سلسلة بحوث وتحقيقات مختارة من مجلة الحكمة (13)
مئة فائدة حديثية من كتاب التنكيل للمعلمي اليماني
جمع : هشام البغدادي
قام بنشره
أبو مهند النجدي
Almodhe1405@hotmail.com
almodhe@yahoo.com
المقدمة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبي الرحمة محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:
فهذه مجموعة من المعارف والفوائد تنفع طالب الحديث بعد دراسته لعلم المصطلح وتعينه على البحث العلمي في هذا العلم الشريف.
وعسى الله أن يجد طلاب العلم والمعرفة في هذا البحث ضالتهم المنشودة وعلى الله قصد السبيل ومنه الهداية والتوفيق "رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ ? [آل عمران:8]
وقد احتوت هذه الرسالة (مئة فائدة) من الفوائد الحديثية لذهبي العصر العصر اليماني -رحمه الله- جمعتها من كتابه (التنكيل)، اتسمت هذه الفوائد بالمادة العلمية ذات الاستقراء العام والنظر الدقيق، المعروفين عن هذا العالم الجليل، وفي أسلوبه الأدبي الجميل في صياغة تلك الفوائد بدون تكليف أو تنطع فضلاً عن الإيجاز والسهولة في الطرح، اللذان يسهلان لطلاب العلم من الحفظ والإتقان لمثل هذا الكلام السلفي، وكذا اتسم أسلوبه بالبيان الشافي مع المثال الذي يمنع الاحتمال. وسوف يلتمس القارئ ذلك إن شاء الله من خلال قراءته لهذا الموجز.
1- من الذي تحتمل غرائبه؟
"أقول: ومن كثر حديثه لابد أن تكون عنده غرائب وليس ذلك بموجب للضعف، وإنما الذي يصر أن تكون تلك الغرائب منكرة" (1/33).
2- ما هو الخطأ الذي يضر؟
"أقول: الخطأ الذي يضر الراوي الإصرار عليه هو ما تخشى أن تترتب عليه مفسدة ويكون الخطأ من المصرّ نفسه، وذلك كمن يسمع حديثاً بسند صحيح فيغلط فيركب على ذلك السند متناً موضوعاً فينبهه أهل العلم فلا يرجع" (1/37).
3- في حال نسخة الحافظ من ثقات ابن حبان:(1/1)
"وكانت عند الحافظ ابن حجر من (ثقات ابن حبان) نسخة يشكو في كتبه من سقمها، قال في (تهذيب التهذيب) (8/203) "... ذكره ابن حبان في (الثقات ... وقال: روى عنه حبيب، كذا في النسخة وهي النسخة وهي سقيمة" وقال في (لسان الميزان) (2/442): "رافع ابن سلمان ... ذكره ابن حبان في (الثقات)، لكن وقع في النسخة -وفيها سقم ... رافع بن سنان" (1/39).
4- معنى قولهم في خلق فلان زعارة:
"ومعروف في اللغة ومتكرر في التراجم أن يقال في خلق فلان زعارة أي شراسة، وهذا وإن كان غير محمود فليس مما يقدح في العدالة أو يخدش في الرواية" (1/40).
5- تبرير نوم بعض المحدثين عند الشيوخ:
"وكان من عادة المكثرين أن يترددوا إلى كبار الشيوخ ليسمعوا منهم، فربما جاء أحدهم إلى شيخ قد سمع منه الكثير يرجوا أن يسمع منه [ما] لم يسمعه من قبل، فيتفق أن يشرع الشيخ يتحدث لجزء قد كان ذاك المكثر سمعه منه قبل ذلك فلا يعتني باستماعه ثانياً أو ثالثاً لأنه يرى ذلك تحصيل حاصل" (1/45).
6- الفرق بين قولهم يروي مناكير وفي حديثه نكارة:
"وبين العبارتين فرق عظيم "يروي مناكير" يقال في الذي يروي ما سمعه مما فيه نكارة ولا ذنب له في النكارة، بل الحمل فيها على من فوقه، فالمعنى أنه ليس من المبالغين في التنقي والتوقي الذين لا يحدثون مما سمعوا لا بما لا نكارة فيه، ومعلوم أن هذا ليس بجرح، وقولهم "في حديثه مناكير" كثيراً ما تقال فيمن تكون النكارة من جهته جزماً أو احتمالاً فلا يكون ثقة" (1/47).
7- معنى قول ابن معين ليس بشيء:(1/2)
"أن ابن معين قد يقول: "ليس بشيء" على المعنى قلة الحديث، فلا تكون جرحاً، وقد يقولها على وجه الجرح كما يقولها غيره فتكون جرحاً، فإذا وجدنا الراوي الذي قال فيه ابن معين: "ليس بشيء" قليل الحديث وقد وثق، وجب حمل كلمة ابن معين على معنى قلة الحديث لا الجرح، وإلا فالظاهر أنها جرح، فلما نظرنا في حال ثعلبة وجدناه قليل الحديث، ووجدنا ابن معين نفسه قد ثبت عنه أنه قال في ثعلبة: لا بأس به. وقال مرة: ثقة، كما في (التهذيب).
وممن قال ابن معين فيه: "ليس بشيء" أبو العطوف الجراح بن المنهال فنظرنا ف حاله فإذا له أحاديث غير قليلة ولم يوثقه أحد بل جرحوه، قال ابن المديني: "لا يكتب حديثه" وقال النسائي في "التمييز": "ليس بثقة ولا يكتب حديثه" وقال البخاري ومسلم: "منكر الحديث" وقال النسائي والدارقطني: "متروك" وقال أبو حاتم والدولابي الحنفي: "متروك الحديث ذاهب لا يكتب حديثه" وذكره البرقي فيمن اتهم بالكذب ، وقال ابن حبان: "كان يكذب في الحديث ويشرب الخمر ..." والكلام فيه أكثر من هذا فعرفنا أن قول ابن معين فيه: "ليس شئ" أراد بها الجرح كما هو المعروف عند غيره في معناها" (1/52).
8- هل الأمية قادحة في الضبط؟
"أما الأمية فليست مما يوجب قلة الضبط، وإنما غايتها أن يكون في رواية صاحبها كثير من الرواية بالمعنى، وليس ذلك بقادح" (1/67).
9- أين تخشى الرواية بالمعنى؟
"وأما الرواية بالمعنى فإنما تخشى في الأحاديث القولية" (1/67).
10- حكم الراوي الذي يكذب في حديث الناس:
"أن الكذب في الكلام ترد به الرواية مطلقاً وذلك يشمل الكذبة الواحدة التي لا يترتب عليها ضرر ولا مفسدة" (1/34).
11- "لا يلزم من التسامح في الشاهد أن يتسامح في الراوي" (1/34).
12- الفرق بين الشهادة والرواية:(1/3)
"الأول: أن الرواية أقرب إلى حديث الناس من الشهادة فإن الشهادة تترتب على خصومة ويحتاج الشاهد إلى حضور مجلس الحكم ويأتي باللفظ الخاص الذي لا يحتاج إليه في حديث الناس ويتعرض للجرح فوراً، فمن جربت عليه كذبة في حديث الناس لا يترتب عليها ضرر فخوف أن يجره تساهله في ذلك إلى التساهل في الرواية أشد من خوف أن يجره إلى شهادة الزور.
الثاني: أن عماد الرواية الصدق معقول أن يشدد فيها يتعلق به ما لم يشدد في الشهادة وقد خفف في الرواية في غير ذلك ما لم يخفف في الشهادة، ثم تقوم الحجة بخبر الثقة ولو واحداً أو عبد أو امرأة أو جالب منفعة إلى نفسه أو أصله أو فرعه أو ضرر على عدوه كما يأتي بخلاف الشهادة، فلا يليق بعد ذلك أن يخفف في الرواية فيما يمس عمادها.
الثالث: أن الضرر الذي يترتب على الكذب في الرواية أشد جداً من الضر الذي يترتب على شهادة الزور فينبغي أن يكون الاحتياط للرواية آكد ...(1)
الرابع: أن الرواية يختص لها قوم، محصورون ينشأون على العلم والدين والتحرز عن الكذب، والشهادة يحتاج فيها إلى جميع الناس لأن المعاملات والحوادث التي يحتاج إلى الشهادة عليها تتفق لكل أحد ولا يحصرها غالباً إلا أوساط الناس وعامتهم الذين ينشأون على التساهل، فمعقول أنه لوردت شهادة كل من جربت عليه كذبة لضاعت حقوق كثيرة جداً، ولا كذلك الرواية؛ نعم الفلتة والهفوة التي لا ضرر فيها ويعقبها الندم، وما يقع من الإنسان في أوائل عمره ثم يقلع عنه ويتوب منه وما يدفع به ضرر شديد ولا ضرر فيه وصاحبه مع ذلك مستوحش منه ربما يغتفر ... والله أعلم" (1/34-35).
