مخالفة الصحابي للحديث النبوي الشريف " دراسة نظرية تطبيقية "
الدكتور عبد الكريم علي النملة
كلية الشريعة - قسم أصول الفقه
جامعة الإِمام محمد بن سعود الإِسلامية
مقالا نشر في مجلة: جامعة الإِمام محمد بن سعود الإِسلامية/مجلة علمية محكمة
العدد الرابع عشر
جمادى الآخرة 1416هـ
نوفمبر 1995م
ترقيم الصفحات موافق للمطبوع.
أعده للشاملة: سيد بن محمد السناري(/)
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعه إلى يوم الدين .. وبعد .
فقد قال لي بعض من يحسن الظن بي من طلبة العلم : إني سمعت من بعض المشايخ " أن الصحابي يخالف بعض الأحاديث " فكيف هذا ؟ ! والصحابي الذي شهد له اللَّه تعالى ورسوله بالعدالة ، والذي بذل نفسه وماله في سبيل طاعة الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كيف يخالف حديثه وما أمر به وما نهى عنه ؟ !
ثم إذا خالف صحابي من الصحابة حديثا قد ثبت عن رسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فهل تعتبر تلك المخالفة ، ونترك الحديث وتزول بذلك حجيته ، أو يبقى الحديث على حجيته ، ولا نلتفت إلى تلك المخالفة أم ماذا نفعل ؟
فقلت : أجيبك إن شاء اللَّه - تعالى - فيما بعد ، وبعد رجوعي إلى كلام الأصوليين والفقهاء في هذه المسألة وجدتهم قد انقسموا إلى فرق شتى :
- فمنهم من بحث المسألة عرضًا دون أي اهتمام بها .
- ومنهم من بحثها إجمالا ، ولم يفصل فيها .
- ومنهم من بحث جزئية من جزئياتها - فقط .
- ومنهم من ذكر الجزئية منها دون أمثلة .
- ومنهم من مثل بمثال لا يصح التمثيل به .
- ومنهم من استدل بأدلة لا تصلح للاستدلال بها .
- ومنهم من نسب بعض الأقوال إلى غير قائليها .
- ومنهم من خلط بين مخالفة الصحابي للحديث مخالفة كلية ، وبين من خالف ظاهر الحديث .
- 20 -(14/20)
- ومنهم من خلط بين مخالفة الصحابي للحديث الذي رواه ، وبين مخالفة الصحابي للحديث الذي لم يروه .
- ومنهم من زعم أن الصحابي إذا ادعى نسخ الحديث فإنه يُعدُّ مخالفًا له .
- ومنهم من زعم أن الصحابي إذا حمل الحديث على أحد محمليه فإنه يُعدُّ مخالفًا له .
- ولما رأيت ذلك عزمت على أن أبحث هذا الموضوع بحثًا يلم شتاته ، ويضم جزئياته ، ويغني عن غيره إن شاء اللَّه تعالى .
أضف إلى تلك الأسباب - أعني الأسباب التي دعتني لبحث هذا الموضوع - أني أريد - ببحثه - أن أبين أعذار بعض الصحابة في تركهم لهذا الحديث أو ذاك ، خشية أن يتهم الصحابي بالخروج عن طاعة رسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وأيضًا أريد بدراستي لهذا الموضوع أن أربط بينه وبين تطبيقاته الفقهية كعادتي عندما أبحث أي موضوع أصولي - وذلك لأن المقصود من المسائل والقواعد الأصولية هو التطبيق ، وفي ذلك رد على من يزعم بأن أكثر القواعد والمسائل الأصولية هي مجرد نظريات لا أثر لها في الفروع .
ثم إن هذا الموضوع لم يبحثه أحد - على حسب علمي - بصفة مستقلة يجمع شتاته ، ويضم جزئياته ، ويحيط بكل ما قيل عنه ، ويحذف كل ما ليس له علاقة فيه .
هذه أهم الأسباب التي جعلتني أقوم ببحث هذا الموضوع .
ولعل تلك الأسباب تبين أهمية هذا الموضوع لطالب العلم ، ومكانته العلمية ، وتظهر لنا - أيضًا - الحاجة إلى الكتابة فيه .
وأسميته :
«مخالفة الصحابي للحديث النبوي الشريف دراسة نظرية تطبيقية»
وقد تكلمت عن هذا الموضوع سالكا خطة تتكون من : " مقدمة " ، " وتمهيد " ، "وثلاثة فصول " ، " وخاتمة " .
- 21 -(14/21)
أما المقدمة : فقد ذكرت فيها اسم الموضوع الذي سأتكلم عنه ، والأسباب التي جعلتني أكتب فيه ، والخطة التي سأسلكها في الكتابة ، والمنهج الذي سأتبعه في ذلك .
أما التمهيد : فقد تكلمت فيه عن حالات مخالفة حديث رسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وبيان سبب تخصيص المسألة بمخالفة الصحابي دون غيره ، وقسمته إلى أربعة مطالب وبيان حقيقة المخالفة والصحابي .
المطلب الأول : في حالات مخالفة حديث النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إجمالا .
المطلب الثاني : بيان سبب تخصيص صورة المسألة بمخالفة الصحابي ، دون غيره .
المطلب الثالث : في حقيقة المخالفة .
المطلب الرابع : حقيقة الصحابي .
أما الفصل الأول : فهو في مخالفة الصحابي للحديث بالكلية .
ويشتمل على سبعة مباحث .
المبحث الأول : في مخالفة الصحابي مخالفة كلية للحديث الذي قطعنا بعلمه به ، مع خفاء سبب المخالفة .
المبحث الثاني : في مخالفة الصحابي مخالفة كلية للحديث الذي قطعنا بعلمه به مع وضوح سبب المخالفة .
المبحث الثالث : في مخالفة الصحابي مخالفة كلية للحديث الذي غلب على ظننا علمه به .
المبحث الرابع : مخالفة الصحابي مخالفة كلية للحديث الذي شككنا في علمه به .
المبحث الخامس : مخالفة الصحابي مخالفة كلية للحديث الذي غلب على ظننا عدم علمه به .
المبحث السادس : مخالفة الصحابي مخالفة كلية للحديث الذي قطعنا بعدم علمه به .
المبحث السابع : بيان السبب في خفاء بعض الأحاديث على بعض الصحابة .
أما الفصل الثاني : فهو في مخالفة الصحابي لعموم الحديث .
- 22 -(14/22)
أما الفصل الثالث : فهو في مخالفة الصحابي لظاهر الحديث .
وقد نبهت في آخر هذا البحث على أن الصحابي إذا ادعى نسخ الحديث فإنه لا يُعدُّ مخالفًا له ، خلافًا لبعض الأصوليين .
كما نبهت - أيضًا - على أن الصحابي إذا حمل الحديث على أحد محمليه فإنه لا يُعدُّ مخالفًا له ، خلافًا لبعض الأصوليين .
أما الخاتمة : فقد كتبت فيها أهم نتائج البحث ، والأحكام التي توصلت إليها أثناء كتابتي فيه .
هذا وقد نهجت في بحث هذا الموضوع والكلام عنه منهجًا ، إليك أهم خطواته :
أولا : جمعت المادة العلمية من المصادر والمراجع الأصلية - المثبتة في هوامش هذا الكتاب ، وفي فهرس المصادر .
ثانيًا : اعتمدت في بحث هذا الموضوع على النصوص الشرعية ، وما يفهم منها من دلالات ، دون تعصب لرأي معين ، أو تقليد بعيد عن الحق .
ثالثًا : ذكرت مذاهب العلماء في كل جزئية ، مستدلا لكل مذهب ، مناقشًا ما يمكن مناقشته منها دون تعصب لمذهب معين متوخيًا في ذلك الدقة في الفهم والاستنباط .
رابعًا : حرصت كل الحرص على نسبة كل مذهب إلى صاحبه وتوثيق ذلك من كتبهم ، أو كتب علماء مذهبهم .
خامسًا : قمت بترجيح بعض المذاهب في المسائل الأصولية والفقهية ، وبيان سبب الترجيح ، ومناقشة القول المرجوح .
سادسًا : وضعت أمثلة تطبيقية لجل المسائل الأصولية التي تعرضت لها ، وهذه الأمثلة وضحت للقارئ أن الخلاف في المسألة الأصولية له أثر في الفروع الفقهية .
سابعًا : أشرت إلى مواضع الآيات من السور .
ثامنًا : خرجت الأحاديث والآثار .
تاسعًا : أشرت إلى الكتب التي ترجمت للأعلام - ميلا إلى الاختصار .
هذا ما عملته في هذا البحث ، فإن أصبت فالحمد اللَّه ، وإن كانت الأخرى
- 23 -(14/23)
فيكفيني أني بذلت جهدًا ووقتًا لا يعلمه إلا اللَّه عز وجل ، فأرجو ألا يحرمني ما رجوته منه من الأجر والثواب .
وأسأل اللَّه العلي القدير أن يجعله خالصا لوجهه الكريم ، والحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على خاتم النبيين وعلى آله وصحبه .
التمهيد : يشتمل على أربعة مطالب .
المطلب الأول : في حالات مخالفة حديث النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
المطلب الثاني : بيان سبب تخصيص صورة المسألة بمخالفة الصحابي .
المطلب الثالث : حقيقة المخالفة .
المطلب الرابع : حقيقة الصحابي .
- 24 -(14/24)
المطلب الأول : في حالات مخالفة حديث النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
إن الحديث النبوي الشريف قد يخالف بعمل الصحابة ، أو بعضهم ، أو واحد منهم ، أو بعمل وفتوى بعض الأئمة ، وإليك بيان ذلك - باختصار - :
الحالة الأولى : إذا خالف عمل الصحابة حديثًا نبويًّا شريفًا قد بلغهم ولم نجد محملا من ضعف الحديث ، أو كونه منسوخًا : فإن هذا يقدح بالحديث ؛ لأنه لا محمل لترك العمل بالحديث إلا الاستهانة وترك المبالاة به ، أو العلم بكونه منسوخًا ، ولا يوجد احتمال ثالث لهما .
وقد أجمع المسلمون على تنزيه الصحابة عن الاستهانة بالحديث وعدم المبالاة به ، فتعين حمل الأمر على علمهم بأن الحديث منسوخ .
وليس هذا تقديمًا لأقوالهم وأقضيتهم على الحديث النبوي ، بل هو تمسك بالإِجماع على وجوب حمل عملهم على وجه يمكن من الصواب ، فكأنا تعلقنا بالإِجماع على وجوب حمل عملهم على وجه يمكن من الصواب ، فكأنا تعلقنا بالإِجماع في معارضة الحديث (1)
(انظر البرهان ( 2/ 1172 - 1173 ) ، البحر المحيط ( 4/ 371 ) . )
.
الحالة الثانية : إذا خالف الصحابة حديثا لم نقطع ببلوغه إليهم ، ولكن غلب على ظننا بلوغه إياهم ، فهنا ننظر : فإن لم نجد دليلا يؤيد تلك المخالفة فإنا نتمسك بالحديث ونعمل به ، وإن وجدنا دليلا يؤيد تلك المخالفة فإن هذا يقدح بالحديث ، استنادا إلى الدليل الصحيح الذي وجدناه ، لا من أجل مخالفة الصحابة (2)
(انظر البرهان ( 2/ 1178 ) . )
.
الحالة الثالثة : إذا خالف عمل الصحابة حديثًا لم يبلغهم ، أو غلب على ظننا عدم بلوغه إليهم فإنا نعمل بالحديث ، ونترك عملهم ؛ لأن الدليل أثبت أنهم لم يطلعوا على الحديث ، ونحن قد اطلعنا عليه ، فيجب علينا أن نعمل به (3)
(انظر البرهان ( 2/ 1173 ) . )
.
الحالة الرابعة : إذا كان الحديث قد وصل إلى جميع الصحابة فعمل به فريق منهم ، وترك العمل به فريق منهم ، والفريقان ذاكران للحديث فذهب بعض العلماء
(1)انظر البرهان ( 2/1172 - 1173 ) ، البحر المحيط ( 4/371 ) .
(2)انظر البرهان ( 2/1178 ) .
(3)انظر البرهان ( 2/1173 ) .
- 25 -(14/25)
كإمام الحرمين (1)
(انظر ترجمته في : طبقات الشافعية لابن السبكي ( 5/ 165 ) ، المنتظم ( 9/ 18 ) شذرات الذهب ( 3/ 358 ) . )
في " البرهان " (2)
(( 2/ 1175 ) . )
إلى تقديم عمل المخالفين ، وترك الحديث ، وذلك لأنهم لم يتركوا العمل بالحديث إلا عن تثبت وتحقيق .
قلت : يظهر لي - في هذه الحالة - أنه يعمل بالحديث ، ولا يعمل بما عمل به بعض الصحابة ، وذلك لأن الحديث ثابت ، فلا يترك ما ثبت من أجل أمر تطرق إليه احتمال ، فقد يكونوا خالفوه لدليل ثبت لديهم " وتوهموا صحته ولو أظهروه لما صح عندنا .
الحالة الخامسة : إذا خالف صحابي واحد حديثًا فهل نعمل بالحديث ، أو نعمل بمخالفة الصحابي ونترك الحديث ولا نعمل به ؟
الجواب عن ذلك هو موضوع دراستنا في هذا الكتاب .
الحالة السادسة : إذا خالف إمام من الأئمة حديثًا نبويًا قد علمنا بلوغه إياه - بواسطة روايته له - فإنا لا نعمل بعمل الإِمام ، بل نعمل بالحديث ، فقد يكون ذلك الإِمام قد ترك العمل بالحديث لأصل يعتقده ويصححه ، ونحن لا نعتقده ولا نصححه مثل مخالفة أبي حنيفة (3)
(انظر ترجمته في : وفيات الأعيان ( 5/ 39 ) ، شذرات الذهب ( 1/ 227 ) ، الطبقات السنية ( 1/ 86 ) . )
لحديث : ( المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا ) (4)
(أخرجه البخاري في صحيحه ( 3/ 81 ) في باب البيعان بالخيار من كتاب البيوع ، ومسلم في صحيحه ( 3/ 1163 ) في باب ثبوت خيار المجلس للمتابعين . لاعتقاده أنه مخالف للقياس الجلي . )
.
وكذلك مخالفة الإِمام مالك (5)
(انظر ترجمته في : طبقات القراء ( 1/ 35 ) ، طبقات المفسرين ( 2/ 293 ) ، الديباج المذهب ( 1/ 63 ) ، طبقات الفقهاء ( ص 67 ) . )
لنفس الحديث ، لاعتقاده أن إجماع أهل المدينة حجة وأنه أقوي .
فإنا لا نعتبر مخالفتهما لهذا الحديث ونعمل به .
ونعمل بالحديث الثابت عن رسول اللَّه ، دون أن نلتفت إلى مخالفتهما ؛ لأنهما قد تمسكا بأصول ليست صحيحة عندنا .
هذه حالات مخالفة الحديث النبوي ، وقد بينت حكم كل حالة إلا الحالة الخامسة فلم أتعرض لحكمها هنا ؛ لأن فيها تفصيلات وتفريعات قد خصصت هذا الكتاب للكلام عنها .
(1)انظر ترجمته في : طبقات الشافعية لابن السبكي ( 5/165 ) ، المنتظم ( 9/18 ) شذرات الذهب ( 3/358 ) .
(2)( 2/1175 ) .
(3)انظر ترجمته في : وفيات الأعيان ( 5/39 ) ، شذرات الذهب ( 1/227 ) ، الطبقات السنية ( 1/86 ) .
(4)أخرجه البخاري في صحيحه ( 3/81 ) في باب البيعان بالخيار من كتاب البيوع ، ومسلم في صحيحه ( 3/1163 ) في باب ثبوت خيار المجلس للمتابعين . لاعتقاده أنه مخالف للقياس الجلي .
(5)انظر ترجمته في : طبقات القراء ( 1/35 ) ، طبقات المفسرين ( 2/293 ) ، الديباج المذهب ( 1/63 ) ، طبقات الفقهاء ( ص 67 ) .
- 26 -(14/26)
المطلب الثاني : في سبب تخصيص صورة المسألة بمخالفة الصحابي دون غيره .
لقد خصصتُ المسألة بمخالفة الصحابي - فقط - دون غيره ، لأن الصحابي هو المباشر للنقل عن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو قد حضر التنزيل ، وشاهد الوحي ، وسمع الشرع من فِي رسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فهو أعلم بمراد الشارع من كلامه ، وأعرف بمقاصد الشريعة من غيره ، فلعله شاهد من القرائن الحالية أو المقالية ما يقتضي مخالفته للحديث النبوي الشريف .
وتخصيص المسألة بمخالفة الصحابي هو الذي صرح به بعض الأصوليين كالقرافي (1)
(انظر : ترجمته في : الديباج المذهب ( 1/ 236 ) ، المنهل الصافي ( 1/ 415 ) . )
في " شرح تنقيح الفصول " (2)
(( ص 371 ) . )
وهو الذي يفهم من كلام أكثر الأصوليين وإن لم يصرحوا به (3)
(انظر : الإحكام لابن حزم ( 2/ 12 ) ، التبصرة ( ص 343 ) ، الإحكام للآمدي ( 2/ 115 ) ، المعتمد ( 2/ 175 ) ، الوصول إلى الأصول لابن برهان ( 2/ 195 ) ، المحصول ( 2/ 1/ 630 ) . )
وذهب بعض الأصوليين كإمام الحرمين في " البرهان " (4)
(( 1/ 443 ) . )
إلى تعميم المسألة ، وعدم تخصيصها بالصحابي ، وجعلوها تشمل الراوي وإن كان من غير الصحابة (5)
(انظر : الإبهاج ( 2/ 194 ) ، البحر المحيط ( 4/ 370 ) ، فواتح الرحموت ( 2/ 163 ) . )
.
قلت : هذا بعيد لأن قياس غير الصحابي ممن روى الحديث على الصحابي قياس مع الفارق ، وذلك لأن الرواة - من غير الصحابة - ليس لهم إلا الرواية ، ولا علم لهم بالقرائن ولا بالسماع ، ولا بمشاهدة الوحي والسماع من النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مباشرة فهو يختلف عن غيره .
فغير الصحابي لم يباشر المتكلم حتى يحسن أن يقال فيه : لعله شاهد من القرائن الحالية أو المقالية ما يقتضي مخالفته ، فلا تكون المسألة على عمومها .
(1)انظر : ترجمته في : الديباج المذهب ( 1/236 ) ، المنهل الصافي ( 1/415 ) .
(2)( ص 371 ) .
(3)انظر : الإحكام لابن حزم ( 2/12 ) ، التبصرة ( ص 343 ) ، الإحكام للآمدي ( 2/115 ) ، المعتمد ( 2/175 ) ، الوصول إلى الأصول لابن برهان ( 2/195 ) ، المحصول ( 2/1/630 ) .
(4)( 1/443 ) .
(5)انظر : الإبهاج ( 2/194 ) ، البحر المحيط ( 4/370 ) ، فواتح الرحموت ( 2/163 ) .
- 27 -(14/27)
المطلب الثالث : في حقيقة المخالفة :
المخالفة مأخوذة من خالف يخالف مخالفة وخلافًا ، ومنه قوله : { خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ } (1)
(سورة التوبة / 81 . )
أي مخالفة رسول اللَّه (2)
(انظر الصحاح ( 4/ 1357 ) . تفسير القرطبي ( 8/ 216 ) . )
.
ويطلق أصل هذه الكلمة على ما يلي : -
يطلق على المضادة يقال : خالفه مخالفة وخلافًا إذا ضاده ، ومنه قولهم : " إنما أنت خلاف الضبع إذا رأيت الراكب هربت منه " (3)
(انظر لسان العرب ( 4/ 90 ) . )
.
ويطلق على العصيان يقال : خالفه إلى الشيء : عصاه إليه " أو قصده بعد ما نهاه - عنه ، ويطلق على عدم الاتفاق يقال : " تخالف الأمران واختلفا " أي لم يتفقا (4)
(انظر لسان العرب ( 9/ 91 ) . )
.
ويطلق على التغير ، يقال : " خلف الرجل عن خلق أبيه يخالف خلوفا إذا تغير عنه " (5)
(المرجع السابق . )
هذا من حيث اللغة .
والمراد بالمخالفة هنا : هو : ما يقوله الصحابي أو يفعله ، أو يفتي به مضادًّا بذلك أو مغايرا أو مناقصًا لما دل عليه الحديث النبوي الشريف .
أو تقول بعبارة أخرى : إن المراد . بمخالفة الصحابي للحديث النبوي الشريف : أن يدل الحديث الشريف على معنى معين أو راجح ، ثم يفعل الصحابي أو يقول أو يفتي بما يضاد أو يناقض أو يغاير ذلك المعنى المعين أو الراجح .
(1)سورة التوبة /81 .
(2)انظر الصحاح ( 4/1357 ) . تفسير القرطبي ( 8/216 ) .
(3)انظر لسان العرب ( 4/90 ) .
(4)انظر لسان العرب ( 9/91 ) .
(5)المرجع السابق .
- 28 -(14/28)
المطلب الرابع : في حقيقة الصحابي .
أولا : تعريفه لغة :
الصحابي في اللغة مشتق من الصحبة ، والصحبة مصدر " صحب " " فهو صاحب " .
ويطلق هذا على ما يلي :
يطلق على المنع والحفظ ومنه قَوْله تَعَالَى : { وَلا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ } (1)
(سورة الأنبياء / 43 . )
أي : يُمنَعون قاله ابن عباس (2)
(انظر ترجمته في : شذرات الذهب ( 1/ 75 ) ، الإصابة ( 2/ 230 ) ، الاستيعاب ( 2/ 350 ) . )
كما نقله عنه القرطبي في " الجامع لأحكام القرآن " (3)
(( 11/ 291 ) . )
.
وقال قتادة (4)
(انظر ترجمته في : طبقات الفقهاء ( ص 89 ) . طبقات القراء ( 2/ 25 ) ، وفيات الأعيان ( 3/ 248 ) ، طبقات المفسرين ( 2/ 43 ) . )
- في معنى الآية - " أي : لا يصحبهم اللَّه بخير ولا يجعل رحمته لهم صاحبًا لهم " (5)
(نقل هذا عنه القرطبي في الجامع لأحكام القرآن ( 11/ 292 ) . )
.
ومنه قولهم : " صحبك اللَّه " أي حفظك (6)
(انظر : لسان العرب ( 1/ 52 ) . )
.
ويطلق على المعاشرة ، يقال : " صحبه " أي عاشره ، والصاحب : المعاشر (7)
(انظر المصباح المنير ( 1/ 333 ) ، لسان العرب ( 1/ 519 ) . )
.
ويطلق على الملازمة ، قال الفيومي (8)
(انظر ترجمته في : بغية الوعاة ( ص 170 ) ، الدرر الكامنة ( 1/ 314 ) ، الأعلام ( 1/ 224 ) . )
في " المصباح المنير " (9)
(( 1/ 333 ) . )
" كل شيء يلازم شيئًا فقد استصحبه " ومنه قولهم : استصحاب الحال " أي : تمسكتُ بما كان ثابتًا ، كأنك جعلت تلك الحالة مصاحبة لك غير مفارقة (10)
(انظر المصباح المنير ( 1/ 333 ) . )
.
وهذا يطلق على من حصل له مجالسة ورؤية (11)
(المرجع السابق . )
.
ويحمل على ذلك قول القائل " أصحاب الشافعي " (12)
(انظر ترجمته في : طبقات الشافعية لابن السبكي ( 1/ 193 ) ، وفيات الأعيان ( 3/ 305 ) ، طبقات المفسرين للداودي ( 2/ 98 ) ، شذرات الذهب ( 2/ 9 ) . )
" وأصحاب مالك " ونحو ذلك ، وهو إطلاق مجازي كما صرح بذلك الفيومي في " المصباح المنير " (13)
(( 1/ 333 ) . )
.
هذا ما عند أهل اللغة في ذلك .
قلت : أما الأول - وهو : أن الصحابي مشتق من الصحبة - مطلقًا - فيفهم منه أنه لا يشترط طول مجالسة ومعاشرة ، حيث إنه ليس بمشتق من قدر منها مخصوص ، بل هو جار على كل من صحب غيره قليلا أو كثيرًا كما أن القول " مكلِّم " و " مخاطب " و " ضارب " مشتق من " المكالمة " و " المخاطبة " و " المضاربة " ، وجار على كل من وقع منه ذلك قليلا كان أو كثيرًا ، وكذلك جميع الأسماء المشتقة من الأفعال (14)
(انظر : جمهرة اللغة ( 1/ 224 ) ، الصحاح ( 1/ 161 ) ، معجم مقاييس اللغة ( 1/ 335 ) ، مثال الطالب ( ص 93 ) ، والكفاية ( ص 100 ) ، وأساس البلاغة ( ص 348 ) . )
.
(1)سورة الأنبياء /43 .
(2)انظر ترجمته في : شذرات الذهب ( 1/75 ) ، الإصابة ( 2/230 ) ، الاستيعاب ( 2/350 ) .
(3)( 11/291 ) .
(4)انظر ترجمته في : طبقات الفقهاء ( ص 89 ) . طبقات القراء ( 2/25 ) ، وفيات الأعيان ( 3/248 ) ، طبقات المفسرين ( 2/43 ) .
(5)نقل هذا عنه القرطبي في الجامع لأحكام القرآن ( 11/292 ) .
(6)انظر : لسان العرب ( 1/52 ) .
(7)انظر المصباح المنير ( 1/333 ) ، لسان العرب ( 1/519 ) .
(8)انظر ترجمته في : بغية الوعاة ( ص 170 ) ، الدرر الكامنة ( 1/314 ) ، الأعلام ( 1/224 ) .
(9)( 1/333 ) .
(10)انظر المصباح المنير ( 1/333 ) .
(11)المرجع السابق .
(12)انظر ترجمته في : طبقات الشافعية لابن السبكي ( 1/193 ) ، وفيات الأعيان ( 3/305 ) ، طبقات المفسرين للداودي ( 2/98 ) ، شذرات الذهب ( 2/9 ) .
(13)( 1/333 ) .
(14)انظر : جمهرة اللغة ( 1/224 ) ، الصحاح ( 1/161 ) ، معجم مقاييس اللغة ( 1/335 ) ، مثال الطالب ( ص 93 ) ، والكفاية ( ص 100 ) ، وأساس البلاغة ( ص 348 ) .
- 29 -(14/29)
أما الإطلاق الثاني - وهو أنه يطلق على المعاشرة والمجالسة والرؤية - فيفهم منه أنه يشترط طول مجالسة ، واختصاص مصحوب ، وطول مدة صحبة .
ثانيًا : تعريف الصحابي اصطلاحًا :
لقد اختلف العلماء في تعريف الصحابي ، وأقرب تعريف له إلى الصواب في نظري هو :
" من لقي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واختص به اختصاص المصحوب ، متبعًا إياه مدة يثبت معها إطلاق صاحب فلان عليه عرفًا بلا تحديد لمقدار تلك الصحبة ، سواء روى عنه أو لا ، تعلم منه أو لا " وهو تعريف جمهور الأصوليين .
وإليك بيان هذا التعريف مع ذكر محترزاته : -
قوله : " من لقي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " احترز بذلك عن من عاش في عصره صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وزمانه ، ولكنه لم يره ولم يلقه مثل أبي تميم الجيشاني : عبد اللَّه بن مالك ، فهذا لا يُعدُّ صحابيًّا (1)
(انظر : تيسير التحرير ( 3/ 67 ) ، شرح نخبة الفكر ( ص 177 ) . )
وعبرنا بـ " من لقي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وذلك ليعم البصير والأعمى وهو أوْلى من تعبير بعض الأصوليين : " من رأى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وذلك لأنه خاص بالبصير - فقط .
قوله : " واختص به اختصاص المصحوب " أي : اختص بالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولازمه وأكثر مجالسته كما يختص الصاحب بالمصحوب ، حيث إنه لا يُسمى المرء صاحبًا لغيره إلا إذا لازمه في أكثر الأحيان .
واحترز بذلك عن من لقي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو رآه ساعة أو يوم ، أو نحو ذلك .
واحترز بذلك أيضًا عن من رأى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منامًا ، وذلك لأن بعض المؤمنين المتأخرين قد يرى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المنام ، فإن هذا لا يسمى صحابيًّا إجماعًا ، لأن الصحابي يجب أن يكون مختصا بالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ له يقظة ، لا من يراه خاطفة في منامه .
(1)انظر : تيسير التحرير ( 3/67 ) ، شرح نخبة الفكر ( ص 177 ) .
- 30 -(14/30)
واحترز بذلك أيضًا - عن من لقي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ورآه بعد وفاته - مثل : خالد بن خويلد الهذلي .
وذلك لأن هذا لما أسلم ، وأخبر بمرض النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سافر ليراه ، فوجده قد توفي . ورآه وهو مسجًّى ، فحضر الصلاة عليه والدفن ، فهذا لا يُعدُّ صحابيا ، لأنه لم يلقه ويختص به اختصاص المصحوب .
قوله : " متبعًا إياه " أي : مسلمًا ومؤمنًا به ، مدركًا لذلك ، عارفًا المقصود من الإيمان والإِسلام ، وهذا ينطبق على الكبير والصغير إذا كان مميزًا وإن لم يبلغ ، وبهذا يبطل قول من اشترط البلوغ في الصحابي .
واحترز بذلك : عمَّن لقي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واجتمع به قبل النبوة ولم يره بعد ذلك مثل : زيد بن نفيل (1)
(انظر في ترجمته : الإصابة ( 1/ 569 ) ، وتهذيب الأسماء ( 1/ 205 ) . )
فإن هذا مات قبل المبعث ، وقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيه : " إِنَّهُ يُبْعَثُ أُمَّةً وَحْدَهُ " (2)
(انظر في ترجمته : الإصابة ( 1/ 569 ) ، تهذيب الأسماء ( 1/ 205 ) . )
.
واحترز بذلك - أيضًا - عن من لقي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ورآه وهو كافر ثم أسلم بعد موته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
واحترز بذلك أيضًا عمَّن لقي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبل النبوة ، ثم أسلم بعد المبعث ولم يلقه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فإن هذا لا يكون صحابيًّا ، لأنه لما لقي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يكن - حينذاك - مؤمنًا متبعًا إياه - مثل : < عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي الْحَمْسَاءِ (3)
(انظر : الخلاصة ( 195 ) ، الإصابة ( 2/ 298 ) ، الاستيعاب ( 2/ 290 ) . )
قَالَ : بَايَعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ أَنْ يُبْعَثَ فَوَعَدْتُهُ أَنْ آتِيَهُ فِي مَكَانِهِ ، وَنَسِيتُ ، ثُمَّ ذَكَرْتُ بَعْدَ ثَلاثٍ فَجِئْتُ ، فَإِذَا هُوَ فِي مَكَانِهِ ، فَقَالَ : يَا فَتَى : لَقَدْ شَقَقْتَ عَلَيَّ : أَنَا فِي انْتِظَارِكَ مُنْذُ ثَلاثٍ . > ثم لم ينقل أنه اجتمع به بعد المبعث (4)
(راجع المراجع السابقة . )
.
واحترز بذلك - أيضًا - عمَّن لقي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو غير مميز ، فإن هذا لا يصدق عليه أنه صحابي ، لأنه لم يدرك حقيقة الاتباع ، ولا الإيمان ، ولا الغرض من ذلك ولا جنة ولا نار ، ولا يعرف الرسول ، ولا المرسل ونحو ذلك مثل : عبد اللَّه بن الحارث بن نوفل (5)
(انظر في ترجمته الخلاصة ( ص 194 ) شذرات الذهب ( 1/ 94 ) . )
حيث أتي به إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فحنكه ، وكذلك :
(1)انظر في ترجمته : الإصابة ( 1/569 ) ، وتهذيب الأسماء ( 1/205 ) .
(2)انظر في ترجمته : الإصابة ( 1/569 ) ، تهذيب الأسماء ( 1/205 ) .
(3)انظر : الخلاصة ( 195 ) ، الإصابة ( 2/298 ) ، الاستيعاب ( 2/290 ) .
(4)راجع المراجع السابقة .
(5)انظر في ترجمته الخلاصة ( ص 194 ) شذرات الذهب ( 1/94 ) .
- 31 -(14/31)
محمود بن الربيع (1)
(انظر ترجمته في : الاستيعاب ( 3/ 421 ) ، الإصابة ( 3/ 386 ) . )
حيث تفل رسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في فيه ، وكذلك عبد اللَّه بن ثعلبة بن صعير (2)
(انظر ترجمته في : الاستيعاب ( 2/ 271 ) ، الخلاصة ( ص 293 ) . )
حيث إن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مسح وجهه ، فهؤلاء غير صحابة ، لعدم تمييزهم وإدراكهم لحقائق الأمور .
واحترز بذلك - أيضًا - عمَّن لقي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم ارتد سواء في زمن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو بعد وفاته مثل : ابن خطل (3)
(انظر ترجمته في : تهذيب الأسماء ( 2/ 298 ) ، المنتقى ( 3/ 80 ) . )
فهذا وأمثاله لا يعد من الصحابة ؛ لأنه لم يستمر على اتباع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيما جاء به حتى نهاية عمره .
أما من لقي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم ارتد ، ثم رآه ثانيًا متبعًا إياه مؤمنًا به فهذا يُعدُّ من الصحابة باللقاء الثاني .
قوله : " عرفًا " أي : أن هذا الإطلاق يكون بالعرف والاستعمال الاصطلاحي ، لا بالوضع اللغوي .
قوله : " بلا تحديد لمقدار الصحبة " أي : أن هذه الصحبة لا يحدد مقدارها بالأشهر ولا بالسنوات ، بل يحكم بالصحبة عن طريق العرف والعادة .
قوله : " سواء روى عنه أو لم يرو عنه ، تعلم منه أو لا " أي : أنه لا يشترط للصحبة أخذ العلم أو الرواية .
(1)انظر ترجمته في : الاستيعاب ( 3/421 ) ، الإصابة ( 3/386 ) .
(2)انظر ترجمته في : الاستيعاب ( 2/271 ) ، الخلاصة ( ص 293 ) .
(3)انظر ترجمته في : تهذيب الأسماء ( 2/298 ) ، المنتقى ( 3/80 ) .
- 32 -(14/32)
الفصل الأول : في مخالفة الصحابي للحديث بالكلية
الصحابي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أحيانًا يخالف الحديث النبوي الشريف مخالفة كلية بمعنى : ترك مدلول الحديث بالكلية .
بعبارة أخرى : أن لفظ الحديث لا يحتمل التأويل ومع ذلك قام هذا الصحابي بمخالفته ، فإذا خالف الصحابي الحديث بهذه الطريقة بأي شكل من أشكال المخالفة سواء كانت عمل ، أو فتوى ، أو قول بخلاف الحديث فما الحكم ؟
لبيان ذلك والكلام عنه عقدت ما يلي من المباحث :
المبحث الأول : مخالفة الصحابي مخالفة كلية للحديث الذي قطعنا بعلمه به مع خفاء سبب المخالفة .
المبحث الثاني : مخالفة الصحابي مخالفة كلية للحديث الذي قطعنا بعلمه به ، مع وضوح سبب المخالفة .
المبحث الثالث : مخالفة الصحابي مخالفة كلية للحديث الذي غلب على ظننا علمه به .
المبحث الرابع : مخالفة الصحابي مخالفة كلية للحديث الذي شككنا في علمه به .
المبحث الخامس : مخالفة الصحابي مخالفة كلية للحديث الذي غلب على ظننا عدم علمه . ؟
المبحث السادس : مخالفة الصحابي مخالفة كلية للحديث الذي قطعنا بعدم علمه به .
المبحث السابع : بيان السبب في خفاء بعض الأحاديث على بعض الصحابة .
- 33 -(14/33)
المبحث الأول : في مخالفة الصحابي مخالفة كلية للحديث الذي قطعنا بعلمه به مع خفاء سبب المخالفة .
إذا قطعنا بأن الحديث قد بلغ ذلك الصحابي وعلم به - بأن كان هو راويه - ومع ذلك خالفه ، وتركه بالكلية ، وعمل بخلافه ، ولم نعلم سببًا لتلك المخالفة ، ما نعلم من الحال سوى أنه خالف الحديث الذي رواه فهل يبقى الحديث على حجيته ، أم أنه يتأثر بتلك المخالفة وأسقطت الاحتجاج به ؟
لقد اختلف العلماء - من فقهاء وأصوليين - في ذلك على مذهبين إليك بيان ذلك فيما يلي من المطالب :
المطلب الأول : في المذهب الأول .
المطلب الثاني : في المذهب الثاني .
المطلب الثالث : الترجيح وسببه .
المطلب الرابع : الأمثلة التطبيقية على مخالفة الصحابي مخالفة كلية للحديث الذي قطعنا ببلوغه إليه ، مع بيان أثر الخلاف .
المطلب الأول : في المذهب الأول :
وهو : أن الحديث النبوي يبقى على حجيته ، ولا تؤثر عليه مخالفة الصحابي له لا من قريب ولا من بعيد ، فلا يترك من أجل تلك المخالفة ، وفيما يلي سأبين أصحاب هذا المذهب ، وأدلته :
أولا : أصحاب هذا المذهب .
ثانيًا : أدلة هؤلاء على ما ذهبوا إليه .
- 34 -(14/34)
أولا : أصحاب هذا المذهب :
من الحنفية - لقد اختار هذا المذهب بعض الحنفية وهم :
أبو الحسن الكرخي (1)
(انظر ترجمته في : تاج التراجم ( ص 39 ) ، شذرات الذهب ( 2/ 358 ) . الفوائد البهية ( ص 108 ) . )
نسبه إليه السمرقندي (2)
(انظر في ترجمته : الفوائد البهية ( ص 158 ) . )
في " ميزان الأصول " (3)
(( ص 444 ) . )
حيث قال فيه : " الراوي إذا عمل بخلاف ما روى هل يقدح في صحة ما روى أم لا ؟ روي عن أبي الحسن الكرخي - رحمه اللَّه - أنه لا يمنع ويكون هو محجوجًا بالحديث كغيره (4)
(المرجع السابق . )
ونسبه إليه الصيمري حيث قال في " مسائل الخلاف " (5)
(( ص 268 - 269 ) . )
- بعد أن نقل حكاية أبي بكر الرازي (6)
(انظر في ترجمته : طبقات الفقهاء ( ص 122 ) للشيرازي ، تاج التراجم ( ص 6 ) ، تاريخ بغداد ( 4/ 314 ) . )
عن الكرخي : أنه يقدم عمل الراوي - " وحكى غيره عنه : أن الأخذ بما رواه عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أوْلى مما عمل به من غير تفصيل (7)
(مسائل الخلاف ( 268 - 269 ) . )
ونسبه إليه - أيضًا - السمرقندي (8)
(انظر في ترجمته : تاج التراجم ( ص 56 ) الجواهر المضيئة ( 2/ 74 ) ، النجوم الزاهرة ( 5/ 379 ) . )
في " بذل النظر " (9)
(( ص : 482 ) . )
حيث قال فيه : " وذهب الشيخ أبو الحسن الكرخي - رحمه اللَّه - إلى أن الأخذ بروايته أوْلى " (10)
(المرجع السابق . )
.
