لسان المحدثين
(مُعجم يُعنى بشرح مصطلحات المحدثين القديمة والحديثة ورموزهم وإشاراتهم
وجملة من مشكل عباراتهم وغريب تراكيبهم ونادر أساليبهم)
تأليف: محمد خلف سلامة
......................................المجلد الأول.........................................
الفهارس والتمهيد
الحمد لله رب العالمين غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو ، وأكبره تكبيراً ، وأصلي وأسلم على نبينا المبعوث للعالمين رحمة وبشيراً ونذيراً وهادياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً ، وبعد .
فهذه فهارس كتابي هذا (لسان المحدثين) ، وقد رأيت أن أضعها بين يدي الكتاب لا بذيله ، لأن فهارس الكتاب إنما هي مفاتِحُه وهي الإشاراتُ الدالةُ على أبوابِه ومداخلِه ؛ ولذلك نوعتها وبالغتُ في تكثير موضوعاتها ، طلباً للإفادة والتيسير .
وقد وضعت عقب الفهارس في هذا المجلد فصلاً مطولاً فيه دراسة تأصيلية لعلم مصطلحات المحدثين ، وفيها تنبيهات وفوائد لا يستغني عنها الدارس لمعاني مصطلحات المحدثين ، وهي أيضاً مدخلٌ إلى مقصود الكتاب وتمهيدٌ له .
والآن دونك الفهارس .
الفهرس الأول: الفهرس الإجمالي
أو
فهرس محتويات الكتاب أو أبوابه وفصوله
الفهارس ( 1/ ص؟؟ - ص؟؟ )
التمهيد ( 1/ ص؟؟ - ص؟؟ )
مصطلحات حرف الألف ( 2/ص؟؟ - ص؟؟ )
مصطلحات حرف الباء ( 2/ص؟؟ - ص؟؟ )
مصطلحات حرف التاء ( 2/ص؟؟ - ص؟؟ )
مصطلحات حرف الثاء ( 3/ص؟؟ - ص؟؟ )
مصطلحات حرف الجيم ( 3/ص؟؟ - ص؟؟ )
مصطلحات حرف الحاء ( 3/ص؟؟ - ص؟؟ )
مصطلحات حرف الخاء ( 3/ص؟؟ - ص؟؟ )
مصطلحات حرف الدال ( 3/ص؟؟ - ص؟؟ )
مصطلحات حرف الذال ( 3/ص؟؟ - ص؟؟ )
مصطلحات حرف الراء ( 3/ص؟؟ - ص؟؟ )
مصطلحات حرف الزاي ( 3/ص؟؟ - ص؟؟ )
مصطلحات حرف السين ( 3/ص؟؟ - ص؟؟ )
مصطلحات حرف الشين ( 3/ص؟؟ - ص؟؟ )
مصطلحات حرف الصاد ( 3/ص؟؟ - ص؟؟ )
مصطلحات حرف الضاد ( 4/ص؟؟ - ص؟؟ )
مصطلحات حرف الطاء ( 4/ص؟؟ - ص؟؟ )
مصطلحات حرف الظاء ( 4/ص؟؟ - ص؟؟ )
مصطلحات حرف العين ( 4/ص؟؟ - ص؟؟ )
مصطلحات حرف الغين ( 4/ص؟؟ - ص؟؟ )(1/1)
مصطلحات حرف الفاء ( 4/ص؟؟ - ص؟؟ )
مصطلحات حرف القاف ( 4/ص؟؟ - ص؟؟ )
مصطلحات حرف الكاف ( 4/ص؟؟ - ص؟؟ )
مصطلحات حرف اللام ( 4/ص؟؟ - ص؟؟ )
مصطلحات حرف الميم ( 5/ص؟؟ - ص؟؟ )
مصطلحات حرف النون ( 5/ص؟؟ - ص؟؟ )
مصطلحات حرف الهاء ( 5/ص؟؟ - ص؟؟ )
مصطلحات حرف الواو ( 5/ص؟؟ - ص؟؟ )
مصطلحات حرف الياء ( 5/ص؟؟ - ص؟؟ )
الفهرس الثاني: فهرس الفهارس
أو
المدخل إلى الفهارس
الفهرس الأول : الفهرس الإجمالي ، أو فهرس المحتويات(1)
الفهرس الثاني : فهرس الفهارس (أو المدخل إلى الفهارس)(2)
الفهرس الثالث : فهرس التمهيد
الفهرس الرابع : فهرس عام للألفاظ والعبارات المترجم لها
الفهرس الخامس : فهرس ألفاظ الجرح والتعديل
الفهرس السادس : فهرس ألفاظ ومسائل تخريج الأحاديث ونقدها
الفهرس السابع : فهرس ألقاب الأحاديث والأسانيد وأوصافها
الفهرس الثامن : فهرس المصطلحات الخاصة وشبه الخاصة
ومصطلحات فسرها أصحابها أو غيرهم من العلماء
الفهرس التاسع : فهرس الغريب والنادر من الاصطلاحات والتراكيب وأساليب نقد الرواة والأحاديث ، وجملة من العبارات التي ورد تحتها شيء من الفوائد
الفهرس العاشر : فهرس مصطلحات التدوين والنسخ والتصنيف والطباعة والتحقيق
الفهرس الحادي عشر : فهرس الألفاظ المتعلقة بالاتصال والانقطاع
الفهرس الثاني عشر : فهرس العبارات المترجم لها والتي هي على هيئة الضوابط والقواعد ونحو ذلك
الفهرس الثالث عشر : فهرس ما ورد في التراجم من المسائل العلمية وأنواع الكتب والعلوم وبعض ما يتعلق بها تعلقاً قوياً
الفهرس الرابع عشر : فهرس ألقاب وأوصاف الرواة والعلماء والفرق وبعض ما يقارب ذلك
الفهرس الخامس عشر : فهرس ألفاظ وصيغ الرواية (أي التحمل والأداء)
الفهرس السادس عشر : فهرس مراجع الكتاب
__________
(1) وقد تقدم .
(2) وهو هذا الذي نحن فيه .(1/2)
الفهرس الثالث: فهرس التمهيد
خطبة الكتاب ( 1/ص؟؟ - ص؟؟ )
أسباب ومقاصد تأليف الكتاب ( 1/ص؟؟ - ص؟؟ )
شروط الكتاب في موضوعه وفي مادته ( 1/ص؟؟ - ص؟؟ )
مصادر الكتاب وطريقتي في النقل منها ( 1/ص؟؟ - ص؟؟ )
ذكر بعض كتب الباب أو الموضوع ( 1/ص؟؟ - ص؟؟ )
مقدمة تأصيلية فيها قواعد وتنبيهات من أصول فهم المصطلحات وشرحها ووضعها ( 1/ص؟؟ - ص؟؟ )
الفصل الأول من المقدمة التأصيلية ( 1/ص؟؟ - ص؟؟ )
1- بيان معنى كلمة (مصطلح) ( 1/ص؟؟ - ص؟؟ )
2- بيان معنى كلمة (مصطلحات المحدثين) ( 1/ص؟؟ - ص؟؟ )
3- بيان الفرق بين (مصطلحات المحدثين) و (علم الحديث) ( 1/ص؟؟ - ص؟؟ )
4- بيان تاريخ أول نشأة المصطلحات الحديثية ( 1/ص؟؟ - ص؟؟ )
5- بيان سبب وضع المصطلحات الحديثية ( 1/ص؟؟ - ص؟؟ )
6- بيان كيفية وضع المحدثين لمصطلحاتهم ( 1/ص؟؟ - ص؟؟ )
7- بيان أسباب وكيفيات انتشار المصطلحات الحديثية ( 1/ص؟؟ - ص؟؟ )
8- شروط المحدثين في وضع المصطلحات ( 1/ص؟؟ - ص؟؟ )
9- بيان الفرق بين طريقة المناطقة ومن تأثر بهم ، وبين طريقة أهل الحديث في وضع الاصطلاحات وشرحها ( 1/ص؟؟ - ص؟؟ )
10- بيان أفضلية منهج المتقدمين في وضع المصطلحات على منهج المتأخرين في ذلك ( 1/ص؟؟ - ص؟؟ )
الفصل الثاني من المقدمة التأصيلية وهو في أقسام المصطلحات ( 1/ص؟؟ - ص؟؟ )
1- بيان أقسام مصطلحات المحدثين بحسب بابها أو موضوعها ( 1/ص؟؟ - ص؟؟ )
2- بيان أقسام مصطلحات المحدثين من حيث عدد المعاني الاصطلاحية التي تحتملها ( 1/ص؟؟ - ص؟؟ )
3 - بيان أقسام مصطلحات المحدثين من جهة قربها وبعدها من المعنى اللغوي
أو: بيان أقسام مصطلحات المحدثين من جهة الغرابة وعدمها ( 1/ص؟؟ - ص؟؟ )
4- بيان أقسام مصطلحات المحدثين من جهة الإفراد والتركيب ، في صيغتها ( 1/ص؟؟ - ص؟؟ )
5- بيان أقسام مصطلحات المحدثين من جهة كثرة تداولها وقلته ( 1/ص؟؟ - ص؟؟ )
6- بيان أقسام مصطلحات المحدثين من جهة تاريخ وضعها ( 1/ص؟؟ - ص؟؟ )
7- بيان أقسام مصطلحات المحدثين من جهة مَن شرحها أو بيَّن معانيها ( 1/ص؟؟ - ص؟؟ )(1/3)
8- بيان أقسام مصطلحات المحدثين من جهة مقدار أهميتها وخطورة شأنها ( 1/ص؟؟ - ص؟؟ )
9- بيان أقسام مصطلحات المحدثين من جهة قوة تعلقها بجوهر علم الحديث ( 1/ص؟؟ - ص؟؟ )
10- بيان أقسام مصطلحات المحدثين من جهة درجة وضوح معانيها ( 1/ص؟؟ - ص؟؟ )
الفصل الثالث ، وهو في بيان أنواع دلالات الكلمة الاصطلاحية، وشرح ما يتعلق بذلك ، وذكر ضوابط عامة في تعيين معاني مصطلحات المحدثين وتفسير عباراتهم ( 1/ص؟؟ - ص؟؟ )
1- بيان أن بعض الكلمات الاصطلاحية لها دلالتان اصطلاحيتان ( 1/ص؟؟ - ص؟؟ )
2- بيان أنواع دلالات الكلمات الاصطلاحية ( 1/ص؟؟ - ص؟؟ )
3- احتمال كون المصطلح دالاً على معنى مطلق أو معنى نسبي ، كما هو شأن التوثيق النسبي ( 1/ص؟؟ - ص؟؟ )
4- احتمال كون المصطلح دالاً على معنىً إجمالي أو أغلبي ( 1/ص؟؟ - ص؟؟ )
5- بيان أنه ينبغي التفريق بين اللقب والاصطلاح ، وبيان عدم صحة إدخال الألقاب في الاصطلاحات إلا على سبيل التجوز ( 1/ص؟؟ - ص؟؟ )
6- بيان أنه لا يصح ادعاء معان كثيرة متباعدة لكلمة واحدة من عالمٍ بِعينه ( 1/ص؟؟ - ص؟؟ )
7- التحذير من التكلف والمبالغة في إدعاء الترادف بين كلمتي الناقد ( 1/ص؟؟ - ص؟؟ )
8- بيان أن خروج المحدث أو العالم عن اصطلاح الجمهور في كلمة بعينها قد يكون خلاف الأصل عنده فيها ( 1/ص؟؟ - ص؟؟ )
9- بيان أن الأصل أن شرح العالم لاصطلاحه مقدمٌ على شرح غيرِه له
ثم بيان عدم صحة الجمود الكلي على ما بينه العالم من معنى لبعض اصطلاحاته ( 1/ص؟؟ - ص؟؟ )
10- بيان حكم نقل أقوال العلماء في التعريف بالمصطلحات ( 1/ص؟؟ - ص؟؟ )
الفصل الرابع : أصول عامة في تعيين معاني مصطلحات المحدثين ( 1/ص؟؟ - ص؟؟ )
1- بيان شدة حاجة طالب علم الحديث إلى التوسع والتعمق في دراسة مصطلحات المحدثين ( 1/ص؟؟ - ص؟؟ )
2- بيان الأصل في معاني المصطلحات ( 1/ص؟؟ - ص؟؟ )(1/4)
3- بيان الأصول التي يجب مراعاتها في تعيين معاني مصطلحات المحدثين ( 1/ص؟؟ - ص؟؟ )
4- التحذير من طريقة كثير من المتأخرين في تعيين معاني مصطلحات المحدثين ( 1/ص؟؟ - ص؟؟ )
5- بيان الفرق بين طريقة دراسة المصطلحات وطريقة دراسة القواعد ( 1/ص؟؟ - ص؟؟ )
6- ذكرُ بعض أدوات معرفة معاني المصطلحات وبعض العلوم التي يحتاجها شارح المصطلحات ( 1/ص؟؟ - ص؟؟ )
7- بيان صعوبة استقراء معاني كل - أو معظم - المصطلحات الحديثية ( 1/ص؟؟ - ص؟؟ )
8- التحذير من متابعة أوهام المعاصرين في شرح مصطلحات المحدثين ( 1/ص؟؟ - ص؟؟ )
9- ذِكرُ ضرورة ملاحظة نوع مقام تفسير العالم لاصطلاحه ، عند تعدد كلماته في بيان معنى ذلك الاصطلاح ( 1/ص؟؟ - ص؟؟ )
10- التحذير من الإسراف - أو تجاوز الضوابط الصحيحة - في إخراج بعض كلمات الناقد عن معناها المشهور في علم المصطلح ، من أجل توحيد أحكامه على الراوي إذا تعددت ( 1/ص؟؟ - ص؟؟ )
الفصل الخامس : في بيان طرق وقواعد استقراء عبارات المحدثين لمعرفة معاني مصطلحاتهم والتنبيه على بعض ما يتعلق بذلك ( 1/ص؟؟ - ص؟؟ )
1- بيان ما هو معنى الاستقراء ( 1/ص؟؟ - ص؟؟ )
2- بيان أنه ليست كل المصطلحات تحتاج إلى استقراء ( 1/ص؟؟ - ص؟؟ )
3- بيان صعوبة استقراء معاني كل - أو معظم - المصطلحات الحديثية ( 1/ص؟؟ - ص؟؟ )
4- كيف يتم الاستقراء؟ ( 1/ص؟؟ - ص؟؟ )
5- كيف يبدأ الاستقراء؟ ( 1/ص؟؟ - ص؟؟ )
6- بيان ضرورة التثبت وعدم التسرع ( 1/ص؟؟ - ص؟؟ )
في تحديد معاني المصطلحات ( 1/ص؟؟ - ص؟؟ )
7- بيان كيفية استقراء الكلمات المركبة ( 1/ص؟؟ - ص؟؟ )
8- بيان كيفية استقراء الكلمات المحتملة للتركيب ولغيره ( 1/ص؟؟ - ص؟؟ )
9- بيان وجوب تقديم الجمع بين كلمات الناقد ما أمكن ، ولكن من غير تعسف ولا تكلف ( 1/ص؟؟ - ص؟؟ )(1/5)
10- بيان عدم صحة حمل كلام العالم على معنى يكون به مخالفاً للإجماع ، إلا عند الاضطرار إلى ذلك ؛ وضرورة الانتهاء إلى حكم تراعى فيه الموازنة وعدم التناقض بين مقتضى شرح الكلمة الاصطلاحية ومقتضى مرتبة الناقد ومنزلته في فنه ( 1/ص؟؟ - ص؟؟ )
الفصل السادس : في التنبيه على أنواع من الخلل والتقصير عند المتأخرين في شرح المصطلحات الحديثية ( 1/ص؟؟ - ص؟؟ )
1- تعريف المصطلحات أو شرحها بعبارات المناطقة وأساليبهم ( 1/ص؟؟ - ص؟؟ )
2- الجدل العقيم أو شبه العقيم في تفسير وشرح تعاريف المصطلحات ( 1/ص؟؟ - ص؟؟ )
3- حملهم معاني مصطلحات المتقدمين على معاني مصطلحات المتأخرين مع ما بينهما من الفروق في كثير من الأحيان ( 1/ص؟؟ - ص؟؟ )
4- عدم الرجوع في تفسير مصطلحات المحدثين إلى المحدثين أنفسهم ( 1/ص؟؟ - ص؟؟ )
5- فصل دراسة المصطلحات عن دراسة القواعد ( 1/ص؟؟ - ص؟؟ )
6- عدم ترتيب مباحث علوم الحديث وفق أصولها وقواعدها ومعانيها ( 1/ص؟؟ - ص؟؟ )
7- الاستغناء بدراسة المصطلحات أو معرفتها عن دراسة كثير من القواعد وتفاصيلها ( 1/ص؟؟ - ص؟؟ )
8- محاولة توحيد معاني الكلمة الاصطلاحية عند عامة أهل الحديث ( 1/ص؟؟ - ص؟؟ )
9- مضاهاة اصطلاحات المحدِّثين باصطلاحات محدَثة ( 1/ص؟؟ - ص؟؟ )
10- بيان أهم أسباب الخلل في طريقة المتأخرين في فهم المصطلحات وشرحها ( 1/ص؟؟ - ص؟؟ )
الفصل السابع : في التنبيه على مسائل أخرى غير ما ذُكر
1- بيان أهم أسباب إيثار القدماء ، أحياناً ، الكلمةَ ذات المعنى الواسع على غيرها ( 1/ص؟؟ - ص؟؟ )
2- بيان أنه ليس كل ما يقع من العلماء من اختلاف في ظواهر عباراتهم عن المسألة الواحدة يكون اختلافاً في الحقيقة ( 1/ص؟؟ - ص؟؟ )
3- بيان أولى الكتب بالاستقراء لمعرفة اصطلاحاتها ( 1/ص؟؟ - ص؟؟ )
4- بيان مدى الانتفاع بأقوال العلماء في شرح المصطلحات ومدى الاعتماد عليها ( 1/ص؟؟ - ص؟؟ )
5- بيان وجوب ضبط شكل الكلمات الاصطلاحية ( 1/ص؟؟ - ص؟؟ )
6- بيان وجوب تدبر صيغة المصطلح ( 1/ص؟؟ - ص؟؟ )
7- بيان وجوب الحذر من التصحيف المغير لمعنى المصطلح عند وقوعه فيه ( 1/ص؟؟ - ص؟؟ )
8- بيان غرابة عبارات وأساليب كثير من المتقدمين عن كثير من أهل هذا العصر ( 1/ص؟؟ - ص؟؟ )
9- بيان تفاوت المحدثين في انضباط اصطلاحاتهم ( 1/ص؟؟ - ص؟؟ )
10- بيان أن الاختلاف بين المحدِّثين في اصطلاحاتهم ليس عيباً وليس هو اختلافاً في العلم والمعاني ( 1/ص؟؟ - ص؟؟ )(1/6)
الفهرس الرابع: فهرس عام للألفاظ والعبارات المترجم لها
الله المستعان
الآثار
الآثار الموقوفة
الآحاد
آخر الحروف
آفته فلان
آلات النسخ
---- الآيةَ
أبى أن يحدثنا به
الإباضية
أبجد
ابنا
الأبناء
ابن فلان
الإبهام
أتى بمناكير وعجائب
أتباع التابعين
اتبع المجرة
الاتصال
الاتهام
الاتّهام بالكذب
اتُّهم بتزوير سماعات
اتُّهم في اللقاء
اتَّهَمَه فلان
أثبت الناس
أثبت الناس في زيد
أثبت أصحاب زيد
الأثر
الأثري
أثنى عليه
الإجازة
الإجازة العامة
الإجازة على الإجازة
الأجزاء الحديثية
أجمعوا على تركه
أجمعوا على ضعفه
أحاديث الآحاد
الأحاديث الإلهية
الأحاديث القدسية
أحاديثٌ بُترٌ
أحاديثه تُشبه أحاديث فلان ولا تشبه أحاديث فلان
أحاديثه جياد
أحاديثه عن فلان كتاب
أحاديثه كالريح
أحاديثه كلها حلم
أحاديثه مستقيمة
أَحَبّ إليَّ من فلان
احتج به أرباب الصحاح ، أصلاً وتبعاً
احتج به الجماعة
الاحتجاج
أحد الأحدين
احذروه
أحسن شيء في الباب
أحسن طرق هذا الحديث
أُحضِرَ
أحلى
أحوط
الأخبار
الأخباريون
أخبرنا
أخبرني
الاختصار
اختصار الحديث
اختصار الكتب
اختصار صيغ الأداء
اختصره
الاختلاط
اختلاف الأقران
اختلط بأخرة
أخذَ الأجرة على التحديث
أخذَ طريقَ المجرة
أخذَ المجرة
إخراج الحديث
أخرج
أخرجاه
أخرج له الشيخان
أخرجه
أخرجه البخاري
أخرجه الجماعة
الأداء
الإدخال
الإدراج
إدراك
أدرك الجاهلية(1/7)
أدركه بالسن ولم يلقه
إذا روى عنه الثقات فهو ثقة
إذا كتبت فقمش وإذا حدثت ففتش
الإذن المجرد
أذهبُ إلى حديث فلان
الأربعة
الأربعينات
أرجو أن لا بأس به
أرجو أن يكون صدوقاً
إردخل
الإرسال
الإرسال الجلي
الإرسال الخفي
إرسال الصحابة عن التابعين
الإرسال الظاهر
الأرقام
إرمِ به
أرنا
أساء الثناء عليه
أسأل الله السلامة
أسأل الله السلامة في الدين والدنيا
أسباب الإبهام
أسباب الإدراج
أسباب الإرسال
أسباب الطعن في المرويات
أسباب تدليس الإسناد
الأستاذ
الاستشهاد
الاستقراء
استجازه
أستخير الله فيه
استشكال النص لا يعني بطلانه
استشهد به البخاري
الأسماء المعبدة
الأسماء المفردة
الأسمعة
الأَسناد
الإسناد
إسنادٌ أعرابي
إسناده صحيح
إسناده مظلم
أَسْنَدُ
أسنَدَ
أسوأ التجريح
أشار بيده إلى لسانه
أصح الأسانيد
أصح شيء في الباب
أصح طرق ذلك الحديث
أصحاب الحديث
الإصرار على الخطأ
الإصلاح
الاصطلاح
اصطلاحات المحدثين
الأصْل
الأصناف
الأصول
أصول التحقيق
أصول التخريج
أصول الحديث
الأصول الخمسة
الأصول الستة
أصول علم الحديث
اضربْ على حديثه
الاضطراب
الأطراف
الاعتبار
الإعجام
إعراب الحديث
أعراضُ المسلمين حُفْرَةٌ من حُفَرِ النار ، وقف على شَفِيرها طائفتان من الناس المحدِّثون والحُكَّام
أعرف الناس بحديث فلان
أعرف بفلان
أعلى
الأعلام
الإعلام
أعلم الناس بحديث فلان
أعلم بفلان
أفادني
أفاك
الأفراد
أفراد البخاري
أفراد مسلم
أفسدَ حديَثه
أفهمني فلان كذا
الاقتباس
الأقران
أقسام التحمل
أُكتبْ حديثَه
أكذَبُ الناسِ
أكذب من روث حمار الدجال
إلى الصدق ما هو
إلى الضعف ما هو
إلى الضعف ما هو ، وهو صدوق ثقة
إلى اللِّين ما هو
ألان القول فيه
إلحاق السماع
الإلحاق
الإلزاق
ألّف
ألَّف على الأبواب
ألف في التراجم
الألفاظ
ألفاظ التجريح
ألفاظ التعديل
ألفاظ الجرح
ألفاظ الجرح والتعديل
الألقاب
الله أعلم به
إليه المنتهى في التثبت
إليه المنتهى في الثقة(1/8)
إليه المنتهى في الصدق
إليه المنتهى في الوضع
أما بعد
الأمالي
إمام
إمام الدنيا
إمام المحدثين
إمام المحدثين في زمانه
إمام ثبت
امتحان الرواة
أملى
الإملاء
أمير المؤمنين في الحديث
أنَّ
انا ، (أو أنا)
الأنأنة
أنبأ
أنبأنا
أنبأني
الانتخاب
الانتقاء
انتهى
انتهى بتصرُّف
انتهى بنصه
الأنساب
أنكر ما روى فلان كذا
إنما يُشكَلُ ما يُشْكِل
إني لأخاف الله في الرواية عن فلان
أهل النقل
أهل الحديث
أهل الرأي
أهل الكوفة ليس لحديثهم نور ، لا يذكرون الأخبار
أهل المعاني
أهل بلد الراوي أعلم به
الإهمال
أو كما قال
أوثق الناس
أوثق عندي من نفسي
أوقفه
أولى الأشياء بالضبط أسماء الناس
أوهى الأسانيد
أي شيء تصنع به ؟
أيش فلان ؟ وما فلان؟ ومن فلان ؟
الأئمة الأربعة
الأئمة الخمسة
الأئمة الستة
الباء الموحدة
الباب
البابة
بابه فلان
باحث
باطل
بُترٌ
بحّاثة
بحثٌ
بخٍ
بخٍ بخٍ
بخٍ بخٍ بخٍ
بخٍ بخٍ ثقة
بخٍ ثبتٌ في الحديث
بخٍ ثقة
بخٍ من الأئمة
البدعة
البدل
البردي
البرنامج
بري القلم
بزق
البَشْر
بقلم فلان
البلاء فيه من فلان
البلاغ
بلدي الرجل
بلدي الرجل أعرف به
بلَغَ
بلغ به
بلغ به ابنَ عباس
بلغنا
بمعناه
بنادرة الحديث
به
بوّب
البياض
بيّض الكتاب
بيّض له
التاء المثناة من فوق
التابعون
تابعه فلان
تابعي
التاريخ
تاريخ الكتاب
التاريخ الميلادي
التاريخ الهجري
تالف
تالف لا تحل الرواية عنه
تالف ليس بشيء
التأليف
تأويل مختلف الحديث
التثبُّت
التجريح والتعديل
التجويد
تجليد الكتاب
تجويد الكتابة
تجويد الكلمة
التحديث
التحديث من الكتاب
التحريف
التحسين
التحقيق
تحقيق الخط
تحقيق الكتب
التحمل
التحويق
التخرّج
التخريج
تخريج الساقط
التخريج على الحواشي
التدبيج
تدقيق الخط
التدليس
تدليس الإجازة
تدليس الأسماء
تدليس الإسناد
تدليس البلاد
تدليس التسوية
تدليس الشيوخ
تدليس الصيغة
تدليس العطف
تدليس القطع
تدليس المتون
تدليس المذاكرة
تدليس المكاتبة
تدليس المناولة(1/9)
تدليس الوصل
التدليس بحذف الصيغة
تدليس كيفية التحمل
تدوين السنة أو تدوين الأحاديث
التراث
الترتيب
ترتيب الأحاديث
الترغيب والترهيب
التراجم
تراجم البخاري
الترجمة
الترقيم
تركَ قراءة الكتاب
تركتُه ثم حدثتُ عن فلان عنه
تَرَكَه
تركه الناس
تركوه
تركيب الأسانيد
التزكية
التزوير
التساعيات
التساهُل
التساهل في الرواية
التسميع
التسوية
التشدد
التصحيح
تصحيح الكتاب
التصحيف
التصنيف
التضبيب
تطويل الحديث
تعارضُ الرفعِ والوقف
تعارض الوصل والإرسال
التعالم
التعديل
تعرف وتنكر
التعريف
التعقيبة
التعليق
تعليق الخط
التعليق على الكتاب أو الكلام
التعنت
التغير
تغيَّرَ حفظه
تغيَّر قليلاً
التفرد
التفرد المطلق
التفرد النسبي
تفرد به فلان
تفرد عنه فلان
التفسير بالأثر
التفسير بالمأثور
التفصيل
تقديم المتن على السند
التقديم والتأخير
تقريظ الكتاب
التقصير
تقطيع الحديث
تقوية الحديث بمجموع طرقه
تكرير الحديث
تكلَّم فيه فلان
تُكلِّم فيه
تُكلم فيه ولم يترك بالكلية
تكلموا فيه
التلقين
تلمذ له
تتلمذ عليه
التلميذ
التمريض
التملك
التمييز
التواتر
التوثيق
التوثيق التام
التوثيق المطلق
التوقيف
التوقيف على الأخبار
ثالث الحروف
ثاني الحروف
الثاء المثلثة
الثابت
الثبَتُ
الَّثبْتُ
ثَبَتَ
ثبَّتَ الحديث
ثبت رضا
ثبتت عدالته
ثبَّتني فيه فلان
ثقة
ثقة أجمعت الأمة على الاحتجاج به
ثقة إن شاء الله
ثقة بإجماع
ثقة بلا ثُنيا
ثقة بلا مدافعة
ثقة بلا نزاع
ثقة ثبت
ثقة ثقة
ثقة ثقة ثقة
ثقة حافظ
ثقة ربما أخطأ
ثقة ربما أغرب
ثقة ربما وهم
ثقة روى عنه شعبة
ثقة روى عنه مالك
ثقة ، صالح الحديث ، وإلى اللين ما هو
ثقة صدوق
ثقة صدوق ليس بحجة
ثقة صدوق وإلى الضعف ما هو
ثقة صدوق وليس بالقوي في الحديث ولا بالساقط
ثقة صدوق وفي حديثه اضطراب
ثقة ، في حديثه لِين
ثقة ، في حفظه شيء
ثقة في نفسه
ثقة له أوهام
ثقة مطلقاً
ثقة وفاقاً
ثقة وفيه ضعف
ثقة وليس بحجة(1/10)
ثقة وليس ممن يوصف بالضبط
ثقة يخطئ
ثقة يخطئ كما يخطئ الناس
ثقة يغرب
الثلاثة
ثلاثة كتب ليس لها أصول المغازي والملاحم والتفسير
الثلاثيات
الثمانيات
ثم سكت
ثنا
الثنائيات
الجادّة
جاز القنطرة
الجامع
جائز الحديث
جحود الحديث
جراب الكذب
الجَرْح
الجُرح
الجرح المبهم
الجرح المبيَّن
الجرح المجمل
الجرح المفسر
الجرح والتعديل
الجُزازة
الجزء
الجزء الحديثي
الجماعة
جمعُ الأبواب
جمع التراجم
جمع الشيوخ
جمع الطرق
الجُمَّل
الجهالة
جهالة الحال
جهالة العين
جهباذ
جهبذ
الجهة
الجوامع
جوّد
جيد
جيد الأمر صالح
جيد الحديث
حاء التحويل
الحاشية
حاطب ليل
حافظ
الحافظ
الحاكم
حال الراوي
الحِبْر
الحَبْر
حجْب المختلط
حجة
حدّث
حدّث فلان وآخر
حدثكم فلان
حدثنا
حدثنا أبو الزبير وأبو الزبير أبو الزبير
حدثنا زيدٌ وعمرو المعنى
حدثنا زيدٌ وعمرو ، قال زيدٌ حدثنا فلان
حدثنا زيدٌ وعمرو واللفظ لعمرو
حدثنا زيد وعمرو وتقاربا في اللفظ
حدثني
حدثني الثقة
حدثني بعض الثقات
حدثني من أثق به
حدثني من لا أتهم
الحديثُ
---- الحديثَ
حديثٌ مختصر
حديث مشكل
حديثه شفاء
حديثه عن أصحابه كأنه حلم
حديثه ليس بشيء
حديثه مشهور
حديثه يشبه حديث الصالحين
حديثه يهوي
الحديثيّ
الحرص على الطلب
الحرف
حرَّكَ رأسَه
حرَّكَ يده
حركة التأليف
الحركات
الحروف الأبجدية
الحروف المثلثة
حروف المعجم
حروف الهجاء
حريزي المذهب
حساب الجُمَّل
الحِسان
حسن
حسن الحديث
حسن السمت
حسن الهيئة
حسن بمجموع طرقه
حسن صحيح
حسن صحيح غريب
حسن غريب
حسن لذاته
حسن لغيره
حضَرَ
الحضور
حفظ السنة
الحَكُّ
حلو الحديث
حمّالة الحطب
الحمرة
حمَّض وجهه
الحمل على الغالب
الحنطة اللازوردية
الحوالة
حوَّق
حيوان
حيوان كذاب
حيوان متهم
حيوان وحشي
الخاء
خ ، خـ
الخبر
خبر الخاصة
خبر العامة عن العامة
خبر الواحد
الختم
خرجه
خشبي
خصلتان لا يستقيم فيهما حسنُ الظن الحكم والحديث
الخط
الخط الدقيق
الخط المائل
خف
خفة الضبط(1/11)
الخماسيات
الخمسة
خولِف
خِيار
د.
دائرة المقابلة
دائرة الفصل بين الحديثين
الدائرة المنقوطة
دثنا
دَجّال
دخل عليه حديثٌ في حديث
دخل له حديثٌ في حديث
الدخيل
الدراسة
الدَّرْجُ
الدرس
درة العراق
دعني لا أقيء
دعُوا حديثَه فإنه كان يسبّ السلف
الدفتر
دكتور
دكتوراه
الدواة
دواوين الإسلام
دواوين السنة
دوران الأسانيد
دوران الحديث
الديباج الخسرواني
ذاكرته بأحاديث فلان
ذاهب
ذاهب الحديث
ذكر
ذكر الخبر
ذكروه عند فلان فامتخط
ذكره أبي
ذكره أبي عن فلان قال
ذكره قولَه
ذكره من قوله
ذكره معناه
ذَمَّه ذماً شديداً
ذهب حديثه
ذو مناكير
الذيل
رافضي
الرباعيات
الرباعيات الملتحقة بالثلاثيات
ربما أغرب
رجال إسناده ثقات
رجال الأئمة الأربعة
رجال التقريب
رجال التهذيب
رجال الحديث
رجاله ثقات
رجاله رجال البخاري
رجاله رجال الصحيح
رجاله موثقون
رجع
الرجوع عن الحديث
الرحلة في طلب الحديث
رُدَّ حديثُه
ردوا حديثه
رديء الحفظ
رسالة
الرسم
الرسم الإملائي
الرسول
رضا
رفعه
الرَّقّ
الرِّقاق
الرقائق
الرقم
ركن من الأركان
رماه فلان
الرمز
رُمِيَ بالكذب
روى
روى أحاديث فيها صنعة
روى أحاديث منكرة
روى الحديث على أوجه
روى عن ابن عباس ما لا أصل له حتى كأنه ابن عباس آخر
روى عن فلان
روى عنه الناس
روى عنه أهل بلده
روى عنه فلان
روى عنه فلان بَسْ
روى فلان وآخر
روى مناكير
رواه
رواه بمعناه
رواته ثقات
رواته عدول
رواه ابن حبان
رواه ابن خزيمة
رواه ابن ماجه
رواه أبو داود
رواه أبو نعيم
رواه أحمد
رواه البخاري
رواه البيهقي
رواه الترمذي
رواه الجماعة
رواه الحاكم
رواه الخمسة
رواه الدارقطني
رواه الدارمي
رواه الطبراني
رواه النسائي
رواه جماعة ثقات حفاظ
رواه مسلم
رواه مطوَّلاً
الروايةُ
روايةً
رواية الأصاغر عن الأكابر
رواية الأقران
رواية الأكابر عن الأصاغر
رواية الصحابة عن التابعين
الرواية بالمعنى
روينا
رياح
زاد فلان
زائد ---- إلى
الزوائد(1/12)
زوائد - أو زيادات - الرواة في الأصول
زوَّرَ أسمعةً
زوَّرَ طبقةً
زوّرَ لنفسه أسمعة وأصر عليها
زيادة
زيادة الثقة
الزيادة من الثقة مقبولة
زيوف
ساقط
ساقط الحديث
ساقط عدَم
سألته عن فلان فسكت
السباعيات
السبعة
الستة
سِداد من عيش
السداسيات
سرقة الحديث
السطر
السِّفر
السَّفَط
السقْط
سكت عنه - أو عليه - البخاري وابن أبي حاتم
سكتوا عنه
السِّكّين
سلسلة الذهب
السلف
سَلَكَ الجادَّةَ
السماع
سماعه صحيح
سماعه من فلان غير صحيح
السماع على الوجه
سَمِعَ
سمَّع له
سمِعتُ
سن التحمل والأداء
السَند
السُنَّة
السنة النبوية
السنن
السنن الأربعة
السنن الثلاثة
سوء الأخذ
سوء الحفظ
سيء الأخذ
سيء الحفظ
سيء الرأي فيه
سئل عنه فلان فبزق
الشاذ
شافهني
الشاهد
الشاهد بالمعنى
شاهد الزور
شبه الريح
شبه لا شيء
الشدة
شديد الأخذ
شديد الاضطراب
شديد الاضطراب في المسند
الشَّرْطة
الشَّرطتان
الشذوذ
شرح الحديث
شعوبي
الشق
الشكل
الشولة
الشيخ
شَيخٌ
شيخ الإسلام
شيخٌ صالحٌ
شيخُ فلانٍ
شيخ لفلان
شيخٌ وسطٌ
الشيخان
شيعي
شيعي جلد
شيوخ الأئمة
شيوخ فلان ثقات
ص
صاحب الانتخاب يندم، وصاحب النسخ لا يندم
صاحب أوابد
صاحب حديث
صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم
صاحِب فلان
صاحب مناكير
صادق أمين
صالح
صالح الأمر
صالح الأمر إن شاء الله
صالح الأمر وقد لُيِّن
صالح الحال إن شاء الله
صالح الحديث
صالح الحديث وفي حديثه لين
صالح صدوق ثقة ضعيف جداً
صح
صحابي
الصحاح
الصحاح الخمسة
الصحاح الستة
صححه الحاكم ووافقه الذهبي
صُحُف
صحفي
صحيح
الصحيح
صحيح الحديث
صحيح بمجموع طرقه
صحيح على شرط البخاري
صحيح على شرط الشيخين
صحيح على شرط مسلم
صحيح غريب
صحيح لذاته
الصحيحان
صحيفة
صدوق
صدوق إن شاء الله
صدوق إن شاء الله وله خطأ وأوهام
صدوق ثقة
صدوق ثقة سيء الحفظ جداً
صدوق ثقة ، وفي حديثه ضعف
صدوق حسن الحديث
صدوق ربما يهم
صدوق سيء الحفظ
صدوق صاحب كتاب
صدوق في الجملة(1/13)
صدوق في حفظه شيء
صدوق في نفسه
صدوق لا بأس به
صدوق له أوهام
صدوق له حفظ
صدوق له ما ينكر
صدوق ليس بمتقن
صدوق وسط
صدوق وقد وثِّق
صدوق وليس بحجة
صدوق يتجهم
صدوق يخطئ
صدوق يهم
الصفر
صغار التابعين
صغار الصحابة
صلى الله عليه
الصلاة المجلَّسة
صلعم
صناعة الحديث
الصناعة الحديثية
صنّف
صنّف على الأبواب
صويلح
صويلح الحال
صويلح الحديث
صيغ الأداء
صيغ التمريض
الصيغ المحتملة
الصيغ الموهمة
الصيغ الموهمة للسماع
ض
ضابط
الضابط
الضبط
ضبط الأحاديث المسندة أسهل وأهون من ضبط أسانيد التفسير وألفاظها
ضبط الصدر
ضبط الكتاب
ضبط الكلمة
الضبط بالتنصيص على أن الكلمة هي الجادة
الضبط بالعبارة
الضبط بالقلم
الضبط بالقياس
الضبط بالوزن
الضبط بذكر صيغة الكلمة
الضبط بكتابة كلمة فوق أو تحت الكلمة المراد ضبطها
الضبط في الحاشية
الضبة
الضرب
ضُعِّف
ضُعف قليلاً
ضعّفه
ضعفه فلان ولم يُهدَر
ضعّفه وأبى أن يحدثنا به
ضعفوه
ضعفوه ولم يُتْرَك
ضعفوه بمرة
ضعيف
ضعيف الحديث ، وهو ثقة صدوق
ضعيف بالإجماع
ضعيف بمرة
ضعيف بالمرة
ضعيف جداً
ضعيف يستشهد به
ضعيف يعتبر به
الطاقة
الطباعة
الطباق
طَبَقُ السماع
طَبَقُ الورق
الطبقة
طرحوا حديثه
طرّف أحاديث الكتاب الفلاني
طرق التحمل
الطُّرَّةُ
الطريق
الطلب
الطلحية
الطمس
طول الملازمة
طوّله
طويل
طير طرأ علينا
طير غريب
ظ
ظاهره الصحة
ظلمات بعضها فوق بعض
ظهرية الكتاب
ع
عالم
عالِم الحديث
عالم بحديث فلان
عالي
العبادلة
العدالة
العدالة الباطنة
العدالة الظاهرة
عدلٌ
عدل حافظ
عدلٌ ضابط
عدَّله
العرض
عرض القراءة
عرض المناولة
عرفتُه
عَزْوُ الحديثِ
عزيز
العُسْر
العُسر (في الرواية)
العشاريات
على يدي عدل
العلامات
علامات اختلاف الروايات
علامات الإعجام
علامات الإلغاء
علامات الإهمال
علامات الترقيم
علامات التقديم والتأخير
علامات الضرب على الكلام المكتوب خطأ
علامة الاستفهام
علامة الانفعال
علامة التأثر(1/14)
علامة التثليث [اللغوي]
علامة التخفيف
علامة التعجب
العلائم
علم أسماء الرواة
علم الإسناد
علم الحديث
علم الحديث درايةً
علم الحديث روايةً
علم العلل
علم المصطلح
علماء الحديث
علماء الرجال
العلو
علو التنزيل
العلو المطلق
العلو النسبي
علوم الحديث
العلة
العلة القادحة
عن
عندي
عنعن
العنعنة
عن رجل
عن فلان
العوالي
عَوجَ فَمَه
عين الراوي
غاية علم الحديث
الغرائب
الغرباء
غريب
غريب الحديث
غريب لم نكتبه إلا من حديث فلان
غير صحيح
غير مرضي
غير معتمَد
غير معروف
غيره أوثق منه
فارس الحديث
فاسق
الفاصلة ( ، )
الفاصلة المنقوطة (؛)
فائدة
فرد
فسْل
الفصل
الفَصْلة
الفصلة المنقوطة (؛)
فضائل الأعمال
الفقرة
الفقه
فقه الحديث
الفقه المذهبي
الفقه المقارن
الفقهاء
فقهاء الحديث
فقيه
فقيه البدن
فقيه النفس
فهرس
فهرست
الفَهْرَسَةُ
الفوائد
في إسناده نظر
في الباب
في الثبَت كالاسطوانة
في داره شجر يحمل الحديث
في الصحيح
في حديثه أخبار
في حديثه ضعف
في حديثه لِيْنٌ
في حديثه نظر
فيه جهالة
فيه خُلْف
فيه شيء
فيه ضَعفٌ
فيه ضعفٌ ما
فيه ضَعْفٌ ولم يُترَك
فيه علة
فيه فلان وفلان
فيه كلام
فيه لِينٌ
فيه مقال
فيه نظر
فيه نظر وهو في الأصل صدوق
فيه نكارة
ق
القاعدة
قال
قال قال
قال لي
قبان
قثنا
قد عرفته
قدسي
القراء
قراءة
قرأت في كتاب فلان
القرطاس
القرن
القرون الخيرية
القرون الفاضلة
القرون المفضلة
قُرئ على فلان
قُرئ على فلان وأنا أسمع
القرينان
قصَّر
قصة
قطُّ القلم
القَطعة
القلم
قليل الحديث
قليل الحياء
القماطر
القِمَطْر
القواعد الحديثية
القوسان
قوي إن شاء الله
ك
الكاغد
الكاف
كان أبو إسحاق إذا أخبرني عن رجل قلت له هذا أكبر منك ؟ فإن قال نعم ، علمت أنه لقي ، وإن قال أنا أكبر منه ، تركته
كان أمة وحده في هذا الشأن
كان زيدٌ لا يحدث عنه
كان ضنيناً بالحديث
كان فسلاً
كان كخير الرجال
كان لا يحفظ
كان لا يدلس وكان فلانٌ أكثر تدليساً منه
كان متقناً(1/15)
كان يحدثنا بحديث الواحد على ثلاثة ضروب
كان يرى السيف
كأنه مصحف
الكتاب
الكتابة
كتابة الأطراف
الكتابة المشرقية والكتابة المغربية
كتابة الحديث
كتابه صحيح
كتب الأمالي
كتب الاتصال والانقطاع
كتب الأنساب
كتب التاريخ
كتب التخريج
كتب التراجم
كتب الترغيب والترهيب
كتب التزكية
الكتب التسعة
كتب التصحيف والتحريف
كتب الثقات
كتب الجرح والتعديل
كتب الحديث
الكتب الخمسة
كتب الرجال
كتب الدراية
كتب الرواية
كتب الزهد
الكتب السبعة
الكتب الستة
كتب السنن
كتب السنة
كتب السيرة
كتب السير
كتب الصحابة
كتب الضبط والتصحيح
كتب الضعفاء
كتب الطبقات
كتب العلل
كتب الغرائب
كتب الفتوح
كتب الفقه
كتب الفوائد
كتب المتون
كتب المجروحين
كتب المراسيل
كتب المشتبه
كتب المصطلح
كتب المغازي
كتب الملاحم
كتب المؤتلف والمختلف
كتب الوَفَيات
كَتَبَ إليَّ
كتب عمن دب ودرج
كَتبتُ عنه على غير وجه الحديث
كتبنا عن الكذابين وسجرنا به التنور وأخرجنا به خبزاً نضيجاً
كذا
كذا وكذا
كذّاب
كذاب أشر
كذاب جبل
كذاب مدبر
الكذب
كذبَ فلانٌ
الكراس
الكراسة
الكشط
الكشكول
كفُّ الإسلام
كلام الأقران في بعضهم
كلاهما وتمراً
كلح وجهه
كلهم ثقات
الكُنّاش ، الكُنّاشة
لا
لا أحد
لا أحد أثبت منه
لا أختاره في الصحيح
لا أروي عنه شيئاً
لا أصل له
لا أعرف له بالعراق نظيراً
لا أعرف له نظيراً في الدنيا
لا أعرفه
لا أعلم إلا خيراً
لا أعلم به بأساً
لا أعلمه يُروى إلا من هذا الوجه
لا ---- إلى
لا بأس به
لا بأس به إن شاء الله
لا بأس به عندي
لا تأخذوا عنه
لا تكتبْ حديثَه
لا سبيل إليه
لا شيء
لا شيء البتة
لا مشاحة في الاصطلاح
لا نعدل بأهل بلدنا أحداً
لا نعلم إلا خيراً
لا يتابع على حديثه
لا يتحرر أمره
لا يتحرر حاله
لا يُتْرَك
لا يُترك حديثُ رجلٍ حتى يجتمع الجميعُ على ترك حديثه
لا يُترك حديثُه
لا يثبت
لا يجوز الاحتجاج بخبره إذا انفرد
لا يجوز الاحتجاج به
لا يجيء
لا يُحتج به(1/16)
لا يحتجون بحديثه
لا يحتجون به
لا يحل كتب حديثه إلا اعتباراً
لا يحل كتب حديثه إلا على سبيل الاعتبار
لا يخرَّج حديثه
لا يدخل في الصحيح
لا يُدْرَى صحيح حديثه من سقيمه
لا يرجع عن غلطه
لا يروي إلا عن ثقة
لا يُسأل عنه
لا يساوي شيئاً
لا يستشهد به
لا يصح
لا يصح حديثه
لا يصح في هذا الباب شيء
لا يصدق
لا يصلح للمتابعات والشواهد
لا يعتبر بحديثه
لا يعتبر به
لا يُعرَف
لا يعرف إلا من رواية فلان عنه
لا يُعرَفُ حالُه
لا يفرح بما يتفرد به
لا يُفرح بأحاديثه
لا يكاد يُعرف
لا يكتبُ حديثُه
لا ينبغي أن يُروى عنه
لا ينبغي أن يروى عنه ولا كرامة
لا يوثق به
لازَمَ فلاناً
اللحن في الحديث
اللَّحَق
لزم الجادة
لزم الطريق
لفظ الحديث
اللفظ لفلان
اللقب
للضعف ما هو
لم أجده
لم أدخله في التصنيف
لم أرَ للمتقدمين فيه كلاماً
لم أر له عندي إلا الشيء اليسير فلم أذكره ها هنا
لم أره
لم أعثر عليه
لم أقف عليه
لم تثبت عدالته
لم يحدث عنه فلان
لم يُخرجاه
لم يخرجه البخاري
لم يخرج له الشيخان
لم يسمع
لم يصح حديثه
لم يصرح بالسماع في هذا الحديث
لم يصنع شيئاً
لم يكن بالحافظ
لم يكن بالسكة
لم يكن بالصافي
لم يكن بالقوي في حديثه
لم يكن بجيد العقدة
لم يكن بمستقيم اللسان
لم يكن له حركة في الحديث
لم يكن من البابة
لم يكن من القراء
لم يكن من القريتين عظيم
لم يكن من النقد الجيد
لم يوثَّق توثيقاً يعتد به
له أحاديث صالحة
له إدراك
له أصل
له أوهام
له بلايا
له صحبة
له طامات
له مناكير
لو كان هذا الحديث عند زيد من هذا الوجه لم يحدث به من ذلك الوجه الآخر
ليس
ليس بالثقة
ليس بالحافظ
ليس بالقوي
ليس بالمتقن
ليس بالمتقن وله مناكير
ليس بالمتين
ليس بالمشهور
ليس بثقة
ليس بثقة زوَّر طبقة
ليس بثقة ولا مأمون
ليس بحجة
ليس بحجة ، له أوهام
ليس بحجة يُكتب حديثه اعتباراً
ليس بذاك
ليس بذاك القوي
ليس بشيء
ليس بعمدة
ليس بقوي
ليس بقوي في الحديث
ليس بمأمون(1/17)
ليس بمتقن
ليس بمتقن ولا بمعتمد
ليس بمحكم الحديث
ليس بمَحَِلٍّ للحجة
ليس بمرضي
ليس بمشهور
ليس بمعتمد
ليس بمقنع
ليس به بأس
ليس به بأسٌ يكتب حديثه
ليس به بأس في حديث الرقاق (أو حديث الرقائق)
ليس به بأس ولكنه روى أحاديث مناكير
ليس حدُّه التركَ
ليس حديثه بشيء
ليس عليه قياس
ليس في الدنيا مبتدع إلا وهو يبغض أهل الحديث
ليس في الرواية ، ولم يذكره أبو القاسم
ليس في السماع ، ولم يذكره أبو القاسم
ليس في حديثه أخبار
ليس في نفسي منه شيء
ليس محله محل المتسعين في الحديث
ليس من أهل الحفظ
ليس من الجمال التي تحمل المحامل
ليس من جمازات المحامل
ليس من جمال المحامل
ليس من معادن الصدق
ليس هو كأقوى ما يكون
ليس هو من إبل القباب
ليس هو من أصحاب الحديث
ليس هو من عيالنا
ليس يعرف
ليس ينشرح الصدر له
ليِّن
لين الحديث
لين بمرة
ما أحسن حديثه
ما أدري
ما أشبه حديثه بثياب سابور
ما أعلم به بأساً
ما أعلم والله به بأساً
ما بحديثه بأسٌ
ما بلغ من اضطرار المسلمين إليه
ما به بأسٌ إن شاء الله
ما تحت أديم السماء أصح من كتاب مسلم
ما تحملني رجلي إليه
ما روى عنه سوى فلان
ما كأنه حجة
ما هو بعمدة
ما هو بقوي ولا إسناده بمُضِي
ما يستأهل أن يُحدَّث عنه شيء
مأمون
مبتر
مبدل
مبهم
مبهمات البخاري
المبيَّضة
المتابعة
متأخر
المتأخرون
المتأخرون والمتقدمون
متروك
متروك الحديث
متروك بالإجماع
متروك بل متهم
متساهل
متشدد
متصل
متعنت
متفق عليه
المتفق والمفترق
المتقدمون
متقن
متقن ربما وهم
متماسك
المتن
متهم
متَّهَمٌ بالكذب
متهم بالوضع
متهم بسرقة الحديث
متهم يأتي بأوابد
متواتر
متواتر لفظي
متواتر معنوي
متوسط صالح الأمر
متين
مُثَبَّت
مثلُ فلان
مثلثة
مثلَ حديث قبْلَه متنُهُ كذا وكذا
مثلَه
مثله لا يُسأل عنه
المجلد
المجلة
مجلس الإملاء
مجلس الحديث
مجلَّسة
مجمع على تركه
مجمع على ثقته
مجمع على ضعفه
مجهول
مجهول الحال
مجهول العين
مجهول حالاً
مجهول عيناً(1/18)
مجوِّد
محبرة
محتمَل
مُحْدَث
محدِّث
مُحْدَثة
محفوظ
محله إن شاء الله الصدق
محله الصدق
محله الصدق والستر
محله محل الاعراب
محله محل فلان
المحو
مختصر
المختصرات
مختلف الحديث
مختلف فيه
مختلط
مخضرم
مخطوط
المداد
مداره على فلان
مدرَج
مُدْرَجة
مدلِّس
مدلَّس
المَدّة
المذاكرة
مذاهب النقاد للرجال غامضة دقيقة
مراتب التعديل والتجريح
المراجع
مردود الحديث
المرسل
المرسل الخفي
مرسل الصحابي
المرسل الخفي
مرّض القول فيه
مرَّض عليه
مرّض في أمره
مرفوع
مرفوع تصريحاً
مرفوع حكماً
مركَّب
المروي
المرويات التاريخية
المزيد في متصل الأسانيد
المساواة
المستخرَج
المستدرَك
مستقيم
مستقيم الحديث
مُستلٌّ
المستملي
مستو
مستور
المسطرة
مسطرة الكتاب
مسلسل
المسمِّع
مُسنِد
مسنَد
المسنَد
المسند الحنبلي
المُسْنَد المعلَّل
المُسَوَّدة
المشافهة
مشّاه
مشبَّه
مشتبِه
مشتهر
المشْقُ
مشكل الحديث
مشهور
مشهور الحديث
مشهور بالطلب
المشيخات
المَشْيَخَةُ
المصادر
المصدر
المصافحة
المصحف
المصحِّف
المصطلح
مصطلحات المحدثين
المصنَّف
المصنِّف
المضاف والمضاف إليه
مضطرب
مضطرب الحديث
مطَّرح
مطَّرح الحديث
مطروح الحديث
مطعون فيه
مطوَّل
مظلم
مظلم الأمر
معاً
المعارضة
معاجيم الشيوخ
معاجيم الصحابة
المعجم
معدن الكذب
معربة
معروف
معْضَل
مُعَلّ
معلَّق
المعنى
المعنى واحد
معناه
معنعن
مفيد
المقابلة
مقارب الحال
مقارب الحال إن شاء الله
مقارب الحديث
مقارِبٌ الحق
مقبول
مُقِلّ
مقطوع
مقلوب
المكاتبة
مكثِر
مكرر
مُلا
الملازمة
ملصق بفلان
ممن يُحتَمَل في بعضٍ
المَنّ
من ----إلى
من أنفسهم
من أهل الصدق
مِن بلاياه الحديث الفلاني
مَن ذكرتَ رحمك الله ؟
مَن طلب الحديث لغير الله مُكر به
مِن عقاربه
مَن مِثلُ فلان ؟
مَن مثله ؟
مِن معادن الصدق
من معادن العلم
من معادن الكذب
مناقب المحدثين
مناهج المحدثين
المناولة
منبع الكذب
منقطع
منقلب
منكر
المنكر أبداً منكر
منكر الحديث(1/19)
منكر الحديث ولم يُترك
مُنلا
منهج المتأخرين
منهج المتقدمين
مهمل
الموالي
المؤتلف والمختلف
مُوْدٍ
مُؤَدّي
الموسوعات الحديثية !!
موضوع
موقوف
مولى بني فلان
مولاهم
الميزان
نازل
الناس
نزكوه
النزول
نزيل البلد الفلاني
نسأل الله السلامة ، اللهم سلِّم سَلِّم
الَّنسخ
النسخ على الوجه
النسخ الحديثية
النسخة
نسخة خطية
نسخة مخطوطة
نسخة قلمية
نسيج وحدِه
نشاطُ المحدث وكسُله
النشق
نص الحديث
النظم
نفض يده
النقاد
النقد
النقد الخفي
نقد المتن
النُّقَط
النَّقْط
النقطتان
النقطة
نقط الحذف
نقل
النكت
نكرة
نكرة لا يعرف
نماه
نور الدين
هذا حديث فلان
هذا عامة ما يرويه فلان
هذا فلان فاحذروه
هذا موضوع ولا يتعدى فلاناً
هالك
الهامش
الهجاء
الهمزة
هو ابن فلان
هو في جملة الضعفاء
هو كذا وكذا
وآخر
الواسطة
واللفظ لفلان
والله أعلم
واهٍ
واهي الحديث
واهٍ بمرة
وبه
وُثِّق
وثقه فلان
الوِجادة
وجب التنكب عما انفرد في الروايات ، والاحتجاج بما وافق الثقات
الوجه
الوُحْدان
الوحدانيات
الوِرَاقة
الورَق
الورقة السليمانية
ورق سميك !!
وسط
الوصلة
وصلة النسب
الوصية
وضاع
الوضع
وضْعُ الحديث
وضَعَ حديثاً
وفلان فلان
وفي الباب
وفي الصحيح
وفي رواية أخرى
وفي طريق أخرى
الوَفَيَات
وفيات النقلة
وقال بعض الناس
الوقف
الوقفة
وكتب فلان
يأتي بطامات
يأتي عن فلان بما ليس من حديثه حتى يسبق إلى القلب أنه المتعمد لذلك
يأخذ عن كل ضرب
يبلغ به
يتكلم فيه فلان ويُحتمل منه
يتكلمونَ في إسناده
يتكلمون فيه
يُتَّهم
يثبّجُ الحديثَ
يُجْهَلُ
يُجْهَلُ حاله
يحتاج إلى أن يُحبس في السجن
يحتاج إلى دِعَامة
يُحتجّ بحديثه
يُحتج به
يُحتمَل
يحتمل أن يكون الحدث عنده على الوجهين
يُحتَمَل في الحديث
يُحْتَمَلُ منه
يحدِّث عن
يحوِّل
يحوَّل من كتاب الضعفاء
يُحيلون عليه
يخالف الثقات
يخالف في بعض الشيء
يخرَّج حديثُه
يخطئ
يخطئ كثيراً
يخطئ ويخالف
يخطئ ويصيب
يدخل في الصحيح
يدخل في المسند
يرفعه
يركب الأسانيد
يُروى من غير وجه نحو ذلك
يروي المراسيل
يروي الموضوعات عن الثقات
يرويه
يُزَرِّف
يزوِّر الطباق
يزيد في الرقم
يُستسقى بحديثه
يُستشهَد به
يُستضعَف
يسرق الحديث
يُسَوّي
يُسوّي الإسناد
يصر على الخطأ
يضع
يضع الأحاديث
يضع الأسانيد
يضرب المثل بكذبه
يعتبر بحديثه
يعتبر به
يعتقد الرجعة
يُعْرَفُ بفلان
يُعرَف ويُنكَر
يُغْرِب
يُكتب حديثه
يُكتَبُ حديثُه للاعتبار
يُكتَبُ حديثُه للاعتبار وينظر فيه
يُكتبُ حديثه ويُنظر فيه
يُكتبُ حديثُه وينظر فيه اعتباراً
يكتب حديثه ولا يحتج به
يكتبُ حديثه وهو حسن الحديث
يكذب
ينبغي لك أن تكبر عليه
يُنسَبُ إلى الوضع
ينفرد بأشياء مناكير لا تشبه حديث الثقات فبطل الاحتجاج به فيما وافقهم من الروايات
ينميه
يَهِمُ كثيراً
يهم كثيراً ، وهو حسن الحديث
يهوي
يؤدي
يؤدي اللفظ
يؤدّي ما سمع(1/20)
الفهرس الخامس: فهرس ألفاظ الجرح والتعديل
الله المستعان
آفته فلان (هو آفة هذا الحديث)
أتى بمناكير وعجائب
اتُّهم بتزوير سماعات
اتُّهم في اللقاء
اتَّهَمَه فلان
أثبت الناس
أثبت الناس في زيد
أثبت أصحاب زيد
أثنى عليه [فلان]
أجمعوا على تركه
أجمعوا على ضعفه
أحاديثه تُشبه أحاديث فلان ولا تشبه أحاديث فلان
أحاديثه جياد
أحاديثه عن فلان كتاب
أحاديثه كالريح
أحاديثه كلها حلم
أحاديثه مستقيمة
أَحَبّ إليَّ من فلان
احتج به أرباب الصحاح ، أصلاً وتبعاً
احتج به الجماعة
أحد الأحدين
احذروه
اختلط بأخرة
أخذَ الأجرة على التحديث
أخرج له الشيخان
إذا روى عنه الثقات فهو ثقة
أرجو أن لا بأس به
أرجو أن يكون صدوقاً
إردخل
ارمِ به
أساء الثناء عليه
أسأل الله السلامة
أسأل الله السلامة في الدين والدنيا
أستخير الله فيه
استشهد به البخاري
أشار بيده إلى لسانه
اضربْ على حديثه
أعرف الناس بحديث فلان
أعرف بفلان
أعلى
أعلم الناس بحديث فلان
أعلم بفلان
أفاك
أُكتبْ حديثَه
أكذَبُ الناسِ
أكذب من روث حمار الدجال(1/21)
إلى الصدق ما هو
إلى الضعف ما هو
إلى الضعف ما هو ، وهو صدوق ثقة
إلى اللِّين ما هو
ألان القول فيه
الله أعلم به
إليه المنتهى في التثبت
إليه المنتهى في الثقة
إليه المنتهى في الصدق
إليه المنتهى في الوضع
إمام
إمام الدنيا
إمام المحدثين
إمام المحدثين في زمانه
إمام ثبت
أمير المؤمنين في الحديث
إني لأخاف الله في الرواية عن فلان
أوثق الناس
أوثق عندي من نفسي
أي شيء تصنع به ؟
أيش فلان ؟ وما فلان؟ ومن فلان ؟
بخٍ
بخٍ بخٍ
بخٍ بخٍ بخٍ
بخٍ بخٍ ثقة
بخٍ ثبتٌ في الحديث
بخٍ ثقة
بخٍ من الأئمة
بزق
البلاء فيه من فلان
تالف
تالف لا تحل الرواية عنه
تالف ليس بشيء
تركتُه ثم حدثتُ عن فلان عنه
تَرَكَه
تركه الناس
تركوه
تعرف وتنكر
تغيَّرَ حفظه
تغيَّر قليلاً
تكلَّم فيه فلان
تُكلِّم فيه
تُكلم فيه ولم يترك بالكلية
تكلموا فيه
الثابت
الَّثبْتُ
ثبت رضا
ثبتت عدالته
ثقة
ثقة أجمعت الأمة على الاحتجاج به
ثقة إن شاء الله
ثقة بإجماع
ثقة بلا ثُنيا
ثقة بلا مدافعة
ثقة بلا نزاع
ثقة ثبت
ثقة ثقة
ثقة ثقة ثقة
ثقة حافظ
ثقة ربما أخطأ
ثقة ربما أغرب
ثقة ربما وهم
ثقة روى عنه شعبة
ثقة روى عنه مالك
ثقة ، صالح الحديث ، وإلى اللين ما هو
ثقة صدوق
ثقة صدوق ليس بحجة
ثقة صدوق وإلى الضعف ما هو
ثقة صدوق وليس بالقوي في الحديث ولا بالساقط
ثقة صدوق وفي حديثه اضطراب
ثقة ، في حديثه لِين
ثقة ، في حفظه شيء
ثقة في نفسه
ثقة له أوهام
ثقة مطلقاً
ثقة وفاقاً
ثقة وفيه ضعف
ثقة وليس بحجة
ثقة وليس ممن يوصف بالضبط
ثقة يخطئ
ثقة يخطئ كما يخطئ الناس
ثقة يغرب
جاز القنطرة
جائز الحديث
جراب الكذب
جهباذ
جهبذ
جيد الأمر صالح
جيد الحديث
حاطب ليل
حافظ
حجة
حدثنا أبو الزبير وأبو الزبير أبو الزبير
حدثني الثقة
حدثني بعض الثقات
حدثني من أثق به
حدثني من لا أتهم
حديثه شفاء
حديثه عن أصحابه كأنه حلم
حديثه ليس بشيء
حديثه مشهور
حديثه يشبه حديث الصالحين
حديثه يهوي(1/22)
حرَّكَ [الناقد] رأسَه
حرَّكَ [الناقد] يده
حريزي المذهب
حسن الحديث
حسن السمت
حسن الهيئة
حلو الحديث
حمّالة الحطب
حمَّض [الناقد] وجهه
الحنطة اللازوردية
حيوان
حيوان كذاب
حيوان متهم
حيوان وحشي
خشبي
خِيار
دَجّال
درة العراق
دعني لا أقيء
دعُوا حديثَه فإنه كان يسبّ السلف
الديباج الخسرواني
ذاهب
ذاهب الحديث
ذكروه عند فلان فامتخط
ذَمَّه ذماً شديداً
ذهب حديثه
ذو مناكير
رافضي
ربما أغرب
رجال إسناده ثقات
رجال الأئمة الأربعة (من رجال الأئمة الأربعة)
رجال التقريب (من رجال التقريب)
رجاله رجال البخاري (من رجال البخاري)
رُدَّ حديثُه
ردوا حديثه
رديء الحفظ
رضا
ركن من الأركان
رماه فلان
رُمِيَ بالكذب
روى أحاديث فيها صنعة
روى أحاديث منكرة
روى الحديث على أوجه
روى عن ابن عباس ما لا أصل له حتى كأنه ابن عباس آخر
روى عن فلان
روى عنه الناس
روى عنه أهل بلده
روى عنه فلان
روى عنه فلان بَسْ
روى فلان وآخر
روى مناكير
رواته ثقات
رواته عدول
رواه جماعة ثقات حفاظ
رياح
زوَّرَ أسمعةً
زوَّرَ طبقةً
زوّرَ لنفسه أسمعة وأصر عليها
زيوف (أحاديثه زيزف)
ساقط
ساقط الحديث
ساقط عدَم
سألته عن فلان فسكت
سِداد من عيش
سكت عنه - أو عليه - البخاري وابن أبي حاتم
سكتوا عنه
سلسلة الذهب
سماعه صحيح
سماعه من فلان غير صحيح
سيء الأخذ
سيء الحفظ
سيء الرأي فيه
سئل عنه فلان فبزق
شبه الريح
شبه لا شيء
شديد الأخذ
شديد الاضطراب
شديد الاضطراب في المسند
شعوبي
شَيخٌ
شيخ الإسلام
شيخٌ صالحٌ
شيخُ فلانٍ
شيخ لفلان
شيخٌ وسطٌ
شيعي
شيعي جلد
شيوخ فلان ثقات
صاحب أوابد
صاحب حديث
صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم
صاحِب فلان
صاحب مناكير
صادق أمين
صالح
صالح الأمر
صالح الأمر إن شاء الله
صالح الأمر وقد لُيِّن
صالح الحال إن شاء الله
صالح الحديث
صالح الحديث وفي حديثه لين
صالح صدوق ثقة ضعيف جداً
صح
صحابي
صحفي
صحيح الحديث
صدوق
صدوق إن شاء الله(1/23)
صدوق إن شاء الله وله خطأ وأوهام
صدوق ثقة
صدوق ثقة سيء الحفظ جداً
صدوق ثقة ، وفي حديثه ضعف
صدوق حسن الحديث
صدوق ربما يهم
صدوق سيء الحفظ
صدوق صاحب كتاب
صدوق في الجملة
صدوق في حفظه شيء
صدوق في نفسه
صدوق لا بأس به
صدوق له أوهام
صدوق له حفظ
صدوق له ما ينكر
صدوق ليس بمتقن
صدوق وسط
صدوق وقد وثِّق
صدوق وليس بحجة
صدوق يتجهم
صدوق يخطئ
صدوق يهم
صويلح
صويلح الحال
صويلح الحديث
ضابط
ضُعِّف
ضُعف قليلاً
ضعّفه
ضعفه فلان ولم يُهدَر
ضعفوه
ضعفوه ولم يُتْرَك
ضعفوه بمرة
ضعيف
ضعيف الحديث ، وهو ثقة صدوق
ضعيف بالإجماع
ضعيف بمرة
ضعيف بالمرة
ضعيف جداً
ضعيف يستشهد به
ضعيف يعتبر به
طرحوا حديثه
طير طرأ علينا
طير غريب
ظلمات بعضها فوق بعض
عالم
عالم بحديث فلان
عدلٌ
عدل حافظ
عدلٌ ضابط
عدَّله
عرفتُه
على يدي عدل
عَوجَ فَمَه
غير مرضي
غير معتمَد
غير معروف
غيره أوثق منه
فارس الحديث
فاسق
فسْل
في إسناده نظر
في الثبَت كالاسطوانة
في داره شجر يحمل الحديث
في حديثه أخبار (ذكرتها تمييزاً)
في حديثه ضعف
في حديثه لِيْنٌ
في حديثه نظر
فيه جهالة
فيه خُلْف
فيه شيء
فيه ضَعفٌ
فيه ضعفٌ ما
فيه ضَعْفٌ ولم يُترَك
فيه علة
فيه فلان وفلان
فيه كلام
فيه لِينٌ
فيه مقال
فيه نظر
فيه نظر وهو في الأصل صدوق
فيه نكارة (في حديثه نكارة)
قبان
قد عرفته
القراء
قليل الحديث
قليل الحياء
قوي إن شاء الله
كان أمة وحده في هذا الشأن
كان زيدٌ لا يحدث عنه
كان ضنيناً بالحديث
كان فسلاً
كان كخير الرجال
كان لا يحفظ
كان متقناً
كان يحدثنا بحديث الواحد على ثلاثة ضروب
كان يرى السيف
كأنه مصحف
كتابه صحيح
كتب عمن دب ودرج
كَتبتُ عنه على غير وجه الحديث
كذا وكذا
كذّاب
كذاب أشر
كذاب جبل
كذاب مدبر
كذبَ فلانٌ
كلاهما وتمراً
كلح [الناقدُ] وجهَه
كلهم ثقات
لا
لا أحد
لا أحد أثبت منه
لا أختاره في الصحيح
لا أروي عنه شيئاً
لا أعرف له بالعراق نظيراً
لا أعرف له نظيراً في الدنيا(1/24)
لا أعرفه
لا أعلم إلا خيراً
لا أعلم به بأساً
لا بأس به
لا بأس به إن شاء الله
لا بأس به عندي
لا تأخذوا عنه
لا تكتبْ حديثَه
لا سبيل إليه
لا شيء
لا شيء البتة
لا نعلم إلا خيراً
لا يتابع على حديثه
لا يتحرر أمره
لا يتحرر حاله
لا يُتْرَك
لا يُترك حديثُه
لا يثبت
لا يجوز الاحتجاج بخبره إذا انفرد
لا يجوز الاحتجاج به
لا يُحتج به
لا يحتجون بحديثه
لا يحتجون به
لا يحل كتب حديثه إلا اعتباراً
لا يحل كتب حديثه إلا على سبيل الاعتبار
لا يخرَّج حديثه
لا يدخل في الصحيح
لا يُدْرَى صحيح حديثه من سقيمه
لا يرجع عن غلطه
لا يروي إلا عن ثقة
لا يُسأل عنه
لا يساوي شيئاً
لا يستشهد به
لا يصح
لا يصح حديثه
لا يصدق
لا يصلح للمتابعات والشواهد
لا يعتبر بحديثه
لا يعتبر به
لا يُعرَف
لا يعرف إلا من رواية فلان عنه
لا يُعرَفُ حالُه
لا يفرح بما يتفرد به
لا يُفرح بأحاديثه
لا يكاد يُعرف
لا يكتبُ حديثُه
لا ينبغي أن يُروى عنه
لا ينبغي أن يروى عنه ولا كرامة
لا يوثق به
لازَمَ فلاناً
للضعف ما هو
لم أجده
لم أدخله في التصنيف
لم أرَ للمتقدمين فيه كلاماً
لم أر له عندي إلا الشيء اليسير فلم أذكره ها هنا
لم أره
لم أعثر عليه
لم أقف عليه
لم تثبت عدالته
لم يحدث عنه فلان
لم يُخرجاه
لم يخرجه البخاري
لم يخرج له الشيخان
لم يسمع
لم يصح حديثه
لم يكن بالحافظ
لم يكن بالسكة
لم يكن بالصافي
لم يكن بالقوي في حديثه
لم يكن بجيد العقدة
لم يكن بمستقيم اللسان
لم يكن له حركة في الحديث
لم يكن من البابة
لم يكن من القراء
لم يكن من القريتين عظيم
لم يكن من النقد الجيد
لم يوثَّق توثيقاً يعتد به
له أحاديث صالحة
له إدراك
له أوهام
له بلايا
له صحبة
له طامات
له مناكير
ليس
ليس بالثقة
ليس بالحافظ
ليس بالقوي
ليس بالمتقن
ليس بالمتقن وله مناكير
ليس بالمتين
ليس بالمشهور
ليس بثقة
ليس بثقة زوَّر طبقة
ليس بثقة ولا مأمون
ليس بحجة
ليس بحجة ، له أوهام(1/25)
ليس بحجة يُكتب حديثه اعتباراً
ليس بذاك
ليس بذاك القوي
ليس بشيء
ليس بعمدة
ليس بقوي
ليس بقوي في الحديث
ليس بمأمون
ليس بمتقن
ليس بمتقن ولا بمعتمد
ليس بمحكم الحديث
ليس بمَحَِلٍّ للحجة
ليس بمرضي
ليس بمشهور
ليس بمعتمد
ليس بمقنع
ليس به بأس
ليس به بأسٌ ، يُكتب حديثه
ليس به بأس في حديث الرقاق (أو حديث الرقائق)
ليس به بأس ولكنه روى أحاديث مناكير
ليس حدُّه التركَ
ليس حديثه بشيء
ليس عليه قياس
ليس في نفسي منه شيء
ليس محله محل المتسعين في الحديث
ليس من أهل الحفظ
ليس من الجمال التي تحمل المحامل
ليس من جمازات المحامل
ليس من جمال المحامل
ليس من معادن الصدق
ليس هو كأقوى ما يكون
ليس هو من إبل القباب
ليس هو من أصحاب الحديث
ليس هو من عيالنا
ليس يعرف
ليس ينشرح الصدر له
ليِّن
لين الحديث
لين بمرة
ما أحسن حديثه
ما أدري
ما أشبه حديثه بثياب سابور
ما أعلم به بأساً
ما أعلم والله به بأساً
ما بحديثه بأسٌ
ما بلغ من اضطرار المسلمين إليه
ما به بأسٌ إن شاء الله
ما تحملني رجلي إليه
ما روى عنه سوى فلان
ما كأنه حجة
ما هو بعمدة
ما هو بقوي ولا إسناده بمُضِي
ما يستأهل أن يُحدَّث عنه شيء
مأمون
مبهم
مبهمات البخاري
متروك
متروك الحديث
متروك بالإجماع
متروك بل متهم
متقن
متقن ربما وهم
متماسك
متهم
متَّهَمٌ بالكذب
متهم بالوضع
متهم بسرقة الحديث
متهم يأتي بأوابد
متوسط صالح الأمر
متين
مُثَبَّت
مثلُ فلان
مثله لا يُسأل عنه
مجمع على تركه
مجمع على ثقته
مجمع على ضعفه
مجهول
مجهول الحال
مجهول العين
مجهول حالاً
مجهول عيناً
مجوِّد
محله إن شاء الله الصدق
محله الصدق
محله الصدق والستر
محله محل الاعراب
محله محل فلان
مختلف فيه
مختلط
مخضرم
مردود الحديث
مرّض القول فيه
مرّض في أمره
مستقيم الحديث
مستور
مشّاه
مشهور
مشهور الحديث
مشهور بالطلب
مضطرب
مضطرب الحديث
مطَّرَح
مطَّرح الحديث
مطروح الحديث
مطعون فيه
مظلم الأمر
معدن الكذب
معروف
مقارب الحال(1/26)
مقارب الحال إن شاء الله
مقارب الحديث
مقارِبٌ الحق
مقبول
مُقِلّ
ملصق بفلان
ممن يُحتَمَل في بعضٍ
من أهل الصدق
مِن بلاياه الحديث الفلاني
مِن عقاربه
مَن مِثلُ فلان ؟
مَن مثله ؟
مِن معادن الصدق
من معادن العلم
من معادن الكذب
منبع الكذب
منكر الحديث
منكر الحديث ولم يُترك
مهمل
مُوْدٍ
مُؤَدّي
الميزان
نزكوه
نسأل الله السلامة ، اللهم سلِّم سَلِّم
نسيج وحدِه
نفض يده
نكرة
نكرة لا يعرف
هذا فلان فاحذروه
هذا موضوع ولا يتعدى فلاناً
هالك
هو في جملة الضعفاء
هو كذا وكذا
واهٍ
واهي الحديث
واهٍ بمرة
وُثِّق
وثقه فلان
وجب التنكب عما انفرد في الروايات ، والاحتجاج بما وافق الثقات
وسط
وضاع
وضَعَ حديثاً
وفلان فلان
يأتي بطامات
يأتي عن فلان بما ليس من حديثه حتى يسبق إلى القلب أنه المتعمد لذلك
يأخذ عن كل ضرب
يتكلم فيه فلان ويُحتمل منه
يتكلمون فيه
يُتَّهم
يثبّجُ الحديثَ
يُجْهَلُ
يُجْهَلُ حاله
يحتاج إلى أن يُحبس في السجن
يحتاج إلى دِعَامة
يُحتجّ بحديثه
يُحتج به
يُحتمَل
يحتمل أن يكون الحدث عنده على الوجهين
يُحتَمَل في الحديث
يُحْتَمَلُ منه
يحوَّل من كتاب الضعفاء
يخالف الثقات
يخالف في بعض الشيء
يخرَّج حديثُه
يخطئ
يخطئ كثيراً
يخطئ ويخالف
يخطئ ويصيب
يدخل في الصحيح
يدخل في المسند
يرفعه
يركب الأسانيد
يُروى من غير وجه نحو ذلك
يروي المراسيل
يروي الموضوعات عن الثقات
يرويه
يُزَرِّف
يزوِّر الطباق
يزيد في الرقم
يُستسقى بحديثه
يُستشهَد به
يُستضعَف
يسرق الحديث
يُسَوّي
يُسوّي الإسناد
يصر على الخطأ
يضع
يضع الأحاديث
يضع الأسانيد
يضرب المثل بكذبه
يعتبر بحديثه
يعتبر به
يعتقد الرجعة
يُعرَف ويُنكَر
يُغْرِب
يُكتب حديثه
يُكتَبُ حديثُه للاعتبار
يُكتَبُ حديثُه للاعتبار وينظر فيه
يُكتبُ حديثه ويُنظر فيه
يُكتبُ حديثُه وينظر فيه اعتباراً
يكتب حديثه ولا يحتج به
يكتبُ حديثه وهو حسن الحديث
يكذب
ينبغي لك أن تكبر عليه
يُنسَبُ إلى الوضع
ينفرد بأشياء مناكير لا تشبه حديث الثقات فبطل الاحتجاج به فيما وافقهم من الروايات
يَهِمُ كثيراً
يهم كثيراً ، وهو حسن الحديث
يؤدي
يؤدي اللفظ
يؤدّي ما سمع(1/27)
الفهرس السادس: فهرس ألفاظ ومسائل تخريج الأحاديث ونقدها(1)
الآثار
الآثار الموقوفة
الآحاد
آفته فلان
---- الآيةَ
أبى أن يحدثنا به
اتبع المجرة
الاتصال
الاتهام
الاتّهام بالكذب
الأثر
الأحاديث الإلهية
الأحاديث القدسية
أحاديثٌ بُترٌ
أحاديثه تُشبه أحاديث فلان ولا تشبه أحاديث فلان
أحاديثه جياد
أحاديثه عن فلان كتاب
أحاديثه كالريح
أحاديثه كلها حلم
أحاديثه مستقيمة
الاحتجاج
أحسن شيء في الباب
أحسن طرق هذا الحديث
أحوط
الأخبار
اختصار الحديث
اختصره
أخذَ طريقَ المجرة
أخذَ المجرة
إخراج الحديث
أخرج
أخرجاه
أخرج له الشيخان
أخرجه
أخرجه البخاري
أخرجه الجماعة
الإدخال
الإدراج
أدركه بالسن ولم يلقه
أذهبُ إلى حديث فلان
الأربعة
الأربعينات
الإرسال
الإرسال الجلي
الإرسال الخفي
إرسال الصحابة عن التابعين
الإرسال الظاهر
الاستشهاد
الاستقراء
استشكال النص لا يعني بطلانه
استشهد به البخاري
الإسناد
إسنادٌ أعرابي
إسناده صحيح
إسناده مظلم
أَسْنَدُ
أسنَدَ
أصح الأسانيد
أصح شيء في الباب
أصح طرق ذلك الحديث
أصحاب الحديث
الإصرار على الخطأ
الأصْل
الأصناف
الأصول
أصول التخريج
أصول الحديث
الأصول الخمسة
الأصول الستة
الاضطراب
الأطراف
الاعتبار
أعرف الناس بحديث فلان
أعرف بفلان
أعلى
أعلم الناس بحديث فلان
أعلم بفلان
أفادني
الأفراد
أفراد البخاري
أفراد مسلم
أفسدَ حديَثه
أفهمني فلان كذا
إلحاق السماع
الألفاظ
الأمالي
أنَّ
انا ، (أو أنا)
الأنأنة
أنبأ
أنبأنا
أنبأني
أنكر ما روى فلان كذا
أهل الكوفة ليس لحديثهم نور ، لا يذكرون الأخبار
أو كما قال
أوقفه
أوهى الأسانيد
الباب
باطل
بُترٌ
بحّاثة
البدل
البلاء فيه من فلان
البلاغ
__________
(1) أهملت هنا معظم ما تقدم في فهرس ألفاظ الجرح والتعديل مجانبة للتكرار .(1/28)
بلغ به
بلغ به ابنَ عباس
بلغنا
بمعناه
به
بوّب
البياض
بيّض له
تابعه فلان
تالف
تالف ليس بشيء
التجويد
التحديث
التحديث من الكتاب
التحريف
التحسين
التحمل
التخريج
التدبيج
التدليس
تدليس الإجازة
تدليس الأسماء
تدليس الإسناد
تدليس البلاد
تدليس التسوية
تدليس الشيوخ
تدليس الصيغة
تدليس العطف
تدليس القطع
تدليس المتون
تدليس المذاكرة
تدليس المكاتبة
تدليس المناولة
تدليس الوصل
التدليس بحذف الصيغة
تدليس كيفية التحمل
تدوين السنة أو تدوين الأحاديث
ترتيب الأحاديث
الترغيب والترهيب
التراجم
تراجم البخاري
الترجمة
تركيب الأسانيد
التزوير
التساعيات
التساهل
التساهل في الرواية
التسميع
التسوية
التشدد
التصحيح
التصنيف
تطويل الحديث
تعارضُ الرفعِ والوقف
تعارض الوصل والإرسال
التعليق
التعنت
التغير
تغيَّرَ حفظه
تغيَّر قليلاً
التفرد
التفرد المطلق
التفرد النسبي
تفرد به فلان
تفرد عنه فلان
تقديم المتن على السند
التقديم والتأخير
التقصير
تقطيع الحديث
تقوية الحديث بمجموع طرقه
تكرير الحديث
تُكلِّم فيه
التلقين
التلميذ
التمريض
التواتر
التوثيق
التوثيق التام
التوثيق المطلق
التوقيف
التوقيف على الأخبار
الثابت
ثَبَتَ
ثبَّتَ الحديث
الثلاثة
الثلاثيات
الثمانيات
ثنا
الثنائيات
الجادّة
الجامع
جحود الحديث
الجَرْح
الجُرح
الجرح المبهم
الجرح المبيَّن
الجرح المجمل
الجرح المفسر
الجزء
الجزء الحديثي
الجماعة
جمعُ الأبواب
جمع التراجم
جمع الشيوخ
جمع الطرق
الجهالة
جهالة الحال
جهالة العين
الجهة
الجوامع
جوّد
جيد
حاء التحويل
حجْب المختلط
حجة
حدّث
حدّث فلان وآخر
حدثكم فلان
حدثنا
حدثنا زيدٌ وعمرو المعنى
حدثنا زيدٌ وعمرو ، قال زيدٌ حدثنا فلان
حدثنا زيدٌ وعمرو واللفظ لعمرو
حدثنا زيد وعمرو وتقاربا في اللفظ
حدثني
حدثني الثقة
حدثني بعض الثقات
حدثني من أثق به
حدثني من لا أتهم
الحديثُ
---- الحديثَ
حديثٌ مختصر
حديث مشكل
حديثه شفاء
حديثه عن أصحابه كأنه حلم(1/29)
حديثه ليس بشيء
حديثه مشهور
حديثه يشبه حديث الصالحين
حديثه يهوي
الحرف
الحِسان
حسن
حسن الحديث
حسن بمجموع طرقه
حسن صحيح
حسن صحيح غريب
حسن غريب
حسن لذاته
حسن لغيره
حلو الحديث (حديث حلو)
الحوالة
الخبر
خبر الخاصة
خبر العامة عن العامة
خبر الواحد
خرجه
خفة الضبط
الخماسيات
الخمسة
خولِف
دخل عليه حديثٌ في حديث
دخل له حديثٌ في حديث
دواوين الإسلام
دواوين السنة
دوران الأسانيد
دوران الحديث
ذاهب
ذاهب الحديث
ذكر
ذكر الخبر
ذكره قولَه
ذكره من قوله
ذكره معناه
ذهب حديثه
الرباعيات
الرباعيات الملتحقة بالثلاثيات
ربما أغرب
رجال إسناده ثقات
رجال الحديث
رجاله ثقات
رجاله رجال البخاري
رجاله رجال الصحيح
رجاله موثقون
الرجوع عن الحديث
رُدَّ حديثُه
ردوا حديثه
رفعه
الرِّقاق
الرقائق
الرمز
روى
روى أحاديث فيها صنعة
روى أحاديث منكرة
روى الحديث على أوجه
روى عن فلان
روى عنه فلان
روى فلان وآخر
روى مناكير
رواه
رواه بمعناه
رواته ثقات
رواته عدول
رواه ابن حبان
رواه ابن خزيمة
رواه ابن ماجه
رواه أبو داود
رواه أبو نعيم
رواه أحمد
رواه البخاري
رواه البيهقي
رواه الترمذي
رواه الجماعة
رواه الحاكم
رواه الخمسة
رواه الدارقطني
رواه الدارمي
رواه الطبراني
رواه النسائي
رواه جماعة ثقات حفاظ
رواه مسلم
رواه مطوَّلاً
الروايةُ
روايةً
رواية الأصاغر عن الأكابر
رواية الأقران
رواية الأكابر عن الأصاغر
رواية الصحابة عن التابعين
الرواية بالمعنى
روينا
رياح
زاد فلان
الزوائد
زوائد - أو زيادات - الرواة في الأصول
زيادة
زيادة الثقة
الزيادة من الثقة مقبولة
زيوف
ساقط
ساقط الحديث
السباعيات
السبعة
الستة
السداسيات
سرقة الحديث
سلسلة الذهب
سَلَكَ الجادَّةَ
السماع
سماعه صحيح
سماعه من فلان غير صحيح
سَمِعَ
سمِعتُ
سن التحمل والأداء
السَند
السُنَّة
السنة النبوية
السنن
السنن الأربعة
السنن الثلاثة
سوء الأخذ
سوء الحفظ
سيء الأخذ
سيء الحفظ
الشاذ
شافهني
الشاهد(1/30)
الشاهد بالمعنى
شاهد الزور
شبه الريح
شبه لا شيء
شديد الأخذ
شديد الاضطراب
شديد الاضطراب في المسند
الشذوذ
شرح الحديث
الشيخ
شيخُ فلانٍ
الشيخان
شيوخ الأئمة
ص
صالح الحديث وفي حديثه لين
صح
الصحاح
الصحاح الخمسة
الصحاح الستة
صححه الحاكم ووافقه الذهبي
صحيح
الصحيح
صحيح الحديث
صحيح بمجموع طرقه
صحيح على شرط البخاري
صحيح على شرط الشيخين
صحيح على شرط مسلم
صحيح غريب
صحيح لذاته
الصحيحان
صحيفة
صغار التابعين
صغار الصحابة
صنّف على الأبواب
صويلح الحديث
صيغ الأداء
صيغ التمريض
الصيغ المحتملة
الصيغ الموهمة
الصيغ الموهمة للسماع
ض
ضابط
الضبط
ضبط الصدر
ضبط الكتاب
ضُعِّف
ضُعف قليلاً
ضعّفه
ضعّفه وأبى أن يحدثنا به
ضعيف
ضعيف الحديث ، وهو ثقة صدوق
ضعيف بمرة
ضعيف بالمرة
ضعيف جداً
ضعيف يستشهد به
ضعيف يعتبر به
الطريق
طول الملازمة
طوّله
طويل
ظاهره الصحة
ظلمات بعضها فوق بعض
ع
عالِم الحديث
عالم بحديث فلان
عالي
العبادلة
العدالة
العدالة الباطنة
العدالة الظاهرة
عدلٌ
عدل حافظ
عدلٌ ضابط
عدَّله
العرض
عرض القراءة
عرض المناولة
عَزْوُ الحديثِ
عزيز
العُسْر
العُسر (في الرواية)
العشاريات
علامات اختلاف الروايات
العلو
علو التنزيل
العلو المطلق
العلو النسبي
علوم الحديث
العلة
العلة القادحة
عن
عندي
عنعن
العنعنة
عن رجل
عن فلان
العوالي
عين الراوي
الغرائب
غريب
غريب الحديث
غريب لم نكتبه إلا من حديث فلان
غير صحيح
فائدة
فرد
الفوائد
في إسناده نظر
في الباب
في الصحيح
في حديثه أخبار
في حديثه ضعف
في حديثه لِيْنٌ
في حديثه نظر
فيه خُلْف
فيه شيء
فيه ضَعفٌ
فيه ضعفٌ ما
فيه علة
فيه فلان وفلان
فيه كلام
فيه لِينٌ
فيه مقال
فيه نظر
فيه نكارة
ق
قال
قال قال
قال لي
قثنا
قدسي
قراءة
قرأت في كتاب فلان
قُرئ على فلان
قُرئ على فلان وأنا أسمع
قصَّر
قصة (فيه قصة)(1/31)
كان أبو إسحاق إذا أخبرني عن رجل قلت له هذا أكبر منك ؟ فإن قال نعم ، علمت أنه لقي ؛ وإن قال أنا أكبر منه ، تركته .
كان لا يدلس وكان فلانٌ أكثر تدليساً منه
كتابة الأطراف
كتابه صحيح
الكتب التسعة
الكتب الخمسة
كتب الرجال
الكتب السبعة
الكتب الستة
كتب السنن
كتب العلل
كتب الغرائب
كتب الفوائد
كتب المتون
كَتَبَ إليَّ
كلهم ثقات
لا أختاره في الصحيح
لا أروي عنه شيئاً
لا أصل له
لا أعرفه
لا أعلمه يُروى إلا من هذا الوجه
لا يتابع على حديثه
لا يثبت
لا يجوز الاحتجاج به
لا يجيء
لا يحتجون بحديثه
لا يحل كتب حديثه إلا اعتباراً
لا يحل كتب حديثه إلا على سبيل الاعتبار
لا يخرَّج حديثه
لا يدخل في الصحيح
لا يُدْرَى صحيح حديثه من سقيمه
لا يرجع عن غلطه
لا يستشهد به
لا يصح
لا يصح حديثه
لا يصح في هذا الباب شيء
لا يصلح للمتابعات والشواهد
لا يعتبر بحديثه
لا يعتبر به
لا يفرح بما يتفرد به
لا يُفرح بأحاديثه
اللحن في الحديث
لزم الجادة
لزم الطريق
لفظ الحديث
اللفظ لفلان
لم أجده
لم أدخله في التصنيف
لم أعثر عليه
لم أقف عليه
لم يحدث عنه فلان
لم يُخرجاه
لم يخرجه البخاري
لم يخرج له الشيخان
لم يسمع
لم يصح حديثه
لم يصرح بالسماع في هذا الحديث
لم يصنع شيئاً
لم يوثَّق توثيقاً يعتد به
له أحاديث صالحة
له إدراك
له أصل
له أوهام
له بلايا
له صحبة
له طامات
له مناكير
لو كان هذا الحديث عند زيد من هذا الوجه لم يحدث به من ذلك الوجه الآخر
ليس
ليس بحجة
ليس بحجة يُكتب حديثه اعتباراً
ليس به بأس في حديث الرقاق (أو حديث الرقائق)
ليس به بأس ولكنه روى أحاديث مناكير
ليس حديثه بشيء
ليس في الرواية ، ولم يذكره أبو القاسم
ليس في السماع ، ولم يذكره أبو القاسم
ليس في حديثه أخبار
ليِّن
لين الحديث
لين بمرة
ما أحسن حديثه
ما أشبه حديثه بثياب سابور
ما به بأسٌ إن شاء الله
ما تحت أديم السماء أصح من كتاب مسلم
مبتر
مبدل
المتابعة
متأخر
المتأخرون(1/32)
المتأخرون والمتقدمون
متروك
متروك الحديث
متساهل
متشدد
متصل
متعنت
متفق عليه
المتن
متهم
متَّهَمٌ بالكذب
متهم بالوضع
متهم يأتي بأوابد
متواتر
متواتر لفظي
متواتر معنوي
مُثَبَّت
مثلَ حديث قبْلَه متنُهُ كذا وكذا
مثلَه
مجلس الإملاء
مجلس الحديث
مجمع على ضعفه
مجوِّد
مُحْدَث
مُحْدَثة
محفوظ
مختصر
المختصرات
مختلف الحديث
مختلف فيه
مداره على فلان
مدرَج
مُدْرَجة
مدلِّس
مدلَّس
المذاكرة
مراتب التعديل والتجريح
مردود الحديث
المرسل
المرسل الخفي
مرسل الصحابي
المرسل الخفي
مرّض القول فيه
مرَّض عليه
مرّض في أمره
مرفوع
مرفوع تصريحاً
مرفوع حكماً
مركَّب
المروي
المرويات التاريخية
المزيد في متصل الأسانيد
المساواة
المستخرَج
المستدرَك
مستقيم
مستقيم الحديث
مستو
مستور
مسلسل
مسنَد
المسنَد
المشافهة
مشّاه
مشبَّه
مشتهر
مشكل الحديث
مشهور الحديث
المصادر
المصدر
المصافحة
المصنَّف
مضطرب
مضطرب الحديث
مطَّرح
مطروح الحديث
مطعون فيه
مطوَّل
مظلم
مظلم الأمر
معاجيم الشيوخ
معاجيم الصحابة
المعجم
معروف
معْضَل
مُعَلّ
معلَّق
المعنى
المعنى واحد
معناه
معنعن
مقارِبٌ الحق
مقبول
مُقِلّ
مقطوع
مقلوب
مكثِر
مكرر
الملازمة
ملصق بفلان
ممن يُحتَمَل في بعضٍ
المَنّ
مِن بلاياه الحديث الفلاني
مِن عقاربه
مَن مِثلُ فلان ؟
مَن مثله ؟
منقطع
منقلب
منكر
المنكر أبداً منكر
منهج المتأخرين
منهج المتقدمين
مهمل
الموسوعات الحديثية !!
موضوع
موقوف
نازل
النزول
النسخ الحديثية
نص الحديث
النقاد
النقد
نقد المتن
نماه
هذا حديث فلان
هذا عامة ما يرويه فلان
هذا موضوع ولا يتعدى فلاناً
وآخر
الواسطة
واللفظ لفلان
واهٍ
واهي الحديث
واهٍ بمرة
وبه
وُثِّق
وثقه فلان
الوِجادة
وجب التنكب عما انفرد في الروايات ، والاحتجاج بما وافق الثقات
الوجه
الوُحْدان
الوحدانيات
الوصية
الوضع
وضْعُ الحديث
وضَعَ حديثاً
وفي الباب
وفي الصحيح
وفي رواية أخرى
وفي طريق أخرى
الوقف
يأتي بطامات
يبلغ به
يتكلمونَ في إسناده
يتكلمون فيه
يُحتجّ بحديثه
يُحتج به
يحتمل أن يكون الحدث عنده على الوجهين
يُحتَمَل في الحديث
يُحْتَمَلُ منه
يحدِّث عن
يُحيلون عليه
يخالف الثقات
يخالف في بعض الشيء
يخطئ
يخطئ كثيراً
يخطئ ويخالف
يدخل في الصحيح
يدخل في المسند
يرفعه
يركب الأسانيد
يُروى من غير وجه نحو ذلك
يروي المراسيل
يروي الموضوعات عن الثقات
يرويه
يُزَرِّف
يُستشهَد به
يُستضعَف
يسرق الحديث
يُسَوّي
يُسوّي الإسناد
يصر على الخطأ
يضع
يضع الأحاديث
يضع الأسانيد
يعتبر بحديثه
يعتبر به
ينميه
يهوي
يؤدي اللفظ(1/33)
الفهرس السابع: فهرس ألقاب الأحاديث والأسانيد وأوصافها
الآثار الموقوفة
الآحاد
أبى أن يحدثنا به
أتى بمناكير وعجائب
الأثر
أحاديث الآحاد
الأحاديث الإلهية
الأحاديث القدسية
أحاديثٌ بُترٌ
أحاديثه تُشبه أحاديث فلان ولا تشبه أحاديث فلان
أحاديثه جياد
أحاديثه عن فلان كتاب
أحاديثه كالريح
أحاديثه كلها حلم
أحاديثه مستقيمة
أحسن شيء في الباب
أحسن طرق هذا الحديث
أحلى
أحوط
الأخبار
اختصره
أخرجاه
أخرجه البخاري
أخرجه الجماعة
أذهبُ إلى حديث فلان
استشهد به البخاري
إسنادٌ أعرابي
إسناده صحيح
إسناده مظلم
أَسْنَدُ
أصح الأسانيد
أصح شيء في الباب
أصح طرق ذلك الحديث
الأصْل
الأصول
أصول الحديث
اضربْ على حديثه
الأطراف
أعلى
الأفراد
أفراد البخاري
أفراد مسلم
أفسدَ حديَثه
أفهمني فلان كذا
الألفاظ
أنكر ما روى فلان كذا
أهل الكوفة ليس لحديثهم نور ، لا يذكرون الأخبار
أوقفه
أوهى الأسانيد
باطل
بُترٌ
البلاغ
بلغ به
بلغ به ابنَ عباس
بلغنا
بمعناه
تابعه فلان
تالف
تأويل مختلف الحديث (مختلف الحديث)
التجويد (حديث مجود)
التدبيج (مدبج)
الترغيب والترهيب (أحاديث الترغيب والترهيب)
تركيب الأسانيد (إسناده مركب)
التساعيات
التسوية
التصحيح
تطويل الحديث
التعليق (معلق)
التفرد
التفرد المطلق
التفرد النسبي
تفرد به فلان
تفرد عنه فلان
التفسير بالأثر
التفسير بالمأثور(1/34)
تقديم المتن على السند
التقصير
تقطيع الحديث
تقوية الحديث بمجموع طرقه
تكرير الحديث
التمريض
التواتر (المتواتر)
الثابت
ثَبَتَ
ثبَّتَ الحديث
ثبَّتني فيه فلان
الثلاثيات
الثمانيات
الثنائيات
جائز الحديث (حديثه جائز)
الجهة
جوّد
جيد
حدثنا زيدٌ وعمرو المعنى
حدثنا زيدٌ وعمرو ، قال زيدٌ حدثنا فلان
حدثنا زيدٌ وعمرو واللفظ لعمرو
حدثنا زيد وعمرو وتقاربا في اللفظ
---- الحديثَ
حديثٌ مختصر
حديث مشكل
حديثه شفاء
حديثه عن أصحابه كأنه حلم
حديثه ليس بشيء
حديثه مشهور
حديثه يشبه حديث الصالحين
حديثه يهوي
الحِسان
حسن
حسن بمجموع طرقه
حسن صحيح
حسن صحيح غريب
حسن غريب
حسن لذاته
حسن لغيره
حلو الحديث
الحوالة
الخبر
خبر الخاصة
خبر العامة عن العامة
خبر الواحد
خرجه
الخماسيات
دخل عليه حديثٌ في حديث
دخل له حديثٌ في حديث
دوران الحديث (مداره على فلان)
ذاهب الحديث
ذكره قولَه
ذكره من قوله
ذكره معناه
ذهب حديثه
الرباعيات
الرباعيات الملتحقة بالثلاثيات
رجال إسناده ثقات
رجاله ثقات
رجاله رجال البخاري
رجاله رجال الصحيح
رجاله موثقون
رُدَّ حديثُه (مردود)
ردوا حديثه (مردود)
رفعه
الرِّقاق
الرقائق
روى أحاديث فيها صنعة
روى أحاديث منكرة
روى الحديث على أوجه
روى مناكير
رواه
رواه بمعناه
رواته ثقات
رواته عدول
رواه ابن حبان
رواه ابن خزيمة
رواه ابن ماجه
رواه أبو داود
رواه أبو نعيم
رواه أحمد
رواه البخاري
رواه البيهقي
رواه الترمذي
رواه الجماعة
رواه الحاكم
رواه الخمسة
رواه الدارقطني
رواه الدارمي
رواه الطبراني
رواه النسائي
رواه جماعة ثقات حفاظ
رواه مسلم
رواه مطوَّلاً
الروايةُ
روايةً
رواية الأصاغر عن الأكابر
رواية الأقران
رواية الأكابر عن الأصاغر
رواية الصحابة عن التابعين
الرواية بالمعنى
رياح
الزوائد
زوائد - أو زيادات - الرواة في الأصول
زيادة
زيادة الثقة
الزيادة من الثقة مقبولة
زيوف (أحاديثه زيوف)
ساقط
السباعيات
السداسيات(1/35)
سرقة الحديث (مسروق)
سلسلة الذهب
السَند
السنن
الشاذ
الشاهد
الشاهد بالمعنى
شاهد الزور
شبه الريح
شبه لا شيء
صاحب أوابد (أوابد)
صالح الحديث (حديث صالح)
صالح الحديث وفي حديثه لين
الصحاح
الصحاح الخمسة
الصحاح الستة
صححه الحاكم ووافقه الذهبي
صحيح
الصحيح
صحيح بمجموع طرقه
صحيح على شرط البخاري
صحيح على شرط الشيخين
صحيح على شرط مسلم
صحيح غريب
صحيح لذاته
ضعيف
ضعيف بالإجماع
ضعيف بمرة
ضعيف بالمرة
ضعيف جداً
ضعيف يستشهد به
ضعيف يعتبر به
طرحوا حديثه (مطروح)
الطريق
طوّله
طويل
ظاهره الصحة
ظلمات بعضها فوق بعض
عالي
عزيز
العشاريات
العلو
علو التنزيل
العلو المطلق
العلو النسبي
العلة (معلل)
العلة القادحة (فيه علة قادحة)
عنعن (حديث معنعن)
العنعنة
العوالي
الغرائب
غريب
غريب لم نكتبه إلا من حديث فلان
غير صحيح
فائدة
فرد
فضائل الأعمال (أحاديث فضائل الأعمال)
الفقرة (فقرة من الحديث)
الفوائد
في إسناده نظر
في الباب
في حديثه أخبار
في حديثه ضعف
في حديثه لِيْنٌ
في حديثه نظر
فيه جهالة
فيه خُلْف
فيه شيء
فيه ضَعفٌ
فيه ضعفٌ ما
فيه علة
فيه فلان وفلان
فيه كلام
فيه لِينٌ
فيه مقال
فيه نظر
فيه نكارة
قدسي
قصة (فيه قصة)
القَطعة (قطعة من الحديث)
لا أصل له
لا أعرفه
لا أعلمه يُروى إلا من هذا الوجه
لا شيء
لا شيء البتة
لا يتابع على حديثه
لا يثبت
لا يجوز الاحتجاج بخبره إذا انفرد
لا يجيء
لا يُحتج به
لا يحتجون بحديثه
لا يحتجون به
لا يحل كتب حديثه إلا اعتباراً
لا يحل كتب حديثه إلا على سبيل الاعتبار
لا يخرَّج حديثه
لا يدخل في الصحيح
لا يُدْرَى صحيح حديثه من سقيمه (حديث سقيم)
لا يساوي شيئاً
لا يستشهد به
لا يصح
لا يصلح للمتابعات والشواهد
لا يعتبر بحديثه
لم أدخله في التصنيف
لم أره
لم أعثر عليه
لم أقف عليه
لم يُخرجاه
لم يخرجه البخاري
لم يخرج له الشيخان
لم يصح حديثه
لم يصرح بالسماع في هذا الحديث
له أصل
له طامات (طامة)(1/36)
ليس في الرواية ، ولم يذكره أبو القاسم
ليس في السماع ، ولم يذكره أبو القاسم
ليس في حديثه أخبار
ما أحسن حديثه
ما أشبه حديثه بثياب سابور
ما بحديثه بأسٌ
مبتر
مبدل
المتابعة
متروك
متروك الحديث
متروك بالإجماع
متصل
متفق عليه
متماسك
المتن
متهم يأتي بأوابد (أوابد)
متواتر
متواتر لفظي
متواتر معنوي
متين
مُثَبَّت
مثلَ حديث قبْلَه متنُهُ كذا وكذا
مثلَه
مجمع على ضعفه
مجوِّد
محتمَل
مُحْدَث
محفوظ
مختصر
مختلف الحديث
مختلف فيه
مداره على فلان
مدرَج
مُدْرَجة
مدلَّس
مردود الحديث (مردود)
المرسل
المرسل الخفي
مرسل الصحابي
المرسل الخفي
مرّض القول فيه
مرّض في أمره
مرفوع
مرفوع تصريحاً
مرفوع حكماً
مركَّب
المروي
المرويات التاريخية
المزيد في متصل الأسانيد
المساواة
المستخرَج
المستدرَك
مستقيم
مستقيم الحديث
مستو
مسلسل
مسنَد
مشّاه [فلان]
مشبَّه
مشتهر
مشكل الحديث (حديث مشكِل)
مشهور
مشهور الحديث
المصافحة
مضطرب
مطَّرح
مطروح الحديث
مطوَّل
مظلم
مظلم الأمر
معروف
معْضَل
مُعَلّ
معلَّق
المعنى
المعنى واحد
معناه
معنعن
مقارب الحديث (حديث مقارب)
مقبول
مقطوع
مقلوب
مكرر
ملصق بفلان
مِن بلاياه الحديث الفلاني
مِن عقاربه
مَن مِثلُ فلان ؟
المناولة
منقطع
منقلب
منكر
موضوع
موقوف
نازل
نص الحديث
هذا حديث فلان
هذا موضوع ولا يتعدى فلاناً
واللفظ لفلان
واهٍ
واهٍ بمرة
وبه
الوحدانيات
وفي الصحيح
وفي رواية أخرى
وفي طريق أخرى
يأتي بطامات (طامات)
يبلغ به
يتكلمونَ في إسناده
يتكلمون فيه
يثبّجُ الحديثَ (مثبَّج)
يُجْهَلُ
يُحتج به
يُحتمَل
يحتمل أن يكون الحدث عنده على الوجهين
يدخل في الصحيح
يدخل في المسند
يرفعه
يركب الأسانيد (مركَّب)
يُروى من غير وجه نحو ذلك
يُستسقى بحديثه (يستسقى به)
يُستشهَد به
يُستضعَف
يسرق الحديث (مسروق)
يُسَوّي
يُسوّي الإسناد
يضع الأسانيد (إسناد موضوع)
يعتبر به
يُعْرَفُ بفلان
يُكتب حديثه (يكتَب)
يكتب حديثه ولا يحتج به
ينفرد بأشياء مناكير لا تشبه حديث الثقات فبطل الاحتجاج به فيما وافقهم من الروايات
ينميه
يهوي(1/37)
الفهرس الثامن: فهرس المصطلحات الخاصة وشبه الخاصة ومصطلحات فسرها أصحابها أو غيرهم من العلماء
أيوب السختياني
قول أيوب السختياني (يزيد في الرقم) انظر (يزيد في الرقم) .
عبدالله بن عون
قول ابن عون (نزكوه) انظر (نزكوه) .
قرة بن خالد
قول قرة بن خالد (يزرف) انظر (يزرّف).
معمر بن راشد
قول معمر بن راشد (يثبج الحديث) انظر (يثبج الحديث) .
شعبة بن الحجاج
قول شعبة (حديثه يهوي) انظر (حديثه يهوي).
عبدالله بن المبارك
قول ابن المبارك ( قد عرفتُه ) انظر (قد عرفته) .
أبو نعيم الفضل بن دكين
قول أبي نعيم الفضل بن دكين (ليس من عيالنا) انظر (ليس من عيالنا) .
محمد بن إدريس الشافعي
قول الشافعي (حديثه ليس بشيء) انظر (حديثه ليس بشيء).
قول الشافعي (مقطوع) انظر (مقطوع) .
قول الشافعي (حسن) انظر (حسن) .
يحيى بن سعيد القطان
قول يحيى بن سعيد القطان (لا بأس به) انظر (لا بأس به).
قول يحيى بن سعيد القطان (منكر الحديث) انظر (منكر).
عبدالرحمن بن مهدي
قول عبد الرحمن بن مهدي (صدوق) انظر (صدوق) .
قول عبد الرحمن بن مهدي (رجل صالح، الحديث يغلبه) انظر (صدوق) .
الجريري
قول الجريري (غيره أوثق منه) : انظر (غيره أوثق منه) .
يحيى بن معين
قول ابن معين (ثقة روى عنه مالك) : انظر (ثقة روى عنه مالك).
قول ابن معين ( لا بأس به ) : انظر (لا بأس به) .
قول ابن معين (ليس به بأس ولكنه روى أحاديث مناكير) : انظر (ليس به بأس ولكنه روى أحاديث مناكير) .
قول ابن معين (ليس بشيء) : انظر (ليس بشيء) .
قول ابن معين (لا شيء) : انظر (ليس بشيء) .
قول ابن معين (لا أحد) : انظر (لا أحد) .
قول ابن معين (ليس بالقوي) : انظر (ليس بالقوي).
قول ابن معين (يكتب حديثه) : انظر (يُكتب حديثه).
قول ابن معين (ضعيف) : انظر (ضعيف).(1/38)
قول ابن معين (صاحب الانتخاب يندم ، وصاحب النسخ لا يندم) : انظر (صاحب الانتخاب يندم ، وصاحب النسخ لا يندم) .
علي بن المديني
قول ابن المديني (ليس هو كأقوى ما يكون) : انظر (ليس هو كأقوى ما يكون) .
أحمد بن محمد بن حنبل
قول أحمد (لا أعلم به بأساً) : انظر (لا أعلم به بأساً ) .
قول أحمد (لا أعلم إلا خيراً) : انظر (لا أعلم إلا خيراً) .
قول أحمد (هو أحب إليَّ من فلان) : انظر (أحب إليّ من فلان) .
قول أحمد (كذا وكذا) : انظر (كذا وكذا) .
قول أحمد (ليس من أهل الحفظ) : انظر (ليس من أهل الحفظ ).
قول أحمد (يخطئ ويصيب) : انظر (يخطئ ويصيب) .
قول أحمد (حديثه يهوي) : انظر (حديثه يهوي).
قول أحمد (منكر الحديث) : انظر (منكر).
أحمد بن صالح المصري
قول أحمد بن صالح المصري (لا يترك حديث رجل حتى يجتمع الجميعُ على ترك حديثه) : انظر (لا يترك حديث رجل حتى يجتمع الجميعُ على ترك حديثه) .
يعقوب بن شيبة
قول يعقوب بن شيبة (ثقة) : انظر (ثقة).
عثمان بن أبي شيبة
قول عثمان بن أبي شيبة (ثقة وليس بحجة) : انظر (ثقة).
ابن سعد
قول ابن سعد (ثقة) : انظر (ثقة).
أبو حاتم الرازي
قول أبي حاتم (صالح) : انظر (صالح).
قول أبي حاتم (صالح الحديث) : انظر (صالح).
قول أبي حاتم (صدوق) : انظر (صدوق).
قول أبي حاتم (ليس بالقوي) : انظر (ليس بالقوي) .
قول أبي حاتم (حجة) : انظر (يكتب حديثه ولا يحتج به).
قول أبي حاتم (يحتج به) : انظر (يحتج به).
قول أبي حاتم (لا يحتج به) : انظر (يكتب حديثه ولا يحتج به) .
قول أبي حاتم ( يُكتب حديثه ولا يُحتج به ) : انظر (يكتب حديثه ولا يحتج به).
قول أبي حاتم (يكتب حديثه) : انظر (يكتب حديثه) .
قول أبي حاتم (مجهول) : انظر (مجهول).
قول أبي حاتم (فلان مودٍ) : انظر (مؤدّي) .
قول أبي حاتم (على يدي عدل) : انظر (على يدي عدل).
قول أبي حاتم ( شيخ ) : انظر (شيخ) .
قول أبي حاتم (حسن الحديث) : انظر (حسن الحديث) .(1/39)
ابن أبي حاتم الرازي
قول ابن أبي حاتم (صالح الحديث) : انظر (صالح).
قول ابن أبي حاتم (صدوق ثقة) : انظر (صدوق ثقة).
شرح ابن أبي حاتم لمعاني مصطلحات العلماء : انظر (يكتب حديثه اعتباراً ).
أبو داود السجستاني
قول أبي داود (حجة) : انظر (حجة).
محمد بن إسماعيل البخاري
قول البخاري (سكتوا عنه) : انظر (سكتوا عنه).
قول البخاري ( مقارِب الحديث ) : انظر (مقارب الحديث).
قول البخاري (فيه نظر) : انظر (فيه نظر) .
قول البخاري (في حديثه نظر) : انظر (فيه نظر) .
قول البخاري (في إسناده نظر) : انظر (فيه نظر) .
قول البخاري (هو على الاحتمال) : انظر (فيه نظر) .
قول البخاري (لا يُحتمل) : انظر (فيه نظر) .
قول البخاري ( حديثه مشهور ) : انظر (حديثه مشهور).
قول البخاري ( مشهور الحديث ) : انظر (حديثه مشهور).
قول البخاري ( منكر الحديث ) : انظر (منكر).
قول البخاري (رماه فلان) : انظر (رماه فلان).
قول البخاري (وآخر) : انظر (حدث فلانٌ وآخر) .
قول البخاري (لا يصح حديثه) : انظر (لم يصح حديثه) .
قول البخاري (لم يصح حديثه) : انظر (لم يصح حديثه) .
قول البخاري (يتكلمون في إسناده) : انظر (لم يصح حديثه) .
مسلم بن الحجاج النيسابوري
قول مسلم (حديث منكر) : انظر (منكر) .
قول مسلم (روى فلانٌ وآخر) : انظر (روى فلان وآخر) ، أو (حدث فلانٌ وآخر) .
قول مسلم (اكتبْ حديثه) : انظر (اكتب حديثه) .
محمد بن عيسى الترمذي
قول الترمذي (وفي الباب) : انظر (وفي الباب) .
قول الترمذي (حسن غريب) : انظر (حسن غريب) .
قول الترمذي (فيه علة) : انظر (العلة) .
أحمد بن شعيب النسائي
قول النسائي (لا بأس به) : انظر (لا بأس به) .
قول النسائي (ليس به بأس) : انظر (لا بأس به) .
قول النسائي (ليس بالقوي) : انظر (ليس بالقوي) .
قول النسائي (ليس بقوي) : انظر (ليس بالقوي).
أحمد بن عمرو بن عبدالخالق البزار
قول البزار (لين الحديث) : انظر (لين الحديث).(1/40)
قول البزار (حدث بأحاديث لم يتابع عليها) : انظر (لا يتابع على حديثه).
علي بن عمر الدارقطني
قول الدارقطني (كلهم ثقات) : انظر (كلهم ثقات).
قول الدارقطني (صدوق) : انظر (صدوق).
قول الدارقطني (حسن) : انظر (حسن).
قول الدارقطني (لا يترك) : انظر (لا يترك).
قول الدارقطني ( لين ) : انظر (لين الحديث).
قول الدارقطني (مقطوع) : انظر (مقطوع) .
البرديجي
قول البرديجي (منكر الحديث) : انظر (منكر) .
قول البرديجي (منقطع) : انظر (منقطع) أو (مقطوع).
ابن عدي
قول ابن عدي (لا بأس به) : انظر (لا بأس به) .
قول ابن عدي (أرجو أنه لا بأس به) : انظر (أرجو أنه لا بأس به) .
قول ابن عدي (هو من أهل الصدق) : انظر (من أهل الصدق).
قول ابن عدي (هو في جملة الضعفاء) : انظر (هو في جملة الضعفاء).
قول ابن عدي (هذا عامة ما يرويه فلان) : انظر (هذا عامة ما يرويه فلان).
قول ابن عدي (لم أر للمتقدمين فيه كلاماً) : انظر (لم أر للمتقدمين فيه كلاماً ).
قول ابن عدي (لم أر له عندي إلا الشيء اليسير فلم أذكره ها هنا) : انظر (يُكتب حديثه) .
ابن خزيمة
قول ابن خزيمة (صحيح) : انظر (صحيح) .
ابن حبان
قول ابن حبان (صحيح) : انظر (صحيح) .
قول ابن حبان في "الثقات" (كان متقناً ) : انظر (متقن) .
قول ابن حبان (مستقيم الحديث) : انظر (متقن) .
قول ابن حبان في (الثقات) (كان صاحب حديث) : انظر (صاحب حديث).
قول ابن حبان (لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد) : انظر (لا يجوز الاحتجاج بخبره إذا انفرد) .
قول ابن حبان (رديء الحفظ) : انظر (لا يجوز الاحتجاج بخبره إذا انفرد) .
قول ابن حبان (يخطئ كثيراً ) : انظر (لا يجوز الاحتجاج بخبره إذا انفرد) .
قول ابن حبان (يأتي عن فلان بما ليس من حديثه حتى يسبق إلى القلب أنه المتعمد لذلك) : انظر (يأتي عن فلان بما ليس من حديثه حتى يسبق إلى القلب أنه المتعمد لذلك).
الحاكم
قول الحاكم (طيرٌ طرأ علينا) : انظر (طير طرأ علينا) .(1/41)
قول الحاكم (منقطع) : انظر (منقطع).
الطبراني
قول الطبراني (مقطوع) : انظر (مقطوع) .
أبو عوانة
قول أبي عوانة (أخرجاه) : انظر (أخرجاه) .
أبو نعيم الأصبهاني
قول أبي نعيم الأصبهاني (أخبرنا) : انظر (أخبرنا) .
قول أبي نعيم (ضعيف) : انظر (ضعيف) .
قول أبي نعيم الأصبهاني (متفق عليه) : انظر (متفق عليه) .
الجوزقي
قول الجوزقي (متفق عليه) : انظر (متفق عليه) .
الخطيب البغدادي
قول الخطيب (ثقة) : انظر (ثقة).
ابن عبدالبر
معنى المسند عند ابن عبد البر : انظر (مسنَد) .
معنى المقطوع عند ابن عبدالبر : انظر (مسند) .
ابن حزم الأندلسي
قول ابن حزم (فقيه) : انظر (فقيه) .
قول ابن حزم (موضوع) : انظر (موضوع) .
أبو بكر الحميدي
قول أبي بكر الحميدي (مقطوع) : انظر (مقطوع) .
عبدالحق الاشبيلي
قول عبدالحق الأشبيلي (وفي رواية أخرى) : انظر (وفي رواية أخرى) .
ابنُ القطانِ الفاسيُّ
قول ابن القطان (لم تثبت عدالته) : انظر (لم تثبت عدالته).
البغوي
قول البغوي (حسان) : انظر (حسان) .
قول البغوي (صحاح) : انظر (حسان) .
ابن الجوزي
قول ابن الجوزي (فيه فلان وفلان) : انظر (فيه فلان وفلان) .
ابن تيمية الجَدّ
قول مجد الدين بن تيمية الجَدّ (متفق عليه) : انظر (متفق عليه) .
ابن تيمية الحفيدُ شيخُ الإسلام
شرح ابن تيمية لمعنى (فقيه) : انظر (فقيه) .
قول ابن تيمية (وفي الصحيح) : انظر (وفي الصحيح) .
ابن القيم
قول ابن القيم (وفي الصحيح) : انظر (وفي الصحيح) .
الذهبي
قول الذهبي في الميزان (مجهول) : انظر (مجهول) .
قول الذهبي (لا يُعرف) : انظر (لا يُعرف) و (مجهول) .
مؤلفا (تحرير التقريب)
قول صاحبي "تحرير التقريب" (ضعيف) : انظر (ضعيف).
المتأخرون
قولهم (التفسير بالأثر، أو بالمأثور) : انظر (التفسير بالأثر) .(1/42)
الفهرس التاسع: فهرس الغريب والنادر من الاصطلاحات والتراكيب وأساليب نقد الرواة والأحاديث ، وجملة من العبارات التي ورد تحتها شيء من الفوائد
الله المستعان
أبى أن يحدثنا به
الأبناء
اتبع المجرة
أحاديثٌ بُترٌ
أحاديثه كلها حلم
احتج به أرباب الصحاح ، أصلاً وتبعاً
أحلى
أحوط
أخذَ طريقَ المجرة
أخذَ المجرة
إردخل
الأستاذ
إسنادٌ أعرابي
إسناده مظلم
أَسْنَدُ
الأصناف
أعلى
أفاك
أكذب من روث حمار الدجال
الإلزاق
أهل الكوفة ليس لحديثهم نور ، لا يذكرون الأخبار
التوقيف على الأخبار
الجادّة
جاز القنطرة
جراب الكذب
الجُزازة
جهباذ
جهبذ
حديثه شفاء
حديثه عن أصحابه كأنه حلم
حديثه ليس بشيء
حديثه يشبه حديث الصالحين
حديثه يهوي
الحديثيّ
حرَّكَ رأسَه
حرَّكَ يده
حريزي المذهب
حسن السمت
حسن الهيئة
حلو الحديث
حمّالة الحطب
حمَّض وجهه
الحنطة اللازوردية
الحوالة
حوَّق
حيوان
حيوان كذاب
حيوان متهم
حيوان وحشي
خبر الخاصة
خبر العامة عن العامة
خبر الواحد
الختم
خشبي
خف
د.
دَجّال
الدَّرْجُ
درة العراق
دعني لا أقيء
دعُوا حديثَه فإنه كان يسبّ السلف
دكتور
دكتوراه
الديباج الخسرواني
ذكروه عند فلان فامتخط
الرباعيات الملتحقة بالثلاثيات
ربما أغرب
رجع
الرَّقّ
الرِّقاق
الرقائق
ركن من الأركان
الرمز
روى أحاديث فيها صنعة
روى الحديث على أوجه
روى عن ابن عباس ما لا أصل له حتى كأنه ابن عباس آخر
رياح
زيوف
سِداد من عيش
السِّفر
السَّفَط
سَلَكَ الجادَّةَ
السماع على الوجه
سئل عنه فلان فبزق
شبه الريح
شبه لا شيء
شديد الأخذ
شعوبي
الشق
الشكل
صاحب الانتخاب يندم، وصاحب النسخ لا يندم
الصلاة المجلَّسة
ضبط الأحاديث المسندة أسهل وأهون من ضبط أسانيد التفسير وألفاظها
الضبط بالتنصيص على أن الكلمة هي الجادة
الضبط بالعبارة
الضبط بالقلم
الضبط بالقياس
الضبط بالوزن
الضبط بذكر صيغة الكلمة
الضبط بكتابة كلمة فوق أو تحت الكلمة المراد ضبطها
الضبط في الحاشية
الضبة
ضعفه فلان ولم يُهدَر
الطاقة
الطباق
طَبَقُ السماع
الطبقة
طرّف أحاديث الكتاب الفلاني
الطُّرَّةُ
الطلحية
الطمس
طير طرأ علينا
طير غريب(1/43)
ظلمات بعضها فوق بعض
ظهرية الكتاب
العُسر (في الرواية)
علو التنزيل
عَوجَ فَمَه
الغرباء
غريب لم نكتبه إلا من حديث فلان
غيره أوثق منه
فارس الحديث
فائدة
فسْل
فقيه
فقيه البدن
فقيه النفس
في الثبَت كالاسطوانة
في داره شجر يحمل الحديث
فيه خُلْف
قد عرفته
القِمَطْر
كان أمة وحده في هذا الشأن
كان ضنيناً بالحديث
كان فسلاً
كان كخير الرجال
كان لا يدلس وكان فلانٌ أكثر تدليساً منه
كان يحدثنا بحديث الواحد على ثلاثة ضروب
كان يرى السيف
كأنه مصحف
كتابة الأطراف
كتب عمن دب ودرج
كَتبتُ عنه على غير وجه الحديث
كتبنا عن الكذابين وسجرنا به التنور وأخرجنا به خبزاً نضيجاً
كذا وكذا
كذاب أشر
كذاب جبل
كذاب مدبر
الكراس
الكراسة
الكشكول
كفُّ الإسلام
كلاهما وتمراً
كلح وجهه
الكُنّاش ، الكُنّاشة
لا
لا أحد
لا أختاره في الصحيح
لا أصل له
لا أعرف له بالعراق نظيراً
لا أعرف له نظيراً في الدنيا
لا أعلم إلا خيراً
لا ---- إلى
لا سبيل إليه
لا يتحرر أمره
لا يتحرر حاله
لا يُترك حديثُ رجلٍ حتى يجتمع الجميعُ على ترك حديثه
لا يجيء
لا يدخل في الصحيح
لا يُدْرَى صحيح حديثه من سقيمه
لا ينبغي أن يروى عنه ولا كرامة
اللَّحَق
لزم الجادة
لزم الطريق
اللفظ لفلان
لم أجده
لم أدخله في التصنيف
لم يُخرجاه
لم يصنع شيئاً
لم يكن بالسكة
لم يكن بالصافي
لم يكن بجيد العقدة
لم يكن بمستقيم اللسان
لم يكن له حركة في الحديث
لم يكن من البابة
لم يكن من القراء
لم يكن من القريتين عظيم
لم يكن من النقد الجيد
له إدراك
له بلايا
له طامات
لو كان هذا الحديث عند زيد من هذا الوجه لم يحدث به من ذلك الوجه الآخر
ليس
ليس بمحكم الحديث
ليس به بأس في حديث الرقاق (أو حديث الرقائق)
ليس حدُّه التركَ
ليس عليه قياس
ليس في حديثه أخبار
ليس محله محل المتسعين في الحديث
ليس من الجمال التي تحمل المحامل
ليس من جمازات المحامل
ليس من جمال المحامل
ليس هو من إبل القباب(1/44)
ليس هو من أصحاب الحديث
ليس هو من عيالنا
ليس ينشرح الصدر له
لين بمرة
ما أحسن حديثه
ما أدري
ما أشبه حديثه بثياب سابور
ما بلغ من اضطرار المسلمين إليه
ما تحت أديم السماء أصح من كتاب مسلم
ما تحملني رجلي إليه
ما كأنه حجة
ما هو بقوي ولا إسناده بمُضِي
ما يستأهل أن يُحدَّث عنه شيء
مبتر
مبدل
المتأخرون
المتأخرون والمتقدمون
متعنت
متماسك
متهم يأتي بأوابد
متواتر
متواتر لفظي
متواتر معنوي
متين
مُثَبَّت
مجلَّسة
مجوِّد
محله محل الاعراب
محله محل فلان
مخطوط
مداره على فلان
مدرَج
مُدْرَجة
المذاكرة
المراجع
مرّض القول فيه
مرَّض عليه
مرّض في أمره
مُستلٌّ
مستو
المسمِّع
مُسنِد
مشّاه
مشبَّه
مشتبِه
المشْقُ
مشكل الحديث
مشهور
مشهور الحديث
المصادر
المصدر
المصحف
المصحِّف
المصطلح
مطوَّل
مظلم
مظلم الأمر
معاً
المعنى
المعنى واحد
معناه
مفيد
مُقِلّ
مُلا
ملصق بفلان
ممن يُحتَمَل في بعضٍ
المَنّ
من ----إلى
من أنفسهم
مَن ذكرتَ رحمك الله ؟
مِن عقاربه
منبع الكذب
المنكر أبداً منكر
مُنلا
منهج المتأخرين
منهج المتقدمين
الموالي
مُوْدٍ
مُؤَدّي
الموسوعات الحديثية !!
مولى بني فلان
مولاهم
الميزان
الناس
نزكوه
نزيل البلد الفلاني
نسأل الله السلامة ، اللهم سلِّم سَلِّم
النَّسخ
النسخ على الوجه
النسخ الحديثية
النسخة
نسيج وحدِه
نشاطُ المحدث وكسُله
النشق
نص الحديث
النظم
نفض يده
النكت
نماه
نور الدين
هذا حديث فلان
هذا عامة ما يرويه فلان
هذا فلان فاحذروه
هذا موضوع ولا يتعدى فلاناً
الهامش
وآخر
الواسطة
واللفظ لفلان
والله أعلم
وبه
وجب التنكب عما انفرد في الروايات ، والاحتجاج بما وافق الثقات
الوجه
الوُحْدان
الوحدانيات
الوِرَاقة
الوصلة
وصلة النسب
وفلان فلان
وفي الباب
وفي الصحيح
وفي رواية أخرى
وفي طريق أخرى
الوَفَيَات
وفيات النقلة
وقال بعض الناس
الوقف
الوقفة
وكتب فلان
يأتي بطامات
يأتي عن فلان بما ليس من حديثه حتى يسبق إلى القلب أنه المتعمد لذلك
يأخذ عن كل ضرب
يبلغ به
يتكلم فيه فلان ويُحتمل منه
يثبّجُ الحديثَ
يحتاج إلى أن يُحبس في السجن
يحتاج إلى دِعَامة
يحوِّل
يحوَّل من كتاب الضعفاء
يُحيلون عليه
يدخل في الصحيح
يدخل في المسند
يرفعه
يركب الأسانيد
يُروى من غير وجه نحو ذلك
يروي المراسيل
يرويه
يُزَرِّف
يزوِّر الطباق
يزيد في الرقم
يُستسقى بحديثه
يُستشهَد به
يُستضعَف
يسرق الحديث
يُسَوّي
يُسوّي الإسناد
يضع الأسانيد
يضرب المثل بكذبه
يعتقد الرجعة
يُعْرَفُ بفلان
يُعرَف ويُنكَر
يُغْرِب
ينبغي لك أن تكبر عليه
ينفرد بأشياء مناكير لا تشبه حديث الثقات فبطل الاحتجاج به فيما وافقهم من الروايات
ينميه
يهوي
يؤدي
يؤدي اللفظ
يؤدّي ما سمع(1/45)
الفهرس العاشر: فهرس مصطلحات التدوين والنسخ والتصنيف والطباعة والتحقيق
آخر الحروف
آلات النسخ
---- الآيةَ
أبجد
ابنا
الأبناء
الإبهام
اتُّهم بتزوير سماعات
الإجازة
الإجازة العامة
الإجازة على الإجازة
الأجزاء الحديثية
أُحضِرَ
الأخبار
الأخباريون
الاختصار
اختصار الحديث
اختصار الكتب
اختصار صيغ الأداء
اختصره
إخراج الحديث
أخرج
الإدراج
إدراك
إذا كتبت فقمش وإذا حدثت ففتش
الإذن المجرد
الأربعينات
الأرقام
أرنا
الأستاذ
الاستقراء
استجازه
الأسماء المعبدة
الأسماء المفردة
الأسمعة
أصحاب الحديث
الإصلاح
الاصطلاح
اصطلاحات المحدثين
الأصْل
الأصناف
الأصول
أصول التحقيق
أصول الحديث
الأصول الخمسة
الأصول الستة
اضربْ على حديثه
الأطراف
الإعجام
إعراب الحديث
الأعلام
الإعلام
أفادني
أفهمني فلان كذا
الاقتباس
الأقران
أُكتبْ حديثَه
إلحاق السماع
الإلحاق
الإلزاق
ألّف
ألَّف على الأبواب
ألف في التراجم
الألفاظ
الألقاب
أما بعد
الأمالي
أملى
الإملاء
الانتخاب
الانتقاء
انتهى
انتهى بتصرُّف
انتهى بنصه
الأنساب
إنما يُشكَلُ ما يُشْكِل
أهل النقل
أهل الحديث
أهل الرأي
أهل المعاني
الإهمال(1/46)
أو كما قال
أولى الأشياء بالضبط أسماء الناس
الباء الموحدة
الباب
البابة
بابه فلان
باحث
بحّاثة
بحثٌ
البردي
البرنامج
بري القلم
البَشْر
بقلم فلان
البلاغ
بلدي الرجل
بلَغَ
بلغ به
بمعناه
بنادرة الحديث
به
بوّب
البياض
بيّض الكتاب
بيّض له
التاء المثناة من فوق
التاريخ
تاريخ الكتاب
التاريخ الميلادي
التاريخ الهجري
التأليف
التجويد
تجليد الكتاب
تجويد الكتابة
تجويد الكلمة
التحريف
التحقيق
تحقيق الخط
تحقيق الكتب
التحمل
التحويق
التخرّج
التخريج
تخريج الساقط
التخريج على الحواشي
تدقيق الخط
تدوين السنة أو تدوين الأحاديث
التراث
الترتيب
ترتيب الأحاديث
التراجم
الترجمة
الترقيم
التزوير
التسميع
التسوية
التشدد
التصحيح
تصحيح الكتاب
التصحيف
التصنيف
التضبيب
التعالم
التعريف
التعقيبة
التعليق
تعليق الخط
التعليق على الكتاب أو الكلام
التفسير بالأثر
التفسير بالمأثور
التفصيل
تقديم المتن على السند
التقديم والتأخير
تقريظ الكتاب
تقطيع الحديث
تكرير الحديث
تلمذ له
تتلمذ عليه
التلميذ
التمريض
التملك
التمييز
التوثيق
الثاء
ثالث الحروف
ثاني الحروف
الثاء المثلثة
الثبَتُ
الَّثبْتُ
الثلاثة
ثلاثة كتب ليس لها أصول المغازي والملاحم والتفسير
الثلاثيات
الثمانيات
ثنا
الثنائيات
الجادّة
الجامع
الجُزازة
الجزء
الجزء الحديثي
الجماعة
جمعُ الأبواب
جمع التراجم
جمع الشيوخ
جمع الطرق
الجُمَّل
جهباذ
جهبذ
الجهة
الجوامع
جوّد
جيد
حاء التحويل
الحاشية
حاطب ليل
حافظ
الحافظ
الحاكم
الحِبر
الحَبْر
حجة
حدّث
الحديثُ
---- الحديثَ
حديثٌ مختصر
حديث مشكل
حديثه شفاء
الحديثيّ
الحرص على الطلب
الحرف
حركة التأليف
الحركات
الحروف الأبجدية
الحروف المثلثة
حروف المعجم
حروف الهجاء
حساب الجُمَّل
حضَرَ
الحضور
حفظ السنة
الحَكُّ
الحمرة
حمَّض وجهه
الحوالة
حوَّق
الخاء
خ ، خـ
الخبر
الختم
خرجه
الخط
الخط الدقيق
الخط المائل
خف
الخماسيات
د.
دائرة المقابلة
دائرة الفصل بين الحديثين(1/47)
الدائرة المنقوطة
دثنا
الدخيل
الدراسة
الدَّرْجُ
الدرس
الدفتر
دكتور
دكتوراه
الدواة
دواوين الإسلام
دواوين السنة
دوران الأسانيد
دوران الحديث
ذكر
الذيل
الرباعيات
الرباعيات الملتحقة بالثلاثيات
رجع
الرحلة في طلب الحديث
رسالة
الرسم
الرسم الإملائي
رفعه
الرَّقّ
الرِّقاق
الرقائق
الرقم
الرمز
روى
روى الحديث على أوجه
رواه
رواه بمعناه
رواه مطوَّلاً
الروايةُ
روايةً
الرواية بالمعنى
روينا
زاد فلان
زائد ---- إلى
الزوائد
زوائد - أو زيادات - الرواة في الأصول
زوَّرَ أسمعةً
زوَّرَ طبقةً
زوّرَ لنفسه أسمعة وأصر عليها
زيادة
زيادة الثقة
السباعيات
السبعة
الستة
سِداد من عيش
السداسيات
السطر
السِّفر
السَّفَط
السقْط
السِّكّين
سلسلة الذهب
السلف
السماع
السماع على الوجه
سمَّع له
سن التحمل والأداء
السَند
السُنَّة
السنة النبوية
السنن
السنن الأربعة
السنن الثلاثة
سوء الأخذ
سوء الحفظ
سيء الأخذ
سيء الحفظ
سيء الرأي فيه
سئل عنه فلان فبزق
شافهني
الشدة
شديد الأخذ
الشَّرْطة
الشَّرطتان
شرح الحديث
شعوبي
الشق
الشكل
الشولة
الشيخ
شَيخٌ
شيخ الإسلام
شيخُ فلانٍ
شيخ لفلان
الشيخان
شيعي
شيعي جلد
شيوخ الأئمة
ص
صاحب الانتخاب يندم، وصاحب النسخ لا يندم
صح
الصحاح
الصحاح الخمسة
الصحاح الستة
صُحُف
صحفي
صحيح
الصحيح
الصحيحان
صحيفة
صدوق صاحب كتاب
الصفر
صلى الله عليه
الصلاة المجلَّسة
صلعم
صناعة الحديث
الصناعة الحديثية
صنّف
صنّف على الأبواب
صيغ الأداء
صيغ التمريض
الصيغ المحتملة
الصيغ الموهمة
الصيغ الموهمة للسماع
ض
ضابط
الضابط
الضبط
ضبط الصدر
ضبط الكتاب
ضبط الكلمة
الضبط بالتنصيص على أن الكلمة هي الجادة
الضبط بالعبارة
الضبط بالقلم
الضبط بالقياس
الضبط بالوزن
الضبط بذكر صيغة الكلمة
الضبط بكتابة كلمة فوق أو تحت الكلمة المراد ضبطها
الضبط في الحاشية
الضبة
الضرب
الطاقة
الطباعة
الطباق
طَبَقُ السماع
طَبَقُ الورق
الطبقة
طرّف أحاديث الكتاب الفلاني(1/48)
طرق التحمل
الطُّرَّةُ
الطريق
الطلب
الطلحية
الطمس
طول الملازمة
طوّله
طويل
ظ
ظهرية الكتاب
ع
عالم
عالِم الحديث
العبادلة
العرض
عرض القراءة
عرض المناولة
عرفتُه
عَزْوُ الحديثِ
عزيز
العُسْر
العُسر (في الرواية)
العشاريات
العلامات
علامات اختلاف الروايات
علامات الإعجام
علامات الإلغاء
علامات الإهمال
علامات الترقيم
علامات التقديم والتأخير
علامات الضرب على الكلام المكتوب خطأ
علامة الاستفهام
علامة الانفعال
علامة التأثر
علامة التثليث [اللغوي]
علامة التخفيف
علامة التعجب
العلائم
علم أسماء الرواة
علم الإسناد
علم الحديث
علم الحديث درايةً
علم الحديث روايةً
علم العلل
علم المصطلح
علماء الحديث
علماء الرجال
علوم الحديث
عن
عندي
عنعن
العنعنة
عن رجل
عن فلان
العوالي
عَوجَ فَمَه
عين الراوي
غاية علم الحديث
الفاصلة ( ، )
الفاصلة المنقوطة (؛)
فائدة
الفصل
الفَصْلة
الفصلة المنقوطة (؛)
فضائل الأعمال
الفقرة
الفقه
فقه الحديث
الفقه المذهبي
الفقه المقارن
الفقهاء
فقهاء الحديث
فقيه
فقيه البدن
فقيه النفس
فهرس
فهرست
الفَهْرَسَةُ
الفوائد
في إسناده نظر
في الباب
في الصحيح
ق
القاعدة
قال
قثنا
قدسي
القراء
قراءة
قرأت في كتاب فلان
القرطاس
القرن
القرون الخيرية
القرون الفاضلة
القرون المفضلة
القرينان
قصَّر
قصة
قطُّ القلم
القَطعة
القلم
القماطر
القِمَطْر
القواعد الحديثية
القوسان
ك
الكاغد
الكاف
كان ضنيناً بالحديث
كأنه مصحف
الكتاب
الكتابة
كتابة الأطراف
الكتابة المشرقية والكتابة المغربية
كتابة الحديث
كتابه صحيح
كتب الأمالي
كتب الاتصال والانقطاع
كتب الأنساب
كتب التاريخ
كتب التخريج
كتب التراجم
كتب الترغيب والترهيب
كتب التزكية
الكتب التسعة
كتب التصحيف والتحريف
كتب الثقات
كتب الجرح والتعديل
كتب الحديث
الكتب الخمسة
كتب الرجال
كتب الدراية
كتب الرواية
كتب الزهد
الكتب السبعة
الكتب الستة
كتب السنن
كتب السنة
كتب السيرة
كتب السير
كتب الصحابة(1/49)
كتب الضبط والتصحيح
كتب الضعفاء
كتب الطبقات
كتب العلل
كتب الغرائب
كتب الفتوح
كتب الفقه
كتب الفوائد
كتب المتون
كتب المجروحين
كتب المراسيل
كتب المشتبه
كتب المصطلح
كتب المغازي
كتب الملاحم
كتب المؤتلف والمختلف
كتب الوَفَيات
كَتَبَ إليَّ
كتب عمن دب ودرج
كذا
الكراس
الكراسة
الكشط
الكشكول
كفُّ الإسلام
الكُنّاش ، الكُنّاشة
لا أصل له
لا ---- إلى
لا مشاحة في الاصطلاح
لازَمَ فلاناً
اللحن في الحديث
اللَّحَق
لفظ الحديث
اللفظ لفلان
اللقب
لم أدخله في التصنيف
لم أعثر عليه
لم أقف عليه
لم يُخرجاه
لم يخرجه البخاري
لم يخرج له الشيخان
لم يسمع
لم يكن له حركة في الحديث
لم يكن من البابة
لم يكن من القراء
لم يكن من النقد الجيد
له إدراك
له أصل
له صحبة
ليس بثقة زوَّر طبقة
ليس به بأس في حديث الرقاق (أو حديث الرقائق)
ليس في الرواية ، ولم يذكره أبو القاسم
ليس في السماع ، ولم يذكره أبو القاسم
مبهم
مبهمات البخاري
المبيَّضة
متأخر
المتأخرون
المتأخرون والمتقدمون
متفق عليه
المتن
متواتر
متواتر لفظي
متواتر معنوي
مثلثة
مثلَ حديث قبْلَه متنُهُ كذا وكذا
مثلَه
المجلد
المجلة
مجلس الإملاء
مجلس الحديث
مجلَّسة
مجوِّد
محبرة
مُحْدَثة
المحو
مختصر
المختصرات
مختلف الحديث
مخطوط
المداد
مدرَج
مُدْرَجة
المَدّة
المذاكرة
المراجع
المروي
المرويات التاريخية
المستخرَج
المستدرَك
مُستلٌّ
المستملي
المسطرة
مسطرة الكتاب
مسلسل
المسمِّع
مُسنِد
مسنَد
المسنَد
المسند الحنبلي
المُسْنَد المعلَّل
المُسَوَّدة
المشافهة
مشتبِه
مشتهر
المشْقُ
مشكل الحديث
مشهور
مشهور الحديث
المشيخات
المَشْيَخَةُ
المصادر
المصدر
المصافحة
المصحف
المصحِّف
المصطلح
مصطلحات المحدثين
المصنَّف
المصنِّف
المضاف والمضاف إليه
مطوَّل
مظلم
معاً
المعارضة
معاجيم الشيوخ
معاجيم الصحابة
المعجم
معربة
المعنى
المعنى واحد
معناه
معنعن
مفيد
المقابلة
مقلوب
المكاتبة
مكرر
مُلا
المَنّ
من ----إلى(1/50)
من أنفسهم
مناقب المحدثين
مناهج المحدثين
المناولة
مُنلا
منهج المتأخرين
منهج المتقدمين
مهمل
الموالي
المؤتلف والمختلف
الموسوعات الحديثية !!
مولى بني فلان
مولاهم
الَّنسخ
النسخ على الوجه
النسخ الحديثية
النسخة
نسخة خطية
نسخة مخطوطة
نسخة قلمية
النشق
نص الحديث
النظم
النقاد
النقد
نقد المتن
النُّقَط
النَّقْط
النقطتان
النقطة
نقط الحذف
نقل
النكت
الهامش
الهجاء
الهمزة
هو ابن فلان
وآخر
الواسطة
واللفظ لفلان
والله أعلم
الوِجادة
الوجه
الوُحْدان
الوحدانيات
الوِرَاقة
الورَق
الورقة السليمانية
ورق سميك !!
وسط
الوصلة
وصلة النسب
الوصية
الوضع
وضْعُ الحديث
وفي الباب
وفي الصحيح
وفي رواية أخرى
وفي رواية أخرى
وفي طريق أخرى
الوَفَيَات
وفيات النقلة
وقال بعض الناس
الوقف
الوقفة
وكتب فلان
يُحيلون عليه
يرويه
يُزَرِّف
يزوِّر الطباق
يزيد في الرقم
يُستسقى بحديثه
يُسَوّي
يُسوّي الإسناد
ينميه(1/51)
الفهرس الحادي عشر: فهرس الألفاظ المتعلقة بالاتصال والانقطاع
ابنا
أتباع التابعين
الاتصال
اتُّهم بتزوير سماعات
الإجازة
الإجازة العامة
الإجازة على الإجازة
أحاديثٌ بُترٌ
أحاديثه عن فلان كتاب
أحاديثه كالريح
أحاديثه كلها حلم
أُحضِرَ
الأخبار
أخبرنا
أخبرني
اختصار صيغ الأداء
إدراك
أدرك الجاهلية
أدركه بالسن ولم يلقه
الإذن المجرد
الإرسال
الإرسال الجلي
الإرسال الخفي
إرسال الصحابة عن التابعين
الإرسال الظاهر
أرنا
أسباب الإرسال
أسباب تدليس الإسناد
استجازه
الأسمعة
الإسناد
إسناده صحيح
إسناده مظلم
أَسْنَدُ
أسنَدَ
أملى
الإملاء
أنَّ
انا ، (أو أنا)
الأنأنة
أنبأ
أنبأنا
أنبأني
أهل الكوفة ليس لحديثهم نور ، لا يذكرون الأخبار
أوقفه
بُترٌ
البلاغ
بلَغَ
بلغ به
بلغ به ابنَ عباس
بلغنا
به
التابعون
تابعي
التاريخ
التجويد
التدليس
تدليس الإجازة
تدليس الأسماء
تدليس الإسناد
تدليس البلاد
تدليس التسوية
تدليس الشيوخ
تدليس الصيغة
تدليس العطف
تدليس القطع
تدليس المتون
تدليس المذاكرة
تدليس المكاتبة
تدليس المناولة
تدليس الوصل
التدليس بحذف الصيغة
تدليس كيفية التحمل
التسميع
التسوية
التصحيح
تعارض الوصل والإرسال
التعليق (معلق)
التقصير
التوقيف على الأخبار
ثنا
جوّد
حدّث
حدثكم فلان
حدثنا
حديثه عن أصحابه كأنه حلم
حديثه يهوي
حضَرَ
الحضور
الحوالة
الخبر
فصل الدال
دثنا
فصل الذال
ذكر الخبر
فصل الراء
رجال إسناده ثقات
رجاله ثقات
رجاله رجال البخاري
رجاله رجال الصحيح
رجاله موثقون
روى عن فلان
روى عنه الناس
روى عنه أهل بلده
روى عنه فلان
رواه
الروايةُ
روايةً
روينا
رياح
فصل الزاي
فصل السين
فصل الشين
شافهني
شبه الريح
شبه لا شيء
شيخُ فلانٍ
فصل الصاد
صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم
صح
صحابي
الصحاح
صحيح على شرط البخاري
صحيح على شرط الشيخين
صحيح على شرط مسلم
صغار التابعين
صغار الصحابة
صيغ الأداء
صيغ التمريض
الصيغ المحتملة
الصيغ الموهمة
الصيغ الموهمة للسماع
فصل الضاد
ضبط الأحاديث المسندة أسهل وأهون من ضبط أسانيد التفسير وألفاظها
فصل الطاء
الطباق
طَبَقُ السماع
الطبقة
طرق التحمل
طول الملازمة
فصل الظاء
ظاهره الصحة
فصل العين
عن
عنعن
العنعنة
عن رجل
عن فلان
فصل الفاء
في إسناده نظر
في حديثه أخبار
في حديثه ضعف
في حديثه لِيْنٌ
في حديثه نظر
فيه علة
فيه نظر
فصل القاف
قال
قال قال
قال لي
قثنا
قرأت في كتاب فلان
قُرئ على فلان
قُرئ على فلان وأنا أسمع
قصَّر
فصل الكاف
كان لا يدلس وكان فلانٌ أكثر تدليساً منه
كتابه صحيح
كتب الاتصال والانقطاع
كتب التاريخ
كتب الرجال
كتب الصحابة
كتب الطبقات
كتب المراسيل
كتب الوَفَيات
كَتَبَ إليَّ
كَتبتُ عنه على غير وجه الحديث
كتبنا عن الكذابين وسجرنا به التنور وأخرجنا به خبزاً نضيجاً
فصل اللام
لا يجيء
لازَمَ فلاناً
لم يسمع
لم يصح حديثه
لم يصرح بالسماع في هذا الحديث
لم يصنع شيئاً
له إدراك
له صحبة
ليس في حديثه أخبار
فصل الميم
ما أشبه حديثه بثياب سابور(1/52)
ما هو بقوي ولا إسناده بمُضِي
مبتر
مبدل
متأخر
المتأخرون
المتأخرون والمتقدمون
متصل
مدلِّس
مدلَّس
المرسل
المرسل الخفي
مرسل الصحابي
المرسل الخفي
مرّض القول فيه
المزيد في متصل الأسانيد
المساواة
مسلسل
المسمِّع
مُسنِد
مسنَد
المسنَد
مشّاه (مشى عنعنته)
المصافحة
مظلم الأمر
معاجيم الصحابة
معْضَل
مُعَلّ
مقطوع
الملازمة
المناولة
منقطع
فصل الواو
الواسطة
الوِجادة
الوصية
الوَفَيَات
وفيات النقلة
الوقف
فصل الياء
يبلغ به
يتكلمونَ في إسناده
يحدِّث عن
يدخل في الصحيح
يدخل في المسند
يروي المراسيل
يرويه
يُسَوّي
يُسوّي الإسناد
يضع الأسانيد
ينميه
يهوي
الفهرس الثاني عشر: فهرس العبارات المترجم لها والتي هي على هيئة الضوابط والقواعد ونحو ذلك
إذا روى عنه الثقات فهو ثقة .
إذا كتبت فقمش وإذا حدثت ففتش .
استشكال النص لا يعني بطلانه .
أعراضُ المسلمين حُفْرَةٌ من حُفَرِ النار ، وقف على شَفِيرها طائفتان من الناس المحدِّثون والحُكَّام .
إنما يُشكَلُ ما يُشْكِل .
أهل الكوفة ليس لحديثهم نور ، لا يذكرون الأخبار .
أهل بلد الراوي أعلم به .
أولى الأشياء بالضبط أسماء الناس .
بلديُّ الرجل أعرف به .
ثلاثة كتب ليس لها أصول المغازي والملاحم والتفسير .
الحمل على الغالب
خصلتان لا يستقيم فيهما حسنُ الظن الحكم والحديث .
الزيادة من الثقة مقبولة
صاحب الانتخاب يندم، وصاحب النسخ لا يندم .
ضبط الأحاديث المسندة أسهل وأهون من ضبط أسانيد التفسير وألفاظها .
كان أبو إسحاق إذا أخبرني عن رجل قلت له هذا أكبر منك ؟ فإن قال نعم ، علمت أنه لقي ، وإن قال أنا أكبر منه ، تركته .
لا نعدل بأهل بلدنا أحداً .
لا يُترك حديثُ رجلٍ حتى يجتمع الجميعُ على ترك حديثه .
لا مشاحة في الاصطلاح .
لم أر له عندي إلا الشيء اليسير فلم أذكره ها هنا .
لو كان هذا الحديث عند زيد من هذا الوجه لم يحدث به من ذلك الوجه الآخر .
ليس في الدنيا مبتدع إلا وهو يبغض أهل الحديث .
ما تحت أديم السماء أصح من كتاب مسلم .
مذاهب النقاد للرجال غامضة دقيقة
مَن طلب الحديث لغير الله مُكر به .
المنكر أبداً منكر .(1/53)
الفهرس الثالث عشر: فهرس ما ورد في التراجم من المسائل العلمية وأنواع الكتب والعلوم وبعض ما يتعلق بها تعلقاً قوياً
الأجزاء الحديثية
الأحاديث الإلهية
الأحاديث القدسية
احتج به أرباب الصحاح ، أصلاً وتبعاً
الأخباريون
أخرج له الشيخان
أخرجه البخاري
أخرجه الجماعة
الأربعة
الأربعينات
إرسال الصحابة عن التابعين
الأستاذ
استشهد به البخاري
أصحاب الحديث
الأصْل
الأصناف
الأصول
أصول التحقيق
أصول التخريج
أصول الحديث
الأصول الخمسة
الأصول الستة
أصول علم الحديث
الأطراف
إعراب الحديث
الأعلام
الأقران
أقسام التحمل
ألّف
ألَّف على الأبواب
ألف في التراجم
الألقاب
الأمالي
أملى
الإملاء
الانتخاب
الانتقاء
الأنساب
أهل النقل
أهل الحديث
أهل الرأي
أهل المعاني
أوهى الأسانيد
الأئمة الأربعة
الأئمة الخمسة
الأئمة الستة
الباب
باحث
بحّاثة
بحثٌ
البدعة
البرنامج
التاريخ
تاريخ الكتاب
التاريخ الميلادي
التاريخ الهجري
التأليف
تأويل مختلف الحديث
التجريح والتعديل
التجويد
تجليد الكتاب
تجويد الكتابة
تجويد الكلمة
التحريف
التحقيق
تحقيق الخط
تحقيق الكتب
التخرّج
التراث
التراجم
تراجم البخاري
الترجمة
الترقيم
التصحيح
تصحيح الكتاب
التصحيف
التصنيف
التضبيب
تعارضُ الرفعِ والوقف
تعارض الوصل والإرسال
التعالم
التعريف
تعليق الخط
التعليق على الكتاب أو الكلام
التفسير بالأثر
التفسير بالمأثور
تقريظ الكتاب
تقطيع الحديث
تقوية الحديث بمجموع طرقه
تكرير الحديث
التلقين
ثلاثة كتب ليس لها أصول المغازي والملاحم والتفسير
الجُزازة
الجزء
الجزء الحديثي
الجماعة
جمعُ الأبواب
جمع التراجم
جمع الشيوخ
جمع الطرق
الجُمَّل
الجوامع
الحرص على الطلب
حركة التأليف
حساب الجُمَّل
حفظ السنة
الحمل على الغالب
خبر الخاصة
خبر العامة عن العامة
خبر الواحد
الخمسة(1/54)
د.
دكتور
دكتوراه
دواوين الإسلام
دواوين السنة
الذيل
الرباعيات
الرباعيات الملتحقة بالثلاثيات
الرقائق
الرمز
رواه ابن حبان
رواه ابن خزيمة
رواه ابن ماجه
رواه أبو داود
رواه أبو نعيم
رواه أحمد
رواه البخاري
رواه البيهقي
رواه الترمذي
رواه الجماعة
رواه الحاكم
رواه الخمسة
رواه الدارقطني
رواه الدارمي
رواه الطبراني
رواه النسائي
رواه مسلم
الرواية بالمعنى
السبعة
الستة
السداسيات
السِّفر
السَّفَط
سلسلة الذهب
السلف
السُنَّة
السنة النبوية
السنن
السنن الأربعة
السنن الثلاثة
شعوبي
الشيخ
شيخ الإسلام
الشيخان
الصحاح
الصحاح الخمسة
الصحاح الستة
الصحيحان
صناعة الحديث
الصناعة الحديثية
صنّف
صنّف على الأبواب
ضبط الصدر
ضبط الكتاب
ضبط الكلمة
الضبط بالتنصيص على أن الكلمة هي الجادة
الضبط بالعبارة
الضبط بالقلم
الضبط بالقياس
الضبط بالوزن
الضبط بذكر صيغة الكلمة
الضبط بكتابة كلمة فوق أو تحت الكلمة المراد ضبطها
الضبط في الحاشية
الطاقة
الطباعة
الطباق
طرّف أحاديث الكتاب الفلاني
الطُّرَّةُ
الطلب
الطلحية
طول الملازمة
عالم
عالِم الحديث
العبادلة
العشاريات
العلامات
علامات اختلاف الروايات
علم أسماء الرواة
علم الإسناد
علم الحديث
علم الحديث درايةً
علم الحديث روايةً
علم العلل
علم المصطلح
علماء الحديث
علماء الرجال
علوم الحديث
العلة
العلة القادحة
غاية علم الحديث
غريب الحديث
فضائل الأعمال
الفقه
فقه الحديث
الفقه المذهبي
الفقه المقارن
الفقهاء
فقهاء الحديث
فقيه
فقيه البدن
فقيه النفس
فهرس
فهرست
الفَهْرَسَةُ
الفوائد
في الباب
القاعدة
قدسي
القراء
القرطاس
القرن
القرون الخيرية
القرون الفاضلة
القرون المفضلة
القرينان
القواعد الحديثية
كأنه مصحف
كتابة الأطراف
كتب الأمالي
كتب الاتصال والانقطاع
كتب الأنساب
كتب التاريخ
كتب التخريج
كتب التراجم
كتب الترغيب والترهيب
كتب التزكية
الكتب التسعة
كتب التصحيف والتحريف
كتب الثقات
كتب الجرح والتعديل(1/55)
كتب الحديث
الكتب الخمسة
كتب الرجال
كتب الدراية
كتب الرواية
كتب الزهد
الكتب السبعة
الكتب الستة
كتب السنن
كتب السنة
كتب السيرة
كتب السير
كتب الصحابة
كتب الضبط والتصحيح
كتب الضعفاء
كتب الطبقات
كتب العلل
كتب الغرائب
كتب الفتوح
كتب الفقه
كتب الفوائد
كتب المتون
كتب المجروحين
كتب المراسيل
كتب المشتبه
كتب المصطلح
كتب المغازي
كتب الملاحم
كتب المؤتلف والمختلف
كتب الوَفَيات
الكراس
الكراسة
الكشط
الكشكول
كفُّ الإسلام
الكُنّاش ، الكُنّاشة
لا يروي إلا عن ثقة
اللحن في الحديث
لو كان هذا الحديث عند زيد من هذا الوجه لم يحدث به من ذلك الوجه الآخر
ما تحت أديم السماء أصح من كتاب مسلم
مبهمات البخاري
المجلد
المجلة
مجلس الإملاء
مجلس الحديث
محبرة
مُحْدَث
محدِّث
مُحْدَثة
المحو
مختصر
المختصرات
مختلف الحديث
مخطوط
المذاكرة
مراتب التعديل والتجريح
المراجع
المرويات التاريخية
المستخرَج
المستدرَك
مُستلٌّ
المستملي
المسطرة
مسطرة الكتاب
المسنَد
المسند الحنبلي
المُسْنَد المعلَّل
المُسَوَّدة
المشافهة
مشكل الحديث
المشيخات
المَشْيَخَةُ
المصادر
المصدر
المصنَّف
المصنِّف
معاجيم الشيوخ
معاجيم الصحابة
المعجم
معلَّق
مفيد
المكاتبة
مُلا
مناقب المحدثين
مناهج المحدثين
مُنلا
منهج المتأخرين
منهج المتقدمين
الموسوعات الحديثية !!
النسخ الحديثية
النسخة
نسخة خطية
نسخة مخطوطة
نسخة قلمية
النقاد
النقد
النقد الخفي
نقد المتن
النكت
نور الدين
الهامش
الوُحْدان
الوحدانيات
الوِرَاقة
الورَق
الورقة السليمانية
الوَفَيَات
وفيات النقلة
الوقف
وكتب فلان
الفهرس الرابع عشر: فهرس ألقاب وأوصاف الرواة والعلماء والفرق وبعض ما يقارب ذلك
الإباضية
الأبناء
أتباع التابعين
الأخباريون
أخرج له الشيخان
أخرجه الجماعة
الأربعة
الأستاذ
الأسماء المعبدة
الأسماء المفردة
إسنادٌ أعرابي
أصحاب الحديث
الأصول الخمسة
الأصول الستة(1/56)
أعراضُ المسلمين حُفْرَةٌ من حُفَرِ النار ، وقف على شَفِيرها طائفتان من الناس المحدِّثون والحُكَّام
الأعلام
إمام
إمام الدنيا
إمام المحدثين
إمام المحدثين في زمانه
أمير المؤمنين في الحديث
أهل النقل
أهل الحديث
أهل الرأي
أهل المعاني
الأئمة الأربعة
الأئمة الخمسة
الأئمة الستة
باحث
بحّاثة
بنادرة الحديث
التابعون
تابعي
الجماعة
حافظ
الحافظ
الحاكم
الحَبْر
حريزي المذهب
خشبي
الخمسة
د.
درة العراق
دكتور
رافضي
رجال التقريب
رجال التهذيب
رجاله رجال البخاري
رجاله رجال الصحيح
رواه الجماعة
رواه الخمسة
السبعة
الستة
سلسلة الذهب
السلف
السنن
السنن الأربعة
السنن الثلاثة
شعوبي
الشيخ
شَيخٌ
شيخ الإسلام
الشيخان
شيعي
شيعي جلد
الصحاح
الصحاح الخمسة
الصحاح الستة
الصحيحان
صغار التابعين
صغار الصحابة
عالم
عالِم الحديث
العبادلة
علماء الحديث
علماء الرجال
الغرباء
الفقهاء
فقهاء الحديث
فقيه
فقيه البدن
فقيه النفس
القراء
القرن
القرون الخيرية
القرون الفاضلة
القرون المفضلة
القرينان
مبهمات البخاري
محدِّث
مخضرم
مفيد
مُلا
مُنلا
الموالي
الناس
النقاد
نور الدين
الوُحْدان
وفيات النقلة
الفهرس الخامس عشر: فهرس ألفاظ وصيغ الرواية (أي التحمل والأداء)
الآثار (أثرَ عنه = روى عنه) .
الآثار الموقوفة
---- الآيةَ
أبى أن يحدثنا به
ابنا
الأثر
الأثري
الإجازة
الإجازة العامة
الإجازة على الإجازة
أحاديث الآحاد
الأحاديث الإلهية
الأحاديث القدسية
أحاديثه عن فلان كتاب
أُحضِرَ
الأخبار
الأخباريون
أخبرنا
أخبرني
الاختصار
اختصار الحديث
اختصار صيغ الأداء
اختصره
إخراج الحديث
أخرج
أخرجه
الأداء
الإدراج
الإذن المجرد
أرنا
استجازه
الإسناد
أَسْنَدُ
أسنَدَ
أفادني
أفهمني فلان كذا
أقسام التحمل
الألفاظ
أملى
الإملاء
أنَّ
انا ، (أو أنا)
الأنأنة
أنبأ
أنبأنا
أنبأني
الانتخاب
الانتقاء
أو كما قال
أوقفه
بلَغَ
بلغ به
بلغ به ابنَ عباس
بلغنا
بمعناه
به
تابعه فلان(1/57)
التساهل في الرواية
التسوية
تقديم المتن على السند
التقصير
تقطيع الحديث
تكرير الحديث
التوقيف
التوقيف على الأخبار
ثبَّتني فيه فلان
ثنا
جحود الحديث
جوّد
حدّث
حدّث فلان وآخر
حدثكم فلان
حدثنا
حدثنا أبو الزبير وأبو الزبير أبو الزبير
حدثنا زيدٌ وعمرو المعنى
حدثنا زيدٌ وعمرو ، قال زيدٌ حدثنا فلان
حدثنا زيدٌ وعمرو واللفظ لعمرو
حدثنا زيد وعمرو وتقاربا في اللفظ
حدثني
حدثني الثقة
حدثني بعض الثقات
حدثني من أثق به
حدثني من لا أتهم
الحديثُ
---- الحديثَ
خرجه
دثنا
ذاكرته بأحاديث فلان
ذكر
ذكر الخبر
ذكره قولَه
ذكره من قوله
ذكره معناه
رجع
روى
روى عن فلان
رواه
رواه بمعناه
الرواية بالمعنى
روينا
زاد فلان
سَمِعَ
سمِعتُ
سن التحمل والأداء
سوء الأخذ
سوء الحفظ
شافهني
الشاهد
الشاهد بالمعنى
شديد الأخذ
صلى الله عليه
الصلاة المجلَّسة
صلعم
صيغ الأداء
صيغ التمريض
الصيغ المحتملة
الصيغ الموهمة
الصيغ الموهمة للسماع
العرض
عرض القراءة
عرض المناولة
عَزْوُ الحديثِ
العُسْر
العُسر (في الرواية)
علامات اختلاف الروايات
علامات التقديم والتأخير
عن
عنعن
العنعنة
عن رجل
عن فلان
في الباب
في حديثه أخبار
قال
قال قال
قال لي
قثنا
قراءة
قرأت في كتاب فلان
قُرئ على فلان
قُرئ على فلان وأنا أسمع
قصَّر
كَتَبَ إليَّ
لفظ الحديث
اللفظ لفلان
لم يسمع
مثلَ حديث قبْلَه متنُهُ كذا وكذا
مثلَه
مجلس الحديث
مجلَّسة
المذاكرة
مرَّض عليه
مَن ذكرتَ رحمك الله ؟
المناولة
منبع الكذب
الَّنسخ
النسخ على الوجه
النسخ الحديثية
النسخة
نص الحديث
نقل
نماه
هو ابن فلان
وآخر
واللفظ لفلان
وبه
الوِجادة
الوجه
الوصية
وفي رواية أخرى
وفي طريق أخرى
وقال بعض الناس
الوقف
وكتب فلان
يبلغ به
يحدِّث عن
يرفعه
يرويه
يُسَوّي
يُسوّي الإسناد
ينميه
يؤدي
يؤدي اللفظ
يؤدّي ما سمع(1/58)
الفهرس السادس عشر: فهرس مراجع الكتاب(1)
الألف
أبجد العلوم ، لصديق حسن خان (ت 1307هـ) ، دار الكتب العلمية .
ابن قتيبة والشعوبية ، للدكتور عبدالله الجبوري ، ط1 ، بغداد ، 1990م .
ابن حجر العسقلاني ، مصنفاته ومنهجه وموارده في كتابه (الإصابة) ، للدكتور شاكر محمود عبدالمنعم ، دار الرسالة ، بغداد ، 1976 .
أبو زرعة الرازي وجهوده في السنة النبوية ، للدكتور سعدي الهاشمي طبعة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة ، ط1 ، 1402هـ .
إتحاف القاري بمعرفة جهود العلماء على صحيح البخاري ، محمد عصام عرار الحسني ، ط1 ، 1407هـ ، دار اليمامة ، دمشق .
إتحاف النبيل بأجوبة أسئلة علوم الحديث والعلل والجرح والتعديل ، تأليف أبي الحسن مصطفى بن إسماعيل السليماني ، حققه أبو إسحاق الدمياطي ؛ مكتبة الفرقان(2) .
إجماع المحدثين على عدم اشتراط العلم بالسماع في الحديث المعنعن بين المتعاصرين ، للشريف حاتم بن عارف العوني ، ط1 ، دار عالم الفوائد ، 1421هـ .
الأجوبة الفاضلة للأسئلة العشرة الكاملة ، لأبي الحسنات اللكنوي ، وعليه التعليقات الحافلة على الأجوبة الفاضلة ، بقلم عبدالفتاح أبو غدة ، ط2 ، القاهرة 1404هـ .
الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان ، لعلاء الدين علي بن بلبان الفارسي ، تحقيق شعيب الأرنؤوط ، ط1 ، (1408 - 1412هـ) ، مؤسسة الرسالة ، بيروت .
الأحكام الوسطى من حديث النبي صلى الله عليه وسلم ، للإمام الحافظ أبي محمد عبدالحق بن عبدالرحمن الأزدي الأشبيلي ، تحقيق حمدي السلفي وصبحي السامرائي ، مكتبة الرشد الرياض ، 1416هـ .
__________
(1) تنبيه : اعتبرت في هذه الفهرسة صورة الكلمة ، أي حروف كتابتها ، دون لفظها ، باستثناء ألف ولام التعريف الواردتين في أول الكلمة الأولى من اسم الكتاب ، فإني لم اعتبرهما .
(2) واعتمدت أحياناً الطبعة القديمة ، وذلك قبل وقوفي على الطبعة الموصوفة .(1/59)
الإحكام في أصول الأحكام ، لابن حزم الأندلسي ، طبعة دار الآفاق الجديدة بيروت(1) .
أحوال الرجال ، للجوزجاني ، تحقيق صبحي السامرائي ، ط1 ، 1405هـ ، مؤسسة الرسالة ، بيروت .
أخبار أصبهان ، لأبي نعيم = ذكر أخبار أصبهان .
اختصار علوم الحديث ، للإمام إسماعيل بن عمر بن كثير ، مع شرحه ، الباعث الحثيث لأحمد محمد شاكر ، طبعة دار الكتب العلمية ، بيروت(2) .
آداب الشافعي ومناقبه ، لابن أبي حاتم ، تحقيق عبدالغني عبدالخالق . نشر دار الكتب العلمية بيروت ، 1424هـ .
أدب الإملاء والإستملاء ، لأبي سعد عبدالكريم بن محمد بن منصور التميمي السمعاني (ت562) .
أدب الكُتّاب ، تأليف المنشئ البليغ وإمام الأدب أبي بكر محمد بن يحيى الصولي ، نسخه وعُني بتصحيحه وتعليق حواشيه محمد بهجت الأثري ، ونظر فيه علامة العراق السيد محمود شكري الآلوسي ، المطبعة السلفية بالقاهرة ، دار الباز للطباعة والنشر .
أربع رسائل في علوم الحديث ، حققها عبدالفتاح أبو غدة .
الإرشادات في تقوية الأحاديث بالشواهد والمتابعات ، لأبي معاذ طارق بن عوض الله بن محمد ، مكتبة ابن تيمية ، ط1 ، 1417هـ .
إرشاد الخليل بفوائد من المصطلح والعلل والجرح والتعديل ، لأبي عبدالله رضا الأقصري (الجزء الأول) (1-30) ، مكتبة العمرين العلمية ، الإمارات ، 1420هـ .
الإرشاد في معرفة علماء الحديث ، للخليلي = انتخاب الإرشاد .
إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل ، لمحمد ناصر الدِّين الألباني ، المكتب الإسلامي ، بيروت ، ط2 ، 1405هـ .
أساس البلاغة للزمخشري ، تحقيق عبدالرحيم محمود ، دار المعرفة بيروت .
الاستيعاب في معرفة الأصحاب ، لابن عبدالبر ، تحقيق علي محمد البجاوي ، مكتبة نهضة مصر ، القاهرة .
__________
(1) وطبعة دار الحديث ، القاهرة 1404هـ .
(2) وبعض الطبعات الأخرى .(1/60)
الأسرار المرفوعة في الأخبار الموضوعة ، المعروف بـ(الموضوعات الكبرى) ، للعلامة نور الدين علي بن محمد بن سلطان المشهور بالملا علي القاري (ت 1014هـ) ؛ حققه الدكتور محمد الصباغ .
أسئلة البرذعي لأبي زرعة ، تحقيق د . سعدي الهاشمي ((ضمن كتاب "أبو زرعة الرازي وجهوده في السنة" ) .
الإشارات إلى بيان الأسماء المبهمات ، للنووي ، حققه الدكتور عز الدين علي السيد وطبعه بذيل (الأسماء المبهمة في الأنباء المحكمة) للخطيب البغدادي ، نشرته مكتبة الخانجي بالقاهرة ، ط1 ، 1405هـ .
الإصابة في تمييز الصّحابة ، لأبي الفضل شهاب الدين أحمد بن علي بن حجر العسقلاني ، الناشر دار الكتاب العربي ، بيروت .
إصلاح المنطق ، ليعقوب بن السِّكّيت (186-244هـ) ، شرح وتحقيق أحمد محمد شاكر وعبدالسلام هارون ، ط2 ، دار المعارف بمصر .
أصول التصحيح ، للعلامة المعلمي اليماني ، طبعه ماجد الزيادي ضمن "مجموع فيه خمس رسائل للمعلمي" (ص85-97) .
أصول تدريس اللغة العربية ، للدكتور علي جواد الطاهر ، دار الرائد العربي ، بيروت ، ط1 ، 1404هـ .
أطراف الغرائب والأفراد ، للحافظ محمد بن طاهر المقدسي (ت507) ، ط1 ، دار الكتب العلمية بيروت 1419هـ .
الأعلام ، قاموس تراجم لأشهر الرجال والنساء من العرب والمستعربين والمستشرقين ، لخير الدين الزركلي ، دار العلم للملايين ، بيروت .
الإعلان بالتوبيخ لمن ذم أهل التاريخ ، للسخاوي ، مطبوع ضمن مجموعة (علم التاريخ عند المسلمين) للمستشرق فرانز روزنثال ، ترجمة الدكتور صالح أحمد العلي ، ط2 ، مؤسسة الرسالة .
الاقتراح في بيان الاصطلاح ، لابن دقيق العيد (ت 702هـ) ، تحقيق قحطان الدوري ، طبع سنة 1402هـ ، مطبعة الإرشاد ، بغداد .
اقتضاء العلم العمل ، للخطيب البغدادي ، تحقيق محمد ناصر الدين الألباني .(1/61)
إكمال الإكمال ، لابن نقطة الحنبلي ، تحقيق د . عبدالقيوم عبد رب النبي ، ط1 ، (1408 - 1411هـ) ، جامعة أم القرى ، مكة المكرمة .
الإكمال في رفع الارتياب عن المؤتلف والمختلف في الأسماء والكنى والأنساب ، تأليف الأمير الحافظ ابن ماكولا (ت 475هـ) ، تحقيق المعلمي اليماني ، إلا المجلد الأخير فهو بتحقيق نايف العباس ، نشر محمد أمين دمج ، بيروت .
ألفاظ وعبارات الجرح والتعديل بين الإفراد والتكرير والتركيب ودلالة كل منها على حال الراوي والمروي ، للدكتور أحمد معبد عبدالكريم ، ط1 ، أضواء السلف ، 1425هـ .
ألفية السيوطي بشرح أحمد محمد شاكر .
الإلماع إلى معرفة أصول الرواية وتقييد السماع ، للقاضي عياض ، تحقيق السيد أحمد صقر . ط2 ، 1398هـ ، دار التراث ، القاهرة ، المكتبة العتيقة ، تونس .
الأمالي ، لأبي عبدالله محمد بن العباس بن محمد اليزيدي (ت 310هـ) ، تحقيق العلامة المعلمي اليماني والحبيب عبدالله بن أحمد العلوي ، تصوير عالم الكتب ببيروت ومكتبة المتنبي بالقاهرة ، عن طبعة دائرة المعارف العثمانية .
إنباء الغَمْر بأنباء العُمر ، لابن حجر العسقلاني .
انتخاب الإرشاد في معرفة علماء الحديث للخليلي ، لأبي طاهر السلفي ، تحقيق محمد سعيد بن عمر إدريس ، الطعبة الأولى ( 1409هـ) ، مكتبة الرشد ، الرياض .
الأنساب للإمام أبي سعد عبدالكريم بن محمد بن منصور التميمي السمعاني (ت 562هـ) ، طبعة العلامة عبدالرحمن بن يحيى المعلمي اليماني ، والتي نشرها بالتصوير عن طبعة الهند محمد أمين دمج ، ببيروت ، 1400هـ ؛ والطبعة التي بتقديم وتعليق عبدالله عمر البارودي ، دار الجنان ، ط1 ، 1408هـ .
الأنوار الكاشفة ، للمعلمي ، طبعة عالم الكتب .
أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك ، لابن هشام الأنصاري .
إيضاح المكنون في الذيل على كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون ، لإسماعيل باشا البغدادي ، دار العلوم الحديثة ، بيروت .
الباء(1/62)
الباعث الحثيث ، انظر (اختصار علوم الحديث) .
البحث الأدبي طبيعته ، مناهجه ، أصوله ؛ للدكتور شوقي ضيف ، ط5 ، دار المعارف ، القاهرة .
بحر الدم فيمن تكلم فيه الإمام أحمد بمدح أو ذم ، لابن عبدالهادي ، تحقيق وصي الله محمد عباس ، دار الراية ، الرياض ، 1409هـ .
البحر الزخار ، المعروف بمسند البزَّار(1) ، لأبي بكر أحمد بن عمرو بن عبدالخالق البزَّار (ت 292هـ) ، تحقيق الدكتور محفوظ الرحمن زين الله ، مكتبة العلوم والحكم ، المدينة المنورة ، 1424هـ .
البداية والنهاية ، لعماد الدِّين أبي الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير ، مكتبة المعارف ، بيروت ، ط6 ، 1405هـ .
البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع ، للإمام محمد بن علي الشوكاني ، نشر دار المعرفة بيروت ، مطبعة السعادة بمصر ، ط1 ، 1348هـ .
بغية الملتمس في تاريخ رجال أهل الأندلس علمائها وأمرائها وشعرائها وذوي النباهة فيها ممن دخل إليها أو خرج عنها ، لأحمد بن يحيى بن أحمد بن عميرة الضبي (599هـ) ؛ طبع في مدينة مجريط ، بمطبع روخس ، سنة 1884 م ، تصوير مكتبة المثنى ببغداد ومؤسسة الخانجي بمصر .
بغية الوعاة في طبقات اللّغويين والنّحاة ، لعبد الرحمن بن أبي بكر السّيوطي ، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم ، مطبعة عيسى البابي الحلبي وشركاه ، ط1 ، 1384هـ .
البيان المكمل في تحقيق الشاذ والمعلل ، لحسين بن محسن الأنصاري اليماني (1245-1327هـ) ، ط2 ، 1399هـ ، مطبعة الجامعة السلفية ، بنارس ، الهند .
بيان الوهم والإيهام الواقعين في كتاب الأحكام ، لابن القطان أبي الحسن علي بن محمد بن عبدالملك الفاسي ، تحقيق د. ؟؟ حسين آيت سعيد ، دار طيبة ، ط1 ، 1418هـ .
__________
(1) أرى أن العكس في التعبير هو الصحيح ، أي يقال (مسند البزار المعروف بالبحر الزخار) .(1/63)
بيان مشكل أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم واستخراج ما فيها من الأحكام ونفي التضاد عنها ، لأبي جعفر الطحاوي ، تحقيق شعيب الأرنؤوط ، ط1 ، 1415هـ ، مؤسسة الرسالة ، بيروت .
البيان والتبيين(1) ، للجاحظ (150 -255 هـ) ، تحقيق وشرح عبدالسلام هارون ، نشر مكتبة الخانجي بالقاهرة - 1405 هـ
بين الإمامين مسلم والدارقطني ، لربيع بن هادي عمير المدخلي ، ط1 ، 1402هـ ، المطبعة السلفية ، بنارس ، الهند .
التاء
تاج العروس من جواهر القاموس ، للزبيدي ، تحقيق جماعة من العلماء والباحثين ؛ ط1 ، (1385 - 1422هـ) ، الكويت .
تاريخ أسماء الثقات ، تأليف عمر بن شاهين (ت385هـ) ، تحقيق صبحي السامرائي ، الدار السلفية ، الكويت ، 1404هـ ، ط1 .
تاريخ أسماء الضعفاء لابن شاهين ، تحقيق عبدالرحيم القشقري ، ط1 ، 1409هـ .
التاريخ الأوسط (المطبوع باسم التاريخ الصغير) ، للبخاري ، تحقيق محمود إبراهيم زايد ، ط1 ، 1406هـ ، دار المعرفة ، بيروت .
تاريخ الطباعة في الشرق العربي ، تأليف الدكتور خليل صابات ، ط2 ، دار المعارف بمصر ، 1966م .
تاريخ العلماء والرواة للعلم بالأندلس ، للحافظ أبي الوليد عبدالله بن محمد بن يوسف الأزدي ، المعروف بابن الفرضي (ت 403هـ) ؛ نشر مكتبة الخانجي بالقاهرة ، ط2 ، 1408هـ .
التاريخ الكبير ، للإمام البخاري أبي عبدالله محمد بن إسماعيل ، مصورة عن دائرة المعارف العثمانية ، 1941هـ ، 1959م .
تاريخ بغداد ، للخطيب ، ط1 ، 1931م ، مكتبة الخانجي ، القاهرة .
تاريخ جرجان ، لحمزة السهمي ، تحقيق المعلمي اليماني ، عالم الكتب ، بيروت ، 1407هـ .
تاريخ خليفة بن خياط ، تحقيق أكرم ضياء العمرى ، دار طيبة للنشر ، الرياض .
تاريخ عثمان بن سعيد الدارمي عن يحيى بن معين ، تحقيق أحمد محمد نور سيف ، دار المأمون ، دمشق ، 1400هـ .
__________
(1) ويقول بعض المعاصرين إن صواب تسمية هذا الكتاب هو (البيان والتبيُّن) .(1/64)
التاريخ ، لابن معين ، رواية عباس الدوري ، تحقيق أحمد محمد نور سيف ، نشر مركز البحث العلمي بجامعة أم القرى ، بمكة ، 1399هـ .
تاريخ مدينة السلام وأخبار محدثيها وذكر قُطّانها العلماء من غير أهلها ووارديها ، للإمام الحافظ أبي بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي ، حققه وضبط نصه وعلق عليه الدكتور بشار عواد معروف ، دار الغرب الإسلامي ، ط1 ، 1422هـ .
تاريخ مدينة دمشق وذكر فضلها وتسمية من حلها من الأماثل أو اجتاز بنواحيها من وارديها وأهلها ، لابن عساكر أبي القاسم علي بن الحسن (499-571هـ) ، تحقيق ودراسة محب الدين أبي سعيد عمر بن غَرامة العَمروي ، دار الفكر ، 1416هـ .
التبصرة والتذكرة ، لعبدالرحيم بن الحسين العراقي ، تحقيق محمد بن الحسين العراقي الحسيني ؛ تصوير دار الكتب العلمية ، بيروت .
التبيين لأسماء المدلسين ، لسبط ابن العجمى الشافعي ، تحقيق يحيى شفيق ، دار الكتب العلمية .
تحرير تقريب التهذيب ، للحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني ، تأليف الدكتور بشار عواد معروف والشيخ شعيب الأرنؤوط ، ط1 ، مؤسسة الرسالة ، 1417هـ .
تحفة الأحوذي ، للمباركفوري ، دار الكتب العلمية ، بيروت .
تحقيق التراث العربي منهجه وتطوره ، عبدالمجيد ذياب ، دار المعارف ، القاهرة ، ط2 .
تحقيق النصوص ونشرها ، لعبدالسلام محمد هارون ، ط4 و ط7 ؟؟ .
التدوين في أخبار قزوين ، عبدالكريم بن محمد الرافعي القزويني ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، 1987 ، تحقيق عزيزالله العطاردي .
تذكرة الحفاظ ، للإمام الذهبي ، تحقيق المعلمي اليماني ، تصوير دار إحياء التراث العربي ، بيروت ؛ وطُبع معه ذيوله للحسيني وابن فهد المكي والسيوطي .
ترتيب المدارك وتقريب المسالك لمعرفة أعلام مذهب مالك ، لعياض بن موسى بن عياض الأندلسي اليحصبي السبتي المالكي ، تحقيق أحمد بكير محمود ، دار مكتبة الحياة ، بيروت .(1/65)
الترحيب بنقد التأنيب للكوثري ، ونقد التأنيب للعلامة المعلمي .
تصحيح الكتب وصنع الفهارس المُعجمة وكيفيةُ ضبط الكتاب وسبقُ المسلمين الإفرنج في ذلك ، بقلم العلامة المحدث الشيخ أحمد شاكر (توفي سنة 1377هـ).
اعتنى به وعلق عليه وأضاف إليه عبدالفتاح أبو غدة ، وقد استله من مقدمة تحقيق سنن الترمذي للشيخ أحمد وأسماه وطبعه مفرداً ؛ ط2 ، دار الجيل ، 1415هـ .
التصحيف وأثره في الحديث والفقه وجهود المحدثين في مكافحته ، لأسطيري جمال ، ط1 ، 1415هـ ، دار طيبة ، الرياض .
تعجيل المنفعة بزوائد رجال الأئمة الأربعة ، للحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني ، دار الكتاب العربي ، بيروت .
التعديل والتجريح ، لأبي الوليد الباجي ، ط1 ، الرياض ، 1406هـ .
التعريفات ، للجرجاني ، تحقيق إبراهيم الأبياري ، ط2 (1413هـ) ، دار الكتاب العربي ، بيروت ، وبعض الطبعات الأخرى .
تعريف أهل التقديس بمراتب الموصوفين بالتدليس ، لابن حجر ، تحقيق عبدالغفار البنداري ومحمد أحمد عبدالعزيز ، ط1 ، 1405هـ ، دار الكتب العلمية ، بيروت .
التعريف بما أُفرد من الأحاديث بالتصنيف ، ليوسف بن محمد بن إبراهيم العتيق ، المجموعة الأولى (1-175) ، دار الصميعي ، ط1 ، 1418هـ .
تعظيم قدر الصلاة ، للإمام محمد بن نصر المروزي ، تحقيق عبدالرحمن بن عبدالجبار الفريوائي ، مكتبة الدار بالمدينة المنورة ، 1406هـ .
تغليق التعليق ، لابن حجر العسقلاني ، تحقيق د . سعيد عبدالرحمن القزقي ، ط1 ، 1405هـ ، المكتب الإسلامي ، بيروت ، دار عمار ، الأردن .
التفسير اللغوي للقرآن الكريم ، د. مساعد بن سليمان بن ناصر الطيار ، دار ابن الجوزي ، ط2 ، 1427هـ .
تقدمة المعرفة لكتاب الجرح والتعديل ، لابن أبي حاتم ، تحقيق المعلمي .(1/66)
تقريب التهذيب ، لابن حجر العسقلاني (ت 852) ، الطبعة التي مع تحرير التقريب ، مؤسسة الرسالة ؛ وطبعة محمد عوامة ، ط2 (1408هـ) ، دار البشائر الإسلامية ببيروت ، ودار الرشيد بحلب .
التقريب والتيسير ، للنووي ، وهو متن تدريب الراوي للسيوطي .
تقييد العلم ، للخطيب البغدادي ، تحقيق يوسف العش ، دار إحياء السنة النبوية ، ط2 ، 1974م .
التقييد والإيضاح لما أغلق وأطلق من كتاب ابن الصلاح ، للحافظ زين الدين عبدالرحيم بن الحسين العراقي (ت 806هـ ) ، تحقيق عبدالرحمن محمد عثمان ، طبع سنة 1401هـ ، تصوير دار الفكر .
تكملة إكمال الإكمال ، لابن الصابوني : أبي حامد محمد بن علي بن محمود (604- 680هـ) ، تحقيق مصطفى جواد ، عالم الكتب ، بيروت ، 1406هـ .
التكملة لوفيات النقلة ، للمنذري ، تحقيق د. بشار عواد معروف ، مؤسسة الرسالة ، بيروت ، 1401هـ .
تلبيس إبليس ، ابن الجوزي .
التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرّافعي الكبير ، لابن حجر العسقلاني ، تحقيق وتعليق شعبان محمد إسماعيل ، نشر مكتبة ابن تيمية ، القاهرة ، مكتبة الكلّيّات الأزهرية ، القاهرة .
تلخيص المستدرك ، للذهبي (بحاشية المستدرك) ، تصوير دار المعرفة ، بيروت .
التمهيد = انظر مجموعة شروح الموطأ ؟؟
تمييز الطيب من الخبيث فيما يدور على ألسنة الناس من الحديث ، لعبدالرحمن بن علي بن محمد بن عمر الشيباني ، دار الكتب العلمية ، بيروت .
التمييز ، للإمام مسلم بن الحجاج ، تحقيق د . محمد مصطفى الأعظمي ، ط2 ، 1402هـ ، شركة الطباعة العربية السعودية المحدودة ، الرياض .
تنقيح التحقيق في أحاديث التعليق ، لمحمد بن أحمد بن عبدالهادي ، دراسة وتحقيق وتخريج عامر حسن صبري ، توزيع المكتبة الحديثة ، ط1 ، 1409هـ .(1/67)
التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل ، للعلامة عبدالرحمن بن يحيى المعلمي اليماني ، تحقيق وتعليق محمد ناصر الدين الألباني ومحمد عبدالرزاق حمزة ، دار الكتب السلفية القاهرة ، بلا تاريخ ، في مجلدين . وطبعة المكتب الإسلامي في مجلد واحد ، معها تخريجات وتعليقات محمد ناصر الدين الألباني ، زهير الشاويش ، محمد عبدالرزاق حمزة ، ط2 ، 1406هـ .
تنقيح الأنظار في علوم الآثار = انظر توضيح الأفكار .
التهجد ، لعبدالحق الإشبيلي ، طبعة دار الكتب العلمية .
تهذيب الأسماء واللغات ، لأبي زكريا يحيى بن شرف النووي ، دار الكتب العلمية ، بيروت .
تهذيب التهذيب ، لابن حجر ، طبعة مجلس دائرة المعارف النظامية ، الهند ، ط1 ، 1325هـ .
تهذيب الكمال في أسماء الرجال ، للمزي ، تحقيق بشار عواد معروف ، ط1 ، مؤسسة الرسالة ، بيروت .
توثيق النصوص وضبطها عند المحدثين ، للدكتور موفق بن عبدالله بن عبدالقادر ، دار البشائر الإسلامية ، بيروت ، 1414هـ.
توضيح الأفكار لمعاني تنقيح الأنظار للأمير الصنعاني (ت1182هـ) ، تحقيق محمد محيي الدين عبدالحميد ، ط1 ، 1366هـ ، مكتبة الخانجي ، القاهرة .
التوقيف على مهمات التعاريف للمناوي ، تحقيق د . محمد رضوان الداية ، ط1 ، 1410هـ ، دار الفكر المعاصر ، بيروت ، ودار الفكر ، دمشق .
الثاء
ثقات العجلي ، طبعتان ، إحداهما بتحقيق عبدالعليم البستوي ، والأخرى بتحقيق عبدالمعطي قلعجي .
الثّقات ، لأبي حاتم محمد بن حبان البستي ، دائرة المعارف العثمانية بحيدرآباد ، ط1 ، 1393هـ .
الجيم
الجامع للترمذي= انظر سنن الترمذي .
جزء في علوم الحديث في بيان المتصل والمرسل والموقوف والمنقطع ، لأبي عمرو عثمان بن سعيد الداني المقرئ (ت 444هـ) ، قدم له وشرحه وخرج أحاديثه وآثاره أبو عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان ، ط2 ، 1427هـ ، الدار الأثرية ، عمان ، الأردن .(1/68)
جامع التحصيل في أحكام المراسيل للعلائي ، تحقيق حمدي السلفي . ط2 ( 1407هـ) . عالم الكتب ، مكتبة النهضة الحديثة بيروت .
الجامع لشعب الإيمان ، لأبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي ، دار الرشد ، ط1 .
الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع للخطيب ، تحقيق د . محمد عجاج الخطيب ، ط1 ، 1412هـ ، مؤسسة الرسالة بيروت(1) .
جامع العلوم والحِكَم في شرح خمسين حديثاً من جوامع الكَلِم ، للإمام زين الدين أبي الفرج عبدالرحمن بن شهاب الدين بن أحمد بن رجب الحنبلي (795هـ) ، تحقيق شعيب الأرنؤوط وإبراهيم باجس ، مؤسسة الرسالة .
جامع الأصول في أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم ، لمجد الدين أبي البركات مبارك بن محمد بن الأثير الجزري ، تحقيق عبدالقادر الأرنؤوط ، دار الفكر ، ط2 ، 1403هـ .
الجامع الصحيح ، للإمام البخاري أبي عبدالله محمد بن إسماعيل .
الجامع الصحيح ، لمسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري .
