السير) (21\29): (إسحاق هو ابن راهويه، وفتى نجيح: ابن المديني، وعبد الله هو: ابن أبي شيبة).(1/436)
وعثمان (1) الرضى أخيه أيضاً
وكالطوسيِّ (2) ركنِ الابتهالِ
و كالنسويِّ (3) أعنيه زُهيراً
ويُعرف بابن حربٍ في المجالِ
وكالذهلي (4) شمسِ الشرق عدلٍ
يُعَدِّله المُعادي والموالي
وأصحابِ الصحاح الخمسةِ اعلم
رجال في الشريعة كالجبال
وكابن شجاع البَلخيِّ (5) ثم الـ
ـسَّمرقنديِّ (6) مَن هو رأس مالي
وبُوشَنجيِّهم (7) ثم ابن نصرٍ (8)
بمرو مُقَدَّم فيهم ثمال (9)
(وبالريّ ابن وارة (10) ذو افتنان
وترباه (11) كذالك على التوالي)
__________
(1) -هو: عبد الله بن محمد بن أبي شيبة، صاحب التصانيف، المتوفى سنة: (235 هـ).
(2) -هو: أبو هاشم زياد بن أيوب بن زياد البغدادي، أبو هاشم الطوسي الذي لقبه الإمام أحمد بشعبة الصغير المتوفى سنة: (252 هـ).
(3) -هو: زهير بن حرب بن شداد، أبو خيثمة النسائي، نزيل بغداد، المتوفى سنة: (234 هـ).
(4) -هو: محمد بن يحيى الذهلي النيسابوري الثقة الحافظ، المتوفى سنة: (258 هـ) على الصحيح..
(5) -هو: الحسن بن شجاع، أبو علي البلخي، المتوفى سنة: (244 هـ).
(6) -هو: الحافظ العلم، أبو محمد رجاء بن مرجي السمرقندي مفيد بغداد، المتوفى سنة: (249 هـ).
(7) -ما نظنه قصد غير إبراهيم بن سعيد البوشنجي، المتوفى سنة: (290 هـ)، فهو وإن تأخرت وفاته قد روى عنه البخاري، وعاش بضعاً وثمانين سنة، وكان حافظاً فقيهاً ثقة..
(8) -هو: الإمام الحافظ أبو عبد الله بن نصر القرشي النيسابوري، المتوفى سنة: (245 هـ).
(9) -الثمال: بالكسر "الغياث" وفلان ثمال بني فلان: أي عمادهم وغياث لهم يقوم بأمرهم، كما في (لسان).
(10) -هو: أبو عبد الله محمد بن مسلم بن عثمان بن وارة الرازي، الحافظ الثبت، المتوفى سنة: (270 هـ).
(11) -هما: أبو زرعة عبيد الله بن عبد الكريم الرازي الناقد المشهور-أو: الجراح والقصاب على حد تعبير الحافظ الذهبي، المتوفى سنة: (264 هـ)، وأبو حاتم محمد بن إدريس الرازي، المتوفى سنة: (277 هـ).(1/437)
كذاك ابن الفرات (1) وكان سيفاً
على البدعيِّ يَطعنُ كالإلال
كذا الحربيُّ (2) أحربه وحربُ
ابنُ إسماعيل خيرٌ ذو منال
ويعقوبُ (3) ويعقوبان (4) أيضاً
سواه وابنُ سنجرٍ (5) الثمالِ
وصالحٌ الرضيُّ وأخوه منهم
كذاك الدارميُّ (6) أخو المعالي
وصالحٌ الملقَّبُ (7) وابنُ عمروٍ
دمشقيٌّ (8) حليمٌ ذو احتمال
ونجل جرير (9) إذ تُوفي وترْبي
مناقبه على عددِ الرمال
كذا ابنُ خُزيمةَ (10) السُّلمي ثم ابنـ
__________
(1) -هو: أحمد بن الفرات، العلامة الفهامة، والحافظ الحجة، أبو مسعود الرازي صاحب التصانيف، المتوفى سنة: (258 هـ).
(2) -هو: أبو إسحاق إبراهيم بن إسحاق البغدادي الحربي، المتوفى سنة: (285 هـ).
(3) -هو: يعقوب بن سفيان الفسوي، صاحب (المعرفة والتاريخ)، المتوفى سنة: (277هـ).
(4) -في الأصل: ويعقوبين. هما: يعقوب بن شيبة المتوفى سنة: (262 هـ)، ويعقوب بن إبراهيم الدورقي، المتوفى سنة: (252 هـ).
(5) -هو: الحافظ الكبير محمد بن سنجر، المتوفى سنة (258)، وكان في الأصل من أهل جرجان ثم سكن مصر.
(6) -هو: أبو سعيد عثمان بن سعيد الدارمي، المتوفى سنة: (270 هـ).
(7) -في الأصل: (وصالح الملقب جزرة)، ولا يستقيم البيت بها، وكأن (جزرة)، وهو لقب صالح بن محمد بن عمر البغدادي، المتوفى سنة: (193 هـ)، قد أضيف إلى النص للتوضيح، ولم يكن من الأصل، والسلفي إنما أراد القول بـ(الملقب) جزرة، لأنه مشهور بذلك.
(8) -لم نجد دمشقياً عُرف بابن عمر، من طبقة صالح جزرة، ولكن يحتمل أن يكون قصد الحافظ العلامة أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البصري المعروف بالبزار، صاحب المسند المشهور، المتوفى سنة: (292 هـ)، والبزار قد سكن الشام آخر عمره، وتوفي بالرملة.
(9) -هو: محمد بن جرير الطبري صاحب المؤلفات العظيمة من أهمها: (التاريخ)، و(التفسير)، المتوفى سنة: (310 هـ).
(10) -هو: إمام الأئمة أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة السلمي النيسابوري، المتوفى سنة: (311 هـ).(1/438)
ـنُ منده (1) مُقْتَدَى مُدُنِ الجبالِ
وخلقٌ تقصر الأوصاف عنهم
و عن أحوالهم حالَ السؤالِ
سموا بالعلم حين سما سواهم
لدى الجهال بالرمَم البوالي
و مع هذا المحل وما حووه
فآلُهُم كذلك خير آل
مضوا والذكر من كل جميلٍ
على المعهود في الحقَب الخوالي
أطاب الله مثواهم فقِدماً
تَعَنَّوْا في طلابهمُ العوالي
وبعد حصولها لهم تصدَّوا
كذلك للرواية و الأمالي
و تُلْفي الكلّ منهم حين يُلقى
من آثار العبادة كالخلال
و ها أنا شارعٌ في شرع ديني
و وصفِ عقيدتي و خَفيِّ حالي
وأجهدُ في البيان بقدر وُسعي
وتخليصِ العقولِ من العقالِ
بشعرٍ لا كشعر بل: كسحرٍ
ولفظٍ كالشمولِ بل: الشِّمال
فلستُ الدهر إمّعةً وما إن
أزلَّ و لا أَزول لذي النِّزالِ
فلا تَصحبْ سوى السنّيِّ ديناً
لتحمدَ ما نصحتك في المآلِ
وجانبْ كل مبتدع تراه
فما إن عندهم غيرُ المحالِ
و دعْ آراء أهل الزيغ رأساً
و لا تَغْرُرْك حذْلقة الرِّذال
فليس يدوم للبدعيِّ رأيٌ
و من أين المقرُّ لذي ارتحال
يوافي حائراً في كل حالٍ
وقد خلَّى طريق الاعتدال
و يترك دائباً رأياً لرأيٍ
ومنه كذا سريع الانتقال
وعمدة ما يدين به سِفاهاً
فأحداث من أبواب الجدالِ
وقول أئمةِ الزيغ الذي لا
يشابهه سوى الداء العضالِ
كمَعبَدٍ (2) المضَلَّلِ في هواه
وواصلٍ (3) أو:كغيلانَ (4) المحالِ
__________
(1) -آل منده العبديون الأصبهانيون من بيوتات العلم المشهورة التي خرجت العديد من العلماء، والذي أشار الإمام الحافظ السلفي إليه هنا أبو عبد الله الحافظ محمد بن يحيى بن منده-رحمه الله تعالى-، المتوفى سنة: (301 هـ).
(2) -هو: معبد بن عبد الله الجُهني البصري، أول من قال بالقدر في البصرة، قُتل سنة: (80 هـ).
(3) -هو: واصل بن عطاء الغزال، رأس المعتزلة والمتكلمين، وتنسب إليه طائفة "الواصلية" من المعتزلة. مات واستراحت منه الأمة سنة: (131 هـ).
(4) -هو: غيلان الدمشقي، رأس القدرية، قتله الخليفة هشام بن عبد الملك.(1/439)
وجَعْدٍ (1) ثم جَهْمٍ (2) وابنِ حربٍ (3)
حَمِيرٍ يستحقون المَخَالي
وثَوْرٍ (4) كاسمه أو: شئت فاقلبْ
وحفصٍ (5) الفردِ (6) قِردٍ ذي افتعالِ
وبشرٍ (7) لا رأى بشرى فمنه
تَوَلَّدَ كلُّ شر واختلال
وأتباعُ ابن كُلاَّبٍ (8) كِلاَبُ
على التحقيق هم من شر آل
وكذاك أبو الهذيل (9) وكان مولى
لعبد القيس قد شانَ الموالي
ولا تنس ابن أشْرَسَ المُكنَّى
أبا معنٍ ثمامةَ (10) فهو غالي
ولا ابنَ الحارث البصريَّ ذاك
مُضِلٌّ على اجتهادٍ واحتفالِ
ولا الكوفيَّ أعنيه ضِرارَ بـ
ـن عمروٍ فهو للبصريِّ تالِي
كذاك ابنَ الأصمِّ (11) ومن قفاه
__________
(1) -هو: الجعد بن درهم الذي كان مؤدباً لمروان بن محمد آخر الأمويين، وكان من القائلين بخلق القرآن، يُروى ويقال: قتله خالد القسري!.
(2) -هو: جهم بن صفوان، وهو مشهور بآرائه أثرت في تكوين آراء المعتزلة مات سنة: (128 هـ).
(3) -هو: جعفر بن حرب الهمداني، من أئمة معتزلة بغداد، المتوفى سنة: (236 هـ).
(4) -هو: أحد المبتدعة، انظر ترجمته في: (ميزان الاعتدال) (1\564).
(5) -وفي: (القرد) بالقاف، ولعل الذي ورد هنا هو الصحيح، وانظر: (الفهرست) (255) لابن النديم.
(6) -لدينا اثنان يعرفان بهذا الاسم من كبار المعتزلة: الأول: بشر بن المعتمر البغدادي، المتوفى سنة: (210 هـ)، وإليه تنسب الطائفة: "البشرية"، والثاني: هو بشر بن غياث بن عبد الرحمن المريسي، المتوفى سنة: (218 هـ)، وإليه تنسب الطائفة: "المريسية" ولعله هو المقصود هنا.
(7) -هو: عبد الله بنه سعيد بن كلاب بضم الكاف وتشديد اللام، البصري المتكلم، رئيس الطائفة المعروفة بالكلابية، وضبطه الذهبي في (المشتبه) (555).
(8) -هو: أبو الهذيل العلاف، شيخ معتزلة البصريين، المتوفى سنة: (226 هـ).
(9) -وكان ثمامة بن الأشرس من كبار المعتزلة... المتوفى سنة: (213 هـ).
(10) -البصري وضرار بن عمرو القاضي وابن الأصم من كبار المعتزلة.
(11) -هو: المتوفى سنة: ( هـ).(1/440)
و من أوباش البهاشمة (1) النغالِ
و عمرو هكذا أعني ابن بحرٍ (2)
و غيرهم من أصحاب الشمالِ
فَرَأْيُ أُولاء لا يُفيد شيئاً
سوى الهذيانِ من قيلٍ وقالِ
وكل هوىً ومحدثةٍ ضلالٌ
ضعيفٌ في الحقيقة كالخيالِ
فهذا ما أدين به إلهي
تعالى عن شبيهٍ أو مثالِ
وما نافاه من خِدَعٍ وزرٍ
و من بدعٍ فلم يخطر ببالي
25-ذكر الحافظ الذهبي في (السير) أن الإمام الحافظ ابن حزم قال:
أنائمٌ أنت عن كُتُب الحديث وما
أتى عن المصطفى فيها من الدين
كمسلمٍ والبخاريِّ اللذيْن هما
شدَّا عرى الدين في نقلٍ وتبيِينِ
أَوْلَى بأجرٍ وتعظيمٍ ومحمدةٍ
من كل قولٍ أتَى من رأيِ سحنونِ
يا مَن هَدَى بهما اجعلني كمثلهما
في نصرِ دينك محضاً غيرَ مفتونِ (3)
26-وقال أبو العباس العزفي:
أهل الحديث عصابة الحق * فازوا بدعوة سيد الخلق
فوجوههم زَهْرٌ مُنَضَّرة * لآلِؤُها كتألُّقِ البرقِ
يا ليتني معهم فيدركني *ما أدركوه بها من السِِّبقِ (4)
27-روى الحافظ الخطيب عن أبي جعفر النُّفيلي أنه قال: (فإن كان على أهل الأرض أحد ينجو فهؤلاء الذين يطلبون الحديث) ثم ذكر عن أبي المزاحم الخاقاني أنه أنشد:
أهل الحديث هم الناجون إن عملوا
به ما أتى عن كل مؤتَمِنِ
قد قيل إنهم خيرُ العباد على
ما كان فيهم إذا ما أُنجوا من الفتنِ
مَن مات منهم كذا حانت شهادته
__________
(1) -نسبة إلى أبي هاشم عبد السلام بن أبي علي الجبائي، رئيس معتزلة البصرة بعد أبيه، والمتوفى سنة: (321 هـ)، وتسمى فرقته "البهشمية" وأتباعها: البهاشمة..