ونسبه إليه أبو يعلى الحنبلي في " العدة " (11)
(( 2/ 591 ) . )
نقلا عن السرخسي ونسبه إليه - أيضًا - المجد بن تيمية في المسودة " (12)
(( ص 128 ) . )
.
تنبيه :
حكى أبو بكر الجصاص في " الفصول " (13)
(( ورقة 205/ أ ) ورجعت إلى المخطوطة من هذا الكتاب ؛ لأن هذا الموضع قد سقط من المطبوعة فتنبه لذلك . )
عن أبي الحسن الكرخي أنه يقدم عمل الصحابي على الحديث في هذه المسألة .
ولكن ما ذكرته سابقًا من أن مذهبه هو تقديم الحديث على عمل الصحابي المخالف له هو الصواب عندي لأمور :
الأمر الأول : أن الذي حكى عنه القول بتقديم عمل الصحابي على الحديث هو الجصاص - فقط - أما من حكى عنه القول بتقديم الحديث على عمل الصحابي فهم كثيرون ؛ بدليل قول الصيمري السابق : " وحكى غيره عنه أن الأخذ بما رواه عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أوْلى مما عمل به " (14)
(مسائل الخلاف ( ص 267 - 269 ) . )
والمعنى : وحكى غير الجصاص عن الكرخي تقديم الحديث على عمل الصحابي ، فيقدم ما ذكره الكثرة على ما ذكره الواحد ، وهذا من المسلمات ، لا سيما إذا كانت الكثرة من متقدمي الحنفية .
(1)انظر ترجمته في : تاج التراجم ( ص 39 ) ، شذرات الذهب ( 2/358 ) . الفوائد البهية ( ص 108 ) .
(2)انظر في ترجمته : الفوائد البهية ( ص 158 ) .
(3)( ص 444 ) .
(4)المرجع السابق .
(5)( ص 268 - 269 ) .
(6)انظر في ترجمته : طبقات الفقهاء ( ص 122 ) للشيرازي ، تاج التراجم ( ص 6 ) ، تاريخ بغداد ( 4/314 ) .
(7)مسائل الخلاف ( 268 - 269 ) .
(8)انظر في ترجمته : تاج التراجم ( ص 56 ) الجواهر المضيئة ( 2/74 ) ، النجوم الزاهرة ( 5/379 ) .
(9)( ص : 482 ) .
(10)المرجع السابق .
(11)( 2/591 ) .
(12)( ص 128 ) .
(13)( ورقة 205 / أ ) ورجعت إلى المخطوطة من هذا الكتاب ؛ لأن هذا الموضع قد سقط من المطبوعة فتنبه لذلك .
(14)مسائل الخلاف ( ص 267 - 269 ) .
- 35 -(14/35)
الأمر الثاني : أن السمرقندي في " الميزان " لم يذكر إلا هذه الرواية عن الكرخي وهي : أنه يقدم الحديث على عمل الصحابي ولم يذكر رواية الجصاص ، مع أن السمرقندي اشتهر بأنه من محققي المذهب الحنفي ، وروايات أبي الحسن الكرخي خاصة .
وكذلك السمرقندي في " بذل النظر " لم يذكر إلا هذه الرواية فقط .
الأمر الثالث : أن عبارة أبي بكر الجصاص غير صريحة في حكايته قول الكرخي بتقديم عمل الصحابي على الحديث ، وهذا خلاف ما هو معهود عنه أنه - دائما - يحكي عن شيخه أبي الحسن الكرخي مذهبه بكل صراحة .
الأمر الرابع : أن أبا الحسن الكرخي يقول بعدم حجية قول الصحابي (1)
(نقل هذا المذهب عنه تلميذه أبو بكر الجصاص في الفصول في الأصول ( ورقة 235/ ب ) ، والصيمري في مسائل الخلاف ( ص 365 ) ، واللزدوي في أصوله ( 3/ 217 ) مع كشف الأسرار ، والسرخسي في أصوله ( 2/ 105 ) ، والسمرقندي في ميزان الأصول ؟ ص 481 ) ، وأمير بادشاه في تيسير التحرير ( 3/ 133 ) ، وابن عبد الشكور في مسلم الثبوت ( 2/ 182 ) . )
ورأيه الذي رجحته - في المسألة - وهو الأخذ بالحديث دون عمل الصحابي مناسب لقوله هذا - وهو : أن قول الصحابي ليس بحجة ، بل أوْلى ؛ لأنه إذا كان لا يقبل عنده قول الصحابي المجرد عن معارضة حديث النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فكونه لا يقبل عنده قول الصحابي المعارض للحديث النبوي الشريف أوْلى . والله أعلم .
وذهب إلى هذا المذهب (2)
(وهو : أن الحديث يبقى على حجته ، ولا تؤثر عليه تلك المخالفة من الصحابي . )
- من الحنفية - أيضًا : أبو عبد اللَّه الصيمري ، فإنه في كتابه : " مسائل الخلاف " (3)
(( ص 268 - 269 ) . )
لما حكى قول أبي بكر الجصاص ، وذكر أن هناك رواية أخرى عن الكرخي ، وهي : أنه يأخذ بالحديث دون عمل الصحابة : استدل لهذا المذهب ، وأجاب عن أدلة المخالفين له - وهم جمهور الحنفية (4)
(راجع مسائل الخلاف ( ص 268 وما بعدها ) . )
- القائلين : إنه يؤخذ بعمل الصحابي ويسقط الاحتجاج بالحديث - كما سيأتي إن شاء اللَّه - .
من المالكية - لقد ذهب إلى هذا المذهب من المالكية :
الإِمام مالك نسبه إليه ابن العربي (5)
(انظر في ترجمته : شذرات الذهب ( 4/ 141 ) . والديباج المذهب ( 2/ 252 ) وفيات الأعيان ( 3/ 422 ) . )
في " المحصول " (6)
(( ص 392 ) . )
.
ابن العربي المالكي حيث وصفه في " المحصول " (7)
(( ص 392 ) . )
بأنه هو الصحيح . وأبو الوليد الباجي (8)
(انظر في ترجمته : طبقات المفسرين للداودي ( 1/ 202 ) ، طبقات الحفاظ ( ص 440 ) وفيات الأعيان ( 1/ 215 ) . )
ذهب إليه في " إحكام الفصول " (9)
(( ص 345 ) . )
.
(1)نقل هذا المذهب عنه تلميذه أبو بكر الجصاص في الفصول في الأصول ( ورقة 235 / ب ) ، والصيمري في مسائل الخلاف ( ص 365 ) ، واللزدوي في أصوله ( 3/217 ) مع كشف الأسرار ، والسرخسي في أصوله ( 2/105 ) ، والسمرقندي في ميزان الأصول ؟ ص 481 ) ، وأمير بادشاه في تيسير التحرير ( 3/133 ) ، وابن عبد الشكور في مسلم الثبوت ( 2/182 ) .
(2)وهو : أن الحديث يبقى على حجته ، ولا تؤثر عليه تلك المخالفة من الصحابي .
(3)( ص 268 - 269 ) .
(4)راجع مسائل الخلاف ( ص 268 وما بعدها ) .
(5)انظر في ترجمته : شذرات الذهب ( 4/141 ) . والديباج المذهب ( 2/252 ) وفيات الأعيان ( 3/422 ) .
(6)( ص 392 ) .
(7)( ص 392 ) .
(8)انظر في ترجمته : طبقات المفسرين للداودي ( 1/202 ) ، طبقات الحفاظ ( ص 440 ) وفيات الأعيان ( 1/215 ) .
(9)( ص 345 ) .
- 36 -(14/36)
وشهاب الدين القرافي في " شرح تنقيح الفصول " (1)
(( ص 371 ) . )
وابن التلمساني (2)
(انظر في ترجمته : نيل الابتهاج ( ص 255 ) ، الأعلام ( 5/ 277 ) . )
ذهب إليه في " مفتاح الوصول " (3)
(( ص 19 - 20 ) . )
.
ونسبه إلى جميع المالكية أبو الوليد الباجي في " إحكام الفصول " (4)
(( ص 345 ) . )
.
من الشافعية : لقد اختار هذا المذهب من الشافعية :
الإِمام الشافعي ، نسبه إليه إمام الحرمين حيث قال في " البرهان " (5)
(( 1/ 442 ) . )
" الصحابي إذا روى خبرًا وعمل بخلافه فالذي ذهب إليه الشافعي أن الاعتبار براويته لا بعمله " (6)
(المرجع السابق . )
وأكد ذلك شارح البرهان - الأبياري (7)
(انظر في ترجمته : حسن المحاضرة ( 1/ 454 ) ، الديباج المذهب ( 2/ 121 ) . )
في " التحقيق والبيان " (8)
(( ص 606 ) . )
ونسبه إليه أيضًا فخر الدين الرازي (9)
(انظر في ترجمته : الذهب ( 5/ 21 ) ، طبقات المفسرين للداودي ( 2/ 214 ) وفيات الأعيان ( 3/ 381 ) . )
في " المعالم " (10)
(( ص 1119 ) مع شرحه لابن التلمساني الشافعي . )
ونسبه إليه ابن العربي في " المحصول " (11)
(( ص 392 ) . )
كما نسبه إليه السمرقندي في " الميزان " (12)
(( 77 ) ص ( 444 ) . )
والسمرقندي في " بذل النظر " (13)
(( ص 483 ) . )
وابن أمير الحاج (14)
(انظر في ترجمته : شذرات الذهب ( 7/ 328 ) ، الضوء اللامع ( 9/ 210 ) . )
في " التقرير والتحبير " (15)
(( 2/ 266 ) . )
واختاره - أيضًا - منهم ، أبو إسحاق الشيرازي (16)
(انظر في ترجمته : المنتظم ( 9/ 7 ) ، شذرات الذهب ( 3/ 349 ) ، تهذيب الأسماء ( 2/ 172 ) . )
في " شرح اللمع " (17)
(( 2/ 656 ) . )
وابن السمعاني في " قواطع الأدلة " (18)
(( ص 780 ) . )
.
وفخر الدين الرازي في " المعالم " (19)
(( ص 1119 ) مع شرحه لابن التلمساني . )
.
وسيف الدين الآمدي في " الأحكام " (20)
(( 2/ 116 ) . )
.
وابن التلمساني الشافعي (21)
(انظر في ترجمته : طبقات ابن السبكي ( 5/ 60 ) . )
في " شرح المعالم " (22)
(( ص 1119 ) . )
.
وابن برهان (23)
(انظر في ترجمته : شذرات الذهب ( 4/ 62 ) ، وفيات الأعيان ( 1/ 82 ) ، طبقات الشافعية لابن السبكي ( 6/ 30 ) . )
في " الوصول إلى الوصول " (24)
(( 2/ 195 ) . )
.
والخطيب البغدادي في " الفقيه والمتفقة " (25)
(( 1/ 141 ) . )
.
ونسب هذا المذهب إلى جميع الشافعية بعض العلماء ، منهم : أبو يعلى في " العدة " (26)
(( 2/ 590 ) . )
وأبو الخطاب في " التمهيد " (27)
(( 3/ 193 ) . )
والمجد بن تيمية في " المسودة " (28)
(( ص 128 ) . )
والفتوحي الحنبلي في " شرح الكوكب المنير " (29)
(( 2/ 562 ) . )
.
من الحنابلة - اختار هذا المذهب من الحنابلة :
الإِمام أحمد في أصح الروايتين عنه نقلها أبو يعلى في " العدة " (30)
(( 2/ 589 - 590 ) . )
والمجد بن تيمية في " المسودة " (31)
(( ص 128 ) . )
.
واختار هذا المذهب من الحنابلة - أيضًا - أبو يعلى في " العدة " (32)
(( 2/ 589 ) . )
.
وأبو الخطاب في " التمهيد " (33)
(( 3/ 193 ) . )
.
(1)( ص 371 ) .
(2)انظر في ترجمته : نيل الابتهاج ( ص 255 ) ، الأعلام ( 5/277 ) .
(3)( ص 19 - 20 ) .
(4)( ص 345 ) .
(5)( 1/442 ) .
(6)المرجع السابق .
(7)انظر في ترجمته : حسن المحاضرة ( 1/454 ) ، الديباج المذهب ( 2/121 ) .
(8)( ص 606 ) .
(9)انظر في ترجمته : الذهب ( 5/21 ) ، طبقات المفسرين للداودي ( 2/214 ) وفيات الأعيان ( 3/381 ) .
(10)( ص 1119 ) مع شرحه لابن التلمساني الشافعي .
(11)( ص 392 ) .
(12)( 77 ) ص ( 444 ) .
(13)( ص 483 ) .
(14)انظر في ترجمته : شذرات الذهب ( 7/328 ) ، الضوء اللامع ( 9/210 ) .
(15)( 2/266 ) .
(16)انظر في ترجمته : المنتظم ( 9/7 ) ، شذرات الذهب ( 3/349 ) ، تهذيب الأسماء ( 2/172 ) .
(17)( 2/656 ) .
(18)( ص 780 ) .
(19)( ص 1119 ) مع شرحه لابن التلمساني .
(20)( 2/116 ) .
(21)انظر في ترجمته : طبقات ابن السبكي ( 5/60 ) .
(22)( ص 1119 ) .
(23)انظر في ترجمته : شذرات الذهب ( 4/62 ) ، وفيات الأعيان ( 1/82 ) ، طبقات الشافعية لابن السبكي ( 6/30 ) .
(24)( 2/195 ) .
(25)( 1/141 ) .
(26)( 2/590 ) .
(27)( 3/193 ) .
(28)( ص 128 ) .
(29)( 2/562 ) .
(30)( 2/589 - 590 ) .
(31)( ص 128 ) .
(32)( 2/589 ) .
(33)( 3/193 ) .
- 37 -(14/37)
وابن القيم (1)
(انظر في ترجمته : شذرات الذهب ( 6/ 168 ) ، ذيل طبقات الحنابلة ( 2/ 447 ) ، بغية الوعاة ( 1/ 62 ) ، البد الطالع ( 2/ 143 ) . )
في " أعلام الموقعين " (2)
(( 3/ 53 ) . )
حيث قال فيه : " والذي ندين اللَّه به ، ولا يسعنا غيره أن الحديث إذا صح عن رسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم يصح عنه حديث آخر ينسخه : أن الفرض علينا وعلى الأمة الأخذ بحديثه وترك ما خالفه كائنًا ما كان " .
والفتوحي الحنبلي في " شرح الكوكب المنير " (3)
(( 2/ 562 ) . )
.
من الظاهرية : لقد صرح ابن حزم باختيار هذا المذهب وذلك في الإحكام (4)
(( 2/ 183 ) . )
والنبذ " (5)
(( ص 98 ) . )
.
الجمهور : لقد نسب العلائي (6)
(انظر في ترجمته : الدرر الكامنة ( 2/ 90 ) ، البداية والنهاية ( 14/ 267 ) ، طبقات الشافعية ( 6/ 104 ) لابن السبكي ، شذرات الذهب ( 6/ 190 ) . )
في " إجمال الإصابة " (7)
(( ص 91 ) . )
هذا المذهب إلى جمهور العلماء .
ثانيًا : أدلة أصحاب هذا المذهب : لقد استدل أصحاب هذا المذهب - وهو : أن مخالفة الصحابي للحديث لا تؤثر عليه مطلقًا ، بل يبقى على حجيته - بأدلة إليك إياها - مع مناقشة ما يمكن مناقشته منها :
الدليل الأول : أن الحديث وهو قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو فعله أو تقريره إذا ورد وجب على الصحابي وغيره (8)
(قلت ذلك لأن الحديث حجة على كافة الأمة ، والصحابي محجوج به كغيره ، قال تعالى في سورة الأحزاب الآية 36 - : ( وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى اللَّه ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ) وقال عز وجل - في سورة الحشر الآية السابعة - : ( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ) . وهذا وارد من غير تخصيص لبعض الأمة ، دون بعض . )
اتباعه وامتثاله والاحتجاج به إلا أن يدل دليل على نسخه ، وترك الصحابي له ومخالفته إياه ليس من أدلة النسخ ، فلا يسقط الاحتجاج به مطلقًا بمجرد مخالفة الصحابي له (9)
(انظر : قواطع الأدلة ؟ ( ص 781 ) ، إحكام الفصول ؟ ص ( 345 ) ، الفقيه والمتفقه ( 1/ 141 ) ، تيسير التحرير ( 3/ 73 ) ، والتقرير والتحبير ( 2/ 266 ) . )
.
الجواب عن هذا الدليل :
لقد أجاب الكمال بن الهمام في " التحرير " (10)
(( ص 329 ) . )
عن هذا الدليل بجواب مفاده : أن النص واجب الاتباع وهو الناسخ الذي لأجله ترك الحديث المروي ، فالناسخ نسخ هذا الحديث المروي فيجب الأخذ به ، وترك الحديث المنسوخ (11)
(وانظر : التقرير والتحبير ( 2/ 266 ) ، تيسير التحرير ( 3/ 73 ) . )
.
الاعتراض على هذا الجواب :
قلت : هذا الناسخ الذي ترك الصحابي الحديث لأجله لم يتضح لنا ، ولم نعلمه ، كل ما علمناه هو أن هذا الصحابي ترك هذا الحديث الذي رواه - فقط - وهذا
(1)انظر في ترجمته : شذرات الذهب ( 6/168 ) ، ذيل طبقات الحنابلة ( 2/447 ) ، بغية الوعاة ( 1/62 ) ، البد الطالع ( 2/143 ) .
(2)( 3/53 ) .
(3)( 2/562 ) .
(4)( 2/183 ) .
(5)( ص 98 ) .
(6)انظر في ترجمته : الدرر الكامنة ( 2/90 ) ، البداية والنهاية ( 14/267 ) ، طبقات الشافعية ( 6/104 ) لابن السبكي ، شذرات الذهب ( 6/190 ) .
(7)( ص 91 ) .
(8)قلت ذلك لأن الحديث حجة على كافة الأمة ، والصحابي محجوج به كغيره ، قال تعالى في سورة الأحزاب الآية 36 - : ( وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى اللَّه ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ) وقال عز وجل - في سورة الحشر الآية السابعة - : ( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ) . وهذا وارد من غير تخصيص لبعض الأمة ، دون بعض .
(9)انظر : قواطع الأدلة ؟ ( ص 781 ) ، إحكام الفصول ؟ ص ( 345 ) ، الفقيه والمتفقه ( 1/141 ) ، تيسير التحرير ( 3/73 ) ، والتقرير والتحبير ( 2/266 ) .
(10)( ص 329 ) .
(11)وانظر : التقرير والتحبير ( 2/266 ) ، تيسير التحرير ( 3/73 ) .
- 38 -(14/38)
ليس فيه دلالة بالإشارة ولا بالصراحة - على أن الحديث منسوخ ، فكيف نترك شيئًا قد ثبت لأجل شيء لم يثبت ؟ ! هذا بعيد جدًّا .
الدليل الثاني : أن حديث النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حجة في نفسه ، ويجب العمل به بمجرده ما لم يمنع مانع ، وفعل الصحابي - المخالف للحديث - ليس بحجة ولا يجوز العمل به ، فلا يجوز العدول عما هو حجة إلى ما ليس بحجة (1)
(انظر : مسائل الخلاف ( ص 269 ) ، المعتمد ( 2/ 175 ) ، العدة ( 2/ 592 ) ، التبصرة ( ص 343 ) ، بذل النظر ( ص 482 ) ، النبذ ( ص 101 ) ، الوصول إلى الأصول ( ص 444 ) . )
.
الدليل الثالث : أن قول الصحابي اختلف في حجيته ، والقائلون بأنه حجة ذكروا أنه إذا تعارض مع خبر الواحد ، فإن خبر الواحد مقدم عليه ، وإذا كان كذلك وجب العمل بخبر الواحد ، وترك عمل الصحابي (2)
(انظر : العدة ( 2/ 592 ) ، إجمال الإصابة ( ص 91 ) . )
.
الدليل الرابع : أن حديث النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حجة يجب العمل بها وقد جزم الراوي العدل برواية هذا الحديث عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيكون هذا هو الأصل الذي يجب أن يتبع .
فأما ترك الصحابي العمل بهذا الحديث فيتطرق إليه عدة احتمالات : فقد يكون لا يتفطن لدلالته على تلك المسألة ، أو يقوم في ظنه ما يعارضه ولا يكون معارضًا في نفس الأمر ، أو يقلد غيره في فتواه بخلافه ، لاعتقاده أنه أعلم منه ، وأنه خالفه لأقوى منه ، أو أن الحديث منسوخ في ظنه .
فيوقف في فعل الصحابي حتى يتبين ، لأن المحتمل يتوقف فيه حتى يأتي دليل يرجح أحد المحتملات .
أما حديث النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقد بقي على ما هو عليه ، ولا يحتمل أي احتمال من تلك الاحتمالات فيجب العمل به (3)
(انظر : النبذ ( ص 98 ) ، ميزان الأصول ( ص 444 ) ، التمهيد لأبي الخطاب ( 3/ 194 ) ، الوصول ( 2/ 195 - 196 ) ، الإحكام للآمدي ( 2/ 116 ) ، المعالم ( ص 1119 ) ، شرح المعالم ( 1121 ) ، شرح العضد ( 2/ 72 ) ، إعلام الموقعين ( 3/ 53 ) . )
.
الدليل الخامس : أن الصحابي قد ينسى الحديث الذي رواه جملة ، أو لا يحضره في وقت الفتيا ، فيجب على الذاكر له العمل به (4)
(انظر : النبذ ( ص 98 ) . الفقه والمتفقه ( ص 1/ 141 - 142 ) . )
.
الجواب عن هذا الدليل :
بأن قيل : نسيان الصحابي للحديث الذي رواه بعيد جدًّا ، فيكون هذا الاحتمال ساقط ، فينتج أن الصحابي لم يتركه لنسيانه له ، بل لكون الحديث منسوخًا .
(1)انظر : مسائل الخلاف ( ص 269 ) ، المعتمد ( 2/175 ) ، العدة ( 2/592 ) ، التبصرة ( ص 343 ) ، بذل النظر ( ص 482 ) ، النبذ ( ص 101 ) ، الوصول إلى الأصول ( ص 444 ) .
(2)انظر : العدة ( 2/592 ) ، إجمال الإصابة ( ص 91 ) .
(3)انظر : النبذ ( ص 98 ) ، ميزان الأصول ( ص 444 ) ، التمهيد لأبي الخطاب ( 3/194 ) ، الوصول ( 2/195 - 196 ) ، الإحكام للآمدي ( 2/116 ) ، المعالم ( ص 1119 ) ، شرح المعالم ( 1121 ) ، شرح العضد ( 2/72 ) ، إعلام الموقعين ( 3/53 ) .
(4)انظر : النبذ ( ص 98 ) . الفقه والمتفقه ( ص 1/141 - 142 ) .
- 39 -(14/39)
الاعتراض على هذا الجواب :
قلت : يعترض على هذا الجواب . بأنا لا نسلم أن النسيان بعيد ، فقد نسي عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَوْله تَعَالَى : { إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ } (1)
(سورة الزمر / 30 . )
لما قال : ما مات رسول اللَّه صلى اللَّه عليه ولا يموت حتى يفني اللَّه عز وجل المنافقين ، فلما ذكر بالآية السابقة خر إلى الأرض كما أخرج ذلك الإِمام أحمد في " المسند " (2)
(( 6/ 219 ) . )
.
كذلك نسي عمر - نفسه - قَوْله تَعَالَى { G, - G(3)
(سورة النساء / 20 . )
لما قال - وهو على المنبر - " لا يزيدن أحدكم في صدقات النساء على أربع مائة درهم " فلما ذكرته امرأة بتلك الآية السابقة رجع إلى قولها ، أخرج ذلك البيهقي (4)
(انظر في ترجمته : " المنتظم " و " وفيات الأعيان " شذرات الذهب ( 3/ 304 ) . )
في " سننه " (5)
(( 7/ 223 ) . )
والخطيب البغدادي في " الفقيه والمتفقه " (6)
(( 1/ 142 ) . )
.
وإذا ثبت أن عمر قد نسي هاتين الآيتين مع قراءته لهما فإنه يجوز أن ينسى الصحابي الحديث الذي رواه ، فلا يكون ذلك بعيدًا .
الدليل السادس : أنه لا يحل لأحد أن يظن بالصحابي أن يكون عنده نسخ لما روى ، فيسكت عنه ، ويبلغ إلينا المنسوخ دون أن يبين لنا الناسخ ، لأن اللَّه - تعالى - قال : { إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاعِنُونَ } (7)
(سورة البقرة / 159 . )
.
وقد نزه اللَّه سبحانه صحابة نبيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن هذا (8)
(انظر : الفقيه والمتفقه ( 1/ 143 ) ، النبذ ( ص 100 ) . )
.
الدليل السابع : أن اللَّه تعالى قد حفظ القرآن الكريم ، وحفظ السنة النبوية ، وضمن ذلك بقوله تعالى : { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } (9)
(سورة الحجر / 9 . )
فهنا بين اللَّه - سبحانه - أنه حفظ كل ما قاله صلى اللَّه عليه فبطل أن يكون عند أحد من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - شيء عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فلا يبلغه ، وإذا بطل ذلك فقد بطل زعمكم أن الصحابي ما خالف حديث النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا لعلمه ما ينسخه (10)
(انظر : النبذ ( ص 100 ) . )
.
المطلب الثاني في المذهب الثاني :
وهو : أنه إذا خالف الصحابي الحديث فإنه يؤخذ بمخالفته وعمله ويسقط
(1)سورة الزمر /30 .
(2)( 6/219 ) .
(3)سورة النساء /20 .
(4)انظر في ترجمته : " المنتظم " و " وفيات الأعيان " شذرات الذهب ( 3/304 ) .
(5)( 7/223 ) .
(6)( 1/142 ) .
(7)سورة البقرة /159 .
(8)انظر : الفقيه والمتفقه ( 1/143 ) ، النبذ ( ص 100 ) .
(9)سورة الحجر /9 .
(10)انظر : النبذ ( ص 100 ) .
- 40 -(14/40)
الاحتجاج بالحديث النبوي . وإليك ذكر أصحاب هذا المذهب ، وأدلتهم عليه .
أولا : أصحاب هذا المذهب .
ثانيًا : أدلتهم على ذلك .
أولا : أصحاب هذا المذهب :
من الحنفية - ذهب إلى هذا المذهب أكثر الحنفية ومنهم :
الإِمام أبو حنيفة ، نسبه إليه ابن العربي في " المحصول " (1)
(( ص 392 ) . )
.
واختاره عيسى بن أبان (2)
(انظر في ترجمته : الجواهر المضيئة ( 1/ 401 ) ، تاريخ بغداد ( 11/ 157 ) ، طبقات الفقهاء ( ص 127 ) . )
حكاه عنه أبو بكر الجصاص في " الفصول في الأصول " (3)
(( ورقة 205/ أ ) . )
ونسبه إليه - أيضًا - أبو زيد الدبوسي (4)
(انظر في ترجمته : وفيات الأعيان ( 22/ 251 ) ، الفوائد البهية ( ص109 ) ، تاج التراجم ( ص 36 ) . )
في " الأسرار في الصول والفروع " (5)
(( ص 458 ) . )
ونسبه إليه - أيضًا - ابن القشيري (6)
(انظر في ترجمته : إنباه الرواة ( 2/ 193 ) ، شذرات الذهب ( 3/ 319 ) ، المنتظم ( 8/ 280 ) . )
حيث قال في أثناء بيانه لكلام إمام الحرمين : " وعلى هذا فلا يقطع بأن الحديث منسوخ كما صار إليه ابن أبان " (7)
(نقله عنه الزركشي في البحر المحيط ( 4/ 370 ) . )
.
وذهب إلى هذا المذهب - أيضًا - أبو زيد الدبوسي في " الأسرار في الأصول والفروع " (8)
(( ص 457 ) . )
.
وفخر الإِسلام البزدوي (9)
(انظر في ترجمته المضيئة ( 1/ 372 ) ، مفتاح السعادة ( 2/ 54 ) ، الفوائد البهية ( ص 24 ) . )
في " أصوله " (10)
(( 3/ 63 ) مع الكشف . )
.
وأبو محمد الخبازي (11)
(انظر في ترجمته : الأعلام ( 5/ 63 ) ، الجواهر المضيئة ( 1/ 398 ) ، تاج التراجم ( ص 35 ) ، مقدمة كتاب المغني للخبازي من وضع الدكتور : محمد مظهر بقا . )
في " المغني في أصول الفقه " (12)
(( ص : 215 - 216 ) . )
والسمرقندي في " الميزان " (13)
(( ص 444 ) . )
والسجستاني (14)
(انظر في ترجمته : كشف الظنون ( 1/ 114 ) ، هدية العارفين ( 6/ 242 ) . )
في " الغنية في الأصول " (15)
(( ص 135 ) . )
وصدر الشريعة ، (16)
(انظر في ترجمته : تاج التراجم ( 2/ 155 ) ، الفوائد البهية ( ص 9 : 10 ) . )
في " التوضيح على التنقيح " (17)
(( 2/ 13 ) . )
والسمرقندي في " بذل النظر " (18)
(( ص 482 ) . )
والسرخسي (19)
(انظر في ترجمته : تاج التراجم ( ص 52 ) . الجواهر المضيئة ( 2/ 28 ) . )
في " أصوله " (20)
(( 2/ 6 ) . )
وعبد العزيز البخاري في " كشف الأسرار " (21)
(( 3/ 6 ) . )
.
وأبو البركات النسفي (22)
(انظر في ترجمته : الفوائد البهية ( ص 101 ) ، تاج التراجم ( ص : 83 ) . )
في " المنار " (23)
(( 2/ 79 ) مع شرحه : كشف الأسرار للنسفي نفسه . )
والكمال بن الهمام في " التحرير " (24)
(( ص 329 - 330 ) . )
وابن أمير الحاج في " التقرير والتحبير " (25)
(( 2/ 266 ) . )
وملاجيون (26)
(أحمد بن أبي سعيد بن عبيد اللَّه الحنفي الصديقي الميهوي المعروف بـ " ملاجيون " كانت وفاته عام ( 1130 هـ ) ، كان - رحمه اللَّه - فقيها ، أصوليا ، متكلما ، من أهم مصنفاته : " الشمس البازغة " و " الشرح نور الأنوار على المنار . )
في " شرح نور الأنوار على المنار " (27)
(( 2/ 85 ) مع كشف الأسرار للنسفي . )
وأمير بادشاه في " تيسير التحرير " (28)
(( 3/ 71 - 72 ) . )
وابن عبد الشكور في " مسلم الثبوت " (29)
(( 2/ 163 ) مع فواتح الرحموت . )
والأنصاري (30)
(انظر في ترجمته : الفتح المبين ( 3/ 132 ) . )
في " فواتح الرحموت " (31)
(( 2/ 163 ) . )
وهو مذهب أكثر الحنفية - كما قلت سابقًا - وصرح بذلك السمرقندي في " الميزان " (32)
(( ص 444 ) . )
.
(1)( ص 392 ) .
(2)انظر في ترجمته : الجواهر المضيئة ( 1/401 ) ، تاريخ بغداد ( 11/157 ) ، طبقات الفقهاء ( ص 127 ) .
(3)( ورقة 205 / أ ) .
(4)انظر في ترجمته : وفيات الأعيان ( 22/251 ) ، الفوائد البهية ( ص109 ) ، تاج التراجم ( ص 36 ) .
(5)( ص 458 ) .
(6)انظر في ترجمته : إنباه الرواة ( 2/193 ) ، شذرات الذهب ( 3/319 ) ، المنتظم ( 8/280 ) .
(7)نقله عنه الزركشي في البحر المحيط ( 4/370 ) .
(8)( ص 457 ) .
(9)انظر في ترجمته المضيئة ( 1/372 ) ، مفتاح السعادة ( 2/54 ) ، الفوائد البهية ( ص 24 ) .
(10)( 3/63 ) مع الكشف .
(11)انظر في ترجمته : الأعلام ( 5/63 ) ، الجواهر المضيئة ( 1/398 ) ، تاج التراجم ( ص 35 ) ، مقدمة كتاب المغني للخبازي من وضع الدكتور : محمد مظهر بقا .
(12)( ص : 215 - 216 ) .
(13)( ص 444 ) .
(14)انظر في ترجمته : كشف الظنون ( 1/114 ) ، هدية العارفين ( 6/242 ) .
(15)( ص 135 ) .
(16)انظر في ترجمته : تاج التراجم ( 2/155 ) ، الفوائد البهية ( ص 9 : 10 ) .
(17)( 2/13 ) .
(18)( ص 482 ) .
(19)انظر في ترجمته : تاج التراجم ( ص 52 ) . الجواهر المضيئة ( 2/28 ) .
(20)( 2/6 ) .
(21)( 3/6 ) .
(22)انظر في ترجمته : الفوائد البهية ( ص 101 ) ، تاج التراجم ( ص : 83 ) .
(23)( 2/79 ) مع شرحه : كشف الأسرار للنسفي نفسه .
(24)( ص 329 - 330 ) .
(25)( 2/266 ) .
(26)أحمد بن أبي سعيد بن عبيد اللَّه الحنفي الصديقي الميهوي المعروف بـ " ملاجيون " كانت وفاته عام ( 1130 هـ ) ، كان - رحمه اللَّه - فقيها ، أصوليا ، متكلما ، من أهم مصنفاته : " الشمس البازغة " و " الشرح نور الأنوار على المنار .
(27)( 2/85 ) مع كشف الأسرار للنسفي .
(28)( 3/71 - 72 ) .
(29)( 2/163 ) مع فواتح الرحموت .
(30)انظر في ترجمته : الفتح المبين ( 3/132 ) .
(31)( 2/163 ) .
(32)( ص 444 ) .
- 41 -(14/41)
تنبيه :
هذا المذهب نسبه بعض الأصوليين إلى جميع الحنفية ، من هؤلاء : -
السمرقندي في " بذل النظر " (1)
(( ص 42 ) . )
وإمام الحرمين في " البرهان " (2)
(( 1/ 442 ) . )
وابن برهان في " الوصول إلى الأصول " (3)
(( 2/ 195 ) . )
وأبو الخطاب في " التمهيد " (4)
(( 3/ 193 ) . )
والباجي في " إحكام الفصول " (5)
(( ص 345 ) . )
والعلائي في " إجمال الإصابة " (6)
(( ص 91 ) . )
والفتوحي الحنبلي في " شرح الكوكب المنير " (7)
(( 2/ 562 ) . )
وابن حزم في " المحلي " (8)
(( 10/ 5 - 6 ) . )
.
قلت : نسبة هذا المذهب إلى جميع الحنفية فيه تساهل في النسبة ؛ وذلك لأن هذا ليس مذهبًا لجميعهم بل هو مذهب لأكثرهم ؛ حيث إن أبا الحسن الكرخي ، وأبا عبد اللَّه الصيمري وهما من أوائل الحنفية قد ذهبا إلى المذهب الأول وهو : أن هذه المخالفة لا تُسقط الاحتجاج بالحديث (9)
(كما سبق في هذا المذهب الأول . )
.
من المالكية : ذهب إلى هذا المذهب بعض المالكية وهم :
الإِمام مالك في قول له ، نقله أبو بكر ابن العربي في " المحصول " (10)
(( ص 392 ) . )
واختاره القاضي أبو بكر الباقلاني (11)
(انظر في ترجمته : شذرات الذهب ( 3/ 168 ) ، الديباج المذهب ( 2/ 228 ) ، ترتيب المدارك ( 4/ 585 ) . )
ذكر ذلك ابن العربي في " المحصول " (12)
(( 393 ) . )
واختاره أيضًا - الأبياري في " التحقيق والبيان " (13)
(( 607 ) . )
.
من الشافعية : اختار هذا المذهب بعض الشافعية وهم :
إمام الحرمين في " البرهان " (14)
(( 1/ 442 ) . )
إذ قال فيه : " وإن ناقض عمله روايته مع ذكره لها ، ولم يحتمل محملا في الجمع فالذي أراه امتناع التعلق بروايته " (15)
(المرجع السابق . )
وتبعه على ذلك ابن القشيري (16)
(نسبه إليه الزركشي في البحر المحيط ( 4/ 370 ) . )
.
من الحنابلة : ذهب إلى ذلك المذهب من الحنابلة :
الإِمام أحمد في رواية عنه نقلها أبو يعلى في " العدة " (17)
(( 2/ 590 ) . )
وأشار إلى تلك الرواية أبو الخطاب في " التمهيد " (18)
(( 3/ 192 ) . )
والمجد بن تيمية في " المسودة " (19)
(( ص 128 ) . )
والفتوحي الحنبلي في " شرح الكوكب المنير " (20)
(( 2/ 562 ) . )
.
(1)( ص 42 ) .
(2)( 1/442 ) .
(3)( 2/195 ) .
(4)( 3/193 ) .
(5)( ص 345 ) .
(6)( ص 91 ) .
(7)( 2/562 ) .
(8)( 10/5 - 6 ) .
(9)كما سبق في هذا المذهب الأول .
(10)( ص 392 ) .
(11)انظر في ترجمته : شذرات الذهب ( 3/168 ) ، الديباج المذهب ( 2/228 ) ، ترتيب المدارك ( 4/585 ) .
(12)( 393 ) .
(13)( 607 ) .
(14)( 1/442 ) .
(15)المرجع السابق .
(16)نسبه إليه الزركشي في البحر المحيط ( 4/370 ) .
(17)( 2/590 ) .
(18)( 3/192 ) .
(19)( ص 128 ) .
(20)( 2/562 ) .
- 42 -(14/42)
تنبيه :
نسب فخر الدين الرازي في " المعالم " (1)
(( ص 1119 ) مع شرحه لابن التلمساني الشافعي . )
هذا المذهب إلى الأكثرين .
قلت : وهذا فيه تساهل في النسبة ، لأن أكثر العلماء ذهبوا إلى الأخذ بالمذهب الأول - وهو أن مخالفة الصحابي لا تسقط الاحتجاج بالحديث .
تنبيه ثان :
نسب ابن حزم في " المحلَّى " هذا المذهب إلى جميع المالكية .
قلت : هذه النسبة فيها تساهل ؛ لأني بعد تتبع كتب المالكية وغيرهم وجدت أنه لم يذهب إلى ذلك إلا من ذكرته فيما سبق ، والله أعلم .