13- ما كان ظاهراً في حق بعض الرواة كان محتملاً في حق غيرهم:(1/4)
"ليس من الكذب ما يكون الخبر ظاهراً في خلاف الواقع محتملاً للواقع احتمالاً قريباً وهناك قرينة تدافع ذاك الظهور بحيث إذا تدبر السامع صار الخبر عنده محتملاً للمعنيين على سواء كالمجمل الذي له ظاهر ووقت العمل به لم يجيء، وكالكلام المرخص به في الحرب، وكالتدليس فإن المعروف بالتدليس لا يبقى قوله: "قال فلان" ويسمي شيخاً له ظاهراً في الاتصال بل يكون محتملاً، وهكذا من عرف بالمزاح إذا مزج بكلمة يعرف الحاضرون أنه لم يرد بها ظاهرها وإن كان فيهم من لا يعرف ذلك إذا كان المقصود ملاطفته أو تأديبه على أن ينبه في المجلس، وهكذا فلتات الغضب، وكلمات التنفير عن الغلو" (1/36).
14- أشد موجبات رد الراوي:
"كذبه في الحديث النبوي، ثم تهمته بذلك، وفي درجتها كذبه في غير الحديث النبوي فإذا كان في الرواية والجرح والتعديل بحيث يترتب عليه من الفساد نحو ما يترتب على الكذب في الحديث النبوي فهو في الدرجة الأولى، فالتهمة به في الدرجة الثانية أو الثالثة" (1/37).
15- كيف تقال التهمة بالكذب في حق الراوي:
"وينبغي أن يعلم أن التهمة تقال على وجهين:
الأول: قول المحدثين: "فلان متهم بالكذب" وتحرير ذلك أن المجتهد في أحوال الرواة قد يثبت عنده بدليل يصح الاستناد إليه أن الخبر لا أصل له وأن الحمل فيه على هذا الراوي، ثم يحتاج بعد ذلك إلى النظر في الراوي أتعمد الكذب أم غلط؟ فإذا تدبر وأمعن النظر فقد يتجه له الحكم بأحد الأمرين جزماً، وقد يميل ظنه إلى أحدهما إلا أنه لا يبلغ أن يجزم به، فعلى هذا الثاني إذا ظنه على أن الراوي تعمد الكذب قال فيه: "متهم بالكذب" أو نحو ذلك مما يؤدي هذا المعنى ... (2)(1/5)
الوجه الثاني: مقتضى اللغة، والتهمة عند أهل اللغة مشتقة من الوهم وهو كما في (القاموس) "من خطرات القلب أو مرجوح طرفي المتردد فيه" ولا تهمة بهذا المعنى تعرض في الخبر إذا كان فيه إثبات ما يظهر أن المخبر يجب أن يعتقد السامع ثبوته وذلك كشهادة الرجل لقريبه وصديقه وعلى من بينه وبينه نفرة، وكذلك إخباره عن قريبه أو صديقه بما يحمد عليه واخبراه عمن هو نافر عنه بما يذم عيه وقس على هذا كل ما من شأنه أن يدعو إلى الكذب .. وتلك الدواعي تخفي وتتفاوت آثارها في النفوس وتتعارض وتعارضها الموانع من الكذب، فلذلك اكتفى الشارع في باب الرواية بالإسلام والعدالة والصدق، فمن ثبتت عدالته وعرف بتحري الصدق من المسلمين فهو على العدالة والصدق في أخباره لا يقدح في أخباره أن يقوم به بعض تلك الواعي ولا أن يتهمه من لا يعرف عدالته أو لا يعرف أثر العدالة على النفي أو من له هوى مخالف لذلك الخبر" (1/38-39).
16- متى لا يقبل الجرح؟
"كل من ثبت عدالته لا يتهمه عارفوه الذين يعدلونه ولا الواثقون بتعديل المعدلين، فإن اتهمه غيرهم كان معنى ذلك أنه غير واثق بتعديل المعدلين، ومتى ثبت التعديل الشرعي لم يلتفت إلى من لا يثق به" (1/41).
17- شروط قبول الرواية:
"لا شبهة أن المبتدع إن خرج ببدعته عن الإسلام لم تقبل روايته لأن من شرط قبول الرواية الإسلام. وإنه إن ظهر عناده أو إسرافه في اتبع الهوى والإعراض عن حجج الحق ونحو ذلك مما هو أدل على وهن التدين من كثير من الكبائر كشرب الخمر وأخذ الربا فليس بعدل، فلا تقبل روايته لأن من شرط قبول الرواية العدالة. وإنه استحل الكذب، فإما أن يكفر بذلك، وإما أن يفسق، فإن عذرناه فمن شرط قبول الرواية الصدق فلا تقبل روايته، وإن من تردد أهل العلم فيه لفم يتحه لهم أن يكفروه أو يفسقوه ولا أن يعدلوه فلا تقبل روايته لأنه لم تثبت عدالته" (1/44).
18- شرح قبول الجوزجاني:(1/6)
"قال -الجوزجاني- في مقدمة كتابه في الجرح والتعديل ومنهم زائغ عن الحق، صدوق اللهجة، قد جرى في الناس حديثه، لكنه مخذول في بدعته، مأمون في روايته، فهؤلاء ليس فيهم حيلة إلا أن يؤخذ من حديثهم ما يعرف وليس بمنكر إذا لم تقو به بدعتهم فيتهمونه بذلك".
قال المعلمي: "فكأن الجوزجاني لما علم أنه سبيل إلى الطعن في هؤلاء وأمثالهم مطلقاً حاول أن يتخلص مما يكرهه من مروياتهم وهو ما يتعلق بفضائل أهل البيت، وعبارته المذكورة تعطى أن المبتدع الصادق اللهجة المأمون في الرواية المقبول حديثه عند أهل السنة إذا روى حديثاً معروفاً عند أهل السنة غير منكر عندهم إلا أنه مما قد تقوي به بدعته فإنه لا يؤخذ وأنه يتهم، فأما اختبار أن لا يؤخذ فله وجه رعاية للمصلحة كما مر، وأما أنه يتعم فلا يظهر له وجه بعد اجتماع تلك الشرائط إلا أن يكون المراد أن قد يتهمه من عرف بدعته ولم يعرف صدقه وأمانته، ولم يعرف أن ذاك الحديث معروف غير منكر فيسئ الظن به وبمروياته، ولا يبعد من الجوزجاني أن يصانع عما في نفسه بإظهار أنه إنما يحاول هذا المعنى فبهذا تستقيم عبارته" (1/47-48).
19- حكم رواية المبتدع ما يقوي بدعته:(1/7)
"أن من لا يؤمن منه تعمد التحريف والزيادة والنقص على أي وجه كان فلم تثبت عدالته، فإن كان كل من اعتقد أمراً ورأي أنه الحق وأن القربة إلى الله تعالى في تثبيته لا يؤمن منه ذلك فليس في الدنيا ثقة، وهذا باطل قطعاً، فالحكم به على المبتدع إن قامت الحجة على خلافه بثبوت عدالته وصدقه وأمانته فباطل، وإلا وجب أن لا يحتج بخبره البتة، سواء أوافق بدعته أم خالفها، والعدالة: "ملكة تمنع من اقتراف الكبائر ..." وتعديل الشخص شهادة له بحصول هذه الملكة، ولا تجوز الشهادة بذلك حتى يغلب على الظن غلبة واضحة حصولها له، وذلك يتضمن غلبة الظن بأن تلك الملكة تمن من تعمد التحريف والزيادة والنقص، زمن غلب على الظن غلبة يصح الجزم بها أنه لا يقع منه ذلك فكيف لا يؤمن أن يقع منه؟ ومن لا يؤمن أن يقع منه ذلك فلم يغلب على الظن أن له ملكة تمنعه من ذلك، ومن خيف أن يغلبه ضرب من الهوى فيوقعه في تعمد الكذب والتحريف لم يؤمن أن يغلبه ضرب آخر وإن لم نشعر به، بل الضرب الواحد من الهوى قد يوقع في أشياء يتراءى لنا أنها متضادة، فقد جاء أن موسى بن طريف الأسدي كان يرى رأي أهل الشام في الانحراف عن علي ( وروي أحاديث منكرة في فضل علي ويقول: "إني لأسخر بهم" يعني بالشيعة، [إلى أن قال] هذا وقد مر تحقيق علة رد الداعية، وتلك العل ملازمة أتن يكون بحيث يحق أن لا يؤمن منه ما ينافي العدالة فهذه العلة إن ورجت في كل مبتدع روى ما يقي بدعته ولو لم يكن داعية وجب أن لا يحتج بشيء من مرويات من كان كذلك ولو فيما يوهن بدعته،/ وإلا -وهو الصواب- فلا يصح إطلاق الحكم بل يدور مع العلة،فذاك المروي المقوي لبدعة راويه إما غير منكر فلا وجه لرده فضلاً عن رد راويه، وإما منكر، فحكم المنكر معروف،وهو أنه ضعيف، فأما راويه فإن اتجه الحمل ليه بما ينافي العدالة كرميه بتعمد الكذب أو اتهامه به سقط البتة ون اتجه الحمل على غير ذلك كالتدليس المغتفر والوهم والخطأ لم يجرح(1/8)
بذلك، وإن تردد الناظر وقد ثبتت العدالة وجب القبول، وإلا أخذ بقول من هو أعرف منه أو وقف" (1/48) (53) مختصراً.
20- كلام العالم غي غيره على وجهين:
"الأول ما يخرج مخرج الذم بدون قصد الحكم".
