من ضوابط فهم السنة النبوية :جمع الروايات في الموضوع الواحد وفقهها.
أحمد بن محمد فكير -كلية الآداب - أكادير.
خطة البحث:
1- مقدمة:
2- جهود المحدثين في فهم السنة النبوية:
أ-علم مختلف الحديث.
ب-علم ناسخ الحديث ومنسوخه.
ج-علم أسباب ورود الحديث.
د-علم غريب الحديث.
3- قاعدة جمع الروايات في الموضوع الواحد:
أ)عند المحدثين:
ب)عند الفقهاء:
ج)عند الأصوليين:
4- أمثلة لتطبيقات هذه القاعدة:
1- ما جاء مطلقا في بعض الأحاديث وقيدته أحاديث أخر (أحاديث إسبال الإزار).
2- ما جاء مجملا في بعض الأحاديث وبينته أحاديث أخر (أحاديث ذم الزراعة).
3- ما جاء عاما في بعض الأحاديث وبينت أحاديث أخر أنه ليس على عمومه:
أ) الأحاديث التي توهم أن آخر الزمان على العموم يكون شرا من أوله:
ب) أحاديث النهي عن نعي الميت:
4-ما جاء مشكلا في بعض الأحاديث وبينته أحاديث أخر:
أ) أحاديث ترك الصلاة:
ب) الأحاديث التي تفيد بقطع المرأة والحمار والكلب للصلاة:
5-ما جاء يفيد الحصر في بعض الأحاديث، وبينت أحاديث أخر أنه ليس بمراد: (أحاديث جمع القرآن).
6-ما جاء النهي عاما في بعض الأحاديث وبينت أحاديث أخر أنه وارد لعلة مخصوصة: (أحاديث النهي عن التكني بكنيته صلى الله عليه وسلم).
5- فوائد جمع الروايات في الموضوع الواحد :
أ/ معرفة سبب ورود الحديث.
ب/ التعليل، أو معرفة العلة التي سيق لها الحديث.
ج/ دفع توهم الحصر.
د/ معرفة المبهم .
هـ/ معرفة المقلوب.
و/ معرفة زيادة الثقة التي تفيد حكما زائدا على باقي الروايات.
6- خاتمة.
1-مقدمة:(1/1)
تعرضت السنة قديما وحديثا لعدة هجومات وزوابع كانت تتخذ صورا وأشكالا مختلفة، تارة باختلاق الأحاديث ونسبتها إلى النبي صلى الله عليه وسلم لأهداف معينة وتارة بالطعن في حجية السنة النبوية بدعوى الاكتفاء بالقرآن الكريم أو بدعوى التناقض والتضاد الحاصل بين الأحاديث وتارة بالطعن في رواتها وغمزهم بكثرة الرواية على حساب الفهم أو بإنكار عدالتهم بل وصحبتهم، أو باتهامهم بالمداهنة واختلاق الأحاديث لإرضاء الحكام!
ولما كان الله عز وجل قد وعد بحفظ كتابه الكريم ، ولما كانت السنة النبوية تقوم من القرآن الكريم مقام المبين للمبين، فإنه جل وعلا قيض في كل عصر من يذب عن عرين السنة ويحمي بيضتها وينفي عنها تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين1.
وفي هذا العصر واجهت السنةُ النبوية مشكلتين:
أولاهما : الطعن في حجية السنة بدعوى تأخر تدوينها،أو غمز رواتها ،أو بدعوى معارضة القرآن الكريم ،أو بدعوى الاكتفاء بما جاء في القرآن الكريم.. أو ما إلى ذلك من الدعاوى المتهافتة.
والثانية: سوء فهم السنة، لا أقول من طرف خصوم الإسلام فحسب، بل وأيضا من طرف قطاع عريض من أبناء الأمة الإسلامية الذين لم يتسلحوا بما يكفي من العلم للكلام في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ،وقد يقع الواحد منهم على الحديث الواحد أو الحديثين في ديوان من دواوين السنة ويبني عليه حكما،ويطلع على الناس في جرأة لا يحسد عليها: هذا حرام، وهذا لا يجوز في دين الله عز وجل..فيضيق على الناس واسعا، ويجعل في الدين حرجا، ويثير بلبلة وفوضى ما أغنى المسلمين عنها.وقد يكون الحديث الذي اعتمده منسوخا ،أو مؤولا، أو معلا ،أو عاما وله مخصص، أو مطلقا وله مقيد ،أو واردا على سبب خاص.. أو ما إلى ذلك من الاعتبارات، التي أصل لها علماء الإسلام رحمهم الله تعالى لحسن فهم السنة النبوية، ودرءا لما قد يظهر فيها من تضاد وتعارض.(1/2)
وبعض هؤلاء أعرض عن مذاهب الفقهاء وألقاها وراءه ظهريا،بدعوى الاكتفاء بما نص عليه الحديث، وما درى أن الحديث والفقه صنوان متلازمان، لا يستغني أحدهما عن الآخر ، فلا سنة بغير فقه، كما أنه لا فقه بغير سنة.ومثل هؤلاء، أولئك الذين نادوا بالإعراض عن أقوال المفسرين بدعوى أنها فهوم بشرية ،وقالوا ننظر في القرآن مباشرة، فضلوا وأضلوا.
وفي خضم هذا الاضطراب الناتج عن سوء فهم السنة النبوية برزت أصوات غيورة تدعو إلى إعادة النظر في السنة النبوية ، وتغليب جانب الدراية على جانب الرواية ، ومن بين تلك الأصوات البارزة كان المعهد العالمي للفكر الإسلامي ، الذي يعتبر قضية فهم السنة النبوية، ومنهج دراستها من أهم القضايا الفكرية التي يجب الاهتمام بها،وإنجاز بحوث جادة بشأنها،وتحقيقا لهذا المقصد استكتب المعهد كبار العلماء مثل الشيخ محمد الغزالي و الدكتور يوسف القرضاوي.كما قام المعهد لنفس الغرض بعقد ندوة دولية تحت عنوان (السنة النبوية: منهجها في بناء المعرفة والحضارة)، وذلك في عمان بالأردن سنة 1409هـ -1989 م، وكان من أهم ما نوقش فيها كتابا الشيخ محمد الغزالي و الدكتور يوسف القرضاوي2.(1/3)
وقد أثار كتاب الشيخ محمد الغزالي (السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث )ضجة كبرى ،بسبب ما ضمنه من آراء واجتهادات قد يوافق على بعضها وقد لا يوافق على البعض الآخر، لكن مراده أن يبين ضرورة اعتماد القرآن الكريم في فهم السنة النبوية ،وأن لا سنة بغير فقه، وأن أحدهما لا يستغني عن الآخر وأنه ليس من العلم في شيء إصدار حكم في مسألة ما اعتمادا على حديث أو حديثين وغض الطرف عن الأحاديث الأخرى في الموضوع، يقول في ذلك: (والفقهاء المحققون إذا أرادوا بحث قضية ما ، جمعوا كل ما جاء في شأنها من الكتاب والسنة، وحاكموا المظنون إلى المقطوع، وأحسنوا التنسيق بين شتى الأدلة. أما اختطاف الحكم من حديث عابر والإعراض عما ورد في الموضوع من آثار أخرى فليس عمل العلماء.وقد كان الفقهاء على امتداد تاريخنا العلمي هم القادة الموثقين للأمة الذين أسلمت لهم زمامها عن رضا وطمأنينة ، وقنع أهل الحديث بتقديم ما يتناقلون من آثار كما تقدم مواد البناء للمهندس الذي يبني الدار ويرفع الشرفات. والواقع أن كلا الفريقين يحتاج إلى الآخر ، فلا فقه بلا سنة ولا سنة بلا فقه، وعظمة الإسلام تتم بهذا التعاون)3.(1/4)
وبعد ذلك كتب الدكتور يوسف القرضاوي كتابه ( كيف نتعامل مع السنة النبوية، معالم وضوابط)4 ذكر فيه ثمانية ضوابط من شأنها أن تعين المسلم على فهم السنة النبوية فهما صحيحا،وجاء كتابه أدق في منهجه من كتاب شيخه الغزالي.وضمن تلك الضوابط التي ذكرها الضابط الثاني - وهو الذي يعنينا في هذا البحث-وهو جمع الأحاديث الواردة في الموضوع الواحد (بحيث يرد متشابهها إلى محكمها، ويحمل مطلقها على مقيدها، ويفسر عامها بخاصها. وبذلك يتضح المعنى المراد منها، ولا يضرب بعضها ببعض)5.ولأن (الاكتفاء بظاهر حديث واحد دون النظر في سائر الأحاديث كثيرا ما يوقع في الخطأ ويبعد عن جادة الصواب وعن المقصود الذي سيق له الحديث)6. ومثل لذلك بالأحاديث الواردة في إسبال الإزار والأحاديث الواردة في الزراعة.
2-جهود المحدثين في فهم السنة النبوية:
لم تقتصر جهود المحدثين على توثيق المرويات وبيان حال الرواة جرحا وتعديلا بل بذلوا أيضا جهودا كبيرة في فهم هذه المرويات ،ودرء ما قد يكون بينها من تعارض بالجمع بينها ما أمكن أو الترجيح بينها بأحد المرجحات أو القول بالنسخ إن علم التاريخ.
وتبرز هاهنا علوم أربعة معينة على هذا الفهم، هي:
أ- علم مختلف الحديث :وهو علم يبحث عن الأحاديث التي ظاهرها التعارض من حيث إمكان الجمع بينها، إما بحمل المطلق على المقيد، أو بتخصيص العام..أو غير ذلك من أوجه الجمع، أو الترجيح بينهما إذا تعذر الجمع .ويسمى أيضا علم تلفيق الحديث أو علم مشكل الحديث.قال السيوطي: (هذا فن من أهم الأنواع ويضطر إلى معرفته جميع العلماء من الطوائف وهو أن يأتي حديثان متضادان في المعنى ظاهرا فيوفق بينهما أو يرجح أحدهما فيعمل به دون الآخر،وإنما يكمل له الأئمة الجامعون بين الحديث والفقه والأصوليون الغواصون على المعاني الدقيقة)7.وللعلماء فيه مصنفات من أشهرها: (تأويل مختلف الحديث) لابن قتيبة (ت276هـ) و(مشكل الآثار) للطحاوي (ت321هـ).(1/5)
ب- علم ناسخ الحديث ومنسوخه:وهو علم يبحث عن الأحاديث المتعارضة التي لا يمكن التوفيق بينها فيحكم على المتقدم منها بأنه منسوخ وعلى المتأخر منها بأنه ناسخ.وهو فن صعب ،روي عن الزهري أنه قال : (أعيا الفقهاء وأعجزهم أن يعرفوا ناسخ الحديث من منسوخه)8. ويعرف النسخ بتصريح رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو بقول الصحابي، أو بمعرفة التاريخ، أو بدلالة الإجماع.ومن المصنفات في هذا العلم كتاب (الاعتبار في بيان الناسخ والمنسوخ من الآثار )لمحمد بن موسى الحازمي (ت 584هـ).
ج- علم أسباب ورود الحديث:وهو علم يهتم بتتبع الأسباب التي من أجلها ورد الحديث ،والأحوال والقرائن التي احتفت بذلك ، وقد يرد ذلك في الحديث نفسه، وقد يرد في بعض طرقه .ومن المصنفات فيه (البيان والتعريف في أسباب ورود الحديث الشريف) لابن حمزة الحسيني (ت 1110هـ).
د- علم غريب الحديث: وهو علم يهتم بشرح الألفاظ الغريبة الواقعة في متون الأحاديث.وبدهي أن فهم الألفاظ الغريبة الواقعة في الحديث شرط ضروري لفهمه. ومن أهم المصنفات فيه: غريب الحديث لأبي عبيد القاسم بن سلام (ت223هـ)، والنهاية في غريب الحديث لابن الأثير الجزري (ت 606هـ).
