ما أصاب من ادعى
" إجماع المحدثين على عدم اشتراط العلم
بالسماع في الحديث المعنعن بين المتعاصرين "
كتبه
أحمد شاغف
...
ijk(1)
المقدمة
... قد أجبرت على قراءة كتاب " إجماع المحدثين على عدم اشتراط العلم بالسماع في الحديث المعنعن بين المتعاصرين " تأليف الشريف حاتم بن عارف العوني ، لأن أحد أولادي افتتن بهذا الكتاب وبمؤلفه ، فإنه يزعم أن الله لم يخلق مثله في البلاد منذ زمن طويل ـ أعني بعد الإمام مسلم ـ إلى يومنا هذا في فهم مسألة الحديث المعنعن . فمررت بسواد كتابه في بياض أوراقه فظهر لي أن هذا الزعم انتقل إلى قلب ولدي بوساطة هذا الكتاب ، فإن مؤلفه ادعى في كتابه أن الناس من القرن السادس الهجري إلى عصرنا هذا جميعهم مقلدون في هذه المسألة للقاضي عياض ( ت 544هـ ) فإنه أول من نسب إلى الإمام البخاري أنه اشترط في صحة الحديث المعنعن السماع واللقاء ؛
... وقد فتح الله عليه ( أي على الشيخ حاتم ) فهم هذه المسألة في عام 1410هـ ثم بدأ تدريجا بث هذه المسألة بين طلابه حتى صنف كتابه هذا لكي يستفيد منه غير المقلدين للقاضي عياض وغيره ، حتى لا يحل أن يقرأ كتابه المقلدون ـ هذه هي خلاصة ما في كتابه بلفظي ـ والله أعلم .
أنموذج من عجائب كلام الشيخ حاتم
... 1 ـ قال : " فإني لا أحل لمن لم يتشرب قلبه ودمه وعظامه الدعوة السلفية ، القائمة على نبذ التقليد واعتماد الدليل = أن يقرأ هذا البحث(2)" .
... أقول : لماذا لا تحل للمقلد أن يقرأ هذا البحث ألا تريد أن يستفيد منه من لا يعرف .
__________
(1) 1 ـ اكتفيت بالبسملة دون الحمدلة اقتداءً بكتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى الملوك وغيرهم فإن أكثرها بالبسملة دون الحمدلة ، واقتداءً بأتباعه المحدثين الكبار فإنهم اكتفوا في تصنيفاتهم بالبسملة دون الحمدلة كمالك وابن المديني وابن حنبل وابن أبي شيبة والبخاري والترمذي وأبي داود والنسائي وابن ماجه وغيرهم .
(2) 1 ـ الإجماع : ص6 .(1/1)
... 2 ـ قال : " ومما عاجلني بإخراج بحثي هذا ، أني مع ما أتوقعه من تشنيع بعض المقلدين عليّ فيه ، إلا أنّي ضنين بنسبة نتائجه إليَّ ، معتز بما توصلت إليه فيه ؛ لأني لا أعلم أحدًا من قرون متطاولة قد أفصح بما ذكرته ، ولا قرر ما حررته(1)" .
... 3 ـ قال : " لقد أبان مسلم عن رأيه في مقدمة صحيحه بصراحة(2)" .
... 4 ـ قال : " الإجماع الذي نقله مسلم في مقدمة صحيحه(3)".
... أقول : قال أولاً : رأيه ثم قال : الإجماع !
... 5 ـ قال : " وأخرج البخاري حديث عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أنس ( رقم5381 )(4)" .
... 6 ـ قال : " وأخرج البخاري حديث نافع بن جبير بن مطعم عن أبي شريح الخزاعي ( رقم6019 )(5)" .
... 7 ـ قال : " وأخرج البخاري حديث سليمان بن يسار عن رافع بن خديج ( رقم2346 )(6)" .
... أقول : لا توجد هذه الأحاديث في صحيح محمد بن إسماعيل البخاري .
... 8 ـ قال ابن عبد البر : ... " فوجدتهم أجمعوا على قبول الإسناد المعنعن لا خلاف بينهم في ذلك = إذا جمع شروطا ثلاثة ، وهي :
... ـ عدالة المحدثين في أحوالهم .
... ـ لقاء بعضهم بعضا مجالسة ومشاهدة .
... ـ وان يكونوا برآء من التدليس .
... ـ إلى أن قال ـ ومع وضوح كلام ابن عبد البر هذا ، فقد احتج به بعض أهل العلم على أن ابن عبد البر مخالف لمسلم وأنه يشترط العلم باللقاء !!! لذكره في شروط قبول الحديث المعنعن اللقاء والمجالسة والمشاهدة .
... ( قال الشيخ حاتم ) لكن ابن عبد البر لا يرجح قولا على قول حتى يصح هذا الفهم ، فهو لا يقول إن اشتراط العلم باللقاء قول أصح من قول من لم يشترطه ، بل هو ينقل الإجماع وعدم وجود الخلاف على الرأي الذي يعرضه(7)" !!!
__________
(1) 2 ـ الإجماع : ص8 .
(2) 3 ـ الإجماع : ص17 .
(3) 4 ـ الإجماع : ص77 .
(4) 1 ـ الإجماع : ص91 .
(5) 2 ـ الإجماع : ص91 .
(6) 3 ـ الإجماع : ص92 .
(7) 1 ـ الإجماع : ص106 ، 107 .(1/2)
... أقول : فاعتبروا يا أولي الألباب لِلَّهِ أليس معنى قول ابن عبد البر : إذا وجدت هذه الشروط الثلاثة جميعا في الحديث المعنعن فهو مقبول إجماعا ؟
... 9 ـ قال : " فقد ألفت في شروط الأئمة ... ثلاثة كتب نحمد الله تعالى أنها ألفت قبل القاضي عياض ... إلى أن قال:
... فأول من ألف ... أبو عبد الله ابن مندة ( ت 395هـ ).
... وتلاه محمد بن طاهر المقدسي ( ت 507هـ ) .
... وجاء آخرهم أبو بكر محمد بن موسى الحازمي ( ت 584هـ )(1).
... أقول : القاضي عياض ( ت 544هـ ) فكيف يكون قبله الحازمي ( ت 584هـ ) . أليس قول القائل صادق عليك : أنت لا تحسن الحساب ؟
... 10 ـ قال : " فالسائل إذن يقول للشافعي : ما بالك قبلت من المتعاصرين العنعنة إذا سلموا من التدليس ؟
... إذن فالسؤال عن مذهب مسلم عينه ... حرفا بحرف ينسبه السائل إلى الشافعي ...
... وهذا أول ما دلنا على أن الشافعي على مذهب مسلم في الحديث المعنعن(2)" !!!
... أقول : جعل الشيخ حاتم الشافعيَّ مقلدا لمسلم !!!
... وسيأتي التعليق مختصرًا على كتابه بحول الله وتوفيقه ، خاصة على مسألة الإجماع والدفاع عن البخاري في هذا الكتاب المسمى " ما أصاب من ادعى " إجماع المحدثين على عدم اشتراط العلم بالسماع في الحديث المعنعن بين المتعاصرين ".
جواز تحديث النعمة
__________
(1) 2 ـ الإجماع : ص112 .
(2) 1 ـ الإجماع : ص115 .(1/3)
... أقول : كان الواجب على الشيخ حاتم أن يذكر هذه المسألة بأسلوب ـ إذا فتح الله عليه ـ الذي علم الله به عباده بقوله : { وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (11) }(1)بدون الطعن والتشنيع على أحد ، ولكن فعل خلاف ذلك ، فإنه بدأ بعد البسملة والحمدلة بالطعن والتشنيع والتجهيل على المشتغلين بهذا الفن الشريف حيًا وميتًا ، يقول بعد البسملة والحمدلة : " أما بعد : فإن من أصول دعوتي في ( المنهج المقترح لفهم المصطلح ) الرجوع إلى المعين الصافي للسنة النبوية وعلومها والدعوة إلى إحياء منهج أئمة السنة في أصول علومها وفروعها ، وتنقيتها من ركام الجهل والتقليد والعلوم الدخيلة على الإسلام وحضارته .
... ونحن اليوم مع أثر جديد من ( آثار المنهج المقترح ) قائم على نبذ التقليد ـ إلى أن قال : ـ ولا أشك أن القاريء الكريم قد عرف بعض تفاصيل المسألة ، وما هي المسلمة التي نقضتها ؛ إما من خلال الأشرطة المشار إليها ، أو من خلال عنوان هذا البحث(2)" .
... أقول : هذا هو أسلوبك يا شيخ حاتم لِلَّهِ فكيف غاب عنك قول الله تعالى : { ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125) }(3)فكيف غابت عنك سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم إذا فتح الله عليك ما لم يفتح لأحد منذ فترة طويلة كما يظهر من كتابك هذا .
__________
(1) 2 ـ الضحى : 11 .
(2) 1 ـ الإجماع : ص5 ، 8 .
(3) 2 ـ النحل : 125 .(1/4)
... يا شيخ حاتم لِلَّهِ لو ذكرتَ بعد البسملة والحمدلة تعريف إجماع المحدثين على هذه المسألة من المعين الصافي ، وبعد ذلك ذكرتَ أقوال المحدثين المعروفين حول هذه المسألة من عهد التابعين إلى عهد الإمام مسلم ، ثم ذكرتَ رد الإمام مسلم " على الخامل الذكر " ؛ ثم قلتَ : هذه الأقوال المنقولة من عهد التابعين إلى الإمام مسلم تدل دلالة واضحة على هذه المسألة لكنت مشكورًا ومحبوبًا عند الله وعند الناس ؛ ثم ذكرتَ حول هذه المسألة شبهات الناس وأجبتَ عليها بأسلوب هادي ، ولكنك أخذت طريق الجدل بدون جدوى ـ والله المستعان .
الحديث المعنعن
... قال الشيخ حاتم(1):
... " فالحديث المعنعن ( وهو الحديث الذي يرويه الرواي عمن يروي عنه بلفظ : عن ) ، قد نُقِل أن في شروط قبوله خلافًا ، بسبب أن لفظ ( عن ) لا يدلّ على الاتّصال في اللغة ، والاتصال ـ كما لا يخفى ـ أحد أهمّ أركان قبول وصحة المنقولات من الأحاديث والآثار .
... وأوّلُ من أثار هذه المسألةَ هو الإمامُ مسلمٌ في مقدّمة صحيحه ، عندما عقد لهذه المسألة فصلاً خاصًا في تلك المقدّمة . وذكر مسلمٌ في ذلك الفصل أن أحدَ الجَهَلَةِ الخاملي الذِّكْرِ قد عَرَض لشروط قبول الحديث المعنعن ، مُضيفًا شرطًا زائدًا عمّا عليه أهلُ الحديث قاطبة ، ألا وهو شَرْطُ : أن نَقِفَ على ما يدل على السماع واللقاء ولو مَرَّةً واحدةً في حديثِ كُلِّ راويين متعاصِرَيْنِ . فشنّ عليه مسلمٌ لذلك غارةً شديدةً ، مُبيّنًا أنه مخالفٌ للإجماع ، وأن قوله هذا مبتدع مستحدث ".
متى كتب مسلم مقدمة صحيحه ؛
ومتى فرغ من تصنيف صحيحه ؟
... قال الشيخ حاتم(2):
__________
(1) 1 ـ الإجماع : ص9 .
(2) 1 ـ الإجماع : ص80 ، 81 .(1/5)
... " الثالث : أن مسلمًا انتهى من تصنيف كتابه سنة (250هـ) تقريبًا كما يميل إليه بعض الباحثين ـ إلى أن قال ـ ثم إن مقدمة مسلم ناطقة بأنها كتبت قبل الصحيح ( بل ذهب بعض العلماء ـ كأبي عبد الله الحاكم ـ إلى أن الإمام مسلمًا بعد أن كتب مقدمة كتابه ، وابتدأ بكتابة الصحيح وفق خطتها ، اخترمته المنية قبل استيفاء جميع الخطة ) .
... أقول : كلامك ـ يا شيخ حاتم لِلَّهِ ـ متناقض ، قلت في بداية كلامك " أن مسلمًا انتهى من تصنيف كتابه سنة ( 250هـ ) تقريبًا ـ وقلتَ في آخره ـ اخترمته المنية قبل استيفاء جميع الخطة " . تدبر لِلَّهِ والحق أن الإمام مسلمًا كتب المقدمة بعد الخمسين أو قبله بقليل ، ثم بدأ كتابة صحيحه وما زال يزيد وينقص في مقدمته وفي كتابه حتى وصل الكتاب بشكله الموجود الآن وذلك في سنة ( 257هـ ) والدليل عليه أن مسلمًا ما ذكر في كتابه رواية شيخه محمد ابن يحيى الذهلي ، إذ جرى بينه وبين شيخه في مسألة خلق القرآن بالتلفظ به ، وفي نفس السنة أي سنة ( 257هـ ) بدأ الإمام مسلم تحديث كتابه بشكله الموجود الآن فسمع منه أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن سفيان وخلق .
هل سكت العلماء بعد الإمام مسلم
عن إثارة هذا الخلاف ؟
... قال الشيخ حاتم(1):
... " وبعد الإمام مسلم سكت العلماء عن إثارة هذا الخلاف ، حتى جاء القاضي عياض (ت 544هـ) ، فنسب ذلك الشرط الزائد ، ( الذي بدّعه مسلم ونقل الإجماع على خلافه ) إلى الإمام البخاري وشيخه على بن المديني وغيرهما .
