مُقَدِّمَةٌ
في الجَرْحِ والتَعْدِيْلِ
إملاء
فضيلة الشيخ المحدث
عبد الله بن عبد الرحمن السَّعد
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد ، وعلى آله وأصحابه أجمعين .
شروط صِحّة المتن
أمّا ما يتعلق بالمتن ، فلا بُدَّ أن يكون هذا المتن تتوفر فيه ثلاثة شروط :
الشرط الأول : أن يكون هذا المتن لا يخالف نصاً جاء في الكتاب أو السنة , فإن المتن إذا كان مخالفاً لما جاء في القرآن والسنة ولا أمكن جمعه مع النصوص الأخرى فإن هذا المتن يكون متناً مردوداً .
ولا شك أن هذه المسألة مسألة مهمة ومسألة خطيرة ، والناس انقسموا فيها إلى ثلاثة أقسام : هناك قسم لا ينتبه للمتن ولا يدرس المتن ، وإنما يكون همه مقصوراً على الإسناد ، ولذلك أحياناً قد تجده يصحح أحاديث باطلة من حيث المتن ، ومردودة من حيث المتن ، وليست بمستقيمة .
ومن هذه الأمثلة ، الحديث الذي جاء بأن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يبعث من يأتي له بماء من مطاهر المسلمين يرجو بركة أيديهم ، هذا المتن لا شك أنه متن باطل وإسناده أيضاً إسناد باطل(1) .
وهناك ـ أيضاً ـ أمثلة كثيرة غير هذا المثال , فلا بد من أن يكون هذا المتن متناً مستقيماً غير مخالف لما جاء في القرآن أو السنة , وهناك من لا يهتم بالمتن ولا ينظر إليه عند حكمه على الحديث ، وإنما يكون هَمّه ما يتعلق بالإسناد .
وهناك قسم آخر هو بعكس هذا القسم ، وكل حديث يخالف ما يعتقده وما يهواه ويخالف ـ بزعمه ـ عقله يكون هذا المتن عنده مردوداً ـ والعياذ بالله ـ كما هو مذهب الخوارج والمعتزلة ومن سار على دربهم ومن اتبع منهجهم ممن أتى من بعدهم عافانا الله وإياكم من ذلك .
__________
(1) سبق تخريجه في ((مقدمة في علوم الحديث)) ص .(1/1)
ومن الأمثلة على هذا ما رَدّه المعتزلة من الأحاديث التي جاءت فيما يتعلق بالعذاب الذي يكون في القبر(1) ، فالمعتزلة ـ عافانا الله وإياكم ـ رَدّوا هذه الأحاديث بأن هذه الأحاديث ـ بزعمهم ـ تخالف الحِسّ والواقع .
كذلك أيضاً ما قاله بعض المعاصرين من أن الحديث الذي جاء في ((صحيح البخاري))(2) من حديث أبى بكرة الثقفي رضي الله تعالى عنه أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: ((لن يفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة)) ، قال : إن هذا الحديث ليس بصحيح ، لأنه يخالف هواه ويخالف الواقع بزعمه ، ولا شك أن العقل الصحيح والفطرة المستقيمة فضلاً عما جاء في هذا الحديث الصحيح توافق معنى هذا الحديث ، وأنه لا شك لن يفلح قوم وَلّوا أمرهم امرأة .
كذلك أيضاً ما قال بعضهم من أن حديث أبي هريرة الذي جاء في ((صحيح مسلم))(3) قال : أتى النبي × رجل أعمى ، فقال : يا رسول الله ، إنه ليس لي قائد يقودني إلى المسجد ، فسأل رسول الله × أن يرخص له فيصلي في بيته ، فرخص له ، فلما ولى دعاه فقال : ((هل تسمع النداء بالصلاة ؟)) فقال : نعم ، قال : ((فأجب)) .
وجاء تسمية هذا الأعمى بعبد الله بن أم مكتوم عند أبي داود والنسائي وغيرهم(4) .
__________
(1) وقد بيّن هذا المسألة عددٌ من أئمة أهل السنة ، ومنهم ابن أبي العز في ((شرح الطحاوية)) ص 572 وما بعدها .
(2) رقم (4425) ، (7099) .
(3) رقم (653) .
(4) أخرجه أبو داود (533) والنسائي (2 / 110) وغيرهم ، من طريق عبد الرحمن بن أبي ليلى عن ابن أم مكتوم ، وعبد الرحمن ولد لسنتين من خلافة عمر ، وابن أم مكتوم توفي آخر خلافة عمر ، فعلى هذا يكون مُنقطعاً ، وقد أخرجه أحمد ( 3 / 367 ) وابن حبان (2063) وأبو يعلى (1803) عن عيسى بن جارية عن جابر ، وعيسى بن جارية مُنكر الحديث .(1/2)
فقال بعض الناس ـ عافانا الله وإياكم ـ رَادّاً لهذا الحديث وطاعناً فيه : أن هذا الحديث خالف القرآن ، وذلك أن الله عز وجل قد قال : +لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا" ، فهذا الرجل أعمى ، ورجل شاسع الدار ، وليس له قائد يلائمه ، فكيف الرسول × يأمر بأن يأتي إلى المسجد ؟ وهو غير قادر على أن يقوم بهذه العبادة ، وأن الله عز وجل لا يُكَلِّف نفساً إلا وسعها ، فإن هذا الحديث يكون مخالفاً للقرآن ، هكذا قال هذا الشخص ، عافانا الله وإياكم من ذلك .
ولا شك أن هذا الشخص عقله هو الذي يخالف القرآن ، وليس هذا الحديث الصحيح .
فأقول رَدَّا ًوجواباً على ما قاله هذا الشخص ، أنه لا شك أن الرسول × لم يُكَلِّف هذا الأعمى بما لا يستطيع ، وإنما كَلَّفَه بما يستطيع , وذلك أن كَفِيْفِي البَصَر ينقسمون إلى قسمين :
القسم الأول : هناك من يصعب عليه أن يمشي إلا بقائد ، ولا يمكن أن يتحرك ، إلا بأن يكون هناك من يأخذ بيده .
