مقدمة الشارح
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد :
فهذه مجالس أمليتها في الدورة الشرعية التي أقامها مكتب الدعوة في محافظة الزلفي لعام 1429 هـ وقد كانت بعنوان " كيف تخرج حديثا وتحكم عليه " وقد أمليتها إملاء في أربعة مجالس فرغب الأخ عبد العزيز المسعود جزاه الله خيرا تفريغها ليعم نفعها لطلبة العلم فقام مشكورا بتفريغ الأشرطة وقد كنا نعتمد في التخريج المكتبة الشاملة دون الرجوع إلى أصول الكتب اغتناما للوقت ولأن الغرض هو معرفة الطريقة وليس الحكم النهائي على الحديث فله مكان آخر
أسأل الله أن يوفق الجميع لما فيه رضاه
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
سليمان بن خالد الحربي
{ بسم الله الرحمن الرحيم }
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد :
فإن علم تخريج الأحاديث والحكم عليها من أعظم العلوم وأهمها لأن ثمرته تمييز كلام المصطفى صلى الله عليه وسلم من غيره ، وقد اجتهد علماء السنة قديما وحديثا في التنويع في التأليف في هذا العلم ولما رأيت صعوبة هذا النوع عند الطلبة أعني كيف يخرج الطالب حديثا ثم يحكم عليه أحببت أن أشارك في تسهيله على الطلبة من خلال هذه الدورة
وسنأخذ في هذه الدورة ما ييسر على كل طالب أراد أن يخرج الحديث ويحكم عليه وكيف يفرق بين كتب الحديث فما عليك أيها الطالب إلا أن تسير معي بتأن وتتأمل ما أقول
وقبل أن نبدأ أنبهك على أمر بالغ الأهمية وهو أن هذه الدورة توضح لك الطريقة بوضوح ولكنها لا تخولك أن تبدأ بالتخريج وتقارع الكبار وتخطئ الأئمة في أحكامهم قبل أن تتمرس عدة سنوات بالتخريج لأنه ينقصك الخطوة الخامسة من هذه الخطوات وهي معرفة الرواة وممارسة مروياتهم وهذا يحتاج منك إلى خبرة قوية لا تحصلها إلا بعد عدة سنوات والله الموفق(1/1)
فأبدأ مستعينا بالله فأقول :
أولا : عندنا مصطلحات لابد أن نحررها ، فكثير من الطلبة المبتدئين يحتاجون إلى تحريرها وثق أنك إذا ضبطت هذه المصطلحات وفرقت بينها انفتح لك بابا عظيما في هذا الفن وهي :
كتب الحديث ،والمصادر الأصلية للأحاديث ،وكتب تخريج الأحاديث ، وكتب فهارس الحديث.
أولاً : مصطلح " كتب الحديث " :
هي أعمّ كلمة فسيدخل فيها كل المصطلحات السابقة ، ككتب المصادر الأصلية للأحاديث ، وكتب تخريج الأحاديث ، وكتب فهارس الحديث . فمثلا : بلوغ المرام وصحيح البخاري من كتب الحديث لكن زاد المستقنع ليس كتابا حديثيا ولا يدخل في هذا المصطلح
ملاحظة : فيه نوع مهم من التأليف فهناك كتب تذكر أسانيد بعض المصادر ، فهذه لا بد
أن يكون عندي اطلاع عليها فهذه من كتب الحديث .
ما الفائدة من هذه الكتب ؟
فائدتها أنها قد يُروى فيها من الكتب المفقودة ، فمثلاً الحافظ ابن رجب _ رحمه الله _ من أهمية كتبه أنه أحياناً يذكر لك أسانيد كتب مفقودة ، فيذكر لك مثلاً إسناد بقي بن مخلد ، ومسنده مفقود ، وكذلك كتب الحافظ ابن كثير _ رحمه الله _ ، خاصةً مسند الفاروق يذكر أسانيده ، وكذلك الحافظ ابن حجر _ رحمه الله _ في كتابه " الإصابة " يذكر أسانيد كتبٍ مفقودة .
فمهمٌ أن تعرف الكتب التي تذكر بعض أسانيد الكتب المفقودة .
ثانياً : مصطلح " المصادر الأصلية للحديث " :
هو أحد المعاني لتعريف الحديث المسند كما في المصطلح : وهو أن يتحمّل الإسناد بصيغة التحمّل ، أي الاتصال هذا هو الذي نعنيه ومر معنا هذا في شرح البيقونية
إذاً المصادر الأصلية : هي الكتب التي يرويها صاحبها بالإسناد من مبتدأه إلى منتهاه إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - أو إلى الصحابة بصيغة تحمّل ما .
فهذه الكتب هي التي سأبحث عنها لأخرّج حديثا ما .
مثال المصادر الأصلية :كتاب صحيح البخاري ومسلم ومصنف عبدالرزاق _ رحمهم الله _ وغيرهم.(1/2)
إذا : كتاب الأذكار وكتاب رياض الصالحين للنووي ، هل هما من المصادر الأصلية ؟
لا ، لأنه لم يروهما بالإسناد . صحيح أنهما من كتب الحديث ، لكنهما ليسا من المصادر الأصلية .
كلكم يعرف كتاب "تحفة الأشراف" للمزي _ رحمه الله _ ،هل هو من كتب الحديث ؟ نعم .
هل هو من المصادر الأصلية ؟ لا ، لأنه لم يذكر إسناده هو ، بل يذكر إسناد البخاري ، أو إسناد مسلم وغيرهما _ رحمهما الله _ .
إذاً عرفنا المصادر الأصلية التي أنا أريدها لتخريج حديثٍ ما .
ولهذا لو سألتكم عن باحثٍ يقول في بحثه، وعند تخريجه لحديث ما ، قال : رواه النووي _ رحمه الله _ في رياض الصالحين ، وصححه .
ما هي العبارة الصحيحة ، وما هي العبارة الخاطئة ؟
كلمة " صححه " صحيحة ، أما عبارة " رواه النووي في رياض الصالحين " ، فهي خاطئة ، لأنك إذا قلت رواه ، أي جعلته مصدراً أصلياً .
إذاً ماذا أقول ؟
أقول ذكره النووي في رياض الصالحين ، ولا أقول أخرجه أو رواه .
ولو قال باحث أخرجه المزي في " تحفة الأشراف " ؟ فهذه عبارة خاطئة .
ولو قال نسبه المزي إلى البخاري في " تحفة الأشراف " ، فهذه عبارة صحيحة .
إذاً فأنا أريد الآن أن أتعامل مع المصادر الأصلية ، فلا بد أن نتعرف على المصادر الأصلية التي يحتفي بها أهل الحديث وطلبة الأسانيد .
مثلاً : لو دخلت إلى مكتبة ما ، فوجدت كتابا للحافظ ابن حجر _ رحمه الله _ عنوانه " بحث أحاديث شهر رجب " ، ماذا يقع في بالي هل هو مصدر أصلي ؟ لا ، بل هو من كتب الحديث .
لكن لو دخلت المكتبة ووجدت كتابا " جزء الفاكهاني عن شيخه أبي مسرة " ، فهل هذا مصدر أصلي ؟ نعم لأنه يروي بإسناده هو ،قد أكون لا أعرف من هو هذا الفاكهاني ،وليس عندي أي معلومة عنه ، لكن عرفت أنه محدّث يروي بالإسناد فأحتاج إليه ، لأنه يمكن أن أجد فيه حديثاً أنا أبحث عنه .(1/3)
إذاً وأنت تدخل المكتبة ، لابد أن تفرّق بين ما تحتاج إليه فيما هو بالأسانيد ، وما هو في الأقسام التي ستأتي بعد قليل .
فائدة : هناك مصدر يروي عن مصدر آخر فابن الجوزي مثلاً يروي بالإسناد إلى مصدر آخر وهو الترمذي مثلا ، فيقول مثلاً : أنبأنا الكروخي قال أنبأنا الأزدي والغورجي قالا أنبأنا الجراحي قال أنبأنا المحبوبي قال أنبأنا الترمذي قال أنبأنا محمد بن إسماعيل قال أنبأنا مالك بن إسماعيل عن إسرائيل عن يوسف بن أبي بردة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنه .
إذا دلني ابن الجوزي على مصدر أقل إسنادا منه وهو أن هذا الحديث رواه الترمذي في جامعه
فإذا رأيت الحديث رواه ابن الجوزي ، فلا تكن ضعيفاً فابحث عن مصدر أقل منه ، إقرأ في إسناده فتراه يروي عن الترمذي أو الطبراني أو الأصفهاني أو البيهقي أناس أقرب من هذا الإسناد .
ثالثاً : مصطلح " كتب التخريج " :
هي الكتب التي تعتني بعزو الأحاديث إلى مصادرها الأصلية ، مع الحكم عليها ، أو نقل كلام أهل العلم عليها .
وهذه اللفظة داخلة من " كتب الحديث " ، وليست من المصادر الأصلية .
فمثلاً : يأتي الحافظ ابن حجر _ رحمه الله _ في كتابه " التلخيص الحبير " ، ويكون الرافعي قد ذكر حديثاً في كتاب الوجيز للرافعي من كتب الشافعية ، مثل حديث " لا سهو إلا في قيام عن جلوس أو جلوس عن قيام " ، فيذكره الحافظ ابن حجر ، ثم يقول رواه الدارقطني والحاكم والبيهقي من حديث ابن عمر ، ثم يقول : وفيه أبوبكر العنسي ، وهو ضعيف .
وقال البيهقي : مجهول .
ومقتضاه : أنه غير أبي بكر بن أبي مريم ، والظاهر أنه هو ، وهو ضعيف .
فهذا من كتب تخريج الحديث ، والحكم عليه .
ما أهمية هذا الكتاب ؟
أهميته معرفة المصادر الأصلية للحديث وكلام أهل العلم على الحديث ، وللتأكد هل هناك طريق لم أقف عليه أم لا ؟!
وهذا الكتاب وهو التلخيص صدر من شخص عالم ، بحث في المصادر ثم نظر في الأسانيد وحصرها ثم حكم عليها .(1/4)
فبدل أن تبدأ أنت من الصفر ، هو بدأ من الصفر وانتهى ، وأنت أقل منه علماً ، فتستفيد منه .
إذاً " كتب التخريج " ، لا يمكن أن تتخلى عنها ، فهي مهمة جداً ، فهي تختصر لي عزو المصادر ، والطرق ، وكلام أهل العلم على الحديث ، لأنك قد لا تملك وقتا كافيا لتخريج الحديث لمدة يوم أو يومين ، فترجع إلى كتب التخريج .
مثال لكتب التخريج : " التلخيص الحبير " لابن حجر ، و"بلوغ المرام" له ، " نصب الراية " للزيلعي ، إرواء الغليل للألباني ، " مجمع الزوائد " للهيثمي ، و" المحرر" لابن عبدالهادي وغيرها .
وهناك نقطة مهمة في كتب التخريج وهي : أن أعرف شرط المؤلف ،فابن حجر وشرطه عندما قال في كتابه " التلخيص الحبير " ، أنه يخرّج كتاب الرافعي في مذهب الشافعية .
فلما أبحث عن حديث و لا أجده ، لا أقول : لماذا ابن حجر لم يذكره ؟
لأنه قد لا يكون ذكره الرافعي في كتابه .
ومثلاً : كتاب " إرواء الغليل " للألباني _ رحمه الله _ ، شرطه أن يخرّج الحديث الذي ذُكر في " منار السبيل " .
فإذا لم أجد حديثا في إرواء الغليل للألباني ، لا أقول الألباني مقصّر في كتب الحنابلة ، نقول : لا ، هذا شرطه ، أن يخرّج الأحاديث التي في " منار السبيل " .
نعم لو بحثت فوجدت حديثا في " منار السبيل " ، ولم يخرجه الألباني ، فهذا يعتبر خللا في شرطه .
رابعاً : مصطلح " كتب فهارس الأحاديث " :
هي : الكتب التي تعتني بعزو الأحاديث إلى مصادرها الأصلية فقط ، دون الحكم على الأحاديث ، والكلام على الرجال .
فمثلاً : يقول صاحب الفهارس في حديث ما : هذا الحديث رواه أبو داود ،والترمذي ، والنسائي _ رحمهم الله _ وغيرهم فقط ، دون الحكم عليه ، أو الكلام على رجال الإسناد .
وكتب الفهارس على أقسام :(1/5)
1- فهارس تفهرس وترتب على المسانيد ، فتبدأ بترتيب الصحابة على حروف المعجم ثم تذكر أحاديث كل صحابي وهكذا ، مثل كتاب " تحفة الأشراف " للمزي ، فهو جعل فهرسه للحديث عن طريق الصحابة ، لكن له شرط : فليس كل حديث لأبي هريرة أو لعائشة _ رضي الله عنهما _ يذكرها ، كلا فقط يذكر ما كان لهما من أحاديث في الكتب الستة . وأيضاً كتاب " إتحاف المهرة " جعل فهرسه على المسانيد وهو من أعظم الكتب ، فالحافظ ابن حجر _ رحمه الله _ وجد أن المزّي ذكر الأحاديث في الكتب الستة ، فأكمل هو مسانيد عشرة ،.
2 - فهارس تفهرس على الموضوعات ، فيجمع الأحاديث مرتبة على موضوعات أبواب الفقه . وهذه أحتاج إليها بأنها ترجعني إلى الموضوعات . مثل كتاب " مفتاح كنوز السنة " . وكذلك كتاب مهم جدا وهو كتاب إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة للبوصيري جمع فيه زوائد مسانيد عشرة على الكتب الستة ورتبها على الموضوعات والمسانيد هي : مسند الطيالسي 2 مسدّد 3 الحميدي 4 إسحاق بن راهويه 5 ابن أبي شيبة 6 العدني 7 عبد بن حميد 8 الحارث بن أبي أسامة 9 أحمد بن منيع 10 مسند أبي يعلى الكبير.
3- فهارس تفهرس الأحاديث على الهجائي ، فيبدأ بالألف وهكذا ، ومن أعظم الكتب التي خرجت على هذا كتاب " الجامع الصغير " للسيوطي ، فقد رتّب السيوطي أحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الهجائي ،و"الجامع الصغير" خُدم خدمة كبيرة جداً ، وشرح فالمناوي ـ رحمه الله _ له شرحان عليه .
ومن أعظم من خدمه الألباني _ رحمه الله _ ، فقد جاء بالجامع الصغير فقسّمه إلى قسمين :
الأول : سمّاه " صحيح الجامع الصغير " ، ورتّبه على نفس الترتيب .
الثاني : سمّاه " ضعيف الجامع الصغير " .
وهذه الطريقة سهلة جداً على أي باحث فيهما ، لكن لا بد أن تحفظ نص كلام
الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، فلو غيّرت حرفاً لم تجد الحديث .(1/6)
وكتاب " موسوعة أطراف الحديث الشريف " لزغلول ، فهو من الفهارس ، وهو من أفضل
الكتب التي خرجت في ذلك الوقت ، فقد خدم السنة خدمة عظيمة . إلا أنه لم يلتزم أن يعزو الحديث إلى المصادر الأصلية بل لم يلتزم أن يعزو الحديث إلى كتب الحديث فتجده يعزو الحديث أحيانا إلى كتب التفسير مثلا
4- فهارس البرامج الإلكترونية ، فقد جمعت هذه الطرق كلها ، فالمكتبة الشاملة مثلاً : هي من
الفهارس التي جمعت المصادر ، والفهارس ، وكتب التخريج ، وكتب الحديث كلها .
...
