بسم الله الرحمن الرحيم تقديم
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد :
... فإنَّ إمامَ نقدِ الرجال، وعللِ الحديث، وأميرَ المؤمنين في الحديث، نظيرَ البخاري وقرينه (1) ، أبا حاتم الرازي، له مصطلحاتٌ كثيرةٌ ومُتَنوعةٌ يُطْلقها على الرواة تعديلاً وتجريحًا، مُفَسِّرًا أسبابَ الجرحِ حينًا، وتاركًا ذلك أحيانًا .
... ومن مصطلحاته في نقد الرواة، قوله " لا يحتجُّ به" أو" بحديثه " مسبوقًا غالبًا بقوله " يُكْتَب حديثه " .
... وهذا المصطلح يوحي بتضعيف المُتَّصفِ به وتوهينِ أمره، بل عدم الاحتجاج به ورَدّ حديثه، فهو دائمًا مقرونٌ بالضَّعْفِ، وهذا أمر معروف ولا يحتاج للتمثيل، فإذا أُلْحِقَ بعبارة " يكتب حديثه " فهو تليين للراوي أيضًا، إلا أنه لا يُتْرك أو يُرَدّ حديثه مطلقًا، إنّما يُعْتبر به، ويُكْتب في المتابعات والشواهد، ويُروى مقرونًا بغيره .
... وقد قاله أبو حاتم في كثير من الرواة الضعفاء، موافقًا لأئمة هذا العلم في الكلام على الرِّجال، غير أنّي وجدتُهُ يطلقه على عددٍ ممن اتفق البخاري ومسلم على الإخراج لهم في صحيحيهما.
وقد أبان أبو حاتم عن معناه حينما سأله ابنه عبد الرحمن عن ذلك، قال : قلت لأبي : ما معنى " لا يحتج بحديثهم " ؟ قال: كانوا قومًا لا يحفظون، فَيُحَدِّثون بما لا يحفظون فَيَغْلطون، ترى في أحاديثهم اضطرابًا ما شئت (2) .
ومفهوم عبارته أنه يقوله في الراوي سيئ الحفظ، كثير الغلط.
__________
(1) . راجع الترجمة الموسعة للإمام أبي حاتم الرازي رحمه الله تعالى في: سير أعلام النبلاء: محمد بن أحمد الذهبي (748هـ)، تحقيق بإشراف شعيب الأرناؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط4، 1406هـ (13/247)، تهذيب الكمال: يوسف بن عبد الرحمن المزي (742هـ)، تحقيق د. بشار معروف، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط5، 1415هـ (24/381).
(2) . الجرح والتعديل: عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي (327هـ) ، دار الكتب العلمية ، بيروت (2/132).(1/1)
ولم أقف على دراسة علمية جادّة تكشف عن الآتي :
*هل اكتفى العلماء بهذا القول منه، أم طالبوه بتفسير الجرح؟ مع أنه العارف البصير بأسباب الجرح، لا سيما إذا خالفه أحد الحذّاق فوثّق الراوي، أو احتمل الحال شَكًَّا، فأسباب الجرح كثيرة.
* وهل بقي أبو حاتم عند هذا المفهوم أم تجاوزه؟ فقاله في الراوي لأسباب أخرى، وما مدى تأييد العلماء له أو مخالفتهم، سواء فَسّر الجرح أم لم يُفَسِّر؟. ...
* وهل هو على حَقٍّ في قولته هذه في رُواةِ الصحيحين، أم هو فعلاً من المتشددين، الذين يَغْمِزون الراوي لأدنى شُبْهة؟ .
*ثم ما هي مُسَوِّغات الشيخين اللذين اتفقا على إخراج حديثهم؟ وهل هناك لَوْمٌ أو مؤاخذة عليهما في ذلك، أم يُعْتذرُ لهما فيه؟ .
مما دفعني إلى كتابة هذا البحث، الموسوم:
مدلول مصطلح" لا يحتج به " عند أبي حاتم
دراسة تطبيقية على الرواة المتفق على إخراج حديثهم في الصحيحين
... وعدد هؤلاء الرواة سبعة عشر راويًا، وهم حسب حروف الهجاء :
... بَشير بن نَهيك السَّدوسي
... خالد بن مِهران الحذاء
... زياد بن عبدالله بن الطُّفَيل البَكّائي
... سهيل بن أبي صالح
... شَبَابة بن سَوّار الفَزَاري
... شُجَاع بن الوليد السَّكوني
... شَيْبان بن عبد الرحمن التميمي
... عَبَّاد بن عَبَّاد بن حبيب المُهَلبي
... عبد الرزاق الصنعاني
... عطاء بن أبي مَيْمونة
... عمرو بن أبي سلمة التِّنِّيسي
... محمد بن إبراهيم بن أبي عَدي
... محمد بن مسلم بن تَدْرُس
... موسى بن أبي عائشة
... يحيى بن أيوب الغافقي
... يحيى بن سُلَيم الطائفي
... يحيى بن عبد الله بن بُكَيْر المصري
وهذا البحث يدرس هذا المصطلح عند أبي حاتم، متناولاً تحديدًا أقوال النقاد في الراوي، مع بيان خلاصة القول فيه، مؤيدًا لأبي حاتم أو مخالفًا، مع الاستدلال لما أذهب إليه إنْ شاء الله تعالى.
وهاك دراسة كل راوٍ على حدة
الراوي الأول : بَشير بن نَهيك
ثقة، انفرد أبو حاتم بقوله: " لا يحتج بحديثه " !! (1) .
__________
(1) . المصدر نفسه (2/379).(1/2)
فقد وثقه ابن سعد (1) ، وأحمد (2) ، والعجلي (3) ، والنسائي (4) ، والدارقطني (5) ، وذكره ابن حبان في الثقات (6) .
وأطلق القول بتوثيقه الذهبي في الكاشف (7) ، وميزان الاعتدال (8) ، والمغني في الضعفاء (9) ، وزاد: وقال أبو حاتم وحده لايحتج به، ومن تُكُلِّم فيه وهو مُوَثَّق (10) ، وزاد: إلا أبو حاتم، فقال: لايحتج به، وسيرأعلام النبلاء (11) ، وزاد: شَذّ أبو حاتم، فقال: لايحتج به.
__________
(1) . الطبقات الكبرى: محمد بن سعد (230هـ)، دار صادر، بيروت (7/223).
(2) . انظر : تهذيب التهذيب: أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (852هـ)، تحقيق مصطفى عطا، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1415هـ (1/430)، هدي الساري: ابن حجر، دار المعرفة، بيروت (ص 393).
(3) . تاريخ الثقات: أحمدبن عبد الله العجلي (261هـ)، تعليق عبد المعطي قلعجي،دار الكتب العلمية،بيروت،ط5، 1401هـ (ص 82).
(4) . انظر : تهذيب الكمال - للمزي (4/182).
(5) . سؤالات البرقاني أحمد بن محمد (425هـ) للدارقطني علي بن عمر (385هـ)، تحقيق د. عبد الرحيم القشقري، نشر كتب خانة جميلي، باكستان، ط1 ،1404هـ (ص 18).
(6) . الثقات: محمد بن حبان التميمي البستي (354هـ)، تحقيق السيد شرف الدين أحمد، دار الفكر، 1395هـ (4/70).
(7) . الكاشف: محمد بن أحمد الذهبي (784هـ)، تحقيق عزت عطية وموسى علي، دار الكتب الحديثة، ط1، 1392هـ (1/159).
(8) . ميزان الاعتدال: الذهبي، تحقيق علي معوض وعادل عبد الموجود،دار الكتب العلمية،بيروت، ط1، 1415هـ (2/45).
(9) . المغني في الضعفاء: الذهبي، تحقيق حازم القاضي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1418هـ (1/170).
(10) . من تكلم فيه وهو موثق: الذهبي، تحقيق محمد شكور، مكتبة المنار، الزرقاء، ط1، 1406هـ (ص 53).
(11) . سير أعلام النبلاء - للذهبي (4/480).(1/3)
وكذا أطلق القول بتوثيقه ابن حجر في التقريب (1) .
وتحت عنوان فيمن ضُعِّف بأمر مردود كالتحامل أو التعنت أو عدم الاعتماد على المُضَعِّف، قال ابن حجر في هدي الساري: تعنَّت أبو حاتم في قوله لايحتج به (2) .
فبشير بن نهيك ثقة كما رأينا، وأبو حاتم لم يُبَيِّن لنا سببًا للجرح، وقد صَرّح عدد من العلماء بعدم قَبول جرحه في رجال الصحيحين دون بيان .
فهذا ضياء الدين المقدسي،يقول: وقد سبق قولنا:إن أبا حاتم الرازي رحمه الله قال في غير واحد من رجال الصحيح لايحتج به من غير بيان الجرح، فلا يُقْبَل الجرح إلا ببيان ما هو، والله أعلم (3) .
وقد تكرر هذا القول من المقدسي في كتابه الأحاديث المختارة (4) .
وقال ابن عبد الهادي في كتابه تنقيح التحقيق عند الكلام عن معاوية بن أبي صالح: وأما أبو حاتم لايَحْتَج به، فغيرُ قادحٍ، فإنّه لم يذكر السبب، وقد تكررت هذه اللفظة منه في رجال كثير من أصحاب الصحيح من الثقات الأثبات، من غير بيان السبب كخالد الحذَّاء وغيره (5) .
فما الذي جعل أبا حاتم يقول بعدم الاحتجاج بحديثه؟ نتوقف عند مسألتين؛ لَعلَّهما تكشفان عن سبب ذلك .
__________
(1) . تقريب التهذيب: ابن حجر، بعناية محمد عوامة، دار الرشيد، حلب، ط1، 1406هـ (ص 125).
(2) . هدي الساري (ص 461).
(3) . الأحاديث المختارة : محمد بن عبد الواحد المقدسي (643هـ)، تحقيق عبد الملك دهيش، مكتبة النهضة الحديثة، مكة المكرمة، ط1، 1410هـ (2/18).
(4) . انظر : الأحاديث المختارة (2/114)، (4/178).
(5) . تنقيح التحقيق: محمد بن أحمد بن عبد الهادي(744هـ)، تحقيق أيمن شعبان، دار الكتب العلمية،بيروت،ط1، 1419هـ (2/294)(1/4)
الأولى: جاء في تهذيب التهذيب : ونقل صاحب الكمال عن أبي حاتم، قال: تركه يحيى القطان، وهذا وَهْمٌ وتصحيف، وإنما قال أبو حاتم : روى عن النضر بن أنس وأبي مِجْلَز وبركة ويحيى ابن سعيد، فقوله :وبركة، هو بالباء الموحدة، وهو أبو الوليد المجاشعي (1) .
قلت:جاء في الجرح والتعديل: روى عنه النضر بن أنس و أبي مجلز و تركه يحيى بن سعيد، سمعت أبي يقول ذلك (2) . فلعلّ أبا حاتم قرأها في مصنفات سابقة تركه يحيى، وليس بركة ويحيى، لذا جاء قوله فيه : لايحتج بحديثه . والله أعلم .
غير أن هذا الفهم من أبي حاتم، لو حصل، لا يُسَوِّغ له القول بعدم الاحتجاج بحديث بشير، حيث إنّ مجرد تَرْك يحيى القطان للراوي، لا يُخْرِجه من حيز الاحتجاج به مطلقًا، فقد ذكر الترمذي في العلل الصغير أن يحيى بن سعيد القطان كان إذا رأى الرجل يُحَدِّثُ عن حفظه مرّة هكذا ومرّة هكذا، ولا يثبت على رواية واحدة تركه (3) .
ولم يَسْلم من الخطأ والغلط كبيرُ أحدٍ من الأئمة مع حفظهم، قال ابن معين: من لم يخطئ فهو كذّاب، وقال ابن المبارك: ومن يسلم من الوهم، وقال أحمد: كان مالك من أثبت الناس، وكان يخطئ (4) .
__________
(1) . تهذيب التهذيب (1/430).
وانظر : حاشية تهذيب الكمال، فقد نقل المحقق كلام المزي في حاشية المخطوط توهيم صاحب الكمال في نقله عن أبي حاتم، وتصحيفه لفظة بركة إلى تركه (4/182).
(2) . الجرح والتعديل (2/379).
(3) . العلل الصغير (آخر سنن الترمذي): محمد بن عيسى الترمذي (279هـ)، نشر مصطفى الحلبي، ط2، 1398هـ (5/744).
(4) . انظر : شرح علل الترمذي: عبد الرحمن بن أحمد بن رجب الحنبلي (795هـ)، تحقيق د. همام سعيد، مكتبة المنار، الزرقاء، ط1، 1407هـ (1/436-437).(1/5)
ثم إنَّ يحيى من المتشددين، قال ابن عبد الهادي عند الكلام عن معاوية بن صالح : وكون يحيى ابن سعيد لا يرضاه غير قادح، يحيى شرطه شديد في الرجال، وكذلك قال: لو لم أرو إلا عمن أرضى،لم أرو إلا عن خمسة (1) .
الثانية: قال الترمذي: قال محمد - يعني البخاري: ... وبشير بن نهيك لا أرى له سماعًا من أبي هريرة .
حدثنا محمود بن غَيلان، قال: نا وكيع، عن عمران بن حُدَير، عن أبي مِجْلز، عن بشير ابن نهيك، قال: أتيت أبا هريرة بكتاب، وقلت له: هذا حديث، أرويه عنك؟ قال: نعم (2) .
وروى الترمذي هذا الأثر بالسند نفسه في العلل الصغير آخر كتاب السنن، وقال قَبْله: وقد أجاز بعض أهل العلم الإجازة، إذا أجاز العالم لأحد أن يروي لأحد عنه شيئًا من حديثه، فله أنْ يروي عنه (3) .
فهذا يفيد أنَّ بشير بن نهيك أخذ الأحاديث عن أبي هريرة إجازة حينما عرض عليه أحاديثه الموجودة في الكتاب .
وهو ما فهمه العلائي أيضًا، حيث جمع بين ما حكاه الترمذي عن البخاري، قوله: لا أرى له سماعًا من أبي هريرة، واحتجاج البخاري ومسلم في كتابيهما بروايته عن أبي هريرة، فبعدما أورد رواية وكيع عن عمران بن حدير التي رواها الترمذي، أعقبها بقوله: والإجازة أحد أنواع التحمل، فاحتج به الشيخان لذلك، وما ذكره الترمذي ليس فيه إلا نفي السماع، فلا تناقض (4) .
فهل هذا سبب آخر جعل أبا حاتم يقول فيه: " لايحتج بحديثه "؟! فالله أعلم .
__________
(1) . تنقيح التحقيق (2/294). وانظر : سير أعلام النبلاء - للذهبي (9/178).
(2) . العلل الكبير: محمد بن عيسى الترمذي (279هـ)، ترتيب أبي طالب القاضي محمود بن علي (585هـ)، تحقيق حمزة ديب مصطفى ، مكتبة الأقصى ، الأردن ، ط1، 1406هـ (1/554).
(3) . العلل الصغير (5/752).
(4) . جامع التحصيل : خليل بن كيكلدي العلائي (761هـ)، تحقيق حمدي السلفي، عالم الكتب ومكتبة النهضة العربية، بيروت، ط2، 1407هـ (ص 150).(1/6)
قلت : والحقيقة أن بشير بن نهيك سمع من أبي هريرة، يؤكد ذلك ورود هذا الأثر عن وكيع في موضع آخر .
فأورده ابن عبد البر عن وكيع عن عمران به، قال: كنت أكتب ما أسمع من أبي هريرة، فلمّا أردتُ أنْ أُفَارِقَه، أتيته بكتابي، فقلت: هذا سَمِعْتُه منك؟ قال: نعم (1) .
وكذا رواياته عند غير الترمذي، عن تلاميذ آخرين لعمران بن حدير غير وكيع .فالرامهرمزي روى في المحدِّث الفاصل، قال: حدثنا أبو خليفة، ثنا عثمان بن الهيثم،عن عمران بن حدير،عن أبي مجلز، عن بشير بن نهيك، قال: كنت أكتب عند أبي هريرة ما سمعت منه فإذا أردت أن أفارقه جئت
بالكتاب فقرأته عليه، فقلت: أليس هذا ما سمعته منك؟ قال: نعم (2) .
__________
(1) . جامع بيان العلم: يوسف بن عبد البر النمري (463هـ)،دار الكتب الإسلامية، القاهرة، ط2، 1402هـ (ص 121).
(2) 29. المحدث الفاصل بين الراوي والواعي : الحسن بن عبد الرحمن الرامهرمزي (360هـ)، تحقيق د. محمد عجاج الخطيب ، دار الفكر، ط3، 1404هـ (ص 538).
وقد روى هذا الأثر عدد من المصنفين بأسانيدهم.
فرواه ابن سعد في الطبقات الكبرى (7/223)، والخطيب البغدادي أحمد بن علي (463هـ)، في الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع،تحقيق محمود الطحان، مكتبة المعارف، الرياض،ط1403هـ (2/134). من طريق يحيى بن سعيد القطان، عن عمران .
ورواه البيهقي أحمد بن الحسين (458هـ)،في المدخل الى السنن الكبرى ، تحقيق محمد ضياء الرحمن الأعظمي، دار الخلفاء، الكويت، 1404هـ (ص 420)،والخطيب البغدادي في الكفاية ،دار الكتب الحديثة،القاهرة(ص 399). من طريق روح بن عبادة، عن عمران .
ورواه أبو خيثمة زهير بن حرب (234هـ)،في كتاب العلم ، تحقيق محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، بيروت،ط2، 1403هـ (ص 32)، والدارمي عبد الله بن عبد الرحمن (255هـ)،في السنن بعناية محمد دهمان ، دار الكتب العلمية ، بيروت، (1/127). من طريق معاذ بن معاذ عن عمران .