ثانيًا : أدلة أصحاب هذا المذهب :
لقد استدل أصحاب هذا المذهب - وهو : أن الصحابي إذا خالف الحديث الذي بلغه - براويته له - فإنه يسقط الاحتجاج بالحديث ، ويعمل بفعل الصحابي الذي خالف الحديث - بأدلة إليك إياها : -
الدليل الأول : لا يجوز أن يتعمد الصحابي مخالفة الحديث الذي صح عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأن مخالفته فسق ، والصحابة عدول - كما عدلهم اللَّه ورسوله - منزهون عن ذلك ، فيحمل ترك استعماله للحديث على أنه قد علم نسخه ، فيكون الصحابي قد ترك الحديث وخالفه عن توقيف ، لا عن اجتهاد ، وهذا أحسن الوجوه التي يجب أن يحمل عليها مخالفة الصحابي للحديث ، تحسينًا للظن به (2)
(انظر : مسائل الخلاف ( ص 269 ) ، تقويم الأدلة ( ص 457 ) ، أصول السرخسي ( 2/ 6 ) ، بذلك النظر ( ص 482 ) ، التحرير للكمال بن الهمام ( ص : 33 ) ، شرح اللمع ( 2/ 656 ) ، العدة ( 2/ 592 ) ، التمهيد لأبي الخطاب ( 3/ 194 ) ، إحكام الفصول ( ص 346 ) المحصول لابن العربي ( ص 392 ) ، التحقيق والبيان ( ص 607 ) ، تيسير التحرير ( 3 - 72 ) ، فواتح الرحموت ( 2/ 163 ) ، شرح الأنوار ( 2/ 75 ) ، فتح القدير للكمال بن الهمام ( 3/ 7 ) ذكر ذلك أثناء كلامه عن حكم رضاع الكبير . )
.
الأجوبة عن هذا الدليل :
يمكن أن يجاب عن ذلك الدليل بالأجوبة التالية :
الجواب الأول : أن الصحابي له الاجتهاد في كون الخبر غير ثابت الحكم وهو منسوخ ، فإذا أداه اجتهاده إلى أنه منسوخ لم يكن مخطئًا في ذلك وإن كان لا يلزمنا اتباعه (3)
(انظر : مسائل الخلاف ( ص 269 ) . )
.
(1)( ص 1119 ) مع شرحه لابن التلمساني الشافعي .
(2)انظر : مسائل الخلاف ( ص 269 ) ، تقويم الأدلة ( ص 457 ) ، أصول السرخسي ( 2/6 ) ، بذلك النظر ( ص 482 ) ، التحرير للكمال بن الهمام ( ص : 33 ) ، شرح اللمع ( 2/656 ) ، العدة ( 2/592 ) ، التمهيد لأبي الخطاب ( 3/194 ) ، إحكام الفصول ( ص 346 ) المحصول لابن العربي ( ص 392 ) ، التحقيق والبيان ( ص 607 ) ، تيسير التحرير ( 3 - 72 ) ، فواتح الرحموت ( 2/163 ) ، شرح الأنوار ( 2/75 ) ، فتح القدير للكمال بن الهمام ( 3/7 ) ذكر ذلك أثناء كلامه عن حكم رضاع الكبير .
(3)انظر : مسائل الخلاف ( ص 269 ) .
- 43 -(14/43)
الجواب الثاني : أن قولكم : " إنه لم يتركه إلا لكونه منسوخًا " هذا غير صحيح ، لأنه يجوز أن يتركه سهوًا ، أو غلطًا ، أو نسيانًا ، أو تركه لحديث آخر لم يصل إلينا ، كما يجوز أن يتأول فيه بتأويل غير صحيح ، ويجوز أنه تركه لأنه رأى غيره أوْلى منه مما لو بلغنا لم نقدمه عليه .
وإذا تطرقت هذه الاحتمالات ، فلا يصح لكم أن تحصروا تركه له لكونه منسوخًا ، فالنسخ جائز كما أن غيره جائز .
فإذا تطرقت هذه الاحتمالات إلى ذلك ، فلا يجوز - بأي حال من الأحوال - ترك ما لم يتطرق إليه أي احتمال ، وهو : حديث رسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الثابت ، فيكون هو المعتمد ، وغيره من مخالفة الصحابي لا يلتفت إليه (1)
(انظر : إحكام الفصول ( ص 346 ) ، شرح اللمع ( 2/ 656 ) ، العدة ( 2/ 592 ) التمهيد لأبي الخطاب ( 3/ 194 ) . )
.
الجواب الثالث : لو كان الصحابي قد عرف ناسخ هذا الحديث لذكره ولو مرة في العمر ؛ لأنه لا يظن به كتمان العلم .
الاعتراض على هذا الجواب :
اعترض السمرقندي في " بذل النظر " (2)
(( ص 402 ) . )
على هذا الجواب باعتراض مفاده : أن مذهب الصحابي مع روايته يجري مجرى النقل ، لذلك جاز الاكتفاء به من غير صريح النقل .
الجواب عن هذا الاعتراض :
قلت : هذا الاعتراض ضعيف ، وذلك لأنه يحتمل أن الصحابي وهم من قصد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما لا أصل له ، فظن أنه علم ولم يعلم ، فيكون قد ظن ما ليس ناسخًا ناسخًا ، فيكون قد أسقط الحديث واستند إلى شيء لا يصلح عندنا للإسقاط (3)
(انظر : الإحكام للآمدي ( 2/ 116 ) ، تيسير التحرير ( 3/ 73 ) . )
.
الاعتراض على هذا الجواب :
لقد اعترض الكمال بن الهمام في " التحرير " (4)
(( ص 329 ) . )
بقوله : " إن احتمال ما ليس ناسخًا لا يخفى بعده فوجب نفيه " وبينه أمير بادشاه في " تيسير التحرير " (5)
(( 3/ 72 ) . )
بقوله : " فوجب
(1)انظر : إحكام الفصول ( ص 346 ) ، شرح اللمع ( 2/656 ) ، العدة ( 2/592 ) التمهيد لأبي الخطاب ( 3/194 ) .
(2)( ص 402 ) .
(3)انظر : الإحكام للآمدي ( 2/116 ) ، تيسير التحرير ( 3/73 ) .
(4)( ص 329 ) .
(5)( 3/72 ) .
- 44 -(14/44)
نفي هذا الاحتمال ، لظهور بعده " كما بينه ابن أمير الحاج في " التقرير والتحبير " (1)
(( 2/ 266 ) . )
بقوله : " أي : يجب نفي هذا الاحتمال ، لانتفاء الدليل الملجئ إلى اعتباره " والمعنى واحد .
الجواب عن هذا الاعتراض :
قلت : هذا الاعتراض لا يقوى على معارضة ما قلته ، حيث إن الاحتمال ما زال موجودًا - وهو احتمال توهم الصحابي وظنه العلم وهو ليس كذلك .
ثم إن الثابت هو نص رسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلا يزول إلا بنص ثابت واضح جلي فأين هذا في زعمكم ؟ ! ثم إنكم قلتم : " لا يخفى بعد هذا الاحتمال " ولم تثبتوا ذلك البعد ، ولم تذكروا أدلة عليه فيكون قولا بلا دليل ، فلا يلتفت إليه والله اعلم .
الدليل الثاني (2)
(من أدلة القائلين : إن حجية الحديث تسقط بمخالفة الصحابي له . )
أن الواجب حسن الظن بالصحابي ، فإذا روى حديثًا ، وعمل غيره ، فالواجب الحكم بأنه علم أن مراد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غير ظاهره (3)
(انظر : مسائل الخلاف ( ص 269 ) ، العدة ( 2/ 592 ) ، بذل النظر ( ص 482 - 483 ) . )
.
الجواب عن هذا الدليل : أنه لو كان كذلك لوجب أن ينقل إلينا ما علمه من مراده كما نقل إلينا ما سمعه من لفظه ، فلما لم يفعل ذلك علمنا أنه لم يعلم مراد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيكون حاله في ذلك كحال غيره ممن لم يشاهد الخطاب (4)
(انظر : مسائل الخلاف ( ص 269 ) ، العدة ( 2/ 592 - 593 ) . )
.
الدليل الثالث : أن الصحابي إذا روى حديثًا وعمل غير ما يقتضيه الحديث وجب أن نحكم أنه خرَّج ذلك على سبب ، فيكون مقصورًا عليه (5)
(انظر : مسائل الخلاف ( ص 269 ) . )
.
الجواب عن هذا الدليل :
لو كان كذلك لوجب أن ينقل إلينا السبب الذي خرج عليه كلامه كما نقل إلينا نفس الكلام ، ليعلم أنه غير مطلق ، ولما لم ينقل ذلك علمنا أن الكلام خرج مطلقًا (6)
(انظر المرجع السابق . )
.
(1)( 2/266 ) .
(2)من أدلة القائلين : إن حجية الحديث تسقط بمخالفة الصحابي له .
(3)انظر : مسائل الخلاف ( ص 269 ) ، العدة ( 2/592 ) ، بذل النظر ( ص 482 - 483 ) .
(4)انظر : مسائل الخلاف ( ص 269 ) ، العدة ( 2/592 - 593 ) .
(5)انظر : مسائل الخلاف ( ص 269 ) .
(6)انظر المرجع السابق .
- 45 -(14/45)
الدليل الرابع : أن الصحابي أعرف بمقاصد الشريعة ؛ حيث إنه شاهد الوحي وحضر التنزيل ، وكان يعرف من قرائن الأحوال ما لم نعرفه ، فإذا ذكر شيئًا كان مقبولا (1)
(انظر : العدة ( 2/ 592 ) ، البحر المحيط ( 4/ 371 ) حيث نقله عن ابن القشيري . )
.
الجواب عنه :
نسلم لكم أن الصحابي أعرف بذلك فيما إذا افتقر إلى البيان والتوضيح ، أما إذا كان الأمر قد أتى في مخالفة الخبر بقوله فلا ؛ لأنه يحتمل أن يكون قد تركه للاحتمال الذي ذكرناه (2)
(انظر : العدة ( 2/ 592 ) . )
.
الدليل الخامس : أن عمل الصحابي أو فتواه على خلاف الدليل من أبين الدلائل على الانقطاع وأنه لا أصل للحديث ، حيث إن كان خلافه حقًّا : بأن خالف للوقوف على أنه منسوخ ، أو ليس بثابت - وهو الظاهر من حاله - فقد بطل الاحتجاج بالحديث ؛ لأن المنسوخ أو ما هو ليس بثابت ساقط العمل والاعتبار .
وإن كان خلافه باطلا بأن خالف لقلة المبالاة ، أو التهاون بالحديث ، أو لغفلة ، أو لنسيان : فقد سقطت روايته فلا يعمل بالحديث الذي رواه ؛ لأن قلة المبالاة ، وكثرة التهاون والغفلة والنسيان مانع من قبول الرواية ، أي : أن هذه الأمور تخرج الراوي عن أهلية قبول الرواية (3)
(انظر : أصول السرخسي ( 2/ 6 ) ، الغنية ( ص 135 ) ، أصول اليزدوي ( 3/ 63 ) مع الكشف ، الميزان ( ص 444 - 445 ) ، تقويم الأدلة ؟ ( ص 457 ) ، الوصول ( 2/ 196 ) ، بذل النظر ( ص 482 ) ، كشف الأسرار للنسفي ( 2/ 79 ) ، شرح نور الأنوار . )
.
الجواب عنه :
يجاب عن ذلك بأن يقال : إنه يمكن أن يكون قد نسي الرواية . أو تأولها ، ويحتمل أن يكون ترك الحديث بضرب من الاجتهاد في تقديم غيره عليه ، وهو في ذلك يعتبر واحدا من المجتهدين ، فلا يقبل اجتهاده في مقابلة نص صريح ثابت .
ثم إنه ما ظهر في نظره لا يكون حجة على غيره . وإذا كان ذلك محتملا فلا يترك النص الذي لا احتمال فيه لأمر محتمل وهو معروف (4)
(انظر : التبصرة ( ص 343 ) ، الوصول ( 2/ 196 ) ، الإحكام للآمدي ( 2/ 116 ) . )
.
الدليل السادس : أنه لا يظن بمن هو من أهل الرواية أن يتعمد مخالفة ما رواه إلا عن شيء ثابت يوجب المخالفة " (5)
(انظر : البرهان ( 1/ 4442 ) ، البحر المحيط ( 4/ 370 ) . )
.
(1)انظر : العدة ( 2/592 ) ، البحر المحيط ( 4/371 ) حيث نقله عن ابن القشيري .
(2)انظر : العدة ( 2/592 ) .
(3)انظر : أصول السرخسي ( 2/6 ) ، الغنية ( ص 135 ) ، أصول اليزدوي ( 3/63 ) مع الكشف ، الميزان ( ص 444 - 445 ) ، تقويم الأدلة ؟ ( ص 457 ) ، الوصول ( 2/196 ) ، بذل النظر ( ص 482 ) ، كشف الأسرار للنسفي ( 2/79 ) ، شرح نور الأنوار .
(4)انظر : التبصرة ( ص 343 ) ، الوصول ( 2/196 ) ، الإحكام للآمدي ( 2/116 ) .
(5)انظر : البرهان ( 1/4442 ) ، البحر المحيط ( 4/370 ) .
- 46 -(14/46)
الجواب عنه :
أجاب الزركشي في " البحر المحيط " (1)
(( 4/ 31 ) . )
عنه : بأنه لو كان عند الصحابي سبب يوجب هذه المخالفة وتوجب رد حديثه لوجب عليه وهو راوي الحديث أن يبينه ويظهره لنا ، مثل ما أظهر لنا نص الحديث ، حيث إنه لا يجوز ترك ذكر ما عليه مدار الأمر ، لا سيما أن المحل محل التباس (2)
(انظر : البحث المحيط ( 4/ 371 ) . )
.
الدليل السابع : أن الصحابي إن ترك العمل بالحديث الذي رواه من غير دليل ومعارض راجح يكون فاسقًا وهذا بعيد جدًّا عن الصحابة ، فيلزم من ذلك أنه ما ترك العمل بالحديث إلا لمعارض راجح ، فيعمل بفعله ، ويترك الحديث الذي رواه (3)
(انظر : أصول البزدوي ( 3/ 63 ) مع الكشف . )
.
الجواب عنه :
أجاب العلائي في " إجمال الإصابة " (4)
(( ص 92 ) . )
بـ : أنه إنما يلزم من المخالفة الفسق إذا تركه من غير معارض بالكلية ، ولا يمكن لأحد أن يدعي ذلك ، بل يجوز له تركه لمعارض راجح في ظنه ، ولا يلزم فسقه إذا لم يكن راجحًا في نفس الأمر (5)
(انظر المرجع السابق . )
.
المطلب الثالث في الترجيح :
لقد علمت - حفظك اللَّه ورعاك - أن العلماء اختلفوا في هذه المسألة أعني مسألة : إذا خالف الصحابي الحديث الذي رواه هل تسقط تلك المخالفة الاحتجاج بالحديث ويعمل بتلك المخالفة ، أم أنه لا يلتفت إلى تلك المخالفة ويبقى الحديث على حجيته ؟ - على مذهبين : -
المذهب الأول : أن تلك المخالفة لا تسقط الاحتجاج بالحديث .
المذهب الثاني : أنها تسقط الاحتجاج بالحديث ، ويعمل بتلك المخالفة وعلمت - أيضًا - أدلة أصحاب كل مذهب .
وبعد تدبر ذلك كله ترجح - عندي - المذهب الأول - وهو بقاء الحديث على حجيته ، دون الالتفات إلى مخالفة الصحابي - وذلك لأمور :
(1)( 4/31 ) .
(2)انظر : البحث المحيط ( 4/371 ) .
(3)انظر : أصول البزدوي ( 3/63 ) مع الكشف .
(4)( ص 92 ) .
(5)انظر المرجع السابق .
- 47 -(14/47)
الأمر الأول : قوة أدلة أصحاب هذا المذهب ، وضعف ما وجه إلى بعضها من مناقشات وأجوبة .
الأمر الثاني : ضعف أدلة أصحاب المذهب الثاني - وهم القائلون يسقط الاحتجاج بالحديث ، ونأخذ بالمخالفة - وقد بان - ذلك - هذا الضعف من خلال أجوبتنا القوية عن أدلتهم - كلها .
الأمر الثالث : أنك أيها القارئ - لو دققت في المذهب الثاني وأدلته لوجدت كلامهم كله يدور حول احتمال : أن الصحابي لم يخالف الحديث ويتركه إلا لاطلاعه على ناسخ ، أو تمسكه بسبب جعله يفعل ذلك .
وهذا مجرد احتمال ، والاحتمال - كما تعرف - لا يبنى عليه أي حكم ، بل يتوقف فيه .
أما لو دققت النظر في كلام أصحاب المذهب الأول ووجهات نظرهم وأدلتهم لوجدت أنهم يتكلمون عن حقيقة لا احتمال فيها ولا إلباس وهو تمسكهم بالحديث النبوي الشريف الثابت .
فكيف يليق عند أي عاقل منصف أن يترك نصًّا صريحًا ثابتًا لا احتمال فيه من أجل مخالفة ذلك الصحابي له ، لتلك المخالفة التي يعتورها عدة احتمالات ؟ هذا لا يمكن ولا يجوز عقلا وشرعًا .
وصدق الإِمام الشافعي حينما قال - في مثل ذلك - " وكيف أترك الحديث لقول من لو عاصرته لحاججته " (1)
(نقل ذلك العضد في شرح مختصر ابن الحاجب ( 2/ 72 ) والمحلي في شرح جمع الجوامع ( 2/ 170 ) . )
.
(1)نقل ذلك العضد في شرح مختصر ابن الحاجب ( 2/72 ) والمحلي في شرح جمع الجوامع ( 2/170 ) .
- 48 -(14/48)
المطلب الرابع : في الأمثلة التطبيقية على مخالفة الصحابي للحديث الذي رواه مخالفة كلية وبيان أثر الاختلاف في ذلك :
بعد أن عرفنا مذهبي العلماء في هذه المسألة الأصولية وأدلة أصحاب كل مذهب لا بد من ذكر بعض الأمثلة التطبيقية التي خالف فيه الصحابي الحديث الذي رواه مخالفة كلية وذلك زيادة في إيضاح المسألة ولكي يتصور القارئ تلك المسألة في ذهنه أكثر تصويرًا فأقول - وبالله التوفيق : -
المثال الأول :
ما أخرجه البخاري في " صحيحه " ومسلم في " صحيحه " (1)
(( 1/ 234 - 235 ) في باب حكم ولوغ الكلب ، من كتاب الطهارة . )
وأبو داود في " سننه " (2)
(( 1/ 17 - 18 ) في باب الوضوء سؤر الكلب ، من كتاب الطهارة . )
والترمذي في " سننه " (3)
(( 1/ 133 ) - عارضة الأحوذي - في باب ما جاء في سؤر الكلب ، من أبواب الطهارة . )
والنسائي (4)
(انظر في ترجمته : طبقات الحفاظ ( ص 303 ) ، تذكرة الحفاظ ( 2/ 6.8 ) ، شذرات الذهب ( 2/ 239 ) ، وفيات الأعيان ( 1/ 59 ) . )
في " سننه " (5)
(( 1/ 46 - 47 ) في باب سؤر الكلب ، من كتاب الطهارة . )
وابن ماجه في " سننه " (6)
(في باب غسل الإناء من ولوغ الكلب ، من كتاب الطهارة . )
والدارمي (7)
(انظر في ترجمته : طبقات الحفاظ ( ص 274 ) ، طبقات الحنابلة ( 1/ 231 ) ، تذكرة الحفاظ ( 2/ 631 ) . )
في " سننه " (8)
(( 1/ 188 ) في باب في ولوغ الكلب ، من كتاب الطهارة . )
والإمام مالك في " الموطأ " (9)
(( 1/ 34 ) في باب جامع الوضوء ، من كتاب الطهارة . )
والإمام أحمد في " المسند " (10)
(( 2/ 245 و 253 و 265 و 271 ) . )
عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال : " إِذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي إِنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْسِلْهُ سَبْعًا أُولاهُنَّ بِالتُّرَابِ " .
هذا الحديث رواه عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبو هريرة - كما رأيت - ولم يعمل به ، بل خالفه وغسل الإناء من ولوغ الكلب ثلاث مرات ، فقد أخرج الطحاوي (11)
(انظر في ترجمته : تذكرة الحفاظ ( 3/ 808 ) ، طبقات الفقهاء ( ص 142 ) ، تاج التراجم ( ص 8 ) ، طبقات الحفاظ ( ص 237 ) . )
في " شرح معاني " (12)
(( 1/ 22 ) . )
والدراقطني (13)
(انظر في ترجمته : وفيات الأعيان ( 1/ 459 ) ، طبقات القراء ( 1/ 558 ) ، تذكرة الحفاظ ( 3/ 991 ) . )
في " سننه " (14)
(( 1/ 66 ) في باب ولوغ الكلب في الإناء من كتاب الطهارة . )
وابن الجوزي في " العلل المتناهية " (15)
(( 1/ 333 ) . )
أن أبا هريرة كان يغسل الإناء ثلاث مرات (16)
(انظر : نيل الأوطار ( 1/ 42 ) ، نصب الراية ( ص 131 ) ، التعليق المغني ( 1/ 66 ) . )
.
فهنا خالف الصحابي - وهو أبو هريرة - الحديث الذي رواه .
فذهب أصحاب المذهب الأول - وهم الجمهور - إلى أنه يجب غسل الإناء من ولوغ الكلب سبع مرات (17)
(انظر : المهذب ( 1/ 55 ) . التنبيه ( ص 17 ) ، المجموع ( 2/ 585 ) ، المغني ( 1/ 73 ) ، شرح منتهى الإرادات ( 1/ 97 ) ، المحرر ( 1/ 4 ) كشاف القناع ( 1/ 83 ) ، شرح الكبير ( 1/ 138 ) ، الأم ( 1/ 6 ) ، مغني المحتاج ( 1/ 83 ) ، شرح النووي على صحيح مسلم ( 3/ 185 ) ، الشرح الصغير ( 1/ 85 ) حاشية الدسوقي ( 1/ 83 ) ، مقدمات ابن رشد ( 1/ 21 ) ، قوانين الأحكام الشرعية ( ص 45 ) . )
واحتجوا بالحديث ، ولم يلتفتوا إلى مخالفة أبي هريرة له - تبعًا لقاعدتهم .
أما أصحاب المذهب الثاني فإنهم رأوا أبا هريرة قد خالف ما رواه وتمسكوا بقاعدتهم - وهي : أنه إذا خالف الصحابي ما رواه فيؤخذ بتلك المخالفة دون الحديث - لذلك ذهبوا إلى أنه يكفي غسل الإناء من ولوغ الكلب ثلاث مرات . ولم يعملوا بالحديث الذي رواه (18)
(انظر : البدائع ( 1/ 275 ) ، الهداية ( 1/ 23 ) ، البحر الرائق ( 1/ 134 ) ، شرح فتح القدير ( 1/ 94 ) ، شرح معاني الآثار ( 1/ 21 ) ، فتح باب العناية ( 1/ 149 ) . )
واختلف بعض أصحاب المذهب الثاني في الحديث هل يكون منسوخًا أم يحمل على أن التسبيع ندب ؟ على أقوال ثلاثة :
(1)( 1/234 - 235 ) في باب حكم ولوغ الكلب ، من كتاب الطهارة .
(2)( 1/17 - 18 ) في باب الوضوء سؤر الكلب ، من كتاب الطهارة .
(3)( 1/133 ) - عارضة الأحوذي - في باب ما جاء في سؤر الكلب ، من أبواب الطهارة .
(4)انظر في ترجمته : طبقات الحفاظ ( ص 303 ) ، تذكرة الحفاظ ( 2/6.8 ) ، شذرات الذهب ( 2/239 ) ، وفيات الأعيان ( 1/59 ) .
(5)( 1/46 - 47 ) في باب سؤر الكلب ، من كتاب الطهارة .
(6)في باب غسل الإناء من ولوغ الكلب ، من كتاب الطهارة .
(7)انظر في ترجمته : طبقات الحفاظ ( ص 274 ) ، طبقات الحنابلة ( 1/231 ) ، تذكرة الحفاظ ( 2/631 ) .
(8)( 1/188 ) في باب في ولوغ الكلب ، من كتاب الطهارة .
(9)( 1/34 ) في باب جامع الوضوء ، من كتاب الطهارة .
(10)( 2/245 و 253 و 265 و 271 ) .
(11)انظر في ترجمته : تذكرة الحفاظ ( 3/808 ) ، طبقات الفقهاء ( ص 142 ) ، تاج التراجم ( ص 8 ) ، طبقات الحفاظ ( ص 237 ) .
(12)( 1/22 ) .
(13)انظر في ترجمته : وفيات الأعيان ( 1/459 ) ، طبقات القراء ( 1/558 ) ، تذكرة الحفاظ ( 3/991 ) .
(14)( 1/66 ) في باب ولوغ الكلب في الإناء من كتاب الطهارة .
(15)( 1/333 ) .
(16)انظر : نيل الأوطار ( 1/42 ) ، نصب الراية ( ص 131 ) ، التعليق المغني ( 1/66 ) .
(17)انظر : المهذب ( 1/55 ) . التنبيه ( ص 17 ) ، المجموع ( 2/585 ) ، المغني ( 1/73 ) ، شرح منتهى الإرادات ( 1/97 ) ، المحرر ( 1/4 ) كشاف القناع ( 1/83 ) ، شرح الكبير ( 1/138 ) ، الأم ( 1/6 ) ، مغني المحتاج ( 1/83 ) ، شرح النووي على صحيح مسلم ( 3/185 ) ، الشرح الصغير ( 1/85 ) حاشية الدسوقي ( 1/83 ) ، مقدمات ابن رشد ( 1/21 ) ، قوانين الأحكام الشرعية ( ص 45 ) .
(18)انظر : البدائع ( 1/275 ) ، الهداية ( 1/23 ) ، البحر الرائق ( 1/134 ) ، شرح فتح القدير ( 1/94 ) ، شرح معاني الآثار ( 1/21 ) ، فتح باب العناية ( 1/149 ) .
- 49 -(14/49)
القول الأول : أن الحديث منسوخ وهو رأي الكمال بن الهمام في " التحرير " (1)
(( ص 329 ) . )
ووافقه على ذلك أمير بادشاه في " تيسير التحرير " (2)
(( 3/ 72 ) . )
وابن أمير الحاج في " التقرير والتحبير " (3)
(( 2/ 266 ) . )
.
القول الثاني : أن الحديث لم ينسخ ، ولكن يحمل على الاستحباب ، أي : أن الغسل ثلاث مرات واجب ، والغسل سبع مرات مستحب ، ذهب إلى ذلك السمرقندي في " بذل النظر " (4)
(( ص 481 ) . )
والسمرقندي في " الميزان " (5)
(( ص 445 ) . )
.
القول الثالث : أن الحديث يحتمل أنه منسوخ ، وأنه على الندب ، ذهب إلى ذلك السرخسي في " أصوله " (6)
(( 2/ 6 ) . )
والنسفي في " كشف الأسرار " (7)
(( 2/ 79 ) . )
.
الراجح :
الراجح : في هذا المسألة - هو ما ذهب إليه أصحاب المذهب الأول - وهو أنه يغسل الإِناء من ولوغ الكلب سبع مرات - لوجوه :
الوجه الأول : ثبوت حديث أبي هريرة السابق ... " إِذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي إِنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْسِلْهُ سَبْعًا " (8)
(( 1/ 234 ) في باب حكم ولوغ الكلب من كتاب الطهارة . )
) وصحته ، ولم يثبت شيء يصلح لمعارضته .
الوجه الثاني : أن غسل الإناء سبعا ثبت عن رسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن طريق آخر ، فقد أخرج مسلم في " صحيحه " وأبو داود في " سننه " (9)
(في باب الوضوء بسؤر الكلب ، من كتاب الطهارة . )
والنسائي في " سننه " (10)
(( 1/ 47 ) المجتبي - في باب تعفير الإناء الذي ولغ فيه الكلب بالتراب ، من كتاب الطهارة . )
وابن ماجه في " سننه " (11)
(( 1301 ) في باب غسل الإناء من ولوغ الكلب ، من كتاب الطهارة . )
والدارمي في " سننه " (12)
(( 1/ 188 ) في باب ولوغ الكلب ، من كتاب الوضوء . )
وأحمد في " المسند " (13)
(( 4/ 86 ) . )
عن عبد اللَّه بن مغفل (14)
(انظر في ترجمته : التهذيب ( 6/ 42 ) . )
أن رسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : < إِذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي الإِنَاءِ فَاغْسِلُوهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ ، وَعَفِّرُوهُ الثَّامِنَةَ بِالتُّرَابِ > (15)
(( 1/ 65 ) ، في باب ولوغ الكلب في الإناء ، ميزان الاعتدال ( 2/ 6791 ) . )
) .
فإذا فرضنا - مع الفرض الممتنع - أن مخالفة الصحابي تؤثر في الحديث الذي رواه ، فإنها لا يمكن أن تؤثر في مروي غيره .
الوجه الثالث : أن ما قاله أصحاب المذهب الثاني - أو بعضهم وهو : أنه يغسل الإناء ثلاث مرات ، استنادًا إلى ما روي عن أبي هريرة من أنه كان يغسل الإناء ثلاث مرات ، وفي ذلك مخالفة للحديث الذي رواه ، هذا لا يصح أن يكون مستندًا يستند
(1)( ص 329 ) .
(2)( 3/72 ) .
(3)( 2/266 ) .
(4)( ص 481 ) .
(5)( ص 445 ) .
(6)( 2/6 ) .
(7)( 2/79 ) .
(8)( 1/234 ) في باب حكم ولوغ الكلب من كتاب الطهارة .
(9)في باب الوضوء بسؤر الكلب ، من كتاب الطهارة .
(10)( 1/47 ) المجتبي - في باب تعفير الإناء الذي ولغ فيه الكلب بالتراب ، من كتاب الطهارة .
(11)( 1301 ) في باب غسل الإناء من ولوغ الكلب ، من كتاب الطهارة .
(12)( 1/188 ) في باب ولوغ الكلب ، من كتاب الوضوء .
(13)( 4/86 ) .
(14)انظر في ترجمته : التهذيب ( 6/42 ) .
(15)( 1/65 ) ، في باب ولوغ الكلب في الإناء ، ميزان الاعتدال ( 2/6791 ) .
- 50 -(14/50)
عليه ، وذلك لأن الرواية اختلفت عن أبي هريرة : فقد روي عنه أنه أفتى بغسل الإناء سبع مرات ، وروي عنه أنه أفتى بغسله ثلاث مرات .
لكن رواية من روى عنه موافقة فتياه لروايته أرجح من رواية من روى عنه أنه أفتى بمخالفة ما رواه لأمرين :
الأمر الأول : أن موافقة الصحابي لما رواه هو الذي يؤيده النظر والعقل .
الأمر الثاني : أن الفتوى الصادرة عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بأن يغسل الإناء من ولوغ الكلب سبع مرات - وهي موافقة للرواية التي رواها - هذه الفتوى رواها حماد بن زيد (1)
(ابن درهم الأزدي ، الجهضمي ، البصري ، أبو إسماعيل ، كانت ولادته عام ( 98 هـ ) ووفاته عام ( 179 ) هـ ، كان - رحمه اللَّه - من حفاظ الحديث المجودين ، ومن الرواة المعروفين ، بلغ رتبة مشيخة العراق في الحديث في عصره ، قيل : إنه يحفظ أربعة آلاف حديث . انظر في ترجمته : تهذيب التهذيب ( 3/ 9 ) ، تذكرة الحفاظ ( 1/ 211 ) . )
عن أيوب (2)
(انظر في ترجمته : حيلة الأولياء ( 3/ 2 ) ، تهذيب التهذيب ( 1/ 297 ) . )
عن محمد بن سيرين (3)
(انظر في ترجمته : تاريخ بغداد ( 5/ 321 ) ، وفيات الأعيان ( 1/ 453 ) . )
عن أبي هريرة ، وهذا من أصح الأسانيد .
وأما الفتوى الصادرة عن أبي هريرة بأن يغسل الإناء ثلاث مرات - وهي مخالفة للرواية التي رواها - فقد رواها عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء (4)
(انظر في ترجمته ميزان الاعتدال ( 2/ 197 ) ، صفة الصفوة ( 2/ 119 ) ، تذكرة الحفاظ ( 1/ 92 ) . )
عن أبي هريرة .
وعبد الملك بن أبي سليمان تفرد به ، ولا يقبل منه ، لمخالفته أهل الحفظ والثقة في بعض رواياته ، لذلك تركه شعبة بن الحجاج (5)
(انظر في ترجمته : تاريخ بغداد ( 9/ 255 ) ، تهذيب التهذيب ( 4/ 238 ) . )
ولم يحتج به البخاري في " صحيحه " (6)
(انظر : فتح الباري ( 1/ 277 ) ، نصب الراية ( 1/ 131 ) . )
.
تنبيهان مهمان :
التنبيه الأول : بعد تتبعي كتب الحنفية وجدت بعضهم يستدل على غسل الإناء من ولوغ الكلب ثلاث مرات بما أخرجه الدراقطني في " سننه " عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ فِي الْكَلْبِ يَلَغُ فِي الإِنَاءِ : ( يَغْسِلُهُ ثَلاثًا ، أَوْ خَمْسًا ، أَوْ سَبْعًا " (7)
(( 1 / 65 ) في باب ولوغ الكلب في الإناء ، ميزان الاعتدال ( 2 / 6791 ) . )
) .
الجواب عن ذلك :
قلت : هذا الحديث لم يصح عندنا ، وذلك لأنه من رواية عبد الوهاب بن الضحاك (8)
(انظر في ترجمته : تهذيب التهذيب ( 6/ 446 ) ميزان الاعتدال ( 2/ 679 ) . )
وهو ضعيف (9)
(انظر كتاب المجروحين ( 1/ 124 ) . )
عن إسماعيل بن عياش (10)
(انظر في ترجمته : التهذيب لابن عساكر ( 3/ 39 ) ، تذكرة الحفاظ ( 1/ 233 ) . )
وهو متروك الحديث .
قال أبو حاتم بن حبان : " لا يحتج بحديثه " (11)
(كتاب : المجروحين ( 1/ 124 ) . )
.
(1)ابن درهم الأزدي ، الجهضمي ، البصري ، أبو إسماعيل ، كانت ولادته عام ( 98 هـ ) ووفاته عام ( 179 ) هـ ، كان - رحمه اللَّه - من حفاظ الحديث المجودين ، ومن الرواة المعروفين ، بلغ رتبة مشيخة العراق في الحديث في عصره ، قيل : إنه يحفظ أربعة آلاف حديث . انظر في ترجمته : تهذيب التهذيب ( 3/9 ) ، تذكرة الحفاظ ( 1/211 ) .
(2)انظر في ترجمته : حيلة الأولياء ( 3/2 ) ، تهذيب التهذيب ( 1/297 ) .
(3)انظر في ترجمته : تاريخ بغداد ( 5/321 ) ، وفيات الأعيان ( 1/453 ) .
(4)انظر في ترجمته ميزان الاعتدال ( 2/197 ) ، صفة الصفوة ( 2/119 ) ، تذكرة الحفاظ ( 1/92 ) .
(5)انظر في ترجمته : تاريخ بغداد ( 9/255 ) ، تهذيب التهذيب ( 4/238 ) .
(6)انظر : فتح الباري ( 1/277 ) ، نصب الراية ( 1/131 ) .
(7)( 1 / 65 ) في باب ولوغ الكلب في الإناء ، ميزان الاعتدال ( 2 / 6791 ) .
(8)انظر في ترجمته : تهذيب التهذيب ( 6/446 ) ميزان الاعتدال ( 2/679 ) .
(9)انظر كتاب المجروحين ( 1/124 ) .
(10)انظر في ترجمته : التهذيب لابن عساكر ( 3/39 ) ، تذكرة الحفاظ ( 1/233 ) .
(11)كتاب : المجروحين ( 1/124 ) .
- 51 -(14/51)
التنبيه الثاني :
المثال السابق مثَّل به أبو الحسين البصري (1)
(انظر في ترجمته : شذرات الذهب ( 3/ 259 ) ، فرق وطبقات المعتزلة ؟ ( ص 125 ) . )
في " المعتمد " (2)
(( 2/ 670 ) . )
وفخر الدين الرازي في " المحصول " (3)
(( 1/ 3/ 192 ) و ( 2/ 1/ 630 ) . )
والبيضاوي (4)
(انظر في ترجمته : طبقات الشافعية الكبرى لابن السبكي ( 8/ 157 ) ، شذرات الذهب ( 5/ 392 ) ، بغية الوعاة ( 2/ 50 ) ، مرآة الجنان ( 4/ 220 ) . )
في " المنهاج " (5)
(( 1/ 422 ) مع شرح الأصفهاني . )
على تخصيص العموم بمذهب الراوي .
قلت : هذا غير صحيح ، لأن أسماء الأعداد نصوص في مسمَّياتها ، والنص لا يقبل التخصيص ، ولا يقبل التجوز ، إذ لا يجوز إطلاق العشرة وإرادة الخمسة منها ، وإنما يقبل الاستثناء ، وما يجري مجراه ، وكذا ليس ذلك من الألفاظ العامة حتى تكون الثلاثة أحد أفراد السبعة ، ذكر ذلك القرافي في " نفائس الأصول " (6)
(( ص : 1547 ) . )
والعلائي في " إجمال الإصابة " (7)
(( ص : 91 ) . )
والصفي الهندي في " نهاية الأصول " (8)
(( ورقة 273/ 1 ) . )
والزركشي (9)
(انظر في ترجمته : الدرر الكامنة ( 4/ 17 ) ، شذرات الذهب ( 6/ 335 ) . )
في " البحر المحيط " (10)
(( 4/ 370 ) . )
والفتوحي الحنبلي في " شرح الكوكب المنير " (11)
(( 2/ 557 ) . )
.
إلا أن شمس الدين الأصفهاني (12)
(انظر في ترجمته : شذرات الذهب ( 5/ 1406 ) ، بغية الوعاة ( 1/ 240 ) ، طبقات الشافعية لابن السبكي ( 8/ 100 ) . )
قد سوَّغ ذلك التمثيل بحديث أبي هريرة على تخصيص العموم بمذهب الراوي ؛ حيث قال في " الكاشف " (13)
(( 3/ ورقة 32/ أ ) . )
" واعلم أن حديث أبي هريرة في ولوغ الكلب يصلح أن يكون مثالا لمطلق مخالفة الراوي لظاهر الحديث الذي يرويه ، ولا يصلح لمذهب الراوي في تخصيص العام بمذهبه إلا أن يحمل الحديث على الغسل سبعًا استحبابًا وذلك مجازا إذا قلنا ظاهر الأمر يقتضي الوجوب ، فيكون مثالا لصورة من مسائل الباب .
قلت : قول شمس الدين الأصفهاني فيه شيء من الوجاهة ؛ حيث إنه نظر إلى جهة أخرى غير ما نظر إليها القرافي ومن تبعه ، لكن هذا النظر بعيد .
فيكون الصواب هو : أن هذا مثال لمخالفة الصحابي لما رواه مخالفة محضة لمدلوله ، وهو الذي ذكره كثير من الأصوليين كالجصاص في " الفصول " (14)
(( 3/ 203 ) . )
والسرخسي في " أصوله " (15)
(( 2/ 6 ) . )
والسمرقندي في " بذل النظر " (16)
(( ص 481 ) . )
وأبي الخطاب في " التمهيد " (17)
(( 3/ 192 ) . )
والسمرقندي في " ميزان الأصول " (18)
(( ص 444 ) . )
وابن حزم في " الإحكام " (19)
(( 2/ 186 ) . )
والزركشي في " البحر المحيط " (20)
(( 4/ 370 ) . )
والنسفي في " كشف الأسرار " (21)
(( 2/ 79 ) . )
والكمال بن الهمام في " التحرير " (22)
(( ص 329 ) . )
وأمير بادشاه في " تيسير التحرير " (23)
(( 3/ 72 ) . )
وابن أمير الحاج في " التقرير
(1)انظر في ترجمته : شذرات الذهب ( 3/259 ) ، فرق وطبقات المعتزلة ؟ ( ص 125 ) .
