1- قرائن التَّرجيح والموازنة بين الرِّوايات المختلِفة .
1. العدد
قال يحيى القطَّان : « كنَّا نظنُّ أنَّ الثَّوريَّ وهم فيه لكثرة من خالفه » (1) .
وقال الشافعي : « والعدد أولى بالحفظ من الواحد » (2) .
وقال ابن معين في حديث : « الناس يحدثون به مرسلاً » (3) .
2684- وسألتُ أبي عن حديثٍ رواه أبو كُدَيْنَة (4) وعمران بن عُيَيْنَة وشعيب بن صَفْوَان، عن عطاء بن السائب، عن القاسم بن عبدالرحمن بن عبدالله بن مسعود ، عن أبيه ، عن جده ؛ قال : جَاءَ حَبْرٌ إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقال : أخبرني عن شيء لا يعلمه إلا نبي ؛ أخبرني عن ماءِ الرَّجُل ، وماء المرأة ... ، وذكر الحديث ؟
قال أبي : رواه حَمَّاد بن سلمة ، عن عطاء بن السائب ، عن القاسم؛ قال : جاء حبر إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - .
قلت لأبي : أيُّهما أصح ؛ من حديث عطاء بن السائب ؟ قال : اتفق ثلاثة أنفس على التوصيل .
1508 (5) -?وسئل أبو زرعة عن حديثٍ رواه ابن فُضَيْل (6) ، عن الأَعْمَش ، عن أبي صالح وأبي سفيان (7) ، عن جابر؛ قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( إِذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ فَلاَ يَمْسَحْ يَدَهُ بِالْمِنْديِلِ حَتَّى يَلْعَقَهَا ، أَوْ يُلْعِقَهَا، فَإِنَّهُ لاَ يَدْرِي فِي أَيِّ [طَعَامِهِ] (8) الْبَرَكَةَ )) ؟
__________
(1) العلل للدارقطني (5/211) .
(2) اختلاف الحديث (ص127) وشرح العلل (1/425) .
(3) رواية الدوري (2973) .
(4) واسمه : يحيى بن المهلب .
(6) اسمه : محمد .
(7) قوله : (( وأبي سفيان )) سقط من (ف). وأبو سفيان هذا اسمه : طلحة بن نافع .
(8) في جميع النسخ : (( طعام ))، والمثبت من "صحيح مسلم" (2033)؛ حيث روى الحديث من طريث محمد بن فضيل ، ورواه من طريق جرير بن عبدالحميد وأبي معاوية ، كلاهما عن الأعمش ، عن أبي سفيان فقط ، عن جابر .(1/1)
قال أبو زرعة : الناس يقولون (1) : عن أبي سفيان ، عن جابر ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فقط (2) ، بلا أبي صالح .
803 (3) -?وسألت أبي عن حديثٍ رواه أبو بكر بن عَيَّاش ، عن هشام ابن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال لضُبَاعَةَ : ((اشْتَرِطِي(8) (4) ) .
قال أبو محمد (5) : ورواه (6) الثوري ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه، عن ضباعة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ؟
فقال أبي : إن عَامَّة الناس يقولون : هشام ، عن أبيه : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لضُبَاعَةَ .
قال أبي : أَشْبَهُ عندي مرسل ؛ هشام ، عن أبيه : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - .
وقال الدَّارقطني في حديث : « واجتماع هؤلاء الأربعة على خلاف ما رواه ابن أبي كثير يدلُّ على ضبطهم للحديث » (7) .
وسئل الدَّارقطني عن الحديث إذا اختلف فيه الثِّقات ، فقال : « ينظر ما اجتمع عليه ثقتان فيحكم بصحته ، أو ما جاء بلفظة زائدة ، فتقبل تلك الزِّيادة من متقن ، ويحكم لأكثرهم حفظاً وثبتاً على من دونه » (8) .
وقال البيهقي : « وكما رجَّح الشَّافعي إحدى الرِّوايتين على الأُخْرَى بزيادة الحفظ ، رجَّح أيضاً بزيادة العدد » (9) .
وقال أيضاً : « والجماعة أولى بالحفظ من الواحد » (10) .
وقال الخطيب : « ويرجَّح بكثرة الرُّواة لأحد الخبرين ، لأن الغلط عنهم والسَّهو أبعد ، وهو إلى الأقلِّ أَقرب » (11) .
__________
(1) في (أ) و(ش) : (( يقولونه )).
(2) قوله : (( فقط )) سقط من (ك).
(4) في (أ) و(ف) و(ش): (( اشترطين )).
(5) في (أ) و(ش) : (( قلت )) بدل : (( قال أبو محمد )).
(6) قوله : (( ورواه )) ليس في (ك)، وفي (ت): (( رواه )).
(7) السنن (3/44) .
(8) النكت لابن حجر (2/689) ، والنص ورد في سؤالات السلمي (435) بنحوه .
(9) القراءة خلف الإمام للبيهقي (316) .
(10) الشعب (4/7) .
(11) الكفاية (ص476) .(1/2)
وقال الذهبي : « وإن كان الحديث قد رواه الثَّبت بإسناد ، أو وقفه أو أرسله، ورفقاؤه الأثبات يخالفونه ، فالعبرة بما اجتمع عليه الثِّقات ، فالواحد قد يغلط ... » (1)
2. الحفظ
وهذه القرينة - أيضاً - تعدُّ من أهم القرائن في التَّرجيح بين الرِّوايات المختلفة ، ويشمل الحفظ هنا حفظ الصدر ، وحفظ الكتاب .
أما حفظ الصدر (2) ، فقال ابن رجب : « قاعدة : إذا روى الحفَّاظ الأثبات حديثاً بإسناد واحد، وانفرد واحد منهم بإسناد آخر ، فإن كان المنفرد ثقة حافظاً فحكمه قريب من حكم زيادة الثِّقات في الأسانيد والمتون ... » ، قال : « ويقوى قبول قوله إن كان المرويُّ عنه واسع الحديث يمكن أن يحمل الحديث من طرق عديدة كالزُّهري والثَّوري وشعبة والأعمش » (3) .
وهنا اختلف الحفَّاظ في بعض الأحاديث قبولاً ورداً ، لأجل اعتبار هذا الأمر ، فقال ابن رجب بعد ذلك : « وقد تردَّد الحفَّاظ كثيراً في مثل هذا ، هل يردُّ قول من تفرد بذلك الإسناد لمخالفة الأكثرين له ؟ أم يقبل قوله لثقته وحفظه .
ومثَّل رحمه الله لذلك بحديث ميمونة عن النَّبي - صلى الله عليه وسلم - في الفأرة إذا وقعت في السَّمن .
حيث رواه أصحاب الزُّهري عنه عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس ميمونة .
كذا رواه مالك وابن عيينة والأوْزاعي .
وخالفهم معمر ، رواه عن الزُّهري عن سعيد بن المسيَّب عن أبي هريرة .
قال ابن رجب : « فمن الحفَّاظ من صحَّح كلا القولين ، ومنهم الإمام أحمد ومحمد بن يحيى الذُّهليُّ وغيرهما ، ومنهم من حكم بغلط معمر لانفراده بهذا الإسناد ، منهم البخاريُّ » (4) .
__________
(1) الموقظة (ص52) .
(2) يأتي ذكر حفظ الكتاب (ص45) .
(3) شرح العلل (2/719) .
(4) شرح العلل (2/722) .(1/3)
ووافقه على اختياره التِّرمذيُّ في الجامع حيث قال عن رواية معمر : « غير محفوظ » ، ثم نقل قول البخاريِّ : « أخطأ فيه معمر . والصَّحيح حديث الزُّهريِّ عن عبيد الله ... » (1) .
كما وافقهم أبو حاتم الرَّازيُّ على ذلك (2) .
وقال الدَّارقُطني في حديث : « وعند الزهري فيه أسانيد أخرى صحاح » ، ثم ذكر جملة منها (3) .
والذي يظهر أن سعة رواية المحدِّث الحافظ كالزُّهري وقَتادة - مثلاً - قرينة خاصة - كما سيأتي - تدلُّ على صحة الوجهين عنه ، ومخالفة الرَّاوي الواحد لجماعة من الثِّقات الحفَّاظ قرينة عامة أقوى منها ، تدلُّ على وهم الوجه الذي أتى به عنه، فَيُحتاج إلى قرينة أخرى تسند ما قاله .
ومما يعضد رواية الجماعة أنَّ الَّليث رواه عن الزُّهري عن سعيد مرسلاً - كما ذكر الإسماعيليُّ (4) - فلعلَّ مَعْمَراً وهِم فزاد أبا هريرة .
وأكثر مسائل علم العلل دخولاً في هذه القرينة : زيادة الثِّقات .
هل تقبل مطلقاً ، أم تردُّ مطلقاً ، أم يفصَّل في ذلك ، ومن أين يؤخذ هذا التَّفصيل ومن المعتبر قوله في هذا الأمر . آلمحدِّثون أم الفقهاء والمتكلمون من الأصوليين .
يعدُّ الشَّافعي من أوائل من قعَّد لهذه المسألة حيث قال : « ويكون إذا شرك أحداً من الحفَّاظ في حديث لم يخالفه ، فإن خالفه - وُجِدَ حديثه أنقصَ - كانت هذه دلائل على صحَّة مخرج حديثه » (5) .
__________
(1) الجامع للترمذي (1798) والعلل الكبير (2/758-ترتيبه) .