... ومن هنا تحوّلت المسألة تحوُّلاً خطيرًا ، حيث تبنَّى ابنُ الصلاح ( ت 643هـ ) الرأيَ المنسوب إلى البخاري . وتتابع العلماء على ذلك ، حتى هذا العصر " .
__________
(1) 1 ـ الإجماع : ص9 .(1/6)
... أقول : ما سكت العلماء ، بل هذا مجرد خيال وعدم علم ، بل عدم فهم وأنت القائل(1): " فبعد أن ذكر البيهقي ( في معرفة السنن والآثار ) كلامًا للطحاوي أعل به حديثا بعدم العلم بالسماع ، أجابه البيهقي بقوله : " والذي يقتضيه مذهب أهل الحفظ والفقه في قبول الأخبار ... ثم يروي عن شيخ يحتمله سنُّه ولقيُّه ، وكان غير معروف بالتدليس = كان ذلك مقبولا " هذا نص كلامك نقلتَه ، هل فهمته أم لا ؟ لماذا أعل الطحاوي حديثا بعدم العلم بالسماع ؟ أما كان يعرف أن الإجماع انعقد بقبوله ؟ بل الحق الواضح أن المسألة ما زالت خلافية إلى عهد الطحاوي ( ت 321هـ ) .
... السؤال : لماذا لم يذكر الإمام مسلم اسم القائل بـ " أن كل إسناد لحديث فيه فلان عن فلان ... أن الحجة لا تقوم عنده بكل خبر جاء هذا المجيء حتى يكون عنده العلم بأنهما قد اجتمعا من دهرهما مرة فصاعدًا ... إلخ " ؟ ولماذا خاف مسلم بقوله إذا لم يكن من أهل العلم ، بل هو من " منتحلي الحديث ... إلخ " ؛ ولماذا هو أول من أثار هذه المسألة كما ذكرتَه ؟
من هو القائل باشتراط اللقاء
والسماع في عصر مسلم ؟
... أقول : لعل القائل هو شيخه وبلديه محمد بن يحيى الذهلي لِلَّهِ وهو من أهل العلم أشهر من مسلم ، فخاف مسلم من قوله ولذلك أثار هذه المسألة خوفًا من أن يأخذ الناس قوله ، هذه كلها قرائن على ترجي ، وأضيف قرينة أخرى على ترجي ، وهي من كتابك(2)" قال ابن رجب : قال الحاكم : قرأت بخط محمد بن يحيى : سألت أبا الوليد ( هشام ابن عبد الملك الطيالسي ) ـ ( ت 227هـ ) ـ : أكان شعبة يفرق بين ( أخبرني ) و( عن ) ؟ فقال : أدركت العلماء وهم لا يفرقون بينهما " .
__________
(1) 1 ـ انظر كتابك الإجماع : ص105 .
(2) 1 ـ انظر كتابك الإجماع : ص93 .(1/7)
... إذا كان الإجماع بقبول العنعنة فلماذا لم يعرفه الذهلي ؟ حتى سأل شيخه أبا الوليد ، وهو أجاب بأنه أدرك العلماء ... إلخ ، ولم يقل بأنه انعقد الإجماع ؟ فالمسألة كانت خلافية إلى عهد مسلم ( ت 261هـ ) وبعده إلى عهد الطحاوي ( ت 321هـ ) وإلى عصرنا هذا .
هل نسب القاضي عياض إلى البخاري
اشتراط اللقاء والسماع زورًا ؟
... قال الشيخ حاتم(1):
... " حتى جاء القاضي عياض ( ت 544هـ ) فنسب ذلك الشرط الزائد ، ( الذي بدّعه مسلم ونقل الإجماع على خلافه ) إلى الإمام البخاري وشيخه على بن المديني وغيرهما إلخ .
... أقول : ما أدري ماذا تريد بقولك هذا ؟ هل تريد أن القاضي عياض نسب قوله هذا إلى البخاري زورًا وبهتانا لِلَّهِ هل القاضي عياض ومن نحا نحوه غير معتمدين في نقلهم أو نسبهم شيئا ما إلى الأئمة .
... قال الإسماعيلي ( ت 371هـ ) : " ومما يرجح به أنه لا بد من ثبوت اللقاء عنده ( أي عند البخاري ) وخالفه مسلم واكتفى بإمكانه(2)" .
... هل الإسماعيلي كان قبل القاضي عياض أو بعده ؟
هل تحولت مسألة العنعنة بعد القاضي
عياض من الإجماع إلى الخلاف ؟
... قال الشيخ حاتم(3):
... " ومن هنا تحوّلت المسألة تحوُّلاً خطيرًا ، حيث تبنَّى ابنُ الصلاح ( ت 643هـ ) الرأيَ المنسوب إلى البخاري . وتتابع العلماء على ذلك ، حتى هذا العصر " .
... أقول : هذا مجرد خيال وعدم علم ، هذه المسألة فرع لمسألة العنعنة ، وقد ذكرت من قبل أن هذه المسألة خلافية ومر الدليل عليه أيضا . وأزيد هاهنا دليلاً ثانيًا : قال ابن عبد البر في ديباجة التمهيد : " عن وكيع قال : قال شعبة : فلان عن فلان ليس بحديث ، وقال وكيع : وقال سفيان : هو حديث . قال أبو عمر : ثم إن شعبة انصرف عن هذا إلى قول سفيان " .
هل رجع شعبة إلى قول سفيان ؛ وما ترتب برجوعه ؟
__________
(1) 1 ـ الإجماع : ص9 .
(2) 2 ـ عمدة القاري : 1/5 .
(3) 3 ـ الإجماع : ص9 .(1/8)
... أقول : سواء رجع شعبة عن قوله أم لا ، ثبت بقوله ورجوعه أيضا أن مسألة العنعنة كانت خلافية لم ينعقد الإجماع عليها في دهر ما وإن ادعى كائنا من كان إلا بذكر الأدلة التي تدل دلالة واضحة على أن الإجماع انعقد في سنة كذا في بلد كذا ، وكان إذ ذاك في البلاد الإسلامية فلان وفلان من المحدثين ، ووصل الخبر إليهم ، فمنهم فلان وفلان أقر ذلك ، وفلان وفلان سكت على ذلك . فهل تستطيع أنت ومن معك إثباته ؟ وإذا لم تستطع فلا تقل بدون علم لما تصف ألسنتك بالظن والتخمين ، فإن القول بالظن والتخمين ممنوع شرعًا { ... وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا (28) }(1)ولا تقل : قال فلان أو ذكر فلان إلا بالأدلة القاطعة عند المحققين . وأما هذا فهو عين التقليد الذي تفر منه .
شروط إثبات الإجماع
... أقول : مسألة العنعنة مختلف فيها من عهد التابعين إلى يومنا هذا ، وادعاء الإجماع فيها غير صحيح . فإن الإجماع له شروط عند المحققين من العلماء فإذا وجدت جميع الشروط في هذه المسألة يجوز القول فيها بالإجماع وإلا فلا .
... ومن جملة شروط الإجماع أنه إذا بلغ الخبر جميع محققي أهل العصر فصدقوه ؛ أولم ينكروه فحينئذ يكون إجماعًا وإلا فلا ـ هذا هو خلاصة قول المحققين من أسلافنا كداود الظاهري وابنه والشوكاني وغيرهم(2).
... يا شيخ حاتم لِلَّهِ هل تستطيع أن تثبت قولك " إجماع المحدثين على عدم اشتراط العلم بالسماع في الحديث المعنعن بين المتعاصرين " حصل في عهد التابعين في سنة كذا ، وعلى هذا القول كان جميع المحدثين إلى عهد الإمام مسلم بنقل التام بالإسناد المسلسل ؟ فإذا لم تستطع فأنت مقلد أيضا من قال هذا القول بدون معرفة الدليل فلا فرق بينك وبين الذين قالوا خلاف قولك ، وإنما قلت ما قلت بدون معرفة الدليل وبدون معرفة الخلاف في هذه المسألة .
__________
(1) 1 ـ النجم : 28 .
(2) 2 ـ راجع إرشاد الفحول وغيره من كتب الأصول بحث الإجماع .(1/9)
قد ذم الأئمة الكبار بمثل هذا القول في الإجماع
... أقول : قال ابن القيم في كتاب الصلاة : " قال الإمام أحمد في رواية ابنه عبد الله : من ادعي الإجماع فهو كاذب لعل الناس اختلفوا ، هذه دعوى بشر المريسي والأصم ، ولكن يقول : لا نعلم للناس اختلافا إذ لم يبلغه ؛ وقال في رواية المروذي : كيف يجوز للرجل أن يقول : أجمعوا ، إذا سمعتهم يقولون : أجمعوا فاتهمهم ، لو قال : إني لا أعلم مخالفاً كان أسلم ؛ وقال في رواية أبي طالب : هذا كذب ما أعلمه أن الناس مجمعون ، ولكن يقول ما أعلم فيه اختلافًا فهو أحسن من قوله إجماع الناس ، وقال في رواية أبي الحارث : لا ينبغي لأحد أن يدعي الإجماع لعل الناس اختلفوا .
... وقال الشافعي في أثناء مناظرته لمحمد بن الحسن : لا يكون لأحد أن يقول : أجمعوا حتى يعلم إجماعهم في البلدان ، ولا يقبل على أقاويل من نأت داره منهم ولا قربت إلا خبر الجماعة عن الجماعة ، فقال لي : تضيق هذا جدًا ، قلت له : وهو مع ضيقه غير موجود ـ إلى أن قال ـ : وقال الشافعي في رسالته : " ما لا يعلم فيه خلاف فليس إجماعاً " فهذا كلام أئمة أهل العلم في دعوى الإجماع كما ترى(1)" .
... يقول الشاطبي ردا على من زعم الإجماع في مسألة ما ـ كما زعمت أنت الإجماع في هذه المسألة ـ : " فزعم أنه ما زال معمولا به في جميع أقطار الأرض ، أو في جلها من الأئمة في مساجد الجماعات من غير نكير إلا نكير أبي عبد الله ثم أخذ في ذمه : وهذا النقل تهور بلا شك لأنه نقل إجماع يجب على الناظر فيه والمحتج به قبل الالتزام عهدته أن يبحث عنه بحث أصل عن الإجماع لأنه لا بد من النقل عن جميع المجتهدين من هذه الأمة من أول زمان الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ إلى الآن وهذا أمر مقطوع به(2)" .
ادعاء الإجماع بدون ثبوت قطعي ليس بهين
__________
(1) 1 ـ مجموعة الحديث : ص516 ، 517 .
(2) 2 ـ الاعتصام : ج1 ص260 .(1/10)
... أقول : ادعاء الإجماع في هذه المسألة ليس بهين كما زعمت أو فهمت أو قلدت الإمام مسلمًا فيها يا شيخ حاتم لِلَّهِ فمجرد الرواية المعنعنة أو العمل بها بدون تصريح الصحة لم يكن دليلا لأحد أن يقول أو يستدل بها على الإجماع كائنا من كان إلا بقول صريح من المحدثين أجمعين : إن الحديث المعنعن بدون اشتراط العلم بالسماع بين المتعاصرين صحيح .
... ولا أطلب الدليل من قلد الإمام مسلما بدون معرفة دليله أو غيره آحادًا أو جمهورًا لأنه مقلد ، والمقلد حسبه كلام مقلَّده كما هو معروف في كتب الأصول .
... يا شيخ حاتم لِلَّهِ تذم التقليد والمقلدين وأنت تقلد في هذه المسألة بدون شعور فصدق عليك المثل " فر من المطر وقر تحت الميزاب " .
دعوى الشيخ حاتم أنه وفق في مسألة
العنعنة إلى الصواب دون غيره
... قال الشيخ حاتم(1):
... " ومن مناقشة تلك المسلمة وفقت إلى الصواب ( بحمد الله تعالى ) !! وعرضت هذا البحث تحت ست مسائل :
... المسألة الأولى : تحرير شرط البخاري ( المنسوب إليه ) ... ـ إلى أن قال ـ وإلى مسائل البحث :
المسألة الأولى
تحريرُ شَرْطِ البخاري ( المنسوب إليه ) ، وشَرْطِ
مسلم ، وشَرْطِ أبي المظفَّرِ السمعاني
... أولاً : تحرير الشرط المنسوب إلى البخاري :
... نسب عامّةُ أهلِ العلم ممّن جاء بعد القاضي عياض ( ت 544 هـ ) ـ أخذًا من القاضي عياض ـ إلى البخاري أنه يخالف مسلمًا في الحديث المعنعن ، وأنه لا يكتفي بالشرط الذي بيّنه مسلم في صحيحه ، بل يُضيفُ شرطًا زائدًا عليه . ثم اختلفوا في ذلك : ... إلخ ) .