(2) -يعني الجاحظ المشهور، وكان معتزلياً. انظر: حياة الجاحظ، وصفاته وأخلاقه، وزندقته، وأساتذته، ومؤلفاته، ووفاته، في كتاب: (العلماء والعباقرة المسلمون) (282\إلى:294). لعبد المنعم الهاشمي.
(3) -انظر: (سير أعلام النبلاء) (18\206)، و(ذاكرة سجين مكافح) (3\68).
(4) -انظر: (مقدمة تحفة الأحوذي) (1\13).(1/441)
فطاب من ميتٍ في اللحدِ مرتهَنِ (1)
28-وقد أحسن العلامة مجد الدين ابن أبي الطُّهر الأربلي إذ يقول:
إذا شئتَ أن تتوَخَّى الهدى * وأن تأتيَ الحقَّ من بابهْ
فدعْ كلَّ قولٍ ومن قاله * لقول النبيِّ وأصحابهْ
فلم يَنجُ من محدثاتِ الأمور * بغير الحديث وأربابهْ
29-وقال الإمام السراج:
لله درُّ عِصابةٍ يَسعون *في طلب الحديث الفوائدْ
يُدعَون أصحابَ الحديثِ *بهم تجمَّلتِ المشاهدْ
طوراً تراهم بالصعيدِ * و تارةً في ثغر آمِدْ
يتَّبعون من العلومِ * بكلِّ أرض كلَّ شاردْ
و هم النجومُ المقتدى * بهمـ إلى سُبُلِ المقاصدْ
30-وقال أبو الفضل عمر الحدوشي خادم العلماء: (من الرّمَل)...:
أَهْلُ علمٍ هُمْ أقطابُ الرّوَايَهْ
مجْمَعُ الأوْصَافِ أعْلاَمُ الدِّرايَه
مِثْلُ أسْبَاطٍ أتَوْاوَ الأهْلُ عالِ
أَوْ شُمُوسُ أشْرَقَتْ والنُّورُ غَالِ
طَالِبُ العِلمِ الذي لا شَكَّ يُرْفَعْ
كُلُّ مَنْهُومٍ-بِحَقٍّ- ليْس يَشْبَعْ
وقال أيضاً بالسجن المحلي بتطوان 16 ذو العقدة 1427هـ:
وَرُبَّ كَلامٍ من مَعَانٍ مُجرَّدِ*إذَا هُوَ لم يُقْرنْ بِفِعْلٍ مُسَدَّدِ
عَلَيْكَ بِحَبْلِ اللهِ إنْ شِئْتَ تَسْلَمَا * بِهِ فاعتصمْ في قوة تنجُ في غَد
وَتَحْظَ بِرَوْحِ اللهِ في عَيْشِ أرْغَدِ * وراجي الهدى عن ربه غير مُبْعَدِ
ففي آي هذا الذِكْرِ حَلٌّ لِمُعْضِلِ * و في سُنّةِ المختارِ أمْنٌ لِمُجْهَدِ
وليس وراءَ الحقِّ نَهْجٌ لِمُقْتَدِ * فخُذ عِبْرةً فيما مَضَى لا تَرَدَّدِ
عن الشر أقْصِرْ واجْلُ عن قَلْبِكَ الصَّدَى* فإِنَّ صَفَاءَ القَلْبِ أنْبَلُ مَقْصَدِ
وقال أبو الفضل عمر أيضاً:
لا نهجَ إلا نهجُ أحمدَ فَلْتَزِمْ
تخرج لنورٍ من ظلامِ حالكِ
هَذَا سبيل الله فَتَبِعَنْ وذرْ
سُبٌلاً سواه تقودُ نحو مهَالِكِ
وقال أيضاً:
قد فاز بحبلِ اللهِ مَعْتَصِمٌ ونا
لَ ما يرتجي في كل منصرَفِ
__________
(1) -انظر: (شرف أصحاب الحديث) (ص:ص:110).(1/442)
إن السعادة في التقوى فغز لها
سيرا ًو لا تجنحن يا صاح للسرف
وقال أيضا:
إلَيْكَ شَكَاتِي يَا وَلِيِّي وَيَا حَكَمْ
فَوَارِي عُيُوبِي بِالسَّمَاحَةِ وَالْكَرَمْ
وَأَفْرِغْ عَلَيَّ الصّبْرَ فَضْلاً وَعَافِنِي
فَجَيْشُ الرَّزَايَا وَالْمَصَائِبِ قَدْ هَجَمْ
وَأَدْرِكْ يَقِينِي بِالثَّبَاتِ فَقَدْ وَهَى
وإِبْلِيسُ بِالتَّشْكيكِ وَالْيَأْس قّدْ رَجَمْ
أَعِيشُ كئيباً في اضطرابٍ ومِحْنَةٍ
أُعَانِي تَبَارِيحَ التَّحَيُّرِ والألَمْ (1)
وَفِي قَلَقٍ أُمْسِي وَأُصْبِحُ شَارِداً
شَقِيّاً بِمَا فِي الْقَلْبِ مِنِّيَّ قَدْ أَلَمْ
أَغِثْنِي فَإِنِّي-يَا إِلَهِي-عَلَى شَفَا الـ
ـهَلاَكِ، وَأَنْقِذْنِي فَعَزْمِي قَدِ انْهَزَمْ
__________
(1) -وينظر إلى هذا الأبيات أبيات لي كنت قلتها في تذييل أبيات فضيلة شيخنا بالسجن المركزي بالقنيطرة، 4 محرم 1425 هـ والمحلي بتطوان وهي-بتاريخ:26 محرم 1426-:
لكنَّ حظِّي نَكِدٌ * وهَمُّ قلبي في اشتعالْ
أُعدُّ حيّاً وأنَا * مَيْتٌ من الدنيا اسْتَقَالْ
دَعْنِي من الحِلْمِ فلاَ * جَدْوَى من الحِلْمِ تُنَالْ
حَسْبِي إلهي مَلْجَأً * نِعْمَ الكبيرُ المُتَعالْ
ومنها قولي-بتاريخ:3 صفر 1428-:
قد طال مُكْثِي في سِجنٍ يَغُلُّ يدِي* في حينَ وَافَقَ نَجْمُ السَّعْدِ أَوْبَاشَا!
مَن للمعالي إذا قيل: ويْكَ فتى* لا عاشَ مَن يَقْبَل الإذلالَ لا عاشا!
صدق من قال: (والسعد دائماً في طالع البهائم). انظر: (جراب السائح) (11\285) لشيخنا العلامة محمد بوخبزة.
وقولي-بتاريخ:4 صفر 1428 هـ-:
إنَّ هَمِّي سقَى فُؤَاديَ كَأْساً * أَذْهَبَ اللُّبَّ، يَا لَسَكْرَةِ هَمِّي!
رُبَّ قَيْدٍ أَخَفُّ مِنْ قَيْدِ نَفْسٍ * فَقَدَتْ رَشْدَهَا وبَاءتْ بإِثْمِ
إنما العُمْرُ لحظةٌ فاهْتَبِلْهَا * لاِتِّبَاعِ الهُدَى وتحْصِيلِ عِلْمِ
فاهتبلها، أي: فاغتنمها بالطاعة لله ولرسوله - صلى الله عليه وسلم - . وطلب العلم..(1/443)
وَتُبْ وَاعْفُ عَمَّا قَدْ جَنَيْتُ جَهَالَةً
فَإِنّي أُنَادِي بِالضَّرَاعَةِ وَالنَّدَمْ
وَدَمْعِي وَفَقْرِي وَاضْطِرَارِي شَوَاهِدٌ
عَلَى الصِّدْقِ فَاقْبَلْ-يَا حَلِيمُ-وَقُلْ: نَعَمْ
وَلاَ تَبْلُ عَبْدَ السُّوءِ فَهْوَ مُهَدَّدٌ
بِطَرْدٍ وَحِرْمَانٍ لِمَا مِنْهُ قَدْ نَجَمْ
و َلَكِنَّهُ عَبْدُ الرَّحِيمِ وَقَدْ أَتَى
مُنِيباً عَلَى الإِصْلاَحِ وَ التَّوْبِ قَدْ عَزَمَ
وَحَاشَاكَ أنْ تَأْبَى انْحياشَ مُشَرَّدٍ
إلى حَرَمِ الإِحْسانِ فِي جُمْلَةِ الْخَدَمْ
وفِي بَحْرِكَ الطَّامِي بِجُودِكَ تَسْبَحُ الـ
ـعَوَالِمُ يَا جَوَّادُ بِالْفَضْلِ والْكَرَمْ
فَأَغْرِقْ بِهِ فَضْلاً (صُكُوكَ)جَرَائِمِي
فَتُمْسِي-وَقَدْ أَدْمَتْ فُؤَادِيَّ-كَالْعَدَمْ
وأَنْعِمْ بِبَرْدِ الْعَفْوِ، فَالْعَبْدُ مُعْلِنٌ
بِتَوْحِيدكَ الأَسْمَى وَبِالْحَقِّ قّدْ جَزَمْ
فَلاَ رَبَّ غَيْرُ اللهِ يُعْبَدُ، لَمْ يَكُنْ
لِيُشْرِكَ فِي التَّوْحِيدِ شيئاً ولاَ جَرَمْ
وَتِلْكَ التِي يَرْجو لقائك لاَهِجاً
بِهَا، كَافِراً بِالشِّرْكِ فِي العُربِ والعَجَمْ
فَيَا رَبِّي حَقِّقْ لِي رَجَائِي وَمُنْيَتِي
أَمُوتُ عَلَى التَّوْحِيدِ يَا مُسْدِيَّ النِّعَمْ
وَأَنْقِذْ بِهِ الأوْلاَدَ وَالأَهْلَ وَ اجْمَعَنْ
بِهِ الشَّمْلَ بِالأَحْبَابِ وَالصَّحْبِ وَالْحَشَمْ
وَ صَلِّ عَلَى خَيْرِ البَريَّة أحمدٍ
وَ سَلّمْ وَمَنْ في سِلْكِ أَتْبَاعِهِ انْتَظَمْ (1)
__________
(1) -هذه الشكوى البليغة أرسلها لنا فضيلة شيخنا علم الأدب وخادم السنة والكتاب سيدي "أبو أويس" محمد الحسني-وفي آخر هذه الشكوى يقول فضيلته: (الرباط صباح يوم الخميس منتصف ذي القعدة 1399 هـ نظمها أبو أويس الحسني عفي عنه).
وكنت قد قرأت هذه الشكوى-بالسجن المحلي بتطوان 10 صفر 1428 هـ-في كتاب فضيلة شيخنا العلامة سيدي محمد بوخبزة القيم: (عجوة وحشف) (ص:47/48/49) حيث قال: (شكوى: قصيدة نظمتها في الفندق الكبير برباط الفتح يوم الخميس الخ.).
