مفهوم العلة عند المحدثين
للدكتور محمد عبد الرحمن طوالبة
أستاذ مشارك، كلية الشريعة، جامعة اليرموك
بحث علمي محكم
نشر في مجلة المنارة ‘ المجلد10 ‘ العدد 1 ‘ 2004
يهدف هذا البحث إلى تحديد مفهوم العلة عند المُحَدثين من المتقدمين والمتأخرين والمعاصرين، وإلى بيان واقع كتب العلل، وإلى بيان صنيع أهل الحديث في إطلاق العلة, وتعليل أهل الاصطلاح لما وقع في كتب العلل من الإعلال بما ظاهره أنه علة ظاهرة غير خفية.
المقدمة:
اتفق العلماء على أن علم العلل عِلْم برأسه، وأنه من أهم علوم الحديث وأصعبها وأدقها لما فيه من الخفاء والشفافية، فلا يستطيع القيام به إلا النقاد من الحفاظ الذين أوتوا فهماً عميقاً ثاقباً وخبرة كثيرة وقفهاً ودراية في الحديث.
وقد كثرت عبارات المحدثين في الكشف عن مفهوم العلة ودلالتها اصطلاحاً.
واختلفوا في تحديد مفهوم العلة، هل يختص بما يقع في حديث الثقات من وَهْم أو خطأ؟ أم يتسع لما يقع في أحاديث الضعفاء أيضاً؟
وهل يختص هذا العلم في الأحاديث التي ظاهرها الصحة والسلامة من الوهم والعلة؟
أم يبحث كذلك في الأحاديث التي يسهل كشف ما بها من ضعف وعلة لأول وهلة ودون عناء.
وهل تطلق العلة على الأحاديث التي يكشف فهيا الوهم والخطأ فتنتقل من الصحة إلى الضعف، أم تطلق على الحديث الصحيح لعارض النسخ مثلاً فيكون الحديث صحيحاً ولكنه معلول؟
وهل تطلق العلة على ما كانت قادحة فقط، أو تطلق على غير القادحة؟
وقد رأيت أن أذكر عبارات أئمة الحديث في الكشف عن مفهوم العلة ودلالتها الأقدم زمناً، فالذي يليه، ليعرف فضل السابق، وما أضافه اللاحق، مع التعليق عليها، والموازنة بينها -إن شاء الله تعالى- مع بيان واقع كتب العلل، وصنيع أهل الحديث، وتعليل واقع كتب العلل. وجعلت البحث في خمسة مطالب وخاتمة.
المطلب الأول: تعريف العلة عند المتقدمين من المحدِّثين(1)
__________
(1) الهوامش :
( ) عَنَيت بالمتقدمين أهل القرن الثاني إلى نهاية القرن الخامس الهجري.(1/1)
.
المطلب الثاني: تعريف العلة عند المتأخرين من المحدِّثين(1).
المطلب الثالث: تعريف العلة عند المعاصرين من المحدِّثين(2).
المطلب الرابع: واقع كتب العلل وصنيع أهل الحديث.
المطلب الخامس: تعليل واقع كتب العلل.
الخاتمة: أهم النتائج التي توصلت إليها.
المبحث الأول: تعريف العلة عند المتقدمين من المحدِّثين:
الإمام الحاكم (ت 405هـ) قال -رحمه الله تعالى-: «علل الحديث: هو عِلْم برأسه غير الصحيح والسقيم والجرح والتعديل.. وإنما يعلل الحديث من أوجه ليس للجرح فيها مدخل فإن حديث المجروح ساقط واهٍ، وعلة الحديث يكثر في أحاديث الثقات أن يحدثوا بحديث له علة فيخفى عليهم علمه فيصير الحديث معلولاً. والحجة فيه عندنا الحفظ والفهم والمعرفة لا غير»(3).
وهذا الكلام من الحاكم -رحمه الله- أول تقعيد نظري لتحديد مفهوم علة الحديث، وهو أقرب إلى الوصف منه إلى التعريف، ويلحظ عليه:
أنه جعل عِلْم العلل عِلْماً مستقلاً برأسه قسيماً للأنواع الأخرى كالصحيح والسقيم والجرح والتعديل.
أنه جعل الحديث يُعلُّ بما ليس للجَرح فيه مدخل، وقَصرَه على ذلك ومعناه أنَّ العلة شيء والجرح شيء آخر" فالعلة تكثر في أحاديث الثقات، والجرح كائن في أحاديث الضعفاء.
أنه اشترط في العلة أن تكون خفية، وجعل السبيل إلى كشفها الحفظ والفهم والمعرفة.
__________
(1) عَنَيت بالمتأخرين أهل القرن السادس إلى نهاية القرن الثالث عشر الهجري.
(2) عَنَيت بالمعاصرين أهل القرن الرابع عشر ومن عُمّر إلى القرن الخامس عشر الهجري.
(3) الحاكم: محمد بن عبد الله: معرفة علوم الحديث, ص 112, اعتنى بنشره السيد معظم حسين، دار الكتب العملية، بيروت، 1997م.(1/2)
وجاء بعده الخليلي (446هـ) فلم يُعَرِّف العلة، وذكر أقسام الحديث الصحيح المعلول فقال: اعلموا رحمكم الله: «أن الأحاديث المروية عن رسول الله × على أقسام كثيرة: صحيح متفق عليه، وصحيح معلول، وصحيح مختلف فيه، وشواذ، وأفراد، وما أخطأ فيه إمام، وما أخطأ فيه سيئ الحفظ ويُضَعَّف من أجله، وموضوع وضَعَه من لا دين له»(1).
ثم شرح الخليل مراده من الصحيح المعلول فقال: «فأما الحديث الصحيح المعلول: فالعلة تقع للأحاديث من أنحاء شتى لا يمكن حصرها.
فمنها: أن يروي الثقات حديثاً مرسلاً، وينفرد به ثقة مسنداً، فالمسند صحيح وحجة، ولا تضره علة الإرسال».
ومثّل له «بحديث مالك في الموطأ: للملوك طعامه وشرابه..» الحديث حيث رواه بلاغاً عن أبي هريرة(2). ثم جاء من رواه من الثقات مسنداً متصلاً. وهو إبراهيم بن طهمان الخراساني حيث رواه عن مالك، عن ابن عجلان، عن أبيه، عن أبي هريرة. رواه أبو يعلى بسنده(3).
فقد صار الحديث بتبين الإسناد صحيحاً يعتمد عليه، وهذا من الصحيح المبين بحجة ظهرت.
وكان مالك -رحمه الله- يرسل يرسل بعض الأحاديث لا يبين إسنادها، وإذا استقصى عليه من يتجاسر أن يسأله ربما أجابه إلى الإسناد»(4).
__________
(1) الخليلي: الخليل بن عبد الله الخليلي، الإرشاد في معرفة علماء البلاد، 1/160، تحقيق محمد سعيد إدريس، مكتبة الرشد, الرياض، ط 1، 1409هـ.
(2) مالك بن أنس –الموطأ، كتاب الاستئذان، باب الأمر بالرفق بالمملوك، ج 2/968، رقم الحديث 1769، دار إحياء التراث، مصر د. ت: تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي.
(3) لم أقف عليه في المطبوع من مسند أبي يعلى الموصلي، ولعله في الرواية المطولة من المسند لا في هذه المختصرة.
(4) الخليلي الإرشاد (1/160- 161) باختصار.(1/3)
قلت فمراد الخليلي بالصحيح المعلول إذاً. هو المتن الصحيح الذي جاء بسند فيه علة نحو الإرسال، أو الإنقطاع، أو الإعضال، ثم جاءت طريق من نفس المخرج تبين أن الحديث موصول صحيح من طريق الثقات.
المبحث الثاني: تعريف العلة عند المتأخرين من المحدِّثين:
قال ابن الصلاح (ت: 643هـ) «علل الحديث: عبارة عن أسباب خفية غامضة قادحة فيه»... وعرف الحديث المعلل بأنه: «الحديث الذي اطلع فيه على علة تقدح في صحته مع أن ظاهره السلامة منها، ويتطرق ذلك إلى الإسناد الذي رجاله ثقات، الجامع شروط الصحة من حيث الظاهر»(1).
وهذا تحرير لكلام الحاكم كما قال الحافظ ابن حجر(2).