ما أصاب عامة العلماء الذين نسبوا شرط اللقاء
والسماع إلى البخاري في نظر الشيخ حاتم
__________
(1) 1 ـ الإجماع : ص 10 ـ 13 .(1/11)
... أقول : يا شيخ حاتم لِلَّهِ هل تفهم ما تسوده بقلمك على القرطاس الأبيض لِلَّهِ هل عامة العلماء بعد القاضي عياض وافقوه على زوره الذي نسبه إلى البخاري بدون فهم ؟ وأنهم لم يكتفوا بالشرط الذي بينه مسلم في صحيحه ؟ هل مسلم بين الشرط الذي اشترطه البخاري في صحيحه ؟ هل مسلم علم هذا الشرط بأن سمعه من في البخاري أو بتتبع صحيحه ؟ وأنت القائل(1):
" المسألة الثانية
نسبة القول باشتراط العلم بالسماع إلى البخاري :
تاريخُها ، ودليلُها ، ومناقشة الدليل
... الذي لا يختلف فيه اثنان : أن البخاري لم يُصَرِّح بالشرط المنسوب إليه ، وهو اشتراطُ النصِّ الدال على اللقاء أو السماع ، وأنه لا صَرّح بذلك في صحيحه ولا خارج صحيحه .
... وهذه قاعدةٌ ، نبني عليها ؛ لأنها محلّ اتّفاق .
... والقاعدة الثانية : أن كتاب ( صحيح البخاري ) لا ينفع أن يكون دليلاً على صحّة نسبة ذلك الشرط إلى البخاري ، ولو تحقّق فيه ذلك الشرط فعلاً دون انخرام ، فكيف والشأن أنه لم يتحقق فيه !!! " .
... أقول : إذا لم يذكر البخاري شرطه الذي راعاه في صحيحه فكيف ذكره مسلم في مقدمة صحيحه كما ذكرتهُ(2)؟ فالآن أنت وغيرك سواء بسواء بذكر الشرط الذي اشترطه البخاري .
... فائدة : قال الحافظ ابن حجر(3): " قال الحافظ أبو ذر الهروي : سمعت أبا الهيثم محمد بن مكي الكشميهني يقول : سمعت محمد بن يوسف الفربري يقول : " قال البخاري : ما كتبت في كتاب الصحيح حديثاً إلا اغتسلت قبل ذلك وصليت ركعتين " .
... وقال أبو علي الغساني : " روي عنه أنه قال : خرَّجت الصحيح من ستمائة ألف حديث " . وروى الإسماعيلي عنه قال : " لم أخرج في هذا الكتاب إلا صحيحًا ، وما تركت من الصحيح أكثر " .
رأي الإمام مسلم في مقدمة صحيحه حول مسألة العنعنة
... قال الشيخ حاتم(4):
... ثانيًا : تحرير شرط مسلم :
__________
(1) 1 ـ الإجماع : ص34 .
(2) 1 ـ الإجماع : ص13 .
(3) 2 ـ هدي الساري : ص7 .
(4) 1 ـ الإجماع : ص17 .(1/12)
... " لقد أبان مسلمٌ عن رأيه في مقدمة صحيحه بصراحةٍ ، حيث قال : ذلك أن القول الشائع المتفق عليه بين أهل العلم بالأخبار والروايات قديمًا وحديثًا : أن كل رجلٍ ثقةٍ روى عن مثله حديثاً ، وجائزٌ ممكنٌ له لقاؤه والسماعُ منه ، لكونهما جميعًا كانا في عصر واحد ، وإن لم يأت في خبر قط أنهما اجتمعا ، ولا تشافها بكلام = فالرواية ثابتة ، والحجّة بها لازمة . إلا أن يكون هناك دلالةٌ بيّنةٌ أن هذا الراوي لم يَلْقَ من روى عنه ، أو لم يسمع منه شيئًا . فأمّا والأمرُ مُبْهَمٌ ، على الإمكان الذي فسّرنا = فالرواية على السماع أبدًا ، حتى تكونَ الدلالةُ التي بيّنّا " .
... ويقول في موطنِ آخر : " وإنما كان تَفَقدُ من تَفَقَّدَ منهم سماعَ رواةِ الحديث ممن روى عنهم = إذا كان الراوي ممن عُرف بالتدليس في الحديث وشُهِر به ، فحينئذٍ يبحثون عن سماعه في روايته ، ويتفقّدون ذلك منه ؛ كي تنزاح عنهم عِلّةُ التدليس . فمن ابتغى ذلك من غير مُدَلِّس ، على الوجه الذي زعم من حكينا قولَه ، فما سمعنا ذلك عن أحدٍ ممن سمّينا ولم نُسَمِّ من الأئمة " .
... ويقول في تقديمه لمقالة صاحب المذهب المخالفِ له : " أن كل إسنادٍ لحديث فيه فلانٌ عن فلان ، وقد أحاط العلم بأنهما كانا في عصر واحد ، وجائزٌ أن يكون الحديث الذي روى الراوي عمن روى عنه قد سمعه منه وشافهه به ... " .
... وقال عقب ذكره لأمثلةٍ للأسانيد الصحيحة مع عدم العلم بالسماع : " إذا السماعُ لكل واحدٍ منهم ممكنٌ من صاحبه غير مستنكر ، لكونهم جميعًا كانوا في العصر الذي اتفقوا فيه " .
... فمن خلال هذه النقول يتبيّن أن الإمامَ مسلمًا كان يشترطُ لقبول الحديث المعنعن ثلاثةَ شروط .
... الأول : المعاصرة .
... الثاني : أن لا يكون الراوي الذي عنعن مدلِّسًا ( ممن تُرَدُّ عنعنتهم بذلك ) .
... الثالث : أن لا يكون هناك ما يدل على عدم السماع .(1/13)
... فأما الشرطان الأولان فظاهران لا خلاف فيهما ولا غموض ، وأمّا الشرط الثالث فقد وقع فيه خلاف ، ويحتاج إلى بيان . لقد صَرّح مسلمٌ بهذا الشرط عندما قال ـ كما سبق ـ : " إلا أن يكون هناك دلالة بيّنةٌ أن هذا الراوي لم يَلْقَ من روى عنه أو لم يسمع منه شيئًا " . فهذا نصٌ صريحٌ أن المعاصرة قد تحصل بين الراويين ، لكن يمنع من الحكم بالاتصال ـ عند مسلم ـ وجودُ دلالةٍ واضحةٍ تنفيه وتمنعه ... إلخ " .
... أقول : صدقت يا شيخ حاتم لِلَّهِ إذ عبرت كلام الإمام مسلم حول هذه المسألة بأن قلتَ : " لقد أبان مسلم عن رأيه في مقدمة صحيحه بصراحة " ولا كلام على رأي أحد ، إنما الكلام على الإجماع الذي نسبته إلى الإمام مسلم من قبل ، وقد نفيت الآن ـ ولله الحمد .
مناقشة الشيخ حاتم مع العلماء الكبار
... قال الشيخ حاتم(1):
... " المسألة الثانية :
... ... لم يتحقق فيه " .
... أقول : وقد مر الكلام عليها فارجع إليه(2). ثم بدأ الشيخ حاتم المناقشة مع الذين ادعوا اشتراط العلم بالسماع بشدة وعنف وهم الأئمة الكبار من هذه الأمة ، لهم خدمات جليلة ، فهم خصماؤه يوم القيامة ـ والله المستعان.
... ثم بدأ بذكر القرائن بعدم السماع وبثوت السماع بالقرائن ... إلى أن قال(3): " وعلى كل حال ، لنبدأ الآن الدخول في ذكر المثالين : المثال الأول : سليمان بن بريدة ، قال عنه البخاري في ( التاريخ الكبير ) : لم يذكر سليمان سماعا من أبيه ... وهو حديث حسن ـ ( إلى أن قال ) : وابن حبان في صحيحه ( رقم1492 ) .
__________
(1) 1 ـ الإجماع : ص 34 .
(2) 1 ـ ص22 .
(3) 2 ـ الإجماع : ص67 .(1/14)
... أقول : قال البخاري : " لم يذكر سليمان سماعًا من أبيه " ، ولذا لم يخرج عنه في صحيحه شيئًا مع أنه أوثق من أخيه عبد الله ، فثبت أن البخاري اشترط أن لا يخرج في صحيحه حديثا إلا إذا عرف السماع ، ثم عرف سماعه من أبيه كما وقع عند أحمد(1)وغيره : " عن سليمان بن بريدة ، عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ثم سأله الترمذي عن حديثه فحسنه ـ تدبر .
... ثم قال(2): المثال الثاني : عبد الله بن بريدة عن أبيه .
... قال البخاري في ترجمته : " عبد الله بن بريدة بن الحصيب الأسلمي : قاضي مرو ، عن أبيه ، سمع سمرة ، ومن عمران بن الحصين(3)" ... ـ إلى أن قال ـ :
... وهنا أشار الإمام البخاري أن عبد الله بن بريدة روى عن أبيه بالعنعنة ، مما يدل على أن البخاري لم يقف على ما يُثبت سماع عبد الله من أبيه ورُغم ذلك فقد أخرج البخاري في صحيحه لعبد الله بن بريدة حديثين ، ليس فيهما ما يثبت السماع أو اللقاء بينهما " لِلَّهِ ثم ذكر الحديثين ، وهما في صحيح البخاري فعلاً بغير تصريح بالسماع(4)" .
ادعاء الشيخ حاتم أن البخاري روى
أحاديث لم يتحقق فيها السماع
__________
(1) 3 ـ مسند أحمد : 5/352 .
(2) 1 ـ الإجماع : ص69 .
(3) 2 ـ التاريخ الكبير : 5/51 .
(4) 3 ـ صحيح البخاري : رقم 4473 ، 4350 .(1/15)
... أقول : معلوم عند العلماء أن البخاري صنف التاريخ قبل تصنيف صحيحه ، فعدم ذكر السماع لعبد الله من أبيه حينئذ لأنه لم يتحقق له ، والحديثان في صحيحه تقريبا في نصف الكتاب ، فبين تأليف تأريخه وإدخال الحديثين في صحيحه عدة سنوات ، فلم يذكر سماعه في تأريخه بعدم التحقق حينئذ ، وأدخل في صحيحه هذين الحديثين بعد التحقق السماع الموجود في نفس اسنادهما ، وأصرح منه في المسند(1)" فقال عبد الله بن بريدة : حدثني أبي بريدة قال : أبغضت عليًا ... الحديث " ؛ وقد قال أبو أحمد الحاكم في الكنى : " أبو سهل عبد الله بن بريدة ... سمع أباه ... إلخ .
... أقول : أنا أردت الدفاع عن البخاري وأثبت السماع والتحديث في الأحاديث التي ذكرها الشيخ حاتم كأمثلة عن عدم ذكر السماع فيها ، وأما بقية الكلام فلا أريد المناقشة عليها لعدم الوقت عندي .
هل الإمام مسلم ذكر الشرط عن جميع
المحدثين ممن كان قبله ومن جاء بعده ؟
... قال الشيخ حاتم(2):
" المسألة الثالثة
الأدلّة على بطلان نسبة اشتراط العلم باللقاء
إلى البخاري وغيره من العلماء
... إلى أن قال ـ :
... الدليل الثاني :
... الإجماعُ الذي نقله مسلم في مقدّمة صحيحه ، على أن الحديث المعنعن بين المتعاصرين مقبولٌ مع سلامة رواته من التدليس . وَوَصْفُهُ لقول من اشترط العلم باللقاء بأنه قول مبتدع مستحدث ، لا يُوافقه عليه أحدٌ من أهل العلم متقدِّمهم ومتأخِّرِهم ... إلخ .
... أقول : قد مر من قبل(3)أن قلت : " لقد أبان مسلم عن رأيه ... إلخ " والآن تقول : " الإجماع الذي نقله مسلم ... إلخ " فأي قولك صحيح الأول أو الثاني ؟
__________
(1) 1 ـ مسند الإمام أحمد : 5/350 ، السنن الكبرى للنسائي : 7/443 .
(2) 2 ـ الإجماع : ص77 .
(3) 1 ـ ص23 .(1/16)
... وللإمام مسلم قول آخر حول هذه المسألة في صحيحه(1)عندما سأل تلميذه أبو إسحاق ... فحديث أبي هريرة ؟ فقال : هو صحيح ، يعني " وإذا قرأ فأنصتوا " ؛ فقال هو عندي صحيح ؛ فقال : لِمَ لم تضعه هاهنا ؟ قال : ليس كل شيء عندي صحيح وضعته هاهنا ، وإنما وضعته هاهنا ما أجمعوا عليه " .
... فثبت أن المحدثين كانوا مختلفين في تصحيح الحديث المعنعن فإن في إسناد حديث أبي هريرة محمد بن عجلان وقد عنعن ـ والمعاصرة والقرائن المعتبرة عند مسلم كلها موجودة ؛ فثبت التناقض في قوله الأول في المقدمة والثاني الذي هاهنا ، فما أدري هل رجع مسلم عن قوله الأول أم بقي عليه ؟ وقد اخترمته المنية قبل تنقيح كتابه وتبويبه ، ولم يرو عنه صحيحه إلا القليل يعدون بالأنامل ، ولم ينتشر في عصره وبعده كانتشار صحيح البخاري ، الإجماع الذي ادعاه مسلم في مقدمة صحيحه لم يعرفه شيخه الإمام أحمد الذي كان حافظا لسبعمائة ألف حديث ، بل قد أنكر مثل هذا الإجماع بدون معرفة الاختلاف ، ولا عرفه محمد بن يحيى الذهلي ، ولا شيخ شيخه أبو الوليد هشام بن عبد الملك ولم يأخذ منه أحد في زمنه ولم يعرفه الطحاوي ولا المقدسي صاحب شروط الأئمة الستة .