(2)( 2/670 ) .
(3)( 1/3/192 ) و ( 2/1/630 ) .
(4)انظر في ترجمته : طبقات الشافعية الكبرى لابن السبكي ( 8/157 ) ، شذرات الذهب ( 5/392 ) ، بغية الوعاة ( 2/50 ) ، مرآة الجنان ( 4/220 ) .
(5)( 1/422 ) مع شرح الأصفهاني .
(6)( ص : 1547 ) .
(7)( ص : 91 ) .
(8)( ورقة 273/1 ) .
(9)انظر في ترجمته : الدرر الكامنة ( 4/17 ) ، شذرات الذهب ( 6/335 ) .
(10)( 4/370 ) .
(11)( 2/557 ) .
(12)انظر في ترجمته : شذرات الذهب ( 5/1406 ) ، بغية الوعاة ( 1/240 ) ، طبقات الشافعية لابن السبكي ( 8/100 ) .
(13)( 3 / ورقة 32 / أ ) .
(14)( 3/203 ) .
(15)( 2/6 ) .
(16)( ص 481 ) .
(17)( 3/192 ) .
(18)( ص 444 ) .
(19)( 2/186 ) .
(20)( 4/370 ) .
(21)( 2/79 ) .
(22)( ص 329 ) .
(23)( 3/72 ) .
- 52 -(14/52)
والتحبير " (1)
(( 2/ 266 ) . )
والفتوحي الحنبلي في " شرح الكوكب المنير " (2)
(( 2/ 557 ) . )
والبزدوي في " أصوله " (3)
(( 3/ 64 ) . منع كشف الأسرار للبخاري . )
.
المثال الثاني :
ما أخرجه أبو داود في " سننه " والترمذي في " سننه " (4)
(( 3/ 398 ) في باب ما جاء لا نكاح إلا بولي ، من كتاب النكاح ، وقال " حديث حسن . )
، والدارمي في " سننه " (5)
(( 2/ 62 ) في باب النهي عن النكاح بغير ولي من كتاب النكاح . )
والدراقطني في " سننه " (6)
(( 3/ 221 ) . )
والحاكم (7)
(انظر في ترجمته : طبقات القراء ( 2/ 184 ) ، البداية والنهاية ( 11/ 355 ) ، تذكرة الحفاظ ( 3/ 1039 ) . )
في " المستدرك " (8)
(( 2/ 168 ) في باب : " أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل " من كتاب النكاح . )
والإمام أحمد في " المسند " (9)
(( 6/ 47 - 66 - 166 ) . )
والطحاوي في " شرح معاني الآثار " (10)
(( 3/ 17 ) في باب النكاح بغير ولي عصبة ، من كتاب النكاح . )
عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : " أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ نَفْسَهَا بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ " (11)
(( 7/ 19 ) في باب من قال لا نكاح إلا بولي ، من كتاب النكاح . )
) .
فهذا الحديث قد روته عن رسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عائشة - كما رأيت - ولكنها لم تعمل به ، بل خالفته ، حيث إنها - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - زوجت بنت أخيها حفصة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر (12)
(انظر في ترجمته : تهذيب التهذيب ( 6/ 146 ) ، الاستيعاب ( 2/ 399 ) . )
على ابن أختها (13)
(انظر في ترجمتها : الاستيعاب ( 4/ 132 ) ، حلية الأولياء ( 2/ 55 ) ، الخلاصة ( ص 488 ) . )
المنذر بن الزبير (14)
(ابن العوام - سبقت ترجمته . )
وكان أخوها - عبد الرحمن - غائبًا في الشام (15)
(انظر : شرح معاني الآثار ( 3/ 18 ) ، فتح الباري ( 9/ 186 ) ، الأم ( 5/ 11 ) ، الإحكام لابن حزم ( 2/ 186 ) ، فتح القدير ( 394 ) ، تقويم الأدلة ( ص 458 ) ، أصول السرخسي ( 2/ 6 ) ، كشف الأسرار للبخاري ( 3/ 64 ) . )
.
فهنا : اختلف العلماء تجاه ذلك :
فذهب أصحاب المذهب الأول - وهم الذين يأخذون بالرواية ، دون مخالفة الصحابي له - إلى العمل بمقتضى الحديث وهو أنه لا يجوز أن تزوج المرأة نفسها ، فلا يجوز النكاح بغير ولي ولم يلتفتوا إلى مخالفة عائشة لهذا الحديث الذي روته وهم الجمهور (16)
(انظر : المغني لابن قدامة ( 9/ 35451 ) ، الأم ( 5/ 12 - 13 ) ، المهذب ( 2/ 36 ) ، المنهاج ( ص 96 ) . )
.
أما أصحاب المذهب الثاني فقد ذهبوا إلى الأخذ بمخالفة عائشة والعمل بذلك ، وترك الاحتجاج بالحديث ، لذلك يقولون : يجوز أن تزوج المرأة نفسها (17)
(انظر : المختصر الطحاوي ( ص 171 ) ، المبسوط ( 5/ : 1 ) ، فتح القدير ( 3/ 256 ، تحفة الفقهاء ( 2/ 224 ) ، تقويم الأدلة ( ص 258 ) . لكن أكثر الحنفية اشترطوا لذلك شروطا من أهمها : أن تكون المرأة - المزوجة نفسها - حرة ، عاقلة ، بالغة ، رشيدة ، زوجت نفسها من كفؤ ، ولم يقصر في مهر مثلها . فتنبه لذلك ، فالحكم عندهم ليس على إطلاقه . )
.
قال عبد العزيز البخاري في " كشف الأسرار " (18)
(( 3/ 63 ) . )
- مبينًا وجهة نظر الحنفية في ذلك - " فلما رأت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أن تزويجها بنت أخيها بغير أمره جائز ورأت ذلك العقد مستقيمًا حتى أجازت فيه التمليك الذي لا يكون إلا عن صحة النكاح وثبوته استحال أن يكون ترى ذلك مع صحة ما روت (19)
(المرجع السابق . )
.
(1)( 2/266 ) .
(2)( 2/557 ) .
(3)( 3/64 ) . منع كشف الأسرار للبخاري .
(4)( 3/398 ) في باب ما جاء لا نكاح إلا بولي ، من كتاب النكاح ، وقال " حديث حسن .
(5)( 2/62 ) في باب النهي عن النكاح بغير ولي من كتاب النكاح .
(6)( 3/221 ) .
(7)انظر في ترجمته : طبقات القراء ( 2/184 ) ، البداية والنهاية ( 11/355 ) ، تذكرة الحفاظ ( 3/1039 ) .
(8)( 2/168 ) في باب : " أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل " من كتاب النكاح .
(9)( 6/47 - 66 - 166 ) .
(10)( 3/17 ) في باب النكاح بغير ولي عصبة ، من كتاب النكاح .
(11)( 7/19 ) في باب من قال لا نكاح إلا بولي ، من كتاب النكاح .
(12)انظر في ترجمته : تهذيب التهذيب ( 6/146 ) ، الاستيعاب ( 2/399 ) .
(13)انظر في ترجمتها : الاستيعاب ( 4/132 ) ، حلية الأولياء ( 2/55 ) ، الخلاصة ( ص 488 ) .
(14)ابن العوام - سبقت ترجمته .
(15)انظر : شرح معاني الآثار ( 3/18 ) ، فتح الباري ( 9/186 ) ، الأم ( 5/11 ) ، الإحكام لابن حزم ( 2/186 ) ، فتح القدير ( 394 ) ، تقويم الأدلة ( ص 458 ) ، أصول السرخسي ( 2/6 ) ، كشف الأسرار للبخاري ( 3/64 ) .
(16)انظر : المغني لابن قدامة ( 9/35451 ) ، الأم ( 5/12 - 13 ) ، المهذب ( 2/36 ) ، المنهاج ( ص 96 ) .
(17)انظر : المختصر الطحاوي ( ص 171 ) ، المبسوط ( 5 / : 1 ) ، فتح القدير ( 3/256 ، تحفة الفقهاء ( 2/224 ) ، تقويم الأدلة ( ص 258 ) .
لكن أكثر الحنفية اشترطوا لذلك شروطا من أهمها : أن تكون المرأة - المزوجة نفسها - حرة ، عاقلة ، بالغة ، رشيدة ، زوجت نفسها من كفؤ ، ولم يقصر في مهر مثلها . فتنبه لذلك ، فالحكم عندهم ليس على إطلاقه .
(18)( 3/63 ) .
(19)المرجع السابق .
- 53 -(14/53)
ثم ذكر وجه دلالة آخر لذلك قائلا : فلما أنكحت فقد جوزت نكاح المرأة نفسها دلالة ، لأن العقد لما انعقد بعبارة غير المتزوجة من النساء فلأن ينعقد بعبارتها أوْلى فيكون فيه عمل بخلاف ما روت " (1)
(كشف الأسرار للبخاري ( 3/ 64 ) . )
.
وذكر وجه دلالة ثالث من ذلك إذ قال : " لما أنكحت فقد اعتقدت جواز نكاحها بغير إذن وليها بالطريق الأولى ، لأن من لا يملك النكاح لا يملك إلا نكاح بالطريق الأولى ، ومن ملك الإنكاح ملك النكاح بالطريق الأولى " (2)
(كشف الأسرار للبخاري ( 3/ 64 ) . )
.
وذكر بعض الحنفية كالسرخسي في " أصوله " (3)
(( 2/ 6 ) . )
والنسفي في " " كشف الأسرار" (4)
(( 2/ 79 ) . )
بأن الحديث منسوخ ، وذلك ؛ لكون الراوية له - وهي عائشة - قد عملت بخلافه ، تبعًا لقاعدتهم .
وقد نص على ذلك الإِمام أحمد في رواية حرب بن إسماعيل (5)
(انظر في ترجمته : شذرات الذهب ( 2/ 176 ) ، طبقات الحنابلة ( 1/ 145 ) . )
فقال : " لا يصح الحديث عن عائشة ، لأنها زوجت بنات أختها ، والحديث عنها (6)
(نقل ذلك أبو يعلى في العدة ( 2/ 590 ) . )
وقال - أيضًا - في رواية المروزي (7)
(انظر في ترجمته : شذرات الذهب ( 2/ 166 ) ، طبقات الحنابلة ( 1/ 56 ) . )
" لا يصح الحديث ، لأنها فعلت بخلافه " (8)
(نقل ذلك أبو يعلى في العدة ( 2/ 590 ) ، وأبو الخطاب في التمهيد ( 3/ 193 ) . )
.
الراجح :
الراجح هو ما ذهب إليه الجمهور ، لأمرين : -
الأمر الأول : ما أخرجه البخاري في " صحيحه " وأبو داود في " سننه " (9)
(( 1/ 481 ) في باب الولي ، من كتاب النكاح . )
والترمذي في " سننه " (10)
(( 5/ 26 ) - عارضة الأحوذي - في باب ما جاء لا نكاح إلا بولي . )
وابن ماجه في " سننه " (11)
(( 1/ 605 ) في باب لا نكاح إلا بولي ، من كتاب النكاح . )
والإمام أحمد في " المسند " (12)
(( 4/ 394 ) و ( 6/ 26 ) . )
.
عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : " لا نِكَاحَ إِلا بِوَلِيٍّ " (13)
(( 1/ 187 - 188 ) في باب رفع اليدين في التكبيرة الأولى مع الافتتاح سواء ، وباب رفع اليدين إذا كبر ، وإذا رفع ، وباب إلى أين يرفع يديه ، من كتاب الأذان . )
) ورواه - أيضًا ابن عباس ، وأبو موسى الأشعري ، وهو صحيح قال المروزي : " سألت أحمد ويحيى " (14)
(انظر في ترجمته : تذكرة الحفاظ ( 2/ 429 ) ، تاريخ بغداد ( 14/ 117 ) ، شذرات الذهب ( 2/ 79 ) ، يحيى بن معين وكتابه التاريخ ( 2/ 654 ) . )
عن هذا الحديث فقالا : صحيح (15)
(نقل ذلك ابن قدامة في المغني ( 9/ 345 ) . )
وهذا نص في المسألة .
الأمر الثاني : أن مخالفة عائشة لحديث ( أيما امرأة ... ) ليس صريحًا في المخالفة . ولو سلمنا صراحة المخالفة ، فإن فعل عائشة أو غيرها لا يمكن - بأي حال من الأحوال - أن يقوى على إسقاط حديث قد ثبت ولم يشك فيه أي إمام من أئمة الحديث الذين يعتمد على أقوالهم . والله أعلم .
(1)كشف الأسرار للبخاري ( 3/64 ) .
(2)كشف الأسرار للبخاري ( 3/64 ) .
(3)( 2/6 ) .
(4)( 2/79 ) .
(5)انظر في ترجمته : شذرات الذهب ( 2/176 ) ، طبقات الحنابلة ( 1/145 ) .
(6)نقل ذلك أبو يعلى في العدة ( 2/590 ) .
(7)انظر في ترجمته : شذرات الذهب ( 2/166 ) ، طبقات الحنابلة ( 1/56 ) .
(8)نقل ذلك أبو يعلى في العدة ( 2/590 ) ، وأبو الخطاب في التمهيد ( 3/193 ) .
(9)( 1/481 ) في باب الولي ، من كتاب النكاح .
(10)( 5/26 ) - عارضة الأحوذي - في باب ما جاء لا نكاح إلا بولي .
(11)( 1/605 ) في باب لا نكاح إلا بولي ، من كتاب النكاح .
(12)( 4/394 ) و ( 6/26 ) .
(13)( 1/187 - 188 ) في باب رفع اليدين في التكبيرة الأولى مع الافتتاح سواء ، وباب رفع اليدين إذا كبر ، وإذا رفع ، وباب إلى أين يرفع يديه ، من كتاب الأذان .
(14)انظر في ترجمته : تذكرة الحفاظ ( 2/429 ) ، تاريخ بغداد ( 14/117 ) ، شذرات الذهب ( 2/79 ) ، يحيى بن معين وكتابه التاريخ ( 2/654 ) .
(15)نقل ذلك ابن قدامة في المغني ( 9/345 ) .
- 54 -(14/54)
المثال الثالث :
ما أخرجه البخاري في " صحيحه " ومسلم في " صحيحه " (1)
(( 1/ 192 ) في باب استحباب رفع اليدين حذو المنكبين ، من كتاب الصلاة . )
وأبو داود في " سننه " (2)
(( 1/ 192 ) في باب رفع اليدين في الصلاة ، وباب افتتاح الصلاة ، من كتاب الصلاة . )
والترمذي في " سننه " (3)
(( 2/ 56 ) عارضة الأحوذي - في باب ما جاء في رفع اليدين عند الركوع ، من أبواب الصلاة . )
والنسائي في " سننه " (4)
(( 2/ 92 ) ، ( 2/ 94 ) في باب العمل في افتتاح الصلاة ، وباب رفع اليدين قبل التكبير " مع المجتبي . )
وابن ماجه في " سننه " (5)
(( 1/ 279 ) في باب رفع اليدين إذ رفع ، وإذ رفع رأسه من الركوع من كتاب الصلاة . )
والإمام مالك في " الموطأ " (6)
(( 1/ 75 ، 76 ، 77 ) في باب افتتاح الصلاة ، من كتاب النداء . )
والإمام أحمد في " المسند " (7)
(( 2/ 8 ، 62 ، 132 ) . )
عن الزهري (8)
(انظر في ترجمته : تذكرة الحفاظ ( 1/ 108 ) ، طبقات القراء ( 2/ 262 ) ، شذرات الذهب ( 1/ 162 ) ، طبقات الفقهاء ( ص 63 ) . )
عن سالم (9)
(انظر في ترجمته : طبقات القراء ( 1/ 301 ) ، طبقات الفقهاء ( ص 63 ) ، تذكرة الحفاظ ( 1/ 88 ) ، الخلاصة ( ص 131 ) شذرات الذهب ( 1/ 133 ) . )
عن أبيه - عبد اللَّه بن عمر (10)
(انظر في ترجمته : الاستيعاب ( 2/ 341 ) ، الخلاصة ( ص 207 ) ، طبقات الفقهاء ( ص 49 ) ، طبقات الحفاظ ( ص 9 ) . )
قال : " رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا اسْتَفْتَحَ الصَّلاةَ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِي مَنْكِبَيْهِ ، وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ وَبَعْدَ مَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ ، وَلا يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي السُّجُودِ " (11)
(في باب الشهادة على الأنساب ، من كتاب الشهادات . )
".
فهذا الحديث قد رواه عبد اللَّه بن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن رسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم يعمل به ؛ بل خالفه ، ولا يرفع يديه إلا عند افتتاح الصلاة فقط ، فقد أخرج ابن أبي شيبة (12)
(انظر في ترجمته : تذكرة الحفاظ ( 2/ 432 ) ، تاريخ بغداد ( 10/ 66 ) ، ميزان الاعتدال ( 2/ 490 ) ، طبقات المفسرين ( 2491 ) . )
في " المصنف " (13)
(( 2/ 237 ) . )
أن مجاهدًا (14)
(انظر في ترجمته : شذرات الذهب ( 1251 ، صفة الصفوة ( 2082 ) ميزان الاعتدال ( 3/ 9 ) . )
قال : " ما رأيت ابن عمر يرفع يديه إلا في ما يفتتح " ، وأخرجه الطحاوي في " شرح معاني الآثار " (15)
(( 1/ 225 ) . )
بسند صحيح .
فهنا : هذا الصحابي - وهو ابن عمر - خالف حديثًا قد رواه ، فاختلف العلماء في ذلك :
فذهب أصحاب المذهب الأول - وهم القائلون بأن مخالفة الصحابي لما رواه لا يسقط الاحتجاج به - إلى الأخذ بمقتضى الحديث وهو : رفع اليدين عند الافتتاح وعند الركوع ، وعند الرفع من الركوع وهذا مذهب الجمهور (16)
(انظر : المغني لابن قدامة ( 2/ 171 - 172 ) ، الأم ( 1/ 110 ) ، الوجيز ( 1/ 41 ) المجموع ( 3/ 367 ) ، المدونة الكبرى ( 1/ 68 ) . )
.
أما أصحاب المذهب الثاني - وهم القائلون بأن مخالفة الصحابي لما رواه يسقط الاحتجاج به ، ومن ثم نعمل بعمل الصحابي ونترك الحديث - فإنهم عملوا بفعل عبد اللَّه بن عمر وهو : رفع اليدين عند الافتتاح - فقط - وتركوا العمل بالحديث ، وهم أكثر الحنفية (17)
(انظر : تحفة الفقهاء ( 1/ 218 ) ، الهداية ( 21/ 46 ) القدوري ( ص 9 ) المغني لابن قدامة ( 2/ 172 ) . )
.
قال الجصاص في " الفصول " (18)
(( 3/ 204 ) . )
" فدل تركه الرفع بعد روايته عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على أنه عرف نسخ الحديث ؛ إذ لولا ذلك لما تركه ؛ لأنه غير جائز أن
(1)( 1/192 ) في باب استحباب رفع اليدين حذو المنكبين ، من كتاب الصلاة .
(2)( 1/192 ) في باب رفع اليدين في الصلاة ، وباب افتتاح الصلاة ، من كتاب الصلاة .
(3)( 2/56 ) عارضة الأحوذي - في باب ما جاء في رفع اليدين عند الركوع ، من أبواب الصلاة .
(4)( 2/92 ) ، ( 2/94 ) في باب العمل في افتتاح الصلاة ، وباب رفع اليدين قبل التكبير " مع المجتبي .
(5)( 1/279 ) في باب رفع اليدين إذ رفع ، وإذ رفع رأسه من الركوع من كتاب الصلاة .
(6)( 1/75 ، 76 ، 77 ) في باب افتتاح الصلاة ، من كتاب النداء .
(7)( 2/8 ، 62 ، 132 ) .
(8)انظر في ترجمته : تذكرة الحفاظ ( 1/108 ) ، طبقات القراء ( 2/262 ) ، شذرات الذهب ( 1/162 ) ، طبقات الفقهاء ( ص 63 ) .
(9)انظر في ترجمته : طبقات القراء ( 1/301 ) ، طبقات الفقهاء ( ص 63 ) ، تذكرة الحفاظ ( 1/88 ) ، الخلاصة ( ص 131 ) شذرات الذهب ( 1/133 ) .
(10)انظر في ترجمته : الاستيعاب ( 2/341 ) ، الخلاصة ( ص 207 ) ، طبقات الفقهاء ( ص 49 ) ، طبقات الحفاظ ( ص 9 ) .
(11)في باب الشهادة على الأنساب ، من كتاب الشهادات .
(12)انظر في ترجمته : تذكرة الحفاظ ( 2/432 ) ، تاريخ بغداد ( 10/66 ) ، ميزان الاعتدال ( 2/490 ) ، طبقات المفسرين ( 2491 ) .
(13)( 2/237 ) .
(14)انظر في ترجمته : شذرات الذهب ( 1251 ، صفة الصفوة ( 2082 ) ميزان الاعتدال ( 3/9 ) .
(15)( 1/225 ) .
(16)انظر : المغني لابن قدامة ( 2/171 - 172 ) ، الأم ( 1/110 ) ، الوجيز ( 1/41 ) المجموع ( 3/367 ) ، المدونة الكبرى ( 1/68 ) .
(17)انظر : تحفة الفقهاء ( 1/218 ) ، الهداية ( 21/46 ) القدوري ( ص 9 ) المغني لابن قدامة ( 2/172 ) .
(18)( 3/204 ) .
- 55 -(14/55)
يظن بصحابي مثله مخالفة سنة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رواها عنه مما لا احتمال فيه للتأويل " (1)
(المرجع السابق . )
.
وجزم أكثر الحنفية بمثل ما قاله أبو بكر الجصاص - وهو : أنه بمخالفة ابن عمر له علم أن الحديث الذي تركه - وهو من روايته - قد ثبت نسخه - من هؤلاء : أبو زيد الدبوسي في " الأسرار في الأصول والفروع " (2)
(( ص 458 ) . )
والسجستاني في " الغنية في الأصول " (3)
(( ص 135 ) . )
والسرخسي في " أصوله " (4)
(( 2/ 6 ) . )
والكمال بن الهمام في " التحرير " (5)
(( ص 329 ) . )
وعبد العزيز البخاري في " كشف الأسرار " (6)
(( 3/ 63 ) . )
وأمير بادشاه في " تيسير التحرير " (7)
(( 3/ 73 ) . )
وابن أمير الحاج في " التقرير والتحبير " (8)
(( 2/ 266 ) . )
والنسفي في " كشف الأسرار " (9)
(( 2/ 80 ) . )
وملاجيون في " نور الأنوار شرح المنار " (10)
(( 2/ 76 ) . )
.
وبعض الحنفية قالوا بأن الحديث الذي رواه ابن عمر قد سقط الاحتجاج به لما خالفه راويه ، ولمن يذكروا أنه منسوخ كالبزدوي في " أصوله " (11)
(( 3/ 64 ) مع الكشف . )
والخبازي في " المغني " (12)
(( ص 216 ) . )
.
الترجيح :
الراجح هو ما ذهب إليه جمهور العلماء وهو : أن رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام ، وعند الركوع وعند الرفع منه وذلك لأمور : -
الأمر الأول : أن الحجة فيما فعله النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وليست في فعل واحد من الصحابة : ابن عمر أو غيره - كما قلنا أثناء تقريرنا للقاعدة الأصولية هناك .
الأمر الثاني : أن الحديث قد عمل بمقتضاه أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قال الحسن (13)
(انظر في ترجمته : طبقات الفقهاء للشيرازي ( ص 87 ) ، طبقات القراء ( 1/ 235 ) ، ميزان الاعتدال ( 5271 ) ، شذرات الذهب ( 1/ 136 ) ، الخلاصة ( ص 77 ) . )
رأيت أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يرفعون أيديهم إذا كبروا ، وإذا ركعوا ، وإذا رفعوا رؤوسهم كأنها المراوح (14)
(نقله عنه ابن قدامة في المغني ( 2/ 173 ) . )
.
وقال البخاري : قال ابن المديني (15)
(انظر في ترجمته : طبقات الفقهاء للشيرازي ( ص 103 ) ، تاريخ بغداد ( 11/ 458 ) ، شذرات الذهب ( 2/ 81 ) ، طبقات الحنابلة ( 1/ 225 ) ، تذكرة الحفاظ ( 2/ 428 ) . )
- وكان أعلم أهل زمانه - : " حق على المسلمين أن يرفعوا أيديهم لهذا الحديث " (16)
(نقله ابن قدامة في المغني ( 2/ 173 - 174 ) . )
.
الأمر الثالث : أن قول مجاهد - وهو : أنه لم ير ابن عمر يرفع يديه إلا في أول
(1)المرجع السابق .
(2)( ص 458 ) .
(3)( ص 135 ) .
(4)( 2/6 ) .
(5)( ص 329 ) .
(6)( 3/63 ) .
(7)( 3/73 ) .
(8)( 2/266 ) .
(9)( 2/80 ) .
(10)( 2/76 ) .
(11)( 3/64 ) مع الكشف .
(12)( ص 216 ) .
(13)انظر في ترجمته : طبقات الفقهاء للشيرازي ( ص 87 ) ، طبقات القراء ( 1/235 ) ، ميزان الاعتدال ( 5271 ) ، شذرات الذهب ( 1/136 ) ، الخلاصة ( ص 77 ) .
(14)نقله عنه ابن قدامة في المغني ( 2/173 ) .
(15)انظر في ترجمته : طبقات الفقهاء للشيرازي ( ص 103 ) ، تاريخ بغداد ( 11/458 ) ، شذرات الذهب ( 2/81 ) ، طبقات الحنابلة ( 1/225 ) ، تذكرة الحفاظ ( 2/428 ) .
(16)نقله ابن قدامة في المغني ( 2/173 - 174 ) .
- 56 -(14/56)
ما يفتتح - معارض بما ذكر طاووس (1)
(انظر في ترجمته : طبقات الحفاظ ( ص 34 ) ، طبقات القراء ( 1/ 341 ) ، وفيات الأعيان ( 2/ 194 ) . )
أنه رأى ابن عمر يفعل ما يوافق ما روي عنه عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (2)
(انظر كشف الأسرار ( 3/ 64 ) للبخاري . )
.
ومعارض بما قاله الإِمام أحمد - وقد سئل عن الرفع - : " إي لعمري ، ومن يشك في هذا ! كان ابن عمر إذا رأى من لم يرفع حصبه ، وأمره أن يرفع " (3)
(نقله ابن قدامة في المغني ( 2/ 173 ) . )
.
ونرجح رواية طاووس والإمام أحمد على رواية مجاهد ؛ لأنه يوافق الحديث الذي رواه ابن عمر ، وكون الراوي يوافق ما رواه هو الذي يؤيده العقل والنظر والله أعلم .
ولا تلتفت إلى ما قاله عبد العزيز البخاري في " كشف الأسرار " (4)
(( 3/ 64 ) . )
من أن ابن عمر كان يرفع يديه في الافتتاح والركوع والرفع منه قبل العلم ينسخ الحديث الذي رواه ، فلما علم به ترك الحديث ، وفعل ما ذكر عنه من أنه لا يرفع إلا في الافتتاح ، وذلك لأن هذا الكلام - أعني كلام عبد العزيز البخاري - مجرد احتمال يحتاج إلى دليل وبرهان ، وما دام أنه لا دليل على احتماله فنتوقف فيه ، ونعمل بما لا يحتمل شيئًا وهو ما ثبت عن رسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعمل به جل الصحابة - رضوان اللَّه عليهم - وهو رفع اليدين في الجميع ، والله أعلم .
هذه بعض الأمثلة التطبيقية على تلك القاعدة الأصولية ، ومن أراد الاستزادة والتفصيل في تلك الأمثلة السابقة ، أو أمثلة أخرى فليراجع كتب الفقه إن شاء .
(1)انظر في ترجمته : طبقات الحفاظ ( ص 34 ) ، طبقات القراء ( 1/341 ) ، وفيات الأعيان ( 2/194 ) .
(2)انظر كشف الأسرار ( 3/64 ) للبخاري .
(3)نقله ابن قدامة في المغني ( 2/173 ) .
(4)( 3/64 ) .
- 57 -(14/57)
المبحث الثاني : في مخالفة الصحابي مخالفة كلية للحديث الذي قطعنا بعلمه به مع وضوح سبب المخالفة .
تكلمنا في المبحث الأول عن مخالفة الصحابي للحديث الذي بلغه - بأن رواه - ولم نعرف سببًا لهذه المخالفة ، فلا نعرف من الحال سوى أنه خالف ذلك الحديث الذي رواه .
أما في هذا المبحث فسنتكلم عن مخالفة الصحابي للحديث الذي تحققنا من بلوغه إياه ، وقطعنا به ، ولكن عرفنا سبب المخالفة .
لمعرفة ذلك قسمت الكلام عنه إلى المطالب التالية : -
المطلب الأول : في السبب الأول ، وهو معرفة دليل المخالفة .
المطلب الثاني : في السبب الثاني وهو : عدم إحاطته بمعناه .
المطلب الثالث : في السبب الثالث ، وهو : التورع والحرج .
المطلب الرابع : في السبب الرابع ، وهو نسيانه .
المطلب الأول في السبب الأول :
وهو مخالفة الصحابي للحديث الذي رواه بسبب دليل ظهر لنا :
فإذا خالف الحديث لدليل أو مستند أو معتمد ظهر لنا على تلك المخالفة ، فالحكم في ذلك :
أن ننظر :
فإن وافقناه على ذلك الدليل تركنا الحديث من أجل ذلك الدليل ، لا من أجل مخالفته .
- 58 -(14/58)
وإن لم نوافقه على ذلك الدليل ، أخذنا بالحديث وجعلناه حجة ، ولم نلتفت إلى مخالفته .
قال الكمال بن الهمام في " فتح القدير " (1)
(( 3/ 7 ) . )
- بعد كلامه عن مسألة رضاع الكبير هل تثبت به الحرمة ؟ - : " فإن قلت : عرف من أصلكم أن عمل الراوي بخلاف ما روى يوجب الحكم بنسخ ما روى فلا يعتبر ، ويكون بمنزلة روايته للناسخ . قلنا : إنه إذا لم يعرف من الحال سوى أنه خالف مرويه حكمنا بأنه اطلع على ناسخه في نفس الأمر ظاهرا ، لأن الظاهر أنه لا يخطئ في ظن غير الناسخ ناسخًا ، لا قطعًا ، فلو اتفق في خصوص محل بأن عمله بخلاف مرويه كان الخصوص دليلا علمناه ، وظهر للمجتهد غلطه في استدلاله بذلك الدليل ، لا شك أنه لا يكون مما يحكم فيه بنسخ مرويه ؛ لأن ذلك ما كان إلا لإحسان الظن بنظره ، فأما إذا تحققنا في خصوص مادة خلاف ذلك ، وجوب اعتبار مرويه بالضرورة دون رأيه " (2)
(فتح القدير ( 3/ 7 ) . )
أ . هـ .
لذلك تجد من لم يعرف هذا يتهم أصحاب المذهب الثاني - في هذه المسألة (3)
(أعني مسألة رضاع الكبير هل تثبت به الحرمة ؟ . )
الفقهية - بأنهم خرجوا عن قاعدتهم الأصولية - التي نحن بصددها .
بيان ذلك : -
أنه أخرج البخاري في " صحيحه " ( 3/223 ) ومسلم في " صحيحه " (4)
(( 2/ 1078 ) في باب إنما الرضاعة من المجاعة ، من كتاب الرضاع . )
والنسائي في " سننه " (5)
(( 6/ 84 ) - المجتبي - في باب القدر الذي يحرم من الرضاعة من كتاب النكاح . )
والدرامي في " سننه " (6)
(( 2/ 158 ) في باب في رضاع الكبير ، من كتاب النكاح . )
" عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَيْهَا وَعِنْدَهَا رَجُلٌ ، فَتَغَيَّرَ وَجْهُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ أَخِي مِنَ الرَّضَاعَةِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " انْظُرْنَ مَنْ إِخْوَانُكُنَّ ، فَإِنَّمَا الرَّضَاعَةُ مِنَ الْمَجَاعَةِ " (7)
(( 2/ 1076 - 1077 ) في باب رضاعة الكبير ، من كتاب الرضاع . )
" .
فهنا : هذا الحديث روته عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وعملت بخلافه : فقد أخرج مسلم في " صحيحه " وأبو داود في " سننه " (8)
(( 1/ 475 - 476 ) في باب ما حرم برضاعة الكبير ، من كتاب النكاح . )
والنسائي في " سننه " (9)
(( 6/ 86 - 87 ) في باب رضاع الكبير من كتاب النكاح ( المجتبي ) . )
والإمام مالك في " الموطأ " (10)
(( 2/ باب ما جاء في الرضاعة بعد الكبر ، من كتاب الرضاع . )
والإمام أحمد في " المسند " (11)
(( 6/ 174 ، 228 ) . )
< أَنَّ سَهْلَةَ بِنْتَ سُهَيْلٍ قَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا كُنَّا نَرَى سَالِمًا وَلَدًا ، وَكَانَ يَأْوِي مَعِي وَمَعَ أَبِي حُذَيْفَةَ (12)
(انظر في ترجمته : تاريخ الإِسلام ( 1/ 364 ) ، الأعلام ( 2/ 171 ) . )
فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ وَيَرَانِي فُضْلا ، وَقَدْ أُنْزِلَ فِيهِمْ مَا عَلِمْتَ ، فَكَيْفَ تَرَى فِيهِ ، فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
(1)( 3/7 ) .
(2)فتح القدير ( 3/7 ) .
(3)أعني مسألة رضاع الكبير هل تثبت به الحرمة ؟ .
(4)( 2/1078 ) في باب إنما الرضاعة من المجاعة ، من كتاب الرضاع .
(5)( 6/84 ) - المجتبي - في باب القدر الذي يحرم من الرضاعة من كتاب النكاح .
(6)( 2/158 ) في باب في رضاع الكبير ، من كتاب النكاح .
(7)( 2/1076 - 1077 ) في باب رضاعة الكبير ، من كتاب الرضاع .
(8)( 1/475 - 476 ) في باب ما حرم برضاعة الكبير ، من كتاب النكاح .
(9)( 6/86 - 87 ) في باب رضاع الكبير من كتاب النكاح ( المجتبي ) .
(10)( 2 / باب ما جاء في الرضاعة بعد الكبر ، من كتاب الرضاع .
(11)( 6/174 ، 228 ) .
(12)انظر في ترجمته : تاريخ الإِسلام ( 1/364 ) ، الأعلام ( 2/171 ) .
- 59 -(14/59)
وَسَلَّمَ " أَرْضِعِيهِ " فَأَرْضَعَتْهُ خَمْسَ رَضَعَاتٍ ، فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ وَلَدِهَا فَبِذَلِكَ كَانَتْ عَائِشَةُ تَأْخُذُ ، تَأْمُرُ بَنَاتِ أَخَوَاتِهَا ، وَبَنَاتِ إِخْوَتِهَا يُرْضِعْنَ مَنْ أَحَبَّتْ عَائِشَةُ أَنْ يَرَاهَا وَيَدْخُلَ عَلَيْهَا ، وَإِنْ كَانَ كَبِيرًا خَمْسَ رَضَعَاتٍ ، وَأَبَتْ ذَلِكَ أُمُّ سَلَمَةَ ، وَسَائِرُ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهِنَّ بِتِلْكَ الرَّضَاعَةِ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ ، حَتَّى يَرْضَعَ فِي الْمَهْدِ ، وَقُلْنَ لِعَائِشَةَ : وَاللَّهِ مَا نَدْرِي لَعَلَّهَا رُخْصَةٌ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِسَالِمٍ دُونَ النَّاسِ " . " .
فكان الواجب على أصحاب المذهب الثاني - وهم الذين يأخذون بما رأى دون ما روى - أن يعتمدوا مخالفة عائشة ويأخذوا بها ويتركوا الاحتجاج بالحديث الذي روته بنفسها ، ولكن لم يلتفتوا إلى مخالفتها للحديث الذي روته ، بل عملوا به واستدلوا بنصه على أن رضاع الكبير لا يثبت به الحرمة ، وتعليل ذلك هو ما نص عليه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو قوله : " إِنَّمَا الرَّضَاعُ مِنَ الْمَجَاعَةِ > .
المطلب الثاني : في السبب الثاني :
وهو مخالفة الصحابي للحديث الذي رواه بسبب عدم إحاطته بمعناه .
فإذا خالف الصحابي ما رواه وكان الأظهر عند المجتهد أن هذا الصحابي لم يحط بمعنى ذلك الحديث ولم يدرك مقاصده فالحكم هنا : أننا نعمل بالحديث الثابت عن رسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا نلتفت إلى مخالفة الصحابي له ؛ حيث إنها لا تقدح بهذا الحديث بأي شكل من الأشكال (1)
(انظر : البرهان ( 1/ 444 ) ، البحر المحيط ( 4/ 372 ) . )
.
المطلب الثالث : في السبب الثالث .
وهو مخالفة الصحابي الحديث الذي رواه بسبب التورع والحرج .
فإذا روى صحابي حديثا مقتضاه رفع الحجر والحرج فيما سبق منه تحريم ، أو حظر وتشدد ، ثم رأينا هذا الصحابي يخالف ذلك الحديث ورعًا .
فالحكم - في هذه الحالة - أن نتمسك بذلك الحديث ونعمل به ، ونحتج به ، ولا نلتفت إلى مخالفته له وعمله بخلافه ، لأن عمله محمول على الورع ، والتعلق بالأفضل والأحسن (2)
(انظر : البرهان ( 1/ 442 ) ، البحر المحيط ( 4/ 37 ) ، شرح الكوكب المنير ( 2/ 563 ) . )
.
(1)انظر : البرهان ( 1/444 ) ، البحر المحيط ( 4/372 ) .
(2)انظر : البرهان ( 1/442 ) ، البحر المحيط ( 4/37 ) ، شرح الكوكب المنير ( 2/563 ) .
- 60 -(14/60)
المطلب الرابع في السبب الرابع :
وهو : مخالفة الصحابي للحديث الذي رواه بسبب نسيانه .
فإذا خالف صحابي حديثا قد رواه ، أو بلغه وثبت عنده ، ثم خالفه نسيانًا منه لذلك الحديث .
