الحمد لله ذي الأسماء الحسنى والصفات العلى ،
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم الحمد لله ذي الاسماء الحسنى والصفات العلى ، وصلى الله على نبيه محمد المصطفى وعلى آله وسلم تسليما . اما بعد : فانك سألتني إن اصنف لك كتابا آتي فيه باسماء من روى عنهم محمد بن اسماعيل البخاري في صحيحه من شيوخه ومن تقديمهم إلى الصحابة رضي الله عنهم . واثبت فيه ما صح عندي من كناهم واسمائهم ، وما ذكره العلماء من أحوالهم ، ليكون مدخلا للناظر في هذا العلم إلى معرفة اهل العلم والعدل من غيرهم وسببا إلى معرفة كثير من الرواة والوقوف على طرف من أخبارهم فاجبتك إلى ذلك لما رجوت فيه من جزيل الثواب ، وتحريت الصواب جهدي ، واستنفدت في طلبه وسعي ، والله اسال إن يوفقنا له وينفعنا به ويعين الناظر فيه على حسن مقصده وجميل مذهبه برحمته وانا إن شاء الله اتي بما شرطته في اسماء الرجال على حروف الهجاء بالتاليف المعتاد في بلدنا وبالله التوفيق وهو حسبنا ونعم الوكيل .
واسانيد ما ذكرت فيه عن صحيح البخاري ، فحدثنا به أبو ذر قراءة عليه قال أخبرنا ابو محمد الحموي وابو اسحاق المستملي ، وابو الهيثم الكشميهني . قالوا : أنبانا محمد بن يوسف الفربري ، قال : أنبانا محمد بن اسماعيل البخاري .
وما ذكرته فيه عن تاريخ البخاري فاخبرنا به أبو ذز قراءة عليه قال : أنبانا زاهر بن أحمد أنبانا أبو محمد زنجوية بن محمد أنبانا البخاري . وما أخرجته فيه عن مسلم فاخبرنا به أبو ذر ، أنبانا أبو بكر محمد بن عبد الله الجوز في ، أنبانا مكي بن عبدان أنبانا مسلم . وما أخرجته فيه عن
عبد الرحمن ابن أبي حاتم فاجازه لنا أبو ذر قال : اجازه لنا حمد الاصبهاني ، قال : اجازة لنا عبد الرحمن وما أخرجته فيه عن الكلاباذي فاخبرناه أبو محمد بن الوليد قال : أنباه على بن فهر عن أبي سعيد عمر بن محمد السجزي عن أبي نصر الكلاباذي .(1/1)
وما كان فيه عن أبي عبد الله محمد بن عبد الله البيع . فاخبرنا به أبو بكر محمد بن علي المطوعي عنه . وما كان فيه عن ابن عدي فاخبرنا به أبو بكر بن سختويه ، وابو عبد الله محمد بن علي بن محمود جميعا ، عن أبي العباس الرازي عن ابن عدي واخبرنا به أبو بكر بن سختويه قال : اجازه لنا ابن عدي وما أخرجته فيه من تاريخ أبي حفص الفلاس فاخبرنا به أبو القاسم الدبثائي عن أبي الحسن بن لؤلؤ عن أبي بكر بن شهريار ، عن أبي حفص . وما كان فيه من تاريخ ابن معين ، فاخبرنا به أبو ذر عن أبي عبد الله البيع ، عن الاصم محمد بن يعقوب النيسابوري عن عباس بن محمد عن يحيى بن معين وما كان فيه من تاريخ أبي العباس الابار فاخبرنا به أبو بكر الخطيب أحمد بن علي بن ثابت . عن أبي الحسين محمد بن الحسين بن الفضل عن دعلج عن ابي العباس . واخرجت فيه غير ذلك مما وقع إلى في مذاكرة اهل الحديث ، وكتبته عنهم في جملة المنثور من الحديث ، وعلى وجه الانتقاء وما سالت عنه الحفاظ واهل العلم بهذا الشان ، كالشيخ أبي ذر عبد بن أحمد الهروي الحافظ ، وابي عبد الله محمد بن علي الصوري الحافظ ، وابي بكر الخطيب أحمد بن علي بن ثابت الحافظ ، وابي النجيب عبد الغفار بن عبد الواحد بن محمد الارموي الحافظ وغيرهم . وساقدم بين يدي ذلك ابوابا ومقدمات تعلم بها منهج معرفة الجرح والتعديل . فقد رايت كثيرا ممن لا علم له بهذا الباب ، يعتقد إن هذا من جهة التقليد ، وانه لا يدرك بالنظر والاجتهاد واذكر بعد ذلك شيئا مما يتوصل به إلى معرفة الصحيح من السقيم ، إذ هو المقصود بعلم الجرح والتعديل . واذكر بعذ ذلك نبذه من نسب أبي عبد الله محمد بن اسماعيل البخاري وتاريخ مولده ووفاته وحاله وحفظه وعلمه بالحديث ، ووصف كتابة المذكور بما هو عليه . ثم اتبع ذلك ما قدمنا ذكره من ذكر الرواة في كتابة المذكور ، والله الموفق للصواب
(((1/2)
باب معرفة الجرح والتعديل أحوال المحدثين في الجرح والتعديل مما يدرك بالاجتهاد ويعلم بضرب من النظر))
ووجه ذلك أن الانسان إذا جالس الرجل وتكررت محادثته له وإخباره إياه بمثل ما يخبر ناس عن المعاني التي يخبر عنها تحقق صدقة وحكم بتصديقه فإن اتفق له أن يخبر في يوم من الايام أو وقت من الاوقات بخلاف ما يخبر الناس عن ذلك المعنى أو بخلاف ما علم منه المخبر أعتقد فيه الوهم والغلط ولم يخرجه ذلك عنده عن رتبة الصدق الذي ثبت من حاله وعهد من خبره وإذا أكثرت مجالسة آخر وكثرت محادثته لك فلا يكاد أن يخبرك بشئ إلا ويخبرك أهل الثقة والعدالة عن ذلك المعنى بخلاف ما أخبرك به غلب على ظنك كثرة غلطه وقلة استثباته واضطراب أقواله وقلة صدقه ثم بعد ذلك قد يتبين لك من حاله العمد أو الغلط وبحسب ذلك تحكم في أمره فمن كان في أحد هذين الطرفين لا يختلف في جرحه أو تعديله وممن كان بين الامرين مثل أن يوجد(1/3)