والقسم الآخر : لا يحتاج إلى ذلك ، بل هو الذي يقدر على إيصالك إلى المكان الذي تريد .
فإن هناك منهم من قد يَدلّ المبصرين , وكان عبد الله بن أم مكتوم رضي الله تعالى عنه من هذا الصنف , وذلك بدليل أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يستنيبه على المدينة عندما يخرج إلى الجهاد والغزو ، وكان يُؤَمِّره على أهل المدينة ، فلولا أنه ـ رضي الله تعالى عنه ـ قادرا ًعلى إدارة شئون الناس ، وإلا لما كان عليه الصلاة والسلام قد أمّره ، ولذلك كان هو المؤذن ، فقد كان يؤذن للرسول × .(1/3)
وكذلك أيضاً ما جاء عند أحمد(1) بأن في معركة القادسية كان عبد الله بن أم مكتوم هو الذي يحمل اللواء ، وهو الذي بيده الراية ، ولا شك أن الذي يحمل الراية والذي يأخذ اللواء لابُدّ أن يكون إنساناً ذو شجاعة وقوة ، ومتصف بِصِفَاتٍ حتى تُؤَهِله إلى أن يقوم بهذا الأمر ، ويقوم بهذا العمل ، فلذلك الرسول عليه الصلاة والسلام أمَّرَه بأن يأتي .
ولذلك جاء في ((الصحيحين))(2) من حديث محمود بن الربيع عن عتبان بن مالك قال : قدمت المدينة فلقيت عتبان ، فقلت : حديث بلغني عنك ، قال أصابني في بصري بعض الشيء ، فبعثت إلى رسول الله × أني أحب أن تأتيني فتصلي في منزلي ، فأتخذه مصلى ، قال فأتى النبي × ومن شاء الله من أصحابه ، فدخل وهو يصلي في منزلي ، وأصحابه يتحدثون بينهم ، ثم أسندوا عظم ذلك وكبره إلى مالك بن دخشم ... الحديث .
__________
(1) أخرجه أحمد (3/132 ، 192) وابن الجارود (310) وابن سعد في ((الطبقات)) (4/212) وغيرهم ، من طريق عبد الرحمن بن مهدي عن عمران القطان عن قتادة عن أنس ، وقد تُوبع عمران القطان كما عند النسائي في ((الكبرى)) (8/19) ـ ولفظه مخالف لبقية الروايات ـ ، وابن جرير في ((التفسير)) (3/51) من طريق يزيد بن زُريع عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة به ، وكذلك جاء عند ابن أبي عاصم في ((الآحاد والمثاني)) (2/121 ـ 122) عن معمر وابن أبي هلال وسعيد بن بشير عن قتادة به .
(2) البخاري (667) ومسلم (33) .(1/4)
ففي هذا الحديث أن الرسول عليه الصلاة والسلام أقَرَّ عتبان بن مالك على ما طلبه من تركه للجماعة أحياناً ، وعتبان لم يفقد بَصَره وإن كان في بعض الروايات أنه قد فقد بَصَره ، لكن الروايات التي جاء فيها بأنه ضعف بَصَره أصح من الروايات الأخرى ، وفي بعض الروايات أنه كان رجلاً ضخماً ، وهذا بعدما كبر فَبَوَّب عليه ابن حبان(1) بأن السِمَن قد يمنع من الحضور إلى صلاة الجماعة , بسبب بعض الألفاظ أو هذا استنباطاً من بعض الألفاظ التي جاءت في هذا الحديث .
فالرسول × في القصة الأولى أمر الأعمى أن يحضر ، وفي القصة الثانية أقرَّ عتبان على عدم حضوره ، فتبين وجه تفريقه عليه الصلاة والسلام بين الأعمى وعتبان بن مالك رضي الله تعالى عن الجميع .
فتبيّن لنا مما سبق أن هناك صنف لا ينظر إلى المتن ، وصنف آخر كل متن ـ بزعمه ـ يخالف عقله الناقص يكون هذا المتن مردوداً ، فعلى الإنسان أن يبرأ من هذه الطائفة ، ومن الطائفة الأخرى .
وأمّا الذي سار عليه الصحابة والسلف وأهل الحديث من بعدهم هو النظر في المتن وفي الإسناد جميعه ، وأن هذا المتن إذا كان مستقيماً موافقاً لما جاء في القرآن والسنة فإنه يكون متناً صحيحاً مقبولاً .
__________
(1) كما في ((الإحسان)) (5/426) فقال : ذكر العذر الرابع وهو المفرط الذي يمنع المرء من حضور الجماعات .(1/5)
الشرط الثاني : أن يكون هذا الكلام يشبه كلام الرسول × ، فلا شك أن عليه الصلاة والسلام هو أفصح من نَطَقَ بالضَّاد ، وهو الذي جمع له الكلم عليه الصلاة والسلام ، وأوتي البيان ، فكلامه ليس مثل كلام باقي الناس ، فلا شك أن كلامه متميز عن غيره ، فعندما يُكثر الإنسان من القراءة في السنة النبوية ، وما جاء عن الرسول × تكون له مَلَكَة في التمييز ما بين الكلام الذي يشبه كلامه عليه الصلاة والسلام ، والذي لا يشبه كلامه ، وهذا ليس من قَبيل الحدس أو التخمين أو الظن ، وإنما تكون هذه قرينة مع قرينة الإسناد ومع القرينة السابقة ، فلابد من النظر في المتن وفي الإسناد .
الشرط الثالث : هو ألا تكون هذه الزيادة التي جاءت في هذا المتن لا تتوفر فيها شروط قبول الزيادة ، فليس كل زيادة جاءت في المتن تكون مقبولة ، بل لابُدّ أن تكون هذه الزيادة تتوفر فيها الشروط ، حتى تكون هذه الزيادة زيادة مقبولة ، فهذه الشروط الثلاثة لابُدّ أن تكون في المتن حتى يكون هذا المتن مستقيماً .
