كتاب المدخل إلى الإكليل
تأليف
الإمام أبي عبد الله محمد بن عبدالله الحافظ البيِّع الحاكم النيسابوري
المتوفى سنة 405 هـ رحمه الله تعالى
ملتقى أهل الحديث
http://www.ahlalhdeeth.com
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الحاكم أبو عبدالله محمد بن عبدالله الحافظ البيِّع رحمه الله :
الحمد لله الذي علمني ما لم أعلم وكان فضل الله عليَّ كبيرا وصلى الله على الطاهرين محمد وآله أجمعين وسلم تسليما .
أخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمد العبيدي حدثنا عثمان بن سعيد الدارمي حدثنا يزيد بن موهب حدثنا حمزة بن ربيعة عن أبي شودين عن مطر الوراق في قوله تعالى ( أو أثارة من علم ) قال إسناد الحديث .
حدثني أبو علي الحسين بن علي الحافظ حدثنا أبو عبد الله بن أبي عون الهذلي حدثنا أحمد بن الحسين الترمذي حدثنا عمرو بن عاصم عن أبي بكر الهذلي قال قال : الزهري : يا هذلي أيعجبك الحديث ؟ قلت : نعم ، قال : أما إنه يعجب ذكور الرجال ويكرهه مؤنثهم .
سمعت الزبير بن عبدالواحد محمد بن عبالله بن سليمان بن العطان حدثنا سعيد بن عمرو بن أبي سلمة حدثنا أبي سمعت مالك بن أنس يقول في قوله تعالى ( وإنه لذكر لك ولقومك ) قال : قول الرجل أخبرني أبي عن جدي .
سمعت أبا العباس محمد بن يعقوب سمعت الربيع بن سليمان سعت الشافعي يقول : مثل الذي يطلب العلم بلا حجة مثل حاطب ليل يجمع حزمة حطب فيها أفعى يلدغه وهو لا يدري ، قال غيره عن الربيع : الذي يطلب العلم بلا إسناد .
حدثني أبو القاسم الحسن بن إسحاق الدغيم بمرو حدثني أحمد بن الخضر الخزاعي حدثنا عبد الله بن بشر حدثنا محمد بن عمرو حدثنا بقية عن عبدالرحمن بن خالد عن سفيان الثوري قال : أكثروا من الأحاديث فإنها سلاح .(1/1)
أخبرني عبد الله بن محمد الكعبي حدثنا إسماعيل بن قتيبة حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا إسحاق بن منصور عن هزيم بن سفيان عن مطرف عن سوادة بن أبي الجعد عن أبي جعفر وهو محمد بن على الباقر قال : من فقه الرجل بصره بالحديث أو فطنته للحديث .
حدثني محمد بن نصر العدل حدثنا إبراهيم بن المولد حدثنا أحمد بن مروان المكي حدثنا محمد بن إسماعيل بن سالم حدثنا الحميدي سمعت سفيان بن عيينة يقول : ما من أحد يطلب الحديث إلا وفي وجهه نضرة لقول النبي صلى الله عليه وسلم ( نضر الله امرءاً سمع منا حديثا فبلَّغَه .
أخبرنا محمد بن يعقوب المقري حدثنا أبو العباس محمد بن عبدالرحمن الفقيه حدثنا الحسين بن الفرح حدثنا عبد الصمد بن حسان سمعت سفيان الثوري يقول : الاسناد سلاح المؤمن فإذا لم يكن معه سلاح فبأي شيء يقاتل .
سمعت أبا العباس محمد بن يعقوب سمعت العباس بن محمد الدوري سمعت قراد أبا نوح سمعت شعبة يقول : كل علم ليس فيه حدثنا أو أخبرنا فهو خلٌّ وبقل ٌ .
سمعت أبا الوليد حسان بن محمد الفقيه سمعت الحسين بن سفيان سمعت صالح بن حاتم بن وردان سمعت يزيد بن زريع يقول : لكل دين فرسان ، وفرسان هذا الدين أصحاب الأسانيد .
سمعت أبا زكريا العنبري حدثنا محمد بن إسحاق بن إبراهيم الحنظلي قال : كان لأبي يحكي عن عبد الرحمن بن مهدي أنه كان يقول : ماذا روينا في الثواب والعقاب وفضائل الأعمال تساهلنا في الاسناد وسمحنا في الرجال ، وإذا روينا الحلال والحرام والاحكام تشددنا في الاسانيد وانتقدنا الرجال .
سمعت أبا زكريا يحيى بن محمد العنبري سمعت أبا العباس أحمد بن محمد السجزي النوفلي سمعت أحمد بن حنبل ] يقول [ : إذا روينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحلال والحرام والسنن والاحكام تشددنا وإذا روينا عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضائل الاعمال وما لايضع حكما ولا يرفعه تساهلنا .(1/2)
قال الحاكم رحمه الله وهذه المسانيد التي صنفت في الاسلام روايات الصحابة رضي الله عنهم أجمعين مشتملة على رواية المعدلين من الرواة وغيرهم من المجروحين ، كمسند عبيدالله بن موسى ، وأبي داود سليمان بن داود الطيالسي ، وهما أول من صنف المسند على تراجم الرجال في الاسلام ، وبعدهما أحمد بن حنبل وإسماعيل بن إبرهيم الحنظلي ، وأبو خيثمة زهير بن حرب وعبيدالله بن موسى القوادسي ، ثم كثرت المسانيد المخرجة على تراجم الرجال كلها غير مميزة بين الصحيح والسقيم .
وأول من صنف الصحيح أبوعبد الله محمد بن إسماعيل البخاري ثم أبو الحسين مسلم بن الحجاج النيسابوري ، وإنما صنفاه على الأبواب لا على التراجم ، والفرق بين الابواب والتراجم أن التراجم شرطها أن يقول المصنف : ذكر ما ورد عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم يترجم على هذا المسند فيقول : ذكر ما روي عن قيس بن حازم عن أبي بكر الصديق فحينئذ يلزمه أن يخرج كل ما روى قيس بن حازم عن أبي بكر صحيحا كان أو سقيما .
فأما المصنف على الأبواب فإنه يقول : ذكر ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أبواب الطهارة أو الصلاة أو غير ذلك العبادات .
ولعل قائلا يقول : وما الغرض في تخريج ما لا يصح ويعدل رواته ؟ الجواب عن ذلك عن أوجه وهي : أن الجرح والتعديل يختلف فيهما وربما عدّل إمام وجرح غيره ، وكذلك الإرسال يختلف فمن الأئمة الماضين كانوا يحدثون عن الثقات وغيرهم فإذا سئلوا عنهم بينوا أحوالهم .
وهذا مالك بن أنس إمام أهل الحجاز بلا مدافعة روى عن عبدالكريم بن أمية الضمري وغيره ممن تكلموا فيهم ، ثم أبو عبدالله محمد بن إدريس الشافعي وهو الإمام للأهل الحجاز بعد مالك روى عن إبراهيم بن محمد بن يحيى الأسلمي وأبي داود سليمان بن عمر والنخعي وغيرهما من المجروحين .(1/3)
وهذا أبو حنيفة روى عن جابر بن يزيد الجعفي وأبي العطوف الجراح بن منهال الجزري وغيرهما من المجروحين ، ثم بعده أبو يوسف يعقوب بن يوسف بن إبراهيم القاضي ومحمد بن الحسن الشيباني حدثا جميعا عن الحسن بن عمارة وعبدالله بن محرر وغيرهما من المجروحين ، وكذلك من بعدهما من أئمة المسلمين قرنا بعد قرن وعصرا بعد عصر إلى عصرنا هذا لم يخل حديث إمام من أئمة الفريقين عن مطعون فيه من المحدثين رضي الله عنهم .