الوجه الثاني: ما يصدر على وجه الحكم فهذا إنما يخشى فيه الخطأ، وأئمة الحديث عارفون متبحرون متيقظون يتحرزون من الخطأ هدهم لكنهم متفاوتون في ذلك، ومهما بلغ الحاكم من التحري فإنه لا يبلغ أن تكون أحكامه كلها مطابقة لما في نفس الأمر" (1/54) (1/65).
21- ما هو مستند الأحكام:
"وغالب الأحكام إنما تبنى على غلبة الظن، والظن قد يخطئ، والظنون تتفاوت، فمن الظنون المعتد بها ماله ضابط شرعي، كمخبر الثقة، ومنها ما ضابطه أن تطمئن إليه نفس العارف المتوقي المتثبت بحيث يجزم بالأخبار بمقتضاه طيب النفس منشرح الصدر، فمن الناس من يغتر بالظن الضعيف فيجزم، وهذا هو الذي يطعن أئمة الحديث في حفظه وضبطه فيقولون: "يحدث على التوهم -كثير الوهم- كثير الخطأ- يهم- يخطئ" ومهم المعتدل، ومنهم البالغ التثبت" (1/56-57).
22- ما يخشى في الجرح يخشى في التعديل:(1/9)
"هذا وكل ما يخشى في الذم والجرح يخشى في الثناء والتعديل، فقد يكون الرجل ضعيفاً في الرواية لكنه صالح في دينه كأبان بن أبي عياش، أو غيور على السنة كمؤمل بن إسماعيل، أو فقيه كمحمد بن أبي ليلى، فتجد أهل العلم ربما يثنون على الرجل من هؤلاء غير قاصدين الحكم له بالثقة في روايته، وقد يرى العالم أن الناس بالغوا في الطعن فيبالغ هو في المدح كما يروي عن ماد بن سلمة أنه كذكر له طعن شعبة في أبان بن أبي عياش فقال: أبان خير من شعبة، وقد يكو العالم واداً لصاحبه فيأتي فيه نحو ما تقدم فيأتي كلمات الثناء التي لا يقصد بها الحكم ولاسيما عند الغضب كأن تسمع رجلاً يذم صديقك أو شيخك أو إمامك فإن الغضب قد يدعوك إلى المبالغة في إطراء من ذمه، وكذلك يقابل كلمات التنفير بكلمات الترغيب، وكذلك تجد الإنسان إلى تعديل من يميل إليه ويحسن به الطن أسرع منه إلى تعديل غيره، واحتمال التسمح في الثناء أقرب من احتماله في الذم، فإن العالم يمنعه من التسمح في الذم الخوف على دينه لئلا يكون غيبة، والخوف على عرضه فإن من ذم الناس دعاهم إلى ذمه.
ومن دعا الناس إلى ذمه
ذموه بالحق والباطل
ومع هذا كله فالصواب في الجرح والتعديل هو الغالب، وإنما يحتاج إلى التثبت والتأمل فيمن جاء فيه تعديل وجرح، ولا يسوغ ترجيح الجرح مطلقاً بأن الجارح كان ساخطاً على المجروح، ولا ترجيح الجرح مطلقاً بأن المعدل كان صديقاً له، وإنما يستدل بالسخط والصداقة على احتمال الخطأ إذا كان محتملاً، فأما إذا لزم من اطراح الجرح أو التعديل نسبة من صدر منه ذلك إلى افتراء الكذب أو تعمد الباطل أو الغلط الفاحش الذي يندر وقوع مثله فهذا يحتاج إلى بينة أخرى، لا يكفي فيه إثبات أنه كان ساخطاً أو محباً" (1/58-59).
23- حال ابن خراش:
"عبد الرحمن بن يوسف بن خراش المحدث الحافظ فإنه من غلاة الشيعة بل نسب إلى الرفض فيتأتى في جرحه لأهل الشام للعداوة البينة في الاعتقاد" (1/59).(1/10)
24- حال الجوزجاني:
"وقد تتبعت كثيراً من كلام الجوزجاني في المتشيعين فلم أجده متجاوزاً الحد، وإنما الرجل لما فيه من النصب يرى التشيع مذهباً سيئاً وبدعة ضلالة(3) وزيغاً عن الحق وخذلاناً، فيطلق على المتشيعين ما يقتضيه اعتقاده كقوله: "زائغ عن القصد -سيئ المذهب" ... [إلى أن قال] وغاية الأمر أن الجوزجاني هَوّلَ، وعلى كل حال فلم يخرج من كلام أهل العلم" (1/60).
25- حكم الجرح المجمل:
"فالتحقيق أن الجرح المجمل يثبت به جرح من لم يعدل نصاً ولا حكماً، ويوجب التوقف فيمن قد عدل حتى يسفر البحث عما يقتضي قبوله أو رده" (1/64).
26- أمور لابد من اتباعها عند البحث في كتب الرجال:
"من أحب أن ينظر في كتب الجرح والتعديل للبحث عن حال رجل وقع في سند فعليه أن يراعي أموراً:
الأول: إذا وجد ترجمة بمثل ذاك الاسم فليثبت حتى يتحقق أن تلك الترجمة هي لذاك الرجل فإن الأسماء كثيراً ما تشتبه ويقع الغلط والمغالطة فيها.
والثاني: ليستوثق من صحة النسخة وليراجع غيرها إن تيسر له ليتحقق أن ما فيها ثابت عن مؤلف الكتاب. راجع (الطليعة) (ص55-59).
الثالث: إذا وجد في الترجمة كلمة جرح أو تعديل منسوبة إلى بعض الأئمة فلينظر إثباته هي عن ذاك الإمام أم لا؟ راجع (الطليعة) (ص78-86).
الرابع: ليستثبت أن تلك الكلمة قيلت في صاحب الترجمة فإن الأسماء تتشابه، وقد يقول المحدث كلمة في راو فيظنها السامع في آخر، ويحكيها كذلك وقد يحكيها السامع فيمن قيلت فيه ويخطئ بعض من بعده فيحملها على آخر.
الخامس: إذا رأى في الترجمة "وثقه فلان" أو "ضعفه فلان" أو "كذبه فلان" فليبحث عن عبارة فلان، فقد لا يكون قال: "هو ثقة" أو "هو ضعيف" أو "هو كذاب".
السادس: أصحاب الكتب كثيراً ما يتصرفون في عبارات الأئمة بقصد الاختصار أو غيره وربما يخل ذلك بالمعنى فينبغي أن يراجع عدة كتب فإذا وجد اختلافاً بحث عن العبارة الأصلية ليبني عليها.(1/11)
السابع: قال ابن حجر في (لسان الميزان) (ج1 ص17).
"وينبغي أن يتأمل أيضاً أقوال المركزين ومخارجها، ... فمن ذلك أن الدوري قال عن ابن معين أنه سُئل عن محمد بن إسحاق بمفرده فقال: "صدوق وليس بحجة، ومثله أن أبا حاتم قيل له: أيهما أحب إليك يونس أو عقيل؟ فقال: عقيل لا بأس به، وهو يريد تفتضيله على يونس، وسُئل عن عقيل وزمعة بن صالح فقال: عقيل ثقة متقن، وهذا حكم على اختلاف السؤال، وعلى هذا يحمل أكثر ما ورد من اختلاف أئمة الجرح والتعديل ممن وثق رجلاً في وقت وجرحه في وقت آخر..."(4).
الثامن: ينبغي أن يبحث عن معرفة الجارح أو المعدل بمن جرحه أو عدله، فإن أئمة الحديث لا يقتصرون على الكلام فيمن طالت مجالستهم له ومكنت معرفتهم به، بل قد يتكلم أحدهم فيمن لقيه مرة واحدة وسمع منه مجلساً واحداً، أو حديثاً واحداً، وفيمن عاصره ولم يلقه ولكنه بلغه شئ من حديثه وفيمن كان قبله بمدة قد تبلغ مئات السنين إذا بلغه شئ من حديثه، ومنهم من يجاوز ذلك، فابن حبان قد يذكر في (الثقات) من يجد البخاري سماه في (تاريخه) من القدماء. وإن لم يعرف ما روى وعمن روى ومن روى عنه، ولكن ابن حبان يشدد وربما تعنت فيمن وجد في روايته واستنكره وإن كان الرجل معروفاً مكثراً؟ والعجلي قريب منه في توثيق المجاهيل من القدماء، وكذلك ابن سعد، وابن معين والنسائي وآخرون غيرهما يوثقون من كان من التابعين أو أتباعهم إذا وجدوا رواية أحدهم مستقيمة بأن يكون له فيما يروي متابع أو شاهد، وإن لم يروا عنه إلا واحد ولم يبلغهم عنه إلا حديث واحد، فممن وثقه ابن معين من هذا الضرب الأسقع بن الأسلع والحكم بن عبد الله البلوي ووهب بن جابر الخيواني وآخرون، وممن وثقه النسائي رافع بن إسحاق وزهير بن الأقمر وسعد بن سمرة وآخرون.(1/12)
التاسع: ليبحث عن رأي كل إمام من أئمة الجرح والتعديل واصطلاحه مستعيناً على ذلك بتتبع كلامه في الرواة واختلاف الرواية عنه في بعضهم مع مقارنة كلامه بكلام غيره" (1/64-71) مع حذف الأمثلة.
