المقدمة :
... الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى ، أحمده سبحانه وأشكره على آلائه ونعمه التي تترى ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الرحمن الرحيم عالم السر والنجوى ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وخاتم رسله المبعوث بالحق والهدى ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً .
... أما بعد : فإن علم الحديث من أشرف العلوم بعد كتاب الله عز وجل ، ولقد هيأ الله تعالى لسنة رسوله صلى الله عليه وسلم أئمة أعلاماً وهداة كراماً ، نضر الله وجوههم بالبلاغ عن نبيه والذب عن سنته والحفظ لدينه ، فبذلوا أوقاتهم وأتعبوا أجسادهم وأسهروا ليلهم وواصلوا نهارهم ، فجزاهم الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء .
... في هذا البحث نقف مع فوائد من مناهجهم وفرائد من طرائقهم ، لنقتفي أثرهم فالخير – والله – في سلوك طريق من سلف من أهل العلم والهدي المستقيم .
سبب اختيار البحث :
... هذا البحث مشاركة في الندوة المقامة بكلية الدراسات الإسلامية بدبي حول ((علوم الحديث واقع وآفاق) فإنه لما عرضت علي المشاركة في أحد موضوعاتها آثرت موضوع ((مناهج القدماء في التعامل مع السنة تصحيحاً وتضعيفاً)) ، فهو موضوع قريب إلى نفسي موافق لتخصصي .
... ولقد كان لرسالتي في الماجستير ((تحقيق القسم الأول من كتاب الكامل في ضعفاء الرجال)) للحافظ ابن عدي ، كان لها الأثر في ارتباطي بكتب المتقدمين ا لأوائل في السنة وتراجم الرواة وعلوم الحديث مما زاد تعلقي وحبي لهذا الجانب خاصة ما يتعلق بعلوم الحديث والإسناد .
... ولا شك أن هذا الموضوع طويل ودقيق وشائك يحتاج إلى استقراء طويل وإدمان للقراءة في كتب القوم والبحث في زواياها واستخراج خباياها ، وهذا قد لا يُتمكن منه في مثل هذا البحث .(1/1)
... ورغم ما كتبته فهذ الموضوع يحتاج إلى توسع أكثر وإلى تأمل أطول ، فلا أزعم أني استوفيت ولا أقول إني كفيت ، ففي الموضوع وقفات للمتأمل وثغرات للناقد المبصر ، ولذا فإني أرى أن يسمى البحث : ((فوائد في مناهج المتقدمين في التعامل مع السنة تصحيحاً وتضعيفاً)) .
خطة البحث :
... قسمت البحث إلى تمهيد ومدخل ومباحث وفروع :
1- تمهيد : المقصود بالمتقدمين وبيان فضلهم وعلوهم في هذا الشأن .
2- مدخل : شروط الاحتجاج بالحديث .
3- المبحث الأول : المسائل المتعلقة بالعدالة وتحته ثلاثة فروع :
1- رواية المجهول .
2- رواية العدل والعدول عن الراوي هل تعد تعديلاً له ؟
3- رواية المبتدع .
المبحث الثاني : المسائل المتعلقة بالضبط .
المبحث الثالث : المسائل المتعلقة باتصال السند ، وتحته فروع :
1- هل يكفي في الاتصال بين الراويين المعاصرة أم لا بد من ثبوت اللقاء في المعنعن .
2- المدلس .
المبحث الرابع : المسائل المتعلقة بشرط السلامة من الشذوذ ، وتحته فروع :
1- بين الشاذ والمنكر .
2- التفرد والشذوذ والنكارة .
3- زيادة الثقة .
المبحث الخامس : المسائل المتعلقة بالسلامة من العلة القادحة .
المبحث السادس : المسائل المتعلقة بتقوية الحديث .
- الخاتمة .
- الفهارس .
هذا وأسأل الله تعالى أن يجعل عملي خالصاً لوجهه وأن يجعله لي ذخراً وأن يحسن لنا العاقبة ، ومن رأى فيما ذكرت خطأ فليدلني عليه فالمرء ضعيف بنفسه قوي بإخوانه
والله ولي التوفيق
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه
كتبه :
د. عبدالرحمن عبد الكر يم الز يد
10 /11/1423هـ
13/1/2003م
رأس الخيمة ، ص : 144 ، الإمارات العربية المتحدة
ت : {4872238/050}-{2361268/07}
تمهيد
المقصود بالقدماء أو المتقدمين وبيان فضلهم وعلوهم في هذا الشأن .(1/2)
... لم أجد من أهل العلم من نص على فارق زمني بين المتقدمين والمتأخرين إلا أنه اشتهر بين طلاب العلم أن المتقدمين من كان قبل الثلاثمائة للهجرة ، ونسب هذا القول للحافظ الذهبي رحمه الله تعالى ، وقد بحثت عنه في مظانه من كتبه ولم أجده وكأن هذا القول اعتمد على أن ذلك عصر القرون المفضلة التي قال عنها النبي - صلى الله عليه وسلم - : (( خيركم قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ))(1) .
... أو لأن آخر الأئمة الستة أصحاب الكتب المشهورة في السنة كانت وفاته قريب الثلاثمائة وهو الإمام أحمد بن شعيب النسائي حيث توفي سنة 303هـ .
... وهذا الرأي وجيه وله حظ من القوة ، ففي تلك القرون عاش الجهابذة الذين كان لهم قصب السبق في حفظ السنة والذب عنها وبيان صحيحها من معلولها ، وكان لهم المؤلفات الضخمة في الحديث والرجال والعلل وغيرها إلا أنه وجد بعد الثلاثمائة من الأئمة من سار على منهج المتقدمين وحذا على قواعدهم وطرائقهم فهو ملحق بهم كالإمام الدار قطني والخطيب البغدادي وابن رجب وغيرهم .
... وقد عدّ الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى ابن حبان من المتقدمين فقال في كتابه (تعريف أهل التقديس في كلامه عن مكحول قال : (( مكحول الشامي الفقيه المشهور تابعي يقال إنه لم
يسمع من الصحابة إلا عن نفر قليل ووصفه بذلك ابن حبان ، وأطلق الذهبي أنه كان يدلس ولم أره للمتقدمين إلا في قول ابن حبان )) (2) ا.هـ ...
وفي نزهة النظر لما تكلم عن زيادة الثقة قال : والمنقول عن أئمة الحديث المتقدمين ... وذكر منهم الدار قطني ... )) وسيأتي قوله في مبحث زيادة الثقة .
__________
(1) متفق عليه من حديث عمران بن حصين . انظر : البخاري ، ك : الشهادات ، ب : لا يشهد على جور ح:
(2651) ،
ومسلم ، ك : فضائل الصحابة ، ب : فضل الصحابة ثم ا لذين يلونهم ، ح : (2535) .
(2) انظر : تعريف أهل التقديس بمراتب الموصوفين بالتدليس ، ص 156 ، رقم الترجمة (108) .(1/3)
فهذا يدل على أن ابن حجر رحمه الله يوسع دائرة المتقدمين ، فابن حبان رحمه الله توفي سنة (354)هـ ، والدار قطني مات سنة (385)هـ .
وعلى كلٍّ فالمسألة ليس لها ضابط متفق عليه فيما يظهر لي .
... أما فضل المتقدمين من المحدثين فيشهد به كل من قرأ شيئاً من كتبهم أو نظر في مؤلفاتهم أو اطلع على سيرهم وجهودهم العظيمة في الحفاظ على السنة والذب عنها حتى إن المرء ليوقن أن الله سبحانه وتعالى هيأهم وسخرهم لحفظ دينه وإبلاغ سنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - ، والأخذُ عنهم والعناية بكتبهم وأقوالهم من المهمات التي لا يستغنى عنها طالب العلم خاصة في باب الحديث ومعرفة الرجال والعلل .
... يقول الحافظ ابن رجب رحمه الله : فضبط ما روي عنهم – يعني علماء السلف – في ذلك أفضل العلوم مع تفهمه وتعقله والتفقه فيه ، وما حدث بعدهم من التوسع لا خير في كثير منه إلا أن يكون شرحاً لكلام يتعلق بكلامهم ، وأما ما كان مخالفاً لكلامهم فأكثره باطل أو لا منفعة فيه ، وفي كلامهم في ذلك كفاية وزيادة ، فلا يوجد في كلام من بعدهم من حق إلا وهو في كلامهم موجود بأوجز لفظ وأخصر عبارة ، ولا يوجد في كلام من بعدهم من باطل إلا وفي كلامهم ما يبين بطلانه لمن فهمه وتأمله ، ويوجد في كلامهم من المعاني البديعة والمآخذ الدقيقة ما لا يهتدي إليه من بعدهم ولا يُلمّ به ، فمن لم يأخذ العلم من كلامهم فاته ذلك الخير كله مع ما يقع في كثير من الباطل متابعة لمن تأخر عنهم ويحتاج من جمع كلامهم إلى معرفة صحيحه من سقيمه وذلك بمعرفة الجرح والتعديل والعلل (1) .
... كذا قال ابن رجب رحمه الله ، وهي وصية عظيمة نافعة في الاستفادة من علوم السلف وتقديمها على غيرها .
__________
(1) فضل علم السلف على علم الخلف لابن رجب ، ص 85 ، بتحقيق يحيى غزاوي .(1/4)
... أقول : ويتأكد ذلك في هذا الباب الذي نحن بصدده وهو منهجهم في التعامل مع السنة تصحيحاً وتضعيفاً ومعرفة قواعدهم في ذلك وضوابطهم ، فإنهم كانوا أقرب إسناداً وأخبر بالرواة وأحفظ للمتون .
... يقول ابن حبان رحمه الله في وصفهم : أمعنوا في الحفظ وأكثروا في الكتابة وأفرطوا في الرحلة وواظبوا على السنة والمذاكرة والتصنيف والدراسة حتى إن أحدهم لو سئل عن عدد الأحرف في السنة لكل سنة منها عدّها عدّا ، ولو زيد فيها ألِف أو واو لأخرجها طوعاً ولأظهرها ديانة ، ولولاهم لدرست الآثار واضمحلت الأخبار ، وعلا أهل الضلالة والهوى وارتفع أهل البدع والعمى )) (1) .
... فهذا في الحقيقة موجب للرجوع إلى علمهم والعناية بكلامهم والاستفادة من قواعدهم والتسليم لهم في نقدهم لشدة تدقيقهم وغلبة توفيقهم .
... يقول الذهبي رحمه الله تعالى في كتابه (الموقظة) بعد كلام له على بعض رواة الحديث : (( وهذا في زماننا يعسر نقده على المحدث فإن أولئك الأئمة كالبخاري وأبي حاتم وأبي داود عاينوا الأصول وعرفوا عللها ، وأما نحن فطالت علينا الأسانيد وفقدت العبارات المتيقنة )) (2) .
... ويقول الحافظ ابن حجر في نكته على ابن الصلاح بعد كلام له حول تعليل القدماء لبعض الأحاديث : وبهذا التقرير يتبين عظم موقع كلام الأئمة المتقدمين وشدة فحصهم وقوة بحثهم وصحة نظرهم وتقدمهم بما يوجب المصير إلى تقليدهم في ذلك والتسليم لهم فيه )) (3) .
... وهذا كلام خبير عارف مارس كلام المتقدمين وعرف قدره ودقته ، ومن هذا كان لزاماً على محدثني عصرنا – من باب أولى – العناية بمنهج المتقدمين والتسليم لهم وترك التطاول عليهم كما نراه – مع الأسف – من بعض من سلك التصحيح والتضعيف للأحاديث .
__________
(1) مقدمة كتاب المجروحين لابن حبان (1/58) .
(2) الموقظة للذهبي ، ص 45 .
(3) النكتب على ابن الصلاح (2/726) .(1/5)
... فهذا ابن حجر على حفظه وعلو كعبه وهو ممن أرسى علوم مصطلح الحديث وأبدع وأتقن الكلام فيها ، يقول : هذا الكلام النفيس فما بالك من أهل زماننا في وقت ضعف فيه الحفظ وانعدم الضبط أو كاد ؟ ولعلي هنا ألخص أهم الأسباب التي تدعو إلى الأخذ بمنهج المتقدمين وتقديمهم .
1- سعة حفظهم وتمام ضبطهم :
وهذا بابٌ يطول منه العجب ، فهذا الإمام البخاري رحمه الله تعالى يقول : أحفظ مائة ألف حديث صحيح وأحفظ مائتي ألف حديث غير صحيح (1) . وقال علي بن الحسين بن عاصم البيكندي : قدم علينا محمد بن إسماعيل فقال له رجل من أصحابنا : سمعت إسحاق بن راهويه يقول : كأني أنظر إلى سبعين ألف حديث من كتابي ، فقال له محمد بن إسماعيل : أو تعجب من هذا القول ؟ لعلّ في هذا الزمان من ينظر إلى مائتي ألف ألفٍ من كتابه ، وإنما عنى نفسه (2) .
وهذا الإمام أحمد قال عنه أبو زرعة : كان يحفظ ألف ألف حديث فقيل له : ما يدريك ؟ قال : ذاكرْته فأخذت عليه الأبواب (3) .
وهذا أبو زرعة الرازي رحمه الله تعالى أقسم رجل بالطلاق أنه يحفظ مائة ألف حديث ، فقالواله : طلقت زوجتك ، ثم سألوا أبا زرعة فقال : قولوا له يمسك زوجته (4) . وهذا يحيى بن معين يقول : كتبت بيدي هذه ستمائة ألف حديث (5) ، وأخبارهم في هذا مشهورة ، ومن قرأ مقدمة الجرح والتعديل لابن أبي حاتم ومقدمة الكامل لابن عدي عرف ذلك .
2- كثرت ممارستهم للحديث ومدارستهم له بحيث صارت عندهم ملكة يميزون بها ألفاظ
النبي - صلى الله عليه وسلم - من غيرها .
__________
(1) ذكره ابن حجر في هدي الساري مقدمة فتح الباري ، ص 487 . وأخرجه ابن عدي بسنده في مقدمة الكامل
(1/131) .
(2) المرجع السابق .
(4) أخرج القصة ابن عدي في مقدمة الكامل (1/132) في ترجمته لأبي زرعة .
(5) الكامل لابن عدي (1/123) .(1/6)
فألفاظ النبوة لها نور فيدركها من طالت ممارسته وكثر حفظه . يقول الأوزاعي : (( كنا نسمع الحديث فنعرضه على أصحابنا كما نعرض الدرهم الزائف على الصيارفة فما عرفوا أخذنا وما أنكروا تركنا )) (1) .
وقيل لعبدالرحمن بن مهدي : إنك تقول للشيء : هذا يصح وهذا يثبت ، فعمن تقول ذلك ؟ فقال : أرأيت لو أتيت الناقد فأريته دراهمك فقال : هذا جيد وهذا بهرج أكنت تسأله عن ذلك أو تسلم الأمر إليه ؟ قال : لا ، بل كنت أسلم الأمر إليه ، فقال : فهذا كذلك لطول المجادلة والمناظرة والخبرة )) (2) .
__________
(1) مقدمة الجرح والتعديل (1/21) ، والكفاية ، ص 431 .
(2) المرجع السابق .(1/7)
وقال ابن أبي حاتم : سمعت أبي يقول : جاءني رجل من جلة أصحاب الرأي من أهل الفهم فيهم ومعه دفتر فعرضه علي فقلت في بعضها : هذا حديث خطأ قد دخل لصاحبه حديث في حديث ، وقلت في بعضه : هذا حديث باطل ، وقلت في بعضه : هذا حديث منكر ، وقلت في بعضه : هذا حديث كذب وسائر ذلك أحاديث صحاح ، فقال : من أين علمت أن هذا خطأ وأن هذا باطل وأن هذا كذب ؟ أخبرك راوي هذا الكتاب بأني غلطت وأني كذبت في حديث كذا وكذا ؟ فقلت : لا ، ما أدري هذا الجزء من رواية من هو غيرَ أني أعلم أن هذا خطأ ، وأن هذا باطل ، وأن هذا كذب ، فقال لي : تدعي الغيب ؟ قال : قلت : ما هذا ادعاء الغيب ، قال : فما الدليل على ما تقول ؟ قلت : سل عما قلت من يحسن مثل ما أحسن ، فإن اتفقنا علمت أنا لم نجازف ولم نقله إلا بفهم ، قال : من هو الذي يحسن مثل ما تحسن ؟ قلت : أبو زرعة . قال : ويقول أبو زرعة مثل ما قلت ؟ قلت : نعم . قال : هذا عجب ، فأخذ يكتب في كاغد ألفاظي في تلك الأحاديث ثم رجع إلي وقد كتب ألفاظاً ما تكلم به أبو زرعة في تلك الأحاديث ، فما قلت إنه باطل قال أبو زرعة : هذا كذب ، قلت : الكذب والباطل واحد ، وما قلت : إنه كذب ، قال أبو زرعة : هو باطل ، وما قلت : إنه منكر قال : هو منكر كما قلت ، وما قلت : إنه صحاح قال أبو زرعة هو صحاح . فقال : ما أعجب هذا تتفقان من غير مواطأة فيما بينكما ؟ فقلت : قلت لك : إنا لم نجازف وإنما قلناه بعلم ومعرفة أوتيناه والدليل على صحة ما نقوله أن ديناراً نبهرجاً - يعني زائفاً - يحمل إلى الناقد فيقول : هذا دينار نبهرج ويقول لدينار هو جيد : هذا جيد ... إلخ )) (1) فهذه القصة تدل على قدر ما أوتي المحدثون الأوائل من المعرفة والفهم والتوفيق الرباني .
3- قربهم من الرواة ومعاصرتهم لكثير منهم :
__________
(1) انظر : مقدمة الجرح والتعديل لابن أبي حاتم (1/349 ، 350) .(1/8)
فهذا مما يوجدب تقديم أقوالهم . ورحم الله الذهبي حين قال - فيما سبق نقله عنه - : ((وأما نحن فطالت علينا الأسانيد وفقدت العبارات المتيقنة)) . ولقد كان المحدثون الأوائل يعتنون بما سمعوه من شيوخهم ويحققون فلا يأخذون ما فيه تدليس كما روى عن شعبة أنه كان يرقب فم شيخه قتادة ، فإذا صرح بالتحديث والسماع كتب (1) ، بل كان بعضهم يسأل شيخه هل سمع هذا الحديث ممن فوقه أو لا ؟ فمن ذلك ما رواه أبو داود الطيالسي : حدثنا شعبة عن عمرو عن جابر قال : ((كنا نعزل على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والقرآن ينزل)) فقلت - أي شعبة - : أنت سمعته من جابر ؟ قال - أي عمرو – : لا (2) .
