مُصْطَلَحَاتُ الأَئِمَّةِ الخَاصّة
ويليها
القَرَائِنُ المُوْصِلَةُ
إِلَى فَهْمِ
مَقَاصِدِهم في عِبَاراتِ الجَرْحِ والتَّعْدِيل
كتبه
إبراهيم بن عبد الله بن عبد الرحمن المديهش
تاببب
الحمد لله رب العالمين ،والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ،نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد
فإني لما التحقتُ بالدراسة المنهجية، لمرحلة الماجستير، في «قسم السنة وعلومها» في جامعة الإمام محمد بن سعود،وكان من المتطلبات العُرفية للدراسة، توزيع مباحث المنهج في أغلب المواد على الدارسين،وقع عليَّ بحثان ( المصطلحات الخاصة لأئمة الحديث ) و(القرائن الموصلة إلى فهم مقاصدهم في عبارات الجرح والتعديل ) ، ولم أجد مَن أفرد رسالة في هذين
المبحثين ــ كما سيأتي بيانه ــ فكتبتهما جمعاً وترتيباً ،لا دراسةً وتحريراً ؛ولا يخفى على المختصين أن بيان مصطلح لإمام واحد ،يتطلب استقراءً شاملاً ،ثم فحصاً دقيقاً ؛لذا تجدُ رسائل مفردة في بيان مصطلح واحد .
وحسبي هنا جمعُ الأقوال وتقريبها ،مع الإحالة الكافية للمراجع، عند الرغبة في الإستزادة .
قال علي بن عبدالقادر الحسيني الطبري ت 1070هـ :"من المستحسن عند أهل العلم شرعاً وعقلاً، جمع المتفرق في محل واحد،ليكون أسهل عند المراجعة،وأقرب للتناول،فقد تشتبه مظنات المطلوب،ولو على العالم مثلاً ،إذ قد تُذكر مسألة في غير مظنتها،ويكون هناك قيد سابق أو لاحق ملحوظ .
فقاصد الجمع غالباً ما يُمعن النظرَ فيما يريد جمعَه ،فيتبعه من مظانه،وينظر إلى سوابق ولواحق ما يتعلق به،وقد يُلحق به ما هو من مناسباته،فتحصل لناظره فوائد :
الأولى :الاستغناء عن التتبع .
الثانية :وقوفه على المقصود في زمن يسير .
الثالثة : الاطلاع على أمر زائد على مطلوبه،مناسب له .(1/1)
لذا ترى العلماء في كل فن، يفردون أبواباً من العلم في مؤلفات مخصوصة ....... والجمع مختلف المراتب تقدماً وتأخراً" (1)
وهو ــ أعني الجمع والترتيب ــ من مقاصد التأليف الثمانية ،التي لاينبغي لعاقل أن يؤلف في غيرها (2)
قال الكاساني :" الغرض الأصلي والمقصود الكلي من التصنيف في كل فن من فنون العلم ،هو تيسير سبيل الوصول إلى المطلوب على الطالبين،وتقريبه إلى أذهان المقتبسين " (3)
ومن المتفق عليه عند أهل العلم ،والعقلاء بعامّه ؛أن لايُخرج المرءُ مؤلَّفه إلا بعد تمحيصه وتحريره ،وتكرير النظرِ فيه ،وعرضه على العلماء ،واجتلاب النصيحة له،
آخذاً في الاعتبار الحكمة المشهورة: " لايزال المرءُ في فسحةٍ من عقلِه، مالم يقل شعراً أو يصنِّف كتاباً" (4)
و هذا أمرٌ مُوقِنٌ به ،قائمٌ عليه،سوى هذا البحث؛لسببين اثنين:
1. أن البحث كما أشرتُ إليه ،ليس فيه ترجيحٌ لرأي ،ولاتحقيقٌ لمصطلح،حتى أُنظرهُ للمراجعة والتحقيق . ومعلوم مابين يدي السنة المنهجية، من خِطةٍ أو خِطط ــ يسّر الله الأمور ــ ثم بحوث أكاديمية،تحول بيني وبين النظر في هذا البحث .
__________
(1) فوائد النيل بفضائل الخيل ص22ـ23 بتصرف واختصار
(2) انظر :ذكر أربعة منها ابن فارس في الصاحبي ص31،وذكر الباقي ابن حزم في رسالته عن فضل الأندلس ورجالها(2/186ــ رسائله ) وفي رسالته التقريب لحد المنطق (4/103 ــ رسائله) وبعض العلماء نسبها إلى رسالته( نقط العروس...) ولم أجد المسألة فيها ،وانظر : إضاءة الراموس وإضافة الناموس على إضاءة القاموس للشرَكَي الصميلي2/288ـ289 ، أزهار الرياض للمقرّي 3/33، حقوق الاختراع والتأليف في الفقه الإسلامي للشهراني ص85
(3) بدائع الصنائع 1/64، أفاده الشيخ حسين الشهراني في "حقوق الاختراع .." ص87
(4) الطيوريات ص289 ط. البشائر،الجامع للخطيب 2/283، ربيع الأبرار 3/231، معجم الأدباء 1/11(1/2)
2. لم أقف على مَن جمع ،على نحوِ ما هو بين يديك .
لهذا أخرجتُ هذا البحث،وأظني قد خرجتُ من تبعةِ النقد،وسلسلة التعقب،ومع ذلك أتمنى متتبعاً يعقبه بإضافه وتقريب،وتعقبٍ لأصحاب النصوص المنقولة،فالعلم رحم بين أهله ........
- الدراسات السابقة:
وقفتُ ــ بعد البحث ــ على مجموعةٍ من الكتب الباحثة، في مصطلحات أئمة الحديث، سواءٌ منها ما كان في تحديد مصطلحات الفن، أو مصطلحات الجرح والتعديل، ومنهم من جمعهما. وهي كما يلي:
1) شفاء العليل بألفاظ وقواعد الجرح والتعديل. لأبي الحسن مصطفى بن إسماعيل السليماني المأربي. طبع منه جزء واحد . ط. ابن تيمية القاهرة.
2) معجم مصطلحات الحديث ولطائف الأسانيد. د. محمد ضياء الرحمن الأعظمي. ط. أضواء السلف. ط. الثانية 1425هـ.
3) معجم مصطلحات توثيق الحديث. د. علي زوين ط. عالم الكتب 1407هـ.
4) الشرح والتعليل لألفاظ الجرح والتعديل. يوسف محمد صديق ط. ابن تيمية في الكويت. 1410هـ.
5) معجم المصطلحات الحديثية. نور الدين عتر ط. جامعة دمشق ... 1396هـ
6) معجم علوم الحديث النبوي. د. عبد الرحمن الخميسي ط. الأندلس وابن حزم 1421هـ.
7) شرح ألفاظ التجريح النادرة أو قليلة الاستعمال. د. سعدي الهاشمي.
8) شرح ألفاظ التوثيق والتعديل النادرة أو قليلة الاستعمال. د. سعدي الهاشمي ... ط. العلوم والحكم، المدينة النبوية 1413هـ.
9) مصطلحات الجرح والتعديل المتعارضة. د. جمال أسطيري ط. في مجلدين ط. أضواء السلف 1425هـ.
10) ألفاظ وعبارات الجرح والتعديل بين الإفراد والتكرير والتركيب ودلالة كل منها على حال الراوي والمروي. د. أحمد معبد عبد الكريم ط. في مجلد أضواء السلف 1425هـ.
وقفت على هذه الكتب في المصطلحات، وعلى المراجع الأخرى في علم الجرح والتعديل، ودراسة الأسانيد، مما تراه في حواشي البحث.(1/3)
وللأمانة أقول: أغلب المراجع الأصلية في كتب الرجال كالتاريخ والجرح والسؤلات... وغيرها. وكذا الميزان واللسان والتهذيب، مما ذُكر منها مثلاً لقاعدة أو فائدة؛ نقلته بواسطة الكتب الحديثة, وغالباً ما أشير إلى ذلك، ولم أسلك هذه الطريقة – عَلِمَ اللهُ – إلا لضيق الوقت ومزاحمة العمل. (1)
ثم إلى بيان فصول البحث:
1) المقدمة: وفيها الدراسات السابقة في المصطلحات.
2) التمهيد: وفيه مبحثان:
1) عظم مكانة الأئمة – رحمهم الله –.
2) فوائد قبل إيراد القرائن.
3) الفصل الأول: وفيه مبحثان:
1) أهمية معرفة مصطلحات الأئمة.
2) من مصطلحات الأئمة الخاصة.
4) الفصل الثاني: القرائن الموصلة إلى فهم مقاصد الأئمة في عبارات الجرح والتعديل.
5) الخاتمة: وفيها: أهم النتائج.
والله تعالى أعلم، وصلى الله على محمد وآله وصحبه أجمعين.
التمهيد: ... وفيه مبحثان
المبحث الأول:
عِظَمُ مكانة الأئمة – رحمهم الله –.
إن من خصائص الأمة المحمدية، وجود الأسانيد (2) ، التي جُعلت لمعرفة صحيح الحديث من سقيمه, وأمنة للناس على دينهم.
__________
(1) لما علمتَ في أول المقدمة من أصل هذا البحث وسبب إخراجه .
(2) انظر رسالة د. عاصم القريوتي بعنوان (الإسناد من الدين ومن خصائص أمة سيد المرسلين) ولأبي غدة رسالة في الإسناد أيضاً، وكذا د. حارث الضاري وانظر: شرح العلل لابن رجب 1/56-62.(1/4)
وقد قيض الله لها رجالاً "من أعظم الناس صدقاً وأمانة وديانة، وأوفرهم عقولاً، وأشدهم تحفظاً وتحرياً للصدق، ومجانبة للكذب، وأن أحداً منهم لا يحابي (1) في ذلك أباه ولا ابنه ولا شيخه ولا صديقه، وأنهم حرروا الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تحريراً لم يبلغه أحدٌ سواهم، لا من الناقلين عن الأنبياء ولا من غير الأنبياء, وهم شاهدوا شيوخهم على هذا الحال وأعظم، وأولئك شاهدوا من فوقهم كذلك وأبلغ، حتى انتهى الأمر إلى مَن أثنى الله عليهم أحسن الثناء, وأخبر برضاه عنهم واختياره لهم، واتخاذه إياهم شهداء على الأمم يوم القيامة" (2) .
ومن أنفق " معظم أوقاته وأيامه مشتغلاً بالحديث، والبحث عن سيرة النقلة والرواة؛ وقف على رسوخهم في هذا العلم، وكبير معرفتهم به، وصدق ورعهم في أقوالهم وأفعالهم، وشدة حذرهم من الطغيان والزلل، وما بذلوه من شدة العناية في تمهيد هذا الأمر، والبحث عن أحوال الرواة، والوقوف على صحيح الأخبار وسقيمها، وكانوا بحيث لو قتلوا لم يسامحوا أحداً في كلمةٍ واحدةٍ يتقولها على رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا فعلوا هم بأنفسهم ذلك، وقد نقلوا هذا الدين إلينا كما نُقل إليهم وأدوا كما أُدِّيَ إليهم، وكانوا في صدق العناية والاهتمام بهذا الشأن؛ ما يجل عن الوصف، ويقصر دونه الذكر..." (3) .
__________
(1) انظر صوراً من عدم محاباتهم في كتاب (مباحث في علم الجرح والتعديل) لقاسم سعد. ص 149-155.
(2) مختصر الصواعق لابن القيم 2/358, وانظر (حفظ الله السنة وصور من حفظ العلماء لها وتنافسهم عليها) لأحمد السلوم.
(3) الانتصار لأهل الحديث لأبي المظفر السمعاني ت 489هـ، جمع نصوصه: محمد بن حسين الجيزاني ص 41, وقد نقله ابن القيم في مختصر الصواعق 2/409.(1/5)
وأما عن دقة علمهم، وسعة اطلاعهم، فقد قال ابن رجب – رحمه الله –: " الحذاق من الحفاظ لكثرة ممارستهم، لهم فهم خاص يفهمون به أن هذا يشبه حديث فلان, ولا يشبه حديث فلان ..." (1) .
قال ابن القيم – رحمه الله – نقلاً عن أبي المظفر السمعاني ت 489هـ قوله عن تمييز الأحاديث: " ... فأما العلماء بها، فإنهم ينتقدونها انتقاد الجهابذة الدراهم والدنانير، فيميزون زيوفها، ويأخذون خيارها، ولئن دخل في أغمار الرواة مَن وُسِمَ بالغلط في الأحاديث، فلا يروج ذلك على جهابذة أصحاب الحديث وورثة العلماء، حتى إنهم عَدُّوا أغاليط مَن غلط في الإسناد والمتون, بل تراهم يَعُدُّون على كل واحد منهم كم في حديث غلط، وفي كل حرفٍ حَرَّف، وماذا صَحَّف (2) ، فإذا لم تَرُج عليهم أغاليط الرواة في الأسانيد والمتون والحروف، فكيف يروج عليهم وضع الزنادقة...
...
__________
(1) شرح العلل 2/256.
(2) انظر في دقة منهج الأئمة المحدثين – رحمهم الله –.
منهج النقد عند المحدثين د. أكرم العمري ص 27 وما بعدها.
ضوابط الرواية عند المحدثين ... الصديق بشير ص 357 وما بعدها.
الأنوار الكاشفة ... للمعلمي ص 79-81.
ولأهمية نقد الرواة "نظرية نقد الرجال" د. الرشيد ص82-118.(1/6)
إلى أن ذكر عن حالهم.. ... أنهم أفنوا أعمارهم في طلب آثار النبي صلى الله عليه وسلم شرقاً وغرباً، براً وبحراً، وارتحل في الحديث الواحد (1) فراسخ، واتهم أباه وأدناه في خبر يرويه عن النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان موضع التهمة، ولم يحابه في مقال ولا خطاب؛ غضباً لله وحمية لدينه، ثم ألف الكتب في معرفة المحدثين وأسمائهم وأنسابهم وقدر أعمارهم، وذكر أعصارهم وشمائلهم وأخبارهم، وفصل بين الردئ والجيد، والصحيح والسقيم؛ حباً لله ورسوله وغيرةً على الإسلام والسنة، ثم استعمل آثاره كلها، حتى فيما عدا العبادات، من أكله وطعامه وشرابه ونومه ويقظته وقيامه ..... إلى آخر كلامه (2) – رحمه الله –.
__________
(1) انظر: الرحلة في طلب الحديث للخطيب، تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة ص27 ط. المكتب الإسلامي.
(2) بتصرف يسير، مختصر الصواعق لابن القيم 2/410-411 وهو ضمن النصوص التي جمعها محمد الجيزاني من كتاب (الانتصار لأهل الحديث) لأبي المظفر السمعاني ص56-57. ثم وجدتُ قوَّام السُّنة أبو القاسم الأصبهاني ت535هـ قد نقله في كتابه (الحُجة في بيان المحجة ) 2/250 عن أبي المظفر ــ رحم الله الجميع ــ(1/7)
ومع عظم مكانتهم، وعلو شأنهم، إلا أنهم غير معصومين، فقد يقع من أحدهم الوهم إلا أنه قليل، قال الذهبي – رحمه الله –: " ونحن لا ندعي العصمة في أئمة الجرح والتعديل، لكن هم أكثر الناس صواباً، وأندرهم خطأً، وأشدهم إنصافاً، وأبعدهم عن التحامل، وإذا اتفقوا على تعديل أو جرح فتمسك به واعضض عليه بناجذيك، ولا تتجاوزه فتندم، ومن شذ منهم فلا عبرة به، فخل عنك العناء وأعط القوس باريها، فوالله لولا الحفاظ الكبار؛ لخطبت الزنادقة على المنابر، ولئن خطب خاطب من أهل البدع، فإنما هو بسيف الإسلام، وبلسان الشريعة، وبجاه السنة، وبإظهار متابعة ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنعوذ بالله من الخذلان" (1) .