27- طريقة ابن معين في الجرح والتعديل:
"وكان ابن معين إذا لقي في رحلته شيخاً فسمع منه مجلساً، أو ورد بغداد شيخ فسمع منه مجلساً فرأى تلك الأحاديث مستقيمة ثم سئل عن الشيخ؟ وثقه، وقد يتفق أن يكون الشيخ دجالاً استقبل ابن معين بأحاديث صحيحة ويكون قد خلط قبل ذلك أو يخلط بعد ذلك، ذكر ابن الجنيد أنه سأل ابن معين عن محمد بن كثير القرشي الكوفي فقال: "ما كان به بأس" فحكى له عنه أحاديث تُستنكر، فقال ابن معين: "فإن كان هذا الشيخ روى هذا فهو كذاب وإلا فإني رأيت حديث الشيخ مستقيماً" وقال ابن معين في محمد بن القاسم الأسدي: "ثقة وقد كتبت عنه" وقد كذبه أحمد وقال: "أحاديثه موضوعة" وقال أبو داود: "غير ثقة ولا مأمون، أحاديثه موضوعة".
وهكذا يقع في التضعيف ربما يجرح أحجمهم الراوي لحديث واحد استنكره وقد يكون عذر" (1/70).
28- معنى قولهم ليس بثقة وليس بثقة ولا مأمون والفرق بينهما:
"وكلمة "ليس بثقة" حقيقتها اللغوية نفي أن يكون بحيث يقال له "ثقة" ولا مانع من استعمالها بهذا المعنى، وقد ذكرها الخطيب في (الكفاية) في أمثلة الجرح غير المفسر... نعم إذا قيل: "ليس ثقة ولا مأمون" تعين الجرح الشديد، وإن اقتصر على "ليس بثقة" فالمتبادر جرح شديد، ولكن إذا كان هناك ما يشعر بأنها استعملت في المعنى الآخر حملت عليه، وهكذا كلمة ثقة معناها المعروف التوثيق التام، فلا تصرف عنه إلا بدليل، إما قرينة لفظية كقول يعقوب: "ضعيف الحديث فهو ثقة صدوق" وبقية الأمثلة السابقة، وإما حالية منقولة أو مستدل عليها بكلمة أخرى عن قائلها" (1/73).
29- متى يطالب بالتفسير؟ وأحوال الرجال الذين في الصحيحين:(1/13)
"فالتحقيق أن كلا من التعديل والجرح الذي لم يبين سببه يحتمل وقوع الخلل فيه، والذي ينبغي أن يؤخذ به منهما هو ما كان احتمال الخلل في أبعد من احتماله في الآخر، وهذا يختلف ويتفاوت باختلاف الوقائع والناظر في زماننا لا يكاد يتبين له الفصل في ذلك إلا بالاستدلال بصنيع الأئمة، كما إذا وجدنا البخاري ومسلماً قد احتجا أو أحدهما براو سبق ممن قبلهما فيه جرح غير مفسر، فإنه يظهر لنا رجحان التعديل غالباً، وقس على ذلك... لكن ينبغي النظر في كيفية رواية الشيخين عن الرجل فقد يحتجان أو أحدهما بالراوي في شيء دون شئ وقد لا يحتجان به، وإنما يخرجان له ما توبع عليه، من تتبع ذلك وأنعم ليه النظر علم أنهما في الغالب لا يهملان الجرح البتة بل يحملانه على أمر خاص، أو على لين في الراوي لا يحطه عن الصلاحية به فيما ليس مظنة الخطأ أو فيما توبع عليه ونحو ذلك" (1/77).
30- للعدالة جهتين:
"الأولى: استقامة السيرة، وثبوت هذا بالنظر إلى هذه القاعدة تظهر فيمن تظهر عدالته ويعدل تعديلاً معتمداً وتمضي مدة ثم يخرج، فأما ماعدا ذلك فالمدار على الترجيح وقد مر في القاعدة السابقة.
الجهة الثانية: استقامة الرواية وهذا يثبت عند المحدث بتتبعه أحاديث الراوي واعتبارها وتبين أنها كلها مستقيمة تدل على أن الراوي من أهل الصدق والأمانة، وهذا لا يتيسر لأهل عصرنا لكن إذا كان القادحون في الراوي قد نصوا على ما أنكروه من حديثه بحيث ظهر أن ماعدا ذلك من حديثه مستقيم فقد يتيسر لنا أن ننظر في تلك الأحاديث فإذا تبين أنلها مخارج قوية تدفع التهمة عن الرواي فقد ثبتت استقامة روايته... فأما ماعدا هذا فإننا نحتاج إلى الترجيح، فقد يترجح عندنا استقامة رواية الرجل باحتجاج البخاري به في صحيحه لظهور أن البخاري إنما احتج به بعد أن تتبع أحاديثه وسبرها وتبين له استقامتها، وقد علمنا مكانة البخاري وسعة اطلاعه ونفوذ نظره وشدة احتياطه في (صحيحه) (1/80).(1/14)
31- عادة ابن حجر في التهذيب واللسان:
"وعادة مؤلفها أن لا يجزم بالنقل فيما لم يثبت عنده" (1/88).
32- اصطلاح أبو نعيم في أخبرنا:
"أبا نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني ربما تكون له إجازة عامة من شيخ ثم يسمع الشيء ويرويه رجل عن ذاك الشيخ فيرويه أبو نعيم عن الشيخ نفسه بلفظ (أخبرنا) على اصطلاحه في الإجازة فيكون البلاء في هذا الحديث من الرجل الذي بين أبي نعيم وابن شاهين ويبرأ غيره. والله أعلم" (1/91-92).
33- حال ابن قتيبة وابن النديم:
"ابن قتيبة وابن النديم لا شأن لهما بمعرفة الرواية والخطأ والصواب فيها وأحوال الرواة ومراتبهم وإنما فن ابن قتيبة معرفة اللغة والغريب والأدب، وابن النديم رافضي وراق، فنه معرفة أسماء الكتب التي كان يتجر بها" (1/99-100).
34- حال ابن سعد في النقد:
"فليس ابن سعد في معرفة الحديث ونقده ومعرفة درجات رجاله في حد أن يقبل منه تليين من ثبته غيره على أنه في أكثر كلامه إنما يتابع شيخه الواقدي، والواقدي تالف، وفي (مقدمة الفتح) في ترجمة عبد الرحمن بن شريح: "شذ ابن سعد فقال منكر الحديث، ولم يلفت أحد إلى ابن سعد في هذا فإن مادته من الواقدي في الغالب والواقدي ليس بمعتمد [إلى أن قال ابن حجر]، إن تضعيف ابن سعد فيه نظر لاعتماده على الواقدي" (1/100-101).
35- متى تضر كثرة الغرائب؟
"وكثرة الغرائب إنما تضر الراوي في أحد حالين:
الأولى: أن يكون مع غرابتها منكرة عن شيوخ ثقات بأسانيد جيدة.(1/15)
الثانية: أن يكون مع كثرة غرائبه غير معروف بكثرة الطلب. ففي الحال الأولى تكون تبعة النكارة على الراوي نفسه لظهور براءة من فوقه عنها، وفي الحال الثانية يقال من أين له هذه الغرائب الكثيرة مع قلة طلبه؟ فيتهم بسرقة الحديث كما قال ابن نمير في أبى هشام الرفاعي: "كان أضعفنا وأكثرنا غرائب". وحفاظ نيسابور كانوا يعرفون صاحبهم بكثرة الطلب والحرص عليه وطول الرحلة وكثرة الحديث، ولازم ذلك كثرة الغرائب، وعرفوه مع ذلك بالأمانة والفضل والتثبت فلم يشكوا فيه، وهم أعرف به" (1/104).
36- حال الجوزجاني في أهل الكوفة:
"فأما حط الجوزجاني على أهل الكوفة فخاص بمن كان شيعاً يبغض بعض الصحابة أو يكون ممن يظن به ذلك" (2/106).
37- سبب اختيار الناس رواية القطيعي للمسند والزهد:
"وكتب الإمام أحمد كـ (المسند) و (الزهد) كانت نسخها مشهورة متداولة قد رواها غير القطيعي وإنما اعتنوا بالقطيعي واشتهرت رواية كالكتب من طريقه لعلو السند" (1/109).
38- سبب رواية الأكابر للموضوعات والمناكير:
"أقول: مدار التشديد في هذا الحديث الصحيح: "من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكذابين" ومن تدبر علم أنه إنما يكون كاذباً على أحد وجهين:
الأول: أن يرسل ذاك الحديث جازماً كأن يقول: "قال النبي صلى الله عليه وسلم ...".(1/16)
الثاني: أن يكون ظاهر حاله في تحديثه أن ذاك الخبر عنده صدق أو محتمل أن يكون صدقاً فيكون موهماً خلاف الواقع فيكون بالنظر إلى ذلك الإيهام كاذباً، وقد علمنا أن قول من صحب أنساً: "قال أنس ..." موهم بل مفهم إفهاماً تقوم به الحجة أنه سمع ذلك من أنس إلا أن يكون مدلساً معروفاً بالتدليس، فإذا كان معروفاً بالتدليس فقال فيما لم يسمعه من أنس: "قال أنس..." إلا فيما سمعه من أنس، وبذلك زال الإفهام والإيهام فزال الكذب فهكذا، وأولى منه من عرف بأنه لحرصه على الجمع والإكثار والإغراب وعلى الإسناد يروي ما سمعه من الأخبار وإن كان باطلاً ولا يبين، فإنه إذا عرف بذلك لم يكن ظاهر حاله أنه لا يحدث غير مبين إلا بما هو عنده صدق أو محتمل الصدق، فزال الإيهام فزال الكذب، فلا يجرح ولكن يلام على شرهه ويذكر بعادته لتعرف، وكما يكفي المدلس أن يعرف عادته أهل العلم وإن جهلها غيرهم فكذلك هذا، لأن الفرض على غير العلماء مراجعة العلماء" (1/120-121).