الجرح والتعديل ، لأبي محمد عبدالرحمن بن أبي حاتم الرازي ، مجلس دائرة المعارف بحيدر آباد الدكن الهند ، ط1 .
الجواهر والدرر ترجمة شيخ الإسلام ابن حجر ، لمحمد بن عبدالرحمن السخاوي (ت 902هـ) ، تحقيق إبراهيم باجس ، دار ابن حزم ، ط1 ، 1419هـ .
الحاء
الحديث المعلول قواعد وضوابط ، للدكتور حمزة المليباري .
حلية الأولياء وطبقات الأصفياء ، لأبي نعيم أحمد بن عبدالله الأصبهاني ، دار الكتاب العربي - بيروت - 1405
الخاء
خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر ، للمحبي ، طبعة دار صادر ، بيروت .
الدال
الدراية في تخريج أحاديث الهداية ، لأبي الفضل شهاب الدين أحمد بن علي بن حجر العسقلاني ، صححه وعلّق عليه السيد عبدالله هاشم اليماني المدني ، توزيع عباس أحمد الباز ، مكة ، دار المعرفة ، بيروت .
__________
(1) وربما اعتمدت على طبعة الدكتور محمود الطحان ، ط1 ، مكتبة المعارف بالرياض ، 1403هـ .(1/69)
الدّرر الكامنة في أعيان المئة الثامنة ، لابن حجر العسقلاني ، تحقيق محمد سيد جاد الحقّ ، دار الكتب الحديثة ، مطبعة المدني ، القاهرة ، ط2 ، 1385هـ .
درء تعارض العقل والنقل ، لشيخ الإسلام أبي العباس أحمد بن عبدالحليم ابن تيمية الحرَّاني الدمشقي ، تحقيق محمد رشاد سالم .
دلائل التوثيق المبكر للسنة والحديث ، الدكتور امتياز أحمد عميد كلية المعارف الإسلامية بجامعة كراتشي ، نقله إلى العربية الدكتور عبدالمعطي أمين قلعجي ، ط1 ، القاهرة ، 1410هـ .
الدليل إلى المتون العلمية ، لعبد العزيز بن إبراهيم بن قاسم ، دار الصميعي ، ط1 ، 1420هـ .
دليل مؤلفات الحديث الشريف المطبوعة القديمة والحديثة ، محيي الدين عطية ، صلاح الدين حفني ، محمد خير رمضان يوسف ، دار ابن حزم ، ط2 ، 1418هـ .
ديوان الضعفاء ، للحافظ الذهبي .
الذال
ذكر أخبار أصبهان ، لأبي نعيم أحمد بن عبدالله الأصبهاني ، مصورة عن طبعة بريل في مدينة ليدن ( 1931م ـ 1934م) .
ذكر أسماء من تكلم فيه وهو موثق ، للذهبي .
ذكر من يعتمد قوله في الجرح والتعديل للذهبي ( ضمن أربع رسائل في علوم الحديث ) ، تحقيق عبدالفتاح أبو غدة ، ط5 ، 1410هـ ، مكتب المطبوعات الإسلامية ، حلب .
الذهبي ومنهجه في كتابه "تاريخ الإسلام" ، للدكتور بشار عواد معروف ، رسالة دكتوراه من جامعة بغداد ، مطبعة عيسى البابي الحلبي وشركاه ، القاهرة ، ط1 ، 1976م .
ذيل الكاشف ، للحافظ أبي زرعة أحمد بن عبدالكريم العراقي ، تحقيق بوران الضناوي ، دار الكتب العلمية .
ذيل تاريخ بغداد ، لابن النجار ، تصحيح قيصر فرح ، طبعة دار الكتب العلمية ، بيروت .
ذيل تذكرة الحفَّاظ للذّهبي ، لأبي المحاسن الحسيني الدمشقي ، انظر «تذكرة الحفَّاظ» .
ذيل رفع الإصر في قضاة مصر ، للسخاوي ، تحقيق جودة هلال ومحمد محمود صبح ، الدار المصرية للتأليف والترجمة ، القاهرة .(1/70)
ذيل طبقات الحفَّاظ للذّهبي ، لعبدالرّحمن بن أبي بكر السّيوطي ، انظر «تذكرة الحفَّاظ» .
ذيل كشف الظنون = إيضاح المكنون .
ذيول تذكرة الحفاظ ، للحسيني وابن فهد والسيوطي
الراء
الرسالة المستطرفة ، للكتاني .
رسالة في علم الكتابة ، لأبي حيان التوحيدي(1) ، الناشر مكتبة الثقافة الدينية ، مصر ، ط1 ، 1421م .
رسالة فيما على المتصدين لطبع الكتب القديمة فِِعلُه ، للعلامة معلمي اليماني ؛ طبعها ماجد الزيادي ضمن مجموع فيه خمس رسائل للمعلمي (ص21-83) ، طبعة المكتبة المكية ، ط1 ، سنة 1417هـ .
الرسالة للإمام محمد بن إدريس الشافعي ، بتحقيق وشرح أحمد محمد شاكر ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، بلا تاريخ ولا رقم طبعة .
رسائل في اللغة والأدب والتاريخ ، حققها وقدم لها إبراهيم السامرائي ، ط1 ، 1408هـ ، مكتبة المنار ، الزرقاء ، الأردن .
الرفع والتكميل في الجرح والتعديل ، لأبي الحسنات محمد عبدالحي اللكنوي الهندي ، حققه وخرّج نصوصه وعلّق عليه عبدالفتاح أبوغدة ، دار البشائر الإسلامية ، نشر مكتب المطبوعات الإسلامية بحلب ، ط3 ، 1407هـ .
الرقابة على التراث - دعوة إلى حمايته من الجناية عليه ، تأليف العلامة بكر بن عبدالله أبو زيد ، دار الحرمين للطباعة بالقاهرة ، ط1 ، 1426هـ .
الروض البسام في ترتيب وتخريج فوائد تمام ، للدوسري .
روضة العقلاء ونزهة الفضلاء ، لابن حبان ، تحقيق محمد حامد الفقي .
الزاي
زهر الربى بشرح المجتبى - وهو السنن الصغرى للنسائي - ، للسيوطي
السين
السَّنَن الأبين والمورد الأمعن في المحاكمة بين الإمامين في السند المعنعن ، للإمام الحافظ ابن رشيد السبتي .
سنن الترمذي ، طبعة دار ابن حزم ، ط1 ، 1422هـ ، وطبعات أخرى .
السّنن ، لابن ماجه .
__________
(1) لم يكتب ناشرو هذه الطبعة في بيان أصل هذه الرسالة أي شيء ، فهل هي مستلة أو مفردة أصلاً ، وهل ثبتت نسبتها لأبي حيان ؟ وهذا ما ينبغي تحريره .(1/71)
السنن لأبي داود السجستاني .
السنن ، لأبي عبدالرّحمن أحمد بن شعيب النسائي .
السنن ، للدارمي .
السنن الكبري ، لأبي بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي ، وبذيله «الجوهر النّقيّ» لابن التركماني ، ط1 ( 1344هـ) ، مطبعة مجلس دائرة المعارف النظامية ، الهند .
سؤالات الحاكم النيسابوري للدارقطني ، مكتبة المعارف ، الرياض ، تحقيق د . موفق بن عبدالله بن عبدالقادر ، ط1 ، 1404هـ .
سؤالات السجزي للحاكم ، تحقيق د موفق عبدالله عبدالقادر ، ط1 ، 1408هـ ، دار الغرب الإسلامي ، بيروت .
سؤالات السلمي للدارقطني ، تحقيق سليمان آتش ، ط1 ، 1408هـ ، دار العلوم ، الرياض .
سير أعلام النبلاء ، للإمام شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي الدّمشقي ، تحقيق شعيب الأناؤوط وجماعة ، مؤسسة الرسالة ، ط2 ، 1402هـ .
الشين
شرح الحديث المقتفى في مبعث النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم ، للإمام شهاب الدين أبي محمد عبدالرحمن بن إسماعيل المقدسي المعروف بأبي شامة ، تحقيق جمال عَزّون ، مكتبة العمرين العلمية ، ط1 ، 1420هـ .
شرح السنّة ، للإمام البغوي أبي محمد الحسين بن مسعود الفرَّاء ، تحقيق زهيرالشاويش وشعيب الأرنؤوط ، المكتب الإسلامي ، 1394هـ .
شرح العراقي على ألفيته ، طبع مع شرح العراقي لألفيته ، بتصحيح محمد بن الحسين العراقي الحسيني مدرس بكلية القرويين وأمين الخزانة القروية .
الشرح الممتع على زاد المستنقع ، للشيخ محمد بن صالح العثيمين ، دار ابن الهيثم ، القاهرة .
شرح زكريا الأنصاري على ألفية العراقي ، مطبوع مع شرح العراقي ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، طبع مع شرح العراقي لألفيته ، بتصحيح محمد بن الحسين العراقي الحسيني مدرس بكلية القرويين وأمين الخزانة القروية .(1/72)
شرح علل الترمذي ، للإمام زين الدين أبو الفرج عبدالرحمن بن شهاب الدين بن أحمد بن رجب الحنبلي (795هـ) ، تحقيق همام عبدالرحيم سعيد ، مكتبة المنار الأردن ، الزرقاء ، ط1 ، 1407هـ .
شرح علي القاري الحنفي (ت1014) على النزهة ، طبع في بيروت سنة 1398هـ على مثال طبعة استنبول سنة 1327هـ .
شرح صحيح مسلم ، لأبي زكريا يحي بن شرف النووي .
الشرح والتعليل لألفاظ الجرح والتعديل يوسف محمد صديق .
شرف أصحاب الحديث ، للخطيب البغدادي (392-463هـ) ، بتحقيق الدكتور محمد سعيد خطيب أوغلي ، مطبعة جامعة أنقره 1971م .
شروط الأئمة الخمسة ، للحازمي ، تصوير دار الكتب العلمية ، بيروت .
شروط الأئمة الستة ، لمحمد بن طاهر المقدسي المعروف بابن القيسراني (448-507هـ) ، تصوير دار الكتب العلمية ، بيروت .
شروط الأئمة ، للحافظ أبي عبدالله محمد بن إسحاق بن محمد بن يحيى بن منده (310-395هـ ) .
الشعر والشعراء ، لابن قتيبة ، تحقيق أحمد محمد شاكر ، دار الحديث ، القاهرة .
الصاد
صبح الأعشى في صناعة الإنشا ، لأحمد بن علي القلقشندي (ت 821هـ) ، تحقيق محمد حسين شمس الدين وغيره ، طبعة دار الكتب العلمية ، ط1 ، 1407هـ .
الصحاح (تاج الّلغة وصحاح العربية) ، لإسماعيل بن حماد الجوهري ، تحقيق أحمد عبدالغفور عطار ، دار العلم للملايين ، بيروت ، ط3 ، 1403هـ .
صحيح ابن حبّان بترتيب ابن بلبان ، تحقيق شعيب الأرنؤوط ، مؤسسة الرسالة ، بيروت ، ط2 ، 1414هـ .
صحيح ابن خزيمة ، لأبي بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة السّلمي النيسابوري ، تحقيق محمد مصطفى الأعظمي ، المكتب الإسلامي ، بيروت ، ط1 ، 1399هـ .
صحيح البخاري = الجامع الصحيح .
الصلة في تاريخ أئمة الأندلس وعلمائهم ومحدثيهم وفقهائهم وأدبائهم ، لأبي القاسم ابن بشكوال ، عُني به السيد عزت العطار الحسيني ، الناشر مكتبة الخانجي ، القاهرة ، ط2 ، 1414هـ.(1/73)
صناعة الكتاب لأبي جعفر أحمد بن محمد بن إسماعيل النحاس ، تحقيق الدكتور بدر أحمد ضيف ، دار العلوم العربية بيروت ، ط1 ، 1410هـ .
صيانة صحيح مسلم من الإخلال والغلط وحمايته من الإسقاط والسقط ، لابن الصلاح ، تحقيق د . موفق بن عبدالله ، ط1 ، 1404هـ ، دار الغرب الإسلامي بيروت 1404هـ .
الضاد
ضبط النص والتعليق عليه ، للدكتور بشار عواد معروف ، ضمن "مجلة المجمع العلمي العراقي" ، مج31 ج4 ، ذو القعدة 1400هـ ، 24صفحة .
الضعفاء الكبير ، للحافظ أبي جعفر محمد بن عمرو بن موسى بن حماد العقيلي المكي ، تحقيق عبدالمعطي أمين قلعجي ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، ط1 ، 1404هـ ، 1984م .
الضعفاء ، لأبي زرعة الرازي ، مطبوع ضمن كتاب (أبو زرعة الرازي وجهوده في السنة) .
الضعفاء لأبي نعيم الأصبهاني ، حققه وقدم له الدكتور فاروق حمادة ، الدار البيضاء المغرب ، 1405هـ .
الضوء اللامع لأهل القرن التاسع ، للحافظ شمس الدِّين أبي الخير محمد بن عبدالرّحمن السّخاوي القاهري الشّافعي ، مكتبة القدس ، القاهرة ، 1353هـ ، 1355هـ .
الطاء
الطبري ، بقلم الدكتور أحمد محمد الحوفي ، سلسلة أعلام العرب (13) ، وزارة الثقافة والإرشاد القومي المصرية .
طبقات الحفَّاظ ، لعبدالرّحمن بن أبي بكر السّيوطي ، راجع النسخة وضبط أعلامها لجنة من العلماء ، دارالكتب العلمية ، بيروت ، ط1 ، 1403هـ .
طبقات الشافعية الكبرى ، لتاج الدين أبي نصر عبدالوهاب بن علي بن عبدالكافي السبكي ، تحقيق عبدالفتاح محمد الحلو ومحمود محمد الطناحي ، دار إحياء الكتب العربية .
طبقات الشّافعية ، لابن قاضي شهبة (779-851هـ) ، تعليق عبدالعليم خان ، عالم الكتب ، بيروت ، ط1 ، 1407هـ ، 1987م .
الطبقات الكبرى ، لابن سعد ، طبعة الدكتور إحسان عباس ؛ وأحياناً طبعة محمد عبدالقادر عطا ، دار الكتب العلمية ، بيروت .(1/74)
طبقات المفسرين ، لشمس الدين محمد بن علي بن أحمد الداوودي ، طبعة دار الكتب العلمية ، بيروت ، ط1 ، 1403هـ .
طليعة التنكيل ، للمعلمي ، مطبوعة في مقدمة التنكيل .
العين
العبر في خبر من غبر ، للإمام شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي الدّمشقي ، حقّقه أبوهاجر محمد السعيد بن بسيوني زغلول ، دارالكتب العلمية ، بيروت .
عبقرية الإمام مسلم في ترتيب مسنده الصحيح ، للدكتور حمزة المليباري .
عجائب الآثار في التراجم والأخبار ، لعبد الرحمن الجبرتي ، دار الجيل ، بيروت ، ط2 ، 1978م .
علل الأحاديث في كتاب الصحيح لمسلم بن الحجاج أبي الفضل عمار الشهيد .
علل الحديث ، لابن أبي حاتم ، تحقيق محب الدين الخطيب .
العلل الكبير ، لأبي عيسى محمد بن عيسى الترمذي ، ترتيب أبي طالب القاضي ، تحقيق حمزة ديب مصطفى ، مكتبة الأقصى ، عمان ، الأردن ، ط1 ، 1406هـ ، 1986م .
العلل المتناهية في الأحاديث الواهية ، لجمال الدين أبي الفرج عبدالرحمن ابن الجوزي ، تحقيق إرشاد الحق الأثري ، طبعة إدارة العلوم الأثرية ، باكستان ، ط2 ، 1401هـ .
العلل الواردة في الأحاديث النبوية ، للدارقطني ، تحقيق د . محفوظ الرحمن زين الله السلفي .
العلل ومعرفة الرجال ، للإمام أحمد بن حنبل (برواية ابنه عبدالله) ، تحقيق الدكتور وصي الله عباس ؛ ط1 (1408هـ) .
علم الاكتناه العربي الإسلامي ، تصنيف الدكتور قاسم السامرائي ، ط1 ، 1422هـ ، مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية .
العلم لأبي خيثمة زهير بن حرب النسائي ، تحقيق الألباني .
علم الحديث ، لابن تيمية ، تحقيق موسى محمد علي ، ط2 (1405هـ) .
علم التاريخ عند المسلمين ، المستشرق فرانز روزنثال ، طبع مؤسسة الرسالة ، ط2 ، ترجمة الدكتور صالح أحمد العلي .
علوم الحديث في ضوء تطبيقات المحدِّثين النقاد ، للدكتور حمزة عبدالله المليباري ، دار بان حزم ، ط1 ، 1423هـ .(1/75)
علوم الحديث لابن الصلاح(1) أبي عمرو عثمان بن عبدالرحمن الشهرزوري (577-643هـ) ، حققه وخرّج أحاديثه وعلّق عليه الدكتور نور الدين عتر ، نشر المكتبة العلمية بالمدينة المنورة ، 1386هـ .
عمدة القاري شرح صحيح البخاري ، لبدر الدين محمود بن أحمد العيني ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت .
العنوان الصحيح للكتاب - تعريفه وأهميته ، وسائل معرفته وأحكامه ، أمثلة للأخطاء فيه ، تأليف الشريف حاتم بن عارف العوني ، دار عالم الفوائد للنشر والتوزيع ، ط1 ، 1419هـ .
عوالي سعيد بن منصور ، لأبي نعيم الأصبهاني ، تحقيق عبدالله بن يوسف الجديع .
عون المعبود شرح سنن أبي داود ، لأبي الطيب شمس الحق العظيم آبادي ، المكتبة السلفية ، المدينة المنورة ، ط2 ، 1388هـ .
عيون الأخبار ، لعبد الله بن مسلم بن قتيبة الدِّينَوَرِيّ (213-276 هـ) ، نسخة مصورة عن طبعة دار الكتب ، مصر .
الغين
غاية النهاية في طبقات القرّاء ، لابن الجزري ، عني به ج . برجس تراسر ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، ط3 ، 1402هـ .
غريب الحديث ، لأبي إسحاق إبراهيم بن إسحاق الحربي ، تحقيق سليمان العايد ، دار المدني ، جدة ، ط1 ، 1405هـ .
غريب الحديث ، لأبي عبيد القاسم بن سلام الهروي ، دار الكتاب العربي ، بيروت .
غريب الحديث ، لأبي محمد عبدالله بن مسلم بن قتيبة الدينوري ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، ط1 ، 1408هـ .
الغنية "فهرست شيوخ القاضي عياض" ، لأبي الفضل القاضي عياض المغربي ، دراسة وتحقيق الدكتور محمد بن عبدالكريم ، الدار العربية للكتاب ، ليبيا ، تونس ، 1398هـ .
الغاية في شرح الهداية ، للسخاوي ، تحقيق محمد سيدي محمد محمد الأمين ، ط2 ، مكتبة العلوم والحكم ، المدينة المنورة ، 1422هـ .
الفاء
__________
(1) عبرت عن هذا الكتاب بكلمة (المقدمة) أو (مقدمة ابن الصلاح) ، في كثير من المواضع .(1/76)
فتح الباري ، لابن حجر ، تحقيق محب الدين الخطيب ، ط1 ، 1407هـ ، دار الريان للتراث؟؟ .
فتح المغيث بشرح ألفية الحديث ، شمس الدين محمد بن عبدالرحمن السخاوي (ت902) ، تحقيق وتعليق علي حُسَين علي ، مكتبة السنة ، القاهرة ، 1415هـ .
فقه النوازل : قضايا فقهية معاصرة ، بكر بن عبدالله أبو زيد ، مؤسسة الرسالة ، ط1 ، 1427هـ .
الفقيه والمتفقه ، للخطيب البغدلدي .
فهرس الفهارس والأثبات ، للكتاني .
فهرست ابن خير الاشبيلي .
الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة ، للشوكاني ، تحقيق المعلمي اليماني .
الفائق في غريب الحديث ، لأبي القاسم جار الله محمود بن عمر الزمخشري ، مع حاشية إبراهيم شمس الدين ، دار الكتب العلمية ، بيروت .
الفروق اللغوية ، لأبي هلال العسكري ، ضبطه حسام الدين القدسي ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، 1401هـ .
الفهرست ، لابن النديم .
القاف
القاموس المحيط والقابوس الوسيط ، لمجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي ، مؤسسة الرسالة ، بيروت ، ط1 ، 1406هـ .
القراءة خلف الإمام ، لأبي بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي ، خرّج أحاديثه واعتنى بتصحيحه ، أبو هاجر محمد السعيد بن بسيوني زغلول ، دار الكتب العلمية ، ط1 ، 1405هـ .
قواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث ، لمحمد جمال الدين القاسمى ، دار الكتب العلمية ، بيروت .
القواعد الفقهية المستخرجة من أعلام الموقعين ، لعبد المجيد جمعة الجزائري ، تقديم بكر بن عبدالله أبو زيد .
القول المسدد في الذب عن المسند ، لابن حجر
قواعد التهانوي في علوم الحديث ، تعليق عبدالفتاح أبو غدة
القول المعتبر في ختم النسائي رواية ابن الأحمر ، للحافظ محمد بن عبدالرحمن السخاوي ، حققه وعلق عليه جاسم بن محمد بن حمود الفجي ، المكتب الإسلامي - دار ابن حزم ، ط1 ، 1420هـ .
الكاف(1/77)
الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب الستة ، للإمام شمس الدين أبي عبدالله محمد بن أحمد الذهبي الدّمشقي (673-748هـ) ، وحاشيته للإمام برهان الدين أبي الوفاء إبراهيم بن محمد سبط ابن العجمي الحلبي (753-841هـ) ، قدم له وحققه وعلق عليه محمد عوامة وأحمد محمد نمر الخطيب ، شركة دار القبلة ، مؤسسة علوم القرآن ، جدة ، ط1 ، 1413هـ .
كشف الأستار عن زوائد البزار على الكتب الستة ، لنور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي ، تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي ، مؤسسة الرسالة ، ط1 ، 1399هـ .
كشف الخفاء ومزيل الإلباس عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس ، لإسماعيل بن محمد العجلوني ، دار الكتب العلمية ، بيروت .
كشف الظّنّون عن أسامي الكتب والفنون ، لحاجي خليفة ، مصطفى بن عبدالله القسطنطيني ، دار العلوم الحديثة ، بيروت .
الكفاية ، للخطيب البغدادي ، تحقيق المعلمي اليماني ومن معه ، وطبعة أخرى بتحقيق إبراهيم بن مصطفى الدمياطي ، دار الهدى ، ط1 ، 1423هـ .
اللام
اللآلئ المنثورة في الأحاديث المشهورة (المعروفة بالتذكرة في الأحاديث المشتهرة) ، للإمام بدر الدين أبي عبدالله محمد بن عبدالله بن بهادر الزركشي السبكي الحنبلي ، تحقيق عبدالقادر عطا ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، ط1 ، 1406هـ ، 1986م .
اللباب في تهذيب الأنساب ، لعز الدين ابن الأثير الجزري ، دار صادر ، بيروت ، 1400هـ .
لحظ الألحاظ ، انظر "تذكرة الحفاظ" .
لسان العرب ، لابن منظور جمال الدِّين محمد بن مكرم الأنصاري الإفريقي ثمّ المصري ، مع تعليق مكتب تحقيق التراث ، دار إحياء التراث العربي ، مؤسسة التاريخ العربي ، بيروت(1) .
لسان الميزان ، لابن حجر ، طبعة الهند ، والطبعة التي بتحقيق عبدالفتاح أبو غدة ، ط1 ، دار البشائر الإسلامية ، 1423هـ .
__________
(1) واعتمدت أحياناً بعض الطبعات الأخرى .(1/78)
لمحات في المكتبة والبحث والمصادر ، للدكتور محمد عجاج الخطيب ، مؤسسة الرسالة ، ط7 ، 1402هـ .
الميم
مباحث في علم الجرح والتعديل ، لقاسم علي سعد ، دار البشائر الإسلامية ، ط1 ، 1408هـ .
المجروحين من المحدثين والضعفاء ، للإمام أبي حاتم محمد بن حبان البستي ، تحقيق محمود إبراهيم زايد ، توزيع دار الباز ، مكة المكرمة .
مجمع الأمثال ، للميداني ، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم ، طبعة عيسى البابي الحلبي وشركاه ، المكتبة الإسلامية ، استانبول ، تركيا ، 1977م .
مجمع الزوائد ومنبع الفوائد ، للحافظ نور الدِّين علي بن أبي بكر الهيثمي ، تحرير الحافظين العراقي وابن حجر ، دار الكتاب العربي ، بيروت ، ط3 ، 1402هـ .
مجمل اللغة ، لأبي الحسين أحمد بن زكريا بن فارس ، تحقيق زهير عبدالمحسن سلطان ، مؤسسة الرسالة ، ط1 ، 1404هـ .
مجموع الفتاوى ، لشيخ الإسلام أبي العباس أحمد بن عبدالحليم ابن تيمية الحرَّاني الدمشقي ، مكتبة ابن تيمية ، القاهرة .
المجموعة العلمية (التعالم ، حلية طالب العلم ، آداب طالب الحديث ، الرقابة على التراث ، تغريب الألقاب العلمية) ، لبكر بن عبدالله أبو زيد ، دار العاصمة للنشر والتوزيع .
محاسن الاصطلاح وتضمين كتاب ابن الصلاح ، لعمر بن رسلان البلقيني ( ت805هـ ) .
المحدث الفاصل بين الراوي والواعي ، للحسن بن عبدالرحمن بن خلاد الرامهرمزي (ت 360هـ) ، تحقيق د. محمد عجاج الخطيب ، ط1 ، دار الفكر ، بيروت ، 1391هـ .
المحلى ، لأبي محمد علي بن محمد بن حزم الظاهري(456هـ) ، تحقيق أحمد محمد شاكر ، دار الفكر(1) .
مختار الصحاح ، للرازي .
مختلف الحديث وموقف النقاد منه ، لأسامة بن عبدالله خياط ، مطابع الصفا ، مكة المكرمة ، ط1 ، 1406هـ .
__________
(1) وبعض الطبعات الأخرى .(1/79)
المدخل إلى الصحيح ، للحاكم أبي عبدالله محمد بن عبدالله بن حمدويه النيسابوري (321-405هـ) تحقيق د . ربيع هادي عمير المدخلي ، مكتبة الفرقان ، عجمان ، ط1 ، 1421هـ .
مدخل إلى تاريخ نشر التراث العربي مع محاضرة عن التصحيف والتحريف ، للدكتور محمود محمد الطناحي ، الناشر مكتبة الخانجي بالقاهرة ؛ ط1 ، 1405هـ .
المدخل المفصل إلى فقه الإمام أحمد وتخريجات الأصحاب ، لبكر بن عبدالله أبو زيد ، دار العاصمة للنشر والتوزيع .
المراسيل ، لأبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني ، حققه وعلّق عليه وخرّج أحاديثه شعيب الأرنؤوط ، مؤسسة الرسالة ، ط1 ، 1408هـ .
المراسيل لابن أبي حاتم ، تحقيق شكر الله قوجاني ، مؤسسة الرسالة ، بيروت ، 1397هـ .
المزهر في علوم اللغة وأنواعها ، لجلال الدِّين عبدالرّحمن بن أبي بكر السّيوطي ، مع تعليقات وشرح محمد جاد المولى بك ومحمد أبو الفضل إبراهيم وعلي محمد البجاوي ، المكتبة العصرية ، بيروت .
مسائل الإمام أحمد ، للإمام أبي داود ؟؟ .
مسائل الإمام أحمد ، لأبي داود السجستاني ، تقديم محمد رشيد رضا ، دار المعرفة ، بيروت .
المستدرك على الصحيحين ، لأبي عبدالله محمد بن عبدالله الحاكم النيسابوري ، وبذيله «التلخيص» للشمس الدين محمد بن أحمد الذهبي ، دار الكتاب العربي ، بيروت .
المسك الأذفر ، لمحمود شكري الآلوسي .
مسند أبي داود الطيالسي ، دار المعرفة ، بيروت .
مسند علي بن الجعد ، للبغوي ، وهو المعروف باسم (الجعديات) .
المسند ، للإمام أحمد بن حنبل الشّيباني ، تحقيق أحمد شاكر ، دار المعارف ، مصر ، ط2 ، 1391هـ .
المسوَّدة في أصول الفقه ، لآل تيمية ، مجد الدين أبي البركات عبدالسلام بن عبدالله ، وشهاب الدّين أبي المحاسن عبدالحليم بن عبدالسلام ، وشيخ الإسلام تقيّ الدّين أبي العباس أحمد بن عبدالحليم ، تحقيق محمد محي الدين عبدالحميد ، دار الكتاب العربي ، بيروت .(1/80)
مشارق الأنوار على صحاح الآثار ، للإمام أبوالفضل عياض بن موسى بن عياض الأندلسي اليحصبي السبتي المالكي المعروف بالقاضي عياض ، طبع ونشر المكتبة العتيقة ، تونس ، دار التراث ، القاهرة .
مشاهير علماء الأمصار ، لمحمد بن حبان البُستي ، عني بتصحيحه م . فلايشهمر ، القاهرة ، مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر ، 1379هـ - 1959م .
مصابيح السنة ، للإمام البغوي الحسين بن مسعود الشافعي ، مطبعة بولاق ، سنة 1294 هـ .
المصنف ، لأبي بكر بن أبي شيبة ؟؟ .
المصنف ، لعبدالرزّاق بن همام الصنعاني ، تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي ، منشورات المجلس العلمي ، كراتشي ، باكستان ، توزيع المكتب الإسلامي ، بيروت ، ط1 ، 1390هـ .
المعجم الأوسط ، للحافظ أبي القاسم سليمان بن أحمد الطبراني ، تحقيق طارق بن عوض الله بن محمد وعبدالمحسن بن إبرهيم الحسيني ، دار الحرمين ، القاهرة .
معجم البلدان ، لياقوت الحموي ، تحقيق فريد عبدالعزيز الجندي ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، ط1 ، 1410هـ .
معجم الجرح والتعديل في السنن الكبرى للبيهقي ، للدكتور نجم عبدالرحمن خلف .
معجم الشّيوخ ، للإمام شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي الدّمشقي ، تحقيق محمد الحبيب الهيلة ، مكتبة الصديق ، الطّائف ، المملكة العربية السّعودية ، ط1 ، 1408هـ .
المعجم الكبير ، للحافظ أبي القاسم سليمان بن أحمد الطبراني ، تحقيق حمدي عبدالمجيد السلفي ، وزارة الأوقاف والشؤون الدينية بالعراق ، مطبعة الزهراء الحديثة ، بالموصل ، ط2 ، 1984م .
المعجم المختصّ بالمحدِّثين ، للإمام شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي الدّمشقي ، تحقيق محمد الحبيب الهيلة ، مكتبة الصّدّيق ، الطائف ، ط1 ، 1408هـ .
معجم المصطلحات والتراكيب والأمثال المتداولة ، للدكتور محمد موسى الشريف ، طبعة دار الأندلس الخضراء .(1/81)
المعجم المفهرس أو تجريد أسانيد الكتب المشهورة والأجزاء المنثورة(1) للإمام الحافظ أبي الفضل أحمد بن علي بن محمد بن حجر العسقلاني ، تحقيق محمد شكور محمود الحاجي أمرير المياديني ، مؤسسة الرسالة ، بيروت ، ط1 ، 1418ه .
المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي ، رتبه ونظمه لفيف من المستشرقين ، ليدن 1936م .
معجم المناهي اللفظية ، لبكر بن عبدالله أبو زيد ، دار العاصمة للنشر والتوزيع ، الرياض ، ط3 ، 1417هـ .
معجم المؤلفين ، لعمر رضا كحالة .
المعجم الوسيط ، لمجمع اللغة العربية بمصر ، بإشراف عبدالسلام هارون ، طبعة دار إحياء التراث العربي ، بيروت ، وبعض الطبعات الأخرى .
معجم علوم الحديث النبوي ، تأليف د. عبدالرحمن بن إبراهيم الخميسي ، ط1 ، 1421هـ ، دار الأندلس الخضراء ، دار ابن حزم .
معرفة السنن والآثار ، للبيهقي ، تحقيق أحمد صقر .
معرفة علوم الحديث ، لأبي عبدالله محمد بن عبدالله الحاكم النيسابوري ، اعتنى بنشره وتصحيحه الدكتور معظم حسين ، المكتب التجاري للطباعة والتوزيع والنشر ، بيروت ، ط2 ، 1977م ؛ وطبعة أخرى سُمي فيها الكتاب (معرفة علوم الحديث وكميّةِ أجناسه) ، وهي بتحقيق أحمد بن فارس السلوم ، دار ابن حزم ، 1424هـ .
المعرفة والتاريخ ، ليعقوب بن سفيان ، مؤسسة الرسالة ، بيروت ، 1401هـ .
معيد النعم ومبيد النقم ، لتاج الدين عبدالوهاب السبكي ، دار الحداثة ، بيروت ، ط2 ، 1985م .
__________
(1) هذا عنوان الكتاب كما هو في المخطوطة التي اعتمدها المحقق . وللكتاب عنوان آخر ، ذكره السخاوي في (الجواهر والدرر) (2/671), عند تعداده لمصنفات الحافظ ابن حجر ، قال «فهرست نفسه في مجلد ضخم ، سمّاه المقاصد "العليات في فهرس المرويات" ، يعني بالقراءة ، أو السماع ، أو الإجازة ، أو المشافهة ، أو المكاتبة ؛ ووجدت بخطه أيضاً تسميته بالمقاصد العلية في فهرست الكتب والأجزاء المروية ، انتفع الناس به» .(1/82)
المعين في طبقات المحدّثين ، للإمام شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي الدّمشقي ، تحقيق همام عبدالرّحيم سعيد ، دار الفرقان ، الأردن ، ط1 ، 1404هـ .
المغني في الضعفاء ، للإمام شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي الدّمشقي ، تحقيق نور الدين عتر ، إدارة إحياء التراث الإسلامي ، قطر .
المغير على الأحاديث الموضوعة في الجامع الصغير ، للغماري؟؟ .
مفردات القرآن ، للراغب الأصفهاني (502هـ) ، المكتبة التوفيقية ، مصر .
مقاييس اللغة ، لأبي الحسين أحمد بن فارس ، تحقيق عبدالسلام هارون ، دار الكتب العلمية ، إسماعيليان نجفي ، إيران .
المقترح في أجوبة أسئلة المصطلح ، لمقبل بن هادي الوادعي .
مقدمة ابن الصلاح = علوم الحديث لابن الصلاح .
مقدمة ابن خلدون وهي الجزء الأول من تاريخ ابن خلدون (732-808هـ ) المسمى (ديوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والبربر ومن عاصرهم من ذوي الشأن الأكبر) ، تحقيق خليل شحادة مراجعة الدكتور سهيل زكار ، دار الفكر 1421هـ .
مقدمة فتح الباري (هدي الساري) ، لابن حجر .
مقدمة في أصول الحديث ، لعبدالحق بن سيف الدين بن سعد الله البخاري الدهلوي ، (958- 1052هـ) ، تحقيق سلمان الحسيني الندوي ، دار البشائر الإسلامية ، بيروت ، 1406هـ ، ط2 .
المقنع في علوم الحديث ، لعمر بن علي بن أحمد الأنصاري المشهور بابن الملقن ( ت804هـ ) ، تحقيق عبدالله بن يوسف الجديع .
ملحق البدر الطالع ، لابن زبارة .
المنار المنيف في الصحيح والضعيف ، للإمام شمس الدين أبي عبدالله محمد بن أبي بكر المعروف بابن قيم الجوزية الدمشقي ، تحقيق العلامة المعلمي اليماني ، وطبعة أخرى بتحقيق عبدالفتاح أبو غدة .
مناهج تحقيق التراث بين القدامى والمحْدَثين ، للدكتور رمضان عبدالتواب ، نشرته مكتبة الخانجي بالقاهرة ، 1406هـ .(1/83)
منهاج السنة النبوية ، لشيخ الإسلام أبي العباس أحمد بن عبدالحليم ابن تيمية الحرَّاني الدمشقي ، تحقيق محمد رشاد سالم ، مكتبة ابن تيمية ، القاهرة .
المنهاج في تأليف البحوث وتحقيق المخطوطات ، تأليف الدكتور محمد التوني ، عالم الكتب .
منهج البحث الأدبي ، الدكتور علي جواد الطاهر ، المؤسسة العربية للدراسات والنشر ، بيروت ، ط3 ، 1979م .
المنهج المقترح لفهم المصطلح ، للشريف حاتم بن عارف العوني .
منهج دراسة الأسانيد والحكم عليها ، للدكتور وليد العاني .
موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبّان ، للحافظ علي بن أبي بكر الهيثمي ، تحقيق محمد عبدالرزاق حمزة ، دار الكتب العلمية ، بيروت .
الموازنة بين المتقدمين والمتأخرين في تصحيح الأحاديث وتعليلها ، للدكتور حمزة عبدالله المليباري ، ط2 ، دار ابن حزم 1422هـ .
الموسوعة الفقهية الكويتية ، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية ، ط4 ، 1414هـ .
الموضوعات ، لابن الجوزي ، تحقيق نور الدين بن شكرى بن علي بويا جيلار ، مكتبة أضواء السلف ومكتبة التدمرية ، الرياض .
موطأ مالك ، لمالك بن أنس الأصبحي ، تحقيق وترقيم محمد فؤاد عبدالباقي ، دار إحياء التراث العربي ، 1406هـ .
الموقظة ، للذهبي ، دار الآثار ، القاهرة ، ط1 ، 2002هـ .
ميزان الاعتدال ، طبعة دار الكتب العلمية 1416هـ ؛ وطبعة دار المعرفة بتحقيق علي محمد البجاوي ، ط1 ، 1382هـ .
النون
نتائج الافكار في تخريج أحاديث الأذكار ، لابن حجر ج1 ، طبعة بغداد .
نزهة النظر ، لابن حجر .
نصب الرّاية لأحاديث الهداية ، للعلاَّمة جمال الدِّين أبو محمد عبدالله بن يوسف الزيلعي الحنفي ، مع حاشية «بغية الألمعي في تخريج الزيلعي» ، دار الحديث ، القاهرة .
النظائر ، لبكر بن عبدالله أبو زيد ، دار العاصمة ، الرياض ، ط1 ، 1413هـ .
نظرات جديدة في علوم الحديث ، للشيخ حمزة المليباري .(1/84)
نظم الفرائد لما تضمنه حديث ذي اليدين من الفوائد ، لأبي سعيد صلاح الدين خليل بن كيكلدي العلائي ، طبعة بغداد .
نظم الدرر في تناسب الآيات والسور ، للعلامة برهان الدين أبي الحسن إبراهيم بن عمر البقاعي (855هـ) ، دار الكتب العلمية ، ط2 ، 1424هـ .
نظم العقيان ، للسيوطي .
نظم المتناثر من الحديث المتواتر ، لجعفر الحسيني الإدريسي الكتاني ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، 1400هـ .
النفح الشذي شرح سنن الترمذي ، لابن سيد الناس ، تحقيق وتعليق الدكتور أحمد معبد عبدالكريم .
النَُكَت على كتاب ابن الصلاح ، لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني ، تحقيق ربيع بن هادي عمير ، مطبوعات الجامعة الإسلامية ، بالمدينة المنورة ، ط1 ، 1404هـ .
النكت على كتاب ابن الصلاح ، لبدر الدين الزركشي ، أضواء السلف ، الرياض ، 1419هـ ، ط1 ، تحقيق د . زين العابدين بن محمد .
نهاية الاغتباط بمن رمي من الرواة بالاختلاط ، علاء الدين علي رضا ، وهو دراسة وتحقيق وزيادات في التراجم على كتاب "الاغتباط بمن رمي بالاختلاط" لسبط ابن العجمي ، طبعة دار الحديث القاهرة ، ط1 ، 1408هـ .
النهاية في غريب الحديث والأثر ، لأبي السعادات ابن الأثير الجزري ، تحقيق طاهر أحمد الزاوي ومحمود محمد الطناحي ، دار الفكر ، ط2 ، 1399هـ .
نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار ، لمحمد بن علي الشوكاني .
نيل الوطر ، لابن زبارة .
الهاء
هدية العارفين أسماء المؤلفين وآثار المصنفين ، لإسماعيل باشا الباباني البغدادي ، طبعة دار إحياء التراث العربي ، بيروت .
الواو
الوافي بالوفيات ، لصلاح الدين أبي الصفاء خليل بن أيبك الصفدي ، باعتناء ديد رينغ ، ط2 ، 1301هـ .
وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان ، لابن خلكان أحمد بن محمد البرمكي الأربلي الشّافعي ، تحقيق إحسان عباس ، دار صادر ، بيروت .
***************************************
انتهت الفهارس
ويليها أول الكتاب وهو التمهيد أو المقدمة التأصيلية
[ يترك هنا ورقة بيضاء فاصلة بين الفهارس والتمهيد](1/85)
لسان المحدثين
مُعجم يُعنى بشرح مصطلحات المحدثين القديمة والحديثة ورموزهم وإشاراتهم
وجملة من مشكل عباراتهم وغريب تراكيبهم ونادر أساليبهم
(التمهيد أو المقدمة التأصيلية)
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمدَ لله نحمدُه ونستعينه ونستغفره ، وأشهد أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ ، وأشهدُ أنَّ محمداً صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ عبدُ اللهِ ورسولُهُ وحبيبُهُ وخليلُهُ ، أَرْسَلَه بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ .
وبعدُ ؛ فإنَّ الله تعالى منَّ على هذه الأمة بحفظ دينها من الزيادة والنقص والتبديل ، كما قال تعالى : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) ؛ وليس معنى حفظ الذِكر في هذه الآية هو حفظ ألفاظ القرآن ، وحْدَها ، من الضياع والنقص والزيادة والتغيير ، بل هو حفظ ألفاظ القرآن وما يبين معانيها .
ولا يخفى أن أهمَّ وأوَّل ما يبينُ القرآنَ هو شيئان أولهما سنةُ النبي الذي أُنزل عليه القرآن ، محمد ، صلى الله عليه وسلم ، والثاني اللسان الذي نزل به القرآن وقت نزوله، وهو لسان العرب في ذلك الوقت .
ولقد هيأ الله لحفظِ لغة القرآن علماء عباقرة حَفَظةً يجوبون أقطار الأرض ليتتبعوا ألفاظ الفصحاء والبلغاء من بقايا العرب الذين لم تخالطهم عُجْمةٌ ولم تَشنهم لكنةٌ ؛ لا يثنيهم عن ذلك بعد الديار ولا مشقة الأسفار ، فحفظوا لغة القرآن وقيدوها ، ثم صنفوها ، ثم شرحوا معانيها بأوضح ما يكون من الشرح والبيان وأبْلغِه ؛ بل كان من هؤلاء من شرح مفردات القرآن أو فسره ، وذلك في كتب غلب عليها اسم (معاني القرآن) .(1/86)
وأما السنةُ فكان شأنها أهم وأعظم ، وكان حفظها أعجب وأغرب؛ وذلك لكثرة أعدائها الحاقدين عليها ، من كل حريص أشد الحرص على إضاعة السنة وتبديلها ، أو تحريفها وتأويلها ، أو هجرِها وتعطيلها، يعينهم في ذلك كثير من مبتدعة المسلمين وفسّاقِهم وجهلتِهم.
ولكن يأبي الله إلا أن يُتمَّ نورَه ، فأنشأ - تبارك وتعالى - برحمته وحكمته ، لحفظ السنة وشرحها وتبليغها ، علماءَ عقلاءَ أتقياءَ أنقياء ، متحرّين متبحّرين ، متثبتين محتاطين ، أئمةً لو وُزنوا في رسوخهم بالجبال لوَزَنُوها ، أو طاولوا في منازلهم النجوم لعلََوها ، وكانوا - حقّاً زينةَ هذه الأمة ، ومفخرتَها ، وورثةَ نبيها صلى الله عليه وسلم ، وحملةَ أسباب هدايتها ، وكذلك شأنهم إلى يوم القيامة(1).
ولقد كان لهؤلاء الأئمة - ولمن سار على دربهم من العلماء بعدهم - في علمهم هذا ، وهو علم الحديث ، قواعدُ أصَّلوها وفصّلوها ، ومصطلحاتٌ وضعوها وبينوا معانيها - أو أشاروا إليها - وتداولوها .
فلذلك صار مَن أرادَ أنْ يقترفَ من بحرهم ، أو يأخذَ عنهم بعضَ علمِهم ، مضطرّاً إلى معرفة تلك القواعد وتلك المصطلحات .
فلا بد لطالب علم الحديث الذي يطمعُ أن يكونَ من أهله أن يتمكن من معرفة أربعة أبواب منه ؛ وذلك هو القدر الأدنى الذي لا يمكن الاقتصار على ما كان دونه ؛ وإليك بيان هذه الأبواب :
__________
(1) أشار الإمام الشافعي رحمه الله تعالى في كتابه (الرِّسَالَةِ) إلى حفظ لغة العرب وسنة النبي محمد صلى الله عليه وسلم بقوله : (لِسَانُ الْعَرَبِ أَوْسَعُ الأَلْسِنَةِ لا يُحِيطُ بِجَمِيعِهِ إلا نَبِيٌّ ، وَلَكِنَّهُ لا يَذْهَبُ مِنْهُ شَيْءٌ عَلَى عَامَّتِهَا ، وَالْعِلْمُ بِهِ عِنْدَ الْعَرَبِ كَالْعِلْمِ بِالسُّنَّةِ عِنْدَ أَهْلِ الْفِقْهِ ، لا نَعْلَمُ رَجُلاً جَمَعَ السُّنَنَ فَلَمْ يَذْهَبْ مِنْهَا عَلَيْهِ شَيْءٌ ، وَتُوجَدُ مَجْمُوعَةً عِنْدَ جَمِيعِهِمْ).(1/87)
الباب الأول : مصطلحات المحدثين .
الباب الثاني : قواعدهم .
الباب الثالث : تراجم كبار المحدثين ومناهجهم ومسالكهم وشرائطهم وخصائصهم ، ولا سيما النقاد منهم .
الباب الرابع : أنواع كتب الحديث ومحتوياتها ومراتبها وطرائقها وشروطها وتواريخها وتراجم أصحابها .
وفيما يلي تفصيل في هذه المطالب الأربعة ، وبيان لوجه اشتداد الحاجة إلى معرفتها .
أما المصطلحات :
فإنما تطلب معرفة معانيها لأنها دخلت في لغة القوم واستُعملت في مؤلفاتهم ، فكما لا يمكن لأحد من الناس فهمُ كلام المحدثين بدون معرفة لغتهم الكبرى ، أعني العربية ؛ فكذلك يتعذر على العربي - فضلاً عن غيره - فهمُ كثيرٍ من كلام المحدثين ما لم يكن عالماً بلغتهم الصغرى ، أعني مصطلحاتهم .
وهذا الكتاب الذي بين يديك مختص في الجملة بهذا الباب العظيم من هذه الأبواب الأربعة .
وأما القواعد :
فعليها ابتناء العلم ، إذ هي أصله وأساسه وميزانه ومقياسه .
وأما علماء الحديث :
فإنه لا بد لطالب علم الحديث من معرفتهم ، فليس يسعه الاستغناء عنها .
وما المعنيُّ هنا معرفة أسمائهم وتراجم وجيزة لهم ، فقط ، بل المراد معرفة سيرهم ، وتمييز منازلهم ، ومعرفة مناهجهم ومسالكهم وشرائطهم وخصائصهم ، في كتبهم خاصة ، وفي علمهم عامة .
فإن قيل : ما الداعي إلى ذلك ؟ فالجواب واضح ، وهو أن من أراد أن يشارك قوماً من الأقوام في علمٍ أو عملٍ أو وصفٍ أو حالٍ ، فإنه مضطرٌّ إلى معرفتهم على التفصيل ، وكلما كانت معرفته بهم أكثر وأوسع كان فلاحه بينهم وانتفاعه بهم أرجى وأقرب .(1/88)
وأما كتب الحديث :
فهي مادة هذا العلم ومنبعه ومصدره ، لا يكون الدارس داخلاً في جملة طلبة علم الحديث إلا بعد معرفةِ أهمِّها وأنفعِها وأتقنِها وأجمعِها وأصوبِها ، وكيفيةِ تصنيفِها ، وسبلِ الانتفاعِ بها ، ووسائل تيسير الرجوعِ إليها ، وطرق الأخذ منها ، وأنواع العلائق بينها ، ومقادير تفاوتها في مراتبها وموضوعاتها وشرائطها ، ومعرفة مظان الخلل فيها والاستدراك عليها .
ويدخلُ في المكتبةِ الحديثيةِ كلُّ كتاب مقصودُه علم الحديث صِرفاً ، وكلُّ كتابٍ الجانبُ الحديثيُّ فيه أغلبُ من الجوانبِ الأخرى .
وليس معنى هذا أنه لا يستقيمُ إدخالُ الكتبِ الأخرى التي يغلبُ عليها علمٌ آخرُ غيرُ علمِ الحديث إذا كان فيها من مسائل علم الحديث قدرٌ معتبرٌ ما يحتاجُه بعضُ أهل الحديث في علمهم .
ومكتبة الحديث واسعة جداً ؛ ومن أراد أن يصنفها أو يبين أقسامها ، فله خيارات كثيرة في التقسيم والتفصيل.
ويأتي بعض ما يتعلق بذلك ، في موضعه من هذا (المعجم).
ولقد منَّ الله تعالى عليَّ بتصنيف كتاب مفردٍ في كل واحد من هذه المطالب الأربعة ؛ وهذا هو الكتاب الأول منها ، وهو معجم لطلاب الحديث فيه كشف لأسرار مصطلحات المحدثين ومعاني جملة من عباراتهم النقدية وما التحق بها أو جرى مجراها من غريب أقوالهم وأمثالهم ومن لطيف إشاراتهم وطريف عباراتهم ؛ ومن الله لتوفيق.
وفيما يأتي من فصول هذه الخطبة وصفٌ للكتاب ، وبيانٌ لطريقتي فيه .
(1)
أسباب ومقاصد تأليف الكتاب
لقد كنت منذ زمن - وما زلتُ كذلك - أشعرُ بحاجتي وحاجة كثير من الناس الراغبين بتعلم هذا الفن العظيم ، إلى معاجيم جامعة تبيّنُ على وجه التحقيق - أو ما يدانيه - معانيَ اصطلاحاتِ المحدِّثين من القدماء والمتأخرين والمحْدَثين ، وتقرّبها إلى طالبي معرفتها ، تُكتب بطريقة تكون - في الجملة - مناسبةً لحال أهل هذا العصر ، وملبيةً لحاجاتِهم الرئيسةِ في هذا الفن .(1/89)
فإن قيل : إنَّ كتبَ المصطلحِ كثيرةٌ ومتداولةٌ بين الناس ، وإنَّ في مجموعها شروحاً لمصطلحات المحدثين ! قلتُ : نعمْ ، الأمرُ كذلك ، ولكني أرى أن مقدار ما في تلك الكتب - أو في أكثرها - من شرح لمصطلحات المحدثين وألفاظهم التي تعارفوا على معانٍ مخصوصةٍ لها بينََهم : لن يكونَ اليومَ كافياً لمن أحبَّ أن يبتدئ طلبَ هذا العلمِ العظيمِ ويدخلَ فيه ، ولا مُقنعاً لمن رامَ تحقيقَه والوقوفَ على خوافيه .
أما المبتدئُ فإنَّ تلكَ الشروحَ والتعريفاتِ لنْ يسهلَ عليه وقوفُه على جميعِها ، بسببِ تفرقِها بينَ عشَراتِ الكتبِ .
ثم إنه لو وَقف على جميع - أو معظم - ما في تلك الكتب من شروح ، فإنها لن تكونَ وافيةً في حقه ، ولا كافية له ، وذلك بسببِ إهمالِها بيانَ جانبٍ كبيرٍ مما يحتاجُ بيانَه المعاصرونَ ، دون المتقدمين ، فقد كان ذلك البيانُ عندهم مستغنىً عنه ، بأمرينِ أولهما : ما معهم من استقامة السليقةِ وصحة البداهةِ وقوةِ الفطانة وشدة المعرفةِ بالعربيةِ وأساليبِها ؛ وثانيهما : كثرة تداول وانتشار تلك المصطلحات بين طلبة العلوم الشرعية في تلك الأزمنة التي كانت تحفل بالعلوم على تباين أنواعها وغاياتها .
هذا فضلاً عن أن أكثرَ تلكَ التعريفاتِ كانت قد كُتبت بطريقةٍ لا تناسبُ طريقةَ أهلِ عصرِنا هذا ، في التعلمِ ، مناسبةً كافيةً ، حتى صار أكثرُها صعباً عليهم ، غريباً عن أفهامهم .
وفوقَ كلِّ ما تقدَّمَ ، فإنَّ أكثرَ مَنْ شرَحَ مصطلحاتِ المحدثينَ إنما هم المتأخرون ، وأكثرُ هؤلاءِ المتأخرينَ كانوا قد تأثروا تأثراً قليلاً أو كثيراً بمناهج مخالفةٍ لمنهجِ المحدثينَ ، كمناهج الفقهاءِ ، أعني فقهاءَ الرأيِ ، والمناطقةِ ، وأهلِ الكلامِ المذمومِ ، ولذلك كان شرحُ المتأخرين لمصطلحاتِ المحدثينَ منحرفاً عن الجادَّةِ ، في كثيرٍ من الأحيان .(1/90)
ولهذا كلِّه كان المبتدئ في تعلم هذا العلم الشريفِ لا يجدُ في أكثرِ كتبِ المصطلحِ ما يرفعُ عنه في ابتداء تعلمِه وحشتَه ، أو يسدُّ له في أثنائه حاجتَه ؛ وليس ذلك بغريب ؛ فلقد جاء ذلك الطالبُ المبتدئ إلى هذا العلمِ العظيمِ القديمِ وهو غريبٌ عنه ، بعيدٌ منه ، ما عرف أبوابَه وتقسيماتِه ، ولا أَلِفَ ألفاظَه ولا مصطلحاتِه ، ولا مارس طرائقَ أربابِه ولا تكررتْ عليه أساليبُ أصحابِه ؛ وزدْ على ذلك ما ورِثه عن أهلِ هذا العصر ، من ركاكةٍ في اللغةِ ، وبعدٍ عن رُتبِ الفصاحةِ والبلاغةِ والإيجازِ ونحو ذلك من خصائص القدماء الحافلة بمتانة البيان وبلاغة القول والجارية على طريقة الاختصار وطيِّ الألفاظ في أكثر مقاماتهم ، وذلك الميراث لا ريبَ أضْعفَ منه - أعني من ذلك الطالب المبتدئ - آلةَ الفهم وأمرضَها.
فكيف إذا اجتمع إلى ذلك كلِّه أن لا يُوفَّقَ الطالبُ المشار إليه إلى ملازمةٍ أو مصاحبةٍ لمدرس عارفٍ بالفنِّ ، يأخذ عنه البيانَ والتوجيه ، ويستدله إلى مسالك الرشاد والسداد ، ويستصرخه عند كل مضيق يلج فيه ؛ ومعلوم أنه ليس كلُّ أحد يتهيأ له من يعلمه أصول هذا الفنِّ ومصطلحاتِه ، ويشرحُ له غوامضَه ويَحلُّ له مشكلاتِه ، ويكثر هذا في كثير من ديار المسلمين في هذه الأعصر وأعصرٍ سبقتها .
هذا ما يتعلق بالمبتدئين من طلبة علم الحديث .
وأما الذين هم فوقَ هؤلاءِ ، وهم طالبو التبحرِ والتحرير وقاصدو التحقيقِ والتدقيقِ ، فإنَّ كثيراً منهم لم يزالوا أولي حاجةٍ إلى من يقرّبُ لهم تفاصيلَ هذه التعريفاتِ ، ويجمع لهم شتاتَها ، ويفسرُ لهم مشكلاتِها ، ويلتقط لهم من تحقيقاتِ أهلِ العلمِ في هذه المسائلِ أصحَّها وأرجحَها وأنفعَها وأجمعَها ، ويستصفي لهم من بطون الكتب زبدتَها ويكفيهم مؤنتَها ، ويطوي لهم الطريق ، ويُسعفهم في مواطن الضيق ، ويأخذ بإيديهم إلى جادّة التمحيص والتلخيص ، ويشير لهم إلى مظانّ الجمع والتفريق .(1/91)
ولا يخفى على عارفٍ بهذا الفنِّ أنَّ أكثرَ كتبِ المصطلحِ المتداولة في هذه الأعصر ، لا تقدّمُ لطلّابهِ هذه المطالبَ المذكورة ، ولا أكثرَها ؛ أستثني من ذلك ما ظهر مؤخراً من بعض الدراسات الجادة الأصيلة النافعة ، وعسى الله أن يجعلَ فيها خيراً كثيراً .
إن هذا البيان الذي أسلفتُه لهو برهان على أن من أهم وأولى المطالب العصرية في حياة طلبة العلم الشرعي اليوم : شرحُ اصطلاحاتِ أهل هذا الفن الخطير على وجه التحقيق والتفصيل والتدقيق والتحليلِ، وتبيينُ حقائقِها عندَهم ، وإظهارُ فوارقِها بينَهم، وكشفُ عباراتِهم فيها وإشاراتِهم بها ، واستنباطُ تعلقات مصطلحاتهم بمناهجهم ومسالكهم ، والتنبيهُ على كل - أو معظم - ما وقع لهم في ذلك من التفرد والشذوذ والتنوع والتباين والخلاف ، ونحو ذلك من أنواع التبحر في دراسة مصطلحات المحدثين.
ومن هنا نشأت رغبتي في أن أشارك إخوتي من الباحثين وطلبة علم الحديث فيما كتبوه في هذا العصر في هذا الباب من كتب وبحوث ومقالات علمية ، لتحقيق معاني مصطلحات المحدثين وتقريبها إلى طلاب علمها ؛ وإني لأرجو أن يتقبل الله مني هذا الكتاب بقبول حسن وأن ينفع به كثيراً ، وأن يكون خطوة واسعة في هذا الدرب البعيد ؛ وفكرةً نافعة في هذا الدرس الجديد أو شبهِ الجديد.
فإن قيل : لقد قال الشيخ عبد الله بن يوسف الجديع في (تحرير علوم الحديث) (1/567-568) في أول مبحث عقده لتفسير طائفة من عبارات الجرح والتعديل : (هذا المبحث معقود لبيان دلالات الألفاظ التي ورد عن السلف من أئمة هذا الشأن بيانُ معانيها ، أو كانت كثيرة الاستعمال شائعةً ، يجدر التنبيه على بعض ما يتصل بها مما تكون له فائدةٌ لكشف أثر استعمالها .(1/92)
ولم أقصد إلى حصر ألفاظ الجرح والتعديل ، فهذا مما لا يتحمله هذا المقام ، ولم أر تتبع ذلك استقصاء مما له كبير فائدة ، وذلك أن منها ما يندر استعماله ، بل فيها ما لم يُستعمل إلا في الراوي الواحد ، ومنها الشائع المنتشر ، وهذا غالبه بَيِّن في دلالته اللغوية ، فالأصل أن تلك الألفاظ موضوعة على دلالاتها في كلام العرب ، ومنها ما يعرف بالمقايسة بما أذكر .
فإن كانت للفظ دلالة خاصة ، فالطريق إلى العلم بها أحد أمور ثلاثة :
الأول : بيانُ مستعمِلها أنه يعني بها كذا .
والثاني : دلالة قرينة في السياق على إرادة معنى معين .
والثالث : إفادة التتبع لاستعمالات الناقد لتلك اللفظة) . انتهى.
وقال في الهامش تعليقاً على قوله (ولم أقصد إلى حصر ألفاظ الجرح والتعديل) :
(ولسْتُ أرى ابتداع أمْرٍ كهذا أن يكون على سبيل الاستقصاءِ إلا مما يثْقُلُ به هذا العلمُ ، فإنَّ المتعرضَ له الناظرَ في مصطلحات أهْله المشتغل به ، المدمن للنظر في تراجم النقلة ، لا يحتاج إلى أن يُتكلف له تتبع مثل ذلك ، وهُو أمْرٌ لم يفعله المتقدمون ، إنما شرحوا من تلك العبارات ما يُشكل وما يكثُر ، وقد رأيت كتاباً حافلاً لشيخ فاضل جمع فيه تلك الألفاظ كالمستقصي ، لكني استثْقلته للمبتدئ ، واستبْعدتُ فائدته للمتخصص).
أقول : هذا الكلام فيه نظر من وجوه :
الأول : أن الناس - عند المحاققة - ليسوا منقسمين بالنسبة إلى علم الحديث إلى قسمين فقط : مبتدئ ومتخصص ؛ وإنما يوجد منهم بين هاتين المرتبتين من المراتب المتفاوتة ما لا يعلمه إلا الله؛ وأما تقسيمهم إلى مبتدئ ومتخصص أو مجتهد ومقتصد ، فذلك تقسيم إجمالي تقريبي قد يكون سائغاً مقبولاً في بعض المقامات ، مع أنه مرفوض في مقامات أُخَر، منها هذا المقام الذي نحن بصدد بيانه.(1/93)
الثاني : أن السلف بينوا لأهل عصرهم ما يحتاجونه ، فعلينا أن نتابعهم في هذا المسلك فنبين لأهل عصرنا ما يحتاجونه، وهؤلاء ، أهل عصرنا ، يكادون يحتاجون - أي في علم الحديث - إلى بيان كل شيء راجع إلى هذا العلم أو متعلق بهم ، وذلك لغرابة هذا العلم بين الناس وبُعد عهدهم به ، وشدة انحرافهم في الجملة عنه ؛ فأما إذا بينّا لهم ما بيَّنه السلف فقط مقتصرين عليه ، فحينئذ يصح أن يقال لنا : إنكم لم تصنعوا شيئاً .
الثالث : لا تخفى شدة حاجة الناس اليوم إلى مزيد من البيان والتقريب والتسهيل للعلوم الشرعية، وبالطريقة الأنسب لهم ، والأقرب إليهم؛ فضِيقُ الوقت وضعفُ الهمة وقلةُ العلم بلغة العرب والبعدُ عن أذواق المتقدمين ومعارفهم ومداركهم، وعدمُ معرفةِ عاداتهم ومناهجهم؛ كلُّ ذلك أدى إلى تزايد الحاجات إلى توضيح أمور كثيرة جداً كانت عند السلف من الواضحات الجليات؛ والله المستعان.
الرابع : لقد ذكر العلماء الحاجة إلى تصنيف يضم ألفاظ الجرح والتعديل أو سائر مصطلحات الحديث، أو طائفة منها؛ ومن ذلك ما يلي من كلماتهم .
قال الذهبي في (الموقظة) (ص82) : (والكلام في الرواة محتاج إلى ورع تام وبراءة من الهوى والميل وخبرة كاملة بالحديث وعلله ورجاله ؛ ثم نحن نفتقر إلى تحرير عبارات التعديل والجرح وما بيْنَ ذلك مِنْ عُرف ذلك الإمام الجهبذ واصطلاحه ومقاصده بعباراته الكثيرة) .
وقال ابن كثير في (اختصار علوم الحديث) (ص105) : (وبينهما [أي أرفع عبارات التعديل وأسوأ عبارات التجريح] أمور كثيرة يَعْسُر ضبْطُها ---- وثَمَّ اصطلاحات لأشخاص [أي مختصة بهم] ينبغي التوقيف عليها) .
وقال ابن حجر في (نزهة النظر) (ص111) : (ومن المهم أيضاً معرفة أحوالهم تعديلاً وتجريحاً وجهالةً ---- ؛ ومن أهم ذلك بعد الاطلاع معرفة مراتب الجرح والتعديل لأنهم قد يجرحون الشخص بما لا يستلزم رد حديثه كله) .(1/94)
يريد أن التضعيف على درجات فبعضه يستلزم رد حديث الراوي كله ، وبعضه لا يستلزم ذلك ، بل يقبل من حديثه ما تابعه عليه من كان مثلَه أو قريباً منه في حاله في الرواية ؛ وهو يشير بذلك إلى وجوب التفريق الدقيق بين معاني عباراتهم المتقاربة أو المتشابهة.
وقال السخاوي في (فتح المغيث) (2/109) وأشار إلى أن العراقي لم يقصد عند ذكره ألفاظ الجرح والتعديل في (ألفيته) إلى استقصاءها : (يعني من دون استقصاء ، وإلا فمن نظر في كتب الرجال ككتاب ابن أبي حاتم المذكور والكامل لابن عدي والتهذيب وغيرها ظفر بألفاظ كثيرة ؛ ولو اعتنى بارع بتتبعها ووضع كل لفظة بالمرتبة المشابهة لها ، مع شرح معانيها لغة واصطلاحاً ، لكان حسناً ؛ وقد كان شيخنا [يعني ابن حجر] يلهج بذكر ذلك فما تيسر ؛ والواقف على عبارات القوم يفهم مقاصدهم ، لما عُرف من عباراتهم في غالب الأحوال ، وبقرائن تُرشِدُ إلى ذلك) .
وقال العلامة المعلمي في (التنكيل) (ص257-258) في أثناء بيانه للأمور التي ينبغي أن يراعيها من أراد أن يعرف أحوال الرواة : (ليبحث عن رأي كل إمام من أئمة الجرح والتعديل واصطلاحه مستعيناً على ذلك بتتبع كلامه في الرواة واختلاف الرواية عنه في بعضهم مع مقارنة كلامه بكلام غيره ----) .(1/95)
وقال المعلمي أيضاً في مقدمته لكتاب (الفوائد المجموعة) (ص9) : (صيغ الجرح والتعديل كثيراً ما تطلق على معانٍ مغايرةِ لمعانيها المقررة في كتب المصطلح . ومعرفة ذلك تتوقف على طول الممارسة واستقصاء النظر)(1) .
وقال مؤلفا (تحرير التقريب) الشيخ شعيب الأرنؤوط والدكتور بشار عواد معروف الأعظمي (1/43-44) عقب شيء ذكراه : (وهذا يدل من غير شك أن أهل العلم لم يتفقوا على تعابير بعينها في تلك الأعصر ، مما يتعين [أي بسببه] دراسة ألفاظ كل عالم منهم على حدة وتحديد مراده من ألفاظه ؛ وكثير من هذه الألفاظ هي ألفاظ وصفية لا اصطلاحية) . قلت : هذه الجملة الأخيرة تنبيه جيد صحيح .
(2)
شروط الكتاب في موضوعه وفي مادته
لقد جمعتُ في هذا المعجمِ - كما سترى بإذن الله - أكثرَ مصطلحات المحدثين ، وحاولت أن أقارب الاستيعاب ما استطعت، وأن أستوفيَ منها ما تشتد الحاجةُ إلى معرفته ، وبينتُ معانيَها عندَهم ، بطريقة سهلة مختصرة تارةً ومبسوطةً تارةً أخرى.
وكنت فيما كتبتُه من تعريفات وتعليقات متثبّتاً حريصاً على التحقيق ، وتحرير العبارة، وتوضيح الإشارة ، مهما تيسر لي ذلك.
ولقد أدخلتُ في هذا المعجم - من باب الإلحاق والتوسع والتجوز - كثيراً من عبارات المحدِّثين التي لا تدخل في جملة مصطلحاتهم ، وإنما ذكرتها لأشرح معانيها إذا كانت مشكلة أو مبهمة ، أو لأنبه على فوائدها إذا كان استنباط تلك الفوائد مما قد يخفى على كثير من طلبة هذا الفن .
__________
(1) وكما دعا المعلمي إلى إعادة النظر في معاني اصطلاحات المتقدمين عند المتأخرين ، دعا إلى مثل ذلك في القواعد فقال في الموضع المذكور : (القواعد المقررة في مصطلح الحديث منها ما يذكر فيه خلاف ولا يحقق الحق فيها تحقيقاً واضحاً ، وكثيراً ما يختلف الترجيح باختلاف العوارض التي تختلف في الجزئيات كثيراً ؛ وإدراك الحق في ذلك يحتاج إلى ممارسة طويلة لكتب الحديث والرجال والعلل مع حسن الفهم وصلاح النية) .(1/96)
وأدرجت في هذا الكتاب أيضاً أكثر مصطلحات المخطوطات العربية ، أي مصطلحات النسّاخ والكتّاب ، وأكثر مصطلحات المحققين والطابعين لكتب الحديث خاصة ولغيرها عامة ، وأكثر مصطلحات الحديثيين العصرية ورموزهم ، وإن كان كثيرٌ منهم لا يتأهل أن يُعدّ في جملة المحدثين ، فإنني إنما راعيت في اختيار عنوان هذا المعجم الأصل والأغلب والأهم ، وهم المحدثون ، والمحدثون في عرف المتأخرين إنما هم صنفان من الناس : علماء الحديث ، ورواته المكثرون من روايته .
لقد كان شرطي الأول في هذا (المعجم) من حيث مضمونُه هو - كما يُرشد إليه عنوانه - أن أقتصرَ فيه على توضيح معاني مصطلحاتِ المحدثين وما جرى مجراها من غامض عباراتهم العلمية ، وغريب كلماتهم النقدية، ولطيف إشاراتهم الذكية، ولكنني رأيت أن ألحق بذلك الشرح في مواضع كثيرة من الكتاب فوائدَ وتنبيهاتٍ متعلقةً بمعاني تلك المصطلحاتِ ، أو متممةً لفهمها على أصح وجوهها وأقربِها إلى مرادِ أهلِها ، وأيضاً استطردتُ فذكرتُ في مناسبات غير قليلة جملة من القواعد والضوابط وغيرها من المسائل التي لا تدخل في باب شرح المصطلحات، ولكنها تناسبها كثيراً وتتعلق بها تعلقاً متيناً .
إن كثيراً من الألفاظ والعبارات التي ترجمت لها في هذا المعجم هي إلى أسماء مسائل وأبواب موضوعات علم الحديث أقرب منها إلى مصطلحات المحدثين ؛ ولكنني رأيت أن أذكرها محتجاً لجواز ذلك - أو متذرعاً إليه - بأمرين :
أولهما : أنه من باب ذكر الشيء لأدنى ملابسة ، كما يقولون ، ولأن عامة هذه المصطلحات والألفاظ المترجَمة هنا : بعضُها من بعض ، فلا يتيسر فهم ركن - أو شطرٍ - منها ، مثلاً ، بغياب فهم معاني بقيتها .(1/97)
وثانيهما : أني أردت أن يكون هذا المعجم شاملاً ميسراً ، وأن يكون فيه قدر طيب من خصائص الكتب المؤلفة على طريقة الشمول والاستيعاب ، والمسماة خطأً باسم (الموسوعات العلمية) ؛ وقد راعيتُ فيه - أو حاولت ذلك - كلَّ مراتب من لعلهم يقفون عليه ويطالعونه ؛ ولذلك لم أضقْ ذرعاً بما وقع عندي في تراجم الكتاب من تشابه وشبه تكرير ، إذا لم أجد عن ذلك بديلاً أنزل به إلى رتبة التقريب والتيسير ؛ وكذلك لم أملَّ مما وقع في كثير من المواضع من إسهاب أو شبه خروج عن أصل المسألة المشروحة ، فالتوسع النافع والتسهيل الكافي والبيان الوافي وجمع الفوائد هي مقصداي الأول والأخير .
ثم إني لم أزل - بحمد الله - أتوسع فيما أكتبه وأستزيد مكتبتي وأتصبر على طول البحث والتنقيب ، حتى كاد هذا الكتاب أن يكون واحداً من كتب علوم الحديث(1) الشاملة ، وحتى كاد أن يكون كتاباً للقواعد والأصول مع كونه كتاباً للمصطلحات والتعابير التي يَحسُنُ شرحُها أو - في الأقل - جمعُها في كتاب واحد ، وإن لم يأتِ الشرح الوافي على جميعها .
من نظر في هذا المعجم وجد الكتاب مطوَّلاً ، ووجد أنني شرحت فيه كثيراً من الواضحات ، وأدرجت فيه - كما تقدم ذكره - كثيراً مما لا يدخل في جوهر مادته الأولى - وهي مصطلحات المحدثين وما يتعلق بها - دخولاً واضحاً ؛ ولكني عن عمْدٍ اخترت هذا المهيع ، وهذه أعذاري في ذلك :
أولاً : أردت الكتاب أن يكون مستوعِباً جامعاً ، قدر المكنة والطاقة ؛ ولهذا ذكرتُ كلَّ ما خطر ببالي أثناء تأليفي الكتاب - وقيَّدتُه - من مصطلحات المحدثين ونحوها ، وأما ما كان يخطر بالبال من ذلك ويفوتني تقييده فليس بقليل والله المستعان .
__________
(1) المسماة في عرف المتأخرين بكتب المصطلح .(1/98)
وهكذا دخل في معجمي هذا في جملة ما دخل فيه كثيرٌ من الواضحات من الألفاظ والمصطلحات ، وعذري في ذلك ما ذكرته هنا ، وهو إرادة الاستيعاب ، مشفوعاً بعذر ثانٍ لعله يقارب الأول في قوته ، وهو نظير ذلك المعنى الذي أشار إليه المؤرخ الأديب صلاح الدين الصفدي ، إذ قال في مقدمة كتابه الوافي (الوافي بالوفيات) (1/6-7) عقب شيءٍ ذكرَه : (على أنه قد يجيء في خلال ذلك مَن لا يُضطر إلى ذكْرِه، ويبدو هجرُ شوكه بين وصال زهره ؛ قال الخليل بن أحمد رحمه الله تعالى : لا يصل أحدٌ من النحو إلى ما يحتاج إليه إلا بعد معرفة ما لا يحتاج إليه ؛ قلت : فقد صار ما لا يحتاج إليه محتاجاً إليه ، لأن المتوقف وجوده على وجود شيء آخر متوقف على وجود ذلك الشيء(1) ، وهكذا كل علم لا يبلغ الإنسان إتقانه إلا بعد تحصيل ما لم يفتقر إليه)(2) .
ثانياً : أردت أن أشرح كثيراً من المسائل والعبارات العصرية الشائعة أو المتداولة بين طلاب الحديث ، أو غيرهم من طلبة العلوم الشرعية ، وإن كان في كثير من هذه الاصطلاحات لحن أو شبه لحن أو ركاكة أو برودة ، فشرحت مثلاً معنى (دكتور) و(موسوعة) و(مخطوطة) و(مجلد) و(جزء) و(أستاذ) و(تحقيق) و(طباعة) ، إما لأبين معاني هذه الكلمات ، أو تاريخها ، أو خطأ استعمالها ، أو بعض الفوائد المتعلقة بها ، ولو لم يكن من فائدة ذلك إلا جمعها في معجم واحد لكفى به فائدةً .
__________
(1) هكذا وردت هذه العبارة ، فتدبرها .
(2) وتتمة كلامه : (فقد أذكر في كتابي هذا من لا له مزية، وجُعلت اصبع القلم من ذكره تحت رزّة رزيّة، غير أن له مجرد رواية عن المعارف متفردة، ولم تكن له دراية حمايمها على غصون النقل مغردة .
والأيك مشتبهاتٌ في منابتها**وإنما يقع التفضيل في الثمر
ولكن أدرت النفع به للمحدث والأديب، والرغبة فيه للبيب والأريب) .(1/99)
ثالثاً : رأيت أن أتوسع في مضمون الكتاب من جهة اللغة ، كثيراً ، فذكرت طرفاً من المعاني والمسائل الراجعة إلى اللغة قبل رجوعها إلى المصطلحات الخاصة ؛ ولو اتسع وقتي لتوسعت في ذلك أكثر وأكثر وما أراني إلا معذوراً فيما ذكرتُه وفيما حاولته ، لأني أردت بذلك أن أضرب أمثلة كثيرة على شدة ما بنا من حاجة إلى التزود من مَعين لغتنا العربية ، لغة القرآن الكريم والسنة المطهرة ولغة علمائهما ، وأن أنبه بكثير من هذه المسائل التي تطرقتُ إليها في الكتاب على شدة تقصيرنا في حق لغتنا هذه ، تلك اللغة العالية الرفيعة الكريمة العظيمة العجيبة ، والتي أصبحت اليوم غريبة ، بل مهجورة ، أو شبه مهجورة ، وأن أبرهن بمجموع ما ذكرتُه أنَّ كثيراً من عرب هذا العصر أكرمهم الله وأعزهم وثبتهم على الإسلام ، إنما هم من حيثُ جهلُهم باللغة : أقربُ إلى صفة الأعاجم منهم إلى خصائص العرب ! وهذا أمر يشتد له أسى العقلاء من هذه الأمة .
إنني على يقين تام من أن حاجتنا اليوم إلى معرفة لغة المحدثين العامة ممن كان في أزمنة الفصاحة والصفاء وما تلاها من الأزمنة أكثر بكثير من حاجتنا إلى معرفة مصطلحات المحدثين ، أو لغتهم الخاصة ، إن جاز أن نسميها كذلك ، ثم إنني على يقين أيضاً من أنَّ تعلم هذه المصطلحات الخاصة لا يؤتي عندنا - أهل هذا العصر - ثماره المرجوة إذا مازجه منا جهل كبير بلغة المحدثين العامة أي الكبرى ، أعني لغة أمتهم وأمتنا أمة الإسلام .(1/100)
المشكلة ليست مشكلة الجهل بمعاني عشرات من مصطلحات المحدثين ، تلك المصطلحات التي عرفها المتأخرون بتعاريف يمكن أن يتحفظها بعضُ الأذكياء فيحفظها في يوم أو بعض يوم ، أو أيام معدودات ؛ نعم ليست هذه مشكلتنا - أهل هذه الأعصر المتأخرة زماناً ورتبةً علمية - ولكن المشكلة مشكلة عجمة تكاد تطبق الآفاق أو جهل كبير بلغةٍ حِفظُها ركنٌ من أركان حفظ الدين والجهل بها مانع من التفقه فيه ومن فقه مقاصد المتقدمين من علمائه ، ومِن فهم اصطلاحاتهم وأكثر عباراتهم .
ما أكثر الكلمات الصحيحة الفصيحة التي ظنها المحقق! لمخطوطة الكتاب الذي يحققه! تصحيفاً ، فمسخها وزوّرها بحسب فهمه السقيم وذوقه غير السليم ، فأفسد من حيث يريد الإصلاح ، وأبعد من حيث يريد التقريب ؛ وما أكثر العبارات البليغة التي حسبها المحقق! مختلة أو حسب أن فيها سقطاً فراح يتخبط ويغير كما يحلو له ، وما علم أنه عابث في صورةِ صائن ، وماسخٌ في ثوبِ ناسخ ؛ وهذه شكوى تطول وأمور تثير البلابل والهموم ؛ والله المستعان ؛ ولكن المراد هو التنبيه على أن هؤلاء المحققين إنما أُتوا قَبل كل شيء مِن جَهْلهم باللغة ونقصِ حظهم منها .
رابعاً : أردت أن أفتح باب هذا التأليف لأكثر ما تيسر ذكره من عبارات الأئمة وسائر علماء الحديث من العصور السابقة لأعصر العجمة والركاكة ، لأن أكثرَنا بعيدون عن أكثر تعابيرهم ، غافلون عن معاني أساليبهم ، غير فاهمين لدقائق تراكيبهم ؛ وأقول نحو ما قال الشيخ الفاضل إبراهيم بن عبدالله اللاحم حفظه الله ، في خطبة كتابه (الجرح والتعديل) (ص10-11) إذ قال معتذراً عما قد يكون في كتابه من تطويل : (نعم ، قد يكون في إكثاري من سرد نصوص النقاد شيء من التطويل ، وكان بالإمكان الاكتفاء ببعضها ، مع أنني قد فعلتُ ذلك ، كما سيلاحظه القارئ في كثرة الإحالة إلى نصوص لم أذكرْها ، لكن ما ذكرتُه قد يكون فيه شيء من التطويل ، فلا مناص من التسليم بهذا .(1/101)
ولي غرضٌ أيضاً من الإكثار من سرد النصوص ، غرض خفي أرجو أن يوليه القارئ اهتمامه ، ذلك أن من متطلبات الباحث الجيد في (نقد السنة) أن يعيش في عصر الأئمة ، عصر النقد ، يعيش فيه بروحه وفكره ، فكأنه يعيش معهم ، ولا سبيل إلى ذلك إلا بالإكثار من قراءة نصوصهم والتشبع بها ، ولهذا فقد سرتُ في بعض الموضوعات على الاكتفاء بالعرض التاريخي لها ، دون استنتاج قواعد يطبقها الباحث ، فالغرض إذن وضع الباحث في صورة تقريبية لما يحدث في عصر النقد .
ولهذا السبب أيضاً سرتُ في نقل النصوص على مبدأ شمول النقل في القضية الواحدة لكافة طبقات النقاد في عصر النقد ، ما أمكنني ذلك ، مرتباً لهذه النصوص حسب زمن قائليها في الغالب ) . انتهى .
خامساً : وضعت بين يدي ذلك فصلاً كبيراً فيه معظم الأصول والضوابط الصحيحة لوضع المصطلحات وفهم معانيها وشرحها ، وتلك مقدمة تمس الحاجة إليها في مثل هذا الكتاب ، وهي موضحة في الجملة لمنهجي فيه .
سادساً : إن التطويل ليس مذموماً لذاته ، ولا الاختصار محموداً لأنه اختصار ، ولكن التطويل إنما قد يُذم لما قد يقع فيه من تكرارٍ ، أو ضَعفِ تحريرٍ ، أو قلةِ نفعٍ ، أو تعقيدٍ وصعوبة فهمٍ ، أو حشوٍ زائد ، أو خروجٍ غير مسوَّغ ، عن الموضوع ، أو صعوبةِ حفظٍ ، أو مشقةٍ في نسخ الكتاب ، أو في حمله في الأسفار ، أو عجزٍ عن شرائه .
ولعل أكثر هذه المعاني منتفية في مثل عصرنا هذا .
إذن ، عُلم مما تقدم بيانُه شرطُ هذا الكتاب في مادته ووضعه ، يضاف إلى ذلك أنني بعد أن أتممتُ الكتاب بتوفيق الله تعالى أكملتُه أو ذيّلتُه بثمانية فهارس :
الأول : فهرس عام لما شرحتُه أو عرَّفته في الكتاب وخصصته بترجمة أي عنوان ، من المصطلحات والألفاظ والعبارات والتراكيب .
الثاني : فهرس ألفاظ وعبارات الجرح والتعديل .
الثالث : فهرس النادر من ألفاظ وعبارات وأساليب الجرح والتعديل .
الرابع : فهرس مصطلحات الرواية .(1/102)
الخامس : فهرس مصطلحات التخريج .
السادس : فهرس أذكر فيه من المصطلحات والعبارات ما كان شاذّاً ، أو غامض المعنى ، أو يحتمل أن يخفى معناه الصحيح على كثير من الحديثيين ، أو يختلف كثيراً في معناه العلماء والدارسون ، أو بينه بعض كبار العلماء أو بعض المحققين من الباحثين ، وهو يُشبه أن يكون فهرساً لفوائد متعلقة باصطلاحات المحدثين .
السابع : فهرس فيه مصطلحات النسخ والتصحيح ، ومصطلحات الطباعة والتحقيق ، وما يلتحق بها ويقاربها.
الثامن : فهرس لموارد الكتاب ، أعني الكتب التي نقلت منها أو عنها شيئاً ما قليلاً كان أو كثيراً .
ولولا عجلة اضطُررتُ إليها لأضفت إلى هذه الفهارس فهرساً للفوائد العلمية ونحوها ، وفهرساً للتعقبات النافعة ، وفهرساً للأعلام ، وفهرساً للآيات ، وفهرساً للأحاديث ، وفهرساً للآثار ، ليقرب بذلك نفع الكتاب ويتيسر الرجوع إلى كل معنى مراد في مظنته منه .
(3)
مصادر الكتاب وطريقتي في النقل منها
إن عمدتي في جمع هذه التعريفات ومصادري فيها هي كتب ومقالات وحواشٍ كثيرة للمتقدمين والمتوسطين والمتأخرين والمعاصرين ، ولكني أكثرت - فيما اخترتُه أو رجحتُه - من الاعتماد على كلام أئمة الحديث وعلماء العلل والمعاصرين من الباحثين المتقنين دون غيرهم .
ثم إني آثرت فيما أنقله عن غيري من المتقدمين أو المتأخرين أو المعاصرين أن أنقله بنصه معزوّاً إلى صاحبه ، مع بيان موضعه من أصله الذي اقتبسته منه ، إلا ما ندَّ عني من ذلك ، وأحسب ذلك نادراً جداً .(1/103)
نعم ، ألزمت نفسي عزو الأقوال إلى قائليها ، بحسب الضوابط المعروفة عند أهل العلم في هذه القضية قضيةِ النقل عن الآخرين وحكاية أقوالهم، ولكن ربما وقع في مواضع نادرة إغفال العزو ، لأمور منها أن يخفى عني المصدر الذي كنتُ نقلتُ منه وقت تسويد الكتاب ، ومنها أن يكون الكلام شائعاً بين العلماء والطلاب، ومنها أن يكون الكلام الذي أكتبه هو مما وفقني الله إلى اختياره أو استنباطه قبل وقوفي عليه في ذلك المصدر ؛ وربما قصّرت - لأسباب اضطرتني إلى ذلك - فعزوت الكلام إلى أصله بواسطة فرعية ، أو عزوته إلى مورد وهو في مورد أعلى منه ، وذلك قليلٌ أيضاً .
ولقد حرصت أيضاً في تأليفي لهذا الكتاب على أن أنظر بعين الاعتبار - ما استطعتُ - في كلام كل مشارك في شرح اصطلاحات المحدثين ، صغيراً كان ذلك المتكلم أو كبيراً ، وخاملاً كان أو شهيراً ، ثم لم يمنعني أن أذكر في الكتاب - مع العزو - ما وقفت عليه من فوائد تأخُّرُ قائلها أو صِغَرُه ، كما لم يمنعني من تعقب ما عثرتُ عليه من أوهامٍ تقدُّمُ صاحبِها أو جلالتُهُ ، فالعلم يعرف بدلائله لا بقائله .
ولكني تجنبت - لأكثر من سببٍ - التصريحََ بأسماء من انتقدتُ كلماتِهم وآراءَهم ، إلا في مواضعَ ندرتْ ومناسباتٍ شذتْ ، ولعل لي في أكثر ذلك - إن شاء الله - عذراً مشروعاً .
تنبيهان :
الأول : كل ما أضعه بين حاصرتين مربعتين فالأصل فيه أنه زيادة مني، يقتضيها السياقُ، أو يقتضيها توضيحُ المعنى، أو تكميله أو تصحيحه، أو تصحيح الألفاظ والتراكيب.
الثاني : النقاط المتتابعة (...) معناها حذف أو اختصار واقع في الأصل المنقول عنه ؛ وأما الخط المقطع (----) فمعناه أني أنا اختصرت الكلام .(1/104)
(4)
ذكر بعض كتب الباب أو الموضوع
ذكر الدكتور خلدون الأحدب في كتابه (التصنيف في السنة النبوية وعلومها من بداية المنتصف الثاني للقرن الرابع عشر الهجري وإلى نهاية الربع الأول من القرن الخامس عشر الهجري 1351-1425هـ) معاجيم المصطلحات الحديثية فقال :
1- معجم المصطلحات الحديثية.
نور الدين عتر.
مجمع اللغة العربية، دمشق، (1397هـ)، (127) ص.
وقد ترجمه وصاغه بالفرنسية : عبداللطيف الصباغ، وداود عبدالله كريل.
2- معجم مصطلحات توثيق الحديث.
علي زوين.
عالم الكتب، مكتبة النهضه العربية - بيروت - ، ط1 ، (1407هـ)، (96) ص.
3- قاموس(1) مصطلحات الحديث النبوي.
محمد صديق المنشاوي.
دار الفضيلة، القاهرة ط1، (1416هـ)، (144) ص.
4- معجم مصطلحات الحديث.
سليمان مسلَّم حرش، وحسين إسماعيل الجمل.
مكتبة العبيكان، الرياض - السعودية - ، ط1، (1417هـ)، (171) ص.
5- معجم مصطلحات الحديث ولطائف الأسانيد.
محمد ضياء الرحمن الأعظمي .
أضواء السلف، الرياض ـ السعودية ـ، ط1، (1420هـ)، (563) ص .
6- معجم علوم الحديث النبوي .
عبد الرحمن الخميسي .
دار الأندلس الخضراء، جُدَّة - السعودية -، ط1، (1421هـ)، (284) ص .
7- معجم مصطلح الحديث النبوي .
إعداد : لجنة علوم الشريعة في مجمع اللغة العربية .
مجمع اللغة العربية، القاهرة، (1423هـ)، (88) ص .
8- معجم اصطلاحات الأحاديث النبوية .
عبد المنان الراسخ .
دار ابن حزم، بيروت، ط1، (1425هـ)، (182) ص .
9- المصطلحات الحديثية .
أحمد يوسف سليمان .
المعهد الدولي للبنواك والاقتصاد الإسلامي، القاهرة، دون تاريخ، (71) ص .
انتهى كلام الدكتور خلدون الأحدب .
__________
(1) استعمال لفظة (قاموس) بمعنى (معجم) إستعمال غير صحيح ؛ وهو من الأخطاء الشائعة بين الناس في هذا العصر، وأصل هذا الوهم سوء فهم لمعنى (القاموس المحيط) الذي هو اسم أحد المعاجيم اللغوية الشهيرة ، وهو معجم الفيروزابادي.(1/105)
وهذه كتب أخرى في هذا الباب ، أعني باب شرح مصطلحات المحدثين ، ذكرها الدكتور خلدون أيضاً (1/189-190) :
9- شرح ألفاظ التجريح النادرة أو قليلة الاستعمال.
سعدي الهاشمي .
طبع الجزء الأول في المطبعة السلفية في القاهرة في (143) ص، من دون تاريخ.
وطبع الجزء الثاني في مطابع الصفا في مكة المكرمه، وتاريخ مقدمته : (1408هـ)، في (346) ص.
10- الشرح والتعليل لألفاظ الجرح والتعليل.
يوسف محمد صديق.
مكتبة ابن تيمية، الكويت، ط1، (1410 هـ)، (172) ص.
11- شفاء العليل بألفاظ وقواعد الجرح والتعديل.
مصطفى بن اسماعيل.
مكتبة ابن تيمية، القاهرة، ط1، (1411هـ)، (550) ص.
12- قول البخاري (سكتوا عنه)(1).
مسفر بن غرم الله الدميني.
الناشر : خاص، الرياض - السعودية -، ط1، (1412هـ)، (225) ص.
13- الفهرس الحثيث لمن قال فيه البخاري : منكر الحديث.
ويليه بيان أن (التاريخ الصغير) للبخاري المتداول بين الناس هو (التاريخ الأوسط).
عبد العزيز بن محمد السدحان.
الناشر : خاص، مطابع دار طيبة، الرياض - السعودية -، ط1 ، (1412هـ)، (39) ص.
14- ألفاظ وعبارات الجرح والتعديل بين الإفراد والتكرار، والتركيب، ودلالة كل منها على حال الراوي والمروي.
أحمد معبد عبد الكريم.
دار أضواء السلف، الرياض - السعودية -، ط1، (1425هـ)، (427) ص.
15- مصطلحات الجرح والتعديل المتعارضة.
جمال أسطيري.
__________
(1) رأيت الدكتور مسفراً أسمى كتابه هذا (قول البخاري سكتوا عنه ونحوه) ، رأيت ذلك في مقالة له كتبها في "ملتقى أهل الحديث" ، سنة 2005هـ، عنوانها (قول البخاري فيه نظر) .
وأصل تلك المقالة بحثٌ كتبه الدكتور مسفر قديماً، عنوانه (قول البخاري فيه نظر ونحوه).
وذكر الدكتور مسفر في مقالته المذكورة أن ذلك البحث غير مطبوع ، ووصفه بقوله (وقد ضمنت أهم نتائجه في مقدمة كتابي " قول البخاري : سكتوا عنه ونحوه " ---- وهذا البحث كتبته منذ عشرين عاماً تقريباً).(1/106)
أضواء السلف، الرياض - السعودية -، ط1، (1425هـ)، (2) مج، (790) ص.
انتهى .
ومن الكتب التي أظنها تدخل في هذا الباب ، ولو ، في الجملة ، الكتابُ التالي(1) :
16- السراج المنير في ألقاب المحدثين .
سعد فهمي أحمد بلال.
مكتبة التوبة ، الرياض ، ط1 ، (1417هـ) ، (460) ص.
وهناك بعض الكتب المؤلفة في بيان معاني مصطلحات المخطوطات العربية ، وأرى أنه يحسن إدراج هذا الصنف من الكتب في جملة معاجم مصطلحات المحدثين ، ولو على سبيل التوسع أو التجوز القريب ، وذلك لأن المحدثين هم أهل ضبط الكتب وإتقان نَسْخها وإصلاحها ، وهم أهل مقابلتها وتصحيحها ، وهم أهل الأسمعة والطباق ، وهم أهل اصطلاحات المخطوط العربي في جملتها أو في أصلها ، وكل أصحاب العلوم النقلية عيالٌ على المحدثين في طرائق النقل وتوثيق المنقول .
إنَّ هذه المعاجيم - وكذلك معجمنا هذا - لن تُغنيَ أحداً عما في سائر كتب المصطلح من شروح للمصطلحات ، وتقرير لأصول الفن وضوابطه، فإنَّ قصارى أمر هذه المعاجيم ، أن تكون كالمدخل إلى تلك الكتب ، أو كالتقريب لبعض أركانها ، أو كالحاشية عليها ، أو كالاستدراك على بعض جوانبها .
وإنَّ تلك الكتب الأصيلة لا بد لطالب علم الحديث منها ، لما فيها من البسط والتمثيل والنقل ، والمناقشة ، وعزو الأقوال إلى أصحابها وشرح المصطلحات في أبوابها المعنوية ، منسجمةً مع القواعد المرتبطة بها ، وغير ذلك من الخصائص والزوائد والفوائد التي لا يستغني عنها مجتهدٌ من الطلاب ، فضلاً عما فيها من مسائل كثيرة هامة خارجة عن موضوع المعاجيم.
والآن ، فهذا موضع البدء بالمقصود من هذا الكتاب ، الذي أرجو الله تبارك وتعالى أن ينفع به جماعات من المسلمين ، وأن يُثقل به - برحمته - موازيني يوم تثقل أو تخف الموازين ، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلبٍ سليم .
وأرجو من أهل العلم ممن يقف على هذا الكتاب أن يتسهلوا في نقده وعيبه ، لأنني إنما كتبته في أحوال ضنكة غنية عن الوصف ، وبلد يقاسي - فوق مصائبه المتواليات ونكباته المتعاقبات - عزلةً علمية قديمة تامة أو شبه تامة ، وجرى في تضاعيف كتابته أمور تسرّ كل عدو وتسوء كل صديق ، وإلى الله وحده المشتكى ، والله وحده المستعان ، وكفى بالله ناصراً ومُعينا .
وكتبَ محمد خلف سلامة
الموصل -14/2/2007
__________
(1) فإني لم أقف عليه لأعرف مضمونه.(1/107)
مقدمة تأصيلية
فيها قواعد وتنبيهات
من أصول فهم المصطلحات وشرحها ووضعها
في هذه المقدمة جملةٌ واسعة من القواعدِ والتنبيهاتِ في بابِ فهمِ وشرحِ مصطلحاتِ المحدثينَ ، فدونك ذلك :
الفصل الأول: في شرح حقيقة مصطلحات المحدثين والتعريف بها وذكر تاريخها في الجملة
( 1 )
بيان معنى كلمة (مصطلح)
المصطلح - ويقال له أيضاً الاصطلاح - : هو اتفاق قومٍ ، قلُّوا أو كثروا ، على استعمال لفظ في معنى معيَّن عندهم ، غير المعنى الذي وضع له ذلك اللفظ في أصل اللغة .
وذلك كلفظ ( الواجب ) فإنه في أصل اللغة بمعنى الثابت واللازم ، ولكن الفقهاء اصطلحوا على وضعه للأمر الذي وعد الشارعُ فاعلَه الثوابَ عليه ، وأوعد تاركَه العقوبة على تركه .
وعرّف الشريف الجرجاني في ( التعريفات ) ( ص16 ) الاصطلاح بقوله : ( إخراج اللفظ من معنى لغوي إلى آخر لمناسبة بينهما ).
ثم قال : ( وقيل : الاصطلاح اتّفاق طائفة على وضع اللفظ بأزاء معنى ---- ) الخ .
وقال الرازي في (المحصول ) (4/647) : (لا نزاع في أن لكل قوم من العلماء اصطلاحات مخصوصة ، إما لأنهم نقلوها - بحسب عرفهم - إلى تلك المعاني ، أو لأنهم استعملوها فيها على سبيل التجوز ، ثم صار المجازُ شائعاً والحقيقةُ مغلوبةً ).
وقال الإمام ابن القيم رحمه الله في (الصواعق المرسلة) كما في (مختصره) (ص272) :(1/108)
(لا ننكر أن يحدُثَ في كل زمان أوضاعٌ لما يحدث من المعاني التي لم تكن قبْلُ ، ولا سيما أرباب كل صناعة ، فإنهم يضعون لآلات صناعاتهم من الأسماء ما يحتاجون إليه في تفهيم بعضهم بعضاً عند التخاطب ؛ ولا تتم مصلحتهم إلا بذلك ؛ وهذا أمرٌ عام لأهل كل صناعة ، مقترَحة أو غير مقترحة ؛ بل أهلُ كل علم من العلوم قد اصطلحوا على ألفاظٍ يستعملونها في علومهم تدعو حاجتهم إليها للفهم والتفهيم ).
وهذا الوضع لمصطحات الفنون يُعدُّ - كما قال العلامة بكر أبو زيد(1) - (من أصدق دلالةٍ على عظيم الجهود المبذولة في خدمة العلم وتذليل صعابه وتقريب بعيدِه وجمع متفرّقِه ، من أهل العلم في كل عصرٍ ومصر).
( 2 )
بيان معنى كلمة (مصطلحات المحدثين)
لما عُرف معنى المصطلحات مما تقدم ، وكان معلوماً أن المحدثين هم أهل علم الحديث : صار معنى كلمة ( مصطلحات المحدثين ) معلوماً كذلك ، فهي المصطلحات المختصة بهم ؛ وهي جميع الكلمات التي استعملها كثير أو قليل من المحدثين بمعنى يخالف معناها عند أهل اللغة مخالفةً يسيرةً أو كثيرة ، قريبةً أو بعيدة .
( 3 )
بيان الفرق بين (مصطلحات المحدثين) و(علم الحديث)
علم مصطلح الحديث ـ كسائر العلوم ـ ينبني في أصله على مجموعة من القواعد ويُستعمل فيه جملة كبيرة من المصطلحات .
وقواعد كل علم هي لُبُّه وحقيقتُه وجوهرُه ، وهي المعنى المطلوب لذاته والأصل الأول الذي تنشأ منه كل فروع ذلك العلم وثمراته .
وأما مصطلحات العلم فإنما وضعت تيسيراً للتعبير ، أي عن القواعد وفروعها ، وتقريباً لبيان ما يتعلق بذلك ، وتحرياً للدقة في القول ، واختصاراً له.
__________
(1) في رسالته (المواضعة في الاصطلاح على خلاف الشريعة وأفصح اللغة) وهي ضمن كتابه (فقه النوازل ) (1/111-118).(1/109)
وهي - كما هو واضح أصلاً أو مما تقدم - لا تُطلبُ معرفة معانيها لذاتها ، وإنما يضطر طالب علم الحديث إلى معرفة معانيها ، لأنها دخلت في لغة القوم فدارت على ألسنتهم وتكرر استعمالها في مؤلفاتهم ، يُدخلونها في تعبيرهم عن قواعدهم الكلية والجزئية وأحكامهم الفرعية ونحو ذلك ؛ فمن لم يعرفها لن يعرف قواعدهم بل لن يتمكن من مشاركتهم في علمهم أصلاً ؛ وكذلك من عرفها ولكنه لم يتقنها ولم يتمكن منها فإنه يظل فهمه لهذا العلم قاصراً مختلاً ونصيبه من التحقيق فيه ناقصاً معتلاً .
فكما لا يمكن لأحد من الناس فهم مرادات المحدثين في هذه الكتب التي صنفوها ، بدون معرفته لغتهم الكبرى ـ أعني العربية ـ فكذلك يتعذر على العربي ، ولو كان عارفاً باللغة ، الفهمُ - أو الفهم الصحيح - لكثير من مراداتهم ما لم يكن عالماً بمعاني مصطلحاتهم ؛ وهي جزء مهم ، بل ركن ركين ، من لغتهم .
والحاصل أن من أراد أن يطلب علم أصول الحديث لن يستغنيَ - سواء كان يروم تبحراً وتخصصاً ، أم يريد مجرد الاطلاع وأصل المشاركة - عن معرفة معاني مصطلحات أهل هذا الفن وما تعارفوا عليه فيما بينهم - خاصة - من كلمات يتداولونها وعبارات يتبادلونها .
( 4 )
بيان تاريخ أول نشأة المصطلحات الحديثية
بدأت المصطلحات بداية ظاهرة واضحة في عهد التابعين ؛ وكانت في أول أمرها قليلة في عددها ، ضيقة في انتشارها ، لقلة الحاجة إليها ، وإنما كانت الحاجة إليها قليلةً لقرب علم الحديث من الأمة سنداً ومتناً وحقيقةً وتطبيقاً ، وبسبب قلة التكلف وكمال البعد عن تعقيد الأمور .
ثم لم تزل تلك المصطلحات في تكاثر وازدياد إلى عصر ابن الصلاح ( ت 643 هـ )، ثم كأنها بعدئذ توقفت عن الزيادة والنماء ، بتصنيفه لكتابه المشهور بـ ( مقدمة ابن الصلاح ) ، فصار ذلك الكتاب مرجعاً لا يخرجون عنه إلا قليلاً ولا يضيفون إليه إلا نادراً .(1/110)
ثم ظهرت مؤخراً منذ بدء عصر الطباعة والنشر والتحقيق مصطلحات جديدة تتعلق بنشر كتب الحديث وتصحيحها والتعليق عليها وخدمتها ؛ وكثير من هذه المصطلحات يلتحق بمصطلحات المحدثين ، أو يقاربها ويشابهها ، أو يَتفرع عنها ويُشتق منها .
( 5 )
بيان سبب وضع المصطلحات الحديثية
إن الذي دعا المحدثين إلى وضع المصطلحات الحديثية هو حاجتهم إلى تسهيل بيانهم وتقريب مقاصدهم واختصار تعابيرهم ، كما فعل غيرهم من أرباب العلوم والفنون الدينية والدنيوية .
وقد تقدمت الإشارة إلى هذا المعنى .
( 6 )
بيان كيفية وضع المحدثين لمصطلحاتهم
من المتيقَّن الواضح أن المتقدمين من علماء الحديث عندما وضعوا أي مصطلح من مصطلحاتهم لم يجتمعوا كلهم - أو الأئمةُ منهم - في وقت وضع ذلك المصطلح ليضعوه ويتفقوا على معنى واحد محدد له .
بل كانت طريقتهم في ذلك أنَّ الإمام - أو العالم الشهير - منهم ، يضع لنفسه مصطلحاً فيشرحه في كتابه ، أو في كلامه ، أو يكرره بطريقة تجعله معلومَ المعنى من قرائن السياق وشواهد المقام ، ولو لم يشرحه .
ثم يأتي طلابهم والناس بعدهم فيسيرون وراءهم في استعمال هذه المصطلحات التي فهموا معانيها وعرَفوا حقائقَها .
هذه هي طريقة وضع المصطلحات في هذا العلم العظيم ، وكذلك سائر العلوم الشرعية ، فالأمر في ذلك بخلاف ما هو واقع في هذه الأعصر في حق طائفة من العلوم ، من انعقاد مجامع علمية تتفق على اصطلاحات في تلك العلوم ، ثم تجتهد في نشرها في مواطن انتشار ذلك العلم ، كالجامعات والمعاهد العلمية ودوائر البحث فيه .
( 7 )
بيان أسباب وكيفيات انتشار المصطلحات الحديثية
تقدم في الفقرة السابقة (السادسة ) شيء مما يتعلق بهذه القضية ؛ وأزيد هنا شيئاً من التفصيل ، فأقول:
مصطلحات المحدثين لم تنشرها مجامع علمية ولا عقد لترويجها ندوات جامعة ومحاضرات عامة ؛ ورغم ذلك انتشرت هذه المصطلحات بسرعة بين أهلها لثلاثة أسباب :(1/111)
الأول : أن واضعيها في الغالب كبار الأئمة ، والإمام يتبعه غالباً كثير من الناس في ألفاظه وقواعده وأحكامه .
الثاني : شدة حاجة الناس إليها ، لما فيها من التيسير والتقريب والاختصار ، كما تقدم ذكرُه .
الثالث : شدة قربها في معانيها الاصطلاحية الجديدة من معانيها اللغوية القديمة ، وهذا مما يسهل فهم تلك المعاني الجديدة ، ولا سيما إذا كان ذلك بمعونة السياق والقرائن والمعرفة بعلم الحديث في الجملة .
( 8 )
شروط المحدثين في وضع المصطلحات
لم يكن المحدثون ليحرصوا ، في وضعهم المصطلحات ، على مراعاة طريقة المناطقة - ومن تأثر بهم من المتأخرين - من شدة الالتزام بتقسيم المعاني تقسيماً لا لبس فيه ولا اشتراك ولا تداخل ، ثم وضع اسمٍ اصطلاحيٍ خاص بكل قسم ، ويكون ذلك الاسم معبراً تعبيراً دقيقاً عن معنى ذلك القسم .
بل اصطلاحات المحدثين ، أعني المتقدمين منهم ، كانت جارية على السليقة موافقة للفطرة مناسبة للواقع ، قريبة في معانيها الاصطلاحية من المعاني اللغوية ، أي الأصلية ؛ وانظر أواخر الفقرة السابقة .
( 9 )
بيان الفرق بين طريقة المناطقة ومن تأثر بهم وبين طريقة أهل الحديث في وضع الاصطلاحات وشرحها
أما طريقة أهل الحديث فقد تقدم بيانها .
وأما المناطقة - ومن أثرت طريقتهم فيه - فيحرصون في وضع المصطلحات ، على أمر هام عندهم ، ويفرّطون في أمر آخر هام عند العلماء(1) ؛ وهذا بيان هذين الأمرين :
أما الأمر الأول ، وهو الذي يحرص عليه المنطقيون ومقلدوهم ، فهو : كمال تخصيص أو تقسيم المصطلحات ؛ فتراهم يحرصون على أن يجعلوا لكل معنى في الفن الذي يتكلمون فيه اسماً يخصه ، وأن يجعلوا لكل اسم معنى يخصه ، بحيث تكون الألفاظ مفصلة على المعاني وموزعة عليها ومستوعبة لجميعها ، بلا تداخل ولا اشتراك ولا إجمال ولا عموم .
__________
(1) ولقد تسرب أثر هذا الحرص إلى شرحهم لمصطلحات غيرهم .(1/112)
وهذا مطلب حسن ونافع جداً ، ولكنه لا يوجد إلا في خيال المناطقة وتصوراتهم التي ليس لها في الواقع نظير ولا مثال ، لأنها غير ممكنة إلا إذا وُجدت على وجه ضارٍّ بالعلوم مؤدٍّ إلى وقوع الأخطاء الكثيرة في تلك التقسيمات والضوابط.
وبعبارة أخرى : طريقة المناطقة في الاصطلاحات ممكنة ولكنها غير صحيحة لأنها مؤدية إلى الإخلال بجوانب من مسائل ذلك العلم الذي يضعون له تلك المصطلحات ؛ كمن يأتي إلى قطعة أرض مدورة أو مثلثة فيريد أن يقسمها إلى مربعات كبيرة ، فإنها لن تسلم - حينئذ - من أن تضيع جوانب هامة منها .
وأما الأمر الثاني الذي قصروا فيه ، فتقصيرهم هو عدم مبالاتهم ببعد الشقة بين مصطلحاتهم وبين اللغة العربية ، بحيث صارت تلك المصطلحات - لشدة مباعدة معانيها الاصطلاحية لمعانيها اللغوية - كأنها من لغة أخرى ، لا يكاد المرء يهتدي إلى معرفة كثيرٍ ولا قليلٍ من معاني تلك المصطلحات ، إلا بالوقوف على تعريفات أهلها لها ، بل إن تلك التعريفات تحتاج إلى من يُعرّف الناسَ بها ؛ ثم بعد ذلك التعريف للتعريف - إن حصل - فقد لا يهتدي الطالب إلى المراد ، ولو كرر الشارح وأعاد !!
هذه طريقة المناطقة ، أو هذه غايتهم ؛ ولكن مصطلحات المحدثين لم توضع وضعاً منطقياً ، أعني لم توضع على طريقة المناطقة ، وإنما وضع أكثرها - ولا سيما المصطلحات القديمة منها - وضعاً عفوياً فطرياً ؛ استعملوا الألفاظ والتراكيب استعمالاً لغوياً أو استعمالاً قريباً جداً من المعنى اللغوي بحيث يفهم السامع الفطن - من طلبة ذلك الفن - المقصودَ من ذلك التعبير ، إما بمجرد سماعه له في سياقه، أو بتكرر استعماله ، أو بقرائن تحفه ؛ وهكذا نشأت مصطلحات المحدثين وانتشرت ، كما تقدم بيانه .(1/113)
إن تعابير القدماء الاصطلاحية كان فيها من السعة والمرونة ما يجب عند إرادة فهمها أو بيان معانيها : التنبه له وعدم إغفاله ، وكان فيها - بسبب ذلك أو غيره - من التداخل الجزئي والاشتراك النسبي ما لا يستقيم إهماله ، أي عند التعرف على معانيها .
( 10 )
بيان أفضلية منهج المتقدمين في وضع المصطلحات على منهج المتأخرين
أظن أنه قد اتضح مما تقدم أن منهج المتقدمين في وضع المصطلحات أسلم وأحكم من طريقة المتأخرين المشربة بطريقة المنطقيين .
ولكن لا بد من التنبيه إلى أنه قد يكون المتبادر للناظر إلى طريقة المتأخرين غير العالم بحقائق هذا الفن : أنها أحسن وأدق ، ولكن ليعلم أن ذلك الشيء إنما هو بحسب ما يظهر من الأمر ، لا بحسب حقيقته ، وهو واقع من الوجهة النظرية فقط ، لا من الوجهة العملية التطبيقية ، لأنها طريقة توقع أصحابها في التنطع والتكلف وتفشل عند مصادمتها لواقع الأمور ، وهي مع ذلك - وهذا أخطر شيء في هذه المسألة - مخالفةٌ في منهجها ، وفي كثير من فروعها ، لطريقة السلف في اصطلاحاتهم ، مع أن الواجب متابعتهم في تلك الاصطلاحات وتقليدهم فيها ، وشرحها كما أرادوها هم لا كما يتمنى المناطقة والمتأخرون ، أعني لا كما تقتضيه قواعد هؤلاء .(1/114)
الفصل الثاني: أقسام المصطلحات
في هذا الفصل تقسيمٌ للمصطلحات الحديثية ، من جهات عديدة ، رجاء أن تتضح حقيقتها الإجمالية ، لنستعين بذلك على معرفة أهم أصول فهم وشرح المصطلحات ، بإذن الله وتوفيقه .
( 1 )
بيان أقسام مصطلحات المحدثين بحسب بابها أو موضوعها
تنقسم مصطلحات المحدثين إلى ثلاثة أقسام :
القسم الأول : مصطلحات الرواية أو مصطلحات الرواة ؛ وهي كل ما يرد على ألسنة الرواة من ألفاظ لها معانٍ مصطلح عليها عند المحدثين ؛ وما يلتحق بها .
ومثال مصطلحات الرواة : صيغ الأداء التي يتلفظ بها الراوي عند التحديث ؛ وقول الراوي ( ثبتني فيه فلان ) .
القسم الثاني : مصطلحات نقد الرجال ، وبيان تواريخهم ، وما يلتحق بها .
ومثال هذا القسم قول الناقد ( هو ثقة ) ؛ وقوله ( زوَّر أسمعة ) .
القسم الثالث : مصطلحات التخريج ؛ وما يلتحق بها .
ومثال هذا القسم قول المخرج : ( هذا حديث شاذ ) .
وإنما أضفت إلى كل نوع ما يلتحق به ، لأنه يحسن بمن أراد أن يجمع هذه الأقسام الثلاثة أن يضيف إليها ما يقاربها ويلتحق بها من المصطلحات والرموز ؛ فإنها مما تشتد الحاجة إليها في هذا الفن في كثير من الأوقات .
فيحسن بمن أراد أن يجمع هذه الأقسام الثلاثة أن يضم إليها ما يقاربها ويلتحق بها من المصطلحات والرموز .
أما القسم الأول فيلتحق به كل ما قد يتعلق به من مصطلحات ورموز النساخ والمؤلفين والمحققين والطابعين والوراقين ونحوهم ؛ كالجزء والكراس والطاقة والمجلد والطبعة والتحقيق والتعليق والهامش والحاشية واللحق والدارة والتحويق والتصحيح والتضبيب ونحو ذلك ، فإنها - أي مصطلحات النسخ والتقييد قديماً ، ومصطلحات الطبع والتحقيق والتعليق حديثاً - يظهر عند التأمل أنها أقرب في جنسها إلى مصطلحات الرواة .
وأما القسم الثاني فيلتحق به كل ما قد يتعلق به - أو يدخل فيه - من مصطلحات المؤرخين والنسابين ونحوهم ؛ فهي - أي مصطلحات التاريخ والوفَيات والأنساب ونحوها - أقرب في جنسها ، عند التأمل ، إلى مصطلحات علم الرجال .
وأما القسم الثالث فيلتحق به أسماء أنواع كتب المحدثين كالصحيح ، والسنن ، والمسند ، والمصنف ، والمستدرك ، والمستخرج ، والمسلسلات ، والعوالي ، والجزء ، والفوائد ، والغرائب ، والأربعين ، والمشيخة ، ومعجم الشيوخ .
وكذلك كل ما قد يتعلق بالتخريج أو يتكرر وروده في كتب التخريج من مصطلحات الأصوليين والفقهاء ونحوهم ، كالناسخ والمنسوخ ، والمحكم والمتشابه ، والعام والخاص ، وغير ذلك .
فائدة : إن ما ذكرته هنا من طريقة التقسيم في حق مصطلحات المحدثين ، فهو كذلك في حق قواعدهم .(1/115)
وعليه تكون الأقسام ستة : ثلاثة للمصطلحات وقد ذكرتها ، ومثلها للقواعد .
ومجموع هذه الأقسام الستة هو المراد بـ(علم المصطلح )، أي (علوم الحديث ) أو (أصول علم الحديث ) .
وما أحسن أن يؤلَّف كتابٌ في علم المصطلح مرتباً على هذه الفصول الستة ، فإنها تأتي بمجموعها - إن شاء الله - على أهم ما في علم المصطلح .
بل ويحسن - لولا كثرة الخلاف وتشعبه وصعوبة ضبطه - أن يجعل كل قسم بابين : الباب الأول لما اتفقوا عليه أو اتفق عليه جمهورهم ، والباب الثاني لما شذ فيه بعضهم .
( 2 )
بيان أقسام مصطلحات المحدثين
من حيث عدد المعاني الاصطلاحية التي تحتملها
إن الكلمات الاصطلاحية وما جرى مجراها نوعان :
النوع الأول : ما احتمل أكثر من معنى ، مثل كلمة ( ثقة ) ، فمنهم من لا يطلقها إلا على العدل الضابط التام الضبط ، ومنهم من يطلقها عليه وعلى من خف ضبطه من العدول ، ومنهم من يطلقها على كل عدل ضابطاً كان أم غير ضابط .
والنوع الثاني : ما لا يحتمل إلا معنى واحداً ، وذلك بموجب تعين حقيقته اللغوية وكونه مما لا يسوغ استعماله بمعنى آخر مخالف لتلك الحقيقة اللغوية ولو صار اصطلاحاً أو جرى مجرى الاصطلاح عند بعض أصحاب الفنون ، وذلك مثل كلمة ( وضع حديثاً ) أو ( كذاب ) أو ( يخطئ كثيراً ) .
فينبغي ملاحظة ذلك .
( 3 )
بيان أقسام مصطلحات المحدثين من جهة قربها وبعدها من المعنى اللغوي
أو: بيان أقسام مصطلحات المحدثين من جهة الغرابة وعدمها
أكثر مصطلحات المحدثين غير غريبة ، ولكنها صارت في هذا العصر غريبة لغرابة العلم الشرعي من جهة ، ولغرابة لغته العربية من جهة أخرى؛ والله المستعان.
والمصطلحات من حيث مقدار قربها من المعاني اللغوية وألفاظها ، مراتب كثيرة ، وإن كانت كلها قريبة في الجملة من المعاني اللغوية لألفاظها؛ بل أكثرها قريبٌ جداً من ذلك؛ وذلك لأن المعاني الاصطلاحية مشتقة من اللغوية ومبنية عليها.(1/116)
( 4 )
بيان أقسام مصطلحات المحدثين من جهة الإفراد والتركيب ، في صيغتها
هي قسمان:
قسم قوامه كلمة واحدة ، مثل كلمة (ثقة) أو (مضطرب).
وقسم مؤلف من أكثر من كلمة؛ وهذا ثلاثة أنواع :
الأول : له معنى واحد ، وكأنه كلمة واحدة ، مثل (لا بأس به)، و (يروي المناكير).
الثاني : له معنى متردد بين معنيين ، أو متوسط بينهما، أو يؤكد أحدهما الآخر، مثل (ضعيف منكر الحديث) ، و (ثقة صدوق)، و (ثقة يحتج به).
الثالث: له معنيان منفصلان ، مثل (صحيح موقوف) ، وهذا التعبير هو في الحقيقة مصطلحان منفصلان، وليس مصطلحاً واحداً.
( 5 )
بيان أقسام مصطلحات المحدثين من جهة كثرة تداولها وقلته
قال عبد الله بن يوسف الجديع في (تحرير علوم الحديث) (1/567-568) في أول مبحث أسماه (تفسير عبارات الجرح والتعديل): (ولم أقصد إلى حصر ألفاظ الجرح والتعديل ، فهذا مما لا يتحمله هذا المقام ، ولم أر تتبع ذلك استقصاء مما له كبير فائدة ، وذلك أن منها ما يندر استعماله ، بل فيها ما لم يستعمل إلا في الراوي الواحد ، ومنها الشائع المنتشر ، وهذا غالبه بين في دلالته اللغوية ، فالأصل أن تلك الألفاظ موضوعة على دلالاتها في كلام العرب ----).
وللدكتور الفاضل سعدي الهاشمي كِتابان في جمع الألفاظ النادرة والقليلة الاستعمال ، أحدهما في ( ألفاظ التوثيق والتعديل ) ، والثاني في ( ألفاظ التجريح ) .
وأنا أرى أن الكلمة التي وردت مرة واحدة على لسان أحد المحدثين لا تستحق أن تُعدَّ في جملة اصطلاحاتهم ، إذ ليست مصطلحاً، على التحقيق، ولكنها تستحق أن تُلحق بمصطلحاتهم أو تدرج في جملتها ، أو في الأقل تُشرح معها؛ وأما كونها مصطلحاً فلا ، لأن المرة الواحدة لا تكفي لتسميتها مصطلحاً؛ وإنما هي عبارة غريبة أو طريفة ، أو إشارة لطيفة جرت على لسان أحدهم؛ والله أعلم.(1/117)
( 6 )
بيان أقسام مصطلحات المحدثين من جهة تاريخ وضعها
هي من هذه الجهة أقسام أيضاً ، فقليل منها وضع في أوائل عصور الرواية ، ثم لم تزل المصطلحات بعد ذلك في ازدياد، بسبب ازدياد الحاجة إليها، فإن مدرسة الحديث كانت تتوسع شهراً بعد شهر، وتتعاظم عاماً بعد عام.
ولقد تكلم على هذه المسألة وما يتعلق بها الشيخُ حاتم العوني ، بتوسع ، في بعض فصول (المنهج المقترح).
( 7 )
بيان أقسام مصطلحات المحدثين من جهة مَن شرحها أو بيَّن معانيها
هي من هذه الحيثية أنواع :
فمعرفة مراد المحدث من اصطلاح جرى عليه في كتبه أو في كلامه المنقول عنه ، تكون بطرق :
الطريقة الأولى : الوقوف على نصٍّ منه على مراده من اصطلاحه ؛ كفعل الحافظ ابن حجر في (الإصابة) و(التهذيب) و(التقريب) و(تعجيل المنفعة) و(لسان الميزان) و(بلوغ المرام) ، وغيرها من كتبه التي بيَّن فيها اصطلاحاته .
الطريقة الثانية : الوقوف على نصِّ عالم - أو طالب علمٍ - خبيرٍ بالمؤلف وبكتبه كتلميذ ملازم له .
الطريقة الثالثة : أن ينص على ذلك بعض كبار العلماء أو كبار الدارسين المحققين ، ممن قام بشرح أو تحقيق بعض كبار كتب ذلك العالم ، فإن كان متخصصاً بتحقيق كتب ذلك العالم فذلك أجدر بأن تزداد الثقة بما يفسره من اصطلاحاته.
الطريقة الرابعة : تطلُّب علم ذلك بتتبع اصطلاح المؤلف بلفظةٍ ما ؛ وهذا كحال كثير من أئمة الجرح والتعديل .
الطريقة الخامسة : الحمل على الأصل إن عُدمت القرائن على سواه ؛ والأصل هنا هو معنى ذلك المصطلح عند الجمهور .
وبهذا لعله يتبين أهم طرق معرفة معاني اصطلاحات العلماء(1) .
__________
(1) تقدم نقل قول السخاوي ( ولو اعتنى بارع بتتبعها ووضع كل لفظة بالمرتبة المشابهة لها ، مع شرح معانيها لغة واصطلاحاً ، لكان حسناً----) .
وقال العلامة المعلمي في ( التنكيل ) ( ص257-258 ) في أثناء بيانه للأمور التي ينبغي أن يراعيها من أراد أن يعرف أحوال الرواة : ( ليبحث عن رأي كل إمام من أئمة الجرح والتعديل واصطلاحه مستعيناً على ذلك بتتبع كلامه في الرواة واختلاف الرواية عنه في بعضهم مع مقارنة كلامه بكلام غيره ---- ) .
وقال المعلمي أيضاً في مقدمته لكتاب ( الفوائد المجموعة ) ( ص9 ) : ( صيغ الجرح والتعديل كثيراً ما تطلق على معانٍ مغايرةِ لمعانيها المقررة في كتب المصطلح . ومعرفة ذلك تتوقف على طول الممارسة واستقصاء النظر ) .
وقال عبد الله بن يوسف الجديع في (تحرير علوم الحديث) (1/567-568): ( فالأصل أن تلك الألفاظ موضوعة على دلالاتها في كلام العرب ، ومنها ما يعرف بالمقايسة بما أذكر .
فإن كانت للفظ دلالة خاصة ، فالطريق إلى العلم بها أحد أمور ثلاثة :
الأول : بيانُ مستعمِلها أنه يعني بها كذا .
والثاني : دلالة قرينة في السياق على إرادة معنى معين .
والثالث : إفادة التتبع لاستعمالات الناقد لتلك اللفظة).(1/118)
(8 )
بيان أقسام مصطلحات المحدثين من جهة مقدار أهميتها وخطورة شأنها
بعض المصطلحات أهم من بعض ، وأهم المصطلحات وأولاها بالحرص على معرفتها باستقراء وتحقيق ، هي المصطلحات التي جمعت ثلاث صفات:
الصفة الأولى : أن تكون تلك المصطلحات أكثرَ تداولاً .
الصفة الثانية : أن يكون فيمن تداولها واستعملها ، جماعة من الأئمة النقاد .
الصفة الثالثة : أن يتوقف على تعيين معناها مسائل هامة ، كتصحيح الأحاديث وتضعيفها .
ويتفرع عن هذا أنه كلما كان الناقد أعلى في منزلته بين النقاد ، وأكثر كلاماً في الرجال والأحاديث من غيره ، فينبغي أن يكون الاهتمام بمصطلحاته أكثر .
فاصطلاحات الأئمة النقاد المكثرين يجب أن يُعتنى بها أشد الاعتناء وأكمله ، وأن يتوفر الدارسون والباحثون على استقراء كلَّ ما يعين على فهمها واتضاحها ؛ ولا سيما إذا لم نجد عند من جاء بعدهم أو عاصرهم ، من النقاد والعلماء ، بياناً شافياً لمعنى تلك الألفاظ عندهم .
( 9 )
بيان أقسام مصطلحات المحدثين من جهة قوة تعلقها بجوهر علم الحديث
هي - من هذه الجهة - ثلاثة أنواع :
الأول: مصطلحات خاصة بالمحدثين ، مثل قولهم (حديث موقوف ) ، وقولهم (العنعنة).
الثاني : مصطلحات ابتكرها المحدثون وشاركهم في استعمالها غيرُهم من أصحاب العلوم ، مثل كثير من مصطلحات النسخ والمقابلة .
الثالث : مصطلحات متداولة عند المحدثين ، وهي مأخوذة عن غيرهم ، كالوراقين ؛ ويظهر أن هذا النوع من المصطلحات قليل .(1/119)
(10 )
بيان أقسام مصطلحات المحدثين من جهة درجة وضوح معانيها
إن كثيراً من عبارات الجرح والتعديل يُعْوِزها التحقيق في معانيها وإن كثيراً من تلك العبارات يختلف معناها من عالم إلى آخر .
وقد تواتر التنبيه إلى هذا المعنى ونحوه ، في كلام العلماء والدارسين ؛ فلقد أبان غير واحد من الأئمة المتقدمين والعلماء المحققين وغير واحد من الباحثين المعاصرين البارعين عن شدة الحاجة إلى استقراء مصطلحات علماء الحديث وكشف دقائق الفروق بين معانيها عندهم وتخمين المواضع التي يخرجون بها عن المشهور من اصطلاحهم ، واتباع أصح المسالك في معرفة معاني مصطلحات القدماء ، وتصحيح ما وقع من المتأخرين من سوء فهم لمصطلحات السابقين أو إخلال في شرحها ؛ كما بين غير واحد منهم قليلاً أو كثيراً من ضوابط معرفة معاني تلك المصطلحات على وجه التحقيق والتدقيق .
وتقدمت جملة من كلماتهم في أول الكتاب تحت هذه الترجمة (سبب تأليف الكتاب).
الفصل الثالث: في بيان أنواع دلالات الكلمة الاصطلاحية، وشرح ما يتعلق بذلك ، وذكر ضوابط عامة في تعيين معاني مصطلحات المحدثين وتفسير عباراتهم
المراد بالكلمة الاصطلاحية : الكلمة العربية التي استعملت بمعنى اصطلاحي فضلاً عن معناها الأول وهو اللغوي.
وهذا الفصل معقود لبيان أقسام دلالات الكلمة وضوابط تعيين أو ترجيح أحد تلك الأقسام إذا كانت محتملة ؛ وهذا بيان ذلك.
( 1 )
بيان أن بعض الكلمات الاصطلاحية لها دلالتان اصطلاحيتان
الكلمةالاصطلاحية قد يكون لها دلالتان:
الدلالة الأولى : الأصلية، أي دلالة الكلمة باعتبار ذاتِها مجردةً عن سياقها ، وهي التي يحصل الاستقراء من أجلها ، ويصاغ التعريف لتوضيحها.
الدلالة الثانية : السياقية ، أي التي تتأثر قليلاً أو كثيراً بالسياق ، مثل كلمة (ثقة) لها في نفسها معنى مشهور عند الجمهور، وهو العدالة والضبط ، ولكن قد ترد بمعنى آخر يفسره السياق ، مثل أن يقال : ( فلان ثقة ولكنه سيء الحفظ) ، فالمراد هنا بالتوثيق هو إثبات العدالة .(1/120)
( 2 )
بيان أنواع دلالات الكلمات الاصطلاحية
اللفظة الاصطلاحية لها - حيث وجدت - أحد أربعة معانٍ ، وكما يلي :
الأول : المعنى اللغوي ؛ فالكلمة إذا وجدتها في سياق لغوي فهي مستعملة بالمعنى اللغوي ، أي الذي وضعها له واضع اللغة ، وهو المعنى المذكور ذكراً أساسياً في المعاجيم اللغوية القديمة .
وكثير من المحدثين يستعملون الكلمة الاصطلاحية في كثير من الأحيان ، بمعناها اللغوي ، لا الاصطلاحي ، وقد حُملت كلمات كثيرة للمحدثين ، على معانيها الاصطلاحية، خطأً ، إذ الصواب حملها على المعنى اللغوي فإنه هو الذي عناه صاحب تلك الكلمة .
الثاني : المعنى الشرعي ؛ فإذا وجدتها في سياق شرعي أي في العبارات الدينية في أي كلام ملفوظ أو مكتوب : فهي مستعملة بالمعنى الشرعي أي الذي وضعها له الشارع ، مثل الصلاة والصوم والزكاة .
الثالث : المعنى الاصطلاحي ؛ فإذا وجدت الكلمة في سياق علمي فمعناها اصطلاحي وهو الذي وضعها له أهل ذلك العلم .
الرابع : المعنى العرفي ؛ فإذا تبين أن المعنى ليس اصطلاحياً ولا شرعياً ولا لغوياً كان معناها عرفياً ، وهو المستعمل عند عامة الناس في ذلك البلد أو المكان(1) .
__________
(1) وليس من البعيد أن يجعل المعنى العرفي والمعنى الاصطلاحي واحداً، ويسميان باسم واحد ، فالاصطلاح - في الحقيقة - عرف قوم يشتركون في فنهم أو موطن سكناهم أو غير ذل؛ قال الشيخ طاهر الجزائري في (توجيه النظر) (1/78) : (الاصطلاح اتفاق القوم على استعمال لفظ في معنى معين غير المعنى الذي وضع له في أصل اللغة وذلك كلفظ الواجب فإنه في أصل اللغة بمعنى الثابت واللازم وقد اصطلح الفقهاء على وضعه لما يثاب المرء على فعله ويعاقب على تركه واصطلح المتكلمون على وضعه لما لا يتصور في العقل عدمه.
واللفظ إذا استعمل في المعنى الذي وضعه له المصطلحون يكون حقيقة بالنسبة إليهم ومجازا بالنسبة إلى غيرهم [كذا قال] ؛ قال في (المفتاح): الحقيقة هي الكلمة المستعملة في معناها بالتحقيق ؛ والحقيقة تنقسم عند العلماء إلى لغوية وشرعية وعرفية؛ والسبب في انقسامها هذا هو ما عرفت أن اللفظة يمتنع أن تدل على مسمى من غير وضع ، فمتى رأيتها دالة لم تشك في أن لها وضعاً وأن لوضعها صاحباً، فالحقيقة لدلالتها على المعنى تستدعي صاحب وضع قطعاً، فمتى تعين عندك نسبت الحقيقة إليه، فقلت: لغوية ، إن كان صاحب وضعها واضع اللغة، وقلت : شرعية إن كان صاحب وضعها الشارع؛ ومتى لم يتعين قلت: عرفية.
وهذا المأخذ يعرِّفك أن انقسام الحقيقة إلى أكثر مما هي منقسمة إليه غير ممتنع في نفس الأمر . ا . هـ).(1/121)
وينبغي أن يقدم المعنى الذي يدل عليه السياق كما تقدَّمَ ، دون سائر المعاني الأخرى .
مثال ذلك : كلمة ( غير صحيح ) معناها بمقتضى اعتبار المعنى اللغوي في كلمة ( غير ) والمعنى اللغوي في كلمة ( صحيح ) معلوم ، وهو السقيم ؛ وأيضاً معناها بمقتضى اعتبار المعنى اللغوي في كلمة ( غير ) والمعنى الاصطلاحي في كلمة ( صحيح ) معلوم وهو نفي الصحة الاصطلاحية فيصدق حينئذ بكل ما هو دون مرتبة الصحيح من مراتب الحديث فيعم عند الجمهور الحديث الحسن والضعيف والضعيف جداً والموضوع .
ولكن هذين المعنيين المذكورين ليس الأصل في هذه العبارة في كتب الحديث واحداً منهما ، وإنما الأصل فيها المعنى الاصطلاحي الصرف ، وهو نفي ثبوت الحديث والحكم عليه بما يضاد ذلك من البطلان أو الكذب أو الضعف المنافي لثبوته ، فإذا قيل في حديث : هذا حديث غير صحيح فمعناه أنه لا يثبت متنه ، ففي هذه العبارة نفي للصحة والحسن عنه ؛ ولكن إذا وجدت قرينة صارفة لهذه العبارة عن هذا المعنى إلى المعنى المذكور أولاً فسرناها به وما أقل مثل تلك القرائن ؛ ومثال ذلك أن يقول الناقد في معرض رده على من حكم بصحة الحديث : هو غير صحيح وإنما هو حسن فقط .
وبهذا يُعلم وجوب التنبه إلى وجه استعمال المحدث للكلمة الاصطلاحية ؛ فإن بعض العلماء كانوا أحياناً يستعملون الكلمة الاصطلاحية - أعني الكلمة التي لها معنى اصطلاحي بالإضافة إلى معناها اللغوي - يريدون بها معناها اللغوي ، لا الاصطلاحي ؛ ومن هؤلاء الحافظ الذهبي ، قال الدكتور قاسم علي سعد في ( مباحث في علم الجرح والتعديل ) ( ص93 ) عقب ذكره ألفاظ التعديل عند الذهبي ضمن تراجم ( الميزان ) : ( هذا ، وقد يذكر الذهبي ألفاظاً عدة في الترجمة الواحدة وبين تلك الألفاظ بون واسع فيقصد بها أحياناً المعنى لا المصطلح الدقيق ، وكذلك يفعل في التجريح ، وقد اقتصرت على ما قصد به المصطلح ) .(1/122)
وهذا خروج عن الأصل ، فينبغي مراعاة احتمال وقوعه ، ولو كان نادراً ؛ أعني أن الأصل في الكلمة الاصطلاحية إذا وردت في كتب المصطلح أن تفسر بالمعنى الاصطلاحي ؛ ولكن الأصل قد يستحق أن يُخرج عنه بسبب القرائن المقتضية للخروج ؛ وهذا معلوم لا خفاء به .
( 3 )
احتمال كون المصطلح دالاً على معنى مطلق أو معنى نسبي ، كما هو شأن التوثيق النسبي
بعض المصطلحات لها معنى مقرر مقدم على غيره من المعاني المحتملة لذلك المصطلح ، ولكن هذا المعنى قد يتغير في استعمال المحدث ، قليلاً ، وتكون القرائن دالة على ذلك التغير.
ومن أمثلة هذا التغير أن يكون الحكم على الراوي نسبياً وليس مطلقاً ، مثل أن يُسأل الناقد عن راو متروك وآخر صدوق ، ولكن السائل يقرن بينهما في سؤاله فيجيبه الناقد بنحو قوله (أما الأول فمتروك وأما الثاني فثقة).
وهذا النوع من التوثيق يسمى التوثيق النسبي .
( 4 )
احتمال كون المصطلح دالاً على معنىً إجمالي أو أغلبي
مثل قول الناقد عقب حديث يسوقه بسنده : (رجاله ثقات) ، مع أن فيهم من لا يوثقه ذلك الناقد توثيقاً تاماً ، ولكنه عنده ممن يقال فيه (لا بأس به).
( 5 )
بيان أنه ينبغي التفريق بين اللقب والاصطلاح وبيان عدم صحة إدخال الألقاب في الاصطلاحات
إلا على سبيل التجوز
يجب التفريق بين المصطلح واللقب ونحوه ؛ فمثلاً قد عد بعض المتأخرين كلمة ( مصحف ) من ألفاظ التوثيق الاصطلاحية ، وفي ذلك نظر ، قال ابن حجر في ترجمة الأعمش من ( تهذيب التهذيب ) ( 4/196 ) : ( وقال يحيى بن معين : كان جرير إذا حدث عن الأعمش قال : هذا الديباج الخسرواني ؛ وقال شعبة : ما شفاني أحد في الحديث ما شفاني الأعمش ؛ وقال عبد الله بن داود الخريبي : كان شعبة إذا ذكر الأعمش قال : المصحف ، المصحف ؛ وقال عمرو بن علي : كان الأعمش يسمى المصحف ، لصدقه ) .(1/123)
وقال ابن حجر في ترجمة مسعر من ( تهذيب التهذيب ) ( 10/103 ) : ( وقال الحربي عن الثوري : كنا إذا اختلفنا في شيء سألنا عنه مسعراً ؛ قال : وقال شعبة : كنا نسمي مسعراً المصحف ؛ وقال إبراهيم بن سعيد الجوهري : كان يسمى الميزان ) .
قلت : في جعل هذه اللفظة - وهو صنيع بعض المعاصرين - واحدة من مصطلحات التوثيق : نظرٌ ، بل الحقيقة أنها ليست كذلك وإنما هي وصف كاللقب كان يستعملها بعض النقاد في الثناء على بعض الحفاظ لشدة ضبطهم وكمال إتقانهم ، ولذلك فإنه لم يرد - فيما أظن - في كلامهم في باب تعديل الرواة : فلان مصحف ، أو : كان مصحفاً ، بتنكير لفظة مصحف(1) .
بل كل هذه الألفاظ الثلاث : الديباج الخسرواني ، والمصحف ، والميزان ، هي في الحقيقة ألقاب مدح دالة على التوثيق التام المؤكد ، وليست مصطلحات(2) ، ويدل على ذلك قوله "كان يسمى" ، وكذلك عدم شيوع هذه المصطلحات بين المحدثين ، فأستبعد أن نجد في كلامهم أنهم سألوا عن رجل ثقة فكان الجواب : هو مصحف ؛ أو هو ميزان ، أو هو ديباج خسرواني .
__________
(1) بخلاف كلمة (كأنه مصحف) فإنها تصلح أن تكون من اصطلاحات أو ألفاظ التعديل ، قال السخاوي في (فتح المغيث) (2/111) وهو يذكر صيغ مرتبة التوثيق الأولى أي المؤكدة : (ومن صيغ هذه المرتبة "كأنه مصحف" ) .
(2) أقول هذا مع إقراري بجواز استعمالها على سبيل الاصطلاح ولكن بعد تنكيرها ، وأما هذه الألفاظ المعرَّفة باللام فأرى أنه لا يسوغ جعلها مصطلحات ، ثم إني أستثني كلمة (مصحف) فلا يحسن التوسع في استعمالها في هذه الأعصر في وصف الرواة ، لأن المصحف في عرف عامة الناس اليوم يراد به كتاب الله ، ولذلك ينبغي في استعمالها في باب توثيق الرواة الاقتصارُ على كلمات الأئمة المنقولة ، من غير أن نصف بها أحداً من الثقات غير من وصفوهم بها ، وانظر (المصحف) .(1/124)
وتأمل جيداً كلمة "كان يسمى" تجدها دالة على التلقيب ؛ وهل رأيتهم قالوا في أحد الثقات : "كان يسمى ثقة" ، أو "كان يسمى الثقة " وهم يريدون بذلك الحكم الاصطلاحي ، بحيث تكون هذه العبارة كقول القائل : ( قالوا فيه : ثقة ) ؟ مع أنه لو وقع ذلك - أعني قولهم في راو "كان يسمى الثقة " فإنه حينئذ يكون من باب التلقيب أيضاً ، إذ لا مانع أن يلقب رجل بلفظة (الثقة) .
( 6 )
بيان أنه لا يصح ادعاء معان كثيرة متباعدة لكلمة واحدة من عالمٍ بِعينه
لا يستقيم حمل الكلمة الاصطلاحية عند العاِلم الواحد على معان كثيرة يبعد عرفاً أن يستعمله لجميعها ؛ مثل أن تحمل لفظة ( حسن ) من الترمذي على عشرة معانٍ متباينة ؛ إلا إذا لاحظنا رجوع تلك المعاني إلى أصل واحد أو أصلين متقاربين أو لاحظنا ارتباط تلك المعاني بهما ، أو تقاربها فيما بينها .
( 7 )
التحذير من التكلف والمبالغة في ادعاء الترادف بين كلمتي الناقد
مما ينبغي التنبه له : ضرورة العلم بعدم صحة التزام تفسير كلمة الناقد في راو معين بكلمة أخرى له فيه ، لغرض دفع الاختلاف بين كلمتيه ( أي حكميه ) فيه ؛ أي عدم صحة التزام القول بترادفهما ؛ فقد يكون للناقد الواحد أكثر من كلمة في راو معين ، وتلك الكلمات لا يجب أن تكون مترادفة ، بل قد تكون متباينة فيكون له في ذلك الراوي أكثر من حكم ؛ أو يكون قال فيه مرة كلمة تفيد أقوى درجات القبول أي القبول المطلق ، وقال فيه مرة أخرى كلمة تفيد مطلق القبول ، وبهذا يعلم أنه ليس من الصحيح أن نوجب على أنفسنا تفسير تلك الكلمات ببعضها ، أو أن نجمع بين تلك الكلمات بدفع الاختلاف الواقع بينها وادعاء تقاربها .(1/125)
( 8 )
بيان أن خروج المحدث أو العالم عن اصطلاح الجمهور في كلمة بعينها قد يكون خلاف الأصل عنده في تلك الكلمة
إذا ثبت خروج الناقد عن اصطلاح الجمهور أحياناً في لفظة بعينها فليس يلزم من ذلك خروجه عن اصطلاحهم في جميع استعمالاته لتلك اللفظة ؛ ولكنه يحتمل أنه يخرج أحياناً ، مع أن الأصل عنده موافقته لهم في معنى تلك الكلمة .
( 9 )
بيان أن الأصل أن شرح العالم لاصطلاحه مقدمٌ على شرح غيرِه له ثم بيان عدم صحة الجمود الكلي على ما بينه العالم من معنى لبعض اصطلاحاته
ليس من الصحيح أن نفهم من تعريف عالم من العلماء المتقدمين لمصطلح من مصطلحاته أن ذلك هو المعنى الوحيد لذلك المصطلح عنده ، وذلك مثل تعريفات الشافعي والحاكم والخليلي للحديث الشاذ ؛ فالمتقدمون لا يلتزمون السير على طريقة التعريف الجامع المانع كما هي طريقة المتأخرين ؛ ولا سيما إذا كان ذلك التعريف جواباً لسائل مستفهم ، وهم كثيراً ما يقتصرون على بيان المشكل من المعاني والمصطلحات ويتركون الكلام على ما سواه مما يظهر للسامعين اندراجه تحته أو التحاقه به أو قياسه عليه .
( 10 )
بيان حكم نقل أقوال العلماء في التعريف بالمصطلحات
عند شرح المصطلحات في البحوث والمؤلفات فإنه لا معنى للمبالغة في نقل أقوال العلماء ولا سيما من تأخر منهم ومحاولة استيعابها وتوجيهها والجمع بينها والاعتذار عن المخالف فيها ونحو ذلك مما تقل منفعته للقارئ وتثقل مؤنته عليه ؛ فينبغي أن يجتنب الإكثار من ذلك إلا عند الحاجة واقتضاء المقام ، أو عند توخي الفائدة من ورائه ؛ وهذا الأمر يختلف باختلاف المسائل والأحوال والمخاطَبين .
وأما الباحث - أو المصنف - نفسه فإنه ينبغي له قبل الحكم والبت والتصريح بثمرة بحثه : أن ينظر كل ما قيل في شرح مصطلحات المحدث ، ولا يهمل شيئاً من ذلك ، ولا حتى الأقوال التي يكون الخطأ فيها ظاهراً ، فلعله ما من شرح أو قول من تلك الأقوال إلا وهو صحيح ، أو يكاد يصح ، أو يدل على أصل نافع ، أو يشير إلى مسألة بعيدة ، أو ينم عن معنى خفي ، أو ينبه إلى فائدة ما .(1/126)
وللشيخ طاهر الجزائري كلام في هذا الباب جيد ولكنْ في بعضه نظر ؛ وأنقله هنا ليقف القارئ به على وجه الفائدة من نقل أقوال العلماء في المسألة واختلافاتهم فيها ولكن لا تسلِّم كل ما قاله فيه ، وعلى كل حال ففي كلامه بيان لحجج القائلين بتكثير الأقوال واستيعابها فمن قدر على تمييز غثه من سمينه انتفع به واتضح عنده ما ذكرته أنا في الفقرة التي نحن بصدد التعليق عليها ؛ قال رحمه الله في ( توجيه النظر ) ( ص43-44 ) :
( وقد اعترض بعض الناس على المؤلفين الذين ينقلون في المسألة جميع الأقوال التي وقفوا عليها كما فعله بعض علماء التفسير وعلماء الأصول ومن نحا نحوهم وذلك لجهلهم باختلاف أغراض المصنفين ومقاصدهم ولتوهمهم أن طريق التأليف يجب أن لا يخالف ما تخيلوه في أذهانهم ؛ وقد أحببنا أن نختم هذا الفصل بالجواب عن اعتراضهم فنقول :
إن تلك الأقوال إن كانت مختلفة في المآل عرف الناظر الخلاف في المسألة ، وفي معرفة الخلاف فائدة لا تنكر ، وكثيراً ما يستنبط من أمعن النظر فيها قولاً آخر يوافق كل واحد من الأقوال المذكورة من بعض الوجوه ، وكثيراً ما يكون أقوى من كل واحد منها وأقوم ؛ وقد وقع ذلك في مسائل لا تحصى في علوم شتى .
وإن كانت تلك الأقوال غير مختلفة في المآل كان من توارُد العبارات المختلفة على الشيء الواحد ، وفي ذلك من رسوخ المسألة في النفس ووضوح أمرها ما لا يكون في العبارة الواحدة ؛ على أن بعض العبارات ربما كان فيها شيء من الإبهام أو الإيهام فيزول ذلك بغيرها ؛ وقد يكون بعضها أقرب إلى فهم بعض الناظرين ، فكثيراً ما تعرض عبارتان متحدتا المعنى لإثنين تكون إحداهما أقرب إلى فهم أحدهما ، والأخرى أقرب إلى فهم الآخر ؛ وهذا مشاهد بالعيان لا يحتاج إلى برهان ؛ ومن ثم ترى بعض المؤلفين قد يأتون بعبارة ثم إذا بدا لهم أن بعض المطالعين ربما لم يفهمها أتوا بعبارة أخرى وأشاروا إلى ذلك .(1/127)
وإذا عرفت هذا تبين لك أن مثل هؤلاء المعترضين مثل غر جال في الأسواق فصار كلما رأى شيئاً لم يشعر بفائدته أو لم تدع حاجته إليه عد وجوده عبثاً وسفه رأي عماله والراغبين فيه ، وكان الأجدر به أن يقبل على ما يعنيه ويعرض عما لا يعنيه ؛ وكأن كثيراً منهم يظن أن الاعتراض على أي وجه كان يدل على العلم والنباهة ، مع أنه كثيراً ما يدل على الجهل والبلاهة .
ولا نريد بما ذكرنا سد باب الاعتراض على المؤلفين والمؤلفات بل صد الذين يتعرضون لذلك ببادىء الرأي لا غير ، وإلا فالاعتراض إذا كان معقولاً لا ينكر بل قد يحمد عليه صاحبه ويشكر ) .(1/128)
الفصل الرابع: أصول عامة في تعيين معاني مصطلحات المحدثين
( 1 )
بيان شدة حاجة طالب علم الحديث إلى التوسع والتعمق في دراسة مصطلحات المحدثين
إن المعرفة الإجمالية - أو التقريبية - للمهمات من تلك المصطلحات والشهيرات من تلك العبارات ، قد يفي بها دراسة بعض كتب المصطلح بنوع من التدبر والتأني ؛ ولكن لا شك أن ذلك مما لا يكفي طالب التحقيق ولا يؤهله للإجتهاد في مسائل العلم والتبحر فيه ، فقد وقع من الدقة والخفاء والإلباس في مذاهب النقاد واصطلاحاتهم ما وقع فيها ؛ ثم إن تلك الاصطلاحات - أو تفاصيل معانيها - لم يتفق على جميعها جميع أهل هذا الفن ، بل خالف كثير منهم في كثير منها الجمهور مخالفة قريبة أو بعيدة واستعمل بعضهم بعضها في أكثر من معنى ، وأهمل شرح أغلبها سائر المتقدمين ، ولم يحسن شرح كثير منها كثير من المتأخرين والمعاصرين ، لقد أبان غير واحد من الأئمة المتقدمين والعلماء المحققين والباحثين المعاصرين البارعين عن شدة الحاجة إلى استقراء مصطلحات علماء الحديث وكشف دقائق الفروق بين معانيها عندهم وتخمين المواضع التي يخرجون بها عن المشهور من اصطلاحهم ، واتباع أصح المسالك في معرفة معاني مصطلحات القدماء ، وتصحيح ما وقع من المتأخرين من سوء فهم لمصطلحات السابقين أو إخلال في شرحها ، وذكرت في غير هذا الموضع شيئاً من ذلك ؛ فكل ذلك مما زاد في صعوبة معرفتها على سبيل التفصيل والتحقيق ، ومما جعل أكثر هذه الكتب المؤلفة في هذه الأبواب غير وافية بهذه المقاصد ولا كافية في هذه المطالب ، ولا سيما في حق اهل هذا العصر الذي انحسرت فيه العلوم وسقمت فيه الفهوم وهجرت فيه العربية وبعدت فيه الشقة على من أراد الرجوع إلى جادة سلف هذه الأمة الأمية ، والله المستعان .(1/129)
لذلك كله ينبغي أن يعلم أن شرح اصطلاحات أهل هذا الفن العظيم وتبيين حقائقها عندهم وإظهار فوارقها بينهم وكشف عباراتهم فيها وإشاراتهم بها واستنباط دقائقها وتفاصيلها والتنبيه على كل - أو معظم - ما وقع في ذلك من التفرد والشذوذ والمخالفة : مطلبٌ الوصول اليه ـ لا شك ـ غير يسير ودربٌ السائرون عليه قديماً وحديثاً غير كثير ؛ وكيف يسهل أن يكون المرء شارحاً لمقاصد العلماء - على اختلاف أعصارهم وأمصارهم وتباين مناهجهم ومدارجهم - فيما اصطلحوا عليه من الكلمات أو استعملوه من غريب الأساليب وخفي العبارات ! ولا سيما إذا كان عن دقيق علمهم منعزلاً وعن رفيع منزلهم نازلاً !(1/130)
ولكن هذا الموضوع لا بد - لشدة الحاجة إليه - من طرق بابه ، ولا مندوحة - لعظم الانتفاع به - عن محاولة كشف حجابه ولا سيما في مثل الزمان الذي كثر فيه الكلام على الأحاديث تصحيحاً وتعليلاً وعلى رجالها تجريحاً وتعديلاً ؛ وكثر في ذلك كله الجرأة والتعالم والتقليد ، وغيرها من الآفات التي حذر منها العلماء وأحجم دون الخوض في مسائل العلم حذراً منها العقلاء الأتقياء ، والله الموفق والمستعان(1) .
__________
(1) وقال الشيخ عبد العزيز الطريفي في أوائل شرحه لبلوغ المرام : (والمصنف الحافظ ابن حجر عليه رحمة الله في كتابه بلوغ المرام قد وقع له اصطلاحات وقد نص عليها في مقدمته ، فقد ذكر أنه إذا قال: أخرجه السبعة أنه يريد بذلك : أصحاب الكتب الستة والإمام أحمد عليهم رحمة الله ، وإذا قال أخرجه الأربعة فإنهم : أصحاب السنن ، وكذلك الستة هم : البخاري ومسلم وأصحاب السنن الأربعة ، ثم ذكر بقية ما وضعه من اصطلاحات ، بعضها يعتبر خاص به عليه رحمة الله , فاصطلاحات الحافظ ابن حجر في كتاب بلوغ المرام هنا اصطلاحات ينبغي لطالب العلم معرفتها قبل أن يبتدأ في بلوغ المرام ، فإن مما ينبغي لطالب العلم أن يعرف اصطلاحات أهل العلم في مصنفاتهم لكي لا يقع في توهيم أهل العلم وتخطئتهم من غير بينة , فإن لكل عالم من أهل العلم شيء من الاصطلاحات في كتابه إما أن يذكرها في مقدمته ، وإما أن تعلم بالسبر والنظر لذلك الكتاب الذي صنفه ، فإنه حينئذٍ يستخلص ويستخرج اصطلاحات من كتابه ذلك .
فالحافظ ابن حجر عليه رحمة الله مثلاً في قوله : ( متفق عليه ) هنا أي أنه أخرجه البخاري ومسلم ، مع أنه يوجد عند بعض أهل العلم من أمثال هذا الاصطلاح يعد غير ما أراد به الحافظ بن حجر البخاري ومسلم فحسب، فمثلاً صاحب المنتقى المجد ابن تيمية عليه رحمة الله إذا قال : ( متفق عليه ) فإنه يريد به أخرجه البخاري ومسلم والإمام أحمد.
وكذلك فإن أبا نعيم الأصبهاني عليه رحمة الله في كتابه "حلية الأولياء" له شيء من الاصطلاحات في ذلك ، فإنه عليه رحمة الله إذا أطلق ( متفق عليه ) ؛ فإنه لا يريد به في كثير من الأحيان أنه أخرجه البخاري ومسلم، وإنما يريد به أنه توفرت فيه شروط الصحة ، فإنه قد أطلق هذه الكلمة ( متفق عليه ) في كتابه حلية الأولياء ، في أحاديث ليست بنادرة أو بالقليلة ، ووجدت أنها ليست في البخاري ولا مسلم عليهما رحمة الله ، أو توجد في أحد الصحيحين وليست في الآخر ، وهذا يدل على أن له اصطلاح غير ما اصطلح عليه بعض أهل العلم ، وأخذه عمن اصطلح عليه عامة المتأخرين، فمثلاً الحافظ أبو نعيم عليه رحمة الله يورد بعض الأحاديث ويقول ( متفق عليه ) وليست هي في البخاري ومسلم أصلاً ، منها ما أخرجه أبو نعيم في كتابه الحلية من حديث سفيان عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : » الإمام ضامن ، والمؤذن مؤتمن ، اللهم أرشد الأئمة واغفر للمؤذنين « ، قال أبو نعيم عليه رحمة الله بعد إخراجه لهذا الخبر قال : صحيح متفق عليه ، وهذا الخبر ليس في الصحيحين ولا في أحدهما ، فإن المصنف عليه رحمة الله أراد بذلك أنه توفرت فيه شروط الصحة ، وقال هذه الكلمة في غير ما خبر ، منها ما أخرجه أيضاً من طريق أبي داود الطيالسي عن سفيان عن أبي إسحاق عن البراء ، قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قدم من سفر قال : » آيبون تائبون لربنا حامدون «، وهذا ليس في الصحيحين ولا في أحدهما ، وإنما مراد المؤلف عليه رحمة الله في أمثال هذه المواضع أن هذه الأحاديث قد توفرت فيها شروط الصحة التي اشترطها أهل العلم ، ومراده أن ذلك أعلى درجات الصحة عنده عليه رحمه الله .
إذاً فينبغي على طالب العلم أن يعلم اصطلاحات أهل العلم في مصنفاتهم ، ليكون على بينة من أحكامهم ، ولكي لا يقع في شيء من الخطأ في فهم مراد الحفاظ عليهم رحمة الله).
انتهى كلام الشيخ الطريفي حفظه الله ، وقد نقلته من نسخة مفرغة .(1/131)
( 2)
بيان الأصل في معاني المصطلحات
كل مصطلح لناقدٍ لم يتبين فيه - بعد الاستقراء - معنى خاص أو استثنائي ، فمعنى ذلك أنه على الأصل ، أي أن معناه عند ذلك الناقد هو معناه عند الجمهور .
وكذلك ، يكون الأصل في كلام الإمام إذا كان محتملاً لأكثر من وجه أن يحمل على الوجه الموافق أو المقارب لمذهب أهل عصره من شيوخه وأقرانه وتلامذته وأقرانهم ؛ وذلك بشرط تساوي تلك الاحتمالات في قوتها ؛ وإلا فأقواها هو المقدم .
(3)
بيان الأصول التي يجب مراعاتها في تعيين معاني مصطلحات المحدثين
لا بد في تعيين معنى كلمة اصطلاحية من مراعاة أمرين :
الأول : أن لا يكون تفسير الكلمة منافياً لمعناها اللغوي ، أو بعيداً عنه كثيراً ؛ وقد تقدم بعض ما يتعلق بذلك .
والثاني : أن لا يكون ذلك المعنى بعيداً عن معنى تلك الكلمة عند الجمهور ، ولا سيما من كان منهم من شيوخ ذلك الناقد أو شيوخهم أو أقرانه ، أو تلامذتهم .
فإنه يبعد أن يكون الناقد - ولا سيما الجهبذ الشهير - بعيداً في اصطلاحاته عن المعاني اللغوية أو عن المعاني الشهيرة عند المحدثين ، ولا سيما إذا لم ينص هو على ذلك ، ويبينه ، لأن في ذلك الشذوذ نوعاً من الإيهام الذي لا يليق بالأئمة أن يتعاطوه .
فمن الخلل في صنيع المتأخرين سرعة الخروج بمصطلح العالم - استناداً إلى أضعف شبهة - عن معناه عند الجمهور إلى معنى آخر ؛ وقد يكون هذا المعنى الجديد بعيداً عن اصطلاح الجمهور بل وعن عرف اللغة أيضاً .
فلا يستقيم إعطاء مصطلحات بعض المحدثين معان خاصة إلا بعد استقراء وتتبع كافيين ، وأدلة محكمة ، لأن ذلك خروج عن أصل عام ثابت متين شهير ، فلا يقبل إلا بدليل واضح قوي .(1/132)
( 4 )
التحذير من طريقة كثير من المتأخرين في تعيين معاني مصطلحات المحدثين
لقد وضع المحدثون اصطلاحات هذا الفن وكان فيها من البساطة والوضوح والسعة وقلة التكلف والقرب من المعنى اللغوي ما لا يخفى ؛ ولذلك وقع بين بعضها من التداخل والتقارب أحياناً أو التباين والتباعد أحياناً أخرى ما هو جار بمقتضى السجية وطبيعة اللغة وعرف التخاطب ، والسياقات والقرائن تبين المراد وتحدده ؛ ولم يكن في ذلك من إشكال قادح في فنهم أو مانع من فهم مقاصدهم لمن سار وراءهم واقتفى آثارهم .
ولكن لما جاء المتأخرون وكان أكبر همهم استعمال اصطلاحات محددة تحديداً كاملاً غير متداخلة فيما بينها ، لا في قليل منها ولا في كثير ، غيروا معانيَ كثير من المصطلحات عند شرحهم إياها وبيانهم لها ، ووضعوا فيها من الزيادات والنقصان ما يحقق لهم تلك الغاية ، وربما وجدوا من ظواهر كلمات بعض القدماء ما تشبثوا به وجعلوه مستنداً لبعض تلك التصرفات الضارة المردودة .
وهؤلاء غفلوا أو تغافلوا عن مسألة خطيرة ، وهي أنه ليس من الصحيح أن نحاكم صنيع القدماء واصطلاحاتهم إلى قواعد وضوابط المنطقيين ، أو نحملها على حدود وتعريفات المتأخرين ، إذا خالفت هذه تلك ؛ ثم نقول : إنهم - أي المتقدمين - تجوزوا أو لم يراعوا الاصطلاح أو نحو ذلك ؛ أو نقول : ليكن هذا المصطلح خاصاً بكذا وهذا المصطلح الآخر خاصاً بكذا لتتميز الأنواع وتنضبط القسمة .
بل كان على المتأخرين فهم اصطلاحات أسلافهم والسير وراءهم فيها .(1/133)
ولكن لما لم يرتض كثير من المتأخرين ذلك أو لم يوفقوا إليه ، وصارت لهم في بعض أبواب هذا الفن اصطلاحات تختلف قليلاً أو كثيراً عن اصطلاحات أهل الاصطلاح ، أعني المتقدمين من المحدثين ، فهنا يقول القائل : لا نشاحكم أيها المتأخرون فيما اصطلحتم عليه ولكن بينوا اصطلاحكم البيان الكامل الوافي وانسبوه لأنفسكم وحدكم لا للقدماء ولا لعامة المحدثين وصرحوا بتلك النسبة ليزول الإيهام الحاصل بإغفالها ، وافهموا مصطلحات القدماء واعلموا ما بينها وبين مصطلحاتكم من فرق وتفاوت ، وبينوا ذلك لطالبيه ؛ وإن كان ذلك لا يكفي أيضاً لأن فيه توعيراً لطريق العلم وتعقيداً لمشكلات الطلب .
وفي الجملة يجب الحذر من انحرافات المتأخرين في فهم اصطلاحات المتقدمين ، فإن كثيراً من المتأخرين غلب عليهم التقليد والجمود والتأثر بالنظرة المنطقية الرياضية إلى اصطلاحات العلماء وعباراتهم ، ومحاكمة المتقدمين إلى المتأخرين وقياس ألفاظ الأوائل على ألفاظ الأواخر ، وتوحيد معاني المصطلحات ، فوقع بسبب ذلك من الأوهام والتخليطات فوق ما يظنه غير المتبحر في هذا العلم العظيم . فإنه وإن كانت صناعة التعريفات المنطقية بذاتها ليست جرماً لا يقترب ، إلا أن التنطع والتكلف الذي بنيت عليه لا يناسب كثيراً لغة ومقاصد مؤسسي علم النقد الحديثي الذي منَّ الله عليهم بعدم معرفة المنطق وعدم الاقتراب - فضلاً عن الخوض - في الفلسفة .(1/134)
إذن لا يلزم من تكلم على مصطلحات المحدثين أو ألف فيها أن يتكلف في كلامه وتعريفاته الدقة المعقدة والتعمق البعيد ؛ ولا يقبل منه في شرحها كثرة الإيرادات والتدقيقات والمناقشات والمجادلات في الحدود والتعريفات والألفاظ والعبارات ، فإن ذلك كان ولم يزل من أضر المسائل على أهل العلم وأقوى الأمور التي وعرت طريق المعرفة على الناس وكان الاشتغال الزائد بذلك كله سبباً في التقصير في تحقيق القواعد وفي استقراء ما يكون سبباً في التوصل إلى العلم النافع الصحيح .
إذن فليس من الصحيح أن تفسر تلك المصطلحات بحسب طريقة المناطقة ، ولا حتى بطريقة تراعي منهج المحدثين من جهة وتراعي منهج المناطقة من جهة أخرى ؛ كما هو صنيع كثير من المتأخرين .
بل الصحيح أن تفسَّر بحسب ما يظهر أنه يبين مقاصد أهلها .
أهل المنطق يحرصون على أن تكون اصطلاحاتهم خالية من التداخل والاشتراك وأن يكون لها معنى واحد مستقر ولهم شروط أخرى غير هذه ؛ كما تقدم ؛ وليس كذلك شأن مصطلحات المحدثين .
قال الدكتور حاتم العوني حفظه الله في ( المنهج المقترح ) ( ص165 ) : ( وإذا كانت صناعة المعرِّفات المنطقية أجنبية عن مصطلح الحديث وتباينه في نَسبها ( العربي ) وسَحْنَتِها ( اليسر والبعد عن التكلف ) فلن يكون في تسليط معاييرها عليه - في الغالب - إلا جورٌ عليها : بتحجير واسعها ، أو توسيع ضيقها . وفي أقل الأحوال : أن تطوِّل الطريق إلى معرفة الصواب ، بما أشار إليه شيخ الاسلام من كثرة الاعتراضات على المعرِّفات وتسويد الصفحة والصفحات في ذلك ؛ مع أنهم يزعمون أنهم يسعون للتعريف المختصر المحرَّر بالجمع والمنع ، وينتقدون التعريف المطول بالشرح والمثل . فلو أنهم كتبوا تعريفاً في نصف صفحة ، يقوم بالمقصود ، ألم يكن خيراً من تلك الصفحة أو الصفحات من الاعتراضات ، التي لا تخرج معها بطائل؟ .(1/135)
وهذا كله أمر خطير خاصة ما يقع خطأ دون قصد من بعض المصنفين في بعض العلوم كعلم الحديث ، بسبب تأثرهم بصناعة المعرِّفات المنطقية : من تضييق الواسع من مدلولات المصطلحات ، أو توسيع الضيق منها ، كما قلناه آنفاً ، لأن ذلك سوف ينعكس بتشويش ذلك العلم الذي يتكون من تلك المصطلحات ، تشويشاً قد يؤدي إلى استغلاق فهْمه ، أو فهْمه على غير فُهومه ، أو ظهور تناقض فيه ، أو بانقلاب قواعده وضوابطه ، إلى غير ذلك ، مما قد يصْعب حله وتجاوزه إلا بإعادة النظر في معاني تلك المصطلحات ؛ لكن الأخطر من ذلك كله ، والكارثة التي قد تدمر ذلك العلم : فيما لو أصبح ذلك الخطأ في تفسير المصطلحات عَمْداً ، وفيما لو صار المصنفون في ذلك العلم يسْعَون إلى تغيير مدلولاتها قصداً ، ثم إلى اختراع أسماء جديدة ( تضاهي المصطلحات ) لمدلولات كانوا قد أخرجوها - هم - من مصطلحات العلم الأصلية ! ليُظن بعد ذلك أن تلك الأسماء من مصطلحات ذلك العلم ، ولتبعد الشقة - بعدها - أكثر عن فهم تلك المصطلحات على وجهها ، وليكون - أخيراً - ذلك العلم المركب من تلك المصطلحات لُغْزاً مستغلِقاً ، دون حله خنادق وحصون ! !
وهذا ما قد بدأ بالوقوع فعلاً في مصطلحات الحديث ! ! ! وقد بدأ من قرون لكنه لم يزل - بحمد الله - في البداية ! ! ! وهذا هو ما سميته - اصطلاحاً مني - بـ ( فكرة تطوير المصطلحات ) ---- فأنا أعني بفكرة تطوير المصطلحات : ( تغيير معاني المصطلحات عما كانت تعنيه عند أهل الاصطلاح عمداً ، لأي عرض يظنه ذاك المغير حسناً ) .(1/136)
و ( أهل الاصطلاح ) : هم الذين أنشأوا ذلك العلم ، ووضعوا قواعده وضوابطه وتواضعوا على أسماء لأفراده ( وهي المصطلحات ) ، وتتموا بناء علمهم . فلم يبقَ لمن جاء بعدهم إلا تلقي هذا العلم عنهم ، وأخْذ معاني مصطلحاته منهم ، ليفهم علمهم ويَعِيَ قولهم . فإذا أقبل هذا الذي جاء بعدهم على علمهم بالتبديل ، وتغيير مدلولات المصطلحات ، لا مع إعلان أن تلك المعاني الجديدة من عند نفسه وأنها اصطلاح خاص به ، بل على أنها اصطلاح أهل الاصطلاح = فهل سيكون لنا طريق إلى فهم ذلك العلم باعتماد كلام ذلك المبدِّل المغيرِّ ؟ !
فأعود مؤكداً : ( فكرة تطوير المصطلحات ) متعلقة بتغيير المعاني ، مهما كان ذلك التغيير يسيراً ، ومهما كان الغرض منه حسناً عند القائل به .
هذا الذي أحذر منه ! أما تطوير حدود المصطلحات ورسومه ، تطويرَ ألفاظٍ لتلك التعاريف ، لا يصل إلى تغيير مدلول المصطلح = فليس على هذا محظور ، ولا هو من ( فكرة تطوير المصطلحات ) التي أحذر منها ، بل هذا التطوير الذي يَقْصِد إلى تحرير التعريفات بالجمع والمنع ، أمر حسن في حدود ما لم يبلغ بنا إلى درجة التنطع والتكلف الذي يعانيه المناطقة ؛ ونحن عنه في غنى . وحتى إن بلغ درجة التنطع والتكلف ، فليس من ( فكرة تطوير المصطلحات ) في شيء ، ما دام أن الأمر لم يصل إلى محاولة تغيير معاني المصطلحات ) . انتهى كلامه .
وقبله قال الشاطبي رحمه الله في (الموافقات) (5/418) عقب شيء ذكره:
(واعلم أن المراد بالمقدمتين ههنا ليس ما رسمه أهل المنطق على وفْق الأشكال المعروفة ، ولا على اعتبار التناقض والعكس ، وغير ذلك ، وإن جرى الأمر على وفقها في الحقيقة فلا يستتب جريانه على ذلك الاصطلاح ؛ لأن المراد تقريب الطريق الموصل إلى المطلوب على أقرب ما يكون ، وعلى وفق ما جاء في الشريعة.(1/137)
وأقرب الأشكال إلى هذا التقرير ما كان بديهياً في الإنتاج أو ما أشبهه من اقتراني أو استثنائي ، إلا أن المتحرى فيه إجراؤه على عادة العرب في مخاطباتها ومعهود كلامها ، إذ هو أقرب إلى حصول المطلوب على أقرب ما يكون ، ولأن التزام الاصطلاحات المنطقية والطرائق المستعملة فيها مبعد عن الوصول إلى المطلوب في الأكثر ، لأن الشريعة لم توضع إلا على شرط الأمية ، ومراعاة علم المنطق في القضايا الشرعية منافٍ لذلك ؛ فإطلاق لفظ المقدمتين لا يستلزم ذلك الاصطلاح----).
( 5 )
بيان الفرق بين طريقة دراسة المصطلحات وطريقة دراسة القواعد
إن الذي يريد شرح مصطلحات فن من فنون العلم أو يجمعها أو يصنف معجماً لها يجب عليه أن يعلم قبل كل شيء أنه مستقرئ وشارح وموضح ومفسر ، وأنه ليس مؤسساً لاصطلاحات جديدة ولا قائماً بتحوير أو تطوير أو تغيير أو تبديل أو اقتراح ، إذ المطلوب في اصطلاحات العلماء فهم مراداتهم بها أي فهم معانيها كما أرادوها هم ، لا التصرف فيها وفي شرحها بما يوافق المشهور أو الجمهور أو الأشهر أو الأكثر أو المنطق أو الهوى .
والاصطلاحات ليست متعلَّقاً للتصويب والتخطئة ، ولكن قد يقال : أحسن زيد في اختيار هذا الاصطلاح ، ولم يحسن عمرو في اختياره ذاك الاصطلاح ، إما لما فيه من غموض أو إيهام أو بعد عن المعنى اللغوي للكلمة أو مخالفة لاصطلاح سائر العلماء قبله أو غير ذلك ، وإن كانت مثل هذه العيوب في اصطلاحات القدماء نادرة جداً بل لعلها معدومة غير موجودة .
وأما الخطأ والصواب فإنما يقعان في القواعد والأحكام .
والحاصل أن المطلوب من الباحث في مصطلحات العلماء فهم مقاصدها ، وفي قواعدهم تحرير أدلتها ومعرفة صوابها من خطئها .(1/138)
إن كثيراً من مصطلحات المحدثين - ومنها كثير من عبارات الجرح والتعديل - يُعْوِزها التحقيق في معانيها ؛ ثم إن كثيراً من تلك العبارات يختلف معناها من عالم إلى آخر ، فمن المهم النافع جداً معرفة معنى اصطلاح كل عالم عنده ، وليس من المهم نقد ذلك الاصطلاح بنحو بيان عدم مطابقته للاصطلاح المشهور أو لاصطلاح الجمهور أو لمقتضى اللغة أو قواعد المنطق ، وإن كان بعض التنبيه على ذلك لا يخلو من فائدة .
( 6 )
ذكرُ بعض أدوات معرفة معاني المصطلحات وبعض العلوم التي يحتاجها شارح المصطلحات
إن معرفة اصطلاحات العلماء على سبيل التفصيل والتحقيق لا تتيسر إلا بعد معرفة مناهجهم وقواعدهم في هذا الفن ، ومعرفة المعاني اللغوية للكلمات الاصطلاحية على سبيل التوسع والاستيعاب ؛ ومن ظن أنه يمكن معرفة المصطلحات معرفة كافية شافية من غير خوض فيما عداها من مسائل علم المصطلح وأصول الحديث ومناهج العلماء وما يتعلق بذلك من تراجم الأئمة منهم ونحو ذلك فقد ظن عجزاً ؛ ولذا فإن معرفة معاني مصطلحات كل إمام من أئمة الحديث على الوجه المذكور : أمرٌ فيه من الصعوبة والغموض ما يعجز - بسببه - عن القيام به عالم وحده أو طالب علم وحده ؛ فلا بد لذلك من أن يشارك في هذا الباب كثير من العلماء وطلاب العلم والباحثين ؛ بل لا بد من التخصص في البحث أحياناً ، كأن يختص الدارس ببعض مصطلحات المحدثين أو بمصطلحات بعض المحدثين ؛ ولا بأس من أن يتوارد على العمل الواحد أكثر من باحث ، فإذا تكررت دراسة موضوع بعينه من قبل اثنين من الطلبة أو أكثر فعسى أن يكون مجموع ما صنعوه أقرب إلى الشمول والاستيعاب وأن يكون الواقف على دراساتهم أتم معرفة بحقائق المسائل وأقوى إحاطة بدلائلها ، وأكثر تمكناً من اعتبار بعض ما قالوه ببعضه ، وإما إن ناقش المتأخر منهم المتقدم فعسى أن يقع في مناقشته له ما لا يستغني عن معرفته كثير من طالبي هذا العلم .(1/139)
( 7 )
بيان صعوبة استقراء معاني كل - أو معظم - المصطلحات الحديثية
إن معرفة معاني مصطلحات كل إمام من أئمة الحديث على سبيل التحقيق والتفصيل ، أمر فيه من الصعوبة والغموض ما يعجز - بسببه - عن بعضه أكثر العلماء ، فلا بد من أن يشارك في هذا الباب كثير من العلماء وطلاب العلم والمدرسين والطلاب في الجامعات ونحوها .
ولا بد ، أيضاً ، من التخصص في البحث أحياناً ، كأن يختص الدارس ببعض مصطلحات المحدثين أو بمصطلحات بعض المحدثين .
ولا بأس من أن يتوارد على العمل الواحد أكثر من باحث ، فإذا تكررت دراسة موضوع بعينه من قبل اثنين من الطلبة أو أكثر ، فعسى أن يكون مجموع ما صنعوه أقرب إلى الشمول والاستيعاب ، وأن يكون الواقف على دراساتهم أكثر معرفة لحقائق المسائل وأكثر إحاطة بدلائلها ، وأكثر تمكناً من اعتبار بعض ما قالوه ببعضه ، وعسى أن يناقش المتأخر منهم المتقدم فيقع في مناقشته له ما لا يستغني عن معرفة كثير من طالبي هذا العلم .(1/140)
( 8 )
التحذير من متابعة أوهام المعاصرين في شرح مصطلحات المحدثين
هذا التنبيه في غاية الأهمية ، فينبغي الحذر من أوهام المتأخرين والمعاصرين في شرح اصطلاحات المتقدمين ؛ فإن كثيراً منهم يتسرع في الحكم الصعب من غير تريث ويهجم على الموضوع العلمي الدقيق من غير تروي ؛ وليس عند المتأخرين ما عند المتقدمين من الاطلاع والتثبت وحسن البيان وحسن الفهم ؛ ولذلك قصر كثير من المتأخرين في تفسير كلام علماء العلل والأئمة المتقدمين ، قال الشيخ حمزة المليباري في ( الحديث المعلول ) ( ص77 ) : ( وهناك مصطلحات أخرى تَباين فيها الآراء بين المتقدمين والمتأخرين ، مثل كلمة ( صدوق ) و ( حسن ) ونحوهما ؛ وقد وجدنا تخليطاً وتلفيقاً بين الآراء فيها في بحوث بعض المعاصرين عندما فسروا كلام المتقدمين باصطلاحات المتأخرين فوقعوا بذلك في تحير وتناقض ؛ بل فيهم من يتسرع بتخطئة المتقدمين لأنه ليس لهم مخرج منه إلا التخطئة ) ؛ انتهى كلامه .
ومن أمثلة أوهام المتأخرين رحمهم الله في هذا الباب ما فسر به المناوي ومنلا علي القاري وغيرهما كلمة ( حاكم ) إذ قالوا : هو الذي أحاط علمه بجميع الأحاديث المروية متناً وإسناداً وجرحاً وتعديلاً وتاريخاً ؛ بل قال على القاري عقب هذا التعريف : كذا قاله جماعة من المحققين !
قلت : هذا التعريف بعيد عن التحقيق ، ويبعد أن يقوله واحد من المحققين ، فكيف يقوله جماعة منهم ؟ !
وانظر ( حاكم ) من هذا المعجم .(1/141)
( 9 )
ذِكرُ ضرورة ملاحظة نوع مقام تفسير العالم لاصطلاحه ، عند تعدد كلماته في بيان معنى ذلك الاصطلاح
إذا عُثر على اختلاف في تفسيرات العالم لاصطلاح من المصطلحات ، فلا بد حينئذ من ملاحظة ومراعاة دلالات السياق وأحوال المقام ؛ فإن وجد للعالم - مثلاً - كلام في بيان شروط قبول الرواية وتطرق فيه إلى معنى التدليس باختصار ووجد له كلام آخر في شرح معنى التدليس وحكم عنعنة المدلس على وجه التفصيل والتحرير ، ووقع بين ظاهر العبارتين شيء من اختلاف فالصحيح حينئذ حمل ما في كلامه العام على ما في كلامه الخاص بالتدليس ؛ فإن كلام العالم على المسألة في موضع تقريرها مقدم على ما ورد من كلامه المجمل فيها في أثناء تقريره مسألةً أخرى غيرها .
وكذلك قوله في الراوي قد يكون في موضع مجملاً وفي آخر مفصلاً ؛ فينبغي مراعاة ذلك لئلا يقع الوهم في استقراء معاني مصطلحاته .
والحاصل أنه يجب التنبه إلى احتمال أن يكون للمحدث أكثر من تعريف لمصطلح واحد من مصطلحاته ، وإلى أنه قد يكون نصُّ المؤلف على مراده من مصطلحٍ اتخذه غير محرر ، لأنه لم يرد في موضع تحرير وتقرير ، فقد يكون قرره في مقام آخر ، أو موضع آخر ، كمجلس علم ، أو إجابة لسائل ، أو في كتاب آخر من كتبه .
( 10 )
التحذير من الإسراف - أو تجاوز الضوابط الصحيحة - في إخراج بعض كلمات الناقد عن معناها المشهور في علم المصطلح ، من أجل توحيد أحكامه على الراوي إذا تعددت
إن النقاد كثيراً ما يقع منهم أن يتكرر كلام الواحد منهم في الراوي الواحد ؛ وكثيراً ما يظهر بين تلك الكلمات - أو يتراءى بين تلك الأحكام - اختلاف ما ، فليس من الصواب أن نبالغ في حمل جملة كبيرة من مصطلحاتهم على غير معانيها المشهورة عندهم المقررة بينهم ، من أجل أن ننفي الاختلاف بين معاني كلمات ذلك الناقد في عدد يسير من الرواة .(1/142)
وبعبارة أخرى : ليس كل اختلاف في كلمات الناقد في الراوي الواحد يصح أن يحمل على تساوي هاتين الكلمتين في المعنى ؛ فيجعل الاختلاف لفظياً ؛ بل الناقد الواحد يقع منه أحياناً ، بل قد يكثر منه ، أن تختلف أحكامه في الراوي الواحد ؛ أعني تختلف عباراته اختلافاً معنوياً ؛ ولذلك الاختلاف أسبابه وتوجيهاته ؛ كما يأتي بعد قليل .
نعم قد يشذ بعضهم أحياناً قليلة فيما يستعمل له بعض الكلمات من المعاني ، فيكون الخلاف بين عباراته في الراوي الواحد لفظياً ؛ ولكن ذلك قليل ؛ فلا بد من التثبت والمبالغة في التفتيش والاستقراء ، فإن علم أن الاختلاف معنوي حكمنا به ووجهناه التوجيه اللائق بحال ذلك الناقد وحال ذلك الراوي ؛ وإن عُلم أنه اختلاف لفظي حملنا معنى إحدى الكلمتين على معنى الكلمة الأخرى ، ووجهنا ذلك أيضاً ؛ ولكن ليعلم أنه لا يلزم من هذا الحمل هنا المساواة بين تلك اللفظتين عند ذلك الناقد مطلقاً حيث وردتا ؛ فهذا اللازم باطل .
فليس اختلاف معنى الاصطلاحات عند الناقد هو السبب الوحيد في ما قد يظهر من اختلاف بين كلماته في راو بعينه ؛ ولكن من علم أوجه وأسباب ما قد يقع من اختلاف أقوال الناقد في راو بعينه اتسع له ما كان ضيقاً من مجال توجيه ذلك الاختلاف وبان له ما كان خفياً من حقائقه ، ولم يقتصر على ما يفعله كثير من المتأخرين من الاسترواح عند اختلاف كلمات الناقد في الراوي إلى الجمع بينها بحمل بعضها على خلاف معناها المصطلح عليه ويبالغ في ذلك ويكثر منه .
إن هذه المسألة اقتضت مني هنا نوعاً من الاستطراد بذكر أسباب اختلاف أحكام أو كلمات الناقد في رواة معينين ، فأقول - وبالله التوفيق :
إن اختلاف الثقة المكثر المعتمد من النقاد في الحكم على الراوي الواحد ، هو في الحقيقة أمر هين له أسبابه التي من علمها عذره وفهم مسلكه في هذه المسألة .(1/143)
الفصل الخامس: في بيان طرق وقواعد استقراء عبارات المحدثين لمعرفة معاني مصطلحاتهم والتنبيه على بعض ما يتعلق بذلك
(1)
بيان ما هو معنى الاستقراء
الاستقراء هو التتبع والدراسة ، وهو نوعان استقراء تام واستقراء ناقص ، والاستقراء التام بعضه أتم من بعض وأوفى ، والناقص قد يكتفى به ويبنى عليه عند الاضطرار إليه ، أي عند عدم تيسر إتمام الاستقراء.
وإذا أطلق الاستقراء فالمراد هو التام أو الكافي منه .
فالاستقراء التام المراد لمعرفة معاني المصطلحات الحديثية لأحد علماء الحديث إنما هو تتبع كل أقواله ودراستها ودراسة كل ما يتعلق بها مما له شأن بتعيين معانيها ، وموازنة بعضها ببعض ، وملاحظة كل القرائن والاحتمالات ، لأجل الوصول إلى المقصود ، وهو تعيين معاني تلك المصطلحات .
(2)
بيان أنه ليست كل المصطلحات تحتاج إلى استقراء
المصطلحات من حيث وضوح معناها أقسام كما تقدم ؛ وهي في الجملة قسمان :
القسم الأول : مصطلحات واضحة المعنى ولا إشكال فيها ، ومعناها متفق عليه بين شرّاح المصطلحات ، مثل (أخبرنا إجازةً ) ؛ وهذا القسم لا يحتاج إلى استقراء .
القسم الثاني : مصطلحات معناها عند ذلك الناقد غير واضح أو غير معين على وجه التحديد ، وهذا القسم مفتقر إلى الاستقراء .
تنبيه: ثَمَّ كلمات يتردد فيها الناظر ، لأول الأمر ، أهي اصطلاحية أم هي لغوية غير اصطلاحية ، فهذه تحتاج إلى استقراء ، لتستبين سبيلُها، مثل قولهم (كان يحفظ حديثه).
(3)
بيان صعوبة استقراء معاني كل - أو معظم - المصطلحات الحديثية
استقراء كتب الحديث لأجل التوصل إلى معاني مصطلحات كل محدث أمر شاق صعب مطول ، ولكنه مطلوب متعين فلا بد من القيام به .
ولما كان الأمر كذلك صار لا بد من التعاون والتخصص وانتفاع كل باحث مستقرئ ، بجهود من تقدمه.
4
كيف يتم الاستقراء؟
تم تعريف الاستقراء ، فحقيقة الاستقراء تجميع ما يمكن جمعه من مسائل ظاهرة ، لاستكشاف أمور خفية يمكن استنباطها من مجموع تلك المسائل.(1/144)
والمعلومات التي تجمع في الاستقراء ، لتكون أصلاً للاستنباط والاكتشاف ، كثيرة ، منها :
المعاني اللغوية للكلمة الاصطلاحية .
معنى تلك الكلمة عند جمهور المحدثين.
معنى تلك الكلمة عند من تشتد علاقته بصاحبها ، كشيوخه وتلامذته .
معنى تلك الكلمة بمقتضى قرائن سياقها في كلام المحدث .
تفسير ذلك المحدث لتلك الكلمة ، إن وُجد .
تفسير العلماء لمعنى تلك الكلمة عند ذلك المحدث ، إن وجد .
معاني ما استعمله ذلك المحدث من مرادفات تلك الكلمة وبدائلها .
معاني كل ما قارب هذه الكلمة من كلمات الناقد الأخرى التي عُلمت معانيها ، لأجل الموازنة أو المناظرة بينها وبينهن .
وهذه الأمور التي ذكرت تقتضي جمع كل مواطن ورود الكلمة الاصطلاحية في عبارات المحدث لأجل دراستها وملاحظة متعلقاتها .
5
كيف يبدأ الاستقراء؟
أصح وأنفع وأسرع طرق الاستقراء أن يبدأ الباحث بجمع ما بينه المحدث نفسه من معاني كلماته ، فإنه عظيم الفائدة في هذا الباب ، ولا سيما الكلمات التي بينها بياناً شافياً .
ثم يثنّي بالكلمات التي دل على معناها عنده أحكامه العملية مثل كثرة احتجاجه بالرواة الذين قال هو فيهم : ( لا بأس بهم ) ، ومثل كثرة تصحيحه لأحاديث الرواة الذين وصفهم بلفظة ( صدوق ) ، من غير أن يأتي عنه - أي في الحالتين المضروبتين مثلاً - ما يخالف ذلك ، ولا عبرة بالمخالفة النادرة ؛ فالقواعد والاستقراءات لا تبنى على النادر ، فإنه لا حكم له ، وإن كان لا يصح - عند الاستقراء - أن يهمل النظر والتدبر لمقتضيات تلك الأمور النادرة ؛ ولكن المقصود أن الأصول والقواعد تبنى على الكثير مع عدم تغافل حق القليلِ المعتبر ومقتضاه ، دون الشاذ والنادر ؛ فإنه لا دخل له في بناء الأصول ، بل هو داخل في تكميلاتها وتفصيلاتها واستثناءاتها .
ثم بعد ذلك يصير إلى استقراء معاني أقوال الناقد في الرواة المتفق عليهم ، المشهورة أحوالهم .(1/145)
ثم بعد ذلك ينتقل إلى استقراء وتحقيق أحوال الرواة الذين أطلق ذلك الناقد فيهم كلمات معناها محدد أو قريب من التحديد ، أي كلمات غير فضفاضة ولا تحتمل معان متعددة ، مثل كلمة ( حديثه صحيح ) ، وكلمة ( لا يحتج به ) وكلمة ( متروك ) ، وكلمة ( أحاديثه منكرة ) .
ثم بعد ذلك يشرع بمقارنة اصطلاحاته باصطلاحات المعتدلين الذين علمت اصطلاحاتهم واشتهرت معانيها عندهم .
فبهذه الأنواع من الاستقراء تتبين أصول مذهب ذلك الناقد في معاني مصطلحاته ، ومقاصد عباراته ، ويطلع حاجب شمسها ؛ وتلوح معالم أُسِّها ؛ ثم بعد ذلك التمهيد والتأسيس وفتح الباب الذي كان مغلقاً يسهل الطريق ويتسع على من يريد التوسع والتدقيق والتكميل والتفريع ، فما عليه إلا التوسع في الاستقراء والتدقيق وإكمال بناء الفروع على أصولها وتشييد الأركان على أسسها ؛ مبتدئاً باستقراء الأقرب إلى ما تم استقراؤه ، وباستقراء الأوضح في معناه ؛ لتكون هذه وتلك أصولاً لفروع جديدة ، وتلك الفروع تكون - بدورها - أصولاً لفروع أخرى هي الأقرب إليها ؛ وهكذا يستمر الاستقراء إلى أن يبلغ منتهاه ، ويحصل المقصود منه .
( 6 )
بيان ضرورة التثبت وعدم التسرع في تحديد معاني المصطلحات
إن السبيل إلى معرفة معاني الاصطلاحات عند المتقدمين هو الاستقراء التام المليء بالفطنة والنباهة وبقوة ملاحظة القرائن والاحتمالات والمستند إلى المقارنات والموازنات ، مع استحضار المعنى اللغوي للكلمة في أثناء ذلك العمل كله ، ومع الحذر مما خالف فيه المتأخرون المتقدمين في معاني اصطلاحاتهم .(1/146)
( 7 )
بيان كيفية استقراء الكلمات المركبة
عند استقراء المصطلح المركب لا نفصله فنجعل كل واحدة من كلماته مع نظرائها ، فإذا أردنا مثلاً استقراء مصطلح ( حسن صحيح ) فإننا لا نفصل بين لفظتي ( حسن ) و ( صحيح ) ، ونضع كل لفظة منهما مع نظرائها ؛ بل ندرس المصطلح المركب وحده باعتباره مجموعة منفصلة ، غير مجموعة (حسن) وغير مجموعة (صحيح)، فيُستقرأ هذا المصطلح ، كما يستقرأ أي مصطلح آخر غير مركب(1) .
وقد تكلم على هذه القضية بالتفصيل الشيخ حاتم العوني وفقه الله في كتابه ( المنهج المقترح لفهم المصطلح ) ، فارجع إليه إن أردت التوسع .
وللدكتور أحمد معبد عبد الكريم مؤلف مفرد في هذه المسألة ، لم أره ، فليرجع إليه من أراد التوسع في هذه المسألة .
( 8 )
بيان كيفية استقراء الكلمات المحتملة للتركيب ولغيره
للمحدثين في جملة اصطلاحاتهم مصطلحات مؤلفةٌ من لفظتين اصطلاحيتين مثل (ثقة صدوق) ، (حسن صحيح) ، (حسن غريب).
ومثل هذه المصطلحات تحتمل أمرين:
الأول: أنها تحمل المعنيين مجتمعين ، وعلى هذا فمعنى (حسن غريب) مثلاً هو حسن وغريب .
الثاني : أنها تحمل معنى متوسطاً أو متردداً بين المعنيين ، أي معنى الكلمة الأولى والكلمة الثانية ؛ مثل أن يكون معنى وصف الحديث بأنه (حسن صحيح) أنه فوق مرتبة الحسن ودون مرتبة الصحيح ، عند من يقول ذلك ؛ وهذا تمثيل افتراضي فقط .
الثالث : أنها تحمل معنى ثالث له نوع ارتباط بكل من معنيي اللفظتين.
__________
(1) وقد يتبين بعد استقراء واف أن قول الناقد في الحديث (حسن صحيح) - مثلاً - وصفان ، وليس وصفاً واحداً.(1/147)
فإذا اشتبه علينا تعبيرٌ مؤلفٌ من لفظتين اصطلاحيتين ، فاحتمل أن يكون مصطلحاً مركباً منهما ، واحتمل أيضاً أن يكون غير مركب ، وإنما هو تعبير متألف من لفظتين اصطلاحيتين قد حافظت كل منهما ضمن ذلك التعبير على معناها المعروف لها ، ثم احتمل هذا الاحتمال الثاني أن تكون العلاقة بين تلك اللفظتين هي العطف ، أي تكون ثانيتهما معطوفة على أولاهما بحذف حرف العطف المفيد للجمع وهو ( الواو ) مثل ( حسن غريب ) ، فيكون حرف العطف هذا مقدراً ؛ أو احتمل أن تكون العلاقة بينهما العطف بحرف الشك والتردد ( أو ) ؛ فعلينا حينئذ إذا أردنا استقراء ذلك التعبير لتعيين معناه عند من استعمله من المحدثين : أن نقوم بثلاث مرات من الاستقراء مبنية على ثلاثة اعتبارات :
فنقوم أولاً باستقراء كل واحدة من اللفظتين على حدة ؛ وهذا في الحقيقة استقراءان ، وليس هو استقراءاً واحداً .
ثم نستقرئ التعبير الكلي باعتباره مؤلفاً من اللفظتين الاصطلاحيتين متعاطفتين بحرف العطف ( الواو ) .