فذيلتها ببيتين فقط من داخل زنزانتي الانفرادية وهما:
ولكن رجائي في الكريم وفضله * يُفَرِّجُ عن نفسي الحزينة كلَّ غَمّْ
على العبد من مولاه سابغ نعمةٍ * فإنْ يَصْبِرَنْ يؤْجَرْ وإن يَشْكُرَنْ غَنِمْ
انتهى من (مجموعة الرسائل في أهم المسائل) (ص:528) وما بعدها لأبي الفضل عمر الحدوشي.(1/444)
فصل في ذكر بعض قصائد شيخنا أبي الفضل
قالت أم الفضل تلميذة وحرم المؤلف: رأيت من المناسب هنا ذكر بعض قصائد شيخنا أبي الفضل قالها بالسجن المحلي بتطوان في حق شيخنا أبي أويس أختم بها رسالة شيخنا أبي الفضل:
"ومضات محب من وراء القضبان":
أَكْتُبُ إِلَيْكُمْ طَالِباً * مِنْكُمْ أَبَا أُوَيْسٍ
يَا عَالِماً بِالدِّينِ * بِالْمَنْطِقِ وَالْحَدْسِ
ذُو الْفَضْلِ وَالْمَعْرُوفِ * و الْفِطْنَةِ وَ الْكَيْسِ
وَالْعِبْرَةِ وَالْعِزَّهْ * وَالرِقَّةِ وَالأُنْسِ
مَنْ ذِكرُهُ بِالْقَلْبِ فِي* يَوْمِي كَمَا بِالأَمْسِ
أَنْ تَقْبَلُوا مِنْ حُبِّنَا* فِي اللهِ مَا بِالنَّفْسِ
فأجابه شيخنا أبو أويس محمد بوخبزة-حفظه الله-قائلاً:
قبلتُ يَاذَا الكَيْسِ * طَلَبَكُمْ بالأَمْسِ
مِنْ صَيْحَةٍ وَ هَمْسِ* إلَى حُلُولِ الرَّمْسِ
وكَيْفَ لاَ وَأُنْسي * عنْدَ نزِيل الحَبْسِ
زينَةِ هَذَا الطِّرْسِ * فِي دَعَةٍ وَمَيْسِ
وقَاكَ رَبُّ النَّاسِ * كُلَّ بَلا وبأسِ
و فِتْنَةٍ وَيَأْسِ * وطَارقٍ بِنَحْسِ
مِنْ دونِ أدنى لَبْسِ * عند أبي أُوَّيْسِ
وقد قرظ شيخنا أبو الفضل الجزء الأول من كتاب شيخنا أبي أويس: (الجراب)، بقوله:
هو درةُ الأسفار مفتاح العقولْ * هو منبعٌ للعلم كم يشفي الغليلْ
جادتْ به أفكار نابغة عدا * في مسرح العرفان كالفرس الأصيلْ
قد أتحف الطلاب أجمعهُم به * فغدا رياضاً ذلك الربع المَحيلْ
يدعو إلى التوحيد نِعمتْ دعوةٌ * تسمو بروح المرء في دنيا الأصول(1/445)
فلمثله تهفو نواظر فتيةٍ * وقلوبُهم والشوق يُضرم الفتيلْ (1)
وقرظ الجزء (الثامن من الجراب) تحت عنوان: (سحر الأدب):
نِعمَ اليراعُ أشاعَ السحر في (الأدب)
من نفثِ هاروتَ مُخْتالاً من العجب (2)
كَمْ تُحفةٍ من بديع النثْرِ مُشْتَمِل
بها و نهرٌ من الأشعارِ مُنْسكِبِ
و كَم حكايا عن العُشَّاقِ مُلْهمَةٍ
لِلْمُنشدين و أهلِ الفنِّ و الطَّرَبِ
مَرْحَى يا أبا خبزةٍ حُيِّيتَ من عَلَمٍ
فَرِيدُ دَهْرٍ تَقِيٍّ مُسْلِمٍ عَرَبِي
وسَدَّد اللهُ خَطْواً منك تَرْسُمُهُ
على طريقِ المعالِي غير مُنْقَلِبِ
ثم قال: كتبه تلميذه عمر الحدوشي بالسجن المحلي بتطوان 4 محرم 1430 هـ.
__________
(1) -تنبيه لابد منه: هذه الأبيات قالها شيخنا أبو الفضل عمر الحدوشي-فك الله أسره-في تقريظ كتاب شيخنا أبي أويس، واستشهد بها تلميذه الشلبي في تقريظه لكتاب شيخه أبي الفضل عمر الحدوشي (مجموعة الرسائل في أهم المسائل) دون أن يعزوها لشيخه أبي الفضل، وحتى لا يُظن أن الأبيات من نظم الشلبي أحببت التنبيه على ذلك هنا!! تأمله.
(2) -فأجابه فضيلة شيخنا أبو أويس في رسالة كريمة بعث بها لفضيلة شيخنا أبي الفضل عمر-فك الله أسره-بعد البسملة والحمدلة والسؤال على الحال: (الأخ الكريم الأستاذ الفاضل الواعية الداعية الشيخ عمر. عمر الله بالتقوى صدركم...
ثم تقريظكم-بارك الله فيكم-لما لفقتُه في الجزء الثامن من "الجراب" بتلك الأبيات الخمسة البائية من البسيط وأعتذر إليكم عن مساجلتكم بجفاف القريحة واستيلاء النسيان وعدم التركيز هذه الأيام....
ثم قال: والشطر الثاني من البيت الأول وهو: (من نفث هاروت وماروت يا عجبي) مختل جداً وإصلاحه: "من نفث هاروت مختالاً من العجب"... وسامحني يا أخي عمر فقد عَيِيت ولا تكاد أصابعي تطاوعني على المزيد والسلام. صباح يوم الخميس 11 محرم الحرام عام 1430 هجرية من أخيكم أبي أويس محمد بوخبزة).(1/446)
ولما قرأ في الجزء السادس من كتاب (الجراب) لشيخنا أبي أويس كيف حج هو وزوجه الشريفة أم أويس فقال-تحت عنوان: ... ...
(وأي فتىً كخبز) (1)
إليك أخا التقى أزكى تحيهْ * من الخفاق عاطرة نديهْ
ففي قسمات وجهك آي نور * يضيء لكل من أسرى الدجيهْ
أبا خبزٍ وأي فتىً كخبزٍ * يباهي القوم بالنفس الأبيهْ
حججتم صحبة الأهلين يحدو * طريقك صالح الأعمال نيهْ
لديك سريرة أصفى و أوفى * و فيك إلى المكارم أريحيهْ
فكم أكرمتني وذببت عني * و كم أبعدت عن نفسي الزريهْ
رعاك الله ما طلعت نجوم * فأنشتنا أشعتها السنيَّهْ
و فك الله أسر أخيك حتى * نعيش معاً ليالينا سويهْ
فأجابه شيخنا العلامة الأديب أبو أويس قائلاً: (... وأبياتك السبعة حسنة سليمة... من بحر الوافر... وفيها شاعرية وجمال وقد وازنتها من البحر والقافية الساعة فقلت:
(يا حلف المزية)
رعاك الله يا حلف المزيه * و يا ربَّ السخا، و الأريحيه
ملكتم بالعوارف رق خِل * تلقاها بأدعية سنيه
__________
(1) -قال شيخنا أبو الفضل: ومما قلته في شيخنا عَلَم "الفكر" والأدب محمد بوخبزة-بالسجن المحلي بتطوان 18 صفر 1428 هـ من البسيط:
بِهِ أُبَاهِي دُعَاةَ الفِكْرِ مُفْتَخِراً* هَيْهَاتَ يَبْلُغُ قَزْمٌ وَاطِئٌ قِمَمَا
كَأَنَّمَا قَلَمِي قَدْ صِيغَ مِنْ ذَهَبٍ* وَمِنْ حِمَا الطِّينِ غَيْرِي اسْتَخْرَجَ الْقَلَمَا!
فَاعْجَبْ لِشَأْنِي أَرَى الأشْوَاك أَحْسَبُهَا* زهْراً وأحْسَبُ نَوْحَ الْمُشْتَكِي نَغَمَا!
لاَ جَرْمَ أنِّي فِي وَهْمٍ يُخَيِّلُ لِي* أنِّي لِفَرْطِ غُرُورِي قَدْ خَرَقْتُ سَمَا!
ومما قلته أيضاً في حقه-بالسجن المحلي بتطوان 19 صفر سنة 1428 هـ:
فَأَكْرمْ بِالْيَرَاعِ رَفِيقَ دَرْب ِ* إِذَا ضَاقَتْ بِرُفْقَتِكَ الصَّحَابَهْ
يُؤَانِسُ وَحْشَةً وَيُذِيبُ هَمّاً * وَيَشْرَحُ صَدْرَ عَانٍ ذِي صَبَابَهْ
أَلاَ فِي الْحَرْفِ سِحْرٌ لاَ يُضاهَى* يَرُدُّ لِكُلِّ ذِي شَيْبٍ شَبَابَهْ(1/447)
ولم ير كُفأها إلا نداءً * بتفريج الكروب المأسويه
تصبَّر يا أخي فالكرب نار* تذيب الرجس في النفس الأبيه
وما في الأنبيا والرسل فرد * خلا من فتنة تختال حيه
فكانوا قدوة للصالحين *فأبشر باقتفا خير البريه
و بالفرج القريب يفك منك *قيوداً دسَّهَا زمَر رديه
بها الطاغوت أوصى في غياب *من الحق الصريح بسوء نيه) (1) .
وقد قال شيخنا أبو الفضل في رسالة بعث بها إلى شيخنا أبي أويس قائلاً:
(... حتى بعثتم لي بالجزء (الحادي عشر) منه إلى السجن، فسررت به غاية السرور فكتبت عليه تقريظاً متواضعاً تحت عنوان: (الدرة السنية، والوردة الجميلة)، أو: (لورقة الغائبة) أتغزل بها وبما جاء فيها من الفوائد النادرة، والقصائد اليتيمة والرنانة، وبعنوان:
(فضل الأديب لا ينكره الحبيب):
ولثمت فاها في الظلام فأشرقا (2) * كالفجر يجتذب العيون تألُّقا
من مخبر الحسناءِ أني مدنفٌ * من حبها قلبي يذوب تشوقا
هي في مراتعها تَنِطُّ غزالة * مِمْراح رقَّ لها الهمام (3) فأعتقا
لولا الأديب محمد قد أفلتتْ * من كفها ذاك العنان المطلقا
خبر الحياة بحلوها وبمرها * و شأى المنام نباهةً و تفوقا
رفع اللواء لكل مجد فارسا *باسم البطولة في معارجها ارتقى
__________
(1) -وقال في آخر رسالته التي بعث بها إلى شيخنا أبي الفضل: (وإلى اللقاء والسلام. تطوان 12 صفر الخير 1428 هـ.
من مجلكم أبي أويس).
ومما قاله شيخنا أبو أويس في مواساة شيخنا أبي الفضل قوله:
فَطِبْ-أخي-نفساً فهي البانيهْ * للأمل الباقي برب الباريهْ
والجأ إليه واثقاً بالعافيهْ * وفَرَج وعَزَمات كافيهْ
وصحةٍ تهفو إليك وافيهْ * تنسيك قضبان السجون القابيهْ
ثم قال: هذا ما استطعت كتابته والطرف كليل، والنشاط قليل، والجسم عليل، وإلى اللقاء والسلام في 28 محرم 1429هـ
من أخيكم أبي أويس.
(2) -قال شيخنا بوخبزة في رسالة بعث بها لبعض طلبته: (ولثمت أطرافه، وراقني مرآه وجمال أسلوبه كعادته).
(3) -الهمام: الأسد على التشبيه.(1/448)
هو كهف لمن رام الملاذ وخِضْرِمٌ (1) * إن راقَ طابَ وإن تكدَّر أغرقا
فاسأله فضلاً يعطك الفضل الذي * ترجوه لن تلفِيْهِ ثَمَّةَ مشفقا
حفظ الإله غدوه و رواحه * و أناله ما يبتغيه مصدقا
ما سبح القَمْريُّ في رَأَدِ الضحى *وسعى الحجيجُ لمكة بلد التقى (2)
ثم قال: كتبه تلميذه المحبوس من أجل عقيدته بالسجن المحلي بتطوان 16 شوال 1429هـ
وقال شيخنا أبو الفضل في كتابه: (ذاكرة سجين مكافح) (3\112):
(وقد توج فضيلة شيخنا العلامة أبو أويس محمد بوخبزة (رونقه) (ص:2) بهذه الأبيات الجميلة ومطلعها هكذا:
هذا وربِّك رونق القرطاس * يُجْلى عليك ومَجْلَبُ الإيناسِ
يه مِن الفِقَر الحكيمةِ جُمْلةٌ * و من النوادر تحفةُ الأكياسِ
و من الحديث فوائدٌ ممتازةٌ * سِيقتْ لتيسير الهدى للناسِ
ومن المسائل والطرائفِ ما لهُ * في النفس وقعُ الحكم بالقُسطاس
ومن التراجم عصبةٌ، أصحابُها * عاشوا كراماً أو: ذوي إفْلاَسِ
جَلّيْتُ من أخبارهم ما أهمل التـ *ـار يخ من مِحن ومن أعراسِ
__________
(1) -خضرم: أي: بحر زاخر.
(2) -فأجابه فضيلته قائلاً: (بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله وحده. وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلَّم تسليماً.
الأخ الأستاذ المكرم الفاضل الداعية أبو الفضل عمر بن مسعود أسعده الله وأعانه...
وقافيتكم الحلوة المضمخة بطيب الغزل لا بأس بها إلا لحن خفيف في قولكم (من مخبر الحسناءَ).
والصواب: الحسناءِ بالكسر لأنه مضاف إليه، وفي قولكم: (هو كهف من رام الملاذ) كسر كبير، جبره: (كهف لمن رام الخ) والبحر من الكامل، والخطب سهل، ...
ثم رجعت إلى القصيدة قلتم: (لن تلفيَّه) هكذا والصواب: (لن تُلْفِْيهِ)...سامحني عن عدم مساجلتكم شعر الخمود القريحة وجمودها ومعاناة البرد الشديد وآلام الروماتيزم البغيض.