لأن ابن الصلاح جمع كلام الحاكم في سياق التعريف المنطقي وصاغه بعبارة مختصرة وجيزة، ويلحظ عليه:
أنه عرف الحديث المعلول.
أنه اشترط في العلة الغموض والخفاء، وأن تكون مؤثرة (قادحة) في الصحة.
أنها تكون في أسانيد الثقات دون الضعفاء.
وأبان ابن الصلاح عما يُكشف به عن العلة فقال: «ويستعان على إدراكها بتفرد الراوي وبمخالفة غيره له مع قرائن تنضم إلى ذلك، تنبه العارف بهذا الشأن على إرسال في الموصول، أو وقف في المرفوع، أو دخول حديث في حديث، أو وهم واهم بغير ذلك»(3).
وتحدث ابن الصلاح عن صنيع أهل الحديث في إعلالهم للأحاديث وتوسعهم في إطلاق العلة على ما ليس بقادح فقال: «وكثيراً ما يعللون الموصول بالمرسل مثل أن يجيء الحديث بإسناد موصول، ويجيء أيضاً بإسناد منقطع أقوى من إسناد الموصول..» (4).
__________
(1) ابن الصلاح: عثمان بن عمرو، علوم الحديث ص 90، تحقيق نور الدين عتر، دار الفكر، دمشق، 1986م.
(2) ابن حجر: أحمد بن علي، النكت على كتاب ابن الصلاح، ص 295، حققه وعلق عليه مسعود السعدي ومحمد فاس، ط 1، 1994م، دار الكتب العلمية، لبنان.
(3) ابن الصلاح، علوم الحديث، ص 90.
(4) المصدر السابق، ص 90.(1/4)
وأبان ابن الصلاح عن مكان وقوعها وتأثيرها فقال: «قد تقع العلة في إسناد الحديث وهو الأكثر، وقد تقع في متنه. ثم ما يقع في الإسناد قد يقدح في صحة الإسناد والمتن جميعاً كما في التعليل بالإرسال والوقف. وقد يقدح في صحة الإسناد خاصة من غير قدح في صحة المتن»(1). أي لوروده من طريق صحيحة أخرى.
وتحدث ابن الصلاح عن التوسع في إطلاق العلة على غير الغامض والخفي وعلله بما في كتب العلل من الجرح بالكذب والغفلة.. فقال: «ثم اعلم أنه قد يطلق اسم العلة على غير ما ذكرناه من باقي الأسباب القادحة في الحديث المخرجة له من حال الصحة إلى حال الضعف، المانعة من العمل به على ما هو مقتضى لفظ العلة في الأصل، ولذلك نجد في كتب العلل الكثير من الجرح بالكذب، والغفلة، وسوء الحفظ، ونحو ذلك من أنواع الجرح. وسمى الترمذي النسخ علة من علل الحديث.
ثم إن بعضهم أطلق اسم العلة على ما ليس بقادح من وجوه الخلاف نحو إرسال من أرسل الحديث الذي أسنده الثقة الضابط حتى قال: من أقسام الصحيح ما هو صحيح معلول، كما قال بعضهم من الصحيح ما هو صحيح شاذ» (2).
ولخص النووي (ت 676هـ) في التقريب كلام ابن الصلاح ولم يزد عليه(3).
__________
(1) المصدر السابق، ص 91.
(2) المصدر السابق، ص 91.
(3) النووي: محيي الدين بن شرف، التقريب والتيسير لسنة البشير النذير، 1/134 – 138, ط 1، 1996م، مع شرحه، تحقيق صلاح الدين عويضة، دار الكتب العلمية، لبنان.(1/5)
وتبعه ابن جماعة في المنهل الرويّ(1) والطيبي(2) في الخلاصة ونقلا كلام النووي بنصه ولم يزيدا عليه. وفي شرح الطيبي للمشكاة اختصر كلام ابن الصلاح ولم يزد عليه(3).
ولم يُعرِّف ابن كثير (ت 774هـ) في اختصاره لعلوم الحديث العلة ولا الحديث المعلول إنما قال: «وهو فن خفي على كثير من علماء الحديث حتى قال بعض حفاظهم: معرفتنا بهذا كهانة عند الجاهل. وإنما يهتدي إلى تحقيق هذا الفن الجهابذة النقاد منهم، يميزون بين صحيح الحديث وسقيمه، ومعوجه ومستقيمه»(4).
أما الحافظ الذهبي (ت778هـ) فقال في الموقظة: «المضطرب والمعلل: ما رُوي على أوجه مختلفة فيعتل الحديث، فإن كانت العلة غير مؤثرة، بأن يرويه الثبت على وجه ويخالفه واه
رُوي على أوجه مختلفة فيعتل الحديث، فإن كانت العلة غير مؤثرة، بأن يرويه الثبت على وجه ويخالفه واهٍ فليس بمعلول»(5). وقد انتقد الإمام الذهبي الدارقطني في العلل لكونه ساق كثيراً من الأحاديث من هذا النمط وقال: «فلم يصب، لأن الحكم للثبت»(6).
__________
(1) ابن جماعة، بدر الدين محمد إبراهيم: المنهل الروي في مختصر علوم الحديث النبوي، ص 52، دار الفكر دمشق، ط 2، 1406هـ، تحقيق محيي الدين عبد الرحمن رمضان.
(2) الطيبي: الحسين بن محمد، الخلاصة في أصول الحديث، ص 70 – 73، تحقيق صبحي السامرائي، ط 1، 1985م، عالم الكتب، بيروت، لبنان.
(3) الطيبي: الحسين بن محمد – شرح مشكاة المصابيح (1/36)، ط 1، 2001م، اعتنى به محمد علي سمك، دار الكتب العلمية، بيروت.
(4) ابن كثير: إسماعيل، اختصار علوم الحديث، ص 52، ط 3، 1408هـ، بيروت، مؤسسة الكتب الثقافية.
(5) الذهبي: محمد بن أحمد، الموقظة في علم مصطلح الحديث، ص 51، اعتنى به عبد الفتاح أبو غدة، ط 2، 1412هـ، دار البشائر الإسلامية، لبنان.
(6) المصدر السابق، ص 52.(1/6)
ثم قال: «فإن كان الثبت أرسله مثلاً، والواهي وصله، فلا عبرة بوصله لأمرين: لضعف راويه، ولأنه معلول بإرسال الثبت له... وإن كان الحديث قد رواه الثبت بإسناد، أو قَّفه، أو أرسله، ورفقاؤه الأثبات يخالفونه، فالعبرة بما اجتمع عليه الثقات، فإن الواحد قد يغلط. وهنا قد ترجح ظهور غلطه فلا تعليل، والعبرة بالجماعة»(1).
ومراده أن لا تعليل لرواية الجماعة المخالفة لرواية الواحد لا تُعلّ روايتهم بروايته، أما رواية المخالف للجماعة فَتُعَل برواياتهم بعد أن ترجح غلطه.
6 ـ وأما الحافظ العراقي (ت 806هـ) في كتابه التقييد والإيضاح فلم يتعقب ابن الصلاح في تعريفه للعلة بشيء(2).
وعرف العلة في ألفيته بقوله:
«وهي عبارة عن أسباب طرت فيها غموض وخفاء أثرت»(3).
وقال في شرح الألفية: «والعلة عبارة عن أسباب خفية غامضة طرأت على الحديث فأثرت فيه، أي قدحت في صحته»(4).
قلت: ويظهر جلياً من نظمه للتعريف وشرحه اشتراط الغموض والخفاء في العلة، وكونها مؤثرة في صحة الحديث.
ولما تحدث عن صنيع أهل الحديث وعملهم ذكر: «أنهم يُعلّون أىضاً بأمور ليست خفية (أي ظاهرة) كالإرسال، وفسق الراوي، وضعفه، وبما لا يقدح أيضاً»(5). ثم نقل ما قاله ابن الصلاح في ذلك، وعين العراقي ما أبهمه ابن الصلاح بقوله: «ثم إن بعضهم أطلق اسم العلة على ما ليس بقادح.. من الصحيح ما هو صحيح شاذ». وأنه الحافظ الخليلي»(6).
__________
(1) المصدر السابق، ص 52.