3-جمع الروايات في الموضوع الواحد:
هذه القاعدة -كما تقدم- هي أحد الضوابط المعينة على فهم السنة النبوية فهما صحيحا،فلا يكفي لاستنباط حكم أو إصدار فتوى الاعتماد على حديث واحد حتى ولو كان صحيحا أو حديثين، وإغفال النظر في مجموع الأحاديث الأخرى، بل تنظر جميع الأحاديث الواردة في معناه.(1/6)
وإذا كان القرآن الكريم يفسر بعضه بعضا، ويحمل بعضه على بعض حتى يصح إدراك معانيه ، ويحسن فهم مراميه9 ، فكذلك الحديث النبوي ، بل الأمر فيه أولى وآكد، لكثرة طرقه، واختلاف رواياته.وهذا المعنى هو الذي عبر عنه الإمام أحمد بقوله: (الحديث إذا لم تجمع طرقه لم تفهمه ، والحديث يفسر بعضه بعضا)10. فرب لفظة مشكلة في حديث ترد مفسرة في حديث آخر، ورب اسم مبهم في حديث يرد مصرحا به في حديث آخر،وقد يكون اللفظ عاما في حديث، وله مخصص في حديث آخر، أو مطلقا وله مقيد.. أو ما إلى ذلك. وهذا الفقه لا يتأتى إلا بجمع روايات الحديث الواحد وإعمال النظر فيها.ولهذا الاعتبار منع بعض أهل العلم من المتأخرين الرجل يكون عنده الصحيحان أو أحدهما أو كتاب من كتب السنة فيفتي بما يقف عليه من الحديث ، لأنه قد يكون منسوخا أوله معارض ،أو يفهم من دلالته خلاف ما يدل عليه، أو يكون أمر ندب فيفهم منه الإيجاب ، أو يكون عاما له مخصص، أو مطلقا له مقيد..وجوزت ذلك طائفة..،وتوسط ابن القيم في ذلك فقال: (والصواب في هذه المسألة التفصيل ، فإن كانت دلالة الحديث ظاهرة بينة لكل من سمعه ، لا يحتمل غير المراد ، فله أن يعمل به ويفتي به..وإن كانت دلالته خفية لا يتبين المراد منها لم يجز أن يعمل و لايفتي بما يتوهمه مرادا حتى يسأل ويطلب بيان الحديث ووجهه)11.
والناظر في صنيع عدد من علماء الأمة يجده جاريا على هذا المهيع في النظر الكلي إلى الأحاديث بدل النظر الجزئي الذي غالبا ما تزل فيه الأقدام وتطيش الأفهام،ومؤلفاتهم في الحديث والفقه والأصول طافحة بأمثلة كثيرة في هذا الباب:
أ) عند المحدثين:(1/7)
معلوم أن أحد مناهج التصنيف عند المحدثين هو التصنيف على الأبواب الفقهية، أي جمع الأحاديث الواردة في باب معين كالطهارة مثلا أو الإيمان،كما هو الحال مع أصحاب الكتب الستة وغيرهم.ويبدو هذا المنهج جليا عند الإمام مسلم في صحيحه، حيث يجمع في الباب الأحاديث المتعلقة به على اختلاف ألفاظها وطرقها.ومن شأن هذا التصنيف الموضوعي أن يعين الفقيه على حسن فهم الحديث ، والسداد في استنباط الحكم.بخلاف صنيع البخاري مثلا، فإنه يعسر معه ذلك.ولهذا فضل المغاربة صحيح مسلم،لحسن ترتيبه، وسهولة تناوله.(1/8)
وابن حبان أيضا سلك في ترتيب صحيحه هذا المسلك ، بحيث يجمع في الباب الروايات الواردة في الموضوع الواحد،ويحاول درء التعارض الحاصل بينها،أو التضاد والتهاتر كما يعبر عن ذلك أحيانا، وذلك واضح في تراجمه حيث يسوق الحديث ثم يسوق عقبه حديثا آخر أو عدة أحاديث تقيد مطلقه أو تخصص عامه .. ويعتبر أن التعارض الذي يتوهمه البعض بين الأحاديث ناشئ عن عدم إحكام صنعة الحديث. ومن الأمثلة لذلك الأحاديث التي أوردها في كتاب الحظر والإباحة باب الأسماء والكنى ، ذكر فيه حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( تسموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي) ثم قال: ذكر العلة التي من أجلها زجر عن هذا الفعل وذكر فيه حديث أنس بن مالك (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قائما بالبقيع فنادى رجل آخر: يا أبا القاسم فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: لم أعنك يا رسول الله ،إنما دعوت فلانا فقال النبي صلى الله عليه وسلم تسموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي )، ثم قال بعده : ذكر البيان بأن القصد في هذا الزجر إنما هو الجمع بينهما ، وذكر فيه حديث أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( لا تجمعوا بين اسمي وكنيتي ) ثم قال : ذكر البيان بأن هذا الفعل إنما زجر عنه إذا جمع بينهما في إنسان لا انفراد كل واحد منهما، وساق فيه حديث أبى هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أنه نهي أن يجمع أحد اسمه وكنيته فيسمى محمدا وأبا القاسم ) ثم قال: ذكر خبر ثان يصرح بأن هذا الزجر وقع على الجمع بينهما في شخص واحد لا انفراد كل واحد منهما فيه ، وذكر فيه حديث جابر قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا كنيتم فلا تسموا بي وإذا سميتم بي فلا تكنوا بي) ثم قال : ذكر خبر ثالث يصرح بما ذكرناه وذكر فيه حديث أبى هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا تجمعوا بين اسمي وكنيتي ، أنا أبو القاسم ، الله يعطي وأنا أقسم) .(1/9)
فتبين من هذا الصنيع ،أن النهي عن التسمي باسمه والتكني بكنيته صلى الله عليه وسلم وارد لعلة خاصة لئلا يشتبه النبي صلى الله عليه وسلم بغيره،وأن الزجر متجه إلى من جمع في شخصه بين اسمه وكنيته صلى الله عليه وسلم، لا بانفراد كل واحد منهما فيه.ومثل هذا الفقه لا يتأتى إلا بجمع الروايات الواردة في الموضوع،ومقابلة بعضها ببعض، ويتعذر بغير ذلك. ولأهمية هذا المسلك أدرجه الحاكم ضمن علوم الحديث فقال في النوع الخمسين من كتابه (معرفة علوم الحديث): ( هذا النوع من هذه العلوم جمع الأبواب التي يجمعها أصحاب الحديث، وطلب الفائت منها والمذاكرة بها).
كما أن أحد مناهج التصنيف عند المحدثين،ما اصطلحوا عليه بالأجزاء، و(الجزء عندهم تأليف الأحاديث المروية عن رجل واحد من الصحابة أو من بعدهم وقد يختارون من المطالب المذكورة في صفة الجامع مطلبا جزئيا يصنفون فيه مبسوطا وفوائد حديثية أيضا)12.وهذا المسلك في إفراد موضوع ما بجزء حديثي ،لاشك يفيد الفقيه في تتبع روايات الحديث،وما اختلفت فيه بالزيادة والنقص،وما بينها من توافق أو تعارض،وما قد يكون في بعضها من أسباب تبين العلة التي من أجلها ورد الحديث، وهل هو عام يراد به العموم،أم وارد على حالة خاصة،أو ما يسميه الفقهاء (قضية عين لا عموم لها)..إلى غيرها من الفوائد والقواعد التي لا تتأتى إلا بجمع مختلف الروايات، وإعمال النظر فيها.
وقريب من هذا،محاولات ثلة من الباحثين المعاصرين جمع مرويات السيرة النبوية من مختلف مصادرها،والتنسيق بينها،مما يعين على الاقتراب من الصورة الحقيقية للحدث التاريخي على عهد النبوة،ويعين أيضا على فقه السيرة النبوية فقها صحيحا،وحل بعض الإشكالات التي تنشأ من اعتماد بعض الروايات والغفلة عن روايات أخرى في الموضوع.(1/10)
ولعل أبرز أنواع علوم الحديث التي يظهر فيها هذا المنهج، ما يسمى بالاعتبار، وهو عبارة عن الهيئة الموصلة إلى معرفة المتابعة والشاهد، أي تتبع الحديث برواياته وطرقه المختلفة في دواوين السنة من جوامع ومسانيد وأجزاء، لينظر هل ثمة حديث آخر متابع له في الإسناد، أو شاهد لمعناه13.وقد اعتمد المحدثون هذا المنهج على مستويين:
أولا: على مستوى الحكم على الحديث صحة وضعفا،وما يتفرع عن ذلك من تقسيمات من مثل المتواتر، والصحيح لغيره، والحسن لغيره، ومعرفة الشاذ ،والمضطرب ،.. وما إلى ذلك.
ثانيا: على مستوى فقه الحديث، كمعرفة زيادة الثقة التي قد تفيد حكما زائدا على ما في سائر الروايات، وكبيان لفظ غريب أو اسم مبهم مما يتوقف عليه فهم الحديث، أو معرفة سبب ورود الحديث.. إلى غيرها من الفوائد، التي لا تتأتى إلا بالنظر في مجموع الروايات.
ب) عند الفقهاء:
وعلى هذا المنهج الكلي في النظر إلى الأحاديث سار فقهاء المحدثين ، وبنوا آراءهم وترجيحاتهم وردودهم الفقهية،كابن عبد البر في التمهيد ،وابن القيم في زاد المعاد ،وابن حجر في فتح الباري ، الذي قطع شوطا كبيرا في ذلك،وتقصى روايات الحديث الواحد في دواوين السنة على اختلاف أنواعها،وبنى على ذلك أحكاما واستنبط فوائد مهمة، لولا أنه شان صنيعه هذا باعتماد روايات ضعيفة في بعض الأحيان14، ولو تركها لكان أولى.ومنه استمد كثير من الشراح، وساروا على نهجه خاصة الشوكاني في نيل الأطار والصنعاني في سبل السلام.(1/11)
وممن أشار إلى هذه القاعدة من فقهاء المحدثين : ابن دقيق العيد ،وذلك في سياق كلامه عن حديث المسيء صلاته ، قال: (تكرر من الفقهاء الاستدلال على وجوب ما ذكر في هذا الحديث ، وعدم وجوب ما لم يذكر فيه ... إلا أن على طالب التحقيق ثلاث وظائف: أحدها أن يجمع طرق الحديث ويحصي الأمور المذكورة فيه ويأخذ بالزائد فالزائد فإن الأخذ بالزائد واجب ...)15.وعقب الشوكاني بقوله: (والوظائف التي أرشد إليها قد امتثلنا رسمه فيها،فجمعنا من طرق هذا الحديث في هذا الشرح عند الكلام على مفرداته ما تدعو الحاجة إليه وتظهر للاختلاف في ألفاظه مزيد فائدة وعملنا بالزائد فالزائد من ألفاظه)16.(1/12)
وإن من مزايا هذا المنهج بالنسبة للفقيه الوقوف على المقصد الشرعي للحكم،الذي قد لا يتأتى إلا بتتبع روايات الحديث،يقول الشيخ الطاهر بن عاشور في ذلك: (وعلى الفقيه أن يجيد النظر في الآثار التي يتراءى منها أحكام خفيت عللها ومقاصدها ويمحص أمرها فإن لم يجد لها محملا من المقصد الشرعي نظر في مختلف الروايات لعله أن يظفر بمسلك الوهم الذي دخل على بعض الرواة فأبرز مرويه في صورة تؤذن بأن حكمه مسلوب الحكمة والمقصد)17.ومثل لذلك بحديث رافع بن خديج أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن المحاقلة أي كراء المزارع، وقال ابن عباس إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينه عنه، ولكن قال: أن يمنح أحدكم أخاه خير له من أن يأخذ عليه خَرْجا معلوما18، وحمل الإمام مالك هذا النهي على معنى كراء الأرض بالحنطة، وهو تفسير أبي سعيد الخدري.وسلك بعض الصحابة والأئمة مسلك النظر إلى الحالة التي هي مورد النهي ، وهي ما ورد في حديث رافع بن خديج قال: (كنا أكثر أهل المدينة مزدرعا ، كنا نُكري الأرض بالناحية منها مسمَّى لسيد الأرض قال : فمما يصاب ذلك وتسلم الأرض ومما يصاب الأرض ويسلم ذلك، فنهينا. وأما الذهب والورِق فلم يكن يومئذ)19. ولذلك قال الليث: (وكان الذي نهي من ذلك ما لو نظر فيه ذوو الفهم بالحلال والحرام لم يجيزوه ، لما فيه من المخاطرة)20.وعلق ابن حجر قائلا: (و كلام الليث هذا موافق لما عليه الجمهور من حمل النهي عن كراء الأرض على الوجه المفضي إلى الغرر والجهالة، لا عن كرائها مطلقا حتى بالذهب والفضة)21.