? الخطوات العمليّة لتخريج الحديث :
الخطوة الأولى :-
البحث عن المصادر الأصلية ، فلا بد أن أجمع المصادر كلها ، وهي من أصعب الخطوات ، إذاً لا بدّ أن يكون لديّ ملكة ومعرفة من هم الذين يروون بالإسناد ، فمثلاً كتاب " الكامل في الضعفاء " لابن عدي يروي بالإسناد ، فهو مصدر أصلي ، مع أنه في التراجم العامّة ، وكذلك " الضعفاء " للعقيلي ، مصدر أصلي لأنه يروي بالإسناد مع أنه كتاب تراجم
كيف أعرف المصادر الأصلية ؟ أعرفها من خلال عزو المحدثين لها ، فأجد الألباني مثلاً ، يعزو لابن عدي في " الكامل " ، ويعزو للعقيلي في " الضعفاء " ، وهكذا .
فمعرفة المصادر شرط في معرفة تخريج الحديث ، إذا أردت أن تحكم عليه أنت بنفسك .
فأحياناً تخرج الحديث وتبحث في الأسانيد ، فيأتي الألباني في إرواء الغليل ، يقول : وللحديث إسناد رواه ابن قانع في معجم الصحابة ، وربما يكون لديك معجم ابن قانع ، لكن لما لم تعرف هل هو مصدر أصلي أم لا ؟ لم ترجع له .
ولا يوجد كتاب جمع فيه كل المصادر الأصلية أبداً ، لكنها تأتي من خلال الممارسة والاطلاع وتكوين الملكة والخبرة كغيرها من العلوم .
وسنبدأ بتطبيق الخطوات على حديث نختاره وهو :
? عن حديث عائشة _ رضي الله عنها _ كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا خرج من الخلاء قال : " غفرانك " .(1/7)
لو افترضنا أن جميع المصادر الأصلية موجودة في المكتبة الشاملة ، فبحثنا فخرج لنا مثلاً :-
- رواه أبوداود ، عمرو بن محمد الناقد حدثنا هاشم بن القاسم حدثنا إسرائيل عن يوسف بن أبي بردة عن أبيه حدثتني عائشة _ رضي الله عنها _ ثم ذكر الحديث ، فنحتفظ بهذا الإسناد .
- ثم نرى نتيجة أخرى وهو أن الترمذي رواه أيضا فقال :
حدثنا البخاري حدثنا مالك بن إسماعيل عن إسرائيل بن يونس عن يوسف بن أبي بردة عن أبيه عن عائشة _ رضي الله عنها _،فنحتفظ بهذا الإسناد .
- ونرى ابن ماجه قد رواه أيضا فقال :
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا يحيى بن أبي بُكَيْر حدثنا إسرائيل حدثنا يوسف بن أبي بردة سمعت أبي يقول دخلت على عائشة _ رضي الله عنها _ فسمعتها تقول .....الحديث .
- ونرى نتيجة أخرى وهو أن الإمام أحمد رواه في مسنده فقال :
حدثنا هاشم بن القاسم حدثنا إسرائيل عن يوسف عن أبي بردة عن أبيه ... ، فنحتفظ بهذا الإسناد
ونرى نتيجة أخرى وهو أن الإمام البخاري في الأدب المفرد رواه فقال :
حدثنا مالك بن إسماعيل قال حدثنا إسرائيل عن يوسف بن أبي بردة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها .
ونرى البيهقي أيضاً رواه فقال :
أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ ، حدثنا أبو العباس بن أحمد المحبوبي ، بمرو ، حدثنا سعيد بن مسعود ، حدثنا عبيد الله بن موسى ، أخبرنا إسرائيل ، عن يوسف بن أبي بردة ، عن أبيه ،قال : دخلت على عائشة رضي الله عنها فسمعتها تقول .
فنفترض أن هذه كل المصادر التي وجدت فيها الحديث ، وهذا افتراض للاختصار وإلا فهو معزو إلى أكثر من عشرين مصدرا
فهذه هي الخطوة الأولى ، ثم بعد ذلك ننتقل إلى الخطوة التي بعدها .
الخطوة الثانية :-(1/8)
استخراج مخرج الإسناد ، فنرى الأسانيد السابقة ، فنجدهم يختلفون في الرواية إلا في إسرائيل فاتفقوا ، وفي هذه الخطوة تتأكد ولا تستعجل ، وذلك بأن نتأكد أن الإسناد متفق من أول المخرج إلى الصحابي ففي مثالنا : من إسرائيل إلى عائشة فلا يوجد فرق في جميع المصادر لأنه أحيانا قد يكون المخرج واحدل لكنه قد اختلف الرواة عن المخرج فبعضهم ينقص رجلا ويعضهم يزيد راويا وبعضهم يجعله عن صحابي والآخر يجعله عن صحابي آخر
ففي مثالنا أتأكد أن كل الرواة عن إسرائيل كلهم يقولون عن إسرائيل عن يوسف عن أبيه عن عائشة لا أحد من الرواة يزيد مثلا راويا بين إسرائيل ويوسف أو يجعله الصحابي أبا هريرة مثلا ، فهذا ما نسميه مخرج الإسناد ، أو مدار الإسناد ، لأن كل الأسانيد خرجت من هذا الطريق ، فمثلاً هذا الحديث يروى من طريق إسرائيل ، نقول : هذا غريب فرد لا نعرفه إلا من هذا الطريق ، ثم بعد هذا ننتقل للخطوة التي بعدها .
الخطوة الثالثة :-
معرفة رواة المخرج وتحديدهم ، أي أعرف الرواة عن إسرائيل .
- فعند أبي داود : راوي المخرج هو هاشم بن القاسم .
- وعند البخاري والترمذي : مالك بن إسماعيل .
- وعند ابن ماجه : يحيى بن أبي بُكَيْر .
- وعند الإمام أحمد : هاشم بن القاسم .
- وعند البيهقي : عبيد الله بن موسى .
- وعند البخاري في الأدب المفرد : مالك بن إسماعيل .
وسنفترض أنه ليس في المصادر إلا هذه الأسانيد،
والسؤال ماهي الكتابة العلمية لجمع الأسانيد ؟
والجواب أن هناك ثلاث طرق،طريقة سهلة مختصرة، وطريقة علمية ، وطريقة سهلة مختصرة .
الطريقة الأولى : طريقة العلماء ، فليس هناك من يطالب بالترتيب ، وهي طريقة الألباني والدارقطني في العلل وغيرهم :-(1/9)
أقول رواه عن إسرائيل جماعة ، ثم أذكرهم ، مالك بن إسماعيل ، وهاشم بن القاسم ، وعبيد الله بن موسى ، ويحيى بن أبي بُكَيْر ، فعرفت الآن أن هذا المخرج مشتهر ، فأجمع فقط المخرج ، وأقول رواه عن فلان كذا وكذا .
لماذا أفعل هذه الطريقة ؟
لأتأكد أن المخرج صحيح ، بمعنى إذا نقلت عن إسرائيل أكثر من واحد من الثقات لا يأتيني وهمٌ أن المخرج قد لا يكون هكذا ، من زيادة في الإسناد أو نقص ، أبدا لا فالمخرج صحيح ، فلا يمكن أن يتفق هؤلاء الأربعة مثلاً ويكون خطأ .
أحياناً يكون المخرج ما ذكر إلا اثنين ، هنا لا بد أن أنتبه للمخرج وأتأكد ، وأحاول أن أبحث عن أسانيد أخرى فلا أقف عند اثنين ، لكن لمّا يأتيني المخرج رواه خمسة أو ستة أو عشرة فالمخرج صحيح قطعاً ، فالأئمة تواردوا على هذا المخرج .
الطريقة الثانية : وهي الطريقة الأكاديمية ويبحث عنها في الكليات والبحوث الأكاديمية :-
أقول رواه أبو داود برقم كذا ، قال حدثنا وأذكر الإسناد إلى إسرائيل ، ثم أقول ورواه الترمذي برقم كذا قال حدثنا وأذكر الإسناد إلى إسرائيل ، ثم أقول ورواه ابن ماجه برقم كذا قال حدثنا وأذكر الإسناد إلى إسرائيل ، وهكذا بقية من رواه أذكر أسانيدهم إلى المخرج وهو : إسرائيل .