(2) العراقي: عبد الرحيم بن الحسين، التقييد والإيضاح شرح مقدمة ابن الصلاح، ص 96، ط مؤسسة الكتب الثقافية، د. ت.
(3) العراقي: عبد الرحيم بن الحسين، شرح ألفية العراقي 1/224، دار الكتب العلمية، لبنان، د. ت.
(4) العراقي: عبد الرحيم بن الحسين، شرح ألفية العراقي 1/226، دار الكتب العلمية، لبنان، د. ت.
(5) المصدر السابق 1/237.
(6) المصدر السابق 1/238.(1/7)
وزاد على ابن الصلاح وجه تسمية الترمذي النسخ علة حيث قال: «فإن أراد الترمذي أنه علة في العمل بالحديث فهو كلام صحيح... وإن يُرِدْ أنه علة في صحة نقله فلا؛ لأن في الصحيح أحاديث كثيرة منسوخة»(1).
وذكر الدكتور همام سعيد أن البقاعي نقل عن العراقي كلاماً آخر في العلة جاء فيه: «والمعلل خبر ظاهره السلامة اطلع فيه بعد التفتيش على قادح». واختار الدكتور همام هذا التعريف للعة وأبان عن أسباب اختياره له، وانتقد التعريف السابق للعراقي(2).
7 ـ أما الحافظ بن حجر (ت 852هـ) في النكت فنقل تعريف ابن الصلاح للحديث المعلل ثم قال: «وهذا تحرير لكلام الحاكم في علوم الحديث فإنه قال ـ أي الحاكم وإنما يعلل الحديث من أوجه ليس للجرح فيها مدخل.. والحجة فيه عندنا العلم والفهم والمعرفة».
وعقب على هذا بقوله: «فعلى هذا لا يسمى المنقطع مثلاً معلولاً، ولا الحديث الذي راويه مجهول أو مضعّف معلولاً، وإنما يسمى معلولاً إذا آل أمره إلى شيء من ذلك مع كونه ظاهر السلامة من ذلك. وفي هذا رد على من زعم أن المعلول يشمل كل مردود»(3).
وقل في النخبة وشرحها: «ثم الوهم إن اطلع عليه بالقرائن الدالة على وهم راويه من وصل مرسل أو منقطع أو إدخال حديث في حديث، أو نحو ذلك من الأشياء القادحة. وتحصل معرفة ذلك بكثرة التتبع وجمع الطرق ـ فهذا هو المعل، وهو من أغمض علوم الحديث وأدقها..» (4).
__________
(1) المصدر السابق 1/239.
(2) همام عبد الرحيم سعيد، العلل في الحديث ص 18 – 19، ط 1، 1980م، دار العدوي، الأردن. انظر أيضاً مقدمته لشرح علل الترمذي لابن رجب 1/21 – 23, ط 2، 2001م، مكتبة الرشيد، الرياض.
(3) ابن حجر: النكت على كتاب ابن الصلاح، ص 295.
(4) ابن حجر، نزهة النظر شرح نخبة الفكر، ص 53، راجعه صدقي العطار، 1996م، دار الفكر بيروت.(1/8)
قال الدكتور همام: «ولا يصلح هذا لأن يكون حداً للعلة، إذ هو بيان لطرق الكشف عن العلة»(1).
8 ـ أما السخاوي (ت 902هـ): فعرفه تعريفاً دقيقاً حيث قال: «فالمعلل أو المعلول خبر ظاهره السلامة اطلع فيه بعد التفتيش على قادح».
وقال: «العلة الخفية تجيء غالباً في السند وقليلاً في المتن». وأبان عمن أبهمه العراقي ونسب إليه القول بإطلاق العلة على ما ليس بقادح، وأنّ من أقسام الصحيح ما هو معلول صحيح، وأنه الخليلي في كتابه الإرشاد.
وشرح السخاوي كلام العراقي، وعلل وجود التعليل من أهل الحديث بما ليس بقادح كالإرسال للوصل، وبالوقف للرفع بقوله: «ولكن ذلك منهم بالنسبة للذي قبله قليل، على أنه يحتمل أيضاً أن التعليل بذلك من الخفي لخفاء وجود طريق آخر ليخبر بها ما في هذا من ضعف، فكأن المعلِّل أشار إلى تفرده»(2).
قلت: والحق أن الإرسال في حقيقته أمر ظاهر، لكن حكم الناقد المعلل بأنه أصح من المسند أو المسند أصح من المرسل هو الخفي الذي لا يوقف عليه إلا بجمع الطرق وعمق النظر والفهم الثاقب والحذق بهذا الشأن، وهذا الذي جعل النقاد يوردون المراسيل في كتب العلل مقابلة للمسانيد، وقد يعلون المسند بالمرسل كما قد يعلون المسند بالمرسل فالمسألة ليست في الإرسال في حد ذاته وإنما في الحكم عليه هل ثبت الحديث مسنداً أو مرسلاً.
9 ـ وأما الحافظ السيوطي (ت911هـ) فشرح كلام النووي وأورد أجناس العلل العشر التي ذكرها الحاكم مُلَخَّصة(3).
__________
(1) همام عبد الرحيم سعيد، العلل في الحديث، ص 18، ط 1، شرح الترمذي لابن رجب، دراسة وتحقيق 1/22.
(2) السخاوي: محمد عبد الرحمن: فتح المغيث شرح ألفية الحديث 1/227 – 237، ط 1، 1983م، دار الكتب العلمية، بيروت.
(3) السيوطي: عبد الرحمن بن أبي بكر، تدريب الراوي شرح تقريب النواوي، 1/134- 140، ط 1، 1996م، شرح ألفاظه وعلّق عليه صلاح عويضه، دار الكتب العلمية، لبنان.(1/9)
10 ـ وأما الشيخ زكريا الأنصاري (ت924هـ) فلم يزد كبير شيء على ما ذكره العراقي في الشرح... وكأنه لم يرتض تعريف العراقي للعلة وتعقبه بأحسن منه عن شيخه. حيث قال: «وعلم من تعريف العلة بما ذكر أن المعل حديث فيه أسباب خفية طرأت عليه فأثرت فيه. قال شيخنا: وأحسن منه أن يقال: هو حديث ظاهره السلاة اطلع فيه بعد التفتيش على قادح»(1).
11 ـ وأما الحافظ الصنعاني (ت1182هـ) فتعقب العراقي للعلة: «عبارة عن أسباب خفية غامضة طرأت على الحديث فأثرت فيه». وقول صاحب تنقيح الأنظار بعده: أي قدحت في صحته ـ وكأن هذا تعريف أغلبي للعة، وإلا فإنه سيأتي أنهم قد يعلون بأشياء ظاهرة غير خفية ولا غامضة، ويلعون بما لا يؤثر في صحة الحديث». ونقل ما يؤكد هذا من قول ابن الصلاح وابن حجر وغيرهما(2).
المبحث الثالث: تعريف العلة عند المعاصرين من المحدِّثين والباحثين :
أما المعاصرون من المحدثين والباحثين فقد رددوا ـ غالباً ـ ما في كتب السابقين ونقلوا منها مع تلخيص وتهذيب أحياناً ـ وقد يصرحون بذلك أو لا يصرحون ـ.
كالعلامة القاسمي (ت 1332هـ) (3).
والعلامة الجزائري (ت 1338هـ) (4).
والعلامة التهانوي (ت 1394هـ) (5).
__________
(1) زكريا بن محمد الأنصاري، فتح الباقي على ألفية العراقي 1/227، دار الكتب العلمية، لبنان.
(2) الصنعاني: محمد بن إسماعيل الأمير، توضيح الأفكار لمعاني تنقيح الأنظار، 2/20 -27، ط 1، 1997م، دار الكتب العلمية، بيروت.
(3) القاسمي، محمد جمال الدين، قواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث، ط 2، 1961م، تحقيق وتعليق العلامة محمد بهجة البيطار، دار إحياء الكتب العلمية، عيسى البابلي الحلبي، مصر.
(4) الجزائري، طاهر الجزائري، توجيه النظر إلى أصول الأثر، ط 1، 1416، اعتنى به عبد الفتاح أبو غدة، مكتبة المطبوعات الإسلامية، حلب.
(5) التهانوي: ظفر أحمد، قواعد علوم الحديث، ص 431، ط 6، 1996م، دار السلام، القاهرة.(1/10)
والعلامة السماحي(1).