وللأئمة في ذلك غرض ظاهر وهو أن يعرفوا الحديث من أين مخرجه والمنفرد به عدل أو مجروح .
سمعت أبا العباس الأرموي سمعت العباس بن محمد الدوري سمعت يحيى بن معين يقول : لو لم نكتب الحديث من ثلاثين وجها ما عقلناه .
أخبرنا أبو عمران موسى بن الحنظلي الحافظ بهمذان حدثنا محمد بن إسحاق القاضي بالدينور سمعت سمعت أبا بكر الأثرم يقول : رأى أحمد بن حنبل يحيى بن معين بصنعاء في زاوية وهو يكتب صحيفة معمر عن أبان عن أنس فإذا اطّلع عليه إنسان كتمه ، فقال له أحمد : تكتب صحيفة معمر عن أبان عن أنس وتعلم أنها موضوعة فلو قال لك قائل : أنت تتكلم في أبان ثم تكتب حديثه على الوجه . فقال : رحمك الله يا أبا عبدالله أكتُبُ هذه الصحيفة عن عبدالرزاق عن معمر على الوجه فأحفظها كلّها وأعلم أنها موضوعة حتى لا يجيء بعده إنسان فيجعل بدل أبان ٍ ثابتاً ويرويها عن معمر عن ثابت عن أنس فأقول له كذبت إنما هي عن معمر عن أبان عن ثابت .
حدثنا دعلج بن أحمد ببغداد حدثنا أحمد بن علي ألأبار قال : قال يحيى بن معين كتبنا عن الكذابين وسجرنا به التنور وأخجنا به خبزا ناضجا .
قال الحاكم رحمه الله وأهل الحجاز والعراق والشام يشهدون لأهل خراسان بالتقدم في معرفة الصحيح لسبق الإمامين البخاري وأبي الحسين وتفردهما بهذا النوع من العلم جزاهما الله عن الاسلام خيرا .(1/4)
وقد صنفت على كتاب كل واحد منهما كتابا وعرّفت شرط كل واحد منهما في الصحيح والسقيم مما اتفقا عليه واختلفا فيه وأنا مبين من ذلك ما فيه البلغة .
ذكر معرفة الصحيح
قال الحاكم رحمه الله : والصحيح من الحديث منقسم على عشرة أقسام خمسة منها متفق عليها وخمسة مختلف فيها :
( فالقسم الاول من المتفق عليها )
اختيار البخاري ومسلم وهو الدرجة الأولى من الصحيح ، ومثله الحديث الذي يرويه الصحابي المشهور بالرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وله راويان ثقتان ، ثم يرويه التابعي المشهور بالرواية عن الصحابة وله راويان ثقتان ، ثم يرويه عن أتباع التابعين الحافظ المتقن المشهور وله رواة من الطبقة الرابعة ثم يكون شيخ البخاري أو مسلم حافظا مشهورا بالعدالة في روايته فهذه الدرجة الأولي من الصحيح .
والأحاديث المروية على هذه الشريطة لا يبلغ عددها عشرة آلاف حديث
وقد أورد مسلم بن الحجاج أن يخرج الصحيح على ثلاثة أقسام في الرواة فلما فرغ من هذا القسم الاول ادركته المنية وهو في حد الكهولة رحمه الله فكيف يجوز أن يقال إن حديثه لا يبلغ عشرة آلاف حديث .
وقد روي عنه صلى الله عليه وسلم من الصحابة أربعة آلاف رجل وامرأة صحبوه نيفا وعشرين سنة بمكة قبل الهجرة ثم بالمدينة بعد الهجرة حفظوا عنه أقواله وأفعاله ونومه ويقضته وحركاته وسكونه وقيامه وقعوده واجتهاده وعبادته وسيرته وسراياه ومغازيه ومزاحه وزجره وخطبته وأكله وشربه ومشيه وسكوته وملاعبته أهله وتأديبه فرسه وكتبه إلى المسلمين والمشركين وعهوده ومواثيقه والحاظه وأنفاسه وصفاته ، هذا سوى ما حفظوا عنه من أحكام الشريعة وما سألوا عن العبادات والحلال والحرام وتحاكموا فيه إليه .(1/5)
وقد نقل إلينا أنه صلى الله عليه وسلم كان يسير العنق فإذا وجد فجوة نص ، وأنه صلى الله عليه وسلم مشى على زميل له ، وأنه صلى الله عليه وسلم مازح صبيا فقال : يا أبا عمير ما فعل النغير ، ومازح عجوزا فقال : إن الجنة لا يدخلها عجوز ، وأنه صلى الله عليه وسلم يرفع الحسن بن على رضي الله عنه برجليه فيقول : خزّقه ترقّ عين بقة ، وأنه صلى الله عليه وسلم يغط إذا نام ، وأنه صلى الله عليه وسلم شرب وهو قائم ، وأنه صلى الله عليه وسلم بال قائما من جرح بمأبضه في أخبار كثيرة من هذا النوع يطول شرحه .
وهؤلاء الصحابة الراوون في الصفوف أو تبدوا ولم يظهر له رواية ولا حديث وأنه صلى الله عليه وسلم وقف عام الفتح بمكة وبين يديه خمسة عشر ألف عنان .
وقد كان من الحفاظ من حفظ خمسمائة ألف حديث
سمعت أبا جعفر محمد بن أحمد الرازي سمعت أبا عبدالله محمد بن مسلم ابن وارة يقول : كنت عند إسحاق بن إبراهيم بنيسابور فقال رجل من أهل العراق سمعت أحمد بن حنبل صح من الحديث سبعمائة ألف حديث .
سمعت أبا بكر محمد بن جعفر المزكى سمعت محمد بن إسحاتق بن راهوية يملي سبعين ألف حديث حفظا .
سمعت أب بكر بن أبي دارم : كتبت بأصابعي عن أبي جعفر الحضرمي مطين مائة ألف حديث .
سمعت أبا إسحاق محمد بن يحيى سمعت محمد بن المسيب يقول : كنت أمشي بمصر وفي كمي مائة جزء وفي كل جزء ألف حديث . وقال : كلن في عصرنا جماعة بلغ المسند المصنف على تراجم الرجال لكل واحد منهم ألف جزء ، منهم أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن حمزة الأصفهاني وأبو علي الحسين بن محمد بن أحمد الماسرجسي .
( القسم الثاني من الصحيح )
الحديث الصحيح بنقل العدل عن العدل رواه الثقات الحافظون إلى إلى الصحابي وليس لهذا الصحابي إلا راو واحد .(1/6)
ومثله حديث عروة بن مضرس الطائي أنه قال : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بالمزدلفة فقلت : يارسول الله أتيتك من جبلي طي أتعبت نفسي وأكللت مطيتي ووالله ما تركت من جبل إلا وقد وقفت عليه فهل لي من حج فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلى معنا هذه الصلاة ، وقد أتى عرفة قبل ذلك بيوم أو ليلة فقد تم حجه وقضى تفثه .