في عرفهم لا يسمى طالب العلم حافظاً، إلا بعد ضبط (مليون) حديث، ولُقْي مئات الشيوخ، ومُثَافَنَتِهم في الركب، مع كتابة الأجزاء ومدارسة الزملاء.
وفي زماننا مَن قرأ صفحات، ورتل آيات، وأنشد أبياتاً، وأبدى آهاتٍ؛ فالمنبر مكانه، والعلم اختصاصه وشَأْنُهُ، وهو حقيقةً قد شَنَأَه وشَانَه، هو عند العامة كلُّ شيء، وهو حقيقة: لا شيء.
في زماننا يأتي من قرأ متناً في علم المصطلح، ومارس التخريج سُنَيَّاتٍ قليلة؛ ليحاكم الأئمة الأعلام، فهذا أحدهم يقول: ما هكذا تُعَلُّ الأحاديث يا ابن المديني ثم يضع ما شاء الله من علامات التعجب والاستفهام، وآخر يتعقب الإمام عبد الرحمن بن مهدي لأنه أطلق المنكر على الشاذُّ، وآخر يحاكم ابن أبي حاتم في قوله عن إسناد: بأنه منكر تفرد به فلان...، وآخر يقول عن مقول ابن أبي حاتم: وحديث عبد الوارث أشبه. ... العلل 2/197
يقول: ولا وجه لترجيح إحدى الروايتين على الأخرى... ... انظر: تعليق المحققين على مسند أحمد ط. الرسالة 38/48.
فإلى الله المشتكى من تطاول الأقزام على الأعلام.
__________
(1) سير أعلام النبلاء 11/82 في ترجمة يحيى بن معين – رحمه الله –.(1/8)
ورحم الله أبا عمرو بن العلاء ت 154هـ حيث يقول :(ما نحن فيمن مضى إلا كبقلٍ في أصولِ نخلٍ طوال) (1) .
ويقول مجاهد ت 104هـ - رحمه الله - :(ذهب العلماء فلم يبق إلا المتعلمون وما المجتهد فيكم اليوم، إلا كاللاعب فيمن كان قبلكم) (2) .
ولم يبعد عن الحقيقة د. إبراهيم اللاحم، حينما ذكر بأن عمل المعاصر، هو الموازنة بين كلام الأئمة، وعدم مجاوزته.... (3)
* ... * ... *
المبحث الثاني: فوائد قبل إيراد القرائن
1) قال الإمام الترمذي – رحمه الله - :(وقد اختلف الأئمة من أهل العلم، في تضعيف الرجال، كما اختلفوا في سوى ذلك من العلم..... ثم ذكر أمثلة) (4) .
- قال المنذري – رحمه الله - :(واختلاف المحدثين في الجرح والتعديل، كاختلاف الفقهاء، كل ذلك يقتضي الاجتهاد) (5) .
- قال الصنعاني – رحمه الله - :(قد يختلف كلام إمامين من أئمة الحديث في الراوي الواحد، وفي الحديث الواحد، فيضعف هذا حديثاً، وهذا يصححه، ويرمي هذا رجلاً من الرواة بالجرح، وآخر يعدله؛ وذلك مما يشعر أن التصحيح ونحوه، من مسائل الاجتهاد التي اختلفت فيها الآراء) (6) .
2) قال المعلمي – رحمه الله - :(ينبغي أن يبحث عن معرفة الجارح أو المعدل بمن جرحه أو عدله، فإن أئمة الحديث لا يقتصرون على الكلام فيمن طالت مجالستهم له، وتمكنت معرفتهم به، بل قد يتكلم أحدهم فيمن لقيه مرة واحدة، وسمع منه مجلساً واحداً أو حديثاً واحداً ...... إلى أن قال:
__________
(1) موضح أوهام الجمع والتفريق 1/5، نزهة الألباء للأنباري ص26.
(2) أخرجه ابن أبي خيثمة في التاريخ الكبير ص177 رقم (381)، وأبو نعيم في الحلية 3/280.
(3) الجرح والتعديل لللاحم ص24-25.
(4) شرح علل الترمذي لابن رجب 1/321.
(5) جوابه على أسئلة في الجرح والتعديل ص83.
(6) إرشاد النقاد إلى تيسير الاجتهاد ص13.(1/9)
وكان ابن معين إذا لقي في رحلته شيخاً، فسمع منه مجلساً، أو ورد بغداد شيخ فسمع منه مجلساً، فرأى تلك الأحاديث مستقيمة، ثم سئل عن الشيخ؟ وثقه، وقد يتفق أن يكون الشيخ دجالاً، استقبل ابن معين بأحاديث صحيحة، ويكون قد خلط قبل ذلك، أو يخلط بعد ذلك.
ذكر ابن الجنيد أنه سأل ابن معين عن محمد بن كثير القرشي الكوفي؟ فقال: ما كان به بأس، فحكى له أحاديث تستنكر، فقال ابن معين:(فإن كان هذا الشيخ روى هذا فهو كذاب, وإلا فإني رأيت حديث الشيخ مستقيماً ....) (1) .
3) مما ينبغي على الدارس لمصطلح أحد الأئمة، أن تكون لديه معرفة تامة في ما ذكره أهل الاصطلاح، من ألفاظ الجرح والتعديل، ومراتبها، فانظر ذلك في: الجرح لابن أبي حاتم 1/6، 10، مقدمة ابن الصلاح ط. عائشة بنت الشاطئ ص307-311 ، فتح المغيث للعراقي ص171-178 ، فتح المغيث للسخاوي 2/108-130 ، المقنع لابن الملقن 1/282-287 ، توضيح الأفكار 2/261-277 ، تدريب الراوي 1/404-412 ، النكت لابن حجر 1/482 ، اليواقيت والدرر للمناوي 2/352 ، مباحث في الجرح والتعديل لقاسم سعد ص23-101، منهج دراسة الأسانيد للعاني ص39، ضوابط الجرح والتعديل للعبد اللطيف ص207 ط. العبيكان ، الرفع والتكميل ص132-186 ، المنهج الإسلامي في الجرح والتعديل د. فاروق حمادة ص399 ، علم أصول الجرح والتعديل أبو لاوي ص224-269 ، دراسات في الجرح والتعديل للأعظمي ص283-288 ، السخاوي وجهوده في الحديث وعلومه د. العماش 2/536-560 فقد حصر الباحث الألفاظ التي أوردها السخاوي في كتبه وذكر مراتبها عنده ، شفاء العليل للسليماني فقد ذكر مراتب التعديل في ص23 إلى ص150 ومراتب التجريح ص151 إلى ص282 مع ذكره لكثير من الألفاظ وشرحها ، التسهيل في علم الجرح والتعديل د. إبراهيم السعيد خليل ص197.
__________
(1) التنكيل 1/66-67.(1/10)
4) " ألفاظ الجرح والتعديل تستمد قوتها من منزلة قائلها فهماً واعتدالاً، وكذا من عموم لفظها، فليس قول المتساهل والمتشدد، كقول المعتدل" (1) , " ومن لم يعرف مذهب الإمام منهم، ومنزلته من التثبت؛ لم يعرف ما تعطيه كلمته" (2) ؛ وعليه فيلزم معرفة أحوال المتكلمين في الرجال، من حيث: 1) الشدة والتعنت، 2) التوسط والاعتدال، 3) التساهل.
- فالقسم الأول: ذُكِرَ منهم:
يحيى بن سعيد القطان، ابن معين، أبو حاتم، ابن خراش، " عثمان بن أبي شيبة " (3) ، شعبة، النسائي، أبو زرعة، العقيلي.
- والقسم الثاني: ذُكر منهم:
البخاري، مسلم، ابن مهدي، ابن المديني، أحمد، أبو داود، الدارقطني، ابن عدي، أبو زرعة، ابن سعد، الترمذي.
- والقسم الثالث: ذُكر منهم:
العجلي، أحمد بن صالح المصري، الترمذي (4) ، ابن حبان، الدارقطني في بعض الأوقات، ابن شاهين، الحاكم، البيهقي (5) .
__________
(1) شفاء العليل للسليماني ص18 بتصرف.
(2) الاستبصار في نقد الأخبار للمعلمي ص7.
(3) المعلمي في التنكيل، وعنه السليماني في شفاء العليل ص125.
(4) يُلاحظ أنه ذُكر في موضعين ،وذلك بحسب رؤية من قسَّمهم .
(5) ينظر في ذكر مناهج المتكلمين:
= ذكر من يعتمد قوله في الجرح والتعديل للذهبي، المتكلمون في الرجال للسخاوي، الموقظة للذهبي ص83، كفاية الحفظة شرح الموقظة للهلالي ص322، ضوابط الجرح والتعديل للعبد اللطيف ص69-70 ط. العبيكان، الجرح والتعديل بين المتشددين والمتساهلين د. محمد بن طاهر الجوابي، الجرح والتعديل لللاحم ص388، دراسات في الجرح والتعديل للأعظمي ص81، التأسيس في فن دراسة الأسانيد د. عمر أبو بكر ص118-122، مباحث في علم الجرح والتعديل لقاسم سعد ص103-134، مصطلحات الجرح والتعديل المتعارضة د. جمال أسطيري 1/209، الخبر الثابت لللحياني ص99، القاعدة الثانية من قواعد الجرح والتعديل للسعد " أشرطة مفرغة في أوراق "، الرفع والتكميل ص274، ضوابط الجرح والتعديل عند الذهبي لمحمد الثاني 2/832-838.(1/11)
قال الذهبي في الموقظة: " وقد يكون نَفَس الإمام فيما وافق مذهبه، أو في حال شيخه، ألطف منه فيما كان بخلاف ذلك، والعصمة للأنبياء والصديقين وحُكَّام القسط" (1) .
قال المعلمي: (ما اشتهر أن فلاناً من الأئمة مسِّهلٌ، وفلاناً مشدد، ليس على إطلاقه؛ فإن منهم من يسهل تارة، ويشدد تارة أخرى، بحسب أحوال مختلفة، ومعرفة هذا وغيره من صفات الأئمة التي لها أثر في أحكامهم، لا تحصل إلا باستقراء بالغ مع التدبر) (2) .
6) ذكر المعلمي – رحمه الله – من الأمور التي ينبغي مراعاتها عند البحث عن أحوال الرواة:
التأكد من صحة كلمة الجرح أو التعديل، المنسوبة إلى بعض الأئمة قال: " إذا رأى في الترجمة (وثقه فلان) أو (ضعفه فلان) أو (كذبه فلان)، فليبحث عن عبارة فلان، فقد لا يكون قال: (هو ثقة) أو (هو ضعيف) أو (هو كذاب).
ففي مقدمة الفتح في ترجمة إبراهيم بن سويد بن حيان المدني: " وثقه ابن معين وأبو زرعة"، والذي في ترجمته من التهذيب: (قال أبو زرعة: ليس به بأس).
وفي المقدمة في ترجمة إبراهيم بن المنذر الحزامي: (وثقه ابن معين ..... والنسائي) والذي في ترجمته من التهذيب: (قال عثمان الدارمي: رأيت ابن معين كتب عن إبراهيم بن المنذر أحاديث ابن وهب، ظننتها المغازي، وقال النسائي: ليس به بأس).
إلى أن قال المعلمي:
" أصحاب الكتب كثيراً ما يتصرفون في عبارات الأئمة؛ بقصد الاختصار أو غيره، وربما يخل ذلك بالمعنى، فينبغي أن يُراجع عدة كتب، فإذا وجد اختلافاً بحث عن العبارة الأصلية ليبنى عليها" (3) .
__________
(1) ص84 ط. أبي غدة، كفاية الحفظة شرح الموقظة للهلالي ص326.
(2) مقدمة تحقيقه للفوائد المجموعة للشوكاني صفحة (ط)، وانظر: ضوابط الجرح والتعديل عند الذهبي لمحمد الثاني 2/831.
(3) التنكيل 1/65، لسان الميزان 1/17 وعنه فتح المغيث للسخاوي 2/128.(1/12)
قال د. العبد اللطيف – رحمه الله -: (وقد ترد ألفاظ الجرح والتعديل، منقولة من كتب المتقدمين مختصرة أو محكية بالمعنى في كتب المتأخرين؛ لاضطرارهم إلى جمع أكبر عدد من الرواة في كتاب واحد, فيؤثر ذلك الاختصار، وتلك الحكاية للفظ الجرح والتعديل، في الحكم على الراوي توثيقاً وجرحاً...) (1) .
وكذا ينبغي التأكد من ثبوت الكلمة عن الإمام، وصحتها، ثم تفهمها (2) على وجهها الذي أراده، قبل الحكم على الراوي بما تقتضيها.
قال السخاوي: (لا يُعتَمد على القول الذي لم يثبت طريقه إلى إمام الجرح والتعديل) (3) .
7) هناك ألفاظ معروفة عند أهل الحديث، لكنها قد تطلق أحياناً على معنى غير متبادر إلى الذهن (4) .
من ذلك:
(كذاب) تطلق على الخطأ، والوهم، والابتداع (5) .
(شيطان) ويراد بها المدح.
__________
(1) ضوابط الجرح والتعديل ص92-93 وانظر: قواعد التحديث للقاسمي ص207، قواعد في الجرح والتعديل للسعد (أشرطة مفرغة) القاعدة الثامنة، الجرح والتعديل لللاحم ص435-436، مصطلحات الجرح والتعديل المتعارضة لأسطيري 1/81 و2/557-573، الخبر الثابت لللحياني ص90-91، ألفاظ وعبارات الجرح والتعديل... لأحمد معبد ص208 وص210.
(2) الجرح والتعديل لللاحم ص402 وص412، المنهج المقترح للشريف العوني ص259-261 مهم.
(3) السخاوي وجهوده في الحديث وعلومه د. العماش 2/530، وانظر: تحرير علوم الحديث للجديع 1/520، مصطلحات الجرح والتعديل المتعارضة لأسطيري 1/77 وما بعدها و2/527.
(4) شفاء العليل ص326،374 وما بعدها، مصطلحات الجرح والتعديل المتعارضة 2/725-740.
(5) انظر: معالم السنن للخطابي 1/116 (149) ،الثقات لابن حبان 6/114، النهاية لابن الأثير مادة (كذب)، لسان الميزان 2/139،خزانة الأدب 6/185، 11/140، الجرح والتعديل لللاحم ص412-413، مصطلحات الجرح والتعديل المتعارضة 1/375.(1/13)
قال عبد الرحمن بن مهدي: لما قدم الثوري البصرة، قال: يا عبد الرحمن جئني بإنسان أذاكره، فأتيته بيحيى بن سعيد، فذاكره، فلما خرج قال: قلت لك: جئني بإنسان، فجئتني بشيطان.
قال الذهبي: يعني بهره حفظه (1) .
وقول ابن معين في الأثرم: (كان أحد أبويه جني) يعني لشدة حفظه (2) .
