ليلى وابن شبرمة والأوزاعي
قال الخطيب ولا تورد من ذلطك إلا ما ثبتت عدالة رجاله واستقامت أحوال رواته يعني فإنك بصدد الاحتجاج والاستدلال المطلوب فيه الاحتياط بخلاف المسانيد ومن هنا كانت أعلى رتبة كما سبق قبيل الضعيف
قال الخطيب فإن لم يصح في الباب حديث مسند فاقتصر على إيراد الموقوف والمرسل قال وهذان النوعان أكثر ما في كتب المتقدمين إذا كانوا الكثير من المسندات مستنكرين وقد قال أبو نعيم الفضل بن دكين لمحمد ابن يحيى بن كثير سلني ولا تسألني عن الطويل ولا المسند أما الطويل فكنا لا نحفظ وأما المسند فكان الرجل إذا والى بين حديثين مسندين رفعنا إليه رؤوسنا استنكارا لما جاءه انتهى
والاقتصار في الأبواب على ما ثبتت عدالة رواته هو الأولى وبذلك صرح شيخنا فقال والأولى أن تقتصر على ما صح أو حسن فإن جمع الجميع فليبين علة الضعيف
قال ابن دقيق العيد ولتكن عنايته بالأولى فالأولى ونحن نرى أن أهمها ما يؤدي إلى معرفة صحيح الحديث قال ومن الخطأ الاشتغال بالتتمات والتكملات مع تضيع المهمات وليتحر العبارات الواضحة والاصطلاحات المستعملة ولا تقصد بشيء منه المكاثرة قال ابن الصلاح
وعليه في كل ذلك تصحيح القصد والحذر من قصد المكاثرة ونحوه وقد بلغني عن حمزة بن محمد الكتاني أنه أخرج حديثا واحدا من نحو مائتي طريق فأعجبه ذلك فرأى يحيى بن معين في منامه فذكر له ذلك فقال له أخشى أن تدخل هذا تحت ألهاكم التكاثر وقد رووا أي الأئمة من المحدثين وغيرهم كراهة الجمع والتأليف لذي تقصير عن بلوغ مرتبته لأنه إما أن يتشاغل بما سبق به أو بما غيره أولى منه أو بما لم يتأهل بعد لاجتناء ثمرته (2/390)
واقتناص فائدة جمعه ولذا قال ابن المدني إذا رأيت المحدث أول ما يكتب الحديث يجمع حديث الغسل وحديث من كذب علي فأكتب على قفاه لا يفلح ونحوه قول الذهبي كما سيأتي في الباب الذي يليه إذا رأيت المحدث يفرح بعوالي أبي هدية ويعلى بن الأشدق وسمى غيرهما فأعلم أنه عامي بعد
ولله در القاضي أبي بكر بن العربي حيث قال ولا ينبغي لمصنف يتصدى إلى تصنيف أن يعدل عن غرضين إما أن يخترع معنى أو يبدع وضعا ومبنى وما سوى هذين الوجهين فهو تسويد الورق
والتحلي بحلية السرق وكذلك رأي الأئمة كراهة الإخراج ممن يصنف لشيء من تصنيفه إلى الناس بلا تحرير وتهذيب وتكرير لنظره فيه وتنقيب قال ابن المعتز لحظة القلب أسرع خطوة من لحظة العين وأبعد غاية وأوسع مجالا وهي الغائصة في أعماق أودية الفكر ولمتأمله لوجوه العواقب والجامعة بين ما غلب وحضر والميزان الشاهد على ما نفع وضر والقلب كالمملي للكلام على اللسان إذا نطق واليد إذا كتبت فالعاقل يكسو المعاني وشيء الكلام في قلبه ثم يبدئها بألفاظ كواش في أحسن زينة والجاهل يستعجل بإظهار المعاني قبل العناية بتزيين معارضها واستكمال محاسنها
وليعلم كما قال هلال ابن العلاء أنه يستدل على عقل المرء بعد موته بتصنيفه أو شعره أو رسالته أو كما قال الأصمعي إن الإنسان في سلامة من أفواه الناس ما لم يضع كتابا أو يقل شعرا وكما قال العتابي إن من صنف فقد استشرف للمديح والذم فإن أحسن فقد استهدف للحسد والغيبة وإن أساء فقد تعرض للشتم واستقذف بكل لسان ونحوه ما نقله القاضي أبو يعلى بن الفراء عن عبد الله بن المقفع أنه قال من صنف استهدف فإن أحسن فقد استعطفا وأن أساء فقد استقذف (2/391)
تم بحمد الله الجزء الثاني ويليه الجزء الثالث وأوله باب أقسام العالي من السند والنازل (2/392)
0 (3/0)
0 (3/0)
20 - 0 والتقي ابن حاتم أو النجم بن رذين أو الصلاح الزقناوي أو غيرهم ممن هو في طبقتهم أعلى ممن رواه لنا عن عائشة ابنة عبد الهادي وإن اشترك الجميع في روايتهم له عن الحجار بتأخر وفاة عائشة عن الجميع
وكذا سماعنا لمسلم ممن رواه لنا عن التقي بن حاتم أو النجم البالسي أو التقي الدجوي أو غيرهم ممن هو في طبقتهم أعلى منه ممن رواه لنا عن الشرف ابن الكويك وإن اشترك الجميع في روايتهم له عن الزبير عبد الرحمن بن عبد الهادي لتأخر وفاة ابن الكويك عن الجميع ومثل له ابن الصلاح بأن روايته عن شيخ عن آخر عن البيهقي عن الحاكم أعلى من روايته عن شيخ عن آخر عن أبي بكر بن خلف عن الحاكم وإن تساوى الإسناد في أن العدد لتقدم وفاة البيهقي على ابن خلف البيهقي مات في سنة ثمان وخمسين وأربعمائة والآخر مات في سنة سبع وثمانين وأربعمائة
وممن صرح بهذا القسم في العلو أبو يعلى الخليلي في الإرشاد وقال قد يكون الإسناد يعلو أعلى غيره بتقدم موت رواية وإن كانا متساويين في العدد
وكذا صرح به ابن طاهر في تصنيفه المشار إليه ومثله برواية الحسن عن أنس الحديث أنه صلى الله عليه و سلم كان يخطب يوم الجمعة إلى جنب خشبة فإنها أعلى من رواية حميد عنه لأن وفاة الحسن كانت في رجب سنة عشر ومائة
ووفاة حميد في سنة ثلاث وأربعين ومائة قال فلا يكون الإسناد إلى الحسن مثل الإسناد إلى حميد وإن استويا في المرتبة بل الطريق إلى الحسن أعلى وأجل قال ثم إن الراوي لهذا عن الحسن بن المبارك بن غضالة وتوفى في سنة ست وستين ومائة والراوي له عن حميد هو يزيد بن هارون وتوفى في سنة ست ومائتين قال وقد يقع في طبقات المتأخرين ما هو أعجب من هذا فإن البخاري حدث في كتابه عن أحمد بن أبي داود أبي جعفر المنادي واسمه على المعتمد محمد لا أحمد عن روح بن عبادة بحديث (3/0)
0 (3/0)
0 (3/0)
0 (3/0)
3 (3/1)
بسم الله الرحمن الرحيم
أقسام العالي من السند والنازل
( وطلب العلو سنة وقـــد ... فضل بعض النزول وهــو رد )
( وقسموه خمسة فـــالأول ... قرب من الرسول وهو الأفضل )
( إن صح الإسناد وقسم القرب ... إلى إمام وعلو نســـــبي )
( بنسبة للكتب الستـــة إذ ... ينزل متن من طريقها أخـــذ )
( فإن يكن في شيخه قد وافقه ... مع علو فهو الموافقــــــة )
( أو شيخ شيخه كذاك فالبدل ... وإن يكن ساواه عدا قد حصـل )
( فهو المساواة وحيث راجحه ... الأصل بالواحد فالمصافحــــة )
( ثم علو قــدم الوفــاة ... أما العلو لا مع التفــــــات )
( لآخر فقيل للخمسيـــنا ... أو الثلاثين مضت سنيـــــنا )
( ثم علو قدم السمـــاع ... وضده النزول كالأنـــــواع )
( وحيث ذك فهو ما لم يجـبر ... والصحة العلو عند النظـــــر ) (3/2)
أقسام العالي من السند والنازل
وبيان فضلهما وما يلتحق بذلك من بيان الموافقة والبدل والمصافحة والمساواة أصل الإسناد أولا خصيصة فاضلة من خصائص هذه الأمة وسنة بالغة من السنن المؤكده كما أشرت إليه قبيل مراتب التعديل
وقد روينا من طريق أبي العباس الدغولي قال سمعت محمد بن حاتم بن المظفر يقول إن الله أكرم هذه الأمة وشرفها وفضلها بالإسناد وليس لأحد من الأمم كلها قديمها وحديثها إسناد إنما هو صحف في أيديهم وقد خلطوا بكتبهم أخبارهم فليس عندهم تمييز بين ما نزل من التوراة والإنجيل وبين ما ألحقوه بكتبهم من الأخبار التي أخذوها عن غير الثقات وهذه الأمة إما تنص الحديث عن الثقة المعروف في زمانه المشهور بالصدق والأمانة عن مثله حتى تناهى أخبارهم ثم يبحثون أشد البحث حتى يعرفوا الأحفظ فالأحفظ والأضبط فالأضبط والأطول مجالسة لمن فوقه ممن كان أقل مجالسة ثم يكتبون الحديث من عشرين وجها أو أكثر حتى يهذبوه من الغلط والزلل ويضبطون حروفه ويعدوه عدا فهذا من أفضل نعم الله على هذه الأمة فليوزع الله شكر هذه النعمة
وقال أبو حاتم الرازي لم يكن في أمة من الأمم منذ خلق الله آدم أمة يحفظون آثار الرسل إلا في هذه الأمة
وقال أبو بكر محمد بن أحمد بلغني أن الله خص هذه الأمة بثلاثة أشياء لم يعطها من قبلها الإسناد (3/3)
وعند الحاكم في ترجمة عبد الله بن طاهر من تاريخه بسنده إلى إسحاق بن إبراهيم الحنظلي قال كان عبد الله بن طاهر إذا سألني عن حديث فذكرته له بلا إسناد سألني عن إسناده ويقول رواية لحديث بلا إسناد من عمل الزمني فإن إسناد الحديث كرامة من الله عز و جل لأمة محمد ولذا قال ابن المبارك الإسناد من الدين لولا الإسناد لقال من شاء ما شاء
وفي رواية عنه مثل الذي يطلب أمر دينه بلا إسناد كمثل الذي يرتقي السطح بلا سلم
وفي رواية عنه كما في مقدمة مسلم بيننا وبين القوم القوائم يعني الإسناد وقال أيضا لم سأله عن حديث عن الحجاج بن دينار عن النبي صلى الله عليه و سلم كما في المقدمة أيضا إن بين الحجاج وبين النبي صلى الله عليه و سلم مفاوز تنقطع فيها أعناق المطي وعن الشافعي قال مثل الذي يطلب الحديث بلا إسناد كمثل حاطب ليل
وعن الثوري قال للإسناد سلاح المؤمن فإذا لم يكن معه سلاح فبأي شيء يقاتل وقال بقية ذاكرت حماد بن زيد بأحاديث فقال ما أجودها لو كان لها أجنحة يعني الأسانيد وقال مطر في قوله تعالى ( أو أثارة من علم ) قال إسناد الحديث
وطلب العلو الذي هو قلة الوسائط في السند أو قدم سماع الراوي أو وفاته سنة عمن سلف كما قاله الإمام أحمد بل قال الحاكم إنه سنة صحيحة متمسكا في ذلك بحديث أنس في مجيء ضمام بن ثعلبة إلى النبي صلى الله عليه و سلم يسمع منه مشافهة ما سلف سماعه له من رسوله إليهم إذ لو كان العلو غير مستحب لأنكر صلى الله عليه و سلم ‡سؤاله عما أخبر به رسوله عنه وترك اقتصاره على (3/4)
خبره له ولكن إنما يتم الاستدلال بذلك على اختيار البخاري في أن قول ضمام آمنت بما جئت به إخبار وهو الذي رجحه عياض ولكنه قال إنه حضر بعد إسلامه مستثبتا من رسول الله صلى الله عليه و سلم لما أخبر به رسوله إليهم لأنه قال في حديث ثابت عن عند مسلم وغيره فإن رسولك زعم وقال في رواية كريب عن ابن عباس عند الطبري أتتنا كتبك وأتتنا سلك
أما على القول بأن قوله آمنت إنشاء كما هو مقتضى صنيع أبي داود حيث ذكره في باب ما جاء في المشرك يدخل المسجد ورجحه القرطبي متمسكا فيه بقوله زعم فإن الزعم القول الذي لا يوثق به فيما قاله ابن السكيت وغيره فلا فإنه حينئذ إنما يكون مجيئه وهو شاك لكونه لم يصدقه وأرسله قومه ليسأل لهم
قال شيخنا وفيه نظر أما أولا فالزعم يطلق أيضا على القول المحقق كما نقله أبو عمر الزاهد في شرح فصيح شيخه ثعلب وأكثر سيبويه من قوله زعم الخليل في مقام الاحتجاج وأما ثانيا فلو كان إنشاء لكان طلب معجزة توجب له التصديق على أن القرطبي استدل به على صحة إيمان المقلد للرسول ولو لم تظهر له معجزة وكذا أشار إليه ابن الصلاح وبالجملة فطرقه الاحتمال ولم يتعين أن يكون ضمام قصد العلو وكذا نازع بعضهم في كونه قصد ذلك بقوله في باقي الخبر وأنا رسول من ورائي وعلى تقدير تحتم قصد العلو فعدم الإنكار يحتمل أن يكون لكونه جائز ولكن قد استدل له بقول النبي صلى الله عليه و سلم لتميم الداري لما رآه كما في بعض طرق حديثه في الجساسة يا تميم حدث الناس بما حدثتني وبقوله أيضا خير الناس قرني الحديث فإن العلو يقربه من القرون الفاضلة
وقد قال بعضهم من أدرك إسنادا عاليا في الصغر رجا عند الشيخوخة والكبر أن يكون من قرن أفضل من الذي هو فيه والذي بعده ويليه ويشير (3/5)
إليه قول محمد بن أسلم الطوسي قرب الإسناد قرب أو قال قربة إلى الله عز و جل فإن القرب من الرسول بلا شك قرب إلى الله ونحوه قول أبي حفص بن شاهين في جزء ما قرب سنده من رسول الله صلى الله عليه و سلم من تخرجه نرجو بهذه الأحاديث أن نكون من جملة من قال النبي صلى الله عليه و سلم خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم أسند إلى زراره بن أوفى قال القرن مائة وعشرون عاما قلت وهذا أقصى ما قيل في تحديده ولكن أشهره ما وقع في حديث عبد الله بن بسر عند مسلم مما يدل على أن القرن مائة
ويمكن الاستدلال للعلو أيضا بأنه صلى الله عليه و سلم لما أخبره عبد الله ابن زيد عن رؤيته في المنام الأذان وأعلمه بألفاظه وكيفيته قال له ألقه على بلال ولم يلقه صلى الله عليه و سلم بنفسه وكذا مما استدل به له استحباب الرحلة إذ في الاقتصار على النازل كما قال الخطيب إبطال لها وتركها وقد رحل خلق من العلماء قديما وحديثا إلى الأقطار البعيدة طلبا للعلو كما قدمنا
قال الإمام أحمد وكان أصحاب عبد الله يرحلون من الكوفة إلى المدينة فيتعلمون من عمر ويسمعون منه وهذا كله شاهد لتفصيل العلو وهو المشهور بل لم يحك الحاكم خلافه وحينئذ فلا يكتفي لسماع النازل مع وجود العالي
وقد حكى الخطيب في الاكتفاء وعدمه مذهبين وذكر من أدلة الأول قول البراء رضي الله عنه ليس كلنا كان يسمع حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم كانت لنا ضياع وأشغال ولكن الناس لم يكونوا يكذبون يومئذ فيحدث الشاهد الغائب وقول حماد بن زيد كنا نكون في مجلس أيوب السختياني فنسمع رجلا يحدث عن أيوب فنكتبه منه ولا نسأل من أيوب عنه
وقد فضل بعض من أهل النظر كما حكاه ابن خلاد والخطيب غير معنيين له النزول فإن العلو كما قال بعض الزهاد من زينة الدنيا (3/6)
قال ابن دقيق العيد وهو كلام واقع فالغالب على الطالبين ذلك
قال وقولهم العلو قرب من الله يحتاج إلى تحقيق وبحث وكأنه لما لعله يتضمن من إثبات الجهة وذلك غير مراد ولأنه يجب على الراوي أن يجتهد في معرفة جرح من يروي عنه وتعديله والاجتهاد في أحوال رواة النازل أكثر فكان الثواب فيه أوفر
قال ابن الخلاد وهذا مذهب من يزعم أن الخبر أقوى من القياس يعني من جهة البحث والله أعلم في الخبر أكثر منه في القياس الجلي أو لأن تقديم النازل مع اشتماله على كثرة الوسائط المقتضية لتكثير الخبر يتضمن ترجيح الخبر في الجملة ويساعد هذا القول ظاهر قول ابن مهدي لا يزال العبد في فسحة من دينه ما لم يطلب الإسناد يعني التعالي فيه واستعمال بعض بلا إضافة قليل كما قدمته في غير من مراتب الصحيح وهو أي القول بتفضيل النزول رد أي مردود على قائله لضعفه وضعف حجته كما قال ابن الصلاح لأن كثرة المشقة فيما قال ابن دقيق العيد ليست مطلوبة لنفسها قال ومراعاة المعنى المقصود من الرواية وهو الصحة أولى وأيده المصنف بأنه بمثابة من يقصد المسجد للجماعة فيسلك الطريق البعيدة لتكثير الخطأ رغبة في تكثير الأجر وإن أداه سلوكها إلى فوت الجماعة التي هي المقصود وذلك أن المقصود من الحديث التوصل إلى صحته وبعد الوهم كلما كثر رجال الإسناد تطرق إليه احتمال الخطأ والخلل وكلما قصر السند كان أسلم
وسبقه الخطيب فقال ومنهم أي ومن أهل النظر من يرى أن سماع العالي أفضل لأن المجتهد مخاطر وسقوط بعض الإسناد مسقط لبعض الاجتهاد وذلك أقرب إلى السلامة فكان أولى
وكذا قال ابن الصلاح العلو ببعد الإسناد من الخلل لأن كل رجل (3/7)
من رجاله يحتمل أن يقع الخلل من جهته سهوا أو عمدا ففي قلتهم قلة جهات الخلل وفي كثرتهم كثرة جهات الخلل قال وهذا جلي واضح
ونحوه قول ابن دقيق العيد لا أعلم وجها جيدا لترجيح العلو إلا أنه أقرب الصحة وقلة الخطأ فإن الطالبين يتفاوتون في الإتقان والغالب عدم الإتقان فإذا كثرت الوسائط ووقع في كل واسطة تساهل ما كثر الخطأ والزلل وإذا قلت الوسائط قل انتهى
وهذا موافق لما ذكره الأصوليون في ترجيح ما قلت وسائطه على ما كثرت لأن احتمال الغلط فيما قلت وسائطه أقل ثم إن علل به تفضيل النزول قد يوهم أن الحكم كذلك ولو كان راوي العالي أحفظ أو أوثق أو أضبط ونحو ذلك وليس كذلك جزما كما أنه إذا انضم إلى النزول الإتقان وكان العلو بضده لا ترد وكما قاله ابن دقيق العيد في أن النزول أقوى
ونحوه قول المصنف وسأذكر المسألة آخر الباب وحينئذ فمحل الاختلاف عند التساوي في جميع الأوصاف ما عدا العلو ومع ذلك فالعلو أفضل وطلبه وكما قال ابن طاهر من علو همة المحدث ونبل قدره وجزالة رأيه ولذا أجمع أهل النقل على طلبهم له ومدحهم إياه حتى أن البخاري لم يورد في صحيحه حديث مالك من جهة الشافعي لكونه لا يصل لمالك من طريقه إلا بواسطتين وهو قد استغنى عن ذلك بإدراكه لأصحابه كالقعنبي فلم ير النزول مع إمكان العلو
وقال الإسماعيلي ولهذا اعتمد البخاري في كثير من حديث الزهري على شعيب إذ كان من أحسن ما أدركه من الإسناد وأقل من الرواية من طريق معمر لأن أكثر حديث معمر وقع له بنزول على أن البخاري قد روى عن جماعة ممن سمع منهم تلميذه مسلم بواسطة بينه وبينهم كأحمد بن محمد بن حنبل وأحمد بن منيع وداود ابن رشيد وسريج بن يونس وسعيد بن (3/8)
منصور وعباد بن موسى الختلي وعبيد الله بن معاذ وهارون بن معروف مع أن فيهم من روى عنه بدونها إما لكونه لم يسمع تلك الأحاديث إلا منهم أو لغير ذلك كما بسطت ذلك في محله وقيل لابن معين في مرضه الذي مات فيه ما تشتهي قال بيت خال وإسناد عال
وقد قسموه أي قسم الفضل بن طاهر وابن الصلاح ومن تابعهما العلو خمسة من الأقسام مع اختلاف كلامي المذكورين في ماهية بعضهما وهي ترجع إلى علو مسافة وهو قلة الوسائط وإلى علو صفة
فالأول من الأقسام مما هو علو مسافة علو مطلق وهو ما فيه قرب من حيث العدد من الرسول صلى الله عليه و سلم ثم تارة يكون بالنظر لسائر الأسانيد وتارة بالنسبة إلى سند آخر فأكثر يرد به ذلك الحديث بعينه عدده أكثر وهذا القسم هو الأفضل الأجل من باقي أقسامه وأعلى من سائر العوالي ولكن محله إن صح الإسناد بالنقل لأن القرب من ضعفه بسبب بعض رواته لا اعتداد به ولا التفات إليه خصوصا أن اشتداد الضعف حيث كان من طريق بعض الكذابين الذين ادعوا السماع من الصحابة كأبي هدبة إبراهيم بن هدبة وخراش ودينار وعثمان بن الخطاب المغربي أبي الدنيا الأشخ وكثير بن سليم وموسى الطويل ونافع أبي هرمز ونجدة الحروري ويسر مولى أنس ويعلى بن الأشدق ونعيم بن سالم وأبي خالد السقا أو ادعى فيهم الصحبة كجبير بن الحارث والربيع بن محمود الماردني ورتن وسرباتك الهنديين ومعمر ونسطور أو بن نسطور الرومي ويسر بن عبيد الله الآتي التنبيه عليهم في الصحابة
وقد أنشد الحافظ السلفي فيما رويناه عنه قوله حديث ابن نسطور ويسير ونعيم وقول أشج الغرب ثم خراش ونسخة دينار وأخبار تربه أبي هدبة البصري القيسي شبه فراش وغرزهما محمد بن جابر الودياشي بثالث رتن ثامن (3/9)
والمارديني تاسع وربيع بن محمود وذلك فاش ولو قال كذا رتن لكان أصلح وقد نظم غالب الصنفين الحافظ بن ناصر الدين فقال
( إذا جاء مرفوعا حديث لستة ... فعد ولا تقبل فذاك تخرص )
( رتن وابن نسطور ويسر ومعمر ... وسرباتك ثم الربيع المقلص )
( ولا تقبلوا عن صاحب قول نجدة ... أبي خالد السقا ونعيم فاحرصوا )
( ويسر ودينار خراش أشجع مع ... فتى بكر دار ابن هدبة يرقص )
وتمييز صحيح العالي من سقيمه يعسر على المبتدي ويسهل على العارف ولأجل ذلك قال الذهبي في ميزانه متى رأيت المحدث يفرح بعوالي أبي هدبة وسمى غيره ممن سميناهم وأضرابهم فاعلم أنه عامي بعد وسبقه صاحب شرف أصحاب الحديث فقال تبعا للحاكم والخليلي ليس العالي من الإسناد ما يتوهمه عوام الناس يعدون الأسانيد فما وجدوا منها أقرب عدد إلى الرسول صلى الله عليه و سلم يتوهمونه أعلى كنسخة الختم بن أبان عن أبان عن أبي هدبة عن أنس ونسخة خراش وسمي بعض من ذكر وهذه لا يحتج بشيء منها ولا يوجد في مسانيد العلماء منها حديث واحد قالوا وأقرب ما يصح من الأسانيد بعدد الرجال نسخة يزيد بن هارون عن كل من سليمان التيمي وحميد كلاهما عن أنس انتهى
ومن العجيب أن شيخ شيوخنا السراج بن الملقن مع جلالته عقد مجلس الإملاء فأملى كما قال شخنا المسلسل بالأولية ثم عدل إلى أحاديث خراش واضرابه من الكذابين فرحا بعلوها قال شيخنا وهذا مما يعيبه أهل النقد ويرون أن النزول حينئذ أولى من العلو لأنه عندهم كالعدم انتهى
وأعلى ما يقع لنا ما بين القدماء من شيوخنا وبين النبي صلى الله عليه و سلم فيه بالإسناد (3/10)
الصحيح عشرة أنفس وذلك من الغيلانيات وجزء الأنصاري وجزء ابن عرفة وجزء الغطريف وغيرها بل وتقع ولي العشاريات بالسند المتماسك من المعجم الصغير للطبراني وغيره ولا يكون الآن في الدنيا أقل من هذا العدد
وكذا وقعت العشاريات لشيخي بالأسانيد المتماسكة ولشيوخه بالأسانيد الصحيحة ونحوها وأملى من ذلك جملا وخرج منها من مرويات شيخه التنوخي مائة وأربعين حديثا ومن مرويات شيخي المصنف ستين كمل بها الأربعين التي كان الشيخ خرجها لنفسه وأفردت التساعيات من حديث جماعة من شيوخ شيوخه كالقاضي عز الدين بن جماعة وأبي عبد الله البياني وكذا لأبي علي الحسن بن علي اللخمي الصيرفي وأبي حبان التساعيات
وأفردت الثمانيات من حديث من بيننا وبينه واسطتان كالنجيب الحراني ومؤنسه خاتون وكذا للرشيد العطار والضياء المقدسي والسباعيات لمن بيننا وبينه ثلاثة وسائط كأبي جعفر الصيدلاني والسداسيات لمن بيننا وبينه خمسة كأبي عبد الله الرازي وزاهر بن طاهر والخماسيات لمن بيننا وبينه خمسة أيضا كأبي الحسين بن النقور وزاهر بن طاهر أيضا
وأفردت من سنن الدارقطني والرباعيات لمن بيننا وبينه سبعة كأبي بكر الشافعي وهي أعلى في صحيح مسلم و السنن للنسائي
وأما الثلاثيات ففي مسند أمامنا الشافعي وغيره من حديثه منها جملة وكذا الكثير في مسند الإمام أحمد وما ينيف عن عشرين حديثا في صحيح البخاري وحديث واحد كل من أبي داود والترمذي وخمسة أحاديث في ابن ماجه لكن من طريق بعض المهتمين وفي معاجم الطبراني منها اليسير و الثنائيات في موطأ الإمام مالك و الواحدان في حديث الإمام أبي حنيفة لكن بسند مقبول إذ المعتمد أنه لا رواية له عن أحد من الصحابة (3/11)
والثاني من الأقسام علو نسبي وهو قسم القرب من إمام من أئمة الحديث ذي صفة علية من حفظ وفقه وضبط كالأعمش وابن جريج والأوزاعي وشعبة والثوري والليث ومالك وابن عيينة وهشيم وغيرهم ممن حدث عن التابعين وكذا ممن حدث عن غيرهم كل ذلك آت والإسناد إليه كما سلف في الذي قبله وأقل ما بيني وبين هؤلاء بالسند الجيد تسعة وسائط إلا هشيما فثمانية وحديثه في جزء ابن عرفة
ثم سواء كان العدد في هذا القسم من ذاك الإمام إلى منتهاه عاليا كابن عيينة عن كل من الزهري وحميد وغيرهما عن أنس أو نازلا كابن عيينة عن محمد بن عجلان عن بكير بن عبد الله بن الأشج عن معمر بن أبي حبيب عن عبيد الله بن عدي بن الحبار عن عمر بن الخطاب ولكنه في العالي الغاية القصوى