ثم نكرر هذا الاستقراء الأخير ، ولكن بناء على احتمال أن حرف العطف هو ( أو ) .
وبعد ذلك فإنه إذا ظهر لنا أن هذا التعبير يحتمل أن يكون مفيداً معنى مركباً آخر غير معنى العطف الجمعي والعطف الترددي ، فحينئذ نكرر - ولا بد - استقراءً آخر من أجل هذا الاعتبار الجديد ؛ أي من أجل التوصل إلى صحة هذا الاحتمال ، أو عدمها ؛ ومن أجل معرفة المعنى الدقيق لهذا الاحتمال أي الأخير نفسه ، على افتراض انتهاء الاستقراء إلى ثبوت صحته أو رجحانه .
وبعد ذلك كله سيتبين لنا - بعد ملاحظة كل القرائن القريبة والبعيدة وكل الاحتمالات الواردة - صحة بعض تلك الاعتبارات المفترضة دون غيرها . والله أعلم(1) .
__________
(1) ثم وجدتُني قد كتبت - أو نقلتُ بتصرفٍ - في بعض مسوداتي هذه الكلمة التي أحببت إثباتها هنا ، تكميلاً للإيضاح:
(إذا ورد في العبارة جمع بين لفظتين اصطلاحيتين مثل ( حسن صحيح ) أو ( حسن غريب ) ، و ( ثقة صدوق ) ، و ( صدوق فيه لين ) و ( صالح فيه ضعف ) ، و ( صحيح مرفوع ) و ( عدل ضابط ) فإنه لا يلزم أن يكون معنى كل لفظة من هاتين اللفظتين ضمن هذا الجمع هو معناها عند انفرادها ، بل قد يظهر أن مدلول أحدهما أو كليهما قد تأثر بهذا التركيب ، وأن هذا المركب ليس جمعاً بين اصطلاحين ، أي أن معناه غير المعنى الحاصل من الجمع بين المعنيين الاصطلاحيين لتلك اللفظتين وإنما هو مصطلح واحد مركب دخل في تركيبه كلمتان اصطلاحيتان ، وأن كلاً منهما قد حافظت ضمن هذا التركيب على أصل - أو بعض - معناها الاصطلاحي دون جميعه ، والفصل في هذه المسائل يحتاج إلى الدراسة الاستقرائية الوافية) .(1/148)
تنبيه: وأما المصطلحات التي تتعدد ألفاظها من غير تركيب ، فهذه أمرها واضح ، فإذا أيقنت إيقاناً تاماً أن اللفظة ذات الكلمتين - أو الأكثر - ليست مركبة ، فالصحيح من طرق الاستقراء حينئذ أن تستقرأ كل منهما مفردةً؛ ومن أمثلة ذلك ( صحيح مرفوع ) و ( حافظ عابد )(1) .
( 9 )
بيان وجوب تقديم الجمع بين كلمات الناقد ما أمكن ولكن من غير تعسف ولا تكلف
ينبغي حمل كلام الإمام في موطن على موافقة المواطن الأخرى ما أمكن ؛ وذلك لندفع عنه التناقض والاختلاف ونحوهما ؛ ولكن لا يصح المبالغة في ذلك ؛ ولا بد في كل ذلك من مراعاة القرائن واعتبار الأحوال ؛ فالناقد الذي يكثر كلامه ويتسرع في النقد قد يكون الأصل في حقه اختلاف أحكامه إلى أن يقوم دليل في حق بعض تلك الأحكام أن اختلاف عباراته كان لفظياً ؛ والناقد الذي يكون كلامه في راو يعرفه جيداً قد يكون الأصل في حقه أن الاختلاف بين كلمات ذلك الناقد في حقه لفظياً ، أو محمولاً على اختلاف المقام والمقصد ونحوهما مما يؤثر في طريقة النقد .
( 10 )
بيان عدم صحة حمل كلام العالم على معنى يكون به مخالفاً للإجماع ، إلا عند الاضطرار إلى ذلك ؛ وضرورة الانتهاء إلى حكم تراعى فيه الموازنة وعدم التناقض بين مقتضى شرح الكلمة الاصطلاحية ومقتضى مرتبة الناقد ومنزلته في فنه
لا يصح حمل كلام العالم على خرق الإجماع ما دام له محمل لا يخالف الإجماع ؛ ومقتضى هذا أن لا يفسر اصطلاح المحدث تفسيراً يؤدي إلى أن يكون معنى كلامه الذي ورد فيه ذلك المصطلح مخالفاً للإجماع ؛ ولو كان ذلك التفسير هو المعروف من معنى ذلك المصطلح ، إلا إذا كان لا بد من ذلك الحمل ، فيصار إليه .
__________
(1) راجع ( المنهج المقترح ) أيضاً.(1/149)
ولا بد من التزام مراعاة الموازنة في أثناء البحث والاستقراء وفيما ينتهيان إليه ؛ فلا يصح اعتبار ودراسة الألفاظ مجردة عن ملاحظة مرتبة الناقد ومنزلته بين أهل الفن ، وقواعد فيه ؛ ولا مجردة عن مراعاة أصل مرتبة الناقد ومنزلته بين العلماء .
لا يستقيم أن يكون من مقتضيات تلك الدراسة وما ينبني عليها : تغيير ما قد علم واشتهر وتحقق من مرتبة ذلك الناقد ومنزلته بين أهل فنه ولو إجمالاً ؛ فلا يجمح البحث بالباحث إلى أحكام وشروحات للألفاظ الاصطلاحية مقتضية أو مفهمة خلاف حال ذلك الناقد ؛ مثل أن يكون مقتضاها أنه ضعيف في الفن أو مخالف لجمهور المحدثين ولأهل اللغة في أمر سهل واضح بين ، مع أن الواقع خلاف ذلك .
وكذلك لا يقصر به من البحث ويمنعه من نتائج جديدة كل ما اشتهر من حال الناقد .
فمثلاً الترمذي اشتهر أنه متساهل في التحسين ، فإذا أردت استقراء مصطلح التحسين عند الترمذي ، فإنه لا يصح أن تمتنع من أن تسلم لنتيجة أخرى قد ينتهي إليه البحث مثل كون الترمذي معتدلاً وهو أحد أئمة العلل ، ولكن التحسين عنده له معنى آخر ، أو معانٍ أخرى ، فليس هو في الجملة بالمعنى المشهور عند المتأخرين ، وهو القسم الثاني من أقسام الأحاديث الصحيحة أو المحتج بها .
ولكن لا يصح أن ينتهي بك البحث إلى أن الترمذي كان أعلم من البخاري وأحمد وأضرابهما ولا إلى أن الترمذي ليس من أهل النقد ولا يحسن منه إلا شيئاً يسيراً ، وأنه كثير الأوهام جداً في أحكامه وأن تساهله فيها مفرط عجيب .
والحاصل أنه لا يصح اصطلاحات العالم على معان غريبة بعيدة من أجل وصفه بالاعتدال ونحوه ، ولا يصح أن يكون حمل اصطلاح العالم على معنى قريب أو مساو لمعنى الجمهور ذريعةً أو علة لوصفه بفحش التساهل أو قوة التشدد ؛ مع أن المعروف عنه والثابت في حقه غير ذلك .(1/150)
الفصل السادس: في التنبيه على أنواع من الخلل والتقصير عند المتأخرين في شرح المصطلحات الحديثية
(1)
تعريف المصطلحات أو شرحها بعبارات المناطقة وأساليبهم
من طريقة كثير من المتأخرين في صياغة تعريف لكلمة اصطلاحية ، أو كتابة شرحٍ لمثل ذلك التعريف : الحرص على تحصيل أقل مراتب الاختصار ، والتنطع في اختيار ألفاظ وعبارات التعاريف ، وأساليب البيان.
وهكذا يقع الاختصار المخلّ ، والغموض ، ويذهب بسبب تلك الطريقة كثير من القيود الصحيحة والتقسيمات النافعة والاستثناءات الهامة ، ونحو ذلك .
إن التنطع في صياغة التعريف ، واستعمال قوالب أهل المنطق لصياغة تعاريف المصطلحات الحديثية أضاع علماً كثيراً ، ووعّر طريقاً سهلاً ، ومنعَ فهماً كان قريباً .
ثم إن هذا الصنيع ليضطرهم بعدئذ ، إلى مزيد من الجدل والدوران حول الألفاظ والتراكيب ، مؤثرين التدقيق فيها على التحقيق في مقاصدها ومعانيها ؛ وكما في المسألة التالية (رقم 2) .
إنه ليس من المطلوب - بل ولا من الصحيح - أن يحرص من يريد شرح مصطلحات المحدثين على الجمع بين الدقة اللفظية المتناهية والاختصار الشديد ، بل إن ذلك غالباً ما يوقع الكاتب في التنطع والتكلف وإضاعة الوقت والجهد ، ويوقع القارئ في صعوبة الفهم بسبب شدة الاختصار ؛ فذلك مسلك غير محمود ولا سيما إذا لم تدعُ إليه حاجة ولم يقتضه المقام ؛ والاعتناء بذلك واشتراطه إنما أتيا من جهة مدرسة المنطق ؛ هم يحرصون على أن يكون التعريف مانعاً جامعاً ويحرصون على أن لا يكون في الكلام شيء من حشو أو تطويل أو تكرار ، وأما الأول فحرص محمود ، وأما الثاني فإذا كان مؤدياً إلى الإخلال بالبيان المطلوب والتقريب المحتاج إليه فلا حاجة إليه ، بل هو - في كثير من الأحيان - ضار غير نافع .(1/151)
إن التزام مراعاة أصول المناطقة والمتأخرين المتأثرين بهم وفروعهم قيد ثقيل يؤدي إلى تحجير الواسع من معاني المصطلحات ، أو توسيع الضيق من ذلك ، وفي أحسن أحواله يكون سبباً في تطويل وتوعير الطريق إلى معرفة المراد ، وذلك بسبب كثرة الاعتراضات والإيرادات والمناقشات والتدقيقات والتعقيدات في مسائل لفظية أو أسلوبية ؛ وحجتهم في ذلك أن غايتهم التعريف المختصر المحرَّر الجامع المانع ، وينتقدون التعريف المطول بالشرح والمثل . فلو أنهم كتبوا تعريفاً في نصف صفحة ، أو أكثر ، يقوم بالمقصود ، ألا يكون أحسن وأنفع من ذلك السطر الذي تعقبه صفحة أو صفحات من الاعتراضات ، التي لا يخرج معها قارئها بطائل ؟ ! .
ولقد أحسن الصنعاني صاحب ( تنقيح الأنظار ) إذ قال فيه ( 1/158 ) : ( وذكر الحدود المحققة أمر أجنبي عن هذا الفن ، فلا حاجة إلى التطويل فيه ) .
ولهذا فلا يصح الالتزام بما ألزمَنا به أهلُ المنطق إلا إذا كان في ذلك خير - لا ضرر فيه - كالاختصار والدقة والترتيب والتفصيل والتقسيم وتمام الوضوح ونحو هذه المقاصد . فإنه لا اعتراض على التدقيق في التعبير في معاني اصطلاحات المتقدمين وشرحها شرحاً مطابقاً قدر الإمكان لما قصدوه هم بتلك المصطلحات ، بل هذا أمر مستحسن مطلوب ، وهو يَقْصِد إلى تحرير التعريفات بالجمع والمنع ، وتسهيل فهمها على الوجه الصحيح بصحة العبارة ودقتها وبلاغتها ودفع أسباب الوهم في فهمها .
( 2 )
الجدل العقيم أو شبه العقيم في تفسير وشرح تعاريف المصطلحات
من خصائص المتأخرين كثرة التدقيق والمناقشات في الحدود والتعريفات والألفاظ والعبارات ؛ ولقد كانت هذه المسالك ، ولم تزل ، من أضر المسائل على أهل العلم ، ومن أقوى الأمور التي وعرت طريق المعرفة على الناس ؛ وكان الاشتغال الزائد بذلك كله سبباً في التقصير في تحقيق القواعد وفي إهمال استقراء ما يكون سبباً في التوصل إلى العلم النافع الصحيح .(1/152)
إن التدقيق في الإبانة وتعاني الإيضاح ودفع أسباب اللبس وعلل الوهم والإيهام أمور مطلوبة بلا هوادة ، ورحم الله تعالى الإمام الشافعيّ إذ قال : (من تعلّم علما فليدقّق ؛ لئلاّ يضيع دقيق العلم ).
ولكن عندما تُنسى المقاصد بسبب انحصار الاهتمام بالوسائل ، وتترك العناية بالمعنى لأجل العناية بلفظِ بعضِ شرّاحه ، فذاك هو الخلل ، بل الزلل .
إن ابتناء مصطلحات المحدثين على المعاني اللغوية لألفاظ تلك المصطلحات ، واشتقاقها منها ، واصطباغها بصبغتها الفطرية واتساع كثير منها لمعانٍ عريضة ، جعلها غير صالحة ولا مناسبة لتقسيمها وشرحها بمقتضى قواعد صناعة المعرفات المنطقية ، لأن التكلف بل التنطع والتكلف الذي بنيت عليه تلك القواعد لا يناسب السليقة العربية وطريقة التخاطب عند العرب ، علماء وغير علماء ، فإذا استعملت تلك القواعد والقوالب في شرح وتبيان هذه المصطلحات العربية الحرّة الأصيلة ، أعني مصطلحات المحدثين ، فإن ذلك سيوقع عليها ، من الضيم والتحريف والتغيير مثلُ ما يقع عليها فيما لو تُرجمت إلى لغة أخرى ، بل وأكثر من ذلك بكثير .
( 3 )
حملهم معاني مصطلحات المتقدمين على معاني مصطلحات المتأخرين مع ما بينهما من الفروق في كثير من الأحيان
كان على المتأخرين فهم اصطلاحات أسلافهم والسير وراءهم فيها ، ولكن لم يرتض كثير من المتأخرين ذلك ؛ أو لم يوفقوا إليه ، فصارت لهم في بعض أبواب هذا الفن اصطلاحات تختلف قليلاً أو كثيراً عن اصطلاحات أهل الاصطلاح(1) ، أعني المتقدمين من المحدثين.
__________
(1) ولهذا فإنه ليس من الصحيح أن نحاكم صنيع القدماء واصطلاحاتهم إلى حدود وتعريفات المتأخرين ، إذا خالفت هذه تلك ؛ ثم نقول : إن المتقدم تجوَّزَ! أو لم يراعِ الاصطلاح! ، أو نحو ذلك .(1/153)
فإن احتجت هذه الطائفة من المتأخرين أو احتُجَّ لها بقاعدة (لا مشاحة في الاصطلاح) ، فالذي ينبغي أن يقال لهم حينئذ إنما هو : ( لا نشاححكم أيها المتأخرون فيما اصطلحتم عليه ولكن بينوا اصطلاحكم البيان الكامل الوافي وانسبوه لأنفسكم وحْدَكم ، لا للقدماء ، ولا لعامة المحدثين ، وصرحوا بتلك النسبة ليزول الإيهام بإغفالها ، وافهموا مصطلحات القدماء واعلموا ما بينها وبين مصطلحاتكم من فرق وتفاوت ، واعتبروه في دراساتكم ؛ وبينوا ذلك لطالبيه ؛ فإن أبيتم ذلك فليس لكم أن تُحْدثوا اصطلاحاً جديداً ، كما أنه ليس لكم أن تُحدثوا شرحاً لأي مصطلح حديثي ، يغاير ما شرحه به أهلُه ، فإننا لا نقبل شرح مصطلح إلا بلسان أهله)(1) .
ثم إن القاعدة المذكورة ليست على إطلاقها ، وقد أشار إلى نقض كلية هذه القاعدة العلامة د. بكر أبو زيد شفاه الله وحفظه في رسالته (المواضعة في الاصطلاح على خلاف الشريعة وأفصح اللغة ) والتي بين فيها ضرورة الالتزام بالمصطلحات الشرعية في جميع ما يحدث في العلوم والحياة ، وتجنُّب كل مصطلح غريب وافد على الأمة الإسلامية ، لما في هذه المصطلحات الغريبة الدخيلة من أثر سيء ، على المسلمين ، في دينهم ولغتهم(2) .
__________
(1) وهذا يذكّرُنا قولَ شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى إذ قال: (ومن أعظم أسباب الغلط في فهم كلام الله ورسوله أن ينشأ الرجل على اصطلاح حادث ، فيريد أن يفسر كلام الله بذلك الاصطلاح ويحمله على تلك اللغة التي اعتادها) [مجموع الفتاوى 12/106].
(2) ولمحمد الثاني بن عمر بن موسى بحث لطيف في مجلة الحكمة (22/281-317) أسماه (التقييد والإيضاح لقولهم لا مشاحة في الاصطلاح)؛ قال في أوائل بحثه :
(وقد شاع في كتب أهل العلم قاعدةُ (لا مشاحة في الاصطلاح) ، وهي قاعدة لا بد من بيان حدودها ،وتخصيص عمومها ونقض اطّرادها .
ومعروفٌ أنه ليس كل مصطلح مقبولاً إلا بحجة [كذا، والأحسن وضع كلمة (ليس ) عقب كلمة (مصطلح)] ؛ كما قال الحافظ الذهبي في ترجمة أبي سعيد أحمد بم محمد بن زياد المعروف بابن الأعرابي ) (ت340هـ): (وكان ابن الأعرابي من علماء الصوفية ، فتراه لا يقبل شيئاً من اصطلاحاتهم إلا بحجة) [سير أعلام النبلاء 15/410].
وقد وضع بعضُهم هذه القاعدة في غير موضعها ، وسوغ كلَّ ما يشار إليه بأنه اصطلاح ، ولو كان يتضمن فساداً ظاهراً، إذ ان لبعض الاصطلاحات جناية على الشريعة.
كما حمل بعضُهم بعضَ النصوص الشرعية من الكتاب والسنة على مصطلحات حادثة، فوقعوا بسبب ذلك في غلط عظيم).(1/154)
( 4 )
عدم الرجوع في تفسير مصطلحات المحدثين إلى المحدثين أنفسهم بل هم كثيراً ما يرجعون في ذلك إلى غير المحدثين ، من فقهاء الرأي وبقايا المدرسة الكلامية .
وكتب المتأخرين في علوم الحديث حافلة بالنقول عن غير أهل الحديث ، فلو نظرت في (النكت على ابن الصلاح) لابن حجر ، مثلاً ، لبان لك شدة حفاوته بكلام الأصوليين وفقهاء مدرسة الرأي ، وبإيراداتهم وبمناقشاتهم ، واستطراداتهم ؛ وذلك لا شك في أنه يوهن أمر المدرسة الحديثية ، وقد تُطمَس نجومها ، في تلك الكتب ، بين تلك الآراء المخالفة المنحرفة التي تزاحمها من كل جانب .
فلا بد لمن أراد فهم أو شرح اصطلاحات المحدثين أن ينظر معانيها عند واضعيها وعند أهل الأزمنة القريبة من زمنهم فهم أهل الاصطلاح ، وهم الذين أنشأوا ذلك العلم ، ووضعوا قواعده وضوابطه واصطلاحاته ، فلم يبقَ لمن جاء بعدهم إلا تلقي هذا العلم عنهم ، وأخْذ معاني مصطلحاته منهم ، ليفهم علمهم ويَعِيَ قولهم .
والخلاصة هنا أنه من الضروري تقديم شروح المتقدمين للمصطلحات على شروح المتأخرين ، في الأصل والجملة.
( 5 )
فصل دراسة المصطلحات عن دراسة القواعد
من الخطأ والتقصير دراسة مصطلحات المحدثين من غير الاستعانة عليها بدراسة قواعدهم ؛ وكثيراً ما يقوم بشرح مصطلحات المحدثين من لم يعرف تفاصيل قواعدهم ولم يخبر مناهجهم ، فيقع بذلك في كلامه عليها خلل شديد وشطط بعيد .(1/155)
( 6 )
عدم ترتيب مباحث علوم الحديث وفق أصولها وقواعدها ومعانيها
إن مدرسة المتأخرين لما أقبلت على التصنيف في (علوم الحديث ) أعني (علم أصول الحديث ) وأرادت ترتيب أبواب هذا العلم لم تحسن الترتيب ، ولقد كان يحسن جداً أن ترتب الأبواب والمصطلحات بحسب أصولها التي ترجع إليها ، مثل أن تدرس زيادة الثقة - أو غيره - في المتن ، والمزيد في متصل الأسانيد ، وتعارض الوصل والإرسال ، وتعارض عنعنة المدلس وتصريحه بالسماع ، وتعارض الوقف والرفع ، ونحو ذلك ، في موضع واحد بابُه بابُ زيادات بعض الرواة على بعضهم؛ فلا شك أن القاعدة في هذا الباب واحدة ، وهي ترجيح رواية الأحفظ ، أو ما شهدت لترجيحه القرائن .
إن دراسة المصطلحات المتقاربة في أصولها في باب واحد ، وهو ذلك الأصل المشترك بينها : أمرٌ يتعاظم نفعُه ويقرّب مقاصد هذا العلم إلى طالبيه ، ويحصرُ شُعَبَه الكثيرةَ جداً في أصول كبيرة واضحة المعالم .
قال الدكتور حمزة المليباري في ( نظرات جديدة في علوم الحديث ) (ص37-39):
(ولما كان الطابع العام لكتب المتأخرين في علوم الحديث متمثلاً في ذكر المصطلحات وتحرير تعريفها وتحليل آراء علماء الطوائف فيها أصبحت محتوياتها ومباحثها غير مرتبة ، رغم جهود بعض المتأخرين والمعاصرين في سبيل ترتيبها وتنسيقها ، وصارت المسائل التي تحملها تلك المصطلحات غير محررة على نهج المتقدمين بل كانت محررة حسب الظواهر وأحوال الرواة وهذا ما سأعالجه في الفقرات الآتية) ؛ ثم قال تحت هذا العنوان : (المباحث في كتب المصطلح غير مرتبة):
(ما من شك أن المصطلحات والتعابير الفنية تعتبر لسان العلوم ، ووعاء قواعدها ومسائلها ؛ ومن هنا تصبح المصطلحات ، وتحرير معانيها ، ذات أهمية كبرى لدى الدارسين .(1/156)
أما إذا تحولت المصطلحات إلى محاور رئيسية(1) لمباحث العلوم ، وإلى مواد علمية تدرس وتحفظ وتردد ، فإن المسائل والقواعد التي تكمن وراء تلك المصطلحات تصبح غير مرتب بيانها ، مما يجعل معرفة الصلة بين نظيراتها في غاية من الصعوبة لدى الدارسين ، وهذا ما نلاحظه في كتب المصطلحات .
إن المصطلحات التالية : العلة ، الشاذ ، المنكر ، المصحف ، المقلوب ، المدرج ، المضطرب : تشكل وحدة موضوعية ضمن قواعد تعليل الحديث ، فإن العلة تقع على ما يدل على الخطأ والوهم ، سواء كان صاحبه ثقة أم ضعيفاً ، ومن ثمة يصدق إطلاقها على الشاذ ، والمنكر ، والمصحف ، والمقلوب ، والمدرج ، والضعيف ، والمضطرب .
فإن الخلاصة في معنى (الشاذ) ما دل على خطأ الثقة بمخالفته لأرجح منه ، على رأي البعض ، أو بالتفرد مع القرائن المنضمة إليه ، على رأي الآخرين ؛ وكذلك المنكر وهو أيضاً يدل على خطأ راويه ، ومنهم من خصصه بالضعيف ، ومنهم من أطلقه كما سبق البيان به ، ولا يتحقق الخطأ - سواء من الثقة أم من الضعيف - إلا بالتداخل عليه والقلب ، فيصبح الحديث مقلوباً ، أو بالإدراج ، فيصبح مدرجاً ، أو بالتصحيف ، فيصبح مصحفاً ، أو بالإضطراب ، فيصبح مضطرباً .
فهذه المصطلحات تشكل وحدة موضوعية ضمن قواعد التعليل والتضعيف ، التي من شأنها أن تعالَج جنباً إلى جنب كي تتضح العلاقة والرابطة بين هذه الأنواع والمسائل .
غير أن كتب المتأخرين اتفقت على تناولها في مواضع متفرقة حتى يتوهم الدارس أنها أنواع مستقلة وقائمة بذاتها ، وأن بعضها قسيم للآخر ؛ وصارت الأبعاد العلمية لهذه الأنواع غير واضحة ، وظل منهج النقاد في تعليل الأحاديث مجهولاً .
وكل هذا وقع من جهة معالجة كتب المصطلح هذه المصطلحات وليس كمسائل ) .
__________
(1) الصواب (رئيسة).(1/157)
( 7 )
الاستغناء بدراسة المصطلحات أو معرفتها عن دراسة كثير من القواعد وتفاصيلها
قال الدكتور حمزة المليباري في ( نظرات جديدة في علوم الحديث ) ( ص18) :
( إنه ما من شك أن الطابع العام لكتب علوم الحديث التي ظهرت في مرحلة ما بعد الرواية يتمثل في ذكر المصطلحات الحديثية ، وتحرير تعاريفها ، وتحليل آراء العلماء فيها - سواء فيهم المحدثون والأصوليون والفقهاء - حتى تصور الكثيرون بأن [كذا] علوم الحديث عبارة عن مجموعة من المصطلحات ، تحفظ وتردد معزولة عن القواعد والمسائل التي تحملها تلك التعابير الفنية ، ومجهولاً دورها الحقيقي ، حتى صار هذا الفن الحيوي العظيم لا يكاد يعرف إلا بـ ( علم مصطلح الحديث ) ؛ ولم تكن هذه التسمية معروفة سابقاً ، وإنما كان يُطلَق عليه علوم الحديث أو علم الرواية(1) .
ومن تتبع تلك الكتب والمصادر وأمعن النظر في مضامينها يقتنع بأن المتأخرين أولوا بالغ العناية في [كذا ] تحرير التعاريف وفق المبادئ المنطقية ، أكثر من تحرير المسائل التي تكمن وراءها ، في ضوء الواقع العلمي لتطبيقات النقاد وممارساتهم العلمية في مجال نقد الأحاديث ورواتها .
ولهذا ظهرت التعاريف التي استقر عليها المتأخرون غير وافية لمدلول المصطلحات المتداوَل لدى المتقدمين ، فإن المصطلحات أصبحت بذلك ضيقة المعاني بعد أن كانت عامة ، وأن النقاد لم يتقيدوا بظواهر العبارات ) . ثم أتى بأمثلة لذلك .
(8)
محاولة توحيد معاني الكلمة الاصطلاحية عند عامة أهل الحديث
من المآخذ على كثير من المتأخرين شدة ميلهم إلى توحيد معاني المصطلحات ، أي القول بتساوي معاني اللفظة الاصطلاحية الواحدة عند جميع أهل ذلك الفن ؛ ثم هم - بعد ذلك - لا يخرجون عن أصلهم المردود هذا ، إلا في حالات قليلة جداً .
__________
(1) أطلق بالأول [كذا] الحاكم حين أسٍمى كتابه بـ(معرفة علوم الحديث ) وبالثاني [كذا] الخطيبُ إذ سمى كتابه ( الكفاية في علم الرواية ) ؛ وقد رد في إطلاق المتقدمين غير ذلك مثل ( علم الرجال ) .(1/158)
( 9 )
مضاهاة اصطلاحات المحدِّثين باصطلاحات محدَثة
أخل بعض المتأخرين أو قصروا في استعمالهم بعض ألفاظ المتقدمين الاصطلاحية بمعانٍ مغايرة لمعانيها عند المتقدمين.
وهذا يوقع في اللبس والإيهام.
ومن ذلك استعمالهم (الحسن) لنوع من الأحاديث المحتج بها عندهم ، مقتصرين في استعماله على هذا المعنى .
إن وضع معان جديدة لألفاظ اصطلاحية قديمة لها معان شهيرة إنما هو إخلال بيّن بقواعد العلم والتعليم، وهو - عند التدبر - مشاحة لأهل الاصطلاح في اصطلاحهم، أو تعمية لما أرادوا بيانه؛ وهذا الإخلال سيؤدي إلى لبس وسوء فهم لمعاني مصطلحات المحدثين .
ينبغي لمن تكلم في هذا الفن أن يورد الألفاظ المتعارفة فيه مستعملاً لها في معانيها المعروفة عند أربابه ؛ ومخالف ذلك إما جاهل بمقتضى المقام أو قاصد للإبهام أو الإيهام(1) .
مثال ذلك : أن يقول قائل في حديث ضعيف : إنه حديث حسن ، فإذا اعترض عليه قال : وصفته بالحسن باعتبار المعنى اللغوي لاشتمال هذا الحديث على حكمة بالغة ؛ فهذا القائل لا يخلو من أحد الاحتمالات الثلاثة المتقدمة . وأما قولهم ( لا مشاحة في الاصطلاح ) فليس هذا موضع الاعتذار بمثل هذا القول ؛ وإنما موضعها ما لم تكن المصطلحات قد استقرت واشتهرت وتقادم العهد عليها وكانت الكتب حافلة بها .
ثم إنه لا معنى لتعدد الاصطلاحات ومخالفة القدماء فيها ، ولو لم ينشأ عن ذلك إبهام ولا إيهام ؛ إلا إذا كان في ذلك مصلحة راجحة .
__________
(1) قال النووي في (التقريب ) (تدريب الراوي : 2/156) مبيناً بعض الشروط التي ينبغي أن يلتزمها من تصدى للتصنيف في الحديث: (وينبغي أن يتحرى العبارات الواضحة والاصطلاحات المستعملة).(1/159)
فمن أراد أن يضع اصطلاحات جديدة مكملة لما وجد من الاصطلاحات أو يرى أن الحاجة مقتضية لذلك فعليه أن يحذر غب المبالغة في تكثير المصطلحات بلا حاجة وتقسيمها وتحديدها بلا مقتضي وليحذر ما ينبني على ذلك من أضرار على هذا العلم وإفساد لمقاصد أهله باصطلاحاتهم .
ومن عيوب منهج المتأخرين في الاصطلاح هو المبالغة في تكثير المصطلحات ، وتعدد الاصطلاحات ، ولو لم توجد إليها حاجة ، بل ولو أدى ذلك إلى لبس وإيهام وتعقيد.
هذا فضلاً عما ذُكر من الحرص على تقسيمها تقسيماً منطقياً ، ولو بتكلف ، وتحديدها ، كذلك .
( 10 )
بيان أهم أسباب الخلل في طريقة المتأخرين في فهم المصطلحات وشرحها
لقد وقع غير قليل من الخلل والانحراف في فهم وشرح مصطلحات القدماء من علماء الحديث ، لأنه وقع بون كبير بين طريقة المتقدمين وطريقة المتأخرين في العلم ؛ لقد كانت مصطلحات المحدثين معروفة عند أهلها وعند المعنيين بهذا الفن وظلت كذلك في العصور المتقدمة ، ولذلك أسباب أهمها قوة هذا العلم حينئذ وكثرة انتشاره وتوافر أهله وقوة معرفتهم بمناهج أئمتهم والمتقدمين عليهم من علماء فنهم ، وتمكنهم من لغة العرب وسعة اطلاعهم عليها ، وقلة مصطلحات المحدثين حينئذ وبعدها عن التنطع والتدقيق المبالغ فيه ؛ وقلة التأثر بالقواعد المنطقية والكلامية ؛ فلما قل أصحاب الحديث وضعفت علومهم وصاروا بين الناس غرباء وابتعد الناس عن علم النبوة وكثر فيهم الاهتمام بعلوم الكلام والمنطق ونحوها ازدادت مصطلحات المحدثين عدداً وغرابة فانبرى لشرحها وتوضيحها غير واحد من العلماء ، ولكن حصل بعدئذ أن كثرت تقسيمات الشراح لها وتنطع كثير منهم في شرحها وتوزيعها وبيان مراداتها وتحقيق مفاداتها ؛ وتباينت المناهج في فهمها واختلفت الأقوال في تفسيرها ؛ وتأثرت كتب علوم الحديث - كشأن سائر كتب المسلمين - بعقائد مؤلفيها ومذاهبهم ، وبعلوم أجنبية عنها تشبع أو تأثر بها أولئك الشراح .
هذه المسألة في غاية الأهمية ولكني لم أستوف جميع قواعدها في هذا الموضع فإن بعضها مذكور تصريحاً أو تضميناً في مواضع أخرى من هذا المبحث .(1/160)
الفصل السابع: في التنبيه على مسائل أخرى غير ما ذُكر
( 1 )
بيان أهم أسباب إيثار القدماء ، أحياناً ، الكلمةَ ذات المعنى الواسع على غيرها
ينبغي أن يعلم أن من تثبت العلماء قديماً إيثارهم في كثير من الأحيان الكلمة الواسعة إذا أدت المعنى المراد على الكلمة الضيقة المحددة ، مثال ذلك : لفظة ( لا يحتج به ) من ألفاظ التجريح ، وهي تطلق على كل من لا يحتج به سواء كان صالحاً للاستشهاد أم لا ؛ ولكن من تحرى الدقة من النقاد فإنه يطلقها غالباً فيمن يستشهد به ولكن لا يحتج به .
فهي إذن من الكلمات التي تتسع لأكثر من معنى ، وكان من شأن كثير من النقاد في كثير من الأحيان أن يؤثروا في عباراتهم مثل هذه الكلمات المرنة العريضة المعنى على ما ليس كذلك من الكلمات ؛ ولذلك أسباب :
أولها : أن اللفظة كلما كانت أعم كان مجال الكلام أوسع ، وكان المتكلم عن المعاني الحرجة والمسالك الضيقة أبعد ؛ والسلف على مثل ذلك يحرصون ما كان فيه كفاية ، فإن احتيج إلى البيان المحدد والتعيين الكامل صاروا إليه .
وكان ذلك جرياً منهم على طريقتهم في عدم الهجوم على ما لا يعلمونه وعدم الجزم بما لا يتحققونه ، ووقوفاً منهم عند حدود معرفتهم ونهايات اطلاعهم ، وهذا من كمال علمهم ووفرة إنصافهم رحمهم الله .
والثاني من أسباب استعمالهم المصطلحات والألفاظ التي تعم أكثر من معنى : أن يكون المقام مقام إجمال أو أنه لا يقتضي أكثر من التصريح بتلك الكلمة العامة .
والثالث : أن يكون بين الناقد وذلك الراوي نوع من الصلة أو العلاقة المانعة له - بسبب الحياء ونحوه - من التصريح بحقيقة حاله وسيء أوصافه كالاتهام بالكذب ونحوه ، فيقتصر على ما يحصل به المطلوب في ذلك المقام ، وهو بيان بطلان الاحتجاج به .(1/161)
والرابع : أن تكون القرائن كافية في تعيين المعنى الدقيق لتلك الكلمة العامة .
والخامس : أن يكون الناقد ممن لا يفرقون بين أفراد من لا يحتج بهم لأنه لا يقول بتقوية الطرق الضعيفة بتعددها .
والسادس : أن يكون الناقد من أهل الورع الذين يجتنبون - إلا عند الحاجة - ذكر ما في الراوي من طعن شديد كالكذب ونحوه فيكتفي بالإشارة إلى إسقاطه بأخف الألفاظ وأبعدها عن احتمال الإثم .
مثال ذلك الإمام ابن المبارك رحمه الله ؛ فقد كان من أهل الورع في النقد والتوقي فيه ، ولعله لم يكن ليتكلم في أحد من الرواة إلا عند وضوح الحاجة إلى ذلك ، ولذلك كان من مزاياه في نقده أنه كان فيه عف اللسان خفيف اللفظة ، يكاد يستغني بالإشارة إلى جرح الراوي عن التصريح به ، فإذا اقتضى أمر الدين وواجب النصح أن يجرح ويحذر لم يقصر ، ولكن مقتصراً على موضع الحاجة ، مع التزام الأدب والورع والتقوى والإنصاف .
قال عبد الله بن الإمام أحمد كما في ترجمة عبد السلام بن حرب من ( ضعفاء العقيلي ) و ( تهذيب الكمال ) ( 18/68 ) عن الحسن بن عيسى : سمعت عبد الله بن المبارك وسألته عن عبد السلام بن حرب الملائي ، فقال : قد عرفته ؛ وكان إذا قال : قد عرفته ، فقد أهلكه ) .
وقال عبد الله أيضاً : قال أبي : وقيل لابن المبارك في عبد السلام ؟ فقال : ما تحملني رجلي إليه ) .
وقال مسلم في مقدمة ( الصحيح ) ( 1/11 ) : ( وقال محمد [يعني ابن عبد الله بن قهزاذ] : سمعت علي بن شقيق يقول : سمعت عبد الله بن المبارك يقول على رؤوس الناس : دعوا حديث عمرو بن ثابت ، فإنه كان يسب السلف ) .(1/162)
وقال مسلم ( 1/12 ) : ( وحدثني محمد بن عبد الله بن قهزاذ من أهل مرو قال : أخبرني علي بن حسين بن واقد قال : قال عبد الله بن المبارك : قلت لسفيان الثوري : إن عباد بن كثير من تعرف حاله ، وإذا حدث جاء بأمر عظيم فترى أن أقول للناس : لا تأخذوا عنه ؟ قال سفيان : بلى ؛ قال عبد الله : فكنت إذا كنت في مجلس ذكر فيه عباد أثنيت عليه في دينه وأقول : لا تأخذوا عنه ! .
وقال محمد حدثنا عبد الله بن عثمان قال : قال أبي : قال عبد الله بن المبارك : انتهيت إلى شعبة فقال : هذا عباد بن كثير فاحذروه ) .
وقال مسلم في مقدمة ( صحيحه ) ( 1/18 ) : ( حدثني أحمد بن يوسف الأزدي قال سمعت عبد الرزاق يقول : ما رأيت ابن المبارك يفصح بقوله ( كذاب ) إلا لعبد القدوس ، فإني سمعته يقول له : كذاب ) .
( 2 )
بيان أنه ليس كل ما يقع من العلماء من اختلاف في ظواهر عباراتهم عن المسألة الواحدة يكون اختلافاً في الحقيقة
من النافع بل الضروري : معرفة احتمال اتحاد المقاصد والمعاني مع اختلاف العبارات والألفاظ : قال العلامة طاهر الجزائري في ( توجيه النظر ) ( 1/38 ) : وقد رأيت أن أذكر هنا فائدة تنفع المطالع في كثير من المواضع وهي أن مثل هذا يعد من قبيل اختلاف العبارات لا اختلاف الاعتبارات وهو ليس من قبيل الاختلاف في الحقيقة كما يتوهمه بعض من لا يمعن النظر ؛ فإنهم كلما رأوا اختلافاً في العبارة عن شيء ما ، سواء كان في تعريف أو تقسيم أو غير ذلك ، حكموا بأن هناك اختلافاً في الحقيقة ، وإن لم تكن تلك العبارات مختلفة في المآل .(1/163)
وقد نشأ عن ذلك أغلاط لا تحصى سرى كثير منها إلى أناس من العلماء الأعلام فذكروا الاختلاف في مواضع ليس فيها اختلاف ، اعتماداً على من سبقهم إلى نقله ولم يخطر في بالهم أن الذين عولوا عليهم قد نقلوا الخلاف بناء على فهمهم ، ولم ينتبهوا إلى وهمهم ؛ وكثيراً ما انتبهوا إلى ذلك بعد حين فنبهوا عليه وذلك عند وقوفهم على العبارات التي بنى الاختلافَ عليها الناقلُ الأول ؛ وقد حمل هذا الأمر كثيراً منهم إلى فرط الحذر حين النقل ، وقد أشار إلى نحو ما ذكرنا الإمام تقي الدين أبو العباس أحمد بن تيمية في رسالته في قواعد التفسير فقال : الخلاف بين السلف في التفسير قليل وغالب ما يصح عنهم من الخلاف يرجع إلى اختلاف تنوع لا اختلاف تضاد وذلك صنفان :
أحدهما : أن يعبر واحد منهم عن المراد بعبارة غير عبارة صاحبه تدل عل معنى في المسمى غير المعنى الآخر ، مع اتحاد المسمى ، كتفسير بعضهم الصراط المستقيم بالقرآن ، أي اتباعه ، وتفسير بعضهم له بالإسلام ؛ فالقولان متفقان ، لأن دين الإسلام هو اتباع القرآن ، لكن كل منهما نبه على وصف غير وصف الآخر ، كما أن لفظ الصراط المستقيم يشعر بوصف ثالث ؛ وكذلك قول من قال : هو السنة والجماعة ، وقول من قال : هو طريق العبودية ، وقول من قال : هو طاعة الله ورسوله ؛ وأمثال ذلك فهؤلاء كلهم أشاروا إلى ذات واحدة ولكن وصفها كل منهم بصفة من صفاتها .
الثاني : أن يذكر كل منهم من الاسم العام بعض أنواعه على سبيل التمثيل وتنبيه المستمع على النوع لا على سبيل الحد المطابق للمحدود في عمومه وخصوصه .(1/164)
مثاله ما نقل في قوله تعالى ( ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا ) الآية ، فمعلوم أن الظالم لنفسه يتناول المضيع للواجبات والمنتهك للحرمات ، والمقتصد يتناول فاعل الواجبات وتارك المحرمات ، والسابق يدخل فيه من سبق فتقرب بالحسنات مع الواجبات ؛ فالمقتصدون أصحاب اليمين ، والسابقون السابقون أولئك المقربون ، ثم إن كلاً منهم يذكر في هذا نوعاً من أنواع الطاعات ، كقول القائل : السابق الذي يصلي في أول الوقت ، والمقتصد الذي يصلي في أثنائه ، والظالم لنفسه الذي يؤخر العصر إلى الإصفرار ؛ أو يقول : السابق المحسن بالصدقة مع الزكاة ، والمقتصد الذي يؤدي الزكاة المفروضة فقط ، والظالم : مانع الزكاة .
ثم قال : ومن الأقوال المأخوذة عنهم ويجعلها بعض الناس اختلافاً أن يعبروا عن المعاني بألفاظ متقاربة كما إذا فسر بعضهم ( تبسل ) بـ ( تحبس ) وبعضهم بـ ( ترتهن ) لأن كلاً منهما قريب من الآخر . ا هـ .
وقال بعض العلماء في كتاب ألفه في ( أصول التفسير ) : قد يحكى عن التابعين عبارات مختلفة الألفاظ فيظن من لا فهم عنده أن ذلك اختلاف محقق فيحكيه أقوالاً ، وليس كذلك ، بل يكون كل واحد منهم ذكر معنى من معاني الآية لكونه أظهر عنده أو أليق بحال السائل ، وقد يكون بعضهم يخبر عن الشيء بلازمه ونظيره ، والآخر بثمرته ومقصوده ؛ والكل يؤول إلى معنى واحد غالباً . ا .هـ ) .
انتهى كلام الشيخ طاهر الجزائري رحمه الله .
( 3 )
بيان أولى الكتب بالاستقراء
لا بد من أجل المعرفة الدقيقة باصطلاحات المحدثين من استقراء كتب الحديث على تنوع موضوعاتها وطرق تصنيفها ، ولكن أولى الكتب بالاستقراء التام كتب أهل الاصطلاح - وهم محدثو القرن الثالث فما قبله ، وأئمة المحدثين في القرن الرابع - ، أو الكتب التي تعنى بنقل كلام أهل الاصطلاح هؤلاء .(1/165)
( 4 )
بيان مدى الانتفاع بأقوال العلماء في شرح المصطلحات ومدى الاعتماد عليها
المسلك الصحيح في هذا الباب التلقي التام والقبول المطلق لشرح أهل الاصطلاح لمصطلحهم ، ولكن مع مراعاة أن الأوائل لم يكونوا يحرصون على التدقيق الزائد في التعريفات خلافاً للطريقة الشائعة عند المتأخرين ؛ ومع مراعاة احتمال أنهم عرفوا نوعاً مشكلاً من أنواع المعنى الذي تكلموا عليه وعرفوا به ، وتركوا الأنواع الأخرى منه لشهرة المقصود بها ، أو لقوة دلالة القرائن والساقات عليها ؛ ويراعى كذلك احتمال خروجهم عن اصطلاحهم أحياناً ، بل ويراعى كل ما يدخل في هذه المسألة مما يفهم من مجموع التنبيهات المتقدمة أو الآتية في الفرق بين طريقة المتقدمين والمتأخرين في اصطلاحاتهم .
وبعد ذلك لا بد من الإفادة من كلام غير المتقدمين من علماء الحديث في شرح اصطلاح المتقدمين ، كما نبه على ذلك الشيخ حاتم العوني في ( المنهج المقترح ) بقوله في بيان بعض خطوات استقراء المصطلحات ( الاستنارة بكلام المصنفين في علوم الحديث ، من غير أهل الاصطلاح ، بعامة ؛ وخاصةً أصحاب الطور الأول لكتب علوم الحديث : طور ما قبل كتب ابن الصلاح ؛ ولكتاب ابن الصلاح أيضاً ميزة وفضيلة على كتب الطور الثاني كلها ، لأسبابٍ وعوامل اختص بها ) .(1/166)
( 5 )
بيان وجوب ضبط شكل الكلمات الاصطلاحية
ينبغي البحث عن الضبط الصحيح للكلمة الاصطلاحية ؛ قال السخاوي في ( فتح المغيث ) (2/128-129) : ( وكذا ينبغي تأمل الصيغ فرب صيغة يختلف الأمر فيها بالنظر إلى اختلاف ضبطها ، كقولهم "فلان مودٍ" ، فإنها اختُلف في ضبطها فمنهم من يخففها ، أي هالك ، قال في "الصحاح" : "أودى فلان أي هلك ، فهو مودٍ" ؛ ومنهم من يشددها مع الهمزة ، أي حَسَن الأداء ؛ أفاده شيخي في ترجمة سعد بن سعيد الأنصاري من "مختصر التهذيب"(1) نقلاً عن أبي الحسن ابن القطان الفاسي ، وكذا أثبت الوجهين كذلك في ضبطها ابن دقيق العيد ؛ وأفاد شيخنا أيضاً أن شيخه الشارح(2) كان يقول في قول أبي حاتم "هو على يدي عدل" أنها من ألفاظ التوثيق ، وكان ينطق بها هكذا - بكسر الدال الأولى - بحيث تكون اللفظة للواحد ، وبرفع اللام وتنوينها ؛ قال شيخنا : كنت أظن أن ذلك كذلك ، إلى أن ظهر لي أنها عند أبي حاتم من ألفاظ التجريح ---- ) .
وانظر (مؤدّي) و (على يدي عدل) .
( 6 )
بيان وجوب تدبر صيغة المصطلح
يجب تدبر الصيغة جيداً ؛ فكثيراً ما يكون الفرق بين العبارتين دقيقاً خفياً لا يفطن له كثير من أهل هذا العلم فضلاً عن المشاركين فيه ؛ فإليك مثالاً على هذه القضية الفرق بين ( ليس بالقوي ) و ( ليس بقوي ) .
قال الذهبي في ( الموقظة ) ( ص83 ) : ( وبالاستقراء إذا قال أبو حاتم : ( ليس بالقوي ) ، يريد بها أن هذا الشيخ لم يبلغ درجة القوي الثبت ، والبخاري قد يطلق على الشيخ ( ليس بالقوي ) ويريد انه ضعيف ) .
__________
(1) هذا في (تهذيب التهذيب) (3/471).
(2) يعني الحافظ العراقي ، وعبر بـ"الشارح" ، لأنه شارح ألفية نفسه ، قبل السخاوي ، أو شارح (مقدمة ابن الصلاح) في (التقييد والإيضاح) ، ويظهر أنه كان الأحسن أن يعبر السخاوي هنا في شرح (ألفية العراقي) بكلمة (الناظم) ونحوها .(1/167)
وفرق بعض العلماء كالمعلمي بين قول الناقد في الراوي ( ليس بقوي ) وقوله فيه ( ليس بالقوي ) ؛ قال الكوثري في بعضهم : ( ليس بقوي عند النسائي ) فاستدرك عليه المعلمي في ( التنكيل ) ( ص442 ) بقوله : ( أقول : عبارة النسائي ( ليس بالقوي ) ، وبين العبارتين فرق لا أراه يخفى على الأستاذ ولا على عارف بالعربية ، فكلمة ( ليس بقوي ) تنفي القوة مطلقاً وإن لم تُثبت الضعف مطلقاً ؛ وكلمة ( ليس بالقوي ) إنما تنفي الدرجة الكاملة من القوة ؛ والنسائي يراعي هذا الفرق فقد قال هذه الكلمة في جماعة أقوياء منهم عبد ربه بن نافع وعبد الرحمن بن سليمان بن الغسيل ، فبين ابن حجر في ترجمتيهما من ( مقدمة الفتح ) أن المقصود بذلك أنهما ليسا في درجة الأكابر من أقرانهما ؛ وقال في ترجمة الحسن بن الصباح : ( وثقه أحمد وأبو حاتم ، وقال النسائي : صالح ، وقال في الكنى : ليس بالقوي ؛ قلت : هذا تليين هين ، وقد روى عنه البخاري وأصحاب السنن إلا ابن ماجه ولم يكثر عنه البخاري ) . ) . انتهى كلام المعلمي .
( 7 )
بيان وجوب الحذر من التصحيف المغير لمعنى المصطلح عند وقوعه فيه
يجب الحذر من التصحيف الواقع في اصطلاحات العلماء وشرحها ، وإليك هذين المثالين :
المثال الأول : كلمة ( على يدي عدل ) :(1/168)
هذه الكلمة معناها ساقط تالف مستحق للترك وذلك إما لسقوط عدالته كاتهامه بالكذب ونحوه أو لفحش خطئه وشدة غفلته وكثرة تخليطه ؛ قال الميداني في ( مجمع الأمثال ) ( 2/8 ) : ( على يدي عدل : قال ابن السكيت هو العدل بن جزء بن سعد العشيرة وكان على شرط تبع وكان تبع إذا أراد قتل رجل دفعه إليه فجرى به المثل في ذلك الوقت فصار الناس يقولون لكل شيء قد يئس منه هو على يدي عدل ) . وقال ابن حجر في ترجمة محمد بن خالد بن عبد الله الواسطي من ( تهذيب التهذيب ) تعليقاً على قول ابن أبي حاتم فيه : ( سئل أبي عنه فقال هو على يدي عدل ) : ( وقوله على يدي عدل معناه قرب من الهلاك وهذا مثل للعرب كان لبعض الملوك شرطي اسمه عدل فإذا دفع إليه من جنى جناية جزموا بهلاكه غالبا ذكره ابن قتيبة وغيره وظن بعضهم أنه من ألفاظ التوثيق فلم يصب ) . والذي أشار إليه ابن حجر هو شيخه العراقي ، فإنه كان يقول في عبارة أبي حاتم هذه إنها من ألفاظ التوثيق ، وكان ينطق بها هكذا ( عَلَىْ يَدِي عَدْلٌ ) ، وقال ابن حجر : كنت أظن ذلك كذلك إلى أن ظهر لي أنها عند أبي حاتم من ألفاظ التجريح ، وذلك أن ابنه قال في ترجمة جبارة بن المغلس : سمعت أبي يقول : هو ضعيف الحديث ، ثم قال : سألت أبي عنه فقال : هو على يدي عدل ؛ ثم حكى أقوال الحفاظ فيه بالتضعيف ؛ ولم ينقل عن أحد فيه توثيقاً ؛ ومع ذلك ما فهمت معناها ولا اتجه لي ضبطها ؛ ثم بان لي أنها كناية عن الهالك وهو تضعيف شديد ؛ ففي كتاب ( اصلاح المنطق ) ليعقوب بن السكيت عن ابن الكلبي قال : جزء بن سعد العشيرة بن مالك ، من ولده العدل ، وكان ولِيَ شُرَط تبَّع فكان تبع إذا أراد قتل رجل دفعه إليه ، فمن ذلك قال الناس : وضع على يدي عدل ومعناه هلك ) . انتهى .(1/169)
وقد سبق العراقيَّ إلى هذا الوهم الذهبيُّ في ترجمتي محمد بن خالد بن عبد الله الطحان ويعقوب بن محمد بن عيسى من الكاشف ، وهذا الوهم إنما وقع بسبب قراءة العبارة على غير وجهها الصحيح أي هكذا ( هو على يَدَيَّ عَدْلٌ ) والصواب ( هو على يدَيْ عَدْلٍ ) .
المثال الثاني : يثبج الحديث :
انظر (يثبج الحديث) من هذا المعجم.
( 8 )
بيان غرابة عبارات وأساليب كثير من المتقدمين عن كثير من أهل هذا العصر
ليست مصطلحات المحدثين هي وحدها التي يحتاج الناس في هذا العصر إلى شرحها ، ولكنهم يحتاجون أيضاً إلى شرح كثير من عباراتهم وأساليب محاوراتهم وطرق تعقباتهم ، لأنها صارت اليوم غريبة عن أهل هذا العصر ، والغريب لا بد أن يشرح ؛ ومِنْ نَقْصِ عِلْمنا ومن جهْلِنا بلغتِنا ، أُتينا ؛ إلا من رحم الله ، وقليلٌ ما هم؛ والله المستعان.
( 9 )
بيان تفاوت المحدثين في انضباط اصطلاحاتهم
يظهر لي أن الأئمة النقاد المتثبتين كانوا أكثر انضباطاً من غيرهم من المحدثين ، فهم يغلب عليهم استقرار اصطلاحاتهم ، أي استعمال اللفظة الاصطلاحية بمعنى واحد ثابت، أو ما يقاربه مقاربة شديدة .
وأما غير هؤلاء فشأنهم في هذا الباب قد يكون شيئاً آخر .
( 10 )
بيان أن الاختلاف بين المحدِّثين في اصطلاحاتهم ليس عيباً وليس هو اختلافاً في العلم والمعاني
اختلف المحدثون في اصطلاحاتهم ، لأمور كثيرة ، منها تباعد ديارهم وأعصارهم ، واختلاف مداركهم وأذواقهم ، وتفاوت ومراتبهم في الفصاحة والبلاغة ؛ فلذلك لم يكن غريباً منهم أن لا تتوحد مصطلحاتهم ، وهم في هذا التنوع كغيرهم من سائر أصحاب العلوم الدينية والدنيوية.
ثم إن المحدّثين - على الرغم مما تقدم ذكرُه - متفقون أو متقاربون في أكثر مصطلحاتهم، ويظهر هذا التقارب أكثر بين أئمتهم وكبار علمائهم ؛ فالحمد لله رب العالمين.(1/170)
ومما ينبغي التنبيه عليه أو التذكير به هو أن الاختلاف في اتخاذ المصطلحات ضمن الضوابط الصحيحة لا يعدّ اختلافاً في العلم ، أو في الأقل لا يعد اختلافاً في مقاصد العلم وغاياته ؛ بل هو اختلاف لفظي ؛ قال صاحب (كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون ) (1/42):
(واعلم أن تعليم العلم من جملة الصنائع ، [و]إذ هو صناعة [وجب] اختلاف الاصطلاحات فيه ، فلكل إمام اصطلاح في التعليم يختص به ، شأنَ الصنائعِ؛ ألا ترى إلى علم الكلام كيف يختلف [في الأصل يخالف] في تعليمه اصطلاحُ المتقدمين والمتأخرين(1) ، فدل على أنها صناعات في التعلم والعلم واحد).
تكميل :
الإدراج في اللغة مصدر للفعل أدرج ، كما هو بين ؛ يقال : أدرج الشيء في الشيء : أدخله فيه .
وأما في الاصطلاح فهو أن يزيد بعض الرواة في متن الرواية أو سندها ما ليس منها ، أي من غير أن يبين القائلَ لتلك الزيادة ، أو الراوي لها ؛ سواء كان المدرِجُ متعمداً أو واهماً ؛ فتلك الزيادة تسمى عندهم ( مدرجة ) .
وقد تكلف الحافظ ابن حجر رحمه الله في ( نزهة النظر ) في تكثير أنواع الإدراج بطريقة لا أعلم له فيها سلفاً ولا مسوغاً ؛ حتى بلغ بذلك حد الصعوبة والتعقيد ؛ وهكذا يصنع كثير من المتأخرين في كثير من الاصطلاحات ؛ فَبَيْنَا أوجدها المتقدمون لاختصار التعبير وتقريب المعاني جعلها المتأخرون عبئاً على الطلاب .
__________
(1) وكذا سائر العلوم مثل أصول الفقه والعربية .
ثم إن التمثيل بعلم الكلام فيه نظر ، أو هو غير جيد ، لأن الاختلاف في علوم العقيدة بين المتقدمين وهم السلف وبين كثير من المتأخرين وهم أهل الكلام وأتباعهم كان خلافاً معنوياً خطيراً ، ولم يكن خلافاً لفظياً اصطلاحياً.(1/171)
لسان المحدثين
(مُعجم يُعنى بشرح مصطلحات المحدثين القديمة والحديثة ورموزهم وإشاراتهم
وشرحِ جملة من مشكل عباراتهم وغريب تراكيبهم ونادر أساليبهم)
تأليف: محمد خلف سلامة
.......................................المجلد الثاني........................................
(الألف - التاء)
فصل الألف
الله المستعان :
كلمة الأصل فيها أن تكون إشارة إلى كذب الراوي أو سقوطه بتلاعبه أو فحش تساهله أو قبح تدليسه أو غلوه في بدعته ، أو نحو ذلك من الأمور المقتضية لتركه .
وقال الدكتور قاسم علي سعد في (مباحث في علم الجرح والتعديل) (ص95) : (استعمل الذهبي هذه اللفظة في طبقة أخف سوءاً من هذه [يعني مرتبة لفظة كذاب ونحوها من الألفاظ] ، لكنها لا تخرج عنده عن كون صاحبها لا يكتب حديثه اعتباراً) ؛ قلت: فهو عنده متروك أيضاً .
الآثار :
جمع (أثر) ، فانظر (الأثر) .
الآثار الموقوفة :
أي المروية عن بعض مَن دُونَ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، من الصحابة ، أو غيرهم ، وانظر (الأثر) و (موقوف) .
الآحاد :
الآحاد في اللغة جمعُ أحد، بمعنى واحد .
وأما في المصطلح ، فأحاديث الآحاد في عرف المتوسطين والمتأخرين هي كل ما ليس بمتواتر عندهم ، قال ابن حجر في (النزهة) في تعريف أخبار الآحاد : (ويقال لكل منها خبر واحد ، وخبر الواحد في اللغة ما يرويه شخص واحد ، وفي الاصطلاح ما لم يجمع شروط المتواتر) .
وانظر (متواتر) .
آخر الحروف :
يعني حرف الياء ؛ وعادة أهل الضبط والتدقيق أن يستعملوا أسماء الحروف في ضبط كلماتها ؛ انظر (ضبط الكلمة) .
آفته فلان :
يستعمل المحدثون هذه الكلمة لتعيين من يكون الحمل عليه في حديث موضوع أو باطل أو منكر ، فإن بيّن ذلك الناقد في ذلك السياق أو في غيره مرتبةَ ذلك الحديث المردود تعيَّن معنى قوله فيه (آفته فلان) ، وإلا فالكلمة محتملة أن يكون معناها آفته في وضعه أو آفته في بطلانه أو آفته في نكارته .(2/1)
قال برهان الدين الحلبي في (الكشف الحثيث عمن رُمي بوضع الحديث) (ص143) (213) : (الحسن بن شبيب المكتب ، عن هشيم وغيره ، قال ابن عدي : حدث بالبواطيل عن الثقات . وقال البرقاني عن الدارقطني : أخباري ليس بالقوي يعتبر به .
قال الذهبي : قلت : المتعين ما قال ابن عدي فيه ؛ ثم شرع وذكر له حديثاً ، ثم قال : آفته المكتب ؛ انتهى .
فهذه كناية عن الوضع ، ويحتمل أن يريد آفته في نكارته أو غير ذلك والله أعلم) .
وذكر ابن عَرّاق في (تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأحاديث الشنيعة الموضوعة) (1/34) في ترجمة أحمد بن محمد المخرمي قول الحافظ برهان الدين الحلبي : (الظاهر أن قولهم "آفته فلان" كناية عن الوضع ، ويحتمل أن يكون المراد آفته في رده أو نكارته أو غير ذلك ) ؛ ثم قال - أي ابن عرّاق - : (إن قالوا : موضوع أو باطل آفته فلان ، فهو كناية عن الوضع ؛ وإن قالوا : منكر آفته فلان ، فمرادهم آفته في نكارته ؛ وإن قالوا : آفته فلان، فقط ، فهذا محل تردد . والله أعلم) .
وقال البرهان الحلبي في (الكشف الحثيث) (235) : (الحسين بن أحمد الهروي الشماخي الحافظ كذبه الحاكم وقد ذكر شيخنا العراقي في تخريج أحاديث (الإحياء) للغزالي قبيل كتاب رياضة النفس حديث (ما من عبد إلا وله أربع أعين : عينان في رأسه يبصر بهما أمر دنياه) الحديث ؛ ثم عزاه لـ(مسند الفردوس)، ثم ذكر أن في سنده هذا الرجل ثم قال : والآفة منه انتهى . وقد ذكره الذهبي في (ميزانه) مطولاً؛ وذكر كلام الحاكم.
وقولُ شيخنا "والآفة منه" إشارة إلى أنه وضعه ؛ والله أعلم).
وانظر ترجمة الحسين بن سليمان النحوي من (الكشف الحثيث).
آلات النسخ :
هي القلم والسكين والمحبرة والكاغد والحبر؛ انظر كتاب (توثيق النصوص وضبطها ) للدكتور موفق عبدالقادر (ص237).
---- الآيةَ :
انظر (---- الحديثَ) .(2/2)
أبى أن يحدثنا به :
هذه العبارة يصف بها بعض المحدثين حديثاً امتنع شيخهم من أن يحدثهم به ، والأصل في ذلك النوع من الامتناع أن يكون سببه هو عدم صحة الحديث ، فلا يستحل ذلك المحدث أن يحدث به أحداً إما لأنه موضوع عنده أو باطل أو منكر.
وهذا الامتناع كان عادةً لبعض الأئمة كالإمام يحيى بن سعيد القطان.
وقد تكررت هذه العبارةُ ، المشروحةُ ، على لسان الإمام أحمد يصف بها بعضَ الأحاديث التي كان شيخهم يحيى القطان يستنكرها ويأبى أن يحدثهم بها، كحديث النهي عن صيام يوم السبت.
وكذلك كان الإمام أحمد يفعل ؛ قال ابنه عبد الله في (العلل ومعرفة الرجال) (1/345) (636) : (حدثني أبي قال حدثنا أبو الجواب قال حدثنا عمار بن رزيق عن خالد بن أبي كريمة عن أبي جعفر المدايني ، قال أبي : واسمه عبد الله بن مسور بن عون بن جعفر بن أبي طالب، قال أبي : اضرب على حديثه ، أحاديثه موضوعة ؛ وأبى أن يحدثنا عنه).
الإباضية :
الإباضية فرقة من الخوارج ؛ ليست مقالتهم شديدة الفحش ؛ هكذا قال ابن حجر ، وفي ذلك نظر ؛ فقد قال الجرجاني في (التعريفات) (ص13) : (هم المنسوبون إلى عبد الله بن إباض، قالوا: مخالفونا من أهل القبلة كفار، ومرتكب الكبيرة موحد غير مؤمن، بناءً على أن الأعمال داخلة في الإيمان، وكفَّروا عليًّا رضي الله عنه وأكثر الصحابة) ؛ انتهى ؛ ومن أراد التدقيق والتفصيل فليرجع إلى كتب العقائد والفرق التي ألفها علماء أهل السنة والجماعة .
أبجد :
قال في (المعجم الوسيط) : (أبجد : أولى الكلمات الست "أبجد هوز حطي كلمن سعفص قرشت" ، التي جُمعت فيها حروف الهجاء بترتيبها عند الساميين قبل أن يرتبها نصر بن عاصم الليثي الترتيب المعروف الآن .
أما "ثخذ و ضظغ" فحروفها من أبجدية اللغة العربية وتسمى الروادف .(2/3)
وتستعمل الأبجدية في حساب الجُمَّل على الوضع التالي أ 1 ، ب 2 ، ج 3 ، د 4 ، هـ 5 ، و 6 ، ز 7 ، ح 8 ، ط 9 ، ي 10 ، ك 20 ، ل 30 ، م 40 ، ن 50 ، س 60 ، ع 70 ، ف 80 ، ص 90 ، ق 100 ، ر 200 ، ش 300 ، ت 400 ، ث 500 ، خ 600 ، ذ 700 ، ض 800 ، ظ 900 ، غ 1000 .
و المغاربة يخالفون في ترتيب الكلمات التي بعد "كلمن" فيجعلونها صعفض قرست ثخذ ظغش ) .
وقال القلقشندي في (صبح الأعشى) (3/23) : (واعلم أن ترتيب الحروف على ضربين : مفرد ومزدَوِج ؛ وبين أهل الشرق وأهل الغرب في كل من النوعين خلاف في الترتيب .
أما المفرد فأهل الشرق يرتبونه على هذا الترتيب :
أ ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ض ط ظ ع غ ف ق ك ل م ن ه و لا ي .
وأما أهل الغرب فإنهم يرتبونه على هذا الترتيب :
أ ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز ط ظ ك ل م ن ص ض ع غ ف ق س ش ه و لا ي .
وأما المزدوِج فأهل الشرق يرتبونه على هذا الترتيب :
أبجد هوز حطي كلمن سعفص قرشت ثخذ ضظغ .
وأهل الغرب يرتبونه على هذا الترتيب :
أبجد هوز حطي كلمن سعفص قرشت ثخذ ظغش(1) .
على أنه قد اختلف في كلمات أبجد ، هل لها معنى أم لا ؟ وهل يكره تعلمها أم لا ؟ وأكثر الناس في الشرق والغرب على تعلمها ----) .
وانظر (حساب الجمَّل) .
ابنا :
هي مختصر كلمة (أخبرنا) ، وليست اختصاراً لكلمة (أنبأنا) كما قد يتوهمه بعض من لا يحقق معناها ؛ بل إن (أنبأنا) لا تختصر أصلاً.
ولقد تحرف هذا الرمز في بعض الكتب المخطوطة والمطبوعة إلى (انبا) أو (أنبأ) ، ولا معنى لهما ، فليستا من اصطلاحات المحدثين ولا من رموزهم .
قال الشيخ هاشم الندوي رحمه الله في آخر السفر الرابع من (السنن الكبرى " للبيهقي، وهو أحد العلماء المشاركين في تصحيح هذا الكتاب ، تحت هذا العنوان (ذكرُ اختلاف النسخ في هذا الجزء " ما لفظه :
__________
(1) في هامش المطبوعة : كذا في الأصل والضوء ، ولعل الصواب : ظغض . (حاشية الطبعة الأميرية 3/18) .(2/4)
(إنا نجد في الأجزاء السابقة للسنن ، وفي هذا الجزء ، كثيراً ، الاختلاف بين لفظة "أنبأ " و "ابنا " و "انا " ؛ فالتفت إلى تحقيق هذه اللفظة العالم الفاضل الشيخ عبدالرحمن اليماني أحد مصححي هذا الكتاب ، فأجاد في تحقيقه ؛ فهذه مقالته طبعناها ليتفكر فيه من هو أولى بالإمعان والنظر فيه .
{{ تحقيق الفاضل الجليل الشيخ عبد الرحمن اليماني أحد رفقاء دائرة المعارف على لفظة "ابنا " و "أنبأ "}}
وقع كثيراً في أسانيد "سنن البيهقي" في أكثر النسخ التي وقفنا عليها صيغةُ " انبا(1) " ، وطُبعت(2) تبعاً لبعض النسخ الحديثة الكتابة هكذا " انبأ " .
وأرى أن الصواب " ابنا " ، وهي اختصار " أخبرنا " ، بحذف الخاء والراء ؛ كذلك اختصرها البيهقي وجماعةٌ ؛ ذكره ابن الصلاح في " مقدمته " ، ثم النووي في " تقريبه " ، والعراقي في " ألفيته " ، وغيرُهم .
قد تصفحتُ النسخَ الموجودةَ عندنا في الدائرة ، فلم أر هذه الصيغة مضبوطة هكذا " انبأ " ، صريحاً ، في شيء من النسخ القديمة ؛ بل ضُبطت في مواضع هكذا " ابنا " ، وفي الباقي(3) مهملة(4) أو مشتبهة .
لم تقع هذه الصيغة(5) في بعض النسخ القديمة ؛ وإنما وقع بدلها " أنا " ؛ و" انا " اختصار " أخبرنا ".
البيهقي يعبر في أول الأسانيد بقوله " أخبرنا " غالباً ؛ وكتبتْ(6) صريحةً(7) في أكثر النسخ ؛ أما في المصرية فكُتبت هكذا " ابنا(8) ".
__________
(1) الكلمة في الأصل دون نقط ، ولكن لم يتيسر لي رسمها على ما هي عليه . محمد .
(2) أي في المجلدات الأولى من (سنن البيهقي).
(3) أي من المواضع في النسخ القديمة .
(4) أي بلا نقط .
(5) يعني صورة ابنا أو أنبأ .
(6) أي في أول الأسانيد .
(7) أي من غير اختصار .
(8) دون نقط ، ولكني لم أستطع رسمها على ما هي عليه . محمد .(2/5)
النسخ التي وقع فيها " ابنا "(1) لم يكد يقع فيها " أخبرنا " ، ولا " انا " ، إلا في أوائل الأسانيد ، في غير المصرية ؛ مع أن صيغة " أخبرنا " كثيرة في الاستعمال ، كما يُعلم من مراجعة كتب الحديث ، ونص عليه(2) الخطيبُ وغيرُه ؛ قال الخطيب في " الكفاية " : " حتى أن جماعة من أهل العلم لم يكونوا يخبرون عما سمعوه إلا بهذه العبارة " أخبرنا " ، منهم حماد بن سلمة وعبد الله بن المبارك وهُشيم بن بشير وعبدالله [كذا] بن موسى وعبد الرزاق بن همام ويزيد بن هارون---- "(3) ؛ بل إن البيهقي نفسه لا يكاد يعبر في روايته عن شيوخه إلا بـ" أخبرنا "(4).
إن أكثر ما في " سنن البيهقي " مروي عن كتب مصنفة ؛ وقد قابلت بعضَ ما فيها بمآخذه من الكتب كـ" الأم " و " سنن أبي داود " و " سنن الدارقطني " ، فوجدتُ(5) محلَّ هذه الصيغة(6) : " أخبرنا " ، أو " انا " .
وتتبعتُ في " سنن البيهقي " مواضع من رواية الأئمة الذين نص الخطيبُ على أنهم لم يكونوا يعبرون عما سمعوه إلا بلفظ " أخبرنا " ، فوجدت عبارتهم تقع في " السنن " بهذه الصيغة " ابنا "(7).
__________
(1) دون نقط ، ولكني لم أستطع رسمها على ما هي عليه . محمد .
(2) أي على الكثرة .
(3) انظر (الكفاية) (ص379).
(4) يريد أن يقول أن (ابنا) في هذه النسخ غير مصحفة عن (أنبأ) أو (انبا) ، لأنها اختصار (أخبرنا)، كما دلت عليه القرائن التي ذكرها؛ فلو كان المقصود (أنبأ) التي هي اختصار (أنبأنا) كما توهمه من توهمه ، فأين (أخبرنا) في أسانيد الكتاب، والمعروف أنها كثيرة التكرر في الأسانيد.
(5) أي في تلك الكتب .
(6) يعني التي على صورة ابنا .
(7) دون نقط ، ولكني لم أستطع رسمها على ما هي عليه . محمد .(2/6)
إن صيغة " أنبأنا " عزيزة ، كما يُعلم بتصفح كتب الحديث ، ونصَّ عليه الخطيب وغيرُه ؛ ونص السخاوي والبقاعي وغيرهما من علماء الفن أنه لم يَجْرِ للمحدِّثين اصطلاحٌ في اختصار " أنبأنا "(1) .
وحذفُ الضمير في الصيغ مع الاتصال عزيز جداً ، لا تكاد تجد في الكتب " حدّث فلانٌ " أو " أخبر فلان " على معنى " حدثنا " أو " أخبرنا "؛ لأن مثل ذلك(2) محمول على الانقطاع عند الخطيب ، واختاره الحافظ ابن حجر ؛ ومن خالف فيه فإنه موافق على أنه محمول على الانقطاع في عبارات المدلسين؛ وكثيراً ما تقع عبارات المدلسين في " سنن البيهقي " بهذه الصيغة " ابنا "(3) ، وهي في الكتب المأخوذِ منها " أخبرنا ".
إن صيغة " أخبرنا " للسماع ، اتفاقاً ؛ وصيغة " أنبأنا " في اصطلاح شيوخ البيهقي ومشايخهم وأهل عصرهم ، للإجازة ، نص عليه الحاكم ؛ فكيف يختار البيهقي لنفسه " أخبرنا " ثم يبدلها باطراد في كلامِ غيرِه مما ثبت في الكتب المصنفة حتى من لم يكن يعبر إلا بها [أي] بـ " أنبأنا " ، مع كثرة " أخبرنا " وعزة " أنبأنا " وتغاير معنييهما اصطلاحاً ، ثم لا يكتفي بذلك حتى يشفعه بحذف الضمير الذي هو دليل السماع فيصير الظاهر الانقطاع؟!
__________
(1) أي فما معنى كثرة ورودها في النُّسخ؟! فالظاهر أن (انبا) التي ظن بعضهم أنها مختصر (أنبأنا) وظن آخرون أنها (أنبأ) مثل (حدّثَ) ليست بالمعنى الذي ظنوه، وإنما هي محرفة عن (أبنا) التي هي اختصار (أخبرنا) كما تقدم. محمد.
(2) يعني حدّثَ وأخبرَ ، مجردةً عن ضمير المفعول .
(3) دون نقط ، ولكني لم أستطع رسمها على ما هي عليه . محمد .(2/7)
وبالجملة فالصواب ضبط هذه الصيغة هكذا " ابنا " قطعاً ، وهي اختصار " أخبرنا " ؛ ولهذا تقع في محلها فيما رواه عن الكتب المصنفة ويقع محلها في النسخ " أخبرنا " أو " انا " ، لأن الأمر في ذلك موكول إلى الكاتب ، فإن شاء كتبها صريحةً " أخبرنا " ، وإن شاء اختصرها على أحد الاختصارات المنصوص عليها، لأن القارئ يتلفظ بها دائماً " أخبرنا " ، فلا حرج في الكتابة ؛ فأما إبدال صيغة بأخرى دونها ، أو مغايرة لها في المعنى الاصطلاحي ، أو فيما ثبت في الكتب المصنفة ، فغير جائز، فضلاً عن أن يُحذف الضمير الدال على السماع.
قد وقعت هذه الصيغة " ابنا "(1) في كتب أخرى غير " سنن البيهقي " ، وطبعتْ بعضُها هكذا " أنبأ " ؛ والصواب في عامة ذلك " ابنا ".
الأدلة على ما ذكرتُ أكثر مما تقدم، وأرى أن فيما لخصتُه ههنا غِنى عن البسط والتطويل ؛ وحسبي الله ونعم الوكيل، وصلى الله على خاتم أنبيائه محمد وآله وصحبه وسلم ". انتهى كلام العلامة المعلمي، كما نقله هاشم الندوي ، رحمهما الله تعالى.
وقال ابن الملقن في (المقنع في علوم الحديث) (1/363) :
(غلب على طلبة الحديث الاقتصار على الرمز في (حدثنا) و (أخبرنا) وشاع بحيث لا يلتبس ، فيكتبون من (حدثنا) النون والثاء والألف ، وقد تحذف الثاء ؛ ومن أخبرنا (أنا) ، ولا يحسن زيادة الباء قبل النون ، وإن فعله البيهقي وغيره).
قال محققه عبد الله بن يوسف الجديع : (وصورة ذلك : (أبنا) وهي كثيرة الوقوع في كتب البيهقي ، ولا تأتي في كتبه المطبوعة غالباً إلا (أنبأ) ، وهذا تحريف قبيح أحال الصيغة إلى معنى آخر ، ويقرأها كثير من الطلبة (أنبأنا) ، والمعروف في (أنبأنا) عدم الاختصار فيه ، فتنبه).
__________
(1) دون نقط ، ولكني لم أستطع رسمها على ما هي عليه . محمد .(2/8)
الأبناء :
قال أبو سعد السمعاني في (الأنساب) (1/122) (42) : (الأبناوي: يقال في التعريف(1) : فلان من الأبناء ، والنسبة إليه أبناوي، وكل من ولد باليمن من أبناء الفرس وليس بعربي يسمونهم الأبناء، هكذا ذكره أبو حاتم محمد بن حبان البستي، وقال أبو علي الغساني: الأبناوي منسوب إلى الأبناء وهم قوم يكونون باليمن من ولد الفرس الذين وجههم كسرى مع سيف بن ذي يزن إلى ملك الحبشة باليمن فغلبوا الحبشة وأقاموا باليمن فولدهم يقال لهم : الأبناء ) .
ابن فلان :
قال أبو بكر محمد بن يحيى الصولي في (أدب الكتّاب) (ص243-244) تحت هذا العنوان (نقصان الألف وإسقاطها) ما نصه :
(ألف الوصل لا يجوز إسقاطها من الخط إلا في ثلاثة مواضع: تحذف من "بسم الله الرحمن الرحيم" وقد ذكرنا ذلك.
وتسقط من "ابن" إذا جاء بعد اسم ظاهر في معنى فلان، وكان مضافاً إلى اسم ظاهر كالإسم الأول، وكان الابن نعتاً للإسم ، كقولك: مررت بزيد بن محمد .
وجاز إسقاط الألف لأن الإسم الأول ولآخر قد دلا على الابن فعرف موضعهما فحذفت ؛ وإنما فعلوا ذلك للإيجاز .
فعلى هذا أجْرِ الابنَ ما دام الابنُ واحداً، فإذا ثنيت كتبت: جاءني زيد ومحمد ابنا عبد الله كان بالألف .
وإذا كان الابنُ مبتدأً لم يجز إسقاط الألف منه ، لأنه لم يأت قبله ما يدل عليه .
وكذلك إذا كان خبراً قبُحَ إسقاطُ الألف كقولك : إن محمداً ابن زيد ، لأنه كالمبتدأ ، ولئلا يشبه الخبرُ النعتَ .
وكذلك إذا أضيف إلى اسم ليس في معنى فلان كقولك : زيد ابن الرجل الصالح .
وكذلك إذا أضيف إلى مَكْنِيٍّ(2) عنه(3) كقولك : زيد ابنك ، أثبتت الألف في هذا كله .
__________
(1) أي الترجمة .
(2) يقال : كَنَاه وأكناه وكنّاه ، كما يقال : سَماه وأسماه وسَمّاه .
(3) يعني بالضمير .(2/9)
فإذا صرت إلى المؤنث كتبت فلانة ابنة فلان بالألف ، لا يجوز إسقاطها، لأن النسب بالنساء لم يكثر فيعرف موضعه، كما كثر في الرجال، ولأن في "ابنة" لغة أخرى ، يقال: بنت ، بالتاء ؛ ومن العرب من يجعل الهاء في ابنة تاء لأنه يبني الكلام على الإضافة لأن الهاء تصير في ابنة تاء ، لئلا يلتبس فيقال : ابنت .
والموضع الثالث : أن تكون ألف الوصل مع لام ، كقولك "للرجل" ----) إلى آخر كلامه .
وبيَّن القلقشندي في (صبح الأعشى في صناعة الإنشا) (3/181 وما بعدها) مواضع حذفهم الألف من رسم الكلمات ؛ ثم قال (3/190) : (تذنيب : تحذف الهمزة المصوَّرة بصورة الألف في أربعة مواضع) ثم قال (3/191-193) في بيان الثالث منها ما لفظه :
(الثالث : تحذف في "ابن" و "ابنة" مما وقع فيه "ابن" مفرداً صفة بين علمين غير مفصول ، فيكتب نحو جاء فلان بن فلان ، أو فلانة بنة فلان ، بغير ألف في ابن وابنة .
ولا فرق في ذلك بين أن يكون العلمان اسمين ، نحو : هذا أحمد بن عمر ، أو كنيتين ، نحو هذا أبو بكر بن أبي عبد الله ، أو لقبين ، نحو هذا نَبْتٌ بن بطة ، أو اسماً وكنية ، نحو : هذا زيد بن أبي قحافة ، أو لقباً واسماً ، نحو : هذا أنف الناقة بن زيد ، أو كنية ولقباً ، نحو : هذا أبو الحارث بن نَبْت ، أو لقباً وكنية ، نحو : هذا بدر الدين بن أبي بكر .
فهذه سبع صور تسقط فيها الألف من "ابن" ، ولا تسقط فيما عداها ، فلو قلت : هذا زيد ابنك ، وابن أخيك ، وابن عمك ، ونحو ذلك مما ليس صفة بين علمين : أثبتَّ فيه الألف .
وكذلك إذا كان خبراً كقولك "أظن زيدا ابن عمرو" ، و "كأنَّ بكراً ابن خالد" ، و "إنَّ زيداً ابنُ عمرو" ، فتثبت الألف في الجميع .
ومنه في القرآن الكريم : (وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله)(1) كتبتا في المصحف بالألف .
__________
(1) التوبة (30) .(2/10)
فلو ثنيت الابن ألحقت فيه الألف ، صفةً كان أو خبراً ، فتكتب : قال عبد الله وزيد ابنا محمد كذا وكذا ، وأظن عبد الله وزيداً ابني محمد فعلا كذا ، بالألف .
وكذلك إذا ذكرت ابناً بغير اسم ، فتكتب : جاء عبد الله ، بالألف أيضاً .
وحكم "ابنة" مؤنثاً في جميع ما ذكر : حُكْمُ الابن ، تقول : جاءت هند بنةُ قيس فتحذف الألف .
وشرط الأستاذ أبو الحسن بن عُصْفُورٍ أن يكون مذكراً فلا تسقط من ابنة .
ونقل أحمد بن يحيى عن أصحاب الكسائي أنه متى كان منسوباً إلى اسم أبيه أو أمه أو كنية أبيه وأمه وكان نعتاً حذفوا الألف ، فلم يُجِزْه(1) في غير الاسم والكنية في الأب والأم ؛ قال : وأما الكسائي فقال : إذا أضفت إلى اسم أبيه أو كنية أبيه وكانت الكنية معروفاً بها كما يعرف باسمه جاز الحذف لأن القياس عنده الإثبات والحذف استعمالاً ، فإذا عدى الاستعمال يُرجَع إلى الأصل .
وحكى ابن جني عن متأخري الكُتاب أنهم لا يحذفون الألف مع الكنية تقدمت أو تأخرت ، قال : وهو مردود عند العلماء على قياس مذاهبهم ، والألف تحذف من الخط في كل موضع يحذف منه التنوين وهو حُذف مع الكنى ) .
وانظر (الأسماء المعبَّدة) .
الإبهام :
الإبهام : هو أن يُذكر الراوي في سند الحديث ولكن من غير أن يُذكر اسمه ، اختصاراً أو تدليساً أو جهلاً لعينه ، من الراوي عنه(2) ، فيقول مثلاً : أخبرني من لا أتهم، أو الثقة ، أو بعض الصحابة ، أو شيخ ، أو رجل ، أو بعض أهل الكوفة، أو رجل من أهل المدينة، أو بعض العراقيين ، أو بعض أشياخنا، أو بعض أصحابنا ، أو بعض الناس ؛ أو غير ذلك من الكلمات التي لا يُذكر فيها اسم ولا كنية ولا لقب ولا نسبة لذلك الراوي ، وإنما يُذكر موصوفاً بما لا يعيّنه ويميزه عن غيره.
__________
(1) الظاهر أن الضمير للكسائي ، ولكن يعكّر عليه ما يلي من تتمة السياق .
(2) وهو الغالب، فربما كان الإبهام ممن دون الراوي عن المبهَم.(2/11)
وهذا الراوي غير المسمى يوصف بأنه راوٍ مبهم ، كما هو معروف من قانون العربية، من طريقة اشتقاق اسم المفعول.
ومن كان يُكثر في كتبه من إبهام شيوخه الإمام الشافعي رحمه الله ، فلقد تنوعت عباراته عمن أبهمه من شيوخه في (مسنده)، أنواعاً كثيرة، وهي : (أخبرنا بعض أصحابنا) ، (أخبرنا بعض أهل العلم) ، (أخبرنا الثقة) ، (أخبرنا الثقة من أصحابنا) ، (أخبرنا الثقة من أهل العلم) ، (أخبرنا رجل) ، (أخبرنا عدد من ثقات كلهم) ، (أخبرنا غير واحد) ، (أخبرنا غير واحد من أهل العلم) ، (أخبرنا غير واحد من ثقات أهل العلم) ، (أخبرنا من أثق به من أهل المدينة) ، (أخبرنا من أثق من المشرقيين) ، (أخبرنا من سمع فلاناً) ، (أخبرني من لا أتهم).
تنبيه : الفرق بين المبهم والمهمل هو أن المهمل من سمي تسمية ناقصة غير كافية في تعيينه إلا أن يدل على ذلك قرينة من السياق أو من خارجه؛ وأما المبهم فمعناه ما تقدم .
وانظر (أسباب الإبهام) .
أتى بمناكير وعجائب :
هذه العبارة يوصف بها من روى المناكيرَ وأكثرَ منها ، ولم تثبت براءتُه منها ؛ وأغلب ما يقولونها في حق من هو متهم ومن يتجه أن يكون الحمل في تلك المناكير عليه .
إذن هذه العبارة ليست صريحة في الاتهام بالوضع ولكنها تحتمله ؛ فهي على كل حال من الألفاظ الدالة على كون الراوي متروكاً .
أتباع التابعين :
انظر (تابعي) .
اتبع المجرة :
أي سلك الجادة ، فانظر (سلك الجادة) .
الاتصال :
الاتصال إما أن يراد به اتصال السند بجملته ، أو اتصال الرواية بين راويين ، فيقال : هذا سند متصل ، ويقال : رواية فلان عن فلان متصلة.
والاتصال بين الراويين في الحديث هو انعدام الواسطة بينهما في ذلك الحديث، فيأخذه أحدهما عن الآخر أخذاً صحيحاً من غير واسطة.
وبيان ما هو اتصال مما هو انقطاع ، من أنواع التحمل، يأتي في غير هذا الموضع.
وأما اتصال السند كله فهو الاتصال بين كل راويين متتاليين منه .(2/12)
الاتهام :
جاء في (المعجم الوسيط) : (وهَم فلان في الشيء وإليه [يهِم] وَهْماً : ذهب وهْمُه إليه وهو يريد سواه ، و[وهَمَ] في الصلاة : سها ، ووهَم الشيءَ : دار في خاطره .
وَهِمَ في الحساب وغيرِه [يوهَم] وَهَماً : غلط فيه وسها .
أوهَمَ فلانٌ : وَهَمَ ؛ و[أوهمَ] فلاناً : أوقعه في الوهم ؛ و[أوهَمَ] فلاناً بكذا : أدخل عليه الريبة واتهمه به ؛ و[أوهَمَ] الشيءَ : تركه كلَّه ؛ ويقال : أوهَمَ مِن صلاته ركعةً : تركها ، وأوهَم من الحساب ونحوه كذا : أسقَط .
أتْهَمَ الرجلُ : صارت به الريبةُ ، أصله أوهم .
وهَّمَه غيرُه : أوقعه في الوهْم .
اتَّهمه بكذا : أدخل عليه التُّهْمَةَ وظنَّها به ؛ و[اتَّهمه] في قوله : شك في صدقه ، ويقال : اتَّهمه فاتَّهَمَ هو أيضاً : أدخل عليه التُّهمةَ فدخلت عليه ، فهو متَّهِمٌ وتَهِيمٌ .
توهَّم الشيءَ : ظنَّه ؛ و[توهَّمَ الشيءَ] : تمثَّله وتخيَّله ، كان في الوجود أو لم يكن ، و[توهَّمَ] الخيرَ فيه : توسَّمه وتفرَّسه .
التُّهْمة ، والتُّهَمَة : الاتِّهام ؛ و[التُّهْمة ، والتُّهَمَة] : ما يتهم عليه ؛ [وجمعهما] : تُهَمٌ وتُهَمَات .
التَّهِيمُ : الذي وقعت التُّهمةُ عليه .
المتَّهَم : التَّهيم .
الموهوم من الأشياء : الذي ذهب إليه الوهْمُ .
الوهْم : ما يقع في الذِّهن من الخاطر ؛ و[الوهْم] الطريق الواسع ؛ [جمعه] أوهام ووُهُمٌ ووُهُوم ؛ ويقال : لا وَهْم من ذلك : لا بدَّ منه ؛ وهي واهمة ) .
وانظر (اتهمه فلان) .(2/13)
الاتّهام بالكذب :
اتهام الراوي بالكذب هو أن يُظنّ أنه يتعمد الكذب في أخباره ؛ قال العلامة المعلمي اليماني رحمه الله تعالى في (التنكيل) (ص222) في تحرير معنى الاتهام بالكذب: (إن المجتهد في أحوال الرواة قد يثبت عنده بدليل يصح الاستناد إليه أن الخبر لا أصل له، وأن الحمل فيه على هذا الراوي، ثم يحتاج بعد ذلك إلى النظر في الراوي أتعمد الكذب أم غلط؟ فإذا تدبر وأنعم النظر فقد يتجه له الحكم بأحد الأمرين جزماً، وقد يميل ظنه إلى أحدهما إلا أنه لا يبلغ أن يجزم به؛ فعلى هذا الثاني إذا مال ظنه إلى أن الراوي تعمد الكذب قال فيه: "متهم بالكذب" ، أو نحو ذلك مما يؤدي هذا المعنى).
هذا واعلم أن الحديث الذي ينفرد به متهم بالكذب حديث ساقط البتة، بل لا يوجد مانع من تسميته موضوعاً، بل إن ذلك هو الأولى؛ والحكم بالوضع - كسائر الأحكام الحديثية والفقهية - يكفي فيه غلبة الظن، ولا يلزم أن يكون مبنياً على القطع واليقين .
وأما من ثبتَ عنه سرقة الحديث - وهي اختلاق متابعات أو شواهد لبعض ما يبلغه من الأحاديث المروية(1) - فهل ذلك يسوّغ أو يقتضي وصفَه بالكذب ، أو وصفه بالتهمة بالكذب ، أو لا يقتضي شيئاً من ذلك ؟(2)
لا شك أنه من جملة الكاذبين الذين سقطت عدالتُهم فمروياتُهم؛ ولكن هل يوصف بأنه يكذب في الحديث النبوي؟
__________
(1) كما يأتي بيانه .
(2) بعبارة أخرى : هل تلتحق سرقة الحديث بالكذب أو بالتهمة به ، أو لا تلتحق بشيء منهما ؟(2/14)
الظاهر أنه إن اختلق متابعات صحيحة أو حسنة أو حتى ضعيفة، لأحاديث موضوعة أو تالفة، أو اختلق متابعات قوى بها أحاديث ضعيفة؛ فإن هذا كله ملحق بنوع الكذب في الحديث النبوي؛ وكيف لا وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من حدث عني بحديث وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين)(1) .
__________
(1) أخرجه مسلم في مقدمة (صحيحه) في (باب وجوب الرواية عن الثقات وترك الكذابين والتحذير من الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم) فقال : (واعلم وفقك الله تعالى أن الواجب على كل أحد عرف التمييز بين صحيح الروايات وسقيمها وثقات الناقلين لها من المتهمين : أن لا يروي منها إلا ما عرف صحة مخارجه والستارة في ناقليه ، وأن يتقي منها ما كان منها عن أهل التهم والمعاندين من أهل البدع .
والدليل على أن الذي قلنا من هذا هو اللازم دون ما خالفه : قولُ الله جل ذكره "يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين" [الحجرات : 6] ؛ وقال جل ثناؤه : "ممن ترضون من الشهداء" ؛ وقال عز وجل : "وأشهدوا ذوي عدل منكم" [الطلاق : 2] ؛ فدل بما ذكرنا من هذه الآي أن خبر الفاسق مقبولٌ وأن شهادة غير العدل مردودة ؛ والخبر وإن فارق معناه معنى الشهادة في بعض الوجوه فقد يجتمعان في أعظم معانيهما ، إذ كان خبر الفاسق غير مقبول ثم أهل العلم ، كما أن شهادته مردودة عند جميعهم ؛ ودلت السنة على نفي رواية المنكر من الأخبار ، كنحو دلالة القرآن على نفي خبر الفاسق ، وهو الأثر المشهور عن رسول الله صلى الله عليه وسلم "من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين" ؛ حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع عن شعبة عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن سمرة بن جندب ؛ ح ؛ وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة أيضاً حدثنا وكيع ، عن شعبة وسفيان ، عن حبيب عن ميمون بن أبي شَبيب عن المغيرة بن شعبة : قالا : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك ) .
قال ابن الصلاح في (صيانة صحيح مسلم من الإخلال والغلط وحمايته من الإسقاط والسقط) (ص118-119) : (ذكر مسلم من حديث سمرة بن جندب والمغيرة بن شعبة رضي الله عنهما قوله صلى الله عليه وسلم "من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين" ؛ فوجدته بخط الحافظ الضابط أبي عامر محمد بن سعدون العبدري رحمه الله ها هنا مضبوطاً يُرى ، بضم الياء ، و"الكاذِبِين" على الجمع ؛ ووجدت عن القاضي الحافظ المصنف أبي الفضل عياض بن موسى اليحصبي أنه قال : الرواية فيه عندنا "الكاذِبِين" ، على الجميع ؛ قلت : رواه الحافظ الكبير أبو نعيم الأصبهاني في كتابه "المستخرج على كتاب مسلم" في حديث سمرة بن جندب "الكاذبَين" ، على التثنية فحسب ؛ واحتج به على أن الراوي لذلك يشارك في الكذب مَن بدأ بالكذب عليه صلى الله عليه وسلم ؛ وفي هذا تفسيرٌ منه لمعنى التثنية حسنٌ ؛ ثم ذكره في روايته إياه من حديث المغيرة بن شعبة "فهو أحد الكاذِبَين أو الكاذبِين ، على الترديد بين التثنية والجمع ؛ ووجدت ذلك مضبوطاً محققاً في أصل مأخوذ عن أبي نعيم مسموعاً عليه مكرراً في موضعين من كتابه ؛ وقدَّم في الترديد التثنية في الذكر ؛ وهذه فائدة عالية غالية ولله الحمد الأكمل .
وأما الضم في "يُرى" فهو مبني على ما اشتهر من أنه بالضم يستعمل في الظن والحُسبان ، وبالفتح في العلم ورؤية العين ؛ وفي حفظي أنه قد يستعمل بالفتح بمعنى الظن أيضاً ، كما يُستعمل العلم بمعنى الظن ؛ والله أعلم).(2/15)
وأما إذا كان ما يختلقه متابعات لأحاديث ثابتة - وهو يعلم أن تلك الأحاديث ثابتة - فهذا متشبع بما لم يعطَ ، وهو من الكذابين في الأسانيد ؛ وهذا النوع من الكذب وإن كان أهون من الكذب في وضع المتون ومن الكذب بتقوية الأحاديث غير الثابتة برواية ما يقويها ، ولكنه - مع ذلك - يُعدُّ - في أقل أحواله - من جنس الكذب في حديث الناس ، إذْ من يتعاطاه يوصف بأنه وضاع للطرق وكذاب في رواية المتابعات ، أي هو كذاب في رواية الحديث ، فليس بأحسن حالاً من الكذابين في حديث الناس ، ثم إنه لا يبعد أن يُعَدَّ من جملة الوضاعين ، أو أن يُطلق عليه اسم الوضع أو اسم الكذب في الحديث ؛ فصنيعه هذا هو في كل الأحوال كافٍ في إطلاق اسم الكذب عليه ، وهو في كل الأحوال سببٌ لتهمته بالكذب في الحديث وإسقاط الثقة به من أصلها ؛ ولكن لا أرى أن يقال فيه : إنه كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، هكذا بإطلاق العبارة .
ثم إن في هذا النوع من الكذب مجازفةً خطيرة، فلعله يظن الحديث الذي سرقه ثابتاً وهو غير ثابت .
قال السخاوي في (فتح المغيث) (2/121) في سرقة الحديث: (فإنها - كما قال الذهبي - أهون من وضعه واختلاقه، في الإثم؛ إذ سرقة الحديث أن يكون محدث ينفرد بحديث فيجيء السارق ويدعي أنه سمعه أيضاً من شيخ ذلك المحدث ؛ قلت(1): أو يكون الحديث عُرِفَ براوٍ فيضيفه لراوٍ غيرِه ممن شاركه في طبقته)(2) .
وانظر (تدليس التسوية) و(سرقة الحديث) و(تركيب الأسانيد) و(أسباب الطعن في المرويات) .
__________
(1) القائل السخاوي .
(2) تتمة كلام السخاوي : (قال [الظاهر أنه يعني الذهبي] : وليس كذلك من يسرق الأجزاء والكتب ، فإنها أنحس بكثير من سرقة الرواة).(2/16)
اتُّهم بتزوير سماعات :
تزوير السماع : افتراؤه واختلاقه أو تغييره ؛ جاء في (المعجم الوسيط) : (زوَّر الطائرُ : أكل حتى امتلأت حوصلته وارتفعت ، و[زوَّرَ] الشيءَ : أصلحه وقوَّمه وأتقنه ؛ و[زوَّرَه] : حسَّنه وزيَّنه ، يقال: زوَّر الكلامَ : زخرفه وموَّهه ، وزوَّر الكلام في نفسه : هيَّأه وحضَّره ، و[زوَّرَ] الكذب : زيَّنه ، و[زوَّرَ] الشهادةَ ونحوَها : حكم بأنها زورٌ ؛ و[زوَّرَ] عليه : قال عليه زُوراً ؛ و[زوَّرَ] عليه كذا وكذا : نسب إليه شيئاً كذباً وزوراً ، ومنه : زوَّر إمضاءَه أو توقيعَه : قلَّده ؛ و[زوَّرَ] نَفْسَه : وسمها بالزُّورِ ونسبها إليه----) ؛ وانظر (زوّر أسمعة) و(التسميع) و(الطبقة) ، و (الاتهام) .
اتُّهم في اللقاء :
أي ادعى بعض أهل النقد أو التاريخ أنه غير صادق في دعواه السماع من بعض الرواة ، لأنه لم يلْقَه أو لم يلقهم ؛ وانظر (الاتهام) .
اتَّهَمَه فلان :
هذه اللفظة إذا أطلقت من قبل ناقد من نقاد الحديث ولم تقيَّد في كلامه ببيان نوع الاتهام ، فإنَّ الاتهام حينئذ يحتمل أن يكون اتهاماً بالوضع ، أو سرقة الحديث ، أو الكذب في ادعاء السماع ، أو الكذب بتزوير السماع ، أو الكذب في حديث الناس ، ونحو ذلك ؛ وانظر (الاتهام) و(متهم ) و(متهم بالكذب) .
أثبت الناس :
أي أوثق أقرانه أو أهل عصره فيما يرويه ؛ وانظر (ثبْت) .
أثبت الناس في زيد :
أي أوثق تلامذة زيد فيما يروونه عن زيد .
أثبت أصحاب زيد :
أي أوثق الرواة عنه ، فيه ، وأعرفهم به ؛ وهي بمعنى (أثبت الناس في زيد) ، فانظرها ، وانظر (أعرف بفلان) .
الأثر :
والأثر له في اللغة معانٍ منها الشيء المنقول عن متقدم ، ومعنى (أثرتُ الخبرَ) : رويتُه .
وأما في المصطلح فلم يتفق العلماء على استعمال هذه اللفظة في معنى واحد .(2/17)
فمن العلماء من يخص الأثر بـ(الموقوف) على الصحابي أو من دونه، كالتابعي ، ولا يُطلقُ اسمَ الحديث إلا على المرفوع ، فإن أطلق الحديث على غير المرفوع قيَّده ؛ وهو اصطلاح أغلب أهل هذه الأعصر، وجماعات ممن تقدمهم ؛ وخالف فقهاءُ خراسان - أو أكثرهم - أصحاب هذا الاصطلاح ، فكانوا يسمون الموقوف بالأثر والمرفوع بالخبر .
ومن العلماء من يسمي كلَّ روايةٍ أثراً، بغض النظر عمن أضيفت إليه ؛ ومن ذلك صنيع أصحاب تلك الكتب التي سميت بـ(الآثار) وفيها الحديث النبوي وغيره، ككتاب (الآثار) لمحمد بن الحسن الشيباني ؛ ومنه قولهم (التفسير بالمأثور، أو بالأثر) (1) فإنه يدخل فيه المرفوع والموقوف على الصحابة والتابعين.
والظاهر أنه اصطلاح من ألف كتاباً موضوعه الأحاديث المرفوعة ، فسمى تلك الأحاديثَ آثاراً ، من تلك الكتب (شرح مشكل الآثار) و (شرح معاني الآثار) ، كلاهما لأبي جعفر الطحاوي ، و (تهذيب الآثار) لأبي جعفر الطبري .
وكذلك سمى جماعة من المتأخرين كتبهم في أصول علم الحديث تسمية مشتملة على عبارة (أهل الأثر) ، مثل (نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر) للحافظ ابن حجر العسقلاني .
هذا من جهة الفرق بين كلمتي (الحديث) و(الأثر) ؛ وأما الفرق بين (الحديث) و (الخبر) ، فتباينت استعمالات المحدثين وشروحهم لهما على الكيفية التالية :
فمن المحدثين من جعلَ الخبر مرادفاً للحديث ، فيستعمل أحدَهما بمعنى الآخر .
ومنهم من قال : الحديث ما جاء عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، والخبر ما جاء عن غيره ؛ فهو لا يُطلِق الحديثَ على غير المرفوع إلا بشرط التقييد ، فيقال : هذا حديث موقوف أو مقطوع ، وهذا ما عليه الأكثرون.
ومنهم من قال : بينهما عموم وخصوص مطلق ، فكل حديث خبر من غير عكس .
قال ابن حجر في (نزهة النظر شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر) (ص52-53) : (الخبر عند علماء هذا الفن مرادف للحديث.
__________
(1) وانظر (التفسير بالأثر) .(2/18)
وقيل : الحديث ما جاء عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، والخبر ما جاء عن غيره ؛ ومن ثَمَّ قيل لمن يشتغل بالتواريخ وما شاكلها : الأخباري، ولمن يشتغل بالسنة النبوية : المحدث .
وقيل : بينهما عموم وخصوص مطلق ، فكل حديث خبر ، من غير عكس ، وعبرتُ هنا [يعني في النخبة] بالخبر ، ليكون أشمل) .
قال المناوي في (اليواقيت والدرر) : (فلا يطلق الحديث على غير المرفوع إلا بشرط التقييد ، فيقال : هذا حديث موقوف أو مقطوع ، وهذا ما عليه الأكثرون).
تكميل : يسمى الكتاب الذي جُلُّه أحاديث موقوفة على الصحابة وبعض التابعين كتاب حديث أو كتاب آثار ، ويعد مؤلفه من جملة المحدثين لا الأخباريين ، وذلك لأن أكثر تلك الموقوفات ترد بمعنى المرفوعات أو تفسرها ، وبعضها لها حكمها ، وأيضاً يغلب على تلك الموقوفات أنها مما يتداوله المحدثون بالأسانيد ويحدثون بها الطلابَ ، فهي معدودة عندهم في جملة الأحاديث التي يأخذونها من شيوخهم .
الأثري :
يسمى المحدث أثرياً نسبة للأثر ، والأثر أكثر ما يستعملونه في مجموع المنقول عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن صحبه وتابعيهم . وانظر (الآثار).
أثنى عليه :
هذه الكلمة الأصل فيها الثناء بالصلاح والزهد أو العلم ، أو نحو ذلك ، ولكن قد تدل قرائن السياق أو غيرها على أن المراد غير ذلك ، كأن يكون المراد التوثيق ، أو مجرد التعديل ونفي التهمة.
الإجازة :
الإجازة نوع من أنواع تحمل الطالب للحديث من حامله .
بل الأصح أن يقال : هي نوع من أنواع الأداء ؛ وذلك أن يأذن المحدث لغيره بأن يروي عنه كلَّ أو بعضَ ما لم يسمعه منه من المرويات المصنفة أو غير المصنفة التي ثبت عند ذلك المجاز أنها من مرويات المجيز .
وتتنوع الإجازة بحسب تعيين المروي أو المجاز وعدم تعيينهما وتتنوع كذلك بحسب اقترانها بالمناولة وعدم اقترانها بها .(2/19)
والإجازة مأخوذة من جواز الماء الذي تسقاه الماشية والحرث ، تقول : استجزته فأجازني إذا أسقاك ماء لماشيتك وأرضك ، فكذلك طالب العلم يستجيز العالم أي يسأله أن يجيزه علمه فيجيزه إياه ؛ فعلى هذا يجوز أن يقال : أجزت فلاناً مسموعاتي أو مروياتي متعدياً بغير حرف جر من غير حاجة إلى ذكر لفظ الرواية ، ولكن من جعل الإجازة إذناً وإباحة وتسويغاً - وهو المعروف - فيقول : أجزت له رواية مسموعاتي ، ومتى قال : أجزت له مسموعاتي فعلى الحذف كما في نظائره .
وقيل : الإجازة مشتقة من التجوز وهو التعدي فكأنه عدى روايته حتى أوصلها للراوي عنه .
الإجازة العامة :
قال العلامة المعلمي في ترجمة الحافظ أبي نعيم أحمد بن عبد الله الاصبهاني ، في التنكيل (ص122-123) :
(ولكن من أقسام الإجازة الإجازة العامة ، بأن يجيز الشيخ للطالب جميع مروياته أو جميع علومه ؛ فينبغي التثبت في روايات العاملين بهذه الإجازة ؛ فإذا ثبت في أحدهم أنه لا يروي بها إلا ما ثبت عنده قطعاً أنه من مرويات المجيز ، فهذا ممن يوثق بما رواه بالإجازة .
وإن بان لنا أو احتمل عندنا أن الرجل قد يروي بتلك الإجازة ما يسمع ثقة عنده يحدث به عن المجيز فينبغي أن يُتوقف فيما رواه بالإجازة ، لأنه بمنزلة قوله : حدثني ثقة عندي ، وإن بان لنا في رجل أنه قد يروي بتلك الإجازة ما يسمع غيرَ ثقة يحدث به عن المجيز فالتوقف في المروي أوجب .
فأما الراوي فهو بمنزلة المدلس عن غير الثقات فإن كان قد عرف بذلك فذاك ، وإلا فهو على يدَيْ عدلٍ) .
وانظر (أخبرنا) و (تدليس الإجازة) .
الإجازة على الإجازة :
هي أن يجيز المحدث لغيره رواية ما أجيز هو به .
الأجزاء الحديثية :
الأجزاء جمع جزء، والجزء الحديثي هو الكتيب(1) الذي يجمع فيه مؤلفه أحاديث تكون في الغالب متحدة في موضوعها أو راويها أو بعض صفاتها المتنية أو السندية .
__________
(1) أو الوريقات ، أو الورقة.(2/20)
ثم توسع المحدثون في العصور المتأخرة فأطلقوا هذا اللقب على كل كتاب حديثي صغير .
والأجزاء الحديثية أكثر من أن تحصى .
والجزء عند القدماء يرادف الرسالة عند المعاصرين.
وانظر (الرسالة).
أجمعوا على تركه :
معناها واضح لا يحتاج إلى بيان ، والمراد إجماع أهل هذا العلم ؛ وانظر (متروك بالإجماع) أو (متروك).
أجمعوا على ضعفه :
هي بمعنى (مجمع على ضعفه) و(ضعيف بالإجماع) كما هو بيّن لا يخفى .
أحاديث الآحاد :
انظر (الآحاد) .
الأحاديث الإلهية :
تنقسم الأحاديث باعتبار منتهاها إلى أربعة أقسام :
الأول : الأحاديث القدسية ، وهي الأقوال التي ينسبها النبي صلى الله عليه وسلم إلى الله تبارك وتعالى مما ليس في القرآن .
فإذا دخل في هذه التسمية الأقوال التي ينسبها الصحابة إلى الله تبارك وتعالى مما ليس قرآناً ، فحينئذ لا بد من الاحتراز من شيء آخر ، وهو أن تكون تلك الأقوال مأخوذة عن كتب الأنبياء السابقين .
والأحاديث القدسية تسمى أيضاً الأحاديث الإلهية .
وهي - عند التحقيق - قسم من الأحاديث المرفوعة ؛ ولكني مشيت في هذا التقسيم على ظاهر المسألة ؛ والأمر في ذلك يسير جداً . وانظر (يرفعه) .
والثاني : الأحاديث المرفوعة : وهي ما ينقل من أقوال النبي صلى الله عليه وسلم وأفعاله وتقريراته وأوصافه .
والثالث : الأحاديث الموقوفة : وهي ما يروى عن الصحابة من أفعالهم أو من أقوال أنفسهم .
والرابع : الأخبار المقطوعة : وهو ما ينسب إلى التابعين من أقوالهم أو أفعالهم . وانظر (مرفوع) و (مقطوع) و (موقوف) .
الأحاديث القدسية :
هذه الكلمة ترادف كلمة (الأحاديث القدسية) ، وسبق بيان معناها.(2/21)
أحاديثٌ بُترٌ :
شرح معنى هذا التعبيرِ الشيخُ إبراهيم اللاحم في (الاتصال والانقطاع) (ص446) فقال : (يعني مراسيل ، والبتر هو القطع ، قال يحيى القطان : "سألتُ شعبة : كم سمعت من أبي معشر؟ قال : أربعة بتر - يعني مراسيل- "(1) .
وسئل أبو حاتم عن حديث روي عن ضمام بن إسماعيل ، عن أبي قبيل ، عن عبدالله بن عمرو بن العاص ، عن النبي صلى الله عليه وسلم "زر غباً تزدد حباً " ، فقال : ليس هذا الحديث بصحيح ، إنما يرويه ضمام مبتراً"(2) .
فالظاهر أن مراد أبي حاتم أنه يرويه مرسلاً ) ؛ انتهى .
أحاديثه تُشبه أحاديث فلان ولا تشبه أحاديث فلان :
هذه بعض عباراتهم في تعليل أحاديث بعض الرواة، وهي طريقة مبنية على قوة معرفتهم بالأحاديث ورواتها وكمال تبحرهم في استقرائها ونقدها، فيحصل لهم من ذلك معرفة عالية وذوق رفيع دقيق يعرفون بهما أن تلك الأسانيد أو المتون تشبه أسانيد أو متون أحاديث زيد من الرواة فقلبها ذلك الراوي المنتقد وجعلها عن غير زيد، أو هي تشبه أقوال الحسن فرفعها ذلك الراوي الضعيف.
قال ابن رجب رحمه الله في (شرح علل الترمذي) (ص390) : (حذاق النقاد من الحفاظ لكثرة ممارستهم للحديث ، ومعرفتهم بالرجال وأحاديث كل واحد منهم لهم فهمٌ خاص يفهمون به أن هذا الحديث يُشبه حديث فلان ، ولا يشه حديث فلان ، فيعللون الأحاديث بذلك .
وهذا مما لا يعبر عنه بعبارة تحصره ، وإنما يرجع فيه أهله إلى مجرد الفهم والمعرفة التي خُصوا بها سائر أهل العلم ، كما سبق ذكره في غير موضع .
فمن ذلك سعد بن سنان ، ويقال : سنان بن سعد ؛ يروي عن أنس ، ويروي عنه أهل مصر :
__________
(1) العلل ومعرفة الرجال (1/295 ، 537) ، ومسائل أبي داود (ص426) ، ومسائل صالح (ص259) ، والمعرفة والتاريخ (3/171 ، 182) ، لكن ليس في الثلاثة الأخيرة قوله "يعني مراسيل" .
(2) علل ابن أبي حاتم (2/229) .(2/22)
قال أحمد : (تركت حديثه ، حديثه حديث مضطرب ؛ وقال : يُشبه حديثُه حديثَ الحسن ، لا يشبه أحاديث أنس) ؛ نقله عبد الله ابن أحمد عن أبيه .
ومراده أن الأحاديث التي يرويها عن أنس مرفوعةً ، إنما تشبه كلام الحسن البصري أو مراسيله .
وقال الجوزجاني : (أحاديثه واهية لا تشبه أحاديث الناس عن أنس)---- .
ومن ذلك قول أحمد وأبي حاتم في أحاديث الدراوردي عن عبيد الله بن عمر : (إنها تشبه أحاديث عبد الله بن عمر) .
ومن ذلك ما ذكره البرذعي قال : قال لي أبو زرعة : (خالد بن يزيد المصري وسعبد بن أبي هلال صدوقان ، وربما وقع في قلبي من حسن حديثهما) .
قال : وقال لي أبو حاتم : (أخاف أن يكون بعضها مراسيل عن ابن أبي فروة وابن سمعان) انتهى .
ومعنى ذلك أنه عرض حديثهما على حديث ابن أبي فروة وابن سمعان فوجده يشبهه ، ولا يشبه حديث الثقات الذين يحدثان عنهم ، فخاف أن يكون أخذا حديث ابن أبي فروة وابن سمعان ودلساه عن شيوخهما .
ومن ذلك أن مسلماً خرج في (صحيحه) عن القواريري عن أبي بكر الحنفي عن عاصم بن محمد ثنا سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (قال الله عزوجل : أبتلي عبدي المؤمن فإن لم يشكني إلى عوداه أطلقته من إساري ، ثم أبدلته لحماً خيراً من لحمه ....) الحديث .
قال الحافظ أبو الفضل بن عمار الهروي الشهيد رحمه الله : (هذا حديث منكر ، وإنما رواه عاصم بن محمد عن عبد الله بن سعيد المقبري عن أبيه ؛ وعبد الله بن سعيد شديد الضعف . قال يحيى القطان : (ما رأيت أحداً أضعف منه) .
ورواه معاذ بن معاذ عن عاصم بن محمد بن عبد الله بن سعيد عن أبيه عن أبي هريرة ، وهو يشبه أحاديث عبد الله بن سعيد) انتهى .(2/23)
ومن ذلك قول ابن المديني في حديث الفضل بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم في خطبة الوداع الذي رواه القاسم بن يزيد بن عبد الله بن قسيط عن أبيه عن عطاء عن الفضل : (إنه يشبه أحاديث القصاص وليس يشبه أحاديث عطاء بن أبي رباح) .
ومنه : قول أبي أحمد الحاكم في حديث علي الطويل في الدعاء لحفظ القرآن : (إنه يشبه أحاديث القصاص) .
ومن ذلك حديث يرويه عمر بن يزيد الرفاء عن شعبة عن عمرو بن مرة عن أبي وائل عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم : (ما بال أقوام يشرفون المترفين ، ويستخفون بالعابدين ، ويعملون بالقرآن ما وافق أهواءهم ، وما خالف أهواءهم تركوه ...) الحديث .
قال ابن عدي : (هذا يعرف بعمر بن يزيد عن شعبة ، وهو بهذا الإسناد باطل) .
قال العقيلي(1) : (ليس هذا الحديث أصل من حديث شعبة . قال : وهذا الكلام عندي - والله أعلم - يشبه كلام عبد الله بن المسور الهاشمي المدايني ، وكان يضع الحديث ، وقد روى عمرو بن مرة عنه ، فلعل هذا الشيخ حمله عن رجل عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن المسور مرسلاً ، وأحاله على شعبة) انتهى .
والأمر على ما ذكره العقيلي رحمه الله ----)
إلى أن قال ابن رجب : (ومن ذلك : أنهم يعرفون الكلام الذي يشبه كلام النبي صلى الله عليه وسلم ، من الكلام الذي لا يشبه كلامه .
قال ابن أبي حاتم الرازي عن أبيه : (تعلم صحة الحديث بعدالة ناقليه ، وأن يكون كلاماً يصلح أن يكون مثله كلام النبوة ، ويعرف سقمه وإنكاره بتفرد من لم تصح عدالته بروايته ، والله أعلم) .
أحاديثه جياد :
انظر (جيد الحديث).
أحاديثه عن فلان كتاب :
يعني لم يسمعها منه ، وإنما وقع له كتاب مروي عنه فرواه أو روى منه ، مع أنه لم يأذن له بتلك الرواية ؛ وهذا مثال لذلك :
__________
(1) كما في (الضعفاء) له (3/195).(2/24)
قال ابن أبي حاتم في (الجرح والتعديل) (6/25-26) في ترجمة عبد الأعلى بن عامر الثعلبي) : (كوفي روى عن ابن الحنفية ومحمد بن علي بن الحسين وسعيد بن جبير ---- .
نا صالح بن أحمد بن محمد بن حنبل نا علي يعني ابن المديني قال : سمعت يحيى يعني ابن سعيد قال : سألت الثوري عن أحاديث عبد الأعلى عن ابن الحنفية فوهنها .
نا عبد الله بن أحمد بن محمد بن حنبل فيما كتب إليَّ قال : قال أبي : قال عبد الرحمن بن مهدي : سألت سفيان عن حديث عبد الأعلى ، فقال : كنا نرى أنها من كتاب ابن الحنفية ولم يسمع منه شيئاً .
نا علي بن الحسين قال : سمعت أبا حفص يقول : كان عبد الرحمن بن مهدي لا يحدث عن عبد الأعلى الثعلبي ؛ وسمعت عبد الرحمن يقول : ما أدري كيف أحدث عن عبد الأعلى ، واحد يقول عن ابن الحنفية ، وآخر يقول عن أبي عبد الرحمن ، وآخر يقول عن سعيد بن جبير ؛ قال : وكان يحيى يعني ابن سعيد يحدثنا عن عبد الأعلى .
نا محمد بن حمويه بن الحسن قال : سمعت أبا طالب قال : قال أحمد بن حنبل : قال عبد الرحمن يعني ابن مهدي : كل شيء روى عبد الأعلى الثعلبي عن محمد بن الحنفية إنما هو كتاب أخذه لم يسمعه .
نا عبد الله بن أحمد فيما كتب إليّ قال : قال أبي : عبد الأعلى الثعلبي ضعيف الحديث .
نا أبو بكر بن أبي خيثمة فيما كتب إليَّ قال : سُئل يحيى بن معين عن عبد الأعلى الثعلبي فقال : ليس بذاك القوي .
سألت أبي عن عبد الأعلى الثعلبي فقال : ليس بقوي ، يروي عن محمد بن علي أبي جعفر ، ومحمد بن علي بن الحنفية ؛ يقال إنه وقع إليه صحيفة لرجل يقال له عامر بن هني كان يروي عن ابن الحنفية ؛ فقلت له فيما يروي عن ابن الحنفية عن علي رضي الله عنه ؛ قال : شبه ريح لم يصححها ، قلت له : لِمَ ؟ قال : وقع اليه كتاب الحارث الأعور .(2/25)
سُئل أبو زرعة عن عبد الأعلى الثعلبي فقال : ضعيف الحديث ربما رفع الحديث وربما وقفه)(1) .
أحاديثه كالريح :
انظر (رياح) و(شبه الريح) .
أحاديثه كلها حلم :
كلمة قالها الإمام أحمد في مجالد بن سعيد الكوفي ، يضعفه بها ؛ نقلها عنه الإمام البخاري في (تاريخه الأوسط) المطبوع خطأ باسم (التاريخ الصغير) (1/135) .
أحاديثه مستقيمة :
انظر (مستقيم الحديث) .
أَحَبّ إليَّ من فلان :
كثيراً ما يقع من الأئمة موازنة بين راويين فيعبرون عن تلك الموازنة بنحو قولهم "فلان أحب إلي من فلان" ، وقد يكون هذان الراويان ثقتين(2) أو ضعيفين ؛ فإذا قال ناقدٌ مثل هذه العبارة فليس هذا بجرح يوجب إدخال الثاني في الضعفاء ، ولكن إذا كان الأول ضعيفاً كان دخول الثاني في الضعفاء من باب أولى .
ويندر أن تجد في كلامهم مثل هذه الموازنة بين راويين متروكين، أو بين راوٍ ضعيف يستشهد به وراوٍ متروك ؛ ويظهر لي أنهم لا يقولون مثل هذه الكلمة إلا فيمن هو لين فأعلى(3) .
__________
(1) وانظر (العلل ومعرفة الرجال) (629 و787 و1514 و3291 و4137 و4707 و5851) .
(2) بل قد يكونان إمامين كبيرين ؛ قال أبو زرعة الدمشقى في (تاريخه) (ص204) : (وسمعت أحمد بن حنبل يُسأل عن سفيان ومالك ، إذا اختلفا في الرأي ؟ قال: مالك أكبر في قلبي ؛ قلت: فمالك والأوزاعي؟ قال: مالك أحب إلي، وإن كان الأوزاعي من الأئمة ؛ قيل له: فمالك وإبراهيم [يظهر أنه يعني النخعي] ؟ قال - كأنه شنعه - : ضعه مع أهل زمانه) ؛ انتهى ؛ والسلف لا يحبون المقارنة بين إمامين من عصرين متباينين .
(3) وبعد مدة من الزمن وقفت على هذا الأثر ، ولكن لعله لا ينقض ما اخترتُه هنا :
قال ابن أبي حاتم في (المراسيل) (ص4) (6) : (حدثنا صالح بن أحمد بن حنبل نا علي يعني ابن المديني قال سمعت يحيى يقول : مالك عن سعيد بن المسيب أحب إلي من سفيان عن إبراهيم ؛ قال يحيى : وكلٌّ ضعيف).(2/26)
قال الحافظ ابن حجر في ترجمة أزهر بن سعد السمان من (التهذيب) (1/202-203) : (وحكى العقيلي وأبو العرب الصقلي في "الضعفاء" أن الإمام أحمد قال : "ابن أبي عدي أحب إلي من أزهر" ؛ قلت : ليس هذا بجرح يوجب إدخاله في الضعفاء )(1) ؛ انتهى .
قلت : يظهر من السياق أنه إذا كان ابن أبي عدي ضعيفاً عند الإمام أحمد كان دخول أزهر في الضعفاء عنده من باب أولى ، وأما إن كان ابن عدي ليناً فيُنظر في أمر أزهر فيحتمل أنه لين مثله ويحتمل أنه ضعيف ؛ والله أعلم .
احتج به أرباب الصحاح ، أصلاً وتبعاً :
يعني أخرج له أصحاب الصحاح في صحاحهم في الأصول وفي المتابعات ؛ وهذه كلمة قالها الذهبي في (السير) متعقباً ابن سعد في وصفه بعض الرواة بأنه لا يحتج به ؛ انظر (حلو الحديث) .
احتج به الجماعة :
أي أخرج له أصحاب الكتب الستة في الأصول من تلك الكتب لا في المتابعات والشواهد ؛ وأكثر من استعمال هذه العبارة الحافظ ابن حجر في كتابه (فتح الباري) ولا سيما في الفصل التاسع من مقدمته ؛ ومراده بها أنه أخرج لذلك الراوي أصحاب الكتب الستة ، وأن البخاري ومسلماً أخرجا له على سبيل الاحتجاج ، وأن أصحاب السنن لم يُعلّوا روايته .
وأما كلمة (رواه الجماعة) أو (أخرجه الجماعة) فمعناهما أوسع ، فهو يشمل كل ما أجمعوا على إخراجه في كتبهم الستة(2) ، ولا يدخل في هذه الاصطلاحات غيرُ الستة الأصول الشهيرة ، من مؤلفاتهم.
الاحتجاج :
الاحتجاج بالحديث هو الاستدلال به على بعض الأحكام الشرعية العلمية أو العملية ، أي الاستناد إليه في تقرير تلك الأحكام ؛ وانظر (يحتج به) و (احتج به الجماعة).
أحد الأحدين :
أي لا مثيل له ولا نظير.
__________
(1) وانظر ترجة أزهر في مقدمة (الفتح) (ص549) دار الكتب العلمية .
(2) وأما الحنابلة فلهم في رواية أقوال الإمام أحمد الفقهية ونحوها اصطلاح خاص في قولهم (رواه عنه الجماعة) ، وليس هذا موضع بيانه ، وإنما أحببت الإشارة إليه فحسب .(2/27)
احذروه :
انظر (قد عرفتُه).
أحسن شيء في الباب :
كلمة (أحسن) تابعة في معناها لكلمة (حسن) ، والراجح أن كلمة (حسن) لها في استعمال المتقدمين أربعة معانٍ :
الأول : الصحة أو الرتبة الثانية منها.
الثاني : عدم النكارة وعدم الضعف الشديد.
الثالث : غرابة الحديث من ذلك الوجه، أو علوه ، أو اشتماله على بعض اللطائف السندية ، فيكون مستحسناً عند كثير من الرواة وطلاب الغرائب.
الرابع : حسن المعنى من جهة اللغة والمقصد، وهذا هو الحسن الإعجابي.
ولكن يظهر لي أن الأصل في وصفهم الحديث بأنه أحسن أحاديث الباب هو أنه أقواها سنداً وأحسنها دلالةً.
ومن عباراتهم المقاربة لهذه قولهم (أصح أحاديث الباب) ، ولكن هذه معناها أوضح ، فالمراد بها أقوى أحاديث الباب .
ولكن مما ينبغي التنبه له هو أن هذه العبارة ليست صريحة في التصحيح ، لأنهم لا يشترطون في هذا التفضيل الصحة في الأفضل ، بل يصفون بها أحياناً أشبه أحاديث الباب وأقلها ضعفاً فيقولون له : أصح أحاديث الباب.
وعلى ما تقدم يقاس قولهم في طريقٍ لحديث من الأحاديث : (هذه أحسن طرق هذا الحديث) .
وأما قولهم في الموازنة بين حديثين : (الأول أصح) ، فيحتمل أكثر من معنى ، إذ المفضول هنا يحتمل أن يكون ضعيفاً ، ويحتمل أن يكون ثابتاً ؛ ولكن إذا كان الحديثان متعارضين من غير أن يستقيم الجمع بينهما ، فالمرجوح حينئذ شاذٌّ منكرٌ، ولا بد.
ومن أسرار هذه العبارات أنه إذا كان الناقد بصدد إسقاط متن الحديث وبيان بطلانه ووصف بعض أحاديثه الضعيفة بأنها أحسن طرقه ، أو أصح طرقه ، فمعنى ذلك أنه يريد الإشارة إلى شدة ضعف سائر الطرق ، وكأنه يقول : ما ظنكم بحديث أحسن طرقه هذه الطريق الواهية ؟!
أحسن طرق هذا الحديث :
انظر (أصح شيء في الباب) .
أُحضِرَ :
انظر (حضر).(2/28)
أحلى :
قالها أحمد في بعض الرواة ؛ قال عبدالملك الميموني في (سؤالاته) (352) : (سألته [يعني الإمام أحمد] عن ابني بريدة ، فقال: سليمان أحلى في القلب، وكأنه أصحهما حديثاً، وعبدالله له أشياء إنا ننكرها من حُسنها، وهو جائز الحديث)(1) ؛ وانظر (ثم سكت) .
وقال عبد الله في (العلل) (2/356) (2576) : (قال أبي: محمد بن سواء هو عند أصحاب الحديث أحلى من الخفاف، إلا أن الخفاف أقدم سماعاً)(2).
أحوط :
إذا قال الناقد : هذا الحديث أحوط من ذاك فهو يريد أنه أحوط للدين ؛ سواء دخل ذلك الحديث عنده في باب الواجبات أو في باب الورع فقط .
الأخبار :
جمع (خبر) ، انظر (الآثار).
وقال الدكتور مصطفى جواد في تقديمه لطبعة الدكتور بشار عواد من (التكملة لوفيات النقلة) (1/11-13) : (والعرب حين بدأوا يتدوين السير والتراجم أطلقوا على التراجم اسم "التاريخ" ، فالتاريخ عندهم هو "تراجم" ، كما ترى في تسمية "تاريخ البخاري" ---- ، و "تاريخ واسط" ---- ، و "تاريخ بغداد" .
__________
(1) ونقل هذا القولَ ابنُ عبدالهادي في (بحر الدم) (ص185).
(2) وقال الخطيب في (تاريخ بغداد) (11/19) : (أخبرنا الحسين بن علي الصيمري حدثنا محمد بن عمران المرزباني أخبرني الصولي حدثنا يموت بن المزرع حدثنا الجاحظ قال : قال إبراهيم النظام - وذكر عبد الوهاب الثقفي - : "هو والله أحلى مِن أمن بعد خوف ، وبرء بعد سقم ، وخِصب بعد جَدب ، وغنى بعد فقر ، ومن طاعة المحبوب ، وفرَج المكروب ، ومن الوصال الدائم مع الشباب الناعم" ) ؛ وأخرجه من طريق الخطيب كلٌّ من الحافظِ المزي في (تهذيب الكمال) ( 18/507-508) ، والحافظِ الذهبي في (السير) (9/239) ؛ وهذا الإسناد غير صحيح ، ولكنه أثر غير منكر ، والله أعلم .(2/29)
واختص العربُ الفنَّ الذي يُعرف في عصرنا باسم "التاريخ" باسم آخر هو "الأخبار" ، كما ترى في تسمية "أخبار البصرة" لعمر بن شبة المتوفى سنة 262 ، و "أخبار المدينة" له أيضاً ، ولابن زبالة محمد بن الحسن من أصحاب الإمام مالك بن أنس ، و "التبيان في أخبار بغداد" لأحمد بن خالد البرقي ، و "أخبار الزمان ومَن أباده الحدثان" لأبي الحسن علي بن الحسين بن علي المسعودي المتوفى سنة 346 على إحدى روايتين ، و "أخبار الدول المنقطعة" لابن ظافر الأزدي .
ومن هذا الفن من فنون التاريخ شاع لقب الأخباري ، وهو كما في "أنساب السمعاني" (1/130) : "من يروي الحكايات والقصص والنوادر" ، كأبي عبدالرحمن الهيثم بن عَديّ الكوفي الأخباري ، وأبي بكر يموت بن المزرَّع بن يموت البصري الأخباري وغيرهما .
وقد كانت العناية مقصورةً في تأليف التاريخ على رواة الأثر النبوي ، فهُم حمَلة السنة وحفَظة أخبارها والمحافظون عليها من الوضع والاختلاق والزيادة والتحريف والتصحيف ؛ ثم تطور الموضوع فدخل فيه الأعيان على اختلاف طبقاتهم وصناعاتهم ومراتبهم ، كما ترى في "تاريخ الخطيب البغدادي" .
ومن فنون التاريخ ، أعني فن التراجم : "الوفيات" ، وهي تواريخ تَذكر الأعيان من المحدثين وغيرهم على حَسَب سني وفياتهم ، وشهورها وأيامها---- )(1) .
وانظر (الأخباريون) .
الأخباريون :
هم الرواة أو المصنفون القدماء المشتغلون بنقل ما يروى عمن تقدمهم ، من أيامهم وقصصهم وتواريخهم وأنسابهم وحِكمهم وأدبهم، ونحو ذلك .
كان نقلة هذا النوع من المنقولات ونحوها يُعرفون قديماً باسم (الأَخباريين) ، ولم يكونوا يُعرفون باسم (المؤرخين) ، وفي الحقيقة اسم المؤرخ أخص من اسم الأخباري ، فالأخباري ينقل مع المسائل التاريخية حكايات وطرائف ونوادر ومُلح وأشعار مهمة وغير ذلك .
__________
(1) انظر بعض بقية هذا الكلام في (الوفيات) .(2/30)
قال العلامة بكر أبو زيد في (طبقات النسابين) (ص7) : (ولو استقبلت من أمري ما استدبرت لأدخلت أيضاً كل من قيل في ترجمته بأنه أخباري ، لأن هذه النسبة عندهم تعم من درس التاريخ وجمع أخبار الناس في مثالبهم ومناقبهم وأنسابهم وأيامهم ، ولهذا ترى النديم في الفهرست يجمع بينهم وبين النسابين في الفن الأول من المقالة الثالثة )(1).
تكلم الدكتور أحمد محمد الحوفي في كتابه (الطبري) (ص180- ص183) على تطور المنهج التاريخي ، وذكر أن ذلك التطور حصل بخطوتين واسعتين ، أولاهما استقلال التاريخ وانفصاله من الحديث في القرن الثاني منذ حصول التخصص عند المؤرخين ، وفصل بعض التفصيل في هذا ، ثم ذكر (ص182-183) الخطوة الثانية فقال : (وأما الخطوة الأخرى فقد كانت تمثل المكانة العالية للتاريخ والمؤرخين ، إذ تعددت مصادره الموثوق بها في القرن الثالث ، فصار لا يعتمد على الأساطير والأخبار التي لا ضابط لها ، بل يعتمد على كتب مدونة في السيرة وتاريخ الأقاليم والتاريخ العام ، وعلى وثائق وسجلات ، وعلى كتب مترجمة من اللغات الأجنبية ، إلى جانب اعتماده على المشافهة والمشاهدة والرحلات .
__________
(1) وكثير من مشاهير الاخباريين غير معتمدين ، ولا كتبهم معتمدة، ولقد شارك بعض الأئمة والثقات أو المقبولين في الجملة في رواية الأخبار والتواريخ فأحسنوا؛ وفي ترجمة لقيط المحاربي من (ميزان الاعتدال) (5/507) (6994) [طبعة دار الكتب العلمية 1416هـ ] : (فمن أراد الأخبار فليأخذها من مثل قتادة وأبي عمرو بن العلاء وابن جُعْدُبة ويونس بن حبيب وأبي عبيدة ومسلمة بن محارب وأبي عاصم النبيل وأبي عمر الضرير وخلاد بن زيد ومحمود بن حفص ابن عائشة الأكبر ، وعبيد الله بن محمد وهو ابن عائشة الأصغر وعن أبي اليقظان وسحيم بن آدم ، فإنهم مأمونون) ؛ انتهى .
وانظر (التاريخ) فقد أوردت هناك بعض ما يتعلق بكيفية نقد الروايات التاريخية .(2/31)
ولم يَعُد المؤرخُ يسمى أخبارياً ، كما كان يُسمى من قَبل ، واقتصر مدلول الأخباري على راوي القصص والنوادر والحكايات(1) .
وبهذا صار التاريخ علماً قيماً لا يستنكف العلماء والفقهاء من التوفر على دراسته ، ولا يتحامون التأليف فيه ، وأصبح المؤرخون ذوي مكانة عالية بين العلماء)(2) .
وانظر (الأخبار) .
أخبرنا :
إحدى صيغ الأداء التي يكثر دورانها على ألسنة المحدثين ، وتختصر إلى (أنا) و(أرنا) و(أبنا) ، ولا يجوز اختصارها إلى (نا) لأن هذه علامة (حدثنا) ؛ انظر (صيغ الأداء) و (ابنا) .
قال المعلمي في (التنكيل) (1/121-122) في ترجمة أبي نعيم الأصبهاني : (قول الأستاذ "وهو ممن يسوق ما يرويه بإجازة فقط مع ما سمعه في مساق واحد ويقول في الاثنين : حدثنا " .
أقول : يشير إلى ما في "تذكرة الحفاظ" : "قال يحيى بن منده الحافظ : سمعت أبا الحسين القاضي يقول سمعت عبد العزيز النخشبي يقول: لم يسمع أبو نعيم "مسند الحارث ابن أبي أسامة" بتمامه من ابن خلاد فحدث به كله" .
أقول عقب هذا في "التذكرة" : " قال ابن النجار : وهم [النخشبي] في هذا ، فأنا رأيت نسخة الكتاب عتيقة وعليها خط أبي نعيم يقول : سمع مني فلان إلى آخر سماعي في هذا المسند من ابن خلاد ، فلعله روى باقيه بالإجازة ".
أقول : وقول النخشبي "فحدث" ، إنما يعطي أن أبا نعيم حدث السامعين عنه ، لا أنه ذكر في كل حديث من المسند أن ابن خلاد حدثه ، وابن منده ومن فوقه من خصوم أبي نعيم كانت بين الفريقين نفرة شديدة كما يأتي ، فلا يُقبل ما قالوه فيه مما يطرقه الاحتمال على ما سلف في القواعد .
بقي أمران : أحدهما----.
__________
(1) هذا قوله ، وكأنه يحتاج إلى بعض التحقيق .
(2) أقول : ليس كل العلماء ، أما أئمة الجرح والتعديل فلا تعلو عندهم مكانة أحد من غير الثقات والأتقياء .(2/32)
الثاني : قال الذهبي : "قال الخطيب : قد رأيت لأبي نعيم أشياء يتساهل فيها منها أنه يقول في الإجازة : أخبرنا ، من غير أن يبين " ؛ قال الذهبي : " فهذا ربما فعله نادراً ، فإني رأيته كثيراً ما يقول : كتب إلي جعفر الخلدي ، و : كتب إلي أبو العباس الأصم ، و : أنا أبو الميمون بن راشد في كتابه ؛ لكني رأيته يقول : أنا عبد الله بن جعفر فيما قرئ عليه ، فالظاهر أن هذا إجازة " .
وفي "فتح المغيث" للسخاوي (ص222)(1) عن شيخه ابن حجر أن هذا اصطلاح لأبي نعيم قد صرح به فقال : إذا قلت : (أخبرنا )، على الإطلاق ، من غير أن أذكر فيه إجازةً، أو كتابةً، أو كتب إليّ، أو أذن لي، فهو إجازة ، أو : (حدثنا) ، فهو سماع(2) .
قال ابن حجر : "ويقوي التزامه لذلك أنه أورد في "مستخرجه على علوم الحديث للحاكم" عدة أحاديث رواها عن الحاكم بلفظ الإخبار ، مطلقاً ، وقال في آخر الكتاب : الذي رويته عن الحاكم بالإجازة ----".
أقول : وإذ عرف اصطلاحه فلا حرج ، ولكن من أقسام الإجازة الإجازة العامة----) إلى آخر كلام المعلمي؛ وانظر (الإجازة العامة) و (تدليس الإجازة) .
أخبرني :
انظر (صيغ الأداء)، و (أخبرنا).
ومما قد يستحق التنبيه عليه هنا هو أن (أخبرني) لا تُختصر في عُرف المحدثين ، وهي في ذلك مثل (أنبأنا) و (أنبأني) ، بخلاف (أخبرنا) و (حدثنا) و (حدثني) ، فهذه تختصر ، كما هو مذكور في موضعه .
الاختصار :
قال الفيروزابادي في (القاموس المحيط) : (و[اخْتَصَرَ ] الكلامَ : أوجَزَه) .
وقالوا في (المعجم الوسيط) (1/236-237) : (و[اختصرَ] الطريقَ : سلك أقربَه ، و[اختصرَ] الشيء [والكلام](3) : حذف الفضول منه) .
__________
(1) هو في (فتح المغيث) طبعة مكتبة السنة (2/306-309) باب (كيف يقول من روى بالمناولة وبالإجازة) .
(2) انظر قول ابن حجر في (طبقات المدلسين) (ص82) أو (تدليس الإجازة) .
(3) هذه الكلمة زدتها من طبعةٍ أخرى غير التي معي .(2/33)
وانظر (اختصار الحديث) و(اختصار الكتب) .
اختصار الحديث :
الحديث المختصر هو الذي يرويه بعض رواته مقتصراً على بعض معانيه ، أو يرويه بمعنى مجمل تاركاً التفصيل ، وفي الحالتين تكون ألفاظ الحديث المختصر أقل من أصله أو من نظيره المطوَّل.
ويقابل اختصار الحديث تطويله ؛ ولا بد أن يُعلم أن الاختصار والتطويل أمران نسبيان ، فالاختصار إنما يُسَمَّى اختصاراً قياساً إلى رواية بعض المطوِّلين ممن تابع الراوي المختصِر ، متابعة تامة أو قاصرة ؛ وكذلك التطويل.
ثم إن الاختصار قد يكون مقبولاً لعدم إخلال الراوي بالمعنى الذي يرويه ، وقد يُرَدُّ ولا يقبل ؛ شأنه في هذا شأن الرواية بالمعنى ، وقد يكون الحديث المختصر هو المحفوظ دون الرواية المطولة له ؛ وانظر (اختصار الحديث) و(مطوّل) و(الرواية بالمعنى) و(تقطيع الحديث) .
وإذا أطلقت عبارة (اختصار الحديث) فالمراد اختصار متنه ، وهو نوعان :
الأول : الاقتصار على قطعة منه، كما يفعله البخاري كثيراً في تقطيعه الحديث الطويل والاقتصار في كل باب أورده فيه على قطعة منه .
الثاني : تلخيص معناه ، وذلك يستلزم - ولا بدَّ - تصرفاً في ألفاظه، فهو نوع من الرواية بالمعنى ؛ وهذا النوع من الاختصار يوقع فاعلَه أحياناً في الخطأ ، فيُعَلّ الحديث بسببه .
مثال ذلك هذا الحديث الذي خرجه الدكتور الفاضل ماهر ياسين الفحل فقال في بعض كتبه أو مقالاته تحت هذا العنوان : (حَدِيْث لا وضوء إلاّ من صوت أو ريح وأثر اختصار الْحَدِيْث فِيْهِ) ما نصه :
(رَوَى شعبة ، عن سهيل بن أبي صالح ، عن أبيه ، عن أبي هُرَيْرَةَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : (لا وضوء إلا من صوت أو ريح(1).
__________
(1) أخرجه الطيالسي (2422) ، وابن الجعد (1643) ، وأحمد 2/410 و 435 و 471 ، وابن ماجه (515) ، والترمذي (74) ، وابن الجارود (2) ، وابن خزيمة (27) ، والبيهقي 1/117 و 220 .(2/34)
هكذا رَوَى شعبة الْحَدِيْث مختصراً ، نبّه عَلَى ذَلِكَ حفاظ الْحَدِيْث ونقاده ، فأبو حاتم الرازي يَقُوْل : (هَذَا وهم ، اختصر شعبة مَتْن هَذَا الْحَدِيْث ، فَقَالَ : (لا وضوء إلا من صوت أو ريح)، ورواه أصحاب سهيل عن سهيل ، عن أبيه ، عن أبي هُرَيْرَةَ ، عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : (إِذَا كَانَ أحدكم في الصَّلاَة فوجد ريحاً من نفسه فَلاَ يخرجن حَتَّى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً)(1).
وَقَالَ البَيْهَقِيّ : (هَذَا مختصر)(2).
إلا أن الحَافِظ ابن التركماني قَالَ : (لَوْ كَانَ الْحَدِيْث الأول مختصراً من الثاني ، لكان موجوداً في الثاني مَعَ زيادة ، وعموم الحصر المذكور في الأول لَيْسَ في الثاني ، بَلْ هما حديثان مختلفان)(3).
وتابعه عَلَى هَذَا التعليل الشوكاني ، فَقَالَ : (شعبة إمام حافظ واسع الرِّوَايَة ، وَقَدْ رَوَى هَذَا اللفظ بهذه الصيغة المشتملة عَلَى الحصر ، ودينه ، وإمامته ، ومعرفته بلسان العرب يرد ما ذكره أبو حاتم)(4).
وأيّد هَذَا الشَّيْخ أبو إسحاق الحويني في تحقيقه لـ " منتقى " ابن الجارود(5).
وَإِذَا ذهبنا نستجلي حقيقة الأمر بطريق البحث العلمي المستند إِلَى حقائق الأمور وقواعد أصحاب هَذَا الفن، نجد أن أبا حاتم الرازي لَمْ يحكم بهذا الحكم من غَيْر بينة، إِذْ أشار في تضاعيف كلامه إِلَى أن مستنده في الحكم بوهم شعبة واختصاره للحديث : مخالفته لجمهور أصحاب سهيل ، وهذا هُوَ المنهج العلمي الَّذِي يتبعه أَئِمَّة الْحَدِيْث في مَعْرِفَة ضبط الرَّاوِي ، وذلك من خلال مقارنة روايته برواية غيره ، وهذا يقتضي جمع الطرق ، والحكم عن تثبت ، لا بالتكهن والتجويز العقلي الخلي عن البرهان والدليل .
__________
(1) علل الْحَدِيْث 1/47 (107) .
(2) السنن الكبرى 1/117 .
(3) الجوهر النقي 1/117 .
(4) نيل الأوطار 1/224 .
(5) غوث المكدود 1/17 .(2/35)
وبغية الوصول إِلَى الحكم الصائب تتبعنا طرق هَذَا الْحَدِيْث ، فوجدنا سبعة من أصحاب سهيل رووه عن سهيل خالفوا في رواياتهم رِوَايَة شعبة ، وهم :
جرير بن عَبْد الحميد بن فرط الضبي ، عِنْدَ مُسْلِم(1) ، والبيهقي(2).
حماد بن سلمة ، عِنْدَ أَحْمَد(3) ، والدارمي(4) ، وأبي داود(5).
خالد بن عَبْد الله الواسطي ، عِنْدَ ابن خزيمة(6).
زهير بن معاوية ، عِنْدَ أبي عوانة(7).
عَبْد العزيز بن مُحَمَّد الدراوردي ، عِنْدَ التِّرْمِذِيّ(8) ، وابن خزيمة(9)، وابن المنذر(10).
مُحَمَّد بن جعفر ، عِنْدَ البَيْهَقِيّ(11).
يَحْيَى بن المهلب البجلي ، عِنْدَ الطبراني في "الأوسط" (12).
ورِوَايَة الجمع أحق أن تتبع ويحكم لها بالسلامة من الخطأ .
ولا يطعن هَذَا في إمامة شعبة ودينه ، فهذا أمر وهذا أمر آخر ، ومن ذا الَّذِي لا يخطئ .
ولا يشترط أن يَكُوْن لفظ الْحَدِيْث المختصر موجوداً في الْحَدِيْث المختصر مِنْهُ ، بَلْ يكفي وجود المعنى، إِذْ لربما اختصر الرَّاوِي الْحَدِيْث، ثُمَّ رَوَى اللفظ المختصر بالمعنى ، فَلاَ يبقى رابط بَيْنَهُمَا سوى المعنى ، وهذا ما نجده في حديثنا هَذَا ، وبه يندفع اعتراض ابن التركماني ومن قلّده) . انتهى كلام الدكتور ماهر حفظه الله.
__________
(1) في (صحيحه) (1/190) (362) (99) .
(2) في (سننه) (1/117) .
(3) في (مسنده) (2/414) .
(4) في (سننه) (727) .
(5) في (سننه) (177) .
(6) في (صحيحه) (24) و (28) .
(7) في (مسنده) (1/267) .
(8) في جامعه (75) ، وسياق الإِمَام التِّرْمِذِيّ للرواية المختصرة وتعقيبه بالرواية المطولة ، ينبه بِذَلِكَ ذهن الباحث عَلَى وجود كلتا الرِّوَايَتَيْنِ ، لا أنَّهُ صحح كلا الرِّوَايَتَيْنِ !!!
(9) في صحيحه (24) .
(10) في الأوسط (149) .
(11) في سننه 1/161 .
(12) 2/157 (1565) .(2/36)
اختصار الكتب :
اختصار الكتب أحد مسالك العلماء في تيسير الانتفاع بالكتب ، وتقريبها للراغبين في مطالعتها أو حفظها أو دراستها أو نسخها واقتنائها .
وهذا العمل كان له كثير من النفع ، ولكنه لم يخلُ من ضرر غير قليل ؛ فقد هُجرت بسبب العكوف على المختصرات كثير من الأمّات والدواوين ، ونزلت همة كثير من الطلبة ، واحتيج إلى تكثير الرموز والإشارات ، وأُغفل ذكر كثير من التفاصيل والاستثناءات ، وسادت طريقة الإجمال والتعميم .
والمكتبة الحديثية كان لها نصيبها من الاختصار ، وكان المقصود من اختصار كتب الرواية : كالمتفقه المبتدئ والعابد والخطيب والداعية وأمثالهم ، وفي الوقت نفسه كانت هذه الكتب مداخل صالحة لتخريج كثير من الأحاديث الصحيحة أو الشهيرة ، وحفِظَ كثيرٌ من العلماء وكثير من طلبة العلم كثيراً منها ، وكان في ذلك نفعٌ واضح .
وهكذا ظهرتْ كتبُ المتونِ المختصرةُ المختصةُ بجمعِ واختصارِ المتونِ الحديثيةِ وترتيبِها وتقريبِها للدارسينَ والعاملينَ ، كـ (عمدة الأحكام) للمقدسي ، و (منتقى الأخبار) لابن تيمية الجَدِّ ، و (رياض الصالحين) للنووي ، و (المحرَّر) لابن عبد الهادي ، و (بلوغ المرام) لابن حجر .
اختصار صيغ الأداء :
صيغ الأداء هي الألفاظ التي تشير إلى كيفية تحمل الراوي الحديث ممن فوْقَه في السند ، انظر (صيغ الأداء) .
ثم إنه قد جرت عادتهم باختصار أكثر هذه الصيغ ، وذلك باستبدال الصيغة ببعض حروفها ؛ وهكذا حلَّ مكان هذه الصيغ في كثير من كتب الحديث رموز يُقصر فيها على بعض حروفها ، وهي رموز متعارَف عليها ، فلا تُشكِل على أحد من أهل هذا العلم وطلبته والمشاركين فيه ، وإن كانت قد تشكل على غيرهم .
قال ابن الصلاح في (مقدمته) (ص180) : (غلب على كَتَبة الحديث الاقتصار على الرمز في قولهم "حدثنا" و "أخبرنا" ، غير أنه شاع ذلك وظهر حتى لا يكاد يلتبس .(2/37)
أما "حدثنا" فيُكتب منها شطرها الأخير ، وهو الثاء والنون والألف ؛ وربما اقتُصر على الضمير منها ، وهو النون والألف .
وأما "أخبرنا" ، فيكتب منها الضمير المذكور مع الألف أولاً .
وليس بحسن ما يفعله طائفة من كتابة "أخبرنا" بألف مع علامة "حدثنا" المذكورة أولاً ، وإن كان الحافظ البيهقي ممن فعله .
وقد يكتب في علامة "أخبرنا" راء بعد الألف ، وفي علامة "حدثنا" دال في أولها .
وممن رأيت في خطه الدال في علامة "حدثنا" الحافظ أبو عبد الله الحاكم ، وأبو عبد الرحمن السلمي ، والحافظ أحمد البيهقي ، رضي الله عنهم ، والله أعلم ) ؛ انتهى .
وأشهر تلك الاختصارات :
(ثنا) و (نا) و(دثنا) كلها اختصار لـ(حدثنا) .
(انا) و (ابنا) كلاهما اختصار لـ(أخبرنا) .
وأما (أنبأنا) فلا تختصر؛ ويأتي ذكر هذه الرموز في مواضعها من هذا المعجم(1) .
وهل يجوز في طبع كتب الأحاديث المسندة وضع صيغ الأداء كاملة بدلاً مما في الأصول الخطية من مختصرات تلك الصيغ؟ انظر ما يلي .
قال عبد الله بن يوسف الجديع في تعليقه على (المقنع في علوم الحديث) لابن الملقن (1/363) في كلام له على صيغ الأداء ومختصراتها : (ويجدر بي ههنا التنبيه إلى أن علماء الحديث ونساخه حين كانوا يختصرون هذه الألفاظ ، إنما كانوا يريدون بذلك التخفيف في النَّسخ والحمل والحبر والورق ، وهذه المعاني قد زالت في الزمن الحاضر - ولله الحمد - بسبب انتشار الطباعة وقلة تكلفة الكتب ، بحيث صارت تقع بأيدي كل الناس ، ومن ليس من أهل الصنعة لا يفهم هذه الرموز ولا يدريها فيقرأ على الخطأ ، فنصيحتي للمشتغلين بتحقيق التراث الحديثي : أن يُعنوا أولاً بفهم هذه الرموز ، ثم حلها وكتابتها على ما تقرأ عليه .
__________
(1) وثَمَّ اختصار من نوع آخر معنوي لا لفظي ، وهو استعمال لفظة (عن) مكان الصيغ عامةً .(2/38)
وهذه النصيحة ليس لي فيها فضل السبق ، فقد سبقني إليها كثير من الفضلاء ، وامتثل جماعة منهم ذلك فيما أخرجوه من الكتب ، وإنما أردت أن تكون لي في ذلك مشاركة).
اختصره :
انظر (اختصار الحديث) ، و(اختصار الكتاب) .
الاختلاط :
هو تغير كبير في حال الراوي ، ينتقل به من صفة الضبط التام أو ما يقاربه من مراتب القبول إلى حالة فقدان الذاكرة أو الخرف أو انعدام التمييز أو نحو ذلك.
وذلك التغير أكثر ما يكون في آخر العمر ، بسبب ضعف الذاكرة ، أو الخرف ، ثم هو قد يكون ملازماً للراوي بعد طروئه عليه ، وقد يكون غير ملازم(1).
قال النووي في (التقريب) في النوع المختص بمن خلط من الثقات ، من علوم الحديث :
(هو فن مهم لا يعرف فيه تصنيف مفرد ، وهو حقيق به)؛ قال السيوطي في (تدريب الراوي) (2/372) : (قال العراقي : وبسبب ذلك أفرده بالتصنيف من المتأخرين الحافظ صلاح الدين العلائي ؛ قلت : قد ألف فيه الحازمي تأليفاً لطيفاً رأيته) ؛ انتهى.
وهذه ستة كتب أخرى مؤلفة في هذا الباب غير هذين الكتابين :
رفع الشك باليقين في تبيين حال المختلطين؛ للحافظ شهاب الدين البوصيري (ت840) ؛ وهذا الكتاب لا أعلمه مطبوعاً ؛ ولا أدري أوجدتْ مخطوطتُه أو لا.
الاغتباط بمعرفة من رمي بالاختلاط ؛ لسبط ابن العجمي.
نهاية الاغتباط بمن رمي من الرواة بالاختلاط ؛ وهو لعلاء الدين علي رضا ، وقد زاد فيه مؤلفه جملة من التراجم على ما في كتاب الاغتباط السابق ، بعد أن درسه وحققه وعلق عليه.
الكواكب النيرات بمعرفة من اختلط من الثقات ، لابن الكيال الدمشقي.
__________
(1) وقد ضبط النقادُ أسماء المختلطين ، وحاولوا تعيين أوقات بدء اختلاطهم، وتمييز من أخذ منهم بعد الاختلاط ، (المراد في أثنائه ، أي بعد وقوعه) ، من غيرهم من تلامذتهم الذين لم يأخذوا عنهم بعد اختلاطهم شيئاً فلا يضر اختلاطُهم رواياتِ أولئك التلامذة عنهم ، أي لأنهم أخذوا عنهم قبل الاختلاط فقط .(2/39)
أثر اختلاط سعيد بن أبي عروبة على مروياته في الكتب الستة، لنافذ حسين عثمان حماد.
معجم المختلطين، محمد بن طلعت، طبعته أضواء السلف بالرياض ، سنة (1425هـ) في (360) صفحة .
اختلاف الأقران :
قال الأستاذ المحقق الدكتور محمد لطفي الصباغ في مقدمته لكتاب السيوطي (تحذير الخواص من أكاذيب القصاص) (ص42-47) : (وأود أن أنبه إلى خطأ نشأ من اطلاق كلمة تشيع على ألسنة كثير من طلبة العلم ، وهي أن حكم المتعاصرين بعضهم في بعض غير مقبول ؛ إن هذا الاطلاق خطأ كبير في رأيي ، ذلك أن أقدر الناس على الحكم على إنسان معين معاصروه الذين خالطوه وعاشروه وعرفوه المعرفة التامة ؛ والصواب أن نطلب التأني في قبول الحكم ، والتأمل فيه ، واشتراط التقوى في الذي يُصدر هذا الحكم وبراءته من اللدد في الخصومة والمنافسة في الدنيا والمبالغة المتطرفة في الحكم ، قال الحافظ الذهبي :
"كلام الأقران بعضهم في بعض لا يعبأ به ، لا سيما إذا لاح لك أنه لعداوة أو لمذهب أو لحسد ، ما ينجو منه إلا من عصم الله ، وما علمت أن عصراً من الأعصار سلم أهله من ذلك سوى الأنبياء والصديقين ، ولو شئت لسردت من ذلك كراريس . الله فلا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا انك رؤوف رحيم"(1) .
وقال ابن عبد البر : " لا يقبل فيمن صحت عدالته وعُلمت بالعلم عنايته وسلم من الكبائر ولزم المروءة والتعاون وكان خيره غالباً وشره أقلَّ عمله ، فهذا لا يقبل فيه قول قائل لا برهان له به ، فهذا هو الحق الذي لا يصح غيره إن شاء الله"(2) .
__________
(1) الميزان 1/111 .
(2) جامع بيان العلم وفضله 2/162 .(2/40)
وقال ابن حجر : (وممن ينبغي أن يتوقف في قبول قوله في الجرح من كان بينه وبين من جرحه عداوة سببها الاختلاف في الاعتقاد .... ويلتحق بذلك ما يكون سببه المنافسة في المراتب ، فكثيراً ما يقع بين العصريين الاختلاف والتباين لهذا وغيره ، فكل هذا ينبغي أن يتأنى فيه ويتأمل"(1) .
أما قول السيوطي في (الكاوي) : "إن الجرح إنما جوز في الصدر الأول الأول حيث كان الحديث يؤخذ من صدور الأحبار لا من بطون الأسفار ، فاحتيج إليه ضرورة للذب عن الآثار ومعرفة المقبول والمردود من الأحاديث والأخبار ، وأما الآن فالعمدة على الكتب المدونة"(2) ، فهو قول لا يتفق والنصح للدين ، فكم من دجال يظهر التدين والصلاح وهو يريد بالأمة سوءاً وبدينها كيداً ، فكيف لا يجوز فضحه وذكره بما هو فيه نصحاً للأمة ودينها والحق الذي لا تقوم الحياة الفاضلة الا به ؟)؛ وانظر (الأقران).
اختلط بأخرة :
أي في آخر عمره ، ومنهم من يقول : (بأخَرةٍ) ، ومنهم من يقول : (بآخرِه) ؛ والمعنى واحد ؛ وانظر (الاختلاط) و(التغير) .
أخذَ الأجرة على التحديث :
أي كان يحدث بثمن يتقاضاه من الطلاب أو من بعضهم.
أخذَ طريقَ المجرة :
أي سلك الجادة، ويأتي بيان معنى (سلك الجادة).
أخذَ المجرة :
هي بمعنى التي قبلها.
إخراج الحديث :
هو روايته بالإسناد ، أي ذكر سنده ومتنه ؛ انظر (أخرجه) (التخريج) و(السند) و(المتن) و(الرواية) و(روى) .
أخرج :
أي روى بالإسناد ، وانظر (التخريج) .
__________
(1) لسان الميزان 1/168 وانظر في هذا الموضوع (التنكيل) 1/52-59 وجامع بيان العلم 2/150-163 وطبقات الشافعية 2/9-22 .
(2) ذكر محمد عبد الله عنان في كتابه (مصر الاسلامية) (ص273) هذه الرسالة ووصفها بأنها رسالة مثيرة لاذعة ، ونقل منها مقتطفات ، وذكر أنها في عدة صفحات .(2/41)
أخرجاه :
أي روياه بالإسناد، والمراد عند الجمهور بضمير التثنية الشيخان البخاري ومسلم ، والمراد بعزو الحديث إليهما عند الإطلاق هو إخراجهما له في صحيحيهما ؛ لكن أبا عوانة شذَّ في ( مستخرجه على صحيح مسلم ) عن هذا الاصطلاح ، فإنه ربما قال في بعض المواضع منه: من هنا لم يخرجاه، ولا يريد بذلك الشيخين ؛ قال السيوطي في (تدريب الراوي) (1/112) : (وموضوع المستخرج - كما قال العراقي - أن يأتي المصنف إلى الكتاب فيخرج أحاديثه بأسانيد لنفسه ، من غير طريق صاحب الكتاب ، فيجتمع معه في شيخه ، أو مَن فوقه ؛ قال شيخ الإسلام(1): وشرطه أن لا يصل إلى شيخ أبعد حتى يفقدَ سنداً يوصله إلى الأقرب ، إلا لعذر ، من علو أو زيادة مهمة ؛ قال : ولذلك يقول أبو عوانة في "مستخرجه على مسلم" بعد أن يسوق طرق مسلم كلها : "من هنا لمخرجه" ، ثم يسوق أسانيد يجتمع فيها مع مسلم فيمن فوق ذلك ؛ وربما قال : "من هنا لم يخرجاه" ؛ قال : ولا يظن أنه يعني البخاري ومسلماً فإني استقريت صنيعه في ذلك فوجدته إنما يعني مسلماً وأبا الفضل أحمد بن سلمة ، فإنه كان قرين مسلم ، وصنف مثل مسلم----) ؛ وانظر (أخرجه) .
أخرج له الشيخان :
أي روى له البخاري ومسلم .
قال الذهبي في (الموقظة) (ص38-40) : (من أَخرَج له الشيخان على قسمين :
أحدُهما : ما احتَجَّا به في الأصول .
وثانيهما : من خرَّجا له متابعةً وشَهادَةً واعتباراً .
فمن احتَجَّا به أو أحدُهما ولم يُوثَّق ولا غُمِزَ ، فهو ثقة ، حديُثُه قوي .
ومن احتَجَّا به أو أحدُهما ، وتُكلِّم فيه :
فتارةً يكون الكلامُ فيه تعنُّتاً ، والجمهورُ على توثيقِه ، فهذا حديثُهُ قويّ أيضاً .
وتارةً يكون الكلامُ في تليينِهِ وحِفظِهِ له اعتبار ، فهذا حديثهُ لا يَنحطُّ عن مرتبة الحسَن ، التي قد نُسمِّيها : من أدنى درجات الصحيح .
__________
(1) يعني ابن حجر .(2/42)
فما في الكتابين بحمد الله رجلٌ احتَجَّ به البخاريُّ أو مسلمٌ في الأصولِ ورواياتُه ضعيفة ، بل حَسَنةٌ أو صحيحة .
ومن خَرَّجَ له البخاريُّ أو مسلمٌ في الشواهد والمتابَعات ، ففيهم من في حِفظِه شيء ، وفي توثيِقه تردُّد ؛ فكلُّ من خُرِّجَ له في الصحيحين فقد قَفَزَ القَنْطَرة فلا مَعْدِلَ عنه إلا ببرهانٍ بَيِّن .
نعم ، الصحيحُ مراتب ، والثقاتُ طَبَقات ، فليس مَنْ وُثِّق مطلقاً كمن تُكلِّمَ فيه ، وليس من تُكلِّم في سُوءِ حفظِه واجتهادِه في الطَّلَب ، كمن ضعَّفوه ، ولا من ضعَّفوه ورَوَوْا له كمن تركوه ، ولا من تركوه كمن اتَّهموه وكذَّبوه .
فالترجيحُ يَدخُلُ عند تعارُضِ الروايات .
وحَصْرُ الثقاتِ في مصنَّفٍ كالمتعذِّر .
وضَبْطُ عَدَدِ المجهولين مستحيل .
فأمَّا من ضُعِّفَ أو قيل فيه أدنى شيء ، فهذا قد ألَّفتُ فيه مختصراً
سمَّيتُه بـ "المغني" ، وبَسَطتُ فيه مؤلَّفاً سَمَّيتُه بـ "الميزان") .
أخرجه :
يقال : أخرج فلان الحديث في كتابه ، أي رواه فيه بسنده ؛ وأما إذا حذف شيئاً من أول السند - وهو التعليق - فحينئذ لا يحسن الإطلاق ، بل يكون التقييد هو الأحسن ، فيقال : أخرجه معلقاً(1) .
__________
(1) تنبيه : مما يفعله بعض الذين يقحمون أنفسهم في صناعة تخريج الأحاديث وهم لا يحسنون التمييز بين ما تشابه أو تقارب من مصطلحات هذه الصناعة ، في أمور أخرى كثيرة لا يحسنونها : هو أن ينسب أحدهم الحديث ، عند تخريجه ، إلى أحد هذه الكتب المتنية ، وبصيغة تُفهم أو توهم أنَّه مروي فيها بسنده ، مثل أن يقول في الحديث الذي يخرّجه : (أخرجه - أو يقول : رواه - الترمذي في (سننه) وأبو داود في (سننه) والنووي في (رياض الصالحين) .
فمتى كان رياض الصالحين كتاب روايةٍ مسنداً تُعزى إليه الأحاديث؟! وما معنى تخريج الحديث منه؟!
وقد يقال : إن هذه قضية يسيرة ، والأمر فيها سهل ، فأقول : قد يكون الأمر سهلاً ، كذلك ، ولكنه - عند التأمل - دالٌّ على ما وراءه ، من جهل صاحبه بهذه الصناعة الشريفة العظيمة ، ثم هو مع ذلك يصحح ويضعف وكأنه أحد أئمة العلل !! فالله المستعان .(2/43)
وأما (خرّجه) ، فتأتي بمعنى (أخرجه) ، وبمعنى كتبَ له تخريجاً ، ويأتي معنى (التخريج).
ولعل أصل استعمالهم لهاتين اللفظتين كان يُراعى فيه المعنى اللغوي لصيغتيهما ، فصيغة (خرَّج) وهي (فعَّل) تفيد التكثير ، أي ذكر للحديث طرقاً كثيرة، أو بالغ في التفتيش عن طرقه، بخلاف (أخرج) فتصْدق بإخراج طريق واحد للحديث.
ولئن صح هذا التخمين فهو أمرٌ قديم صار فيما بعد على غير ما كان عليه، فصار قولنا (خرجه البخاري) مرادفاً لقولنا (أخرجه البخاري).
وهذه فائدة فيها بيان الفرق بين طريقة المحدثين وطريقة الفقهاء في عزو الأحاديث في الجملة :
قال الزركشي رحمه الله في (المعتبر في تخريج أحاديث المنهاج والمختصر(1) عقب شيء ذكره : (وإنما ذكرت ذلك لأن بعض الفقهاء عزا لفظ الأمر [يعني ابدأوا بما بدأ الله به] لرواية مسلم ، وهو وهم منه، وقد يحتمل هذا من المحدث لا من الفقيه؛ لأن المحدث إنما ينظر في الإسناد وما يتعلق به، والفقيه نظره في استنباط الأحكام من الألفاظ، فالمحدث إذا قال : "أخرجه فلان"، إنما يريد أصل الحديث، لا تلك الألفاظ بعينها، ولذلك اقتصر أصحاب الأطراف على ذكر طرف الحديث، فعلى الفقيه إذا أراد أن يحتج بحديث على حكم أن يكون ذلك اللفظ الذي يعطيه موجوداً فيه ، حتى إن بعض الفقهاء احتج بهذه اللفظة أعني قوله "ابدؤا بما بدأ الله به" على وجوب الترتيب في الوضوء ، لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ؛ قال صاحب "الإمام" : والحديث واحد ومخرجه واحد، ولكن اختلف اللفظ ).
__________
(1) وهما كتابان في أصول الفقه ، المنهاج للبيضاوي ، والمختصر لابن الحاجب .(2/44)
أخرجه البخاري :
قال ابن الصلاح في (المقدمة) (ص19) : (الكتب المخرجة على كتاب البخاري أو كتاب مسلم رضى الله عنهما لم يلتزم مصنفوها فيها موافقتهما في ألفاظ الأحاديث بعينها من غير زيادة ونقصان، لكونهم رووا تلك الأحاديث من غير جهة البخاري ومسلم طلباً لعلو الإسناد، فحصل فيها بعض التفاوت في الألفاظ.
وهكذا ما أخرجه المؤلفون في تصانيفهم المستقلة: كالسنن الكبير البيهقي وشرح السنة لأبي محمد البغوي وغيرهما ، مما قالوا فيه: أخرجه البخاري أو مسلم ، فلا يستفاد بذلك أكثر من أن البخاري أو مسلماً أخرج أصل ذلك الحديث، مع احتمال أن يكون بينهما تفاوت في اللفظ، وربما كان تفاوتاً في بعض المعنى، فقد وجدت في ذلك ما فيه بعض التفاوت من حيث المعنى.
وإذا كان الأمر في ذلك على هذا فليس لك أن تنقل حديثاً منها وتقول: هو على هذا الوجه في كتاب البخاري أو كتاب مسلم، إلا أن تقابل لفظه ، أو يكون الذي خرجه قد قال : أخرجه البخاري بهذا اللفظ.
بخلاف الكتب المختصرة من الصحيحين، فإن مصنفيها نقلوا فيها ألفاظ الصحيحين أو أحدهما ) .
وانظر (المستخرجات) .
أخرجه الجماعة :
انظر (احتج به الجماعة).
الأداء :
أدى فلان الحديث أداءً : أي حدَّثَ به غيرَه وبلّغه إياه .
والأداء يلزمه التحمل فلبا يقع أحدهما مجرداً عن الآخر ، فهما ركنان لأمر واحد فيتلازمان ، كالبيع لا يقع من غير شراء والعكس صحيح ؛ وانظر (التحمل).
الإدخال :
هو أن يقوم بعض الكذابين المزوِّرين بكتابة بعض الأحاديث ملحقاً إياها بأصل بعض الشيوخ ، على سبيل المحاكاة والتزوير .(2/45)
وذلك إما بأن يستعير أصل الشيخ فيدخل فيه ما يدخله قبل إعادته إليه ، أو يكون الأصل بيده أو بيد أحد أصحابه الموافقين له على هذه الفعلة ، في المجلس أو قبله أو بعده ، فيدخل في تلك الأوقات ما يقدر على إدخاله؛ أو يفعل ذلك مسارقة للشيخ ، أو على حين غفلة منه عن أصله ؛ أو يهتبل كون الشيخ ضريراً لا يبصر أو مختلطاً لا يميز ، فيدخل الأحاديث في أصله؛ أو يبدل أصل الشيخ بنسخة أخرى يُدخل فيها ما ليس في الأصل ، ثم يدفعها إلى الشيخ على أنها أصله .
ولا شك أن الإدخال والتزوير لا ينطلي على الضابط المتقن ، ولا على العالم المتبحر ، ولا على الفطن المتيقظ ؛ فهو لا ينطلي إلا على الضعفاء المغفلين أو المختلطين، أو من كان ضريراً أو ضعيف البصر أو على ثقة متساهل قديم العهد بكتابه حسن الظن بمن أدخل عليه ؛ ولم يزل علماء النقد بالمرصاد للمتلاعبين والمزوِّرين.
هذا وإني لأحسب أن غير واحد من المتقدمين كان ربما أطلق على التلقين اسم الإدخال(1) ؛ فليُسْتَقْرَأْ ذلك؛ فإني لا أستبعد أن يكون الفصل التام بينهما من بعض آثار طريقة المتأخرين في شرح مصطلحات المحدثين واستعمالها .
وأما حكم الإدخال؛ فالمدخِل مبطل كذاب؛ وأما المدخَل عليه ففي الحكم عليه تفصيل، وهو أن من كان صحيح الأصل ثم أدخلت عليه بعض الأحاديث فرواياته ضعيفة ساقطة إلا ما رواه عنه الحفاظ الأثبات العارفون بالحديث وبعلله الذين يقفون على أصله وينتقون منه، قال المعلمي في التعليق على (الفوائد المجموعة) (ص244): (عبد الله بن صالح أدخلت عليه أحاديث عديدة فلا اعتداد إلا بما رواه المتثبتون عنه بعد اطلاعهم عليه [أي على ما رووه عنه] في أصله الذي لا ريب فيه، وعلى هذا حُمل ما علقه عنه البخاري).
الإدراج :
انظر (مدرَج) .
إدراك :
انظر (له إدراك) ، و(أدركه بالسن ولم يلقه) .
__________
(1) انظر (التلقين).(2/46)
أدرك الجاهلية :
أي عاش طرفاً من عمره ، من أوله ، في الجاهلية ، وهل المراد جاهلية قومه ، أو الجاهلية العامة ؟ في تعيين ذلك بعض الاختلاف بين العلماء فانظر (مخضرم) .
أدركه بالسن ولم يلقه :
أي عاصره معاصرة كافية للسماع منه ، ولكنه لم يلقه ؛ قال ابن رجب في (جامع العلوم والحكم) (ص269- 270) في الكلام على حديث معاذ في حصائد الألسنة :
(هذا الحديث خرجه الإمام أحمد والترمذى والنسائي وابن ماجه من رواية معمر عن عاصم بن أبي النجود عن أبي وائل عن معاذ بن جبل رضي الله عنه ؛ وقال الترمذي : حسن صحيح ؛ وفيما قاله رحمه الله نظر من وجهين :
أحدهما : أنه لم يثبت سماع أبي وائل عن معاذ وإن كان قد أدركه بالسن ؛ وكان معاذ بالشام وأبو وائل بالكوفة وما زال الأئمة كأحمد وغيره يستدلون على انتفاء السماع بمثل هذا ، وقد قال أبو حاتم الرازي في سماع أبي وائل من أبي الدرداء : قد أدركه وكان بالكوفة وأبو الدرداء بالشام يعني أنه لم يصح منه سماع----).
وقال ابن حجر في (فتح الباري) (9/106) (4777) :
(قوله حدثنا علي سمع حسان بن إبراهيم :
لم أر علياً هذا منسوباً في شيء من الروايات، ولا نبه عليه أبو علي الغساني ولا نسبه أبو نعيم ، كعادته ، لكن جزم المزي تبعاً لأبي مسعود بأنه علي بن المديني وكأن الحامل على ذلك شهرة علي بن المديني في شيوخ البخاري فإذا أطلق اسمه كان الحمل عليه أولي من غيره ؛ وإلا فقد روى عن حسان ممن يسمى علياً عليُّ بن حجر وهو من شيوخ البخاري أيضاً؛ وكان حسان المذكور قاضي كرمان ووثقه ابن معين وغيره ، ولكن له أفراد؛ قال ابن عدي : هو من أهل الصدق إلا أنه ربما غلط.
قلت : ولم أر له في البخاري شيئاً انفرد به ، وقد أدركه بالسن إلا أنه لم يلقه ، لأنه مات سنة ست ومئتين قبل أن يرتحل البخاري).(2/47)
إذا روى عنه الثقات فهو ثقة :
وردت هذه العبارة أو نحوها في كلام عدد من الأئمة ، وقد تشكل على بعض من يقف عليها من غير أهل العلم ، إذ قد يظن أن شرط توثيق ذلك الراوي هو رواية الثقات عنه ، وأنه فيما عدا ذلك غير ثقة ، وهذا خلاف المعروف من أن الرجل إما أن يكون عدلاً في جميع أحواله ، أو غير عدل في جميعها ، وأما أن يكون مرة عدلاً ومرة غير عدل فهذا ما لا يوجد .
فمعنى هذه العبارة توثيق الراوي مطلقاً ، مع الإشارة من قائلها إلى أمر آخر ، هو أن في بعض أحاديث ذلك الراوي ضعفاً أو نكارةً ، ولكن ليس ذلك من جهته ؛ وإنما هو من جهة من روى تلك الأحاديث عنه ، من غير الثقات ، بدليل أن روايات الثقات عنه مستقيمة .
فهذه العبارة فيها توثيق للراوي ودفاع عنه في الوقت نفسه ؛ وربما تضمنت أيضاً الإشارة إلى الرد على من تكلم فيه .
بقي أن أقول : إن في هذه العبارة احتمالاً آخر وقد يقوى أحياناً ، وهو أن يكون الناقد المستعمل لهذه العبارة يريد أن يشير إلى أنه لم يتهيأ له الاستقراء الكافي لأحاديث ذلك الراوي ، لكثرتها وكثرة من رووا عنه من الضعفاء ؛ واعتبار أحاديث الضعفاء في غاية الصعوبة ؛ فيكون الناقد قد اقتصر على تتبع روايات الثقات عنه ، وأنه قد تبين له من ذلك أنها مستقيمة ؛ فيبين ما علم من حاله بتلك العبارة ، مشيراً إلى نقص قناعته بذلك الاستقراء الناقص ، بسبب قلة من روى عنه من الثقات.
إن الراوي إنما تعلم وثاقته أو استقامة أحاديثه من سبر مرويات الثقات عنه ومروياته عن الثقات ، لأنه لا يمكن أن يعلم حاله إلا بواسطة ذلك ، فإذا كان ثقة اتضح أن ما وقع في مروياته من الخلل وعدم الاستقامة فليس من جهته ، ولكن من جهة من روى عنهم أو رووا عنه من الضعفاء ، وأما تتبع روايات الضعفاء عن الرجل ورواياته عنهم فلا يوصل إلى معرفة حاله ، وإنما يوصل إلى ذلك دراسة طرق أحاديثه المسلسلة بالثقات فوقه ودونه كما تقدم .(2/48)
ولكن استقراء أحاديثه من رواية الضعفاء عنه ومن روايته عن الضعفاء، قد يزيد في بيان حاله وتحقيقه على أتم الوجوه.
إذا كتبت فقمش وإذا حدثت ففتش :
عبارة قالها الإمام ابن معين يريد أن يحث الطالب على كتابة كل شيء ، أي عند إرادة التحمل ، وأما عند إرادة الأداء فلا ينبغي أن يحدث بكل شيء ؛ قال المزي في (تهذيب الكمال) (31/549): (وروي عن يزيد بن مجالد المعبر قال: سمعت يحيى بن معين يقول: إذا كتبت فقمش وإذا حدثت ففتش).
وهذه العبارة تعكس صورة من صور حرص المحدثين على الطلب ؛ وبمناسبة ذكرها أسوق هنا جملة من أقوالهم وأخبارهم في هذا الباب، أعني حرصهم في الطلب وتوسعهم في الكتابة.
قال الذهبي في (التذكرة) (1/54-56): قال مالك: بلغني أن سعيد بن المسيب قال: إن كنت لأسير الأيام والليالي في طلب الحديث الواحد).
وقال فيها (2/571) : (قال الخلال: وسمعت الحسن بن علي بن عمر الفقيه يقول: قدم شيخان من خراسان للحج، فقعد هذا ناحية معه خلق [و]مستملٍ ، وقعد الآخر ناحيةً ، كذلك ؛ فجلس الأثرم بينهما فكتب ما أمليا معاً) .
وقال الذهبي في (سير أعلام النبلاء) (18/281) و(تذكرة الحفاظ) (3/1141): (قال ابن الآبنوسي: كان الحافظ الخطيب يمشي وفي يده جزء يطالعه).
وقال الذهبي في (التذكرة) (3/955) في ترجمة الماسرجسي: (الحافظ البارع أبو علي الحسين بن محمد بن أحمد بن محمد بن الحسين بن عيسى بن ماسرجس الماسرجسي النيسابوري صاحب المسند الأكبر----.
وقال الحاكم: هو سفينة عصره في كثرة الكتابة، ارتحل إلى العراق في سنة احدى وعشرين وأكثر المقام بمصر، وصنف المسند الكبير مهذباً معللاً في ألف جزء وثلاث مئة جزء، وجمع حديث الزهري جمعاً لم يسبقه اليه أحد، وكان يحفظه مثل الماء؛ وصنف الأبواب والشيوخ والمغازي والقبائل؛ وخرج على صحيح البخاري كتاباً وعلى صحيح مسلم، وأدركته المنية قبل الحاجة إلى إسناده(10)، ودُفن علم كثير بدفنه---.(2/49)
وقال الحاكم في موضع آخر: صنف أبو علي حديث الزهري فزاد على محمد بن يحيى الذهلي؛ قال: وعلى التخمين يكون مسنده بخطوط الورّاقين في أكثر من ثلاثة آلاف جزء(11)، فعندي أنه لم يصنف في الإسلام مسند أكبر منه؛ وعقد أبو محمد بن زياد مجلساً عليه لقراءته وكان مسند أبي بكر الصديق بخطه في بضعة عشر جزءاً بعلله وشواهده فكتبه النساخ في نيف وستون جزءاً).
وقال الذهبي في (التذكرة) (3/1114-1117) في ترجمة الصوري (376 أو 377 -441): (قال الخطيب: وكان من أحرص الناس على الحديث وأكثرهم كتْباً له، وأحسنهم معرفة به، ولم يقدم علينا أحد أفهم منه لعلم الحديث؛ وكان دقيق الخط صحيح النقل حدثني أنه كان يكتب في الوجهة من ثُمن الكاغد الخراساني ثمانين سطراً).
وقال الذهبي في (سير أعلام النبلاء) (19/122): (قال محمد بن طرخان: سمعت أبا عبد الله الحميدي يقول: كنت أُحمَل للسماع على الكتف، وذلك في سنة خمس وعشرين وأربع مئة، فأول ما سمعت من الفقيه أصبغ بن راشد، وكنت أفهم ما يقرأ عليه؛-------؛ قال يحيى بن البناء: كان الحميدي من اجتهاده ينسخ بالليل في الحر فكان يجلس في إجانة في ماء يتبرد به).
وروى الخطيب في (تاريخ بغداد) (9/41) عن عمرو الناقد قال: قدم سليمان الشاذكوني بغداد فقال لي أحمد بن حنبل: اذهب بنا إلى سليمان نتعلم منه نقد الرجال)؛ وذكره أيضاً الذهبي في (التذكرة) (2/488).
قلت: الشاذكوني فيه كلام معروف، فليس معنى هذا أن الإمام أحمد كان يعتمد على الشاذكوني اعتماداً كبيراً أو يقلده في كل ما يقول؛ ولكن معناه أنه أراد أن ينتفع بكلامه على طريقته الخاصة، كما يقولون، فعلماء العلل كالإمام أحمد يُفيدون من كل ما يسمعون؛ وإن كان بعض ذلك أنفع من بعض، وبعضه أصح من بعض؛ وهذا من كمال حرصهم على العلم.(2/50)
وقال ياقوت في (معجم البلدان) (مراغة): (وينسب إلى المراغة جماعة منهم جعفر بن محمد بن الحارث أبو محمد المراغي أحد الرحالين في طلب الحديث وجمعه----قال أبو عبد الله الحافظ: جعفر بن محمد بن الحارث أبو محمد المراغي مريد نيسابور، شيخ الرحالة في طلب الحديث، وأكثرهم جهاداً وجمعاً؛ كتب الحديث نيفاً وستين سنة؛ ولم يزل يكتب إلى أن توفاه الله؛ وكان من أصدق الناس فيه وأثبتهم).
وقال الذهبي في (تذكرة الحفاظ) (4/1316-1318) وهو يترجم أبا سعد السمعاني رحمه الله: (قال ابن النجار: سمعت من يذكر أن عدد شيوخه سبعة آلاف شيخ؛ وهذا شيء لم يبلغه أحد).
ومن أعظم صور حرص المحدثين على الطلب وجمع العلم ما تواتر من كثرة كتابة ابن معين للأحاديث؛ وأنه بلغ في ذلك الغاية وأربى، وأنا أذكر هنا جملة من أخباره في الحرص على سماع الحديث وكتابته ، من غير أن أقصد استيعاباً أو اشترط استيفاءً ؛ فأقول:
أسند الخطيب في (تاريخه) (14/182) إلى أبي الحسن بن البراء قال: سمعت علياً [يعني ابن المديني] يقول: لا نعلم أحداً من لدن آدم كتب من الحديث ما كتب يحيى بن معين).
وأسند ابن عدي في (الكامل) (1/123 و160) إلى أحمد بن عقبة قال: سألت يحيى بن معين: كم كتبت من الحديث يا أبا زكريا؟ قال: كتبت بيدي هذه ستمئة ألف حديث؛ قال أحمد [بن عقبة]: وإني لأظن أن المحدثين قد كتبوا له بأيديهم ستمئة الف [وستمئة الف]. انتهى، والزيادة الأخيرة من (تاريخ الخطيب) (14/182) فإنه ساق الحكاية من طريق ابن عدي.
وأسند ابن عدي (1/124) إلى يحيى بن معين قال: (صاحب الانتخاب يندم، وصاحب النسخ لا يندم)(1).
وأسند ابن عدي (1/124) إلى يحيى بن معين قال: (وأيّ صاحب حديث لا يكتب عن كذاب ألف حديث؟!).
وأسند ابن عدي (1/124) إلى يحيى قال: (أشتهي أن أقع على شيخ ثقة عنده بيت مليء كتباً اكتب عنه وحدي).
__________
(1) انظر (صاحب الانتخاب يندم وصاحب النسخ لا يندم).(2/51)
وأخرج ابن أبي حاتم في (تقدمة الجرح والتعديل) (1/293) عن أبي عبيد القاسم بن سلام قال: انتهى العلم إلى أربعة، إلى أحمد بن حنبل وهو أفقههم فيه، وإلى علي بن المديني وهو أعلمهم به، وإلى يحيى بن معين وهو أكتبهم له، وإلى أبي بكر بن أبي شيبة وهو أحفظهم له).
وقال ابن حجر في (التهذيب) (1/101): (وحكى الخليلي في "الإرشاد" بسند صحيح أن أحمد قال ليحيى بن معين وهو يكتب عن عبد الرزاق عن معمر عن أبان نسخة : تكتب هذه وأنت تعلم أن أبان كذاب؟! فقال: يرحمك الله يا أبا عبد الله أكتبها واحفظها حتى إذا جاء كذاب يرويها عن معمر عن ثابت عن أنس أقول له: كذبت، إنما هو أبان) .
وقال يحيى فيما أسنده إليه الخطيب (14/184): (كتبنا عن الكذابين وسجرنا به التنور وأخرجنا به خبزاً نضيجاً).
قلت: كان يتلفها بعد أن يحفظها وكان يبتغي من حفظ أحاديث الكذابين الرد على من يسرقها أو يقلبها، كما شرحه هو في الحكاية السابقة.
وقال ابن أبي حاتم في (التقدمة) (1/315): (سمعت أبي يقول: قدمنا البصرة وكان قدم يحيى بن معين قبل قدومنا بسنة فلزم أبا سلمة موسى بن إسماعيل فكتب عنه قريباً من ثلاثين أو أربعين ألف حديث).
وقال ابن حجر في (التهذيب) (11/282): قال محمد بن نصر الطبري: (دخلت على ابن معين فوجدت عنده كذا وكذا سفطاً(1)؛ وسمعته يقول: كل حديث لا يوجد هاهنا، وأشار بيده إلى الأسفاط، فهو كذب).
وروى الخطيب (14/178) عن شيخ لابن عدي ذكر أنه ابن عم ليحيى بن معين قال: (كان معين على خراج الري فمات، فخلف لابنه يحيى ألف ألف درهم وخمسين ألف درهم فأنفقه كله على الحديث؛ حتى لم يبق له نعل يلبسه).
وحكى المزي في (تهذيب الكمال) (31/548-549) عن مجاهد بن موسى قال: كان يحيى بن معين يكتب الحديث نيفاً وخمسين مرة).
__________
(1) يعني دفتراً.(2/52)
قلت: ليس معنى هذا تكرير نسخ الرواية الواحدة للحديث، بل معناه أنه كان يكتب للحديث الواحد أحياناً ما يزيد على خمسين من الطرق والمتابعات.
وروى الخطيب (14/183) عن صالح بن أحمد الحافظ قال: سمعت أبا عبد الله محمد بن عبد الله يقول: سمعت أبى يقول: (خلف يحيى من الكتب مئة قمطراً وأربعة عشر قمطراً وأربعة حباب شرابية مملوءة كتباً).
وقال عباس الدوري في (تاريخه عن ابن معين) (4328): (حدثنا يحيى قال حدثنا علي بن معبد قال حدثنا بقية عن الأوزاعي قال: تعلم ما لا يؤخذ به من العلم كما تعلم ما يؤخذ به) .
ثم قال (4330): (سمعت يحيى يقول: لو لم نكتب الشيء من ثلاثين وجهاً ما عقلناه).
وأسند الخطيب في (تاريخ بغداد) (14/180) إلى محمد بن رافع قال: سمعت أحمد بن حنبل يقول: (كل حديث لا يعرفه يحيى بن معين فليس هو بحديث)؛ وفي رواية أشار إليها الخطيب (فليس هو بثابت)(1).
وقال ابن حبان في «الثقات» في ترجمته ليحيى: (أصله من سرخس، وكان من أهل الدين والفضل، وممن رفض الدنيا في جمع السنن، وكثرت عنايته بها وجمعه وحفظه إياها حتى صار علماً يقتدي به في الأخبار، وإماماً يرجع إليه في الاَثار).
وقال الخليلي في (الإرشاد) (2/595) في ابن معين: (ارتحل إلى بلاد الحجاز وأقام بها وأتى على حديثهم، ثم دخل اليمن فأتى على حديثهم، ثم رجع إلى البصرة والكوفة فأقام عند أئمة ذلك الوقت، ثم خرج إلى الشام ومصر، ثم قال: لو لم نكتب الحديث من مئة وجه ما وقعنا على الصواب).
__________
(1) وورد هذا الخبر في (سير أعلام النبلاء) و(تهذيب الكمال) و(تهذيبه) و(المقصد الأرشد في ذكر أصحاب الإمام أحمد).(2/53)
انتهى الكلام في بيان عظم كتابة يحيى بن معين للأحاديث؛ وليس مرادي من هذه الأخبار التسلية ولا الإغراب ولا مجرد الثناء على ابن معين وإن كان أهلاً للثناء؛ ولكن مرادي الإشارة إلى علو منزلة علماء العلل وأئمة الحديث؛ عسى أن ننزلهم المنزل الذي يستحقون، وعسى أن يَتيقن دقة كلامهم من لا يدري عظمة علمهم، ويعرف لهم علو كعبهم من لا يفهم قدر فهمهم؛ والله المستعان.
الإذن المجرد :
أي الإجازة حال كونها غير مقترنة بمناولة .
وتقدم بيان معنى (الإجازة) ؛ ويأتي بيان معنى (المناولة).
أذهبُ إلى حديث فلان :
إذا قال العالم ذلك ، فمراده أنه يصحح ذلك الحديث ، أو يرجحه ، أو يحتج به ، دون ما خالفه .
الأربعة :
هم أصحاب السنن الأربعة : أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه.
الأربعينات(1) :
كتب الأربعينات أجزاء - أو كتب - حديثية جمع فيها أصحابُها أربعين حديثاً ، ولقد أولع كثير من المتأخرين بذلك الجمع ، حتى بلغت كتب الأربعينات - فيما أحسب - أكثر من مئتي كتاب .
وأصل ذلك الولوع استنادٌ إلى حديث (من حفظ على أمتي أربعين حديثاً بعثه الله يوم القيامة فقيهاً عالماً) .
وهذا الحديثُ غير صحيحٍ ، قال المناوي في (فيض القدير) (1/41) : (قالوا : وإذا قوي الضعف لا ينجبر بوروده من وجه آخر وإن كثرت طرقه ؛ ومن ثَََّم اتفقوا على ضعف حديث (من حفظ على أمتي أربعين حديثاً) مع كثرة طرقه ، لقوة ضعفه ، وقصورها عن الجبر ؛ بخلاف ما خف ضعفه ولم يقصر الجابر عن جبره فإنه ينجبر ويعتضد) . انتهى .
__________
(1) ورد في بعض المعاجم الحديثية تسمية هذا النوع من الكتب بـ(الأربعينيات) ، بزيادة ياء النسب ، وليس ذلك بجيد ؛ لأن الكتاب الواحد منها لا يسمى (الأربعيني) ، وإنما يسمى كتاب الأربعين، أي كتاب الأربعين حديثاً ، فهي أربعون حديثاً ، وليس شيئاً منسوباً إلى الأربعين.(2/54)
وفي (خلاصة البدر المنير) (2/145) : (حديث من حفظ على أمتي أربعين حديثاً كتب فقيهاً : يُروى من نحو عشرين طريقاً وكلها ضعيفة ، قال الدارقطني : كل طرقه ضعاف لا يثبت منها شيء ؛ وقال البيهقي : أسانيده ضعيفة) .
وشروطهم في (أربعيناتهم) مختلفة متفاوتة ، متعلقة بلفظ المتن أو معناه أو ببعض صفات السند .
أرجو أن لا بأس به :
هذه اللفظة إنما يستعملها الناقد ليبين بها أنَّ أقرب الأقوال عنده في حق ذلك الراوي أنه لا بأس به(1) ؛ فهو غير جازم بذلك الحكم فيه ، وإنما هو واقع منه على سبيل الظن والتخمين .
فقوله (أرجو أنه لا بأس به) منخفض في التعديل عن قوله (لا بأس به) ، فإن الإخبار برجاء انتفاء البأس هو قطعاً دون القطع به ، أي بالانتفاء ، إلا إذا كان للعبارة معنى اصطلاحي وأن كلمة (أرجو) لا يراد بها حقيقةُ معناها اللغوي ؛ قال العراقي في (التبصرة والتذكرة) (2/6) وهو يذكر ألفاظ بعض مراتب التعديل : ( "وأرجو أنه لا بأس به" ، وهي نظير "ما أعلم به بأساً " ، أو الأُولى أرفع ، لأنه لا يلزم من عدم العلم حصول الرجاء بذلك)(2) .