الإجماع السكوتي : درجته وحجيته عند المحققين
... أقول : هب ما رجع الإمام مسلم عن قوله الأول بل بقي عليه إلى أن توفاه الله تعالى ، فهذا الإجماع ادعاه هو الإجماع السكوتي ؛ إذ ليس فيه دليل يثبت الإجماع الإعلامي ، وقد ذكره المحققون لإثبات الإجماع السكوتي شرطا فلا بد من وجوده وإثباته ولا يمكن إثباته ، ولو كان بعضهم لبعض ظهيرًا ، وبعد إثباته أيضًا مختلف فيه ، فمن
__________
(1) 2 ـ صحيح مسلم : 1/304 .(1/17)
المجتهدين من أنكر هذا الإجماع ـ قال الشوكاني(1): في بحث الإجماع : " البحث الحادي عشر : في الإجماع السكوتي ، وهو أن يقول بعض أهل الاجتهاد بقول وينتشر ذلك في المجتهدين من أهل ذلك العصر فيسكتون ، ولا يظهر منهم اعتراف ، وفيه مذاهب ـ الأول : أنه ليس بإجماع ولا حجة ـ قاله داود الظاهري وابنه والمرتضى ، وعزاه القاضي إلى الشافعي واختاره ، وقال : إنه آخر أقوال الشافعي ... إلخ " .
لماذا لم يذكر الإمام مسلم اسم الذي
ادعاه باشتراط اللقاء والسماع ؟
... وقال الشيخ حاتم(2):
... " الدليل الثالث ... إلخ " .
... أقول : وقد مر الكلام عليه مفصلا من قبل(3).
هل سكت العلماء بعد الإمام مسلم
إلى عهد القاضي عياض ؟
... وقال الشيخ حاتم(4):
... " الدليل الرابع :
... الصمتُ التامّ والسكوت المُطْبِقُ عن الخلاف المزعوم بين البخاري ومسلم في الحديث المعنعن ، ويستمرّ هذا الصمت الأصم نحو ثلاثة قرون ، إلى أن ينسب القاضي عياض ( ت 544هـ ) ذلك الشرط إلى البخاري وعلي بن المديني وغيرهما ( كما قال ) ...
... أقول : قد مر الكلام على هذا الدليل من قبل فارجع إليها(5)؛ وسيأتي(6): نقلك عن طريق البيهقي " كلامًا للطحاوي ـ ( ت 321هـ ) ـ أعل به حديثا بعدم العلم بالسماع ... إلخ " ، فثبت بهذا النقل أن كلامك هذا غير صحيح ، ما كان الصمت الأصم إلى القاضي عياض ؛ وأما قولك في القاضي عياض ، فأيضا مر الكلام عليه ، وأقول هاهنا : هو خصمك أمام ربنا يوم القيامة ـ والله المستعان على ما تصفون .
... يا شيخ حاتم لِلَّهِ كان واجب عليك أن تقول : قد نسب هذا القول إلى البخاري القاضي عياض ( ت 544هـ ) : بدون إحالة إلى أي مصدر ومع احترامه قوله هذا غير معتمد عند المحققين .
اعتراض الشيخ حاتم على البخاري والجواب عنه
__________
(1) 1 ـ إرشاد الفحول : ص84 .
(2) 2 ـ الإجماع : ص86 .
(3) 3 ـ ص14 .
(4) 4 ـ الإجماع : ص88 .
(5) 1 ـ ص12 .
(6) 2 ـ ص44 .(1/18)
... قال الشيخ حاتم(1):
... " الدليل الخامس :
... أن مسلمًا لما أراد أن يبيّنَ لخصمه أنه مخالفٌ للإجماع ، استدلّ ( فيما استدلّ ) بأسانيد لم يذكر فيها بعضُ رواتها ما يدلّ على سماعهم ممّن رووا عنهم ، ولا في شيءٍ من مروياتهم عنهم ، مع ذلك لم يتردّد أحدٌ في أن يحكم على تلك الأسانيد بالاتّصال والصحّة ؛ كما يقول مسلم . إلا ذلك الخصمُ المخالِفُ لمسلم ، فإنه طعن في تلك الأسانيد بعدم الاتصال ، بناءً على شرطه في قبول الحديث المعنعن .
... يقول الإمام مسلم : " فمن ذلك أن عبد الله بن يزيد الأنصاري ، وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد روى عن حذيفة وعن أبي مسعود الأنصاري ، وعن كل واحدٍ منهما حديثًا يُسنده إلى النبي صلى الله عليه وسلم . وليس في روايته عنهما ذِكْرُ السماع منهما ، ولا حفظنا في شيء من الروايات أن عبد الله بن يزيد شافه حذيفة وأبا مسعود بحديث قط ، ولا وجدنا ذكر رؤيته إيّاهما في رواية بعينها ... ـ إلى أن قال : ـ وموطن الشاهد هو أن البخاري أحدُ من صحّح بعض الأسانيد التي ذكرها مسلم .
... فأخرج البخاري حديث عبد الله بن يزيد عن أبي مسعود ( رقم55 ) .
... أقول : هل اشترط أحد أن الصحابي إذا روى عن صحابي آخر لا بد له من سماع ؟ عبد الله بن يزيد صحابي قيل : إنه شهد في بيعة الرضوان وهو صغير ، وله مسند في مسند الإمام أحمد(2)؛ وتحفة الأشراف(3)، مع ذلك ذكر الإمام البخاري سماعه من أبي مسعود في صحيحه ، كتاب المغازي : حديث ( رقم4006 ) .
... ثم قال الشيخ حاتم :
... وأخرج البخاري حديث قيس بن أبي حازم عن أبي مسعود ( رقم3302 ) ( رقم90 ) ( رقم1041 ) ( رقم702 ) .
... أقول : انظر حديث 1041 ، ففيه : " عن قيس قال : سمعت أبا مسعود يقول " .
... ثم قال الشيخ حاتم :
... وأخرج البخاري حديث عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أنس ( رقم5381 ) .
__________
(1) 1 ـ الإجماع : ص90 .
(2) 1 ـ مسند أحمد : 4/307 .
(3) 2 ـ تحفة الأشراف : ج7/184 .(1/19)
... وأخرج البخاري حديث نافع بن جبير بن مطعم عن أبي شريح الخزاعي ( رقم6019 ) .
... أقول : ما وجدتهما في صحيح البخاري تحت الأرقام المذكورة ، فظننت أنه وقع خطأ في كتابة الأرقام فرجعت إلى تحفة الأشراف تحت ترجمتهما فلا وجود لهما عند المزي ، فتحيرت لِلَّهِ حديثان ذكرهما الشيخ حاتم من البخاري مع ذكر الأرقام ، فأي نسخة وردا فيها ؟ ولم يجدهما في صحيح البخاري المزيُّ ولا قبله أبو مسعود الدمشقي ولا خلف الواسطي ، ولا العراقي في المستدرك عليه ولا ابن حجر في النكت الظراف مع أنه عاش مع صحيح البخاري أكثر من أربعين سنة .
... ثم قال الشيخ حاتم :
... وأخرج البخاري حديث النعمان بن أبي عياش عن أبي سعيد الخدري ( رقم2840 ، 6553 ) .
... أقول : في صحيح البخاري حديث رقم6553 ، ففيه " قال أبو حازم : فحدثتُ به النعمان بن أبي عياش فقال : حدثني أبو سعيد ... إلخ " ، وأيضًا حديث رقم6584 وفيه : " فقال أشهد على أبي سعيد الخدري لسمعتُه ... إلخ " فهل بقي لك اعتراض عليه ؟
... ثم قال الشيخ حاتم :
... وأخرج البخاري حديث سليمان بن يسار عن رافع بن خديج ( رقم2346 ) .
... أقول : لم أجده في الرقم المحال إليه في صحيح البخاري ، ولم يذكره المزي في تحفة الأشراف تحت ترجمة سليمان بن يسار عن رافع بن خديج ، ولا قبله أبو مسعود ولا خلف ، ولم يستدرك عليه العراقي ولا ابن حجر ـ فإنا لله وإنا إليه راجعون .
ثلاثة أحاديث التي نسبها الشيخ
حاتم إلى البخاري ولا توجد فيه
... أقول : قد ذكر الشيخ حاتم هاهنا 6 أحاديث منسوبة إلى صحيح البخاري لإثبات مذهب الإمام مسلم بعدم اللقاء والسماع لأنه لم يتحقق في هذه الأحاديث ، حيث أن ثلاثة منها لا توجد فيه .
... قد ذكرت من هدي الساري من قبل أن البخاري انتخب في صحيحه من ستمائة ألف حديث(1)؛
... وأقول الآن : إن مسلما صنف صحيحه من ثلاثمائة ألف حديث مسموعة(2).
__________
(1) 1 ـ هدي الساري : ص7 ، 489 .
(2) 2 ـ انظر ترجمته في تذكرة الحفاظ للذهبي .(1/20)
... فنسبة علم مسلم بنسبة علم البخاري النصف ، فإذا لم يعرف مسلم وغيره في بعض الأحاديث سماع بعضهم من بعض فهذا من نقص علمهم .
... وأنت يا شيخ حاتم لِلَّهِ ذكرت في كتابك الذي افتخرت به(1)6 أحاديث منسوبة إلى صحيح البخاري ؛ وثلاثة منها لا توجد فيه بل نسبتَها إليه خطأً ، بل للقائل يقول : زورا وبهتانا . وهذه الأحاديث الثلاثة في صحيح مسلم : حديث عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أنس ( 3/1613 ) ، وحديث نافع بن جبير عن أبي شريح ( 1/69 ) ، وحديث سليمان ابن يسار عن رافع بن خديج ( 3/1181 ) ؛ فثبت لدّي أنك تخطيء في النقل من الكتب المشهورة ، فكيف نعتمد على نقولك من الكتب التي لا يعرفها إلا العلماء ، وما عندي هذه الكتب كلها التي أحلت إليها في كتابك هذا ، وما عندي وقت متسع ، وما بقي عندي نشاط ، وأنا الآن على وشك الموت فلا أستطيع مراجعتها ، ولعل أحد من أهل العلم إذا راجعها فيكشف الحقيقة . وصدوق يخطيء كثيراا لا يعتمد على روايته كما هو معروف عند أهل هذا الفن ـ كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون ـ ففي هذه الحالة إذا اشترط أحد في الحديث المعنعن بالعلم بالسماع واللقاء فليس بمخطئ " .
من نسب إلى البخاري اشتراط اللقاء
والسماع نسبه بعد الاستقراء
... أقول : الذين نسبوا هذا الشرط إلى البخاري بعد الاستقراء يعتمد على كلامهم ، منهم الحافظ ابن حجر الذي عاش مع صحيح البخاري أكثر من أربعين سنة ، وكان يقرأ البخاري عن ظهر قلب أمام الحفاظ ، هو يقول في هدي الساري في الفصل الثاني :
__________
(1) 1 ـ الإجماع : ص91 ، 92 .(1/21)
... " وبقي ما يتعلق بالاتصال ، وهو " الوجه الخامس " وذلك أن مسلما كان مذهبه على ما صرح به في مقدمة صحيحه وبالغ في الرد على من خالفه أن الإسناد المعنعن له حكم الاتصال إذا تعاصر المعنعن ومن عنعن عنه ، وإن لم يثبت اجتماعهما إلا إن كان المعنعن مدلسًا ، والبخاري لا يحمل ذلك على الاتصال حتى يثبت اجتماعهما ولو مرة ، وقد أظهر البخاري هذا المذهب في تاريخه وجرى عليه في صحيحه ، وأكثر منه حتى إنه ربما خرج الحديث الذي لا تعلق له بالباب جملة إلا ليبين سماع راو من شيخه لكونه قد أخرج له قبل ذلك شيئًا معنعنا ، وسترى ذلك واضحًا في أماكنه ـ إن شاء الله تعالى ـ وهذا مما ترجح به كتابه لأنا وإن سلمنا ما ذكره مسلم من الحكم بالاتصال فلا يخفى أن شرط البخاري أوضح في الاتصال ـ والله أعلم " .
... ما رأيك في ابن حجر ، هل نسب إلى البخاري هذا الكلام زورًا وبهتانا ؟ لا أدري كم مرة قرأتَ صحيح البخاري ؟ وهل قرأته على الشيوخ ؟ وهل تحفظه عن ظهر قلب ؟ والعلم عند الله !
... قال الإسماعيلي : " ومما يرجح به أنه لا بد من ثبوت اللقاء عنده ( أي عند البخاري ) وخالفه مسلم واكتفى بإمكانه(1)" .
ادعاء الشيخ حاتم بأن جمعًا من أهل العلم
نقلوا إجماع قبول عنعنة المتعاصرين
والمناقشة على نقوله
... قال الشيخ حاتم(2):
... " الدليل السادس :
... أنّ مسلمًا لم ينفرد بنقل الإجماع على قبول عنعنة المتعاصرين مع السلامة من التدليس ، بل يوافقه على نقل الإجماع جَمْعٌ من أهل العلم ، كلُّهم قبل القاضي عياض !! ... إلخ .
فأولهم : أبو الوليد الطيالسي ( ت 227هـ ) :
... قال ابن رجب : " قال الحاكم : قرأت بخط محمد بن يحيى : سألت أبا الوليد ( هشام بن عبد الملك الطيالسي ) : أكان شعبة يفرّق بين ( أخبرني ) و( عن ) ؟ فقال : أدركت العلماء وهم لا يفرّقون بينهما .