وقد أدرج شيخنا في هذا القسم العلو إلى صاحب تصنيف كالصحيحين والكتب الستة وغيرها مما بيني وبين كل واحد منهم ثمانية وسائط وأفرده ابن دقيق العيد في قسم مستقل وكذا ابن طاهر في تصنيفه في هذا النوع لكنه جعله قسمين أحدهما العلو إلى صاحبي الصحيحين وأبي داود وأبي حاتم وأبي زرعة وثانيهما إلى ابن أبي الدنيا والخطابي وأشباههما وإن كان أكثر حديث هؤلاء يقع لنا بعلو من غير جهتهم وربما يكون عاليا عندهم أيضا
والثالث من الأقسام ولم يفصله شيخنا عن الذي قبله ولا يؤخذ من كلام ابن طاهر إلا ضمنا علو نسبي لكن مقيد أيضا بنسبة للكتب الستة التي هي الصحيحان و السنن الأربعة خاصة لا مطلق الكتب على ما هو الأغلب من استعمالهم ولذا لم يقيده ابن الصلاح بها ولكنه قيده بالصحيحين وغيرهما من الكتب المعروفة المعتمدة وهو الذي مشى عليه الجمال ابن الظاهري وغيره من المتأخرين حيث استعملوه بالنسبة لمسند أحمد ولا (3/12)
مشاحة فيه إذ ينزل متن من طريقها أخذ أي نقل وذلك كأن يقع لنا حديث في فوائد الخلعي من طريق الحسن الزعفراني عن ابن عيينة فهذا بيننا وبين ابن عيينة فيه تسعة فهو أعلى مما لو رويناه من البخاري أو غيره ممن أخرجه من أصحاب الكتب الستة أن منا إلى كل من البخاري أو من أشير إليه ثمانية وهو وشيخه الذي هو الواسطة بينه وبين ابن عيينة اثنان فصار بيننا وبين ابن عيينة عشرة على أنه قد يقع في هذا القسم ما يكون عاليا مطلقا أيضا كحديث ابن مسعود مرفوعا يوم كلم الله موسى عليه السلام كان عليه جبة صوف فإنا لو رويناه من جزء ابن عرفة عن خلف بن خليفة يكون أعلى مما نرويه عن طريق الترمذي عن علي بن حجر عن خلف مع كونه علوا مطلقا إذ لا يقع هذا الحديث اليوم لأحد أعلى من روايتنا له من هذا الطريق وهذا القسم هو الذي تقع فيه الموافقات وسائره أسلفته في أصل الترجمة
فإن يكن المخرج في شيخه أي شيخ أحد الستة قد وافقه كأن يكون البخاري مثلا أورد حديثا عن محمد بن عبد الله الأنصاري فنخرجه نحن من جزء الأنصاري المشهور وذلك مع علو بدرجة كما هنا وقد يكون بأكثر عما لو رويناه من البخاري فهو الموافقة إذ قد اتفقا في الأنصاري أو إن يكن المخرج وافق أحد أصحاب الستة في شيخ شيخه كذاك أي مع علو بدرجة فأكثر كحديث يورده البخاري عن الحميدي عن ابن عيينة فنخرجه نحن من جهة العدني عن ابن عيينة فهو أيضا الموافقة لكن مقيدة فيقال موافقة في شيخ شيخ صح فلان وأما عند الإطلاق فهو البدل لوقوعه من طريق راو بدل الراوي الذي أورده أحد أصحاب الستة من جهته
ومن لطيف الموافقة وعزيزها ما وقعت فيه الموافقة لكل من البخاري ومسلم مع أن كلا منهما رواه عن شيخ غير شيخ الآخر فيه (3/13)
وله أمثلة منها ما رويناه من طريق أبي النعيم قال حدثنا أبو بكر الطلحي حدثنا عبيد بن عتام حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا خالد بن مخلد القطواني حدثنا سليمان بن بلال حدثنا أبو حازم عن سهل بن سعد رفعه إن في الجنة بابا يقال له الريان فإن مسلما رواه عن ابن أبي شيبة والبخاري رواه عن القطواني فوقع لنا موافقة لهما مع اختلاف شيخيهما
وأما ما تقع الموافقة فيه في شيخ يرويان عنه فكما قال ابن دقيق العيد كثير يعني لاتفاقهما بل وكذا بقية أصحاب الكتب الستة في الرواية عن كثيرين وقد نظمهم الذهبي فقال
( بندار ابن المثنى الجهضمي أبـو ... سعيد عمرو وقيسي وحساني )
( يعقوب والعنبري الجوهري هم ... مشايخ الستة أعرفهم بإحسان )
فنبدار هو محمد بن بشار وابن المثنى هو أبو موسى محمد والجهضمي هو نصر بن علي وأبو سعيد هو عبد ربه بن سعيد الأشج وعمرو هو ابن علي الفلاس والقيسي هو محمد بن معمر والحساني هو زياد بن يحيى ويعقوب هو ابن إبراهيم الدورقي والعنبري هو العباس بن عبد العظيم والجوهري هو إبراهيم بن سعيد ولكن العباس إنما أخرج له البخاري تعليقا والجوهري لم تقع رواية البخاري عنه في صحيحه صريحا وإنما جزم به ابن عساكر ومن تبعه فيما قاله شيخنا وتحتاج إلى نظر
وقد ذيل البدر بن سلامة الحنفي عليهما بقوله
( وأبو كريب رووا عنه بأجمعهم ... والفيرباني قل شيخ لهم ثان ) (3/14)
ثم إن المخرجين لا يطلقون اسم الموافقة أو البدل إلا مع العلو وحيث فقد فلا يلتفتون لذلك كما قاله ابن الصلاح ولكن قد أطلقه فيهما مع التساوي في الطريقتين ابن الظاهري وغيره من المتأخرين فإن علا قيل موافقة عالية أو بدلا عاليا ولذا قال شيخنا وأكثر ما يعتبرون الموافقة والبدل إذا قارنا العلو وإلا فاسم الموافقة والبدل واقع بدونه انتهى
بل في كلام ابن الظاهري والذهبي استعمال الموافقة في النزول لكن مقيدا كما قيدت في العلو فيقال موافقة نازلة
وإن يكن المخرج ساواه أي ساوى أصحاب الستة عدا قد حصل أي من جهة العد بأن يكون بين المخرج وبين النبي صلى الله عليه و سلم في المرفوع أو الصحابي في الموقوف أو التابعي في المقطوع أو من قبله على حسب ما يتفق كما بين أحد الستة وبين أحد من ذكر في العدد سواء مع قطع النظر عن ملاحظة ذاك الإسناد الخاص فهو المساواة لتساويهما في العدد وهي مفقودة في هذه الأزمان وما قاربها بالنسبة لأصحاب الكتب الستة ومن في طبقتهم نعم يقع لنا ذلك مع بعدهم كالبيهقي والبغوي في شرح السنة ونحوهما
بل قد وقعت لي المساواة مع بعض أصحاب الستة في مطلق العدد لا في متن متحد وذلك الذي كما قدمت بيني وبين النبي صلى الله عليه و سلم في بعض الأحاديث عشرة رواة وكذا وقع للترمذي والنسائي من أصحاب الستة حديث عشاري فقالا أنا محمد بن بشار بندار زاد الترمذي وقتيبة قالا حدثنا عبد الرحمن هو ابن مهدي ورواه النسائي أيضا عن أحمد بن سليمان عن حسين ابن علي الجعفي كلاهما عن زائدة ورواه النسائي أيضا عن أبي بكر بن علي عن عبيد الله بن عمر القواريري ويوسف بن مهران كلاهما عن فضيل بن عياض كلاهما عن منصور بن المعتمر عن هلال بن يساف عن (3/15)
عمرو بن ميمون عن الربيع بن خثيم عن ابن أبي ليلى عن امرأة عن أبي أيوب عن النبي صلى الله عليه و سلم قال قل هو الله أحد ثلث القرآن وقال النسائي عقبه لا أعرف في الحديث الصحيح إسنادا أطول من هذا قلت وسيأتي قريا من عند النسائي أيضا مثال لهذا
و أما حيث راجحة الأصل أي زاد أحد أصحاب الستة على المخرج بالواحد في حديث كأن يكون بين أحد أصحاب الستة وصاحب الخبر مثلا عشرة وبين المخرج وبينه أحد عشر بحيث يستوي مع تلميذه ويكون شيخ المخرج مساويا لأحد المصنفين فـ هو المساواة لشيخ و المصافحة للمخرج وسميت بذلك لأن العادة جرت في الغالب بالمصافحة بين المتلاقيين والمخرج في هذه الصورة كأنه لاقى أحد أصحاب الستة فكأنه صافحه فإن كانت المساواة لشيخ شيخه كانت المصافحة لشيخه أو لشيخ شيخ شيخه فالمصافحة لشيخ شيخه والمخرجون غالبا ينبهون على ذلك ترغيبا فيه وتنشيطا لطالبيه فيقول الواحد منهم في الصورة الأولى فكأني سمعت فلانا ويسمى ذلك المصنف الذي وقع التصافح معه وصافحته وحينئذ فأنت بالخيار في ذكر ذلك وعدمه ثم إذا ذكرته فأنت بالخيار فيما إذا كانت المصافحة لشيخك أو لشيخ شيخك بين أن تعينه بأن تقول فكان شيخي أو شيخ شيخي أو تقول فكان فلانا فقط
قال ابن الصلاح ثم لا يخفى على المتأمل أن في المساواة والمصافحة الواقعتين لك لا يلتقي إسنادك وإسناد المصنف إلا بعيدا عن شيخه فليلتقيان في الصحابي أو قريبا منه فإن كانت المصافحة التي تذكرها ليست لك بل لمن فوقك من رجال إسنادك أمكن التقاء الإسنادين فيها في شيخ المصنف وداخلت المصافحة حينئذ الموافقة فإن معنى الموافقة راجح إلى مساواة ومصافحة مخصوصه إذ حاصلها أن بعض من تقدم من رواة إسنادك (3/16)
العالي ساوى أو صافح ذلك المصنف لكونه سمع ممن سمع من شيخهما مع تأخر طبقته عن طبقتهما قال ثم اعلم أن هذا النوع من العلو علو تابع لنزول إذ لولا نزول ذلك الإمام في إسناده لم يقل أنت في إسنادك ثم ذكر أنه لما قرأ بمرو على شيخه أبي المظفر بن السمعاني الأربعين لأبي البركات الفراوي ومر فيها في حديث أنه كأنه سمعه هو أو شيخه من البخاري قال أبو المظفر إنه ليس لك بعال ولكنه للبخاري نازل قال ابن الصلاح وهذا حسن لطيف يخدش وجه هذا النوع من العلو
لكن قال المؤلف إن هذا محمول على الغالب وإلا فقد يكون الحديث مع علوه النسبي عال لذلك المصنف أيضا وذلك كما قال بعض المتأخرين إن يتأخر رفيق أحد الأئمة الستة في سماعه عنه في الوفاة ثم يسمع منه من يتأخر وفاته فيحصل للمخرج الموافقة العالية من غير نزول لذاك المصنف وحينئذ فيكون من العلو المطلق
وقد أفرد كثير من الحفاظ كثيرا من الموافقات والإبدال من أوسعها كتاب الحافظ أبي القاسم بن عساكر وهو ضخم أنبأ عن تبحره في هذا الفن وكذا خرج غير واحد من الحفاظ المساواة والمصافحة
وذكر ابن طاهر في تصنيفه المشار إليه عدة أمثلة مما وقع له فيها المصافحة بل ذكر فيه شبيها بالموافقة الماضية فإنه قرر أن كتب الخطابي وشبهه عنده بواسطتين بينه وبين مصنفها وأجل شيخ للخطابي أبو سعيد بن الأعرابي وحديثه عنده بالعدد المذكور
ثم إن المصافحة مفقودة في هذه الأزمان أيضا ولكن قد وقعت لقدماء شيوخنا فأخبرتني أم محمد ابنة عمر بن جماعة عن جماعة منهم أبو حفص المزي أنا أبو الحسن السعدي مشافهة عن عفيفة ابنة أحمد قالت أخبرتنا فاطمة ابنة عبد الله قالت أنبأنا أم محمد بن عبد الله المنبي أنبأنا أبو (3/17)
القاسم اللخمي الحافظ أخبرنا أبو الزنباع روح بن الفرج ويوسف القاضي قال الأول حدثنا يحيى بن بكير وقال الثاني حدثنا أبو الوليد الطيالسي قالا واللفظ لأولهما حدثنا الليث حدثني الربيع ابن سبرة الجهني عن أبيه سبرة أنه قال أذن لنا رسول الله صلى الله عليه و سلم بالمتعة الحديث وفيه ثم إن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال من كان عنده شيء من هذه النساء اللاتي تمتع بهن فليخل سبيلها هذا حديث صحيح أخرجه مسلم والنسائي معا عن قتيبة عن الليث فوقع لنا بدلا لهما عاليا وورد النهي عن نكاح المتعة من حديث جماعة من الصحابة منهم علي رضي الله عنه وهو متفق عليه من حدثه من جهة مالك
وقد رواه النسائي في جمعه لحديث مالك عن زكريا بن يحيى خياط السنة عن إبراهيم بن عبد الله الهروي عن سعيد بن محبوب عن عيسى بن القاسم عن سفيان الثوري عن مالك عن شهاب عبد الله والحسن بن محمد علي عن أبيهما عن علي فباعتبار هذا العدد كأن شيختنا لقيت النسائي وصافحته وروت عنه هذا الحديث ولكن قد نازع القاضي أبو بكر بن الغزي في التمثيل بما الصحابي فيه مختلف في الطريقين كما وقع هنا وتعقبه أبو عبد الله بن رشيد في فوائد رحلته وقال بل التنزيل إلى التابع والصاحب سواء إذ المقصود إنما هو الغاية العظمي وهو الرسول صلى الله عليه و سلم
قال وقد عمل بهذا التنزيل يعني كذلك القاضي عياض في معجم شيوخه القاضي أبي علي الصدفي وعلم به غيره من المتأخرين وهي طريقة عند المشارقة معروفة ما رأيت ولا سمعت من أنكرها انتهى
وسماه تنزيلا لما فيه من تنزيل راو مكان آخر وكذا سماه عصرية ابن دقيق العيد في بعض أقسامه وجعله قسما مستقلا فقال وعلو التنزيل وهو الذي يولعون به بأن يكون بيننا وبين النبي صلى الله عليه و سلم تسعة أنفس ويكون أحد هؤلاء (3/18)
المصنفين بينه وبين النبي صلى الله عليه و سلم سبعة مثلا فينزل هذا المصنف منزلة شيخ شيخنا
ثم حيث انقضت الأقسام الثلاثة التي هي علو المسافة فلنشرع في علو الصفة وعبر عنه شيخنا وغيره بالعلو المعنوي وهو كما قال بعض محققي المغاربة باب متسع ومداره على وجود المرجحات وكثرتها وقلتها وبحسب ذلك يقع الاختلاف بين أئمة الشأن في أن يصحح بعضهم ما لا يصحح الآخر إذ قطب دائرته الظن وأهمه ما يرجع إلى صفة الراوي كأن يكون أفقه أو أحفظ أو أتقن أو أضبط أو أكثر مجالسة للمروي عنه أو أقدم سماعا من غيره أو وفاة قال وعلو الصفة عند أئمة الحديث بالأندلس أرجح من علو المسافة خلافا للمشارقة يعني المتأخرين
ولأجل هذا قال العماد بن كثير إنه نوع قليل الجدوى بالنسبة لباقي الفنون ونحوه قول شيخنا وقد عظمت رغبة المتأخرين فيه حتى غلب ذلك على كثير منهم بحيث أهملوا الاشتغال بما هو أهم منه وسبقه ابن دقيق العيد فقال وقد عظمت رغبة المتأخرين في طلب العلو حتى كان ذلك سببا لخلل كثير في الصنعة ولم يكن فيه إلا الإعراض عمن طلب العلم بنفسه بتمييزه إلى من أجلس صغيرا لا تمييز له ولا ضبط ولا فهم طلبا للعلو وتقدم السماع وكذا قال ابن الصلاح عند ذكر الموافقات وما معها وقد كثر اعتناء المحدثين المتأخرين بهذا النوع يعني مفرقا ومجموعا على حده كما فعل عساكر قال وممن وجدته في كلامه الخطيب وبعض شيوخه وابن ماكولا والحميدي وغيرهم من طبقتهم وممن جاء بعدهم
فأول أقسام علو الصفة وهو الرابع علو الإسناد بسبب قدم الوفاة في أحد رواته بالنسبة لراو آخر متأخر الوفاة عنه اشترك معه في الرواية عن شيخه بعينه فسماعنا مثلا للبخاري ممن رواه لنا عن البهاء أبي البقاء السبكي (3/19)
أنه صلى الله عليه و سلم قال لأبي إن الله أمرني أن اقرأ عليك
وحدث به بعينه أبو عمرو بن السماك وعن جعفر المنادى وبين وفاتيهما ثمان وثمانون سنة فالبخاري كانت وفاته في سنة ست وخمسين ومائتين وتأخر شيخه المذكور بعده أربعة عشر سنة حتى سمع منه ابن السماك
ثم كانت وفاة ابن السماك في سنة أربع وأربعين وثلاثمائة فهما وإن اجتمعا في المنزلة فقد افترقا في الجلالة وقدم السماع فلا تكون الطريق إلى البخاري كالطريق إلى ابن السماك
ومقتضى ما تقرر أن المتقدم الوفاة يكون حديثه أعلى سواء تقدم سماعه أو اقترن أو تأخر وإن كان في المتأخر ينذر وقوعه كما سيأتي في الذي بعده لأن المتقدم الوفاة يعز وجود الرواة عنه بالنظر لمتأخرها فيرغب في تحصيل مرويه لذلك على أن ابن أبي الدم قد نازع في أصل هذا القسم وقال يلزم على هذا أنه إذا روى صحابيان عن النبي صلى الله عليه و سلم ثم رواه عن كل منهما جماعة واتصلت سلسلة كل جماعة ممن روى عنه وتساوى الصحابيان مع العدالة في بقية الصفات وتساوى الإسناد في العدد وصفات الرواة إلا أن أحد الصحابيين توفى قبل الآخر أن إسناد من تقدمت وفاته أعلى من إسناد من تأخرت وفاته قال وهذا لم أجده منقولا كذلك وهو لازم لا محالة انتهى
والظاهر أن ابن دقيق العيد أيضا لم يرتضه فإن لم يذكره في الاقتراح وكذا لم يذكره شيخنا في توضيح النخبة ثم إن هذا كله في العلو المبني على تقدم الوفاة المستفاد من نسبة شيخ أبي شيخ وقياس راو براو
وأما العلو المستفاد من مجرد تقدم وفاة شيخك لامع التفات نظر لـ شيخ آخر بالصرف للضرورة فقد اختلف في حده فقيل يكون للخمسينا من السنين مضت بعد وفاته كما نقله الحافظ أبو علي (3/21)
النيسابوري عن شيخه الحافظ أبي العباس أحمد بن عمير بن يوسف بن موسى بن جرصاء الدمشقي شيخ الشام وكان من أركان الحديث أنه قال إسناد خمسين سنة من موت الشيخ إسناد علو أو الثلاثين مضت سنينا أي من السنين قال الحافظ أبو عبد الله بن مندة إنه إذا مر على الإسناد ثلاثون سنة فهو عال
قال ابن الصلاح وهذا أوسع من الأول يعني سواء أراد قائله مضيها مع موته أو من حين السماع منه ولكنه في ثانيهما كما قال المصنف بعيد لأنه يجوز أن يكون شيخه إلى الآن حيا قال والظاهر أنه أراد إذا مضى على إسناد كتاب أو حديث ثلاثون سنة وهو في تلك المدة لا يقع أعلى من ذلك ككتاب البخاري في سنة ستين وسبعمائة مثلا على أصحاب ابن الزبيدي فإنه قد مضت عليه ثلاثون سنة من موت من كان آخر على من يرويه عاليا وهو الحجار وكهو أيضا في سنة أربع وثمانين وثمان مائة على من يرويه عن أصحاب الحجار وطبقته فإنه قد مضت عليه بمصرنا نحو ثمانية وستين سنة وبغيره أكثر وهو في هذه الطبقة لأن آخر من كان يرويه بالسماع عائشة ابنة ابن عبد الهادي وكانت وفاتها في ربيع الأول سنة عشرة وثمان مائة وقال الحافظ المزي مما هو أوسع الذي اختاره وهو الأحسن أن من مات شيخ شيخه قبل أن يولد فسماعه من شيخه عال
ثم يليه ثاني أقسام الصفة وهو خامس الأقسام علو الإسناد بسبب عدم السماع لأحد رواته بالنسبة لراو آخر اشترك معه في السماع من شيخه أو لراو سمع من رفيق لشيخه وذلك بأن يكون سماع أحدهما من ستين مثلا والآخر من أربعين ويتساوى العدد إليهما فالأول أعلى سواء تقدمت وفاته عن الآخر أو لا وكذا كما نبه عليه ابن الصلاح يقع التداخل بينه وبين القسم الذي قبله بحيث جعلهما ابن طاهر ثم ابن دقيق العيد واحدا (3/22)
ولكنهما يفترقان في صورة يندر وقوعها كما أسلفته قريبا وهي ما إذا تأخرت وفاة المتقدم السماع ولأجلهما فيما يظهر غاير بينهما ابن الصلاح على أنه قد ينازع في ترجيح المتقدم حيث لم يكن الشيخ اختلط أو خرف الهرم أو مرض بأنه ربما كان حين تحديثه له لم يبلغ درجة الإتقان والضبط كما أنه يمكن أن يقال قد يكون المتقدم السماع متيقظا ضابطا والمتأخر لم يصل إلى درجته وحينئذ فيقيد بما إذا لم يحصل ترجيح بغير القدم
ومن صور علو الصفة أيضا وأفرده الخليلي بقسم تساوى السندين وامتياز أحدهما يكون رواته حفاظا علماء فهذا أعلى من الآخر ونحوه تفسير شيخنا العلو المعنوي بإسناد جميع رجاله حفاظ ثقات أو فقهاء أو نحو ذلك مثل أن يكون سنده صحيحا كما سيأتي آخر الباب
وكذا من أقسام العلو مما لم يلتحق بصفة ولا مسافة الحديث الذي لا بد للمحدث من إيراده في تصنيف أو احتجاج به ويعز عليه وجوده من طريق من حديثه عنده بواسطة واحدة إلا بأكثر منها فهو مع نزوله بالنسبة لما عنده عال لعزته أشار إليه ابن طاهر ثم مثل ذلك بأن البخاري مع كونه روى عن أتباع التابعين وعن أماثل أصحاب مالك روى حديثا لأبي إسحاق الغزاري عن مالك الذي يروي عن التابعين لمعنى فيه وهو تصريح مالك بالتحديث فكان بينه وبن مالك فيه ثلاثة رجال فهذا أقسام العلو على الاستقصاء والإيضاح الشافي
وضده أي ضد العلو النزول بحيث بتنوع أقسامه كالأنواع السابقة للعلو فما من قسم من أقسامه الخمسة إلى وضده قسم من أقسام النزول فهو إذا خمسة أقسام وتفصيلها يدرك من تفصيل أقسام العلو على نحو ما تقدم (3/23)
وحديث ذم النزول كقول علي بن المدني وأبي عمرو المستملي كما في الجامع للخطيب وغيره أنه شؤم وقول ابن معين كما في الجامع أيضا إنه قرحة في الوجه فهو ما لم ندع ضرورة لسماعه كقصد الشجرة في جمع الطرق أو غرابة اسم رواية عند من يقصد شيوخه على حروف المعجم أو عدم وجود غيره في يد عظيم لمن قصد الاعتناء بالأحاديث البلدانيات كما اتفق للحافظ الخطيب أنه كتب ببيت المقدس عن شاب اسمه وفي روى له عن بعض تلامذته ممن كان إذ ذاك في قيد الحياة لغرابة اسمه واقتفيت أثره في ذلك حيث سمعت على امرأة اسمها لميا مع نزول إسنادها أو ما لم يجبر النزول بصفة مرجحة كزيادة الثقة في رجاله على العالي أو كونهم أحفظ أو أضبط أو أفقه أو كونه متصلا بالسماع وفي العالي حضور أو إجازة أو مناولة أو تساهل من بعض رواته في الحمل أو نحو ذلك فإن العدول حينئذ إلى النزول وليس بمذموم ولا مفضول
ونحوه بقول ابن الصلاح وما جاء في ذم النزول مخصوص ببعض النزول فإن النزول إذا تعين دون العلو طريقا إلى فائدة راجحة على فائدة العلو كان مختارا غير مرذول وقال بعضهم وفيه نظر لأنه والحالة هذه لا يسمى نازلا مطلقا وهو ظاهر
وقد روينا من جهة عبد الله بن هاشم الطوسي وعلي بن خشرم أنهما قالا كنا عند وكيع فقال لنا أي الإسنادين أحب إليكم الأعمش عن أبي وائل عن ابن مسعود أو سفيان الثوري عن منصور عن إبراهيم عن علقمة عن ابن مسعود فقلنا الأعمش عن أبي وائل فقال سبحان الله الأعمش شيخ وأبو وائل شيخ وسفيان فقيه عن فقيه عن فقيه عن فقيه وحديث يتداوله الفقهاء خير من أن تتداوله الشيوخ
وقد فصل شيخنا تفصيلا حسنا وهو أن النظر إن كان للمسند (3/24)
فشيوخ وإن كان للمتن فالفقهاء وإذا رجح وكيع الإسناد الثاني مع نزوله بدرجتين لما امتاز به ورواته من الفقه المنضم لمعرفة الحديث على الإسناد الأول مع كونه صحيحا فكيف بغيره مما لا يصح والصحة بلا شك مع النزول هي العلو المعنوي عند النظر والتحقيق والعالي عند فقد الضبط والإتقان علو صوري فكيف عند فقد التوثيق وإليه أشار السلفي حيث قال الأصل الأخذ عن العلماء فنزولهم أولى من علو الجهلة على مذهب المحققين من النقلة والنازل حينئذ هو العالي في المعنى عند النظر والتحقيق
وقال إبراهيم بن الجنيد قلت لابن معين أيما أحب إليك أكتب جامع سفيان الثوري عن فلان أو فلان يعني عنه أو عن رجل عن المعافى بن عمران يعني عنه فقال عن رجل عن رجل حتى عد خسة أو ستة عن المعافى أحب إلي وروى السلفي وكذا الخطيب من طريق ابن معين قال الحديث بنزول عن ثبت خير من علو من غير ثبت قال السلفي وأنشد محمد بن عبد الله بن زفر في معناه
( علم النزول اكتبوه فهو ينفعكم ... وترككم ذاكم ضرب من العنت )
( إن النزول إذا ما كان عن ثبت ... أعلى لكم من علو غير ذي ثبـت )
وأسندهما الخطيب في جامعه إلى أبي بكر بن الأنباري أنه أنشدهما فالله أعلم وكذا أسند عن محمد بن عبيد الله العامري الأديب من قوله
( لكتابي عن رجال أرتضيهم بنزول ... هو خير من كتابي بعلو عن طبول )
وللحافظ أبي الحسن بن المفضل المقدسي (3/25)
( إن الرواية بالنزول ... عن الثقات الأعدلينا )
( خير من العالي عن ... الجهال والمستضعفينا )
والخطيب من جهة علي بن معبد قال سمعت عبد الله بن عمرو وذكر له قرب الإسناد فقال حديث بعيد الإسناد صحيح خير من حديث قريب الإسناد سقيم أو قال ضعيف وعن ابن المبارك قال
ليس جودة الحديث قرب الإسناد جودة الحديث صحة الرجال
ونحوهم ما حكاه أبو سعد السمعاني عن والده عن أبي القاسم عبد الله بن علي عن أخيه الوزير نظام الملك الحسن بن علي أنه قال مذهبي في علو الحديث غير ما ذهب أصحابنا إنهم يذهبون إلى أن الحديث العالي ما قل رواته وعندي أن الحديث العالي ما صح عن رسول الله صلى الله عليه و سلم وإن بلغت رواته مائة وكذا قال ابن برهان الأصولي في كتاب الأوسط علو الإسناد يعظمه أصحاب الحديث ويشددون في البحث عنه قال وعلو الحديث عندهم ليس عبارة عن قلة الرجال وإنما هو عبارة عن الصحة ولهذا ينزلون أحيانا طلبا للصحة فإذا وجدوا حديثا له طريقان إحداهما بخمسة وسائط مثلا والأخرى سبعة يرجحون النازل على العالي طلبا للصحة وقد نظم هذا المعنى السلفي فقال