ج) عند الأصوليين:(1/13)
عند الأصوليين نجد هذا المنهج حاضرا أيضا فيما قعدوه من قواعد، خاصة في مبحث الدلالات عند كلامهم عن العام والخاص ، والمطلق والمقيد، والظاهر والمؤول.. وعند كلامهم أيضا عن التعارض والترجيح،وقولهم : الجمع أولى من الترجيح، وبنوا على ذلك قاعدة تقول (إعمال الدليل أولى من إهماله)،ومعناه أن الفقيه الذي يروم استنباط حكم ما،يتحتم عليه إعمال جميع الأدلة الواردة في المسألة،وألا يكتفي بإعمال بعضها، وإهمال البعض الآخر،فهذا شأن المتسرعين الذين يرومون جني الثمار بأقل كلفة وجهد،كما هو حال كثير من الظاهرية،أما من نذروا أنفسهم لخدمة العلم،وسلكوا مسلك التحقيق والتدقيق فشأنهم شأن آخر ، وانظرمثلا إلى مسلك ابن حجر في فتح الباري ، والشوكاني في نيل الأوطار،تجد أكثر من شاهد على ما ذكر.
ومما يتصل بهذا الباب عند الأصولين أيضا الاستقراء، وهو منهج علمي مبناه على النظر في مجموع أدلة الشريعة في المسألة الواحدة،بدل الاقتصار على بعضها دون البعض. ومن مزايا هذا المنهج إفادة القطع في المعنى الواحد، الذي لا يستفاد من آحاد الأدلة، بل بأدلة منضاف بعضها إلى بعض، وذلك لأن الأدلة بعضها يعضد بعضا، ولأن للاجتماع ما ليس للافتراق، وهذا مثل وجوب أركان الإسلام،وحفظ الضروريات الخمس.. فهذه وأمثالها لم تثبت لنا بدليل واحد معين، لأن كل واحد منها بانفراده لا يعدو أن يكون ظنيا، وإنما ثبتت بمجموع أدلة لا تنحصر في باب واحد، على وجه يفيد القطع، وهذا شبيه بالتواتر المعنوي22.إلا أن بعض أهل الأصول يقول الشاطبي (ربما تركوا ذكر هذا المعنى والتنبيه عليه فحصل إغفاله من بعض المتأخرين فاستشكل الاستدلال بالآيات على حدتها وبالأحاديث على انفرادها إذ لم يأخذها مأخذ الاجتماع فكَرَّ عليها بالاعتراض نصا نصا واستضعف الاستدلال بها على قواعد الأصول المراد منها القطع .وهي إذا أخذت على هذا السبيل23 غير مشكلة )24.
4-أمثلة لتطبيقات هذه القاعدة:(1/14)
1/ما جاء مطلقا في بعض الأحاديث وقيدته أحاديث أخر (أحاديث إسبال الإزار).
ومثاله أحاديث إسبال الإزار ،منها حديث أبي ذر مرفوعا: (ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة : المنان الذي لا يعطي شيئا إلا مَنَّه، والمنَفِّق سلعته بالحلف الفاجر، والمسبل إزاره)25، وفي حديث أبي هريرة مرفوعا: (ما أسفل من الكعبين من الإزار ففي
النار)26 وفي رواية النسائي : (ما تحت الكعبين من الإزار ففي النار)27.
فظاهر هذه الأحاديث يفيد أن من أسبل إزاره يلحقه هذا الوعيد الشديد، لكن استحضار الروايات الأخرى في الموضوع يفيد أن هذا الوعيد ليس على إطلاقه، بل هو مقيد بمن فعل ذلك خيلاء وكبرا،وثمة نصوص تشهد لذلك:
- منها حديث عبد الله بن عمر مرفوعا: (من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة فقال أبو بكر: يارسول الله ، إن أحد شقي إزاري يسترخي إلا أن أتعاهد ذلك منه ،فقال
النبي صلى الله عليه وسلم? : لست ممن يصنعه خيلاء)28.
- ومنها حديث أبي هريرة مرفوعا: ( لا ينظر الله يوم القيامة إلى من جر إزاره بطرا)29.
- ومنها حديث ابن عمر مرفوعا: (من جر إزاره لا يريد بذلك إلا المخيلة فإن الله لا ينظر إليه يوم القيامة)30.(1/15)
وهذا المعنى هو الذي نص عليه علماء الإسلام بعد النظر في مجموع الأحاديث: قال ابن عبد البر: (هذا الحديث31 يدل على أن من جر إزاره من غير خيلاء ولا بطر أنه لا يلحقه الوعيد المذكور،غير أن جر الإزار والقميص وسائر الثياب مذموم على كل حال وأما المستكبر الذي يجر ثوبه فهو الذي ورد فيه ذلك الوعيد الشديد )32 وقال ابن حبان : (الزجر عن إسبال الإزار زجر حتم لعلة معلومة وهي الخيلاء، فمتى عدمت الخيلاء، لم يكن بإسبال الإزار بأس)33.وقال القاضي عياض : ( قوله صلى الله عليه وسلم :المسبل إزاره أي المرخى له الجار طرفه خيلاء كما جاء مفسرا في الحديث الآخر (لا ينظر الله إلى من يجر ثوبه بطرا) وفي آخر (إزاره خيلاء ) ،والخيلاء الكبر ،وقد تقدم قول من قال إنه لا يكون إلا مع جر الإزار ، قال الله تعالى : ( والله لا يحب كل مختال فخور).وتخصيص جره على وجه الخيلاء يدل على أن من جره لغير ذلك فليس بداخل تحت الوعيد، وقد رخص في ذلك النبي صلى الله عليه وسلم لأبى بكر الصديق رضى الله عنه وقال : (لست منهم) إذ كان جره إياه لغير الخيلاء، بل لأنه كان لا يثبت على عاتقه)34.وقد أفاض ابن حجر رحمه الله في شرح هذه الأحاديث، والجمع بينها ، وبيان المراد منها، ومن جملة ما قال في ذلك : (في هذه الأحاديث أن إسبال الإزار للخيلاء كبيرة وأما الإسبال لغير الخيلاء فظاهر الأحاديث تحريمه أيضا، ولكن استدل بالتقييد في هذه الأحاديث بالخيلاء عن أن الإطلاق في الزجر الوارد في ذم الإسبال محمول على المقيد هنا فلا يحرم الجر والإسبال إذا سلم من الخيلاء)35.(1/16)
وقال الشوكاني في قوله صلى الله عليه وآله وسلم لأبي بكر إنك لست ممن يفعل ذلك خيلاء : (وهو تصريح بأن مناط التحريم الخيلاء وأن الإسبال قد يكون للخيلاء وقد يكون لغيره فلا بد من حمل قوله (فإنها من المخيلة) في حديث جابر بن سليم36 على أنه خرج مخرج الغالب فيكون الوعيد المذكور في حديث الباب متوجها إلى من فعل ذلك اختيالا والقول بأن كل إسبال من المخيلة أخذا بظاهر حديث جابر ترده الضرورة فإن كل أحد يعلم أن من الناس من يسبل إزاره مع عدم خطور الخيلاء بباله ويرده ما تقدم من قوله صلى الله عليه وآله وسلم لأبي بكر لما عرفت وبهذا يحصل الجمع بين الأحاديث وعدم إهدار قيد الخيلاء المصرح به في الصحيحين. وقد جمع بعض المتأخرين رسالة طويلة جزم فيها بتحريم الإسبال مطلقا وأعظم ما تمسك به حديث جابر!) 37.
وهذا المعنى هو الذي رجحه الدكتور القرضاوي مستشهدا بالنصوص السابقة، وزاد فعلله من وجهة مقاصدية باعتبار أن الوعيد الذي تضمنته الأحاديث وعيد شديد ، يدل على أن عملهم من كبائر الذنوب ، وهذا إنما يكون في ما يمس الضروريات، أما مجرد تقصير إزار أو ثوب فهو داخل في باب التحسينيات.وأما إسباله بغير قصد سيء فهو أليق بوادي المكروهات التنزيهية. والذي يقاومه الإسلام هاهنا هو الكبر والخيلاء وغيرها من الآفات التي تستتر وراء السلوك الظاهري للإنسان38.
2/ ما جاء مجملا في بعض الأحاديث وبينته أحاديث أخر(أحاديث ذم الزراعة):(1/17)
ومن هذا القبيل أيضا بعض الأحاديث التي يوهم ظاهرها ذم الزراعة، مثل حديث أبي أمامة الباهلي قال ،ورأى سِكة وشيئا من آلة الحرث ، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( لا يدخل هذا بيت قوم إلا أدخله الله الذل)39.فظاهر هذا الحديث أن الإسلام يكره الزراعة والحرث،واستند إليه بعض المستشرقين الألمان مدعيا أن الإسلام يحذر أهله من تعاطي أسباب استثمار الأرض!40.ولو كلف نفسه النظر في ترجمة البخاري لهذا الحديث لما تجرأ على مثل هذه الدعوى الباطلة، قال البخاري: (باب ما يحذر من عواقب الاشتغال بآلة الزرع أو مجاوزة الحد الذي أمر به ).قال ابن حجر: ( وقد أشار البخاري بالترجمة إلى الجمع بين حديث أبي أمامة والحديث الماضي في فضل الزرع والغرس41 وذلك بأحد أمرين: إما أن يحمل ما ورد من الذم على عاقبة ذلك ، ومحله ما إذا اشتغل به فضيع بسببه ما أُمر بحفظه ،وإما أن يحمل على ما إذا لم يضيع إلا أنه جاوز الحد فيه)42.
ثم إن قد وردت عدة نصوص صحيحة وصريحة في الحث على الزراعة،و غرس الأرض وإحياءها،كحديث أنس قال: ( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما من مسلم يغرس غرسا أو يزرع زرعا فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة)43. في حديث جابر مرفوعا :(ما من مسلم يغرس غرسا إلا كان ما أكل منه له صدقة وما سرق منه له صدقة وما أكل السبع منه فهو له صدقة وما أكلت الطير فهو له صدقة ولا يرزؤه أحد إلا كان له صدقة)44.
بل بلغ اهتمام الإسلام بالزراعة أن حض عليها حتى عند قيام الساعة، وذلك في حديث أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة فإن استطاع أن لا يقوم حتى يغرسها فليفعل)45.وليس بعد هذا الترغيب ترغيب، ولا بعد هذا الحض حض.(1/18)
ثم إنه قد وردت أحاديث أخر تبين المراد من حديث أبي أمامة السابق الذكر،وأنه ليس على إطلاقه، منها حديث ابن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( إذا تبايعتم بالعِينَة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم)46.وهذا محمول على الاشتغال بالزرع في الزمن الذي يتعين فيه الجهاد في سبيل الله تعالى47،وحمل الداودي حديث أبي أمامة على من كان قريبا من العدو، فإنه إذا اشتغل بالحرث لا يشتغل بالفروسية فيتأسد عليه العدو48،وهذا أبشع مظاهر الذل.أما إذا انتفت هذه المحذورات،فالأصل هو الترغيب في الزراعة كما دلت على ذلك الأحاديث السابقة49.