ومن دقة المحدثين الجهابذة الأوائل أنهم كانوا يضعفون أحاديث بعض الثقات في بعض شيوخهم دون بقيتهم مثل حماد بن سلمة في رواية عن قيس بن سعد قال أحمد : ضاع كتابه عنه فكان يحدث من حفظه فيخطئ ، وكذا ضعف يحيى القطان روايات حماد بن سلمة عن قيس بن سعد ورواياته عن زيد الأعلم (3) ، وكذ تكلم أحمد في روايات جرير بن حازم عن قتادة (4) ، والأمثلة على هذا كثيرة بل جعلوا من هذا القبيل أنواعاً فمنها : من ضُعِّف حديثه في وقت دون آخر ، ومنها : من ضُعِّف حديثه في مكان دون آخر ، ومنها : من حدث عن أهل مصرٍ فحفظ حديثهم وحدث عن غيرهم فلم يحفظ ، ومنها من حدّث عنه أهل مصرٍ فحفظوا حديثه وحدث عنه غيرهم فلم يقيموا حديثه ، وأقرأ هذه الأنواع وأمثلتها لترى عجباً في شرح العلل لابن رجب (5) .
4-جمعهم للطرق ومعرفتهم بالعلل .
__________
(1) انظر : المراسيل ، ص 171 لابن أبي حاتم ، وطبقات ابن سعد (7/229) ، والجرح والتعديل (1/161) .
(2) مسند الطيالسي ، ص 236 .
(3) شرح علل الترمذي لابن رجب (337 ، 338) ، ت : السامرائي .
(4) المراجع السابق ، ص 339 .
(5) شرح علل الترمذي ، من ص 308 – 360 .(1/9)
وبمعرفة طرق الحديث تتبين علله كما قال علي بن المديني رحمه الله – وكان إماماً في العلل - : الباب إذا لم تجمع طرقه يتبين خطؤه(1) ، وقال الخطيب البغدادي رحمه الله : والسبيل إلى معرفة علة الحديث أن يجمع بين طرقه وينظر في اختلاف رواته ويعتبر بمكانتهم من الحفظ ومنزلتهم من الإتقان والضبط (2) .
وقال عبدالله بن المبارك رحمه الله تعالى : إذا أردت أن يصح لك الحديث فاضرب بعضها ببعض (3) . أقول : وهكذا كان الأئمة الجهابذة كالإمام أحمد وابن معين وعلي بن المديني والبخاري وأضرابهم كانوا على معرفة بطرق الحديث ، ولذلك تجدهم يعلون بعض الطرق بسبب معرفتهم بطرق أخرى ، من ذلك ما ذكره العلائي أن الأعمش روى عن أبي وائل عن عبدالله – يعني ابن مسعود - : (( كنا لا نتوضأ من موطئ )) ، قال الإمام أحمد : كان الأعمش يدلس هذا الحديث ، لم يسمعه من أبي وائل ، قال : فهنا قلت له : وعمن هو ؟ قال : كان الأعمش يرويه عن الحسن بن عمرو الفقمي عن أبي وائل فطرح الحسن بن عمرو وجعله عن أبي وائل ولم يسمعه منه (4) . والأمثلة في هذا الباب كثيرة .
مدخل: ((شروط الاحتجاج بالحديث )) .
... من المهم قبل الكلام في هذا الموضوع أن أتطرق للشروط التي اشترطها العلماء للحديث الصحيح والحسن والتي أسسوا عليها بنيان التصحيح أو التحسين وبانخرامها أو بعضها ضعفوا الأحاديث .
... وهذه الشروط التي ذكرها من ألف في مصطلح الحديث قديماً وحديثاً بناء على نص من المتقدمين من المحدثين أو استقراءاً من صنيعهم وتعاملهم مع السنة .
... فأقول : الشروط التي ذكروها للحديث الصحيح خمسة :
1- عدالة الرواة .
2- اتصال السند .
3- السلامة من الشذوذ .
__________
(1) مقدمة ابن الصلاح ، ص 43 .
(2) الجامع لأخلاق الراوي (2/295) .
(3) المرجع السابق (2/354) .
(4) جامع التحصيل في أحكام المراسيل للعلائي ، ص 230 .(1/10)
4- السلامة من العلل القادحة (1) .
وهذه الشروط ينص عليها العلماء أو يذكرونها ضمن تعريف الحديث الصحيح ، يقول ابن جماعة : أعلم أن الحديث الصحيح : هو ما اتصل سنده برواية العدل الضابط عن مثله وسلم من شذوذ وعلة (2) .
... أما الحسن فإنه وإن اختلفت تعريفاتهم له كما هو معلوم عند الترمذي والخطابي وغيرهم إلا أن العلماء وجهوا ذلك كما فعل ابن الصلاح (3) وابن جماعة (4) ومن بعدهم ، فجعلوا الحسن قسمين : الحسن لذاته هو ما توفرت فيه الشروط السابقة إلا أن ضبط راويه خف فليس هو بالمتقن (5) .
... والقسم الآخر وهو ما عرف عند المتأخرين بالحسن لغيره وهو الضعيف إذا تعددت طرقه والمقصو بالضعيف هو الذي يقبل الانجبار ويعتبر به وهذا التعريف هو ما عبر عنه الترمذي بقوله : (( كل حديث يروى ليس في إسناده متهم بالكذب ، ولا يكون الحديث شاذاً ويروى عن من غير وجه نحو ذلك فهو عندنا حديث حسن )) (6) .
__________
(1) انظر : الكفاية للخطيب البغدادي (1/20) ، علوم الحديث لابن ا لصلاح (1/21) مع التقييد والإيضاح ، فتح المغيث
(1/15) .
(2) المنهل الروي (1/23) ، وانظر أيضاً : نزهة النظر لابن حجر ، ص 2 .
(3) مقدمة ابن الصلاح (1/33) مع التقييد والإيضاح .
(4) المنهل الروي (1/36) .
(5) نزهة النظر لابن حجر ، ص 33 .
(6) العلل للترمذي (5/758) ، مطبوع مع السنن .(1/11)
... إذاً فالحسن لغيره يشترط فيه أن يأتي من طريق آخر مثله أو أعلى منه ، وقد ذكر الإمام الشافعي رحمه الله هذه الشروط للحديث الصحيح بكلام جامع فقال الربيع : قال الشافعي : ولا تقوم الحجة بخبر الخاصة حتى يجمع أموراً منها : أن يكون من حدث به ثقة في دينه معروفاً بالصدق في حديثه ، عاقلاً لما يحدث به ، عالماً بما يحيل معاني الحديث من اللفظ ، وأن يكون ممن يؤدي الحديث بحروفه كما سمعه ، ولا يحدث به على المعنى ؛ لأنه إذا حدث به على المعنى وهو غير عالم بما يحيل معناه لم يدر لعله يحل الحلال إلى الحرام ، وإذا أدى بحروفه لم يبق وجه يخاف فيه إحالة الحديث ، حافظاً إن حدث من حفظه ، حافظاً لكتابه إن حدث من كتابه ، وإذا أشرك أهل الحفظ في الحديث وافق حديثهم بريئاً أن يكون مدلساً يحدث عمن لقي ما لم يسمع منه أو يحدث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بما يحدث الثقات خلافه ، ويكون هكذا من فوقه ممن حدثه حتى ينتهي بالحديث موصولاً إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - أو إلى من انتهى به إليه دونه ، لأن كل واحد مثبت لمن حدثه ومثبت على من حدث عنه (1) ا.هـ كلام الشافعي . وقد شرح ابن رجب رحمه الله في شرح العلل ثم قال : وقد روى مثل هذا الكلام عن جماعة من السلف (2) .
... وسأذكر هنا ما تيسر لي جمعه حول مناهجهم في هذه الشروط التي ينبني عليها التصحيح والتضعيف وإلا فكل فقرة مما يأتي كفيلة أن تكون بحثاً يكتب فيه المجلد أو أكثر .
... وقد أعرضت عن المسائل والأمور الواضحة المتفق عليها وهذا من باب الاختصار :
المبحث الأولً : مناهج المتقدمين فيما يتعلق بالعدالة .
... هنا مسائل مهمة متعلقة بالعدالة ينبني عليها التصحيح والتضعيف ، سأذكر في كل منها نبذة مختصرة مع الاستدلال لذلك ببعض نصوص المتقدمين وهي كالتالي :
1- رواية المجهول ، ويتفرع منها أو قريب منها مسألة .
__________
(1) الرسالة ، من ص 205 .
(2) شرح علل الترمذي ، ص 205 .(1/12)
2- رواية العدل أو العدول عن راوٍ هل تعتبر تعديلاً له .
3- رواية المبتدع .
رواية المجهول :
... المجهول كما هو معروف عند العلماء ، هو الراوي الذي عرف اسمه ولم يرو عنه إلا راوٍ واحد ولا يعرف فيه جرح ولا تعديل ، وهذا التعريف يدخل فيه مجهول العين ومجهول الحال ، إلا أن الأخير يعم من روى عنه أكثر من واحد .
... وقد ذهب المتأخرون إلى أن الجهالة ترتفع بأن يروي عن الرجل اثنان فصاعداً ، يقول الخطيب البغدادي رحمه الله : أقل ما ترتفع به الجهالة أن يروي عن الرجل اثنان فصاعداً من المشهورين بالعلم كذلك (1) ، وكذا قال عامة كتب المصطلح .
... لكن طريقة المتقدمين تختلف ، ولنتأمل هذا النص : قال يعقوب بن أبي شيبة : قلت ليحيى بن معين : متى يكون الرجل معروفاً إذا روى عندكم ؟ قال : إذا روى عن الرجل مثل ابن سيرين والشعبي وهوؤلاء أهل العلم فهو غير مجهول . قلت : فإذا روى عن الرجل مثل سماك بن حرب وأبي إسحاق ؟ قال : هؤلاء يروون عن المجهولين (2) .
... علّق ابن رجب رحمه الله في شرح العلل على هذا - وابن رجب رحمه الله من أمثل من يتتبع طريقة المتقدمين – قال : وهذا تفصيل حسن وهو يخالف إطلاق محمد بن يحيى الذهلي الذي تبعه عليه المتأخرون ، أنه لا يخرج الرجل من الجهالة إلا برواية رجلين فصاعداً عنه .
... وابن المديني اشترط أكثر من ذلك ، فإنه يقول فيمن يروي عنه يحيى بن أبي كثير وزيد بن أسلم فقال : إنه مجهول . ويقول فيمن يروي عن شعبة وحده إنه مجهول . وقال فيمن يروي عنه ابن المبارك ووكيع وعاصم : هو معروف ... إلخ (3) .
... فمما تقدم مما نقله ابن رجب رحمه الله يتبين أنهم يخالفون المتأخرين فيرفعون الجهالة عن الرجل برواية واحد لكن يكون هذا الواحد من العلماء الثقات الكبار .
__________
(1) الكفاية ، ص 150 .
(2) نقل ذلك ابن رجب في شرح العلل ، ص 80 .
(3) شرح العلل لابن رجب ، ص 80 – 81 .(1/13)
... لكن منهج ابن المديني في هذا الباب فيه تشدد ، وقد لخص ابن رجب مذهبه بقوله : والظاهر أنه ينظر إلى اشتهار الرجل بين العلماء وكثرة حديثه ونحو ذلك ، لا ينظر إلى مجرد رواية الجماعة عنه (1) . وقريب من ابن المديني أيضاً أبوحاتم الرازي والإمام أحمد بن حنبل ، فقد نقل ابن رجب رحمه الله عنه أنه قال في إسحاق بن أسيد الخراساني : ليس بالمشهور (2) . قال : مع أنه روى عنه جماعة من المصريين لكنه لم يشتهر حديثه بين العلماء ، وكذا قال أحمد في حصين بن عبدالرحمن الحارثي : ليس يعرف ما روى عنه غير حجاج بن أرطأة وإسماعيل بن أبي خالد وروى عنه حديثاً واحداً وقال في عبدالرحمن بن وعلة إنه مجهول مع أنه روى عنه جماعة ، ولكن مراده أنه لم يشتهر حديثه ولم ينتشر بين العلماء .
... وقد صحح حديث بعض من روى عنه واحد ولم يجعله مجهولاً ، وقال في خالد بن عمير : لا أحد روى عنه غير الأسود بن شيبان ولكنه حسن الحديث . وقال مرة أخرى : حديثه عندي صحيح .
... كذا قرر ابن رجب مذهب أبي حاتم وأحمد ثم علق على ذلك بقوله : وظاهر هذا أنه لا عبرة بتعدد الرواة وإنما العبرة بالشهرة ورواية الحفاظ الثقات (3) .
... ويدل لهذا المعنى أيضاً سؤال ابن أبي حاتم لأبيه حيث قال : سألت أبي عن رواية الثقات عن رجل غير ثقة مما يقويه ؟ قال : إذا كان معروفاً بالضعف لم تقوه روايته ، وإن كان مجهولاً نفعه رواية الثقة عنه (4) .
... وسأل أبا زرعة أيضاً فقال : ((سألت أبا زرعة عن رواية الثقات عن رجل مما تقوي حديثه فقال : أي لعمري . قلت : الكلبي روى عنه الثوري ، قال : إنما ذلك إذا لم يتكلم فيه العلماء ، وكان الكلبي يتكلم فيه ... )) (5) .
__________
(1) المرجع السابق ، ص 81 .
(2) انظر ترجمته في : الجرح والتعديل 01(313) .
(3) شرح العلل لابن رجب ، ص 82 .
(4) الجرح والتعديل (2/36) ، ونقله ابن رجب في العلل .
(5) الجرح والتعديل (2/46) ، وشرح العلل ، ص 82 .(1/14)
... فاعتراض ابن أبي حاتم بالثوري يدل على أن الثقة الذي ترفع روايته الجهالة هو الثقة المتميز ، وأضاف أبو زرعة حيث لا يكون المرء متكلماً فيه .
... فالخلاصة مما سبق مما نقلناه أن الراوي عند المتقدمين ترتفع عنه الجهالة إذا :
- روى عنه واحد من الأئمة الثقات الحفاظ بشرط أن لا يكون الراوي عنه يروي عن المجهولين كما دل عليه كلام يحيى بن معين .
- وأن لا يكون معروفاً بالضعف كما عبر عنه أبو حاتم .
- أو لا يكون تكلم فيه العلماء كما عبر بذلك أبو زرعة .
وبعضهم كابن المديني لا يرفع عنه الجهالة ولو روى عنه أكثر من ثقة ، بل يعتبر في ذلك اشتهار حديثه بين العلماء كما سبق . لكن هنا سؤال وهو : ما الذي يرتفع ؟ هل هو جهالة العين أو جهالة الحال ؟
ظاهر كلام أبي حاتم عندما قال : وإن كان مجهولاً نفعه رواية الثقة عنه أنها تقوي حاله ، والذي يظهر لي أن الذي تقوي حاله ويوثق من هذا النوع إذا كان الراوي عنه من أهل التحري والتدقيق كمن صرح أنه لا يروي إلا عن ثقة أو نُص أو اشتهر على أنه لا يروي إلا عن ثقة ، ولعل هذا هو مراد أبي حاتم . وقد سأل أبو داود الإمام أحمد رحمه الله تعالى فقال : إذا روى يحيى – يعني ابن سعيد القطان – أو عبدالرحمن بن مهدي عن رجل مجهول يحتج بحديثه ؟ قال : يحتج بحديثه (1) . وروى أيضاً في سؤالات أبي داود : سمعت أحمد قال : عثمان بن غياث ثقة أو قال : لا بأس به ولكنه مرجئ ، حدث عنه يحيى ، ولم يكن يحدث إلا عن ثقة (2) . وفيه أيضاً سمعت أحمد قال : أبان بن خالد شيخ بصري لا بأس به ، كان عبدالرحمن – يعني ابن المهدي – يحدث عنه وكان لا يحدث إلا عن ثقة (3) .
__________
(1) انظر : سؤالات أبي داود للإمام أحمد ، ت : زياد منصور ، ص 198 ، رقم 137 .
(2) المرجع السابق ، ص 330 ، 331 ، رقم 469 .
(3) المرجع السابق ، ص 338 ، رقم 503 .(1/15)
قال ابن رجب : والمنصوص عن أحمد يدل على أنه من عرف منه أنه لا يروي إلا عن ثقة ، فروايته عن إنسان تعديل له ، ومن لم يعرف منه ذلك فليس بتعديل . ثم نقل ابن رجب الروايات عن أحمد فيمن لا يروي إلا عن ثقة ، فذكر يحيى بن سعيد وابن مهدي وذكر منهم الإمام مالك حيث قال الإمام أحمد : ما رووى مالك عن أحد إلا وهو ثقة ، وكل من روى عنه مالك فهو ثقة .
وقول يحيى بن معين : لا تريد أن تسأل عن رجال مالك ، كل من حدث عنه ثقة إلا رجل أو رجلين (1) .
وممن كان لا يروي إلا عن ثقة إلا في النادر غير ما سبق : الإمام أحمد ، وبقي ابن مخلد وحريز بن عثمان ، وسليمان بن حرب وشعبة (2) ، ومنهم ابن معين والبخاري ومسلم والنسائي وأبو زرعة وغيرهم .
فتبين بهذا أنه قد أخطأ من أطلق من المتأخرين رد رواية مجهول العين مطلقاً بل هو على التفصيل السابق ، وقد عمل بهذا الحافظ ابن حجر فقال في التهذيب في ترجمة أحمد بن نفيل السكوني الكوفي : روى عن حفص بن غياث وعنه النسائي وقال : لا باس به . وقال الذهبي : مجهول . قلت (الحافظ) : بل هو معروف ، يكفيه رواية النسائي عنه (3) . فاعتبر رواية النسائي وحده كافية في رفع جهالة عينه ، ثم قوله : لا بأس به ترفع جهالة حاله .
__________
(1) بتصرف من شرح العلل لابن رجب ، ص 79 ، 80 .
(2) يشكل على هذا أنه قال : لو لم أرو عن ثقة ما حدثتكم إلا عن ثقة ما حدثتكم إلا عن نفر يسير ، ولعل مراده الثقة
المتقن ولذا قال السخاوي : وعلى كل حال فهو لا يروي عن متروك . وكذا يحمل ما روي عن يحي بن القطان نحوه .
انظر : فتح المغيث للسخاوي (2/42) .
(3) تهذيب التهذيب (1/88) ، ط : الهندية .(1/16)
وقال في ترجمة أحمد بن يحيى الحراني : وقال الذهبي في الطبقات : أحمد بن يحيى بن محمد لا يعرف ، قلت : بل يكفي في رفع جهالة عينه رواية النسائي عنه ، وفي التعريف بحاله توثيقه له (1) . وهذا يدل على أن ابن حجر رحمه الله يرى زوال الجهالة برواية واحد من الأئمة مع تزكيته وأيد هذا ابن الوزير والصنعاني رحمه الله (2) ، ويوجد في التهذيب والميزان أدلة غير التي ذكرت .
وأنبه إلى أن الذهبي رحمه الله رغم ما سبق إلا أنه يتساهل في رواية المجهولين من كبار التابعين ، فقد قال في كتابه (ديوان الضعفاء) : وأما المجهولون من الرواة فإن كان الرجل من كبار التابعين أو أوساطهم احتمل حديثه وتلقي بحسن الظن إذا سلم من مخالفة الأصول وركاكة الألفاظ ، وإن كان الرجل من صغار التابعين فيتأنى في رواية خبره ويختلف ذلك باختلاف جلالة الراوي عنه وتحريه وعدم ذلك ، وإن كان المجهول من أتباع التابعين فمن بعدهم فهو أضعف لخبره لاسيما إذا انفرد به (3) .