(2) العلل لابنه (2/12) .
(3) العلل (1/44) .
(4) فتح الباري (9/826) ، عند حديث (5538) .
(5) الرسالة (1272) .(1/4)
قال ابن عبد الهادي معقِّباً على ذلك : « وهذا دليل من الشافعيِّ - رضي الله عنه - على أن زيادة الثِّقَة عنده لا يلزم أن تكون مقبولةً مطلقاً كما يقوله كثير من الفقهاء من أصحابه وغيرهم ، فإنه اعتبر أن يكون حديث هذا المخالف أنقص من حديث من خالفه ، ولم يعتبر المخالف بالزِّيادة ، وجعل نقصان هذا الرَّاوي من الحديث دليلاً على صحَّة مخرج حديثه ، وأخبر أنه متى خالف ما وصف أضرَّ ذلك بحديثه ، ولو كانت الزِّيادة عنده مقبولة مطلقاً لم يكن مخالفته بالزِّيادة مضراً بحديثه » (1) .
وقال الشافعي أيضاً : « إنَّما يغلط الرجل بخلاف من هو أحفظ منه ، أو يأتي بشيء في الحديث يشركه فيه من لم يحفظ منه ما حفظ ، وهم عدد وهو منفرد » (2) .
وقال ابن حجر معقباً على كلامه : « فأشار إلى أن الزِّيادة متى تضمَّنت مخالفةَ الأحفظ أو الأكثر عدداً أنها تكون مردودة » (3) .
وفي مقابل ذلك قبول بعض الحفَّاظ لزيادة الضعيف أحيانًا؛ لأنَّ النَّقص أسهل .
قال ابن أبي حاتم لأبيه : « لِمَ حكمت برواية ابن لهيعة ؟ فقال : لأن في رواية ابن لهيعة زيادة رجل ، ولو كان نقصان رجل كان أسهلَ على ابن لهيعة حفظُهُ » (4) .
إلا أن هذه القرينة ربما أهملت لأسباب أخرى يراها الناقد ، فلا يعترض على الحافظ في ترجيحه إذا كان على أصل ثابت وله فيه حجة مسلوكة ، وإن كان قوله في حديث معين مرجوحاً .
قال ابن معين مرجحاً من هو أقل حفظاً : « القول قول مستلم بن سعيد ، وصحَّف شعبة » (5) .
وقال النسائي في حديث : « قَتادة أثبت وأحفظ من أشعث ، وحديث أشعث أشبه بالصواب » (6) .
__________
(1) الصارم المنكي (ص100) .
(2) اختلاف الحديث (ص294) .
(3) النكت لابن حجر (2/688) .
(4) العلل لابن أَبي حاتم (1/171) .
(5) رواية الدوري (4849) .
(6) الصغرى (6/59) .(1/5)
وأما حفظ الكتاب (1) ، فإن الكتابة من أهم وسائل الضَّبط والإتقان ، وبدونها وقع كثير من المحدِّثين في الوهم والخطأ .
فإذا اختلف راويان فأكثر على شيخ ، نظر فيمن كان يكتب عنه ، فإذا وجد، كان جانبه أقوى من هذه الحيثية .
قال أحمد عن عبيد الله الأشجعي الكوفي : « كان يكتب في المجلس ، فمن ثَمَّ صحَّ حديثه » (2) ، وتعليله هنا كالنصِّ على القرينة ، لذا قال ابن معين عنه بأنه أعلم النَّاس بسفيان الثَّوريِّ من أهل الكوفة (3) .
ومن دلائل هذه القرينة قول ابن المبارك : « إذا اختلف النَّاس في حديث شعبة ، فكتاب غُنْدَر حكم بينهم » .
وذكر ابن خِراش عن الفلاس قوله : « كان يحيى وعبد الرحمن ومعاذ بن خالد وأصحابنا إذا اختلفوا في حديث شعبة ، رجعوا إلى كتاب غُنْدَر ، فحكم بينهم » .
ولذا أصبح من أقلِّ أصحاب شعبة خطأً كما قال الإمام أحمد (4) .
وقدَّمه أبو زرعة – في حديث - على اثنين ، هما أبو داود الطَّيالسي ويحيى بن زكريا ، خالفاه في شعبة (5) .
ومما ذكر في أوهامه النادر عنه قول أبي حاتم : « هذه الزِّيادة التي زاد غُنْدَر عن شعبة في الإسناد ، ليس بمحفوظ » (6) .
ومن شواهد الاعتماد على الكتاب ، الخلافُ على الَّليث بن سعد في حديث ، أهو عن سعد بن مالك مرفوعاً أم سعيد بن أبي سعيد مرسلاً ؟ قال أبو زرعة : « في كتاب الليث في أصله : سعيد بن أبي سعيد ، ولكنْ لُقِّنَ بالعراق : عن سعد » (7) .
__________
(1) هذا عطف على حفظ الصدر الوارد (ص37) .
(2) تاريخ بغداد (10/312) .
(3) تاريخ بغداد (10/312) والتهذيب (3/20) .
(4) يأتي (صخطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة.) .
(5) العلل لابن أَبي حاتم (1/25) .
(6) الجرح لابن أَبي حاتم (3/507) والعلل أيضاً (1/428) .
(7) العلل لابن أَبي حاتم (1/188) .(1/6)
وقال يزيد بن هارون : « أدركت البصرة وإذا اختلفوا في حديث ، نطقوا بكتاب عبد الوارث » (1) .
وقال منصور : « قلت لإبراهم النخعي : مالسالم بن أبي الجعد أتمَّ حديثاً منك؟ قال : لأنه كان يكتب » (2) .
وقال أبو حاتم : « وأما الحفَّاظ وأصحاب الكتب فكانوا يميِّزون كلام الزُّهري من الحديث » (3) .
وقال أيضاً مرجحاً بالكتاب : « مالك صاحب كتاب » (4) .
وهذا أحمد يرجِّح بسبب الكتابة .
قال أبو طالب لأحمد : « من أحبُّ إليك ، يونس أو إسرائيل في أبي إسحاق ؟ قال : إسرائيل ، لأنه كان صاحب كتاب » (5) .
وهذه القرينة ربما خانت صاحبها فأثرَّت عليه ، كما حصل لجرير بن عبد الحميد الضَّبِّي حيث قال : « اضطرب عليَّ حديث أشعث وعاصم ، فقلت لبهز بن أَسَد البصري ، فخلَّصها لي ، ، وكانت في دفتر واحد » (6) .
3. الاختصاص
وهذه من أهم القرائن التي بُنِي عليها علم العلل في التَّرجيح بين الرُّواة المختلفين على شيوخهم المكثرين .
وقد اهتم علماء الحديث وعلله بمعرفة طبقات الحفَّاظ ومراتب أصحابهم . فقسم ابن المدينيِّ والنَّسائيُّ (7) أصحاب نافع تسع طبقات مع اختلافهما في ذكر رواة كل طبقة .
كما قسم النَّسائي أصحاب الأعمش سبع طبقات (8) .
وهذا الاختصاص يعود إلى عدَّة قرائن ، منها قوة الحفظ أو الكتابة - وقد تقدَّم ذكرها - أو طول الملازمة وقِدَمِهَا ، أو قرابة الرَّاوي ، ونحو ذلك من الأسباب الكثيرة .
__________
(1) التمييز (ص178) ، وعبد الوارث هو ابن سعيد .
(2) علل الترمذي (1/153-الشرح) .
(3) العلل لابن أَبي حاتم (2/30) .
(4) العلل لابن أَبي حاتم (1/32) .
(5) التهذيب (1/133) .
(6) رواية ابن محرز (547) .
(7) في كتابه : الطبقات (ص53) .
(8) الطبقات (ص78) وشرح العلل (1/104-105) .(1/7)
والاهتمام بهذه القرينة ومعرفة طبقات أصحاب الحفَّاظ ومنازلهم من شيوخهم ، ومراتبهم بين بعض ، يعطي المرء قوَّة وملكة في تعليل الحديث والتَّرجيح عند الاختلاف ، دون كثير عناء أو جهد ، قد يبذله من جهل ذلك .
فإذا روى جماعة عن حافظٍ له أصحاب ، وتفرد راوٍ عنه - دونهم - بزيادة أو وجه ، وجب التَّوقف عن قبولها لأنَّ « تفرَّد واحد عنه بها دونهم مع توفر دواعيهم على الأخذ عنه وجمع حديثه يقتضي ريبة توجب التَّوقف عنها » (1) .
قال ابن رجب : « اعلم أن معرفة صحة الحديث وسقمه تحصل من وجهين:- أحدهما : معرفة رجاله وثقتهم وضعفهم ، ومعرفة هذا هيِّنٌ (2) ، لأنَّ الثِّقات والضُّعفاء دٌوِّنوا في كثير من التَّصانيف ، وقد اشتهرت بشرح أحوالهم التَّواليف .
الوجه الثاني : معرفة مراتب الثِّقات ، وترجيح بعضهم على بعض عند الاختلاف ، إما في السَّند ، وإما في الوقف والرَّفع ، ونحو ذلك . وهذا هو الذي يحصل من معرفته وإتقانه وكثرة ممارسته الوقوف على دقائق علل الحديث ... » (3) .