وكلها تنص على سماع بشير من أبي هريرة .(1/7)
والخطيب البغدادي الذي يرى عدم ضرورة إذن الشيخ بالرواية لمن ثبت سماعه منه، يَروي هذا الأثر من طريق أبي عاصم، عن عمران بن حدير، بنحوه، وقد صَدّره بقوله: وذهب بعض الناس إلى أنَّ من سمع من شيخ حديثًا لم يجز له أنْ يرويه عنه إلا بعد إذن الشيخ له في روايته، وهذا القول يروى عن بشير بن نهيك. ثم يختم الخطيب كلامه، قائلاً: وهذا غيرُ لازمٍ، بل متى صحّ السماع وثبت جازت الرواية له، ولا يَفْتَقِر ذلك إلى إذن من سمع منه (1) .
أما ابن رجب الذي يُفَضِّل طلب التلميذ الرواية عن الشيخ بعد سماعه، يؤكد على سماع بشير من أبي هريرة، حيث يشير إلى رواية روح بن عبادة، وأنها ليست من باب المناولة ولا من باب العرض المجرد، بل تدل على أنها عرض بعد سماع .
ويشير كذلك إلى روايتي عثمان بن الهيثم وأبي عاصم، والتي تدل على أنه كان يكتب بعدما يسمع منه،ثم أقرَّ له به أبو هريرة، وأذن له في روايته، وهذا نهاية ما يكون من التثبت في السماع (2) .
وابن حجر يَرُدُّ ما نقله الترمذي عن البخاري، فبعدما أورد رواية يحيى القطان، عن عمران ابن حدير، وفيه: هذا سمعته منك، قال: نعم. قال ابن حجر: ونقل الترمذي في العلل عن البخاري أنه قال: لم يذكر سماعًا من أبي هريرة، وهو مردود بما تقدم (3) .
والخلاصة في بشير أنّه ثقة، يحتج بحديثه، ولم يتكلم فيه أحد سوى أبي حاتم، ولذا وصفه الذهبي بالشذوذ، وابن حجر بالتعنت، وكذا لم يبين لنا سببًا للجرح، هذا التصرف الذي رفضه العلماء منه.
فإنْ قال فيه ما قال؛ لأنَّ يحيى القطان تركه، وهو لم يتركه، فلا يُقبل منه ذلك، وإنْ كان السبب هو روايته عن أبي هريرة إجازة، وهي سماعًا، فسبب أوهى من سابقة.
__________
(1) . الكفاية في علم الرواية (ص 411).
(2) . شرح علل الترمذي (1/527).
(3) . تهذيب التهذيب (1/430).(1/8)
بقي مسألة فيها استدراك على ابن حجر ، وهي أنّه قال: له في البخاري حديثان عن أبي هريرة، أحدهما حديث من أعتق عبدًا وله مال ... ، والآخر حديث العمرى جائزة (1) .
قلت: اتفق مسلم مع البخاري بإخراج الحديثين السابقين (2) ،وله في البخاري حديث ثالث، وهو نهيه - صلى الله عليه وسلم - عن خاتم الذهب، وقد اتفق معه مسلم بإخراجه (3) ، وأخرج له مسلم حديثًا رابعًا، وهو: إِذَا أَفْلَسَ الرَّجُلُ فَوَجَدَ الرَّجُلُ مَتَاعَهُ بِعَيْنِهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْ الْغُرَمَاءِ (4) .
الراوي الثاني :خالد بن مِهران الحَذّاء
ثقة، وكان يرسل، أما أبو حاتم، فقال: يكتب حديثه، ولايحتج به (5) .
__________
(1) . هدي الساري (ص 393).
(2) . حديث من أعتق عبدًا : البخاري: الأرقام 2360، 2370، 2390 مسلم: الأرقام 1502، 1503
حديث العمرى جائزة : البخاري: الرقم 2483 مسلم: الرقم 1626
(3) . حديث النهي عن خاتم الذهب: البخاري: الرقم 5526 مسلم: 2089
(4) . حديث إذا أفلس الرجل: مسلم: الرقم 1559
(5) . الجرح والتعديل (3/352).(1/9)
فقد وثقه ابن سعد (1) ، و أحمد (2) ، و ابن معين (3) ، والعجلي (4) ، والنسائي (5) ، وإسحاق بن شوذب (6) ، و ابن حبان (7) ، وابن شاهين (8) ، والذهبي (9) ، وابن حجر (10) .
وسُئِل ابن المديني في رواية خالد الحذاء عن ابن سيرين، فقال: ثَبْت (11) .
إلا أن شعبة تكلَّم فيه سِرًّا، و كذا ابن عُلَيّة .
__________
(1) . الطبقات الكبرى (7/259).
(2) . سؤالات أبي داود سليمان بن الأشعث (275هـ)للإمام أحمد بن حنبل (241هـ)، تحقيق د. زياد منصور ، مكتبة العلوم والحكم، المدينة المنورة ، ط1، 1414هـ (ص 327). وانظر: الجرح والتعديل - لابن أبي حاتم (3/352).
(3) . الجرح والتعديل- لابن أبي حاتم (3/352). وانظر: تاريخ أسماء الثقات: عمر بن أحمد "ابن شاهين" (385هـ)، تعليق عبد المعطي قلعجي ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، ط1، 1406هـ (ص 115).
(4) . تاريخ الثقات (ص 142).
(5) . انظر: تهذيب الكمال - للمزي (8/180).
(6) . تاريخ أسماء الثقات - لابن شاهين (ص 115).
(7) . الثقات (6/253). مشاهير علماء الأمصار: محمد بن حبان البستي (354هـ)، تصحيح م . فلايشهمر ، مكتبة التوعية الإسلامية القاهرة (ص 153). وقال: من المتقنين .
(8) . تاريخ أسماء الثقات (ص 115).
(9) . انظر: تذكرة الحفاظ : الذهبي ، دار إحياء التراث العربي (1/149)، من تكلم فيه (ص 75)، المغني في الضعفاء (1/312)، الكاشف (1/274)، الرواة الثقات المتكلم فيهم بما لا يوجب الرد : الذهبي، تحقيق محمد إبراهيم الموصلي ، دار البشائر الإسلامية ، بيروت 1412هـ (ص 91).
(10) . تقريب التهذيب (ص 191).
(11) . علل الحديث : علي بن عبد الله المديني (234هـ)، تعليق عبد المعطي قلعجي، دار الوعي، حلب ، ط1، 1400هـ (ص 79).(1/10)
أما شعبة، فروى العقيلي بسنده عن أبي شهاب عبدالله بن نافع القرشي، قال: قال لي شعبة: عليك بحجاج بن أرطاة ومحمد بن إسحاق فإنهما حافظان، واكتم عليّ عند البصريين في خالد و هشام (1) .
وقد عَلّق الذهبي على قول شعبة في سير أعلام النبلاء، قائلاً: هذا الاجتهاد من شعبة مردود، لا يُلْتفت إليه، بل خالد وهشام محتج بهما في الصحيحين، هما أوثق بكثير من حجاج وابن إسحاق، بل ضَعْفُ هذين ظاهر ولم يُتْركا (2) .
وفي ميزان الاعتدال، قال: ما التفت أحدٌ إلى هذا القول أبدًا (3) .
وروى العقيلي أيضًا بسنده عن عبّاد بن عبّاد، قال: أراد شعبة أن يقع (4) في خالد الحذاء، قال: فأتيت أنا وحماد بن زيد، فقلنا له: مالَك؟ أَجُننت؟! أَنْت أعلم!! وتهددناه. فأمسك (5) .
وأما ابن علية، فقال عبدالله بن الإمام أحمد، قال: قيل لابن علية في هذا الحديث، فقال: كان خالد يرويه فلم يُلْتَفَتُ إليه. ضَعّف ابن علية أمره - يعني حديث خالد عن أبي قلابة، عن أبي أسماء، عن ثوبان، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الرايات (6) .
__________
(1) . الضعفاء الكبير: محمد بن عمرو العقيلي (322هـ)، تعليق عبد المعطي قلعجي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1404هـ (2/4).
(2) . سير أعلام النبلاء (6/191).
(3) . ميزان الاعتدال (2/428).
(4) . في الضعفاء الكبير "يضع" خطأ.
(5) . الضعفاء الكبير (2/4).
(6) . العلل ومعرفة الرجال: أحمد بن محمد بن حنبل (241هـ)، تحقيق د. طلعت قوج و د.إسماعيل اوغلي، المكتبة الإسلامية استانبول 1987م (1/370).
والحديث أخرجه: ابن ماجه: رقم: (4084)، والحاكم في المستدرك: (4/510). من طريق سفيان الثوري، والحاكم: (4/547). من طريق عبد الوهاب بن عطاء الخَفَّاف، كلاهما عن خالد الحذاء ، عن أبي قلابة، عن أبي أسماء الرحبي، عن ثوبان مرفوعًا "يقتتل عند كنزكم ثلاثة،كلهم ابن خليفة ... الحديث "
وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه. وقال البوصيري، أحمد بن أبي بكر (840هـ) في مصباح الزجاجة، تحقيق موسى علي وعزت عطية، دار الكتب الإسلامية، القاهرة: هذا إسناد صحيح، رجاله ثقات.
وأخرجه أحمد وغيره من طرق أخرى عن أبي قلابة به - بنحوه.(1/11)
وأشار حماد بن زيد إلى أن حِفْظَه تغير بأخرة .
فروى العقيلي بسنده عن يحيى بن آدم،قال: قلت لحمّاد بن زيد:ما لخالد الحذاء في حديثه؟ قال: قَدِم علينا قَدْمةً من الشام، فكأنّا أنكرنا حِفْظه (1) .
قال ابن سعد: وكان-يعني خالد، قد استعمل على القتب (2) ودار العشور بالبصرة (3) .
وقال عبدالله ابن الإمام أحمد، قال أبي: خالد الحذاء كان على صدقات البصرة (4) .
وكَرّر ابن حجر أن كلام شعبة وابن علية فيه،إنما هو لتغير حفظه بأخرة،أو لعمله مع السلطان.
ففي هدي الساري، قال: تكلم فيه شعبة وابن علية، إما لكونه دخل في شيئ من عمل السلطان، أو لما قال حماد بن زيد: قدم علينا خالد قدمة من الشام، فكأنّا أنكرنا حفظه (5) .
وفي تهذيب التهذيب، قال: والظاهر أن كلام هؤلاء فيه من أجل ما أشار إليه حماد بن زيد من تغير حفظه بأخرة، أو من أجل دخوله في عمل السلطان. والله أعلم (6) .
قلت: لعلّ كلام أبي حاتم فيه من أجل هذه الأمور.
ولكن، هل يوصله ذلك إلى عدم الاحتجاج بحديثه؟ بالطبع لا، فلا زال رواة الحديث الثقات يعملون في جمع الصدقات ودور العشور، وقد قال ابن حجر: عاب جماعة من الورعين جماعة دخلوا في أمر الدنيا، فضعّفوهم بذلك، ولا أثر لذلك التضعيف مع الصدق والضبط، والله الموفق (7) .
وأما عن اختلاطه، فإن ثبت ذلك، فإنما يُتَوَقّف فيمن تأكد سماعه منه بعد الاختلاط، وليس له متابع ممن سمع منه قبل الاختلاط .
وإنّي مع الذهبي حقيقة في قوله: خالد بن مهران، ثقة جبل، والعجب من أبي حاتم يقول: لا أحتج بحديثه !! (8) .
__________
(1) . الضعفاء الكبير (2/4).
(2) . كذا في الطبقات، وفي تهذيب الكمال (8/181)، وسير أعلام النبلاء (6/192): القبة .
(3) . الطبقات الكبرى (7/259).
(4) . العلل ومعرفة الرجال (2/29).
(5) . هدي الساري (ص 400). وانظر: (ص 461).
(6) . تهذيب التهذيب (4/111). وانظر: التقريب (ص 191).
(7) . هدي الساري ( ص 385 ).
(8) . المغني في الضعفاء (1/312).(1/12)
وإنما أورده الذهبي في المغني في الضعفاء؛ ليردّ على أبي حاتم قوله فيه.
بل لا يُلْتَفت إلى كلام أبي حاتم فيه،كيف؟!وقد وثّقه المعروفون بالتشدد كابن معين والنسائي.
وقد سبقت الإشارة إلى أنَّ ابن عبد الهادي عاب على أبي حاتم قَوْلَته هذه في خالد الحذاء وغيره من رواة الصحيحين (1) .
الراوي الثالث: زياد بن عبدالله بن الطُّفَيل البَكّائي
ثقة في المغازي، وفي روايته عن ابن إسحاق، أما في روايته عن غير ابن إسحاق فضعيف يُعْتبر به.
وقال أبو حاتم: يكتب حديثه، ولايحتج به (2) .
فابن معين يُوَثِّقه في المغازي ويكتب عنه، ويضعّفه في غيرها.
ففي سؤالات ابن الجنيد، سُئِل يحيى وأنا أسمع عن زياد البكائي، فقال: ليس به بأس في المغازي. قلت ليحيى: فما روى في غير المغازي؟ قال: لا ترغبون في حديثه.
ثم قال لي يحيى: قال لي عبدالله بن إدريس: باع زياد بن عبدالله البَكَّاء شِقْصًا من داره، وكتبها. يعني كتب ابن إسحاق.
قلت ليحيى: كتبت عنه شيئًا؟ قال: نعم (3) .
وفي رواية الدارمي، قال ابن معين: لابأس به في المغازي، وأما في غيره فلا (4) .
وفي رواية الدوري، قال: ليس بشيئ، وقد كتبت عنه المغازي (5) .
__________
(1) . انظر: (ص 4 ) من البحث.
(2) . الجرح والتعديل (3/537).
(3) . سؤالات ابن الجنيد إبراهيم بن عبد الله الختلي (260هـ)ليحيى بن معين (233هـ)، تحقيق السيد النوري ومحمود خليل، عالم الكتب، بيروت، ط1، 1410هـ (ص 166).
(4) . تاريخ عثمان بن سعيد الدارمي (280هـ) عن يحيى بن معين (233هـ)، تحقيق د. أحمد محمد سيف ، دار المأمون (ص 114).
(5) . التاريخ: يحيى بن معين (233هـ)، تحقيق د.أحمد محمد سيف، مركز البحث العلمي بجامعة أم القرى، ط، 1399هـ (3/278).(1/13)
وقال أبو داود: سمعت يحيى بن معين، يقول: زياد البكائي في ابن إسحاق ثقة. كأنّه يُضَعّفه في غير ابن إسحاق (1) .
وقد وجدناه في موضع من سؤالات ابن الجنيد، لايزيد عن قوله فيه: ليس به بأس (2) .
قلت: لا شك أن هذا ليس على إطلاقه، وإنما في روايته المغازي عن ابن إسحاق. والله أعلم.
ومع ذلك سُئِل ابن معين عن طريقٍ لزياد في المغازي، فضعّفها.
روى الخطيب بسنده عن محمد بن عثمان بن أبي شيبة، قال: ذكرت ليحيى بن معين رواية مِنْجاب، عن إبراهيم بن يوسف، عن زياد المغازي، قال: كان زياد ضعيفًا (3) .
وقال الإمام أحمد فيه: ليس به بأس، حديثه حديث أهل الصدق (4) ، وقال: ما رأيت كان به بأس (5) ، وسُئِل عنه مَرّة أخرى، فقال: كان صدوقًا (6) .
إلا أن الإمام أحمد أشار إلى خطأٍ وقع فيه زياد، فقد سُئِل عن عَبِيدة بن حُمَيد والبكائي،
فقال: عبيدة أحب إليّ وأصلح حديثًا منه. قال:كان البكائي يحدث بحديث منصور عن حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن المسيب في دية اليهودي والنصراني، وإنما هو عن ثابت الحداد. أخطأ (7) .
وقال البخاري: صدوق (8) . ونقل عن وكيع قوله: هو أشرف مِنْ أنْ يَكْذِب (9) .
__________
(1) . انظر: تاريخ بغداد : أحمد بن علي الخطيب البغدادي (463هـ)، دار الكتب العلمية، بيروت (8/477).
(2) . سؤالات ابن الجنيد (ص 114).
(3) . انظر: تاريخ بغداد - للخطيب (8/477) .
(4) . العلل ومعرفة الرجال (2/257).
(5) . انظر: تاريخ بغداد - للخطيب (8/477).
(6) . انظر: المصدر نفسه
(7) . العلل ومعرفة الرجال (1/249).
(8) . العلل الكبير - للترمذي (2/974).
(9) . التاريخ الكبير: محمد بن إسماعيل البخاري (256هـ)، تحقيق هاشم الندوي، دار الفكر (3/360).(1/14)
وقال أبو زرعة مَرّة: صدوق (1) . وقال أخرى: يَهِمُ كثيرًا، وهو حسن الحديث (2) .
وقال أبو داود: كان صدوقًا (3) .
وقال الدارقطني: مُخْتَلَفٌ فيه، وعندي ليس به بأس (4) .
وقال ابن عدي: ولزياد بن عبدالله غير ما ذكرت من الحديث أحاديث صالحة، وقد روى
عنه الثقات من الناس، وما أرى برواياته بأسًا (5) .
وقال صالح بن محمد: ليس كتاب المغازي عند أحد أصح منه عند زياد البكائي، وزياد في نفسه ضعيف، ولكنه هو من أثبت الناس في هذا الكتاب، وذلك أنه باع داره، وخرج يدور مع ابن إسحاق، حتى سمع منه الكتاب (6) .