فإذا انتهيت من التخريج ، أقول وكلهم عن إسرائيل ، وهذه الطريقة الأكاديمية تجمع لي كل الأسانيد ، وأذكرها كلها ، وعليه فلما آتي إلى إسناد البيهقي وهو طويل فسأذكر خمسة رجال ، أو أربعة قبل المخرج .
ما الفائدة من هذه الطريقة ؟(1/10)
فائدة الطريقة الأكاديمية ، التنظيم والترتيب ، وهذه أيضاً طريقة المزي في التحفة ، وفائدتها أيضاً في المتون فأنا الآن أخرجت الرواية من طريق إسرائيل ، وجمعت الرواة عنه وأنا في أثناء القراءة وجدت أن بعضهم يذكر لفظة وبعضهم لا يذكر اللفظة ، فوجدت مثلاً أن مالك بن إسماعيل هو الذي يزيد لفظة من الألفاظ ، فأردت أن أتأكد هل هو فعلاً مالك بن إسماعيل ذكر اللفظة في كل مروياته ، فسأذهب إلى رواية مالك بن إسماعيل التي حُددت في المصادر ، دون أن أرجع إلى الثلاثين مصدر مثلاً التي خرجتها ، فأتأكد هل يذكرها في كل المصادر أم لا .
الطريقة الثالثة وهي أخصر :-
وصورتها أن تذكر المصدر ثم تذكر اسم الراوي عن المخرج وهو إسرائيل فقط وأما شيخ المصنف فلا داعي لذكره إذا لم يكن هو راوي المخرج
فتقول في حديثنا : رواه أبو داود عن هاشم بن القاسم وهو راوي المخرج وتترك شيخ أبي داود وهو عمرو بن محمد الناقد فلا حاجة لذكره ، والترمذي عن مالك بن إسماعيل ، وأحمد عن كذا ، وكذلك بقية من رواه ، ثم تقول كلهم عن إسرائيل .
فلا آتي بشيخ أبي داود وشيخ النسائي وغيرهم ، فقط آتي براوي المخرج ، أبو داود من طريق فلان وهكذا،وقد يتفق اثنان ،فمثلاً هاشم بن القاسم يرويه أحمد و أبو داود ،فأقول رواه أبو داود وأحمد عن هاشم بن القاسم .
ما الفائدة من هذه الطريقة ؟
فائدتها أني عرفت من راوي المخارج .
انتهينا من استخراج رواة المخرج ، فالآن سأبحث هل هناك أسانيد لم أذكرها فتأتي للخطوة الرابعة .
الخطوة الرابعة :-
الذهاب إلى كتب التخريج ، فنذهب مثلاً إلى إرواء الغليل ، أو التلخيص الحبير ، أو نصب الراية وغيرها ، فنرى هل ذكر أحدهم إسنادا زادا على الأسانيد التي استخرجتها أم لا ؟
فنحن إلى الآن لم نحكم ، لا بد أن نتأكد أنه لا يوجد إسناد زائد لم أذكره حتى لا نجد إسنادا ثانيا يهمّنا في الحكم بعد أن أحكم على الحديث .(1/11)
فإذا وجدت إسناداً لم أذكره أضمه إلى الأسانيد السابقة ، وإذا لم أجد إسناداً زائداً ، أذهب للخطوة الخامسة .
الخطوة الخامسة :-
النظر في رجال الإسناد ، فعندي الآن رجال الإسناد هم :
1- إسرائيل : فمن هو إسرائيل ؟ وما اسم أبوه ، وجده ، وكيف أعرفه ؟
أستطيع معرفة الراوي من طرق كثيرة جداً ، أهم الطرق وهي أُولى الطرق ، وهي تتبع الأسانيد في المصادر ، هل هناك أحدّ صرّح باسمه،فقد نرى الترمذي صرّح باسم أبيه فقال : إسرائيل بن يونس.
ونتأكد من المصادر الأخرى ، فقد يكون الترمذي أخطأ في اسمه ! ، فبحثت فلم أجد أحد صرّح باسمه إلا الترمذي فهذا إسرائيل بن يونس .
فأذهب مباشرة إلى تهذيب الكمال لأن إسرائيل من أصحاب الكتب الستة ، فأبحث عن إسرائيل ، فإذا وجدته أتأكد منه هل من شيوخه يوسف بن أبي بردة ، فإذا وجدت شيخه يوسف ، أرى التلاميذ حتى يكون عندي يقين بالراوي إسرائيل هل هو هو أم لا ؟ فأرى قد ذكر من تلاميذه مالك بن إسماعيل فالآن تأكدت أنه هو إسرائيل بن يونس الذي أبحث عنه .
ثم أرى الآن ما حكم أهل العلم على إسرائيل ؟ فأكون قد أخذت فكرة عن إسرائيل ، وأنت كمبتدأ لا تعرف رواية إسرائيل هذا ، لكن بإذن الله لمّا تبحث الأسانيد فستتعرّف على أحاديث إسرائيل ، فتستطيع أن تحكم على أحاديث إسرائيل بأنها صحيحة مثلاً ، من خلال مرورك على أحاديثه ، وهذه مرحلة متقدمة جدا ليست لك .
فأذهب إلى كتاب تقريب التهذيب وهو في رجال الكتب الستة ، وفيه خلاصة الحكم ، وأيضاً الكاشف للذهبي وهو أيضا في رجال الكتب الستة وهو اختصارٌ له من خلال تراجم الأئمة أصحاب الكتب الستة، فنرى الحافظ ابن حجر يقول عنه : ثقة تُكلم فيه بلا حجة .
ونرى الحافظ الذهبي في الكاشف يقول:قال أحمد عنه : أنه ثقة وتعجب من حفظه ،وقال أبوحاتم : هو من أتقن أصحاب أبي إسحاق ، وضعفه ابن المديني . فالآن اطمأننت من إسرائيل(1/12)
ولكن لننتبه أن هناك أحاديث ليست في الكتب الستة فقد يكون رجال الإسناد كلهم من رجال الكتب الستة فتكفي هذه المصادر
وقد يوجد في الإسناد رجل أو رجلين ليسوا من رواة الكتب الستة فلابد أن تبحث إلى كتب تراجم أخرى مثل لسان الميزان لابن حجر ونحوها
ثم نذهب إلى الراوي الذي بعده وهو :
2- يوسف بن أبي بردة : فنبحث مباشرة في تهذيب الكمال أوالتقريب أوالكاشف مثلاً ، فنرى الذهبي يقول عنه : ثقة ، ويقول عنه ابن حجر : مقبول ـ والمقبول قلنا هو من لم يوثّق ـ ، فلا بد أن أتأكد في تهذيب الكمال ، فأرى ابن حبان ذكره في الثقات فالآن الصواب مع ابن حجر ، فلم يوثّقه إلا ابن حبّان ، ولم يرو عنه إلا اثنين ، إذاً عندي إشكال في الحديث في الإسناد ، سعيد بن مسروق ،وإسرائيل ،وهو أن يوسف بن أبي بردة ما روى عنه إلا اثنين،ولم يوثّقه إلا ابن حبان ، ومعروفةٌ قاعدة ابن حبّان في توثيق المجاهيل .
وأذهب وأرى رجل الإسناد الثالث وهو :
3- أبو بردة ؟ ما اسمه ؟ اسمه الحارث وقيل عامر ، قال عنه الذهبي في الكاشف: كان من نبلاء العلماء ، إذاً هذا توثيق .
فالإشكال عندنا في الإسناد هو : يوسف بن أبي بردة ، فنذهب للخطوة السادسة .
الخطوة السادسة :-
تحديد العلّة ، وهذه الخطوة نتيجة للخطوة الخامسة ، فقلنا العلة : أن يوسف بن أبي بردة ، لم يوثقه إلا ابن حبان ، فهنا الإشكال هل أقبل روايته ؟ فهو ليس ضعيفاً ، فهنا تأتي الخطوة السابعة .