أجدد لكم تحياتي ودعواتي وإلى اللقاء ودمتم في حفظ الله والسلام. تطوان في:3 ذي القعدة 1429 هـ من أخيكم أبي أويس عفا الله عنه).(1/449)
ومن الردود على طوائف ألصَقَتْ * بالدين ظلماً بدعةَ الأنجاسِ
صوفيةٌ شطَحَتْ و رافضَةٌ لها * محضُ الضلالِ و فتنةُ إلابْلاسِ
و دعاة مَسخ أفسدوا من عصرنا * جَوَّ الهدايةِ بالهوى الخناسِ
ومن المجون مهازل التحميض لا * أختار إلا سلوةَ الأنفاسِ
فبها الحُْبَى تَنْحَلُّ لاِسْتغرابِهَا * و لها تُثارُ صبابةُ الجُلاس
خذها إليك نفائساً صيغت بلا * مَلَلٍ و صِينتْ من خَنَى الأرجَاسِ
لا تَنْسَ صاحبها وراقم طرسها * بأبي أويس يُكتنى في الناس
فقال فضيلة شيخنا أبي الفضل مذيلاً هذه الأبيات الجميلة:
رجو به فضل الإله و عفوه * ما كان ربُّك قطُّ بالبَخَّاسِِِِ
ما عندنا يَفْنَى بلى ونواله * باقٍ فلا تَشْعُرْ بِأيِّ إياسِ
يَهدي إلى سُبُل السلام عِباده * ويقيهمُو أحْبَال مكرِ خِسَاسِ
أيْمِنْ بِربّ يَراعَةٍ و براعَةٍ* في الدرْسِ والتأليفِ والإحْسَاسِ
مُنحَ المواهبَ كابراً عن كابرٍ * فَشأْنُ العِظام بها بغير شماسِ
ثم قال: كتبه عمر الحدوشي بالسجن المحلي بتطوان، 26/محرم1428هـ
وقال فضيلة شيخنا أبو أويس في خاتمة (رونق القرطاس):
بحمد الله أنهيت الكتابهْ * وفيها حرُّ فِكري والإصابَهْ
و تاريخٌ و أنقالٌ وعِلمٌ * لكم أبديتُ في الفتوى عُجابهْ
ومن غُرر النوادر والحواشي* روائقُ رَونقٍ تُنسي الدّعابهْ
وذيله فضيلة شيخنا أبي الفضل بقوله:
فأكرم باليراعِ رفيقَ درب * إذا ضاقتْ برفقتك الصحابهْ
يؤانس وحشةً ويُذيب هماً * ويشرح صدر عانٍ ذي صبابهْ
ألاَ في الحرف سحر لا يُضاهَى * يَرد لكل ذي شيبٍ شبابهْ
ثم قال: كتبه تلميذه عمر الحدوشي بالسجن المحلي بتطوان، 19صفر1428هـ
وقرظ فضيلة شيخنا أبي الفضل كتاب شيخه أبي أويس: (عجوة وحشف)، قائلاً: (وفي مثله أقول:
السحر منه حلال * لكل نفسٍ زَكيَّهْ
و منه فاعلم حرامٌ * للأنفس اللائكيَّهْ
فكن من الحب أدنى * وامسك زمام الرويَّهْ
و خلِّ عنك لئاماً * يُخفون أسوأ نيّهْ(1/450)
ثم قال: كتبه تلميذه عمر الحدوشي بالسجن المحلي بتطوان، 23 صفر1428هـ
وقال فضيلة شيخنا أبو أويس في مقدمة كتابه: (نقل (1) النديم وسلوان الكظيم):
هذا (نُقُلُ النديم) حُلوٌ مُرَبَّى * من عصير الأفكار عذبٌ مُعَبَّا
به يَسْلوا الكظيمُ، فهْو طَريفٌ * و لطيفٌ، والعلمُ فيه مُخَبَّا
دبَّجتْه يَراعُ طالبِ عِلْمٍ * بـ(أبي خُبْزَةٍ) يُدعَى و يلَبّى
فإذا ما أفَدتَّ فادعُ إلهِي * له بالعفو في الختام يُنَبَّا
ثم قال في خاتمة كتابه: (نقل النديم) (ص:300):
أتيتُ على (نُقل النديم) وقَد بَدَا * منوعَ طَعم مُسْتَلَذٍّ لمَن عَقَلْ
لطائفُ علم معْ فوائدَ جَمَّةٍ * طرائفُ آدابٍ وفقْه لمن نَقَلْ
فخذه رعَاك الله وادعُ لجامع * بتوبة صدق في الختام إذا نزلْ
وذيله فضيلة شيخنا أبي الفضل بقوله:
فلم أُرْوَ من تلك الحياض وكيف لي
وسَلسالها يَشفي من العجْز والكسَلْ
فيا رب زدني منك علماً ورفعة
ففضلك لا يُحصى وليس له بَدَلْ
ثم قال: كتبه تلميذه عمر الحدوشي بالسجن المحلي بتطوان 13 صفر 1428 هـ
وقال فضيلة شيخنا العلامة أبو أويس محمد بوخبزة-يمدح كتابه: (سقيط اللآل وأنس الليالي)-:
كُنَّاشَتِي المختلِطَهْ * بِهِمَّتي مُرْتَبِطَهْ
ضَمَّنْتُها نَوَادراً * و نُتَفاً مُلتقَطَهْ
نَفْسِي بِمَا تَشْمَلُهُ * مِنَ الهُدَى مُغْتبِطَهْ
وبِالحَديثِ بَعْدُ والْـ * ـفِقْه له مُنْبَسِطَهْ
فَارْحَمْ إِلاَهِي مَنْ رآ * ها لِلْمَعَالي رابِطَهْ
وذيله فضيلة شيخنا أبي الفضل بقوله:
العلمُ عِقْدٌ مُنْتظَمٌ * أَسْلاَكُهُ مُنْفَرطَهْ
فَاخْتَرْ خَلِيلِي ما تشا * ءُ مِنْهُ فَاتْرُكْ سَقَطَهْ
__________
(1) -النقل: هو ما يتنقَّل به على الشراب من فواكه وكوامخ وغيرها. وما يُتفكه به من جوز ولوز وبُندق ونحوها، وأكثر ما يكون ذلك في ليالي رمضان. (المعجم الوسيط) (2/989). انتهى من هامش: (التوضيحات) (ص:24) لشيخنا محمد بوخبزة.(1/451)
ثم قال: كتبه تلميذه عمر الحدوشي في ثلث الليل الأخير 26 ذي الحجة بالسجن المحلي بتطوان، سنة 1428 هـ
قال فضيلة شيخنا أبو أويس يمدح كتابه: (حَفنةُ دُرّ):
هذهِ حَفْنَةُ دُرّ * لك فيها كُلُّ خَيْرِ
قد تَرى فيها زُيُوفاً * صرفُها ينفع غَيْري
فالتَقِطْ مِنها تَنَلْ ما * تَرتَجي مِن دفَع ضُرِّ
هي للعقل غِذَا * وَ شِفَا مِن كُلِّ ضَيْرِ
فاسْتفِدْ و ادْعُ لِخِل * بالنَّجَا من كُلِّ شَرِّ
وذيله فضيلة شيخنا أبي الفضل بقوله:
هِي نبعٌ طابَ وِرْداً * من عُيُونِ العلم يَجْري
كَمْ رَوَتْ مِنْ ظامئٍ صا * دٍ و أشْفَتْ هَمَّ صَدْرِي
ثم قال: كتبه عمر الحدوشي بالسجن المحلي بتطوان، 7 صفر 1428 هـ 24 فبراير2007 م
وقال فضيلة شيخنا أبي الفضل-لما أهداه شيخه أبو أويس كتابه: (الشذرات الذهبية)-في تقريظه:
خَطَّهَا شَيْخٌ أدِيـ * ــبٌ فَوَفَّى بالأَدَبْ
رَصَدَتْ خَيْرَ حَيَا* ةٍ لِهَادٍ مُسْتَحَبْ
خَبَرَ الأَيامَ و الْ* خَلْقَ فِي رِفْقِ الْحَدِبْ
جَاءَ للعَالَم بِالنُّو* رِ لِكَيْ يَجْلُو الحُجُبْ
صَفْوَةُ الله و أسْمَى* مَنْ مَشَى فَوْقَ التُّربْ
لم يَثُرْ إلا لأجْلِ الـ* ـحقّ إنْ يَوْماً غَضِبْ
زَادُهُ التَّقْوَى وَ قَلْـ *ــبٌ لِبَارِيهِ اقْتَرَبْ
يَا شَفِيعاً لِلْعُصَا *ةِ إذَا البَحْرُ الْتَهَبْ
كُنْ مُجِيرِي في غَدٍ * إنَّنِي فِيكَ مُحِبْ
سِيرَةٌ تَأْخُذُ الْـ * ـبَابَ عُجْم وَ عَرَبْ
فَتَنَزَّهْ فَي رُبَا * هَا النَّضِرَاتِ الْعُشُبْ
واستَمِعْ لِلرُّوحِ يَقْـ* ـرَأُ من خير الكُتُبْ
يَا "أبَا خُبْزَةَ" أبْـ*شِرْ بِعَلْيَاءِ الرُّتَبْ
صُنْعكَ الْيَوْمَ جَمِيـ * ــلٌ فَبُلِّغْتَ الأّرَبْ
ثم قال: كتبه تلميذه عمر الحدوشي بالسجن المحلي بتطوان 8 صفر سنة 1428 هـ
وقال فضيلة شيخنا أبي الفضل-لما أهداه شيخه أبو أويس كتابه: (صحيفة سوابق)-في تقريظه تحت عنوان: "قطر النَّدَى في فجر الهُدَى":(1/452)
بيانٌ رائقٌ يسْبي العقولاَ * وأسلوبٌ يُحاكِي سَلْسبيلاَ!
و ألفاظٌ كأزهارٍ بِرَوْضٍ* أغَنّ أَرِيجُهَا يَشْفِي الغَلِيلاَ
تَلأْلأَ طَيَّهَا فِكْرٌ سَنِيٌّ * بَدِيعٌ لاَ تُصِيبُ لَهُ مَثِيلاَ
عَلَى نَهْجِ الرَّشَادِ يحضُّ حضّاً * لِمَنْ للحقِّ قَدْ ضلَّ السَّبِيلاَ
صَحِيفَةُ حِكْمَةٍ وسَديدُ قَولٍ * فَدَعْ عَنْكَ الهُرَاءَ وخَلِّ قِيلاَ
تَهُزُّ على دُعَاة الكفر سَيْفاً * يَمَانِياً يُفَرِّقُهُمْ فُلُولاَ!
فتخرسهم و تكبتهم فَيَخْزَوْا * لِذِلِّتِهِمْ يَجُرُّونَ الذُّيُولاَ
لَقَدْ شَاهَتْ وُجُوههمو فباءوا * بِخُسْرانٍ و ما غَنِمُوا فَتِيلاَ
حَيَارَى يَسْدِلُونَ بكل ليلٍ * من الشَّكِّ المُرِيبِ و لا دليلاَ
تَراهم من عذابِ الليلِ فيهمْ *ذوِي سُكْرٍ وما شَرِبُوا شَمُولاَ!
فَكَيْفَ يُجادلون بغير علم * يُعَدُّ لهم و ما كانوا عُدولاَ؟!
لَئِنْ سَلِبُوا ضِعَافَ العقلِ زوراً * فما وَجَدُوا لِذِي عَزْمٍ سَبِيلاَ
"أبا خُبْزٍ" وحَسْبُكَ من سَمِيٍّ * بَنَى للعِزِّ بُنْيَاناً طَوِيلاَ!
سَمَوْتَ فلست تُدرَكُ أيُّ بدْرٍ * إلى عَلْيَاكَ يَسْطِيعُ الْوُصُولاَ؟!
حَنَوْتَ عَلَيَّ في عَطْفٍ ولُطْفٍ *فَجُدْتَ ولم تَكن كَزَّاً بَخيلاَ
فَأهْدَيْتَ الفَرائدَ واللآلِي * وذاك عَدَدتَهُ منك قلِيلاَ
فَشُكْراً سَيِّدي والشكر حقٌّ*لِمِثْلِك هل ترى يَجِدُ القَبُولاَ؟!