فالحكم هنا : أنه يعمل بالحديث ، دون النظر إلى تلك المخالفة (1)
(انظر : البرهان ( 1/ 444 ) ، تقويم الأدلة ( ص 453 ) ، إجمال الإصابة ( ص 84 ) البحر المحيط ( 4/ 370 ) . )
مثل له شيخ الإِسلام ابن تيمية (2)
(انظر في ترجمته : البدر الطالع ( 1/ 63 ) ، طبقات المفسرين للداودي ( 1/ 45 ) ، ذيل طبقات الحنابلة ( 2/ 387 ) . )
في " رفع الملام " (3)
(( ص 16 ) . )
بـ : " أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ سُئِلَ عَنِ الرَّجُلِ يُجْنِبُ فِي السَّفَرِ فَلا يَجِدُ الْمَاءَ ؟ فَقَالَ : " لا يُصَلِّي حَتَّى يَجِدَ الْمَاءَ " فَقَالَ لَهُ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ (4)
(انظر في ترجمته : الاستيعاب ( 2/ 476 ) ، الخلاصة ( ص 279 ) ، تهذيب الأسماء ( 2/ 37 ) . )
- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَمَا تَذْكُرُ إِذْ كُنْتُ أَنَا وَأَنْتَ فِي الإِبِلِ ، فَأَجْنَبْنَا ، فَأَمَّا أَنَا فَتَمَرَّغْتُ كَمَا تَمَرَّغُ الدَّابَّةُ ، وَأَمَّا أَنْتَ فَلَمْ تُصَلِّ ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : ( إِنَّمَا يَكْفِيكَ هَكَذَا ) وَضَرَبَ بِيَدَيْهِ الأَرْضَ فَمَسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ وَكَفَّيْهِ ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ : " اتَّقِ اللَّهَ يَا عَمَّارُ " فَقَالَ : " إِنْ شِئْتَ لَمْ أُحَدِّثْ بِهِ " فَقَالَ : " بَلْ نُوَلِّيكَ مِنْ ذَلِكَ مَا تَوَلَّيْتَ " (5)
(أخرجه الإِمام مسلم في صحيحه ( 1/ 280 ) وأبو داود في سننه ( 1/ 88 ) . )
"
فهذه سنة شهدها عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ثم نسيها ، حتى أفتى بخلافها ، وذكره عمار - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فلم يذكر ، وهو لم يكذب عمارًا ، بل أمره أن يحدث به .
(1)انظر : البرهان ( 1/444 ) ، تقويم الأدلة ( ص 453 ) ، إجمال الإصابة ( ص 84 ) البحر المحيط ( 4/370 ) .
(2)انظر في ترجمته : البدر الطالع ( 1/63 ) ، طبقات المفسرين للداودي ( 1/45 ) ، ذيل طبقات الحنابلة ( 2/387 ) .
(3)( ص 16 ) .
(4)انظر في ترجمته : الاستيعاب ( 2/476 ) ، الخلاصة ( ص 279 ) ، تهذيب الأسماء ( 2/37 ) .
(5)أخرجه الإِمام مسلم في صحيحه ( 1/280 ) وأبو داود في سننه ( 1/88 ) .
- 61 -(14/61)
المبحث الثالث : في مخالفة الصحابي مخالفة كلية للحديث الذي غلب على ظننا علمه به .
تكلمنا في المبحثين السابقين عن مخالفة الصحابي للحديث مخالفة كلية وقطعنا ببلوغه إليه - بأن يكون هو راويه - سواء علمنا سبب مخالفته أم لم نعلم .
أما في هذا المبحث فسنتكلم عن مخالفة الصحابي للحديث مخالفة كلية ولم نقطع ببلوغه إليه ، بل غلب على ظننا أن الحديث بلغه وعلم به ، ولا يحتمل أن يخفي الحديث عن مثل ذلك الصحابي .
فهل مخالفة الصحابي لهذا الحديث الذي لم يروه مع تغليب ظننا أنه بلغه تؤثر في حجية الحديث فتمنع هذه المخالفة من حجيته ، أم يبقى الحديث على ما هو عليه يحتج به ولم تؤثر مخالفة الصحابي له ؟
اختلف العلماء - من فقهاء وأصوليين - على مذهبين - سأذكرهما وما يتعلق بهما في المطالب التالية :
المطلب الأول : في المذهب الأول .
المطلب الثاني : في المذهب الثاني .
المطلب الثالث : الأمثلة التطبيقية على مخالفة الصحابي مخالفة كلية للحديث الذي غلب على الظن بلوغه إليه ، مع بيان أثر الخلاف في ذلك .
المطلب الأول : في المذهب الأول : -
وهو : أن الصحابي إذا خالف حديثًا مخالفة كلية ، وهذا الحديث لم يروه ولم نقطع ببلوغه إليه ، ولكن غلب على ظننا أن الحديث بلغه ، وأنه لا يحتمل خفاؤه عليه ، فإن هذه المخالفة لا تؤثر على الحديث بأي شكل من الأشكال ، فيبقى الحديث على حجيته ، ولا يلتفت إلى تلك المخالفة .
- 62 -(14/62)
وهذا لازم من لوازم المذهب الأول السابق الذكر في المسألة السابقة وهو : أن الصحابي إذا خالف حديثًا قد رواه ، فإنا نأخذ بالحديث الذي رواه ويبقى حجة ولا تؤثر عليه هذه المخالفة ولا نلتفت إلى مخالفة الصحابي (1)
(راجع ( ص 90 ، 122 ) من هذا البحث . )
.
وهذا هو الحق الذي لا يجوز غيره ؛ لأنه إذا كانت مخالفة الصحابي للحديث الذي رواه عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا نعتبرها ، ولا نعتد بها ، ولا تؤثر في حجية الحديث الذي رواه - للأدلة التي قلناها (2)
(راجع ( ص ) من هذا البحث . )
وقد تأكدنا وقطعنا من علم ذلك الصحابي بذلك الحديث وبلوغه إليه - حيث إنه هو الذي رواه - فمن باب أوْلى إذا خالف الصحابي حديثًا لم نقطع ببلوغه إليه ، ولكن غلب على ظننا بلوغه إليه ورجحنا عدم خفائه عنه أن لا نعتبر تلك المخالفة .
ونقرر ذلك بعبارة أخرى فنقول : إذا كنا لم نعتد بمخالفة الصحابي للحديث الذي قطعنا بعلمه به - حيث إنه رواه - فإنه من باب أوْلى أن لا نعتد بمخالفة الصحابي للحديث الذي لم نقطع بعلمه به - حيث إنه لم يروه ولكن غلب على ظننا بلوغه إليه ، وذلك لأنه يزيد - على ما سبق - أن يحتمل ولو احتمالا ضعيفًا - أن الحديث الذي خالفه لم يبلغه .
المطلب الثاني : في المذهب الثاني : -
وهو : أن الصحابي إذا خالف حديثًا مخالفة كلية ، وهذا الحديث لم يروه ، ولكن غلب على ظننا بلوغه إليه ، وأنه لا يخفى عليه ، فإن هذه المخالفة تؤثر على الحديث ، فيسقط الاحتجاج به ، ولا يعمل به ، بل يكون العمل على ما فعله الصحابي ، أو قاله ، أو أفتى به .
أصحاب هذا المذهب :
ذهب إلى ذلك بعض الحنفية ، منهم : عيسى بن أبان (3)
(نقله عنه الجصاص في الفصول في الأصول ( ورقة 205/ أ ) ورجعت إلى المخطوط ، لأن ذلك قد سقط من المطبوع ، فليتنبه . )
والجصاص في " الفصول في الأصول " (4)
(( ورقة 205/ أ ) . )
والسرخسي في " أصوله " (5)
(( 2/ 7 ) . )
والكمال بن الهمام في " التحرير " (6)
(( ص 330 ) . )
والنسفي في " كشف الأسرار " (7)
(( 2/ 82 ) . )
والخبازي في " المغني " (8)
(( ص 217 ) . )
وأمير
(1)راجع ( ص 90 ، 122 ) من هذا البحث .
(2)راجع ( ص ) من هذا البحث .
(3)نقله عنه الجصاص في الفصول في الأصول ( ورقة 205 / أ ) ورجعت إلى المخطوط ، لأن ذلك قد سقط من المطبوع ، فليتنبه .
(4)( ورقة 205 / أ ) .
(5)( 2/7 ) .
(6)( ص 330 ) .
(7)( 2/82 ) .
(8)( ص 217 ) .
- 63 -(14/63)
بادشاه في " تيسير التحرير " (1)
(( 3/ 74 ) . )
وملاجيون في " شرح نور الأنوار " (2)
(( 2/ 80 ) . )
والأنصاري في " الفواتح " (3)
(( 2/ 164 ) . )
.
كما ذهب إليه شمس الدين الأبياري في " التحقيق والبيان " (4)
(ص 609 . )
.
دليل أصحاب هذا المذهب :
لقد استدل أصحاب هذا المذهب عليه بقولهم : إن الصحابي لم يخالف الحديث الثابت عن رسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا لأنه علم انتساخه ، والمنسوخ لا يجوز العمل به .
وقالوا : قلنا : ذلك تحسينًا للظن بالصحابي ؛ إذ لا يجوز على الصحابي المخالف لحديث لا يخفى على مثله إلا ذلك (5)
(انظر : الفصول في الأصول ( ورقة 205/ أ ، أصول السرخسي ( 2/ 7 ) ، التحرير لكمال بن الهمام ( ص 330 ) ، المغني للخبازي ( ص 217 ) ، تيسير التحرير ( 3/ 74 ) . )
.
الجواب عن ذلك :
قلت : يمكن أن يجاب عن ذلك الدليل بجوابين :
الجواب الأول : لا نسلم أن الصحابي ترك العمل بذلك الحديث لعلمه بأنه منسوخ ؛ لأنه لو كان الصحابي قد علم انتساخ ذلك الحديث لذكره ، ولو مرة في العمر ، لأنه لا يظن به كتمان العلم .
الجواب الثاني : أنتم قصرتم ترك الصحابي للحديث على كونه منسوخًا وهذا غير صحيح ، بل يجوز ذلك ، ويجوز أنه تركه نسيانًا، أو سهوًا أو غفلة ، أو تركه لحديث آخر لم يصل إلينا ، أو تأول فيه بتأويل غير صحيح ، أو أنه تركه ؛ لأنه رأى غيره أوْلى منه مما لو بلغنا لم نقدمه عليه .
فهنا - كما رأيت - ترك الصحابي للحديث يحتمل عدة احتمالات وليس بعضها أوْلى من بعض ، لذلك لا يصح لكم أن تقصروا تركه له لكونه منسوخًا ، فالنسخ جائز كما أن غيره يجوز .
وإذا كان الأمر كذلك فلا يجوز - بأي حال من الأحوال - ترك حديث قد ثبت عن رسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يتطرق إليه أي احتمال من أجل تصرف صحابي لم نعرف حقيقة سببه .
(1)( 3/74 ) .
(2)( 2/80 ) .
(3)( 2/164 ) .
(4)ص 609 .
(5)انظر : الفصول في الأصول ( ورقة 205 / أ ، أصول السرخسي ( 2/7 ) ، التحرير لكمال بن الهمام ( ص 330 ) ، المغني للخبازي ( ص 217 ) ، تيسير التحرير ( 3/74 ) .
- 64 -(14/64)
وهكذا ظهر لك - أيها القارئ الكريم - ضعف ما تمسك به أصحاب هذا المذهب ، وأنهم تعلقوا بأوهام لا أصل لها ولا دليل عليها يعتمد عليه .
وبهذا ظهر قوة المذهب الأول وهو : أن الحديث يبقى على حجيته وإن خالفه الصحابي ؛ لما قلنا فيما سبق والله أعلم .
المطلب الثالث : في الأمثلة التطبيقية على مخالفة الصحابي مخالفة كلية للحديث الذي لم يروه ولكن غلب على الظن بلوغه إليه :
لقد وقع أن خالف صحابي من الصحابة - رضوان اللَّه عليهم - بعض الأحاديث التي لم يروها ، ويغلب على ظننا أنها بلغته ، وأنها ليست خافيه عنه ، من ذلك :
المثال الأول :
ما أخرجه مسلم في " صحيحه " (1)
(( 3/ 1316 - 1317 ) في باب حد الزنى ، من كتاب الحدود . )
وأبو داود في " سننه " (2)
(( 2/ 455 ) في باب في الرجم ، من كتاب الحدود . )
والترمذي في " سننه " (3)
(( 6/ 210 ) - عارضة الأحوذي - في باب ما جاء في الرجم على الثيب ، من كتاب الحدود . )
وابن ماجه في " سننه " (4)
(( 2/ 852 - 853 ) في باب حد الزنى ، من كتاب الحدود . )
والدارمي في " سننه " (5)
(( 2/ 181 ) في باب في تفسير قول اللَّه تعالى : ( أو يجعل اللَّه لهن سبيلا ) من كتاب الحدود . )
وأحمد في " المسند " (6)
(( 5/ 313 - 318 ) . )
عن عبادة بن الصامت (7)
(انظر في ترجمته : أسد الغابة ( 3/ 160 ) ، الخلاصة ( ص 2/ 32 ) تهذيب الأسماء ( 1/ 256 ) . )
- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قال : " خُذُوا عَنِّي ، خُذُوا عَنِّي ، قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلا : الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ ، وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ وَالرَّجْمُ " (8)
(( 3/ 241 ) و ( 8/ 161 ) في باب إذا اصطلحوا على صلح جور ، من كتاب الصلح ، وفي باب الشروط التي لا تحل في الحدود ، من كتاب الشروط . )
) .
وأخرج البخاري في " صحيحه " ومسلم في " صحيحه " (9)
(( 4/ 115 ) . )
عن أبي هريرة ، وزيد بن خالد (10)
(انظر في ترجمته : شذرات الذهب ( 1/ 84 ) ، تهذيب الأسماء ( 1/ 203 ) الإصابة ( 1/ 565 ) . )
< أَنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَحَدُهُمَا : إِنَّ ابْنِي كَانَ عَسِيفًا عَلَى هَذَا ، فَزَنَى بِامْرَأَتِهِ ، وَإِنِّي افْتَدَيْتُ مِنْهُ بِمِائَةِ شَاةٍ وَوَلِيدَةٍ ، فَسَأَلْتُ رِجَالا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ ، فَقَالَوا : إِنَّمَا عَلَى ابْنِكَ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ ، وَالرَّجْمُ عَلَى امْرَأَةِ هَذَا ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - عَلَى ابْنِكَ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَاَم ٍ ) وَجَلَدَ ابْنَهُ مِائَةً وَغَرَّبَهُ عَامًا ، وَأَمَرَ أُنَيْسًا الأَسْلَمِيَّ أَنْ يَأْتِيَ امْرَأَةَ الآخَرِ ، فَإِنِ اعْتَرَفَتْ رَجَمَهَا ، فَاعْتَرَفَتْ ، فَرَجَمَهَا > (11)
(( 3/ 539 ) في باب من ساق البدن معه من كتاب الحج . )
" .
فهذان الحديثان يؤكدان - بما لا يجعل مجالا للشك - أن التغريب يُعدُّ من الحد ، لا يتم الحد بدونه .
(1)( 3/1316 - 1317 ) في باب حد الزنى ، من كتاب الحدود .
(2)( 2/455 ) في باب في الرجم ، من كتاب الحدود .
(3)( 6/210 ) - عارضة الأحوذي - في باب ما جاء في الرجم على الثيب ، من كتاب الحدود .
(4)( 2/852 - 853 ) في باب حد الزنى ، من كتاب الحدود .
(5)( 2/181 ) في باب في تفسير قول اللَّه تعالى : ( أو يجعل اللَّه لهن سبيلا ) من كتاب الحدود .
(6)( 5/313 - 318 ) .
(7)انظر في ترجمته : أسد الغابة ( 3/160 ) ، الخلاصة ( ص 2/32 ) تهذيب الأسماء ( 1/256 ) .
(8)( 3/241 ) و ( 8/161 ) في باب إذا اصطلحوا على صلح جور ، من كتاب الصلح ، وفي باب الشروط التي لا تحل في الحدود ، من كتاب الشروط .
(9)( 4/115 ) .
(10)انظر في ترجمته : شذرات الذهب ( 1/84 ) ، تهذيب الأسماء ( 1/203 ) الإصابة ( 1/565 ) .
(11)( 3/539 ) في باب من ساق البدن معه من كتاب الحج .
- 65 -(14/65)
ومع ذلك فقد روي عن عمر - رضي اللَّه عليه عنه - أنه خالفه فقد أخرج عبد الرزاق (1)
(انظر في ترجمته : الاستيعاب ( 3/ 26 ) ، أسد الغابة ( 4/ 91 ) ، صفة الصفوة ( 1/ 308 ) . )
في " المصنف " ، عن عبد اللَّه بن عمر : أن أبا بكر بن أمية بن خلف غُرِّب في الخمر إلى خيبر ، فلحق بهرقل ، قال عمر " لا أغرب مسلمًا بعده أبدًا " .
وكذا خالفه علي بن أبي طالب ، فقد أخرج عبد الرزاق في " المصنف " (2)
(( 7/ 315 ) . )
أن عليًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال : " حسبهما من الفتنة أن ينفيا " .
فهنا ثبت عن هذين الصحابيين أنهما خالفا هذين الحديثين مع أنهما مشهوران ، فلا يمكن أن يزعم أحد أنهما لم يبلغا عمر ، وعليًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا .
ويدل على أن الحديثين مشهوران ما يلي :
أولا : أن والد الزاني قال : فسألت رجالا من أهل العلم فقالوا : إنما على ابنك جلد مائة وتغريب عام " فهذا صريح في شهرة هذا الحكم وهو التغريب عندهم .
ثانيًا : أن التغريب فعله الخلفاء الراشدون - ومنهم عمر وعلي - ولا نعرف لهم في الصحابة مخالفًا ، فكان إجماعًا (3)
(انظر : المغني لابن قدامة ( 12/ 323 - 324 ) . )
.
ثالثًا : أن إقامة الحد مفوض إلى الأئمة ، ومبنى إقامة الحد على الشهرة ، وعمر وعلي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - من أئمة الهدى (4)
(انظر : كشف الأسرار للنسفي ( 2/ 82 ) ، فواتح الرحموت ( 2/ 164 ) ، شرح نور الأنوار ( 2/ 80 ) . )
.
فتلك أدلة واضحة على أن الحديثين مشهوران بين الصحابة ، وأن يبعد أن يخفى الحديث على إمامين معروفين كعلي وعمر اللذين تلقينا الدين منهما ومن غيرهما ، فغلب على الظن أن الحديثين قد بلغاهما .
فهنا قد خالف عمر ، وعلي حديث التغريب ، وهما لم يروياه ، ولكن غلب على ظننا أنه بلغهما ، فهل نأخذ بالتغريب الثابت بالحديث ، . أو لا نظرًا لمخالفة عمر وعلي له ؟ اختلف العلماء في ذلك :
فذهب أصحاب المذهب الأول - وهم القائلون : إن مخالفة الصحابي للحديث الذي لم يروه ، ولكن غلب على الظن بلوغه إليه ،هذه المخالفة لا تؤثر على حجية الحديث - إلى ثبوت التغريب الوارد في الحديثين السابقين ، لأنهما قد ثبتا عن النبي
(1)انظر في ترجمته : الاستيعاب ( 3/26 ) ، أسد الغابة ( 4/91 ) ، صفة الصفوة ( 1/308 ) .
(2)( 7/315 ) .
(3)انظر : المغني لابن قدامة ( 12/323 - 324 ) .
(4)انظر : كشف الأسرار للنسفي ( 2/82 ) ، فواتح الرحموت ( 2/164 ) ، شرح نور الأنوار ( 2/80 ) .
- 66 -(14/66)
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيجب العمل بهما ، وترك ما يخالفهما من عمل الصحابي وهو - عمر وعلي وهذا مذهب الجمهور .
أما أصحاب المذهب الثاني - وهم القائلون : إن مخالفة الصحابي للحديث الذي غلب على الظن بلوغه إليه تؤثر على حجية الحديث - فقد ذهبوا إلى سقوط التغريب ، وذلك نظرًا لمخالفة علي وعمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - للحديثين السابقين ، حيث إنهما لم يغربا ، فدل ذلك على نسخ التغريب وهو مذهب أكثر الحنفية .
قال الجصاص في " الفصول في الأصول " (1)
(( 3/ 205 ) . )
" فلو كان النفي حدًّا ثابتًا لما تركوه بعد المعرفة به " (2)
(الفصول ( 3/ 205 ) . )
.
وقال أبو زيد الدبوسي في " الأسرار في الأصول والفروع " (3)
(( ص 459 ) . )
- بعد ما ذكر الحديث وما روي عن عمر وعلي : " فدل فتواهم بخلاف الخبر في النفي على أن خبر النفي غير ثابت على ظاهره " (4)
(المرجع السابق . )
.
وقال السرخسي في " أصوله " (5)
(( 2/ 7 ) . )
" .. وكذلك صح عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قوله : والله لا أنفي أحدًا أبدًا ، وقول علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كفى بالنفي فتنة ، مع علمنا أنه لم يخف عليهما الحديث ، فاستدللنا به على انتساخ حكم الجمع بين الجلد والتغريب (6)
(المرجع السابق . )
.
وقال النسفي في " كشف الأسرار " (7)
(( 2/ 82 ) . )
" فدل فتواهم بخلاف الحديث على أنه منسوخ " (8)
(المرجع السابق . )
.
الراجح :
الراجح - في ذلك - هو ما ذهب إليه أصحاب المذهب الأول - وهم الجمهور - وهو أن التغريب ثابت كما أن الجلد ثابت ، لا فرق بينهما ؛ لأنهما وردا معًا في حديثين صحيحين قد ثبتا عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلا يمكن التفريق بينهما بدون دليل وبرهان ، ومخالفة علي وعمر لا تقوى على إسقاط التغريب الثابت بقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
(1)( 3/205 ) .
(2)الفصول ( 3/205 ) .
(3)( ص 459 ) .
(4)المرجع السابق .
(5)( 2/7 ) .
(6)المرجع السابق .
(7)( 2/82 ) .
(8)المرجع السابق .
- 67 -(14/67)
أما ما احتج به أكثر الحنفية من أن عمر وعليًّا خالفا الحديث فلم يغربا ، فيمكن أن يجاب عن ذلك بما يلي :
أولا : أن ما روي عن عمر - وهو قوله : " لا أغرب مسلمًا " يعارضه ما أخرجه الترمذي في " سننه " (1)
(( 4/ 712 ) في كتاب الحدود . )
عن ابن عمر أن أبا بكر ضرب وغرب ، وأن عمر ضرب وغرب ... وهذا مقدم على ما أخرجه عبد الرزاق في " مصنفه " كما سبق .
ثانيًا : على فرض أن عمر حلف أن لا يغرب - وثبت ذلك - فالظاهر أنه يقصد أنه لا يغرب شارب الخمر ، أما الزاني الوارد في الحديث - غير المحصن - فعلى ما ورد عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وهذا هو الراجح ؛ لأن عمر قال ذلك في أبي بكر : ربيعة بن أمية بن خلف حينما شرب الخمر فغربه لذلك إلى خيبر .
ثالثًا : أن ما روي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال : " حسبهما من الفتنة أن ينفيا " لم يصح ، ذكر ذلك كثير من العلماء (2)
(ذكر ذلك ابن قدامة في المغني ( 12/ 324 ) ، وابن حزم في المحلى ( 13/ 193 ) ، والقرطبي في تفسيره ( 12/ 159 ) ، والنووي في المجموع ( 20/ 9 ) . )
.
المثال الثاني :
ما أخرجه البخاري في " صحيحه " ومسلم في " صحيحه " (3)
(( 8/ 208 ) في باب وجوب الدم على المتمتع وأنه إذا عدمه لزمه صوم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله ، من كتاب الحج . )
أن الزهري روى عن سالم عن أبيه (4)
(يعني : عبد اللَّه بن عمر بن الخطاب . )
قال : " تَمَتَّعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ وَأَهْدَى فَسَاقَ مَعَهُ الْهَدْيَ " (5)
(( 3/ 539 ) في باب من ساق البدن معه ، من كتاب الحج . )
" .
وأخرج أيضًا البخاري في " صحيحه " ومسلم في " صحيحه " (6)
(( 8/ 208 ) في باب وجوب الدم على المتمتع .. إلخ ، من كتاب الحج . )
عن الزهري عن عروة (7)
(انظر في ترجمته : طبقات الفقهاء ( ص 58 ) ، طبقات القراء ( 1/ 511 ) ، الخلاصة ( ص 265 ) . )
< عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تَمَتُّعِهِ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ ، وَتَمَتُّعِ النَّاسِ مَعَهُ > (8)
(( 3/ 185 ) في باب ما جاء في التمتع ، من كتاب الحج . )
" .
هذان الحديثان يدلان على أن التمتع بالعمرة إلى الحج جائز .
لكن روي عن عمر بن الخطاب مخالفة ذلك حيث نهى عن التمتع بالعمرة إلى الحج فقد أخرج الترمذي في " سننه < عَنْ سَالِمٍ أَنَّهُ سَمِعَ رَجُلا مِنْ أَهْلِ الشَّامِ وَهُوَ يَسْأَلُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ عَنِ التَّمَتُّعِ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ : هِيَ
(1)( 4/712 ) في كتاب الحدود .
(2)ذكر ذلك ابن قدامة في المغني ( 12/324 ) ، وابن حزم في المحلى ( 13/193 ) ، والقرطبي في تفسيره ( 12/159 ) ، والنووي في المجموع ( 20/9 ) .
(3)( 8/208 ) في باب وجوب الدم على المتمتع وأنه إذا عدمه لزمه صوم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله ، من كتاب الحج .
(4)يعني : عبد اللَّه بن عمر بن الخطاب .
(5)( 3/539 ) في باب من ساق البدن معه ، من كتاب الحج .
(6)( 8/208 ) في باب وجوب الدم على المتمتع .. إلخ ، من كتاب الحج .
(7)انظر في ترجمته : طبقات الفقهاء ( ص 58 ) ، طبقات القراء ( 1/511 ) ، الخلاصة ( ص 265 ) .
(8)( 3/185 ) في باب ما جاء في التمتع ، من كتاب الحج .
- 68 -(14/68)
حَلالٌ ، قَالَ الشَّامِيُّ : إِنَّ أَبَاكَ قَدْ نَهَى عَنْهَا ؟ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ : أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ أَبِي نَهَى عَنْهَا ، وَصَنَعَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَأَمْرَ أَبِي نَتَّبِعُ أَمْ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَ الرَّجُلُ : بَلْ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : لَقَدْ صَنَعَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " G ƒ Gقال : " Gگ Gمُتْعَتَانِ كَانَتَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ G‚ Gأَنَا أَنْهَى عَنْهُمَا وَأُعَاقِبُ عَلَيْهِمَا : مُتْعَةُ النِّسَاءِ ، وَمُتْعَةُ الْحَجِّ > (2)
(( 7/ 38 ) في كتاب المغازي . )
" .
فهنا ثبت عن عمر أنه خالف الحديث الذي ورد فيه جواز التمتع بالعمرة إلى الحج ، فهل نأخذ بالحديث أو بمخالفة عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ؟ اختلف العلماء في ذلك :
فذهب جمهور العلماء إلى العمل بالحديث وأن التمتع حلال ، بل أفضل الأنساك عند بعضهم ، وعدم الالتفات إلى نهي عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وهذا هو الراجح .
وذهب بعض الحنفية إلى أن حديث التمتع بالعمرة إلى الحج قد ثبت نسخه بمجرد مخالفة عمر بن الخطاب له ونهيه عنه .
ذكر أبو زيد الدبوسي في " الأسرار في الأصول والفروع " (3)
(( ص 460 ) . )
أن نهي عمر عن التمتع بالعمرة إلى الحج يدل على أنه قد علم بانتساخه (4)
(انظر المرجع السابق . )
وقال السرخسي في " أصوله " (5)
(( 2/ 6 ) . )
فإنما يحمل هذا على علمه بالانتساخ (6)
(المرجع السابق . )
وأشار إلى مثل ذلك الجصاص في " الفصول في الأصول " (7)
(( 3/ 205 ) . )
والنسفي في كشف الأسرار " (8)
(( 2/ 82 ) . )
.
المثال الثالث :
ما أخرجه البخاري في " صحيحه " ومسلم في " صحيحه " (9)
(( 1/ 183 ) في كتاب الإيمان . )
وأبو داود في " سننه " (10)
(( 7/ 140 ) في كتاب الجهاد . )
والدارمي في " سننه " (11)
(( 1/ 37 ) في كتاب السير . )
< أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَسَّمَ خَيْبَرَ حِينَ افْتَتَحَهَا ، لِلْفَارِسِ سَهْمَانِ ، وَلِلْرَاجِلِ سَهْمٌ . > (12)
(( 1/ 162 - 164 ) في باب أحاديث القهقهة في الصلاة ، وعللها ، من كتاب الطهارة . )
.
وخالف عمر بن الخطاب ذلك حيث إنه لما فتح السواد من أرض العراق لم يقسمها .
(1)( 7/206 ) في باب نكاح المتعة ، من كتاب النكاح .
(2)( 7/38 ) في كتاب المغازي .
(3)( ص 460 ) .
(4)انظر المرجع السابق .
(5)( 2/6 ) .
(6)المرجع السابق .
(7)( 3/205 ) .
(8)( 2/82 ) .
(9)( 1/183 ) في كتاب الإيمان .
(10)( 7/140 ) في كتاب الجهاد .
(11)( 1/37 ) في كتاب السير .
(12)( 1/162 - 164 ) في باب أحاديث القهقهة في الصلاة ، وعللها ، من كتاب الطهارة .
- 69 -(14/69)
قال السرخسي في " أصوله " (1)
(( 2/ 8 ) . )
" إن عمر حين فتح السواد - من بها على أهلها ، وأبى أن يقسمها بين الغانمين ، مع علمنا أنه لم يخف عليه قسمة رسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خيبر بين أصحابه حين افتتحها (2)
(المرجع السابق . )
.
وذكر مثل ذلك الدبوسي في " الأسرار في الأصول والفروع " (3)
(( 2/ 832 ) . )
والنسفي في " كشف الأسرار " .
فهنا - كما رأيت - قد ثبت حديث عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يفيد : أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قسم خيبر بين الغانمين لما افتتحها
وعمر بن الخطاب خالف ذلك : فلم يقسم السواد لما افتتحها علمًا بأنه يغلب على الظن علم عمر بذلك الحديث .
فاختلف العلماء إزاء ذلك :
فعلى المذهب الأول : أنه يعمل بمقتضى الحديث الثابت عن رسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ولا يلتفت إلى مخالفة عمر له وهو المذهب الحق .
وعلى المذهب الثاني : أنه يعمل بمخالفة عمر ، ويعلم بذلك أن ما جاء بالحديث ليس حكمًا حتميًّا .
قال السرخسي في " أصوله " (4)
(( 2/ 6 ) . )
- بعد ما ذكر أن عمر لم يعمل بذلك الحديث مع علمه به - : " فاستدللنا به على أنه علم أن ذلك لم يكن حكمًا حتمًّا من رسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على وجه لا يجوز غيره في الغنائم " وقال مثل ذلك بعض الحنفية كالدبوسي في " الأسرار في الأصول والفروع " (5)
(( ص 460 ) . )
والنسفي في " كشف الأسرار " (6)
(( 2/ 8 ) . )
.
هذه بعض الأمثلة التطبيقية على مخالفة الصحابي مخالفة كلية للحديث الذي لم يروه ولكن غلب على ظننا بلوغه إليه أوردها لك أيها القارئ حتى تساعدك على تصور المسألة في ذهنك . والله من وراء القصد .
(1)( 2/8 ) .
(2)المرجع السابق .
(3)( 2/832 ) .
(4)( 2/6 ) .
(5)( ص 460 ) .
(6)( 2/8 ) .
- 70 -(14/70)
المبحث الرابع : مخالفة الصحابي مخالفة كلية للحديث الذي شككنا في علمه به .
تكلمنا في المبحث الأول والثاني عن مخالفة الصحابي للحديث مخالفة كلية مع القطع ببلوغه إليه مع عدم معرفة سبب المخالفة ومع المعرفة بسبب المخالفة .
وتكلمنا في المبحث الثالث عن مخالفة الصحابي للحديث مخالفة كلية مع أنه يغلب على الظن بلوغه إليه .
والآن في هذا المبحث سنتكلم عن مخالفة الصحابي للحديث مخالفة كلية ونحن لم نقطع ببلوغه إليه ، ولم يغلب على الظن علمه به ، بل وقع الشك في علمه بالحديث وبلوغه إليه ، فنقول وبالله التوفيق .
إذا خالف الصحابي الحديث النبوي الشريف ونحن نشك في بلوغه إليه .
بمعنى : لا نعلم أن الصحابي عمل بخلاف هذا الحديث قبل بلوغه إليه وقبل روايته له ، أو أنه عمل بخلافه بعد بلوغه إليه وبعد روايته له .
بمعنى : جهلنا تاريخ بلوغ الحديث لهذا الصحابي الذي خالفه ، وهل هو عالم بالحديث أو لا ؟
ففي هذه الحالة يبقى الحديث على حجيته ، يعمل به ، ولا تؤثر عليه مخالفة الصحابي - أيا كان - له ولا يلتفت إليها ولا ينظر إليها .
نص على ذلك إمام الحرمين في " البرهان " (1)
(( 1/ 444 ) . )
والسجستاني في " الغنية " (2)
(( ص 137 ) . )
وأبو زيد الدبوسي في " الأسرار في الأصول والفروع " (3)
(( ص 456 - 457 ) . )
والسرخسي في " أصوله " (4)
(( 2/ 5 ) . )
وشمس الدين الأبياري في " التحقيق والبيان " (5)
(( ص 609 ) . )
وعبد العزيز البخاري في " كشف الأسرار " (6)
(( 3/ 64 ) . )
والزركشي في " البحر المحيط " (7)
(( 4/ 371 ) . )
والنسفي في " كشف الأسرار " (8)
(( 2/ 79 ) . )
وأمير بادشاه في " تيسير التحرير " (9)
(( 3/ 72 ) . )
وابن أمير الحاج في " التقرير والتحبير " (10)
(( 2/ 266 ) . )
.
(1)( 1/444 ) .
(2)( ص 137 ) .
(3)( ص 456 - 457 ) .
(4)( 2/5 ) .
(5)( ص 609 ) .
(6)( 3/64 ) .
(7)( 4/371 ) .
(8)( 2/79 ) .
(9)( 3/72 ) .
(10)( 2/266 ) .
- 71 -(14/71)
وهذا هو القول الحق - الذي لا أعلم خلافه - لدليلين :
الدليل الأول : أن الحديث أصل من أصول الشريعة ، ونحن قد ترددنا فيما قد يدفع التعلق به ، فلا يدفع الأصل بهذا التردد (1)
(انظر : البرهان ( 1/ 444 ) ، التحقيق والبيان ( ص 609 ) ، البحر المحيط ( 4/ 371 ) . )
.
الدليل الثاني : أن الحديث في الأصل حجة بيقين ، وقد رفع الشك في سقوطه ؛ لأنه إن كانت المخالفة قبل الرواية أو البلوغ إليه كان الحديث حجة بلا شك ، وإن كانت المخالفة بعد الرواية ، أو البلوغ لم يكن حجة هذا عند أكثر الحنفية وبعض العلماء - كما سبق تقريره - فوجب العمل بالأصل ، ويحمل على أنه كان قبل الرواية ؛ لأن الحمل على أحسن الوجهين واجب ، . ما لم يتبين خلافه (2)
(انظر : الغنية في الأصول ( ص 137 ) ، أصول السرخسي ( 2/ 5 - 6 ) ، كشف الأسرار للبخاري ( 3/ 64 ) ، التقرير والتحبير ( 2/ 266 ) ، كشف الأسرار للنسفي ( 2/ 79 ) . )
.
ولأن أمر العاقل يحمل على الصدق والصلاح مهما أمكن .
(1)انظر : البرهان ( 1/444 ) ، التحقيق والبيان ( ص 609 ) ، البحر المحيط ( 4/371 ) .
(2)انظر : الغنية في الأصول ( ص 137 ) ، أصول السرخسي ( 2/5 - 6 ) ، كشف الأسرار للبخاري ( 3/64 ) ، التقرير والتحبير ( 2/266 ) ، كشف الأسرار للنسفي ( 2/79 ) .
- 72 -(14/72)
المبحث الخامس : مخالفة الصحابي مخالفة كلية للحديث الذي غلب على ظننا علمه به :
سبق أن عرفنا مخالفة الصحابي مخالفة كلية للحديث الذي قطعنا ببلوغه إليه ، أو غلب على ظننا بلوغه إليه أو شككنا في بلوغه إليه وعلمه به .
والآن - في هذا المبحث سنتكلم عن مخالفة الصحابي مخالفة كلية للحديث الذي غلب على ظننا عدم بلوغه إليه ، وعدم علمه به ، فنقول وبالله التوفيق :
إذا خالف الصحابي حديثًا مخالفة كلية ، ورجحنا عدم بلوغه إليه .
بمعنى : أنه احتمل احتمالا قويًّا أن الحديث قد خفي عليه ، ولم يطلع عليه .
فالحكم في هذه الحالة : أن الحديث يبقى على حجيته ، ويعمل به ، ولا تؤثر عليه مخالفة الصحابي ، ولا يلتفت إلى تلك المخالفة .
هذا هو الذي اختاره إمام الحرمين في " البرهان " (1)
(( 1/ 442 ) . )
وابن القشيري - كما حكاه عنه الزركشي في " البحر المحيط " (2)
(( 3/ 370 ) . )
وحكاه عنه أيضًا الفتوحي في " شرح الكوكب المنير " (3)
(( 2/ 563 ) . )
.
واختاره - أيضًا - الجصاص في " الفصول في الأصول " (4)
(( 3/ 207 ) . )
والدبوسي " في الأسرار في الأصول والفروع " (5)
(( 2/ 8 ) . )
والسرخسي في " أصوله " (6)
(( 2/ 8 ) . )
والأبياري في " التحقيق والبيان " (7)
(( ص 609 ) . )
وابن عبد الشكور في " مسلم الثبوت " (8)
(( 2/ 163 - 164 ) . )
والأنصاري في " فواتح الرحموت " (9)
(( 2/ 163 - 164 ) . )
والخبازي في " المغني " (10)
(( ص 217 ) . )
والنسفي في " كشف الأسرار " (11)
(( 2/ 89 - 8 ) . )
وأمير بادشاه في " تيسير التحرير " (12)
(( 3/ 73 ) . )
وملاجيون في " شرح الأنوار " (13)
(( 2/ 80 ) . )
.
ونسبه ابن عبد الشكور في " مسلم الثبوت " (14)
(( 2/ 163 ) . )
إلى جميع الحنفية .
وذكر العلائي في " إجمال الإصابة " (15)
(( ص 92 ) . )
أنه متفق عليه .
وهو الحق الذي لا يجوز غيره ؛ لأن الحديث النبوي الشريف أصل من أصول
(1)( 1/442 ) .
(2)( 3/370 ) .
(3)( 2/563 ) .
(4)( 3/207 ) .
(5)( 2/8 ) .
(6)( 2/8 ) .
(7)( ص 609 ) .