أن يوجد منه الخطأ والاصابة وقع الترجح فيه وعلى حسب قلة أحد الامرين منه وكثرته يكون الحكم فيه فكذلك المحدث إذا حدثك عن الزهري مثل زمعة بن صالح أو صالح بن الاخضر أو محمد بن إسحاق وحدثك عنه بذلك الحديث مالك وعبيد الله بن عمر ومعمر وسفيان بن عيينة ومن أشبههم من الايمة الحفاظ المتقنين الذين علم حفظهم حديث الزهري وإتقانهم له واتفقوا على خلاف ما حدث أو خالفه أحد هؤلاء الايمة وكثر ذلك فإنه يحكم بضعفه واضطراب حديثه وكثرة خطئه فإن انضاف إلى ذلك أن ينفرد بالاحاديث المناكير عن مثل الزهري وكثر ذلك منه جرح إلى أن يقال فيه منكر الحديث متروك الحديث وربما كثر ذلك منه حتى يتبين تعمده فينسب إلى الكذب وإذا رأيته لا يخالف هؤلاء الايمة المتقنين الحفاظ ولا يخرج عن حديثهم حكم بصدقة وصحة حديثه فهذان الطرفان لا يختلف في من وجد أحدهما منه ومن وجد منه الموافقة والمخالفة وقع الترجيح فيه على كثرة أحد الامرين منه وقلته وعلى قدر ما يحتمله حاله في علمه ودينه وفضله ولذلك يختلف أهل الجرح والتعديل في الرجل فيوثقه يحيى بن سعيد القطان ويضعفه عبد الرحمن بن مهدي ويوثقه شعبة ويجرحه مالك وكذلك سائر من يتكلم في الجرح والتعديل ممن هو من أهل العلم بذلك يقع اختلافهم في ذلك على هذا الوجه وقد روى أبو حاتم بن حبان البستي قال سمعت محمد بن إبراهيم بن أبي شيخ الملطي قال جاء يحيى بن معين إلى عفان يسمع منه حديث حماد بن سلمة فقال سمعته من غيري فقال نعم سمعته من سبعة عشر رجلا فأبى أن يحدثه به فقال إنما هو درهم وانحدر إلى البصرة وأسمعه من التبوذكي فقال له التبوذكي سمعته من غيري فقال نعم سمعته من سبعة عشر رجلا فقال ما تريد بذلك قال أريد أن أميز خطأ حماد بن سلمة من خطأ من روى عنه فإذا اتفق لي الجميع على خطإ عرفت أنه من حماد بن سلمة وإذا انفرد به بعض الرواة عنه عرفت أنه منه باب في جواز الجرح وأنه ليس من باب الغيبة المنهي عنها وإنما(1/4)
هو من الدين قال يحيى بن سعيد القطان سألت مالك بن أنس وسفيان الثوري وشعبة وابن عيينة عن الرجل لا يحفظ أو يتهم في الحديث فكلهم قال لي بين أمره بين أمره مرتين وعلى هذا إجماع المسلمين إلا من لا يعتد بقوله في هذا الباب وذلك أن الشاهد يشهد على الدينار ويسير المال فتعلم منه الجرحة فلا يسع من علم ذلك إلا أن يجرحه بها ويزيل عن المشهود عليه ضرر شهادته فكيف الدين الذي هو عماد الدنيا والآخرة ينقله من تعلم جرحته فلا يبين أمره ومما تدل على صحة هذا أنا قد وجدنا الجرح لنقلة الاخبار والبحث عن أحوالهم وطعن الايمة عليهم في سائر أعصار المسلمين من أهل العلم والدين والورع ولذلك روي عن سعيد بن المسيب أنه قال يا برد لا تكذب علي كما كذب عكرمة على بن عباس وروي عن مالك وسفيان الثوري وسفيان بن عيينة وأيوب السختياني ويونس بن عبيد وشعبة بن الحجاج مع علمهم وورعهم وفضلهم تجريح نقلة الاخبار وإظهار أحوالهم والتحفظ في الاخذ منهم والاخبار عنهم
وقال قال أبو بكر بن خلاد قلت ليحيى بن سعيد أما تخشى أن يكون هؤلاء الذين تركت حديثهم خصماءك عند الله يوم القيامة فقال لان يكون هؤلاء خصمائي أحب إلي من أن يكون خصمي رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لم حدثت عني حديثا ترى أنه كذب وقال عبد الرحمن بن مهدي حدثنا حماد بن زيد قال كلمنا شعبة أنا وعباد بن عباد وجرير بن حازم في رجل يريد أبان بن أبي عياش فقلنا لو كففت عنه فكأنه لان وأجابنا قال فذهبت يوما أريد الجامع فإذا شعبة ينادي من خلفي فقال ذاك الذي قلتم لا أراه يسعني قال عفان كنت عند إسماعيل بن علية فحدث رجل عن رجل فقال لا تحدث عن هذا فإنه ليس بثبت فقال اغتبته فقال ما اغتابه ولكنه حكم عليه أنه ليس بثبت وقال بن مهدي مررت مع سفيان الثوري برجل فقال كذاب والله لولا أنه لا يحل لي أن أسكت لسكت(1/5)
وقال أبو نعيم حدثنا حماد بن زيد عن بن عون قال قال إبراهيم النخعي إياكم والمغيرة بن سعيد وأبا عبد الرحمن فإنهما كذابان وإنما يجوز للمجرح أن يذكر المجرح بما فيه مما يرد حديثه لما في ذلك من الذب عن الحديث وكذلك ذو البدعة يذكر ببدعته لئلا تغتر به الناس حفظا للشريعة وذبا عنها ولا يذكر غير ذلك من عيوبه لانه من باب الغيبة قال سفيان الثوري في صاحب البدعة يذكر ببدعته ولا يغتاب بغير ذلك يعني والله أعلم أن يورد ما فيه لا على وجه السب له أو يقال فيه ما ليس فيه فأما أن يذكر ما فيه مما يثلم دينه على وجه التحذير منه فليس من باب الغيبة والله أعلم
(( باب الجرح والتعديل))
واعلم أنه قد يقول المعدل فلان ثقة ولا يريد به أنه ممن يحتج بحديثه ويقول فلان لا بأس به ويريد أنه يحتج بحديثه وإنما ذلك على حسب ما هو فيه ووجه السؤال له فقد يسأل عن الرجل الفاضل في دينه المتوسط حديثه فيقرن بالضعفاء فيقال ما تقول(1/6)