__________
(1) 1 ـ عمدة القاري : 1/5 .
(2) 2 ـ الإجماع : ص93 .(1/22)
... أقول : إذا كانت المسألة متفق عليها عند المحدثين فلماذا سأل الذهلي عنها عن شيخه شعبة ؟ ثبت بنقلك هذا أن المسألة كانت خلافية إلى عهد مسلم ، فلعل مسلمًا أشار إلى الذهلي بقوله : " وقد تكلم بعض منتحلي الحديث ... إلخ " وأنت تعلم ماجري بينه وبين مسلم ؛
... ثم إن قول شعبة مختلف في هذه المسألة كما ذكره ابن عبد البر :
... " اعلمْ ـ وفَّقَك اللهُ ـ أني تأمَّلْتُ أقاويلَ أئمَّةِ أهلِ الحديثِ ، ونظرْتُ في كُتبِ مَن اشْترَط الصحيحَ في النَّقْلِ منهم ومَن لم يَشْترِطْه ، فوجدْتُهم أجمَعوا على قَبُولِ الإسنادِ المُعَنْعَنِ ، لا خلافَ بينَهم في ذلك إذا جمَع شُروطًا ثلاثةً ـ وهي :
... ـ عدالةُ المُحَدِّثين في أحوالِهم
... ـ ولقاءُ بعضِهم بعضًا مجالسةً ومشاهدَةً
... ـ وأن يكونوا بُرَآءَ من التَّدْليسِ
... والإسنادُ المُعَنْعَنُ : فُلانٌ ، عن فُلانِ ، عن فُلانٍ .
... وقد حدَّثنا إسماعيلُ بنُ عبدِ الرحمنِ ، حدثنا إبراهيمُ ابنُ بكرٍ ، حدثنا محمدُ بنُ الحسينِ بنِ أحمدَ الأَزْدِيُّ الحافِظُ المَوْصِليُّ ، قال : حدثنا ابنُ زاطِيَا ، قال : حدثنا أبو مَعْمَرٍ ، عن وَكيعٍ ، قال : قال شعبةُ : فُلانٌ عن فُلانٍ . ليس بحديثٍ . قال وَكيعٌ : وقال سفيانُ : هو حديثٌ .
... قال أبو عمر : ثم إنَّ شُعْبَةَ انصرَف عن هذا إلى قولِ سفيانَ(1)" .
... أقول : قول أبي عمر : " ثم إن شعبة انصرف عن هذا إلى قول سفيان " .
... أقول : نفس القصة تدل على وجود الاختلاف إلى عهد شعبة .
... ثم قول شعبة : " أدركت العلماء " ... إلخ ، هل هذا القول شامل من عهد التابعين إلى عهد شعبة حتى يدل على الإجماع ؟
... إنما حكى شعبة مشاهدته فقط ، وهذا لا يشمل حتى جميع المحدثين الموجودين في عهد شعبة في البلاد الإسلامية ؛ عجبًا على تحقيقك !
... قال الشيخ حاتم(2):
... " وثاني من نقل الإجماع : أبو عبد الله الحاكم النيسابوري ( ت405هـ ) :
__________
(1) 1 ـ ديباجة التمهيد .
(2) 1 ـ الإجماع : ص95 .(1/23)
... قال الحاكم في ( معرفة علوم الحديث ) : " معرفة الأحاديث المعنعنة وليس فيها تدليس : وهي متّصلةٌ بإجماع أئمة أهل النقل ، على تورُّع رواتها عن أنواع التدليس " .
... أقول : نقلته من معرفة علوم الحديث بدون فهم تام ، فإذا تدبرت الأدلة التي ذكرها الحاكم عرفت أنه لم يثبت بها النقل التام المسلسل من عهد التابعين إلى عهده ؛ ثبوتها في ذمتك لأنك مدعي الإجماع .
... والحاكم معروف بالتساهل والوهم ؛ يذكر الحاكم في المستدرك الأحاديث الموضوعة ثم يقول : صحيح على شرطهما ولم يخرجاه ، ومن جملتها في المستدرك(1): " إذا كان يوم القيامة ... " الحديث ، وقال عقبه : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه . وانظر التعقيب عليه تحته في التلخيص .
... أقول : الإجماع الذي نقلته من الإمام مسلم ( ت 261هـ ) ثم ما وجدتَ أحدا قال هذا القول إلا الحاكم ( ت 405هـ ) ، وبين وفاتيهما تقريبًا 144 سنة ، فهل في هذه الفترة لم يكن أحد من المحدثين الكبار اطلع على هذا الإجماع ؟ وسكوتهم لا يدل على قبولهم ، بل يدل على عدم الاعتبار ـ والله أعلم .
... وسيأتي عدم الاعتبار عليه من الطحاوي في الصفحة التالية .
... قال الشيخ حاتم(2):
... " وثالثُ من نقل الإجماع : الحافظ المقرئ أبو عَمرو الدّاني ( ت444هـ ) :
... فقد نقل ابنُ رُشيد عن جزء لأبي عَمرو الداني باسم : ( بيان المتّصل والمرسل والموقوف والمنقطع ) أنه قال : " وما كان من الأحاديث المعنعنة التي يقول فيها ناقلوها : عن ، عن = فهي متّصلةٌ ، بإجماع أهل النقل ، إذا عُرف أن الناقلَ أدرك المنقولَ عنه إدراكًا بَيِّنًا ، ولم يكن ممن عُرف بالتدليس ، وإن لم يذكر سماعًا " .
... أقول : وهذا ثاني من ادعى الإجماع بعد الإمام مسلم ، بشروط ذكرها ، وهل على قوله هذا دليل ؟ نقلت من ابن رشيد بدون معرفة دليله ، وأيضا لم يقل : إن مسلمًا نقل الإجماع .
__________
(1) 2 ـ 3/153 .
(2) 1 ـ الإجماع : ص102 .(1/24)
... قال الشيخ حاتم(1):
... " ورابعُ من نقل الإجماع أيضًا أبو بكر البيهقي ( ت 458هـ ) :
... فبعد أن ذكر البيهقي في ( معرفة السنن والآثار ) كلامًا للطحاوي أعل به حديثًا بعدم العلم بالسماع ، أجابه البيهقي بقوله : " والذي يقتضيه مذهب أهل الحفظ والفقه في قبول الأخبار : أنه متى ما كان قيس بن سعد ثقةً والراوي عنه ثقةً ، ثم يروي عن شيخ يحتمله سنُّهُ ولُقِيُّهُ ، وكان غير معروف بالتدليس = كان ذلك مقبولاً " .
... أقول : كلام البيهقي بين عينيك ، هل فيه نقل الإجماع بشروطه المعتبرة عند المحققين ؟ ثم نقلُ البيهقي عن الطحاوي كلامه أيضا يدل على أن المسألة كانت خلافية بعد الإمام مسلم إلى عهد الطحاوي ( ت321هـ) ـ تفهم وتدبر .
... قال الشيخ حاتم(2):
... " وخامس من نقل الإجماع ابن عبد البر الأندلسي ( ت 463هـ ) :
... قال ابن عبد البر : " اعلم ( وفقك الله ) أني تأمّلت أقاويل أئمة أهل الحديث ، ونظرت في كتب من اشترط الصحيحَ في النقل منهم ومن لم يشترطه ، فوجدتهم أجمعوا على قبول الإسناد المعنعن ، لا خلاف بينهم في ذلك = إذا جمع شروطًا ثلاثة ، وهي:
... ـ عدالة المحدّثين في أحوالهم
... ـ لقاء بعضهم بعضًا مجالسةً ومشاهدَة
... ـ وأن يكونوا برآءَ من التدليس
... ( ثم قال : ) وقد أعلمتك أن المتاخرين من أئمة الحديث والمشترطين في تصنيفهم الصحيح قد أجمعوا على ما ذكرت لك ، وهو قول مالك وعامة أهل العلم ( والحمد لله ) . إلا أن يكون الرجل معروفًا بالتدليس ، فلا يُقبل حديثه حتى يقول : حدثنا أو سمعت ، فهذا ما لا أعلم فيه أيضًا خلافًا "...
... ومع وضوح كلام ابن عبد البر هذا ، فقد احتج به بعضُ أهل العلم على أن ابن عبد البر مخالفٌ لمسلم ، وأنه يشترط العلم باللقاء !!! لذكره في شروط قبول الحديث المعنعن اللقاءَ والمجالسةَ والمشاهدة .
__________
(1) 1 ـ الإجماع : ص105 .
(2) 2 ـ الإجماع : ص106 ، 107 .(1/25)
... لكن ابن عبد البر لا يرجِّحُ قولاً على قول حتى يصح هذا الفهم ، فهو لا يقول إن اشتراط العلم باللقاء قولٌ أصح من قول من لم يشترطه ، بل هو ينقل الإجماعَ وعدمَ وجودِ خلافٍ على الرأي الذي يعرضه !!! .
تأول الشيخ حاتم كلام ابن عبد البر بما لا يحتمله
... أقول : خصمك فهمَ كلام ابن عبد البر صحيحا ، لأنه قال " فوجدتهم أجمعوا على قبول الإسناد المعنعن ـ لا خلاف بينهم في ذلك ـ إذا جمع شروطا ثلاثة ، وهي :
... ـ عدالة المحدثين في أحوالهم ؛
... ـ لقاء بعضهم بعضا مجالسة ومشاهدة ؛
... ـ وأن يكونوا برآء من التدليس " .
... هذه الشروط التي نقلتها من ابن عبد البر ومن جملة شروطه :
... الشرط الثاني : " لقاء بعضهم بعضا مجالسة ومشاهدة " .
... أليس معنى قوله إذا وجدت هذه الشروط الثلاثة جميعًا في الحديث المعنعن فحينئذٍ مقبول إجماعًا ؟ ثم تأولت كلامه بما لا يحتمله ـ إنا لله وإنا إليه راجعون ـ يظهر من هذا أنك تأول نصوصًا منقولة من العلماء لإثبات مذهبك ـ والله المستعان .
... أقول : ثم ذكرت بعض الأشياء وهو رأي ابن عبد البر ؛ أو غيره ـ مثلا قولك(1):
... وقال ( 3/251 ) : " قال قوم لم يسمع زيد بن أسلم من جابر بن عبد الله ، وقال آخرون سمع منه ، وسماعه من جابر غير مدفوع عندي ، وقد سمع من ابن عمر ، وتوفي ابن عمر قبل جابر بنحو أربعة أعوام " .
... أقول : يا شيخ حاتم لِلَّهِ أنت أخطأت في فهم كلام ابن عبد البر ، بل كلامه يؤيد كلام الذين نسبوا شرط اللقاء إلى الإمام البخاري وغيره ، وأيضا أن هذه المسألة ما زالت خلافية ، فيه رأي ابن عبد البر ورأي غيره خلافه ـ فافهم.
ذكر بقية أدلة الشيخ حاتم على
الإجماع والمناقشة عليها
... قال الشيخ حاتم(2):
... " وسادسُ من نقل الإجماع أبو محمد ابن حزم ( ت 456هـ ) :
__________
(1) 1 ـ الإجماع : ص111 .
(2) 1 ـ الإجماع : ص111(1/26)
... قال ابن حزم ( في الإحكام في أصول الأحكام ) : وإذا علمنا أن الراوي العدل قد أدرك من روى عنه من العدول ، فهو على اللقاء والسماع ، لأن شرط العدل القبول ، والقبول يضاد تكذيبه في أن يسند إلى غيره ما لم يسمعه ، إلا أن يقوم دليل على ذلك من فعله . وسواء قال ( حدثنا ) أو ( أنبأنا ) ، أو قال ( عن فلان ) ، أو قال ( قال فلان ) = كل ذلك محمول على السماع منه . ولو علمنا أن أحدًا منهم يستجيز التلبيس بذلك كان ساقط العدالة ، في حكم المدلس . وحكم العدل الذي قد ثبتت عدالته فهو على الورع والصدق ، لا على الفسقِ والتهمةِ وسوءِ الظن المحرَّم بالنص ، حتى يصحَّ خلافُ ذلك . ولا خلاف في هذه الجملة بين أحدٍ من المسلمين ، وإنما تناقض من تناقض في تفريع المسائل " .
... أقول : من أراد أن يعرف كلام ابن حزم في الإجماع فعليه بالإحكام(1). ثم يطابق كلامه هذا هل يوافقه أم لا ؟
... قال الشيخ حاتم(2):
... " الدليل السابع :
... أنّ أصحابِ الكتب المتخصّصة في بيان شروط الأئمة الستة أو الخمسة لم يذكروا شرطَ العلم باللقاء عن البخاري أو غيره .
... فقد أُلِّفَتْ في شروط الأئمة كتبٌ أقدمُها وأهمّها ثلاثة كتب ، نحمد الله تعالى أنها أُلِّفت قبل القاضي عياض ودعواه نسبة ذلك الشرط إلى البخاري وابن المديني .
... فأول من ألف في شروط الأئمة : أبو عبد الله ابن منده ( ت 395هـ ) .
... وتلاه محمد بن طاهر المقدسي ( ت 507هـ ) .
... وجاء آخرهم أبو بكر محمد بن موسى الحازمي ( ت 584هـ ) ـ " ... إلخ .