39- حال أبو نعيم:
"والحق أن أبا نعيم نوضع من نفسه ومن كتبه فجزاؤه أن لا يعتد بشيء من مروياته إلا ما صرح فيه بالسماع الواضح" (1/123).
40- حال الذهبي في النقد:
"والذهبي معروف بالميل إلى الحنابلة" (1/124).
41- موقف المتحري من المجهول:
"فإن المتحري مثل الخطيب لا يطلق كلمة "مجهول" إلا فيمن يئس من أن يعرفه هو أو غيره من أهل العلم في عصره، وإذا لم ييأس فإنما يقول: "لا أعرفه" (1/126).
42- طريقة البخاري في انتقاء الرواة:(1/17)
"في باب: الإمام ينهض بالركعتين مع (جامع الترمذي): قال محمد بن إسماعيل البخاري: ابن أبي ليلى هو صدوق، وأروي عنه لأنه لا يدري صحيح حديثه من سقيمه، وكل من كان مثل هذا فلا أروي عنه شيئاً" والبخاري لم يدرك ابن أبي ليلى، فقوله: "لا أروي عنه" أي بواسطة، وقوله: "وكل من كان مثل هذا فلا أروي عنه شيئاً" يتناول الرواية بواسطة وبلا واسطة أولى، لأن المعروف عن أكثر المتحفظين أنهم إنما يتقون الرواية عن الضعفاء بلا واسطة، وكثيراً ما يروون عن متقدمي الضعفاء بواسطة.
وهذه الحكاية تقتضي أن يكون البخاري لم يرو عن أحد إلا وهو يرى أنه يمكنه تمييز صحيح حديثه من سقيمه، وهذا يقتضي أن يكون الراوي على الأقل صدوقاً في الأصل فإن الكذاب لا يمكن أن يعرف صحيح حديثه، فإن قيل: قد يعرف بموافقته الثقات، قلت: قد لا يكون سمع وإنما سرق من بعض أولئك الثقات، ولو اعتد البخاري بموافقة الثقات لروى عن ابن أبي ليلى ولم يقل فيه تلك الكلمة فإن ابن أبي ليلى عند البخاري وغيره صدوق، وقد وافق الثقات في كثير من أحاديثه، ولكنه عند البخاري كثير الغلط بحيث لا يؤمن غلطه حتى فيما وافق عليه الثقات، وقريب منه من عرف بقبول التلقين، فأنه قد يلقن من أحاديث شيوخه ما حدثوا به ولكنه لم يسمعه منهم، وهكذا من يحدث على التوهم فإنه قد يسمع من أقرانه عن شيوخه ثم يتوهم أنه سمعها من شيوخه فيرويها عنهم.
فمقصود البخاري من معرفة صحيح حديث الراوي من شيوخه لا تحصل بمجرد موافقة الثقات، وإنما يحصل بأحد أمرين إما يكون الراوي ثقة ثبتاً فيعرف صحيح حديثه بتحديثه، وإما أن يكون صدوقاً يغلط ولكن يمكن معرفة ما لم يغلط فيه بطريق أخرى كأن يكون له أصول جيدة، وكأن يكون غلطه خاصاً بجهة كيحيى بن عبد الله بن بكير روى عنه البخاري، وقال في (التاريخ الصغير) ما روى يحيى بن عبد الله بن بكير عن أهل الحجاز في التاريخ فإني اتقيه" ونحو ذلك.(1/18)
فإن قيل قضية الحكاية المذكورة أن يكون البخاري التزم أن لا يروي إلا ما هو عنده صحيح، فإنه كان يروي ما لا يرى صحته فأي فائدة في تركه الرواية عمن لا يدري صحيح حديثه من سقيمه؟ لكن كيف تصح هذه القضية مع أن في كتب البخاري -غير الصحيح- أحاديث غير صحيحة، وكثير منها يحكم هو نفسه بعدم صحتها؟ قلت: أما ما نبه على عدم صحته فالخطب فيه سهل وذلك بأن يحمل كونه لا يروي ما لا يصح على الرواية بقصد التحديث أو الاحتجاج فلا يشمل ذلك ما يذكره ليبين عدم صحته، ويبقى النظر فيما عدا ذلك، وقد يقال إنه إذا رأى أن الراوي لا يعرف صحيح حديثه من سقيمه تركه البتة ليعرف الناس ضعفه مطلقاً، وإذا رأى أنه يمكن معرفة صحيح حديثه من سقيمه في باب دون باب ترك الرواية عنه في الباب الذي لا يعرف فيه كما في يحيى بن بكر، وأما غير ذلك فإنه يروي ما عرف صحته وما قاربه أو أشبهه مبيناً الواقع بالقول أو الحال. والله أعلم" (1/129-130) مختصراً.
43- حال الأبَار:
"والأبار ناقل لا ناقد" (1/130).
44- حال سبط ابن الجوزي:
"السبط ليس بعمدة" (1/135).
45- حكم الاختلاف في وفاة راوٍ:
"وقوع الاختلاف في ذلك في الجملة إنما هو بمنزلة وقوعه في أدلة الأحكام لا يبيح إلغاء الجميع جملة بل يؤخذ بما لا مخالف له وينظر في المتخالفين فيؤخذ بأرجحهما، فإن لم يظهر الرجحان أخذ بما اتفقا عليه، مثال ذلك ما قيل في وفاة سعد بن أبي وقاص سنة 51، 54، 55، 56، 57، 58، فإن لم يترجح أحدهما أخذ بما دل عليه مجموعها أنه لم يعش بعد سنة 58. فإن جاءت رواية عن رجل أنه لقي "سعداً" بمكة سنة (65) مثلاً استنكرها أهل العلم، ثم ينظرون في السند فإذا وجدوا فيه من لم تثبت ثقته حملوا عليه" (1/183-184).
46- عادة للحفاظ في ترجمة الراوي:
"أن من عادتهم أنهم يحرصون على أن يذكروا في ترجمة الرجل أقدم شيوخه وأجلهم" (1/201).
47- ما الذي يمنع الكذاب الرواية عن المشهور وروايته عمن دونه:(1/19)
"قلت: منعه علمه بأن الكذب على المشاهير سرعان ما يفتضح لإحاطة أهل العلم بما رووه، بخلاف المغمورين الذين لم يرغب أهل العلم في استقصاء ما رووه" (1/201).
48- طريقة المتقدمين والمتأخرين في نقد الراوي:
"واعلم أن المتقدمين كانوا يعتمدون على الحفظ فكان النقاد يعتمدون في النقد عدالة الراوي واستقامة حديثه، فمن ظهرت عدالته وكان حديثه مستقيماً وثقوه، ثم صاروا يعتمدون الكتابة عند السماع فكان النقاد إذا استنكروا شيئاً من حديث الراوي طالبوه بالأصل، ثم بالغوا في الاعتماد على الكتابة وتقييد السماع فشدد النقاد فكان أكثرهم لا يسمعون من الشيخ حتى يشاهدوا أصله القديم الموثوق به المقيد سماعه فيه، فإذا لم يكن للشيخ أصل لم يعتمدوا عليه وربما صرح بعضهم بتضعيفه، فإذا ادعى السماع ممن يستبعدون سماعه منه كان الأمر أشد.
ولا ريب أن في هذه الحال الثالثة احتياطاً بالغاً لكن إذا عرفت عدالة الرجل وضبطه وصدقه وفي كلامه، وادعى سماعاً محتملاً ممكناَ، ولم يبرز به أصلاًَ واعتذر بعذر محتمل قريب ولم يأت بما ينكر فبأي حجة يرد خبره؟" (1/208).
49- من الذي يقبل فيه الجرح ومن لا يقبل؟
"ومن ثبت عدالته لم يقبل فيه الجرح بحجة وبينة واضحة" (1/228-229).
50- حال ابن الجوزي:
"ولا نعلم ابن الجوزي التزم الصحة فيما يحكيه بغير سند، ولو التزم لكان في صحة الاعتماد على نقله نظر لأنه كثير الأوهام، وقد أثنى عليه الذهبي في (تذكرة الحفاظ) كثيراً ثم حكى عن بعض أهل العلم أنه قال في ابن الجوزي: "كان كثير الغلط فيما يصنفه فإنه كان يفرغ ن الكتاب ولا يعتبره" قال الذهبي: "نعم له وهم كثير في تواليفه يدخل عليه الداخل من العجلة والتحويل إلى مصنف آخر ومن أجل أن علمه من كتب صحف ما مارس فيها أرباب العلم كما ينبغي " وذكر ابن حجر في (لسان الميزان) (3/84) حكاية عن ابن الجوزي ثم قال: "دلت هذه القصة على أن ابن الجوزي حاطب ليل لا ينقد ما يحدث به" (1/229).(1/20)
51- حكم من كان الرواة يدلسون اسمه:
"وساق الخطيب في (الموضح) فصلاً في ابن زنبور فذكر أن الرواة عنه غيروا اسمه على سبعة أوجه وهذا يشعر بأن الناس كانوا يستضعفونه لذلك كان الرواة عنه يدلسونه" (1/231).