(فلان يشتري الكتب) على المتهمين بالكذب (3) . تاريخ بغداد 8/366ـ 9/456
{(ضعيف) على سبيل المزاح. ... تاريخ بغداد 12/267، السير للذهبي 10/246
(كذاب) على سبيل المزاح. ... هدي الساري ص408، تهذيب ابن حجر 4/314
(قد عرفته) بمعنى أهلكته. ... العلل للإمام أحمد رواية عبدالله 3/485،الضعفاء للعقيلي 3/69
(حديثه ضعيف) بمعنى مسلكه في الاستنباط ضعيف. تهذيب ابن حجر 6/241،السير 7/114
(منكر) بمعنى داهٍ متيقظ فطن} (4) . سؤالات الآجري لأبي داود 1/430
* ... * ... *
الفصل الأول: وفيه مبحثان:
المبحث الأول:
أهمية المصطلحات
إن اتساع اللغة، وتعدد مدلولات الكلمة، يجعل القارئ يقف مع بعضها موقف المتردد في تنزيلها على أي المدلولات التي ظهرت له، فإذا ما كانت الكلمة قد رسخت في ذهنه على مدلولٍ معين؛ سارع في تنزيلها حسب اصطلاحه هو في كلامه، لا على اصطلاح المتكلم.
ولهذا وقع الغلط في الفهم والاستدلال في شتى الفنون؛ بسبب العزوف عن فهم مصطلحات المتكلم، قبل البدء في تفهمه، والاستدلال به.
__________
(1) سير أعلام النبلاء 9/177، تذكرة الحفاظ 1/300، وانظر: ألفاظ وعبارات الجرح والتعديل ... لأحمد معبد ص16 مهم، الضعفاء للعقيلي 4/194، تاريخ بغداد 9/42.
(2) شفاء العليل ص372.
(3) شفاء العليل ص372.
(4) مصطلحات الجرح والتعديل المتعارضة د. جمال أسطيري 2/725-740. ومعلوم أن هذه المعاني تطلق نادراً .(1/14)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - : (.... وكذلك الألفاظ المشتركة والمنقولة والمغيرة شرعاً، نقلاً وتغييراً شرعيين أو عرفيين، إنما يريد بها المتكلم في الغالب أحد المعنيين، مع أن المعاني الأخر جائزة الإرادة ولم تُرد...
إلى أن قال:
وهذا باب واسع، فمن تأمل كل لفظ في كلام متكلم، رأى أنه يجوز أن يراد به من المعاني ما شاء الله، والمتكلم لم يُرد إلا واحداً من تلك المعاني...) (1) .
وقال أيضاً :( ومَنْ لم يعرف لغة الصحابة التي كانوا يتخاطبون بها،ويخاطبهم بها النبي صلى الله عليه وسلم،وعادتهم في الكلام ؛ وإلا حرّف الكلم عن مواضعه،فإن كثيراً من الناس ينشأ على اصطلاح قوم ،وعادتهم في الألفاظ،ثم يجد تلك الألفاظ في كلام الله، أو رسوله،
أو الصحابة،فيظن أنّ مراد الله، أو رسوله،أو الصحابة بتلك الألفاظ،مايريدُه بذلك أهلُ عادته واصطلاحه،ويكون مرادُ الله ورسوله والصحابة خلاف ذلك ؛وهذا واقع لطوائف من الناس،من أهل الكلام، والفقه، والنحو،والعامة ،وغيرهم ) . (2)
وقال ابن القيم – رحمه الله - : (والعلم بمراد المتكلم، يُعرف تارة من عموم لفظه، وتارة من عموم علته، والحوالة على الأول أوضح لأرباب الألفاظ، وعلى الثاني لأرباب المعاني والفهم والتدبر..... وقد يعرض لكل من الفريقين، ما يخل بمعرفة مراد المتكلم، فيعرض لأرباب الألفاظ، التقصير بها عن عمومها، وهضمها تارة، وتحميلها فوق ما أريد بها تارة، ويعرض لأرباب المعاني فيها نظير ما يعرض لأرباب الألفاظ، فهذه أربع آفات هي منشأ غلط الفريقين.. (3) .
وقد وقع غلط عظيم في أبواب الشريعة خاصة، ومنشأه: الجهل بمراد الله، ومراد رسوله صلى الله عليه وسلم، وتنزيل الألفاظ الشرعية على المصطلحات الحادثة.
__________
(1) تنبيه الرجل العاقل على تمويه الجدل الباطل لشيخ الإسلام 2/474-475.
(2) قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة ص152
(3) إعلام الموقعين 1/220(1/15)
قال ابن تيمية ــ رحمه الله ــ : ( ومن أعظم أسباب الغلط في فهم كلام الله ورسوله، أن ينشأ الرجل على اصطلاح حادث،فيريد أن يفسِّر كلام الله بذلك الاصطلاح ،ويحمله على تلك اللغة التي اعتادها ) (1)
قال ابن القيم – رحمه الله – :(...... تنزيل كلام الله وكلام رسوله، على الاصطلاحات التي أحدثها أرباب العلوم، من الأصوليين، والفقهاء، وعلم أحوال القلوب، وغيرهم، فإن لكل من هؤلاء اصطلاحات حادثة، في مخاطباتهم وتصانيفهم، فيجيء من قد ألف تلك الاصطلاحات الحادثة، وسبقت معانيها إلى قلبه فلم يعرف سواها، فيسمع كلام الشارع فيحمله على ما ألفه من الاصطلاح؛ فيقع بسبب ذلك في الفهم عن الشارع، ما لم يرده بكلامه، ويقع من الخلل في نظره ومناظرته ما يقع، وهذا من أعظم أسباب الغلط عليه....) (2) .
قال أبو الوليد الباجي: (فعلى هذا يَحمِل ألفاظ الجرح والتعديل، مَن فهم أقوالهم وأغراضهم، ولا يكون ذلك؛ إلا لمن كان من أهل الصناعة والعلم بهذا الشأن، وأما مَن لم يعلم ذلك، وليس عنده من أحوال المحدثين إلا ما يأخذه من ألفاظ أهل الجرح والتعديل، فإنه لا يمكنه تنزيل الألفاظ هذا التنزيل، ولا اعتبارها بشيء مما ذكرنا، وإنما يتبع في ذلك ظاهر ألفاظهم فيما وقع الاتفاق عليه، ويقف عند اختلاف عباراتهم..) (3) .
والغلط في فهم مصطلح إمام من أئمة الجرح والتعديل، له أثر واضح في الحكم على الراوي جرحاً أو تعديلاً (4) وبالتالي، يظهر الغلط في الحكم على الحديث؛ علماً بأن أهمية تتبع المصطلحات، تظهر أكثر في فن الجرح والتعديل، وذلك لأمور منها:
1) استخدام الأئمة المصطلح لأكثر من معنى (5)
__________
(1) مجموع الفتاوى 12/106ـ107 وانظر : الإيمان لشيخ الاسلام أيضاً ص110 والحقيقة الشرعية لمحمد بازمول ص14 وما بعدها
(2) مفتاح دار السعادة 2/271-272
(3) التعديل والتجريح 1/287
(4) الجرح والتعديل لللاحم ص20-23.
(5) الجرح والتعديل للاحم ص19-20.(1/16)
قال د. خالد الدريس: " وقد لاحظت أن الحفاظ والنقاد المتقدمين، يوجد في مصطلحاتهم ميل للتوسع في مدلولها ... ثم ذكر أمثلة على ذلك.." (1) .
وقد برر الدكتور هذا التوسع بقوله: " ومثل هذه المصطلحات الواسعة، يحتاج إليها كل علم في بداياته، وخاصة إذا كان ذلك العلم في مرحلة نمو وتشكل، ولم تستقر بعدُ قواعده وقوانينه واصطلاحاته، كما هو الحال في مصطلح الحسن، في زمن أولئك الأئمة ..) (2) .
2) أن الغالب على عبارات الأئمة، الاختصار الشديد، لاعتمادهم على فهم السائل والمتلقي (3) .
قال د. محمد العمري: " ولذلك جاءت عباراتهم فيها اختصار شديد، في غاية من الدقة، ووضوح الدلالة في كثير منها، وقد روعي فيها المعنى اللغوي، والاصطلاحي، فتأمل الفرق بين عباراتهم: يروي المناكير، وله مناكير، وأحاديثه منكرة، ومنكر الحديث..." (4) .
3) أن بعض عباراتهم، لم تذكر في كتب المصطلح، ولم يُوَضَّح معناها(1).
قال مكي بن إبراهيم: سئل شعبة عن ابن عون؟ فقال: سمن وعسل، قيل: فما تقول في هشام بن حسان؟ قال: خل وزيت. قيل: فما تقول في أبي بكر الهذلي؟ قال: دعني لا أقيء به. ا.هـ. (5)
__________
(1) الحديث الحسن للدريس 2/696.
(2) المصدر السابق ص1002.
(3) الجرح والتعديل لللاحم ص19-20
(4) دراسات في منهج النقد عند المحدثين ص262.
(5) سير أعلام النبلاء 7/220 أفاده في شفاء العليل للسليماني ص235 وانظر: شرح ألفاظ التجريح النادرة الاستعمال للهاشمي.(1/17)
قال السبكي: " ومما ينبغي أن يتفقد عند الجرح أيضاً: حال الجارح في الخبرة بمدلولات الألفاظ، فكثيراً ما رأيت من يسمع لفظة، فيفهمها على غير وجهها؛ والخبرة بمدلولات الألفاظ؛ ولاسيما العرفية التي تختلف باختلاف عرف الناس، وتكون في بعض الأزمنة مدحاً, وفي بعضها ذماً, أمر شديد، لا يدركه إلا قعيدٌ بالعلم" (1) .
قال المعلمي: " صيغ الجرح والتعديل، كثيراً ما تطلق على معانٍ مغايرة لمعانيها المقررة في كتب المصطلح، ومعرفة ذلك؛ تتوقف على طول الممارسة، واستقصاء النظر" (2) .
وقال – رحمه الله – : " .... منهم من لا يطلق "ثقة" إلا على من كان في الدرجة العليا من العدالة والضبط؛ ومنهم من يطلقها على كل عدل ضابط، وإن لم يكن في الدرجة العليا، ومنهم من يطلقها على العدل، وإن لم يكن ضابطاً؛ ومنهم من يطلقها على المجهول الذي روى حديثاً واحداً قد توبع عليه؛ ومنهم من يطلقها على المجهول الذي روى حديثاً له شاهد؛ ومنهم من يطلقها على المجهول الذي روى حديثاً لم يستنكره هو؛ ومنهم من يطلقها على المجهول الذي روى عنه ثقة إلى غير ذلك؛ وهم مع ذلك، مختلفون في الاستدلال على أحوال الرواة، فمنهم المبالغ في التثبت، ومنهم المتسامح، ومَن لم يعرف مذهب الإمام منهم، ومنزلته من التثبت؛ لم يعرف ما تعطيه كلمته، وحينئذ فإما أن يتوقف، وإما أن يحملها على ما هو المشهور في كتب المصطلح، ولعل ذلك رفع لها عن درجتها، وبالجملة، فإن لم يتوقف، قال بغير علم، وسار على غير هدى" (3) .
__________
(1) قاعدة الجرح والتعديل ص46 وفي الطبعة التي حققها أبو غدة ص53 وفيها " إلا فقيه بالعلم" وذكر أن قعيد "محرف" عن "فقيه" والله أعلم.
(2) مقدمة تحقيقه للفوائد المجموعة للشوكاني ص9.
(3) الاستبصار في نقد الأخبار للمعلمي ص7 ط. أطلس، وانظر: الموسوعة العلمية الشاملة عن الإمام يعقوب بن شيبة 1/322.(1/18)
والجهل بمدلول المصطلح، ومراد الإمام منه؛ قد يؤدي إلى تجهيل الأئمة، ونسبتهم للتناقض، فمثلاً: أسباط بن نصر الهمْداني، قال عنه ابن معين: ليس بشيء، وقال مرة أخرى: ثقة (1) ، فغير العارف بمصطلح الإمام ابن معين قد ينسبه إلى التناقض. (2)
وبعد
فلا يزال هذا الباب، أعني باب ضبط مصطلحات الأئمة، بعد جمعها وتفهمها؛ يعرضه الأئمة، متمنين إتمامه، أو يعرضه بعض أهل العلم ويَعِدُ بإحكامه. (3)
قال الذهبي – رحمه الله – : " .... ثم نحن نفتقر إلى تحرير عبارات التعديل والجرح، وما بين ذلك من العبارات المتجاذبة، ثم أهم من ذلك، أن نعلم بالاستقراء التام، عُرف ذلك الإمام الجهبذ، واصطلاحه ومقاصده بعباراته الكثيرة" (4) .
قال السخاوي – رحمه الله – : " .... من نظر كتب الرجال، ككتاب ابن أبي حاتم المذكور، والكامل لابن عدي، والتهذيب، وغيرها، ظفر بألفاظ كثيرة، ولو اعتنى بارع بتتبعها، ووضع كل لفظة بالمرتبة المشابهة لها، مع شرح معانيها لغةً واصطلاحاً؛ لكان حسناً (5) ، ولقد كان شيخنا يلهج بذكر ذلك، فما تيسر؛ والواقف على عبارات القوم، يفهم مقاصدهم بما عرف من عباراتهم في غالب الأحوال، وبقرائن ترشد إلى ذلك" (6) .
__________
(1) تهذيب التهذيب 1/211-212.
(2) انظر: ص(21) من هذا البحث.
(3) كالدكتور اللاحم في الجرح والتعديل ص420.
(4) الموقظة ص82 ط. أبي غدة ص62 ط. عمرو عبد المنعم ص320 كفاية الحفظة شرح الموقظة للهلالي.
(5) ذكر اللكنوي شيئاً يسيراً في كتابه الرفع والتكميل، ومِن أوعب من جمع حتى الآن أبو الحسن مصطفى السليماني المأربي في كتابه (شفاء العليل بألفاظ وقواعد الجرح والتعديل) وقد صدر منه الجزء الأول ط. الأولى 1411هـ.
(6) فتح المغيث للسخاوي 2/109 والعبارة الأخيرة (والواقف على عبارات القوم...) أخذها من ابن كثير في اختصار علوم الحديث. انظر ص(35) في هذا البحث.(1/19)
فظهر بما سبق أهمية دراسة مصطلحات الأئمة، ومراعاتها عند النظر في أحوال الرجال (1) .
* ... * ... *
المبحث الثاني:/
من مصطلحات الأئمة الخاصة (2) .
البخاري (3)
1) منكر الحديث: لا تحل الرواية عنه (4) .
2) سكتوا عنه: قال السخاوي وابن كثير: كثيراً ما يريد بها البخاري: تركوا حديثه (5) .
__________
(1) ينظر: ضوابط الجرح والتعديل للعبد اللطيف ص83، ضوابط الجرح والتعديل عند الذهبي لمحمد الثاني 2/840، الموسوعة الشاملة عن الإمام يعقوب بن شيبة 1/305، الجرح والتعديل لللاحم ص407و ص421، منهج أهل السنة والجماعة في تقويم الرجال ومؤلفاتهم للصويان ص30-31، المنهج الإسلامي في الجرح والتعديل د. فاروق حمادة ص402، شرح لغة المحدث لطارق عوض الله ص40-53، أسباب اختلاف المحدثين د. الأحدب 2/567، ألفاظ وعبارات الجرح والتعديل .... لأحمد معبد ص346، مقدمة تحرير التقريب بشار عواد وشعيب 1/41-43، القاعدة الثالثة من قواعد الجرح والتعديل للسعد (أشرطة مفرغة).