( ليس حسن الحديث قرب رجال ... عند أرباب علمه النقاد )
( بل علو الحديث بين أولى الحفظ ... والإتقان صحة الإسنـاد )
( وإذا ما تجمعا في حـــديث ... فاغتنمه فذاك أقصى المراد )
قال ابن الصلاح فهذا ونحوه ليس من قبيل العلو المتعارف إطلاقه بين (3/26)
أهل الحديث وإنما هو علو من حيث المعنى فحسب ونحوه قول ابن كثير عقب القول بأن العالي ما صح سنده وإن كثرت رجاله هذا اصطلاح خاص وماذا يقول قائله إذا صح الإسنادان لكن هذا أقرب رجالا قلت يقول إنه بالوصف بالعلو أولى إذ ليس في الكلام ما يخرجه
تتمة لو جمع بين سندين أحدهما أعلى بأيهما يبدأ فجمهور المتأخرين يبدون بالإنزال ليكون لإيراد الأعلى بعده فرحة وأكثر المتقدمين بالأعلى لشرفه ومن أمثلته في البخاري قوله حدثنا محمد بن سنان حدثنا فليح وحدثنا إبراهيم بن المنذر حدثنا محمد بن فليح حدثنا أبي
وقله حدثنا عبدان أخبرني أبي عن شعبة عن أبي إسحاق وحدثني أحمد بن عثمان حدثنا شريح بن مسلم حدثنا إبراهيم بن يوسف عن أبيه عن أبي إسحاق وفي مسلم حدثنا ابن نمير والأشج كلاهما عن وكيع وحدثنا إسحاق بن إبراهيم أنبأنا عيسى بن يونس كلاهما عن الأعمش وحدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي أبو بكر بن نافع كلاهما عن ابن مهدي عن الثوري عن الأعمش ولا يسلكان خلافه إلا لنكتة أو ضرورة
ومنه قول البخاري حدثنا مسدد حدثنا يحيى بن سعيد عن سفيان الثوري فذكر حديثا ثم قال حدثنا أبو نعيم عن سفيان نحوه (3/27)
الغريب والعزيز والمشهور
( وما به مطلقا الراوي انفـرد ... فهو الغريب وابن مندة فحد )
( بلا نفراد عن إمام يجمــع ... حديثه فإن عليه يتبــــع )
( من واحد واثنين فالعـزيز أو ... فوق فمشور ولك قـد رأوا )
( منه الصحيح والضعيف ثم قد ... يغرب أو مطلقا أو إسناد فقد )
( كذلك المشهور أيضا فسموا ... بشهرة مطلقة كالمسلـــم )
( من سلم الحديث والمقصوري ... على المحدثين من مشهــور )
( قنوته بعد الرجوع شهــرا ... ومنه ذو تواتر مستـــقرا )
( في طبقاته كمتن من كـذب ... ففوق ستين رووه والعـجب )
( بأن من رواته للعشـــرة ... وخص بالأمرين فيما ذكـره )
( الشيخ عن بعضهم قلب تلى ... مسح الخفاف وابن منـدة إلى )
( عشرتهم رفع اليدين نسـبا ... وينفوا عن مائة من كذبـــا )
الغريب والعزيز والمشهور
ورتبت بالترقي مع تقديم ابن الصلاح لآخرها في نوع مستقل ثم إردافه بالآخرين في آخر وكان الأنسب تقديمها إلى الأنواع السابقة وذم الغريب (3/28)
إلى الإفراد ولكن لكونه أملى كتابه شيئا فشيئا لم يحصل ترتبه على الوضع أي عن إمام يجمع حديثه أولا الراوي الذي رواه انفرد عن كل أحد من الثقات وغيرهم
أما بجميع المتن كحديث النهي عن بيع الولاء وهبته فإنه لم يصح إلا من حديث عبد الله بن دينار عن ابن عمر وحديث السفر قطعة من العذاب فإنه لم يصح إلا من جهة مالك عن سمي عن أبي صالح عن أبي هريرة فيما ذكر غير واحد من الأئمة لكن الغرابة فيه منتقضة برواية أبي مصعب عن عبد العزيز الدراوردي عن سهيل عن أبيه أبي صالح وهي صحيحة بل وبطريق عصام ابن رواد عن أبيه عن مالك عن ربيعة عن القاسم عن عائشة ولكنها ضعيفة أو ببعضه وذلك إما في المتن أو في السند
فالأول بأن يأتي في متن رواه غيره بزيادة كحديث زكاة الفطر حيث قيل مما هو منتقد أيضا إن مالكا تفرد عن سائر من رواه من الحفاظ بقوله من المسلمين أو كحديث أو زرع حيث رواه الطبراني في الكبير من رواية الدراوردي وعباد بن منصور كلاهما عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة فجعلاه مرفوعات كله وإنما المرفوع منه كنت لك كأبي زرع لأم زرع
والثاني كحديث أم زرع أيضا فالمحفوظ فيه رواية سعيد بن سلمة بن أبي الحسام وعيسى بن يونس وسعيد بن سلمة بن أبي الحسام كلاهما عن هشام بن عروة عن أخيه عبد الله بن عروة عن أبيهما عن عائشة ورواه الطبراني من حديث الدراوردي وعباد كما أشرنا إليه عن هشام بدون واسطة أخيه
فهو أي ما حصل التفرد بوجه من هذه الأوجه الغريب كما (3/29)
أشار إليه الترمذي في آخر كتابه وخصه الثوري بالثقة قال بعض المتأخرين وكأنه نظر إلى أن كثرة المروي إذ ذاك عن غير الثقات وأما أبو عبد الله ابن مندة بالصرف للضرورة فحده با لانفراد يعني على الوجه المشروح أولا لكن عن إمام من الأئمة كالزهري وقتادة وغيرهما ممن يجمع حديثه
والحاصل أن الغريب على قسمين مطلق ونسبي وحينئذ فهو والإفراد كما سلف في بابها على حد سواء فلم حصلت المغايرة بينهما ولذلك قال بعض المتأخرين إن الأحسن في تعريفه ما قاله الميانشي وإنه ما شذ طريقه ولم يعرف رواية بكثرة الرواية وحينئذ فهو أخص من ذاك لعدم التقيد في روايته بما ذكر وعرف الشهاب الخولي بأنه ما يكون متنه أو بعضه فردا عن جميع رواته فينفرد به الصحابي ثم التابعي ثم تابع التابعي وهلم جرا أو ما يكون مرويا بطرق عن جماعة من الصحابة وينفرد عن بعضهم تابعي أو بعض رواته
وهذا يحتمل أن يكون الغريب عنده أيضا على قسمين مطلق ومقيد ويكون افتراق أولهما عن الفرد بالنظر لوقوع التفرد في سائر طباقه فهو أخص أيضا ويحتمل التردد بين التعريفين لكن قد فرق بينهما شيخنا بعد قوله إنهما مترادفان لغة واصطلاحا بأن أهل الاصطلاح غايروا بينهما من حيث كثرة الاستعمال وقلته فالفرد أكثر ما يطلقونه على الفرد المطلق وهو الحديث الذي لا يعرف إلا من طريق ذلك الصحابي ولو تعددت الطرق إليه والغريب أكثر ما يطلقونه على الفرد النسبي قال وهذا من حيث إطلاق الاسم عليهما وأما من حيث استعمالهم الفعل المشتق فلا يفرقون فيقولون في النسبي تفرد به فلان أو أغرب به فلان انتهى (3/30)
على أن ابن الصلاح أشار إلى افتراقهما في بعض الصور فقال وليس كل ما يعد من أنواع الأفراد معدودا من أنواع الغريب كما في الأفراد المضافة إلى البلاد قلت إلا أن يريد بقوله انفرد به أهل البصرة مثلا واحد من أهلها فهو الغريب وربما يسمى أكل من قسمي الغريب ضيق المخرج قال الحاكم في الحديث الذي أخرجه البخاري في كتاب الصلاة عن عمرو بن زرارة عن عبد الواحد بن واصل أبي عبيدة الحداد عن عثمان بن أبي عن الزهري دخلت على أنس بدمشق وهو يبكي فقال لا أعرف شيئا فيما أدركت إلا هذه الصلاة وهذه الصلاة قد ضيعت هو أضيق حديث في البخاري سألني عنه أبو عبد الله بن أبي ذهل يعني أحد مشايخه فأخرجته له فسمعه يعني سمعه شيخه منه عن علي بن حمشاذ عن أحمد بن سلمة عن عمرو وكان ضيقه مخصوص برواية الحداد عن ابن أبي رواد وإلا فقد علقه البخاري عقب تخريجه للرواية الأولى من طريق محمد بن بكر البرساني عن أبي رواد ومن طريق البرساني وصلة الإسماعيلي في مستخرجه وابن أبي خيثمة في تاريخه وأحمد بن علي الأبارني جمعه لحديث الزهري ومن طريقه رواه أبو نعيم في المستخرج
إذا علم هذا فقد قال بعضهم الغريب من الحديث على وزان الغريب من الناس فكما أن غربة الإنسان في البلد تكون حقيقية بحيث لا يعرفه فيها أحد بالكلية وتكون إضافية بأن يعرفه البعض دون البعض ثم قد يتفاوت معرفة الأقل منهم تارة والأكثر أخرى وقد يستويان وكذا الحديث فإن عليه أي المروي من طريق إمام يجمع حديثه يتبع رواية من واحد فقط وكذا من اثنين فـ ـهو كما قال ابن الصلاح تبعا لابن منده النوع الذي يقال له العزيز وسمى بذلك إما لقلة وجوده لأنه يقال عز الشيء يعز بكسر العين في المضارع عزا وعزازة إذا قل بحيث لا يكاد يوجد وإما لكونه قوي واشتد بمجيئه من طريق أعز من قولهم عز يعز بفتح العين في المضارع (3/31)
عزا وعزازة أيضا إذا اشتد وقوي ومنه قوله تعالى ( فعززنا بثالث ) أي قوينا وشددنا وجمع العزيز عزاز مثل كريم وكرام كما قال الشاعر
( بيض الوجوه أليه ومعاقل ... في كل نائية عزاز الأنفس )
ثم هو ظاهر في الاكتفاء بوجود ذلك في طبقة واحدة بحيث لا يمتنع أن يكون في غيرها من طباقه غريبا كأن ينفرد به راو آخر عن شيخه بل ولا أن يكون مشهورا لاجتماع ثلاثة فأكثر على روايته في بعض طباقه أيضا ومشى على ذلك شيخنا حيث وصف حديث شعبة عن واقد بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر عن أبيه عن عبد الله بن عمر مرفوعا أمرت أن أقاتل الناس بأنه غريب لتفرد شعبة به عن واقد ثم لتفرد أبي غسان المسمعي به عن عبد الملك ابن الصباح رواية عن شعبة وعزيز لتفرد حرمي بن عمارة وعبد الملك بن الصباح به عن شعبة ثم لتفرد عبد الله بن محمد بن المسندي وإبراهيم بن محمد ابن عرعرة به عن حرمي
وسبقه لنحوه ابن الصلاح حيث مثل للمشهور بحديث الأعمال بالنيات مع كون أول سنده فردا والشهرة إنما طرأت له من عند يحيى بن سعيد بل قال في الغريب عن هذا الحديث إنه غريب مشهور وذلك بوجهين واعتبارين وقال أبو نعيم في حديث سفيان عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن ابن الحنفية عن علي رفعه مفتاح الصلاة التكبير أنه مشهور لا نعرفة إلا من حديث ابن عقل فقال شيخنا إن مراده أنه مشهور من حديث ابن عقيل فهذه الشهرة النسبية نظير الغرابة النسبية في قوله فيما ينفرد به الراوي عن شيخه غريب وإنما المراد أنه فرد عن ذلك الشيخ من رواية هذا (3/32)
بخصوصه عنه مع أن الشيخ قد يكون توبع عليه عن شيخه وعلى هذا فيخرج الحكم على حديث الأعمال بأنه فرد في أول مشهور في آخره ويريد أنه اشتهر عمن الفرد به فهي شهرة نسبية لا مطلقا
وعلى هذا مشى بعض المتأخرين ممن أخذت عنه فعرف العزيز اصطلاحا بأنه الذي يكون في طبقة من طباقه راويان فقط ولكن لم يمش شيخنا في توضيح النخبة على هذا فإنه وغن خصه بوروده من طريق روايين فقط عني به كونه كذلك في جميع طباقه وقال مع ذلك إن مراده أن لا ير بأقل منهما فإن ورد بأكثر في بعض المواضع من السند لا واحد لا يضر إذا الأقل في هذا يقضي على الأكثر
وإذا تقرر هذا فما كانت العزة فيه بالنسبة لراو واحد بقيد فيقال عزيز من حديث فلان وأما عند الإطلاق فينصرف لما أكثر طباقه كذلك لأن وجود سند على وتيرة واحدة براوية اثنين عن اثني قد ادعى فيه ابن حبان عدم وجوده وكاد شيخنا أن يوافقه حيث قال إنه يمكن أن يسلم بخلافه في الصورة التي قررناها وهي أن لا يرويه أقل من اثنين عن أقل من اثنين يعني كما حرره هو فإنه موجود مثاله ما رواه الشيخان في صحيحهما من حديث أنس والبخاري فقط من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده الحديث
ورواه عن أنس كما في الصحيحين أيضا قتادة وعبد العزيز بن صهيب
ورواه عن قتادة شعبة كما في الصحيحين وسعيد على ما يحرر فإني قلدت شيخنا فيه مع عدم وقوفي عليه بعد الفحص ورواه عن عبد العزيز إسماعيل بن عليه كما في الصحيحين وعبد الوارث بن سعيد كما في مسلم ورواه عن كل جماعة أو أن يتبع رواية عن ذاك الإمام ممن فوق بالبناء على الضم أي فوق ذلك كثلاثة فأكثر ما لم يبلغ حد التواتر فمشهور أي النوع الذي يقال (3/33)
له المشهور وعبارة ابن الصلاح في تعريفه تبعا لابن منده فإذا روى الجماعة عنهم أي عن واحد من الأئمة الذين يجمع حديثهم حديثا سمى مشهورا
وبمقتضى ما عرفا به العزيز أيضا بجتمعان فيما إذا رواه ثلاثة وتختص العزيز بالاثنين والمشهور بأكثر من الثلاثة سمى مشهورا الوضوح أمره يقال شهرت الأمر لشهرة شهرا وشهرة فاشتهر وهو المستفيض على رأي جماعة من أئمة الفقهاء والأصوليين وبعض المحدثين سمى بذلك لانتشاره وشياعه في الناس من فاض الماء يفيض فيضا وفيضوضة إذا كثر حتى سأل على صفة الراوي
قال شيخنا ومنهم من غاير بينهما بأن المستفيض يكون في ابتدائه وانتهائه يعني وفيما بينهما سواء والمشهور أعم من ذلك بحيث يشمل ما كان أوله منقولا من الواحد كحديث الأعمال وإن انتقض في التمثيل به ولاتقاه بالنظر لشهرة فيه نسبية وقد ثبت عن أبي إسماعيل الهروي الملقب شيخ الإسلام أنه كتبه عن سبعمائة رجل من أصحاب يحيى بن سعيد واعتنى الحافظ أبو القاسم بن منده لجمعهم وترتيبهم بحيث جميع نحو النصف من ذلك ومنهم من غاير على كيفية أخرى يعني بجن المستفيض ما تلقته الأمة بالقبول دون اعتبار عدد ولذا قال أبو بكر الصيرفي والقفال إنه هو والمتواتر بمعنى واحد
ونحوه قول شيخنا في المستفيض إنه ليس من مباحث هذا الفن يعني كما في المتواتر على ما سيأتي بخلاف المشهور فإنه قد اعتبر فيه هذا العدد والخصوص سواء كان صحيحا أم لا ولكن لا اختصاص له بشموله للصحيح وغيره بل كل من الأنواع الثلاثة المشروحة قد رأوا أهل الحديث منه الصحيح الضعيف إذ لا ينافي واحد منها واحدا منهما وإن لم (3/34)
يصرح ابن الصلاح بذلك في الغريب ولكن الضعف في الغريب أكثر ولذا كره جمع من الأئمة تتبع الغرايب فقال أحمد لا تكتبوها فإنها مناكير وعامتها عن الضعفاء
وسئل عن حديث ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس تردين عليه حديقته فقال إنما هو مرسل ففيل له إن ابن أبي شيبة زعم أنه غريب فقال أحمد صدق إذا كان خطأ فهو غريب وقال أبو حنيفة من طلبها كذب وقال مالك شر العلم الغريب وخيره الظاهر الذي قد رواه الناس وعن عبد الرزاق قال كنا نرى أن الغريب خير فإذا هو شر
ثم إنه وهو تقسيم آخر قد يغرب أو مطلقا يعني في المتن والإسناد معا كالحديث الذي تفرد برواية متنه راو واحد كما قد عناه أولا أو يغرب مقيد حيث يغرب إسنادا بالنقل فقد أي حسب كأن يكون المتن معروفا برواية جماعة من الصحابة فينفرد به راو من حديث صحابي آخر فهو من جهته غريب مع أن متنه غير غريب ومن أمثلته حديث أبي بردة بن أبي موسى عن أبيه رفعه الكافر يأكل في سبعة أمعاء فإنه غريب من حديث أبي موسى مع كونه معروفا من حديث غيره قال ابن الصلاح ومن ذلك غرائب الشيوخ في أسانيد المتون الصحيحة يعني كأن ينفرد به من حديث شعبة بخصوصه غندر قال وهو الذي يقول فيه الترمذي غريب من هذا الوجه قال ولا أرى يعني القسم الثاني ينعكس فلا يوجد إذا يعني فيما يصح ما هو غريب متنا لا سندا لا إذا اشتهر الحديث الفرد عمن تفرد به فرواه عنه عدد كثيرون فإنه يصير غريبا مشهورا وغريبا متنا وغير غريب إسنادا لكن بالنظر إلى أحد طرفي الإسناد فإن إسناده متصف بالغرابة في طرفه الأول ومتصف بالشهرة في طرفه الآخر كحديث إنما الأعمال بالنيات وكسائر الغرائب التي اشتملت عليها التصانيف المشهورة (3/35)
وممن ذكر هذه الأقسام ثلاثة ابن سيد الناس فيما شرحه من الترمذي تبعا لابن طاهر فيما أفاده شيخنا ولم يقيد ثالثها بآخر السند كإبن الصلاح بل أطلقه ولكنه لم يذكر له مثالا لأنه لا يوجد وإنما القسمة اقتضت له ذكره وذكر رابعا وهو غريب في بعض السند كالطريق التي قدمتها لحديث أم زرع بإسقاط الواسطة بين هشام بن عروة وأبيه وقال فهذه غرابة تخص موضعا من السند والحديث صحيح
وخامسا وهو غريب في بعض المتن كرفع جميع الحديث المذكور كذلك المشهور أيضا يقع على ما يروي بأكثر من اثنين عن بعض رواته أو في جميع طباقه أو معظمها أو على ما اشتهر على الألسنة فيشمل ماله إسناد واحد فصاعدا بل لا يوجد له إسناد أصلا كعلماء أمتي أنبياء بني إسرائيل وولدت في زمن الملك العادل كسرى وتسليم الغزالة فقد اشتهر على الألسنة وفي المدائح النبوية
ومنه قول الإمام أحمد كما أخرجه ابن الجوزي في آخر الجهاد من موضوعاته أربعة أحاديث تدور عن رسول الله صلى الله عليه و سلم في الأسواق ليس لها أصل وذكر منها من بشرني بخروج آدار بشرته بالجنة ونحركم يوم صومكم ولكن قد قيل إن هذا لا يصح عن أحمد لأن الحديثين المطويين أحدهما عنده في مسنده وسنده جيد مع مجيئته من طرق أخرى وثانيهما عند صاحبه إلى داود بسند جيد أيضا هذا مع نظم العلامة أبي شامة المقدسي الدمشقي لهذه المقالة فقال
( أربعة عن أحمد شاعت ولا ... أصل لها من الحديث الواصل )
( خروج آدار يوم صومكم ... ثم أذى الذمي ورد السائل )
وقد يشتهر بين الناس أحاديث هي موضوعة بالكلية وذلك كثيرا جدا (3/36)
ومن نظر في الموضوعات لابن الجوزي عرف الكثير من ذلك بل وقسموا أي أهل الحديث المشهور أيضا بشهرة مطلقة بين المحدثين وغيرهم كحديث المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده الحديث وللمشتهر المقصور على المحدثين معرفة من نحو مشهور قنوته صلى الله عليه و سلم بعد الركوع شهرا فقد رواه عن أنس جماعة منهم أنس بن سيرين وعاصم وقتادة وأبو مجلز لاحق بن حميد ثم عن التابعين جماعة منهم سليمان التيمي وعن أبي مجلز ورواه عن التيمي جماعة بحيث اشتهر لكن بين أهل الحديث خاصة وأما غيرهم فقد يستغربونه لكون الغالب على رواية التيمي عن أنس كونها بلا واسطة وإلى مشهور مقصور على غير الحديثين كالأمثلة التي قدمتها ولكن لا اعتبار إلا بما هو مشهور عند علماء الحديث وقد أفردت في الحديث المشهور بالنظر لما تقرر من أقسامه كتابا وكذا ينقسم أيضا باعتبار آخر فيكون منه ما لم يرتق إلى المتواتر وهو الأغلب فيه
ومنه ذو تواتر بل قال شيخنا إن كل متواتر مشهور ولا ينعكس يعني فإنه لا يرتقي للتواتر إلا بعد الشهرة فهو لغة ترادف الأشياء المتعاقبة واحدا بعد واحد بينهما فترة ومنه قوله تعالى ( ثم أرسلنا رسلنا تترى ) أي رسولا بعد رسول بينهما فترة واصطلاحا هو ما يكون مستقرا في جميع طبقاته أنه من الابتداء إلى الانتهاء ورد عن جماعة غير محصورين في عدد معين ولا صفة مخصوصة بل بحيث يرتقون إلى حد تحيل العادة معه تواطأهم على الكذب أو وقوع الغلط منهم اتفاقا من غير قصد وبالنظر لهذا خاصة يكون العدد في طبقة كثيرا وفي أخرى قليلا إذ الصفات العلية في الرواة تقوم مقام العدد أو تزيد عليه هذا كله مع كون مستند انتهائه الحس من مشاهدة أو سماع لأن ما لا يكون كذلك يحتمل دخول الغلط فيه ونحوه كما اتفق أن (3/37)
سائلا سأل مولى أبي عوانه بمنى فلم يعطه شيئا فلما ولي لحقه أبو عوانة فأعطاه دينارا فقال له السائل والله لأنفعنك با أبا عوانه فلما أصبحوا وأرادوا الدفع من المزدلفة وقف ذلك السائل على طريق الناس وجعل ينادي إذا رأى رفقة من أهل العراق يا أيها الناس اشكروا يزيد بن عطاء الليثي يعني مولى أبي عوانة فإن تقرب إلى الله عز و جل اليوم بأبي عوانة فاعتقه فجعل الناس يمرون فوجا فوجا إلى يزيد يشكرون له ذلك وهو ينكره فلما كثر هذا الصنيع منهم قال ومن يقدر على رد هؤلاء كلهم اذهب فأنت حر
وأن لا يكون مستنده ما ثبت بقضية العقل الصرف كالواحد نصف الاثنين والأمور النظريات إذ كلا واحد منهم يخبر عن نظره وكله مقبول لإفادته القطع بصدق مخبره بخلاف غيره من أخبار الآحاد كما سلف وليس من مباحث هذا الفن فإنه لا يبحث عن رجاله لكونه لا دخل لصفات المخبرين فيه ولذلك لم يذكره من المحدثين إلا القليل كالحاكم والخطيب في أوائل الكفاية وابن عبد البر وابن حزم وقال ابن الصلاح إن أهل الحديث لا يذكرونه باسمه الخاص المشعر بمعناه الخاص وإن كان الخطيب قد ذكره ففي كلامه ما يشعر بأن اتبع فيه غير أهل الحديث ولعل ذلك كونه لا تشمله صناعتهم ولا يكاد يوجد في رواياتهم وله أمثلة كمتن من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار الذي اعتنى غير واحد من الحفاظ منهم الطبراني ويوسف ابن خليل بجمع طرقه وبلغت عدة من رواه عند علي بن المديني وتبعه يعقوب بن شيبة عشرين بل ارتقت عند كل من البزار وإبراهيم الحربي لأربعين وزاد عليهما أبو محمد بن صاعد عددا قليلا
وعند أبي بكر الصيرفي في شارح الرسالة بستين ف ارتقت فوق ستين نفسا باثنين عند ابن الجوزي في مقدمة موضوعاته هذا العدد من الصحابة الذين (3/38)
رووه ولبعض الأحاديث عنده أكثر من طريق بحيث الطرق عنده على التسعين وجزم بذلك ابن دحية وقد سبق ابن الجوزي لزيادة عدد الصحابة على الستين أبو القاسم الطبراني والعجب بأن من رواته للصحابة العشرة المشهود لهم بالجنة وأنه خص بالأمرين وهما اجتماع أزيد من ستين صحابيا على روايته وكون العشرة منهم فيما ذكره الشيخ ابن الصلاح حكاية عن بعضهم ممن لم يسمه وهو موجود في مقدمة إحدى النسختين من الموضوعات لابن الجوزي الأول من كلام نفسه والثاني نقلا عن أبي بكر محمد بن أحمد بن عبد الوهاب الإسفرائيني
وكذا قال الحاكم فيما نقله عن صاحبه البيهقي ووافقه عليه بل أشعر كلام ابن الصلاح باختصاصه بكونه مثالا للمتواتر فإنه قال ومن سئل عن إبراز مثال لذلك فميا يروى من الحديث أعياه تطلبه قال وحديث إنما الأعمال بالنيات ليس من ذلك بسبيل وإن نقله عدد التواتر وزيادة لأن ذلك طرأ عليه في وسط إسناده ولم يوجد في أوائله على ما سبق ذكره
نعم حديث من كذب علي نراه مثالا لذلك فإنه نقله من الصحابة العدد الجم ووافقه على إطلاق التواتر عليه ولكن نازع غير واحد في اجتماع العشرة على روايته وبعض شيوخ شيوخنا في كونه متواترا لأن شرطه كما تقدم استواء طرفيه وما بينهما في الكثرة وليست موجودة في كل طريق من طرقه بمفردها
وأجيب عن الأول بأن الطرق عن العشرة موجودة في مقدمة الموضوعات لابن الجوزي وابن عوف في النسخة الأخيرة منها وكذا موجودة عند من بعده والثابت منها كما سيأتي من الصحاح علي والزبير ومن الحسان طلحة وسعد وسعيد أبو عبيدة ومن الضعيف التماسك طريق عثمان بقيتها ضعيف أو ساقط وعلى كل حال فقد وردت في الجملة عن (3/39)
الثاني بأن المراد بإطلاق كونه متواترا رواية المجموع عن المجموع من ابتدائه إلى انتهائه في كل عصر وهذا كان في ذلك وأيضا فطريق أنس وحدها قد رواها عنه العدد الكثير وتواترت عنهم وحديث علي رواه عنه ستة من مشاهير التابعين وثقاتهم وكذا حديث ابن مسعود وأبي هريرة وعبد الله ابن عمرو فلو قيل في كل منها إنه متواتر عن صحابية لكان صحيحا
وقد قال ابن الصلاح وفي بعض ما جمع من طرقه عدد التواتر قلب تلي لم يخص هذا المتن بالأمرين مسح الخفاف وقد رواه أيضا فيما ذكره أبو القاسم بن مندة في كتابه المستخرج ومن كتب الناس للفائدة أكثر من ستين صحابيا ومنهم العشرة بل عند ابن شيبة وابن المنذر وغيرهما من طريق الحسن البصري أنه قال حدثني سبعون من الصحابة بالمسح على الخفين ولكن في هذا مقال نعم جمع بعض الحفاظ رواته من الصحابة فجاوزوا الثمانين