قال الحاكم : وهذا حديث من أصول الشريعة مقبول متداول بين الفقهاء للفريقين ورواته كلهم ثقات ولم يخرجه البخاري ولا مسلم في الصحيحين إذ ليس له رواة عن عروة بن مضرس غير الشعبي ، وسوى هذا كثير في الصحابة كعمير بن قتادة الليثي ليس له راو غير ابنه عبيد ، وأبو ليلى الأنصاري ليس له راو غير ابنه عبدالرحمن ، وقيس بن أبي غرزة الغفاري على كثرة روايته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس له راو غير أبي وائل شقيق بن سلمة وأبو وائل من أجلة التابعين بالكوفة أدرك عمر وعثمان وعليا فمن بعدهم من الصحابة رضي الله عنهم ، وأسامة بن شريك وقطبة بن مالك على اشتهارهما في الصحابة ليس لهما راو غير زياد بن علاقة وهو من كبار التابعين ، ومرداس بن مالك الأسلمي والمستورد بن شداد الفهري ودكين بن سعيد المزني كلهم من الصحابة وليس لهم راو غير قيس بن أبي حازم وهو من كبار التابعين أدرك أبا بكر وعمر وعثمان وعليا رضي الله عنهم وولد في زمن النبي صلى الله عليه وسلم .
والشواهد كما ذكرناه كثيرة ولم يخرج البخاري ومسلم هذا النوع من الحديث في الصحيح ، والأحاديث متداولة بين الفريقين نحتج بها بهذه الأسانيد التي ذكرناها .
( والقسم الثالث من الصحيح )(1/7)
أخبار جماعة من التابعين عن الصحابة والتابعون ثقات إلا أنه ليس لكل واحد منهم إلا الراوي الواحد مثل محمود بن حنين وعبد الرحمن بن فروخ وعبد الرحمن بن سعيد وزياد بن الجرد وغيرهم ليس لهم راو غير عمرو بن دينار وهو إمام أهل مكة وكذلك الزهري تفرد بالرواية عن جماعة من التابعين منهم عمرو بن أبان بن عثمان ومحمد بن عروة بن الزبير وعقبة بن سويد الأنصاري وسنان بن أبي سنان الدؤلي وغيرهم .
وقد تفرد يحيى بن سعيد الأنصاري عن جماعة من التابعين بالرواية منهم يوسف بن مسعود الزرقي وعبد الله بن أنيس الأنصاري وعبد الرحمن بن مغيرة وليس في الصحيح من هذه الروايات شيء وكلها صحيحة بنقل العدل عن العدل متداولة بين الفريقين محتج بها .
( والقسم الرابع من الصحيح )
هذه الأحاديث الأفراد الغرائب التي يرويها الثقات العدول تفرد بها ثقة من الثقات وليس لها طرق مخرجة في الكتب مثل حديث العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا انتصف شعبان فلا تصوموا حتى يجيء رمضان ) ، وقد خرج مسلم أحاديث العلاء أكثرها في الصحيح وترك هذا وأشباهه مما تفرد به العلاء عن أبيه عن أبي هريرة ، وكذلك حديث أيمن بن نابل المكي ‘ن أبي الزبير عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في التشهد ( بسم الله وبالله ) ، وأيمن بن نابل ثقة مخرج حديثه في صحيح البخاري ولم يخرج هذا الحديث إذ ليس له متابع من أبي الزبير من وجه صحيح ، وكذلك حديث أبي زكريا يحيى بن محمد بن قيس وهو ثقة مخرج حديثه في كتاب السلم عن هشام عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( كلوا البلح بالتمر فإن الشيطان إذا رآه غضب وقال : عاش ابن آدم حتى أكل الخلق بالجديد ) وسوى هذا القسم كثيرة كلها صحيحة الاسناد غير مخرجة في الكتابين نستدل بالقليل الذي ذكرناه على الكثير الذي تركناه .
((1/8)
والقسم الخامس من الصحيح )
أحاديث جماعة من الأئمة عن آبائهم عن أجدادهم ولم يتواتر الرواية عن آبائهم وأجدادهم إلا عنهم كصحيفة عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ، وبهز بن حكيم ومعاوية بن حيدة القسيري جده وجد عمرو بن شعيب عبد الله بن عمرو بن العاص السهمي وجده إياس بن قرة بن عبدالله المزني جماعتهم صحابيون وأجدادهم ثقات وأحفادهم أيضا ثقات والأحاديث على كثرتها محتج بها في كتب العلماء .
قال الحاكم : فهذه الاقسام مخرجة في كتب الأئمة الخمسة محتج بها وإن لم يخرج في الصحيحين منها حديث لما بيناه في كل قسم .
( وأما القسم المختلف في صحتها )
(فالأول منها المراسيل )
وهو قول الإمام التابعي أو تابع التابعي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وبينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم قرن أو قرنان ولا يذكر سماعاه من الذي سمعه فيه :
? فهذه الأحاديث صحيحة عند جماعة أئمة أهل الكوفة كإبراهيم بن يزيد النخعي وحماد بن ] أبي[ سليمان وأبي حنيفة النعمان بن ثابت وأبي يوسف يعقوب بن إبراهيم القاضي ومحمد بن الحسن ومن بعدهم من أئمتهم يحتج بها عند جماعتهم .
? ومنهم من قال إنه أصح من المتصل المسند فإن التابعي إذا روى الحديث من الذي سمعه منه أحال الرواية عليه ، وإذا قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه لا يقوله إلا بعد اجتهاده في معرفة صحته
? والمراسيل واهية عند جماعة أهل الحديث من فقهاء الحجاز غير محتج بها وهو قول سعيد بن المسيب ومحمد بن مسلم الزهري ومالك بن أنس الأصبحي وعبد الرحمن الأوزاعي ومحمد بن إدريس الشافعي وأحمد بن حنبل ومن بعدهم من فقهاء المدينة وحجتهم فيه كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، وهو قوله تعالى ( فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ) الآية فقرن الله تعالى الرواية بالسماع من نبيه صلى الله عليه وسلم في خطب ذوات عدد ( نضر الله امراء سمع مقالتي فوعاها حتى يؤديها إلى من يسمعها )(1/9)
حدثنا أبو الحسن أحمد بن عثمان بن يحيى الآدمي ببغداد حدثنا العباس بن محمد الدروي حدثنا محمد بن عمران بن أبي ليلى حدثنا ابن أبي ليلى عن أخيه عبد الرحمن بن ثابت بن قيس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( تسمعون ويسمع منكم ويسمع من الذين يسمعون من الذين سمعوا منكم ثم يأتي بعد ذلك قوم سمان يحبون السمن ويشهدون قبل أن يسئلوا )
حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب حدثنا محمد بن عبد الله الحاكم حدثنا ابن وهب أخبرني مسلمة بن علي عن يزيد بن واقد عن حزام ابن حكيم قال سمعت أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( حدثوا عني كما سمعتم )
حدثنا علي بن ممشاذ قال سمعت محمد بن شاذان سمعت أحمد بن سعيد بن صخر سمعت أبا إسحاق الطالقاني سمعت ابن المبارك ، قلت الحديث الذي يروى من صلى على أبويه فقال : من رواه ؟ قلت : شهاب بن خراش قال : ثقة ، قلت عن الحجاج بن دينار ، فقال : ثقة عمن ، فقلت عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إن بين الحجاج بن دينار وبين النبي صلى الله عليه وسلم مفازة تنقطع فيها أعناق الإبل .