وممن تساهل في المجهولين من القدماء : الإمام ابن حبان كما هو معروف من مذهبه ، فإنه نص على أن المسلم ممن لم يعرف بجرح فهو عدل إذا لم يتبين ضده إذ لم يكلف الناس معرفة ما غاب عنهم (4) .
وبهذا المذهب وثق ابن حبان كثيراً من المجهولين المستورين (5)
__________
(1) تهذيب التهذيب (1/89) .
(2) توضيح الأفكار ، (2/187) .
(3) ديوان الضعفاء والمتروكين ، ص 478 ، ت : الأنصاري .
(4) الثقات لابن حبان (1/13) .
(5) ذكر الذهبي في الموقظة ، ص 78 ، أن هذا ذهب إليه بعض المتأخرين ، قال : وقد اشتهر عند طوائف من المتأخرين
إطلاق اسم الثقة على من لم يجرح مع ارتفاع الجهالة عنه وهذا يسمى مستوراً .(1/17)
الذين يصرح هو أحياناً بأنه لا يعرفهم ، ولذلك نجد كثيراً ممن قال عنه الذهبي وابن حجر : مجهول أو لا يعرف أو مستور ، ونجد ابن حبان رحمه الله ذكره في الثقات لكن ليس كل من ذكره ابن حبان في الثقات مجهول كما هو معلوم ، بل أحياناً يصرح بالتوثيق أو يكون ذلك الراوي من شيوخه الذين عرفهم وخبرهم ، وقد فصل في هذه المسألة المعلمي رحمه الله في التنكيل .
وقريب من ابن حبان الحاكم رحمه الله في كتابه المستدرك حيث ذكر قريباً مما ذكره ابن حبان (1) ، كما أنه أورد في المستدرك أحاديث ، ومع ذلك قال : فيه فلان لا أعرفه بعدالة ولا جرح (2) .
مبحث :
مسألة : رواية الثقة أو الثقات عن الراوي هل تعدّ تعديلاً له ؟
... أما إن كان الراوي الثقة ليس من أهل التحري ولا يشترط أن يروي عن ثقة فروايته لا تعتبر توثيقاً فنصوصهم تدل على أن رواية الثقة عن رجل لا تدل على توثيقه ، والسبب في ذلك أنهم كانوا يروون عن الضعفاء إما لقصد المعرفة والكشف عن روايتهم أو لغير ذلك من الأغراض . وقد سبق اعتراض ابن أبي حاتم بأن الثوري روى عن الكلبي وهو ضعيف ، وقول يحيى ابن معين إن سماك بن حرب وأبا إسحاق يروون عن المجاهيل . وقد ذكر العقيلي بإسناد له عن الثوري قال : إني لأروي الحديث على ثلاثة أوجه : أسمع الحديث من الرجل أتخذه ديناًوأسمع الحديث من الرجل أوقف حديثه ، وأسمع الحديث من الرجل لا أعبأ بحديثه وأحب معرفته (3) .
__________
(1) المستدرك (2/38) ، (4/211 ، 409) .
(2) مستدرك الحاكم (1/324) ، (4/234 ، 454) .
(3) الضعفاء للعقيلي (1/15) .(1/18)
... قال ابن رجب رحمه الله : رواية الثقة عن رجل لا تدل على توثيقه ، فإن كثيراً من الثقات رووا عن الضعفاء كسفيان الثوري وشعبة وغيرهما ، وكان شعبة يقول : لو لم أحدثكم إلا عن الثقات لم أحدثكم إلا عن نفر يسير ، قال يحيى القطان : إن لم أرو إلا عمن أرضى ما رويت إلا عن خمسة أو نحو ذلك (1) ، وقال في موضع آخر عندما تكلم عن مسألة جواز الرواية عن الضعفاء ، قال : وكذلك من بعدهم من أئمة المسلمين قرناً بعد قرن وعصراً بعد عصر إلى عصرنا هذا لم يخل حديث إمام من أئمة الفريقين عن مطعون فيه من المحدثين ، وللأئمة في ذلك غرض ظاهر ، وهو أن يعرفوا الحديث من أين مخرجه والمنفرد به عدل أو مجروح (2) .
... كذالك مما يوثق ممن يدخل في اصطلاح المجهول ما احتج به البخاري ومسلم أو أحدهما فصححا له فإن هذا توثيق ضمني له إذ التصحيح فرع التوثيق ، أو نقول كما قال شيخنا الشيخ المحديث أحمد معبد عبد الكريم - محقق النفخ الشذي لابن سيد الناس – قال : إن هذا توثيق عملي ، فهذا النوع من الرواة محتج بهم .
قال ابن الصلاح رحمه الله : ((قد خرّج البخاري في صحيحه حديث جماعة ليس لهم غير راوٍ واحد ... وكذلك خرّج مسلم حديث قوم لا راوي لهم غير واحد ، وذلك مصير منهما إلى أن الراوي قد يخرج عن كونه مجهولاً مردوداً برواية واحد عنه)) (3) .
وقال الذهبي رحمه الله في الموقظة : (( الثقة من وثقه كثير ولم يضعف ، ودونه من لم يوثق ولا ضعف ، فإن خرّج حديث هذا في الصحيحين فهو موثق بذلك)) .
__________
(1) شرح العلل ، ص 79
(2) الموضع السابق ، ص 83 .
(3) مقدمة ابن الصلاح ، ت : نور الدين عبّر ، ص 101 .(1/19)
وقال في موضع آخر : (( فمن احتجا به أو أحدهما ولم يوثق ولا غمز فهو ثقة حديثه قوي)) (1) .وذكر السخاوي رحمه الله جماعة ممن روى لهم البخاري ومسلم ولم يرو عنهم إلا راوٍ واحد فمنهم حصين بن محمد الأنصاري أخرجا له ولم يرو عنه إلا الزهري وأخرج البخاري لجارية أو جويرية بن قدامة وانفرد عنه أبو جمرة نصر بن عمران الضبعي ، وزيد بن رباح ولم يرو عنه إلا مالك ، وأخرج مسلم كذلك لجماعة منهم جابر بن إسماعيل الحضرمي ولم يرو عنه إلا ابن وهب ، وخباب المدني تفرد به عامر بن سعد ، ثم علق السخاوي فقال : فإنهم مع ذلك موثقون ولم يتعرض أحد من أئمة الجرح والتعديل لأحد منهم بتجهيل ، نعم جهل أبو حاتم محمد بن الحكم المروزي الأحول ، أحد شيوخ البخاري في صحيحه والمنفرد عنه بالرواية لكونه لم يعرفه ولكن نقول : معرفة البخاري به التي اقتضت له روايته عنه ولو انفرد بهما كافية في توثيقه ... إلى أن قال : وبالجملة فرواية إمام ناقل للشريعة لرجل ممن لم يرو عنه سوى واحد في مقام الاحتجاج كافية في تعريفه وتعديله (2) .
... أما إن روى عنه جماعة من الثقات ولم يجرح ولم يوثق فقد قال طائفة إنه يوثق بمجرد ذلك ، قال السخاوي : وذهب بعضهم إلى أن مما تثبت به العدالة رواية جماعة من الجُلة عن الراوي وهذه طريقة البزار (3) في مسنده ، وجنح إليها ابن القطان في الكلام على حديث قطع السدر من كتابه الوهم والإيهام ونحوه قول الذهبي في ترجمة مالك بن الخير الزيادي من ميزانه (4) .
__________
(1) الموقظة ، ص 79 ، 80 .
(2) فتح المغيث (2/50 ، 51) .
(3) نقل نحو ذلك عنه ابن عبدالبر في جامع بيان العلم (1/182) .
(4) انظر : الميزان (6/6) .(1/20)
... وقد نقل عن ابن القطان أنه ممن لم تثبت عدالته ، يريد أنه ما نص أحد على أنه ثقة ، قال : وفي رواة الصحيحين عدد كثير ما علمنا أن أحداً نص على توثيقهم ، والجمهور على أن من كان من المشايخ قد روى عنه جماعة ولم يأت بما ينكر عليه أن حديثه صحيح ، لكن تعقبه شيخنا – يعني ابن حجر – بقوله : ما نسبه للجمهور لم يصرح به أحد من أئمة النقد إلا ابن حبان ، نعم هو حق فيمن كان مشهوراً بطلب الحديث والانتساب إليه كما قررته في علوم الحديث (1) .
... أقول : ما استدل به الذهبي من رجال الصحيحين يجاب عليه بما سبق أن الرواية لهم في مقام الاحتجاج توثيق لهم . وردّ عليه ابن حجر في اللسان بقوله : فإن هذا شيء نادر لأن غالبهم معروفون بالثقة إلا من خرجا له في الاستشهاد (2) .
... وقال الذهبي في الموقظة : وقد اشتهر عند طوائف من المتأخرين إطلاق اسم الثقة على من لم يجرح مع ارتفاع الجهالة عنه ، وهذا يسمى مستوراً ويسمى محله الصدق ويقال فيه شيخ (3) .
... وقد نصر الشيخ المحدث الألباني رحمه الله ما ذهب إليه ابن القطان والذهبي ونقل قول ابن القطان وذكر أنه جرى عليها الذهبي وابن حجر في توثيق بعض الرواة الذين لم يسبقوا إلى توثيقهم .
... قال ذلك الألباني في رده على من انتقد عليه توثيق الهيثم بن عمران العبسي وقد وثقه ابن حبان وروى عنه خمسة (4) ،
__________
(1) فتح المغيث (2/12 ، 13 ) ث : علي حسين .
(2) لسان الميزان (5/3) .
(3) الموقظة ، ص 78 .
(4) انظر : تمام المنة في تخريج أحاديث فقه السنة للألباني ، ص 204 فما بعدها ، وقد رد الشيخ بكر أبو زيد في مؤلف له
حول حديث العجن على الألباني في هذا ، وقد صحح الألباني رحمه الله وحسن أحاديث بناء على هذه القاعدة ومنها
حديث : (( من أحب أن يحلق حبيبه حلقة من نار فليحلقه حلقة ذهب )) . آداب الزفاف ، ص 224 .(1/21)
وكذلك فعل شعيب الأرناؤوط وغيره حيث أعملوا هذا القول في تحقيقهم للمسند (1) .
... أقول : والذي يظهر لي أن منهج المتقدمين بخلاف ذلك ، فقد أسلفت فيما نقل عن الإمام أحمد رحمه الله أنه قال في عبدالرحمن بن وعلة أنه مجهول مع أنه روى عنه جماعة ، وقول علي بن المديني في داود بن عامر بن سعد بن أبي وقاص : ليس بالمشهور مع أنه روى عنه جماعة (2) .
... ومن تأمل كتب المتقدمين في التراجم يجد أنهم لا يوثقون بمجرد رواية جماعة من الثقات في كثير ممن ترجموا لهم ، وانظر مثلاً ترجمة إسماعيل بن قيس العبسي أبو سعيد في الجرح والتعديل لابن أبي حاتم ، فقد ذكر أنه روى عنه معن بن عيسى ، وموسى بن إسماعيل والقواريري ، ومع ذلك قال عنه أبو حاتم : مجهول ليس بالمشهور (3) ، وأيضاً في ترجمة صالح بن رستم الهاشمي أبو عبدالسلام الدمشقي ذكر أنه روى عنه عبدالرحمن بن يزيد بن جابر وسعيد بن أبي أيوب ، وقال عنه أبو حاتم : مجهول لا نعرفه (4) .
... وقد تقدم ما ذكره ابن رجب رحمه الله عن ابن المديني أنه ينظر إلى اشتهار الرجل بين العلماء وكثرة حديثه ونحو ذلك لا ينظر إلى مجرد رواية الجماعة عنه ، وكذا قوله : لا عبرة بتعدد الرواة وإنما العبرة بالشهرة ورواية الحفاظ الثقات .
... فالخلاصة : أن من روى عنه ولو واحد من أئمة النقل أهل النقد والتحري ممن لا يروي إلا عن الثقات ولم يُتَكلم فيه فإنه ينفعه ذلك ، أما إن كان الراوي عنه ليس كذلك فإنه لا ينفعه ولو كثروا . والله أعلم .
مبحث : رواية المبتدع .
... والكلام فيها تفصيلاً طويل لكن لخص ابن رجب رحمه الله تعالى أقوال القدماء فيها على ثلاثة أقوال :
1- ... المنع مطلقاً :
ونسبه لابن سيرين ومالك وابن عيينة والحميدي ويونس بن إسحاق وعلي بن حرب .
__________
(1) انظر : مسند أحمد ، ط : مؤسسة الرسالة (1/144) .
(2) شرح العلل لابن رجب ، ص 81 .
(3) الجرح والتعديل (2/193) .
(4) الجرح والتعديل (4/403) .(1/22)
... أما ابن سيرين فقد أخرج مسلم في مقدمة صحيحه قال : لم يكونوا ليسألوا عن الإسناد فلما وقعت الفتنة قالوا : سموا لنا رجالكم فينظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم وينظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم (1) . وقال يعقوب بن شيبة : قلت ليحيى بن معين : تعرف أحداً من التابعين كان ينتقي الرجال كما كان ابن سيرين ينتقيهم ؟ فقال : لا (2) .
... أما مالك رحمه الله فقد أسند ابن أبي حاتم في ترجمته له في مقدمة الجرج والتعديل ما يدل على شدة انتقائه ، كذلك أخرج ابن عدي عنه ذلك في مقدمة الكامل في ضعفاء الرجال .
2- ... القول الثاني
... قال ابن رجب : ورخصت طائفة في الرواية عنهم إذا لم يتهموا بالكذب ، منهم أبو حنيفة والشافعي ويحيى بن سعيد وعلي بن المديني ، وقال ابن المديني : لو تركت أهل البصرة للقدر وتركت أهل الكوفة للتشيع لخربت الكتب (3) . ونقل الخطيب عن الشافعي قال : وتقبل شهادة أهل الأهواء إلا الخطابية من الرافضة ؛ لأنهم يرون الشهادة بالزور لموافقيهم (4) .
3- ... القول الثالث :
... وفرقت طائفة أخرى بين الداعية فمنعوا الرواية عن الداعية إلى البدعة دون غيره ، منهم ابن المبارك وابن مهدي وأحمد بن حنبل ويحيى بن معين ، وروي أيضاً عن مالك .
... وفي سؤالات أبي داود : قلت لأحمد يكتب عن القدري قال : إذا لم يكن داعياً ، وسمعت أحمد يقول : احتملوا المرجئة في الحديث (5) .
... وقال يزيد بن هارون : لا يكتب عن الرافضة فإنهم يكذبون (6) .
__________
(1) مقدمة صحيح مسلم ، ص 15 .
(2) انظر : شرح العلل لابن رجب ، ص 63 ، وفيه بقية الأقوال بتصرف .
(3) المرجع السابق ، ص 64 .
(4) الكفاية ، ص 159 .
(5) سؤالات أبي داود لأحمد ، ص 198 ، رقم 135 ، 136 .
(6) الجرح والتعديل لابن أبي حاتم ، (1/28) .(1/23)
... وقال أبو داود : ليس في أهل الأهواء أصح حديثاً من الخوارج ، ثم ذكر عمران بن حطان وأبا حسان الأعرج ، ومنهم من فرق بين من يغلو ومن لا يغلو ، كما ترك ابن خزيمة حديث عباد بن يعقوب (1) .
والذي يظهر مما سبق قبول رواية المبتدع إذا اشتهر بالصدق ولم يكن غالياً ولم يكن داعياً لبدعتة . وقد نقل ابن حبان الاتفاق على هذا القول في ثقاته قال : ليس بين أهل الحديث من أئمتنا خلاف أن الصدوق المتقن إذا كان فيه بدعة ولم يكن يدعو إليها أن الاحتجاج بأخباره جائز ، فإن دعى إليها سقط الاحتجاج بأخباره (2) . وحكى هذا القول الخطيب عن الأكثرين (3) .
وقال ابن رجب بعد ذكر الأقوال : فيخرج من هذا أن البدع الغليظة كالتجهم يرد بها الرواية مطلقاً ، والمتوسطة كالقدر إنما يرد الداعي إليها ، والخفيفة كالإرجاء هل تقبل معها الرواية مطلقاً أو يرد عن الداعية على روايتين (4) - يعنى عن الإمام أحمد - .
... أقول : وعلى ما سبق يحمل تخريج الشيخين لطائفة من المبتدعة ، فقد أجاب ابن حجر على تخريج البخاري لعمران بن حطان بقوله : إنما أخرج له على قاعدته في تخريج أحاديث المبتدع إذا كان صادق اللهجة متديناً (5) .
... وقد ذكر السخاوي رحمه الله طائفة من المبتدعة من خرج لهم في الصحيحين وذكر الأعذار للشيخين في ذلك (6) .
المبحث الثاني : المسائل المتعلقة بالضبط .
__________
(1) شرح العلل لابن رجب ، ص 65 .
(2) الثقات لابن حبان (6/140) .
(3) الكفاية ، ص 121 .
(4) شرح العلل ، ص 66 .
(5) فتح الباري (11/290) ، وانظر : مقدمة الفتح ، ص 433 .
(6) فتح المغيث (2/68) .(1/24)
... ومن المهم التنبيه عليه في هذا الباب ذكر منهج المتقدمين في الرواة الذين يكونون من أهل الصدق والحفظ ولكن يقع الوهم في حديثهم كثيراً لكن ليس هو الغالب عليهم ، فإن المتأمل في طريقة كثير من المتأخرين يجدهم على طرفين ، فمنهم من يقبل رواياتهم مطلقاً ومنهم من يردها مطلقاً ، بينما نجد أن طريقة المتقدمين التطبيقية هي الانتقاء من حديث هؤلاء ما ضبطوه ولم يظهر فيه الخطأ وإن كان منهم من شدد فترك حديث هذه الطبقة .
... يقول أبو عيسى الترمذي في العلل : (( وقد تكلم بعض أهل الحديث في قوم من جلة أهل العلم وضعفوهم من قبل حفظهم ، ووثقهم آخرون لجلالتهم وصدقهم وإن كانوا قد وهموا في بعض ما رووا .
... وقد تكلم يحيى بن سعيد القطان في محمد بن عمرو ثم روى عنه ، ثم روى الترمذي عن علي بن المديني أن يحيى بن سعيد لم يرو عن شريك ولا عن أبي بكر بن عياش ولا عن الربيع بن صبيح ولا عن المبارك بن فضالة ، ثم قال الترمذي : وهؤلاء الذين تركهم يحيى بن سعيد القطان حدث عنهم عبدالله بن المبارك ووكيع بن الجراح وعبدالرحمن بن مهدي وغيرهم من الأئمة (1) .