رَعَاكَ اللهُ مَا صَدَحَتْ هُتُوفٌ * تَحِنُّ لإلفها النَّائي أصِيلاَ
ثم قال: كتبه تلميذه عمر الحدوشي بالسجن المحلي بتطوان7 محرم سنة 1428 هـ
وقال شيخنا أبو الفضل-في تذييل أبيات شيخنا العلامة العَلم الأديب الهمام أبي أويس في كتابه النفيس: "عجوة وحشف" (ص:122)-التي مطلعها:
سرح الطرف في (اشتريتُ) و(بعتُ) * و(تحاسبتُ) في كذا و(وهبتُ)
و (تزوجتُ) ثم إن وليداً *زيد لي، في الكناش هذا (رقمتُ)
و أخيراً لم تكتبن عنك: (متُّ) * وانتهى الأمرُ في القبور (طُرحتُ)(1/453)
حسبك اليوم واعظاً يا أخا التو * حيد هذا الذي عليك (تلوتُ)
وذيل هذه الأبيات شيخنا أبو الفضل عمر الحدوشي قائلاً:
لَذَّةُ النُّصْحِ مُرة الطَّعْمِ لكنْ *هي تَشْفِي و للشِّفَا رَجَوْتُ
أنت تهْدِي إلى الرشَادِ بِعَقْلٍ * ثَاقِبِ الفكْرِ ما لعقلك فَوْتُ
قَد بَلَوْتَ الحياةَ و الناسَ طرّاً * فَبَلَغْتَ المَدى كما بلوتُ
فعليك السلامُ من شِغْفِ قلبي * لِذُرَى حِصْنِك المنيعِ سَمَوْتُ
(الدر النضيد في الثناء (1) على الشيخ الفريد):
ألْهِمِينِيْ بَلاَبِلَ الشِّعْرِ لَحْناً * عَلَّنِي الْيَوْمَ بِالْهُدَى أَتَغَنَّى
سَبِّحِي مُبْدِعَ الْوُجُودِ تَعَالَى* فَجَمَالُ الْوُجُودِ أَغْلَى وَأَغْنَى
أَنْتَ رُوحٌ مَعَ الأَخِيلَةِ يَسْرِي * فِي سَمَاءِ الإلَهِ قَدْ جَلَّ مَعْنَى
كَذَبُوا! لَمْ تَكُ الْقَصَائِدُ بِالشَّكْـ*ـلِ الْعَمُودِيِّ أَوْ: رَوِيّاً وَوَزْنَا!
إِنَّمَا الشِّعْرُ أَنَّةٌ مِنْ فُؤادٍ* ذَاقَ مِنْ جَفْوةِ الأَحِبَّةِ حُزْنَا
و نَشِيدٌ يُحِيلُ شَكْوَى عَلِيلٍ* نَغْمَةً تَجْعَلُ السَّمَاجَةَ حُسْنَا!
لأبِي خُبْزَةَ الْمُبَجَّلِ شُكْرِي* وَ امْتِنَانِي؛ و َقَلَّ ذَلكَ مِنَّا
قَدْ حَبَانِي هَدِيةً لاَ تُضَاهَى*بِكُنُوزٍ مِنَ الْجَوَاهِرِ تَفْنَى!
كُتُبٌ جَمَّةُ الْمَنَافِعِ فِيهَا* يَجِدُ الْمُسْتَفِيدُ مَا يَتَمَنَّى
__________
(1) -قالت أم الفضل: ومن الطرائف قول شيخنا أبي الفضل، في تذييل أبيات لشيخنا أبي أويس جاءت في كتابه (نقل النديم ... ) (ص:187):
أيَظُنُّ الثَّنَا عليه محطاً * أَجَمِيلُ المَدِيحِ للبدر هَجْوُ؟!
يَتَعَالَى عَليَّ من نَخْوَةِ الكِبْـ * ـرِ وَتِيهُ الحبيب عندي حُلْوُ!
حَسْبُ نَفْسِي مِنْهُ ثُمالة كأسٍ * رُبَّما أرتوِي بها حينَ يَسْخُو(1/454)
وَأَضَابِيرُ كَالأزَاهِرِ تُفْشِي*نَفْحَةَ الطِّيبِ تُتْحِفُ النَّفْسَ فنَّا (1) !
وَ سَقَانِي مِنَ اْلقَرِيضِ شَرَابَا*مُسْتَطَاباً، يَفيضُ دنّاً فدنَّا!
أَيُّهَا الرَّائِدُ الْفَرِيدُ بِدُنْيَا الْـ* ـعِلْمِ أَسْهَرْتَ فِي الْمَبَاحِثِ جَفْنَا
عَجَّلَ اللهُ بِالشِّفَا لَكَ مِنْ سُقْـ * ـمٍ كَمَا يُطْلِقُ الأسِير الْمُعَنَّى
أَنْتَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ الأبِ لَكِنْ* لَكَ بِرٌّ أجلُّ مِنْهُ وَأَسْنَى
ولما مرض شيخنا أبو أويس قال شيخنا أبو الفضل هذه الأبيات وبعث بها لشيخه مواسياً وداعياً له بالشفاء العاجل والأبيات تحت عنوان:
(الغصن الخضيل في التسرية عن الشيخ الجليل).
رَفِيقَ الدَّرْبِ حَالَفَكَ النَّجَاحُ*وَأَعْقَبَ لَيْلَكَ الدَّاجِي صَبَاحُ
جَمَعْتَ مَحَاسِناً وَنَشَرْتَ فَضْلاً*كَذَاكَ الطِّيبُ تَنْشُرُهُ الرِّيَّاحُ
أَتَانِي أَمْسِ أَنَّكَ رَهْنُ سُقْمٍ * فَلاَ شَمتَتْ بِعِلَّتِكَ الصِّحَاحُ
فَعِطْفُكَ لَيِّنٌ وَالْقَلْبُ سَمْحُ*وَعَادَتُكَ التَّوَدُّدُ وَ السَّمَاحُ
وِدَادَكَ إذْ أُصِبْتَ رِدَاءُ صَبْرٍ*و إذْ أَنْعَمْتَ شُكْرٌ وَ ارْتِياحُ
وَعِنْدَ الله أَجْرَكَ فَاحْتَسِبْهُ * فَإنَّ رِحَابَهُ أَبَداً فِسَاحُ
__________
(1) -قال شيخنا أبو الفضل: الفن كلمة شريفة وجميلة عند المسلمين، فيقولون: فن الفقه، وفن التجويد، وفن القراءات، وفن الأصول، وفن النحو، وفن الصرف، وهكذا. ولكن في هذا الزمان استخدم أهل الجاهلية من الشيوعيين والعلمانيين المحاربين لدين الله هذه الكلمة استخداماً سيئاً، وجعلوا لها مدلولاً معيناً في نفس السامع، فهو إذا سمع كلمة الفن فإنها تعني الموسيقى، والغناء، والرقص، ونحت التماثيل، ويسمونها الفنون الجميلة!!!
وهي قبيحة عند الله. وأصحاب المنهج الجاهلي يقولون: القراءة للقراءة، والفن للفن. انظر: (كيف نقرأ كتاباً) (ص:17/18) لمحمد صالح المنجد.(1/455)
أبَا خُبْزَةٍ دِنَانكَ طَافِحاتٌ* يَلَذُّ بِهَا اغْتِبَاقٌ و اصْطِبَاحُ!
يُعَاطِيهَا عَلَى التَّقْوى ندّامَى*لَهُمْ لِلْعِلْمِ شَوْقٌ و التِّياحُ!
فأبْلِ بَلاَءَ مُحْتَسِبٍ مُنِيبِ* حِجَاهُ السَّيْفُ يَا نِعْمَ السِّلاَحُ
وقاك الله حادثةَ الليالي*وأدبرتِ المواجِعُ والجِراحُ (1)
فأجابه فضيلة شيخنا أبو أويس بقصيدة تحت عنوان:
(شيمتك الصلاح)
ألاَ فاهْنَأْ فَشِيمَتُكَ الصَّلاَحُ* وَ غَايَتُكَ التَّرَقِّي وَ الْفَلاَحُ
وَ خَلْوَتُكَ التِي أَوْلاَكَ رَبِّي* يُظَلِّلُهَا اغْتِبَاطٌ و َانْشِرَاحُ
تَظَلُّ بِهَا حَلِيفَ الْكُتْبِ حِينا ً*يُصَاحِبُكَ التَّقَدُّمُ وَالنَّجَاحُ
تُدَوِّنُ ما يَرُوقُ مِنَ الْمَعَانِي* و تُنْشئُ مَا بِهِ طَرَبٌ وَ رَاحُ
َوَاصِلْ يَا رَعَاكَ اللهُ دَرْساً * بِهِ يَسْمُو مَسَاؤُكَ و َالصَّبَاحُ
وَأَبْشِرْ فَالرَّزَايَا فِي انْصِرَافٍ*وَقَدْ قَرُبَ التَّحَرُّرُ وَالسَّرَاحُ
بَشَائِرُ بِالسَّلاَمِ إِلَيْكَ تَتْرَا * بِهَا يَشْدُو غُدُوَّكَ وَ الرّوَاحُ
وَيَحْدُوهَا النَّسِيمُ بِعِطْرِ حُبٍّ*وَتُزْجِيهَأ إِلَى الْمَأْوَى الرِّياحُ
فَطِبْ نَفْساً بِعَيْشٍ فِيهِ رَوْحٌ*وَرَيْحَانٌ يُدَهْدِهُهٌ السَّمَاحُ
وَبِالْقُرْآنِ وَالأَثَرِ الْمُصَفَّى*يَطِيبُ الْوَقْتُ و السَّهَرُ الْمُبَاحُ
وَأَنْفَاسُ الرَّسُولِ تَفوُحُ طِيباً *بِجَوِّكَ عِنْدَهَا يَسْمُو ارْتِياحُ (2)
وقال شيخنا أبو الفضل هذه الأبيات المعبرة يمدح بها شيخه أبا أويس تحت عنوان:
(أنت للدهر كالسمط)
__________
(1) -وكان ذلك بتاريخ 24 محرم 1428 هـ بالسجن المحلي بتطوان.
(2) -ثم قال-حفظه الله-في آخر هذه القصيدة الجميلة الحلوة: (هذا ما استطعت كتبه الساعة، والجسمُ عليل، والطرف كليل، والنشاط في العمل قليل، وعلى الله قصد السبيل والسلام.-تطوان في: زوال يوم الإثنين فاتح صفر الخير عام 1428 هـ.
من أخيكم أبي أويس محمد بوخبزة).(1/456)
دَعِ الرَّسْمَ لاَ تَعْقِلْ قَلُوصَكَ بِالرَّبْطِ * وَعَدِّ عَنِ التّذْكَارِ وَاصْبِرْ عَلَى الشَّحْطِ!
أَبَا خُبْزَةٍ حَسْبِي مِنَ الْبَحْرِ غَرْفَةٌ * تَبُلُّ غَلِيلَ النَّفْسِ مِنْ دُونِ مَا فَرْطِ!
فَجُدْ لِي بِهَا فِي الْحَالِ حُيِّتَ شَيْخَنَا * فَكَمْ ذَا قَطَعْتُ الدَّرْبَ شَوْطاً عَلَى شَوْطِ
مَوَاهِبُكَ الْحَسْنَاءُ مَا حَازَ مِثْلَهَا * أَدِيبٌ فَقِيهٌ أَنْتَ لِلدَّهْرِ كَالسّمْطِ (1)
تنبيه: رأى شيخنا أبو الفضل بالسجن الزكي بسلا في المنام حورية جالسة عند رأسه فلما نظر إليها ابتسمت إليه ومد يده إليها فأعرضت عنه وهي تقول: (ليس بعد يا أبا الفضل)، وقال شيخنا أبو الفضل: ولم تفارقني صورتها طول هذه السنين، فلما قرأ قصيدة لشيخه أبي أويس في (مساجلة شعرية مع أديبة سلا)، أوحت إليه بهذا القصيدة-وعنوانها:
(حكى قمراً)
لَقِيتُ مِنَ الْحَسْنَاءِ يَا شقْوَتِي نَصْباً* فَيَا لَيْتَ أَنِّي مَا شُغِفْتُ بِهَا حُبّا
أَمُدُّ لَهَا كَفِّي، فَتُعرِضُ وَيْحَهَا* كَأَنِّي أُخْفِي تَحْتَ أَرْدِيتِي ذِئْبَا!
لَقَدْ صَارَتِ الأشْواقُ كَالْهَمِّ مُرَّةً* وَكَانَ عَذَابِي دُونَ أَهْلِ الْهَوَى عَذْبَا!
فَقُلْ لِنَسِيمِ الصُّبْحِ بَلِّغْ تَحيَّتِي* لِنَعْسَانَةِ الألْحَاظِ مَنْ أَتْعَبَتْ قَلْبَا
كَفَانِي جَفَاهَا وَالْوَفَا يَبْعَثُ الْوَفَا* أبُو خُبْزَةٍ يَسْتَلُّ هِنْدِيةً قُضْبَا
مَوَاهِبُ شَتَّى لَمْ يَحُزْهَا مُعَلّمٌ* وطِيبُ خِلاَقٍ مَا وَجَدتُ لَهَا ضَرْبَا!