وروى الترمذي حديثًا من طريق زياد، واستغربه. قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الْبَصْرِيُّ حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ عَبْدِالله، حَدَّثَنَا عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَن،ِ عَنْ ابْنِ مَسْعُود،ٍ قَال: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - : طَعَامُ أَوَّلِ يَوْمٍ حَقٌّ، وَطَعَامُ يَوْمِ الثَّانِي سُنَّة،ٌ وَطَعَامُ يَوْمِ الثَّالِثِ سُمْعَة،ٌ وَمَنْ سَمَّعَ سَمَّعَ الله بِه.
ِ قَالَ التِّرمِذي: حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ لا نَعْرِفُهُ مَرْفُوعًا إلا مِنْ حَدِيثِ زِيَادِ بْنِ عَبْدِ الله، وَزِيَادُ بنُ عَبْدِ الله كَثِيرُ الْغَرَائِبِ وَالْمَنَاكِير.
__________
(1) . الجرح والتعديل (3/537).
(2) . أبو زرعة الرازي عبيد الله بن عبد الكريم (264هـ) وجهوده في السنة النبوية مع تحقيق كتابه الضعفاء وأجوبته على أسئلة البرذعي، سعيد بن عمرو (292هـ)، تحقيق د. سعدي الهاشمي، نشر الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، ط1، 1402هـ (2/368).
(3) . انظر: تاريخ بغداد - للخطيب (8/477).
(4) . انظر: من تكلم فيه - للذهبي (ص81).
(5) . الكامل في ضعفاء الرجال: عبد الله بن عدي الجرجاني (365هـ)، تحقيق مختار غزاوي، دار الفكر، بيروت، ط 3، 1409هـ (3/192).
(6) . انظر: تاريخ بغداد - للخطيب (8/477).(1/15)
قَال: وسَمِعْت مُحَمَّدَ بْنَ إِسْماعِيلَ يَذْكُرُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُقْبَة،َ قَالَ: قَالَ وَكِيعٌ: زِيَادُ بْنُ عَبْدِ الله مَعَ شَرَفِهِ يَكْذِبُ فِي الْحَدِيث (1) .
والعبارة الأخيرة في سنن الترمذي، عقّب عليها ابن حجر، بقوله: والذي في تاريخ البخاري عن ابن عقبة عن وكيع: زياد أشرف من أن يكذب في الحديث، وكذا ساقه الحاكم أبو أحمد في الكنى بإسناده إلى وكيع، وهو الصواب. ولعلّه سقط من رواية الترمذي "لا"، وكان فيه: مع شرفه لا يكذب في الحديث. فتتفق الروايات. والله أعلم (2) .
قلت: وكذا رواه ابن عدي بإسناده إلى وكيع من طريق البخاري (3) .
وقد قال ابن حجر في زياد في هدي الساري: حديثه حديث أهل الصدق (4) .
وقال في التقريب: صدوق ثبت في المغازي، وفي حديثه عن غير ابن إسحاق لين، ولم يثبت أنّ وكيعًا كذّبه (5) .
وأطلق القول بضعفه عدد من النقاد
فضعّفه علي بن المديني وترك الكتابة عنه. قال عبدالله بن علي بن المديني: سألت أبي عن زياد البكائي، فضعّفه (6) ، وقال ابن المديني: كتبت عنه شيئًا كثيرًا، فتركته (7) .
وقال أيضًا: لا أروي عن زياد بن عبد الله البكائي (8) .
وقال النسائي: ضعيف (9) ، وقال في موضع آخر: ليس بالقوي (10) ، وكذا قال ابن حزم (11) .
__________
(1) . سنن الترمذي: محمد بن عيسى (279هـ)، تحقيق أحمد شاكر وآخرون، نشر مصطفى الحلبي، ط2، 1398هـ (3/403).
(2) . تهذيب التهذيب (3/329).
(3) . الكامل (3/191).
(4) . هدي الساري (ص 404).
(5) . التقريب (ص 220 ).
(6) . انظر: تاريخ بغداد - للخطيب (8/477).
(7) . انظر: المصدر نفسه
(8) . انظر: الضعفاء الكبير - للعقيلي (2/79).
(9) . انظر: تهذيب الكمال - للمزي (9/488).
(10) . الضعفاء والمتروكين : أحمد بن شعيب النسائي (303هـ)، تحقيق محمود زايد، دار الوعي، حلب، ط1، 1369هـ (ص 45).
(11) . المحلى: علي بن أحمد بن حزم (456هـ)، دار الآفاق، بيروت (4/86)،(9/504)،(10/369).(1/16)
وقال ابن حبان: كان فاحش الخطأ، كثير الوهم، لا يجوز الاحتجاج بخبره إذا انفرد، وأما فيما وافق الثقات في الروايات، فإن اعتبر بها معتبر فلا ضَيْر (1) .
وقال ابن سعد: كان عندهم ضعيفًا، وقد حدثوا عنه (2) .
وقال ابن الجوزي: فإن قيل: فقد وثقه أحمد في رواية، وقال أبو زرعة: صدوق. قلنا: الجرح مُقَدّم (3) .
وبعد، فأُوافق أبا حاتم في عبارته ( يكتب حديثه، ولايحتج به )، إلا أن الشيخين أعلمُ به من الجميع، والله أعلم، فلم يرويا له في الأصول، وتركا إخراج حديثه معتمدَيْن عليه تحرِّيًا، وإنما روى له البخاري رواية واحدة مقرونًا بغيره (4) ، وروى له مسلم ثلاث روايات متابعة (5) .
الراوي الرابع: سهيل بن أبي صالح
وهو ثقة، إلا أنه حَزِن على أخيه عبّاد لما مات حُزْنًا شديدًا، فنسي بعض حديثه، وكان ذلك في آخر عمره.
وقال فيه أبو حاتم: يكتب حديثه، ولا يحتج به (6) .
وقد وثقه جماعة، وتكلم فيه آخرون، وأشار بعضهم إلى أن الكلام فيه إنما هو من قِبَل حفظه بعد موت أخيه وحُزْنه عليه، مما أسموه تَغَيُّرًا أو اختلاطًا، أو أنّه روى عن أبيه صحيفة.
فوثّقه ابن عيينة، وقال: كُنّا نعد سهيل بن أبي صالح ثبتًا في الحديث (7) .
وابن سعد، حيث قال:كان سهيل ثقة كثير الحديث،وروى عنه أهل المدينة والعراق (8)
__________
(1) . المجروحين: محمد بن حبان البستي (354هـ)، تحقيق محمود زايد، دار الوعي، حلب (1/307).
(2) . الطبقات الكبرى (6/396).
(3) . التحقيق في أحاديث الخلاف : عبد الرحمن بن علي بن الجوزي (597هـ)، مع التنقيح (1/279).
(4) . البخاري: رقم 2806
(5) . مسلم: الأرقام : 510 ، 1080 ، 1283
(6) . الجرح والتعديل (4/246).
(7) . انظر: سنن الترمذي (2/399)، العلل الصغير- للترمذي (5/744).
(8) . الطبقات الكبرى (5/426).(1/17)
وروى ابن عدي بسنده عن عباس الدوري، قال: سمعت يحيى يعني ابن معين،يقول: أبو صالح السَمّان كان له ثلاثة بنين سهيل وعباد وصالح، كلهم ثقة (1) .
وقال الإمام أحمد: ليس به بأس (2) . وقال أيضًا: ما أصلح حديثه (3) .وقال العجلي: مدني ثقة (4) . وقال النسائي: ليس به بأس (5) .
وقال أبو عبد الرحمن السُّلَمي: سألت الدارقطني: لم ترك البخاري سهيلاً في الصحيح؟ فقال: لاأعرف له فيه عذرًا، فقد كان النسائي إذا حدّث بحديث لسهيل، قال: سهيل والله خَيْرٌ من أبي اليمان ويحيى بن بكير وغيرهما، وكتاب البخاري من هؤلاء ملآن (6) .
وقال أبو زرعة: سهيل أشبه وأشهر من العلاء بن أبي عبد الرحمن (7) .
وقال ابن عدي: وسهيل عندي مقبول الأخبار، ثبت، لا بأس به (8) .
ومقبول الأخبار عند ابن عدي، أي يُحْتَج به، يُعْرف ذلك بالتتبع والاستقراء لألفاظه .
وذكره ابن حبان في ثقاته، وقال: روى عنه مالك والثوري وشعبة، وكان يخطئ (9) .
قلت: إذا تَكَلَّم ابنُ حبِّان في الراوي بخطأٍ أو وَهْمٍ، فهو مُقَدَّم في التوثيق عنده على من ذكره في كتابه وسكت عنه.والله أعلم؛ لأنّ كلامه فيه دليل على أنه عرفه جيدًا، ومع ذلك أورده في ثقاته.
وذكره ابن شاهين في ثقاته، وجاء فيه: قال أحمد بن صالح: من المتقين، وإنما توقي في غلط حديثه ممن يأخذ عنه (10) .
__________
(1) . الكامل - لابن عدي (3/448).
(2) . علل أحمد بن حنبل- رواية المروذي وصالح والميموني ، تحقيق صبحي السامرائي، مكتبة المعارف ، الرياض ، ط1، 1409هـ (ص 62).
(3) . الجرح والتعديل - لابن أبي حاتم ( 4/246).
(4) . تاريخ الثقات (ص210 ).
(5) . انظر: تهذيب الكمال - للمزي (12/227).
(6) . انظر: سير أعلام النبلاء - للذهبي (5/460).
(7) . الجرح والتعديل (4/246).
(8) . الكامل (3/477).
(9) . الثقات (6/418).
(10) . تاريخ أسماء الثقات (ص 108).(1/18)
قلت: لعلّ صواب العبارة ما جاء في التعديل والتجريح: قال أحمد بن صالح: من المتقنين، وإنما يؤتى في غلط حديثه ممن يأخذ عنه (1) .
وقال الذهبي: أحد العلماء الثقات، وغيره أقوى منه (2) . وقال أيضًا: ثقة، تغير حفظه (3) .
وقال ابن حجر في اللسان:ثقة عن أبيه (4) .وقال في التقريب:صدوق تغير حفظه بأخرة (5) .
وصَحّح ابن حجر أسانيد فيها سهيل، من ذلك قوله: وعند أبي داود والنسائي بسند صحيح عن سُهَيْلِ بنِ أَبِي صَالِح،ٍ عَنْ أَبِيه، عن رَجُلٍ مَنْ أَسْلَم،َ قَالَ: جَاءَ رَجُل،ٌ فَقَال: لُدِغْتُ اللَّيْلَةَ فَلَمْ أَنَمْ، فقَالَ له النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - : لَوْ قُلْتَ حِينَ أَمْسَيْتَ أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ لَمْ يَضُرَّكَ (6) .
وقال عنه ابن العماد في كتابه الشذرات: كان كثير الحديث، ثقة مشهورًا (7) .
__________
(1) . التعديل والتجريح: سليمان بن خلف الباجي (474)، تحقيق د.أبو لبابة حسين، دار اللواء، الرياض، ط1، 1406هـ (3/1150).
(2) . الميزان (3/339)، من تكلم فيه (ص 96).
(3) . المغني في الضعفاء (1/289).
(4) . لسان الميزان: ابن حجر، مؤسسة الأعلمي، بيروت، 1406هـ، مصورة عن دائرة المعارف النظامية ، الهند (7/240).
(5) . التقريب ( ص 259 ).
(6) . فتح الباري شرح صحيح البخاري : ابن حجر، ترقيم محمد فؤاد عبد الباقي، دار المعرفة، بيروت (10/196).
والحديث أخرجه أبو داود في السنن - رقم (3898). من طريق زهير، والنسائي في السنن الكبرى - الأرقام (10428-10432). من طريق سفيان ووهيب وزهير وشعبة، كلهم عن سهيل به.
(7) . شذرات الذهب في أخبار من ذهب: عبد الحي بن أحمد الحنبلي (1059هـ)، دار الكتب العلمية ، بيروت (1/208).(1/19)
وروى عنه الإمام مالك، ولا يَرْوي إلا عَمَّن هو ثقة عنده، وخاصة في أهل المدينة.قال بشر بن عمر الزهراني: سألت مالكًا عن رجل، فقال: هل رأيته في كتبي؟ قلت: لا، قال: لو كان ثقة لرأيته في كتبي (1) .
إلا أنه يمكن القول: لعلّ مالكًا روى عنه قبل موت أخيه. فالله أعلم.
وأما المتكلمون في سهيل، ففي مقدمتهم يحيى بن معين، الذي سُئِل عنه مِرارًا، فوثّقه مرّة كما تقدم ذكره، إلا أنَّه كان يجيب غالبًا بما يدل على تضعيفه.
ومما قال فيه: لم يزل أصحاب الحديث يَتَّقون حديث سهيل. وقال: ليس بذاك. وقال: ضعيف (2) .
وقال: سهيل والعلاء بن عبد الرحمن حديثهما قريب من السواء، وليس حديثهما بحجة (3) .
وقال: صويلح، وفيه لين (4) .
وسئل عن سُمَيّ مولى أبي بكر، فقال: ثقة ، قيل له: سمي أكثر أم سهيل؟ فقال: سمي أكثر من سهيل مائة مرة (5) .
وقال: محمد بن عمرو أكبر من هؤلاء - يعني من سهيل والعلاء وعاصم بن عبيد الله وابن عقيل (6) .
__________
(1) . انظر: سير أعلام النبلاء - للذهبي ( 8/71-72).
ويؤكد ذلك يعقوب الفسوي، فَتَحْتَ عنوان أسامي التابعين من الطبقة الثالثة ممن روى عنهم مالك بن أنس، يورد الفسوي جماعة، منهم سهيل بن أبي صالح، ثم يقول: وقد تحققت من الاستقصاء وذكر الأسامي اسمًا فاسمًا؛ لأن جملة الأمر أن مالك بن أنس لم يضع في الموطأ إسنادًا وأظهر اسمًا يحدث عنه إلا وهو ثقة، خلا عبد الكريم بن أمية، فإنه ضعيف، وكان له رأي سوء - المعرفة والتاريخ: يعقوب بن سفيان الفسوي (277هـ)، وضع حواشيه خليل منصور، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1419هـ (1/224).
(2) . انظر: شرح علل الترمذي - لابن رجب (2/408).
(3) . التاريخ (2/243).
(4) . الضعفاء الكبير - للعقيلي (3/341).
(5) . من كلام أبي زكريا في الرجال - رواية ابن طهمان (284هـ)، تحقيق د. أحمد محمد نور سيف، دار المأمون للتراث، دمشق، 1400هـ (ص69).
(6) . انظر: شرح علل الترمذي - لابن رجب (2/408).(1/20)
وكذا يحيى بن سعيد القطان، الذي جعل محمد بن عمرو بن علقمة فوق سهيل .
قال الإمام أحمد: كان يحيى - زعموا- يقول: محمد بن عمرو أحب إليّ من سهيل (1) .
إلا أن الإمام أحمد خالفه، وأنكر عليه ذلك، وقال: لم يكن ليحيى بسهيل علم، وكان قد جالس محمد بن عمرو .
وقال لم يصنع يحيى شيئًا، وأكّد على أنَّ سهيلاً صالح، وأنه ليس مثل محمد بن عمرو، بل أثبت (2) .
وقال أبو داود: قيل لأحمد وأنا أسمع: أليس سهيل أحب إليك منه؟ قال: نعم (3) .
وقال عبد الله: سألته عن سهيل بن أبي صالح ومحمد بن عمرو أيهما أحب إليك؟ فقال: ما أقربهما، ثم قال: سهيل، يعني أحب إليّ (4) .
وذكره العقيلي في الضعفاء (5) .
قلت: وكلام بعضهم فيه، إنما هو من قِبَل حفظه.
قال الترمذي: وقد تَكَلّم بعض أهل الحديث في سهيل بن أبي صالح - وعَدّد جماعة - وأشباه هؤلاء من الأئمة إنما تكلموا فيهم من قِبَل حفظهم في بعض ما رووا، وقد حَدّث عنهم الأئمة (6) .
فقال ابن سعد: وجد على أخيه وَجْدًا شديدًا حتى حَدَّث نفسه (7) .
وقال البخاري: كان لسهيل أخ فمات فوجد عليه، فنسي كثيرًا من الحديث، يَتَّقون حديثه (8) .
وقال عبد العزيز الدراوردي: أصاب سهيلاً عِلَّةٌ أذهبت بعض عقله، ونسي بعض حديثه (9) .
__________
(1) . سؤالات أبي داود للإمام أحمد (ص 207 ).
(2) . انظر: شرح علل الترمذي - لابن رجب (2/408).
(3) . سؤالات أبي داود (ص 207).
(4) . العلل ومعرفة الرجال ( 2/40 ).
(5) . الضعفاء الكبير (2/155).
(6) . العلل الصغير آخر سنن الترمذي ( 5/ 744).
(7) . الطبقات الكبرى (5/426).
(8) . التاريخ الكبير (4/104).
(9) . الكواكب النيرات: محمد بن أحمد"ابن الكيال"(929هـ)، تحقيق حمدي السلفي ، دار العلم، الكويت (ص 241 ).(1/21)
وقال أبو الفتح الأزدي: صدوق، إلا أنه أصابه بِرْسام (1) في آخر عمره فذهب بعض حديثه (2) .
وسبق قول ابن حبان فيه:يخطئ (3) . وقول الذهبي وابن حجر:تغير حفظه (4) بأخرة (5) .