منه الخطأ والاصابة وقع الترجح فيه وعلى حسب قلة أحد الامرين منه وكثرته يكون الحكم فيه فكذلك المحدث إذا حدثك عن الزهري مثل زمعة بن صالح أو صالح بن الاخضر أو محمد بن إسحاق وحدثك عنه بذلك الحديث مالك وعبيد الله بن عمر ومعمر وسفيان بن عيينة ومن أشبههم من الايمة الحفاظ المتقنين الذين علم حفظهم حديث الزهري وإتقانهم له واتفقوا على خلاف ما حدث أو خالفه أحد هؤلاء الايمة وكثر ذلك فإنه يحكم بضعفه واضطراب حديثه وكثرة خطئه فإن انضاف إلى ذلك أن ينفرد بالاحاديث المناكير عن مثل الزهري وكثر ذلك منه جرح إلى أن يقال فيه منكر الحديث متروك الحديث وربما كثر ذلك منه حتى يتبين تعمده فينسب إلى الكذب وإذا رأيته لا يخالف هؤلاء الايمة المتقنين الحفاظ ولا يخرج عن حديثهم حكم بصدقة وصحة حديثه فهذان الطرفان لا يختلف في من وجد أحدهما منه ومن وجد منه الموافقة والمخالفة وقع الترجيح فيه على كثرة أحد الامرين منه وقلته وعلى قدر ما يحتمله حاله في علمه ودينه وفضله ولذلك يختلف أهل الجرح والتعديل في الرجل فيوثقه يحيى بن سعيد القطان ويضعفه عبد الرحمن بن مهدي ويوثقه شعبة ويجرحه مالك وكذلك سائر من يتكلم في الجرح والتعديل ممن هو من أهل العلم بذلك يقع اختلافهم في ذلك على هذا الوجه وقد روى أبو حاتم بن حبان البستي قال سمعت محمد بن إبراهيم بن أبي شيخ الملطي قال جاء يحيى بن معين إلى عفان يسمع منه حديث حماد بن سلمة فقال سمعته من غيري فقال نعم سمعته من سبعة عشر رجلا فأبى أن يحدثه به فقال إنما هو درهم وانحدر إلى البصرة وأسمعه من التبوذكي فقال له التبوذكي سمعته من غيري فقال نعم سمعته من سبعة عشر رجلا فقال ما تريد بذلك قال أريد أن أميز خطأ حماد بن سلمة من خطأ من روى عنه فإذا اتفق لي الجميع على خطإ عرفت أنه من حماد بن سلمة وإذا انفرد به بعض الرواة عنه عرفت أنه منه
(((1/7)
باب في جواز الجرح وأنه ليس من باب الغيبة المنهي عنها وإنما هو من الدين))
قال يحيى بن سعيد القطان سألت مالك بن أنس وسفيان الثوري وشعبة وابن عيينة عن الرجل لا يحفظ أو يتهم في الحديث فكلهم قال لي بين أمره بين أمره مرتين وعلى هذا إجماع المسلمين إلا من لا يعتد بقوله في هذا الباب وذلك أن الشاهد يشهد على الدينار ويسير المال فتعلم منه الجرحة فلا يسع من علم ذلك إلا أن يجرحه بها ويزيل عن المشهود عليه ضرر شهادته فكيف الدين الذي هو عماد الدنيا والآخرة ينقله من تعلم جرحته فلا يبين أمره ومما تدل على صحة هذا أنا قد وجدنا الجرح لنقلة الاخبار والبحث عن أحوالهم وطعن الايمة عليهم في سائر أعصار المسلمين من أهل العلم والدين والورع ولذلك روي عن سعيد بن المسيب أنه قال يا برد لا تكذب علي كما كذب عكرمة على بن عباس وروي عن مالك وسفيان الثوري وسفيان بن عيينة وأيوب السختياني ويونس بن عبيد وشعبة بن الحجاج مع علمهم وورعهم وفضلهم تجريح نقلة الاخبار وإظهار أحوالهم والتحفظ في الاخذ منهم والاخبار عنهم
وقال قال أبو بكر بن خلاد قلت ليحيى بن سعيد أما تخشى أن يكون هؤلاء الذين تركت حديثهم خصماءك عند الله يوم القيامة فقال لان يكون هؤلاء خصمائي أحب إلي من أن يكون خصمي رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لم حدثت عني حديثا ترى أنه كذب وقال عبد الرحمن بن مهدي حدثنا حماد بن زيد قال كلمنا شعبة أنا وعباد بن عباد وجرير بن حازم في رجل يريد أبان بن أبي عياش فقلنا لو كففت عنه فكأنه لان وأجابنا قال فذهبت يوما أريد الجامع فإذا شعبة ينادي من خلفي فقال ذاك الذي قلتم لا أراه يسعني قال عفان كنت عند إسماعيل بن علية فحدث رجل عن رجل فقال لا تحدث عن هذا فإنه ليس بثبت فقال اغتبته فقال ما اغتابه ولكنه حكم عليه أنه ليس بثبت وقال بن مهدي مررت مع سفيان الثوري برجل فقال كذاب والله لولا أنه لا يحل لي أن أسكت لسكت(1/8)
وقال أبو نعيم حدثنا حماد بن زيد عن بن عون قال قال إبراهيم النخعي إياكم والمغيرة بن سعيد وأبا عبد الرحمن فإنهما كذابان وإنما يجوز للمجرح أن يذكر المجرح بما فيه مما يرد حديثه لما في ذلك من الذب عن الحديث وكذلك ذو البدعة يذكر ببدعته لئلا تغتر به الناس حفظا للشريعة وذبا عنها ولا يذكر غير ذلك من عيوبه لانه من باب الغيبة قال سفيان الثوري في صاحب البدعة يذكر ببدعته ولا يغتاب بغير ذلك يعني والله أعلم أن يورد ما فيه لا على وجه السب له أو يقال فيه ما ليس فيه فأما أن يذكر ما فيه مما يثلم دينه على وجه التحذير منه فليس من باب الغيبة والله أعلم
((باب الجرح والتعديل))