الخطوة السابعة :-
الاستنارة بآراء العلماء ، لأرى أمرين :-
الأول : كيف يُوجِدوا لي حلّ لهذه العلّة ، فقد يكون في التلخيص الحبير مثلا يقول ابن حجر : وثّقه النسائي في كتاب الضعفاء مثلا ، فيمكن أنه يحلّ الإشكال ، ويمكن الإمام أحمد يقول : رواية يوسف بن أبي بردة عن أبيه غير مقبولة أبداً ،ويمكن يقول : رواية إسرائيل عن يوسف أهل العلم تركوها .
الثاني : قد يوجد علة غيرها .
فهذه الخطوة مهمة جداً جداً .(1/13)
قد يقول قائل : لماذا لم تقدّم هذه الخطوة على التي قبلها ؟
أقول لم أقدّمها لأنك تتأثر ، فيمكن أن تبحث فتجد رأي ابن حجر والألباني وابن القيم وغيرهم ، فيكون عندك حكم مسبق قبل أن تحكم ، فتتأثر بأحكامهم. احكم أنت واستخرج العلّة واستنبطها ، وهكذا تنمي الملكة والموهبة التي عندك في موافقة الأئمة في الأحكام ، فبعد تمرسك في التخريج ، سترى أنه أندر من النادر أن يأتوا بعلة لم تذكرها أنت ، وترى أنه أندر من النادر أن يأتوا لك بحل للعلّة التي حكمت أنت بأنها علّة ، فلا توافقهم أبداً فتقول هذه العلة لا يمكن أن يكون لها حل فجوابك عليها غير صحيح ، من خلال الملكة التي تكونت عندك ، فنذهب للخطوة السابعة ، فعندي الآن كتب تخريج الحديث والأحكام ، فمثلاً تحفة الأشراف فأحياناً المزّي ، ينقل لك آراء الأئمة فنرجع إليه فلم نجد أنه ذكر شيئاً ، فنذهب ونبحث عن كتب التخريج فنرى الحافظ ابن حجر قال في نتائج الأفكار : قال الدارقطني في الأفراد : تفرّد به إسرائيل عن يوسف وتفرّد به يوسف عن أبيه وأبوه عن عائشة رضي الله عنها ، فاستفدت أنه ليس هناك للحديث طريق غير هذا ، وهو طريق إسرائيل ، فلو أتاني شخص وقال هناك طريق أخرى فأقول له : هذا غير صحيح ، فأنت واهم .
وقال البزار : لا نعلمه يروى عن عائشة إلا بهذا الإسناد ، فالبزار أيضاً يقول هو فرد .
ونرى الترمذي يقول : حسن غريب ، ولا نعرف في الباب إلا حديث عائشة .
قال الحافظ ابن حجر : إن أراد الترمذي هذا اللفظ بخصوصه ، ورد عليه حديث علي و بريدة ، وإن أراد أعم من ذلك وردت عليه أحاديث أبى ذر و أنس و ابن عمر و شواهدها فلعله أراد مما يثبت .
وكلام ابن حجر غير صحيح فالترمذي أنه حسن غريب في الطريق .
ونبحث عن آراء العلماء فنرى الدارقطني ذكره في الأفراد ، فأجزم أن هذا الحديث ليس له إلا هذا الإسناد .(1/14)
ونرى ابن الجوزي :جعله موضوعاً ، في العلل المتناهية ، فقد حكم عليه بالوضع رحمه الله وقال : قال الترمذي هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الطريق ، لكن سبق لنا في شرح البيقونية قاعدة ابن الجوزي في الحكم على الحديث بالوضع
ونرى ابن عبدالهادي في تعليقته يقول : قال الترمذي هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث إسرائيل .
وقال أيضاً : قال ابن أبي حاتم سمعت أبي يقول أصح حديث في هذا الباب ، يعني ـ قوله يعني هذا من كلام ابن عبدالهادي ـ في باب الدعاء عند الخروج من الخلاء حديث عائشة . فقوله : أصح حديث استفدنا منه فائدتين :-
1- أنه لايلزم منه الصحة .
2- يلزم منه أن لا يكون موضوعاً ، كما حكم عليه ابن الجوزي .
إذاً الآن لما بحثت واستفصلت في الحكم على الحديث ، لم أجد شيئاً جديداً ، من خلال بحثي فلم أجد أحد حلّ لي مشكلة يوسف بن أبي بردة ، فلا زالت الآن عندي العلة موجودة ، فلا زال يوسف بن أبي بردة مجهول الحال في نظري ، لكن أنا الآن سأستنير برأي الأئمة ، فأحدهم مثلاً قال : حسن ، وآخر قال : ضعيف ، وآخر قال : صحيح ، فأنا الآن من خلال منهجي كباحث قد أميل فأقول إن هذا دعاء بعد الخلاء ، فلا يتشدد في الأحكام فيه ، فقد أقول : عبارة ابن أبي حاتم جيدة، وهي قوله : أصح حديث في الباب ، وأجعل هذا حكم ويعمل به .
وإن حكمت عليه بالضعف فلي وجه ، لأن يوسف مجهول الحال ، وإن حكمت عليه بالصحة ، لأنه في باب الفضائل ، والترمذي حسنه ، وابن حبان وثّقه فلا إشكال .
لكن لو كان حديثاً في الأحكام ، فلا نقول هذا الكلام ، فمجهول الحال لا نأخذ بحديثه أبداً إذا لم يصحح الأئمة المتقدمون حديثه .(1/15)
إذاً أنا الآن استنرت بآراء العلماء ، ولم أجد جديدا ، فنقلت تصحيح ابن خزيمة ، وتوثيق ابن حبان، وتحسين الترمذي ،ونقلت حكم ابن الجوزي أنه موضوع ، فأنا الآن انتهيت من البحث ، فحكمت على الحديث من خلال معرفة تامة بطرق الحديث ، فليس له إلا طريق واحد ، وجزمت أن ليس له إلا علة واحدة ، وهي يوسف ، وهناك تتباين الآراء ، فهذا ملخص سريع جداً في كيفية الحكم على الحديث ، وأنا أخترت لكم أسهل إسناد حتى نتصور الطرق .
مسألة : أحياناً العلماء يوثقون شخص ، وبعضهم يضعّفه ؟ فكيف أعمل ؟ .
أولاً : لا بد أن نفرق بين باحثين : باحث مبتدأ ، وباحث متمكن .
فإن كنت مبتدأ فقلّد ابن حجر في التقريب مثلاً ، ولكن بعد أن تتمكن لا تحتاج إلى التقريب أو الكاشف أبداً .
مسألة : أحياناً يكون رواة المخرج واحد أو اثنين ، والمخرج كلهم ثقات ، لكن العلة تكون في رواة المخرج ، فهنا أبحث عنهم أيضاً مع المخرج . فلابد أن أن أسبر حالهم وثقتهم فقد يكون رجال المخرج ثقات لكن رواة المخرج ضعفاء ففي مثالنا حديث عائشة الرواة عن إسرائيل أئمة ثقات لاشك فيهم فلهذا انحصر البحث في رجال المخرج لكن لو قدر أنني لا أعرف رواة المخرج هل هم ثقات أم لا لاسيما إذا كان رواة المخرج اثنين أو ثلاثة فقط فلابد من البحث في حالهم
مسألة : إذا كان للحديث أكثر من مخرج ، فلا بد من البحث في المخارج الثانية ، لأن المخارج الثانية قد تخرج لي علّة المخرج الذي صحّ عندي ويوضحه المثال القادم
? سنأخذ الآن حديثا له أكثر من إسناد ، وعليه سيزيد علينا خطوةً ثامنة وهي :-
الخطوة الثامنة :-
تتبع الأسانيد وحصرها .
? مثاله : حديث سلمان بن عامر - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : « إذا أفطر أحدكم فليفطر على تمر » .
? سنقوم بالخطوات السبع السابقة :
نبحث في المصادر من خلال برنامج الشاملة للاختصار :
الإسناد الأول : النتيجة الأولى عند الترمذي رواه :(1/16)
من طريق سفيان بن عيينة عن عاصم الأحول عن حفصة بنت سيرين عن الرباب عن عمها سلمان بن عامر .