قلت : أما عن تَغَيُّرِه أو اختلاطه، فقد جعله العلائي في القسم الأول: وهم من لم يوجب ذلك ضعفًا أصلاً، ولم يحط من مرتبتهم، إمّا لِقِصَر مدة الاختلاط وقِلَّته، وإما لأنه لم يرو شيئًا حال اختلاطه (6) .
... وقال ابن الصلاح في الحكم على الرواة المختلطين: واعلم أنَّ من كان من هذا القبيل مُحْتَجًّا بروايته في الصحيحين أو أحدهما، فإنّا نَعْرف على الجملة أن ذلك مما تَمَيّز، وكان مأخوذًا عنه قبل الاختلاط. والله أعلم (7) .
__________
(1) . البرسام: علة معروفة ... مُعَرّب ، فإذا كان مع الحمى سُمي الموم، وهو معرب أيضًا، وقيل: هو الجدري الكثير المتراكب - انظر: لسان العرب: محمد بن مكرم"ابن منظور"(711هـ)، دار صادر، بيروت، ط،1(12/46، 566)، مختار الصحاح: محمد بن أبي بكر الرازي (721هـ)، تحقيق محمود خاطر، مكتبة لبنان، 1415هـ ( 1/20)، النهاية في غريب الحديث: المبارك بن محمد "ابن الأثير الجزري" (660هـ)، تعليق صلاح عويضة، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1418هـ (4/ 318).
ويقول الأطباء: هو تصلب في الشرايين التي تغذي المخ، فتسبب نقص في كمية السكر الواصلة إليه فيؤدي إلى هلاك بعض الخلايا العصبية، فتصيب الانسان بمرض النسيان للمعلومات القديمة عنده .
(2) . انظر: تهذيب التهذيب - لابن حجر (4/ 240 ).
(3) . الثقات ( 6/418).
(4) . المغني في الضعفاء (ص 289).
(5) . التقريب (ص 259 ).
(6) . المختلطين: خليل بن كيكلدي العلائي(761هـ)، تحقيق د. رفعت فوزي وعلي عبد الباسط، مكتبة الخانجي، القاهرة، ط1، 1417هـ (ص 6،50).
(7) . المقدمة:عثمان بن عبد الرحمن الشهرزوري"ابن الصلاح"(643هـ)،تحقيق عائشة عبد الرحمن،دار المعارف (ص 664).(1/22)
ومع ذلك، فالبخاري لم يحتج به، وإنما روى له مقرونًا بغيره وتعليقًا .
أما مسلم فعندما أخرج له اعتبر أن تخليطه غير فاحش، حيث يقول: فإنا نتوخَّى أن نُقَدِّم الأخبار التي هي أسلم من العيوب من غيرها وأنقى، من أن يكون ناقلوها أهل استقامة في الحديث، وإتقان لما نقلوا،لم يوجد في روايتهم اختلاف شديد ولا تخليط فاحش، كما قد عثر فيه على كثير من المحدثين، وبان ذلك في حديثهم (1) .
وأما فيما قيل إنه روى عن أبيه صحيفة
فقال ابن عدي: له نسخ، وروى عنه الأئمة ... وحدث سهيل عن جماعة عن أبيه، وهذا يدل على ثقة الرجل ... وعلى تمييز بين ما سمع من أبيه ليس بينه وبينه أحد، وبين ما سمع من سُمَيّ والأعمش وغيرهما من الأئمة (2) .
وقال المقدسي: ومثال ذلك أن سهيل بن أبي صالح تُكُلِّم في سماعه من أبيه، فقيل صحيفة، فترك البخاري هذا الأصل، واستغنى عنه بغيره من أصحاب أبيه، ومسلم اعتمد عليه لما سَبَر أحاديثه فوجده مَرّة يحدث عن عبدالله بن دينار عن أبيه، ومرّة عن الأعمش عن أبيه، ومرّة يحدث عن أخيه عن أبيه بأحاديث فاتته من أبيه، فصح عنده أنه سمع من أبيه، إذ لو كان سماعه صحيفة لكان يروي هذه الاحاديث مثل تلك الأخر (3) .
وبالتالي، فأخالف أبا حاتم، وأقول: بل يحتج بحديثه إلا فيما ثبت أنه رواه بعد موت أخيه عباد، بل إن الذهبي الذي أشار إلى قولهم فيه تغير واختلط، قال في الميزان في ترجمة هشام بن عروة: لا عبرة بما قاله أبو الحسن بن القطان من أنه وسهيل بن أبي صالح اختلطا وتغيرا (4) .
الراوي الخامس: شبابة بن سوّار
ثقة، رُمِي بالإرجاء
__________
(1) . مقدمة الصحيح: مسلم بن الحجاج (261هـ)، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي (1/5).
(2) . الكامل (3/448).
(3) . شروط الأئمة الستة: محمد بن طاهر المقدسي (507هـ)، مع رسائل أخرى، بعناية عبد الفتاح أبوغدة، مكتب المطبوعات الإسلامية، حلب، ط1، 1417هـ (ص 87).
(4) . الميزان (7/85).(1/23)
فقد وثقه ابن سعد (1) ، وابن المديني (2) ، وابن معين (3) ، والعجلي (4) ، وأبو زرعة (5) ، والدارقطني (6) ، وعثمان بن أبي شيبة (7) ،وذكره ابن حبان في الثقات،وقال: مستقيم الحديث (8) ، وابن شاهين (9) .
وقال ابن عدي: لا بأس به في الحديث (10) .
ووثقه كلٌ من الذهبي (11) وابن حجر (12) ، وقال الذهبي مرّة: صدوق (13) .
وقال زكريا بن يحيى الساجي، وعبد الرحمن بن يوسف بن خراش: صدوق (14) ، وكذا قال أبو حاتم، وزاد: يكتب حديثه، ولا يحتج به (15) .
وقد نقل عن كثير ممن وثقه من أئمة النقد السابقين أنّه كان مُرْجِئًا (16) ، فحينما قيل له: أليس الإيمان قولاً وعملاً، قال: إذا قال فقد عمل (17) .
__________
(1) . الطبقات الكبرى ( 7/320 ).
(2) . الجرح والتعديل - لابن أبي حاتم ( 4/392 ).
(3) . تاريخ عثمان الدارمي (ص 65 )، سؤالات ابن الجنيد (ص 76 )، الجرح والتعديل - لابن أبي حاتم (4/392).
(4) . تاريخ الثقات (ص 214 ).
(5) . انظر: هدي الساري - لابن حجر (ص 409 ).
(6) . السنن للدارقطني: علي بن عمر (385هـ)، تحقيق عبد الله هاشم يماني، دار المعرفة، بيروت، 1386هـ (1/353).
(7) . تاريخ أسماء الثقات - لابن شاهين (ص 114). وانظر : تهذيب التهذيب (4/275 ).
(8) . الثقات (8/312).
(9) . تاريخ أسماء الثقات (ص 114).
(10) . الكامل (4/54).
(11) . من تكلم فيه (ص 97 )، المغني في الضعفاء (2/462).
(12) . التقريب (ص 263 ).
(13) . الكاشف (2/3 ).
(14) . انظر: تاريخ بغداد - للخطيب (9/297).
(15) . الجرح والتعديل (4/392).
(16) . انظر: الطبقات الكبرى - لابن سعد (7/320)، تاريخ الثقات - للعجلي (ص 214 )، تاريخ أسماء الثقات - لابن شاهين (ص 114)، الكامل - لابن عدي (4/54)، تاريخ بغداد - للخطيب (9/297).
(17) . تاريخ الثقات - للعجلي (ص 214 ).(1/24)
أما الإمام أحمد، فقال: كان داعيةً إلى الإرجاء، لذا تركه بعد أن كتب عنه شيئًا يسيرًا، ثم حَمَل عليه، وقَدَح فيه، وجعل قوله إذا قال فقد عمل كما تقول المرجئة قولاً خبيثًا (1) .
قلت: إذًا يتضح سبب قول أبي حاتم فيه " يكتب حديثه، ولا يحتج به "، فإنما هو للإرجاء الذي ذُكِر عنه. والله أعلم.
وقد قال المنذري في رواية المبتدعة: وقد اختلف أهل العلم في أهل البدع كالقدرية، والرافضة والخوارج، فقالت طائفة: لايحتج بحديثهم جملة (2) .
أقول: فهل كان أبو حاتم من هذه الطائفة ؟!
أما وصفه بالصدوق، فأبو حاتم يقولها في الراوي على عِدَّةِ حالات، منها: ما لا يحتج به عنده، وهذه الحالة أكثر الحالات ورودًا، والله أعلم.
وقد قال ابن عدي: وعندي إنما ذَمّه الناس للإرجاء الذي كان فيه (3) .
قلت: إذا كانت الحجة في عدم الاحتجاج به هو الإرجاء، فقد نُقِل عن أبي زرعة رجوعه عنه، قال البرذعي: قيل لأبي زرعة في شبابة كان يرى الإرجاء؟ قال: نعم. قيل: رجع عنه؟ قال: نعم، قال: الإيمان قول وعمل (4) .
أما إنْ كان كلام أبي حاتم فيه، لوقوعه في وَهْم أو خطأ في حديث أو أكثر (5) ،
__________
(1) . انظر : الكامل - لابن عدي (4/54)، الضعفاء الكبير - للعقيلي (2/195).
(2) . جواب الحافظ المنذري عبد العظيم بن عبد القوي (656هـ)عن أسئلة في الجرح والتعديل، بعناية عبد الفتاح أبو غدة، مكتب المطبوعات الإسلامية، حلب،ط1، 1411هـ (ص67).
(3) . الكامل (4/54).
(4) . أبو زرعة الرازي (2/407).
وقد نقله الذهبي في الميزان (3/360 )، وابن حجر في هدي الساري (ص 409).
(5) . أورد ابن عدي في الكامل (4/54) ثلاثة أحاديث . ثم قال: وهذه الأحاديث الثلاثة التي ذكرتها عن شبابة عن شعبة هي التي أُنْكرت عليه . إلى أن قال: والذي أُنْكر عليه الخطأ، ولعل حدّث به حفظًا .
وانظرها في تاريخ بغداد (9/296).(1/25)
فلا يُسَلّم له في ذلك، فهو ممن يحفظ الحديث، حيث سأل ابن العجلي أباه، قال له: يحفظ الحديث؟ قال: نعم. قال: أين لقيته؟ قال: ببغداد (1) .
كما لا يُنْكَر لرجل سمع من رجل ألفًا أو ألفين أن يجيئ بحديث غريب،كما يقول ابن المديني (2) .
ولا زال الثقات يقعون أحيانًا في وهم أو خطأ، وهو أمر معروف ولا يؤثر فيهم، وقد قال ابن معين : لستُ أعجب ممن يحدث فيخطئ، إنما العجب ممن يحدث فيصيب (3) ،وقال أيضًا: من لا يخطئ في الحديث - أي يزعم أنه لا يخطئ في الحديث - فهو كَذّاب (4) .
فإذا وقع شبابة في خطأ أحيانًا، فغير مؤثِّر، وفي سير أعلام النبلاء في ترجمة الوليد بن شجاع، قال الذهبي: وقال أبو حاتم: لا يحتج به، قلت: قد احتج به مسلم، وهو على سعة علمه قل أن تجد له حديثًا مُنْكرًا، وهذه صفة من هو ثقة (5) .
فشبابة ثقة، يُحْتَجُّ بحديثه، ولا لوم على الشيخين في الرواية له، وإخراج حديثه. والله أعلم.
والخلاصة فيه ما قاله المنذري: فهذا الإمام أحمد قد صرّح بأنه إنما تركه لكونه داعية إلى الإرجاء، وهذا عليّ بن المديني لم ير قوله بالإرجاء وتفرده بشئ مؤثرًا في حقه، والخطأ فلا يكاد يسلم منه أحد . فمن احتج بحديثه يرى أن الإرجاء والدعاء إليه والتفرد بشيء غير قادح، سيما وقد نُقِل عنه الرجوع . ومن لم يحتج بحديثه يرى أن ذلك مانعٌ من الاحتجاج به، وحصل عنده من ذلك ريبة وقفته عن الاحتجاج به على ما تقدم، والله عز وجل أعلم (6) .
الراوي السادس: شجاع بن الوليد بن قيس السَّكوني
صدوق أو ثقة، يَهِمُ قليلاً
__________
(1) . تاريخ الثقات (ص 214 ).
(2) . انظر: الكامل - لابن عدي (4/54)، تاريخ بغداد - للخطيب (9/296).
(3) . التاريخ (3/13).
(4) . المصدر نفسه (3/549).
(5) . سير أعلام النبلاء (12/23).
(6) . جواب الحافظ المنذري (ص82).(1/26)
وثقه ابن معين (1) ، وابن نمير (2) ، وقال أبو زرعة (3) والعجلي (4) : لابأس به.
وقال أحمد: صدوق (5) . وقال عبدالله بن أحمد: كان أبي إذا رضي عن إنسان، وكان عنده ثقة، حدّث عنه وهو حي، فحدثنا عن شجاع - وذكر غيره، وهم أحياء (6) .
وذكره ابن حبان في الثقات (7) ، ووصفه الذهبي بالثقة (8) والمشهور (9) ، وقال ابن حجر: صدوق ورع له أوهام (10) .
أما أبو حاتم، فقال: لَيِّن الحديث، شيخ ليس بالمتين، لا يحتج به!!، إلا أن عنده عن محمد ابن عمرو بن علقمة أحاديث صحاح.
وسئل أبو حاتم: شجاع أحب إليك أوعبدالله بن أبي بكر السهمي، فقال: عبدالله أحب إليّ؛ لأنّ أبا بدر روى حديث قابوس في العرب (11) ، هو حديث منكر (12) .
__________
(1) . التاريخ (2/249)، الجرح والتعديل - لابن أبي حاتم (4/378)، العلل ومعرفة الرجال - للإمام أحمد (2/103).
(2) . انظر: تهذيب التهذيب - لابن حجر (4/286).
(3) . الجرح والتعديل (4/378).
(4) . تاريخ الثقات (ص 215).
(5) . انظر: تاريخ بغداد - للخطيب (9/247).
(6) . العلل ومعرفة الرجال (1/53).
(7) . الثقات (6/451).
(8) . من تكلم فيه (ص 98).
(9) . المغني في الضعفاء (1/464).
(10) . التقريب (ص 264).
(11) . ولفظه: "يا سلمان، لا تُبْغِضني، فتفارق دينك، قال: كيف أُبغضك وبك هدانا الله؟ قال: تُبْغِض العرب فتُبْغِضني " أخرجه الترمذي (5/723) في كتاب المناقب،باب فضل العرب، وأحمد في المسند (5/440)، والحاكم في المستدرك (4/86)، والعقيلي في الضعفاء (2/184). من طريق شجاع، عن قابوس بن أبي ظَبيان، عن أبيه، عن سلمان .
وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب، لا يعرف إلا من حديث أبي بدر شجاع بن الوليد. وسمعت محمد بن إسماعيل، يقول: أبو ظبيان لم يدرك سلمان، مات سلمان قبل علي. وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه. وتعقبه الذهبي، فقال: قابوس تكلم فيه.
(12) . الجرح والتعديل (4/378).
وكذا قال المنذري في جوابه (ص 84). وقال أيضًا: أَُخذ عليه أنه رفع حديث شريك عن أبي حَصين في الحصاة ومناشدتها ، وهو موقوف .
والحديث أخرجه أبو داود (1/316) في كتاب الصلاة، باب في حصى المسجد، والعقيلي في الضعفاء (2/184). من طريق شجاع، عن شريك، عن أبي حصين، عن أبي صالح، عن أبي هريرة.وعند أبي داود، قال أبو بدر: أراه قد رفعه إلى النبي . وعند العقيلي، قال: أحسبه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: إن الحصاة لتناشد صاحبها الذي يخرجها من المسجد. قال العقيلي: وهذا من حديث الأعمش وأبي حصين عن أبي صالح عن أبي هريرة موقوفًا .(1/27)
وقد نقل عن شجاع أنه كان لا يذكر السماع أحيانًا، أي يُحَدِّث من غير صيغة حدثنا .
قال أبو بكر المروذي: سمعت أبا عبدالله يقول: كان أبو بدر لا يقول حدثنا، ولقد أرادوه على أن يقول حدثنا خُصَيْف فأبى، وقال: أليس هو ذا، أقول خصيف ! (1) .
وقال الإمام أحمد أيضًا في قصة ذكرها: إنما كان يقول لنا ذكره سليمان بن مهران، ولم يكن يقول الأعمش، وذكره مغيرة، وذكره سعيد بن أبي عروبة، ولم يَكَد يقول لنا حدثنا، ثم كان بعد ذلك يقول حدثنا فلان وأخبرنا فلان وأخبرنا موسى بن عقبة، ولم يكن يقول لنا إلا ذكره (2) .
ولذا نقل عن أحمد ، قال: كنت أنا ويحيى بن معين، فلقينا أبا بدر في الطريق، فدنا إليه يحيى، فقال له: يا شيخ، كنت حدثتنا عن خُصَيف بواحد، ثم قد حدثت بآخر، انظر لا يكون ابنك يجيئك بهذه الأحاديث؟ قال أبي: فدعا عليه، فقال: اللهم إن كان يبهتني فافعل به، ودعا عليه، قال: ثم لم آته بعد. استحييت منه، وذهب إليه يحيى بعد ذلك (3) .
وفي موضع آخر عن أحمد، أن يحيى بن معين لقي شجاع بن الوليد يومًا، فقال له: يا كَذّاب، فقال له الشيخ: إن كُنْتُ كذّابًا، وإلا فهتكك الله. قال أحمد: فأظن دعوة الشيخ أدركته (4) .