(8)( 2/163 - 164 ) .
(9)( 2/163 - 164 ) .
(10)( ص 217 ) .
(11)( 2/89 - 8 ) .
(12)( 3/73 ) .
(13)( 2/80 ) .
(14)( 2/163 ) .
(15)( ص 92 ) .
- 73 -(14/73)
الشريعة ، يجب أن يعمل به - إذا صح عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلا يمكن ترك العمل به من أجل عمل ممن هو دونه بخلافه ، وإنما تحمل مخالفة الصحابي له وفتواه وعمله بخلافه ، على أحسن الوجهين وهو : أنه أفتى وعمل بخلاف الحديث ؛ لأنه خفي عنه ، وأنه لم يبلغه ، ولو بلغه لرجع إليه ، وعمل به . فعلى من بلغه الحديث بطريق صحيح أن يأخذ به .
مما يؤيد ذلك : أن الصحابة - رضوان اللَّه عليهم - كانوا يعملون العمل فإذا ورد النهي عنه تركوه مباشرة ودون أي تردد (1)
(انظر : أصول السرخسي ( 2/ 8 ) ، التحقيق والبيان ( ص 609 ) ، تقويم الأدلة ( ص 456 ) ، المغني للخبازي ( ص 218 ) ، كشف الأسرار للبخاري ( 3/ 63 ) ، كشف الأسرار للنسفي ( 2/ 83 ) ، فواتح الرحموت ( 2/ 164 ) ، شرح نور الأنوار ( 2/ 79 ) . )
.
الأمثلة التطبيقية على مخالفة الصحابي مخالفة كلية للحديث الذي غلب على الظن عدم بلوغه إليه :
المثال الأول :
ما أخرجه الدارقطني في " سننه " ن أبي العالية (2)
(انظر في ترجمته : تهذيب ( 3/ 284 - 286 ) ، العبر ( 1/ 108 ) . )
" أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي ، فَجَاءَ ضَرِيرٌ فَتَرَدَّى فِي بِئْرٍ ، فَضَحِكَ طَوَائِفُ ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي ضَحِكُوا أَنْ يُعِيدُوا الْوُضُوءَ وَالصَّلاةَ " .
وقد ذكر عن أبي موسى الأشعري الصحابي أنه كان لا يعمل بهذا الحديث ؛ حيث إنه كان لا يوجب إعادة الوضوء من القهقهة في الصلاة ، ذكر ذلك الجصاص في " الفصول في الأصول " (3)
(( 3/ 207 ) . )
والسرخسي في " أصوله " (4)
(( 2/ 8 ) . )
والخبازي في " المغني " (5)
(( ص 218 ) . )
والنسفي في " كشف الأسرار " (6)
(( 2/ 83 ) . )
وابن عبد الشكور في " مسلم الثبوت " (7)
(( 2/ 163 ) . )
والأنصاري في " فواتح الرحموت " (8)
(( 2/ 163 ) . )
وأمير بادشاه في " تيسير التحرير " (9)
(( 3/ 73 - 74 ) . )
وملاجيون في " شرح نور الأنوار " (10)
(( 1/ 81 ) . )
.
فهنا ثبت أن الصحابي - وهو أبو موسى - قد خالف ذلك الحديث ، فاختلف العلماء إزاء ذلك .
فذهب الحنفية إلى عدم الأخذ بمخالفة هذا الصحابي والأخذ والعمل بمقتضى الحديث الوارد عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وذلك ؛ لأنه غلب على ظنهم أن أبا
(1)انظر : أصول السرخسي ( 2/8 ) ، التحقيق والبيان ( ص 609 ) ، تقويم الأدلة ( ص 456 ) ، المغني للخبازي ( ص 218 ) ، كشف الأسرار للبخاري ( 3/63 ) ، كشف الأسرار للنسفي ( 2/83 ) ، فواتح الرحموت ( 2/164 ) ، شرح نور الأنوار ( 2/79 ) .
(2)انظر في ترجمته : تهذيب ( 3/284 - 286 ) ، العبر ( 1/108 ) .
(3)( 3/207 ) .
(4)( 2/8 ) .
(5)( ص 218 ) .
(6)( 2/83 ) .
(7)( 2/163 ) .
(8)( 2/163 ) .
(9)( 3/73 - 74 ) .
(10)( 1/81 ) .
- 74 -(14/74)
موسى الأشعري لم يبلغه ، وأنه جاهل به ، إذ لو بلغه لترك قوله ، وعمل بالحديث .
لذا تجد الحنفية ذهبوا إلى أن القهقهة تنقض الوضوء (1)
(انظر : القدوري ( ص 2 ) ، تحفة الفقهاء ( 1/ 39 ) ، البحر الرائق ( 1/ 42 ) ، فتح باب العناية ( 1/ 75 - 77 ) ، شرح فتح القدير ( 1/ 45 ) ، تبين الحقائق ( 1/ 11 ) . )
.
أما الجمهور فقد ذهبوا إلى أن القهقهة لا تنقض الوضوء (2)
(انظر : المغني لابن قدامة ( 1/ 239 ) ، الأم ( 1/ 21 ) ، المهذب ( 1/ 131 ) ، المنهاج ( ص 4 ) ، شرح منتهى الإرادات ( 1/ 70 ) ، المجموع ( 2/ 61 ) ، بداية المجتهد ( 1/ 31 ) حاشية الدسوقي ( 1/ 123 ) ، قوانين الأحكام الشرعية ( ص 39 ) . )
.
ولم يذهب الجمهور إلى ذلك ؛ استنادًا إلى مخالفة الصحابي أبي موسى ، ولم ينظروا إليها ، بل إنهم استندوا واستدلوا بما يلي : -
الدليل الأول : أنه معنى لا يبطل الوضوء خارج الصلاة ، فلا يبطله داخلها .
الدليل الثاني : أن القهقهة ليس بحدث ولا يفضي إليه ، فأشبه ما لا يبطل .
الدليل الثالث : أنه روي عن جابر أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : " الضَّحِكُ يُنْقِضُ الصَّلاةَ وَلا يُنْقِضُ الْوُضُوءَ " .
قلت : هذا ليس حديثا ، بل هو قول جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - موقوفًا عليه ، قال البيهقي في " السنن الكبرى " (3)
(( 1/ 172 - 173 ) . )
الصحيح أنه موقوف على جابر ، وذكره البخاري في " صحيحه " (4)
(( 1/ 280 ) . )
تعليقًا موقوفًا على جابر (5)
(انظر السنن الكبرى ( 1/ 172 ) . )
.
وقال النووي في " المجموع " (6)
(( 6/ 65 ) . )
حديث جابر هذا روي مرفوعًا وموقوفًا على جابر ، ورفعه ضعيف " .
الدليل الرابع : أن إيجاب الوضوء من الشارع ، ولم يصح عن الشارع في هذا إيجاب الوضوء ، ولا في شيء يقاس هذا عليه .
وأما ما استدل به الحنفية مما رواه أبو العالية عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن < فِي الْقَهْقَهَةِ فِي الصَّلاةِ وُضُوءٌ > (7)
(( 2/ 214 ، 220 ) في باب الزيارة يوم النحر ، وباب إذا حاضت المرأة بعد ما أفاضت من كتاب الحج . )
فإن هذا الحديث مرسل : قال الدارقطني في " سننه " (8)
(( 1/ 171 ) . )
" أبو العالية أرسل هذا الحديث عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم يسم بينه وبينه رجلا سمعه منه " (9)
(المرجع السابق . )
.
وقال - أيضًا - أعني الدارقطني - في " سننه " (10)
(( 1/ 171 ) . )
" وقد روى عاصم الأحول عن محمد بن سيرين - وكان عالمًا بأبي العالية ، وبالحسن - قال : لا تأخذ بمراسيل الحسن ولا أبي العالية فإنهما لا يباليان عمن أخذا " (11)
(المرجع السابق . )
.
(1)انظر : القدوري ( ص 2 ) ، تحفة الفقهاء ( 1/39 ) ، البحر الرائق ( 1/42 ) ، فتح باب العناية ( 1/75 - 77 ) ، شرح فتح القدير ( 1/45 ) ، تبين الحقائق ( 1/11 ) .
(2)انظر : المغني لابن قدامة ( 1/239 ) ، الأم ( 1/21 ) ، المهذب ( 1/131 ) ، المنهاج ( ص 4 ) ، شرح منتهى الإرادات ( 1/70 ) ، المجموع ( 2/61 ) ، بداية المجتهد ( 1/31 ) حاشية الدسوقي ( 1/123 ) ، قوانين الأحكام الشرعية ( ص 39 ) .
(3)( 1/172 - 173 ) .
(4)( 1/280 ) .
(5)انظر السنن الكبرى ( 1/172 ) .
(6)( 6/65 ) .
(7)( 2/214 ، 220 ) في باب الزيارة يوم النحر ، وباب إذا حاضت المرأة بعد ما أفاضت من كتاب الحج .
(8)( 1/171 ) .
(9)المرجع السابق .
(10)( 1/171 ) .
(11)المرجع السابق .
- 75 -(14/75)
وقال ابن عدي (1)
(انظر في ترجمته : شذرات الذهب ( 3/ 51 ) ، البداية والنهاية ( 11/ 283 ) تذكرة الحفاظ ( 3/ 940 ) . )
في " الكامل " (2)
(( 6 ) ( 1/ 319 ) . )
" كل رواة هذا الحديث يرجع إلى أبي العالية ، ومن أجل هذا الحديث تكلم في أبي العالية " .
وقال الشافعي : " حديث أبي العالية الرياحي رياح " (3)
(انظر : آداب الشافعي ومناقبه لابن أبي حاتم ( ص 222 ) ، مناقب الشافعي للبيهقي ( 1/ 542 ) ، المعرفة للبيهقي ( 1/ 386 ) . )
.
وعلق البيهقي في " مناقب الشافعي " (4)
(( 1/ 542 ) . )
على ذلك بقوله : " إنما أراد بقوله هذا حديثه في القهقهة وحده " .
وسئل الإِمام أحمد عن الضحك في الصلاة فقال : " أما أنا فلا أوجب فيه وضوءًا ، ليس تصح الرواية فيه " (5)
(نقله أبو داود في مسائل الإِمام أحمد ( ص 13 ) . )
.
المثال الثاني : ما أخرجه البخاري في " صحيحه " ومسلم في " صحيحه " (6)
(( 2/ 964 - 462 ) ، في باب وجوب طواف الوداع ، من كتاب الحج . )
وأبو داود في " سننه " (7)
(في باب الحائض تخرج بعد الإفاضة ، من كتاب المناسك . )
والترمذي في " سننه " (8)
(( 4/ 171 ) - عارضة الأحوذي - في باب ما جاء في المرأة تحيض بعد الإفاضة من أبواب الحج . )
وابن ماجه في " سننه " (9)
(( 2/ 1021 ) في باب الحائض تنفر قبل أن تودع ، من كتاب المناسك . )
والإمام مالك في " الموطأ " (10)
(( 1/ 412 - 413 ) في باب إفاضة الحائض ، من كتاب الحج . )
وأحمد في " المسند " (11)
(( 6/ 38 - 39 ) ، ( 193 ، 213 ) . )
" عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ : حَجَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأَفَضْنَا يَوْمَ النَّحْرِ ، فَحَاضَتْ صَفِيَّةُ (12)
(انظر في ترجمتها : صفة الصفوة ( 2/ 27 ) طبقات ابن سعد ( 8/ 85 ) . )
فَأَرَادَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهَا مَا يُرِيدُ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِهِ ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ : إِنَّهَا حَائِضٌ ، قَالَ : ( أَحَابِسَتُنَا هِيَ ؟ ) قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهَا قَدْ أَفَاضَتْ يَوْمَ النَّحْرِ ، قَالَ : ( اخْرُجُوا " (13)
(( 2/ 963 ) ، في باب وجوب طواف الوداع ، من كتاب الحج . )
) ، وفي رواية قال : ( فلننفر إذًا ) .
وروي عن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه أمر الحائض بالمقام لطواف الوداع (14)
(ذكر ذلك ابن حجر في فتح الباري ( 3/ 505 ) ، وابن قدامة في المغني ( 5/ 341 ) ، والجصاص في الفصول في الأصول ( 3/ 203 ) ، والخبازي في المغني ( ص 217 ) والنسفي في كشف الأسرار ( 2/ 83 ) . )
.
فهنا خالف هذا الصحابي - وهو عمر - ذلك الحديث مخالفة كلية .
والحكم في ذلك : أن هذه المخالفة لا تؤثر على الحديث ، فيبقى على حجيته ويعمل بمقتضاه ، فيسقط طواف الوداع عن المرأة الحائض ، ولا فدية عليها . ولا يلتفت إلى مخالفة عمر بن الخطاب ، وذلك لأنه يغلب على الظن أن عمر لم يبلغه الحديث ، أي : أنه يجوز خفاؤه عليه " فلو بلغه لرجع عن قوله وفتواه .
قال الجصاص في " الفصول في الأصول " (15)
(( 3/ 203 ) . )
ومثل ذلك يجوز خفاؤه على عمر ، فالأمر فيه على ما جاء عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (16)
(المرجع السابق . )
.
وقال السرخسي في " أصوله " (17)
(( 1 ) ( 2/ 8 ) . )
" .. فلا نترك بهذا العمل الحديث الذي فيه رخصة لجواز أن يكون ذلك الحديث قد خفي عنه " (18)
(المرجع السابق . )
.
(1)انظر في ترجمته : شذرات الذهب ( 3/51 ) ، البداية والنهاية ( 11/283 ) تذكرة الحفاظ ( 3/940 ) .
(2)( 6 ) ( 1/319 ) .
(3)انظر : آداب الشافعي ومناقبه لابن أبي حاتم ( ص 222 ) ، مناقب الشافعي للبيهقي ( 1/542 ) ، المعرفة للبيهقي ( 1/386 ) .
(4)( 1/542 ) .
(5)نقله أبو داود في مسائل الإِمام أحمد ( ص 13 ) .
(6)( 2/964 - 462 ) ، في باب وجوب طواف الوداع ، من كتاب الحج .
(7)في باب الحائض تخرج بعد الإفاضة ، من كتاب المناسك .
(8)( 4/171 ) - عارضة الأحوذي - في باب ما جاء في المرأة تحيض بعد الإفاضة من أبواب الحج .
(9)( 2/1021 ) في باب الحائض تنفر قبل أن تودع ، من كتاب المناسك .
(10)( 1/412 - 413 ) في باب إفاضة الحائض ، من كتاب الحج .
(11)( 6/38 - 39 ) ، ( 193 ، 213 ) .
(12)انظر في ترجمتها : صفة الصفوة ( 2/27 ) طبقات ابن سعد ( 8/85 ) .
(13)( 2/963 ) ، في باب وجوب طواف الوداع ، من كتاب الحج .
(14)ذكر ذلك ابن حجر في فتح الباري ( 3/505 ) ، وابن قدامة في المغني ( 5/341 ) ، والجصاص في الفصول في الأصول ( 3/203 ) ، والخبازي في المغني ( ص 217 ) والنسفي في كشف الأسرار ( 2/83 ) .
(15)( 3/203 ) .
(16)المرجع السابق .
(17)( 1 ) ( 2/8 ) .
(18)المرجع السابق .
- 76 -(14/76)
مما يؤيد ذلك : أن زيد بن ثابت (1)
(انظر في ترجمته : الاستيعاب ( 1/ 551 ) ، تذكرة الحفاظ ( 1/ 30 ) ، الخلاصة ( ص 127 ) . )
كان يقول بمثل قول عمر بن الخطاب ، ثم رجع عنه لما علم أنه ورد عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إسقاط طواف الوداع عن الحائض ، فقد أخرج مسلم في " صحيحه " أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ خَالَفَ ابْنَ عَبَّاسٍ فِي هَذَا ، قَالَ طَاوُوسٌ : كُنْتُ مَعَ ابْنِ عَبَّاسٍ إِذْ قَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ : تُفْتِي أَنْ تَصْدُرَ الْحَائِضُ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهَا بِالْبَيْتِ ! فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ : إِمَّا لا فَاسْأَلْ فُلانَةَ الأَنْصَارِيَّةَ هَلْ أَمَرَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ ؟ قَالَ : فَرَجَعَ زَيْدٌ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ يَضْحَكُ ، وَهُوَ يَقُولُ : مَا أَرَاكَ إِلا قَدْ صَدَقْتَ " .
المثال الثالث : ما أخرجه البخاري في " صحيحه " (2)
(( 2/ 163 ) ، ( 3/ 23 ) في باب وجوب الحج عمن لا يستطيع الثبوت على الراحلة ، وباب حج المرأة عن الرجل ، من كتاب الحج . )
ومسلم في " صحيحه " (3)
(( 2/ 973 - 974 ) في باب الحج عن العاجز لزمانة وهرم ونحوهما ، أو للموت من كتاب الحج . )
وأبو داود في " سننه " (4)
(( 1/ 420 ) في باب الرجل يحج عن غيره من كتاب المناسك . )
والترمذي في " سننه " (5)
(( 4/ 157 ) - عارضة الأحوذي - في باب ما جاء في الحج عن الشيخ الكبير والميت من أبواب الحج . )
والنسائي في " سننه " (6)
(( 5/ 87 - 88 ) - المجتبي - في باب الحج عن الميت الذي لم يحج ، وباب الحج عن الحي . )
ومالك في " الموطأ " (7)
(( 1/ 359 ) في باب الحج عمن لا يستطيع ، من كتاب الحج . )
وأحمد في " المسند " (8)
(( 1/ 212 ، 213 ، 219 ) . )
عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - < أَنَّ امْرَأَةً مِنْ خَثْعَمٍ قَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ فِي الْحَجِّ أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا كَبِيرًا لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَثْبُتَ عَلَى الرَّاحِلَةِ ، أَفَأَحُجُّ عَنْهُ ؟ قَالَ : ( نَعَمْ ) وَذَلِكَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ > .
هذا الحديث يدل على أن النيابة تجوز في الحج ، أي : يجوز أن يحج أحد عن أحد ؛ لعذر .
ولكن خالف ذلك ابن عمر ، فروي عنه أنه قال : " لا يحج أحد عن أحد " (9)
(ذكر ذلك الجصاص في الفصول في الأصول ( 3/ 208 ) ، والخبازي في المغني ( ص 217 ) ، والسرخسي في أصوله ( 2/ 8 ) . )
.
فهنا لا يلتفت إلى مخالفة ابن عمر ؛ لأن الحديث ثابت عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا شك في صحته ، ويغلب على الظن أن هذا الحديث لم يبلغ ابن عمر ، لذلك لا يترك الحديث من أجل هذه المخالفة .
لذلك ذهب جمهور العلماء إلى الأخذ بالحديث ، والعمل بمقتضاه وهو : أنه يجوز الحج عن الغير لعذر ، بمعنى : من وجدت فيه شرائط الحج ، وكان عاجزًا عنه لمانع كمرض مزمن ، أو كان لا يقدر على الثبوت على الراحلة - دابة أو سيارة أو طائرة - إلا بمشقة غير محتملة ، أو كان شيخًا فانيًا يجوز لمثل هؤلاء أن ينيبوا عنهم غيرهم ويحجوا عنهم . وهذا هو الراجح .
(1)انظر في ترجمته : الاستيعاب ( 1/551 ) ، تذكرة الحفاظ ( 1/30 ) ، الخلاصة ( ص 127 ) .
(2)( 2/163 ) ، ( 3/23 ) في باب وجوب الحج عمن لا يستطيع الثبوت على الراحلة ، وباب حج المرأة عن الرجل ، من كتاب الحج .
(3)( 2/973 - 974 ) في باب الحج عن العاجز لزمانة وهرم ونحوهما ، أو للموت من كتاب الحج .
(4)( 1/420 ) في باب الرجل يحج عن غيره من كتاب المناسك .
(5)( 4/157 ) - عارضة الأحوذي - في باب ما جاء في الحج عن الشيخ الكبير والميت من أبواب الحج .
(6)( 5/87 - 88 ) - المجتبي - في باب الحج عن الميت الذي لم يحج ، وباب الحج عن الحي .
(7)( 1/359 ) في باب الحج عمن لا يستطيع ، من كتاب الحج .
(8)( 1/212 ، 213 ، 219 ) .
(9)ذكر ذلك الجصاص في الفصول في الأصول ( 3/208 ) ، والخبازي في المغني ( ص 217 ) ، والسرخسي في أصوله ( 2/8 ) .
- 77 -(14/77)
وذهب بعض العلماء - إلى أن مثل هؤلاء لا حج عليهم إلا أن يستطيع بأنفسهم فلا ينيبوا عنهم في الحج ، ولم يقل هؤلاء العلماء ذلك استنادًا إلى مخالفة ابن عمر ، بل استندوا إلى أدلة أخرى منها :
الدليل الأول : قَوْله تَعَالَى { G, - G(1)
(سورة آل عمران / 97 . )
.
وجه الدلالة : أن اللَّه - سبحانه - اشترط الاستطاعة ، وهذا غير مستطيع ، فلم يوجد فيه الشرط ، فيسقط المشروط .
قلت : هذا الدليل لا يصح ، وذلك لأن من الاستطاعة : الاستطاعة المالية ، فإذا كان لا يستطيع بدنيًّا ، واستطاع ماليًّا فإنه يجب عليه الحج وينيب عنه ، أما إذا كان لا يستطيع بدنيًّا ولا ماليًّا فإنه يسقط عنه الحج .
والدليل الثاني : قالوا : إن الحج عبادة لا تدخلها النيابة مع القدرة ، فلا تدخلها مع العجز كالصوم والصلاة .
قلت : هذا قياس فاسد ، وذلك لأن الصوم والصلاة عبادتان يختصان بالبدن ، أما الحج فيدخل في فعله البدن والمال ، فإذا لم يستطيع بدنيًّا واستطاع ماليًّا فإنه يجب عليه أن ينيب عنه من يحج عنه في ماله . بخلاف الصوم والصلاة فأجمع العلماء على أنه لا ينيب أحد عن أحد فيهما . والله أعلم .
(1)سورة آل عمران /97 .
- 78 -(14/78)
المبحث السادس : في مخالفة الصحابي مخالفة كلية للحديث الذي قطعنا بعدم علمه به :
إذا خالف صحابي مخالفة كلية حديثًا قطعنا بعدم بلوغه إليه ، وعدم علمه به ، فهذا اتفق على أنه لا يقدح في الحديث ، ولا يسقط الاحتجاج به ، ويحمل على أنه كان مذهبه قبل أن يسمع الحديث ، فلما سمعه رجع عنه ، وأخذ بالحديث الثابت عن رسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعمل به (1)
(انظر : أصول السرخسي ( 2/ 15 ) ، رفع الملام ( ص 4 ) ، الإحكام لابن حزم ( 2/ 179 ) و ( 4/ 185 ) ، كشف الأسرار للبخاري ( 3/ 63 ) . )
.
وهذا أمثلته لا تحصى ، وإليك بعضًا منها :
المثال الأول : " أَنَّ أَبَا بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ يُفْتِي بِأَنَّ الْجَدَّةَ لا مِيرَاثَ لَهَا ، فَلَمَّا جَاءَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ (2)
(انظر في ترجمته : الاستيعاب ( 3/ 336 ) ، الإصابة ( 3/ 283 ) ، تهذيب الأسماء ( 1/ 92 ) . )
وَالْمُغِيرَةُ بْنُ شعُبْةَ (3)
(انظر في ترجمته : الإصابة ( 3/ 453 ) ، الخلاصة ( ص 385 ) ، تهذيب الأسماء ( 2/ 109 ) . )
وَشَهِدَا : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَاهَا السُّدُسَ رَجَعَ إِلَى قَوْلِهِمَا ، وأخذ بذلك وترك مذهبه (4)
(أخرج ذلك الترمذي في سننه ( 4/ 419 ) ، وأبو داود في سننه ( 3/ 317 ) ، وابن ماجه في سننه ( 2/ 909 ) . )
"
المثال الثاني : < كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَرَى أَنَّ الدِّيَةَ لِلْعَاقِلَةِ ، وَلا يَرَى أَنَّ الْمَرْأَةَ تَرِثُ مِنْ دِيَةِ زَوْجِهَا ، فَلَمَّا أَخْبَرَهُ الضَّحَّاكُ بْنُ سُفْيَانَ الْكِلابِيُّ (5)
(انظر في ترجمته : الخلاصة ( ص 176 ) ، الاستيعاب ( 2/ 206 ) ، الإصابة ( 2/ 206 ) . )
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ إِلَيْهِ " أَنْ يُوَرِّثَ امْرَأَةَ أَشْيَمَ الضَّبَابِيِّ (6)
(هذا كان قد قتل في عهد النبي صلى اللَّه عليه وسلم عن طريق الخطأ - وهو صحابي فأمر الرسول صلى اللَّه عليه وسلم الضحاك بن سفيان أن يورث امرأته من ديته . )
مِنْ دِيَةِ زَوْجِهَا " فَرَجَعَ عُمَرُ عَنْ رَأْيِهِ وَقَالَ : " لَوْ لَمْ نَسْمَعْ بِهَذَا لَقَضَيْنَا بِخِلافِهِ > (7)
(أخرج ذلك أبو داود في سننه ( 3/ 339 ) ، والترمذي في سننه ( 4/ 27 ) وابن ماجه في سننه ( 2/ 883 ) . )
.
المثال الثالث : < كَانَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَرَى عَدَمَ أَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنَ الْمَجُوسِ ، فَلَمَّا أَخْبَرَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ (8)
(انظر في ترجمته : الخلاصة ( ص 232 ) ، الاستيعاب ( 2/ 393 ) ، تهذيب الأسماء ( 1/ 301 ) . )
أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ > سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ (9)
(أخرجه الإِمام مالك في الموطأ ( 1/ 278 ) في باب جزية أهل الكتاب المجوس ، من كتاب الزكاة . )
رَجَعَ إِلَى ذَلِكَ ، وَعَمِلَ بِهِ (10)
(جاء في الموطأ ( 1/ 278 ) أن عمر بن الخطاب ، قال : ما أدري كيف أصنع في أمرهم فقال عبد الرحمن بن عوف : أشهد أني لسمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقول : ( سنوا بهم سنة أهل الكتاب ) . )
.
هذه بعض الأمثلة على ذلك وهي تكفي لتصوير القاعدة السابقة .
(1)انظر : أصول السرخسي ( 2/15 ) ، رفع الملام ( ص 4 ) ، الإحكام لابن حزم ( 2/179 ) و ( 4/185 ) ، كشف الأسرار للبخاري ( 3/63 ) .
(2)انظر في ترجمته : الاستيعاب ( 3/336 ) ، الإصابة ( 3/283 ) ، تهذيب الأسماء ( 1/92 ) .
(3)انظر في ترجمته : الإصابة ( 3/453 ) ، الخلاصة ( ص 385 ) ، تهذيب الأسماء ( 2/109 ) .
(4)أخرج ذلك الترمذي في سننه ( 4/419 ) ، وأبو داود في سننه ( 3/317 ) ، وابن ماجه في سننه ( 2/909 ) .
(5)انظر في ترجمته : الخلاصة ( ص 176 ) ، الاستيعاب ( 2/206 ) ، الإصابة ( 2/206 ) .
(6)هذا كان قد قتل في عهد النبي صلى اللَّه عليه وسلم عن طريق الخطأ - وهو صحابي فأمر الرسول صلى اللَّه عليه وسلم الضحاك بن سفيان أن يورث امرأته من ديته .
(7)أخرج ذلك أبو داود في سننه ( 3/339 ) ، والترمذي في سننه ( 4/27 ) وابن ماجه في سننه ( 2/883 ) .
(8)انظر في ترجمته : الخلاصة ( ص 232 ) ، الاستيعاب ( 2/393 ) ، تهذيب الأسماء ( 1/301 ) .
(9)أخرجه الإِمام مالك في الموطأ ( 1/278 ) في باب جزية أهل الكتاب المجوس ، من كتاب الزكاة .
(10)جاء في الموطأ ( 1/278 ) أن عمر بن الخطاب ، قال : ما أدري كيف أصنع في أمرهم فقال عبد الرحمن بن عوف : أشهد أني لسمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقول : ( سنوا بهم سنة أهل الكتاب ) .
- 79 -(14/79)
المبحث السابع : في بيان سبب خفاء الحديث على الصحابي .
لقد تكلمنا في المبحث الرابع عن مخالفة الصحابي مخالفة كلية للحديث مع وجود الشك في بلوغه إليه ، وتكلمنا في المبحث الخامس عن مخالفة الصحابي للحديث مع أنه يغلب على الظن عدم بلوغه إليه ، وتكلمنا - أيضًا - في المبحث السادس عن مخالفة الصحابي للحديث مع القطع بعدم بلوغه إليه .
بعد ذلك قد يقول قائل : ما سبب خفاء بعض الأحاديث على بعض الصحابة ؟ أقول - في الجواب عن ذلك - وبالله التوفيق .
إنه يستحيل أن يحيط أحد بحديث النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فقد كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحدِّث ، أو يفعل ، أو يقضي في مجلس معين ، فيسمعه ، أو يراه من يكون حاضرا في ذلك المجلس ، ويبلغه هؤلاء إلى ما شاء اللَّه من الصحابة - رضوان اللَّه عليهم .
ثم في مجلس آخر قد يحدث ، أو يقضي ، أو يفتي ، أو يفعل أي شيء ، أو يقضي بأي شيء ، ويشهده من كان غائبًا عن ذلك المجلس ، ويبلغونه لمن أمكنهم .
وبسبب ذلك يكون عند هؤلاء من الأحاديث والعلم بسنة رسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما لم يكن عند هؤلاء ، فلا يمكن أن يدَّعي أحد ، أن واحدًا من الصحابة قد أحاط بجميع الأحاديث التي صدرت عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
فالخلفاء الراشدون الذين هم أكثر الصحابة ملازمة للنبي ، وأعلم الأمة بأمور رسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأحواله ، بل إن أبا بكر الصديق رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كان لا يفارق الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا سفرًا ولا حضرًا ، وكذا عمر بن الخطاب ، ثم إنه - مع ذلك - يخفى عليهما بعض الأحاديث التي يصدرها النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فكيف بغيرهما من الصحابة الذين يفارقونه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كثيرًا ! .
من هنا اتضح لك سبب خفاء بعض الأحاديث عن بعض الصحابة والله أعلم (1)
(راجع رفع الملام ( ص 5 ) . )
.
(1)راجع رفع الملام ( ص 5 ) .
- 80 -(14/80)
الفصل الثاني في مخالفة الصحابي لعموم الحديث
مخالفة الصحابي لعموم الحديث
سبق أن تكلمت عن مخالفة الصحابي مخالفة كلية للحديث النبوي ، بمعنى : يترك الصحابي الحديث بالكلية ، ويعمل بما رآه .
أما الآن في هذا الفصل فسأتكلم عن مخالفة الصحابي لعموم الحديث - فقط ، بمعنى : الحديث فيه صيغة من صيغ العموم المعروفة - اسم من أسماء الجموع ، أو أداة شرط أو استفهام أو كل أو جميع أو نحو ذلك - فيخصصه الصحابي بشيء معيَّن - فقط .
فهل يبقى الحديث على حجيته ، ونعمل بعمومه ، ولا نلتفت إلى مخالفة الصحابي لهذا العموم وتخصيصه إياه ، أو أننا نعمل بمذهب الصحابي ونأخذ به ، ونترك عموم الحديث ؟
اختلف العلماء - من فقهاء وأصوليين - في ذلك على مذهبين : -
ولبيان ذلك قسمته إلى المباحث التالية : -
المبحث الأول : في المذهب الأول .
المبحث الثاني : في المذهب الثاني .
المبحث الثالث : في الترجيح .
المبحث الرابع : في الأمثلة التطبيقية على ذلك .
- 81 -(14/81)
المبحث الأول في المذهب الأول :
وهو : أن الحديث يبقى على عمومه ، ويعمل بذلك ، دون النظر إلى تخصيص الصحابي .
بمعنى : لا يجوز تخصيص الحديث العام بمذهب الصحابي سواء كان هو رواية أم لا . وللكلام عن ذلك لا بد من عقد مطلبين : -
المطلب الأول : أصحاب هذا المذهب .
المطلب الثاني : أدلتهم على ذلك .
المطلب الأول في أصحاب هذا المذهب :
لقد ذهب إلى أن مذهب الصحابي لا يخصص عموم الحديث كثير من العلماء من الحنفية ، والمالكية ، والشافعية ، وإليك بيان ذلك .
من الحنفية : لقد ذهب إلى هذا المذهب من الحنفية : أبو الحسن الكرخي حيث قال : " المصير إلى ظاهر الخبر أولي " نقله عنه أبو الحسين البصري في " المعتمد " (1)
(( 2/ 670 ) . )
وعبد العزيز البخاري في " كشف الأسرار " (2)
(( 3/ 66 ) . )
وفخر الدين الرازي في " المحصول " (3)
(( 2/ 1/ 670 ) . )
.
ونسبه أبو الحسين البصري في " المعتمد " (4)
(( 2/ 670 ) . )
إلى بعض الحنفية ، ولم يُسمِّهم .
من المالكية : ذهب إلى ذلك المذهب من المالكية :
الإِمام مالك ، نسبه إليه الباجي في " إحكام الفصول " (5)
(( ص 268 ) . )
.
واختاره الباجي في " إحكام الفصول " (6)
(( ص 268 ) . )
وابن الحاجب (7)
(انظر في ترجمته : وفيات الأعيان ( 2/ 413 ) بغية الوعاة ( 2/ 134 ) ، الديباج المذهب ( 2/ 86 ) . )
في " المنتهى " (8)
(( ص 132 ) . )
وفي " مختصره " (9)
(( 2/ 151 ) . )
.
ونسبه ابن الحاجب في " مختصره " (10)
(( 2/ 151 ) . )
إلى الجمهور منهم ، ونسبه الأنصاري في " فواتح الرحموت " (11)
(( 2/ 163 ) . )
إلى الأكثر من المالكية .
(1)( 2/670 ) .
(2)( 3/66 ) .
(3)( 2/1/670 ) .
(4)( 2/670 ) .
(5)( ص 268 ) .
(6)( ص 268 ) .
(7)انظر في ترجمته : وفيات الأعيان ( 2/413 ) بغية الوعاة ( 2/134 ) ، الديباج المذهب ( 2/86 ) .
(8)( ص 132 ) .
(9)( 2/151 ) .
(10)( 2/151 ) .
(11)( 2/163 ) .
- 82 -(14/82)
من الشافعية : ذهب إلى ذلك المذهب من الشافعية :
الإِمام الشافعي حيث ذكر في كتابه : " الأم " (1)
(( 7/ 209 - 210 ) . )
إن كان الراوي حمل الخبر على أحد محمليه صرت إلى قوله ، وإن ترك الظاهر لم أصر إلى قوله (2)
(المرجع السابق . )
.
نسبه إليه إمام الحرمين في " التخليص " (3)
(( ص 582 ) . )
وابن الساعاتي في " بديع النظام " (4)
(( ص 480 ) . )
وفخر الدين الرازي في " المحصول " (5)
(( 1/ 3/ 191 ) و ( 2/ 1/ 631 ) . )
والآمدي في " الإحكام " (6)
(( 2/ 333 ) . )
.
واختاره منهم : أبو إسحاق الشيرازي في " شرح اللمع " (7)
(( 1/ 382 ) . )
وفي " التبصره" (8)
(( ص 149 ) . )
وإمام الحرمين في " التلخيص " (9)
(( ص 581 - 582 ) . )
وابن برهان في " الوصول " (10)
(( 1/ 292 ) . )
والبيضاوي في " المنهاج " (11)
(( 1/ 422 ) مع شرح الأصفهاني . )
وابن السمعاني في " قواطع الأدلة " (12)
(( ص 781 ) . )
وصفي الدين الهندي في " نهاية الوصول " (13)
(( ورقة 273/ أ ) . )
والغزالي في المستصفي " (14)
(( 2/ 113 ) . )
ونسبه الأنصاري في " فواتح الرحموت " (15)
(( 2/ 163 ) . )
إلى الأكثر من الشافعية .
ونسبه أبو يعلى في " العدة " (16)
(( 2/ 580 ) . )
وابن اللحام في " القواعد والفوائد الأصولية " (17)
(( ص 296 ) . )
إلى بعض الشافعية .
أكثر العلماء : لقد نسب سيف الدين الآمدي في " الإحكام " (18)
(( 2/ 333 ) . )
هذا المذهب إلى أكثر الفقهاء والأصوليين .
ونسبه ابن عبد الشكور في " مسلم الثبوت " (19)
(( 2/ 163 ) . )
إلى الأكثرين . ونسبه ابن الحاجب في " مختصره " (20)
(( 2/ 151 ) . )
إلى الجمهور ، ونسبه ابن الساعاتي في " بديع النظام " (21)
(( ص 480 ) . )
إلى الأكثرين من العلماء .
اعتراض :
لقد أورد الأنصاري في " فواتح الرحموت " (22)
(( 1/ 355 ) . )
اعتراضًا على أصحاب هذا المذهب مفاده : -
أن هذا المذهب يعمل بعموم العام ، ويترك الاقتداء بالصحابي . هذا مشكل على رأي هؤلاء في مسألة : هل يعمل بالعام قبل البحث عن المخصص أو لا ؟ حيث إن مذهب هؤلاء - في المسألة - هو التوقف في العام قبل البحث عن المخصص ، فإنه إذا وجد عمل الصحابي خلاف العموم احتمل عند العقل وجدان المخصص ، فإن من
(1)( 7/209 - 210 ) .
(2)المرجع السابق .
(3)( ص 582 ) .
(4)( ص 480 ) .
(5)( 1/3/191 ) و ( 2/1/631 ) .
(6)( 2/333 ) .
(7)( 1/382 ) .
(8)( ص 149 ) .
(9)( ص 581 - 582 ) .
(10)( 1/292 ) .
(11)( 1/422 ) مع شرح الأصفهاني .
(12)( ص 781 ) .
(13)( ورقة 273 / أ ) .
(14)( 2/113 ) .
(15)( 2/163 ) .
(16)( 2/580 ) .
(17)( ص 296 ) .
(18)( 2/333 ) .
(19)( 2/163 ) .
(20)( 2/151 ) .
(21)( ص 480 ) .
(22)( 1/355 ) .
- 83 -(14/83)
القطعيات أن عمله لا يكون إلا عن حجة شرعية في زعمه ؛ لأن العمل في غير حجة معصية ، قد عصم اللَّه الصحابي منها ، فينبغي التوقف فيه حتى يعلم فساد حجته فتأمل (1)
(انظر فواتح الرحموت ( 1/ 355 ) . )
ا هـ .
الجواب عن كلام الأنصاري :
يمكن أن يجاب عن ذلك من وجهين :
الوجه الأول : لا نسلم أن مذهب هؤلاء - في مسالة هل يعمل بالعام قبل البحث عن المخصص ؟ - هو التوقف ، بل إن مذهبهم في هذه المسألة هو : أن يعمل بالعام فور وروده ، حتى يثبت المخصص ، فإذا ثبت المخصص ترك العام وعمل بالخاص ، أو عمل بالخاص وما بقي بعد التخصيص .