ويستخدم علماء الحديث هذه القرينة بقولهم - مثلاً - :- فلان أثبت ، أو أحفظ فيه ، أو كان يعرض ، أو كان يكتب ، أو لازمه كثيراً ، ونحو ذلك مما يدلُّ على التَّميز عن غيره في شيء يقتضي تقديمه عند الاختلاف .
__________
(1) النكت لابن حجر (2/692) وقد سبق نقله .
(2) هذا أمر نسبي لا مطلق .
(3) شرح العلل (2/467-468) .(1/8)
قال ابن القيِّم في تقرير قاعدة هذه القرينة : « ولا تنافي بين قول من ضعَّفه وقول من وثَّقه ، لأنَّ من وثقه جمع بين توثيقه في غير الزُّهري وتضعيفه فيه ، وهذه مسألة غير مسألة تعارض الجرح والتَّعديل ، بل يظنُّ قاصر العلم أنها هي ، فيعارض قول من جرَّحه بقول من عدَّله ، وإنَّما هذه مسألة أخرى غيرها وهي الاحتجاج بالرَّجل فيما رواه عن بعض الشُّيوخ وترك الاحتجاج به بعينه فيما رواه عن آخر ، وهذا كإسماعيل بن عيَّاش ، فإنه عند أئمَّة هذا الشَّأن حجَّة في الشَّاميين أهل بلده وغير حجَّة فيما رواه عن الحجازيين والعراقيين وغير أهل بلده .
ومثل هذا تضعيف من ضعَّف قبيصة في سفيان الثَّوريِّ واحتجَّ به في غيره كما فعل أبو عبد الرحمن النَّسائي .
وهذه طريقة الحذاق من أَصحاب الحديث أطباء علله يحتجُّون بحديث الشَّخص عمن هو معروف بالرِّواية عنه وبحفظ حديثه وإتقانه وملازمته له واعتنائه بحديثه ومتابعة غيره له ويتركون حديثه نفسه عمَّن ليس هو معه بهذه المنزلة »، إلى آخر كلامه الذي سبق .
ومن الأمثلة عليها قول ابن معين : « حماد بن سلمة أعرف بعلي بن زيد من حماد ابن زيد » (1) .
وقال أبو حاتم : « المسعودي أفهم بحديث عون » (2) .
ويدخل في هذه القرينة من سمع من الراوي قبل الاختلاط ، فيرجح جانبه لاختصاصه بالسماع منه قبل تغيره ، وقد تفرد هذه القرينة ، والأمر سهل .
ومن أمثلته قول أبي حاتم : « إسرائيل أقدم سماعاً من زهير في أبي إسحاق » ، ثم ذكر اختلاط أبي اسحاق (3) .
4. سلوك الجادة
وهذا تعبير استعمله جماعة من العلماء كابن حجر (4) ، وقال أيضاً : « تبع العادة » (5) .
__________
(1) رواية ابن الجنيد (840) .
(2) العلل لابن أبي حاتم (2/179) .
(3) العلل لابن أبي حاتم (1/103) .
(4) بذل الماعون (ص212) .
(5) النكت لابن حجر (2/610) .(1/9)
ومن تعابير المحدِّثين السابقين قول ابن المديني : « سلك المحجَّة » (1) .
أما أبو حاتم فقد أكثر من قوله : « لزم الطَّريق » (2) ، والفرق بين العبارات يسير .
قال ابن رجب : « قول أبي حاتم : مبارك لزم الطَّريق ، يعني به أن رواية ثابت عن أنس سلسلة معروفة مشهورة ، تسبق إليها الألسنة والأوهام ، فيسلكها من قلَّ حفظه ، بخلاف ما قاله حمَّاد بن سلمة ، فإن في إسناده ما يستغرب ، فلا يحفظه إلا حافظ ، وأبو حاتم كثيراً ما يعلِّل الأحاديث بمثل هذا ، وكذلك غيره من الأئمَّة » (3) .
وقال أيضاً : « لا ريب أن الذين قالوا فيه عن أبي هريرة - رضي الله عنه - جماعة حفاظ ، لكن الوهم يسبق كثيراً إلى هذا الإسناد ، فإن رواية سعيد المقبري عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أو عن أبيه عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، سلسلة معروفة تسبق إليها الألسن ، بخلاف رواية سعيد عن أبيه عن ابن وديعة عن سلمان ، فإنها سلسلة غريبة ، لا يقولها إلا حافظ لها متقن » (4) .
وهذا السلوك على قسمين هما :-
__________
(1) نتائج الأفكار لابن حجر (2/194) ومن المعاني الواردة في مادة (حجج) : الطريق – القاموس (حجج) .
(2) العلل لابن أَبي حاتم (1/107و203و428و2/109و249و267) .
(3) شرح العلل (2/726) .
(4) فتح الباري لابن رجب (8/111) .(1/10)
1. سلوك للجادة في المتن ، وهو قليل ، فإن الأصل في الأحاديث المروية الرفع ، فإذا جاء تفصيل من بعض الثقات ، برفع بعضه ووقف بعضه الآخر ، فإن هذا قرينة على سلوك غيره للجادة برفعه كله . ومن أمثلته العملية قول الدَّارقُطني عن حديث أبي الأحوص عن عبد الله عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يخطب يوم الخميس قائماً يقول : يا أيها الناس إنما هما اثنتان الهدى والكلام وأصدق الحديث كتاب الله وأحسن الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم - وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة الحديث بطوله ، قال : « يرويه أبو إسحاق واختلف عنه . فرواه إدريس الأودي وموسى بن عقبة ورفعا الخطبة كلها إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ورواه شعبة وإسرائيل وشريك من كلام عبد الله إلا قوله ألا أنبئكم ما العضة هو النميمة فإنهم رفعوه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - . وكذلك قوله : إن الرجل ليصدق حتى يكتب صديقاً ، وقول شعبة ومن تابعه أولى بالصواب » (1) .
2. سلوك للجادة في السند ، وهو الغالب . فإنه إذا اختلف على قَتادة - مثلاً - فرواه بعض أصحابه عنه بسند غير مشهور ، وآخر رواه عنه عن أنس - رضي الله عنه - ، فإن جانب من رواه بالوجه الأخير يضعُف ، لاحتمال أن يكون وهم بسبب شهرة هذا السَّند عن قَتادة .
ومثله ما لو روى ثقة عن مالك عن نافع عن ابن عمر - رضي الله عنه - ، وغيره يرويه بسند آخر أقل شهرة ، ولذلك أمثلة كثيرة .
منها ما رواه جرير بن حازم عن ثابت عن أنس - رضي الله عنه - مرفوعاً : « إذا أقيمت الصَّلاة فلا تقوموا حتى تروني » (2) .
__________
(1) العلل (5/323) .
(2) أخرجه أبو داود (1113) وابن ماجة (1117) والترمذي (517) والنسائي (1419) .(1/11)
ضرب على هذا الحديث أبو الوليد الطيالسيُّ (1) ، وأعلِّه أحمد (2) والبخاريُّ
والترمذيُّ (3) وأبو داود (4) والدَّارقطنيُّ (5) بأن جريراً وحجاجاً الصَّوَّاف كانا عند ثابت البناني ، فحدَّث به حجَّاج عن يحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن أبي قَتادة عن أبيه ... ، فوهم جرير فظنَّ أنَّ الحديث : عن ثابت عن أنس . وإنَّما روى ثابت عن أنس قال : «كان النَّبي - صلى الله عليه وسلم - إذا أقيمت الصَّلاة يتكلَّم مع الرَّجل حتى ينعس بعض القوم» (6) .
وثابت عن أنس جادة ، حيث قال الإمام أحمد – في رواية الميموني - : « هؤلاء الشيوخ إنما يلحقون عن ثابت عن أنس إسناداً عرفوه » (7) .
__________
(1) نقله عنه أبو داود كما في سؤالات الآجري (577) .
(2) العلل لعبد الله (2/172) ومسائل أَبي داود (ص288) .
(3) العلل الكبير للترمذي (1/276-278-ترتيبه) ، ونقل تعليل البخاري .
(4) حيث قال : « والحديث ليس بمعروف عن ثابت » - السنن (1113) .
(5) العلل (ج4/ل35) .
(6) العلل الكبير للترمذي (1/278-ترتيبه) ، وحديث أنس الأخير أخرجه البخاري في جامعه (642و634) ومسلم (376) ، وقد رواه جرير على الصواب عند الترمذي (517) .
(7) إكمال مغلطاي (4/103) .(1/12)
ومن أقدم النُّصوص التي أشارت إلى هذه القرينة قول يحيى القطَّان : « كنت إذا أخطأت ، قال لي سفيان الثوريُّ : أخطأت يا يحيى ، فحدَّث يوماً عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : « الذي يشرب في آنية الذهب والفضة إنَّما يجرجر في بطنه نار جهنَّم » (1) ، قال يحيى بن سعيد : فقلت : أخطأت يا أبا عبد الله ، هذا أهون عليك ، قال : فكيف هو يا يحيى ؟ قال : فقلت أخبرنا عبيد الله بن عمر عن نافع عن زيد بن عبد الله بن عمر عن أمِّ سلمة (2) أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... فقال لي : صدقت يا يحيى ... » (3) .