واعلم أنه قد يقول المعدل فلان ثقة ولا يريد به أنه ممن يحتج بحديثه ويقول فلان لا بأس به ويريد أنه يحتج بحديثه وإنما ذلك على حسب ما هو فيه ووجه السؤال له فقد يسأل عن الرجل الفاضل في دينه المتوسط حديثه فيقرن بالضعفاء فيقال ما ل(1/9)
في فلان وفلان فيقول فلان ثقة يريد أنه ليس من نمط من قرن به وأنه ثقة بالاضافة إلى غيره وقد يسأل عنه على غير هذا الوجه فيقول لا بأس به فإذا قيل أهو ثقة قال الثقة غير هذا يدل على ذلك ما رواه أبو عبد الله بن البيع قال سمعت أبا عبد الله محمد بن يعقوب الشيباني يقول سمعت أبا بكر محمد بن النضر الجارودي يقول سمعت عمرو بن علي يقول أخبرنا عبد الرحمن بن مهدي حدثنا أبو خلدة فقال رجل يا أبا سعيد أكان ثقة فقال كان خيارا وكان مسلما وكان صدوقا الثقة شعبة وسفيان وإنما أراد عبد الرحمن بن مهدي رحمه الله التناهي في الامامة لو لم يوثق من أصحاب الحديث إلا من كان في درجة شعبة وسفيان الثوري لقل الثقات ولبطل معظم الآثار وأبو خلدة هذا خالد بن دينار البصري أخرج البخاري في الجمعة والتعبير والعلم عن حرمي بن عمارة عنه عن أنس وقال عمرو بن علي سمعت يزيد بن زريع يقول أخبرنا أبو خلدة وكان ثقة ولكن عبد الرحمن لم يرد أن يبلغه مبلغ غيره ممن هو أتقن منه وأحفظ وأثبت وذهب إلى أن يبين أن درجته دون ذلك ولذلك قال كان خيارا كان صدوقا وهذا معنى الثقة إذا جمع الصدق والخير مع الاسلام وقد روى عباس بن محمد الدوري عن بن معين أنه قال محمد بن إسحاق ثقة وليس بحجة وأصل ذلك أنه سئل عنه وعن موسى بن عبيدة الربذي أيهما أحب إليك فقال محمد بن إسحاق ثقة وليس بحجة فإنما ذهب إلى أنه أمثل في نفسه من موسى بن عبيدة الربذي وقد روى عثمان بن سعيد الدارمي قال أحمد بن حنبل ذكر عند يحيى بن سعيد عقيل وإبراهيم بن سعد فجعل كأنه يضعفهما فهذا ذكره لعقيل ولم يذكر سبب ذلك ولعله قد ذكر له مع مالك ولو ذكر له مع زمعة بن صالح أو صالح بن أبي الاخضر لوثقه وعظم أمره وقال عبد الرحمن الرازي قيل لابي حاتم أيهما أحب إليك يونس أو عقيل فقال عقيل لا بأس به فقد قال في مثل عقيل لا بأس به ويريد بذلك تفضيله على يونس ولو قرن له عبد الجبار بن عمر لقال عقيل ثقة ثبت متقدم(1/10)
متقن وقد سئل عنه أبو زرعة الرازي فقال ثقة صدوق فوصفه بصفته لما لم يقرن بغيره وقد ذكر لابي عبد الرحمن النسوي تفضيل بن وهب الليث على مالك فقال وأي شئ عند الليث لولا أن الله تداركه لكان مثل بن لهيعة ولا خلاف أن الليث من أهل الثقة والتثبت ولكنه إنما أنكر تفضيله على مالك أو مساواته به قال أبو عبد الله وسمعت أبا العباس يقول سمعت عباس بن محمد يقول سمعت يحيى بن معين يقول قال لي يحيى بن سعيد القطان لو لم أحدث إلا عن كل من أرضى لما حدثت إلا عن خمسة وهذا لا خلاف أنه أراد بذلك النهاية فيما يرضيه لانه قد أدرك من الايمة الذين لا يطعن عليهم أكثر من هذا العدد لانه قد سمع من يحيى بن سعيد الانصاري ومالك بن أنس وعبيد الله بن عمر العمري وهشام بن عروة وابن جريج وإسماعيل بن أبي خالد وسعيد بن أبي عروبة وسفيان الثوري وشعبة وأدرك معمرا وابن عيينة وهشاما الدستوائي والاوزاعي ونظراءهم كثيرا والاعمش وحماد بن زيد وابن علية وعاصر وكيعا وعبد الرحمن بن مهدي وعبد الله بن المبارك وجماعة من أيمة الحديث الذين لا مزيد عليهم وروى بن المبارك عن سفيان الثوري أنه قال أدركت حفاظ الناس أربعة عاصما الاحول وإسماعيل بن أبي خالد ويحيى بن سعيد قال وأرى هشاما الدستوائي منهم ولم يرد بهذا أنه لم يدرك حافظا غير هؤلاء فقد أدرك الاعمش ومالكا وابن عيينة وشعبة وعبيد الله بن عمر وأيوب السختياني وسليمان التيمي وقد قال سفيان مرة أخرى حفاظ البصرة ثلاثة سليمان التيمي وعاصم الاحول وداود بن أبي هند وكان عاصم أعظمهم ولا شك أنه أراد في حديث مخصوص أو معنى مخصوص فإنه قد كان بالبصرة أيوب السختياني ويونس بن عبيد الله وعبد الله بن عون وسعيد بن أبي عروبة وغيرهم ممن هم أحفظ في الجملة وأتقن من عاصم وقد روى بن معين قال حجاج بن محمد قال شعبة عاصم أحب إلي من قتادة وأبي عثمان لانه أحفظهما فبين شعبة وجه تفضيله له إن ذلك مما يختص بحديث أبي عثمان(1/11)
النهدي فلا يشك أحد في تفاوت ما بين قتادة وعاصم بن سليمان الاحول وغير أبي عثمان وقد قال علي بن المديني سمعت يحيى بن سعيد وذكر عنده عاصم الاحول فقال لم يكن بالحافظ فإما أن يكون قد ظهر ليحيى بن سعيد من حديث عاصم في شيخ من الشيوخ ما اقتضى ما اقتضى مخالفة ما قاله سفيان وشعبة فيه أو قد قرن له بمن هو فوقه في الحفظ والاتقان كالزهري والاعمش وقتادة ويحيى بن أبي كثير فقصر به عن رتبتهم وقد قال أبو زرعة الرازي فيه هو صالح الحديث فتأمل تفاوت هذه الالفاظ في ذكره واعلم أن موجب ذلك اختلاف السؤال والله أعلم