مُحيّاً بَشُوشٌ يَنْضَحُ النُّورَ وَالتُّقَى* عَلَى كُلِّ رَاءٍ يَنْشُدُ السِّلْمَ لاَ الْحَرْبَا
__________
(1) -شرح الألفاظ الغريبة: الرسم: الطلل. والقلوص: الناقة المعدة للركوب. والشحط: البعد السحيق. والسمط: العقد النفيس. كتبه عمر الحدوشي بالسجن المحلي بتطوان 29 ذي القعدة 1427 هـ(1/457)
حَكَى قَمَراً يَغْزُو الظَّلاَمَ شُعَاعُهُ* فَيُمْسِي سَبِيلُ الْحَقِّ فِي دَرْبِهِ لَحْبَا
وَيَا كَمْ رَوَى الصَّدْيَان مِنْ حُلْوِ نَبْعِهِ* فَلَمْ يَرْضَ إلا مِنْ كُؤَيْسَاتِهِ شَرْبَا
أَبَا خُبْزَةٍ طَيْرِي بِرَوْضِكَ صَادِحٌ* وَإِنْ يَكُ فِي الأجْوَاءِ لَمْ يَلْحَقِ السِّرْبَا
أَيَادِيكَ لاَ تُحْصَى على زُمْرَةِ الْهُدَى* بِوَجْهِكَ بَعْدَ الله نَسْتَمْطِرُ السُّحْبَا
فَدُمْ رَائِداً لِلْفِكْرِ تُرْسِي لِوَاءَهُ* عَلَى قِمَمٍ مَا انْفَكَّ تَرْوِيضُهَا صَعْبَا!
كَلاَكَ بِعَيْنِ الحفظِ بَارِي نَسَائِم* وَشَدَّ بِكَ الإسْلاَمَ وَ السُّنَّةَ النَّجْبَا (1)
__________
(1) -قال شيخنا أبو الفضل في كتابه: (ذاكرة سجين مكافح) (2\56): ولما اطلع شيخنا على هذه القصيدة المتواضعة والركيكة أجابني بما يلي-بعد كلام طويل-: ( ... وقد سرَّني ما ذكرته عن رؤياك لتلك الحوراء وميلك إليها وقولها لك: "ليس بعد يا أبا الفضل".
حقق الله الأمل وجعلها بشرى خير إن شاء الله، وكيف أوحت إليك بالقصيدة البائية في حكاية ما وقع مع مزج ذلك بمدحي وإطرائي، والذي لمسته في نظمك الآن يعتبر شفوفاً وترقيّاً في ميدان النظم أحسن بكثير مما مضى مع جمال في التعبير، وبلاغة في القول، وسموٍّ في الخيال، فواصل عملك ومحاولاتك كلما وجدت فراغاً في الوقت من قراءة كتب العلم، وصفاءً فكرياً يساعد على استجلاب المعاني، وبراعة التصوير.
ويا حبذا لو قرأت أشعاراً لشاعر فحل، أو: شعراء، فإن الأفكار تتلاقح، والمعاني تتداعى، وقد قيل: من حفظ البليغ قال البليغ، ولستَ بحمد الله ممن يتعثر في هذا المجال فإن عندك من مبادئ العلم والمعرفة ما يساعد على الإبداع والتوغل في العرفان ... وتقبلوا تحياتي مجدداً والسلام).
تطوان مساء يوم الأربعاء 7 ذي الحجة 1428 هـ. من أخيك الداعي لك أبي أويس).
وكتب تحته شيخنا أبو الفضل-كما في الرسالة-: وهذه الشهادة من شيخنا تسرني ولا تغرني، وهي أيضاً وسام على صدري أعتز به.(1/458)
وقال أيضاً يمدح شيخه العلامة أبا أويس بقصيدة تحت عنوان:
(سجايا الأديب)
خَبّرَاني عن رَسْمِها خَبِّرَاني * مَا تمَلّتْ بِمِثْلِهَا مُقلتان
حين تمشِي تفوحُ أنفاسُ مِسْكٍ * من خُطاها في دَلّةٍ وافتنانِ
فكَأَنِّي بذلكَ الريحِ لُطْفٌ * من سَجَايَا الأديب رَبّ البيانِ
نُور عَيْنِي محمدٍ ليْسَ بدْعاً * فَهْو عندي مُقَدَّمُ الإِخْوَانِ
جُودُه الجُودُ و التبسُّمُ فَيْضٌ * من عطاياهُ يالها مِن حِسانِ
فيه نفس تعلو على كل نَفْسٍ * و جَنانٌ يُزري بكل جَنان
وقال أيضاً شيخنا أبو الفضل عمر الحدوشي مادحاً شيخنا أبا أويس بقصيدة عنوانها:
(فيا ويح الأديب)
يَراعٌ جَلَّ أمضى من حُسام * وفِكْرٌ شَقَّ أستارَ الظلام
و أحلامٌ يَضِيقُ الكونُ عنها * تُحَلِّق حُرَّةً فوق الغمام
أخو أدبٍ تَلَقَّى دِفْءَ حُضْنٍ * من الأسفار يَسري في العظام
تراه بِلِينِ عُصْفُورٍ ودِيعٍ * و طَوْراً مثل قَسْوَرَةٍ لُهَامِ!
أصابِعُهُ تَصُوغُ التُّربَ تِبراً * وتنسج ضوء شمسٍ من قَتام
يطيب له التأمل في دنانا * بصمتٍ عمَّ أبلغَ من كلام
فيا ويح الأديبِ يُضام فينا * ويُرمى بالقتاد وبالسهام
أنلهو منه وهو بنا رؤوف * ونسقيه الغداة بكأس ذَامِ؟!
يذكرنا ونرميه بمس * ويؤنسنا ونحن على خصام!
تولاه الإله بفيض لطف * وأبقاه بشيراً بالسلام
فأجابه فضيلة شيخنا العلامة أبو أويس قائلاً:
(... وهذه موازنتي أمليها الساعة والقريحة قريحة والله المستعان:
(يراعك يا أبا الفضل المجلي)
يراعك يا أبا الفضل المجلي (1) * بميدان البراعة في الكلام
تُنافح عن معاني الحق فرداً * بمجتمع يُجَلِّله الظلام
وتكتب في الهُدى صُحُفاً تَنَامَتْ * مَنافِعُها تَوارَثَهَا الأنامُ
سَداها نصرة الإسلام يقفوا * معالِمَها جَحَاجِحة كرام
__________
(1) -المجلي بضم الميم وفتح الجيم وكسر اللام المشددة: الفرس السابقُ الأول منها. (الأجوبة الفاضلة للأسئلة العشرة الكاملة) (ص:197).(1/459)
و تلك مجالسٌ للذكر تَرْوِي * مَوَاقِفَكم يَغْزُوها الزُّحام
دروس في الحديث يليه فقهٌ * له لِلْمُنتقَى و به الْمَرَامُ
و عِبْر منابرٍ أرسلتَ منها * بياناً فيه للبلوى سهامُ
و عنك قد اهتدى للحق جيل *كريم قاده نَدَبٌ هُمام
و لا بد للهداة من امتحان * به الإيمان مستعلٍ يُرام
فنالك منه أوصابٌ ولكن * له الحسنى من المولى ختام (1)
وكتب شيخنا أبو الفضل لشيخنا العلامة أبي ويس رسالة ختمها بهذه الأبيات يهنئه بمناسبة حلول شهر رمضان تحت عنوان:
(تهنئة بمقدم شهر رمضان الأبرك)
أبا خبزة مني إليك تهاني * بمقدم شهر الصوم في رمضان
فأكرِمْ به شهراً يَعُمُّ بِبِشرِهِ * عوالمَ دُنيانا بكل أمانِ
محياك عندي كالهلال وقد بدا *بأفق السما يَنساب في سَرَيانِ
ومثل ليال الصوم فاحت بطيبها * خلائقك السمحاء زَهرَ جِنانِ
فدُم مَورداً عذباً لظامٍ و ملجأ * أمينا لراجي الفضل دون توانِ (2)
فأجابه العلامة الأديب أبو أويس قائلا-بعد البسملة والحمدلة والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه-: (جناب الأخ الأستاذ الفاضل أبو الفضل عمر. عمر الله بالتقوى قلبه، ونور بالإيمان قلبه ولبه...
أهنئكم بحلول رمضان المبارك، فلتهنأوا به وبحلاوة صيامه وقيامه وتقبل الله منا ومنكم وأعاننا بفضله وجعلنا من عتقائه من النار، إنه عفو غفار:
(أبا الفضل يا زينَ الشباب)
أبا الفضل يا زينَ الشباب تحيةً * و تهنئةً بالصوم في رمضانِ
توافيك بالبُشرى بقرب تَخَلُّصٍ * من المحنة السَّودا وبَرْدِ أمانِ
فصبراً-أخي-صبراً، وأكرِم بشهره * بشيراً بغفران وتقوى وإيمانِ
وأجر يُفيض الله فضل جزائه * بدون حساب بل: بطول وإحسانِ
__________
(1) -من أخيك الداعي لك أبي أويس 28-ربيع الثاني 1429 هـ
(2) -وكتبه تلميذه المحبوس في سبيل دينه وعقيدته مباركاً ومهنئاً بمقدم شهر رمضان بزنزانته الانفرادية بالسجن المحلي بتطوان 24 شعبان 1429 هـ.(1/460)
وأكرم به صوماً كريماً وجُنَّة * فطِب به نفساً، ينتهي لجِنانِ) (1) .
وقال أيضاً في تهنئة شيخه أبي أويس بعيد الفطر تحت عنوان:
(تهنئة بعيد الفطر)
لمثلك طاقةُ الأزهار تُهْدَى * لأنك زِدت الرحمن حمدا
أهنيك الغداةَ بعيد فطرٍ * بلطفك والفضائل طاب رفدا
مشاعرك الرقيقة نبع ماءٍ * و طبعك نَسْمَةٌ بالطيب تندى
محمد أيها الشهم المُفَدَّى * رعاك الله في جمع و فردا
ولا زلت الشفاء لكل داء * و للفرسان سيفاً ليس يَصْدَى (2)
وقال أيضاً في تهنئة شيخه أبي أويس بعيد الأضحى تحت عنوان:
(تهنئة بعيد الأضحى)
صدح التأذين (3)
__________
(1) -ثم قال: (... وأشكر لك أدبك وعواطفك الأخوية، ووداك الصافي، ووفاءَك الوافي، وهذا معتاد منك دائماً، فجزاك الله خيراً وبارك فيك وفي أهلك وأولادك ومن إليك. وأدام الله توفيقك واهتمامَك بالعلم والبحث اهتماماً قلما يوجد في أقرانك ولِداتك، وإن وُجد فهو فيما لا يجدي نفعاً من القصة والأدب الحديث والحداثة وما إلى ذلك مما يضر دنيا وأخرى...صباح يوم الخميس 11 رمضان المعظم 1429 هـ من أخيك ومجلك أبي أويس محمد بوخبزة).
(2) -وكتبه تلميذه المحبوس في سبيل دينه وعقيدته مباركاً ومهنئاً بمقدم شهر رمضان بزنزانته الانفرادية بالسجن المحلي بتطوان اليوم الثاني من عيد الفطر 1429 هـ.
(3) -قال شيخنا العلامة محمد بو خبزة في رسالة بعث بها لشيخنا أبي الفضل-بعد البسملة والحمدلة والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه، والسؤال على الحال-:
(جناب الأخ الأستاذ الفاضل، الماجد الحُلاحل، الشيخ أبو الفضل المحترم. رعاه الله.
أما بعد: فقد وافاني كتابك المؤرخ بثالث ذي الحجة الجاري... وقد أخبرني الطلبة يوم السبت التالي ليوم دفن السيد والدكم-رحمه الله وأكرم مثواه-ولا أعلم قبل ذلك فلك تعزيتي الخالصة مشفوعة بالدعاء للراحل بالمغفرة ولك بالثبات والصبر، وقد تأثرت لمصابكم بداء السكري كفاكم الله شره، ووقاكم ألمه وضره، وهذه كربة إلى كربة عجل الله لكم بالفرج، وانتظار الفرج عبادة، والرجاء في الله تعالى أن يعافيكم ويفرج عنكم قريباً، ولكم بالمناسبة تهانينا بالعيد الكبير جعله الله خيراً وبركة ويمناً وإيذاناً بالحرية والسراح، وقد تفتحت قريحتكم عن أبيات الرثاء العينية في رثاء السيد والدكم تغمده الله برحمته والحائية من رثاء شيخنا الألباني طيب الله ثراه والهمزية في التهنئة بالعيد، وهي كلها جيدة النظم إلا ما كان من البيت الأول من الهمزية:
"صدح الأذان"، وهو من بحر الرمل والخلل في الأذان فَحَوله إلى (التأذين) للوزن... وقد أحسنتم برثائه بتلك الحائية الصادقة، وهذه ملاحظات عابرة، ففي البيت الخامس: (معَطَّشاً) والصواب: (مُعْطَشاً)، للوزن والبحر طويل، وتلك الرقاق البيضِ بالكسر والصواب: (البيضَ) بالفتح لأنها نعت الرقاق، وفي البيت السابع: (يضوع بها كالوُرق ملءُ الربى الخ) والصواب: ملءَ بالفتح على نزع الخافض ولا وجه للرفع.