__________
(1) العلل للترمذي ، ص 744 .(1/25)
... وذكر ابن رجب رحمه الله في شرحه أن هذا - يعني الرواية عنهم - رأي سفيان وأكثر أهل الحديث المعنيين منهم في السنن والصحاح كمسلم بن الحجاج وغيره ، فإنه ذكر في مقدمة كتابه (1) أنه لا يخرج حديث من هو متهم عند أهل الحديث ولا من الغالب على حديثه المنكر أو الغلط ، وذكر قبل ذلك أنه يخرج حديث أهل الحفظ والإتقان وأنهم على ضربين أحدهما : من لم يوجد في حديثه اختلاف شديد ولا تخليط فاحش ، والثاني : من هو دونهم في الحفظ والإتقان ويشملهم اسم الصدق والستر وتعاطي العلم كعطاء بن السائب ويزيد بن أبي زياد وليث بن أبي مسلم ، قيل إنه أدركته المنية قبل تخريج حديث هؤلاء ، وقيل : إنه خرّج لهم في المتابعات وذلك مراده ، وعلى هذا المنوال الشيخ أبو داود والنسائي والترمذي مع أنه خرّج لبعض ممن هو دون هؤلاء وبين ذلك ولم يسكت عنه ، وإلى طريقة يحيى بن سعيد يميل علي بن المديني وصاحبه البخاري (2) .وروى العقيلي عن عبدالرحمن بن مهدي قال : الناس ثلاثة (رجل حافظ متقن فهذا لا يختلف فيه ، وآخر متهم والغالب على حديثه الصحة فهذا لا يترك حديثه ، وآخر متهم والغالب على حديث الوهم فهذا يترك حديثه (3) .
... وروى الخطيب في الكفاية عن سفيان الثوري قال : ليس يفلت من الغلط أحد ، إذا كان الغالب على الرجل الحفظ فهو حافظ وإن غلط ، وإذا كان الغالب عليه الغلط ترك (4) .
__________
(1) مقدمة صحيح مسلم ، ص 4 .
(2) شرح علل الترمذي ، ص 92 .
(3) أخرج مسلم في كتاب التمييز (1/179) والعقيلي في مقدمة الضعفاء (1/13) ، والكفاية ، ص 227 .
(4) الكفاية ، ص 227 .(1/26)
... أقول : وهؤلاء الممثل بهم إذا رأيت عمل الأئمة وجدتهم يخرجون لهم ، فمحمد بن عمرو الذي تكلم فيه يحيى خرّج له البخاري رحمه الله مقروناً بغيره ومسلم في المتابعات واحتج به أصحاب السنن (1) ، وكذلك عبدالرحمن بن حرملة أخرج له مسلم وكان القطان يضعفه ولا يرضاه وكان يقول : كنت سيء الحفظ فسألت سعيد بن المسيب فرخص لي في الكتاب (2) ، وشريك هو ابن عبدالله النخعي أخرج له مسلم مقروناً بغيره وكان كثير الوهم لاسيما بعد أن ولي القضاء (3) ، وأبو بكر بن عياش المقرئ أخرج له البخاري رحمه الله وهو رجل صالح لكنه كثير الوهم (4) .
... وأما الربيع بن صبيح ومبارك بن فضالة فلم يخرجا لهما في الصحيح ، وقد وثقا وتكلم فيهما (5) ، ونحو هؤلاذكره الترمذي رحمه الله بعد ذلك حيث قال : (( وقد تكلم بعض أهل الحديث في سهيل بن أبي صالح ومحمد بن إسحاق وحماد بن سلمة ومحمد بن عجلان ، وأشباه هؤلاء من الأئمة إنما تكلموا فيهم من قبل حفظهم في بعض ما رووا وقد حدث عنهم الأئمة )) (6) .
__________
(1) انظر ترجمته : تهذيب التهذيب (3/662) ، والتقريب ، ص 499 .
(2) انظر ترجمته في : تهذيب التهذيب (2/501) ، والتقريب ، ص 339 .
(3) انظر : تهذيب التهذيب (2/164) ، والتقريب ، ص 266 .
(4) انظر : التهذيب (4/492) ، والتقريب ، ص 624 .
(5) التقريب ، ص 206 .
(6) علل الترمذي ، ص 745 .(1/27)
... فهؤلاء أيضاً خرّج لهم مسلم ولبعضهم البخاري رحمهم الله لكن كما أشرت أن الأئمة ينتقون من روايات هؤلاء أجودها ، قال ابن رجب رحمه الله : والترمذي يخرج حديث الثقة الضابط ومن يهم قليلاً ، ومن يهم كثيراً أو من يغلب عليه الوهم يخرّج حديثه نادراً يبين ذلك ولا يسكت عنه ، وأبو داود قريب من الترمذي في هذا بل هو أشد انتقاء للرجال منه ، وأما النسائي فشرطه أشد من ذلك ولا يكاد يخرج لمن يغلب عليه الوهم ولا عمن فحش خطؤه وكثر وأما مسلم فلا يخرّج إلا حديث للثقة الضابط ، ومن في حفظه شيء تكلم فيه لحفظه لكنه يتحرى في التخريج عنه ولا يخرج عنه إلا ما لا يقال إنه مما وهم فيه ، وأما البخاري فشرطه أشد في ذلك وهو أنه لا يخرج إلا الثقة الضابط ولمن ندر وهمه وإن كان قد اعترض عليه في بعض من خرّج عنه (1) .
... وقال ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد - في رده على ابن القطان عندما عاب على مسلم الاحتجاج بـ مطر الوراق - الوراق وقال : كان يشبهه في سوء الحفظ محمد بن عبدالرحمن بن أبي ليلى فقال ابن القيم : ولا عيب على مسلم في إخراج حديثه ؛ لأنه ينتقي من أحاديث هذا الضرب ما يعلم أنه حفظه ، كما يطرح من أحاديث الثقة ما يعلم أنه غلط فيه فغلط في هذا المقام من استدرك عليه إخراج جميع حديث الثقة ، ومن ضعف جمع حديث سيء الحفظ فالأولى طريقة الحاكم وأمثاله ، والثانية طريقة أبي محمد بن حزم وأشكاله ، وطريقة مسلم هي طريقة أئمة هذا الشأن ، والله المستعان (2) .
__________
(1) شرح العلل لابن رجب ، ص 230 .
(2) زاد المعاد (1/366) .(1/28)
... أقول : وهذا كلام جيد محقق يتبين به طريقة المتقدمين في الرواية عمن تكلم فيه ، ونحو هذا الكلام قال ابن القيم في جزء له في فوائد في الكلام على حديث الغمامة قال : وقد روى الحاكم حديث عبدالرحمن بن غزوان هذا في المستدرك وقال : (( هو على شرط مسلم )) وليس كما قال فإن مسلماً إذا احتج بثقة لم يلزمه تصحيح جميع ما رواه ويكون كل ما رواه على شرطه ، فإن الثقة قد يغلط ويهم ويكون الحديث من حديثه معلولاً علة مؤثرة فيه مانعة من صحته ، فإذا احتج بحديث من حديثه غير معلول لم يكن الحديث المعلول على شرطه ، والله أعلم (1) .
... أقول : وبناءً على هذا فلا يجزم بصحة ما قيل فيه رجاله رجال الصحيح أو على شرط الصحيح حتى ينظر فيه واتصاله وخلوه من الشذوذ والنكارة والعلة . والله أعلم .
المبحث الثالث : المسائل المتعلقة باتصال السند :
المسألة الأولى : هل يكفي في الاتصال بين الراويين المعاصرة أم لا بد من ثبوت اللقاء ؟
... هذه المسألة المشهورة بين الإمامين البخاري ومسلم ، فمن المعلوم أن الإمام مسلم شنّع في مقدمة صحيحه على من اشترط ثبوت اللقاء ورأى الاكتفاء بالمعاصرة وقصد بذلك الرد على علي بن المديني وقيل إنه أراد البخاري (2) ، وقيل إنه أراد بذلك بعض أقرانه أو من دونه (3) .
__________
(1) فوائد حديثية ، فوائد في الكلام على حديث الغمامة والضب لابن القيم ، ص 34 ، 35 .
(2) ذكر ذلك ابن كثير في الباعث الحثيث ، ص 43 ، ت : أحمد شاكر .
(3) قال بذلك ابن رشيد الفهري في كتاب السنن الأبين في السند المعنعن ، ص 133 .(1/29)
... وعلى كلٍّ فالمقصود القول لا القائل ، فالبخاري رحمه الله يشترط ثبوت اللقاء ولو مرة واحدة والتزم ذلك في صحيحه ، ومسلم رحمه الله يقبل الحديث المعنعن بين متعاصرين أمكن لقاؤهما وسلم المعنعِن من التدليس ، والمسألة تكلم فيها العلماء قديماً وحديثاً بل ألفت فيها المؤلفات ككتاب السنن الأبين في المحاكمة بين الإمامين البخاري ومسلم في السند المعنعن (1) لابن رشيد الفهري ، وهو كتاب قيّم عرض فيه مؤلفه المسألة ورجح فيه قول البخاري وأجاب على أدلة مسلم التي استدل بها في مقدمة صحيحه بأجوبة مقنعة لمن قرأها . وذكر ابن رشيد في كتابه أن قول البخاري هو قول كثير من المحدثين (2) وكذا رجح قول البخاري ابن الصلاح فقال : والذي صار إليه مسلم هو المستنكر وما أنكره قد قيل إنه القول الذي عليه أئمة هذا العلم علي ابن المديني والبخاري وغيرهما (3) ، ونحو هذا قال النووي في شرحه لمسلم (4) ونسبه العلائي لأكثر الأئمة (5) ، وقال ابن رجب : (( وأما جمهور المتقدمين فعلىما قاله ابن المديني والبخاري وهو القول الذي أنكره مسلم على من قاله )) (6) .
... ثم قرر ابن رجب هذا بأمثلة وأدلة كثيرة تدل على أنه قول المتقدمين ، وذكر رحمه الله أن كثيراً من العلماء المتأخرين على ما قاله مسلم رحمه الله ... قال : وهو ظاهر كلام ابن حبان وغيره ، وقد حكى بعض أصحابنا عن أحمد مثله ، لكن ابن رجب رحمه الله رجح قول البخاري وردّ على مسلم دعوى الإجماع على قوله وأجاب على بعض أدلته (7) .
__________
(1) وقد طبع الكتاب بتحقيق محمد الحبيب بن الخوجة ، الدار التونسية للنشر .
(2) السنن الأبين ، ص 31 .
(3) صيانة صحيح مسلم لابن الصلاح (1/128) ت : موفق عبدالله .
(4) شرح صحيح مسلم (1/128) .
(5) جامع التحصيل ، ص 116 .
(6) شرح العلل ، ص 214 .
(7) المرجع السابق(1/30)
... وقد رجح قول مسلم جماعة من الأئمة كابن جماعة في المنهل الروي حيث رجحه ونسبه لجماهير العلماء (1) وصححه ابن كثير وقال : عليه العمل (2) .
... أقول : وهو الذي جرى عليه عمل كثير من المحدثين المعاصرين كأحمد شاكر والألباني (3) رحمهما الله تعالى ، ولست بصدد التوسع في هذه المسألة فقد ألفت فيها مؤلفات كما أسلفت وقد جمعت فيها رسالة ماجستير للشيخ خالد بن منصور الدريس وفقه الله ، وقد علمت عنها أثناء البحث فوقفت عليها وقرأت بعضها وهي قيّمة وفيها فوائد جليلة ، والمقصود هنا التنبيه على بعض الأمور المهمة التي وقع التساهل بها في هذا الباب منها :
1- أن الإمام مسلم رحمه الله تعالى رغم قوله ونصرته لهذا القول إلا أنه احتاط في صحيحه فأخرج من هذا النوع ما له متابعات ، قال النووي رحمه الله في شرحه : ((وإن كنا لا نحكم على مسلم بعمله في صحيحه بهذا المذهب لكونه يجمع طرقاً كثيرة يتعذر معها وجود مثل هذا الحكم الذي جوّزه )) (4) ، ونحو هذا ذكر ابن الصلاح في كتابه صيانة صحيح مسلم (5) .
ومما يدل على ذلك أيضاً حديث أخرجه مسلم من رواية طاووس عن عائشة في
النهي عن الصلاة حال طلوع الشمس وغروبها ، وطاووس كما في ترجمته في
التهذيب (6) ذكر أنه لم يسمع من عائشة ، وقد ساق مسلم رحمه الله للحديث طرقاً
كثيرة عن عائشة وشواهد (7) .
فالذي أراه أن لا يتساهل الباحث والمحقق في تصحيح الحديث إذا لم يثبت اللقاء في
__________
(1) المنهل الروي ، ص 48 .
(2) الباعث الحثيث ، ص 43 .
(3) إرواء الغليل (2/79) ، وانظر : منتهى الأماني بفوائد مصطلح الحديث للمحدث الألباني ، تأليف : أحمد سليمان ، ص
197 .
(4) شرح النووي لصحيح مسلم (1/14) .
(5) انظر الكتاب المذكور ، ص 69 .
(6) تهذيب التهذيب (2/ 235) . ط : الرسالة ، ت : إبراهيم الزيبق وعادل رشد .
(7) صحيح مسلم ، ك : الصلاة (1/571) .(1/31)
العنعنة بين ثقتين إلا إن كان هناك قرائن تدل على اللقاء كما سيأتي .
2- رغم أن قول البخاري رحمه الله تعالى ومن قال بقوله هو الأقوى والأحوط إلا أن من تتبع كلام الأئمة وجد أنهم يثبتون اللقاء بالقرائن ولولم يكن هناك ما يدل صريحاً عليه مثل طول المعاصرة وكونهما من بلد واحد أو كونهما قريبين كالولد مع أبيه وغير ذلك .
قال الحافظ ابن رشيد الفهري في كتابه الفائق السنن الأبين : (( فقد يكون لكل حديث حكم يخصه فيطلع فيه على ما يفهم اللقاء أو السماع ، ويثير ظناً خاصاً في صحة ذلك الحديث فيصحح اعتماداً على ذلك لا من مجرد العنعنة ، ومثل هذا أيهما الإمام - يعني الإمام مسلم - لا يُقدر على إنكاره ، وقد فعلت في كتابك مثله من رعي الاعتبار بالمتابعات والشواهد وذلك مشهور عند أهل الصنعة )) (1) .
... وقد عمل العلائي رحمه الله بالقرائن فقال حينما ذكر قول أبي زرعة : حميد بن عبدالرحمن عن علي وأبي بكر مرسل ، قال : قد سمع من أبيه وعثمان رضي الله عنهما فكيف يكون عن علي مرسلاً وهو معه بالمدينة ؟ )) (2) .
... وقبله أبو حاتم رحمه الله فقد قال : ((يشبه أن يكون زيد بن أبي أنيسة قد سمع من عبيد بن فيروز ؛ لأنه من أهل بلده )) (3) .ومن هذا الباب أيضاً ما ذكره ابن رجب رحمه الله عن الإمام أحمد أنه سئل عن أبي ركانة سمع من سفينة قال : ينبغي هو قديم قد سمع من ابن عمر(4) .فهذه أمور بنبغي مراعاتها في هذا الباب . والله الموفق .
المرسل :
... قد تكلم العلماء في المرسل قديماً وحديثاً وألفت فيه المؤلفات ومن أنفعها : جامع التحصيل للعلائي رحمه الله تعالى ، ولابن رجب رحمه الله في شرح العلل كلام نفيس فيها .
... والذي يهم أن أنبه عليه من منهج المتقدمين في هذا الباب عدة أمور :
__________
(1) السنن الأبين ، ص 137 .
(2) جامع التحصيل ، ص 202 .
(3) العلل لابن أبي حاتم (2/43) .
(4) شرح العلل لابن رجب ، ص 221 .(1/32)
1- من المعلوم أن جمهور المحدثين القدماء على عدم الاحتجاج بالمرسل كما قال الإمام مسلم في مقدمة صحيحه : (( المرسل من الروايات في أصل قولنا وقول أهل العلم بالأخبار ليس بحجة وقال : إذا كان مرسلاً فإنه لا يصح عند أكثر أهل الحديث)) (1) وقال الترمذي : الحديث إذا كان مرسلاً فإنه لا يصح عند أكثر أهل الحديث (2) . ومن قبِله منهم كالشافعي وغيره فقد شرطوا له شروطاً في المرسِل والمرسل ذكرها الشافعي رحمه الله في الرسالة (3) ، وإنما أطلق قبول المرسل كثير من الفقهاء ، والمحدثين بخلافهم لكن من المراسيل عند طائفة من المتقدمين كأحمد وابن المديني وغيرهم ما هو صحيح كمراسيل سعيد بن المسيب ومحمد بن سيرين وإبراهيم النخعي ، وقد نقل ذلك عنهم ابن رجب وقال : هي عندهم صحاح (4) ، والسبب في ذلك أنهم يرسلون عن الثقات ، ومنهم من تتبعها فوجدها صحيحة الأسانيد كما ذكر ذلك الحاكم في مراسيل سعيد بن المسيب (5) لكن يستثنى مراسيل سعيد عن أبي بكر رضي الله عنه فقد قال عنها يحيى بن سعيد : ذلك شبه الريح (6) . والقول بقبول مرسل من لا يرسل إلا عن ثقة قول كثيرين من أئمة الجرج والتعديل كما ذكر العلائي (7) وقال ابن رجب : وقد نقل ابن عبدالبر ما يقتضي أن ذلك إجماع (8) ، وقال العلائي : فهذا القول أرجح الأقوال في هذه المسألة وأعدلها ، لكن هل مراسيل هؤلاء مقبولة بمفردها أو باعتضادها بموصول أو مرسل آخر أو قول صحابي وغيره مما ذكره الشافعي ؟
__________
(1) مقدمة صحيح مسلم (1/132) .
(2) العلل ، ص 753 .
(3) الرسالة ، ص 461 ، جامع التحصيل ، ص 38 .
(4) شرح العلل ، ص 182 ، 190 ، وانظر : النكت لابن حجر (2/556) .
(5) معرفة علوم الحديث ، ص 26 .
(6) مقدمة الجرح والتعديل ، ص 243 .
(7) جامع التحصيل ، ص 33 ، وقد أفردهم في باب مستقل ، ص 99 .
(8) شرح العلل ، ص 190 .(1/33)
ظاهر نقل من تكلم في هذه المسألة أن المراد الاحتجاج بها بمفردها ، وتأول الخطيب البغدادي رحمه الله ما ورد عن الشافعي أن إرسال سعيد بن المسيب حسن بأن ذلك إذا اعتضدت قال : لا أنها تقبل بانفرادها لأنه وجد لسعيد بن المسيب عدة مراسيل لم تعرف مسنده (1) لكن العلائي رحمه الله رجح الأول ، وأن مقصود الشافعي في قبول مرسل ابن المسيب بمفرده (2) .
والذي يظهر لي أن هذا النوع من المراسيل أن الأئمة القدماء إنماحكموا عليها بالصحة والحسن بعد اعتبارها وتتبعها ووجود ما يشهد لها عندهم ، فنحن نقبلها اتباعاً لهم ، والله أعلم .
2- المراسيل تتفاوت صحة وضعفاً ، وهذا أمر يكثر في كتب المراسيل يفاضلون بينها ، وأسباب التفاوت كما ذكر ابن رجب يدور على أربعة أسباب :
أحدها : أن من عرفت روايته عن الضعفاء ضعف مرسله بخلاف غيره .
ثانيها : أن من عرف له سند صحيح إلى من أرسل عنه فإرساله خير ممن لم يعرف له ذلك .
ثالثها : أن من قوي حفظه يحفظ كل ما يسمعه ويثبت في قلبه ويكون منه ما لا يجوز
الاعتماد عليه بخلاف من لم يكن له قوة في الحفظ .