ومن الأمثلة القديمة أيضاً قول الحميديُّ : « قيل لسفيان – أي ابن عيينة - : إن عبد الرحمن بن مهدي يقول : إن سفيان أصوب في هذا الحديث من مالك ! قال : سفيان : وما يدريه ؟ أدرك صفوان ؟ قالوا : لا ، لكنه قال : إن مالكاً قال : عن صفوان عن عطاء بن يسار ، وقال سفيان : عن أنيسة عن أم سعيد بنت مُرَّة عن أبيها. فمن أين جاء بهذا الإسناد ؟ فقال سفيان : ما أحسن ما قال ! لو قال لنا صفوان عن عطاء بن يسار كان أهون علينا مِن أنْ نجيء بهذا الإسناد الشَّديد » (4) .
__________
(1) رواه كذلك عن نافع به ، برد بن سنان – أخرجه عنه الطبراني في الأوسط (4189) والصغير (563) وفي مسند الشاميين (355) والخطيب من طريقه في تاريخه (1/377) ، وفي سنده العلاء بن برد ، قال ابن ججر : « ذكره بن حبان في الثقات وقال محمود بن غيلان : ضرب أحمد بن حنبل ويحيى بن معين وأبو خيثمة عليه واسقطوه » - اللسان (4/223) .
(2) أخرجه من طريق نافع البخاري في جامعه (5634) ومسلم (2065) .
(3) تاريخ بغداد (14/136-137) .
(4) شرح العلل (2/728) .(1/13)
وقد يقع في سلوك الجادَّة جماعة عن راوٍ واحد ، كما قال ابن حجر : « ... ورواه سفيان بن عيينة ومعتمر بن سليمان ومحمد بن عبيد عن عبيد الله بن عمر بإسقاطه وكأنهم سلكوا الجادَّة ، لأن عبيد الله بن عمر معروف بالرِّواية عن نافع مكثر عنه » (1) .
ومن الغريب هنا قول ابن حجر عند حديثٍ : « قال ابن عبد البر : رواية عبدالعزيز خطأٌ بيِّن ، لأنَّه لو كان ثمَّ عبد الله بن دينار عن ابن عمر ما رواه عن أبي صالح أصلاً انتهى . وفي هذا التَّعليل نظر وما المانع أن يكون له فيه شيخان . نعم الذي يجري على طريقة أهل الحديث أن رواية عبد العزيز شاذة لأنه سلك الجادَّة ومن عدل عنها دلَّ على مزيد حفظه » (2) .
فكيف يقول بأن في تعليله نظراً وهو موافق لطريقة أهل الحديث كما ذكر .
و هو قد قال في موضع آخر من كتبه : « وأما المخالفة وينشأ عنها الشُّذوذ والنَّكارة ، فإذا روى الضَّابط والصَّدوق شيئاً ، فرواه من هو أحفظ منه أو أكثر عدداً بخلاف ما روى بحيث يتعذر الجمع على قواعد المحدِّثين ، فهذا شاذ ، وقد تشتدُّ المخالفة أو يضعف الحفظ ، فيحكم على ما يخالف فيه بكونه منكراً » (3) .
وقال أيضاً : « والأول أقعد بطريقة المحدِّثين » (4) .
وقوله : « وما المانع ... » ، يجاب عنه بقول ابن القيِّم : « وهذه التجويزات لا يلتفت إليها أئمة الحديث وأطباء علله ... ولهم ذَوق لا يحول بينه وبينهم فيه التجويزات والاحتمالات » (5) . وبقول البلقيني : « ولو فتحنا باب التأويلات لاندفع كثير من علل الحديث » (6) .
__________
(1) الفتح (10/446) .
(2) فتح الباري (3/344) .
(3) هدي الساري (ص544) .
(4) تغليق التعليق (5/363) .
(5) حاشية أبي داود (1/169) .
(6) فتح المغيث (3/81) وتدريب الراوي (1/344) .(1/14)
ومن القواعد المتعلقة بهذه القاعدة ، قول أحمد : « أهل المدينة إذا كان الحديث غلطاً يقولون : ابن المنكدر عن جابر . وأهل البصرة يقولون : ثابت عن أنس، يحيلون عليهما » (1) .
وقال أيضاً : « كان ابن المنكدر رجلاً صالحاً ، وكان يعرف بجابر ، وكان يحدِّث عن يزيد الرَّقاشي ، فربَّما حدَّث بالشَّيء مرسلاً ، فجعلوه عن جابر » (2) .
وقد أكثر ابن عدي من قوله : « أسهل عليه » (3) ، في نقده لمن سلك الجادَّة في الأسانيد من الرُّواة .
وقال أبو حاتم في حديث اختلف فيه على هشام بن عروة : « هذا الحديث أفسد حديث روح بن عبادة وبيَّن علته ، وهذا الصَّحيح ، ولا يحتمل أن يكون عن أبيه عن عائشة عن النَّبي - صلى الله عليه وسلم - ، فيروى عن يحيى عن سعيد عن عائشة ، ولو كان عن أبيه كان أسهل عليه حفظاً » (4) .
وقد يرجِّح الحفَّاظ رواية من سلك الجادَّة على رواية من أتى بإسناد غريب ، أو تقل الرِّواية به ، كما سيأتي في قرينة غرابة السَّنَد (5) .
كما قد ترجح هذه القرينة على العدد الكثير لقوتها .
قال البخاري : « حدثنا عاصم بن علي حدثنا ابن أبي ذئب عن سعيد عن أبي شريح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "والله لا يؤمن والله لا يؤمن والله لا يؤمن قيل ومن يا رسول الله قال الذي لا يأمن جاره بوايقه" ، تابعه شبابة وأسد بن موسى وقال حميد بن الأسود وعثمان بن عمر وأبو بكر بن عياش وشعيب بن إسحاق عن ابن أبي ذئب عن المقبري عن أبي هريرة » (6) .
__________
(1) شرح العلل لابن رجب (2/502) .
(2) مسائل أحمد برواية أَبي داود (ص302) .
(3) في عدة مواضع من كتابه الكامل ، منها (1/331و2/144و397) .
(4) العلل لابن أَبي حاتم (2/354) .
(5) ص54) .
(6) الجامع الصحيح (6016) .(1/15)
وعلق ابن حجر على ذلك بقوله : « وإذا تقرر ذلك فالأكثر قالوا فيه : "عن أبي هريرة" فكان ينبغي ترجيحهم . ويؤيده أن الراوي إذا حدث في بلده كان أتقن لما يحدثه به في حال سفره ، ولكن عارض ذلك أن سعيدا المقبري مشهور بالرواية عن أبي هريرة فمن قال عنه : "عن أبي هريرة" سلك الجادة ، فكانت مع من قال عنه : "عن أبي شريح" زيادة علم ليست عند الآخرين ، وأيضا فقد وجد معنى الحديث من رواية الليث عن سعيد المقبري عن أبي شريح كما سيأتي بعد باب ، فكانت فيه تقوية لمن رآه عن ابن أبي ذئب فقال فيه "عن أبي شريح" ومع ذلك فصنيع البخاري يقتضي تصحيح الوجهين ، وإن كانت الرواية عند أبي شريح أصح » (1) .
وبكلِّ حالٍ فإن وقوع الخطأ في الأسانيد المشهورة كان بسبب سلوك الجادة لتعلقه بذهن الرواة ، خصوصاً ممن خفَّ ضبطه ، فكيف بالضُّعفاء !
5. اتفاق البلدان
مما لاشك فيه أن أهل البلد أعرف بحديث شيوخهم من غيرهم ، فأهل المدينة أعرف بحديث نافع ومالك من غيرهم ، وأهل مكة أعرف بحديث عمرو بن دينار ، وأهل البصرة أعرف بحديث قتادة ، وأهل الكوفة أعرف بحديث أبي إسحاق السبيعي ، وأهل مصر أعرف بحديث الليث بن سعد ، وهكذا .
قال حماد بن زيد : « بلديُّ الرجل أعرف بالرَّجل » (2) .
وقدم أبو حاتم الرازي صالح بن كيسان في الزهري على عقيل بن خالد ؛ لأنه حجازيٌّ ؛ قال عبد الرحمن بن أبي حاتم : « سمعت أبى يسأل عن صالح بن كيسان : أحب إليك أو عقيل ؟ قال : صالح أحب إليّ ؛ لأنه حجازي وهو أسنّ ؛ قد رأى ابن عمر ، وهو ثقة يُعَدّ في التابعين » (3) .
__________
(1) الفتح (10/546) .
(2) الكفاية للخطيب (ص133) .
(3) الجرح والتعديل (4/410) .(1/16)
وقال ابن عدي : « سعد بن سعيد يلقب سعدويه جرجاني يكنى أبا سعيد كان رجلا صالحا حدث عن الثوري ...وعن غيره مما لا يتابع عليه ... ولم تؤت أحاديثه التي لم يتابع عليها من تعمد منه فيها أو ضعف في نفسه ورواياته إلا لغفلة كانت تدخل عليه ، وهكذا الصالحين ... ولم أر للمتقدمين فيه كلاما ، كانوا غافلين عنه ، وهو من أهل بلدنا ونحن أعرف به » (1) .
وأعل أبو حاتم الرازي حديث ابن المبارك : (( لاتصلوا إلى القبور ولا تجلسوا عليها )) ، فقال : « الصحيح ما يقوله أهل دمشق ؛ ليس بينهما أبو إدريس ، وقد وَهِم ابن المبارك في زيادته أبا إدريس ؛ لأن بُسْر بن عبيدالله روى عن وَاثِلَة ولَقِيَه ، ولا أعلم أبا إدريس روى عن وَاثِلَة شيئًا ، وأهل الشَّام أضبط لحديثهم من الغرباء » (2) . وقال في موضع آخر : « لأنَّ أهل الشَّام أَعرف بحديثهم » .