قلت: لعلّ هذا الذي جعل ابن معين يقول له يا كذَّاب، والله أعلم، وهو بالتأكيد لا يعني الكذب المعروف؛ لأنَّ ابن معين وثّقه كما تقدم، وظل يأتيه.
بل عقّب ابن حجر على كلام ابن معين بقوله: فكأنّه- يعني ابن معين- مازحه فما احتمل المزاح (5) .
__________
(1) . انظر: تاريخ بغداد - للخطيب (9/247).
(2) . جواب الحافظ المنذري (ص 83).
(3) . الضعفاء الكبير - للعقيلي (2/184).
(4) . انظر: تاريخ بغداد - للخطيب (9/248).
(5) . هدي الساري (ص 409).(1/28)
وبعد، فالخلاصة في شجاع، ما قاله المنذري: فمن احتج بحديثه لا يرى شيئًا من ذلك مانعًا من الاحتجاج به. ويمكن أنْ يقال: إنَّه تَذَكَّر السماع بعد ذلك فصرَّح بالتحديث، أو إنَّ الراوي ينشط مرّة فيسند، ويَفْتُر مرّة فلا يسند، ويسكت عن ذكر الشخص مرة، ويذكره أخرى لما يقتضيه الحال .
ومن امتنع من الاحتجاج به، يكون قد حصل عنده من ذلك مَغْمز وإن لم يثبت به جرح، فتوقف لذلك، والله عز وجل أعلم (1) .
قلت: وأنا مع المنذري في إجابته عَمَّنِ احْتُجَّ بحديثه، وإنَّ الرجل كما قلتُ صدوق أو أعلى من ذلك .
وكذا مع الذهبي في قوله: ثم إنَّ يحيى بن معين وثقه وأنْصَفَه،... وأما أبو حاتم، فقال:
أبو بدر لين الحديث، لا يحتج به، قلت: قد قَفَز القنطرة واحتج به أرباب الصحاح (2) .
ومع ابن حجر، وقد قال: تكلم فيه أبو حاتم بِعَنَت (3) .
فلا عيب في الاحتجاج بحديثه في الصحيحين، ومع ذلك فليس له عند البخاري سوى حديث واحد في المحُْصِر، وقد توبع شيخه فيه، وهو عمر بن محمد بن زيد العمري، عن نافع، عن ابن عمر (4) كما قال ابن حجر (5) .
وله في مسلم حديثان فقط أحدهما في المتابعات (6) ، والآخر له متابع (7) .
الراوي السابع: شَيْبَان بن عبد الرحمن التميمي
ثقة حجة.وقال أبو حاتم:حسن الحديث، صالح الحديث، يكتب حديثه ولا يحتج به (8) .
__________
(1) . جواب الحافظ المنذري (ص 85 ).
(2) . سير أعلام النبلاء (9/354).
(3) . هدي الساري (ص 409).
(4) . البخاري: رقم 1812
(5) . هدي الساري (ص 409).
(6) . مسلم: رقم 2047
(7) . مسلم: رقم 2305
(8) . الجرح والتعديل (4/355).(1/29)
وقد وثقه ابن سعد (1) ، وابن معين (2) ، والعجلي (3) ، والنسائي (4) ، والبزار (5) ، ويزيد بن هارون (6) ، وعثمان بن أبي شيبة (7) ، وابن حبان (8) ،وابن شاهين (9) ،وابن عمّار (10) ، والذهبي (11) ، وابن حجر (12) .
وأثنى عليه أحمد، وقال: ثَبْت في كل المشايخ، صاحب كتاب صحيح (13) .
وكان ابن مهدي يُحَدِّثُ عنه، ويَفْخَر به (14) .
وقال الترمذي: ثقة عندهم، صاحب كتاب (15) ، وقال: صحيح الحديث (16) .
وقال ابن خراش: كان صدوقًا (17) ، وكذا قال الساجي، وزاد: وعنده مناكير وأحاديث عن الأعمش، تفرد بها (18) .
فهل ما أشار إليه الساجي، اطّلع عليه أبو حاتم،وكان سببًا في قوله فيه " لا يحتج به " ؟!.
__________
(1) . الطبقات الكبرى (7/322).
(2) . تاريخ الدارمي (ص 53)، الجرح والتعديل - لابن أبي حاتم (4/355)، تاريخ بغداد - للخطيب (9/272-273).
(3) . تاريخ الثقات (ص 224).
(4) . انظر: تهذيب الكمال - للمزي (12/594).
(5) . انظر: تهذيب التهذيب - لابن حجر (4/340 ).
(6) . تاريخ واسط: أسلم بن سهل الرزاز "بحشل" (292)، تحقيق كوركيس عواد ، مكتبة العلوم والحكم، المدينة المنورة،ط1، 1406هـ (ص 129).
(7) . تاريخ أسماء الثقات - لابن شاهين (ص 169).
(8) . الثقات (6/449).
(9) . تاريخ أسماء الثقات - لابن شاهين (ص 168).
(10) . انظر: تاريخ بغداد - للخطيب (9/273).
(11) . من تكلم فيه (ص 101)، المغني في الضعفاء (ص 475)، الرواة الثقات (ص 110)، الميزان (3/391)، السير (7/406)، تذكرة الحفاظ (1/218)، الكاشف (1/491).
(12) . التقريب ( ص 269).
(13) . الجرح والتعديل - لابن أبي حاتم (4/355).
(14) . انظر: تهذيب التهذيب - لابن حجر (4/340 ).
(15) . السنن (4/585).
(16) . السنن (5/125).
(17) . انظر: تاريخ بغداد - للخطيب (9/273 ).
(18) . انظر: تهذيب التهذيب - لابن حجر (4/340 ).(1/30)
وقد اعترض الذهبي على قول أبي حاتم هذا، فقال فيمن تُكُلِّم فيه: قال أبو حاتم وحده يكتب حديثه ولا يحتج به (1) ، وقال في السير: قول أبي حاتم فيه لايحتج به، ليس بجيد (2) ، وقال في الرواة الثقات: قال أبو حاتم لا يحتج به، قلت: بل هو حجة (3) .
وقبل أن نطوي ملف شيبان، أقول: هذه اللفظة " لا يحتج به "، وجدتها في المطبوع من كتاب الجرح والتعديل، وتكررت مرارًا في مصنفات الذهبي، كما سبق بيانه، ولذا أدرجته في بحثي هذا، إلا أنه جاء في التعديل والتجريح للباجي: قال أبو حاتم: هو كوفي، حسن الحديث، صالح الحديث، ويكتب حديثه (4) ، ولم ينقل عن أبي حاتم قوله في شيبان " لا يحتج به "، وكذا هو في تهذيب الكمال (5) ، ليس فيه " لا يحتج به "، وقال ابن حجر في تهذيب التهذيب: وقرأت بخط الذهبي: قال أبو حاتم: لا يحتج به، انتهى. وهذه اللفظة ما رأيتها في كتاب ابن أبي حاتم، فيُنْظَر: ليس فيه إلا (يكتب حديثه)
فقط، وكذا نقله عنه الباجي (6) .
فلعلهم اطلعوا على نُسَخٍ غير التي اطلع عليها الذهبي، والله أعلم.
الراوي الثامن: عَبَّاد بن عَبَّاد بن حَبِيب المُهَلّبي
ثقة ، وقال أبو حاتم: صدوق، لا بأس به، قيل له: يحتج بحديثه؟ قال: لا (7) .
__________
(1) . من تكلم فيه (ص101).
(2) . سير أعلام النبلاء (7/406).
(3) . الرواة الثقات (ص 110).
(4) . التعديل والتجريح (3/1164).
(5) . تهذيب الكمال - للمزي (12/596).
(6) . تهذيب التهذيب (4/340).
(7) . الجرح والتعديل (6/82).(1/31)
وقد وثقه ابن معين (1) ، ويعقوب بن شيبة، والنسائي، وابن خراش (2) ، وأبو داود (3) ، والعجلي، والعقيلي، وأبو أحمد المروذي، وابن قتيبة (4) ، وذكره ابن حبان في الثقات (5) ، وفي مشاهيرعلماء الأمصار، وقال: وكان متيقظًا (6) .
وقال أحمد: ليس به بأس (7) . وقال الطبري: كان ثقة، غير أنه كان يَغْلَط أحيانًا (8) .
وقال ابن سعد: ثقة، وربما غلط (9) . وقال في موضع آخر: لم يكن بالقوي في الحديث (10) .
وقال الخليلي: له نسخة كتاب شعبة، ويُقَدَّم في الجلالة على جميع تلامذة شعبة (11) .
__________
(1) . التاريخ (2/292)، تاريخ الدارمي (ص 146).
(2) . انظر: تاريخ بغداد - للخطيب (11/103).
(3) . انظر: تهذيب الكمال - للمزي (12/130).
(4) . انظر: تهذيب التهذييب - لابن حجر (5/86 ).
(5) . الثقات (7/161).
(6) . مشاهير علماء الأمصار (ص161).
(7) . الجرح والتعديل - لابن أبي حاتم (6/82).
(8) . انظر: تاريخ بغداد - للخطيب (11/103).
(9) . الطبقات الكبرى (7/327).
(10) . المصدر نفسه (7/290).
(11) . الإرشاد في معرفة علماء الحديث : الخليل بن عبد الله القزويني (446هـ)، تحقيق محمد سعيد إدريس، مكتبة الرشد، الرياض، ط1، 1409هـ (2/488).(1/32)
قلت: هو ثقة، يحتج بحديثه، فالأئمة وثقوه كما نرى، ولم يتكلم فيه أحد سوى ما نُقِل عن الطبري وابن سعد، وقد وثقاه، إلا أنَّ الأول قال: كان يغلط أحيانًا، وقال الثاني: ربما غلط، ولا يؤثر شيئًا، لذا كَرَّر الذهبي، وتبعه ابن حجر التصريح بتعنت أبي حاتم في كلامه فيه، فقال الذهبي: ثقة (1) ، حجة (2) ، مشهور (3) ، كان شريفًا نبيلاً جليلاً من العقلاء (4) . وقال: أبو حاتم متعنِّت في الرجل (5) وقال: تعنَّت أبو حاتم كعادته، وقال: لا يحتج به (6) .
وقال ابن حجر: ثقة، ربما وهم (7) .وقال: تَكَلَّم فيه أبو حاتم بِعَنَت (8) .
الراوي التاسع : عبد الرزاق بن همام الصنعاني
أحد الأعلام الثقات، وثقه ابن معين (9) ، وأبو داود (10) ، والعجلي (11) ، ويعقوب ابن شيبة (12) ، والبزار (13) ، وذكره ابن حبان في الثقات (14) .
وقال أبو زرعة الدمشقي: عبد الرزاق أحد من ثبت حديثه (15) ، وقال ابن الصلاح: هو حُجَّة على الإطلاق (16) .
وقال معمر: يختلف إلينا في طلب العلم من أهل اليمن أربعة - فذكر منهم عبد الرزاق -
وقال: وأما ابن همام، فإنْ عاش ، فَخَلِيق أن تُضْرَبَ إليه أكبادُ الإبل (17) .
__________
(1) . الكاشف (1/530)، تذكرة الحفاظ (1/261)، سير أعلام النبلاء (8/264).
(2) . من تكلم فيه (ص 106).
(3) . المغني في الضعفاء (1/514).
(4) . تذكرة الحفاظ (1/261).
(5) . الرواة الثقات المتكلم فيهم (ص 112).
(6) . سير أعلام النبلاء (8/264).
(7) . التقريب (ص290).
(8) . هدي الساري (ص 462).
(9) . سؤالات ابن الجنيد (ص 146).
(10) . انظر: التهذيب - لابن حجر (6/277 ).
(11) . تاريخ الثقات (ص 302).
(12) . انظر: تهذيب الكمال - للمزي (18/59).
(13) . انظر: تهذيب التهذيب - لابن حجر (6/277).
(14) . الثقات (8/ 412).
(15) . انظر: تهذيب الكمال - للمزي (18/ 57).
(16) . انظر: المختلطين- للعلائي (ص 75).
(17) . انظر: تهذيب الكمال - للمزي (18/57).(1/33)
وقال أحمد بن صالح المصري:قلت لأحمد بن حنبل:رأيتَ أحدًا أحسن حديثًا من عبد الرزاق ؟ قال: لا (1) .
وقال ابن رجب: أحد أئمة الحديث المشهورين، وإليه كانت الرحلة في زمانه في الحديث، حتى قيل: إنّه لم يُرْحَل إلى أحد بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما رُحِل إلى عبد الرزاق (2) .
وهكذا نرى أنّ الأئمة أثنوا عليه،إلا أنَّ بعضَهم نسبه إلى الخطأ أحيانًا أو التلقين أو التشيع
قال أحمد: عَمِي في آخر عمره، وكان يُلَقّن فيتلقن، فسماع من سمع منه بعد المائتين لا شيئ (3) . وقال: لا يعبأ بحديث من سمع منه وقد ذهب بصره، كان يلقن أحاديث باطلة (4) . وقال: أتينا عبد الرزاق قبل المائتين وهو صحيح البصر، ومن سمع منه بعد ما ذهب بصره فهو ضعيف السماع (5) .
وقال الدارقطني: ثقة، لكنه يخطئ على مَعْمَر في أحاديث (6) .
وقال ابن عدي: ولعبد الرزاق بن همام أصناف وحديث كثير، وقد رحل إليه ثقات المسلمين وأئمتهم وكتبوا عنه، ولم يرو بحديثه بأسًا، إلا أنهم نسبوه إلى التشيع، وقد روى أحاديث في الفضائل مما لا يوافقه عليه أحد من الثقات، فهذا أعظم ما رَمَوْه به من روايته لهذه الأحاديث، ولما رواه في مثالب غيرهم، وأما في باب الصدق فأرجو أنه لا بأس به، إلا أنه قد سبق منه أحاديث في فضائل أهل البيت ومثالب آخرين مناكير (7) .
وقال البخاري: ما حَدَّث من كتابه فهو أصح (8) . وقال: يَهِمُ في بعض ما يُحَدِّث به (9) .
__________
(1) . انظر: المصدر نفسه ( 18/ 56).
(2) . شرح علل الترمذي (2/ 752).
(3) . انظر: المختلطين - للعلائي (ص74).
(4) . انظر: شرح علل الترمذي - لابن رجب (2/752).
(5) . انظر: سير أعلام النبلاء - للذهبي (9/565)، الميزان - للذهبي (4/342)، المختلطين - للعلائي ( ص74).
(6) . انظر: الميزان - للذهبي (4/343).
(7) . الكامل (5/315).
(8) . التاريخ الكبير (6/130).
(9) . العلل الكبير - للترمذي (1/535).(1/34)
وقال ابن حبان: وكان ممن جَمَع وصَنَّف، وحَفِظ وذَاكر، وكان ممن يُخْطئ إذا حَدَّث من حِفْظه على تَشَيّع فيه (1) .
وقال النسائي: فيه نظر لمن كتب عنه بأخرة (2) .
وقال ابن رجب: لما كان بصيرًا ويُحَدِّث من كتابه كان حديثه جيدًا، وما حدث من حفظه خَلَط (3) .
وقال البرذعي: ورأيت أبا زرعة لا يحمد أمره، وينسبه إلى أمر غليظ (4) .
وقال ابن عيينة: أخاف أن يكون من الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا (5) .
وقال عباس بن عبد العظيم العنبري: والله الذي لا إله إلا هو، إن عبد الرزاق كذَّاب، ومحمد ابن عمر الواقدي أصدق منه (6) .
إلا أن الذهبي تَعَقّبه، فقال: هذا ما وافق العباس عليه مسلم، بل سائر الحفاظ وأئمة العلم يحتجون به إلا في تلك المناكير المعدودة في سعة ما روى (7) .
ووثقه الذهبي (8) ، وقال: وثقه غير واحد، وحديثه مُخَرّج في الصحاح، وله ما ينفرد به، ونقموا عليه التشيع، وما كان يغلو فيه، بل كان يُحِب عليًا - رضي الله عنه - ويَبْغض من قاتله (9) .
وقال: وبكل حال لعبد الرزاق أحاديث ينفرد بها قد أُنْكِرت عليه من ذلك الزمان، حتى إنّ أبا حاتم، قال: يكتب حديثه ولا يحتج به (10) .
وقال ابن حجر: ثقة حافظ مُصنّف شهير، عمي في آخر عمره فتغير، وكان يتشيع (11) .
__________
(1) . الثقات (8/412).
(2) . الضعفاء والمتروكين (ص 69).
(3) . شرح علل الترمذي (2/756).
(4) . أبو زرعة الرازي (ص 450).
(5) . انظر: الضعفاء الكبير - للعقيلي ( 3/109).
(6) . انظر: المصدر السابق
(7) . الميزان (4/343).
(8) . السير (9/564) ، الميزان (4/342) ، المغني في الضعفاء (1/622).
(9) . تذكرة الحفاظ (1/264).
(10) . المغني في الضعفاء (1/622).
(11) . التقريب (ص 354).(1/35)
وقال: أحد الحفاظ الأثبات، صاحب التصانيف، وثقه الأئمة كلهم إلا العباس بن عبد العظيم العنبري وحده، فَتَكَّلم بكلام أفرط فيه، ولم يوافقه عليه أحد ...احتج به الشيخان في جملة من حديث من سمع منه قبل الاختلاط، وضابط ذلك من سمع منه قبل المائتين، فأمّا بَعدها فكان قد تَغَيَّر (1) .
أما أبو حاتم، فقال: يكتب حديثه، ولا يحتج به (2) .
وسبب قول أبي حاتم فيه على الأرجح، لما حصل له من تغير وخفة ضبط بعدما عمي آخر عمره، فأُنْكِرت عليه أحاديث انفرد بها.