الوجه الثاني : سلمنا أن مذهب بعض هؤلاء هو التوقف ، أي : أنهم لا يعلمون بالعام حتى يثبت لهم عدم المخصص ، ويقصدون بالمخصص هو الدليل الذي يقوى على تخصيص العام من السنة ، وقول الصحابي ، أو فتواه ، أو عمله بخلاف عموم الحديث لا يقوى على تخصيص عموم حديث رسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هذا عند هؤلاء والله أعلم .
المطلب الثاني : في أدلة المذهب .
لقد استدل القائلون : إن الحديث يبقى على عمومه ، ويعمل على ذلك ، ولا يخصص عمل الصحابي ومذهبه عموم ذلك بأدلة هي كما يلي :
الدليل الأول : أن لفظ العموم حجة ، لأنه من ألفاظ الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، والصحابي قد يورد التخصيص برأيه ، فلا يجوز رد ألفاظ الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو ظاهر كلام صاحب الشرع - وهو حجة برأي رآه الصحابي . وهو ليس بمشرع (2)
(انظر : الواضح لابن عقيل ( ص 796 ) ، وشرح اللمع ( 1/ 382 ) ، إحكام الفصول ( ص 267 ) ، المستصفى ( 2/ 113 ) ، الإحكام للآمدي ( 2/ 333 ) ، بديع النظام ( ص 481 ) ، نهاية الأصول ( ورقة 273/ أ ) . )
.
الدليل الثاني : أن جواز تخصيص العموم بمذهب الصحابي يلزم منه : جعل ما ليس بحجة حجة ، وما هو حجة تبطل حجته (3)
(انظر : شرح اللمع ( 1/ 382 ) . والتبصرة ( ص 9 ط 1 ) . )
.
(1)انظر فواتح الرحموت ( 1/355 ) .
(2)انظر : الواضح لابن عقيل ( ص 796 ) ، وشرح اللمع ( 1/382 ) ، إحكام الفصول ( ص 267 ) ، المستصفى ( 2/113 ) ، الإحكام للآمدي ( 2/333 ) ، بديع النظام ( ص 481 ) ، نهاية الأصول ( ورقة 273 / أ ) .
(3)انظر : شرح اللمع ( 1/382 ) . والتبصرة ( ص 9 ط 1 ) .
- 84 -(14/84)
الدليل الثالث : أن تخصيص الصحابي لعموم الحديث يحتمل أن يكون قد صدر عن دليل ، ويحتمل أن يكون قد صدر عن رأي فاسد ، واجتهاد باطل ، فلا يجوز ترك الحديث العام . وهو حجة ولم يتطرق إليه أي احتمال ، من أجل قول صحابي قد تطرق إليه احتمالات (1)
(انظر المرجعين السابقين . )
.
الدليل الرابع : أن العموم حجة يحتج به على جميع المكلفين ، فلا يخص بفتيا الصحابي كسائر التابعين والفقهاء (2)
(انظر : التبصرة ( ص 149 ) ، والتمهيد لأبي الخطاب ( 2/ 120 ) . )
.
أو تقول بعبارة أخرى : كما أن قول التابعي وقول من بعده من الفقهاء لا يخص به العموم من الحديث ، فكذلك قول الصحابي وفتياه لا يخص بها العموم بجامع أن قول كل منهم لا يقوى على معارضة قول الشارع الحكيم .
الجواب عن ذلك الدليل :
يمكن أن يجاب عن ذلك : بأن هذا قياس مع الفارق ، فالصحابي قد شهد التنزيل وحضر عصر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيكون بذلك قد تميز عن التابعي وغيره من الفقهاء . فيكون قول الصحابي حجة بخلاف قول التابعي ومن بعده (3)
(انظر المرجعين السابقين . )
.
الاعتراض على هذا الجواب :
يمكن أن يعترض على ذلك الجواب بأن يقال : إن قول الصحابي حجة إذا لم يعارض قول الشارع ، أما إذا عارضه فليس بحجة ولا يلتفت إليه ، ويقدم - قطعًا - قول الشارع ، عليه ، ويكون كلام الصحابي والتابعي وغيرهم واحدا في هذا الشأن فيكون قياسنا صحيحًا والله أعلم .
الدليل الخامس : أن الواقع من الصحابة : أنه كان الواحد منهم إذا سمع العموم من الكتاب والسنة فإنه يترك قوله ومذهبه من أجل هذا العموم ، وما نقل عن أحد منهم أنه خص عمومًا بقول نفسه . فهذا يدل على أن مذهبه أضعف من عموم كلام الشارع .
فمثلا ابن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قد ترك مذهبه لحديث رافع بن خديج (4)
(انظر ترجمته : الخلاصة ( ص 13 ) ، الاستيعاب ( 1/ 495 ) . )
في
(1)انظر المرجعين السابقين .
(2)انظر : التبصرة ( ص 149 ) ، والتمهيد لأبي الخطاب ( 2/120 ) .
(3)انظر المرجعين السابقين .
(4)انظر ترجمته : الخلاصة ( ص 13 ) ، الاستيعاب ( 1/495 ) .
- 85 -(14/85)
المخابرة ، حيث أخرج الإِمام مسلم في " صحيحه " : " أَنَّ ابْنَ عُمَرَ قَالَ : " كُنَّا نُخَابِرُ أَرْبَعِينَ سَنَةً لا نَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا حَتَّى أَخْبَرَنَا رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ الْمُخَابَرَةِ " (1)
(وأخرجه أبو داود في سننه ( 2/ 232 -2333 ) في باب في التشديد في ذلك من كتاب البيوع ، وأخرجه النسائي في سننه ( 7/ 41 - 45 ) - المجتبي - في أول كتاب المزارعة ، وأخرجه ابن ماجه في سننه ( 2/ 819 ) في باب المزارعة بالثلث والربع من كتاب الرهون ، وأخرجه أحمد في مسنده ( 1/ 243 ) . )
.
فإذا كان ابن عمر قد ترك مذهبه ، وهو من فقهاء الصحابة فغيره أوْلى بالترك .
الجواب عن هذا الدليل :
أجاب أبو يعلى في " العدة " (2)
(( 2/ 580 ) . )
وتلميذه أبو الخطاب في " التمهيد " (3)
(( 2/ 120 ) . )
عن ذلك بـ : أنه يترك مذهبه للنص الذي روي عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فأما تركه للعموم فإنه إذا قال قولا فهو عن دليل ، إما نص ، أو قياس ، أو عموم ، والنص والقياس يخصص بهما العموم ، والعموم إذا عارض العموم لم يترك به ، بل يعدل إلى الترجيح .
وذكر هذا الجواب ابن قدامة في " الروضة " (4)
(( 2/ 734 ) . )
- مختصرًا - وبينه الطوفي في " شرح مختصر الروضة " (5)
(( 2/ 571 ) . )
.
قلت : وهذا الجواب له وجاهته ؛ حيث إن ابن عمر - هنا ترك مذهبه لنص عارضه لا للعموم ، فيكون العموم مؤكدا لذلك النص .
الدليل السادس : ما المانع من أن يسند الصحابي العمل لأمر لا يصلح لتخصيص ؟ كالاجتهاد ، أو حديث لم يصح ، أو أي مستند لو ظهر فربما كنا نقدم الحديث عليه ، وهو - أيضًا - لو عين مستنده وأسند التخصيص إليه لم نكتف نحن برأيه ، ولم نقلده ، فإذا كان الأمر مبهمًا فهو أشد ، فينتج من ذلك : أن نعمل بعموم الحديث ؛ لأن الأصل بقاء العموم على عمومه (6)
(انظر التحقيق والبيان ( 1/ ورقة 87 أ ) . )
.
الجواب عن هذا الدليل :
لقد أجاب شمس الدين الأبياري في " التحقيق والبيان " بقوله : نحن لا ننكر حصول غلبة الظن قبل الوقوف على سبب التخصيص في أن العام ضعيف الدلالة ، بدليل التوقف فيه قبل البحث عن المخصص ، فإذا وجد عمل الصحابي خلاف العموم احتمل وقوفه على المخصص ، فينبغي أن لا يتوقف فيه ، وإذا نقل للمجتهد حكم الصحابي من حيث الجملة ، فإنه يغلب على ظنه الإصابة ؛ نظرًا لحصول درجة
(1)وأخرجه أبو داود في سننه ( 2/232 - 2333 ) في باب في التشديد في ذلك من كتاب البيوع ، وأخرجه النسائي في سننه ( 7/41 - 45 ) - المجتبي - في أول كتاب المزارعة ، وأخرجه ابن ماجه في سننه ( 2/819 ) في باب المزارعة بالثلث والربع من كتاب الرهون ، وأخرجه أحمد في مسنده ( 1/243 ) .
(2)( 2/580 ) .
(3)( 2/120 ) .
(4)( 2/734 ) .
(5)( 2/571 ) .
(6)انظر التحقيق والبيان ( 1 / ورقة 87 أ ) .
- 86 -(14/86)
الاجتهاد ، وإن أمكن عند التعيين أن تفوت غلبة الظن ، إذا الأغلب على المجتهد الإصابة ، والخطأ قليل ، لا سيما إذا كانت المسائل نقلية محضة ، ليس للرأي فيها مجال ، وإذا تعذر علينا الاطلاع على غير المعارض ، واكتفينا بغلبة الظن الحاصلة بمخالفة الراوي لما رواه " (1)
(انظر : التحقيق والبيان ( 1/ ورقة 87/ أ ) . )
.
الاعتراض على هذا الجواب :
يمكن أن يعترض على هذا الجواب بأن يقال قولكم : " إن العام ضعيف الدلالة بدليل التوقف فيه قبل البحث عن المخصص " هذا غير مسلم ، وذلك لأن اللفظ العام قوي الدلالة على معناه ، بل إن أكثر الحنفية ذهبوا إلى دلالة العام قطعية ، فإذا كان الأمر كذلك فلا يمكن التوقف فيه حتى يتبين المخصص ، بل الذي عليه كثير من الأصوليين هو أنه إذا نزل العام فإنه يعمل به حال نزوله لوضوح دلالته على معناه ، فإن ثبت دليل يخصص فإنه يعمل به وما بقي بعد التخصيص إن بقي شيء .
وإذا بطل قولكم هذا بطل كل الكلام الذي بنيتموه عليه .
ثم إن قولكم : " فإذا وجد عمل الصحابي خلال العموم احتمل وقوفه على المخصص " هذا يؤيد ما ذهبنا إليه من أن الاحتمال وارد ، فقد يحتمل وقوفه على ذلك ، وقد يحتمل أنه فعل بدون دليل ، أو توهمه دليلا وهو ليس بذلك .
الدليل السابع : لو صح كون فعل الصحابي وقوله وفتواه مخصصًا لم يجز مخالفة صحابي آخر له ، وقد جاز ذلك اتفاقًا ، وإذا لم يكن ما صار إليه حجة واجبة الاتباع بالنسبة للغير فلا يكون مخصصًا لظاهر العموم (2)
(انظر مسلم الثبوت ( 1/ 355 ) مع شرحه فواتح الرحموت . )
.
(1)انظر : التحقيق والبيان ( 1 / ورقة 87 / أ ) .
(2)انظر مسلم الثبوت ( 1/355 ) مع شرحه فواتح الرحموت .
- 87 -(14/87)
المبحث الثاني : في المذهب الثاني :
وهو : أنه يجوز أن يخص عموم الحديث بقول الصحابي ، أو بفعله ، أو بفتواه .
وقسمت الكلام عن ذلك إلى مطلبين : -
المطلب الأول : أصحاب هذا المذهب .
المطلب الثاني : أدلتهم على ذلك .
المطلب الأول : في أصحاب هذا المذهب :
لقد ذهب إلى أن عموم الحديث يخص بفعل الصحابي أو قوله كثير من العلماء وإليك بيان ذلك : -
من الحنفية ذهب إلى هذا المذهب من الحنفية :
أبو حنيفة ، نسبه إليه أبو الخطاب في " التمهيد " (1)
(( 2/ 119 ) . )
.
واختاره عيسى بن أبان ، ونسبه إليه فخر الدين الرازي في " المحصول " (2)
(( 1/ 3/ 191 ) . )
ونسبه إليه الآمدي - أيضًا - في " الأحكام " (3)
(( 2/ 333 ) . )
.
واختاره الكمال بن الهمام في " التحرير " (4)
(( 3/ 71 ) مع تيسير التحرير . )
.
ونسبه ابن الساعتي في " بديع النظام " (5)
(( ص 480 ) . )
إلى أكثر الحنفية .
من المالكية ذهب إلى هذا المذهب من المالكية :
الإِمام مالك نسبه إليه شهاب الدين القرافي في " شرح تنقيح الفصول " (6)
(( ص 219 ) . )
.
قلت : ولعله قول له ثان في المسألة .
من الشافعية - لقد ذهب إلى هذا المذهب منهم :
(1)( 2/119 ) .
(2)( 1/3/191 ) .
(3)( 2/333 ) .
(4)( 3/71 ) مع تيسير التحرير .
(5)( ص 480 ) .
(6)( ص 219 ) .
- 88 -(14/88)
الإِمام الشافعي نسبه إليه الباجي في " إحكام الفصول " (1)
(( ص 268 ) . )
والقرافي في " شرح تنقيح الفصول " (2)
(( ص 580 ) . )
.
قلت : الأصح ما ذكرناه سابقًا من أن مذهب الشافعي في ذلك هو عدم جواز تخصيص عموم الحديث بقول الصحابي أو بفعله . لما سبق أن قلناه .
ونسبه أبو يعلى في " العدة " (3)
(( 2/ 580 ) . )
وأبو الخطاب في " التمهيد " (4)
(( 2/ 119 ) . )
إلى بعض الشافعية .
من الحنابلة لقد ذهب إلى هذا منهم :
الإِمام أحمد ، نص عليه كما ذكر ذلك أبو يعلى في " العدة " (5)
(( 2/ 579 ) . )
والمجد بن تيمية في " المسودة " (6)
(( ص 127 ) . )
.
واختاره أبو يعلى في " العدة " (7)
(( 2/ 579 ) . )
وأبو الخطاب في " التمهيد " (8)
(( 2/ 119 ) . )
وابن قدامة في " الروضة " (9)
(( 2/ 733 ) . )
والطوفي في " شرح مختصرة " (10)
(( 2/ 571 ) . )
.
وذهب إليه صفي الدين عبد المؤمن بن كمال الدين الحنبلي في " قواعد الأصول " (11)
(( ص 60 ) . )
.
وقال بذلك جمهور الحنابلة (12)
(انظر : الواضح لابن عقيل ( ص 796 ) ، سواد الناظر ( 2/ 463 ) القواعد والفوائد الأصولية ( ص 296 ) . )
.
من الظاهرية ذهب إلى ذلك منهم ابن حزم كما نقله عنه الفتوحي الحنبلي في " شرح الكوكب المنبر " (13)
(( 3/ 376 ) . )
.
بعض الفقهاء لقد نسب الآمدي في " الإحكام " (14)
(( 2/ 333 ) . )
هذا المذهب إلى جماعة من الفقهاء .
تنبيهات مهمة :
التنبيه الأول : ذكر أبو يعلى في " العدة " (15)
(( 2/ 579 ) . )
وابن تيمية في " المسودة " (16)
(( ص 127 ) . )
وابن اللحام (17)
(انظر ترجمته : الضوء اللامع ( 5/ 320 ) ، معجم المؤلفين ( 7/ 206 ) شذرات الذهب ( 7/ 31 ) . )
في " القواعد والفوائد الأصولية " (18)
(( 596 ) . )
أن الإِمام أحمد قد نص على جواز تخصيص عموم الحديث بمذهب الصحابي في رواية أبي الحارث (19)
(انظر في ترجمته : طبقات الحنابلة ( 1/ 74 ) . )
وصالح (20)
(انظر ترجمته : طبقات الحنابلة ( 1/ 173 - 176 ) . )
.
(1)( ص 268 ) .
(2)( ص 580 ) .
(3)( 2/580 ) .
(4)( 2/119 ) .
(5)( 2/579 ) .
(6)( ص 127 ) .
(7)( 2/579 ) .
(8)( 2/119 ) .
(9)( 2/733 ) .
(10)( 2/571 ) .
(11)( ص 60 ) .
(12)انظر : الواضح لابن عقيل ( ص 796 ) ، سواد الناظر ( 2/463 ) القواعد والفوائد الأصولية ( ص 296 ) .
(13)( 3/376 ) .
(14)( 2/333 ) .
(15)( 2/579 ) .
(16)( ص 127 ) .
(17)انظر ترجمته : الضوء اللامع ( 5/320 ) ، معجم المؤلفين ( 7/206 ) شذرات الذهب ( 7/31 ) .
(18)( 596 ) .
(19)انظر في ترجمته : طبقات الحنابلة ( 1/74 ) .
(20)انظر ترجمته : طبقات الحنابلة ( 1/173 - 176 ) .
- 89 -(14/89)
وهي : أن الآية إذا جاءت يحتمل أن تكون عامة ، ويحتمل أن تكون خاصة نظرت ما عملت عليه السنة ، فإن لم يكن فعن الصحابة فإن كانوا على قولين أخذنا بأشبه القولين بكتاب اللَّه ، وذكر ذلك ابن قاضي الجبل (1)
(انظر ترجمته : المنهل الصافي ( 1/ 268 ) ، ذيل طبقات الحنابلة ( 2/ 453 ) . )
كما نقله عنه الفتوحي في " شرح الكوكب المنير " (2)
(( 3/ 375 ) . )
.
ونقل ذلك أبو الخطاب في " التمهيد " (3)
(( 2/ 119 ) . )
ولكنه اعترض على ذلك بأن هذه الرواية ليست صريحة في أن الإِمام أحمد نص على القول بأن قول الصحابي يخصص به العموم حيث قال في " التمهيد " (4)
(( 2/ 119 ) . )
" وهذه لا تدل على قول الصحابي وحده حجة يخصص بها العموم (5)
(المرجع السابق . )
ثم استدل على ذلك بأمرين : -
أولهما : أن الإِمام أحمد أشار إلى جميعهم حيث ذكرهم " بأل " .
ثانيهما : أنه قال : " فإن اختلفوا على قولين أُخِذ بأشبه القولين " (6)
(انظر التمهيد ( 2/ 119 - 120 ) . )
.
قلت : اعتراض أبي الخطاب قوي جدًّا ، حيث إن الإِمام أحمد لم يتكلم عن الواحد من الصحابة ، بل عن مجموعهم ، إذ قال : " فإنْ لم يكن فعن الصحابة " ثم أعاد ضمير الجمع إليهم ؛ إذ قال : " فإن كانوا على قولين " .
فإن لم يكن إلا هذا النص الذي أورده أبو يعلى وغيره من الحنابلة فلا دلالة فيه على أن الإِمام أحمد نص على أن قول الصحابي يخصص العموم من الكتاب أو السنة .
التنبيه الثاني :
نسب بعض الأصوليين هذا المذهب إلى جميع الحنفية من هؤلاء : أبو إسحاق الشيرازي في " شرح اللمع " (7)
(( 1/ 382 ) . )
وأبو يعلى في " العدة " (8)
(( 2/ 580 ) . )
والآمدي في " الإحكام " (9)
(( 2/ 333 ) . )
وابن قاضي الجبل ، كما نقله عنه الفتوحي الحنبلي في " شرح الكوكب المنير " (10)
(( 3/ 375 ) . )
كما نسبه إليهم أيضًا صفي الدين الهندي في " نهاية الوصول " (11)
(( ورقة 273 )/ أ ) . )
وابن عبد الشكور في " مسلم الثبوت " (12)
(( 1/ 355 ) ، ( 2/ 163 ) . )
والمجد بن تيمية في " المسودة " (13)
(( ص 127 ) . )
.
قلت - هذا فيه تساهل في النسبة ؛ حيث إن الذين ذهبوا منهم إلى هذا المذهب أكثرهم - فقط - وذهب بعضهم إلى المذهب الأول وهو : عدم جواز تخصيص العموم بمذهب الصحابي كما سبق أن بينته (14)
(راجع ( ص ) من هذا البحث . )
.
(1)انظر ترجمته : المنهل الصافي ( 1/268 ) ، ذيل طبقات الحنابلة ( 2/453 ) .
(2)( 3/375 ) .
(3)( 2/119 ) .
(4)( 2/119 ) .
(5)المرجع السابق .
(6)انظر التمهيد ( 2/119 - 120 ) .
(7)( 1/382 ) .
(8)( 2/580 ) .
(9)( 2/333 ) .
(10)( 3/375 ) .
(11)( ورقة 273 ) / أ ) .
(12)( 1/355 ) ، ( 2/163 ) .
(13)( ص 127 ) .
(14)راجع ( ص ) من هذا البحث .
- 90 -(14/90)
التنبيه الثالث :
نسب ابن قاضي الجبل هذا المذهب إلى جميع المالكية ، كما نقله عنه الفتوحي الحنبلي في " شرح الكوكب المنير " (1)
(( 3/ 375 ) . )
.
قلت : هذا تساهل في النسبة ، حيث بينا أن جمهور المالكية قد ذهبوا إلى المذهب الأول وهو عدم تخصيص العموم بمذهب الصحابي وقد نص على ذلك ابن الحاجب في " مختصره " كما سبق أن قلناه .
التنبيه الرابع :
نسب الآمدي في " الإحكام " (2)
(( 2/ 333 ) . )
هذا المذهب إلى جميع الحنابلة ، وكذلك فعل ابن الحاجب في " مختصره " (3)
(( 2/ 151 ) . )
.
قلت : إن الحق أن هذا مذهب جمهور الحنابلة كما قال ذلك ابن اللحام في " القواعد " والفوائد الأصولية (4)
(( ص 296 ) . )
وغيره .
المطلب الثاني في أدلتهم على هذا المذهب :
استدل أصحاب هذا المذهب - وهو : جواز تخصيص عموم الحديث بقول الصحابي أو بفعله ، أو بفتواه - بأدلة هي كما يلي : -
الدليل الأول : أن الصحابي أعرف بمقصد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وذلك نظرًا لمشاهدته ، وسماع الشرع منه ، واطلاعه على سبب إيراد الحديث فيكن ما يفعله معتبرًا ، وإذا خالف غيره فإنه يخصص به (5)
(انظر : المعتمد ( 2/ 670 ) ، كشف الأسرار ( 3/ 66 ) . )
.
الجواب عنه : -
يمكن أن يجاب عن ذلك بأن يقال : نحن معكم بأن الصحابي أعرف من غيره في ذلك ، وقوله مقدم على قول غيره من التابعين ، ولكن هذا إذا لم يعارض قوله أو فعله كلام الشارع ، أما إذا عارض قوله أو فعله كلام الشارع الثابت فكلام الشارع مقدم عليه ؛ لأنه هو الحجة التي يجب أن يعمل بمقتضاها ، أما قول الصحابي فليس بحجة
(1)( 3/375 ) .
(2)( 2/333 ) .
(3)( 2/151 ) .
(4)( ص 296 ) .
(5)انظر : المعتمد ( 2/670 ) ، كشف الأسرار ( 3/66 ) .
- 91 -(14/91)
عند كثير من العلماء ، حتى أن الذين قالوا بأن قوله حجة اشترطوا بأن لا يخالف نصًّا من النصوص الشرعية .
الدليل الثاني : أن الظاهر أن الصحابي لا يقول ولا يفعل شيئًا مخصصًا لعموم حديث رواه أو لم يروه إلا عن دليل وجد من جهة الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فجاز تخصيص العموم به ؛ لأنه لا يكاد يترك الدليل بغير دليل دل عليه ، وإلا وجب تفسيقه وهو خلاف الإِجماع ، وإن لم يعرف ذلك الدليل بعينه ، ويخصص به ؛ جمعًا بين الدليلين ؛ لأن هذا أوْلى من تعطيل أحدهما (1)
(انظر : التلخيص لإمام الحرمين ( ص 579 ) ، شرح اللمع ( 1/ 383 ) ، التبصرة ( ص 149 ) ، الإحكام ( 2/ 333 ) ، بديع النظام ( ص 480 ) ، المحصول للرازي ( 2/ 1/ 632 ) ، المنهاج (/ / 422 - 425 ) مع شرح الأصفهاني ، شرح العضد ( 2/ 151 ) ، نهاية الأصول ( ورقة 273/ أ ) ، مسلم الثبوت ( 1/ 355 ) . )
.
الجواب عنه : -
يمكن أن يجاب عن ذلك الدليل بعدة أجوبة : -
الجواب الأول : أنه لو كان هناك دليل خصص عموم الحديث ، ويعرفه الصحابي دون غيره لنقله إلينا كما ينقل الحديث العام أو غيره من الأحاديث ؛ لأنه لا يظن بالصحابي أنه يعلم أن هناك نقلا يؤثر في الحكم فيتركه ، فلما لم ينقل ذلك ويصرح به علم أنه لا أصل له (2)
(انظر : شرح اللمع ( 1/ 303 ) ، التبصرة ( ص 149 ) . )
.
الجواب الثاني : أنه يحتمل أنه قال ذلك عن دليل ، ويحتمل أن يكون قد قال ذلك عن اجتهاد باطل ونظر فاسد ، فلا يترك الدليل الثابت الخالي عن الاحتمالات وهو قول الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أجل شيء قد تطرقت إليه عدة احتمالات (3)
(انظر : المرجعين السابقين . )
.
الجواب الثالث : أنه يفسق إذا خالف عمدا ، بل أحيانًا يكفر بذلك ، أما مخالفته سهوًا ، أو غلطًا ، أو غفلة ، فلا يفسق بذلك ، وليس هاهنا ظاهر يدل على أنه كان من العلم بحيث لا يعرض له ذلك الخطأ (4)
(انظر : المحصول للرازي ( 2/ 1/ 632 ) . )
.
الجواب الرابع : أنه يبطل بالتابعي إذا قال قولا في مخالفة العموم فإنه لا يكاد يترك العموم إلا عن توقيف ، ونقل ثبت عنده ، ومع ذلك فإنه لا يجوز تخصيصه به (5)
(انظر : شرح اللمع ( - 1/ 383 ) . )
.
الجواب الخامس : أنه لا يوجد تعارض - أصلا - بين عموم الحديث وبين تخصيص
(1)انظر : التلخيص لإمام الحرمين ( ص 579 ) ، شرح اللمع ( 1/383 ) ، التبصرة ( ص 149 ) ، الإحكام ( 2/333 ) ، بديع النظام ( ص 480 ) ، المحصول للرازي ( 2/1/632 ) ، المنهاج ( / / 422 - 425 ) مع شرح الأصفهاني ، شرح العضد ( 2/151 ) ، نهاية الأصول ( ورقة 273 / أ ) ، مسلم الثبوت ( 1/355 ) .
(2)انظر : شرح اللمع ( 1/303 ) ، التبصرة ( ص 149 ) .
(3)انظر : المرجعين السابقين .
(4)انظر : المحصول للرازي ( 2/1/632 ) .
(5)انظر : شرح اللمع ( - 1/383 ) .
- 92 -(14/92)
الصحابي ؛ حيث إن عموم الحديث حجة ، وقول الصحابي ليس بحجة ، فلا ينبغي وجود تخصيص (1)
(انظر : فواتح الرحموت ( 1/ 355 ) . )
.
قلت : هذا الجواب أورده المانعون من حجية قول الصحابي .
الجواب السادس : سلمنا لكم أنه خالف عموم الحديث وخصَّصه لدليل استند إليه وظنه دليلا ، وما ظنه المجتهد دليلا لا يكون دليلا على غيره ما لم يعلمه بعينه مع وجه دلالته ، فلا يجوز لغيره اتباعه في اعتباره ، والتخصيص به ؛ لأنه تقييد من مجتهد وأنه لا يجوز (2)
(انظر : المنهاج ( 1/ 422 ، 425 ) مع شرح الأصفاني ، شرح العضد ( 2/ 151 ) ، مسلم الثبوت ( 1/ 355 ) مع فواتح الرحموت . )
.
الاعتراض على هذا الجواب : -
لقد اعترض على هذا الجواب باعتراضين :
الاعتراض الأول : إن دليل الصحابي على التخصيص قطعي ، ولو كان ظنيًّا لبينه ؛ دفعًا للتهمة (3)
(انظر : شرح العضد ( 2/ 151 - 152 ) . )
.
الجواب عن هذا الاعتراض : -
يمكن أن يجاب عن ذلك الاعتراض من وجوه : -
الوجه الأول : أنه معارض بمثله فنقول : دليل ظني ؛ إذ لو كان قطعيًّا لبينه دفعًا للتهمة (4)
(انظر : المرجع السابق . )
.
الوجه الثاني : أنه لو كان دليله قطعيًّا - كما زعمتم - لم يخف على غيره من الصحابة كالعادة (5)
(انظر : شرح العضد ( 2/ 152 ) . )
.
الوجه الثالث : أنه لو كان دليله قطعيًّا - كما زعمتم - لم يجز مخالفة صحابي آخر له ، ومعروف أن ذلك جائز بالاتفاق (6)
(انظر : الإحكام للآمدي ( 2/ 333 ) ، شرح العضد ( 2/ 152 ) . )
.
الاعتراض الثاني على الجواب السادس : أنه لا يجب القطع في المخصص كالمفهوم وخبر الواحد . هذا الاعتراض أورده ابن عبد الشكور في " مسلم الثبوت " (7)
(( 1/ 355 ) مع شرحه : فواتح الرحموت . )
.
ثم بينه الأنصاري في " فواتح الرحموت " (8)
(( 1/ 355 ) . )
بقوله : " هذا يتم إلزامًا ولا يتم على أصولنا - يعني على أصول الحنفية - ، لأن دلالة العام قطعية إلا إذا خصص الدعوى بالعام المخصوص البعض " (9)
(المرجع السابق . )
.
(1)انظر : فواتح الرحموت ( 1/355 ) .
(2)انظر : المنهاج ( 1/422 ، 425 ) مع شرح الأصفاني ، شرح العضد ( 2/151 ) ، مسلم الثبوت ( 1/355 ) مع فواتح الرحموت .
(3)انظر : شرح العضد ( 2/151 - 152 ) .
(4)انظر : المرجع السابق .
(5)انظر : شرح العضد ( 2/152 ) .
(6)انظر : الإحكام للآمدي ( 2/333 ) ، شرح العضد ( 2/152 ) .
(7)( 1/355 ) مع شرحه : فواتح الرحموت .
(8)( 1/355 ) .
(9)المرجع السابق .
- 93 -(14/93)
الجواب عن ذلك الاعتراض : -
أجيب عن ذلك الاعتراض بـ : - أن هذا الظن يجوز أن يكون أضعف من العام المخصوص ، فلا يصلح أن يخصص الأضعف الأقوى (1)
(انظر : فواتح الرحموت ( 1/ 355 ) . )
.
الاعتراض على ذلك الجواب
اعترض على ذلك الجواب باعتراض مفاده : أن حجة الصحابي إما قرينة جزئية مخصصة ، أو كلام مخصص ، أو ناسخ ، أو قياس ، وهذا العام أضعف من الكل (2)
(انظر : فواتح الرحموت ( 1/ 355 ) . )
.
الجواب عن ذلك الاعتراض :
يمكن أن يقال في الجواب عن ذلك : إن هذا لا يسلَّم إطلاقًا ؛ وذلك لأن العام أقوى من الجميع ، لا سيما أن العام ثبت وصح ووصل إلينا بدون أي احتمالات ، أما ما ذكرتموه فلم يثبت منه شيء يعتمد عليه ، فالعقل السليم يقطع بأن يُعمل على ما ثبت ، دون ما لم يثبت والله أعلم بالصواب .
الدليل الثالث (3)
(من أدلة القائلين : يجوز تخصيص عموم الحديث بقول الصحابي أو بفعله ، أو فتواه . )
أن الصحابي المخصص لعموم الحديث لا يخلو إما أن يكون قد خصص استنادا إلى حديث آخر ، أو فعل ذلك استنادًا إلى اجتهاد منه : -
فإن كان مستندًا في تخصيصه إلى حديث وجب المصير إليه .
وإن كان مستندًا في تخصيصه ذلك إلى اجتهاد ونظر فنظره واجتهاده أوْلى من نظرنا ؛ لأنه حضر التنزيل (4)
(انظر : شرح اللمع ( 1/ 383 ) . )
.
الجواب عن ذلك : - يمكن أن يجاب عن ذلك من وجهين : -
الوجه الأول : أن هذا الدليل قائم على احتمال أن يكون التخصيص من الصحابي قد صدر اعتمادًا على حديث آخر . أو على اجتهاد والأصل عدم ذلك ، فلا يجوز أن يحال بالحكم عليه .
الوجه الثاني : نسلِّم أن نظر الصحابي أوْلى من نظرنا إذا كان اجتهاده ونظره لا يعارض كلام الشارع ، أما إذ عارض اجتهاده ونظره كلام الشارع فلا نسلِّم
(1)انظر : فواتح الرحموت ( 1/355 ) .
(2)انظر : فواتح الرحموت ( 1/355 ) .
(3)من أدلة القائلين : يجوز تخصيص عموم الحديث بقول الصحابي أو بفعله ، أو فتواه .
(4)انظر : شرح اللمع ( 1/383 ) .
- 94 -(14/94)
بذلك ، بل إن نظرنا واجتهادنا أوْلى ؛ لما أخرجه أبو داود في " سننه " (1)
(( 2/ 289 ) . )
والترمذي في " سننه " (2)
(( 7/ 416 ) . )
وابن ماجه في " سننه " (3)
(( 1/ 64 ) . )
والدارمي في " سننه " (4)
(( 1/ 74 ) . )
والإمام أحمد في " المسند " (5)
(( 1/ 437 ) . )
عن زيد بن ثابت - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : " نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مَقَالَتِي فَوَعَاهَا ، ثُمَّ أَدَّاهَا كَمَا سَمِعَهَا ، فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ غَيْرِ فَقِيهٍ ، وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ " ) .
الدليل الرابع : لو قال الصحابي : " أمرنا رسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لكان حجة يخص به العموم ، وإن كان القول قوله ، فكذلك مسألتنا ينبغي أن نقبل ما يوجب التخصيص (6)
(انظر : شرح اللمع ( 1/ 383 ) ، التبصرة ( ص : 150 ) . )
.
الجواب عنه : -
يمكن أن يجاب عن ذلك بأن يقال : يوجد فرق بين هذه المسألة ، وبين مسألتنا - التي نحن بصددها - فإنه في هذه المسألة التي ذكرتم أخبر الصحابي عن رسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فعلمنا أنه فهم أمرا من رسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال : " أمرنا " وفي مسألتنا قال ذلك من قبل نفسه لا بالإسناد إلى رسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكان محتملا فلم يكن فيه حجة فلا يخص به العموم (7)
(انظر : شرح اللمع ( 1/ 383 ) ، التبصرة ( ص : 150 ) . )
.
الدليل الخامس : أنه على القول بأن قول الصحابي حجة فإنه يقدم على القياس ، وتخصيص العموم بالقياس جائز ، فقول الصحابي المقدم عليه أوْلى أن يخصص به (8)
(انظر : العدة ( 2/ 580 ) ، شرح اللمع ( 1/ 382 ) ، التمهيد لأبي الخطاب ( 2/ 120 ) الروضة ( 2/ 733 ) ، شرح مختصر الروضة ( 32/ 571 ) . )
.
يمكن أن يجاب على ذلك من وجهين : -
الوجه الأول : أن تخصيص العموم بالقياس جائز عند بعض العلماء ، أما عند كثير من العلماء فلا يجوز .
الوجه الثاني : أن القياس ثبت اعتمادًا على أصل ثابت بكتاب أو سنة فجاز التخصيص به - عند القائلين بذلك - لمعرفتنا للدليل الذي اعتمد عليه ، أما قول الصحابي المخالف لعموم الحديث فلا نعرف مستنده ؛ لذلك نرده ، ونعمل بعموم الحديث .
(1)( 2/289 ) .
(2)( 7/416 ) .
(3)( 1/64 ) .
(4)( 1/74 ) .
(5)( 1/437 ) .
(6)انظر : شرح اللمع ( 1/383 ) ، التبصرة ( ص : 150 ) .
(7)انظر : شرح اللمع ( 1/383 ) ، التبصرة ( ص : 150 ) .
(8)انظر : العدة ( 2/580 ) ، شرح اللمع ( 1/382 ) ، التمهيد لأبي الخطاب ( 2/120 ) الروضة ( 2/733 ) ، شرح مختصر الروضة ( 32/571 ) .
- 95 -(14/95)
الدليل السادس : أن قول الصحابي دليل ثبت به الحكم الشرعي ، فيجوز أن يخصص به العموم ، ويصرف به الظاهر (1)
(انظر : الواضح لابن عقيل ( ص 796 ) . )
.
الجواب عن ذلك : يمكن أن يجاب عن ذلك بأن يقال : أن قول الصحابي دليل يثبت به الحكم الشرعي ، هذا عند القائلين بحجية قول الصحابي ، وليس هذا على إطلاقه عندهم ، بل اشترطوا في ذلك أن لا يخالف كلام الشارع . أما إذا خالفه فلا يعتبر ، بل المعتبر هو كلام الشارع .
الدليل السابع : أنه إذا لم يقل الصحابي هذا من رأيي وجب أن يحمل على أنه عن توقيف ، فكذا فعله لما كان دالا على المخصص وجب اعتباره (2)
(انظر : إحكام الفصول للباجي ( ص 269 ) . )
.
الجواب عنه : أجيب عن ذلك بأن حتى لو لم يقل الصحابي عن توقيف وجب أن يحمل على أنه من رأيه ، وهذا ليس ببعيد ؛ لأن الصحابي يعتقد جواز تخصيص العموم بالقياس (3)
(انظر : إحكام الفصول ( ص 269 ) . )
.
(1)انظر : الواضح لابن عقيل ( ص 796 ) .
(2)انظر : إحكام الفصول للباجي ( ص 269 ) .
(3)انظر : إحكام الفصول ( ص 269 ) .
- 96 -(14/96)
المبحث الثالث : في الترجيح :
لقد بينا فيما سبق خلاف العلماء فيما إذا خالف الصحابي عموم الحديث ، وذكرنا في ذلك مذهبين : -
المذهب الأول : أن الحديث لا يتأثر بتلك المخالفة ، ويبقى على عمومه ، دون النظر إلى تخصيص الصحابي .
المذهب الثاني : أن الحديث يتأثر بتلك المخالفة ، ويخص بفعل الصحابي ، وذكرت أصحاب كل مذهب وأدلة كل طائفة على ما ذهبوا إليه ، ومناقشة ما يمكن مناقشته منها ، بعد ذلك اتضح أن الراجح هو المذهب الأول - وهو أن الحديث يبقى على عمومه ، ويحتج به ، ويعمل بذلك ولا يخصص بفعل الصحابي - لأمور من أهمها : -
الأول : قوة أدلة هذا المذهب ، وضعف ما وجه إليها من اعتراضات .