والدكتور صبحي الصالح(2).
والدكتور محمد الطحان(3).
والدكتور نور الدين عتر(4).
والدكتور ممدوح عجاج الخطيب(5).
والدكتور همام سعيد(6).
والدكتور خليل إبراهيم ملاح خاطر(7).
ومن أوائل المعاصرين الذي كان لديهم دور بارز وجهد ملحوظ في خدمة علم العلل:
1 ـ الدكتور همام سعيد في كتابه العلل في الحديث دراسة منهجية في ضوء شرح علل الترمذي لابن رجب(8). ثم نشر بعد ذلك أعظم كتاب في هذا الفن ألا وهو شرح علل الترمذي لابن رجب دراسة وتحقيق(9).
2 ـ الدكتور حمزة المليباري في كتابه الحديث المعلول قواعد وضوابط(10).
__________
(1) السماحي: محمد بن محمد، المنهج الحديث في علوم الحديث، قسم مصطلح الحديث، دار الأنوار، مصر، 1963م، ص 238- 246.
(2) علوم الحديث ومصطلحه، دار العلم للملايين، ط 2، 1996م، ص 179- 187.
(3) الدكتور محمد الطحان، تيسير مصطلح الحديث، مكتبة المعارف، الرياض، ط 8، 1987م، ص 99.
(4) نور الدين عتر: منهج النقد في علوم الحديث، دار الفكر، دمشق، ط 1، 1979م.
(5) محمد عجاج الخطيب، أصول الحديث وعلومه ومصطلحه، دار الفكر، دمشق، ط 4، ص 981م، ص 291- 297.
(6) الدكتور همام سعيد، التمهيد في علوم الحديث، ص 129، ط 4, 2000م، دار الفرقان، عمان – الأردن.
(7) الدكتور خليل إبراهيم ملا خاطر، الحديث العلل، دار الوفاء للنشر والتوزيع، جده، د. ت.
* وانظر من الشراح المعاصرين: محمد محفوظ الترميسي، منهج ذوي النظر شرح منظومة علم الأثر السيوطي، مطبعة الباي، مصر، ط 4، 1985. محمد محيي الدين عبد الحميد شرح ألفية السيوطي في علم الحديث، المكتبة التجارية الكبرى، مصر، د. ت.
(8) صدرت طبعته الأولى سنة 1980م، عن دار العدوي، عمان، الأردن.
(9) صدرت طبعته الأولى سنة 1987م، عن مكتبة المنار، الزرقاء، الأردن.
(10) د. حمزة عبد الله المليباري: الحديث المعلول قواعد وضوابط، ط 1، ص 10 -11، دار ابن حزم لبنان 1969م.(1/11)
وأما الدكتور همام سعيد فذكر تعريف العلة لغة، والمناسبة بينها وبين الاصطلاح، ثم تعريفات الحاكم، وابن الصلاح، والعراقي، وابن حجر وناقشها، ثم رجح ما نقله البقاعي عن العراقي في تعريفها: «والمعلل خبر ظاهره السلامة اطلع فيه بعد التفتيش على قادح».
وأبان عن أسباب اختياره له ومنها: «أن قوله في التعريف «على قادح» تعميم لأسباب العلل لتشمل العلل التي مدارها الجرح، وتلك الناشئة عن أوهام الثقات وما يلتبس عليهم ضبطه من الأخبار». ورأى الدكتور: «أن التعريف بهذا يكون مطابقاً لواقع كتب العلل التي اشتملت على أحاديث كثيرة أعلت بجرح واهٍ من رواتها»(1).
وذكر أنا القادح منه الخفي ومنه الجلي، ومنه ما كان في حديث الثقات، ومنه ما كان في حديث المجروحين والضعفاء.
فما كان خفياً وفي حديث الثقات فهو داخل في علم العلل... ومعيار خفائه سؤال الحافظ عنه، ووردوه في كتب العلل.
وعَلَّلَ وجود الأحاديث المُعَلَّة بجرح ظاهر في كتب العلل بتعليل علمي مقنع حيث قال:
«وأما ما نجده في كتب العلل من أحاديث أعلت بالجرح كأن يقال في أحد رواتها: متروك، أو منكر الحديث، أو ضعيف، فيمكن حمل هذه القوادح على علم العلل وإلحاقها به إذا وردت في أحاديث الثقات؛ كرواية الزهري عن سليمان بن أرقم، وراوية مالك عن عبد الكريم أبي أمية، ورواية الشافعي عن إبراهيم بن أبي يحيى.
فرواية هؤلاء الجهابذة عن هؤلاء الضعفاء توقع كثيرين في العلة اعتماداً على تثبت هؤلاء الأئمة، ومكانة الزهري ومالك والشافعي تُخفي أمر هؤلاء المتروكين والضعفاء. وقد يلتبس أمر راوٍ على أحد الحفاظ النقاد، فيروي عنه ويكون الحديث معلولاً بجالة أمر هذا الراوي أو نكارته، ولا تدرك هذه الجهالة والنكارة إلا بمعرفة كبار النقاد»(2).
__________
(1) همام سعيد، مقدمة شرح علل الترمذي، 1/23، العلل في الحديث (15 -19).
(2) انظر المصدرين السابقين.(1/12)
قلت: وثمة أمر آخر وهو أن أئمة الحديث يختصرون الحكم على الحديث بذكر الجرح في راويته إشارة منهم إلى أن هذا الحديث المعلول واحد من أسباب ضعف هذا الراوي، وما أجود ما قاله العلامة المعلمي اليماني: «... وكذلك كتب العلل وما يُعل من الأحاديث في التراجم تجد غالب ذلك مما يذكر في متنه ولكن الأئمة يستغنون عن بيان ذلك بقولهم «منكر» أو نحوه، أو الكلام في الراوي، أو التنبيه على خلل في السند كقولهم فلان لم يلق فلاناً ولم يسمع منه، ولم يذكر له سماعاً، واضطرب فيه، ولم يتابع عليه، خالفه غيره، يروي موقوفاً وهو أصح نحو ذلك»(1).
2 ـ وأمّا الدكتور حمزة المليباري فقد عرّف العلة بأنها: «سبب غامض يدل على وهم الراوي سواء أكان الراوي ثقة أم ضعيفاً، سواء أكان الوهم فيما يتعلق بالإسناد أم فيما يتعلق بالمتن، وقال: وخطأ الراوي الثقة ووهمه أغمض وأخفى من خطأ الضعيف ووهمه؛ إذ إن الثقة يجعل القلب يميل إلى الاعتماد عليه».
__________
(1) المعلمي، عبد الرحمن بن يحيى، الأنوار الكاشفة لما في كتاب أضواء على السنة من الزلل والتضليل والمجازفة، ص 263- 264. ط، عالم الكتب.(1/13)
وقل: «العلة كلها قادحة لأنها عبارة عن سبب غامض يدل على وهم الراوي، وأما إذا قلنا أنها عبارة عن سبب غامض يقدح في صحة الحديث ففيها ما هو قادح، وما هو ليس بقادح. فإن قيل: إن ضعف الراوي سبب ظاهر، فكيف يدخل في المعلول ما رواه الضعيف، بناء على أنه خارج عن التعريف بقيد الغموض فيه. فيجاب بأن العلة هي: عبارة عن أسباب غامضة تدل على وهم الراوي، ثقة كان أو ضعيفاً، وخطأ الراوي الضعيف فيما رواه لا يدرك إلا بالبحث عن القرائن التي تدل على إصابته أو خطئه، وعليه فالدال على خطأ الضعيف أمر غامض، ولا تكون رواية الضعيف دالة بمجردها على خطئه ووهمه؛ فقد يصيب الضعيف ويخطئ، فالوقوف على ذلك ليس أمراً هيناً.. ويعرف الخطأ والصواب البحث والموازنة؛ فما أخطأ الراوي الضعيف فيه لا يكون ظاهراً إلا لمن درس روايته دراسة علمية ووازنها موازنة موضوعية، وعليه نقول: «إن ما أخطأ فيه الضعيف معلول، وداخل في تعريف العلة»(1).
ويلاحظ في تعريفه ما يلي:
1 ـ وافق المتأخرين في جعل الغموض والفخاء شرطاً في العلة.