3/ ما جاء عاما في بعض الأحاديث وبينت أحاديث أخر أنه ليس على عمومه:
أ) الأحاديث التي توهم أن آخر الزمان على العموم يكون شرا من أوله:(1/19)
ومثاله حديث الزبير بن عدي قال: (أتينا أنس بن مالك فشكونا إليه ما نلقى من الحجاج فقال : اصبروا ،فإنه لا يأتي عليكم زمان إلا الذي بعده شر منه حتى تلقوا ربكم، سمعته من نبيكم صلى الله عليه وسلم)50.وظاهر هذا الحديث لو أخذ على انفراده يفيد أن الأمور تسير من سيء إلى أسوأ، وأن الخير في نقص وإدبار، وأن الشر في ازدياد وإقبال.لكن الحديث ليس على عمومه، بدليل أنه قد وردت أحاديث أخرى تبشر بانتصار الإسلام، وعلو رايته، وغلبة كلمته، كأحاديث المهدي ونزول المسيح عليه السلام في آخر الزمان.وهذا المعنى أشار إليه ابن حبان عندما خرج الحديث في صحيحه، فقد ترجم له بقوله: ذكر خبر أوهم من لم يحكم صناعة الحديث أن آخر الزمان على العموم يكون شرا من أوله ،ثم ترجم بعده بقوله: ذكر الخبر المصرح بأن خبر أنس بن مالك لم يرد بعموم خطابه على الأحوال كلها ،وذكر فيه حديثين : حديث أبى هريرة قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لو لم يبق من الدنيا إلا ليلة لملك فيها رجل من أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم). وحديث عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( لو لم يبق من الدنيا إلا ليلة لملك فيها رجل من أهل بيتي اسمه اسمي)51.
فانظر كيف قابل هذين الحديثين بالحديث السابق، مع بعد ما بينهما في الظاهر، ومراده أن يبين أن هذين الحديثين مخصصان لعموم حديث أنس.هذا فضلا عن أن بعض الأزمنة كان أفضل من سابقه ،كزمن الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز الذي أعقب زمن الحجاج..
وإذا كان هذا الإطلاق غير مراد هاهنا فما معنى الحديث إذن؟(1/20)
الجواب نقرأه في حديث عبد الله بن مسعود : (لا يأتي عليكم زمان إلا وهو أشر مما كان قبله ، أما إني لا أعني أميرا خيرا من أمير ،ولا عاما خيرا من عام ولكن علماؤكم وفقهاؤكم يذهبون ثم لا تجدون منهم خلفا ويجيء قوم يفتون برأيهم) وفي لفظ عنه من هذا الوجه : (وما ذاك بكثرة الأمطار وقلتها ولكن بذهاب العلماء ثم يحدث قوم يفتون في الأمور برأيهم فيثلمون الإسلام ويهدمونه)52.
ورجح ابن حجر تفسير ابن مسعود هذا لمعنى الخيرية والشرية قائلا: (وهو أولى بالاتباع)53.
لكن يبقى أن هذا القول لا يطرد في جميع مراحل التاريخ الإسلامي، ذلك أنه أتت على الأمة الإسلامية أدوار أصيبت فيها بالنكسة والركود ،وغلبة التقليد والجهل، لكن مضت سنة الله تعالى أنه يقيض لها في كل عصر من يجدد لها أمر دينها، ويحيي ما اندرس من علم الشريعة أو كاد ،كما هو الحال مع علماء الأمة الكبار كابن تيمية وابن القيم والشاطبي وابن حجر والشوكاني ..
ولعل أوجه التفاسير لهذا الحديث، وأوفقها للواقع التاريخي للأمة الإسلامية ما ذهب إليه الحافظ ابن حجر حيث قال : (ويحتمل أن يكون المراد بالأزمنة ما قبل وجود العلامات العظام كالدجال وما بعده ويكون المراد بالأزمنة المتفاضلة في الشر من زمن الحجاج فما بعده إلى زمن الدجال وأما زمن عيسى عليه السلام فله حكم مستأنف والله أعلم. ويحتمل أن يكون المراد بالأزمنة المذكورة أزمنة الصحابة بناء على أنهم هم المخاطبون بذلك فيختص بهم فأما من بعدهم فلم يقصد في الخبر المذكور لكن الصحابي فهم التعميم فلذلك أجاب من شكا إليه الحجاج بذلك وأمرهم بالصبر وهم أو جلهم من التابعين)54.
ب)أحاديث النهي عن نعي الميت:(1/21)
ومثل هذا أيضا ، الأحاديث التي وردت في النهي عن نعي الميت ،مثل حديث عبد الله بن مسعود مرفوعا : (إياكم والنعي فإن النعي من عمل الجاهلية)55،وحديث حذيفة بن اليمان قال : (إذا مت فلا تؤذنوا بي ،فإني أخاف أن يكون نعيا، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن النعي )56.
فظاهر هذه الأحاديث أن النعي منهي عنه بإطلاق، وليس الأمر كذلك إذا نظرنا في مجموع الروايات، خاصة ما ورد في صحيح البخاري وبوب عليه بقوله: (باب الرجل ينعى إلى أهل الميت بنفسه) وذكر فيه حديثين: حديث أبي هريرة رضي الله عنه ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نعى النجاشي في اليوم الذي مات فيه ،خرج إلى المصلى فصف بهم وكبر أربعا) وحديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال : (قال النبي صلى الله عليه وسلم : أخذ الراية زيد فأصيب ثم أخذها جعفر فأصيب ثم أخذها عبد الله بن رواحة فأصيب، وإن عيني رسول الله صلى الله عليه وسلم لتذرفان ، ثم أخذها خالد بن الوليد من غير إمرة ففتح له)57.
قال ابن حجر: (قال ابن رشيد : وفائدة هذه الترجمة الإشارة إلى أن النعي ليس ممنوعا كله وإنما نهى عما كان أهل الجاهلية يصنعونه فكانوا يرسلون من يعلن بخبر موت الميت على أبواب الدور والأسواق .وقال ابن المرابط : مراده أن النعي الذي هو إعلام الناس بموت قريبهم مباح وإن كان فيه إدخال الكرب والمصائب على أهله لكن في تلك المفسدة مصالح جمة لما يترتب على معرفة ذلك من المبادرة لشهود جنازته وتهيئة أمره والصلاة عليه والدعاء له والاستغفار وتنفيذ وصاياه وما يترتب على ذلك من الأحكام)58.
وفي حديث أبي هريرة : ( أن رجلا أسود أو امرأة سوداء كان يقم المسجد فمات فسأل النبي صلى الله عليه وسلم عنه، فقالوا: مات ،قال: أفلا كنتم آذنتموني به؟ دلوني على قبره أو قال قبرها فأتى قبرها فصلى عليها)59.(1/22)
وحاصل النظر في مجموع الأحاديث أن مجرد النعي ليس منهيا عنه، بل هو سنة مندوب إليها، لما يترتب على ذلك من المصالح المذكورة،ولذا قال ابن العربي : (يؤخذ من مجموع الأحاديث ثلاث حالات: الأولى إعلام الأهل والأصحاب وأهل الصلاح فهذا سنة، الثانية:دعوة الحفل للمفاخرة فهذه تكره، الثالثة الإعلام بنوع آخر كالنياحة ونحو ذلك، فهذا يحرم)60.وقال الشوكاني بعد أن ساق الأدلة على جواز النعي: ( فالحاصل أن الإعلام للغسل والتكفين والصلاة والحمل والدفن مخصوص من عموم النهي، لأن إعلام من لا تتم هذه الأمور إلا به ،مما وقع الإجماع على فعله في زمن النبوة وما بعده، وما جاوز هذا المقدار فهو داخل تحت عموم النهي)61.
4/ ما جاء مشكلا في بعض الأحاديث وبينته أحاديث أخر:
أ) أحاديث ترك الصلاة:
ومن هذا القبيل أحاديث ترك الصلاة ، منها حديث جابر مرفوعا: (إن بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة)62،وفي رواية ابن حبان من حديث جابر مرفوعا: (ليس بين العبد وبين الكفر إلا ترك الصلاة) وعنده أيضا من رواية عبد الله بن بريدة عن أبيه مرفوعا: (إن العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر)63.(1/23)
فظاهر هذه الأحاديث يفيد أن تارك الصلاة كافر ، وهو قول علي بن أبي طالب ، وجماعة من السلف، وبه قال أحمد بن حنبل وابن المبارك وإسحاق بن حبيب من المالكية64.لكن النظر في مجموع الروايات الأخرى يفيد أن هذا الإطلاق غير مراد على حقيقته، وهذا واضح من صنيع ابن حبان في صحيحه ،في عناوينه التي ساقها تحت باب (الوعيد على ترك الصلاة) 65،منها قوله : (ذكر خبر سادس يدل على أن تارك الصلاة متعمدا عذر لا يوجب عليه ذلك إطلاق الكفر الذي يخرجه عن ملة الإسلام ، وساق فيه حديث أبي قتادة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ليس في النوم تفريط إنما التفريط على من لم يصل الصلاة حتى يجيء وقت صلاة أخرى) قال أبو حاتم : في إطلاق المصطفى صلى الله عليه وسلم التفريط على من لم يصل الصلاة حتى دخل وقت صلاة أخرى بيان واضح أنه لم يكفر بفعله ذلك إذ لو كان كذلك لم يطلق عليه اسم التأخير والتقصير دون إطلاق الكفر)66 .
وأصرح منه في انتفاء الكفر عن تارك الصلاة حديث عبادة بن الصامت قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (خمس صلوات كتبهن الله عز وجل على العباد فمن جاء بهن لم يضيع منهن شيئا استخفافا بحقهن كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة ومن لم يأت بهن فليس له عند الله عهد إن شاء عذبه وإن شاء أدخله الجنة)67.(1/24)
ثم إنه قد وردت أحاديث أخرى عن النبي صلى الله عليه وسلم فيها إطلاق الكفر، منها حديث عبد الله بن مسعود :(سباب المسلم فسوق وقتاله كفر)وحديث جرير : ( لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض )وحديث أبي هريرة : (اثنتان في الناس هما بهم كفر: الطعن في النسب والنياحة على الميت) وحديث جرير : (أيما عبد أبق من مواليه فقد كفر حتى يرجع إليهم)68.. وأشباهها.فإذا كان الكفر في هذه الأحاديث غير مراد على حقيقته، فلا مناص من التأويل .خذ مثلا قوله صلى الله عليه وسلم: (لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض) قال القاضي عياض في شرحه : (نهاهم عن التشبيه بالكفار في حال قتل بعضهم بعضا ومحاربة بعضه لبعض، وهذا أولى ما يتأول عليه الحديث ، ويؤيده ما روي مما جرى بين الأنصار بمحاولة يهود، وتذكيرهم أيامهم ودخولهم في الجاهلية حتى ثار بعضهم إلى بعض في السلاح فنزلت:( وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله ) أي : تفعلون فعل الكفار، أو نهاهم عن إظهار جحد ما أمرهم به من تحريم دمائهم ،وكفرهم في ذلك بقتالهم لا بقولهم واعتقادهم)69.
وبوب البخاري في كتاب الإيمان من صحيحه (باب كفران العشير ،وكفر دون كفر) ،وساق فيه حديث ابن عباس قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : (أريت النار فإذا أكثر أهلها النساء يكفرن، قيل أيكفرن بالله ؟ قال: يكفرن العشير، ويكفرن الإحسان، لو أحسنت إلى إحداهن الدهر ثم رأت منك شيئا، قالت : مارأيت منك خيرا قط)70 .ونقل ابن حجر عن القاضي أبي بكر بن العربي أن مراد البخاري بذلك أن يبين أن الطاعات كما تسمى إيمانا كذلك المعاصي تسمى كفرا ،لكن حيث يطلق عليها الكفر لا يراد الكفر المخرج من الملة71.
ومن ثم أول العلماء الأحاديث التي يوهم ظاهرها تكفير أصحاب المعاصي، فبعضهم أولها بمعنى استحلال هذه المعاصي، وبعضهم حملها على معنى العاقبة، وبعضهم حملها على كفر العمل أو الكفر المجازي أو الكفر الأصغر ..72(1/25)
على أن بعض العلماء لم ير ضرورة للتأويل ، منهم الشوكاني الذي أجرى هذه النصوص على ظاهرها،وقال بعد عرض آراء العلماء في تارك الصلاة: (والحق أنه كافر يقتل .أما كفره فلأن الأحاديث قد صحت أن الشارع سمى تارك الصلاة بذلك الاسم وجعل الحائل بين الرجل وبين جواز إطلاق هذا الاسم عليه هو الصلاة، فتركها مقتض لجواز الإطلاق، ولا يلزمنا شيء من المعارضات التي أوردها الأولون، لأنا نقول : لا يمنع أن يكون بعض أنواع الكفر ،مانع من المغفرة واستحقاق الشفاعة ككفر أهل القبلة ببعض الذنوب التي سماها الشارع كفرا فلا ملجئ إلى التأويلات التي وقع الناس في مضيقها. وأما أنه يقتل فلأن حديث (أمرت أن أقاتل الناس)73 يقضي بوجوب القتل لاستلزام المقاتلة له وكذلك سائر الأدلة المذكورة في الباب الأول، ولا أوضح من دلالتها على المطلوب. وقد شرط الله في القرآن التخلية بالتوبة وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة فقال : ( فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم)74 فلا يخلى من لم يقم الصلاة)75.