وقال أيضاً : « الأوْزاعي أعلم به ، لأنَّ شدَّاداً دمشقي وقع إلى اليمامة ، والأوْزاعي من أهل بلده ، والأوْزاعي أفهم به ... » (3) .
وقال أيضاً مرجِّحاً على الثوريِّ غيرَه في نافع : « أهل المدينة أعلم بحديث نافع من أهل الكوفة » (4) . وقال أيضاً : « يحيى بن حمزة أفهم بأهل بلده » (5) .
6. رواية الرَّاوي عن أهل بيته :
__________
(1) الكامل (4/357-358) .
(2) العلل لابن أَبي حاتم (1/80و369) .
(3) العلل لابن أَبي حاتم (1/173) .
(4) العلل لابن أَبي حاتم (1/311) .
(5) العلل لابن أَبي حاتم (2/52) .(1/17)
مما لا شك فيه أن الرجل أعلم بأهل بيته من غيرهم ، كما أن أهل البلد أعلم بحديثهم . يدل على ذلك ما أخرجه البيهقي في السنن الكبرى ج7/ص108 من طريق محمد بن هارون المسكي قال : سمعت محمد بن إسماعيل البخاري وسئل عن حديث إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن أبي بردة ، عن أبيه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( لا نكاح إلا بولي )) (1) ؟ فقال : (( الزيادة من الثقة مقبولة ، وإسرائيل بن يونس ثقة ، وإن كان شعبة والثوري أرسلاه ، فإن ذلك لا يضر الحديث )) . قال الحافظ ابن حجر بعد ذكره لقول البخاري هذا : « الاستدلال بأن الحكم للواصل دائماً على العموم من صنيع البخاريِّ في هذا الحديث الخاص ليس بمستقيم ، لأنَّ البخاريَّ لم يحكم فيه بالاتصال من أجل كون الوصل زيادة ، وإنَّما حكم له بالاتصال لمعانٍ أخرى رجحت عنده حكم الموصول ، منها أن يونس بن أبي إسحاق وابنيه إسرائيل وعيسى رووه عن أبي إسحاق موصولاً ، ولا شكَّ أن آل الرَّجل أخص به من غيرهم » (2) .
7. اختلاف المجلس
وذلك كأن يروي الرَّاوي حديثاً موصولاً مثلاً في مجلس ، ثم يرسله في مجلس آخر ، فيرجح الوصل لاختلاف المجلس ، ويتضح منه أنَّ الراوي عن ذلك الشيخ لم يهم عليه في الوصل أو الإرسال .
سنن الترمذي ج3/ص407
1101 حدثنا علي ابن حجر أخبرنا شريك ابن عبد الله عن أبي إسحاق وحدثنا قتيبة حدثنا أبو عوانة عن أبي إسحاق ح وحدثنا محمد ابن بشار حدثنا عبد الرحمن ابن مهدي عن إسرائيل عن أبي إسحاق ح وحدثنا عبد الله ابن أبي زياد حدثنا زيد ابن حباب عن يونس ابن أبي إسحاق عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن أبي موسى قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نكاح إلا بولي .
__________
(1) أخرجه أَبُو داود في السنن كتاب النكاح / باب في الولي (2076) والترمذي في جامعه كتاب النكاح / باب 14 (1101) من حديث أَبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - .
(2) النكت لابن حجر (2/606) .(1/18)
وحديث أبي موسى حديث فيه اختلاف رواه إسرائيل وشريك ابن عبد الله وأبو عوانة وزهير ابن معاوية وقيس ابن الربيع عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم وروى أسباط ابن محمد وزيد ابن حباب عن يونس ابن أبي إسحاق عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم . وروى أبو عبيدة الحداد عن يونس ابن أبي إسحاق عن أبي بردة عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه ولم يذكر فيه عن أبي إسحاق وقد روى عن يونس ابن أبي إسحاق عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم أيضا وروى شعبة والثوري عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن النبي صلى الله عليه وسلم لا نكاح إلا بولي وقد ذكر بعض أصحاب سفيان عن سفيان عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن أبي موسى ولا يصح ورواية هؤلاء الذين رووا عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم لا نكاح إلا بولي عندي أصح لأن سماعهم من أبي إسحاق في أوقات مختلفة وإن كان شعبة والثوري أحفظ وأثبت من جميع هؤلاء الذين رووا عن أبي إسحاق هذا الحديث فإن رواية هؤلاء عندي أشبه لأن شعبة والثوري سمعا هذا الحديث من أبي إسحاق في مجلس واحد ومما بدل على ذلك ما حدثنا محمود ابن غيلان قال حدثنا أبو داود قال أنبأنا شعبة قال سمعت سفيان الثوري يسأل أبا إسحاق أسمعت أبا بردة يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نكاح إلا بولي فقال نعم فدل هذا الحديث على أن سماع شعبة والثوري عن أبي إسحاق هذا الحديث في وقت واحد وإسرائيل هو ثقة ثبت في أبي إسحاق سمعت محمد ابن المثنى يقول سمعت عبد الرحمن ابن مهدي يقول ما فاتني من حديث الثوري عن أبي إسحاق الذي فاتني إلا لما اتكلت به على إسرائيل لأنه كان يأتي به أتم .
علل الترمذي ج1/ص155
قال شعبة سمعت الثوري يسأل أبا إسحاق أسمعت أبا بردة عن النبي صلى الله عليه وسلم لا نكاح إلا بولي قال نعم(1/19)
وقال إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم
وتابعه أبو عوانة ويونس ابن أبي إسحاق وشريك وزهير وقيس ابن الربيع .
قال أبو عيسى وحديث أبي بردة عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم عندي أصح والله أعلم وإن كان سفيان وشعبة لا يذكران فيه عن أبي موسى ؛ قد دل في حديث شعبة أن سماعهما جميعا في وقت واحد وهؤلاء الذين رووا عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن أبي موسى سمعوا منه في أوقات مختلفة إن يونس ابن أبي إسحاق قد روى هذا عن أبيه وقد أدرك يونس بعض مشايخ أبي إسحاق وهو قديم السماع وإسرائيل أقدم سماعا من أبي عوانة وشريك وإسرائيل هما من أثبت أصحاب أبي إسحاق بعد شعبة والثوري .
قال ابن رجب : « والذين وصلوه جماعة ، فالظَّاهر أنهم في مجالس متعدِّدة» (1) .
وقال ابن حجر : « ولا يخفى رجحان ما أخذ من لفظ المحدِّث في مجالس متعدِّدة على ما أخذ عنه عرضاً في محل واحد » (2) .
وينبغي التنبه هنا على أن دعوى تعدد المجلس لا تقبل إلا بدليل ، وإلا فالأصل عدمها ؛ قال الحافظ ابن حجر : « فإن قيل : إذا كان الرَّاوي ثقة ، فلم لا يجوز أن يكون للحديث إسنادان عند شيخه حدَّث بأحدهما مروياً وبالآخر من رأيه ؟ .
قلنا : هذا التَّجويز لا ننكره ، لكن مبنى هذا العلم على غلبة الظَّنِّ وللحفَّاظ طريق معروفة في الرُّجوع إلى القرائن في مثل هذا، وإنما يعوَّل في ذلك على النُّقَّاد المطَّلعين منهم » (3) .
وقال أيضاً : « إذا كان مخرج الحديث واحدا فالأصل عدم التَّعدُّد ... » (4) .
8. سعة رواية المختلف عليه
ومعنى ذلك أن يُختلف على راوٍ كثير الرِّواية واسع الحفظ - كقَتادة والزهري ونحوهما - على وجهين من قِبَلِ أصحابه الثِّقات ، فيقبل الوجهان عنه لأجل هذا الأمر.
__________
(1) شرح العلل (1/425) .
(2) النكت لابن حجر (2/607) .
(3) النكت لابن حجر (2/876) .
(4) فتح الباري (11/737) .(1/20)
ولا يعني هذا عدم التَّرجيح لأنه هو الأصل كما سبق .
ومن أمثلته ما تقدَّم قبلُ في قرينة الحفظ ، والخلاف في حديث ميمونة رضي الله عنها .
ومن ذلك أيضاً قول ابن حجر : « ... الزُّهري صاحب حديث فيكون الحديث عنده عن شيخين ، ولا يلزم من ذلك اطَّراده في كل من اختلف عليه في شيخه إلا أن يكون مثل الزُّهري في كثرة الحديث والشُّيوخ » (1) .
277-?وسألتُ أبي وأبا زرعة عن حديثٍ رواه أبو الأَحْوَص ، عن أبي إسحاق ،?عن الْعَيْزَار بن حُرَيْث ، عن أبي بَصِير (2) ، عن أُبَيّ بن كعب، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : (( أَثْقَلُ الصَّلاَةِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ صَلاَةُ العِشَاءِ وَالْفَجْرِ ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا [ لأَتَوْهُما وَلَوْ حَبْوًا ] (3) ، وَإِنَّ (4) الصَّفَّ الأَوَّلِ لَعَلَى (5) مِثْلِ صَفِّ الْمَلائِكَةِ ... ))، الحديث .