وقال الشيخ زكريا الأنصاري في (فتح الباقي) (2/12) : (وصرح ابن الصلاح بأن قولهم "ما أعلم به بأساً" دون "لا بأس به" ، والناظمُ [يعني العراقي] بأنَّ "أرجو أن لا بأس به" نظير "ما أعلم به بأساً" ، أو أرفع منها إذ لا يلزم من عدم حصول العلم بالشيء الرجاء به) .
هذا وليُعلم أن ابنُ عدي خالف الجمهور في هذه العبارة ، فهو يستعملها بمعنى غير المتبادر من معناها فيما لو استعملها غيره من النقاد .
__________
(1) انظر (لا بأس به) .
(2) كذا العبارة وهي تحتاج إلى تأمل ، واقرأ عبارة زكريا الأنصاري .(2/55)
قال المعلمي رحمه الله تعالى في حاشية (الفوائد المجموعة) للشوكاني (ص459) منتقداً على السيوطي قوله في بعض الرواة الواهين جداً : (ووثقه ابن عدي فقال : أرجو أنه لا بأس به) ما نصه : (ليس هذا بتوثيق ، وابن عدي يذكر منكرات الراوي ثم يقول : "أرجو أنه لا بأس به" ، يعني بالبأس تعمد الكذب).
وقال في حق هذه اللفظة في الحاشية المذكورة أيضاً (ص35) : (وهذه الكلمة رأيت ابن عدي يطلقها في مواضع تقتضي(1) أن يكون مقصوده : "أرجو أنه لا يتعمد الكذب" ؛ وهذا(2) منها ، لأنه قالها(3) بعد أن ساق أحاديث يوسف(4) ، وعامتها لم يتابع عليها) .
وقال الألباني رحمه الله في (سلسلة الأحاديث الضعيفة) (3/112) : (إن قول ابن عدي "أرجو أنه لا بأس به" ليس نصاً في التوثيق ، ولئن سلم فهو في أدنى درجة في مراتب التعديل ، أو أول مرتبة من مراتب التجريح مثل قوله "ما أعلم به باساً " ، كما في "التدريب" "ص234" ) .
وقال في تخريج الحديث (1938) من (سلسلة الأحاديث الصحيحة) (4/577-578) : (قول ابن عدي [يعني في راوٍ مذكور هناك] "أرجو أنه لا بأس به" ، أوله : "منكر الحديث عن ثابت وغيره ، ولا يتابع ، وأحاديثه أفراد ، وأرجو أنه لا بأس به ، وهو خير من بشار بن قيراط" .
قلت : ابن قيراط كذبه أبو زرعة وضعفه غيره ، فكأن ابن عدي يعني بقوله أنه لا بأس به ؛ من جهة صدقه ، أي أنه لا يتعمد الكذب ، وإلا لو كان يعني من جهة حفظه أيضاً لم يلتق مع أول كلامه "منكر الحديث----" ؛ وقال ابن حبان : ينفرد عن ثابت بأشياء ليست من حديثه ؛ قلت : فمثله إلى الضعف ، بل إلى الضعف الشديد أقرب منه إلى الصدق والحفظ ، والله أعلم).
__________
(1) أي تلك المواضع .
(2) يعني الموضع الذي عليه هذا التعليق .
(3) أي كلمة (أرجو أنه لا بأس به) .
(4) هو ابن المنكدر .(2/56)
أرجو أن يكون صدوقاً :
يصف الناقد بهذه الكلمة ونحوها الراوي الذي لم يَخْبره ولم يظهر له ما ينافي كونَه صدوقاً ؛ فهي دون قوله (صدوق) ؛ والفرق بينهما كالفرق بين قولهم (أرجو أن لا بأس به) وقولهم (لا بأس به) ، وقد تقدم ذلك أقرب ما يكون .
إردخل:
جاء في (غريب الحديث) للإمام أبي سليمان الخطابي (3/192): (وقال أبو سليمان [هو الخطابي نفسه] في حديث أبي بكر أن وكيع بن الجراح انتخب عليه أحاديث فلما قدم من عنده قال أبو بكر لإنسان : أتدري من انتخب هذه الأحاديث؟! انتخبها رجل إردخل!
أخبرناه ابن الأعرابي أخبرنا الدوري أخبرنا يحيى بن معين.
الإردخل الضخم ؛ يريد أنه في العلم والمعرفة بالحديث ضخمٌ كبير).
الإرسال :
انظر (المرسل) .
الإرسال الجلي :
هو الإرسال الذي لا يكون من نوع التدليس ولا من نوع الإرسال الخفي ؛ انظر (المرسل) .
الإرسال الخفي :
انظر (المرسل) و(تدليس الإسناد) .
إرسال الصحابة عن التابعين :
تأتي هذه العبارة في كتب الحديث والمراد بها إرسال الصحابة ما سمعوه من التابعين ، فيحذفون التابعي ومَن فوقه ، وينسبون الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير ذكر الواسطة أو السند ؛ وهذا قليل جداً ؛ قال العلامة ابن رُشيد رحمه الله في (السنن الأبين والمورد الأمعن في المحاكمة بين الإمامين في السند المعنعن) (ص120-121): (احتمال إرسال الصحابي عن تابعي نادر بعيد ؛ فلا عبرة به؛ وغاية ما قدر عليه الحفاظ المعتنون أن يبرزوا من ذلك أمثلة نزرة تجري مجرى الملح في المذاكرات والنوادر في النوادي) ؛ وانظر (المرسل) و(رواية الصحابة عن التابعين).
الإرسال الظاهر :
هو بمعنى (الإرسال الجلي) ، فانظره .(2/57)
الأرقام :
جمع رقم ؛ جاء في (المعجم الوسيط) (1/367) : (رَقَمَ الكتابَ وعليه وفيه [يرقُمُ] رَقْماً : كتبه ---- ؛ و[رقَمَه] : نَقَطَه وبيّنَ حروفَه---- ؛ و[رَقَمَ] الشيءَ: [نقشه و](1) وشّاه وطرَّزه وخطَّطه ، و[رقَم] السلعةَ : وسَمها وأعلمها ، إذ جعل عليها علامةً تميّزها وتدل على ثمنها أو صنفِها ؛ و[رَقمَه] : ختمه ، و[رقمَ] البعيرَ ونحوه : كواه----.
رقَّم الكتابَ والثوبَ : رقمَه ----.
الترقيم : من "رقَّم الثوبَ ، و[الترقيم] علامات اصطلاحية توضع في أثناء الكلام أو في آخره ، كالفاصلة والنقطة وعلامتي الاستفهام والتعجب ؛ مو [أي مولدة].
الرقم : الخط الغليظ ، و[الرقمُ] : العلامة ، و[الرقمُ] : الختم ، وما يُكتبُ على الثياب وغيرها من أثمانها ----.
وفي علم الحساب : هو الرمز المستعمل للتعبير عن أحد الأعداد البسيطة ، وهي الأعداد التسعة الأولى والصفر : 1 ، 2 ، 3 ، 4 ، 5 ، 6 ، 7 ، 8 ، 9 ، والصفر "مج(2)" ) ؛ انتهى ما أردت نقله من (المعجم الوسيط) .
والأرقام في الخطوط القديمة تختلف بعض الشيء عن الأرقام في خط هذا العصر ، ولذا قال الأديب اللغوي المحقق عبد السلام هارون في (تحقيق النصوص ونشرها) (ص57) : (وكذلك الأرقام تحتاج إلى خبرة خاصة) ، ثم ذكر بعض صور الأرقام التي ترد في بعض المخطوطات القديمة.
__________
(1) زيادة من طبعة أخرى .
(2) هذا رمز أصحاب (المعجم الوسيط) للفظ الذي أقره مجمع اللغة العربية .(2/58)
ارمِ به :
أي اتركه ؛ كلمة وردت على لسان الإمام الجليل ابن المبارك رحمه الله(1) ؛ قالها في أيوب بن سويد الرملي ، ويزيد بن أبي زياد(2)، والحسين بن عيسى الحنفي ، والحكم بن أبان العدني، وأبي شيبة إبراهيم بن عثمان الكوفي ، وبكير بن معروف الخراساني، وأيوب بن خوط، وحسام بن المصك.
أرنا :
هي مختصر (أخبرنا)، بحذف الخاء والباء.
قال ابن الملقن في (المقنع في علوم الحديث) (1/363) وذكر اختصارهم لـ(أخبرنا) بـ(أنا) :
(وقد يزاد في علامة (ثنا) دال في أوله ، وفي (أخبرنا) [المراد علامتها وهي أنا] راء بعد الألف).
أساء الثناء عليه :
أي تكلم فيه قدحاً ، وقد يكون ذلك طعناً في دينه وعدالته، وقد يكون طعناً في روايته؛ فلا بد من مراعاة القرائن وأسباب التعيين أو الترجيح.
أسأل الله السلامة :
هذه العبارة وردت على لسان أبي زرعة الرازي(3) ، وأبي حاتم ، واستعملها ممن هو أكبر منهما الإمام أحمد، وأكثر منها من المتأخرين الإمام الذهبي .
وهي من عبارات الطعن الشديد ، أي في أصل استعمالهم لها ، ولكنها قد ترد بمعنى أخف .
وقد ترد مقرونة بما يبين المراد كتكذيب الراوي ، أو تبديعه ، أو تفسيقه ، أو ذكرِ اختلاطه، أو تساهله في رواية الموضوعات في كتابٍ صنفَه.
__________
(1) ولعلها ألطف وأرق ما وجده ابن المبارك من ألفاظ الحكم على الراوي بالترك، وأبعده عن التنقص ، فإنه رحمه الله كان شديد التوقي في عباراته ؛ قال ابن حزم في (المحلى) في تعليله لرد بعض الأحاديث : (لأن راويه يزيد بن أبي زياد وقد قال فيه ابن المبارك : ارم به ، على جمود لسان ابن المبارك وشدة توقيه ؛ وتكلم فيه شعبة وأحمد وقال في يحيى لا يحتج بحديثه وكذبه أبو أسامة وقال : لو حلف خمسين يميناً ما صدقته).
(2) وتصحفت كلمة ابن المبارك في هذا الراوي ، في بعض الكتب ، إلى (أكرمْ به)!.
(3) قالها أبو زرعة في عمر بن عبد الله بن يعلى الثقفي .(2/59)
وإذا قُرنت بتحريك الناقد رأسه فالظاهر أنها طعنٌ شديد في الراوي.
وإذا قيلت في حق ثقة حافظ له أوهام فقد يكون المراد أن ذلك الناقد يستعيذ بالله من نقص الحفظ وكثرة الوهم ، أو التساهل في رواية الأحاديث المكذوبة ؛ قال عبد الله بن أحمد في (العلل) (1333) : (وعرضت على أبي حديثاً حدثنا[ه] عثمان عن جرير عن شيبة بن نعامة عن فاطمة بنت حسين عن فاطمة الكبرى عن النبي صلى الله عليه وسلم في العصبة ؛ وحديث جرير عن الثوري عن ابن عقيل عن جابر، أن النبي صلى الله عليه وسلم شهد عيداً للمشركين ؛ فأنكرها جداً ، وعدة أحاديث من هذا النحو ، فأنكرها جداً ؛ وقال: هذه أحاديث موضوعة، أو كأنها موضوعة ؛ وقال : ما كان أخوه ، يعني عبد الله بن أبي شيبة ، تطنف نفسه لشيء من هذه الأحاديث ؛ ثم قال: نسأل الله السلامة في الدين والدنيا ، وقال: نراه يتوهم هذه الأحاديث، نسأل الله السلامة، اللهم سلم سلم) .
أسأل الله السلامة في الدين والدنيا :
انظر (أسأل الله السلامة) .
أسباب الإبهام :
لإبهام الراوي أسباب ، منها أن يكون الذي أبهمه قد نسي اسمه أو شك في تعيينه ، أو أنه غير مرضي عنده أو عند غيره من المحدثين ، أو أنه أراد تدليسه لسبب من أسباب التدليس الأخرى سوى ما ذُكر .
قال عبدالله بن أحمد في (العلل ومعرفة الرجال) (2/525) : (قال أبي : كان وكيع إذا أتى على حديث أبان بن أبي عياش يقول : رجل ، لا يسميه ، استضعافاً له .
سمعت أبي يقول : كان وكيع إذا أتى على حديث جويبر قال : سفيان عن رجل ، لا يسميه ، استضعافاً له ؛ ثم قال : حدثنا وكيع قال : حدثني أبي عن رجل عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ؛ قال أبي : هذا مسلم الأعور ، كان وكيع لا يسميه ، على عمْدٍ).(2/60)
وقال أيضاً (1/483) (1108) : (قال أبي : كان وكيع إذا حدث عن سفيان عن مسلم الأعور(1) يقول : "سفيان عن رجل" ، وربما قال : "سفيان عن أبي عبد الله عن مجاهد" ، وهو مسلم ؛ قلتُ : لِمَ لا يسميه ؟ قال : يضعفه)(2).
وقال أيضاً (2/371) (2646) : (كان أبي يحدثنا عن عمرو بن عبيد ، وربما قال : رجل ، لا يسميه ؛ ثم تركه بعد ذلك ، وكان لا يحدث عنه) .
وقال ابن حجر في (مقدمة فتح الباري) (ص427) في ترجمة عكرمة في معرض الدفاع عنه : (؛ وكذلك قول ابن سيرين الظاهر أنه طعن عليه من حيث الرأي ، وإلا فقد قال خالد الحذاء : كل ما قال محمد بن سيرين : "ثبت عن ابن عباس" فإنما أخذه عن عكرمة وكان لا يسميه ، لأنه لم يكن يرضاه) .
وقال ابن حجر في (تهذيب التهذيب) (7/80) في عبيدة بن معتب الضبي : (وقال يعقوب بن سفيان حديثه لا يسوى شيئاً ، وكان الثوري إذا روى عنه كناه ، قال : أبو عبد الكريم ؛ قال : وسفيان لا يكاد يكني رجلاً إلا وفيه ضعف ) .
وقال ابن عدي في (الكامل) (4/41) : (ثنا محمد بن منير بن صغير ثنا أبو قلابة ثنا بشر بن عمر سألت مالك بن أنس عن شرحبيل قال : ليس بثقة) .
ثم روى ابن عدي عن مالك أنه بلغه عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من لم يجد ثوبين فليصل في ثوب واحد ملتحفاً به ، فإن كان الثوب صغيراً فليأتزر به .
ثم قال : قال لنا ابن صاعد(3) : ( وهذا حديث شرحبيل بن سعد ، وكان مالك يكني عن اسمه ) .
وانظر (أسباب الإرسال) .
أسباب الإدراج :
انظر (مدرَج) .
أسباب الإرسال :
للإرسال أسباب منها :
الأول : أن يكون الراوي قد علم أنه سمع ذلك الحديث من أحد رجلين ثقتين وأن الحديث صحيح ولكنه لا يقدر على تعيين شيخه فيه .
__________
(1) هو مسلم بن كيسان أبو عبد الله الأعور .
(2) وروى هذه الحكاية من طريق عبدالله بن أحمد : ابنُ عدي في (الكامل) : (6/306) (1796) .
(3) أحد شيوخ ابن عدي وأحد رواة هذا الخبر .(2/61)
الثاني : أن يفعل الراوي ذلك لأن شيخه فيه نوع بدعة ، ولكنه ثقة .
الثالث : أن يكون منفرداً بحديث يستغرب ، فأراد دفع ذلك الاستغراب ؛ قال ابن عبد البر في (التمهيد) (22/33-35) في شرح حديث مالك عن سمي مولى أبي بكر عن أبي صالح عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : السفر قطعة من العذاب يمنع أحدكم نومه وطعامه وشرابه فإذا قضى أحدكم نهمته من وجهه فليعجل إلى أهله ) :
(هذا حديث انفرد به مالك عن سمي ، لا يصح لغيره عنه ، وانفرد به سُمي أيضاً ، فلا يحفظ عن غيره ---- .
وهكذا هو في الموطأ عند جماعة الرواة بهذا الإسناد .
ورواه ابن مهدي وبشر بن عمر عن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "السفر قطعة من العذاب..." الحديث ، مرسلاً .
وكان وكيع يحدث به عن مالك هكذا أيضاً ، مرسلاً حيناً ، وحيناً يسنده ، كما في "الموطأ" : عن سمي عن أبي صالح عن أبي هريرة .
وهذا إنما هو من نشاط المحدث وكسله ، أحياناً ينشط فيسند ، وأحياناً يكسل فيرسل ، على حسب المذاكرة ؛ والحديث مسند صحيح ثابت احتاج الناس فيه إلى مالك ، وليس له غير هذا الإسناد من وجه صحيح) ؛ ثم روى ابم عبدالبر عن عبد الملك بن الماجشون قال : قال مالك : ما بال أهل العراق يسألوني عن حديث السفر قطعة من العذاب؟! قيل له : لم يروه أحد غيرك ؛ فقال : لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما حدثت به ) ؛ قال ابن حجر(1) : (وكان مالك ربما أرسله لذلك) .
وقد قيل إنه قال ذلك في حديثه عن الزهري عن أنس في دخول النبي صلى الله عليه وسلم مكة وعلى رأسه المغفر ، وقد تفرد به عن الزهري ، فكان يسأل عنه ، وسمعه منه مَن هو أسن منه ، كابن جريج وغيره ) .
__________
(1) في (فتح الباري) (3/622- 623) في (باب السفر قطعة من العذاب) .(2/62)
وفي (علل الدارقطني) (6/63) (980) : (وسُئل عن حديث سعيد بن المسيب عن معاذ "من صلى في فلاة من الأرض فلم يثوب بالصلاة صلى معه ملكان أحدهما عن يمينه والآخر عن شماله ، وإن ثوب صلى معه من الملائكة أمثال الجبال" ؟ فقال : يرويه يحيى بن سعيد الأنصاري ، واختلف عنه فرواه الليث بن سعد عن يحيى عن بن المسيب عن معاذ ، وخالفه مالك فرواه عن يحيى عن ابن المسيب قوله ؛ وقول الليث أصح ، ومن عادة مالك إرسال الأحاديث وإسقاط رجل).
وقال ابن حجر في (تهذيب التهذيب) (2/128) في ترجمة الحارث بن عبد الرحمن بن عبد الله المدني : (وقال الساجي : حدث عنه أهل المدينة ولم يحدث عنه مالك ، قلت : ذكر علي بن المديني في "العلل" حديثاً عن عاصم بن عبد العزيز الأشجعي عن الحارث عن سليمان بن يسار وغيره ، قال عاصم : حدثنيه مالك قال : أُخبرت عن سليمان بن يسار فذكره ؛ قال ابن المديني : أرى مالكاً سمعه من الحارث ولم يسمه ، وما رأيت في كتب مالك عنه شيئاً ؛ قلت : وهذه عادة مالك فيمن لا يعتمد عليه ، لا يسميه) ؛ وانظر (أسباب الإبهام) .
وراجع في إرسال مالك (النكت) لابن حجر (2/618-620) .
أسباب الطعن في المرويات :
قال الحافظ ابن حجر في (نخبة الفكر): (ثم المردود [أي من المرويات] : إما أن يكون لسقط أو طعن) ؛ ثم لما تكلم على الطعن قال :
(ثم الطعن: إما أن يكونَ :
لكذب الراوي
أو تهمته بذلك
أو فحش غلطه
أو غفلته
أو فسقه
أو وهمه
أو مخالفته
أو جهالته
أو بدعته
أو سوء حفظه) .
رتب ابن حجر هذه الأسباب العشرة على حسب شدتها في إيجابها للرد، وذكر في الشرح أن خمسة منها تتعلق بالعدالة - وهو يريد بذلك : الكذب ، والتهمة به ، والفسق ، والجهالة ، والبدعة - وأن الخمسة الباقية تتعلق بالضبط .
فلأتكلم الآن على أسباب أو أنواع الطعن في العدالة، ثم أتبعها بأسباب الطعن في الضبط، مع التنبيه على ما ظهر لي أن فيه إيهاماً لخلاف الصحيح ؛ فأقول :(2/63)
أما الكذب فالمراد به هنا كما بينه ابن حجر في شرح النخبة : الكذب في الحديث النبوي بأن يروي عنه صلى الله عليه وآله وسلم ما لم يقله متعمداً لذلك، وهو داخل في الفسق الآتي ذكره؛ ولذلك قال في الشرح المذكور عند ذكر الفسق: (وبينه وبين الأول [يعني الكذب في الحديث النبوي] عموم، وإنما أفرد الأول لكون القدح به أشد في هذا الفن) ا. هـ.
وقد يدخل أحياناً فيما هو أشد، أعني الكفر.
وكذلك يعد من الكذب في الحديث النبوي: الكذب في الأحاديث الموقوفة التي لها حكم الرفع؛ وأما ما عدا هذا النوع من الموقوفات فيختلف حكم من افتراه بحسب معناه ؛ والله أعلم.
وأما الكذب في حديث الناس فإن ثبت على الراوي وتكرر منه، من غير أن يكون له فيه عذر، فهو مسقط للعدالة أيضاً.
وأما الاتهام بالكذب فانظر الكلام عليه تحت (الاتهام بالكذب) .
وأما الفسق ، فالمراد به عند ابن حجر ما كان بالفعل والقول مما لا يبلغ الكفر، وأما الفسق بالمعتقد وهو الابتداع فقد أفرده ابن حجر كما تقدم؛ وسبقه إلى الإفراد كثير من المصنفين في هذه الأبواب؛ وذلك إما لخطورته، أو لكثرة الكلام عليه والاختلاف فيه، أو لعدم انضباط كثير من تفاصيله، أو لغير هذه الأمور.
وأما الجهالة: أي جهالة حال الراوي في الرواية سواء جهل حاله في العدالة وفي الضبط معاً، أو في واحد منهما دون الآخر؛ وسواء علمت عينه أم لم تعلم.(2/64)
وربما يعترض على ابن حجر في جعل متعلَّق الجهالة هو العدالة وحدها، وأنه لم يذكر لها تعلقاً بالضبط، ويظهر أن لهذا الاعتراض وجهاً، فإن الراوي قد تُعْلم عدالته ويثبت صلاحه وبعده عن الفسق والبدع ونفرته من الكذب ويكون مع ذلك مجهول الصفة من جهة الضبط والحفظ؛ ولكن ذلك عند التحقيق نادر، لأن من ثبتت عدالته تيسر للنقاد - بالنظر في حديثه واعتباره - الحكم عليه من حيث الضبط ولا سيما إذا كان مكثراً؛ ولعل ذلك هو مستند ابن حجر فيما ذهب إليه هنا، وأنه مشى على الغالب؛ وحينئذٍ فلا اعتراض عليه.
وأما البدعة ، فيأتي الكلام فيها مفصلاً، بإذن الله وذلك تحت رسم (البدعة) من هذا المعجم .
هذا ما يتعلق بأسباب الطعن في العدالة .
وأما أسباب الطعن في الضبط فهي في الحقيقة ثلاثة أشياء :
الأول - وهو استقرائي - : أن لا تغلب إصابة الراوي في مجموع ما يرويه على خطئه فيه غلبة كافية لتقويته أو توثيقه في الجملة ، وأن لا تكثر مخالفاته للأصول ؛ فيحكم عليه بعدم الضبط إن كثرت مخالفته لمن تابعوه من الثقات ، أو للآيات، أو لما ثبت من الأحاديث، أو التواريخ، أو الأصول، أو القواعد المقررة ، أو فحشت غرائبه فحشاً دالاً على أنه ليس من أهل الضبط، أو انفرد بأشياء كثيرة لا تحتمل من مثله.
الثاني - وهو ظني - : أن يصدر عنه من الأفعال والأحوال والأقوال والنقول ما يجعله مظنة للخطأ وعدم الضبط ، مثل أن يظهر منه التساهل الفاحش في تحمل الحديث أو في أدائه ، مثل أن يروي من غير كتابه دون أن يعرف حقيقة ذلك الكتاب ، ومثل إعارته أصله الذي يحدث منه وهو لا يحفظه لمن لا يوثق به وهو يحسن الظن به فقد يدخل فيه أشياء تجوز عليه ، ومثل قبوله التلقين ؛ ويدخل في هذا النوع .
الثالث - وهو احترازي - : أن يكون مجهول الحال .
وأما في باب مناقشة كلام الحافظ ابن حجر فأقول :(2/65)
أما الوهم فمعلوم أن الوهم إن كثر كان صاحبه سيء الحفظ أو فاحش الغلط؛ وإن قل فإنَّ قلة الوهم لا يطعن بها في صاحبها إلا إذا كان هو مقلاً، إلا إذا كان ابن حجر يريد بالوهم الوهم الذي ينزل صاحبه من رتبة الضبط التام إلى رتبة الضبط القاصر ، أي: من ثقة إلى صدوق، وما أظنه أراد ذلك، فإنه يعلم هو وسائر العلماء أن خفة الضبط وقصوره عن رتبة تمامه ليست جرحاً، وأن مرتبة الصدوق من مراتب التعديل؛ ثم إن ابن حجر هنا إنما هو في مقام الكلام على الأحاديث المردودة، وليس حديث الصدوق منها .
وأما المخالفة فهي دليل الوهم ومظنته، ولا تضر صاحبها ما لم تكثر فيضعف بسببها ؛ والغفلة مثلها .
والحاصل أن في إدخال الوهم والمخالفة والغفلة وعطفها على سوء الحفظ وفحش الغلط في هذا الموضع نظراً، ولم يفسرها ابن حجر في الشرح تفسيراً يسْفر به وجه إيرادها في هذا السياق، فقال :
(أو فحش غلطه) أي كثرته، (أو غفلته) عن الإتقان، (أو وهمه) بأن يروي على سبيل التوهم، (أو مخالفته) أي للثقات .
وفسر في (النزهة) (ص123) الخامس، وهو الغفلة، بقوله (كثرت غفلته)! .
ثم إن من أهم ما ينبَّه عليه هنا هو أن الترتيب الذي اختاره ابن حجر للطعون العشرة فيه نظر لا يخفى، بل إنه لا يصح ولا يستقيم؛ ويصعب جداً الجزم بترتيب جميع هذه الطعون، ولا سيما أن أصحاب كل مطعن ليسوا في درجة واحدة في اتصافهم بذلك المطعن؛ وأن طائفة من هذه المطاعن تتقارب وتتداخل وتتشابه في أحيان كثيرة؛ أو أنها ليست منضبطة انضباطاً كاملاً أو كافياً.(2/66)
وعدَّ الدكتور حاتم العوني في (المنهج المقترح) (ص239) صنيع ابن حجر في هذا التقسيم وفي مسمى حديث كل مطعن تحكماً؛ فشأن ابن حجر رحمه الله في هذه المسألة كشأنه في جملة غير قليلة من المسائل التي تحكم فيها في (النخبة) وفي شرحِها، ومال فيها إلى اصطلاحات وتقسيمات مبتكرة مخالفاً لما جرى عليه سابقوه، دون التنبيه الكافي على ما كانوا عليه في ذلك؛ بل ودون التنبيه على اختصاص هذه المصطلحات والتقاسيم به وحده!! ومثل هذا لا يقال فيه: لا مشاحة في الاصطلاح ، لأنه بمثابة الكلام على لسان أهل الاصطلاح فهو موهم صحة ما لا يصح ؛ والله أعلم .
وهذه تتمة كلام ابن حجر وفيها تسميات أحاديث الأصناف المذكورة من الرواة ؛ فقد قال في بيان ذلك :
فالأول(1): الموضوع.
والثاني(2): المتروك(3).
والثالث: المنكر، على رأي(4).
وكذا: الرابع، والخامس.
__________
(1) أي الذي فيه راو يكذب في الحديث النبوي.
(2) أي ما يرويه المتهم بالكذب.
(3) سمي المتروك باسمه هذا لا لأن الرواة تركوا روايته، فإن منهم من لا يتركه، والدليل على هذا أنه مروي؛ وإنما سمي متروكاً لأنه كان حقه أن تترك روايته؛ أو لأنه لا نفع به ولا حاجة إليه فإنه لا يصلح للاحتجاج به منفرداً ولا مجتمعاً مع غيره.
(4) أي على رأي من لا يشترط في المنكر قيد المخالفة.(2/67)
ثم الوهم: إن اطلع عليه بالقرائن وجمع الطرق: فالمعلل(1).
ثم المخالفة:
إن كانت بتغيير السياق(2): فمدرج الإسناد.
أو بدمج موقوف بمرفوع: فمدرج المتن.
أو بتقديم أو تأخير: فالمقلوب(3) .
__________
(1) أي فهو المعلل ؛ ومما لا بد من التنبيه عليه هنا أن ذكره للوهم في هذه العبارة يشعر بأن مراده به وهم الثقة، ومن المعلوم أن وهمه لا يثبت إلا بمخالفته الكتاب أو السنة الصحيحة أو التأريخ الثابت أو العقل الصريح، مخالفة لا يصح معها الجمع بين المتخالفين، وكل ذلك هو في الحقيقة نوع من الشذوذ، ولكن اسم الشاذ عند ابن حجر لا يطلق إلا على نوع واحد مما تقدم وهو مخالفة الحديث الأثبت، أي مخالفة الثقة أو الصدوق لراو أوثق منه، أو لعدد من الرواة الثقات الذين توجب كثرتهم واتفاقهم تقديم روايتهم على روايته وإن كان هو أوثق من كل واحد منهم لو انفرد ذلك الواحد .
وبعض العلماء يطلق اسم العلة على جميع ما وهم فيه الثقة، ومنهم من يطلقها على ما خفي كشفه من أوهام الثقات؛ أو من أوهامهم وأوهام غيرهم؛ ومنهم من يطلقها على ما يقدح من أوهام الثقات فقط؛ ومنهم من يطلقها على ما عدا الشذوذ؛ وهذه كلها ألفاظ لا تغير المعاني التي هي المقصد وهي القبول والرد وما يتعلق بهما؛ وأما المصطلحات فلا مشاحة فيها، ولكن ينبغي الحذر من الإيهام وينبغي الاعتناء باصطلاح كل ناقد لمعرفته على وجهه الصحيح .
(2) أي سياق الإسناد ؛ وانظر (مدرج).
(3) ذكر في (النزهة) نوعين من القلب:
القلب في الإسناد: أي في أسماء الرواة، كمرة بن كعب يجعل كعب بن مرة.
والقلب في المتن ، أي كما فعل بعضهم إذ قلب جملة (لا تعلم شماله ما تنفق يمينه) فجعلها (لا تعلم يمينه ما تنفق شماله).
قلت: ولينظر هل يدخل في القلب في الإسناد تقديم راوٍ على آخر فوقه ، فيصير الطالب شيخاً والشيخ طالباً ، فالمصنف لم يذكره ؛ ولكن مصطلح القلب عند المتقدمين أوسع مما ذكره بكثير؛ فمن عباراتهم في هذا الباب (كان يقلب الأسانيد والمتون)؛ (قلب أحاديث فلان عن فلان فجعلها عن زيد عن عمرو)؛ (انقلبت عليه أحاديث كثيرة).(2/68)
أو بزيادة راوٍ(1): فالمزيد في متصل الأسانيد(2) .
أو بإبداله(3) ولا مرجح: فالمضطرب(4)؛ وقد يقع الإبدال عمداً امتحاناً .
__________
(1) أي في سند متصل.
(2) انظر (المزيد في متصل الأسانيد) .
(3) الضمير في (إبداله) يعود على الراوي، ويعني إبدال راو بغيره.
(4) الاضطراب لا يقع في السند وحده وإنما يقع في المتن أيضاً، ولكن وقوعه في السند أغلب، وإذا روى عدد من الرواة حديثاً اضطربوا فيه عن شيخ لهم فهل الحمل في هذا الاضطراب يكون عليه أم عليهم؟
التحقيق في هذه المسالة أن الاضطراب يحكم به على الأقل ضبطاً من الطرفين، أعني الشيخ والتلاميذ، فان كان الشيخ اوثق منهم فالاضطراب منهم؛ وإن كانوا أوثق منه فالاضطراب منه.
وأما إن تفاوت اولئك الرواة عن ذلك الشيخ في قوتهم في الرواية ولم يختلف الثقات المتقنون فيما رووه عنه من ذلك الحديث ولكن خالفهم فيه من هم دونهم فليس حديثهم من باب المضطرب، وإنما هو من باب المحفوظ والشاذ، أو المعروف والمنكر.
وهكذا يقال فيما لو انفرد راوٍ عن راوٍ بحديث رواه عنه على أوجه متعددة مضطربة فإن الحمل فيه على أضعفهما؛ فإن تساويا فالحمل فيه على المتأخر منهما.
ومما يحسن لفت الأنظار إليه في هذا الموضع هو أن الاضطراب أكثر وقوعه إنما هو في حديث الضعفاء والمتروكين؛ وأن الاضطراب في أحاديث الثقات قليل نادر، وأن الباحث المحقق لن يعدم قدرة على الترجيح بين أحاديث الثقات إذا ما اختلفت، ولذا فإنه من النادر جداً أن تجد حديثاً ورد بأسانيد صحيحة ورده علماء الحديث لاضطراب راويه أو رواته وعدم قدرتهم على الترجيح بين تلك الروايات، ولئن عجز بعضهم عن الترجيح أو تهيبه أو لن يتفرغ له فليس ذلك حال جميعهم في تلك القضية.(2/69)
أو بتغيير(1) مع بقاء السياق(2): فالمصحف والمحرف(3).
ولا يجوز تعمد تغيير المتن بالنقص والمرادف إلا لعالم بما يحيل(4) المعاني(5).
أسباب تدليس الإسناد :
لتدليس الإسناد أسباب دفعت إليه أو أغراض دعت إليه:
__________
(1) أي تغيير حرف أو حروف.
(2) أي مع بقاء صورة الخط في السياق.
(3) قال في الشرح: فإن كان ذلك بالنسبة إلى النَّقْط فالمصحف؛ وإن كان بالنسبة إلى الشكْل فالمحرف. والمراد بالنقط علامات الإعجام والإهمال، والمراد بالشكل الحركات والسكنات. وبهذا يتبين أن المصنف أهمل نوعاً من التحريف وهو ما تتغير فيه صورة الكلمة إلى صورة مقاربة مثل، شعبة وسعيد، وحنين وجبير، وحفص جعفر، وهو كثير شائع.
وأما الكلمة التي يهِم كاتبها فيكتبها خطأ وليست مشابهة لما استبدلت به فليس من باب التصحيف والتحريف الذي هو خطأ بسبب تشابه صور الكلمات؛ وإنما هو من باب الخطأ بسبب انتقال الذهن أو غير ذلك؛ مثل أن ينسخ كتاباً فيأتي ليكتب في سند حديث منه (ابن عباس) فينتقل بصره إلى الحديث الذي قبله أو ينتقل ذهنه فيكتب (ابن عمر).
وقال في الشرح: (إن كانت المخالفة بتغيير حرف أو حروف مع بقاء صورة الخط في السياق، فإن كان ذلك بالنسبة إلى النقط فالمصحف، وإن كان بالنسبة إلى الشكْل فالمحرف، ومعرفة هذا النوع مهمة).
قال علي القاري: (الشكل) أي الحركات والسكنات، من شكلت الكتاب: قيدته بالإعراب؛ وقال السخاوي في (فتح المغيث) (3/70): (وفي بعض ما أُدْرج في هذا الباب من الأمثلة تجوز بالنسبة لتعريفه، فقد قال شيخنا---)، ثم ذكر عبارة (النزهة) المذكورة؛ ثم زاد (ولذا قال ابن الصلاح: وتسمية بعض ذلك يعني المذكور تصحيفاً مجاز).
وانظر (التصحيف) و(التحريف).
(4) أي يغير.
(5) انظر (الرواية بالمعنى) .(2/70)
السبب الأول: إرادة إخفاء الانقطاع وإيهام الإتصال، مع التخلص من ذكر راو مرغوب عن ذكره إما لطعن فيه أو لجهالته أو لصغره أو لنزول السند به أو لأية علة إخرى تجعله مرغوباً في الرواية عنه؛ فيدلسون ترويجاً لتلك الأحاديث بين الرواة وترغيباً لهم في سماعها منه طلباً للشهرة أو الإغراب أو لمعاني أخرى، كنصرة المذهب؛ وذلك بأن يسمع حديثاً من راو ضعيف أو متروك أو متهم أو وضاع يرويه بإسناد صحيح أو مقبول في الجملة فيدلسه ويروي الحديث عن شيخ ذلك الوضاع؛ ولهذا فإن هذا النوع من التدليس يكون أحياناً سبباً لإسقاط صاحبه وذلك إذا وجدت فيه شروط أخرى ليس هذا موضع تفصيل الكلام فيها.
السبب الثاني: إرادة إيهام العلو إما لترغيب الناس بتلك الرواية؛ فالرواة - كما هو معلوم - لهم من الحرص على سماع الأحاديث العالية ما ليس لهم مثله في الأحاديث النازلة؛ وإما للتشبع بذلك العلو المتوهَّم؛ وهذا لا يصح شرعاً قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (من تشبع بما لم يعط كان كلابس ثوبَي زور).
السبب الثالث: إرادة اختصار السند؛ فإن كثيراً من علماء التابعين كان يروي الأحاديث في معرض احتجاجه أو استشهاده أو استئناسه بها في فتوى أو خطبة أو موعظة أو تفسير آية أو أمر بمعروف أو نهي عن منكر، فكان لا يحرص على سياقة السند كاملاً لأن المقام ليس مقام تحديث كما هو الشأن في أحاديث المحدثين الذين جاءوا بعد التابعين وكانوا يعقدون المجالس المختصة برواية الأحاديث وسردها بأسانيدها. فهؤلاء مقصدهم الأساس السند، وأولئك مقصدهم الأساس المتن؛ وكان يناسبهم في مثل تلك المقامات المذكورة الاختصار، ولذلك كثر في مروياتهم الإرسال، ولا تكاد تجد تابعياً من المكثرين إلا وفي أحاديثه مراسيل قليلة أو كثيرة.(2/71)
ولهذا كان جماعة منهم إذا سئلوا عن أسانيد أحاديثهم التي أرسلوها أو دلسوها أحالوا على الثقات فلم يكن ذلك قادحاً؛ وفي (تاريخ ابن أبي خيثمة) عن الأعمش قال: قلت لإبراهيم: إذا حدثتني عن عبد الله فأسندْ لي، قال: إذا قلت: (قال عبد الله) فقد سمعته من غير واحد من أصحابه، وإذا قلت: حدثني فلان فقد حدثني فلان.
السبب الرابع: نسيان الراوي أو شكه أو تردده فيمن حدثه؛ وذلك أن يشك الراوي في الذي حدثه ببعض الأحاديث عن شيخه فيدلسها ويرويها عن شيخه من غير أن يذكر الواسطة التي هي شيخه في ذلك الحديث بعينه.
ومن ذلك أن تختلط أحاديث المدلس عن شيخ معين له بأحاديثه عن راو آخر عن ذلك الشيخ نفسه فلا تسمح نفسه بتركها ولا بروايتها على الشك بل يرويها كلها عن شيخه من غير أن يذكر واسطة فيكون قد دلس وهذا في الحقيقة أقرب إلى الكذب منه إلى التدليس.
الأستاذ :
جاء في (المعجم الوسيط) : ( الأستاذ : المعلم [معربة] ، والماهر في الصناعة يعلمها غيرَه ، ولقب علمي عالٍ في الجامعة ، ([جمعها] أساتذة وأساتيذ .
الأستاذية : مصدر صناعي من كلمة أستاذ).
الاستشهاد :
انظر (الشاهد).
الاستقراء :
الاستقراء هو التتبع والدراسة ، وهو نوعان استقراء تام واستقراء ناقص ، والاستقراء التام بعضه أتم من بعض وأوفى ، والناقص قد يكتفى به ويبنى عليه عند الاضطرار إليه ، أي عند عدم تيسر إتمام الاستقراء.
وإذا أطلق الاستقراء فالمراد هو التام أو الكافي منه .
فالاستقراء التام المراد لمعرفة معاني المصطلحات الحديثية لأحد علماء الحديث إنما هو تتبع كل أقواله ودراستها ودراسة كل ما يتعلق بها مما له شأن بتعيين معانيها ، وموازنة بعضها ببعض ، وملاحظة كل القرائن والاحتمالات ، لأجل الوصول إلى المقصود ، وهو تعيين معاني تلك المصطلحات .
استجازه :
أي سأله الإجازة ، وقد يكون ذلك السؤال بواسطة رسول بينهما ، أو بلا واسطة.(2/72)
وأيضاً المستجيز إما أن يستجيز لنفسه، وهو الأصل ، ولذلك ينصرف الإطلاق إليه، وإما أن يستجيز لغيره، وهذا يتبين بالتقييد ، فيقال : استجاز زيدٌ عمراً لابنه ، أو لفلان.
أستخير الله فيه :
قال عبد الله بن يوسف الجديع في (تحرير علوم الحديث) (1/618-619) : (عُرفت هذه العبارة عن ابن حبَّان ، ولا تكاد تراها لغيره ، ووجدتها من كلام عبد الرحمن بن مهدي ، لكنِّي لم أجدها عنه بإسناد يصحُّ ، ولو صحَّ عنه فهو نادر قليل .
وظاهرها : تردُّدُ الناقد في الراوي : يُلْحق بالثقات أو الضعفاء .
والترجيح [يكون] بحسب ما يتبين من كلام سائر النقاد و[من] النظرِ في حديث الراوي) .
استشكال النص لا يعني بطلانه :
بعض عبارات العلامة المعلمي رحمه الله ، فقد قال في (الأنوار الكاشفة) (ص223): (واعلم أن الناس تختلف مداركُهم وأفهامُهم وآراؤهم، ولا سيما في ما يتعلق بالأمور الدينية والغيبية، لقصور علم الناس في جانب علم الله تعالى وحكمته، ولهذا كان في القرآن آيات كثيرة يستشكلها كثيرٌ من الناس ، وقد أُلفت في ذلك كتب؛ وكذلك استشكل كثير من الناس كثيراً من الأحاديث الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، منها ما هو من رواية كبار الصحابة أو عدد منهم كما مر.
وبهذا يتبين أن استشكال النص لا يعني بطلانه.
ووجود النصوص التي يُستشكل ظاهرها لم يقع في الكتاب والسنة عفواً، وإنما هو أمر مقصود شرعاً ليبلو الله تعالى ما في النفوس ويمتحن ما في الصدور وييسر للعلماء أبواباً من الجهاد العلمي يرفعهم الله به درجات) ؛ وانظر (مُشكل الحديث).
استشهد به البخاري :
أي أخرج حديثه شاهداً لحديث من تابعه ؛ مثاله القاسم بن مخيمرة ، قال المزي في (تهذيب الكمال) (23/446) : (استشهد به البخاري في الصحيح).
الأسماء المعبدة :
هي أسماء الرجال المركبة التي تتألف من كلمة (عبد) مضافةً إلى إسم من أسماء الله الحسنى .(2/73)
وقد كره بعض العلماء أن تكتب كلمتا الاسم المركب في سطرين ، بأن تكتب كلمة (عبد) في نهاية سطر فتكون كلمة الله في أول السطر التالي له ؛ قال ابن الملقن في (المقنع) (1/351) : (يكره في مثل عبد الله وعبد الرحمن بن فلان ، كتابة "عبد" آخر السطر ، واسم (الله) مع (بن فلان) أول الآخَر ؛ قلت : وظاهر إيراد الخطيب منعه ، فإنه روى في "جامعه" عن ابن بطة أنه قال : "هذا كله غلط قبيح ، فيجب على الكاتب أن يتوقاه ويتأمله ويتحفظ منه " ، قال الخطيب : وما ذكره صحيح فيجب اجتنابه ، وجعله صاحب "الاقتراح" أيضاً من الآداب ؛ وكذا يكره أن يكتب (رسول) آخره ، و "الله صلى الله عليه وسلم" أوله ؛ وكذا ما أشبهه) .
قال محققه عبدالله بن يوسف الجديع : (العلة في هذا الأدب هي كما قال ابن دقيق العيد في "الاقتراح" "ص290" : "احتراز عن قباحة الصورة" ؛ قلت : والأمر كما قال رحمه الله ، لكن مع ذلك فإني لا أراه لازماً ، لكون الكلام ظاهر الاتصال بما قبله ، وظاهر الاختلال بدونه ؛ والأسماء المعبدة كثيرة الورود في الأسانيد ، وهذا يُعَسِّر كثيراً في الكتب المطبوعة ، خاصة مع استعمال أجهزة الصف الحديثة في الطباعة ، فلا داعي للتشديد في ذلك ؛ ومما يشبه هذا كتابة (بن) إذا وقعت في أول السطر بزيادة الألف أولها (ابن) ، فإن القاعدة سقوطها إذا جاءت بين علمين ، وعلة ذلك متابعة النطق ، فإنها لا تنطق إذا وقعت بين علمين لكونها وصلاً فجرى الخط على إسقاطها ، لكن يشدد البعض في شأن ورودها أول السطر فيلغي الاعتبار للقاعدة السابقة ، ويرى زيادة الألف لزاماً ، وهذا في رأيي تشديد لا ضرورة له ، فصورة الكلام واضحة ليس فيها اختلال ، وزيادة الألف تورد الإشكال). انتهى .(2/74)
ولقد ذهب بعض العلماء إلى أكثر من ذلك ، فمثلاً قال الصفدي في مقدمة كتابه (الوافي والوفيات) : (تنبيه : لا يكتب المضاف في آخر السطر الأول ويبتدأ بالمضاف اليه في السطر الثاني ، كعبد الله ، وأبي بكر ، والمغاربة يفعلون ذلك ، وليس بحسن ؛ وأبلغ من هذا أن يكتبوا الكلمة الواحدة مفصولة الحروف في السطرين ، كالزاي والياء والدال والواو في السطر الأول آخراً ، والنون من تتمة (زيدون) في أول السطر الثاني ، وهو أقبح من الأول).
الأسماء المفردة :
الاسم المفرد هو الذي لم يُسمَّ به إلا راو واحد ، فلا يشاركه في اسمه غيرُه من الرواة .
وقد أفرد الأسماء المفردة بالتصنيف الحافظ البرديجي ؛ والتأليف فيها لا شك أنه في غاية الصعوبة ، لا يتيسر إلا على حافظ واسع الاطلاع جداً ذي استقراء تام ، لا يكاد يفوته شيء من أسماء الرواة ، عارفاً معرفة كافية بتراجمهم، ولا يجوز عليه ما قد يقع في الأسماء من تصحيفات وأوهام .
فائدة في تقسيم أسماء الرواة :
الراوي إما أن يشاركه غيره في اسمه ، وهذا هو الغالب .
أو لا يشاركه فيه أحد.
وهذا النوع الثاني هو الذي صنفوا فيه كتب (الأسماء المفردة)، كما تقدم.
والأول إما أن يكون قد شورك في اسم نفسه فقط دون اسم من نُسب إليهم ، وهذا هو الغالب ، ولكثرته وعدم انحصاره لم يصنفوا فيه ، إلا لمقصد آخر غير مجرد حصر الأسماء(1).
__________
(1) ولم يفردوه بالتصنيف لأنه الأصل ، نعم ألفوا فيه كتباً على سبيل جمع أسماء الرواة ومحاولة استيعابها ، وكذلك صنفوا في بعض أسماء المكثرين وغيرهم ممن يكونون في طبقة واحدة أو طبقات متقاربة ، مثل (من اسمه عطاء من الرواة) ، ولا سيما إذا اقتضتهم الحاجة أن يصنفوا في مثل هذا الباب ، وذلك للتمييز ولرفع أو دفع ما قد يقع بسبب هذا الاشتراك من تصحيف أو أوهام في الجمع أو التفريق وغير ذلك .(2/75)
أو يكون مشارَكاً في اسمه واسم من نُسب إليه(1) ، وهذا هو الذي صنفوا فيه كتب (المتفق والمفترق) .
ثم الرواة من هذا النوع ، إن كانوا من طبقة واحدة أو من طبقتين متقاربتين ، فهم الذين يذكرهم للتمييز ابن حجر في (تهذيبه) و(تقريبه) ، وسلفه ممن ألف في رجال الستة ، وكذلك يفعل غيرهم أحياناً في كتبهم المؤلفة في الجرح والتعديل ، فيما خرج عن شروطهم في كتبهم.
ثم الراوي إما أن لا يماثله ولا يقاربه في صورة اسمه أحدٌ من أصحاب الأسماء الأخرى ، أو يكون ذلك ؛ وهذا النوع الثاني هو الذي صنفوا فيه حذر التصحيف كتب (المؤتلف والمختلف) .
وهذا التقارب له ثلاثة أنواع :
الأول : التساوي فيما عدا الحركات ، مثل حَمِيد و حُمَيد.
والثاني : التساوي فيما عدا مجموع النقط والحركات ، وهو التساوي في الصورة دون مجموع الإعجام والحركات، مثل بشير ونُسير.
والثالث : التقارب في الصورة ، أي مع الاختلاف في الحروف ؛ وسواء هنا اختلفت النقط والحركات أم لم تختلف ؛ مثل شعبة وسعيد، وحنين وجبير، وحفص جعفر، وهو كثير شائع.
خلاصة الفقرتين السابقتين وتوضيحهما : أن الراوي إما أن يشاركه أو يقاربه غيره في اسمه وحده أو في اسمه واسم أبيه أو في كليهما ، أو لا ؛ فإن شورك فيهما فهو المتفق والمفترق ، أو قورب فيهما فهو المؤتلف والمختلف ، وإن لم يكن شيء من ذلك في حق اسمه مع قطع النظر عن اسم أبيه فهو فرد سواء قورب أم لم يقارب.
وما وقع من الأوهام بسبب الاتفاق والافتراق فقد ألف فيه الخطيب كتابه (موضح أوهام الجمع والتفريق).
وما وقع منها بسبب الائتلاف والاختلاف فقد ألفوا فيه كتب التصحيفات.
والواقع أن التصحيف لا يقع بالسبب المذكور وحده ، وانما يقع أيضاً بسبب رداءة الخط ، أو رداءة القراءة في الأصل الذي ينقل عنه ذلك القارئ ، أو رداءة الحفظ ، أو رداءة اللفظ أو رداءة السمع ، أو سبق قلم أو لسان .
__________
(1) وينسب الرواة في الغالب الى آبائهم.(2/76)
وانظر (المتفق والمفترق).
الأسمعة :
جمع (سماع) ؛ انظر (السماع).
الأَسناد :
الأسناد جمع (سنَد) ، بمعنى الثبَت ؛ وهو الكتاب الحاوي للشيوخ والكتب المتصلة السند ؛ وهو - في الجملة - بمعنى الفهرست والبرنامج والمشيخة ومعجم الشيوخ ، ولكن الثبَت والسنَد يختصان غالباً بالإجازات ، ولهذا لا يبلغ حجم الواحد منهما حجم الفهرس أو البرنامج أو المعجم أو المشيخة .
والفهرس أو البرنامج يحتوي غالباً على أنواع من المسائل كبعض الأحاديث المسندة، والكلام على الكتب ونُسخها ورواياتها، والتراجم ، وغير ذلك.
تنبيه : السند الذي بمعنى الثبَت يجمع على أَسناد ، ولا يجمع جمع تكسير آخر .
الإسناد :
لفظة الإسناد - بكسر الهمزة - تأتي على وجهين :
الوجه الأول : بمعنى السند ، الذي هو قسيم المتن وقسم من الحديث.
فالسند هو ما يذكره الناقل للخبر من الرجال الذين تتابعوا على نقله ، ومن الإشارة الإجمالية - بصيغ الأداء التي يذكرها بين كل راويين - إلى كيفية أخذ كل واحد منهم الخبر عن صاحبه .
وبعبارة أخرى : السند هو مجموع ما يذكره الراوي من أسماء الرواة بينه وبين منتهى الحديث ومن صيغ الأداء بين كل راويين.
وأما من حيث اللغة فللسَّنَد معانٍ لغوية مذكورة في كتب اللغة وفي كثير من كتب المصطلح ، ومرجعها إلى أصل واحد وهو انضمام الشيء إلى الشيء وتَقَوِّيهِ به .
والوجه الثاني : تأتي كلمة (الإسناد) مصدراً للفعل (أسندَ)؛ فيكون لها ثلاثة معانٍ.
فإنَّ الفعل (أسندَ) يستعمل في ثلاثة معانٍ :
المعنى الأول : ذِكْرُ السند ، والرواية بالإسناد : فيقال : أسند فلان حديثه بمعنى ذكر سنده، ويقال لمن يروي الحديث بلا سندٍ : أسنِد حديثك.
ويقال : (أسند فلان عن فلان - أو إلى فلان - كذا من المرويات) ، أي أنه روى عنه ذلك بإسناده ، سواء كانت روايته عنه بواسطة أم بلا واسطة ، وسواء كانت مرفوعة أو غير مرفوعة.(2/77)
المعنى الثاني : ذكرُ الإسناد متصلاً ، فالإسناد هنا مقابل للإرسال .
فيقال : فلانٌ أرسل هذا الحديث مرة وأسنده مرة ، بمعنى أنه رواه مرة متصلاً ومرة منقطعاً .
المعنى الثالث : الرفع .
يقال : وقفه زيد وأسنده عمرو ، بمعنى أن زيداً رواه موقوفاً وعَمْراً رواه مرفوعاً .
وقد يأتي الإسناد على معنى رابع ملتئم من مجموع المعنيين الثاني والثالث، وذلك هو معنى الحديث المسند عند من يطلقه ويريد به المتصل المرفوع، وفي هذا نوع من التقييد يأتي بيانه في (المسنَد).
وانظر (الوجه).
إسنادٌ أعرابي :
هذه الكلمة قليلة الورود في كلام النقاد ، وقد اختلف الباحثون في تفسيرها ، ويستخلص من ذلك الاختلاف هذه الأقوال :
الأول : أن رواتَه ، أو بعضَهم ، من الأعراب ، وهي نسبة مجردة لا مقتضَى لها في باب الجرح والتعديل .
الثاني : أنه إشارة إلى جهالة في السند .
الثالث : أنه تضعيف - أو تضعيف شديد - للسند .
والذي أراه في معنى هذه الكلمة هو أنَّ الأصل فيها أنها نسبة إلى الأعراب ، يعني أن في السند رجلاً - أو أكثر من رجل - من الأعراب .
وفي ذلك غمز خفي للسند ، وتليين له ، بناءً على أنَّ الأعراب أبعد عن العلم والفقه والمعرفة بالحديث ، لجفائهم وبعدهم عن معاهد العلم ومواطنه(1) .
هذا هو الأصل ، وقد يتعين الخروج عنه ، وذلك إذا وُجدت القرائن الموجبة للخروج ؛ مثل أن تدل كلمات سائر النقاد المتكلمين في ذلك الراوي الأعرابي ، من ذلك السند الموصوف بأنه أعرابي ، على أنه مجهول ، أو ضعيف ، أو ثقة .
وإذا تبين أنه ثقة يتبين أن المراد بقول الناقد في الإسناد : (أعرابي) هو مجرد نسبته إلى دياره أو قومه ، كما يقال : هذا إسناد كوفي ، أو شامي .
__________
(1) ولقد وردت هذه الكلمة في كلام بعض الأئمة ، ليقوي بها كلامه في الراوي ؛ قال الشافعي في الجلد بن أيوب البصري - وهو متهم - بعد تخريج حديثه في الحيض : قال لي ابن علية : الجلد أعرابي لا يعرف الحديث .(2/78)
إسناده صحيح :
الإسناد الصحيح هو الإسناد المتصل بنقل العدل الضابط من الرواة ، عن مثله ، إلى منتهاه .
هذا عند المتأخرين ، ولكن علماء العلل الغالب عليهم أنهم لا يطلقون على الاسناد الذي ظاهره الصحة وصف الصحة ، إلا إذا تبين لهم - أو غلب على ظنهم - سلامته من العلة القادحة الخفية .
وبناء على تعريف المتأخرين للإسناد الصحيح ، فإن صحة الإسناد لا يلزم منها صحة الحديث أي المتن ، وإنما يصح المتن إذا صح إسناده وكان مع ذلك سالماً من الشذوذ والعلة والاضطراب ، كما يُفهم مما تقدم .
إسناده مظلم :
انظر (مظلم) .
أَسْنَدُ :
يقال : هذا الحديث أسندُ من ذاك ؛ أي انه أصح وأقوى منه من جهة إسناده .
أسنَدَ :
كلمة (أسندَ) هي الفعل من (الإسناد) ، انظر (الإسناد).
أسوأ التجريح :
أي أشده.
أشار بيده إلى لسانه :
إذا ذكر الناقد راوياً أو سئل عنه فاكتفى بالإشارة بيده إلى لسانه فمعنى ذلك أنه كذاب .
أصح الأسانيد :
الإسناد الموصوف بأنه أصح الأسانيد هو الإسناد الذي يكون مجموع ما روي به من متون أصح في الجملة من المتون المروية بأي إسناد آخر.
أصح شيء في الباب :
انظر (أحسن شيء في الباب).
أصح طرق ذلك الحديث :
انظر (أحسن شيء في الباب).
أصحاب الحديث :
عبارة (أصحاب الحديث) المراد بها في الغالب أهل السنة والاتباع، وقد يراد بها أحياناً علماء الحديث؛ وانظر (صاحب حديث).
الإصرار على الخطأ :
هو عدم الرجوع عن الخطأ في حديث رواه ، بعد أن يبينه له غيره من العلماء أو الرواة الثقات ، وهذا قادح فيمن يتعاطاه ؛ روى الخطيب في (الكفاية) (ص143) تحت (باب ترك الاحتجاج بمن كثر غلطه وكان الوهم غالباً على روايته) عن إسحاق بن عيسى قال : سمعت ابن المبارك يقول : يُكتب الحديث إلا عن أربعة : غلاط لا يرجع ، وكذاب ، وصاحب بدعة وهوى يدعو إلى بدعته ، ورجل لا يحفظ فيحدث من حفظه).(2/79)
وروى (ص144) عن الحسين بن منصور قال : سئل أحمد بن حنبل عمن يكتب العلم؟ فقال : عن الناس كلهم ، إلا عن ثلاثة : صاحب هوى يدعو إليه ، أو كذاب فإنه لا يُكتب عنه قليل ولا كثير ، أو عن رجل يغلط فيُردّ عليه فلا يقبل) . ثم قال الخطيب عقب هذا : (أخبرنا أبو نعيم الحافظ قال : ثنا محمد بن أحمد بن الحسين قال ثنا بشر بن موسى قال : قال الحميدي : فإن قال قائل : فما الحجة في الذي يغلط فيكثر غلطه ؟ قلت : مثل الحجة على الرجل الذي يشهد على من أدركه ثم يدرَك عليه في شهادته أنه ليس كما شهد به ، ثم يثبت على تلك الشهادة فلا يرجع عنها ؛ ولأنه إذا كثر ذلك منه لم يُطْمأَنَّ إلى حديثه وإن رجع عنه ، لما يخاف أن يكون مما يثبت عليه من الحديث مثل ما رجع عنه ؛ وليس هكذا الرجل يغلط في الشيء فيقال له فيه فيرجع ولا يكون معروفاً بكثرة الغلط ).
ثم عقد الخطيب (ص144-147) عقب الباب المذكور باباً أسماه (باب فيمن رجع عن حديث غلط فيه وكان الغالب على روايته الصحة ان ذلك لا يضره) قال فيه :
(قد ذكرنا في الباب الذي قبل هذا عن عبد الله بن المبارك وأحمد بن حنبل وعبد الله بن الزبير الحميدي الحكم في من غلط في رواية حديث وبُين له غلطُه فلم يرجع عنه وأقام على رواية ذلك الحديث أنه لا يكتب عنه ، وإن هو رجع قُبل منه وجازت روايتُه ؛ وهذا القول مذهب شعبة بن الحجاج أيضاً ) .
ثم روى عن نعيم بن حماد قال حدثني عبد الرحمن بن مهدى قال : (كنا عند شعبة فسُئل : يا أبا بسطام حديثُ مَن يترك؟ قال : من يكذب في الحديث ، ومن يُكثر الغلط ، ومن يخطىء في حديث مجتمع عليه فيقيم على غلطه فلا يرجع ، ومن روى عن المعروفين ما لا يعرفه المعروفون).(2/80)
وقال ابن أبي حاتم في (الجرح والتعديل) (5/367) : (حدثني أبي نا أبو بكر بن أبي عتاب الأعين قال : سمعت نعيم بن حماد قال : سمعت وكيعاً يقول : سمعت شعبة يقول : لو روى عبد الملك بن أبي سليمان حديثاً آخر مثل حديث الشفعة لطرحت حديثه )(1) .
ولكن الحافظ ابن رجب قال في (شرح علل الترمذي) (2/569) : (وإنما ترك شعبة حديثه ، لرواية حديث الشفعة ، لأن شعبة من مذهبه أن من روى حديثاً غلطاً مجتمعاً عليه ولم يتهم نفسه فيتركه ، تَرَكَ حديثَه ؛ وقد ذكرنا ذلك عنه فيما تقدم) .
ولعل شعبة ترك في آخِر أَمْره الرواية عن هذا الرجل ؛ فقد قال ابن عدي في (الكامل) (5/302) : (أخبرنا الساجي قال ثنا محمد بن أبي صفوان الثقفي ثنا أمية بن خالد قال : قلت لشعبة : إنك تحدث عن محمد بن عبيدالله العرزمي وتدع عبدالملك بن أبي سليمان العرزمي وهو حسن الحديث ! قال : من حسنها فررت).
وقال الخطيب عقب ما تقدم نقله عنه ، قبل قليل : (وليس يكفيه في الرجوع أن يمسك عن رواية ذلك الحديث في المستقبل ، حسب ، بل يجب عليه أن يُظهر للناس أنه كان قد أخطأ فيه وقد رجع عنه ) .
وانظر (جحود الحديث) و (الرجوع عن الحديث) .
الإصلاح :
قال السخاوي في (فتح المغيث) (3/102-104) : ( ومما ينبه عليه أمور أحدها : ---- .
ثانيها : إذا أصلح شيئاً [أي في الكتاب] نشره حتى يجفّ ، لئلا يطبقه فينطمس فيفسد المصلَح وما يقابله ؛ فإن أحبَّ الإسراع ترَّبه بنحاتة الساج ، ويتقي استعمال الرمل إلا أن يزيل أثره بعد جفافه ، فقد كان بعض الشيوخ يقول : إنه سبب للأرضة ، وكذا يتقي التراب ، كما صرح به الخطيب في "الجامع" ، وساق من طريق عبد الوهاب الحجبي قال : كنت في مجلس بعض المحدثين وابن معين بجانبي فكتبتُ صفحاً [كذا] ثم ذهبت لأترّبه ، فقال لي : لا تفعل فإن الأرضة تُسرع إليه ----.
__________
(1) وأخرجه أيضاً ابن عدي في (الكامل) (5/302) .(2/81)
ثالثها : إذا أصلح شيئاً من زيادة أو حذف أو تحريف ونحوه في كتاب قديم به أسمعة مؤرخة حسُن - كما رأيتُ شيخَنا فعله - أن ينبه معه على تاريخ وقت إصلاحه ، ليكون من سمع منه - أو قرأ - قَبْلُ مقتصراً عليه ، وكذا من نقل منه : على بصيرة من ذلك ، بل كان(1) في كثير من أوقاته يميز ما يتجدد له في تصانيفه بالحمرة ، لتيسر إلحاقة لمن كتبه قبْلُ ) .
الاصطلاح :
المعنى العرفي للاصطلاح هو : اتفاق أهل علم من العلوم أو صناعة من الصناعات أو عمل من الأعمال : على استعمال بعض المفردات أو التراكيب اللغوية لمعنى من المعاني الراجعة إلى فنهم أو حرفتهم ، بحيث يكون ذلك المعنى المستحدَث مبايناً لمعنى تلك الكلمة عند أهل اللغة ، نوعاً من المباينة .
ويكثر الاصطلاح في المعاني التي يكثر دورانها على ألسنتهم أو يكثر تكرارها في كتاباتهم ومخاطباتهم ، المتعلقة بذلك الفن أو تلك الصناعة ، وذلك لتيسير التعبير عن مقاصدهم ، وتيسير إفهام المخاطَبين منهم .
قال الجرجاني في (التعريفات) (ص22) : (الاصطلاح : عبارةٌ عن اتفاق قوم على تسمية الشيء باسمٍ ما ، يُنقل عن موضعه(2) الأول.
و[قيل] : الاصطلاح : إخراج اللفظ من معنى لغوي إلى آخر، لمناسبة بينهما.
وقيل: الاصطلاح: اتفاق طائفة على وضع اللفظ بإزاء المعنى.
وقيل: الاصطلاح: إخراج الشيء عن معنى لغوي إلى معنى آخر، لبيان المراد.
وقيل: الاصطلاح: لفظٌ معيَّن بين قومٍ معينين) ؛ انتهى .
وقال الزبيدي في (تاج العروس) (6/551) : (والاصطلاح : اتفاق طائفة مخصوصة على أمر مخصوص ؛ قاله الخفاجي) .
وقال أبو البقاء في (الكليات) : (الاصطلاح هو اتفاق القوم على وضع الشيء ؛ وقيل : إخراج الشيء عن المعنى اللغوي إلى معنى آخر ، لبيان المراد----؛ ولعل وجه ذلك أن الاصطلاح افتعالٌ من "الصلح" ، للمشاركة ، كالاقتسام----) .
__________
(1) أي الحافظ ابن حجر شيخ السخاوي .
(2) لعلها (وضعِه) .(2/82)
وقال علي القاري في (شرح النزهة) (ص9) : مبيناً معنى عبارة ابن حجر (في اصطلاح أهل الحديث) : (أي في عرفهم ، وهو توافقهم على استعمال ألفاظ مخصوصة يتداولونها على وجه التعارف فيما بينهم ، كما اصطلحوا عليها ) .
اصطلاحات المحدثين :
أي مصطلحاتهم ؛ وانظر (مصطلحات المحدثين) و(الاصطلاح) .
الأصْل :
تدخل هذه الكلمة في استعمالات المحدثين بأوجه عديدة متقاربة أو غير متقاربة ؛ وتطلق هذه الكلمة على نوع من الأحاديث أو الأسانيد ، وعلى نوع من الكتب ، وعلى نوع من القواعد .
أما إطلاقها على الأحاديث فتأتي على أوجه :
الوجه الأول : الإسناد الصحيح، وهو اصطلاح المتقدمين وعلماء العلل ، من ذلك قولهم (هذا الحديث لا أصل له) يريدون أنه ليس له إسناد صحيح، وليس محفوظاً.
الوجه الثاني : الإسناد ، صحيحاً كان أو غير صحيح ، وهو اصطلاح المتأخرين؛ من ذلك قولهم (هذا الحديث لا أصل له) يريدون أنه لم يوقَفْ له على إسناد، فليس له أصل في كتب الرواية.
الوجه الثالث : الحديث الذي يكون أساساً في بابه وقاعدة له فيكون ابتناءُ الباب عليه واستنادهُ إليه ، ويكون مشتملاً على معنى هامٍّ أو حكمٍ يحتاج إليه الناس ، ومن ذلك قولهم (هذا الحديث من الأصول) ، وقولهم في الراوي (لم يخرج له البخاري في الأصول، وإنما أخرج له في المتابعات والشواهد)(1).
ومن هذا المعنى وصفهم للحديث الذي يسوقه صاحب الصحيح أو السنن على سبيل الاحتجاج وتتوفر فيه شروطه في التصحيح ، بأنه من أصول ذلك الكتاب ؛ ويقابله ما أخرجه على سبيل المتابعة والاستشهاد .
وأما الكتب ، فيوصف الكتاب بأنه أصل ٌ كما يلي :
__________
(1) تنبيه : عادة أصحاب الصحاح في ترتيب أحاديثها تقديم الأصول من الأحاديث على ما سواها من الأحاديث في أبوابها .(2/83)
المعنى الأول لكلمة الأصل : كتاب المحدث الذي يُثبِت فيه سماعَه ، ومنه يحدّث طلّابه ، أو يرجع إليه عند الحاجة إذا كان يحدث من حفظه فنسي شيئاً أو شكَّ فيه ؛ وهو أيضاً حجته على من يخالفه أو يشك في صدقه أو في إصابته(1).
__________
(1) وكان للأصل أهمية بالغة وشأن كبير عند طبقات من المحدثين؛ قال العلامة المعلمي في (التنكيل) (ص407-408) :
(واعلم أن المتقدمين كانوا يعتمدون على الحفظ، فكان النقاد يعتمدون في النقد عدالة الراوي واستقامة حديثه، فمن ظهرت عدالته وكان حديثه مستقيماً وثقوه.
ثم صاروا يعتمدون الكتابة عند السماع، فكان النقاد إذا استنكروا شيئاً من حديث الراوي طالبوه بالأصل ثم بالغوا في الاعتماد على الكتابة وتقييد السماع، فشدد النقاد، فكان أكثرهم لا يسمعون من الشيخ حتى يشاهدوا اصله القديم الموثوق به المقيد سماعه فيه، فإذا لم يكن للشيخ أصل لم يعتمدوا عليه، وربما صرح بعضهم بتضعيفه؛ فإذا ادعى السماع ممن يستبعدون سماعه منه كان الأمر أشد.
ولا شك أن في هذه الحالة الثالثة احتياطاً بالغاً لكن إذا عرفت عدالة الرجل وضبطه وصدقه في كلامه وادعى سماعاً محتملاً ممكناً ولم يبرز به أصلاً، واعتذر بعذر محتمل قريب ولم يأت بما ينكر فبأي حجة يرد خبره؟). انتهى.
وقال المعلمي في (التنكيل) (ص302) : (أقول : تاريخ الخطيب قرئ عليه في حياته ورواه جماعة ، ويظهر أنها أخذت منه عدة نسخ في حياة الخطيب على ما جرت به عادة المثرين من طلبة العلم والمجتهدين منهم أن يستنسخ كل منهم الكتاب قبل أن يسمعه على الشيخ ثم يسمع في كتاب نفسه ويصحح نسخته ، وكثير منهم يستنسخ قبل كل مجلس القطعة التي يتوقع أن تقرأ في ذلك المجلس إلى أن يتم الكتاب) ؛ انتهى ، وإنما نقلته لأشير إلى كيفية نشأة الأصول عند أهل الحديث ؛ وأظنني أوردت هذا الكلام في غير هذا الموضع من هذا الكتاب ، أيضاً .(2/84)
المعنى الثاني: الكتاب القديم المسند المعتمَد في الجملة ، الذي يكون أساساً ومرجعاً لكثير من الأحكام ، مثل الأصول الخمسة، وهي الصحيحان والسنن الثلاثة .
المعنى الثالث : الكتاب المعتمد عند الناسخ أو الطابع أو المحقق ، وهو أيضاً النسخة الخطية التي يُطبع الكتاب عليها وعلى نسخ أخرى ولكنها مقدمة على غيرها من تلك النسخ ، فتُعتمد عند الاختلاف .
وأما القواعد ، فالأصل يطلق في عرف المحدثين - إضافة إلى ما تقدم بيانه - على القاعدة الحديثية ولا سيما الجامعة ، ومنه قولهم (أصول الحديث) أو (أصول علم الحديث) يريدون بذلك قواعد هذا العلم وأسسه التي ينبني عليها ويتفرع منها، كما ينبني علم الفقه على (علم أصول الفقه) .
وانظر (أصول الحديث) و(التسميع) و(لا أصل له) و (الضابط) .
الأصناف :
أي التصانيف .
الأصول :
جمع (أصل)، وتقدم تعريف (الأصل).
أصول التحقيق :
المراد قواعد تحقيق النصوص أو الكتب ؛ والمراد بتحقيق الكتاب في عُرف أهل العلم والطباعة وغيرهم كالوراقين المعاصرين : هو تصحيحه - أو محاولة تصحيحه - ليكونَ موافقاً لأصله ، أي مطابقاً لما تركه عليه مؤلفُه ، أو في الأقل مطابقاً لأصح أصوله الخطية ، ولو لم يكن بين تلك الأصول أصلُ مؤلفه .
قال عبد السلام هارون رحمه الله في (تحقيق النصوص ونشرها) (ص46-48) في بيان معنى تحقيق متن الكتاب :(2/85)
(ومعناه أن يؤدي الكتاب أداءً صادقاً ، كما وضعه مؤلفه ، كمّاً وكيفاً ، بقدر الإمكان ، فليس معنى تحقيق الكتاب أن نلتمسَ للأسلوب النازل أسلوباً هو أعلى منه ، أو نُحِلَّ كلمةً صحيحة على أخرى صحيحة بدعوى أن أولاهما أولى بمكانها ، أو أجمل ، أو أوفق ، أو ينسب صاحب الكتاب نصاً من النصوص إلى قائل وهو مخطئ في هذه النسبة ، فيبدل المحقق ذلك الخطأ ويحل محله الصواب ، أو أن يخطئ في عبارة خطأً نحوياً دقيقاً فيصحح خطأه في ذلك ، أو أن يوجز عباراته إيجازاً مخلاً فيبسط المحقق عبارته بما يدفع الإخلال ، أو أن يخطئ المؤلف في ذكر علم من الأعلام فيأتي به المحقق على صوابه---- .
ليس تحقيق المتن تحسيناً أو تصحيحاً ، وإنما هو أمانة الأداء التي تقتضيها أمانة التاريخ ، فإنَّ متن الكتاب حكمٌ على المؤلف ، وحكمٌ على عصره وبيئته ، وهي اعتبارات تاريخية لها حرمتها ، كما أن ذلك الضرب من التصرف عدوانٌ على حق المؤلف الذي له وحده حق التبديل والتغيير .
وإذا كان المحقق موسوماً بصفة الجُرأة فأجْدِرْ به أن يتنحى عن مثل هذا العمل ، وليدعْه لغيره ممن هو موسوم بالإشفاق والحذر .
إن التحقيق نتاجٌ خلقي ، لا يقوى عليه إلا من وُهب خَلتين شديدتين : الأمانة والصبر ، وهما ما هما !!
وقد يقال : كيف نترك ذلك الخطأ يشيع ، وكيف نعالجه ؟
فالجواب أن المحقق إن فطن إلى شيء من ذلك الخطأ نبه عليه في الحاشية أو في آخر الكتاب وبيّن وجه الصواب فيه ؛ وبذلك يحقق الأمانة ، ويؤدي واجب العلم ) ؛ انتهى .
هذا وقد صار أكثر المبتدئين وكثيرٌ من غيرهم لا يفرقون بين تحقيق الكتاب والتعليق عليه بما لا علاقة له بالتحقيق ، فصاروا يسمون كلَّ شيء تُسوَّد به حواشي الكتب المطبوعة تحقيقاً .(2/86)
وأصول فن التحقيق عربية إسلامية محضة ، قال الدكتور رمضان عبد التواب في أول كتابه (مناهج تحقيق التراث بين القدامى والمحدثين) : (يظن بعض الباحثين المحْدثين من العرب ، أن فن تحقيق النصوص فن حديث ابتدعه المعاصرون من المحققين العرب ، أو استقوه من المستشرقين ، الذين سبقونا في العصر الحاضر بعض الوقت في تحقيق شيء من تراثنا ونشره بين الناس .
ولكن الحقيقة بخلاف ذلك ، فقد قام فن تحقيق النصوص عند العرب مع فجر التاريخ الإسلامي(1) ، وكان لعلماء الحديث اليد الطولى في إرساء قواعد هذا الفن في تراثنا العربي ، وتأثر بمنهجهم هذا أصحاب العلوم المختلفة ؛ وإنَّ كثيراً مما نقوم به اليوم من خطوات في فن تحقيق النصوص ونشرها ، بدءاً من جمع المخطوطات والمقابلة بينها ، ومروراً بضبط عباراتها وتخريج نصوصها ، وانتهاءً بفهرسة محتوياتها ، لمما سبقَنا به أسلافنا العظام من علماء العربية الخالدة ) ؛ انتهى .
وللدكتور محمود مصري بحث نُشر في مجلة معهد المخطوطات العربية (45/35-66) باسم (تأصيل قواعد تحقيق النصوص عند العلماء العرب المسلمين : جهود المحدثين في أصول تدوين النصوص) وقد قال في أوله :
(إن المفهوم الذي ينطوي عليه ما نسميه اليوم علمَ تحقيق المخطوطات قد عَمل بأصوله العربُ المسلمون ، عند تدوينهم القرآن الكريم والسنة الشريفة ، منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم دونوا هذا العلم وقعّدوه بشكل ناضج في تصانيفهم المتعلقة بعلوم الحديث منذ القرن الرابع الهجري ؛ ولعل شيوع الوِجادة في هذا القرن كان له الأثر الواضح في ظهور مبادئ هذا العلم في مؤلفات علماء الحديث .
وسوف نرى في هذا البحث ما يقوم به الدليل على أننا ندين لعلماء مصطلح الحديث بتأسيس قواعد هذا العلم وبناء هيكله الأساسي) ثم ذكر أدلة ذلك .
__________
(1) لو قال مع بداية زمن التدوين لكان أقرب .(2/87)
أقول : وأما الطريقة الفنية الحديثة في التحقيق وخدمة المطبوعات وتصحيحها وعرضها بهذه الأساليب الجذابة ، فقد مشى عليها ودعا إليها نخبة من الغيورين على التراث الإسلامي والعربي ثم نسج الناس على منوالهم وتشبهوا بهم في أعمالهم ، ولا شك أن الغربيين سبقوا المسلمين في هذه الأعصر إلى هذه النواحي ، ولكنه سبقٌ في مجال الهيئة بل القشر ، أي سبقٌ إلى الناحية الفنية الصناعية من المسألة ؛ وأما حقيقة المسألة ولبها وجوهرها فما سبق المسلمين إليها أحدٌ من الخلق سواهم ؛ قال الدكتور محمود محمد الطناحي رحمه الله في (مدخل إلى تاريخ نشر التراث العربي) (ص82-83) في كلام له ترجم فيه لعلّامة العربية أحمد زكي باشا وذكر فيه بعض جهوده الفذة في خدمة نشر تراث الأمة : (ويقول عنه شيخي عبدالسلام هارون : (ولعل أول نافخ في بوق إحياء التراث العربي على المنهج الحديث في مصر : هو المغفور له أحمد زكي باشا الذي قام بتحقيق كتاب (أنساب الخيل) لابن الكلبي ، و (الأصنام) لابن الكلبي أيضاً ، وقد طبعا في (المطبعة الأميرية) (مطبعة بولاق) سنة 1914م ، باسم لجنة إحياء الآداب العربية ، التي عُرفت فيما بعد باسم القسم الأدبيّ ؛ ولعل هذين الكتابين مع كتاب (التاج) للجاحظ ، الذي حققه أيضاً ، من أوائل الكتب التي كُتِب في صدورها كلمة "بتحقيق" ، كما أن تلك الكتب قد حظيت بإخراجها على أحدث المناهج العلمية للتحقيق ، مع استكمال المكمّلات الحديثة ، من تقديم النص إلى القرّاء ، ومن إلحاق الفهارس التحليلية ؛ ويضاف إلى ذلك أنه أول من أشاع إدخال علامات الترقيم الحديثة في المطبوعات العربية ، وألف في ذلك كتاباً سمّاه "الترقيم في اللغة العربية" ، طبع في مطبعة بولاق ، في زمن مبكر جداً ، هو سنة 1913 ) .
ومما حققه شيخ العروبة(1) أيضاً : كتاب "نكت الهميان في نكت العميان" لصلاح الدين الصفدي ، ونشره عام 1329هـ = 1911م .
__________
(1) لقبٌ لعلامة العربية أحمد زكي .(2/88)
وعلى وقْع خطوات أحمد زكي باشا وبِهُدىً من توجيهه وإرشاده اندفعت دار الكتب المصرية في طريق نشر التراث ، وتكوَّن بها القسم الأدبي ، الذي أشرف على إخراج الكتب) انتهى كلام الطناحي .
ولفن التحقيق - أعني تحقيق الكتب المخطوطة أو المطبوعة - : أصولٌ وضوابط كثيرةٌ ، ليس هذا موضع ذكرها ، ولكن يجزيني عن ذلك هنا ذكر مظان شرحها وبيانها ؛ فقد أُلف في ذلك طائفة من الكتب والبحوث القديمة والمُحدثة التي أفردت لهذا الموضوع أو اشتملت عليه وعلى غيره مما يناسبه من الموضوعات ، فإليك من ذلك ما وقفت عليه أو اتصل بي خبرُه :
تصحيح الكتب وصنع الفهارس المُعجمة وكيفيةُ ضبط الكتاب وسبقُ المسلمين الإفرنج في ذلك ، بقلم العلامة المحدث الشيخ أحمد شاكر (توفي سنة 1377هـ).
اعتنى به وعلق عليه وأضاف إليه عبدالفتاح أبو غدة ، وقد استله من مقدمة تحقيق سنن الترمذي للشيخ أحمد وأسماه وطبعه مفرداً ؛ ط2 ، دار الجيل ، 1415هـ .
تحقيق النصوص ونشرها ، لعبدالسلام محمد هارون رحمه الله تعالى .
طُبع هذا الكتاب طبعات كثيرة ، وهو رائدٌ في بابه ، ولذلك كتب مؤلفه تحت عنوانه : (أول كتاب عربي في هذا الفن يوضح مناهجه ويعالج مشكلاته) .
وقد ظهرت طبعته الأولى في سنة 1374هـ / 1954م(1) .
قطوف أدبية ، دراسات نقدية في التراث العربي ، حول تحقيق التراث ، لعبد السلام محمد هارون رحمه الله تعالى(2) .
نشرته مكتبة السنة بالقاهرة سنة 1409هـ .
__________
(1) وقد كتب في أوله : (الإهداء إلى : أحمد تيمور باشا ، أحمد زكي باشا ، محمد محمود الشنقيطي ؛ كانوا سَدَنة هذه الثقافة العربية الخالدة وعاشوا حياتهم في سبيل صونها ورعايتها) .
(2) قال عبدالفتاح أبو غدة في حاشيته على (تصحيح الكتب) (ص40) : (وهو من أفضل الكتب المبصِّرة المعرِّفة بتحقيق الكتب ، ينبغي لمن يحقق كتاباً تحقيقاً تاماً أن يقف عليه ويستفيد منه ) .(2/89)
مدخل إلى تاريخ نشر التراث العربي مع محاضرة عن التصحيف والتحريف ، للدكتور محمود محمد الطناحي(1) ، الناشر مكتبة الخانجي بالقاهرة ؛ ط1 ، 1405هـ .
رسالة فيما على المتصدين لطبع الكتب القديمة فِعله ، للعلامة معلمي اليماني ؛ طبعها ماجد الزيادي ضمن مجموع فيه خمس رسائل للمعلمي (ص21-83) ، طبعة المكتبة المكية ، ط1 ، سنة 1417هـ .
أصول التصحيح ، للعلامة المعلمي اليماني ، طبعها ماجد الزيادي ضمن "مجموع فيه خمس رسائل للمعلمي" (ص85-97) .
أصول نقد النصوص ونشر الكتب : للمستشرق الألماني ج. برجشتراسر .
وهي محاضرات ألقاها على طلبة كلية الآداب بجامعة القاهرة في سنة 1350هـ ؛ وطُبعت بإعداد وتقديم تلميذه الدكتور محمد حمدي البكري ، بالقاهرة في سنة 1389هـ ، وطبع الكتاب مؤخراً بالرياض في سنة 1402هـ .
أصول تحقيق النصوص ، لمصطفى جواد ، محاضرات بجامعة بغداد ، نشرها محمد علي الحسيني ، ضمن كتابه "دراسات وتحقيقات" ، سنة 1394هـ .
أسس تحقيق التراث العربي ومناهجه ، وضعته لجنة مختصة في بغداد ، نشره معهد المخطوطات العربية في الكويت 1400هـ .
صناعة المخطوط العربي الإسلامي ، مركز جمعة الماجد للثقافة والتراث ، دبي 1418هـ .
وقد اشتمل على بحوث في أصول التحقيق منها :
أ - بحث لإياد خالد الطباع ، (ص403-513) ، وقد وصفه الدكتور قاسم السامرائي في (علم الاكتناه العربي) (ص14) بأنه أحسن من كتب في أصول التحقيق من المعاصرين ؛ كذا جزم وعمم ، والله أعلم ، وأنا لم أر ذلك البحث .
ب - بحث للدكتور محمد عجاج الخطيب أسماه (أصول التحقيق بين النظرية والتطبيق) (ص348-372) .
__________
(1) كتب في أول صفحاته ما يلي : (الإهداء : إلى هؤلاء الأعلام : أحمد محمد شاكر ، محمود محمد شاكر ، عبد لسلام محمد هارون ، السيد أحمد صقر ، عبدالعزيز الميمني الراجكوتي ، أحمد راتب النفاخ : الذين قاموا على حراسة العربية وجاهدوا في سبيلها وكشفوا عن جوانب فذّةٍ منها) .(2/90)
ج - بحث للدكتور أحمد حسن فرحات (ص377-399) .
تحقيق المخطوطات ، دراسة للأدب المنشور ، يحيى محمود ساعاتي .
هذا كتاب أو بحث وُصف بأنه نفيس ؛ راجع (علم الاكتناه العربي) (ص14) .
وللدكتور طه محسن - من العراق - بحث منشور في مجلة المورد العراقية ، في أصول التحقيق العلمي وطبع النصوص ؛ ولا أدري أله في ذلك كتاب مفرد منشور كنتُ رأيتُه قديماً أم أني شُبِّه علي في ذلك .
قواعد تحقيق المخطوطات ، صلاح الدين المنجد .
صدرت طبعته الأولى في مجلة معهد المخطوطات عام 1955م ، ثم طبع ثانية في القاهرة مستلاً(1) ، عام 1955 ، ثم ظهرت له ثلاث طبعات أخرى ببيروت ، في سنيّ 1965 ، 1970 ، 1976 ، وبين يدي الرابعة من هذه الطبعات وهي في (32) صفحة فقط ، نشر دار الكتاب الجديد(2) .
تحقيق التراث العربي ، منهجه وتطوره ، لعبدالمجيد ذياب ، طبع بالقاهرة 1983م .
مناهج تحقيق التراث بين القدامى والمحْدَثين ، لرمضان عبدالتواب ، نشرته مكتبة الخانجي بالقاهرة سنة 1406هـ .
محاضرات في أصول التحقيق ، للدكتور عبد الله عبد الرحيم عسيلان .
تحقيق المخطوطات بين الواقع والنهج الأمثل ، عبدالله عسيلان ، الرياض 1994 م(3) .
منهج تحقيق النصوص ونشرها ، للدكتور نوري حمودي القيسي ، والدكتور سامي مكي العاني ، بغداد 1975م .
ضبط النص والتعليق عليه ، للدكتور بشار عواد معروف ، (فرزة مستلة من "مجلة المجمع العلمي العراقي" ، مج31 ج4) ، ذو القعدة 1400هـ ، 24صفحة .
تحقيق مخطوطات العلوم الشرعية للدكتور (يحيى) هلال السرحان ، بغداد 1404هـ .
تحقيق التراث ، عبدالوهاب الفضلي ، جُدَّة ، 1402هـ .
__________
(1) أي مفرداً عن أصله ، أعني المجلة .
(2) والخامسة من نشر هذه الدار ، أيضاً ، ولصلاح الدين المنجد كتيب آخر هو (قواعد فهرسة المخطوطات العربية ) ، طبع بدار الكتاب الجديد ، بيروت ، ط2 ، 1396هـ .
(3) أخاف أن يكون هذا الكتاب والذي قبله واحداً ، فإني لم أقف عليهما .(2/91)
المخطوطات العربية تحقيقها وقواعد فهرستها ، للأستاذ فاضل عثمان توفيق النقيب ، بغداد 1395 .
تحقيق النصوص بين المنهج والاجتهاد ، تأليف حسام سعيد النعيمي ، أستاذ الدراسات اللغوية بكلية الآداب ، جامعة بغداد ، طبع بمطابع دار الحكمة للطباعة والنشر ، في سنة 1990م .
محاضرات في تحقيق النصوص ، للدكتور أحمد محمد الخراط ، دمشق 1404هـ .
منهج تحقيق المخطوطات ، أسد مولوي ، ط1 ، نشر مؤسسة آل البيت قم ، 1408هـ .
في منهج تحقيق المخطوطات ، للأستاذ مطاع الطرابيشي ، دمشق 1403هـ .
المنهاج في تأليف البحوث وتحقيق المخطوطات ، تأليف الدكتور محمد التوني ، عالم الكتب .
التزوير والانتحال في المخطوطات العربية للدكتور عابد سليمان المشوخي ، الرياض 1422هـ .
تزوير الخطوط : طرق ارتكابه ووسائل كشفه ، مأمون كامل ، القاهرة 1992م .
التوثيق ، تاريخه وأدواته ، للأستاذ عبدالمجيد عابدين ، بغداد 1402هـ .
عناية المحدثين بتوثيق المرويات وأثر ذلك في تحقيق المخطوطات ، لأحمد محمد نور سيف ، أخرجت طبعته السادسة دار المأمون بدمشق سنة 1407هـ .
توثيق النصوص وضبطها عند المحدثين ، للدكتور موفق بن عبدالله بن عبدالقادر ، دار البشائر الاسلامية بيروت 1414هـ.
علم الاكتناه العربي الإسلامي ، تصنيف الدكتور قاسم السامرائي ، ط1 ، 1422هـ ، مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية .
العنوان الصحيح للكتاب - تعريفه وأهميته ، وسائل معرفته وأحكامه ، أمثلة للأخطاء فيه ، تأليف الشريف حاتم بن عارف العوني ، دار عالم الفوائد للنشر والتوزيع ، ط1 ، 1419هـ .
وقد كتب الشيخ حاتم في الزاوية اليمنى العليا من طرة الكتاب هذه العبارة : (من أصول علم التحقيق) .
معجم مصطلحات المخطوط العربي ، أحمد شوقي بنبين محافظ الخزانة الحسنية بالرباط ، ومصطفى طوبي .
طبع ثلاث مرات ، أو أكثر ، منها طبعة مراكش عام 2003م ، وهي في (293) صفحة .(2/92)
معجم المصطلحات المكتبية ، لمحمد أمين البهناوي ، جُدّة ، دار الشروق ، ط1 ، 1399هـ .
المخطوط العربي ، لعبد الستار فراج .
المخطوط العربي منذ نشأته إلى آخر القرن الرابع الهجري ، للدكتور عبدالستار الحلوجي ، رسالة دكتوراه(1) .
__________
(1) كتب مؤلف هذا الكتاب أو غيره تعريفاً بهذا الكتاب قال فيه : (إن تاريخ الكتاب العربي بالمخطوط جزء مهم من تاريخنا الحضاري ، ورغم كثرة ما كتب عن حضارتنا في عصور ازدهارها إلا أن هذا الجانب ما زال يكتنفه غموض شديد ، ويعتبر الحديث عن المخطوط العربي حديثاً شاقاً والحديث من خلال القرون الأولى من تاريخه أكبر مشقة وأشد عسراً ، لأن الزمن لم يُبقِ من آثار تلك الفترة إلا نماذج قليلة وجذاذات مبعثرة لا يمكن أن نخرج من دراستها برأي قاطع أو حقيقة ثابتة ؛ فإذا تركنا النماذج إلى مصادر التاريخ وكتب الحضارة العربية لم نجد فيها [إلا] نتفاً من الأخبار بغير ضابط ولا منهج واضح في سردها ؛ وقبل أن نخوض في البحث لا بد من محاولة لاستكشاف الطريق الذي نسلكه حتى لا تهتز الأرض من تحت أقدامنا في أي مرحلة من مراحله ؛ فمن الضروري نوضح ماذا نعني بالمخطوط العربي وهل يتسع مدلول كلمة مخطوط بحيث يشتمل على كل ما كتب بخط اليد حتى ولو كان رسالة أو عهد أو نقشاً ، أم أن هذا المفهوم يضيق حتى يقتصر على ما يمكن أن يسمى بالكتاب المخطوط ؟ ثم ماذا نعني باللفظ العربي ؟ هل هو ما نسبه إلى بلاد العرب أم لغة العرب ، وبأي خط من الخطوط العربية ؟
وفي النهاية لا بد من أن نقرر في وضوح أن الذي نعنيه بالمخطوط العربي : هو الكتاب المخطوط بخط عربي ، سواء أكان [في] شكل لفائف أم في شكل صحف ضُمَّ بعضها على بعض ، على هيئة دفاتر أو كراريس .
وقد قسمت هذه الدراسة إلى قسمين أساسين :
أولهما عن ظروف نشأة المخطوط العربي وعوامل تطوره .
والثاني عن صناعته خلال القرون الأولى .
وقد ضم القسم الأول أبواباً ثلاثة ، أولها بمثابة تمهيد تحدث فيه عن أدوات الكتابة العربية ، والثاني عن استعمالات الكتابة عند العرب وتطوراتها حتى عصر بني العباس ، والثالث عن نشأة الكتاب العربي وعوامل انتشاره .
أما القسم الثاني فقد انقسم هو الآخر [!!] إلى ثلاثة أبواب :
أولها عن إخراج المخطوط العربي .
والثاني عن ألوان الفن التي تجلت فيه .
والثالث عن التجليد والترميم .
وأخيرا تأتي خاتمة البحث لتعرض صورة مجملة لما سبق تفصيل القول فيه ) ؛ انتهى منقولاً من بعض المواقع الألكترونية .(2/93)
دراسات في علم المخطوطات والبحث الببليوغرافي ، أحمد شوقي بنبين .
المخطوط العربي وعلم المخطوطات ، أحمد شوقي بنبين .
المخطوطات العربية مشكلات وحلول ، للدكتور عابد المشوخي ، وهو من مطبوعات مكتبة الملك عبد العزيز .
كانت طبعته الأولى بالقاهرة في سنة 2002 هـ ، في 334 صفحة .
منهج البحث في الدراسات الإسلامية تأليفاً وتحقيقاً ، تأليف الدكتور فاروق حمادة أستاذ كرسي السنة وعلومها ، بكلية الآداب - جامعة محمد الخامس - الرباط ، طبعة دار القلم - دمشق ، ط1 ، 1421هـ .
أصول كتابة البحث العلمي وتحقيق المخطوطات ، للدكتور يوسف المرعشلي ، دار المعرفة 1424هـ .
البحث الأدبي طبيعته ، مناهجه ، أصوله ؛ للدكتور شوقي ضيف ، ط5 ، دار المعارف ، القاهرة .
عقد المؤلف فصلاً من هذا الكتاب لأصول التحقيق وقواعده ، وهو الفصل الثالث من فصول الكتاب (ص146-211) .
ثم إن هذا الفصل سبق أن نُشر مقالةً في (مجلة المجلة) ، السنة التاسعة ، العدد (101) مايو أيار ، بعنوان (تحقيق تراثنا الأدبي) .
كتابة البحث العلمي ومصادر الدراسات الإسلامية ، لعبد الوهّاب إبراهيم أبو سلمان ، جُدّة ، دار الشروق ، ط1 ، 1400هـ .
إعداد البحث العلمي ، غازي عناية ، دار الجيل ، بيروت ، ط1 ، 1412هـ .
الخط العربي ، محمد طاهر الكردي ، ط2 ، 1402هـ ، الجمعية العربية السعودية .
المرجع في الكتابة العربية : رياض صالح جنزالي ، ومحمد حامد سليمان ، منشورات معهد اللغة العربية ، جامعة أم القرى ، مكة المكرمة 1405هـ .
الترقيم وعلاماته في اللغة العربية ، لأحمد زكي باشا ، القاهرة 1330هـ .
الإملاء والترقيم في الكتابة العربية ، عبدالعليم إبراهيم ، مكتبة غريب ، القاهرة ، 1395هـ .
العلامات والرموز عند المؤلفين العرب ، حسين محفوظ ، بغداد ، 1964م .(2/94)
هذا فضلاً عما كتبه المتقدمون ، ولا سيما أصحاب كتب علوم الحديث ، فأكثرها تناولت جانب آداب وقواعد النسخ والمقابلة والتصحيح والتعليق وغير ذلك ؛ وأخص من هذا الصنف هذه الكتب :
الجامع لآداب الراوي وأخلاق السامع .
أدب الإملاء والاستملاء .
الإلماع إلى أصول الرواية وتقييد السماع .
مقدمة ابن الصلاح .
فتح المغيث .
تذكرة السامع والمتكلم في أدب العالم والمتعلم .
وكذلك ربما ساغ أن يذكر في مثل هذا الجمع بعض الكتب المساعدة ، مثل :
التراث العربي الإسلامي والعناية به ، مكتب التربية لدول الخليج ، 1406هـ .
أضواء على البحث والمصادر ، عبدالرحمن عميرة ، دار الجيل ، بيروت ، ط6 ، 1413هـ .
لمحات في المكتبة والبحث والمصادر ، للدكتور محمد عجاج الخطيب ، مؤسسة الرسالة ، طبع طبعة سابعة في مؤسسة الرسالة 1402هـ .
ومما تجد فيه قدراً معتبراً من المسائل المتعلقة ببعض ما نحن بصدد بيانه : كتب أدب الكُتّاب ، كأدب الكاتب - أو الكتّاب - لابن قتيبة وشرحه للبطليوسي ، وأدب الكُتّاب لأبي بكر الصولي ، وصناعة الكُتّاب لأبي جعفر النحاس ، وصبح الأعشى في صناعة الإنشا لأحمد بن علي القلقشندي وهو أوسعها وأجمعها .(2/95)
فهذه طائفة من الكتب المصنفة في باب تحقيق المخطوطات ونحوِه ، والكتب المساعدة لها ، ولكنها لا تغني بحالٍ عن الخبرة وملازمة أهل الصنعة وكثرة مطالعة تحقيقات أساطين التحقيق ، كالعلامة المعلمي اليماني والعلامة أحمد محمد شاكر ، ونظرائهما في التحقيق كمحمود محمد شاكر والسيد أحمد صقر وعبدالعزيز الميمني الراجكوتي وعبدالسلام هارون ومصطفى جواد ومحمد بهجت الأثري ومحمود الطناحي ، وكذلك مطالعة نقد تحقيقات المحققين ، وقد كُتب كثير من ذلك في المجلات وغيرها ، وكذلك معرفة أسباب التصحيف واحتمالاته ومظانه ، ومعرفة طريقة مؤلف الكتاب المراد تحقيقه وطريقة ناسخه ، وخصائص أهل عصره ومصره ، من جهة اللغة وأساليبها والكتابة وطرائقها ، ومعرفة موارد المؤلف واصطلاحاته وكل نعوته وشؤونه التي لها علاقة بتحقيق كتابه ؛ ثم لا يخفى عليك أن من خير ما أوتي المحقق الإخلاص وحسن القصد ، والتثبت ، والحرص ، والجد وعلو الهمة ، والفطنة والتدبر ، وسلامة الذوق ، وسعة العلم ، ووفرة النصيب من علم العربية ، وكثرة المراجع وصحتها .
وأخيراً فلقد رأيتُ أن أنقل هنا مقالاً وجيزاً كتبه بعض الفضلاء في ملتقى أهل الحديث ، وهو أخونا الحبيب الباحث اللغوي البارع (أبو مالك العوضي) حفظه الله ، فقد كتب تحت هذا العنوان (النصائح العشر الأساسية للمحقق) ما نصه :
1 = الخبرة أهم المهارات:
إنك مهما أضنيت جسمك في الطلب، ومهما أكللت نظرك في البحث، فلن تستطيع أن تراجع كل شيء ولا أن تدقق في كل شيء؛ فإن هذا يستنفد الأعمار، ولذلك لا بد أن تتحصن بسلاح من الخبرة الواسعة التي تعطيك بعض الغَناء، وبخاصة في اللغة وكلام العرب وكلام أهل العلم، وأساليب المؤلف والمشاركين له في الفن، فإن هذا يوفر عليك كثيرا من الوقت الذي تضيعه في توثيق هذه الكلمة أو تدقيق تلك.
2 = احذر الانسياق وراء الشائع:(2/96)
قدمنا أن الخبرة أهم المهارات، ولكن أنى لك بالخبرة في كل شيء!! لذلك فلا تعتمد على الثقة بما لديك من معلومات شائعة بغير توثيق، فكم رأينا من يضبط الكلم على ما شاع عنده، وما هو إلا من أغلاط العوام، وكذلك في ضبط أسماء الأعلام، وأحيانا يكون بالزيادة في النصوص بما يظنه الصواب!!
والفرق بين هذا وما سبق أن هذا فيما شاع عند العامة، ولم يكن مصدرُه لديك معروفا في رأسك.
3 = الغلط وارد على أي إنسان :
ليس مطلوبا منك أن تكون معصوما من الخطأ ، ولكن هذا هو المطلب الأسمى والغاية العليا للمحقق ، وصدق من قال : لو روجع كتاب سبعين مرة لوجد فيه الخطأ .
وكذلك فالحذر الحذر من الاغترار بأغلاط أهل العلم، فلا بد من البحث والتحري والتحقيق ليوافق الخبر الخبر .
4 = الأولوية لضبط النص :
المحسنات المطلوبة في التحقيق كثيرة ، وبعضها أهم من بعض ، وكذلك فبعضها من الأساسيات وبعضها من التكميليات والتجميليات ، فاحذر أشد الحذر أن تقدم التكميلي على الأساسي ، فالأولوية المطلقة هي لضبط النص وإخراجه سليما من الأغلاط .
فإن رأيتَ أنك قد استوفيتَ هذا الجانب وأتيت على ما تستطيعه فيه، فانظر إلى غير ذلك من التكميليات فافعله ، وذلك من التقدمات والفهارس والمناقشات والإحالات ونحو ذلك .
ولذلك نلاحظ أن المحققين الأكابر تجد في كثير من الأحيان أن تعليقاتهم أقل جداً من تعليقات الشداة من المحققين، وكأن هؤلاء المتأخرين يظنون أن قياس العلم بالأشبار، وقدر الجهد بالأمتار!
5 = الاشتباه أكبر شَرَك:
اشتباه الألفاظ، اشتباه المعاني، اشتباه الأعلام، اشتباه البلدان ... إلخ إلخ، هذه الأمور أكبر شرك يقع فيه المحقق، فيخلط بين الحَكَم والحاكم، أو عُبَيد وعُبَيدة، أو نحو ذلك، فاحذر ثم احذر، واستعن بنقول أهل العلم، وعليك بالممارسة أيضا؛ لأن الخبرة أهم شيء كما سبق في النصيحة الأولى.(2/97)
ونحمد الله عز وجل على أن جعل لنا في أسلافنا من أهل العلم خيرَ مُعين لنا على هذه المسائل التي لم يدعوا بعدهم فيها لقائل مقالا، فمن كتب المشتبه لكتب المتفق والمفترق، ومن معجمات الألفاظ لمعجمات المعاني، ومن كتب البلدان لكتب الرجال والكنى، وكتب التواريخ ... إلخ إلخ
6 = ابتعد عن غير تخصصك :
لا بد للمحقق أن يأخذ من كل فن وعلم بطرف، ولكن هذا لا يعني أن يقحم نفسه فيما لا قِبَل له به، فإن من العجيب أنك تجد بعض {المحققينات} يصدر اليوم كتاباً في الفقه، وغداً كتاباً في الحديث، وبعد غد كتاباً في الأصول، وبعده كتاباً في اللغة، وبعده كتاباً في التاريخ، وبعده كتاباً في التفسير!!! فتعجب وتقول: في أي فن تخصص هذا الرجل؟ أم بُعِثَ ابنُ جرير الطبري أو شيخ الإسلام ابن تيمية من قبرهما ؟
وضع نصب عينك كلمة الحافظ ابن حجر: (من تكلم في غير فنه أتى بهذه العجائب) .
7 = اقصد إلى المهم ولا تشتت جهدك:
فالملاحظ الآن أن كثيراً من المحققين يصرف جهده في تحقيق المحقَّق وتهذيب المهذَّب، وصار التنافس بين دور النشر في طباعة الكتاب نفسه بتحقيقات مختلفة! حتى صار الباحث ملزماً بشراء عدة طبعات للكتاب الواحد؛ لأنك تجد في هذه ما لا تجده في هذه .
لا ننكر أن بعض الكتب طبعت طبعات سقيمة وتحتاج لإعادة تحقيق، ولكن مما لا شك فيه أن إصدار ما لم يحقق أولى .
8 = لا تستنكف من قول (لا أدري) :
إذا أَشْكَلَ عليك شيءٌ، وأدرتَ فيه أوجُهَ النظر، واستوفيتَ فيه طُرُقَ البحث، ثم بعد ذلك كله لم تقف على توجيهه، فلا عليك أن تقولَ: (لا أدري)، فتفتح السبيل لمن شاء من القراء أن يستدرك عليك هذا الموضع غيرَ منكِر عليك، ولكن المشكلة أننا نلاحظ بعض المحققين يُشكِلُ عليه الشيء من الكتاب فيدور حوله ولا يظهر، وأحيانا يخترع كلاما لا وجه له!!(2/98)
ومن ذلك أن بعض المحققين يلتزم مثلا بضبط جميع كَلِمِ الكتاب، ثم تراه أحيانا كثيرة يضبط ما لا يُشْكِلُ ويدع ضبط المُشْكِل!!
9 = إياك أن تتكل على الطبعة الثانية ثم الثالثة ثم ...:
بعضُ المحققين يبذل جهدا مشكورا في تحقيقه، ولكن تراه أحيانا يقول: وندع هذا لطبعة ثانية!! ويصرح بعضُهم بذلك، وكأنه لا يضع اعتبارا مطلقا لذمم القراء المرهقة بالإنفاق في غير كتابه!
المفترض أن المحقق يبذل ما يقدر عليه من جهد في كتابه، وإنما تكون الزيادات في الطبعة الثانية إذا جد جديد لم يكن يعلمه المحقق، أو جاءته ملاحظات من أهل العلم، أو وقف على مخطوط جديد ، أو نحو ذلك.
أما أن تنقلب المسألة تجارية فهذا ما لا يحمد صاحبه، بل يلام.
10 = احذر السطو، فهو مكشوف آجلا أو عاجلا:
مسألة السطو هذه شاعت جدا في عصرنا هذا، وأسبابها كثيرة يمكن تصنيفها إلى أسباب اجتماعية، واقتصادية، وسياسية، ولكن إجمالا نقول إنها صارت أمرا شائعا لا يُسكت عليه.
وإذا كنا لا نستنكر السطو أن يصدر ممن عُرِف به وشاع عنه، فإننا نعجب إذ نجد الداء انتشر وزاد حتى أصاب بعضا من الموسومين بالعلم المشهورين به، فصار لزاما على أهل العلم أن يبينوا هذا الأمر، خاصة إذا وجدنا السارق يتهم المسروق منه بأنه سارق!!
ولا يرد علينا مطلقا ما يردده المرددون ويتقوله المتقولون من أن النصيحة على الملأ فضيحة؛ لأن هؤلاء لم يستحوا من السرقة على الملأ، فالصواب أن يكون جزاؤهم من جنس عملهم جزاء وفاقا)(1) .
__________
(1) وهذه بعض محاورة نافعة جرت بين الكاتب الفاضل وكاتب فاضل آخر هو حمد آل سيف ، والذي قال تعليقاً على ذكر أبي مالك للخبرة وقوله إنها أهم المهارات :
(أخي الفاضل أبا مالك العوضي أشكرك على الموضوع المهم والقيم ، ولدي أمر أستفسر عنه ، لطالما حيرني في قراءتي للنصيحة الأولى .
الخبرة وما أدراك ما الخبرة ؟ الخبرة لا ينالها المحقق إلا بالممارسة والتحقيق والتجربة والتعلم من الأخطاء وتلافيها في المستقبل لأن هذا هو العلم .
فإذا ثبت أن الإخفاقات هي سبيل الخبرة والمثل يقول : ( اللي ما يغلط ما يتعلّم )! فإذا ثبت ذلك فلا بد أن نترك المحققين يتعلمون (عن طريق التحقيق نفسه) قبل حصولهم على الخبرة ! وإلا كيف سيحصلون عليها ؟
إذاً فيلزم من هذه النقطة الدور : لا تحقق حتى تكون لديك خبرة ولا تحصل لديك الخبرة إلا بممارسة التحقيق! إذاً معناه أنك ستجلس في محلك تنتظر---- .
الخبرة هي ثمرة الدربة على التحقيق والتدقيق وفحص كلام العلماء والعيش في أنفاس تعبيراتهم وألفاظهم المدونة .. ولا يمكن أن تحصل لأحد من غير هذا السبيل ، فكيف نصنع؟
أقترح أن يبدأ المحقق بعد أن يستوفي أوصاف طالب العلم (إتقان العربية ومختصر من كل فن وأن يكون متخصصاً في أحدها ..الخ ) بتحقيق رسالة المخطوطة تحت إشراف وتوجيه من مجموعة علمية من طلبة العلم متقدمة علمياً عليه ، ذات خبرة بقراءة المخطوطات وتحقيقها ، يوجهونه إذا تعثر أو ضلّ إلى المسار القويم ويتعلم منهم آداب الصنعة و قواعدها ، حتى يقوم على رجليه .
وإذا طبع عمله يثبت استفادته منهم في كتابه مصرحاً بأسمائهم حتى لا يتجاوز قدره .
أرغب يا أخي الكريم في معرفة ما لديك حول هذه المسألة ؛ و بارك الله فيكم ).
فقال أبو مالك : ( أخي الكريم الفاضل أحسن الله إليك، وبارك فيك!
وإن ما استشكلتَه يا أخي غيرُ مُشْكِل إن شاء الله!، والعجيب أنك أجبتَ عن سؤالك في الفقرة الأخيرة، فتأمل!
وبيانُ ذلك أن هناك فرقا كبيرا بين (العمل في التحقيق)، وبين (نشر الأعمال المحققة)!
فالمفترض أن الباحث في أول حياته يدرس ويحقق ويدقق ويبحث، ولكن ما علاقةُ هذا بالنشر؟
فليكتب ما يشاء وليحقق ما يشاء، ولكن لا يتحفنا بالمرذول من الأعمال حتى يرى أنه قد تأهل!
فالصواب أن يُبقِي أعماله حبيسة القماطر حتى يرى أنه قد رسخت قدمُه، ويعرضُ عمله على أهل العلم المتقنين ليرشدوه إلى الصواب!
وهذه سنة سنها أهل العلم من قديم، مع أنهم كانوا من الراسخين في العلم، ولكن لم يمنعهم ذلك من أن يعرضوا أعمالهم على شيوخهم لينظروا فيها ويرشدوهم إلى الصواب!
ولكن المشكلة أن الباحث والمحقق المبتدئ يخرج علينا بهذه التجارب الصبيانية التي لعله لو رآها بعد تمكنه لاحتقر نفسه!!
وتكون الجناية على تراث الأمة، وعلى المسلمين المغترين بما في كتابه! وهذا لعله من خيانة الأمانة الملقاة على عاتقه؛ لأن قارئ الكتاب عادة يحسن الظن بالمحقق، ولذلك يبحث كثير من طلبة العلم عن الكتب المحققة دون غيرها)---- المحاورةَ .(2/99)
أصول التخريج :
أي قواعد وضوابط فن تخريج الأحاديث ، فلكل فن قواعده ، كما هو معلوم ؛ وانظر (التخريج) .
أصول الحديث :
هذه العبارة تأتي بمعنى (أصول علم الحديث) ، فانظره فيما يلي ، وانظر (الأصل).
الأصول الخمسة :
صحيحا البخاري ومسلم وسنن أبي داود والترمذي والنسائي؛ وتسمى أيضاً (الكتب الخمسة).
الأصول الستة :
هي الخمسة المتقدمة وسنن ابن ماجه.
أصول علم الحديث :
لقبٌ للعلم المشتهر عند المتأخرين باسم (علم المصطلح) ، والمراد هو (علم أصول التحديث) كما يقال : (علم أصول الفقه).
علم الحديث - كسائر العلوم - لا بدَّ أن يكون له أصولٌ تعلَم ، ويُعلم كيف يُبنى عليها ، ولغة تُعْرَف ، ليحصل البيان بها .
فأصولُ هذا العلمِ هي إذن قواعدُه ، ومصطلحاتُه ؛ وقد بينتُ معناهما في موضعيهما من هذا المعجم.
ولبيان القواعد والمصطلحات أُلفتْ كتبُ المصطلح (كما يعبر عنها المتأخرون والمعاصرون) ؛ ويلتحق بها ما صنفوه في آداب المحدث والطالب .
ويدخل في هذا الصنف من الكتب ، أعني كتب المصطلح أو أصول علم الحديث ، دراساتُ مناهج المحدثين ، فإنها راجعة إلى علم أصول هذا الفن ، لأن أصول المحدث الناقد يحتاج معرفتَها الباحثُ الحديثي ، بغضِّ النظر عن كونها موافقةً للصحيح أو لأصول الجمهور ، أو مخالفةً لذلك ؛ ومن لم يعرف خلافَ العلماء فليس بعالم .
وتسمية المتأخرين هذا العلم بعلم المصطلح تسمية منتقدة ، فمصطلح الحديث إنما كان يطلق في الأصل على مصطلحات فن الحديث ، ثم صار يطلق على علم أصول هذا الفن ، والذي أهم أركانه مصطلحات علم الحديث وقواعده .
ولعل أقوى أسباب هذه التسمية سببان :
الأول : أن أكثر المتأخرين من متفقهين وغيرهم اقتصروا في هذا الفن - أو كادوا يقتصرون - على معرفة أشهر مصطلحات أهله من غير تحقيق لقواعده وأصوله أو دراستها على وجه معتبر ، فسموا هذا الفن بأهم أقسامه عندهم ، أو بما اقتصروا عليه منه.(2/100)
والثاني : رغبتهم في الاختصار ، ودفع الإيهام؛ فكأنهم لم يروا تسميته بـ( أصول الحديث )، كما سموا نظيره في الفقه (أصولَ الفقه)، لأن أصول الحديث لها في اصطلاحهم أكثر من معنى، كما تقدم بيانه تحت كلمة (الأصل) .
وكذلك لا يحسن أن يقال : علم أصول علم الحديث ، وذلك بسبب طول هذا الإسم وثقله على اللسان.
وكذلك لم يسموه علم أصول التحديث، لأن التحديث عندهم لا يعني علم الحديث ، ولكن له معنى خاص ، كما هو معلوم، وهو أداء الأحاديث وإسماعها لطالبيها.
وقال الدكتور حمزة المليباري في (نظرات جديدة في علوم الحديث) (ص18) :
(إنه ما من شك أن الطابع العام لكتب علوم الحديث التي ظهرت في مرحلة ما بعد الرواية يتمثل في ذكر المصطلحات الحديثية ، وتحرير تعاريفها ، وتحليل آراء العلماء فيها - سواء فيهم المحدثون والأصوليون والفقهاء - حتى تصور الكثيرون بأن [كذا] علوم الحديث عبارة عن مجموعة من المصطلحات ، تحفظ وتردد معزولة عن القواعد والمسائل التي تحملها تلك التعابير الفنية ، ومجهولاً [كذا] دورها الحقيقي ، حتى صار هذا الفن الحيوي العظيم لا يكاد يعرف إلا بـ (علم مصطلح الحديث) ؛ ولم تكن هذه التسمية معروفة سابقاً ، وإنما كان يُطلَق عليه علوم الحديث أو علم الرواية)(1).
__________
(1) علق الشيخ حمزة هنا في الهامش بقوله (أطلق بالأول [كذا] الحاكم حين أسٍمى كتابه بـ"معرفة علوم الحديث" وبالثاني [كذا] الخطيبُ إذ سمى كتابه "الكفاية في علم الرواية" ؛ وقد ورد في إطلاق المتقدمين غير ذلك مثل "علم الرجال" ).(2/101)
وكتب أحد الأفاضل وهو الشيخ عبد الرحمن الفقيه في (ملتقى أهل الحديث) موضوعاً عنوانه (المصطلح أو علوم الحديث) ؟ قال فيه : (لا أحد ينازع في أنه لا مشاحة في الاصطلاح ، وتسمية علوم الحديث التي تعنى ببحث أصول الحديث وفنونه (بالمصطلح) أو نحوها من المسميات لا حرج في ذلك ؛ ولكن لو تأملت في تصانيف أهل الحديث الأوائل التي صنفوها لبيان هذه المسائل لوجدت تسميتهم لها ب(علوم الحديث) أو (أنواع علم الحديث) ونحوها من المسميات .
وقد يكون تسمية علوم الحديث بالمصطلح قد أُخذ من قول الحافظ العراقي في (شرح التبصرة) (1/97 تحقيق ماهر الفحل) (ولأهله اصطلاح لا بد للطالب من فهمه فلهذا ندب إلى تقديم العناية بكتاب في علمه ؛ وكنت قد نظمت فيه أرجوزة ألفتها ، ولبيان اصطلاحهم ألفتها) . انتهى .
أو من تسمية الحافظ ابن حجر رحمه الله لمتنه المختصر في علوم الحديث (نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر) .
وهذه التسمية (مصطلح الحديث) تسمية غريبة شيئاً ما !
فعندما ننظر في تسمية الفنون الأخرى نجد أن أهل العلم يسمونها مثلا بعلوم القرآن وأصول الفقه وأصول الدين وعلم اللغة ونحوها ، وهذه كلها مصطلحات !
فلماذا يخصص منها علم الحديث فيسمى (بالمصطلح)؟
فالأقرب أن يسمى (علوم الحديث) أو (أنواع علوم الحديث) ولا يسمى بـ(مصطلح الحديث) اتباعاً لأهل العلم السابقين .
وهذه التسمية شاعت في هذا العصر وانتشرت بخلاف الأعصار الماضية فلم يكن هذا الاسم شائعاً عندهم). انتهى كلامه .
ثم تعقبه بعض أفاضل الملتقى بقوله : (التسمية قبل ذلك ؛ فاسم كتاب ابن دقيق العيد (الاقتراح في بيان الاصطلاح ...) . وهو متوفى سنة (702) ؛ ولعلها قبل ذلك أيضاً .(2/102)
ويقال : إنه أخذ هذه التسمية من كتاب البروي (ت 567) (المقترح في المصطلح) ، ذكره الإسنوي في (طبقاته) ؛ وهو كتاب مشهور في الجدل ، وليس في مصطلح الحديث كما زعم د. عامر حسن صبري في مقدمته لكتاب ابن دقيق العيد ؛ وشرح ذلك ليس هذا مكانه) .
وعلق باحث آخر بما مفاده أن تسمية علوم الحديث بعلم المصطلح تصرف شائع ؛ فلا معنى لاستثقاله . ثم قال : (نعم ، يصعب تحديد عصر ظهور هذه التسمية. ولعل ممن شهر بها ابن دقيق العيد حين سمى كتابه (الاقتراح في بيان الاصطلاح) كما ذكر بعض الإخوة ؛ ويغلب على ظني أنه استلهم هذا العنوان من كتاب (المقترح في المصطلح) ، وهو كتاب اعتنى به جد ابن دقيق العيد لأمه أيما اعتناء حتى لقب به ، بحيث اشتهر باسم (المقترح) بفتح الراء ، والله تعالى أعلم) .
ثم علق في موضع آخر متعقباً بعضَ المشاركين فقال : (وخلاصة القول عندي - والله أعلم - أنه لا معنى لاستثقال هذه التسمية لسببين :
أحدهما : أنه لا مشاحة في الاصطلاح .
والثاني : تميز علم الحديث على بقية العلوم الشرعية بكثرة المصطلحات ووفرتها عند أهله)(1). انتهى.
وقال باحث آخر : (الظاهر أن سبب تسمية وتخصيص علوم الحديث باسم المصطلح هو كثرة(2) المصطلحات في هذا العلم ، فربما يكون هذا العلم من أكثر العلوم اصطلاحات ولا يقاربه في ذلك شيء من العلوم الشرعية .
أما غير الشرعية فعلم المنطلق هو أكثر العلوم اصطلاحات) .
__________
(1) ثم قال : (ومما يتصل بهذه المسألة - لأن الشيء بالشيء يذكر - : تقسيم ابن الأكفاني لعلم الحديث رواية ودراية وتعريفه لكليهما بما لا يُوافق عليه عند التحقيق) .
(2) في الأصل (لكثرة).(2/103)
ثم عاد الشيخ عبد الرحمن فعلق بقوله (وأما ما ذكره بعض الإخوة من أن مصطلحات علوم الحديث أكثر من الفنون الأخرى فهذه تحتاج إلى بيان وتوضيح فأصول الفقه كذلك لها مصطلحات كثيرة وكذلك النحو والبلاغة والمنطق ؛ وعلى هذا فينبغي من باب اتباع منهج المتقدمين في الحديث أن نأخذ كذلك بتسميتهم لهذا العلم بـ(علوم الحديث) ؛ والأمر فيه سعة) .
ثم تعقبه بعض المشاركين الذين تقدمت مشاركاتهم فذكر كثرة مصطلحات المحدثين ثم قال : (ومن هنا أطلق المتأخرون على هذا العلم (علم مصطلح الحديث) من باب تسمية الشيء بجزئه، وقصدهم بذلك بحسب ما ظهر لي بعد طول التأمل : التفريق بين الأصول النظرية لهذا العلم، وبين موضوعه ومجال البحث فيه . وهذا من دقتهم رحمهم الله تعالى ؛ وعدم شهرة هذا اللقب بين المتقدمين لا يوجب علينا الحذر في التعامل معه، بعدما قررنا نفي وجود محاذير تترتب على استعماله ).
ثم تعقبه الشيخ عبد الرحمن قائلاً : (لا شك أن علم الحديث فيه اصطلاحات متعددة وكثيرة كغيره من العلوم الأخرى ، ولكن تسميته (بالمصطلح) فيها نظر ؛ فلماذا لا يسمى (المصطلحات)؟ !
وأيضا كوننا نسميه (علم المصطلح) يفهم منه أنه يعني (معنى المصطلح وما يتعلق بالمصطلح من ناحية معنى المصطلح في اللغة وماذا تدل عليه كلمة مصطلح ومتى نستعملها وماهي ضوابطها)(1) .
ولكن عندما نسميه (علوم الحديث) يكون واضحاً للطالب من أول وهله ويدل على معناه دلالة بينة بخلاف (المصطلح) فإنه لا يفهم إلا بعد أن يخبر المتعلم أنه يقصد به دراسة علوم الحديث) .
__________
(1) أي أصول وضع الاصطلاحات وشرحها وفهمها.(2/104)
قال مشارك آخر : (لا شك أن استعمال الألفاظ التي كانت متداولة في القرون الثلاثة في جميع العلوم الشرعية أفضل من استعمال الألفاظ المحدثة بعدهم ولكن قد يحتاج طالب العلم إلى استعمال الألفاظ المحدثة بسبب كثرة تداولها حتى أصبحت هي الألفاظ المتعارف عليها بين الناس حتى بين طلبة العلم لذا كان من المتحتم على طالب العلم استعمالها وإلا لانعدمت وسيلة التفاهم بين الناس ولم يصل المقصود كاملا مما يسبب وقوع الخلاف والنزاع بسبب هذا الأمر---) . انتهى .
أقول: ترك المصطلحات الركيكة والمستغربة إلى ما هو أقرب وأبلغ وأصح : ممكنٌ ، ولكنه يحتاج إلى وقت وصبر وجهد وإصرار؛ ومن الله التوفيق.
ثم كتب أحد الفضلاء من إخواننا في (ملتقى أهل الحديث) فقال : " (مصطلح الحديث) هو جزء من (علوم الحديث)، ولا يصح إطلاقه على (كل علوم الحديث)، فالنسبة بينهما نسبة الجزء إلى الكل كما نقول: (علم النحو) جزء من (علوم اللغة)، وكما نقول: (علم الفرائض) جزء من (علم الفقه)، وكما نقول: (علم أسباب النزول) جزء من (علم التفسير)، وكما نقول: (علم الناسخ والمنسوخ) جزء من (علوم القرآن).
و(علوم الحديث) تشمل عددا من العلوم غير (المصطلح)؛ كعلم (علل الحديث)، وعلم (الجرح والتعديل).
وأكثر الكتب المصنفة في (علوم الحديث) لا يمكن التوصل بدراستها إلى أن يكون الإنسان محدثا أو يماثل نقاد الحديث، بخلاف العلوم الأخرى؛ فدراسة (علم الفقه) يتوصل بها الإنسان أن يكون فقيها، ودراسة (علم النحو) يتوصل الإنسان بها أن يكون نحويا، ودراسة (التفسير) يتوصل بها الإنسان أن يكون مفسرا.(2/105)
فلهذا السبب - والله تعالى أعلم - أطلق المتأخرون عبارة (اصطلاح أو مصطلح الحديث) على الكتب المصنفة في هذا الشأن؛ لأن المقصود منها إعطاء الطالب نبذة مختصرة عن مصطلحات ومنهج أهل الحديث، وليس المقصود منها أن الطالب يتوصل بها أن يكون محدثا بغير أن يتعمق في معرفة الطرق وعلم الرجال والجرح والتعديل وعلل الحديث وغير ذلك".
انتهى كلامه وقد علقت عليه وقتئذ بما يلي :
(نعم ، (مصطلح الحديث) هو جزء من (علوم الحديث) كما ذكرتَ، ولكن النسبة بينهما ليست كالنسبة بين أي جزء من الشيء وذلك الشيء ، وإنما هي نسبة خاصة ، فهي كالنسبة بين الجزء الذي يكون أصلاً لشيء وبين ذلك الشيء.
وعليه أرى أن الأقرب في هذه المسألة ، أن يقال : تعلُّم مصطلح الحديث هو جزء من تعلم علم الحديث كاملاً؛ وكتب علم المصطلح هي كتب أصوله أو قواعده ومصطلحاته ؛ فنسبة هذا العلم (أي علم المصطلح كما يسمى) إلى مجموع علوم الحديث : كنسبة قواعد النحاة ومصطلحاتهم إلى مجموع علوم النحو، وفيها الإعراب ، والتعليل ، وتاريخ علم النحو ومدارسِه والمناظرات النحوية ، والرد على المخطئين والمخالفين ، وغير ذلك.
وهي أيضاً كنسبة علم أصول الفقه إلى علوم الأحكام الشرعية العملية ، أعني علم الفقه بمعناه الأوسع الشامل لقواعد التفقه والاستنباط ومصطلحات الفقهاء والأصوليين وأحكام هؤلاء وهؤلاء، ولكنها ليست كنسبة علم الفرائض إلى علم الفقه، إلا على جهة الإجمال وعدم إرادة التدقيق .
وهي أيضاً كنسبة (علم أصول التفسير) إلى (علم التفسير) ، وليست كنسبة تفسير سورة من سور القرآن إلى تفسير القرآن كله ، وكما تقدم تقييده.
والحاصل أنها كنسبة أصل الشيء وأساسه إلى ذلك الشيء بأصله ، فهي كنسبة جذر الشجرة إلى الشجرة كلها .(2/106)
وأصول كل علم من علوم الحديث (كعلم الرجال وعلم العلل وعلم التخريج وعلم شروط الرواية وآدابها) إنما هي في الحقيقة راجعة إلى (علم المصطلح) وهي جزء من (علم المصطلح)، ومن مجموعها ومجموع مصطلحات المحدثين يتألف (علم المصطلح) ؛ والله أعلم).
اضربْ على حديثه :
أي خطَّ عليه خطّاً أو خطوطاً دالة على حذفه وتركه ، فمعنى اضرب على حديثه هو أنه متروك ، إذا كان المراد بالحديث هنا اسم الجنس ، كما هو الأصل في هذه العبارة ، أي اضرب على كل أحاديثه ، وقد يكون الضرب على حديث لراو غير متروك ، وذلك لأنه خطأ ، أو خلاف شرط الكتاب ؛ قال ابن أبي حاتم في (الجرح والتعديل ) (2/186) (629) في ترجمة إسماعيل بن عبد الملك بن أبي الصفيراء المكي : (نا محمد بن إبراهيم نا عمرو بن علي قال : رأيت عبد الرحمن يعني ابن مهدى وذكر إسماعيل بن عبد الملك وكان قد حمل عن سفيان عنه فقال: اضرب على حديثه) ؛ وانظر (أبى أن يحدثنا به) وهامش (التلقين) .
الاضطراب :
الاضطراب دالٌّ في اللغة على الحركة والتزلزل وعدم الثبات ، وهو دالٌّ أيضاً على اختلال الأمر وفساد نظامه(1) .
__________
(1) جاء في (مختار الصحاح) (ص159) : (ض ر ب ضَرَبَهُ يضربه ضَرْباً ، وضَرَبَ في الأرض يضرب ضَرْباً ومضرباً، بفتح الراء : أي سار لابتغاء الرزق ؛ يقال : إن في ألف درهم لمضرباً، أي ضرباً، وضرب الله مثلاً، أي وصف وبيَّن ؛ وضرب الجرح ضَرَباناً بفتح الراء؛ وأضْرَبَ عنه : أعرض ؛ وتَضَارَبا واضْطَرَبا ، بمعنى ، و[اضطرب] الموج يَضْطَرِبُ : أي يضرب بعضُه بعضاً؛ والاضْطِرابُ الحركة ؛ واضْطَرَبَ أمره اختل ؛ وضَارَبَهُ في المال ، من المضاربة ، وهي القراض ، والضَّرْبُ الصنف ، ودرهم ضَرْبٌ ، وصف بالمصدر).(2/107)
والاضطراب في اصطلاح المحدثين : أن لا يثبت الراوي للحديث على رواية بعينها ، وذلك أن يروي الحديث الواحد على وجهين أو أكثر مختلفين في المتن أو السند اختلافاً لا يمكن - أو لا يتجه - معه الجمع بينهما بطريقة يُعذَر فيها ذلك الراوي.
فحينئذ يقال : اضطرب فلان في ذلك الحديث ؛ فإن تكرر منه الاضطراب قيل : روى أحاديث مضطربة(1)، فإن كثرت تلك الأحاديث قيل : هو مضطرب الحديث ، أو أحاديثه مضطربة.
وقد توسع بعض النقاد - من المتقدمين - أحياناً فأطلق الاضطراب على مطلق الضعف، فيقول : فلان مضطرب الحديث ، يريد أنه ضعيف الحديث(2).
وكثير من المتأخرين يطلق الاضطراب أيضاً على اختلاف الرواة المتقاربين في القوة ، في الحديث ، بحيث يروونه على أوجه متباينة في السند أو المعنى تبايناً لا يستقيم معه الجمع بينها ، ومتقاربة في القوة تقارباً لا يتيسر معه لهم - أي لأولئك المتأخرين - الترجيح بينها ، فيقولون في مثل هذا الحديث : هو حديث مضطرب .
فالاضطراب عندهم لا يشترط فيه أن يكون بين روايات راو واحد بل قد يقع من الأقران بأن تخالف رواية أحدهم رواية الآخر على الكيفية المذكورة آنفاً .
وهذه فوائد راجعة إلى هذا الموضوع :
الأولى : قال ابن حجر في (النكت) (2/773) : (لأن الاضطراب هو الاختلاف الذي يؤثر قدحاً ؛ واختلاف الرواة في اسم رجل لا يؤثر ذلك ، لأنه إن كان ذلك الرجل ثقة فلا ضير ، وإن كان غير ثقة فضَعفُ الحديث إنما هو من قِبل ضعفه ، لا مِن قبل اختلاف الثقات في اسمه ؛ فتأمل ذلك).
الثانية : إذا روى عدد من الرواة حديثاً مضطرباً عن شيخ لهم فهل الحمل في هذا الاضطراب يكون عليه أو عليهم ؟
__________
(1) ولكن هذه الصيغة قد تطلق أيضاً على من كان كثير الاضطراب في الأحاديث.
(2) وانظر (مضطرب الحديث).(2/108)
التحقيق في هذه المسألة أن الاضطراب يُحكم به على الأقل ضبطاً من الطرفين ؛ فإن كان الشيخ أوثق منهم فالاضطراب منهم ، وإن كانوا هم الأوثق فالاضطراب منه . وأما إن تفاوت اولئك الرواة عن ذلك الشيخ في قوتهم في الرواية فليس حديثهم من باب المضطرب ، وإنما هو من باب الشاذ - أو المنكر - والمحفوظ .
وهكذا يقال فيما لو انفرد راو عن راو بحديث رواه عنه على أوجه متعددة مضطربة فإن الحمل فيه على أضعفهما ، فإن تساويا فالحمل فيه على المتأخر منهما .
الثالثة : مما يحسن لفت الأنظار إليه في هذا الموضع هو أن الاضطراب أكثر ما يقع في حديث الضعفاء والمتروكين(1) ؛ وأما الاضطراب في حديث الثقات المتقنين فقليل جداً ؛ والباحث البارع لن يعدم قدرة على الترجيح بين أحاديث الثقات إذا ما اختلفت ؛ ولذا فإنه لمن النادر وقوعه أن تجد حديثاً ورد بأسانيد صحيحة ورده علماء الحديث لاضطراب راويه أو رواته ولعدم قدرتهم على الترجيح بين تلك الروايات .
الرابعة : يوجد من المعاني والدلائل في تنوع طرق الحديث عند الراوي الضعيف أو المجهول ، أو المقل ، ما ليس موجوداً في ذلك عند الحافظ المتبحر في الجمع المتوسع في الاطلاع ؛ قال ابن حجر في (التلخيص الحبير) (2/216) في حديث النهي عن صوم السبت في غير الفرض - بعد شيء ذكره في تخريجه - ما نصه :
(تنبيه : قد أُعل حديث الصماء بالمعارضة المذكورة ، وأُعل أيضاً بالاضطراب .
فقيل هكذا [أي كما كان ذكره] .
وقيل : عن عبد الله بن بسر ، وليس فيه "عن أخته الصماء" ، وهذه رواية ابن حبان ؛ وليست بعلة قادحة فإنه أيضاً صحابي .
وقيل : عنه عن أبيه بسر.
وقيل : عن الصماء عن عائشة .
قال النسائي : هذا حديث مضطرب .
__________
(1) وقد كثر في كلام كثير من قدماء النقاد وصفهم الراوي الضعيف بقولهم : (مضطرب الحديث) .(2/109)
قلت : ويحتمل أن يكون عند عبد الله عن أبيه ، وعن أخته ، وعند أخته بواسطة ؛ وهذه طريقة من صححه ؛ ورجح عبد الحق الرواية الأولى ، وتبع في ذلك الدارقطنيَّ .
لكن هذا التلون في الحديث الواحد بالإسناد الواحد مع اتحاد المخرج يوهن راويه وينْبئ بقلة ضبطه إلا أن يكون من الحفاظ المكثرين المعروفين بجمع طرق الحديث ، فلا يكون ذلك دالاً على قلة ضبطه ؛ وليس الأمر هنا كذا ، بل اختلف فيه أيضاً على الراوي عن عبد الله بن بسر أيضاً) .
انتهى كلامه ، وليس مقصودنا حكاية كلامه على الحديث ، ولكنِ القاعدة التي اشتمل عليها ذلك الكلام.
الأطراف :
المراد بالأطراف في الأصل بدايات الأحاديث وأوائلها ، ثم صار هذا اللفظ يطلق على كل قدر من الحديث يشير إلى سائره ؛ مثل قول محمد بن طاهر المقدسي في (أطراف الغرائب والأفراد) (1/126) (حديث استسقاء عمر بن الخطاب عام الرمادة بالعباس)، وقوله (1/127) (حديث أن عمر استلم الحجر ---- الحديث).
قال الذهبي في (الميزان) في ترجمة عبد الصمد بن يزيد مردويه صاحب الفضيل بن عياض : (قال أبو يعلى الموصلي : قال ابن معين لمردويه : كيف سمعت كلام فضيل ؟ قال : أطراف ؛ قال : كنت تقول له : قلت كذا ، قلت كذا ، قال : أي ضعفه يحيى) .
ومعنى ذلك أنه كان يقرأ كلام فضيل عليه ولكن لا يتم عباراته وإنما يقتصر فيما يقرؤه عليه من عباراته على أول العبارة الذي تتعين به العبارة المقصودة .(2/110)
وقال القاضي عياض في (الإلماع) (ص166) : (فإن كان اللفظ : غيرَ صحيح في اللسان إما في إعرابه أو بيانه ، أو فيه اختلال من تصحيف أو تغيير ، أو نقصت كلمةٌ من الجملة أخلَّت بمعنى ، أو بُتر من الحديث ما لا يتمُّ إلا به ، إما لتقصير في حفظ روايه ، أو للاختصار ، وتبيين عين الحديث بلفظة منه ، لا بإيراده على وجهه ، وهو الباب الذى يسميه أهل الصنعة "الأطرَاف"(1) ، أو بتقديمٍ أو تأخيرٍ قلَب مفهومَه ونثرَ منظومَه ، فهذا الذى جرت عادة أهل التقييد أن يمدوا عليه خطاً أوله مثلُ الصاد ، ولا يُلزق بالكلمة المعلَّم عليها ، لئلا يُظَنّ ضرباً ؛ ويسمونه ضبَّةً ، ويسمونه تمريضاً ؛ وكأنها صاد التصحيح كُتبت بمدتها) .
هذا ولقد ألف العلماء في الأطراف جملة طيبة من الكتب ، وكتاب الأطراف يذكر فيه مصنفه أحاديث بعض كتب الرواية مختصرة مرتبة على المسانيد .
فيجمع أحدهم أحاديث الصحيحين أو السنن الأربعة أو الكتب الستة ، أو غيرها من الكتب ، ثم يفرد روايات كل صحابي وحده ، ويرتب أسماء الصحابة على حروف المعجم ، ويذكر أحاديثهم حديثاً حديثاً باختصار ، ويبين موضع كل حديث في الكتاب الذي هو فيه ، كأن يكون في البخاري في أبواب الصلاة ، أو في مسلم في أبواب الطهارة ، وهكذا ؛ ويشير إلى اسناده باختصار أيضاً ؛ وإذا تكرر الحديث بأسانيد متعددة أشار إليها كلها وبين مواضعها .
ومن هذه الكتب : (أطراف الصحيحين) لخلف بن حمدون الواسطي (ت 401) .
و (أطراف الغرائب والأفراد) لابن طاهر المقدسي (ت 507) رتب فيه أحاديث كتاب (الأفراد)(2) للدارقطني على حروف المعجم ، وهو من أنفع كتب الأطراف(3) .
__________
(1) في المطبوعة (الأراف) ، وهو تصحيف .
(2) منهم من يسميه (الأفراد) ، ومنهم من يسميه (الغرائب والأفراد).
(3) قال ابن طاهر في مقدمة (أطراف الغرائب والأفراد) : (---
فإن أبا الحسن علي بن عمر الحافظ الدارقطني رحمه الله خرج لنفسه فوائد من الغرائب والأفراد دونت عنه فنقلت ، وأجمع حفاظ عصره على تفوقه في علمه ---، وسمعت جماعة من أهل الحديث يذكرون أنَّ عيب هذا الكتاب إيراده على غير ترتيب وأنه لو كان مرتباً لعظمت به المنفعة وعمت وأنه لا يمكن استخراج الفائدة منه إلا بعد مشقة وتعب---.
ولما دخلت بغداد في أول رحلتي إليها وذلك في سنة سبع وستين وأربعمئة كنت مع جماعة من طلاب الحديث في بعض المساجد ننتظر شيخنا فوقف علينا أبو الحسن أحمد بن الحسن المقري وكيل القضاة ببغداد فقال: يا أصحاب الحديث اسمعوا ما أقول لكم، فأنصتنا إليه ، فقال: كتاب الدارقطني في الأَفراد غير مُرتب ، فمن قدر منكم على ترتيبه أفاد واستفاد؛ فوقع إذ ذاك في نفسي ترتيبه إلى أن سهل [في الأصل تسهّل] الله عز وجل ذلك في سنة خمسمئة ، فحصلت نسخه بخط أبي الحسن علي بن محمد الميداني الحافظ نقلها من خط الدارقطني وقابلها به ، فاستخرت الله عز وجل ورتبته على ترتيب الأطراف ، ليكون فائدة لكل من عرض له حديث أراد معرفته ، فإن أصحابنا قديماً وحديثاً استدلوا على معرفة الصحيح بما صنعه أبو مسعود الدمشقي رحمه الله وغيره من أطراف الصحيحين ، فاهتدوا بذلك إلى معرفته من غير مشقة وتعب---).(2/111)
وكتاب (الأطراف) لابن عساكر الدمشقي (ت 571) .
و (ذخائر المواريث في الدلالة على مواضع الأحاديث) لعبد الغني النابلسي (ت 1143) ، وقد جعله أطرافاً للكتب الستة وموطأ مالك .
و (تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف) للمزي ، طرّف فيه الكتب الستة ، وهو كتاب حافل جليل ، بل هو أشهر وأنفع كتب هذا الباب ، وطريقته فيه : أنه إن كان الصحابي من المكثرين رتب حديثه على الحروف أيضاً في الرواة عنه ، وكذا يفعل في التابعي ، حيث يكون من المكثرين عن ذلك الصحابي وهكذا .
وطرّف أبو العباس أحمد بن ثابت الطرقي - بفتح المهملة وقاف - الكتب الخمسة .
ولابن حجر (إطراف المسنِد المعتلي بأطراف المسنَد الحنبلي) ، وقد طُبع ، وهو كتاب نافع .
والمقصد الأعظم لكتب الأطراف هو ترتيب الأحاديث لتسهيل الوقوف عليها، قال الحافظ محمد بن طاهر المقدسي (ت507) في خطبة كتابه (أطراف الغرائب والأفراد) (1/43-44) :
(ولما دخلت بغداد في أول رحلتي إليها وذلك في سنة سبع وستين وأربعمئة كنت مع جماعة من طلاب الحديث في بعض المساجد ننتظر شيخنا فوقف علينا أبو الحسن أحمد بن الحسن المقري وكيل القضاة ببغداد، فقال : يا أصحاب الحديث اسمعوا ما أقول لكم، فأنصتنا إليه فقال : (كتاب الدارقطني في الأفراد غير مرتب ، فمن قدر منكم على ترتيبه أفاد واستفاد) ، فوقع إذ ذاك في نفسي ترتيبه إلى أن سهّل [في المطبوعة تسهل] الله عز وجل ذلك في سنة خمسمئة ، فحصلت نسخة بخط أبي الحسن علي بن محمد الميداني الحافظ ، نقلها من خط الدارقطني ، وقابلها به ، فاستخرت الله عز وجل ورتبته على ترتيب الأطراف، ليكون فائدة لكل من عرض له حديث أراد معرفته، فإن أصحابنا قديماً وحديثاً استدلوا على معرفة الصحيح بما صنعه أبو مسعود الدمشقي رحمه الله وغيره من أطراف الصحيحين فاهتدوا بذلك إلى معرفته من غير مشقة وتعب).(2/112)
وقال الشيخ عبد الصمد شرف الدين في مقدمة تحقيقه (تحفة الأشراف) (1/19) تحت هذا العنوان (ما هي الأطراف) ما يلي :
(طريقة كتب الأطراف ذِكْرُ حديث الصحابي مفرداً ، كأهل المسانيد ، إلا أنهم يذكرون طرفاً من الحديث في الغالب ، بخلاف أصحاب المسانيد ، فإنهم يذكرون الحديث بتمامه .
ثم تذكر كتب الأطراف جميع طرق الحديث في تلك الكتب التي وضعت الأطراف لها ، وما اختص به كل واحد منهم من طرق ذلك الحديث .
وإذا اشترك أصحاب تلك الكتب في رواية حديث أو انفرد به بعضهم : ذكر أصحاب الأطراف ذلك الحديث بتعريف موضعه لتقريب البحث عنه .
وإذا كان الحديث ذُكر متفرقاً في موضعين أو أكثر ذكروا تلك المواضع ، فيسهل بذلك معرفة طرق الحديث والبحث عن أسانيده .
وهذه أعظم فوائد كتب الأطراف ، فإنه يكتفي الباحث بمطالعة كتاب من كتب الأطراف عن مطالعة الكتب الستة إذا كان يريد معرفة طرق الحديث فيها ، فإنها جمعت في موضع واحد من كتب الأطراف .
ومن أراد معرفة ألفاظ المتون فعليه بكتاب (المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي) ---- الذي رتبه ونظمه لفيف من المستشرقين ----- .
وتأليف الشيخ الحافظ المزي - رحمه الله - هذا أحسن وأجمع ما أُلف في أطراف الصحيحين والسنن الأربعة .
وقد قال العلماء : محدث بلا أطراف كإنسان بلا أطراف ) ؛ انتهى .
وفي هذا العصر يقوم بعضَ مقام كتب الأطراف في هذه المقاصد كتبُ فهارس الأحاديث وهي كثيرة جداً ؛ ويندر أن يوجد كتاب من كتب الأحاديث المطبوعة إلا وله فهرس ملحق به أو مفصول عنه .
وأخيراً فمما يستحق الذكر هنا هو أن من فوائد كتب الأطراف أنها تعين على تحقيق أصولها ، وأنها احتفظت بكثير من فوائد وعلوم تلك الأصول ، فيعظم نفعها وتشتد الحاجة إليها إذا كانت تلك الأصول قد فُقدت.
وانظر (كتابة الأطراف) .
الاعتبار :
الاعتبار له عند المحدثين ثلاثة معان متقاربة جداً ، بل هي راجعة - عند التحقيق - إلى أصل واحد :(2/113)
الأول : البحث عن طرق الحديث وشواهده ، لذلك الحديث الذي يُظن أنه فردٌ، من الجوامع والمسانيد والأجزاء والفوائد ونحوها، ليُعلم هل له متابع أم لا ، وهذا الاصطلاح عند المتأخرين أكثر شيوعاً منه عند المتقدمين.
قال ابن حجر في (النخبة) : (والفرد النسبي إن وافقه(1) غيرُه فهو(2) المتابِع.
وإن وجد متن(3) يشبهه : فهو الشاهد.
وتتبع الطرق(4) لذلك(5) : هو الاعتبار).
وقال ابن حجر في (شرح النخبة) : (وقول ابن الصلاح "معرفة الاعتبار والمتابعات والشواهد" قد يوهم أن الاعتبار قسيم لهما، وليس كذلك، بل هو هيئة التوصل إليهما).
قلت : في هذا التعقب نظر فإن الاعتبار مصدر وكذلك التتبع؛ وأما الشواهد فجمع شاهد وهو اسم فاعل، والمصدر لا يكون قسيماً لاسم الفاعل، فلا يتوهم ما ذكر أحد من أهل العلم).
الثاني : جمع طرق حديث مخصوص أو أحاديث راو مخصوص واستقراؤها والنظر فيها ، ومنه قولهم مثلاً : (اعتبرت حديثه فوجدته صالح الحديث ولم أجد في حديثه حديثاً منكراً) ، وقول ابن حبان (لا يروى حديثه إلا على سبيل الاعتبار) ونحو هذه العبارة من عباراته.
قال ابن حبان في (المجروحين) (1/98) في أبان بن نهشل : (منكر الحديث جداً ، يروى عن ابن أبي خالد والثقات ما ليس من أحاديثهم ، لا يجوز الاحتجاج به ولا الرواية عنه بحال الا على سبيل الاعتبار).
وقال في (المجروحين) (1/98) في أبان بن المحبَّر : (شيخ يروى عن نافع ---- ، يأتي عن نافع وغيره من الثقات ما ليس من أحاديثهم حتى لا يشك المتبحر في هذه الصناعة أنه كان يعملها ، لا يجوز الاحتجاج به ولا الرواية عنه إلا على سبيل الاعتبار ) .
__________
(1) أي وافق راويه، والمراد أنه شاركه في رواية ذلك الحديث عن شيخه.
(2) أي الموافِق.
(3) يروى من حديث صحابي آخر.
(4) من الجوامع والمسانيد والأجزاء.
(5) الحديث.(2/114)
وقال في (المجروحين) (2/190) في العباس بن الوليد بن بكار : (شيخ من أهل البصرة يروي عن أبي بكر الهذلي وخالد الواسطي وأهل البصرة العجائب ---- ؛ لا يجوز الاحتجاج به بحال ولا كتابة حديثه إلا على سبيل الاعتبار للخواص).
الثالث : إمكانية التقوي بالطرق الأخرى ، أي عند حصول الشروط وانتفاء الموانع، ومنه قولهم (فلان يصلح للاعتبار) و (فلان يعتبر به) ، و (فلان لا يعتبر به) .
وانظر (يعتبر بحديثه) .
الإعجام :
هو وضع النقط على الكلمة أو تحتها ، تمييزاً لحروفها عما يشبهها من الحروف .
قال القلقشندي في (صبح الأعشى) (3/147) في مقصد عقده لبيان النقط وما يتلق به :
(وفيه(1) أربع جمل :
الجملة الأولى في مسيس الحاجة إليه :
قال محمد بن عمر المدائني : ينبغي للكاتب أن يُعجم كتابَه ويبيِّن إعرابه ، فإنه متى أعراه عن الضبط وأخلاه عن الشكل والنقْط كثُر فيه التصحيف وغلب عليه التحريف .
وأخرج بسنده إلى ابن عباس رضي الله عنه أنه قال : لكل شيء نور ونور الكتاب العجْم ؛ وعن الأوزاعي نحوه .
قال أبو مالك الحضرمي : أيُّ قلم لم تعجم فصوله استعجم محصوله ؛ ومن كلام بعضهم : الخطوط المعجمة كالبرود المعلمة .
ثم قد تقدم في الكلام على عدد الحروف أن حروف المعجم تسعة وعشرون حرفاً ، وقد وُضعت أشكالُها على تسعة عشر شكلاً .
فمنها ما يشترك في الصورة الواحدة منه الحرفان ، كالدال والذال ، والراء والزاي ، والسين والشين .
ومنها ما يشترك في الصورة الواحدة منه الثلاثةُ ، كالباء والتاء والثاء ، والجيم والحاء والخاء .
ومنها ما ينفرد بصورة واحدة كالألف .
__________
(1) أي المقصد المشار إليه ، وأنا أنقله في هذا الموضع بتمامه .(2/115)
ومنها ما لا يلتبس حالةَ الإفراد ، فإذا رُكِّب ووُصل بغيره التبس ، كالنون والقاف ، فإن النون في حالة الإفراد منفردة بصورة ، فإذا رُكبت مع غيرها في أول كلمة أو وسطها اشتبهت بالباء وما في معناها ؛ والقاف إذا كانت منفردة لا تلتبس ، فإذا وُصلت بغيرها أولاً أو وسطاً التبست بالفاء ، فاحتيج إلى مميِّز يميز بعض الحروف من بعض ، من نقط أو إهمال ، ليزول اللبس ويذهب الاشتراكُ .
قال الشيخ أثير الدين أبو حيان : ولذلك ينبغي أن القاف والنون إذا كُتبا في حالة الإفراد على صورتهما الخاصة بهما لا يُنقطان ، لأنه لا شَبَهَ بينهما ولا يُشبهان غيرهما فيكونان إذ ذاك كالكاف واللام ؛ قال : ومنع بعضُ مشايخنا الاشتراك في صورة الحروف وقال : الصورة والنقط مجموعهما دالٌّ على كل حرف .
إذا تقرر ذلك فالنَّقْط مطلوب عند خوف اللبس ، لأنه إنما وُضع لذلك ؛ أما مع أمن اللبس فالأَولى تركُه لئلا يُظلم الخطُّ من غير فائدة ؛ فقد حكي أنه عُرض على عبدالله بن طاهر خطُّ بعضِ الكُتّاب فقال : ما أحسنه لولا أنه أكثَرَ شُونيزَهُ(1) .
وقد حكى محمد بن عمر المدائني أن جعفراً المتوكل كتب إلى بعض عُمّاله أن أَحصِ مَن قِبلك من المدنيين وعرفنا بمبلغ عددهم فوقع على الحاء نقطة فجمع العامل من كان في عمله منهم وخصاهم فماتوا غير رجلين أو واحد(2) .
__________
(1) الشونيز والشينيز والشونوز : الحبة السوداء ، وهي فارسية الأصل ، والمقصود أنه أكثر نقاطه ؛ راجع (القاموس المحيط) (2/185) .
(2) الرواية المعروفة غير هذه ، فقد روى العسكري في (تصحيفات المحدثين) (1/71) قال : (أخبرنا محمد بن يحيى حدثني يحيى بن علي عن حماد بن إسحاق قال : كتب سليمان بن عبد الملك إلى ابن حزم أن أحْصِ مَن قِبَلك من المخنثين ، فصحف كاتبه فقرأ اخص من قبلك من المخنثين ؛ قال : فدعاهم فخصاهم وخصى الدلال فيمن خصى ----.
قلت أنا : وقد روي هذا الخبر على خلاف هذا ) ؛ ثم ذكر العسكري رواية أخرى لهذه القصة .(2/116)
وقد حكى المدائني عن بعض الأدباء أنه قال : كثرة النقط في الكتاب سوءُ ظنٍّ بالمكتوب إليه .
أما كُتاب الأموال فإنهم لا يرون النقط بحال ، بل تعاطيه عندهم عيب في الكتابة .
الجملة الثانية :
في ذكر أول من وضع النقط :
قد تقدم في الكلام على وضع الحروف العربية أن أول من وضع الحروف العربية ثلاثة رجال من قبيلة بولان ، على أحد الأقوال ، وهم مُرار بن مُرَّة ، وأسلم بن سِدْرة ، وعامر بن جَدَرَة ، وأنَّ مراراً وضع الصور وأسلم فصل ووصل وعامراً وضع الإعجام .
وقضية هذا أن الإعجام موضوع مع وضع الحروف .
وقد رُوي أن أول من نَقَطَ المصاحف ووضع العربية(1) أبو الأسود الدؤلي ، من تلقين أمير المؤمنين علي كرم الله وجهه(2) فإن أريد بالنقط في ذلك الإعجام فيحتمل أن يكون ذلك ابتداء لوضع الإعجام .
والظاهر ما تقدم ، إذ يبعد أن الحروف قبل ذلك - مع تشابه صورها - كانت عَرِيَّةً عن النقط إلى حين نَقْط المصحف ؛ وقد روي أن الصحابة رضوان الله عليهم جردوا المصحف من كل شيء حتى من النقط والشكل ؛ على أنه يحتمل أن يكون المراد بالنقط الذي وضعه أبو الأسود : الشكلَ ، على ما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى .
الجملة الثالثة :
في بيان صورة النقط وكيفية وضعه :
قال الوزير أبو علي بن مقلة رحمه الله : وللنقط صورتان : إحداهما شكل مربع والأخرى شكل مستدير .
__________
(1) يظهر أن مراده قواعد النحو العربي .
(2) اختلفت أنظار جماعة من المعاصرين ممن تكلموا على هذه العبارة ، فمنهم من لم يستحب تخصيصها بأمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، ومنهم من رأى جواز ذلك مستدلاً باستعمال طائفة من العلماء لها ، والأحوط الأسلم تركها ، أعني إبدالها بما جرى عليه العرف الصحيح عند العلماء من الترضي على الصحابة رضي الله عنهم أجمعين .(2/117)
قال : وإذا كانت نقطتان على حرف ، فإن شئتَ جعلت واحدة فوق أخرى ، وإن شئت جعلتهما في سطرٍ معاً ؛ وإذا كان بجوار ذلك الحرف حرف ينقط لم يجز أن تكون النقط(1) إذا اتسعت ، إلا واحدة فوق أخرى ؛ والعلة في ذلك أن النُّقَط إذا كُنَّ في سطرٍ خَرَجْنَ عن حروفهن فوقع اللبس في الأشكال ، فإذا جُعل بعضُها على بعض كان على كل حرف قِسْطُه من النقط ، فزال الإشكال .
قلت : وإذا كان على الحرف ثلاث نُقط ، فإن كانت ثاءً جُعلت واحدة فوق اثنتين ، وإن كانت شيناً فبعض الكُتّاب ينقطه كذلك ، وبعضهم ينقطه ثلاث نقط سطراً ، وذلك لسعة حرف الشين ، بخلاف الثاء المثلثة .
أما السين إذا نقطت من أسفلها فإنهم ينقطونها ثلاثة سطراً واحداً .
الجملة الرابعة :
فيما يختص بكل حرف من النقط وما لا نقط له :
قد تقدم أن حروف المعجم ثمانية وعشرون حرفاً سوى اللام ألف ، وأن ذلك على عدد منازل القمر الثمانية والعشرين ، وأن المنازل أبداً منها أربعة عشر فوق الأرض وأربعة عشر تحت الأرض ، ثم إنه لا بد أن يبقى مما فوق الأرض منزلة مختفية تحت الشفق ، فكانت الحروف المنقوطة خمسة عشر حرفاً بعدد المنازل المختفية ، وهي الأربعة عشر التي تحت الأرض ، والواحدة التي تحت الشعاع ، إشارةً إلى أنها تحتاج إلى الإظهار لاختفائها ؛ وهي : الباء والتاء والثاء والجيم والخاء والذال والزاي والشين والضاد والظاء والغين والفاء والقاف والنون والياء آخر الحروف .
__________
(1) في النسخة التي أنقل منها ، وهي طبعة دار الكتب العلمية (يكون النَّقط) ، وربما تكون هذه العبارة مصحفة عن (يكون النُّقَط) أو (تكون النُّقَط) .(2/118)
وكانت الحروف العاطلة ثلاثة عشر ، بعدد المنازل الظاهرة ، وهي الألف والحاء والدال والراء والسين والصاد والطاء والعين والكاف واللام والميم والهاء والواو(1).
فأما الألف ، فإنها لا تنقط لانفرادها بصورة واحدة ، إذ ليس في الحروف ما يشبهها في حالتي الإفراد والتركيب .
وأما الباء ، فإنها تنقط من أسفلُ لتخالف التاء المثناة من فوق والثاء المثلثة ، في حالتي الإفراد والتركيب ، والياءَ المثناة مِن تحتُ والنون ، في حالة التركيب ابتداء أو وسطاً ؛ ونقطت مِن أسفلُ لئلا تلتبس بالنون حالة التركيب .
وأما التاء ، فإنها تنقط باثنتين مِن فوقُ ، لتخالف ما قبلها وما بعدها من الصورتين(2) ، في حالة الإفراد ، وتخالفهما مع الياء والنون حالة التركيب ابتداءً أو وسطاً .
وأما الثاء ، فإنها تُنقط بثلاث مِن فوقُ لتُخالف ما قبلها من الصورتين في الإفراد ، وتخالفهما مع النون والياء أيضاً في التركيب ابتداءً أو وسطاً .
وأما الجيم ، فإنها تُنقط بواحدة مِن تحت ، لتخالف الصورتين بعدها(3).
وأما الحاء ، فإنها لا تنقط ، ويكون الإهمال لها علامةً ؛ وحذاق الكُتّاب يجعلون لها علامة غير النقط ، وهي حاء صغيرة مكان النقطة من الجيم .
وأما الخاء ، فإنها تُنقط بواحدةٍ من أعلاها ، لتخالف ما قبلها من الجيم والحاء .
وأما الدال ، فإنها لا تنقط ولا تُعلَّم ، ويكون تركُ العلامة لها علامةً .
وأما الذال ، فتُنقط بواحدة مِن فوق ، فرقاً بينها وبين أختها .
وأما الراء ، فإنها لا تُنقط ولا تعلَّم ، ويكون الإهمال لها علامة .
وأما الزاي ، فإنها تُنقط بواحدة من فوق ، فرقاً بينها وبين الراء .
__________
(1) هذا الربط غريب جداً ، ولا دليل على صحته ، وانظر أصل هذا القول مع زيادات أخرى عليه ، في (الفهرست) للنديم (ص15) ، وقد نسبه إلى سهل بن هارون صاحب بيت الحكمة .
(2) يعني صورتي الباء والثاء .
(3) يعني الحاء والخاء .(2/119)
وأما السين ، فإنها لا تُنقط ، وتكون علامتها الإهمال، كغيرها ؛ وبعض الكتاب ينقطها بثلاث نقط من أسفلها .
وأما الشين ، فإنها تُنقط بثلاث من فوق ، فرقاً بينها وبين أختها ؛ فإن كانت مدغمة فلا بد من جرَّة فوقها ؛ ثم إن كانت محقَّقة فاللائق التأسيس بنقطتين وجعل نقط ثالث من أعلاهما ؛ وإن كانت مدغمة فالأولى جعل الثلاث نقط سطراً واحداً .
وأما الصاد ، فإنها لا تُنقط ؛ نعم حذاق الكتاب يجعلون لها علامة ، كالحاء ، وهي صاد صغيرة تحتها .
وأما الضاد ، فإنها تُنقط بواحدة من أعلاها ، فرقاً بينها وبين أختها .
وأما الطاء ، فإنها لا تنقط ، لكن لها علامة ، كالصاد والحاء ، وهي طاء صغيرة تحتها .
وأما الظاء ، فإنها تنقط بواحدة ، من فوقها ، فرقاً بينها وبين أختها .
وأما العين ، فإنها لا تنقط ، ولها علامة ، كالحاء والصاد والطاء ، وهي عين صغيرة في بطنها .
وأما الغين ، فإنها تُنقط بواحدة ، فرقاً بينها وبين أختها .
وأما الفاء ، فمذهب أهل الشرق أنها تُنقط بواحدة من أعلاها ، ومذهب أهل الغرب أنها تنقط بواحدة من أسفلها .
وأما القاف ، فلا خلاف بين أهل الخط أنها تُنقط من أعلاها ، إلا أن مَن نقط الفاء بواحدة من أعلاها ، نقط القاف باثنتين من أعلاها ، ليحصل الفرق بينهما ، ومن نقط الفاء من أسفلها نقط القاف بواحدة من أعلاها .
وقد تقدم من كلام الشيخ أثير الدين أبي حيان رحمه الله عن بعض مشايخه : أن القاف إذا كتبت على صورتها الخاصة بها ينبغي ألا تُنْقَط ، إذ لا شبه بينهما(1) ، وذلك في حالتي الإفراد والتطرف أخيراً .
__________
(1) أي بين القاف والفاء .(2/120)
وأما الكاف ، فإنها لا تُنقط إلا أنها إذا كانت مشكولة عُلِّمت بشكلة ، ، وإن كانت معراة رُسم عليها كاف صغيرة مبسوطة ، لأنها ربما التبست باللام(1) .
وأما اللام ، فإنها لا تنقط ولا تعلَّم ، وترك العلامة لها علامة .
وأما الميم ، فإنها لا تنقط ولا تعلَّم أيضاً ، لانفرادها بصورة .
وأما النون ، فإنها تُنقط بواحدة من أعلاها ؛ وكان ينبغي اختصاص النقط بحالة التركيب ابتداء أو وسطاً ، لالتباسها حينئذ بالباء والتاء والثاء أوائل الحروف والياء آخر الحروف ، بخلاف حالة الإفراد والتطرف في التركيب أخيراً فإنها تختص بصورة فلا تلتبس كما أشار إليه الشيخ أثير الدين أبو حيان رحمه الله ، إلا أنها غلبت فيها حالة التركيب فروعيت .
وأما الهاء ، فإنها لا تُنقط بجميع أشكالها ، وإن كثرت ، لأنه ليس في أشكالها ما يلتبس بغيره من الحروف .
وأما الواو ، فإنها لا تُنقط وإن كانت في حالة التركيب تقارب الفاء وفي حالة الإفراد تقارب القاف ، لأن الفاء لا تشابهها كل المشابهة ، ولأن القاف أكبر مساحة منها .
وأما اللام ألف ، فإنها لا تنقط لانفرادها بصورة لا يشابهها غيرها .
__________
(1) وقال الصفدي في (الوافي بالوفيات) (1/41) : (رأيت أشياخ الكتابة لا يشكّلون الكاف إذا وقعت آخراً ولا يكتبونها مُجَلَّسَةً ، أما إذا وقعت أولاً ، وفي بعض الكلمة حشواً ، فإنهم يجلّسونها ويشكّلونَها بِردَّة الكاف).(2/121)
وأما الياء ، فإنها تنقط بنقطتين من أسفلها ، وإن كانت في حالة الإفراد والتطرف في التركيب لها صورة تخصها(1) ، لأنها في حالة التركيب في الابتداء والتوسط تشابه الباء والتاء والثاء والنون ، فيحتاج إلى بيانها بالنقط لتغليب حالة التركيب على حالة الإفراد ، كما في النون ؛ وربما نقطها بعضُ الكتّاب في حالة الإفراد بنقطتين في بطنها ؛ والله سبحانه وتعالى أعلم) ؛ انتهى .
وقال الصفدي في مقدمة (الوافي بالوفيات) (1/41) : (قاعدة : لا تنقط القاف ولا النون ولا الياء إذا وقعن في أواخر الكلم ، برهانه أن الإعجام إنما أُتي به للفارق ، فإن صورة الباء والتاء والثاء ، والحاء والخاء(2) ، والدال والذال ، متشابهة ؛ والقاف والنون والياء آخر الكلمة لا تُشْبهها صورة أخرى .
أما اذا وقعن في بعض الكلمات(3) وجب نَقْطُهن ، لأن الفارق بطلَ(4).
وقد تكلم على الإعجام وطرائقه كثير من علماء اللغة وغيرهم ، سوى من ذكرتهما ، مثل السيوطي ، وذلك في المجلد الثاني من (همع الهوامع) .
إعراب الحديث :
إعراب الحديث علم يفتقر إليه المحدث وشارح الأحاديث والفقيه وغيرهم من أصحاب العلوم الشرعية ؛ والإعراب له ثلاثة معان :
الأول: التلفظ بالكلام معرباً، أي موافقاً لطريقة الفصحاء من حيث أحوال أواخر الكلمات .
الثاني : بيان العوامل والمعمولات وأحوال الكلمات من حيث ما يظهر على أواخرها من آثار العوامل النحوية، كما يقول المعلم للطالب : أعرب الجملة التالية ، فيعربها، وكما يقول القائل: هذه الجملة لا أُحسن إعرابها.
__________
(1) ولكن تلك الصورة تُشبه صورة الألف المقصورة في الحالتين المذكورتين ، أعني الإفراد والتطرف في التركيب ، مثل (رَوَى) و(رُوِي) ، و(على) و(علي) .
(2) كأنه سقط ذكر الجيم .
(3) أي وسطها، قلت: وكذلك أولها .
(4) أي لتشابه النون والياء والباء والتاء والثاء أول ووسط الكلمات ، ولتشابه القاف والفاء أولها ، وتشابههما والعين والغين وسطها .(2/122)
الثالث: ضبط الكلمات المكتوبة ، من جهة الإعراب، بوضع علامات الإعراب في مواضعها.
أعراضُ المسلمين حُفْرَةٌ من حُفَرِ النار ، وقف على شَفِيرها طائفتان من الناس : المحدِّثون والحُكَّام :
كلمة عظيمة شهيرة قالها الإمام ابن دقيق العيد في آخر الباب الثامن من كتابه (الاقتراح) ، وهو بابٌ في معرفة الضعفاء ، فقد قال (ص331) : (والآفة تدخل في هذا الباب من وجوه) ، ثم ذكرَها ، وسأقتصر أنا منها هنا على آخرها ، ثم على كلمته المشار إليها ، فقد قال (ص342-344) :
(وخامسها(1) : الخلل الواقع بسبب عدم الورع ، والأخذ بالتوهم ، والقرائن التي قد تختلف ؛ فمَن فَعل ذلك ، فقد دخل تحت قوله عليه السلام : "إيَّاكم والظَّنُّ فإنَّ الظنَّ أكذبُ الحديثِ"(2) ؛ وهذا ضرره عظيم ، فيما إذا كان الجارح معروفاً بالعلم ، وكان قليلَ التقوى ، فإنَّ عِلمَه يقتضي أن يُجعل أهلاً لسماع قوله وجرحه ، فيقع الخلل بسبب قلَّة ورعه وأخذه بالوهم ؛ ولقد رأيتُ رجلاً لا يختلف أهل عصرنا في سماع قوله إن جَرَحَ ، ذَكر له إنسان أنه سمع من شيخ ، فقال له : أين سمعتَ منه ؟ فقال له : بمكة ، أو قريباً من هذا ، وقد كان جاء إلى مصر ، يعني في طريقه للحج ، فأنكر ذلك ، وقال : ذاك صاحبي ، لو جاء إلى مصر لاجتمع بي ، أو كما قال ؛ فانظر إلى هذا التعلق بهذا الوهم البعيد ، والخيال الضعيف فيما أنكره ).
ثم قال عقب هذا (ص344) :
__________
(1) أي خامس الوجوه التي تدخل منها الآفة في باب تجريح الرواة .
(2) متفق عليه ؛ أخرجه البخاري بالأرقام (4849 و5717 و6345) ومسلم (2563) .(2/123)
(ولصعوبة اجتماع هذه الشرائط(1) ، عَظُمَ الخَطَرُ في الكلام في الرجال لقلَّة اجتماع هذه الأمور في المزكين ؛ ولذلك قلتُ : أعراضُ المسلمين حُفْرَةٌ من حُفَرِ النار ، وقف على شَفِيرها طائفتان من الناس : المحدِّثون والحُكَّام).
أعرف الناس بحديث فلان :
أي هو أعرفهم بما حدث به ذلك الشيخ وما لم يحدث به ، وذلك لطول ملازمته له وكثرة اختصاصه به ؛ ولا يقال ذلك إلا لمن هو ثقة في ذلك الشيخ ؛ وانظر (أعرف بفلان) .
أعرف بفلان :
إذا قيل : (زيد أعرف بشيخه الفلاني من عمرو) ، فمعناها أنه أثبت فيه من عمرو وأعرف بأحاديثه منه ، يعرف ما حدث به ، وما لم يحدث به ، والذي حدث به يعرف كيف حدث به ؛ أخرج الخطيب في (تاريخ بغداد) (5/244-245) عن الحسين بن إدريس قال : (سمعت بن عمار يقول قال أبو معاوية كان أهل خراسان يجيئون إلى الأعمش ليسمعوا منه فلا يقدرون ، قال : فكانوا يجيئون فيسمعون من شعبة فيحدثهم عن الأعمش ، قال : فكان شعبة لا يحدثهم حتى يقعدني معه فيقول: يا أبا معاوية أليس هو كذا وكذا ؟ فإذا قلت : نعم ، حدثهم ؛ قال ابن عمار : إنما يراد من هذا أن أبا معاوية كان أثبت فيه من شعبة .
ثم أخرج عقب ذلك عن عبد الله بن محمد بن رزيق قال: (سئل أحمد بن الحسن السكري الحافظ وأنا جالس : من أحب إليك من أصحاب الأعمش؟ قال : أبو معاوية أعرف به ، وبعده الثوري وبعده شعبة والباقون).
__________
(1) أي السلامة من الآفات الداخلة في باب تجريح الرواة ، وهي الأمور الخمسة التي ساقها هناك ، واقتصرت أنا على حكاية خامسها ، وإنما ذكرته لعظم التنبيه الذي حواه ، ولطرافة القصة التي ذكرها فيه .(2/124)
هذا هو معنى قولهم (فلان أعرف بفلان) إذا كان السياق سياق موازنة بين أصحاب أحد المحدثين ؛ وقد يكون المراد المعرفة الإجمالية ، أو المعرفة بحال الراوي في الرواية ، ويتأكد ذلك إذا كان السياق دالاً على أن المراد بالمعرفة معرفة الناقد بالراوي ، أو كانت الموازنة بين رواة آخرين غير أصحاب ذلك الراوي .
قال العقيلي في في (الضعفاء) (1/202 دار الصميعي) (230) : (حدثنا محمد بن عيسى قال حدثنا صالح بن أحمد قال حدثنا علي قال : سألت سفيان عن جعفر بن محمد بن عباد بن جعفر وكان قدم اليمن فما روى عنه شيء [كذا] ، فقلت لسفيان : روى عنه معمر أحاديث يحيى بن سعيد ، فقال سفيان : إنما وجدنا ذاك كتباً ، ولم يكن صاحب حديث ؛ أنا أعرف به منهم ؛ إنما جمع كتباً فذهب بها).
وقال ابن الصلاح في (مقدمته) في (النوع الثاني والستين) وهو في معرفة من خلط في آخر عمره من الثقات (ص356) :
(وممن بلغنا عنه ذلك(1) من المتأخرين أبو أحمد الغطريفي الجرجاني)؛ فتعقبه إبراهيم بن موسى الأبناسي في (الشذا الفياح من علوم ابن الصلاح ) (ص528-529) بقوله :
(فأما الغطريفي فهو أبو أحمد محمد بن أحمد بن الحسين الجرجاني الغطريفي ، ولم يعرف له اختلاط إلا ما رواه المصنف عن أبي علي البرذعي ؛ وقد ترجمه الحافظ حمزة السهمي في "تاريخ جرجان" فلم يذكر عنه شيئاً من ذلك ، وهو أعرف به ، فإنه أحد شيوخه----) إلى آخر كلامه ، وفيه بحث وتحقيق جيدان ، وقد نقله وأقره ابن الكيال في (الكواكب النيرات) (ص78) .
وانظر (أثبت الناس في زيد) و (أثبت أصحاب زيد ) .
__________
(1) يعني الاختلاط .(2/125)
أعلى :
قال ابن أبي حاتم في (الجرح والتعديل) (5/315) في ترجمة عبيد الله بن أبي زياد القداح المكي أبو الحصين: (نا صالح بن أحمد بن محمد بن حنبل نا علي ، يعني ابن المديني ، قال : سألت يحيى بن سعيد القطان عن عبيد الله بن أبي زياد ، فقال : كان وسطاً، لم يكن بذاك ؛ ثم قال : ليس هو مثل عثمان بن الأسود ولا سيف بن أبي سليمان، قال يحيى : ومحمد بن عمرو أحب إليَّ منه.
انا عبد الله بن أحمد بن محمد بن حنبل فيما كتب إليَّ قال : سألت أبي عن عبيد الله بن أبي زياد القداح ، فقال : صالح، فقلت له : تراه مثل عثمان بن الأسود؟ فقال : لا ، عثمان أعلى) .
الأعلام :
أي المشاهير من الناس ؛ ولهذا المعنى ، سمى بعض المعاصرين أو المتأخرين من أصحاب كتب التراجم كتبَهم بـ(الأعلام) ، مثل (الأعلام) للزركلي ، و(أعلام النساء) لعمر رضا كحالة ، و(أعلام العراق) لمحمد بهجت الأثري .
ولكن كلمة الأعلام صار لها اليوم في عرف الباحثين والمفهرسين للكتب مستعملة معنى آخر ، فإنهم يطلقونها ويريدون بها مجرد الناس المذكورين في الكتاب ، مشهورين كانوا أو مغمورين ؛ فإذا طالعتَ في ذيل كتاب من الكتب المفهرسة فِهْرسَ أعلامه وجدتَه محتوياً كلَّ من ذُكر فيه من الرجال أو النساء ، وإن لم يكونوا كلهم من أعلام الناس ، أي من مشاهيرهم ؛ وانظر (التراجم) و(كتب التراجم) .
الإعلام :
الإعلام في اصطلاح المحدثين : نوع من أنواع الرواية ، وهو أن يخبر الشيخ بعض الرواة بأن هذا الحديث - أو النسخة أو الكتاب - من روايته ، من غير أن يصحب هذا الإخبارَ إجازة أو إذنٌ بروايته ، لأنه حينئذ - أي عند مقارنته للإجازة أو الإذن - لا يسمى إعلاماً لأنه يصير إجازة ، فيطلق عليه اسم الإجازة.
أعلم الناس بحديث فلان :
هي بمعنى (أعرف الناس بحديث فلان) ، فانظرها .
أعلم بفلان :
انظر ( أعرف بفلان) .(2/126)
أفادني :
إذا قال الراوي : أفادني فلان كذا ، فمعنى ذلك أنه ذكر له فائدة أو نبهه عليها، مثل أن يخبره بما لم يسمعه، أو يوضح له بعض ما خفي عليه من أمور الحديث ، أو يُصلح له وهماً لم يفطن له ، أو يدله على حديث لم يسمعه وهو عند بعض المحدثين الذين يسهل عليه أخذه منهم.
والمتأهل لمثل تلك الإفادة يسمى في اصطلاح المتأخرين المفيد ، ولا يشترط أن يكون المفيد حافظاً ؛ قال الذهبي في ترجمة محمد بن أحمد بن محمد بن يعقوب - المعروف بالمفيد - في (تذكرة الحفاظ) (3/979) : (وصفه أبو نعيم الاصبهاني بالحفظ ، وارتحل إليه ، وقال الخطيب : حدثني محمد بن عبد الله [هو أبو نعيم] عنه أنه قال : موسى بن هارون سماني المفيد . قلت(1) : فهذه العبارة أول ما استعملت لقباً في هذا الوقت قبل الثلاث مئة ؛ والحافظ أعلى من المفيد في العرف ، كما أن الحجة فوق الثقة) .
وقال الغماري(2) : (المفيد من جمع شروط المحدث، وتأهل لأن يفيد الطلبة الذين يحضرون مجالس إملاء الحافظ، فيبلغهم ما لم يسمعوه ويفهمهم ما لم يفهموه، وذلك بأن يعرف العالي والنازل والبدل والمصافحة والموافقة مع مشاركة في معرفة العلل) .
وانظر (فائدة) .
أفاك :
أي وضاع يصنع الأحاديث أو يسرقها .
الأفراد :
أي الأحاديث التي يتفرد بها الرواة ، وأكثر ما يحرص الأئمة في جمعهم الأفراد ، على جمع وتتبع أفراد الحفاظ وغرائب الثقات.
وأما الرواة غير العلماء ، والمتأخرون من المحدثين فكثير منهم يشتد حرصهم على جمع الغرائب والمنكرات من الأفراد.
__________
(1) هذا من كلام الذهبي .
(2) كما في (معجم علوم الحديث النبوي) للدكتور عبد الرحمن الخميسي (ص226).(2/127)
ومما لعله غير خافٍ على عارفٍ بأصول هذا الفن هو أن الحكم على الحديث بالغرابة أو الفردية أمر ليس يسيراً ، فإنه يحتاج إلى حفظ واسع ومعرفة عظيمة بالأحاديث ورواتها؛ قال ابن طاهر في خطبة (أطراف الغرائب والأفراد) (1/44) : (وأما الغريب والأفراد فلا يمكن الكلام عليها لكل أحد من الناس، إلا من برع في صنعة الحديث).
وقال السيوطي في (البحر الذي زخر) (2/876)(1): (وينبغي التوقُّفُ [يعني توقف لمتأخرين] عن الحكم بالفرديّة والغرابة؛ لاحتمالِ طريقٍ آخر لم يقف عليه، وعن العِزّة أكثر؛ لضيق شرطها).
وقال الشيخ حاتم العوني في بحثه (بَيَانُ الحَدّ الذي يَنْتهِي عِنْدَهُ أَهْلُ الاصطلاحِ والنَّقْد في علوم الحديث): (لكن الحكم بالغرابةِ والتفرُّدِ ليس أمراً مقدوراً عليه لعموم المحدّثين، فضلاً عمّن سواهم، بل هو من خصائص كبار حُفّاظ السنّة؛ لأنّ الحكم بالغرابة يتضمّن دعوى الاطلاع على السنة جميعها، فلا يقوم به إلا من كان أهلاً لمثل هذه الدعوى---- وهذه الحاجة المُلْجِئةُ إلى استمرار حفظ الصدور، للقيام بهذه الخدمة للسنة، كانت إحدى دواعي استمرار ذلك الحفظ، الذي هو آلة الاجتهاد المطلق في نَقْدِ الحديث.
ولنَقْصِ هذه الآلة عند المتأخّرين منع ابنُ الصلاح المتأخرين من الاستقلال بالحكم على الحديث بالضعف، لمجرّد ضعف السند، لاحتمال وجود متابعةٍ لم يقفوا عليها؛ إلا إنْ حَكَمَ أحدُ أئمة الحديث بغرابة ذلك السند)(2) .
وانظر (التفرد) و (غريب) .
أفراد البخاري :
أي الأحاديث التي تفرد البخاري بإخراجها دون بقية الستة.
وقس على هذا التعريف معنى قولهم (أفراد مسلم) أو غيرِه من أصحاب الأصول.
ولكن إذا قيل : (أفراد البخاري عن مسلم) فالمراد زوائده على مسلم، كما هو بيِّن من ظاهر العبارة.
__________
(1) ونحوه في تدريب الراوي (1/163).
(2) علوم الحديث لابن الصلاح (102 - 103)، ووازنه بما في النكت لابن حجر (2/887).(2/128)
وقد يدل السياق وحده على أن المراد بـ(أفراد البخاري) زياداته على مسلم ، وقس على هذا قولهم (أفراد مسلم) ، وكذلك أفراد أي واحد من الستة .
أفراد مسلم :
انظر (أفراد البخاري).
أفسدَ حديَثه :
يستعمل أبو زرعة وأبو حاتم الرازيان وغيرهما هذه اللفظة فيقولان مثلاً : (حديث زيد أفسدَ حديثَ عمرو) ، والمراد أن زيد وعمرو تتابعا على رواية حديث من الأحاديث ؛ فكانت رواية عمرو عند الناقد ظاهرها الصحة ، أو أنها تحتمل أن تكون صحيحة ، ثم دلت رواية زيد ذلك الناقدَ بعد وقوفه عليها ، على خطأ في رواية عمرو من عمرو نفسه ، فهو قد روى الحديث سالماً من العلة ، وهو واهم في تلك الرواية ، إذ الحديث معلول كما رواه زيد ، أي فيه علة قادحة مانعة من تصحيحه .
فالحديث الفاسد عندهم يأتي بمعنى الشاذ أو المنكر في عرف المتأخرين ، أو هو قريب من ذلك(1) .
أفهمني فلان كذا :
انظر (ثبتني فيه فلان).
الاقتباس :
اقتباس الكاتب النصَّ هو أخذه من أصله ، وإدخاله في ثنايا كلامه ؛ وإذا كان النص له معنى مهم أو طول معتبر لزم ناقله أن ينسبه إلى قائله ؛ وذلك من تمام الأمانة ومما يرتجى به بركة العلم والتصنيف ؛ ثم إن كثرة النقل عن مصنفات العلماء من غير عزو إليهم قد يعرّض فاعل ذلك إلى الاتهام بالسرقة وضعف الأمانة ؛ ويتأكد وجوب العزو إذا كان الكلام طويلاً ونفيساً ، أو كانت المسألة المنقولة فائدة مهمة ، أو كان المنقول تفصيلاً جيداً لم يشتهر بين العلماء ، أو كان مبنياً على استقراء تام أو مطوَّل ، فلا بد من أن يُنسب الاستقراء إلى من فعله ؛ وهذه فقط أمثلة لما ينبغي عزوه إلى قائله ، وأما تتبع ذلك ووضع ضوابطه وأصوله ، فليس هذا محل ذلك .
__________
(1) مما ينبغي التنبه له هو أن الشاذ والمنكر لهما معنى واحد عند المتقدمين.(2/129)
قال السخاوي في خطبة كتابه (الاحتفال بجمع أولي الظلال)(1) : (فقد ورد علي السؤال من بعض فضلاء الدمشقيين ممن اتسم باندراجه في المحدثين - كثر الله تعالى منهم ودفع المكروه بهم وعنهم - تجريد(2) ما أودعه شيخنا رحمه الله في "أماليه المطلقة" من الخصال المستوجبة للظلال ، وأن أضيف لذلك ما بلغه أنني زدته ومن غضون المطالعة حصلته ، فأجبته لذلك رغبة في الثواب ومحبة لنشر العلم بين الطلاب ، مع العلم بعدم الانحصار فيها(3) والأمن ممن يأخذها فينسبها لنفسه ويدعيها غافلاً عن كون عزو العلم لقائله شكره المقتضي للزيادة والظهور، وأن "المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور"(4) .
__________
(1) وهو مخطوط عندي مصورته ، وحققته ، ولكن لم أطبعه .
(2) تجريد) منصوب بـ (السؤال) من باب اعمال المصدر المحلى بـ (أل) عمل فعله ، راجع شرح ابن عقيل على الفية ابن مالك (2/93-98).
(3) يقصد عدم انحصار كل خصال الاظلال فيما سيجمعه.
(4) هذا حديث اقتبسه السخاوي ولم يخرجه .
وقد رواه هشام بن عروة عن امرأته فاطمة بنت المنذر عن جدتها أسماء بنت أبي بكر (رضي الله عنهما) قالت : جاءت الى النبي صلى الله عليه وسلم امرأة فقالت يا رسول الله إني على ضرة فهل علي جناح ان اتشبع من زوجي بما لم يعطني فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور .
رواه عن هشام جماعة منهم :
يحيى بن سعيد القطان عند البخاري في صحيحه (5219) وأحمد في مسنده (6/346 و353) والنسائي في عشرة النساء (38) - وهو في الكبرى له (5/292) - والطبراني في المعجم الكبير (24/رقم 325) .
وحماد بن زيد عند البخاري في صحيحه (5219) وأبي داود في سننه (4997) والطبراني في الكبير (24/رقم 322) والقضاعي في مسند الشهاب (1/204) .
وأبو اسامة عند مسلم في صحيحه (3/1681) والبيهقي في السنن الكبرى (7/307) وفي الآداب (ص248) والطبراني في الكبير (24/رقم 326) .
وأبو معاوية عند مسلم (3/1681) وأحمد (6/345) واسحاق بن راهويه في مسنده (28) وابن حبان في صحيحه (13/48) .
وعبدة بن سليمان عند مسلم (3/1681) والنسائي في عشرة النساء (39) والطبراني في الكبير (24/رقم 324) وابن أبي شيبة في مسنده - ومن طريقه أخرجه أبو عوانة في مستخرجه كما قال الحافظ في الفتح (9/318) .
وخالف هؤلاء جماعةٌ فجعلوه من رواية هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة ترفعه .
وأما المحفوظ عن هشام من الحديثين فحديث أسماء ، وأما من حدث عنه بحديث عائشة فقد سلك الجادة ووهم ، كما صرح به النسائيُّ في (عشرة النساء) (37 و38) والدارقطني في (الإلزامات والتتبع) ، وإبراهيم الحربي ، نقله عنه الحاكم في "علوم الحديث" (ص274) .(2/130)
وقد روينا في "المدخل" للبيهقي من طريق العباس بن محمد الدروري سمعت أبا عبيد القاسم بن سلام يقول : "إن من شكر العلم أن تقعد مع قوم فيذكرون شيئا لا تحسنه فتتعلمه منهم ، ثم تقعد بعد ذلك في موضع أخر ، فيذكرون ذلك الشيء الذي تعلمته فتقول : والله ما كان عندي منه شيء حتى سمعت فلاناً يقول كذا وكذا فتعلمتُه ، فإذا فعلتَ ذلك فقد شكرت العلم"(1) .
__________
(1) أسند هذا الأثر الى أبي عبيد البيهقي في (المدخل): باب توقير العالم والمتعلم ، والخطيب في (الجامع) (2/154) والقاضي عياض في (الإلماع) (ص229) وأبو طاهر السلفي في بعض كتبه ؛ قال السيوطي في (المزهر) (2/319) :
(ومن بركة العلم وشكره عزوه إلى قائله ، قال الحافظ أبو طاهر السِّلفي : سمعت أبا الحسن الصيرفي يقول : سمعت أبا عبد الله الصوري يقول : قال لي عبد الغني بن سعيد : لما وصل كتابي إلى ]أبي[ عبد الله الحاكم أجابني بالشكر عليه وذكر أنه أملاه على الناس وضمن كتابه إليَّ الاعتراف بالفائدة ، وأنه لا يذكرها إلا عني ، وأن أبا العباس محمد بن يعقوب الأصم حدثهم قال : حدثنا العباس بن محمد الدوري قال : سمعت أبا عبيد يقول : من شكر العلم أن تستفيد الشيء ، فإذا ذُكر ذلك قلتَ : خفي علي كذا وكذا ولم يكن لي به علم حتى أفادني فلان فيه كذا وكذا ، فهذا شكر العلم ؛ انتهى) .
وانظر (المنتظم) لابن الجوزي (7/291) و(السير) للذهبي (17/270) و(البداية والنهاية) لابن كثير (12/7-8) .
وكتاب عبد الغني المتحدث عنه هو (الأوهام التي في مدخل أبي عبد الله الحاكم النيسابوري) ، وهو مطبوع .(2/131)
وكذا روينا في أصل (سننه)(1) من طريق إبراهيم بن محمود قال : سأل إنسان يونس بن عبد الأعلى عن معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم "أقروا الطير على مكناتها"(2)
__________
(1) يعني (السنن الكبرى) ، وإنما زاد كلمة "أصل" احترازاً عن "المدخل إلى السنن" وهو الذي نقل منه الأثر الذي قبل هذا.
(2) أخرجه أبو داود (2835) والنسائي (2/189) وابن ماجه (3162) وأحمد (6/381) والشافعي (1132) والحاكم في المستدرك (4/237-238) والطيالسي في مسنده (ص227) وابن أبي شيبة في مصنفه (5/311) والحميدي (347) وابن أبي عاصم في الاحاد والمثاني والطحاوي في مشكل الاثار (1/342-343) وأبو نعيم في الحلية (9/94 و95) والبيهقي في السنن الكبرى (9/311) عن سباع بن ثابت عن ام كرز الكعبية قالت : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم بالحديبية وذهبت أطلب من اللحم :
"عن الغلام شاتان وعن الجارية شاة لا يضركم ذكرانا كن او اناثا" .
قالت : وسمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "أقرّوا الطير على مكناتها".
وبعض الروايات حذف منها الفقرة الأولى أو الثانية.
وأيضاً ورد في قسم من المصادر "مكاناتها" وفي قسم آخر منها "مكناتها" وفي قسم ثالث منها "وكناتها" وفي قسم رابع "مكانها" ؛ وما أثبته فمن السنن الكبرى للبيهقي وغيرها .
وانظر الكلام على هذه الكلمات وعلى معنى الحديث في مفتاح دار السعادة لابن القيم (3/282-283) وشرح السنة للبغوي (11/466) والقاموس المحيط للفيروزابادي (ص1598) وشرح مشكل الاثار للطحاوي (1/343) وكتب غريب الحديث ككتاب أبي عبيد (2/135 - 138) وكتاب ابن قتيبة (2-31) والفائق للزمخشري (3/318) وغيرها.(2/132)
، فقال : إن الله يحب الحق ، إن الشافعي رحمه الله كان صاحب ذا(1)، سمعته يقول في تفسيره(2)، فقال : كان الرجل في الجاهلية إذا أراد الحاجة أتى الطير في وكره فنفره ، فان أخذ ذات اليمين مضى لحاجته ، وإن أخذ ذات الشمال رجع ، فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك(3) ؛ قال(4) : وكان الشافعي رحمه الله نسيج وحده في هذه المعاني(5)، نفعنا الله تعالى ببركته(6) ، ووفق لاقتفاء سلوكه في طريقته، إذ عدم الأمن من هذه الطامة(7) لا يبيح كتم العلم عن الخاصة والعامة ، سيما(8)
__________
(1) يعني التفسير الذي سيذكره لهذا الحديث.
(2) "يقول في تفسيره" أي يشرح ذلك الحديث.
(3) ورد شرح الشافعي لهذا الحديث ، بالقصة أو بدونها ، مطولاً أو مختصراً ، في كتب كثيرة منها (آداب الشافعي) لابن أبي حاتم الرازي (ص150 - 152) و(السنن الكبرى) للبيهقي (9/311) و(الحلية) لأبي نعيم (9/94-95) و(المجموع) للنووي (8/446) و(طبقات الشافعية الكبرى) لتاج الدين السبكي (1/283) .
(4) القائل يظهر أنه أبو الوليد النيسابوري راوي هذا الأثر عن إبراهيم بن محمود ، وإلا يكنْه فهو إبراهيم أو يونس ؛ انظر ما نقله ابن السبكي في (طبقات الشافعية) (2/176) .
(5) هذه نهاية نقل السخاوي عن (سنن البيهقي) ، وأما ما بعدها فمن كلامه.
(6) أرى أن الأولى أن يقول : "بعلمه" ، بدل "ببركته" ؛ نسأل الله أن يبارك فينا وعلينا جميعاً ، وأن يغفر لنا ويرحمنا ، إنه هو الغفور الرحيم .
(7) يعني سرقة المؤلفات - أو سرقة فصول منها - وانتحالها.