( والقسم الثاني من الصحيح المختلف في صحته )
روايات المدلسين إذا لم يذكروا سماعهم في الرواية فإنها صحيحة عند جماعة من قدمنا ذكرهم من أئمة أهل المدينة(1/10)
ومعنى التدليس : أن يقول سفيان بن عيينة وهو إمام من أئمة أهل مكة ، قال الزهري : حدثني سعيد بن المسيب ويقول قال عمرو بن دينار سمعت جابرا وسفيان بن عيينة مشهور سماعه منهما جميعا إلا أنه لم يذكر السماع في هذه الرواية وقد عرف أنه يدلس فيما يفوته سماعه ، كما حدثناه أبو طاهر محمد بن أحمد الكرابيسي حدثنا محمد بن إبراهيم المروزي حدثنا علي بن خشرم قال : كنا عند سفيان بن عيينة في مجلسه فقال : قال الزهري ، فقيل له : حدثكم الزهري فسكت ، ثم قال : قال الزهري ، فقيل له سمعته من الزهري ، فقال : لا لم أسمعه من الزهري ولا ممن سمعه من الزهري ، حدثني عبد الرزاق عن معمر عن الزهري .
وكذلك قتادة بن دعامة وهو إمام أهل البصرة إذا قال : قال أنس أو قال الحسن وهو مشهور بالتدليس عنهما .
أخبرني أحمد بن محمد العنبري حدثنا عثمان بن سعيد الدارمي حدثنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال : سمعت شعبة يقول : كنت أنظر إلى فم قتادة فإذا قال حدثنا كتبت وإذا لم يقل لم أكتب .
فأما أهل الكوفة فمنهم من دلس ومنهم من لم يدلس وقد دلّس أكثرهم ، والمدلسون منهم : حماد بن أبي سليمان وإسماعيل بن أبي خالد وغيرهما .
فأما الطبقة الثانية مثل أبي أسامة حماد بن أسامة وأبي معاوية محمد بن خازم الضرير وغيرهما فإن أكثرهم لم يدلسوا .
سمعت أبابكر محمد بن داود بن سليمان الزاهد سمعت أحمد بن سلمة سمعت أبا عبيدة بن أبي سفيان يقول : كنا عند أبي سلمة فقال : قال يحيى بن سعيد ، فقال له رجل : أذكر الخبر ، فقال : أتروني أني أدلس لكم والله لأن أعفى عن مجلسي هذا أحب إليَّ من مائة ألف حديث ، حدثني يحيى بن سعيد بن قيس الأنصاري عن سعيد بن المسيب بن حزن القرشي .
وأخبار المدلسين كثيرة وضبط الأئمة عنهم ما لم يدلسوا ، وما لم يدلسوا ظاهر في الأخبار .
( القسم الثالث من الصحيح المختلف فيه )(1/11)
خبر يرويه ثقة من الثقات عن إمام من أئمة المسلمين فيسنده ثم يرويه جماعة من الثقات فيرسلونه .
ومثال ذلك حديث سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( من سمع النداء فلم يجب فلا صلاة له إلا من عذر ) هكذا رواه عدي بن ثابت عن سعيد بن جبير وهو ثقة وقد وافقه سائر أصحاب سعيد بن جبير عنه ، وهذا قسم مما يكثر ويستدل بهذا المثال على جملة من الأخبار المروية هكذا .
هذه الأخبار صحيحة على مذهب الفقهاء فإن القول عندهم قول من زاد في متن الاسناد إذا كان ثقة .
فأما أئمة الحديث فإن القول فيها عندهم قول الجمهور الذين أرسلوه لما يخشى من الوهم على هذا الواحد لقوله صلى الله عليه وسلم ( الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد ) .
( القسم الرابع من الصحيح المختلف فيه )
روايت محدث لا يعرف ما يحدث به ولا يحفظه كأكثر محدثي زماننا فإن هذا القسم يحتج به عند أكثر أهل الحديث ، وأما مالك وأبو حنيفة رحمهما الله فلا يريان الحجة به .
أما الرواية فيه عن أبي حنيفة
فحدثناه أبو أحمد محمد بن أحمد بن شعيب العدل حدثنا أسد بن نوح الفقيه حدثنا أبو عبد الله محمد بن مسلمة عن بشر بن الوليد عن أبي يوسف عن أبي حنيفة أنه قال : لا يحل للرجل أن يروي الحديث إلا إذا سمعه من فم المحدث فيحفظه ثم يحدث به .
وأما الرواية عن مالك
فحدثناه أبو عبد الله الحسين بن الحسن بن أيوب حدثنا أبو حاتم الرازي جدثنا إبراهيم بن المنذر الحزامي حدثنا معن بن عيسى قال سمعت مالك بن أنس يقول : لا يؤخذ العلم ممن لا يعرف ما يحدث به ، قال مالك : ولقد أدركت بهذه المدينة أقواما لهم فضل وصلاح ما أحدث عن واحد منهم حرفا ، قيل : ولم يا أبا عبد الله ؟ قال : لأنهم كانوا لا يعرفون ما يحدثون .
( والقسم الخامس من الصحيح المختلف فيه )
روايات المبتدعة وأصحاب الاهواء فإن رواياتهم عند أكثر أهل الحديث مقبولة إذا كانوا فيها صادقين .(1/12)
فقد حدث محمد بن إسماعيل البخاري في الجامع الصحيح عن عباد بن يعقوب الروانجي ، وكان أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة يقول : حدثنا الصدوق في روايته المتهم في دينه عباد بن يعقوب ، وقد احتج البخاري أيضا في الصحيح بمحمد بن زياد الألهاني وجرير بن عثمان الرحبي وهما مما اشتهر عنهما النصب ، واتفق البخاري ومسلم على الاحتجاج بأبي نعاوية محمد بن خازم وعبيد الله بن موسى وقد اشتهر عنهما الغلو وإنما جعل هؤلاء مثالا للأخرين .
فأما مالك بن أنس فإنه يقول :
لا يؤخذ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم من صاحب هوى يدعو الناس إلى هواه ولا من كذاب يكذب في حديث الناس وإن كنت لا تتهمه أن يكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وقد ذكرنا وجوه صحة الأحاديث على عشرة أنواع على اختلاف بين أهل فيه لئلا يتوهم متوهم أنه ليس يصح من الحديث إلا ما أخرجه البخاري ومسلم ، فإنا نظرنا وتأملنا ووجدنا البخاري قد جمع كتابا في التاريخ على أسامي من روى عنهم الحديث من زمان الصحابة إلى سنة خمس ومائتين فبلغ عددهم قريبا من أربعين ألف رجل وامرأة المخرج منهم في الصحيحين للبخاري ومسلم ، وقد جمعت أنا أساميهم وما أختلفا فيه فاحتج به ألاخر فلم يبلغوا ألفي رجل وارأة ثم جمعت من ظهر جرحه من جملة الاربعين ألف فبلغوا مائتين وستة وعشرين رجلا .
فليعلم طالب العلم أن أكثر الرواة للأخبار ثقات وأن الدرجة الأولى منهم محتج بهم في الكتابين وأن سائرهم أكثرهم ثقات ، وإنما سقط أساميهم من الكتابين الصحيحين للوجوه التي قدمنا ذكرها لا يخرج منهم .
وأنا ذاكر بمشيئة الله وحسن توفيقه سبب الجرح وما يوهم أنه جرح وليس بجرح ليوقف على حقيقة الحال .