قلت: ومع ذلك فلا ينبغي من أبي حاتم أن يُطْلقها على رجل كعبد الرزاق، فعبد الرزاق ثِقَةٌ مُطْلقًا قَبْل ذهاب بصره سنة مائتين، وإذا كان قد عمي في آخر عمره فتغير وخف ضبطه، ووهم في بعض ما يحدث به، فلا نَضْرِب على حديثه، ونُطْلِق القول بعدم الاحتجاج به.
أما عن روايته في الصحيحين، فقد احتج به الشيخان في جملةٍ من حديث من سمع منه قبل الاختلاط، والله أعلم.
الراوي العاشر: عطاء بن أبي ميمونة
ثقة، رُمِي بالقدر. وقال أبو حاتم: صالح، لا يحتج بحديثه (3) .
وقد وثقه ابن معين (4) ، وأبو زرعة (5) ، والنسائي (6) ، والعجلي (7) ، ويعقوب الفسوي (8) وابن شاهين (9) ، وذكره ابن حبان في الثقات (10) .
__________
(1) . هدي الساري (ص 419)، وقدحاول ابن حجر في موضع آخر أن يَرُدَّ على كلام الذهبي السابق في أن غير عباس وافقه في الكلام على عبد الرزاق - راجع تهذيب التهذيب (6/277). قلت: وفيه ردٌّ عليه نفسه.
(2) . الجرح والتعديل (6/38).
(3) . المصدر نفسه (6/337).
(4) . التاريخ (2/405)، سؤالات ابن الجنيد (ص 77 )، الجرح والتعديل - لابن أبي حاتم (6/337).
(5) . الجرح والتعديل (6/337).
(6) . انظر: تهذيب الكمال - للمزي (20/118)، هدي الساري - لابن حجر (ص 425).
(7) . تاريخ الثقات (ص 333).
(8) . المعرفة والتاريخ (2/69، 3/201) .
(9) . تاريخ أسماء الثقات (ص 247).
(10) . الثقات (5/203).(1/36)
وقال الذهبي: صدوق (1) ، وثق (2) . وقال أيضًا: وثقوه (3) .
وقال ابن حجر: ثقة، رُمِي بالقدر (4) .
كان يرى رأي القدر، قاله يحيى بن سعيد القطان، وحماد بن زيد (5) ، وابن سعد (6) ،
وأحمد بن حنبل (7) ، وابن معين (8) ، والبخاري (9) ، وابن عدي (10) .
وقال الجوزجاني: كان رأسًا في القدر (11) .
وأنكر الذهبي قول الجوزجاني، وقال: بل هو قَدَري صغير (12) .
وأدخله أبو زرعة الرازي في كتابه الضعفاء (13) ، وضعفه ابن عدي، فقال: وممن يروي عنه يُكْنِيه بأبي معاذ لضعفه، وهو معروف بالقدر ... في أحاديثه بعض ما ينكر (14) .
أقول: أما رواياته في الصحيحين، فجميعها صَرّحت باسمه ولم تفرد كنيته (15) ، ثم كم من الثقات في حديثهم بعض ما ينكر؟!.
فهل هذا هو السبب في قول أبي حاتم لا يحتج به؟! وهل كل من في حديثه بعض ما ينكر لا يحتج بحديثه؟! أم لبدعته؟ فالله أعلم.
ولعلَّ هذه البدعة هي السبب في إدخاله في ضعفاء أبي زرعة، والله أعلم.
__________
(1) . الكاشف (2/24).
(2) . من تكلم فيه (ص 136).
(3) . المغني في الضعفاء (2/60 ).
(4) . التقريب (ص 392).
(5) . انظر: الضعفاء الكبير - للعقيلي (3/403).
(6) . الطبقات الكبرى (7/245).
(7) . العلل ومعرفة الرجال (3/77).
(8) . انظر: الكامل - لابن عدي (5/368).
(9) . التاريخ الكبير (6/469)، التاريخ الأوسط: البخاري ، تحقيق محمد اللحيدان، دار الصميعي، الرياض، ط1، 1418هـ (2/24)، الضعفاء الصغير : البخاري، تحقيق محمود زايد، دار الوعي، حلب، ط1، 1396هـ (ص 89 ).
(10) . الكامل (5/368).
(11) . أحوال الرجال: إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني (259هـ)، تحقيق صبحي السامرائي، مؤسسة الرسالة، بيروت،ط1، 1405هـ (ص 184).
(12) . ميزان الاعتدال (596).
(13) . أبو زرعة الرازي (2/645).
(14) . الكامل (5/368).
(15) . انظر: البخاري: الأرقام 150،151، 152، 217، 500، 6192 مسلم: الأرقام 270، 271، 578، 2141(1/37)
وسواء كان السبب هو قَدَرِيته، أو هذه الأحاديث القليلة التي أُنْكِرت عليه، فلا يخرجه من حَيّز التوثيق، بَلْه عدم الاحتجاج بحديثه.
وأما عن رواياته في صحيح البخاري، فقد وجدت ابن حجر يقول: ليس له في البخاري سوى حديثه عن أنس في الاستنجاء (1) .
وكان الكلاباذي قد قال: أخرج البخاري عنه، كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا تبرز لحاجته أتيته بماء ... الحديث (2) .
قلت:هما حديثان،وليس حديثًا واحدًا،الأول:حديث الاستنجاء (3) ، والثاني : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ زَيْنَبَ ]يعني بنت أم سلمة [كَانَ اسْمُهَا بَرَّةَ فَقِيلَ تُزَكِّي نَفْسَهَا فَسَمَّاهَا رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - زَيْنَبَ (4) .
والحديثان لا علاقة لهما بالقَدَر.
الراوي الحادي عشر: عمرو بن أبي سلمة
صدوق، له أوهام، وقال أبو حاتم: يكتب حديثه، ولا يحتج به (5) .
وقد وثقه ابن سعد (6) ، وأبو سعيد بن يونس (7) ، وقال ابن عدي: أرجو أنه لابأس به (8) ، وذكره ابن حبان في الثقات (9) ، وقال الوليد بن بكر الأندلسي: أحد أئمة الحديث (10) .
__________
(1) . هدي الساري (ص 425).
(2) . رجال صحيح البخاري: أحمد بن محمد الكلاباذي(398هـ)، تحقيق عبد الله الليثي، دار المعرفة، بيروت، ط1، 1407هـ (2/569).
(3) . البخاري: الأرقام: 150، 151، 152، 500.
(4) . مسلم: رقم:6192.
(5) . الجرح والتعديل (6/235).
(6) . انظر: هدي الساري - لابن حجر (ص 431).
(7) . انظر: تهذيب الكمال - للمزي (22/53).
(8) . انظر: هدي الساري - لابن حجر (ص 431).
(9) . الثقات (8/282).
(10) . انظر: تهذيب الكمال - للمزي (22/53)، ميزان الاعتدال - للذهبي (5/318).(1/38)
وأثنى عليه أحمد (1) .قال حميد بن زنجويه: لما رجعنا من مصر، دخلنا على أحمد بن حنبل ، فقال: مررتم بأبي حفص عمرو بن أبي سلمة؟ قال: فقلنا له: وما كان عند أبي حفص ! إنما كانت عنده خمسون حديثًا للأوزاعي، والباقي مناولة، فقال: والمناولة، كنتم تأخذون منها وتنظرون فيها (2) .
إلا أنَّ الإمام أحمد، قال: روى عن زهير أحاديث بواطيل، كأنّه سمعها من صدقة بن عبدالله فغلط، فقلبها عن زهير (3) .
وقال الذهبي: ثقة (4) ، وقال أيضًا: صدوق مشهور (5) ، وقال ابن حجر: صدوق له أوهام (6) .
وضعفه يحيى بن معين (7) ،والساجي (8) ،ومغلطاي (9) ، وقال العقيلي: في حديثه وهم (10) .
__________
(1) . انظر: هدي الساري - لابن حجر (ص 431).
(2) . انظر: الكفاية - للخطيب ( ص 324).
(3) . انظر: التهذيب - لابن حجر (8/ 38).
(4) . من تكلم فيه (ص 146)، المغني في الضعفاء (2/145).
(5) . الميزان (5/318).
(6) . التقريب (ص 422).
(7) . انظر: الجرح والتعديل - لابن أبي حاتم (6/235).
(8) . المغني في الضعفاء (2/145)، التهذيب (8/38).
(9) . انظر: فيض القدير: محمد عبد الرؤوف المُنَاوي،ضبط أحمد عبد السلام، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1415هـ، مع الجامع الصغير (3/ 159).
(10) . الضعفاء الكبير (3/272).(1/39)
ولذا، فليس له في صحيح البخاري سوى حديثين،كما قال ابن حجر، أحدهما: في التوحيد، حديثه عن الأوزاعي عن الزهري عن عبيد الله عن ابن عباس عن أبي بن كعب في قصة الخضر وموسى عليهما السلام، وهو عنده في العلم من حديث محمد بن حرب عن الأوزاعي (1) ، والثاني: في الجنائز، حديثه عن الأوزاعي عن الزهري عن ابن المسيب عن أبي هريرة ، حديث حق المسلم على المسلم خمس ... الحديث، وقال بعده: تابعه معمر عن الزهري (2) . قلت ]يعني ابن حجر[: وليس هو من أفراد عمرو بن أبي سلمة، فقد رواه الوليد ابن مسلم، قال: حدثنا الأوزاعي. أخرجه ابن حبان في صحيحه من طريقه، وحديث معمر أخرجه مسلم (3) .
... قلت: وله في صحيح مسلم حديث واحد متابعة (4) .
الراوي الثاني عشر:محمد بن أبي عدي
ثقة، وفي الميزان قال أبو حاتم مرّة: لا يحتج به (5) .
وقد وثقه أبو حاتم (6) ، والنسائي (7) ، وابن سعد (8) ، وقال الدارمي:سألت يحيى بن معين عن أصحاب شعبة، قلت: غُنْدر أحب إليك أو محمد بن أبي عدي؟ فقال: ثقتان (9) ،وكان عبد الرحمن بن مهدي ومعاذ بن معاذ يُحْسِنان الثناء عليه (10) ، وقال الإمام أحمد: ابن أبي عدي أحب إلي من أزهر، هو أشبه بأهل الدين، وأصح حديثًا (11) ، وذكره ابن حبان في الثقات (12) ، وقال الذهبي (13) ، وابن حجر (14) : ثقة.
__________
(1) . البخاري: رقم: 7478
(2) . البخاري: رقم: 1240 . وانظر الحديث في: صحيح مسلم: رقم: 2162 ، وصحيح ابن حبان: رقم: 241
(3) . هدي الساري (ص 431).
(4) . مسلم: رقم: 1159
(5) . الميزان (6/258).
(6) . الجرح والتعديل (7/187).
(7) . انظر: تهذيب الكمال - للمزي (24/324).
(8) . الطبقات الكبرى (7/292).
(9) . تاريخ عثمان الدارمي (ص 64).
(10) . انظر: الجرح والتعديل (7/186).
(11) . العلل ومعرفة الرجال (2/6).
(12) . الثقات (7/440).
(13) . الكاشف (2/154)، الميزان (6/258).
(14) . التقريب (ص 465).(1/40)
قلت: وأما ما نقله الذهبي في الميزان أنَّ أبا حاتم قال فيه مرّة: لا يحتج به، فلم أجده في أيٍّ من المصنفات التي اطلعت عليها، وقد عقّب ابن حجر على ذلك، بقوله: فيُنْظَر في ذلك، وأبوحاتم عنده عَنَت، وقد احتج به الجماعة (1) .
الراوي الثالث عشر: محمد بن مسلم بن تَدْرُس، أبو الزبير المكي
ثقة. وقال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتج به (2) .
فقد وثقه ابن سعد (3) ، وابن معين (4) ، والنسائي (5) ،والعجلي (6) ،وابن المديني (7) ،وقال أحمد: ليس به بأس (8) ، وفي رواية ابن هانئ، قال: هو حُجَّة أَحْتَج به (9) .
وقال يعقوب بن شيبة: ثقة صدوق، وإلى الضعف ما هو (10) .
وقال الساجي:صدوق حجة في الأحكام، قد روى عنه أهل النقل وقبلوه واحتجوا به (11) .
وقال ابن عدي: وروى مالك عن أبي الزبير أحاديث، وكفى بأبي الزبير صدقًا أن يحدث عنه مالك، فإنّ مالكًا لا يروي إلا عن ثقة، ولا أعلم أحدًا من الثقات تخلف عن أبي الزبير إلا قد كتب عنه، وهو في نفسه ثقة، إلا أن يروي عنه بعض الضعفاء، فيكون ذلك من جهة الضعيف، وأبو الزبير يروي أحاديث صالحة، ولم يتخلف عنه أحد، وهو صدوق وثقة، لا بأس به (12) .
__________
(1) . هدي الساري ( ص 441).
(2) . الجرح والتعديل (8/75).
(3) . الطبقات الكبرى (5/481).
(4) . تاريخ الدارمي (ص197)، وانظر: التاريخ (2/538) .
(5) . انظر: تهذيب الكمال - للمزي (26/409).
(6) . تاريخ الثقات (ص413).
(7) . سؤالات محمد بن عثمان بن أبي شيبة (297هـ)لعلي بن المديني (234هـ)في الجرح والتعديل، تحقيق موفق عبد القادر، مكتبة المعارف، الرياض، ط1، 1404هـ (ص 87).
(8) . العلل ومعرفة الرجال (2/480)، وانظر: الجرح والتعديل ( 8/75).
(9) . انظر: شرح علل الترمذي - لابن رجب (2/573).
(10) . انظر: تهذيب الكمال - للمزي (26/408).
(11) . انظر: تهذيب التهذيب - لابن حجر (9/382).
(12) . الكامل (6/121).(1/41)
وفي سماعه من جابر، قال ابن معين: استحلف شَيْبة أبا الزبير بين الرُّكْن والمَقَام أنَّك سمعت هذه الأحاديث من جابر؟ فقال: آلله إني سمعتها من جابر، يقولها ثلاثًا (1) .
وقال الليث: قدمت مكة، فجئت أبا الزبير، فدفع إليَّ كتابين، وانقلبت بهما، ثم قلت في نفسي لو عاودته، فسألته: أسمع هذا كله من جابر؟ فقال: منه ما سمعت، ومنه ما حدثناه عنه. فقلت له: أَعْلِم لي على ما سمعت. فأعلم لي على هذا الذي عندي (2) .
قال الذهبي: ولهذه الرواية احتج ابن حزم بما روى عنه الليث مطلقًا (3) .
وذكره ابن حبان (4) ، وابن شاهين (5) في ثقاتهما. وقال الذهبي: ثقة (6) ، وقال: صدوق (7) مشهور (8) . وقال ابن حجر: صدوق إلا أنه يدلس (9) .
وتكلم فيه أيوب السَّخْتِيَاني، وابن عُيَيْنَة، وشعبة.
أما أيوب، فقال الترمذي:حدثنا ابن أبي عمر،حدثنا سفيان،قال: سمعت أيوب السختياني: يقول: حدثنا أبو الزبير، وأبو الزبير أبو الزبير. قال سفيان بيده، يَقْبِضها.
قال الترمذي: إنما يعني به الحفظ والإتقان (10) .
وقال يعقوب بن سفيان: حدثني محمد بن يحيى، حدثنا سفيان، قال: سمعت أيوب إذا ذكر أبا الزبير،يقول:أبو الزبير،أبو الزبير،أبو الزبير،وقال: يكفه فقيهنا. قال محمد: أبي يوثقه (11) .
قلت: والعلماء خالفوا الترمذي في تفسيره لعبارة أيوب.
فروى العقيلي بسنده عن البخاري عن ابن المديني، قال: حدثنا سفيان حدثنا أيوب حدثنا
أبو الزبير، وهو أبو الزبير، فغمزه (12) .
__________
(1) . انظر: تهذيب التهذيب - لابن حجر (9/382).
(2) . انظر: الضعفاء الكبير - للعقيلي (4/132).
(3) . المغني في الضعفاء (2/373).
(4) . الثقات (5/351).
(5) . تاريخ أسماء الثقات (ص 198).
(6) . الكاشف (2/216)، من تكلم فيه (ص 170).
(7) . تذكرة الحفاظ (1/126).
(8) . المغني في الضعفاء (2/373).
(9) . التقريب (ص 506).
(10) . العلل الصغير آخر السنن (5/756).
(11) . المعرفة والتاريخ (2/14).
(12) . الضعفاء الكبير (4/131).(1/42)
فعقّب عليه ابن رجب، بقوله: وهذا خلاف ما فسّر به الترمذي أنه عنى حفظه وإتقانه (1) .
وبعدما ذكر الإمام أحمد هذه العبارة عن أيوب سأله ابنه عبد الله:كأنّه يُضَعِّفه؟قال: نعم (2) .
وخرج العقيلي من طريق أبي عوانة، قال: كنّا عند عمرو بن دينار جلوسًا، ومعنا أيوب، فحدثنا أبو الزبير بحديث،فقلت لأيوب:أتدري ما هذا ؟ فقال: هو لا يدري ما حدّث، أدري أنا (3) .
قال ابن رجب: وهذا يدل على أن أيوب كان يَغْمِزه (4) .
وأما قول ابن رجب: وخرج ابن عدي هذا الأثر من طريق الترمذي عن ابن أبي عمر، عن سفيان. وعنده، قال سفيان: هذه نقيصة. وهذا خلاف ما وجدنا في نسخ كتاب الترمذي (5) .فلعلّ تصحيفًا وقع في النسخة التي اطلع عليها ابن رجب،وفي المطبوع من الكامل، قال سفيان: بيده يقبضه. فالله أعلم.