وصرح جمع من الحفاظ بأن المسح على الخفين متواتر وعبارة ابن عبد البر منهم روى المسح على الخفين عن النبي صلى الله عليه و سلم نحو أربعين من الصحابة واستفاض وتواتر وسبقه أحمد فقال ليس في قلبي من المسح على الخفين شيء فيه أربعون حديثا عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم ما رفعوا إلى النبي صلى الله عليه و سلم وما وقفوا
وقال مهنا سألت أحمد عن أجود الأحاديث في المسح فقال حديث شريح بن هانيء سألت عائشة وحديث خزيمة بن ثابت وحديث عوف بن مالك قلت وحديث صفوان بن عسال قال ليس في ذلك توقيت للمقيم وكذا الوضوء من مس الذكر قيل إن رواته على ستين وكذلك الوضوء مما مست النار وعدمه
وأيضا فأبو القاسم ابن مندة المذكور بالصرف والحاكم أبو عبد الله (3/40)
وغيرهما من الأئمة إلى عشرتهم بإسكان المعجمة أي الصحابة رفع بالنصب اليدين نسبا بل خصه الحاكم بذلك فيما سمعه صاحبه البيهقي منه فقال سمعته يقول لا نعلم سنة اتفق على روايتها عن النبي صلى الله عليه و سلم الخلفاء الأربعة ثم العشرة فمن بعدهم من أكابر الأئمة على تفرقهم في البلاد والتاسعة غير هذه السنة قال البيهقي وهو كما قال أستاذنا أبو عبد الله رحمه الله فقد رويت هذه السنة عن العشرة وغيرهم وقال ابن عبد البر في التمهيد إنه رواه ثلاثة عشر صحابيا وأما البخاري فعزاه لسبعة عشر نفسا وكذا السلفي
وعدتهم عند ابن الجوزي في الموضوعات اثنان وعشرون وتتبع المصنف من رواه من الصحابة فبلغ بهم نحو الخمسين ووصفه ابن حزم بالتواتر
وبالجملة فالحديث الأول أكثرها عن الصحابة ورودا ولذا لما حكى ابن الصلاح كونه يروي عن أكثر من ستين قال وقد بلغ بهم بعض أهل الحديث أكثر من هذا العدد قال ثم لم يزل عدد رواته في ازدياد وهلم جرا على التوالي والاستمرار
قلت قد ارتفعت عدتهم لأكثر من ثمانين نفسا فيما قاله أبو القاسم بن مندة أيضا وخرجها بعض النيسابوريين بزيادة قليلة على ذلك وبلغ بهم ابن الجوزي كما في النسخة المتأخرة من الموضوعات وهي بخط ولده علي نقلا عن خط أبيه ثمانين وتسعين وأما أبو موسى المديني فقال إنهم نحو المائة
ونيفوا أي زادوا عن مائة من الصحابة باثنين من كذبا وذلك بالنظر لمجموع ما عندهم وإن كان الناظم عزا العدة المذكورة لمصنف الحافظ أبي الحجاج يوسف بن خليل الدمشقي وهو من جزأين فإن ظاهر كلام شيخنا خلافه حيث قال إن الحافظ بن يوسف بن خليل وأبا علي البكري وهما متقاصران وقع لكل منهما في تصنيفه ما ليس عند الآخر بحيث تكملت المائة من مجموع ما عندهم وأعلى من هذا كله قول النووي (3/41)
في شرح مقدمة مسلم إنه جاء عن مائتين من الصحابة ولو يزل في ازدياد
واستبعد المصنف ذلك ووجهه غيره بأنها في مطلق الكذب كحديث من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكذابين ونحوه ولكن لعله كما قال شيخنا سبق قلم من مائة وفيها المقبول والمردود وبيان ذلك إجمالا أنه اتفق الشيخان منها على حديث علي وأنس وأبي هريرة والمغيرة بن شعبة
وانفرد البخاري منها بحديث الزبير وسلمة بن الأكوع وعبد الله بن عمرو ابن العاص وواثلة بن الأسقع وانفرد مسلم منها بحديث أبي سعيد
وصح أيضا في غيرهما من حديث ابن مسعود وابن عمر وأبي قتادة وجابر ويزيد بن أرقم وورد بأسانيد حسان من حديث طلحة بن عبيد الله وسعد وسعيد بن زيد وأبي عبيدة بن الجراح ومعاذ بن جبل وعقبة بن عامر وعمران بن حصين وسلمان الفارسي ومعاوية بن أبي سعيد ورافع بن خديج وطارق الأشجعي والسائب بن يزيد وخالد بن عرفطة وأبي أمامة وأبي قرصامة وأبي موسى الغافقي وعائشة فهؤلاء أحد وثلاثون نفسا من الصحابة وورد عن نحو خمسين غيرهم بأسانيد ضعيفة متماسكة منهم عثمان بن عفان ومن نحو من عشرين آخرين بأسانيد ساقطة
على أن شيخنا قد نازع ابن الصلاح فيما اشعر به كلامه من عزة وجود مثال للمتواتر فضلا عن دعوى غيره العدم يعني كابن حبان والحازمي وقرر أن ذلك من قائله نشأ عن قلة إطلاع على كثرة الطرق وأحوال الرجال وصفاتهم المقتضية لإبعاد العادة أن يتواطئوا على كذب أو يحصل منهم اتفاقا قال ومن أحسن ما يقرر به كون المتواتر موجودا وجود كثرة في الأحاديث أن الكتب (3/42)
المشهورة المتداولة بأيدي أهل العلم شرقا وغربا المقطوع عندهم بصحة نسبتها إلى مصنفيها إذا اجتمعت على إخراج حديث وتعددت طرقه تعددا تحيل العادة تواطأهم معه على الكذب إلى آخر الشروط أفاد العلم اليقيني بصحته إلى قائله ومثل ذلك في الكتب المشهورة كثير
وقد توقف بعض الأخذ عنه من الحنفية في الشام أو مقالته هذه مع ما سلف من أنه لا دخل لصفات المخبرين في المتواتر وهو واضح الالتيام فما هذا بالنظر إلى كونه أهل هذه الطبقة مثلا بتقييد العادة لجلالتهم تواطؤ ثلاثة منهم على كذب أو غلط وكون غيرها لانحطاط أهلها عن هؤلاء لا يحصل ذلك إلا بعشرة مثلا وغيرها لعدم اتصاف أهلها بالعدالة ومعرفتهم بالفسق ونحوه لا يحصل إلا بمزيد كثير من العدد نعم يمكن بالنظر لما أشرت إليه أن يكون المتواتر من مباحثنا فالله أعلم
وذكر شيخنا من الأحاديث التي وصفت بالتواتر حديث الشفاعة والحوض وأن عدد رواتهما من الصحابة زاد على أربعين وممن وصفهما بذلك عياض في الشفاء وحديث من بنى لله مسجدا ورؤية الله في الآخرة والأئمة من قريش وكذا ذكر عياض في الشفاء حديث حنين الجذع وابن حزم حديث النهي عن الصلاة في معاطن الإبل واتخاذ القبور مساجد والقول عند الرفع من الركوع والأبردي في مناقب الشافعي حديث المهدي وابن عبد البر حديث اهتز العرش لموت سعد والحاكم حديث خطبة عمر بالجابية والإسراء وأن إدريس في الرابعة وغيره حديث انشقاق القمر والنزول وابن بطال حديث النهي عن الصلاة بعد الصبح وبعد العصر والشيخ أبو إسحاق الشيرازي قال بعد ذكر الأحاديث المروية عن النبي صلى الله عليه و سلم في غسل الرجلين لا يقال إنها أخبار آحاد لأن مجموعها تواتر معناه وكذا ذكر (3/43)
غيره في التواتر المعنوي كشجاعة علي وجود حاتم وأخبار الدجال وشيخنا حديث خير الناس قرني وقد أفرد ما وصف بذلك في تأليف إما للزركشي أو غيره والله أعلم (3/44)
غريب ألفاظ الحديث
( والنضر أو معمر خلف أول ... من صنف الغريب فيما نقلوا )
( ثم تلى أبو عبيد واقتفــى ... القتبي ثم حمد صنفــــا )
( فاعن به ولا تخض بالظـن ... ولا تقلد غير أهل الفـــن )
( وخير ما فسرته بالــوارد ... كالدخ بالدخان لابن صائـد )
( كذلك عند الترمذي والحاكم ... فسره الجماع وهو واهـم )
غريب ألفاظ الحديث النبوي
وهو خلاف الغريب الماضي قريبا فذاك يرجع إلى الانفراد من جهة الرواية وأما هنا فهو ما يخفى معناه من المتون لقلة استعماله ودونه بحيث يبعد فهمه ولا يظهر إلا بالتفتيش من كتب اللغة وهو من مهمات الفن لتوقف التلفظ ببعض الألفاظ فضلا عن فهمها عليه وتتأكد العناية به لمن يروي بالمعنى والقصد من هذا النوع بيان التصانيف فيه ولو أضيف لذلك أمثلة كغيره من الأنواع بل كما فعل الرشنسي في ألفيته الاصطلاحية في هذا نفسه حيث ذكر جانبا منه بل وابن الجوزي في الهداية التي شرحتها وأشار إلى أنه كالأسماء منه ما هو فرد كالجغطري اللفظ الغليظ ومنه ما هو كالمؤتلف والمختلف كأن تأتي كلمة لمعنى ومصحفها لمعنى آخر فيتألفا في (3/45)
الخط ويختلفا في النطق كقدح الراكب بفتحتين الآنية المعروفة مع تسوية الصف كالقدح بالكسر ثم سكون السهم وكالمنصف فهو بفتح الميم الموضع الوسط بين الموضعين وبكسرها الخادم وكحذف بتحريك الذال المعجمة في قوله كبنات حذف وهي الغنم الصغار الحجازية وبإسكانها في قوله حذف السلام سنة وهو تخفيفه وعدم إطالته وكالشفعة وهي بالشين المعجمة والعين المهملة المفتوحتين في قوله ورجل في شعفة من الشعاف يريد بن رأس جبل من الجبال مع السعفة وهي بالسين المهملة المفتوحة والعين المهملة الساكنة في قوله إنه رأى جارية بها سعفة أي قروح تخرج على رأس الصبي
ومنه ما هو كالمتفق والمفترق بأن تأتي كلمة في موضعين لمعنيين كالطبق فهو في قول فجاء طبق من جراد القطيع وفي قوله بذاء طبق والقرن
ومنه ما فيه الإعجام والإهمال كالتشميت ومضمضوا من اللبن لكان أفيد
ومما رأتيه مغرقا وهو نافع مع مشاححة في بعضه لا تحرك الإبط فيفوح ولا تفتح الجراب ولا تكسر القصعة ولا تمد القفاء وإذا دخلت طوى فافتح وإذا خرجت فضم والجنازة بالفتح والكسر فالأعلى للأعلى والأسفل للأسفل وملك بكسر اللام في الأرض وبفتحها في السماء
والنضر بن شميل أبو الحسن المازني أو أبو عبيدة معمر بن المثنى خلف أول أي اختلف في أول من صنف منهما في الإسلام الغريب المشار إليه فيما نقلوا فجزم الحاكم في علومه بأولهما والظاهر فإنه مات في سنة ثلاث وثمانين ومائة ومشى ابن الأثير في خطبة النهاية ثم المحب الطبري في تقريب المرام له على الثاني لكن بصيغة التمريض منهما (3/46)
مع أن وفاته كانت في ستة عشر ومائتين بعد الأول بسبع وعشرين عاما وكتاباهما مع جلالتهما صغيران لجريان العادة بذلك في المبتدي بما لم يسبق إليه لا سيما والعلم إذ ذاك أكثر فشوا من نقيضه وأكبرهما كتاب أولهما ولقد بالغ إبراهيم الحربي حيث قال إنه لا يصح مما أورده ثانيهما في غريبة سوى أربعين حديثا
وممن جمع في ذلك اليسير أيضا الحسين بن عياش أبو بكر السلمي ومحمد بن المستنير أبو علي المعروف بقطرب وكانت وفاتهما قبل معمر الأول ست سنين والثاني بأربع
ثم جمع عبد الملك بن قريب الأصمعي عصري معمر بل المتوفى بعد في سنة ثلاث عشرة ومائتين كتابا فزاد وأحسن في آخرين من أئمة الفقه واللغة جمعوا أحاديث تكلموا على لغتها ومعناها في أوراق ذوات عدد ولم يكد أحد منهم ينفرد عن غيره بكبير أمر لم يذكره الآخر
وكذا صنف أبو عبد الرحمن النووي في ذلك ثم تلا الجميع قريبا من هذا الآن أبو عبيد القاسم بن سلام المتوفى في سنة أربع وعشرين ومائتين فجمع كتابه المشهور في غريب الحديث والآثار تعب فيه جدا فإنه أقام فيه أربعين سنة بحيث استقصى وأجاد بالنسبة لمن قبله ووقع من أهل العلم بموقع جليل وسار قدوة في هذا الشأن كما قال ابن الصلاح وغيره حتى أن ابن كثير قال إنه أحسن شيء وضع فيه يعني قبله ولكنه غير مرتب فرتبه الشيخ موفق الدين بن قدامة على الحروف ولم يزل الناس ينتفعون بكتاب أبي عبيد
عمل أبو سعيد الضرير كتابا في التعقب عليه وكذا ممن جمع الغريب في هذا الوقت الإمام أبو الحسن علي بن المديني وأحمد بن الحسن الكندي البغدادي تلميذ معمر وأبو عمرو شمر بن حمدويه المتوفي في سنة ست (3/47)
وخمسين ومائتين وكتابه يقال إنه قدر كتاب أبي عبيد مرارا
واقتفى أثر أبي عبيد وحذا حذوه أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري القتبي بضم القاف المثناة نسبة لجده وكانت وفاته في سنة ست وسبعين ومائتين فصنف كتابه المشهور وجعله ذيلا على كتاب أبي عبيد فكان أكبر حجما من أصله مع أنه أضاف إليه التنبيه على كثير من أوهامه بل أفراد للاعتراض عليه كتابا سماه إصلاح الغلط وقد انتصر لأبي عبيد أبو عبد الله محمد بن نصر المروزي في جزء لطيف رد فيه على ابن قتيبة لكن قال لنا شيخنا عن شيخه المصنف أن ابن قتيبة كان كثير الغلط
وكذا صنف فيه أبو إسحاق إبراهيم بن إسحاق الحربي أحد معاصري ابن قتيبة والمتوفى بعده في سنة خمس وثمانين ومائتين كتابا حافلا أطاله بالأسانيد وسياق المتون بتمامها ولو لم يكن في المتن من الغريب إلا كلمة فهجر لذلك كتابه مع جلالة مصنفه وكثرة فوائد كتابه ثم صنف فيه غير واحد من المائة الثلاثة أيضا كأبي العباس المبرد المتوفى سنة خمس وثمانين وثعلب المتوفى سنة إحدى وتسعين وأبي الحسن محمد بن عبد السلام الخشني المتوفى سنة ست وثمانين ومن المائة الرابعة كأبي محمد قاسم بن ثابت بن حزم السرقسطي المتوفى سنة اثنتين
وكتابه واسمه الدلائل الذي على كتاب القتبي وكان قاسم قد ابتدأه ثم مات قبل أن يكمله فأكمله أبوه لتأخر وفاته عنه مدة فإنه مات سنة ثلاث عشرة وكأبي بكر بن الأنباري المتوفي سنة ثمان وعشرين وأبي عمر الزاهد غلام ثعلب المتوفى سنة خمس وأربعين وغريبه صفة على مسند أحمد خاصة وهو حسن جدا فيما قيل
ثم بعدهم أبو سليمان حمد هو ابن محمد بن إبراهيم الخطابي البستي المتوفى سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة صنفا كتاب المعروف وهو أيضا (3/48)
ذيل علي القتبي مع التنبيه على أغاليطه فهذه الثلاثة أعني كتب الخطابي والقتبي وأبي عبيد أمهات الكتب المؤلفة في ذلك وإليها المرجع في تلك الأعصار ووراؤها كما قال ابن الصلاح مجاميع تشتمل من ذلك على زوائد وفوائد كثيرة بحيث كما قال ابن الأثير لم يخل زمن من مصنف فيه
ومنها في المائة الخامسة كتاب أبي عبيد أحمد بن محمد بن محمد الهروي صاحب أبي منصور الأزهري اللغوي وعصري الخطابي بل المتأخر بعده فإنه مات سنة إحدى وأربعمائة جمع فيه بين كتابي أبي عبيد وابن قتيبة وغيرهما ممن تقدم من زيادات جمة وإضافة لذلك غريب القرآن مرتبا لذلك كله على حروف المعجم فكان أجمع مصنف في ذلك قبله واختصره الفقيه أبو الفتح سليم بن أيوب الرازي المتوفى سنة سبع وأربعين وأربعمائة وسماه تقريب الغريبين وكذا اختصره مع زايادات يسيرة الحافظ أبو الفرج بن الجوزي المتوفى في أواخر المائة السادسة سنة سبع وتسعين
وبل وجمع الحافظ أبو الفضل محمد بن ناصر البغدادي وكانت وفاته سنة خمسين وخمسمائة أوهامه في تصنيف مستقل وذيل عليه على طريقته في الغريبين والترتيب الحافظ أبو موسى المديني ذيلا حسنا ثم جمع بينهما أعني كتاب الهروي والذيل عليه لأبي موسى مقتصرا على الحديث خاصة المجد أبو السعادات المبارك بن محمد بن الأثير الجزري مع زيادات جمه فكان كتابه النهاية كاسمه وعول عليه كل من بعده لجمعه وسهولة التناول منه مع اعواز قليل فيه ويقال إن لصفي محمود بن محمد بن حامد الأرموي ذيلي عليه أو كتب على نسخته منه حواشي فأفردها غيره كما أن للمصنف على نسخته منه أيضا حواشي كان عزمه تجريدها في ذيل كبير وما أظنه تيسر
وكذا لابن الأثير كتاب آخر سماه منال الطالب في شرح طوال الغرائب في مجلد بل وله شرح غريب كتابه جامع الأصول في مجلد وكانت وفاته آخر يوم من سنة ست وستمائة (3/49)
ومنها كتاب الفائق لأبي القاسم الزمخشري من أنفس الكتب لجمعه المتفرق في مكان واحد مع حسن الاختصار وصحة النقل وهو وإن كان على حروف المعجم فهو ملتزم استيفاء ما في كل حديث من غريب في حرف من حروف بعض كلماته فعسر لذلك الكشف منه بالنسبة لكتاب الهرمي ولكنه أسهل تناولا من كثير ممن قبله وكانت وفاته مؤلفة سنة ثمانين وخمسمائة
ومنها مجمع الغرائب للحافظ أبي الحسن عبد الغافر بن إسماعيل بن أبي الحسين عبد الغافر بن محمد الفارسي ثم النيسابوري المتوفى سنة تسع وعشرين وخمسمائة ورأيت في كلام الزركشي بعد أن ذكر النهاية ما نصه وزاد عليه الكاشغري في مجمع الغرايب فينظر
ومنها كتاب المشارق للقاضي عياض المتوفى سنة أربع وأربعين وخمسمائة وهو أجل كتاب جمع فيه بين ضبط الألفاظ واختلاف الروايات وبيان المعنى لكنه خصه بالموطأ و الصحيحين مع ما أضاف إليه من مشتبه الأسماء والأنساب وينسب لأبي إسحاق بن قرقول تلميذ القاضي عياض المتوفى بعده في سنة تسع وستين كتاب المطالع والظاهر أنه منتزع من المشارق لشيخه مع التوقف في كونه نسبه لنفسه وقد نظمه الإمام شمس الدين محمد بن محمد ابن عبد الكريم بن الموصلي فأحسن ما شاء وكذا في الغريب المجرد لعبد الله بن يوسف البغدادي و قنعة الأريب في تفسير الغريب لبعضهم وغيره لمحمد بن جعفر النحوي وما لا يحصى كثرة وغريب البخاري خاصة لأبي الوليد ابن الصابوني وغريب الموطأ لبعضهم وكذا جزء بعضهم من بعض شروح مسلم غريبة فهذا ما علمته الآن من كتب غريب الحديث قال ابن كثير وأجل كتاب يوجد فيه مجامع ذلك كتاب الصحاح للجوهري
قلت والقاموس للمجد الشيرازي شيخ شيوخنا وهو كما قال ابن (3/50)
الصلاح يقبح جهله بأهل الحديث خاصة ثم بأهل العلم عامته
فأعن أيها المقبل على هذا الشأن به أي بعلم الغريب تحفظا وتدبرا وألزم النهاية من كتبه ولا تخض فيه رجما بالظن فإنه ليس بالهين والخائض فيه حقيق بالتحري جدير بالتوقي
وقد قال أحمد وناهيك به حيث سئل عن حرف منه اسألوا أصحاب الغريب فإني أكره أن أتكلم في قول رسول الله صلى الله عليه و سلم بالظن فاخطى وقال شعبة في لفظه خذوها عن الأصمعي فإنه أعلم بهذا منا كما قدمته مع غيره مما يشبهه في الفصل السادس من صفة رواية الحديث
ولا تقلد غير أهل الفن وأجلائه إن كانوا وإلا فكتبهم لأن من لم يكن من أهله أخطأ في تصرفه وإذا كان مثل الأصمعي وهو ممن علمت جلالته قول أنا لا أفسر حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم ولكن العرب تزعم أن السقب اللزيق فكيف بغيره ممن لا يعرف بالفن أم كيف بما يرى من ذلك بهوامش الكتب مما يجهل كتابه بل شرط بعضهم فيمن يقلد اطلاعه على أكثر استعمالات الألفاظ الشارع حقيقة ومجازا فقال ولا يجوز حمل الألفاظ الغريبة من الشارع على ما وجد في أصل كلام العرب بل لا بد من تتبع كلام الشارع والمعرفة بأنه ليس مراد الشارع من هذه الألفاظ إلا ما في لغة العرب
وأما إذا وجد في كلام الشارع قرائن بأن مراده من هذه الألفاظ معان اخترعها هو فيحمل عليها ولا يحمل على الموضوعات اللغوية كما هو في أكثر الألفاظ الواردة في كلام الشارع انتهى
وهذا هو المسمى عند الأصوليين بالحقيقة الشرعية
ثم إن المذكور هنا لا ينافي ما سلف في إصلاح اللحن والخطأ من أنه إذا وجد كلمة من غريب العربية أو غيرها مقيدة وأشكلت عليه حيث جاز له أن (3/51)
يسأل عنها أهل العلم بها أي بالعربية ويرويها على ما يخبرونه به كما روى مثله عن أحمد وإسحاق وغيرهما خير ما فسرته أي الغريب بـ المعنى الوارد في بعض الروايات مفسرا لذاك اللفظ كالدخ بضم الدال المهملة عند الأكثر وحكى ابن السيد فيها الفتح أيضا بعدها معجمة فإنه جاء في رواية أخرى ما تقتضي تفسيره بالدخان مع كونه لغة حكاها ابن دريد وابن السيد والجوهري وآخرون وقال الشاعر
عند رواق البيت يغشى الدخاء
في القصة المتفق عليها لابن صائد بمهملتين بينهما ألف ثم مثناة أبي عمارة عبد الله الذي يقال له ابن صياد أيضا وكان يقال إنه الدجال فالبخاري أخرجها من حديث هشام بن يوسف ومسلم من حديث عبد الرزاق كلاهما عن معمر عن الزهري عن سالم عن ابن عمر أنه صلى الله عليه و سلم لما قال له خبات لك خبيثا قال ابن صائد هو الدخ كذاك وأي كونه الدخان ثبت عند الترمذي في جامعه وقال إنه صحيح وكذا عند أبي داود كلاهما من حديث عبد الرزاق
وأخرجه أحمد عنه أيضا واتفق الثلاثة على قولهم وخبأ له يعني النبي صلى الله عليه و سلم ( يوم تأتي السماء بدخان مبين ) بل في رواية أخرى عند أحمد والبزار من حديث أبي ذر فأراد ابن صائد أن يقو الدخان فلم يستطع فقال الدخ الدخ وذلك كما قال ابن الصلاح على عادة الكهان في اختلاف بعض الشيء من الشياطين من غير وقوف على تمام البيان
ولهذا قال له النبي صلى الله عليه و سلم إخسا فلن تعدو قدرك أي فلا مزيد لك على قدر إدراك الكهان ووقع في رواية أخرى عند البزار أيضا والطبراني في الأوسط (3/52)
من حديث أبي الطفيل عن زيد بن حارثة قال كان النبي صلى الله عليه و سلم خبأ له سورة الدخان وكأنه أطلق السورة وأورد بعضها
وحكى أبو موسى المدني أن السر في امتحان النبي صلى الله عليه و سلم بهذه الآية الإشارة إلى أن عيسى بن مريم عليه السلام يقتل الدجال بجبل الدخان كما في رواية أحمد من حديث ابن الزبير عن جابر فأراد التعريض لابن صائد بذلك لأنه كان يظن أنه الدجال على أن الخطابي استبعد تفسير الدخ بالدخان وصوب أنه خبأ له الدخ وهو نبت يكون بين البساتين وسبب استبعاده أن الدخان لا يحط في اليد ولا الكم ثم قال إلا أن يكون خبأ له اسم الدخان في ضميره
والحاكم أبو عبد الله فسره أيضا في علومه الجماع أي بالجماع وهو كما اتفق عليه الأئمة وأهم في ذلك حتى قال ابن الصلاح إنه تخليط فاحش يغيظ العلم والمؤمن ولفظ الحاكم سألت الأدباء عن تفسير الدخ فقال كذا يزخها يعني بالزاي بدل الدال بمعنى واحد الدخ والزخ قال والمعنى الذي أشار إليه ابن صائد خذله الله فيه مفهوم ثم أنشد لعلي رضي الله عنه
( طوبى لمن كانت له مزخة ... يوخها ثم ينام الفخة )
فالمزخة بالفتح هي المرأة قاله الجوهري ومعنى يزخها يجامعها والفخة أن ينام ينفخ في نومه
ويؤيد وهم الحاكم رواية أبي ذر الماضية لما فيها من قوله فأراد ابن صائد أن يقول الدخان فلم يستطع بل قال المصنف إنه لم يرى في كلام أهل اللغة أن الدخ بالدال هو الجماع وإنما ذكره وبالزاي فقط وإذا كان كل من الحاكم والخطابي مع كونه من أئمة الفن صدر منه خلاف الرواية في معنى هذا اللفظ فكيف ممن دونهما على أن من الغريب ما لا يعرف تفسيره إلا من (3/53)
الحديث وقد جمع أبو بكر بن الأنباري من ذلك شيئا
وإلى ذلك أشار ابن الأثير في النهاية فقال في مهرو قال ابن الأنباري القول عندنا في الحديث بين مهرودتين يروى بالدال والذال أي بين ممصرتين عل ما جاء في الحديث ولم يسمعه إلا فيه وكذلك أشياء كثيرة لم تسمع إلا في الحديث ونقل غيره عن ابن الأنباري منها حديث من اطلع في صير باب ففعت عينيه فهي هدر وحديث ابن عمر أنه مر برجل ومعه وصير فذاق منه
فالأول الشق والثاني الصحناه ومنها أن عمر سأل المفقود الذي استهوته الجن ما شرابهم قال الجدف يعني بالجيم والمهملة المحركتين بعدهما فاء وهو نبات باليمن لا يحتاج أكله شرب ماء وقيل ما لم يذكر اسم الله عليه ونازع ابن الأنباري صاحبه القاضي أبو الفرج النهرواني في جعله الصير مما لا يعرف إلا في الحديث بأنه مشهور بين الخاصة والعامة وكذا مما ينبغي أن يعتمد في الغريب تفسير الراوي ولا يتخرج على الخلاف في تفسير اللفظ بأحد محتمليه لأن هذا إخبار عن مدلول اللغة وهو من أهل اللسان وخطاب الشارع يحمل على اللغة ما أمكن موافقته لها
ووراء الإحاطة بما تقدم الاشتغال بفقه الحديث والتنقيب عما تضمنه من الأحكام والآداب المستنبطة منه
وقد تكلم لبدر ابن جماعة في مختصره فيما يتعلق بفقه وكيفية الاستنباط منه ولم يطل في ذلك والكلام فيه متعين وذكر شروطه لمن بلغ أهلية ذلك وهذه صفة الأئمة الفقهاء والمجتهدين الأعلام كالشافعي ومالك وأحمد والحمادين والسفيانين وابن المبارك وابن راهويه والأوزاعي وخلق من المتقدمين والمتأخرين وفي ذلك أيضا تصانيف كثيرة كالتمهيد والاستذكار كلاهما لابن عبد البر ومعالم السنن وأعلام الحديث على البخاري كلاهما للخطابي وشرح السنن للبغوي مفيد في بابه والمحملي لابن حزم كتاب جليل (3/54)