2 ـ خالفهم في تحديد ميدان العلة، فالمتأخرون جعلوا في التعريف ميدان العلة رواية الثقة دون الضعيف. وجعلها الدكتور المليباري عامة في رواية الثقة والضعيف على أن تكون وهماً منهما، وليس لها علاقة بأسباب الجرح.
3 ـ مَيز بين وهم الثقة والضعيف، وأن وهم الثقة أخفى من وهم الضعيف.
4 ـ جعل العلة كلها قادحة.
__________
(1) حمزة عبد الله المليباري: الحديث المعلول، ص 10.(1/14)
5 ـ لما عد الدكتور المليباري رواية الضعيف من ميادين العلة لم ينظر إلى حاله في الجملة وإنما نظر إلى ما يقع منه من الوهم دون الأشياء الظاهرة التي تستوجب رد حديثه محتجاً بإمكانية إصابة الضعيف كما هي إمكانية أن يخطئ الثقة. وعلى هذا الأساس علل ورود أحاديث الضعفاء في كتب العلل حيث قال: «فإن ما أخطأ فيه الضعيف معلول، وداخل في تعريف العلة». ومن هنا كان نقاد الحديث يذكرون في كتب العلل أحاديث الضعفاء التي أخطأوا في روايتها سنداً أو متناً».
المبحث الرابع: واقع كتب العلل وصنيع أهل الحديث في إطلاق العلة:
نقل ابن الصلاح عن واقع كتب العلل وصنيع أهل الحديث إطلاق العلة على غير القادح حيث قال: «ثم اعلم أنه قد يطلق اسم العلة على غير ما ذكر من باقي الأسباب القادحة في الحديث المخرجة له من حال الصحة إلى حال الضعف، المانعة من العمل به على ما هو مقتضى لفظ العلة في الأصل، ولذلك تجد في كتب الحديث الكثير من الجرح بالكذب والغفلة وسوء الحفظ ونحو ذلك من أنواع الجرح»(1).
ولم يقيده العراقي بشيء حيث قال: «وقد يعلون الحديث بأنواع الجرح من الكذب والغفلة وسوء الحفظ وفسق الراوي ـ وذلك موجود بكتب العلل»(2).
وقد شرح السخاوي قول الحافظ العراقي:
وقد يعلون بكل قادح فسق وغفلة ونوع جرح
(وقد يعلون) أي أهل الحديث كما في كتبهم أيضاً الحديث (بكل قادح) ظاهر (فسق) في راويه بكذب أو غيره (وغفلة) منه (ونوع جرح) فيه كسوء حفظ، ونحو ذلك من الأمور الوجودية التي يأباها أيضاً كون العلة خفية. لذا صرح الحاكم بامتناع الإعلال بالجرح ونحوه، فإن حديث المجروح ساقط واه، ولا يعلل الحديث إلا بما ليس للجرح فيه مدخل»(3).
__________
(1) ابن الصلاح، علوم الحديث، ص 93.
(2) العراقي، شرح ألفية العراقي، 1/237.
(3) السخاوي، فتح المغيث، ص 1/254.(1/15)
ولما شرح الدكتور همام سعيد التعريف الذي ارتضاه للعلة قال: «قوله (على قادح) تعميم لأسباب العلل لتشمل العلل التي مدارها الجرح وتلك الناشئة عن أوهام الثقات وما يلتبس عليهم ضبطه من الأخبار»(1).
وهذه أمثلة من واقع كتب العلل:
أولاً: من كتاب العلل لابن المديني:
1 ـ سئل الإمام علي بن المديني عن حديث الأسود بن سريع: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية فأكثروا القتل(2).
فقال: إسناد منقطع رواية الحسن، عن الأسود بن سريع، والحسن عندنا لم يسمع من الأسود، لأن الأسود خرج من البصرة أيام علي، وكان الحسن بالمدينة.
فقال له (تلميذه محمد بن أحمد البراز): فابن المبارك يقول في حديث الحسن، عن الأسود: (أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: إني حمدت ربي بمحامد) أخبرني الأسود، فلم يعتمد على ابن المبارك في ذلك(3).
قلت: فأعله بعدم السماع، والإعلال بعدم السماع في الأصل إعلال بالظاهر، مكنه هنا خفيّ حتى خفي على ابن المبارك ومشاه على ظاهرة.
2 ـ سئل الإمام علي بن المديني عن حديث عمران أن النبي صلى الله عليه وسلم يأمر بالصدقة. فقال: حديث بصري رواه الحسن، عن هياج بن عمران وهو رجل مجهول(4).
قلت: وهذا إعلال بأمر ظاهر ألا وهو جهالة حال الراوي.
__________
(1) همام سعيد، شرح العلل الترمذي 1 – 23.
(2) ابن المديني: علي بن عبد الله، علل الحديث ومعرفة الرجال، 67- 68، ط 1، 1980م، تحقيق د. عبد المعطي قلعجي، دار الوعي، حلب.
(3) المصدر السابق، ص 72. قلت قال الإمام الذهبي: هياج بن عمران البرجمي شيخ الحسن البصري حدث عن عمران بن حصين، وثقة ابن سعد، وقال ابن المديني: مجهول فصدق علي. ميزان الاعتدال في نقد الرجال 4/318. بيروت.
(4) المصدر السابق، 73. قلت وخيثمة بن أبي خيثمة لين الحديث، كما الحافظ في التقريب، ص 197، ط 4، 1992، دار القلم، بيروت.(1/16)
3 ـ وقال ابن المديني عن: هياج البرجمي، عن عمران قال: «سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من قرأ القرآن فسأل به». حديث أوله كوفي وآخره بصري، رواه الأعمش، عن خيثمة بن أبي خيثمة، ورواه منصور، عن خيثمة هذا وأصله بصري، وإنما روى عنه أهل الكوفة، وإسناده ضعيف، وهو حديث منكر، وإنما أوتي من طريق خيثمة عن الحسن(1).
قلت والإعلال بضعف الإسناد أمر ظاهر، والإعلال بالنكارة بمعنى مخالفة الضعيف الثقة فيه خفاء، ولا يظهر إلا بعد البحث والمقارنة.
ثانياً: من كتاب العلل الحديث لابن أبي حاتم:
1 ـ سئل أبو زرعة عن حديث رواه يزيد بن هارون، عن محمد بن عبد الرحمن بن المبجر، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ما بين المشرق والمغرب قبلة؟» قال أبو زرعة: هذا وهم، الحديث حديث ابن عمر موقوف(2).
قلت: وهذا إعلال بعلة خفية وهي وهم الراوي في رفع الحديث، والحال أنه موقوف.
2 ـ قال ابن أبي حاتم: سمعت أبي وذكر حديثاً به قال: حدثنا عبد الرحمن بن بكر بن الربيع بن مسلم، قال: حدثني حسان بن سياه، قال حدثنا ثابت البناني، عن أنس بن مالك، أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد على كور العمامة. فسمعت أبي يقول: هذا حديث منكر(3).
قلت: هذا إعلال بأمر خفي يدركه حذاق النقاد: فحسان بن سياه.. (4).
__________
(1) المصدر السابق، ص 73.
(2) ابن أبي حاتم الرازي: عبد الرحمن بن محمد، علل الحديث: 1/184، ط، القاهرة، 1343هـ.
(3) المصدر السابق 2/187.
(4) انظر ابن عدي: الكامل في الضعفاء 2/370، ط 3، 1988م، دار الفكر، بيروت. ابن حجر: لسان الميزان 2/236- 237، ط 1، 1988م، دار الفكر بيروت.(1/17)
3 ـ قال ابن أبي حاتم: سألت أبي عن حديث رواه سليمان بن حسان الشامي، عن شريك، عن يعلى بن عطا، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر. إنما مثل المؤمن إذا مات مثل رجل كان في سجن فأخرج منه، فجعل يتقلب في الدنيا ويتفسح فيها»، قال أبي: الناس لا يعرفون هذا الحديث، والموقوف عندي أشبه(1).
قلت: وترجيح الموقوف على المرفوع لا يكون إلا بالجمع للروايات والمقارنة بينها فهو إعلال بالخفي.