ذكر أنواع الجرح وصفته وطبفات المجروحين
( فأول أنواعه )
وضع الحديث على رسول الله صلى الله عليه وسلم
وقد صحت عنه الرواية ( من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار )(1/13)
حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب حدثنا العباس بن الوليد بن مزيد البيروتي حدثني أبي عن ألوزاعي حدثني حسان بن عطية عن أبي كبشة عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( بلغوا عني ولو آية وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج وحدثوا عني ولا تكذبوا علي فمن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ) .
فممن ارتكب هذه الكبيرة جماعة فمنهم :
? قوم من الزنادقة
مثل المغيرة بن سعيد الكوفي وأبي عبد الرحيم الكوفي ومحمد بن سعيد الشامي المصلوب في الزندقة تشبهوا بالعلماء فوضعوا الحديث وحدثوا به ليوقعوا قلوبه الشك ، ففما روى محمد بن سعيد المصلوب عن حميد عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( أنا خاتم النبيين لا نبي بعدي إلا أن يشاء الله ) فوضع هذا الاشتثناء لما كان يدعوا إليه من الإلحاد والزندقة والدعوة للمتنبي ( هكذا ولعله التنبي )
أخبرني أبو الحسن محمد بن يعقوب الحافظ حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد السلام حدثنا أحمد بن سليمان الرهاوي حدثنا أبو النعيم حدثنا حماد عن ابن عون قال : قال إبراهيم النخعي : إياكم والمغيرة بن سعيد وأباعبد الرحيم فإنهما يكذبان .
قال محمد بن عبد الله البيروتي سمعت جغفر بن أبان الحافظ يمعت نميرا يقول : نمير بن سعيد هذا كان شاعرا مشعبذا وكان أبو عبد الرحيم زنديقا قتلهما خالد بن عبد الله القسري وأحرقهما بالنار .
سمعت أبا العباس السياري سمعقت عبدان ذكر عبد الله بن المبارك هذا عند ذكر الزنادقة وما يضعون من الأحاديث .
? ومنهم قوم وضعوا لهواهم ليدعوا الناس إليه
أخبرنا أبو علي الحسين بن علي الحافظ حدثنا أحمد بن علي المثنى حدثنا هارون بن معروف حدثنا سفيان بن عيينة عن هشام بن مجبر عن طاووس عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : إنا كنا نحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذالم يكذب عليه فلما ركب الناس الصعب والذلول تركن الحديث عنه .(1/14)
ومن هذه الطبقة جماعة منهم من أقر على نفسه بذلك ، سمعت أبا الوليد حسان بن محمد الفقيه حدثنا الحسن بن سفيان حدثنا أبو نعيم الحلبي حدثنا عبد الله بن لهيعة قال : سمعت شيخا من الخوارج تاب أو رجع وهو يقول بأن هذه الأحاديث دين فانظروا عمن تأخذون دينكم فإنا كنا إذا هوينا أمرا صيرناه حديثا .
سمعت عبد العزيز بن عبد الملك الأبري سمعت إسماعيل بن محمد النحوي سمعت المحاملي سمعت أبا العيناء يقول : أنا والجاحظ وضعنا حديث فدك وأدخلناه على الشيوخ ببغداد فقبلوه إلا ابن أبي شيبة العلوي فإنه قال : لا يشبه آخر هذا الحديث أوله فأبى أن يقبله وكان أبو العيناء يحدث بهذا بعدما تاب .
أخبرني إسماعيل بن أحمد الجرجاني حدثنا أبو نعيم حدثنا عمار بن رجاء عن سليمان بن حرب قال : دخلت على الشيخ وهو يبكي فقلت له وما يبكيك ؟ وضعت أربعمائة حديث ووضعتها في برنامج الناس فلا أدري كيف أصنع .
? ومنهم جماعة وضعوا الحديث حسبة كما زعموا يدعن الناس إلى فضائل الأعمال
مثل أبي عصمة نوح بن أبي مريم المروزي ومحمد بن عكاشة الكرماني وأحمد بن عبد الله الجوباري ومحمد بن القاسم الطايكاني ومأمون بن عبد الله الهروي وغيرهم .
سمعت محمد بن أحمد بن بالويه حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثنا عبيد الله بن عمر القواريري سمعت يحيى بن سعيد يقول : ما رأيت الكذب في أحد أكثر منه فيمن نسب إلى خير .
وحدثنا دعلج بن أحمد السجزي ببغداد حدثنا أحمد بن علي الأبار حدثنا الوليد بن شجاع الأشجعي سمعت سفيان بن عيينة يقول : إن همَّ الرجل أن يكذب في الحديث وهو في جوف بيت الله أظهر الله عليه .(1/15)
حدثنا الزبير بن عبد الواحد الحافظ بأسد أباد حدثنا محمد بن الحسن بن قتيبة حدثنا محمد بن المتوكل حدثنا يحيى بن سليمان حدثنا عبيد الله بن عمر قال: قال ابن سيرين : إن الرجل ليحدثني بالحديث فما أتهمه ولكن أتهم من حدثه ، وإن الرجل ليحدثني بالحديث فما أتهم من حدثه ولكن أتهم هو .
سمعت محمد بن يونس المقري قال سمعت جعفر بن أحمد بن نصر سمعت أبا عمارة المروزي يقول : قيل لأبي عصمة من أين لك عن عكرمة عن ابن عباس في فضائل القرآن سورة سورة وليس عند أصحاب عكرمة هذا ، قال : إني رأيت الناس قد أعرضوا عن القرآن واشتغلوا بفقه أبي حنيفة ومغازي محمد بن إسحاق فوضعت هذا الحدجيث حسبة .
? ومنهم جماعة وضعوا الحديث للملوك في الوقت مما تقربوا به إليهم
حدثنا أبو أحمد علي بن محمد المروزي حدثنا أحمد بن كبير البغدادي مولى بني هاشم سمعت داود بن رشيد يقول : دخل إبراهيم بن غياث بن إبراهيم على المهدي وكان يعجبه الحمام الطيارة التي تجيء من الأماكن البعيدة فروى حديثا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا سبق إلا في خف أو حافر أو نصل أو جناح ) قال : فأمر له بعشرة آلاف درهم فلما قام وخرج قال : أشهد أن قفا هذا قفا كذاب على النبي صلى الله عليه وسلم والله ما قال صلى الله عليه وسلم جناح ولكن أراد هذا أن يتقرب إلينا يا غلام اذبح الحمام فذبح الحمام في الحال .
حدثني أحمد بن محمد بن وكيع حدثني داود بن سليمان القطان حدثنا عبد اللخ بن عبد الرحمن السمرقندي حدثنا هارون بن أبي عبد الله عن أبيه قال : قال ابن المديني : ألا ترى ما يقول لي هذا يعني مقاتل ، قال : إن شئت وضعت لك أحاديث في القياس ، قال : قلت لا حاجة لي فيها .