شروط صِحّة الإسناد
وأما ما يتعلق بالإسناد فكما ذكرت فيما يتعلق باتصال الإسناد من عدمه ، ذكرت بعض المسائل المتعلقة بهذه المسألة ، ثم بعد ذلك ما يتعلق بعلم الجرح والتعديل(1) ، ولعلي أذكر الآن ما يتعلق بعلم العلل .
فلا شك أن علم العلل أهَمّ علوم الحديث ، والغاية القُصْوى التي يَصِلُ إليها طالب علم الحديث ، ولا يمكن لأحد أن يُصَحِّحَ أو يُضَعِّفَ حتى يعرف علم العلل ، فهنا يكون تصحيحه أو تضعيفه مقبولاً وسليماً .
وفي الحقيقة أن العلة قد تكون في المتن ، وقد تكون في الإسناد ، وليس هذا موطن شرح أنواع العلل ، وإنما أحْبَبتُ أن أُنَبِّه على هذا الفن ، وعلى هذا العلم من علوم الحديث .
__________
(1) سبق في ((مقدمة في علوم الحديث)) ص(1/6)
وهذا العلم يمكن أن يُعرف من طريقين ، إما من طريق الناحية النظرية ، وإما من طريق الناحية العملية ، وبالذات الناحية العملية ، لابُدّ أن يُرَكَّز على هذه الناحية ، وأن يكثر من الرجوع إلى كتب العلل ، ولعلّ كتاب الإمام مسلم المسمى بـ ((التمييز)) هو من أحسن ما صُنِّفَ في العلل ، فإنه قد شَرَحَ كيفية التعليل ، وكيف يُعَلَّل الخبر ، وذكرتُ فيما سبق(1) أن الإمام مسلم يَتَمَيَّز بتسهيل المسألة التي يريد أن يبحثها ، والقضية التي يريد أن يعالجها ، فهو معروف بذلك رحمه الله تعالى .
ثم كتاب ((العلل)) للدارقطني ، فإنه ـ أيضاً ـ كتاب مسهّل ليس مثل غيره من كتب العلل من حيث الصعوبة ، ولاشك أن فيه صعوبة ، لكن ليس مثل كتاب ((العلل)) لابن أبي حاتم ، أو كتاب ((العلل الكبير)) للترمذي ، فكتاب الدارقطني أسهل من الكتب التي صُنِّفَت في علم العلل ، وكتاب ((العلل الكبير)) و((العلل)) لابن أبي حاتم من أصعب كتب العلل ، وأصعبها هو تعليلات البخاري في كتاب ((التاريخ الكبير)) ، فإنه أصعب أيضاً من كتاب ((العلل)) لابن أبي حاتم ومن كتاب ((العلل الكبير)) للترمذي .
علم الجرح والتعديل
وأما ما يتعلق بعلم الجرح والتعديل ، فعلم الجرح والتعديل ينقسم إلى قسمين :
أولاً : فيما يتعلق بكتب الجرح والتعديل ، والكتب التي تذكر ما جاء عن النُّقَّاد من تجريح أو تعديل للرواة .
ثانياً : فيما يتعلّق بقواعد الجرح والتعديل .
أما ما يتعلق بالقسم الأول : فكتب الجرح والتعديل يمكن أن تُقَسَّم إلى قسمين :
القسم الأول : هي الكتب التي تَذْكُر أقوال النُّقَّاد من المعدلين والمجرحين ، بدون مناقشة ، أو ترجيح قول على قول .
وتنقسم هذه الكتب إلى قسمين :
أولاً : هي الكتب التي تذكر أكثر من قول في الراوي .
ثانياً : الكتب التي تَقْتَصِر على قول واحد ، وعلى الراجح في هذا الراوي .
__________
(1) كما في ((مقدمة في علوم الحديث)) ص(1/7)
فأما ما يتعلق بالقسم الأول : فهذا أيضاً على قسمين : إما أن تكون هذه الكتب كتب أصلية مسندة ، أي تسند الأقوال التي جاءت عن أئمة الجرح والتعديل ، وإما ألا تسندها ، وإنما تنقلها من هذه الكتب .
أهم كتب الجرح والتعديل
أهم كتب الجرح والتعديل ، وقد أُلِّفت في القرون الثلاثة الأولى ، قرون الرواية :
1 ـ ((التاريخ الكبير)) للبخاري .
2 ـ ((الجرح والتعديل)) لابن أبي حاتم .
3 ـ ((الثقات)) لابن حبان .
فهذه الكتب الثلاثة هي أهم كتب الجرح والتعديل في القرون الثلاثة الأولى ، التي هي قرون الرواية ويضاف إليها :
4 ـ ((الكامل)) لابن عَدِي .
5 ـ ((الضعفاء)) للعُقَيْلي .
6 ـ ((المجروحين)) لابن حبان .
وكذلك أيضاً كتب السؤالات التي وُجِّهَت لأئمة النقد ، وأئمة الجرح والتعديل كابن معين ، وما أكثر ما سُئِلَ ـ رحمه الله تعالى ـ عن الرواة وأكبر الكتب التي نَقَلَت كلام يحيى ابن معين هو كتاب ((التاريخ)) ، برواية عباس الدّوري .
ثم أيضاً السؤالات المُوَجَّهَة للإمام أحمد ، أو لعلي بن المديني ، أو لأبي داود ، أو لغيرهم من أئمة الجرح والتعديل ، وكما ذكرتُ ؛ الكتب الثلاثة الأولى هي من أهم كتب الجرح والتعديل .
فهذه الكتب الستة هي من أهم الكتب في الجرح والتعديل .
ثم بالنسبة للقسم الثاني : وهي التي تقتصر على قول واحد ، وترى أنه هو الراجح في هذا الراوي ، مثل :
1 ـ ((الكاشف)) للإمام الذهبي .
2 ـ ((تقريب التهذيب)) للحافظ بن حَجَر ، فهذا الكتاب ـ كما هو معلوم ـ يقتصر على القول الراجح في هذا الراوي ، ولا يَذكر الحافظ بن حجر قولين أو أكثر إلا في مرات نادرة أو قليلة ، وإلا ففي الغالب يقتصر على قول واحد يرى أنه هو الراجح .