52- إذا ثبت أن حديث ما هو خطأ فعلي من يعمل الخطأ قاله في حديثه استنكره الحفاظ من طريق محمد بن زنبور عن الحارث بن عمير:
"قال المعلمي: لو كان لابد من جرح أحد الرجلين لكان ابن زنبور أحق بالجرح، لأن عدالة الحارث أثبت جداً وأقدم، لكن التحقيق ما اقتضاه صنيع النسائي من توثيق الرجلين، ويحمل الإنكار في بعض حديث ابن زنبور عن الحارث على خطأ ابن زنبور، وقد قال فيه ابن حبان نفسه في (الثقات): "ربما أخطأ" (1/231).
53- بعض الروايات الخاصة:
"وقد وثق الأئمة جماعة من الرواة ومع ذلك خالفوهم فيما يروونه عن شيوخ معينين منهم عبد الكريم الجزري فيما يرويه عن عطاء، ومنهم عثمان بن غياث وعمرو بن أبي عمرو وداود ابن الحصين فيما يروونه عن عكرمة، ومنهم عمر بن أبي سلمة فيما يرويه عن زهير بن محمد، ومنهم هشيم فيما يرويه عن الزهري، ومنهم ورقاء فيما يرويه عن منصور بن المعتمر، ومنهم الوليد بن مسلم فيما يرويه عن مالك، فهكذا ينبغي مع توثيق ابن زنبور تضعيفه فيما يرويه عن الحارث بن عمير" (1/232).
54- الفرق بين التغيير والاختلاط:
"لأن التغيير أعم من الاختلاط" (1/234).
55- سبب إطلاق الأئمة التوثيق فيمن ذكرانه اختلط:
"وسكوت الحفاظ الأيقاظ كابن معين وأحمد وأبي خيثمة وكلهم بغداديون عن نقل اختلاط حجاج وبين تاريخه وبيان من سمع منه فيه مع إطلاقهم توثيق حجاج وتوثيق كثيرين ممن روى عن حجاج يدل حتماً على أحد أمرين: إما أن لا يكون حجاج اختلط، وإنما تغير تغيراً يسيراً لا يضر، وإما أن لا يكون سمع منه أحد في مدة اختلاطه" (1/234).
56- حكم التلقين والملقن:(1/21)
"التلقين القادح في الملقن هو أن يوقع الشيخ في الكذب ولا يبين، فإن كان إنما فعل ذلك، امتحاناً للشيخ وبين ذلك في المجلس لم يضره، وأما الشيخ فإن قبل التلقين وكثر ذلك منه فإنه يسقط" (1/236).
57- حال عثمان بن أبي شيبة:
"وعثمان على قلة كلامه في الرجال يتعنث" (1/240).
58- الفرق بين قول النسائي ليس بقوي وليس بالقوي:
"أقول: عبارة النسائي: "ليس بالقوي" وبين العبارتين فرق لا أراه يخفى على الأستاذ ولا على عارف بالعربية، فكلمة "ليس بقوي" تنفي مطلقاً وإن لم تثبت الضعف مطلقاً، وكلمة "ليس بالقوي" إنما تنفي الدرجة الكاملة من القوة، والنسائي يراعي هذا الفرق فقد قال هذه الكلمة في جماعة أقوياء منهم عبد ربه بن نافع وعبد الرحمن بن سليمان بن الغسيل فبين ابن حجر في ترجمتيهما من (مقدمة الفتح) أن المقصود بذلك أنهما ليسا في درجة الأكابر من أقرانهما، وقال في ترجمة الحسن بن الصباح: "وثقه أحمد وأبو حاتم، وقال النسائي: صالح، وقال في الكني: ليس بالقوي. قلت: هذا تليين هين، وقد روى عنه البخاري وأصحاب (السنن) إلا ابن ماجه ولم يكثر عنه البخاري" (1/240).
59- معنى قول الحفاظ زور:
"جرت عادتهم بكتابة السماع وأسماء السامعين في كل مجلس فمن لم يسمع له في بعض المجالس دل ذلك على أنه فاته فلم يسمعه، فإذا أدعى بعد ذلك أنه سمعه ارتابوا فيه لأنه خلاف الظاهر فإذا زاد فألحق اسمه أو تسمعيه بخط يحكي به خط كاتب بالتسميع الأول قالوا: زور" (1/242).
60- معنى قولهم فلان عسر:
"والعسر في الرواية هو الذي يمتنع من تحديث الناس إلا بعد الجهد وهذه الصفة تنافي التزيد ودعوى سماع ما لم يسمع، إنما يدعي سماع من لم يسمع من له شهادة شديدة في ازدحام الناس عليه وتكاثرهم حوله، ومن كان هكذا كان من شأنه أن يتعرض للناس يدعوهم إلى السماع منه ويرغبهم في ذلك" (1/243).
61- معنى قول الخطيب ليس بمحل للحجة:(1/22)
"فحاصله أنها لا تقوم الحجة بما يتفرد به، وهذا لا يدفع أن يعتمد عليه في الرواية عنه من مصنف معروف كـ (المسند) و (الزهد) (1/243).
62- ما هي الأصناف والتخريج والتحويل:
"فالذي يظهر لي أن ابن المذهب كان يتعاطى التخريج من أصول بعض الأحاديث فيكتب الحديث من طريق شيخ من شيوخه ثم يتصفح أصوله فإذا وجد ذاك الحديث قد سمعه من شيخ آخر بذاك السند كتب اسم ذاك الشيخ مع اسم الشيخ الأول في تخريج وهكذا، وهذا الصنيع مظنة للغلط: أن يريد أن يكتب اسم الشيخ على حديث فيخطئ فيكتب على حديث أخر، أو يرى السند متفقاً فيتوهم أن المتن متفق، وإنما هو متن آخر، وأشباه ذلك، وقد قال ابن معين: "من سمع من حماد بن سلمة الأصناف ففيها اختلاف ومن سمع منه نسخاً فهو صحيح" وقال يعقوب بن سفيان في سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي: "كان صحيح الكتاب إلا أنه كان يحول، فإن وقع فيه شئ فمن النقل وسليمان ثقة" والمراد بأصناف حماد وتحويل سليمان نحو ما ذكرت من التخريج" (1/244).
63- معنى قول أبو حاتم "يكتب حديثه ولا يحتج به":
"وهذه الكلمة يقولها أبو حاتم فيمن هو عنده صدوق ليس بحافظ يحدث بما لا يتقن حفظه فيغلط ويضطرب كما صرح بذلك في ترجمة إبراهيم بن مهاجر" (1/246).
64- في كيفية تحديد النكارة في إسناد ما:(1/23)
"والطريق العلمي في هذا اعتبار نما رواه غير خالد من الثقات عن هياج، وما رواه خالد عن الثقات غير هياج، وما رواه الحسين عن الثقات غير خالد، وبذلك يتبين الحال، فإذا وجدنا غير خالد من الثقات قد رووا عن هياج مناكير يتجه الحمل فيها عليه، ووجدنا خالداً قد روى عن الثقات أحاديث عديدة كلها مستقيمة، ووجدنا الحسين قد روي عن الثقات غير خالد أحاديث كثيرة كلها مستقية، سقط هياج وبرئ خالد وحسن، وهذا هو الذي تبين لابن حبان فذكر هياجاً في (الضعفاء) وقال: "كان مرجئاً يروي الموضوعات عن الثقات"، وذكر خالداً في (الثقات) وكذلك ذكر الحسين وقال: "كان ركناً من أركان السنة في بلده" وأخرج له في (صحيحه) وقد عرف حق المعرفة، وتوثيق ابن حبان لمن عرفه حق المعرفة من أثبت التوثيق" (1/247).
65- متى يشدد ابن معين:
"كان يحيى بن معين ينتقد على الرواة منا يراهم تفردوا به وربما شدد" (1/248).
66- السبب الباعث على سرقة الحديث:
"والباعث على سرقة الحديث هو الغرم بدعوى العلو" (1/281).
67- حال صالح جزرة في النقد:
"كلامه في الرواة جرحاً وتعديلاً فأكثر من أن يحصى وهو في قبول ذلك منه كغيره من أئمة الحديث بإجماع أهل العلم" (2/285).
68- ضعف الواقعة لا يدل على أنه ليس لها أصل:
"وإن دلت الشواهد على أن لها أصلاًَ في الجملة فإن ذلك لا يثبت من تفاصيلها ما لا شاهد له" (2/301).