رابعها : أن الحافظ إذا روى عن ثقة لا يكاد يترك اسمه ، فإذا ترك اسمه دلّ إبهامه على أنه
غير مرضي (3) .
__________
(1) الكفاية ، ص 404 .
(2) جامع التحصيل ، ص 45 ، 46 .
(3) بتصرف من شرح العلل لابن رجب ، ص 175 ، 176 .(1/34)
3- المتقدمون من المحدثين يطلقون المرسل على كل ما لم يسمعه الراوي عمن فوقه ورواه عنه ، فيطلق عندهم على كل انقطاع بين راويين . قال عبدالله بن الإمام أحمد : قال أبي : ما سمع سفيان الثوري من أبي عون غير هذا الحديث - يعني حديث الوضوء مما مست النار - والباقي يرسلها عنه(1) . فقد سمى الإمام أحمد الرواية المنقطعة مرسلة ، ويكثر في استعمالهم أن يقولوا : أرسله فلان . وكتب المراسيل والعلل مليئة بهذا الاستعمال ، أما المتأخرون ممن ألّف في المصطلح فقد خصصوا المراسيل برواية التابعي عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أو ما سقط منه الصحابي والأول أدق .
4- يجب على من يدرس الأسانيد العناية بهذا الباب ، فقد يجد في السند رجلاً ذكر في ترجمته أنه يرسل أو كثير المراسيل ، فعليه النظر في عنعنته فقد يكون لم يلق من فوقه فيكون الحديث منقطعاً لا يصح فيأتي من يصححه بناءً على الظاهر ، فالأسلم في هذا مراجعة كتب المراسيل كـ (جامع التحصيل) وغيره .
المدلس :
__________
(1) العلل ومعرفة الرجال ، رقم 5696 .(1/35)
... والتدليس أنواع كثيرة أشار إلى بعضها ابن حجر في النكت (1) ، وفي كتابه تعريف أهل التقديس بمراتب الموصوفين بالتدليس وليس المجال لذكرها ولكن أبرزها تدليس الإسناد وهو المراد عند الإطلاق وهو أخص من المرسل كما هو معلوم ، فهو رواية الراوي عمن لقيه وسمع منه ما لم يسمعه منه بلفظ موهم وهذا هو أشهر أنواع التدليس ، بينما المرسل رواية الراوي عمن لم يلقه وأخص منه ما ذكره بعض المحدثين كابن حجر وهو المرسل الخفي وهو رواية الراوي عمن عاصره ولم يسمع منه (2) ، لكن كثيراً من المتقدمين يطلقون على هذا تدليساً بل جعله الحاكم من أجناس التدليس فقال : ((والجنس السادس من التدليس قوم رووا عن شيوخ لم يروهم قط ولم يسمعوا منهم ... )) (3) .
... وهذا الاختلاف ترتب عليه اختلاف بين المتقدمين والمتأخرين ، فبعض المتأخرين رتبوا على إطلاق بعض المتقدمين على هذا النوع تدليساً أن وصفوا بعض الرواة بالتدليس ومن ثم لم يقبلوا عنعنتهم مطلقاً ، وإذا علمت أن بعض المحدثين يستجيزون الإرسال لأغراض شتى أشار إليها ابن رجب والعلائي عرفت خطأ هذه النتيجة ، فالمرسل إنما يرد حديثه فيمن أرسل عنه بينما تقبل عنعنته فيمن ثبت سماعه له ، ومن هذا القبيل الحسن البصري (4) والإمام الزهري فلينتبه لهذا فلا يكتفى بالرجوع لكتب المتأخرين فقط .
__________
(1) النكت على كتاب بن الصلاح لابن حجر (2/615)1 .
(2) انظر : النكت على كتاب بن الصلاح لابن حجر (2/614) .
(3) معرفة علوم الحديث للحاكم ، ص 109 ، وقد جمع الشيخ الشريف العوني رسالة علمية بعنوان : ((المرسل
الخفي وعلاقته بالتدليس)) ، ذكر فيها أمثلة كثيرة لإطلاق المتقدمين على هذا النوع تدليساً وهي رسالة مطبوعة مقيدة
في بابها .
(4) انظر في هذا موسعاً : كتاب الشيخ حاتم العوني المرسل الخفي وعلاقته بالتدليس والدراسة التي أعدها عن الحسن
البصري ، فصل تدليس الحسن البصري (1/457 فما بعدها ) .(1/36)
... ولعلي لا أطيل في هذا المبحث ، فقد كتب فيه أحد طلاب العلم وهو الشيخ/ ناصر الفهد كتاباً قرأته واستفدت منه وفيه فوائد جمّة أنصح بقراءتها لمعرفة تعامل القدماء مع المدلسين ، لكني باختصار أن أنبه إضافة لما سبق على بعض الأمور :
1- أن روايات المدلسين في الصحيحين محمولة على السماع كما قال طائفة من أهل العلم لأن الأمة تلقت أحاديثهما بالقبول كما ذكر ذلك ابن الصلاح وغيره ، يقول النووي : ((وما كان في الصحيحين وشبههما عن المدلسين (( بعن )) محمول على ثبوت السماع من جهة أخرى )) (1) ، وقال القطب الحلبي : أكثر العلماء على أن المعنعنات التي في الصحيحين منزلة منزلة السماع إما لمجيئها من وجه آخر بالتصريح أو لكون المعنعن لا يدلس إلى عن ثقة أو عن بعض شيوخه أو لوقوعها من جهة بعض النقاد المحققين سماع المعنعن لها (2) . وذكر العلائي أيضاً نحو هذا عن بعض الأئمة (3) . ثم إن البخاري ومسلم رحمهما الله اعتنيا بأحاديث كتابيهما بذكر الطرق والمتابعات والتي تفيد أحياناً إثبات السماع في الطريق المعنعن للمدلس ، وانظر كلام ابن حجر رحمه الله في فتح الباري (13/376) كما أن من استخرج عليها من كتب المستخرجات يذكرون طرقاً تفيد تصريح المدلس بالسماع من طريق ذلك المستخرج كما ذكر الحافظ ابن حجر رحمه الله (4) ، وقد تتبع أخونا الشيخ/خالد العيد في رسالته العلمية أحاديث أبي الزبير عن جابر المروية بـ(عن) في صحيح مسلم فوجدها (130) حديثاً كلها لها متابعات وشواهد إلا ثلاثة أحاديث .
__________
(1) تدريب الراوي (1/264) .
(2) فتح المغيث (1/187) .
(3) جامع التحصيل ، ص 130 .
(4) النكت على ابن الصلاح (1/322) .(1/37)
2- إن هناك بعض المحدثين الذين وصفوا بالتدليس وجعلهم المتأخرين في رتبة من لا يقبل حديثه إلا ما صرح فيه بالسماع وهي المرتبة الثالثة ، وإذا تأملت كلام المتقدمين فيهم وتعاملهم مع مروياتهم رأيت أن الراجح في حكمهم أن لا يكونوا في هذه المرتبة كالإمام الزهري (محمد بن مسلم بن شهاب) أحد الأئمة الحفاظ ، فقد جعله ابن حجر في المرتبة الثالثة (1) ، والصواب أنه من المرتبة الثانية وهم من احتمل الأئمة تدليسهم وأخرجوا له في الصحيح أو من الأولى وهم من لا يدلس إلا نادراً فإن الذهبي رحمه الله قال في الزهري : كان يدلس في النادر (2) ، وقد نبه على هذه النقطة شيخنا الدكتور مسفر الدميني حفظه الله في كتابه في التدليس . وقد خالف ابن حجر العلائي وسبط العجمي في كتابه التبيين في أسماء المدلسين ، فقد ذكر أن الإمام الزهري قد قبل الأئمة عنعنته ، وهذا يظهر لقلة تدليسه ، ومن هذا القبيل أيضاً قتادة بن دعامة السدوسي فلم يرد عن المتقدمين وصفه بكثرة التدليس مع أن ابن حجر رحمه الله ذكره أيضاً في المرتبة الثالثة (3) .
__________
(1) انظر : تعريف أهل التقديس بمراتب الموصوفين بالتدليس لابن حجر ، ص 152 ، ت : أحمد المباركي .
(2) ميزان الاعتدال (4/38) .
(3) تعريف أهل التقديس ، ص 146 .(1/38)
3- أما أبو الزبير المكي محمد بن مسلم بن تدرس رحمه الله فهو وإن ذكره ابن حجر رحمه الله في المرتبة الثالثة أيضاً (1) فلا يكفي أن نقول إنه ليس من المكثرين أو المشهورين بالتدليس بل إن القول بأنه مدلس فيه نظر ، وقد ناقش الأدلة التي دلت على تدليس أبي الزبير الشيخ الباحث خالد بن عبدالله العيد في رسالته الرائعة : ((ضوابط تصحيح الإمام مسلم في صحيحه لمرويات أبي الزبير المكي بالعنعنة عن جابر بن عبدالله )) (2) وقد أجاد فيها وأفاد ، وأذكر طرفاً مختصراً مما ذكره ، قال : ويمكن أن يقال في نفي التدليس عن أبي الزبير ما يلي :
1- الإمام ابن عبدالبر استوعب في كتابه الاستغناء ما طعن به في أبي الزبير وقد أجاب عنها ولم يتعرض لمسألة التدليس .
2- أن الأئمة المتقدمين ممن كتب عنهم في الجرح والتعديل ... لم يذكروا أبا الزبير بالتدليس .
3- أن من تشددوا في أمر التدليس وعظم أمره وهو شعبة قد روى عنه ولم يصفه بالتدليس .
4- أن الإمام الشافعي رحمه الله قد نفى التدليس عن أهل الحجاز .
5- أن الحاكم رحمه الله ذكر حديثاً من طريق أبي الزبير عن جابر بالعنعنة ثم قال : هذا حديث رواته بصريون ثم مدنيون وليس من مذهبهم التدليس (3) .
6- ثم على افتراض أن أبا الزبير مدلس فتدليسه عن جابر فقط دون غيره وتدليسه عن ثقة ، فالصحيفة التي عنده هي صحيفة اليشكري وقد مضى توثيق أبي زرعة له وكذا الذهبي وغيره ، وكذلك لما استفسر في حديث آخر - إن ثبت تدليسه فيه - ذكر صفوان بن عبدالله وهو ثقة (4) .
__________
(1) المرجع السابق ، ص 151 .
(2) رسالة ماجستير مقدمة لقسم الدراسات الإسلامية بجامعة الملك سعود بالرياض ، 1418هـ ولم تطبع بعد .
(3) وقد وهّم ابنُ حجر الحاكمَ في هذا عندما ذكر أبا الزبير في المدلسين ، لكن ما ذكر من النقاط الأخرى يقوي قول
الحاكم .
(4) باختصار من الرسالة المذكورة ، وانظرها بتوسع إن شئت ، ص 120 فما بعدها .(1/39)
هذا وقد سمعت أن الشيخ/ خالد الدريس وفقه الله صاحب كتاب ((موقف الإمامين البخاري ومسلم من اشتراط اللقيا والسماع في السند المعنعن بين المتعاصرين)) والذي سبق أن أشرت إليه له كتاب مخطوط بعنوان (( الإيضاح والتبيين بأن أبا الزبير ليس من المدلسين)) (1) .
4- الإطلاق بأن مجرد (العنعنة) لاتعل حديث المدلس الثقة إلا في حالة وجود التدليس فعلاً أو في حالة وجود علة في المتن أو الإسناد (2) هذا الإطلاق فيه نظر ، نعم هو حق فيمن كان مقلاً من التدليس أو من لا يدلس إلا عن ثقة ، أما من كان مشهوراً بالتدليس مكثراً منه فإنه لا يحتج بما عنعنه إلا إن ورد مصرحاً بالسماع ، وعلى ذلك يدل كلام المتقدمين .
روى الخطيب البغدادي بسنده إلى يعقوب بن شيبة أنه قال : سألت علي بن المديني عن الرجل يدلس أيكون حجة فيما لم يقل حدثنا ؟ قال : إذا كان الغالب عليه التدليس فلا حتى يقول حدثنا (3) .
... فهذا إمام العلل والجرح والتعديل علي بن المديني يرد عنعنة من غلب عليه التدليس ، وقال الإمام مسلم رحمه الله في مقدمة صحيحه : (( وإنما كان تفقد من تفقد منهم سماع رواة الحديث ممن روى عنهم إذا كان الراوي ممن عرف بالتدليس في الحديث وشهر به ، فحينئذ يبحثون عن سماعه في روايته ويتفقدون ذلك منها )) (4) .
... فقول الإمام مسلم يحكي عن المحدثين أنهم يتفقدون السماع فيمن اشتهر بالتدليس ، بل إن الشافعي رحمه الله شرط ذلك فيمن دلس ولو مرة .
__________
(1) وقد ذكر الشيخ ناصر الفهد في كتابه : منهج المتقدمين في التدليس أنه اطلع على الكتاب واستفاد منه . ص 90 .
(2) قال بذلك الشيخ ناصر الفهد وفقه الله في كتابه : منهج المتقدمين في التدليس ، ص 162 ، 163 .
(3) الكفاية للخطيب البغدادي ، ص 362 .
(4) مقدمة صحيح مسلم (1/33) .(1/40)
... يقول ابن رجب : ولم يعتبر الشافعي أن يتكرر التدليس من الراوي ولا أن يغلب على حديثه بل اعتبر تدليسه ولو مرة واحدة ، واعتبر غيره من أهل الحديث أن يغلب التدليس على حديث الرجل فقالوا : إذا غلب التدليس لم يقبل حديثه حتى يقول : حدثنا (1) ، لكن قول الشافعي رحمه الله مرجوح مخالف لقول المحدثين كما أشار إليه ابن رجب رحمه الله .
... فالخلاصة : أن من كان مكثراً من التدليس مشهوراً به فإنه لا يقبل منه إلا ما صرح فيه بالسماع (2) ، أما إذا كان مقلاً من التدليس أو لا يدلس إلا عن ثقة كابن عيينة فإنهم قبلوا عنعنتهم ، واستثنى ابن رجب أيضاً من عرف بالتدليس وكان له شيوخ لا يدلس عنهم فحديثه عنهم متصل (3) .
... وذكر هذا الذهبي في ترجمة الأعمش حيث قال عنه : فمتى قال : حدثنا فلا كلام ، ومتى قال (( عن )) تطرق إليه احتمال التدليس إلا في شيوخ له أكثر عنهم كإبراهيم وأبي وائل وأبي صالح السمان فإن روايته عن هذا الصنف محمولة على الاتصال (4) .
... كذا تقبل العنعنة إذا كان الراوي عن المدلس لا يروي عنه إلا ما ثبت له سماع كشعبة بن الحجاج عن قتادة وأبي إسحاق والأعمش ، فقد ورد عن شعبة أنه قال : كفيتكم تدليس ثلاثة : الأعمش وأبي إسحاق وقتادة . وكذلك من هذا رواية يحيى القطان عن زهير عن أبي إسحاق ، وكذلك رواية الليث بن سعد عن أبي الزبير (5) على القول بتدليسه .
المبحث الرابع :المسائل المتعلقة بشرط السلامة من الشذوذ :
__________
(1) شرح علل الترمذي ، ص 208 ، 209 ، وانظر : كلام الشافعي في الرسالة ، ص 379 .
(2) وقد قرر هذا نفسه ناصر الفهد في كتابه الآنف الذكر بعد أن نقل قول ابن المديني ، ص 164 ، 165 .
(3) شرح علل الترمذي لابن رجب ، ص 389 .
(4) ميزان الاعتدال (2/224) .
(5) انظر : النكت على كتاب ابن الصلاح (2/631) ، وفتح المغيث (1/219) .(1/41)
... من المعلوم أن العلماء اختلفوا في ضابط الشاذ على أقوال ، فمنهم من عممه كالخليل حيث سوى بين الشاذ والفرد المطلق حيث قال : إن الشاذ ما ليس له إلا إسناد واحد يشذ بذلك شيخ ثقة كان أو غير ثقة ، وأخص منه تعريف الحاكم لأنه يقول : إنه تفرد الثقة فيخرج تفرد غير الثقة فيلزم من قوله أن يكون في الصحيح الشاذ وغير الشاذ ، وأخص منه كلام الشافعي حيث يقول : إنه تفرد الثقة بخالفة من هو أرجح منه .(1) وتعريف الشافعي رجحه الكثير منهم ابن حجر رحمه الله وغيره ، أما ابن الصلاح رحمه الله فمن كلامه أنه جعل الشاذ قسمين : أحدهما : الحديث الفرد المخالف ، والثاني : الفرد الذي ليس في راويه من الثقة والضبط ما يقع جابراً لما يوجبه التفرد والشذوذ من النكارة والضعف (2) . وتبعه ابن دقيق العيد حيث قال في الشاذ : هو ما خالف رواية الثقات أو ما انفرد به من لا يحمل حاله أن يقبل ما تفرد به (3) .
... وقد أورد العراقي في التقييد والإيضاح وابن حجر في النكت الاعتراضات على تعريف الخليلي والحاكم وابن الصلاح وليس المجال عرض ذلك وإنما سأعرض لمسائل لها علاقة بمنهج المتقدمين :
1- ... بين الشاذ والمنكر :
__________
(1) النكت على ابن الصلاح (2/652) وما بعدها .
(2) مقدمة ابن الصلاح على التنبيه والإيضاح ، ص 88 .
(3) الاقتراح ، ص 211 ، ت : عامر صبري .(1/42)
... فرق بينهما بأن الشاذ ما خالف فيه الثقة من هو أولى منه ، والمنكر : ما خالف فيه الضعيف من هو أولى منه ، وهذا الاصطلاح الذي عليه كثير من المتأخرين التفريق بينهما كما ذكره ابن حجر حيث قال : إن بين الشاذ والمنكر عموماً وخصوصاً من وجه لأن بينهما اجتماعاً في اشتراط المخالفة وافتراقاً في أن الشاذ رواية ثقة أو صدوق ، والمنكر رواية ضعيف ، وقد غفل من سوى بينهما (1) يعني بذلك ابن الصلاح حيث يدخل المنكر في تعريفه الثاني ولأنه قال : وإن كان بعيداً عن ذلك - يعني الحفظ والضبط - لرددنا ما انفرد به وكان من قبل الشاذ والمنكر .
... أقول : ورد إطلاق المنكر على ((ما خالف فيه الثقات)) في كلام المتقدمين ، فأبو داود رحمه الله قال عن حديث همام بن يحيى عن ابن جريج عن الزهري عن أنس في وضع الخاتم عند دخول الخلاء ، قال أبو داود : حديث منكر وإنما يعرف عن ابن جريج عن زياد بن سعد عن الزهري عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم اتخذ خاتماً من ورق ثم ألقاه ، والوهم فيه من همام (2) .
فهنا عدّ أبو داود مخالفة همام من المنكر مع أن همام بن يحيى ثقة روى له الشيخان (3) ، ولذلك لما مثل العراقي في التقييد والإيضاح بهذا المثال للمنكر تعقبه ابن حجر في النكت فقال : فإنه شاذ في الحقيقة إذ المنفرد به من شرط الصحيح (4) .