القسم الثاني : الكتب التي تَذْكُر أقوال النُّقَّاد ، وترجح قول على قول من الأقوال التي تذكرها ، وتعالج ما جاء عن أئمة الجرح والتعديل في نقدهم لهذا الراوي .(1/8)
فهذه الكتب ـ مثلاً ـ ككتاب ((الكامل)) لابن عدي ، وإن كُنت قد ذكرته في القسم الأول لأهميته ، فكذلك هو داخل ـ أيضاً ـ في القسم الثاني .
فابن عَدِي ـ رحمه الله ـ عندما يذكر هذه الأقوال ، يناقشها ويرجح في الغالب القول الذي يترجح له ويتبين له في هذا الراوي ، بخلاف ـ مثلاً ـ ابن أبي حاتم ، فإنه يذكر ما قيل في هذا الراوي من تجريح أو تعديل ، وكذلك كتاب ((تهذيب الكمال)) فإنه يذكر الأقوال التي التي قِيْلَت في هذا الراوي .
وكتاب ((الكامل)) هو في الحقيقة من أهم الكتب في هذا المجال ، ثم أيضا كتاب ((الميزان)) ، فـ ((الميزان)) للحافظ الذهبي كتاب مُهِمٌّ ، فعندما يذكر الأقوال ، ففي الغالب يناقشها ، وأحياناً يذكر الأقوال ويسكت ، ولكن كثيراً ما يناقش هذه الأقوال ، وكذلك ((سير أعلام النبلاء)) فكثيراً أيضاً ما يناقش هذه الأقوال التي يذكرها .
وفي الحقيقة أن كتاب ((الميزان)) يُعْتَبَر من أهم كتب الجرح والتعديل ، لأنه عندما يذكر الأقوال يناقشها ، ويذكر قواعد الجرح والتعديل ، فيستفيد القارئ لهذا الكتاب من هذه القواعد التي تذكر في هذا الكتاب في أثناء مناقشة الأقوال التي جاءت عن النُّقَّاد .
وكذلك أيضاً الفَصْل الذي ذَكَره الحافظ ابن حجر في كتابه ((هدي السَّاري)) الذي قدم به لكتابه((فتح الباري)) ، فجعل فَصْلاً في الرواة الذين خَرَّج لهم البخاري في ((الصحيح)) وقد تكلم فيهم ، فيذكر هؤلاء الرواة ويذكر الأقوال التي قِيْلَت فيهم باختصار ، وكثيراً ما يناقش هذه الأقوال التي قِيْلَت في أمثال هؤلاء الرواة .
أعود إلى الكتب التي لا تسند ما جاء عن النُّقَّاد من كلام في الرواة ، فقد ذكرت فيما سبق أن الكتب التي ألفت في الجرح والتعديل يمكن أن تنقسم إلى قسمين ؛ كتب أصلية ، وكتب فرعية ، والكتب الأصلية هي التي تسند الأقوال التي تذكرها عن أئمة الجرح والتعديل ، وذكرتُ أهم الكتب في هذا المجال .(1/9)
أما بالنسبة للقسم الآخر فأهم الكتب في هذا القسم هو كتاب ((تهذيب الكمال)) للحافظ المزي ، وهذا الكتاب أصله كتاب ((الكمال في أسماء الرجال)) للحافظ عبد الغني المقدسي ، والحافظ عبد الغني المقدسي جَمَعَ كتابه من عِدَّة كتب .
والمزي قد توفي في عام 742 ، وعبد الغني المقدسي توفي في عام 600 ، فالمزي في كتابه ((تهذيب الكمال)) هَذَّب كتاب الحافظ عبد الغني المقدسي ، وزاد فيه زيادات كثيرة ، ثم جاء الحافظ الذهبي وألّف ((تذهيب تهذيب الكمال)) واستدرك فيك أشياء على المزي ، أيضاً ((الكاشف)) وذكر فيه الحكم على فقط ، ثم صنّف الحافظ مُغلطاي كتاب ((إكمال تهذيب الكمال)) واستدرك فيه أشياء على المزي ، ثم جاء بعده الحافظ ابن حجر وصنف كتاب ((تهذيب التهذيب)) ، وكتاب ((تهذيب التهذيب)) أحسن من كتاب الحافظ الذهبي ، فـ ((تهذيب التهذيب)) للحافظ بن حجر هَذَّب به كتاب ((تهذيب الكمال)) للحافظ المزي ، وَضَمّ إليه أيضاً زيادات وفوائد أخرى قد ذكرت في بعض الكتب التي ألفت على ((تهذيب الكمال)) للحافظ المزي فـ ((تهذيب التهذيب)) في الحقيقة هو من أنفس هذه الكتب ، لأنه جَمَعَ ما عند الحافظ المزي ، وأضاف إلى كتاب الحافظ المزي أيضاً ما فَاتَ من أقوالٍ جاءت في الرواة ، فَفِي الحقيقة أن ((تهذيب الكمال)) و((تهذيب التهذيب)) من أحْسَن الكتب التي ألفت في هذا القسم .
وكتاب الحافظ المزي يَتَمَيَّز بِذكر جميع شيوخ ذلك الراوي الذين روى عنهم في الكتب الستة ، وأيضاً بِذكر جميع تلاميذ هذا الراوي الذين رووا عنه في الكتب الستة .(1/10)
وأما الحافظ بن حجر في ((تهذيب التهيب)) فإنه اختصر شيوخ الراوي وتلاميذه واقتصر على بعضهم ، لكن تَمَيَّز على ((تهذيب الكمال)) بأنه ضَمّ إليه أقوالاً كثيرة قد فَاتَت الحافظ المزي ، فيعتبر ((تهذيب التهذيب)) أوسع من كتاب ((تهذيب الكمال)) فيما يتعلق بِجَمْع أقوال الرواة التي جاءت في هذا الراوي ، ويُعْتبر هذا الكتاب مع كتاب ((سير أعلام النبلاء)) من أوسع الكتب التي جَمَعَت أقوال النُّقَّاد ، بل إذا ضُمّ لهذه الكتب كتاب ((لسان الميزان)) للحافظ ابن حجر ، فهذه الكتب الثلاثة هي أوسع الكتب التي جَمَعَت أقوال النُّقَّاد .