ومن هذه الطبقة ميسرة بن عبد ربه وزياد بن ميمون وأبو البحتري وهب وعمر القاضي وأبو داود سليمان بن عمرو النخعي وإسحاق بن يحيى الملطي والحسين بن علوان وغيرهم ممن يطول ذكرهم في هذا الموضع .(1/16)
? ومنهم جماعة وضعوا الحديث في الوقت لحاجتهم إليه
حدثني أبو بكر محمد بن المؤمل بن الحسن بن عيسى حدثن الفضل بن محمد الشعراني حدثنا إبراهيم بن عبد الله الجنيد حدثنا عبيد بن إسحاق القيسي الكوفي حدثنا سيف بن عمر التميمي قال : كنت عند سعد بن طريف فجاء ابنه من الكتاب فقال : ما لك َ؟ قال : ضربني المعلم /،فقال لأجزينهم اليوم ، حدثني عكرمة عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( معلمو صبيانكم شراركم أقلهم رحمة لليتيم وأغلضهم على المسكين )
وقيل لمأمون بن عبد الله بن أحمد الهروي ألا ترى إلى الشافعي وإلى من تبع له بخراسان ، فقال : حدثنا أحمد بن عبد الله بن معدان الأزدي عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( يكون في أمتي رجل يقال له محمد بن إدريس أضر على أمتي من إبليس ، ويكون رجل من أمتي يقال له أبو حنيفة هو سراج أمتي )
وقيل لمحمد بن عكاشة الكرماني إن عندنا قوما يرفعون أيديهم في الركوع وبعد رفع الرأس من الركوع فقال : حدثنا المسيب بن واضح عن ابن المبارك عن يونس بن يزيد عن الزهري عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من رفع يديه في الركوع فلا صلاة له )
وكل من رزق الفهم في نوع من العلم و تأمل هذه الأحاديث علم أنها موضوعة على رسول الله صلى الله عليه وسلم .
? ومنهم قوم من السُّؤالُ والمتكدين يقفون في الأسواق والمساجد والمحافل فيضعون في الوقت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بأسانيد صحيحة قد حفظوها فيذكرون الموضوعات بتلك الأسانيد(1/17)
أخبرني الزبير بن عبد الواحد الحافظ حدثنا إبراهيم بن عبد الواحد البلدي سمعت جعفر بن محمد الطيالسي يقول : صلى أحمد بن حنبل ويحيى بن معين في مسجد الرصافة فقام بين أيديهما قاص فقال : حدثنا أحمد بن حنبل ويحيى بن معين قالا حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من قال لا إله إلا الله يخلق من كل كلمة منها طير منقاره من ذهب وريشه من مرجان وأخذ من قصته نحوا من عشرين ورقة فجعل أحمد ينظر إلى يحيى ويحيى ينظر إلى أحمد فقال : أنت حدثته بهذا ؟ فقال : والله ما سمعت به إلا هذه الساعة ، قال فسكتا جميعا حتى فرغ من قصته وأخذ فطعة ثم قعد ينظر بقيتها ، فقال له يحيى بن معين بيده أي تعال فجاء متوهما لنوال يجيزه ، فقال له يحيى بن معين من حدثك بهذا الحديث ؟ فقال : يحيى بن معين وأحمد بن حنبل ، فقال : أنا يحيى بن معين وهذا أحمد بن حنبل ما سمعنا بهذا قط في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن كان لا بد والكذب فعلى غيرنا ، فقال له : أنت يحيى بن معين ؟ قال : نعم ، قال له : لم أزل أسمع أن يحيى بن معين أحمق ما علمته إلا الساعة ، فقال له يحيى بن معين : وكيف علمت أني أحمق ؟ فقال : كأن ليس في الدنيا يحيى بن معين وأحمد بن حنبل غيركما ، كتبت عن تسعة عشر أحمد بن حنبل ويحيى بن معين غيركما فوضع أحمد بن حنبل كمه في وجهه وقال دعه يقوم فقام كالمستهزىء بهما .
أخبرني أبو نصر أحمد بن سهل الفقيه ببخارى حدثنا صالح بن محمد بن حبيب الحافظ البغدادي حدثني مؤمل بن مهاب قال : دخل رجل ويزيد بن هارون قاعد فجعل يسأل الناس فلم يعط فقال : حدثنا يزيد بن هارون عن شريك عن مغيرة عن إبراهيم قال : إذا سأل السائل فلم يعط فليكبر عليهم ثلاثا وجعل يقول : الله أكبر الله أكبر الله أكبر ، ثم مرَّ فذكرناه ليزيد بن هارون فقال : كذب عليَّ الخبيث ما سمعت بهذا قط .(1/18)
وقام رجل فجعل يقول حدثنا يزيد بن هارون فلما قمنا تبعناه فقال : ويحك ليس اسمه ذيب إنما اسمه هو محمد بن عبد الرحمن فقال له : إذ1كلن اسم أبيه أبو ذيب فأي شيء يكون اسمه إلا ذيب .
سمعت الشيخ أبا بكر أحمد بن إسحاق الفقيه قال : خرجنا ونحن ببغداد من مجلس إبراهيم بن أبي إسحاق الحربي ومعنا جماعة من الغرباء فيهم رجل كثير المجون فبينما نحن نمشي إذ استقبلنا أمرد وضيء الوجه فتقدم هذا الغريب إليه وقال السلام عليك فلما صافحه قبل بين عينيه وخدَّه ثم قال : حدثنا إسحاق بن إبراهيم الدبري بصنعاء حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن الزهري عن سالم عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إذا أحب أحدكم أخاه فليعلمه أنه يحبه ) . فقال الشيخ أبو بكر فلما انصرف إلينا قلت له : ألا تستحي تلوط وتكذب في الحديث ، فقال : يا سيدي الحديث كما يجيء ، فهذه الطائفة كلها كذبت على رسول الله صلى الله عليه وسلم .
(والطبقة الثانية من المجروحين )
قوم عمدوا إلى أحاديث مشهورة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وضعوا إليه غير تلك الأسانيد فركبوها عليه ليستغرب بملك الأسانيد
منهم : إبراهيم بن اليسع وهو ابن حيَّة من أهل مكة يحدث عن جعفر بن محمد الصادق وهشام بن عروة فيركب حديث هذا على حديث ذاك ، وكذلك حماد بن عمر النضيبي ، وبهلول بن عبيد ، وأضرم بن حوشب .
( والطبقة الثالثة من المجروحين )
قوم من أهل العلم حملهم الشره على الرواية عن قوم ماتوا قبل أن يولدوا مثل إبراهيم بن هدبة وغيرهم
سمعت أبا العباس محمد بن يعقوب سمعت العباس الدوري سمعت يحيى بن معين يقول : كان شيخ عند درب أبي الطيب في الشمس فنظرنا في صحيفته فإذا في الصحيفة حدثنا إسماعيل بن عبد الله بن سماعة عن الأوزاعي ، قال : فتركنا صحيفته وتركناه .(1/19)
سمعت أبا نصر أحمد بن سهل الفقيه ببخارى سمعت صالح بن محمد بن الحافظ سمعت مؤمل بن شهاب سمعت يزيد بن هارون يقول : كان عندنا شيخ بواسط يحدث بحديث واحد عن أنس بن مالك ، فخدعه بعض أصحاب الحديث فاشترى له كتاب من السوق في أوله حدثنا شريك والأعمش ومنصور وهؤلاء فجعل يحدث يقول : حدثنا منصور وحدثنا الأعمش قال : فقيل له أين لقيت هؤلاء ؟ فأخذ كتابه ، فقيل له : لعلك سمعت هذا من شريك ؟! ، فقال الشيخ : أقول لكم الصدق : سمعت هذا من أنس بن مالك عن شريك .
أخبرني أبو علي الحافظ حدثنا محمد بن علي البيرومي حدثنا سليمان بن عبد الحميد النهراني حدثنا محمد بن صالح حدثنا إسماعيل بن عياش قال : كنت في العراق فأتاني أهل الحديث فقالوا : ههنا رجل يحدث عن خالد بن معدان فأتيته فقلت له : أي سنة كتبت عن خالد بن معدان ؟ فقال : سنة ثلاث عشرة يعني ومائة ، فقلت أنت تزعم أنك سمعت من خالد بن معدان بعد موته بسبع سنين قال إسماعيل مات خالد سنة ست ومائة .