__________
(1) نزهة النظر ، ص 36 ، وقد فصل في هذا في النكت (2/674 ، 675) .
(2) سنن أبي داود وكتاب الطهارة ، باب : الخاتم يكون فيه ذكر الله يدخل به الخلاء ، ج : 19 .
(3) انظر ترجمته في التقريب ، ص 574 .
(4) النكت ، ص 677 .(1/43)
ومن هذا الباب أيضاً حديث أخرجه النسائي في الكبرى من طريق أبي الأحوص عن سماك عن القاسم بن عبدالرحمن عن أبيه عن بردة بن نيار قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اشربوا في الظروف ولا تسكروا . قال أبو عبدالرحمن (النسائي) وهذا حديث منكر غلط فيه أبو الأحوص سلام بن سليم ، ثم نقل عن أحمد قال : كان أبو الأحوص يخطئ في هذا الحديث ، خالفه شريك في إسناده ولفظه (1) .
وسلام بن سليم أبو الأحوص الكوفي ثقة متقن صاحب حديث كما في التقريب (2) ، فانظر كيف حكم النسائي على مخالفة أبي الأحوص بالنكارة مع أن اصطلاح المتأخرين أنه شاذ ، والمقصود : أن بعض المتقدمين يطلقون النكارة على الشذوذ كما جرى عليه ابن الصلاح رحمه الله ، والأمثلة في هذا الباب كثيرة لمن تأمل .
2- ... التفرد والشذوذ والنكارة (( هل كل ما تفرد به راوٍ يعد شاذا أو منكراً ؟ ولو لم
يخالف )) .
... هذا المبحث مهم لا يستغني عنه الباحثون والمتخصصون وهو مبحث دقيق اضطرب فيه كثيرون ، وحقيق أنه يخص مستقلاً ببحوث ومؤلفات وله علاقة بالعلة ولكني ذكرته هنا لأن علاقته بالشاذ أقوى ، فالخليلي رحمه الله جعل مطلق التفرد شذوذاً والحاكم جعل تفرد الثقة شذوذاَ وقد تعقبوا عليهما كما أشرت سابقاً .
لكن المتأمل لكلام المتقدمين يجد أنهم أطلقوا الشذوذ والنكارة على بعض ما انفرد به الثقات بدون مخالفة ولذلك قال ابن الصلاح رحمه الله تعالى : وإطلاق الحكم على التفرد بالرد أو النكارة أو الشذوذ موجود في كلام كثير من أهل الحديث (3) .
... أقول : واستعمالهم للنكارة في هذا الباب أكثر ، وهذا والله أعلم لأن لفظ (( الإنكار )) عام في كل ما استنكر وأنكره عليه غيره ولو كان المنكر عليه ثقة .
__________
(1) سنن النسائي الكبرى (3/231 ، ج : 5187 .
(2) التقريب ، ص 261 .
(3) مقدمة ابن الصلاح على التقييد والإيضاح ، ص 88 .(1/44)
... ومن هذا الباب ما يقولون عنه : إسناده صحيح وهو شاذ ، يعني للتفرد كما في حديث أخرجه الحاكم والبيهقي من طريق شعبة عن عمرو بن مرة عن أبي الضحى عن ابن عباس في قوله تعالى : {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنّ} (1) ، قال : في كل أرض نبي كنبيكم وآدم كآدم ... إلخ ، ورواه من طريق شريك عن عطاء بن السائب عن أبي الضحى ، وصححه الحاكم وقال البيهقي : إسناد هذا عن ابن عباس صحيح وهو شاذ بمرة لا أعلم لأبي الضحى عليه متابعاً (2) . كذلك أخرج الحاكم حديث أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( ثلاثة يهلكون عند الحساب : جواد وشجاع وعالم )) وقال : هذا حديث صحيح الإسناد وعلى شرطهما وهو غريب شاذ (3) .
__________
(1) الطلاق : من الآية 12) .
(2) انظر : المستدرك (2/493) وتفسير ابن كثير (4/386) وذكره السيوطي في التدريب (1/233) .
(3) المستدرك (1/189) .(1/45)
... وسأنقل هنا كلاماً عن ابن رجب في إطلاق النكارة على ما انفرد به الثقة ، فقد نقل ابن رجب رحمه الله عن الإمام أحمد قال : قال لي يحيى بن سعيد : لا أعلم عبيدالله بن عمر أخطأ إلا في حديث واحد لنافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( لا تسافر امرأة فوق ثلاثة أيام .... الحديث ، قال أبو عبدالله : فأنكره يحيى بن سعيد عليه ، قال أبو عبدالله : فقال لي يحيى بن سعيد : فوجدته قد حدّث به العمري الصغير عن نافع عن ابن عمر مثله ، قال أبو عبدالله : لم يسمعه إلا من عبدالله فلما بلغه عن العمري صححه ، وهذا الكلام يدل على أن النكارة عند يحيى القطان لا تزول إلا بمعرفة الحديث من وجه آخر وكلام أحمد قريب من ذلك . وقال عبدالله : سألت أبي عن حسين بن علي الذي يروي حديث المواقيت ؟ فقال :هو أخو أبي جعفر محمد بن علي ، وحديثه الذي روى في المواقيت ليس بمنكر ؛ لأنه قد وافقه على بعض صفاته غيره ، وقال أحمد في بريد بن عبدالله بن أبي بردة يروي أحاديث مناكير ، وقال أحمد في محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي : هو المتفرد برواية حديث الأعمال بالنيات في حديثه شيء ، يروي أحاديث مناكير أو قال : منكرة ، وقال في زيد بن أبي أنيسة : إن حديثه لحسن مقارب وإن فيها بعض النكارة ، وقال الأثرم : قلت لأحمد : إن له أحاديث إن لم تكن مناكير فهي غرائب ؟ قال : نعم . وهؤلاء الثلاثة متفق على الاحتجاج بحديثهم في الصحيح ، وقد استنكر أحمد ما انفردوا به ، وكذلك قال في عمرو بن الحارث : له مناكير ، وفي الحسين بن داود وخالد بن مخلد وجماعة خرج لهم في الصحيح بعض ما ينفردون به ، وأما تصرف الشيخين والأكثرين فيدل على خلاف هذا وإن ما رواه الثقة عن الثقة إلى منتهاه وليس له علة فليس بمنكر ، وقد خرجا في الصحيحين حديث بريد بن عبدالله بن أبي بردة وحديث محمد بن إبراهيم التيمي وحديث زيد بن أبي أنيسة .(1/46)
انتهى كلام ابن رجب (1) .
وهذا يدل على إن إطلاق النكارة على التفرد من الثقة فيما سبق استعمله يحيى بن سعيد والإمام أحمد (2) ، أما الإمام البخاري ومسلم والأكثرون من المحدثين بخلافهم يصححونه ولا يعدونه منكراً ، وقد ذكر ابن رجب رحمه الله في آخر شرحه للعلل أمثلة كثيرة لأحاديث أنكرت على بعض الثقات (3) .
وتفرد الثقات في الأصل ليس بعلة وإلا للزم القول بوجوب تعدد الرواة في شرط الصحة ولم يقل بهذا عامة أهل العلم ، لكن طائفة من المتقدمين قد يعلون الحديث بتفرد الثقة ويجعلونه شاذاً أو منكراً ، فمتى يكون تفرد الثقة علة ؟
فيما يظهر لي من خلال التتبع أن ذلك يكون في حالات أذكر أبرزها :
__________
(1) شرح علل الترمذي ، ص 254 ، 255 .
(2) ذكر الحافظ بن حجر في هدي الساري في ترجمة يزيد بن عبدالله بن خصيفة بعد أن نقل توثيقه عن ابن معين وأبي حاتم
والنسائي ، قال : وروى الآجري عن أبي داود عن أحمد أنه قال : منكر الحديث . قلت (الحافظ) : هذه لفظة يطلقها
أحمد على من يغرب على أقرانه بالحديث عرف ذلك بالاستقراء من حاله وقد احتج بابن خصيفة مالك والأئمة
كلهم . هدي الساري ، ص (453) . وذكر السخاري أنهم قد يطلقون ((منكر الحديث)) على الثقة إذا روى المناكير
عن الضعفاء كما قال الحاكم للدار قطني : فسليمان ابن بنت شرحبيل قال : ثقة ، قلت : أليس عنده مناكير ؟ قال :
يحدث بها عن قوم ضعفاء فأما هو فثقة . فتح المغيث (ا/375) .
(3) انظر : شرح علل الترمذي لابن رجب ، ص 308 ، تحت عنوان : في ذكر قوم من الثقات لا يذكر أكثرهم في كتب
الجرح وقد ضعف حديثهم ، إما في بعض الأوقات أو في بعض الأماكن أو عن بعض الشيوخ .(1/47)
الأولى : أن يكون المتفرد الثقة تفرد عن راوٍ عالم حريص على نشر ما عنده من الحديث وتدوينه ولذلك العالم طلاب كثيرون مشهورون وقد يكون له كتب معروفة قيد حديثه فيها وكان تلامذته حفاظاً حريصين على ضبط حديثه حفظاً وكتابة ، فإن شذ هذا الراوي عن هؤلاء فروى ما لا يروونه فإن هذا ريبة قد توجب زوال الظن بحفظه حسب القرائن (1) بينما لو انفرد راوٍ بحديث عمن ليس على هذه الشاكلة من مشايخه فليس هناك ريبة في الأمر وهذا ما أشار إليه الإمام مسلم رحمه الله في مقدمة صحيحه حيث قال : فأما من تراه يعمد لمثل الزهري في جلالته وكثرة أصحابه الحفاظ المتقنين لحديثه وحديث غيره أو كمثل هشام ابن عروة وحديثهما عند أهل العلم مبسوط مشترك ، وقد نقل أصحابهما عنهما حديثهما على اتفاق منهم في الكثرة ، فيروي عنهما أو عن أحدهما العدد من الحديث ممن لا يعرفه أحد من أصحابهما وليس من قد شاركهم في الصحيح الذي عندهم فغير جائز قبول حديث هذا الضرب من الناس (2) .
وفي هذا أيضاً يقول الذهبي في الموقظة : وقد يعد مفرد الصدوق منكراً ، وقال في موضع آخر وقد يسمى جماعة من الحفاظ الحديث الذي ينفرد به مثل هشيم وحفص بن غياث منكراً (3) فيحمل كلام الذهبي على ما سبق ، ويحمل عليه أيضاً تعريف الحاكم للشاذ ، وقد أحسن الدكتور حمزة المليباري حيث دافع عن الحاكم في هذا فقال : ولم يقصد الحاكم بذلك تفرد الثقة على إطلاقه ، بل قصد نوعاً خاصاً منه وينقدح في نفس الناقد أنه غلط (4) .
__________
(1) انظر : توضيح الأفكار للصنعاني (1/383-384) .
(2) مقدمة صحيح مسلم (1/7) .
(3) الموقظة ، ص 42، 77 .
(4) الموازنة بين المتقدمين والمتأخرين في تصحيح الأحاديث وتعليلها ، ص 22 .(1/48)
ومن أمثلة هذا وأمثلته كثيرة ما ذكره الشيخ المحدث عبدالله السعد وفقه الله في بعض أشرطته المسجلة من تفرد خالد بن دريك عن عائشة رضي الله عنها بحديث : (( إذا بلغت المرأة المحيض لم يصح أن يرى منها إلا وجهها وكفيها )) قال : فأين الرواة عن عائشة كابن أختها عروة ، والأسوة بن يزيد وعمرة عن هذا الحديث ؟ .
ومن أمثلته أيضاً تفرد عبدالمجيد بن أبي رواد عن مالك عن يزيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري بحديث : (( إنما الأعمال بالنيات )) فأين أصحاب مالك وتلاميذه عن هذا الحديث لم يرووه ؟
ومن أمثلته أيضاً ما تفرد به محمد بن عبدالله بن الحسن عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ((إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير وليضع يديه قبل ركبتيه )) رواه أهل السنن .
فمحمد بن عبدالله بن الحسن ثقة لكن أعل البخاري الحديث بتفرده فقال : لا يتابع عليه قال : ولا أدري أسمع محمد بن عبدالله بن حسن من أبي الزناد أو لا (1) .
وقد فصّل القول في هذا المثال وبينه ببيان واضح الشيخ الفاضل الدكتور حمزة بن عبدالله المليباري في كتابه الفائق ((الموازنة بين المتقدمين والمتأخرين في تصحيح الأحاديث وتعليلها))(2) ، وقد تطرق الشيخ الدكتور حمزة في كتابه لمسألة التفرد وتوسع في بيانها بالأمثلة بكلام جيد موثق قد استفدت منه .
الحالة الثانية : أن يكون المتفرد من الثقات الحفاظ الكبار لكنه تبين وهمه أو خطؤه بتفرده فينبه على ذلك النقاد من حفاظ المحدثين لقرائن ظهرت لهم .
__________
(1) التاريخ الكبير (1/139) .
(2) انظر الكتاب المذكور ، ص 40 .(1/49)
وإلى هذا يشير ابن رجب رحمه الله في قوله : وأما أكثر الحفاظ المتقدمين فإنهم يقولون في الحديث إذا تفرد به واحد ، وإن لم يرو الثقات خلافه إنه لا يتابع عليه ، ويجعلون ذلك علة فيه ، اللهم إلا أن يكون ممن كثر حفظه واشتهرت عدالته وحديثه كالزهري ونحوه ، وربما يستنكرون بعض تفردات الثقات الكبار أيضاً ولهم في كل حديث نقد خاص ، وليس عندهم لذلك ضابط يضبطه (1) .
... أقول : إنما يستنكرون بعض تفردات الثقات الكبار لقرائن ودلالات ظهرت لهم ، وكلام ابن رجب رحمه الله كلام محقق مدقق مارس كلام المتقدمين وخبره .
... ولهذا أمثلة كثيرة ، ومن تأمل كتب العلل وكامل ابن عدي وجد من ذلك كثيراً ، فمن ذلك أحاديث أنكرها ابن عدي على إسماعيل بن أبي أويس رواها عن خاله مالك بن أنس وقال : لا يتابع عليها وإسماعيل ثقة مخرج له في الصحيحين وغيرهما (2) .
... ومن ذلك أيضاً تفرد قتيبة بن سعيد عن الليث بحديث معاذ في الجمع بين الصلاتين في السفر ، فقد أعله البخاري وأبو حاتم وأبو داود بذلك وتوسع في بيان ذلك الشيخ الدكتور حمزة المليباري في كتابه (3) فليراجع .
زيادة الثقة :
... وهي مبحث مهم له علاقة بالشذوذ والتفرد والنكارة وقد كُتب وبُحث فيها كثيراً لكني سأنقل في هذا ملخصاً لطريقة المتقدمين حيال زيادات الثقات ، وذلك لأنك ترى عند المتأخرين خللاً في هذا الباب فيطلقون القول بقبول زيادة الثقة مطلقاً وقد ينسبون ذلك للمحدثين (4) ، وإنما هو قول الفقهاء ومن تبعهم الخطيب البغدادي في الكفاية وابن حبان والحاكم (5) .
__________
(1) شرح علل الترمذي ، ص 208 .
(2) الكامل لابن عدي (1/324) .
(3) الموازنة بين المتقدمين والمتأخرين في تصحيح الأحاديث وتعليلها .
(4) كما فعل ذلك النووي ورد عليه ابن حجر . النكت (2/688) .
(5) النكت (2/687) .(1/50)
... والصحيح من مذهب المتقدمين أنهم لا يطلقون قبول الزيادة بل الأمر عندهم حسب القرائن والمرجحات كأن يكون الزائد مبرزاً في الحفظ والضبط .
... قال ابن رجب : من تأمل كتاب تاريخ البخاري تبين له قطعاً أنه لم يكن يرى أن زيادة كل ثقة في الإسناد مقبولة ، وهكذا الدار قطني يذكر في بعض المواضع أن الزيادة من الثقة مقبولة ثم يرد في أكثر المواضع زيادات كثيرة من الثقات ويرجح الإرسال على الإسناد ، فدل على أن مرادهم زيادة الثقة في تلك المواضع الخاصة وهي إذا كان الثقة مبرزاً في الحفظ (1) .
... وقال الترمذي في العلل : وإنما تقبل الزيادة ممن يعتمد على حفظه ، وقال ابن خزيمة : لسنا ندفع أن تكون الزيادة مقبولة من الحفاظ (2) .
... وقال ابن دقيق العيد : من حكى عن أهل الحديث أو أكثرهم أنه إذا تعارض رواية مرسل ومسند ورافع وواقف أو ناقص وزائد أن الحكم للزائد فلم يصب في هذا الإطلاق فإن ذلك ليس قانوناً مطرداً وبمراجعة أحكامهم الجزئية يعرف صواب ما نقول (3) .
... وقال ابن حجر في النزهة : المنقول عن الأئمة المتقدمين في هذا الفن كعبدالرحمن بن مهدي ويحيى بن سعيد القطان وأحمد بن حنبل والبخاري ويحيى بن معين وعلي بن المديني وأبي زرعة وأبي حاتم والنسائي والدار قطني وغيرهم اعتبار الترجيح فيما يتعلق بالزيادة وغيرها ، ولا يعرف عن أحد منهم إطلاق قبول الزيادة (4) .
__________
(1) شرح علل الترمذي ، ص 244 .
(2) النكت (2/689) .
(3) نقله الصنعاني في توضيح الأفكار (1/343) .
(4) نزهة النظر ، ص 34 .(1/51)
... وقال ابن حجر : والذي يجري على قواعد المحدثين أنهم لا يحكمون عليه- يعني ما زاده الثقات - بحكم مستقل بل يرجحون بالقرائن ، وقال في موضع آخر - بعد أن نقل كلاماً عن بعض الأئمة كالدار قطني وابن عبدالبر قال : فحاصل كلام هؤلاء أن الزيادة إنما تقبل ممن يكون حافظاً متقناً إلى أن قال : وإنما الزيادة التي يتوقف أهل الحديث في قبولها من غير الحافظ حيث يقع في الحديث الذي يتحد مخرجه كمالك عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما إذا روى الحديث جماعة من الحفاظ الأثبات العارفين بحديث ذلك الشيخ وانفرد دونهم بعض رواته بزيادة فإنها لو كانت محفوظة لما غفل الجمهور من رواته عنها ، فتفرد واحد عنه بها دونهم مع توافر دواعيهم على الأخذ عنه وجمع حديثه يقتضي ريبة توجب التوقف عنها (1) .
... وهذا كلام جيد محقق في هذا الباب وأكتفي بهذا ، والله أعلم .
المبحث الخامس : في المسائل المتعلقة بالعلة .
... وهذا باب واسع يطول الكلام فيه إنما أذكر فيه نقاطاً مهمة مختصرة حول منهج المتقدمين في إعلال الحديث :
1- طريقة المتقدمين في الكشف عن العلة هي جمع طرق الحديث والنظر في اختلاف الرواة وهذا واضح من كلامهم :
وقد تقدم قول علي بن المديني رحمه الله : الباب إذا لم تجمع طرقه لم يتبين خطؤه (2) . وقال الخطيب البغدادي : السبيل إلى معرفة علة الحديث أن يجمع بين طرقه وينظر في اختلاف رواته ويعتبر بمكانهم في الحفظ ومنزلتهم في الإتقان والضبط (3) .