قال أبو محمد (6) : ورواه شعبة والحجاج بن أَرْطَاة ، عن أبي إسحاق، عن عبدالله بن أبي بصير ، عن أُبَيّ بن كعب ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .
__________
(1) الفتح (13/18) .
(2) في (ك): (( أبي نصير )).
(3) ما بين المعقوفين ليس في جميع النسخ ولا في المطبوع ، فاستدركته من بعض المصادر التي أخرجته ؛ كـ((المسند )) للإمام أحمد (5/140)، و((صحيح ابن حبان )) (2056/الإحسان).
(4) في (أ) و(ش) و(ف) : (( أن صف الأولى ))، وضبّب عليها ناسخ (أ)، وفي (ت) و(ك) كلمة غير نقروءة ، ثم: (( صف الأولى ))، والتصويب من الموضعين السابقين من ((المسند )) و((صحيح ابن حبان )).
(5) في (ك): (( لعل )).
(6) قوله : (( قال أبو محمد )) ليس في (ف).(1/21)
ورواه الثوري واختلف عنه؛ فقال وكيع: عن الثوري (1) ، وقال غيره: عن أبي إسحاق، عن عبدالله بن أبي بصير ، عن أبي بصير ، عن أُبَيّ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ؟
ورواه زهير (2) بن معاوية وزكريا بن أبي زائدة وجرير بن حازم، عن أبي إسحاق، عن عبدالله بن أبي بصير، عن أبيه، عن أُبَيّ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ؟
فقال أبي : كان أبو إسحاق واسع الحديث (3) ، يُحْتَمَل أن يكون سمع من أبي بصير، وسمع من ابن أبي بصير، عن أبي بصير ، وسمع من الْعَيْزار، عن أبي بصير .
قال أبو زرعة : وهم فيه أبو الأَحْوَص ، والحديث حديث شعبة (4) .
__________
(1) كذا في جميع النسخ ، ويظهر أن الكلام فيه سقط ، وصوابه : (( فقال وكيع: عن الثوري ، عن أبي إسحاق، عن عبدالله بن أبي بصير ، عن أُبَيّ . وقال غيره ... ))، وانظر "مسند الإمام أحمد" (5/140)، و"المستدرك" (1/248). والله أعلم .
(2) في (ك): (( نصير )).
(3) قال أبو حاتم : (( أبو إسحاق السبيعي ثقة ، وهو أحفظ من أبي إسحاق الشيباني ، ويشبَّه الزهري في كثرة الرواية ، واتساعه في الرجال )). "الجرح والتعديل" (6/243).
(4) قال يحيى بن معين: (( حديث أبى إسحاق، عن أبى بصير، عن أبيه، عن أُبىّ بن كعب . قال : هذا يقوله الناس ؛ زهير بن معاوية . وشعبة يقول : عن أبى إسحاق ، عن عبد الله بن أبى بصير ، عن أبى بن كعب ، والقول قول شعبة هو أثبت من زهير )). "تاريخ ابن معين برواية الدوري" (3/370)، وانظر "المستدرك" للحاكم (1/249).(1/22)
قال أبي: وسمعت سليمان بن حرب ؛ قال : أخبرني وهب بن جرير؛ قال : قال شعبة (1) : أبو إسحاق قد سمع من عبدالله بن أبي بصير ، ومن أبي بصير - كلاهما - هذا الحديث (2) .?
684 (3) -?وسألت أبي وأبا زرعة عن حديث(1) (4) رواه يحيى بن سعيد(2)، (5) ووكيع وابن المبارك .
فأما يحيى وابن المبارك وشَبَابَة فإنهم قالوا : عن شُعْبَة ، عن قتادة ، عن أبي أيوب ، عن جُوَيْرَيَة : أنه دخل عليها وهي صائمة يوم الجمعة ، فقال : (( أَصُمْتِ أَمْسِ ؟ )) قالت (6) : لا ...، وذكر الحديث .
وأما وكيع فقال : عن شُعْبَة ، عن قتادة ، عن أبي أيوب : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل على جُوَيرية .
وروى هذا الحديث سعيد بن أبي عَرُوبة ، عن قتادة، عن سعيد بن المسيّب ، عن عبدالله بن عمرو(4): أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل على جُوَيرية(5). (7)
ورواه هَمَّام ، فقال : عن قتادة ، عن أبي أيوب ، عن جُويرية : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل عليها ، تابع شُعْبَة .
__________
(1) في (ك): (( سمعت ))، وكذا في (ت) ولكن حاول الناسخ تصويبها إلى (( شعبة )).
(2) وقد أخرج ابن حبان الحديث (2057/الإحسان) من طريق شعبة ، عن أبي إسحاق ، عن عبدالله بن أبي بصير ، عن أبيه ، وفيه : (( قال شعبة : وقد قال أبو إسحاق : سمعته منه ومن أبيه ))، ثم ساقه .
قال الحاكم في "المستدرك" (1/249): (( وقد حكم أئمة الحديث : يحيى بن معين ، وعلي بن المديني ، ومحمد بن يحيى الذهلي ، وغيرهم لهذا الحديث بالصحة )). ونقل عن علي بن المديني قوله : (( وما أرى الحديث إلا صحيحًا )). وعن محمد بن يحيى الذهلي قوله : (( كلها محفوظة )).
(4) قوله : (( عن حديث )) سقط من (أ)، وهو ملحق بهامش (ش).
(5) في (أ) و(ش): (( عن يحيى بن سعيد )).
(6) في (ت): (( قال )). ... ... ... (4) في (ت) والمطبوع : (( عمر )).
(7) قوله : (( دخل على جُوَيرية )) سقط من (أ) و(ش).(1/23)
وروى هُدْبَةُ(1) (1) مَرَّةً ، فقال : عن هَمَّام، عن قتادة ؛ قال : حدّثنا صاحب لنا عن أبي هريرة : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن صوم يوم الجمعة ، إلا أن يصوموا يومًا قبله ، أو يومًا بعده .
قلتُ(2): ورواه سعيد بن بشير فقال(3): (2) عن قتادة، عن عَيَّاش بن عبدالله ، عن أبي قتادة : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن صوم يوم الجمعة فَرْدًا .
وقال أبي : كلها صحاح ، ما خلا حديث سعيد بن بشير، فإنما هو: عَيَّاش، عن أبي قتادة العَدَوي قوله .
وإنما قلنا : إنها صِحَاحٌ كلها ؛ لأن شُعْبَة قد تابع هَمَّام (3) .
فأما من قال: قتادة، عن سعيد بن المسيب، عن عبدالله بن عمرو(5)، فإن ابن أبي عَرُوبَة حافظ لحديث قتادة . وقال : تابعني(6) عليه مَطَر(7).
وأما حديث أبي هريرة فإنه صحيح أيضًا .
وأما حديث شُعْبَة ، فإن(8) ابن المبارك ويحيى بن سعيد أعلم بحديث شُعْبَة من وكيع .
وقال أبو زرعة: حديث قتادة، عن أبي أيوب ، عن جُوَيرية صحيح.
وحديث سعيد بن المسيب، عن عبدالله بن عمرو أيضًا صحيح.
وحديث أبي هريرة ، حدثنا صاحب لنا ، فهذا لا يُدْرَى كيف هو؟
وفي حديث قتادة مثل ذا كثير ، يُحَدِّث بالحديث عن جماعة .
وحديث سعيد بن بشير لا أحفظه.
9. الخروج عن نظام الأسانيد :
__________
(1) في المطبوع : (( هدابة )). (2) في (ت) والمطبوع: ((قال أبو محمد )) بدل: (( قلت )).
(2) قوله : (( فقال )) سقط من (أ) و(ش).
(3) كذا في جميع النسخ والمطبوع . ... ... (5) في المطبوع : (( عبدالله بن عمر )).
(6) في المطبوع : (( تابع )). ... ... ... (7) في (ت) يشبه أن يكون : (( فطر )). ومطر هو الورَّاق . ... ... ... (8) في (ش): (( قال )).(1/24)
تقدم في مبحث وسائل كشف العلة ذكر كثير من الوسائل التي مكنت الجهابذة النقاد من اكتشاف علل الأحاديث ، ومن ذلك معرفتهم الشاملة بأحوال الرواة وشيوخهم وتلاميذهم ، بحيث إذا جاءهم من يخرج إسنادًا من الأسانيد عن نظامه المعروف عندهم استنكروه ؛ كما يستنكر العروضي بيت الشعر إذا انكسر ، ومن أمثلة ذلك : قول ابن أبي حاتم :
805 (1) -?وسألت أبي(6) (2) عن حديثٍ رواه أبو خالد الأحمر ، عن ابن جُرَيج ، عن عبد الكريم بن مالك ، عن عِكْرِمَة ، عن أنس ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال لرجل يسوق بَدَنَةً : (( ارْكَبْهَا )) ؟
قال أبي : عِكْرِمَة ، عن أنس ليس له نظام ، وهذا حديث لا أدري ما هو !!
711 (3) -?وسألت أبي عن حديثٍ رواه أَسَد بن موسى، عن إسرائيل، عن سِمَاك ، عن عائشة ابنة(2) طلحة، عن عائشة أم المؤمنين؛ قالت : جاءنا النبي - صلى الله عليه وسلم - يومًا فقال : (( هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ طَعَامٍ ؟ )) قلتُ : لا ، فقال(3): (4) (( إِذًا أَصُومُ الْيَوْمَ(4) )). ثم دخل يومًا آخر فقال : (( هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ طَعَامٍ؟ ))، قلتُ له : قد أُهْدِيَ إِلَيَّ حَيْسٌ (5) (5) فقال : (( إِذًا أُفْطِرُ ، وَقَدْ كُنْتُ فَرَضْتُ الصَّوْمَ )) ؟
فقال أبي : هذا حديث مُنْكَر ؛ سِمَاك ، عن عائشة ابنة(2) طلحة ، لا يجيء ، لعلّه دخل له حديث في حديث .