قال الترمذي : حديث سلمان بن عامر حديث حسن .
ورواه سفيان الثوري عن عاصم به ، روى الترمذي هذا معلقاً .
فعندي الآن راويان يرويانه عن عاصم بهذا الإسناد هما : ابن عيينة والثوري
الإسناد الثاني : رواه الترمذي معلقاً من طريق شعبة عن عاصم عن حفصة بنت سيرين عن سلمان بن عامر .
وبظهر الفرق جليا بين هذا الإسناد الثاني وبين الذي قبله
فالأول : عن عاصم عن حفصة عن الرباب عن سلمان
والثاني : عن عاصم عن حفصة عن سلمان فلم يذكر الرباب
فهذا نسمية في علم التخريج : " اختلافا على عاصم " فاحفظ هذا المصطلح أي أن تلاميذ عاصم اختلفوا في إسناد شيخهم فبعضهم ذكر الرباب وبعضهم أسقطها نسميه هذا اختلافا على عاصم ؛ لأنني سأستفيد منه ، لأني سأبحث ما هو الإسناد الصحيح لعاصم ؟
فإذا كنت سأستفيد هذه الفائدة ، سيكون نظري على تلاميذ عاصم ، فأرى من هم التلاميذ الضابطون ، والذين ليسوا بضابطين ، فأبعد التلاميذ الذين لم يضبطوا ، وأبقي التلاميذ الذين ضبطوا وسيأتي أن الترمذي رجح رواية من روى عن عاصم بذكر الرباب أي أنه لم يرجح رواية شعبة بإسقاط الرباب وسنرى صحة كلامه أم لا
ثم قال الترمذي : روى ابن عون و هشام بن حسان عن حفصة بنت سيرين عن الرباب عن سلمان بن عامر .
هل هذا إسنادٌ ثالث ؟
كلا فالترمذي ذكر متابعين لرواية عاصم بذكر الرباب وهما :
ابن عون وهشام بن حسان
فصار الذين يروونه عن حفصة بذكر الرباب ثلاثة
ننظر إلى نتيجة أخرى أيضا في سنن الترمذي فقال :
حدثنا محمود بن غيلان حدثنا وكيع حدثنا سفيان عن عاصم الأحول ح وحدثنا هناد حدثنا أبو معاوية عن عاصم الأحول ح وحدثنا قتيبة : قال أنبأنا سفيان بن عيينه عن عاصم الأحول عن حفصة بنت سيرين عن الرباب عن سلمان بن عامر .
فهذا تابِعٌ للإسناد الأول .(1/17)
وفيه أنه عن عاصم بذكر الرباب إذا هو الإسناد الأول لكن زاد عندي عدد الرواة عن عاصم وهو : أبو معاوية بالإضافة إلى من سبق ذكرهما وهما السفيانان فصاروا ثلاثة رواة
وسبق لنا أن الترمذي ذكر رواية سفيان الثوري معلقة وها هو يصلها
وقد تكلم الترمذي قبل قليل على هذا الحديث فقال :
والصحيح ما رواه سفيان الثوري و ابن عيينة وغير واحد عن عاصم الأحول عن حفصة بنت سيرين عن الرباب عن سلمان بن عامر .
إذاً الترمذي يرجّح الإسناد الأول ، وهو ذكر الرباب ، من رواية الثلاثة رواة خلافا لرواية شعبة فنكتب بعد الإسناد الأول ورجّح الترمذي هذا الإسناد .
طيب ثم ننتقل لمصدر آخر ابن ماجه مثلاً :-
فابن ماجه روى الحديث فقال :
حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا عبد الرحيم بن سليمان ومحمد بن فضيل . ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا محمد بن فضيل عن عاصم الأحول عن حفصة بنت سيرين عن الرباب عن عمها سلمان بن عامر .
فهذا هو الإسناد الأول ، فأضعه مع الإسناد الأول .
وزاد عندي محمد بن فضيل وعبد الرحيم .
وسبق أن الرواة عن عاصم بذكر الرباب كانوا ثلاثة والآن زاد اثنان فصاروا خمسة رواة
ننتقل لمصدر آخر الإمام أحمد مثلاً :-
فالإمام أحمد روى الحديث ، فقال :
حدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا هشام عن حفصة عن الرباب عن سلمان بن عامر .
هذا الإسناد هو الذي ذكره الترمذي معلقا عن هشام وها هو يصله أحمد في مسنده
ثم ننتقل إلى موضع آخر في المسند ، فنرى الإمام أحمد يرويه فيقول :
حدثنا سفيان بن عيينة عن عاصم عن حفصة عن الرباب عن عمها سلمان بن عامر .
فهذا ليس فيه زيادة إسناد لأنه سيقت رواية الترمذي عن سفيان بل فيه زيادة مصدر ، فسيزيد مصدر الآن .
ثم ننتقل إلى موضع آخر في المسند ، فنرى الإمام أحمد يرويه فيقول :
حدثنا وكيع قال حدثنا ابن عون عن حفصة بنت سيرين عن الرباب عن سلمان .(1/18)
وهذا سبق ذكره من الترمذي معلقا وها نحن نجده موصولا عند أحمد وهذا هو الإسناد الأول
ثم ننتقل إلى موضع آخر في المسند ، فنرى الإمام أحمد يرويه فيقول :
حدثنا محمد بن جعفر وابن نمير قالا حدثنا هشام ويزيد قال أخبرنا هشام عن حفصة عن سلمان .
وهنا ننتبه هذا وجه آخر لرواية هشام بن حسان :
سبق لنا أن هشام بن حسان يرويه عن حفصة بذكر الرباب رواه عن هشام هكذا كل من :
محمد بن جعفر
ورواه عن هشام بإسقاط الرباب كل من :
محمد بن جعفر ، ابن نمير ، يزيد بن هارون
ثم ننتقل إلى موضع آخر في المسند ، فنرى الإمام أحمد يرويه فيقول :
حدثنا أبو معاوية قال حدثنا عاصم عن حفصة عن الرباب عن سلمان ، فهذا هو الإسناد الأول ، فلا زيادة فيه . وسبق أن أبا معاوية يرويه عن عاصم فلم يضف سوى مصدر
ثم ننتقل إلى موضع آخر في المسند ، فنرى الإمام أحمد يرويه فيقول :
حدثنا عبد الرزاق قال أخبرنا هشام عن حفصة ابنة سيرين عن الرباب عن سلمان .
فالآن وجدنا مُتابِع لغُنْدَر ـ محمد بن جعفر ـ ، بذكر الرباب إذاً سنجعله في الإسناد الأول ، ومن هو التلميذ ؟ هو عبد الرزاق .
فصار يرويه عن هشام بذكر الرباب راويان : محمد بن جعفر وعبد الرزاق
ثم ننتقل إلى موضع آخر في المسند ، فنرى الإمام أحمد يرويه فيقول :
حدثنا يزيد بن هارون قال أخبرنا هشام عن حفصة عن سلمان بن عامر .
وهذا بإسقاط الرباب ، وهذا قد أخذناه قبل قليل فلا جديد .
ثم ننتقل إلى موضع آخر في المسند ، فنرى الإمام أحمد يرويه فيقول :
حدثنا يحيى بن سعيد عن هشام قال حدثتني حفصة عن سلمان .
هذا هو الإسناد الثاني لكن زاد راويا عن هشام وهو يحيى بن سعيد فصار الرواة عن هشام بإسقاط الرباب : أربعة ابن نمير ، يزيد بن هارون ، محمد بن جعفر ، يحيى بن سعيد
ثم ننتقل إلى موضع آخر في المسند ، فنرى الإمام أحمد يرويه فيقول :
حدثنا محمد بن أبي عدي عن ابن عون عن حفصة بنت سيرين عن الرباب عن سلمان .(1/19)
وهذا ذكره الترمذي قبل وهو من الرواة عن حفصة لكنه موافق لرواية من ذكر الرباب ولم يسقطها
ثم ننتقل إلى موضع آخر في المسند ، فنرى الإمام أحمد يرويه فيقول :
حدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا شعبة عن عاصم عن حفصة عن سلمان .