(2) ضوابط الجرح والتعديل للعبد اللطيف 179-186، شفاء العليل ص283-325، دراسات في الجرح والتعديل د. الأعظمي ص267-300، تحرير علوم الحديث للجديع 1/567-635، دراسات في منهج النقد عند المحدثين د. العمري ص265-271، الروض الداني في الفوائد الحديثية للعلامة الألباني جمع عصام موسى هادي ص206، علم رجال الحديث د. المظاهري ص136، الباعث الحثيث ط. علي حسن 1/320، مصطلحات الجرح والتعديل المتعارضة د. أسطيري 1/434-455، الحديث الحسن د. الدريس 4/1863 وما بعدها، 1917 وما بعدها، الشيخ المعلمي وجهوده في السنة ورجالها للسماري232-249.
(3) الرفع والتكميل ص388, ضوابط الجرح والتعديل للعبد اللطيف ص195.
(4) ميزان الاعتدال 1/6.
(5) شفاء العليل ص311-312، وانظر رسالة د. الدميني في قول البخاري (سكتوا عنه).(1/20)
3) فيه نظر: كثيراً ما يريد بها: الجرح الشديد (1) .
4) في إسناده نظر: أي عدم ثبوت سماع المترجم من شيخه في السند.
أفاد ما سبق د. محمد الثاني في رسالته (ضوابط الجرح والتعديل عند الذهبي) 2/862.
قال الذهبي في ترجمة الإمام البخاري: (من نظر في كلامه في الجرح والتعديل، علم ورعه في الكلام في الناس، وإنصافه فيمن يضعفه، فإن أكثر ما يقول: (منكر الحديث) (سكتوا عنه) (فيه نظر) ونحو هذا، وقَلَّ أن يقول: (فلان كذاب) أو (كان يضع الحديث)، حتى إنه قال: (إذا قلتُ: فلان في حديثه نظر، فهو متهم واهٍ، وهذا معنى قوله: لا يحاسبني الله أني اغتبت أحداً) وهذا – والله – غاية الورع)ا.هـ
سير أعلام النبلاء 12/439، وانظر: الميزان 2/416-3/52 والموقظة ص63
اختصار علوم الحديث 1/320, شرح الألفية للعراقي 2/11
... التقييد والإيضاح ص139، فتح المغيث للسخاوي 2/122
تدريب الراوي 1/439، التنكيل 1/205 (2) .
5) مقارب (3) الحديث: قال عبد الحق الأشبيلي في كتاب (التهجد): يريد أن حديثه يقرب من حديث الثقات، أي لا بأس به ا.هـ، أفاده الألباني في الإرواء 2/10.
أبو حاتم (4)
1) ما أرى بحديثه بأساً: قد يريد بها أنه لا يحتج به، والظاهر أنه أراد بالنفي، نوعاً مقصوداً، كتعمد الكذب، أو النكارة الشديدة (5) .
__________
(1) ميزان الاعتدال 2/416، 3/51-52، شفاء العليل ص313،ثم طبعت رسالة بعنوان «تدقيق النظر في قول البخاري :فيه نظر» لأبي عبدالرحمن أيمن بن عبدالفتاح آل ميدان ،ورجح الباحث أن المراد بها عدة إطلاقات تفهم بالقرائن ولا يقطع بالتهمة والترك دائماً.
(2) أفاده د. الثاني في (ضوابط الجرح والتعديل عند الذهبي) 2/860-861.
(3) انظر في ضبط (مقارب) التقييد والإيضاح 2/611، تدريب الراوي 2/411، توضيح الأفكار 2/266، فتح المغيث للسخاوي 2/114.
(4) ضوابط الجرح والتعديل للعبد اللطيف ص198.
(5) شفاء العليل ص287.(1/21)
2) لا بأس به أو صدوق: يكتب حديثه وينظر فيه (1) , قال أبو الحسن السليماني عن هذا الإطلاق (صدوق) (لا بأس به): بأن له عدة حالات:
1) لا يحتج به عنده، وهذه أكثر الحالات وروداً.
2) فيمن يحسن حديثه لذاته، أو يصححه عنده وعند غيره.
3) يقوله في إمام من الأئمة، كما قال في مسلم صاحب الصحيح: (صدوق) (2) ، ولو انفرد بالكلام على الترجمة بقوله:
(صدوق أو لا بأس به)، فالغالب أنه بمنزلة حسن الحديث؛ لما عُرف
– رحمه الله – بالتعنت في حكمه على الرجال. ا.هـ (3) مختصراً.
3) مجهول: يريد جهالة الوصف، لا جهالة العين (4) , ويطلقه على الصحابي الذي لم يرو عنه أئمة التابعين (5) .
4) صالح: أي يكتب حديثه، للاعتبار والشواهد، فهي من ألفاظ التجريح لا التعديل، عند أبي حاتم، خلافاً لما يدل عليه كلام السيوطي في التدريب 233-234، قاله الألباني – رحمه الله – (6) .
5) شيخ: لا تعني أنه ثقة، وإنما يستشهد به، كما نص ابن أبي حاتم في الجرح، قاله الألباني– رحمه الله – (7) .
6) فيه نظر: يريد الجرح الشديد.
7) يكتب حديثه: قال الذهبي: علمتُ بالاستقراء التام، أن أبا حاتم الرازي، إذا قال في رجل: يكتب حديثه، أنه عنده ليس بحجة. ا.هـ (8) .
__________
(1) الجرح والتعديل لابن أبي حاتم 2/37.
(2) الجرح 8/183.
(3) شفاء العليل ص287.
(4) الجرح 1/37، الرفع والتكميل ص229.
(5) انظر: تهذيب التهذيب 3/357، لسان الميزان 6/13، مصطلحات الجرح والتعديل المتعارضة د. جمال أسطيري 1/424.
(6) الضعيفة 3/112، النصيحة ص55-56.
(7) الصحيحة 5/567، وانظر بيان الوهم والإيهام 4/627 حيث قال عنها :ليس بتعريف بشئ من حاله،إلا أنه مقل ليس من أهل العلم،وإنما وقعت له رواية أخذت عنه.ا.هـ ويرى الذهبي بأنها: ليس بجرح ولا توثيق، ينظر «ميزان الاعتدال» في ترجمة العباس بن الفضل العدني 3/99
(8) سير أعلام النبلاء 6/360.(1/22)
8) يكتب حديثه ولا يحتج به: يكتب في المتابعات والشواهد، ولا يحتج به إذا انفرد. (1)
9) صدوق: قال المعلمي: أبو حاتم معروف بالتشدد، قد لا تقل كلمة صدوق منه، عن كلمة ثقة من غيره.
10) ليس بالقوي: يريد :ليس بأعلى درجات الثبت.
الموقظة (ص83) وذكر من يعتمد قوله في الجرح والتعديل ص172
ابن معين (2)
1) ليس بشيء: أحاديثه قليلة (3) , قال السليماني بعد تتبعه لهذه الكلمة عند ابن معين: قد يطلق ابن معين هذه العبارة (ليس بشيء)، ويريد بها:
أ) ... الكذابين والمتروكين.
ب) ... أهل الغفلة والاضطراب، الذين يُرد حديثهم.
ج) ... المبتدعة.
د) ... من هو مقلٌّ في رواياته، وإن كان يحتج به.
هـ) ... بعض حديث الراوي، وإن كان الراوي ثقة عنده، وانظر ... هدي الساري ص421 والكامل ص1985.
و) ... من لا يعرفه.
2) ليس به بأس، لا بأس به: ثقة(1).
3) يكتب حديثه: أي أنه من جملة الضعفاء(1).
4) ثقة: لا يتعمد الكذب (4) .
5) ليس بثقة: قد يطلقها، ولا يريد بها الجرح، وإنما الرجل لا يبلغ درجة الاستقامة والضبط المعروف عند إطلاق (ثقة)(2).
6) ضعيف: ليس بثقة، قد يطلقها، ولا يكتب حديثه(1)، وقد يكتب (5) .
__________
(1) الجرح والتعديل 2/133 وانظر:ميزان الاعتدال 3/99، التنكيل 1/238،.وانظر(قرة العيون) د.نافذ حماد، ففيه بحث عن مدلول مصطلح (لايحتج به ) عند أبي حاتم .
(2) ضوابط الجرح والتعديل للعبد اللطيف ص194، تاريخ يحيى بن معين تحقيق أحمد نور سيف.
(3) ألفاظ وعبارات الجرح والتعديل.... لأحمد معبد ص18، طليعة التنكيل ص55، الرفع والتكميل ص212 وص221 وص225، لسان الميزان 1/13، شفاء العليل ص283-384، هدي الساري ص420-421، وانظر النافلة في الأحاديث الضعيفة والباطلة للحويني 2/141-143.
(4) التنكيل 1/69.
(5) تهذيب التهذيب 6/151، وعنه شفاء العليل ص285.(1/23)
7) لا أعرفه: استعملها في كثير من التراجم، بمعنى أنه لا يعرفه كمعرفة غيره، أو لا يعرف حاله، أو لا يعرف أخباره ورواياته (1) .
قال ابن معين عن سهل بن حماد الدلال :لا أعرفه .«تاريخ ابن معين رواية الدارمي» (391) قال الذهبي في «الميزان» (2/427):عنى أنه ما يخبر حاله.
ابن المديني
انظر المصطلحات التي استخدمها، مع شرحها وبيان معناها، ومدلولها عند الإمام، في كتاب (الإمام علي بن المديني ومنهجه في نقد الرجال) لإكرام الله إمداد الحق ص540-624. ومنها:
1) لا بأس به: مطلق التوثيق.
2) صالح: يكتب للاعتبار.
3) ليس بالقوي: مطلق القبول.
4) ضعيف: يكتب للاعتبار ولا يريد الترك.
ومن ألفاظه:
1) كان ثقة ولم يكن بالقوي.
2) لم يكن بالقوي وهو صالح.
أبو إسحاق الجوزجاني
مائل، زائغ، مفتر، مجاهر، كوفي المذهب، جائر: يطلقها على متشيعة الكوفة.
النسائي
1) ليس بالقوي: قال الذهبي: ليس بجرح مفسد.
الترمذي
انظر اصطلاحاته في شرح العلل لابن رجب 1/385، ورسالة د. عداب الحمش عن الإمام الترمذي
دحيم
1) ثقة: الغالب أنه يعني بها العدل، قال المعلمي: توثيق دحيم، لا يعارض توهين غيره من أئمة النقد؛ فإن دحيماً ينظر إلى سيرة الرجل، ولا يمعن النظر في حديثه ا.هـ
الدارقطني (2)
1) ليس بالقوي: أي وسطٌ حسن الحديث.
2) منكر الحديث: يقصد به الجرح الشديد.
ابن عدي
1) أرجو أن لا بأس به: قال المعلمي: هذه الكلمة رأيت ابن عدي، يطلقها في مواضع تقتضي أن يكون مقصوده، أرجو أنه لا يتعمد الكذب ا.هـ
__________
(1) الجرح لابن أبي حاتم 4/29، 4/433، الكامل 2/584، أفاده في شفاء العليل ص295،وانظر أيضاً الكامل لابن عدي (2/162) في ترجمة الجراح بن مليح البهراني
(2) ضوابط الجرح والتعديل للعبد اللطيف ص199.(1/24)
وقال الألباني: ليس نصاً في التوثيق، ولئن سلم فهو أدنى درجة في مراتب التعديل، أو أول مرتبة من مراتب التجريح، مثل قوله: ما أعلم به بأساً، كما في التدريب ص234 (1) .
2)لابأس به: قد يريد بها مطلق الثقة،قالها في عكرمة مولى ابن عباس بعد أو وثقه ... «الكامل» (5/272)
3) منكر: يريد بهذا المصطلح عدة معانٍ. (2)
1) انفراد الثقة بحديث مقبول.
2) تفرد الراوي الضعيف.
3) رواية الحديث الموضوع أو اختلاقه.
ابن خزيمة
1) غريب: يريد به التفرد.
ابن حبان
1) يُغرب: قال المعلمي: يقول مثل هذا لمن يستغرب له حديثاً واحداً أو زيادة في حديث.
وقال الألباني: هذا ليس بجرح.
2) وكان يخطئ: أي وسط، حسن الحديث، قاله الألباني.
الحاكم
1) شاذ: الحديث الذي يتفرد به الثقة، وليس للحديث أصل متابع لذلك الثقة.
فالشاذ والغريب والصحيح، يلتقيان في اصطلاح الحاكم، مما جعله هدفاً لنقد المتأخرين.
المعافى بن زكريا الجريري
1) غيره أوثق منه: يريد أنه شديد الضعف.
ابن القطان الفاسي
1. لا يعرف له حال، لم تثبت عدالته: مقصوده: مَن لم يقل فيه إمام عاصر ذلك الرجل أو أخذ عمن عاصره ما يدل على عدالته.
الذهبي
1) وُثِّق: يقولها في الكاشف: ويريد أن ابن حبان وثقه.
2) مجهول أو مجهول الحال أو لا يدرى ما حاله:
قال في الميزان 1/6: ثم اعلم أن كل من أقول فيه مجهول، ولا أسنده إلى قائل، فإن ذلك هو قول أبي حاتم فيه.....
وإن قلت: فيه جهالة، أو نكرة، أو يجهل، أو لا يعرف، وأمثال ذلك، ولم أعزه إلى قائل، فهو من قِبَلي، وكذا إذا قلت: ثقة، وصدوق، وصالح، ولين، ونحو ذلك، ولم أضفه.. (3)
__________
(1) الضعيفة 3/112.
(2) أفاده د. زهير عثمان في كتابه (ابن عدي ومنهجه في الكامل) 2/128.
(3) وهذا المصطلح للذهبي إنما هو في كتابه (ميزان الاعتدال) ، فلا يشمل غيره، كالكاشف مثلاً .(1/25)
- " أبو حاتم يقول: "مجهول" في الصحابي (1) ، وفي مجهول العين، والحال، إلا أن الذهبي لا يذكر الصحابة في كتابه الميزان، فبقي في الأمرين الأخرين" (2) .
ابن حجر
في مقدمة التقريب:
1) مقبول: أي حيث يتابع، وإلا فلين الحديث.
الزيلعي
a. غريب: أي لا أصل له
الإرواء 5/103
الشافعي
لطيف العبارة في التجريح، فقد يريد بقوله: (فلان حديثه ليس بشيء) أحد الكذابين.
ابن الملقن
1) غريب: يطلقه في البدر المنير (3) ويريد به:
1) الأحاديث التي لا يعلم من أخرجها ولا من رواها.
2) إذا لم يخرجه أصحاب السنن والمسانيد.
3) يطلقه على الحديث الشديد الضعف.
ويطلقه في مختصر البدر المنير، ويريد به لا أعلم مَن رواه، كما أفاد في مقدمته.
- إطلاقات الثقة:
" قد تطلق ويراد بها استقامة ما بلغ المُوثِّق من حديث الراوي، لا الحكم للراوي نفسه، بأنه في نفسه بتلك المنزلة" (4) .