(8) "سيما" ، هكذا وردت هنا - وفي موضعين قادمين أيضاً - ، أعني وردت بسقوط أداة النفي "لا" ، وقد نصوا على وجوبها واستشهدوا بقول امرئ القيس (ولاسيما يوم بدارة جلجل) ؛ وقال أئمة اللغة ان من أهملها فقد أخطأ ؛ انظر مادة (س وي) في تاج العروس ، وخاتمة الأشموني في باب الاستثناء ، وتعليق علامة اللغة وآدابها محمد بهجت الأثري رحمه الله تعالى على (بلوغ الأرب) لشيخه العلامة الآلوسي (1/174) .
وتكلم المحقق البارع مصطفى جواد في كتاب (في التراث اللغوي) (ص12-16) على كلمة (لاسيما) ، ومذهبه فيها أن الواو قبل (لاسيما) حرف استئناف واجب الذكر ، لأن معنى الجملة التي فيها (ولاسيما) لا يتم أبداً إلا بالاستئناف ، وبنى على ذلك أنه عند الإعراب تُضمر الواو وجوباً فيما حُذفت منه قديماً ؛ والله أعلم .(2/133)
وقد جاء عن الإمام الشافعي المضاهي ببث ما عنده(1) حاتم طي(2) : "وددت لو أُخذ هذا العلم عني ولا يضاف منه شيءٌ إلي"(3) ----) .
__________
(1) من العلم .
(2) في بثه المالَ .
(3) كلام الشافعي رحمه الله هذا مشتهر عنه ولكن بألفاظ غير التي أوردها السخاوي .
نقل ابن أبي حاتم في (آداب الشافعي ومناقبه) (ص91-92) عن الحسن بن عبد العزيز الجروي المصري أنه قال : قال الشافعي : (ما ناظرت أحداً فأحببت أن يخطىء ، وما في قلبي مِن علم إلا وددت أنه عند كل أحد ولا يُنسب إليّ) .
ثم قال ابن أبي حاتم :
(أخبرنا الربيع قال : سمعت الشافعي ودخلتُ عليه وهو مريض فذكر ما وضع من كتبه فقال : "لوددت أن الخلق تعلمه ولم يُنسب إلي منه شيء أبداً ".
أخبرنا أبي حدثني حرملة بن يحيى قال : سمعت الشافعي يقول : "وددت أن كلَّ عِلْمٍ أَعْلَمُه تَعَلَّمه الناس ، أُوجر عليه ولا يحمدوني"----.
أخبرني أبو محمد ، قريب الشافعي ، فيما كتب إليَّ قال : سمعت الزعفراني (يعني الحسن بن محمد بن الصباح) وأبا الوليد بن أبي الجارود ، قال أحدهما : سمعت محمد بن إدريس الشافعي وهو يحلف ويقول : "ما ناظرت أحداً إلا على النصيحة" ؛ وقال الآخر : سمعت محمد بن إدريس الشافعي قال : "والله ما ناظرت أحداً فأحببتُ أن يخطئ " .
وقال ابن حبان في (صحيحه) - على ما هو ملحق بالنسخة المطبوعة من (آداب الشافعي) لابن أبي حاتم (ص325-326) تبعاً لأصلها المخطوط - ما نصه :
(ذكرنا في كتاب "المدبر" أن الشافعي له ثلاث كلمات ما تكلم بها أحد في الإسلام قبله ، ولا تفوه بها أحد بعده :
الأولى : سمعت ابن خزيمة يقول : سمعت المزني يقول : سمعت الشافعي يقول : إذا صح الحديث فخذوا به ودعوا قولي .
الثانية : سمعت ابن المنذر سمعت الحسن بن محمد الزعفراني سمعت الشافعي يقول : ما ناظرت أحداً فأحببت أن يخطيء .
الثالثة : سمعت موسى بن محمد الديلمي يقول سمعت الربيع بن سليمان يقول سمعت الشافعي يقول : وددت أن الناس لو تعلموا هذه الكتب ولم ينسبوها إلي" .
كذا في الإلحاق المذكور ، والله أعلم .(2/134)
الأقران :
هم الرواة المتقاربون في السن والإسناد ، فيشتركون في أكثر مشايخهم ؛ وقيل إنَّ بعض العلماء اكتفى في إطلاق هذه التسمية بالتقارب في الإسناد .
وترد هذه الكلمة في عبارات لهم ، منها قولهم (رواية الأقران) ، (كلام الأقران) ، (اختلاف الأقران) ، فانظرها ، وانظر (التدبيج).
أقسام التحمل :
انظر (التحمل).
أُكتبْ حديثَه :
سئل الإمام مسلم عن بعض معاصريه من المحدثين فأجاب بقوله لمن سأله : (أُكتبْ حديثه) ، وهذا حكم منه لذلك الراوي بأنه يحتج به .
ولا يَرِدُ على هذا أن من عادة المحدثين أن يكتبوا عمن يُحتج به ، وعمن يُستشهد به أيضاً ، وذلك لأن الإمام مسلماً أطلق الأمر أو الإذن بالكتابة من غير أن يستدرك شيئاً أو ينبه إلى ضعفٍ أو لِينٍ في حال ذلك الراوي المعاصر الذي لا شك أنه يعرفه معرفة كافية(1) ؛ وهذا الإطلاق كأنه قرينةٌ تجعل عبارة الإمام مسلم هذه مشوبةً بنوع من معاني تزكية ذلك الراوي والحثّ على كتابة حديثه ؛ ولذلك تفسر هذه العبارة بأنها تفيد الاحتجاج بمن قيلت في حقه ؛ فالأصل أنه لو كان ذلك الراوي ضعيفاً يكتب حديثه ولا يحتج به لما سكت الإمام مسلم عن تضعيفه ، وهو الإمام الناقد الجهبذ المشهور بتثبته وتحريه واحتياطه ، ثم إن من كان معاصراً لمسلم فهو من أهل عصر تكاثرت فيه الرواية وانتشرت انتشاراً واسعاً فيمكن الاستغناء عن راو ضعيف يستشهد به ، بغيره من أقرانه أو معاصريه ولو بنزول .
هذا ما ظهر لي بعد أن كنتُ أميل إلى تفسير كلمة الإمام مسلم هذه بأنها تصْدق بمن يُحتج به وبمن يُستشهد به ، ولكل قولٍ حجةٌ ، والله أعلم بالصواب .
__________
(1) وما كان مثل مسلم ليأمر من استفسره عن حال بعض الضعفاء الذين يستشهد بهم بالكتابة عنه ويقتصر في نقده على هذه الكلمة ويغفل التصريح بحقيقة حاله والإشارة إلى جرحه؛ فالراجح أن مسلماً لا يستعمل هذه العبارة إلا فيمن هو - في الأقل - صدوق محتج به عند علماء الجرح والتعديل.(2/135)
قال المزي في (تهذيب الكمال) (1/524) : (قال مكي بن عبدان : سألت مسلم بن الحجاج عنه فقال : ثقة ، وأمرني بالكتابة عنه ).
وقال (1/258) في ترجمة أبي الأزهر أحمد بن أزهر : (وقال الحاكم أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن البيع الحافظ : قرأت بخط أبي عمرو المستملي : سألت محمد بن يحيي عن أبي الأزهر ، فقال : أبو الأزهر من أهل الصدق والأمانة نرى أن يكتب عنه ، وقال أيضاً : حدثني أبو محمد بن أبي حامد عن مكي بن عبدان قال : سألت مسلم بن الحجاج عن أبي الأزهر ، فقال : اكتب عنه ؛ قال الحاكم أبو عبد الله : وهذا رسم مسلم في الثقات) .
وجعل مؤلفا (تحرير تقريب التهذيب) (1/60) إذنَ مسلم أو وصيته بالكتابة عن الرجل توثيقاً تامّاً منه له(1)، واستندا في ذلك إلى ما أسنده الحاكم في (تاريخ نيسابور) له عن أبي حاتم السلمي ، قال : سألت مسلم بن الحجاج عن الكتابة عن أحمد بن حفص ؟ فقال : نعم ؛ ثم قال الحاكم : (هذا رسم مسلم في الثقات الأثبات)(2) .
__________
(1) قال ابن حجر في أحمد بن حفص السلمي : (صدوق) ، فقالا : (بل ثقة ، وثقه النسائي في رواية ، وأوصى مسلمٌ بالكتابة عنه - وهو رسمه في الثقات - وروى عنه البخاري في "الصحيح" ، وأبو داود ، والنسائي ، بل قال الذهبي : ثقةٌ مشهورٌ كبيرُ القَدْر ، ولا نعلم فيه أدنى جرح) .
(2) جاء في ترجمة أحمد بن حفص النيسابوري من (تهذيب التهذيب) (1/21): (وعنه البخاري وأبو داود والنسائي ومسلم في غير الصحيح وأبو حاتم---- وابن خزيمة ؛ قال النسائي : لا بأس به ، صدوق ، قليل الحديث ---- ؛ قلت: وقال الكلاباذي فيه: السلمي مولاهم؛ وقال مسدد بن قطن: ما رأيت أحداً أتم صلاة منه؛ وأمر مسلم بالكتابة عنه وقال النسائي في أسماء شيوخه: ثقة، وكذا قال مسلمة ).(2/136)
وأقول : قول الحاكم (الثقات الأثبات) إن كان هذا فيه توقيف عن مسلم نفسه فهو اصطلاح له ولا كلام ، ولكن الحاكم لم يذكر توقيفاً والظاهر أنه قاله استنباطاً واستقراءً .
وحينئذٍ يُقال بناءً على ذلك : إنَّ الحاكم إما أن يريد بكلمة (الثقات الأثبات) ظاهرها وهو التوثيق التام المؤكَّد ، أو يريد التوثيق المطلق أعني المعبَّر عنه عند الجمهور بكلمة (ثقة) ، أو يريد القوي الذي يحتج به، سواء ثقةً كان أو صدوقاً .
وعلى احتمال أن مراده هو النوع الأول من الرواة أو النوع الثاني منهما ، أي صاحب التوثيق التام ، فدعواه ليست بمسلمة له ، ترى لو سئل مسلم عن الكتابة عن راو صدوق حسن الحديث بم كان يجيب سائله؟ بالإيجاب أم المنع أم السكوت؟ ألم يرو مسلم في (صحيحه) لمئات من الصدوقين الذين لا يرتقون الى رتبة التوثيق المطلق ، ومنهم طائفة من شيوخه؟!
وأما على احتمال أن مراده هو المعنى الأخير أي التقوية والاحتجاج فدعوى قريبة ظاهرٌ قربها، كما تقدم ؛ ومما لعله يؤيد أن ذلك هو مراد الحاكم هو أنه لا يفرق في الجملة بين حديث الثقة وهو الحديث الصحيح وبين حديث الصدوق وهو الحديث الحسن ، فهو يطلق على كل واحد من النوعين اسم الصحيح ، ومعنى ذلك بحسب ما يظهر هو عدم تفريقه بين الراوي الثقة والراوي الصدوق ، فكلاهما يطلق عليه عنده اسم الثقة .
إن قول ناقد مثل مسلم لسائله عن بعض الرواة: (اكتبْ عنه) يعطي معنى زائداً على معنى قول الناقد في الراوي: (يكتب عنه) أو قوله فيه (يكتب حديثه) ففي الأولى إشعار بتحضيضه السائل أو غيره على الكتابة عنه وبترغيبه فيها، وأن أحاديثه صالحة للاحتجاج بها في الجملة ؛ وأما (يكتب حديثه) فهي مشعرة بجواز الكتابة عنه وأنه بيس متروكاً ، وهي تشبه أن تكون صيغة تمريض ؛ وانظر (يكتبُ حديثه) .
أكذَبُ الناسِ :
معنى هذه العبارة ظاهر واضح ، فإن للجرح مراتب أسوؤها الوصف بما دل على المبالغة فيه ، كقولهم (أكذب الناس) .(2/137)
أكذب من روث حمار الدجال :
قال الجوزجاني في (أحوال الرجال) في أبي الصلت الهروي : (كان زائغاً عن الحق مائلاً عن القصد ؛ سمعت من حدثني عن بعض الأئمة أنه قال فيه : هو أكذب من روث حمار الدجال ؛ وكان قديماً متلوثاً في الأقذار)(1).
إلى الصدق ما هو :
ليس مراد هذه العبارة أن الراوي الذي قيلت فيه يحتمل أن يكون صادقاً غير متهم كما قد يفهم من ظاهرها؛ وإنما المراد أنه ليس ببعيد من أن يُعدَّ صدوقاً حسن الحديث.
وهذه العبارة نادرة الاستعمال قالها أبو زرعة الرازي في سعيد بن سالم القداح مجردةً ، وقالها في ربيعة بن عثمان التيمي ومشمعل بن ملحان مقرونة ، فقال في الأول : (إلى الصدق ما هو ، وليس بذاك القوي)، وقال في الثاني : (لين ، إلى الصدق ما هو)(2)، ويظهر أن سعيداً أحسن حالاً - عند أبي زرعة - بعضَ الشيء من هذين.
وانظر (إلى الضعف ما هو).
إلى الضعف ما هو :
معناها أنه قريب من الضعف ؛ فحرف الجر (إلى) يتعلق بكلمة (قريب) مقدرةً ، وأما (ما) فزائدة في الكلام كما قاله عياض والنووي في حديث الجساسة عند (مسلم) (من قِبَل المشرق ما هو) من أن المراد إثبات أنه في جهة المشرق .
__________
(1) علق بعض إخواننا الفضلاء البلغاء على نقل الجوزجاني لهذه العبارة فقال : (وكم لأبي إسحاق السعديّ [هو الجوزجاني [ من كلمات رائقات تترقرق ، فيها تأنّق وتألّق ، على شدّتها وحدّتها ، لكن ماذا ننتظر من نقّاد أديب أريب امتلأ قلبه غيرة على سنّة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ، ووقف على ما حيك ضدّها من تآمرات لإفسادها ، ورأى المبتدعة يحاولون أن يسيموها خسفاً ومسخا = لن تراه إلاّ منافحاً مقوالاً يصبّ عليهم حمماً من القارصات اللاّذعات ، رحمه الله ، وعامله بفضله ، وعفا عمّن تناوله).
(2) انظر أحكام أبي زرعة هذه في (الجرح والتعديل) (2 / 1 / 31) و (1 / 2 / 477) و (4 / 1 / 417) .(2/138)
وقال عبد الله بن يوسف الجديع في (تحرير علوم الحديث) (1/600) : (عبارة تليين شائعة ، لكنها قليلة الاستعمال في كلامهم ، والتليين فيها لم أجده إلا من جهة سوء الحفظ---- .
وشذَّت عبارة يعقوب بن شيبة في عبد الكريم بن مالك الجزَريِّ ، حيث قال : " إلى الضعف ما هو ، وهو صدوق ثقة "(1) .
قلت : وابن شيبة يجمع بين ألفاظ لا تأتي على استقامة مصطلحاتهم ، فتنبَّه ، وكأنه يعني هنا أن الجَزريَّ يُتردَّدُ فيه بين أن يكون صدوقاً أو ثقة ، إذ في حفظه ما يميل به إلى الضعف عن درجة الثقات ، وليس المراد الضعف الذي ينزل بالراوي عن درجة الاحتجاج ، بل إن الجزريَّ ممن يحتج بحديثه) .
كذا قال وفيه نظر؛ بل الأقرب أن يعقوب بن شيبة أراد أن ينفي التهمة عن عبد الكريم وأن يحصر ضعفه في سوء حفظه .
ولقد قال يعقوب في الربيع بن صبيح كما في (تهذيب التهذيب) : (صالح صدوق ثقة ضعيف جداً).
وقال في شريك بن عبد الله القاضي كما في (تهذيب التهذيب) (4/296) : (صدوق ثقة سيء الحفظ جداً).
وقال في عبد الرحمن بن زياد بن أنعم كما في (تاريخ بغداد) (10/217) و (تهذيب الكمال) (17/106) : (ضعيف الحديث ، وهو ثقة صدوق ، رجل صالح).
وانظر (ثقة وليس ممن يوصف بالضبط) .
إلى الضعف ما هو ، وهو صدوق ثقة :
انظر (ثقة وليس ممن يوصف بالضبط) .
إلى اللِّين ما هو :
هي بمعنى (إلى الضعف ما هو) ؛ وممن قال هذه الكلمةَ يعقوبُ بن شيبة ، فقد قال في علي بن زيد بن جدعان كما في (تهذيب الكمال) (20/438) : (ثقة ، صالح الحديث ، وإلى اللين ما هو).
ألان القول فيه :
أي تساهل في الحكم عليه ، ومرَّض القول فيه .
__________
(1) أخرجه ابن عساكر في (تاريخه) (36/466) بإسناد جيد؛ كذا في هامش (التحرير).(2/139)
إلحاق السماع :
أي كتابته في النسخة ، بعد أن لم يكن موجوداً فيها ، سواء كان ذلك تزويراً أو لا ، وسواء كان المراد بالإلحاق إلحاق اسم الراوي بأسماءِ من كُتب سماعهم على ذلك الكتاب ، قَبْلُ ، أو إلحاق صورة سماع جديدة تُكتب على كتابٍ كان خالياً منها ؛ وانظر (الإلحاق) و(السماع) و(تزوير السماع) و(زوّر أسمعةً) و(زوّر لنفسه أسمعةً وأصرَّ عليها) .
الإلحاق :
أي استدراك السقط ، وكتابته في موضعه مع الإشارة إلى أنه إلحاق إن تطلب الأمر ذلك ؛ انظر (اللحق ) و(السقط) .
الإلزاق :
قال المحدث المحقق إبراهيم اللاحم في (الاتصال والانقطاع) (ص444-446) في شرح معنى هذه اللفظة في استعمال أهل الحديث : ومعناه أن الراوي لم يسمع الحديث ممن رواه عنه ، وقد استخدم يحيى القطان هذا المصطلح ، فقال : "كتبت عن الأعمش أحاديث عن مجاهد كلها ملزقة ، لم يسمعها"(1) .
وقال ابن المديني : "ذكرت ليحيى حديث ابن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن أبي مجلز قال : ((كتب عمر إلى عثمان بن حنيف...)) الحديث الطويل في الجزية ، فقال يحيى : هذا ملزَقٌ عن أبي مجلز ، قلت ليحيى : ليس هو من صحيح حديث قتادة ؟ قال : لا"(2) ) .
وانظر (ملصق) .
ألّف :
انظر (التأليف) .
ألَّف على الأبواب :
إذا وُصف المحدث بأنه ألَّف على الأبواب ، فمعنى ذلك أنه ألف كتباً مسندة رتب أحاديثها على حسب الأبوب العلمية ، أي الموضوعات ، ولا يشترط أن يكون مستوعباً كل أبواب ذلك العلم ، كأن يؤلف كتاباً على أبواب الفقه ، مثلاً ، ولكن يفوته بعض الأبواب الفقهية ؛ وقد يكون السبب في ذلك الفوات هو الاختصار ، إو إدماج الأبواب ببعضها ، أو نقص مادته ، أعني أحاديثه المناسبة لذلك الباب ، أو ضيق شروطه في ذلك التأليف ، أو غير ذلك ؛ وانظر (جمع الأبواب) .
__________
(1) الجرح والتعديل (1/241) .
(2) الجرح والتعديل (1/236) .(2/140)
ألف في التراجم :
أما التأليف في التراجم ، فيظهر أن المراد به في عرف المحدثين ولا سيما أهل الأعصر المتأخرة منهم : هو جمع تراجم الشيوخ ، أو غيرهم من أهل الرواية أو العلم ، أو غيرهم .
مثال ذلك قول صاحب (كشف الظنون) (1/87) : (فمنهم من جمع التراجم مطلقاً ، كابن سعد في "الطبقات" ، وابن أبي خيثمة أحمد بن زهير والإمام أبي عبد الله البخاري في تاريخهما ، ومنهم من جمع الثقات ، كابن حبان وابن شاهين ، ومنهم من جمع الضعفاء ، كابن عدي ، ومنهم من جمع كليهما جرحاً وتعديلاً ، وسيأتي في الجيم ؛ ومنهم من جمع رجال البخاري وغيره من أصحاب الكتب الستة والسنن ، على ما بين في هذا المحل) .
وانظر (كتب التراجم) و(المشيخة) و(جمع الأبواب) .
الألفاظ :
قال المحدث المحقق إبراهيم اللاحم في (الاتصال والانقطاع) (ص444-446) في شرح معنى هذه اللفظة في استعمال أهل الحديث : (تُطلق هذه الكلمة ويراد بها ألفاظ متن الحديث ، وتطلق ويراد بها الصيغ الصريحة في السماع ، وقد مضى في هذا البحث عدة نصوص في استخدام هذه الكلمة بالمعنى الأخير .
ومن ذلك أيضاً قول أحمد : "ما رأيت الألفاظ في كتاب أحد من أصحاب شعبة أكثر منها عند عفان ، يعني أنبأنا ، وأخبرنا ، وسمعت ، وحدثنا ، يعني شعبة "(1) .
وروى الفضل بن زياد قال : "وسألت أبا عبدالله : من تقدم من أصحاب شعبة ؟ فقال : أما في العدد والكثرة فغندر ، قال : صحبته عشرين سنة ، ولكن كان يحيى بن سعيد أثبت ، وكان غندر صحيح الكتاب ، ولم يكن في كتبه تلك الأخبار ، إلا أن بهزاً ويحيى وعفان ، هؤلاء كانوا يكتبون الألفاظ والأخبار..."(2) .
__________
(1) تاريخ بغداد (12/273) ، وانظر (معرفة الرجال) (2/76) فقرة (161) .
(2) المعرفة والتاريخ (2/202) ، وانظر (علل المروذي) (ص44) و معرفة الرجال (2/77) فقرة (168) .(2/141)
وقال ابن المديني : "كان يحيى يقول : حفص (يعني ابن غياث) ثبْت ، فقلت : إنه يهم ، فقال : كتابه صحيح ... ، فلما أخرج حفص كتبه كان كما قال يحيى ، إذا فيها أخبار وألفاظ ، كما قال يحيى"(1) .
وهذا المصطلح أقل استعمالاً من المصطلحات السابقة ، وقد سئل أحد الأئمة عن رجل يعرف بالتدليس : يُحتج فيما لم يقل فيه: سمعت؟ فقال : لا أدري ، فقال له السائل : الأعمش متى تصاد له الألفاظ ؟ قال : يضيق هذا ، أي أنك تحتج به(2)" ؛ فعلق أحد الباحثين على كلمة (تصاد) بقوله "هكذا في الأصل ، ويحتمل أن تقرأ (تعاد) ، لأن رسمها قريب من ذلك ، ولعل معناهما واحد ، أي متى تصاد مروياته التي لم صرح فيها بالسماع ، وتعاد له ، ولا يحتج به " ، وعلق على عبارة (يضيق هذا...) بقوله : "أي يقل وجود التدليس في مروياته إذا قورنت بكثرتها ، والرأي أنك تحتج به ولو لم يصرح بالسماع..." .
وكلا التعليقين بعيد عن المراد ، وسببه قلة استخدام هذا المصطلح وندرة تداوله .
__________
(1) تاريخ بغداد (8/197) .
(2) يظهر أن هذا التفسير هو من راوي جواب ذلك الإمام ، لا من الإمام نفسه ، وأرى أنه لا يستقيم أن يفهم من كلام هذا الإمام أن الأعمش يُحتج بعنعنته مطلقاً ، ولكن يؤخذ منه أن الاقتصار في الاحتجاج بالأعمش على الأحاديث التي يصرح فيها بالسماع فقط فيه تشديد وتضييق ، لأن الأعمش قليل التدليس في جنب كثرة حديثه ، وكذلك الاحتجاج بكل ما يرويه الأعمش سواء صرح فيه أو عنعن : لا يخلو من تساهل غير مرضي .
ويظهر أن الإنصاف في حق الأعمش : التساهل في عنعنته وتمشيتها ما أمكن ، ويُردّ منها ما كان فيه غرابة أو نكارة أو تأييدٌ للتشيع ، وكل ما دلت القرائن على قوة احتمال تدليسه إياه ، كأحاديثه التي اجتنبها الشيخان أو أحدهما وظاهرها أنها على شرطهما لولا عنعنته ، وكذلك أحاديثه التي أعلها الأئمة وظهر أنها لا علة لها سوى عنعنته . قاله محمد .(2/142)
ألفاظ التجريح :
هي ما يستعمله النقاد في التعبير عن أحوال ضعفاء الرواة ، انظر (ألفاظ الجرح) .
ألفاظ التعديل :
المراد بألفاظ التعديل الكلمات المفردة والمركبة والجمل التي يستعملها علماء الحديث في بيان أحوال الرواة الذين تقبل أحاديثهم في الجملة ؛ وقد شرحت طائفة من هذه الألفاظ في مواضعها ، وذكرت كثيراً منها في (مراتب التعديل والتجريح) من هذا المعجم ، فانظرها .
ألفاظ الجرح :
أي الصيغ والعبارات الدالة على عدم قبول أحاديث الراوي ، ولقد شرحت في هذا المعجم كثيراً منها ، وذكرت أكثر ذلك تحت هذه الترجمة (مراتب التعديل والتجريح) ، فانظرها .
ألفاظ الجرح والتعديل :
هي مجموع ما تقدم في الفقرتين السابقتين .
الألقاب :
جمع لقب ؛ واللقب هو ما يسمى به الإنسان مما عدا اسمه الأصلي، بحيث يكون هذه التسمية الطارئة علَماً عليه ، فإذا أُطلقت عُلم أنه هو المراد .
وقال ابن حجر رحمه الله في (نزهة الألباب في الألقاب) (ص11 - طبعة دار الجيل بيروت) : (وتنقسم الألقاب إلى أسماء ، وكنى ، وأنساب إلى(1) قبائل وبلدان ومواطن وصنايع ، وإلى صفات في الملقب) .
وقال (ص13) في وصف ترتيب كتابه: (ورتبته على ثلاثة أبواب :
الأول : في الألقاب بألفاظ الأسماء ، وألحقت بها الصنايع والحرف كالبقال ، والصفات كالأعمش .
والثاني : في الألقاب بألفاظ الكنى .
والثالث : في الألقاب بألفاظ الأنساب إلى القبائل والبلدان وغيرها).
إذن اللقب قد يكون اسماً ، أعني كلمة لها صيغة الاسم ، مثل محبوب بن الحسن اسمه محمد بن الحسن ومحبوب لقب له ، ومثل دحيم لقب لجماعة أشهرهم عبدالرحمن بن إبراهيم الدمشقي الإمام الحافظ شيخ البخاري .
وقد يكون كنية كأبي الأضياف ، وهو إبراهيم الخليل عليه السلام ، ذكره ابن حجر في (نزهة الألباب) (ص289) ، قال : (وكنيته أبو إسماعيل وأبو محمد) .
__________
(1) في الأصل (وإلى) .(2/143)
قلت : وأرى أنه يدخل في هذا النوع من الألقاب نحو أبي بكر لقب الخليفة الأول رضي الله عنه وأبي داود لقب عند المتأخرين لصاحب السنن تلميذ الإمام أحمد .
وقد يكون وصفاً كالأعمش ، والطويل ، والحافظ .
قلت : وأرى أنه يدخل في هذا النوع من الألقاب نحو : شيخ الاسلام، وإمام الحرمين .
وقد يكون نسبة إلى أب ، كابن عمر وابن سيرين وابن المبارك وابن معين وابن عساكر وابن القيم.
أو إلى غيره كابن حنبل وابن تيمية ، الأول منسوب إلى جده والثاني منسوب إلى جدته.
أو نسبة إلى مدينة ، كالبخاري.
أو إلى جماعة، كالثوري.
أو منصباً كالحاكم.
فهذه كلها - فيما أراه - تدخل في جملة الألقاب ، وإن كان بعضها لم يَصِرْ لقباً إلا بعد وفاة صاحبه واتساع شهرته ، كالبخاري.
وأما معنى اللقب في العرف الشائع فليس يتوسعون فيه كل هذا التوسع، فلا يدخلون فيه الكنية ولا النسبة ولا مجرد النسبة إلى الأب - كابن معين ، ثم كأنهم كانوا يشترطون في عدِّ التسمية أو الوصف وغيرهما لقباً أن يقوم ذلك مقام اسم الرجل في حياته، بحيث يخاطب به أو يُعرف به ؛ ولكن الواقع العملي شاهد لما اخترتُه، وهو أن كل تسمية غلبت على الانسان وصار ذلك الإنسان متبادراً إلى الذهن ومتعيناً بمجرد إطلاقها فهي لقب له لأنها اسمٌ ثانٍ له؛ وأنه لا معنى في علم الرجال لتقييد اللقب بحياة أو موت ، فإنَّ هذين المعنيين لا يكاد يكون لهما دخلٌ في تسميات الرواة والكلام فيهم جرحاً وتعديلاً؛ فكأن الكل أحياء وكأن أسماءهم الحقيقية الأصلية هي ما اشتهروا به ، تأمل هذه التسميات (البخاري ، الترمذي ، النسائي ، أبو داود ، ابن ماجه ، الدارمي) ألا تشعر لأول الأمر أنها كأنها أسماء حقيقية لأصحابها وأنها لا تقل في دلالتها عليهم من دلالة هذه التسميات (مالك ، أحمد ، مسلم) على هؤلاء الثلاثة؟ هذا ما بدا لي ، والله أعلم.
وانظر (نور الدين) .(2/144)
الله أعلم به :
هذه العبارة معناها في اللغة عدم معرفة الناقد لحال الراوي أو امتناعه عن الإخبار عنه ؛ ولكنها في الاصطلاح تفيد تضعيف الراوي الذي تقال فيه .
إليه المنتهى في التثبت :
انظر (التثبت) .
إليه المنتهى في الثقة :
انظر (الثقة) .
إليه المنتهى في الصدق :
هي كقولهم (إليه المنتهى في الثقة) .
إليه المنتهى في الوضع :
معنى هذه العبارة واضح ، فهم يصفون بها كبار الوضاعين .
أما بعد :
عقد الصولي في (أدب الكتّاب) (ص36-39) فصلاً لبيان معنى قول الكتّاب والخطباء وغيرهم (أمّا بعد) وذكر بعض ما جاء فيها ؛ ومما ذكره هناك أنه أخرج (ص36) بإسناده عن أبي سلمة رضي الله عنه أنه قال : " أول من قال : "أما بعد" كعب بن لؤي ؛ وكان أول من سمى الجمعة ، وكانت تسمى العروبة " .
ثم قال الصولي (ص37-38) :
(والمعنى في أنها لا تقع مبتدأة، أن المراد بها أما بعد هذا الكلام، يعني الذي تقدم فإن الخبر كذا وكذا---- ؛ فإذا كتب كاتب: "بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فقد كان كذا وكذا"، فمعناه : أما بعد قولنا "بسم الله"، فقد كان كذا وكذا وأنه قد كان . فإنها لا تقع إلا بعد ما ذكرناه .
ولا بد من مجيء الفاء بعد أما ، لأن "أمّا" لا عمل لها إلا اقتضاء الفاء واكتسابها، فإن الفاء تصل بعض الكلام ببعض، وصلاً لا انفصال بينه ولا مهلة فيه . ولما كانت أما فاصلة أتيت بالفاء لترد الكلام على أوله ، وليست تدل الفاء على تأخير متقدم، ولا تقديم مؤخر، ولا يستوي معناهما فيها ولا معها---- ) .(2/145)
الأمالي :
قال حاجي خليفة في (كشف الطنون) (1/161): (الأمالي : هو جمع الإملاء، وهو أن يقعد عالم وحوله تلامذته بالمحابر والقراطيس فيتكلم العالم بما فتح الله سبحانه وتعالى عليه من العلم ويكتبه التلامذة فيصير كتاباُ ، ويسمونه الإملاء والأمالي(1) ؛ وكذلك كان السلف من الفقهاء والمحدثين وأهل العربية وغيرها في علومهم ؛ فاندرست لذهاب العلم والعلماء والى الله المصير وعلماء الشافعية يسمون مثله التعليق ) ؛ ثم ذكر كثيراً من كتب الأمالي.
وقال الكتاني في (الرسالة المستطرفة) (ص119): (ومنها كتب تعرف بكتب الأمالي ، جمع إملاء ؛ وهو من وظائف العلماء قديماً، خصوصاً الحفاظ من أهل الحديث ، في يوم من أيام الأسبوع ، يوم الثلاثاء ، أو يوم الجمعة ، وهو(2) المستحب ، كما يستحب أن يكون في المسجد، لشرفهما(3) ، وطريقهم فيه أن يكتب المستملي في أول القائمة : هذا مجلس أملاه شيخنا فلان بجامع كذا في يوم كذا ، ويذكر التاريخ ، ثم يورد المملي بأسانيده أحاديث واثاراً، ثم يفسر غريبها ويورد من الفوائد المتعلقة بها بإسناد أو بدونه ما يختاره ويتيسر له .
وقد كان هذا في الصدر الأول فاشياً كثيراً(4)، ثم ماتت الحفاظ وقل الإملاء ؛ وقد شرع الحافظ السيوطي في الإملاء بمصر سنة اثنتين وسبعين وثمانمئة ، وجده بعد انقطاعه عشرين سنة من سنة مات الحافظ ابن حجر على ما قاله في (المزهر) .
وكتبه [يعني كتب الإملاء ] كثيرة----) ؛ ثم ذكر طائفة منها.
__________
(1) قال ابن الأثير في (النهاية) (4/362) : (يقال : أمللتُ الكتابَ ، وأمليتُه ، إذا ألقيته على الكاتب ليكتبه) .
(2) أي يوم الجمعة .
(3) أي شرف الجمعة والمسجد .
(4) ذكر السخاوي في (فتح المغيث) (3/250-251) جملة كبيرة من الحفاظ الذين أمْلوا ، من المتقدمين والمتأخرين .(2/146)
وقال مصحح دائرة المعارف العثمانية الحبيب عبد الله بن أحمد العلوي في مقدمة طبعة (أمالي اليزيدي)(1) (ص يا - يب) : (الأمالي جمع أملية ، كالأغاني جمع أغنية والأحاجي جمع أحجية والأداحي جمع أدحية وغير ذلك مما جاء على هذه الوتيرة ؛ قال في "أقرب الموارد" (م ل و) : "والأمالي : الأقوال والملخصات وما يُملى ، وكأنه جمع أملية ، كالأحجية والأحاجي" اهـ ) ؛ ثم نقل ما سبق نقله من كلام ملا جلبي في "كشف الظنون" ؛ ثم قال عقب ذلك :
(وقد ساق الجملة الأولى البستاني في "دائرة المعارف" (ج4 ص352) ، ثم قال : "هكذا حدَّه بعض علماء العربية ؛ وأما الآن فهو أن يتكلم المعلم في المدرسة أو يقرأ شيئاً من كتاب فيكتبه التلامذة ، إما لجمع بعض قواعد ، أو لتعليمهم ضبط الكتابة والتهجية ؛ وقد صار الآن في المدارس فرعاً من فروع التعليم" اهـ .
فعُلم من ذلك أن الأمالي اسمٌ لكل ما يُملى في أي فن كان له من الفنون .
واسترواح ملا جلبي ومن تبعه في جمع الإملاء على الأمالي إلى قوله "ويسمونه الإملاء والأمالي" غير كافٍ حتى يثبتوا ذلك بالسماع فإنه هو الحجة ، قال الفيومي في "المصباح المنير" (قصد) : "ولا يطرد جمع المصدر ، ألا تراهم لا يقولون في "قتل" و "سلب" و "نهب" : قتول وسلوب ونهوب ، فدل كلامهم على أن جمع المصدر موقوف على السماع ، فإن سُمع عللوا باختلاف الأنواع ، وإن لم يُسمع عللوا بأنه باقٍ على مصدريته" اهـ ) . انتهى .
وقال الخطيب في (الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع) (2/111) في (باب إملاء الحديث وعقد المجلس له) :
(يستحب عقد المجالس لإملاء الحديث، لأن ذلك أعلى مراتب الراوين ، ومن أحسن مذاهب المحدثين مع ما فيه من جمال الدين والاقتداء بسنن السلف الصالحين ----)(2) .
__________
(1) حققها العلامة المعلمي ، وشاركه الشيخ المذكور .
(2) وانظر (من ذكرتَ رحمك الله؟) .(2/147)
وقال السخاوي في (فتح المغيث) (3/249-250) : (ومن فوائده اعتناء الراوي بطرق الحديث وشواهده ومتابعه وعاضده ، بحيث بها يتقوى ، ويثبت لأجلها حكمه بالصحة أو غيرها، ولا يتروّى [كذا] ؛ ويُرتّب عليها إظهار الخفي من العلل ، ويهذب اللفظ من الخطأ والزلل ، ويتضح ما لعله يكون غامضاً في بعض الروايات ، ويفصح بتعيين ما أُبهم أو أُهمل أو أدرج ، فيصير من الجليات ، وحرصه على ضبط غريب المتن والسند ، وفحصه عن المعاني التي فيها نشاط النفس بأتم مستنَد ، وبعد السماع فيها عن الخطأ والتصحيف ، الذي قلَّ أن يعرى عنه لبيب أو حصيف(1) ، وزيادة التفهم والتفهيم لكل من حضر، من أجل تكرر المراجعة في تضاعيف الإملاء والكتابة والمقابلة على الوجه المعتبر، وحوز فضيلتي التبليغ والكتابة ، والفوز بغير ذلك من الفوائد المستطابة ، كما قرَّره الرافعي وبيّنه، ونشَره وعيّنه .
يقال: أمليت الكتاب إملاء، وأمللت إملالاً، جاء القرآن بهما جميعاً قال تعالى: { فليملل وليه}(2) ، فهذا من "أملَّ " ، وقال تعالى: {فهي تملى عليه}(3) ، فهذا من "أملى" ؛ فيجوز أن تكون اللغتان بمعنى واحد ، ويجوز أن يكون أصل أمليت "أمللت" ، فاستثقل الجمع بين حرفين في لفظ واحد فأبدلوا من أحدهما ياء، كما قالوا: تظنيت(4) ، يعني حيث أبدلوا من إحدى النونين ياء ، فقالوا: التظني، وهو إعمال الظن(5) .
__________
(1) هو العاقل الحكيم الفطن .
(2) سورة البقرة (284) .
(3) سورة الفرقان (5).
(4) أثبت الشيخ علي حسين علي في مطبوعته (تظننت) ، وأشار في الهامش إلى أن في بعض النسخ (تظنيت) ، قلت: ولعله الصواب ، والظاهر أنه مقتضى سياق السخاوي وإيراده لهذا التشبيه ، فتأملْه .
(5) قال ابن قتيبة في (أدب الكاتب) (ص376) : (باب إبدال الياء من أحد الحرفين المثلثين إذا اجتمعا :
"تظنيت" من الظن ، وأصله تظننت ، قال العجاج :
تَقَضِّيَ البازي إذا البازي كسر
أراد تقضض .
وقال الله عز وجل : {وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية} [الأنفال 35]، قال أبو عبيدة : المكاء : الصفير ، والتصدية : التصفيق ورفع الأصوات ، وأصله من صَدَدْتُ أَصِدُّ ، ومنه قول الله عز وجل { إذا قومك منه يصدون } [الزخرف 57] ، أي يضِجّون ويَعِجّون ، فجعل إحدى الدالين ياء .
و"لبَّيْكَ" هو من "ألبَّ بالمكان" ، إذا أقام به ، فأبدل من إحدى الباءين ياء .
قال أبو عبيدة : "دسّاها" من "دسَّسْتُ" ، وتمطى أصله تمطَّط ، أي مد يده ، ومنه المِشْية المُطَيطاء ، وهي التبختر .
أمللْتُ الكتابَ وأمليته ، قال الله جل ثناؤه : {فليملل وليه بالعدل} [البقرة 282] ، وقال في موضع آخر : {فهي تملى عليه بكرة وأصيلا} [الفرقان 5] .
وقال ضياء الدين ابن الأثير في (المثل السائر) (1/291) : (واعلم أن العرب الذين هم الأصل في هذه اللغة قد عدلوا عن تكرير الحروف في كثير من كلامهم ، وذاك أنه إذا تكرر الحرف عندهم أدغموه استحساناً ، فقالوا في "جعلَ لَك" : "جعلَّك" ، وفي "تضربونَني" : تضربونِّي ؛ وكذلك قالوا : استعد فلان للأمر" ، إذا تأهب له ، والأصل فيه "استعدَدَ" ، و"استتبَّ الأمرُ" ، إذا تهيأ ، والأصل فيه "استتْبَبَ" ، وأشباه ذلك كثير في كلامهم ، حتى أنهم لشدة كراهتهم لتكرير الحروف أبدلوا أحد الحرفين المكررين حرفاً آخر غيره ، فقالوا : "أمليت الكتاب" ، والأصل فيه "أمللْتُ" ، فأبدلوا اللام ياءً ، طلباً للخفة وفراراً مِن الثقل ) ؛ ثم قال : (وإذا كانوا قد فعلوا ذلك في اللفظة الواحدة ، فما ظنك بالألفاظ الكثيرة التي يتْبع بعضُها بعضاً؟) ؛ وانظر ما تعقب به بعضَ كلامه صاحبُ (صبح الأعشى) (2/294 فما بعدها) .(2/148)
وكأنه من قولهم "أملى اللهُ له" ، أي أطال عمره ، فمعنى أمليت الكتاب على فلان : أطلْتُ قراءتي عليه ، قاله النحاس في "صناعة الكتاب"(1) ؛ وهو طريقة مسلوكة في القديم والحديث لا يقوم به إلا أهل المعرفة) ؛ انتهى .
وربما كان الشيخ المملي غير متمكن من تخريج أحاديثه التي يمليها ، إما لضعفه في التخريج ، وإما لاشتغاله بأعمال تُهمه ، كالافتاء أو التأليف ، فيستعين حينئذ في ذلك بمن يثق به من العلماء الحفاظ ، فيكمل له من أصوله - أي أصول الشيخ - أو مصنفاته تخريجَ الأحاديث التي يريد إملاءها قبل يوم مجلسه .
وكان كثير من المملين يتخذون مستملياً أو عدداً من المستملين من أجل إسماع الحاضرين ، حيث يتعذر بسبب كثرتهم سماع جميعهم من المملي نفسه أي بغير من يبلغهم عنه؛ وانظر (المستملي).
هذا وإن مجالس الإملاء كانت في الغالب مجالس رواية عامة، لا تختص بطلبة الحديث، ولذلك وغيره كان لهم في مجالس الإملاء جملة من الآداب المرعيّة والعادات الموروثة التي ينبغي أن يُعنى بها الشيخ المملي ، أي صاحب مجلس الإملاء ، وقد ذكرها غير واحد من علماء الحديث كان من أوائلهم الخطيب البغدادي في (الجامع)(2) ؛ وإليك أهم ما ذكروه في هذا الباب :
1- أن يختار الأحاديث المناسبة لمجالس الإملاء ، فإنها - كما تقدم - مجالس عامة ، فإنَّ فيها من لا يفقه كثيراً من العلم .
2- أن يحدثهم بأحاديث الزهد والرقاق ومكارم الأخلاق ونحوها .
3- أن يجتنب من الأحاديث ما لا تحتمله عقولهم وما لا يفهمونه وأحاديث الرخص والإسرائيليات وما شجر بين الصحابة من الخلاف ، لئلا يكون ذلك فتنة للناس ؛ وأن يجتنب الرواية عن كذاب أو فاسق أو مبتدع .
4- أن يختار من الأحاديث ما علا سنده وقصر متنه، ويتحرى المستفاد منه .
__________
(1) ص115-116) .
(2) وألف السمعاني كتاباً شهيراً مطبوعاً أسماه (أدب الإملاء والاستملاء).(2/149)
5- أن ينبه على صحة الحديث أو حسنه أو ضعفه أو علته إن كان معلولاً ، وعلى ما فيه من علو وجلالة في الإسناد وفائدة في المتن أو السند كتقديم تاريخ سماعه وانفراده عن شيخه وكونه لا يوجد إلا عنده .
6- أن يبين ضبط ما يُشكِل من الأسماء الواردة في السند أو المتن ، وكذلك الألفاظ الغربية ، يضبطها ويبين معناها ، وأيضاً المعاني الغريبة والمستشكَلة الواردة في المتن يشرحها ويحل إشكالها .
قالوا : ويستحب له أن يجمع في إملائه الرواية عن جماعة من شيوخه - ولا يقتصر على شيخ واحد - مقدِّماً أرجحهم بعلو سنده أو غيره ، ولا يروي إلا عن المقبولين من شيوخه .
وكان من عادة كثير منهم أن يختم مجلس الإملاء بشيء من طُرَف الأشعار وحكايات ونوادر وإنشادات بأسانيدها ، وأولاها عند أكثرهم ما كان في أبواب الزهد والآداب ومكارم الأخلاق
إمام :
الإمامة تعني أن يكون الرجل متبعاً في علمه موثوقاً بمسلكه، له منزلة عظيمة بين أهل العلم والصلاح ؛ ولذلك لا ينبغي التساهل في إطلاق هذه اللفظة على من لا تليق بحاله.
ووصفُ الرجلِ بهذه الكلمة ، أو اشتهاره بها ، لا يلزم منه أن يكون حافظاً من حفاظ الحديث، بل ولا يلزم منه أن يكون متقناً ضابطاً لما يرويه، وذلك لما حصل عند العلماء والناس من تسهُّل في إطلاق هذه الكلمة.
وقد تسهَّل كثير من المعاصرين والمتأخرين في إطلاق لفظة (الإمام) على من لعله لا يستحقها ؛ قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله في (الشرح الممتع على زاد المستقنع) (1/16) معلقاً على قول صاحب (زاد المستقنع) في وصفه العلامةَ الجليل موفق الدين بن قدامة المقدسي رحمه الله تعالى بكلمة (الإمام) :(2/150)
(قوله "الإمام" ، هذا من باب التَّساهل بعضَ الشيءِ ، لأن الموفَّق ليس كالإمام أحمد، أو الشَّافعي ، أو مالك ، أو أبي حنيفة ، لكنه إمام مقيَّد، له مَنْ يَنْصُرُ أقوالَه ويأخذُ بها، فيكون إماماً بهذا الاعتبار ، أما الإمامةُ التي مثل إمامة الإمام أحمد ومَا(1) أشْبَهَهُ فإنَّه لم يصلْ إلى هذه الدَرجة .
وقد كَثُر في الوقت الأخير إطلاقُ الإمام عند النَّاس ، حتى إنه يكون الملقَّب بها من أدنى أهل العلم ، وهذا أمرٌ لو كان لا يتعدَّى اللفظَ لكان هيِّناً، لكنه يتعدَّى إلى المعنى؛ لأنَّ الإنسان إذا رأى هذا يُوصفُ بالإمام تكون أقوالُه عنده قدوة ، مع أنَّه لا يستحِقُّ .
وهذا كقولهم الآن لكل مَنْ قُتِلَ في معركة : "إنَّه شهيد" ؛ وهذا حرام ، فلا يجوز أن يُشْهَدَ لكل شخصٍ بعينه بالشَّهادة، وقد بَوَّبَ البخاريُّ رحمه الله ، على هذه المسألة بقوله "بابٌ : لا يقال : فلانٌ شهيدٌ ---- ) إلى آخر كلامه رحمه الله(2) .
إمام الدنيا :
انظر (إمام) .
إمام المحدثين :
انظر (إمام) و(محدث) .
إمام المحدثين في زمانه :
انظر ما قبلها .
إمام ثبت :
انظر (إمام) و(ثبْت) .
امتحان الرواة :
أي اختبارهم لمعرفة حالهم في الرواية وقت الاختبار ؛ وللنقاد في ذلك طرق أشهرها قلب الأحاديث على الممتحَن ؛ انظر (المقلوب) .
أملى :
فعَلَ الإملاء، وفيما يلي بيان معناه .
الإملاء :
الإملاء هو أن يُسمِع الشيخُ الطلابَ الحديث من لفظه أو بواسطة مستمليه ، على تريث وتمهل بحيث يكفي ذلك لتحقق ما يسمعونه وكتابته .
__________
(1) كذا في مطبوعة دار ابن الهيثم المصرية ، ولعلها (ومَن) .
(2) تنبيه : مما قد يلتبس على بعض القراء قولُ متأخري الشافعية في كتبهم (قال الإمام) ، فإنهم إذا أطلقوا هذه اللفظة في كتب الفقه والفروع فالمراد بها إمام الحرمين الجويني ، وليس الإمام الشافعي.
وأما إن أطلقها علماء الأصول والمنطق فالمراد بها فخر الدين الرازي.(2/151)
والإملاء أعلى مراتب الرواية والسماع وأحسن وجوه التحمل وأقواها ، لما فيه من التثبت وتيسُّر أسبابِه ، من الطرفين ، أعني الشيخ والتلميذ.
وانظر (الأمالي )(1).
أمير المؤمنين في الحديث :
أحد الألقاب العظيمة التي أطلقتْ على بعض كبار أئمة هذا العلم الشريف ، وهي واحدة من ألفاظ التوثيق الأعلى ؛ قال العلامة أحمد محمد شاكر رحمه الله في (الباعث الحثيث) (ص149 : علمية) :
(واعلم أنه قد أطلق المحدثون ألقاباً على العلماء بالحديث ؛ فأعلاها "أمير المؤمنين في الحديث" ، وهذا لقب لم يظفر به [إلا] الأفذاذ النوادر الذين هم الأئمة في هذا الشأن ، والمرجع إليهم فيه كشعبة بن الحجاج وسفيان الثوري وإسحاق بن راهويه وأحمد بن حنبل والبخاري والدارقطني ، وفي المتأخرين ابن حجر العسقلاني ؛ رضي الله عنهم جميعاً)(2).
وقد ألف بعض العلماء في جمع أسماء من وُصفوا بهذه العبارة أو لُقِّبوا بها؛ وإليك ما علمتُه من ذلك.
1- جاء في هامش بعض النسخ الخطية لكتاب السخاوي (الجواهر والدرر في ترجمة شيخ الإسلام ابن حجر) - كما في (1/65) من مطبوعته - :
__________
(1) وللإملاء معنى آخر ، شائع عند الكُتّاب ومدرسي اللغة ، ومعناه كتابة أو رسم الكلمات ، وهو فن لا يستغني عنه طالب أي علم من العلوم ، وتزداد الحاجة إليه عند المشتغلين بمطالعة المخطوطات القديمة أو بتحقيقها ونشرها ؛ ولقد ألف العلماء في هذا الموضوع كتباً كثيرة ، وكذلك تكلم عليه كثير منهم في تضاعيف بعض كتبهم اللغوية التي لا تختص بالإملاء وحده .
(2) تتمة كلامه : (ثم يليه الحافظ---- .
وأدنى من الحافظ درجةً يسمى المحدِّث ----.
ودون هذين من يسمى (المسنِد) - بكسر النون ؛ وهو الذي يقتصر على سماع الأحاديث وإسماعها ، من غير معرفة بعلومها أو إتقان لها----) .(2/152)
(فائدة فيمن يقال له أمير المؤمنين في الحديث : قال الحافظ أبو علي الحسن بن محمد البكري في كتاب (التبيين لذكر من يسمى بأمير المؤمنين)، قال : فأول من تسمى بهذا الاسم ----) إلى آخر ما ذكره ؛ وقد قال في ختامه : (انتهى ملخصاًً من النبراس).
2- للشيخ محمد حبيب الله بن عبد الله الشنقيطي (1295-1363هـ) منظومة تزيد على ثمانين بيتاً ؛ أسماها (هدية المغيث في أمراء المؤمنين في الحديث) ؛ وهي مطبوعة في جزء لطيف ، طبعتها دار البشاير الإسلامية ، ببيروت ، بتحقيق وتعليق عبدالفتاح أبو غدة ، سنة 1410هـ، في (44) صفحة .
وقيل في نقد هذه المنظومة : (وهو لم يذكر في منظومته إلاّ القليل الذين لم يجاوزا العشرين ، وطار من عصر أحمد بن حنبل ويحيى بن معين حتى هبط في عصر ابن حجر والسيوطي ، وخفي عليه أمراء المؤمنين في الحديث في تلك المئات المفقودة !) .
3- ألف عبدالفتاح أبو غدة كتاباً في ذلك، أسماه (أمراء المؤمنين في الحديث) ؛ طبعه مكتب المطبوعات الإسلامية بحلب ، سنة (1411هـ) مع كتاب (جواب الحافظ عبد العظيم المنذري عن أسئلة الجرح والتعديل) بتحقيق المؤلف .
4- جمع بعضُ الفضلاء أسماءَ مَن لُقبوا بهذا اللقب في هذه الأبيات :
حمداً لك اللهم ثم صلِّ *** وسلمنْ على إمام الرسْلِ
إليك نظماً حسناً مستوعبا *** من بأمير المؤمنين لُقِّبا
أبو الزناد ، فابن إسحاق ذُكرْ *** فالدَّسْتَوائيُّ ، فشعبةٌ شُهِرْ
لاجرم الثوري ، كابن سلمة *** وقد جثت لمالك مستسلمة
فابن المبارك الرفيعِ الشانِ*** ثم الدَّراوَرْدِيِّ ، والسِّيناني
ولَقِّبِ القطانَ يحيى ، واعدد *** محمدَ بنَ عمرَ بنِ واقِدِ
أبا نُعَيمِ ابنَ دُكَينِ الفضلَ ثم *** هشاما الطَّيالسيَّ العَدْلَ ضُمْ
لابني معين والمديني عَلِيْ *** ففضلُ ذين ظاهرٌ بادٍ جَلِي
أنعِمْ بإسحاقَ بنِ راهَوَيْهِ *** يليه من تعويلُنا عليهِ(2/153)
العَلَمُ الطَّوْدُ الأَشَمُّ الماجدُ *** لِذِكْرِه يُقامُ ثم يُقْعَدُ
من تهتفُ السنةُ : لا مُجاريْ *** لحافظِي محمدِ البخاري
ونالها محمدُ الذُّهْلِيُّ *** ثم أبو حاتمٍ الرَّازِيُّ
والدَّارَقُطْنِيُّ بها جديرُ *** وكيف لا وفَرْيُهُ خطيرُ
وجَدَّ في طِلابِها عبدُالغَنِي *** المقدسيُّ الحنبليُّ المعتني
قُلِّدَها من بعده أبو الوفا *** بسِبْطِ نَجْلِ العَجَمِيِّ عُرِفا
ثم أتت راغمةً من حِلِّها *** ساعيةً قهراً إلى مَحِلِّها
إذ لَثَمَتْ أعتابَ حافظِ البَشَر *** أعني أميرَ المؤمنينَ ابنَ حَجَر
ولَقَّبَ ابنَ الدِّيْبَعِ الشَّيباني *** من ليس في ذا الفن بالمُعَاني
وجاء عبدالله نجلُ سالمِ *** أبلَى فَخَرَّتْ لليدينِ والفَمِ
وأتحفوا محمدَ الصنعاني *** بها ، وما لمن مضى يُداني
فهؤلاء من عليهم نَصُّوا *** والحق أن ليست بهم تَخْتصُّ
إذ غيرهم تحققت فيه الصفة *** معنىً ، كمسلم رُزِقْتَ النَّصَفَة
وإنما ذَكَرتُ من نَصّاً وَلَجْ *** ومن يَزِدْهُم دارياً فلا حَرَجْ
انتهت.
أنَّ :
هذه اللفظة صيغة من صيغ الأداء المحتملة للاتصال والانقطاع والإجازة .
انا ، (أو أنا) :
انظر (ابنا).
الأنأنة :
أن يروي الراوي عن بعض من فوقه بصيغة (أنَّ فلاناً قال كذا) ونحوها مما يرد فيه لفظة (أنَّ)، مثل (أنه حدثه) .
وإنما قلت : (عن بعض من فوقه) ولم أقل : (عن شيخه) ، لأنه لا يُتصوَّر أن يبدأ الراوي بذكر الحديث فيقول : (أنَّ فلاناً قال كذا أو حدث عن زيد بكذ). وانظر ما يتعلق بنحو هذه المسألة في (عن).
أنبأ :
انظر (ابنا).
أنبأنا :
إحدى صيغ أداء الأحاديث ، وهي صيغة لم يصطلح أهل الحديث على اختصارها ؛ انظر (ابنا)، و (صيغ الأداء) .
أنبأني :
يقال فيها كما قيل في الذي قبلها .(2/154)
الانتخاب :
الانتخاب هو أن يقتصر الطالب فيما يأخذه عن شيخه على بعض ما عنده ، أو على بعض ما في أصله أو على بعض ما يحدث به في ذلك المجلس ، معيِّناً(1) لذلك البعض ومنتقياً له(2) .
وكان بعض الحفاظ ولا سيما النقاد منهم لا ينتخب إلا مضطراً، إما لضيق وقته أو لغير ذلك، وربما ندم بعضهم على الانتخاب؛ وانظر (صاحب الانتخاب يندم وصاحب النَّسْخ لا يندم) ؛ وانظر أيضاً (العسر) .
وأما الذي يقوم بالانتخاب ابتداءً فإما أن يكون الطالب نفسه أو غيره ممن هو أعرف منه بالحديث مطلقاً أو بأحاديث ذلك الشيخ خاصة ، أو ممن هو عارف بالحديث وعلله وإن لم يكن أعرف منه، من أقرانه ونحوهم .
وإنما يكتفى الطالب بانتخاب قرينه أحياناً لضيق وقته عن أن يقوم هو بذلك، فالانتخاب يحتاج إلى مطالعة ما عند الشيخ واستحضار أو مطالعة مسموعات الطالب ليعرف مواضع حاجته مما عند ذلك الشيخ(3).
وكان طلبة الحديث يفرحون بانتخاب كبار الحفاظ على المشايخ إن حصل ذلك في البلد الذي هم فيه ، فيحرصون على سماع تلك المجالس المنتخبة أحاديثها ، ولا سيما إن كان الشيخُ المنتخَبُ عليه من المكثرين ؛ فمثلاً قال الخطيب في (تاريخ بغداد) (6/168) (3219) في ترجمة (إبراهيم بن محمد بن يحيى بن سختويه بن عبد الله أبو إسحاق المزكى النيسابوري) : (وكان ثقة ثبتاً مكثراً مواصلاً للحج ، انتخب عليه ببغداد أبو الحسن الدارقطني وكتب عنه الناس بانتخابه علماً كثيراً وروى ببغداد مصنفات أبي العباس السراج مثل كتاب "التاريخ" وكتاب "الأخوة والأخوات" وغيرهما من كتبه ؛ وروى أيضاً "تاريخ البخاري" الكبير وعدة من كتب مسلم بن الحجاج---- .
__________
(1) حال من الطالب.
(2) وبعبارة أخرى : الانتخاب هو أن يختار الطالب أشياء من حديث الشيخ فيأخذها عنه دون بقية الأحاديث.
(3) وانظر كلام الشيخ حمزة المليباري في (سؤالات حديثية) (ص97-101).(2/155)
وكان عند البرقاني عنه سفط أو سفطان ولم يخرج عنه في "صحيحه" شيئاً فسألته عن ذلك فقال : حديثه كثير الغرائب وفي نفسي منه شيء ، فلذلك لم أرو عنه في "الصحيح" ، فلما حصلتُ بنيسابور في رحلتى إليها سألت أهلها عن حال أبي إسحاق المزكي فأثنوا عليه أحسن الثناء وذكروه أجمل الذكر ؛ ثم لما رجعت إلى بغداد ذكرت ذلك للبرقانى فقال : قد أخرجت في الصحيح أحاديث كثيرة بنزول وأعلم أنها عندي تعلو عن أبي إسحاق المزكي إلا أني لا أقدر على إخراجها ، لكبر السن وضعف البصر وتعذر وقوفي على خطي لدقته ، أو كما قال) ؛ انتهى .
وانتقاء الأحاديث المنتخبة يحصل في الغالب قبل انعقاد مجلس الحديث ، فيأخذ الطالب نسخة من كتاب الشيخ ويعلِّم على الأحاديث التي يريد سماعها منه، أو يكتب نسخة مختصرة لا يُدخل فيها إلا ما ينتخبه؛ فإذا حضر مجلسَ التحديث لم يعتدَّ إلا بما انتخبه.
الانتقاء :
قال العلامة المعلمي اليماني في (التنكيل) في ترجمة الثقة الجليل محمد بن بشار بندار ردّاً على من طعن فيه من المعاصرين فقال : (---- ثم استقر عمل المتأخرين على الانتفاء من رواياته) :
(وأما استقرار العمل على الانتقاء من رواياته فهذا يقال على وجهين :
الأول : أن يتقى ما تبين أنه أخطأ فيه ويؤخذ غيره .
الثاني : أن لا يؤخذ من رواياته إلا ما توبع عليه ----) ؛ ثم انتقد المعلمي هذه الدعوى.(2/156)
ومن أمثلة الانتقاء ما ورد في ترجمة إسماعيل بن أبي أويس من (هدي الساري) لابن حجر ، فقد قال هناك (ص391) ما نصّه : (ع خ م ي س إسماعيل بن أبي أويس عبد الله بن عبد الله بن أويس بن مالك بن أبي عامر الأصبحي ابن أخت مالك بن أنس : احتج به الشيخان إلا أنهما لم يكثرا من تخريج حديثه ولا أخرج له البخاري مما تفرد به سوى حديثين ؛ وأما مسلم فأخرج له أقل مما أخرج له البخاري وروى له الباقون سوى النسائي ، فإنه أطلق القول بضعفه وروى عن سلمة بن شبيب ما يوجب طرح روايته ؛ واختلف فيه قول ابن معين ، فقال مرة: لا بأس به ، وقال مرة: ضعيف ، وقال مرة: كان يسرق الحديث هو وأبوه ، وقال أبو حاتم : محله الصدق وكان مغفلاً ، وقال أحمد بن حنبل: لا بأس به، وقال الدارقطني: لا أختاره في الصحيح .
قلت : وروينا في "مناقب البخاري" بسند صحيح أن إسماعيل أخرج له أصوله وأذن له أن ينتقي منها وأن يُعلمَ(1) له على ما يحدث به ليحدث به ويُعرض عما سواه ؛ وهو مشعر بأن ما أخرجه البخاري عنه هو من صحيح حديثه ، لأنه كتب من أصوله ؛ وعلى هذا لا يحتج بشيء من حديثه غير ما في الصحيح من أجل ما قدح فيه النسائي وغيره إلا إن شاركه فيه غيره فيعتبر فيه) .
انتهى :
من عادة كثير من المؤلفين أنه إذا نقل كلاماً عن غيره ختمه بكلمة (انتهى) ، لينفصل كلامه عن كلام غيره ، وأحياناً تكون ضرورية مثل أن تنقل كلاماً للسيوطي ، ثم تنقل كلاماً للنووي ، فإنك إذا لم تفصل بين الكلامين بكلمة (انتهى) ونحوها مما يدل على انتهاء كلام السيوطي ظُنَّ أن كلام النووي من جملة كلام السيوطي ، أي مما نقله السيوطي عن النووي ، والحال أن الأمر ليس كذلك .
__________
(1) أي يضع علامة .(2/157)
وأيضاً قد تكون كلمة (انتهى) لا معنى لها ، وذلك عند عكس القضية السابقة ، أعني أن تنقل كلاماً عن النووي ثم كلاماً عن السيوطي ، فلا معنى لفصل الكلامين عن بعضهما بكلمة (انتهى) أو نحوها ، لأنه لا يُتصور أن ينقل النوويُّ عن السيوطي شيئاً ، فهو قد عاش في عصر قبل عصره ، فلا يلتبس الأمر في النقل عن متأخر عقب النقل عمن تقدمه ولم يعاصره .
انتهى بتصرُّف :
التصرف في الكلام المنقول هو التغيير في بعض عباراته بما لا يُخرجه عن أصل معناه ؛ وهي كلمة قديمة وليست عصرية كما قَد يُظنّ ، ولقد استعمل البقاعي هذه الكلمة في مواضع من كتابه (نظم الدرر) ، وأظنه مسبوق إلى ذلك بزمن غير قصير .
وجاء في (المعجم الوسيط) (1/515) : ( تصرف فلانٌ في الأمرِ : احتال وتقلَّبَ فيه ؛ و[تصرَّفَ] لعياله : اكتسب ؛ و[تصرَّفت ] به الأحوال : تقلبت) .
انتهى بنصه :
إذا قال بعض المؤلفين أو الكاتبين عقب شيء ينقله عن غيره : (انتهى بنصه ) ، فمعنى ذلك أنه نقل الكلام بحروفه ولم يغير فيه شيئاً ؛ قال عبد السلام هارون في (تحقيق النصوص) (ص31) عقب شيء ذكره : (وكذلك كان يفعل الأقدمون ، ينقلون النصوص أحياناً ، وتكون لهم الحرية التامة في التصرف فيها وترجمتها بلغتهم أيضاً ؛ إلا إذا حققوا النقل ونصوا على أن هذا هو لفظ المنقول ، فيقولون مثلاً: انتهى بنصه ، فتكون مسؤوليتهم في ذلك خطيرة ، إذ حملوا أنفسهم أمانة النقل) .
الأنساب :
الأنساب في اللغة جمع نَسَب ، وجمع نِسبة ، ونَسَب الإنسان هو أصله، وأما نسبة الشيء إلى غيره فمعناها إضافته إليه لتعريفه أو تشريفه أو مدحه أو ذمه بتلك الإضافه.
ومِن هنا صار فن الأنساب يُطلق على نوعين من أبواب العلم :
الأول : ما يذكر فيه أصول القبائل وفروعها ، ومثال كتب هذا النوع (جمهرة أنساب العرب) لابن حزم و (التبيين في أنساب القرشيين) ، و (الاستبصار بنسب الصحابة من الأنصار) ، كلاهما لابن قدامة المقدسي .(2/158)
وهذا - في الحقيقة - باب من أبواب علم التاريخ.
والثاني - وهو باب من أبواب علم الرجال ، - هو الفن الذي يُعنَى بتراجم الرواة - وغيرهم من الأعلام - المشهورين بأنسابهم ، أو المعروفين بها ، أو المذكورين بها ، وبيان معني النِّسبة ، عند الحاجة إلى ذلك البيان.
وتلك النِّسب تجيء في الغالب إما موصولة بياء النسب ، كالشافعي ، والبخاري ، والمحاسَبي ، أو تجيء على صيغة (الفعّال) كالحداد والحجار والنعّال.
ومثال كتب هذا النوع كتاب (الأنساب) للسمعاني(1) ، ومختصراته .
قال العلامة المعلمي في مقدمة تحقيقه (أنساب السمعاني) (1/7) :
(يطلق فن الأنساب على ما يذكر فيه أصول القبائل وكيف تفرعت ، كنسب عدنان يُذكر فيه أبناء عدنان ثم أبناؤهم وهلم جراً ، ويطلق أيضاً على جمع النِسب اللفظية كالأسدي والمقدسي والنجار ونحو ذلك ، ويضبط كل منها ويبين معناها ويذكر بعض من عرف بها . وهذا الثاني هو موضوعنا .
قال ابن الأثير في خطبة (اللباب) في ذكر هذا الفن : (هو ما يحتاج طالب العلم اليه ويضطر الراغب في الأدب والفضل إلى التعويل عليه ، وكثيراً ما رأيت نسباً إلى قبيلة أو بطن أو جد أو بلد أو صناعة أو مذهب أو غير ذلك ؛ وأكثرها مجهول عند العامة غير معلوم عند الخاصة ، فيقع في كثير منه التصحيف ويكثر الغلط والتحريف)----) .
وقال الشيخ بكر أبو زيد في (طبقات النسابين) (ص7-8) :
__________
(1) تنبيه : إذا نسب ابن خلَِّكان في (وَفَيات الأعيان) كلاماً إلى (الأنساب) ، فإنما ينقله بواسطة مختصره (اللباب) لابن الأثير ؛ لأن ابن خلكان لم يقف على الأصل ، كما نبه عليه الدكتور إحسان عباس في مقدمة تحقيق (وفيات الأعيان).(2/159)
(وأدخلت في هذه الطبقات من ألف في المؤتلف والمختلف ، والمتفق والمفترق ، والمشتبه ، والألقاب ، والنِّسب - جمع نسبة - ؛ لأن هذه الفنون ذات صلة وثيقة بالأنساب ، ولا يدريها إلا من كان له نوع تذوق في النسب ، ودراية ، وفضل علم ، ورواية ؛ ولذا سيرى الناظر جماعة ممن شهروا بعلم النسب قد ألفوا في تلك [الأبواب] أو بعضها ، والمؤتلف والمختلف خاصةً لا يُقْدِم عليه إلا الفَوَقَة المهرة في التاريخ والأنساب والجمع والتقصي والبحث والتحري ، وهم أفراد معدودون وأفذاذ متميزون على تطاول العصور .
ولو استقبلت من أمري ما استدبرت لأدخلت أيضاً كل من قيل في ترجمته بأنه أخباري ، لأن هذه النسبة عندهم تعم من درس التاريخ وجمع أخبار الناس في مثالبهم ومناقبهم وأنسابهم وأيامهم ، ولهذا ترى النديم في الفهرست يجمع بينهم وبين النسابين في الفن الأول من المقالة الثالثة .
كما أدخلت في كتابي هذا من علماء النسب من أرباب الفرق المترجمين في رجال هل السنة ، لجمع ما في الباب ، ولي سلف صالح كما تفيده المصادر الموثقة للطباق ، وإلا فإن المبتدعة لا يسوغ حشرهم في مصاف أهل السنة على قدم التساوي ؛ ولولا ذكرهم في كتب أهل السنة على سبيل التبعية أو التحطط لما عرجت عليهم ، وما شذ من ذلك بينته وهو قليل جداً).(2/160)
أنكر ما روى فلان كذا :
وقع في عباراتهم في حق بعض الرواة : (أنكر ما رواه فلان كذا) ؛ وقد يكون ذلك الراوي ثقة ؛ أو يكون ذلك الحديث ساقطاً أو شديد النكارة ؛ وعلى هذا فلا يلزم أن تكون هذه العبارة تجريحاً في ذلك الراوي ؛ ولا يلزم منها أن يكون الحديث شديد النكارة ؛ بل قد يكون مستنكراً من غير أن يكون شديد النكارة ؛ بل قد يكون غريباً فقط ؛ فلا بد إذن من مراعاة القرائن والسياقات ؛ ومنها اعتبار حال الراوي والحديث المتكلم عليه ؛ فقد يكون المقام مقام دفاع عن الراوي ، وبيان لقلة ما أنكر عليه ، أو لخفة نكارته ؛ فإذا كان الحديث صحيحاً ولكنه غريب فالأمر يختلف عما لو كان الحديث باطلاً والراوي ضعيفاً والمقام مقام توهية للحديث واستنكار له .
إنما يُشكَلُ ما يُشْكِل :
مرادهم بهذه العبارة أنه ليس كل كلمة تُشكَل ، أي تُضبط بوضع علامات الحركات والسكنات على حروفها أو بعض حروفها ؛ وقال العلامة بكر أبو زيد في (النظائر) (ص288) في شرح هذه العبارة : (وشكل الحروف مأخوذ من شكل الدابة ، لأن الحروف تضبط وتقيد ، فلا يلتبس إعرابها ، كما تُضبط الدابة بالشكال . "تلخيص المتشابه" للخطيب البغدادي "1/3" و "حكمة الإشراق" "ص63" ) ؛ انتهى.
وقال العلامة أحمد محمد شاكر في (الباعث الحثيث) (ص129) : (وقد كان الأولون يكتبون بغير نقط ولا شكل ، ثم لما تبين الخطأ في قراءة المكتوب ، لضعف القوة في معرفة العربية : كان النقط ، ثم كان الشكل) ؛ انتهى .(2/161)
وليس معنى الشكْل مقصوراً فقط على ضبط الحرف الأخير من الكلمة - أعني الحرف الذي يبين حالها من حيث الإعراب ؛ وإنما شكل الكلمة يعم كل حروفها أو كل ما يُشكِل - أو قد يُشكل - من حروفها ، فقد ظهر لي أن هذا هو اصطلاح أكثر العلماء والكتّاب ، في هذه اللفظة ؛ ومعلوم أن الإشكال في الحروف قبل الأخيرة يكون غالباً أشد من الإشكال في الإعراب ؛ قال الحافظ ابن كثير في (الباعث الحثيث) (ص129) عقب شيء ذكرَه : (فَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا, فَيَنْبَغِي لِكَاتِبِ اَلْحَدِيثِ, أَوْ غَيْرِهِ مِنَ اَلْعُلُومِ أَنْ يَضْبِطَ مَا يُشْكِلُ مِنْهُ, أَوْ قَدْ يُشْكِلُ عَلَى بَعْضِ اَلطَّلَبَةِ, فِي أَصْلِ اَلْكِتَابِ ، نَقْطًا وَشَكْلاً وَإِعْرَابًا, عَلَى مَا هُوَ اَلْمُصْطَلَحُ عَلَيْهِ بَيْنَ اَلنَّاسِ, وَلَوْ قيّدَ فِي اَلْحَاشِيَةِ لَكَانَ حَسَناً ) ، فذكر الشكل وعطف عليه الإعراب ، ومعنى ذلك أن الشكل أعم من الأعراب أو أنه يباينه .
وقال ابن الصلاح في (النوع الخامس والعشرون) من (مقدمته) (ص162-165) :
(ثم إن على كَتَبَة الحديث وطَلَبَته صرفَ الهمة إلى ضبط ما يكتبونه، أو يحصلونه بخط الغير من مروياتهم ، على الوجه الذي رووه ، شكلاً ونقطاًً ، يُؤمَنُ معهما الالتباس ؛ وكثيرأ ما يتهاون بذلك الواثق بذهنه وتيقظه ، وذلك وخيمُ العاقبة ، فإن الإنسان معرَّض للنسيان وأول ناسٍ أول الناس ، وإعجام المكتوب يمنع من استعجامه ، وشَكْله يمنع من إشكاله.(2/162)
ثم لا ينبغي أن يتعنى بتقييد الواضح الذي لا يكاد يلتبس ؛ وقد أحسن من قال : إنما يُشكَل ما يُشكِل ؛ وقرأت بخط صاحب كتاب "سمات الخط ورقومه" علي بن إبراهيم البغدادي ، فيه، أن أهل العلم يكرهون الإعجام والإعراب إلا في الملتبس ؛ وحكى غيره عن قوم أنه ينبغي أن يُشكَل ما يُشكِل وما لا يشكِل ، وذلك لأن المبتدئ وغير المتبحر في العلم لا يمييز ما يُشكِل مما لا يُشكِل ، ولا صواب الإعراب من خطئه ، والله أعلم) .
ثم قال ابن الصلاح عقب ما تقدم :
(وهذا بيان أمور مفيدة في ذلك :
أحدها: ينبغي أن يكون اعتناؤه - من بين ما يلتبس - بضبط الملتبس من أسماء الناس أكثرَ ، فإنها لا تستدرك بالمعنى، ولا يستدل عليها بما قَبْلُ وما بَعْدُ ----) إلى آخر كلامه ؛ وانظر (ضبط الكلمة) و(علامات الإهمال) و(علامات الإعجام) .
إني لأخاف الله في الرواية عن فلان :
قال المزي في (تهذيب الكمال) (12/507) : (وقال أبو عبيد الآجري عن أبي داود : إني لأخاف اللهَ في الرواية عن شعيب بن أيوب ، يعني يذمه) .
أهل النقل :
تتكرر هذه الكلمة كثيراً في كتب العلم ويراد بها أهل الحديث ؛ والمحدثون يسمَّون أيضاً بالنَّقَلة ، ونقلة الأخبار ، ونقلة الآثار ، ونحو هذه الأسماء ، وانظر (النقل) .
أهل الحديث :
أي المحدثون وأتباعهم ، وسائر أهل السنة المتمسكين بها اعتقاداً وعملاً ؛ وقد يكون المراد أحياناً بعض هؤلاء ، مثل علماء الحديث ، أو أهل الاتّباع ، أو أهل الاعتقاد الصحيح ، أو فقهاء الحديث المحتجين بالأحاديث لا بالرأي ونحوه .
وتجدُ في (الجواهر والدرر في ترجمة شيخ الإسلام ابن حجر) للسخاوي (1/73-84) فوائدَ وتنبيهاتٍ تتعلق بمعاني هذه العبارت وإطلاقاتها : (المحدث ، أهل الحديث ، أصحاب الحديث، الحافظ)، وكذلك تكلم السيوطي على بعضها في أوائل (تدريب الراوي) ، وقد شرحت معاني هذه المصطلحات أو أكثرها في مواضعها من هذا المعجم.(2/163)
وقال الذهبي في (السير) (12/523) في ترجمة عباس الدوري : (قال إسماعيل الصفار: سمعت عباساً الدوري يقول : كتب لي يحيى بن معين وأحمد بن حنبل إلى أبي داود الطيالسي كتاباً ، فقالا فيه : إن هذا فتى يطلب الحديث، وما قالا : من أهل الحديث.
قلت [هذا قول الذهبي] : كان مبتدئاً ، له سبع عشرة سنة، ثم إنه صار صاحب حديث، ثم صار من حفاظ وقته) .
بقي أن أذكر أن لكلمة (أهل الحديث) معنى آخر عُرفياً وهو غير المعنى الاصطلاحي المتقدم ولكنه فرعُ منه ؛ وإليك بيانه .
قال بعض الفضلاء - وقد قيدتُ مقالتَه وفاتني أن أقيّد اسمه - في بيان من هم أهل الحديث :
(أهل الشيء أخص الناس به، ولقد جاء في اللغة: أهل الرجل أخص الناس به .
فأهل الحديث: هم أخص الناس به وأكثرهم تمسكاً به، واتباعاً له قولاً وعملاً في الأخلاق والسلوك والعبادة والمعاملة، وفي الاعتقاد ظاهراً وباطناً ، ويدخل فيهم دخولاً أولياً من كان مشتغلاً به سماعاً وجمعاً وكتابةً وتعليماً، رواية ودراية، تصحيحاً وتضعيفاً .
وأهل الحديث هم أهل السنة والجماعة ، فالحديث هو السنة ، والجماعة هي الحق ، ومن كان متبعاً للحديث فهو على الحق .
وأهل الحديث هم الفرقة الناجية ، فمن لم ينج باتباع الحديث فبم ينجو؟! {أحقّ الناس بأن تكون هي الفرقة الناجية أهل الحديث والسنة الذين ليس لهم متبوع يتعصبون له إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم}(1) .
وأهل الحديث هم الطائفة المنصورة فمن لم ينتصر بالحديث فبم ينتصر؟! قال الإمام أحمد: عن الطائفة المنصورة: {إن لم يكن هم أصحاب الحديث فما أدري من هم!}(2) .
وهم الظاهرون على الحق إلى قيام الساعة، فبالحديث ظهروا ، وبه انتصروا ، وبسببه نجوا .
__________
(1) مجموع الفتاوى 3/347 .
(2) فتح الباري 1/85 .(2/164)
وهذه كلها ألفاظ ومصطلحات بينها عموم وخصوص ، أو إطلاق وتقييد، فإذا أُطلق أحدها دخل فيه الآخر وأصبح اللفظ دالاً بمفرده على جميع طوائف الفرقة الناجية، وإذا اجتمع لفظ أهل الحديث مع لفظ آخر دلَّ على أن المقصود المشتغلين بالحديث، وهذا ما يفسر إطلاق كثير من السلف لفظ أهل الحديث على المشتغلين به خاصة .
قال شيخ الإسلام رحمه الله : {ونحن لا نعني بأهل الحديث المقتصرين على سماعه، أو كتابته أو روايته، بل نعني بهم: كل من كان أحق بحفظه ومعرفته وفهمه ظاهراً وباطناً، واتباعه باطناً وظاهراً }(1) .
ومن هنا يُعلم سرُّ الخلاف بين من فرَّق بين هذه المصطلحات من المنتسبين لأهل الحديث في زماننا هذا وبين من لم يفرق .
و {أهل الحديث هم السلف من القرون الثلاثة ومن سلك سبيلهم من الخلف}(2) .
وأهل الحديث هم أهل النبي وإن
لم يصحبوا نفسه أنفاسه صحبوا
وأهل الحديث هم الذين {التمسوا الحق من وجهته ، وتتبعوه من مظانه، وتقربوا من الله تعالى باتباعهم سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم وطلبهم لآثاره براً وبحراً وشرقاً وغرباً }(3) ) .
أهل الرأي :
أي فقهاء الرأي وأتباعهم .
أهل الكوفة ليس لحديثهم نور ، لا يذكرون الأخبار :
انظر (الخبر) .
أهل المعاني(4) :
المعنى في اللغة هو مقصود المتكلم من كلامه وما يُفهم عمه منه(5) .
__________
(1) مجموع الفتاوى4/95 .
(2) مجموع الفتاوى6/355 .
(3) تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة (ص80) .
(4) هذا المصطلح ليس حديثياً ، ولكني أحببت ذكره للفائدة ، لأنه يرد في كتب شروح الحديث وكتب غريب الحدثيث وغيرها .
(5) انظر (التفسير اللغوي للقرآن الكريم) للدكتور مساعد الطيار (ص258).(2/165)
وأما في عرف أهل العلم فعلم المعانس اسمٌ للعلم الذي يُعنى ببيان معاني القرآن مضافاً إلى ذلك شيء من نحوه وصرفه واشتقاقه ونحو ذلك ؛ ولذلك فإذا ذُكر في كتب التفسير ونحوها عبارة (أهل المعاني) أو (كتب المعاني) ونحو ذلك ، فالأصل أن يكون المراد بذلك كتب معاني القرآن ، ككتب الفراء (ت 207هـ) والأخفش (ت 215هـ) والزجاج (ت311هـ) والنحاس وابن الأنباري .
وممن يُكثر من النقل عن هذه الكتب من أصحاب التفاسير الشهيرة : الإمام القرطبيُّ رحمه الله .
وقد فصل الكلام على كتب معاني القرآن الشيخ المحقق مساعد الطيار حفظه الله تعالى ، في كتابه الحافل (التفسير اللغوي للقرآن الكريم) (ص255-326) .
تنبيه : عِلْمُ المعاني هو أيضاً اسم لأحد أقسام علم البلاغة ؛ ويظهر أن هذا الاصطلاح متأخر عن الذي قبله .
أهل بلد الراوي أعلم به :
انظر (بلدي الرجل أعرف به).
الإهمال :
الإهمال في اصطلاح علماء الحديث ونسّاخه له معنييان :
الأول : إهمال نسبة الراوي ، أي إهمال ذكر ما يزيد على اسمه ، كاسم أبيه وجده ونسبته وكنيته ، وغير ذلك ، ومعناه في الغالب إهمالُ ما يتميز به عمن يشاركه في اسمه وطبقته من الرواة .
الثاني : إهمال نقط الحرف ، أي إهمال رسم العلامة التي تميز ذلك الحرف عن حرفٍ آخر يشاركه في أصل صورته ، أو يقاربه فيها .
وبما ذُكر يتبين أن هذين المعنيَين العرفيَّين للإهمال راجعان إلى أصل واحد ، وهو ترك المميِّز ، فهذا تركُ ما يميز الحرف عن حرف آخر يشاركه في صورته ، وهذا ترك ما يميز الراوي عن راو آخر يشاركه في اسمه .
وانظر (علامات الإهمال) و (مهمَل) .(2/166)
أو كما قال :
كان جماعة ممن يلتزم الرواية باللفظ يقول عقيب الحديث الذي يرويه بمعناه أو الحديث الذي يخشى أنه وهم فيه أو في لفظه : (أو كما قال) ، أو يقول : (أو نحوه)، أو يقول : (أو شبهه)، وما أشبه ذلك من العبارات الدالة على التردد والتوقي والتبرؤ من دعوى الإتيان بألفاظ الحديث على وجهها .
وقد كان قومٌ من الصحابة يفعلون ذلك ، وهم أعلم الناس بمعاني الكلام ، خوفاً من الزلل ، لمعرفتهم بما في الرواية بالمعنى من الخطر .
أوثق الناس :
هذه اللفظة تعبر - كما هو واضح - عن أعلى مراتب التعديل .
أوثق عندي من نفسي :
من قال هذه الكلمة في بعض المحدثين - ويكون غالباً من أقرانه - فإنما يريد بها الثناء البالغ عليه وتوكيد توثيقه ، وهو كأنما عنى بهذه العبارة أنه إذا خالفه ذلك المحدث الثقة فإنه لشدة وثوقه به يترك ما كان يجزمُ هو به ويصير إلى ما يقوله ذلك الثقة .
أوقفه :
يقال : أوقف الخبر : أي رواه موقوفاً غير مرفوع ؛ وكذلك (وَقَفَه) ، بتخفيف القاف ؛ انظر (الوقف) .
ويقال : أوقف الراوي شيخَه ، أي استوقفَه في أثناء روايته الحديثَ ليستفسره عن تصريح مدلس ، أو غيرِ ذلك ، انظر (التوقيف) و(الخبر) .
أولى الأشياء بالضبط أسماء الناس :
التصحيف في الكلمات التي ليست بأسماء أعلام قد يكون الأمر فيها سهلاً ، أحياناً ، فإنه كثيراً ما يستدل الفطن إلى صوابها بالقياس ، أو بالسياق ووجه الكلام ، أو بغير ذلك ، وهذا بخلاف الأسماء فلا شيء من ذلك يدل عليها ؛ أسند العسكري في (أخبار المصحفين) (ص33) إلى علي بن المديني قال : (أشد التصحيف التصحيف في الأسماء) .
وقال الخطيب في (الجامع) (1/416) تحت باب (تقييد الأسماء بالشكل والإعجام حذراً من بوادر التصحيف والإيهام) ما نصه :(2/167)
(في رواة العلم جماعة تشتبه أسماؤهم وأنسابهم في الخط ، وتختلف في اللفظ ، مثل بِشْر وبُسر ، وبُرَيْد وبَرِيد وبِرِنْد ويزيد ، وعياش وعباس ، وحَيّان وحِبّان وحَنَان ، وعُبيدة وعَبيدة ، وغير ذلك مما قد ذكرناه في كتاب "التلخيص"(1) ، فلا يؤمَنُ على من لم يتمهَّر في صنعة الحديث تصحيفُ هذه الأسماء وتحريفُها ، إلا أن تُنقط وتُشْكَل ، فيؤمَن دخولُ الوهم فيها ، ويسلم من ذلك حاملها وراويها .
ثم ساق بعدئذ فيما ساقه هذه الآثار الثلاثة :
الأول : (أخبرني محمد بن علي بن عبدالله قال قرأت على أبي محمد عبد الغني بن سعيد بن علي الأزدي بمصر(2) ، قلت : حدثكم أبو عمران موسى بن عيسى الحنفي(3) ، قال : سمعت أبا إسحاق النجيرمي إبراهيم بن عبدالله(4) يقول : أولى الأشياء بالضبط أسماء الناس ، لأنه شيء لا يدخله القياس ، ولا قبله شيء يدل عليه ، ولا بعده شيء يدل عليه).
__________
(1) يعني كتاب (تلخيص المتشابه في الرسم وحماية ما أشكل منه عن بوادر التصحيف والوهم) .
(2) روى هذا الأثر الحافظ عبد الغني في مقدمة كتابه (المؤتلف والمختلف) ؛ وأخرجه من طريقه أيضاً السمعاني في (أدب الإملاء والاستملاء) (ص172) .
(3) ذكر محقق الكتاب الدكتور محمد عجاج الخطيب أن هذه الكلمة وردت في أحد الأصلين الذي طبع عنهما الكتاب (الخمعي) وفي الثاني : (الحنيفي) ، ثم قال : (وليس في أنساب أو ألقاب الرواة أحد اللفظين المذكورين ، أو ما يقاربهما ، ولعلها "الحنفي" ، والله أعلم) .
(4) هو مؤلف كتاب (أيمان العرب في الجاهلية) ، وترجمته في (معجم الأدباء) (1/198-201) و (معجم البلدان) (8/270) و (بغية الوعاة) (ص181) . كذا في حاشية السيد أحمد صقر على (الإلماع) (ص154) .(2/168)
والثاني : (انا أحمد بن محمد بن أحمد الاستوائي انا علي بن عمر الحافظ نا محمد بن مخلد بن حفص نا عبدالله بن أحمد بن حنبل حدثني أبو بكر بن أبي شيبة قال : سمعت ابن إدريس يقول : كتبت حديث أبي الحوراء فخفت أن أصحف فيه فأقول : "أبو الجوزاء" فكتبت أسفله "حور عين" ).
والثالث : (حدثت عن عبد العزيز بن جعفر الحنبلي انا ابو بكر الخلال أخبرني الحسن بن عبد الوهاب نا الفضل بن زياد قال : سمعت أبا عبدالله يعني أحمد بن حنبل يقول : من يفلت من التصحيف ؟! كان يحيى بن سعيد يُشكلُ الحرفَ إذا كان شديداً ، وغير ذاك لا ؛ وكان هؤلاء أصحاب الشكل والتقييد عفان وبهز وحبان ).
وانظر (إنما يشكل ما يُشكل) .
قلت : وليس ذلك خاصاً بأسماء الرواة ، ولكن يدخل فيه أيضاً أسماع البلدان والأماكن .
أوهى الأسانيد :
أي أشدها ضعفاً ، وأبعدها سقوطاً ؛ وقد ذكر جملة من الأسانيد الموصوفة بهذا الوصف بعضُ العلماء من أوائلهم الحاكم في كتابه (معرفة علوم الحديث) ، فذكر أوهى الأسانيد عن جماعة من الصحابة ، على سبيل التقييد بالصحابي ؛ ثم تبعوه على ذلك؛ ليقابلوا بهذا الباب باب أصح الأسانيد.
أي شيء تصنع به ؟ :
إذا أجاب الناقد من سأله عن راو ، بهذه العبارة أو بما يؤدي معناها ، فهو تضعيف منه للمسؤول عنه .
قال ابن أبي حاتم في (الجرح والتعديل) في ترجمة حفص بن دينار الضبعي : (سئل أبو زرعة عنه فقال : أي شيء تصنع به ؟ يضعفه) .
أيش فلان ؟ وما فلان؟ ومن فلان ؟
انظر (قد عرفتُه) .(2/169)
الأئمة الأربعة:
هذه العبارة اشتهرت عند أهل العلم للتعبير عن أئمة المذاهب الفقهية الأربعة الشهيرة أحمد والشافعي ومالك وأبي حنيفة(1) ، وأما عند المحدثين فلا أعلم أنها اشتهرت بمعنى اصطلاحي حديثي ، ولكن يقال : (هو في السنن الأربعة)(2)، و(أخرجه الأربعة) ، وهم أصحاب هذه السنن؛ ونحو ذلك.
نعم يقال: الأئمة الستة ، والأئمة الخمسة ، ولا يقال: الأئمة الأربعة ، بهذا المعنى، لأمور يظهر أن أهمها إرادة دفع الإيهام حتى لا يظن أن المراد أصحاب المذاهب الأربعة المتبوعة .
الأئمة الخمسة :
هم البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي ، أصحاب تلك الأصول الشهيرة والدواوين الخطيرة ؛ وانظر (الخمسة) .
الأئمة الستة :
هم الأئمة الخمسة وابنُ ماجه ، ويُسمَّون أيضاً الجماعةَ ، وانظر (الأئمة الخمسة) .
__________
(1) ولابن حجر كتاب شهير أسماه (تعجيل المنفعة بزوائد رجال الأئمة الأربعة).
(2) تنبيه : (السنن) هنا ليست جمع (سنة) ، بل المراد كتب السنن ، ولهذا تؤنث كلمة (الأربعة)، أي لأن الكتاب مذكر؛ فمعنى السنن الأربعة هو الكتب الأربعة المعروفة .(2/170)
فصل الباء
الباء الموحدة :
هو اسم ثاني حروف المعجم، وكانوا يضبطونه بهذا الوصف تمييزاً له عن التاء المثناة الفوقية والياء المثناة التحتية ، والثاء المثلثة ؛ وأما النون فمع كونها موحدة أيضاً ، كالباء ، وصورتها مقاربة لصورتها ، فإنها تخرج بكلمة (الباء) أي من قولنا (الباء الموحدة) ، فصورة كلمة (الباء) - أي ولو أهملت - غير صورة كلمة (النون) .
الباب :
ترد هذه الكلمة في كلام المحدثين كثيراً ، فيقولون مثلاً : (هذا أصح حديث في الباب) ، أو : (لا يصح شيء في هذا الباب) ، أو : (وفي الباب عن فلان وفلان) وغير ذلك.
والذي ينبغي أن يُعلم هنا أن كلمة باب في اصطلاح العلماء تعني المسألة من مسائل العلم أو الفرع من فروعه ، وأن هذه الكلمة لا ضابط لها ، فهي قد يتسع معناها جداً ، وقد يضيق كثيراً ، فيراد بالباب في موضعٍ مثلاً أحاديثُ الصلاة كلها على كثرتها ، ويراد به في موضع آخر أحاديث سنة المغرب القبلية مثلاً ، أو أحاديث كيفية الهُويّ إلى السجود، أو أحاديث النزول على الركبتين ، أو ما هو أضيق من ذلك بكثير .
وعلى كل حال فمعنى كلمة الباب عند الفقهاء أوسع - في الغالب - من معناها عند المحدثين ؛ فالمحدث قد يضيق معنى هذه الكلمة عنده حتى إنه ليريد بها أحياناً طرق حديث صحابي معين في قضية فقهية .
ومن اصطلاحات المحدثين في كلمة باب أن يقسموا الكتاب الجامع ككتابي البخاري ومسلم والسنن إلى كتب في الفقه أو نحوه ، ككتاب الصلاة وكتاب الزكاة وكتاب الإيمان وكتاب الأدب وكتاب الأذكار ، ثم يقسمون الكتاب الواحد منها إلى أبواب ؛ والذي أريد أن أنبه عليه هنا هو أن الإمام البخاري اقتصر في أول بعض الأبواب على كلمة (باب) من غير أن يترجم لذلك الباب ، أعني من غير أن يذكر عنواناً للباب ، أي تسمية له؛ وهذا اصطلاح للبخاري بينه الحافظُ ابن حجر وغيرُه من العلماء، فذكروا أن معنى اقتصار البخاري في تراجم بعض أبواب كتابه على كلمة (باب) مجردة عن الترجمة : هو أن ذلك الباب الذي لم تُذكر له ترجمة خاصة يكون بمنزلة الفصل من الباب الذي قبلَه ، مع تعلقه به .
وذكروا أن ذلك شبيه بما قد جرت به عادة المصنفين من أن يكتبوا باباً في حكم من الأحكام ثم يكتبوا عقيبه : فصل ، وهم يريدون بذلك انفصال هذا الحكم عما قبله ، ولكنه متعلق به في نفس الأمر.
قالوا : فكذلك طريقة البخاري في إطلاقه كلمة باب ، من غير ذكر ترجمة لذلك الباب.
ثم إن تقدير كلمة (باب) هذه ، هو : (هذا بابٌ).
وانظر (وفي الباب) .
البابة :
انظر (لم يكن من البابة) .(2/171)
بابه فلان :
قال ابن رجب في (شرح علل الترمذي) (1/475-476) في الترجمة الماتعة التي كتبها للإمام ابن المبارك: (وسئل ابن معين: من أثبت في حيوة، ابن المبارك أو ابن وهب؟ قال: ابن المبارك أثبت منه - يعني ابن وهب - في جميع ما يروي، ثم قال: ابن المبارك بابه يحيى بن سعيد القطان، يعني أنه يشبهه).
باحث :
الباحث في عرف المعاصرين من أهل العلم وطلبتِه هو الدارس الذي لم يبلغ مرتبة كبار العلماء الذين أتموا دراسة أكثر المسائل الهامة ، بحيث يستحضرون الإجابة عن أكثر ما يُسألون عنه ، ولكنه - مع كونه طالباً رفيع الرتبة بين الطلاب - يحتاج في كثير من المسائل إلى مزيد من البحث والدراسة الاستقرائية ، وهو أهل لذلك ؛ هذا هو الأصل في معنى هذه الكلمة ، وقد تطلق على العالم حال قيامه بدراسة مفصلة لمسألة ما(1).
باطل :
أي لا يصح بحال ، ولا يجوز البتة نسبته إلى من رُوي عنه سواء كان النبيَّ صلى الله عليه وسلم ، أو كان غيرَه .
والنقاد لا يشترطون في تسمية الحديث باطلاً أن يكون في سنده كذاب أو متهم أو ضعيف ؛ بل هم لا يفرقون في تسمية الحديث باطلاً بين ما كان من رواية الثقة وما كان من رواية غيره ، ما دام أن الحديث متصف بما يقتضي الحكمَ عليه بالبطلان .
قال المعلمي في مقدمته لـ(لفوائد المجموعة)(ص7) عقب أمور ذكرها : (وهذه قواعد يحسن تقديمها) ، ثم قال تحت ذلك :
1- إذا قام عند الناقد من الأدلة ما غلب على ظنه معه بطلان نسبة الخبر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقد يقول: "باطل" أو: "موضوع".
__________
(1) ومما أنبه عليه أن بعض العلماء المحققين ، وهو الدكتور مصطفى جواد يرى عدم صحة استعمال لفظة (بحاثة) بمعنى الباحث المبالغ في البحث والدراسة ، لأن هذه الصيغة موجودة أصلاً لمعنى معروف وهو وصف للدجاجة التي تكثر البحث عما تأكله ، في التراب ونحوه ، فلا يحسن اشتقاق وزن فعالة من البحث صفة للدارس ، بخلاف علّامة.(2/172)
وكلا اللفظين يقتضي أن الخبر مكذوب ، عمداً أو خطأ، إلا أن المتبادر من الثاني(1) الكذب عمداً، غير أن هذا المتبادر لم يلتفت إليه جامعو كتب الموضوعات، بل يوردون فيها ما يرون قيام الدليل على بطلانه، وإن كان الظاهر عدم التعمد .
2- قد تتوفر الأدلة على البطلان مع أن الراوي الذي يصرح الناقد بإعلال الخبر به لم يُتَّهم بتعمد الكذب ، بل قد يكون صدوقاً فاضلاً، ولكن يرى الناقد أنه غلط أو أُدخل عليه الحديث .
3- كثيراً ما يذكر ابن الجوزي الخبر ويتكلم في راو من رجال سنده ، فيتعقبه بعضُ مَن بعده بأنَّ ذاك الراوي لم يُتهم بتعمد الكذب ؛ ويُعلم حال هذا التعقب من القاعدتين السابقتين .
نعم ، قد يكون الدليل الآخر(2) غير كافٍ للحكم بالبطلان ، ما لم ينضم إليه وجود راو في السند معروف بتعمد الكذب ؛ ففي هذه الحال يتجه ذاك التعقب . انتهى كلام المعلمي .
وقال المعلمي أيضاً في حاشيته على (الفوائد المجموعة) (ص314): (والمتروك إن لم يكذب عمداً؛ فهو مظنة أن يقع له الكذب وهماً؛ فإذا قامت الحجة على بطلان المتن لم يمتنع الحكم بوضعه، ولا سيما مع التفرد المريب) .
__________
(1) يعني لفظ (موضوع) .
(2) أي الأدلة والقرائن التي اقتضت الناقد أن يظنَّ أنَّ ذلك الراوي غلطَ أو أُدخلَ عليه الحديث .(2/173)
وقال الشوكاني في (الفوائد المجموعة) (ص439-440) : ( وقد روى أحمد في "المسند" من حديث أنس مرفوعاً : "عسقلان أحد العروسين ، يبعث الله منها يوم القيامة سبعين ألفاً لا حساب عليهم ، ويُبعث منها خمسون ألف شهيد وفود إلى الله ، وبها صفوف الشهداء ، رءوسهم مقطعة في أيديهم ، تثج أوداجهم دماً يقولون : ( ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد ) فيقول : صدق عبيدي ، اغسلوهم بنهر البيضة فيخرجون منه أنقياء بيضاً ، فيسرحون في الجنة حيث شاءوا" ؛ ثم قال : هذا الحديث أورده ابن الجوزي في "الموضوعات" ، وقال : في إسناده أبو عقال هلال بن زيد ، يروى عن أنس أشياء موضوعة .
وقال ابن حجر في (القول المسدد) : "وهذا الحديث في فضائل الأعمال والتحريض على الرباط ، وما يحيله الشرع ولا العقل ، فالحكم عليه بالبطلان بمجرد كونه من رواية أبي عقال لا يتجه ؛ وطريق الإمام أحمد معروفة في التسامح ، في أحاديث الفضائل دون أحاديث الأحكام" .
هذا كلامه ، ولا يخفاك أن هذه مراوغة من الحافظ ابن حجر ، وخروج من الإنصاف ، فإن كون الحديث في فضائل الأعمال ، وكون طريقة أحمد رحمه الله معروفة في التسامح في أحاديث الفضائل : لا يوجب كون الحديث صحيحاً ولا حسناً ، ولا يقدح في كلام من قال : في إسناده وضاع ، ولا يستلزم صدق ما كان كذباً وصحة ما كان باطلاً .
فإن كان ابن حجر يسلم أن أبا عقال يروي الموضوعات ، فالحق ما قاله ابن الجوزي ؛ وإن كان ينكر ذلك فكان الأولى به التصريح بالإنكار والقدح في دعوى ان الجوزي) .
فعلق العلامة المعلمي على هذا الكلام بقوله : (ابن حجر لا ينكر ما قيل في أبي عقال ، ولكنه يقول : إن ذلك لا يستلزم أن يكون كل ما رواه موضوعاً ؛ وإذا كان الكذوب قد يصدق فما بالك بمن لم يصرَّح بأنه كان يتعمد الكذب ؟(2/174)
فيرى ابن حجر أن الحكم بالوضع يحتاج إلى أمر آخر ينضم إلى حال الراوي ، كأن يكون مما يحيله الشرع أو العقل ، وهذا لا يكفي في رده ما ذكره الشوكاني .
وقد يقال : انضم إلى حال أبي عقال أن المتن منكر ، ليس معناه من جنس المعاني التي عُنِيَ النبي صلى الله عليه وسلم ببيانها ، أضف إلى ذلك قيام التهمة هنا ، فإن أبا عقال كان يسكن عسقلان ، وكانت ثغراً عظيماً ، لا يبعد من المغفل أن يختلق ما يرغِّب الناسَ الرباط فيه ، أو يضعه جاهل ويدخله على مغفل ، والحكم بالوضع قد يكفي فيه غلبة الظن كما لا يخفى ) ؛ انتهى .
فائدة :
هذه فائدة تتعلق بعلاقة أحوال متون الأحاديث بأحوال أسانيدها ، وبيان أقسام الأسانيد بحسب احتمالها للبطلان وعدمه :
الحديث من حيث صفة معناه في نظر أهل العلم له ثلاثة احتمالات :
الأول : أن يأتي بمعنى يوافق المعاني الواردة في الأصول والأبواب العلمية المعروفة عند أهل العلم .
الثاني : أن يأتي بمعنى يستغربه أو يستنكره بعض العلماء المعتبرين من غير أن يصل حكمهم عليه إلى حد الحكم ببطلانه.
الثالث : أن ياتي بمعنى باطل .
والأحاديث الموضوعة فيها المعنى الباطل وغيره ، فليست كلها باطلة المعاني ، ولكن كلها متروكة غير معمول بها ؛ وكذلك شأن الأحاديث الضعيفة جداً .
ولا يشترط للحكم على الحديث بالوضع أن يكون باطل المعنى .
والحديث الوارد بسند ضعيف جداً إن كان معناه باطلاً حكم عليه بالوضع.
وأما الحديث الضعيف السند فإن قُطع ببطلان متنه دخل في الموضوعات ، ولكن كثيراً من المتأخرين يراعون حال سنده وأنه ليس فيه متهم فلا يطلقون عليه اسم الوضع، وإنما يكتفون بقولهم فيه : (منكر) أو (باطل) أو (لا يثبت) أو (لا يصح) أو (خطأ) أو نحو هذه الألفاظ .
وإن احتمل الحديث الضعيف سنده البطلانَ في متنه سمي منكراً وحُكم عليه بأنه ضعيف جداً .(2/175)
وأما إن كان معناه معروفاً غير باطل فإنه يحكم عليه بالضعف وحده، أعني يحكم عليه بمطلق الضعف، ولا يؤكد ضعفه بكلمة (جداًّ).
والعلماء لا يتكلفون الجمع بين الحديث الضعيف والحديث الثابت ، ومن فعل ذلك فهو إما أن يكون فَعلَه ظاناً ثبوتَه أو مفترضاً له ، أو يكون من القائلين بأن الأحاديث الضعيفة يعمل بها ، وهذا القول خلاف الحق .
وأما الأحاديث الثابتة فلا ينبغي أن يكون بينها حديث باطل أو منكر ؛ نعم قد يقع فيها أحاديث يستغرب معانيها بعضُ أهل العلم وطلبته وربما استنكرها بعضُهم ، أو أحاديث تُعارض في ظاهرها أحاديث أخرى أو بعضَ آيات الكتاب ، ولكن العلماء قد أجابوا عن تلك الإشكالات وأزالوا هذه التعارضات في شروحهم لكتب الحديث ، وفي مواضع ورودها من كتب الإيمان والتفسير والفقه ، بل إنهم أفردوا هذا النوع بالتصنيف في كتب أسموها (اختلاف الحديث) أو (تأويل مختلف الحديث) أو (شرح مشكل الآثار) ونحو هذه الأسماء .
تكميل :
قال العلامة المعلمي رحمه الله في (الأنوار الكاشفة) رداً على أبي رية الذي اتهم المحدثين بأنهم (وقفوا بعلمهم عند ما يتصل بالسند فحسب، أما المعنى فلا يعنيهم من أمره شيء) :(2/176)
(---- ولكن هل راعوا العقل في قبول الحديث وتصحيحه؟ أقول : نعم، راعوا ذلك في أربعة مواطن : عند السماع، وعند التحديث، وعند الحكم على الرواة، وعند الحكم على الأحاديث، فالمتثبتون إذا سمعوا خبراً تمتنع صحته أو تبعد لم يكتبوه ولم يحفظوه، فإن حفظوه لم يحدثوا به، فإن ظهرت مصلحة لذكره ذكروه مع القدح فيه وفي الراوي الذي عليه تبعته. وقال الإمام الشافعي في (الرسالة) (ص 399) : (وذلك أن يستدل على الصدق والكذب فيه بأن يحدث المحدث ما لا يجوز أن يكون مثله أو ما يخالفه ما هو أثبت أو أكثر دلالات بالصدق منه)؛ وقال الخطيب في (الكفاية في علم الرواية) (ص 429) : (باب وجوب إخراج المنكر والمستحيل من الأحاديث). وفي الرواة جماعة يتسامحون عند السماع وعند التحديث، لكن الأئمة بالمرصاد للرواة، فلا تكاد تجد حديثاً بين البطلان إلا وجدت في سنده واحداً أو اثنين أو جماعة قد جرحهم الأئمة، والأئمة كثيراً ما يجرحون الراوي بخبر واحد منكر جاء به، فضلاً عن خبرين أو أكثر.
ويقولون للخبر الذين تمتنع صحته أو تبعد : (منكر) أو (باطل)؛ وتجد ذلك كثيراً في تراجم الضعفاء، وكتب العلل والموضوعات، والمتثبتون لا يوثقون الراوي حتى يستعرضوا حديثه وينقدوه حديثاً حديثاً).
بُترٌ :
انظر (أحاديثٌ بُتْرٌ) .
بحّاثة :
تستعمل هذه الصيغة عند المعاصرين على إرادة المبالغة بوصف الرجل بقوة البحوث وكثرتها وتبحره فيها ؛ وقد كان العلامة اللغوي البارع مصطفى جواد ينكر هذه الكلمة ويعيب على من يتلفظ بها ، ويقول ما معناه : إن البحاثة إنما تطلق على الدجاجة! ، فلا يحسن استعمال هذه اللفظة لوصف أهل العلم وطلبته بها ؛ انتهى المعنى .(2/177)
فإن قيل : صيغت هذه اللفظة على وزن علامة فأي شيء في ذلك ؟ فالجواب أن الصياغة بالقياس لا تطرد في كل شيء فكثيراً ما يمنع منها مانع ، فمن الموانع أحياناً قبح اللفظة وثقلها وركاكة التعبير بها وأن يكون قد سبق وضعُها لمعنى آخر ؛ وههنا هذه اللفظة مستعملة في تسمية الدجاجة أو وصفها فهل يحسن أن تستعمل أيضاً في مقام مدح العالم أو طالب العلم وبيان علو كعبه بين الباحثين ؟ وهل ذلك من حسن الذوق وتمام الأدب مع أهل العلم ؟ وأما لو كانت مسموعة عن المتقدمين فكل عيب في الألفاظ يغطيه السماع ، ولا عيب في ألفاظ السلف .
وقد يتقوى مذهب الدكتور مصطفى جواد بقول أبي جعفر النحاس في (صناعة الكُتّاب) (ص96-97) : (وأما الهاء في خليفة ففيها ثلاثة أقوال : من النحويين من يقول : إنه أدخلت الهاء فيه للمبالغة ، كما يقال : داهية ، وهذا قول الفراء ؛ وسمعت علي بن سليمان يقول : "هذا خطأ ، ولو كانت الهاء على ما قال لكان تأنيثاً حقيقياً ؛ وقال أبو جعفر : ومذهب الفراء في كل ما كان من المدح نحو : علّامة ونسّابة أن تأنيثه بمعنى داهية ، وفي الذم بمعنى بهيمة ، نحو هِلْباجة وفَقاقة) .
بحثٌ :
انظر (باحث).
بخٍ :
هذه الكلمة تقال عند الرضا والاعجاب بالشيء ، فهي من ألفاظ التوثيق ، وقائلها أحياناً يقرنها ببعض كلمات الثناء والتوثيق ، مثال ذلك قولهم (بَخٍ من الأئمة) ، (بخٍ ثقة) ، (بخٍ بخٍ ثقة) ، (ثبت بخٍ بخٍ) ، (بخٍ ثبت في الحديث) ، وأحياناً يكررها يؤكد بذلك معناها دون أن يقرنها بكلمة أخرى ، مثل قول القائل منهم (بخٍ بخٍ بخ) .
بخٍ بخٍ :
انظر (بخٍ).
بخٍ بخٍ بخٍ :
انظر (بخٍ).
بخٍ بخٍ ثقة :
انظر (بخٍ).
بخٍ ثبتٌ في الحديث :
انظر (بخٍ) و(ثبت).
بخٍ ثقة :
انظر (بخٍ) و(ثقة).
بخٍ من الأئمة :
انظر (بخٍ) و(إمام).(2/178)
البدعة :
البدعة هي كل ما أحدث في الدين وليس منه(1).
والمقصود بالبدع عندما ترد في كلام أئمة الجرح والتعديل البدع الاعتقادية التي فارق أصحابها بسببها منهج جماعة المسلمين .
البدعة هي كل ما أحدث في الدين وليس منه ،
وللعلامة المعلمي رحمه الله تعالى كلام في رواية المبتدع مفصل محقق نفيس أورده في (التنكيل) (ص228-239) ، وإليك أهم فقرات كلامه بنصها وأضفت إليها الكلمات التي بين حاصرتين لأجل زيادة الإيضاح :
قال :
لا شك أن المبتدع إن خرج ببدعته عن الإسلام لم تقبل روايته لأن من شرط قبول الرواية الإسلام.
و[لا شك] أنه إن ظهر عناده أو إسرافه في اتباع الهوى والإعراض عن حجج الحق ونحو ذلك مما هو أدل على وهن التدين من كثير من الكبائر كشرب الخمر وأخذ الربا : فليس بعدل، فلا تقبل روايته لأن من شرط قبول الرواية العدالة.
و[لا شك] أنه إن استحل الكذب [فإن من المبتدعة من يستحل الكذب]، فإما أن يكفر بذلك، وإما أن يفسق، فإن عذرناه [فلم نكفره ولم نفسقه وقلنا هو متأول] فمن شرط قبول الرواية الصدق فلا تقبل روايته [لأنه لا يُدرَى أكذب فيها أم صدق].
و[لا شك] أن من تردد أهل العلم فيه فلم يتجه لهم أن يكفروه أو يفسقوه، ولا أن يعدلوه، فلا تقبل روايته لأنه لم تثبت عدالته [لأن من شرط قبول الرواية ثبوت العدالة كما تقدم](2).
__________
(1) وعرفها ابن حجر في (النزهة) بقوله : (هي اعتقادُ ما أُحدث على خلاف المعروف عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا بمعاندة بل بنوع شبهة).
(2) لا شك أنه لا يريد بهذه العبارة إجماع أهل العلم على التردد، وعلى الحكم المذكور، ولكنه يفترض الاجماعَ على ذلك، أو يريد التردد الذي هو أقوى أقوال العلماء في ذلك المبتدع، وكذلك يريد تردد المجتهد في المبتدع، ومثله تردد من رأى أن أقوى أقوال العلماء التردد فاختاره من بين أقوالهم وتبعهم عليه، وهو نوع من الاجتهاد؛ وأما المقلد فلا دخل له فيما نحن بصدد الكلام عليه.(2/179)
ويبقى النظر فيمن عدا هؤلاء :
والمشهور الذي نقل ابن حبان والحاكم إجماعَ أئمة السنة عليه أن المبتدع الداعية لا تقبل روايته؛ وأما غير الداعية فكالسني(1).
واختلف المتأخرون في تعليل رد الداعية.
__________
(1) قال ابن حبان في (الثقات) (6/140-142) في جعفر بن سليمان الضبعي : (كان يبغض الشيخين ، حدثنا الحسن بن سفيان قال ثنا إسحاق بن أبي كامل قال ثنا جرير بن يزيد بن هارون بين يدي أبيه قال : بعثني أبي إلى جعفر بن سليمان الضبعي فقلت له : بلغنا أنك تسبُّ أبا بكر وعمر؟! قال : أما السب فلا ، ولكن البغض ما شئتَ ، قال : وإذا هو رافضي مثل الحمار . قال ابو حاتم [هو ابن حبان نفسه] : وكان جعفر بن سليمان من الثقات المتقنين في الروايات ، غير انه كان ينتحل الميل إلى أهل البيت ، ولم يكن بداعية إلى مذهبه ؛ وليس بين أهل الحديث من أئمتنا خلافٌ أنَّ الصدوق المتقن إذا كان فيه بدعة ولم يكن يدعو إليها أن الاحتجاج بأخباره جائز ، فإذا دعا إلى بدعته سقط الاحتجاج بأخباره ، ولهذه العلة ما تركوا حديث جماعة ممن كانوا ينتحلون البدع ويدعون إليها ، وإن كانوا ثقات ، واحتججنا بأقوام ثقات انتحالهم كانتحالهم [أي بدعتهم كبدعتهم] سواء ، غير أنهم لم يكونوا يدعون الى ما ينتحلون .
وانتحال العبد بينه وبين ربه ، إن شاء عذبه ، وإن شاء عفا عنه ، وعلينا قبول الروايات عنهم إذا كانوا ثقات ، على حسب ما ذكرناه في غير موضع من كتبنا).
وقال ابن حبان في (الثقات) (6/284) في داود بن الحصين : (وكان يذهب مذهب الشراة [أي الخوارج، وسُمّوا بذلك لأنهم يرون أنهم يشرون الآخرة بأنفسهم وأموالهم] ، وكل من ترك حديثه على الاطلاق وهِمَ ، لانه لم يكن بداعية إلى مذهبه ؛ والدعاة يجب مجانبة رواياتهم على الأحوال ، فمن انتحل نحلة بدعة ولم يدعُ إليها وكان متقناً كان جائز الشهادة محتجاً بروايته؛ فإن وجب تركُ حديثه وجب تركُ حديث عكرمة لأنه كان يذهب مذهب الشراة مثله).(2/180)
والتحقيق إن شاء الله تعالى أن ما اتفق أئمة السنة على أنها بدعة فالداعية إليها الذي حقه أن يسمى داعية لا يكون إلا من الأنواع الأولى، إن لم يتجه تكفيره اتجه تفسيقه، فإن لم يتجه تفسيقه فعلى الأقل لا تثبت عدالته وإلى هذا أشار مسلم في مقدمة (صحيحه) إذ قال :
(اعْلَمْ وَفَّقَكَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ عَرَفَ التَّمْيِيزَ بَيْنَ صَحِيحِ الرِّوَايَاتِ وَسَقِيمِهَا وَثِقَاتِ النَّاقِلِينَ لَهَا مِنْ الْمُتَّهَمِينَ أَنْ لَا يَرْوِيَ مِنْهَا إِلَّا مَا عَرَفَ صِحَّةَ مَخَارِجِهِ وَالسِّتَارَةَ فِي نَاقِلِيهِ وَأَنْ يَتَّقِيَ مِنْهَا مَا كَانَ مِنْهَا عَنْ أَهْلِ التُّهَمِ وَالْمُعَانِدِينَ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الَّذِي قُلْنَا مِنْ هَذَا هُوَ اللَّازِمُ دُونَ مَا خَالَفَهُ قَوْلُ اللَّهِ جَلَّ ذِكْرُهُ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ وَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : (مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنْ الشُّهَدَاء)،ِ وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ : (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ)؛ فَدَلَّ بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ هَذِهِ الآيِ أَنَّ خَبَرَ الْفَاسِقِ سَاقِطٌ غَيْرُ مَقْبُولٍ وَأَنَّ شَهَادَةَ غَيْرِ الْعَدْلِ مَرْدُودَةٌ .
وَالْخَبَرُ وَإِنْ فَارَقَ مَعْنَاهُ مَعْنَى الشَّهَادَةِ فِي بَعْضِ الْوُجُوهِ فَقَدْ يَجْتَمِعَانِ فِي أَعْظَمِ مَعَانِيهِمَا إِذْ كَانَ خَبَرُ الْفَاسِقِ غَيْرَ مَقْبُولٍ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ كَمَا أَنَّ شَهَادَتَهُ مَرْدُودَةٌ عِنْدَ جَمِيعِهِمْ)
فالمبتدع الذي يتضح عناده إما كافر وإما فاسق.(2/181)
والذي لم يتضح عناده ولكنه حقيق بأن يُتهم بذلك هو [في الأصل (وهو) [وزيادة الواو خطأ] في معنى الفاسق لأنه مع سوء حاله لا تثبت عدالته.
والداعية الذي الكلام فيه واحد من هذين ولا بد---[ثم ذكر المعلمي دليل قوله هذا ببيان في غاية التحرير والنفع ولكني تركته لطوله].
فأما غير الداعية فقد مر نقل الإجماع على أنه كالسني، إذا ثبتت عدالته قُبلت روايته. وثبت عن مالك ما يوافق ذلك.
وقيل عن مالك أنه لا يروى عنه أيضاً؛ والعمل على الأول.
وذهب بعضهم إلى أنه لا يُروى عنه إلا عند الحاجة [أي عند تفرده بتلك السنة، ومما ينبغي التنبيه عليه هو أن تفرد البدعي برواية تقوي بدعته يدعو إلى التثبت فيها]؛ وهذا أمر مصلحي لا ينافي قيام الحجة بروايته بعد ثبوت عدالته.
وحكى بعضهم أنه إذا روى ما فيه تقوية لبدعته لم يؤخذ عنه [فصارت الأقوال في المبتدع غير الداعية كما ترى أربعة].
ولا ريب أن ذلك المروي إذا حكم أهل العلم ببطلانه فلا حاجة لروايته إلا لبيان حاله؛ ثم إن اقتضى [ذلك المروي الباطل] جرح صاحبه بأن ترجح أنه تعمد الكذب أو أنه متهم بالكذب عند أئمة الحديث سقط صاحبه البتة فلا يؤخذ عنه ذاك ولا غيره.
وإن ترجح أنه إنما أخطأ فلا وجه لمؤاخذته بالخطأ.
وإن ترجح صحة ذلك المروي فلا وجه لعدم أخذه [أي وإن كان يتقوى به أولئك المبتدعة]. نعم قد تدعو المصلحة إلى عدم روايته حيث يخشى أن يغتر بعض السامعين بظاهره فيقع في البدعة. قرأت في جزء قديم من ثقات العجلي ما لفظه : (موسى الجهني قال : جاءني عمرو بن قيس الملائي وسفيان الثوري فقالا : لا تحدث بهذا الحديث بالكوفة أن النبي عليه السلام قال لعلي : أنت مني بمنزلة هارون من موسى) [متفق عليه]. كان في الكوفة جماعة يغلون بالتشيع ويدعون إلى الغلو، فكره عمرو بن قيس وسفيان أن يسمعوا هذا الحديث فيحملوه على ما يوافق غلوهم فيشتد شرهم.(2/182)
وقد يمنع العالم طلبة الحديث عن أخذ مثل هذا الحديث لعلمه أنهم إذا أخذوه ربما رووه حيث لا ينبغي أن يروى [أي ربما رووه في المكان أو المقام الذي لا ينبغي لهم أن يروونه فيه]. ولكن هذا لا يختص بالمبتدع، وموسى الجهني [نفسه] ثقة فاضل لم ينسب إلى بدعة---- [ثم شرح المعلمي مع المناقشة أقوال الجوزجاني وابن قتيبة وابن دقيق العيد وابن حجر في حكم رواية المبتدع].
هذا وقد وثق أئمة الحديث جماعة من المبتدعة واحتجوا بأحاديثهم وأخرجوها في الصحاح، ومن تتبع رواياتهم وجد فيها كثيراً مما يوافق ظاهرُه بِدَعَهم؛ وأهل العلم يتأولون تلك الأحاديث غير طاعنين فيها ببدعة راويها ولا في راويها بروايته لها [ذكر في الهامش مثالين أحدهما من (صحيح مسلم) والآخر متفق عليه]؛ بل في رواية جماعة منهم أحاديث ظاهرة جداً في موافقة بدعهم أو صريحة في ذلك إلا أن لها عللاً أخرى؛ ففي رواية الأعمش أحاديث كذلك، ضعفها أهل العلم، بعضها بضعف بعض من فوق الأعمش في السند، وبعضها بالانقطاع، وبعضها بأن الأعمش لم يصرح بالسماع وهو مدلس؛ ومن هذا الأخير حديث في شأن معاوية ذكره البخاري في (تاريخه الصغير) (ص68) ووهنه بتدليس الأعمش؛ وهكذا في رواية عبد الرزاق وآخرين.
هذا وقد مر تحقيق علة رد الداعية [فليست علة الرد هي الدعوة نفسها، بل ما دلت عليه الدعوةُ وكشفَت الستارَ عنه مما تقدم شرحه]، وتلك العلة ملازمة أن يكون بحيث يحق أن لا يؤمَن منه ما ينافي العدالة؛ فهذه العلة إن وردت في كل مبتدع(1) روى ما يقوي بدعته ولو لم يكن داعية : وجب أن لا يُحتج بشيء من مرويات من كان كذلك ولو فيما يوهن بدعته(2) ؛ وإلا - وهو الصواب - فلا يصح إطلاق الحكم بل يدور [الحكم] مع العلة [وجوداً وعدماً].
فذاك المروي المقوي لبدعة راويه :
إما غير منكر فلا وجه لرده فضلاً عن رد راويه.
__________
(1) يعني في أي مبتدع.
(2) أي لا يحتج بشيء من مروياته ، ولو كان في ذلك الشيء ما يوهن بدعته .(2/183)
وإما منكر فحكم المنكر معروف، وهو أنه ضعيف؛ فأما راويه [أي راوي المنكر] :
فإن اتجه الحمل عليه بما ينافي العدالة كرميه بتعمد الكذب أو اتهامه به سقط البتة.
وإن اتجه الحمل على غير ذلك كالتدليس المغتفر والوهم والخطأ، لم يجرح بذلك.
وإن تردد الناظر وقد ثبتت العدالة وجب القبول.
وإلا [أي وإن تردد الناظر ولم تكن العدالة قد ثبتت] أُخذ بقول من هو أعرف منه أو وُقف.
وقد مر أوائل القاعدة الثانية بيانُ ما يمكن أن يبلغه أهل العصر من التأهل للنظر فلا تغفل.
وبما تقدم يتبين صحة إطلاق الأئمة قبول غير الداعية إذا ثبت صلاحه وصدقه وأمانته؛ ويتبين أنهم إنما نصوا على رد المبتدع الداعية تنبيهاً على أنه لا يثبت له الشرط الشرعي للقبول وهو ثبوت العدالة.
البدل :
انظر (العلو) .
البردي :
نقرأ أو نسمع أن بعض المخطوطات القديمة كُتبت على أوراق البردي ، فما البردي؟
جاء في (المعجم الوسيط): ( البردي : نبات مائي من الفصيلة السعدية ، تسمو ساقه الهوائية إلى نحو متر أو أكثر ، ينمو بكثرة في منطقة المستنقعات بأعالي النيل؛ وصنع منه المصريون القدماء ورق البردي المعروف) .
وتحتفظ دار الكتب المصرية وبعض دور الكتب العامة بكثير من المخطوطات - أو الوثائق - البردية العتيقة .
البرنامج :
هذه الكلمة مستعملة في العرف العصري بمعنى كيفية تقسيم الوقت والأعمال قبل الدخول فيها ، وترتيب أقسام العمل ، وتحديد معالم المنهج المتبع في ذلك وأصوله الإجمالية.
وكثير من المعاصرين يعبرون عن هذا المعنى وشبههِ بكلمة (جدول) مثل (جدول الدروس) و (جدول الأعمال) ونحو ذلك؛ وهو استعمال عرفي غير موافق للمعنى اللغوي لكلمة جدول.
وأما عند أهل العلم فقد استعمل المتأخرون ، ولا سيما الأندلسيون منهم، لفظة (برنامج) على معنيين :
أحدهما : الكتاب الحاوي لأسماء الكتب والتقاييد والرسائل المقروءة ، أو خلاصات المسائل ورؤوس النقاط.(2/184)
قال ابن خلدون في (المقدمة) عقب شيء ذكره في بيان الكتب المعتمدة عند المالكية : (إلى أن جاء كتاب أبي عمرو بن الحاجب لخص فيه طرق أهل المذهب في كل باب وتعديد أقوالهم في كل مسئلة فجاء كالبرنامج للمذهب).
وقال أيضاً : (ذهب كثير من المتأخرين إلى اختصار الطرق والأنحاء في العلوم يولعون بها ويدونون منها برنامجاً مختصراً في كل علم يشتمل على حصر مسائله وأدلتها باختصار في الألفاظ وحشو القليل منها بالمعاني الكثيرة من ذلك الفن؛ وصار ذلك مخلاً بالبلاغة وعسراً على الفهم).
وثانيهما : كتاب يضم أسماء المشايخ ، وأسماء التلاميذ المستفاد منهم أيضاً .
فلفظة البرنامج إذن مرادفة عند المحدثين للفهرس ، قال الهوريني : (يرادف الفهرسة [كذا] البرنامج).
وهذه الكلمة ليست عربية ، بل هي معرَّبة عن (نامه) الفارسية(1)، التي من معانيها عندهم الورقةُ الجامعة للحساب(2) ، وفيها بعض معنى الفهرسة.
وأما ضبطُ لفظة (برنامج) ، فهو بفتح الباء والميم ، صرح به القاضي عياض في (مشارق الأنوار على صحيح الآثار)؛ وقيل بكسرهما ، كما في بعض شروح (الموطأ)؛ وقيل بفتح الباء وكسر الميم.
بري القلم :
قال القلقشندي في (صبح الأعشى) (2/485 - العلمية) وهو يتكلم على بري القلم ويبين اشتقاقه وأصل معناه : (يقال : بَرَيْتُ القلمَ أَبْرِيهِ بَرْياً وبِرايةً ، غير مهموز ، وهو قلمٌ مَبْرِيّ ، وأنا بارٍ للقلم ، بغير همزة أيضاً ؛ قال الشاعر :
يا باري القوسِ بَرياً ليسَ يُحْكِمُهُ
لا تُفْسِدِ القوسَ أعطِ القوسَ باريها
ويقال أيضاً : بَرَوْتُ القلمَ والعُودَ بَرْواً ، بالواو ؛ والياء أفصح .
__________
(1) والعرب يتصرفون في تعريب الكلمات الأعجمية فيغيرونها عن وجهها الأول ، لأنهم لا يحبون إقرارها على لفظها الأعجمي.
(2) والمعبر عنها في الاستعمال العرفي بـ(قائمة الحساب)؛ وهو استعمال غير صحيح أيضاً.(2/185)
ويقال لِما سقط منه حالةَ البري : بُراية ، بضم الموحدة في أوله ، على وزن نُزالة وحُثالة ؛ والفُعالة اسم لكل فضلة تفضل من الشيء.
وتقول في الأمر : ابْرِ قلمَك) .
ثم راح يتكلم على آداب البري وأنواعه وطرائقه بتفصيل لا يناسب المقام الذي نحن فيه حكايتُه ، فليرجع إليه من أراده ، ففيه بيان لباب من أبواب الرقي وسلامة الذوق في حضارة المسلمين .
بزق :
أخرج الخطيب في (الكفاية) عن يحيى بن معين أنه سئل عن حجاج بن الشاعر فبزق لما سئل عنه .
قلت : وقريب من هذا النوع من التجريح الإشاري والتنقص ما أخرجه الخطيب في (الكفاية) عن محمد بن علي الوراق أنه قال : سألت مسلم بن إبراهيم عن حديث لصالح المري، فقال : ما تصنع بصالح ؟ ذكروه يوماً عند حماد بن سلمة فامتخط حماد !
ولكن تعقبه الخطيب بقوله : (امتخاط حماد عند ذكره لا يوجب رد خبره) .
وكذلك ما أخرجه الخطيب عن مزاحم بن زفر قال : قلنا لشعبة : ما تقول في أبي بكر الهذلي؟ قال : دعني لا أقيء .
وأخرجه يعقوب بن سفيان في (المعرفة والتاريخ) (2/780) : حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم؛ وابنُ أبي حاتم في (الجرح والتعديل) (1/143 و 4/313) عن أبيه، كلاهما عن أبي مسهر عن مزاحم بن زفر(1) .
وهذا - كما هو ظاهر - توهين شديد لحال هذا الراوي من قِبل شعبة رحمه الله .
البَشْر :
انظر (الحك) .
بقلم فلان :
كلمة يعبُّر بها عن اسم الكاتب أو المؤلف للكتاب ، فيكتب تحت عنوان الكتاب : (بقلم فلان) ، لتقوم مقام (تأليف فلان) ونحوها من العبارات ؛ ويظهر أن أصل هذه العبارة غربيٌّ وليس عربياً ، فإن كانت كذلك فهي أهلٌ لأن تُترك .
البلاء فيه من فلان :
إذا قيل : البلاء في هذا الحديث من فلان ، فمعنى ذلك أنه هو المتهم بوضعه .
__________
(1) ولكن تصحفت (زفر) في (المعرفة والتاريخ) إلى (زيد) .(2/186)
قال برهان الدين الحلبي في (الكشف الحثيث) (ترجمة رقم 236) : (الحسين بن إدريس الأنصاري الهروي المعروف بابن خرم بضم الخاء المعجمة ثم راء مشددة مهملة مفتوحة ثم ميم ، مشهور ، عن سعيد بن منصور وخالد بن هياج ؛ قال ابن أبي حاتم : كتب إلي بجزء من حديثه فإذا أول حديث منه باطل والثاني مثله والثالث ذكرته لعلي بن الحسين بن الجنيد فقال : أحلف بالطلاق أنه حديث ليس له أصل ؛ وكذا هو عندي ؛ فلا أدري البلاء منه أو من خالد بن هياج ؛ انتهى كلام ابن أبي حاتم ؛ ثم هذا كناية عن الوضع ؛ والله أعلم ؛ وقد ذكره ابن حبان في الثقات وقال : كان من أركان السنة في بلده!!).
وذكر في (الكشف الحثيث) (ص130) (ترجمة رقم 204) قول ابن عدي في بعض أحاديث شريك "لعل البلاء فيه من الخازن"(1) ؛ ثم قال - أي البرهان الحلبي - : (وقد تقدم أن هذه العبارة كناية عن الوضع) .
وانظر (له بلايا) .
__________
(1) أخرج ابن عدي في (الكامل) (4/19) الحديثَ المشار إليه من طريق الخازن وهو الحارث بن عبد الله الهمداني ، ثنا شريك عن عاصم بن أبي النجود والأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قال عيسى بن مريم : " اتخذوا البيوت منازل والمساجد سكناً، وكلوا من بقل البرية " ؛ قال : وزاد الأعمش "واشربوا من ماء القراح واخرجوا من الدنيا بسلام " .
قال ابن عدي : (وهذا منكر عن عاصم والأعمش جميعاً بهذا الإسناد ؛ ولا أدري لعل البلاء فيه من الحارث بن عبد الله).(2/187)
البلاغ :
البلاغ هو ما يرويه المحدث من الأحاديث أو الآثار مؤدياً إياه بصيغة (بلغنا عن فلان) ثم يذكر قائل ذلك الأثر أو فاعله بلا سند أو يذكر قطعة من سنده قبل ذلك . وقد اشتهر في هذا الباب بلاغات مالك ، وهي أحاديثه التي رواها في الموطأ على هذه الكيفية . والظاهر أنه يلتحق بصيغة (بلغنا عنه) في هذا الباب ما كان بمعناها مثل (روينا عنه) ونحو ذلك من الصيغ الصريحة في الانقطاع ، فيكون البلاغ والمعلق بمعنى واحد .
بلدي الرجل :
أي ابن بلده .
بلدي الرجل أعرف به :
من عادة المحدثين أن يقولوا : (بلدي الرجل أعلم به) أو (أهل بلده أعلم به) ، ولا شك أن هذا حق ، وأنه مستند من مستندات الترجيح عند اختلاف النقاد في راو من الرواة .
قال العقيلي في (الضعفاء) (3/37) (993) : (عبد الملك بن خلج الصنعاني ، حدثنا محمد بن عيسى قال حدثنا صالح بن أحمد قال حدثنا علي قال : سألت هشام بن يوسف عن عبد الملك بن خلج شيخ من أهل صنعاء روى عن وهب بن منبه ، فضعفه ، ومن حديثه ما حدثناه إبراهيم بن محمد بن بره قال حدثنا محمد بن الحسن بن سدوس الصنعاني قال حدثنا رباح بن زيد عن عبد الملك بن خلج عن وهب بن منبه في قول الله تبارك وتعالى إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه قال العمل الصالح يبلغ الدعاء لم يقع إلينا لهذا الشيخ رواية نختبر بها حاله ، وأهل بلده أعلم به) ؛ وانظر (أعرف بفلان) .
وأما الغرباء من النقاد فقد يخطئون في الكلام على من لا يعرفونه ؛ فلا بد من التثبت في قبول كلامهم في غير أهل بلدهم إذا خالف أهل ذلك البلد ؛ والكلام على مسألة كلام الغرباء من النقاد من وجوه :
الوجه الأول : أهل بلد الراوي أعرف به كما تقدم ، ولكن بشرط أن يكونوا من علماء النقد ، وليسوا من الرواة الذين لا علم لهم بالنقد أو لم يبلغوا مرتبة الإمامة في هذا الفن ؛ وإلا قُدم كلام الإمام ولو كان غريباً .(2/188)
الوجه الثاني : إذا وثق الناقد الغريب راوياً وجرحه أهل بلده ، حُمل ذلك على أنه تغيرت حاله بعد لقاء ذلك الناقد له ، أو حُمل على أنه تزين لذلك الناقد وحدث بين يده بأحاديث مستقيمة فوثقه ، قال المعلمي في حاشية (الفوائد المجموعة) (179) في الكلام على حديث (لا تظهر الشماتة لأخيك ، فيرحمه الله ويبتليك ) : (وأما أمية بن القاسم : فذكروا أن الصواب "القاسم بن أمية" ، ذكر الرازيان أنه صدوق ، وقال ابن حبان : "يروي عن حفص بن غياث المناكير الكثيرة " ، ثم ساق له هذا الحديث ، وقال : " لا أصل له من كلام النبي صلى الله عليه وسلم " ، قال ابن حجر : "شهادة أبي زرعة وأبي حاتم أنه صدوق أولى" ، أقول : بل الصواب تتبع أحاديثه ، فإن وجد الأمر كما قال ابن حبان ترجح قوله وبان أن هذا الرجل تغيرت حاله بعد أن لقيه الرازيان ، وإلا فكونه صدوقاً لا يدفع عنه الوهم ، وقد تفرد بهذا).
وقال المعلمي في حاشية الفوائد المجموعة (ص30) : (وعادة ابن معين في الرواة الذين ادركهم أنه إذا أعجبته هيئة الشيخ يسمع منه جملة من أحاديثه ، فإذا رأى أحاديث مستقيمة ظن أن ذلك شأنه فوثقه . وقد كانوا يتقونه ويخافونه ، فقد يكون أحدهم ممن يخلط عمدا ولكنه استقبل ابن معين بأحاديث مستقيمة ولما بعد عنه خلط ، فإذا وجدنا ممن أدركه ابن معين من الرواة من وثقه ، وكذبه الاخرون أو طعنوا فيه طعنا شديدا ، فالظاهر أنه من هذا الضرب ، فإنما يزيده توثيق ابن معين وهنا لدلالته علىأنه كان يتعمد) .(2/189)
وقال فيها (ص400) في محمد بن كثير الكوفي : (هالك تصنع لابن معين بأحاديث مستقيمة فظن ابن معين أن ذلك شأنه فأثنى عليه ، ثم ذُكر له بعض مناكيره فقال : فإن كان هذا الشيخ روى هذا فهو كذاب ؛ وقال أحمد : حرقنا حديثه ، وقال ابن المديني : كتبنا عنه عجائب وخططت على حديثه)(1) .
الوجه الثالث : تجهيلُ الناقدِ لراوٍ غريب عن بلده لا يضر ذلك الراوي إذا وثَّقه أهلُ بلده من العلماء النقاد؛ ومن باب أولى إذا كان ذلك الناقد متسرعاً في إطلاق التجهيل كابن حزم الأندلسي رحمه الله .
قال ابن عدي في (الكامل) (4/297-298) : (حدثنا محمد بن علي حدثنا عثمان بن سعيد سألت يحيى عن عبد الرحمن بن عبد الله الغافقي فقال لا أعرفه----.
ثنا محمد بن علي ثنا عثمان بن سعيد سألت يحيى عن عبد الرحمن بن آدم كيف هو ؟ فقال : لا أعرفه .
وهذان الاسمان اللذان ذكرهما عثمان عن ابن معين فقال : لا أعرفهما ، وإذا قال مثل ابن معين : لا أعرفه ، فهو مجهول غير معروف ، وإذا عرفه غيره لا يعتمد على معرفة غيره لأن الرجال بابن معين تسبر أحوالهم) .
__________
(1) نعم ، كان ابن معين ربما تساهل في الحكم على راو كذاب محتال غريب ، ولكن هذا في احكامه نادر وهو في الحقيقة راجع الى التسرع اكثر من رجوعه الى التساهل ، فإن الذي ينبغي أن يقال هنا ويُجزم به هو أن الغالب على ابن معين في نقده الرجال هو التورع والتثبت ، وأن ما وقع منه من تسرع أو اندفاع فمن النادر الذي لا تبنى عليه الأحكام ولا تتأثر به الأوصاف ؛ وراجع التنكيل (ص256-257) و (ص763) والكامل (1/184) .(2/190)
انتهى كلام ابن عدي وفيه نظر فإن من علم حجة على من لم يعلم(1) ؛ ولقد تعقبه ابن حجر في (التهذيب) (6/218) بقوله (وهذا لا يتمشى في كل الأحوال ، فرب رجل لم يعرفه ابن معين بالثقة والعدالة وعرفه غيره فضلاً عن معرفة العين ، لا مانع من هذا . وهذا الرجل(2) قال ابن معين فيه لا أعرفه وقد عرفه ابن يونس وإليه المرجع في معرفة أهل مصر والمغرب ، وقد ذكره ابن خلفون في الثقات ).
وقال القاضي عياض في (ترتيب المدارك) (3/66) في ترجمة عبدالله بن غانم القاضي ، وقد ذكر فيها توثيقَ غير واحد من العلماء له وثناء جماعة منهم عليه : (ولم يعرفه أبو حاتم لبعد قطره ، وقال : مجهول " ).
الوجه الرابع : قد يتفق أن يسمع الناقد الغريب من الراوي العسر بعض غرائبه ، بقراءة بعض الغرباء عليه ، فيضعفه أو يلينه لكثرة غرائبه في ذلك المجلس ، مع أنه في الحقيقة من الأقوياء ؛ انظر (العسر) .
تكميل : يؤخذ من كلام أهل العلم أن أعرف الناس بالمدنيين مالك، وبالشاميين أبو مسهر الدمشقي ، وبالكوفيين ابن نمير ، وبالبصريين شعبة ويحيى بن سعيد القطان وعبد الرحمن بن مهدي وعلي بن المديني، وبالبغداديين خاصة وبأهل العراق عامة أحمد بن حنبل ويحيى بن معين ، وبالكوفيين درة العراق ابن نمير ، وبالرازيين الرازيان أبو زرعة وأبو حاتم ، وبالمصريين ابن يونس ، وأعرف الناس بتاريخ بغداد الخطيب ، وبتاريخ دمشق ابن عساكر .
بلَغَ :
انظر (التسميع) .
بلغ به :
انظر (يبلغ به) .
بلغ به ابنَ عباس :
أي جعله موقوفاً عليه .
بلغنا :
انظر (البلاغ).
__________
(1) ولكن لعله قصد أمثال ابن حبان ممن يوثقون المجاهيل بشروط ذكروها ، فأراد أن توثيقهم لمن جهله مثل ابن معين لا يعتد به ، والله أعلم .
(2) يعني عبد الرحمن بن عبد الله الغافقي أمير الأندلس ؟.(2/191)
بمعناه :
إذا قيل في تخريج حديث: (رواه - أو أخرجه - فلان بمعناه)، فهذا - كما هو واضح - تصريح بأن لفظ ذلك الحديث ، أو لفظ تلك الرواية : مخالف للفظ الرواية المحال عليها، أي المذكورة قبل هذه الموصوفة بأنها بمعناها. وانظر (المعنى).
بنادرة الحديث :
أي المكثرون منه .
قال أبو حامد بن الشرقي كما في (سير أعلام النبلاء) (12/365) : (قيل لي: لمَ لم ترحل إلى العراق؟ فقلت : وما أصنع بالعراق وعندنا من بنادرة الحديث ثلاثة : الذهلي وأبو الأزهر وأحمد بن يوسف السلمي).
به :
أي بالإسناد المتقدم .
وهذه اللفظة كثيراً ما تأتي في كلام أهل التخريج ، فيذكر إسناد الحدسص من بعض الكتب إلى منتهاه ، ثم يذكر طريقاً أخرى له ، أعني متابعةً ، فإذا وصل في ذكرها إلى طبقة اتحاد الطريقين اختصر الكلام واقتصر على الإشارة إلى بقيته بقوله (به) .
وقد ترى في بعض الكتب عبارة (به بنحوه) أو (به بمعناه) أو غير ذلك ، فكلمة به تعود إلى السند ، وكلمة (بنحوه) - وكذلك كلمة بمعناه - تعود إلى المتن.(2/192)
مثال استعمالهم لفظة (به) بهذا المعنى قول ابن حجر في (التلخيص الحبير) (11) : (حديث أحلت لنا ميتتان ودمان السمك والجراد والكبد والطحال الشافعي وأحمد وابن ماجة والدارقطني والبيهقي من رواية عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أحلت لنا ميتتان ودمان فأما الميتتان فالجراد والحوت وأما الدمان فالطحال والكبد ؛ ورواه الدارقطني من رواية سليمان بن بلال عن زيد بن أسلم موقوفاً ، قال: وهو أصح ؛ وكذا صحح الموقوف أبو زرعة وأبو حاتم ، وعبد الرحمن بن زيد ضعيف متروك ، وقال أحمد: حديثه هذا منكر ، وقال البيهقي رفع هذا الحديث أولاد زيد بن أسلم عبد الله وعبد الرحمن وأسامة وقد ضعفهم ابن معين وكان أحمد بن حنبل يوثق عبد الله ؛ قلت : رواه الدارقطني وابن عدي من رواية عبد الله بن زيد بن أسلم؛ قال ابن عدي: الحديث يدور على هؤلاء الثلاثة ؛ قلت: تابعهم شخص أضعف منهم وهو أبو هاشم كثير بن عبد الله الأبلي أخرجه ابن مردويه في تفسير سورة الأنعام من طريقه عن زيد بن أسلم به بلفظ : يحل من الميتتة اثنان ومن الدم اثنان فأما الميتة فالسمك والجراد وأما الدم فالكبد والطحال----).
وانظر (مدرجة) و (وبه) .
بوّب :
يقال : بوّب الكتابَ : أي جعله أبواباً ؛ ويقال : بوَّب البخاري على هذا الحديث - أو له - بكذا من المعاني ، أي ترجم له بباب عنونه بذلك المعنى .
البياض :
هو ما يتركه مؤلف الكتاب أو ناسخه في ثنايا الكتاب موضعاً فارغاً لا يكتب فيه شيئاً ، رجاء أن يعود إليه فيكمله ، أو يكمله غيرًه ؛ سواء قلَّ ذلك الموضع أو اتسع.
والتبييض له أسباب منها ما يلي:
عدم تمكن الكاتب من القراءة الصحيحة للكلام في أصله الذي أراد نقله منه؛ إذا كان ناقلاً .
عدم استحضاره لمعنى الكلام على وجه التدقيق ، أو عدم استحضاره للفظه، ويحصل ذلك إذا كان يكتب من حفظه .(2/193)
أن تكون نسخة الكتاب مسوّدةً، فيترك فيها بياضات لأمور كثيرة ينوي إلحاقها في حال نشاطه أو عند تبييض الكتاب.
أن تمر به بعض المعاني التي يريد أن يكتبها ولكن لا يحب كتابتها قبل تحريرها وتحقيقها، فيترك لها بياضات تناسبها ، ليكتبها بعد ذلك .
وانظر مثالاً على البياضات التي يتركها المؤلفون تحت (روى عنه أهل بلده) .
وللبياض علامات يُعرف بها ؛ قال عبد السلام هارون في (تحقيق النصوص ونشرها) (ص55) : (وأحياناً يوضع الحرف "ض" في وسط الكلام ، إشارة إلى وجود بياض في الأصل المنقول عنه ؛ وجدته في نسخة من "جمهرة ابن حزم" ) .
بيّض الكتاب :
أي حرره ونقحه وأكمله ، وحذف ما فيه من معانٍ أو ألفاظٍ خارجة عنه ، أو غير مرضية فيه ، وأتقن كتابته ، فصار مبيّضاً بعد أن كان مسوَّداً غير صالح للنشر بين أهل العلم ؛ وانظر (المسودة) .
بيّض له :
إذا قيل : بيض زيد للشيء الفلاني ، فمعنى ذلك أنه ترك موضع ذلك الشيء بياضاً ؛ انظر (البياض).(2/194)
فصل التاء
التاء المثناة من فوق :
المراد ثالث الحروف ؛ انظر (ثالث الحروف) ، ولم يكتفوا في التنصيص على ضبطها بكلمة (التاء) لأنها تشتبه بكلمات (الباء) و(الثاء) و(الياء) ، فلما قالوا : (المثناة) خرجت الأُولَيان ، وبقيت (الياء) فأخرجوها بكلمة (من فوق) ، ويعبرون أحياناً بكلمة (الفوقية) أو (الفوقانية) ، بدل كلمة (من فوق) ؛ وانظر (الإعجام) .
التابعون :
التابعون جمع تابع ، أي تابعي ، فانظر (تابعي) .
تابعه فلان :
معنى قولهم (تابعه زيدٌ) بعد ذكر حديثٍ معينٍ لراوٍ معين، هو أنَّ زيداً وافقه على رواية ذلك الحديث سنداً ومتناً ، وشاركه فيه .
والأصل في إطلاق المتابعة أن تكون تامة ، أي أن تقع المشاركة في رواية الحديث ابتداءً من شيخ المتابع ، وإلى منتهى الرواية .
وأما إذا أريدت المتابعة القاصرة ، فينبغي التقييد .
والمتابعة القاصرة هي أن يشارك الراوي في رواية الحديث بعضُ أقرانه أو معاصريه ولكنه يرويه عن شيخ آخر غير شيخ المتابَع ، فلا يلتقي به في شيخه ، بل في بعض من فوقه.
وبعض المتابعات أقصر من بعض؛ وأقصرها أن يلتقي المتتابعان في الصحابي وهما مفترقان في طريقهما إليه.
وهذه العبارة (تابعه فلان) ظاهرها - كما ترى - صيغة جزم، ولكن المعاصرين ، لا يشترطون في إطلاقها ثبوت سند الطريق ، أي المتابَعة ، إلى راويها الموصوف بأنه متابِع، ولذلك لا يقتصرون في إطلاقها على الطرق التي تثبت إلى المتابِعين ، بل يطلقونها أيضاً على ما لا يثبت إليهم من الطرق، سواء كانت صالحة للتقوية ، أو متروكة.
فترى المخرِّج يقول : تابعه فلان وفلان و --- ؛ ثم يبدأ يفصل القول على تلك المتابعات ، ومنها في كثير من الأحيان متابعات ساقطة عن حد الاعتبار ، كما يبينه ذلك المخرِّج نفسُه ، بل ربما تراه يبين في بعض المتابعات التي يذكرها ، أن راويها كان سارقاً وليس متابعاً .
وأما المتقدمون ، فالأئمة منهم كان من عادتهم أن لا يذكروا من المتابعات في كتبهم المؤلفة على الأبواب إلا ما كان صالحاً للتقوية في الجملة ، ومن شروط تلك الصلاحية أن تثبت تلك المتابعة إلى المتابِع .(2/195)
ولكن ينبغي أن يلاحظ أن هذا هو الأصل فقط ، وليس عملاً مطرداً ، ويلاحظ أيضاً أن هذا الأصل يكون ظاهراً في كتب الأبواب ، أعني الكتب المؤلفة للاحتجاج كالصحاح والسنن، كالسنن الأربعة و (السنن الكبرى) للبيهقي(1) ؛ بخلاف الكتب المؤلفة لاستيفاء الطرق أو التي كان المقصود منها التوسع في التخريج فكثيراً ما يُذكر فيها المتابعات التي لا يُعتد بها ، قد يكون ذلك لفائدة إسنادية يريد المصنف الإشارة إليها .
هذا ومن فوائد الإشارة إلى المتابعة إذا كان شيخ المتتابعَين مختلطاً أن يكون ذلك المتابِع الثاني ممن سمع منه قبل الاختلاط ، فيُحكم للأول بأنه قد سمعها منه قبل اختلاطه، أيضاً.
وانظر (المتابعة).
تابعي :
التابعي من لقي الصحابة من المسلمين حال إسلامه ، وليس منهم ؛ وهم من القرون الثلاثة الفاضلة .
والتابعون ينقسمون إلى كبار وصغار ، وقسمهم ابن حجر في (تقريب التهذيب ) إلى أكثر من ذلك ؛ فقد قال في خطبة (تقريب التهذيب) :
(وأما الطبقات:
فالأولى : الصحابة ، على اختلاف مراتبهم ، وتمييز من ليس له منهم إلا مجرد الرؤية من غيره .
الثانية : طبقة كبار التابعين ، كابن المسيب ، فإن كان مخضرماً صرحت بذلك .
الثالثة : الطبقة الوسطى من التابعين ، كالحسن وابن سيرين .
الرابعة : طبقة تليها : جُلُّ روايتهم عن كبار التابعين، كالزهري وقتادة .
الخامسة : الطبقة الصغرى منهم ، الذين رأوا الواحد والاثنين، ولم يثبت لبعضهم السَّماع من الصحابة ، كالأعمش .
السادسة : طبقة عاصروا الخامسة ، لكن لم يثبت لهم لقاء أحد من الصحابة، كابن جريج .
السابعة : طبقة كبار أتباع التابعين، كمالك والثوري)(2) .
__________
(1) لا شك أن ما يخرجه أو يشير إليه الشيخان في (صحيحيهما) من المتابعات هو أقوى شروطاً - في الجملة - من شروط أصحاب سائر كتب الرواية في ذلك، ومنها السنن الأربعة وصحاح ابن خزيمة وابن حبان وغيرهما.
(2) تتمة كلام ابن حجر :
(الثامنة : الطبقة الوسطى منهم، كابن عيينة وابن علية .
التاسعة : الطبقة الصغرى من أتباع التابعين: كيزيد بن هارون، والشافعي، وأبي داود الطيالسي، وعبد الرزاق .
العاشرة: كبار الآخذين عن تبع الأتباع، ممن لم يلق التباعين، كأحمد بن حنبل .
الحادية عشرة: الطبقة الوسطى من ذلك، كالذهلي والبخاري.
الطبقة الثانية عشرة: صغار الآخذين عن تبع الأتباع، كالترمذي، وألحقت بها باقي شيوخ الأئمة الستة، الذين تأخرت وفاتهم قليلاً، كبعض شيوخ النسائي.
وذكرت وفاة من عرفت سنة وفاته منهم، فإن كان من الأولى والثانية: فهم قبل المائة، وإن كان من الثالثة إلى آخر الثامنة: فهم بعد المائة، وإن كان من التاسعة إلى آخر الطبقات: فهم بعد المائتين، ومن ندر عن ذلك بينته ).(2/196)
قلت : ظاهر وصف ابن حجر للطبقة الخامسة بأنها الطبقة الصغرى من التابعين يؤخذ منه أنَّ ما بعدها ليس من التابعين ؛ ولكن ظاهر وصفه بعدئذ الطبقة السابعة بأنها طبقة كبار أتباع التابعين يؤخذ منه أن الطبقة السادسة تُعدّ من طبقات التابعين ؛ فهل معنى ذلك أنَّ ابن حجر متردد في تسمية الطبقة السادسة بين التابعين وأتباعهم ، أو أن لها اسماً يخصّها ؟ الثاني بعيد ولا أعلم من قال به ، والأول محتمَل ، وأقرب منه أنهم عنده من أتباع التابعين ، وأنه لا يمنع وصف السابعة بأنها كبار أتباع التابعين أن تكون السادسة كذلك ، بل هذا الوصف بها أولى ؛ ولعل ابن حجر لم يصف السادسة بذلك لقلة أصحابها ، والله أعلم .
فائدة : قل كلام النقاد في التابعين تعديلاً وتجريحاً؛ ولهذا كثيراً ما اضطر النقاد في الكلام على التابعي إلى الاعتماد على النظر في أحاديثه مقتصرين على ذلك وحده، لعدم سواه مما يعضده؛ سوى بعض الأصول البعيدة ، من مثل كون الأغلب على أهل ذلك القرن الخير والصلاح والصدق؛ ولذلك ترى طائفة قليلة من النقاد تساهلوا في نقدهم مجاهيل التابعين تساهلاً بيناً فجعلوا الأصل فيهم التوثيق وهم لا يخرجون عنه إلا بدليل واضح جداً، ووقع شيء من هذا في حق جماعة من أتباع التابعين؛ وهذا بخلافِ مَنْ بعْدَ هذين القرنين من الرواة؛ وانظر (الوفيات) .
التاريخ :
التاريخ - أو التوريخ - له معنى في اللغة ، ومعنى آخر في العرف العام ، ومعنى ثالث في اصطلاح المحدثين .
أما معناه في اللغة فتعريف الوقت والإعلام به ، يقال : أرخت الكتاب وورَّخته أي بينت وقتَ كتابتِه ؛ واختلف علماء اللغة في هذه المادة فبعضهم قال انها عربية وبعضهم قال انها معربة .
قال الجوهري في (الصحاح) تحت مادة (أرخ) : (التأْريخُ: تعريف الوقت ؛ والتَوْريخُ مثله ؛ وأَرَّخْتُ الكتابَ بيوم كذا، ووَرَّخْتُهُ، بمعنىً. والإراخُ: بقرُ الوحشِ، الواحدةُ إرْخٌ ) ؛ انتهى .(2/197)
وقال ابن منظور في (لسان العرب) (3/4) (أرخ): (التَّأْرِيخُ: تعريف الوقت، والتَّوْريخُ مثله . أَرَّخَ الكتابَ ليوم كذا: وَقَّته والواو فيه لغة، وزعم يعقوب أن الواو بدل من الهمزة----.
ابن بُزُرْج: آرَخْتُ الكتابَ فهو مُؤَارَخ ، وفَعَلْتُ منه أَرَخْتُ أَرْخاً وأَنا آرِخٌ.
الليث: والأَرْخُ و الإِرْخُ والأُرْخِيُّ : البقر، وخص بعضهم به الفَتِيّ منها، والجمع آراخٌ وإِراخ، والأُنثى أَرْخَة وإِرْخَة، والجمع إراخٌ لا غير).
ثم ذكر ابن منظور أقوال أهل اللغة في معنى (الإرخ) ومشتقاته ، وذكر فيما ذكره قول من قال : "الأَرخ ولد البقرة الصغير" ؛ ثم قال : (وقيل: إِن التأْريخ مأْخوذ منه ، كأَنه شيء حَدَث كما يَحْدُثُ الولد؛ وقيل: التاريخ مأْخوذ منه لأَنه حديث ) .
وقال السخاوي في (الإعلان بالتوبيخ لمن ذم أهلَ التاريخ) (ص382-383) : (فالتاريخ في اللغة : الإعلام بالوقت ، يقال : أرختُ الكتابَ وورّخته ، أي بينتُ وقتَ كتابته ، قال الجوهري : التاريخ تعريف الوقت ، والتورخ مثله ، يقال : أرخت وورخت ؛ وقيل : اشتقاقه من الارخ ، يعني بفتح الهمزة وكسرها ، وهو صغار الأنثى من بقر الوحش ، لأنه شيء حدث كما يحدث الولد ؛ انتهى(1) ؛ وقد فرق الأصمعي بين اللغتين فقال : "بنو تميم يقولون : ورَّختُ الكتاب توريخاً ، وقيس تقول : أرَّخته تأريخاً) .
ثم نقل السخاوي أشياء أخرى في شرح معنى التاريخ في اللغة ، ثم بين معنى التاريخ في الاصطلاح ، ويأتي نقل ذلك في موضعه .
وأما في العرف العام فتطلق كلمة (التاريخ) على العِلم الذي يُعْنَى أهله بنقل المهم من أخبار الماضين مع بيان وقتها ومكانها وتفاصيلها بحسب ما يتيسر لهم .
وينقسم التاريخ بهذا المعنى إلى قسمين : قسم الحوادث وقسم التراجم .
__________
(1) ظاهر السياق أن الكلام الذي حكاه السخاوي إنما هو كلام الجوهري ، فلعل نسخة الصحاح التي نقل منها غير هذه النسخة المطبوعة .(2/198)
وموضوع القسم الأول : كبار الوقائع ومهماتها التي يعظم تأثيرها في حياة الناس نفعاً أو ضرراً كالفتوح الهامة، والحروب الشاملة، والولايات الكبيرة، كالخلافة والتملك والاستيلاء على البلاد واستخلاصها ، والغلاء الفاحش ، والأمراض المنتشرة والفيضانات المهلكة والزلازل المدمرة ونحوها ، ويلتحق بذلك ما وقع من عجائب الأمور وعظائم الآيات .
وموضوع القسم الثاني : ذكر المشاهير من الناس ومن عظُم أثرهم على الآخرين في باب الخير أو الشر ، وتعيين أوقات ولاداتهم ووفياتهم وذكر شيء من سيرهم وأهم آثارهم وأبرز أحوالهم وصفاتهم وخصائصهم وما اشتهروا به من علوم أو آداب أو صناعات أو مهارات .
وأما في عرف المحدثين فمدار فن التاريخ على بيان وفَيات الرواة وولاداتهم ، والإشارة إلى طبقة شيوخهم وتلامذتهم ، وبيان من سمع منهم ومن سمعوا منه ، وبيان من لم يسمع منهم ومن لم يسمعوا منه ، ولا سيما إذا كانوا ممن قد يتوهم في حقهم السماع بسبب المعاصرة أو رواية ظاهرها السماع أو غيرِ ذلك ؛ ويضيفون إلى ذلك في كثير من الأحيان بيان أحوال الرواة في مروياتهم فيذكرون صفاتهم من حيث العدالة والضبط ، وقد يزيد بعضهم على ذلك مسائل أخرى مما يتعلق بترجمة ذلك الراوي وسيرته .(2/199)
قال السخاوي في (الإعلان بالتوبيخ) (ص385) : (و[التاريخ] في الاصطلاح : التعريف بالوقت الذي تضبط به الأحوال ، من مولد الرواة والأئمة ، ووفاةٍ ، وصحة عقلٍ(1) وبدنٍ ، ورحلة ، وحج ، وحفظ وضبط ، وتوثيق ، وتجريح ، وما أشبه هذا مما مرجعه الفحص عن أحوالهم في ابتدائهم وحالهم واستقبالهم ؛ ويلتحق به ما يتفق من الحوادث والوقائع الجليلة ، من ظهور مُلمة ، وتجديد فرض ، وخليفة ووزير وغزوة ، وملحمة ، وحرب ، وفتح بلد ، وانتزاعه من متغلِّب عليه ، وانتقال دولة ، وربما يتوسع فيه لبدء الخلق وقصص الأنبياء ، وغير ذلك من أمور الأمم الماضية ، وأحوال القيامة ومقدماتها ، مما سيأتي ، أو دونها ، كبناء جامع ، أو مدرسة ، أو قنطرة ، أو رصيف ، أو نحوها مما يعم الانتفاع به ، مما هو شائع مشاهَد ، أو خفيّ : سماوي ، كجراد وكسوف وخسوف ، أو أرضي ، كزلزلة وحريق وسيل وطوفان وقحط وطاعون وموتان وغيرها من الآيات العظام والعجائب الجسام .
والحاصل أنه فن يبحث فيه عن وقائع الزمان من حيثية التعيين والتوقيت ، بل عما كان في العالم) ؛ انتهى .
ويحصل في كثير من الأحيان التجوز بإطلاق لفظة (كتب التاريخ) أو (تواريخ المحدثين) أو نحو ذلك على كتب الجرح والتعديل ، أو التجوز بعكس ذلك ، والأمر في مثل هذا واسع قريب .
وتكلم السخاوى في (فتح المغيث) (4/394) على علم طبقات الرواة فقال : (وهو من المهمات ، وفائدته الأمن من تداخل المشتبهين ، كالمتفقين في اسم أو كنية أو نحو ذلك ، كما بيناه في المتفق والمفترق ، وإمكانُ الإطلاعِ على تبين التدليس ، والوقوف على حقيقة المراد من العنعنة ، وبينه وبين التاريخ عموم وخصوص وجهي ، فيجتمعان في التعريف بالرواة ، وينفرد التاريخُ بالحوادثِ والطبقاتُ بما إذا كان في البدريين مثلاً من تأخرت وفاته عمن لم يشهدها ، لاستلزامه تقديم المتأخر الوفاة .
__________
(1) في مطبوعة (التوبيخ) : (وعقل) ، وزيادة هذه الواو خطأ .(2/200)
وقد فرق بينهما بعض المتأخرين بأن التاريخ يُنظر فيه بالذات إلى المواليد والوفيات ، وبالعَرض إلى الأحوال ، والطبقات يُنظر فيها بالذات إلى الأحوال وبالعرض إلى المواليد والوفيات ، ولكن الأول أشبه ) .
وهذه بعض ما يتعلق بكيفية كتابة التواريخ من التنبيهات اللغوية التي ذكرها الصفدي في الفصل الثاني من فصول مقدمة كتابه (الوافي بالوفيات) (1/16-17) إذ قال : (تقول العرب : أرَّختُ وورَّخت ، فيقلبون الهمزة واواً ، لأن الهمزة نظير الواو في المخرج ، فالهمزة من أقصى الحلق ، والواو من آخر الفم ، فهي محاذيتها ؛ ولذلك قالوا في "وَعَدَ" : أعد ، وفي "وجوه" : أُجوه ---- ، فعلى ذلك يكون المصدر تاريخاً وتوريخاً ، بمعنى.
وقاعدة التاريخ عند أهل العربية أن يورخوا بالليالي دون الأيام ، لأن الهلال إنما يُرى ليلاً .
ثم إنهم يؤنثون الذكر(1) ويذكرون المؤنث ، على قاعدة العدد ، لأنك تقول : ثلاثة غلمان وأربع جوارٍ .
إذا عرفت ذلك فإنك تقول في الليالي ما بين الثلاث إلى العشر : ثلاث ليالٍ ، إلى بابه ، وتقول في الأيام ما بين الثلاثة إلى العشرة : ثلاثة أيام وأربعة أيام وبابه----.
وأضافوا العدد من الثلاثة إلى العشرة إلى جموع القلة ، فقالوا : ثلاثة أيام وأربعة أجمال وخمسة أشهر وستة أرغفة ؛ ولا يورَد ههنا قوله تعالى "ثلاثة قروء" لأنه ميَّز الثلاثة بجمع الكثرة ، لأن المعنى : كل واحدة من المطلقات تتربص للعدة ثلاثة أقراء ثلاثة أقراء ، فلما كان مجموع الأقراء من المطلقات كثيراً ميَّز الثلاثة بجمع الكثرة .
__________
(1) كذا في المطبوعة ، والجادة (المذكَّر) .(2/201)
ولا يُنقض هذا بقوله تعالى " اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنفُسَ"(1) ، فأتى بجمع القلة والنفوس المتوفاة كثيرة إلى الغاية ، إشعاراً بتهوين هذا الفعل في مقدور الله تعالى ، وكأنَّ تَوَفّي هذه النفوس الكثيرة التي عُلم كثرتُها وتُحقِّقَ تزايدُها ، في مقدور الله تعالى كأنه تَوَفّي أنفسٍ قليلة دون العشرة)(2) .
وفيما يلي بيانٌ لكيفية كتابة التاريخ ، منقولٌ من كلام الصفدي أيضاً .
قال الصفدي (1/20-22) : (تقول للعشرة وما دونها : "خَلَوْنَ" ، لأن المميّز جمعاً(3) والجمع مؤنث .
وقالوا لما فوق العشرة : "خلت" ، ومضت ، لأنهم يريدون أن مميّزه واحد .
__________
(1) الزمر (42) .
(2) استرسلتُ فذكرت هذه الفائدة ، وإن كانت غير لصيقة بموضوع هذا الباب أو الكتاب ، وإنما فعلتُ ذلك ، لأنها فائدة في بلاغة القرآن العظيم ، وُجدت في غير مظنتها ؛ وما أحسن الفائدة إذا عُثر عليها في غير الموضع الذي تُتوقَّع فيه .
ومما قاله الصفدي بعد هذا الكلام قولُه : (وإذا أردتَ تعريف العدد المضاف أدخلت الأداة على الاسم الثاني فتعرف به الأول نحو ثلاثة الرجال ومئة الدرهم ، كقولك : غلام الرجل ؛ قال ذو الرمة :
وهل يُرجع التسليمَ أو يكشف العمى
ثلاثُ الأثافي والرسومُ البلاقعُ
ولا يجوز الخمسة دراهم ، لأن الإضافة للتخصيص ، وتخصيص الأول باللام يغنيه عن ذلك ، فأما ما لم يُضف فأداة التعريف في الأول ، نحو الخمسة عشر درهماً ، إذ لا تخصيص بغير اللام وقد جاء شيء على خلاف ذلك ) .
ثم قال : (تنبيه : الفصيح أن تقول : عندي ثماني نسوة ، وثماني عشرة جارية ، وثماني مئة درهم ، لأن الياء هنا ياء المنقوص وهي ثابتة في حالة الإضافة والنصب ، كياء قاضٍ ؛ فإن قلت : قول الأعشى:
ولقد شربت ثمانياً وثمانياً**وثمان عشرة واثنتين وأربعا
يخالف ذلك ؛ قلت : بابه الضرورة في الشعر) .
(3) كذا .(2/202)
وتقول من بعد العشرين : "لتسعٍ إن بقيْنَ" ، و"ثمانٍ أن بقينَ" ، تأتي بلفظ الشك ، لاحتمال أن يكون الشهر ناقصاً أو كاملاً .
وقد منع أبو علي الفارسي رحمه الله تعالى أن يُكتب "لليلة خلت" كما منع من صبيحتها أن يقال : "المستهَلّ" ، لأن الاستهلال قد مضى ؛ ونصَّ على أن يؤرخ بأول الشهر في اليوم ، أو بليلةٍ خلتْ منه .
وقال الحريري في (درة الغواص) : (والعرب تختار أن تجعل النون للقليل والتاء للكثير ، فيقولون : لأربع خلون ، ولأربع عشرة ليلةٍ خلت ؛ قال : ولهم اختيار آخر ، وهو أن تجعل ضمير الجميع للكثير(1) : الهاءَ والألف ، وضمير الجمع القليل : الهاءَ والنون المشددة ؛ كما نطق القرآن : " إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ"(2) ؛ فجعل ضمير الأشهر الحرم بالهاء(3) والنون ، لقلتهن ، وضميرَ شهور السنة الهاء والألف ، لكثرتها ؛ وكذلك اختاروا أيضاً أن ألحقوا لصفة الجمع الكثير الهاءَ ، فقالوا : أعطيتُه دراهم كثيرة ، وأقمتُ أياماً معدودة ؛ وألحقوا لصفة الجمع القليل الألفَ والتاء ، فقالوا : أقمت أياماً معدودات ، وكسوْتُه أثواباً رفيعات ؛ وعلى هذا جاء في سورة البقرة " وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً"(4) ، وفي سورة آل عمران : " إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ"(5) ، كأنهم قالوا أولاً بطول المدة ثم إنهم رجعوا عنه فقصروا المدة ؛ انتهى .
والواجب أن تقول في أول الشهر : "لليلة خلت منه" ، أو "لغرته" ، أو لمستهلِّه" ؛ فإذا تحققتَ آخره قلت : انسلاخه ، أو سلخه ، أو آخره.
__________
(1) في نسخة (الكثير) .
(2) التوبة (36) .
(3) في (درة الخواص) (الهاء) ، بلا باء .
(4) البقرة (80) .
(5) آل عمران (24) .(2/203)
قال ابن عصفور : والأحسن أن تورِّخ بالأقل فيما مضى وما بقي ، فإذا استويا أرخت بأيهما شئت .
قلت : بل إن كان في خامس عشر قلتَ : منتصف ، أو في خامس عشر ، وهو أكثر تحقيقاً ، لاحتمال أن يكون الشهرُ ناقصاً ، وإن كان في الرابع عشر ذكرته ، أو السادس عشر ذكرته) .
ثم ذكر الصفدي عقب ذلك هذه الفائدة :
(ورأيتُ الفضلاء قد كتبوا بعضَ الشهور : "بشهر كذا" ، وبعضها لم يذكروا معه شهراً ، وطلبت الخاصة في ذلك فلم أجدهم أتوا بشهر إلا مع شهر يكون أوله حرف راء ، مثل شهري ربيع وشهري رجب ورمضان ، ولم أدر العلة في ذلك ما هي ، ولا وجه المناسبة ، لأنه كان ينبغي أن يُحذف لفظ شهر من هذه المواضع ، لأنه يجتمع في ذلك راءان ، وهم قد فرّوا من ذلك ، وكتبوا داود وناوس وطاوس ، بواو واحدة ، كراهية الجمع بين المثلين .
وجرت العادة بأن يقولوا في شهر المحرَّم : شهر الله ، وفي شهر رجب : شهر رجب الفرد ، أو الأصمّ ، أو الأصبّ ، وفي شعبان : شعبان المكرَّم ، وفي رمضان : رمضان المعظَّم ، وفي شوال : شوال المبارك(1) .
ويورِّخوا أول شوال بعيد الفطر ، وثامن ذي الحجة بيوم التروية ، وتاسعه بيوم عرفة ، وعاشره بعيد النحر ، وتاسع المحرم بيوم تاسوعاء ، وعاشره بيوم عاشوراء ، فلا يحتاجون أن يذكروا الشهر ، ولكن لا بد من ذكر السنة.
قد يجيء في بعض المواضع "نَيِّف" و "بِضْع" ، مثل قولهم : نيف وعشرين ، وهو بتشديد الياء ، ومَن قال نيف بسكونها فذلك لحن ؛ وهذا اللفظ مشتق من : أناف على الشيء ، إذا أشرف عليه ، فكأنه لما زاد على العشرين كان بمثابة المشرف عليها ؛ ومنه قول الشاعر:
حللتُ برابيةٍ رأسُها *** على كلِّ رابيةٍ نيِّفُ
__________
(1) ويقال في صَفَر : "صَفَر الخير" ، ردّاً على العرب إذ كانوا يتشاءمون به قبل الإسلام ، وإبطالاً لذلك التشاؤم ، فإنه باطل .(2/204)
واختُلف في مقداره ، فذكر أبو زيد أنه ما بين العقدين ، وقال غيره : هو الواحد إلى الثلاثة ، ولعل هذا الأقرب إلى الصحيح .
وقولهم "بضع عشرة سنة" ، البضع أكثر ما يستعمل فيما بين الثلاث إلى العشر ، وقيل : بل هو ما دون نصف العقد) ؛ انتهى النقل من كتاب الصفدي .
ويراجع في هذه الأبواب ونحوها ما كتبه القلقشندي مسهباً في (صبح الأعشى) (2/366-467)(1) .
وأما فائدة التاريخ ، فإنَّ للتاريخ نفعاً عظيماً لا يخفى على عاقلٍ فضلاً عن عالم ؛ فمعرفة التاريخ لها فضل جدُّ كبيرٍ على الأفراد والأمم ، فهو ضبط لما يحتاجه الناس من بدايات ونهايات الأزمنة ، وما أكثر حاجتهم إلى ذلك ، ثم هو مادة الاقتداء والاعتبار عند الموفَّقين ، وهو تقوية للأجيال المتأخرة من أهل الحق بشدها بمتانة إلى أسلافها وتعريفهم بفضائلهم ، فينهلون من عذب معين أولئك الأسلاف ويتسابقون إلى اللحاق بهم ، وفي التاريخ بيان أوقات ظهور الفرق الضالة ، وكيف ظهرت ، ومصائر الأمم المنحرفة عن جادة الصواب ، وكيف أُهلكت ، وفيه وصف للفتن وكيف نجا منها من نجا ، وكيف غرق فيها من غرق ؛ إلى فوائد أخرى متكاثرة يطول تعدادها ، ولعل فيما ذكرتُه من أمثلتها ما يُرشد إلى نظائها .
__________
(1) وهو كما أسماه : (الفصل الثالث من الباب الأول من المقالة الأولى : في معرفة الأزمنة والأوقات من الأيام والشهور والسنين على اختلاف الأمم فيها وتفاصيل أجزائها والطرق الموصلة إليها ومعرفة أعياد الأمم ).(2/205)
قال الصفدي في خطبة كتابه (الوافي بالوفيات) : (1/3-5) : (وبعد ، فلما كانت هذه الأمة المرحومة، والملة التي أمست أخبارها بمسك الظلام على كافور الصباح مرقومة، خير أمة أخرجت للناس، وأشرف ملة أبطل فضلها المنصوص من غيرها قواعدَ القياس، علماؤها كأنبياء بني اسرائيل(1)، وامراؤها كملوك فارس في التنويه والتنويل، وفضلاؤها أربوا على حكماء الهند واليونان في التعليم والتعليل، كم فيهم من فرد جمع المفاخر، وكاثرت مناقبه البحور الزواخر---- : جمع المؤرخون رحمهم الله تعالى أخبار تلك الأحبار ونظموا سلوك تلك الملوك وأحرزوا عقود تلك العقول، وصانوا فصوص تلك الفصول، فوقفت على تواريخ ماتت أخبارُها في جلدها، ودخلتُ بتسطيرها الذي لا يبلى جنة خلدها.
ورأيت كلاً ما يعلل نفسه***بتعلّةٍ وإلى الممات يصير
__________
(1) هذا القول الله أعلم بصحته .(2/206)
ووجدت النفس تستروح إلى مطالعة أخبار من تقدم، ومراجعة آثار من خرِبَ رَبْعُ عمره وتهدَّم، ومنازعة أحوال مَن غبر في الزمان وما ترك للشعراء من متردَّم، إذ هو فن لا يُملُّ مِن إثارة دفاين دفاتره، ولا تُبَلُّ جَوانح مَن أَلِفه إلا بمواطن مواطره، كمن من ناظر اجتنى زهراً ناضراً مِن أوراقه، وكم من ماهر اقتنى قمراً سافراً بين أرواقه، لأن المطَّلعَ على أخبارِ مَن درَج ووقائعِ مَن غاب في الموت وما خرج ومآثر مَن رقا إلى سماء السيادة وعرج، ومناقب من ضاق عليه خناق الشدة إلى أن فُتح له باب الفرج : يعود كأنه عاصَرَ أوليك ، وجلس معهم على نمارق الأسرة واتَّكا بينهم على وسايد الأرايك، واستجلى أقمار وجوههم إما في هالات الطيالس أو في دارات الترايك، وشاهد من أشرارهم شرر الشياطين وفُضَّ له فضل أخيارهم في ملأ الملائك، وعاطاهم سلافة عصرهم في عصرهم السالف، ورآهم في معاركهم ينتشقون رياحين السيوف ويستظلون القنا الراعف، فكأنما أولئك القوم لِداته وأترابُه، ومن ساءه منهم : أعداؤه ، ومن سرَّه : أحبابُه، لكنهم درجوا في الطليعة مِن قبله، وأتى هو في الساقة على مَهله .
وما نحن إلا مثلهم غير أنهم
مضوا قبلنا قُدْماً ونحن على الاثر
والتاريخ للزمان مرآة، وتراجم العالم للمشاركة في المشاهدة مرقاة، وأخبار الماضين لمن عاقر الهموم ملهاة.
لولا أحاديث أبقتها(1) أوايلنا
من الندى والردى لم يُعرف السمَرُ
وما أحسن قول الأرَّجاني:
إذا عرف الإنسان أخبارَ من مضى
توهَّمتَه قد عاش في أول الدهر
وتحسبه قد عاش آخر دهره
إلى الحشرِ إن أبقى الجميل من الذكر
فقد عاش كل الدهر من كان عالماً
كريماً حليماً فاغتم أطول العمر
__________
(1) رسمت في المطبوعة هكذا (أبقها) ، ولعلها (أبقاها) أو (أبقتها) كالذي أثبتُّه .(2/207)
وربما أفاد التاريخُ حزماً وعزما، وموعظةً وعلما، وهِمَّةً تُذْهِبُ هَمّا، وبياناً يُزيل وهناً ووهْما، وحِيَلاً تُثار للأعادي مِن مكامن المكايد، وسُبلاً لا تعرج بالأماني إلى أن تقع من المصايب في مصايد، وصبْراً يبعثه التأسّي بمن مضى، واحتساباً يوجب الرضا بما مرَّ وحلا من القضا، "وكلاً نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك"، فكم تشبث مَن وقف على التواريخ بأذيال مَعالٍ تنوعتْ أجناسها، وتشبَّه بمن أخلده خمولُه إلى الأرض وأصعده سعده إلى السُّهى، لأنه أخذ التجارب مَجّاناً من أنفق فيها عمره، وتجلَّت له العِبر في مرآة عقله فلم تطفح لها مِن قلبه جمرة، ولم تُسفح لها في خده عَبرة، "لقد كان في قصصهم عِبرة لأولى الألباب" ) ؛ انتهى .
ولقد أطال العلامة الحافظ المؤرخ البارع أبو الخير السخاوي رحمه الله في كتابه الحافل البديع (الإعلان بالتوبيخ لمن ذم التوريخ) (ص385-454) الكلام على فضائل التاريخ ومنافع الاطلاع عليه .
وكذلك فعل في كتابه الآخر (فتح المغيث) (4/310 وما بعدها) ، وقد افتتح كلامه في بيان فضل التاريخ بقوله (وهو فن عظيم الوقع من الدين قديم النفع به للمسلمين لا يستغنى عنه ولا يعتنى بأعم منه خصوصا ما هو القصد الأعظم منه ، وهو البحث عن الرواة والفحص عن أحوالهم في ابتدائهم وحالهم واستقبالهم----) .(2/208)
وأيضاً ألف الحافظ السيوطي كُتيِّباً أسماه (الشماريخ في علم التاريخ) تكلم في بابه الأول على مبدأ التاريخ ، وفصّل بعض الشيء في مبدأ التأريخ الهجري ، وبيّن في بابه الثاني فوائد التاريخ ، وذكر في بابه الثالث فوائد شتى تتعلق بالتاريخ ، كضبط أسماء الأشهر وجموعها ، وبيان معانيها ، وكيفية كتابة التواريخ ؛ قال محقق هذه الرسالة الدكتور إبراهيم السامرائي في تقديمها لها ، وذلك في (ص390) من المجموع الذي طبعه باسم (رسائل ونصوص في اللغة والأدب والتاريخ) : (تتعلق مادة الرسالة بالتاريخ ، وكيف اهتدى المسلمون منذ زمن النبي صلى الله عليه وسلم ، إلى الطريقة التي أرخوا بها ، وكيف استقروا على أن تكون هجرته صلى الله عليه وسلم مبدأ لتاريخ المسلمين ---- ، وفي هذه الرسالة مادة لغوية تتصل بكتابة العدد حين يراد تاريخ وفاة ، أو ولادة ، أو تعيين حدث من الأحداث ؛ وهذه المسألة تكشف كيف تجاوز المحْدَثون في عصرنا على هذه الأصول المتبعة وابتعدوا عن سنن العربية ) ؛ انتهى .
وانظر (المرويات التاريخية) و (الأخبار) و (الأخباريون) .
تاريخ الكتاب :
أي بيان تاريخ تصنيفه أو نسخه ، أو الفراغ من ذلك ؛ وانظر (التاريخ).
التاريخ الميلادي :
هو التاريخ الذي يبدأ بولادة النبي العظيم عيسى بن مريم عليه السلام ، تلك الولادة الخارقة التي هي آيات من آيات رب العالمين تبارك وتعالى ؛ وانظر (التاريخ الهجري) .
التاريخ الهجري :
وأما التاريخ الهجري فهو التاريخ الذي يبدأ بهجرة نبينا الكريم خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلم ، إلى المدينة المنورة ، وكان اختيار ذلك التاريخ بأمرٍ من أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه .(2/209)
تكلم على مبدأ التاريخ الهجري وغيرِه ، من القدماء ، الإمام الطبري في تاريخه (2/253 وما بعدها) ، وغيرُه من المؤرخين والأخباريين ، وتبعهم على ذلك جماعة ممن جاء بعدهم من المؤرخين والأدباء(1) .
ولقد رأيت أن أذكر هنا بعض ما فيه بيان لأصل التاريخ الهجري وبعضِ التواريخ الأخرى ، وبعضَ الفوائد المتعلقة بذلك ، ناقلاً لذلك من كلام الأديب المؤرخ صلاح الدين الصفدي من مقدمة كتابه الشامل الحافل (الوافي بالوفيات) ، ومن كلام الحافظ المؤرخ أبي الخير السخاوي في كتابه المحرر (فتح المغيث) ، فقد ذكرا فيهما مما يتعلق بهذا الباب أموراً تشتد الحاجة إلى معرفتها ويبعد أن يزهد فيها طالبٌ حريص ؛ قال الصفدي رحمه الله (1/9-10) :
(المقدمة :
وفيها فصول :
الأول : كانت العرب تورخ في بني كنانة من موت كعب بن لؤي ؛ فلما كان عامُ الفيل أرخت منه ، وكانت المدة بينهما مية وعشرين سنة ؛ قال صاحب "الأغاني" أبو الفرج : إنه لما مات الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم أرخت قريش بوفاته مدةً ، لأعظامها إياه ، حتى إذا كان عامُ الفيل جعلوه تاريخاً ؛ هكذا ذكره ابن داب ؛ وأما الزبير بن بكار فذكر أنها كانت تؤرخ بوفاة هشام بن المغيرة تسع سنين إلى أن كانت السنة التي بنوا فيها الكعبة فأرخوا بها ؛ انتهى.
وأرخ بنو إسماعيل عليه السلام من نار إبراهيم عليه السلام إلى بنائه البيت ، ومن بنائه البيت الى تفرُّق مَعَدّ ، ومن تفرق معد إلى موت كعب بن لؤي .
__________
(1) من أواخرهم أبو تراب الظاهري فإنَّ له في كتابه (الموزون والمخزون) (ص187-192) فصلٌ عنوانه (كيف كانت العرب تؤرخ قبل الإسلام) .
والكتب المحْدثة التي تكلمت على هذا الموضوع أو هي مظنة الكلام عليه كثيرة ، منها (علم التاريخ عند المسلمين) للمستشرق فرانز روزنثال ، و(نشأة التدوين التاريخي عند العرب) ، لحسين نصار ، و(نشأة علم التاريخ عند العرب) للدكتور عبد العزيز الدوري ، وغيرها كثير .(2/210)
ومن عادة الناس ان يؤرخوا بالواقع المشهور والأمر العظيم ، فأرَّخ بعضُ العرب بعام الخنان ، لشهرته ، قال النابغة الجعدي :
فمن يك سائلاً عني فإني***من الفتيان أيامن الخُنَان(1)
مضت مئة لعام ولدت فيه***وعامٌ بعد ذاك وحجتان
وقد أبقت صروفُ الدهر مني***كما أبقت من السيف اليماني
وكانت العرب قديماً تورخ بالنجوم ، وهو أصل قولك "نجَّمتُ على فلان كذا ، حتى يؤدّيه في نجوم") .
ثم قال (1/11-16) : (زعم بعضهم أن أقدم التواريخ تاريخ القبط ، لأنه بعد انقضاء الطوفان .
وأقرب التواريخ المعروفة تاريخ يزدجرد بن شهريار الملك الفارسي ، وهذا هو تاريخ أرخه المسلمون عند افتتاحهم بلاد الأكاسرة ، وهي البلاد التي تسمى بلاد إيران شهر.
وأما التاريخ المعتضدي فما أظنه تجاوز بلاد العراق .
وفيما بين هذه التواريخ تواريخ القبط والروم والفرس وبني إسرائيل وتاريخ عام الفيل .
وأرخ الناس بعد ذلك من عام الهجرة .
__________
(1) ذكر محقق (الوافي بالوفيات) أن هذه الكلمة وردت في الأصول الخطية هكذا (الختان) ، ثم نبه على أنها وردت في (لسان العرب) و(تاريخ ابن جرير) بلفظ (الخنان) ؛ قلت : وهو الصواب ، جاء في (لسان العرب) (5/216) : (والخنان داء يأخذ الناس والإبل ، وقيل : إنه كالزكام) ؛ وقال ابن جرير في (تاريخه) (2/5) : (وقال نابغة بني جعدة :
فمن يك سائلاً عني فإني***من الشُّبّان أزمان الخنان
فجعل النابغة تأريخه ما أرخ بزمان علة كانت فيهم عامة) .(2/211)
وأول من أرخ الكتب من الهجرة عمرُ بن الخطاب رضي الله عنه ، في شهر ربيع الأول سنة ست عشرة ؛ وكان سبب ذلك أن أبا موسى الأشعري [رضي الله عنه] كتب إلى عمر رضي الله عنه : إنه يأتينا مِن قِبَل أمير المؤمنين كتب لا ندري على أيها نعمل ، قد قرأنا صكّاً منها محله شعبان ، فما ندري أي الشعبانين : الماضي أو الآتي ؟! فعمل عمر رضي الله عنه على كَتْب التاريخ ، فأراد أن يجعل أوله رمضان ، فرأى أن الأشهر الحرم تقع حينئذ في سنتين ، فجعله من المحرم ، وهو آخرها ، فصيَّره أولاً ، لتجتمع في سنة واحدة ؛ وكان قد هاجر صلى الله عليه وسلم يوم الخميس لأيام من المحرم فمكث مهاجراً بيْنَ سَيرٍ ومقام ، حتى دخل المدينة شهرين وثمانية أيام .(2/212)
وقال العسكري في كتاب "الأوائل" : أول من أخَّر النيروزَ المتوكلُ ، قال : بَيْنَا المتوكلُ يطوف في متصيَّد له إذ رأى زرعاً أخضرَ ، قال : قد استأذنني عبيدالله بن يحيى في فتح الخراج ، وأرى الزرع أخضر ، فقيل له : إنَّ هذا قد أضرَّ بالناس ، فهم يقترضون ويستسلفون ، فقال : هذا شيء حَدَثَ أم هو لم يزل كذا؟ فقيل له : حادث ، ثُمَّ عُرِّف أن الشمس تَقطع الفلك(1) في ثلاثمئة وخمسة وستين يوماً وربع يوم(2) ، وأنَّ الروم تكبسُ في كل أربع سنين يوماً ، فيطرحونه من العدد ، فيجعلون شباط ثلاث سنين متواليات ثمانية وعشرين يوماً وفي السنة الرابعة - وهي التي تسمى الكبيس - ينجر(3) - من ذلك الربع يومٌ تام فيصير شباط تسعة وعشرين يوماً ؛ فكانت الفرس تكبس الفضل الذي بين سنتها وبين سنة الشمس في كل مئة وستة عشر سنة شهراً ، وهكذا الكبس - على طوله - أصحُّ من كبس الروم ، لأنه أقرب إلى ما يحصله الحُسّاب من الفضل في سنة الشمس ؛ فلما جاء الإسلام عُطِّل ذلك(4) ، ولم يُعمل به ، فأضرَّ
__________
(1) يعني دورتها السنوية الكاملة .
(2) إذا ضربنا اثني عشر شهراً في ثلاثين يوماً يكون الحاصل (360) يوماً ، ثم في أشهر السنة سبعة أشهر أيّامها (31) يوماً ، فإذا أُضيفت يكون المجموع (367) يوماً ، فإذا طُرح منها النقصُ الذي خُصَّ به شهر شباط - وهو يومان - صار الحاصل الأخير (365) يوماً ، ومعنى هذا أن كل سنة تتزحزح ، أو تتقدم ، عن التي قبلها بمقدار ربع يوم ، فإذا مرت مئة وعشرون سنة صار الفرق شهراً ، أي أن شهر حزيران مثلاً يحل محل شهر أيار ، ولذي لاحظه المتوكل في القصة السابقة قريب من هذا ؛ فكان لا بد من الاحتراز من ذلك ، وقد كان للروم في ذلك الاحتراز طريقة يكررونها كل أربع سنوات ، وللفرس طريقة أخرى يكررونها كل مئة سنة ؛ وتابِعْ قراءة بقية الكلام في المتن تتبين لك تفاصيل المقصود .
(3) وفي نسخة (يتحيز) ، قلتُ : لعلها (ينجُز) .
(4) أي الكبس .(2/213)
بالناس ذلك .
وجاء زمن هشام فاجتمع الدهاقنة إلى خالد بن عبد الله القسري فشرحوا له وسألوه أن يؤخرَ النيروز شهراً ، فكَتب إلى هشام بن عبد الملك - وهو خليفة - فقال هشام : أخاف أن يكون هذا من قول الله تعالى " إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ"(1) .
فلما كان أيامُ الرشيد اجتمعوا إلى يحيى بن خالد البرمكي وسألوه أن يؤخر النيروز نحوَ شهر ، فعَزم على ذلك ، فتكلم أعداؤه فيه فقالوا : هو يتعصب للمجوسية ، فأضربَ عنه ، فبقي على ذلك إلى اليوم .
فأحضَرَ المتوكلُ(2) إبراهيمَ بن العباس ، وأمره أن يكتب كتاباً في تأخير النيروز بعد أن يحسبوا الأيام ، فوقع العزم على تأخيره إلى سبعة وشعرين يوماً من حزيران ، فكتب الكتاب على ذلك ، وهو كتاب مشهور في رسائل إبراهيم .
وإنما احتذى المعتضد ما فعله المتوكل ، إلا أنه قد قصره في أحد شعر يوماً من حزيران ----.
ثم قُتل المتوكل قبل دخول السنة الجديدة ، وولي المنتصر واحتيج إلى المال فطولب به الناس على الرسم الأول وانتقض ما رسمه المتوكل فلم يُعمل به حتى ولي المعتضد فقال ليحيى بن علي المنجم : قد كثر صحيح الناس في أمر الخراج ، فكيف جعلت الفُرس مع حِكمتها وحسنِ سيرتها افتتاح الخراج في وقت لا يتمكن الناس مِن أدائه فيه ، قال : فشرحت له أمره وقلت : ينبغي أن يُردَّ إلى وقته ويلزم يوماً من أيام الروم ، فلا يقع فيه تغيير ، فقال : الْقَ(3) عبد الله بن سليمان فوافقه على ذلك ، فصرت إليه ووافقته وحسبنا حسابه فوقع في اليوم الحادي عشر من حزيران وأحكم أمره على ذلك وأُثبت في الدواوين .