69- في بيان أن كتب الرجال لم يستوعب:(1/24)
"وكتب الرجال التي بين أيدينا لم تستوعب الرواة، نعم يظهر من كلام الذهبي في خطبة (الميزان) أنه استوعب المتكلم فيهم، وإن من لم يذكره فهو إما ثقة وإما مستور، ومعلوم أن ذلك بحسب ما وقف عليه ولم يغلف عنه، وقد استدرك عليه من بعده جماعة وقفت أنا في الكتب الأخرى على أفراد مضعفين لم يذكروا في (لسان الميزان) وحاول جماعة استيعاب الثقات، والموجود بين أيدينا من كتاب ابن حبان وهو مختص بالقدماء هارون بن إسحاق وطبقته ومن قبلهم، وكثيراً ما يوجد في أسانيد كتب الحديث التي لم يعتن أهل العلم باستيعاب درواتها وكتب التاريخ وغيرهما مما تذكر فيه الأخبار بأسانيدها أسماء رواة لا نجدهم في الكتب التي بأيدينا ومنها أسماء تشبه الموجدين في الكتب ولكن تقوم القرائن على أن المذكور في السند رجل آخر" (2/320).
70- حال الحاكم:
"والحاكم إمام مقبول القول في الجرح والتعديل ما لم يخالفه من يرجح عليه" (2/325).
71- حال ابن بطة:
"فالذي يتحصل أن ابن بطة مع علمه وزهده وفضله وصلاحه البارع كثير الوهم في الرواية فلا يتهم بما ينافى ما تواتر من صلاحه ولا يحتج بما ينفرد بروايته ولا يشنع على الخطيب فيما صنعه وفاء واحب فنه وإظهار لمقتضى نظره" (2/358).
72- معنى قول ابن حبان (يغرب):
"وابن حبان قد يقول مثل هذا لم يستغرب له حديثاً واحداً أو زيادة في الحديث" (2/366).
73- حال السلمي:
"فأما السلمي فأراهم يحتملون حكاياته عن الدارقطني مع أنه على يدي عدل، راجع ترجمته في (لسان الميزان) (5/140) و (2/349).
74- متى يسلم المدلس من الجرح بالتدليس:
"والمدلس إنما يسلم من الجرح بالتدليس إذا كان قد عرف عنه أنه يدلس، فإن ذلك يكون قرينة تخلصه من أن يكون تدليسه كذباً" (2/387-388).
75- حكم رواية المحتاط عن غيره:(1/25)
"والحكم فيمن روى عنه أحد أولئك المحتاطين أن يبحث عنه فإن وجد أن الذي روى عنه قد جرحه تبين أن روايته عنه كانت على وجه الحكاية فلا تكون توثيقاً، وإن وجد أن غيره قد جرحه جرحاً أقوى مما تقتضيه روايته عنه ترجح الجرح، وإلا فظاهر روايته عنه التوثيق" (2/424).
76- درجات توثيق ابن حبان:
"والتحقيق أن توثيقه على درجات:
الأولى: أن يصرح به كأن يقول "كان متقناً" أو "مستقيم الحديث" أو نحو ذلك.
الثانية: أن يكون الرجل من شيوخه الذين جالسهم وخبرهم.
الثالثة: أن يكون من المعروفين بكثرة الحديث بحيث يعلم أن ابن حبان وقف له على أحاديث كثيرة.
الرابعة: أن يظهر من سياق كلامه أنه عرف ذلك الرجل معرفة جيدة.
الخامسة: ما دون ذلك.
فالأولى لا تقل عن توثيق غيره من الأئمة بل لعلها أثبت من توثيق كثير منهم، والثانية قريب منها، والثالثة مقبولة، والرابعة صالحة، والخامسة لا يؤمن فيها الخلل والله أعلم" (2/450-451).
77- حال ابن عقدة:
"وابن عقدة ليس بعمدة كما تقدم في ترجمته وقد تعقب الخطيب حكايته هذه في التاريخ (ج2 ص237) فقال: "في الجرح بما يحكيه أبو العباس بن سعيد (ابن عقدة) نظر، حدثني علي بن محمد بن نصر قال: سمعت حمزة السهمي يقول: سألت أبا بكر ابن عيدان عن ابن عقدة إذا حكى حكاية عن غيره من الشيوخ في الجرح فهل يقبل قوله أم لا؟ فقال: لا يقبل" (2/453-454).
78- حال مسلمة بن قاسم في النقد:
"حده أن يقبل منه توثيق من لم يجرحه من هو أجل منه ونحو ذلك، فأما أن يعارض بقوله نصوص جمهور الأئمة فهذا لا يقوله عاقل" (2/457).
79- أسباب الخلل الواقع في المستدرك:
والذي يظهر لي في ما وقع في (المستدرك) من الخلل أن له عدة أسباب:(1/26)
الأول: حرص الحاكم على الإكثار وقد قال في خطبة (المستدرك): "قد نبغ في عصرنا هذا جماعة من المبتدعة يشتمون برواة الآثار بأن جميع ما يصح عندكم من الحديث لا يبلغ عشرة آلاف حديث وهذه الأسانيد المجموعة المشتملة على ألف جزء أو أقل أو أكثر كلها سقيمة غير صحيحة" فكان له هوى في الإكثار للرد على هؤلاء.
والثاني: أنه قد يقع له الحديث بسند عال أو يكون غريباً مما يتنافس فيه المحدثون فيحرص على إثباته...
الثالث: أنه لأجل السببين الأولين ولكي يخفف عن نفسه من التعب في البحث والنظر لم يلتزم أن لا يخرج ماله علة وأشار إلى ذلك، قال في الخطبة: "سألني جماعة ... أن أجمع كتاباً يشتمل على الأحاديث المروية بأسانيد يحتج محمد بن إسماعيل ومسلم بن الحجاج بمثلها إذ لا سبيل إلى إخراج ما لا علة له فإنهما رحمهما الله لم يدعيا ذلك لأنفسهما" ولم يصب في هذا فإن الشيخين ملتزمان أن يخرجا إلا ما غلب على ظنهما بعد النظر والبحث والتدبر أنه ليس له علة قادحة، وظاهر كلامه أنه لم يلتفت إلى العلل البتة وأنه يخرج ما كان رجاله مثل رجالهما وأن لم يغلب على ظنه أنه ليس له علة قادحة.
الرابع: أنه لأجل السببين الأولين توسع في معنى قوله: "بأسانيد يحتج .. بمثلها" فبنى على أن في رجال الصحيحين من فيه كلام فأخرج عن جماعة يعلم أن فيهم كلاماً. ومحل التوسع أن الشيخين إنما يخرجان لمن فيه كلام في مواضع معروفة.
أحدهما: أن يؤدي اجتهادهما إلى أن الكلام لا يضره في روايته البتة، كما أخرج البخاري لعكرمة.
الثاني: أن يؤدي اجتهادهما إلى أن ذاك الكلام إنما يقتضي أنه لا يصلح للاحتجاج به وحده، ويريان أنه يصلح لأن يحتج به مقروناً أو حيث تابعه غيره ونحو ذلك.(1/27)
ثالثها: أن يريا: أن الضعف الذي في الرجل خاص بروايته عن فلان من شيوخه، أو برواية فلان عنه، أو بما يسمع منه من غير كتابه، أو بما سمع منه بعد اختلاطه، أو بما جاء عنه عنعنة وهو مدلس ولم يأت عنه من وجه آخر ما يدفع ريبة التدليس. فيخرجان للرجل حيث يصلح ولا يخرجان له حيث لا يصلح. وقصر الحاكم في مراعاة هذا وزاد فأخرج في مواضع لمن لم يخرجا ولا أحدهما له بناء على أنه نظير من قد أخرجا له، فلو قيل له: كيف أخرجت لهذا وهو متكلم فيه؟ لعله يجيب بأنهما قد أخرجا لفلان وفيه كلام قريب من الكلام في هذا ولو وفي بهذا لها الخطب، لكنه لم يف به بل أخرج لجماعة هلكى.
الخامس: أنه شرع في تأليف (المستدرك) بعد أن بلغ عمره اثنتين وسبعين سنة وقد ضعفت ذاكرته كما تقدم عنه وكان يظهر تحت يده كتب أخرى يصنفها مع (المستدرك) وقد استشعر قرب أجله فهو حريص على إتمام (المستدرك) وتلك المصنفات قبل موته، فقد يتوهم في الرجل يقع في السند أنهما أخرجا له، أو أنه فلان الذي أخرجا له، والواقع أنه رجل آخر، أو أنه لم يجرح أن نحو ذلك، وقد رأيت له في (المستدرك) عدة أوهام من هذا القبيل يجزم بها فيقول في الرجل: قد أخرج له مسلم مثلاً، مع أن مسلماً إنما أخرج لرجل آخر شبيه اسمه باسمه ويقول في الرجل: فلان في السند هو فلان بن فلان والصواب أنه غيره" (2/471-472).
80- حال الحاكم:
"لكنه مع هذا كله لم يقع خلل ما في روايته لأنه إنما كان ينقل من أصوله المضبوطة، وإنما وقع الخلل في أحكامه، فكل حديث في (المستدرك) فقد سمعه الحاكم كما هو، هذا هو القدر الذي تحصل به الثقة، فأما حكمه بأنه على شرط الشيخين، أو أنه صحيح، أو أن فلاناً المذكور فيه صحابي، أن أنه هو فلان بن فلان، نحو ذلك فهذا قد وقع فيه كثير من الخلل.(1/28)
هذا وذكرهم للحاكم بالتساهل إنما يخصونه بـ (المستدرك) فكتبه في الجرح والتعديل لم يغمزه أحد بشيء مما فيها أعلم، وبهذا يتبين أن التشبث بما وقع له في (المستدرك) وبكلامهم فيه لأجله إن كان لا يجاب التروي في أحكامه التي في (المستدرك) فهو وجيه، وإن كان للقدح في روايته أو في أحكامه في غير (المستدرك) في الجرح والتعديل ونحوه فلا وجه لذلك، بل حاله في ذلك كحال غيره من الأئمة العارفين، إن وقع له خطأ فنادر كما يقع لغيره، والحاكم في ذلك إطراح ما قام الدليل على أنه أخطأ فيه، وقبول ماعداه. والله الموفق" (2/472-473).