وسبق هذا الإسناد من الترمذي معلقا ووجدناه موصولا الآن عن شعبة
ثم ننتقل إلى مصدر آخر ذكر الحديث ننتقل إلى معرفة السنن والآثار .
قال الشافعي في رواية حرملة : أخبرنا سفيان بن عيينة ، عن عاصم ، عن حفصة بنت سيرين ، عن الرباب ، عن عمها سلمان بن عامر .
فهذا هو الإسناد الأول .
ثم ننتقل إلى موضع آخر في نفس الكتاب فنجده يرويه فيقول :
حدثنا حفص بن غياث ، عن عاصم الأحول ، عن حفصة ، عن الرباب ، عن سلمان .
هذا هو الإسناد الأول ، لكن زاد عندي حفص بن غياث .
فنضيف حفص بن غياث لتلاميذ عاصم الأحول الذين يذكرون الرباب فأصبح عددهم ستة رواة
ثم ننتقل إلى مصدر آخر ذكر الحديث ننتقل إلى مسند ابن أبي شيبة .
حدثنا ابن فضيل عن عاصم عن حفصة بنت سيرين عن عمها سلمان .
وهذا هو إسناد ابن ماجه .
ثم ننتقل إلى موضع آخر في نفس الكتاب فنجده يرويه فيقول :
حدثنا ابن نمير قال حدثنا هشام بن حسان عن حفصة عن سلمان .
وسبق لنا هذا الإسناد
ثم ننتقل إلى مصدر آخر ذكر الحديث ننتقل إلى السنن الصغرى للبيهقي .
عبد الله بن بكر السهمي ، حدثنا هشام بن حسان ، عن حفصة بنت سيرين ، عن الرباب ، عن سلمان .
وهذا الإسناد عن هشام بذكر الرباب وسبق أن الذين يروونه اثنان فزاد الآن ثالث
فكم تلميذ روى عن هشام بذكر الرباب إلى الآن :-
1- محمد بن جعفر . 2- عبدالرزاق . 3- عبدالله بن بكر .
ثم ننتقل إلى مصدر آخر ذكر الحديث ننتقل إلى الطبراني في معجمه الكبير .
عبد العزيز بن المختار عن عاصم الأحول حدثتني حفصة بنت سيرين عن الرباب عن سلمان(1/20)
فهذا هو الإسناد الأول ، وراويه هو عبدالعزيز بن المختار من رجال مسلم ، فهذا جديد إذاً نضيفه إلى تلامذة عاصم الأحول الذين يذكرون الرباب وسبق أنهم ستة فأصبحوا الآن سبعة
ثم ننتقل إلى موضع آخر في نفس المعجم :
حماد بن زيد عن عاصم الأحول عن حفصة بنت سيرين عن الرباب عن سلمان .
هذا أيضاً هو الإسناد الأول ، ويرويه حماد بن زيد ، فيضاف إلى تلامذة عاصم بذكر الرباب وسبق أنهم سبعة فصاروا ثمانية
ثم ننتقل إلى موضع آخر في نفس المعجم :
شعبة عن عاصم الأحول عن حفصة بنت سيرين عن سلمان .
والترمذي كما سبق ذكره معلقاً عن شعبة بإسقاط الرباب .
ثم ننتقل إلى موضع آخر في نفس المعجم :
سفيان عن عاصم عن حفصة بنت سيرين عن الرباب عن سلمان .
وهذا سبق ذكره وهو الإسناد الأول
ثم ننتقل إلى موضع آخر في نفس المعجم :
غالب بن قران العنبري ، حدثنا عمرو بن عيسى أبو نعامة ، عن حفصة عن الرباب عن سلمان .
هذا راو جديد عن حفصة متابع لعاصم بذكر الرباب
والذي يرويه عن أبي نعامة : غالب بن قران ، وأيضاً زهير بن هُنَيْدَة .
ثم ننتقل إلى موضع آخر في نفس المعجم :
بشر بن المفضّل حدثنا ابن عون عن حفصة عن الرباب عن سلمان .
وقد مرّ معنا هذا إسناد ابن عون عن حفصة ، والراوي عن ابن عون :
1- وكيع . 2- محمد بن أبي عدي .
فنضيف الآن بشر بن المفضّل .
ثم ننتقل إلى مصدر آخر ذكر الحديث ننتقل إلى سنن الدارمي .
ثابت بن يزيد حدثنا عاصم عن حفصة عن الرباب عن سلمان .
فزاد عندنا الآن من تلاميذ عاصم : ثابت بن يزيد ، فصاروا الآن تسعة
ثم ننتقل إلى مصدر آخر ذكر الحديث ننتقل إلى سنن النسائي .
أنبأ أحمد بن حرب قال حدثنا بن عليّة عن هشام عن حفصة بنت سيرين عن الرباب عن سلمان .
فمن الذي يروي عن هشام ؟ إسماعيل بن عُليّة
فصار الذين يروونه عن هشام بذكر الرباب أربعة
ثم ننتقل إلى موضع آخر في نفس الكتاب :(1/21)
أنبأ علي بن حجر قال أنبأ قِران بن تمام عن هشام عن حفصة عن الرباب عن سلمان .
فزاد عندنا ، قِران بن تمام بذكر الرباب فصار الرواة عن هشام بذكر الرباب خمسة رواة
فالذين رووا عن هشام بذكر الرباب هم :
1- عبدالرزاق . 2- محمد بن جعفر . 3- ابن عليّة . 4- قران بن تمام . 5- عبدالله بن بكر السهمي .
ثم ننتقل إلى موضع آخر في نفس الكتاب :
أنبأنا الحسين بن محمد حدثنا خالد عن هشام عن حفصة عن الرباب عن سلمان
هذا هو خالد بن الحارث ، فزاد عندنا من تلاميذ هشام : خالد فصاروا ستة رواة كلهم عن هشام بذكر الرباب
ثم ننتقل إلى موضع آخر في نفس الكتاب :
أخبرني عبد الله بن الهيثم قال حدثنا حماد بن مسعدة عن هشام عن حفصة عن سلمان .
وهذا الإسناد بإسقاط الرباب وقد مر معنا أن هشاما اختلف عليه فحماد من الذين رووا عن هشام بإسقاط الرباب فصار عدد الذين يسقطون الرباب عن هشام خمسة :
ابن نمير ، يزيد بن هارون ، محمد بن جعفر ، يحيى بن سعيد ، حماد بن مسعدة
ثم ننتقل إلى موضع آخر في نفس الكتاب :
يوسف بن يعقوب قال حدثنا هشام عن حفصة عن الرباب عن سلمان .
فزاد عندي تلميذ لهشام بذكر الرباب وسبق أنهم ستة فصاروا سبعة
ثم ننتقل إلى مصدر آخر ذكر الحديث ننتقل إلى الصيام للفريابي .
مروان بن معاوية الفَزَاري ، حدثنا عاصم ، عن حفصة ، عن الرباب ، عن سلمان .
فنزيد مروان على تلامذة عاصم بذكر الرباب وقد سبق أنهم ثمانية فصاروا تسعة
انتهينا الآن ، لنفترض أننا بحثنا في الكتب الموجودة في المكتبة ولم نقف إلا على هذا ، فالآن اتضحت لنا الأسانيد ، فالآن سنختصر الأسانيد ، فنقول :-
روى هذا الحديث حفصة واختلف عليها ، فهذه الكلمة تجمع كل الأسانيد .
فهنا المحكّ ، وهنا تمايز المخرّجِين والمحققين ، وهذه طريقة الدارقطني ، يقول مثلاً :
رواه حفصة واختلف عليها .
وحفصة ستكون هي المخرج ، فأقول :-
روى الحديث حفصة واختلف عليها .(1/22)
فرواه عاصم عن حفصة واختلف عليه ، مرّة بذكر الرباب ومرّة بإسقاطها .