__________
(1) التوبة (37) .
(2) أي بعد سماعه التفاصيل المتقدمة .
(3) وفي نسخة (الحقْ).(2/214)
وكان النيروز الفارسي في وقت نقل المعتضد له يوم الجمعة لإحدى شعرة ليلة خلت من صفر سنة اثنين وثمانين ومئتين ، ومن شهور الروم الحادي عشر من نيسان ، فأخره حسبما أوجبه الكبس ستين يوماً ، حتى رجع إلى وقته الذي كانت الفرس ترده إليه ؛ وكان قد مضى لذلك مئتان واثنتان وثلاثون سنة فارسية ، تكون من سني العرب مئتين وتسعة وثلاثين سنة وبضعة عشر يوماً ؛ ووقع بعد التأخر يوم الأربعاء لثلاث عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الآخر سنة اثنين وثمانين ومئتين ، ومن شهور الروم الحادي عشر من حزيران ؛ انتهى ما حكاه العسكري ) .
ثم تكلم الصفدي على معنى قوله تعالى (إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ) الآية ، وعلى حديث (إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض----) .
وقال السخاوي رحمه الله في (فتح المغيث) (4/309) : (وأول من أمر به عمر بن الخطاب ، وذلك في سنة ست عشرة من الهجرة النبوية من مكة إلى المدينة ؛ واختير لابتدائه أول سنيِّها بعد أن جمع المهاجرين واستشارهم فيه ، لأنها - فيما قيل - غيرُ مختلف فيها ، بخلاف وقت كل من البعثة والولادة ؛ وأما وقت الوفاة فهو وإن لم يُختلف فيه فالابتداء به وجعله أصلاً غير مستحسن عقلاً ، لتهييجه للحزن والأسف ، وأيضاً فوقت الهجرة مما يُتبرك به ، لكونه وقت استقامة ملة الإسلام وتوالي الفتوح وترادف الوفود واستيلاء المسلمين .
ثم اختير أن تكون السنة مفتتحة من شهورها بالمحرم ، لكونه شهر الله ، وفيه يكسى البيت ويضرب الورق ، وفيه يوم تاب فيه قوم فتيب عليهم ، وكان السبب فيه كما رواه ابن جرير من طريق الشعبي أن أبا موسى الأشعري كتب إلى عمر أنه يأتينا منك كتب ليس فيها تاريخ فأرخ) .(2/215)
وأخيراً أقول : مما لعله يحتاج إلى تنبيهِ بعض المطالعين عليه هو أنه يوجد جملة من الكتب والبحوث التي تبين ما يناظر التاريخ اليومي الهجري من التاريخ اليومي الميلادي ، أو تبين قواعد ضوابط معرفة تلك المقابلة ؛ وكذلك يوجد بعض البرامج الحاسوبية المعدة لهذا الغرض ؛ وقد أثبت الدكتور محمد التوني في أواخر كتابه (المنهاج في تأليف البحوث وتحقيق المخطوطات) (ص189-217) بداية كل سنة هجرية ، أي اليوم الأول منها ، ووضع بإزائه ما يقابله من التاريخ الميلادي ، بالسنة والشهر واليوم ، كذلك ، فذكر بدايات السنوات من السنة الأولى الهجرية إلى سنة 1492هـ .
تالف :
أي ساقط متروك.
تالف لا تحل الرواية عنه :
هي بمعنى (تالف).
تالف ليس بشيء :
هي بمعنى (تالف) ، أيضاً.
التأليف :
انظر (التصنيف).
تأويل مختلف الحديث :
انظر (مختلف الحديث) .
التثبُّت :
التثبت : هو الاحتياط والتروي في انتقاء الراوي الشيوخَ أو انتقاء ما يتحمله منهم أو انتقاء ما يؤديه من الروايات إلى غيره ؛ واختيار كيفية التحمل وكيفية المحافظة على مسموعاته وأصوله وكيفية الأداء .
فكلمة (متثبت) تطلق على ثلاثة محدثين :
الأول : من كان لا يروي إلا عمن هو عنده ثقة أو قوي .
والثاني : من كان إذا روى عن ضعيف انتقى من أحاديثه أو أصوله أصحها وأجودها وتجنب ما رأى أن ذلك الضعيف وهم فيه أو أدخل عليه أو لُقنه .
والثالث : من لا يروي ما يشك فيه من حديثه ، فلا يحدث إلا بما تحقق سماعه وتحمله على الصواب .(2/216)
تنبيه : لفظة (التثبت) في قولهم : (إليه المنتهى في التثبت) لها معنى مباين لهذه المعاني ، فالمراد بقول النقاد في الراوي (إليه المنتهى في التثبت) توكيد توثيقه ، وأنه من كبار الثقات المتقنين ؛ هكذا يستعملون هذه العبارة مع أن التثبت له معنى يباين معنى الوثاقة في بعض جوانبه؛ والتثبت أكثر ما يطلقونه على التثبت في حال التحمل ؛ ولكن قد يقال : إن من كان غاية في التثبت فهو غاية في الثقة لأنه لا يروي إلا ما تحققت عنده صحته ؛ أو يكون مرادهم بالتثبت في هذه العبارة التثبت في الأداء فلا إشكال حينئذ .
التجريح والتعديل :
هذه العبارة تطلق على نقد الرواة وبيان أحوالهم في الرواية وأحكامهم من حيث قبول رواياتهم وردها، وتجريح الراوي معناه وصفه بما يقتضي أن يكون الأصل فيه رد رواياته ، وضده التعديل ، فهو وصفه بما يقتضي أن يكون الغالب في حقه قبول رواياته.
التجويد :
انظر (تدليس التسوية) .
وأزيد هنا أن جماعة من المعاصرين والمتأخرين استعملوا كلمة (تجويد الحديث) و (جوّده) ، بمعنى أنه وصفه بأنه جيد وحكم عليه بذلك.
وانظر أيضاً (مجوِّد) .
تجليد الكتاب :
تجليد الكتاب معنى معروف ، وهو تغطيته بالجلد ، من جهة صفحتيه الأولى والأخيرة ؛ جاء في (المعجم الوسيط) : ( جلَّد الشيءَ : غشّاه بالجلد ؛ ويقال : هذا الكتاب في مجلَّدين ، وفي مجلَّدتين(1) ؛ فالمجلَّد هو الكتاب ذو الجلدة ؛ ويستعمل اليوم استعمالاً مجازياً للتعبير عن السفر الذي هو قطعة من كتاب كبير أو متعدد الأسفار ، ولو كان ذلك السفر مغشى بالورق المقوى ونحوه مما ليس جلداً ؛ فيقال مثلاً : (طبع هذا الكتاب في خمس مجلدات) أي في خمسة أجزاء ، بالمعنى المعروف للجزء في هذا العصر ، وليس بالمعنى القديم لكلمة الجزء ؛ انظر (الجزء) .
__________
(1) أي في سِفرين ، وكلٌّ من (مجلَّد) و(مجلَّدة) يُجمع على مجلدات .(2/217)
تجويد الكتابة :
أي تحسينها وإيضاحها ؛ قال القلقشندي في (صبح الأعشى) (3/137-138) تحت هذه الترجمة (الجملة الثامنة في وجوه تجويد الكتابة وتحسينها) :
(وهو على ضربين :
الضرب الأول : حسن التشكيل :
قال الوزير أبو علي بن مُقْلة : وتحتاج الحروف في تصحيح أشكالها إلى خمسة أشياء :
الأول : التوفية ، وهي أن يوفَّى كلُّ حرف من الحروف حظَّه من الخطوط التي يُركَّب منها ، من مقوَّس ومُنْحنٍ ومُنْسَطح .
الثاني : الإتمام ، وهو أن يعطَى كلُّ حرف قسمتَه من الأقدار التي يجب أن يكون عليها ، من طُول أو قِصَر أو دقة أو غِلَظ .
الثالث : الإكمال ، وهو أن يؤتى كلُّ خط حظُّه من الهيئات التي ينبغي أن يكون عليها ، من انتصاب وتسطيح وانكباب واستلقاء وتقويس .
الرابع : الإشباع ، وهو أن يؤتى كلُّ خطٍّ حظه من صَدْر القلم ، حتى يتساوى به ، فلا يكون بعضُ أجزائه أدقَّ من بعض ولا أغلظ ، إلا فيما يجب أن يكون كذلك من أجزاء بعض الحروف من الدقة عن باقيه ، مثل الألف والراء ونحوهما .
الخامس : الإرسال ، وهو أن يُرسل يدَه بالقلم في كل شكل يجري بسرعة ، من غير احتباس يُضَرِّسُه ولا توقُّفٍ يُرَعِّشُه .
الضرب الثاني : حسن الوضع :
قال الوزير : ويحتاج إلى تصحيح أربعة أشياء :
الأول : الترصيف ، وهو وصل كل حرف متصل إلى حرف .
الثاني : التأليف ، وهو جمع كل حرف غير متصل إلى غيره على أفضل ما ينبغي ويحسن .
الثالث : التسطير ، وهو إضافة الكلمة إلى الكلمة ، حتى تصير سطراً منتظم الوضع ، كالمِسْطَرة .
الرابع : التنصيل ، وهو مواقع المدات المستحسنة من الحروف المتصلة .(2/218)
واعلمْ أن المد في الخط قديم ، فقد حكى أبو جعفر النحاس في "صناعة الكتاب" أن أهل الأنبار كانوا يكتبون المشْقَ(1) ، وكأنه يريد أنهم كانوا على ذلك في القديم ، فقد تقدم أن أول ما تعلم أهل الحجاز الخطَّ من أهل الأنبار ؛ على أن صاحب "مواد البيان" قد حكى أن جماعة من المحررين كانوا يكرهون المشق ، لإفساده خط المبتدئ ، ودلالته على تهاون المنتهي .
قال : ولذلك كرهوا كتابة البسملة بغير سين مبيَّنة ، ثم صارت كراهةُ ذلك سنةً [!] وعرفاً .
والذي عليه حذاق المحرِّرين استعمال المد .
قال في "مواد البيان" : وهذه المدات تستعمل لأمرين : أحدهما أنها تحسن الخط وتفخِّمه في مكان ، كما يُحسِّن مدُّ الصوتِ اللفظَ ويفخِّمه في مكان .
الثاني : أنها ربما أُوقعت ليتم السطر إذا فضل منه ما لا يتسع لحرف آخر(2) ، لأنَّ السطرَ ربما ضاقَ عن كلمتين وفضل عن كلمة فتُمَدّ التي وقعت في آخر السطر لتقع الأخرى في أول السطر الذي يليه .
وقال الشيخ عماد الدين بن العفيف : مواضع المد أواخر السطور ، وتكره إذا كانت سيناً مدغمة .
قال في "مواد البيان" : فيجب على الكاتب أن يعرف أحكامها لئلا يوقعها في غير المواضع اللائقة بها فيشتبه الحرف بغيره ويفسد المعنى ، مثل أن يوقع المد في "متعلم" بين الميم والتاء ، فتشتبه بمستعلم ، أو يوقع المد في "متسلم" ، بين الميم والتاء ، فتشتبه بمستسلم ) ؛ ثم راح القلقشندي يفصل في هذه المسألة الأخيرة ويذكر أقوال علماء الخط فيها في فصل نافع ماتع بديع .
تجويد الكلمة :
تجويد الكلمة هو كتابتها بخط حسن واضح لا يلتبس على قارئه ؛ وانظر (تجويد الكتابة) .
__________
(1) انظر (المشق) .
(2) المقصود كلمة أخرى .(2/219)
التحديث :
التحديث مصدر (حدّث) ، ومعناها معروف ، وهو الأداء أو بعض صوره ؛ ومن أمثلة ورودها في كلماتهم قولهم : (مجلس التحديث) و (قواعد - أو آداب - التحديث) و (كان عسراً في التحديث) و (كان يمتنع أحياناً من التحديث) و (هو مدلس ولكنه صرح بالتحديث) أي ذكر صيغة صريحة في التحديث أي صريحة في سماعه من شيخه ، وانظر (حدثني) .
التحديث من الكتاب :
هو أن يؤدي الشيخ الأحاديث من كتابه لا من حفظه.
التحريف :
التحريف في اصطلاح المحدثين والنساخ هو تبديل الكلمة ، من قِبل من يتلفظ بها أو يسمعها أو يكتبها أو يقرؤها ، إلى كلمة أخرى تشبهها أو تقاربها في صورتها(1) أو في لفظها .
وأما الفرق بين كلمتي التحريف والتصحيف فأراه حاصلاً من جهتين :
الأولى : أن تسمية هذا المعنى بالتصحيف نُظر فيها إلى سببه أو أهم أسبابه وهو أخذ العلم من الصحف لا من أفواه الشيوخ؛ وتسميته بالتحريف نُظر فيه إلى حقيقته وهو التغيير والتبديل.
والثانية : يظهر لي أن التحريف كان في أصل الوضع أعم من التصحيف ، فالتحريف يشمل المتعمد وغيره، ويشمل الزيادة والنقصان في بنية الكلمة أو تركيب الجملة، وسواء كان التغيير فيه قليلاً أو كثيراً؛ بخلاف التصحيف فيقتصر في إطلاقه على غير المتعمد ، وعلى ما كان التغيير فيه يسيراً مقصوراً على النقط والشكل، وإبدال حروف المعاني بأحرف مقاربة لها في صورتها، أو إسقاط حرف أو زيادته ، ونحو ذلك مما يكون سببه عادة الأخذ من الصحف دون استعانة بشيخ أو معلِّم.
__________
(1) أي في رسمها الإجمالي.(2/220)
ولكن الذي استقر عليه اصطلاح المتقدمين من المحدثين وغيرهم من العلماء والوراقين والنساخ هو أنهم صاروا لا يفرقون في الاستعمال بين التصحيف والتحريف ، فإن طريقتهم في التعبير يُفهم منها أنهما مصطلحان مترادفان(1) .
وبقي ذلك - على ما يظهر - كذلك إلى أن جاء الحافظ ابن حجر ففرق بينهما فتبعه على ذلك جماعة ممن جاء بعده ، ففرقوا بين الكلمتين؛ فقسم ابن حجر معنى التصحيف أو التحريف ، إلى قسمين ، فجعل ما كان فيه تغيير حرف أو حروف بتغيير النقط مع بقاء صورة الخط تصحيفاً ، وما كان فيه ذلك في الشكل تحريفاً ، وهو اصطلاح محدَث، كما تقدم.
ثم إن التصحيف يقسم بأكثر من اعتبار ؛ وأهمها ما يلي :
1- يقسم التصحيف من حيث موضعه في الحديث إلى قسمين؛ فإنه قد يكون في الإسناد مثل أن يتصحف اسم شعبة إلى سعيد أو تتصحف (ثنا) إلى (بن) ، وقد يكون في المتن ، وأمثلة ذلك كثيرة جداً .
بل يقع التصحيف أيضاً خارج الأحاديث ، فيقع في كلام العلماء ، بل لا يوجد كلام إلا ويمكن أن يصحف(2).
2- يقسم التصحيف من حيث سببه إلى قسمين :
الأول : تصحيف سببه الخطأ في القراءة في الصحف ، لتشابه صور الكلمات ، ولا سيما عند التدقيق وسوء الخط.
الثاني : تصحيف سببه خطأ في السمع ناشئٌ من اشتباه الكلمتين على السامع .
الثالث : تصحيف سببه تبدل كلمة في حفظ الراوي إلى كلمة أخرى تشبهها ، وذلك بسبب سوء الحفظ من الضعيف أو بسبب الوهم من الثقة .
__________
(1) إذا كان اصطلاح المتقدمين جارياً على التسوية بين الكلمتين في مؤداهما ، فإنه لا يلزم من ذلك أن تكونا كذلك في أصل الوضع أو الاستعمال ، ولا يلزم أيضاً التسوية الكاملة بينهما من جميع الوجوه.
(2) ولكن الله تبارك وتعالى قد حفظ كتابه الكريم من كل تبديل فقال : (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون).(2/221)
فهذه أقسام ثلاثة : تصحيف البصر وتصحيف السمع وتصحيف الحفظ(1) .
وبعد ذلك فليعلم أن كل واحد من هذه الأقسام الثلاثة له ثلاثة أسباب أيضاً :
فأسباب تصحيف القراءة هي :
خلل ورداءة في كتابة الكاتب.
خلل أو رداءة في قراءة القارئ.
أسباب خارجية مانعة من حسن القراءة كبعد الكتاب عن عيني القارئ أو شيء من الظلمة ونحو ذلك .
وأسباب تصحيف السمع هي :
خلل أو ضعف في تلفظ المحدث أو مستمليه .
خلل أو ضعف في سمع السامع.
أمور في المجلس ، أو خارج المجلس ، مانعة من السماع على وجهه الصحيح كبعد السامع عن المتكلم أو وجود أصوات كثيرة مختلطة أو مرتفعة تتغير بسببها بعض الكلمات في أسماع بعض السامعين ، إلى كلمات مقاربة لها في لفظها .
وأسباب تصحيف الحفظ هي :
الوهم الطارئ على الثقة.
سوء الحفظ اللازم.
الاختلاط والتغير.
وانظر (التصحيف) .
التحسين :
تحسين الحديث هو الحكم عليه بأنه حسَنٌ؛ وانظر (حسن).
التحقيق :
تحقيق المسألة العلمية أو الخبرية هو إثباتها بدليلها(2) ؛ وانظر (تحقيق الخط) و(تحقيق الكتب) .
تحقيق الخط :
هو تحسينه وإيضاحه بحيث يقرأ بسهولة وعلى الوجه الصحيح ؛ قال السخاوي في (فتح المغيث) (3/50-52) عقب شيء ذكره :
__________
(1) وأما ما يكون من المعنى ، أي بإبدال الراوي اللفظة أو العبارة بما يظن أنه يرادفها وهو في الحقيقة يخالفها في المعنى فليس من التصحيف على الحقيقة ، بل هو من باب الخطأ في الفهم .
(2) قال الجرجاني في (التعريفات) (ص35) : (التحقيق : إثبات المسألة بدليلها) .(2/222)
(وحينئذ فيستحب له تحقيق الخط ، وهو أن يميز كل حرف بصورته المميِّزة له ، بحيث لا تشتبه العين الموصولة بالفاء أو القاف ، والمفصولة بالحاء أو الخاء ؛ وقد قال علي رضي الله عنه لكاتبه : أطل جلفة قلمك وأسمنها ، وأيمن قطتك وحرِّفها ، وأَسْمعني طنين النون وخرير الخاء ، أسمن الصاد وعرج العين ، واشقق الكاف ، وعظم الفاء ، ورتل اللام ، واسلس الباء والتاء والثاء ، وأقم الواو على ذنبها ، واجعل قلمك خلف أذنك فهو أجود لك ؛ رواه الخطيب وغيره(1) .
وليس المراد أن يصرف زمنه في مزيد تحسينه وملاحة نظمه ، لحصول الغرض بدونه ، بل الزمن الذى يصرفه في ذلك يشتغل فيه بالحفظ والنظر ؛ وليست رداءة الخط التي لا تفضي إلى الاشتباه بقادحة ، إنما القادح الجهل ؛ ولذا بلغنا عن شيخنا العلامة الرباني الشهاب الحِنّاوي أن بعضهم رآه يلازم بعض الكُتّاب في تعلم صناعته ، فقال له : أراك حسن الفهم فأقبلْ على العلم ودع عنك هذا ، فإن غايتك فيه أن تصل لشيخك ، وهو كما ترى معلم كتاب ، أو نحو هذا ، وأوشك إن اشتغلت بالعلم تسود في أسرع وقت ؛ قال : فنفعني الله بذلك ، مع براعته في الكتابة أيضاً .
ونحوه من رأى البدر البَشْتَكي عند بعض الكتاب ورأى قوة عصبه وسرعة كتابته ، فسأله : كم تكتب من هذا كل يوم ؟ فذكر له عدة كراريس ؛ فقال له : الزم هذا وأترك عنك الاشتغال بقانون الكتاب ، فإنك - ولو ارتقيت - لا تنهض في الكتابة كل يوم بما تحصله من كتابتك الآن ؛ فأعرض عن التعلم ففاق في سرعة الكتابة .
ومحل ما زاد على الغرض من ذلك محل ما زاد على الكلام المفهوم من فصاحة الألفاظ ؛ ولذلك قالت العرب : حُسن الخط إحدى الفصاحتين ؛ وما أحسن قول القائل :
اعذر أخاك على رداءة خطه**واغفر رداءته لجودة ضبطه
والخط ليس يراد من تعظيمه*****ونظامه إلا إقامة سمطه
فإذا أبان عن المعاني خطُّه****كانت ملاحتُه زيادةَ شرطه).
__________
(1) ينظر سنده ، فإن هذا المتن لا يخلو من غرابة .(2/223)
تحقيق الكتب :
انظر (أصول التحقيق) و (التصحيح) .
التحمل :
تحمُّلُ الحديث أو الكتاب : هو أخذه عن راويه ، بطريقة من طريق الأخذ المعلومة ، وطرق التحمل أصولها أربعة :
الشيخ يُسمعُ الطالب.
الشيخ يَسمع الطالب ويُقرّه.
الشيخ يُري الطالب شيئاً مكتوباً.
الطالبُ يُري الشيخ شيئاً مكتوباً .
وكل واحد من هذه الأقسام قد يكون بواسطة وقد يكون بلا واسطة ؛ وقد يقع فيه تساهل قليل أو كثير وقد لا يقع.
فمن الواسطة في الأصل الأول أن يكون المسمع هو المستملي.
ومن الواسطة في الثاني أن يكون القارئ على الشيخ هو طالباً أخر.
ومن الواسطة في الثالث أن يكون الكتاب ليس هو أصل الشيخ ولكنه فرع منه، أو يرسل الشيخ الكتاب إلى الطالب إرسالاً مع إنسان آخر.
ومن الواسطة في الرابع أن يعرض الكتاب على الشيخ طالب آخر .
وأما التساهل فأنواع كثيرة لا نطيل بذكرها في هذا المقام.
والحقيقة أن أصول التحمل راجعة إلى أصلين فقط:
الأول : نقل أشياء ملفوظة يأخذها التلميذ عن الشيخ.
والثاني: : نقل أشياء مكتوبة يأخذها التلميذ عن الشيخ.
وفي الحالتين قد يكون الأخذ إجمالياً كالإجازة ، وقد يكون تفصيلياً كالقراءة على الشيخ.
وكل ذلك قد يكون بواسطة ، كالمكاتبة ، أو بلا واسطة ، وإسقاط الواسطة قد يكون جائزاً وقد يكون ممنوعاً ، على تفصيل يذكر في موضعه من كتب علوم الحديث .
وكل ذلك قد يكون مشوباً بتساهل أو لا.
هذا تلخيص طرق التحمل وأصوله.
وأما المصنفون في علوم الحديث فأكثرهم قد جعلوا أقسام التحمل ثمانية :
قال ابن الصلاح (ص118 وما بعدها): (بيان أقسام طرق نقل الحديث وتحمله، ومجامعها ثمانية أقسام:
القسم الأول : السماع من لفظ الشيخ ؛ وهو ينقسم إلى إملاء وتحديث من غير إملاء ، وسواء كان من حفظه ، أو من كتابه؛ وهذا القسم أرفع الأقسام عند الجماهير----.(2/224)
القسم الثاني من أقسام الأخذ والتحمل : القراءة على الشيخ ؛ وأكثر المحدثين يسمونها عرْضاً(1)، من حيث أن القارئ يَعرض على الشيخ ما يقرؤه ، كما يعرض القرآن على المقرئ؛ وسواء كنت أن القارىء، أو قرأ غيرك وأنت تسمع، أو قرأت من كتاب أو من حفظك، أو كان الشيخ يحفظ ما يُقرأ عليه، أو لا يحفظه لكن يمسك أصله ، هو أو ثقة غيره.
ولا خلاف أنها رواية صحيحة، إلا ما حكى عن بعض من لا يعتد بخلافه، والله أعلم----.
القسم الثالث من أقسام طرق نقل الحديث وتحمله : الإجازة ؛ وهي متنوعة أنواعاً----.
القسم الرابع من أقسام طرق تحمل الحديث وتلقيه : المناولة ، وهي على نوعين:
أحدهما المناولة المقرونة بالإجازة ، وهي أعلى أنواع الإجازة على الإطلاق ، ولها صور ، منها: أن يدفع الشيخ إلى الطالب أصل سماعه أو فرعاً مقابلاً به، ويقول: "هذا سماعي - أو روايتي - عن فلان، فاروه عني" ، أو: "أجزت لك روايته عني" ثم يملّكه إياه ، أو يقول : "خذه انسخْه، وقابل به، ثم رده إليّ" ، أو نحو هذا.
ومنها: أن يجيء الطالب إلى الشيخ بكتاب أو جزء من حديثه، فيعرضه عليه، فيتأمله الشيخ، وهو عارف متيقظ، ثم يعيده إليه ويقول له : "وقفت على ما فيه، وهو حديثي عن فلان، أو: روايتي عن شيوخي فيه، فاروه عني، أو: أجزت لك روايته عني " ؛ وهذا قد سماه غير واحد من أئمة الحديث عرضاً ؛ وقد سبقت حكايتنا في القراءة على الشيخ أنها تسمى عرضاً ، فلنسم ذلك "عرض القراءة" وهذا "عرض المناولة" ؛ والله أعلم----.
الثاني: المناولة المجردة عن الإجازة ، بأن يناوله الكتاب كما تقدم ذكره أولاً، ويقتصر على قوله "هذا من حديثي، أو: من سماعاتي" ولا يقول : "اروه عني، أو: أجزت لك روايته عني" ونحو ذلك.
__________
(1) انظر (العرض).(2/225)
فهذه مناولة مختلة، لا تجوز الرواية بها، وعابها غير واحد من الفقهاء والأصوليين على المحدثين الذين أجازوها وسوغوا الرواية بها----(1).
القسم الخامس من أقسام طرق نقل الحديث وتَلَقّيه : المكاتبة ، وهي أن يكتب الشيخ إلى الطالب وهو غائب شيئاً من حديثه بخطه ، أو يكتب له ذلك وهو حاضر ؛ ويلتحق بذلك ما إذا أمر غيره بأن يكتب له ذلك عنه إليه.
وهذا القسم ينقسم أيضاً إلى نوعين:
أحدهما: أن تتجرد المكاتبة عن الإجازة.
والثاني: أن تقترن بالإجازة بأن يكتب إليه ويقول : "أجزت لك ما كتبتُه لك، أو: ما كتبت به إليك" ، أو نحو ذلك من عبارات الإجازة ----.
القسم السادس من أقسام الأخذ ووجوه النقل : إعلام الراوي للطالب بأن هذا الحديث أو هذا الكتاب سماعه من فلان، أو روايته، مقتصراً على ذلك، من غير أن يقول : "اروه عني أو أذنت لك في روايته" ، أو نحو ذلك ؛ فهذا عند كثيرين طريق مجوز لرواية ذلك عنه ونقله---- ؛ والمختار ما ذُكر عن غير واحد من المحدثين وغيرهم من أنه لا تجوز الرواية بذلك----.
القسم السابع من أقسام الأخذ والتحمل: الوصية بالكتب ----(2).
القسم الثامن : الوجادة----(3). انتهى باختصار شديد مشار إليه بالخطوط المقطعة .
التحويق :
التحويق في اللغة هو التعويج والتدوير .
في (المعجم الوسيط) (1/207) :
(حاقَ البيتَ ونحوَه [يحوقه] حَوقاً : كنسه .
حوَّق عليه : عوَّج عليه الكلامَ و خلَّطه ؛ ويقال : حوَّق عليه كلامَه .
و[حوَّقَ] رأسَه : حلق وسطَه .
احتاقَ مالَه مِن ورائه : أتى عليه .
الحُواقة : الكُناسة .
الحَوْق : الجمع الكثير .
الحَوقة : الحَوق .
الحُوق : الإطار المحيط بالشيء المستديرُ حولَه ) ؛ انتهى .
__________
(1) وانظر (المناولة) ، وطالع كلام ابن رجب رحمه الله على المناولة في كتابه البديع النفيس (شرح علل الترمذي) (1/521-528) .
(2) انظر (الوصية).
(3) انظر (الوجادة).(2/226)
والتحويق في عرف النُسّاخ والوراقين هو جعل بعض الكلام المكتوب بين نصفي دائرة ؛ انظر (علامات اختلاف الروايات) ، و (الضرب) .
وأما في علم الخط فالتحويق كما قال أبو حيان التوحيدي (إدارة الواوات والفاءات والقافات وما أشبهها مصدَّرةً وموسَّطة وومذنَّبةً بما يكسبها حلاوةً ويزيدها طلاوةً)(1) .
التخرّج :
تستعمل هذه الكلمة في عُرف الطلبة وأصحاب الدراسات الرسمية للتعبير عن إنهاء الطالب مرحلة من مراحل الدراسة ، كالدراسة الجامعية ، أو غيرها ؛ وهو استعمال شائع مشهور .
ومن لطيف ما يُنبّه عليه في هذا الموضع أن العالم اللغوي مصطفى جواد قال في كتابه (قل ولا تقل) (ص45) : (قل : تخرَّج فلان في الكلية الفلانية؛ ولا تقل: تخرج من الكلية الفلانية ) ، ثم ذكر دليل ذلك ، وما أحوجنا في أزمنة الفُوضى اللغوية هذه إلى مطالعة كتب التصحيح اللغوي ، واجتناب ما تنهى عنه ما لم يتبين في شيء من ذلك النهي أنه غير صحيح .
التخريج :
التخريج له في اصطلاح المحدثين معنيان :
المعنى الأول : رواية الحديث بسنده، فيقال مثلاً : (خرجه البخاري في صحيحه) ، ويقال : (هذا الحديث من تخريج البخاري في صحيحه)، والمراد أنه رواه فيه مسنداً ، فكلمة خرجه هنا مرادفة لكلمة أخرجه ، وهي مستعملة بهذا المعنى قديماً وحديثاً .
وهذا المعنى تفرع عنه عند المتوسطين والمتأخرين معنى أخصُّ منه ، فصار من معاني التخريج عندهم إخراج المحدث الأحاديث من بطون الأجزاء والمشيخات والكتب ونحوها وسياقها من مرويات نفسه أو بعض شيوخه أو أقرانه ، أو غيرهم ، بأسانيدهم ، والكلام عليها وعزوها لمن رواها من أصحاب الكتب والدواوين ، مع بيان البدل والموافقة ونحوهما من أنواع العلو النسبي .
وقد يُتوسع في إطلاقه على مجرد الإخراج .
وكان هذا المعنى شائعاً عند المتوسطين والمتأخرين .
__________
(1) رسالة في علم الكتابة ، لأبي حيان التوحيدي (ص9) .(2/227)
وعرّف السخاوي التخريج في (الغاية في شرح الهداية) (1/220) بقوله : (هو أن يخرّجَ أحاديث من روايته ، أو من رواية غيره من شيوخه أو أقرانه) .
وعرّفه في (فتح المغيث) (3/318) بقوله : (والتخريج إخراج المحدث الأحاديث من بطون الأجزاء والمشيخات والكتب ونحوها ، وسياقها من مرويات نفسه أو بعض شيوخه أو أقرانه أو نحو ذلك ، والكلام عليها ، وعزوها لمن رواها من أصحاب الكتب والدواوين ، مع بيان البدل والموافقة ونحوهما مما سيأتي تعريفه ؛ وقد يُتوسع في إطلاقه على مجرد الإخراج والعزو) .
المعنى الثاني - وهو المشهور في استعمال أهل هذا العصر - : الكلام على الأحاديث ببيان من روى الحديث بإسناده ، من أصحاب الكتب أو بعضهم ، مع بيان مرتبة ذلك الحديث من حيث القوة والضعف ، والتنبيه على ما ورد من اختلافات بين أسانيد روايات ذلك الحديث ومتونها ، بزيادة أو نقص أو غير ذلك ، وبيان مقتضى تلك الاختلافات من الناحية النقدية .
وكل ذلك لا يتيسر - كما هو معلوم - إلا بعد النظر في متابعات الحديث وشواهده، أي النظر في القدرِ المشتركِ بين روايات الحديث الواحد وطرقه ، بعد جمعها من أصولها، ثم النظر فيما خَرَجَ عن ذلك القدر مما يقع في بعض الطرق من مخالفات وزيادات في الأسانيد والمتون ؛ ثم الحكم - بالقبول أو الرد - على ذلك القدر المشترك ، وعلى كل مخالفة أو زيادة ، واقعة في سند أو في متن ، بمقتضى النظر العلمي في مجموع تلك الطرق .
وبعض التخاريج تكاد تقتصر على بعض هذه المقاصد ، فتقتصر مثلاً على بيان درجة الحديث أي حكمه من حيث القوة والضعف، وتهمل عزوه ؛ وبعضها يعكس ؛ ومعروف أن مقصد التخريج هو معرفة رتبة الحديث ، وأما معرفة من رواه من أصحاب المؤلفات فهو - على نفعه وقيام الحاجة إليه - ليس مطلوباً لذاته فهو من وسائل هذا العلم لا من مقاصده .(2/228)
وكل ذلك يكون على سبيل التقليد والمتابعة أو الاجتهاد والتحقيق ، ويكون على سبيل الاختصار والإيجاز أو البسط والإطالة .
وقد كان التخريج بهذا المعنى ، أي الثاني ، معروفاً منذ زمن بعيد ، وكان في أوائل تدوينه يدون في ثنايا بعض الكتب الفقهية وكتب شروح الأحاديث وغيرها ككثير من كتب البيهقي وابن عبد البر و(المحلى) لابن حزم، و(التحقيق في أحاديث الخلاف) لابن الجوزي ، و(المجموع) للنووي ، و(الأذكار) له، وكثير من كتب شيخ الإسلام ابن تيمية وتلامذته .
ثم ظهر بعدئذ إفراد التخريج بالتصنيف ، فظهرت مؤلفاتِ التخريج المتخصصةُ المتوسعةُ المكتوبةُ على نحوِ طريقةِ كتبِ التخريجِ المعروفةِ في هذا العصر فقد كانت نشأةُ ذلك على أيدي المتأخرين .
وإنَّ منْ أقدمِ مَن ألفَ في هذا الباب على هذه الطريقة الأخيرة الرافعيَّ ، تبعه ابنُ الصلاح ، ثم النوويُّ ؛ ثم ابن عبد الهادي ثم العراقي والزيلعي ثم ابن حجر ثم السخاوي والسيوطي ثم كثير من اشتغل بالحديث ممن جاء بعدهم ، ثم اشتهر فنُّ التخريج بعد ذلك ؛ واليوم يعد هذا الفن من أبرز العلوم الشرعية التي يُعنى بها كثير من العلماء والباحثين .
ومن أشهر كتب هذا الباب (نصب الراية بتخريج أحاديث الهداية) للزيلعي و (المغني عن حمل الأسفار في الأسفار بتخريج ما في إحياء علوم الدين من الآثار) للعراقي و (التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير) لابن حجر، و (إرواء الغليل بتخريج أحاديث منار السبيل) للألباني.
وقد يظن من لا خبرة له بتاريخ علم الحديث أن علم التخريج علم عصري ، ابتكره أهل هذا العصر الأخير ؛ ولكن هذا الظن لا يصح ، وقد تقدم ذكر ما يُبطله.
فلما كان تمييز صحيح الحديث من سقيمه هو المقصد الأول لعلم النقد الحديثي ، صار علمُ التخريج ونقد الأحاديث علماً أساسياً بين علوم الحديث ، بدأ في أقدم عصور الرواية ؛ ولكن كانت هيئته غير هيئته اليوم ، والزمان لا يترك علماً على حاله.(2/229)
وكان عند المتقدمينَ أنواعٌ من كتب الحديث تُشبه كتب التخريج في الوقت الحاضر ، وتقوم مقامها ، في الجملة ؛ وأهمُّ هذه الأنواعِ وأولاها بالذكر ما يلي :
1- الأجزاء الحديثية الموضوعية المسندة المعللة .
2- الأبواب المخرجة باستيعاب أو توسع ، مع التعليل والنقد ، في الكتب المبسوطة ، كما تراه في مثل (الجامع) لأبي عيسى الترمذي ، و (السنن الكبرى) للبيهقي ، و (التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد) لابن عبد البر .
3- كتبُ العلل ، ككتابِ ابن أبي حاتم (العلل) وكتاب الدارقطني (العلل) أيضاً .
4- كتب المستخرجات التي توسعَ أصحابُها في إيراد طرق أحاديثها ؛ وسيأتي شرح معنى المستخرجات .
وأما مكتبة التخريج فبعض التخريجات تفرد في كتاب وبعضها تطبع على هامش الكتاب المخرج ، وهذا في هذا العصر كثير جداً ، وهو نافع ولكن بشرط أن يصدر عن أهله الذين هم أهله .
ويدخل في كتب التخريج الخالصة له - إضافة إلى ما تقدم ذكره - المجاميع التي ألفها المتأخرون كالترغيب والترهيب للمنذري ورياض الصالحين والأذكار ، كلاهما للنووي ، ومجمع الزوائد للهيثمي ؛ فإن في هذه الكتب عزواً ونقداً .
ويلحق بها أيضاً كتب الأطراف والفهارس المؤلفة لكتب الحديث ، فإنها مما تشتد حاجة المشتغلين بالتخريج إليه .
إن تخريج الأحاديث والحكم عليها بما تستحقه تصحيحاً وتضعيفاً هي المرحلة الأخيرة من المراحل النقدية في عمل المحدثين فهي الموصلة إلى الغاية ، والمشرفة على النهاية ؛ ولذلك كان التخريج هو موضعَ اجتهادِ الباحث ، ووقت بنائه فروعَ هذا العلم على أصوله ، وميدانَ تطبيقه على ما عنده من المعرفة بهذا الفن وتفاصيله ، ومجالَ اختيارِه وترجيحِه بينَ أحكام من تقدمه .
ولكنْ ما أصعبَ التمكنَ من ذلكَ ، وما أبعده عمنْ قلتْ ممارستُه وقصرتْ مدارستُه ؛ والله الموفق .
تنبيه :
بقي للتخريج معنى آخر مشتهر بين نساخ كتب الحديث وغيرها ، فانظر ما يلي .(2/230)
تخريج الساقط :
هو استدراك ما سقط من الناسخ بكتابته في حاشية الصفحة مع الإشارة إلى موضعه من الأصل ؛ ويسمى أيضاً التخريج على الحواشي ؛ قال القاضي الحسن بن عبدالرحمن بن خلاد الرامهرمزي في (المحدث الفاصل) (ص606-607) تحت هذه الترجمة (التخريج على الحواشي) ما نصه :
(أجوده أن يُخَرَّجَ مِن موضعه حتى يلحق به طرف الحرف المبتدأ به من الكلمة الساقطة في الحاشية ، ويُكتب في الطرف الثاني حرفٌ واحد مما يتصل به في الدفتر ، ليدلَّ أن الكلام قد انتظم ) ؛ انتهى .
وقال القاضي عياض في (الإلماع إلى معرفة أصول الرواية وتقييد السماع) (ص162-165) : تحت هذا الباب (باب التخريج والإلحاق للنقص) ما يلي :
(أما تخريج المُلْحَقات لما سقط من الأصول فأحسن وجوهِها ما استمر عليه العمل عندنا من كتابة خط بموضع النقص صاعداً إلى تحت السطر الذى فوقه ، ثم ينعطف إلى جهة التخريج في الحاشية ، انعطافاً يشير إليه ، ثم يبدأ في الحاشية باللَّحَقِ مقابلاً للخط المنعطف بين السطرين ، ويكون كتابها صاعداً إلى أعلى الورقة حتى ينتهى اللحق في سطر هناك أو سطرين أو أكثر ، على مقداره ؛ ويكتب آخره {صح} ، وبعضهم يكتب آخره بعد التصحيح {رجع} ، وبعضهم يكتب {انتهى اللحَق} .
واختار بعض أهل الصنعة من أهل أفقنا - وهو اختيار القاضي أبي محمد بن خلاد من أهل المشرق ومن وافقه على ذلك - أن يكتب في آخر اللحق الكلمة المتصلة به من الأم ، ليدل على انتظام الكلام ؛ وقد رأيت هذا في غير كتاب بخطِّ مَن يُلتفتُ إليه ، وليس عندى باختيارٍ حسَنٍ ، فربَّ كلمة قد تجىء في الكلام مكررةً مرتين وثلاثاً لمعنى صحيح ، فإذا كررنا الحرف آخر كلِّ لحق لم يؤمَن أن يوافق ما يتكرر حقيقة أو يشكل أمره ، فيوجب ارتياباً وزيادة إشكال .
والصواب التصحيح عند آخر تمام اللحق ؛ ولا فرق بين آخر سطرٍ من اللحق وبين سائر سطور الكلام في انتظام اللحق .(2/231)
وفائدة كتابه صاعداً في الحاشية إلى أعلى الورقة ، لئلا يجد بعده نقصاً وإسقاطاً آخر ، فإن كنا كتبنا الأول نازلاً إلى أسفل وجدنا الحاشية به مَلأى فلم نجد حيث نخرّجه ؛ فإن كنا كتبنا كل ما وجدنا صاعداً فما وجدناه بعد ذلك من نقص وجدنا ما يقابله من الحاشية نقياً لإلحاقه .
ولذلك يجب أن يكون التخريج أبداً إلى جهة اليمين ، لأنك إن خرجت إلى جهة الشمال ربما وجدت في السطر نفسه تخريجا آخر فلا يمكن إخراجه أمامه لأنه كان يُشْكل التخريجان فيضطر إلى إخراجه إلى جهة اليمين فتلتقى عطفة تخريج جهة الشمال مع عطفه تخريج ذات اليمين أو تقابلها فيظهر كالضرب على ما بينهما من الكلام ، أو يُشكِل الأمر .
وإذا كانت العطفة الأولى إلى جهة اليمين وخرجت الثانية إلى جهة الشمال لم يلتقيا فأمن من الإشكال ، لكن إذا كان النقص في آخر السطر فلا وجه إلا(1) تخريجه إلى جهة الشمال ، لقرب التخريج من اللحق وسرعة لحاق الناظر به ، ولأمننا من نقص بعده(2) ، كما إذا كان في أول السطر فلا وجه إلا تخريجه لليمين لهذه العلة وللعلة الأولى .
وذهب بعضهم إلى أن يمرّ عطفة خط التخريج من موضع النقص(3) داخل الكتاب حتى يلحقه بأول حرف من اللحق بالحاشية ليأتي الكلام والخط كالمتصل ؛ وهذا فيه بيان لكنه تسخيم للكتاب وتسويد له لا سيما إن كثرت الإلحاقات والنقص ، وقد رأيتُه في بعض الأصول .
وأما كل ما يكتب في الطرر والحواشي من تنبيه أو تفسير أو اختلاف ضبط فلا يجب أن يُخرج إليه ، فإن ذلك يدخل اللبس ويُحسب من الأصل ولا يخرج إلا لما هو من نفس الأصل ، لكن ربما جُعل على الحرف المثبت بهذا التخريج كالضبة أو التصحيح ليدل عليه .
__________
(1) في مطبوعة (الإلماع) (إلى) بدل (إلا) ، وهو خطأ يفسد به المعنى بل ينعكس .
(2) أي في ذلك السطر نفسه .
(3) في مطبوعة (الإلماع) (للنقص) .(2/232)
وقد حدثني بعض من لقيته ممن يعتني بهذا الشأن أن كتب الحكم المستنصر بالله خرجت إلى أهل {بيت المقابلة والنسخ} بقصره ، برسوم منها بعض ما ذكرناه ) ؛ انتهى .
وقال العراقي في (ألفيته) وهو يذكر تخريج الساقط وكيفياته :
ويكتب الساقط وهو اللحق*****حاشية إلى اليمين يلحق
ما لم يكن آخر سطر وليكن**لفوق والسطور أعلى فحسن
وَخَرِّجَنْ للسقط من حيث سقط*منعطفاً له وقيل: صل بخط
وبعده اكتب صح أو زد رجعا*أو كرر الكلْمة لم تسقط معا
وفيه ليس ولغير الأصل*******خرِّج بوسط كلْمة المحل
ولعياضٍ: لا تخرجْ ضبِّبِ****أو صححنْ لخوف لبسٍ وأُبي
فقال السخاوي في (فتح المغيث) (3/85-91) شارحاً هذه الأبيات ومضيفاً إلى معانيها ، مبيناً كيفية تخريج الساقط ، وما أُلحق به من التخريج للحواشي ونحوها ، وكيفية كتابة ذلك :
(والأصل في هذا الباب قول زيد بن ثابت في نزول قوله تعالى "غير أولي الضرر" بعد نزول "لا يستوي القاعدون من المؤمنين" كما في "سنن أبي داود"(1) فألحقتُها ، والذي نفسي بيده لكأني أنظر إلى ملحَقِها عند صدع في كتف .
"ويكتب الساقط" غلطاً من أصل الكتاب ، "وهو" - أي المكتوب - في اصطلاح المحدثين والكتاب : "اللَّحَقُ" ، بفتح اللام والمهملة ، وقد أنشد المبرد :
كأنه بين أسطرٍ لَحَقُ
مشتق من الإلحاق "حاشيةً" أي في حاشية الكتاب ، أو بين سطوره إن كانت متسعةً ، لكنه في الحاشية أولى ، لسلامة من تغليس ما يقرأ لا سيما إن كانت السطور ضيقة متلاصقة ؛ وليكن الساقط في جميع السطر إن لم يتكرر ، "إلى" جهة "اليمين" من جانبي الورقة ، لشرفه ، "يُلحَقُ" ، "ما لم يكن" الساقطُ "آخرَ سطرٍ" فإنه يلحق إلى جهة اليسار للأمن حينئذ من نقص فيه بعده ، وليكون متصلاً بالأصل ، وإن ألحق غير واحد من العلماء هذا أيضا لجهة اليمين فاليسار أولى .
__________
(1) 2490) .(2/233)
فإن تكرر ألحق الثاني لجهة اليسار أيضاً ، لأنهما لو جُمعا في جهة واحدة وقع الاشتباه ، وإن ألحق الأول في اليسار والثاني في اليمين تقابل(1) طرفا التخريجتين وصار يُتوهم بذلك الضربُ على ما بينهما ، لكونه أحد طرق الضرب ، كما سيأتي قريباً ، اللهم إلا أن يقال : يُبعد التوهمَ رؤيةُ اللحق مكتوباً بالجانبين مقابل التخريجتين .
"وليكن" الساقط في السطر من الجانبين إن لم يزد على سطر ملاصقاً لأصل الكتاب صاعداً "لِفوقُ" بضم القاف ، إلى أعلى الورقة ، لا نازلاً إلى أسفلها ، لاحتمال وقوع سقطٍ آخرَ فيه أو بعدَه فلا يجد له مقابله موضعاً لو كتب الأول إلى أسفل .
"و"إن زاد على سطر فلتكن "السطور أعلى" الطرة المقابلة لمحله إلى أسفل بحيث تنتهي سطوره إلى أصل الكتاب إن كان اللحق في جهة اليمين ؛ وإن كان في جهة الشمال ابتدأ سطوره من جانب أصل الكتاب بحيث تنتهي سطوره إلى جهة طرف الورقة .
هذا فيما يكتب صاعداً ، فإن كان اللحق نازلاً حيث كان في السقط الثاني أو خالف في الأول انعكس الحال .
ثم إن اتفق انتهاء الهامش قبل فراغ السقط استعان بأعلى الورقة أو بأسفلها حسبما يكون اللحق من كلا الجهتين ، "فـ"هذا الإصلاح قد "حَسُنَ" ممن يفعله .
كل هذا إن اتسع المحل بعدم لحق قبله في السطر نفسه أو قريب منه ؛ وكذا إن كان الهامش من الجهتين عريضاً كما هو صنيع أكثر المتقدمين ، أو قريباً منه ولم يضق أحدهما مع ذلك بالحبك ، فإن لم يكن كذلك تحرى فيما يزول معه الإلباس ولا يظلم به القرطاس ، مع الحرص على عدم إيصال الكتابة بطرف الورقة ، بل يدع ما يحتمل الحك مراراً فقد تعطل سبب إغفال ذلك الكثير .
__________
(1) في المطبوعة (لقابل) ، وأثبتُّ ما أراه الصحيح بحسب السياق .(2/234)
"وَخَرِّجَنْ ، بنون التأكيد الخفيفة "للسقط" أي الساقط الذى كتبته أو ستكتبه ، مما هو ثابت في أصل الكتاب ، "من حيث سقط" خطاً صاعداً إلى تحت السطر الذي فوقه يكون "منعطفاً له" ، أي لجهة السقط من الحاشية ، يسيراً ، ليكون إشارة إليه .
"وقيل" : لا تكفي الإشارة بالانعطاف ، بل "صل" بين الخط وأول اللحق "بخطٍّ" ممتد بينهما ؛ وهذا ، وإن قال الرامهرمزي : إنه أجود لما فيه من مزيد البيان ، فهو - كما قال ابن الصلاح - غير مَرضيّ ؛ بل قال عياض : إنه تسخيم للكتاب وتسويد له - وإن رأيته في بعض الأصول - لا سيما إن كثر التخريج ؛ قال : والأول أحسن وعليه استمر العمل عندنا ، ولذا اختاره ابن الصلاح .
نعم إن لم يكن ما يقابل النقص خالياً واضطر لكتابته بموضع آخر مد وحينئذ الخط إلى أول اللحق ، كما فعله غير واحد ممن يُعتمَدُ ، وذلك - كما قال المصنف - جيد حسن ، ولكن لا يتعين ، بل يقوم مقامه أن يكتب قباله إن اتسع المحل : يتلوه كذا في الموضع الفلاني ، أو نحو ذلك من رمز وغيره مما يزول به اللبس .(2/235)
"وبعده" أي بعد انتهاء الساقط ولو كلمة "اكتب" إشارةً إلى انتهائه وثبوته في الأصل "صح" صغيرةً ، كما صرح به بعض المتأخرين ، مقتصراً عليها ؛ "أو زِدْ" معها - كما حكاه عياض عن بعضهم - "رجعا" ، أو لا تكتب واحدة منهما بل اكتب {انتهى اللحق} كما حكاه عياض أيضاً عن بعضهم ؛ وفيهما تطويل ؛ أو اقتصر على {رجع} كما أفاده شيخُنا ؛ أو "كرر الكلْمةَ" ، بسكون اللام ، التي "لم تسقط" من أصل الكتاب وهي تاليةٌ للملحق ، بأن تكتبها بالهامش أيضاً "معا" ؛ وهذا - وإن حكاه عياض عن اختيار بعض أهل الصنعة من المغاربة وقال الرامهرمزي : إنه أجود - قال ابن الصلاح : إنه ليس بمرضي ، وقال عياض وتبعه ابن دقيق العيد : إنه ليس بحسن ، "وفيه لبسٌ" ، فرب كلمة تجيء في الكلام مرتين بل ثلاثاً لمعنى صحيح ، فإذا كررنا الكلمة لم نأمن أن توافق ما لا يمتنع تكريره ، إما جزماً(1) فتكون زيادة موجهة ، أو احتمالاً(2) فتوجب ارتياباً وزيادةَ إشكال ؛ قال : والصواب التصحيح ، لكن قد نُسب لشيخنا أنَّ {صحّ} أيضاً ربما انتظم الكلام بعدها بها فيُظنّ أنها من الكتاب ، انتهى ، ولكنه نادر بالنسبة للذي قبله ، ويمكن أن يقال : يُبعده فيهما معاً الإحاطة بسلوك المقابِل له دائماً فيما يحسن معه الإثبات وما(3) لا يحسن .
وعلى كل حال فالأحسن الرمز لما لا يُقرأ ، كأن لا تجوَّد الحاء من {صح} ، كما هو صنيع كثيرين ، وكأن لهذه العلة استحب بعضهم كما تقدم تصغيرها .
"ولـ"ما يكون من "غير الأصل" مما يكتب في حاشية الكتاب من شرح ، أو فائدة ، أو تنبيه على غلط أو اختلاف رواية أو نسخة ، أو نحو ذلك "خرِّج" له "بوسْط" بإسكان المهملة "كلمة" بسكون اللام "المحل" التي تُشرح أو يُنبَّه على ما فيها ، لا بين الكلمتين ، ليفترق بذلك عن الأول .
__________
(1) يعني الجزم بعدم امتناع التكرير .
(2) يعني احتمال عدم امتناع التكرير .
(3) في المطبوعة (ومما) .(2/236)
"و"لكن "لعياض لا تخرِّج" ، بل "ضبِّبْ" على تلك الكلمة ، "أو صححنْ" ، بنون التأكيد الخفيفة ، أي اكتب {صح} عليها ، "لخوف" دخول "لبس" فيه ، حيث يُظن أنه من الأصل ، لكون ذاك هو المختص بالتخريج له ، "و"قد "أُبِي" أي مُنع ما ذَهبَ إليه عياضٌ ، لأن كلاً من الضبة والتصحيح اصطلح به لغير ذلك ، كما سيأتي قريباً ، فخوف اللبس أيضاً حاصل ، بل هو فيه أقرب ، لافتراق صورتي التخريج في الأول واختصاص الساقط بقدر زائد ، وهو الإشارة في آخره بما يدل على أنه من الأصل ؛ بل ربما أشير للحاشية أيضاً بحاء مهملة ممدودة ، وللنسخة بخاء معجمة ، إن لم يُرمز لها .
ولذا قال ابن الصلاح : إن التخريج أولى وأدلّ ؛ قال : وفي نفس هذا التخريج ما يمنع الإلباس وهو حسن .
وقرأت بخط شيخنا : محلُّ قول عياض إذا لم يكن هناك علامة تميزه كلون الحمرة أو دقة القلم ؛ انتهى .
وليلاحظ في الحواشي ونحوها عدم الكتابة بين السطور وترك ما يحتمل الحك من جوانب الورقة ، ونحو ذلك مما قررناه ، ولا يضجر من الإصلاح والتحقيق له ----.
ولا يكتب الحواشي في كتاب لا يملكه إلا بإذن مالكه ، وأما الإصلاح فيه فيجوّزه بعضهم بدونه في الحديث ، قياساً على القرآن) . انتهى .
وقال أحمد محمد شاكر في (الباعث الحثيث) (ص132) : { إذا سقط من الناسخ بعض الكلمات وأراد أن يكتبها في نسخته ، فالأصوب أن يضع في موضع السقط - بين الكلمتين - خطاً رأسياً ، ثم يعطفه بين السطرين بخط أفقي صغير ، إلى الجهة التي سيكتب فيها ما سقط منه ، فيكون بشكل زاوية قائمة هكذا ( ) إلى اليمين ، أو هكذا ( ) إلى اليسار .
واختار بعضهم أن يطيل الخط الأفقي حتى يصل إلى ما يكتبه ، وهو رأي غير جيد ، لأن فيه تشويهاً لشكل الكتاب ، ويزداد هذا التشويه إذا كثرت التصحيحات .(2/237)
ثم يكتب ما سقط منه ويكتب بجواره كلمة (صح) ، أو كلمة (رجع)(1) ؛ والاكتفاء بالأولى أحسن وأولى) .
ثم قال (ص132-133) : (وأما إذا أراد أن يكتب شيئاً بحاشية الكتاب ، على سبيل الشرح أو نحوه ، ولا يكون إتماماً لسقط من الأصل ، فيحسن أن يرسم العلامة السابقة في وسط الكلمة التي يكتب عنها ، فتكون العلامة فوقها ليفرق بين التصحيح وبين الحاشية ؛ واختار القاضي عياض أن يضبب فوق الكلمة .
وفي عصورنا هذه نضع الأرقام للحواشي ، كما ترى في هذا الكتاب) ؛ انتهى .
هذا ومن المعلوم عند أهل العلم وطلبته أن كثرة الضرب والتصحيح والإلحاق في كتب المتقدمين المبيّضة ولا سيما من كان منهم من أهل الضبط والإتقان والتحقيق : دليلٌ على شدة عناية صاحب الكتاب بكتابه ، وإتقان مقابلته أو تصحيحه ؛ قال السخاوي في (فتح المغيث) (3/104) : (الضرب والإلحاق ونحوهما مما يستدل به بين المتقدمين على صحة الكتاب ، فروى الخطيب في "جامعه"(2) عن الشافعي أنه قال : إذا رأيت الكتاب فيه إلحاق وإصلاح فاشهد له بالصحة ؛ وعن أبي نعيم الفضل بن دكين قال : إذا رأيت كتاب صاحب الحديث مشججاً ، يعني كثير التغيير ، فأقرب به من الصحة ؛ وأنشد ابن خلاد لمحمد بن عبد الملك الزيات يصف دفتراً :
وأرى رُشُوْمَاً في كتابك لم تدع***شكاً لمرتابٍ ولا لمفكر
نقط وأشكال تلوح كأنها**ندب الخدوش تلوح بين الأسطر
تُنبيك عن رفع الكلام وخفضه*والنصب فيه لحاله والمصدر
وتريك ما تعيا به فتعيده*****كقرينة ومقدماً كمؤخر(3)
وأما ما نراه في هذه الأزمان المتأخرة من ذلك فليس غالباً بدليل للصحة ، لكثرة الدخيل والتلبيس المحيل) ؛ انتهى .
__________
(1) أو (أصل) ، كذا في (تحقيق النصوص ونشرها) ص51 .
(2) 1/279-280 .
(3) وردت هذه الأبيات باختلاف يسير في (المحدث الفاصل) (ص504) .(2/238)
وقال القاضي عياض في (الإلماع) (ص165) : (قال لنا القاضي الشهيد أبو علي سمعت أبا يوسف عبد السلام بن بُنْدار القَروي يقول : أنشدني الشريف أبو علي محمد بن أحمد بن أبي موسى الهاشمي لأحمد بن حنبل :
مَن طلب العلمَ والحديثَ فلا* *يضجر من خمسة يقاسيها
دراهم للعلوم يجمعها*******وعند نشر الحديث يُفنيها
يُضْجِرُه الضربُ في دفاتره**وكثرة اللحق(1) في حواشيها
يغسل أثوابه وبزَّتَه***** **من أثر الحبر ليس ينقيها) .
هذا وينبغي عند طباعة الكتاب أو التعليق على مخطوطته التثبتُ في الاستدراك على الأصل المطبوع عليه ؛ قال عبد الله بن يوسف الجديع في تعليقه على (المقنع) لابن الملقن (1/382) تعليقا على بعض المسائل : (وليس من هذا ما يصنعه كثير من الجهلة من مدعي التحقيق في هذا الزمان من إقحام زيادات في الأسانيد والمتون في الكتب الحديثية اعتماداً منهم على مصادر التخريج ، وحسباناً منهم أنهم يستدركون نقصاً وقع في محققَّهم ، وهم في الواقع يصلون المرسل ، ويرفعون الموقوف ، ويزيدون في المتون ما ليس من رواية من حققوا كتابه (!) ، مثال ذلك حديث يرويه وكيع عن الأعمش عن أبي وائل عن النبي صلى الله عليه مرسلاً ، فيقع في مصنف آخر "عن أبي وائل عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم " موصولاً ، فيقحم الجاهل من هؤلاء "عن عبد الله بن مسعود" في إسناد نسخته المحققة ، فيصله بعد أن كان مرسلاً ، وربما كان هذا من الاختلاف الذي يعل به الحديث ، فتأمل) .
وانظر (اللحق) و (الحاشية) .
تنبيه : ضد تخريج الساقط هو حذف الزائد وإبطاله ، ولهم في ذلك طرق لطيفة دالة على سلامة الذوق أيضاً ، فانظر (الضرب) .
التخريج على الحواشي :
انظر (تخريج الساقط) .
__________
(1) نقل السخاوي في (فتح المغيث) (3/91) هذه الأبيات وقال هنا في ضبط هذه الكلمة في هذا البيت : (واللحق في النظم بإسكان الحاء ، وكأنه خففها لضرورة الشعر) .(2/239)
التدبيج :
إذا روى أحد قرينَين(1) ولنفرضْه زيداً عن الآخر منهما ولنفرضه عمراً وُصفت تلك الرواية بأنها رواية أقران ؛ فإذا عاد الثاني وهو عمرو فروى رواية أخرى عن الأول وهو زيد(2) فهنا يقال : تدبَّج زيد مع عمرو؛ وهذا هو النوع المُدَبَّجُ .
وأول من سماه بذلك هو الإمام الدارقطني ، ولم يقيده بكونهما قرينين ، بل ظاهر كلامه أن كل اثنين روى كل واحد منهما عن الآخر يقال لهما : تدبج فلان مع فلان ؛ وإن كان أحدهما أكبر من صاحبه .
وما كان يحسن ممن جاء بعده أن يخالفه في هذا الاصطلاح الذي ابتكره ، ولكن أبى المتأخرون إلا المخالفة لصاحب الاصطلاح نفسه - وما أكثر ما يفعلونه من مثل ذلك - واحتجوا بما لا عذر لهم فيه فقال قائلهم : (لو روى الشيخ عن تلميذه فهل يسمى مدبجاً ؟ فيه بحث ، والظاهر : لا ، لأنه من رواية الأكابر عن الأصاغر ، والتدبيج مأخوذ من ديباجتي الوجه فيقتضي أن يكون مستوياً من الجانبين) .
قال النووي في (تقريبه) والسيوطي في (شرحه) (2/246-248) :
(---- (النوع الثاني والأربعون المدبج ورواية القرين) عن القرين ؛ ومن فوائد هذا النوع : أن لا يظن الزيادة في الإسناد أو إبدال عن بالواو .
(القرينان هما المتقاربان في السن والإسناد، وربما اكتفى الحاكم بالإسناد) أي بالتقارب فيه وإن لم يتقاربا في السن .
(فإن روى كل واحد منهما عن صاحبه كعائشة وأبي هريرة) في الصحابة والزهري وأبي الزبير في الأتباع (ومالك والأوزاعي) في أتباعهم (فهو المدبج) بضم الميم وفتح الدال المهملة وتشديد الباء الموحدة وآخره جيم .
__________
(1) تقدم معنى (الأقران).
(2) أي على عكس الرواية الأولى، فصار الشيخ في تلك تلميذاً في هذه، والتلميذُ شيخاً.(2/240)
قال العراقي : وأول من سماه بذلك الدارقطني فيما أعلم ، قال : إلا أنه لم يقيده بكونهما قرينين بل كل اثنين روى كل منهم عن الآخر يسمى بذلك وإن كان أحدهما أكبر وذكر منه رواية النبي صلى الله عليه وسلم عن أبي بكر وعمر وسعد بن عبادة وروايتهم عنه ورواية عمر عن كعب وكعب عنه وبذلك يندفع اعتراض ابن الصلاح على الحاكم في ذكره في هذا رواية أحمد عن عبد الرزاق عنه لأنه ماش على ما قاله شيخه ونقله عنه(1) .
ثم وجه التسمية ، قال العراقي : لم أر من تعرض لها .
قال : إلا أن الظاهر أنه سمي به لحسنه لأنه لغة المزين(2) ، والرواية كذلك إنما تقع لنكتة يعدل فيها عن العلو إلى المساواة أو النزول فيحصل للإسناد بذلك تزيينٌ .
قال : ويحتمل أن يكون سمي بذلك لنزول الإسناد فيكون ذماً من قولهم : رجل مدبج : قبيح الوجه والهامة ، حكاه صاحب (المحكم) ، وقد قال ابن المديني والمستملي : النزول شؤم ، وقال ابن معين : الإسناد النازل حدرة(3) في الوجه .
قال : وفيه بعد ، والظاهر الأول .
قال : ويحتمل أن يقال : إن القرينين الواقعين في المدبج في طبقة واحدة بمنزلة واحدة شُبِّها بالخدين إذ يقال لهما : الديباجتان، كما قاله الجوهريُّ وغيرُه .
__________
(1) إذا كان الدارقطني هو أول من سمى هذا النوع بهذا الاسم فلا بد في معرفة معناه الرجوع إلى ما قاله الدارقطني نفسه ؛ إلا إذا أراد أحد من الناس أن ينشئ اصطلاحاً جديداً لهذه الكلمة فعليه حينئذ أن يبين اصطلاحه مع أنه لا مقتضي لتعدد الاصطلاحات ومخالفة القدماء فيها ، بل إن ذلك مما لايحسن ولا يستساغ ، رغم مقولتهم المشهورة : (لا مشاحة في الاصطلاح) .
(2) أو سمي به لحسنه الناشئ عن قلته وطرافته .
(3) التحدير ورم الجلد وغلظه من الضرب ، والمراد أنه تشويه وقبح .(2/241)
قال : وهذ المعنى متوجه على ما قاله ابن الصلاح والحاكم إن المدبج مختص بالقرينين وجزم بهذا المأخذ في (شرح النخبة) ، فإنه قال : لو روى الشيخ عن تلميذه فهل يسمى مدبجاً فيه بحث والظاهر لا ، لأنه من رواية الأكابر عن الأصاغر ، والتدبيج مأخوذ من ديباجتي الوجه فيقتصى أن يكون مستوياً من الجانبين(1) .
أما رواية القرين عن قرينه من غير أن يعلم رواية الآخر عنه فلا يسمى مدبجاً كرواية زائدة بن قدامة عن زهير بن معاوية ولا يعلم لزهير رواية عنه) . انتهى كلام السيوطي.
تدقيق الخط :
التدقيق في عُرف أهل الكتابة والنسخ هو كتابة الكلمات بخط صغير ؛ قال ابن الصلاح في (النوع الخامس والعشرون) من (مقدمته) (ص164) وهو يذكر أموراً مفيدة تراعى في كتابة الحديث وضبطه :
(الثالث: يكره الخط الدقيق من غير عذر يقتضيه ؛ روينا عن حنبل بن إسحق قال: رآني أحمد بن حنبل وأنا أكتب خطاً دقيقاً، فقال : لا تفعل ، أحوج ما تكون إليه يخونك ؛ وبلغنا عن بعض المشايخ أنه كان إذا رأى خطاً دقيقاً قال: هذا خط من لا يوقن بالخلف من الله .
والعذر في ذلك هو مثل: أن لا يجد في الورق سعة ، أو يكون رحالاً يحتاج إلى تدقيق الخط ليخف عليه محمل كتابه ، ونحو هذا ، والله أعلم) .
وقد نظم العراقي هذا المعنى الأخير في بيت من أبيات ألفيته فقال :
ويكره الخط الدقيق إلا ** لضيق رَقٍّ أو لرحّالٍ فلا
فقال السخاوي في (فتح المغيث) (3/47-48) شارحاً هذا البيت : ("ويكره" كراهة تنزيه "الخط الدقيق" أو الرقيق ، لا سيما والانتفاع به لمن يقع له الكتاب ، ممن يكون ضعيف البصر ، أو ضعيف الاستخراج : ممتنعٌ ، أو بعيد ، بل ربما يعيش الكاتب نفسُه حتى يضعف بصره .
ولذلك كان شيخنا يحكي أن الذي يكتب الخط الدقيق ربما يكون قصيرَ الأمل لا يؤمل أن يعيش طويلاً ؛ وأقول : بل ربما يكون طويل الأمل حيث ترجى من فضل الله أنه ولو عُمِّر لا تشق عليه قراءة الخط الدقيق .
__________
(1) هذا الجزم فيه نظر .(2/242)
ثم إنه لا يمنع الحكم بالكراهية ما اقتضاه كلام الحكماء في كونه رياضة للبصر وتدميناً له ، كما يُراض كل عضو من أعضاء البدن بما يخصه ، وأن من لم يفعل ذلك وأدمن على سواه تصعب عليه معاناته ، كمن يترك المشي ، أو لا يشم إلا الروائح الطيبة ، فإنه يشق عليه كلٌّ مِن تعاطى المشي وشم الرائحة الكريهة مشقة شديدة ، بخلاف من اعتاده أحياناً ؛ ولا فِعلُ(1) جماعة حتى بعد تقدمِهم في السن ، منهم الحافظان الشمس ابن الجزري والبرهان الحلبي ، ومنهم من المتقدمين أبو عبدالله الصوري ، كتب صحيح البخاري ومسلم في مجلد لطيف ، وبيع بعشرين ديناراً ، كما ذكره ابن عساكر ، فالمشقة بذلك هي الأغلب ؛ وقد قال الإمام أحمد بن محمد بن حنبل لابن عمه حنبل بن إسحاق بن حنبل ورآه يكتب خطاً دقيقاً : "لا تفعل فإنه يخونك أحوج ما تكون إليه" ؛ رواه الخطيب في "جامعه"(2) ----.
"إلا" أن تكون دقة الخط "لـ"عذر كـ"ضيق رقٍّ" ، بفتح الراء ، وهو القرطاس الذى يكتب فيه ، ويقال له : الكاغد أيضاً ، بأن يكون فقيراً لا يجد ثمنه ، أو يجد الثمن ولكن لا يجد الرق ، "أو لرحال" مسافر في طلب العلم يريد حمل كتبه معه ، فيحتاج ، إما لفقره ، أو لكونه أضبط ، أن تكون خفيفة الحمل ، قال محمد بن المسيب الأرغياني : كنت أمشي بمصر وفي كمي مئة جزء ، في كل جزء ألف حديث ، فـ"لا" كراهة ، حيث اتصف بواحد مما ذُكر ، فضلاً عن أكثر ، كأن يكون فقيراً رحالاً ؛ وأكثر الرحالين - كما قال الخطيب - يجتمع في حاله الصفتان اللتان يقوم بهما العذر في تدقيق الخط ، يعني كما وقع لأبي بكر عبد الله ابن أحمد بن محمد بن روزبة الفارسي وكان يكتب خطاً دقيقاً حيث قيل له : لمَ تفعلُ؟ فقال : لقلة الورَق والورِق وخفة الحمل على العنق .
__________
(1) هذه الكلمة معطوفة على (كلام الحكماء) .
(2) 1/261) .(2/243)
ولكن قال الخطيب : بلغني عن بعض الشيوخ أنه كان إذا رأى خطاً دقيقاً قال : هذا خط لا يوقن بالخلف من الله تعالى ؛ يشير إلى أن داعية الحرص على ما عنده من الورق ألجأته لذلك ، إذ لو كان يعلم أنه مستخلف لوسَّع ).
التدليس :
التدليس صنيع لبعض الرواة فيه إيهام خلاف الواقع ، كما يأتي بيانه ؛ وهو مشتق من الدَّلَسِ ، وهو الظلام ، وكأنه أظلم أمر الحديث المدلس على الناظر لتغطية وجه الصواب فيه كما يتضح مما يأتي .
والتدليس أقسام أشهرها تدليس الإسناد وهو المراد عند إطلاق لفظة التدليس .
ومرجع التدليس إلى أمرين : الحذف والتغيير ، وكل من الحذف والتغيير يكون لأمرين أيضاً : اسم الراوي وصيغة الأداء .
هذا هو التدليس الرئيس ، وثم نوع آخر من التدليس فرعي غير رئيس ، وهو قليل الضرر على الأحكام النقدية على الروايات؛ وهو تدليس البلاد.
وفيما يأتي تعريف تلك الأنواع أو أهمِّها ، مرتبة على حروف المعجم ، كما هو الشرط في هذا لكتاب.
تدليس الإجازة(1) :
هو أن يروي الراوي ما تحمله بالإجازة، بصيغة أداء توهم أنه سمعه من المجيز، أو أنه كتب به إليه، مع أنه إنما سمع منه عبارة الإجازة فقط، أو كتب إليه بالإجازة فقط، وأشار إلى المجاز به، أو عينه، دون أن يكتبه له .
ومن تلك الصيغ المستعملة لهذا النوع من الإيهام (أخبرني) و(شافهني) و(كتب إليّ) .
قال ابن حجر في (طبقات المدلسين) (ص62) : (ويلتحق بالتدليس ما يقع من بعض المحدثين من التعبير بالتحديث أو الإخبار عن الإجازة موهماً للسماع ولا يكون سمع من ذلك الشيخ شيئاً) .
ونبه عليه أيضاً في (النكت على ابن الصلاح) انظر (2/624، 625، 633) منه.
__________
(1) تدليس الإجازة نوع من تدليس كيفية التحمل .(2/244)
وقال في (النخبة) و(شرحها) (ص172) : (---(وأطلقوا المشافهة في الاجازة المتلفظ بها) تجوزاً، (و) كذا (المكاتبة في الاجازة المكتوب بها)؛ وهو موجود في عبارة كثير من المتأخرين، بخلاف المتقدمين، فإنهم إنما يطلقونها فيما كتب به الشيخ من الحديث، إلى الطالب، سواء أذن له في روايته أم لا، لا فيما إذا كتب إليه بالإجازة فقط).
يعني يقول أحدهم مثلاً : (قال فلان فيما شافهني به : حدثنا فلان) ثم يذكر حديثاً؛ أو يقول : (شافهني فلان قال أخبرني فلان) ثم يذكر حديثاً، مع أن أصل استعمالهم لهذه الكلمة أو أصل معناها في اللغة إنما يقال فيما يسمعه الطالب من شيخه.
وأما ما قاله بشأن المكاتبة فواضح لا يحتاج إلى شرح.
وهذا يسميه بعضهم (تدليس الصيغة)، ولعل تسميته (تدليس صورة التحمل)، أو (تدليس كيفية التحمل) أحسن وأبْيَن.
تكميل : قال ابن الصلاح : (وينبغي فيما شاع استعماله من هذه الألفاظ مخصوصاً بما سمع من غير لفظ الشيخ أن لا يطلق فيما سمع من لفظه لما فيه من الإيهام والإلباس).
وقال العراقي : (إطلاق (أنبأنا) بعد أن اشتهر استعمالها في الإجازة يؤدي إلى أن نظن بما أداه بها أنه إجازة فيسقطه من لا يحتج بها فينبغي أن لا يستعمل في السماع لما حدث من الاصطلاح).
وممن وصف بهذا النوع من التدليس أبو نعيم الأصبهاني، قال ابن حجر في (طبقات المدلسين) (ص82) : (كانت له إجازة من أناس أدركهم ولم يلقهم فكان يروي عنهم بصيغة " أخبرنا " ، ولا يبين كونها إجازة، لكنه كان إذا حدث عمن سمع منه يقول : "ثنا " سواء ذلك قراءة أو سماعاً، وهو اصطلاح له تبعه عليه بعضهم، وفيه نوع تدليس لمن لا يعرف ذلك) .(2/245)
ومن العلماء من لم يرض بتسمية هذا الصنيع تدليساً؛ قال العلائي في جامع التحصيل (ص114) عقب ذكره أسماء المدلسين ، وبيانه لطبقاتهم ، وهي عنده خمس طبقات : (وهذا كله في تدليس الراوي ما لم يتحمله أصلاً بطريق ما؛ فأما تدليس الإجازة والمناولة والوجادة بإطلاق " أخبرنا " فلم يعده أئمة الفن في هذا الباب، كما قيل في رواية أبي اليمان الحكم بن نافع عن شعيب، وروايةِ مخرمة بن بكير بن الأشج عن أبيه، وصالح بن أبي الأخضر عن الزهري، وشبه ذلك؛ بل هو إما محكوم عليه بالانقطاع أو يعد متصلاً؛ ومن هذا القبيل ما ذكره محمد بن طاهر المقدسي عن الحافظ أبي الحسن الدارقطني أنه كان يقول فيما لم يسمع من البغوي : "قرئ على أبي القاسم البغوي حدثكم فلان" ويسوق السند إلى آخره، بخلاف ما هو سماعه ، فإنه يقول فيه : "قرىء على أبي القاسم وأنا أسمع" ، أو "أخبرنا أبو القاسم البغوي قراءةً " ، ونحو ذلك؛ فإما أن يكون له من البغوي إجازة شاملة بمروياته كلها فيكون ذلك متصلاً له، أو لا يكون كذلك فيكون وجادة؛ وهو قد تحقق صحة ذلك عنه) .
ونحو تدليس الاجازة تدليس المكاتبة وتدليس المناولة(1).
وانظر (الإجازة العامة) و (أخبرنا) .
تدليس الأسماء :
يسمى هذا التدليس أيضاً (تدليس الشيوخ) .
__________
(1) بيان حكم من وُصف بهذا النوع من التدليس :
إذا كانت صيغة الأداء صريحة في عدم احتمال الواسطة بين الراوي ومن فوقه، فإن كان غير موصوف بتدليس الاجازة ونحوها فتلك الصيغة تعتبر صريحة في السماع؛ ولكن إذا كان الراوي موصوفاً بهذا النوع من التدليس، أو كان من الطبقات التي كثر فيها ذلك وهم المتأخرون، ولم يأت ما يدل على عدم تعاطيه إياه، فينبغي اعتبار احتمالات هذه القضية والنظر في قرائنها وملابساتها؛ فإذا كان الحديث شاذاً أو منكراً أو غريباً غرابة لا يحتملها ظاهر الإسناد فقد يترجح عند الناقد الحمل على هذا النوع من التدليس.(2/246)
وهو أن يروي الراوي عن شيخ فيسميه أو يكنيه أو ينسبه أو يصفه بما لم يشتهر به، أو بما لم يعرف به أصلاً ، لكيلا يعرف أصلاً ، فتُجهل عينه لتخفى حاله ، أو لكي توافق تسميته تسمية غيره من الثقات أو الكبار أو المشاهير فيوهم ذلك أن ذلك الغير هو المراد .
وهذا كما فُعِل بتسمية (محمد بن سعيد الأسدي الشامي المصلوب)، قيل : قلبوا اسمه على مئة وجه ، أي ليخفى، انظر (الضعفاء) للعقيلي (4/72) و(الكفاية) للخطيب (ص522).
فينبغي أن يكون الباحث في أحكام الأحاديث ورواتها قادراً على تخمين مظان هذا النوع من التدليس وكيفياته.
وينبغي الاعتناء بمعرفة أسماء الرواة الذين كانوا يتعاطون هذا النوع من التدليس، فإنه يورد ريبة في كل شيخ لأحدهم غير معروف، وكذلك يورد ريبة في رواية أحدهم عن حافظ ثقة شهير له أصحاب يلازمونه وتفرد عنه بالحديث ذلك المدلس، دونهم، فحينئذ يقوم الاحتمال على أن يكون المسمى بذلك الإسم راوياً آخر غير ذلك الحافظ الشهير، وقد يكون مجروحاً أو مجهولاً، ولكن ذلك المدلس دلس اسمه عمداً، غيَّره ليوافق اسم الحافظ المشهور ليوهم أنه هو شيخه في ذلك الحديث.
ومن الكتب المُساعدة على كشف هذا النوع من التدليس (موضح أوهام الجمع والتفريق) للخطيب البغدادي(1) .
__________
(1) تنبيهات :
التنبيه الأول : هذا النوع من التدليس لا علاقة له بالاتصال والانقطاع، فحقه أن يذكر في كتب المصطلح في أبواب أسماء الرواة وكناهم وألقابهم، ولكن جرت عادة المصنفين في هذا الفن بذكر أنواع التدليس مجتمعة في موضوع الاتصال والانقطاع غالباً؛ ولذلك - أو لغيره - يذكرون هذا النوع في أبوابها.
التنبيه الثاني :
إذا روى الراوي الحديث عن ثقة ومجروح - أو مجهول - مقرونَين في طبقة فوق شيخه، فأسقط غير الثقة، فهذا ليس من تدليس الإسناد، كما هو واضح.
وهو أيضاً ليس من تدليس الأسماء.
ولكن شرط إخراج هذا الصنيع من التدليس أن يكون فاعله جازماً بأن الرواية التي ساقها هي رواية الثقة أو أن روايتيهما واحدة.
وكان مسلم بن الحجاج رحمه الله عندما يرد في الاسناد راويان مقرونان أحدهما ثقة والآخر مجروح ربما يسقط المجروح من الإسناد ويذكر الثقة ثم يقول : (وآخر)، كناية عن المجروح.
وهذا في الحقيقة ليس تدليساً، ولكنه يشبه تدليس الأسماء.
وانظر (حدث فلان وآخر).
التنبيه الثالث : وهو في بيان أسباب تدليس الأسماء :
من أسباب هذا النوع من التدليس أن يكون الشيخ المدلَّس اسمُه : مجروحاً أو مجهولاً أو صغيراً أو قريباً أو تكون أحاديثه مشهورة متداولة قد سمعها أكثر الحاضرين في مجلس المدلس، أو مجلس غيرِه، أو يكون المدلس مكثراً عن ذلك الراوي فيغير تسميته دفعاً للتكرار.
وبعبارة أخرى : سبب تدليس الإسناد إرادة إخفاء حقيقة الراوي وإيهام أن الحديث لراو آخر غيره؛ إما بسبب صغره أو قربه أو رغبة الناس عن حديثه أو كراهته أو الخوف من ذكره عند من يعاديه أو كذبه أو تركه أو ضعفه، وذلك أن قوماً سمعوا الحديث من ضعفاء لهم أسماء أو كنى مشهورة عرفوا بها فلو صرحوا بأسمائهم المشهورة وكناهم المعلومة لم يُشتغَل بحديثهم فأتوا بالإسم الخامل وبالكنية المجهولة ليبهموا الأمر ولئلا يعرف ذاك الراوي وضعفه فيزهد في حديثهم.(2/247)
تدليس الإسناد :
هو المراد بالتدليس عند الإطلاق، وهو أهم صوره وأشهرها وأكثرها وقوعاً .
وهو أن يروي غير الصحابي(1) عمن سمع منه في الجملة - أو عمن حصل له من اللقاء به ما يُظن معه حصول السماع(2) - ما لم يسمعه منه(3) من حديثه، حاذفاً الواسطة عمداً، قاصداً إيهام السماع بإحدى طرق الإيهام الآتي شرحها(4) ؛ وهي :
استعمال الصيغة المحتملة للسماع وعدمه ، وهي الصيغة الموهمة للسماع.
حذف الصيغة أصلاً .
إيهام التعاطف بين اسمين غير متعاطفين ، أو جملتين غير متعاطفتين، أي مع نية القطع بينهما.
القطع بين ركني جملة يظهر أنهما صيغة أداء المدلس واسم شيخه في ذلك الحديث ، مثل (حدثنا زيد قال عمرو ----).
وهذا بيان ذلك :
الطريقة الأولى من طرق تدليس الإسناد :
__________
(1) ويصح حذف هذا الاحتراز (غير الصحابي) ، اكتفاء بما يأتي من اشتراط قصد إيهام السماع، فالصحابة لا يقع منهم ذلك.
(2) أي ما يغلب على ظن تلامذته وغيرهم أنه سمع منه.
(3) من أسباب إيهام السماع كثرة رواية الراوي عمن عاصره أو لقيه ولم يسمع منه شيئاً ، من غير أن يبين أنه لم يسمع منه .
ولكن يقال هنا : لا شك أن مثل ذلك الإكثار يكون في الغالب مقتضياً للسؤال عنه والبحث فيه ، من قِبل طلاب الحديث وعلمائه ، فلن يخفى أمره عليهم .
(4) وهو بتعبير آخر : أن يروي الشيخ حديثاً فيسمعه بعض تلامذته عنه، لا منه، أي يسمعه بواسطة وليس من الشيخ مباشرة، ثم بعد ذلك يرويه عن ذلك الشيخ موهماً سماعه إياه منه بحذف الواسطة والتعبير بإحدى الطرق الموهمة للسماع.
وهذا النوع من التدليس فيه إخفاء الانقطاع؛ ويسمى أيضاً تدليس الإرسال.
وأطلق عليه بعض المعاصرين اسم تدليس الوصل، وهو يريد إيهام الوصل.(2/248)
وهي الأغلب الأشهر بين سائر طرق الإيهام(1)؛ وهي استعمال الصيغة المحتملة للسماع ولعدمه - وتسمى أيضاً الصيغة الموهمة للسماع، أو الصيغة الموهمة - مثل (قال) و (ذكر) و (حدث)؛ بدل الصيغة الصريحة في الانقطاع مثل (حُدِّثت) و (أًخْبرت) و(قيل لي) ونحوها.
والمدلس لا يستعمل عند إرادته التدليس صيغ الانقطاع هذه لأنه لا يتم بها مقصوده. وأيضاً لا يستعمل صيغ صريحة في السماع لأنه حينئذ يكون كاذباً لا مدلساً، والفرض هنا أنه ثقة.
الطريقة الثانية من طرق تدليس الإسناد :
حذف صيغة الأداء أصلاً كما فعله ابن عيينة مرة إذ قال : (عمرو بن دينار سمع جابراً رضي الله عنه)، ثم ساق الحديث وهو لم يسمعه من شيخه عمرو بن دينار ، بل سمعه عنه بواسطة(2).
وهذا الصنيع يليق به أن يسمى (التدليس بحذف الصيغة).
ومنه صنيع هشيم في حديثه الذي رواه عنه عبد الله بن أحمد في (العلل) (2229) قال : (حدثني أبي قال حدثنا هشيم قال : إما المغيرة وإما الحسن بن عبيد الله، عن إبراهيم : لم ير بأساً بمصافحة المرأة التي قد خلت من وراء الثوب؛ سمعت أبي يقول : لم يسمعه هشيم من مغيرة ولا من الحسن بن عبيد الله).
الطريقة الثالثة من طرق تدليس الإسناد :
التدليس بالعطف ؛ وهو ثلاثة أنواع :
النوع الأول من أنواع تدليس العطف : عطف اسم راو على اسم راو قبله مع نية القطع :
__________
(1) أعني إيهام سماع الراوي الحديثَ ممن فوقه من شيوخه، خلافاً للواقع.
(2) قال ابن حجر في (النكت) (2/617) : (وقد يدلسون بحذف الصيغ الموهمة فضلاً عن المصرحة ، كما كان ابن عيينة يقول : "عمرو بن دينار سمع جابراً رضي الله عنه" ، ونحو ذلك).(2/249)
وهو كما قال ابن حجر في (النكت) (2/617) : (أن يروي عن شيخين من شيوخه ما سمعاه من شيخ اشتركا فيه ، ويكون قد سمع ذلك من أحدهما دون الآخر ، فيصرح عن الأول بالسماع ويعطف الثاني عليه ، فيوهم أنه حدث عنه بالسماع أيضاً ؛ وإنما حدث بالسماع عن الأول ثم نوى القطع فقال : (وفلان) ، أي : وحدث فلانٌ).
مثاله ما روى الحاكم في (معرفة علوم الحديث) (ص131) قال : (وفيما حدثونا أن جماعة من أصحاب هشيم اجتمعوا يوماً على أن لا يأخذوا منه التدليس ، ففطن لذلك ، فكان يقول في كل حديث يذكره : حدثنا حسين ومغيرة عن إبراهيم؛ فلما فرغ قال لهم : هل دلست لكم اليوم؟ فقالوا : لا، فقال : لم أسمع من مغيرة حرفاً مما قلته، إنما قلت حدثني حصين، ومغيرة غير مسموع لي) ا.هـ.
ولكن هذه القصة ذكرها الحاكم بغير سند، ويظهر أنها لم تُرو مسندة، فعلى هذا لا تصح.
وقد قصر ابن حجر في (النكت) تدليس العطف على هذا النوع من أنواعه، فلم يذكر تحت هذا الاسم غيرَه.
النوع الثاني من أنواع تدليس العطف : عطف جملة سياق حديث على جملة سياق حديث قبله، أي عطف إسناد حذفت الصيغة من أوله على إسناد آخر لا حذف فيه :
ورد نحو ذلك فيما يظهر في صنيع هشيم في حديثه التالي :
قال عبد الله بن أحمد في (العلل ومعرفة الرجال) (2191) : (حدثني أبي قال : حدثنا هشيم قال أخبرنا الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل يوم خيبر للفرس سهمين وللرجل سهماً)؛ ثم قال (2192) : (حدثني أبي قال : حدثنا هشيم قال : وعبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك.
سمعت أبي يقول : لم يسمعه هشيم من عبيد الله).
فهشيم ساق حديثاً لشيخه الكلبي بقوله (حدثنا)، ثم عطف عليه حديثاً لشيخه عبيد الله ولكن لم يبدأه بأي صيغة؛ فهو أراد بهذا العطف عطف جملة على جملة، أي (وحدث عبيد الله) إلى آخره، لا عطف فاعل على فاعل، أعني لم يعطف عبيد الله على الكلبي.(2/250)
النوع الثالث من أنواع تدليس العطف : أن ينفي السماع من الأول ثم يذكر الثاني من غير صيغة أداء ويوهم أنه سمع منه بخلاف الأول.
وقد ادعى بعضهم أن أبا إسحاق السبيعي فعله.
قال البخاري في (صحيحه) (152) : حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ : لَيْسَ أَبُو عُبَيْدَةَ ذَكَرَهُ، وَلَكِنْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْأَسْوَدِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ يَقُولُ : (أَتَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْغَائِطَ فَأَمَرَنِي أَنْ آتِيَهُ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ فَوَجَدْتُ حَجَرَيْنِ وَالْتَمَسْتُ الثَّالِثَ فَلَمْ أَجِدْهُ فَأَخَذْتُ رَوْثَةً فَأَتَيْتُهُ بِهَا فَأَخَذَ الْحَجَرَيْنِ وَأَلْقَى الرَّوْثَةَ وَقَالَ : هَذَا رِكْسٌ؛ وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ).
قال الحاكم في (معرفة علوم الحديث) ص135 : (قال علي : وكان زهير وإسرائيل يقولان عن أبي إسحاق أنه كان يقول : ليس أبو عبيدة حدثنا ولكن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم في الاستنجاء بالأحجار الثلاثة، قال ابن الشاذكوني : ما سمعت بتدليس قط أعجب من هذا ولا أخفى، قال : أبو عبيدة لم يحدثني، ولكن عبد الرحمن عن فلان عن فلان، ولم يقل حدثني؛ فجاز الحديث وسار).
ولكن ابن حجر بين في (هدي الساري) أن هذا ليس بتدليس، وكذلك فعل في شرح الحديث في (الفتح) فقال (1/256-258) :
(قوله {ليس أبو عبيدة} أي ابن عبد الله بن مسعود؛ وقوله (ذكره) أي لي (ولكن عبد الرحمن بن الأسود) أي هو الذي ذكره لي بدليل قوله في الرواية الآتية المعلقة (حدثني عبد الرحمن).(2/251)
وإنما عدل أبو إسحاق عن الرواية عن أبي عبيدة إلى الرواية عن عبد الرحمن مع أن رواية أبي عبيدة أعلى له لكون أبي عبيدة لم يسمع من أبيه على الصحيح فتكون منقطعة بخلاف رواية عبد الرحمن فإنها موصولة.
ورواية أبي إسحاق لهذا الحديث عن أبي عبيدة عن أبيه عبد الله بن مسعود عند الترمذي وغيره من طريق إسرائيل بن يونس عن أبي إسحاق.
فمراد أبي إسحاق هنا بقوله (ليس أبو عبيدة ذكره) أي لست أرويه الآن عن أبي عبيدة وإنما أرويه عن عبد الرحمن -----.
قوله (وقال إبراهيم بن يوسف عن أبيه) يعني يوسف بن إسحاق بن أبي إسحاق السبيعي عن أبي إسحاق وهو جده قال (حدثني عبد الرحمن) يعني بن الأسود بن يزيد بالإسناد المذكور أولاً.
وأراد البخاري بهذا التعليق الرد على من زعم أن أبا إسحاق دلس هذا الخبر كما حُكِي ذلك عن سليمان الشاذكوني حيث قال : لم يسمع في التدليس بأخفى من هذا، قال : ليس أبو عبيدة ذكره، ولكن عبد الرحمن، ولم يقل : ذكره لي، انتهى.
وقد استدل الإسماعيلي أيضاً على صحة سماع أبي إسحاق لهذا الحديث من عبد الرحمن يكون يحيى القطان رواه عن زهير فقال بعد أن أخرجه من طريقه : والقطان لا يرضى أن يأخذ عن زهير ما ليس بسماع لأبي إسحاق وكأنه عرف ذلك بالاستقراء من صنيع القطان، أو بالتصريح من قوله؛ فانزاحت عن هذه الطريق علة التدليس). انتهى كلام ابن حجر.
الطريقة الرابعة من طرق تدليس الإسناد : تدليس القطع ، أي من غير عطف؛ وحقيقته الإضراب عن صيغة الأداء ، ثم استئناف سياق جديد محذوفة صيغته الأولى ، وهو في الحقيقة قطع بين الصيغة وفاعلها ، مع إيهام تلازمهما.(2/252)
مثال ذلك ما كان يفعله عمر بن علي بن عطاء بن مقدم المقدمي؛ من أنه كان يقول : (حدثنا) ، ثم يسكت ينوي القطع ، ثم يقول مثلاً : هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها ؛ فيذكر حديثاً لم يسمعه من هشام ؛ ويكون تقدير الكلام عنده ، أي في نفسه ، هو (حدَّث هشام عن أبيه ----) ؛ وذلك بعد أن يُضرِب عن جملته الأولى وهي (حدثنا) ويُعْرض عن إتمامها .
قال ابن سعد في (الطبقات) (7/291) في عمر هذا : (وكان يدلس تدليساً شديداً وكان يقول : " سمعتُ " و "حدثنا " ، ثم يسكت ثم يقول : "هشام بن عروة، الأعمش") ا.هـ.
وقال عبد الله بن أحمد : سمعت أبي ذكر عمر بن علي فأثنى عليه خيراً، وقال : (كان يدلس، سمعته يقول : حجاج سمعته، يعني : حدثنا آخر، قال أبي : هكذا كان يدلس) ا.هـ من (تهذيب الكمال).
وهذا النص موجود في (سؤالات عبد الله بن أحمد لأبيه) (3/14) ولكن أخطأ المحقق في قراءة النص ففصل أول الكلام عن آخره؛ نبه عليه الشيخ عبد الله السعد في تقديمه لكتاب (منهج المتقدمين في التدليس) لناصر بن حمد الفهد(1) .
__________
(1) وهم ابن حجر إذ مثَّل في (النكت) (2/617) لهذا النوع من التدليس بعمر بن عبيد الطنافسي بدل عمر بن علي المقدمي؛ فقال في شرح معنى تدليس القطع : (مثاله ما رويناه في "الكامل" لأبي أحمد ابن عدي وغيره عن عمر بن عبيد الطنافسي أنه كان يقول : (حدثنا)، ثم يسكت ينوي القطع، ثم يقول : هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها).
وهذا النص الذي نقله عن (الكامل) لابن عدي ليس موجوداً في المطبوع منه ؛ ويظهر أن الطنافسي لم يصفه بالتدليس أحد من العلماء قبل الحافظ ابن حجر في (النكت)،
قال الشيخ عبد الله السعد في التقديم المذكور : (وأما عمر بن عبيد الطنافسي فلا أعلم أن أحداً وصفه بالتدليس أصلاً، غير الحافظ بن حجر في (النكت) ولذلك لا أعلم أن أحداً ذكره في (طبقات المدلسين) حتى ابن حجر في (طبقاته) لم يذكره ، فهذا يدل على وهمه عندما وصفه بالتدليس ؛ والله أعلم) . انتهى.
فابن حجر - كما يؤخذ من عبارة الشيخ، وكما هو الواقع - لم يصف الطنافسيَّ بالتدليس في (التهذيب) ولا (التقريب)، ولا في كتبه الأخرى المعروفة ، وإنما ذكر في (طبقات المدلسين) المقدميَّ فقال : (عمر بن علي المقدمي من أتباع التابعين ، ثقة مشهور ، كان شديد الغلو في التدليس ، وصفه بذلك أحمد وابن معين والدارقطني وغير واحد ؛ وقال ابن سعد : ثقة وكان يدلس تدليساً شديداً ، يقول : ثنا ، ثم يسكت ، ثم يقول : هشام بن عروة ، أو الأعمش ، أو غيرهما ؛ قلت : وهذا ينبغي أن يسمى تدليس القطع).
وقال في ترجمة عمر بن علي المقدمي من (التقريب) : (ثقة وكان يدلس شديداً).(2/253)
تنبيهات :
الأول : التدليس منتفٍ عن الصحابة رضي الله عنهم بالكلية ؛ وقد حقق هذا المعنى العلامة المعلمي رحمه الله في (الأنوار الكاشفة) (ص159-161)(1) :
__________
(1) فقال : (قال الخطيب في (الكفاية) (ص357) : (تدليس الحديث الذي لم يسمعه الراوي ممن دلسه عنه بروايته إياه على وجه يوهم أنه سمعه منه).
ومثال هذا أن قتادة كان سمع من أنس، ثم سمع من غيره عن أنس ما لم يسمعه هو من أنس، فربما روى بعض ذلك بقوله (قال أنس …) ونحو ذلك. ثم ذكر الخطيب (ص358) ما يؤخذ على المدلس، وهاك تلخيصه بتصرف :
أولاً : إيهامه السماع ممن لم يسمع منه.
ثانياً : إنما لم يبين لعلمه أن الواسطة غير مرضي.
ثالثاً : الأنفة من الرواية عمن حدثه.
رابعاً : إيهام علو الإسناد.
خامساً : عدوله عن الكشف إلى الاحتمال.
أقول [القائل المعلمي] : هذه الأمور منتفية فيما كان يقع من الصحابة رضي الله عنهم من قول أحدهم فيما سمعه من صحابي آخر عن النبي صلى الله عليه وسلم : "قال النبي صلى الله عليه وسلم".
أما الأول : فلأن الإيهام إنما نشأ منذ عُني الناس بالإسناد، وذلك عقب حدوث الفتنة، وفي مقدمة "صحيح مسلم" عن ابن سيرين قال : "لم يكونوا يسألون عن الإسناد، فلما وقعت الفتنة قالوا : سموا لنا رجالكم …)؛ فمن حينئذ التزم أهل العلم الإسناد فأصبح هو الغالب حتى استقر في النفوس، وصار المتبادر من قول من قد ثبت لقاؤه لحذيفة "قال حذيفة سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول … " أو نحو ذلك : أنه أسند، ومعنى الإسناد أنه ذكر من سمع منه، فيفهم من ذاك القول أنه سمع من حذيفة، فلو قال قائل مثل ذلك مع أنه لم يسمع ذاك الخبر من حذيفة وإنما سمعه ممن أخبر به عن حذيفة كان موهماً خلاف الواقع.
وهذا العرف لم يكن مستقراً في حق الصحابة، لا قبل الفتنة ولا بعدها، بل عُرفهم المعروف عنهم أنهم كانوا يأخذون من النبي صلى الله عليه وسلم بلا واسطة، ويأخذ بعضهم بواسطة بعض، فإذا قال أحدهم : (قال النبي صلى الله عليه وسلم …) كان محتملاً أن يكون سمع ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم، وأن يكون سمعه من صحابي آخر عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ فلم يكن في ذلك إيهام.
وأما الثاني فلم يكن ثم احتمال لأن يكون الواسطة غير مرضي، لأنهم لم يكن أحد منهم يرسل إلا ما سمعه من صحابي آخر - يثق به وثوقه بنفسه - عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ ولم يكن أحد منهم يرسل ما سمعه من صبي أو من مغفل أو قريب العهد بالإسلام أو من مغموص بالنفاق أو من تابعي.
وأما الثالث فلم يكن من شأنهم رضي الله عنهم.
وأما الرابع فتبع للأول.
وأما الخامس فلا ضرر في الاحتمال مع الوثوق بأنه إن كان هناك واسطة فهو صحابي آخر) انتهى كلام المعلمي رحمه الله.
وسبقه إلى نفي التدليس عن الصحابة بكلام جليل العلامة المحقق ابن رشيد السبتي رحمه الله في (السَّنَن الأبْيَن والمورد الأمعن في المحاكمة بين الإمامين في السند المعنعن) (ص63- 65) فقال :
(فإن قيل : قد وجد الإرسال من الصحابة رضي الله عنهم وممن بعدهم ممن يعلم أو يظن أنه لا يدلس عمن لقيه وسمع منه؟
قلنا : أما حال الصحابة رضي الله عنهم في ذلك الذين وجبت محاشاتهم عن قصد التدليس فتحتمل وجوهاً :
منها أن يكونوا فعلوا ذلك اعتماداً على عدالة جميعهم، فالمخوف في الإرسال قد أمن؛ يدل على ذلك ما قاله أنس بن مالك رضي الله عنه؛ ذكر أبو بكر بن أبي خيثمة في "تاريخه" قال : نا موسى بن إسماعيل وهدبة قالا نا حماد بن سلمة عن حميد أن أنساً حدثهم بحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له رجل : أنت سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فغضب غضباً شديداً وقال : والله ما كل ما نحدثكم سمعنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ولكن كان يحدث بعضنا بعضاً، ولا يتهم بعضنا بعضاً.
قلت : ولذلك قبل جمهور المحدثين، بل جميع المتقدمين - وإنما خالف في ذلك بعض من تأصل من المحدثين المتأخرين - مراسل الصحابة رضي الله عنهم؛ وعلى القبول محققو الفقهاء والأصليين.
ومنها أن يكونوا أتوا بلفظ (قال) أو (عن)؛ ولفظ (قال) أظهر إذ هو مهيع الكلام قبل أن يغلب العرف في استعمالهما للاتصال.
ومنها أن يكونوا فعلوا ذلك عند حصول قرينة مفهمة للإرسال مع تحقق سلامة أعراضهم وارتفاعهم عن مقاصد المدلسين وأغراضهم.
ومنها أن يكونوا أتوا بلفظ مفهم لذلك فاختصره من بعدهم لثقة جميعهم ولعل قول كثير من التابعين عمن يروون عنه من الصحابة (ينمي الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم) أو (يبلغ به النبي عليه السلام) أو (يرفعه)، أو ما أشبه هذا من الألفاظ : عبارة عن ذلك.
وأما من سوى الصحابة فإنما فعل ذلك من فعله منهم بقرينة مفهمة للإرسال في ظنه وإلا عُدَّ مدلساً). انتهى.(2/254)
الثاني : يظهر أن جمهور العلماء بالحديث قدماء ومتأخرين كانوا يفرقون بين الإرسال الخفي والتدليس(1) ، وأن قليلاً منهم كابن حبان والخليلي كانوا - بحسب ما يظهر - يسمون الإرسال الخفي تدليساً ، وهل كان هؤلاء يشترطون في تسميته تدليساً تعمد فاعله الإيهام أو لا يشترطون ؟ هذا ما ينبغي أن يحرر ؛ وعلى كل حال فالتحقيق أن الإرسال الخفي لا ينبغي أن يعد تدليساً إلا بشرط تعمد فاعله الإيهام ، وبهذا قد يجمع بين ما قد يظهر من تناقض بين عبارات بعض الأئمة في تعريف التدليس ، كالخطيب في (الكفاية) .
الثالث : معنى التدليس منتفٍ عن تعليق المصنفين غير المدلسين الحديث عن شيوخهم، وقال ابن حجر في (نزهة النظر) : (الصحيح في هذا [أي تعليق المصنفين عن شيوخهم] التفصيل، فإن عرف بالنص أو الاستقراء أن فاعل ذلك مدلس قضي به ، وإلا فتعليق). انتهى.
قلت : حاصل هذا الجواب أنه لا يعد بذاته تدليساً ولا يثبت وصف المصنف بالتدليس بمجرد هذا الصنيع.
والذي أراه هنا هو أنه إذا روى مصنفُ كتابٍ مسندٍ حديثاً وخصَّ رواياته المسندة المتصلة بصيغة صريحة في السماع مثل (أخبرنا) و(حدثنا) ، ثم نصب علامة على ما يعلقه عن شيوخه، أي ما يرويه عنهم - مما لم يسمعه منهم - بحذف الواسطة بينه وبينهم ، وكانت تلك العلامة هي أن تكون صيغة الأداء عنهم (قال) ، مثلاً، فهذا الصنيع ليس من التدليس في شيء، فهذه الصيغة (قال) من صيغ التعليق في ذلك الكتاب ، عن شيخ المصنف وعن غيره ، لا من صيغ الإسناد.
وذلك بخلاف من لم يضع علامة مميزة للتعاليق ، فهو تدليس. والله أعلم.
وانظر (أسباب تدليس الإسناد) .
__________
(1) لقد ثبت أن أبا زرعة وأبا حاتم كانا لا يسميان الإرسال الخفي تدليساً. انظر (تهذيب التهذيب) (5/224-225و5/226) و(التنكيل) (2/89)؛ وانظر ما كتبه الدكتور خالد الدريس في كتابه (موقف الإمامين البخاري ومسلم من اشتراط اللقيا والسماع) (ص338-345).(2/255)
تدليس البلاد :
هو أن يسمي الراوي موضع سماعه من شيخه بطريقة توهم الرحلة والجد في الطلب ، أي توهم أن السماع حاصل في بلد بعيد أو شهير أو ذي شأن ؛ والواقع غير ذلك ؛ ومن مُثُلِه ما ورد في كلام السخاوي إذ قال في (فتح المغيث) (1/229) : (ولهم أيضاً تدليس البلاد ، كأن يقول المصري : "حدثني فلان بالعراق" ، يريد موضعاً بأخميم ، أو : "بزبيد" ، يريد موضعاً بقوص ، أو : "بزقاق حلب" ، يريد موضعاً بالقاهرة ، أو : "بالأندلس" ، يريد موضعاً بالقرافة ، أو : "بما وراء النهر" ، موهماً دجلة ) ؛ انتهى(1) .
وليس الإيهام الحاصل في تدليس البلاد متعلقاً بالرحلة وحدها ، بل قد يفعله بعضهم ليكون ذكرُ البلدِ المتوهَّمِ قرينةً تُوْهم أن شيخ ذلك المدلس، أو شيخ شيخه، هو أحد مشاهير محدثي ذلك البلد المتوهَّم، مع أنه - في الحقيقة - غيره ولكنه يشاركه في التسمية، دون البلد؛ وهذا من أضرار تدليس البلاد، فقد يقع الناقد في كلامه على هذا الراوي ، في وهمٍ .
وهذا النوع من التدليس يشبه تدليس الأسماء ؛ وحكْمه التحريم أو الكراهة، لأنه يدخل في باب التشبع بغير المُعطَى، ويلبِّس على النقاد أمرَ الحديث ؛ قال السخاوي في (فتح المغيث) (2/229) : (وهو أخف من غيره، لكنه لا يخلو عن كراهة، وإن كان صحيحاً في نفس الأمر ، لإيهام الكذب بالرحلة ، والتشبع بما لم يعط) .
وقال السيوطي في (تدريب الراوي) (1/232) عقب ذكره تدليس الإسناد :
__________
(1) ومما ذكروه من أمثلة ذلك زيادة على ما تقدم : ما إذا قال البغدادي : (حدثنا فلان بالرقة) ، وأراد بستاناً على شاطئ دجلة ؛ أو قال الدمشقي : (حدثني فلان بالكرك) ، وأراد كرك نوح ، وهو بالقرب من دمشق ؛ وانظر أيضاً ما يأتي في كلام السيوطي .(2/256)
(تنبيه : من أقسام التدليس ما هو عكس هذا ، وهو إعطاءُ شخصٍ اسمَ آخرٍ مشهور ، تشبيهاً ، ذكره ابن السبكي في "جمع الجوامع" ، قال : كقولنا أخبرنا أبو عبد الله الحافظ يعني الذهبي ، تشبيهاً بالبيهقي حيث يقول ذلك ، يعني به الحاكم ؛ وكذا إيهام اللقي والرحلة ، كحدثنا من وراء النهر ، يوهم أنه جيحون ، ويريد نهر عيسى ببغداد ، أو الجيزة بمصر ، وليس ذلك بجرح قطعاً ، لأن ذلك من المعاريض لا من الكذب ، قاله الآمدي في "الأحكام" وابن دقيق العيد في "الافتراح" ).
تدليس التسوية :
تدليس التسوية : هو أن يفعل الراوي مثلما فعل في تدليس الإسناد تماماً ، سوى أنه لا يفعل ذلك لنفسه ، بل يفعله لشيخه ، أو لبعض من فوقه؛ أي أن المحذوف في هذا النوع من التدليس ليس شيخ المدلِّس ، بل بعض من فوقَ شيخ المدلِّس، فكأن شيخ المدلس هو الذي دلس مع أنه في الحقيقة لم يدلس.
أو يقال في تعريف هذا النوع من التدليس : هو أن يحذف الراوي من السند راوياً ، غير شيخه الذي سمع ذلك الحديث منه ، ويبقى الإسناد بعد حذفه محتملاً للوصف بالاتصال.
أو يقال في تعريفه : هو أن يحذف المدلس راوياً من بين راويين سمع متأخرهما من متقدمهما في الجملة، ولكنه لم يسمع منه تلك الرواية بعينها، ويذكر بينهما صيغة موهمة للسماع، يفعل ذلك متعمداً.
وكان بعض المحدثين يسمي هذا النوع تجويداً لأن المدلس يُبقي جَيِّد رواته، ويُسقط غير الأجواد منهم. وانظر معنى (التجويد) الآتي بيانه قريباً(1) .
__________
(1) تنبيهات :
الأول : لا وجه للقول بأن من يفعل تدليس التسوية مجروح، ما دام أنه بيَّن أنه أهلٌ لأن يفعله، أو عُرف عنه ذلك فأقرّه؛ وكيف يستقيم أن نفرّق في الحكم، بينه وبين مدلِّس الإسناد، فنطعن في هذا - بسبب تدليسه - دون ذاك؟!
الثاني : من يدلس تدليس التسوية يشترط لقبول روايته - عند من يقبلها - تصريحه بالتحديث ما بينه وبين منتهى الحديث.
الثالث : تدليس التسوية قليل، بل نادر، لعله لم يفعله إلا بضعة من الرواة، ومن أشهرهم به بقية بن الوليد والوليد بن مسلم.
الرابع : يرى بعض العلماء والباحثين أن تدليس التسوية مقصور على حذف شيخ شيخ المدلِّس، لا يتعداه إلى من فوقه؛ وعليه يختلف - بعضَ الشيء - تعريف (تدليس التسوية)، وكذلك أحكامه، كما هو واضح.(2/257)
هذا معنى تدليس التسوية ، وأما معنى التسوية؛ فالتسوية لها في اصطلاح المحدثين ثلاثة معان :
الأول : تدليس التسوية، وقد تقدم شرحه.
والثاني : التسوية التي ليست بتدليس، وهي حذف المحدث راوياً من الرواة الذين بين شيخه والصحابي، بحيث لا يكون تدليساً، وذلك بأن يصير السند بعد حذف ذلك الراوي منقطعاً ظاهر الانقطاع.
وتسمية هذا النوع من إسقاط الرواة تقصيراً أولى من تسميته تسوية، وقَلَّ بين المتقدمين من العلماء من يستعمل التسوية بهذا المعنى.
والثالث : هو تغيير الأسانيد الساقطة أو النازلة بالزيادة والنقص والتبديل ونحو ذلك، بحيث تكون مقبولة أو مرغوباً فيها، وهذا صنيع الكذابين واللاعبين، ومن هذا المعنى وصفهم بعض المجروحين بأنه كان يسوّّي الأسانيد.
وبعدُ، فإذ بان بهذا الفرقُ بين (التسوية) و (تدليس التسوية)، فمن المناسب أن أزيد على هذا البيان هنا شيئاً آخر ، وهو بيان معنى مصطلحين آخرين بين كل واحد منهما وتدليس التسوية نوع من العموم والخصوص أو التداخل أو التشابه والتقارب في المعنى، وهما التقصير والتجويد.
أما التقصير : فبيانه أنه كان جماعة من القدماء - ومنهم أبو حاتم وأبو زرعة الرازيان - يستعملون لفظة (قصّر) للتعبير عن إسقاط الراوي بعض من فوق شيخه في السند بحيث يصير السند بعد ذلك منقطعاً؛ وقد يكون ذلك الإسقاط عمداً مع ضبط فاعله لما سمعه، أو يفعله من أجل شكه فيه وعدم ضبطه له، أو يفعله خطأ؛ وقد يكون الساقط واحداً أو أكثر، ومعلوم أن هذا ليس من التدليس في شيء.
فلفظة "التقصير" إذن مستعملة بالمعنى الثاني المذكور للفظة التسوية.
ومنهم أيضاً من كان يستعمل لفظة (قصَّرَ) للتعبير عن وقف الراوي الحديث الذي رفعه غيره أو رفعه هو في وقت آخر.(2/258)
وأما التجويد : فيطلق على ذكر الرواية سالمة من العلة الظاهرة خلافاً للروايات الأخرى، ولكن المجوِّد قد يكون متهماً وتعمد التجويد، وقد يكون ضعيفاً وقد يكون ثقة واهماً في تلك الرواية، أي واهماً في جعلها سالمةً من العلة الظاهرة؛ وقد يكون ثقة وروايته هذه محفوظة أي أنه لم يَهِمْ فيها.
ومعنى ذلك أن الرواية المجوَّدة قد تكون منكرة، وقد تكون شاذة، وقد تكون محفوظة.
فالتسوية لا تكون إلا بنقص في السند، لكن التجويد أحياناً يكون بنقص في السند وأحياناً بزيادة فيه، وأحياناً بلا نقص ولا زيادة، وإنما يكون بروايته من طريق سالمة من الضعفاء ، أي في الظاهر دون الحقيقة ، أو فيهما معاً ، بخلاف الطرق الأخرى لذلك الحديث.
ومما تقدم يُعلم أن تدليس التسوية أحد أقسام التجويد(1) .
__________
(1) قال السيوطي في (تدريب الراوي) (1/226) : (قال العلائي وبالجملة فهذا النوع [يعني تدليس التسوية] أفحش أنواع التدليس مطلقاً وشرها ؛ قال العراقي : وهو قادح فيمن تعمد فعله ؛ وقال شيخ الإسلام [يعني ابن حجر] : لا شك أنه جرح ، وإن وصف به الثوري والأعمش فالاعتذار أنهما لا يفعلانه إلا في حق من يكون ثقة عندهما ضعيفا عند غيرهما. قال : ثم ابن القطان إنما سماه تسوية بدون لفظ التدليس فيقول : سواه فلان ، وهذه تسوية ؛ والقدماء يسمونه تجويداً، فيقولون : جوده فلان أي ذكر من فيه من الأجواد وحذف غيرهم؛ قال : والتحقيق أن يقال : متى قيل : تدليس التسوية ، فلا بد أن يكون كل من الثقات الذين حذفت بينهم الوسائط في ذلك الإسناد قد اجتمع الشخص منهم بشيخ شيخه في ذلك الحديث وإن قيل تسوية بدون لفظ التدليس لم يُحتجْ إلى اجتماع أحد منهم بمن فوقه ، كما فعل مالك ، فإنه لم يقع في التدليس أصلاً ووقع في هذا ، فإنه يروي عن ثور عن ابن عباس وثور لم يلقه وإنما روى عن عكرمة عنه ، فأسقط عكرمة لأنه غير حجة عنده .
وعلى هذا يفارق المنقطع بأن شرط الساقط هنا أن يكون ضعيفاً فهو منقطع خاص). انتهى.(2/259)
وهذا مثال للتجويد :
قال ابن حجر في (التلخيص الحبير) (1/281-282) :
(450- حديث رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ، ---- رواه بن ماجة وابن حبان والدارقطني والطبراني والبيهقي والحاكم في المستدرك من حديث الأوزاعي واختلف عليه فقيل عنه عن عطاء عن عبيد بن عمير عن ابن عباس بلفظ "إن الله وضع" ، وللحاكم والدارقطني والطبراني "تجاوز"؛ وهذه رواية بشر بن بكر .
ورواه الوليد بن مسلم عن الأوزاعي فلم يذكر عبيد بن عمير، قال البيهقي : جوده بشر بن بكر ؛ وقال الطبراني في (الأوسط) : لم يروه عن الأوزاعي ، يعني مجوداً إلا بشر تفرد به الربيع بن سليمان-----).
تنبيه أو توكيد :
لفظة (يسوي الاسناد) إذا قيلت في معرض ذم الراوي وتوهينه والحمل عليه فمعناها أنه يغير في الأسانيد ويتصرف فيها ويظهرها بمظهر الاستقامة والقبول.
الفرق بين تسوية الأسانيد وسرقتها:
سرقة الحديث هي أن يختلق راو متابعة من عنده تامة أو قاصرة، لبعض ما سمعه أو وقف عليه أو بلغه من الروايات، سواء أصح ذلك المروي أم لم يصح.
وأكثر ما تقع السرقة في الغرائب والعوالي.
ويظهر أنهم أكثر ما كانوا يطلقون هذه الكلمة على ما إذا كان محدث ينفرد بحديث فيجيء السارق ويدعي أنه سمعه أيضاً من شيخ ذلك المحدث.
وأما وضع إسناد كامل لبعض المرويات أي اختلاق شواهد لها فيسمى وضع الإسناد أو تركيب الإسناد، ويسمى أيضاً "سرقة المتون"؛ ويطلق عليه أحياناً اسم السرقة.
إذا عُلم هذا عُلم أن الفرق بين قولهم : (يسوي الأسانيد) وقولهم : (يسرق الأسانيد)، أن السرقة تصرُّفٌ في السند من ابتدائه، وأما التسوية فتصرف في السند من أثنائه؛ المسوي كان عنده أصل السند، والسارق لم يسمع الحديث بذلك السند أصلاً.
تدليس الشيوخ :
انظر (تدليس الأسماء).
تدليس الصيغة :
أطلق بعضهم على تدليس صورة التحمل، أي كيفية التحمل اسم تدليس الصيغة)، كما تقدم ذكر ذلك في (تدليس الإجازة) .(2/260)
وقال ابن حجر في (النكت) (2/625-626) : (قال أبو الحسن ابن القطان : "إذا صرح المدلس قُبل بلا خلاف ، وإذا لم يصرح ، فقد قبله قومٌ ما لم يتبين في حديثٍ بعينه أنه لم يسمعه ، وروده آخرون ما لم يتبين أنه سمعه .
قال : فإذا روى المدلس حديثاً بصيغة محتملة ، ثم رواه بواسطة تبين انقطاع الأول عند الجميع" .
قلت : وهذا بخلاف غير المدلس ، فإن غير المدلس يحمل غالب ما يقع منه من ذلك على أنه سمعه من الشيخ الأعلى وثبَّته فيه الواسطة ؛ لكن في إطلاق ابن القطان نظر ، لأنه قد يدلس الصيغة فيرتكب المجاز ؛ كما يقول مثلاً : حدثنا ، وينوي حدث قومَنا ، أو أهلَ قريتنا ونحو ذلك .
وقد ذكر الطحاوي منه أمثلة ؛ من ذلك :
حديث مسعر عن عبد الملك بن ميسرة عن النزال بن سبرة قال : قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم : "أنا وإياكم ندعى بن عبد مناف..." الحديث .
قال : وأراد بذلك أنه صلى الله عليه وسلم قال لقومه ؛ وأما هو فلم ير النبي صلى الله عليه وسلم .
وقال طاووس : "قدم علينا معاذ بن جبل رضي الله عنه اليمن" ؛ وطاووس لم يدرك معاذاً رضي الله عنه ، وإنما أراد قدم بلدنا .
وقال الحسن : "خطبنا عتبة بن غزوان" ؛ يريد أنه خطب أهل البصرة ، والحسن لم يكن بالبصرة لما خطب عتبة .
قلت : ومن أمثلة ذلك قول ثابت البناني : "خطبنا عمران بن حصين رضي الله عنه"؛ وقوله : "خطبنا ابن عباس رضي الله عنهما " ، والله أعلم ) ؛ انتهى كلام ابن حجر وقد ذكر أربعة أمثلة .
وهذه طائفة - أو أمثلة - أخرى من الأحاديث ، ورد فيها استعمال الراوي الثقة صيغة صريحة في السماع في ما لم يسمعه ، تجوزاً ، وهو الاحتمال الأرجح ، أو تدليساً ، وهو الاحتمال الأضعف .(2/261)
الأمثلة الخامس والسادس والسابع والثامن والتاسع : قال ابن أبي حاتم في (المراسيل) (97): حدثنا محمد بن أحمد بن البراء قال: قال علي بن المديني: الحسن لم يسمع من ابن عباس وما رآه قط؛ كان الحسن بالمدينة أيام كان ابن عباس بالبصرة، استعمله عليها علي رضي الله عنهما؛ وخرج إلى صفين .
وقال لي في حديث الحسن (خطبنا ابن عباس بالبصرة): إنما هو كقول ثابت "قدم علينا عمران بن حصين"(1)، ومثل قول مجاهد: (قدم علينا علي)؛ وكقول الحسن أن سراقة بن مالك بن جعشم حدثهم؛ وكقوله (غزا بنا مجاشع بن مسعود).
وقال ابن أبي حاتم في (المراسيل) (100): سمعت أبي رحمه الله يقول: الحسن لم يسمع من ابن عباس؛ وقوله (خطبنا ابن عباس) يعني خطب أهل البصرة.
المثال العاشر : قال ابن أبي حاتم في (المراسيل) (103): حدثنا صالح بن أحمد قال: قال أبي: قال بعضهم عن الحسن "حدثنا أبو هريرة" ؛ قال ابن أبي حاتم(2) : إنكاراً عليه أنه لم يسمع من أبي هريرة.
وقال في (المراسيل) أيضاً (110): (سمعت أبا زرعة يقول: لم يسمع الحسن من أبي هريرة، ولم يره؛ فقيل له: فمن قال (حدثنا أبو هريرة)؟! قال: يخطىء.
المثال الحادي عشر: قال في (المراسيل) (272): سمعت أبي يقول: أبو البختري الطائي لم يلق سلمان؛ وأما قول أبي البختري أنهم حاصروا نهاوند، يعني أن المسلمين حاصروا(3).
المثال الثاني عشر: قال في (المراسيل) (197): ذكره أبي عن إسحاق بن منصور عن يحيى بن معين وسألته، قلت: خليد العصري لقي سلمان؟ قال: لا؛ قلت: إنه يقول : "لما ورد علينا "! قال: يعني البصرة.
انتهت الأمثلة.
__________
(1) أورده ابن حجر في (النكت) بلفظ (خطبنا عمران بن حصين).
(2) في بيان صيغة كلام أحمد ومعناه .
(3) وليس هو معهم يومئذ.(2/262)
ولكن خالف في بعض ما تقدم الشيخُ عبد الله بن يوسف الجديع فقال في (تحرير علوم الحديث) (1/134): (قول الراوي "حدثنا فلان" لا يجوز تأوله على معنى "حدث أهل بلدنا "، فهذا تكلف، ولا شاهد له في الواقع، وذُكر له مثال عن الحسن البصري أنه قال: "حدثنا أبو هريرة "، ولا يصح، إنما هو غلط من بعض الرواة عن الحسن، حسبوه سمع منه، فأبدلوا "عن" بـ "حدثنا"(1) .
نعم، توسع بعض الرواة في صيغة "خطبنا فلان" ، وعنوا خطب أهل بلدهم، ونحوها ؛ أما التحديث والإخبار الصريحين في أمر الرواية فلا) ؛ انتهى كلامه .
تدليس العطف :
تقدم شرح معناه في بيان الطريقة الثالثة من طرق تدليس الإسناد؛ وهو في الحقيقة - من حيث معناه وكيفيته - نوع من أنواع تدليس القطع، ولكنهم فصلوا بينهما في التسمية.
تدليس القطع :
تقدم شرح معناه في بيان الطريقة الرابعة من طرق تدليس الإسناد.
تدليس المتون :
قال الشيخ العلامة عبد الله السعد حفظه الله تعالى في تقديمه لكتاب (منهج المتقدمين في التدليس) للشيخ ناصر بن حمد الفهد :
(وأما تدليس المتون فقد ذكره أبو المظفر السمعاني في كتابه (قواطع الأدلة) (2/232) فقال :
"وأما من يدلس في المتون ، فهذا مطرح الحديث مجروح العدالة ، وهو ممن يحرف الكلم عن مواضعه ، فكان ملحَقاً بالكذابين ، ولم يقبل حديثه" اهـ .
قلت : إذا كان أبو المظفر يقصد تغيير المتن تعمداً من الراوي أو حمل هذا المتن على إسناد آخر فهذا كذب لمن تعمده ، ولكن لا يسمى - اصطلاحاً - تدليساً ، وأما إذا لم يتعمد فهذا أيضاً لا يسمى تدليساً وإنما خطأ وسوء حفظ(2)؛ انتهى.
__________
(1) وانظر (جامع التحصيل) للعلائي (ص133) .
(2) قال الشيخ عبد الله هنا في الهامش : (وقال محقق (القواطع) : تدليس المتون : هو المسمى في إصطلاح المحدثين (المدرج)؛ قلت : فإذا كان المقصود هو هذا فهذا يسمى في الاصطلاح إدراجاً كما تقدم) .(2/263)
وقال الزركشي في (النكت على مقدمة ابن الصلاح) (2/31-32) بعد كلام في التدليس :
(هذا كله في تدليس الرواة ؛ وأما تدليس المتون فهو الذي يسميه المحدثون المدرج---- ؛ وقد ذكره المصنف في النوع العشرين ؛ وكان ذكره هنا أنسب؛ وممن ذكره هنا من الأصوليين الأستاذ أبو منصور البغدادي وأبو المظفر السمعاني---- وكذلك ذكره الماوردي والروياني في (الحاوي) و(البحر) في كتاب القضاء فقسَّما التدليس إلى ما يقع في الإسناد وإلى ما يقع في المتن).
تدليس المذاكرة :
تدليس المذاكرة هو أن يروي الراوي ما سمعه في المذاكرة من غير أن يصرح بأنها مذاكرة، وهو يعلم أنه سمعه مذاكرةً ، فيكون إهماله التصريح بذلك ليس من باب الوهم والنسيان، بل هو من باب التعمد والتساهل وإخفاء حقيقة كيفية أخذ الحديث، وهذا هو التدليس.
والمذاكرة : هي أن يتذاكر أهل الحديث فيما بينهم في مجالسهم ببعض الأحاديث، والمعروف أنهم حين ذاك لا يحرصون على الدقة في أداء الرواية، كما يحرصون عليها في مجالس التحديث، أي الأداء، وذلك لعلمهم أن السامع ، أي لما يقال في المذاكرة، يعلم من القرائن القائمة في ذلك المقام أن المحدث لم يقصد بذلك الإسماعَ الذي ينبني عليه الرواية والتبليغ، ولذلك منع جماعة من الأئمة الحمل عنهم حال المذاكرة(1).
__________
(1) قال الشيخ العلامة أحمد محمد شاكر في (الباعث الحثيث) (ص150) : (حال المذاكرة : هي أن يتذاكر اهل العلم [لعله لو قال : المحدثون او الرواة بدل أهل العلم لكان أولى وأجود ] فيما بينهم في مجالسهم ببعض الأحاديث ، فإنهم حين ذاك لا يحرصون على الدقة في أداء الرواية ، لتيقنهم أنها لم يُقصد بها السماع منهم ؛ ولذلك منع جماعة من الأئمة الحمل عنهم حال المذاكرة).(2/264)
قال الذهبي في (السير) (13/80) : (وقال أحمد بن محمد بن سليمان : سمعت أبا زرعة يقول : لا تكتبوا عني بالمذاكرة ، فإني أخاف أن تحملوا خطأً، هذا ابن المبارك كره أن يُحمل عنه بالمذاكرة؛ وقال لي إبراهيم بن موسى : لا تحملوا عني بالمذاكرة شيئاً).
وقال ابن الصلاح في (مقدمته) (ص210-211/طبعة نور الدين عتر) في تفريعاته على باب (صفة رواية الحديث وشرط أدائه وما يتعلق بذلك)(1):
(التاسع عشر : إذا كان سماعه على صفة فيها بعض الوهن فعليه أن يذكرها في حالة الرواية، فإنَّ في إغفالها نوعاً من التدليس ؛ وفيما مضى لنا أمثلة لذلك ؛ ومن أمثلته ما إذا حدثه المحدث من حفظه في حالة المذاكرة فليقل: "حدَّثنا فلانٌ مذاكرةً " ، أو "حدَّثَناه في المذاكرةِ " ؛ فقد كان غير واحد من متقدمي العلماء يفعل ذلك ؛ وكان جماعة من حفاظهم يمنعون من أن يُحمل عنهم في المذاكرة شيء ؛ منهم عبد الرحمن بن مهدي وأبو زرعة الرازي ؛ ورُوِّيناه عن ابن المبارك وغيره ؛ وذلك لما قد يقع فيها من المساهلة مع أن الحفظ خوان ؛ ولذلك امتنع جماعة من أعلام الحفاظ من رواية ما يحفظونه ، إلا من كتبهم ، منهم أحمد بن حنبل ؛ رضي الله عنهم أجمعين؛ والله أعلم).
وقال العلامة المعلمي في (التنكيل) (ص522-523) :
__________
(1) وهو (النوع السادس والعشرين).(2/265)
(وكان من عادة المحدِّثين(1) التباهي بالإغراب ، يحرص كل منهم على أن يكون عنده من الروايات ما ليس عند الآخرين ، لتظهر مزيته عليهم ، وكانوا يتعنتون شديداً لتحصيل الغرائب ، ويحرصون على التفرد بها ، كما ترى في ترجمة الحسن بن علي المعمري من (لسان الميزان) وغيره ؛ وكانوا إذا اجتمعوا تذاكروا ، فيحرص كل واحد منهم على أن يذكر شيئاً يُغرب به على أصحابه ، بأن يكون عنده دونهم ، فإذا ظفر بذلك افتخر به عليهم واشتد سروره وإعجابه وانكسارهم----.
ولم يكونوا يبالون في سبيل إظهار المزية والغلبة أكان الخبر عن ثقة أو غيره، صحيحاً أو غير صحيح ----.
وكانت طريقتهم في المذاكرة أن يشير أحدهم إلى الخبر الذي يرجو أنه ليس عند صاحبه ، ثم يطالبه بما يدل على أنه قد عرفه ، كأن يقول الأول : مالك عن نافع قال ---- ، فإن عرفه الآخر قال : حدثناه فلان عن فلان عن مالك .
وقد يذكر ما يعلم أنه لا يصح أو أنه باطل كأن يقول : (المقبري عن أبي هريرة مرفوعاً : أبغض الكلام إلى الله الفارسية) ، أو يقول : (أبو هريرة مرفوعاً : خلق الله الفرس) الخ ، وقد تقدم في ترجمة حماد بن سلمة).
تدليس المكاتبة :
انظر (تدليس الإجازة).
تدليس المناولة :
انظر (تدليس الإجازة).
تدليس الوصل :
أطلقه بعض المعاصرين على تدليس الإسناد، وكأنه أراد التدليس الذي يوهم الاتصال ويخفي الانقطاع ؛ ولكن هذه التسمية غريبة غير معروفة؛ والتدليس في أصل حقيقته هو إخفاء العيب وليس إيهام عدمه، وإن كان هذا من لوازمه.
التدليس بحذف الصيغة :
هو التدليس بعدم ذكر صيغة أداء أصلاً ، وإنما يبتدئ الاسناد بذكر شيخ من شيوخه ثم يذكر بقية السند فوق ذلك الشيخ، ثم يسوق المتن.
__________
(1) يعني جمهور المحدثين بعد القرون الفاضلة ، وليس جميعهم؛ فهذه عادة طوائف من المحدثين والرواة - ممن ليسوا من أئمة الدين المتقدمين.(2/266)
وهذا التدليس هو وسيلة من وسائل تدليس الإسناد، كما هو واضح، وتقدمت الإشارة إليه، وتقدم أيضاً ذكر بعض أمثلته، في الطريقة الثانية من طرق تدليس .
تدليس كيفية التحمل :
تدليس كيفية التحمل له طرق أو أقسام ، أشهرها تدليس الإجازة وتدليس المذاكرة، وقد تقدم شرحهما ؛ وانظر (التحمل) و(أقسام التحمل) .
تدوين السنة أو تدوين الأحاديث :
هو جمعها في كتب ، واشتهر أن أول تدوين معتبر للسنة كان بأمر أو توجيه من الخليفة العالم الزاهد عمر بن عبد العزيز رحمه الله .
وقد ألف الباحثون في هذا الموضوع كتباً ، وأهم ما دفعهم إلى ذلك أمران :
الأول : طعن أعداء السنة بتدوينها أو طريقة تدوينها .
الثاني : الرغبة في معرفة تاريخ تدوين السنة وكيفيات حصوله .
ولقد بين العلماء والباحثون الحكمة في ندرة تدوين الأحاديث في عصر النبي صلى الله عليه وسلم وعدم تدوينها تدويناً كاملاً ، وممن أجاد في ذلك العلامة المعلمي رحمه الله تعالى ، في (الأنوار الكاشفة).
وتكلم على مراحل تدوين الأحاديث الشيخ حاتم العوني فقال في بحثه (بَيَانُ الحَدّ الذي يَنْتهِي عِنْدَهُ أَهْلُ الاصطلاحِ والنَّقْد في علوم الحديث) تحت هذه الترجمة (المقالة الثانية: التاريخ الواقعي لأطوار علوم الحديث) فقال:
(المرحلة الأولى: بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم إلى مقتل عثمان رضي الله عنه سنة (35هـ).
وتتميّز هذه المرحلة بصفائها وبُعدها عن أسباب الخطأ والكذب، لعدم الإسناد، وقوّة الحافظة، وعدم ظهور الفتن، وشدّة الاحتياط في التبليغ للسنة.
وكان التدوين في هذه المرحلة قليلاً، ولم يكن بغرض التخليد، وإنما كان بغرض الإعانة على الحفظ في الصدور.
المرحلة الثانية: من مقتل عثمان رضي الله عنه، إلى انتهاء جيل الصحابة، بموت غالبهم، وكان ذلك نحو سنة (80هـ).(2/267)
وتميّزت هذه المرحلة بحصول الفتنة التي فرّقت المسلمين أحزاباً وشيعاً، وبظهور بعض البدع، وبانتشار الصحابة في البلدان شرقاً وغرباً.
وفي هذه الفترة ظهرت المطالبة بالإسناد(1)، وفي المطالبة به دليلٌ على نشوء علم الجرح والتعديل(2)، وفي أن الجهل بحال المحذوف من الإسناد علةٌ يُردّ به الخبر(3).
ولم يزل التدوين في هذا الجيل قليلاً، لإمكان حفظ الصدورِ القيامُ بواجب النقل الكامل.
المرحلة الثالثة: وهي عصر التابعين، والذي يبتدئ من نحو سنة (80هـ) إلى نحو سنة (140هـ)، بموت غالب التابعين.
وقد كان لبداية طول الإسناد في هذه المرحلة، ولتشعّب الأسانيد، واختلاف رواتها، مع زيادة انتشار السنة، وزيادةِ الغلو في البدع ونشوء بدع أخرى، مما أدّى إلى أن يروي من ليس بأهلٍ للاطمئنان إلى روايته أن كان الهاجسُ الأكبر لدى علماء التابعين حينها هو: خوفُ تفلُّتِ شيءٍ من السنّة، وتحديثُ من لا يؤمن على النقل، ووقوعُ الاختلال في ضبط المنقول.
__________
(1) مقدّمة صحيح مسلم (1/15). ومن أغرب المواقف في ذلك استحلافُ أحد التابعين، وهو عَبيدة السلماني، لعلي رضي الله عنه، في روايته لحديث، هل سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم!، انظر: صحيح مسلم (2/747)، موازنة بمسند البزار (رقم 581).
(2) فقد نهى عمر بن الخطاب وعبدالله بن مسعود عن الأخذ عن الأصاغر، ففسّر عبدالله بن المبارك ذلك بأنه الرواية عن أهل البدع، فانظر: الزهد لابن المبارك (رقم 815)، والمدخل إلى السنن للبيهقي (رقم 275)، وشرح أصول أهل السنة للالكائي (رقم 101، 102).
(3) كما دل عليه موقف ابن عباس من المراسيل، فانظر: مقدّمة صحيح مسلم (1/12 - 13).(2/268)
فواجهوا كل خطرٍ من هذه الأخطار بما يدفعه----(1).
المرحلة الرابعة: وهي مرحلة أتباع التابعين، وتبدأ من سنة (140هـ)، وتنتهي سنة (200هـ).
وتميزت هذه المرحلة بخصائص: منها أن طال الإسناد أكثر ممّا كان عليه، وما يتبع ذلك من زيادة تشعُّب الأسانيد واختلاف الرواة، مع ما يصحب ذلك من تعسُّر الحفظ. كما أنه قد زادت أيضاً بعض خصائص المرحلة السابقة وضوحاً: كانتشار السنّة في الآفاق، وظهور البدع وغُلُوّ أصحابها فيها. كما أنّ هذه المرحلة قد ورثت جهوداً مباركة من الجيل السابق في جمع السنّة حفظاً وتدويناً، كما سبق، ممّا كان له أكبر الأثر في إعانة علماء هذه المرحلة على إتمام المسيرة.
وقد واجه العلماء أخطار هذه المرحلة بنفس الأمور التي واجه بها علماء المرحلة السابقةَ أخطارهم، وزادوا عليها أموراً:
ففي مجال تدوين السنة: صار الحرص على التدوين كاملاً(2)----.
لقد انتهت هذه المرحلة، مؤذنةً ببداية أعظم عصور السنة، عصرِ الاكتمال والنضج النهائي).
المرحلة الخامسة: وهي القرن الهجري الثالث.
__________
(1) أحصى الدكتور محمد مصطفى الأعظمي في كتابه (دراسات في الحديث النبوي) أكثر من (150) تابعيًّا ممّن دوّن، ومع كثرة هذا العدد، لكنه إنما هو شيءٌ يسيرٌ ممّا يمثِّلُ الواقع ؛ فهو أوّلاً إحصاءٌ غير مستقصي، لأخبار لم يعتن العلماءُ بنقلها، فوصول هذا العدد إلينا يدلّ على ما وراءه.
(2) انظر تاريخ الإسلام للذهبي - حوادث سنة 143هـ - (13).(2/269)
لقد دخل القرن الهجري الثالث بعد جهودٍ عظيمةٍ متتابعة من علماء الأُمّة في تدوين السنة وجمعها، وفي نَقْدها (تعليلاً وجرحاً وتعديلاً)، وتلقّى تلك العلوم الجليلة بقوّة وإقبال منقطعي النظير. ولذلك فإن الحديث عن هذا القرن وعن جهوده في خدمة السنة لا تقوم بها مقالة، ولا أيّ بحث أو كتاب، بل هو حقيقٌ ببحوث وكُتُب!! إن كل إمامٍ من أئمة هذا القرن لهو بحدّ ذاته مدرسةٌ عظمى (وما أكثر الأئمة في هذا القرن!!!) يجب على الدارسين لعلوم السنة أن يقيموا البحوث والدراسات حول منهجه وأثره على علوم السنة. غير أني في هذا المقال سألمس بعض الجوانب التي تبرزُ في هذا القرن جهودَ علمائه في تكميل جهود علماء القرنين السابقين له، حتى بلغ علماء هذا القرن بعلم الحديث القمّة السامقة، التي لا يُمكن أن يزاد على منهجها في النقل والنقد.
أمّا في مجال تدوين السنة، فهذا عصر أصول السنة العظام وأمهات المصنفات فيها، ---- وقد أدّت تلك الجوامع الكبار دَوْرها، وأثمرت ثمارها، وأينعت في منتصف هذا القرن، بأن ابتدأت أنظار العلماء تَلْتَفِتُ إلى شيءٍ آخر سوى الجمع، مما يشهد إلى أن الشعور بخوف ضياع شيءٍ من السنّة قد زال أو كاد، وهذا ما جعل العلماء يتّجهون إلى وجوهٍ جديدةٍ في خدمة تدوين السنّة، لا يقتصر في خدمته على مجرّد الجمع، بل يستثمر الجمع السابق للوصول إلى هدف آخر وغايةٍ أبعد.(2/270)
والخدمة المتوقّعة بعد ذلك الجمع الذي لم يَعْتَنِ بتمييز الصحيح من السقيم؛ لأن الذين قاموا به كانوا يعتبرون الجمع الموسَّع في تلك المرحلة هو الأولى بالتحقيق هو أن يُعتنى بتمييز الصحيح من السقيم، بل هذا هو الذي كان يجب أن يقوم به العلماء فعلاً بعد اكتمال الجمع؛ حيث إن هذا الجمع لن يؤدِّي هدفه الأخير بغير بيان ما يصلح منه للعمل والاحتجاج مما لا يصلح لذلك. وهذا ما سبق إليه الإمام البخاري، في كتابه (الصحيح)، بإشارة من أحد شيوخه (أحد أصحاب الجوامع الكبار) وهو إسحاق بن راهويه(1).
إن مجرّدَ إقبال البخاري على مثل ذلك الإبداع، وفي كتابٍ يسمه بالمختصر ليدلّ على اتّضاح ملامح المرحلة التي تمرّ بها السنة عنده، وأنها قد أصبحت محتاجةً إلى مبادرة تقوم بتكميل جهود الجمع السابقة، بإخراج كتاب مختصر خاصٍّ بالأحاديث الصحيحة.
ولاشك أن البخاري لم يكن ليفكّر بهذا العمل لو كان هاجس ضياع السنة مُسْتَولياً على تفكيره، بل لم يكن ليقدر عليه (حتى لو فكّر فيه) لو لم تقم الجهود السابقة بضرورة جمع السنة.
ثم إن مسلماً تبع البخاريَّ في جمع كتاب مختصر في الصحيح، سائراً على خُطى شيخه في تحقيق الهدف نفسه----.
نعم.. لقد خرجنا إذن بنقل الإجماع على أن منهج النقد في هذا القرن قد بلغ قمةَ التطوّر!!!
وهذا غاية ما نريد!!!
المرحلة السادسة: وهي القرن الرابع الهجري.
لقد دخل القرن الرابع وهو يحمل إرثاً عظيماً وثقيلاً، لقد كان مِنْ قَدَرِ الله تعالى له أن يكون مرحلةَ ما بَعْدَ الاكتمال، وليس بعد الاكتمال إلا النقص. وهذه سنةٌ سبق الكلام عنها في تاريخنا النظري، فلا غرابة في حصولها----). انتهى كلام الشيخ حاتم مختصراً بحذف أشياء أشرت إلى حذفها بالخطوط المتقطعة.
__________
(1) هدي الساري (8 - 9).(2/271)
التراث :
تطلق كلمة (التراث) في هذا العصر على مجموع ما ورثه المعاصرون والمتأخرون من علوم الأسلاف وآدابهم وصناعاتهم ؛ ولكن معناها في عرف المعاصرين من أهل العلم وطلبته يكاد ينحصر في الكتب المخطوطة ، التي مات أصحابها ، وكل ما كان الكتاب أقدم فهو بالدخول تحت هذه التسمية أحق وأولى .
الترتيب :
قال الفيروزابادي في (القاموس المحيط) : (رَتَبَ رُتُوباً : ثَبَتَ ولم يَتَحَرَّكْ، كتَرَتَّبَ، ورَتَّبْتُه أنا تَرْتيباً ----.
والرُّتْبَةُ، بالضمِّ، والمَرْتَبَةُ : المَنْزِلَةُ ) .
وقال السخاوي في (الغاية في شرح الهداية) (1/87) : (الترتيب لغةً : جعل الشيء في مرتبته ؛ واصطلاحاً : جعل الأشياء المتعددة المتناسبة بحيث يُطلق عليها اسم واحد) .
ترتيب الأحاديث :
ترتيب الأحاديث معنى معروف ، وهو اختيار كيفية تواليها فيما بينها ، أي اختيار موضع كل حديث بين باقي أحاديث ذلك الباب من أبواب الكتاب الذي رويت فيه تلك الأحاديث ، فيعيَّن أو يُختارُ الحديث الذي يوضع أولاً ، ثم يُختار عقبه الحديث الذي يليه ، ثم الثالث وهلم جرًّا إلى آخر أحاديث الباب .
ولترتيب أحاديث كتب الحديث وأحاديث أبوابها عند المتقدمين دلالات نقدية عميقة ، ولا سيما أصحاب الصحيحن وبعض كتب السنن .
ومن أراد أمثلة ذلك وبعض تفاصيله فليطالع كتاب الشيخ الفاضل حمزة المليباري (عبقرية الإمام مسلم في ترتيب أحاديث مسنده الصحيح : دراسة تحليلية) وكتابه الآخر (ما هكذا تورد يا سعد الإبل) .
وإليك أقوال بعض العلماء في معنى إشارات البخاري ومقاصده بترتيب أحاديث أبواب كتابه ، مع مثالين على ذلك ، من كتابه "الصحيح" .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في (منهاج السنة النبوية) (5/101) في حديث رواه البخاري وفيه غلط: (والبخاري رواه في سائر المواضع على الصواب ليبين غلط هذا الراوي كما جرت عادته بمثل ذلك).
وهذا تنبيه مهم، وفائدة عزيزة، وإليك بيان ذلك وتفصيله:(2/272)
قال البخاري في (صحيحه) (4/1835 - 1836) في "باب قوله وتقول هل من مزيد":
[4567 ] - حدثنا عبد الله بن أبي الأسود حدثنا حرمي بن عمارة حدثنا شعبة عن قتادة عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يلقى في النار وتقول: هل من مزيد؟ حتى يضع قدمه فتقول: قط قط).
[4568] - حدثنا محمد بن موسى القطان حدثنا أبو سفيان الحميري سعيد بن يحيى بن مهدي حدثنا عوف عن محمد عن أبي هريرة رفعه، وأكثر ما كان يوقفه أبو سفيان: (يقال لجهنم: هل امتلأت؟ وتقول: هل من مزيد؟ فيضع الرب تبارك وتعالى قدمه عليها فتقول: قط قط).
[4569] - حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن همام عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (تحاجت الجنة والنار فقالت النار: أوثرت بالمتكبرين والمتجبرين؛ وقالت الجنة: ما لي لا يدخلني إلا ضعفاء الناس وسقطهم؟ قال الله تبارك وتعالى للجنة: أنت رحمتي أرحم بك من أشاء من عبادي، وقال للنار: إنما أنت عذابي أعذب بك من أشاء من عبادي ولكل واحدة منهما ملؤها؛ فأما النار فلا تمتلئ حتى يضع رجله فتقول: قط قط قط، فهنالك تمتلئ ويزوى بعضها إلى بعض، ولا يظلم الله عز وجل من خلقه أحداً؛ وأما الجنة فإن الله عز وجل ينشئ لها خلقاً). انتهى .
وقال البخاري في (صحيحه) (6/2453) في "باب الحلف بعزة الله وصفاته وكلماته" :
[6284] - حدثنا آدم حدثنا شيبان حدثنا قتادة عن أنس بن مالك قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تزال جهنم تقول: هل من مزيد حتى يضع رب العزة فيها قدمه فتقول: قط قط وعزتك، ويزوى بعضها إلى بعض. رواه شعبة عن قتادة .
وقال البخاري في (صحيحه) في "باب ما جاء في قول الله تعالى إن رحمة الله قريب من المحسنين":(2/273)
[7011] - حدثنا عبيد الله بن سعد بن إبراهيم حدثنا يعقوب حدثنا أبي عن صالح بن كيسان عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اختصمت الجنة والنار إلى ربهما فقالت الجنة: يا رب ما لها لا يدخلها إلا ضعفاء الناس وسقطهم وقالت النار: - يعني - أوثرت بالمتكبرين فقال الله تعالى للجنة أنت رحمتي وقال للنار: أنت عذابي أصيب بك من أشاء ولكل واحدة منكما ملؤها؛ قال: فأما الجنة فإن الله لا يظلم من خلقه أحداً، وإنه ينشىء للنار من يشاء فيلقون فيها فتقول: هل من مزيد؟ ثلاثاً، حتى يضع فيها قدمه فتمتلىء ويرد بعضها إلى بعض وتقول: قط قط قط.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في (منهاج السنة النبوية) (5/99-103) بعد كلام ذكره ، في مصير الأطفال يوم القيامة:
(ولهذا كان الصواب في الأصل الثاني قول من يقول: إن الله لا يعذب في الآخرة إلا من عصاه بترك المأمور أو فعل المحظور؛ والمعتزلة في هذا وافقوا الجماعة بخلاف الجهمية ومن اتبعهم من الأشعرية وغيرهم، فإنهم قالوا: بل يعذب من لا ذنب له أو نحو ذلك.
ثم هؤلاء يحتجون على المعتزلة في نفس الإيجاب والتحريم العقلي بقوله تعالى (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا) [سورة الإسراء 15] وهو حجة عليهم أيضاً في نفي العذاب مطلقاً إلا بعد إرسال الرسل؛ وهم يجوزون التعذيب قبل إرسال الرسل فأولئك يقولون: يعذب من لم يبعث إليه رسولاً لأنه فعل القبائح العقلية وهؤلاء يقولون: بل يعذب من لم يفعل قبيحاً قط كالأطفال وهذا مخالف للكتاب والسنة والعقل أيضاً.
قال تعالى: (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا) [سورة الإسراء 15].(2/274)
وقال تعالى عن النار: (كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ {8} قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ {9}) [سورة الملك 8-9]، فقد أخبر سبحانه وتعالى بصيغة العموم أنه كلما ألقي فيها فوج سألهم الخزنة، هل جاءهم نذير؟ فيعترفون بأنهم قد جاءهم نذير فلم يبق فوج يدخل النار إلا وقد جاءهم نذير فمن لم يأته نذير لم يدخل النار.
وقال تعالى لإبليس: (لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين) [سورة ص 85]، فقد أقسم سبحانه أنه يملؤها من إبليس وأتباعه، وإنما أتباعه من أطاعه ، فمن لم يعمل ذنباً لم يطعه، فلا يكون ممن تملأ به النار .
وإذا ملئت بأتباعه لم يكن لغيرهم فيها موضع.
وقد ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة وأنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يزال يلقى في النار وتقول: هل من مزيد حتى يضع رب العزة فيها قدمه؛ وفي رواية "فيضع قدمه عليها " ، فتقول: قط قط ، وينزوى بعضها إلى بعض؛ أي تقول حسبي حسبي؛ وأما الجنة فيبقى فيها فضل فينشىء الله لها خلقاً فيسكنهم فضول الجنة.
هكذا روي في الصحاح من غير وجه؛ ووقع في بعض طرق البخاري غلط قال فيه: "وأما النار فيبقى فيها فضل" ؛ والبخاري رواه في سائر المواضع على الصواب ليبين غلط هذا الراوي كما جرت عادته بمثل ذلك: إذا وقع من بعض الرواة غلط في لفظٍ ذكرَ ألفاظ سائر الرواة التي يعلم بها الصواب.
وما علمت وقع فيه غلط إلا وقد بين فيه الصواب؛ بخلاف مسلم فإنه وقع في (صحيحه) عدة أحاديث غلط أنكرها جماعة من الحفاظ على مسلم.
والبخاري قد أنكر عليه بعض الناس تخريج أحاديث لكن الصواب فيها مع البخاري.
والذي أُنكر على الشيخين أحاديث قليلة جداً؛ وأما سائر متونهما فمما اتفق علماء المحدثين على صحتها وتصديقها وتلقيها بالقبول لا يستريبون في ذلك.(2/275)
وقد قال تعالى: (يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُواْ شَهِدْنَا عَلَى أَنفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَافِرِينَ {130} ذَلِكَ أَن لَّمْ يَكُن رَّبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ {131} ) [سورة الأنعام 130 - 131].
فقد خاطب الجن والإنس واعترف المخاطبون بأنهم جاءتهم رسل يقصون عليهم آياته وينذرونهم لقاء يوم القيامة، ثم قال: (ذلك أن لم يكن ربك مهلك القرى بظلم وأهلها غافلون)، أي هذا بهذا السبب؛ فعُلم أنه لا يعذب من كان غافلاً ما لم يأته نذير فكيف الطفل الذي لا عقل له----) إلى آخر كلامه رحمه الله.
وراجع (مجموع الفتاوى) (16/46-47).
وقال ابن القيم رحمه الله تعالى في (حادي الأرواح) (ص278) عقب ذكرِه بعض الأحاديث الصحيحة المتقدمة:
(وأما اللفظ الذي وقع في "صحيح البخاري" في حديث أبي هريرة وأنه ينشئ للنار من يشاء فيلقى فيها فتقول: هل من مزيد؟ فغلطٌ من بعض الرواة، انقلب عليه لفظه؛ والروايات الصحيحة ونص القرآن يرده، فإن الله سبحانه أخبر أنه يملأ جهنم من إبليس وأتباعه، وأنه [في الأصل فإنه] لا يعذب إلا من قامت عليه حجته وكذَّب رسله، قال تعالى: (كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ {8} قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِن شَيْءٍ) [الملك 8-9] ولا يظلم الله أحداً من خلقه).
وقال ابن القيم أيضاً في (أحكام أهل الذمة) (2/1104-1108):(2/276)
(واحتجوا بما روى البخاري في (صحيحه) في احتجاج الجنة والنار عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (وأما النار فينشئ الله لها خلقاً يسكنهم إياها)؛ قالوا: فهؤلاء يُنشؤون للنار بغير عمل، فلأن يدخلها من ولد في الدنيا بين كافرين أولى؛ قال شيخنا: وهذه حجة باطلة فإن هذه اللفظة وقعت غلطاً من بعض الرواة وبينها البخاري رحمه الله تعالى في الحديث الآخر الذي هو الصواب فقال في "صحيحه"----) ، فذكر ابن القيم ذلك الحديث، وفيه لفظة " الجنة " مكان "النار"، في العبارة المتقدمة، ثم قال :
(هذا هو الذي قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم بلا ريب، وهو الذي ذكره [أي البخاري] في "التفسير" [من صحيحه]؛ وقال في "باب ما جاء في قول الله عز وجل إن رحمة الله قريب من المحسنين" : ----) وذكر ابن القيم الرواية الشاذة ثم قال: (فهذا غير محفوظ وهو مما انقلب لفظه على بعض الرواة قطعا كما انقلب على بعضهم "إن بلالاً يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم"، فجعلوه "إن ابن أم مكتوم يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن بلال" ؛ وله نظائر من الأحاديث المقلوبة من المتن.
وحديث الأعرج عن أبي هريرة هذا لم يحفظ كما ينبغي وسياقه يدل على أن راويه لم يقم متنه بخلاف حديث همام عن أبي هريرة).
وقال ابن القيم أيضاً في (طريق الهجرتين) (ص576) في معرض رده لبعض المذاهب المخالفة للصحيح في بعض المسائل:
(واحتجوا [يعني أصحاب المذهب المشار إليه] أيضاً بما روى البخاري في (صحيحه) في حديث احتجاج الجنة والنار عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: وأما النار فينشىء الله لها خلقاً يسكنهم إياها " ؛ قالوا: فهؤلاء يُنشأون للنار بغير عمل، فَلَأَن يدخلها من ولد في الدنيا بين كافرين أولى.
وهذه حجة باطلة فإن هذه اللفظة وقعت غلطاً من بعض الرواة وبينها البخاري في الحديث الآخر وهو الصواب، فقال في "صحيحه"---)، ثم ذكر نحو ما ذكره في "أحكام أهل الذمة ".(2/277)
وقال الحافظ ابن حجر في (فتح الباري) (13/437) بعد كلام له في ذكر احتجاج بعض الفرق بهذا الحديث على بعض عقائدهم:
(وليس في الحديث حجة للاختلاف في لفظه ولقبوله التأويل؛ وقد قال جماعة من الأئمة: إن هذا الموضع مقلوب؛ وجزم ابن القيم بأنه غلط واحتج بأن الله تعالى أخبر بأن جهنم تمتلىء من إبليس وأتباعه؛ وكذا أنكر الرواية شيخنا البلقيني واحتج بقوله "ولا يظلم ربك أحدا " ----) .
وهذا مثال آخر :
قال البخاري في (صحيحه)(1) في (باب القراء من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم) :
4999 - حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة عن عمرو عن إبراهيم عن مسروق : ذكر عبد الله بن عمرو عبدَ الله بن مسعود فقال: لا أزال أحبه ، سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: خذوا القرآن من أربعة : من عبد الله بن مسعود وسالم ومعاذ وأبي بن كعب.
5000 - حدثنا عمر بن حفص حدثنا أبي حدثنا الأعمش حدثنا شقيق بن سلمة قال : خطبنا عبد الله بن مسعود فقال: والله لقد أخذت مِن في رسول الله صلى الله عليه وسلم بضعاً وسبعين سورة ؛ والله لقد علم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أني من أعلمهم بكتاب الله ، وما أنا بخيرهم ؛ قال شقيق : فجلست في الحلق أسمع ما يقولون ، فما سمعت رداً يقول غير ذلك .
5001- حدثني محمد بن كثير أخبرنا سفيان عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة قال : كنا بحمص فقرأ ابن مسعود سورة يوسف ، فقال رجل : ما هكذا أنزلت ، فقال : قرأت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فقال: أحسنتَ ، ووجد منه ريح الخمر ، فقال : أتجمع أن تكذّبَ بكتاب الله وتشربَ الخمر؟! فضربه الحد .
__________
(1) طبعة قصي محب الدين الخطيب .(2/278)
5002 - حدثنا عمر بن حفص حدثنا أبي حدثنا الأعمش حدثنا مسلم عن مسروق قال : قال عبد الله رضي الله عنه : والله الذي لا إله غيره ما أنزلت سورة من كتاب الله إلا أنا أعلم أين أنزلت ، ولا أنزلت آية من كتاب الله إلا أنا أعلم فيمن أنزلت ؛ ولو أعلم أحداً أعلم مني بكتاب الله تبلغه الإبل لركبت إليه .
5003- حدثنا حفص بن عمر حدثنا همام حدثنا قتادة قال : سألت أنس بن مالك رضي الله عنه : من جمع القرآن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قال: أربعة ، كلهم من الأنصار : أبي بن كعب ومعاذ بن جبل وزيد بن ثابت وأبو زيد .
تابعه الفضل عن حسين بن واقد عن ثمامة عن أنس.
5004 - حدثنا معلى بن أسد حدثنا عبد الله بن المثنى حدثني ثابت البناني وثمامة عن أنس قال: مات النبي صلى الله عليه وسلم ولم يجمع القرآن غير أربعة : أبو الدرداء ومعاذ بن جبل وزيد بن ثابت وأبو زيد ؛ قال : ونحن ورثناه.
5005 - حدثنا صدقة بن الفضل أخبرنا يحيى عن سفيان عن حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : قال عمر: أُبيُّ أقرؤنا ، وإنا لندَع مِن لحن أبيّ ، وأبي يقول: أخذته مِن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلا أتركه لشيء ، قال الله تعالى : (ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها) . انتهى الباب بتمامه .
فأنت ترى أن البخاري صنع ما يأتي :
قدم في هذا الباب أصح الأحاديث .
ثم ذكر ما يشهد لذلك الحديث .
ثم ذكر رواية قتادة عن أنس ، وهي رواية يمكن أن يُجمع بينها وبين الروايات التي قبلها .
ثم أشار إلى متابعة ثمامة لقتادة ، من رواية حسين بن واقد عن ثمامة .
ثم ذكر رواية ثابت وثمامة عن أنس ، وهي رواية لا يستقيم أن يجمع بينها وبين ما قبلها ، فهي مخالفة لرواية ثمامة نفسه وقتادة عن أنس ، وهي مخالفة أيضاً لروايات ابن مسعود ؛ ولذلك أشار إلى عدم صحتها أنواعاً من الإشارات وهي:(2/279)
الأولى : تأخيرها عن رواية أنس الأولى ، وهي مخالفة لها ؛ وإذا اجتمع اختلاف المتن واتحاد المخرج كانت النكارة أوضح .
الثانية : تأخيرها عن روايات ابن مسعود ، وهي مخالفة لها أيضاً .
الثالثة : إشارته إلى الرواية المحفوظة عن ثمامة .
الرابعة : إبراز سندها إذ فيه من تُكلم فيه .
الخامسة : عدم ذكره أي متابعة لها ، بخلاف رواية ابن مسعود وهي الأصل في هذا الباب فقد أكثر البخاري من إيراد متابعاتها وشواهدها ، وكذلك رواية أنس الأولى ذكر لها متابعة .
السادسة : عقَّب رواية أنس الثانية بما يخالفها، وهو قول عمر رضي الله عنه (أُبي أقرؤنا).
والآن إلى مناقشة الحافظ ابن حجر رحمه الله في شرحه لأحاديث هذا الباب .
قال في (فتح الباري) (9/53) : ( قوله "تابعه الفضل بن موسى عن حسين بن واقد عن ثمامة عن أنس" هذا التعليق وصله إسحاق بن راهويه في "مسنده" عن الفضل بن موسى به؛ ثم أخرجه المصنف من طريق عبد الله بن المثنى: حدثني ثابت البناني وثمامة عن أنس قال : "مات النبي صلى الله عليه وسلم ولم يَجمع القرآن غير أربعة " ، فذكر الحديث فخالف رواية قتادة من وجهين:
أحدهما : التصريح بصيغة الحصر في الأربعة .
ثانيهما : ذكر أبي الدرداء بدل أبي بن كعب فأما الأول فقد تقدم الجواب عنه من عدة أوجه.
وقد استنكره جماعة من الأئمة؛ قال المازري: لا يلزم من قول أنس "لم يجمعه غيرهم" أن يكون الواقع في نفس الأمر كذلك ، لأن التقدير أنه لا يعلم أن سواهم جمعه، وإلا فكيف الإحاطة بذلك مع كثرة الصحابة وتفرقهم في البلاد ، وهذا لا يتم إلا إن كان لقي كل واحد منهم على انفراده وأخبره عن نفسه أنه لم يكمل له جمع القرآن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ؛ وهذا في غاية البعد في العادة ، وإذا كان المرجع إلى ما في علمه لم يلزم أن يكون الواقع كذلك.(2/280)
[قلت : أنس رضي الله عنه أورع وأتقى وأعلم من أن يدعي على سبيل الحصر والقطع ما لا علم له به؛ فكلام المازري فيه نظر].
قال [أي المازري]: وقد تمسك بقول أنس هذا جماعة من الملاحدة ولا متمسك لهم فيه فإنا لا نسلم حمله على ظاهره؛ سلمناه ولكن من أين لهم أن الواقع في نفس الأمر كذلك؛ سلمناه لكن لا يلزم من كون كل واحد من الجم الغفير لم يحفظه كله أن لا يكون حفظ مجموعه الجم الغفير؛ وليس من شرط التواتر أن يحفظ كل فرد جميعه ، بل إذا حفظ الكل الكل ولو على التوزيع كفى.
واستدل القرطبي على ذلك ببعض ما تقدم من أنه قُتل يوم اليمامة سبعون من القراء ، وقتل في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ببئر معونة مثلُ هذا العدد ؛ قال : وإنما خص أنس الأربعة بالذكر لشدة تعلقه بهم دون غيرهم ، أو لكونهم كانوا في ذهنه دون غيرهم.
وأما الوجه الثاني من المخالفة :
فقال الإسماعيلي: هذان الحديثان مختلفان ولا يجوزان في الصحيح مع تباينهما؛ بل الصحيح أحدهما.
وجزم البيهقي بأن ذكر أبي الدرداء وهم والصواب أبي بن كعب.
وقال الداودي: لا أرى ذكر أبي الدرداء محفوظاً.
قلت: وقد أشار البخاري إلى عدم الترجيح، باستواء الطرفين، [قلت : هذه دعوى تفتقر إلى الدليل فمن الذي أخبرنا بأن البخاري أشار إلى ذلك ومن أين يظهر لنا استواء الطرفين ليشير البخاري بهذا الاستواء إلى عدم ترجيحه بين الروايتين؛ وأما ادعاء العكس فهو الصحيح ودلائله لائحة لمن أنصف وعرف طريقة البخاري؛ وسيقع ابن حجر رحمه الله تعالى في تناقض فانتظره يأتك قريباً، وهو ظنه أو تصريحه باحتمال أن يكون البخاري أشار إلى ترجيح رواية قتادة، قال ذلك بعد تصريحه بترجيحه رواية قتادة].
فطريق قتادة على شرطه وقد وافقه عليها ثمامة في إحدى الروايتين عنه.
وطريق ثابت أيضاً على شرطه وقد وافقه عليها أيضاً ثمامة في الرواية الأخرى.(2/281)
لكن مخرج الرواية عن ثابت وثمامة بموافقته قد [الأصل وقد] وقع عن عبد الله بن المثنى وفيه مقال، وإن كان عند البخاري مقبولاً لكن لا تعادل روايته رواية قتادة.
ويرجح رواية قتادة حديث عمر في ذكر أبي بن كعب وهو خاتمة أحاديث الباب ولعل البخاري أشار بإخراجه إلى ذلك ، لتصريح عمر بترجيحه في القراءة على غيره.
ويحتمل أن يكون أنس حدث بهذا الحديث في وقتين فذكره مرة أبي بن كعب ومرة بدله أبا الدرداء. [قلت: ولكن إحدى الروايتين بصيغة الاستثناء وهو من أعلى صيغ الحصر، ومعنى ذلك إن الروايتين متنافيتان].
وقد روى ابن أبي داود من طريق محمد بن كعب القرظي قال: جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسة من الأنصار : معاذ بن جبل وعبادة بن الصامت وأبي بن كعب وأبو الدرداء وأبو أيوب الأنصاري ، وإسناده حسن مع إرساله ، وهو شاهد جيد لحديث عبد الله بن المثنى في ذكر أبي الدارداء ، وإن خالفه في العدد والمعدود.
[قلت: بل هو ضعيف، ولا يصلح للشهادة لحديث شاذ منكر، والمنكر أبداً منكر لا يصلح للتقوي ودفع النكارة!!
ثم لو قدرنا أنه يصلح للشهادة فإنه حينئذ يشهد لبعض حديث عبد الله بن المثنى وهو ذكر أبي الدرداء، ولكنه يشهد على ضعف وشذوذ ذلك الحديث فإن فيه حصراً خرج عنه عبادة بن الصامت وأبو أيوب، وهذا الحديث يثبت لهما الحفظ، فالحصر على هذا الافتراض منكر، أو في الأقل فيه نظر ؛ فلماذا نقوي ذلك الحديث أو بعضه ببعض هذا حين وافقه، ولا نعل بعض ذلك ببعض هذا أيضاً حين خالفه؟] .
ومن طريق الشعبي قال: جمع القرآن في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ستة منهم أبو الدرداء ومعاذ وأبو زيد وزيد بن ثابت؛ وهؤلاء الأبعة هم الذين ذكروا في رواية عبد الله بن المثنى ، وإسناده صحيح مع إرساله.(2/282)
[أقول: المرسل في تصحيحه نظر؛ ولئن صح وكان أصح من رواية عبد الله بن المثنى فإن روايته أي عبد الله تكون شاذة معللة بمخالفة رواية الشعبي هذه، فإنها أثبتت الحفظ لاثنين من الصحابة وتلك نفته عنهما].
فلله در البخاري ما أكثر اطلاعه وقد تبين بهذه الرواية المرسلة قوة رواية عبد الله بن المثنى وأن لروايته أصلاً والله أعلم.
[قلت: أصلها خال من نفي الحفظ عن غير هؤلاء الأربعة بل عن أي أربعة آخرين من الصحابة، ولا بد].
وقال الكرماني: لعل السامع كان يعتقد أن هؤلاء الأربعة لم يجمعوا وكان أبو الدرداء ممن جمع فقال أنس ذلك رداً عليه وأتى بصيغة الحصر ادعاء ومبالغة ، ولا يلزم منه النفي عن غيرهم بطريق الحقيقة.
قلت: هذا تكلف في الجمع بين النصوص المتعارضة مع أن أحدهما أقوى سنداً ومعنى من الآخر، وهو أكثر شواهد وأوضح دلائل ؛ والله أعلم.
إنها ليست دعوة إلى الجرأة على صحيح الإمام البخاري، ذلك الحصن المحكم المتين ، بحمد الله ، ولكنها دعوة إلى فهم منهج البخاري بتثبت وتدبر يزيدان طالب العلم بصيرة بحقيقة منزلة هذا الكتاب العظيم ومنزلة صاحبه ذلكم العالم الجبل الذي منَّ الله به على هذه الأمة التي تكفل الله بحفظ دينها وسنة نبيها صلى الله عليه وسلم ، وقد حصل ذلك - بحمد الله - بالبخاري وأمثاله رحمهم الله تعالى.(2/283)
إنني تكلمت في هذا الحديث ولي سلف تقدم نقْلُ كلامهم، وهم الإسماعيلي الحافظ الناقد الجهبذ، والبيهقي الحافظ الواسع الاطلاع على أقوال علماء العلل، ثم الداوودي؛ ومستندي في هذا الأصل ما شرحه شيخ الإسلام ابن تيمية من طريقة الإمام البخاري في الأحاديث المتعارضات، وجرّأني على ذلك أيضاً ما اتضح لك من ضعف طريقة المتأخرين في الكلام على هذا الحديث، كما تقدم، فهذا يتكلم بتكلف ليجمع بين الأحاديث المتعارضات، وذاك يُبعد في التأويل بلا دليل، وثالث لا أدري كيف أعبر عن صنيعه، هل أقول: كلامه يشعر بنقد طريقة أنس رضي الله تعالى عنه في رواية الحديث، أو أقول: ألقى اللومَ في هذا الاختلاف بين ظاهر الروايتين على أنس رضي الله عنه دون غيره من رجال السند؟
إن القول بأن ابن المثنى وهِمَ لهو أهون ألف مرة وأقرب ألف مرة وأصح ألف مرة من أن يقال: إن أنس جزم بأمر لم يحط به علماً، وصرح بخبر يستحيل أن يعلمه على حقيقته، بسبب كثرة الصحابة وانتشارهم ونحو ذلك مما تقدم التعليل به في كلام المازري ؛ اللهم عفواً وغفراً .
وقال ابن حجر في (فتح الباري) (9/246) : (وقد تقرر أن الحديث الواحد إذا تعددت ألفاظه وأمكن حمل بعضها على بعض تعين ذلك) .
قلت : هذا الكلام صحيح في أصله ، ولكن عادة ابن حجر أنه يتوسع في هذا الأمر ؛ ولعل التحقيق في هذا الباب هو أن الإمام البخاري لا يورد في كتابه حديثاً مسنَداً مرفوعاً وهو معلول ، من غير أن يشير إلى علته أو يصرح بها ، ثم هو في الوقت نفسه إذا احتاج إلى إعادة حديث فإنه يعيده ، ولكن قد يعيده من طريق فيها علة متنية أو سندية ، قال ابن حجر في (الفتح) (1/84) : (تقرر أن البخاري لا يعيد الحديث إلا لفائدة؛ ولكن تارة تكون في المتن وتارة في الإسناد وتارة فيهما ؛ وحيث تكون في المتن خاصة : لا يعيده بصورته؛ بل يتصرف فيه، فإن كثرت طرقه: أورد لكل بابٍ طريقاً ، وإن قلَّت: اختصر المتن أو الإسناد).(2/284)
فمن هنا كان البخاري ربما أعاد الحديث من طريق معلولة ، فأما العلة فلا تمنع من تقوية الرواية الأولى المحفوظة بهذه الرواية التي وقعت فيها المخالفة أو الشذوذ ، لأن الحديثين إنما يقوي أحدها الآخر بما اتفقا عليه ، وهو القدر الأكبر منهما ، بل هو كل ما في الروايتين سوى موضع الاختلاف ؛ وهو يرى أن العلة لا تخفى على أهل العلم ولا سيما الذين فهموا عن البخاري منهجه وشروطه وإشارته ، والذين يميزون بين مراتب الرواة وأحوال الأسانيد .
إذن الظاهر أن الإمام البخاري قد أورد في (صحيحه) جملة من الروايات الصحيحة في أصلها ولكن فيها بعض الزيادات أو التقييدات التي لا تصح ، ولكنه أشار إليها بتقديم الروايات الصحيحة المحفوظة عليها ، ولعله يشير إلى ذلك أحياناً بطريقة أخرى ، وهي أن يُورد الرواية المحفوظة على سبيل الاحتجاج بها في باب يترجمه بترجمة دالة على أنه يحتج بما في تلك الرواية من القدر الذي خالفتها فيه رواية أخرى ولو كانت تلك الرواية الشاذة قد تقدمت .
الترغيب والترهيب :
أما الترغيب فالمراد به تحبيب النفوس في فعل الأعمال الصالحة ، ودفعِها إلى ذلك ، وذلك بذكر النصوص المبينة لثواب تلك الأعمال والفضل المرجو من فِعلها .
وأما الترهيب فالمراد به التخويف مِن فعل الأعمال السيئة والمعاصي ، وذلك بذكر عقوباتها وأضرارها .
والمراد بالأعمال الصالحة تلك الأعمال التي ثبت بالآيات أو الأحاديث الثابتة أنها أعمال صالحة ، وتشمل الواجبات والمستحبات ، ومن المعلوم المقرَّر أن الوجوب والاستحباب حكمان شرعيان لا يثبتان لعمل من الأعمال بحديث ضعيف .
ومثل ذلك يقال في الأعمال السيئة ، فالمراد بها : الأعمال التي ثبت بالكتاب والسنة الثابتة أنها أعمال محرمة ، فلا تثبت الحرمة بحديث غير ثابت .(2/285)
وأما المكروهات فقد ورد في النصوص الشرعية وأصول الدين ترغيب في اجتنابها ، فإنَّ في اجتنابها ثواباً لمن يجتنبها ، والتحقيق أن ترك المكروهات لوجه الله هو في الحقيقة داخل في جملة الحسنات والأعمال الصالحة ، ومثله ترك المباحات بقصد التفرغ للطاعات والتقوّي عليها ، وكذلك فِعلها - أي المباحات - بقصد التقوي على الطاعات : كل ذلك يثاب عليه المرء لأنه عملٌ صالح ، وإنما الأعمال بالنيات .
هذا وإنَّ أحاديث الترغيب والترهيب تسمى اختصاراً أحاديث الفضائل .
وقد كانت هذه التسمية واحداً من جملة أسبابٍ أوقعت كثيراً من أهالي العصور المتأخرة في لبس شديد وغلط بعيد ، في هذا الباب ؛ فقد خلط أكثر العامة وكثير من أشباههم ممن يعدون أنفسهم في جملة طلبة العلم الشرعي بين فضائل الأعمال والأعمال الفاضلة ، ففهموا ما قاله كثير من العلماء من أن الحديث الذي فيه ضعف غير شديد وهو غير منكر يعمل به إذا كان وارداً في فضائل الأعمال ، أي في الترغيب والترهيب المتقدم معناهما ، وإنما مرادهم بذلك ما أسلفتُه ، ولكن هؤلاء ظنوا - جهلاً - أن معنى "فضائل الأعمال" هو "الأعمال الفاضلة" ، فصارت القاعدة التي لخص فيها بعض أهل العلم مذهب الأئمة في الأحاديث الضعيفة ، والتي نصها (يعمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال) ، أقول : صار معنى هذه القاعدة عند هؤلاء الجهلة والمتساهلين : (يعمل بالحديث الضعيف في بيان الأعمال الفاضلة) ، وبعبارة أخرى : (الحديث الضعيف يثبت به حكم الوجوب وحكم الاستحباب ، للأعمال ، لأن الأعمال الواجبة والأعمال المستحبة : أعمال فاضلة) ، وهذا خلط ليس بعده خلطٌ أشد منه ولا أعجب ؛ وهكذا نَجَمت كثير من البدع ، ونُصرت كثير من الضلالات ، وأُميتت كثير من السنن ، وكيدت كثير من الحقوق ، والله وحده المستعان .(2/286)
هذا جانب مما يتعلق بأحاديث الترغيب والترهيب ، وكان السلف يسمونها أيضاً الرقاق ، وبقي جانبٌ آخرُ مضادٌّ لهذا الجانب ، وهو أنَّ طائفة من طلبة العلم ، وقد يكون بينهم بعض العلماء - منعوا رواية الحديث الضعيف أصلاً ، ومنعوا الترغيب والترهيب به ، وهذا مخالف لطريقة أئمة هذا العلم ، والتي نقلها عنهم الخطيب الحافظ في (الكفاية) و(الجامع) ، ونقلها غيره أيضاً .
قال الخطيب في (الكفاية) (2/398-400) تحت بابٍ أسماه (باب التشدد في أحاديث الأحكام والتجوز في فضائل الأعمال ) :
(قد ورد عن غير واحد من السلف أنه لا يجوز حمل الأحاديث المتعلقة بالتحليل والتحريم إلا عمن كان بريئاً من التهمة بعيداً من الظِّنَّة ، وأما أحاديث الترغيب والمواعظ ونحو ذلك فإنه يجوز كتبها عن سائر المشايخ) ؛ ثم أسند هذه الآثار الخمسة التالية :
370 - عن سفيان الثوري قال : لا تأخذوا هذا العلم في الحلال والحرام إلا من الرؤساء المشهورين بالعلم الذين يعرفون الزيادة والنقصان ، ولا بأس بما سوى ذلك من المشايخ.
371- عن سفيان بن عيينة قال : لا تسمعوا من بقية ما كان في سُنَّة ، واسمعوا منه ما كان في ثواب وغيره.
372- عن أحمد بن حنبل قال : إذا روينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحلال والحرام والسنن والأحكام تشددنا في الأسانيد ، وإذا روينا عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضائل الأعمال وما لا يضع حكماً ولا يرفعه تساهلنا في الأسانيد.
373- عن أحمد قال : أحاديث(1) الرقاق يحتمل أن يتساهل فيها حتى يجىء شيءٌ فيه حكم .
374- عن أبي زكريا العنبري قال : الخبر إذا ورد لم يحرم حلالاً ولم يُحِلَّ حراماً ، ولم يوجب حكماً ، وكان في ترغيب أو ترهيب أو تشديد أو ترخيص : وجب الإغماض عنه والتساهل في رواته(2) .
انتهى النقل عن الخطيب .
__________
(1) وقع في نسخة خطية من كتاب (الكفاية) : (الأحاديث) بدل (أحاديث) ، فأثبتَها محقق الكتاب .
(2) لعلها (روايته).(2/287)
إن رواية الحديث الضعيف للترغيب به في عمل صالح ، أو للترهيب به من عمل سيء : ليست عملاً به ولا تصحيحاً له ، والقول الصحيح هو جواز ذلك ، فيجوز ذِكر الحديث الضعيف للناس لعلهم ينتفعون بمعناه ، ولكن لذلك شروط :
الأول منها : أنه يجب أن يُقتصر في ذلك على جانب واحد فقط ، هو جانب الترغيب والترهيب ؛ ويجب أن يكون العملُ المرغَّبُ فيه قد ثبت كونُه واجباً أو مستحبّاً بالنصوص الثابتة ، كما تقدم .
والثاني : أن يكون الحديثُ المرغَّبُ به متنُه غيرُ منكر(1) ، وضعفُه غيرُ شديد .
والثالث : أن لا يُوهمَ ذِكرُ الحديث الضعيف أو روايتُه ثُبوتَه ، وأن لا يجرّ ذلك أي مفسدةً إلى الدين ، مثل أن يوافق الحديثُ هوى بعض الجاهلين أو المبتدعة المتهاونين ، فينشره ويحاجج به على رغم معرفته بضعفه ؛ ولذلك فإنه يجب أن يبرأ المرغِّب بذلك الحديث من تصحيحه ويبين ضعفه ، وأن يبين ذلك بالطريقة التي يفهمها الحاضرون .
فلا يكتفي بالإشارة الغامضة ، مثل ما يصنعه بعض الخطباء ونحوهم من الاسترواح والاكتفاء في بيان ضعف الحديث!! بالإشارة إلى ذلك بأن يذكر الحديث بلفظة (رُوي) زاعماً أنها تفيد تضعيف الحديث ، وهل يفهم العامة ذلك ؟! .
ولا يكتفي بإطلاق الاصطلاح ، مثل أن يقول : هذا الحديث غير ثابت ، أو يقول : في إسناده نظر ، أو : مختلف في صحته ، ونحو ذلك ، إذا كان أكثر الحاضرين لا يفهمون مقاصد هذه العبارات .
__________
(1) لو جرينا على جادة التحقيق والتدقيق لما احتجنا إلى الاحتراز عن المنكر ، فإنه يُغني عنه الاحتراز عن شدة الضعف ، فالمنكر أقل ما يوصف به أنه شديد الضعف ، ولكن المقام مقام تفصيل وبيان لمسألة خطيرة فصار التقسيم المذكور غير منكور ، وعلى مِثله جرى غير واحد من العلماء المتأخرين ممن تكلم في هذه القضية .(2/288)
بل حتى كلمة "ضعيف" ونحوها أرى أن يشرحها الخطيب - إذا رأى حاجةً لذلك - وأن يبين معناها بوضوح تامِّ مناسب لحال المخاطَبين ، ويكرر ذلك على المنبر مرات ومرات ، مع بيان حكم الحديث الضعيف ومع الترهيب من أن يُنسَبَ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء من المرويات غير الثابتة عنه .
ولعل الأولى أنه إذا احتاج إلى ترغيب جماعة في أمر من الأمور ، وكان عَلِم - أو خشيَ - تساهلهم في تلقف الأحاديث ولا سيما الغريبة منها ونشرِها بين الناس مع جزمهم بنسبتها إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، أقول لعل الأولى هنا إن أبى إلا أن يذكّرهم ويعظهم بمتن ذلك الحديث أن يقول لهم : ورد في بعض الآثار كذا وكذا ، ثم يقول لهم : هذا ليس بحديث ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يجوز لأحد أن ينسبه إليه ، أو نحو ذلك من الاحترازات المشروعة ؛ وصيانة السنة الصحيحة والذبُّ عنها مع التقصير في جانب الترغيب والترهيب - لو قُدّر وقوع هذا - أولى من ترغيب الناس بما يكون سبباً في انتهاء تلك الصيانة وانتفاء ذلك الذب(1) .
__________
(1) نقل السخاوي في (القول البديع في الصلاة على الحبيب الشفيع) (ص195) عن النووي أنه قال: « قال العلماء من المحدثين والفقهاء وغيرهم: يجوز ويستحب العمل في الفضائل والترغيب والترهيب بالحديث الضعيف ما لم يكن موضوعاً !! ؛ وأما الأحكام كالحلال والحرام والبيع والنكاح والطلاق وغير ذلك فلا يعمل فيها إلا بالحديث الصحيح او الحسن إلا أن يكون في احتياط في شئ من ذلك »؛ ثم نقل السخاوي عن ابن العربي المالكي أنه خالف في ذلك فقال: « إن الحديث الضعيف لا يعمل به مطلقاً ».
ثم قال : « وقد سمعت شيخنا [ يعني الحافظ ابن حجر ] مراراً يقول - وكتبه لي بخطه - : إن شرائط العمل بالضعيف ثلاثة :
الأول: متفق عليه، ان يكون الضعف غير شديد فيخرج [حديث] من انفرد من الكذابين والمتهمين بالكذب ومن فحش غلطه.
الثاني: ان يكون مندرجا تحت اصل عام، فيخرج ما يخترع بحيث لا يكون له اصل اصلا.
الثالث: ان لا يعتقد عند العمل به ثبوته لئلا ينسب الى النبي صلى الله عليه وسلم ما لم يقله.
قال: والاخير عن ابن عبد السلام وعن صاحبه ابن دقيق العيد؛ والاول نقل العلائي الاتفاق عليه ».
قلت: قد حصل تساهل ضار في هذا الباب.(2/289)
وأرجعُ إلى ما كنتُ فيه ، وهو بيان عدم التلازم بين الامتناع من رواية الحديث الضعيف وبين ترك الانتفاع بما قد يرد فيه من الحكم العالية والمواعظ الجليلة ، وأزيد على ما تقدم أنَّ طرد ذلك الأصل في الأخبار غير المرفوعة يكون من باب الأولى ؛ ولهذا كان العمل على جواز رواية ونشر أحاديث الترغيب والترهيب غير المرفوعة ، وإن كانت ضعيفة الأسانيد .
فمن أراد أن يجمع كتاباً أو كلاماً في الزهد من أقوال السلف وأخبارهم رحمهم الله، الصحابة والتابعين ومن بعدهم من القدماء فإنه لا يُشترط - لجواز نشر تلك المرويات بين الناس - صحةُ أسانيدها ، وذلك لأن باب هذه الأخبار هو باب الترغيب والترهيب في مسائل أعمال القلوب المتفق على أنها من أبواب الدين وشعب الإيمان كالصبر والشكر والحياء والتوكل والخوف والرجاء ونحوها؛ ثم إن العلماء اختلفوا في رواية الضعيف من أحاديث الترغيب والترهيب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يتفقوا على منع ذلك ، بل الأرجح الذي عليه الأكثر من المتقدمين والمتأخرين هو جواز ذلك ولكن بشروط مشى عليها المتقدمون وفصل فيها المتأخرون ، وقد تقدم التفصيل في ذلك ؛ ولا شك أن الأمر في باب الآثار الموقوفة والمقطوعة أسهل وأقرب ، كما تقدم ، بل لعل الباحث لا يكاد يقف على كبير نهي لهم عن رواية هذا النوع من الأخبار غير المرفوعة .(2/290)
بل إن من أراد نشر مثل تلك الآثار وروايتها لغيره فإن له في هذا المسلك سلفاً من كبار أئمتنا، فتأمل ما جرى عليه من صنف في الزهد والأخلاق والأدب ونحوها من أئمة الاسلام وكبار علمائه كابن المبارك ووكيع وأحمد ثم البيهقي في مؤلفاتهم في الزهد والبخاري في الأدب المفرد وما شاكله من كتبه، وابن حبان في روضة العقلاء والآجري في مؤلفاته في الأخلاق والآداب وكذلك من جمع أبواباً في الزهد والرقائق كأصحاب السنن وعبد الرزاق وابن أبي شيبة في مصنفيهما، وكذلك من ألف أو كتب في هذا الفن وما قاربه أو شاركه في بعض مسائله كفن المناقب والسير ونحو ذلك من المتوسطين والمتأخرين كالخطيب وابن الجوزي وابن قدامة والنووي وابن تيمية والمزي والذهبي وابن القيم وابن كثير وابن رجب وابن حجر وغيرهم، تأمل صنيع هؤلاء العلماء في هذه الكتب وهذه الأبواب تجد أنهم جميعاً تساهلوا في هذا الباب في إيراد ما لا يثبت سنده من غير المرفوعات لأن الغاية سماع الحكمة الصحيحة والموعظة الحسنة والعبرة المؤثرة، ولقد كاد أكثر قدماء المحدثين على جواز التساهل برواية المرفوع - فضلاً عن الموقوف والمقطوع - من أحاديث الفضائل والترغيب والترهيب وكل ما ليس فيه إثبات عقيدة أو تشريع، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه عنه عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: (بلغوا عني ولو آية وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج ومن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار)؛ رواه البخاري؛ أفلا يكفي هذا الترخيص في التحديث عن بني اسرائيل - رغم كل الذي جرى من تحريف في كتبهم وانقطاع فظيع في أسانيدهم - دليلاً ومستنَداً للتحديث عن أحد من أفاضل علماء المسلمين أو أكابر واعظيهم بخبر تظهر صحة معناه وتشهد له النصوص الثابتة والأصول المقررة أو هي - في الأقل - لا يعارضها ولا تدل على بطلان فيه أو نكارة؟!(2/291)
وإنه لمما يناسب هذا المقام أن أسوق فيه جملة من أقوال العلماء في هذا الباب تأييداً لهذا التأصيل ؛ فأقول :
روى الخطيب في (اقتضاء العلم العمل) (ص83) عن الغلابي قال: سأل رجل ابن عيينة عن إسناد حديث قال: ما تصنع بإسناده؟! أما أنت فقد بلغتك حكمته ولزمتك موعظته.
وذكر الماوردي في (أدب الدنيا والدين) (ص88-89) عن الحسن البصري أنه حدث بحديث فقال رجل: يا أبا سعيد عمن؟ قال: ما تصنع بعمن؟! أما أنت فقد نالتك عظته وقامت عليك حجته.
وقال الذهبي في ترجمة الشافعي من (سير أعلام النبلاء) (10/97): وبلغنا عن الإمام الشافعي ألفاظ قد لا تثبت ولكنها حكم؛ ثم سرد الذهبي جملة طيبة منها.
وقال أبو نعيم في (الحلية) (9/377-378): حدثنا عثمان بن محمد العثماني ثنا أبو الحسن الرازي قال: سمعت يوسف بن الحسين يقول: قال ذو النون: (صدور الأحرار قبور الأسرار؛ قال: وسئل ذو النون: لم أحب الناس الدنيا؟ قال: لأن الله تعالى جعلها خزانة أرزاقهم فمدوا أعينهم إليها؛ وقيل له: ما إسناد الحكمة؟ قال: وجودها؛ وسئل يوماً----)(1).
__________
(1) هذا كلام ذي النون المصري ينقله يوسف بن الحسين الرازي، وأما في رواية الخطيب الآتية بع قليل ففيها أن الكلام المتعلق بالحكمة ليوسف الرازي، ولا تنافي، فكأنه سمعها من ذي النون فمرة رواها عنه، ومرة سئل هو عنها فأجاب بما سمعه من ذي النون.(2/292)
وقال الخطيب في (الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع) (2/213-215) تحت هذه الترجمة (ما لا يفتقر كتبه الى الإسناد): (كل ما تقدم ذكره [يعني أحاديث الأحكام ونحوها] يفتقر كتبه الى الإسناد فلو أسقطتْ أسانيده واقتصر على ألفاظه فسد أمره ولم يثبت حكمه لأن الأسانيد المتصلة شرط في صحته ولزوم العمل به؛ كما أنا محمد بن عمر بن جعفر الخرقي أنا أحمد بن جعفر الختلي نا أحمد بن علي الأبار نا محمد بن علي بن الحسن بن شقيق قال سمعت عبدان يقول: قال عبد الله وهو ابن المبارك: الإسناد عندي من الدين لولا الإسناد لقال من شاء ما شاء، واذا قيل له: من حدثك؟ بقي)---إلى أن قال الخطيب:
(وأما أخبار الصالحين وحكايات الزهاد والمتعبدين ومواعظ البلغاء وحكم الأدباء فالأسانيد زينة لها وليست شرطاً في تأديتها.
وقد أخبرني عبد الصمد بن محمد الخطيب نا الحسن بن الحسين الفقيه الشافعي قال: سمعت عبد الرحمن الجلاب يقول: سمعت يوسف بن الحسين الرازي يقول: إسناد الحكمة وجودها.
أنا منصور محمد بن عيسى الهمذاني نا صالح بن أحمد التميمي اخبرني أحمد بن موسى الدينوري فيما كتب الي نا ابو حفص عمر بن محمد الخراساني عن سعيد بن يعقوب قال سمعت ابن المبارك وسألناه، قلنا: نجد المواعظ في الكتب فننظر فيها؟ قال: لا بأس وإن وجدت على الحائط موعظة فانظر فيها تتعظ، قيل له: فالفقه؟ قال: لا يستقيم إلا بالسماع.
نا أبو طالب يحيى بن علي الدسكري لفظاً أنا ابو بكر بن المقرئ الأصبهاني نا ابو جعفر محمد بن عبدان المعروف برزقان الواسطي نا العباس بن عبد الله الترقفي نا محمد بن عبد الخالق قال كنت جالساً ثم يزيد بن هارون وخراساني يكتب الكلام ولا يكتب الإسناد قال : فقلت له أو قيل له: ما لك لا تكتب الإسناد؟ فقال: أنا خانه خواهم نبازار؛ قال أبو طالب: تفسيره: قال: أنا للبيت أريده لا للسوق.(2/293)
قال أبو بكر [الخطيب]: إن كان الذي كتبه الخراساني من أخبار الزهد والرقائق وحكايات الترغيب والمواعظ فلا بأس بما فعل؛ وإن كان ذلك من أحاديث الأحكام وله تعلق بالحلال والحرام فقد أخطأ في إسقاط اسانيده لأنها هي الطريق إلى تبينه فكان يلزمه السؤال عن أمره والبحث عن صحته).
ثم قال الخطيب: (وعلى كل حال فان كتب الإسناد أولى سواء كان الحديث متعلقاً بالأحكام أو بغيرها)؛ ثم أسند إلى أبان بن تغلب قوله: (الإسناد في الحديث كالعَلَم في الثوب) يعني أنه زينة فيه.
إذا عُلم هذا فليعلم أنه لا بد من الاحتياط الكافي، فعلى من يجمع أو يروي تلك الأخبار أن يختار من أقوالهم ما لا يرى فيه مخالفة صريحة لشيء من نصوص الوحيين وأصول المعتقد الإسلامي؛ وهذا يقتضي أن لا يُقْدِم على مثل هذا العمل إلا من يكون من أهل السنة والاتباع ومن طلبة العلم النابهين وأهل الاطلاع على العلوم الاسلامية، العقائد والسنن والتفسير والسيرة وغيرها؛ والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم ؛ وانظر (المرويات التاريخية) .