وقال عبد الرحمن بن مهدي أيمة الناس في زمانهم أربعة حماد بن زيد بالبصرة وسفيان بالكوفة ومالك بالحجاز والاوزاعي بالشام يعني في الحديث والعلم وقد ترك الليث بمصر وترك جماعة غير هؤلاء فهذا ه
يدل على أن ألفاظهم في ذلك تصدر على حسب السؤال وتختلف بحسب ذلك وتكون بحسب إضافة المسؤول عنهم بعضهم إلى بعض وقد يحكم بالجرحة على الرجل بمعنى لو وجد في غيره لم يجرح به لما شهر من فضله وعلمه وأن حاله يحتمل مثل ذلك فقد قال علي بن المديني كتبنا عن عبد الله بن نمير فربما لا يذكر الحارث بن حصيرة الازدي ولا أبا يعفور ولا حلام بن صالح وإنما كان يحدث عن هؤلاء الضعفاء ثم حدث عن هؤلاء بعد ثم قال لو كان غير بن نمير لكان ولكنه صدوق فعلى هذا يحمل ألفاظ الجرح والتعديل من فهم أقوالهم وأغراضهم ولا يكون ذلك إلا لمن كان من أهل الصناعة والعلم بهذا الشأن وأما من لم يعلم ذلك وليس عنده من أحوال المحدثين إلا ما يأخذه من ألفاظ أهل الجرح والتعديل فإنه لا يمكنه تنزيل الالفاظ هذا التنزيل ولا اعتبارها بشئ مما ذكرنا وإنما يتبع في ذلك ظاهر ألفاظهم فيما وقع الاتفاق عليه ويقف عند اختلافهم واختلاف عباراتهم والله الموفق للصواب برحمته
((باب وصف المجرح الذي يطرح حديثه وتمييزه من العدل الذي يؤخذ بحديثه))(1/12)
وإذ لزم معرفة الثقة من غيره فإن صفة المطرح حديثه أولى بالمعرفة قال مالك لا يؤخذ الحديث عن أربعة ويؤخذ عمن سواهم رجل معلن بالسفه وإن كان أروى الناس ورجل يكذب في أحاديث الناس إذا حدث وإن كنت لا تتهمه بالكذب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحب بدعة يدعو إلى بدعته ورجل له فضل ولا يعرف ما يحدث به وإن كان له فضل وعبادة وأراه يريد بقوله يدعو إلى بدعته أنه يقر بذلك فيظهرها حتى تظهر عليه ويثبت من اعتقاده ومذهبه فيجب أن لا يؤخذ عنه ما دعا إلى بدعته أو ترك ذلك وقد روى يونس بن عبد الاعلى عن بن وهب سمعت مالكا يقول لا يصلى خلف القدرية ولا يحمل عنهم الحديث فرواه على الاطلاق ولم يشترط أن يكون داعيا(1/13)
وقال عبد الرحمن بن مهدي قيل لشعبة متى يترك حديث الرجل قال إذا حدث عن المعروفين بما لا يعرفه المعروفون وإذا أكثر الغلط وإذا أتهم بالكذب وإذا روى حديثا غلطا مجتمعا عليه فلم يتهم نفسه فيتركه طرح حديثه وما كان على غير ذلك فارو عنه وروى أشهب بن عبد العزيز سئل مالك أيؤخذ ممن لا يحفظ ويأتي بكتبه فيقول قد سمعتها وهو ثقة فقال لا يؤخذ عنه أخاف أن يزاد في كتبه بالليل وهذا الذي قاله رحمه الله هو النهاية في الاجتهاد إلا أنه قد عدم من يحفظ ولو لم يؤخذ إلا عن من يحفظ لعدم من يؤخذ عنه فقد قل الحفاظ واحتيج إلى الاخذ عمن له كتاب صحيح وهو ثقة ينقل ما في كتابه فإن كان الآخذ ممن يميز تبينت له الزيادة وإن كان لا يميز فالامر فيه ضعف ولعله الذي عنى مالك رحمه الله / صفحة 265 / وقد روى أحمد بن علي بن مسلم ثنا مؤمل بن إهاب أبو عبد الرحمن قال حدثنا يزيد بن هارون قال كان ها هنا شيخ يذكر الرواية عن أنس بن مالك وكان أراه صادقا فلما رأى كثرة الناس عليه قال عندي كتاب فإذا في كتابه شريك يعني أحاديث شريك فقالوا له هذه أحاديث شريك قال نعم أنس حدثنا عن شريك فمثل هذا ومن يقرب منه تستولي عليه الغفلة وقلة المعرفة لا يؤخذ عنه وإن كان متدينا
((باب في رخص الحديث والاخذ عن الثقة))(1/14)
واعلم أن أخذ الحديث يكون على وجهين أحدهما للعمل به واتخاذه دينا فهذا يجب أن لا يعتمد عليه إلا بعد أن يؤخذ عن الثقة وذلك الثقة عن ثقة حتى يصل إلى النبي صلى الله عليه وسلم والثاني أن يؤخذ ليعلم أنه قد روي ويعلم وجه ضعفه فهذا يجوز أن يؤخذ عن كل ضرب وروي عن سفيان الثوري أنه قال أحب أن أكتب الحديث على ثلاثة أوجه حديث أكتبه أريد أن أدين به وحديث رجل أكتبه فأوقعه لا أطرحه ولا أدين به وحديث رجل ضعيف أحب أن أعرفه ولا أعبأ به وقال الاوزاعي تعلم ما لا يؤخذ به كما تعلم ما يؤخذ به وقد روى أحمد بن إسحاق قال رأى أحمد بن حبل [ رضي الله عنه ] يحيى بن معين في زاوية بصنعاء وهو يكتب صحيفة معمر عن أبان بن أبي عياش عن أنس فقال له أحمد بن حنبل [ رحمه الله ] تكتب صحيفة معمر عن أبان عن أنس وتعلم أنها موضوعة فلو قال لك قائل أنت تتكلم في أبان وتكتب حديثه على الوجه فقال رحمك الله أبا عبد الله أكتب هذه الصحيفة عن عبد الرزاق عن معمر عن أبان عن أنس وأحفظها كلها وأعلم أنها موضوعة حتى لا يجئ بعد إنسان فيجعل بدل أبان ثابتا البناني ويرويها عن معمر عن ثابت عن أنس فأقول له كذبت إنما هو أبان لا ثابت