... أقول : ذكر الشيخ حاتم ثلاثة كتب في شروط الأئمة ، ومصنف الثالث ( ت 584هـ ) فكيف يصح قوله : " أنها ألفت قبل القاضي عياض " ( ت 544هـ ) ؟ فاعتبروا يا أولي الألباب لِلَّهِ أليس يصدق عليه قول القائل : أنت لا تحسن الحساب ؟
__________
(1) 1 ـ ج4/128 ـ 190 .
(2) 2 ـ الإجماع : ص112 .(1/27)
... وبين يدى الآن شروط الأئمة الستة للمقدسي يقول فيه في أوائل الكتاب : " إن بعض أهل الصنعة سألني ببغداد عن شرط كل واحد من هؤلاء الأئمة في كتابه فأجبته بجواب أنا أذكره هاهنا بعينه ورمته قلت : اعلم أن البخاري ومسلمًا ومن ذكرنا بعدهم لم ينقل عن واحد منهم أنه قال : شرطت أن أخرج في كتابي ما يكون على الشرط الفلاني ، وإنما يعرف ذلك من سبر كتبهم فيعلم بذلك شرط كل رجل منهم " .
... هذا نص كلام المقدسي ، فإنه نفى الشرط الذي ذكرته لمسلم من خطبة كتابه ، فإما أنه لم يفهم منه الإجماع ، أو أن الإمام مسلم حذف هذا القدر من مقدمته في آخر حياته فالرواية التي وصلت إليه كانت بدونه ، إلا أن الحازمي في كتابه(1)قال : وأما شرط مسلم فقد صرح به في خطبة كتابه . وهذا أول من وافقك ، وجاء بعد القاضي عياض لا قبله كما فهمت ، وبين وفاته ووفاة مسلم تقريبا 322 سنة ـ فافهم وتدبر .
... هل فهمت كلام هؤلاء ؟ معنى كلامهم أنهم لم يعتبروا قول مسلم شرطا لجميع المحدثين ، ولم يعتبروه إجماعا .
... قال الشيخ حاتم(2):
... " الدليل الثامن :
... نسبةُ محمد بن طاهر المقدسي شرطَ الاكتفاء بالمعاصرة إلى البخاري ومسلم كليهما .
... ولا تنسى أن ابن طاهر هو صاحب شروط الأئمة الستة .
... يقول ابن طاهر في مقدّمة كتابه ( الجمع بين رجال الصحيحين ) : " إن كُلَّ من أخرجا حديثه في هذين الكتابين ـ وإن تكلم فيه بعضُ الناس ـ يكون حديثُه حجةً ، لروايتهما عنه في الصحيح . إذ كانا ( رحمةُ الله عليهما ) لم يُخرجا إلا عن ثقة عدل حافظ ، يحتمل سِنُّهُ ومولدُه السماعَ مِمّن تقدّمه ، على هذه الوتيرة ، إلى أن يصل الإسنادُ إلى الصحابي المشهور " .
... وهكذا لا يفرّق ابن طاهر بين الشيخين في شرط الحديث المعنعن ، وينصّ على اكتفائهما بالمعاصرة " .
__________
(1) 1 ـ شروط الأئمة الخمسة : ص52 .
(2) 2 ـ الإجماع : ص113 .(1/28)
... أقول : قد مر كلامه في ذكر شرطهما " لم ينقل عن واحد منهم أنه قال : شرطت أن أخرج في كتابي ما يكون على الشرط الفلاني ... إلخ " فقوله هاهنا بالظن والتخمين ، والظن لا يغني من الحق شيئا.
... قال الشيخ حاتم(1):
... " الدليل التاسع :
... نصوصٌ للعلماء تدل على أنهم لا يشترطون في الحديث المعنعن العلمَ باللقاء .
... أولاً : الإمام الشافعي ( ت 204هـ ) .
... قال الشافعي في الرسالة على لسان سائل : " فقال : فما بالك قبلت ممن لم تعرفه بالتدليس أن يقول ( عن ) ، وقد يمكن فيه أن يكون لم يسمعه ؟
... فقلت له : المسلمون العدولُ عدولٌ أصحّاءُ الأمر في أنفسهم ... ( إلى أن قال : ) وقولُهم ( عن ) خبرُ أنفسِهم ، وتسميتُهم على الصحّة . حتى نستدلّ من فعلهم بما يخالف ذلك ، فنحترسَ منهم في الموضع الذي خالف فعلُهم فيه ما يجب عليهم .
... ولم نعرف بالتدليس ببلدنا ، فيمن من مضى ولا من أدركنا من أصحابنا ، إلا حديثًا ، فإن منهم من قبله عمن لو تركه عليه كان خيرًا له .
... وكان قولُ الرجل ( سمعت فلانًا يقول سمعت فلانًا ) وقوله ( حدثني فلان عن فلان ) سواء عندهم ، لا يحدث واحد منهم عمن لقي إلا ما سمع منه ، ممن عناه بهذه الطريق ، قبلنا منه ( حدثني فلان عن فلان ) ـ " .
... أولاً : لا شك أن الشافعي لا يقبل الحديث المعنعن من غير المتعاصرين " .
... أقول : هذا فهمك ، وقد ذكرتَ عن ابن حجر قبل هذا الكلام(2)فقلتَ :
... " فمع أن الحافظ قد نقل كلام الشافعي مستدلاًّ به على أنه يشترط العلم باللقاء إلا أنّنا سنقف عند كلامه ، لنرى هل فيه دلالةٌ على ذلك ، أم أنّه على نقيض ما ذكر ؟! " .
__________
(1) 1 ـ الإجماع : ص114 ، 115 .
(2) 1 ـ الإجماع : ص 114 .(1/29)
... أقول : نص واحد فهم منه ابن حجر غير الذي فهمته ، مع أن الحافظ من مقلدي الشافعي وأقرب منه زمانا ؛ لعل الحافظ فهم من قول الشافعي : " وكان قول الرجل : سمعت فلانا يقول : سمعت فلانا ؛ وقوله : حدثني فلان عن فلان سواء عندهم ، لا يحدث واحد منهم عمن لقي إلا ما سمع منه ممن عناه بهذا الطريق قبلنا منه : حدثني فلان عن فلان " .
الشيخ حاتم جعل الإمام الشافعيَّ مقلدًا
للإمام مسلم في هذه المسألة !!!
... ثم قال الشيخ حاتم(1):
... " فالسائل إذن يقول للشافعي : ما بالك قبلت من المتعاصرين العنعنة إذا سلموا من التدليس ؟
... إذن فالسؤال عن مذهب مسلم عينِه ... حرفًا بحرف ، ينسبه السائلُ إلى الشافعي .
... فلم يقل له الشافعي أخطأتَ في ما نسبتَه إلىّ ، بل أقرّ ما تضمّنه سؤاله ، وأخذ يجيب عن سؤاله مبيّنًا مسوّغات وأسباب ذلك المذهب .
... وهذا أوّل ما دلّنا على أن الشافعي على مذهب مسلم في الحديث المعنعن !!! " .
... أقول : قد أخطأ الشيخ حاتم هاهنا في تعبير قول الإمام الشافعي إذ جعله مقلدًا للإمام مسلم ، مع أن الإمام مسلمًا ولد في سنة (204 أو 206هـ) وتوفي الإمام الشافعي في سنة (204هـ) !!!
... ثم ذكر كلام الحميدي من الكفاية " لأن ذلك عندي على السماع " ، ثم ذكر كلام الخطيب ، ثم قال : " وبذلك نضيف الحميدي شيخ البخاري إلى مصاب من كان على مذهب مسلم " !!
... السؤال : هل الحميدي قبل مسلم أو بعده ؟
... هذه نقولات بدون معرفة الدليل تقليد محض ، والتقليد عندك منكر كما ذكرتَه في مقدمة كتابك هذا ، ثم قلدت الناس بدون شعور ، وبدون فهم ـ والله المستعان .
بعض الاعتراضات على البخاري والجواب عنه
... قال الشيخ حاتم(2):
... " الدليل العاشر :
... صحيح البخاري نَفْسُه .
__________
(1) 1 ـ الإجماع : ص115 .
(2) 1 ـ الإجماع : ص122 ، 123 .(1/30)
... فمع أنه قد سبق أن قلنا : إن صحيح البخاري لا ينفع أن يكون دليلاً على أن البخاري يشترط العلم باللقاء ، حتى لو تحقّق فيه هذا الشرط ؛ ... ـ إلى أن قال ـ :
... وسنترك الإجمال إلى البيان ، بضرب أمثلةٍ تدل على اكتفاء البخاري في صحيحه بالمعاصرة :
... المثال الأول : حديثا أبي عبد الرحمن السلمي عن عثمان بن عفان رضي الله عنه ، الأول حديث : " خيركم من تعلّم القرآن وعلّمه " ؛
... والثاني : حديث حصار عثمان ، وما فيه من قصّة حفر بئر رومة وتجهيز جيش العُسْرة .
... أخرجهما البخاري في صحيحه : مع نفي كُلّ من شعبةَ وابنِ معين سماعَ أبي عبد الرحمن السُّلمي من عثمان رضي الله عنه ، ومع قول أبي حاتم الرازي : " روى عنه ولم يذكر سماعًا " ، ورضي الإمام أحمد عن نفي شعبة لسماعه من عثمان .
... أقول : ليس الأمر كما فهمه الشيخ حاتم ، بل السماع من عثمان لأبي عبد الرحمن أثبته البخاري في تاريخه الكبير(1)وقد نقل منه الحافظ في هدى الساري(2). وأنت تعلم من عرفه حجة على من لا يعرفه " .
... تنبيه : هل فهمت قول أبي حاتم الرازي : " روى عنه ولم يذكر سماعا " ؟ ولماذا ؟ أما يعرف الرازيّ أن السلمي معاصر لعثمان ، وليس من المدلسين ، فتكفي المعاصرة ؟ ـ فتدبر .
... قال الشيخ حاتم(3):
... " المثال الثاني : حديث عروة بن الزبير ، عن أمّ سلمة رضي الله عنها : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها : " إذا أقيمت صلاة الصبح فطُوفي على بعيرك والناسُ يُصلّون " .
... ذكره الدارقطني في ( التتبُّع ) ، وقال : " هذا مرسل " وبيّن أنه رُوي من طريق عُروة عن زينب بنت سلمة عن أم سلمة .
__________
(1) 1 ـ 5/72 ، 73 .
(2) 2 ـ ص393 .
(3) 1 ـ الإجماع : ص125 .(1/31)
... وقال الطحاوي في ( بيان مشكل أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ) : " عروة لا نعلم له سماعًا من أم سلمة " ... ـ إلى أن قال ـ : بل يظهر أن البخاري كان معتمدًا على رواية عروة عن أم سلمة ؛ لأنه أورد إسناد حديث عروة عن زينب عن أم سلمة ، ثم لم يذكر لفظه ، وأحال على لفظ حديث عروة عن أم سلمة ، وأورده بإسناده ومتنه كاملاً .
... إذن فهذا الحديث داخلٌ في أصل موضوع كتاب البخاري ، الذي يشترط فيه الصحّة " .
... أقول : إذا كانت تكفي المعاصرة لصحة الحديث المعنعن فلمَ اعترض الدارقطني على البخاري ومن وافقه بأن عروة لم يسمع من أم سلمة ؟ أما يثبت من هذا الاعتراض أن المعاصرة لا تكفي بل لا بد من إثبات السماع ؟ ويظهر جليا من اعتراض الدارقطني على البخاري هاهنا ومثله في مقام آخر على أن شرط البخاري اللقاء والسماع كان معروفا إلى عهد الدارقطني ـ والله أعلم بالصواب .
... أقول : قد أثبت ابن عساكر سماع عروة من أم سلمة في تاريخ دمشق فقال : " عروة بن الزبير ... سمع أباه الزبير وأخاه عبد الله بن الزبير وأمه أسماء وخالته عائشة ـ ابنتي أبي بكر الصديق ـ وابن عمر وعبد الله بن عمرو وعبد الله بن زمعة وأبا حميد وأبا هريرة وابن عباس وأبا أيوب الأنصاري وعمر بن أبي سلمة وزينب بنت أبي سلمة وأمها أم سلمة(1). وانظر ترجمته في رجال صحيح البخاري للكلاباذي ( ت 398هـ )(2).
... قال الشيخ حاتم(3):
... " المثال الثالث : حديث قيس بن أبي حازم عن بلال ابن رباح رضي الله عنه أنه قال لأبي بكر : " إن كنتَ إنما اشتريتني لنفسك فأمسكني ، وإن كنتَ إنما اشتريتني لله فدعني وعملَ الله " .
... وقد قال علي بن المديني في ( العلل ) : " روى عن بلال ولم يلقه " .
... أقول : ما ندري لماذا غير الشيخ حاتم لفظ البخاري ؟ قال البخاري ( ... حدثنا إسماعيل ، عن قيس أن بلالاً قال لأبي بكر ... إلخ ) .
__________
(1) 1 ـ 40/242 .
(2) 2 ـ 2/581 .