" وقد تستعمل (ثقة) على ما هو دون معناها المشهور، ويدل عليه.... أن جماعة يجمعون بينها وبين التضعيف، ثم ذكر أمثلة.... (ثقة لين) (ثقة يكتب حديثه وليس بالقوي) (ثقة وبه ضعف) (5) .
وقد يطلقون الثقة على من كان مقبولاً، وإن لم يكن ضابطاً (6) ، "وتطلق على العدالة فحسب، وعلى من صح سماعه وحضوره، وإن لم يكن عدلاً ضابطاً" (7) .
__________
(1) يطلقه أبو حاتم على الصحابي الذي لم يرو عنه أئمة التابعين، انظر مصطلحات الجرح والتعديل المتعارضة د. أسطيري 1/424، وانظر ص( ) من هذا البحث.
(2) باختصار من شفاء العليل ص293.
(3) أفاده محققو البدر المنير ط. دار الهجرة 1/183.
(4) التنكيل 1/69.
(5) التنكيل 1/69، وانظر كلام المعلمي فيما سبق ص(15) " مهم ".
(6) فتح المغيث للسخاوي 2/118
(7) شرح لغة المحدث لطارق عوض الله ص46-47.(1/26)
قال الذهبي في ترجمة ابن خلاد العطار: (وثقه أبو الفتح بن أبي الفوارس، وقال: لم يكن يعرف من الحديث شيئاً. قلت: فمن هذا الوقت، بل وقبله، صار الحفاظ يطلقون هذه اللفظة على الشيخ الذي سماعه صحيح، بقراءة متقن، وإثبات عدل، وترخصوا في تسميته بالثقة، وإنما الثقة في عُرف أئمة النقد، كانت تقع على العدل في نفسه، المتقن لما حمله، الضابط لما نقل، وله فهم ومعرفة بالفن، فتوسع المتأخرون" (1) .
- إطلاقات المنكر:
* يطلق المنكر عند الأئمة، ويراد به (2) :
1) أنه يغرب (3) .
2) أحاديثه قليلة، أو أنه روى حديثاً واحداً. انظر فتح المغيث 1/346.
3) لا تحل الرواية عنه.
4) الترك.
5) التفرد (4) ، تفرد الضعيف والثقة، فالمنكر والشاذ، سيّان عند ابن الصلاح (5) .
أما المنكر عند ابن حجر فهو: رواية من فحش غلطه، أو كثرت غفلته، أو ظهر فسقه.
6) الموضوع، يشيرون بذلك لنكارة معناه، كما هو شائع في كتب الموضوعات(4).
فائدة:/ هناك أئمة، ذكر عنهم أنهم يطلقون لفظ النكارة على مجرد التفرد:
1) يحيى بن سعيد القطان، انظر: تهذيب التهذيب في ترجمة قيس بن أبي
حازم وشرح العلل 1/454.
2) الإمام أحمد، انظر: هدي الساري في ترجمة محمد بن إبراهيم التيمي وبريد
ابن عبد الله بن خصيفة.
3) البرديجي، انظر: هدي الساري في ترجمة يونس بن القاسم الحنفي.
4) النسائي.
5) أبو داود.
6) دحيم... الخ (6) .
فائدة: المنكر عند الإمام أحمد (7) .
1) بمعنى خلاف المعروف.
__________
(1) سير أعلام النبلاء 16/70.
(2) ضوابط الجرح والتعديل للعبد اللطيف ص193-194، دراسات في الجرح والتعديل للأعظمي ص269-278
(3) توجيه النظر للجزائري 1/273.
(4) مصطلحات الجرح والتعديل المتعارضة لأسطيري 1/400-423.
(5) ابن عدي ومنهجه في الكامل د. زهير عثمان 2/126.
(6) أفاده السليماني في شفاء العليل ص311.
(7) أفاده د. بشير علي عمر في كتابه: منهج الإمام أحمد في إعلال الحديث 2/782 وما بعدها.(1/27)
2) الحديث الفرد الذي ليس متابع.
3) بمعنى ما ليس له أصل.
4) بمعنى الخطأ.
قال د. بشير علي عمر: يترجح أن التعريف المرضي عند الإمام أحمد، بحسب إطلاقاته لهذا اللفظ: (الحديث الذي ترجح خطأ راويه؛ بتفرد من لا يحتمل تفرده، أو المخالفة للثابت المعروف) (1) .
- إطلاقات الحسن:
بعد دراسة مستفيضة استقرائية، للدكتور: خالد الدريس في كتابه (الحديث الحسن لذاته ولغيره دراسة استقرائية نقدية) والمطبوع في خمس مجلدات.
ذكر استعمالات الحسن عند الأئمة، وقسمها إلى قسمين:
1) التحسين الاحتجاجي.
2) التحسين الإعجابي.
? فالأول يدخل تحته:
1) إطلاقه على الحديث الصحيح.
2) على ما يرويه الراوي المختلف فيه، الذي ليس فيه جرح مفسر.
3) على ما اتصل سنده، برواية العدل الذي خف ضبطه، عن مثله، إلى منتهاه، ولا يكون شاذًّا، ولا معللاً (الحسن لذاته).
4) على الحديث الذي فيه ضعف محتمل، عند بعض النقاد، وهذا أشمل وأوسع مما تقدم، لأنه يدخل فيه كل حديث، يرى المحدث أنه محتمل.
5) على الحديث الضعيف، المنجبر المتعدد الطرق (الحسن لغيره).
? ويدخل تحت التحسين الإعجابي:
1) إطلاقه على الحديث الغريب.
2) على الذي يتضمن فائدة في الإسناد أو المتن.
3) على السند العالي.
4) على حسن المتن.
? ويطلقون حسن الحديث على الثقات والمتوسطين والضعفاء، ويريدون بذلك أحد المعاني التالية:
1) جودة الإتقان، وكمال الضبط وتمامه.
2) حُسن انتقاء الحديث.
3) وجود الأفراد والغرائب في مرويات ذلك الراوي الموصوف بحسن الحديث ولو كان ضعيفاً.
4) القبول العام، من دون تحديد دقيق، لدرجة قوة حديث الراوي.
-واستعملوا الحسن بمعنى الاحتجاج، فهو مرادف لكلمة مقبول. ا.هـ المراد نقله مختصراً.
__________
(1) المرجع السابق 2/800.(1/28)
انظر الحديث الحسن 2/979-1002 (1) .
قال ابن الملقن: (قد يطلقون الحسن على الغريب والمنكر)
انظر المقنع لابن الملقن والنكت للزركشي وعنهما
السيوطي في البحر الذي زخر في شرح ألفية الأثر 3/1067.
*معنى كلمة (شيخ) عند المحدثين:
قال ابن القطان الفاسي في «بيان الوهم و الايهام» (3/539) عن كلمة (شيخ):
[ فإن هذه اللفظة يطلقونها على الرجل إذا لم يكن معروفاً بالرواية ممن أخذ عنه،وإنما وقعت له رواية الحديث أو أحاديث،فهو يرويها،هذه الذي يقولون فيه (شيخ) .
وقد لايكون مَن هذه صفته من أهل العلم،وقد يقولونها للرجل باعتبار قلة ما يرويه عن شخص مخصوص،كما يقولون :حديث المشايخ عن أبي هريرة ،أو عن أنس،فيسوقون في ذلك روايات لقوم مقلين عنهم،وإن كانوا مكثرين عن غيرهم.
وكذا إذا قالوا :أحاديث المشايخ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ،فإنما يعنون من ليس له إلا الحديث أو الحديثان ونحو ذلك ]
وهناك مصطلحات للأئمة في باب الاتصال والانقطاع (2) ، منها:
1) التوقيف: ومعناه: سؤال الراوي لشيخه، عن أمر ما في روايته، وأكثر ما يستخدم في مطالبة الراوي لشيخه أن يصرح بالتحديث، فإذا فعل فقد وقف، وإلا قالوا: لم يقف.
2) التصحيح: ويريدون به اتصال الإسناد بالسماع، فيقولون: سألت فلاناً أن يصحح لي هذه الأحاديث، فصححها، يعني: صرح بالتحديث فيها، أو لم يصححها، يعني أبى ذلك.
3) الخبر: يطلق على متن الحديث، ويطلق ويراد به التصريح بالسماع.
4) الألفاظ: يطلق على ألفاظ متن الحديث، وتطلق ويراد بها الصيغ الصريحة في السماع.
__________
(1) وانظر: النكت لابن حجر 1/424، والعلل الكبير للترمذي 1/301و413، نظرات جديدة في علوم الحديث للمليباري ص28، شرح لغة المحدث لطارق عوض الله ص45-46 وص50-53، البحر الذي زخر للسيوطي 3/1067.
(2) يُنظر كتاب (الاتصال وا لانقطاع ) د. إبراهيم اللاحم(1/29)
5) حديثه يهوي: أي مراسيل (1) .
6) أحاديث بتر: يعني مراسيل.
7) الإلزاق: معناه أن الراوي لم يسمع الحديث ممن رواه عنه (2) .
8) جَوَّده فلان: إذا دلسه تدليس تسويه، أي ذكر مَن فيه من الأجواد، وحذف غيرهم (3) .
الفرق بين (يروي مناكير) و(في حديثه مناكير)
قال المعلمي: (فإن "يروي المناكير" يقال في الذي يروي ما سمعه مما فيه نكارة، ولا ذنب له في النكارة، بل الحمل على من فوقه، فالمعنى: أنه ليس من المبالغين في التنقي والتوقي، الذين لا يحدثون مما سمعوا، إلا بما لا نكارة فيه، ومعلوم أن هذا ليس بجرح، وقولهم: "في حديثه مناكير"، كثيراً ما تقال فيمن تكثر النكارة من جهته، جزماً أو احتمالاً، فلا يكون ثقة) (4) .
الفرق بين (منكر الحديث) و (روى أحاديث منكرة)
قال ابن دقيق العيد: (من يقال فيه "منكر الحديث" ليس كمن يقال فيه "روى أحاديث منكرة"؛ لأن منكر الحديث وصف في الرجل يستحق به الترك لحديثه، والعبارة الأخرى تقتضي أنه وقع له في حينٍ، لا دائماً، وقد قال أحمد بن حنبل في محمد بن إبراهيم التيمي: "يروي أحاديث منكرة"، وقد اتفق عليه البخاري ومسلم، وإليه المرجع في حديث "إنما الأعمال بالنيات..."، وكذلك قال في زيد بن أبي أُنيسة: "في بعض حديثه نكارة أو إنكار"، وهو ممن احتج به البخاري ومسلم، وهما العمدة في ذلك...) (5) .
__________
(1) العلل ومعرفة الرجال (2603) و(4342)، أفدته من: ملتقى أهل الحديث في منتدى الدراسات الحديثية (معنى قول الإمام أحمد: حديثه يهوي) لخليل بن محمد.
(2) انظر هذه المصطلحات مع أمثلتها في كتاب (الاتصال والانقطاع) ص435-447.
(3) تدريب الراوي 1/259.
(4) طليعة التنكيل 1/50.
(5) نصب الراية 1/179، وانظر الرفع والتكميل ص199، ميزان الاعتدال 1/56، (دفاع عن الحديث النبوي والسيرة للألباني ص74-75 والصحيحة 2/13)، أفاده أحمد أيوب في منتهى الأماني بفوائد مصطلح الحديث للمحدث الألباني ص303.(1/30)
وهناك فرق بين قولهم: (ليس بالقوي) و (ليس بقوي) (1) .
* فائدة:/
قال الإمام أحمد: "إذا سمعت أصحاب الحديث يقولون: (حديث غريب) أو (فائدة)، فاعلم أنه خطأ، أو دخل حديث في حديث، أو خطأ من المحدث، أو حديث ليس له إسناد؛ وإن كان قد رواه شعبة وسفيان.
فإذا سمعتهم يقولون: (هذا لا شيء)، فاعلم أنه حديث صحيح".
* قال المعلمي: إذا قيل في الرجل (يُغْرب) مع جهالته وإقلاله فهو تالف.
– فائدة:/ للأئمة كلام على الرواة، بالإشارة أو بالحركات، مثاله:
1) تحريك اليد، 2) تحريك الرأس، 3) يعوج فمه، 4) يصرف وجه،
5) يلتفت، 6) يقوم من المجلس ولا يجيب، 7) يشير إلى لسانه، 8) ينفض يده، 9) يتغير وجهه، 10) يكشر في عبوس، 11) يضحك، 12) يتضجر.
– ولهم أساليب بلاغية، واشتقاق العبارة من اسم الرجل المتكلم فيه جرحاً أو تعديلاً، مثاله:
1) ثابت: ثابت كاسمه، 2) مسدد: مسدد، 3) معافى بن عبد الرحمن: أنت معافى كاسمك، 4) السراج كالسراج، 5) الحديث عن حرام بن عثمان: حرام، 6) بركة بن محمد الأنصاري: ليس هذا بركة، هذا عقوبة، 7) رشدين بن سعد: ليس برشيد، 8) ثور بن يزيد: ثور كاسمه، إن شئت فاقلب.
* ... * ... *
الفصل الثاني:/
القرائن الموصلة إلى فهم مقاصد الأئمة في عبارات الجرح والتعديل.
من المعلوم أن عبارات الأئمة – رحمهم الله تعالى – تختلف اختلافاً كثيراً، من حيث التعديل المرتفع، والمتوسط، والأدنى، وكذا الجرح الشديد، والخفيف، وربما يطلق الإمام الناقد كلمةً في راوٍ، ويريد بها معنى، ويطلقها مرةً أخرى، ويريد بها معنى آخر، كما مَرَّ في مبحث مصطلحات الأئمة: إطلاقات المنكر، الحسن، الثقة.
__________
(1) انظره في الموقظة ص82-83، والتنكيل 1/232.(1/31)
فكيف إذن نحدد مراد الإمام، باللفظة التي نريد تنزيلها على الراوي؟ مع العلم أنه "لا يدرك مقصدهم في ألفاظهم، إلا من أدمن المطالعة، ووهب وقته للسُّنَّة، وخدمتها، مع الفحص والمقارنة، وتتبع أقوال كل محدث من المحدثين ومناسبتها، مع النظر بعين الإنصاف، والبعد عن الاعتساف" (1) .
قال أبو الوليد الباجي: (فعلى هذا يَحمِل ألفاظ الجرح والتعديل، مَن فهم أقوالهم وأغراضهم، ولا يكون ذلك؛ إلا لمن كان من أهل الصناعة والعلم بهذا الشأن، وأما مَن لم يعلم ذلك، وليس عنده من أحوال المحدثين إلا ما يأخذه من ألفاظ أهل الجرح والتعديل، فإنه لا يمكنه تنزيل الألفاظ هذا التنزيل، ولا اعتبارها بشيء مما ذكرنا، وإنما يتبع في ذلك ظاهر ألفاظهم فيما وقع الاتفاق عليه، ويقف عند اختلاف عباراتهم..) (2) .
فلابد من قرائن ترشد لمراد الإمام، "ولا يجوز الإخلال بها، مع كون الألفاظ تتغير بها أحكامها" (3) .
قال ابن كثير – رحمه الله – : "والواقف على عبارات القوم يفهم مقاصدهم بما عرف من عباراتهم في غالب الأحوال وبقرائن ترشد إلى ذلك" (4) .
هذا, ولم أقف على بسط للقرائن، في رسالة، أو مبحث مستقل، إلا ما كان مِن عرض موجز لأبي الحسن مصطفى السليماني، في كتابه شفاء العليل ص133 فقد ذكر:
1/ الاصطلاح, 2/ اللغة، 3/ العرف، 4/ الاستقراء، 5/ السياق، 6/ فهم الأئمة.