وأما أداء الضرب الاول إلى من ينقله فواجب ولازم فإنه لا يجوز أن يكتم علما يجد متحملا له وأما الضرب الثاني فهو مخير في أدائه إلى من ينقله عنه أو ترك ذلك فإن نقله فليبين وجهه وقد قال علي بن المديني سمعت بشر بن المفضل وقيل له إن إسماعيل بن علية يحدث عن عبد الله بن زياد بن سمعان فقال ما شأنه اختلط بعدي وقال علي بن المديني سمعت يحيى بن سعيد يقول ينبغي لصاحب الحديث أن يكون ثبت الاخذ ويفهم ما يقال له وينظر الرجال ويتعاهد ذلك الاصل
في ذلك قوله تعالى(( يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين))(1/15)
وقد روى أبو أسامة عن بن عون عن محمد يعني بن سيرين أنه قال إن هذا الحديث دين فانظروا عن من تأخذونه وقال عبد الله بن المبارك الاسناد من الدين لولا الاسناد لقال من شاء ما شاء وكان بهز بن أسد يقول إذا ذكر له الاسناد الصحيح هذه شهادة العدول المرضيين بعضهم على بعض وإذا ذكر له الاسناد وفيه شئ قال هذا فيه عهدة ويقول لو أن رجلا ادعى على رجل عشرة دراهم لم يستطع أخذها إلا بشهادة العدول فدين الله أحق أن يؤخذ فيه بالعدول وقال عبدة بن سليمان قيل لابن المبارك في هذه الاحاديث الموضوعة قال يعيش لها الجهابذة وقال الاوزاعي سمعت يزيد بن أبي حبيب يقول إذا سمعت الحديث فأنشده كما تنشد الضالة فإن عرف فخذه وإلا فدعه وقال بن عون لا يؤخذ هذا العلم إلا عن من شهد له بالطلب وروى المغيرة عن إبراهيم قال كانوا إذا أرادوا أن يأخذوا عن الرجل نظروا إلى صلاته وإلى هيئته وإلى سمته وقال عبد الرحمن بن مهدي قال شعبة كنت أنظر إلى فم قتادة فإذا قال حدثنا كتبنا عنه فوقفته عليه وإذا لم يقل حدثنا لم أكتب عنه قال عبد الرحمن بن مهدي خصلتان لا يستقيم فيها حسن الظن الحكم والحديث يعني لا يستعمل حسن الظن في قبول الرواية عمن ليس بمرضي
((باب ذكر أسانيد متفق على اطراحه))(1/16)
وإذ قد تقدم قولنا في الجرح والتعديل فنذكر من الاسانيد ما اتفق على طرحه ونذكر ما اتفق على صحته ووجوب الاخذ به ليكون عونا للناظر في السقيم والصحيح فمما اتفق على اطراحه وتركه ما روى معمر عن أبان بن أبي عياش عن أنس والعلة في ذلك من أبان بن أبي عياش قال شعبة لان أزني أحب إلي من أن أروي عن أبان بن أبي عياش ومن ذلك ما رواه الشافعي وعبد الرزاق عن إبراهيم بن أبي يحيى عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة والعلة في ذلك من إبراهيم بن أبي يحيى كان مالك وابن المبارك ينهيان عنه وتركه يحيى القطان وابن مهدي وغيرهما وقال يحيى ابن سعيد القطان لم نترك إبراهيم بن أبي يحيى للقدر وإنما تركناه للكذب وقال يحيى بن معين كان كذابا رافضيا قدريا قال أبو حاتم بن حبان حدثنا محمد بن سليمان بن فارس [ حدثنا أحمد بن سعيد الدارمي حدثنا محمد بن سليمان بن فراس قال جاء رشد بن سعد إلى إبراهيم بن أبي يحيى ومعه كتاب في كسائه فقال لابراهيم هذه كتبك وحديثك أرويها عنك قال نعم قال بلغني أنك رجل سوء فاتق الله وتب إليه قال فإن كنت رجل سوء فلاي شئ تأخذ عني الحديث قال ألم يبلغك أنه يذهب العلم وتبقى منه بقايا في أوعية سوء فأنت من أوعية السوء(1/17)
ومن ذلك ما يرويه إبراهيم بن هدبة عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم والعلة في ذلك من قبل إبراهيم بن هدبة فهو كذاب ومن ذلك ما رواه أحمد بن عبد الله بن خالد أبو علي الشيباني الجوباري الهروي عن سفيان بن عيينة ومالك وغيرهما من الثقات الايمة والعلة في ذلك من أحمد بن عبد الله الجوباري فإنه كذاب وقال أبو حاتم بن حبان وضع على النبي صلى الله عليه وسلم نحو ثلاثين ألف حديث ومن ذلك ما رواه محمد بن عبد الرحمن بن البيلماني عن أبيه عن بن عمر فإنها كلها نسخة موضوعة والعلة في ذلك من محمد بن عبد الرحمن ومن ذلك ما يرويه مقاتل بن سليمان الخراساني البلخي المفسر فإنه كذاب كان يسأل أهل الكتاب من اليهود والنصارى ويفسر بذلك القرآن وهو مشهور بالكذب والاختلاف ومن ذلك ما رواه محمد بن سعيد بن أبي قيس المصلوب فإنه كان يضع على الثقات ويحدث عنهم بما ليس بحديثهم روي عنه أنه قال إني لاسمع الكلمة الحسنة فلا أرى بأسا أن أحدث لها إسنادا وقد روي عن أحمد بن حنبل أنه قال المشهورون بالكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة مقاتل بن سليمان وإبراهيم بن أبي يحيى وأحمد بن عبد الله الجوباري ومحمد بن سعيد الشامي المصلوب فهذا الصنف مما يجب رد ما يرويه من الحديث لجرحة ناقله وقد ينقل الحديث ثقة عن ثقة وهو ضعيف أي والحديث ضعيف إما لارسال دخله لان الناقل لم يأخذ عن المنقول عنه وإن كان عاصره مثل أن يروي الحسن عن أبي هريرة فإنه ليس بصحيح لانه لم يأخذ عنه شيئا وإن كان قد عاصره ومثل أن يروي سعيد بن أبي عروبة عن يحيى بن سعيد الانصاري أو عبيد الله بن عمر العمري أو زيد بن أسلم أو أبي الزناد فإن هذا كله غير صحيح فإنه لم يأخذ عن أحد منهم وقد حدث عنهم وقد يكون ذلك لتدليس بإسقاط رجل ضعيف من السند مثل ما كان يفعله بقية بن الوليد فإنه قد سمع من مالك ومن عبيد الله بن عمرو ومن شعبة وسمع من جماعة من الضعفاء عنهم فيروي الرواة(1/18)