(3) 3 ـ الإجماع : ص127 .(1/32)
... هذا الحديث له علاقة بمسند أبي بكر وبمسند بلال ، ففي طبقات ابن سعد(1): عن قيس قال : قال بلال لأبي بكر ، ومثله في المعجم الكبير للطبراني(2)، وفي حلية الأولياء(3): عن قيس قال : اشترى أبو بكر بلالاً ـ رضي الله عنهما ـ بخمسة أواق ... إلخ ، وسماع قيس من أبي بكر ثابت ، فإذا تدبرت رواية البخاري فعرفتَ أنها من مسند أبي بكر ، ورواية قيس ، عن أبي بكر من أصح الروايات . وأنت غيرت لفظ البخاري بفهمك الناقص بأن " أن " هاهنا بمقام " عن " وليست كذلك ، بل لفظ " أن " هاهنا بمعنى التحقيق ولا تقوم مقام " عن " لإثبات الرواية المعنعنة . ويظهر من رواية البخاري هذه أن قيسا كان جالسًا عند أبي بكر فجاء بلال فقال ، فسمع قيس قوله وإجابة أبي بكر ، ثم بعد ذهاب بلال سأل قيس عن قصة شراء أبي بكر بلالاً فأخبره أنه اشتراه بخمسة أواق ... إلخ ، كما جاء في حلية الأولياء ؛ فافهم ، وصدق إذ قال الإمام البخاري : لو نشر بعض إسنادي هؤلاء لم يفهموا(4)، فمن عرفه حجة على من لم يعرف ، وقد قال علي بن المديني عندما سمع قول البخاري ... ما استصغرت نفسي إلا عند علي بن المديني : دع قوله ، هو ما رأى مثل نفسه(5).
هل البخاري اتبع الشرط الذي ذكره مسلم ؟
... قال الشيخ حاتم(6):
... " وبذلك نرجع أن البخاري اكتفى في إخراجه لهذا الحديث بشرط مسلم .
... المثال الرابع : حديثا عبد الله بن بريدة عن أبيه ، وسبق ذكرهما ، وبيان أن البخاري مع عدم وقوفه على تصريح عبد الله بالسماع من أبيه ، إلا أنه أخرج له عنه حديثين في صحيحه !! .
... أقول : هذا من خيالك الذي تخيلته ، وقد أثبتُ السماع من أبيه من قبل ، وقد مر الكلام عليه واضحا(7).
__________
(1) 1 ـ 3/238 .
(2) 2 ـ 1/337 .
(3) 3 ـ 1/150 .
(4) 1 ـ ذكره الحافظ في هدى الساري : ص487 ، وتاريخ بغداد : 2/7 .
(5) 2 ـ انظر ترجمة البخاري في هدي الساري : ص483 .
(6) 3 ـ الإجماع : ص127 .
(7) 1 ـ ص27 .(1/33)
الشيخ حاتم ينقل اعتراضات الناس على البخاري
بدون الالتفات إلى الأجوبة التي أجاب عنها العلماء
... قال الشيخ حاتم(1):
... " وهناك مجموعةٌ من الأسانيد نُفي سماعُ رواتها من بعضهم وهي في صحيح البخاري ، والنفاة للسماع بعض كبار الأئمة :
... منهم : أبو داود(2)، وأبو حاتم الرازي(3)والإسماعيلي(4)، والدارقطني(5)، والعقيلي(6)، وابن مردويه(7)، وأبو مسعود الدمشقي(8)، وابن عبد البر(9)، والخطيب(10)، والحازمي .
... فهؤلاء العلماء ، وفيهم بعض أعرف الناس بصحيح البخاري : كالإسماعيلي ، والدارقطني ، وأبي مسعود الدمشقي = لو كان متقرّرًا عندهم أن البخاري يشترط العلم بالسماع ، لَمَا تجرّؤا على انتقاد بعض أحاديث صحيحه بعدم السماع ، لمجرّد أنّهم لم يقفوا على ما يدل على السماع مع قرائن عدم السماع التي لاحت لهم ؛ لأنّهم ( أولاً ) : أعرف الناس بمكانة الإمام البخاري وعظيمِ اطّلاعه على السنة وأسانيدها وأحوال رواتها وأخبارهم ؛ ولأنّهم ( ثانيًا ) : أدْرَى الناس بالأدب العلميِّ القائل : من عَلم حُجّةٌ على من لم يعلم ، وأن عدمَ العلم لا يدل على العدم .
الجواب عن هذه الاعتراضات
... أقول : ليست عندي هذه الكتب كلها حتى أراجعها لأني قد قدمت(11)أن الشيخ حاتمًا نسب إلى البخاري بعض الأحاديث بذكر الأرقام وأخطأ فيه ، فهو عندي غير معتمد في نقله .
__________
(1) 2 ـ الإجماع : ص128 .
(2) 3 ـ تحفة التحصيل : رقم1186 .
(3) 4 ـ جامع التحصيل : رقم200 ، 524 .
(4) 5 ـ التهذيب : 3/120 ، وفتح الباري : رقم2072 ، 2128 .
(5) 6 ـ التتبع للدارقطني : رقم29 ، 30 ، 88 ، 89 ، 90 ، 91 .
(6) 7 ـ تحفة التحصيل ـ الحاشية ـ : رقم790 .
(7) 8 ـ جامع التحصيل : رقم8 .
(8) 9 ـ فتح الباري : رقم2877 ، 2878 ، 6/90 ، 91 .
(9) 10 ـ هدي الساري : 392 ، وتحفة التحصيل : رقم790 .
(10) 11 ـ الاعتبار للحازمي : رقم473، وانظر دفاعه الحافظ في الفتح : 12/121
(11) 1 ـ ص36 .(1/34)
... وقد قال هاهنا " منهم ... أبو حاتم الرازي " وأحال في الهامش إلى جامع التحصيل(1) ... وراجع صحيح البخاري مع الفتح حديث رقم2502 و6353(2)وفي نفس الإسناد يجد ثبوت اللقاء والسماع لمن يفهم صحيح البخاري ؟
... ثم قال الشيخ حاتم : " والإسماعيلي " وأحال في الهامش إلى التهذيب(3)وفتح الباري(4)؛
... هل نأخذ قول الإسماعيلي أو قول البخاري الذي أثبت سماع خالد من المقدام في تاريخه الكبير(5)؟
... لعل الشيخ حاتمًا كتب هذا الكتاب وكان مخه مملوءً بأفكار الإجماع الخيالية ولذا لم يستطع أن يفهم كلام هؤلاء العلماء حق الفهم ، بل قد يثبت باعتراض هؤلاء العلماء الكبار أنهم كانوا يعرفون أن البخاري اشترط السماع واللقاء وما وجدنا السماع في هذه الأحاديث فهى خالية عن هذا الشرط .
... قال الإسماعيلي : " ومما يرجح به أنه لا بد من ثبوت اللقاء عنده ( أي عند البخاري ) وخالفه مسلم واكتفى بإمكانه(6)".
... ثم قال الشيخ حاتم : والدارقطني ، وأحال في الهامش إلى التتبع(7)؛
... أقول من يريد الحق فليرجع إلى التعليق على هذه الأحاديث لمحقق التتبع وأيضا يرجع إلى هدى الساري وفتح الباري ، وقد أجاب الحافظ ابن حجر عن جميع اعتراضات الدارقطني والآخرين في هدى الساري ، وفي الفتح أيضا ، وقس عليه بقية اعتراضاتك على البخاري .
... ثم أقول : أنت حريص بنقل اعتراضات الدارقطني وغيره على البخاري ، ولا تلتفت إلى أجوبة العلماء لها ـ فهل تأخذ في مسلم قول الدارقطني : " إنما أخذ مسلم كتاب البخاري ، فعمل فيه مستخرجا وزاد فيه أحاديث(8)" .
مذهب الإمام البخاري في هذه المسألة
__________
(1) 2 ـ رقم200 ، 524 .
(2) 1 ـ 5/136 ، و11/151 .
(3) 2 ـ 3/120 .
(4) 3 ـ رقم2072 ، 2128 .
(5) 4 ـ 3/176 .
(6) 5 ـ عمدة القاري : 1/5 .
(7) 1 ـ رقم29 ، 30 ، 88 ، 89 ، 90 ، 91 .
(8) 2 ـ هدي الساري : ص490 .(1/35)
... أقول : من أراد أن يعرف مذهب الإمام البخاري في هذه المسألة فليقرأ ـ بإمعان وادعو الله له بالتوفيق أن يفهمه ـ قول الإمام البخاري في صحيحه في كتاب العلم :
باب قَوْلِ المُحَدِّثِ حدّثنا أو أخْبَرَنَا وأنْبأَنَا
... وقال لَنَا الحُمَيدِيُّ : كانَ عِِنْدَ ابنِ عُيَيْنَةَ : حدّثنا وأخْبَرَنَا وأبْنَانَا وسَمِعْتُ واحِدًا ؛ وقال ابنُ مَسْعُودٍ : حدّثنا رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم ـ وَهُوَ الصَّادِقُ المَصْدوقُ . وقال شَقِيق عَن عَبْدِ اللهِ : سَمِعْتُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كَلِمَةً . وقال حُذَيْفَةُ : حدّثنا رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَدِيثَيْنِ . وقال أبُو العاليَةِ عَن ابنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فيمَا يَروِيهِ عَنْ رَبِّهِ . وقال أنَسٌ عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم يَرْوِيهِ عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وجَلَّ . وقال أبُو هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم يَرْوِيهِ عَنْ رَبِّكُم عَزَّ وجَلَّ .
... حدّثنا قُتَيْبَةُ ، حدثنا إسْماعِيلَ بْنُ جَعْفَرٍ ، عَنْ عَبْدِ اللهِ ابْنِ دِينارٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قال : قالَ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم : " إِنّ مِنَ الشَّجَرِ شَجَرَةً لاَ يَسْقُطُ ورَقُهَا ، وإِنَّهَا مَثَلُ المُسْلِمِ ، فَحَدِّثونِي مَا هِيَ ؟ " ، فَوَقَعَ النَّاسُ في شَجَرِ البَوَادِي ؛ قال عَبْدُ اللهِ : ووقَعَ فِي نَفْسِي أنَّهَا النَّخْلَةُ ، فاسْتَحْيَيْتُ ، ثُمَّ قالُوا : حدّثنا مَا هِيَ ؟ يا رَسُولَ اللهِ لِلَّهِ قال : " هِيَ النَّخْلَةُ " .
... أقول : من كان خالي الذهن ، يريد الفهم بتوفيق الله يفهم مراد البخاري ، وقديما قيل " فقه البخاري في تراجمه(1)" .
إلزام الشيخ حاتم البخاري بما لا يلزمه
... قال الشيخ حاتم(2):
... " الدليل الحادي عشر :
__________
(1) 1 ـ ذكره ابن حجر في هدي الساري : ص13 .
(2) 1 ـ الإجماع : ص130 .(1/36)
... احتجاجُ البخاري في صحيحه بالمكاتبة ، والمناولة المقترنة بالإجازة ، بل واحتجاجُه بالوجادة " .
... أقول : ماذا أقول على هذا الاستدلال لِلَّهِ وقد قال الشيخ حاتم " فقد صرح البخاري بقبولها في صحيحه ، وعقد لها بابا خاصا في كتاب العلم منه " .
... أقول : هل قال أحد أن البخاري اشترط بالمكاتبة والمناولة اللقاء والسماع ؟ لهذه الأصول شروط أخرى راجع كتب المصطلح .
... يا ليت قرأت كتاب صحيح البخاري بفهم تام ، وعرفت استدلاله واستعنت بالله أن يعطيك فهم سنة نبيه صلى الله عليه وسلم ـ ولكن أردت ... وألزمت على الذين يشتغلون بهذا العلم الشريف بالتقليد الأعمى والجهل بسوء الأدب فخالفت الأخلاق النبوية ـ والله المستعان ـ حتى اتهمت العلماء الكبار بالكذب وأخذ القول بالتقليد كالقاضي عياض وابن رجب وابن حجر وغيرهم(1)في كتابك الإجماع ، وقد قلتَ(2): لقد ابتدأت التفكير... من عام (1410هـ) ... إلخ .
... لو كان جائزا القول بالظن والتخمين فللقائل أن يقول : إن هذه الفكرة وصلت إليك بعد ما قرأت كتاب السنن الأبين لابن رشيد فإن أكثر المواد المنقولة في كتابك هذا موجودة في كتاب ابن رشيد ، وقد أحال المحقق إلى الجزء والصفحة من المصادر الأصلية !!!
الجواب عن بقية أدلة الشيخ حاتم
... قال الشيخ حاتم(3):
... الدليل الثاني عشر :
... اكتفاء البخاري بالمعاصرة في نصوص صريحة عنه.
ـ إلى أن قال ـ سأل الترمذي البخاري في العلل الكبير ... أترى هذا الحديث محفوظًا ؟ قال : نعم ... إلخ .
__________
(1) 2 ـ الإجماع : ص9 ، 13 ، 35 ، 78 ، 79 ، 88 ، 147 .
(2) 1 ـ الإجماع : ص7 .
(3) 2 ـ الإجماع : ص132 .(1/37)
... أقول : لا بد للقارئ أن يفهم معنى كلام الترمذي ، ثم ينطبق عليه جواب البخاري ، ليس السؤال عن السماع ، وإنما السؤال السماع الموجود في نفس السند وذلك " عن عطاء بن يسار ، عن أبي واقد الليثي قال ... إلخ . هل هو محفوظ أم لا ؟ لأن في إسناده ممن تكلم فيه ، فأجاب البخاري : " ينبغي أن يكون أدركه عطاء بن يسار قديم " .
... يريد تاكيد إثبات السماع بقرينة أخرى بانجبار ضعف الرجل الذي في الإسناد .