سمعت أبا علي الحافظ يقول : لما حدَّث عبد الله بن إسحاق الكرماني عن محمد بن أبي يعقوب أتيته فسألته عن مولده فذكر أنه ولد سنة إحدى وخمسين ومائتين فقلت له مات محمد بن يعقوب الكرماني قبل أن تولد بتسع سنين فاعلمه .
قال الحاكم : ولما قدم علينا أبو جعفر محمد بن حاتم الكشي وحدث عن عبد بن حميد سألته عن مولده فذكر أنه ولد بسنة ستين ومائتين ، فقلت لأصحابنا سمع هذا الشيخ من عبد بن حميد بعد موته بثلاث عشرة سنة .
وهذا النوع من المجروحين فيهم كثرة ولقد لقيت أنا في رحلتي منهم جماعة ظهرت أحوالهم .
( والطبقة الرابعة من المجروحين )
قوم عمدوا إلى أحاديث صحيحة عن الصحابة رفعوها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
كأبي حذافة أحمد بن إسماعيل السهمي روى عن مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : الشفق الحمرة ، وهو في الموطأ عن نافع عن ابن عمر قوله .(1/20)
ويحيى بن سلام البصري روى عن مالك عن وهب بن كيسان عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : كل صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي خداج إلا خلف الإمام ، وهو في الموطأ لملك عن وهب بن كيسان عن جابر قوله .
وأشباه هذا كثيرة فيستشهد بهذا على سائر الروايات .
( والطبقة الخامسة من المجروحين )
قوم عمدوا إلى أحاديث مروية عن التابعين أرسلوها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فزادوا فيها رجلا من الصحابة فوصلوها
مثل إبراهيم بن محمد المقدسي روى عن الفريابي عن الثوري عن الأعمش عن أبي ظبيان عن سلمان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ليس شيء خير من ألف مثله إلا الإنسان ، والحديث في كتاب الثوري عن الأعمش عن إبراهيم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرسلا ، وعلى هذا النوع جماعة يستشهد به على الجملة .
( والطبقة السادسة من المجروحين )
قوم الغالب عليهم العبادة والصلاح ولم يتفرغوا إلى ضبط الحديث وحفظه والإتقان فيه واستخفوا بالرواية وظهرت أحوالهم .
سمعت أبا اللعباس محمد بن يعقوب سمعت أبا العباس محمد الدوري سمعت يحيى بن معين يقول : قال لي هشام بن يوسف جاءني مطرف بن مازن فقال : أعطني حديث ابن جريج ومعمر حتى أسمعه منك فأعطيته فكتبه عني ثم جعل يحدث بها عن معمر نفسه وعن ابن جريج قال هشام : أنظر في حديثه فهو مثل حديثي سواء ، فأمرت رجلا فجاءني بأحاديث مطرف بن مازن فعارضت بها فإذا هي مثلها سواء فعلمت أنه كذاب .
سمعت أبا عبد الله محمد بن العباس العصمي يقول : لما ورد محمد المنكدري هراة نزل قصر جدنا محمد بن عصم فورد على إثره أبو جعفر محمد بن عبد الرحمن الأرزاني الحافظ فروى المنكدري أحاديث حدث بها الأرزاني عن رجل عن شيوخ المنكدري فصعدت في القصر يوما من الأيام ( فوجدت ) بين يدي المنكدري حديث الأرزاني وهو يتتبع تلك الأحاديث وينقلها إلى درج في يده .
( والطبقة الثامنة من المجروحين )(1/21)
قوم سمعوا منا كتبا مصنفة من شيوخ أدركوهم ولم ينسخوا سماعاتهم عند السماع وتهاونوا بها إلى أن طعنوا في السن وسُئلوا الحديث فحملهم الجهل والشرة على أن حدثوا بتلك الكتب من كتب مشتراة ليس لهم فيها سماع ولا بلاغ وهو يتوهمون أنهم في روايتهم صادقون
وهذا النوع مما كثر في الناس وتعاطاه قوم من أكابر العلماء والمعروفين بالصلاح وكل من طلبه في زماننا عاينه .
( والطبقة التاسعة من المجروحين )
قوم ليس الحديث من صناعتهم ولا يرجعون إلى نوع من الأنواع العشرة التي يحتاج المحدث إلى معرفتها ولا يحفظون حديثهم يجيئهم طالب العلم فيقرأ عليهم ما ليس من حديثهم فيجيبون ويقرون بذلك وهم لا يدرون
أخبرني أحمد بن حاتم الكشاني ببخارى حدثنا عمر بن محمد البحتري حدثنا عمرو بن علي سمعت يحيى بن سعيد يقول : كنا عند شيخ من أهل مكة أنا وحفص بن غياث وإذا أبو شيخ جارية بن هرم يكتب عنه فجعل حفص يضع له الحديث ويقول : حدثتك عائشة بنت طلحة عن عائشة أم المؤمنين بكذا فيقول حدثك سعيد بن جبير عن ابن عباس مثله فلما فرغ ضرب حفص بيده على ألواح جارية بن هرم فمحاها فقال جارية تحسدونني ، فقال له حفص لا ولكن هذا يكذب فقلت ليحيى : من الرجل ؟ فلم أسمعه ، فقلت له يوما : يا أبا سعيد لعلي كتبته عن هذا الشيخ ولا أعرفه ، قال هو موسى بن دينار .
حدثني أحمد بن الحسن الأصفهاني عن ابن أبي حاتم سمعت أبي يقول دخلت الكوفة فحضرني أصحاب الحديث وقد تعلقوا بوراق سفيان بن وكيع فقالوا أفسدت علينا شيخنا وابن شيخنا قال : فبعث إلى سفيان بتلك الأحاديث التي أدخلها عليه وراقه ليراجع فلم يرجع عنها فلم يرجع عنها فتركه .
حدثني محمد بن يعقوب الحافظ قال : سألت ابن نمير عن قيس بن الربيع فقال كان له ابن هو آفته نظر أصحاب الحديث في كتبه وظنوا أن ابنه قد غيَّرها .(1/22)
سمعت أبا إسحاق إبراهيم بن محمد بن يحيى سمعت أبا العباس محمد بن إسحاق سمعت أبا يسار سمعت أحمد بن حنبل يقول عن غياث بن داود الأودي عن الشعري عن علي رضي الله عنه قال : لا يكون مهرا أقل من عشرة دراهم ، فصار حديثا .
( الطبقة العاشرة من المجروحين )
قوم كتبوا الحديث ورحلوا فيه وعرفوا به فتلفت كتبهم بأنواع من التلف الحرق أو الهدم أو النهب أو الغرق أو السرقة وكلما سئلوا عن الحديث حدثوا بها من كتب غيرهم أو من حفظهم على التخمين فسقطوا بذلك منهم عبد الله بن لهيعة المصري على محله وعلو قدره .
سمعت أبا علي الحافظ سمعت أبا العباس الثقفي سمعت قتيبة بن سعيد يقول حضرت موت ابن لهيعة فسمعت ابن سعد يقول ما خلَّف بعده مثله .