هذا ما أمكن الساعة إملاؤه وبرودة الجو تثير آلاماً في الركبتين والظهر، والله تعالى المسئول في تفريج الكربات، ورفع ا لآفات، وإلى اللقاء والسلام. تطوان في 16 ذي الحجة عام 1429 هـ من أخيكم ومجلكم أبي أويس محمد بوخبزة).(1/461)
في أفْق السماء * فأجيبوا يا بني قومي النداءْ
هو ذا العيد أتاكم بالهناء * فاحمدوا الله و زيدوا في الثناءْ
إيه يا خير فتى حاز المعالي * باجتهاد وتفانٍ و وفاءْ
أنت للعيد ضياءٌ يتلألأ * بارك الله لنا هذا الضياءْ
ولْيبارك لك يوماً فاح طيباً * مثلَ أزهار الرُّبى فاضت عطاءْ
فيك للخيرات والإحسان مِثْلٌ * نِعْمَ ذا الفعل صنيعَ الأولياءْ
وقال أيضاً في تهنئة شيخه العلامة أبي أويس بالسنة الهجرية الجديدة، مع تحسره على ما جرى لأبناء غزة بأيدي اليهود ويتم ذلك بموافقة ومباركة بعض حكام ورؤساء العرب-المتقارب:
(تهنئة بالسنة الهجرية)
أهَلَّ الهلالُ بعامٍ جديد * فكلُّ قريبٍ يُرى من بعيد
فَبُشْرى لكم يا أبا خبزةِ * بشهر المحرم هذا الفريد
ويا حسرتاه على ما جرى * لأبناءِ غَزَّهْ بأيدي اليهود!
عَلاَ في التجبّر فرعونهم * فكم راسخين بذل القيود!
ولكن سَيَبْقى الصمودُ ولن * تَخِرَّ فلسطينُ رغم الجُحود
وكتبه أبو الفضل عمر بن مسعود ابن الفقيه عمر الحدوشي بالسجن المحلي بتطوان 4 محرم 1430هـ.
كتب شيخنا أبو الفضل قصيدة يمدح فيها شيخه أبا أويس، فقال في أول الرسالة بعد الحمدلة والبسملة والصلاة على رسول الله وآله وصحبه، والسؤال على الحال: شيخنا أعلم أن المدح والذم عندكم سيان... فتقبل مني هذه الأبيات الركيكة،:
خَبّرَاني عن رَسْمِها خَبِّرَاني * مَا تمَلّتْ بِمِثْلِهَا مُقلتان
إلى آخر الأبيات الستة المتقدمة... فأجابه في رسالة مباركة بعث بها إلى شيخنا أبي الفضل قائلاً-بعد البسملة والحمدلة والصلاة على رسول الله وآله وصحبه، والسؤال على الحال-:
(جناب الأخ الكريم الأستاذ الفاضل الداعية أبا الفضل عمر. عمّر الله بالتقوى صدره، وأصلح باليقين سره وجهره...
وأبياتكم الستة النونية سليمة وفيها شاعرية وإطراء معهود منكم ثم قال:
فلماذا تُطرونني وأنا صفـ * ــر فمالي بما يقال يدان
غير أني طويلب أنشد العلـ * ــمَ وأرجو رضا الرحمن(1/462)
همتي تطلب العُلى و لساني * يتهجى لطائف العرفان
كم تمنيت صحة و فراغاً * لتقصي منازل الإحسان
في انقطاع تخطه فيه يميني *تحفاً من روائع التبيان
بيد أن الأقدار تجري بما لا * أشتهي من راحة الوجدان
فأنل يا كريم عبدك لطفاً * فاعف عنه فهْو الأسير العاني) (1)
قال شيخنا أبو الفضل: فأجبته من وراء القضبان قائلاً:
عيل صبري وقيل للصبر حد * إن بعض الهوى مثير هوان
تتناجى القلوب بالخير حيناً * ولئن هُددت ببطشة جان
و ترى أدمع العيون هوامٍ * وهي تحكي تقلب الثعلبان (2)
أي عيش يطيب للمرء إن كا *ن غريباً في الأهل والأوطان؟
إن يَرُم نصرة يخبْ كلُّ سعي * منه ويح الصحاب والإخوان
أو: يرد سلوة بقرب حبيب * صد يرجعْ مقرح الأجفان
حسبي الله حافظاً و مجيراً * من كروبي وضَلتي و افتناني (3)
وقال أيضاً من داخل زنزانته الانفرادية بالسجن المحلي بتطوان، يمدح شيخه أبا أويس:
سجع الحمامُ عَلَى الغُصُونِ فأََطْرَبَا*وشَكَا النَّوَى فَأَهَاجَ شَوْقاً قَدْ خَبَا
يابْنَ السَّوَانِح ما لِهَمِّكَ مُشْبِهاً * بَيَنَ الأَنَاسِيْ نَازِحاً مُتَغَرِّباً
فاسْكُبْ دُمُوعَكَ عَلَّهَا تُطْفِي الجَوى * فِي جَانحيْكَ فَإِنَّ حُزْنَكَ أَغْرَبَا
لولاَ الأديب ابن الأديب مَن ارتَقَى * رَأْسَ البلاغَةِ والبَيَانِ فَأَعْجَبَا
مَاكَان نَوْحُكَ شَاغِلاً أَهْلَ الهَوَى * و َمُوَاسياً قلباً أحبَّ مُعَذَّباً
هُوَ قِبلةُ الطُّلاَّبِ كَعْبَةُ قَاصِدٍ * كَسب المعارف طَابَ ذلك مَكْسَباً
ليْسَ الثَّنَاءُ عليْه ضَرْبَ تَصَنُّعِ * لكنْ لساني عن فؤادِي أعْرَبَا
__________
(1) -قال شيخنا العلامة محمد بوخبزة في آخر رسالته-: (تطوان صباح يوم الخميس 27/ ربيع الأول 1429 هـ أخوكم أبو أويس).
(2) -أو: (الثعبان).
(3) -قال شيخنا أبو الفضل: (وذيلت أبيات شيخنا أبي أويس النونية بالسجن المحلي بتطوان بتاريخ 7 ربيع الثاني 1429 هـ).(1/463)
أوَ يُنْكِرَنْ للبدر فَضْلَ مُمَيَّزٍ * مَن عَدَّ نَجْماً في السماء وموكَباً
وكتبه أبو الفضل عمر بن مسعود ابن الفقيه عمر الحدوشي بالسجن المحلي بتطوان 6 ربيع الثاني 1429 هـ.
معجزة البحر:
قال شيخنا أبو الفضل: قرأت في (رونق القرطاس، ومجلب الإيناس) (ص: 145) لفضيلة شيخنا أبي أويس. ما نصه: (صدر مني بمصيف (تامرنوت) يوم الأربعاء 13 محرم 1423 هجرية). وقد أشرفت على البحر وهو في هيجانه الشديد، والمَدُّ في منتهاه قولي:
البَحْرُ آيَةُ قَهْرِ * وَ مَوْجُهُ سَوْط زَجْرُِ
ينْبِيكَ أنْ وَرَاهُ * رَبّاً بَراهُ بِقَدْرِ
هَدِيرُه كُلّ حِينٍ * ذِكرٌ منُوطٌ بِأمرِ
فقلت مذيلاً من زنزانتي الانفرادية-من السجن المحلي بتطوان-بتاريخ 5 ذي القعدة 1427هجرية:
لِلِْمَرْءِ مِنْهُ انبِهَارٌ * بِدَاخِلِ النَّفْسِ يَسْري
هُو العَتِّي و لكِنْ * في عُسْرِهِ مَحْضُ يُسْرِ
أَلَمْ تََر الفُلكَ تجْرِي * عَلَيْهِ، و اللُّطفُ يَجْرِي
فإِن طغى وَتَمَادَى * وَ جَا بِأَعظَم نُكْرِ
أَوْحَى الإلهُ إليْهِ * فقدَّ شوْكَةَ شَرِّ
أَيْنَ الجَبَابِرُ مِنْهُ * بَاءُوا هناك بِخُسْرِ
فِرْعَوْن فِيه تَرَدَّى * وَ جُنْدُهُ بَعْدَ نُذْرِ
وتَيْتَنِيك تَهَاوَتْ * في عُجْبِها نَحْوَ قَعْرِ
واذكُرْ سُنَامِي وكَمْ ذا * أَشَاعَ مِنْ آي ذُعْرِِ
شَنَّ عَلَى الفِسْقِ حَرباً * هَوْجَا بِطَيٍّ وَ شَرِّ
وبالطَّبِيعَةِ يُلْفَى * فَي الُحسْنِ مُلْهِمَ شِعْرِ
الشَمْسُ تَسْبَحُ فِيهِ * تَلْقَى جَدَائِلَ سِحْرِ
تَأْوِي إليْهِ مَسَاءً * تَغْفُو بِأَدْفَإِ صَدْرِ
تِلْكَ الجَدَاوِلُ تَهْفُو * لِشَطِّهِ طُولَ دَهْرِ
تَرُومُ فيهِ اتِّحَاداً * نَهْراً بِنَهْرٍ بِنَهْرِ
قال فضيلة شيخنا أبو أويس لما بلغه هذا التذييل: (...جناب الأخ المكرم الأستاذ الفاضل أبا الفضل المحترم. رعاه الله وسلمه وفك أسره وفرج كربه. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(1/464)
أما بعد: فقد وافني منكم كتابان الكريمان الأول بتاريخ ذي القعدة 27 والثاني مورخ بـ29 منه، وقبلهما بمدة سلمني أحد الإخوة كتابكم: (شرح منظومة قواعد التفسير) -وهو المعنون بـ(نَشْر العبير في نظم قواعد التفسير)- بعد انقطاع دام شهوراً بسب قاهر ما زال قائماً... ونرجو الله خيراً...
والحمد لله الذي أتاح لك الراحة النفسية في السجن حتى تَذوقت ما قرأته فيه أكثر مما قرأته خارجه، وشكراً لك على إشادتك بأوضاعي التي هي عبارة عن نُقُولٍ واختيار أجد فيها مدعاة للازدياد، وقد قرأت بعناية ذيلك على معجزة البحر ودَعْني أصَارِحْكَ بأن ذيلك أجمل وأفيد من الأصل وقد أحسنت النظم في بحر المجتث وهو خفيف لطيف فطب نفساً بشعرك المُعتَبِرْ... تطوان مساء يوم الأربعاء 7 ذي الحجة 1427 هـ من أخيك الداعي لك أبي أويس محمد بوخبزة).
قال فضيلة شيخنا أبي الفضل: (قال فضيلة شيخنا أبو أويس في (رونقه) (ص:128): (في 16 ذي القعدة 1418هـ وجدت بمذكرتي تنصيب الملك للحكومة الجديدة وعدد وزرائها أربعون وعددها: على عدد أصحاب علي بابا والأربعين لصاً وتحت الخبر:
وُزَراءٌ أربَعُونْ * خُبثَاءٌ لاَ يَعُونْ
هَمُّهم دنيا، و فيها * سَعْيَهُمْ لا يَدَعُونْ
لا رشيدٌ فيهِمُو * عن هَوىً لا يَرِعُونْ.
فقلت مذيلاً:
يَا لَهُمْ ضَلُّوا سَبيلاً * فَهُمُو لا يَرْجِعونْ
حسِبوا المالَ لَهُم حِكْـ * راً فباتُوا يَجْمَعُونْ
لَيْتَهُم عادُوا ولِنَهْجِ الْـ * حَأقِّ لأو يَسْتَمِعُونْ
كتبه تلميذه عمر بن مسعود ابن الفقيه عمر بن حدوش الحدوشي بالسجن المحلي بتطوان 23 محرم 1428هـ.
الشُعراءُ في الزمان أربعَهْ * فَشَاعِرٌ يجري ولاَ يُجْرَى مَعَهْ
و شاعرٌ يَنْشُدُ وسطَ المعمعَهْ * و شاعرٌ من حَقِّه أن تَسْمَعَهْ
وَشَاعرٌ من حقه أن تَصْفَعَهْ)
قال فضيلة شيخنا أبو أويس وذيلته بقولي:
و خامسٌ واجبه أن تقمَعَهْ * لأنَّهُ في الطُّول مِثْلُ الصَوْمَعَهْ(1/465)
والعَرضُ قد يَفُوتُ فيه أَذْرعَهْ * تَسْمَعُ مِنْهُ كالنَّهِيقِ جَعْجَعَهْ
من دُونِ طَحْنٍ سَامَ مِنْهُ أَوْجَعَهْ).
قال شيخنا أبو الفضل: وعملتُ عليه تَذْييلاً بزنزانتي الانفرادية بالسجن المحلي بتطوان بتاريخ 24 محرم 1428 هـ:
(وسَادسٌ يحكي هديرَ الزَّوبَعَهْ * يَكادُ طبلُ الأُذن أن يُصَدّعَهْ!
أَتْممْ عَديدَ الشُّعَراءِ أَجْمَعَهْ * فاحْذَرْ بِسَابع أن تُشَفّعَهْ
فَإِنَّ للشِّعْرِ رِماحاً مُشْرَعَهْ).
وكتب تذييل التذييل تلميذُه عمر بن مسعود ابن الفقيه عمر بن حدوش الحدوشي بالسجن المحلي بتطوان في زنزانته الانفرادية بتاريخ 24 محرم 1428 هـ .