... قال الشيخ حاتم : ( ثم قال البخاري : ) " وعبد الله أبو الوليد ، روى عن عائشة وأبي هريرة ، ولا ننكر أن يكون سمع منهما ... إلخ " .
... أقول : هذا القول في التاريخ الصغير والمحققون الجدد سموه الأوسط والعلم عند الله ، ومعلوم أن البخاري صنف هذا التاريخ في بداية عمره ، وقال فيه هذا الكلام مع ذلك لم يرو عنه عن عائشة وأبي هريرة في صحيحه شيئًا ، فهو على قاعدته ، ولكن في الترمذي في أوائل المناقب " عن عبد الله بن الحارث عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ... إلخ " وفي الصلاة في باب ما يقول إذا سلم من الصلاة " عن عبد الله بن الحارث عن عائشة قالت ... إلخ " .
... قال الشيخ حاتم(1):
... الدليل الثالث عشر :
... اكتفاء جمع من الأئمة بالمعاصرة : ... إلخ .
... أقول : قلتَ : " جمع من الأئمة " ، ثم قلتَ : " ولكني احتج به للتاكيد على أن الاكتفاء بالمعاصرة إجماع كما نقله مسلم وغيره " هذا تحقيق بديع ما عرفه أحد إلا أنت !!! وهو يسر بمن يقلدك من المغفلين ، ولا أريد ضياع الوقت على نقض الأمثلة بعده .
... قال الشيخ حاتم(2):
... الدليل الرابع عشر :
... ... إلخ .
... أقول : ليس عندي كتابه لأن أراجعه ، وليس فيه شيء جديد يحتاج الكلام عليه .
... قال الشيخ حاتم(3):
... بطلان المذهب المنسوب إلى البخاري ... إلخ .
... أقول : قد مر الكلام عليه مرارًا .
__________
(1) 1 ـ الإجماع : ص134 .
(2) 1 ـ الإجماع : ص144 .
(3) 2 ـ الإجماع : ص146 .(1/38)
... قال الشيخ حاتم(1):
... المسألة الرابعة :
... بيان صواب مذهب مسلم وقوة حجته فيه ... إلخ .
... أقول : ليس فيها شيء جديد يحتاج الكلام عليه .
... قال الشيخ حاتم(2):
... المسألة الخامسة :
... أثر تحرير شرط الحديث المعنعن على السنة النبوية ... إلخ .
... أقول : للقائل أن يقول عكس كلامك ، بأن الأحاديث المرسلة والضعيفة والمنقطعة أدخلت في دواوين السنة من هذا الباب ، وهي سبب اختلاف الأمة الإسلامية .
... قال الشيخ حاتم(3):
... المسألة السادسة :
... الكلام على آخر شبهتين :
... الشبهة الأولى : ... إلخ .
... أقول : ليس فيها شيء جديد يحتاج الكلام .
... قال الشيخ حاتم(4):
... أما الشبهة الثانية والأخيرة ... إلخ .
... أقول : قد مر الكلام عليها أيضا من قبل .
يريد الشيخ حاتم أن يقلده العلماء في هذه المسألة
... يا شيخ حاتم لِلَّهِ اتهمت الناس بالقول بالتقليد وأردت أن يقلدك العلماء وتلامذتك في هذه المسألة الخلافية ؛ ولولا هذا لكتبتَ هذه المسألة بأسلوب آخر ـ مثلا :
__________
(1) 3 ـ الإجماع : ص148 .
(2) 1 ـ الإجماع : ص158 .
(3) 2 ـ الإجماع : ص162 .
(4) 3 ـ الإجماع : ص165 .(1/39)
... قلتَ : إني فكرت في مسألة الحديث المعنعن المختلف فيها في عصرنا هذا فوصلت إلى أن أدلة المانعين ضعيفة وأدلة المجوزين صحيحة(1)وقد نصر هذه المسألة فلان وفلان ومن جملتهم الإمام مسلم المسلّم بالثقة والأمانة عند المسلمين فهو نصر هذه المسألة في مقدمة صحيحه حتى ادعى الإجماع السكوتي عليها ، وبعد التفكير وصلت إلى أن قول الإمام مسلم ومن قال هذا القول قبله أو بعده ، وهو الحق والصواب ، وإليه أدعو إخواني وتلامذتي بدون رد على أحد الأئمة لأنهم خدموا الكتاب والسنة { ... رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (10) }(2)كما أمرنا ربنا في كتابه العزيز .
الحق ما أقر به المخالف
... قال الشيخ حاتم : " وإنما يظهر الفرق بين المذهب المنسوب إلى البخاري ومذهب مسلم في وسيلة العلم بالسماع ، لا في العلم بالسماع المتّفق عليه بالاتفاق على اشتراط الاتصال . فالبخاري ( في الشرط المنسوب إليه ) لا يعلم بالسماع حتى يقف على نصٍّ صريح يدل عليه ، ومسلمٌ لا يعلم بالسماع إلا بالشروط الثلاثة المذكورة سابقًا .
... لذلك فإن الأدقّ أن يقال في التعبير عن شرط الشيخين : إن البخاري ( فيما يُنسب إليه ) يشترط أن يثبت لديه نصٌّ صريح دالٌّ على اللقاء أو السماع ، وأمّا مسلم فلا يشترط ذلك . مع اشتراطهما جميعًا الاتّصال ، الذي إنما يُتَصَوَّرُ حصوله باللقاء والسماع(3)" .
خلاصة الكلام : مسألة الحديث
المعنعن خلافية لا إجماع فيها
__________
(1) 1 ـ أنا ما أعتقد هذا بل اعتقادي عكس ذلك أعني أدلة المانعين قويةٌ وأدلة المجوزين ضعيفةٌ .
(2) 2 ـ الحشر : 10 .
(3) 1 ـ الإجماع : ص27 .(1/40)
... أقول : إن مسألة الحديث المعنعن خلافية لا إجماع فيها ـ فمثلا أنت الذي نقلت(1): قال ابن رجب : قال الحاكم : قرأت بخط محمد بن يحيى : سألت أبا الوليد ( هشام ابن عبد الملك الطيالسي ) أكان شعبة يفرق بين ( أخبرني ) و( عن ) ؟ فقال : أدركت العلماء وهم لا يفرقون بينهما " . تدبر هذه العبارة المنقولة ، لماذا سأل محمد بن يحيى أبا الوليد ؟ لو كانت هذه المسألة مجمعًا عليها ما احتاج يحيى لهذا السؤال ، ثم النقل عن شعبة مختلف فيه انظر ديباجة التمهيد ، وقد ذكرتُه(2)، فلولا المسألة مختلف فيها لما اختلف فيها قول شعبة ... وهكذا يظهر من أكثر نقولاتك في كتابك هذا أن المسألة خلافية ، حتى كلام مسلم إذا أمعنت النظر فيه لوجدت أن المسألة كانت خلافية في عهده ... وهذا القدر يكتفي { ... لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (37) }(3).
... ما أريد إلا النصح ، وما توفيقي إلا بالله .
ــــــــــــ
... علقت هذه التعليقات خلال أسبوعين بتوفيق الله تعالى .
... ... ليلة 22/4/1427هـ ـ كتبه أحمد شاغف
المراجع
القرآن الكريم
إجماع المحدثين : الشريف حاتم ، دار عالم الفوائد ـ مكة
الأحكام : ابن حزم ، دار الآفاق الجديدة ـ بيروت
إرشاد الفحول : الشوكاني ، دار المعرفة ـ بيروت
الاعتصام : الشاطبي ، دار الكتب العلمية ـ بيروت
التاريخ الكبير : البخاري ، مصورة عن الطبعة الهندية
تحفة الأشراف : المزي ، الدار القيمة ـ الهند
التمهيد : ابن عبد البر ، الطبعة المغربية
حلية الأولياء : أبو نعيم الأصبهاني ، دار الكتاب العربي ـ بيروت
شروط الأئمة الخمسة : الحازمي ، مكتبة القدسي
شروط الأئمة الستة : المقدسي ، مكتبة القدسي
صحيح البخاري : البخاري ، انظر فتح الباري
صحيح مسلم : مسلم ، دار إحياء التراث العربي ـ بيروت
طبقات ابن سعد : ابن سعد ، دار بيروت ـ بيروت
__________
(1) 2 ـ الإجماع : ص93 .
(2) 1 ـ ص40 .
(3) 2 ـ ق : 37 .(1/41)
عمدة القاري : العيني ، دار الفكر ـ بيروت
فتح الباري : ابن حجر ، دار المعرفة ـ بيروت
كتاب الصلاة في ضمن مجموعة الحديث : ابن القيم ، مكتبة الرياض الحديثة
المستدرك : الحاكم ، دار المعرفة ـ بيروت
المسند : أحمد بن حنبل ، المكتب الإسلامي ودار صادر ـ بيروت
المعجم الكبير الطبراني : الطبراني ، الطبعة الثانية ـ مصر
النكت الظراف : ابن حجر ، انظر هامش تحفة الأشراف
هدي الساري : ابن حجر ، دار المعرفة ـ بيروت
المحتويات
المقدمة ... ... ... ... ... ... ... ... 3
أنموذج من عجائبات كلام الشيخ حاتم ... ... ... 5
جواز تحديث النعمة ... ... ... ... ... ... 8
الحديث المعنعن ... ... ... ... ... 10
متى كتب مسلم مقدمة صحيحه ؟ ومتى فرغ من تصنيف
صحيحه ؟ ... ... ... ... ... ... 11
هل سكت العلماء بعد الإمام مسلم في الكلام عن إثارة هذا
الخلاف ؟ ... ... ... ... ... ... 12
من هو القائل باشتراط اللقاء والسماع في عصر مسلم ؟ ... 14
هل نسب القاضي عياض إلى البخاري اشتراط اللقاء
والسماع زورًا ؟ ... ... ... ... ... 15
هل تحولت مسألة العنعنة بعد القاضي عياض من الإجماع
إلى الخلاف ؟ ... ... ... ... ... ... 15
هل رجع شعبة إلى قول سفيان ؛ وما ترتب برجوعه ؟ 16
شروط إثبات الإجماع ... ... ... ... ... 17
قد ذم الأئمة الكبار بمثل هذا القول في الإجماع ... ... 18
ادعاء الإجماع بدون ثبوت قطعي ليس بهين ... ... 19
دعوى الشيخ حاتم أنه وفق في مسألة العنعنة إلى الصواب
دون غيره ... ... ... ... ... ... ... 20
ما أصاب عامة العلماء الذين نسبوا شرط اللقاء والسماع
إلى البخاري في نظر الشيخ حاتم ... ... ... ... 21
رأي الإمام مسلم في مقدمة صحيحه حول مسألة العنعنة ... 23
مناقشة الشيخ حاتم مع العلماء الكبار ... ... ... 25
ادعاء الشيخ حاتم أن البخاري روى أحاديث لم يتحقق فيها
السماع ... ... ... ... ... ... ... ... 27
هل الإمام مسلم ذكر الشرط عن جميع المحدثين من كان
قبله ومن جاء بعده ؟ ... ... ... ... ... ... 28
الإجماع السكوتي ، درجته وحجيته عند المحققين ... ... 30
لماذا لم يذكر الإمام مسلم اسم الذي ادعاه باشتراط اللقاء
والسماع ؟ ... ... ... ... ... ... ... 31
هل سكت الأئمة بعد الإمام مسلم إلى عهد القاضي(1/42)
عياض ؟ ... ... ... ... ... ... ... 31
اعتراض الشيخ حاتم على البخاري والجواب عنه ... ... 33
ثلاثة أحاديث التي نسبها الشيخ حاتم إلى البخاري ولا
توجد فيه ... ... ... ... ... ... ... 36
من نسب إلى البخاري اشتراط اللقاء والسماع نسبه بعد
الاستقراء ... ... ... ... ... ... ... 38
ادعاء الشيخ حاتم بأن جمعًا من أهل العلم نقلوا إجماع
قبول العنعنة المتعاصرين والمناقشة على نقوله ... ... 39
تأول الشيخ حاتم كلام ابن عبد البر بما لا يحتمله ... ... 46
ذكر بقية أدلة الشيخ حاتم على الإجماع والمناقشة عليها ... 47
الشيخ حاتم جعل الإمام الشافعي مقلدًا للإمام مسلم في هذه
المسألة !!! ... ... ... ... ... ... ... 53
بعض الاعتراضات على البخاري والجواب عنه ... ... 54
هل البخاري اتبع الشرط الذي ذكره مسلم ؟ ... ... 59
الشيخ حاتم ينقل اعتراضات الناس على البخاري
بدون الالتفات إلى الأجوبة التي أجاب عنها العلماء ... 60
الجواب عن هذه الاعتراضات ... ... ... ... 61
مذهب الإمام البخاري في هذه المسألة ... ... ... 63
إلزام الشيخ حاتم البخاري بما لا يلزمه ... ... ... 65
الجواب عن بقية أدلة الشيخ حاتم ... ... ... ... 66
يريد الشيخ حاتم أن يقلده العلماء في هذه المسألة ... ... 69
الحق ما أقر به المخالف ... ... ... ... ... 70
خلاصة الكلام : مسألة الحديث المعنعن خلافية لا إجماع
فيها ... ... ... ... ... ... ... ... 71
المراجع ... ... ... ... ... ... ... 73
المحتويات ... ... ... ... ... ... ... 75(1/43)