لولا ما فيه من الطعن على الأئمة وانفراده بظواهر خالف فيها جماهير الأمة وشرح الإلمام والعمدة كلاهما لابن دقيق العيد وفيهما دليل على ما وهبه الله تعالى من ذلك ونعم الكتاب شرح مسلم لأبي زكريا النووي
وكذا أصله للقاضي عياض وشرح البخاري لشيخنا والأحوذي في شرح الترمذي للقاضي أبو بكر بن العربي والقطعة التي لابن سيد الناس عليه ثم الذيل عليها للمصنف وانتهى فيه إلى النصف وقد شرعت في إكماله إلى غير ذلك مما يطول إيراده من الشروح التي على الكتب الستة وكلها مشروحة ومن غريبها شرح النسائي للإمام أبي الحسن علي بن عبد الله بن النغمة سماه الإمعان في شرح مصنف النسائي أبي عبد الرحمن ومن متأخرها شرح ابن ماجه الدميري ولأبي زرعة ابن المصنف على أبي داود قطعة حافلة بل وشرحه بتمامه الشهاب بن رسلان وكذا على ابن ماجه لمغلطاي قطعة وعلى الموطأ ومسند الشافعي والمصابيح والمشارق والمشكاة والشهاب والأربعين النووية وتقريب الأحكام لخلق وما لا ينحصر
وقد روى ابن عساكر في تاريخ من حديث أبي زرعة الرازي قال تفكرت ليلة في رجال فأريت فيما يرى النائم كان رجلا ينادي يا أبا زرعة فهم متن الحديث خير من التفكر في الموتى
تتمة مما يتضح به المراد من الخبر معرفة سببه ولذا اعتنى أبو حفص العكبري أحد شيوخ القاضي أبي معلى ابن الفرا الحنبلي ثم أبو حامد محمد بن أبي مسعود الأصبهاني عرف بكوتاه بإفراده بالتصنيف وقال ابن النجار في ثانيهما إنه حسن في معناه لم يسبق إليه وليس كذلك فالعكبري متقدم عليه وقول ابن دقيق العيد في أثناء البحث التاسع من كلامه على حديث الأعمال بالنيات من شرح العمدة شرع بعض المتأخرين من أهل الحديث ف تصنيفه كما صنف في أسباب النزول فوقفت من ذلك على شيء مشعر (3/55)
بعدم الوقوف على واحد منهما وقد أفرده بنوع شيخنا تبعا لشيخه البلقيني وعنده في محاسنه من أمثلته الكثير ومنها حديث الخراج بالضمان فالجمهور رووه كذلك فقط وعند أبي داود وغيره سببه وهو أن رجلا ابتاع عبد فأقام عنده ما شاء الله إن وجد به عيبا فخاصمه إلى النبي صلى الله عليه و سلم فرده عليه فقال الرجل يا رسول الله قد استغل غلامي فقال يا رسول الله صلى الله عليه و سلم الخراج بالضمان وأشار إليه الشافعي رحمه الله والتقيد بالسبب هنا أولى وإن أخذ بعمومه جماعة من العلماء من المدنيين والكوفيين (3/56)
المسلسل
( مسلسل الحديث ما تـــواردا ... فيه الرواة وحدا فواحـدا )
( حالا لهم أو وصفا أو وصف سند ... كقول كلهم سمعت فاتحد )
( وقسمه إلى ثمــــان مثــل ... وقلما يسلم ضعفا يحصل )
( ومنه ذو نقص بقطع السلسلــة ... بأولية وبعض وصلــه )
المسلسل
وهو لغة اتصل الشيء بعضه ببعض ومنه سلسلة الحديث ومسلسل الحديث وهو من صفات الإسناد وهو ما توارد فيه الرواة له كلهم واحد فواحدا حالا أي على حال لهم وذلك إن إما أن يكون قوليا لهم كحديث أنه صلى الله عليه و سلم قال لمعاذ رضي الله عنه إني أحبك فقل في دبر كل صلاة اللهم أعني على ذكرك الحديث فقد تسلسل لنا بقول كل من رواته أنا أحبك فقل
ونحوه المسلسل يقول رحم الله فلانا كيف لو أدرك زماننا وبقول قم فصب علي حتى أريك وضوء فلان وإما أن يكون الحال فعليا كقول أبي هريرة شبك بيدي أبو القاسم صلى الله عليه و سلم وقال خلق الله الأرض يوم السبت الحديث فقد تسلسل لنا بتشبيك كل واحد من رواته بيد من وراه عنه ونحوه (3/57)
المسلسل بوضع اليد على الرأس وبالأخذ بيد الطالب وبالعدل في يده للخمسة التي منها الصلاة على النبي صلى الله عليه و سلم والترحم والدعاء وبالمصافحة وبرفع اليدين في الصلاة وبالاتكاء وبالإطعام والسقي وبالضيافة بالأسودين التمر والماء
وقد يجيآن معا أعني القول والفعل في حديث واحد كحديث أنس مرفوعا لا يجد العبد حلاوة الإيمان حتى يؤمن بالقدر خيره وشره حلوه ومره
قال وقبض رسول الله صلى الله عليه و سلم على لحيته وقال آمنت بالقدر فقد تسلسل لنا بقبض كل واحد من رواته على لحيته مع قول آمنت إلى آخره
أو وصفا أي أو كان التوارد من الرواة على وصف لهم وهو أيضا فعلى كالمسلسل بالقراء وبالحفاظ وبالفقهاء وبالنجاة وبالصوفية وبالدمشقيين وبالمصريين ونحو ذلك كالمسلسل بالمحمدين أو بمن أول اسمه عين أو بمن في اسمه أو اسم أبيه أو نسبه أو غيرهما مما يضاف إليه نون أو برواية الأبناء عن الآباء أو بالمعمرين أو بعدد مخصوص من الصحابة يروى بعضهم عن بعض أو من التابعين كذلك
وقولي كالمسلسل بقراءة سورة الصف ونحوه لكنه في الصوف غالبا مقارب بل مماثل له في الحال
أو وصف سند أي أو كان التوارد من الرواة على وصف سند بما يرجع إلى التحمل وذلك إما في صيغ الأداء كقول كلهم أي الرواة سمعت فلانا أو حدثنا أو أنبأنا أو شهدت على فلان فاتحد ما وقع منها لجميع الرواة فصار بذلك مسلسلا بل جعل الحاكم منه أن تكون ألفاظ الأداء من جميع الرواة دالة على الاتصال وإن اختلفت فقال بعضهم سمعت وقال بعضهم أنبأنا وقال بعضهم حدثنا ولكن الأكثرين على اختصاصه بالتوارد في صيغة واحدة ونحوه الحلف كقوله أنبأنا والله فلان كما نص عليه (3/58)
ابن الصلاح أو ما يلتحق به كقوله صمت أذناي إن لم أكن سمعته من فلان وأما فيما يتعلق بزمن الرواية أو بمكانها أو بتاريخها
فالأول كالمسلسل بالتحمل في يوم العيد أو بقص الأظفار في يوم الخميس
والثاني كالمسلسل بإجابة الدعاء في الملتزم
الثالث ككون الراوي آخر من يروى عن شيخه إلى غير ذلك من أنواع التسلسل كثيرة لا تنحصر كما قال ابن الصلاح
وقسمه أي تقسيمه إلى ثمان كما فعل الحاكم إنما هي مثل له ولم يرد الحصر فيها كما فهمه ابن الصلاح عنه وتعقبه بعدم حصره فيها إذ ليس في عبارة الحاكم ما يقتضي الحصر كما قاله الشارح لقول الحاكم بعد الفراغ منها فهذه أنواع التسلسل من الأسانيد المتصلة التي لا يشوبها تدليس وآثار السماع فيها بين الروايين ظاهر وهذا كما ترى مؤذن بأنه إنما ذكر من أنواعه ما يدل على الاتصال وهو غاية المقصد من هذا النوع إذ فائدته البعد من التدليس والانقطاع وغيرها كما قال ابن الصلاح ما دل على ذلك
ومن فضيلة التسلسل الاقتداء بالنبي صلى الله عليه و سلم فعلا ونحوه كما أشار إليه ابن دقيق العيد واشتماله كما قال ابن الصلاح على مزيد الضبط من الرواة ولكن قد انعكس الأمر نقل ما يسلم التسلسل ضعفا أي من ضعف يحصل في وصف التسلسل لا في أصل المتن كمسلسل المشابكة فمتنه صحيح والطريق بالتسلسل فيها مقال وأصحها مطلقا المسلسل بسورة الصف ثم بالأولية
وقد أفرد كثير من الأئمة ما وقع لهم من المسلسلات وقع لي من ذلك (3/59)
بالسماع جملة كالمسلسلات لأبي بكر بن شاذان ولأبي محمد الإبراهيمي ولأبي محمد الديباجي ولأبي سعد السمان ولأبي سعد بن أبي عصرون ولأبي القاسم التيمي والقرافي ولأبي المكارم بن مسدي ولأبي سعيد العلائي ولابن الفضل في الأربعين له وبالإجازة حملة أيضا كأبي نعيم الإصبهاني وأبي الحسن اللبان والقاضي أبي بكر بن العزي واعتنى كل من حافظ دمشق الشمس بن ناصر الدين وحافظ مكة من أصحابنا بإفراد ما وقع له منها في تخريج وكذا أفردت مأية منها بالتصنيف مبينا شأنها ورويت ذلك إملاء وتحديثا بالقاهرة ومكة
ثم تارة يكون التسلسل من الابتداء إلى الانتهاء وهو الأكثر منه ذو نقص بقطع السلسلة إما في أوله أو وسطه أو آخره وله أمثلة كحديث عبد الله بن عمرو بن العاص الراحمون يرحمهم الرحمن المسلسل بأولية وقعت لجل رواته حيث كان أول حديث سمعه كل واحد منهم من شيخه فإنه إنما يصح التسلسل فيه إلى ابن عيينة خاصة وانقطع فيمن فوقه على المعتمد وبعض من الرواة قد وصلة إلى آخره إما غلطا كما أشار إليه ابن الصلاح حيث أورد الحديث في بعض تخاريجه متصل السلسلة وقال عقبة إنه غريب جدا وفي موضع آخر أنه منكر وأبو طاهر يعني ابن مخمش رواية فمن فوقه لا مطعن فيهم ومع ذلك فأحسب أو أبت أن هذا سهو أو خطأ صدر من بعضهم عن قلة معرفة بهذه الصناعة فليس يصح تسلسله بكماله من وجه ما وإما كذبا كأبي المظفر محمد بن علي الطبري الشيباني حيث وصله وتواقح فأرخ سماع ابن عيينة له من عمرو في سنة ثلاثين وماية وافتضح فإن عمرا مات قبل ذلك إجماعا وأرخ سماع عمرو أيضا له من أبي قابوس سنة ثمانين ولم يتابع على ذلك ولا على أشياء انفرد بها فيه غير ذلك بحيث جزم غير واحد من الحفاظ باتهامه به لا سيما وقد رواه ابن عساكر وغيره عن شيخه فيه بدون ما أتى به بل كالناس (3/60)
وقد سلسله بعضهم إلى الصحابي فقط وبعضهم إلى التابعي فقط وكل ذلك باطل وقع عمدا من رواية أو سهوا كما بينته واضحا في أول المتباينات التي أفردتها من حديثي
وقد جمع طرق هذا الحديث الحافظ الذهبي في جزء سمعناه سماه العذب السلسل في الحديث المسلسل وكذا التقي السبكي ومن قبلهما ابن الصلاح ومنصور بن سليم وأبو القاسم السمرقندي وآخرون
ومن المسلسلات الناقصة ما اجتمع في رواته ثمانية في نسق اسمهم زيد أو سبعة أو ستة من التابعين أو ستة فواطم أو خمسة كنيتهم أبو القاسم وأبو بكر أو اسمهم محمد بن عبد الواحد أو أحمد أو خلف أو صحابة أو أربعة اسمهم إبراهيم أو إسماعيل أو علي أو سليمان أو صحابيات أو إخوة من التابعين أو حنفيون أو ثلاثة من الأئمة المتبوعين أو اسمهم أبان أو أسامة أو إسحاق أو خالد أو عمران أو خولان أو اثنان كل منهما اسمه الحسن بن أحمد بن الحسن بن أحمد أو اسمه نصر بن علي أو عثام بن علي في أشباه لذلك كأن يتوالى في رواته بصريون أو مدنيون أو مغربيون أو مالكيون أو حنبليون أو ظاهريون أو عدة نسوة كما وقع في أبي داود من حديث مسلم بن إبراهيم عن غيطة ابنة عمرو أم عمرو والمجاشعية عن عمتها أم الحسن عن جدتها عن عائشة أن هند ابنة عتبة قالت يا نبي الله بايعني الحديث أو المزكوم عن الزمن عن المفلوج عن الأثرم عن الأحدب عن الأصم عن الضرير عن الأعمش عن الأعور عن الأعرج عن الأعمى كما أورده بخصوصه ابن ناصر الدين والكتابي وفي نزهة الحفاظ لأبي موسى المديني مما أشرت إليه وأشباهه الكثير ولكن جل الغرض هنا إنما هو ما تسلسل من ابتدائه إلى انتهائه
وقد اعتنى التاج السبكي في طبقات الشافعية له بإيراد ما لعله يقع من (3/61)
حديث المترجمين بأسانيده وربما يتوالى عنده من ذلك عدة فقهاء وكذا الصلاح الأفقهيني في مطلق الفقهاء وأتى من ذلك بما هو مؤذن بكثرة إطلاعه واسعة مروية ولكنه مات قبل تهذيبه وتبيضه بل أفرد بعض المتأخرين من المسلسلات الناقصة ما اشترك جماعة من رجال سنده في فقه أو بلد أو إقليم أو غيرها بنوع سوى ما يشبهه من توالي عدة من الصحابة أو التابعين مما أفرده أيضا بنوعين كما سأذكره في الأقران إن شاء الله
وكان من فائدته معرفة مخرج الحديث وتعيين ما لعله يقع من الرواة مهملا وفي الفقهاء بخصوصهم الترجيح له على ما عارضه من متن ليس سنده متصفا بذلك وشيخنا منه ما توالى فيه راويين فأكثر اشتركوا في التسمية ومثل له بعمران ثلاثة الأول القصير والثاني أبو رجاء العطاردي والثالث ابن حصين الصحابي وبسليمان ثلاثة أيضا الأول ابن أحمد الطبراني والثاني ابن أحمد الواسطي والثالث ابن عبد الرحمن الدمشقي المعروف بابن بنت شرحبيل
وفائدته دفع توهم الغلط حيث دفع إهمالهم أو بعضهم وقد يكون بين متفقي الاسم واسطة كالبخاري وعبد روى كل منهما عن مسلم فشيخهما مسلم ابن إبراهيم الفراهيدي البصري والراوي عنهما مسلم بن الحجاج القشيري صاحب الصحيح ويحيى بن أبي كثير روى عن هشام وعنه هشام فالأول ابن عروة وهو من أقرانه والتلميذ ابن أبي عبد الله الدستوائي وابن جريج عن هشام وعنه هشام فالأعلى بن عروة والأدنى ابن يوسف الصناعاني والحكيم بن عتيبة عن ابن أبي ليلى وعنه ابن أبي ليلى فالأعلى عبد الرحمن والأدنى محمد بن عبد الرحمن المذكور في أمثلة كثيرة وفائدته رفع اللبس عمن يظن أن فيه تكرار ونقلا ولذا أفرده شيخنا بل أفرد من اتفق اسمع واسم أبيه وجده كالحسن بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب
قال وقد يقع أكثر من ذلك وهو من فروع المسلسل (3/62)
قال وقد يتفق الاسم واسم الأب مع الاسم واسم الأب فصاعدا كأبي اليمن الكندي هو زيد بن الحسن بن زيد بن الحسن بن زيد بن الحسن
قال ويتأكد الاشتباه إذا كان كل من الحفيد والجد له رواية كنصر بن علي بن نصر بن علي بن صهبان الجهضمي شيخ الأئمة الستة فجده أيضا ممن أخرج به أصحاب السنن الأربعة ويقال للحفيد الجهضمي الصغير وله الجهضمي الكبير ومنه عثام بن علي بن عثام بن علي كما سيأتي في المؤتلف
قال وقد يقع أي الاتفاق بين الراوي وشيخه في الاسم واسم الأب يعني وكذا الجد وجد الأب كأبي العلاء الهمداني العطار مشهور بالرواية عن أبي علي الأصبهاني الحداد وكل منهما واسمه الحسن بن أحمد بن الحسن بن أحمد فاتفقا في ذلك وافترقا في الكنية والنسبة إلى البلد والصناعة فاجتمع مما أوردته عدة أنواع لم يذكرها ابن الصلاح ولا أكثر أتباعه (3/63)
الناسخ والمنسوخ
( والنسخ رفع الشارع السابق من ... أحكامه بلاحق وهو قمن )
( أن يعتنى به وكان الشافــعي ... ذا علمه تم بنص الشارع )
( أو صاحب أو عرف التاريخ أو ... أجمع تركا بأن نسخ ورأوا )
( دلالة الإجماع لا النسخ بــه ... كالقتل في رابعة بشر بـه )
الناسخ والمنسوخ
من الحديث والنسخ نعت تطلق على الإزالة يقال نسخت الشمس الظل إذا أزالته وخلفته وعلى النقل والتحويل يقال نسخت ما في الخلية من العسل والنخل إلى أخرى ومنه نسخ الكتاب والمناسخات في المواريث وهو انتقال المال من وارث إلى آخر ولا يحتم فيه المحو والانعدام فليس نسخ الكتاب إعداما للمنسوخ منه
وبالنظر في هذا المعنى قسمة بعض المحققين بخمسة معان فنسخت الشمس الظل أزالته وخلفته والريح الأثر أذهبته والفريضة الفريضة نقلت حكمها إليها والكتاب صورت مثله والليل والنهار بين انتهائه وعقبة
قال وهذا أنسب لم اختلف في حقيقته فقيل إنه مشترك بين الإزالة والتحويل لأن الأصل في الاستعمال الحقيقة وقيل إنه حقيقة في الأول (3/64)
ومجاز في الثاني وقيل بالعكس قال الأصبهاني شارح المختصر والأخير أن أولى من الأول فالمجاز وإن على خلاف الأصل خير من الاشتراك على أن العضد قال إنه لا يتعلق به غرض علمي وإصلاحا هو رفع الشارع صلى الله عليه و سلم الحكم السابق من أحكامه بـ حكم من أحكامه لاحق هكذا عرفه ابن الصلاح وقال إنه جد وقع لنا سالم من الاعتراضات ورد على غيره
والمراد بارتفاع الحكم قطع تعلقه بالمكلفين إذ الحكم قديم لا يرتفع ألا ترى أن المكلف إذا كان مستجمعا لما لا بد منه يقال تعلق به الحكم وإذا جن يقال ارتفع عنه الحكم أي تعلقه ولذا صرح شيخنا تبعا لغيره بقوله رفع تعلق الحكم شعري بدليل شرعي متأخر عنه ثم لكون الرفع لا يكون إلا بعد الثبوت خرج بيان المجمل والاستثناء والشرط ونحوهما مما هو متصل بالحكم مبين لغايته لا سيما مع التقييد بالسابق واحترز بالشارع عن قول بعض الصحابة خبر كذا ناسخ فإنه لا يكون نسخا وإن كان التكليف بالخبر المشار إليه إنما حصل بإخباره لمن لم يكن بلغه قبل وبالحكم السابق من أحكامه عن رفع الإباحة الأصلية فإنه لا يسمى نسخا وللاحتراز عن ذلك أيضا قيد بعضهم الحكم الشرعي وقال لأن الأمور العقلية التي مستندها البراءة الأصلية لم تنسخ وإنما ارتفعت بإيجاب العبادات ولكن هذا القيد مستغنى عنه بما قدمناه وبحكم من أحكامه عن الرفع بالموت وكذا بالنوم والغفلة والجنون وإن نازع فيه بعضهم بأن النائم وما بعده رفع الحكم عنهم بحكم من أحكامه وهو قوله صلى الله عليه و سلم رفع القلم فقد أجيب عن هذا كما أفاده الأصبهاني بأنه لا فرق بين الثلاثة وبين الميت في رفع الحكم عنهم للعلم بأن شرط التكليف التعقل وقد اشتركوا في عدمه والحديث فهو دليل على أن الرافع هو النوم وما معه لا لفظ الخبر ويلاحق عن انتهاء الحكم بانتهاء الوقت كقوله صلى الله عليه و سلم إنكم ملاقو العدو غدا والفطر أقوى لكم فأفطروا فالصوم مثلا بعد ذلك اليوم ليس بنسخ متأخر وإنما المأمور به مؤقت وقد انقضى وقته (3/65)
بعد مضي اليوم المأمور بإفطاره ووراء هذا أن البلقيني زاد في الحد كون الحكم الذي رفع متعلقا بالمحكوم عليه ليخرج به تخفيف الصلاة ليلة الإسراء من خمسين إلى خمس فإنه لا يسمى نسخا لعدم تعلقه بالمحكوم عليهم أي تعلقا تنجيزيا لعدم إبلاغه لهم فأما في حقه صلى الله عليه و سلم فمحتمل إلا أن يلمح أنه إنما يتعلق بعد البيان وهي غير مسألة النسخ قبل وقت الفعل لوجود التعلق بخلاف البيان ولكن قيل أن هذا القيد قبل ما حملته عليه مستغنى عنه بقوله الحكم إذ الحكم الشرعي لا بد أن يكون متعلقا بفعل المكلف تعلقا معنويا قبل وجوده تنجيزيا بعده حسبما أخذ في حد الحكم حيث قيل فيه خطاب الله المتعلق بأفعال المكلفين من حيث التكليف الاقتضاء أو التنجيز فحينئذ لفظ الحكم يعني عنه واختار التاج السبكي في تعريفه أنه رفع الحكم الشرعي بخطاب وقال إنه أقرب الحدود
وبالجملة فكونه رافعا هو الصحيح وإلا فقد قيل إنه بيان لانتهاء مد الحكم والناسخ ما دل على الرفع المذكور وتسميته ناسخا مجاز لأن الناسخ في الحقيقة هو الله وقد قال ابن كثير في هذا النوع إنه ليس من خصائص هذا العلم بل هو بأصول الفقه أشبه ونحوه قول ابن الأثير معرفة المتواتر والآحاد والناسخ والمنسوخ وإن تعلقت بعلم الحديث فإن المحدث لا يفتقر إليها بل هي من وظيفة الفقيه لأنه يستنبط الأحكام من الأحاديث فيحتاج إلى معرفة ذلك وأما المحدث فوظيفته أن ينقل ويروي ما سمعه من الأحاديث كما سمعة فإن تصدى لما رواه فزيادة في الفضل وكمال في الاختيار انتهى
وهو أي هذا النوع على كل حال فمن بكسر الميم على إحدى اللغتين أي حقيق به أن يعتني به لأنه علم جليل ذو غور وغموض دارت فيه الرؤوس وتاهب في الكشف عن مكمونه النفوس بحيث يستعظمه الزهري أحد من (3/66)
انتهى إليه علم الصحابة ومن كان عليه مدار حديث الحجاز وإليه المرجع فيه وعليه المعول في الفتيا وقال إنه أعيى الفقهاء وأعجزهم أن يعرفوا ناسخ حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم من منسوخه وكان إمامنا الشافعي رحمه ذا أي صاحب علمه له فيه اليد الطولي والسابقة الأولى فخاض تياره وكشف أسراره واستنبط معينه واستخرج دفينه واستفتح بابه ورتب أبوابه
وكذا نسب الإمام أحمد بن وادة حيث قدم مصر ولم يكتب كتبه إلى التفريط وقال له ما عرفنا المجمل من المفسر ولا ناسخ حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم من منسوخه حتى جالسناه ومع ذلك فلم نر له فيه تصنيفا مستقلا إنما يوجد في غصون الأبواب من كتبه مفرقا وكذا في الرسالة له منه أحاديث وتكلم فيه رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم كان متداولا بن الصحابة والتابعين متفرقا في كتب شروح السنة إلى أن جرد له غير واحد من الأئمة مصنفات كأبي داود صاحب السنن وأبي حفص بن شاهين وكابن الجوزي في مصنفين أحدهما في الرد على جماعة من العلماء دعوى النسخ في كثير من الأحاديث ثانيهما في تجريد الأحاديث المنسوخة وهو مختصر جدا وكالحازمي في مصنف حافل وقد قرأته مع ثاني تصنيفي ابن الجوزي بعلو وكالبرهان الجعبري وهو فرض كفاية لتوقف بعض الأحكام عليه
وقد مر علي بن طالب رضي الله عنه فيما رواه أبو عبد الرحمن السلمي عنه بقاص فقال أتعرف الناسخ من المنسوخ قال لا قال هلكت وأهلكت ونحوه عن عمرو ابن عباس وقال الزهري من لم يعلم ذلك خلط وقد توهم بعض من لم يحط من معرفة الآثار إلا بآثار ولم يحصل من طرائق الأخبار إلا بالأخبار أن الخطب فيه جليل يسير والمحصول منه قليل غير كثير فعاناه مع عدم تقدمه في صناعته وضبطه فأدخل فيه ما ليس منه إخفاء معنى النسخ وشرطه (3/67)
ثم ينص الشارع صلى الله عليه و سلم على إبطال أحد الدليلين المتعارضين المتعذر الجمع بينهما وتصريحه بذلك قوله هذا ناسخ أو ما في معناه كقوله كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإنها تذكر الآخرة وكرجم ماعز دون جلده بعد قوله الثيب بالثيب جلد مائة ورجم بالحجارة كما ذكره ابن السمعاني وغيره أو بنص صاحب من أصحابه رضي الله عنهم عليه كأن يجزم بتأخر أحدهما كقول جابر رضي الله عنه كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه و سلم ترك الوضوء مما مست النار أو أن أحدهما شرع بمكة والآخر بالمدينة أو بغيرهما وذلك كان عرف التاريخ للواقعتين وتأخر أحدهما عن الآخر وأمثلته كثيرة أو أجمع تركا أي على ترك العمل بمضمون حديث بان أي ظهر بكل واحد من هذه الأربعة التي هي نص الشارع أو الصحابي أو العلم بالتاريخ أو الإجماع نسخ للحكم الآخر وأصرحها أولها وأما ثانيها فمحله في غير المتواترين أما إذا قال في أحد المتواترين إنه كان متقدما على الآخر فيه خلاف للأصولين والأكثرون على عدم قبوله وبه جزم بعضهم لأنه يتضمن نسخ المتواتر بالآحاد وهو غير واقع وحجة الطرف الآخر أن النسخ إنما هو بالمتواتر وخبر الواحد معين للناسخ لا ناسخ لأنه علم أن أحدهما ناسخ والآخر منسوخ بدونه وكذا محله فيما إذا كان مستنده النقل أو قال القول بكذا منسوخ أو هذا هو الناسخ وكذا إن قال هذا ناسخ وذكر دليله فإن لم يذكره واقتصر على قوله هذا ناسخ أو هذا النسخ لهذا لم يرجع إليه عند غير واحد من الأصوليين والفقهاء كاحتمال أنه قاله عن اجتهاد نشأ عن ظن ما ليس ينسخ نسخا لاسيما وقد اختلف العلماء في أسباب النسخ وهذا بناء على أن قوله رضي الله عنه ليس بحجة ولكن قد أطلق ابن الصلاح تبعا لأهل الحديث القول بمعرفة النسخ بقول الصحابي بل وأطلقه الشافعي أيضا حيث ذكر الأدلة الأربعة
فقال فيما رواه البيهقي في المدخل من طريقه ولا يستدل على الناسخ (3/68)
والمنسوخ إلا خبر عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أو لوقت يدل على أن أحدهما بعد الآخر أو يقول من سمع الحديث يعني من الصحابة أو العامة يعني الإجماع وهو كما قال المصنف أوضح وأشهر إذ النسخ لا يصار إليه بالاجتهاد والرأي وإنما يصار إليه عند معرفة التاريخ والصحابة أورع من أن يحكم أحدهم على حكم شرعي ينسخ من غير أن يعرف تأخر الناسخ عنه