وذهب بعض المعاصرين ، وهو الدكتور صلاح الصاوي مذهبا وسطا في ذلك ، فقال : (والذي يبدو لنا التفريق بين مقامين: الأول :مقام الدعوة والإرشاد ، وفيه يجب أن نطلق هذه النصوص كما أطلقها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا يتأول لها بما يضعف أثرها المقصود بها، وهو الزجر عن هذه المنكرات.والثاني : مقام التعليم وإجراء الأحكام ، وفيه يجب أن يجمع بين النصوص الشرعية ، وأن يبين مذهب أهل الحق في التعامل مع أصحاب المعاصي ، وضوابط إجراء الأحكام عليهم ، منعا للتهارج والتقاذف بأحكام الكفر بغير ضابط)76.
ب) الأحاديث التي تفيد بقطع المرأة والحمار والكلب للصلاة:(1/26)
ومما يدخل في هذا الباب أيضا الأحاديث التي تفيد بقطع المرأة والحمار والكلب للصلاة ، مثل حديث أبي ذر قال: قال رسول الله : (إذا قام أحدكم يصلي فإنه يستره إذا كان بين يديه مثل آخرة الرحل فإذا لم يكن بين يديه مثل آخرة الرحل فإنه يقطع صلاته الحمار والمرأة والكلب الأسود. قلت يا أبا ذر ما بال الكلب الأسود من الكلب الأحمر من الكلب الأصفر قال يا ابن أخي سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سألتني فقال الكلب الأسود شيطان )77 .فهذا الحديث يفيد أن هذه الثلاثة تقطع الصلاة، كما هو مذهب بعض العلماء78 ،لكن النظر في الأحاديث الأخرى والتي خرجها مسلم في نفس الموضع تثبت خلاف ذلك.ففيما يخص المرأة ، أخرج مسلم من حديث عائشة (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي من الليل وأنا معترضة بينه وبين القبلة كاعتراض الجنازة). وأخرج من حديث عروة بن الزبير قال : (قالت عائشة : ما يقطع الصلاة ؟ قال : فقلنا : المرأة والحمار. فقالت : إن المرأة لدابة سوء لقد رأيتني بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم معترضة كاعتراض الجنازة وهو يصلي). وأخرج أيضا من حديث مسروق عن عائشة وذُكر عندها ما يقطع الصلاة الكلب والحمار والمرأة فقالت عائشة: قد شبهتمونا بالحمير والكلاب ،والله لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي وإني على السرير بينه وبين القبلة مضطجعة فتبدو لي الحاجة فأكره أن أجلس فأوذي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنسل من عند رجليه)79.
أما فيما يخص الحمار فقد أخرج الشيخان من حديث عبد الله بن عباس قال: ( أقبلت راكبا على حمارٍ أتانٍ وأنا يومئذ قد ناهزت الاحتلام ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بمنى إلى غير جدار ،فمررت بين يدي بعض الصف ، وأرسلت الأتان ترتع فدخلت في الصف ،فلم ينكر ذلك علي)80.
أما الكلب فلم يرد فيه شيء يعارض هذا الحديث، ولذا قال الإمام أحمد: (يقطع الصلاة الكلب الأسود، وفي نفسي من الحمار والمرأة شيء)81.(1/27)
ونظرا لهذه النصوص مجتمعة، ذهب جمهور العلماء إلى أن الصلاة لا تبطل (بمرور شيء من هؤلاء ولا من غيرهم ،وتأول هؤلاء هذا الحديث على أن المراد بالقطع نقص الصلاة لشغل القلب بهذه الأشياء وليس المراد إبطالها)82.
ولابن حبان وجه آخر في الجمع بين هذه الأحاديث حيث ترجم في صحيحه ( ذكر خبر أوهم من لم يحكم صناعة الحديث أنه مضاد للأخبار التي تقدم ذكرنا لها)، أي الأحاديث التي تفيد قطع الصلاة بمرور هؤلاء الثلاثة، وذكر فيه حديث عائشة : ( لقد رأيتني بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم معترضة كاعتراض الجنازة وهو يصلي) ، ثم ترجم بعده بقوله (ذكر البيان بأن صلاة المرء إنما تقطع من مرور الكلب والحمار والمرأة لا كونِهن واعتراضِهن) وذكر فيه حديث أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( تعاد الصلاة من ممر الحمار والمرأة والكلب الأسود .قلت :ما بال الأسود من الأصفر من الأحمر؟ فقال: فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سألتني فقال: الكلب الأسود شيطان) 83.
وحاصل مذهب ابن حبان أن هذه الثلاثة تقطع الصلاة حال مرورها أمام المصلي ، لا حال كونها معترضة بينه وبين القبلة،وهو وجه حسن في الجمع بين الأحاديث، لكن الإشكال يبقى واردا في الجمع بين المرأة هاهنا وبين الكلب والحمار ، وهو ما أثار غضب السيدة عائشة رضي الله عنها، وردته بحديثها السابق الذكر.
أما الشوكاني فقد ساق اختلاف العلماء في المسألة ، وأفاض في مناقشة أدلتهم ورجح أن الكلب الأسود والمرأة الحائض يقطعان الصلاة84.
5/ ما جاء يفيد الحصر في بعض الأحاديث، وبينت أحاديث أخر أنه ليس بمراد(أحاديث جمع القرآن):(1/28)
ومثله حديث أنس في جمع القرآن ، أخرج البخاري من حديث قتادة قال :( سألت أنس بن مالك رضي الله عنه من جمع القرآن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: أربعة كلهم من الأنصار أبي بن كعب ومعاذ بن جبل وزيد بن ثابت وأبو زيد85 ) .وأخرج أيضا من حديث ثمامة عن أنس بن مالك قال : ( مات النبي صلى الله عليه وسلم ولم يجمع القرآن غير أربعة : أبو الدرداء ومعاذ بن جبل وزيد بن ثابت وأبو زيد .قال: ونحن ورثناه)86 .فظاهر حديث أنس يفيد أن هؤلاء فقط هم الذين تيسر لهم جمع القرآن حفظا في صدورهم على عهد النبوة،لكن النظر في مجموع الروايات الأخرى في الموضوع يثبت زيادة على ما ذكر أنس رضي الله عنه ، والأخذ بالزائد متعين كما هو مقرر عند العلماء .فقد ثبت في البخاري من حديث أنس نفسه مقتل سبعين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقال لهم القراء ببئر معونة87، كما ثبت في البخاري من حديث زيد بن ثابت مقتل كثير من قراء القرآن الكريم في وقعة اليمامة زمن خلافة أبي بكر ، مما كان سببا في جمع القرآن88 . وذكر ابن حجر أن أبا بكر كان يحفظ القرآن في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم كما يظهر من كثير من الأحاديث89 .والظاهر أن قول أنس هذا كان على سبيل المفاخرة كما تدل عليه رواية الطبري من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة في أول الحديث (افتخر الحيان الأوس والخزرج فقال الأوس: منا أربعة من اهتزله العرش سعد بن معاذ ومن عدلت شهادته شهادة رجلين خزيمة بن ثابت ومن غسلته الملائكة حنظلة بن أبي عامر ومن حمته الدَّبر عاصم بن ثابت. فقال الخزرج: منا أربعة جمعوا القرآن لم يجمعه غيرهم فذكرهم)90 . ومن ثم أورد الحافظ ابن حجر احتمالا (أن مراد أنس لم يجمعه غيرهم أي من الأوس بقرينة المفاخرة المذكورة ولم يرد نفي ذلك عن المهاجرين)91.وقد وجه العلماء حديث أنس هذا بعدة توجيهات ،منهم الإمام المازري الذي قال : (لا يلزم من قول أنس (لم يجمعه غيرهم) أن(1/29)
يكون الواقع في نفس الأمر كذلك لأن التقدير أنه لا يعلم أن سواهم جمعه.وإلا فكيف الإحاطة بذلك مع كثرة الصحابة وتفرقهم في البلاد وهذا لا يتم إلا إن كان لقي كل واد منهم على انفراده وأخبره عن نفسه أنه لم يكمل له جمع القرآن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ،وهذا في غاية البعد في العادة وإذا كان المرجع إلى ما في علمه لم يلزم أن يكون الواقع كذلك قال وقد تمسك بقوله أنس هذا جماعة من الملاحدة ولا متمسك لهم فيه فإنا لا نسلم حمله على ظاهره )92 .
6/ ما جاء النهي عاما في بعض الأحاديث وبينت أحاديث أخر أنه وارد لعلة مخصوصة(أحاديث النهي عن التكني بكنيته صلى الله عليه وسلم) :
ومثله أحاديث النهي عن التكني بكنيته صلى الله عليه وسلم، فقد تقدم عند ابن حبان أن ذلك كان واردا لعلة خاصة دل عليها حديث أنس بن مالك (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قائما بالبقيع فنادى رجل آخر: يا أبا القاسم، فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: لم أعنك يا رسول الله، إنما دعوت فلانا ،فقال النبي صلى الله عليه وسلم: تسموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي)93.(1/30)
ومثاله أيضا أحاديث النهي عن ادخار لحوم الأضاحي، منها حديث ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول: ( لا يأكلن أحدكم من لحم أضحيته فوق ثلاث أيام)94، فهذا الحديث وما في معناه كان لعلة مخصوصة من أجلها ورد النهي،وهي وفود المهاجرين التي وفدت على المدينة،فكان في ادخار لحوم الأضاحي وإمساكها عنهم تضييقا عليهم، ثم نسخ ذلك وصار الأمر إلى الإباحة، و ترجم ابن حبان لذلك بقوله(ذكر العلة التي من أجلها نهى عن أكل لحوم الأضاحي بعد ثلاث) وذكر فيه حديث عبد الله بن عمر أنه قال : ( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل لحوم الضحايا بعد ثلاث، قال عبد الله بن أبي بكر : فذكرت ذلك لعمرة بنت عبد الرحمن فقالت سمعت عائشة : تقول دف ناس من أهل البادية حضرة الأضحى في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ادخروا الثلث وتصدقوا بما بقي. قالت عمرة: قالت عائشة: فلما كان بعد ذلك قيل يا رسول الله لقد كان الناس ينتفعون من ضحاياهم ويحملون منها الودك ويتخذون منها الأسقية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : وما ذاك؟ قالوا :يا رسول الله نهيت عن إمساك لحوم الضحايا بعد ثلاث، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما نهيتكم من أجل الدافة التي دفت عليكم فكلوا وتصدقوا وادخروا)95.
5- فوائد جمع الروايات في الموضوع الواحد:
بعد أن تعرفنا على هذه القاعدة ،وكيف كانت حاضرة عند المحدثين والفقهاء والأصوليين،ورأينا بعض تطبيقاتها، أعرض فيما يأتي لبعض الفوائد الجلى التي نكتسبها من إعمالها، ،والقصد هاهنا التمثيل لا الحصر،وحقها أن تفرد ببحث خاص. ومن هذه الفوائد:(1/31)
أ/ معرفة سبب ورود الحديث: وهذه المعرفة ضرورية لفهم كثير من الأحاديث النبوية التي لا يحصل فهمها إلا بذلك، كما نبه على ذلك الشاطبي، ومثل لذلك بحديث النهي عن لحوم الأضاحي بعد ثلاث، وحديث التهديد بإحراق بيوت من تخلف عن صلاة الجماعة، وحديث إنما الأعمال بالنيات96.