الثاني : ضعف أدلة أصحاب المذهب الثاني ، وقوة الأجوبة والمناقشات والاعتراضات التي وجهت إليها .
الثالث : أنك لو لاحظت أدلة أصحاب المذهب الثاني ودققت النظر فيها لوجدتها - كلها - تدور حول احتمالات لا دليل معتمد على واحد منها ، بينما كلام الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثابت صحيح لا احتمال فيه ، فكيف لعاقل أن يترك ذلك من أجل شيء يعتريه كثير من الاحتمالات ؟ !
الرابع : وهو يؤيد الثالث - أن العموم هو ظاهر الحديث ، فيجب أن يعمل به ؛ لأنه لا يوجد ما يعارضه ، فوجب الجري على ما يوجبه ، وفعل الصحابي ، أو قوله ، أو فتواه لا يصلح أن يكون معارضًا له ؛ لأن فعله لم يكن مستندًا إلى قاطع دال على أن المراد من ذلك العام هو الخاص ، كما أنه لم يكن مستندًا إلى مجرد التشهي ومجرد اتباع الهوى ؛ لظهور عدالته ؛ لأنه لو كان كذلك لبينه وأشهره ؛ إزالة للتهمة عن نفسه ، والشبهة عن غيره ، ولو كان كذلك لظهر ؛ لأنه مما تتوافر فيه الدواعي على نقله ، وحيث لم يظهر
- 97 -(14/97)
دل على أنه ما بينه وأشهره ، بل يكون مستندًا إلى ما يظنه دليلا أقوى منه ، فيحتمل أن يكون دليلا ، ويحتمل أن لا يكون ، وبتقدير أن يكون دليلا يحتمل أن يكون أقوى منه ، ويحتمل أن لا يكون ، وإذا كان كذلك لم يكن فعله معارضًا له بحسب سنده أيضًا ؛ لأن الاحتمالات متعارضة .
ولو سُلِّم أن الاحتمالين الأولين أظهر من مقابلتهما ، لكن ليس ظهورهما بحيث يقاوم ظهور العام ؛ لأن الدلالة اللفظية أظهر من القرينة التي هي ظاهر الحال .
ولو سلم أن ظهورها مثل ظهور العام ، لكن حكمه في وجوب الاتباع مقصور في حقه دون غيره ؛ لأنه لا يجب على غيره متابعته مهما أدى اجتهاده إلى شيء بخلاف العام ، فإن حكم ظهوره غير مقصور في حقه ، بل يجب اتباع الحديث العام على من اعتقد عمومه ، فكان بالاتباع أوْلى . هذا والله أعلم .
تنبيه :
لا بد أن أنبه القارئ الكريم أن أصحاب المذهب الأول قالوا : لا يجوز تخصيص عموم الحديث بمذهب الصحابي أو قوله أو فعله أو فتواه مطلقًا أي : سواء كان هو راوي الحديث العام أم لا .
وذلك لأنه إذا كان لا يجوز أن يخصص الحديث بقول الصحابي الراوي ، فإنه لا يخصص بقول الصحابي غير الراوي من باب أوْلى .
أما أصحاب المذهب الثاني - وهم القائلون : يجوز تخصيص عموم الحديث بقول أو بفعل الصحابي - فهؤلاء هم الذين ذهبوا إلى أن قول الصحابي حجة تثبت به الأحكام الشرعية سواء كان هو الراوي أم لا (1)
(انظر : العدة ( 2/ 582 ) ، شرح العضد ( 2/ 151 ) ، الإبهاج ( 2/ 194 ) ، المسودة ( ص 128 ) ، نهاية الأصول ( 1/ 273/ أ ) ، القواعد والفوائد الأصولية ( ص 296 ) . )
.
(1)انظر : العدة ( 2/582 ) ، شرح العضد ( 2/151 ) ، الإبهاج ( 2/194 ) ، المسودة ( ص 128 ) ، نهاية الأصول ( 1/273 / أ ) ، القواعد والفوائد الأصولية ( ص 296 ) .
- 98 -(14/98)
المبحث الرابع : الأمثلة التطبيقية على مخالفة الصحابي لعموم الحديث :
المثال الأول :
ما أخرجه البخاري في " صحيحه " (1)
(( 4/ 75 ) و ( 9/ 138 ) في باب لا يعذب بعذاب لله من كتاب الجهاد وباب قوله تعالى : ( وأمرهم شورى بينهم ) من كتاب الاعتصام . )
وأبو داود في " سننه " (2)
(( 2/ 440 ) في باب الحلم في من ارتد ، من كتاب الحدود . )
والترمذي في " سننه " (3)
(( 6/ 234 ) ، في باب ما جاء في المرتد ، من أبواب الحدود - عارضة الأحوذي - . )
والنسائي في " سننه " (4)
(( 7/ 96 ) في باب الحكم في المرتد ، من كتاب التحريم - المجتبى . )
والإمام أحمد في " المسند " (5)
(( 1/ 282 - 283 ) ، ( ة/ 231 ) . )
عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : " مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ " ) .
فهذا عام في الرجال والنساء ؛ لأنه فيه صيغة عموم متفق عليها هي " مَنْ " الشرطية .
فهذا الحديث قد رواه ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - ولكنه خالفه فخصص الحديث بالرجال - فقط - دون النساء ، فقد كان مذهب ابن عباس أن المرأة المرتدة لا تقتل ، فقد أخرج عبد الرزاق في " المصنف " (6)
(( 10/ 177 ) في باب كفر المرأة بعد الإِسلام ، من كتاب اللقطة . )
أنه روى عن ابن عباس قوله : " النساء لا يقتلن إذا هن ارتددن عن الإِسلام ، لكن يحبسن ويدعين إلى الإِسلام ويجبرن عليه " (7)
(انظر : سنن الدارقطني ( 3/ 118 ) ، نصب الراية ( 3/ 457 ) . )
.
فهنا اختلف العلماء في ذلك - بناء على القاعدة الأصولية السابقة .
فذهب أصحاب المذهب الأول إلى أن الحديث - وهو < مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ > ) يبقى على عمومه ، ولا يلتفت إلى مخالفة ابن عباس ولهذا تقتل المرأة إذا ارتدت مثل الرجل ، وهذا مذهب الجمهور من الفقهاء (8)
(انظر : المهذب ( 2/ 223 ) ، المنهاج للنووي ( ص 132 ) ، المجموع له ( 18/ 10 ) ، الأم ( 6/ 180 ) ، الكافي لابن عبد البر ( 1/ 485 ) . )
.
أما أصحاب المذهب الثاني فقد ذهبوا إلى أن الحديث يخصص بمذهب ابن عباس ، ولهذا لا تقتل المرأة إذا ارتدت عندهم ، بل تحبس وتطالب بالرجوع إلى الإِسلام ، وتجبر عليه ، وإن لحقت بدار الحرب سبيت واسترقت وهذا مذهب أبي حنيفة وجمهور الحنفية (9)
(انظر : الهداية ( 6/ 71 ) مع فتح القدير ، مختصر الطحاوي ( ص 259 ) ، متن القدوري ( ص 117 ) ، تبين الحقائق ( 3/ 284 ) ، المجموع ( 18/ 10 ) . )
.
(1)( 4/75 ) و ( 9/138 ) في باب لا يعذب بعذاب لله من كتاب الجهاد وباب قوله تعالى : ( وأمرهم شورى بينهم ) من كتاب الاعتصام .
(2)( 2/440 ) في باب الحلم في من ارتد ، من كتاب الحدود .
(3)( 6/234 ) ، في باب ما جاء في المرتد ، من أبواب الحدود - عارضة الأحوذي - .
(4)( 7/96 ) في باب الحكم في المرتد ، من كتاب التحريم - المجتبى .
(5)( 1/282 - 283 ) ، ( ة / 231 ) .
(6)( 10/177 ) في باب كفر المرأة بعد الإِسلام ، من كتاب اللقطة .
(7)انظر : سنن الدارقطني ( 3/118 ) ، نصب الراية ( 3/457 ) .
(8)انظر : المهذب ( 2/223 ) ، المنهاج للنووي ( ص 132 ) ، المجموع له ( 18/10 ) ، الأم ( 6/180 ) ، الكافي لابن عبد البر ( 1/485 ) .
(9)انظر : الهداية ( 6/71 ) مع فتح القدير ، مختصر الطحاوي ( ص 259 ) ، متن القدوري ( ص 117 ) ، تبين الحقائق ( 3/284 ) ، المجموع ( 18/10 ) .
- 99 -(14/99)
المثال الثاني :
ما أخرجه البخاري في " صحيحه " (1)
(( 2/ 149 ) في باب ليس على المسلم في فرسه صدقة ، وباب ليس على المسلم في عبده صدقة ، من كتاب الزكاة . )
ومسلم في " صحيحه " (2)
(( 2/ 675 - 676 ) في باب لا زكاة على المسلم في عبده وفرسه ، من كتاب الزكاة . )
وأبو داود في " سننه " (3)
(( 1/ 370 ) في باب صدقة الرقيق ، من كتاب الزكاة . )
والترمذي في " سننه " (4)
(( 3/ 122 ) في باب ما جاء ليس في الخيل والرقيق صدقة من أبواب الزكاة . )
والنسائي في " سننه " (5)
(( 5/ 25 ) - المجتبى - في باب زكاة الخيل ، وباب زكاة الرقيق ، من كتاب الزكاة . )
والإمام مالك في " الموطأ " (6)
(( 1/ 277 ) ، في باب ما جاء في صدقة الرقيق والخيل والعسل ، من كتاب الزكاة . )
وأحمد في " المسند " (7)
(( 2/ 242 و 249 و 254 و 247 ) . )
أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : " لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي فَرَسِهِ وَغُلامِهِ صَدَقَةٌ " ) وما أخرجه أبو داود في " سننه " (8)
(( 1/ 363 ) في باب زكاة السائمة ، من كتاب الزكاة . )
والترمذي في " سننه " (9)
(( 3/ 101 و 102 ) في باب ما جاء في زكاة الذهب والورق ، من أبواب الزكاة - عارضة الأحوذي . )
وابن ماجه في " سننه " (10)
(( 1/ 570 ) في باب زكاة الورق والذهب من كتاب الزكاة . )
والبيهقي في " السنن الكبرى " (11)
(( 3/ 101 و 102 ) في باب ما جاء في زكاة الذهب والورق ، من أبواب الزكاة - عارضة الأحوذي . )
وأحمد في " المسند " (12)
(( 4/ 118 ) في باب لا صدقة في الخيل ، من كتاب الزكاة . )
(13)
(( 1/ 92 ) و 113 و 121 و 132 و 145 ) . )
عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : < عَفَوْتُ لَكُمْ عَنْ صَدَقَةِ الْخَيْلِ وَالرَّقِيقِ > ) .
فإن ظاهر هذين الحديثين : هو أن الخيل لا زكاة فيها وهو عام لجميع أنواع الخيل أي : سواء المعد للغزو ، أو غيره .
لكن روي عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أنه خالف ذلك حيث إنه خصص الحديث بالخيل التي يغزى عليه في سبيل اللَّه ، فأما غيرها ففيها الزكاة (14)
(انظر : إجمال الإصابة ( ص 85 ) . )
.
فاختلف العلماء إزاء ذلك .
فبناء على المذهب الأول : أن الحديث يبقى على عمومه ولا يلتفت إلى مخالفة ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - .
ولهذا ذهبوا إلى أنه لا زكاة في الخيل مطلقا وهذا مذهب جمهور العلماء (15)
(انظر : المغني لابن قدامة ( 4/ 66 ) ، والأم ( 2/ 26 ) ، الوجيز ( 1/ 79 ) ، المجموع ( 5/ 306 - 307 ) . )
.
وبناء على المذهب الثاني فإنه يخصص الحديث بتخصيص ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فعلى هذا فالزكاة لا تجب على الخيل التي يغزى عليها أما غيرها ففيها الزكاة .
ولكن بعد مراجعتي لأكثر كتب الفقه في هذه المسألة لم أر أحدًا ذهب إلى هذا المذهب .
بل الذي رأيته أن الحنفية خصصوا الحديث بالمعلوفة حيث إن مذهبهم هو : أنه تجب الزكاة في الخيول إذا كانت سائمة مختلطة : ذكورًا وإناثًا ، وأن زكاتها بالخيار إن شاء أدَّى عن كل فرس دينارًا ، وإن شاء مقومًا بالقيمة (16)
(انظر : المبسوط ( 2/ 188 ) ، البدائع ( 2/ 881 ) ، مختصر الطحاوي ( ص 45 ) ، نصب الراية ( 2/ 359 ) ، البناية ( 3/ 60 ) ، تحفة الفقهاء ( 1/ 451 ) . )
.
(1)( 2/149 ) في باب ليس على المسلم في فرسه صدقة ، وباب ليس على المسلم في عبده صدقة ، من كتاب الزكاة .
(2)( 2/675 - 676 ) في باب لا زكاة على المسلم في عبده وفرسه ، من كتاب الزكاة .
(3)( 1/370 ) في باب صدقة الرقيق ، من كتاب الزكاة .
(4)( 3/122 ) في باب ما جاء ليس في الخيل والرقيق صدقة من أبواب الزكاة .
(5)( 5/25 ) - المجتبى - في باب زكاة الخيل ، وباب زكاة الرقيق ، من كتاب الزكاة .
(6)( 1/277 ) ، في باب ما جاء في صدقة الرقيق والخيل والعسل ، من كتاب الزكاة .
(7)( 2/242 و 249 و 254 و 247 ) .
(8)( 1/363 ) في باب زكاة السائمة ، من كتاب الزكاة .
(9)( 3/101 و 102 ) في باب ما جاء في زكاة الذهب والورق ، من أبواب الزكاة - عارضة الأحوذي .
(10)( 1/570 ) في باب زكاة الورق والذهب من كتاب الزكاة .
(11)( 3/101 و 102 ) في باب ما جاء في زكاة الذهب والورق ، من أبواب الزكاة - عارضة الأحوذي .
(12)( 4/118 ) في باب لا صدقة في الخيل ، من كتاب الزكاة .
(13)( 1/92 ) و 113 و 121 و 132 و 145 ) .
(14)انظر : إجمال الإصابة ( ص 85 ) .
(15)انظر : المغني لابن قدامة ( 4/66 ) ، والأم ( 2/26 ) ، الوجيز ( 1/79 ) ، المجموع ( 5/306 - 307 ) .
(16)انظر : المبسوط ( 2/188 ) ، البدائع ( 2/881 ) ، مختصر الطحاوي ( ص 45 ) ، نصب الراية ( 2/359 ) ، البناية ( 3/60 ) ، تحفة الفقهاء ( 1/451 ) .
- 100 -(14/100)
وليس دليلهم على ذلك هو مذهب صحابي أو نحو ذلك ، بل إن دليلهم هو ما أخرجه الدارقطني في " سننه " (1)
(( 2/ 126 ) في باب زكاة مال التجارة وسقوطها عن الخيل والرقيق ، من كتاب الزكاة . )
والبيهقي في " السنن الكبرى " (2)
(( 4/ 119 ) في باب من رأى في الخيل زكاة ، من كتاب الزكاة . )
عن جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : " فِي الْخَيْلِ السَّائِمَةِ ، فِي كُلِّ فَرَسٍ دِينَارٌ " ) .
والراجح هو ما ذهب إليه الجمهور من أن الخيول لا زكاة فيها مطلقًا ، نظرًا لصحة الحديثين للذين استدلوا بهما .
أما الحديث الذي استدل به الحنفية فهو ضعيف ؛ لأن في سنده غورك (3)
(هو : غورك بن الخضرم السعدي وهو ضعيف انظر فيه ميزان الاعتدال ( 3/ 337 ) . )
قال الهيثمي فيه في " مجمع الزوائد " (4)
(( 3/ 69 ) . )
" رواه الطبراني في الأوسط وفيه : الليث بن حماد وغورك ، وكلاهما ضعيف " والله أعلم .
(1)( 2/126 ) في باب زكاة مال التجارة وسقوطها عن الخيل والرقيق ، من كتاب الزكاة .
(2)( 4/119 ) في باب من رأى في الخيل زكاة ، من كتاب الزكاة .
(3)هو : غورك بن الخضرم السعدي وهو ضعيف انظر فيه ميزان الاعتدال ( 3/337 ) .
(4)( 3/69 ) .
- 101 -(14/101)
الفصل الثالث : في مخالفة الصحابي لظاهر الحديث النبوي الشريف
مخالفة الصحابي لظاهر الحديث (1)
(لقد أفردت الفصل السابق للكلام عن تخصيص الصحابي للحديث ولم أدرجه مع هذا الفصل مع أنه يندرج ، حيث إن العام يعتبر من الظاهر ، وأن تخصيص الصحابي لهذا العام يعتبر تأويلا لمعنى مرجوح . فعلت ذلك ؛ لأني وجدت كلام الأصوليين - كالآمدي ، والرازي ، والعلائي ، الزركشي وغيرهم - يختلف في الموضعين فقد تكلموا عن تخصيص الصحابي للعموم بكلام مفصل من حيث الأدلة والأمثلة ، أما مخالفة الصحابي لظاهر الحديث فقد تكلموا عنه بكلام مجمل دون التعرض للأدلة الأمثلة ، كما سيأتي بيانه والله أعلم . )
النبوي الشريف :
في هذا الفصل سأتكلم - إن شاء اللَّه تعالى - عن مخالفة الصحابي لظاهر الحديث - فقط .
بمعنى : أن يكون الحديث ظاهرًا في معنى راجح فيحمله الصحابي على معنى مرجوح : كأن يكون ظاهرًا في الحقيقة فيحمله الصحابي على المجاز ، أو يكون الحديث مطلقًا فيقيده الصحابي ، أو يكون الحديث ظاهرا في الوجوب فيحمله الصحابي على الندب ، أو يكون ظاهرًا في التحريم فيحمله الصحابي على الكراهة .
فهل نأخذ بحمل الصحابي وتأويله ، ونترك ظاهر الحديث ، أو أننا نعمل بظاهر الحديث ، ولا نلتفت إلى تأويل وحمل الصحابي ؟
لقد اختلف العلماء في ذلك على مذاهب : -
المذهب الأول : أن الحديث يبقى على ظاهره ، ويعمل بذلك الظاهر ولا يخرج عنه بمجرد مخالفة الصحابي له .
ذهب إلى ذلك من الحنفية أبو الحسن الكرخي (2)
(نقله عنه فخر الدين الرازي في المحصول ( 2/ 6301 ) . )
.
واختاره من الشافعية الإِمام الشافعي حيث قال في " الأم " (3)
(( 7/ 209 - 210 ) . )
" إن كان الراوي حمل الخبر على أحد محمليه صرت إلى قوله ، وإن ترك الظاهر لم أصر إلى قوله " .
وذهب إلى ذلك منهم - أيضًا - الأستاذ أبو إسحاق (4)
(انظر في ترجمته : طبقات الشافعية لابن السبكي ( 4/ 256 ) ، شذرات الذهب ( 3/ 209 ) ، طبقات الفقهاء للشيرازي ( ص 126 ) . )
(5)
(نقله عنه الزركشي في البحر المحيط ( 4/ 369 ) . )
وابن فورك (6)
(انظر في ترجمته : شذرات الذهب ( 4/ 80 ) ذيل طبقات الحنابلة ( 1/ 180 ) ، المنتظم ( 10/ 32 ) . )
(7)
(نقله عنه الزركشي في البحر المحيط ( 4/ 369 ) . )
والكيا الهراسي (8)
(انظر في ترجمته : المنتظم ( 9/ 167 ) ، وفيات الأعيان ( 2/ 448 ) ، طبقات الشافعية لابن السبكي ( 7/ 231 ) . )
(9)
(نقله عنه الزركشي في البحر المحيط ( 4/ 369 ) . )
.
ونسبه الزركشي في " البحر المحيط " (10)
(( 4/ 369 ) . )
إلى الجمهور ، وكذا نسبه إليهم العلائي في " إجمال الإصابة " (11)
(( ص 90 ) . )
.
(1)لقد أفردت الفصل السابق للكلام عن تخصيص الصحابي للحديث ولم أدرجه مع هذا الفصل مع أنه يندرج ، حيث إن العام يعتبر من الظاهر ، وأن تخصيص الصحابي لهذا العام يعتبر تأويلا لمعنى مرجوح . فعلت ذلك ؛ لأني وجدت كلام الأصوليين - كالآمدي ، والرازي ، والعلائي ، الزركشي وغيرهم - يختلف في الموضعين فقد تكلموا عن تخصيص الصحابي للعموم بكلام مفصل من حيث الأدلة والأمثلة ، أما مخالفة الصحابي لظاهر الحديث فقد تكلموا عنه بكلام مجمل دون التعرض للأدلة الأمثلة ، كما سيأتي بيانه والله أعلم .
(2)نقله عنه فخر الدين الرازي في المحصول ( 2/6301 ) .
(3)( 7/209 - 210 ) .
(4)انظر في ترجمته : طبقات الشافعية لابن السبكي ( 4/256 ) ، شذرات الذهب ( 3/209 ) ، طبقات الفقهاء للشيرازي ( ص 126 ) .
(5)نقله عنه الزركشي في البحر المحيط ( 4/369 ) .
(6)انظر في ترجمته : شذرات الذهب ( 4/80 ) ذيل طبقات الحنابلة ( 1/180 ) ، المنتظم ( 10/32 ) .
(7)نقله عنه الزركشي في البحر المحيط ( 4/369 ) .
(8)انظر في ترجمته : المنتظم ( 9/167 ) ، وفيات الأعيان ( 2/448 ) ، طبقات الشافعية لابن السبكي ( 7/231 ) .
(9)نقله عنه الزركشي في البحر المحيط ( 4/369 ) .
(10)( 4/369 ) .
(11)( ص 90 ) .
- 102 -(14/102)
المذهب الثاني : أنه يترك ظاهر الحديث ، ويعمل بقول الصحابي أو فعله أو فتواه . وهذا مذهب أكثر الحنفية (1)
(انظر : إجمال الإصابة ( ص 90 ) ، البحر المحيط ( 4/ 369 ) ، التقرير والتحبير ( 2/ 266 ) ، كشف الأسرار للبخاري ( 3/ 65 ) ، تيسير التحرير ( 3/ 73 ) . )
.
المذهب الثالث : إن لم يكن لمذهب الصحابي الراوي وتأويله وجه إلا أنه علم قصد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى ذلك التأويل ضرورة : وجب المصير إلى تأويله .
وإن لم يعلم ذلك ، بل جوز أن يكون صار إلى ذلك التأويل لنص أو قياس : وجب النظر في ذلك الوجه :
فإن اقتضى ذلك ما ذهب إليه الراوي : وجب المصير إليه . وإلا لم يصر إليه . هذا ما ذهب إليه القاضي عبد الجبار بن أحمد (2)
(انظر في ترجمته : ميزان الاعتدال ( 2/ 511 ) ، طبقات الشافعية لابن السبكي ( 5/ 97 ) مرآة الجنان ( 3/ 29 ) . )
(3)
(نقله عنه أبو الحسين البصري في المعتمد ( 2/ 670 ) . )
.
ووافقه على ذلك أبو الحسين البصري في " المعتمد " (4)
(( 2/ 670 ) . )
وأضاف قائلا : " وكذلك إذا علم أنه صار إلى ذلك التأويل لنص جلي لا مساغ للاجتهاد في خلافه ، وتأويله فإنه يلزم المصير إليه ، كما لو صرح بالرواية عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لذلك التأويل " (5)
(المعتمد ( 2/ 670 ) . )
.
المذهب الرابع : إن كان ذلك مما لا يمكن أن يدرك إلا بشواهد الأحوال والقرائن المقتضية لذلك ، وليس للاجتهاد مساغ في ذلك اتبع قوله ، وإن كان صرفه عن ظاهره يمكن أن يكون بضرب من الاجتهاد تعين الرجوع إلى ظاهر الخبر .
واستدل أصحاب هذا المذهب بقولهم : إنه يحتمل أن لا يكون اجتهاده مطابقًا لما في نفس الأمر ، فلا يترك الظاهر للمحتمل .
ذهب إلى ذلك بعض المالكية حكاه عنهم القاضي عبد الوهاب المالكي (6)
(انظر في ترجمته : الديباج المذهب ( 2/ 26 ) ، شذرات الذهب ( 3/ 223 ) ، وفيات الأعيان ( 2/ 287 ) . )
في " الملخص " (7)
(نقله العلائي في إجمال الإصابة ( ص 90 ) ، والزركشي في البحر المحيط ( 4/ 369 ) . )
.
قلت : وهذا المذهب قريب من المذهب السابق :
المذهب الخامس : إن علم مأخذ الصحابي في المخالفة ، وكان ذلك مما يوجب حمل الخبر على ما ذهب إليه الراوي وجب اتباع ذلك الدليل والمأخذ ، لا لأن الصحابي الراوي عمل به ، فإنه ليس عمل أحد المجتهدين حجة على الآخر .
(1)انظر : إجمال الإصابة ( ص 90 ) ، البحر المحيط ( 4/369 ) ، التقرير والتحبير ( 2/266 ) ، كشف الأسرار للبخاري ( 3/65 ) ، تيسير التحرير ( 3/73 ) .
(2)انظر في ترجمته : ميزان الاعتدال ( 2/511 ) ، طبقات الشافعية لابن السبكي ( 5/97 ) مرآة الجنان ( 3/29 ) .
(3)نقله عنه أبو الحسين البصري في المعتمد ( 2/670 ) .
(4)( 2/670 ) .
(5)المعتمد ( 2/670 ) .
(6)انظر في ترجمته : الديباج المذهب ( 2/26 ) ، شذرات الذهب ( 3/223 ) ، وفيات الأعيان ( 2/287 ) .
(7)نقله العلائي في إجمال الإصابة ( ص 90 ) ، والزركشي في البحر المحيط ( 4/369 ) .
- 103 -(14/103)
وإن جهل مأخذه فالواجب العمل بظاهر اللفظ ؛ وذلك لأن الصحابي الراوي عدل وقد جزم بالراوية عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو الأصل في وجوب العمل بالحديث .
وهذا ما اختاره الآمدي في " الإحكام " (1)
(( 2/ 115 - 116 ) . )
.
وهو الراجح عندي لما سبق من الدليل والتعليل .
تنبيهان مهمان :
التنبيه الأول : لقد ذكر الزركشي في : البحر المحيط " (2)
(( 4/ 367 ) . )
أن الصحابي إذا ادَّعى نسخ الحديث فإنه يُعدُّ مخالفًا له .
وهذا فيه نظر عندي ، حيث إن هذا لا يدخل في الموضوع الذي نتكلم عنه ؛ لأن موضوع بحثنا هو : مخالفة الصحابي للحديث النبوي بمعنى إذا فعل الصحابي فعلا ، أو قال قولا وأفتى بفتوى تخالف الحديث الذي رواه أو اطلع عليه ، دون أن يصرح بأنه خالف الحديث ونحو ذلك ، بل خالفه ، ولم يكن عندنا من الحال سوى المخالفة فقط دون ادعاء النسخ ، هذا هو الموضوع الذي نتكلم عنه .
أما إذا ادَّعى نسخ الحديث فإنه يصرح بأن هذا الحديث منسوخ - فقط ولم يعمل بخلافه .
فهذا لا يبحث هنا ، بل يبحث في طرق معرفة النسخ ، وكما هو معروف اختلف العلماء في ذلك ، أي : إذا ادَّعى الصحابي أن هذا الحديث منسوخ هل يقبل أو لا ؟ اختلفوا على ثلاثة مذاهب .
المذهب الأول : أنه يثبت به النسخ مطلقًا .
المذهب الثاني : أنه لا يثبت النسخ حتى يُبين الناسخ ليعلم أنه ناسخ ؛ لأنه كفتياه .
المذهب الثالث : التفصيل بين أن يعين الناسخ ، وبين عدم تعيين الناسخ ، فإن عيَّن الصحابي الناسخ مثل قوله : " هذا نسخ هذا " فلا يجب قبول قوله ؛ لأنه قد يقوله اجتهادًا .
(1)( 2/115 - 116 ) .
(2)( 4/367 ) .
- 104 -(14/104)
وإن لم يُعين الناسخ مثل قوله : " هذا الحديث المنسوخ " فيجب قبول قوله ؛ لأنه لولا ظهور النسخ فيه لما أطلقه (1)
(انظر هذه المسألة - أعني النسخ بقول الصحابي - الأمثلة عليها وخلاف العلماء فيها في : إحكام الفصول ( ص 427 ) ، المعتمد ( 1/ 451 ) ، العدة ( 3/ 837 ) الإحكام للآمدي ( 3/ 181 ) ، المحصول ( 1/ 3/ 566 ) ، المنهاج ( ص 493 ) مع شرح الأصفهاني ، الواضح لابن عقيل ( 980 ) ، التمهيد لأبي الخطاب ( 3/ 189 ) ، شرح اللمع ( 1/ 519 ) ، التلخيص لإمام الحرمين ( ص 907 ) ، الوصول لابن برهان ( 2/ 57 ) ، المستصفى ( 1/ 128 ) ، الروضة ( 1/ 129 ) شرح تنقيح الفصول ( ص 321 ) ، المنتهى لابن الحاجب ( ص 121 ) ، تيسير التحرير ( 3...)
.
التنبيه الثاني :
ذكر العلائي في " إجمال الإصابة " (2)
(( ص 88 ) . )
والزركشي في " البحر المحيط " (3)
(( 4/ 367 ) . )
أن الصحابي الراوي أو غيره إذا حمل الحديث على أحد محمليه فإنه يعتبر مخالفًا له .
بمعنى : إذا كان الحديث محتملا لأمرين متنافيين ، فيحمله الصحابي على أحدهما يكون الصحابي بذلك مخالفًا للحديث . هذا ما جزم به كل من العلائي والزركشي .
وهذا فيه نظر عندي ؛ حيث إن هذا لا يدخل في الموضوع الذي نحن بصدده ، وذلك لأن الموضوع الذي نتكلم عنه في هذا الكتاب هو - كما تعلم - مخالفة الصحابي للحديث النبوي بمعنى : أنه فعل بخلاف الحديث بالكلية ، أو خالف ظهره وليس عندنا شيء من الحال سوى هذه المخالفة .
أما إذ كان الحديث له معنيان محتملان متساويان - بمعنى أن فيه لفظ مشترك بين معنيين - فحمل الصحابي الحديث على أحدهما ورجحه دون الآخر ، فهذا ليس فيه مخالفة له ، بل فيه ترجيح لأحد المعنيين - فقط - مثله - مثل أي مجتهد يرجح أحد المعنيين المحتملين للحديث بسبب : مستند لغوي ، أو اطلاع على مرجح آخر . فلا يقال لذلك أنه مخالف للحديث مطلقًا إلا إذا قلنا : إن اللفظ المشترك ظاهر في جمع محامله فيكون هذا كالعام فهذا قد تكلمنا عنه في تخصيص العام بقول الصحابي . وقد سبق .
وجمهور الأصوليين لم يبحثوا هذه المسألة - أعني حمل الصحابي الحديث على أحد محمليه - على أنها من باب مخالفة الصحابي للحديث ، بل بحثوها في موضع تفسير الصحابي للحديث ، أو ترجيح الصحابي لأحد محملي الحديث ، ولم يقولوا : إنه بذلك قد خالف الحديث (4)
(انظر هذه المسألة - أعني حمل الصحابي الحديث على أحد محمليه - والأمثلة عليها وتفصيلات أخرى فيها في : الفصول في الأصول ( 3/ 203 ) ، العدة ( 2/ 583 ، 586 ) التمهيد ( 2/ 281 - 283 ) و ( 3/ 190 ) بذل النظر ( ص 482 ) ، أصول السرخسي ( 2/ 6 ) المسودة ( ص 128 ) ، شرح المعالم ( ص 1119 ) ، بديع النظام ( ص 368 ) ، الإحكام للآمدي ( 2/ 115 ) ، التبصرة ( ص 184 ) ، مسائل الخلاف ( ص 140 ) و ( 270 ) ، ميزان الأصول ( ص 337 ) ، المحصول ( 1/ 631 ) ، المعتمد ( 2/ 670 ) ، تيسير التحرير ( 3/ 71 ) ، قواطع الأدلة ( 322 ) ...)
.
(1)انظر هذه المسألة - أعني النسخ بقول الصحابي - الأمثلة عليها وخلاف العلماء فيها في : إحكام الفصول ( ص 427 ) ، المعتمد ( 1/451 ) ، العدة ( 3/837 ) الإحكام للآمدي ( 3/181 ) ، المحصول ( 1/3/566 ) ، المنهاج ( ص 493 ) مع شرح الأصفهاني ، الواضح لابن عقيل ( 980 ) ، التمهيد لأبي الخطاب ( 3/189 ) ، شرح اللمع ( 1/519 ) ، التلخيص لإمام الحرمين ( ص 907 ) ، الوصول لابن برهان ( 2/57 ) ، المستصفى ( 1/128 ) ، الروضة ( 1/129 ) شرح تنقيح الفصول ( ص 321 ) ، المنتهى لابن الحاجب ( ص 121 ) ، تيسير التحرير ( 3/222 ) ، فواتح الرحموت ( 2/95 ) ، المسودة ( ص 231 ) ، شرح الكوكب المنير ( 3/567 ) .
(2)( ص 88 ) .
(3)( 4/367 ) .
(4)انظر هذه المسألة - أعني حمل الصحابي الحديث على أحد محمليه - والأمثلة عليها وتفصيلات أخرى فيها في : الفصول في الأصول ( 3/203 ) ، العدة ( 2/583 ، 586 ) التمهيد ( 2/281 - 283 ) و ( 3/190 ) بذل النظر ( ص 482 ) ، أصول السرخسي ( 2/6 ) المسودة ( ص 128 ) ، شرح المعالم ( ص 1119 ) ، بديع النظام ( ص 368 ) ، الإحكام للآمدي ( 2/115 ) ، التبصرة ( ص 184 ) ، مسائل الخلاف ( ص 140 ) و ( 270 ) ، ميزان الأصول ( ص 337 ) ، المحصول ( 1/631 ) ، المعتمد ( 2/670 ) ، تيسير التحرير ( 3/71 ) ، قواطع الأدلة ( 322 ) و ( 781 ) الإحكام لابن حزم الرحموت ( 2/162 ) جمع الجوامع ( 2/145 ) مع شرح الأنوار على المنار لملاجيون ( 2/76 ) كشف الأسرار للنسفي ( 2/79 ) ، القواعد والفوائد الأصولية ( ص 299 ) .
- 105 -(14/105)
الخاتمة
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات وبعد :
فإني بعد أن أنهيت الكتابة عن هذا الموضوع ، أحببت أن أحيط القارئ الكريم بإلمامة سريعة لما بحثته ، وذكر أهم النتائج التي توصلت إليها فأقول . وبالله التوفيق :
أولا : مخالفة الصحابي هي : ما يقوله أو ما يفعله أو يفتي به مناقضًا ومغايرًا لما دل عليه الحديث .
ثانيًا : الصحابي هو : من لقي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واختص به اختصاص المصحوب ، متبعًا إياه مدة يثبت معها إطلاق صاحب فلان عليه عرفًا ، بلا تحديد لمقدار تلك الصحبة سواء روى عنه أو لا ، تعلم منه أو لا . بإيجاز .
ثالثًا : الصحابي إذا خالف الحديث مخالفة كلية وقد قطعنا بعلمه به مع عدم معرفة سبب المخالفة ، فإن الحكم في هذا : أنه لا تقبل تلك المخالفة ، ويبقى الحديث حجة ، يعمل به ، هذا هو الراجح ، وأجبت عن أدلة المذهب المرجوح ، مع ذكر عدد من الأمثلة تبين ثمرة الخلاف .
رابعًا : الصحابي إذا خالف الحديث مخالفة كلية ، وقد قطعنا بعلمه به ، مع معرفتنا لسبب تلك المخالفة ففيه تفصيل .
فإن كان سبب تلك المخالفة دليلا صرح به المخالف فإنا ننظر في ذلك الدليل ، فإن قبلنا تركنا الحديث من أجل ذلك الدليل ، لا من أجل تلك المخالفة من الصحابي ، وإن لم نقبله - بمعنى لم يصلح دليلا معارضًا للحديث - عملنا بالحديث .
وإن كان سبب تلك المخالفة " عدم إحاطته بمعنى الحديث " . أو " التورع والحرج " أو " نسيان الحديث والغفلة عنه " فإنا في هذه الحالات نعمل بالحديث ويستمر على حجيته ، ولا نلتفت إلى مخالفة الصحابي .
خامسًا : الصحابي إذا خالف الحديث مخالفة كلية وقد غلب على ظننا علمه به فإن الحديث يبقى على حجيته ، ولا ننظر إلى مخالفة الصحابي ، هذا ما رجحته ، وأجبت
- 106 -(14/106)
عن أدلة المخالفين ، مع ذكر بعض الأمثلة التي تبين من خلالها ثمرة الخلاف .
سادسًا : الصحابي إذا خالف الحديث مخالف كلية وقد شككنا في علمه به ، فإن الحديث يبقى على حجيته ، ولا تؤثر تلك المخالفة عليه بالإجماع .
سابعًا : الصحابي إذا خالف الحديث مخالفة كلية وقد غلب على ظننا عدم علمه به فالحديث يبقى على حجيته ، ولا يلتفت إلى تلك المخالفة بالإجماع مع ذكر بعض الأمثلة على ذلك .
ثامنًا : الصحابي إذا خالف الحديث مخالفة كلية وقد قطعنا بعدم علمه به فإن الحديث يبقى على حجيته ، ولا يلتفت إلى تلك المخالفة وضربنا لذلك عدة أمثلة .
تاسعًا : أن حضور بعض الصحابة مجالس النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دون بعض هو من أهم أسباب خفاء الحديث عن الصحابة الذين غابوا.
عاشرًا : أن الصحابي إذا خالف عموم الحديث ، وخصصه ببعض أفراده فإن الحديث يبقى على عمومه ، ولا يلتفت إلى تخصيص الصحابي هذا ما رجحته ، وقد أجبت عن أدلة المخالفين ، وضربت عدة أمثلة تبين ثمرة الخلاف .
حادي عشر : أن الصحابي إذا خالف ظاهر الحديث ، وحمل المطلق على المقيد ، والحقيقة على المجاز ، وما ظاهره الوجوب على الندب ، فإن الحديث يبقى على ظاهره ، ولا يلتفت إلى مخالفة الصحابي .
ثاني عشر : أن الصحابي إذا ادعى أن الحديث منسوخ فلا يعتبر بذلك أنه مخالف له .
ثالث عشر : أن الصحابي إذا حمل الحديث على أحد محمليه فإنه لا يعتبر بذلك مخالفًا له .
هذه أهم نتائج هذا الموضوع ، ولكل ما قلته أدلة وبراهين تجدها في أمكانها أثناء البحث .
أرجو من اللَّه العلي القدير أن ينفعني بما جاء فيه ، وأن يجعله في موازين أعمالي يوم لا ينفع مال ولا بنون .
والحمد لله أولا وآخرًا ، وصلى اللَّه على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
- 107 -(14/107)