ويقول الحافظ بن حجر(1) : أن من جمع بين ((تهذيب التهذيب)) و((لسان الميزان)) يكون قد استوفى ـ تقريباً ـ أغلب الرواة ، وذلك أن هذين الكتابين هما من أحْسَنِ ما ألف في الرواة ، وما جاء عن النُّقَّاد في أحوال هؤلاء الرواة .
و((لسان الميزان)) أصله ((ميزان الاعتدال)) كما هو معلوم ، وقد استدرك العراقي عدداً من الرواة على ((ميزان الاعتدال)) ، وكذلك الحافظ بن حجر في كتابه ((لسان الميزان)) فإنه ذكر رجال ((ميزان الاعتدال)) للذهبي وأضاف إليهم ما استدركه الحافظ العراقي ، وحذف الرواة الذين تَرجم لهم في ((تهذيب التهذيب)) ، فكل راوٍ في ((لسان الميزان)) فهو زائد على ما جاء في ((تهذيب التهذيب)) .
مميزات بعض كتب الجرح والتعديل
1 ـ ((التاريخ الكبير)) للإمام البخاري .
يُعتبر ((التاريخ الكبير)) للبخاري ، هذا الكتاب من أنفس ما كتب في علم الجرح والتعديل ، ويَتَمَيَّز بعدّة مميزات :
أولاً : هذا الكتاب قد ذَكَرَ أسماء كثيرة من أسماء الرواة .(1/11)
والبخاري حاول أن يستوعب في هذا الكتاب جميع الرواة الذين لهم رواية ، وإن كان قد فَاتَه الكثير ، لكن حاول أن يستوعب ، ولذلك تجده ـ أحياناً ـ يذكر بعض الرواة الذين ليس لهم إلا حديث واحد ، وقد يكون أيضاً هذا الاسم الذي ذكره في ((التاريخ الكبير)) هو الحقيقة وَهْمٌ وخطأ ، ومع ذلك يذكره البخاري ، فهذه ميزة تميز بها البخاري ، فكتابه أوسع من جميع الكتب التي سبقته ، ولذلك الكتب التي جاءت من بعده استفادت منه كثيراً ، ككتاب ((الجرح والتعديل)) لابن أبي حاتم .
ثانياً : أنه يذكر بعض الأشياء التي تتعلق بهذا الراوي من جهة الصناعة الحديثية ، فتجده يتكلم في بعض الرواة بالجرح والتعديل ، وبعضهم لا يتكلم عليهم .
ويُعتبر كتاب ((الجرح والتعديل)) لابن أبي حاتم أوسع في الكلام على الرواة من البخاري في ((التاريخ الكبير)) .
ثالثاً : أنه كثيراً ما يهتم بشيوخ وتلاميذ هذا الراوي .
رابعاً : أنه يذكر هل هذا الراوي سمع من الشيخ الذي يروي عنه أم لم يسمع ؟ فهو مهتم بهذا الأمر غاية الاهتمام ، ولذلك يُعْتَبَر كتابه من أهم الكتب التي تبحث هذه المسألة .
فكثيراً ما يُنَبّه ؛ على مسألة السماعات ، فيقول مثلاً : (فلان لم يسمع من فلان) وهذه فائدة مهمة ، وقد ألّف ابن أبي حاتم ثلاثة كتب مَبْنِيَّة على كتاب ((التاريخ الكبير)) وهي :
1 ـ ((الجرح والتعديل)) .
2 ـ ((العلل)) ، وسوف يأتي أن من ميزات كتاب ((التاريخ الكبير)) أنه كتاب معلل .
3 ـ كتاب ((المراسيل)) .
فالشاهد من هذا أن كتاب ((المراسيل)) هو في مسألة سماع هؤلاء الرواة من شيوخهم ، هل سمعوا أو لم يسمعوا ؟
فهذا الكتاب قد بَنَاه على كتاب ((التاريخ الكبير)) للبخاري , فالبخاري يهتم كثيراً بهذه المسألة .(1/12)
خامساً : من ميزات ((التاريخ الكبير)) : أن الراوي إذا وَقَعَ في اسمه اختلاف فإنه يبين هذا الاختلاف ، ويحاول أن يذكر الراجح في اسم هذا الراوي ، حتى إنه أحياناً يَتَوَسَّع في سِيَاقِ الأسانيد ، من أجل أن يبين اسم هذا الراوي الذي وقع في اسمه اختلاف .
وهذه قضية مهمة جداً ، فالراوي قد يقع في اسمه اختلاف وهذا كثيراً ما يحصل ، فقد يظن الظان أن هذا الاختلاف يفيد تعدد الرواة ، وقد يظن أن هذا الاسم هو لراوٍ ، وهذا الاسم الآخر لراوٍ ، وهذا الاسم الثالث لراوٍ آخر ، بينما هو اسم لراوٍ واحد ، اختلف في اسمه ، وأحياناً قد يقع الاختلاف في اسم هذا الراوي على عشرة أوجه وأحياناً أكثر من ذلك ، فالبخاري أيضاً يهتم بهذه القضية .
سادساً : من ميزات كتاب ((التاريخ الكبير)) : أن الاسم الذي يكون وهماً وخطأً يذكره ، ولذلك من لم يعرف صَنِيْعه في هذا قد يَظن أن البخاري قد أخطأ وظن أن هذا الراوي غير الراوي السابق ، فالبخاري يتعمد ذلك .
فالراوي عندما يقع في اسمه اختلاف في وجهين أو ثلاثة ، فأحياناً يذكر هذا الاسم الذي اختلف فيه في مكانه .
فمثلاً : أحمد بن محمد ، لو اختلف في اسم أبيه فقيل إبراهيم أو خالد فإن البخاري يترجم له ثلاثة مرات بهذه الأسماء الثلاثة .
فأحياناً عندما تقف على اسم هذا الراوي ويكون وقع في هذه الرواية خطأ ، فعندما ترجع إلى ((التاريخ الكبير)) للبخاري تجد أن هذا الاسم موجود ، فهذه الفائدة مُهمة من فوائد ((التاريخ الكبير)) .