ثم إن معرفة سبب ورود الحديث قد يظهر في سياق الحديث الواحد، وقد لا يظهر إلا بجمع رواياته،والنظر فيها،فما لم تصرح به بعض الروايات من أسباب ورود الحديث ، قد تصرح به روايات أخرى.ومثله حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (والذي نفسي بيده لقد هممت أن آمر بحطب فيحطب ثم آمر بالصلاة فيؤذن لها ثم آمر رجلا فيؤم الناس ثم أخالف إلى رجال فأحرق عليهم بيوتهم والذي نفسي بيده لو يعلم أحدهم أنه يجد عظما سمينا أو مرماتين حسنتين لشهد العشاء)97. وقد استدل بعض العلماء بهذا الحديث على أن الجماعة فرض عين،لكن الجمهور على أنها ليست كذلك، (وأجابوا عن هذا الحديث بأن هؤلاء المتخلفين كانوا منافقين وسياق الحديث يقتضيه فانه لا يظن بالمؤمنين من الصحابة أنهم يؤثرون العظم السمين على حضور الجماعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي مسجده ولأنه لم يحرق بل هم به ثم تركه ولو كانت فرض عين لما تركه )98.(1/32)
وقد بينت روايات أخرى أنه وارد على سبب، وأن المقصود به أهل النفاق خاصة لا عموم المسلمين ، من ذلك حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إن أثقل صلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا ولقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام ثم آمر رجلا فيصلي بالناس ثم أنطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار)99.وبين حديث عبد الله بن مسعود أن التخلف عن صلاة الجماعة كان سيمى أهل النفاق بقوله: (لقد رأيتنا وما يتخلف عن الصلاة إلا منافق قد علم نفاقه أو مريض إن كان المريض ليمشي بين رجلين حتى يأتي الصلاة .وقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم علمنا سنن الهدى وإن من سنن الهدى الصلاة في المسجد الذي يؤذن فيه )100وأخرجه أبو داود بلفظ : (لقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق بيِّن النفاق)101، وعند النسائي بلفظ: (إلا منافق معلوم نفاقه )102،وعند ابن ماجه بلفظ: (إلا منافق معلوم النفاق)103.
وهذا الذي ذهب إليه الإمام ابن عبد البر إذ علق على حديث أبي هريرة السابق بقوله: ( وكفى بهذا توبيخا في أثرة الطعام واللعب على شهود صلاة الجماعة وهذا منه صلى الله عليه وسلم إنما كان قصدا إلى المنافقين وإشارة إليهم ألا ترى إلى قول ابن مسعود (ولقد رأيتنا في ذلك الوقت وما يتأخر عنها إلا منافق معلوم نفاقه) وما أظن أحدا من أصحابه الذين هم أصحابه حقا كان يتخلف عنه إلا لعذر بيِّن، هذا ما لا يشك فيه مسلم إن شاء الله )104.(1/33)
ب/ التعليل، أو معرفة العلة التي سيق لها الحديث :ومثله الأحاديث التي يفيد ظاهرها وجوب الاغتسال ليوم الجمعة، كحديث أبي سعيد الخدري مرفوعا: (غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم)105،وفي رواية : (غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم كغسل الجنابة)106 .وكحديث ابن عمر مرفوعا: (إذا أراد أحدكم أن يأتي الجمعة فليغتسل )107، وفي رواية عنه أيضا : (الغسل يوم الجمعة على كل حالم من الرجال وعلى كل بالغ من النساء)108.. ونحوها.فقد بينت روايات أخرى أن الأمر في هذه الأحاديث وارد لعلة معلومة هي أن القوم كانوا يروحون إلى صلاة الجمعة في ثياب مهنتهم، فكانت تنبعث منهم روائح، فأمروا بالاغتسال لأجل ذلك.وترجم لذلك ابن حبان بقوله: (ذكر العلة التي من أجلها أمر القوم بالاغتسال يوم الجمعة) وذكر فيه حديث أبي موسى الأشعري : (لقد رأيتنا ونحن عند نبينا صلى الله عليه وسلم ولو أصابتنا مَطْرة ، لشممت منا ريح الضأن)109،وعند أحمد بلفظ: (لو شهدتنا ونحن مع نبينا صلى الله عليه وسلم إذا أصابتنا السماء حسبت أن ريحنا ريح الضأن، إنما لباسنا الصوف)110 وأصرح منه حديث عائشة قالت: (كان الناس ينتابون يوم الجمعة من منازلهم والعوالي، فيأتون في الغبار، يصيبهم الغبار والعرق فيخرج منهم العرق ،فأتى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم إنسان منهم - وهو عندي- فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لو أنكم تطهرتم ليومكم هذا)111.وفي حديث عمرة قالت: (قالت عائشة رضي الله عنها : كان الناس مهَنَة أنفسهم وكانوا إذا راحوا إلى الجمعة راحوا في هيئتهم فقيل لهم لو اغتسلتم )112.(1/34)
ومثله أيضا حديث سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: (صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر جميعا، والمغرب والعشاء جميعا في غير خوف ولاسفر)113،وفي حديث جابر بن زيد عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بالمدينة سبعا وثمانيا الظهر والعصر والمغرب والعشاء) 114..فليس في هذه الأحاديث بيان لعلة الحكم ،لكن بينته الروايات الأخرى للحديث عند أحمد115 ومسلم116 وأبي عوانة117 من طرق عن أبي الزبير عن سعيد بن جبير عن بن عباس قال ، واللفظ لمسلم: ( صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر جميعا بالمدينة في غير خوف ولا سفر .قال أبو الزبير: فسألت سعيدا : لم فعل ذلك ؟ فقال: سألت ابن عباس كما سألتني فقال :أراد أن لا يحرج أحدا من أمته).ومثله في حديث ابن مسعود قال: ( جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الأولى والعصر وبين المغرب والعشاء فقيل له، فقال : صنعته لئلا تكون أمتي في حرج)118.
وقول الإمام مالك رحمه الله تعالى في توجيه الحديث : ( أرى ذلك كان في مطر)119،يرده ما أخرجه مسلم من طريق حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: ( جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالمدينة في غير خوف ولا مطر)120.
ج/ دفع توهم الحصر: ومثله حديث أبي هريرة مرفوعا: (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله : الإمام العادل وشاب نشأ في عبادة ربه ورجل قلبه معلق في المساجد ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه ورجل طلبته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله ورجل تصدق أخفى حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه)121.
فظاهر هذا الحديث يوهم أن هؤلاء السبعة هم فقط من يحظون بهذه المكرمة، لكن أفادت روايات أخرى أن هذا الحصر غير مراد، وأن ثمة خصال أخرى تمنح صاحبها هذا الفضل122، من ذلك :(1/35)
1- إنظار المعسر أو وضع الدين عنه، كما في حديث أبي اليَسَر مرفوعا: (من أنظر معسرا أو وضع عنه أظله الله في ظله)123.قال ابن حجر : (وهاتان الخصلتان غير السبعة الماضية فدل على أن العدد المذكور لا مفهوم له. وقد ألقيت هذه المسألة على العالم شمس الدين بن عطاء الرازي المعروف بالهروي لما قدم القاهرة ،وادعى أنه يحفظ صحيح مسلم فسألته بحضرة الملك المؤيد عن هذا وعن غيره فما استحضر في ذلك شيئا!)124.وقال الزرقاني : (دل استقراء الأحاديث على أن هذا العدد لا مفهوم له)125.
2- ومن ذلك إظلال الغازي في سبيل الله : كما في حديث عمر بن الخطاب : (من أظل رأس غاز أظله الله يوم القيامة)126.
3- ومن ذلك عون المجاهد وإرفاد الغارم وعون المكاتب كما في حديث سهل بن حنيف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( من أعان مجاهدا في سبيل الله أو غارما في عسرته أو مكاتبا
في رقبته أظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله)127.
4- ومن ذلك الصدق في التجارة كما في حديث سلمان128.
وهذه الأحاديث أسانيدها جياد، كما قال ابن حجر129 ، وقد تضمنت سبع خصال زائدة على السبع المذكورة في حديث أبي هريرة ، نظمها ابن حجر بقوله:
وزد سبعة : إظلال غاز وعونه ……وإنظار ذي عسر وتخفيف حمله
وإرفاد ذي غرم وعون مكاتب ……وتاجر صدق في المقال وفعله130
د/ معرفة المبهم :
ومثله حديث أبي هريرة قال : (أتى النبي رجل أعمى أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل أعمى فقال : يا رسول الله : إنه ليس لي قائد يقودني إلى المسجد فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرخص له فيصلي في بيته فرخص له فلما ولى دعاه فقال هل تسمع النداء بالصلاة فقال نعم قال فأجب)131.(1/36)
فالمبهم هنا فسرته روايات أخرى في سنن أبي داود وغيره، كما ذكره النووي132.فقد أخرج أبو داود 133، واللفظ له، وابن خزيمة في صحيحه 134 والحاكم135 من حديث أبي رزين عن ابن أم مكتوم أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إني رجل ضرير البصر شاسع الدار ولي قائد لا يلائمني فهل لي رخصة أن أصلي في بيتي قال :هل تسمع النداء ؟ قال: نعم ، قال: لا أجد لك رخصة).وأخرجه أبو داود136 أيضا من طريق عبد الرحمان بن أبي ليلى ،وابن خزيمة في صحيحه137 من طريق عبد الله بن شداد ، والحاكم138 من طريق زر بن حبيش، جميعا عن ابن أم مكتوم،وفيها التصريح بأنه هو الأعمى صاحب المسألة.
ومثله أيضا حديث أبي سعيد الخدري في فضل فاتحة الكتاب ،وفيه (فقام معها رجل ما كنا نأبنه برقية ، فرقاه فبرأ)139، وعند مسلم140: (فقال رجل منهم: نعم فأتاه فرقاه بفاتحة الكتاب)، وعند أبي داود141: (فقال رجل من القوم : نعم، إني والله لأرقي).
فالمبهم هنا بينته الروايات الأخرى، وأنه هو نفسه أبو سعيد الخدري راوي الحديث كما أخرجه الترمذي 142 من حديث أبي سعيد الخدري، وفيه: (فقالوا: ومن يرقى من العقرب؟ قلت: نعم، أنا)، وعند الحاكم من حديثه أيضا143 : (فقالوا هل أحد منكم يرقي ؟ فقلت أنا راق).
هـ/ معرفة المقلوب: ومثله حديث أبي هريرة في السبعة الذين يظلهم الله بظله يوم لا ظل إلا ظله ، وذكر منهم (ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه)144.هكذا في روايات الحديث بإضافة النفقة إلى اليمين،ووقع عند مسلم بلفظ: (حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله )145،وهو مخالف لما رواه الأئمة،وبالنظر في روايات الحديث يتبين أن القلب وقع عند مسلم في متنه، وأن الصحيح ما جاء في سائر الروايات الأخرى، وهو الموافق أيضا للسنة المعهودة من الإنفاق باليمين146، ولذا ترجم عليه البخاري في كتاب الزكاة بقوله: (باب الصدقة باليمين).(1/37)
وقد ذكر القاضي عياض أن الوهم في هذا الحديث يشبه أن يكون (من الناقلين عن مسلم، بدليل إدخاله بعده حديث مالك، وقال: "بمثل حديث عبيد الله" ، وتحرّى الخلاف فيه في قوله: "رجل معلق بالمسجد إذا خرج منه حتى يعود" فلو كان ما رواه خلافاً لرواية مالك لنبه عليه، كما نبّه على هذا)147.ورد ابن حجر هذا التوجيه، وبين أن الوهم لا هو من مسلم و لا ممن دونه بل هو من شيخه أو من شيخ شيخه يحيى القطان.هكذا قال دون جزم، وتعقب أبا حامد الشرقي الذي جزم بوهم يحيى القطان فيه!148.