وأما ثالثها فليس من أمثلته ما يرويه الصحابي المتأخر الإسلام معارضا لمتقدم عنه بناء على الظاهر لتجويز سماع المتقدم بعد المتأخر
قال شيخنا ولاحتمال أن يكون سمعه من صحابي آخر أقدم من المتقدم المذكور أو مثله فأرسله لكن إن وقع التصريح بسماعه له من النبي صلى الله عليه و سلم فيتجه أن يكون ناسخا بشرط أن يكون لم يتحمل عن النبي صلى الله عليه و سلم شيئا قبل إسلامه
وفي الثاني نظر للتجويز السابق وحينئذ فطرق كون حديث شداد المرفوع أفطر الحاجم والمحجوم منسوخا بحديث ابن عباس رضي الله عنه أنه صلى الله عليه و سلم احتجم وهو صائم محرم لكون ابن عباس إنما صحبه محرما في حجة الوداع سنة عشر وشداد قيد حديثه في بعض طرقه إما بزمن الفتح كما في رواية وكان سنة ثمان وإما برمضان كما في أخرى وأياما كان فهو قبل حجة الوداع
أما الأول فواضح وأما الثاني فحجة الوداع لم يكن بعدها في حياة النبي صلى الله عليه و سلم رمضان احتمال أن يكون ابن عباس يجمله عن غيره من الصحابة على أن الشافعي رحمه الله قال وإسناد الحديثين جميعا مشتبه قال وحديث ابن عباس أمثلهما إسنادا
وأما رابعها فليس على إطلاقه في كون الإجماع ناسخا بل العلماء من المحدثين والأصولين إنما رأوا دلالة الإجماع على وجود ناسخ غيره (3/69)
بمعنى أن بالإجماع يستدل على وجود خبر معه يقع به النسخ وعليه ينزل نص الشافعي والأصحاب وسائر المطلقين لا أنهم رأوا النسخ به لأنه لا ينسخ بمجرده إذ لا ينعقد إلا بعد الرسول وبعده ارتفع النسخ وكذا لا ينسخ ولذلك أمثلة كثيرة كنسخ رمضان صوم عاشوراء والزكاة وسائر الحقوق في المال وكـ ـحديث معاوية وجابر وجرير وشرحبيل بن أوس والشريد بن أوس الثقفي وعبد الله بن عمر وعبد الله بن عمرو وغطيف وأبي الرمداء وأبي سعيد وأبي هريرة وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم مرفوعا القتل لشارب الخمر في مرة الرابعة صدرت منه بعد شربه ثلاث مرار قبلها أو في مرة خامسة كما في بعض الروايات بسبب شربه حيث حكى الترمذي في آخر جامعه الإجماع على ترك العمل به
ونحوه قول الماوردي قبل الشارب في الخامسة انعقد الإجماع من الصحابة على أنه لا يقتل ولا يخدش الإجماع بما رواه أحمد والحارث بن أبي أسامة في مسنديهما من طريق الحسن البصري عن عبد الله بن عمرو أنه قال إيتوني برجل أقيم عليه الحد يعين ثلاثا ثم سكر فغن لم أقتله فأنا كذاب ولا بما أخرجه سعيد بن منصور مما هو أشد من هذا عن ابن عمر وأيضا أنه قال لو رأيت أحد يشرب الخمر واستطعت أن أقتله لقتله ولا بحكاية القتل في الرابعة أيضا عن عثمان رضي الله عنه
وعن عمر بن عبد العزيز والحسن البصري فضلا عن كون أهل الظاهر منهم ابن حزم قالوا به الانقطاع أولها فإن الحسن لم يسمع من ابن عمر وكما جزم به ابن المديني وغيره وللين سند ثانيهما بحيث لا يكون فيهما حجة كما أنه لا حجة فيما عداهم بعدم ثبوته
وأما خلاف الظاهرية فلا يقدح في الإجماع وحينئذ فلم يبق لمن رد الإجماع على ترك القتل متمسك حتى ولو ثبت عن ابن عمرو أو غيره من (3/70)
الصحابة فمن بعدهم لكان العذر عنه أنه لم يبلغه النسخ وعد ذلك من ندرة خلاف ولوجود الخلاف في الجملة حكى ابن المنذر إجماع عوام أهل العلم في ترك القتل في الرابعة واستثنى شاذا موصوفا بأنه لا يعد بل وقوع الخلاف قديما لا يمنع حصول الإجماع بعد ذلك كما سلف في كتابه الحديث وهي طريقة مشهورة كما قال البلقيني
ويؤيده قول شيخنا في فتح الباري عقب حكاية قول الترمذي وهو محمول على من بعد لنقل غيره القول به وأشار لما تقدم
وممن حكى الإجماع أيضا النووي وقال القول بالقتل قول باطل مخالف لإجماع الصحابة فمن بعدهم والحديث الوارد فيه منسوخ إما بحديث لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث
وإما بأن الإجماع دل على نسخه انتهى هذا كله مع ورود ناسخ من حديثي جابر وقبيصة بن دويب بحيث عمل بمضمونه عمر بن الخطاب وسعد بن أبي وقاص ولكن ليس هذا محل الإطالة بها قال البلقيني ومن مثل معرفة النسخ بالإجماع الحديث الذي رواه أبو داود في سننه من حديث أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لوهب بن زمعة ورجل آخر إن هذا يوم رخص لكن إذا أنتم رميتم الجمرة أن تحلوا من كل ما حرمتم منه إلا النساء فإذا لمستم قبل أن تطوفوا هذا البيت صرتم حرما كهيئتكم قبل أن ترموا الجمرة حتى تطوفوا به وإسناده جيد وإن كان فيه محمد بن إسحاق لكنه صرح بالتحديث فهذا مما أجمع العلماء على ترك العمل به وأشباه ذلك على أن الإمام أبا بكر الصيرفي شارح الرسالة لم يجعل الإجماع دليلا على تعين المصير للنسخ بل جعله مترددا بين النسخ والغلط فإنه قال في كتابه الدلائل فإن أجمع على إبطال حكم أحدهما فهو منسوخ أو غلط يعني من بعض رواته كما صرح به غيره ولآخر ثابت قال المصنف وما قاله محتمل (3/71)
التصحيف
( والعسكري والدارقطني صنفا ... فيما له بعض الرواة صحفـا )
( في المتن كالصولي سـتا غـير ... شيئا أو الإسناد كابن النذر )
( صحف فيه الطبري قــالا ... بذر بالباء ونقــــط ذالا )
( فأطلقوا التصحيف فيما ظهرا ... كقوله احتجم مكان احتجرا )
( وواصل بعاصم والأحـدب ... بأحول تصحيف سمع لقبـوا )
( وصحف المعنى إمام عــنزة ... ظن القبيل بحديث العــنزة )
( وبعضهم ظن سكون نونــه ... فقال شاة خاب في ظنونـه )
التصحيف
الواقع في المشتبه من السند والمتن ولو جعل بعد الغريب لكان حسنا أو بعد المؤتلف والمختلف وهو لكونه تحويل الكلمة من الهيئة المتعارفة إلى غيرها فن جليل مهم إنما ينهض بأعبائه من الحفاظ الحذاق
والحافظان أبو أحمد العسكري وأبو الحسن الدارقطني صنفا فيما له بعض الرواة صحفا وعلى ثانيهما اقتصر ابن الصلاح وقال إنه مفيد وأما أولهما فله في التصحيف عدة كتب أكبرها لسائر ما يقع فيه (3/72)
التصحيف من الأسماء والألفاظ غير مقتصر على الحديث ثم أفرد منه كتابايته يتعلق بأهل الأدب وهو ما يقع فيه التصحيف من ألفاظ اللغة والشعر وأسماء الشعراء أو الفرسان وأخبار العرب وأيامها ووقائعها وأماكنها وأنسابها ثم آخر فيما يختص بالمحدثين من ذلك غير متقيد بما وقع فيه التصحيف فقط بل ذكر فيه ما هو معرض لذلك وفي بعض المحكي مما وقع لبعض المحدثين ما يكاد اللبيب يضحك منه
وكذا صنف في الخطابي وابن الجوزي لا لمجرد الطعن بذلك من أحد منهم في واحد ممن صحف ولا للوضع منه وإن كان المكثر منه ملوما والمشتهر به بين لانقاد مذموما بل إيثارا لبيان الصواب وإشهارا له بين الطلاب ولهذا لما ذكر الخطيب في جامعه أنه عيب جماعة من الطلبة بتصحيفهم في الأسانيد والمتون ودون عنهم ما صحفوه قال وأنا أذكر بعض ذلك ليكون داعيا لمن وقف عليه إلى التحفظ من مثله إن شاء الله لا سيما وينبغي لقاريء الحديث أن يتفكر فيما يقروه حتى يسلم منه وقول العسكري إنه قد عيب بالتصحيف جماعة من العلماء وفضح به كثير من الأدباء وسموا الصحفية ونهى العلماء عن الحمل عنهم محمول على المتكرر منه ذلك وإلا فما يسلم من زلة وخطأ غلا من عصمة الله والسعيد من عدت غلطاته
قال الإمام أحمد ومن يعرى عن الخطأ والتصحيف والإكثار منه إنما يحصل غالبا للأخذ من بطون الدفاتر والصحف ولم يكن له شيخ يوقفه على ذلك ومن ثم حض الأئمة على تجنيب الأخذ كذلك كما سلف في الفصل الخامس من صفة رواية الحديث ويعلم أن اشتقاقه من الصحيفة لأن من ينقل كذلك ويغير يقال إنه قد صحف أي قد روى عن الصحف فهو مصحف ومصدره التصحيف
ثم إنه يقع تارة إما في المتن كـ ـما اتفق لأبي بكر الصولي حيث (3/73)
أملى في الجامع حديث أبي أيوب مرفوعا من صام رمضان وأتبعه ستا بسين مهملة ومثناة فوقانية مشددة غير ذلك شيئا بالمعجمة والمثناة التحتانية ولوكيع في حديث لعن رسول الله صلى الله عليه و سلم الذين يشققون الخطب تشقيق الشعر حيث غيره بالحطب بالمهملة والشعر بفتحتين ويحكى أن ابن شاهين صحفة كذلك أيضا بجامع المنصور فقال بعض الملاحين يا قوم كيف نعمل والحاجة ماسة يشير إلى أن ذلك من حرفته وليست هذه اللفظة في النهاية لابن الأثير والحديث في مسند أحمد و المعجم الكبير للطبراني و الجامع للخطيب وغيرهم من حديث جابر الجعفي عن عمرو بن يحيى القرشي عن معاوية بن أبي سفيان به ولمشكد أنه حيث جعل حديث نهى عن قصع الرطبة بالطاء بدل الصاد فجاء إليه أرباب الضياع والناس يضجون ففتش حتى وقف على صحته وليست أيضا في النهاية
ولأبي موسى محمد بن المثنى العنزي الذي اتفق الستة على الرواية عنه ويلقب الزمن حيث جعل أو شاة تنعر بالنون بدل الياء ولأبي بكر الإسماعيلي حيث جعله قز الدجاجة بالزاي المنقوطة المضمومة بدل الدال المهملة المفتوحة ولغندر حيث جعل أبيا في حديث جابر رمى أبي يوم الأحزاب على أكحله أبي بالإضافة وأبو جابر كان استشهد قبل ذلك في أحد
ولشعبة حيث جعل ذرة بالمعجمة المفتوحة والراء المشددة درة بضم المهملة والتخفيف
ولمحمد بن يزيد بن عبد الله النيسابوري السلمي الملقب محمش حيث جعل يا أبا عمير ما فعل النعير المصغرين بالتكبير فقال يا أبا عمير ما فعل البعير بالموحدة والعين المهملة فصحف فيهما معا حتى أنا روينا في علوم (3/74)
الحديث للحاكم عن أبي حاتم الرازي أنه قال حفظ الله أخانا صالح بن محمد يعني الحافظ الملقب حزرة فإنه لا يزال ينبطنا غائبا وحاضرا أكتب إلى أنه لما مات الذهلي يعني بنيسابور أجلسوا شيخا لهم يقال له محمش فأملى عليهم وذكر ما تقدم وأنه أملى أيضا أن النبي صلى الله عليه و سلم قال لا تصحب الملائكة رفقة فيها جرس فقالها بالخاء المعجمة المضمومة وبسكون الراء على أن جزرة إنما لقب بها لكونه صحف حديث أبي عبد الله بن بسر كان يرقى ولده بجزرة بمعجمتين بينهما راء مفتوحة بجزرة بجيم ثم معجمة بعدها مهملة كما سيأتي في الألقاب واتفق بعض مدرسي النظامية ببغداد أنه أول يوم إجلاسه أورد حديث صلاة في إثر صلاة كتاب في عليين فقال كنار ف غلس فلم يفهم الحاضرون ما يقول حتى أخبرهم بعضهم بأنه تصحف على المدرس
ولابن أبي عاصم حيث قال في كتاب الأطعمة له باب تحريم السباع وساق حديث دراج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد رفعه السباع حرام فصحفه وإنما هو الشياع بالمعجمة والياء المثناة تحت وهو الصوت عند الجماع
ولعبد القدوس حيث جعل نهيه صلى الله عليه و سلم أن يتخذ شيء فيه الروح غرضا بفتح الراء من الروح وفتح العين المهملة وإسكان الراء من غرضا فقيل له أي شيء هذا قال يعني يتخذ كوة في حائط ليدخل عليه الروح
ولرجل سأل عمر بن الخطاب رضي الله عنه أيضحى بالصبي فقال له وما عليك لو قلت بالظبي قال إنها لغة فقال له عمر فانقطع العتاب
ولغلام حيث سأل حماد بن زيد فقال يا أبا إسماعيل حدثك عمرو عن جابر أن النبي صلى الله عليه و سلم نهى عن الخبر فتبسم حماد وقال يا بني إذا نهى عن الخبز فمن أي شيء يعيش الناس إنما هو الخبز ولبعض المغفلين (3/75)
كما حكاه غير واحد من الحفاظ حيث صحف قولهم في بعض الأحاديث الإلهية عن جبريل عن الله عز و جل فجعله عن رجل ( أو ) في ( الإسناد كإبن الندر ) بالنون والمهملة المشددة واسمه عتبة حيث ( صحف فيه ) الإمام أبو جعفر محمد بن جرير ( الطبري ) و ( قالا بذر الباء ) الموحدة ( ونقط ) للمهملة ( ذالا ) وكالزبير بن خريت بكسر المعجمة ثم راء مشددة مكسورة قاله بعض المحدثين خريت فقال إنه أحمد بن يحيى بن زهير التستري لا خريت ولا دريت وكجواب التيمي بالجيم المفتوحة والواو المشددة قرأه حبيب كاتب مالك جراب بكسر الجيم وتخفيف الراء
وكإبن سيرين بالمهملة قاله بعضهم بالشين المعجمة وكأبي حرة بضم المهملة وتشديد الراء قاله بعضهم بالجيم المفتوحة وكالعوام بن مراجم بالراء المهملة والجيم قاله ابن معين بالزاي المنقوطة والحاء المهملة في أمثلة كثيرة لكل من القسمين في التصانيف المشار إليها وكذا في جامع الخطيب منها قبله ومن أمثلته الملحقة بالإسناد ما ذكره ابن عدي في ترجمة أبي غسان مالك بن إسماعيل النهدي قال السعدي كان حسنيا يعني الحسن بن صالح على عبادته وسوء مذهبه قال شيخنا وأبو غسان وإن كان من أصحاب الحسن بن صالح لكن لم يرد السعدي نسبته إلى الحسن وإنما قال إنه خشى بمعجمتين وموحدة يريد أنه رفضي
قال وشرح ذلك يطول وهو معروف في غير هذا الموضع ومنه ما ذكر ابن السمعاني في الأنساب في ترجمة الجريري بفتح الجيم وكسر الراء نسبة إلى مذهب محمد بن جرير الطبري
قال وكان منهم إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني ثم نقل عن ابن حبان أنه قال فيه إنه جريري المذهب ولم يكن داعية قال شيخنا ولم ينسبه ابن حبان محمد بن جرير الطبري وإنما نسبه لمذهب جرير بن (3/76)
عثمان وهو بالحاء المهملة ثم راء ثم زاي ولو لم يكن في هذا إلا مخالفة التاريخ فإن إبراهيم المذكور طبقة شيوخ محمد بن جرير وكانت وفاته بعد مولد ابن جرير بأربع وعشرين سنة فكيف يكون على مذهب من هو في عداد شيوخه
وينقسم ك منهما إلى تصحيف بصر وهو الأكثر وسمع وهو قليل وكذا إلى تصحيف لفظ وهو الأكثر ومعنى وهو قليل وكذا أطلقوا أي من صنف في هذا الفن التصحيف فيها ظهر تحقيق حروفه من غير اشتباه في الكتابة بغيرها وإنما حصل فيه خلل من الناسخ أو الراوي بنقص أو زيادة أو إبدال حرف بآخر فالأول كحديث جابر دخل رجل يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه و سلم يخطب فقال صليت قبل أن تجلس الحديث رواه ابن ماجه بلفظ قبل أن تجيء وهو غلط من الناسخ نبه عليه المزي وكما روى يحيى بن سلام المفسر عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة في وقله سأوريكم دار الفاسقين فقال مصر فقد استعظم هذا أبو زرعة الرازي واستقبحه وذكر أنه في تفسير سعيد المذكور بلفظ مصيرهم
والثاني كحديث أبي سعيد في خطبة العيد كان صلى الله عليه و سلم يخرج يوم العيد فيصلي بالناس ركعتين ثم يسلم فيقف على رجليه فيستقبل الناس وهم جلوس الحديث رواه بعضهم فقال على راحلته بدل رجليه والصواب الأول فلا ريب في أنه صلى الله عليه و سلم كان يخرج إلى العيد ماشيا والعنزة بين يديه وإنما خطب على راحلته يوم النحر بمنى
والثالث كقوله في حديث زيد بن ثابت احتجم النبي صلى الله عليه و سلم في المسجد حيث جعله ابن لهيعة فيما ذكره مسلم في التمييز له مكان احتجرا بالميم بدل الراء لكونه أخذه من كتاب بغير سماع وأخطأ فبقيته بخص أو حصير حجرة يصلى فيها (3/77)
وقد جعل ابن الجزري هذا مثالا لتصحيف السمع في المتن وهو ظاهر وكذا واصل حيث أبدل اسمه بعاصم بل وأبدل الأحدب لقبه أيضا بأحول بالصرف للضرورة لقب عاصم وذلك في حديث شعبة عن واصل الأحدب عن أبي وائل عن ابن مسعود أي الذنب أعظم وكذا خالد بن عرفطة حيث أبدله شعبة بمالك بن عرفطة كل منهما تصحيف بالنصب مفعول مقدم سمع يعني في الإسناد لقبوا فمن الملقبين بذلك للمثال الأول للدارقطني وللثاني أحمد وليس تلقيبهما بذلك بأولى من تلقيب احتجم به بل ذاك أولى لمشاركتهما مع الوزن في الحروف إلا واحدا بخلافة فيهما فليس إلا الوزن إذا كثر الحروف مختلفة
ثم إن جل التصحيف كما أشرت إليه في اللفظ وقد صحف المعنى فقط بعض الشيوخ الخطابي في الحديث فيما حكاه عنه وأنه لما روى الحديث النهي عن التحليق يوم الجمعة قبل الصلاة قال مند أربعين سنة ما حلقت رأسي قبل الصلاة فهم منه حلق الرؤوس وإنما هو تحليق الناس حلقا وبعضهم حيث سمع خطيبا يروي حديث لا يدخل الجنة قتات فبكى وقال ما الذي أصنع وليست لي حرفة سوى بيع القت يعني الذي يعلف الدواب وأبو موسى محمد بن المثنى رضي الله عنه إمام عنزة حيث ظن القبيل بحديث العنزة التي كان النبي صلى النبي صلى الله عليه و سلم يصلي إليها فقال يوما نحن قوم لنا شرف نحن من عنزة قد صلى النبي صلى الله عليه و سلم إلينا ذكره الدارقطني
وبعضهم وهو كما ذكره الحاكم أعرابي صحف لفظه ومعناه معا ظن سكون نونه أي لفظ العنزة ورواه مع هذا الظن بالمعنى فقال شاة فأخطأ وخاب في ظننونه من وجهين إذ الصواب عنزة بفتح النون وهي الحربة تنصب بين يديه ولذلك حكاية حكاها الحاكم (3/78)
وعن الفقيه أبي منصور قال كنت بعدن اليمن يوم عيد فشدت عنزة يعني شاة بقرب المحراب فلما اجتمع الناس سألتهم بعد فزاغ الخطبة والصلاة ما هذه العنزة المشدودة في المحراب قالوا كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يصلي يوم العيد إلى عنزة فقلت يا هؤلاء صحفتم ما فعل رسول الله صلى الله عليه و سلم هذا وإنما كان يصلي إلى العنزة الحربة
قال ابن كثير وقد كان شيخنا المزي من أبعد الناس عن هذا المقام ومن أحسن الناس أداءا للإسناد والمتن بل لم يكن على وجه الأرض فيما نعلم مثله مثله في هذا الشأن أيضا وكان يقول إذا تغرب عليه أحد برواية مما يذكره بعض شراح الحديث على خلاف المشهور عنده هذا من التصحيف الذي لم يقف صاحبه إلا على مجرد الصحف والأخذ منها وفي بعض ما أدرج في هذا الباب من الأمثلة تجوز بالنسبة لتعريفه فقد قال شيخنا وإن كانت المخالفة بتغيير حرف أو حرفين مع بقاء صورة الخط في السياق فإن كان ذلك بالنسبة إلى النقط فالمصحف أو إلى الشكل فالمحرف ولذا قال ابن الصلاح وتسمية بعض ذلك يعني المذكور تصحيفا مجاز
قال وكثير من التصحيف المنقول عن الأكابر لهم فيه أعذار لم ينقلها ناقلوها قال غيره ومن الغريب وقوع التصحيف في قراءة القرآن لجماعة من الأكابر لا سيما عثمان بن أبي شيبة فإنه ينقل عنه في ذلك أشياء عجيبة مع تصنيفه تفسيرا وأودع في الكتب المشار إليها من ذلك أيضا جملة نسأل الله التوفيق والعصمة
فائدة كتب سليمان بن عبد الملك إلى ابن حزم عامله على المدينة أن أخص من قبلك من المخنثين فصحف الكاتب فخصاهم وقيل إنه علم بذلك قبل الفعل فكف كما قدمته في كتابه الحديث وضبطه
وضد هذا أن الفرزدق كان من استجار بقبر أبيه قام في مساعدته حد (3/79)
القيام فاتفق أن تميم بن زيد القيسي خرج في جيش من قبل الحجاج فجاءت امرأة إلى فرزدق فقالت إني استجرت بقبر غالب أن تشفع لي إلى تميم في ابني خنيس أن يقتله فكتب الفرزدق أبياتا إلى تميم يسأله في ذلك فلم يدر تميم هو خنيس أو حبيس فأطلق كل من في عسكره ممن تسمى بهما (3/80)
مختلف الحديث
( والمتن إن نافاه متن آخــر ... وأمكن الجمع فلا تنافــر )
( كمتن لا يورد مع لا عدوى ... فالنفي للطبع وفر عــدوا )
( أولا فإن نسخ بدا فاعمل به ... أولا فرجح واعملن بالأشبه )
مختلف الحديث
وهو من أهم الأنواع مضطر إليه جميع الطوائف من العلماء وإنما يكمل به من كان إماما جامعا لصناعتي الحديث والفقه غائصا على المعاني الدقيقة ولذا كان إمام الأئمة أبو بكر بن خزينة من أحسن الناس فيه كلاما لكنه توسع حيث قال لا أعرف حديثين صحيحين متضادين فمن كان عنده شيء من ذلك فليأتني به لأؤلف بينهما وانتقد عليه بعض صنيعه في توسعه فقال البلقيني إنه لو فتحنا باب التأويلات لاندفعت أكثر العلل وأول من تكلم فيه إمامنا الشافعي وله فيه مجلد جليل من جملة كتب الأم ولكنه لم يقصد استيعابه بل هو مدخل عظيم لهذا النوع يتنبه به العارف على طريقه
وكذا صنف فيه أبو محمد بن قتيبة وأتى فيه بأشياء حسنة وقصر باعه في (3/81)
أشياء قصر فيها وقد قرأتهما وأبو جعفر بن جرير الطبري وأبو جعفر الطحاوي في كتابه مشكل الآثار وهو من أجل كتبه ولكنه قابل للاختصار غير مستغن عن الترتيب والتهذيب
وقد اختصره ابن رشد هذا مع قول البيهقي إنه بين في كلامه أن علم الحديث لم يكن من صناعته وإنما أخذ الكلمة بعد الكلمة من أهله ثم لم يحكمها
وممن صنف فيه أيضا أبو بكر بن فورك وأبو محمد القصري وكان الأنسب عدم الفصل بينه وبين الناسخ والمنسوخ فكل ناسخ ومنسوخ مختلف ولا عكس
وجملة الكلام فيه أنا نقول المتن الصالح للحجة عن نافاه بحسب الظاهر متن آخر مثله وأمكن الجمع بينهما بوجه صحيح زال به التعارض فلا أي ليس بينهما حينئذ تنافر بل يصار إليهما ويعمل بهما معا وأمثلته كثيرة كمتن فر من المجذوم فرارك من الأسد الموازي لمعنى متن لا يورد بكسر الراء ممرض بضم أوله وسكون ثانيه وكسر ثالثه اسم فاعل من أمرض الرجل إذا أصاب ماشيته مرض على مصح اسم فاعل أيضا من أصح إذا أصابت ماشيته عاهة ثم ذهبت عنها وصحت مع بالسكون متن لا عدوى ولا طيرة وكلها في الصحيح فظاهرها الثناء فهو منافاة الأخير للأولين حتى بالغ أبو حفص بن شاهين وغيره فزعموا النسخ في الأولين ولكن الجمع بينهما ممكن كما قال ابن الصلاح تبعا لغيره
فالنفي في قوله صلى الله عليه و سلم لا عدوى بالطبع أي لما كان يعتقده أهل الجاهلية وبعض الحكماء من أن هذه الأمراض من الجذام والبرص تعدي بالطبع ولهذا قال فمن أعدى الأول أي أن الله هو الخالق لذلك بسبب وغير سبب (3/82)
والأمر بالفرار في قوله صلى الله عليه و سلم فر عاديا عدوا أي سريعا وكذا في لا يورد ممرض على مصح للخوف من وجود المخالطة ولمماسة الذي قد يخلق الله عنده لا به الداء في الصحيح غالبا وإلا فقد يتخلف كما هو المشاهد في بعض المخالطين بل نشاهد من يجتهد في التحرز من المخالطة والمماسة يؤخذ بذلك المرض إلى غير ذلك من المسالك التي سلكها الأئمة في الجمع أحدها وعليه نقتصر ما ذهب إليه أبو عبيد وجماعة كأبي خزيمة والطحاوي واختاره شيخنا فقال في توضيح النخبة والأولى في الجمع بينهما أن يقال إن نفيه صلى الله عليه و سلم للعدوى باق على عمومه وقد صح قوله صلى الله عليه و سلم لا يعدى شيء شيئا وقوله صلى الله عليه و سلم لمن عارضه بأن البعير الأجرب يكون في الإبل الصحيحة فيخالطها فتجرب حيث رد عليه بقوله فمن أعدى الأول يعني أن الله سبحانه وتعالى ابتدأ ذلك في الثاني كما ابتدأ في الأول
وأما الأمر بالفرار من المجذوم فمن باب سد الذرائع لئلا يتفق للشخص الذي يخالطه شيء من ذلك بتقدير الله تعالى ابتداء لا بالعدوى والمنفية فيظن أن ذلك بسبب مخالطته فيعتقد صحة العدوى فيقع في الحرج فأمر بتجنيه حسما للمادة وعبارة أبي عبيد ليس في قوله لا يورد ممرض على مصح إثبات العدوى بل لأن الصحاح لو مرضت بتقدير الله تعالى ربما وقع في نفسه صاحبها أن ذلك من العدوى فيفتن ويتشكك في ذلك فأمر باجتنابه