سابعاً : من فوائد هذا الكتاب أنه كتاب مُعَلَّل ، فيه عِلَل كثير من الأحاديث .(1/13)
فمن هذه الأحاديث التي عَلَّلَها في هذا الكتاب ، الحديث الذي جاء عن أبي موسى الأشعري أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال : ((إن أمتي أمة مرحومة ، جعل عذابها بأيديها في الدنيا))(1) ، فالبخاري عندما ذكر هذا الحديث قال(2) : والخبر عن النبي × في الشفاعة وأن قوماً يُعذَّبون ، ثم يخرجون أكثر وأبين وأشهر ، ويريد بذلك أن يُعَلِّل ما جاء في هذا الحديث ، وهو أن ظاهر هذا الحديث أنه ليس هناك عذاب في الآخرة على المسلمين ، وأن الفتن والمصائب هي عذاب هذه الأمة ، بينما الأحاديث التي جاءت في دخول عدد من هذه الأمة إلى النار ، وأن هناك من يُعَذَّب ، ثم يخرج بشفاعة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، أو الملائكة ، أو الصالحين ، أو برحمة رب العالمين سبحانه وتعالى ، فهذه الأحاديث تفيد أن هناك من يُعَذَّب ، من المسلمين يوم القيامة خلافاً لما جاء في هذا الحديث الذي أعلّه البخاري .
فممن ميزات هذا الكتاب أنه عَلَّلَ أحاديث كثيرة ، وبين علتها في هذا الكتاب ولذلك ـ كما ذكرتُ ـ أن ابن أبي حاتم قد ألف ثلاثة كتب استفادها من ((التاريخ الكبير)) ، ومنها كتاب ((العلل)) له ، وأورد في كتاب ((العلل)) أكثر من ثلاثة آلاف حديث ـ بَيَّن عِلَل هذه الأحاديث ، ووضّح ما في أسانيدها من كلام .
ثامناً : مما يتميز به هذا الكتاب أنه أورد كثيراً من الأحاديث والآثار ، وأسندها .
فهذه بعض الفوائد التي جاءت في هذا الكتاب ، ولذلك قال إسحاق بن راهويه للأمير في زمانه : ألا أُريك سِحراً ، ويقصد بذلك كتاب ((التاريخ الكبير)) للبخاري(3) .
2 ـ ((الجرح والتعديل)) لابن أبي حاتم .
__________
(1) التاريخ الكبير)) (1/37 ـ 40) .
(2) التاريخ الكبير)) (1/39) .
(3) سير أعلام النبلاء)) (12/403) .(1/14)
بالنسبة لكتاب ((الجرح والتعديل)) لابن أبي حاتم فيتميز بأنه حاول أن يستقصي الأقوال التي قِيلت في الراوي الذي ترجم له ، فنادراً ما يذكر اسماً من الأسماء ويتركه خالياً من كلام النُّقَّاد ، وقد قال في المقدِّمة : (على أنّا قد ذكرنا أسامي كثيرة مهملة من الجرح والتعديل ، كتبناها ليشتمل الكتاب على كل من روى عنه العلم ، رجاء وجود الجرح والتعديل فيهم فنحن ملحقوها بهم من بعدُ إن شاء الله تعالى)(1) .
ففي هذا الكتاب جَمَعَ كثيراً من أقوال النُّقَّاد ، سواء كان من أقوال أبيه أبو حاتم ، أو أبي زرعة ، أو أقوال ابن معين ، أو أقوال الإمام أحمد ، وغيرهم من الحفاظ والنُّقَّاد ، فهذه ميزة يتميز بها هذا الكتاب .
3 ـ ((الثقات)) لابن حبان .
فهذا الكتاب ـ أيضاً ـ كتاب نفيس ، ولا يخفى أن ابن حبان له حَدّ للثقة ، يتميز به عن غيره ، فعنده أن الثقة هو كل من لم يُجْرَح(2) ، وإن كان ذكر شروطاً للرواة الذين يذكرهم في كتابه(3) .
ويتميز كتاب ((الثقات)) أنه جَمَعَ أسماء كثير من الرواة .
4 ـ ((الكامل في ضعفاء الرجال)) لابن عَدِي .
كتاب أيضاً نفيس ، وحاول أن يستقصي جميع الرواة الذين مُسُّوا بكلام ، سواء كان هذا الكلام مقبولاً أو ليس بمقبول ، ولذلك سُمِّي بـ ((الكامل)) .
__________
(1) الجرح والتعديل)) (2/38) .
(2) الثقات)) (1/13) .
(3) الثقات)) (1/12) .(1/15)
فطريقته أنه يذكر كلام النُّقَّاد ، ثم يذكر بعد ذلك ما يستنكر على هذا الراوي ، ثم بعد ذلك يذكر ما ترجح له في هذا الراوي ، يختم ترجمة هذا الراوي فيما يترجح له ، ويتوسع في ذكر الأحاديث التي قد تُسْتَنْكَر على هذا الراوي ، بالذات إذا كان مُكثراً مثل ما تَوَسَّع جداً في ترجمة شَرِيك بن عبد الله القاضي(1) ، أورد أكثر من عشر صفحات ـ تقريباً ـ في ترجمة شَرِيك بن عبد الله القاضي ، فذكر أحاديث كثيرة يمكن أن تُسْتَنْكَر على شَرِيك بن عبد الله القاضي ، وذكر ـ أيضاً ـ بعض القصص التي جاءت عن شَرِيك والتي تُبَيِّن مكانته العلمية ، ومنزلته القضائية .
5 ـ ((الضعفاء الكبير)) للعُقَيلي .
هذا الكتاب أيضاً كتاب نفيس وقيم ، ويتميز بميزة مهمة ، وهي أنه ـ رحمه الله ـ عندما يذكر بعض الأحاديث التي تُسْتَنْكَر على هذا الراوي يُبَيِّن صحة هذا الحديث من عدمه ، فيقول مثلاً : وجميع ما جاء في هذا الباب من الأحاديث لا تصح .
فمثلاً : أحاديث البسملة ، قال : (الأسانيد في هذا الباب فيها لِين)(2) .