- وأقل منه اختصاراً اللحياني في (الخبر الثابت) ص97 فقد ذكر:
__________
(1) المنهج الإسلامي في الجرح والتعديل د. فاروق حمادة ص278 بتصرف.
(2) التعديل والتجريح 1/287
(3) الواضح لابن عقيل 3/320، أفاده د. أحمد معبد في كتابه ألفاظ وعبارات الجرح والتعديل... ص23.
(4) اختصار علوم الحديث 1/321، الباعث الحثيث ط. العاصمة، وقد نقل العبارة السخاوي في فتح المغيث 2/110 ولم يعزها لابن كثير – رحم الله الجميع –, وانظر في أهمية القرائن "ألفاظ وعبارات الجرح والتعديل..." لأحمد معبد ص22-26(1/32)
1/ تفسير الناقد، 2/ تفسير غيره من أهل الاستقراء، 3/ مقارنته بأقواله الأخرى، 4/ مقارنته بأقوال الأئمة، 5/ سبر أحاديث الراوي.
- ومثله الجديع في تحرير علوم الحديث 1/567-568 فقد ذكر:
1/ نص الإمام، 2/ دلالة قرينة في السياق، 3/ التتبع لاستعمالات الناقد لتلك الكلمة.
وقد اجتهدت في جمع القرائن على النحو الآتي ... ... والله الموفق.
القرينةالأولى:/ أن ينص الإمام الناقد على بيان مراده:
وهي من أقوى القرائن وأصرحها، ولا يجوز مجاوزتها إلى غيرها، فحقها التلقي التام، والقبول المطلق وترك كل فهم يخالفها (1) .
ومن أمثلة تفسير الأئمة لمرادهم:
1) البخاري: قال: كل من قلت فيه: منكر الحديث، فلا تحل الرواية عنه.
وقوله: إذا قلت: فلان في حديثه نظر، فهو متهم واهٍ.
وقوله: كل من لم أبين فيه جُرْحَةً، فهو على الاحتمال، وإذا قلت: فيه نظر: فلا يحتمل. قاله في التاريخ.
2) أبو حاتم: إذا قال: (صالح الحديث)، أي يكتب حديثه للاعتبار.
3) قال أبو زرعة الدمشقي: قلت لعبد الرحمن بن إبراهيم: ما تقول في علي بن حوشب؟ قال: لا بأس به، قلت: ولم لا تقول:ثقة، ولا نعلم إلا خيراً؟ قال: قد قلت لك: إنه ثقة. ا.هـ
4) قال حمزة بن يوسف السهمي تلميذ الدارقطني: سألت الدارقطني: إذا قلتَ: فلان ليِّن، إيش تريد به؟ قال: لا يكون ساقطاً متروك الحديث، ولكن يكون مجروحاً بشيء، لا يسقطه عن العدالة. ا.هـ
5) كذلك الإمام الترمذي بين مراده بإطلاق الحسن، كما في كتاب العلل من آخر الجامع 5/758.
6) ابن الملقن في خلاصة البدر المنير، ذكر في مقدمته بأن قوله: (غريب) أي لا أعلم مَن رواه.
7) الذهبي في الميزان فقط: ذكر أنه إذا قال: مجهول، ولم يسنده إلى قائله، فإن ذلك هو قول أبي حاتم.
8) ابن حجر: ذكر في مقدمة تقريب التهذيب بأن قوله: (مقبول) أي حيث يتابع، وإلا فلين الحديث.
__________
(1) انظر: المنهج المقترح للشريف ص256، شرح لغة المحدث ص43.(1/33)
القرينة الثانية:/ أن ينص تلاميذه أو مَنْ بعده مِنْ الأئمة على بيان المراد
من أمثلة ذلك:
1) قال قرة بن خالد السدوسي في ابن السائب الكلبي: كان يَزْرِف، قال ابن أبي حاتم: يعني يكذب.
2) قال أبو حاتم (1) : سألت ابن معين عن سعيد بن سلمة بن أبي الحسام، فلم يعرفه.
قال ابن أبي حاتم: يعني لم يعرفه حق المعرفة.
3) قال ابن عدي(1) في الكامل 2/584: وكان ابن معين إذا لم يكن له علم ومعرفة بأخباره ورواياته، يقول: لا أعرفه.
4) قال الإمام أحمد عن حديث (خذوا عني، خذوا عني، قد جعل الله لهن سبيلاً) بأنه: منكر.
قال الأثرم: يعني خطأ.
5) قال الذهلي عن حجاج الصواف: (متين)، قال ابن خزيمة: يريد أنه ثقة حافظ.
6) قال البخاري: (مقارب الحديث)، قال عبد الحق الأشبيلي في كتاب التهجد: يريد أن حديثه يقرب من حديث الثقات، أي لا بأس به. ا.هـ
7) ذكر ابن القطان الفاسي أن مراد ابن معين بقوله في بعض الرواة: ليس بشيء، يعني: أن أحاديثه قليلة جداً.
8) تفسير ابن القطان الفاسي كلمة (شيخ) في إطلاقات الأئمة، قال: "هذه اللفظة يطلقونها على الرجل إذا لم يكن معروفاً بالرواية ممن أخذ عنه، وإنما وقعت له رواية الحديث أو أحاديث، فهو يرويها.
هذا الذي يقولون فيه (شيخ)، وقد لا يكون مَن هذه صفته من أهل العلم، وقد يقولونها للرجل باعتبار قلة ما يرويه عن شخص مخصوص، وإن كان مكثراً عن غيره. ا.هـ باختصار من كتاب بيان الوهم والإيهام 3/539 أفاده اللحياني في الخبر الثابت ص98.
9) قال الإمام أحمد: ابن أبي الزناد كذا وكذا.
قال الذهبي: يعني يلينه.
وفسرها العقيلي: يعني ضعيف.
10) قال البخاري: سكتوا عنه.
قال الذهبي: بمعنى تركوه.
11) تفسير ابن حجر المنكر عند الإمام أحمد.
12) قال ابن عدي: أرجو أن لا بأس به.
قال المعلمي: هذه الكلمة رأيت ابن عدي يطلقها في مواضع تقتضي أن يكون مقصودة:أرجو أنه لا يتعمد الكذب. ا.هـ
__________
(1) أفاده في شفاء العليل ص518.(1/34)
13) قال الخليلي في عباس بن محمد بن حاتم: متفق عليه.
قال ابن حجر: يعني على عدالته، وإلا فالشيخان لم يخرجا له.
14) قال البخاري: مشهور الحديث.
قال المعلمي: يريد – والله أعلم – مشهور عمن روى عنهم، فما كان فيه من إنكار فمن قِبَلِه. ا.هـ
القرينةالثالثة:/ أن يُعلم بالتتبع والاستقراء لعبارة الإمام.
يصل الباحث إلى درجةٍ يطمئن إليها، في فهمه لعبارة الناقد، بعد أن يتتبعها في سائر كتبه، وكتب الرجال.
لذلك برزت دقة أحكام الحافظ الذهبي في الرجال، نتيجة لمنهجه الاستقرائي. وقد وصفه بهذا الحافظ ابن حجر (1) قال عنه: "وهو من أهل الاستقراء التام في نقد الرجال"، وهذا المنهج لا يقوم به إلا من كان من أهل الاختصاص، والعلم بهذا الفن (2) .
ولما ذكر الذهبي الحاجة إلى تحرير عبارات الجرح والتعديل قال: "..... ثم أهم من ذلك أن نعلم بالاستقراء التام، عُرف ذلك الإمام الجهبذ، واصطلاحه، ومقاصده بعباراته الكثيرة" (3) .
وانظر أمثلة لنتيجة استقرائية في:
سير أعلام النبلاء 6/360، الموقظة ص83 ط. أبي غدة ميزان الاعتدال 4/483، هدي الساري ص453.
ولذهبي العصر عبد الرحمن المعلمي ت 1386هـ – رحمه الله – أقوال محررة، وأحكام دقيقة، بعد تتبعه في كتب الرجال، وطول ممارسته لهذا العلم، فانظر مثلاً: التنكيل، ورسالة منصور السماري عن المعلمي وجهوده في السنة ورجالها ص232-249، وكتاب بلوغ الأماني من كلام المعلمي اليماني للنجار ص123.
وكذا الإمام الألباني – رحمه الله – في سائر كتبه. وانظر مثلاً: تمام المنة ص203.
وللمعاصرين عدة أبحاث، حصل فيها التتبع والاستقراء من أمثلة ذلك:
1) مصطلحات الجرح والتعديل المتعارضة د. جمال أسطيري 1/466، 1/429-430.
__________
(1) نزهة النظر ص73.
(2) انظر: المنهج المقترح للشريف ص245، شرح لغة المحدث لطارق عوض الله ص44.
(3) الموقظة ص82 ط. أبي غدة، ص62 ط. عمرو عبد المنعم، ص320 كفاية الحفظة شرح الموقظة للهلالي.(1/35)
2) الحديث الحسن لذاته ولغيره دراسة استقرائية نقدية.
د. خالد الدريس ط. في 5 مجلدات.
انظر خلاصة إطلاقات الحسن 2/979-1002.
3) ضوابط الجرح والتعديل عند الذهبي لمحمد الثاني، انظر مثلاً 2/858 ط. مجلدان.
4) قول البخاري (سكتوا عنه) د. مسفر الدميني ط. الأولى 1412هـ.
5) إطلاقات المنكر عند الإمام أحمد، انظر: منهج الإمام أحمد في إعلال الأحاديث د. بشير علي عمر 2/782.
6) ابن عدي ومنهجه في الكامل د. زهير عثمان ط. في مجلدين.
7) آراء ابن القطان في مصطلح الحديث من خلال كتابه بيان الوهم الإيهام لأبي سفيان مصطفى باحو.
8) الإمام ابن خزيمة ومنهجه في كتابه الصحيح،د. الكبيسي ط. مجلدان.
9) الإمام علي بن المديني ومنهجه في نقد الرجال، لإكرام الله إمداد الحق. مجلد.
10) الحافظ السخاوي وجهوده في الحديث وعلومه، د. العماش ط. مجلدان.
11) يحيى بن معين وكتابه التاريخ، د. أحمد محمد نور سيف، انظر 1/204.
12) الإمام الترمذي ومنهجه في الجامع د. عداب الحمش ط. 3 مجلدات.
13) الموسوعة العلمية الشاملة عن الإمام الحافظ يعقوب بن شيبة السدوسي. د. علي الصياح. ط. 4 مجلدات.
14) الإمام البوصيري ومنهجه في الدراسات الحديثية د. مشعل الحدادي ط. مجلد.
15) الصناعة الحديثية في كتاب شرح الآثار للطحاوي للشرمان ط. مجلد.
القرينة الرابعة:/ أن يعلم مراد الإمام، بمعرفة حاله وحال الراوي مع النظر في سياقه لعبارته.(1/36)
قد يخرج الحكم من الإمام مخرج جرح الأقران، والمعروف أن يُطوى ولا يُروى (1) .
وقد يكون سببه التحامل المذهبي، والخلاف في المعتقد، مثل جرح الجوزجاني لمتشيعه الكوفة، وابن خراش لأهل الشام (2) .
ومثل ما حكاه ابن أبي حاتم في الجرح 7/191 من ترك أبي حاتم وأبي زرعة حديث البخاري من أجل مسألة اللفظ (لفظي بالقرآن مخلوق) ولا تصح عنه – رحمه الله – كما نفاها عن نفسه (3) .
قال ابن حجر: ابن سعد يقلد الواقدي، والواقدي على طريقة أهل المدينة، في الانحراف على أهل العراق، فاعلم ذلك ترشد (4) .
? وقد يقول أحدهم: فلان الصدوق في سبيل التهكم (5) .
? وقد يكون له لقب يوهم في الحكم عليه، مثل:
- عبد الكريم الضال، وهو رجل فاضل، لكنه لقب، لأنه ضل في طريق مكة.
- عبد الله بن محمد الضعيف: كان ضعيفاً في جسمه لا في حديثه، وقيل لقب من باب الأضداد؛ لشدة إتقانه وضبطه، قاله ابن حبان.
__________
(1) انظر: لسان الميزان 1/16، وتعليق المعلمي في التنكيل 1/57-58، الموقظة ص63، جامع ابن عبد البر، اليواقيت والدرر للمناوي 2/368، الرفع والتكميل ص410، توضيح الأفكار2/277، نظرية نقد الرجال د. الرشيد ص226-239، دراسات في الجرح والتعديل د. الأعظمي ص105-106، ميزان الاعتدال 3/607، مصطلحات الجرح والتعديل المتعارضة د. أسطيري 1/123-128، ص166، كلام الأقران بعضهم في بعض لأبي سفيان مصطفى باحو ط. دار الضياء، الكفاية للخطيب ص136.
(2) انظر: مصطلحات الجرح والتعديل المتعارضة د. أسطيري 1/168-205، لسان الميزان 1/16، الرفع والتكميل ص308، قواعد في الجرح والتعديل للسعد (أشرطة مفرغة) القاعدة السادسة، علم أصول الجرح والتعديل د. أبو لاوي ص284.
(3) انظر: سير أعلام النبلاء 12/457، اليواقيت والدرر للمناوي 2/375-376.
(4) هدي الساري ص443.
(5) ميزان الاعتدال 4/485.(1/37)
- أبو الحسن يونس بن يزيد القوي: وهو ضعيف، وقيل له: القوي، لعبادته (1) .
? وقد يخرج الحكم من الإمام مخرج المزاح والدعابة (2) .
? وقد يُسأل الإمام عن رجل فيحيد عن الجواب لسبب من الأسباب (3) ، مثاله:
سئل شعبة عن مجاعة بن الزبير، وكان جاره، وكان من العرب، فكان شعبة لا يعتمد عليه، وإذا سئل قال: كثير الصوم والصلاة.
قال ابن أبي حاتم: كان يحيد عن الجواب فيه، ودل حيدانه عن الجواب على توهينه.
مقدمة الجرح 1/154.
وانظر مثالاً آخر في ميزان الاعتدال 2/620، وتعقُّب الحافظ في اللسان.
ويقولون في الحيدة عن الجواب : فلان رجل، من الناس، فلان هو كما شاء الله، كان رجلاً من العرب (4) .
عُلِمَ من هذا أن معرفة حال الراوي، معين على فهم مراد الأئمة بعباراتهم،
قال شعبة: كان يزيد بن أبي زياد رفاعاً. ... الجرح 9/265.
قال الذهبي: يعني الآثار التي هي من أقوال الصحابة، يرفعها.
سير أعلام النبلاء 6/ 130.
فقد صدر هذا التفسير من الذهبي؛ بناءً على معرفته بحال يزيد، ووقوفه على كلام الأئمة النقاد (5) .
وقول يحيى بن سعيد لعبيد الله: (تكتب كذباً كثيراً) لما قال له: أذهب إلى وهب بن جرير أكتب السيرة.
الضعفاء للعقيلي 4/25.
انظر تفسيره من الحافظ الذهبي في السير 7/52 (6) .
قال ابن معين: سويد بن سعيد مات منذ حين.
قال الذهبي: عنى أنه مات ذكره لِلِينه، وإلا فقد بقي سويد بعد يحيى سبع سنين.
السير 11/412 (7) .