عنه من تلك ويسقطون ذكر الضعفاء بين بقية بن الوليد ومالك بن أنس وعبيد الله بن عمرو وشعبة بن الحجاج فيتصل الخبر برواية الثقة
عن الثقة ولذلك قال علي بن المديني روى بقية عن عبيد الله بن عمر أحاديث منكرة وقد يكون ذلك من وجه آخر وهو أن يروي العدل الحديث عن رجل عن آخر ويسمى الذي روى عنه الحديث باسم يشترك فيه عدل وضعيف والذي يروي الحديث يروي عنهما والذي انتهت الرواية إليه يروي عنه العدل والضعيف وذلك مثل أن يروي وكيع بن الجراح عن النضر عن عكرمة ووكيع يروي عن النضر بن عربي وهو لا بأس به ويروي عن النضر بن عبد الرحمن أبو عمر الخزاز وهو ضعيف وهما يرويان عن عكرمة فيحتاج الناظر في ذلك إلى أن يعرف ما ينفرد به النضر بن عربي عن عكرمة وما يشتركان في روايته وإلى أن يعرف ما يرويه وكيع عن النضر بن عربي وما يرويه عن النضر الخزاز ومثل ما يرويه الوليد بن مسلم عن أبي عمرو عن الزهري فيوهم أنه أراد به الاوزاعي وإنما أراد عبد الرحمن بن يزيد بن تميم وهما جميعا قد سمعا من الزهري والوليد بن مسلم قد سمع منهما والاوزاعي ثقة وعبد الرحمن بن يزيد ضعيف وقد يكون الحديث يرويه الثقة عن الثقة ولا يكون صحيحا لعلة دخلته من جهة غلط الثقة فيه وهذه الوجوه كلها لا يعرفها إلا من كان من أهل العلم بهذا الشأن وتتبع طرق الحديث واختلاف الرواة فيه وعرف الاسماء والكنى ومن فاتته الرواية عن من عاصره ومن لم تفته الرواية عنه ومن كان من شأنه التدليس ومن لم يكن ذاك من شأنه والله أعلم بالصواب
((باب في ذكر أسانيد اتفق على صحتها))(1/19)
وما اتفق على صحته من الاسانيد ما روى الزهري عن سالم عن أبيه عن عمر والزهري عن سالم عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم والزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة والزهري عن عروة بن الزبير عن عائشة والزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن بن عباس إذا رواه مالك بن أنس وابن عيينة ومعمر وعبيد الله بن عمر ما لم يختلفوا فإذا اختلفوا وجب النظر في اختلافهم فيؤخذ بقول أكثرهم وأحفظهم ما لم يبن أن الخلاف فيه من الزهري ويلحق بحديثهم وإن لم يقو قوته حديث الزبيدي وعقيل بن خالد بن عقيل والاوزاعي ويونس بن يزيد والليث بن سعد وهشام الدستوائي ما لم يقع فيه اختلاف فإذا خالفت الطبقة الثانية الطبقة الاولى حكم للاولى فإن اختلفوا وجب النظر ومن ذلك حديث الزهري عن أنس ما كان من رواية الثقات وقد انفرد الزهري بحديث عن أنس وهو ما رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لا تنافسوا ولا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا ولا يضر أن يروى عن الرجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم حديث لا يوجد عند غيره إذا كان معروفا غير منكر ولا معلول وقد روى مالك أحاديث لا توجد إلا عند مالك مثل حديث عن بن شهاب عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل مكة عام الفتح وعلى رأسه المغفر لم يتابعه عليه غير بن أبي أويس وكذلك حديثه عن سمي عن أبي صالح ذكوان عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال السفر قطعة من العذاب لكن مثل حفظ مالك وحاله يحتمل مثل هذا وقد أنكر مالك رحمه الله سؤال الناس له عن حديث المغفر وذلك أنه يرويه عنه عدد كثير ممن هو أسن منه كابن جريج وغيره فسأل عن ذلك فقيل له لا يرويه غيرك فقال لو علمت هذا ما حدثت به ومن ذلك حديث قتادة عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان ذلك من حديث شعبة وسعيد بن أبي عروبة وهشام الدستوائي فإذا اتفق الثلاثة عن قتادة فلا خلاف في صحة الحديث وإذا(1/20)
اتفق اثنان وخالفهما ثالث فالقول قول الاثنين وإذا اختلفوا نظر فيه وإذا روى حماد بن سلمة وهمام بن يحيى بن دينار أبو عبد الله العوذي وأبان بن يزيد ومن كان مثلهم من الشيوخ حديثا عن قتادة فخالفهم سعيد بن أبي عروبة وشعبة بن الحجاج وهشام قضي لسعيد وشعبة وهشام وإذا خالفهم سعيد وحده أو شعبة أو هشام توقف فيه
ومن ذلك حديث ثابت بن أسلم البناني عن أنس إذا رواه شعبة وحماد بن زيد وحماد بن سلمة ولم يكن مضطرب الاسناد أو مختلفا فيه ومن ذلك حديث إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث مالك بن أنس وحماد بن سلمة وعكرمة بن عمار والاوزاعي ما لم يكن حديث من سمينا مع مالك منكرا أو معلولا أو كان مما انفرد به عن مالك من يكون مثلهم وقد حدث الاوزاعي عن إسحاق عن أنس بأحاديث مستقيمة وحدث قوم عن الاوزاعي عن إسحاق عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم بأحاديث منكرة كرواية بقية عنه من رواية الضعفاء عن بقة حديث طلب العلم فريضة رواه عنه الجبايري وهو ضعيف فما ورد عليك من هذا الضرب فالمنكر أبين من أن يحتاج إلى السؤال عنه وإذا روى حماد بن سلمة أو غيره من الشيوخ كالاوزاعي وهمام وأبان عن قتادة عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثا فإذا كان الحديث معروفا من غير طريقهم ن(1/21)