التراجم :
التراجم : جمع ترجمة ، والترجمة لها معانٍ :
أولها : معنى علمي عرفي ، وهو التعريف بإنسانٍ أو بلدٍ أو موضعٍ أو نهرٍ أو معركةٍ أو كتابٍ ، أو نحو ذلك من الأشياء التي لها شأنٌ ولها أسماءٌ لأعيانها ، أي أسماؤها أسماء أعلام .
ومن هنا عُرِفَت الكتب المختصة بالتعريف بالأشخاص باسم كتب التراجم(1) .
الثاني : اسم الكتاب أو الباب أو الفصل منه ، وتعني العنوان ، ومن هذا المعنى قولهم (تراجم البخاري) وقولهم (هذا الحديث ترجم له البخاري بكذا وكذا) أو: (أورده تحت الترجمة الفلانية) ، وقولهم (هذا الرجل ذكره السمعاني في كتاب الأنساب تحت ترجمة كذا) ، وقولهم (فلان ضبط ابن ماكولا اسمه تحت ترجمة كذا ، أو تحت رسم كذا) .
__________
(1) انظر (كتب التراجم) .(2/294)
وكأن عناوين الكتب وعناوين أبوابها وفصولها وعناوين سائر أقسامها سميت تراجم لأن العنوان يُعرّف تعريفاً مجملاً بما تحته من تفاصيل ويشير إلى موضوعها أو خلاصتها .
الثالث : الترجمة تعني إسناداً رويت به جملة من الأحاديث ، وقد يطلق على مجرد الإسناد ، انظر (جمع التراجم) .
قال السيوطي في (تدريب الراوي) (1/78) في تضاعيف كلام له على رواية أحمد عن الشافعي عن مالك عن نافع عن ابن عمر: (وتسمى هذه الترجمة سلسلة الذهب)(1) .
ويظهر أن هذا المعنى الثالث قريب من المعنى الثاني أو العنوان ، فكأن الإسناد أو القطعة منه كان يكتب على ظهر الكتاب أو الكراس أو الجزء ، أو في أول صفحة منه ، أو في أول حديث من أحاديثه ، ثم تذكر بقية الأحاديث ؛ مثل أن يجمع محدثٌ بعض ما رواه مالك عن نافع عن ابن عمر ، فيكتب هذا الإسناد في أول النسخة فيكون الإسناد قائماً مقام العنوان ، ومن هنا سمي مثل هذا الإسناد ترجمةً ، ثم غلب في العرف استعمال كلمة الترجمة مرادفةً للإسناد ؛ وانظر (جمع التراجم) .
الرابع : معنى عرفي شائع ، وهو التعبير عن الكلام الأعجمي بما يؤدي معناه في العربية ، وعكس ذلك .
قال الفيروزابادي في (القاموس المحيط) : (التّرْجُمانُ، كعُنْفُوانٍ وزَعْفَرانٍ ورَيْهُقانٍ : المُفَسِّرُ للسانِ ، وقد تَرْجَمَهُ و[ترجم] عنه، والفِعْلُ يَدُلُّ على أصالَةِ التاءِ ) .
تراجم البخاري :
__________
(1) قال السيوطي عقب هذا : (وليس في مسنده [يعني مسند أحمد] على كبره بهذه الترجمة سوى حديث واحد ، وهو في الواقع أربعة أحاديث جمعها وساقها مساق الحديث الواحد).(2/295)
أي عناوين أبواب كتابه (الصحيح) ؛ وقد اشتهر بين العلماء دقة البخاري في اختيار تراجم كتابه ولطف إشاراته بها ، فهو يشير بالترجمة مرة إلى حكم أو اختيار فقهي وتارة إلى معنى حديثي نقدي ، وتارة إلى فائدة أخرى مستنبطة ؛ وهذا الأمر كان أحد أسباب صعوبة شرح هذا الكتاب الجليل ، حتى قال ابن خلدون رحمه الله في (المقدمة) (ص309 - طبعة دار الشعب) : (فأما صحيح البخاري - وهو أعلاها رتبة - فاستصعب الناس شرحه واستغلقوا منحاه من أجل ما يحتاج إليه من معرفة الطرق المتعددة ورجالها من أهل الحجاز والشام والعراق ومعرفة أحوالهم واختلاف الناس فيهم ؛ وكذلك يحتاج إلى إمعان النظر في التفقه في تراجمه ، لأنه يترجم الترجمة ويورد فيها الحديث بسند أو طريق ، ثم يترجم أخرى ويورد فيها ذلك الحديث بعينه لما تضمنه من المعنى الذي ترجم به الباب ؛ وكذلك في ترجمة وترجمة إلى أن يتكرر الحديث في أبواب متفرقة بحسَب معانيه واختلافها ، ومن النظر في تراجمه لبيان المناسبة بين الترجمة والحديث التي في ضمنها ، فقد وقع له في كثير من تراجمه خفاء المناسبة بينها وبين الأحاديث التي في ضمنها ، وطال كلام الناس في بيانها ---- ؛ ومَن شرحه ولم يستوف هذا كله فيه فلم يوفِّ حق الشرح كابن بطال وابن المهلب وابن التين ونحوهم ؛ ولقد سمعت كثيراً من شيوخنا رحمهم الله يقولون: شرح كتاب البخاري دَينٌ على الأمة ، يعنون أن أحداً من علماء الأمة لم يوفِّ ما يجب له من الشرح بهذا الاعتبار) .
أقول : لا شك أن الأمة بمجموعها وفَّت هذا الدين ، أعني أن في مجموع ما كتبته الأمة من شروح للبخاري كفاية ووفاءً ، ولكن ذلك مفرق في بطون الكتب المخطوطة والمطبوعة ، ومنه ما ضاع ؛ ومن أحسن ما كتبه العلماء في شرح صحيح البخاري (فتح الباري) لابن رجب ، ولكنه لم يتم ، و(فتح الباري) لابن حجر ، وكلُّ الصيد في جوف الفَرا .(2/296)
وألف العلامة ناصر الدين ابن المنير الاسكندراني (620-683هـ) المتواري على تراجم أبواب البخاري ، وقد طبع بالكويت ؛ وللعلامة بدر الدين بن جماعة (ت 733هـ) (مناسبات تراجم البخاري) ، طبعته الدار السلفية بومباي ، الهند ؛ وللعلامة ولي الله الدهلوي (شرح تراجم أبواب البخاري) ، وهو مطبوع بالقاهرة .
وقد ذكر محمد عصام عرار الحسني في (إتحاف القاري بمعرفة جهود وأعمال العلماء على صحيح البخاري) تسعة عشر كتاباً مصنفاً في شرح تراجم البخاري وبيان المناسبة بين التراجم وأحاديثها ؛ انظر فهرس الكتاب المذكور (ص420-421) .
الترجمة :
انظر (التراجم) .
الترقيم :
الترقيم : وضع علامات بين أجزاء الكلام المكتوب ؛ ليميز قارئه بها بعضَه من بعض ، ويعرف بها مواضع الوقف والابتداء ، فيسهل عليه فهم مقاصد الكلام ، ويسهل عليه بعد ذلك تنويع الصوت به واختيار مواطن الوقف والابتداء ، إذا قرأه على غيره من الناس ، ليسهل عليهم فهم مقاصده أيضاً .
وهذه العلامات لا تكون حروفاً ولا أرقاماً حسابية ، وإنما تكون رموزاً قوامها نقطة ، أو نقطتان ، أو ثلاث نقط ، أو خطوط أفقية ، أو خطوط مائلة ، أو خطوط مقوسة ، ونحو ذلك .
وهي علامات مُحْدَثة في الجملة ، وأول واضع لجملتها ومنوّهٍ بأهميتها هو الدكتور أحمد زكي ؛ نقل الدكتور محمود الطناحي رحمه الله في (مدخل إلى تحقيق التراث) (ص82-83) في تضاعيف كلامه على أحمد زكي باشا وجهوده في نشر التراث العربي :
(ويقول عنه شيخي عبدالسلام هارون : "ولعل أول نافخ في بوق إحياء التراث العربي على المنهج الحديث في مصر : هو المغفور له أحمد زكي باشا ---- . ويضاف إلى ذلك أنه أول من أشاع إدخال علامات الترقيم الحديثة في المطبوعات العربية ، وألف في ذلك كتاباً سمّاه "الترقيم في اللغة العربية" ، طبع في مطبعة بولاق ، في زمن مبكر جداً ، هو سنة 1913 " ) .(2/297)
وقال الدكتور عبد المجيد ذياب في (تحقيق التراث العربي منهجه وتطوره) (ص269) عقب أشياء ذكرها : (وخلاصة البحث أنه كان هناك محاولات لوضع علامات للترقيم قبل زكي باشا ، لكنها لم تتم إلا على يديه ، في مقدمة كتابه "السفر إلى المؤتمر" ؛ وفصلها كما سبق أن ذكرنا في الكتاب الذي أفرده لها ، وإن بالغ في هذه العلامات إلى حد قد لا يقبله بعض الناس ، فمثلاً نراه يضع بعد كل بيت من الشعر نقطة ، دلالة على انتهاء الكلام ، اللهم إلا إذا كان البيت متعلقاً بما بعده فلا يضع ) ؛ انتهى .
وأشهر هذه العلامات أو الرموز ما يلي ، وذكرتُ أسماءها بين يدي صورها :
1- الفصلة = ،
2- الفصلة المنقوطة = ؛
3- النقطة أو الوقفة = .
4- النقطتان = :
5- علامة الاستفهام = ؟
-6 علامة التأثر = !
-7 القوسان = ( )
8- علامة التنصيص = (( ))
9- الشرطة أو الوصلة = ـ
10- علامة الحذف = ...
وأما مواضع هذه العلامات ووظائفها فكما يلي بيانه :
أولاً - الفصلة أو الفاصلة ( ، ) :
أما في اللغة فقال الزبيدي في (تاج العروس) (30/163) : (والفاصلة : الخَرَزة التي تفصل بين الخَرَزتين في النظام) .
وقال (30/165) : ( "والفَصْلَةُ: النخلة المنقولة" المحولة، "وقد افتصلها عن موضعها" ، وهذه عن أبي حنيفة ؛ وقال هَجَرِيٌّ : خير النخل ما حُوِّل فسيلُه عن منبتِه ، والفسيلة المحوَّلة تسمى الفَصْلَة ، وهيَ [كذا] الفَصَلاتُ ) .
وورد في (المعجم الوسيط) (2/698) : (الفاصلة : الخرزة التي تفصل بين الخرزتين في العِقد ونحوه؛ و[هي أيضاً] العلامة في الكسور العشرية تكتب بين الكسر والعدد----) ؛ انتهى .(2/298)
وأما في عرف المعاصرين من أهل الكتابة والجيل الذي قبلهم فعلامة من علامات الترقيم ، وتعرف في كثير من المدارس وغيرها باسم (الفارزة) ؛ وتوضع بين الكلمات أو الجمل أو شبه الجمل من أجل أن يقف القارئ عندها وقفة خفيفة تميز بعض أجزاء الكلام عن بعض ، وتيسر معرفة وجوه الارتباط والتعلق بين تلك الأجزاء .
توضع الفصلة بين الكلمات في الجملة لتدل على أن موضعها موضع للوقف الناقص ، وهو الوقف الذي يكون بسكوت المتكلم أو القارئ سكوتًا خفيفاً جدًا ، لا يحسن معه التنفس ؛ وإنما يكون ذلك السكوت لتمييز بعض أجزاء الكلام عن بعض ؛ وتوضع في المواضع الآتية :
أ- بين الجمل التي يتركب من مجموعها كلام تام الفائدة ، أي الجمل المتصلة المعنى ، مثل : إنَّ محمداً تلميذٌ مهذب ، لا يؤذي أحداً ، ولا يكذب في كلامه ، ولا يقصر في دروسه ؛ ومثل : أوحد العراق في البلاغة ، ومن به تثنى الخناصر في الكتابة ، وتتفق الشهادات له ببلوغ الغاية ، من البراعة والصناعة ؛ ومثل قول التاج السبكي الأشعري في شيخه الحافظ الذهبي رحمه الله تعالى في (طبقات الشافعية الكبرى) (9/101) : (وأما أستاذنا أبو عبد الله فبصر(1) لا نظير له ، وكنز هو الملجأ إذا نزلت المعضِلة ، إمام الوجود حِفظاً ، وذهب العصر معنى ولفظاً ، وشيخ الجرح والتعديل ، ورجل الرجال في كل سبيل ، كأنما جُمعت الأمةُ في صعيد واحد فنظرها ، ثم أخذ يُخبرُ عنها إخبارَ من حضرها ) ؛ ومثل : المعروف قروض ، والأيام دول ؛ ومثل : الشمس طالعة ، والنسيم عليل ، والطيور مغردة ، والأزهار ضاحكة ؛ ومثل : الجو شديد الحرارة ، والرياح سموم ، والرؤية منعدمة .
__________
(1) كذا في الأصل ، وادعى الشيخ عبدالفتاح أبو غدة أنها تصحيف عن (فبحر) ودعواه قريبة ، والله أعلم .(2/299)
ب- بين الكلمات المفردة المتصلة بكلمات أخرى تجعلها شبيهة بالجملة في طولها ، مثل : ما خاب تاجرٌ صادق ، ولا تلميذٌ عامل بنصائح والديه ومعلميه ، ولا صانعٌ مُجيدٌ لصناعته ، غير مخْلفٍ لمواعيده .
ج - بين جملتين مرتبطتين في اللفظ والمعنى ، كأن تكون الثانية صفة ، أو حالاً ، أو ظرفًا للأولى ، وكان في الأولى بعض الطول ؛ وكذلك بين جملة الشرط وجوابه ، وبين القسَم وجوابه ؛ كالأمثلة التالية :
رأيت شاباً ممسكاً بيد رجل ، يخيل لي أنه عاجز .
استقبلني صديقي محمد يوم زرته بالأمس ، وهو يبتسم .
ذهبت إلى مكة لأداء العمرة ، في شهر رمضان من العام الماضي .
إذا حضر الماء ، بطل التيمم .
لئن أنكر المرء من غيره ما لا ينكر من نفسه ، لهو أحمق .
د- بين أنواع الشيء وأقسامه ، مثل : إنَّ التبكير في النوم وفي الاستيقاظ منه ، يُكسبُ الإنسانَ ثلاثَ فوائد: صحة البدن ، وصفاء العقل ، وسعة الرزق ؛ ومثل : فصول السنة أربعة : الربيع ، والصيف ، والخريف ، والشتاء ؛ ومثل : ينقسم الكلام إلى أقسام ثلاثة : اسم ، وفعل ، وحرف .
هـ - بعد لفظة المنادى ، مثل : يا محمدُ ، أَقْبِل ، ومثل : يا عليُّ ، أَحضِر الكتابَ .
تنبيه : الفاصلة غير الشولة ، وإن قال بعضهم : يقال لها : (الشَّولة) ، فانظر (الشولة) .
هذا وقد استُعملت الفصلة في هذا العصر بمعنى آخر ، وهو البحث أو المقال المستلّ من أصله ، كمجلة وما أشبهها ؛ ورد في (المعجم الوسيط) (2/698) : (الفصْلة : النخلة المنقولة من موضعها ؛ وبه سُمي البحث أو المقال المنتزَع من مَجَلة أو نحوها) .
ثانياً - الفصلة المنقوطة ( ؛ ) :
الغرض منها أن يقف القارئ عندها وقفة متوسطة ، أطول بقليل من سكتة الفصلة ، علامتها " ؛ " ؛ وتكون في الوقف الكافي ، وهو الوقف الذي يكون بسكوت المتكلم ، أو القارئ سكوتاً يجوز معه التنفس .
وأكثر استعمالها في موضعين :(2/300)
أ- بين الجمل الطويلة التي يتركب من مجموعها كلام مفيد ، وذلك لإمكان التنفس بين الجمل عند قراءتها ، ومنع خلط بعضها ببعض بسبب تباعدها ، مثل : إن الناس لا ينظرو ن إلى الزمن الذي عُمل فيه العمل ؛ وإنما ينظرون إلى مقدار جودته وإتقانه .
ب- بين جملتين تكون الثانية منهما سبباً في الأولى، مثل : أحِبُّ زيداً ؛ لأنه صادقٌ ووفيٌّ ، ومثل : سهرتُ الليلَ كلَّه ؛ لأُنجِزَ بعضَ الأعمال) ؛ أو تكون مسببةً عن الأولى ، مثل : محمد مجدٌّ في كل دروسه ؛ فلا غرابة أن يكون أول فصله .
ثالًثا- النقطة أو الوقفة ( . ) :
توضع في نهايات الجمل التي تم بها المعنى وقلَّ ارتباطها بما بعدها ؛ فهي علامة على الوقف التام ، وهو سكوت المتكلم ، أو القارئ سكوتًا تامًا ، مع استراحة للتنفس ، ليدل بذلك على تمام ذلك القدر من الكلام وانفصاله عما بعده معنى وإعراباً ، وذلك مثل قول المزي رحمه الله في (تهذيب الكمال) (9/92-93) في ترجمة الرَّبيع بن صَبيح :
(وقال أبو بكر بن أبي خيثمه عن يحيى بن معين : الربيع بن صبيح ضعيف الحديث . وقال محمد بن سعد والنسائي : ضعيف . وقال أبو زرعة : شيخ صالح صدوق . وقال أبو حاتم : رجل صالح ، والمبارك بن فضالة أحبُّ إليَّ منه . وقال مسلم بن إبراهيم عن شعبة : الربيع بن صبيح من سادات المسلمين . وقال يعقوب بن شيبة : رجل صالح صدوق ثقه ضعيف جداً ) .
هذا وقد بقي للنقطة معنيان آخران :
الأول : أنها علامة الإعجام والإهمال الموضوعة فوق الحرف أو تحته ، كما هو مشروح في غير هذا الموضع .
الثاني : أنها رمز الحركات ، في اصطلاح أبي الأسود الدؤلي وبعض المتقدمين ؛ انظر (النَّقْط) .(2/301)
رابعًا- النقطتان ( : ) :
تستعمل هذه العلامة لتعيين بداية مقول القول أو الخبر إذ طال الفصل بينه وبين مبتدئه ، أو جواب الشرط أو جواب القسم إذ طال فصلهما ، كذلك ، أو تفصيل الشيء المجمل ، ونحو ذلك مما قد تختلف فيه الأنظار والاختيارات عند الكتّاب ؛ فهي ترسم في ما يلي من المواضع ، على الأكثر الأشهر :
الأول : عند صدر النص المنقول عن قائله كما في الجمل التالية :
قال زيدٌ : يوم الخميس سافرنا إلى حلب .
قال زيد يوم الخميس : سافرنا إلى حلب .
قال زيدٌ لما التقينا : فرحتُ بلقائك كثيراً .
قال زيدٌ : لما التقينا فرحتُ بلقائك كثيراً .
فقول زيد في كل جملة من الجمل الأربع هو ما بعد النقطتين ، ولولا النقطتان لاحتمل وقوع اللبس في بعض هذه الجمل .
الثاني : قُبيل ما كان شبيهاً بمقول القول أو ملتحقاً به ، كهذه الجملة :
من نصائح أبي لي كل يوم : لا تؤخر عمل يومك إلى غدك .
الثالث : عند بداية تفصيل الشيء ، أي بين الشيء وأقسامه ، مثل هاتين الجملتين :
أركان الإسلام خمسة : شهادة أن لا إله إلا الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وصوم رمضان ، وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلا .
الدنيا يومان : يوم لك ، ويوم عليك .
الرابع : قُبيل الخبر إذا طال الفصل بينه وبين المبتدأ ، وكذلك الحال بالنسبة لجواب الشرط وجواب القسم ونحو ذلك ، كما في الأمثلة التالية :
الإسلام وإن حاربه أعداؤه بكل ما أوتوا من قوة ومكروا به أخبث ما قدروا عليه من مكر ، والمسلمون وإن تفرقوا وضعفوا : لا بد أن تكون الغلبة في نهاية الأمر للمسلمين .
الدين ، والعقل ، والأمان ، والصحة ، والمال ، والبنون ، وإن غفل عن التفكر فيها أكثر الناس : نعم لا يقدَّر قدرها ولا يُحصى شكرها .
إذا ورد الحديث بإسنادٍ مسلسل بالثقات سالمٍ من الانقطاع بكل أنواعه ، وسَلِم من العلل الخفية والشذوذ والنكارة والتفرد غير المحتمَل لصاحبه : فهو حديث صحيح .(2/302)
خامسًا - علامة الاستفهام ( ؟ ) :
توضع في نهاية الجملة المستفهم بها عن شيء ، لتمييزها عن غيرها من الجمل ، ثم طردوا استعمالها فشمل الجمل التي تستغني بأسماء وحروف الاستفهام عن وضع هذه العلامة بعدها .
أمثلتها :
فيم كنت ؟
أين تذهب ؟
لمَ تتعلم؟
أهذا كتابُك ؟
هذا كتابُك ؟
هل يعجبك السفرُ ؟
يعجبك السفرُ ؟
من علّمك أحكامَ التلاوة ؟
سادسًا - علامة التأثر ( ! ) :
توضع في آخر الجملة التي يعبر بها عن فرح أو حزن أو تعجب أو استغاثة أو دعاء ، نحو : يا بشراي ! نجحت في الامتحان ! ، واأسفاه ! ، ما أجمل هذا البستان ! ، النار النار ! ، ويل للظالم ! ، مات فلان !
سابعًا - القوسان ( ) :
هذه العلامة بل العلامتان المتقابلتان يوضع بينهما الألفاظ التي ليست من أركان الكلام ، كالجمل المعترضة ، وألفاظ الاحتراس والتفسير ، مثل :
القاهرة (حرسها الله) أكبر مدينة في إفريقية .
ومثل : حلوان (بضم فسكون) مدينة جنوبي القاهرة ، طيبة الهواء، بها حمامات كبريتية .
ثامناً - علامة التنصيص : (( )) ، أو « » ، أو ما شابه ذلك من الرموز .
فعلامة التنصيص قوسان مزدوِجان صغيران يوضع بينهما كل كلام يُنقل بنصه ، مثل : حُكي عن الأحنف بن قيس أنه قال : « ما عاداني أحد قط إلا أخذت في أمره بإحدى ثلاث خصال : إن كان أعلى مني عرفتُ له قدره ، وإن كان دوني رفعتُ قدري عنه ، وإن كان نظيري تفضلت عليه » .
وفائدة هذه العلامة فصل الكلام المنقول عن قائله من كلام منقولٍ عن غيره مجاور له في موضعه ، قبله أو بعده ، ومن كلام الناقل ومن كلام المؤلف .
تاسعًا - الشرطة أو الوصلة ( - ) :
توضع في الأماكن التالية :
أ- بين ركني الجملة إذا طال الركن الأول ، لأجل تسهيل فهمها ، مثل : إن التاجر الصغير الذي يراعي الصدق والأمانة مع جميع من يعامله من كل الطبقات - قد يصير بعد سنوات قليلة من أكبر التجار .
ب- بين العدد والمعدود إذا وقعا عنواناً في أول السطر، مثل : التبكير في النوم واليقظة يكسب :(2/303)
أولاً - صحة البدن .
ثانياً - وفور المال .
ثالثاً - سلامة العقل .
عاشراً - علامة الحذف ( ... ) :
ثلاث تقط متتالية توضع مكان ما يُحذف من الكلام المنقول ، والحذف يكون للاقتصار على المهم أو المقصود من الكلام ، أو لإغفال ما يُستقبح ذكرُه منه ، أو ما هو خطأ في معناه .
هذه أشهر علامات الترقيم وما تقدم من الكلام عليها منقولُ بتصرف ، وهذا التفصيل الذي تقدم في بيان مواضعها يخالف فيه كثيرٌ من الكُتّاب ، إما عمداً واجتهاداً ، وإما جهلاً وتفريطاً ؛ والمطلوب أن يلتزم الكاتبُ أصولَها في الجملة ، ثم له بعد ذلك أن يجتهد فيختار ما يراه أنسب وأنفع ، ولكن عليه أن يثبت على طريقة واحدة ليُفهم اصطلاحه وتُعرف مقاصده .
ويأتي ذِكر علامات أخرى ، ويأتي أيضاً مزيد من الكلام على طائفة من هذه العلامات المتقدم ذكرها هنا ، وربما تجد هناك ما يخالف الذي هنا ، وهو بيانٌ لاختلاف تنوع ، ونقلٌ لوجهات نظر غير متطابقة ، ولكنها غير متضادة ؛ وانظر (الأرقام)(1) .
تركَ قراءة الكتاب :
أي ترك التحديث منه والاعتماد عليه ؛ كان بعض المتثبتين يشك في بعض ما في كتابه ، فيتركه ويمتنع من الرجوع إليه ؛ مثال ذلك ما رواه أبو نعيم في (ذكر أخبار أصبهان) (1/85-86) عن الحافظ محمد بن يحيى بن منده ، قال : (لم يحدث ببلدنا منذ أربعين سنة أوثق من أحمد بن مهدي(2) ، صنف المسند ، كتب بالشأم ومصر والعراقَين(3) ----، لم يُعرف له فراش منذ أربعين سنة ، صاحب صلاة واجتهاد ، افتقد من كتبه كتاب قبيصة ، ثم رُدَّ عليه فترك قراءتَه) .
تركتُه ثم حدثتُ عن فلان عنه :
__________
(1) وطالع ما كتبه الدكتور عبدالمجيد ذياب في الترقيم وعلاماته في كتابه (تحقيق التراث العربي) (ص264-279) .
(2) هو الحافظ أحمد بن مهدي بن رستم بن مهدي الأصبهاني ، توفي سنة 272هـ) ، ترجمه الذهبي في (السير) .
(3) الظاهر أنه يعني عراق العرب وعراق العجم ، ويحتمل على بُعد أن يكون المراد الكوفة والبصرة .(2/304)
كان بعض المحدثين لا يرضى أن يحدث عن بعض الرواة ، ثم يستجيزون عند الحاجة أن يحدثوا عن رجل عنهم ، وإن كانوا يكرهون النزول ، لأنهم يكرهون الأخذ عن المتروكين والمبتدعة ، وأيضاً هم يكرهون أن يحدثوا عنهم بلا واسطة فيكونوا من شيوخهم ، قال ابن أبي حاتم في (الجرح والتعديل) (1/80 - 81) : (نا أبو هارون محمد بن خالد الخراز قال سمعت أبا نعيم يقول سمعت سفيان الثوري يقول : قدمت الري وعليها الزبير بن عدي قاضياً فكتبت عنه خمسين حديثاً ، ثم مررت بجرجان وبها جواب التيمي فلم اكتب عنه ، ثم كتبت عن رجل عنه ؛ قلت لأبي نعيم : ولمَ لمْ يكتب عنه ؟ قال : لأنه كان مرجئاً) .
وقال عباس الدوري في (تاريخه عن ابن معين) (3/178) (792) : (قلت ليحيى : كان مالك بن أنس يكره عكرمة ؟ قال : نعم ؛ قلت : وقد روى عن رجل عنه ؟ قال : نعم ، شيء يسير).
وقال العلامة المعلمي في (التنكيل) في ترجمة أبي عبد الرحمن أحمد بن عبد الله (ص320-322) معللاً شيئاً ذكره هناك : (لأن المعروف عن أكثر المتحفظين أنهم إنما يتقون الرواية عن الضعفاء بلا واسطة، وكثيراً ما يروون عن متقدمي الضعفاء بواسطة ) ؛ وانظر (تركه) و (لم يحدث عنه فلان) .(2/305)
هذا وقد يكون التحديث عن رجل عن الراوي المتروك أولاً من باب الرجوع عن تركه ، قال الخطيب في (الكفاية) (ص111) : (أخبرنا عبيد الله بن عمر بن أحمد الواعظ قال : ثنا أبي قال ثنا الحسين بن صدقة قال ثنا ابن أبي خيثمة قال ثنا يحيى بن معين عن وكيع قال : قال شعبة : لقيت ناجية الذي روى عنه أبو إسحاق فرأيته يلعب بالشطرنج فتركته فلم أكتب عنه ، ثم كتبت عن رجل عنه ؛ قلت : ألا ترى أن شعبة في الابتداء جعل لعبة الشطرنج مما يجرحه فتركه ثم استبان له صدقه في الرواية وسلامته من الكبائر فكتب حديثه نازلاً) ؛ انتهى كلام الخطيب ولم يبين لنا دليل ما ادعاه من رجوع شعبة إلى تعديل ناجية ، فإن كان قال ذلك نقلاً عما وقع فلا منازعة ، ولكن إن كان قاله استنباطاً وتخميناً فقد ينازَع في جزمه بذلك ، فلعل عدم كتابته عنه أولاً لم يكن من باب الطعن وعدم التوثيق ، ولكنه كان من باب التنزه عن الرواية عمن ليس بأهلٍ لحمل الحديث النبوي وتعظيمه ، وذلك التنزه لا يمنع شعبة من الرواية عنه بواسطة رجل آخر يكون بينه وبين شعبة ؛ والله أعلم .
ومن أسباب النزول وترك رواية الراوي عمن لقيه من الشيوخ إلى الرواية عن أحد تلامذة ذلك الشيخ : أن كون ذلك الراوي قد لقي الشيخ فوجده قد اختلط ، فيذهب يأخذ أحاديثه عن أحد كبار تلامذته الذين سمعوا منه قبل الاختلاط ؛ روى الخطيب في (الكفاية) (1/379) عن أبي نعيم قال : دخلت البصرة بعدما خرج الثوري من عندنا ، ودخل وكيع قَبلى ، فأتيت سعيد بن أبي عروبة فوجدته قد تغير ، فلا أحدث عنه ، وسمعت من الثوري عن ابن أبي عروبة ، فأحدث(1) عن الثوري عنه ، ولا أحدث عنه ) .
__________
(1) في نسخة خطية (فأخذت) .(2/306)
تَرَكَه :
لا يلزم من قول الناقد (تركه فلان) ، أنه تركه لأنه عنده ساقط العدالة أو شديد الضعف ؛ بل للترك أسباب غير قليلة منها تشدد الراوي وتثبته واحتياطه وتركه الرواية عن غير الأقوياء ؛ ومن أوضح أمثلة ذلك ما كان يفعله عدد من الأئمة كمالك وشعبة ويحيى بن سعيد القطان ، من ترك الرواية عن غير الثقات أو الأقوياء عندهم .
فيحيى القطان مثلاً كان - إذا ما قِيسَ بجمهور المحدثين - عنده قدرٌ من التشدد والاحتياط في اختيار شيوخه وفي نقد رجال الحديث(1) ، فترك جماعة روى عنهم بعض الأئمة من أقرانه كعبد الرحمن بن مهدي .
قال العلامة المعلمي اليماني في (الأنوار الكاشفة) (ص305) رداً على أبي رية القائل : (ربَّ راو هو موثوق به عند عبد الرحمن بن مهدي ومجروح عند يحيى بن سعيد القطان وبالعكس، وهما إمامان عليهما مدار النقد في النقل ومن عندهما يتلقى معظم شأن الحديث)(2) :
__________
(1) ولذلك وقع طرف يسير من الاختلاف في الحكم على الرواة بينه وبين رفيقه وقرينه الإمام عبد الرحمن بن مهدي ولكن الأمر في هذا سهل فهو اختلاف اجتهادي سائغ كغيره من وجيه اختلاف أهل العلم بينهم.
(2) هذه عبارة الحازمي رحمه الله ولم ينسبها إليه أبو رية، قال الحازمي رحمه الله في (شروط الأئمة الخمسة) (ص71-72) :
(ثم ينبغي أن يعلم أن جهات الضعف متباينة متعددة وأهل العلم مختلفون في أسبابه، أما الفقهاء فمدارك الضعف عندهم محصورة وجلها منوط بمراعاة ظاهر الشرع، وعند أئمة النقل أسباب أخر مرعية عندهم، وهي عند الفقهاء غير معتبرة.
ثم أئمة النقل أيضاً على اختلاف مذاهبهم وتباين أحوالهم في تعاطي اصطلاحاتهم يختلفون في أكثرها، فرب راوٍ هو موثوق به عند عبد الرحمن بن مهدي ومجروح عند يحيى بن سعيد القطان وهما إمامان عليهما مدار النقد في النقل ، ومِن عندهما يُتلقى معظم شأن الحديث. وأما البخاري فكان وحيد دهره وقريع عصره اتقاناً وانتقاداً وبحثاً وسبراً ----).(2/307)
(أقول [القول للمعلمي] : الغالب اتفاقهما، والغالب فيما اختلفا فيه أن يستضعف يحيى رجلاً فيترك الحديث عنه، ويرى عبد الرحمن أن الرجل وإن كان فيه ضعف فليس بالشديد، فيحدث عنه ويثني عليه بما يوافق حاله عنده؛ وقد قال تلميذهما ابن المديني : "إذا اجتمع يحيى بن سعيد وعبد الرحمن بن مهدي على ترك رجل لم أحدث عنه، فإذا اختلفا أخذت بقول عبد الرحمن لأنه أقصدهما، وكان في يحيى تشدد"(1).
والأئمة الذين جاءوا بعدهما لا يجمدون على قولهما، بل يبحثون وينظرون ويجتهدون ويحكمون بما بان لهم. والعارف الخبير الممارس لا يتعذر عليه معرفة الراجح فيما اختُلف فيه من قبْله.
وعلى فرض أننا لم نعرف من حال راوٍ إلا أن يحيى تركه وأن عبد الرحمن كان يحدث عنه، فمقتضى ذلك أنه صدوق يهم ويخطئ، فلا يسقط ولا يحتج بما ينفرد به). انتهى كلام المعلمي رحمه الله تعالى.
وقال عبد الله بن يوسف الجديع في (تحرير علوم الحديث) (1/626) : (هذه صيغة جرح ، ولا تلازم بينها وبين صيغة (متروك) أو (متروك الحديث) ؛ فقد يراد بها ذلك ، وقد يراد بها أن الناقد ترك ذلك الراوي لمجرد ضعفه عنده .
ومن أبرز النُّقّاد الذين يجدر بك أن تلاحظ طريقتهم في ذلك : الإمامان يحيى بن سعيد القطان ، وصاحبه(2)
__________
(1) روى هذا الأثر الخطيبُ في (تاريخه) (10/243) ؛ ويظهر لي أن هذه اللفظة (وكان في يحيى تشدد) ليست من كلام ابن المديني ولكنها من كلام بعض رواة هذه الكلمة عنه ؛ فليحرر ذلك.
أخشى أن تكون هذه اللفظة (وكان في يحيى تشدد) ليست من كلام ابن المديني ، وأنها من كلام بعض رواة هذه الكلمة عنه فليحرر ذلك.
(2) المراد بكلمة (صاحبه) هنا قرينه ورفيقه في الطلب ، فالشيخ عبد الله أراد المعنى اللغوي ، ولو عبّر عنه بغير هذه اللفظة لكان ذلك أجود، فإن كلمة (الصاحب) في هذا الفن أكثر ما تطلق على التلميذ.
وإنما استحسنت التنبيه على هذه المسألة اليسيرة ، لأننا في مقام شرح مصطلحات المحدثين.(2/308)
عبد الرحمن بن مهدي ، وأكثر من نقل عنهما الحافظان : عمرو بن على الفلاس ، ومحمد بن المثنى الزمن .
فقد كان علماء هذا الفن والمصنِّفُون فيه يزنون النقَلة من خلال ما بلغهم من اختيار هذين الإمامين ، في موضع اتفاقهما وافتراقهما)(1) إلى أن قال :
(وفي الجملة : فهذا جرح غير مفسَّر السبب ، وربما كان مرجع التارك إلى علة لا تكون جَرحاً قادحاً). انتهى.
وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل في (العلل ومعرفة الرجال) (1/95): ([219] - قيل له [أي لأحمد] : أكتبت عن أحمد بن إسحاق الخضرمي؟ قال: لا ، تركته على عمد ؛ قيل له: أيش أنكرت عليه؟ قال: كان عندي إن شاء الله صدوقاً، ولكن تركته من أجل ابن أكثم ، دخل له في شيء).
وانظر (متروك).
تركه الناس :
أي تركه أكثر الرواة من أهل عصره ، وفيهم أئمتهم وكبارهم ومن يُرجع إليهم في هذا الشأن .
وممن استعمل هذه الكلمة في تجريح الرواة أكثر من غيره من النقاد : الإمامُ البخاريُّ ؛ وانظر (روى عنه الناس) و (الناس) .
تركوه :
معناها بيِّن ؛ وانظر (تركه).
__________
(1) تتمة كلامه هي (وطريقة يحيى معروفة عندهم بالتشدد ، وطريقة ابن مهدي بالاعتدال ، فإن اتفقا على ترك الراوي ، فلا يكاد جرحه يندمل ، وإذا اتفقا على الرواية عنه فقد جاز القنطرة ، وإذا افترقا ، فقبله ابن مهدي وتركه يحيى فعندئذ يغلَّب الاعتدال ، فيكون رأي ابن مهدي أرجح عند النقاد ، أو قبله يحيى وتركه ابن مهدي رجح القبول بطريقة الأولى ، لكن حال اختلافهما لا يعني أن يكون القبول فيه بمعنى الاحتجاج ، كما لا يكون الترك بمعنى السقوط ، بل ربما كان الراوي في موضع من يكتب حديث للاعتبار----). انتهى.(2/309)
تركيب الأسانيد :
أي تزويرها وافتراؤها واختلاقها لبعض المتون ؛ والإسناد المركب يكون في الغالب مؤلفاً من قطع إسنادية معروفة يُجمع بينها تزويراً ؛ مثل أن يأخذ قطعة من إسناد فيركبها على قطعة من إسناد آخر فيتحصل منهما إسنادٌ كامل متصل فيروي به حديثاً معروفاً بإحدى القطعتين أو بغيرهما ؛ وانظر (سرقة الحديث) و(تدليس التسوية) و(الاتهام بالكذب) و (مركَّب) .
التزكية :
المراد بقولهم (تزكية الرواة) هو تعديلهم وتوثيقهم .
التزوير :
انظر (زوّر أسمعةً).
التساعيات :
أي الأحاديث المسندة التي يقع فيها بين راويها ورسول الله صلى الله عليه وسلم تسعة رواة ، وقد ذكر بعض الكتب المصنفة في الأحاديث التساعية الكتاني في (الرسالة المستطرفة) (ص100-101) فقال : (و "التساعيات" لرضي الدين إبراهيم بن محمد الطبري المكي المتوفى سنة اثنتين وعشرين وسبعمئة ، ولقاضي القضاة عز الدين أبي عمر عبد العزيز بن قاضي القضاة بدر الدين محمد بن إبراهيم بن سعد الله بن جماعة الكناني الشافعي المصري المتوفى بمكة سنة سبع وستين وسبعمئة ، وهي الأربعون التي خرجها أبو جعفر محمد بن عبد اللطيف بن الكويك(1) الربعي المتوفى سنة تسعين وسبعمئة ؛ ولأثير الدين أبي حيان محمد بن يوسف بن علي بن يوسف بن حيان الأندلسي الغرناطي النحوي اللغوي المقرىء المفسر صاحب الكتب المشهورة الشافعي المتوفى بمنزله بالقاهرة سنة خمس وأربعين وسبعمئة ) .
التساهُل :
التساهل هو تسمُّح ناشيء عن نقص في العلم أو في الاحتياط أو في الجد، أو ناشئ عن زيادة في سلامة الصدر وإحسانِ الظن بالرواة؛ فتفرع عن ذلك اعتماد بعض القواعد غير الصحيحة ، مثل توثيق الراوي المجهول إذا لم يروِ حديثاً منكراً .
والتساهل عند المحدثين أنواع هي :
النوع الأول: التساهل في نقد الأحاديث ، أي في الكلام على الأحاديث ورواتها من حيث القوة والضعف .
__________
(1) هذا الصواب في ضبط هذا الاسم وليس الكديك .(2/310)
النوع الثاني: التساهل في الاحتجاج بالأحاديث ، فكثير من أهل العلم من المتفقهة والمفسرين وغيرِهم يتساهلون فيحتجون بأحاديث لا تثبت.
النوع الثالث: التساهل في الاستشهاد بالأحاديث ، وهو من جنس الذي قبله ؛ فكثير من الوعاظ والخطباء والدعاة والقصاص يستشهدون في كلامهم بأحاديث غير ثابتة، وأكثر هؤلاء قد فحش تساهلهم في إيراد الواهيات والموضوعات والاحتجاج أو الاستئناس بها.
النوع الرابع: تساهل العامة في نسبتهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كل ما قيل لهم أنه حديث نبوي ، ولذلك اشتهر على ألسنتهم كثير من الأحاديث الباطلة والمختلقة.
النوع الخامس: الرواة الذين يروون ما ثبت وما لم يثبت، وهذا كثير جداً بل هو الغالب على أكثر الرواة.
النوع السادس : التساهل في التحمل ، أي تساهل كثير من طلبة الحديث في كتابة ما لا يصح ، وربما علموا أنه باطل ؛ وهذا النوع السادس يوجد له أحياناً ما يسوّغه ؛ انظر (إذا كتبت فقمش وإذا حدثت ففتش) .
وتلخيص هذا التقسيم أن يقال: التساهل أنواع منه التساهل في الرواية، والتساهل في نسبة الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم أو إلى غيره ممن تنتهي إليهم الأخبار المروية، وهذان النوعان متقاربان؛ ومنه التساهل في الاحتجاج بالأحاديث، ومنه التساهل في نقدها ونقد رواتها.
والتساهل في رواية الحديث الضعيف أو نشره بين الناس أو العمل به أمر عظيم خطره سيئة عاقبته ؛ وإليك كلام المعلمي رحمه الله، وقد بين فيه كيف بدأ التساهل بالعمل في الأحاديث الضعيفة، وما هو المخرج.
تكلم العلامة المعلمي في (الأنوار الكاشفة) (ص87-88) على ما ينسب إلى بعض الأئمة من التساهل فقال : (معنى التساهل في عبارات الأئمة هو التساهل بالرواية، كان من الأئمة من إذا سمع الحديث لم يروه حتى يتبين له أنه صحيح أو قريب من الصحيح أو يوشك أن يصح إذا وجد ما يعضده، فإذا كان دون ذلك لم يروه البتة.(2/311)
ومنهم من إذا وجد الحديث غير شديد الضعف وليس فيه حكم ولا سنة، إنما هو في فضيلة عمل متفق عليه كالمحافظة على الصلوات في جماعة ونحو ذلك لم يمتنع من روايته، فهذا هو المراد بالتساهل في عباراتهم.
غير أن بعض من جاء بعدهم فهم منها التساهل فيما يرد في فضيلة لأمر خاص قد ثبت شرعه في الجملة كقيام ليلة معينة، فإنها داخلة في جملة ما ثبت من شرع قيام الليل؛ فبنى على هذا جواز أو استحباب العمل بالضعيف، وقد بين الشاطبي في الاعتصام خطأ هذا الفهم؛ ولي في ذلك رسالة لا تزال مسودة. على أن جماعة من المحدثين جاوزوا في مجاميعهم ذاك الحد، فأثبتوا فيها كل حديث سمعوه ولم يتبين لهم عند كتابته أنه باطل؛ وأفرط آخرون فجمعوا كل ما سمعوا معتذرين بأنهم لم يلتزموا إلا أن يكتبوا ما سمعوه ويكتبوا سنده وعلى الناس أن لا يثقوا بشيء من ذلك حتى يعرضوه على أهل المعرفة بالحديث ورجاله.
ثم جاء المتأخرون فزادوا الطين بلة بحذف الأسانيد.
والخلاص من هذا أسهل [كذا، ولعلها مصحفة عن (سهل)] وهو : أن تبين للناس الحقيقة، ويرجع إلى أهل العلم والتقوى والمعرفة؛ لكن المصيبة حق المصيبة إعراض الناس عن هذا العلم العظيم، ولم يبق إلا أفراد يلمون بشيء من ظواهره، ومع ذلك فالناس لا يرجعون إليهم، بل في الناس من يمقتهم ويبغضهم ويعاديهم ويتفنن في سبهم عند كل مناسبة ويدعي لنفسه ما يدعي، ولا ميزان عنده إلا هواه لا غير، وما يخالف هواه لا يبالي به ولو كان في الصحيحين عن جماعة من الصحابة، ويحتج بما يحلو له من الروايات في أي كتاب وجد، وفيما يحتج به الواهي والساقط والموضوع، كما ترى التنبيه عليه في مواضع من كتابي هذا، والله المستعان).(2/312)
التساهل في الرواية :
أي تهاون المحدث برواية ما لا يثبت من الأحاديث أو ما لم يضبطه منها ، أو ما تحمَّله بطريقة فيها خلل ؛ ومعناه ليس ببعيد من معنى التساهل في الأداء والتساهل في التحديث ، إن لم تكن هذه العبارات الثلاثة متحدة في معناها ، مترادفة ؛ وانظر (التساهل).
التسميع :
التسميع هو أن يُكتب على بعض صفحات الكتاب المسموع - أو المدعَى سماعُه - ما يشهد لذلك السماع ، أو يبينه ؛ وتأتي تفاصيل ذلك .
قال الوزير الصنعاني في (الروض الباسم) (1/16) : (ومصنّفات العلماء الأعلام, بل كتب الحديث مختصّة بصرف العناية من العلماء إلى سماعها وتصحيحها, وكتابة خطوطهم عليها شاهدة لمن قرأها بالسّماع, ولا يوجد في شيء من كتب الإسلام مثل ما يوجد فيها من العناية العظيمة في هذا الشأن, حتّى صار كأنه خصّيصة لها دون غيرها, وذلك من العلماء رضي الله عنهم تعظيم لشعارها, ورفع لمنارها, وبيان لكونها أساس العلوم الإسلامية, وركن الفنون الدينية)؛ انتهى .
إذن التسميع هو كتابة السماع ، والسماع في عُرف المحدثين هو شهادة خطية تكتب على الكتب والكراريس المسموعة أي المروية ، فيها تسمية الراوي المنقول عنه ذلك الكتاب وتسمية من حضر سماعه منه ، وكثيراً ما تزاد على ذلك أمور أخرى كذكر المكان والتأريخ .
أو يقال في تعريف التسميع: هو كتابة كل أو بعض أسماء السامعين ، من الطلبة ، على بعض أصولهم التي سمعوا فيها من شيخهم ، وبيان مقدار ما سمعه كل منهم من ذلك الأصل ، وما فاته منه.
وفي الغالب لا يكتفي الطالب النبيه الحريص بكتابة اسمه واسم الشيخ الذي سمع الكتاب منه وكنيته ونسبه ، وإن كان ذلك هو المقصد الأساس أو الأول من كتابة السماع ، بل هو يكتب مع اسمه أسماء من سمع معه وتأريخ وقت السماع ويعيّن مقدار ما فات كل واحد من السامعين، ويذكر غير ذلك مما يراه مهماً من التفاصيل الأخرى المرتبطة بتوثيق السماع ، والتي يحتاجها النقاد في دراساتهم .(2/313)
وكان من عادتهم أن يكتبوا ذلك فوق سطر التسمية ، أو في حاشية أول ورقة من الكتاب ، وإن كان سماعه الكتاب في أكثر من مجلس كتب عند انتهاء السماع في كل مجلس علامة البلاغ ؛ ويكتب في الذي يليه التسميع والتاريخ كما يكتب في أول الكتاب ؛ قال الخطيب : ورأيت كتاباً بخط أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل مما سمعه منه ابنه عبد الله وفي حاشية ورقة منه (بلغ عبد الله) .
وكان المحدثون يحفظون تلك السماعات أو يحافظون عليها ويتفقدونها ، ويعرفون ما قد يقع فيها من تبديل أو تزوير .
ولكتابة التسميع شروط وآداب ، منها : أن تكون الكتابة من قِبل بعض الثقات الحاضرين ممن له خط معروف مميز ، ويحصل ذلك باطلاع من حضر كلهم أو كثير منهم ؛ ولا بأس عليه عند هذا بأن لا يصحح الشيخ عليه ، أي لا يحتاج حينئذ إلى كتابة الشيخ خطه بالتصحيح .
وأما أن يكتب التلميذ سماعاً لنفسه ، دون أن يطلع عليه غيره ممن سَمِع معه ، فالأولى أن لا يُصار إلى ذلك إلا عند الحاجة ؛ ولكن لا ريب أن من استيقن أنه سمع جاز له أن يكتب سماعاً لنفسه ، ويُقبل منه ذلك إن كان ممن قد ثبتت عدالته عند النقاد(1).
ومن ثبتت عدالته وأمانته ثم ادعى سماعاً ولا معارض له ، أو يعارضه ما له فيه عذر قريب ، فإنه يُقبل منه ، وقد قرأ عبد الرحمن بن منده جزءاً على أبي أحمد الفرضي وسأله خطه ليكون حجة له ، فقال له : يا بني عليك بالصدق ، فإنك إذا عُرفْتَ به لا يكذِّبك أحد وتُصَدَّقُ فيما تقول وتنقل ؛ وإذا كان غير ذلك فلو قيل لك : ما هذا خط الفرضي ماذا تقول لهم ؟
__________
(1) مما تقدم يُعلَم - ولو إجمالاً - كيف كانت تنشأ الأصول المعتبرة للرواة؟(2/314)
ومن آداب كتابة السماعات أيضاً : أن على كاتب التسميع التحري في ذلك والاحتياط وبيان السامع والمسمِّع والمسموع بلفظ غير محتمل ، ومجانبة التساهل فيمن يثبته ، وأن يبين الفوات ، وأن يميز بين السماع والحضور ؛ وعليه أيضاً الحذر من إسقاط بعض السامعين لغرض فاسد ، فإن ذلك مما يؤديه إلى عدم انتفاعه بما سمع .
فإن لم يحضر مثْبِتُ السماع - أي كاتبه - ما سمعَ ، كأن يتأخر عن أول المجلس ، فله أن يعتمد في إثباته حضورهم على خبر ثقة حضر ذلك .
ومنها أيضاً أن من ثبت في كتابه سماعُ غيره فقبيح به كتمانُه إياه ومنعُه نقل سماعه منه أو نسخ الكتاب(1).
ويسمى السماع أيضاً الطبقة(2) ؛ انظر المعنى الخامس من معاني الطبقة ، الآتي ذكره في شرح معنى مصطلح (الطبقة) ؛ وانظر (السماع) .
التسوية :
انظر (تدليس التسوية).
التشدد :
انظر (التساهل) .
التصحيح :
التصحيح - كما هو معلوم - هو مصدر الفعل (صحّّحَ) .
ويريد أهل الحديث بكلمة التصحيح أكثر من معنى ؛ وإليك ما أعلمه من معانيها :
المعنى الأول : الحكم للحديث بالصحة ، فيقال مثلاً : هذا الحديث صححه ابن حبان والترمذي ، ويقال : صححه الحاكم على شرط الشيخين ، ويقال : تصحيحات الحاكم فيها تساهل .
__________
(1) فصل في هذه المسألة الخطيب البغدادي في (الجامع) وجماعة من أصحاب كتب أصول علم الحديث ، أعني الكتب المعروفة عند المتأخرين باسم كتب المصطلح.
(2) جمع السماع أسمعة وسماعات ، وجمع الطبقة طباق وطبقات .(2/315)
المعنى الثاني : اتصال الإسناد بالسماع ؛ ذكر الشيخ إبراهيم اللاحم في (الاتصال والانقطاع) (ص437-442) هذا المعنى من معاني التصحيح ، فقال في تعريف التصحيح الذي بهذا المعنى : (ويريدون به اتصال الإسناد بالسماع ، فيقولون : سألت فلاناً أن يصحح لي هذه الأحاديث ، فصححها ؛ يعني صرح بالتحديث فيها ؛ أو : لم يصححها ، يعني أبَى ذلك ؛ أو صحح لي منها كذا ، يعني صرح بالتحديث في بعضها دون بعضها الآخر ، فهو لم يسمعه ؛ ويقولون : أحاديث فلان عن فلان صحاح ، يعني سمعها ، أو : ليست بصحاح ، يعني لم يسمعها ، ونحو هذه العبارات .
وفي بعض عباراتهم ما يشتبه بالتصحيح المطلق ، وهو الحكم على الحديث ، ولكن يفهم من السياق أو من عبارات أخرى أنَّ ذلك خاصٌّ بالسماع ، ولا شك أنه بالنسبة للنفي يوافق عدم التصحيح المطلق ، لأن معناه اختلال شرط من شروط الصحة ، وهذا كافٍ في التضعيف ، أما بالنسبة للإثبات فلا يلزم منه الصحة المطلقة ، إذ يبقى النظر في باقي الإسناد ، وفي بقية شروط الصحة للحديث .
وقد تقدم في هذا البحث نصوص كثيرة في التصحيح بهذا المعنى .
ومن نصوصهم في ذلك أيضاً قول شعبة : "هذه الأربعة التي يصححها الحكم ، سماع من مقسم"(1) .
وقال الآجري : سألت أبا داود عن عمار بن أبي عمار ، فقال : ثقة ، روى عنه شعبة حديثاً ، قال شعبة : وكان لا يصحح لي"(2) .
ومراد شعبة أنه لم يصرح له بالتحديث ، وقد تقدم في المبحث الرابع من الفصل الثالث عن شعبة أن كل ما رواه عن شيوخه قد صرحوا فيه بالسماع ، إلا ما بينه شعبة .
وقال يحيى القطان : "كان عند عثمان بن غياث كتاب عن عكرمة ، فلم يصححه لنا"(3) .
__________
(1) العلل ومعرفة الرجال (1/537) .
(2) شؤالات الآجري (1/433) ، وانظر (سنن الدارمي) حديث 793 ، و(مسائل أبي داود) (ص428) .
(3) الجرح والتعديل (1/236) .(2/316)
وقال أيضاً : "قتادة لم يصحح عن معاذة"(1) ، ومراده أن قتادة لا يثبت له سماع من معاذة العدوية .
وقال ابن المديني : "قلت ليحيى : قول عامر في طلاق الصبي سمعه إسماعيل من عامر ؟ قال : لا ، قلت ليحيى : سألته عنه؟ قال : نعم - فيما أعلم - ، فضعفه ، قلت ليحيى : فطلاق السكران - قول عامر - من صحيح حديثه ؟ قال : لا ، قلت : سألته عنه ؟ قال برأسه ، أي نعم ، قلت : فلم يصححه ؟ قال : لا..."(2) .
وقال ابن المديني أيضاً : " سمعت يحيى يقول : أخذت أطراف بحر بن مرار ، عن عبدالرحمن بن أبي بكرة ، فسألته عنها ، فلم يصحح منها شيئاً ، قلت ليحيى : أي شيء منها ؟ قال حديث ((شهرا عيد لا ينقصان...)) "(3) .
وذكر أحمد أن يحيى القطان كان لا يحدث عن قتادة ، عن خلاس بن عمرو الهجري ، عن علي ، وكان يحدث عن قتادة ، عن خلاس ، عن غير علي ، قال أحمد : "كأنه يتوقى حديث خلاس ، عن علي وحده - يعني يقول : ليس هي صحاحاً - أو لم يسمع منه-"(4) .
وذكر ليحيى القطان حديث إسماعيل بن أبي خالد ، عن الشعبي ، في (الجراحات أخماس) ، فقال يحيى : "كان معي فلم يصححه إسماعيل"(5) ، يعني ذكر أنه لم يسمعه من الشعبي .
وقال عبدالرحمن بن مهدي في حديث الأعمش ، عن إبراهيم بن يزيد التيمي ، عن أبيه ، عن أبي ذر : "من بنى لله مسجداً..." الحديث : "ليس من صحيح حديث الأعمش"(6) .
ومراده أنه دلسه ، فلم يسمعه من إبراهيم بن يزيد .
وقال أحمد : "إبراهيم بن سعد صحيح الحديث عن ابن إسحاق"(7) .
__________
(1) العلل ومعرفة الرجال (3/227) .
(2) الجرح والتعديل (1/239) .
(3) الجرح والتعديل (1/239) .
(4) العلل ومعرفة الرجال (1/531) ، وانظر (3/80) ، وجامع التحصيل (ص208) ، وتهذيب التهذيب (3/176) .
(5) جامع التحصيل (ص173) .
(6) علل ابن أبي حاتم (1/97) .
(7) سؤالات أبي داود (ص224) .(2/317)
ومراد أحمد أن إبراهيم بن سعد يبين في روايته عن ابن إسحاق ما سمعه ابن إسحاق وصرّح فيه بالتحديث ، مما ليس كذلك .
وقال حرب بن إسماعيل عن أحمد في عبدالله بن الوليد العدني : "سمع من سفيان ، وجعل يصحح سماعه ، ولكن لم يكن صاحب حديث ، وحديثه حديث صحيح ، وكان ربما أخطأ في الأسماء ، وقد كتبت أنا عنه كثيراً"(1) .
ومراد أحمد - فيما يظهر - بصحة حديثه : أنه يعتني بالتصريح بالتحديث ، يوضح ذلك قول أحمد : "لم يكن يفصل...(2) بن القاسم ، وبين المسعودي ، ولكن كانت صدور أحاديثه صحاحاً ، كتبتُ عنه شيئاً ، صالح"(3) .
وقال أحمد أيضاً : "كان ابن علية يقولون : عنده حديث واحد - يعني يحيى بن عتيق - ، فلم يصح له ، ولم يكن يحدث به ، لم أدرك أحداً يحدث عن ابن عتيق"(4) .
ومراد أحمد أن هذا الحديث لم يسمعه ابن علية من يحيى بن عتيق ، فلم يكن يحدث به ، وقد كان حدث به أولاً وسمعه منه يعقوب بن إبراهيم الدورقي الحافظ ، وتفرد به عن ابن علية ، ثم سرقه منه بعض المتروكين ، وسأل الإمامَ أحمدَ سائلٌ عنه فقال : لم أسمعه من ابن علية ، وقد سمعه يعقوب الدورقي(5) ، فاسمعه منه" .
وجاء عن أحمد أيضاً أنه نهى يعقوب أن يحدث به(6) .
وقال أحمد أيضاً : "الذي يصحح الحكَمُ عن مقسم : أربعة أحاديث..."(7) .
__________
(1) الجرح والتعديل (5/188) ، وانظر المعرفة والتاريخ (1/718) .
(2) هذا بياض في الأصل .
(3) سؤالات أبي داود (ص237) .
(4) مسائل أبي داود (ص403) [وانظر ((تاريخ بغداد)) 14/278 و279] .
(5) وقع في هذه الكلمة خطأ مطبعي فصارت (الدروقي) ، فأصلحتها .
(6) "سنن النسائي" حديث (58) ، و "سؤالات الآجري لأبي داود" (ص277) ، و "المعجم الأوسط" حديث (9245) ، و "الكامل" (4/1564) ، و "تاريخ بغداد" (9/193) ، (4/278) .
(7) العلل ومعرفة الرجال (1/536) .(2/318)
وذكر أحمد أن سالم بن أبي الجعد لم يسمع من ثوبان ولم يلقه ، وقال : "بينهما معدان بن أبي طلحة ، وليست هذه الأحاديث بصحاح"(1) .
وقال ابن المديني في هشام بن حسان بعد أن ذكر أنه يرسل عن الحسن : "وأما أحاديثه عن محمد فصحاح"(2) .
وقال أيضاً في حديث رواه ابن إسحاق : "كنت أرى أن هذا من صحيح حديث ابن إسحاق ، فإذا هو قد دلّسه"(3) .
وقال ابن معين : "إبراهيم بن سعد أحبّ إليَّ من ابن أبي ذئب ، في الزهري ؛ ابن أبي ذئب يقولون : لم يصحح عن الزهري شيئاً "(4) .
ومراد ابن معين أنه لم يسمع من الزهري سماعاً ، ولكنه عرض عليه ، وقيل إن الزهري كتب إليه أحاديث فكان يحدث بها "(5) .
المعنى الثالث : إصلاح المحدث العالم ما وقع من خطأ في الرواية ، في كتابه ، أو كتاب تلميذه ، أو كتاب شيخه ، بإذن ذلك الشيخ ، أو بطلب منه .
المعنى الرابع : من معاني التصحيح تصحيح الكتب وتحقيقها ، بمقابلتها بأصولها وغيرها ، قبل طباعتها ونشرها ، أو قبل روايتها ؛ وانظر (تصحيح الكتاب ) .
المعنى الخامس : التصحيح أيضاً هو وضع علامة (صح) على الكلمة أو العبارة ، رمزاً إلى معنى معين يأتي شرحه تحت (التضبيب) .
المعنى السادس : أن يكتب الشيخ بخطه على سماعات طلابه المثبتة في نسخهم ، أو في نسخة بعضهم ، ما يؤيد صحة تلك السماعات .
__________
(1) تهذيب الكمال (10/132) .
(2) علل [ابن] المديني (ص63)
(3) معرفة علوم الحديث (ص107) .
(4) تاريخ بغداد (5/82) .
(5) تهذيب التهذيب (9/305 ، 306 ، 307) .
وانظر نصوصاً أخرى في التصحيح بهذا المعنى [في] : مسائل أبي داود (ص389) ، وسؤالات أبي داود (ص231) ، والعلل ومعرفة الرجال (3/435) ، ومسائل إسحاق (2/220) ، وعلل ابن المديني (ص51 ، 54 ، 57) ، والمعرفة والتاريخ (2/52) ، والتمهيد (1/49) ، وتهذيب الكمال (4/197) ، وجامع التحصيل (ص173) ، وتهذيب التهذيب (2/441) ، (3/438) .(2/319)
تصحيح الكتاب :
تصحيح الكتب يراد به رفعُ ما وقع فيها من أخطاء نسخية أو طبعية أو نحوها ، في النسخ المطبوعة أو المخطوطة ، سواء كانت تلك الأخطاء تصحيفاً أو سقْطاً أو زيادةً أو قلباً ؛ وقد يشمل التصحيحُ في عرف المعاصرين الضبطَ ، وهو تصحيح احترازي .
وتصحيح الكتاب الحديثي يستند إلى ركنين :
الأول : مقابلةُ الأصولِ والرواياتِ ببعضها ، ليتبين الصحيح من غيره(1) .
والثاني : الرجوعُ إلى المظانِّ المُعِيْنةِ على التصحيح .
ومن أنفع هذه المظان ستة أنواع من الكتب :
النوع الأول : كتبُ التصحيفِ والتحريفِ .
النوع الثاني : كتب ضبط أسماء الرواة ، وكتب المؤتلف والمختلف ، وكتب المشتبه ، ونحوها ، وهي تقارب كتب النوع الأول في مقاصدها .
النوع الثالث : المقالات والكتب المفردة لتصحيح المطبوعات والاستدراك عليها وبيانِ أخطائها الطباعية .
النوع الرابع : تعليقاتُ المحققينَ على الكتب الأخرى الداخلة في موضوع ذلك الكتاب(2) ؛ هذا إن كان التحقيقُ تحقيقاً بحق ؛ وإما إن خالفَ الاسم المسمى - كما هو حالُ أغلبِ التحقيقاتِ اليومَ - فما أقلَّ الخيرَ فيه ، بل لعلَّ بعضَ هذه التحقيقاتِ يكون ضَرُّه أقربَ من نفعه .
النوع الخامس : موارد ذلك الكتاب المراد تصحيحه ، وغيرها من الدواوين والأصول والمصادر الحديثية .
__________
(1) من المعلوم أنَّ نوعَ التصحيحِ هذا ليس مطلوباً في كتب الرواية -أعني الكتب المسندة - وحدَها ، بل ولا في كتب المكتبة الحديثية - وحدها - ، بل هو مطلوب في كل الكتب ؛ فما من كتاب إلا وهو عرضةٌ للتحريف والخطأ ، من ناسخ أو مالك أو محقق أو ناشر ؛ ولكن كتب الحديث القديمة هي أولى الكتب بالتصحيح لأنها أصول خطيرة أولاً ، ولأنها مكتوبة بطريقة أو لغة غير مألوفة عند أهل هذه الأعصر ، ثانياً فهي عرضة لتحريف الطابعين والنساخ المحْدَثين .
(2) وهذه التعليقات تعد من المراجع الفرعية للضبط والتصحيح .(2/320)
النوع السادس : كتب اللغة والتاريخ ومعاجم البلدان وغيرها .
يضاف إلى هذا كله مراعاة القرائن الدالة على وقوع الخطأ ، أو على تعيين الصواب ؛ وكلما كان المحقق أعلم وأوسع خبرة كان انتفاعه بالقرائن أكثر .
هذا ما يتعلق بالتصحيح ؛ وأما الضبط فعمل تكميلي احترازي كما تقدمت الإشارة إليه .
وأعني بقولي "تكميلي" أنه ركن آخر مكمل لركن التصحيح المتقدم ذكره .
فمن أراد أن يحقق كتاباً فعليه أن يصحح ما وقع فيه من أخطاء أولاً ، ثم يضبط كلماته المحتملة للبس والاشتباه ، ثانياً ، ليتبين الصواب من جهة ، وليتعين ، من جهة أخرى ، بحيث يستبعد بعدئذ وقوع خطأ من قارئ أو ناسخ ، إلا لعلة أخرى خارجة عن موضوع ضبط الكتاب .
وبهذا يُعلم الفرق بين الضبط والتصحيح ، وهو أن الأول - أعني الضبط - أعم ، فإنه قد يكون احترازياً ، أي سابقاً لوقوع الخطأ ، بل لا يلزم أن يعقبه وقوع خطأ ؛ وأما الثاني فلا يكون إلا استدراكياً .
أعني أن الأول فيه بيان للصحيح واحتراز من الخطأ قبل الوقوع فيه ؛ وأما الثاني ففيه بيان للصحيح في كتابة أو قراءة الكلمة أو العبارة بعد وقوع الخطأ فيها .
وراجع لمعرفة معنى الضبط وأنواعه ( الضبط ) من هذا المعجم .
والآن إذ تبين معنى التصحيح ، ومعنى الضبط ، لم يبق إلا أن أقول : إن التحقيق - بمعناه العصري - إنما هو معنى ملتئمٌ من مجموعهما .(2/321)
التنبيه إلى صعوبة تصحيح الكتب :
قال الشيخ الجليل العالم المتقن أحمد محمد شاكر رحمه الله في مقدمة تحقيقه (سنن الترمذي ) (1/16-19) : (تصحيح الكتب وتحقيقها من أشق الأعمال وأكبرِها تبعة ، ولقد صور أبو عمرو الجاحظ ذلك أقوى تصوير ، في كتاب "الحيوان" فقال (ج1ص79 من طبعة أولاد السيد مصطفى الحلبي بمصر) : "ولربما أراد مؤلف الكتاب أن يصلح تصحيفاً ، أو كلمة ساقطة ، فيكون إنشاء عشر ورقات من حُرِّ اللفظ وشريف المعاني : أيسر عليه من إتمام ذلك النقص ، حتى يرده إلى موضعه من أمثلة الكلام ، فكيف يطيق ذلك المعارِض المستأجَر ، والحكيم نفسه قد أعجزه هذا البابُ! وأعجب من ذلك أنه يأخذ بأمرين : قد أصلح الفاسدَ وزاد الصالحَ صلاحاً ، ثم يصير هذا الكتابُ بعد ذلك نسخةً لإنسان آخرَ ، فيسير فيه الوراق الثاني سيرة الوراق الأول ، ولا يزال الكتاب تتداوله الأيدي الجانية ، والأعراض [كذا بالعين المعجمة] المفسدة ، حتى يصير غلطاً صِرفاً ، وكذباً مصمتاً ، فما ظنكم بكتاب تتعاقبه المترجمون بالإفساد ، وتتعاوره الخُطّاط بشرٍّ من ذلك أو بمثله ، كتابٍ متقادم الميلاد ، دُهْريِّ الصنعة! " .
وقال الأخفش : " إذا نُسخ الكتاب ولم يُعارَض ، ثم نُسخ ولم يعارَض ، خرج أعجمياً "(1).
__________
(1) عن كتاب "علوم الحديث" لابن الصلاح ، طبعة المطبعة العلمية بحلب سنة 1350 (ص176) .(2/322)
وصدق الجاحظ والأخفش ، وقد كان الخطر قديماً في الكتب المخطوطة ، وهو خطر محصور ، لقلة تداول الأيدي إياها ، مهما كثرت وذاعت ، فماذا كانا قائلين لو رأيا ما رأينا من المطابع ، وما تجترحه من جرائم تسميها كتباً!! ألوف من النسخ من كل كتاب ، تُنْشر في الأسواق والمكاتب ، تتناولها أيدي الناس ، ليس فيها صحيح إلا قليلاً ، يقرؤها العالم المتمكن ، والمتعلم المستفيد ، والعامي الجاهل ، وفيها أغلاط واضحةٌ ، وأغلاط مشكلةٌ ، ونقص وتحريف : فيضطرب العالم المتثبت ، إذا هو وقع على خطأ في موضع نظر وتأمل ، ويظن بما علمَ الظنون ، ويخشى أن يكون هو المخطئ ، فيراجع ويراجع ، حتى يستبين له وجه الصواب ، فإذا به قد أضاع وقتاً نفيساً ، وبذل جهداً هو إليه أحوج ، ضحية لعبٍ من مصحح في مطبعة ، أو عمدٍ من ناشرٍ أميٍّ يأبى إلا أن يوسد الأمر إلى غير أهله ، ويأبى إلا أن يَرْكبَ رأسَه ، فلا يكون مع رأيه رأيٌ : ويشتبه الأمر على المتعلم الناشئ ، في الواضح والمشكل ، وقد يثق بالكتاب بين يديه ، فيحفظ الخطأ ويطمئن إليه ، ثم يكون إقناعه بغيره عسيراً ، وتصوَّرْ أنت حال العامي بعد ذلك !!.
وأيُّ كتب تُبتلى هذا البلاء ؟ كتبٌ هي ثروة ضخمة من مجد الإسلام ، ومفخرةٌ للمسلمين ، كتب الدين والعلم : التفسيرِ والحديثِ ، والأدب والتاريخ ، وما إلى ذلك من علوم أُخر .(2/323)
وفي غمرة هذا العبث تُضيء قلة من الكتب ، طبعت في مطبعة بولاق قديماً ، عندما كان فيها أساطين المصححين ، أمثال الشيخ محمد قطة العدوي ، والشيخ نصر الهوريني ، وفي بعض المطابع الأهلية كمطبعة الحلبي والخانجي ؛ وشيء نادر عُني به بعض المستشرقين في أوربة وغيرها من أقطار الأرض ، يمتاز عن كل ما طبع في مصر بالمحافظة الدقيقة - غالباً - على ما في الأصول المخطوطة التي يُطبع عنها ، مهما اختلفت ، ويذكرون ما فيها من خطأ وصواب ، يضعونه تحت أنظار القارئين ، فرب خطأ في نظر مصحح الكتاب هو الصواب الموافق لما قال المؤلف ، وقد يتبينه شخص آخر ، عن فهم ثاقب أو دليل ثابت .
وتمتاز طبعاتهم أيضاً بوصف الأصول التي يطبعون عنها ، وصفاً جيداً ، يُظهر القارئَ على مبلغ الثقة ِ بها ، أو الشك في صحتها ، ليكون على بصيرة من أمره ؛ وهذه ميزة لن تجدها في شيء مما طبع بمصر قديماً ، بلغ ما بلغ من الصحة والإتقان----.
فكان عمل هؤلاء المستشرقين مرشداً للباحثين منا الْمُحْدَثين ، وفي مقدمة من قلدهم وسار على نهجهم العلامة الحاج أحمد زكي باشا رحمه الله ، ثم من سار سيرته واحتذى حذوه ؛ وعن ذلك كانت طبعات المستشرقين نفائس تُقْتنى وأعلاقاً تُدَّخر ، وتغالى الناس وتغالينا في اقتنائها ، على علوّ ثمنها ، وتعسر وجود كثير منها على راغبيه).(2/324)
ثم عاب المستشرقين - وهم طلائع المبشرين - بما فيهم ، وعاب أعمالهم بما فيها من نقص وجهل وخلل ، وعاب الذين غلوا من قومنا في تمجيدهم وتقليدهم ، إلى أن قال : "لم يكن هؤلاء الأجانب مبتكري قواعد التصحيح ، وإنما سبقهم إليها علماء الإسلام المتقدمون ، وكتبوا فيها فصولاً نفيسة نذكر بعضها هنا ، على أن يذكر القارئ أنهم ابتكروا هذه القواعد لتصحيح الكتب المخطوطة ، إذ لم تكن المطابع وجدت ، ولو كانت لديهم لأتوا من ذلك بالعجب العجاب ، ونحن وارثو مجدهم وعزهم ، وإلينا انتهت علومهم ، فلعلنا نحفز هممنا لإتمام ما بدؤا به .
نبني كما كانت أوائلنا تبني***ونفعل مثل ما فعلوا*** )
ثم نقل الفصل الذي كتبه ابن الصلاح في مقدمته في باب ضبط المكتوب ، وختمه بقوله :
(هذا آخر ما قال أبو عمرو بن الصلاح في هذا الفصل ، وقد طال جداً ، ولكنه نفيس كله ، وفيه فوائد جمة ، ودقائق بديعة ، وقد كتب العلماء بعده في ذلك الشيء الكثير ، منهم المختصر ، ومنهم المطيل ، وذكروا وجوهاً وتفاصيل أخر ، وكلها في تصحيح المخطوطات كما أسلفنا ، ولسنا نحب أن نطيل فيه أكثر من هذا ، الآن ، خشية الملل والسآمة ؛ وهذه القواعد التي ذكر ابن الصلاح يصلح أكثرها في تصحيح الكتب المطبوعة ، وهي كلها إرشاد للمصحح عند النقل من الكتب المخطوطة ، حتى يعرف قيمة الأصول التي يطبع عنها ، أهي مما يوثق به ، أم مما يُحتاط في الأخذ عنه ؟ ولو كانت الفرصُ مواتية لحررت قواعد التصحيح المطبعي ، ووضعت له القوانين الدقيقة ، على أساس ما رسم لنا أئمتنا المتقدمون وعلماؤنا الأعلام الثقات ، لتكون دستوراً للمطابع كلها ، ومرشداً للمصححين أجمع ، وعسى أن أفعل ، إن شاء الله بتوفيقه وهدايته وعونه) .(2/325)
وقال العلامة المعلمي اليماني رحمه الله تعالى في مقدمته على (الإكمال) لابن ماكولا (1/1-2) : (إن أشد نقص في الكتاب العربي المطبوع كثرة الخطأ والغلط والتصحيف والتحريف، ولذلك أسباب ، منها خلو أكثر المخطوطات عن الشكل ، وخلو كثير منها عن النقط ، وتقارب صور بعض الحروف ، ولا سيما في الخطوط التي لم يعتنَ بتحقيقها . هذه الأسباب مع جهل النساخ تفسد أكثر المخطوطات ، وإذا لم يعتنَ بالتصحيح قبل الطبع وعنده جاء المطبوع أكثر وأفحش غلطاً من النسخ المخطوطة ؛ والعناية الناجحة بالتصحيح لا يكفي فيها عالِمية المصحِّح ، بل لا بد من أمور أخر أهمها توفر المراجع ؛ وأكثر الألفاظ تعرضاً للغلط أسماء المتقدمين وألقابهم وكناهم ونِسبهم ، لأنها كما قال بعض القدماء "شيء لا يدخله القياس ، ولا قبله شيء ولا بعده شيء يدل عليه(1)" . ليست التبعة على الخط العربي ، فقد أُعد فيه من النقط والشكل وعلامات توضح أن الحرف مهمل أي غير منقوط ما هو كفيل مع تحقيق الخط بداء كل لبس ، وقد كان السلف يُعنون بذلك حق العناية حتى أن بعضهم(2) سمع خبراً فيه ذكر أبي الحوراء - بالحاء والراء - فكتبه وخاف أن يلتبس فيما بعد بأبي الجوزاء - بالجيم والزاي - فلم يكتف بعدم النقط ولا بوضع العلامات حتى كتب تحت الكلمة "حور عين" ؛ ثم لما شاع التساهل في الضبط وكثر في الشيوخ من يقل تحقيقه واضطر أهل العلم إلى الأخذ من الكتب بدون سماع فزع المحققون إلى ما يدافعون به الخطأ والتصحيف ، فمن ذلك تأليفهم كتب التراجم مرتبة على الحروف ثم على أبواب لكل اسم ، كما تراه في "تاريخ البخاري" وكتاب ابن أبي حاتم ، فمن بعدهما ، ولا ريب أن هذا يدفع كثيراً من التصحيف والتحريف ؛ ومن ذلك الضبط بالألفاظ كأن يقال :
__________
(1) خطبة كتاب عبد الغني الأزدي في (المؤتلف).
(2) قلت : هو عبدالله بن إدريس الكوفي ؛ أخرج أثره هذا الخطيبُ في (الجامع) (1/270) ، وذكره القاضي عياض في (الإلماع) (ص155).(2/326)
"بحاء غير منقوطة" ؛ ويقع للقدماء قليل من هذا ، ويكثر في مؤلفات بعض المتأخرين كابن خلكان في "وفياته" والمنذري في "تكملته" وابن الأثير في "كامله" ، كما نبه عليه الدكتور مصطفى جواد في مقدمته لـ"تكملة إكمال الإكمال" لابن الصابوني ؛ ومن ذلك - وهو أجلها وأنفعها - تأليف كتب في هذا الموضوع خاصة وهو ضبط ما يُخشى الخطأ فيه .
وإذ كان أكثر الخطأ وقوعاً وأشده خطراً الخطأ في الأسماء التي توجد أسماء أخرى تشتبه بها وجهوا معظم عنايتهم إلى هذا , فوضعوا له فناً خاصاً ، وهو ( المؤتلف والمختلف) أي المؤتلف خطاً المختلف لفظاً ، وهو كل ما لا يفرق بينه إلا الشكل أو النقط مثل : "عُبَاد" بعين مهملة مضمومة فموحدة مفتوحة(1) فألف فدال مهملة ؛ مع "عباد" مثله لكن بكسر أوله ، و "عباد" بتلك الحروف لكن بفتح فتشديد ، و "عياذ" بعين مهملة مكسورة فتحتية مخففة فألف فذال معجمة ؛ وكثيراً ما يذكرون الاسمين اللذين يفرق بينهما الخط المجوَّد فقط مثل "بشر وشبر"(2) ؛ وربما ذكروا ما هو أقل التباساً من هذا ، كما يأتي في باب "أحمد وأجمد وأحمر" ، فصورة الراء مخالفة لصورة الدال مخالفة بينة ، ولكن لما كانت صورتاهما قد تتقاربان في بعض الخطوط وكان اسم "أحمر" قليلاً من سُمي به لم يؤمَن فيمن يرى في كتاب "أحمر بن فلان" مقاربةً فيه صورة الراء لصورة الدال أن يتبادر إلى ذهنه أنه أحمد .
فأما ما يزيد أحد الاسمين فيه على الآخر بحرف ، كحسن وحسين ، وسعد وسعيد ، وعبد الله وعبيد الله ، وأشباه ذلك فقلما يتعرضون له ، لأنه يكثر جداً) .
وانظر (التحقيق) بل (أصول التحقيق) .
__________
(1) قال في الهامش : (الحرف الذي يليه ألف لا يكون إلا مفتوحاً ، فإذا نُصَّ على فتحه فالمراد أنه غير مشدد ، هكذا يدل عليه استقراء كلامهم ، والأولى أن يقال : "مخففة" ).
(2) الثاني من الثانية مهمل لكن لم يتيسر في الطباعة رسمه مهملاً.(2/327)
التصحيف :
هو تغير الكلمة إلى كلمة غيرها بسبب تشابه في صورتيهما ، وهو الغالب ، أو بسبب آخر غيره .
والراجح أن التصحيف والتحريف معناهما واحد ، فانظر (التحريف) ، فقد تقدم شرح معناه هنالك بنوع من الإسهاب ؛ وانظر (أولى الأشياء بالضبط أسماء الناس) .
التصنيف :
أما معناه في اللغة فجعلُ كل صنفٍ من الأشياء على حدة ؛ وأما معناه في العُرف فهو (جمع المادة العلمية المتناسبة في موضوع بذاته، ثم تقسيمها وترتيبها في نظام خاص، ووفْق أساس معيَّن، والربط فيما بينها برابط مناسب، بحيث تبدو صلةُ بعضها ببعض)(1).
وثَمَّ كلمة تقارب في معناها الاصطلاحي كلمة (التصنيف) ، وهي (التأليف) ، وقد عرّفه علي بن محمد الجرجاني (ت 816هـ) في كتابه (التعريفات) (ص50) بأن قال : (التأليف : جعل الأشياء الكثيرة بحيث يطلق عليها اسمُ الواحد ، سواء كان لبعض أجزائه نسبة إلى بعض بالتقدم والتأخر أم لا . وقال أبو البقاء(2) : أصله الجمع بين شيئين فصاعداً على وجه التناسب ، ولذلك سميت الصداقة ألفة لتوافق الطباع فيها والقلوب) .
ولكن قال السخاوي في (فتح المغيث) (3/318) شارحاً قول العراقي (وبادر إذا تأهلت إلى التأليف) : ("وبادر إذا تأهلت" واستعددت "إلى التأليف" الذي هو أعم من التخريج والتصنيف والانتقاء ، إذ التأليف : مطلق الضم ؛ والتخريج : إخراج المحدث الأحاديث من بطون الأجزاء والمشيخات والكتب ونحوها ----(3) ؛ والتصنيف : جعل كل صنف على حده ؛ والانتقاء : التقاط ما يحتاج إليه من الكتب والمسانيد ونحوها ؛ مع استعمال كل منها(4) عرفاً مكان الآخر) .
وانظر (جمع الأبواب) .
__________
(1) انظر (التصنيف في السنة النبوية وعلومها) لخلدون الأحدب (1/17-21) تجد هذا التعريف، وتجد شيئاً من التفصيل في معنى التصنيف والتأليف لغةً واصطلاحاً.
(2) هو الكَفَوي صاحب كتاب (الكليات).
(3) انظر (التخريج) .
(4) يعني المصطلحات المذكورة ، وهي التأليف والتصنيف والانتقاء والتخريج .(2/328)
ثم إن مما يستحقُّ الذكرَ هنا هو أن تصنيف الكتب له فضل عظيم في حفظ العلوم ونشرها ، وتعظيم ثواب العلماء الصادقين المحتسبين ، روى الخطيب في (الجامع) (2/422) تحت باب أسماه (باب البيان والتعريف لفضل الجمع والتصنيف) عن إبراهيم بن عبد الله الخلال قال : سمعت ابن المبارك يقول : صنفت من ألف جزء جزءاً ) .
ثم قال الخطيب : (وقلَّ ما يتمهر في علم الحديث ويقف على غوامضه ويستنير(1) الخفي من فوائده إلا من جمع متفرقه وألف متشتته وضم بعضه إلى بعض واشتغل بتصنيف أبوابه وترتيب أصنافه ، فإن ذلك الفعل مما يقوّي النفسَ ويثبت الحفظ ويذكي القلب ويشحذ الطبع ويبسط اللسان ويُجيد البيان ويكشف المشتبه ويوضح الملتبس ويُكسب أيضاً جميل الذكر وتخليده إلى آخر الدهر ، كما قال الشاعر :
يموت قومٌ فيُحيي العلمُ ذكرَهم**والجهل يُلحق أمواتاً بأموات).
وقال الخطيب في (الجامع) (2/428) : (وكان بعض شيوخنا يقول : من أراد الفائدة فليكسر قلم النسخ وليأخذ قلم التخريج) .
وقال السخاوي في (فتح المغيث) (3/319) : (وما أحسنَ قولَ التاجِ السبكي : العلمُ وإن امتد باعه واشتد في ميادين الجدال وِقاعُه واشتد ساعده حتى خرق به كل سدٍّ سُدَّ بابُه وأُحكم امتناعه ، فنفعُه قاصر على مدة حياته ما لم يصنف كتاباً يخلد بعده ، أو يورث علماً ينقله عنه تلميذ إذا وجد الناس فقدَه ، أو تهتدي به فئةٌ مات عنها وقد ألبسها به الرشاد برده ، ولعمري إن التصنيف لأرفعها مكاناً ، لأنه أطولها زماناً وأدومها إذا مات أحياناً ، لذلك لا يخلو لنا وقت يمر بنا خالياً عن التصنيف ، ولا يخلو لنا زمان إلا وقد تقلد عقده جواهر التأليف ، ولا يجلو علينا الدهر ساعة فراغ إلا ونُعمل فيها القلم بالترتيب والترصيف).
__________
(1) هكذا وردت هذه الكلمة في مطبوعة محمد عجاج الخطيب ، وأظنها في طبعة محمود الطحان : (يستثير) ، وهي في (فتح المغيث) للسخاوي (3/319) : (يستبين) .(2/329)
والتصنيف ليس بالأمر السهل ، كما يظنه كثير من الجاهلين والمتجرئين على تصنيف الكتب بل تسويدها ؛ قال الخطيب في (الجامع) (2/428) : (ينبغي أن يفرغ المصنف للتصنيف قلبَه ويجمع له همه ويصرف إليه شغله ويقطع به وقته) ؛ قلت : هذه شروط إقدام العلماء على التصنيف ، فما هي شروط إقدام المتعالمين عليه؟!(1)
__________
(1) ومما أريد أن أصرح به هنا - ولعل المقام مناسبٌ لذلك - هو أنني يأخذني خجل شديدٌ حين أنظر في كتب العلماء السابقين رحمهم الله ، أو أتذكرها ، وأنظر فيما كتبتُه أو أتذكره ، فأُحسُّ بقصور فيَّ وجُرأة وتقصير ، فأقول : أما آن لي ولأمثالي أن ندع ما لا نحسن ، وأن نُقبل على شأننا ونندم على إقدامنا على أمورٍ لا نتقنها ، ونقلع عن التأليف فندعه لأهله ، وما أحسن أن يعرف المرء قدر نفسه ؛ فتجيبني نفسي - ولست على ثقة مما تحاوله - : (تلك كتب تعبْتَ عليها كثيراً ، منذ زمن ليس بالقصير ، ولقد أكملتَ معظمها حتى لم يبق عليك لإكمالها إلا شيء يسير ، وعسى أن يكون فيها من النفع مثل ما ترجوه أو فوق ذلك) ، ثم تذكر النفس غير ذلك من تعللات كلها واهية ، وكلها داخلة في معنى عدم سماحها بترك ذلك الأمر ، والنفس من شأنها - واللهِ - أنها تختلق أعذاراً كثيرة عجيبة ، وتزين أموراً خيرها قليل ونفعها ضئيل ، والقلوب ضعيفة غافلة ساهية ، ولو استقبلت من أمري ما استدبرت ما اشتغلت بغير كتاب الله وتدبر معانيه والعمل به ، وبما صح من الحديث الشريف ، ومطالعة كتب الزهد والتزكية ، والله وحده المستعان ، وإن لم يغفر لنا ويرحمنا فإننا هالكون ؛ أقول هذا إقراراً بالضعف والعجز والجهل ، وموعظةً للمبتدئين في الطلب ، وتحذيراً من (سوف) وأخواتها ، وتذكيراً بحقٍّ مفرَّط فيه ، واعترافاً بعظيم فضل السلف والمتقدمين من العلماء ، وشهادةً أرجو نفعها يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم .(2/330)
ثم قال الخطيب (2/428-429) : (ولا يضع من يده شيئاً من تصانيفه إلا بعد تهذيبه وتحريره وإعادة تدبره وتكريره ؛ فقد أنا محمد بن أبي الفوارس أنا علي بن عبد الله بن المغيرة نا أحمد بن سعيد قال : قال عبدالله بن المعتز : لحظة القلب أسرع خطرة من لحظة العين وأبعد غاية وأوسع مجالاً ، فهي الغائصة في أعماق أودية الفكر ، والمتأملة لوجوه العواقب ، والجامعة بين ما غاب وحضر ، والميزان الشاهد على ما نفع وضرَّ ، والقلب كالمملي للكلام على اللسان إذا نطق واليد إذا كتبت ، فالعاقل يكسو المعاني وشيَ الكلام في قلبه ، ثم يبديها ، فألفاظه كواسٍ في أحسن زينة ، والجاهل يستعجل بإظهار المعاني قَبل العنايةِ بتزيين مَعارضها واستكمال محاسنها ) .
ثم روى الخطيب عن هلال بن العلاء أنه قال : (يستدل على عقل الرجل بعد موته بكتب صنفها وشعر قاله وكتاب(1) أنشأه ) .
ثم روى عن الأصمعي قال : (سمعت أبا عمرو بن العلاء يقول : الإنسان في فسحة من عقله وفي سلامة من أفواه الناس ما لم يَضَع كتاباً أو يقل شعراً ) .
ثم روى عن العتَّابيّ قال : من صنع كتاباً فقد استشرف للمدح وللذم ، فإن أحسن فقد استهدف للحسد والغيبة ، وإن أساء فقد تعرض للشتم واستقدف بكل لسان) .
وقال العراقي قي (شرح ألفيته) (2/250-251) : (وكَرِهُوا الجمعَ والتأليفَ لمنْ هو قاصرٌ عن جودَةِ التأليفِ . روينا عن عليِّ بنِ المدينيِّ ، قالَ : إذا رأيتَ المحدِّثَ أوَّلَ ما يكتبُ الحديثَ يجمعُ حديثَ " الغُسْلِ " ، وحديثَ " مَنْ كذبَ عليَّ " ، فاكتبْ على قَفَاهُ : لا يُفْلِحُ . وكذلكَ كَرِهُوا إخراجَ التصنيفِ إلى الناسِ قبلَ تهذيبِهِ ، وتحريرِهِ ، وإعادةِ النَّظَرِ فيهِ ، وتكريرِهِ ).
التضبيب :
هذه الكلمة هي بعض مصطلحات المحدثين في نَسْخ الكتب ؛ وإليك شرح معناها :
__________
(1) كذا .(2/331)
كان من شأن المتقنين في النسخ والكتابة أن يضعوا علامات توضح ما يُخشى أن يَتوهم فيه من يقف عليه ، فمن ذلك أنه إذا وجد كلاماً صحيحاً معنى ورواية وهو عرضة للشك في صحته أو الخلاف فيه كتب فوقه علامة التصحيح أي ( صح ) ؛ وإذا وجد عبارة صحيحة في نقلها ، ولكنها خطأ في ذاتها وضع فوقها علامة التضبيب ، وتسمى أيضاً ( التمريض ) وهي صاد ممدودة هكذا ( صـ ) ، ولكن لا يلصقها بالكلام ، لئلا يظن أنه إلغاء له وضربٌ عليه .
وهذه الصاد إما أنها نصف كلمة (صح) للمعنى الآتي بيانه ، أو هي الحرف الأول من كلمة (ضبة) للمعنى الآخر الآتي بيانه أيضاً(1) .
قال القاضي عياض في (الإلماع) (ص166-169) تحت هذا الباب (باب في التصحيح والتمريض والتضبيب) ما نصه :
(أما كتابة "صح" على الحرف ، فهو استثبات لصحة معناه وروايته ، ولا يكتب "صح" إلا على ما هذا سبيله ، إما عند لحقه ، أو إصلاحه ، أو تقييد مهمَله وشكل مشكِله ، ليُعْرف أنه صحيح بهذه السبيل ، قد وقف عليه عند الرواية واهْتَبَل بتقييده .
__________
(1) ولم أر من ذكر احتمال أنها مأخوذة من التمريض ، وإن كانوا يسمون التضبيب تمريضاً ، فالظاهر أن هذا الاحتمال بعيد أو غير وارد أصلاً .(2/332)
فإن كان اللفظ : غيرَ صحيح في اللسان إما في إعرابه أو بيانه ، أو فيه اختلال من تصحيف أو تغيير ، أو نقصت كلمةٌ من الجملة أخلَّت بمعنى ، أو بُتر من الحديث ما لا يتمُّ إلا به ، إما لتقصير في حفظ روايه ، أو للاختصار ، وتبيين عين الحديث بلفظة منه ، لا بإيراده على وجهه ، وهو الباب الذى يسميه أهل الصنعة "الأطرَاف"(1) ، أو بتقديمٍ أو تأخيرٍ قلَب مفهومَه ونثرَ منظومَه ، فهذا الذى جرت عادة أهل التقييد أن يمدوا عليه خطاً أوله مثلُ الصاد ، ولا يُلزق بالكلمة المعلَّم عليها ، لئلا يُظَنّ ضرباً ؛ ويسمونه ضبَّةً ، ويسمونه تمريضاً ؛ وكأنها صاد التصحيح كُتبت بمدتها ، وحُذفتْ(2) حاؤُها ليفرَّق بينها وبين ما صحَّ لفظاً ومعنى ؛ وذلك أنه صح من جهة الرواية وضَعُف من جهة المعنى ، فلم يكمل عليه التصحيح ، وكُتب عليه هذا ، علامةً على مَرَضه ، ولِئلا يُرتابَ في صحة روايته ويَظن الناظرُ في كتابه مهما وقف عليه يوماً ملحوناً أو مغيَّراً : أنه مِن وهمه وغلطه لا من صحة سماعه ؛ فنبه بالتمريض عليه على وقوفه عليه عند السماع ونقلِهِ على ما هو عليه ؛ ولعل غيرَه قد يُخَرِّج له وجهاً صحيحاً ، ويظهر له في صحة معناه ولفظِه حجةٌ لم تظهر لهذا ، ففوق كل ذي علم عليم .
ولهذا قد شاهدنا من الإصلاحات لمثل هذا لبعض المتجاسرين وأكثرهم من المُحْدَثين والمتأخرين ما الصوابُ فيما أنكروه وعينُ الخطأ ما أصلحوه ؛ ومن وقف على ما رسمناه من ذلك في كتابنا المسمى بـ"مشارق الأنوار على صحاح الآثار" شهد له بصحة ما ادعيناه .
__________
(1) في المطبوعة (الأراف) ، وهو تصحيف .
(2) في مطبوعة (الإلماع) : (وحرَّفت) ، ويظهر أنه تصحيف وأنَّ تصحيحه (وحُذفتْ).(2/333)
قرأت بخط الشيخ أبي عبد الله محمد بن أبي نصر الحُميدي نزيل بغداد ، أخبرني أبو محمد الحسين بن علي المصري قال أخبرنا أبو مروان عبد الملك بن زيادة الله بن علي التميمي قال أخبرنا أبو القاسم إبراهيم بن محمد بن زكريا القرشى الزهري - هو ابن الإفليليّ اللغوي - قال : "كان شيوخنا من أهل الأدب يتعالمون أن الحرف إذا كتب عليه "صح" بصاد وحاء : أن ذلك علامة لصحة الحرف ، لئلا يتوهم متوهم عليه خللاً ولا نقصاً ، فوُضع حرف كامل على حرف صحيح ؛ وإذا كان عليه صاد ممدودة دون حاء : كان علامة أن الحرف سقيم ، إذ وُضع عليه حرف غير تام ليدل نقص الحرف على اختلال الحرف .
ويسمى ذلك الحرف أيضاً ضبة ، أي أن الحرف مقفل بها لا يتجه لقراءة ، كما أن الضبة مقفَل بها " ).
قال ياقوت الحموي في (معجم الأدباء) (2/5-6) في ترجمة إبراهيم بن محمد هذا - وهو المعروف بابن الإفليليّ كما تقدم - :
(وحُكى عنه بإسناد له أنه قال: كان شيوخنا من أهل الأدب يتعالمون ---- ) وذكر كلامه كما تقدم ، ثم تعقبه بقوله :
(وهذا كلام على طلاوة من غير فائدة تامة، وإنما قصدوا بكتبهم على الحرف "صح" ، أنه كان شاكاً في صحة اللفظة، فلما صحت له بالبحث، خشي أن يعاوده الشك، فكتب عليها صح، ليزول شكه فيما بعد، ويعلم هو أنه لم يكتب عليها "صح" إلا وقد انقضى اجتهاده في تصحيحها.
وأما الضبة التي صورتها (صـ) فإنما هو نصف صح، كتبه على شيء فيه شك، ليبحث عنه فيما يستأنفه، فإذا صحت له أتمها بحاء، فيصير صح، ولو علَّم عليها بغير هذه العلامة، لتكلف الكشط، وإعادة كتْبه "صح" مكانها).
وقال ابن الصلاح في (مقدمته) (ص174-176) :
(من شأن الحذاق المتقنين العناية بالتصحيح والتضبيب والتمريض.(2/334)
أما التصحيح فهو كتابة "صح" على الكلام ، أو عنده ؛ ولا يُفعل ذلك إلا فيما صحَّ روايةً ومعنى غير أنه عرضة للشك أو الخلاف ؛ فيكتب عليه "صح" ليُعرف أنه لم يغفل عنه وأنه قد ضُبط وصحَّ على ذلك الوجه.
وأما التضبيب - ويسمى أيضاً التمريض - فيُجعل على ما صح وروده كذلك من جهة النقل غير أنه فاسد لفظاً، أو معنى ، أو ضعيف ، أو ناقص ، مثل أن يكون غير جائز من حيث العربية أو يكون شاذاً عند أهلها يأباه أكثرهم ، أو مصحَّفاً ، أو ينقص من جملة الكلام كلمة أو أكثر ، وما أشبه ذلك ؛ فيمد على ما هذا سبيله خط أوله مثل الصاد ولا يلزق بالكلمة المعلَّم عليها(1) ، كيلا يُظنُّ ضرباً ؛ وكأنه صاد التصحيح بمدتها دون حائها كتبت كذلك ليفرق بين ما صح مطلقاً من جهة الرواية وغيرها ، وبين ما صح من جهة الرواية دون غيرها فلم يكمل عليه التصحيح ، وكُتب حرف ناقص(2) على حرف ناقص إشعاراً بنقصه ومرضه مع صحة نقله وروايته ، وتنبيهاً بذلك لمن ينظر في كتابه على أنه قد وقف عليه ونقله على ما هو عليه ، ولعل غيره قد يُخَرِّج له وجهاً صحيحاً ، أو يظهر له بعد ذلك في صحته ما لم يظهر له الآن ، ولو غيَّر ذلك وأصلحه على ما عنده لكان متعرضاً لما وقع فيه غير واحد من المتجاسرين الذين غيروا وظهر الصواب فيما أنكروه والفساد فيما أصلحوه .
__________
(1) فهي صاد ممدودة هكذا ( صـ ).
(2) المراد بالحرف هنا كلمة (صح) ، ولكنه كُتب ناقصاً ، أو حرف الصاد وحده ، فإنه هنا ناقص إذا لم يتصل به حرف الحاء فيكمله ؛ وذلك النقص - كما تقدم - يشير إلى أن صحة العبارة المضبب عليها غير كاملة ، فثم صحة من وجه واحد فقط ، وهو وجه الرواية ، دون الوجه العلمي ، فصحة تلك العبارة ناقصة أيضاً كنقص علامة التضبيب عن كلمة (صح) .(2/335)
وأما تسمية ذلك ضبة فقد بلغنا عن أبي القاسم إبراهيم بن محمد اللغوي المعروف بابن الإفليلي(1) أن ذلك لكون الحرف مقفلاً بها لا يتجه لقراءة كما أن الضبة(2) مقفلٌ بها ، والله أعلم.
قلت: ولأنها لما كانت على كلام فيه خلل أشبهت الضبة التي تجعل على كسر أو خلل ، فاستعير لها اسمها ، ومثل ذلك غير مستنكر في باب الاستعارات .
ومن مواضع التضبيب أن يقع في الإسناد إرسال أو انقطاع ، فمن عادتهم تضبيب موضع الإرسال والانقطاع(3) ، وذلك من قبيل ما سبق ذكره من التضبيب على الكلام الناقص .
ويوجد في بعض أصول الحديث القديمة في الإسناد الذي يجتمع فيه جماعة معطوفة أسماؤهم بعضها على بعض علامة تُشبه الضبة فيما بين أسمائهم ، فيتوهم من لا خبرة له أنها ضبة ، وليست بضبة ، وكأنها علامة وصل فيما بينها أُثبتت تأكيداً للعطف ، خوفاً من أن تجعل "عن" مكان "الواو" ، والعلم عند الله تعالى .
ثم إن بعضهم ربما اختصر علامة التصحيح فجاءت صورتها تشبه صورة التضبيب ، والفطنة من خير ما أوتيه الإنسان ؛ والله أعلم).
تطويل الحديث :
انظر (اختصار الحديث) و (مطوَّل) .
__________
(1) تصحفت فاؤها في المطبوعة إلى قاف .
(2) أي ضبة الباب، قال في (القاموس المحيط) : (و[الضبة] : حَدِيدَةٌ عَرِيضةٌ يُضَبَّبُ بها).
(3) وقيل : الأحسن في الإرسال والقطع والعطف ونحوها وضع علامة التصحيح .
وكذلك توضع هذه العلامة فوق أسماء الرواة المعطوفة نحو ( فلان وفلان ) ، لئلا يتوهم الناظر أن العطف خطأ وأن الأصل ( فلان عن فلان ) ؛ انظر شرح العلامة أحمد محمد شاكر لألفية السيوطي (ص154-155) .
وقال الشيخ أحمد في (الباعث الحثيث) (ص138) : (والأحسن في الإرسال والقطع والعطف ونحوها وضع علامة التصحيح كما هو ظاهر ، وفيما كان خطأ في المعنى أن يكتب فوقه أو بجواره كلمة "كذا" وهو المستعمل كثيراً في هذه العصور) .(2/336)
تعارضُ الرفعِ والوقف :
أي أن يُروَى الحديث على وجهين يكون في أحدهما مرفوعاً وفي الآخر موقوفاً ؛ وطريقة أهل التحقيق في هذا العلم الشريف أنهم يرجحون رواية الأحفظ وما تدل القرائن على أنه كان أحسن ضبطاً في رواية ذلك الحديث ممن خالفه فيه ، وأما تقديم الرفع مطلقاً فخطأ وتساهل واسترواح ؛ وانظر (تعارض الوصل والإرسال) و(زيادة الثقة) .
تعارض الوصل والإرسال :
قال الشيخ حمزة المليباري في (علوم الحديث في ضوء تطبيقات المحدثين النقاد) (ص161) تحت هذه الترجمة (تعارض الوصل والإرسال ، وتعارض الوقف والرفع) ما نصه(1):
(تعني هذه المسألة أن يروي جماعةٌ حديثاً واحداً مع اتحاد مخرجه ، فيرويه بعضهم متصلاً ويرويه الآخرون مرسلاً ، أو يرويه بعضهم مرفوعاً ، ويرويه الآخرون موقوفاً(2).
ترد كثيراً مسألة تعارض الوصل والإرسال ، وتعارض الوقف والرفع ، في كتب العلل، كنماذج واقعية لأخطاء الرواة الثقات ، أو الضعفاء غير المتروكين ، وقد أشار إلى ذلك ابن الصلاح رحمه الله تعالى بقوله في مبحث العلة : "وكثيراً ما يعللون الموصول بالمرسل"(3).
__________
(1) والهوامش له أيضاً.
(2) مثال التعارض بين الوصل والإرسال حديث " لا نكاح إلا بولي " رواه إسرائيل بن يونس وغيره عن أبي إسحاق السبيعي عن أبي بردة عن أبي موسى الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم ؛ وخالفهم سفيان الثوري وشعبة عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً . (مسند الإمام أحمد 4/349، مسند البزار 8/111) ؛ وجاء بين الروايتين تعارض بين الوصل والإرسال.
مثال التعارض بين الوقف والرفع حديث رواه عبثر وجرير عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال : "من أدرك من العصر ركعة قبل أن تغيب الشمس ..." الحديث ، موقوفاً على أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم هذا الحديث . وقال أبو حاتم : الصحيح عندي موقوف . (العلل 1/139) .…
(3) مقدمة ابن الصلاح (ص90) .(2/337)
كما أن هذه المسألة قائمة على زيادة الثقة بقدر كبير ؛ ذلك أنه إذا كان الثقة هو الذي وصل الإسناد المرسَل ، فإن وصله يعدّ زيادة في السند حيث رواه غيره مرسلاً ، وكذلك إذا روى الحديث الموقوف مرفوعاً فيكون رفعة زيادة في السند إذ رواه غيره موقوفاً على الصحابي.
أما حكم الوصل فيما هو مرسل ، أو الرفع فيما هو موقوف فيكون وفق ما تدل عليه القرائن ، وليس فيه حكم مطرد .
يقول ابن دقيق العيد : " من حكى عن أهل الحديث أو أكثرهم أنهم إذا تعارض رواية مسند ومرسل ، أو رافع وواقف ، أو ناقص وزائد ، ان الحكم للزائد لم يصب في هذا الإطلاق؛ فإن ذلك ليس قانوناً مطرداً ، و[بـ]ـالمراجعة لأحكامهم الجزئية تعرف صواب ما نقول"(1).
التعالم :
انظر (عندي) .
التعديل :
تعديل الراوي هو وصفه بالعدالة ، دون الالتفات إلى حاله من جهة حفظه ؛ أو وصفُه بأنه ثقة جامع لوصفي العدالة والضبط ، وهذا هو الغالب والمتبادر من كلام المتقدمين والجمهور ؛ فإن قيل في راو : عدله يحيى بن سعيد أو يحيى بن معين أو غيرهما من النقاد فالظاهر أنه وثقه ؛ والتعديل ضد التجريح ؛ وانظر (عدله) و (متعنت) .
تعرف وتنكر :
قال السيوطي في (تدريب الراوي) (1/350) : (قولهم "تعرف وتنكر" أي يأتي مرة بالمناكير ، ومرة بالمشاهير)؛ وكذلك قال زكريا الأنصاري في (شرحه ألفية العراقي) (2/12).
قلت : فهو ضعيف لا يحتج بما تفرد به ، وإنما يحتج بما توبع عليه بالشروط المقررة في تقوية الحديث بمجموع طرقه عند علماء العلل ومن سار وراءهم من أهل العلم المحققين.
__________
(1) نقله الصنعاني في (توضيح الأفكار) (1/343 - 344) ؛ وانظر بقية ما ذكره الدكتور حمزة في هذا الهامش.(2/338)
وتُضبط كلمتا هذه العبارة ، بالتاء - أو الياء - والنون ؛ فكلا الوجهين مستعمل(1).
التعريف :
تعريف الشيء ذكر نعوته وخصائصه التي يُعرف بها ويتميز بها عن غيره .
__________
(1) وقال عبد الله بن يوسف الجديع في (تحرير علوم الحديث) (1/601) : (قولهم "تَعرف وتُنْكر" عبارة جرح في التَّحقيق ، تتَّصل بحديث الراوي لا بشخصه ، والمعنى : تارة هكذا وتارة هكذا ، يأتي بالحديث مرةً على الوجه ، ومرة على غير ذلك ، أي : لم يكن يتقن حديثه .
ولذا كان الناقد ربما قالها في الراوي ، وقرنها بالتَّعبير بالحركة إشارةًَ إلى عدم استقرار حال الراوي وثباته فيما يؤديه .
كما قال علي بن المديني : سألت يحيى بن سعيد (يعني القطان) عن الربيع بن حَبيب ؟ فقال : " تَعْرف وتُنْكر " وقال بيده. [أخرجه ابن أبي حاتم في (الجرح والتعديل) (1/2/457)، وإسناده صحيح].
قلت : وهو قد روى عن الربيع هذا ، وهو صدوق جيد الحديث .
وكما قال ابن أبي حاتم الرازي في الحسين بن زيد بن عليٍّ الهاشميِّ : قلت : لأبي : ما تقول فيه ؟ فحرك يده وقلبها ، يعني تعرف وتنكر. [الجرح والتعديل 1/2/53].
وفسَّر القولَ فيه ابنُ عدي فقال : (أرجو أنه لا بأس به ، إلا أني وجدتُ في بعض حديثه النُّكْرَةَ) . [الكامل 3/218].
وكذلك قال ابن أبي حاتم في زيد بن عوف القُطَعي المقلب بـ(فَهْدٍ) : قيل لأبي : ما تقول فيه ؟ فقال : " تَعْرف وتُنْكر " وحركَ يده. [الجرح والتعديل 1/2/570].
قلت : وقد وجدت هذا اللفظ وقع في كلام يحيى القطان ، وعبد الرحمن بن مهدي والبخاري وأبي حاتم الرازي ، وغيرهم ، وليس بالكثير ، وقيل في رواةٍ درجاتُهم متفاوتَةٌ في اللين والضَّعف ، وفيهم مَن الراجحُ قبوله ، وفيهم مَن الراجحُ ضعفه .
لذا فهي عبارة تليين مجملة في قدر اللين في الراوي ، فتُحرَّرُ فيمن قيلت فيه بحسب دلالة سائر أقوال النقاد في الراوي ، أو بتأمُّل حديثه وروايته). انتهى.(2/339)
وقال الجرجاني في (التعريفات) (ص39) : (التعريف عبارة عن ذكر شيء تستلزم معرفته معرفة شيء آخر) ؛ انتهى .
التعقيبة :
التعقيبة هي الكلمة التي كانت قديماً تكتب في أسفل كل صفحة ثانية من كل ورقة من الكتاب ، تحت آخر السطر الأخير منها ؛ وتعاد مرة أخرى في أول الصفحة الأولى من الورقة التالية ، فوق أول السطر الأول منها ؛ لتدل على أن الكلام متصل وعلى أنه لم يسقط شيء من الأوراق بين الصفحتين أي بين ورقتيهما .
وقد استعملتْ هذه الطريقة في كتابات الناسخين القدماء(1) ؛ وفي المطبوعات القديمة أيضاً(2).
التعليق :
التعليق له معانٍ كثيرة منها هذه المعاني الأربعة :
الأول : حذف المصنف أول إسناد الحديث؛ ويأتي تفصيل هذا المعنى ؛ فهو الأهم هنا.
الثاني : الشرح المختصر أو الحاشية، ويسمى أيضاً (التعليقة) ؛ وانظر (التعليق على الكتاب أو الكلام) .
الثالث : تعليق الخط ، وهو خلط الحروف الذي ينبغي تفريقها؛ وانظر (تعليق الخط) .
الرابع : جعل حصول الأمر متوقفاً على حصول غيره ، ومعتمِداً عليه كتوقُّفَ الشيء على شرطه ، فيقال : هذا الأمر معلق على كذا من الأمور .
__________
(1) وكأن الذي دعاهم إلى هذه الطريقة هو عدم ترقيمهم للصفحات ، ولعلهم لم يكونوا يرغبون في الترقيم لأن كثيراً منهم كان في كثير من الأوقات يزيد في كتابه أو ينقص منه .
(2) قال أحمد محمد شاكر في خطبة تحقيق (لباب الآداب) للأمير أسامة بن منقذ (ص4) في أثناء كلام له :
(وهذه الكلمة التي تكتب في أسفل الصفحة تسمى في اصطلاح الناسخين القدماء (التعقيبة) ، وهي تعاد مرة اخرى في أول الصفحة التالية لتدل على أن الكلام متصل ، وعلى أنه لم يسقط شئ بين الصفحتين ، ولا تزال هذه الطريقة مستعملة في المطبوعات القديمة وبعض المطبوعات الحديثة ، وهي معروفة إلى الآن في الأوساط العلمية الأزهرية وغيرها) .(2/340)
وأما المعنى الأول التعليق فهو أن يحذف مصنف الكتاب من كتب الرواية ، أو غيرها ، جميع الإسناد ، أو بعضه ، من أوله ، أي من طرفه الأقرب إلى المصنِّف، من غير تدليس ، ثم يعزو الحديث إلى من فوق المحذوف من رواته .
قيل : وهذا الاسم كأنه مأخوذ من تعليق الجدار لتشابههما في قطع الاتصال فيهما ؛ قلت : بل هو يشبه كل شيء معلق ؛ فالسلسلة القصيرة مثلاً تعلق في السقف فتكون متصلة من طرفها الأعلى وغير متصلة من طرفها الأدنى ؛ وكذلك شأن الإسناد المعلق .
وخص القدماء اسم التعليق بما يرويه المعلِّق - كالبخاري - بصيغة الجزم ، كـ (قال وفعل وأمر ونهى وذكر وحكى) ، فلم يكونوا يستعملونه في صيغ التمريض كـ (يُروى عن فلان كذا ، أو يقال عنه ، ويذكر عنه ، ويحكى عنه) ، وشبهها ، ولكن المتأخرين أطلق غير واحد منهم وصف التعليق في غير المجزوم به ، منهم الحافظ أبو الحجاج المزي حيث أورد في (الأطراف) ما في البخاري من ذلك معلِّماً عليه علامة التعليق وقبله النووي فقد ذكر في (رياض الصالحين) حديث عائشة (أمرنا أن ننزل الناس منازلهم) وقال : ذكره مسلم في صحيحه تعليقاً ؛ واستقر الاصطلاح عند المتأخرين على ذلك.
أما ما عزاه البخاري لبعض شيوخه بصيغة (قال فلان) و (زاد فلان) ونحو ذلك فليس حكمه حكم التعليق عن شيوخ شيوخه ومن فوقهم بل حكمه حكم العنعنة من الاتصال بشرط اللقاء والسلامة من التدليس .
تذييل :
قال حاجي خليفة في (كشف الطنون) (1/161) في ختام تعريفه (الأمالي) : (وعلماء الشافعية يسمون مثله التعليق) ؛ انظر (الأمالي) .
تعليق الخط :
قال ابن الصلاح في (النوع الخامس والعشرون) من (مقدمته) (ص164) وهو يذكر أموراً مفيدة تراعى في كتابة الحديث وضبطه :(2/341)
الرابع: يُختار له في خطه التحقيق ، دون المشق والتعليق ؛ بلغنا عن ابن قتيبة قال : قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : شر الكتابة المشْقُ ، وشرُّ القراءة الهذرمةُ ، وأجوَدُ الخطِّ أبينُه ، والله أعلم) .
وقال السخاوي في (فتح المغيث) (3/49-50) في شرح قول العراقي :
وشرُّه التعليقُ والمشقُ كما ** شرُّ القراءةِ إذا ما هذرما
( "وشرُّه" أي الخط : التعليقُ ، وهو - فيما قيل - خلط الحروف التي ينبغي تفرقتها ، وإذهاب أسنان ما ينبغي إقامة أسنانه ، وطمس ما ينبغي إظهار بياضه .
"و"كذا "المشق" بفتح أوله وإسكان ثانيه ، وهو خفة اليد وإرسالها مع بعثرة الحروف وعدم إقامة الأسنان ، كما كان شيخنا يحكي أن بعضهم كان يقول لمن يراه يكتب كذلك : "تكتبون تمشقون تضيعون الكاغد" .
فيجتمعان في عدم إقامة الأسنان ، ويختص التعليق بخلط الحروف وضمها ، والمشقُ ببعثرتها وإيضاحها بدون القانون المألوف ؛ وذلك - كما قال بعض الكتاب - مفسدة لخط المبتدي ودالٌّ على تهاون المنتهي بما يكتب(1) .
غير أنهم يستعملون المشق والتعليق وإغفال الشكل والنقط في المكاتبات ، قال الماوردي في "أدب الدين والدنيا" : "وهو مستحسن فيها ، فإنهم لفرط إدلالهم بالصنعة وتقدمهم في الكتابة يكتفون بالإشارة ، ويقتصرون على التلويح ، ويرون الحاجة إلى استيفاء شروط الإبانة تقصيراً ؛ قال : وإن كان كل ذلك في كتب العلم مستقبحاً.
__________
(1) انظر (صبح الأعشى) (3/140) .(2/342)
"كما" أنه "شر القراءة إذا ما" أي إذا "هذرما" ، بالمعجمة ، أي أسرع بحيث يخفى السماع ؛ فقد روى الخطيب في "جامعه"(1) من طريق أبي محمد بن درستويه عن عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري فيما حكاه عن عمر بن الخطاب أنه قال : شر الكتابة المشق وشر القراءة الهزرمة وأجود الخط أبينه ، وعنده أيضاً عن علي قال : الخط علامة ، فكلما كان أبين كان أحسن ، وعن ابن قتيبة أيضاً عن إبراهيم بن العباس قال : وزن الخط وزن القراءة ، أجود القراءة أبينها ، وأجود الخط أبينه) .
التعليق على الكتاب أو الكلام :
التعليق معناه في عُرف المعاصرين من الكتّاب هو كتابة حاشية أو ذيلٍ على كلام بعض المصنفين من باب التوضيح أو التكميل أو التعقب أو نحو ذلك من مقاصد أصحاب الحواشي .
التعنت :
انظر (متعنت).
التغير :
التغير هو الاختلاط ، قال الخطيب في (الكفاية) (1/403) : (باب ما جاء في ترك السماع ممن اختلط وتغير) ، فمن الواضح من هذا التعبير أن من تغير فإنه يترك ، ولكن رأيت بعض المتأخرين المحدثين كأنهم يستعملون كلمة (تغير) أو (تغير حفظه) في سياق يُشعر أن المراد هو نزول الراوي من درجة الضبط والحفظ إلى دركة سوء الحفظ وضعفه ، أو يستعملونها في الاختلاط اليسير أو غير الفاحش ؛ والله أعلم .
وأما إذا وصفتْ لفظة التغير بالقلة ونحوها من المعاني ، فذلك أدعى إلى التفريق بين العبارتين ، أعني (اختلط) و(تغير قليلاً) ؛ قال الذهبي في (الميزان) (5/326) (6399) في عمرو بن عبد الله أبي إسحاق السبيعي : (من أئمة التابعين بالكوفة وأثباتهم ، إلا أنه شاخ ونسي ، ولم يختلط ، وقد سمع منه سفيان بن عيينة وقد تغير قليلاً) .
__________
(1) 1/262) .(2/343)
وقال في (الميزان أيضاً ) كما في (لسان الميزان) (1/418) : (أحمد بن جعفر بن حمدان بن مالك أبو بكر القطيعي : صدوق في نفسه مقبول ، تغير قليلاً ، قال الخطيب : لا أعلم أحداً ترك الاحتجاج به ؛ وقال الحاكم : ثقة مأمون ؛ وقال أبو عمرو بن الصلاح : خرف في آخر عمره حتى كان لا يعرف شيئاً مما يُقرأ عليه ؛ ذكر هذا أبو الحسن ابن الفرات ؛ قلت : فهذا القول غلو وإسراف ، وقد كان أبو بكر أسندَ أهل زمانه) .
وقال الذهبي في (المغني في الضعفاء) (2357) : (سعيد بن إياس الجريري : ثقة مشهور ، تغير قليلاً ، وضعفه القطان) .
وقال سبط ابن العجمي في ترجمة هشام بن عروة من كتابه (الاغتباط بمن رمي بالاختلاط) (ص359 - نهاية الاغتباط) : (ع قال ابن القطان فيما نقله الذهبي عنه في "ميزانه" كما تقدم أنه هو وسهيل بن أبي صالح اختلطا وتغيَّرا ؛ فتعقبه الذهبي فقال : " نَعم الرجل تغير قليلاً ولم يبق حفظه كهو في حال الشبيبة ، فنسي بعض محفوظه أو وهم ، فكان ماذا؟ أهو معصوم من النسيان ؟! " إلى آخر كلامه) .
وانظر (الاختلاط) .
تغيَّرَ حفظه :
انظر (التغير) .
تغيَّر قليلاً :
انظر (التغير) .
التفرد :
تفرد الراوي بالحديث هو عدم المتابِع؛ والحُكم على الحديث بالتفرد له عند المتقدمين معنى، وله عند المتأخرين معنى آخر.
أما المتقدمون فالأصل عندهم في تنصيصهم على تفرد الراوي بالحديث هو إرادتهم الإشارة إلى استغراب ذلك التفرد، وإعلال الرواية به ، وأحياناً قليلة يريدون إعلال متابعاتها وعدم الاعتداد بتلك المتابعات ؛ وأكثر ما يريدونه بإطلاق التفرد هو النسبيُّ منه؛ ويأتي شرح معناه.
فالمتقدمون ولا سيما علماء العلل منهم ، كانوا إذا قالوا في حديث : "تفرد به فلان" فهي في الغالب عبارة عن إعلال للحديث ، وإشارة إلى وهم ذلك المتفرِّد ، أو إلى عدم احتمال حاله مثل ذلك التفرد.(2/344)
ولما كان الغالب على مسلكهم في هذه القضية هو مقصد التعليل صاروا لا يعتدون بالمتابعات الساقطة عن حد الاعتبار ، ولا يلتفتون إليها، فتراهم ينصون على تفرد ذلك الراوي الثقة أو المقبول ، في الجملة ، وإن شاركه في روايته لذلك الحديث بعض الهلكى أو المخطئين من الرواة(1) .
__________
(1) وعقد الدكتور حمزة المليباري في (الموازنة بين المتقدمين والمتأخرين في تصحيح الأحاديث وتعليلها) مبحثاً في التفرد ، هو المبحث الثاني من مباحث الكتاب ، وقد ضم جملة من مسائل التفرد هي (حقيقته ، أهميته في معرفة علل الأحاديث ، الطريقة العلمية للكشف عن التفرد ، ضابط التفرد ، مراتب التفرد ، أمثلة ونماذج توضيحية) ، فقال في بيان حقيقة التفرد (ص71-72) :
(يراد بالتفرد أن يروي شخص من الرواة حديثاً ، دون أن يشاركه الآخرون ، وهو ما يقول فيه المحدثون النقاد : "حديث غريب" ، أو : "تفرّد به فلان" ، أو : "هذا حديث لا يُعرف إلاَّ من هذا الوجه" ، أو "لا نعلمه يُروي عن فلان إلا من حديث فلان" ، أو نحو ذلك .
وما يمكن استخلاصه من نصوصهم أن التفرد على نوعين : تفرد مطلق ، وتفرد نسبي ، غير أنهم كثيراً ما يطلقونه على حديث ولا يفرقون بينهما ، وهذا ما يجعل المبتدئين يفهمون منه خلاف مقصودهم .
أما المطلق فأن لا يكون الحديث معروفاً إلا من رواية فلان ، مثل ما تفرّد به أشعث بن عبد الله ، عن الحسن ،عن عبد الله بن مغفل : أن النبي صلى الله عليه وسلم "نهى أن يبول الرجل في مستحمه … " [أخرجه الترمذي في كتاب الطهارة من سننه].
يقول الترمذي : "هذا حديث غريب ، لا نعرفه مرفوعاً إلا من حديث أشعث بن عبد الله" .
وأما النسبي فأن يكون التفرد بالنسبة إلى جهة معينة ، مثل حديث سلمة بن وردان ، عن أبي سعيد بن أبي المعلى ، عن علي بن أبي طالب ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة … " ، فإنَّ سلمة بن وردان لم يتفرّد بهذا الحديث مطلقاً ، وإنما تفرّد بجعله من مسند علي ، وهذا تفرد نسبي والحديث مشهور عن أبي هريرة. [روى ابن عدي حديث سلمة بن وردان في الكامل 3/1182].
ومثل حديث : " إنما الأعمال بالنيات " ، الذي رواه الربيع بن زياد ، عن محمد بن عمرو ،عن محمد بن إبراهيم ، عن علقمة ، عن عمر بن الخطاب ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، يقول ابن عدي : لم يروه عن محمد بن عمرو ، عن محمد بن إبراهيم غير الربيع بن زياد [أورده ابن عدي في الكامل 3/997] ؛ اعتبر ابن عدي رواية الربيع لهذا الحديث تفرداً رغم شهرته عن يحيى بن سعيد ، عن محمد بن إبراهيم ، عن علقمة ، عن عمر، لأنه تفرّد بإضافته إلى محمد بن عمرو).
ثم قال عقب ذلك (ص72) في بيان أهمية [العلم بـ]التفرد في معرفة علل الأحاديث :
(إن التفرد من المسائل التي اعتنى بها نقاد الحديث إذ أن له علاقة مباشرة بتعليل الأحاديث ، فهو أحد وسائل الكشف عما يكمن في الأحاديث من أوهام وأخطاء ، فمن ثَمَّ أولاه المحدثون عنايةً بالغةً واهتموا به اهتماماً خاصاً ، فأفردوه بالتصنيف، فمن هذه المصنفات كتاب "الأفراد" ، و "غرائب مالك" ، و "الفوائد المنتخبة" ، للإمام الدارقطني ، ومنها ما يُنسب لتمام [تصحفت في المطبوعة إلى (لأبي تمام) ] وغيره من كتب الفوائد ، ومنها كتاب "المعجم الأوسط" ، و "المعجم الصغير" ، كلاهما للطبراني ، و "المسند المعلل" ، للإمام البزار ، و "حلية الأولياء" ، لأبي نعيم ، و "التاريخ الكبير" للإمام البخاري ، و "الكامل" لابن عدي ، و "الضعفاء" للعقيلي ، وغيرها كثير .
وذلك مما يدل على أهمية المسألة ، إذ أنه ليس بالإمكان تعليل الأحاديث أو تصحيحها إلا بعد معرفة حالة التفرد أو حالة المشاركة في كل طبقة من طبقات الإسناد) ؛ انتهى ما أردت نقله من كلامه، وما بين الحاصرتين زيادات مني إما تصحيحية وإما مأخوذة من هامش (الموازنة).(2/345)
وأما المتأخرون فالأصل عندهم في التنصيص على التفرد هو الإحصاء وذكر الغرائب ، وبيان انتفاء المتابعة تيسيراً على الباحث المستقرئ؛ والأصل عندهم أيضاً أن التفرد لا يكون علة إلا كان المتفرد ضعيفاً ، أو مخالفاً لمن هو أوثق منه مخالفة لا يمكن معها الجمع بين الروايتين.
قال الشيخ الدكتور حمزة المليباري في خطبة كتابه (الموازنة بين المتقدمين والمتأخرين - الطبعة الثانية) (ص13) : (إن الحديث الذي يرويه الضعيف غير المتروك ، أو الحديث المنقطع بجميع أنواعه ، تتم تقويته بتعدد الروايات عند نقاد الحديث إذا ثبتت صحة هذه الروايات ، أو إذا لم يظهر لهم خطأ فيها.
ففي الحالة الأولى يتقوى الحديث بالمتابعات(1) ويصير صحيحاً دون تمييز بين الثقة والضعيف والصدوق.
وفي الحالة الثانية يكون الحديث حسناً ، كذلك.
__________
(1) علق الدكتور حمزة هنا قوله : (للمتبعات تفاصيل أخرى مهمة بينها أخونا الفاضل الشيخ عبدالعزيز بن عثيم رحمه الله تعالى رحمة واسعة ، في كتابه (دراسة الأسانيد) ، لمعالجة ظاهرتي الإفراط والتفريط في تطبيق قاعدة المتابعات والشواهد ، في بحوث المعاصرين والرسائل الجامعية ؛ فلتراجع ).(2/346)
وأما إذا ظهر الخطأ والوهم فيما ورد من الروايات فلا يعدها النقاد متابعات ، ولا شواهد ، تصلح للتقوية ، حتى وإن كان رواتها ثقات ، فإن هذه الروايات عبارة عن أوهام من رواتها ، وتعددها يكون حينئذ وهماً لا حقيقة ، ويعبرون عن ذلك بقولهم "تفرد به فلان" ، أو "غريب" ، أو غير ذلك ؛ وهذه هي الضوابط في تقوية الحديث بالمتابعات والشواهد لدى أئمة هذا الشأن----)(1) .
__________
(1) تتمة كلامه هي : (ومن المؤسف أن نرى بعض الباحثين المعاصرين يستدرك على نقاد الحديث فيما ينصون على غرابته من الأحاديث ، ويقول : "قلت : وقد توبع" ، أو : "وجدت له متابعات" ، ثم يسردها ؛ وفي الواقع لم تكن هذه المتابعات اكتشافاً من هذا الباحث ، وإنما أخذها من كتب النقاد أنفسهم الذين أعلوها بالتفرد أو المخالفة .
وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على أن ما فهمه في مسألة تقوية الحديث بالمتابعات والشواهد لم يكن سليماً ولا مستقيماً منهجياً ، لكون هؤلاء المعاصرين قد اعتمدوا في ذلك على ظاهر ما ورد في كتب المصطلح ، دون إمعانهم النظر في سياقه ، ولا بحثهم عن أمثلته التطبيقية في كتاب النقاد ، فهم كمستبضع تمر إلى هَجَر .
فعلى منهج النقاد فإن ظواهر الإسناد لا يعوَّل عليها في التصحيح والتضعيف إلا بعد التأكد [كذا] من انتفاء القرائن والملابسات التي يمكن أن تحيط بذلك الإسناد ؛ ولذا فإن معرفة صحة الحديث وضعفه ومدى قبوله وخطئه تكون متوقفة على الحفظ والفهم والمعرفة ، سواء في حالة اعتماد القرائن أو في حالة اعتماد الظواهر ؛ فإن القرائن غير محصورة بضوابط معينة ، بل لكل حديث قرينة وملابسات خاصة ، كما صرّح بذلك بعض حفاظ المتأخرين أمثال ابن رجب والعلائي وابن حجر وغيرهم .
وهذا الذي ذكرناه من دقة منهج النقاد في التصحيح والتعليل ، هو بعينه سر وجود بعض أحاديث الثقات ، بل بعض أحاديث الأئمة ، في كتب العلل ، كونها معلولة غير مقبولة ، وسر وجود بعض أحاديث الضعفاء في كتب الصحاح مصححة معتمدة ) .(2/347)
قلت : وكذلك قولهم (يُعرَف بفلان) ، فإذا قال الناقد الواسع الحفظ والاطلاع : (هذا الحديث يعرف بزيد) ، فيظهر أن معنى ذلك أنه يشير إلى عدم ثبوت ما قد يروى من متابعات لزيد ، أو إلى عدم الاعتداد بها وعدم الالتفات إليها ؛ أي أنه لا يثبت عن شيخ زيد إلا من طريق زيد وحده ، ثم إن الغالب في إطلاق هذه العبارة - أعني ذكر تفرد الراوي بالحديث وما كان بمعناها - عند المتقدمين هو أنها تقال في حق من يتفرد بحديث وهو نازل عن رتبة الاحتجاج بما يتفرد به .
قال الترمذي في (سننه) (2091) : (حدثنا علي بن حجر قال أخبرنا الوليد بن محمد الموقري عن الزهري عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إنما مثل المريض إذا برأ وصح كالبَرَدة تقع من السماء في صفائها ولونها) ؛ انتهى .
الوليد بن محمد الموقري هذا ضعيف جداً ، وقد أنكر عليه أهلُ العلم هذا الحديثَ، وأدخلوه في ترجمته من كتب الضعفاء في جملة ما استنكروه عليه ؛ وصرحوا بأنه تفرد به عن الزهري ، مع أنه قد تابعه عليه غيرُ واحد من الرواة ، وذلك لأن ما رُوي من متابعات للموقري مسروقة ملصقة عمداً ، أو مقلوبة خطأً ، ولذلك لم يعتدَّ أهل العلم بها وصرحوا بتفرد الموقري أو أشاروا إليه ، فقد قال العقيلي (ترجمة رقم 1923) : (عقب نقله لطعن يحيى بن معين وأحمد بن حنبل والبخاري وعلي بن حجر في الموقري هذا ، ثم روايته الحديث المذكور وحده: (وله عن الزهري مناكير لا يُتابع عليها ولا تُعرف إلا به) ؛ وقال البيهقي في (شعب الإيمان) (12/269) (9381): (أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان أخبرنا أحمد بن عبيد حدثنا تمتام حدثنا حاجب بن الوليد حدثنا الوليد بن محمد الموقري عن الزهري عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنما مثل المريض إذا برىء وصح من مرضه كمثل البردة تقع من السماء ، في صفائها ولونها) ، ثم قال البيهقي : (هذا يعرف بالموقري وهو ضعيف ؛ وقد:(2/348)
9382- أخبرنا أبو منصور أحمد بن علي الدامغاني من ساكني بيهقي أخبرنا أبو أحمد بن عدي الحافظ حدثنا الحسين بن محمد بن مودود حدثنا عبدالوهاب حدثنا بقية عن الزبيدي عن الزهري عن أنس ----) الحديث .
فانظر كيف قال البيهقي: (هذا يعرف بالموقري وهو ضعيف) ثم أتبع ذلك بمتابعة الزبيدي للموقري ، ولكنه يراها غير معتدٍّ بها، لأن عبد الوهاب - وهو ابن الضحاك - متروك .
وقال ابن عدي في (الكامل) (3/406) في ترجمة سعيد بن هاشم بن صالح المخزومي ، عقب إخراجه لهذا الحديث من طريق ابن أخي الزهري وعبدِ الله بن عامر ، مقرونَينِ ، عن الزهري به : (وهذا الحديث قد رواه عن الزهري الموقري أيضاً ، وهو معروف به) .
وقال ابن عدي أيضاً (7/72) في ترجمة الموقري هذا عقب روايته الحديث من طريقه : (وهذا لا يرويه عن الزهري غير الموقري) .
وأخرج ابن حبان هذا الحديث في (المجروحين) (1/358) من طريق سفيان بن محمد الفزاري عن ابن وهب عن يونس عن الزهري به ، وقال : (هذا خبر باطل ، إنما هو قول الزهري ، لم يرفعه عن الزهري إلا الموقري) ، لأن سفيان بن محمد متروك ، بل متهم ، اتهمه ابن عدي بسرقة الأحاديث ، وتسوية الأسانيد ؛ وهذا الحديث بعض مسروقاته .
وقال البزار (762- كشف الأستار) : (والموقري لين الحديث ؛ حدث عن الزهري بأحاديث لم يتابع عليها) .
فهذه جملة من كلمات أهل العلم في هذا الحديث ، مع أنه قد رُوي - كما تقدمت الإشارة إليه - عن الزهري من طرق أخرى غير طريق الموقري ؛ ومعنى ذلك عدم اعتدادهم بتلك المتابعات لعدم صحتها عن أولئك المتابِعين ، فهم يرون أن كل من روى هذا الحديث عن الزهري من غير طريق الموقري ، فهو إما سارق أو واهم ؛ ولذلك صرّحوا - أو لوحوا - بأن هذا الحديث تفرد به الموقري(1) .
__________
(1) استفدت أصل تخريج هذا الحديث من (الإرشادات) للشيخ طارق عوض الله (ص118-120) .(2/349)
وأخيراً ، فإذا عُلم هذا تبين وجه صنيع كثير من جهابذة الحفاظ والنقاد من تصريحهم في كثير من الروايات بتفرد بعض رواتها بها ، مع وجود متابعات لها ؛ وههنا احتمالات :
أولها وهو أظهرها : أنهم وقفوا على تلك المتابعات ، ولكنهم تركوها ولم يلتفتوا إليها ، لسقوطها وشدة وهائها ، فعدّوها في حكم العدم ، وقد يُشعر بذلك استعمالهم كلمة (يعرف بفلان) أو (لا يُعرف إلا بهذا الإسناد) ، ومعلوم أن كلمة (معروف) لها في عرف المحدثين معنى اصطلاحي معروف ، فالحديث المنكر غير معروف ويستحق أن يقال فيه : لا يُعرف .
وثانيها : أنها فاتتهم ، إما بتعمد منهم، أو بدونه ، فليست عندهم ، فهم لم يكتبوها ، أو لم يسمعوها أصلاً ، بسبب كونها من رواية المتروكين عندهم ، من معاصريهم أو من طبقة شيوخهم ، والأئمة يكتبون أحياناً عن بعض المتروكين لحاجات النقد ، ويتركون الكتابة عن كثير منهم ، وهم الذين لا يُنتفع برواياتهم في الدراسات النقدية .
وثالثها : أنها وُجدت أو افتُريت بعد عصرهم إمّا بسرقة أو تركيب متعمَّد ، أو تلقين ، أو إدخال ، أو تزوير ؛ أو وجدت بعد عصرهم ، كذلك ، ولكن من غير تعمد ، بل بسبب خطأ من راو مخطئ .
ولهذا فإن من أراد أن يستدرك عليهم مثل هذه المتابعات ينبغي أن لا يكون استدراكه مُشعراً بوصفهم بالتقصير في التفتيش أو القصور في الحفظ ، فإنهم فوق ذلك وإن لم يكونوا معصومين من الخطأ ولا محيطين بكل العلم ؛ فليعلم ذلك ، وأيضاً ينبغي أن يُجعل تنصيصهم على ذلك التفرد احتمالاً قوياً في سقوط تلك الرواية المستدركة أو تعليلها بما يمنعها من صلاحيتها للاستشهاد بها ، وحينئذ لا بد من دراسة كل الاحتمالات والقرائن في كل حديث .
هذا وقد أولع كثير من المحدثين من المتوسطين والمتأخرين بجمع نوعين من الأفراد والغرائب :
النوع الأول : ما تفردوا هم أنفسهم به ، وأفردوا لذلك كتب الفوائد.(2/350)
النوع الثاني : ما تفرد به الأئمة ، كمالك وغيره من الكبار ؛ وأفردوا لذلك كتب الغرائب ونحوها(1).
ومن المهم معرفته أن حكم النقاد على تفرد الثقات يختلف باختلاف حالهم في الحفظ ، واختلاف طبقتهم الزمنية ، واختلاف صفتهم من حيث الإكثار والإقلال ، واختلاف مقدار ملازمتهم لمن تفردوا عنه ، واختلاف معنى الحديث الذي تفردوا به ، واختلاف نعوت وأحوال شيخهم الذي تفردوا عنه .
وإليك تفصيلٌ في بعض هذه المعاني :
قال الحافظ الذهبي في (الموقظة) (ص33-36) : (ويمتاز الثقة بالضبط والإتقان ، فإن انضاف إلى ذلك المعرفة والإكثار فهو حافظ .
والحفاظ طبقات في ذروتها أبو هريرة رضي الله عنه ، وفي التابعين كابن المسيب ، وفي صغارهم كالزهري ، وفي أتباعهم كسفيان وشعبة ومالك ، ثم ابن المبارك ويحيى بن سعيد ووكيع وابن مهدي ----.
وممن يوصف بالحفظ والإتقان جماعة من الصحابة والتابعين ، ثم عبيدالله بن عمر وابن عون ومسعر ، ثم زائدة(2) ----.
وممن يُعدّ(3) من الحفاظ في الطبقة الثالثة عدد من الصحابة وخلق من التابعين وتابعيهم وهلم جراً إلى اليوم---- .
فهؤلاء الحُفَّاظُ الثقات ، إذا انفرد الرجلُ منهم من التابعين ، فحديثهُ صحيح .
وإن كان من الأتباعِ قيل : صحيح غريب .
__________
(1) ونظير هذا الولوع ولوعُهم بالإغرابِ على غيرهم، وكانوا يدخلون إلى ذلك الإغراب من بابين :
الباب الأول : رواية ما ليس عند أقرانهم ، من أهل مِصرهم خاصة ، أو من أهل عصرهم، عامة.
الباب الثاني : رواية ما يَعْلون به بالنسبة إلى أقرانهم ؛ فهم يُغرِبون على أقرانهم بتلك العوالي.
(2) هؤلاء من الطبقة أو المرتبة الثانية من مراتب الثقات الحفاظ بحسب تقسيم الذهبي .
(3) تصحفت في مطبوعة دار الآثار إلى (تعدّى) ، والتصحيح من مطبوعة الشيخ عبدالفتاح أبو غدة ، فقد كنت نقلت منها هذا النص ، ثم فقدتُ نسختي قبل البدء بتبييض الكتاب ، ولذلك جعلتُ أصلَ إحالتي على الطبعة الأخرى المذكورة .(2/351)
وإن كان من أصحاب الأتباع قيل : غريبٌ فَرْد .
ويَنْدُرُ تفرُّدهم ، فتجدُ الإمامَ منهم عندهَ مِئتا ألف حديث ، لا يكادُ
ينفرد بحديثينِ ، ثلاثة .
ومن كان بعدَهم فأين ما يَنفرِدُ به ، ما علمتهُ ، وقد يوُجَد .
ثم نَنْتَقِلُ إلى اليَقِظ الثقةِ المتوسِطِ المعرفةِ والطلب ، فهو الذي يُطلَقُ عليه أنه ثقة(1) ، وهم جُمهورُ رجالِ الصحيحين ؛ فتابِعِيُّهم إذا انفَرَد بالمَتْن خُرَّج حديثهُ ذلك في الصحاح .
وقد يَتوقَّفُ كثيرُ من النُّقاَّد في إطلاق الغرابة مع الصحة في حديثِ أتباعِ الثقات(2) ؛ وقد يُوجَدُ بعضُ ذلك في الصحاح دون بعض(3) .
وقد يُسمِّي جماعةٌ من الحفاظ الحديثَ الذي ينفرد به مثلُ هُشَيْم وحفصِ بنِ غِياثٍ : منكراً
فإن كان المنفرد من طبقة مشيخة الأئمة ، أطلقوا النكارةَ على ما
انفرد ، مثلُ عثمان بن أبي شيبة ، وأبي سَلَمة التَّبُوْذَكِي ، وقالوا : هذا منكر(4).
فإن رَوَى أحاديثَ من الأفراد المنكرة غَمَزُوه وليَّنوا حديثَه ، وتوقفوا في توثيقه ، فإن رَجَع عنها وامَتَنع من روايتها ، وجَوَّز على نفسِه الوَهَمَ فهو خيرٌ له وأرجَحُ لعدالته ، وليس من حَدِّ الثقةِ : أنَّهُ لا يَغلَطُ ولا يُخطِئ ، فمن الذي يَسلمُ من ذلك غيرُ المعصومِ الذي لا يُقَرُّ على خطأ ؟!) ؛ انتهى .
تدبر كلام الذهبي رحمه الله ، وانظر كيف ذكر تفريق النقاد في أحكامهم على الرواة بحسب مراتبهم في الوثاقة والزمن .
__________
(1) يعني الثقات غير المؤكد توثيقهم .
(2) يظهر أن المراد ثقات الأتباع .
(3) يعني صاحب الصحيح ينتقي من أفراد هؤلاء .
(4) هذه الفقرة سقطت من المطبوعة التي بين يدي ، وهي ثابتة في غيرها .(2/352)
وقال ابن القطان في (بيان الوهم والإيهام) (4/383) في ختام كلامه على بعض الأحاديث :(وهذا الذي كتبناه كله يؤكد ما قلناه ، من كون الحديث المذكور لا يصح ، فإنه من الأفراد التي لا تقبل إلا من الثقات المشهورين) ؛ ولكن قد يكون لكلامه محملٌ آخر فلا يكون نصاً منه في تأييد المذهب الذي نحن بصدد نصرته ؛ فإنه قال إتماماً لكلمته المتقدمة : (وقد عُدم ذلك فيه ، للجهل بحال عقيل بن شبيب ) .
ثم إنَّ التفرد - كما هو مشهور - نوعان : مطلق ونسبي(1) ، وهذا شرْحُهما .
وانظر (لا أعلمه يُروى إلا من هذا الوجه) و (الغرائب) و (فائدة) .
التفرد المطلق :
هو أن يروي راوٍ حديثاً يتفرد بمتنه عن سائر الرواة ، أي ليس له فيه متابع ولا شاهد ؛ وذلك الحديث هو الغريب غرابة مطلقة.
فمعنى الغريب المطلق من الأحاديث هو - باختصار - : ما ليس لمتنه إلا إسناد واحد .
ولا يمنع من إطلاق هذه التسمية تعدد رواة الحديث في بعض ما تأخر من طبقات سنده؛ ومن أشهر أمثلة ذلك حديث عمر رضي الله عنه (إنما الأعمال بالنيات).
التفرد النسبي :
وهو نوعان :
النوع الأول : أن يتفرد راو واحد بحديث من بين طائفة من الرواة ، تشاركه في اسم أو بلد أو زمن أو وصف أو شيخ له أو راوٍ عنه أو نحو ذلك ، مثل تفرد بصري بحديث دون سائر البصريين ، وكذلك تفرد راو يقال له أحمد بحديث من بين سائر الأحمدين ، أو تفرد أحد الثقات من بين سائرهم ، أو أحد شيوخ شعبة من بين سائرهم .
والنوع الثاني : أن يتفرد بالحديث طائفة مخصوصة كالطوائف التي ذكرتها الآن ، فيكون مداره في طبقة من طبقات السند عليها ولا يرويه من غيرها أحد(2) .
__________
(1) وكذلك الغرابة نوعان : مطلقة ونسبية.
(2) قولنا في هذا الباب : هذا الحديث تفرد به المكيون مثلاً ليس المراد بذلك تسلسله بهم ، ولا اشتراك جميع الرواة المكيين بروايته ، وهذا واضح .(2/353)
مثال هذا النوع الأحاديث التي يتفرد بها الضعفاء أو الكذابون ، أو أصحاب البدعة الفلانية ، أو المدلسون أو الشاميون أو الكوفيون .
أما الحاكم فقال في (معرفة علوم الحديث) (ص317 وما بعدها) في الأفراد من الأحاديث :
(وهو على ثلاثة أنواع .
فالنوع الأول منه : معرفة سنن لرسول الله صلى الله عليه وآله يتفرد بها أهل مدينة واحدة عن الصحابي(1) ---- .
والنوع الثاني من الأفراد : أحاديث يتفرد بروايتها رجل واحد عن إمام من الأئمة ---- .
فأما النوع الثالث من الأفراد فإنه أحاديث لأهل المدينة يتفرد بها عنهم أهل مكة مثلاً ، وأحاديث لأهل مكة يتفرد بها عنهم أهل المدينة مثلاً ، وأحاديث ينفرد بها الخراسانيون عن أهل الحرمين مثلاً ، وهذا نوع يعز وجوده وفهمه) ؛ انتهى .
وهذان الاسمان (التفرد المطلق والتفرد النسبي) يظهر أنهما من اصطلاحات المتأخرين ؛ وأما المتقدمون فعنايتهم بالنقد المتعلق بتفرد الراوي عن شيخه، هو الأكثر.
فائدة : يصح أن يقال في تعريف التفرد المطلق : هو تسلسل الحديث بالتفرد النسبي إلى منتهاه ؛ وأعني بالتفرد النسبي هنا النوع الأشهر منه وهو تفرد الراوي عن شيخه .
تفرد به فلان :
انظر (التفرد).
تفرد عنه فلان :
هذه من الألفاظ التي يراد بها تجهيل الراوي ، ويتأكد ذلك إذا اقتصر عليها العالم الناقد كالذهبي وابن حجر ، فكانت هي كل الذي قيل في ترجمة ذلك الراوي في كتبهم ؛ ويتأكد ذلك أكثر إذا كان المتفرد عند كذاباً أو مدلساً أو ضعيفاً أو فيه جهالة ؛ وانظر (روى عنه فلان بس).
التفسير بالأثر :
قال الشيخ الدكتور مساعد الطيار في بحث له عنوانه (التفسير بالمأثور : نقد للمصطلح وتأصيل):
(إن المصطلحات العلمية يلزم أن تكون دقيقة في ذاتها ونتائجها، وإلا وقع فيها وفي نتائجها الخلل والقصور.
__________
(1) ثم ذكر حديثاً قال فيه بعده : (تفرد به أهل الكوفة من أول الإسناد إلى آخره لم يشركهم فيه أحد) .(2/354)
ومن هذه المصطلحات التي حدث فيها الخلل مصطلح "التفسير بالمأثور".
وفي هذا المصطلح أمران: أنواعه ، وحكمه.
أما أنواعه، فقد حدّها من ذكر هذا المصطلح من المعاصرين بأربعة، هي: "تفسير القرآن بالقرآن ، وبالسنة ، وبأقوال الصحابة ، وبأقوال التابعين".
وغالباً ما يحكي هؤلاء الخلاف في جعل تفسير التابعي من قبيل المأثور.
وأما حكمه ، فبعض من درج على هذا المصطلح ينتهي إلى وجوب الأخذ به.
وأقدم من رأيته نص على كون هذه الأربعة هي التفسير بالمأثور الشيخ محمد بن عبدالعظيم الزرقاني ، حيث ذكر تحت موضوع (التفسير بالمأثور) ما يلي: (هو ما جاء في القرآن أو السنة أو كلام الصحابة تبايناً لمراد الله من كتابه) ، ثم قال: (وأما ما ينقل عن التابعين ففيه خلاف بين العلماء: منهم من اعتبره من المأثور لأنهم تلقوه من الصحابة غالباً ومنهم من قال: إنه من التفسير بالرأي).(4)
ثم جاء بعده الشيخ محمد حسين الذهبي (ت: 1977 م) فذكر هذه الأنواع الأربعة تحت مصطلح (التفسير المأثور) ، وقد علل لدخول تفسير التابعي في المأثور بقوله: (وإنما أدرجنا في التفسير المأثور ما روي عن التابعين وإن كان فيه خلاف: هل هو من قبيل المأثور أو من قبيل الرأي؟ لأننا وجدنا كتب التفسير المأثور كتفسير ابن جرير وغيره لم تقتصر على ما ذكر مما روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وما روي عن الصحابة ، بل ضمنت ذلك ما نقل عن التابعين في التفسير).
منشأ الخطأ في هذا المصطلح:
إنه فيما يظهر قد وقع نقل بالمعنى عمن سبق أن كتب في هذا الموضوع وبدلاً من أن يؤخذ عنه مصطلحه استبدل به هذا المصطلح الذي لم يتواءم مع هذه الأنواع ، ولا مع حكمها كما سيأتي.
والمصدر الذي يظهر أن هذه الأنواع نُقلت منه هو رسالة شيخ الإسلام ابن تيمية المسماة (مقدمة في أصول التفسير).
وقد وردت هذه الأنواع الأربعة تحت موضوع (أحسن طرق التفسير) فهي عند شيخ الإسلام (طرق) وليست (مأثوراً).(2/355)
ولو تأملت النقلين السابقين ، فإنك ستجد أنهما يحكيان الخلاف في كون تفسير التابعي مأثوراً أم لا.
وستجد هذا موجوداً في رسالة شيخ الإسلام ، ولكن البحث فيه ليس عن كونه مأثوراً أم لا ، بل عن كونه حجة أم لا؟
وبين الأمرين فرق واضحٌ ، إذ لم يرد عن العلماء هل هو مأثور أم لا؟ لأن هذا المصطلح نشأ متأخراً ، بل الوارد هل هو حجة أم لا؟
وإن كان هذا التأصيل صحيحاً ، فإن اصطلاح شيخ الإسلام أدق من اصطلاح المعاصرين ، وأصح حكماً.
فهذه التقسيمات الأربعة لا إشكال في كونها طرقاً، كما لا إشكال في أنها أحسن طرق التفسير ، فمن أراد أن يفسر فعليه الرجوع إلى هذه الطرق.
نقد مصطلح (التفسير المأثور):
مصطلح المعاصرين عليه نقد حيث يتوجه النقد إلى أمرين وإليك بيانه:
1- ما يتعلق بصحة دخول هذه الأنواع في مسمى (المأثور).
2- ما يتعلق بالنتيجة المترتبة عليه ، وهي (الحكم).
أما الأول: فإنه يظهر أن هذا المصطلح غير دقيق في إدخال هذه الأنواع الأربعة فيه ، فهو لا ينطبق عليها جميعاً، بل ويخرج ما هو منها، فهذا المصطلح غير جامع ولا مانع لسببين:
أ- أن المأثور هو ما أثر عمن سلف ، ويطلق في الاصطلاح على ما أُثر عن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة ومن بعدهم من التابعين وتابعيهم.
فهل ينطبق هذا على تفسير القرآن بالقرآن؟
إن تفسير القرآن بالقرآن لا نقل فيه حتى يكون طريقه الأثر ، بل هو داخل ضمن تفسير من فسر به.
فإن كان المفسِّرُ به الرسولَ صلى الله عليه وسلم فهو من التفسير النبوي.
وإن كان المفسر به الصحابي ، فله حكم تفسير الصحابي.
وإن كان المفسر به التابعي ، فله حكم تفسير التابعي.
وهكذا كل من فسر آية بآية فإن هذا التفسير ينسب إليه.
ب- أن المأثور في التفسير يشمل ما أُثر عن تابعي التابعين كذلك ومن دوّن التفسير المأثور فإنه ينقل أقوالهم ، كالطبري (ت:310) وابن أبي حاتم (ت: 327) ، وغيرهما.(2/356)
بل قد ينقلون أقوال من دوْنهم في الطبقة، كمالك بن أنس ، وغيره ؛ ولو اطلعت على أوسع كتاب جمع التفسير المأثور، وهو (الدر المنثور في التفسير بالمأثور) لرأيت من ذلك شيئاً كثيراً.
ولو قُبلت العلة التي ذكرها الشيخ محمد حسين الذهبي في إدخاله تفسير التابعين في المأثور ، لصح تنزيلها على المأثور عن تابعي التابعين ومن دونهم.
وقد نشأ الخطأ في تصور ونقل الخلاف في تفسير التابعي ، وهل يندرج تحت التفسير بالمأثور ، أم لا يصح أن يوصف بأنه تفسير مأثور؟ ونزّل كلام العلماء خطأ في حكم تفسير التابعي على قضية كونه تفسيراً مأثوراً أم غير مأثور ، ولم يكن حديث العلماء على كونه مأثوراً أم غير مأثور ، إذ لم يكن ذلك المصطلح معروفاً ولا شائعاً في وقتهم.
وأما الثاني وهو ما يتعلق بالحكم فإن بعض من درج على هذا المصطلح نصّ على وجوب اتباعه والأخذ به ، وهو مستوحى من كلام آخرين.
ومما يلحظ على هذا الحكم أنهم يحكون الخلاف في تفسير التابعي من حيث الاحتجاج ، بل قد حكى بعضهم الخلاف في تفسير الصحابي؛ ثم يحكمون في نهاية الأمر بوجوب اتباعه والأخذ به! فكيف يتفق هذا مع حكاية الخلاف الوارد عن الأئمة دون استناد يرجح وجوب الأخذ بقول التابعي ، فهم يمرون على هذا الخلاف مروراً عاماً بلا تحقيق.
ثم إن كان ما ورد عن الصحابة والتابعين مأثوراً يجب الأخذ به على اصطلاحهم فما العمل فيما ورد عنهم من خلاف محقق في التفسير؟ وكيف يقال: يجب الأخذ به؟
ومن نتائج عدم دقة هذا المصطلح نشأ خطأ آخر ، وهو جعل التفسير بالرأي مقابلاً للتفسير بالمأثور وهو الأنواع الأربعة السابقة ، حتى صار في هذه المسألة خلط وتخبط، وبنيتْ على هذا التقسيم معلومات غير صحيحة ، ومنها----) إلى آخر كلامه حفظه الله .
التفسير بالمأثور :
هذه العبارة مرادفة لعبارة (التفسير بالأثر) ، فانظرها .(2/357)
التفصيل :
يرد في كلام العلماء : (هذه المسألة فيها تفصيل) ونحو ذلك ، والمراد أن المسألة لا يحكم فيها بحكم إجمالي ، فمن الأحكام النقدية المفصلة - على جادة التمثيل - أن يقال في الراوي : هو ثقة ولكنه ضعيف فيما رواه عن فلان من شيوخه ؛ أو يقال في حديث : هو صحيح دون الجملة الأخيرة منه فهي شاذة .
وأما المعنى اللغوي للتفصيل فقال الزبيدي في (التاج) (30/168) : (التفصيل: التبيين) .
تقديم المتن على السند :
بعض المحدثين أحياناً يذكر المتن ثم السند ، وأكثر ما يقع ذلك في كتب التاريخ ولا سيما كتب الضعفاء منها ؛ ولذلك معنى مهم ؛ قال محمد عوامة(1) : (ذكر آخر السند ثم المتن ثم سياقة أول السند بعده: طريقة مؤذنة بضعف الحديث عند البخاري والترمذي وابن خزيمة وابن حبان) .
قلت : والظاهر أن صنيع البخاري مقصور على كتبه في الرجال، لا دخل له في صحيحه؛ وكذلك ابن حبان .
ثم إنهم إنما كانوا يفعلون هذا لسقوط إسناد الحديث؛ فالظاهر أن هذا الاصطلاح منهم دال على شدة ضعف الحديث لا على مطلق ضعفه؛ ولعل فيه إشارة إلى عدم جواز روايته عنهم إلا مع بيان حاله كما فعلوا هم .
التقديم والتأخير :
التقديم والتأخير كلمتان معناهما اللغوي معروف ، وأما في عرف المحدثين فمن أشهر استعمالاتهم لعبارة (التقديم والتأخير) استعمالها في بيان كيفية ترتيب الأحاديث فيما بينها ، في بابها من الكتاب المصنف(2) ، بحيث يكون لتقديم الحديث على غيره أو تأخيره عنه معنى نقدي يشير إليه مصنف الكتاب ، بذلك الترتيب ، أي التقديم والتأخير .
ووقع الكلام على هذا الأمر في غير هذا الموضع ؛ انظر (ترتيب الأحاديث) .
__________
(1) راجع فهارسه لـ(الكاشف) التي ألحقها به (2/557) .
(2) كالمسند والصحيحين .(2/358)
وأما في اصطلاح النساخ فالمراد شيء آخر وهو تقديم الكلمة على أختها خطأً ؛ قال السخاوي في (فتح المغيث) (3/102) : (إذا وقع في الكتاب تقديم وتأخير ، فمنهم من يكتب أول المتقدم كتابةً "يؤخر" ، وأول المتأخر "يقدم" ، وآخره "إلى" ، كل ذلك بأصل الكتاب إن اتسع المحل ، أو بالهامش ؛ ومنهم من يرمز لذلك بصورة "ميم" ، وهذا أحسن إن لم يكن المحل قابلاً لتوهم أن الميم رقمٌ لكتاب مسلم ؛ ثم إن محلَّه في أكثر من كلمة ، لكون شيخنا كان يرى في الكلمة الواحدة الضرب عليها وكتابتها في محلها ) .
وقال عبد السلام هارون في (تحقيق النصوص ونشرها) (ص56) : (وفي التقديم والتأخير توضع فوق الكلمتين أو العبارتين "ا" و "ا" ؛ وجدت بخط مغلطاي على هامش "الاشتقاق" : "سنة اومائة إحدىا ) ، أي سنة إحدى ومائة ؛ أو يوضع الحرفان "خ" و "ق" ، أو "خ" و "م" ، أي تأخير وتقديم ؛ أو "م" "م" ، أي مقدم ومؤخر ) .
وانظر (توثيق النصوص وضبطها عند المحدثين) للدكتور موفق بن عبدالله (ص149-152).
تقريظ الكتاب :
هو كتابة كلمة في بيان محاسن الكتاب وفضائله ؛ وأكثر ما توضع هذه الكلمة في هذا العصر بين يدي الكتاب ، أعني في جملة مقدماته ، والأصل فيها أن تكون من ذوي الشهرة العلمية الواسعة .
جاء في المعجم الوسيط : (قَرِظَ فلانٌ [يقرَظُ] قرَظاً : ساد بعد هوان.
قرَّظَ فلاناً : مدحه وأثنى عليه ، و[قرَّظَ] الكتابَ : وصف محاسنه ومزاياه - "مو" [أي مولدة] .
تقارظا المدحَ : مدح كلُّ واحد منها صاحبَه ، يقال : هما يتقارظان : يتمادحان).
التقصير :
التقصير مصدر الفعل (قصّرَ) ، فانظر (تدليس التسوية).(2/359)
تقطيع الحديث :
هو أن يروي المحدث حديثاً في كتابٍ صنفه ، ولكنه لا يرويه تاماً ، بل يروي كل قطعة منه في شيء من أبواب ذلك الكتاب، وقد يرويه في بعض تلك المواضع تامّاً ، وممن اشتهر من الأئمة بكثرة تقطيع الأحاديث وتوزيع قطعها على الأبواب العلمية التي تناسبها : الإمام البخاري رحمه الله تعالى ، في (صحيحه) ؛ فهو يذهب إلى جواز تقطيع الحديث إذا كان ما يفصله منه لا يتعلق بما قبله ولا بما بعده تعلقاً يفضي إلى فساد المعنى .
فإن قيل : ما نوع العلاقة بين تقطيع الحديث واختصاره ؟ فالجواب أن الاختصار هنا أعم من التقطيع، فكل تقطيع اختصار، وليس كل اختصار يكون تقطيعاً، أعني أن البخاري قد يروي في موضع من كتابه قطعة من حديثٍ معينٍ مقتصراً عليها ، فهذا اختصار منه للحديث في هذا الموضع ، مع أنه روى في موضع أو مواضع أخرى من كتابه ذلك الحديثَ بتمامه أو بقيته .
وأما الاختصار فيحصل بطرق أخرى فضلاً عن حصوله بطريقة التقطيع هذه أيضاً ، مثل أن يختصر معنى الحديث أي يجْمله .
والاختصار في الحقيقة نوعان : نوع في السند، وذلك بحذفه كله أو حذف بعضه ، إما من أوله ، وهو التعليق، أو التدليس، أو من وسطه ، وهو الانقطاع ، أو تدليس التسوية، أو من آخره وهو الإرسال، وكل هذه الأنواع هي في الحقيقة إرسال للحديث، بحسب اصطلاح المتقدمين .
والنوع الثاني في المتن ، ويحصل - كما تقدم - بالاقتصار على قطعة منه ، أو بحذف تفاصيله وجعله مجملاً .
قال ابن حجر في (فتح الباري) (1/84) عقب مسألة شرحها : (وننبه هنا على فائدتين :
إحداهما: أن البخاري يذهب إلى جواز تقطيع الحديث إذا كان ما يفصله منه لا يتعلق بما قبله ولا بما بعده تعلقا يفضي إلى فساد المعنى فصنيعه كذلك يوهم من لا يحفظ الحديث أن المختصر غير التام لا سيما إذا كان ابتداء المختصر من أثناء التام---- .(2/360)
الثانية : تقرر أن البخاري لا يعيد الحديث إلا لفائدة ، لكن تارة تكون في المتن ، وتارة في الإسناد ، وتارة فيهما ؛ وحيث تكون في المتن خاصة لا يعيده بصورته ، بل يتصرف فيه ، فإن كثرت طرقه أورد لكل باب طريقاً ، وإن قلَّتْ اختصر المتن أو الإسناد) .
وانظر (اختصار الحديث) .
تقوية الحديث بمجموع طرقه :
بعض الأحاديث لا تصح أسانيدها بذاتها ولكنها تصح بتعضيد طرقها الأخرى لها وشهادتها بسلامتها من مقتضِي ردِّها ؛ وقد كان عمل علماء العلل في هذا الباب منضبطاً بموازين دقيقة يعجز عن إدراكها من لم يشركهم في فنهم ؛ ولكن المتأخرين أو أكثرهم لم يحصلوا على هذه الموازين ، أو لم يحصلوا إلا على شيء يسير من أصولها ، ومع ذلك تجرأ كثير منهم فتوسعوا في الحكم على الأحاديث وتساهلوا في أكثر أحكامهم عليها، ومن ذلك تساهلهم في تقوية الأحاديث بمجموع طرقها ، فصححوا أو حسنوا مئات من الأحاديث التي حقها أن تُرد أو يُتوقف عن تصحيحها ، وهذا صنيع غير محمود ؛ والله المستعان .
جاء في (تهذيب الكمال) (15/493): (قال حنبل بن إسحاق: سمعت أبا عبد الله يقول: ما حديث ابن لهيعة بحجة، وإني لأكتب كثيراً مما أكتب اعتبر به، وهو يقوي بعضه ببعض).
وأسند البيهقي في (السنن الكبرى) (2/142) عن عثمان بن سعيد الدارمي قال: (سمعت أحمد بن حنبل يقول: أحاديث (أفطر الحاجم والمحجوم)، و(لا نكاح إلا بولي)، أحاديث يشد بعضها بعضاً وأنا أذهب إليها).
أقول : يؤخذ من هذين الخبرين أن الإمام أحمد ممن يقول بتقوية الحديث بكثرة طرقه في الجملة، وإن كان له في ذلك ـ ولا بد ـ شروط مقررة عنده.(2/361)
فلا ينبغي أن يفهم من هذا أن الإمام أحمد كان يتوسع في تقوية الأحاديث الضعيفة والساقطة بتعدد طرقها كما صنعه كثير من المتأخرين ويصنعه كثير من المعاصرين، ولكنه وسائر علماء العلل كانوا في ذلك على طريقة غير طريقة هؤلاء، بل قد توسع طائفة من المتكلمين على الأحاديث وطرقها بتقوية الحديث بأحاديث أخرى من بابه وإن لم يكن له إلا طريق واحدة، وهذا لا يستقيم؛ قال عبد الله بن يوسف الجديع في تعليقه على جزء (تسمية ما انتهى إلينا من الرواة عن سعيد بن منصور عالياً) لأبي نعيم (ص57): (لكني لا أرى الاستشهاد بالحديث بمجرد الاتفاق مع حديث آخر في الباب لا في جملة مضمونه، لأن الكثير من أحاديث الضعفاء بابها معروف، وربما كان باباً متواتراً من الدين، ولو فتحنا باب تقوية الأخبار بهذا المعنى للزمنا تصحيح الكم الكبير من أحاديث الضعفاء، وبالتالي ندخل في جملة من قال على النبي صلى الله عليه وسلم ما لم يقل) ؛ انتهى.
وقال الشيخ الألباني رحمه الله في حديث خرجه في (السلسلة الضعيفة) (5/133): (---- وهو مثال صالح من الأمثلة الكثيرة التي تؤكد أن قاعدة تقوية الحديث بكثرة الطرق ليست على إطلاقها، وأن تطبيقها لا يتيسر أو لا يجوز إلا لمن كانت له معرفة بأسانيد الأحاديث ورواتها، كما يدل من جهة أخرى على تساهل ابن حبان في صحيحه بإخراجه لهذا الحديث المنكر فيه).
قلت: تساهل ابن حبان مشهور، ولكن الحديث الواحد - كما هو معلوم - لا يكفي دليلاً لتعيين منهج ناقد من النقاد؛ ولا سيما في كتاب واسع حافل، كصحيح ابن حبان؛ ولكن إذا كثرت الأحاديث الضعيفة أو المنكرة كانت دليل التساهل؛ وتلك الكثرة يقدرها الناقد بحسب المقام وصفات الناقد وبقية القرائن المتعلقة بالمسألة.(2/362)
تنبيه: من أهم ما ينفع في التوصل إلى قواعد وضوابط التقوية بكثرة الطرق هو معرفة أسباب واحتمالات وكيفيات تكاثر الطرق والمتابعات أو قلتها، إجمالاً وتفصيلاً؛ ومحاولة تطبيق ذلك في حق الحديث المراد تخريجه - إذا كان من النوع الذي يحتمل أن يتقوى بمجموع طرقه - لمعرفة صلاحيته لذلك.
وإذا كثرت الطرق الضعيفة، والتالفة، والساقطة، لحديث من الأحاديث؛ ولم يكن بين تلك الطرق طرق صحيحة، أو طرق قوية كثيرة؛ بل كان بينها طرق فيها وضاعون وكذابون ومجاهيل، فإن ذلك يريب في صحة مسلك تقوية الحديث بمجموع طرقه غير الضعيفة جداً، ولو كثرت تلك الطرق؛ بل ذلك في - الحقيقة - لا يقف عند حدود إثارة الريب، وإنما يتعداها إلى المنع من التقوية المذكورة، والدلالة على بطلانها؛ وذلك لأن هؤلاء الوضاعين والكذابين بل والمجاهيل، الذين تفردوا بأسانيد مركبة أو أسانيد كالشمس في صحتها وشهرتها، أقول: هؤلاء جميعاً مظنة اختلاق الأحاديث وطرقها، وتزويرها وتركيبها، ومظنة سرقتها وتغييرها وإدخالها على غيرهم من الضعفاء ممن لا يتعمد الكذب، أو تلقينهم إياها، أو حملهم على تدليسها، أو نحو ذلك من أنواع سعيهم في ترويج الخبر الباطل بين الرواة وتكثير طرقه؛ وكذلك لا بد أن يجدوا من الضعفاء والمدلسين والمغفلين ونحوهم، بل وبعض الأقوياء من الرواة، من يتبرع - بلا طلب منهم - برواية ذلك الحديث؛ وحينئذ سيقع منهم ما يقع من غلط أو تخليط، أو تدليس؛ فإذا جاء القرن الذي بعد هؤلاء، فإن فيهم - بلا شك - من سيسير بسيرة سلفه، ويفعل مثل فعلته؛ وحينئذ يزداد عدد الطرق وعدد الأوهام التي تحيل بعض الطرق الساقطة إلى طرق ظاهرها القوة؛ وهكذا تتكاثر الطرق المتماسكة لبعض الأحاديث التي هي في الأصل مختلقة؛ وبعد ذلك يأتي - ولا سيما في العصور المتأخرة - من يقويها بمجموع جملة من طرقها ظاهرها - عنده - الضعف غير الشديد، ولا حول ولا قوة إلا بالله.(2/363)
قال المعلمي في حاشيته على (الفوائد المجموعة) (ص175) وهو يخرج بعض الأحاديث:
(الآفة فيه محمد بن يحيى بن ضرار، راجع ترجمته في (اللسان)، وقد سرقه منه جماعة، فأدخلوه على بعض من لا يتعمد الكذب).
ثم قال (ص176):
(---وقد رواه غيره؛ والذي تولى كبْره محمد بن يحيى بن ضرار كما مر، والباقون بين سارق ومدخل عليه).
وقال في كلامه على حديث آخر:
(دافع ابن حجر عن ثلاث روايات [يعني لذلك الحديث]؛ وحاصل دفاعه: أن المطعون فيهم من رواتها لم يبلغوا من الضعف أن يحكم على حديثهم بالوضع؛ فإن كان مراده أنه لا يحكم بأنهم افتعلوا الحديث افتعالاً، فهذا قريب، ولكنه لا يمنع من الحكم على الحديث بأنه موضوع، بمعنى أن الغالب على الظن أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقله؛ وأن من رواه من الضعفاء الذين لم يعرفوا بتعمد الكذب، إما أن يكون أدخل عليهم، وإما أن يكونوا غلطوا في إسناده----).
وأخرج ابن الجوزي في (الموضوعات) (854) حديث (إذا أقبلت الرايات السود من خراسان فأتوها، فإن فيها خليفة الله المهدي) ثم قال فيه: هذا حديث لا أصل له---؛ فتعقبه ابن حجر في (القول المسدد) (ص53) بقوله (قد أخرجه الإمام أحمد من حديث ثوبان ومن طريقه أخرجه ابن الجوزي أيضا في كتاب (الأحاديث الواهية) وفي طريق ثوبان علي بن زيد بن جدعان وفيه ضعف ولم يقل أحد إنه كان يتعمد الكذب حتى يحكم على حديثه بالوضع إذا انفرد وكيف وقد توبع من طريق آخر رجاله غير رجال الأول---).
فتعقب المعلميُّ الحافظ ابنَ حجر في حاشية (الفوائد المجموعة) بقوله: (وضعه غيره [يعني غير علي بن زيد]، وأدخله عليه؛ أو سمعه [أي علي] بسند آخر هالك، فغلط، فرواه بهذا السند-----).
وقال ابن القيم رحمه الله في (جلاء الأفهام) (ص248-249) في أثناء رده لبعض الأحاديث التي استنكرها:
(--- فإن قيل: لم ينفرد عكرمة بن عمار بهذا الحديث بل قد توبع عليه----.(2/364)
قيل: هذه المتابعة لا تفيده قوة، فإن هؤلاء مجاهيل لا يعرفون بنقل العلم ولا هم ممن يحتج بهم، فضلاً عن أن تقدم روايتهم على النقل المستفيض المعلوم عند خاصة أهل العلم وعامتهم فهذه المتابعة أن لم تزده وهناً لم تزده قوة؛ وبالله التوفيق).
وانظر (يستشهد به) و(فائدة) وانظر كلام شيخ الاسلام ابن تيمية بهامش الكلام على كلمة (يكتب حديثه ولا يحتج به) .
تكرير الحديث :
هي رواية متنه أكثر من مرة في الكتاب ، سواء اختلفت الطرق في تلك المرات أو اتحدت.
وممن اشتهر بتكرير الحديث في الأبواب الإمام البخاري ، فعل ذلك في (صحيحه)، وكان له في ذلك مقاصد جليلة وأساليب عجيبة وإشارات بديعة دالة على حكمته ورسوخه في علمي الفقه والحديث، رحمه الله تعالى.
تكلَّم فيه فلان :
أي انتقده ، بتكذيب ، أو تضعيف شديد أو غير شديد ، أو بتليين أو بتبديع ، أو بغمز خفيف ، أو نحو ذلك ؛ وعلى هذا فلا يتجه حمل هذه العبارة على أحد هذه المعاني إلا المعنى التي تقوم عليه الأدلة أو تعينه القرائن الصحيحة ؛ وانظر ما يلي .
تُكلِّم فيه :
أي ذكر فيه العلماء قدحاً يضعفه أو يلينه أو يقضي بوجوب التوقف فيه أو التثبت في الاحتجاج به وتقديم غيره من الثقات المتقنين ، عند مخالفته لهم، عليه .
ثم إن ذلك الكلام قد يكون في صدقه وأمانته وقد يكون في حفظه وضبطه .
وهذه اللفظة الأصل فيها أنها أخف بعض الشيء من قولهم في الراوي (تكلموا فيه) ، إذ في هذه الثانية إسناد الكلام إليهم ، أي إلى الأئمة أو جمهور العلماء ، أو معظم الذين تكلموا على حال ذلك الراوي أو المحققين منهم أو نحو ذلك ؛ وذلك بخلاف الأولى ، فإنها تصْدُقُ بأي كلام معتبر ؛ ولكن بعض المتأخرين كانوا يختصرون الكلام على الأحاديث ورواتها ، ويُجْملونه، فربما وقع منهم عدم التفرقة بين (تكلموا فيه) ، و(تُكلم فيه)، ولا سيما من كان منهم لا يراعي الدقة في العبارة.(2/365)
وهاتان الكلمتان (تُكلم فيه) و (تكلموا فيه) قد يستعملهما الناقد فيمن كان الكلام فيه شديداً ؛ وقد يستعملهما فيمن كان الكلام فيه خفيفاً لا يقتضي أكثر من تليينه ، فهما من الجرح غير المفسر ، فإن قال واحدة منهما بعضُ الأئمة ، أو بعضُ المحققين من العلماء ، في بعض الرواة ولم يدلَّ السياق على تعيين مراده ، ولم يَرِدْ في حق ذلك الراوي تعديلٌ ولا تجريح فتلك الكلمة كافية لتجريحه وتضعيفه ، وأما إن قيلت في حق من ورد فيه ما يعارضها أو يتفوق عليها من التعديل فذلك موضع للتدبر والموازنة .
هذا ومما ينبغي التنبه له أنه كما أنَّ بعض العلماء المتأخرين أو بعض الدارسين يشذ عن طريقة الجمهور ، فيستعمل هاتين اللفظتين أحياناً في نعت من ثبَتَ ضعفُه أو كان تالفاً شديد الضعف ، بل وأحياناً فيمن هو متهم ، فإنَّ بعضهم يشذ إلى الجهة المناظرة فيتعنت أو يتحامل فيصف بكلمة (تُكلِّم فيه) مجردةً، أو بكلمة (متكلَّم فيه) مجرَّدة ،أيضاً ، إماماً ثقة تُكلم فيه بغير حق ، أو بما لا مطعن عليه به ، أو بما لا يُلتفت إليه ، أو بما لا يثبت نقله ؛ وإطلاق العبارة هكذا مجردة عن ردها أو قرْنها بما ينافيها إنما هو في الحقيقة نوع من التدليس القبيح؛ وهذا الأمر يقع كثيراً من قِبل المتعصبين من النقاد لمذاهبهم الفقهية أو العقَدية.
تُكلم فيه ولم يترك بالكلية :
أي هو ضعيف ولكنه غير متروك.
تكلموا فيه :
انظر (تُكلم فيه) و (الجرح المفسر) .
التلقين :
التلقين بمعناه الأشهر في عرف المحدثين هو : أن يقرأ الراوي على بعض الشيوخ ما ليس من حديث ذلك الشيخ ، مدعياً بقوله أو بتصرفه أنه من حديث الشيخ ، محاولاً إيهامه ذلك .
أو يقال في تعريفه : هو أن يقرأ الراوي من كتاب عنده أو من حفظه - وهو متعمدٌ في الغالب - على الشيخ حديثاً ليس من حديثه على أنه من حديثه .
والشيخ بعد ذلك إما أن يُقره عليه ، أي يحدثه به ، أو ينكره ويقول : ليس هو من حديثي .(2/366)
فأما إذا أقره فهو إنما يفعل ذلك إما بسبب نسيانه واشتباه الأمر عليه ، أو كونه مغفلاً ، أو كونه قليل الفطنة مفرطاً في إحسان الظن ، أو شديد الغفلة ، أو كثير الوهم والتهاون عديم المبالاة والحرص، أو جامعاً بين حسن الظن بالملقِّن وسوء الحفظ لمروياته ، أو بسبب ميله إلى الكذب ورغبته فيه وعدم تحرجه منه.
فإذا فعل ذلك أي أقر التلميذ وصفوه بقولهم : (لُقِّن حديثاً) أو (لُقِّن) أو (لُقِّن فتلقَّن) أو (كان يُلَقّن فيتَلَقن) ؛ وقد يكتفون بكلمة (كان يُلَقَّن) أو (كان يتلقن) ؛ ولكن التعبير بصيغة (كان----) أكثر ما يستعملونه في تكرر قبول التلقين، أو ما يقوم مقامه من وجود الأمارات الدالة على تهيُّئه لقبول التلقين المتكرر وجوازه عليه.
وأما إذا لم يقرَّه فهو دليل ضبطه وإتقانه لتلك الأحاديث(1) .
__________
(1) قال الخطيب في (تاريخ بغداد) (12/353-354) : (قرأت على علي بن أبي علي البصري عن علي بن الحسن الجراحي حدثنا أحمد بن محمد بن الجراح أبو عبد الله قال : سمعت أحمد بن منصور الرمادي يقول : خرجت مع أحمد بن حنبل ويحيى بن معين إلى عبد الرزاق ، خادماً لهما ؛ فلما عدنا إلى الكوفة قال يحيى بن معين لأحمد بن حنبل : أريد أختبر أبا نعيم! فقال له أحمد بن حنبل : لا تريد ، الرجل ثقة ؛ فقال يحيى بن معين : لا بد لي! فأخذ ورقة فكتب فيها ثلاثين حديثاً من حديث أبي نعيم ، وجعل على رأس كل عشرة منها حديثاً ليس من حديثه ؛ ثم جاءا إلى أبي نعيم فدقّا عليه الباب فخرج فجلس على دكان طين حذاء بابه وأخذ أحمد بن حنبل فأجلسه عن يمينه ؛ وأخذ يحيى بن معين فأجلسه عن يساره ؛ ثم جلست أسفل الدكان؛ فأخرج يحيى بن معين الطبق فقرأ عليه عشرة أحاديث وأبو نعيم ساكت ؛ ثم قرأ الحادي عشر ؛ فقال له أبو نعيم : ليس من حديثي ، فاضرب عليه .
ثم قرا العشر الثاني وأبو نعيم ساكت ، فقرأ الحديث الثاني ، فقال أبو نعيم : ليس من حديثي فاضربْ عليه .
ثم قرأ العشر الثالث ، وقرأ الحديث الثالث فتغير أبو نعيم وانقلبتْ عيناه ، ثم أقبل على يحيى بن معين فقال له : أما هذا - وذراع أحمد في يده - فأورع من أن يعمل مثل هذا ؛ وأما هذا - يريدني - فأقل من أن يفعل مثل هذا ؛ ولكن هذا مِن فِعلك يا فاعل ؛ ثم أخرج رجله فرفس يحيى بن معين فرمى به من الدكان ، وقام فدخل داره ! فقال أحمد ليحيى : ألم أمنعْك من الرجل وأقل لك انه ثبت؟! قال : والله لَرفسَتُه لي أحبُّ إليَّ من سفري!).(2/367)
فائدتان :
الأولى : من كان يلقَّن أحياناً قليلة فيتلقن ، وهو مكثر من الرواية ، فلعله يصلح للاعتبار به ، كشأن الضعيف السيء الحفظ ، وذلك لأن الغالب فيه عدم ذلك التلقين ؛ قال النسائي في سماك بن حرب كما في (تهذيب التهذيب) (4/234) : (كان ربما لقن ، فإذا انفرد بأصل لم يكن حجة لأنه كان يلقن فيتلقن) .
الثانية : قال المعلمي في (التنكيل) (ص438) : (التلقين القادح في الملقِّن هو أن يوقع الشيخ في الكذب ولا يبين ، فإن كان إنما فعل ذلك امتحاناً للشيخ وبين ذلك في المجلس لم يضره ؛ وأما الشيخ فإن قبل التلقين وكثر منه ذلك فإنه يسقط ----) .
وقال في حاشية (الفوائد المجموعة) (ص 408) في بعض الرواة : (لكنه مظنة رواية الموضوع ، فإن معنى قبول التلقين أنه قد يقال له : أحدَّثك فلان عن فلان بكيت وكيت؟ فيقول : (نعم ، حدثني فلان ابن فلان بكيت وكيت) ؛ مع أنه ليس لذلك أصل ، وإنما تلقنه ، وتوهَّم أنه من حديثه .
وبهذا يتمكن الوضاعون أن يضعوا ما شاءوا ويأتوا إلى هذا المسكين فيلقنونه فيتلقن ويروي ما وضعوه)(1).
__________
(1) ألف محمد بن عبد الكريم بن عبيد كتاباً أسماه (التلقين وأثره في الرواية عند المحدثين) في (74) ص ، وزعته مكتبة الأسدي بمكة المكرمة ، سنة 1424هـ.(2/368)
بقي معنى آخر للتلقين ، وهو قراءة الحديث على الشيخ الذي لا يحفظ حديثه أو نسيه بعد أن كان يحفظه من غير أن ينظر في أصله حال قراءتهم عليه ؛ فقد قال ابن رجب في (شرح علل الترمذي) (1/510- ) عقب أشياء ذكرها في مسألة العرض على الشيخ: (وهذا يرجع إلى أصل : وهو أن الضرير والأمي إذا لم يحفظا الحديث فإنه لا تجوز الرواية عنهما ، ولا تلقينهما ، ولا القراءة عليهما من كتاب ؛ وقد نص على ذلك أحمد - في رواية عبد الله - في الضرير والأمي : لا يجوز أن يحدثا إلا بما يحفظان ، وقال : "كان أبو معاوية الضرير إذا حدثنا بالشيء الذي نرى(1) أنه لا يحفظه يقول : في كتابي كذا وكذا ، ولا يقول : ثنا وسمعت" .
وكذلك قال يحيى بن معين في الضرير والأمي ، نقله عنه عبد الله بن أحمد ، وعباس الدوري .
وقال أبو خيثمة : "كان يعاب على يزيد بن هارون أنه كان بعد ما أضر يأمر من يلقنه حديثه من كتابه ويتحفظه" .
وأنكر طائفة على من كان يكتب من كتب موسى بن عبيدة الربذي ثم يقرؤها عليه ، وكان أعمى .
وذكر ابن المديني عن أبي معاوية الضرير أنه قال : "ما سمعته من الشيخ وحفظته عنه قلت : ثنا ، وما قرئ عليّ من الكتب قلت : ذكر فلان" .
وكان عبد الرزاق يتلقن ممن يثق به ، كما كان يزيد بن هارون يفعله .
وعلى قول هؤلاء يجوز العرض على الشيخ ، وإن كان ضريراً لا يحفظ ، أو أمياً لا كتاب بيده ، إذا كان العرض ممن يوثق به .
وقد رخص ابن معين في السماع ممن يتلقن إذا كان يعرف حديثه ، ويعرف ما يدخل عليه ، فإن لم يعرف ما يدخل عليه فإنه كرهه .
وحاصل الأمر أن الناس ثلاثة أقسام :
حافظ متقن يحدث من حفظه ، فهذا لا كلام فيه .
وحافظ نسي فلقن حتى ذكر أو تذكر حديثه من كتاب ، فرجع إليه حفظه الذي كان نسيه ، وهذا أيضاً حكمه حكم الحافظ ، وكان شعبة أحايناً يتذكر حديثه من كتاب .
__________
(1) كذا في المطبوعة ، ولا أستبعد أنها مصحفة عن (يرى) ، فكلتا اللفظتين محتملة .(2/369)
ومن لا يحفظ شيئاً وإنما يعتمد على مجرد التلقين ، فهذا هو الذي منع أحمد ويحيى من الأخذ عنه) ؛ انتهى كلام ابن رجب رحمه الله .
تلمذ له :
أي أخذ منه العلم وحضر دروسه ، فهو معدود من جملة طلابه .
تتلمذ عليه :
هي بمعنى (تلمذ له) .
التلميذ :
المعنى العرفي لكلمة (تلميذ) معنى معروف ؛ جاء في (المعجم الوسيط) : ( تَلْمَذَ لفلان و[تلمذ] عنده : كان له تلميذاً .
التلميذ : خادم الأستاذ من أهل العلم أو الفن أو الحرفة ، وطالبُ العلم ؛ و خصه أهل العصر بالطالب الصغير . [جمعه] : تلاميذ وتلامذة) .
وأما (تلميذ الراوي) في عرف نقاد الحديث ومؤرخي رواته فهو من يَحمل عنه الحديث بلا واسطة ، ويحدث به عنه ، ولو لم يسمع منه إلا حديثاً واحداً، ولو لم يتعلم منه شيئاً من العلم غيره .
فتلميذ المحدث أو الراوي في حديثٍ ما : هو من من يروي عنه ذلك الحديث .
وانظر (شيخُ فلانٍ) .
التمريض :
التمريض له معانٍ :
الأول : تمريض القول هو عدم الجزم به ؛ فمثلاً قال الصنعاني في (توضيح الأفكار) (1/152) : (ولكن الزين [هو العراقي] قد مرَّض ما قاله ، بقوله " قد يشير إلى عدم اشتراط ذلك" ، فلم يجزم بإشارته إنما لاحظ مجرد الاحتمال).
الثاني : هو التضبيب على كلمة أو عبارة ، من عبارات الكتاب ؛ وانظر (التضبيب) .
الثالث : أن يُعلقَ الروايةَ ، فيذكر صيغةً لا تدل على الجزم بنسبة الرواية إلى من عُلقت عنه ؛ انظر (صيغ التمريض) .
وانظر (مرَّضَ القولَ فيه) و (مرَّضَ في أمره).(2/370)
التملك :
التملك في عرف أهل المخطوطات ونحوهم : هو ما يكتب على صفحة عنوان الكتاب الخطي ، من أسماء بعض أهل العلم أو الأدب أو محبي كتبهما ، مقرونة بعبارات دالة على امتلاكهم ، لتلك النسخة ، وقد يكون ذلك مقروناً باسم تاريخ التملك(1) أو طريقته .
وللتملك فوائد لا تخفى على محققي الكتب الخطية ، منها زيادة توثيق النسخة ، ومعرفة تاريخها ، ومعرفة قيمتها من جهة الصحة وما يتعلق بها(2) ؛ وقد تكون لبعض هؤلاء الذين ملكوا النسخة تقييدات على نسخته فلا يُعرف كاتب تلك التقييدات إلا بمعرفة أسماء من تملكوها ، كأن يكتب عقب كل تقييد : (كتبه أحمد) ، فلا نعرف شخصه إلا بمعرفة أنه أحد من ملكوها ، وقيدوا تملكاتهم عليها ؛ وقد يكون فيهم العالم المشهور المحقق الذي لا يُزهد في تعليقاته وتقييداته .
فمثلاً جاءت التملكات على ظهرية مخطوطة (أمالي اليزيدي) على النحو الآتي : (من نعم الله على عبده عبد القادر بن عمر البغدادي سنة 1080 ) ؛ ولا تخفى منزلة عالم الأدب واللغة عبد القادر بن عمر البغدادي ، صاحب (خزانة الأدب) ، فهذا مما يزيد الوثوق بالنسخة وأن الأصل فيها أن تكون على قدر طيب من الصحة ، ولا سيما أن المالك قد عبر في التملك - وهو عالم شهير - بكلمة (من نعم الله----) وهذا دال على فرحه بالنسخة ورضاه عنها وانتفاعه بها .
__________
(1) التاريخ إذا ذكر يكون نافعاً في تحديد تاريخ تقريبي للنسخ التي لا يعرف لها تاريخ نسخ ؛ انظر (الكتاب العربي المخطوط وعلم المخطوطات) (2/454).
(2) وانظر (المخطوط العربي) لعبد الستار الحلوجي (ص 167-168) ، وبحث رمضان ششن "أهمية صفحة العنوان ( الظهرية) في توصيف المخطوطات" ، ضمن (دراسة المخطوطات الإسلامية بين اعتبارات المادة والبشر) (ص190) ، و(الكتاب العربي المخطوط وعلم المخطوطات) (2/454) ، و(نحو علم مخطوطات عربي) (ص 88 -102).(2/371)
التمييز :
هذه الكلمة استعملها المزي والذهبي وابن حجر وغيرهم في بعض كتبهم في الرجال ، يكتب أحدهم هذه الكلمة قُبيل ترجمة الراوي الذي هو ليس على أصل شرطه في كتابه(1) ، وإنما ذكر ترجمته لتمييزه عمن يشاركه في اسمه واسم أبيه أو غير أبيه ممن نُسِب إليه، من رجال ذلك الكتاب ، الذين يشاركونه أو يقاربونه في طبقته أو نسبه أو نحو ذلك من أنواع التشابه الذي يحتمل أن يكون سبباً في أن يُظن في أحدهما أنه الآخر .
وفي مثل هذا الراوي يقال : (ذكره ابن حجر في التهذيب تمييزاً) ، ويقال : (ليس هو من رجال الستة ولكن صاحب التقريب ذكره فيه تمييزاً).
وانظر (المتفق والمفترق).
التواتر :
انظر (متواتر) .
التوثيق :
توثيق الراوي وصفُه بأنه ثقة ؛ انظر (ثقة) و(وثّقه فلانٌ).
التوثيق التام :
أي الوصف بالمرتبة العالية أو الكاملة من التوثيق ؛ فليس من التوثيق التام أن يقال في الراوي : (حسن الحديث) أو (ثقة له أوهام) أو (ثقة يخطئ) ، أو (صدوق حسن الحديث) ، بخلاف قولهم (ثقة) و(ثقة ثقة) و(ثقة متقن) ونحوها ، فهذه من ألفاظ التوثيق التام ؛ وانظر (ثقة) و(وثّقه فلانٌ).
التوثيق المطلق :
أحياناً يراد بها التوثيق التام ، وأحياناً يراد بها توثيق الراوي في كل شيوخه وليس في بعضهم دون الآخرين منهم؛ وانظر (ثقة) و(وثّقه فلانٌ) و(ثقة مطلقاً).
__________
(1) ولا يشترط أن تكتب هذه الكلمة قبل الاسم ، فيجوز أن تكتب فوقه أو عقبه.(2/372)
التوقيف :
قال الشيخ الدكتور إبراهيم بن عبدالله اللاحم في (الاتصال والانقطاع) (ص435-437) : (معنى التوقيف سؤال الراوي لشيخه عن أمر ما في روايته ، وأكثر ما يستخدم في مطالبة الراوي لشيخه أن يصرح له بالتحيث ، فإذا فعل فقد وقف ، وإلا قالوا : لم يقف ، فيقولون : وقفته فوقف لي ، أي طالبته بالتصريح بالتحديث فصرح به ، أو وقفته فلم يقف لي ، أي طالبته فلم يصرح بالتحديث ؛ ومثل ذلك : وقف فلانٌ فلاناً ، أي سأله أن يصرح له بالتحديث ، ونحو هذه العبارات ؛ وقد يكون الجواب عن التوقيف أن يذكر الواسطة بينه وبين من حدث عنه .
وفيما مضى من هذا البحث نصوص كثيرة في التوقيف بهذا المعنى .
ومن ذلك أيضاً قول شعبة : "وقِّفوهم ، تُصدقوا ، أو تُكذبوا"(1) ، أي طالبوا الرواة بالتصريح بالتحديث ، ليتبين سماعهم للحديث من عدمه .
وقال عبدالرحمن بن مهدي : "كنت مع سفيان عند عكرمة ، فجعل يوقفه على كل حديث على السماع"(2) .
وقال أيضاً وقال أيضاً : "شهدت سفيان عند العمري ، فجعل يوقفه في كل حديث توقيفاً شديداً "(3) .
ونقل أبو معاوية عن الحجاج بن أرطأة قوله : "لا توقفوني على السماع"(4) .