و/ معرفة زيادة الثقة التي تفيد حكما زائدا على باقي الروايات:(1/38)
ومثله الأحاديث التي توجب زكاة الفطر ، كحديث ابن عمر قال : ( أمر النبي صلى الله عليه وسلم بزكاة الفطر صاعا من تمر أو صاعا من شعير قال عبد الله رضي الله عنه فجعل الناس عِدله مدين من حنطة)149 ، وحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : ( كنا نعطيها في زمان النبي صلى الله عليه وسلم صاعا من طعام أو صاعا من تمر أو صاعا من شعير أو صاعا من زبيب فلما جاء معاوية وجاءت السمراء قال: أرى مدا من هذا يعدل مدين)150 ،وحديث ابن عمر قال : ( فرض النبي صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر أو قال رمضان على الذكر والأنثى والحر والمملوك صاعا من تمر أو صاعا من شعير )151 .فهذه الأحاديث وما شاكلها تفيد عموم وجوب الزكاة على المسلم وغير المسلم، لكن استحضار الروايات الأخرى في الموضوع أفادت وجوبها على المسلمين دون غيرهم، فقد روى مالك حديث ابن عمر بزيادة لفظة (من المسلمين)، قال: (فرض زكاة الفطر من رمضان على الناس صاعا من تمر أو صاعا من شعير على كل حر أو عبد ذكر أو أنثى من المسلمين ) 152.وهي زيادة ثقة مقبولة،استدل بها على اشتراط الإسلام في وجوب زكاة الفطر ، فلا تجب على الكافر عن نفسه باتفاق153.كما استدل بعموم قوله (من المسلمين) على تناولها لأهل البادية، خلافا للزهري وربيعة والليث154. وأيضا استدل بها جمهور العلماء على أن العبد الكافر لا يجب على وليه أن يؤدي عنه زكاة الفطر، خلافا لمذهب الكوفيين .ورجح ابن عبد البر مذهب الجمهور قائلا: (قوله عليه السلام (من المسلمين) يقضي لمالك والشافعي ،وهو النظر أيضا لأنه طهرة للمسلمين وتزكية وهذا سبيل الواجبات من الصدقات والكافر لا يتزكى فلا وجه لأدائها عنه)155.
خاتمة:(1/39)
وخلاصة القول ،إن جمع الروايات الواردة في الموضوع الواحد ، ومقابلة بعضها ببعض ، وإعمال النظر فيها،ضابط مهم من ضوابط فهم السنة النبوية فهما صحيحا،ورأينا من الأمثلة السابقة كيف كان هذا الضابط حاضرا في فكر علماء هذه الأمة محدثين وفقهاء وأصوليين.كما تبين لنا من خلال الأمثلة السابقة بعض الفوائد الهامة التي نكتسبها من إعمال هذه القاعدة من مثل معرفة سبب ورود الحديث، وتعليل الحكم الذي تضمنه،ودفع توهم الحصر،ومعرفة المبهم،ومعرفة زيادة الثقة التي تفيد حكما زائدا على باقي الروايات، ومعرفة المقلوب..وغيرها. ولا يستوي أبدا من ينظر في قضية ما ،في مجموع الأدلة الواردة فيها،ومن ينظر في بعض الأدلة دون بعض.وإن كثيرا من الخلافات الفقهية يتبين عند الفحص والتأمل أن منشأها غياب هذا المنهج،مما ينشأ عنه قصور في الفهم أحيانا، وأحيانا أخرى الجمود على ظواهر بعض النصوص دون النفاذ إلى أسبابها ومقاصدها.وإعمال هذا المنهج الكلي في الاستنباط من النصوص يستلزم التتبع والروية وملكة فقهية واسعة، وهذا كان ديدنَ الفقهاء المحققين.
والله تعالى ولي التوفيق.
المصادر والمراجع:
1. إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام لابن دقيق العيد دار الكتب العلمية بيروت.
2. الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر العسقلاني دار الفكر بيروت.
3. إعلام الموقعين عن رب العالمين لابن قيم الجوزية، دار الحديث القاهرة دون تاريخ.
4. إكمال المعلم بفوائد مسلم للقاضي عياض تحقيق د. يحيى إسماعيل ط الأولى دار الوفاء 1419-1998 القاهرة.
5. تدريب الراوي في شرح تقريب النووي لجلال الدين السيوطي تحقيق عبد الوهاب عبد اللطيف دار الفكر دون تاريخ.
6. الثوابت والمتغيرات في مسيرة العمل الإسلامي للدكتور صلاح الصاوي*
7. الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع لأحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي تحقيق د. محمود الطحان، مكتبة المعارف الرياض 1403.(1/40)
8. الرسالة المستطرفة لبيان مشهور كتب السنة المصنفة لمحمد بن جعفر الكتاني تحقيق محمد المنتصر محمد الزمزمي الكتاني ط الرابعة 1406 - 1986دار البشائر الإسلامية بيروت.
9. السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث للشيخ محمد الغزالي ط الأولى دار الشروق 1409-1989 .
10. سنن أبي داود، مراجعة محمد محيي الدين عبد الحميد، دار الفكر بدون تاريخ.
11. سنن الترمذي لأبي عيسى محمد بن عيسى الترمذي مراجعة صدقي محمد جميل العطار دار الفكر 1414-1994.
12. سنن النسائي لأحمد بن شعيب النسائي تحقيق عبد الفتاح أبو غدة ط الثالثة 1414 - 1994 مكتب المطبوعات الإسلامية حلب.
13. شرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك ، ط الأولى 1411 دار الكتب العلمية بيروت.
14. صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان لأبي حاتم محمد بن حبان البستي تحقيق شعيب الأرنؤوط ط الثانية 1414 - 1993 مؤسسة الرسالة بيروت.
15. فتح الباري بشرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني ترقيم محمد فؤاد عبد الباقي ط الثانية 1407-1987 دار الريان للتراث القاهرة.
16. شرح النووي على صحيح مسلم ليحيى بن شرف النووي الطبعة الثانية 1392 دار إحياء التراث العربي بيروت.
17. كيف نتعامل مع السنة النبوية، معالم وضوابط للدكتور يوسف القرضاوي دار المعرفة الدار البيضاء .
18. المستدرك للحاكم تحقيق مصطفى عبد القادر عطا الطبعة الأولى 1411 - 1990 دار الكتب العلمية بيروت.
19. مسند أبي عوانة دار المعرفة بيروت.
20. المعجم الكبير للطبراني تحقيق حمدي بن عبدالمجيد السلفي الطبعة الثانية 1404 - 1983 مكتبة العلوم والحكم الموصل .
21. مقاصد الشريعة الإسلامية للشيخ محمد الطاهر بن عاشور ط الأولى 1366هـ المطبعة الفنية تونس.
22. الموافقات في أصول الشريعة لأبي إسحاق الشاطبي ،تعليق عبد الله دراز، دار الكتب العلمية بيروت بدون تاريخ.(1/41)
23. نزهة النظر شرح نخبة الفكر لابن حجر ط الأولى 1409-1989 دار الكتب العلمية بيروت.
24. نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار من أحاديث سيد الأخيار لمحمد بن علي الشوكاني دار الفكر دون تاريخ.
1- ألف العلماء قديما وحديثا كتبا كثيرة في الدفاع عن السنة النبوية ورد هذه التهم ، فمن القدامى ابن قتيبة في كتابه (مشكل الحديث) والطحاوي في كتابه (مشكل الآثار).. ومن المحدثين الدكتور مصطفى السباعي في كتابه (السنة النبوية ومكانتها في التشريع الإسلامي) والشيخ عبد الغني عبد الخالق في كتابه (حجية السنة)، والشيخ المعلمي اليمني في كتابه ( الأنوار الكاشفة)..وغيرهم.
2- طبعت في جزءين، وصدرت عن المجمع الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية، و المعهد العالمي للفكر الإسلامي،الجزء الأول عام 1991 ، والثاني عام 1992.
3- السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث ص 24-25.
4- أعاد إصداره بنفس المضمون تقريبا تحت عنوان (مدخل إلى دراسة السنة النبوية).
5- كيف نتعامل مع السنة النبوية، معالم وضوابط ص 103.
6- المرجع نفسه ص 108.
7- تدريب الراوي 2/196.
8- تدريب الراوي 2/190.
9- من نماذج التفسير التي سلكت هذا المسلك (تفسير القرآن العظيم) لابن كثير وكتاب (أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن) لمحمد الأمين الشنقيطي.
10- الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع 2/212.
11- إعلام الموقعين 4/204-205.
12- الرسالة المستطرفة ص: 86.
13- انظر نزهة النظر شرح نخبة الفكر لابن حجر ص 54.
14- كما نبه على ذلك أستاذنا الدكتور فاروق حمادة في إحدى جلسات هذه الدائرة العلمية المباركة.
15- إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام 2/3-4.
16- نيل الأوطار 2 / 298 .
17- مقاصد الشريعة الإسلامية ص 48.
18- البخاري رقم 2330 في الحرث والمزارعة.
19- البخاري رقم 2327 في الحرث والمزارعة.(1/42)
20- البخاري رقم 2347 في الحرث والمزارعة، باب كراء الأرض بالذهب والفضة.وانظر مقاصد الشريعة الإسلامية ص 48-49.
21- فتح الباري 5/33.
22 - انظر الموافقات 1/24-26 و 2/39-40.
23- أي على سبيل الاجتماع لا الافتراق.
24- الموافقات 1/25.
25- مسلم بشر ح النووي 2/114 كتاب الإيمان باب تحريم إسبال الإزار والمن بالعطية وتنفيق السلعة بالحلف.
26- البخاري رقم 5787 في اللباس باب ما أسفل من الكعبين فهو في النار ،و النسائي في الزينة باب ما تحت الكعبين من الإزار 8/207.
27- النسائي في الزينة باب ما تحت الكعبين من الإزار 8/207.
28- البخاري في اللباس باب ما أسفل من الكعبين فهو في النار رقم 5784.
29- البخاري في اللباس باب ما أسفل من الكعبين فهو في النار رقم 5788.
30- مسلم بشرح النووي 14/62 كتاب اللباس والزينة ، باب تحريم جر الثوب خيلاء.وانظر هناك أحاديث أخر في معناه.
31- يقصد حديث عبد الله بن عمر أن رسول الله قال : ( لا ينظر الله عز وجل يوم القيامة إلى من جر ثوبه خيلاء)، أخرجه مالك في الموطأ 2/914.
32- التمهيد 3/ 244.
33- صحيح ابن حبان 2/282.
34- إكمال المعلم 1/381. ونحو هذا الكلام قاله النووي في شرحه على مسلم 2/116.
35- فتح الباري 10/275.
36- ويقال له أيضا سليم بن جابر، أبو جري بالتصغير الهجيمي (الإصابة 4/32).وحديثه أخرجه أحمد 5/63 وابن حبان في صحيحه 2/281 من حديث طويل ، وفيه : ( ..وإياك والمخيلة فإن الله تبارك وتعالى لا يحب المخيلة).واللفظ لأحمد،وصحح الشيخ شعيب الأرنؤوط إسناده (صحيح ابن حبان 2/281).
37- نيل الأوطار 2/113.
38- انظر (كيف نتعامل مع السنة النبوية) ص 106-107.
39- البخاري 2321 في الحرث و المزارعة باب ما يحذر من عواقب الاشتغال بآلة الزرع أو مجاوزة الحد الذي أمر به.
40- ذكر ذلك الشيخ الألباني فيما نقله عنه عبد اللطيف بن أبي ربيع في (نظم الفرائد مما في سلسلتي الألباني من فوائد) 2/70.(1/43)
41- يقصد حديث أنس الآتي .
42- فتح الباري 5/7.
43- البخاري 2320 في الحرث و المزارعة باب فضل الزرع والغرس إذا أكل منه ،وقول الله تعالى : (أفرأيتم ما تحرثون أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون لو نشاء لجعلناه حطاما)،ومسلم بشرح النووي 10/215.
44- مسلم بشرح النووي 10/213.وانظر أحاديث أخر في صحيح مسلم ، كتاب المساقاة والمزارعة ، باب فضل الغرس والزرع.
45- صحيح ،أخرجه أحمد 3/ 191. ورواه البزار أيضا، ورجاله أثبات ثقات( مجمع الزوائد 4/ 63).(انظر صحيح الجامع الصغير رقم 1424).
46- صحيح ،أخرجه أبو داود 3/274، والبيهقي 5/316. (انظر صحيح الجامع الصغير رقم 423).
47- عون المعبود 9/242.
48- فتح الباري 5/7.
49- انظر في هذا المعنى كتاب القرضاوي ( كيف نتعامل مع السنة النبوية) ص: 108-112.
50- البخاري رقم 7068 كتاب الفتن باب لا يأتي زمان إلا الذي بعده شر منه.
51- صحيح ابن حبان 13/ 282-284.