قال وكان بعض الناس يذهب إلى أن الأمر بالاجتناب إنما هو للمحافظة على الصحيحة من ذوات العاهة قال وهذا شرط حمله عليه الحديث لأن فيه إثبات العدوى التي لفاها الشارع ولكن وجه الحديث عني ما ذكرته أولا أي وإن لم يمكن الجمع بين المتنين المختلفين واستمر التنافي على ظاهره وذلك على ضربين
فإن نسخ بدا أي ظهر من الطرق المشروحة في بابه فاعمل (3/83)
به أي بمقتضاه في الاحتجاج وغيره أولا أي وإن لم يبد نسخ فرجح أحد المتنين بوجه من وجوه الترجيحات التي تتعلق بالمتن أو بالإسناد كالترجيح بكثرة الرواة أو بصفاتهم وقد سرد منها الحازمي في كتابه الناسخ والمنسوخ خمسين مع إشارته إلى زيادتها على ذلك وهو كذلك فقد زادها الأصوليون في باب معقود لها أكثر من خمسين أيضا أورد جميعها المؤلف في النكت على ابن الصلاح فلا نطيل بإيرادها
واعملن بنون التأكيد الخفية بعد النظر في المرجحات بالأشبه أي الأرجح منهما وإن لم يجد المجتهد مرجحا توقف عن العمل بأحد المتنين حتى يظهر وقيل يهجم فيفتى بواحد منهما أو يفتى بهذا في وقت وبهذا في آخر كما يفعل أحمد وذلك غالبا بسبب اختلاف روايات أصحابه عنه
قال شيخنا فصار ما ظاهره التعارض واقعا على هذا الترتيب الجمع إن أمكن فاعتبار الناسخ والمنسوخ والترجيح إن تعين ثم التوقف عن العمل بأحد الحديثين والتعبير بالتوقف أولى من التعبير بالتساقط لأن خفاء ترجيح أحدهما على الآخر إنما هو بالنسبة للمعتبر في الحالة الراهنة مع احتمال أن يظهر لغيره ما خفى عليه وفوق كل ذي علم عليم وإذا لم يكن للمتن ما ينافيه بل سلم من مجيء خبر يضاده فهو المحكم وأمثلته كثيرة (3/84)
خفي الإرسال والمزيد في متصل الإسناد
( وعدم السماع واللقـــاء ... يبدو به الإرسال ذو الخفاء )
( كذا زيادة اسم راو في السند ... إن كان حذفه بعد فيه ورد )
( وإن بتحديث أتى فالحكم لـه ... مع احتمال كونه قد حملــه )
( عن كل إلا حيث ما زيد وقع ... وهما وفي ذين الخطيب قد جمع )
هذان نوعان مهمان عظيمان الفائدة عميقا المسلك لم يتكلم فيهما قديما وحديثا إلا نقاد الحديث وجهابذته وهما متجاذبان فلذلك قرن بينهما وفصل أولهما عن المرسل الظاهر مع أن ذلك لم يكن بمانع من الإشارة إليه هناك ثم لأجل ما أيدته من المؤاخاة بينهما لو قرن بين المختلف و الناسخ الماضي شرحهما أيضا لكان حسنا
فأما أولهما وليس المراد به قول التابعي قال رسول الله كما هو المشهور في المرسل الظاهر ولا الانقطاع بين راويين لم يدرك أحدهما الآخر كرواية القاسم عن ابن مسعود وإبراهيم بن أبي عبلة عن كل من عبادة بن الصامت وابن عمر ومالك عن سعيد بن المسيب بل هو على المعتمد في تعريفه حسبما أشار إليه شيخنا الانقطاع في أي موضع كان من السند بين راويين متعاصرين لم (3/85)
يلتقيا وكذا لو التقيا ولم يقع بينهما سماع فهو انقطاع مخصوص يندرج في تعريف من لم يتقيد في المرسل بسقط خاص وإلى ذلك الإشارة بقول البلقيني إن تسميته بالإرسال هو على طريقة سبقت في نوع المرسل وبهذا التعريف تباين التدليس إذ هو كما حقق أيضا على ما تقدم في بابه رواية الراوي عن عمن سمع منه ما لم يسمعه منه
فأما من عرف ما نحن فيه برواية الراوي عمن سمعه منه مال م يسمعه منه أو عمن لقيه ولم يسمع منه أو عمن عاصره فيكون بينهما عموم مطلق والمعتمد ما حققناه أولا وحينئذ فعدم السماع مطلقا للراوي من المروي عنه ولو تلاقيا و كذا عدم اللقاء بينهما حيث علم أحدهما بأحد أمرين من أخبار الراوي عن نفسه بذلك كقول أبي عبيد بن عبد الله بن مسعود وقد سئل هل تذكر من أبيك شيئا لا ونحوه قول عمر بن عبد الله مولى غفرة وقد سأله الراوي عنه عيسى بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي أسمعت من ابن عباس قد أدركت زمنه أو جزم إمام مطلع بكونه لم يثبت عنده من وجه يحتج به أنهما تلاقيا مثل زرعة الرازي وغيره في قولهم إن الحسن البصري لم يلق عليا
ومثل المزي في المتأخرين وكان في هذا عجبا من العجب في قوله إن عمر بن عبد العزيز لم يلق عقبة بن عامر يبدو به أي يظهر من عدم السماع وإلقاء الإرسال ذو الخفاء بحيث يكون في الأكثر سببا للحكم بذلك كحديث أبي هريرة إذا استيقظ أحدكم من الليل فليوقظ امرأته رواه أبو عامر العقدي عن الثوري عن ابن المنكدر عنه وابن المنكدر فيما قاله بان معين والبزار لم يسمع من أبي هريرة بل قال أبو زرعة إنه لم يلقه وهو مقتضى ما نقله ابن المديني عن ابن عيينة من كون ابن المنكدر بلغ من العمر نيفا وسبعين سنة وبيان ذلك أن وفاته كانت في سنة ثلاثين ومائة أو التي (3/86)
بعدها فيكون مولده على هذا قبل الستين بيسير ووفاة أبي هريرة كانت أيضا قبل الستين بيسير
وقد رواه ابن مهدي ووكيع والعدني وغيرهم عن الثوري بإثبات الواسطة التي لم تسم عند واحد منهم بين ابن المنكدر وأبي هريرة وهو ممن لم يوصف بالتدليس فظهر أن الراوية الأولى من المرسل الخفي هذا مع تخريج أبي داود في سننه لحديث من طريقة عن أبي هريرة بلا واسطة بل وخرج غيره أحاديث كذلك وكذا زيادة اسم راو يتوسط في السند بين الراويين الذين كان يظن الاتصال بينهما مظهره للإرسال الخفي في الرواية التي لم يذكر فيها إن كان حذفه أي ذاك الاسم الزائد وقع بصيغة عن وقال ونحوهما مما ليس صريحا في الاتصال فيه أي في السند الذي بدونه ورد فإنه حينئذ يكون الرواية الناقصة معلة بالإسناد الآتي بالزيادة مع التصريح بالتحديث أو نحوه إذ الزيادة من الثقة مقبولة وغير شيخنا بقوله ترجحت الزيادة مثاله حديث أبي ذر ثلاثة يحبهم الله وثلاثة يبغضهم الله رواه الفريابي وعبد الملك بن عمرو كلاهما عن الثوري عن منصور عن ربعي بن خراش عنه بالعنعنة
ورواه شعبة عن منصور سمعت ربيعا يحدث عن زيد بن ظبيان رفعه إلى أبي ذر بل وتوبع شعبة عليه كذلك وكذا رواه شيبان عن منصور لكنه قال عن زيد بن ظبيان أو غيره عن أبي ذر بل رواه الأشجعي وأبو عامر كلاهما عن الثوري بإثبات زيد وكذا رواه مؤمل عن الثوري لكنه لم يسمه قال عن رجل عن أبي ذر فالرواية الأولى مرسلة وإن كان ربعي من كبار التابعين فقد جزم الدارقطني ثم ابن عساكر بأنه لم يسمع من أبي ذر وحكاه المزي بصيغة التمريض هذا مع أن أبا داود قد أثبت سماعه من عمر المتوفى قبل أبي ذر بتسع سنين وحينئذ فقد أدك أبا ذر جزما ولذا توقف (3/87)
شيخنا في الجزم بعدم سماعه منه ولكن اقتصار ابن خزيمة وابن حبان والحاكم والضياء في المختارة على إيراد في صحاحهم بإثبات الواسطة قد يشهد للأولين
وإن كان حذف الزائدة بين الواوين في السند الناقص بتحديث أو إخبار أو إسماع أو غيرها مما يقتضي الاتصال أتى وراوي السند الناقص كما قيد به شيخنا أنفس ممن زاد فالحكم له أي للإسناد الخالي عن الاسم الزائد لأن مع راويه كذلك زيادة وهي إثبات سماعه وحينئذ فهذا هو النوع المسمى بالمزيد في متصل الأسانيد المحكوم فيه يكون الزيادة غلطا من راويها أو سهوا وباتصال السند النقص بدونها كقصة الخولاء بيت ثوبية فإنه رواها عبد الله بن سالم عن الزبيدي عن الزهري عن حبيب مولى عروة عن عروة عن عائشة وصوابه رواية شعيب والحفاظ عن الزهري عن عروة نفسه بلا واسطة وكحديث السواك مطهرة للفم مرضاه للرب رواه علي بن عبد الحميد الفطائري عن ابن أبي عمر عن ابن عيينة عن مسعر عن ابن إسحاق عن عبد الله ابن محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر بن أبي عتيق عن عائشة فقوله عن مسعر زيادة رواه الحميدي والحفاظ عن ابن عيينة بدونها ولكن قد رواه داود بن الزبرقان عن ابن إسحاق فأدخل بين أبي عتيق وعائشة القاسم وهو وهم وإن رواه مؤمل عن شعبة والثوري عن ابن إسحاق عن رجل عن القاسم عنها وكذا قال مصعب ابن ماهان عن الثوري فذكر القاسم فيه ليس بمحفوظ ولا يمتنع الحكم بالغلط أو السهو فيما يكون كذلك إذ المدار في هذا الشأن على غلبة الظن فمهما غلب على ظن الناقد أنه الراجح حكم به وبالعكس هذا كله مع احتمال كونه أي الراوي قد حمله عن كل من الراويين إذ لا مانع أن يسمع من شخص عن آخر ثم يسمع من شيخ شيخه وذلك موجود في الروايات والرواة بكثرة (3/88)
ومنه قول ابن عيينة قلت لسهيل بن أبي صالح إن عمرو بن دينار حدثني عن القعقاع عن أبيك أبي صالح عن عطاء بن يزيد بحديث كذا قال ابن عيينة ورجوت أن يسقط عني سهيل رجلا وهو القعقاع ويحدثني به عن أبيه فقال سهيل بل سمعته من الذي سمته منه أبي ثم حدثني به سهيل عن عطاء ويتأكد الاحتمال بوقوع التصريح في الطريقين بالتحديث ونحوه اللهم إلا أن توجد قرينة تدل لكونه حيث ما زيد هذا الراوي في هذه الرواية وقع وهما ممن زاده فيزول بذلك الاحتمال
وبالجملة فلا يطرد الحكم بشيء معين كما تقرر في تعارض الوصل والإرسال وفي ذين أي النوعين الخطيب الحافظ قد جمع تصنيفين مفردين سمى الأول التفصيل لمبهم المراسيل والثاني تمييز المزيد في متصل الأسانيد (3/89)
معرفة الصحابة
( رائي النبي مسلما ذو صحبة ... وقيل إن طالت ولم يثبـــت )
( وقيل من أقام عاما وغـزا ... معه وزاد وذا لابن المسيب عـزا )
( وتعرف الصحبة باشتهار أو ... تواتر أو قول صاحب ولـــو )
( قد ادعاها وهو عدل قبلا ... وهو عدول وقيل لا من دخــلا )
( في فتنة والمكثرون ستـة ... أنس وابن عمر الصديقـــــة )
( البحر جابر أبو هريــرة ... أكثرهم والبحر في الحقيقــــة )
( أكثر فتوى وهو وبن عمرا ... وابن الزبير وابن عمرو جـــرى )
( عليهم بالشهرة العبادلــة ... ليس ابن مسعود ولا من شاكلـه )
( وهو ابن زيد وابن عباس لهم ... في الفقه أتباع يرون قبلـــهم )
( وقال مسروق انتهى العلم إلى ... ستة أصحاب كبار نبــــلا )
( زيد أبي الدرداء مـــع أبي ... عمر عبد الله مـــــع علي )
( ثم انتهى لذين والبعض جعل ... الأشعري عن أبي الدردا بـــدل )
( والعد لا يحصرهم فقد ظهر ... سبعون ألفا بتبوك وحضـــــر )
( الحج أربعون ألفا وقبض ... عن ذين مع أربع آلاف تنـــــض ) (3/90)
( وهم طباق إن يرد تعـدي ... قيل اثنتا عشرة أو تزيــــد )
( والأفضل الصديق ثم عمـر ... وبعده عثمان وهو الأكثـــر )
( أو فعلى قبله خلف حكـى ... قلت وقول الوقف جا عن مالك )
( فالستة الباقون فالبدريــة ... فأحد فالبيعة المرضيـــــة )
( قال وفضل السابقين قد ورد ... فقيل هم وقيل بدري وقـــد )
( قيل بل أهل القبلتين واختلف ... أيهم أسلم قبل ما سلــــف )
( قيل أبو بكر وقيل بل علـي ... ومدعي إجماعه لم يقبـــــل )
( وقيل زيد وادعى وفاقـا ... بعض على خديجة اتفاقــــا )
( ومات آخرا بغير مريـة ... أبو الطفيل مات عام مائــــة )
( وقبله السائب بالمدينـة ... أو سهل أو جابر أو بمكــــة )
( وقيل الآخر بها ابن عمرا ... إن لا أبو الطفيل فيها قبـــرا )
( وأنس بن مالك بالبصرة ... وابن أبي أوفى قضى بالكوفــة )
( والشام فابن يسر أو ذو باهله ... خلف وقيل بدمشق واثلـه )
( وأن في حمص ابن يسر قبضـا ... وأن بالجزيرة العرس قضـى )
( وبفلسطين أبو أبـــــي ... بمصر فابن الحارث بن جزى )
( وقبض الهرماس باليمامــة ... وقبله رويفع ببرقـــــة )
( وقيل افريقية وسلمـــة ... باديا أو بطيبة المكرمــــة )
معرفة الصحابة
هذا حين الشروع في الرجال وطبقات العلماء وما يتصل بذلك ومعرفة الصحابة في جليل وفائدته التمييز للمرسل والحكم لهم بالعدالة (3/91)
وغير ذلك ولأئمتنا فيه تصانيف كثيرة كعلي بن المديني في كتابه معرفة من نزل من الصحابة سائر البلدان وهو في خمسة أجزاء فيما ذكره الخطيب يعني لطيفة وكالبخاري وقال شيخنا إنه أول من صنف فيها فيما علم وكالترمذي ومطين وأبي بكر بن أبي داود وعبدان وأبي علي بن السكن في الحروف وأبي حفص بن شاهين وأبي منصور البارودي وأبي حاتم بن حبان وأبي العباس الدغولي وأبي نعيم وأبي عبد الله بن مده والذيل عليه لأبي موسى المديني وكأبي عمر بن عبد البر في الاستيعاب وهو كما قال النووي من أحسنها وأكثرها فوائد لولا ما شانه بذكر ما شجر بين الصحابة وحكايته عن الأخبارئين والذيل عليه بجماعة كأبي إسحاق بن الأمين وأبي بكر بن فتحون وهما متعاصران وثانيهما أحسنهما واختصر محمد بن يعقوب بن محمد بن أحمد الخليلي الاستيعاب وسماه إعلام الإصابة بأعلام الصحابة في آخرين يعسر حصرهم كأبي الحسن محمد بن صالح الطبري وأبي القاسم البغوي والعثماني وأبي الحسين بن قانع في معاجمهم وكذا الطبراني في معجمه الكبير خاصة وكان منهم على رأس القرن السابع العز أبو الحسن علي بن محمد الجزري ابن الأثير أخو أبي السعادات صاحب النهاية في الغريب في كتاب حافل سماه أسد الغابة جمع فيه بين عدة من الكتب السابقة ولكنه مع ضبطه وتحقيقه لأشياء حسنة لم يستوعب ولم يهذب ومع ذلك فعليه المعول لمن جاء بعده حتى إن كلا من النووي والكاشغري اختصره واقتصر الذهبي على تجريده وزاد عليه الناظم عدة أسماء
ولأبي أحمد العسكري فيها كتاب رتبه على القبائل ولأبي القاسم عبد الصمد بن سعيد الحمصي الذي نزل منهم حمص خاصة ولمحمد بن الربيع الجيزي الذي نزل مصر ولأبي محمد بن الجارود الآحاد منهم وللحافظ عبد الغني بن عبد الواحد المقدسي الإصابة لأوهام حصلت في معرفة الصحابة لأبي نعيم في جزء كبير ولخليفة ابن خياط ومحمد بن سعد ويعقوب بن (3/92)
سفيان وأبي بكر بن أبي خيثمة وغيرهم في كتب لم يخصوها بهم بل يضم من بعدهم إليهم وقد انتدب شيخنا لجمع ما تفرق من ذلك وانتصب لدفع المغلق منه على السالك مع تحقيق غوامض وتوفيق بين ما هو بحسب الظاهر كالمتناقض وزيادات جمة وتتمات مهمة في كتاب سماه الإصابة جعل كل حرب منه غالبا على أربعة أقسام الأول فيمن وردت روايته أو ذكره من طريق صحيحة أو حسنة أو ضعيفة أو منقطعة
الثاني من له رؤية فقط الثالث من أدرك الجاهلية والإسلام ولم يرد في خبر أنه اجتمع بالنبي صلى الله عليه و سلم الرابع من ذكر في كتب مصنفي الصحابة أو مخرجي المسانيد غلطا مع بيان ذلك وتحقيقه مما لم يسبق إلى غالبه وهذا القسم هو المقصود بالذات منه وقد وقع التنبيه فيه على عجائب يستغرب وقوع مثلها ومات قبل عمل المبهمات وأرجو عملها
إذا علم هذا ففي عشرة مسائل
الأولى في تعريف الصحابي وهو لغة يقع على من صحب أقل ما يطلق اسم صحبة فضلا عمن طالت صحبته وكثرت مجالسته
وفي الاصطلاح راء النبي صلي الله عليه وسلم اسم فاعل من رأى حال كونه مسلما عاقلا ذو صحبة على الأصح كما ذهب إليه الجمهور من المحدثين والأصوليين وغيرهم اكتفى بمجرد الرؤية ولو لحظة وإن لم يقع معها مجالسة ولا مماشاة ولا مكالمة لشرف منزلة النبي صلى الله عليه و سلم وممن نص على الاكتفاء بها أحمد فإنه قال من صحبه سنة أو شهرا أو يوما أو ساعة أو رآه فهو من الصحابة
وكذا قال ابن المديني من صحب النبي صلى الله عليه و سلم أو رآه ولو ساعة من نهار فهو من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم وتبعهما تلميذهما البخاري فقال من صحب النبي صلى الله عليه و سلم أو رآه من المسلمين فهو من أصحابه قيل ويرد على ذلك توقف (3/93)
معرفة الشيء على نفسه فيدور لأن صحب يتوقف على الصحابي وبالعكس لكن يمكن أن يقال مرادهم بصحب الصحبة اللغوية وبالصحابي المعنى الاصطلاحي
على أن القاضي أبا بكر بن الطيب الباقلاني قال لا خلاف بين أهل اللغة أن الصحابي مشتق من الصحبة جار على كل من صحب غيره قليلا أو كثيرا يقال صحبه شهرا ويوما وساعة قال وهذا يوجب في حكم اللغة إجراء هذا على من صحب النبي صلى الله عليه و سلم ولو ساعة هذا هو الأصل
قال ومع هذا فقد تقرر للأمة عرف في أنهم لا يستعملونه إلا فيمن كثرت صحبته وذكر المذهب المذهب الثاني وكذا قال صاحبه الخطيب أيضا لا خلاف بين أهل اللغة أن الصحبة التي اشتق منها الصحابي لا تحد بزمن بل يقول صحبته سنة وصحبته ساعة ولذا قال النووي في مقدمة شرح مسلم عقب كلام القاضي أبي بكر وبه يستدل على ترجيح مذهب المحدثين فإن هذا الإمام قد نقل عن أهل اللغة أن الاسم يتناول صحبته ساعة أو أكثر وأهل الحديث قد نقلوا الاستعمال في الشرع والعرف على وفق اللغة فوجب المصير إليه قلت إلا أن الإسلام لا يشترط في اللغة والكفار لا يدخلون في اسم الصحبة بالاتفاق وإن رأوه صلى الله عليه و سلم
وقال ابن الجوزي الصحبة تطلق ويراد مطلقها وهو المراد في التعريف وتأكيدها بحيث يشتهر به وهي المشتملة على المخالطة والمعاشرة فإذا قلت فلان صاحب فلان لم ينصرف يعني عرفا إلا للمؤكدة كخادم فلان وقال الأموي الأشبه أن الصحابي من رآه وحكاه عن أحمد وأكثر أصحابنا واختاره ابن الحاجب أيضا لأن الصحبة تعم القليل والكثير فلو حلف أن لا يصحبه حنث بلحظة
ويشمل الصحابي الأحرار والموالي الذكور والإناث لأن المراد به (3/94)
الجنس
ثم إن التعبير في التعريف بالرؤية هو في الغالب وإلا في الضرير الذي حضر النبي صلى الله عليه و سلم كابن أم مكتوم وغيره معدود في الصحابة بلا تردد ولذا عبر غير واحد باللقاء بدل الرؤية وإن قيل إنها تكون من الرائي بنفسه وكذا بغيره لكن مجازا وكأنه لحظ شمولها بالقوة أو الفعل وهو حسن
وأما الصغير غير المميز كعبد الله بن الحارث بن نوفل وعبد الله بن أبي طلحة الأنصاري وغيرهما ممن حنكه النبي صلى الله عليه و سلم ودعا له ومحمد بن أبي بكر الصديق المولود قبل الوفاة النبوية بثلاثة أشهر وأيام فهو وأن لم تصح نسبة الرؤية إليه صدق أن النبي صلى الله عليه و سلم رآه ويكون صحابيا من هذه الحيثية خاصة وعليه مشى غير واحد ممن صنف في الصحابة خلافا للسفاقسي شارح البخاري فإنه قال في حديث عبد الله بن ثعلبة بن صغير وكان النبي صلى الله عليه و سلم قد مسح وجهه عام الفتح مانصه إن كان عبد الله هذا عقل ذلك أو أعقل عنه كلمة كانت له صحبة وإلا كانت له فضيلة وهو في الطبقة الأولى من التابعين وإليه ذهب العلائي حيث قال في بعضهم لا صحبة له بل ولا رؤية وحديثه مرسل وهو وإن سلم له الحكم لحديثهم بالإرسال فإنهم من حيث الرواية أتباع فهو فيما نفاه مخالف للجمهور
وقد قال شيخنا في الفتح إن أحاديث هذا الضرب مراسيل قال والخلاف الجاري بين الجمهور وبين أبي إسحاق الاسفرائيني ومن وافقه على رد المراسيل مطلقا حتى مراسيل الصحابة لا يجري في أحاديث هؤلاء لأن أحاديثهم من قبيل مراسيل كبار التابعين لمن قبيل مراسيل الصحابة الذين سمعوا من النبي صلى الله عليه و سلم قال وهذا مما يلغز به فيقال صحابي حديثه مرسل لا يقبله من يقبل مراسيل الصحابة انتهى ولأجل اختيار عد غير المميزين في الصحابة كان في بيت الصديق أربعة من الصحابة في نسق وهم محمد بن (3/95)
عبد الرحمن بن أبي بكر بن أبي قحافة كما سيأتي مع ما يلائمه في رواية الآباء عن الأبناء إن شاء الله وكذا يدخل فيهم من رآه وآمن به من الجن لأنه صلى الله عليه و سلم بعث إليهم قطعا وهم مكلفون فيهم العصاة والطايعون ولذا قال ابن حزم في الأقضية من المحلى قد أعلمنا الله أن نفر الجن آمنوا وسمعوا القرآن من النبي صلى الله عليه و سلم فيهم صحابة فضلاء وحينئذ يتعين ذكر من عرف منهم في الصحابة ولا التفات لانكار ابن الأثير على أبي موسى المديني تخريجه في الصحابة لبعض من عرفه منهم فإنه لم يستند فيه إلى حجة وهل يدخل من رآه ميت قبل أن يدفن كما وقع لأبي ذؤيب الهذلي الشاعر إن صح
قال العز بن جماعة لا على المشهور وقال شيخنا إنه محل نظر والراجح عدم الدخول وإلا لعد من اتفق أن يرى جسده المكرم وهو في قبره المعظم ولو في هذه الأعصار وكذلك من كشف له عنه من الأولياء فرآه كذلك وعلى طريق الكرامة إذ حجة من أثبت الصحبة لمن رآه قبل دفنه أنه مستمر الحياة وهذه الحياة ليست دنيوية وإنما هي أخروية لا يتعلق بها أحكام الدنيا فإن الشهداء أحياء ومع ذلك فإن الأحكام المتعلقة بهم بعد القتل جارية على سنن غيره من الموتى انتهى
وسبقه شيخه المؤلف فمال أيضا إلى المنع فإنه قال في التقييد الظاهر اشتراط الرؤية وهو حي لكنه علله بما هو غير مرضي حيث قال فإنه قد انقطعت النبوة بوفاته صلى الله عليه و سلم ولذا أشار ابن جماعة إلى حكايته مع إيهام قائله توقف فيه وقال إنه محل بحث وتأمل
بل أضرب المؤلف نفسه في شرح عن التعليل به مقتصرا على الحكم فقط وكأنه رجوع منه عنه
وقال العلائي إنه لا يبعد أن يعطي حكم الصحبة لشرف ما حصل له من رؤيته صلى الله عليه و سلم قبل دفنه وصلاته عليه قال وهو أقرب من عد المعاصر الذي لم يره (3/96)
أصلا فيهم أو الصغير ولد في حياته وكذا قال البدر الزركشي ظاهر كلام ابن عبد البر نعم لأنه أثبت الصحبة لمن أسلم في حياته وإن لم يره يعني فيكون من رآه قبل الدفن أولى وجزم البلقيني بأنه يعد صحابيا لحصول شرف الرؤية له وإن فاته السماع قال وقد ذكره في الصحابة الذهبي في التجريد وما جنح إليه شيخنا من ترجيح عدم دخوله قد سبقه إليه الزركشي فقال الظاهر أنه غير صاحبي انتهى
وعلى هذا فيزاد في التعريف قبل انتقاله من الدنيا وكذا لا يدخل من رآه في المنام كما جزم به البلقيني ثم شيخنا وإن كان قد رآه حقا فذلك فيما يرجع إلى الأمور المعنوية لا الأحكام الدنيوية حتى لا يجب عليه أن يعمل بما أمره به في تلك الحالة بل جزم البلقيني بعدم دخول من رآه ليلة الإسراء يعني من الأنبياء والملائكة عليهم السلام ممن لم يبرز إلى عالم الدنيا وبهذا القيد دخل فيهم عيسى بن مريم عليه السلام ولذا ذكره الذهبي في تجريده وتبعه شيخنا ووجهه باختصاصه عن غيره من الأنبياء بكونه رفع على أحد القولين حيا وبكونه ينزل إلى الأرض فيقتل الدجال ويحكم بشريعة محمد صلى الله عليه و سلم فبهذه الثلاث يدخل في تعريف الصحابة وجعل بعضهم دخول الملائكة فيهم مبنيا على أنه هل كان مبعوثا إليهم أم لا وعلى الثاني مشى الحليمي وأقره البيهقي في الشعب بل نقل الفخر الرازي في أسرار التنزيل الإجماع عليه وحكاه هو والبرهان النسفي في تفسيريهما ونوزعا في ذلك ورجح التقي السبكي مقابلة محتجا بما يطول شرحه
قال شيخنا وفي صحة بناء دخولهم في الصحابة على هذا الأصل نظر لا يخفى وما قاله ظاهر لكنه خالفه في الفتح حيث مشى على البناء المشار إليه وهل يدخل من رآه من مؤمني أهل الكتاب قبل البعثة الشريفة (3/97)