__________
(2) قوله : (( أبي )) سقط من (ك).
(4) في المطبوع زيادة : (( وهو صائم )). ... (2) في المطبوع : (( بنت )).
(2) في (أ) و(ش): (( قال )). ... ... (4) قوله : (( اليوم )) سقط من (ف).
(5) الْحَيْسُ : هو الطعام الْمُتَّخَذُ من التمر والأقط والسَّمن . انظر"النهاية" لابن الأثير (1/467). ... (6) في المطبوع : (( القساني )). ... (7) في (ت): (( فقال )).(1/25)
570 (1) -?وسمعت أبي وحدّثنا عن محمد بن يحيى بن حَسَّان ، عن أبيه، عن مِسْكين أبي فاطمة ، عن حَوْشَب ، عن الحسن ؛ قال : كان أبو أُمَامَة يروي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( إنَّ الْغُسْلَ يَوْمَ الْجُمُعةِ لَيَسُلُّ الخَطَايَا مِنْ أُصُولِ الشَّعْرِ اسْتِلالاً )) .
فقال أبي : هذا منكر ، الحسن عن أبي أمامة لا يجيء ، وَوَهَنَ أمرُ مسكينٍ عندي بهذا (2) الحديث (3) .
2602 (4) - وسألتُ أبي عن حديثٍ رواه أحمد بن محمد من ولد سالم، عن إبراهيم بن حمزة ، عن مَعْن بن عيسى ، عن ابن أخي الزهري (5) ، عن الزهري ، عن أَبَان بن عثمان ، عن أبيه ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : (( مَنْ أَبْغَضَ قُرَيْشًا أَبْغَضَهُ اللهُ، وَمَنْ أَحَبَّ قُرَيْشًا أَحَبَّهُ اللهُ )) ؟
قال أبي : هذا حديث ليس له أصل ، الزهري عن أَبَان (6) بن عثمان لا يجيء (7) (8) .
2350 (9) - وسألتُ أبي عن حديثٍ رواه مسلمة بن عُلَي ، عن هشام بن حسان ، عن عاصم ، عن عَبِيدَة السلماني؛ قال : لا ينبغي لمعلم الكتاب أن يضرب في أدب الغلام أكثر من أربع درات أو قال : ستًا (10) ؟
__________
(2) في (أ): (( من بهذا ))، وضرب على قوله : (( من )).
(3) ستأتي هذه المسألة مكررة برقم (608).
(5) هو : محمد بن عبدالله بن مسلم .
(6) قوله : (( أبان )) سقط من (أ) و(ش).
(7) في (أ) و(ش): (( لا يجوز )).
(8) وذكر الدارقطني هذا الحديث في "العلل" (277)، وذكر رواية ابن أخي الزهري هذه ، ثم قال : (( ولا يصح عن الزهري ))، وذكر رواية عبيدالله بن محمد العَيْشي، عن أبيه محمد بن حفص ، عن عبيدالله بن عمرو بن موسى التيمي ، عن ربيعة بن أبي عبدالرحمن ، عن سعيد بن المسيب ، عن عمرو بن عثمان t ، ثم قال : وضبط إسناده )).اهـ.
(10) كذا في جميع النسخ !(1/26)
قال أبي : هذا خطأ ؛ إنما هو هشام ، عن ابن سيرين ، وعاصم عن عَبِيدَة (1) لا يجيء .
2117 (2) - وسألتُ أبي عن حديثٍ رواه أيوب بن سُوَيْد ، عن أسامة بن زيد ، عن سعيد بن المسيب ، عن سُرَاقَة بن مالك؛ قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( خَيْرُكُمُ الْمُدَافِعُ عَنْ عَشِيرَتِهِ مَا لَمْ يَأْثَمْ )) ؟
قال أبي: روى ابن وَهْب، عن أسامة بن زيد؛ قال: سمعت سعيد بن المسيّب ، ولم أسمع منه غيره ، يقول (3) : لا ربا إلا فيما يُكَال ويُوزَن مما يؤكل ويشرب .
قال أبي : فقد أفسد هذا الحديثُ حديثَ أيوب ، وقد كنت أسمع منذ (4) حين يذكر عن يحيى بن مَعِين؛ أنَّه سُئل عن أيوب بن سُوَيْد ؟ فقال : ليس بشيء ، وسعيد بن المسيّب عن سراقة لا يجيء ، وهذا حديث موضوع ، بابةُ (5) حديث الوَاقِدِي (6) .
__________
(1) في (ك): (( عن ابن سيرين وسالم بن عبيدة )).
(3) في (أ) و(ش): (( قال )).
(4) في (ش): (( منه )).
(5) في (أ) و(ش) و(ف): (( بابه )).
(6) رواه ابو داود (5120) وقال : أيوب بن سويد ضعيف .
وقال المنذري في "مختصر السنن" (8/18): (( في إسناده أيوب بن سويد أبو مسعود الحِميري السَّيباني قدم مصر وحدَّث بها . قال أبو داود - في رواية ابن العبد -: أيوب بن سويد ، وهو ضعيف . وقال يحيى بن معين : ليس بشيء ، كان يسرق الأحاديث . وقال عبد الله بن المبارك : ارْمِ به ، وتكلم واحد . وفي سماع سعيد بن المسيب من سراقة المدلجي نظر ؛ فإن وفاة سراقة كانت سنة أربع وعشرين على المشهور ، ومولد سعيد بن المسيب سنة خمس عشرة على المشهور . وقد روي عن الإمام مالك : أن مولد سعيد بن المسيب لثلاث سنين بقيت من خلافة عمر . وقتل عثمان ، وهو ابن خمس عشرة سنة ، فيكون مولده - على هذا - سنة عشرين ، أو إحدى وعشرين . فلا يصحُّ سماعه منه ، والله عز وجل أعلم )).
وضعفه ابن مفلح في "الآداب الشرعية" (1/88)، وانظر "السلسلة الضعيفة" للألباني (182).(1/27)
1968 (1) -?وسألتُ أبي عن حديثٍ رواه أبو سعيد الأَشَجّ (2) ، عن الحسن بن عيسى الْحَنَفِي، عن مَعْمَر ، عن الزهري ، عن أبي حازم ، عن ابن عباس؛ قال: بينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة إذ قال: (( اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، جَاءَ نَصْرُ اللهِ، وَجَاءَ الْفَتْحُ ، وَجَاءَ أَهْلُ الْيَمَنِ ، قَوْمٌ نَقِيَّةٌ (3) قُلُوبُهُمْ، لَيِّنَةٌ طَاعَتُهُمْ، الإِيمَانُ يَمَانٍ ، وَالْفِقْهُ يَمَانٍ ، وَالْحِكْمَةُ يَمَانِيةٌ )) (4) .
قال أبي : هذا حديثٌ باطل ، ليس له أصل ، الزهري عن أبي حازم لا يجيء .
وسئل أبو زرعة عن هذا الحديث ؟
فقال : هذا حديثٌ منكر ، وأبو حازم لا أظنه الْمَدِينِي (5) .
1284 (6) -?وسألت أبي عن حديثٍ رواه إسماعيل بن أَبَان الوَرَّاق ، عن حفص بن عمر البُرْجُمِي ، عن عبدالله بن عيسى ، عن عُمَارَة بن راشد ، عن عُبَادَة بن نُسَيّ ، عن أبي موسى ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال (7) : (( لا تُطَلِّقُوا النِّسَاءَ إلاَّ عَنْ رِيبَةٍ ، فَإِنَّ (8) اللهَ تَعَالَى يَكْرَهُ الذَّوَّاقِينَ وَالذَّوَّاقَاتِ (9) )) ؟
قال أبي : عُبَادَة ، عن أبي موسى لا يجيء .
__________
(2) هو : عبدالله بن سعيد الكندي .
(3) في (ك): (( نفية )).
(4) رواه ابن جرير في "تفسيره" (24/667). ورواه أيضًا في (24/668) قال : حدثنا ابن عبدالأعلى قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن عكرمة قال : لما نزلت: { إذا جاء نصر الله والفتح }، قال النبي r ...، فذكره .
(5) من قوله : (( وسئل أبو زرعة ....)) إلى هنا ليس في (ت) و(ك).
(7) قوله : (( قال )) سقط من (ك).
(8) في (ك): (( قال )).
(9) يعنب : السَّريعي النكاح ، السَّريعي الطلاق . "النهاية" (2/172).(1/28)
1117 (1) -?وسمعت أبي وحدّثنا عن إسحاق بن بُهْلُول الأَنْبَارِي، عَنِ الحسن بن علي بن عاصم، عَنِ الأَوْزَاعِي، عن واصل (2) ، عن أبي قِلاَبَة (3) : أنه كان لا يرى بأسًا أَن يَسْتَقْرِضَ الرجل الخبز مِنَ الجيران - أو قال: الرغيف (4) -.