وجاء ابن عيينة، فَرَدَّد عبارة أيوب، فعن نُعَيْم بن حماد، قال: سمعت ابن عيينة، يقول: حدثنا أبو الزبير، وهو أبو الزبير، أي كأنّه يضعفه (6) .
أما شعبة،فترك حديثه، واعتلّ بأنه رآه لا يحسن يصلي، وبأنه رآه يزن ويسترجح في الوزن، وبأن رجلاً أغضبه فافترى عليه، وهو حاضر (7) .
وقال هشيم: سمعت من أبي الزبير، فأخذ شعبة كتابي فمزقه (8) .
وروي عن معتمر بن سليمان وسويد بن عبد العزيز ندمهما لسماع كلام شعبة في أبي الزبير
__________
(1) . شرح علل الترمذي (2/571).
(2) . العلل ومعرفة الرجال (1/542).
(3) . الضعفاء الكبير (4/131)، وانظر: الجرح والتعديل - لابن أبي حاتم ( 8/75).
(4) . شرح علل الترمذي (2/572).
(5) . المصدر السابق
(6) . انظر: الجرح والتعديل- لابن أبي حاتم (1/42) ، (8/75)، الضعفاء الكبير - للعقيلي (4/132).
(7) . انظر: شرح علل الترمذي - لابن رجب (2/571)، وانظر هذه الأقوال بأسانيدها في:الجرح والتعديل- لابن أبي حاتم (1/151)، (8/75) ، الضعفاء الكبير - للعقيلي (4/130)، الكامل - لابن عدي (6/122).
(8) . انظر: الجرح والتعديل - لابن أبي حاتم (1/151)، (8/75).(1/43)
قال معتمر، وقد سأله رجل لِمَ لَمْ تحمل عن أبي الزبير؟ فقال: حَذّرني شعبة، فقال لي: لا تحمل عنه، فإني رأيته يسيئ صلاته، ليت أني لم أكن رأيت شعبة (1) .
وكذا سويد، وقد سأله رجل لم تمسك عن أبي الزبير؟ فقال: خدعني شعبة، فقال لي: لا تحمل عنه، فإني رأيته يسيئ صلاته، وليتني كنت ما رأيت شعبة (2) .
وقال ابن حبان: لم يُنْصِف من قدح فيه؛ لأنَّ مَنِ استَرْجح في الوزن لنفسه، لم يَسْتحق التَّرْك مِن أجله (3) .
قال ابن رجب: ولم يذكر-يعني شعبة- عليه كذبًا ولا سوء حفظ (4) .
ومع ذلك،قال أبو حاتم:يكتب حديثه، ولا يحتج به، وأيده أبو زرعة حينما سأله ابن أبي حاتم: يحتج بحديثه؟ قال: إنما يحتج بحديث الثقات (5) .
قلت : الراجح أنه ثقة، وقد أجمل ابن عدي القول فيه.
وقد احتج به مسلم، ويُعْتَذر له في ذلك، أما البخاري، فقال المزي: روى له الجماعة، إلا أنَّ البخاري روى له مقرونًا بغيره (6) ، وقال ابن حجر: لم يرو له البخاري سوى حديث واحد في البيوع قرنه بعطاء عن جابر (7) .
قلت: يقصد ابن حجر حديث جابر في كتاب الشروط، باب إذا اشترط البائع ظهر الدابة إلى مكان مسمىً جاز، رقم 2817، والله أعلم.
الراوي الرابع عشر: موسى بن أبي عائشة
ثقة، وثقه ابن عيينة (8) ، وابن معين (9) ، ويعقوب بن سفيان (10) ، وذكره ابن حبان في الثقات (11) ،وقال ابن حجر: ثقة عابد، وكان يرسل (12) .
__________
(1) . انظر: الضعفاء الكبير - للعقيلي (4/130).
(2) . انظر: الكامل - لابن عدي (6/122).
(3) . الثقات (5/352).
(4) . شرح علل الترمذي (2/571).
(5) . الجرح والتعديل ( 8/75).
(6) . تهذيب الكمال (26/411).
(7) . هدي الساري (ص 442).
(8) . انظر: الجرح والتعديل - لابن أبي حاتم (8/156).
(9) . انظر: المصدر نفسه، تهذيب الكمال - للمزي (29/91).
(10) . المعرفة والتاريخ (3/181 ).
(11) . الثقات (5/404).
(12) . التقريب (ص552).(1/44)
وكان سفيان الثوري يُحْسِن الثناء عليه (1) .
وقال أبو زرعة للبرذعي: حَدِّث عن موسى بن أبي عائشة (2) .
وكان الترمذي يُصَحِّح حديثه (3) .
أما أبو حاتم، فقال سمعت أبي، يقول: يريبني رواية موسى بن أبي عائشة، حديث عبيد الله ابن عبد الله في مرض النبي - صلى الله عليه وسلم - .قلت: ما تقول فيه؟ قال: صالح الحديث. قلت: يحتج بحديثه؟ قال: يكتب حديثه (4) .
قال الباجي: وهو أعلى ما قاله أبو حاتم؛ لأنه اضطرب في روايته لذلك الحديث اضطرابًا شديدًا (5) .
وقال ابن حجر: عنى أبو حاتم أنه اضطرب فيه، وهذا من تعنته، وإلا فهو حديث صحيح (6) .
إذن الرواية التي رابت أبا حاتم هي السبب في عدم رفعه إلى الاحتجاج بحديثه، والاكتفاء بالقول: يكتب حديثه، والله أعلم، وهذا غاية التشدد منه، رحمه الله تعالى.
الراوي الخامس عشر: يحيى بن أيوب الغافقي
صدوق، تكلم فيه كثير من النقاد من جهة حفظه،ووصفوه بالوهم والخطأ والمخالفة، وأحاديثه بالاضطراب والنكارة أحيانًا، فإذا حدّث من كتاب، فليس به بأس. وقال أبو حاتم: محل يحيى الصدق، يكتب حديثه، ولا يحتج به (7) .
__________
(1) . انظر: سنن الترمذي (5/430)، الجرح والتعديل - لابن أبي حاتم (1/82).
(2) . أبو زرعة الرازي (2/718).
(3) . انظر على سبيل المثال - السنن (5/430).
(4) . الجرح والتعديل (8/156).
(5) . التعديل والتجريح (2/709).
(6) . تهذيب التهذيب (10/315).
(7) . الجرح والتعديل (9/127) .(1/45)
وقد وثقه ابن معين (1) ، وقال مرة: صالح (2) ، والبخاري (3) ، وقال مرة: صدوق (4) ، والعجلي (5) ، ويعقوب بن سفيان (6) ، والدارقطني (7) ، وقال مرة: في بعض أحاديثه اضطراب (8) ، وإبراهيم الحربي (9) ،وذكره ابن حبان في الثقات (10) ، وفي مشاهير علماء الأمصار، وقال : يُغْرِب (11) ، وابن شاهين، وقال: ليس به بأس (12) .
وقال أبو داود: صالح (13) ، وقال النسائي: ليس به بأس (14) ، وقال مرة: ليس بذاك القوي (15) ، وقال في موضع آخر: عنده أحاديث مناكير، وليس هو ذاك القوي في الحديث (16) ، وقال الساجي: صدوق يهم (17) ، وذكره ابن عدي في الكامل، وساق له بعض ما يُنْكر، ثم قال: ويحيى بن أيوب له أحاديث صالحة ... وهو من فقهاء مصر ومن علمائهم، ولا أرى في حديثه إذا روى عنه ثقة أو يروي عن ثقة حديثًا منكرًا فأذكره، وهو عندي صدوق لا بأس به (18) .
وقال أبو أحمد الحاكم: إذا حدّث من حفظه فيخطئ،وما حدث من كتاب فليس به بأس (19) .
ومن أقوال الإمام أحمد فيه: إذا حدث من حفظه يخطئ، وإذا حدث من كتاب فليس به بأس.
__________
(1) . تاريخ الدارمي (ص 196)، وانظر: الجرح والتعديل - لابن أبي حاتم (9/127).
(2) . انظر: الجرح والتعديل - لابن أبي حاتم (9/127).
(3) . انظر: تهذيب التهذيب - لابن حجر (11/165).
(4) . العلل الكبير - للترمذي (1/350).
(5) . تاريخ الثقات (ص 468).
(6) . المعرفة والتاريخ (2/265).
(7) . السنن (2/171).
(8) . السنن (1/68).
(9) . انظر: تهذيب التهذيب - لابن حجر (11/165).
(10) . الثقات (7/600).
(11) . مشاهير علماء الأمصار (ص 190).
(12) . تايخ أسماء الثقات (ص 354) .
(13) . انظر: سيرأعلام النبلاء - للذهبي (8/6)، تهذيب الكمال - للمزي (31/236).
(14) . انظر: المصدرين نفسيهما .
(15) . الضعفاء والمتروكين (ص 107).
(16) . السنن الكبرى (6/98).
(17) . انظر: تهذيب التهذيب - لابن حجر (11/165).
(18) . الكامل (7/214).
(19) . انظر: تهذيب التهذيب - لابن حجر (11/165).(1/46)
وقد حدّث يحيى من حفظه عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة: في قراءة النبيّ - صلى الله عليه وسلم - في الوتر. فقال أحمد: من يَحْتَمِل هذا ؟ يعني أنه خطأ فاحش (1) .
وقال الأثرم: سمعت أبا عبد الله يسأل عن يحيى بن أيوب المصري، فقال: كان يحدث من حفظه، وكان لا بأس به، وكان كثير الوهم في حفظه (2) .
وقال: سيئ الحفظ (3) .
وقال أحمد بن صالح: له أشياء يخالف فيها (4) .
وقال ابن سعد:كان منكر الحديث (5) ، وقال الإسماعيلي: لا يحتج به (6) ،وقال ابن القطان الفاسي: هو ممن علمت حاله، وإنه لا يحتج به (7) ، وكَرَّر ابن حزم القول بضعفه (8) ، وضعفه ابن قدامة (9) ، وذكره العقيلي في الضعفاء ، وروى بسنده عن ابن أبي مريم، قال: حدثت مالكًا بحديث،حدثنا به يحيى بن أيوب عنه، فسألته عنه، فقال: كذب، وحدثته بآخر، فقال: كذب (10) .
قال الذهبي: صدوق (11) ، وقال: صالح الحديث (12) . وقال: له غرائب ومناكير يتجنبها أصحاب الصحاح، ويُنَقّون حديثه، وهو حسن الحديث (13) .
__________
(1) . شرح علل الترمذي - لابن رجب (2/766)، وانظر: الأوسط: محمد بن إبراهيم" ابن المنذر النيسابوري"(218هـ)، تحقيق د.صغير حنيف، دار طيبة، الرياض، ط1، 1405هـ (2/293)، سير أعلام النبلاء - للذهبي (8/8)، والحديث أخرجه العقيلي في الضعفاء الكبير (4/391).
(2) . انظر: تنقيح التحقيق - لابن عبد الهادي (1/516).
(3) . العلل ومعرفة الرجال (2/132).
(4) . انظر: تاريخ أسماء الثقات - لابن شاهين (ص 354).
(5) . الطبقات الكبرى (7/516).
(6) . انظر: تهذيب التهذيب - لابن حجر (11/165).
(7) . انظر: ميزان الاعتدال - للذهبي (7/160).
(8) . انظر على سبيل المثال : المحلى: ( 6/72،79، 7/37، 9/530).
(9) . المغني (1/454).
(10) . الضعفاء الكبير (4/391).
(11) . من تكلم فيه (ص 193).
(12) . الكاشف (3/250).
(13) . سير أعلام النبلاء (8/6).(1/47)
وقال ابن حجر:صدوق، ربما أخطأ (1) .وقال الشوكاني: فيه مقال (2) ،قال: ولكنه صدوق (3) .
قال ابن حجر: استشهد به البخاري في عدة أحاديث من روايته عن حميد الطويل ما له عنده غيرها، سوى حديثه عن يزيد بن أبي حبيب في صفة الصلاة بمتابعة الليث وغيره، واحتج به الباقون (4) .
... ... قلت: لم يحتج به أبو حاتم لأوهامه ومخالفاته وغرائبه ومناكيره، لذا كان الأولى استبعاده من الصحيح، وإن قال الذهبي: يتجنبها أصحاب الصحاح ويُنَقّون حديثه، والله أعلم.
الراوي السادس عشر: يحيى بن سليم الطائفي
ثقة في غير روايته عن عبيد الله بن عمر. وقال أبو حاتم: شيخ صالح، محله الصدق ولم يكن بالحافظ، يكتب حديثه، ولا يحتج به (5) .
وقد وثقه ابن معين (6) ، وابن سعد (7) ، والعجلي (8) ، وروى ابن عدي بسنده عن أحمد، قال مرّة: ثقة (9) ، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال: يخطئ (10) ، وابن شاهين، وقال: كان جائز الحديث، وكان رجلاً صالحاً (11) .
ووثقه الذهبي (12) ، والهيثمي (13) ، والبوصيري (14) ، والزيلعي (15) .
__________
(1) . تقريب التهذيب (ص588).
(2) . نيل الأوطار: محمد بن علي الشوكاني (1250هـ)، دار الفكر، 1973م (2/115).
(3) . المصدر نفسه (3/42).
(4) . هدي الساري (ص 451).
(5) . الجرح والتعديل (9/156).
(6) . تاريخ عثمان الدارمي (ص226)، التاريخ (2/648) .
(7) . الطبقات الكبرى (5/500).
(8) . تاريخ الثقات (ص 437).
(9) . انظر: الكامل (7/219).
(10) . الثقات (7/615).
(11) . تاريخ أسماء الثقات (ص 261).
(12) . الكاشف (2/397).
(13) . مجمع الزوائد: علي بن أبي بكر الهيثمي (807هـ)، دار الكتاب العربي، ط3، 1402هـ (3/299).
(14) . مصباح الزجاجة (2/144).
(15) . نصب الراية لأحاديث الهداية: عبد الله بن يوسف الزيلعي (762هـ)، المجلس العلمي، ط2، 1393هـ (4/203).(1/48)
وقال يعقوب بن سفيان: سُنّي رجل صالح، وكتابه لا بأس به، وإذا حَدَّث من كتابه فحديثه حسن، وإذا حَدَّث حِفْظًا فيعرف وينكر (1) .
وقال ابن عدي: أحاديثه متقاربة، وهو صدوق لا بأس به (2) ،وقال ابن القطان:صدوق (3) ، وكذا الساجي، وزاد: يهم في الحديث (4) ، وابن حجر، وزاد: سيئ الحفظ (5) .
وقال أبو بشر الدولابي: ليس بالقوي (6) ، وكذا قال النسائي مرّة (7) ، ووثقه مرّة إلا في عبيد الله بن عمر (8) ، فقال: ليس به بأس، وهو منكر الحديث عن عبيد الله بن عمر (9) .
وقال الضياء المقدسي: قال أبو حاتم: لا يحتج به، ولم يبين الجرح!! وقد وثقه يحيى بن معين، وروى له البخاري ومسلم (10) .
وتكلم فيه الآخرون من جهة حفظه، لا سيما في روايته عن عبيد الله.
فقال الإمام أحمد: يحيى بن سليم مضطرب الحديث، روى عن عبيد الله مناكير (11) ، وقال: يحيى بن سليم كذا وكذا، والله إن حديثه يعني فيه شيئ، كأنه لم يحمده (12) .
وقال: أتيته فكتبت عنه شيئًا، فرأيته يخلط في الأحاديث، فتركته (13) .
وقال البخاري :رجل صالح صاحب عبادة، يَهِم الكثير في حديثه، إلا أحاديث كان يُسأل عنها، فأما غير ذلك فَيَهِم الكثير، روى عن عبيد الله بن عمر أحاديث يهم فيها (14) .
__________
(1) . المعرفة والتاريخ (3/156).
(2) . الكامل (7/219).
(3) . انظر: التلخيص الحبير: ابن حجر، تعليق عبد الله هاشم يماني، المدينة المنورة، 1384هـ (2/17).
(4) . انظر: تهذيب التهذيب - لابن حجر (11/197).
(5) . التقريب (ص 591).
(6) . انظر: تهذيب الكمال - للمزي (31/ 368).
(7) . الضعفاء والمتروكين (ص 108).
(8) . انظر: لسان الميزان - للذهبي (7/432).
(9) . انظر: تهذيب الكمال - للمزي (31/ 368).
(10) . الأحاديث المختارة (10/55).
(11) . سؤالات أبي داود للإمام أحمد (ص 236).
(12) . العلل ومعرفة الرجال (2/32).
(13) . انظر: شرح علل الترمذي - لابن رجب (1/504).
(14) . العلل الكبير - للترمذي (2/981)، وانظر: (1/516).(1/49)
وقال ابن حجر في تهذيب التهذيب: قال البخاري في تاريخه في ترجمة عبد الرحمن بن نافع ما حَدَّثَ الحميدي عن يحيى بن سليم فهو صحيح (1) .
وأشار البزار إلى خطأه في روايته عن عبيد الله بن عمر (2) ، قال ابن حجر: وهو كما قال، وهو ضعيف في عبيد الله بن عمر (3) .
وقال الخليلي: أخطأ في أحاديث.ومثّل لذلك بثلاثة أحاديث جميعها عن عبيد الله بن عمر (4) .
وقال أبو أحمد الحاكم: ليس بالحافظ عندهم (5) ، وقال الدارقطني: سيئ الحفظ (6) ، وقال البيهقي:كثير الوهم،سيئ الحفظ (7) ،وقال الشوكاني:فيه مقال (8) ، وأورده العقيلي في الضعفاء (9) .