وقال علي بن المديني : "سمعت يحيى بن سعيد وذكر توقيف الرجال على سماع الحديث - يعني المحدثين - فقال : قلت ليحيى بن سعيد الأنصاري - وهو قاضٍ - في حديث معاذ بن جبل : سمعته من سعيد بن المسيب ؟ قال : نعم"(5) .
وقال علي أيضاً : "قلت ليحيى بن سعيد : إن في كتاب عباد بن صهيب أحاديث عن الجعد بن أوس يقول فيها : سمعت السائب بن يزيد ، فقال يحيى : أخذت أطرافها من حكيم فما صحح الجعد منها حرفاً ، ولا وقف عليه(6) .
__________
(1) "مسند علي بن الجعد" 1/8 ، و "سير أعلام النبلاء 7/216 .
(2) الجرح والتعديل 1/68 .
(3) الجرح والتعديل 1/68 .
(4) المجروحين 1/227 .
(5) الجرح والتعديل 2/34 .
(6) الضعفاء الكبير 3/144 .(2/373)
وفي رواية أخرى عن ابن المديني أن يحيى بن سعيد ذكر له أن الجعد يذكر الواسطة بينه وبين السائب ، فكان يقول : حدثني يزيد بن خصيف ، عن السائب(1) .
ومراد يحيى بن سعيد بهذا بيان خطأ كتاب عباد بن صهيب ، بذكر التحديث بين الجعد بن أوس ، وبين السائب بن يزيد .
وقال عبدالرحمن بن مهدي : "كنا إذا وقفنا أبا الأشهب نقول له : قل : سمعت الحسن ، يقول : سمعت الحسن أو غيره "(2) .
ومثله في توقيف أبي الأشهب قول بهز بن أسد : "وقفنا أبا الأشهب ، فوقف لنا فقال : حدثنا الحسن"(3) .
وقال أحمد : "كان مبارك يرسل [عن] الحسن ، قيل : يدلس ؟ قال : نعم ، قال : وحدث يوماً عن الحسن بحديث فوُقف عليه ، قال : حدثنيه بعض أصحاب الحديث ، عن أبي حرب عن يونس"(4) .
وقال العجلي في إسماعيل بن أبي خالد : "وكان ربما أرسل الشيء عن الشعبي ، فإذا وقف أخبر"(5) .
التوقيف على الأخبار :
انظر (التوقيف) و(الخبر) .
__________
(1) الضعفاء الكبير 3/144 .
(2) العلل ومعرفة الرجال 1/266 .
(3) العلل ومعرفة الرجال 1/266 ، وانظر "المعرفة والتاريخ" (2/633) .
(4) "المعرفة والتاريخ" (2/633) ؛ وفي النسخة (يرسل إلى الحسن) .
(5) الثقات (1/225) .(2/374)
لسان المحدثين
(مُعجم يُعنى بشرح مصطلحات المحدثين القديمة والحديثة ورموزهم وإشاراتهم
وشرح جملة من مشكل عباراتهم وغريب تراكيبهم ونادر أساليبهم)
تأليف: محمد خلف سلامة
.......................................المجلد الثالث.......................................
(الثاء - الصاد)
فصل الثاء
ثالث الحروف :
هو حرف التاء ؛ انظر (ثاني الحروف).
ثاني الحروف :
هو الباء ، ذكر الصفدي في مقدمة (الوافي بالوفيات) كيفية ضبط حروف المعجم ، فقال : (قالوا : "الباء الموحدة"، وبعضهم يقول : "الباء ثاني الحروف" ، و"التاء المثناة من فوق" ، لئلا يحصل الشبه بالياء ، فإنها مثناة ، ولكنها من تحت ، وبعضهم قال : "ثالث الحروف" ----) ؛ وانظر (الإعجام) و (علامات الإهمال) .
الثاء المثلثة :
اسم احترازي لرابع حروف المعجم، أعني الثاء ، وإنما ضبطت بهذا الوصف (المثلثة) والذي معناه أنها ذات ثلاث نقط من فوقها، لتمييزها عن الموحدة التحتية وهي الباء ، وعن المثناة الفوقية وهي التاء، وعن المثناة التحتية، وهي الياء .
الثابت :
الثابت من الأحاديث هو الحديث المقبول المحتج به ، سواء كان صحيحاً ، أو حسناً ، عند من يحتج بالحسن ، وهم المتأخرون إلا قليلاً ، وقليل من المتقدمين أحياناً.
وانظر (ثبتَ) .
الثبَتُ :
أي الثبات والحجة ؛ قال الإمام البخاري في (صحيحه) (1412) في (باب : العشر فيما يسقي من ماء السماء، وبالماء الجاري) : (حدثنا سعيد بن أبي مريم حدثنا عبد الله بن وهب قال: أخبرني يونس بن يزيد، عن الزهري، عن سالم بن عبد الله، عن أبيه رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فيما سقت السماء والعيون، أو كان عثرياً، العشر، وما سقي بالنضح نصف العشر).(3/1)
ثم قال البخاري: (هذا تفسير الأول، لأنه لم يوقت في الأول، يعني حديث ابن عمر (وفيما سقت السماء العشر) ؛ وبين في هذا ووقَّت، والزيادة مقبولة، والمفسر يقضي على المبهم إذا رواه أهل الثبت، كما روى الفضل ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل في الكعبة، وقال بلال: قد صلى، فأخذ بقول بلال، وترك قول الفضل).
قال ابن حجر في (الفتح) : (قوله "والزيادة مقبولةٌ" أي من الحافظ ، والثبت بتحريك الموحدة : الثبات والحجة ؛ قوله "والمفسر يقضي على المبهم" أي الخاص يقضي على العام). انتهى.
وقال الحاكم في (معرفة علوم الحديث) (ص14) : (ذكر النوع الثالث من أنواع علم الحديث : النوع الثالث من هذا العلم معرفة صدق المحدث وإتقانه وثبته وصحة أصوله وما يحتمله سنه ورحلته من الأسانيد وغير ذلك من غفلته وتهاونه بنفسه وعلمه وأصوله).
فقد أراد بقوله (ثبته) أي وثاقته .
وقال السخاوي في (فتح المغيث) (2/111) في شرح كلمة (ثبْت) : (بسكون الموحدة : الثابت القلب واللسان والكتاب ، الحجة(1) ؛ وأما بالفتح : فما يُثْبِتُ فيه المحدث مسموعه ، مع أسماء المشاركين له ، فيه، لأنه كالحجة عند الشخص لسماعه وسماع غيره)(2).
__________
(1) في بعض نسخ (فتح المغيث) : (والحجة) ، أي بزيادة واو العطف ؛ وله وجه صحيح ، فالحجة قد تكون ثابتة راسخة وقد تكون مضطربة .
(2) قال اللكنوي في (فهرس الفهارس) (1/68) : (وأما الثبت فأول من رأيته تكلم عليه من الحفاظ السخاوي في "شرحه على الألفية" لدى كلامه على ألفاظ التعديل---) ؛ انتهى ؛ وذكر هذا المعنى بعد السخاوي جماعة منهم الشيخ زكريا الانصاري في (شرحه على الألفية) (2/3) والمنلا علي القاري في (شرحه على شرح النخبة) .(3/2)
وقال اللكنوي في (فهرس الفهارس) (1/68) : (وقال الشمس محمد بن الطيب الشرقي في حواشيه على (القاموس) : استعملوا الثبَت بالفتح والتحريك في الفهرسة التي يجمع فيها المحدث مروياته وأشياخه ، كأنه أُخذ من الحجة ، لأن أسانيده وشيوخه حجة له ، وشاع ذكره ، وذكره كثير من المحدثين وغيرهم ولم يتعرض له المصنف .
وقال فيها أيضاً : وأما إطلاق الثبَت على الكتاب الذي يجمع فيه المحدث مشيخته ويثبت فيه أسانيده ومروياته وقراءته على أشياخه المصنفات ونحو ذلك فهو اصطلاح حادث للمحدثين ، ويمكن تخريجه على المجاز أيضاً لأن (فَعَل) بمعنى مفعول ، أو مفعولٌ فيه كثير جداً .
ونحوه في تاج العروس ، انظر مادة (ثبت) .
وفي كناشة العلامة حامد العمادي الدمشقي نقلاً عن شيخه الشيخ عبد الكريم الحلبي الشهير بالشراباتي صاحب الثبت المشهور قال : الثبت بالثاء المثلثة وسكون الموحدة الثقة العدل ، وبفتح الموحدة هو ما يجمع مرويات الشيخ). انتهى كلام الكتاني .
الثَّبْتُ :
الثَّبْتُ ، بسكون الباء : هو الثقة والحجة ، وكأن الكلمة بهذا المعنى مأخوذة من ثبات القلب واللسان والكتاب والحجة ؛ انظر (الثبَتُ) .
ثبَتَ :
أي صحَّ، أو ورد بإسناد صحيح أو حسن من غير علة قادحة ؛ والثابت عند المتأخرين هو الصحيح والحسن ، وأما عند المتقدمين فهو الصحيح وبعض ما يحسنه المتأخرون .
ثبَّتَ الحديث :
أي صححه وحكم له بالثبوت ؛ قال الدارمي في (تاريخه عن ابن معين) (ص243) (952) : (وسمعت يحيى وسئل عن الرجل يُلقي الرجل الضعيف من بين ثقتين ، يوصل الحديث ثقة عن ثقة ، ويقول: أنقص من الحديث وأصل ثقة عن ثقة يحسن الحديث بذلك؟ فقال: لا يفعل ، لعل الحديث عن كذاب ليس بشيء فإذا هو قد حسَّنه وثبَّته ، ولكن يحدث به كما روي ؛ قال عثمان [هو الدارمي] : وكان الأعمش ربما فعل ذلك).
ثبت رضا :
انظر (ثبت) و(رضا) .(3/3)
ثبتت عدالته :
معنى قولهم (فلان ثبتت عدالته) أنه انتهى التحقيق إلى ترجيح كونه عدلاً ضابطاً ترجيحاً بيناً .
ومن كان كذلك، فكل من ادعى في حقه خلافَ ذلك فلا يقبل قوله إلا إذا أتى عليه بأدلة تقاوم الأدلة التي ثبتت بها عدالة ذلك الراوي وتوهنها .
قال العلامة المعلمي رحمه الله في (التنكيل) (ص265-268) تحت هذه الترجمة (قولهم : من ثبتت عدالته لم يقبل فيه الجرح إلا ----) :
(---- وفي "فتح المغيث" للسخاوي (ص130) عن محمد بن نصر المروزي : "كل من ثبتت عدالته لم يقبل فيه تجريح أحد حتى يبين ذلك بأمر لا يحتمل أن يكون غير جرحة"(1).
وفي ترجمة عكرمة من (مقدمة فتح الباري) عن ابن جرير : "من ثبتت عدالته لم يقبل فيه الجرح ، وما تسقط العدالة بالظن وبقول فلان لمولاه : لا تكذب علي ، وما أشبهه من القول الذي له وجوه وتصاريف ومعان غير الذي وجَّهه إليه أهل الغباوة " .
وقال ابن عبد البر : "الصحيح في هذا الباب أن من صحت عدالته وثبتت في العلم أمانته وبانت ثقته وعنايته بالعلم لم يُلتفت فيه إلى قول أحد إلا أن يأتي في جرحته ببينة عادلة تصح بها جرحته على طريق الشهادات والعمل فيها من المشاهدة والمعاينة " .
قال السخاوي في (فتح المغيث) [2/30] : "ليس المراد إقامة بينة على جرحه ، بل المعنى أنه يستند في جرحه إلى ما يستند إليه الشاهد في شهادته ، وهو المشاهدة ونحوها " .
__________
(1) هو في (2/30) من طبعة مكتبة السنة .(3/4)
قد يقال : إن كان المراد بثبوت العدالة أن يتقدم التعديل والحكم به والعمل بحسبه على الجرح ، فهذا إنما يكثر في الشهود ؛ وإن كان المراد بثبوتها حصول تعديل على أي حال كان ، فهذا لا وجه له ، فقد تقدم في القاعدة السادسة ما يعلم منه أن التعديل يتفاوت ، ويحتمل كثير منه الخلل كما يحتمله الجرح الذي لم يشرح كل الشرح أو أشد ، ومن تتبع صنيع أهل العلم تبين له أنهم كثيراً ما يقدمون الجرح الذي لم يشرح كل الشرح على التوثيق ، كما في حال ابراهيم بن أبي يحيى والواقدي وغيرهما ؛ وكثيراً ما يقع للبخاري وغيره القدح فيمن لم يدركوه وقد سبق أن عدله معدل أو أكثر ، ولم يسبق أن جرحه أحد .
فأقول : الذي يتحرر أن للعدالة جهتين :
الأولى : استقامة السيرة وثبوت هذا بالنظر إلى هذه القاعدة تظهر فيمن تظهر عدالته [كذا] ويعدل تعديلاً معتمداً وتمضي مدة ثم يجرح ؛ فأما ما عدا ذلك فالمدار على الترجيح ، وقد مر في القاعدة السابقة .
الجهة الثانية : استقامة الرواية ، وهذا يثبت عند المحدث بتتبعه أحاديث الراوي واعتبارها وتَبَيُّنِ أنها كلها مستقيمة تدل على أن الراوي كان من أهل الصدق والأمانة ؛ وهذا لا يتيسر لأهل عصرنا لكن إذا كان القادحون في الراوي قد نصوا على ما أنكروه من حديثه بحيث ظهر أن ما عدا ذلك من حديثه مستقيم فقد يتيسر لنا أن ننظر في تلك الأحاديث(1) ؛ فإذا تبين أن لها مخارج قوية تدفع التهمة عن الراوي فقد ثبتت استقامة روايته .
وقد حاولت العمل بهذا في بعض الآتين في قسم التراجم كالحارث بن عمير والهيثم بن جميل .
__________
(1) يعني التي استنكروها.(3/5)
فاما ما عدا هذا [أي الصنف المذكور] فإننا نحتاج إلى الترجيح ؛ فقد يترجح عندنا استقامة رواية الرجل باحتجاج البخاري به في "صحيحه" لظهور أن البخاري إنما احتج به بعد أن تتبع أحاديثه وسبرها وتبين له استقامتها ، وقد علمنا مكانة البخاري وسعة اطلاعه ونفوذ نظره وشدة احتياطه في "صحيحه"(1)
__________
(1) قلت : من أوضح مثال على ذلك ما ذكره العلامة المعلمي أيضاً في كتابه (الأنوار الكاشفة) (ص261) في الكلام على حال عكرمة عند الشيخين ، إذ قال متعقباً من افترى : (أقول : ترجمة عكرمة في "فتح الباري" فليراجعها من أحب ؛ أما البخاري فكان الميزان بيده، لأنه كان يعرف عامة ما صح عن عكرمة أنه حدَّثَ به، فاعتبرَ حديثَه بعضَه ببعضٍ من رواية أصحابه كلهم فلم يجد تناقضاً ولا تعارضاً ولا اختلافاً لا يقع مثلُه في أحاديث الثقات، ثم اعتبَرَ أحاديث عكرمة عن ابن عباس وغيره ، بأحاديث الثقات عنهم ، فوجدها يصدِّق بعضُها بعضاً ، إلا أن ينفرد بعضهم بشيء له شاهد في القرآن ، أو من حديث صحابي آخر ؛ فتيبن للبخاري أنه ثقة .
ثم تأمَّلَ ما يصح من كلام من تكَلم فيه فلم يجد حجةً تنافي ما تبين له) .
ثم قال متعقباً قول الضال أبي رية : (فابن جريج الطبري يثق به [يعني بعكرمة] كل الثقة، ويملأ تفسيره وتاريخه بأقواله والرواية عنه) :
(أقول : نعم ، يثق به ابن جرير، لكن ليس روايته عنه في تفسيره وتاريخه بدليل على ذلك، فإنه كثيراً ما يروي فيهما عمن ليس بثقة عنده ولا عند غيره ، لأنه لم يلتزم بالصحة).
ثم قال متعقباً قوله (ومسلم ترجح عنده كذبه فلم يرو إلا حديثاً واحداً في الحج، ولم يعتمد فيه عليه وحده ، وإنما ذكره تقوية لحديث سعيد بن جبير) :
(أقول : كلمة "كذبه" لا وجه لها ، ويردّها ما بعدها ، فإن من أستقر الحكم عليه بأنه متهم بالكذب لا يُتَقوى بروايته أصلاً ولا سيما في الصحيح ، لكن لعل مسلماً لم يتجشم ما تجشم البخاري من تتبع حديث عكرمة واعتباره، فلم يتبين له ما تبين للبخاري، فوقف عن الاحتجاج بعكرمة) ؛ انتهى ، وهو تنبيه نفيس يحتاج إلى مثله كل راغب في تحقيق أصول هذا العلم العظيم .(3/6)
، وقس على ذلك ، وراجع ما تقدم في القواعد السابقة ؛ والله الموفق)(1).
ثبَّتني فيه فلان :
هذه الكلمة من العبارات التي دارت على ألسنة الرواة قديماً فترى الراوي يقول في بعض مروياته: (حدثني زيد وثبّتني فيه عمرو) ثم يسوق الحديث ، أو يقول عند بعض المواضع من حديثه : (شككتُ في كذا فثبتني فيه فلان) ، ومفاد كل واحدة من هاتين العبارتين أن قائلها تحمل الحديث من بعض شيوخه ثم شك في شيء من متنه أو إسناده ، أو نسيه ، فسأل عن ذلك بعض مَن يثق به ممن شاركه في سماع ذلك الحديث من ذلك الشيخ فأخبره بما عنده ، فحدث به هو على هذه الكيفية المذكورة(2) .
مثال ذلك ما قاله أبو داود رحمه الله إذ قال في (سننه) : (باب الرجل يخطب على قوس) :
(1096- حدثنا سعيد بن منصور ثنا شهاب بن خراش حدثني شعيب بن رزيق الطائفي قال : (جلست إلى رجل له صحبة من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقال له الحكم بن حزن الكلفي فأنشأ يحدثنا قال وفدت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم سابع سبعة ، أو تاسع تسعة، فدخلنا عليه ، فقلنا : يا رسول الله زرناك فادع الله لنا بخير ؛ فأمر بنا أو أمر لنا بشيء من التمر والشأن إذ ذاك دون ؛ فأقمنا بها أياماً شهدنا فيها الجمعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقام متوكئاً على عصا ، أو قوس ، فحمد الله وأثنى عليه ، كلمات خفيفات طيبات مباركات ، ثم قال : أيها الناس إنكم لن تطيقوا أو لن تفعلوا كل ما أمرتم به ولكن سددوا وأبشروا).
قال أبو علي [هو راوية سنن أبي داود : محمد بن أحمد بن عمرو اللؤلؤي] : سمعت أبا داود قال : ثبتني في شيء منه بعضُ أصحابنا، وقد كان انقطع من القرطاس).
__________
(1) ثم ناقش المعلميُّ ابنَ السبكي في تطبيقه لهذه القاعدة في ترجمة أحمد بن صالح من (طبقات الشافعية)، وبين أنه هوَّل في بعض ما ذكره هناك ، كعادته.
(2) وانظر حكم التثبيت في (إتحاف النبيل) لأبي الحسن المصري (1/117) .(3/7)
قال في (عون المعبود) (3/313) في شرح كلام أبي داود هذا : (ثبتني : من التثبيت ، أي ذكَّرني بعد أن غاب عني أو شككت فيه ----) إلى آخره.
وقال ابن الصلاح في (مقدمته) (ص253) في فروع (النوع السادس والعشرين):
(العاشر : إذا كان الإصلاح بزيادة شيء قد سقط ، فإن لم يكن في ذلك مغايرة في المعنى فالأمر فيه على ما سبق ؛ وذلك كنحو ما رُوي عن مالك رضي الله عنه أنه قيل له: أرأيت حديث النبي صلى الله عليه وسلم يزاد فيه الواو والألف والمعنى واحد؟ فقال: " أرجو أن يكون خفيفاً ".
وإن كان الإصلاح بالزيادة يشتمل على معنى مغاير لما وقع في الأصل تأكَّدَ فيه الحكمُ بأنه يذكر ما في الأصل مقروناً بالتنبيه على ما سقط ليسلم من معرة الخطأ ومن أن يقول على شيخه ما لم يقل ؛ حدث أبو نعيم الفضل بن دُكين عن شيخ له بحديث قال فيه : "عن بُحَيْنَةَ" ، فقال أبو نعيم: "إنما هو ابن بحينة ، ولكنه قال: بحينة " .
وإذا كان مَن دُوْنَ موضع الكلام الساقط معلوماً أنه قد أتى به وإنما أسقطه مَن بعده ، ففيه وجه آخر ، وهو أن يُلحق الساقط في موضعه من الكتاب ، مع كلمة (يعني) ، كما فعل الخطيب الحافظ(1) إذ روى عن أبي عمر ابن مهدي عن القاضي المحاملي بإسناده ، عن عروة عن عمرة بنت عبد الرحمن يعني عن عائشة أنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُدني إليَّ رأسَه فأرَجِّلُه ؛ قال الخطيب: كان في أصل ابن مهدي "عن عمرة أنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدني إليَّ رأسه " ، فألحقنا فيه ذكر عائشة إذ لم يكن منه بد ؛ وعلمنا أن المحاملي كذلك رواه ، وإنما سقط من كتاب شيخنا أبي عمر؛ وقلنا فيه : "يعني عن عائشة رضي الله عنها" ، لأجل أن ابن مهدي لم يقل لنا ذلك ؛ وهكذا رأيت غير واحد من شيوخنا يفعل في مثل هذا .
ثم ذكر بإسناده عن أحمد بن حنبل رضي الله عنه قال: سمعت وكيعاً يقول: أنا أستعين في الحديث بـ(يعني).
__________
(1) في (الكفاية) (ص253).(3/8)
قلت : وهذا إذا كان شيخه قد رواه له على الخطأ ؛ فأما إذا وجد ذلك في كتابه وغلب على ظنه أن ذلك من الكتاب لا من شيخه ، فيتجه ههنا إصلاح ذلك في كتابه وفي روايته عند تحديثه به ، معاً؛ ذكر أبو داود أنه قال لأحمد بن حنبل: وجدت في كتابي "حجاج عن جريج عن أبي الزبير" يجوز لي أن أصلحه (ابن جريج)؟ فقال: أرجو أن يكون هذا لا بأس به.
وهذا من قَبيل ما إذا درس(1) من كتابه بعضُ الإسناد أو المتن فإنه يجوز له استدراكه من كتاب غيره إذا عرف صحته وسكنت نفسه إلى أن ذلك هو الساقط من كتابه ، وإن كان في المحدثين من لا يستجيز ذلك ؛ وممن فعل ذلك نعيم بن حماد فيما رُوي عن يحيى بن معين عنه؛ قال الخطيب الحافظ(2): ولو بين ذلك في حال الرواية كان أولى.
وهكذا الحكم في استثبات الحافظ ما شك فيه من كتاب غيره أو مِن حفظه، وذلك مروي عن غير واحد من أهل الحديث، منهم عاصم وأبو عوانة، وأحمد بن حنبل .
وكان بعضهم يبين ما ثبَّته فيه غيرُه فيقول: "حدثنا فلان وثبتني فلان"(3) ؛ كما روي عن يزيد بن هارون أنه قال: أخبرنا عاصم ، وثبتني شعبة ، عن عبد الله بن سَرْجِس(4).
__________
(1) أي عفا وانمحى.
(2) في (الكفاية) (ص254).
(3) قال الأبناسي في (الشذا الفياح) (1/371): (فإن بين أصل التثبيت ولم يبين من ثبته فلا بأس به فعله أبو داود في سننه عقيب حديث الحكم بن حزن فقال : ثبتني في شيء منه بعض أصحابنا).
(4) قال الأبناسي في (الشذا الفياح) (1/371): (قوله عن يزيد بن هارون كذا هو في مسند أحمد قال ثنا يزيد بن هارون قال انا عاصم بالكوفة فلم أكتبه فسمعت شعبة يحدث به فعرفته به عن عاصم عن عبد الله بن سرجس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا سافر قال: اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر الحديث ؛ وفي غير المسند عن يزيد قال: أنا عاصم وثبتني شعبة).(3/9)
وهكذا الأمر فيما إذا وجد في أصل كتابه كلمة من غريب العربية أو غيرها غير مقيدة وأشكلت عليه فجائز أن يسأل عنها أهل العم ويرويها على ما يخبرونه به ؛ رُوي مثل ذلك عن إسحاق بن راهويه وأحمد بن حنبل وغيرهما ، رضي الله عنهم ؛ والله أعلم) . انتهى كلام ابن الصلاح.
وهذا النوع من الإستثبات لا يكون في الأحاديث وحدها ، بل يكون في أسماء الرجال وتراجمهم ونحوها؛ تجد أمثلة ذلك في كتب الائتلاف والاختلاف ، كـ(الاكمال) و (تهذيب مستمر الأوهام) كلاهما لابن ماكولا و(تكملة الاكمال) لابن نقطة البغدادي.
ومثلُ قولِهم (ثبتني) قولُهم (أفهمني) ؛ قال البخاري في (صحيحه) : في (باب قول الله تعالى : واجتنبوا قول الزور) :
(5710- حدثنا أحمد بن يونس حدثنا بن أبي ذئب عن المقبري عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه ؛ قال أحمد : أفهمني رجلٌ إسناده).
قال ابن حجر في (فتح الباري) (10/474) : (وقوله هنا في آخره "قال أحمد : أفهمني رجل إسناده" : أحمد هو ابن يونس المذكور والمعنى أنه لما سمع الحديث من بن أبي ذئب لم يتيقن إسناده من لفظ شيخه ، فأفهمه إياه رجل كان معه في المجلس .
وقد خالف أبو داود رواية البخاري فأخرج الحديث المذكور عن أحمد بن يونس هذا ، لكن قال في آخره : قال أحمد : فهمت إسناده من ابن أبي ذئب وأفهمني الحديث رجل إلى ابن أخيه ؛ وهكذا أخرجه الإسماعيلي عن إبراهيم بن شريك عن أحمد بن يونس .
وهذا عكس ما ذكره البخاري ، فإن مقتضى روايته أن المتن فهمه أحمد من شيخه ولم يفهم الإسناد منه ، بخلاف ما قال أبو داود وإبراهيم بن شريك؛ فيُحمل على أن أحمد بن يونس حدث به على الوجهين .(3/10)
وخبط الكرماني هنا فقال : "قال أفهمني : أي كنت نسيت هذا الإسناد فذكرني رجل إسناده " ؛ ووجه الخبط نسبته إلى أحمد بن يونس نسيان الإسناد وأن التذكير وقع له من الرجل بعد ذلك ؛ وليس كذلك ؛ بل أراد أنه لما سمعه من ابن أبي ذئب خفي عنه بعض لفظه، أما على رواية البخاري فمن الإسناد ، وأما على رواية أبي داود فمن المتن ، وكان الرجل بجنبه فكأنه استفهمه عما خفي عليه منه فأفهمه ، فلما كان بعد ذلك وتصدى للتحديث به أخبر بالواقع ولم يستجز أن يسنده عن ابن أبي ذئب بغير بيان .
وقد وقع مثل ذلك لكثير من المحدثين ؛ وعقد الخطيب لذلك باباً في كتاب (الكفاية) .
وانظر إلى قوله (أفهمني رجل إلى جنبه) أي إلى جنب ابن أبي ذئب ثم قال الكرماني وأراد رجل عظيم والتنوين يدل عليه والغرض مدح شيخه ابن أبي ذئب أو رجل آخر غيره أفهمني اهـ.
ولم يتعين أنه تعظيم للرجل الذي أفهمه من مجرد قول رجل بل الذي فيه أنه إما نسي اسمه فعبر عنه برجل أو كنى عن اسمه عمداً، وأما مدح شيخه فليس في السياق ما يقتضيه). انتهى.
وقال البخاري في (صحيحه) (5907- حدثنا أبو الوليد حدثنا شعبة عن سعد بن إبراهيم عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن أبي سعيد أن أهل قريظة نزلوا على حكم سعد فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إليه ، فجاء فقال : قوموا إلى سيدكم ، أو قال : خيركم فقعد عند النبي صلى الله عليه وسلم ؛ فقال : هؤلاء نزلوا على حكمك ؛ قال : فإني أحكم أن تقتل مقاتلتهم وتسبى ذراريهم ؛ فقال : لقد حكمت بما حكم به الملك.
قال أبو عبد الله [هو البخاري] : أفهمني بعض أصحابي عن أبي الوليد من قول أبي سعيد على حكمك).(3/11)
قال ابن حجر في (تغليق التعليق) (5/128-129) : (يحتمل أن يكون أراد ببعض أصحابه محمد بن سعد صاحب (الطبقات) فإنه رواه في ترجمة سعد عن أبي الوليد هشام بن عبدالملك وقع من رواية غيره قال البيهقي في (شعب الإيمان) أنا أبو عبدالله الحافظ أخبرني أبو النضر الفقيه ثنا محمد بن أيوب أخبرني أبو الوليد ثنا شعبة ----) الحديثَ.
وقال أبو داود في (سننه) (1/164) : (603- حدثنا سليمان بن حرب ومسلم بن إبراهيم المعنى عن وهيب عن مصعب بن محمد عن أبي صالح عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنما جعل الامام ليأتم به ، فإذا كبر فكبروا ولا تكبروا حتى يكبر ----) الحديثَ؛ قال أبو داود عقبه : (اللهم ربنا لك الحمد أفهمني بعض أصحابنا عن سليمان).
قال صاحب (عون المعبود) (2/221) في شرح هذه الجملة : (مراد المؤلف أنه روى هذا الحديث عن سليمان بن حرب وسمع من لفظه لكن جملة اللهم ربنا لك الحمد ما سمعـ[ـها] من لفظ الشيخ، أو سمعـ[ـها] ولكن لم يفهم فأفهمه بعض أصحابه، أي رفقائه وأخبر أبا داود بلفظ الشيخ ؛ وهذا يدل على كمال الاحتياط والاتقان على أداء لفظ الحديث).
تنبيه : بعض المحدثين كان إذا وقع له من الأحاديث ما يحتاج فيه إلى التثبيت رواه مرتين : أي رواه مرة ، عالياً ، عن شيخه الأول ؛ ومرة نازلاً عن الذي ثبته فيه .
ولهذا ترى بعض النقاد يحملون أحياناً ما يجدونه من رواية الراوي الحديث عن شيخه مرتين إحداهما بلا واسطة والأخرى بواسطة، مع تصريحه بالسماع في الروايتين ، على هذا المعنى ، أعني التثبيت.
فائدة :
هذا الحمل المتقدم ذكره هو إحدى طرقهم في الجمع بين الروايتين(1) ، وفيها قبول الروايتين بل توحيدهما؛ وثَمَّ طرق أخرى :
__________
(1) ومثلها أن يسمع الراوي الحديث من شيخه عالياً ، ثم يحدث به ، ثم ينساه ، فيسمعه من بعض أقرانه أو صغار شيوخه ، ثم يحدث به نازلاً ؛ ولعل هذا الاحتمال نادر الوقوع.(3/12)
فالطريقة الثانية - وفيها جمع أيضاً - أن يقال : سمعه أولاً نازلاً ، ثم لقي شيخ شيخه في تلك الرواية النازلة فرواه عنه عالياً ، أي بلا واسطة .
والطريقة الثالثة : أن يقال : اضطرب فيه .
والطريقة الرابعة : أن يرويه مرة مدلّساً ، ومرة غير مدلس؛ وهذه الطريقة لا تصلح إلا في حق المدلسين.
والطريقة الخامسة : أن يرويه عن شيخ اختلط بأخرة، ثم يعود فيسمعه ممن سمعه من ذلك الشيخ قبل اختلاطه، فيرويه عنه نازلاً؛ وهنا يكون النزول أفضل من العلو.
فهذه خمس طرق للجمع بين الروايتين ، ومعلوم أنه لا بد لمن اختار واحدة منها في موضع من المواضع أن تكون أدلتها هي الأرجح .
ثقة :
تعني كلمة (الثقة) عند جمهور المحدثين العدل الضابط التام الضبط(1) ، ويصفون حديث من يوصف بها بأنه حديث صحيح في حالة اجتماع بقية شروط التصحيح المقررة في موضعها .
والثقة ليس معصوماً من الخطأ ، ولكنه راوٍ يندر خطؤه ؛ قال الذهبي في (الموقظة) (ص37) : (وليس مِن حدِّ الثقة أنه لا يغلط ولا يخطئ ، فمن الذي يسلم من ذلك غير المعصوم الذي لا يُقَرّ على خطأ ؟ )(2) .
__________
(1) فالراوي الثقة هو الجامع بين وصفي العدالة والضبط ؛ وتجد تعريف هاتين اللفظتين في موضعيهما من هذا المعجم.
(2) وقال في (الموقظة) أيضاً (ص38) : (ويَنْبُوعُ معرفةِ الثقات : تاريخُ البخاريِّ ، وابنِ أبي حاتم ، وابنِ حِبَّان ، وكتابُ تهذيب الكمال ) .(3/13)
هذا اصطلاح جمهورهم في لفظة (الثقة) ، ولكن من النقاد من لا يقتصر في استعماله لهذه الكلمة على العدول الضابطين ، بل يستعملها أيضاً في وصف الصدوق عند الجمهور ، وهو العدل الضابط الذي خف ضبطه ، أعني راوي الحديث الحسن عند المتنأخرين ؛ شأنَ من لا يفرق بين الحديث الصحيح والحسن ويصف كِلا النوعين بالصحة ؛ بل كان جماعة من المتقدمين ربما يطلقون كلمة ثقة لا يريدون بها أكثر من ان الراوي لا يتعمد الكذب ، يدل على ذلك أمور منها أن جماعة يجمعون بينها وبين عبارات التضعيف في سياق واحد .
والحاصل أن كلمة (ثقة) معناها المعروف التوثيق التام ، وقد تصرف عن هذا المعنى ولكن لا تصرف عنه إلا بدليل .
قال العلامة المعلمي اليماني في أول كتابه (الاستبصار في نقد الأخبار)(1) : (فإن منهم من لا يطلق " ثقة " إلا على من كان في الدرجة العليا من العدالة والضبط.
ومنهم من يطلقها على كل عدل ضابط وإن لم يكن في الدرجة العليا.
ومنهم من يطلقها على العدل وإن لم يكن ضابطاً.
ومنهم من يطلقها على المجهول الذي روى حديثاً و احداً قد تُوبع عليه.
ومنهم من يطلقها على المجهول الذي روى حديثاً له شاهد.
ومنهم من يطلقها على المجهول الذي روى حديثاً لم يستنكره هو.
ومنهم من يطلقها على المجهول الذي روى عنه ثقة.
__________
(1) عقب قوله (---أما بعد فهذه ـ إن شاء الله تعالى ـ رسالة في معرفة الحديث ، أتوخّى فيها تحرير المطالب ، وتقرير الأدلة ، وأتتبع مذاهب أئمة الجرح والتعديل فيها ليتحرر بذلك ما تعطيه كلماتهم في الرواة).(3/14)
إلى غير ذلك مما يأتي ـ إن شاء الله تعالى)(1).
وقال رحمه الله في (التنكيل) (1/71-75 - دار الكتب السلفية) في ثنايا توجيهه لمن أراد البحث في أحوال الرواة :
(ليبحث عن رأي كل إمام من أئمة الجرح والتعديل واصطلاحه، مستعيناً على ذلك بتتبع كلامه في الرواة ، واختلاف الرواية عنه في بعضهم ، مع مقارنة كلامه بكلام غيره ، فقد عرفنا في الأمر السابق رأي بعض من يوثق المجاهيل من القدماء إذا وجد حديث الراوي منهم مستقيماً ، ولو كان حديثاً واحداً لم يروه عن ذاك المجهول إلا واحد، فإن شئت فاجعل هذا رأياً لأولئك الأئمة كابن معين ، وإن شئت فاجعله اصطلاحاً في كلمة (ثقة) كأن يراد بها استقامة ما بلغ الموثِّق من حديث الراوي ، لا الحكم للراوي نفسه بأنه في نفسه بتلك المنزلة .
وقد اختلف كلام ابن معين في جماعة ، يوثق أحدهم تارة ويضعفه أخرى ، منهم ----.
وجاء عنه توثيق جماعة ضعفهم الأكثرون ، منهم---- .
وهذا يُشعر بأن ابن معين كان ربما يطلق كلمة (ثقة) لا يريد بها أكثر من أن الراوي لا يتعمد الكذب .
وقد يقول ابن معين في الراوي مرة (ليس بثقة) ومرة (ثقة) أو (لا بأس به) أو نحو ذلك (راجع تراجم جعفر بن ميمون التميمي، وزكريا بن منظور، ونوح بن جابر)؛ وربما يقول في الراوي : (ليس بثقة) ويوثقه غيرُه (راجع تراجم عاصم بن علي وفليح بن سليمان وابنه محمد بن فليح ومحمد بن كثير العبدي) .
__________
(1) تتمة كلامه هنا هي : (وهم ـ مع ذلك ـ مختلفون في الاستدلال على أحوال الرواة ، فمنهم المبالغ في التثبت ، ومنهم المتسامح ؛ ومن لم يعرف مذهب الإمام منهم ومنزلته من التثبت لم يعرف ما تعطيه كلمتُه ، وحينئذ : فإما أن يتوقف ، وإما أن يحملها على أدنى الدرجات ولعل ذلك ظلم لها ، وإما أن يحملها على ما هو المشهور في كتب المصطلح ولعل ذلك رفعٌ لها عن درجتها .
وبالجملة فإن لم يتوقف قال بغير علم ، وسار على غير هدى-----).(3/15)
وهذا قد يُشعر بأن ابن معين قد يُطلق كلمة (ليس بثقة) على معنى أن الراوي ليس بحيث يقال فيه : (ثقة) على المعنى المشهور لكلمة (ثقة) .
فأما استعمال كلمة (ثقة) على ما هو دون معناها المشهور فيدل عليه مع ما تقدم أن جماعة يجمعون بينها وبين التضعيف(1) ----.
وأما كلمة (ليس بثقة) فقد روى بشر بن عمر عن مالك إطلاقها في جماعة منهم صالح مولى التوءمة وشعبة مولى ابن عباس(2) .
وفي ترجمة مالك من (تقدمة الجرح والتعديل) لابن أبي حاتم عن يحيى القطان أنه سأل مالكاً عن صالح هذا ؟ فقال : (لم يكن من القراء) وسأله عن شعبة هذا فقال : (لم يكن من القراء) .
فأما صالح فأثنى عليه أحمد وابن معين ، وذكر أنه اختلط بأخرة ، وأن مالكاً إنما أدركه بعد الاختلاط .
وأما شعبة مولى ابن عباس فقال أحمد : (ما أرى به بأساً) وكذا قال ابن معين ، وقال البخاري(3) : (يتكلم فيه مالك ويُحْتَمل منه) .
__________
(1) وضرب أمثلة لذلك.
(2) قال البخاري في (التاريخ الكبير) : (4/243) (2671) : (شعبة مولى عبد الله بن عباس الهاشمي سمع ابن عباس ، روى عنه داود بن حصين وبكير بن عبد الله بن وعثمان وابن أبي ذئب ، وروى إسحاق الكوسج نا بشر بن عمر قال : سألت مالكاً عن شعبة الذي روى عنه ابن أبي ذئب ، قال : ليس بثقة ، وعن صالح مولى التوءمة ، قال : ليس بثقة). وانظر (ليس بثقة).
(3) كما في (تهذيب التهذيب) (4/303).(3/16)
قال ابن حجر(1) : (قال أبو الحسن ابن القطان الفاسي : قوله "ويحتمل منهُ" يعني من شعبة ، وليس هو ممن يُترك حديثه ، قال(2) : ومالك لم يضعفه(3) ، وإنما شح عليه بلفظة ثقة . قلت : هذا التأويل غير شائع(4) ، بل لفظة (ليس بثقة) في الاصطلاح توجب الضعف الشديد ، وقد قال ابن حبان : روى عن ابن عباس ما لا أصل له ، حتى كأنه ابن عباس آخر)(5) .
أقول : ابنُ حبان كثيراً ما يهوِّل مثلَ هذا التهويلِ في غير محله كما يأتي في ترجمته وترجمة محمد بن الفضل من (قسم التراجم) [أي من التنكيل] .
وكلمة (ليس بثقة) حقيقتها اللغوية نَفْيُ أن يكون بحيث يقال له : (ثقة) ولا مانع من استعمالها بهذا المعنى وقد ذكرها الخطيب في (الكفاية) في أمثلة الجرح غير المفسر ، واقتصار مالك في رواية يحيى القطان على قوله (لم يكن من القراء) يُشعر بأنه أراد هذا المعنى .
نعم إذا قيل : (ليس بثقة ولا مأمون) تعين الجرح شديد ، وإن اقتصر على (ليس بثقة) فالمتبادر جرح شديد ، ولكن إذا كان هناك ما يُشعر بأنها استعملت في المعنى الآخر حملت عليه .
__________
(1) أي في (تهذيب التهذيب) (4/303) في ترجمة شعبة بن دينار الهاشمي مولى ابن عباس.
(2) أي ابن القطان في (بيان الوهم والإيهام) (5/325)، وانظر (ليس بثقة).
(3) يعني بقوله : ليس بثقة.
(4) لعلها (غير سائغ).
(5) ويظهر أن النسائي فسر كلمة مالك المذكورة بأنها تضعيف لشعبة ، فقد قال في (عمل اليوم والليلة (الحديث 165) : ليس في موالي ابن عباس ضعيف إلا في شعبة ، فإن مالكاً قال: لم يكن يشبه القراء)؛ وأيضاً قال النسائي في (الضعفاء والمتروكين (291) : (ليس بقوي).(3/17)
وهكذا كلمة (ثقة) معناها المعروف التوثيق التام ، فلا تصرف عنه إلا بدليل(1) ، إما قرينة لفظية كقول يعقوب : (ضعيف الحديث وهو ثقة صدوق) وبقية الأمثلة السابقة(2) ، وإما حالية منقولة أو مستدل عليها بكلمة أخرى عن قائلها - كما مر في الأمر السابع عن (لسان الميزان) - ، أو عن غيره ، ولا سيما إذا كانوا هم الأكثر). انتهى.
وقال عبد الله بن يوسف الجديع في (التحرير) (2/570) : (قولهم "ثقة " ، ويشبهها " متقن "، و " ثبت " : هذه اللفظة إذا صدرت من ناقد عارف كمن وصفنا ، فإنها تعني أن الموصوف بها صحيح الحديث ، يكتب حديثه ويحتج به في الانفراد والاجتماع.
قال أبو زرعة الرازي في حصين بن عبد الرحمن السلمي : "ثقةٌ" ، فقال ابن أبي حاتم : يحتج بحديثه ؟ قال : " إي ، والله "(3).
لكنهم إذا اختلفوا فلاحِظْ أن لفظ (ثقة) يمكن أن يجامع اللِّين اليسير الذي لا يضعَّف به الراوي ، وإنما قد ينزل بحديثه إلى مرتبة الحسن ، كقول علي بن المديني في أيمن بن نابل : " كان ثقة ، وليس بالقوي "(4) ، وقول يعقوب بن سفيان في الأجلح بن عبد الله الكندي : " ثقة ، في حديثه لين"(5) ، وفي فراس بن يحيى : " في حديثه لين ، وهو ثقة "(6) .
كما أنه قد يجامع الضعف الذي يُبْقي الراوي في إطار من يعتبر بحديثه ، مثل قول يعقوب بن شيبة في علي بن زيد بن جدعان : " ثقة ، صالح الحديث ، وإلى اللين ما هو"(7).
__________
(1) وقال في (التنكيل) (1/75) : (ان قيام الدليل على إطلاق بعضهم في بعض المواضع كلمة (ثقة) ، كما قدمت أنا أمثلته لا يسوِّغ أن تحمل على ذلك المعنى حيث لا دليل).
(2) أي التي حذفتهُا أنا مشيراً إلى حذفها.
(3) الجرح والتعديل (1/2/193).
(4) سؤالات ابن أبي شيبة (195).
(5) المعرفة والتاريخ (3/104).
(6) المعرفة والتاريخ (3/92).
(7) نقله المزي في (تهذيب الكمال) (20/438).(3/18)
وإدراك هذا يُعِين على الإجابة عن تعارض ظاهر في العبارات المنقولة عن الناقد المعين ، ويَكثُر مِثلُه عن يحيى بن معين ، حيث تختلف عنه الروايات في شأن بعض الرواة جرحاً وتعديلاً، كما يعين على الإجابة كذلك عن تعارض يقع بين عبارات النقاد في الراوي المعين) ؛ وانظر (ثقة وليس ممن يوصف بالضبط) .
ثقة أجمعت الأمة على الاحتجاج به :
معناها واضح ، وهي من أعلى عبارات التوثيق التام .
ثقة إن شاء الله :
من وثق راوياً ثم استثنى كما في هذه العبارة فالظاهر أنه لم يخبره جيداً أو أنه عنده بعض التردد فيه ، وأنا أميل إلى أن مثل هذه اللفظة يكون صاحبها حسن الحديث لأني أراها مقاربة لكلمة (صدوق) .
ثقة بإجماع :
أي لم يخالف أحد من النقاد في توثيقه .
ثقة بلا ثُنيا :
أي بلا استثناء ولا تردد .
ثقة بلا مدافعة :
أي لا يوجد ما يدفع توثيقه .
ثقة بلا نزاع :
أي بلا اختلاف بين النقاد في توثيقه .
ثقة ثبت :
أي ثقة مؤكد التوثيق ، انظر (ثقة ثقة ثقة) و(ثقة) و (ثبت) .
ثقة ثقة :
أي ثقة مؤكد توثيقه .(3/19)
ثقة ثقة ثقة :
أي ثقة مؤكَّدٌ توثيقُه جداً ؛ فهذه العبارة تستعمل لتوكيد توثيق الراوي وبيان علو مرتبته بين الثقات ؛ وكلما كرر الناقد كلمة التوثيق التام أكثر - سواء كان ذلك بلفظها أو بمعناها - كان ذلك أعلى في رتبة الراوي الثقة الذي قالها فيه ؛ فما زاد عن مرتين مثلاً يكون أعلى منها ؛ قال السخاوي في (فتح المغيث) (2/111) في تعليل هذا المعنى وبيانِه : (لأن التأكيد الحاصل بالتكرار فيه زياده على الكلام الخالي منه ؛ وعلى هذا فما زاد على مرتين مثلاً يكون أعلى منها ، كقول ابن سعد في شعبة : ثقه مأمون ثبت حجة صاحب حديث(1) ) ؛ ثم قال السخاوي : (وأكثر ما وقفنا عليه من ذلك قول ابن عيينة : حدثنا عمرو بن دينار وكان ثقة ثقة ، تسع مرات ؛ وكأنه سكت لانقطاع نفسه(2) .
وقال ابن أبي حاتم في (الجرح والتعديل) (1/49) : (نا محمد بن سعيد المقرىء سمعت عبد الرحمن بن الحكم بن بشير يذكر عن ابن عيينة قال: نا عمرو بن دينار وكان ثقة ثقة ثقة ، وحديثاً(3) أسمعه من عمرو أحب إليّ من عشرين من غيره).
ثقة حافظ :
انظر (ثقة) و(حافظ) .
ثقة ربما أخطأ :
أي ثقة يخطئ أحياناً قليلة ؛ وانظر (ثقة ربما أغرب) .
__________
(1) طبقات ابن سعد (7/280) .
(2) لم يذكر السخاوي مورده في هذا الأثر ، وأرى أنه لا يخلو من غرابة ؛ ثم رأيت الشيخ أحمد معبد عبدالكريم قال في (ألفاظ وعبارات الجرح والتعديل بين الإفراد والتكرير والتركيب) (ص38) : (ولقد بحثت كثيراً بالمراجعة ، والسؤال ، وبواسطة الحاسب الآلي، عن موضع قول ابن عيينة هذا فلم أقف عليه ، ولم يذكر لنا السخاوي - رحمه الله - موضع وقوفه عليه ، لكن الذي يتيسر حتى الآن هو ما ذكره الإمام النووي - رحمه الله - أن سفيان بن عيينة فال في عمرو بن دينار هذا : ثقة ، ثقة ، ثقة ، ثقة ، أربع مرات فقط . ينظر "تهذيب الأسماء واللغات " للنووي "2/27" ) .
(3) كذا بالنصب.(3/20)
ثقة ربما أغرب :
لا ينبغي أن يهدر قول ابن حبان أو غيره من النقاد في الراوي الذي يوثقه : (ربما أغرب) ، أو (يُغرب) ، وذلك لأن الناقد يعلم أن كل الثقات أو أكثرهم ربما يغربون أو يَهِمون ، فما كان ليختص بعضهم عند توثيقه له بهذه الزيادة أي (ربما أغرب) إلا لفائدة ؛ وهي - على ما يَظهر - الإشعارُ بأنه ليس من ذوي الإتقان الفائق ، وأنه إذا خالفه ثقة من الذين لم يعكّر صفو توثيقهم بهذه اللفظة أو نحوها فالأصل في حكم ذلك الاختلاف تقديمُ رواية ذلك الموثَّق توثيقاً تاماً أو مطلقاً ، أي العاري توثيقه عن تلك اللفظة .
ولكنَّ ابن حبان - والحق يقال - ربما تسرع فوصَفَ الراويَ الثقةَ بأنه يهم أو يُغرب ، بمجرد وقوفه على رواية واحدة له وجده واهماً فيها.
وانظر (النكت) لابن حجر (2/678) ، و (مقدمة الفتح) له (ص621) ترجمة مقدم بن محمد ، و (نتائج الأفكار) له (1/59) - طبعة بغداد ، و (التنكيل) للمعلمي اليماني (ص579 و 712) وترجمة علي بن صدقة في (التنكيل) أيضاً (1/366) ، وحاشية (الفوائد المجموعة) للمعلمي أيضاً (ص347 و 416 و 485 و 492) ، و (إتحاف النبيل) لأبي الحسن المأربي (1/89-90) ، و (تحرير التقريب) (1/47) .
ويتراءى لي أن معنى قولهم في الراوي : ( ثقة ربما أخطأ) قريب من معنى قول الجمهور : (صدوق) .
ثقة ربما وهم :
هي بمعنى (ثقة ربما أخطأ) وقريب من ذلك عبارة (ثقة ربما أغرب) ، فانظرهما.
ثقة روى عنه شعبة :
انظر (ثقة روى عنه مالك).
ثقة روى عنه مالك :
هذه العبارة تُشعر بأن مستند قائلها في توثيق من قالها فيه إنما هو رواية مالك عنه ، ويزداد هذا الاحتمال قوة إذا كان لذلك الراوي تلامذة آخرون غير مالك ، أو إذا لينه أو تكلم فيه بعض النقاد ، أو إذا كان قائل هذه العبارة قد صرح بأن مالكاً لا يروي إلا عن ثقة ، أو صرح غيره من النقاد المعتمدين عنده بتوثيقه شيوخ مالك لروايته عنهم ؛ قال السيوطي في (إسعاف المبطأ برجال الموطأ) (ص4) :(3/21)
(قال أبو سعيد الأعرابي : كان يحيى بن معين يوثق الرجل لرواية مالك عنه ، سئل عن غير واحد فقال : ثقة روى عنه مالك) .
ويقال مثل هذا فيمن قال في الراوي : (ثقة روى عنه شعبة) أو (ثقة روى عنه يحيى بن سعيد القطان) أو ذكر غيرهما ممن ادُّعي فيه أنه لا يروي إلا عن ثقة ، ولا سيما إذا كان صاحب تلك الدعوى هو ذلك الناقد نفسه، أعني الذي قال : (ثقة روى عنه فلان).
ثقة ، صالح الحديث ، وإلى اللين ما هو :
انظر (ثقة وليس ممن يوصف بالضبط) .
ثقة صدوق :
هذه العبارة قد تطلق على الراوي الثقة فيكون فيها معنى التوكيد لتوثيقه ؛ وقد يطلقها الناقد على من يتردد فيه بين مرتبتي الثقة والصدوق ، أو الذي يكون أحياناً ثقة وأحياناً أخرى صدوقاً ؛ ولعل التوسط في أمرها هو الأقرب ، فيكون معناها كمعنى (ثقة) ، إلا إذا قامت قرينة تقود إلى الأخذ بمعنى أعلى أو أدنى فيصار حينئذ إليها ؛ وانظر (ثقة) و(صدوق) و(صدوق ثقة) .
ثقة صدوق ليس بحجة :
انظر (ثقة وليس ممن يوصف بالضبط) .
ثقة صدوق وإلى الضعف ما هو :
انظر (ثقة وليس ممن يوصف بالضبط) .
ثقة صدوق وليس بالقوي في الحديث ولا بالساقط :
انظر (ثقة وليس ممن يوصف بالضبط) .
ثقة صدوق وفي حديثه اضطراب :
انظر (ثقة وليس ممن يوصف بالضبط) .
ثقة ، في حديثه لِين :
انظر (ثقة وليس ممن يوصف بالضبط) .
ثقة في حفظه شيء :
هذا إنزال للراوي من درجة التوثيق التام إلى ما هو أقل منه ، وإن كان اسم الثقة غير منفك عنه.
وهذه العبارة تحتمل في الأصل ثلاثة معان :
أولها : أن الراوي ثقة له أوهام .
وثانيها : أنه ثقة خفيف الضبط أي أنه حسن الحديث ، بمعنى الحسن عند المتأخرين .
وثالثها : أنه عدل ولكنه سيء الحفظ .
وهذا الاحتمال الثالث أضعف من اللذَين قبله ؛ ولذا فأقل ما ينبغي أن يُحكم به لمن وصف بهذه العبارة هو أنه حسن الحديث .(3/22)
ثقة في نفسه :
أي عدل غير متهم بما ينافي عدالته وصدقه ، وأما الضبط فلا تعرُّضَ له في هذه العبارة .
ولا تطلق هذه العبارة على من كان متروكاً بسبب فحش غلطه وكثرته ؛ ولكن قد تقال له مقرونة بما يدل على أن المراد نفي تهمته بالكذب وتعمدِ الخطأ.
وقد تطلق على الراوي الثقة، فيكون الذي اقتضى عدم الإطلاق - أعني عدم الاقتصار على لفظة (ثقة) - هو في الغالب أحد الأمور التالية :
أولها : أن يكون الراوي عدلاً ضابطاً ، ولكنه مبتدع.
الثاني : أن يكون الراوي عدلاً ضابطاً ، ولكنه كثير الرواية عن المجاهيل والضعفاء، أو تكثر روايتهم عنه، فغلب على أحاديثه الضعف والنكارة.
الثالث : أن يكون ثقة ولكنه ليس من المتقنين المتثبتين.
ثقة له أوهام :
هي بمعنى قولهم (ثقة يخطئ) ، فاظرها ، وانظر (ثقة ربما أخطأ) .
ثقة مطلقاً :
أي ثقة في كل شيوخه ، أو ثقة وثاقة تامة ؛ وانظر (مراتب التعديل والتجريح) : المرتبة الأولى منها، وانظر أيضاً (التوثيق المطلق).
ثقة وفاقاً :
أي ثقة باتفاق النقاد ؛ واتفاقهم على توثيق راو يصلح أن يُعدَّ توكيداً لتوثيقه ، أو قائماً مقام التوكيد ، ولا سيما إذا كان مكثراً وكثُر موثِّقوه ؛ وانظر (مراتب التعديل والتجريح) : المرتبة الأولى منها .
ثقة وفيه ضعف :
قال ابن حجر في (مقدمة فتح الباري) (ص422) : (ع عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي : أبو محمد البصري ، أحد الأثبات ، قال علي بن المديني : ليس في الدنيا كتاب عن يحيى بن سعيد الأنصاري أصح من كتاب عبد الوهاب ؛ ووثقه العجلي ويحيى بن معين وآخرون ؛ وقال ابن سعد : ثقة وفيه ضعف ؛ قلت : عنى بذلك ما نُقم عليه من الاختلاط ؛ قال عباس الدوري عن ابن معين : اختلط بآخرة ؛ وقال عقبة بن مكرم : واختلط قبل موته بثلاث سنين ؛ وقال عمرو بن علي : اختلط حتى كان لا يعقل .(3/23)
قلت : احتج به الجماعة ولم يكثر البخاري عنه ؛ والظاهر أنه إنما أخرج له عمن سمع منه قبل اختلاطه ، كعمرو بن علي وغيره ؛ بل نقل العقيلي أنه لما اختلط حجبَه أهله فلم يرو في الاختلاط شيئاً ؛ والله أعلم) .
ثقة وليس بحجة :
انظر (حجة) .
ثقة وليس ممن يوصف بالضبط :
سبق الكلام تحت مصطلح (ثقة) على طريقة من يجمع بين كلمة (ثقة) وبعض الكلمات الأخرى التي ظاهرها - بحسب اصطلاح الجمهور - مخالف لظاهر كلمة ثقة .
وفيما يلي ثلاثة مباحث مختصرة دائرة حول هذه القضية :
المبحث الأول : في اصطلاح يعقوب بن شيبة في قوله (ثقة) :
كان يعقوب بن شيبة ممن يخرج عن اصطلاح الجمهور في لفظة ثقة إذا قرنها بما هو أدنى منها.
فقد قال في محمد بن سابق كما في (هدي الساري) (ص 612): (ثقة وليس ممن يوصف بالضبط).
وقال في شريك بن عبد الله القاضي كما في (تهذيب التهذيب) (4/296): (صدوق ثقة سيء الحفظ جداً) .
وقال في عبد الرحمن بن زياد بن أنعم كما في (تاريخ بغداد) (10/217) و (تهذيب الكمال) (17/106): (ضعيف الحديث ، وهو ثقة صدوق ، رجل صالح) .
وقال في الربيع بن صبيح كما في (تهذيب التهذيب): (صالح صدوق ثقة ضعيف جداً) .
وروى الخطيب في (تاريخ بغداد) (7/24) عن محمد بن أحمد بن يعقوب بن شيبة قال : (حدثنا جدي قال : إسرائيل بن يونس صالح الحديث وفي حديثه لين) ؛ زاد الخطيب : (وقال [أي يعقوب] في موضع آخر : إسرائيل ثقة صدوق وليس بالقوي في الحديث ولا بالساقط).
وقال في سفيان بن حسين كما في (تاريخ بغداد) (9/151): (صدوق ثقة ، وفي حديثه ضعف).
وقال في عبد السلام بن حرب كما في (تهذيب التهذيب) (6/317): (ثقة ، في حديثه لِين).
وقال في محمد بن مسلم بن تدرس كما في (تهذيب الكمال) (26/408): (ثقة ، صدوق، وإلى الضعف ما هو).
وقال في علي بن زيد بن جدعان كما في (تهذيب الكمال) (20/438): (ثقة ، صالح الحديث ، وإلى اللين ما هو).(3/24)
وقال في عبد الكريم بن مالك الجزَريِّ كما في (تاريخ ابن عساكر) (36/466) : (إلى الضعف ما هو ، وهو صدوق ثقة ) .
وكذلك جمع يعقوب بين كلمة صدوق وبعض عبارات التضعيف ، كقوله في مندل بن علي كما في (تاريخ بغداد) (13/250) : (وأصحابنا يحيى بن معين وعلي بن المديني وغيرهم(1) من نظرائهم يضعفونه في الحديث ، وكان خيراً فاضلاً صدوقاً وهو ضعيف الحديث وهو أقوى من أخيه في الحديث) .
وراجع تراجم إسحاق بن يحيى بن طلحة، ومؤمل بن إسماعيل، ويحيى بن أمان في (تاريخ بغداد) (14/123-124) و(تهذيب التهذيب) (1/245) و(هدي الساري) (ص603) وترجمة حماد بن سلمة في (شرح علل الترمذي) (2/781) .
وبهذا يُعلم أن توثيق يعقوب بن شيبة لبعض الرواة قد لا يكون دالاً على التوثيق المطلق المصطلح عليه عند جمهور المحدثين، ويتأكد ذلك ، أي عدم الدلالة ، عندما يقرن يعقوب بكلمة (ثقة) كلمة تليين أو تضعيف ؛ وانظر (إلى الضعف ما هو) .
وقال الشيخ عبد الله السعد (حفظه الله وبارك في علمه) عند كلامه على توثيق يعقوب بن شيبة لعبدالله بن عمر العمري : ( وأما توثيق يعقوب بن شيبة له ؛ فجوابه : أنَّ يعقوب لم يوثِّقه توثيقاً مطلقاً ؛ بل ليَّنه وأشار إلى ضعفه ؛ فقال : ثقة صدوق ، وفي حديثه اضطراب .
فذكر أنَّ في حديثه اضطراباً ، وأما قوله " ثقة ----" فلا يظهر أنه يقصد الثقة في الحديث ، وإنما يقصد الثقة في نفسه ؛ بدليل ما تقدَّم [ يعني : من بيان كون العمري ليس ثقة مطلقاً ] .
ولذلك قال عنه في روايةٍ أخرى : هو رجل صالحٌ ، مذكور بالعلم والصلاح ، وفي حديثه بعض الضعف والاضطراب ، ويزيد في الأسانيد كثيراً .
فبيَّن في هذه الرواية جلالته وفضله وصلاحه وأنَّ في حديثه بعض الضعف ، وأنه يزيد في الأسانيد كثيراً ، وهذا جرحٌ مفسَّرٌ .
وكثيراً ما يقرن يعقوب بن شيبة التوثيق مع التضعيف .
__________
(1) كذا ، بضمير الجمع ، وله وجه صحيح كما هو معلوم .(3/25)
كقوله عن عبدالله بن محمد بن عقيل : صدوق ، وفي حديثه ضعف شديد .
وقال عن الربيع بن صبيح : رجلٌ صالحٌ ، صدوقٌ ، ثقةٌ ، ضعيفٌ جداً ) .
انتهى كلام الشيخ ، وقد نقلته من (ملتقى أهل الحديث) على الشبكة العالمية.
المبحث الثاني : هذا مبحث آخر قد يظهر منه أن استعمال عثمان بن أبي شيبة للفظة (ثقة) ليس بعيداً في معناه منه عند يعقوب بن شيبة .
فقد وصف عثمان بن أبى شيبة بعضَ الرواة بلفظة (ثقة) ونفى عنهم كونهم حجة ، وكما في هذه العبارات التالية ، وهي لابن شاهين في كتابه ( تاريخ أسماء الثقات )، وقد سقتُها بأرقامها في ذلك الكتاب :
70- سئل عثمان بن أبي شيبة عن أشعث بن سوار، فقال: ثقة صدوق، قيل: هو حجة؟ قال: أما حجة فلا(1) .
97 - أحمد بن يونس كان ثقة ليس بحجة ؛ قاله عثمان بن أبي شيبة(2).
982- عبد الرحمن بن سليمان : ثقة ، قاله يحيى ؛ وقال عثمان : هو ثقة صدوق ليس بحجة.
1124- فضيل بن عياض : قال عثمان : كان ثقة صدوقاً ليس بحجة(3).
1189- قال عثمان : ليث بن أبي سليم ثقة صدوق وليس بحجة.
1267- قال عثمان بن أبي شيبة: محمد بن الحسن الأسدي ثقة صدوق؛ قلت [كذا]: هو حجة ؟ قال: أما حجة فلا ؛ وهو ضعيف(4) .
__________
(1) أشعث بن سوار ضعفه أهل العلم .
(2) هذا الراوي أحمد بن عبد الله بن يونس ، ثقة متقن ، ذكره الذهبي في الميزان لأجل كلمة عثمان هذه ، فهذه قرينة على أن الذهبي عدَّها جرحاً.
(3) الفضيل رحمه الله تُكلم فيه من جهة حفظه ؛ قال علي ابن المديني: (رجل صالح ولم يكن بالحافظ)؛ والظاهر أن كلام عثمان بن أبي شيبة من هذا القبيل.
(4) وهذه عبارات أخرى لابن شاهين أيضاً ، فيها نفي عثمان بن أبي شيبة وصف الحجة عن رجال وصفهم بلفظة صدوق ونحوها:
202- قال عثمان بن أبي شيبة: الحسن بن الربيع صدوق وليس بحجة.
394- زياد بن الربيع : كان شيخاً صدوقاً وليس بحجة ؛ قاله عثمان، وقال فيه أحمد: هو ثقة.
1335- قال عثمان: معاوية بن هشام رجل صدق وليس بحجة.(3/26)
قال المحقق المدقق الفاضل أبو محمد الألفي في مشاركة له في بعض مطارحات ملتقى أهل الحديث عقب نقله ثلاثاً من العبارات السابقة :
(والنظر في معنى قوله هذا عن الثلاثة المذكورين ، وفيهم الثقتان النبيلان : فضيل وأحمد ، يدور على ثلاثة أنحاء :
( أولاً ) : لا ينبغى أن يؤخذ من تأويل هذا المصطلح توهين الإمام الثبت المتقن المأمون أحمد بن عبد الله بن يونس اليربوعى الكوفى شيخ الإسلام . وإليك ما قاله الحافظ الذهبى رداً على قول عثمان بن أبى شيبة عنه ( ثقة وليس بحجة ) :
قال الحافظ [الذهبي في] ( ميزان الإعتدال ) (8/34) : ( اليربوعي أوثق من عثمان . قال فيه أحمد بن حنبل : شيخ الإسلام . وقال أبو حاتم : كان ثقة متقناً . وقال النسائي : ثقة . وقال ابن سعد والعجلي : ثقة صدوق صاحب سنة . وقال الخليلي : ثقة متفق عليه . وقال ابن قانع : ثقة مأمون . وذكره ابن حبان في الثقات ) اهـ .
قلت : وقد احتفى البخاري ومسلم باليربوعي ، وهو في الطبقة الوسطى من شيوخهما ، فأخرج له البخاري في ( صحيحه ) سبعين حديثاً ، وأخرج له مسلم في ( صحيحه ) أربعة وخمسين حديثاً . وهو في الكوفيين كمسدد بن مسرهد في البصريين ، إلا أن مسدداً أكثر منه حديثاً ، ولذا أخرج له البخاري : ثلاثمئة واثنين وتسعين حديثاً ، فهو رأس المكثرين من شيوخ البخاري . وأما اليربوعي فكان ممن يقيم اللفظ ولا يروي بالمعنى ، وقد جهدت أن أجد لليربوعي وهماُ أو خطأً ، فلم أقف عليه .
( ثانياً ) : تأويل قولهم فلان حجَّة . قد بان لى من معاني الحجَّة عندهم :(3/27)
(1) الذى ثبتت إمامته ، وذاعت شهرته ، وعرف فضله . وهذا معنىً واسع ، ولكنه غير شائع الاستعمال ، وربما يستعمله بعض المتساهلين من أئمة التعديل والتزكية ، كابن سعد . وهو واقع بكثرة في تراجم المتأخرين كالحافظ الذهبي في كتابيه ( سير الأعلام ) و ( تذكرة الحفاظ ) . قال ابن سعد : كان الحسن البصري جامعاً عالماً رفيعاً ثقة حجة مأموناً عابداً ناسكاً كثير العلم فصيحاً جميلا . وقال : كان أيوب السختياني ثقة ثبتاً في الحديث جامعاً كثير العلم حجة عدلا . وقال الذهبي : القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق الإمام القدوة الحافظ الحجة عالم وقته بالمدينة . وقال : عبد الرحمن بن أبي نعم الإمام الحجة القدوة الرباني أبو الحكم البجلي الكوفي . وهذا أكثر من أن يحصى .
(2) الحافظ الضابط المتقن . وهذا أشيع معانيه ، وربما اقتصر عليه الأكثر . سئل يحيى بن معين عن محمد بن إسحاق بن يسار المطلبي فقال : ثقة وليس بحجة . وأصل ذلك أنه سئل عنه وعن موسى بن عبيدة الربذي : أيهما أحب إليك ؟ ، فقال هذا القول ، وإنما ذهب إلى أن ابن إسحاق أمثل وأوثق من موسى بن عبيدة الربذي ، وإن لم يكن ضابطاً متقناً كمالك وعبيد الله بن عمر في المدنيين .
(3) الذى يُرجع إليه عند الاختلاف ويؤخذ بقوله ، فهو كالقائم مقام الدليل والبرهان ، أو الذي تدفع به الخصومة . قال أبو زرعة الدمشقي: قلت ليحيى بن معين وذكرت له الحجة ، فقلت له : محمد بن إسحاق منهم ؟ ، فقال : كان ثقة ، إنما الحجة عبيد الله بن عمر ومالك بن أنس وذكر قوماً آخرين .
وهذا من ألطف المعاني وأخفاها ، وإنما يستعمله المتشددون أمثال : عبد الرحمن بن مهدي ، ويحيى بن سعيدٍ القطان ، وابن معين ، وأبي حاتم الرازي ؛ وعليه يتنزل قول عثمان بن أبي شيبة ، ومن طالع أحكامه على الرجال حكم من غير تردد أنه في عدادهم ، وإن وثق بعض الضعفاء .(3/28)
(4) أن الحجة بالمعنى السابق ، ولكن مقروناً براوٍ ما أكثر الثقة ملازمته والأخذ عنه ، فكان الأضبط والأوثق والأحفظ لحديثه دون سائر أصحابه ؛ وذلك شبيهٌ بقولهم :
الثوري حجة في الأعمش على سائر أصحابه .
مالك حجة في الزهري على سائر أصحابه .
ابن عيينة حجة في عمرو ين دينار على سائر أصحابه .
حماد بن سلمة حجة في ثابت البناني على سائر أصحابه .
شعبة حجة في قتادة على سائر أصحابه .
إسرائيل حجة في أبي إسحاق على سائر أصحابه .
الأوزاعى حجة في يحيى بن أبي كثير على سائر أصحابه .
قال أبو حاتم الرازي : حماد بن سلمة في ثابتٍ وعلي بن زيد أحبّ إليَّ من همام ، وهو أضبط الناس وأعلمهم بحديثهما ، بيَّن خطأ الناس في حديثهما . وقال يحيى بن معين : من خالف حماد بن سلمة في ثابتٍ فالقول قول حماد ، وحماد أعلم الناس بثابتٍ .
ونزيدك إيضاحاً وبياناً ، لهذا المعنى ، بذكر هذا المثال -----: [ثم ذكر المثال وهو حديث خرّجه ، ثم قال في ختامه ]:
والخلاصة ، فالحديث ثابت معروف من حديث حماد بن سلمة عن ثابت عن حبيب بن سبيعة عن الحارث عن رجل من أصحاب النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، والحكم فيه لحماد على هذا الجمع الكثير ، لا لهم ، لأنه الحجة في حديث ثابت .
( ثالثاً) : الجمع والتفريق بين ثقة وحجة ؛ إذا بانت لك معانى الحجة في كلامهم ، فلننظر الآن في الفرق بينه وبين الثقة ، ولنضرب له موعداً آخر ، فإن الكلام عليه طويل الذيل بعيد المرامي ؛ ونفعني الله وإياكم بما علمنا ، إنه نعم المولي ونعم النصير) ؛ انتهى كلامه وليته أتمه.
المبحث الثالث : وهذا بحث ثالث في معنى كلمة (ثقة) عند ابن سعد صاحب (الطبقات) :
كان ابن سعد قد أكثر من استعمال كلمة (ثقة) بمعنى كلمة (عدل)، فمن أمثلة ذلك ما يلي :(3/29)
1- قال ابن سعد في موسى بن عبيدة الربذي (تتمة الطبقات رقم 399): (وكان ثقة كثير الحديث وليس بحجة)؛ مع انه على ما قال محقق الكتاب مجمع على ضعفه وعدم الاحتجاج به!.
2- وقال في أسباط بن محمد بن عبد الرحمن كما في (تهذيب التهذيب) (1/211): (كان ثقة صدوقاً إلا أن فيه بعض الضعف).
3- وقال ابن حجر في الفصل التاسع من (مقدمة الفتح): (عمر بن نافع مولى ابن عمر، قال أبو حاتم: ليس به بأس، وكذا قال عباس الدوري عن ابن معين؛ وقال ابن عدي في ترجمته: حدثني ابن حماد عن عباس الدوري عن ابن معين قال: عمر بن نافع ليس حديثه بشيء، فوهم ابن عدي في ذلك؛ وإنما قال ابن معين ذلك في عمر بن نافع الثقفي؛ وقوله في هذا وفي هذا بيِّن في (تاريخ عباس).
وأما مولى ابن عمر فقال أحمد: هو من أوثق ولد نافع؛ ووثقه النسائي أيضاً وغيره؛ وقال ابن سعد: كان ثبتاً قليل الحديث، ولا يحتجون بحديثه؛ كذا قال وهو كلام متهافت كيف لا يحتجون به وهو ثبت). انتهى كلام ابن حجر.
4- وقال ابن سعد في جعفر بن سليمان الضبعي كما في (التنكيل) (ص259): (ثقة وبه ضعف).
5- وقال في راو آخر كما في (تهذيب الكمال) (5/15): (كان ثقة صدوقاً له رواية وفقه وفتوى في دهره، وكان كثير الخطأ في حديثه).
6- وقال في نافع بن عمر الجمحي كما في (الميزان) (4/241): (ثقة فيه شيء).
7- وقال في عاصم بن أبي النجود كما في (التنكيل) (ص654): (ثقة إلا أنه كثير الخطأ في حديثه).
8- وقال في سلمة بن وردان الليثي كما في (تهذيب التهذيب) (4/160): (وقد رأى عدة من الصحابة، وكان عنده أحاديث يسيرة، وكان ثبتاً فيها، ولا يحتج بحديثه، وبعضهم يستضعفه)؛ وكلمتا ثقة وثبت لهما عند الجمهور معنى واحد.
9- وقال في الإمام الجليل الثقة أبي إسحاق الفزاري إبراهيم بن محمد: كان ثقة فاضلاً صاحب سنة وغزو كثير الخطأ في حديثه.
وبعد هذه الأمثلة أنبه إلى أن في استعمال ابن سعد لكلمة (ثقة) احتمالين :(3/30)
الأول : أنه كان يقصر استعماله لكلمة ثقة بمعنى العدل على المواضع التي يستعمل فيها هذه الكلمة مقترنة بغيرها من عبارات النقد وألفاظه، دون المواضع التي يستعمل فيها هذه الكلمة (ثقة) مجردة أي غير مقترنة بكلمة أخرى دالة على نقص ضبط الراوي أو سوء حفظه، وأنه إذا جردها ولم يقرن بها ما ينافي التوثيق التام فإنه - أي التوثيق التام - هو مراده بكلمة (ثقة).
الثاني : أنه يستعملها بالمعنى المذكور حيثما وردت وكيفما وردت، مطلقاً .
فليحقق ذلك؛ فإنه يحتاج إلى استقراء لاستعمالاته لكلمة ثقة مقرونة ومجردة، مع الدراسة والمقارنة وملاحظة الاحتمالات؛ وذلك يستغرق وقتاً غير قصير؛ والله الموفق.
وأما الخطيب البغدادي فقد يظهر للمتبع لأقواله أنه يتساهل في إطلاق لفظة (ثقة) على من يستحق أن يُقتصر في تعديله على نحو كلمة (صدوق) و(لا بأس به) ؛ ولكن الخطيب نفسه قال في (الكفاية) (ص 22): (أرفع العبارات أن يقال: حجة ، أو: ثقة) ؛ ففي هذا إيراد على القائلين بأن الخطيب عنده بعض التساهل في إطلاق لفظة (ثقة) ، وإن كان لا يلزم من عبارته السابقة تسويته بين اللفظتين ، ولا سيما أن الفرق بينهما بين الأئمة مشهور ، وقد أسند الخطيب نفسه في (تاريخه) (1/231-232) عن العباس بن محمد الدوري قال : سمعت يحيى بن معين يقول : (محمد بن إسحاق ثقة ولكنه ليس بحجة)؛ والله أعلم .
ثقة يخطئ :
هذه الكلمة يختلف معناها بحسب قائلها ومن قيلت فيه ومقامها ، فالمكثر جداً إذا قيل فيه : (يخطئ) ، فليس ذلك بضائره كثيراً ، بخلاف المقل فإنه إذا قيل فيه : (يخطئ) ، فربَّما كان ذلك دليلاً على ضعفه ووهنه أو تدل - في الأقل - على لِينه .(3/31)
فممن قيلت فيه من الحفاظ المكثرين العلماء هو الحافظ البزار ، ولكنها لم تكد تؤثر في منزلته بين ثقات حفاظ الحديث ، فهذا بعض ترجمته من (تاريخ بغداد) (4/334) (2157) : (أحمد بن عمرو بن عبد الخالق أبو بكر العتكي المعروف بالبزاز من أهل البصرة ---- ؛ وكان ثقة حافظاً صنف (المسند) وتكلم على الأحاديث وبين عللها وقدم بغداد وحدث بها----.
أخبرنا عبد الغني بن سعيد الحافظ قال سمعت أبا يوسف يعقوب بن المبارك يقول: ما رأيت أنبل من البزاز ولا أحفظ .
حدثني علي بن محمد بن نصر قال : سمعت حمزة بن يوسف(1) يقول: سألت الدارقطني عن أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار فقال: "ثقة يخطئ كثيراً ويتكل على حفظه" .
وذكر الحاكم أبو عبد الله بن البيع(2) أنه سمع الدارقطني يقول : "أحمد بن عمرو بن عبد الخالق يخطئ في الإسناد والمتن ، حدث بالمسند بمصر حفظاً ينظر في كتب الناس ويحدث من حفظه ولم تكن معه كتب ، فأخطأ في أحاديث كثيرة ، يتكلمون فيه ، جرحه أبو عبد الرحمن النَّسائي) .
ثقة يخطئ كما يخطئ الناس :
انظر (حجة) ، ثم قارن بمعنى (ثقة يخطئ).
ثقة يغرب :
انظر (ثقة ربما أغرب) .
الثلاثة :
أي سنن أبي داود والترمذي والنسائي .
ثلاثة كتب ليس لها أصول : المغازي والملاحم والتفسير :
__________
(1) سؤالات السهمي للدارقطني (117) .
(2) سؤالاته للدارقطني (ص92-93) (23) .(3/32)
أسند الخطيب البغدادي في (الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع) (2/162) إلى الإمام أحمد قال : (ثلاثة كتب ليس لها أصول : المغازي والملاحم والتفسير)(1) .
قال الخطيب : (وهذا الكلام محمول على وجه ، وهو أن المراد به كتب مخصوصة في هذه المعاني الثلاثة غير معتمد عليها ولا موثوق بصحتها لسوء أحوال مصنفيها وعدم عدالة ناقليها وزيادات القُصّاص فيها ؛ فأما كتب الملاحم فجميعها بهذه الصفة ، وليس يصح في ذكر الملاحم المرتقبة والفتن المنتظرة غير أحاديث يسيرة اتصلت أسانيدها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم من وجوه مرضية وطرق واضحة جلية .
وأما الكتب المصنفة في تفسير القرآن فمن أشهرها كتابا الكلبي ومقاتل بن سليمان).
ثم أسند إلى أحمد أنه سئل عن تفسير الكلبي فقال : من أوله إلى آخره كذب ، فقيل له : فيحل النظر فيه ؟ قال : لا . ثم ذكر الخطيب كذب مقاتل.
ثم قال : (ولا أعلم في التفسير كتاباً مصنفاً سلم من علة فيه أو عري من مطعن عليه) .
ثم قال :
(وأما المغازي فمن المشتهرين بتصنيفها وصرفِ العناية إليها محمد بن إسحاق المطلبي ومحمد بن عمر الواقدي ؛ فأما ابن إسحاق فقد تقدمت منا الحكاية عنه أنه كان يأخذ عن أهل الكتاب أخبارهم ويضمنها كتبه ؛ وروي عنه أيضاً أنه كان يدفع إلى شعراء وقته أخبار المغازي ويسألهم أن يقولوا فيها الأشعار ليلحقها بها----.
وأما الواقدي فسوء ثناء المحدثين عليه مستفيض وكلام أئمتهم فيه طويل عريض----). انتهى النقل عن الخطيب.
__________
(1) قال ابن حجر في (اللسان) (1/24) : (ينبغي أن يضاف إليها الفضائل، فهذه أودية الأحاديث الضعيفة والموضوعة ، إذ كانت العمدة في المغازي على مثل الواقدي ، وفي التفسير على مثل الكلبي ، وفي الملاحم على الإسرائيليات ؛ وأما الفضائل فلا يحصى كم وضع الرافضة في فضل أهل البيت ، وعارضهم جهلة أهل السنة بفضائل معاوية ، بل وبفضائل الشيخين ؛ وقد أغناهما الله وأعلى مرتبتهما عنها).(3/33)
وانظر (لا أصل له).
الثلاثيات :
هي الأحاديث التي يكون بين منتهاها وهو النبي صلى الله عليه وسلم وبين مصنف الكتاب الذي أخرجها فيه : ثلاثة رواة ، وإذا أطلقت هذه اللفظة فالمراد بها الثلاثيات من المرفوعات دون غيرها من الموقوفات والمقاطيع .
قال الكتاني في (الرسالة المستطرفة في بيان مشهور كتب السنة المشرفة) (ص97-98)(1) : (و "الثلاثيات" للبخاري ، وهي اثنان وعشرون ، جمعها الحافظ ابن حجر وغيره ، وشرحها غير واحد ؛ وأطول أسانيده تسعة ؛ ولمسلم خارج "صحيحه" ، لأنها ليست على شرطه ، وللترمذي في "جامعه" ، وهي حديث واحد ، وهو حديث أنس "يأتي على الناس زمان الصابر فيهم على دينه كالقابض على الجمر" ، ولابن ماجه ، وهي خمسة أحاديث بسند واحد عن أنس لكن من طريق جبارة بن المغلس الحماني الكوفي ، وهو ضعيف ، عن كثير بن سليم الضبي ، وهو ضعيف أيضاً ، عن أنس ، رضي الله عنه ؛ وللدارمي في "سننه" وهي خمسة عشر حديثاً ، وللشافعي في "مسنده" وغيره من حديث وهي جملة أحاديث ، ولأحمد في "مسنده" ، وهي ثلاثمئة وسبعة وثلاثون حديثاً على ما في "عقود اللئالي في الأسانيد العوالي" ، وقيل : ثلاثمئة وثلاثة وستون ، وهو ما جرى عليه الشيخ محمد بن أحمد بن سالم بن سليمان النابلسي السفاريني - نسبة إلى سفارين قرية من أعمال نابلس وُلد بها - الحنبلي مذهباً الأثري معتقداً القادري مشرباً [!] المتوفى بنابلس سنة ثمان وثمانين ومئة وألف ، في "نفثات الصدر المكمد بشرح ثلاثيات المسند" ، وهو في مجلد صخم ، ولعبد(2) بن حميد في "مسنده" وهي واحد وخمسون حديثاً ، وللطبراني في "معجمه الصغير" ، وهي ثلاثة) .
__________
(1) و (ص72-73) من طبعة دار الكتب العلمية الثانية 1400هـ .
(2) وقع في مطبوعة العلمية (عبدالله) مكان (عبد) والصحيح التجريد عن الإضافة .(3/34)
الثمانيات :
يراد بهذه اللفظة عند أهل الحديث الأحاديث المسندة التي يكون بين راويها والنبي صلى الله عليه وسلم ثمانية رواة ؛ قال الكتاني في (الرسالة المستطرفة) (ص100) عقب ذكره جماعة من أصحاب العوالي وكان آخرهم ذكراً أبي الفرج ابن الصيقل(1) : (و "الثمانيات" له أيضاً ، وهي في أربعة أجزاء ، وللرشيد أبي الحسين يحيي بن علي بن عبد الله العطار ، سماها "تحفة المستفيد في الأحاديث الثمانية الأسانيد" ، وللضياء المقدسي وغيرهم) .
ثم سكت :
روى العقيلي في (الضعفاء) (790) عن أحمد بن محمد بن هانئ قال : (قلت لأبي عبد الله: ابنا بريدة، سليمان، وعبد الله؟ قال: أما سليمان فليس في نفسي منه شيء، وأما عبد الله ؛ ثم سكت ؛ ثم قال: كان وكيع يقول: كانوا لسليمان بن بريدة أحمد منهم لعبد الله بن بريدة، أو شيئاً هذا معناه) ؛ وانظر (أحلى) .
ثنا :
هي مختصر صيغة الأداء (حدثنا) ، فانظر (حدثنا) .
وهذه فائدة زائدة :
__________
(1) انظر (السباعيات) .(3/35)
قال السخاوي في (فتح المغيث) (2/211-212) عقب شيء بيّنه : (ووصف غيرُ واحد بالتدليس مَن روى عمن رآه ولم يجالسه ، بالصيغه الموهمة ؛ بل وصف به من صرح بالإخبار في الإجازة ، كأبي نعيم ، أو بالتحديث في الوجاده ، كإسحاق بن راشد الجزري ، وكذا فيما لم يسمعه كفطر بن خليفة ، أحد من روى له البخاري مقروناً ، ولذا قال علي بن المديني : قلت ليحيى بن سعيد القطان : يُعتمد على قول فطر "ثنا" ويكون موصولاً؟ فقال : لا ، فقلت : أكان ذلك منه سجية؟ قال : نعم ؛ وكذا قال الفلاس إن القطان قال له : وما ينتفع بقول فطر "ثنا عطاء" ولم يسمع منه ؟! ؛ وقال ابن عمار عن القطان : كان فطر صاحب ذي "سمعت سمعت" ، يعني أنه يدلس فيما عداها ؛ ولعله تجوَّز في صيغة الجمع فأوهم دخوله ، كقول الحسن البصري "خطبنا ابن عباس" ، و"خطبنا عتبة بن غزوان" ، وأراد أهل البصرة بلده ، فإنه لم يكن بها حين خطبتهما ؛ ونحوه في(1) قوله "حدثنا أبو هريرة " ، وقول طاوس "قدم علينا معاذ اليمن" ، وأراد أهل بلده فإنه لم يدركه كما سيأتي الإشارة لذلك في أول أقسام التحمل .
ولكن صنيع فطر فيه غباوة شديدة ، يستلزم تدليساً صعباً ، كما قال شيخنا .
وسبقه عثمان بن خرزاذ فإنه لما قال لعثمان بن أبي شيبة : إن أبا هشام الرفاعي يسرق حديث غيره ويرويه وقال له ابن أبي شيبة : أعلى وجه التدليس أو على وجه الكذب؟ قال : كيف يكون تدليساً وهو يقول : ثنا ) ؛ انتهى ؛ وانظر (تدليس الصيغة) .
الثنائيات :
قال الكتاني في (الرسالة المستطرفة في بيان مشهور كتب السنة المشرفة) (ص97)(2) : (ومن الوحدانيات فما بعدها "الوحدانيات" لأبي حنيفة الإمام جمعها أبو معشر عبد الكريم بن عبد الصمد الطبري المقري الشافعي في جزء ، لكن بأسانيد ضعيفة غير مقبولة والمعتمد انه لا رواية له عن أحد من الصحابة ، و "الثنائيات" لمالك في "الموطأ" ، وهي أعلى ما عنده ) .
__________
(1) يحتمل أن كلمة (في) زائدة .
(2) و (ص72-73) من طبعة دار الكتب العلمية الثانية 1400هـ .(3/36)
فصل الجيم
الجادّة :
انظر (سلك الجادة) .
جاز القنطرة :
هذه كلمة الحافظ ابن المفضل ؛ قال الحافظ ابن حجر في (فتح الباري) (13/457) متعقباً بعض العلماء : (---- واستند إلى أن الجرح مقدم على التعديل ، وفيه نظر ، لأنه ثقة مخرج حديثه في الصحيحين ولم ينفرد به ؛ وقد نقل ابن دقيق العيد عن ابن المفضل وكان شيخ والده أنه كان يقول فيمن خُرِّج له في الصحيحين : هذا جاز القنطرة؛ وقرر ابن دقيق العيد ذلك بأن من اتفق الشيخان على التخريج لهم ثبتت عدالتهم بالاتفاق بطريق الاستلزام ، لاتفاق العلماء على تصحيح ما أخرجاه ، ومن لازمه عدالة رواته إلى أن تتبين العلة القادحة بأن تكون مفسرة ولا تقبل التأويل).
قلت : في هذا التعميم نظر ، فمعلوم أنهم أخرجوا لبعض الضعفاء انتقاءً .
الجامع :
انظر (السنن) و(الجوامع) .
جائز الحديث :
تحتمل هذه اللفظة رتبتين : رتبة من يقال فيه : صدوق حسن الحديث ، وهي رتبة احتجاج في الغالب، وذلك هو الأكثر في استعمال هذه اللفظة ، ورتبة المعتبر به سواء كان ليناً أو مستوراً .
جحود الحديث :
المراد بهذه العبارة أن يذكر راو معين - وليكن زيداً مثلاً - أو يذكر غيرُه لشيخ من المحدثين أن زيداً سمع من ذلك الشيخ حديثاً معيناً فينفي الشيخ تحديثه بذلك الحديث إما نفياً مطلقاً أو مقيداً بزيد؛ فيقال لصنيع ذلك الشيخ : جحد الحديث الفلاني ، أو جحد تحديثه لفلان بحيث كذا وكذا.(3/37)
فائدة : ينظر في مسألة جحود الشيخ لمرويه إلى جهتين :
الأولى : قوة جحود الشيخ أي قوة جزمه بالنفي ، وقوة جزم الراوي عنه بالسماع .
والثانية : رتبة كل منهما في العدالة والضبط .
ويرجَّح قول من فاق صاحبه في محصل الفرق بينهما في هاتين الجهتين ، ولكن ينبغي قبل الترجيح مراعاة القرائن الحافّة بدعوى كل منهما كالمتابعات والشواهد ونحوهما ومظان الوهم أو النسيان وأسبابهما وما يتعلق بذلك .
فائدة ثانية : قال الزركشي في (النكت) (1/313-314) : (قوله "أما إذا قال المروي عنه : لا أعرفه--- إلى آخرهِ " حاصله أنه يعمل بالخبر لأن الراوي جازم بسماعه، قال ابن شاهين : بلغني عن أبي بكر الأثرم قال : قلت لأحمد بن حنبل : يضعف الحديث عندك أن يحدث الثقة عن الرجل ويسأل عنه فينكره أو لا يعرفه؟ فقال : لا، قد كان معمر يروي عن ابنه عن نفسه عن عبد الله بن عمر.
وحكى ابنُ الأثير ثلاثة مذاهب :
أحدها : هذا.
وثانيها : أنه يبطل العمل به.
وثالثها : التفصيل في الشيخ؛ فإن كان رأيه يميل إلى غلبة نسيان وكان ذلك عادته في محفوظاته قبل رواية غيره عنه؛ وإن كان رأيه يميل إلى جهله أصلاً بذلك الخبر رد؛ فقلما ينسى الإنسان شيئاً حفظه نسياناً إلا ويتذكر بالتذكير، والأمور تبنى على الظاهر، لا على النادر؛ وحينئذ فللشيخ أن يقول : حدثني فلان عني أني حدثته(1).
تنبيه : هذا كله إذا أنكره قولاً؛ وفي إنكاره فعلاً حالتان :
إحداهما : أن ينكره فعلاً بأن يعمل بخلاف الخبر فإن كان قبْل الرواية فلا يكون تكذيباً لأن الظاهر أنه تركه لما بلغه الخبر، وكذا إذا لم يعلم التاريخ؛ وإن كان بعد الرواية فإن كان الخبر يحتمل ما عمل به بتأويل لم يكن تكذيباً وإلا فالخبر مردود.
__________
(1) وهذا داخل تحت باب (من حدث فنسي).(3/38)
الثانية : أن ينكره تركاً وإذا امتنع الشيخ من العمل بالحديث دل على أنه لو عرف صحته لما امتنع من العمل به، وله حكم ما قبله. ذكره ابن الأثير في مقدمة "جامع الأصول" ) انتهى كلام الزركشي.
جراب الكذب :
جراب الشيء هو وعاؤه ، فالمراد بهذه العبارة المبالغة في وصف الراوي بالكذب .
الجَرْح :
الجَرح لغةً : هو التأثير في البدن بشق أو قطع، واستعير في الأمور المعنوية بمعنى التأثير في الخُلُق والدين ، بوصف يناقضهما أو يقدح فيهما(1).
__________
(1) جاء في (النهاية في غريب الحديث) لابن الأثير (1/255) : (جرح : فيه "العَجْمَاء جَرْحُها جُبَار " ، الجَرْح هاهنا بَفْتح الجيم علىالمصْدَر لا غير، قاله الأزهري ؛ فأما الجَرْح بالضم فهُو الاسْم.
ومنه حديث بعض التابعين "كثُرت هذه الأحاديث واسْتجْرحَت" أي فسَدت وقَلَّ صِحَاحُها ، وهو إسْتَفْعل ، من جَرَح الشَّاهدَ إذا طَعَن فيه وردّ قوله؛ أراد أنّ الأحاديث كثُرتْ حتى أحْوَجَت أهلَ العلم بها إلى جَرْح بعض رُواتها ورَدّ روَايته.
ومنه قول عبد الملك بن مروان "وعَظْتُكُم فلَم تزْدَادُوا على الموْعِظة إلا اسْتِجْرَاحاً " ، أي إلاَّ ما يُكْسِبُكم الجَرْح والطَّعْن عليكم) .
قلت : أصل هذا الكلام ورد في (غريب الحديث) لأبي عبيد القاسم بن سلام (4/477) فقد جاء فيه ما نصه :
(وقال أبو عبيد في حديث عبد الملك بن مروان أنه قال في خطبته : وقد وَعَظْتُكم فلم تزدادوا على الموعظة إلا استجراحاً؛ قال الأصمعي : قوله استجراحاً، الاستجراح : النقصان; قال : وقال ابن عون : استجرَحَتْ هذه الأحاديث وكثرت , يعني أنها كثيرة وصحيحها قليل).
وجاء في (مختار الصحاح) :
(ج ر ح : جَرَحَهُ من باب قطع ؛ والاسم الجُرْحُ ، بالضم ؛ والجمع جُرُوحٌ؛ ولم يقولوا : جراح ، إلا في الشعر ؛ والجِرَاحُ بالكسر جمع جِراحَةٍ بالكسر أيضاً؛ ورجل جَرِيحٌ وامرأة جريح) .(3/39)
والجرحُ اصطلاحاً : الطعنُ في الراوي ووصفه بما يمنع من قبول روايته .
وهو على درجات ، فمنه ما يمنع من الاحتجاج بالراوي ولا يمنع من الاستشهاد به ، ومنه ما يترك الراوي بسببه، أي يكون غير صالح لا للاحتجاج ولا للاستشهاد ، ومنه وصفه بالوضع أو الكذب أو فحش الغلط .
الجُرح :
الفرق بين الجَرح ، بالفتح، والجُرح ، بالضم، هو أن الأولى مصدر والثانية ، اسم للأثر ؛ فنقول : الناقد جَرح الراوي، فالراوي فيه جُرح وفيه جُرحة، ولا يحسن أن يقال فيه جَرح، كما لا يقال فيه تضعيف أو فيه تجريح، بل يقال : فيه ضَعف وفيه جَرح.
الجرح المبهم :
قال المناوي في (التعاريف) (ص147) :
(البهمة : الحجر الصلب ؛ ثم قيل لما يصعب على الحاسة إدراكه إن كان محسوساً، وعلى الفهم إن كان معقولاً : مبهم ؛ ويقال : أبهمت الباب أغلقته إغلاقاً لا يهتدى لفتحه ؛ وأبهم الكلام إبهاماً إذا لم يبينه؛ ويقال للمرأة التي لا يحل نكاحها : هي مبهمة عليه ؛ ومنه قول الشافعي : لو تزوجها ثم طلقها قبل الدخول لم تحل له أمها ، لأنها مبهمة عليه ، وتحل بنتها ؛ وهذا التحريم يسمى المبهم ، لأنه لا يحل بحال.
البهيمة : ما لا نطق له ، لما في صوته من الإبهام ----). انتهى.(3/40)
قلت : الإبهام في الجرح يكون في الجارح كقولهم في الراوي (ضُعِّف)؛ ويكون في معنى الجرح وتفسيره ، كقولهم (فيه كلام) ؛ ويكون في دليله، كقولهم (يستحق الترك)؛ ولكنهم أكثر ما يطلقون تسمية الجرح المبهم على النوع الأول ، أي الطعن الذي يُجهل قائله الأول، أي على الطعن الذي يذكره العالم ، أو الناقد ، نقلاً له عن غيره من غير أن يبين من هو الطاعن ، مثاله قول الناقد في الراوي : (اتُّهم بسرقة الحديث)(1) وقوله (تُكلِّم فيه).
__________
(1) قال ابن حجر في (مقدمة الفتح) في بعض التراجم ما نصه : (خ م س ق عبد الملك المسمعي البصري أبو محمد بن أصحاب شعبة ، قال أبو حاتم : صالح ، وذكره صاحب (الميزان)، فنقل عن الخليلي أنه قال فيه : كان متهماً بسرقة الحديث ؛ وهذا جرح مبهم ؛ ولم أر له في البخاري سوى حديث واحد أورده في الدعوات مقروناً بمعاذ بن معاذ----).
وقال المباركفوري في (تحفة الأحوذي) (2/141) :
(قوله هذا حديث غريب تفرد به كامل أبو العلاء ولم يحكم عليه الترمذي بشيء من الصحة والضعف [قلت : قد أشار الترمذي إلى ضعفه وشذوذه إشارة بينة] ورواه الحاكم وصححه وسكت عنه أبو داود وقال المنذري في (تلخيص السنن) : "وأخرجه الترمذي وابن ماجه "، ونقل قول الترمذي هذا حديث غريب إلخ ، ثم قال : "وكامل هو أبو العلاء ، ويقال : أبو عبيد الله ، كامل بن العلاء التميمي السعدي الكوفي وثقه يحيى بن معين وتكلم فيه غيره انتهى كلام المنذري.
قلت : وقال ابن عدي : لم أر للمتقدمين فيه كلاماً، وفي بعض رواياته أشياء أنكرتها ، ومع هذا أرجو أنه لا بأس به ؛ وقال النسائي : ليس بالقوي، وقال مرةً : ليس به بأس ؛ وقال ابن حبان : كان ممن يقلب الأسانيد ويرفع المراسيل ؛ كذا في (الميزان) وغيره من كتب الرجال.
فقول النسائي ليس بالقوي جرح مبهم ، ثم هو معارض بقوله ليس به بأس----) انتهى ما احتجت إلى نقله من كلام المباركفوري.(3/41)
الجرح المبيَّن :
هو الجرح الذي تبين فاعله ومقصده ودليله ، فهو بمعنى الجرح المفسَّر ، ويأتي قريباً بيان معناه بتوسع.
الجرح المجمل :
هو الجرح الذي لم يعين قدرُه ، أو ما قد يُحتاج إليه من دليله ومستنده ، ليُعرفَ أثرُه، ولم يبين سببهُ ليعلم نوعُه ومقداره، فيبقى محتملاً لأن يكون قادحاً أو غير قادح ، ومعتبراً أو غير معتبر ؛ فهو وسط بين الجرح المبهم والجرح المجمل ، أو يكون الجرح المبهم أحد أقسام الجرح المجمل(1).
ولقد توسع كثير من المتأخرين والمعاصرين برد طائفة من كلام علماء الحديث وأئمته في جملة من الرواة بحجة أنه جرحُ مجمَل؛ مع أنه ليس كل جرح مجملٍ مردوداً، ولا كل ما زُعم أنه مجمل فهو مجمل على الحقيقة، ومع أن الأصل في كلام الأئمة ونقولهم في كتبهم في التجريح والتعديل هو الطعن في الرواة من جهة روايتهم، وأيضاً الأصل في نقل أولئك الأئمة أنهم لا ينقلون إلا ما ثبت - أو قويَ - عندهم سنده، وأنهم لا ينقلون جرحاً غير معتبر ؛ قال العلامة المعلمي في (التنكيل) (1/80) : (ومن تتبع صنيع أهل العلم تبين له أنهم كثيراً ما يقدِّمون الجرح الذي لم يُشرح كل الشرح ، على التوثيق)؛ وقال فيه (1/64) : (فالتحقيق أن الجرح المجمل يثبتُ به جرح من لم يعدل نصاً ولا حكماً ، ويوجب التوقف فيمن عُدِّل حتى يُسْفِر البحث عما يقتضي قبولَه أو ردَّه)، وقال فيه (1/63) : (والذين جرحوا الرواة يكثر في كلامهم الإجمال ، وأن لا يستفسرهم أصحابهم ، ولم يبق بأيدي الناس إلا نقل كلامهم ، ولم يزل أهل العلم يتلقون كلماتهم ويحتجون بها).
وانظر (الجرح المفسر) .
__________
(1) قال الشوكاني في (نيل الأوطار) (7/26) في معرض نقله كلام النقاد في ابن لهيعة : (وقال ابن معين : ليس بذاك القوي ؛ وهذا جرح مجمل لا يقبل عند بعض أئمة الجرح والتعديل)!.(3/42)
الجرح المفسر :
الجرح المفسر هو الجرح الذي يُذكَر فيه من التفصيل والتبيين وذكر الأسباب ما يدفع عنه تأثيرَ ما يحتمله من الخلل المعتبر .
قال العلامة المعلمي رحمه الله تعالى في قسم القواعد من (التنكيل) (ص247-250) تحت هذه الترجمة : (هل يشترط تفسير الجرح ؟) ما نصه :
(إعلم أن الجرح على درجات :
الأولى : المجمل وهو ما لم يبين فيه السبب كقول الجارح : (ليس بعدل) ، (فاسق) ؛ ومنه - على ما ذكره الخطيب في (الكفاية) (ص108) عن القاضي أبي الطيب الطبري - قول أئمة الحديث : (ضعيف) أو (ليس بشيء) ؛ وزاد الخطيب قولهم (ليس بثقة) .
الثانية : مبيَّن السبب ، ومثَّل له بعضُ الفقهاء بقول الجارح : (زان) ، (سارق) ، (قاذف) .
ووراء ذلك درجات بحسب احتمال الخلل وعدمه ؛ فقوله : (فلان قاذف) قد يحتمل الخلل :
من جهة أن يكون الجارح(1) أخطأ في ظنه أن الواقع قذف(2) .
ومن جهة احتمال أن يكون المرميُّ [أي المقذوف] مستحقاً للقذف(3) .
ومن جهة احتمال أن لا يكون الجارح سمع ذلك من المجروح(4) وإنما بلغه عنه(5) .
ومن جهة أن يكون إنما سمع رجلاً آخر يَقذِف فتوهم أنه الذي سماه(6).
ومن جهة احتمال أن يكون المجروح إنما كان يحكي القذفَ عن غيره(7).
أو [كان] يَفرض(8) أن قائلاً قاله فلم يسمع الجارح أول الكلام(9) .
__________
(1) أي لذلك الرجل المتهم بأنه قاذف.
(2) فلا يكون ذلك الرجل في الواقع قاذفاً .
(3) فلا يكون من ذكر ذلك مجروحاً به .
(4) أي القاذف المجروح بكونه قاذفاً.
(5) فلا بد من ثبوت كونه قاذفاً ليُجرَح بذلك .
(6) كأن يكون اسمه ونسبه كاسمه ونسبه .
(7) مثل أن يقول : قال زيد : فلان زان ، فهو لم يقل ذلك من عنده ، فهو ناقل للقذف وليس قاذفاً ابتداء ، أي ليس قاذفاً أصلياً.
(8) يَفرض) معطوفة على (يحكي)، كما يدل عليه زيادتي لكلمة (كان).
(9) كأن يقول : لو قال أحد : إن زيداً زان قلت له كذا وكذا ، فلم يسمع الجارح قوله (لو قال أحد) وسمع ما بعد ذلك .(3/43)
إلى غير ذلك من الاحتمالات.
نعم إنها خلاف الظاهر ، ولكن قد يقوى المعارض جداً فيغلب على الظن أن هناك خللاً وإن لم يتبين .
واختلف أهل العلم في الدرجة الأولى وهي الجرح المجمل إذا صدر من العارف بأسباب الجرح ، فمنهم من قال : يجب العمل به ، ومنهم من قال : لا يُعمل به لأن الناس اختلفوا في أشياء يراها بعضهم فسقاً ولا يوافقه غيرُه ؛ وفصَّل الخطيب فيما نقله عنه العراقي والسخاوي قال :
(إن كان الذي يرجع إليه عدلاً مرضياً في اعتقاده وأفعاله عارفاً بصفة العدالة والجرح وأسبابهما ، عالماً باختلاف الفقهاء في أحكام ذلك قُبل قوله فيمن جرحه مجملاً ولا يسأل عن سببه) .
يريد أنه إذا كان عارفاً باختلاف الفقهاء فالظاهر أنه لا يجرح إلا بما هو جرح باتفاقهم(1) .
وأقول : لا بد من الفرق بين جرح الشاهد وجرح الراوي ، وبين ما إذا كان هناك ما يخالف الجرح وما إذا لم يكن هناك ما يخالفه .
فأما الشاهد فله ثلاث أحوال :
الأولى : أن تكون قد ثبتت عدالته في قضية سابقة وقضى بها القاضي ، ثم جُرح في قضية أخرى .
الثانية : أن لا تكون قد ثبتت عدالته ولكن سُئل عنه عارفوه ، فمنهم من عدله ومنهم من جرحه .
الثالثة : أن لا يكون قد ثبتت عدالته وسئل عنه عارفوه فجرحه بعضهم وسكت الباقون .
فأما الثالثة : فإن كان القاضي لا يقبل شهادة من لم يعدَّل فأي فائدة في استفسار الجارح ؟
وإن كان يقبلها فلضعفها(2) يكفي الجرح المجمل .
__________
(1) لأنه لو ذكر جرحاً مختلفاً فيه لرجعنا إلى أصل المسألة ؛ وهو مشكل؛ ولكن الظاهر أنه أراد أنه إذا جرّح لا يُجمل في الجرح إلا إذا كان سبب الجرح متفقاً عليه، وإلا وقع في شيء مما يُشبه التدليس ، ولو أحياناً.
(2) أي لبيان ضعفها ، فهو يعني أن من لم يعدل يكفي لتضعيف شهادته وردها أن يرد فيه جرح مجمل ، ولا يشترط الجرح المفسر .(3/44)
وأما الثانية : فقد يكثر الجارحون فيغلب على الظن صحة جرحهم وإن أجملوا ؛ وقد لا تحصل غلبة الظن إلا بالدرجة الثانية من الجرح وهي بيان السبب ؛ وقد لا تحصل إلا بأزيد منها مما مر بيانه .
وإذا كان القاضي متمكناً من الاستفسار لحضور الجارح عنده أو قربه منه فينبغي أن يستوفيه على كل حال لأنه كلما كان أقوى كان أثبت للحجة وأدفع للتهمة .
وأما الأولى : فينبغي أن لا يكفي جرح مجمل ولو مع بيان السبب ، بل يحتاج إلى بيان المستند بما يدفع ما يحتمل من الخلل .
وأما الراوي فحاله مخالفة للشاهد فيما نحن فيه من أوجه :
الأول : أن الذين تكلموا في الرواة أئمة أجلة ، والغالب فيمن يجرح الشاهد أن لا يكون بتلك الدرجة ولا ما يقاربها .
الثاني : أن الذين تكلموا في الرواة منصبهم منصب الحكام ، وقد قال الفقهاء : إن المنصوب لجرح الشهود يكتفى منه بالجرح المجمل .
الثالث : أن القاضي متمكن من استفسار جارح الشاهد كما مر ؛ والذين جرحوا الرواة يكثر في كلامهم الإجمال ، وأن لا يستفسرهم أصحابهم ، ولم يبق بأيدي الناس إلا نقل كلامهم ، ولم يزل أهل العلم يتلقون كلماتهم ويحتجون بها .
وبعد أن اختار ابن الصلاح اشتراط بيان السبب قال :
(ولقائل أن يقول : إنما يعتمد الناس في جرح الرواة ورد حديثهم على الكتب التي صنفها أئمة الحديث ---- وقلَّ ما يتعرضون لبيان السبب بل يقتصرون على ---- فلان ضعيف وفلان ليس بشيء ونحو ذلك---- فاشتراط بيان السبب يفضي إلى تعطيل ذلك وسد باب الجرح في الأغلب الأكثر .(3/45)
وجوابه أن ذلك وإن لم نعتمده في إثبات الجرح والحكم به فقد اعتمدناه في أن توقفنا عن قبول حديث من قالوا فيه مثل ذلك ، بناء على أن ذلك أوقع عندنا فيهم ريبة قوية يوجب مثلها التوقف ؛ ثم من انزاحت عنه الريبة منهم ببحث عن حاله أوجب الثقة بعدالته قبلنا حديثه ولم نتوقف كالذين احتج بهم صاحبا الصحيحين وغيرهم ممن مسهم مثل هذا الجرح من غيرهم ، فافهم ذلك فإنه مخلص حسن) .
وتبعه النووي في (التقريب) و(شرح صحيح مسلم) ولفظه هناك :
(على مذهب من اشترط في الجرح التفسير نقول :
فائدة الجرح فيمن جرح مطلقاً أن يتوقف عن الاحتجاج به إلى أن يبحث عن ذلك الجرح----).
وذكر العراقي في (ألفيته) و(شرحِها) بعض الذين أشار ابن الصلاح إلى أن صاحبي الصحيحين احتجا بهم وقد جُرِحوا فذكر ممن روى له البخاري عكرمة مولى ابن عباس وعمرو بن مرزوق الباهلي ، وممن روى له مسلم سويد بن سعيد ؛ وهؤلاء قد سبق جرحهم ممن قبْل صاحبي الصحيح ؛ وكذلك سبق تعديلهم أيضاً ؛ فهذا يدل أن التوقف الذي ذكره ابن الصلاح والنووي يشمل من اختلف فيه فعدله بعضهم وجرحه غيره جرحاً غير مفسر ، وسياق كلامهما يقتضي ذلك ؛ بل الظاهر أن هذا هو المقصود ، فإن من لم يعدل نصاً أو حكماً ولم يجرح يجب التوقف عن الاحتجاج به ، ومن لم يعدل وجرح جرحاً فالأمر فيه أشد من التوقف والارتياب .
فالتحقيق أن الجرح المجمل يثبتُ به جرح من لم يعدل نصاً ولا حكماً ، ويوجب التوقف فيمن عُدِّل حتى يُسْفِر البحث عما يقتضي قبوله أو رده ، وسيأتي تفصيل ذلك إن شاء الله تعالى).
ثم قال (ص262-265) تحت هذه الترجمة : (إذا اجتمع جرح وتعديل فبأيهما يعمل؟) ما لفظه :
(قد ينقل في راو جرح وتعديل ولكننا إذا بحثنا بمقتضى القاعدة السابقة سقط أحدهما أو تبين أنه إنما أريد به ما لا يخالف الآخر ؛ فهاتان الصورتان خارجتان عن هذه القاعدة ؛ فأما إذا ثبت في الرجل جرح وتعديل متخالفان فالمشهور في ذلك قضيتان :(3/46)
الأولى : أن الجرح إذا لم يبين سببه فالعمل على التعديل ، وهذا إنما يطرد في الشاهد لأن معدله يعرف أن القاضي إنما يسأله ليحكم بقوله ، ولأن شرطه معرفته بسيرة الشاهد معرفة خبرة ، ولأن القاضي يستفسر الجارح كما يجب ، فإذا أبى أن يفسر كان إباؤه موهناً لجرحه .
فأما الراوي فقد يكون المُثني عليه لم يقصد الحكم بثقته ، وقد يكون الجرح متعلقاً بالعدالة مثل (هو فاسق) والتعديل مطلق والمعدِّل غير خبير بحال الراوي وإنما اعتمد على سبر ما بلغه من أحاديثه ، وذلك كما لو قال مالك في مدني : (هو فاسق) ثم جاء ابن معين فقال : (هو ثقة) .
وقد يكون المعدل إنما اجتمع بالراوي مدة يسيرة فعدله بناء على أنه رأى أحاديثه مستقيمة والجارح من أهل بلد الراوي ، وذلك كما لو جح رازي فاجتمع به ابن معين ببغداد فسمع منه مجلساً فوثقه ، ويكون أبو زرعة وأبو حاتم الرازيان قد قالا فيه : (ليس بثقة ولا مأمون) .
ففي مثل هذه الأمثلة لا يخفى أن الجرح أولى أن يؤخذ به .
فالتحقيق أن كلاً من التعديل والجرح الذي لم يبين سببه يحتمل وقوع الخلل فيه ، والذي ينبغي أن يؤخذ به منهما هو ما كان احتمال الخلل فيه أبعد من احتماله في الآخر ؛ وهذا يختلف ويتفاوت باختلاف الوقائع ؛ والناظر في زماننا لا يكاد يتبين له الفصل في ذلك الا بالاستدلال بصنيع الأئمة ، كما إذا وجدنا البخاري ومسلماً قد احتجا - أو أحدهما - براو سبق ممن قبْلهما فيه جرح غير مفسر ، فإنه يظهر لنا رجحان التعديل غالباً(1) ، وقس على ذلك .
وهذا تفصيل ما تقدم في القاعدة الخامسة عن ابن الصلاح وغيره .
لكن ينبغي النظر في كيفية رواية الشيخين عن الرجل ، فقد يحتجان - أو أحدهما - بالراوي في شيء دون شيء ، وقد لا يحتجان به ، وإنما يخرجان له ما توبع عليه .
__________
(1) كشأن البخاري مع عكرمة ، وقد تقدم شرح ذلك.(3/47)
ومن تتبع ذلك وأنعم فيه النظر علم أنهما في الغالب لا يهملان الجرح البتة ، بل يحملانه على أمر خاص ، أو على لين في الراوي لا يحطه عن الصلاحية [للاحتجاج] به فيما ليس مظنةً الخطأ أو فيما توبع عليه ونحو ذلك ؛ راجع الفصل التاسع من (مقدمة فتح الباري) .
القضية الثانية : أن الجرح إذا كان مفسراً فالعمل عليه ، وهذه القضية يُعرف ما فيها بمعرفة دليلها ، وهو ما ذكره الخطيب في (الكفاية) (ص105) قال :
(والعلة في ذلك أن الجارح يُخبر عن أمر باطن قد علمه ويصدّق المعدلَ ويقول له : قد علمتُ من حاله الظاهرة ما علمتَها وتفردتُ بعلم لم تعلمْه من اختبار أمره ، وإخبار المعدِّل عن العدالة الظاهرة لا ينفي صدق قول الجارح ، ولأن من عمل بقول الجارح لم يتهم المزكي ولم يخرجه بذلك عن كونه عدلاً ؛ ومتى لم نعمل بقول الجارح كان في ذلك تكذيب له ونقض لعدالته ، وقد علم أن حاله في الأمانة مخالفة لذلك).
أقول : ظاهر كلام الخطيب أن الجرح المبين السبب مقدم على التعديل ، بل يظهر مما تقدم عنه في القاعدة الخامسة من قبول الجرح المجمل إذا كان الجارح عارفاً بالأسباب واختلاف العلماء : أن الجارح إذا كان كذلك قدم جرحه الذي لم يبين سببه على التعديل ، لكن جماعة من أهل العلم قيدوا الجرح الذي يقدم على التعديل بأن يكون مفسراً ، والدليل المذكور يرشد إلى الصواب ، فقول الجارح العارف بالأسباب والاختلاف : ليس بعدل ، أو : فاسق ، أو : ضعيف ، أو : ليس بشيء ، أو : ليس بثقة ، هل يجب أن لا يكون إلا عن علم بسبب موجب للجرح إجماعاً ؟
أوَلا يحتمل أن يكون جهل أو غفل أو ترجح عنده ما لا نوافقه عليه ؟
أو ليس في كل مذهب اختلاف بين فقهائه فيما يوجب الفسق ؟(3/48)
فإن بين السبب فقال مثلاً : قاذف ، أو قال المحدث : كذاب ، أو يدعي السماع ممن لم يسمع ، أفليس إذا كان المتكلم فيه راوياً قد لا يكون المتكلم قصد الجرح وإنما هي فلتة لسان عند ثورة غضب أو كلمة قصد بها غير ظاهرها بقرينة الغضب ؟
أوَلم يختلف الناس في بعض الكلمات أقذف هي أم لا ؟ حتى ان فقهاء المذهب الواحد قد يختلفون في بعضها؟!
أوليس قد يستند الجارح إلى شيوع خبر قد يكون أصله كذبةَ فاجرٍ أو قرينة واهية كما في قصة الإفك ؟ وقد يستند المحدث إلى خبرِ واحدٍ يراه ثقةً وهو عند غيره غيرُ ثقة ؟
أوَليس قد يبني المحدث كلمة (كذاب) أو (يضع الحديث) أو (يدعي السماع ممن لم يسمع منه) على اجتهاد يحتمل الخطأ ؟
فإن فصل الجارح القذف أفليس قد يكون القذف لمستحقه ؟
أوليس قد يكون فلتة لسان عند سورة غضب ، كما وقع من محمد بن الزبير أو من أبي الزبير محمد بن مسلم بن تدرس على ما رواه أبو داود الطيالسي عن شعبة(1) ، وكما وقع من أبي حصين عثمان بن عاصم فيما ذكره وكيع وإن كانت الحكاية منقطعة ؟
إذا تدبرت هذا علمت أنه لا يستقيم ما استدل به الخطيب إلا حيث يكون الجرح مبيناً مفسراً مثبتاً مشروحاً بحيث لا يظهر دفعه إلا بنسبة الجارح إلى تعمد الكذب ، ويظهر أن المعدل لو وقف عليه لما عدل .
فما كان هكذا فلا ريب أن العمل فيه على الجرح وإن كثر المعدلون ، وأما ما دون ذلك فعلى ما تقدم في القضية الأولى) ؛ انتهى كلام المعلمي.
وقد قال بعض الفضلاء : (شاع في ظن كثير من طلبة العلم أن الكلمة إذا كانت شديدة الجرح فهي جرح مفسر ، وإذا كانت خفيفة الجرح فهي جرح مجمل ؛ والأمر ليس كذلك ---- ؛ ففي كل من القسمين عبارات مفسرة وأخرى مجملة .
__________
(1) قال المعلمي في (التنكيل) (1/66) : (وحكى أبو داود الطيالسي قصة لأبي الزبير محمد بن مسلم بن تدرس المكي وحكى هو عن شعبة قصة نحو تلك لمحمد بن الزبير التميمي البصري . وأخشى أن يكون الطيالسي وهم في أحدهما).(3/49)
وسر ذلك أن تعلم أن الراوي المجرَّح يُتكلم فيه من جهتين : جهة العدالة وجهة الضبط ؛ فإذا علمت من الكلمة أن الطعن موجه إلى الراوي في إحدى الجهتين أو كلتيهما فإنه جرح مفسر وإلا فمجمل(1) .
فقولهم في أحد الرواة : ضعيف(2) ، أو ليس بشيء ، أو متروك أو ساقط 000 إلخ ما كان من هذا السبيل ؛ هذه العبارات لو سألنا أنفسنا : هل المقصود بها الجرح في العدالة أم في الضبط ؟ لما ظهر لنا شيء ، ولذلك فهي جرح مجمل .
لكن لو رأينا قولهم في أحد الرواة : (سيء الحفظ) أو (له أوهام) أو (فاحش الغلط) أو (فاسق) أو (كذاب) 000 إلخ ما كان من هذا السبيل ، وسألنا أنفسنا السؤال السابق لوجدنا للسؤال جواباً في كل لفظة ، فمن هنا قلنا : إنه جرح مفسر(3) .
__________
(1) أقول : مثل هذا الإجمال لا يضر كلام الناقد كثيراً، ولا يمنع من الاعتداد بالجرح ، لأنَّ كلام علماء الجرح والتعديل في الرواة إنما الأصل فيه أن يراد به حالهم في رواياتهم ، ولا يُخرَج عن هذا الأصل إلا ببرهان واضح وكاف ؛ فكيف إذا تأكد ذلك الأصل الأصيل بقرينة استعمال الناقد لكلمات اصطلاحية اشتهر استعمالها في نقد الرواة من جهة مروياتهم حتى إنه لا يكاد معناها اللغوي يخطر ببال السامع ، أعني عند ورودها في سياق نقد الرواة .
والحاصل أن كلمة الناقد إن علم أن المراد بها لا يخلو أن يكون هو العدالة أو الضبط أو كليهما فلا فرق - من جهة الاستناد إليها والبناء عليها - بينها وبين كلمته التي يتعين متعلَّقُها من هذه المعاني الثلاثة المحتملة ، أعني العدالة والضبط ومجموعهما .
(2) قلت : الغالب في هذه اللفظة توجهها إلى الضبط .
(3) هذا الضابط الذي ذكره في التفريق بين الجرحين المجمل والمفسَّر ليس هو الضابط الوحيد في هذا الأمر، ولكن ثَمَّ ضوابط أخرى فيه.(3/50)
وقد تساءل بعضهم عن لفظة (فلان منكر الحديث) ، فمنهم من قال : هي مجملة لأن (منكر الحديث) هو ضعيف وقد خالف ، ولفظة ضعيف مجملة فما بني عليها له حكمها ؛ وقال بعضهم - وهو الصواب - : هي مفسرة لأن المخالفة تدل على قلة الضبط ، فتعين سبب الجرح ، إلا أن قول البخاري (فلان منكر الحديث) مجمل لأنه عنده بمعنى أن الراوي لا تحل الرواية عنه(1) ، وهذا مجمل لعدم معرفة سبب هذا الترك ، وإن كان البعض يعدها مفسرة فالعمدة على ما قررته ، والله أعلم) .
انتهى كلامه وربما يُخالَف في قدر يسير منه ، والله أعلم.
وسئل الشيخ أبو الحسن المأربي كما في (إتحاف النبيل) (1/204-206) (س76) : (هناك عبارات نريد أن نعرف هل هي جرح مجمل أو مفسر ، مثل قولهم "فلان يتكلمون فيه") ؟
فأجاب : (هذا جرح مجمل ، لأننا ما نعلم هل يتكلمون فيه مِن قِبل العدالة ، أم من قبل الحفظ ؟ وهي عبارة جرح خفيفة من عبارات الشواهد والمتابعات ، لكن يطلقها الإمام البخاري رحمه الله خاصة على الجرح الشديد كما ذكرته في المصطلحات الخاصة من (شفاء العليل) .
وقولهم (لم يكن بالقوي في حديثه) جرح مجمل لعدم معرفة سبب نفي القوة ----).
إلى أن قال : (قولهم يستضعف جرحٌ مجمل ، وهو أخف ضعفاً من قولهم "ضعيف" ؛ وقولهم "ليس بذاك" أيضاً جرح مجمل ؛ وقولهم "متروك" جرح مجمل كذلك) .
الجرح والتعديل :
هذا اسم للعلْم الشهير ، أعني علم نقد رواة الأحاديثِ والأخبارِ ، وكذلك هو اسم للنقد نفسه ، أي بيان أحوال الرواة في مروياتهم ، والمعبَّر عنه بالتعديل والتجريح.
ومن المعنى الأول قولهم (كتب الجرح والتعديل) و (قواعد الجرح والتعديل) و (الجرح والتعديل فن صعب) .
ومن المعنى الثاني قولهم (مراتب الجرح والتعديل) و (ألفاظ الجرح والتعديل) ، و (فلان معتدل في الجرح والتعديل) ، ونحو ذلك .
__________
(1) في هذا نظر بينتُه في موضعه من هذا الكتاب.(3/51)
ولكن عند التأمل قد يظهر أن كل مثال للمعنى الأول يصلح للنوع الثاني من غير عكس .
الجُزازة :
ورد في (المعجم الوسيط) (1/121) : (الجُزاز من كل شيء : ما جُزَّ منه ؛ و[هو أيضاً] ما فَضَل من الشيء وسقَطَ عند القطع.
الجُزازة: الجُزازُ، و[هي أيضاً] الوريقة تكتب فيها الفوائد. "مو" [أي مولدة] ).
الجزء :
قال الفيروزابادي في (القاموس المحيط) : (الجُزْءُ : البَعْضُ، ويُفْتَحُ) ، ثم ذكر أن جمعه : أجْزاءٌ .
وفي (المعجم الوسيط) (1/120) : (الجُزْءُ : القطعة من الشيء ، و[الجُزْءُ] : ما يتركب الشيء منه ومن غيره ، و[الجُزْءُ] : النصيب) ؛ انتهى .
وجزّأ الشيءَ تجزيئاً وتجزئةً : قَسّمه أجزاء ، أي جعله أجزاء متميزة عن بعضها .
وأما الجزء في عرف أهل الحديث فهو كتيِّب حديثي ، أو أوراق مجتمعة متضمنة جملة من الأحاديث يجمعها بعض المحدثين ، ويغلب أن تكون مشتركة في بابها ، أو بعض مَخرجها ، أو بعض صفاتها ، فتكون على هيئة التصنيف ، وقد يكون الجزء جزءاً من كتاب ، أو يكون مقياساً لحجم الكتاب ، فيقال مثلاً : هذا الكتاب عشرة أجزاء .
وقال الدكتور موفق بن عبدالله في (توثيق النصوص وضبطها عند المحدثين) (ص228) : (و[الجزء] في اصطلاح المحدثين : هو تأليف صغير يشتمل على مطلب معين من المطالب) وقال في الهامش : (هذا التعريف من مادة الأجزاء ومحتوياتها العلمية) .
وهذا التعريف فيه بعض قصور ، فإن الجزء في اصطلاح المحدثين يكون مؤلفاً مفرداً ، ويكون جزءاً من مؤلَّف أكبر(1) ، وإن كان النوع الأول هو الأشهر ، وهو المراد عند الإطلاق .
وأما عدد أوراق الجزء في عرف أهل الحديث ومن وافقهم من الوراقين فليس متفقاً على مقداره ؛ ولذلك تراهم يصفون الجزء أحياناً بالصغر وأحياناً بالكبر وأحياناً يطلقون الكلمة من غير وصف ، وفيما يلي أمثلة للتقييد بالوصف .
__________
(1) كما فيما سيأتي من قوله (وقد يقسم المصنِّف الكتابَ الواحد إلى أجزاء متعددة) .(3/52)
قال الخطيب في (تاريخ بغداد) (8/13) : (قال لي أبو القاسم الأزهري : كنت أحضر عند عبد الله بن بكير وبين يديه أجزاء كبار قد خرج فيها أحاديث ، فأنظر في بعضها فيقول لي : أيما أحب إليك : تذكر لي متن ما تريد من هذه الأحاديث حتى أخبرك بإسناده أو تذكر إسناده حتى أخبرك بمتنه ؟ فكنت أذكر له المتون فيحدثني بالأسانيد من حفظه كما هي في كتابه ؛ وفعلت هذا معه مراراً كثيرة) .
وقال الذهبي في ترجمة أبي عبد الله بن منده من (تذكرة الحفاظ) : (3/1034) (قال جعفر المستغفري : ما رأيت أحداً أحفظ من أبي عبد الله بن منده ، سألته يوماً : كم يكون سماعات الشيخ ؟ قال : تكون خمسة آلاف منّ ؛ قلت : المنّ يجيء عشرة أجزاء كبار) .
وقال الذهبي في (السير) (13/43) في ترجمة أحمد بن ملاعب البغدادي : (وقع لي جزء صغير من حديثه) .
ويظهر أن المراد بالجزء عند الإطلاق - أعني عند عدم تقييده بصغر ولا كبر - هو الجزء المتوسط في مقداره .
وقال الدكتور موفق بن عبدالله في (توثيق النصوص وضبطها عند المحدثين) (ص229) : (وقد يقسم المصنِّف الكتابَ الواحد إلى أجزاء متعددة ---- .
أما عدد أوراق الجزء الحديثي فهو أمر مختلف فيه ، فمنهم من جعله عشر أوراق ، ومنهم اثنتي عشرة ورقة ... وهكذا .
وقد يقسِّم البعضُ الكتابَ كلَّه إلى أجزاء كبيرة ، كما في كتاب "المؤتلف والمختلف" للدارقطني نسخة سراي مدينة برقم 464 ، إذْ جُزِّئ الكتابُ فيها إلى جزأين ، كل جزء يقع في 189 ورقة) .
قلت : وهذا يشبه المعنى المتعارف عليه للجزء في هذا العصر ، إذ المراد عندهم بأجزاء الكتاب أقسامه المنفصلة عن بعضها ، فيقال مثلاً : طبع صحيح البخاري بمطبعة كذا في أربعة أجزاء ، والمراد أربعة مجلدات ، أو أربعة أسفار .
إذن صار للجزء معنى لغوي وثانٍ اصطلاحي وثالث عرفي .(3/53)
وتكلم على مصطلح (جزء) الدكتور امتياز أحمد عميد كلية المعارف الإسلامية بجامعة كراتشي في كتابه (دلائل التوثيق المبكر للسنة والحديث) (ص352-358) .
الجزء الحديثي :
هو الجزء في عرف المحدثين ، فانظر (الجزء) .
الجماعة :
أي أصحاب الكتب الستة ، وانظر (احتج به الجماعة).
جمعُ الأبواب :
يوصفُ المترجَم أحياناً بأنه جمع أبواباً ، وجمع الأبواب يراد به تأليف كتب تُفرد لبعض الأبواب العلمية ، كبعض أبواب الفقه ، أو أبواب الإيمان ، أو أبواب الأخلاق(1) .
قال الخطيب البغدادي في (الجامع) (2/430) في وصف الطريقتين اللتين عليهما تصنيف الحديث : (من العلماء من يختار تصنيف السنن وتخريجها على الأحكام وطريقة الفقه ؛ ومنهم من يختار تخريجها على المسند وضم أحاديث كل واحد من الصحابة بعضها إلى بعض .
__________
(1) وقد يكون المراد بهذه العبارة أحياناً أنه ألف على الأبواب .(3/54)
فينبغي لمن اختار الطريقة الأولى أن يجمع أحاديث كل نوع من السنن على انفراده ، فيميز ما يدخل في كتاب الجهاد عما يتعلق بالصيام ، وكذلك الحكم في الحج والصلاة والطهارة والزكاة وسائر العبادات وأحكام المعاملات ، ويفرد لكل نوع كتاباً ، ويبوب في تضاعيفه أبواباً يقدم فيها الأحاديث المسندات ثم يتبعها بالمراسيل والموقوفات ومذاهب القدماء من مشهوري الفقهاء ، ولا يورد من ذلك إلا ما ثبتت عدالة رجاله واستقامت أحوال رواته ، فإن لم يصح في الباب حديث مسند اقتصر على إيراد الموقوف والمرسل ، وهذان النوعان أكثر ما في كتب المتقدمين إذ كانوا لكثير من المسندات مستنكرين ، نا أبو طالب يحيى بن علي الدسكري لفظاً أنا ابو بكر بن المقرئ نا أبو عروبة حسين بن محمد قال سمعت محمد بن يحيى بن كثير يقول : قال أبو نعيم : سلني ولا تسلني عن الطويل ولا المسند ، أما الطويل فكنا لا نحظفه ، وأما المسند فكان الرجل إذا والى بين حديثين مسندين رفعنا إليه رؤوسنا استنكاراً لما جاء به)(1).
__________
(1) المراد أنهم كانوا ينكرون ما يقع فيه كثيرٌ من الرواة من الإكثار من رواية الأحاديث المسندة (يعني المرفوعة) الضعيفة أو التي لا يحفظونها ، لأن ذلك جرأةٌ في الحالتين ، وهم يعلمون قلة ما يصح من الأحاديث المسندة بالنسبة إلى كثرة ما يُروى منها .
وأما تعليق الأستاذ الفاضل محقق (الجامع) فقد جانبه الصواب ، فليس معنى هذا النص كما فسره به .(3/55)
ثم استمر الخطيب في تفصيل آداب وشروط تصنيف الأحاديث على كلٍّ من الطريقتين المذكورتين ؛ إلى أن ذكر (2/456) الرجال الذين يعتنى بجمع حديثهم ، ثم ذكر جمع التراجم (2/459-460) ، ثم ذكر (2/460-463) جمع الأبواب فقال : (ويجمعون أبواباً يفردونها عن الكتب الطوال المصفنة في الأحكام ، وعن مسانيد الصحابة أيضاً ، فمنها باب رؤية الله عز وجل في الآخرة ، وباب الشفاعة ، وباب المسح على الخفين ، وباب النية في العبادات ، وباب رفع اليدين في الصلاة ، وباب القراءة وراء الإمام ، وباب إفراد الإقامة ، ---- ، وطرق قول النبي صلى الله عليه وسلم "من كذب عليَّ" ، و "إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً" ، و "أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام" ، و "إذا اقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة" ، و "نضر الله من سمع منا حديثاً فبلغه" ، و "إن أهل الدرجات" ، و "طلب العلم فريضة" ، و "من سئل عن علم فكتمه" ، و "الأحاديث المسلسلات" ؛ ويجب أن يقدم من هذه الجموع كلها النية----) .
وقال الحافظ العراقي في ألفيته (2/248) :
وَجَمَعُوْا أبواباً اوْ شُيُوخاً اوْ ... تَرَاجِماً أَوْ طُرُقاً وَقَدْ رَأَوْا
كَراهَةَ الْجَمْعِ لِذِي تَقْصِيْرِ ... كَذَاكَ الاخْرَاجُ بِلاَ تَحْرِيْرِ
ثم قال في (شرح ألفيته) (2/248) في شرح البيت الأول :
(وممَّا جَرَتْ عادةُ أهلِ الحديثِ أنْ يخصُّوهُ بالجمعِ والتأليفِ : الأبوابُ ، والشُّيُوخُ ، والتَّرَاجمُ ، والطُّرقُ .
فأمَّا جمعُ الأبوابِ ، فَهُوَ إفرادُ بابٍ واحدٍ بالتَّصنيفِ ، ككتابِ(3/56)
" رفع اليدينِ " ، وبابِ " القراءة خلفَ الإمامِ " ، أفردَهُما البخاريُّ بالتصنيفِ ؛ وبابِ "التصديق بالنظرِ للهِ تعالى" أفردَهُ الآجُرِّيُّ ؛ وبابِ "النِّيَّةِ" ، أفردَهُ ابنُ أبي الدنيا ؛ وبابِ "القضاء باليمينِ مع الشاهدِ" ، أفردَهُ الدَّارقطنيُّ ، وبابِ "القنوت" أفردَهُ ابنُ مَنْدَه ، وباب "البسملةِ" ، أفردَهُ ابنُ عبدِ البرِّ وغيرُه ، وغيرِ ذلكَ ) .
وقال السخاوي في (فتح المغيث) (3/325-326) في شرح البيت نفسه :
("وجمعوا" أيضاً "أبواباً" من أبواب الكتب المصنفة الجامعة للأحكام وغيرها ، فأفردوها بالتأليف ، بحيث يصير ذاك الباب كتاباً مفرداً ككتاب التصديق بالنظر لله تعالى ، للآجري ، والإخلاص لابن أبي الدنيا ، والطهور لأبي عبيد ، ولابن أبي داود ، والصلاة لأبي نعيم الفضل بن دكين ، والأذان ، والمواقيت ، في تصنيفين ، لأبي الشيخ ، والقراءة خلف الإمام ، ورفع اليدين ، في تصنيفين ، للبخاري ، والبسملة لابن عبدالبر ، وغيرِه ، والقنوت لابن منده ، وسجدات القرآن للحربي ، والتهجد لابن أبي الدنيا ، والعيدين له ، والجنائز لعمر بن شاهين ---- ) .(3/57)
جمع التراجم :
أما قولهم : "جمع فلانٌ تراجماً" ، أو : "صنّف على التراجم"(1) ، فالمراد به في اصطلاح المحدثين هو تصنيف كتب موضوعها الرواية مرتبةً على الأسانيد ، أي على النسخ الحديثية(2) ؛ قال الخطيب في (الجامع) (2/459-460) : (ويجمعون أيضاً تراجم تلحق بدواوين الشيوخ الذين تقدمت أسماؤهم(3) ، وذلك مثل ترجمة "مالك عن نافع عن ابن عمر" ، و "عبيد الله بن عمر عن القاسم عن عائشة" ، و "سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة" ، و "أيوب عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة" ، و "معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة" ، و "أيوب عن عكرمة عن ابن عباس" ، و "الأعمش عن أبي وائل عن ابن مسعود" ، و "جعفر بن محمد بن علي عن أبيه عن جابر" ، و "هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة" ، و "أفلح بن حميد عن القاسم عن عائشة" ، و "إبراهيم النخعي عن الأسود بن يزيد عن عائشة) .
وقال الحافظ العراقي في ألفيته (2/248) :
وَجَمَعُوْا أبواباً اوْ شُيُوخاً اوْ ... تَرَاجِماً أَوْ طُرُقاً وَقَدْ رَأَوْا
كَراهَةَ الْجَمْعِ لِذِي تَقْصِيْرِ ... كَذَاكَ الاخْرَاجُ بِلاَ تَحْرِيْرِ
ثم قال في (شرح الألفية) (ص250) في تضاعيف شرحه البيت الأول :
(وأمَّا جمعُ التراجمِ فهو جمعُ ما جاءَ بترجمةٍ واحدةٍ من الحديثِ، كمالكٍ عن نافعٍ عن ابنِ عمرَ ، وسُهَيلِ بنِ أبي صالحِ عن أبيهِ عن أبي هريرةَ ، وهشامِ بنِ عُروةَ عن أبيه عن عائشةَ ، وأيوبَ عن ابنِ سِيرينَ عن أبي هُريرةَ ، ونحوِ ذلكَ ) .
وقال السخاوي في (فتح المغيث) (3/327) في شرح ذلك البيت : ("أو" جمعوا" "تراجماً" مخصوصة ، كمالك عن نافع عن ابن عمر) .
__________
(1) وهي تختلف عن قولهم (صنف في التراجم) فهذه تفيد أن الكتاب كتاب تراجم أي كتاب تاريخ ، وليس كتاب رواية .
(2) وانظر (التراجم) .
(3) يعني الرجال الذين يُعتنى بجمع حديثهم ؛ وقد ذكر الخطيب قبل هذا الموضع طائفة منهم في (الجامع) (2/456-459) .(3/58)
جمع الشيوخ :
قال العراقي قي (شرح ألفيته) (2/249-250) : (وأمَّا جمعُ الشيوخِ ، فهو جمعُ حديثِ شيوخٍ مخصوصينَ ، كُلِّ واحدٍ منهم على انفرادِهِ ، كجمعِ "حديثِ الأعمشِ" للإسماعيليِّ ، وحديثِ "الفُضَيلِ بنِ عياضٍ" للنَّسائيِّ ، وحديثِ "محمدِ بنِ جُحَادةَ" للطَّبرانيِّ ، وغيرِ ذلكَ .
وقد ذكرَ الخطيبُ ممَّنْ يُجْمَعُ حديثُهُ : إسماعيلَ بنَ أبي خالدٍ، وأيوبَ بنَ أبي تميمةَ، وبيانَ بنَ بشرٍ، والحسنَ بنَ صَالحِ بنِ حيٍّ، وحمَّادَ بنَ زيدٍ ، وداودَ بنَ أبي هندٍ، وربيعةَ بنَ أبي عبدِ الرحمنِ، وزائدةَ، وزهيراً، وزيادَ بنَ سعدٍ، وسفيانَ الثوريَّ ، وسفيانَ بنَ عُيينةَ ، وسُليمانَ بنَ إسحاقَ الشيبانيَّ ، وسليمانَ بنَ طَرْخَانَ ، وسليمانَ بنَ مِهْرَانَ الأعمشَ، وشُعبةَ ، وصفوانَ بنَ سُلَيمٍ ، وطلحةَ بنَ مُصَرِّفٍ ، وعبدَ اللهِ ابنَ عَوْنٍ ، وعبدَ الرحمنِ بنَ عمرٍو الأوزاعيَّ ، وعبيدَاللهِ بنَ عمرَ العُمَريَّ ، وأبا حَصينٍ عثمانَ بنَ عاصمٍ الكوفيَّ ، وعمرَو بنَ دينارٍ المكيَّ ، ومالكَ بنَ أَنَسٍ ، ومحمَّدَ بنَ جُحَادةَ ، ومحمدَ بنَ سُوقَةَ، ومحمدَ بنَ مسلمِ بنِ شهابٍ ، ومحمدَ بنَ واسعٍ، ومِسْعَرَ بنَ كِدَامٍ ، ومَطَرَ بنَ طَهْمانَ ، وهِشامَ بنَ سعدٍ ، ويحيى بنَ سعيدٍ الأنصاريَّ ، ويونسَ بنَ عُبَيد البصريَّ .
ورُوِّينا عن عثمانَ بنِ سعيدٍ الدارميِّ قالَ : يقالُ : مَنْ لم يَجمعْ حديثَ هؤلاءِ الخمسةِ ، فهو مُفْلِسٌ في الحديثِ : سُفيان ، وشُعبة ، ومالك ، وحمَّاد بن زيدٍ ، وابن عُيينةَ ؛ وهم أصولُ الدينِ ) .
وقال السخاوي في (فتح المغيث) (3/326-327) في شرح قول العراقي : (وجمعوا أبواباً أو شيوخاً ----) :
("أو" جمعوا "شيوخاً" مخصوصين ، من المكثرين ، كالإسماعيلي في حديث الأعمش ، والنسائي في الفضيل بن عياض ، والطبراني في محمد بن جحادة---- .(3/59)
وهذا غير جمع الراوي شيوخ نفسه ، كالطبراني في "معجمه الأوسط" المرتب على حروف المعجم في شيوخه ، وكذا له "المعجم الصغير" لكنه يقتصر غالباً على حديث في كل شيخ ).
جمع الطرق :
قال العراقي (قي شرح ألفيته) (2/250) : (وأمَّا جمعُ الطرقِ ، فهو جمعُ طرقِ حديثٍ واحدٍ ، كطرقِ حديثِ " قبضِ العلمِ " للطُّوسيِّ ، وطرقِ حديثِ " مَنْ كذبَ عليَّ متعمداً " للطبرانيِّ ، وطرقِ حديثِ " طلبُ العلمِ فريضةٌ " ، ونحوِ ذلكَ .
وقد أدخلَ الخطيبُ هذا القسمَ في جمعِ الأبوابِ ، وأفردَهُ ابنُ الصلاحِ بالذِّكْرِ ، وهو واضحٌ ؛ لأنَّ هَذَا جمعُ طرقِ حديثٍ واحدٍ، وذلكَ جمعُ بابٍ وفيهِ أحاديثُ مختلفةٌ ، واللهُ أعلمُ )(1) .
الجُمَّل :
انظر (حساب الجُمَّل) .
الجهالة :
انظر (مجهول) .
جهالة الحال :
انظر (مجهول).
جهالة العين :
انظر (مجهول).
جهباذ :
انظر (جهبذ) .
جهبذ :
الجهبذ هو الجهباذ ، وجمعه جهابذة ؛ كذا في (المعجم الوسيط) ، وقد جاء فيه أيضاً أن (الجهباذ) معناها النقاد الخبير بغوامض الأمور ، وأنها معرّبة ، وأن جمعها : جهابذة . انتهى .
وهذه اللفظة (جهبذ) يطلقها النقاد أحياناً على كبار الثقات الأثبات من المحدثين .
الجهة :
الجهة تعني في اصطلاح المحدثين عند الكلام على طرق الحديث الطريقَ أو الوجهَ ، أي الإسناد الفرعي؛ وانظر (الوجه).
الجوامع :
من مسالك العلماء في تيسير الانتفاع بكتب الحديث : تصنيف الكتب المسندة المبسوطة الجامعة ؛ وتسمى أحياناً الجوامع.
ولقد ألف علماء الحديث كثيراً من الكتب الجامعة ، التي هي من جنس ما يسمى اليوم بالموسوعات الحديثية(2)
__________
(1) وجمع بعض المعاصرين - وهو يوسف بن محمد - كتاباً أسماه (التعريف بما أُفرد من الأحاديث بالتصنيف) رأيت المجموعة الأولى منه ، وقد ذكر فيها من تلك الأحاديث (175) حديثاً ، وكثير من تلك الأحاديث أفرده بالتصنيف غير واحد .
(2) هذه الكلمة لا تصح من جهة اللغة ، انظر (موسوعة) .
والمراد بالموسوعة في الجملة الكتاب الذي يكون شاملاً لجميع أو أهم كتب أو مسائل ذلك الفن أو ذلك الباب ، بحيث يظن جامعُه أنه يُغني أو يكاد يغني عن الرجوع إلى مصادره ومراجعه .(3/60)
، والتي من غاياتها حفظ المروي من الضياع ، وتقريب أكبر قدر ممكن منه إلى طالبيه ، في كتاب واحد .
وتختلف الكتب الجامعة المبسوطة ، من جهات كثيرة ، منها هذه الجهات الثلاث :
الجهة الأولى : أن منها ما يجمع الأحاديث بأسانيدها ، ومنها ما يقتصر على المتون مجردة من الأسانيد .
الجهة الثانية : أن منها كتباً أصولاً ، ومنها فروعاً ، أعني أنها منقولة من بعض الأصول ومأخوذة منها .
الجهة الثالثة : أن منها ما كان يقصد إلى الاستيفاء في بابه ، فقاربه ، ومنها ما لم يقصد إلى ذلك ، ولكنه قصد إلى مجرد التوسع في الجمع(1) .
وانظر (السنن) .
__________
(1) وأوسع كتب الحديث الأصول الجامعة هي ما يلي :
مسند أحمد بن حنبل .
مسند بقي بن مخلد .
المعجم الكبير ، للطبراني .
السنن الكبرى ، للبيهقي .
مصنف عبد الرزاق .
مصنف ابن أبي شيبة .
ولكنْ في هذين الكتابين كثيرٌ من الآثار الموقوفة والمقطوعة ، فلم يتمحضا للأحاديث المرفوعة .
وأما أوسع الكتب جمعاً للآثار غير المرفوعة فهي :
حلية الأولياء لأبي نعيم .
شعب الإيمان للبيهقي .
وأما أجمع الكتب الجامعة لآثار التفسير بأسانيدها فكتابان :
تفسير الطبري .
تفسير ابن أبي حاتم .
تفسير بقي بن مخلد ؛ ولكنه فُقد .
وأجمع منهما كتاب (الدر المنثور في التفسير بالمأثور) للسيوطي ، ولكنه بلا أسانيد ، ثم هو ليس من الأصول ، ولكنه من الفروع .
المسلك الثالث من مسالك العلماء في تيسير الانتفاع بكتب الحديث :
تصنيف كتب فرعية مأخوذة من الأصول ، تختصر مقاصدها وتقرب أبوابها وتجمع شتاتها .
وهي ثلاثة أنواع :
النوع الأول : كتبٌ تقتصر على بعض ما في هذه الكتب بشروط تعيَّن ، مثل جمع ما اشترك في إخراجه البخاري ومسلم ، ككتاب (اللؤلؤ والمرجان) ، أو جمع أحاديث الأحكام من الكتب الستة وغيرها ، مثل كتاب (بلوغ المرام من جمع أدلة الأحكام) للحافظ ابن حجر .
النوع الثاني : كتب تجمع جملة من الكتب ، في كتاب واحد ، بأسانيدها ، أو بلا أسانيد ؛ مثل الكتب التي تجمع بين الصحيحين ، أو بين الكتب الخمسة .
ومن هذه الكتب (الجمع بين الصحيحين) للحميدي ، و (جامع المسانيد) لابن الجوزي (ت 597هـ) ؛ قال فيه الذهبي في (سير أعلام النبلاء) (13/525) : (أودع فيه أكثر متون المسند ، ورتب وهذب ، ولكن ما استوعب) ؛ وقال في موضع آخر من (السير) : (جامع المسانيد في سبع مجلدات ، وما استوعب ولا كاد) ؛ وقال الكتاني في (الرسالة المستطرفة) (ص 176) : (جمع فيه الصحيحين ، والترمذي ، ومسند أحمد ، رتبه أيضاً على المسانيد ، في سبع مجلدات) .
ومنها أيضاً (جامع الأصول) لابن الأثير .
وهنا لا بد من التنبيه إلى أن هذه الفروع لا تغني عن أصولها ، ولكنها - كما تقدم - مداخل إليها ، ومختصرات لها .
ثم إن طريقة كل مصنف من علماء السلف في ترتيب كتابه ومنهجه فيه لها معان خاصة هامة ، ويُستنبط منها فوائد يحتاجها الدارسون والمحققون .
والأحسن في كتب الحديث المسندة إن أريد جمعها في كتاب واحد شامل أن تطبع كل جملة متشابهة منها ، مسلسلةً في كتاب واحد جامع ، على هيأتها ، وتُسلسل بحسب تشابهها أو تقاربها في موضوعاتها ، فتطبع كتب الإيمان منها في كتاب واحد ، وكذلك كتب الصلاة، وسائر الكتب أو الأبواب الواردة فيها ؛ ثم يجعل لها في آخر ذلك الكتاب الجامع فهارس لأحاديثها ورواتها وفوائدها وغير ذلك مما يحتاجه الباحثون ؛ وفي ذلك تيسير عظيم على طلبة علم الحديث ؛ ومن أفضل المجاميع في هذا الباب موسوعة الدكتور عبد الملك بكر عبدالله قاضي رئيس قسم الدراسات الإسلامية والعربية في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن في الظهران .
ولكن لا أدري أأتَمَّها أم لا ؟(3/61)
جوّد :
فعلٌ مصدره التجويد المتقدم بيان معناه في (تدليس التسوية) .
جيد :
من ألقاب الحديث ، فانظر معناها في (جيد الحديث).
جيد الأمر صالح :
هي في المعنى كسابقتها ولاحقتها.
جيد الحديث :
قال ابن حجر في (النكت) في خاتمة كلامه على الحديث الصحيح والحديث الحسن (1/490) : (قد قررنا أنهما في حيز القبول ، وقد وجدنا في عبارة جماعة من أهل الحديث ألفاظاً يوردونها في مقام القبول ينبغي الكلام عليها وهي : الثابت والجيد والقوي والمقبول والصالح ، وسنستوفي الكلام على هذه الأنواع في آخر الكتاب إن شاء الله كما وعدنا في الخطبة والله أعلم).
لكن ابن حجر توفي رحمه الله تعالى قبل أن يتم كتابه هذا فلم يتكلم على هذه الأنواع ، وتكلم على بعضها السيوطي في (تدريب الراوي) (1/177-178) فقال :
(من الألفاظ المستعملة عند أهل الحديث في المقبول : الجيد والقوي والصالح والمعروف والمحفوظ والمجود والثابت .
فأما الجيد فقال شيخ الاسلام في الكلام على أصح الأسانيد لما حكى ابن الصلاح عن أحمد بن حنبل أن أصحها الزهري عن سالم عن أبيه : "عبارة أحمد : أجود الأسانيد ، كذا أخرجه الحاكم" .
قال : هذا يدل على أن ابن الصلاح يرى التسوية بين الجيد والصحيح ، ولذا قال البلقيني بعد أن نقل ذلك : من ذلك يعلم أن الجودة يعبر بها عن الصحة ؛ وفي "جامع الترمذي" في الطب : هذا حديث جيد حسن ؛ وكذا قال غيره : لا مغايرة بين جيد وصحيح عندهم ، إلا أن الجهبذ منهم لا يعدل عن "صحيح" إلى "جيد" ، إلا لنكتة ، كأن يرتقي الحديث عنده عن الحسن لذاته ويتردد في بلوغه الصحيح ، فالوصف به أنزل رتبة من الوصف بصحيح ، وكذا القوي .
وأما الصالح فقد تقدم في شأن "سنن أبي داود" أنه شامل للصحيح والحسن لصلاحيتهما للاحتجاج ؛ ويستعمل أيضا في ضعيف يصلح للاعتبار .(3/62)
وأما المعروف فهو مقابل المنكر ، والمحفوظ مقابل الشاذ ، وسيأتي تقرير ذلك في نوعيهما(1) .
والمجود والثابت يشملان أيضا الصحيح .
قلت [القائل هو السيوطي] : ومن ألفاظهم أيضا "المشبه" ، وهو يطلق على الحسن وما يقاربه ، فهو بالنسبة إليه كنسبة الجيد إلى الصحيح ، قال أبو حاتم : أخرج عمرو بن حصين الكلابي أول شيء أحاديث مشبهة حساناً ، ثم أخرج بعْدُ أحاديث موضوعة فأفسد علينا ما كتبنا) .
قلت : الاستدلال على أن ابن الصلاح يرى التسوية بين الجيد والصحيح بما ذُكر ، استدلال فيه نظر ، فهل يلزم من قول الناقد : "أقوى أو أحسن الأسانيد إسناد فلان عن فلان" أن نقول : إنه يساوي بين القوي والصحيح ، أو نقول : إنه يساوي بين الحسن والصحيح ؟ وهل يلزم من قول من قال : "أصح شيء في هذا الباب هذا الحديث" ، ثم يذكر حديثاً ضعيفاً أنه يساوي بين الصحيح والضعيف ؟
هذا بين البطلان فقد قال العلماء أن المراد بمثل هذه العبارة قد يكون أن أقل أحاديث هذا الباب ضعفاً هو ذلك الحديث .
وكذلك عبارة الترمذي لا دليل فيها على أنه يساوي بين الجيد والصحيح .
وانظر بعض ما يتعلق بهذا الموضع - أي معنى كلمة جيد - في الكلام على (صالح) و (حسن) و (شيخ) و (صححه الحاكم ووافقه الذهبي) .
وقال الشيخ عبد الله بن يوسف الجديع في (التحرير) (1/175) في شرح معنى قولهم "جيد الحديث" : (عبارة تعديل واحتجاج ، مستعملة عندهم بغير شيوع ، واستعملوها بما يساوي (ثقة) ، ولذا فربما اقترنت بها في كلام بعض النقاد .
فمن ذلك ، قول أحمد بن حنبل في زكريا بن أبي زائدة : " جيد الحديث ، ثقة "(2) ، وفي سليمان بن أبي مسلم الأحول : " ثقة ، جيد الحديث "(3).
__________
(1) لا يستقيم هذا التقسيم أو التفصيل إلا على طريقة المتأخرين .
(2) العلل ومعرفة الرجال ، رواية الميموني (363).
(3) العلل ومعرفة الرجال ، رواية الميموني (367).(3/63)
ووقعت مرسلة في كلام أبي داود السجستاني ، فقد قال في عمر بن عبد الله الرومي : "جيد الحديث"(1) ؛ وكذلك قال أبو زرعة الدمشقي في الوليد بن عبد الرحمن الجرشي(2).
ولقد ملت إلى هذا القول بعد الوقوف عليه ، فكتبت في أول شرحي لهذا المصطلح : (قول المتقدمين في الحديث : (حديث جيد) يريدون به الصحة في الغالب ، ولكن المتأخرين استعملوا لفظة (جيد) في منزلة متوسطة أو مترددة عندهم بين الصحيح والحسن .
ومنه يعلم معنى قولهم في الراوي " جيد الحديث ") . انتهى.
ولكني وقفت بعد كتابة ما تقدم بزمن غير طويل على تحقيق استقرائيٍّ في المسألة فرجعت إليه ، والحق أحق أن يتبع، فدونك بيان ذلك.
كتب الدكتور عبد الرحمن بن عبد الكريم الزيد في مجلة الأحمدية (18/202-248 /1425هـ) بحثاً بعنوان (مصطلح الحديث الجيد عند أهل السنن الأربعة) ، قال في أوله معرّفاً به :
(يطلق علماء الحديث لفظ (جيد الحديث) أو (إسناد جيد) ، ويكثر هذا عند المتأخرين، فما مرادهم بهذا الاصطلاح؟
عند البحث في كتب المصطلح لا نجد في هذا الموضوع إلا كلاماً يسيراً عند الحافظ السيوطي في (تدريب الراوي) ، وذكر فيه أن الجيد بمعنى الصحيح، أو هو مرتبة بينه وبين الحسن.
وهذا بحث استقرائي لمعرفة مراد العلماء في ذلك، خصصته بكتب السنة [كذا] السنن الأربعة ، فهم المتقدمون والمقدَّمون في هذا الفن.
وقد قمت فيه بدراسة ستة عشر حديثاً هي جميع ما أُطلق عليه (جيد) في السنن، فخرجت الأحاديث وجمعت طرقها وترجمت للرواة في كل إسناد، وذكرت ما تبين به حال الراوي من جرح أو تعديل، ثم الحكم على الحديث بمقتضى قواعد وضوابط أهل الحديث .
فتبين لي بعد البحث أنهم يطلقون (الجيد) غالباً على الحديث الحسن لذاته أو لغيره؛ وقد يطلقونه نادراً على الصحيح الذي فيه كلام يسير؛ وذكرتُ ما يؤيد ذلك من استعمالات بعض المحدثين ؛ وختمت البحث بتنبيه حول القوي وأنه يستعمل أيضاً بمعنى الحسن).
__________
(1) سؤالات الآجري (824).
(2) تاريخ أبي زرعة (2/713).(3/64)
فصل الحاء
حاء التحويل :
كان المحدثون إذا ذكروا للحديث إسنادين - أو طريقين متتابعين تتابعاً ناقصاً - أو أكثر وجمعوا بينهما في متن واحد ، أو في المتن وبعض السند : كتبوا عند الانتقال من إسناد إلى إسناد : (ح) مفردة مهملة ؛ قال ابن الصلاح في (مقدمته) (ص181-182) : (وإذا كان للحديث إسنادان أو أكثر ، فإنهم يكتبون عند الانتقال من إسناد إلى إسناد ما صورته " ح " ، وهي حاء مفردة مهملة ، ولم يأتنا عن أحد ممن يُعتمد بيانٌ لأمرها، غير أني وجدت بخط الأستاذ الحافظ أبي عثمان الصابوني والحافظ أبي مسلم عمر بن علي الليثي البخاري والفقية المحدث أبي سعد الخليلي - رحمهم الله - في مكانها بدلاً عنها "صح" صريحةً ؛ وهذا يُشْعِر بكونها رمزاً إلى "صح" .
وحسُنَ إثبات "صح" ههنا ، لئلا يُتوهم أن حديث هذا الإسناد سقط ، ولئلا يُرَكَّب الإسناد الثاني على الإسناد الأول ، فيجعلا إسناداً واحداً .
وحكى لي بعض من جمعتني وإياه الرحلة بخراسان، عمن وصفه بالفضل من الأصبهانيين : أنها حاء مهملة ، من التحويل ، أي من إسناد إلى إسناد آخر .
وذاكرت فيها بعضَ أهلِ العلمِ من أهل المغرب ، وحكيت له عن بعض من لقيت من أهل الحديث أنها حاء مهلة إشارة إلى قولنا "الحديثَ" ، فقال لى: أهل المغرب - وما عرفت بينهم اختلافاً - يجعلونها حاء مهملة ، ويقول أحدهم إذا وصل إليها : "الحديثَ"(1) ؛ وذَكر لي أنه سمع بعض البغداديين يذكر أيضاً أنها حاء مهملة ، وأن منهم من يقول إذا انتهى إليها في القراءة : "حا" ويمرّ .
__________
(1) انظر (---- الحديثَ) .(3/65)
وسألت أنا الحافظَ الرحّال أبا محمد عبد القادر بن عبدالله الرُّهاوي رحمه الله عنها ، فذكر أنها حاء من "حائل" ، أي تحول بين الإسنادين ؛ قال : ولا يُلفظ بشيء عند الانتهاء إليها في القراءة ، وأنكر كونَها من الحديث وغير ذلك ، ولم يعرف غير هذا عن أحد من مشايخه، وفيهم عدد كانوا حفاظ الحديث في وقته ) .
ثم قال ابن الصلاح : (وأختار أنا - والله الموفق - أن يقول القاري عند الانتهاء إليها "حا" ويمر ، فإنه أحوط الوجوه وأعدلها ، والعلم عند الله تعالى ) .
الحاشية :
ذكر أهل اللغة أن الحَشْوُ من الكلام : الفَضْلُ الذي لا يُعتمد عليه ؛ والحشو صغارُ الإبل، وكذلك حَوَاشيها صغارها، واحدها حاشيةٌ ؛ والحَشْو من الناس الذين لايُعتدّ بهم ؛ وحاشيتا الثوب جَنَبَتاه الطويلتان في طرفْيهما الهُدْب. وحاشيةٌ السَّراب كلُّ ناحية منه(1) .
وقال ابن الأثير في (النهاية) (1/392) : (في حديث الزكاة : "خذ من حواشي أموالهم" ، هي صغار الإبل ، كابن المخاض ، وابن اللبون ؛ واحدها حاشية .
وحاشية كل شيء : جانبه وطرفه ؛ وهو كالحديث الآخر : "اتق كرائم أموالهم" .
ومنه الحديث "أنه كان يصلي في حاشية المقام" ، أي جانبه وطرفه ، تشبيهاً بحاشية الثوب .
ومنه حديث معاوية : "لو كنت من أهل البادية لنزلت من الكلأ الحاشيةَ " ) .
وقال الزبيدي في (تاج العروس) (37/430-431) : (الحشو : صغار الإبل التي لا كبار فيها ، كالحاشية ؛ سميت بذلك لأنها تحشو الكبار ، أي تتخلها ، أو لإصابتها حَشى الكبار إذا انضمت إلى جنبها ؛ وكذلك الحاشية من الناس . والجمع : الحواشي) .
وقال (37/436) : (وحاشية الكتاب : طرفه وطرّته ، والحاشية : أهل الرجل وخاصته ، الذين في حَشَاه ، أي كنفه) .
__________
(1) انظر (تهذيب اللغة) للأزهري (5/137) .(3/66)
وقال (37/439) : (وحاشية الناس : رُذالتُهم ؛ وتحَشّى في بلان فلانٍ : إذا اضطَمُّوا عليه وآوَوه ؛ وحشّى الرجلُ تحشيةً : كتب على حاشية الكتاب ، عامّية ؛ ثم سمي ما كُتب حاشيةً ، مجازاً) .
وقال المناوي في (التوقيف على مهمات التعاريف) : (الحاشية صغار الإبل التي تكون كالحشو ، ثم استعير لرذال الناس كالخدم ونحوهم ؛ يقال : جاء فلان مع حاشيته ، أي مع من في كنفه وذراه).
وجاء في (المعجم الوسيط) : ( الحاشية من كل شيء جانبه وطرفه---- ؛ و[الحاشية] : لأهل والخاصة ، يقال: هؤلاء حاشيته ؛ و[الحاشية] : ما علق على الكتاب من زيادات وإيضاح ) .
وقال الدكتور موفق في (توثيق النصوص وضبطها) (ص221-224) في بيان معنى الحاشية والهامش : (المقصود بالحاشية هو الفراغ(1) الموجود على جوانب الصفحة ؛ وأما الهامش فهو حاشية الكتاب ، قال الصاغاني(2) : "يقال : كتب على هامشه ، وعلى الطرة ، وهو مولَّد" . وهمَّش الكتابَ : "علّق على هامشه ما يعنّ له"(3).
وعلى هذا فالحاشية والهامش مصطلحان لمعنى واحد ، وهو الفراغ الموجود على جوانب الصفحة ---- ، غير أن البعضَ قد فرّق بين الحاشية والهامش ، فجعل الهامش الفراغ الموجود على جانبي الصفحة ، والحاشية الفراغ الموجود في أسفل الصفحة---- .
وأما المتقدمون من أهل الحديث فاستعملوا لفظ "حاشية" وأرادوا بها الفراغ الموجود على جوانب الصفحة ، قال الرامهرمزي : (التخريج على الحواشي ، أجوده أن يخرَّج من موضعه حتى يلحق به طرفُ الحرف المبتدأ به من الكلمة الساقطة في الحاشية(4) ----.
قال العراقي :
ويُكتب الساقط وهو اللحق***حاشيةً إلى اليمين يُلحَقُ(5)
وهكذا استخدم المحدثون لفظ حاشية وأرادوا بها الفراغ الموجود بين جانبي الصفحة .
__________
(1) يعني القدر العاري من الكتابة عليه .
(2) كما في (تاج العروس) مادة (همش) (17/466) .
(3) المعجم الوسيط 2/994 .
(4) المحدث الفاصل (ص606) .
(5) التبصرة والتذكرة 2/137 .(3/67)
وقد استخدم السخاوي في (فتح المغيث) وزكريا الأنصاري في (فتح الباقي) لفظ "حاشية" و "هامش" وقصدا بها معنى واحداً ؛ قال السخاوي(1) : "وليكن الساقط [وهو اللحق] في السطر من الجانبين ---- ، ثم إن اتفق انتهاء الهامش قبل فراغ السقط استعان بأعلى الورقة أو بأسفلها حسبما يكون اللحق من كلا الجهتين"(2) ) ؛ انتهى .
ولقد صارت الحاشية تطلق في العُرف - كما تقدم في كلام الزبيدي - على المكتوب ، أيضاً ، وليس على موضعه فقط .
فالحاشية هي التعليقات التي يكتبها بعض أهل العلم على متنٍ له أو لغيره ، وبالأخص إذا كانت تلك التعليقات لا ترتقي في شمولها ومقدارها إلى مرتبة الشرح .
ويرمز بعض الكتّاب لما يعلقه على الكتاب برمز يميزه عن اللحَق واختلاف النسخ والتصحيح وغير ذلك .
فالكتب إذا نسخت فتلك النسخ الفرعية يرى فيها في الجملة أربعة أنواع من الكلمات الخارجة عن سطورها ، مكتوبة بين السطور ، وهذا قليل ، أو في جانبي الصفحة ، وهذا هو الأكثر ؛ وهذه الأشياء المكتوبة الزائدة عما في الأسطر :
إما أن تكون لحَقاً ، أي كلاماً سقط من الناسخ فألحقه .
أو تكون بياناً لاختلاف نسخ الأصول ورواياتها .
أو تكون تصحيحاً لما وقع في الأصل من خطأ قطعي أو ظني .
أو تكون تعليقاً من مؤلف الكتاب أو غيره ، وهذا هو الذي يسمى حاشية ، وهذه الحاشية قد تكون استدراكاً على شيء فيه نظر ، أو شرحاً ، أو زيادة على شيء ذُكر في المتن ، أو غير ذلك من مقاصد أهل الشرح والتحشية .
ولقد حرص المحدثون - وتبعهم في الغالب غيرهم كالمتقنين من النساخ - على اتباع طرائق معلومة واستعمال إشارات مفهومة يتميز بها كل واحد من الأربعة المذكورة عن غيره ؛ فانظر (تخريج الساقط) .
__________
(1) 3/87 طبعة علي حسين علي .
(2) فتح المغيث (2/137) ، فتح الباقي (2/137-138) .(3/68)
وقال الدكتور شوقي ضيف في كتابه (البحث الأدبي) (ص7 وما بعدها) تحت عنوان (الهوامش والحواشي) : (لم يكن أسلافنا يعرفون نظام الهوامش(1) ، إنما كانوا يعرفون نظام الحواشي ، إنما كانوا يعرفون نظام الهوامش ، إذ كان يوجد بياض أو فراغ على جوانب الصفحة يمكّن من كتابة بعض تعليقات ؛ وعادةً لم يكن يكتبها المؤلفون أنفسهم ، إنما كان يكتبها بعض العلماء الذين يقرءون الكتاب ، وكثيراً ما تراهم يذكرون قبلها كلمة تدل عليها مثل "ههنا لطيفة" أو "فائدة" أو "تنبيه" .
وكان يحدث كثيراً أن يُدخل بعض النساخ هذه الحواشي في متن الكتاب ، وخاصة إذا لم ينبه المعلق عليها بكلمة "فائدة" ونحوها ، وقد يُصبح تخليص ذلك من المتن صعباً .
وكانت الحاشية عادة تمتد سطوراً غير قليلة ، فهي ليست مثل الهوامش الحديثة تحمل إشارة إلى مصدر من المصادر ، وإنما هي تعليق كثيراً ما يطول ) .
ثم تكلم (ص266-268) على الهوامش في البحوث الحديثة وبيَّن شروطها وآدابها .
وانظر (المتن) .
حاطب ليل :
هذه الكلمة تقال في عُرف المحدثين في حق الراوي الذي يروي عن كل أحد ولا ينتقي مروياته، وفي حق المصنف الذي لا ينتقد ما يرويه أو ما يُدخله في مصنفاته في الفقه أو التفسير أو الوعظ أو غير ذلك(2).
وفيها إشارة إلى الإكثار الذي هو مظنة عدم الاتقان.
قال البغوي في (الجعديات) :
(1011- حدثنا عثمان بن أبي شيبة نا جرير عن مغيرة قال : قيل للشعبي : (رأيتَ قتادة؟ قال : نعم، كان حاطب ليل.
__________
(1) قلت : ولكن وردت كلمة (هامش) في كلام بعض القدماء مستعمَلةً بمثل معناها العصري أو بمعنى يقاربه ؛ انظر (الهامش) .
(2) يروى عن أكثم بن صيفي أنه قال : (المكثار كحاطب ليل)؛ وصارت هذه العبارة ونحوها مثلاً يُضرب لكل من يهذر في كلامه ويُكثر منه ، فيأتي بالصحيح وغيرِه والنافعِ، وضدِّه ، وقد يُوْقعه كلامُه في السوء، كحال من يحتطب ليلاً.(3/69)
1012 حدثنا أحمد بن زهير نا أبو الفتح نا سفيان قال : قال الشعبي : قتادة حاطب ليل.
1013- حدثنا أحمد بن زهير نا يحيى بن يوسف الزمي نا سفيان بن عيينة قال : قال لي عبد الكريم : يا أبا محمد تدري ما حاطب ليل؟ قال : قلت : لا ، إلا أن تخبرنيه؛ قال : هو الرجل يخرج من الليل فيحتطب فتقع يده على أفعى فتقتله ؛ هذا مثل ضربتُه لك لطالب العلم ؛ إن طالب العلم إذا حمل من العلم ما لا يُطيقه قتلَه علمُه ، كما قتلت الأفعى حاطبَ ليل). انتهى.
وقال الذهبي في (سير أعلام النبلاء) في ترجمة بعض المحدثين : (قلت : أطلق عباراتٍ بدَّعه بعضهم بها الله يسامحه ، وكان زعراً على من خالفه ، فيه خارجية ، وله محاسن ، وهو في تواليفه حاطب ليل ، يروي الغث والسمين ، وينْظم رديء الخرز مع الدر الثمين).
وقال ابن حجر في ترجمة ثمامة بن أشرس من (لسان الميزان) (2/400) عقب قصة نقلها عن ابن الجوزي :
(ودلت هذه القصة على أن ابن الجوزي حاطب ليل لا ينقُد ما يحدث به).
حافظ :
شاع استعمال هذه الكلمة عند المحدثين في التعبير عن المحدث الذي يكون عظيم الحفظ كثير الحديث جداً .
وللحافظ في عرف المحدثين شروط إذا اجتمعت في الراوي سموه حافظاً وقد اختلفت هذه الشروط بين المتقدمين والمتأخرين والمشددين والمسهِّلين .
وقد تعنت المتقدمون في إطلاق هذا الوصف على من يحتمله وتساهل المتأخرون فيه تساهلاً واضحاً ؛ ولعله مما يصلح أن يعتمد عليه في معرفة الحفاظ وتمييزهم عن غيرهم ولو على وجه التقريب(1) : كتاب (تذكرة الحفاظ) للحافظ الذهبي ، وذيْلاه، للحسيني ، وابن فهد(2)
__________
(1) بحسَب شروط المتأخرين وعُرفهم.
(2) وربما استعملوا كلمة (حافظ) بمعنى (ضابط) ؛ وهذا موجود في استعمال بعض المتقدمين .
وفي ترجمة الحسين بن أحمد النعالي من (لسان الميزان) (3/141) : (وكان يعرف بالحافظ، لأنه كان يحفظ ثياب الناس في الحمّام)؛ قال محققه عبد الفتاح أبو غدة : (هذا تعبير لأهل بغداد، ويقال فيه أيضا ''الثيابي'' نسبة إلى الثياب وحفظها؛ انظر "توضيح المشتبه" 1/614).(3/70)
، و (طبقات الحفاظ) للسيوطي .
قال الذهبي في (الموقظة) (ص33-36) : (تُشترط العدالة في الراوي كالشاهد ، ويمتاز الثقة بالضبط والإتقان ، فإن انضاف إلى ذلك المعرفة والإكثار فهو حافظ .
والحفاظ طبقات في ذروتها أبو هريرة رضي الله عنه ، وفي التابعين كابن المسيب ، وفي صغارهم كالزهري ، وفي أتباعهم كسفيان وشعبة ومالك ، ثم ابن المبارك ويحيى بن سعيد ووكيع وابن مهدي ----.
وممن يوصف بالحفظ والإتقان جماعة من الصحابة والتابعين ، ثم عبيدالله بن عمر وابن عون ومسعر ، ثم زائدة ----.
وممن يُعدّ(1) من الحفاظ في الطبقة الثالثة عدد من الصحابة وخلق من التابعين وتابعيهم وهلم جراً إلى اليوم ؛ فمثل يحيى القطان يقال فيه إمام وحجة وثبت وجِهْبذ ، وثقة ثقة ، ثم ثقة حافظ ، ثم ثقة متقن ، ثم ثقة ، ثم ثقة عارف ، وحافظ صدوق ونحو ذلك ) .
وقال الحافظ ابن حجر في (النكت) (1/268) في أثناء كلام له في شروط الصحيح :
(وإن أراد [يعني ابن الصلاح] أن الراوي شرطه أن يُعدَّ حافظاً فللحافظ في عرف المحدثين شروط إذا اجتمعت في الراوي سمَّوه حافظاً وهو : الشهرة بالطلب والأخذ من أفواه الرجال لا من الصحف ، والمعرفة بطبقات الرواة ومراتبهم ، والمعرفة بالتجريح والتعديل وتمييز الصحيح من السقيم ، حتى يكون ما يستحضره من ذلك أكثر مما لا يستحضره ، مع استحضار الكثير من المتون ، فهذه الشروط إذا اجتمعت في الراوي سموه حافظاً ، ولم يجعله أحد من أئمة الحديث شرطاً للحديث الصحيح).
__________
(1) تصحفت في مطبوعة دار الآثار إلى (تعدّى) ، والتصحيح من مطبوعة الشيخ عبدالفتاح أبو غدة ، فقد كنت نقلت منها هذا النص ، ثم فقدتُ نسختي قبل البدء بتبييض الكتاب ، ولذلك جعلتُ أصلَ إحالتي على الطبعة الأخرى المذكورة .(3/71)
ومما يبين تعنت جماعة من القدماء في إطلاق كلمة حافظ : ما أورده الذهبي في (السير) (5/472) قال : ([قال] علي بن مسهر سمعت سفيان يقول : أدركت من الحفاظ ثلاثة : إسماعيل بن أبي خالد وعبد الملك بن أبي سليمان ويحيى بن سعيد الأنصاري ؛ قلت : فالأعمش ؟ فأبى أن يجعله معهم).
وقال الذهبي في (تذكرة الحفاظ) (3/1092-1098) : (قال الخطيب : لم أر أحداً أطلق عليه اسم الحفظ غير أبي نعيم وأبي حازم العبدوي).
وقال الذهبي في ترجمة عبد العزيز بن أحمد الكتاني (389-466هـ) من (تذكرة الحفاظ) (3/1170-1171)(1) :
(الإمام المحدث المتقن مفيد دمشق ومحدثها ---- سمع الكثير وجمع فأوعى ونسخ ما لا يوصف كثرة---- وألف وجمع ، ويحتمل أن يوصف بالحفظ في وقته ، ولو كان موجوداً في زماننا لعُدَّ من الحفاظ----.
قال سعيد المؤدب : قلت للخطيب عند لقائي له : أنت الحافظ أبو بكر ؟ فقال : أنا أحمد بن علي الخطيب ، انتهى الحفظ إلى الدارقطني).
قلت : هذا تواضع أو تعنت في اطلاق صفة الحفظ .
وقال المعلمي في (التنكيل) ص675 ـ وعدَّ طائفة من الحفاظ ـ : (ولم أطلق كلمة "الحافظ" إلا على من أطلقها عليه أهل العلم ، لا كالكوثري يطلقها على من دب ودرج من أصحابه) .
وقال الخطيب في (الجامع) (2/248-253) تحت باب (من يجوز إطلاق اللفظ في وصفه وتسميته بالحفظ) :
__________
(1) انظر في ترجمة هذا المحدث زيادة على (التذكرة) : (تاريخ دمشق) (36/262-265) و(السير) (12/248-250) و(العبر) (3/261) و(الإعلان بالتوبيخ) (ص333) و(شذرات الذهب) (2/325) و(كشف الظنون) (2/2019) و(الرسالة المستطرفة) (ص212) و(شجرة النور) (1/517) و (المؤرخون الدمشقيون) للمنجد (ص17) و(الذهبي ومنهجه في كتابه تاريخ الاسلام) (ص400) ومقدمة صالح مهدي عباس لـ(وفيات ابن رافع) (1/58-59) و (تاريخ الإسلام) (حوادث ووفيات 461-470) (ص202-204) وما ذكر بهامش ترجمته من مصادر أخرى وهي كثيرة .(3/72)
(الوصف بالحفظ على الإطلاق ينصرف إلى أهل الحديث خاصةً ، وهو سمةٌ لهم لا تتعداهم ، ولا يوصف بها أحد سواهم ، لأن الراوي يقول : نا فلان الحافظ ، فيحسن منه إطلاق ذلك إذ كان مستعملاً عندهم ، يوصف به علماء أهل النقل ونقادهم ؛ ولا يقول القارئ : لقنني فلان الحافظ ، ولا يقول الفقيه : درسني فلان الحافظ ، ولا يقول النحوي : علمني فلان الحافظ ؛ فهي أعلى صفات المحدثين ، وأسمى درجات الناقلين ؛ مَن وُجدت فيه قُبلت أقاويلُه وسُلِّم له تصحيحُ الحديث وتعليلُه ، غير أن المستحقين لها يقل معدودهم ويعز بل يتعذر وجودهم ، فهم في قلتهم بين المنتسبين إلى مقالتهم أعز من مذهب السنة بين سائر الآراء والنحل ، وأقل من عدد المسلمين في مقابلة جميع أهل الملل) .
ثم أخرج عن أبي بكر بن عياش أنه قال : (السنة في الإسلام كالإسلام في الشرك) ؛ وأخرج عنه رواية أخرى بلفظ (السنة في الإسلام أعز من الإسلام في سائر الأديان) ؛ ثم قال :
(ولقلة من يوجد من أهل الحفظ والإتقان قيل إن احدهم يولد بعد برهة من الزمان) ؛ ثم أخرج عن أبي معشر أنه قال : (الحافظ يولد في الزمان) ، وعن هشيم أنه قال : من يحفظ الحديث قليل ، ثم قال : هم أقل من ذاك) .
قال الخطيب عقب ذلك :(3/73)
(فمن صفات الحافظ الذي يجوز إطلاق هذا اللفظ في تسميته أن يكون عارفاً بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم بصيراً بطرقها مميزاً لأسانيدها ، يحفظ منها ما أجمع أهل المعرفة على صحته وما اختلفوا فيه للاجتهاد في حال نقلته ؛ يعرف فرق ما بين قولهم : فلان حجة ، وفلان ثقة ، ومقبول ، ووسط ، ولا بأس به ، وصدوق ، وصالح ، وشيخ ، ولين ، وضعيف ، ومتروك ، وذاهب الحديث ؛ ويميز الروايات بتغاير العبارات نحو عن فلان ، وأنَّ فلاناً ؛ ويعرف اختلاف الحكم في ذلك بين أن يكون المسمى صحابياً او تابعياً ، والحكم في قول الراوي : "قال فلان" و "عن فلان" ، وأن ذلك غير مقبول من المدلسين ، دون إثبات السماع على اليقين ، ويعرف اللفظة في الحديث تكون وهماً وما عداها صحيحاً ؛ ويميز الألفاظ التي أُدرجت في المتون فصارت بعضَها لاتصالها بها ، ويكون قد أنعم النظر في حال الرواة بمعاناة علم الحديث دون ما سواه ، لأنه علم لا يعلق إلا بمن وقف نفسه عليه ولم يضم غيره من العلوم إليه ، كما أنا أبو القاسم هبة الله بن الحسن بن منصور الطبري أنا أحمد بن محمد بن عمران أنا عبد الله بن سليمان قال سمعت الربيع بن سليمان يقول : مر الشافعي بيوسف بن عمرو بن يزيد وهو يذكر شيئاً من الحديث ، فقال : يا يوسف تريد أن تحفظ الحديث وتحفظ الفقه ؟ هيهات .
وأخبرني محمد بن أبي القاسم الأزرق أنا أبو بكر محمد بن الحسن بن زياد النقاش أن محمد بن عبد الرحمن السامي اخبرهم بهراة قال : أنا علي بن الجعد قال : سمعت قاضي القضاة يعني أبا يوسف يقول : العلم شيء لا يعطيك بعضَه حتى تعطيَه كلَّك ، وأنت إذا أعطيته كلك من إعطائه البعضَ على غرر .(3/74)
سمعت أبا علي عبد الرحمن بن محمد بن فضالة النيسابوري بالري يقول : سمعت أبا نصر عزيز بن ناصح الفقيه بإيلاقَ يقول : سمعت أبا أحمد نصر بن أحمد العياضي الفقيه السمرقندي يقول : لا ينال هذا العلمَ الا من عطَّل دكانه وخرَّب بستانَه وهجر إخوانَه ومات أقربَ أهله إليه فلم يشهد جنازته ) إلى آخر كلامه .
وانظر (محدِّث) و (صاحب حديث) و (الحاكم) .
الحافظ :
تقدم معنى كلمة (حافظ) ، ولكني أفردت هذه اللفظة هنا - الحافظ - لأذكرَ أن كثيراً من المتأخرين والمعاصرين يطلق كلمة الحافظ من غير ذكر الاسم وهو يريد بها ابن حجر العسقلاني، مثل أن يقال: (هذا الحديث صححه الحافظ) ، أو يقال: (قال الحافظ في الفتح كذا) ؛ فهي لقب لهذا الحافظ الكبير المتميز بين أهل عصره والعصور التالية ، رحمه الله .
الحاكم :
اشتهر عند كثير من المتأخرين بعد القرن العاشر للهجرة أن كلمة الحاكم لقب لطبقة عليّة من الحفاظ؛ وهذا خطأ محض عجيب .
فمن الكلام الذي لا يصح قول منلا(1) علي القاري في (شرح نزهة النظر) (ص3) : (ثم المراد من الشيخ هو الكامل في فنه ولو شاباً ---- ، الإمام أي المقتدى به ، وهو إمام أئمة الأنام ---- ، الحافظ هو من أحاط علمه بمئة ألف حديث ، ثم بعده الحجة ، وهو من أحاط علمه بثلاثمئة ألف حديث ، ثم الحاكم وهو الذي أحاط علمه بجميع الأحاديث المروية متناً واسناداً وجرحاً وتعديلاً وتاريخاً ، كذا قاله جماعة من المحققين) .
قلت : هذه التعاريف بعيدة عن التحقيق ، ويبعد أن يقولها واحد من المحققين ، فكيف يقولها جماعة منهم ؟ !
__________
(1) ترد تسمية هذا العالم في كثير من الكتب هكذا : "ملا علي القاري" ، بحذف النون ؛ وانظر (منلا) .(3/75)
فإذن يكون ما انتشر في طائفة من كتب علوم الحديث المعاصرة وطائفة من أمثالها قبلها من عدِّ كلمة (حاكم) في مصطلحات المحدثين خطأ غريب ، فإنها لا دخل لها فيها ، وإنما لقب بكلمة (الحاكم) بعض الحفاظ لأنهم كانوا قضاة في بعض تلك البلدان ؛ كأبي عبد الله النيسابوري صاحب الكتاب الشهير (المستدرك على الصحيحين) ، وشيخِه أبي أحمد(1) .
ثم هل سمعتهم وصفوا أحداً من كبار أئمة الحديث بهذه الكلمة ؟ !
هل قرأت نحو هذه العبارة : (الحاكم يحيى بن معين)؟ أو (الحاكم أحمد بن حنبل)؟ أو (الحاكم البخاري)؟ أو (الحاكم النسائي) ؟ فإن قيل : هو اصطلاح حادث في عهد بعض شيوخ الحاكم أو بعد ذلك فلذلك لم يوصف به أحد من كبار الحفاظ المتقدمين ، قيل : أين النقل الموثّق لهذه الدعوى؟! ثم هل يمنع كون الوصف حادثاً من إطلاقه على من يليق به ممن تقدمه؟!
وبعد هذا كله أقول : هل يصح وصفُ أحد من العلماء بأنه أحاط علمُه بجميع الأحاديث المروية متناً وإسناداً وجرحاً وتعديلاً وغير ذلك من علوم الأحاديث؟! .
__________
(1) أبو أحمد الحاكم الكبير هو مؤلف كتاب "الكنى" ، محدث خراسان الإمام الفاضل الجهبذ محمد بن محمد بن إسحاق النيسابوري الكرابيسي ؛ سمع ابن خزيمة والباغندي والبغوي والسراج؛ {{ولي قضاء الشاش ثم طوس}} ؛ ثم استعفى ولازم مسجده مفيداً مقبلاً على العبادة والتصنيف؛ مات في ربيع الأول سنة ثمان وسبعين وثلاثمئة ، عن ثلاث وتسعين سنة. انظر ترجمته في (طبقات الحفاظ) للسيوطي (ص388).(3/76)
حال الراوي :
المراد بحال الراوي في عُرف أهل الحديث حاله في مروياته ، أي صفتاه اللتان يستند إليهما النقاد في الحكم الأصلي على أحاديثه ، وهاتان الصفتان هما العدالة والضبط(1) ، ويأتي شرح معناهما .
الحِبر :
انظر (توثيق النصوص) (ص235).
الحَبْر :
قال القلقشندي في (صبح الأعشى) : (6/500-501) : (وأما الحبر فأصله اللون ، يقال : فلان ناصع الحِبْر ، يراد به اللون الخالص الصافي من كل شيء ----) ثم استشهد ببيت من الشعر ؛ ثم قال :
(وفي الخبر : "يخرج من النار رجل قد ذهب حِبْرُه وسِبْره" ، بكسر الحاء المهملة والسين فيهما ؛ قال ابن الأعرابي : حِبْره : حسنه ، وسِبْره : هيئته .
وقال المبرِّد : قال التوزي : سألت الفراء عن المِداد لِمَ سُمي حِبراً؟ فقال : يقال للمعلِّم : حَبْر وحِبْر ، يعني بفتح الحاء وكسرها ، فأرادوا مداد حبرٍ أي مداد عالمٍ فحذفوا مداد وجعلوا مكانه حبراً ؛ قال : فذكرت ذلك للأصمعي فقال : ليس هذا بشيء ، إنما هو لتأثيره ، يقال : على أسنانه حِبر ، إذا كثرتْ صُفرتها حتى صارت تضرب إلى السواد ؛ والحبر : الأثر يبقى في الجلد ، وأنشد :
لقد أشمتَتْ بي آلَ فيدٍ وغادرتْ**بجلديَ حِبْراً بنتُ مصّانَ باديا
أراد بالحِبر الأثر ، يعني أثر الكتابة في القرطاس .
قال المبرد : وأنا أحسب أنه سمي بذلك ، لأن الكتاب يُحَبَّر به ، أي يحسن ، أخذاً من قولهم : حبَّرت الشيءَ تحبيراً ، إذا حسَّنته)(2) .
__________
(1) الحكم الأصلي لأحاديث الراوي لا يشترط أن يكون هو الحكم الأخير في كل حديث ، فكم من حديث يخرج النقاد في حكمهم عليه عن الحكم الأصلي على أحاديث ذلك الراوي ، لأدلة أو قرائن تقتضي ذلك الخروج.
(2) وتكلم القلقشندي بعد ذلك على شرف المداد والحبر واختيار السواد لذك ، وفي صنعهما .(3/77)
وقال الراغب الأصفهاني في (مفردات القرآن) (ص113) / مادة (ح ب ر) : (الحِبر: الأثر المستحسن، ومنه ما روي "يخرج من النار رجل قد ذهب حِبْره وسِبْره" ، أي: جماله وبهاؤه، ومنه سمي الحِبر، وشاعر محبِّر، وشعر محبَّر، وثوب حبير: محسَّن، ومنه أرض محبار(1)، والحبير من السحاب .
وحُبِرَ فلان: بقي بجلده أثرٌ من قرح .
والحَبر: العالم ، وجمعه: أحبار، لما يبقى من أثر علومهم في قلوب الناس ومن آثار أفعالهم الحسنة المقتدى بها، قال تعالى: {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله}(2) ، وإلى هذا المعنى أشار أمير المؤمنين رضي الله عنه بقوله: "العلماء باقون ما بقي الدهر، أعيانهم مفقودة، وآثارهم في القلوب موجودة"(3) ، وقوله عز وجل: {في روضة يُحبَرون} [الروم/15]، أي: يفرحون حتى يظهر عليهم حبَارُ نعيمِهم) .
وفي (المعجم الوسيط) (1/152) (الحَبْرُ : العالِم . (ج) أحْبار ، وحُبُور ----.
الحِبْر : الحَبْر ، و[الحِبْرُ] : المِدادُ يُكتَبُ به . (ج) ؛ أحْبار ، وحُبُور) .
وانظر (المِداد) .
حجْب المختلط :
هو منعه من التحديث أو منع غيره من الأخذ عنه ، بسبب اختلاطه ؛ وأكثر من يقوم بالمنع هم أولاده ، وقد يقع ذلك منهم بإشارة من بعض تلامذته أو أقرانه .
وانظر (ثقة وفيه ضعف) .
حجة :
قولهم في الراوي : (هو حجة) يعنون به أنه ثقة متقن بالغ من الوثاقة أعلى مراتبها ، يصحح حديثه ويحتج به ، ولو تفرد بروايته ، إلا إذا قام الدليل القوي على وهمه فيه؛ وإذا اختلف الأقران الثقات كان الحجةُ منهم صالحاً في الجملة لترجيح قول أحد طرفيهما؛ ولكن ليس معنى ذلك أنه يرجح قوله على من هو دونه من الثقات مطلقاً ؛ فقد تقوم القرينة على ضد ذلك، وإن كان هذا نادراً.
__________
(1) أي: سريعة النبات .
(2) التوبة (31) .
(3) راجع (جامع بيان العلم وفضله) (1/57) و (نهج البلاغة) (ص692) .(3/78)
قال الذهبي في (تذكرة الحفاظ) (3/979 : (الحافظ أعلى من المفيد في العرف ، كما أن الحجة فوق الثقة).
وقال الذهبي في (الموقظة) : (فمثل يحيى القطان يقال فيه : إمام وحجة وثبت وجهبذ وثقة ثقة).
جاء في (علل أحمد بن حنبل) للمروذي (ص 46) (42) : (وسئل أبو عبدالله عن شعيب فقال : ما فيهم إلا ثقة ؛ وجعل يقول : تدري من الثقة؟ إنما الثقة يحيى القطان؟ تدري من الحجة؟ شعبة ، وسفيان حجة، ومالك حجة ، قلت : ويحيى؟ قال : ويحيى ، وعبد الرحمن ، وأبو نعيم، الحجة الثبت ، كان أبو نعيم ثبتاً).
قال السخاوي في (فتح المغيث) (2/112-113) : (---- فكلام أبي داود يقتضي أن الحجة أقوى من الثقة ، وذلك أن الآجري سأله عن سليمان بن بنت شرحبيل، فقال: ثقة يخطئ كما يخطئ الناس؛ قال الآجري : فقلت : هو حجة؟ قال: الحجة أحمد بن حنبل ؛ وكذا قال عثمان بن أبي شيبة في أحمد بن عبد الله بن يونس : ثقة وليس بحجة ، وقال ابن معين في محمد بن إسحاق : ثقة وليس بحجة(1) ، وفي أبي أويس(2) : صدوق وليس بحجة)(3) .
__________
(1) كلمة ابن معين في ابن إسحاق المذكورة حكاها عنه تلميذه عباس الدوري في (تاريخه) (3/225) ونقلها عنه الخطيب في (تاريخه) (1/231-232) .
(2) تاريخ ابن معين رواية الدوري (3/225) .
(3) وسبق السخاويَّ إلى هذا الكلام في الجملة الإمامُ الزركشي في (النكت على مقدمة ابن الصلاح) (3/432) ، وينظر تعليق عبدالفتاح أبو غدة على (رسالة المنذري في الجرح والتعديل) (ص 56-60).(3/79)