__________
(1) تدريب الراوي ص290 أفاده في شفاء العليل ص541.
(2) انظر: تاريخ بغداد 2/212، تذكرة الحفاظ 1/380، سير أعلام النبلاء 10/246، أفاده في ضوابط الجرح والتعديل عند الذهبي 2/780، وانظر علم أصول الجرح والتعديل د. أبو لاوي ص284.
(3) شفاء العليل ص542.
(4) شفاء العليل ص543.
(5) ضوابط الجرح والتعديل عند الذهبي للثاني 2/866.
(6) المرجع السابق 2/867.
(7) المرجع السابق 2/868 وما بعدها فقد ذكر أمثلة أخرى.(1/38)
سئل الإمام أحمد عن الإمام الأوزاعي، فقال: (حديث ضعيف ورأي ضعيف).
علق الذهبي على هذا بقوله: يريد أن الأوزاعي حديثه ضعيف، من كونه يحتج بالمقاطيع وبمراسيل أهل الشام، وفي ذلك ضعف، لا أن الإمام في نفسه ضعيف.
السير 7/114 (1).
? ومن معرفة حال الراوي، أن الإمام الناقد قد يريد بعبارته حالاً دون حال، إما بعد اختلاط الراوي، أو ما حدث به في بلد دون بلد، أو رواية أهل بلد خاصة، أو شيوخ معينين.
قال الجرجاني: قد يخطر على قلب المسئول عن الرجل، من حاله في الحديث وقتاً، ما ينكره قلبه، فيخرج الجواب على حسب النكرة التي في قلبه، ويخطر له ما يخالفه في وقت آخر، فيجيب على ما يعرفه في الوقت منه، ويذكره، وليس ذلك تناقضاً، ولا إحالة، ولكنه قول صدر عن حالين مختلفين، يعرض أحدهما في وقت، والآخر في غيره (1) .
وقد يحكم على سماع أحاديث قليلة للراوي، فيحكم عليه بالتوثيق، ثم ترد عليه من أحاديثه؛ ما يغير حكمه إلى الجرح (2) .
مثال اختلاف أحوال الراوي:
- حديث معمر في البصرة، فيه اضطراب. ... السير 7/12
- حديث العراقيين عن هشام، أوهام تحتمل. ... السير 6/46.
- إسماعيل بن عياش حديثه عن الحجازيين والعراقيين لا يحتج به، وحديثه عن الشاميين صالح من قبيل الحسن (3) . ... السير 8/321.
__________
(1) جواب المنذري على أسئلة الجرح والتعديل ص89 وانظر التنكيل 1/57.
(2) سؤالات ابن الجنيد لابن معين رقم (887)، تهذيب التهذيب 9/418.
(3) وانظر: شرح العلل لابن رجب 2/552، ضوابط الجرح والتعديل للعبد اللطيف ص84-89 وص67-68، الجرح والتعديل للاحم ص438، مصطلحات الجرح والتعديل المتعارضة 1/469-521 و2/633، 691-722، قواعد الجرح والتعديل للسعد (أشرطة مفرغة) القاعدة الحادية عشر.(1/39)
قال ابن القيم: " طريقة أئمة الحديث العالمين بعلله، يصححون حديث الرجل، ثم يضعفونه بعينه في حديث آخر، إذا انفرد أو خالف الثقات؛ ومن تأمل هذا وتتبعه رأى منه الكثير، فإنه يصححون حديثه لمتابعة غيره له، أو لأنه معروف الرواية صحيح الحديث عن شيخ بعينه، ضعيفها في غيره.
وفي مثل هذا يعرض الغلط لطائفتين من الناس:
1) طائفة تجد الرجل قد خرج حديثه في الصحيح وقد احتج به فيه، فحيث وجدوه في حديث قالوا: هذا على شرط الصحيح، وأصحاب الصحيح يكونون قد انتقوا حديثه، ورووا له ما تابعه فيه الثقات، ولم يكن معلولاً، ويتركون من حديثه المعلول، وما شذ فيه، وانفرد به عن الناس, وخالف فيه الثقات، أو رواه عن غير معروف بالرواية عنه، ولاسيما إذا لم يجدوا حديثه عند أصحابه المختصين به، فإن لهم في هذا نظراً واعتباراً، اختصوا به عمن لم يشاركهم فيه؛ فلا يلزم حيث وجد حديث مثل هذا، أن يكون صحيحاً، ولهذا كثيراً ما يعلل البخاري ونظراؤه حديث الثقة؛ بأنه لا يتابع عليه.
2) والطائفة الثانية، يرون الرجل قد تكلم فيه؛ بسبب حديث رواه، وضعف من أجله، فيجعلون هذا سبباً لتضعيف حديثه أين وجدوه، فيضعفون من حديثه، ما يجزم أهل المعرفة بالحديث بصحته، وهذا باب قد اشتبه كثيراً على غير النقاد.
والصواب: ما اعتمده أئمة الحديث ونقاده، من تنقية حديث الرجل، وتصحيحه، والاحتجاج به في موضع، وتضعيفه وترك حديثه في موضع آخر، وهذا فيما إذا تعددت شيوخ الرجل ظاهر، كإسماعيل بن عياش في غير الشاميين؛ وسفيان بن حسين في غير الزهري، ونظائرهما متعددة، وإنما النقد الخفي إذا كان شيخه واحداً، كحديث العلاء بن عبد الرحمن مثلاً عن أبيه عن أبي هريرة – رضي الله عنه – فإن مسلماً يصحح هذا الإسناد، ويحتج بالعلاء، وأعرض عن حديثه في الصيام بعد انتصاف شعبان، وهو من روايته، وعلى شرطه في الظاهر، ولم ير إخراجه لكلام الناس في هذا الحديث، وتفرد وحده به، ... =(1/40)
= وهذا أيضاً كثير، يعرفه من له عناية بعلم النقد، ومعرفة العلل، وهذا إمام الحديث البخاري، يعلل حديث الرجل؛ بأنه لا يتابع عليه، ويحتج به في صحيحه، ولا تناقض منه في ذلك .ا.هـ (1) .
ومن التضعيف النسبي ما قال ابن حجر في هدي الساري ص39-40 في ترجمة (عبد ربه بن نافع الكناني): " احتج الجماعة به سوى الترمذي والظاهر أن تضعيف من ضعفه إنما هو بالنسبة إلى غيره من أقرانه كأبي عوانة وأنظاره".
وقد يقول الناقد في راوٍ: له غلط كثير. ولا يريد به الكثرة المعروفة، وإنما يقصد كثرة بالنسبة لراوٍ آخر (2) .
وأما أهمية معرفة السياق الذي ورد فيه كلام الإمام الناقد (3) ؛ لتحديد مراده:
" فينبغي أن تعلم أن كلام المحدث في الراوي يكون على وجهين:
1) أن يُسأل عنه، فيجيل فكره في حاله، في نفسه وروايته، ثم يستخلص من مجموع ذلك معنى يحكم به.
2) أن يستقر في نفسه هذا المعنى، ثم يتكلم في ذاك الراوي، في صدد النظر في حديث خاص من روايته.
فالأول: هو الحكم المطلق، الذي لا يخالفه حكم آخر مثله، إلا لتغير الاجتهاد.
__________
(1) تهذيب السنن 5/326، وانظر الفروسية ص238-242 ط. مشهور، وفي هذا الموضوع رسالة د. صالح الرفاعي (الثقات الذين ضعفوا في بعض شيوخهم) في مجلد، رسالة ماجستير 1407هـ، وانظرشرح العلل لابن رجب 2/552.
(2) انظر مثالاً في المعرفة والتاريخ للبسوي 2/163، وعنه الثقات الذين ضعفوا في بعض شيوخهم للرفاعي ص29، وانظر شفاء العليل ص533، تحرير علوم الحديث 1/465-469.
(3) انظر: ضوابط الجرح والتعديل للعبد اللطيف ص89-90، الإمام ابن المديني ومنهجه في الرجال ص531، الجرح والتعديل لللاحم ص436-438، ظفر الأماني للكنوي ص84-85.
فائدة:/ ذكر الماوردي في (أدب الدنيا والدين) ص84 أسباب خفاء المعاني، وذكر أن الكلام إما أن يكون مستقلاً بنفسه أو مقدمة لغيره أو نتيجة لغيره... الخ. وهذا يدل على أهمية معرفة السياق لبيان خفاء المعنى أو تحديد المراد.(1/41)
وأما الثاني: فإن كثيراً ما ينحى به، نحو حال الراوي في ذاك الحديث.... ثم ذكر أمثلة" (1) .
"وقد يذكر لأحد الأئمة، قول إمام آخر في أحد الرواة، فيجيب بما ظاهره تضعيف الراوي، وفي الحقيقة، إنما يقصد تضعيف قول ذاك الإمام، انظر مثالاً على ذلك في الجرح والتعديل لابن أبي حاتم 4/40 (2) .
قال ابن الوزير اليماني – رحمه الله – : " أهل مراتب الاستشهاد في مراتب التعديل ومراتب التجريح، هُم هم، ولكن إذا سئل أحد الأئمة عن أحد هؤلاء مقروناً بغيره من الضعفاء، رفعه عن الضعيف بعبارة تعديل، وإن لم يكن قد ثبته، فهؤلاء أهل مراتب التعديل.
وإذا سئل عن أحد هؤلاء، مقروناً بأحد الثقات، ضعف هذا الراوي، وإن لم يكن قد أسقطه، فهؤلاء أهل مراتب التجريح... " (3) ا.هـ بمعناه.
قال أبو الوليد الباجي – رحمه الله – : " واعلم أنه قد يقول المعدِّل: فلان ثقة، ولا يريد به أنه ممن يحتج بحديثه، ويقول: فلان لا بأس به، ويريد أنه يحتج بحديثه؛ وإنما ذلك على حسب ما هو فيه، ووجه السؤال له، فقد يُسأل عن الرجل الفاضل في دينه، المتوسط في حديثه، فيقرن بالضعفاء، فيقال: ما تقول في فلان وفلان؟ فيقول: فلان ثقة، يريد أنه ليس من نمط من قرن به، وأنه ثقة بالإضافة إلى غيره.." (4) .
نقل هذا الكلام ابن حجر في اللسان 1/17 ثم السخاوي في فتح المغيث 2/127، ثم المعلمي في التنكيل 1/65 مع إضافات عليه (5) .
__________
(1) التنكيل للمعلمي 1/363.
(2) أفاده في شفاء العليل ص522.
(3) توضيح الأفكار للصنعاني، أفاده في شفاء العليل ص282.
(4) التعديل والتجريح 1/283، وانظر المثال على ذلك تاريخ الدارمي عن ابن معين ص623، وتهذيب التهذيب 8/161.
(5) وانظر: التسهيل في علم الجرح والتعديل لإبراهيم السعيد خليل ص217، شفاء العليل ص133، الرفع والتكميل ص263، الجرح والتعديل لللاحم ص443-444.(1/42)
قال المعلمي – رحمه الله – : " قول المحدث: رواه جماعة ثقات حفاظ، ثم يعدهم لا يقتضي أن يكون كل من ذكره، بحيث لو سئل عنه ذاك المحدث وحده، لقال: ثقة حافظ.
هذا ابن حبان قصد أن يجمع الثقات في كتابه، ثم قد يذكر فيهم من يلينه، هو نفسه في الكتاب نفسه (1) .
وهذا الدارقطني نفسه ذكر في السنن ص35، حديثاً فيه "مسح الرأس ثلاثاً" وهو موافق لقول أصحابه الشافعية، ثم قال: خالفه جماعة من الحفاظ الأثبات..... فعدهم، وذكر فيهم: شريكاً القاضي، وأبا الأشهب جعفر بن الحارث، والحجاج بن أرطاة، وجعفراً الأحمر، مع أنه قال ص132: (شريك ليس بالقوي فيما يتفرد به)، وجعفر بن الحارث لم أر له كلاماً فيه، ولكن تكلم فيه غيره من الأئمة، كابن معين والنسائي.
وحجاج بن أرطاة قال الدارقطني نفسه، في مواضع من السنن: لا يحتج به, وفي بعض المواضع: ضعيف.
وجعفر الأحمر: اختلفوا فيه، وقال الدارقطني كما في التهذيب: يعتبر به، وهذا تليين كما لا يخفى.
ونحو هذا قول المحدث: شيوخي كلهم ثقات، أو شيوخ فلان كلهم ثقات، فلا يلزم من هذا، أن كل واحد منهم بحيث يستحق أن يقال له بمفرده، على الإطلاق: هو ثقة, وإنما ذكروا الرجل في جملة مَن أطلقوا عليهم ثقات، فاللازم أنه ثقة في الجملة، أي له حظ من الثقة، وقد تقدم في القواعد، أنهم ربما يتجوزون في كلمة ثقة، فيطلقونها على من هو صالح في دينه، وإن كان ضعيف الحديث، أو نحو ذلك (2) ، وهكذا قد يذكرون الرجل في جملة من أطلقوا أنهم ضعفاء، وإنما اللازم أن له حظاً ما، من الضعف، كما تجدهم يذكرون في كتب الضعفاء، كثيراً من الثقات الذين تُكُلِّم فيهم أيسر كلام (3) . ا.هـ
وقد يُسأل الإمام عن الراوي، فيوثق غيره، فهذا تضعيف للمسئول (4) .
__________
(1) علق الألباني – رحمه الله – بذكر أمثلة مثل: عبيد الله بن الأخنس غيره.
(2) انظر فيما سبق ص(27).
(3) التنكيل 1/362-363.
(4) المعلمي في تعليقه على الجرح والتعديل لابن أبي حاتم 3/555.(1/43)
القرينة الخامسة:/ أن يعلم مراد الإمام الناقد بطريق الرجوع إلى كتب اللغة والأمثال
إن أئمة الجرح والتعديل – رحمهم الله – عرب أقحاح، يسيرون في ألفاظهم ومخاطباتهم على سَنَنِ العَربِ، ولهجاتهم، خاصةً فيما يكون له مساس بالعلم والمدارسة.
ففي ألفاظهم مراعاة اللغة من جانب (1) ، والمواضعة والاصطلاح المعروف في زمانهم، من جانب آخر، مع إدراكهم فهم المخاطب (2) ، واستيعابه موجز الخطاب، ولطيف الإشارة.
ومن فصاحة ألفاظهم " أن يكون بينها وبين معانيها مناسبة ومطابقة.
والمطابقة: أن تكون الألفاظ كالقوالب لمعانيها.
والمناسبة: أن يكون المعنى يليق ببعض الألفاظ، إما لعرف مستعمل، أو لاتفاق مستحسن.
قال بعض البلغاء: لا يكون البليغ بليغاً، حتى يكون معنى كلامه، أسبق إلى فهمك، من لفظه إلى سمعك" (3) .
وإن وجد في بعض عباراتهم خفاء، فذلك لأسباب ثلاثة:
1) أن يكون سببه، تقصير اللفظ عن المعنى، فيذكر اختصاراً، معتمداً على فهم المخاطب.
2) أو زيادته على المعنى، معتمداً على فهم المخاطب أيضاً.
3) أو لمواضعه يقصدها المتكلم بكلامه.
والمواضعة إما أن تكون:
1) عامة: كمواضعة العلماء فيما جعلوه ألقاباً لمعانٍ.
2) أو خاصة: كمواضعة واحدٍ من العلماء" (4) ا.هـ بمعناه.