وقال فضيلة شيخنا أبي الفضل في (ذاكرة سجين مكافح) (2\56): (قرأت في كتاب (حفنة دُرّ) (ص38) لفضيلة شيخنا أبي أويس ما نصه: (لطيفة: لمحمود الزمخشري:
يا راكب الدنْيا هُدْ هُدْ (1) * واسْجُدْ كأَنك هُدْهُد
وذيله التاودي بن سودة فقال:
وقم لربك واقعُدْ * وعن خِلافه فابْعُدْ
وزاد بعضهم بيتاً فقال:
و أخلصِ الدينَ واشْدُدْ * عَلَيْهِ إن كنتَ تَعْبُدْ
وقلت أنا آخر:
ولا تَحِدْ عَنْهُ واجْهَدْ * في الدَّرْسِ و الحفظ تَسعَدْ
والبدعة-الدهرَ-فاردد* و السنةَ الزم لترشُدْ
قال شيخنا أبو الفضل: وذيلت هذه التذييلات ببيتين من زنزانتي الانفراية قائلا:
دعِ الهوى عنك وابْعدْ * فعَيشُهُ عيشُ أنْكَدْ!
و آتِ نفْساً هُدَاهَا * فَعِنْدَ ذَاك تُؤيَّدْ
كتبه عمر بن مسعود الحدوشي من السجن المحلي بتطوان 6صفر1428هـ
قال فضيلة شيخنا أبي الفضل في كتابه: (ذاكرة سجين مكافح) (2\54): (قرأت في (رونق القرطاس) (ص:81) لفضيلة شيخنا أبي أويس-حفظه الله-ما نصه: "ولكاتبه-عفا الله عنه-هذه الأبيات وهي مما قلته عام ستة وستين وثلاثمائة ألف هجرية:
أقول وفي قولي نصيحة مرشد * إلى الفوز والرضوان عند التزود
__________
(1) -هُدهُد: أمر من الهدى وفي التنزيل: {إنا هدنا إليك}.(1/466)
تَخَلَّقْ بأخلاق الكتاب المنزَّل * و بالسنة الغراء لا بالتهود
وجانِبْ ذوي الإلحاد وارفُضْ من انتمى * إليه ولا تتبع ذوي الفسق تَسْعَدِ
وذا حَذَرٍ كُنْ يَا زَميلي من العِدَا * و لا تطع الشيطانَ والنفسَ تهتدِ
قال شيخنا أبو الفضل: فقلت مخمساً لها بقولي:
(ورُبَّ كَلاَمٍ من معانٍ مجرَّدِ * إذا هو لم يُقْرَنْ بفعلٍ مُسَدَّدِ
فَخُذْ عِبْرَةً فِيمَا مَضَى لاَ تَرَدَّدِ)
أقول وفي قولي نصيحة مرشد * إلى الفوز و الرضوان عند التزود
(ففي آيِ هذا الذكر حَلٌّ لِمُعْضِلِ * وفِي سُنَّةِ المختار أَمْنٌ لِمُجْهَدِ
وليس وراءَ الحقِّ نَهْجٌ لِمُقْتَدِي)
تَخَلَّقْ بأخلاق الكتاب المنزلِ * و بالسنة الغراء لا بالتهود
(عليك بحبل الله إن شئتَ تَسْلَمَا * به فاعتصِمْ في قُوةٍ تَنْجُ فِي غَدِ
وتَحْظَ برَوْحِ اللهِ في عَيْشِ أرْغَدِ)
وجانِبْ ذوي الإلحاد وارفُضْ من انتمى * إليه ولا تتبع ذوي الفسق تَسْعَدِ
(عن الشر أقْصِرْ واجْلُ عَنْ قَلبِكَ الصَّدَّى * فَإِنَّ صَفَاءَ القَلْبِ أَنْبَلُ مَقْصَدِ
و راجي الهدى عن ربه غير مُبْعَدِ)
و ذا حَذَرٍ كُنْ يَا زَميلي من العِدَا * ولا تطع الشيطانَ والنفسَ تهتدِ
وقد طلب شيخنا أبو الفضل من شيخنا أبي أويس أن ينقض أخطاء بردة البوصيري وهمزيته بأبيات شعرية حتى ينشرها مع (التوضيحات...)، فقال فضيلته-ملبياً طلب شيخنا أبي الفضل-قائلاً، وقد قلت:
الحمد لله مُحيي الخَلْقِ من عَدَمِ
وباعثِ الرُّسْلِ الهادينَ للأُمَمِ
وصَلِّ-رَبِّ-وسَلِّم دائماً أبداً
على النَّبِيِّ ومَنْ وَالاَهُ من نَسَمِ
وبعد: فالنُّصْحُ فرضٌ لاَزِمٌ لِبَنِي الـ
ــإسلام من عَرَب-تَتْرَى-ومن عَجَمِ
فَلْتَعْلَمُوا-إخْوَتِي-أنَّ المَدِيحَ لمن
أثنَى عليه إله العرش في القِدَمِ
من خير ما يفعل (المسعودُ) إن سَلِمَتْ
أقوالُهُ من هَوَى الإطراء في الكَلِمِ
وقد نَهَى المصطفى عنه، لِمَا غَالَه(1/467)
من الغُلُوّ إلى الإفراطِ في النَّدَمِ
فما لَكُمْ نَشَزَتْ أنْغَامُ (بُرْدَتُكُمْ)
و(ذَاتِ هَمْزٍ) بما تَحْوِيه من ظُلَمِ؟
قد أَسْكَتَ المصطفى (البِنْتَيْنِ) من صفة
قد قَالَتَاهَا، لما فِيهَا من التُّهَمِ
ألم تَرَوْا ما بهذا القَوْلِ من شَطَطٍ؟
فكيف تَسْتَسْهِلون الهَتْكَ للحُرَمِ؟
وتُنْشِدُونَ وأنتم في جَهَالَتِكُمْ:
أنّ الإلَهَ بَرَى الأكْوانَ من عَدَمِ:
لَوْلاَ الرّسُولُ لَكَانَ الكَوْنُ منعَدِماً
هَذِي المُصِيبَةُ قد أرْبَتْ على اللَّمَمِ
ومن علُومِ رسولِ الله-وا أسفاً-
علمُ الإله، وما في اللوح والقَلَمِ
واللهِ لو سَمِعَ المختارُ قولَكُمُ
هذا لأرْكَسَكُمْ في مَارِجِ الضَّرَمِ
يا ويْحَكُمْ عِنْدَ ما تُبْلَى السَّرَائرُ في
يومٍ تَفَاقَمَ فيه الحُزْنُ مِن ألَمِ
وَلَيْسَ يُنْجِي سِوى التَّوْحِيدِ مُنْفَرِداً
كَمَا أَتَى الوَحْيُ من هُلكٍ ومن غُمَمِ
هلاَّ اتَّبَعْتُم رَسُولَ اللَّهِ، يَحْدُوكُمُ
حُبٌّ لسُنّتِه الغَراءِ، من هِمَمِ
فَهُوَ السَّبيلُ لِحُبِ اللهِ، َلا غُلُوٌّ
مُرْدٍ وَلا لَهَجٌ بِالشَّطْحِ والنِّقَمِ
يَا أُمَةً أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَهْدِيهِمُ
لِلحَقِ، فَانْشَغَلَتْ بِاللَهْوِ وَالخَدَمِ
تَقَاعَدَت عَن جِهادِ الظُّلَمِ وانحَشَرت
إلى الزَّوايا تَرومُ النُّورَ في الظُّلَمِ
سِلاَحُهَا الطِّبْلُ والمِزْمارُ يَصْحَبُهُ
رَقْصٌ سَخيفٌ على الإِيقَاعِ في نَهَمِ
وَشَاذنٌ تُطْربُ الأَسْماعَ نَغَمتُهُ
يَعْلُوا الصِيّاحُ له من كل مُصطَلَمِ
هَذَا التَّصَوّفُ أَخْزى اللهُ رَائِدَهُ
إِرْثُ اليَهود به القُربانُ للصَّنَمِ
والسامريُّ به أَبْدَى دَخِيلتَه
للعِجْلِ حُبّاً، فَهِمْ في المسخ أوْ فَلُمِ
... قَدْ قَالَه القُرطبِي والشاطبي وكذا الطُّـ
رْطُوشي، أَكْرِمْ بهِمْ من فاضِلِي الشِّيَمِ
هَذِي شَرِيعَتُنا، واللهُ كَمَّلَهَا
وَزَانَهَا بِرِضَاهُ الوَافِرِ الكَرَمِ(1/468)
فَمَا عليك إذا رُمْتَ النجاةَ سِوى
قَفْوِ الرسولِ حليفِ العِلْمِ والحِكَمِ
وإنْ أَبَيْتَ فَلُمْ-واللهِ-نفسَك إذ
أهلكتَها حينَما قد عِشْتَ ذا صَمَمِ
فَعَاوِدْ التَّوْبَ واصْدُقْ واستقِمْ وأَدِمْ
ذِكْرَ الإلَهِ عَسَى تنجو من الحُمَمِ
تطوان في7 ذي القعدة عام1423 هـ أبو أُويس محمد بوخبزة عفي عنه.
وقال فضيلة شيخنا عمر: (قال أبو الفضل عمر بن مسعود ابن الفقيه عمر بن حدوش الحدوشي-من داخل زنزانته الانفرادية-مذيِّلاً هذه الأبيات:
هُوَ الأمينُ أتَى بِالصِّدْقِ فِي زَمَنٍ
عَمَّ الضَّلاَلُ فَأَجْلَى حُلْكَةَ الظُّلَمِ
فَذَلَّ كُلّ شُمُوخِ الأنْفِ مُفْتَخِراً
بِالْمَالِ وَالْجَاهِ لَمْ يَهْنَأْ وَلَمْ يَقُمِ
بِالْمُعْجِزَاتِ الْحِسَانِ الْغُرِّ أّيَّدَهُ
رَبُّ الْبَرِيَّةِ والأَفْضَالِ وَالنِّعَمِ
الْبَدْرُ لَمَّا رَآهُ انْشَقَّ مُنْدَهِشاً
مِنْ نُورِ وَجْهِ نَدِيِّ الْحُسْنِ مُبْتَسمِ
وَعِنْدَ ماَ انْتَابَ (1) فُرْسَانَ الْهُدَى عَطَشٌ
أَرْوَتْ أَنَامِلُهُ بِالْمَاءِ كُلَّ ظمِ
و أُمُّ مَعْبَدَ قَدْ ضَرَّتْ شُوَيْهَتُهَا
بِلَمْسِ ضَرْعٍ لَهَا مِنْ كَفِّهِ الْكَرِمِ
أسْرَى بِهِ رَبُّهُ لَيْلاً إلَى قُدُسٍ
مِنْ أَرْضِ مَكَّةَ طُوبَى ذَاكَ مِنْ حَرَمِ
بالأنْبِياء أَقَامَ الْفَجْرَ تَرْقُبُهُ
عَيْنُ الْمَلاَئِكِ صَفّاً جِدَّ مُنْتَظِمِ
وَلِلسَّمَاوَاتِ أَمْسَى فِي مَعَارِجِهِ
يَرْقَى وَيَصْعَدُ فِي شَوْقٍ وَفِي نَهَمِ
وَآبَ مِنْ لَيْلِهِ فَجْراً لِمَنْزِلِهِ
وَكُلّ ذَالِكَ حَقٌّ لَيْسَ بِالْحُلُمِ
فَقُلْ لِمُبْتَدِعٍ يَغْلُو بِمُنْكرِهِ
أَقْصِرْ فَرَأْيُكَ مَأْفُون (2) وَأَنْتَ عَمِ
بِئْسَ الضَّلاَلُ لِسَاعٍ مَرْكَباً وَطِئاً (3)
يَجُرُّ وَيْلاً لِرَاعِي الْمَرْتَعِ الْوَخِمِ
__________
(1) -انتاب: أي: أصاب.
(2) -مأفون: أي: فَاسِد.
(3) -وطئاً: أي: سهلاً.(1/469)
لاَ تُشْرِكَنَّ بِرَبِّ الْخَلْقِ أَعْبُدَهُ (1)
حَذَارَ أَخْذِ شَدِيدِ الْبَطْشِ مُنْتَقِمِ
أُنْفُرْ مِنَ السِّحْرِ وَالأحْجَارِ، لا تَدَعَنْ
يَدَيْكَ تَلْمَسُهَا إلا لدى التَّيُمِ (2)
لاَ تَسْتَغِثْ بِوَلِيٍّ أو: ملائكةٍ
يَكْفِي بِرَبِّكَ تَوَّاباً لِذِي نَدَمِ
طَهِّرْ فُؤَادَكَ من مَيْنٍ (3) وَمَبْغَضَةٍ
تَنْجُ الْغَدَاةَ فَإنَّ الله ذُو كَرَمِ
كتبه:
عمر الحدوشي بالسجن المحلي بتطوان 22 صفر 1428هـ
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
__________
(1) -أعبده: أي: عِبَادَه.
(2) -التيم: أي: التيمم.
(3) -المين، هو: الكذب والنفاق.(1/470)