4 ـ قال ابن أبي حاتم: وسألت أبي وأبا زرعة عن حديث رواه حجاج بن دينار، عن أبي هاشم، عن رفيع أبي العالية، عن أبي برزة، عن النبي صلى الله عليه وسلم في كفارة المجلس سبحانك اللهم وبحمدك. ورواه عن يونس بن محمد، عن مصعب بن حيان، عن مقاتل بن حيان، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية، عن رافع بن خديج عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قال أبو محمد: ورواه منصور، عن فضيل بن عمرو، عن إياد بن حصين، عن أبي العالية، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسل.
قال أبي: حديث منصور أشبه لأن حديث أبي هاشم رواه حجاج بن دينار، عن أبي هاشم. وحجاج ليس بالقوي. وفي حديث الربيع بن أنس عن مصعب بن حبان، عن مقاتل بن حيان. قال أبو زرعة: حديث منصور أشبه لأن الثوري رواه وهو أحفظهم(2).
قلت: والإعلال بضعف حجاج إعلال بالظاهر، وترجيح المرسل لأنه من رواية الثوري وهو أفحظ من رواه لا يكون إلا بالمقارنة والنظر وفيه خفاء.
5 ـ قال ابن أبي حاتم: وسألته عن حديث رواه نصر بن علي، عن أبيه، عن إبراهيم بن نافع، عن ابن طاووس، عن أبيه، عن ابن عمر، قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الخمر، فقال رجل: يا رسول الله أرأيت المزر؟ قال: «ما الكزر؟» قال: حبة باليمن. قال: «هل يُسْكر؟» قالوا: نعم. قال: «كل مسكرحرام».
__________
(1) المصدر السابق 2/141.
(2) المصدر السابق 2/169.(1/18)
قال أبي هذا حديث منكر لا يحتمل عندي أن يكون من حديث ابن عمر، وبعبد الله بن عمرو أشبه(1).
قلت: فأعله بمخالفة راويه للمشهور عن رواية هذا الحديث من ابن عمرو، وتشابه عمر وعمرو يوقع في مثل هذا الوهم. وهذا من العلة الخفية.
6 ـ قال ابن أبي حاتم: سألت أبي عن حديث رواه عبد العزيز بن مسلم، عن الأعمش، عن حبيب، عن يحيى بن جعدة، عن ابن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يدخل الجنة رجل في قلبه مثال حبة من خردل من كبر، العز إزار الله، والكبرياء رداؤه»، فقال الرجل: يا رسول الله: إذا لبست ثوبي جديداً أعجبني فذكر الحديث.
قلت لأبي: وروى هذا الحديث: الوليد بن عتية، عن حمزة الزيات، عن حبيب بن أبي ثابت، عن يحيى بن جعدة، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسل. قال: مرسل أشبه عندي مع أن يحيى بن جعدة لم يلق ابن مسعود(2).
قلت: أعله المتصل بالمرسل، وإن المرسل أشبه فالمسألة تحتاج إلى نظر وترجيح لما فيها من الخفاء، وأعله بعدم لقاء يحيى بن جعدة لابن مسعود فلم ينف المعاصرة وإنما نفى اللقاء وهو أمر قد يخفى على الكثير.
ثالثاً: من كتب العلل الكبير للترمذي:
1 ـ قال الترمذي: حدثنا نصر بن علي وبشر بن معاذ قالا: عن بشر بن المضفل، عن عبد الرحمن بن أبي سفيان بن أبي حرملة، عن أبي ثقال المري، عن رباح بن عبد الرحمن بن سفيان بن حويطب، عن جدته، عن أبيها قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه».
فسألت محمداً عن هذ الحديث فقال: ليس في هذا الباب حديث حسن أحسن عندي من هذا. ورباح بن عبد الرحمن بن أبي سفيان، عن جدته، عن أبيها. أبوها سعيد بن زيد.
قلت له: أبو ثقال المري ما اسمه؟ فلم يعرف اسمه.
وسألت الحسن بن علي الخلال فقال: اسمه ثمامة بن وائل بن حصين.
قال أبو عيسى: رباح بن عبد الرحمن هو أبو بكر بن حويطب ينسب إلى جده.
__________
(1) المصدر السابق 2/29.
(2) المصدر السابق 2/114.(1/19)
وروى هذا الحديث وكيعن عن حماد بن سلمة، عن صدقة ـ مولى بن الزبير ـ عن أبي ثقال، عن أبي بكر بن حويطب، عن النبي صلى الله عليه وسلم: «لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه».
فسألت محمداً عن هذا الحديث، فقال: محمد بن موسى المخزومي لا بأس به، مقارب الحديث، ويعقوب بن سلمة مدني لا يعرف له سماع من أبيه، ولا يعرف لأبيه سماع من أبي هريرة.
قال أبو عيسى: سمعت إسحاق بن منصور يقول: سمعت أحمد بن حنبل يقول: لا أعلم في هذا الباب حديثاً له إسناد جيد.
حدثنا أحمد بن منيع، ثنا أبو أحمد الزبيري، عن كثير بن زيد، عن رُبَيح بن عب الرحمن بن أبي سعيد، عن أبيه، عن أبي سعيد الخدري، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه». قال محمد: رُبَيح بن عبد الرحمن بن أبي سعيد منكر الحديث(1).
قلت: فأعل البخاري حديث أبي ثقال بجهالت هو أمر ظاهر، وأعله الترمذي بالمرسل من رواية صدقة عن أبي ثقال وهو أمر ظاهر، لكن ترجيحه على المتصل هو الخفي.
وأعل البخاري الرواية الثالثة بعد السماع ليعقوب بن سلمة من أبيه. ولأبيه من أبي هريرة، ودوام سماع الابن من أبيه فيه خفاء لا يقف عليه إلا الحاذق الفطن.
وأعله الإمام أحمد بضعف أسانيده وهو أمر ظاهر، وأعل البخاري الرواية الأخيرة برُبَيح بن عبد الرحمن، وأنه منكر الحديث، وهو وصف ظاهر من قيل فيه استحق الترك لحديثه.
2 ـ قال الترمذي: حدثنا أحمد بن عبده، ثنا يحيى بن سليم، عن عمران بن مسلم، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قال في السوق لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحي ويميت، بيده الخير، وهو على كل شيء قدير، كتب الله له ألف ألف حسنة ومحيت عنه ألف ألف سيئة، وبني له بيت في الجنة».
__________
(1) الترمذي، محمد بن عيسى، العلل الكبير 1/109 -113، ط 1، 1986م، مكتبة الأقصى – الأردن.(1/20)
سألت محمداً عن هذا الحديث، فقال: هذا حديث منكر، قلت له: مَنْ عمران ابن مسلم هذا؟ هو عمران القصير؟ قال: لا، هذا شيخ منكر الحديث(1).
قلت: وهذا إعلال بضعف الراوي، وأنه يستحق الترك، وهذا الإعلال بأمر ظاهر.
3 ـ قال الترمذي: حدثنا هناد، حدثنا عبدة، عن هشام بن عروة، عن عمروابن خزيمة المدني، عن عمارة بن خزيمة، عن خزيمة بن ثابت، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الاستطابة: «ثلاثة أحجار ليس فيها رجيع».
وقال وكيع: عن هشام، عن أبي خزيمة، عن عمارة بن خزيمة، عن خزيمة ابن ثاتبن عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال أبو معاوية: عن عشام بن عروة، عن عبد الرحمن بن سعد، عن عمرو بن خزيمة، عن عمارة بن خزيمة عن خزيمة بن ثابت.
وقال مالك بن أنس: عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
فسألت محمداً عن هذا الحديث؟ فقال: الصحيح ما روى عبدة ووكيع، وحديث مالك، عن هشام بن عروة، عن النبي صلى الله عليه وسلم صحيح أيضاً. وأبو معاوية أخطأ في هذا الحديث؛ إذ زاد عن عبد الرحمن بن سعد.
وسألت محمداً عن حديث خلاد بن السائب، عن النبي صلى الله عليه وسلم في الاستنجاء، فقال: لم أرَ أحداً رواه عن قتادة غير حماد بن الجعد. وعبد الرحمن بن مهدي كان يتكلم في في حماد بن الجعد(2).
قلت: فأعل البخاري حديث أبي معاوية بمخالفته لرواية الجماعة عن هشام عن عمرو بن خزيمة، وفيه خفاء لا يدرك إلا بعد جمع الطرق والمقارنة بينها.