52- عزاه ابن حجر إلى يعقوب بن شيبة ( الفتح 13/24).
53- الفتح 13/24.
54- فتح الباري 13/24.
55- سنن الترمذي 2/296 كتاب الجنائز باب ما جاء في كراهية النعي ،ورواه موقوفا على ابن مسعود ، وقال إنه أصح من المرفوع.ثم قال: (حديث عبد الله حديث حسن غريب .وقد كره بعض أهل العلم النعي .والنعي عندهم أن ينادى في الناس بأن فلانا مات ليشهدوا جنازته. وقال بعض أهل العلم :لا بأس أن يعلم أهل قرابته وإخوانه ،وروي عن إبراهيم انه قال لا بأس بأن يعلم الرجل قرابته). سنن الترمذي 2/297.
56- سنن الترمذي 2/297 كتاب الجنائز باب ما جاء في كراهية النعي ،وقال : هذا حديث حسن صحيح .وحسن الحافظ إسناده في الفتح 3/117.
57- كتاب الجنائز باب الرجل ينعى إلى أهل الميت بنفسه رقم 1245 و1246.
58- فتح الباري 3/140.
59- البخاري في الصلاة باب كنس المسجد والتقاط الخرق والقذى والعيدان رقم 458، ومسلم بشرح النووي 7/25-26 في الجنائز باب الصلاة على القبر. واللفظ للبخاري.(1/44)
60- فتح الباري 3/140.
61- نيل الأوطار 4/ 97.
62- صحيح مسلم رقم 82 كتاب الإيمان باب إطلاق اسم الكفر على من ترك الصلاة.
63- صحيح ابن حبان رقم 1453 و1454 (4/304-305).
64- إكمال المعلم 1/343.
65- 4/304-328.
66- 4/317-319.
67- صحيح ،أخرجه مالك 1/123،ومن طريقه أبو داود 2/62 في الصلاة باب فيمن لم يوتر والنسائي 1/230 في الصلاة باب المحافظة على الصلوات الخمس. (انظر صحيح الجامع رقم3243).
68- انظر صحيح مسلم بشرح النووي 2/57 كتاب الإيمان باب النياحة والإباق نوع من الكفر.
69- إكمال المعلم 1/324.
70- رقم 29.
71- الفتح 1/104-105.
72- انظر شرح النووي على مسلم 2/55.
73- يشير إلى حديث عبد الله بن عمر مرفوعا: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ،ويقيموا الصلاة ،ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله) أخرجه البخاري في الإيمان باب ( فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم) رقم 25 ، ومسلم في الإيمان باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ،(مسلم بشرح النووي 1/212).
74- التوبة 5.
75- نيل الأوطار 1/370 -371.
76- الثوابت والمتغيرات في مسيرة العمل الإسلامي ص ؟
77- مسلم بشرح النووي 4/226-227.
78- انظر شرح معاني الآثار للطحاوي 1/458 وشرح النووي على مسلم 4/227 ونيل الأوطار 3/12.
79- انظر هذه الأحاديث في مسلم بشرح النووي 4/228-229.
80- البخاري 76 في العلم باب متى يصح سماع الصغير ؟ ومسلم بشرح النووي 4/222.واللفظ للبخاري.
81- شرح النووي على مسلم 4/227.
82- شرح النووي على مسلم 4/ 227.ومثل هذا المعنى نقله الزيلعي عن النووي في الخلاصة( نصب الراية 2/78).
83- 6/ 150-151.
84- انظر نيل الأوطار 3/12-14.(1/45)
85- أبو زيد هو أحد عمومة أنس بن مالك ، كما صرح بذلك أنس نفسه ، في حديثه عند البخاري كتاب مناقب الأنصار باب مناقب زيد بن ثابت رقم 3810.
86- كتاب فضائل القرآن باب القراء من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم رقم 5003 و500.
87- كتاب المغازي باب غزوة الرجيع ورعلِ وذكوان وبئر معونة وحديث عضل والقارة وعاصم بن ثابت وخبيب وأصحابه ، رقم 4088 و4090.
88- كتاب فضائل القرآن باب جمع القرآن ، رقم 4986.
89- انظر فتح الباري 8/669.
90- فتح الباري 8/668.
91- فتح الباري 8/668.
92- فتح الباري 8/669.
93- صحيح ابن حبان 13/131. وانظر أقوال العلماء في المسألة في فتح الباري 10/588-589.
94- صحيح ابن حبان 13/246.
95- صحيح ابن حبان 13/250.والدافة ، كما قال أبو حاتم، هي الجماعة يقدمون مُجِدين في السؤال.(صحيح ابن حبان 13/252).وقال ابن الأثير: الدافَّة: القوم يَسيرون جماعة سيرا ليس بالشديد، يقال هم يدفون دفيفا. والدافَّة: قوم من الأعراب يردون المصر. يريد أنهم قوم قَدِموا المدينة عند الأضْحَى فنَهاهم عن ادخار لحوم الأضاحي ليفرقوها ويتصدقوا بها فينتفع أولئك القادمون بها). ( النهاية في غريب الحديث 2/124).(1/46)
96- انظر الموافقات 3/262-263.وما ذكره رحمه الله تعالى بخصوص حديث ( إنما الأعمال بالنيات) ، وأنه واقع عن سبب وهو أنهم لما أمروا بالهجرة هاجر ناس للأمر وكان فيهم رجل هاجر بسبب امرأة أراد نكاحها تسمى أم قيس ولم يقصد مجرد الهجرة للأمر فكان بعد ذلك يسمى مهاجر أم قيس. فهذا الذي ذكره فيه نظر، فقد ساق ابن حجر رحمه الله تعالى الحديث من رواية سعيد بن منصور بسنده عن عبد الله بن مسعود قال: ( من هاجر يبتغي شيئا فإنما له ذلك هاجر رجل ليتزوج امرأة يقال لها أم قيس فكان يقال له مهاجر أم قبس )،ومن رواية الطبراني بلفظ (كان فينا رجل خطب امرأة يقال لها أم قيس فأبت أن تتزوجه حتى يهاجر فهاجر فتزوجها فكنا نسميه مهاجر أم قيس ) ثم قال : (وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، لكن ليس فيه أن حديث الأعمال سيق بسبب ذلك ولم أر في شيء من الطرق ما يقتضي التصريح بذلك). فتح الباري 1/16.
97- أخرجه مالك في الموطأ 1/129 كتاب صلاة الجماعة باب فضل صلاة الجماعة على صلاة الفذ ،واللفظ له، ومن طريقه البخاري 644 في الأذان باب وجوب صلاة الجماعة و 7224 في الأحكام باب إخراج الخصوم وأهل الريب من البيوت بعد المعرفة ،والنسائي 2/107 في الإمامة باب التشديد في التخلف عن الجماعة ،وابن حبان في صحيحه 5/450.
98- شرح النووي على صحيح مسلم 5/ 153.
99- أخرجه مسلم رقم 651 في المساجد باب فضل الجماعة .
100- أخرجه مسلم رقم 654 في المساجد باب صلاة الجماعة من سنن الهدى .
101- رقم 550 في الصلاة باب في التشديد في ترك الجماعة.
102- 2/108-109 في الإمامة باب المحافظة على الصلوات حيث ينادي بهن.
103- رقم 777 في المساجد باب المشي إلى الصلاة.
104- التمهيد لابن عبد البر 18 / 338.
105- أخرجه مالك في الموطأ 1/102، ومن طريقه البخاري 879 في الجمعة باب غسل الجمعة و 895 باب هل على من لم يشهد الجمعة غسل من النساء والصبيان وغيرهم، ومسلم 846 في الجمعة.(1/47)
106- صحيح ابن حبان 4/29.
107- مسلم بشرح النووي 6/130.
108- صحيح ابن حبان 4/ 28.
109- صحيح ابن حبان 4/37.
110- مسند أحمد 4/ 419.
111- أخرجه البخاري 902 في الجمعة باب من أين تؤتى الجمعة وعلى من تجب، واللفظ له، ومسلم 847 في الجمعة.ووقع عند مسلم وابن حبان 4/39 بلفظ: (فيأتون في العباء) بدل الغبار، وهو جمع عباءة. قال ابن حجر: (وهو أصوب). فتح الباري 2/448.
112- أخرجه البخاري 903 في الجمعة باب وقت الجمعة إذا زالت الشمس.
113- مالك في الموطأ 1/144 ، ومسلم 705 في صلاة المسافرين باب جواز الجمع بين الصلاتين في الحضر وأبو داود 1210 في الصلاة باب الجمع بين الصلاتين.
114- البخاري 543 في المواقيت باب تأخير الظهر إلى العصر ومسلم 705(56)?في صلاة المسافرين باب جواز الجمع بين الصلاتين في الحضر وأبو داود 1214 في الصلاة باب الجمع بين الصلاتين.
115- المسند 1/223.
116- مسلم 705(50 و51) في صلاة المسافرين باب جواز الجمع بين الصلاتين في الحضر.
117- مسند أبي عوانة 2/353.
118- المعجم الكبير للطبراني 10 / 218.
119- الموطأ 1/144.
120- رقم 705 في صلاة المسافرين باب جواز الجمع بين الصلاتين في الحضر. وانظر تأويلات العلماء لهذا الحديث ومناقشتها في شرح النووي على مسلم 5/218 ، وفتح الباري 5/30-31.
121- البخاري 660 في الأذان باب من جلس في المسجد ينتظر الصلاة وفضل المساجد، ومسلم بشرح النووي 7/120 في الزكاة باب فضل إخفاء الصدقة، واللفظ للبخاري.
122- انظر فتح الباري 2/168-169.
123- مسلم رقم 3006 في الزهد باب حديث جابر الطويل وقصة أبي اليسر ، والحاكم 2/33.
124- فتح الباري 2 /168.
125- شرح الموطأ 4/440.
126- أخرجه أحمد 1/ 20، والحاكم 2/98.
127- أخرجه أحمد 3/ 487 والحاكم 2/99.
128- عزاه ابن حجر إلى البغوي في شرح السنة ( فتح الباري 2/169).
129- فتح الباري 2/168.
130- فتح الباري 2/169.(1/48)
131- مسلم بشرح النووي 5/155،والنسائي 2/109، وأبو عوانة 1/352.
132- شرح مسلم 5/155.
133- 1/151 في الصلاة باب التشديد في ترك الجماعة.
134-2/368.
135-1/375.
136- 1/151 في الصلاة باب التشديد في ترك الجماعة.
137- 2/368.
138- 1/375.
139- البخاري رقم 5007 في فضائل القرآن باب فضل فاتحة الكتاب.
140- 4//1727.
141- 4/14 في الطب باب ما جاء في أخذ الأجر على التعويذ.
142- 4/398 .
143- المستدرك 1/746.
144- أخرجه مالك 2/952 ، والبخاري 660 في الأذان باب من جلس في المسجد ينتظر الصلاة وفضل المساجد، و1423 في الزكاة باب الصدقة باليمين، و6806 في الحدود باب فضل من ترك الفواحش ،والترمذي 2398 في الزهد باب ما جاء في الحب في الله . وهو عند مالك على الشك في راويه ،قال: عن أبي سعيد الخدري أو عن أبي هريرة .
145- مسلم بشرح النووي 7/120-122، في الزكاة باب فضل إخفاء الصدقة.
146- انظر شرح النووي على مسلم 7/120 وفتح الباري 2/171.
147- إكمال المعلم 3/563.
148- انظر فتح الباري 2/171-172.
149- البخاري 1507 في الزكاة باب صدقة الفطر صاعا من تمر.
150- البخاري 1508 في الزكاة باب صاع من زبيب.
151- البخاري 1511 في الزكاة باب صدقة الفطر على الحر والمملوك.
152- الموطأ 1/284.ومن طريقه البخاري 1504 في الزكاة باب صدقة الفطر على العبد وغيره من المسلمين، ومسلم 984 في الزكاة باب زكاة الفطر على المسلمين من التمر والشعير .ولم ينفرد مالك بهذه الزيادة بل رواها غيره، انظر صحيح ابن حبان 8/95-97،والتمهيد 14/312-321،وفتح الباري 3/433.
153- الفتح 3/433.
154- الفتح 3/434
155- التمهيد لابن عبد البر 14/333-334.
??
??
??
??
43
13(1/49)