أو إذا كان هذا الحديث الذي استنكر على هذا الراوي ، وقد جاء من طرق أخرى وهي الصحيحة ، يبين ـ أيضاً ـ ذلك ويقول : إن هذا الحديث قد جاء بأسانيد أخرى صحيحة ، كما ذَكَرَ حديثاً يتعلق بالمهدي وخروجه فقال : (وفي المهدي أحاديث جِيَاد من غير هذا الوجه ، بخلاف هذا اللفظ)(3) .
6 ـ ((المجروحين)) لابن حِبَّان .
كتاب ((المجروحين)) لابن حبان كتاب قيم أيضاً ونفيس ، ويتميز بميزتين :
الميزة الأولى : المقدمة الواسعة التي قَدّم بها لكتابه ، وذكر عشرين سبباً يُمكن أن يُجْرَح بها الراوي(4) .
الميزة الثانية : أنه ذَكَرَ أسماء كثيرة ممن ترجح له ضعفهم .
بعض الكتب التي ترجمت لرجال كتب مُعيّنة
__________
(1) الكامل)) (4/1321 ـ 1338) .
(2) الضعفاء)) (1/177) .
(3) الضعفاء)) (3/253) ، وقال نحوه في (2/76) .
(4) المجروحين)) (1/62 ـ 85) .(1/16)
هناك كتب ألفت في رجال البخاري ، وكتب ألفت في رجال مسلم ، وكتب ألفت في رجال أبي داود ، ورجال النسائي ، ورجال ابن ماجة ، وهناك كتب ألفت في رجال ((مسند الإمام أحمد)) ، وزوائد عبد الله ، و((المسند)) الذي جُمِعَ للشافعي ، و((موطأ الإمام مالك)) ، وكذلك المسانيد التي جمعت لأبي حنيفة .
وقد صنّف الحافظ ابن حجر كتابه ((تعجيل المنفعة)) في زوائد رجال الأئمة الأربعة ، وتكلم فيه على الرواة الذين روى عنهم الأئمة الأربعة وليسوا من رجال الستّة .
لعلي أذكر بعض الكتب التي أُلِّفت في بعض كتب الحديث
7 ـ ((ذكر أسماء التابعين ومن بعدهم ممن أخرج لهم البخاري ومسلم في صحيحيهما)) للدارقطني .
وهناك عدة كتب ألفت في رجال البخاري لابن عَدِي وغيره .
ومنها :
8 ـ ((التعديل والتجريح لمن خرج له البخاري في الجامع الصحيح)) لأبي الوليد الباجي .
وهو من أهم الكتب التي ألفت في رجال البخاري لأبي الوليد الباجي المتوفي عام 474 ، فهذا الكتاب كتاب قيم نفيس ، ويتميز بميزات :
الميزة الأولى : أنه قدم بمقدمة نفيسة ، ذَكَرَ فيها بعض قواعد الجرح والتعديل .
الميزة الثانية : أنه يذكر من خلال ترجمة الراوي المواطن التي خَرَّج فيها البخاري لهذا الراوي ، يقول مثلاً : خَرَّج له في كتاب الوحي ، أو في كتاب الإيمان ، أو في كتاب الصلاة ، في كذا ، فهذه فائدة مهمة .
أيضاً إذا كان هذا الراوي خَرَّج له البخاري في موطنين أو ثلاثة يذكر بقيّة المواطن ، فتستفيد من خلال ذلك ، هل هذا الراوي أكثر عنه البخاري أو لم يكثر ؟
فكتاب ((التعديل والتجريح)) هو ـ تقريباً ـ من أحسن ما كُتِبَ في رجال البخاري .
وأما بالنسبة لـ ((صحيح الإمام مسلم)) ، فهناك كتب ألفت فيه ، ومن هذه الكتب :
9 ـ ((رجال مسلم)) لأبي بكر ابن منجويه .
وقد ذَكَرَ ـ تقريباً ـ كل من خَرَّج له مسلم في كتابه ((الصحيح)) .(1/17)
كذلك أيضاً ألفت كتب في رجال أبي داود ، ورجال النسائي ، وبالنسبة لرجال أبي داود فليس هناك كتاب مطبوع مُفرد فيهم ، وكذلك صُنِّفت كتبٌ لرجا النسائي لكن لم يُطبع مهنا شيء .
وبالنسبة لابن ماجه فللذهبي كتاب في رجاله ، سرد رجال ابن ماجه سرداً ، واسمه ((المجرد لرجال ابن ماجه)) وهو مطبع .
وبالنسبة للترمذي أيضاً لا أعلم أن هناك كتاب مطبوع بالنسبة لرجاله ، وإن كانت هناك كتب مؤلفة ، لكن لم تطبع ، وهناك تصنيف لبعض المعاصرين في رجال الترمذي ، لكن إلى الآن هذا الكتاب لم يطبع ، ولا زال مُسودة .
فهذه الكتب تقريباً هي أهم ما ألف في الجرح والتعديل ، وفي الرواة ، وفي نقدهم ، وهذا كله بالنسبة للقرون الثلاثة ، قرون الرواية .
وإن كان بعض هذه الكتب أيضاً تَرجمت لمن أتى من بعدهم كـ ((الميزان)) و((لسان الميزان)) و((تاريخ الإسلام)) للذهبي ، و((سير أعلام النبلاء)) ، وكذلك أيضاً التواريخ ، كـ ((تاريخ دمشق)) لابن عساكر ، و((تاريخ بغداد)) للخطيب البغدادي ، وكذلك أيضاً كتب الطبقات ، كطبقات الحنفية ، أو المالكية ، أو الشافعية ، أو الحنابلة ، فهذه الكتب هي شاملة للقرون الثلاثة ولمن أتى من بعدهم على حسب شروط أصحاب هذه الكتب .
بالنسبة ـ مثلاً ـ لـ((تاريخ دمشق)) لابن عساكر يذكر كل من دَخَلَ دمشق ، سواء كان من الصحابة ، أو ممن أتى من بعدهم إلى عصره .