ثم بعد ذلك أحدد من الذي روى عن عاصم بذكر الرباب،ومن الذي روى عن عاصم بإسقاطها .
فأقول : فرواه سفيان الثوري ، وسفيان بن عيينة ، محمد بن فضيل ، عبد الرحيم بن سليمان ، حفص بن غياث، عبد العزيز بن المختار ، وحماد بن زيد ، وأبومعاوية ، وثابت بن يزيد، مروان بن معاوية كلهم عن عاصم بذكر الرباب .
ورواه شعبة عن عاصم بدون ذكر الرباب .
فالآن سأنظر في هذا الإسناد ، ما هو المحفوظ عن عاصم ؟
المحفوظ عنه بذكر الرباب
فنقول : والمحفوظ عن عاصم بذكر الرباب كما رجح ذلك الترمذي تماما
فهذا هو الإسناد الأول .
ثم نقول بعد الإسناد الأول :
ورواه هشام بن حسّان ، واختلف عليه ، مرّة بذكر الرباب ومرّة بإسقاطها .
فرواه : محمد بن جعفر ، وعبد الرزاق ، وعبد الله بن بكر السهمي ، وخالد بن يزيد ، ويوسف بن يعقوب ، وإسماعيل بن عليّة ، وقران بن تمام ، عن هشام بذكر الرباب .
ورواه : محمد بن جعفر ، ويحيى بن سعيد ، وابن نمير ، وعبد الرزاق ، وحماد بن مسعدة ، عن هشام بإسقاط الرباب .
فالآن سنرجح في إسناد هشام بن حسّان ، ماذا سنرجّح ؟ فكلا الإسنادين محفوظان ، فليس هناك غلط ؟ أما الإسناد الأول وهو إسناد عاصم ، فقطعا أن فيه غلطاً ، فعاصم لم يروه إلا بذكر الرباب قطعاً ، أما هنا قطعاً هشام بن حسّان رواه مرّة بذكر الرباب ، ومرّة بإسقاطها ، فكلا الإسنادين محفوظ ، ليس معنى ذلك أنه صحيح .
فهذا هو الإسناد الثاني .
ثم نقول بعد الإسناد الثاني :
ورواه ابن عون ، ولم يختلف عليه ، بل ذكر الرباب كل الرواة عنه .
فرواه : وكيع ، وابن أبي عدي ، وبشر بن المفضّل ، عن ابن عون بذكر الرباب .
فهذا هو الإسناد الثالث .
ثم نقول بعد الإسناد الثالث :
ورواه أبو نعامة العدوي ، بذكر الرباب .
فالآن عندي ثلاثة أسانيد هي المحكّ ، فنعتمد هذه الثلاثة .
كلها عن حفصة(1/23)
1 – عاصم أكثر عشرة رواة بذكر الرباب وواحد بدونها
2 – هشام سبعة بذكر الرباب وخمسة بدونها
فهل الآن عندك شكٌ بأن الرباب موجودة أو غير موجودة ؟
قطعاً هي محفوطة عن هشام .
الآن سيأتي دورنا في تتبع الرجال ، فعندنا الآن كلا الإسنادين محفوظان ، بذكر الرباب وبدون ذكر الرباب ، فممن الإسقاط إذاً ؟
نقول يحتمل الآن أن حفصة بنت سيرين فعلاً سمعته من الرباب ، ومرة سمعته من سلمان .
فالآن سأرجع إلى الخطوات السابقة ، فبعد هذا نتتبع رجال الإسناد ، والترمذي قد رجح الإسناد الأول ؛ لأنه فعلاً لا يخالطنا شك بأن ذكر الرباب محفوظ ، ولا يخالطنا شك بأن حفصة روته عن سلمان قطعاً ، لكن هل سمعت منه أو لا ؟
هذا دورنا في الخطوة التالية ، في البحث عن الأسانيد ، فإن لم تسمع منه فهذا منقطع .
أهم شيء الآن أني تأكدت أنه ليس هناك أحد من الرواة مختلط ، فتأكدت أن عندي إسنادين صحيحين ، ليس صحيحين من الصحة ، لا ، بل محفوظة ، فذكر الرباب وعدم ذكرها محفوظ ، والإشكال من حفصة .
وهشام بن حسان ، وعاصم ، مختلفٌ عليهم ، فيبقى عندي ، هل سمعت حفصة من سلمان ، فيكون الإسنادان صحيحين بمعنى الصحة ، إذا كان الرواة ثقات ، وإذا كانت حفصة لم تسمع من سلمان فهذا منقطع ، والأول موصول .
ثم بعد ذلك أبدأ في الأسانيد أبحث عن رجاله ، ثم أحكم عليه ، ثم أنظر في تخريج الأحاديث وحكم الأئمة عليه .
أهم شيء الآن أنك عرفت ، كيف توازن الأسانيد ، ومكمن الصعوبة في البداية في قولنا :
روته حفصة واختلف عليها .
فإذا فتح الله عليك في هذه البداية ، سهلت الأسانيد ، فمفتاح هذا هو المخرج .(1/24)
وقد سبق لنا في الحديث الأول ، مخرج واحد ، فما كان هناك صعوبة ، لكن هنا لما اختلفت الأسانيد كان فيه صعوبة ، فكيف نختصر هذه الأسانيد ؟ هنا الإشكال وهنا المحكّ ، كيف تبدأ تقول : رواه فلان واختلف عليه ، هنا يسمونه مفتاح الباب ، وبإمكانك في البداية أن ترجع إلى الألباني أو الدارقطني ، وتجد المفتاح ، يقولون مثلاً : رواه فلان واختلف عليه
فهذا هو أهم شيء في الموضوع
سؤال / إذا ورد نفس الحديث بإسناد آخر ، فما الحكم ؟
هذا سؤال مهم جداً ، وهذا ما هو تعريفه الذي أخذناه في البيقونية ؟
الجواب : « شاذّ » ، لكن احترز فأحياناً هشام بن حسّان نفسه مثلاً : رواه عن حفصة عن الرباب عن أنس ، فهل هذا حديث آخر ؟
لا ، ونقول واختلف عليه أي على هشام بن حسّان ، ولنفترض أن إسماعيل بن عليّة ، هو الراوي عن هشام بذكر أنس .
فنقول : اختلف عليه ، فرواه فلان وفلان عن هشام عن حفصة عن الرباب عن سلمان .
ورواه : فلان وفلان عن هشام عن حفصة عن سلمان ، بدون ذكر الرباب .
ثم نقول : ورواه فلان عن هشام عن حفصة عن أنس .
فصار هذا اختلافاً ، وليس حديثاً آخر ، فهذا مهم جداً ، فهو ليس شاهداً ، فانتبه !!
فإذا كرره الواحد فمباشرة قل : هذا إسناد غلط ؛ لأن المحفوظ عن حفصة عن سلمان ، ومن المخطئ ؟ هو تلاميذ هشام ، فهذا واضح بأنك تحكم عليه بالخطأ ، وأنه غير محفوظ ، وأنه شاذ ، وأنه باطل . إذا لم يتابع من الثقات يجعله من مسند أنس
فأولاً : لا بد أن أستخرج المحفوظ في الإسناد ثم أحكم على الحديث
ولهذا أحياناً تجد في " العلل " لابن أبي حاتم مثل هذا ، يبحث ما هو المحفوظ من الأسانيد ، ولو بحثت أنت كل الأسانيد لوجدتها ضعيفة ، لكن لا بد أن يبحثوا ما هو الإسناد المحفوظ ثم يحكمون عليه .(1/25)
هذا ما تيسر إيراده في هذه الدورة المباركة وكما سبق لم يقصد في هذه الدورة الحكم على حديث معين وإنما قصدنا تبيين الطريقة الصحيحة لتخريج الحديث والحكم عليه فلم نستوعب المصادر لتخريج حديث عائشة ولا حديث سلمان كذلك وإنما القصد هو بيان طريقة جمع الأسانيد
وأسأل الله أن يكون ذلك نافعا وميسرا للمبتدئين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين(1/26)