حدثنا أبو جعفر محمد بن محمد بن عبد الله البغدادي بنيسابور حدثنا يحيى بن عثمان بن صالح حدثنا أبي حدثنا إبراهيم بن إسحاق القاضي بمصر قال : أنا حملت رسالة الليث بن سعد إلى مالك بن أنس فجعل مالك يسألني عن ابن لهيعة وأخبره بحاله فجعل يقول : وابن لهيعة ليس يذكر الحج فسبق إلى قلبي أنه يريد مشافهته والسماع منه .
قال الحاكم أبو عبد الله : وقد روى عن مالك عن ابن لهيعة حديث وهو على جلالته احترقت كتبه وذهب حديثه فحدث من حفظه وحدث بالمناكير فصار في حد من لاى يحتج بحديثه .
وكان أحمد بن حنبل رحمه الله يقول سماع عبد الله بن المبارك وأقرانه الذين سمعوا من ابن لهيعة قبل وفاته بعشرين سنة صحيح .
حدثنا أحمد بن عبدوس الغنوي حدثنا عثمان بن سعيد الدارمي يقول : قلت ليحيى بن معين : كيف رواية ابن لهيعة عن ابي الزبير عن جابر فقال : ابن لهيعة ضعيف الحديث .
سمعت أبا زكريا يحيى بن محمد العنبري سمعت أبا عبد الله البوشنجي سمعت قتيبة بن سعيد يقول ( لما) احترقت كتب ابن لهيعة بعث إليه الليث بن سعد كاغدا بألف دينار .(1/23)
أخبرني أبو نصر محمد بن عمر حدثنا محمد بن المنذر الهروي سمعت أحمد بن واضح المصري يقول : كان محمد بن خلاد الاسكندراني رجلا ثقة ولم يكن فيه اختلاف حتى ذهبت كتبه فقدم علينا رجل يقال له أبو موسى في حياة ابن بكير فذهب إليه يعني محمد بن خلاد بنسخة ضمام بن إسماعيل ونسخة يعقوب بن عبد الرحمن فقال : أليس قد سمعت النسختين ؟ قال : حدثني بها ، قال : قد ذهبت كتبي ولا أحدث بها ، فما زال به هذا الرجل حتى خدعه وقال له النسخة واحدة فحدث فكل من سمع منه قديما قبل ذهاب كتبه فحديثه صحيح ومن سمعه منه بعد ذلك فليس حديثه بذلك .
قال الحاكم :
فهذه أنواع المجروحين من المحدثين وما سوى ذلك فمما يوهم أنه جرح وليس بجرح وشرحها في هذا الموضع يطول
ولعل قائلا يقول إن الكلام في هؤلاء الراواة غيبة والغيبة محرمة في أخبار كثيرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقائل هذا يخوض فيما ليس في صناعته فقد أجمع المسلمون قاطبة بلا خلاف بينهم أنه لا يجوز الاحتجاج في أحكام الشريعة إلا بحديث الصدوق العاقل . ففي هذا الاجماع دليل على إباحة جرح من ليس صنعته .
فقد حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم حدثنا أبو يحيى زكريا بن يحيى بن أسد حدثنا سفيان بن عيينة عن محمد بن المنكدر عن عروة عن عائشة أنها قالت : أقبل رجل فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (بئس أخو العشيرة ، فلما جاء وجلس كلمه وانبسط إليه قالت عائشة : إنك قلت ما قلت فلما دخل أَلَنْتَ له القول فقال : يا عائشة إن شر الناس منزلة يوم القيامة من تركه الناس اتقاء فحشه ) هذا أو نحوه قال الحاكم : فإني علقت هذا الحديث هنا حفظا ، هذا خبر صحيح وفيه الدلالة على أن الأخبار في الرجل على الديانة ليس من الغيبة .(1/24)
وأيضا فإن فاطمة بنت قيس لما انقضت عدتها وأرادت أن تتزوج استشارت النبي صلى الله عليه وسلم في معاوية وأبي الجهم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أما معاوية فصعلوك لا مال له ، وأما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه ) هذا خبر صحيح مستعمل عند الفقهاء وفيه الدليل الواضح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر من أحوالهما على الديانة فلم يكن غيبة .
وأول من وقى الكذب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الصديق رضى الله عنه لما مات جاءت الجدة تسأله ميراثها والقصة مشهورة ، ثم عمر بن الخطاب رضي الله عنه حبس جماعة من الصحابة وقال قد أكثرتم الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم على بن أبي طالب كرَّم الله وجهه قال : كنت إذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا نفعني الله بما شاء أن ينفعني وإذا حدثني غيره استحلفته فإذا حلف لي صدَّقته ، وحدثني أبو بكر وصدق ابو بكر ، ثم عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال : كنا نحفظ الحديث وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم يحفظ حتى ركبتم الصعب والذلول .
وأما التابعون وأتباع التابعين فمن بعدهم من أئمة المسلمين فقد عدَّلوا وجرحوا رواة الحديث ودُوِّنَ كلامهم في التاريخ ونقل إلينا بنقل العدل عن العدل .
فظهر بهذا الاجماع يعني ذكرناه أن الطريق إلى معرفة الحديث والتعديل والجرح وأنه ليس بغيبة كما توهم عوام الناس .
ولما استدعى الأمير المظفر رحمه الله الإشارة إلى الصحيح والسقيم من الأخبار المخرجة في كتاب الإكليل قدمت هذه الخطبة مستدلا على ما وفق له من الإصابة وسميتها المدخل إلى معرفة الصحيح والسقيم من الاخبار المروية علم لا يستغني عنه عالم ، وأنا ممتثل بمشيئة الله تعالى ما رسمه بعلامات تدل على ( كل ) حديث منها ما شرحته في أول الرسالة .(1/25)
فعلامة ما في الدرجة الأولى من الصحيح المخرج في كتاب البخاري ومسلم ( ص ) وعلامة القسم الثاني ( صب) والإشارة فيه أنه صحيح براوي واحد للصحابي ، وعلامة القسم الثالث ( صمت) والإشارة فيه أنه براوي واحد للتابعي ، وعلامة القسم الرابع ( صف ) والإشارة فيه أنه صحيح تفرد به ثقة واحد ، وعلامة القسم الخامس من الصحيح ( طش ) والإشارة فيه أنه أخبار رواتها ثقات وهو شاذ بلا شواهد ، وعلامة القسم السادس من الصحيح ( ص م ف ) والإشارة فيها إلى مراسيل بأنها صحيحة على مذهب الكوفيين ، وعلامة القسم السابع ( صد ) والإسارة فيه إلى أخبار أئمة الثقات من المدلسين ، وعلامة القسم الثامن (صح ) والإشارة فيه أنه صحيح الإشارة قد خولف الراوي الثقة فيه ، وعلامة القسم التاسع من الصحيح ( حظ ) والإشارة فيه أن راويه صدوق وليس بحافظ ، وعلامة القسم العاشر ( صع ) والإشارة فيه أنه صحيح الاسناد في رواية متبوع فيه .
وكل حديث يخلو من علامة من هذه العلامات المبينة فإنه من رواية المجروحين والله أعلم أولا وآخر وباطنا .
قال كاتب النسخة الأصلية :
تم المدخل على يد صاحبه الفقير الخاطىء الحقير إلى رحمة الله وعفوه المضطر إلى كرمه وفضله عبد الخالق السميرمي تاب الله عليه وأيده من لديه وجعله ممن استجيب في شأنه دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم حيث قال نضَّر اللهُ .
ضحى الجمعة من ذي الحجة حجة اثنين وثمانمائة في المدرسة المباركة المسماة بالفراتية بشيراز حفظها الله عن الزلل والأعواز(1/26)