وكذلك أيضاً بالنسبة لـ ((تاريخ بغداد)) للخطيب البغدادي ، أيضاً يذكر كل من يَدْخل بغداد ، وكذلك أيضاً بالنسبة لكتب الطبقات على المذاهب تُؤرِّخ لرجال مذهبها ، مثلاً طبقات الحنابلة تؤرخ للإمام أحمد ، ثم لتلاميذه ، ثم لمن أتى من بعدهم ، وهكذا .(1/18)
فعلى طالب العلم أن يَنْتبه إن كان هذا الراوي الذي يريد أن يبحث عنه هو من القرون الثلاثة الأولى ، كأن يكون جاء في ((صحيح البخاري)) ، أو مسلم ، أو في ((سنن أبي داود)) ، أو الترمذي ، أو النسائي ، أو ابن ماجه ، وأمثال هذه الكتب ، فيرجع في هذا إلى الكتب التي ألفت في هذا المجال .
أو إذا كان هذا الراوي في القرن الخامس أو السادس ، يرجع إلى الكتب التي ألفت في هذا المجال ، وهكذا .
قواعدٌ في الجرح والتعديل
فلا شك أن هذا العلم علمٌ مهم ، ويحتاج إلى فهم ومعرفة ، حتى يستطيع النَّاقد أو الذي يريد أن يحكم على هذا الراوي أن يعرف القول الراجح فيه ، فهناك قواعد ينبغي أن تُطبّق ، وأن تُلتزم حتى يُعرف الراجح في هذا الراوي من حيث الأقوال التي قِيلت فيه .
وفي الحقيقة أن هذا ليس مكان ذِكْر هذه القواعد ، وهذه القواعد ـ تقريباً ـ ثلاثة عشرة قاعدة ، ولقد ذكرتها في مكان غير هذا المكان ، وشرحت هذه القواعد(1) ، لكن لعلي أن أتكلم على بعض الكتب التي ذكرت هذه القواعد .
فمن أهم هذه الكتب التي ذَكَرَت بعض قواعد الجرح والتعديل كتاب ((التعديل والتجريح لمن خرج له البخاري في الجامع الصحيح)) للباجي ، فالباجي قَدَّم لكتابه بمقدمة نفيسة تتعلق ببعض القواعد التي ينبغي أن تُطَبّق في هذا المجال(2) .
ومن أهم القواعد التي ذَكَرَها في كتابه ((التجريح والتعديل)) مسألة ما يُسَمَّى بالجرح النسبي ، وذلك عندما يُوثق الراوي بالنسبة لغيره ، أو يجرح بالنسبة لغيره ، فينبغي الانتباه لهذه القاعدة ، فقد ذكرها الباجي ، وضَرَبَ عليها بعض الأمثلة(3) .
__________
(1) وهي في رسالة ((قواعدٌ في الجرح والتعديل)) .
(2) التعديل والتجريح)) (1/280 ـ 307) .
(3) التعديل والتجريح)) (1/286 ـ 288) .(1/19)
كذلك أيضاً من الكتب التي ذَكَرَت بعض قواعد الجرح والتعديل كتاب ابن القطان الفاسي ((بيان الوهم والإيهام)) على كتاب الأحكام لعبد الحق الإشبيلي ، فإن ابن القطان الفاسي نَاقَش عبد الحق الإشبيلي في كثير من هذه الأحاديث ، وذَكَرَ أيضاً كثيراً من الرواة ، وناقش أيضاً الأقوال التي قِيلت في هؤلاء الرواة ، وذكر بعض القواعد في هذا المجال .
ومن جُملة القواعد التي ذَكَرَها في هذا المجال هو أنه يفسر عِبَارات النُّقَّاد التي قِيلت في الرواة ، وهذه القاعدة قاعدة مهمة ، فكثيراً ما يُفسر أقوال النُّقَّاد التي جاءت عنهم في هذا المجال .
مثلاً : (فيه نظر) و(سكتوا عنه) عند البخاري ، أو (مقارب الحديث) وهكذا ، فهو ـ رحمه الله ـ كثيراً ما يُفسر مثل هذه الأقوال .
كذلك أيضاً بالنسبة للذهبي في كتبه ، سواء كان ذلك في ((ميزان الاعتدال)) ، فإنه ذَكَرَ كثيراً من القواعد ، أو في كتابه ((سير أعلام النبلاء)) ، أو في كتابه ((تاريخ الإسلام)) ، وغير ذلك من كتبه ، فإنه ذَكَرَ كثيراً من القواعد المتعلقة بالجرح والتعديل .
كذلك في كتابه ((الموقظة)) ذَكَرَ أيضاً بعض القواعد , كذلك رسالته أيضاً في الحُفاظ والنُّقَّاد ، فأيضاً هذه الرسالة لها علاقة بالجرح والتعديل .
كذلك ـ أيضاً ـ الحافظ بن حجر في الفَصْل الذي كتبه ضمن كتابه ((هدي الساري)) ، دافع فيه عن الرجال الذين خَرّج لهم البخاري ، وتكلم فيهم ، فذكر كثيراً من القواعد في أثناء مدافعته وترجمته لهؤلاء الرواة .(1/20)
كذلك أيضاً الشيخ عبد الرحمن المُعَلِّمي ـ رحمه الله تعالى ـ في كتابه ((التنكيل)) ، أيضاً ذكر كثيراً من القواعد ، وله ـ أيضاً ـ كُتب مُفردة لم تطبع ، في شرح بعض القواعد ، كذلك كتاب ((الأنوار الكاشفة)) ذَكَرَ فيه بعض قضايا الجرح والتعديل وناقشها ، كذلك أيضاً في محاضرته عن الرجال وهما مطبوعة في كتيب , كذلك أيضاً فيما عَلَّقه على ((الفوائد المجموعة)) للشوكاني فإنه ذَكَرَ في أثناء تعليقاته كثيراً من القواعد ، أيضاً في مقدمة على كتاب ((الموضح في أوهام الجمع والتفريق)) للخطيب البغدادي .
فكتب المُعَلِّمي ـ أيضاً ـ كُتب نفيسة في هذا المجال ، وذكر في هذه الكتب كثيراً من القواعد ، وبالله التوفيق .(1/21)