وقال الحافظ العراقي : وتدرك العلة بتفرد الراوي بمخالفة غيره له مع قرائن تنضم إلى ذلك يهتدي الجهبذ أي الناقد بذلك إلى اطلاعه على إرسال في الموصول أو وقف في المرفوع أو دخول حديث في حديث أو وهمه وغير ذلك (4) .
__________
(1) النكت على ابن الصلاح (2/687 ، 690 ، 692) .
(2) علوم الحديث ، ص 82 .
(3) تدريب الراوي (1/283) .
(4) شرح ألفية الحديث (1/260) .(1/52)
2- ... أن النقاد من المحدثين قد لا يصرحون بالعلة وقد تقصر عباراتهم عنها :
يقول ابن رجب رحمه الله : قاعدة مهمة ، حذاق النقاد من الحفاظ لكثرة ممارستهم للحديث ومعرفتهم بالرجال وأحاديث كل واحد منهم لهم فهم خاص يفهمون به أن هذا الحديث يشبه حديث فلان ولايشبه حديث فلان فيعللون الأحاديث بذلك ، وهذا مما لا يعبر عنه بعبارات تحضره وإنما يرجع فيه أهله إلى مجرد الفهم والمعرفة التي خصوا بها عن سائر أهل العلم (1) .
... وذكر ابن رجب مثالاً لذلك ما قاله أحمد في سعيد بن سنان : يشبه حديثه حديث الحسن لا يشبه أحاديث أنس ، ومراده أن الأحاديث التي يرويها عن أنس مرفوعة إنما تشبه كلام الحسن البصري أو مراسيله ، وقال الجورجاني : أحاديثه واهية لا تشبه أحاديث الناس عن أنس (2) .
3-من طرائق العلة عند أئمة الجرح والتعديل نقد المتون وإعلال الأسانيد بها .
... وذلك لأنهم يعرفون الكلام الذي يشبه كلام النبي صلى الله عليه وسلم من الكلام الذي لا يشبه كلامه ، قال ابن أبي حاتم عن أبيه : نعلم صحة الحديث بعدالة ناقليه وأن يكون كلاماً يصلح أن يكون مثله كلام النبوة ، ونعرف سقمه وإنكاره بتفرد من لم تصح عدالته بروايته (3) .
... ولذلك تجدهم كثيراً ما يضعفون الحديث الذي في متنه نكارة وغرابة ولو كان إسناده ظاهره الصحة ، فمن ذلك حديث علي رضي الله عنه الطويل (( في الصلاة أربعاً والدعاء لحفظ القرآن)) فهذا الحديث أخرجه الترمذي من طريق الوليد بن مسلم حدثنا ابن جريج عن عطاء بن أبي رباح وعكرمة مولى ابن عباس عن ابن عباس به قال الترمذي : حسن غريب (4) .
__________
(1) شرح علل الترمذي ، ص 290 .
(2) الموضع السابق .
(3) الجرح والتعديل (1/351) .
(4) سنن الترمذي (5/564) .(1/53)
... وأخرجه أبو عبدالله الحاكم في المستدرك بسنده من طريق الوليد أيضاً ، وقال : صحيح على شرط الشيخين (1) ، فهذا الحديث استغربه الترمذي كما أعله أبو أحمد والحاكم (2) فقال : إنه يشبه أحاديث القصاص (3) ، وأعله من المتأخرين الحافظ ابن كثير في كتاب فضائل القرآن قال - بعد نقل كلام الترمذي والحاكم - ولا شك أن سنده من الوليد على شرط الشيخين حيث صرح الوليد بالسماع من ابن جريج ، فالله أعلم ، فإنه من البين غرابته بل نكارته (4) .
... ومن هذا الباب أيضاً حديث : (( في كل أرض آدم كآدمكم )) وقد سبق الكلام عليه في المبحث السابق ، ومن ذلك أيضاً أن يكون متن الحديث سمج المعنى أو مخالفاً للقرآن فيعلونه بذلك مثل ما ورد : (( عليكم بالعدس فإنه مبارك يرقق القلب ويكثر الدمعة قُدس فيه سبعون نبياً )) فهذا أعله الإمام عبدالله بن المبارك رحمه الله فقال لما سئل عنه : أرفع شيء في العدس أنه شهوة اليهود ولو قدّس فيه نبي واحد لكان شفاء من الأدواء فكيف بسبعين نبياً ؟ وقد سماه الله (( أدنى )) ونعى على من اختاره على المن والسلوى وجعله قرين الثوم البصل (5) .
... فانظر كيف أعل ابن المبارك هذا القول لسوء معناه ومخالفته لكتاب الله .
__________
(1) المستدرك (1/461) .
(2) هو الحافظ محمد بن أحمد النيسابوري الكرابيسي ، قال الذهبي : أبو أحمد الحاكم محدث خراسان الإمام الحافظ الجهبذ
... صاحب التصانيف ، وهذا هو الحاكم الكبير ، وهو شيخ أبو عبدالله الحاكم صاحب المستدرك ، قال عنه تلميذه
أبوعبدالله : كان أبو أحمد من الصالحين الثابتين على سنن السلف ومن المنصفين . انظر : تذكرة الحفاظ
(3/977 ، 978) .
(3) شرح العلل لابن رجب ، ص 395 .
(4) فضائل القرآن ، مطبوع مع تفسير ابن كثير ، ص 56 ، 57 .
(5) ذكره عنه ابن القيم في المنار المنيف ، ص 64 .(1/54)
... ونقد المتون عند المتقدمين بابه واسع وأمثلته كثيرة ، وقد اعتنى به وألف فيه شيخنا الدكتور مسفر غرم الله الدميني في كتابه الرائع : (( مقاييس نقد متون السنة )) فليراجع .
... وبعد هذا فإنك تعجب أن تجد من المتأخرين من يصحح الأحاديث أو يحسنها مغفلاً هذا الجانب كما تراه كثيراً عند السيوطي في كتابه اللآلي المصنوعة في الأحاديث الموضوعة ، فمن ذلك أنه قال في حديث : (( إذا بعثتم بريداً فابعثوه حسن الوجه حسن الاسم )) قال : وهذا الحديث في معتقدي حسن صحيح وقد جمعت طرقه في جزء (1) ، وأيضاً قد حسنه المناوي (2) مع ما يظهر في متنه من نكارة بل إن الحافظ بن القيم أورده في المنار المنيف وقال : وفيه عمرو ابن راشد ، قال ابن حبان : يضع الحديث ، وذكره أبو الفرج بن الجوزي في الموضوعات (3) . وقال الهيثمي : رواه البزار والطبراني في الأوسط وفي إسناد الطبراني عمر بن راشد وثقه العجلي وضعفه جمهور الأئمة وبقيةرجاله ثقات ، وطرق البزار ضعيفة .(4) فمثل هذا كيف يصحح .
__________
(1) اللآلئ المصنوعة للسيوطي (2/81) .
(2) فيض القدير (1/312) .
(3) المنار المنيف (63) .
(4) مجمع الزوائد (8/47) .(1/55)
ووقع التساهل أيضاً من بعض من المعاصرين في هذا الباب ، ولعلي أذكر لذلك من تصحيحات الشيخ المحدث الألباني تغمده رحمه الله برحمته ، فرغم جهوده الضخمة في خدمة السنة وسمعت شيخنا سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز يثني عليه كثيراً ، إلا أنه رحمه الله يتساهل أحياناً في التصحيح فقد صحح حديث : (( ولد الزنى شر الثلاثة )) (1) وحمل معنى الحديث على الرواية : (( إذا عمل بعمل أبويه )) مع ضعف هذه الرواية حيث ضعفها الألباني نفسه وكان الأولى أن يحمل الحديث كما حمله الطحاوي وابن القيم على شخص بعينه وذلك لرواية الطحاوي والحاكم وهي : (( بلغ عائشة رضي الله عنها أن أبا هريرة يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ولد الزنى شر الثلاثة ، فقالت : يرحم الله أبا هريرة أساء سمعاً فأساء إجابة ، لم يكن الحديث على هذا إنما كان رجل من المنافقين يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : من يعذرني من فلان ؟ قيل يا رسول الله إنه مع ما به ولد زنى ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( هو شر الثلاثة )) ، والله يقول : ولا تزر وازرة وزر أخرى . صححه الحاكم على شرط مسلم (2) وتعقبه الذهبي بأن فيه سلمة بن الفضل الأبرش لم يحتج به مسلم ، وقد وثق وضعفه ابن راهويه ، وقد ذكر هذا كله الألباني وضعف هذه الرواية ولم يحمل الحديث عليها بل قال بعمومه .
__________
(1) انظر : سلسلة الأحاديث الصحيحة (2/225) ، رقم 672 ، وعزاه لأبي داود وأحمد والطحاوي والحاكم .
(2) المستدرك (4/100) .(1/56)
... أقول : وحمل الحديث على هذه الرواية وهي ضعيفة أولى من حمله على رواية : (( إذا عمل بعمل أبويه )) لأنها أشد ضعفاً منها ، ففي أحد طرقها راوٍ متروك كما ذكر الألباني نفسه ، ومما يؤيد نكارة معناه أن ابن عباس رضي الله عنه لما بلغه هذا الحديث قال : (( لو كان شر الثلاثة لما استؤني بأمه حتى تضعه )) (1) يعني الأحاديث الواردة بإمهال الحامل من الزنى حتى تضع وهي صحيحة .
... ففهم عائشة رضي الله عنها معارضة عموم الحديث للقرآن مع ما يؤيده من قول ابن عباس أولى من القول بعموم هذا الحديث والتعسف في تأويله كما فعل الألباني حيث قال : فإنه لم يحرم الجنة بفعل والديه بل إن النقطة الخبيثة لا يتخلق منها طيب في الغالب ولا يدخل الجنة إلا نفس طيبة ، فإن كانت في هذا الجنس طيبة دخلت الجنة ، وكان الحديث من العام المخصوص (2) .
... ثم أراد الألباني رحمه الله أن يؤيد ما ذكره فقوى زيادة : ((ولا ولد زنية)) في حديث : (( لا يدخل الجنة عاق ... إلخ )) وليست بقوية لمن دقق وتأمل ، ثم حاول أن يؤولها فتعسف أيضاً (3) مع أنه صحح ما رواه عبدالرزاق عن عائشة أنها قالت : (( ما عليه من وزر أبويه ، قال تعالى : ولا تزر وازرة وزر أخرى )) قالته رداً على من روى هذا الحديث .
__________
(1) انظر : الإجابة فيما استدركته عائشة على الصحابة ، ص 119 .
(2) سلسلة الأحاديث الصحيحة (2/228) .
(3) انظر المرجع السابق (2/230) .(1/57)
... ومن هذا الباب أيضاً فيما يظهر لي تصحيحه لحديث : أكثر من يموت من أمتي بعد كتاب الله وقضائه وقدره بالأنفس (يعني بالعين) (1) فهو مع ما في متنه ففي سنده طالب بن حبيب بن عمرو بن سهل الأنصاري يهم ، ونقل ابن عدي عن البخاري قال : فيه نظر ، وقد تفرد به كما ذكر ابن عدي (2) وإن كان قد وثق إلا أن التفرد مع الوهم يقضي التوقف فيما رواه .
... وأعجب من ذلك تصحيحه لحديث : (( إن الله أذن لي أن أحدث عن ديك قد مرقت رجلاه في الأرض ، وعنقه منثن تحت العرش وهو يقول : سبحانك ما أعظمك ربنا ، فيرد عليه ما يعلم ذلك من حلف بي كاذباً )) (3) . وليس المجال تتبع ذلك فأكتفي بما سبق خوف الإطالة ، والأمثلة كثيرة .
4- ... ومن طرق الإعلال عند المتقدمين إعلال الحديث إذا دل على معنى يخالف المعنى الذي
دلت عليه الأحاديث الصحيحة :
... وأذكر مثالاً لذلك حديث : (( أمتي أمة مرحومة جعل عذابها بأيديها في الدنيا )) فهذا الحديث ذكر طرقه الإمام البخاري رحمه الله في كتابه التاريخ الكبير ثم أعلّه بقوله : والخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم في الشفاعة وأن قوماً يعذبون ثم يخرجون أكثر وأبين وأشهر (4) ا.هـ فهذا تعليل إمام الحديث والعلل البخاري رحمه الله نظر فيه إلى مخالفة معنى هذا الحديث لما ثبت في الأحاديث الصحيحة الكثيرة الأخرى التي تثبت دخول طائفة من أمة محمد صلى الله عليه وسلم النار (5) .
... وعلى كل فللمتقدمين طرائق كثيرة في إعلال الحديث يطول استيعابها ، إنما أشرت لإبراز غفل عنه المتأخرون .
__________
(1) السلسلة الصحيحة (2/309) ، رقم 747 .
(2) انظر ترجمته في : الكامل في ضعفاء الرجال لابن عدي (4/119) .
(3) السلسلة الصحيحة (1/258) ، رقم 150 ، وعزاه للطبراني .
(4) التاريخ الكبير للإمام البخاري (1/39) .
(5) الحديث أخرجه أبو داود (4/105) ، ج : 4278 والحاكم في المستدرك (4/491) وقال : صحيح الإسناد ولم يخرجاه .(1/58)
تنبيه حول الأحاديث المعلّة في الصحيحين :
... من المعلوم أن هناك أحاديث انتقدت على البخاري ومسلم رحمهما الله وذكر لها علل لكن ليس كل ما انتقد على البخاري ومسلم يكون فيه وجه الحق مع المنتقد بل يكون كثيراً معهما خاصة البخاري ، وما كان فيها من منتقد فهو ليس من قبل ثقة الرواة بل من قبل خطئهم .
... يقول ابن تيمية رحمه الله تعالى : (( ولهذا كان جمهور ما أنكر على البخاري مما صححه يكون قوله فيه راجحاً على قول من نازعه بخلاف مسلم فإنه نوزع في أحاديث مما خرجها وكان الصواب فيها مع من نازعه ، كما روى في حديث الكسوف أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بثلاث ركوعات وبأربع ركوعات ، والصواب أنه لم يصل إلا بركوعين وكذلك روى مسلم : خلق الله التربة يوم السبت ونازعه فيه من هو أعلم منه يحيى بن معين والبخاري وغيرهما فبينوا أن هذا غلط ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم والحجة مع هؤلاء (1) ثم فصل في ذلك إلخ كلامه رحمه الله .
__________
(1) فتاوى ابن تيمية (1/226) ، وانظر نحوه أيضاً في (17/236) .(1/59)
... أقول : ومن هذا الباب ما يقع للباحث في الصحيح من ألفاظ يجزم أنها خطأ ، فمن ذلك حديث في صحيح مسلم ذاكرني به بعض طلاب العلم من طلابنا وهو حديث القراءة في ركعتي الفجر : (( قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا )) والتي في آل عمران : (( تعالوا إلى كلمة سواء بيينا وبينكم )) هذا الحديث أخرجه مسلم في صحيحه من طريق أبي خالد الأحمر عن عثمان بن حكيم عن سعيد بن يسار عن ابن عباس ، فهذا فيما يظهر خطأ والصواب الرواية الأخرى التي أخرجها مسلم من طريق مروان بن معاوية الفزاري عن عثمان بن حكيم به بلفظ : (( كان يقرأ في ركعتي الفجر في الأولى منهما : (( قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا )) الآية التي في البقرة ، وفي الآخرة منها : (( آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون )) وتابع مروان بن معاوية على هذا اللفظ عيسى ابن يونس عن عثمان بن حكيم ، كما أخرج مسلم رحمه الله (1) . وتابعهما ابن نمير عند أحمد في المسند (1934) .
... فهؤلاء ثلاثة خالفهم أبو خالد الأحمر (سليمان بن حيان) وقد ذكر في ترجمته أنه يخطئ فذكر الآية : (( تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم )) فأخطأ ، والصواب رواية الجماعة وأن الآية هي : (( فلما أحس عيسى منهم الكفر قال من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون )) .
... ولعل أبا خالد الأحمر اشتبه عليه الأمر لأن آية : (( قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء .. آخرها : (( فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون )) فأخطأ فذكر آية بدل الأخرى . والله أعلم .
... فالمقصود أن هذا لا ينقص من قدر الصحيحين فهو قليل ونادر بالنسبة لأحاديثهما ، كما أنه لا ينافي القول إن الأمة تلقتهما بالقبول فإن ذلك مستثنى منه كما ذكر ابن الصلاح، والله أعلم .
المبحث السادس :
__________
(1) صحيح مسلم ، كتاب صلاة المسافر ، باب : استحباب ركعتي سنة الفجر والحث عليها ، ج : 1196 ترقيم العالمية .(1/60)
المسائل المتعلقة بتقوية الحديث بالطرق الأخرى والشواهد :
... وهذا مبحث مهم يضطرب فيه بعض المتأخرين والمعاصرين ، وقد تكلم عليه أهل العلم في كتب المصطلح وفي كتب التخاريج والعلل ، وقد كفانا في هذا الموضوع أحد الباحثين ، فقد جمع في هذا الباب الشيخ الدكتور المرتضى الزين أحمد كتابه (( مناهج المحدثين في تقوية الأحاديث الحسنة والضعيفة )) ط : مكتبة الرشد ، وهو في الأصل رسالة دكتوراه مقدمة للجامعة الإسلامية بالمدينة وهو كتاب جيد جمع فيه مؤلفه ما ورد عن المحدثين المتقدمين والمتأخرين في هذا الباب فأجاد وأفاد جزاه الله خيراً ، وقد أثنى على الكتاب الشيخ المحدث حماد الأنصاري رحمه الله إلا أني هنا سأنبه على نقطتين :
1- أن بعض المتأخرين تساهلوا في تقوية الأحاديث ، فإذا اجتمعت عندهم طرق كثيرة للحديث ولو كانت غير معتبرة - يعني غير صالحة للانجبار - كأن يكون في أسانيدها من هو متروك أو متهم أو هي واهية شديدة الضعف فإنهم يقوون الحديث بذلك فيصححونه أو يحسنونه ، ومن هذا القبيل ما أشرت إليه سابقاً من تصحيح السيوطي لحديث : (( إذا بعثتم بريداً فابعثوا حسن الوجه حسن الاسم )) ، ويقع له من هذا النوع في كتابه اللآلي المصنوعة .
وابن حجر رحمه الله شدد في هذا في النزهة فقال : (( ومتى توبع السيء الحفظ بمعتبر كأن يكون فوقه أو مثله لا دونه .. )) (1) فلاحظ أنه لم ير التقوية بالأدني ونقل الدكتور المرتضى عنه أن الحديث الذي ضعفه ناشيئ عن تهمة أو جهالة إذا كثرت طرق ارتقى عن مرتبة المردود والمنكر الذي لا يجوز العمل به بحال إلى رتبة الضعيف الذي يجوز العمل به في فضائل الأعمال .