وأعل الحديث خلاد بن السائب بأمر ظاهر وهو الظن في الراوي.
رابعاً: من كتاب العلل الواردة في الأحاديث النبوية للدارقطني:
__________
(1) المصدر السابق 2/912.
(2) المصدر السابق 1/96- 98.(1/21)
1 ـ سئل الدراقطني عن حديث الأسود، عن عمر كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا افتتح الصلاة كبر، ثم يقول: سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك. فقال: يرويه إسماعيل بن عياش، عن عبد الملك بن حميد بن أبي غنيمة، عن أبي إسحاق السبيعي، عن الأسود، عن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وخالفة إبراهيم النخي، رواه عن الأسود، عن عمر قوله غير مرفوع وهو الصحيح(1).
قلت: أعل الدارقطني هذا الحديث بمخالفة إبراهيم النخعي ـ الثقة ـ لأبي إسحاق السبيعي الثقة الذي اختلط بآخره، فصحيح الموقوف على المرفوع. ومعرفة الخلاف في الروايات والترجيح بينها من الخفي لا الظاهر.
2 ـ وسئل عن حديث الحسين بن علي، عن عمر حين قال له الحسين انزل عن منبر أبي. فقال عمر في حديث طويل: إنما أنت أحق بالإذن من عبد الله بن عمر، وهل أنبت ما في رؤوسنا إلا الله تعالى وأنتم. فقال: رواه حماد بن زيد عن يحيىن عن عبيد بن حنين، عن عمر.
ورواه ابن عينية، عن يحيى بن سعيد، فلم يضبط إسناده، وأرسله عن عمر أنه قال للحسين: وهل أنبت الشعر على الرأس غيركم. والحديث لحماد بن زيد لأنه ضبط إسناده(2).
قلت: أعل الدارقطني الحديث بعدم ضبط الراوي ومخالفته لمن هو أضبط منه وهو أمر خفي يُطلع عليه بعد الجمع للطرق والمقارنة بينها.
3 ـ وسئل عن حديث عامر بن ربيعة العدوي، عن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم: «تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب».
فقال: يرويه عاصم بن عبيد الله بن عاصم بن عمر بن الخطاب ـ ولم يكن بالحافظ ـ رواه عن عبد الله بن عامر بن ربيعة، عن أبيه، عن عمر.
__________
(1) الدارقطني، علي بن عمر، العلل الواردة في الأحاديث النبوية، 2/141 -142، ط 1، 1985م، دار طيبة، الرياض.
(2) المصدر السابق 2/125- 126.(1/22)
وكان يضطرب فيه؛ فتارة لا يذكر فيه عامر بن ربيعة، فيجعله عن عبد الله بن عامر، عن عمر، وتارة يذكر فيه. حدث به عنه عبيد الله بن عمرو ومحمد بن عجلان وسفيان الثوري وشريك بن عبد الله واختلف عنه.. (1).
قلت: أعل الدارقطني هذا الحديث أولاً بأمر ظاهر وهو ضعف الراوي، وأعله ثانياً بأمر خفي وهو اضطراب الراوي في روايته.
وأختم بأمثلة من صنيع الحافظ ابن القطان والذهبي وابن حجر في إطلاقهم العلة وعدم تقييدها بالخفاء.
1 ـ أورد عبد الحق الإشبيلي حديث الدارقطني عن عفيف بن سالم، عن الثوري رفعه (لا يُحصّن الشرك شيئاً) وعلق عليه ابن القطان بقوله: وَهمِ عفيف في رفعه، والصحيح من قول ابن عمر، فهذا غير علة.
الثقة عفيف: فرفع الثقة لا يضر.
وانتقده الإمام الذهبي قائلاً: بل يضر لمخالفته ثقتين فأكثر، لأنه يلوح بذلك لنا أن الثقة قد غلط.
قلت: فأعل الذهبي الحديث برفع الثقة لمخالفته للثقات التي هي مظنة الغلط.
ولم يعله ابن القطان برفع الثقة بل أنه يقبل مرفوع الثقة بإطلاق ولا يضره وقف الواقف، وإنما أعله بضعف راويه حيث قال: إنما علته أنه من راويه أحمد بن أبي نافع عن عفيف المذكور، وهو أبو سلمة الموصلي ولم تثبت عدالته.
قلت: فأعل ابن القطان بضعف الراوي وليس هو من العلة الخفية بل هو أمر ظاهر إلا أن يكون إطلاقه العلة بمعناها اللغوي(2).
2 ـ قال ابن حجر في حديث (ثلاث من كن فيه..) وهو معلول من حيث صناعة الإسناد لأن عبد الرزاق تغير بأخرة وسماع هؤلاء منه في حال تغيره(3).
__________
(1) المصدر السابق 2/127.
(2) د. فاروق حمادة – نقد الإمام الذهبي لبيان الوهم والإيهام، ص 86، ط 1، 1988م، دار الثقافة، الدار البيضاء، المغرب.
(3) ابن حجر، أحمد بن علي، فتح الباري شرح صحيح البخاري 1/83, ط 1، دار المعرفة، بيروت د. ت. ترقيم محمد فواد عبد الباقي.(1/23)
وينبه هنا إلى أن الاختلاط قد يكون ظاهراً، ولكن وقت سماع الراوي ممن اختلط ربما كان خفياً، وعندها يكون من العلة الخفية.
3 ـ وقال ابن حجر في حديث لعاصم بن هلال، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر مرفوعاً: «لا طلاق إلا بعد نكاح» فيما نقله عن ابن عدي، قال: قال ابن صاعد لما حدث به لا أعلم له علة قلت: إنما علته ضعف حفظ عاصم(1).
4 ـ قال ابن حجر في حديث أخرجه الدارقطني والحاكم والبيهقي من طريق زكريا بن إبراهيم بن عبد الله بن مطيع، عن أبيه، عن ابن عمر.
معلول لجهالة حال إبراهيم بن مطيع ووالده(2).
قلت: من خلال ما تقدم من الأمثلة نجد:
1 ـ أن التعليل في كتب العلل يدور على الخطأ والوهم والغلط سواءٌ أكان في تعليل المسند بالمرسل أم العكس، أم تعليل الرفع بالوقف أم ضده، أم التعليل بالاضطراب، أم بالتفرد، أم بعدم سماع الراوي ممن فوقه، أم التعليل بالزيادة أم بالنقص، أم بغيره مما تقدم في الأمثلة.
2 ـ أن التعليل في بعض الأخبار كان بالأمر الظاهر وليس بالخفي كالإرسال أو الوقف، أو الانقطاع، أو عدم سماع الراوي، أو ضعف الراوي، أو جهالته، أو الزيادة في الإسناد، والحقيقة أن الأمر ليس كذلك فالتعليل يكون بالعل الخفية ـ الوهم أو الخطأ ـ الواقعة في الرواية، وهو أمر لا يدركه إلا نقاد الحفاظ.
وما تقدم من إعلال المُحَدِّثين بالظاهر كالإرسال أو الوقف وعدم السماع أو ضعف الراوي، أو جهالته.. هو في حقيقة الأمر إعلال بالخفي غالباً. فالتعليل بالإرسال وإن كان ظاهراً في الجملة لكن التعليل به وبيان أنه الصواب في الرواية أو أنه خطأ أمر خفي، إذ كيف يرجحون الإرسال ويعرفون أنه الصواب في الرواية وأن الخطأ في المسند نفسه لولا المقارنة والحفظ والفهم والمعرفة.
__________
(1) المصدر السابق 9/383.
(2) المصدر السابق 10/101.(1/24)
والتعليل بعدم سماع الراوي ممن فوقه أمر خفي كذلك؛ لأنهم يعلون به في خبر يتوهم فيه سماع الراوي ممن فوقه، بل قد يختلفون فيه مما يدل على شدة الخفاء في ذلك، وهم لا يقولون هذا تخميناً، مع علمههم أن الراوي أدرك من روى عنه لكنه قد لا يكون سمع منه مطلقاً أو لم يسمع منه خبراً من الأخبار وهذا لا يدركه إلا جهابذة النقاد من أهل المعرفة والحفظ.