قال أبي : الحسن بن على بن عاصم مات قديمًا (5) ، لم يُدْرِكْه (6) ، وهو (7) شيخ . وهذا الحديث لا أدري كيف هو ! واصل ، عن أبي قِلاَبَة
لا يَجِيء ، ولا أعلم أحدًا روى هذا (8) عَنِ الأَوْزَاعِي غيره .
1078 (9) -?وسألت أبي عن حديثٍ رواه عبد الرزاق ، عن مَعْمَر ، عن يحيى بن أبي كَثِير ، عن أبي سلمة ، عن ثَوْبَان ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : أنه كان في جِنَازة ، فأُتِيَ بِدَابَّةٍ ، فَأَبَى أن يركبها ، فلما انصرف أُتِيَ بدابَّة فركب ، فقالوا (10) له الذي أتاه بالدابة أوَّلاً : أُنْزِلَ فيَّ شيء ؟ قال : (( لاَ ، وَلَكنْ لَمْ أَكُنْ لأَرْكَبَ والْمَلائِكَةُ يَمْشُون )) ؟
__________
(2) هو : أبي جميل الشامي .
(3) هو : عبدالله بن زيد الْجَرْمي .
(4) أخرج هذا الحديث بحشل في "تاريخ واسط" (ص146) من نفس الطريق عن أبي قلابة: في الرجل يستقرض الرغيف، فيعطي أكبر منه أو أصغر ، فقال : لا بأس به.
(5) في (ك): (( فدعا )). والحسن بن علي بن عاصم الواسطي هذا مات في حياة أبيه كما قال ابن حبان في "الثقات" (8/170)، وكذا رواه الخطيب في "تاريخه" (7/363) عن الفضل بن سهل ويحيى بن أبي طالب . وأبوه توفي سنة (201 هـ) كما في "تهذيب الكمال" (20/519).
(6) يعني : أن إسحاق بن بهلول لم يدرك الحسن بن علي بن عاصم . وإسحاق كانت ولادته سنة أربع وستين ومائة كما في "سير أعلام النبلاء" (12/489).
(7) أي : الحسن بن علي .
(8) قوله : (( هذا )) سقط من (ك).
(10) كذا في جميع النسخ !(1/29)
قال أبي : هذا حديثٌ خطأ، ليس الحديث من حديث أبي سلمة بن عبد الرحمن ، وأبو سلمة عن ثَوْبَان لا يجيء ؛ إنما هذا حديثٌ يرويه أبو سَلاَّم ، عن ثَوْبَان ، ويحيى بن أبي كثير يروي عن زيد بن سَلاَّم ، عن جده أبي سَلاَّم (1) ، فيحتمل أن يكون أخذه عن زيد ، عن أبي سلاَّم ، عن ثَوْبَان ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وأسقط زيدًا من الوسط ، أو لم يحفظ عنه . ولا أعلم روى أبو سلمة عن ثَوْبَان إلا حديثًا يرويه أبو سعد (2) البَقَّال ، وهو حديث مُنْكَر عن أبي سلمة (3) ، عن ثَوْبَان ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (( مَنْ شَهِدَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلا اللهَ )) .
قال أبي : وأبو سعد (4) البَقَّال لا أعلم سمع من أبي سلمة ، ولا من أبي سَلاَّم ، وإذا رأيت الرجل لا يروي عنه الثوري - وأُراه قال : وشُعْبَة - وقد أدركاه ، فما ظنك به ؟
839 (5) - قال أبو محمد (6) : وسألت (7) أبي عن حديثٍ رواه محمد بن بَشَّار ؛ قال: حدثنا محمد بن خالد بن عثمة ؛ قال : حدثنا سعيد بن بشير الدِّمشقي ، عن قتادة ، عن أبي قِلاَبَة ، عن أبي الشَّعْثَاء ، عن يونس بن شَدَّاد : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : (( أَيَّامُ التَّشْرِيقِ إنَّهَا أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ ))؟
__________
(1) من قوله : (( عن ثوبان ويحيى بن أبي كثير.... )) إلى هنا سقط من (ك).
(2) في (ش) : (( أبو سعيد )).
(3) في (أ) و(ش): (( منكر متصل عن أبي سلمة ))، لكن في (أ) جعل الناسخ الدائرة المنقوطة ( ( ) للفصل بين قوله : (( منكر)) و ((عن أبي سلمة ))، ثم ضرب عليها ، وكتب فوقها ((متصل ))، فإما أنه لحق ، أو قصد إلغاء الفصل ، فإن كان الثاني فهو دليل على أن (ش) منقولة من (أ)، والله أعلم .
(4) في (ش): (( وأبو سعيد )).
(6) قوله : (( قال أبو محمد )) من (ت) و(ك) فقط .
(7) في (ت) و(ك): (( سألت )).(1/30)
قال أبي : هذا إسناد مضطرب ؛ أبو قِلاَبَة عن أبي الشَّعْثَاء لا يجيء؛ وذاك (1) أن الذي يُعْرَفُ : أبو الشَّعْثَاء جابر بن زيد، وأبو قِلاَبَة عن جابر ابن زيد يستحيل ، ويونس بن شَدَّاد لا نعرفه (2) .
ويشبه ذلك : قول البَرْديجي - عن سلسلة : قَتادة عن الحسن عن أنس - : « لا يثبت منها حديث أصلاً من رواية الثِّقات » ، وقال عن سلسلة : قَتادة عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة : « هذه الأحاديث كلها معلولة » .
10. عدم وجود الحديث في كتب الرَّاوي :-
من القرائن التي استند إليها العلماء في إعلال الأحاديث : كون الحديث لا يوجد في كتب الراوي الذي روي عنه ذلك الحديث ؛ كإعلال أبي حاتم الرازي لحديث رواه سفيان بن عيينة ، وذلك فيما رواه ابن أبي حاتم في العلل حين قال :
60 (3) - وسألتُ(7) أبي عن حديثٍ رواه ابن عيينة، عن سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن حَسَّان بن بلال ، عن عمار ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ؛ في تخليل اللحية ؟
قال أبي:لم يحدِّث بهذا أحد سوى ابن عيينة، عن ابن أبي عروبة(1). (4)
قلتُ : هو صحيح ؟
__________
(1) في (ت) و(ك): (( وذلك )).
(2) في (أ) و(ف) و(ش): (( أو لا نعرفه ))، وفي (ك): (( لا يعرفه ))، والمثبت من (ت).
ولم أجد من نقل كلام أبي حاتم هذا عن يونس بن شدّاد مع أهميته ، فالرجل معدود في الصحابة .
(4) قال الطبراني في "الأوسط" (2395): (( لم يرو هذا الحديث عن قتادة إلا سعيد، تفرد به سفيان )). ... ... ... (2) قوله : (( أبي )) سقط من (ك).(1/31)
قال : لو كان صحيحًا لكان في مُصَنَّفات ابن أبي(2) عروبة ، ولم يذكر ابن عيينة في هذا الحديث الخبر(3)، (1) وهذا أيضًا مما يوهِّنُهُ (4). (2)
وتقدم في ذكر أسباب العلة قول أبي حاتم أيضاً : « هذا الحديث ليس هو في كتاب أبي صالح عن الليث ، نظرت في أصل الليث ، وليس فيه هذا الحديث » (3) .
وهناك جملة في كلام الأئمة على هذا النسق .
__________
(1) قوله : (( الخبر )) سقط من (ت) و(ك). والذي يظهر أن قوله : (( الخبر )) ليس في نسخة "العلل" التي عند ابن دقيق العيد ؛ لأنه عندما وصل نقله عن "العلل" إلى هذا الموضع قال : (( وفهمت من المكتوب هاهنا ما معناه : أن ابن عيينة لم يذكر في هذا الحديث السماع ، أو الخبر ، أو ما يقارب هذا ))، ثم تابع نقله فقال : (( وهذا أيضًا مما يوهنه )). والله أعلم .
(2) قال البخاري في"التاريخ الكبير" (3/31): (( وروى ابن عيينة، عن عبدالكريم: قال حسان بن بلال، عن عمار: خلل النبي r لحيته،ولم يسمع عبدالكريم من حسان.
وقال ابن عيينة مرة : عن سعيد ، عن قتادة ، عن حسان ، عن عمار ، عن النبي r، ولا يصح حديث سعيد )).اهـ.
وقال ابن عيينة : ((لم يسمع عبدالكريم من حسان بن بلال حديث التخليل )). انظر "جامع الترمذي"(30)، و"العلل الكبير" للترمذي (ص33-34)، و"الضعفاء" للعقيلي (3/63).ووقع عند الحاكم في "المستدرك"(1/149): (( سفيان،عن عبدالكريم الجزري، عن حسان بن بلال ، أنه رأى عمار بن ياسر ... ))، فذكره ، وقال : (( صحيح )). ...
قال الحافظ في "إتحاف المهرة" (11/720): (( قوله :« إنه صحيح » غير صحيح ))؛ بل هو معلول ، وما وقع عنده في نسب عبدالكريم وَهْم ، وإنما هو : أبو أمية ، وقد ضعفه الجمهور )).اهـ. ... ... ... ... ... ... ... =
= وقال أيضًا : (( قد بيَّن ابن المديني علة هذا الحديث ، فقال : (( لم يسمعه قتادة إلا من عبدالكريم ، والله أعلم )).اهـ. ... ... (1) هو : ابن يزيد .
(3) العلل لابن أَبي حاتم (2/353) .(1/32)