__________
(1) نزهة النظر ، ص 51 ، 52 .(1/61)
ونقل عن ابن كثير ، قال : قال الشيخ أبو عمرو : لا يلزم من ورود الحديث من طرق متعددة أن لا يكون حسناً لأن الضعيف يتفاوت ، فمنه ما لا يزول بالمتابعات كرواية الكذابين والمتروكين ، ومنه ضعف يزول بالمتابعة كما إذا كان راويه سيء الحفظ أو روي الحديث مرسلاً فإن المتابعة تنفع حنيئذ ويرفع الحديث عن حضيض الضعف إلى أوج الحسن أو الصحة (1) .
... أقول : وبهذا يتبين خطأ طريقة بعض المتأخرين من التقوية بكثرة الطرق ولو كانت واهية .
2- الحديث إذا تلقته الأمة بالقبول وهو ضعيف هل يقوى عن ضعفه ؟
تعرض الدكتور المرتضى لهذه المسألة ورجح أنه لا يرتفع عن ضعفه (2) .
أقول : والذي عليه جماهير العلماء من السلف والخلف كما ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية أنه يفيد العلم - يعني القطع - وذكر أنه قول أهل الحديث قاطبة ، وقال به الشافعي وابن عبدالبر ، وابن حجر والسيوطي والزركشي ، ولعلي هنا أنقل كلام الشافعي وابن عبدالبر وابن تيمية رحمه الله (ملخصاً) :
أما الشافعي فقال في الرسالة : (( ووجدنا أهل الفتيا ومن حفظنا عنه من أهل العلم بالمغازي لا يختلفون في أن النبي صلى الله عليه وسلم قال عام الفتح : (( لا وصية لوارث ولا يقتل مؤمن بكافر )) ويأثرونه عمن حفظوا عنه العلم ممن لقوا من أهل العلم بالمغازي ، فكان هذا النقل عامة عن عامة وكان أقوى في بعض الأمر من نقل واحد عن واحد ، وكذلك وجدنا أهل العلم عليه مجمعين .
ثم ذكر الشافعي أنه ورد بإسناد لا يثبته أهل الحديث ثم قال : وإنما قبلناه بما وصفت من نقل أهل المغازي وإجماع العامة عليه (3) .
__________
(1) انظر : فصل التقوية بالأدنى من كتاب ((مناهج المحدثين في تقوية الأحاديث الحسنة والضعيفة)) ، ص 92 وما بعدها ،
وانظر النص فيـ : اختصار علوم الحديث مع الباعث الحثيث ، ص 33 .
(2) مناهج المحدثين ، ص 22 .
(3) الرسالة ، ص 139 ، 140 ، ت : أحمد شاكر .(1/62)
أما الإمام الحافظ ابن عبدالبر فقال بعدحديث عمرو بن حزم في الديات وهو كتاب كتبه النبي صلى الله عليه وسلم له ، وقد رواه مالك مرسلاً (1) ، قال ابن عبدالبر رحمه الله : وهو كتاب مشهور عند أهل السير معروف ما فيه عند أهل العلم معرفة يستغنى بشهرتها عن الإسناد لأنه أشبه التواتر في مجيئه لتلقي الناس له بالقبول (2) .
أما ابن تيمية فأطال في تقرير ذلك فألخص ما قاله قال : الخبر إذا تلقته الأمة بالقبول تصديقاً له وعملأً بموجبه أفاد العلم عند جماهير العلماء من السلف والخلف ، وهو الذي ذكره جمهور المنصفين في أصول الفقه كالسرخسي ، وذكر طائفة من الأصوليين ، ثم قال : وهو قول أكثر أهل الكلام وهو مذهب أهل الحديث قاطبة وهو معنى ما ذكره ابن الصلاح في مدخله إلى علوم الحديث ، فذكر ذلك استنباطاً وافق فيه هؤلاء الأئمة ، ثم ذكر من خالف في هذا كالباقلاني والغزالي وابن عقيل قال : وعمدتهم أن خبر الواحد لا يفيد العلم بمجرده ، وأجاب عليهم بقوله : إن إجماع الأئمة معصوم عن الخطأ في الباطن وإجماعهم على تصديق الخبر كإجماعهم على وجوب العمل به ... إلخ كلامه رحمه الله (3) .
__________
(1) موطأ مالك (4/201) بشرح الزرقاني وأخرجه عبدالرزاق في المصنف (4/4) وابن خزيمة (4/19) مرسلاً ، ورواه
موصولاً النسائي في السنن (8/57) وغيره من طريق سليمان بن داود عن الزهري عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن
حزم عن أبيه عن جده . وسليمان بن داود المذكور هنا وهم أنها هو سليمان بن أرقم كما رجحه المحققون من
أهل العلم ، وسليمان بن أرقم ضعيف فلا يصح الحديث موصولاً كما قال أبو داود وغيره . انظر : التلخيص الحبير
(4/18) ، وميزان الاعتدال (3/287) ، ونيل الأوطار (7/163) .
(2) التمهيد (17/338) .
(3) انظر : فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (18/40) فما بعدها ، ونقله عنه تلميذه ابن القيم في الصواعق المرسلة ، ص
481 .(1/63)
ونقل الحافظ بن حجر رحمه الله كلام ابن تيمية وأيده بنقول نقلها عن طائفة من أهل العلم في كتابه النكت على كتاب ابن الصلاح (1) .
هذا ما تيسر لي جمعه في هذا الموضوع ، وأسأل الله التوفيق والسداد .
الخاتمة
... وأختم هذا البحث بعدة وصايا لطلاب العلم :
أولأً :
العناية بكتب أهل العلم المتقدمين قراءة واستنباطاً وتقعيداً ، ككتب الإمام أحمد والبخاري وعلي ن المديني وابن معين وأبو حاتم وأبو زرعة وغيرهم من أهل الحديث .
ثانياً :
... العناية بقراءة كتب المتأخرين الذين ساروا على طريقة المتقدمين واستفادوا من أقوالهم وطرائقهم كالحافظ الذهبي في كتابه الموقظة وابن رجب في شرحه لعلل الترمذي وكتابه فتح الباري ، وغيرهم .
ثالثاً :
... الربط بين كلام المتقدمين النظري وتطبيقهم العملي – يعنى النظر في قواعدهم وألفاظهم في الرواة والأحاديث ومقارنة ذلك بأحكامهم على الأحاديث وبيان درجتها - فإذا وجد الباحث مثلاً حديثاً ضعفه الإمام أحمد فليراجع أقوال الإمام في رواة سند هذا الحديث ، وكذا إذا صححه .
... فبهذا يستطيع التعرف على طريقتهم ويسلم من الإشكالات التي وقع فيها بعض المتأخرين كمن قرأ تصريح بعض المتقدمين بأن زيادة الثقة مقبولة فصحح كل زيادة وهذا خطأ .
... فإطلاقات بعض المتقدمين قد تحمل على وجوه أو وجه يتبين لمن مارس كلامهم وخبر طريقتهم وعرف أحكامهم .
رابعاً :
... عدم التعجل في الحكم على الأحاديث تصحيحاً أو تضعيفاً ، فهذا مزلق خطير ، بل لا بد من التأني والنظر في كلام أهل العلم الكبار من المتقدمين وتعليلاتهم . فكم نجد الآن من بعض طلاب العلم من يصحح حديثاً قال فيه المتقدمون : لا يصح بوجه أو لا يصح في هذا الباب شيء .
خامساً :
__________
(1) النكت على كتاب ابن الصلاح (1/374) .(1/64)
... الحذر من تصحيحات بعض المتأخرين المتساهلين ، بل ينبغي الفحص والبحث والرجوع إلى المصادر وكلام أهل العلم للتوثق من ذلك ، كذلك الحذر من تضعيف بعض المتشددين للأحاديث الصحيحة التي صححها الأئمة الكبار وقبلوها ، ولا أزعم أنهم لا يخطئون ، بل الخطأ إلى من بعدهم أقرب .
سادساً :
... أقترح أن تكون لجان للاستفادة من الدراسات العلمية الحديثة كرسائل الماجستير والدكتوراه وغيرها من المؤلفات المحققة من كتب العلماء لوضع مناهج دقيقة وموثقة لمواد علوم الحديث والتخريج ودراسة الأسانيد ومناهج المحدثين لتدرس في الجامعات والأقسام الشرعية .
سابعاً :
... كما أقترح أن تتوجه مراكز البحوث والدراسات الشرعية لخدمة كتب المتقدمين في السنة وعلوم الحديث وتشجيع البحوث في هذا الباب .
... هذا وأسأل الله العلي القدير أن ينفعني بما علمني وأن يجعله حجة لي ، وأن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل وأن يسدد أقوالنا وأفعالنا إنه سميع مجيب .
وصلى الله وسلم على
نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين
والحمد لله رب العالمين
كتبه
د. عبدالرحمن عبدالكريم الزيد
فهرس المصادر
إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل للشيخ محمد ناصر الدين الألباني ، المكتب الإسلامي ، بيروت ، الثانية 1405هـ .
الاقتراح في بيان الاصطلاح ، تحقيق : عامر صبري ، ط : دار البشائر .
الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث لابن كثير ، تحقيق : أحمد شاكر ، ط : مكتبة التراث . الثانية .
التاريخ الكبير للإمام محمد بن إسماعيل البخاري ، علق عليه عبدالرحمن المعلمي ، مصورة عن طبعة حيدر أباد ، مؤسسة الكتب الثقافية ، بيروت 1407هـ
تدريب الراوي شرح تقريب النووي للحافظ السيوطي ، تعليق : عبدالوهاب عبداللطيف ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، الثانية ، 1399هـ .
التدليس في الحديث ، د. مسفر غزم الله الدميني ، ط : الرياض ، الأولى 1420هـ .(1/65)
تذكرة الحفاظ للإمام الذهبي ، تصحيح : عبدالرحمن المعلمي ، دار إحياؤ التراث ، بيروت .
تعريف أهل التقديس بمراتب الموصوفين بالتدليس ، تحقيق د. أحمد المباركي . الأولى 1413هـ .
تقريب التهذيب للحافظ ابن حجر ، تحقيق : محمد عوامة ، ط : دار الرشيد ، الثانية 1408هـ .
التقييد والإيضاح للحافظ العراقي ، تحقيق : محمد شاهين ، ط : دار الكتب العلمية ،بيروت 1417هـ .
تنقيح الأفكار للصنعاني ، تحقيق : أبو عبدالرحمن صلاح محمد ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، الأولى 1417هـ
تهذيب التهذيب للحافظ ابن حجر ، تحقيق : إبراهيم الزيبق وعادل مرشد ، ط : الرسالة ، الأولى 1416هـ
الثقات للإمام ابن حبان البشر ، ط : دائرة المعارف العثمانية ، حيدر آباد ، الهند 13930هـ .
جامع التحصيل في أحكام المراسيل للحافظ صلاح الدين العلائي ، تحقيق : حمدي السلفي ، ط : إحياء التراث الإسلامي ، وزارة الأوقاف ، بغداد ، الأولى 1398هـ
الجامع الصحيح للإمام مسلم بن الحجاج ، تحقيق محمد فؤاد عبدالباقي ، دار إحياء التراث ، بيروت .
الجامع الصحيح مع شرح فتح الباري للإمام البخاري ، ط : الدار السلفية ، بتعليق سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز
الجرح والتعديل ، عبدالرحمن بن أبي حاتم الرازي ، ط : دائرة المعارف العثمانية ، حيدر أباد ، الهند .
الجرح والتعديل ، عبدالرحمن بن أبي حاتم الرازي ، مصورة عن طبعةحيدرأباد ، دار الكتب العلمية ، بيروت .
الرسالة للإمام محمد بن إدريس الشافعي ، تحقيق أحمد شاكر ، ط : المكتبة العلمية ، بيروت .
زاد المعاد في هدي خير العباد ،للحافظ شمس الدين ابن القيم ، تحقيق : شعيب الأرناؤوط ، ط : مؤسسة الرسالة ، الثالثة ، 1402هـ .
سؤالات أبي داود للإمام سليمان بن الأشعث السجستاني ، تحقيق : زياد منصور ، ط : مكتبة العلوم والحكم ، الثانية 1423هـ .
سلسلة الأحاديث الصحيحة ، تأليف : محمد ناصر الدين الألباني ، ط : المكتب الإسلامي .(1/66)
السنة لأبي داود ، سليمان بن الأشعث السجستاني ، اعتنى به محمد محي الدين . دار إحياء التراث ، بيروت .
السنن الأبين في المحاكمة بين الإمامين البخاري ومسلم في السند المعنعن لابن رشيد الفهري ، تحقيق محمد الحبيب بن الخوجة.، الدار التونسية للنشر ، تونس 1387هـ .
السنن الكبرى للإمام أحمد بن شعيب النسائي ، تحقيق : عبدالغفار البنداري وسعيد كسروي ، ط : دار الكتب العلمية ، بيروت 1411هـ
صيانة صحيح مسلم من الإخلال والغلط ، لابي عمرو بن الصلاح ، تحقيق : موفق عبدالله ، ط : دار الغرب ، الأولى 1409هـ .
الضعفاء والمتروكون للعقيلي محمد بن عمرو ، تحقيق : عبدالمعطي قلعجي ، ط : دار الكتب العلمية ، بيروت ، الأولى 1406هـ
ضوابط تصحيح الإمام مسلم في صحيحه لمرويات أبي الزبير المكي بالعنعنة عن جابر .
رسالة ماجستير ، إعداد : خالد بن عبدالله العيد ، كلية التربية ، جامعة الملك سعود 1418هـ .
الطبقات الكبرى ، محمد بن سعد ، دار إحياء ، بيروت .
العلل لابن أبي حاتم الرازي ، ط : دار السلام ، حلب ، الأولى .
العلل للإمام الترمذي ، مطبوع مع السنن ، تحقيق : أحمد شاكر .ط:مصطفى الحلبي
فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ، جمع الشيخ محمد قاسم من شريط كمبيوتر ، إعداد مركز التراث للحاسب الآلي 1420هـ الإصدار الأول ، الأردن .
فتح المغيث بشرح ألفية الحديث للحافظ محمد بن عبدالرحمن السخاوي ، تحقيق : علي حسين علي ، ط : دار الإمام الطبري ، الثانية 1412هـ .
فضائل القرآن الكريم للإمام ابن كثير ، مطبوع مع تفسير ابن كثير ، ط : دار الفكر .
فضل علم السلف على علم الخلف للحافظ ابن رجب الحنفي ، تحقيق : يحيى غزاوي ، ط : بيروت .
فوائد حديثية لابن القيم ، تحقيق : مشهور آل سلمان وإياد القيسي ، ط : دار ابن الجوزي ، الأولى 1406هـ الرياض .
فيض القدير شرح الجامع الصغير ، محمد عبدالرؤون المناوي ، دار المعرفة ، الثانية 1391هـ(1/67)
الكامل في ضعفاء الرجال للحافظ أبو أحمد عبدالله بن عدي الجرجاني ، ط : دار الفكر ، بيروت .
الكفاية للخطيب البغدادي ، تحقيق : أحمد عمر هاشم ، دار الكتاب العربي ،بيروت ، الأولى 1405هـ .
اللآلي المصنوعة في الأحاديث الموضوعة للحافظ السيوطي . دار الكتاب العربي ، بيروت
المجروحين لابن حبان البستي ، تحقيق : محمود إبراهيم ، ط : دار الباز مكة .
مجمع الزوائد للهيثمي نور الدين الهيثمي ، دار الكتاب العربي ، بيروت 1420هـ .
المراسيل لابن أبي حاتم ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، الأولى 1403هـ .
المرسل الخفي وعلاقته بالتدليس ، تأليف : الشريف حاتم العوني ، ط : دار الهجرة ، الرياض . الأولى 1418هـ
المستدرك للإمام ابن عبدالله الحاكم ، مصور من الطبعة الهندية ، مكتبة المعارف ، الرياض .
مسند الإمام أحمد ، تحقيق : شعيب الأرناؤوط وأخرون ، ط : الرسالة .
مسند الطيالسي لابي داود الطيالسي ، مصورة من طبعة حيدر آباد ، دار الكتاب اللبناني ، بيروت .
معرفة علوم الحديث للحافظ أبي عبدالله الحاكم النيسابوري ، تصحيح : معظم حسن ، ط : المكتبة العلمية ، المدينة 1397هـ
مقاييس نقد متون السنة ، د. مسفر عزم الله الدميني ، الرياض ، الأولى 1404هـ .
مقدمة ابن الصلاح مع التقييد والإيضاح للحافظ بن الصلاح .تحقيق محمد شاهين ط:دارالكنب العلمية
المنار المنيف للحافظ ابن القيم مكتب المطبوعات الإسلامية بحلب 1414هـ
مناهج المتقدمين في التدليس ، ناصر الفهد ، ط : أضواء السلف . الأولى 1422هـ .
مناهج المحدثين في تقوية الأحاديث الحسنة والضعيفة ، تأليف د. المرتضى الزين أحمد ، ط : مكتبة الرشد ، الرياض الأولى 1415هـ .
المنهل الروي لبدر الدين محمد بن إبراهيم بن جماعة ، تحقيق : د. محي الدين رمضان ، دار الفكر ، دمشق 1406هـ .
الموقظة للحافظ الذهبي ، تحقيق : د. عبدالفتاح أبو غدة ، مكتب المطبوعات ، حلب 1405هـ .(1/68)
موقف الإمامين البخاري ومسلم من اشتراط اللقيا والسماع في السند المعنعن بين المتعاصرين . المؤلف : خالد بن منصور الدريس ، ط : مكتبة الرشد ، الرياض ، الأولى 1417هـ .
ميزان الاعتدال للحافظ الذهبي ، تحقيق : علي البجاري ، دار المعرفة ، بيروت .
نزهة النظر شرح نخبة الفكر للحافظ ابن حجر ، ط : مكتبة الخافقين 1400هـ .
النكت علىكتاب ابن الصلاح للحافظ ابن حجر العسقلاني ، تحقيق : ربيع هادي ، ط : دار الراية . الثانية 1408هـ .
هدي الساري مقدمة فتح الباري ، للحافظ ابن حجر ، ط : المكتبة السلفية .
فهرس الموضوعات
العنوان الصفحة
المقدمة............................................................................... 1
تمهيد( المقصود بالقدماء)....................................................... 4
سعة حفظهم ....................................................................... 7
كثرة ممارستهم للحديث.............................................................. 8
قربهم من الرواة....................................................................... 9
جمعهم الطرق...................................................................... 10
مدخل(شروط الاحنجاج بالحديث) ................................................. 11
المبحث الأول:مناهج المتقدمين فيما يتعلق بالعدالة (رواية المجهول)..................... 13
رواية الثقة أو الثقات عن الراوي .................................................... 18
رواية المبتدع ....................................................................... 22
المبحث الثاني:المسائل المتعلقة بالضبط ................................................ 24
المبحث الثالث:المسائل المتعلقة باتصال السند .......................... 28(1/69)
المرسل........................................................... 31
المدلس .......................................................... 34
المبحث الرابع:المسائل المتعلقة بالشذوذ .............................. 39
بين الشاذ والمنكر................................................. 40
التفرد والشذوذ والنكارة .......................................... 41
زيادة الثقة ...................................................... 46
المبحث الخامس:المسائل المتعلقة بالعلّة .............................. 48
المبحث السادس :المسائل المتعلقة بتقوية الحديث..................... 55(1/70)