فمن مجاري كلام العرب وسَنَنِها في التخاطب:
- نفي الشيء جملة من أجل عدم كمال صفته (5) .
- الإضمار، إيثاراً وثقة بفهم المخاطب (6) .
- التكرير والإعادة لإظهار العناية بالأمر (7) .
__________
(1) يُنظر:تاريخ آداب العرب للرافعي 1/229
(2) قال الجاحظ: للعرب إقدام على الكلام ثقة بفهم المخاطب من أصحابهم. (الحيوان 5/32)
(3) أدب الدنيا والدين للماوردي ت 450هـ ص444 بتصرف يسير.
(4) أدب الدنيا والدين للماوردي ص78 وما بعدها بتصرف واختصار.
(5) فقه اللغة للثعالبي 2/585، الصاحبي لابن فارس ص435.
(6) فقه اللغة 2/590، الصاحبي ص388.
(7) فقه اللغة 2/649، الصاحبي ص341، المزهر للسيوطي 1/332(1/44)
* ومن أمثلة الإفادة من اللغة والأمثال ما يلي:
- وصف بعض الرواة بأنه( كنز) كما في تذكرة الحفاظ 2/422، 2/493، 4/1335 (1) .
ثم تجد المعنى عند العرب ما ذكره ابن منظور: نقلاً عن العلاء بن عمرو الباهلي: وتسمي العرب كل كثير مجموع يتنافس فيه، كنزاً (2) .
- وقول الأئمة: فلان ثقة بخ بخ ...(3).
قال ابن منظور: ... كلمة تقال عند تعظيم الإنسان، وعند التعجب من الشيء، وعند المدح والرضا بالشيء، وتكرر للمبالغة.
- قال ابن إدريس في شعبة: "قبان الحديث"
القبان: أي القسطاس والأمين كما في القاموس وفي اللسان 3/329 الذي يوزن به (3) .
- الفرق بين "ليس به بأس" و"لا بأس به"
قال الصنعاني:فإنه قيل:إنه ينبغي أن يكون"لا بأس به"أبلغ من ليس به بأس؛لعراقة(لا)في النفي.
أجيب: بأن في العبارة الأخرى قوة، من حيث وقوع النكرة في سياق النفي، فساوت الأولى في الجملة. (4) ا.هـ
* وفي باب التشبيه:
قال مكي بن إبراهيم: سئل شعبة عن ابن عون فقال: سمن وعسل. قيل: فما تقول في هشام بن حسان؟ فقال: خَلّ وزيت. قيل: فما تقول في أبي بكر الهذلي؟ قال: دعني لا أقيء به (5) .
- ومنه قولهم: فلان مُوْدٍ: أي هالك، وتأتي مشددة مهموزة، مُؤدٍّ: فتعني أنه يؤدي ما سمع (6) .
- ومنه قول يحيى بن سعيد القطان: (ما رأيت الصالحين في شيء، أكذب منهم في الحديث) أي: لكثرة وهمهم، وفحش أخطائهم، وذلك لاشتغالهم بالعبادة، وعدم تعاهدهم للحديث، مما يؤدي إلى كثرة اضطرابهم (7) .
__________
(1) أفاده في شفاء العليل ص51، ص58.
(2) لسان العرب 5/401.
(3) شفاء العليل ص34و ص134، شرح ألفاظ التوثيق النادرة ... ص81.
(4) توضيح الأفكار 2/265.
(5) سير أعلام النبلاء 7/220 أفاده في شفاء العليل ص235.
(6) فتح المغيث للسخاوي 2/128 وتعليق المحقق عليه. ط. علي حسن علي.
(7) شفاء العليل ص119، شرح العلل لابن رجب / ... .(1/45)
قال ابن حبان: وأهل الحجاز يسمون الخطأ كذباً (1) .
وقد استخدم المحدثون في النقد، عدة أمثالٍ مشهورةٍ في لغة العرب، من ذلك:
1) أحد الأحدين.
مجمع الأمثال للميداني 1/282، الجرح لابن أبي حاتم 1/23.
2) أجرأ من خاصي الأسد.
الميداني 1/182، تذكرة الحفاظ 3/994، السير 16/453.
3) أخسر من حمالة الحطب.
الميداني 1/256، تهذيب التهذيب 10/ 445، الجرح 8/479.
4) حاطب ليل.
الميداني 2/261، لسان الميزان 5/376.
5) حديث خرافة.
الميداني 1/195، ميزان الاعتدال 1/60، 332.
6) حية الوادي
ثمار القلوب للثعالبي ص422، تاريخ بغداد 11/463.
7) عصا موسى تلقف ما يأفكون.
ثمار القلوب، سير أعلام النبلاء 14/22" (2) .
8) قولهم: (على يدي عدل) ظاهرها التعديل، لكن بالرجوع إلى المثل المعروف عندهم، يُعلم أنها من عبارات التجريح.
قال أبو بكر الأنباري: قال هشام بن محمد بن السائب الكلبي: العدْل هو: العدْل بن سعد العشيرة، وكان على شُرَط تُبَّع، وكان تُبَّع إذا أراد قتل رجل، دفعه إليه، فجرى المثل به في ذلك الدهر، فصار الناس يقولون لكل شيء ييأسون منه: هو على يَدَي عدل ا.هـ (3)
__________
(1) الثقات 6/ 114، وانظر: الروض الباسم لابن الوزير ص82، وعنه حاشية الرفع والتكميل ص168، ضوابط الجرح والتعديل للعبد اللطيف ص192، وانظر ما سبق ص(12).
(2) أفدته من كتاب (دراسات في منهج النقد عند المحدثين) د. محمد العمري، انظر: ص293 إلى ص304، وانظر: شرح ألفاظ التعديل النادرة ... وشرح ألفاظ التجريح النادرة ... كلاهما للدكتور: سعدي الهاشمي.
(3) الزاهر في معاني كلمات الناس للأنباري ت328هـ 2/47، وأحال محققه د. حاتم الضامن إلى: إصلاح المنطق ص315، وشرح أدب الكاتب ص159، الفاخر ص105، وانظر: فتح المغيث 2/129، ضوابط الجرح والتعديل
للعبد اللطيف ص201، دراسات في منهج النقد د. العمري ص264 وص302، نظرية نقد الرجال د. الرشيد ص315، ومجمع الأمثال للميداني 2/8, لسان العرب 11/436(1/46)
9) (فلان باقعة) أي حذر محتال حاذق.
الزاهر للأنباري 2/94.
القرينة السادسة:/ أن يعلم مراد الإمام الناقد بطريق معرفة عادة الأئمة وعرفهم.
- قال ابن حجر: "من عادته – أي ابن عدي – أنه يخرج الأحاديث التي أنكرت على الثقة أو على غير الثقة" (1) .
قال التهانوي: فلا يُغتر بقول ابن عدي عن الحديث: إنه من مناكير فلان، فيُضعف هذا الرجل، بمجرد هذا القول، لأن القصد كون الرجل قد تفرد بهذا الحديث فحسب ا.هـ (2) بمعناه.
- قال يحيى بن معين: "إذا حدثت في بلد فيها أبو مسهر عبد الأعلى بن مسهر الغساني، فحق لحيتي أن تحلق" (3) .
فهذا يدل على علو شأن أبي مسهر، لأن عادة الأئمة، أن أحدهم لا يحدث في مجلس مَن هو أعلى منه قدراً، وأجل شأناً، وهذا من تكريم العلم والعلماء (4) .
* ومن الألفاظ ما يفهم دلالتها من عرفهم:
قولهم: (فلان كخبز الشعير) تهذيب التهذيب9/443.
فهذا يدل على أن الراوي ليس من الدرجة العالية، وليس بالمتروك (5) .
ومن ذلك قولهم: (هو الديباج الخسرواني) تاريخ بغداد 9/10، 6/342.
فهذا مدح رفيع (6) .
" ومن عادة المحدثين، أنهم يذكرون في أوائل كل جزء، اسم الشيخ الذي سمع هذا الجزء، أو عرض عليه، ويذكر النسب والكنية...
ثم يذكر السند إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو لكتاب مؤلف...
فكان الإمام أحمد – رحمه الله – لا يكتب شيئاً من هذا؛ لأنه كان يحفظ هذه المعلومات، كما قاله أبو زرعة، وقال: أنا لا أقدر على هذا.
__________
(1) هدي الساري ص429.
(2) قواعد في علوم الحديث ص274، وانظر: الرفع والتكميل ص211، فتح المغيث 1/347.
(3) الثقات لابن حبان 8/408، شفاء العليل ص67.
(4) شفاء العليل ص67، وانظر: كفاية الحفظة شرح الموقظة للهلالي ص286، الجامع للخطيب / ... .
(5) المصدر السابق ص543-544.
(6) انظر: شرح ألفاظ التوثيق النادرة ص44، وشفاء العليل ص345.(1/47)
فهذه عادة المؤلفين، فلا يمكن أن نفهم مراد أبي زرعة على الوجه الذي أراد، إلا بمعرفة هذه الطريقة التي سلكوها.
انظر سير أعلام النبلاء 11/118 (1) .
القرينة السابعة:/ أن يعلم مراد الإمام بجمع كلام الأئمة في الراوي
ذكر المعلمي – رحمه الله – من الأمور التي ينبغي مراعاتها عند البحث عن أحوال الرواة:
البحث عن رأي كل إمام من أئمة الجرح والتعديل، واصطلاحه، مستعيناً على ذلك بتتبع كلامه في الرواة، واختلاف الرواية عنه في بعضهم، مع مقارنة كلامه بكلام غيره (2) .
"لأن هناك ألفاظاً تحتمل الحديث والفقه والعبادة وغير ذلك، فجمع كلام الأئمة في ترجمة الراوي؛ يظهر غالباً مراد المتكلم بتلك اللفظة، المحتملة تزكية الراوي في دينه فقط، أو في زهده، أو فقهه، أو في أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر، ومن أمثلة تلك الألفاظ: ركن الإسلام، ما قدم علينا مثله، أتعب الإبل، إمام منظور إليه، بعيد الشبيه، معدوم النظير، شيخ وقته، فلان الرضى، كان عجباً، ساد الأقران، صدر من الصدور ... الخ" (3) .
ومثله ألفاظ تدل على الحفظ والضبط، دون تعرض للعدالة: كان أحد أبويه جني (كناية عن الحفظ)، حافظ كبير، كان متقناً عجباً، باقعة في الحفظ ... الخ (4) .
وكذا ألفاظ تدل على الاجتهاد في الطلب أو سعة العلم أو الفقه أو الأدب ... (5) .
__________
(1) أفاده في شفاء العليل ص17.
(2) التنكيل 1/68، وانظر في أهمية جمع كلام الأئمة: شفاء العليل ص516، النافلة في الأحاديث الضعيفة والباطلة للحويني 2/142-143، الجرح والتعديل لللاحم ص435، تهذيب التهذيب 1/5، الرفع والتكميل ص351، قواعد الجرح والتعديل للسعد (أشرطة مفرغة) القاعدة الخامسة.
(3) شفاء العليل ص88-96.
(4) شفاء العليل ص97-107.
(5) المرجع السابق ص108.(1/48)
- ولأن الأئمة – رحمهم الله – يعتبرون نقدهم بنقد الأئمة الآخرين، فإذا ما جمعنا كلام الأئمة، ظهر دلالة الكلمة المراد تحديد معناها، فقوى بعضها بعضاً، وفسر بعضه بعضاً" (1) .
انظر: استعمال الموازنة عند ابن أبي حاتم في الجرح 8/339 (2) .
وكذلك الإمام ابن المديني، كان يعتبر بنقد بعض النقاد من شيوخه، فيوافقهم في نقدهم للرجال، إما بذكر أقوالهم فيه، من تعديل أو تجريح, وإما بموافقتهم في حكمهم، من غير أن يصرح بأقوالهم، وإما أن لا يذكر أقوالهم، وإنما يستقرئها، ثم يستخلص من هذه الأقوال حكماً مختصراً ...
الإمام ابن المديني ومنهجه في نقد الرجال ص506
الثامنة:/ أن يعلم مراد الإمام بسبر أحاديث الراوي
فإذا ما جُمعت مرويات ذلك الراوي – خاصة الرواة المقلين من الرواية – ثم دُرس كل حديث على حِدَة، ظهر للباحث مراد الإمام – رحمه الله – بعبارته النقدية، وربما تكون هذه القرينة في الوقت المعاصر من أضعف القرائن.
* * *
الخاتمة
ظهر من هذا الجمع في الفصلين السابقين والتمهيد لهما:
1) التأكيد على عظم مكانة الأئمة – رحمهم الله – .
2) دقة نظرهم في هذا العلم، وأن أحداً من المتأخرين يبلغُ شأوهم في هذا العلم المتين.
3) تعدد المصطلحات في الجرح والتعديل، خاصة المصطلحات الخاصة بأحد الأئمة، مع تنوع الإطلاقات للكلمة الواحدة، كإطلاقات الحسن، المنكر، وغيرهما، مما يوجب التريث في الفهم، وعدم مجاوزة كلام الأئمة أصحاب الشأن – رحم الله الجميع – .
4) الدراسات الجامعية، قدمت رسائل في مناهج الأئمة في كتبهم، أو نقدهم للرجال، حصل لمؤلفي هذه الرسائل، تتبع واستقراء لمصطلحات الأئمة وإطلاقاتهم، يحسن الوقوف عليها، وحبذا لو جمعت في رسالة مستقلة.
__________
(1) المرجع السابق ص17، 133-134.
(2) أفاده د. الدريس في (الحديث الحسن) 4/1943-1944 (مهم).(1/49)
5) ظهر لي أثناء البحث والجمع، رسوخ العلامة المعلمي في نقد الرجال، مع بروز منهجه الاستقرائي فهو بحق ذهبي العصر – رحمه الله رحمة واسعة –.
6) خلاصة القرائن الموصلة إلى فهم مراد الأئمة في عبارات الجرح والتعديل:/
1) أن ينص الإمام على بيان مراده.
2) أن ينص تلاميذه أو من بعدهم من الأئمة.
3) أن يعلم بالاستقراء والتتبع لعبارة الإمام.
4) أن يعلم بمعرفة السياق والحال.
5) أن يعلم بطريق الرجوع إلى كتب اللغة والأمثال.
6) أن يعلم بطريق معرفة عادة الأئمة وعرفهم.
7) أن يعلم بسبر أحاديث الراوي.
هذا ما توصلت إليه جمعاً وترتيباً.
ولقد ضاق الوقت علي كثيراً أثناء صياغة هذا الجمع...
وللصياغة والترتيب والتضمين، فَنٌّ يحتاج إلى طول تأمل، وصفاء ذهن......
وقد تخلفا عني، فتخلف حُسن الإخراج.
والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
كتبه...
إبراهيم بن عبدالله بن عبدالرحمن المديهش
الرياض
16/10/1426هـ
الجمعة
الفهرس
المقدمة ... ص2
الدراسات السابقة ... ص2
التمهيد
المبحث الأول: مكانة الأئمة. ... ص4
المبحث الثاني: فوائد قبل إيراد القرائن. ... ص8
– الفصل الأول
المبحث الأول: أهمية معرفة المصطلحات ... ص13
المبحث الثاني: مصطلحات الأئمة ... ص18
– الفصل الثاني
القرائن الموصلة إلى فهم كلام الأئمة. ... ص34
الخاتمة ... ص57(1/50)