النبي صلى الله عليه وسلم أو عن أنس لم يرد وإن كان لا يعرف من حديث أنس ولا من حديث النبي صلى الله عليه وسلم من غير تلك الطريق فهو منكر ولا يثبت من حديث قتادة عن الحسن البصري عن أنس حديث أصلا وحديث قتادة عن الحسن عن سمرة اختلف فيه أهل العلم بالحديث فقال أحمد بن هارون البرد يجي الحافظ وغيره ليس بصحيح لانه من كتاب ولا يحفظ عن الحسن عن سمرة حديث يقول فيه من وجه صحيح غير حديث العقيقة وحديث الحسن عن أبي بكرة فيه اختلاف قال علي بن المديني ومحمد بن إسماعيل سمع منه واحتجا بحديث رواه أبو موسى إسرائيل بن موسى عن الحسن سمع أبا بكرة سمعت النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر والحسن إلى جنبه يقول ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين وقال أبو الحسن الدارقطني ويحيى بن معين وغيرهما من الحفاظ هو مرسل لم يسمع الحسن من أبي بكرة واحتجوا بأن الحسن أدخل بينه وبين أبي بكرة الاحنف بن قيس في حديث النبي صلى الله عليه وسلم إذا التقى المسلمان بسيفهما فالقاتل والمقتول في النار وفي حديث الحسن عن عمران بن حصين نظر لانه أدخل بينه وبين عمران بن حصين هياج بن عمران البرجمي في حديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهىعن المثلة وجمهور أصحاب الحديث على أن الحسن لم يسمع من أبي هريرة والاحاديث التي فيها عن الحسن سمعت أبا هريرة غير صحيحة وقد روى قتادة ويونس بن عبيد أن الحسن لم يسمع من أبي هريرة والذي صح للحسن السماع من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنس بن مالك وعبد الله بن مغفل وعبد الرحمن بن سمرة وأحمد بن جزء وأما أحاديث بن سيرين عن أبي هريرة فصحاح كلها سمع منه بالبحرين وبالمدينة على ساكنها السلام وأحاديث قتادة عن بن سيرين عن أبي هريرة فيها صحاح من رواية حماد بن زيد وابن علية ولم يختلفا إلا في حديث واحد رفعه حماد بن زيد وأوقفه بن علية وقد أدخل محمد بن عبد الرحمن الطفاوي عن أيوب بين محمد بن سيرين وبين(1/22)
أبي هريرة عبد الوهاب وادخل علي بن رباح بينه وبين أبي هريرة عبد العزيز بن مروان وعلي بن شماخ والاول أصح وعليه جماعة أهل العلم والله أعلم
وأحاديث أبي قلابة عن أنس صحاح من رواية أيوب إذا روى عن أيوب حماد بن زيد أو بن علية ووهيب وعبد الوهاب الثقفي والذي صح لمجاهد من الصحابة عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر وأبو هريرة وقد اختلف فيه أي في أبي هريرة وحجب عن عائشة فلم يدخل ومن روى عنه من البصريين بن عون وابن بشر وأيوب صحيح ومن الكوفيين منصور بن المعتمر لا يقدم أحد عليه في مجاهد ثم الحكم بن عيينة وأحاديث الاعمش عنه يسيرة بعضها مسموع وبعضها فيه تدليس وقد روى أبو إسحاق السبيعي عن مجاهد ويروي مجاهد عن أبي سعيد الخدري ولا يصح ذلك إنما هو من حديث محمد بن إسحاق عن أبان بن صالح عن مجاهد ومن حديث ليث بن أبي سليم عن مجاهد وأحاديث نافع عن بن عمر صحاح إذ رواها عنه مالك وعبيد الله بن عمر بن حفص العمري وأيوب السختياني فإن اتفقوا فالقول قولهم دون من خالفهم وان اختلفوا نظر فيه وأحاديث عبد الله بن دينار عن بن عمر صحاح من رواية مالك وشعبة وسفيان الثوري وأحاديث يحيى بن سعيد الانصاري عن أنس صحاح وبقي ثلاثة أحاديث منها حديث فيه اضطراب ولا يصح ليحيى ابن سعيد عن أنس فيه نظر .(1/23)
ولا يصح ليحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث وأحاديث قتادة عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم كلها معلولة وليس عند شعبة عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة حديث مسند وعن سعيد بن أبي عروبة وهشام الدستوائي عن سعيد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم عند كل واحد منهما حديث وفيهما نظر ولا يصح سماع قتادة من أبي سلمة بن عبد الرحمن ولم يسمع من الشعبي ولا من عروة بن الزبير وقد روى عنه عن عروة حديثان وقد حدث عن الزهري واختلف في سماعه والذي أجمع عليه أهل الحديث من حديث أبي إسحاق السبيعي ما رواه شعبة وسفيان الثوري عنه فإذا اختلفا فالقول قول الثوري فهذه فصول يستعان بها على معرفة الصحيح من غيره وينهج البحث عن سواها مما هو في معناها والله الموفق للصواب .(1/24)