81- معنى قول ابن معين لم يكن من أهل الحديث:
"أقول: هذه كلمة مجملة، وقد فسرها الخطيب بقوله: "يعني لم يكن بالحافظ للطرق والعلل، وأما الصدق والضبط فلم يكن مدفوعاً عنه" (2/474).
82- حال العقيلي:
"قد كان في العقيلي تشدد ما ينبغي التثبت فيما يقول من عند نفسه في مظان تشدده، فأما روايته فهي مقبولة على كل حال" (2/479).
83- في بيان اصطلاح للباغندي:
"أنه كان يطلق فيما أخذه من ثقة عن أبي بكر بن أبي شيبة مثلاً "حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة" وإذ قد عرف اصطلاحه في هذا فليس بكذب، [إلى أن قال] وقد دلت استقامة حديث الباغندي وخلوه عن المناكير على أنه كان لا يدلس إلا فيما لا شبهة في صحته عمن يسميه فلا يقول مثلاً: "حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة" إلا فيما يستيقن أن أبا بكر ابن أبي شيبة حدث به فهذا تحقيق حاله" (2/484-485).
84- سبب إعراض الأئمة الستة على بعض الثقات في كتبهم:
"أقول: قد قدمنا مراراً أن كونهم لم يخرجوا للرجل ليس بدليل على وهنه عندهم ولاسيما من كان سنه قريباًً من سنهم وكان مقلاً كهذا الرجل فإنهم كغيرهم من أهل الحديث إنما يعنون بعلو الإسناد ولا ينزلون إلا لضرورة" (2/486).
85- معنى قول ابن حبان "ربما أخطأ":
"وقوله: "ربما أخطأ" لا ينافي التوثيق، وإنما يظهر أثر ذلك إذا خالف من هو أثبت منه" (2/712).(1/29)
86- ما هو شرط الثقة:
"فليس من شرط الثقة أن يتابع في كل ما حدث به، وإنما شرطه أن لا ينفرد بالمناكير عن المشاهير فيكثر" (2/490).
87- حكم كثرة الغلط وكيف يحكم به على الراوي:
"يرد رواية من كان الغالب عليه الغلط، ومن يغلط في حديثه مجتمع عليه فينكر عليه فلا يرجع. ومعلوم من تصرفاتهم ومن مقتضى أدلتهم أن هذا حكم الغلط الفاحش الذي تعظم مفسدته فلا يدخل ما كان يقع من شعبة من الخطأ في الأسماء وما كان يقع من وكيع وأشباه ذلك، وكما وقع من مالك كان يقول في عمرو بن عثمان: "عمر بن عثمان" وفي معاوية بن الحكم "عمر بن الحكم" وفي أبي عبد الله الصنابحي "عبد الله الصنابحي" وقد جاء عن معن بن عيسى أنه ذكر ذلك لمالك فقال مالك: "هكذا حفظنا وهكذا وقع في كتابي، ونحن نخطئ، ومن يسلم من الخطأ؟" فلم يرجع مالك مع اعترافه باحتمال الخطأ، فكلمة أبي حاتم في المسيب لا تدل على أنه كان في الغالب عليه، ولا إن خطأه كان فاحشاً، ولا أنه بين له في الحديث اتفاق أهل العلم في تخطئته فلم يرجع" (2/491-492).
88- حكم "صدوق يخطئ":
"حده أن لا يحتج بما ينفرد به" (2/493).
89- متى يقبل الجرح الغير مفسر ومتى لا يقبل؟
"والجرح غير المفسر قد تقدم في القواعد البحث فيه وأن التحقيق أنه مقبول من أهله إلا أن يعارضه توثيق أثبت منه، وبالجملة فالذي يخشى من جرح المخالف ومن الجرح الذي لم يفسر هو الخطأ، فمتى تبين أو ترجح أنه أخطأ لم يؤخذ به" (2/498).
90- حكم من كان سيئ الحفظ كثير الغلط:
"فحده أن لا يحتج به إلا فيما توبع فيه، وفيما ليس من مظان الخطأ" (2/500).
91- ما هو الراجح عند الخطيب؟
"روى ابن الأبنوسى عن الخطيب: "كل من ذكرت فيه أقاويل الناس من جرح أو تعديل فالتعديل على ما أخرت" كما في (تذكرة الحافظ) (3/315) (2/502).
92- حال نعيم بن حماد:
"كان شديداً على أهل الرأي" (2/508).
93- حال الأزدي:(1/30)
"وأما أبو الفتح محمد بن الحسين الأزدي فهو نفسه على يدي عدل" (2/509).
94- حكم النسيان والوهم:
"أما النسيان فلا يلزم منه خلل في الضبط لأن غايته أنه كان أولاً يحفظ أحاديث فحدث بها ثم نسيها فلم يحدث بها.
وأما الوهم، فإذا كان يسيراً يقع مثله لمالك وشعبة وكبار الثقات فلا يستحق أن يسمى خللاً في الضبط ولا ينبغي أن يسمى تغيراً غاية الأمر أنه رجع عن الكمال الفائق" (2/517).
95- منزلة طعن أهل البلد:
"أقول: الراوي الذي يطعن فيه محدثو بلده طعناً شديداً لا يزيده ثناء بعض الغرباء عليه إلا وهناً، لأن ذلك يشعر بأنه كان يتعمد التخليط فتزين لبعض الغرباء واستقبله بأحاديث مستقيمة فكن أن ذلك شأنه مطلقاً فأثنى عليه، وعرف أهل بلده حقيقة حاله، وهذه حال المغيرة هذا فإنه جزري أسقطه محدثو الجزيرة فقال أبو جعفر العقيلي: لم يكن مؤتمناً، وقال علي بن ميمون الرقي: كان لا يسوي بعرة، وأبو حاتم وأبو زرعة رازيان كأنهما لقياه في رحلتهما فسمعا منه فتزين لهما كما تقدم فأحسنا به الظن، وقد ضعفه ممن جاء بعد ذلك الدارقطني ابن عدي لأنهما اعتبرا أحاديثه، وحسبك دليلاً على تخليطه هذا الحديث".
96- الحكم بالتواتر أمر نسبي:
"فإنه من المعلوم أنه قد يحصل لشخص دون آخر وقد جاء عن ابن مسعود أنه كان يقول أن المعوذتين ليستا من القرآن واعتذر أهل العلم عنه بأنه لم يسمع من النبي ( ما يصرح بقرآنيتهما ولا نواتر ذلك عنده مع أن من المقطوع به تواتر ذلك عند غيره".
97- "أن أئمة الحديث قد تبين لهم في حديث من رواية الثقة الثبت المتفق عليه أنه ضعيف وفي حديث من رواية من هو ضعيف عندهم أنه صحيح، والواجب على من دونهم التسليم لهم".
98- التفصيل في المختلف فيه:(1/31)
"إذا اختلفوا في راوٍ فوثقه بعضهم ولينه بعضهم ولم يأت في حقه تفصيل فالظاهر أنه وسط فيه لين مطلقاً وهذه حال النهشلي وإذا فصلوا، أو أكثرهم، الكلام في راوٍ فثبتوه في حال وضعفوه في أخرى قالوا يجب أن لا يأخذ حكم ذاك الراوي إجمالاً إلا في حديثه لم يتبين من أي الضربين هو، فإما إذا تبين فالواجب معاملته بحسب حاله".
99- عادة غير محكمة:
"الخطأ في الأسانيد أغلب ما يقع بسلوك الجادة فهشام بن عروة غالب رويته عن أبيه عن عائشة، وقد يروي عن وهب بن كيسان عن عبيد بن عمير، فقد يسمع الرجل من هشام خبراً بالسند الثاني ثم يمضي على السامع زمان فيشتبه عليه فيتوهم أنه سمع ذاك الخبر من هشام بالسند الأول على ما هو غالب المألوف، ولذلك تجد أئمة الحديث إذا وجدوا راويين اختلفا بأن رويا عن هشام خبراً واحداً جعله أحدهما عن هشام عن وهب عن عبيد، وجعله الآخر عن هشام عن أبيه عن عائشة، فالغالب أن يقدموا الأول ويخطؤوا الثاني، هذا مثال ومن راجع كتب علل الحديث وجد من هذا ما لا يحصى".
(1) هنا كلام محذوف للاختصار.
(2) كلام محذوف للاختصار.
(3)كذا في الأصل والصواب "زيغاً".
(4) في مقدمة رجال البخاري للباجي باب في هذا المعني.
??
??
??
??
مئة فائدة حديثية من كتاب التنكيل للمعلمي اليماني 15(1/32)