فالرجل ثقة في غير روايته عن عبيد الله بن عمر كما أسلفت، وابن حجر، يقول: والتحقيق أن الكلام فيه إنما وقع في روايته عن عبيد الله بن عمر خاصة (10) .
ولذا ففي إطلاق القول بعدم الاحتجاج بحديثه، كما فعل أبو حاتم تَشَدّد غير مطلوب.
والشيخان يعلمان هذا، لذا استبعدا في صحيحيهما روايته عن عبيد الله بن عمر، ولم يرو كل واحد منهما له سوى حديث واحد.
__________
(1) . انظر: تهذيب التهذيب (11/197)، ولم أجده في المطبوع من التاريخ الكبير في ترجمة عبد الرحمن بن نافع أوغيره .
(2) . انظر: فتح الباري - لابن حجر (4/93).
(3) . انظر: المصدر نفسه
(4) . الإرشاد )1/384(.
(5) . انظر: تهذيب التهذيب - لابن حجر (11/197).
(6) . انظر: المصدر نفسه .
(7) . انظر: نصب الراية - للزيلعي (4/230).
(8) . نيل الأوطار (7/2).
(9) . الضعفاء الكبير (4/406).
(10) . فتح الباري (4/418).(1/50)
قال ابن حجر: لم يخرج له الشيخان من روايته عن عبيد الله بن عمر شيئًا، ليس له في البخاري سوى حديث واحد عن إسماعيل بن أمية عن سعيد المقبري عن أبي هريرة عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - يقول الله تعالى: ثلاثة أنا خصيمهم ... الحديث (1) ، وله أصل عنده من غير هذا الوجه (2) ، واحتج به الباقون (3) .
قلت: هو حديث واحد في مسلم رقم 2294، قال فيه: وحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ عَنْ ابْنِ خُثَيمٍ عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عُبَيْدِ الله بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّهُ سَمِعَ عَائِشَةَ تَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ وَهُوَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ أَصْحَابِهِ إِنِّي عَلَى الْحَوْضِ أَنْتَظِرُ مَنْ يَرِدُ عَلَيَّ مِنْكُمْ فَوَاللَّهِ لَيُقْتَطَعَنَّ دُونِي رِجَالٌ فَلَأَقُولَنَّ أَيْ رَبِّ مِنِّي وَمِنْ أُمَّتِي فَيَقُولُ إِنَّكَ لا تَدْرِي مَا عَمِلُوا بَعْدَكَ مَا زَالُوا يَرْجِعُونَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ .
والحديث من رواية عبد الله بن عثمان بن خُثَيْم،وقد قال الإمام أحمد: كان ]يعني يحيى بن سليم[ قد أتقن حديث ابن خثيم، وكانت عنده في كتاب (4) .
وهي في المتابعات كما أشار الذهبي إلى ذلك قائلاً: لكن مسلم تبعًا (5) .
الراوي السابع عشر: يحيى بن عبد الله بن بكير
ثقة، وقال أبو حاتم: يكتب حديثه، ولا يحتج به، كان يفهم هذا الشأن (6) .
وثقه الخليلي، وقال : تفرد بأحاديث عن مالك، وكان أبو حاتم يثني عليه (7) ، ووثقه ابن
__________
(1) . البخاري: رقم 2227 قال في البخاري: حدثني بشر بن مرحوم، حدثنا يحيى بن سليم
(2) . البخاري: رقم2270 قال فيه البخاري: حدثنا يوسف بن محمد، قال: حدثني يحيى بن سليم
(3) . هدي الساري (ص 451).
(4) . العلل ومعرفة الرجال (2/32).
(5) . من تكلم فيه (ص 195).
(6) . الجرح والتعديل (9/165).
(7) . الإرشاد (1/262).(1/51)
قانع (1) ،ويعقوب بن سفيان (2) ،وقال الساجي:صدوق (3) ،وقال الدارقطني:عندي ما به بأس (4) .
وقال ابن عدي: كان جار الليث بن سعد، وهو أثبت الناس فيه ، وعنده عن الليث ما ليس عند أحد (5) .
وقال: الباجي: وهو ثبت في الليث (6) ، وذكره ابن حبان في الثقات (7) .
وكَرّر الذهبي التصريح بتوثيقه في مصنفاته (8) ، وقال ابن حجر: ثقة في الليث، وتكلموا في سماعه من مالك (9) .
قال الباجي: تكلم أهل الحديث في سماعه الموطأ من مالك، لأنَّه إنما سمع بقراءة حبيب كاتب الليث (10) .
وقال مسلمة بن قاسم: تُكُلِّم فيه؛ لأنَّ سماعه من مالك إنما كان بعرض حبيب (11) .
أما النسائي، فقال مرّة: ضعيف (12) ، وقال في موضع آخر: ليس بثقة (13) .
__________
(1) . انظر: تهذيب التهذيب - لابن حجر (11/208).
(2) . المعرفة والتاريخ 1/347
(3) . انظر: تهذيب التهذيب - لابن حجر (11/207).
(4) . انظر: من تكلم فيه - للذهبي ( ص 197).
(5) . انظر: تهذيب التهذيب - لابن حجر (11/207).
(6) . التعديل والتجريح (3/1212).
(7) . الثقات (9/262).
(8) . انظر: تذكرة الحفاظ ) 2/420(، من تكلم فيه )ص 197(، المغني في الضعفاء (2/522)، الميزان (7/197).
(9) . التقريب (ص 592).
(10) . التعديل والتجريح (3/1212).
(11) . انظر: تهذيب التهذيب - لابن حجر (11/207).
(12) . الضعفاء والمتروكين (ص 107).
(13) . انظر: تهذيب الكمال - للمزي (31/403).(1/52)
قلت: أما عن كلامهم في سماعه من مالك، فتحت عنوان ذكر من سمع من ثقة مع ضعيف فأخذ حديثه وهو لا يشعر، قال ابن رجب: ومنهم: يحيى بن بكير وغيره ممن سمع من مالك بعرض حبيب، كاتبه. قال عباس وغيره عن ابن معين: حبيب كان يقرأ على مالك وكان يخطرف للناس، ويصفح ورقتين وثلاثة. قال يحيى: سألوني عنه بمصر، فقلت: ليس بشيئ. قال: وكان يحيى بن بكير سمع بعرض حبيب، وهو شر العرض. قال الأثرم عن أحمد: كان مالك إذا حدّث من حفظه كان أحسن مما يعرضون عليه، يقرأون عليه الخطأ، وهو شبه النائم . قال ابن حبان: امتحن أهل المدينة بحبيب بن أبي حبيب الورّاق،كان يُدْخِل عليهم الحديث،فمن سمع بقراءته عليهم فسماعه لا شيئ (1) .
فلعله السبب في جعل أبي حاتم لايحتج به، مع أنه أثنى عليه، فقال: كان يفهم هذا الشأن.
ويبدو أن الذهبي لم يقنع بهذا السبب ليكون مبررًا لأبي حاتم، فقال: قد عُلِم تَعَنُّت أبي حاتم في الرجال، وإلا فالشيخان قد احتجا به.
و اعترض الذهبي أيضًا على تضعيف النسائي،فقال: نعم، قال النسائي: ضعيف.وأسرف، بحيث إنه قال في وقت آخر:ليس بثقة.وأين مثل ابن بكير في إمامته وبصره بالفتوى وغزارة علمه (2) .
وقال أيضًا: وما أدري ما لاح للنسائي منه حتى ضعّفه، وقال مرّة: ليس بثقة، وهذا جرح مردود، فقد احتج به الشيخان، وما علمتُ له حديثًا منكرًا حتى أورده (3) .
وأثنى عليه الذهبي، فقال: صاحب حديث ومعرفة، يحتج به في الصحيحين (4) .
وقال البخارى: ما روى ابن بكير عن أهل الحجاز في التاريخ فإني أتقيه (5) .
__________
(1) . شرح علل الترمذي (2/830).
(2) . تذكرة الحفاظ (2/420).
(3) . سير أعلام النبلاء (10 /614).
(4) . الميزان (7 /197).
(5) . انظر : تهذيب التهذيب (11/208)، هدي الساري (ص 452).(1/53)
قال ابن حجر: فهذا يَدُلُّكَ على أنه يَنْتَقِي حديثَ شيوخه، ولهذا ما أخرج عنه عن مالك سوى خمسة أحاديث مشهورة متابعة، ومعظم ما أخرج عنه عن الليث (1) .
وكذا قال الباجي: ومعظم ما أخرج عنه عن الليث (2) .
قلت: وهو من شيوخ البخاري، والبخاري أعلم بشيوخه، حيث لقيهم وعرف أحوالهم واطلع على أحاديثهم، فَمَاز جيدها من رديئها.
قال ابن حجر: ولا شك أن المرء أشد معرفة بحديث شيوخه، وبصحيح حديثهم من ضعيفه ممن تقدم عن عصرهم (3) .
وبعد ،
فالدراسة السابقة للرواة المتفق على إخراج حديثهم في الصحيحين،ممن قال فيهم أبو حاتم " لا يحتج به " أو " بحديثه " أوصلتنا إلى أنه:
مما لا شك فيه أنّ أبا حاتم رحمه الله تعالى جَرَّاح كما قال الذهبي،وهو من أهل الاستقراء التام في نقد الرجال (4) ، حينما قال: إذا وَثَّق أبو حاتم رجلاً فَتَمَسَّك بقوله، فإنّه لا يُوَثِّق إلا رجلاً صحيحَ الحديث، وإذا ليّن رجلاً، أو قال فيه: لايحتج به، فتوقف حتى ترى ما قال غيره، فإنْ وثقه أحد، فلا تَبْن على تجريح أبي حاتم، فإنّه مُتَعَنِّت في الرّجال، قد قال في طائفة من رجال الصحاح: ليس بحجة، ليس بقوي (5) .
__________
(1) . هدي الساري (ص 452).
(2) . التعديل والتجريح (3/1212).
(3) . النكت على كتاب ابن الصلاح: ابن حجر، تحقيق د. ربيع بن هادي عمير ، الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، ط1، 1404هـ (1/288).
(4) . قالها ابن حجر في الذهبي، انظر: نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر، تحقيق نور الدين عتر، ط1، 1413هـ (ص 136)
(5) . سير أعلام النبلاء (13/260).
وهذا كلام في غاية المتانة، فقد جرح أبو حاتم عددًا من رواة الصحيح، بعبارات الجرح المختلفة، فقال في عدد : ليس بالقوي، منهم: الحارث بن عبد الرحمن بن سعد، خليفة بن خَيَّاط، داود بن الحُصَين، طلحة بن يحيى، عبد الله بن عبد الرحمن الطائفي، عبد الرحمن بن ثَرْوان، عبد الرحمن بن حماد، عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رَوَّاد، عياض بن عبد الله الفهري، فضيل بن سليمان النميري، فُلَيح بن سليمان، قرة بن عبد الرحمن، محمد بن الحسن بن هلال، مصعب بن شيبة، يزيد بن عبدالله بن قُسَيط، و يزيد بن أبي زياد القرشي.
أو ليس بالمتين، منهم: سليمان بن قَرْم، و محاضر بن المُوَرِّع.
أو ضعيف أو ضعيف الحديث، منهم: أحمد بن أبي الطيب، أحمد بن يزيد الوَرْتَنِّيس، الحسن بن ذكوان، زمعة بن صالح، عبد الله بن سعيد بن أبي هند، عبد الكريم بن أبي المُخَارق، ليث بن أبي سُلَيم، ومحمد بن يزيد العجلي.
أو مجهول، منهم: أسباط أبو اليَسَع، الحسن بن إسحاق الهروي، الحكم بن عبد الله البصري، عبد الله بن فروخ القرشي التيمي، محمد بن الحكم المروزي، محمد بن يزيد الحزامي ، ومَخْلد بن خالد.
أو أدركته ولم أكتب عنه، منهم: أحمد بن سعيد الرباطي، أحمد بن أبي الطيب، أحمد بن يعقوب المسعودي، أسيد الجمال، حَرَمي بن حفص، والحسن بن محمد الحرّاني.
إضافة إلى العدد الأكبر ممن قال فيهم لا يحتج بهم، وانفرد أحد الشيخين بالرواية لهم، منهم: إبراهيم بن مهاجر، أسامة بن زيد الليثي، إسماعيل بن عبد الرحمن السُّدِّي، بشير بن المهاجر، بقية بن الوليد، الجَرَّاح بن مَلِيح، الحارث بن عبيد البصري، حرملة ابن يحيى، سالم بن نوح، سُعَير بن الخِمْس، شعيب بن صفوان، شهر بن حوشب، صالح بن رستم، الضحاك بن عثمان، عبد الله ابن حبيب بن أبي ثابت، عبد الله بن أبي أويس، عبد الرحمن بن إسحاق المدني، عبد الرحمن بن حرملة، عبد الرحمن بن عبد الله ابن دينار، عبد الواحد بن عبد الله ابن كعب، علي بن حفص المدائني، علي بن زيد بن جُدْعان، عمر بن ذر، فضيل بن مرزوق، ليث بن أبي سليم، محمد بن جعفر البزاز، محمد بن حمير بن أنيس، مجالد بن سعيد، معاوية بن صالح، معاوية بن عمّار، منصور بن عبد الرحمن الغُدَاني، هشام بن سعد، الوليد بن شجاع السكوني، يزيد بن كَيْسان، يونس بن أبي إسحاق.
إلى غير ذلك من عبارات الجرح غير المقبولة في الغالب، وإن وافقه النقاد في الكلام على بعضهم، فإنها تؤكد على تشدد زائد لدى أبي حاتم، بل تسرع في الكلام على رواة ثقات، والله أعلم .(1/54)
كما انتقده ابن تيمية، جاعلاً ذلك من تَشَدُّده وحِدّته في التعديل، فقال: قول أبي حاتم: يكتب حديثه ولا يحتج به، أبو حاتم يقول مثل هذا في كثير من رجال الصحيحين، وذلك أن شرطه في التعديل صعب (1) .
ولا شك أنه شذّ في قولته هذه في أكثر هؤلاء الرواة ، وتعنت في ذلك،كما وصفه الذهبي وابن حجر مرارًا، معترضَيْن عليه في هذا التجريح، ومتعجبين منه.
فأبو حاتم قال في غالبيتهم قولته هذه دون سبب ظاهر أو عِلَّةٍ مُعَيَّنة، إلا ما جاء قوله في شجاع"لَيِّن الحديث، شيخ ليس بالمتين"، وفي يحيى بن سليم"لم يكن بالحافظ"، بل قال في بعضهم "صدوق، أو محله الصدق، أو حسن الحديث، أو صالح".
لذا كان عليه تفسير الجرح فيهم، وقد طالبه العلماء بذلك، يؤكده أنّ أكثر النقاد - وفيهم المتشدد - على توثيق أكثر هؤلاء الرواة، مخالفين له.
كما أنه لم يلتزم - فيما ظهر لي - بجوابه لابنه في سبب عدم الاحتجاج بهم، وهو ( أنهم كانوا يحدثون بما لا يحفظون فيغلطون، ترى في أحاديثهم اضطرابًا ما شئت )، حيث إنّه قاله فيمن هو ثقة مطلقًا، ولم يتكلم فيه أحد سواه، مثل: بشير بن نهيك وابن أبي عدي.
أو قاله؛لتغير يسير في حفظه بأخرة، مثل: خالد الحذاء وسهيل بن أبي صالح وعبد الرزاق.
أو مَنْ له أوهام وأغلاط يسيرة، لا تُنْزِله عن درجة الثقة عند جمهور النقاد، مثل: شجاع ابن الوليد وشيبان بن عبد الرحمن وعباد المهلبي وعطاء بن أبي ميمونة، ويَلْحق بهم عمرو بن أبي سلمة، وإن كان لا يعلو عن درجة الصدوق.
أو لرواية رابت أبا حاتم!!،رواها موسى بن أبي عائشة،وهي صحيحة كما قال ابن حجر الذي وصف أبا حاتم لذلك بالتعنت.
أو لكلام بعضهم فيه، ولا يؤثر، كأبي الزبير المكي.
وقد يكون السبب هو الدخول في عمل السلطان، كما نُقِلَ عن خالد الحذاء، أو البدعة، كما قيل في شبابة وعطاء.
__________
(1) . مجموع الفتاوى : أحمد بن عبد الحليم بن تيمية (728هـ)، جمع عبد الرحمن النجدي (4/394).(1/55)
وبالتالي، فلا نجرؤ على تأييد أبي حاتم في مصطلحه هذا في عدد كبير منهم، ولا نوافقه إلا في يحيى بن أيوب، وفي زياد البكائي في روايته عن غير ابن اسحاق، ولم تكن في المغازي، وفي يحيى بن سُلَيم إذا روى عن عبيد الله بن عمر، ويمكن أن نُلْحِق بهم يحيى بن بُكَير إذا روى عن مالك؛ لأن سماعه منه إنما كان بعرض حبيب الورّاق .
... وهكذا يتأكد لديّ تشدد أبي حاتم، وإسرافه في الجرح، وتسرعه في ذلك في الأعم الأغلب، لذا لا يُقْبَل منه ذلك دون تفسير، ما لم يكن له موافق من أئمة النقد.
... أما الشيخان فملتزمان بشروطهما في الصحيح إلى حد كبير، ولم يحتجا إلا بالثقات، أما المتكلم فيهم فرويا لهم في المتابعات والشواهد، والله أعلم.
...
... ... ... والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات
الهوامش(1/56)