المبحث الخامس: تعليل ما وقع في كتب العلل:
أثار هذا الاختلاف في تقييد العلة وإطلاقها ووجودها في كتب العلل على هذا النحو أهل الاصطلاح في البحث عن أسباب ذلك وتعليله:
1 ـ فقال الحافظ ابن حجر: «فعلى هذا لا يسمى الحديث المنقطع معلولاً.. وإنما يسمى معلولاً إذا كان آل أمره إلى شيء من ذلك مع كونه ظاهر السلامة من ذلك»(1).
أي أن أحاديث الضعفاء تذكر بجانب أحاديث الثقفات لبيان مخالفتهم لهم، فعندئذ يقع الخفاء في أحاديث الضعفاء، ولا تعرف أخطاؤهم إلا عند مقارنة أحاديثهم بأحاديث الثقات.
2 ـ وأبان السخاوي أن صنيع أهل الحديث في إطلاق العلة على ما يُضَعَّف به الحديث ويُجَرَّح به الراوي قليل بالنسبة لإطلاقه على ما هو خفي وخاص بأحاديث الثقات، وعلل وجوده بعبارة أوضح من ابن حجر حيث قال: «ولكن ذلك منهم بالنسبة للذي قبله قليل، على أنه يحتمل أيضاً أن التعليل بذلك من الخفي لفخاء وجود طريق آخر ليخبر بها ما بهذا من ضعف، فكأن المعلل أشار إلى تفرده وضعفه»(2).
__________
(1) ابن حجر، النكت، ص 295.
(2) السخاوي، فتح المغيث، 1/254.(1/25)
3 ـ وأزال الدكتور همام سعيد اللّبس عن وجه جعل جَرح الراوي علة حيث قال: «من سنة النقاد أنهم إذا كان الحديث يُضَعِّف بمجروح استقلالاً فإنه يذكر في كتب الجرح، ولكن إذا روى الثقة عن المجروح فإن هذه الرواية قد تُعمي حال المجروح على كثير من الناس، وعندها فلا بد من أن يتدخل العالم بالعلل ليكشف عن موضع العلة، وإذا بها رواية العدل عن المجروح... ومن هنا يتأكد لنا أن دخول هذا النوع من الجرح في علم العلل إنما كان لعلاقته الوطيدة برواية الثقات»(1).
وعلل وجود الأحاديث التي أعلت بالجرح في كتب العلل بتعليل علمي مقنع كما سبق.
4 ـ وما قاله العلامة المعلمي اليماني.
5 ـ ومما يعلل به وجود أحاديث الضعفاء في كتب العلل: أن كتب العلل كتب جامعة وغير مختصة بالشكل المميز عن غيرها بل هي عبارة عن أسئلة من الطالب لشيخه وعندما يسأل السائل ربما يسأل عن أحاديث خفيت عليه سواء كان رواتها ثقات أم ضعفاء.
الخاتمة:
بعد هذا العرض العلمي لمفهوم العلة عند المحدثين نلحظ ما يلي:
1 ـ لم يُعرِّف المتقدمون العلة فأقدم من وقفت على كلام له في تقريب مفهوم العلة الإمام الحاكم (ت 405هـ). ولعل ذلك يرجع إلى ثلاثة أسباب:
أ ـ لم يكن المتقدمون يعنون بالحدود والمصطلحات كشأن المتأخرين.
ب ـ لم يفرق المتقدمون بين العلة وبين الجرح والتعديل إلا حيث اجتمعا فيحمل كل منهما على معنى غير المعنى الآخر، وإذا ما افترقا شمل كل منهما الآخر.
ج ـ جعل المتقدمون العلة أعم من الجرح فهي تشمل الأسباب الخفية والظاهرة وتقع في أسانيد الثقات والضعفاء، وأما الجرح فخاص فيما ظهر من الأسباب وفي أسانيد الضعفاء
__________
(1) همام سعيد، شرح علل الترمذي، 1/153– 154 باختصار.(1/26)
2 ـ أن المعنى الغالب على مفهوم العلة عند العلماء أنها: أسباب غامضة خفية، اطلع عليه بعد التفتيش، تقدح في صحة الحديث، الذي ظاهره السلامة منها. ولا يكون للجرح في هذه العلل مدخل وهي خاصة في أحاديث الثقات كما تفيده عبارة الحاكم ومن جاء بعده إلا أنهم لا ينفون أن تقع العلة في أحاديث الضعفاء ؛ لأنه قال: «وعلة الحديث تكثر في أحاديث الثقات..». لذلك تعقب الصنعاني تعريف العراقي للعلة وقول صاحب «التنقيح» بعده: أي قدحت في صحته: « وهذا تعريف أغلبي للعلة، وإلا فإنه سيأتي أنهم قد يعلون بأشياء ظاهرة غير خفية ولا غامضة»(1).
3 ـ وتطلق العلة أيضاً على الأسباب التي يُضَعَّف بها الحديث ويجرح بها الراوي ظاهرة كانت أم خفية، ولا تختص بأحاديث الثقات بل تعم الثقات والضعفاء. وقيدها الدكتور حمزة المليباري بالغموض والخفاء حيث قال: « العلة عبارة عن سبب غامض، يدل على وهم الراوي سواء أكان الراوي ثقة أم ضعيفاً(2). وهو قيد حسن. وهو مراد قول الحافظ ابن حجر في النكت: «فعلى هذا لا يسمى الحديث المنقطع مثلاً معلولاً، ولا الحديث الذي راويه مجهول أو مُضَعَّف معلولاً، وإنما يسمى معلولاً إذا آل أمره إلى شيء من ذلك»(3). وفي النخبة وشرحها: «ثم الوهم إن اطلع عليه بالقرائن الدالة على وهم راويه.. فهذا هو المعل»(4).
4 ـ إن بعض العلماء أطلق العلة على معنى خاص كما عند:
أ ـ الترمذي الذي سمى النسخ علة ولم يرد بذلك ضعف الحديث وإنما أراد أنه لا يعمل به ولو كان صحيحاً.
__________
(1) أحمد شاكر، الباعث الحثيث، ص 62، ط 3، 1408هـ، بيروت، مؤسسة الكتب الثقافة.
(2) الصنعاني – توضيح الأفكار لمعاني تنقيح الأنظار، 2/20- 27، ط 1، 1997م، دار الكتب العلمية، بيروت.
(3) د. حمزة المليباري، الحديث المعلول، ص 10.
(4) ابن حجر، النكت، ص 295.(1/27)
ب ـ الخليلي الذي أطلق العلة على ما ليس بقادح ولا مؤثر في صحة الحديث من وجوه الخلاف الذي وصله الثقة الضابط وأرسله غيره حتى قال: «من أقسام الصحيح ما هو صحيح معلول»(1).
5 ـ أن التعليل في كتب العلل يدور على الخطأ والوهم والغلط سواءً أكان في تعليل المسند بالمرسل أم العكس، أم تعليل الرفع بالوقف أم ضده، أم التعليل بالاضطراب، أم بالتفرد، أم بعدم سماع الراوي ممن فوقه، أم التعليل بالزيادة أم بالنقص، أم بغيره مما تقدم في الأمثلة.
6 ـ ما تقدم من إعلال المُحَدِّثين بالظاهر كالإرسال أو الوقف وعدم السماع أو ضعف الراوي، أو جهالته.. هو في حقيقة الأمر إعلال بالخفي غالباً. فالتعليل بالإرسال وإن كان ظاهراً في الجملة لكن التعليل به وبيان أنه الصواب في الرواية أو أنه خطأ أمر خفي، إذ كيف يرجحون الإرسال ويعرفون أنه الصواب في الرواية وأن الخطأ في المسند نفسه لولا المقارنة والحفظ والفهم والمعرفة.
والتعليل بعدم سماع الراوي ممن فوقه أمر خفي كذلك لأنهم يعلون به في خبر يتوهم فيه سماع الراوي ممن فوقه، بل قد يختلفون فيه مما يدل على شدة الخفاء في ذلك، وهم لا يقولون هذا تخميناً، مع علمهم أن الراوي أدرك من روى عنه لكنه قد لا يكون سمع منه مطلقاً أو لم يسمع منه خبراً من الأخبار وهذا لا يدركه إلا جهابذة النقاد من أهل المعرفة والحفظ.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
__________
(1) ابن حجر، نزهة الأنظار في شرح نخبة الفكر.
(87) الخليلي، الإرشاد، 1-163.(1/28)