كزيد ابن عمرو بن نفيل الذي قال فيه النبي صلى الله عليه و سلم إنه يبعث أمة وحده الظاهر لا وبه جزم شيخنا في مقدمة الإصابة وزاد في التعريف الماضي به ليخرجه فإنه ممن لقيه مؤمنا بغيره على أن لقائل ادعاء الاستغناء عن التقييد به بإطلاق وصف النبوة إذ المطلق يحمل على الكامل هذا مع أن شيخنا قد ترحم له في إصابته تباعا للبغوي وابن منده وغيرهما وترجم ابن الأثير للقاسم ابن النبي صلى الله عليه و سلم بل وللطاهر وعبد الله أخويه في القسم الثاني من الإصابة ومقتضاه أن تكون لهم رؤية لكنه ذكر أخاهم الطيب في الثالث منها وفيه نظر خصوصا وقد جزم هشام بن الكلبي بأن عبد الله والطاهر والطيب واحد اسمه عبد الله والطاهر والطيب لقبان
ثم هل يشترط في كونه مؤمنا به أن تقع رؤية له بعد البعثة فيؤمن به حين يراه أو بعد ذلك أو يكفي كونه مؤمنا به أنه سيبعث كما في بحيراء الراهب وغيره ممن مات قبل أن يدعو النبي صلى الله عليه و سلم إلى الإسلام
قال شيخنا إنه محل احتمال وذكر بحيراء في القسم الرابع من الإصابة لكونه كان قبل البعثة وأما ورقة فذكره في القسم الأول لكونه كان بعدها قبل الدعوة مع أنه أيضا لم يجزم بصحبته بل قال وفي إثباتها له نظر على أن شرح النخبة ظاهره اختصاص التوقف لمن لم يدرك البعثة فإنه قال وقوله به هل يخرج من لقيه مؤمنا بأنه سيبعث ولم يدرك البعثة فيه نظر وخرج بقوله مسلما من رآه بعدها لكن حال كونه كافرا سواء أسلم بعد ذلك في حياته أم بعدها إذا لم يره بعد وعدوا من جملة المخضرمين ومراسيلهم بطرقها احتمال أن يكون مسموعة لهم من النبي صلى الله عليه و سلم حين رؤيتهم له على أن أحمد خرج في مسنده حديث رسول قيصر مع كونه إنما رأى النبي صلى الله عليه و سلم في حال كفره وكذا ترجم ابن فتحون في ذيله لعبد الله بن صياد إن لم يكن هو الدجال وقال إن الطبري وغيره ترجم له هكذا وهو إنما أسلم (3/98)
بعد موته صلى الله عليه و سلم نعم قال شيخنا ينبغي أن يعد من كان مؤمنا به زمن الإسراء إن ثبت أنه صلى الله عليه و سلم كشف له في ليلته عن جميع من في الأرض فرآه في الصحابة وإن لم يلقه لحصول الرؤية من جانبه صلى الله عليه و سلم
ويرد على التعريف من رآه مؤمنا به ثم ارتد بعد ذلك ولم يعد إلى الإسلام فإنه ليس بصحابي اتفاقا كعبيد الله بن جحش ومقيس بن صبابة وابن خطل وحينئذ فيزاد فيه ومات على ذلك على أن بعضهم انتزع من قول الأشعري أن ما مات مرتدا تبين أنه لم يزل كافرا لأن الاعتبار بالخاتمة صحة إخراجه فإنه يصح أن يقال لم يره مؤمنا لكن في هذا الانتزاع نظر وإن تضمن مخالفة شيخنا المحلى المؤلف في التقييد بموته مؤمنا موافقة الانتزاع لأنه حين رؤياه كان مؤمنا في الظاهر وعليه مدار الحكم الشرعي فيسمى صحابيا وحينئذ فلا بد من القيد المذكور وما وقع لأحمد في مسنده من ذكره حديث ربيعة بن أمية بن خلف الجمحي وهو ممن أسلم في الفتح وشهد مع النبي صلى الله عليه و سلم حجة الوداع وحدث عنه بعد موته ثم لحقه الخذلان فلحق في خلافة عمر بالروم وتنصر بسبب شيء أغضبه يمكن توجيهه بعدم الوقوف على قصة ارتداده
وقد قال شيخنا مانصه وإخراج حديث مثل هذا يعتبر مطلقا في المسانيد وغيرها مشكل ولعل من أخرجه لم يقف على قصة ارتداده فلو ارتد ثم عاد إلى الإسلام لكن لم يره ثانيا بعد عودة فالصحيح أنه معدود في الصحابة لإطباق المحدثين على عد الأشعث بن قيس ونحوه كقرة بن هبيرة ممن وقع له ذلك فيهم وإخراج أحاديثهم في المسانيد وغيرها وزوج أبو بكر الصديق أخته للأشعث وقيل لا إذ الظاهر أن ذلك يقطع الصحبة (3/99)
ونضلها فالردة تحبط العمل عند عامة العلماء كأبي حنيفة بل نص عليه الشافعي في الأم وإن حكى الرافعي عن تقييده باتصالها بالموت وقيد بعضهم كونه حين الرؤية بالغا عاقلا حكاه الواقدي عن أهل العلم فقال رأيت أهل العلم يقولون كل من رأى رسول الله صلى الله عليه و سلم وقد أدرك الحلم فأسلم وعقل أمر الدين ورضيه فهو عندنا ممن صحب النبي صلى الله عليه و سلم ولو ساعة من نهار
والتقييد بالبلوغ كما قال المؤلف شاذ وهو يخرج نحو محمود بن الربيع الذي عقل من النبي صلى الله عليه و سلم مجة وهو ابن خمس سنين مع عدهم إياه في الصحابة بضعهم كونه مميزا كما تقدم
وقيل إنه لا يكفي في كونه صحابيا مجرد الرؤية بل لا يكون صحابا إلا إن طالت صحبته للنبي صلى الله عليه و سلم وكثرت مجالسته معه على طريق التبع له والأخذ عنه وبه جزم ابن الصباغ في العدة فقال الصحابي هو الذي لقي النبي صلى الله عليه و سلم وأقام معه واتبعه دون من وفد عليه خاصة وانصرف من غير مصاحبة ولا متابعة
وقال أبو الحسين في المعتمد هو من طالت مجالسته له على طريق التبع له والأخذ عنه أما من طالت بدون قصد الاتباع أو لم تظل كالوافدين فلا وقال الكباء الطبري هو من ظهرت صحبته لرسول الله صلى الله عليه و سلم صحبة القرين قرينه حتى يعد من أحزابه وخدمه المتصلين به قال صاحب الواضح وهذا قول شيوخ المعتزلة
وقال ابن فورك هو من أكثر مجالسته واختص به ولذلك لم يعد الوافدون من الصحابة في آخرين من الأصوليين بل حكاه أبو المظفر السمعاني عنهم وادعى أن اسم الصحابي يقع على ذلك من حيث اللغة والظاهر وأن المحدثين توسعوا في إطلاق اسم الصحبة على من رآه رؤية (3/100)
لشرف منزلته صلى الله عليه و سلم حيث أعطوا لكل من رآه حكم الصحبة ولهذا يوصف من أطال مجالسته أهل العلم بأنه من أصحابه أي المجالس وما حكاه عن الأصوليين إنما هو طريقة لبعضهم وجمهورهم على الأول وكذا دعواه ذلك لغة يرده حكاية القاضي أبو بكر الباقلاني عنهم بدون اختلاف لكنه قال ومع هذا يعني إيجاب حكم اللغة إجراء الصحبة على من صحب النبي صلى الله عليه و سلم ولو ساعة فقد تقرر للأئمة عرف في أنهم لا يستعملونه إلا فيمن كثرت صحبته واتصل لقاؤه ولا يجرون ذلك على من لقي المرء ساعة ومشى معه خطا وسمع منه حديثا فوجب لذلك أن لا يجري في عرف الاستعمال إلا على من هذا حاله انتهى
وصنيع أبي زرعة الرازي وأبي داود يشعر بالمشي على هذا المذهب فإنهما قالا في طارق بن شهاب له رؤية وليست له صحبة وكذا قال عاصم الأحول في عبد الله بن سرجس بل قال موسى السيلاني فما رواه ابن سعد في الطبقات بسند جيد قلت لأنس أأنت آخر من بقي من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم فقال بناء على ما في ظنه قد بقي قوم من الأعراب فأما أصحابه فأنا آخرهم لكن قد يجاب بأنه أراد إثبات صحبة خاصة ليست لتلك الأعراب
وكذا إنما لقي أبو زرعة ومن أشير إليهم صحبة خاصة دون العامة وما تمسكوا به لهذا المذهب من خطابه صلى الله عليه و سلم لخالد بن الوليد في حق عبد الرحمن بن عوف أو غيره بقوله لا تسبوا أصحابي مردود بأن نهى الصحابة عن سب صحابي آخر لا يستلزم أن لا يكون المنهي عن السب غير صحابي فالمعنى لا يسب غير أصحابي أصحابي ولا يسب بعضهم بعضا و على كل حال فهذا القول لم يثبت بضم الياء المثناة من تحت وتشديد الباء الموحدة المفتوحة أي ليس هو الثبت إذا العمل عند المحدثين والأصوليين على الأول ثم إن القائلين بالثاني لم يضبط أحد منهم الطول بقدر معين كما صرح به الغزالي وغيره لكن حكى شارح البذدوي عن بعضهم تحديده بستة (3/101)
أشهر
وقيل إنما يكون صحابيا من أقام مع النبي صلى الله عليه و سلم عاما أو عامين وغزا معه وغزوة أو غزوتين وذا كسعيد بن المسيب بكسر الياء وفتحها وهو الأشهر الأول مذهب أهل المدينة وكأنه لما حكى عن سعيد من كراهته الفتح عزا أي ابن الصرح وأسنده أبو حفص بن شاهين ومن طريقه أبو موسى في آخر الذيل قال ابن الصلاح وكأن المراد بهذا إن صح عنه راجع إلى المحكي عن الأصوليين ولكن في عبارته ضيق توجب أن لا يعد من الصحابة جرير بن عبد الله البجلي ومن شاركه في فقد ظاهر ما اشترطه فيهم ممن لا نعلم خلافا في عده من الصحابة انتهى
وهو ظاهر في توقفه في صحته عن سعيد وهو كذلك فقد أخرجه ابن سعد عن الواقدي وهو ضعيف في الحديث مع أن لفظ رواية ابن سعد أو غزا معه غزوة أو غزوتين باد وهو أشبه في ترجيعه إلى المذهب الثاني
وحكى ابن سعد عنه أيضا أنه قال رأيت أهل العلم يقولون غير ذلك ويذكرون جرير بن عبد اله وإسلامه قبل وفاة رسول الله صلى الله عليه و سلم بخمسة أشهر أو نحوها انتهى
وإسلام جرير مختلف في وقته ففي المعجم الكبير للطبراني من حديثه قال بعثني النبي صلى الله عليه و سلم في إثر العرنيين وهذا يدل على تقدم إسلامه لكن فيه الربذي وهو ضعيف وفي المعجم الأوسط له من حديثه أيضا قال لما بعث النبي صلى الله عليه و سلم أتيته فقال لي يا جرير لأي شيء جئتنا قلت لأسلم على يديك يا رسول الله فألقى إلي كساءه الحديث وفي سنده حصين ابن عمر الأحسى وهو ضعيف أيضا ولو صح لكان متروك الظاهر ويحمل على المجاز أي لما بلغنا خبر النبي صلى الله عليه و سلم أو على الحذف أي لما بعث النبي صلى الله عليه و سلم ثم دعا إلى الله ثم قدم (3/102)
المدينة ثم جاذب قريشا وغيرهم ثم فتح مكة ثم وفدت عليه الوفود فقد روى أيضا في الكبير بلفظ فدعاني إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني محمد رسول الله وتقيم الصلاة المكتوبة وتؤدي الزكاة المفروضة والزكاة إنما فرضت بالمدينة
وعنده أيضا من حديث شريك عن الشيباني عن الشعبي عن جرير قال قال لنا رسول الله صلى الله عليه و سلم إن أخاكم النجاشي قد مات الحديث وهذه الرواية تخدش في جزم الواقدي بأنه وفد على النبي صلى الله عليه و سلم في شهر رمضان سنة عشر لأن النجاشي كانت قبل سنة عشر وكذا في الصحيحين عنه أنه صلى الله عليه و سلم قال له في حجة الوداع استفضت الناس وبه يرد قول ابن عبد البر أنه أسلم قبل وفاة النبي صلى الله عليه و سلم بأربعين يوما لأن حجة الوداع كانت قبل الوفاة النبوية بأكثر من ثمانين يوما
واشترط بعضهم مع طول الصحبة الأخذ حكاه الآمدي عن عمرو بن يحيى والظاهر أنه الجاحظ أحد أئمة المعتزلة الذي قال فيه ثعلب إنه غير ثقة ولا مأمون وتسميته لأبيه بيحيى تصحيف من تجر وعبارته ذهب عمرو بن يحيى إلى أن هذا الاسم إنما يسمى به من طالت صحبته للنبي صلى الله عليه و سلم وأخذ عنه العلم وحكاه ابن الحاجب أيضا قولا غير معز لأحد لكن بإبدال الأخذ بالرواية وبينهما فرق قاله المصنف قال ولم أر هذا القول لغير عمرو وكأن ابن الحاجب أخذه من كلام الآمدي
وعن بعضهم هو من رأى النبي صلى الله عليه و سلم واختص به اختصاص الصاحب وإن لم يرو عنه ولم يتعلم منه قاله القاضي أبو عبد الله الصيمري من الحنفية وعن بعضهم هو من ظهر منه مع الصحبة الاتصاف بالعدالة فمن لم يظهر منه ذلك لا يطلق عليه اسم الصحبة قاله أبو الحسين بن القطان كما سيأتي في المسألة بعدها وقيل هو من أدرك زمنه صلى الله عليه و سلم مسلما وإن لم يره وهو قول يحيى بن عثمان بن صالح المصري فإنه قال وممن دفن أي بمصر من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم ممن أدركه ولم يسمع منه أبو تميم الجيشاني (3/103)
واسمه عبد الله بن مالك
وكذا ذكره الدولابي في الكنى من الصحابة وهو إنما قدم المدينة في خلافة عمر باتفاق أهل السير على أنه يجوز أن يكون ذكرهما له في الصحابة لإدراكه لكون أمره عندهما على الاحتمال ولو يطلعا على تأخر قدومه ولا يلزم من تصريح أولهما بأنه لم يسمع منه أن لا يكون عنده أنه رآه وممن حكى هذا القول من الأصوليين القرافي في شرح التنقيح وعليه عمل ابن عبد البرفي الاستيعاب وابن منده في الصحابة حيث ذكرا الصغير المحكوم بإسلام تبعا لأحد أبويه وإن لم يتفقا له على رؤية وكأن حجتهما توفر همم الصحابة رضوان الله عليهم على إحضار من يولد لهم إلى النبي صلى الله عليه و سلم ليدعو له كما سيأتي نقله بعد بل صرح أولهما بأنه رام بذلك استكمال القرن الذي أشار إليه النبي صلى الله عليه و سلم بقوله خير الناس قرني ومما ينبه عليه أخرج بعضهم عن الصحابة من هو منهم أو إدخال من ليس منهم فيهم كما سيأتي في آخر التابعين
والثانية معرفة الصحبة تعرف الصحبة إما باشتهار قاصر عن التواتر وهو الاستفاضة على من رأى كعكاشة بن محصن وضمام بن ثعلبة وغيرهما أو بتواتر بها كأبي بكر الصديق المعنى بقوله تعالى ( إذ يقول لصاحبه لا تخزن إن الله معنا ) وسائر العشرة في خلق أو بقول صاحب آخر معلوم الصحبة إما بالتصريح بها كأن يجيء عنه أن فلانا له صحبة مثلا أو نحوه كقوله كنت أنا وفلان عند النبي صلى الله عليه و سلم أو دخلنا على النبي صلى الله عليه و سلم بشرط أن يعرف إسلام المذكور في تلك الحالة وكذا تعرف بقول آحاد ثقات التابعين على الراجح كما سيأتي
وإلى ما عدا الأخير أشار أبو عبد الله الصيمري من الحنفية مع تمريض (3/104)
ثالثهما فقال لا يجوز عندنا الإخبار عن أحد بأنه صحابي إلا بعد وقوع العلم به إما اضطرارا يعني الناشيء عن التواتر أو اكتسابا يعني النظري الناشيء عن الشهرة ونحوها قال وقيل يجوز أن يخبر بذلك إذا أخبر به أصحابي يعني كما هو الصحيح ولو قد ادعاها أي الصحبة بنفسه وهو قبل دعواه إياها عدل قبل قوله يعني على المعتمد سواه التصريح كانا صحابي أو ما يقوم مقامه كسمعت ونحوها لأن وازع العدل يمنعه من الكذب هكذا أطلقه ابن الصلاح ومن تبعه كالنووي هو متأول ومتابع للخطيب في الكفاية فإنه قال وقد يحكم في الظاهر بأنه صحابي يقوله صحبت النبي صلى الله عليه و سلم وكثر لقائي له إذا كان ثقة أمينا مقبول القول لموضع عدالته وقبول خبره كما تعمل لروايته وإن لم يقطع بذلك يعني في الصورتين قبول الحر والعمل واشتراط العدالة قيل لا بد منه لأن قوله قبل أن تثبت عدالته أنا صحابي أو ما يقوم مقام ذلك يلزم من قبوله إثبات عدالته لأن الصحابة كلهم عدول فيصير بمنزلة قول القائل أنا عدل وذلك لم يقبل ولكن في كلام القاضي أبي بكر بن الطيب البقلاني تقييد ذلك أيضا بما إذا لم يرد عن الصحابة رد قوله وفيه نظر
إذ المثبت مقدم على النافي ولو فرض كون النفي لمحصور فربما كان قادحا في العدالة وكذا قيده هو والآمدي بثبوت معاصرته للنبي صلى الله عليه و سلم
وعبارة الآمدي فلو قال من عاصره مع إسلامه وعدالته فالظاهر صدقه ونحوه قول أبي بكر الصيرفي إذا عرفت عدالته قبل منه أنه سمع من النبي صلى الله عليه و سلم ورآه مع إمكان ذلك منه لأن الذي يدعيه دعوى لا أمارة معها ولذا قال المصنف ولا بد من تقييد ما أطلق من ذلك بأن يكون ادعاؤه لذلك يقتضيه الظاهر أما لو ادعاه بعد مضي مائة سنة من حين وفاته صلى الله عليه و سلم فإنه لا يقبل وإن كانت قد ثبتت عدالته قبل ذلك لقوله صلى الله عليه و سلم في الحديث الصحيح أرأيتم ليلتكم هذه فإنه على رأس مائة منه لا يبقى أحد ممن على ظهر الأرض يريد انخزام ذلك القرن (3/105)
قال ذلك صلى الله عليه و سلم في سنة وفاته قال وهو واضح جلي
ونحوه قول شيخنا وإما الشرط الثاني وهو المعاصرة فيعتبر بمضي مائة سنة وعشر سنين من هجرة النبي صلى الله عليه و سلم في آخر عمره لأصحابه أرأيتكم ليلتكم هذه فإن على رأس مائة سنة منها لا يبقى على وجه الأرض ممن هو اليوم عليها أحد رواه البخاري ومسلم من حديث ابن عمر زاد ومسلم من حديث جابر أن ذلك كان قبل موته صلى الله عليه و سلم بشهر ولفظه سمعت النبي صلى الله عليه و سلم قبل أن يموت بشهر أقسم بالله ما على الأرض من نفس منفوسة اليوم يأتي عليها مائة سنة وهي حية يومئذ قال ولهذه النكتة لم يصدق الأئمة أحد ادعى الصحبة بعد الغاية المذكورة وقد ادعاها جماعة فكذبوا وكان آخرهم رتن الهندي لأن الظاهر كذبهم في دعواهم انتهى
ولا شك أن دعوى ما لا يمكن يقدح في العدالة فاشتراطها يغني عن ذلك وإن جعل بعض المتأخرين محله مع العدالة إذا تلقى بالقبول وحفته قرائن ولم يقم دليل على رده
وفي المسألة قولان آخران
أحدهما أنها لا تثبت صحبته بقوله لما في ذلك من دعواه رتبة يثبتها لنفسه وهو ظاهر كلام أبي الحسن ابن القطان فإنه قال ومن يدعى صحبة النبي صلى الله عليه و سلم لا يقبل منه حتى نعلم صحبته فإذا علمناها فما رواه فهو على السماع حتى نعلم غيره واقتصار ابن السمعاني حيث قال ونعلم الصحبة إما بطريق قطعي وهو الخبر المتواتر أو ظني وهو خبر الثقة قد يشعر به وقواه بعض المتأخرين قال فإن الشخص لو قال أنا عدل لم يقبل لدعواه لنفسه مرتبة فكيف إذا ادعى الصحبة التي هي فوق العدالة وأبداه ابن الحاجب احتمالا حيث قال لو قال المعاصر العدل أنا صحاب احتمل الخلاف يعني قبولا ومنعا فكأنه لم يقف على النقل في الطرفين (3/106)
ثانيهما التفصيل بين مدعي الصحبة اليسيرة فيقبل لأنها مما يتعذر إثباتها بالنقل إذ ربما لا يحضره حالة اجتماعه بالنبي صلى الله عليه و سلم أو رؤيته له أحد أو الطويلة وكثرة التردد في السفر والحضر فلا لأن مثل ذلك يشاهد وينقل ويشتهر فلا يثبت بقوله
وعلى أن ابن عبد البر قد جزم بالقبول من غير شرط بناء على أن الظاهر سلامته من الجرح وقوى ذلك بتصرف أئمة الحديث في تخريجهم أحاديث هذا الضرب في مسانيدهم قال شيخنا ولا ريب في انحطاط رتبة من هذا سبيله عمن مضى قال ومن صور هذا الضرب أن يقول التابعي أخبرني فلان مثلا أنه سمع النبي صلى الله عليه و سلم يقول سواء سماه أم لا كقول الزهري فيما رواه البخاري في فتح مكة من صحيحه أخبرني سنين أبو جميلة وزعم أنه أدرك النبي صلى الله عليه و سلم وخرج معه عام الفتح أما إذا قال أخبرني رجل مثلا عن النبي صلى الله عليه و سلم بكذا يعني بالعنعنة فثبوت الصحبة بذلك بعيد لاحتمال الإرسال ويحتمل التفرقة بين أن يكون القائل من كبار التابعين فيترجح القبول أو صغارهم فيترجح الرد ومع ذلك فلم يتوقف من صنف في الصحابة عن إخراج من هذا سبيله في كتبهم نعم لو أخبر عنه عدل من التابعين أو تابعيهم أنه صحابي قال بعض شراح اللمع لا أعرف فيه نقلا قال والذي يقتضيه القياس فيه أنه لا يقبل ذلك كما لا تقبل مراسيله لأن تلك قضية لم يحضرها
قال شيخنا والراجح قبوله بناء على الراجح من قبول التزكية من واحد وكذا مال إليه الزركشي فقال والظاهر قبوله لأنا لا نقول ذلك إلا بعد العلم به إما اضطرارا أو اكتسابا وإليه يشير كلام ابن السمعاني السابق (3/107)
إذا علم هذا فقد أفاد شيخنا في مقدمة الإصابة له ضابطا يستفاد من معرفته جمع كثير يكتفي فيهم بوصف يتضمن أنهم صحابة وهو مأخوذ من ثلاثة آثار
أحدها إنهم كانوا لا يؤمرون في المغازي إلا الصحابة فمن تتبع الأخبار الواردة في الردة والفتوح وجد من ذلك الكثير
ثانيها أن عبد الرحمن بن عوف قال كان لا يولد لأحد مولود إلا أتى به النبي صلى الله عليه و سلم فدعا له وهذا أيضا يوجد منه الكثير
ثالثها أنه لم يبق بالمدينة ولا بمكة ولا الطائف ولا من بينهما من الأعراب إلا من أسلم وشهد حجة الوداع فمن كان في ذلك الوقت موجود اندرج فيهم لحصول رؤيتهم للنبي صلى الله عليه و سلم وإن لم يرهم هو والله أعلم
والثالثة في بيان مرتبتهم
وهو رضي الله عنهم باتفاق أهل السنة عدول كلهم مطلقا كبرهم وصغيرهم لابس الفتنة أم لا وجوبا لحسن الظن ونظرا إلى ما تمهد لهم من المآثر من امتثال أوامره بعده صلى الله عليه و سلم وفتحهم الأقاليم وتبليغهم عنه الكتاب والسنة وهدايتهم الناس ومواظبتهم على الصلاة والزكاة وأنواع القربات مع الشجاعة والبراعة والكرم والإيثار والأخلاق الحميدة التي لم يكن في أمة من الأمم المتقدمة قال الخطيب في الكفاية عدالة الصحابة ثابتة معلومة بتعديل الله لهم وإخباره عن طهارتهم واختياره لهم فمن ذلك قوله تعالى ( كنتم خير أمة أخرجت للناس ) وقوله ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا ) وقوله ( لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم (3/108)
ما في قلوبهم ) وقوله ( والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه ) وقوله ( يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين ) وقوله ( يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين ) وقوله ( للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون ) إلى قوله ( إنك رؤوف رحيم ) في آيات كثيرة يطول ذكرها وأحاديث شهيرة يكثر تعدادها
وجميع ذلك يقتضي القطع بتعديلهم ولا يحتاج أحد منهم مع تعديل الله له إلى تعديل أحد من الخلق
على أنه لو لم يرد من الله ورسوله فيهم شيء مما ذكرناه لأوجبت الحال التي كانوا عليها من الهجرة والجهاد ونصرة الإسلام وبذل المهج والأموال وقتل الآباء والأبناء والمناصحة في الدين وقوة الإيمان واليقين القطع على تعديلهم والاعتقاد لنزاهتهم وأنهم أفضل من جميع الخالقين بعدهم والمعدلين الذين يجيئون من بعدهم هذا مذهب كافة العلماء ومن يعتمد قوله
ثم أسند عن أبي زرعة الرازي أنه قال إذا رأيت الرجل ينتقص أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم فاعلم أنه زنديق وذلك أن رسول الله صلى الله عليه و سلم حق والقرآن حق وما جاء به حق وإنما أدى إلينا ذلك كله الصحابة وهؤلاء يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة والجرح بهم أولى وهم زنادقة انتهى وهو كما قال شيخنا فصل نفيس (3/109)
الشيوخ أو قصدا لتمرن الطالب بالنظر في الرواة وتميزهم إن كان مكثرا وأشباه ذلك مما تقدم في قسم تدليس الشيوخ من التدليس
ثم إنه تارة يكون من راو واحد بأن تتعدد الروايات منه عن ذاك الراوي بأنحاء مختلفة أو من جماعة يعرف كل واحد منهم الراوي بغير ما عرفه الآخر به ولعبد الغني بن سعيد الأزدي المصري الحافظ في ذلك إيضاح الإشكال وكذا للخطيب فيه الموضع لإيهام الجمع والتفريق بدأ فيه بما وقع لأستاذ الصنعة البخاري من الوهم في ذلك
وصنف فيه الصولي أيضا وأمثلته كثيرة ففي الضعف نحو ما فعل من غير واحد في الكلبي المنسوب لكلب بن وبرة حتى أبهما الأمر فيه على كثيرين من عدو لهم في الكلبي محمد بن السائب ابن بشر الكوفي العلامة كما قال ابن سعد في أنساب العرب وأحاديثم والتفسير والذي اتفق أهل النقل على ضعفه واتهمه غير واحد بالكذب والوضع حيث سماه حمادا بدل محمد أبو أسامة حماد بن أسامة إذ روى عنه عن إسحاق بن عبد الله بن الحارث عن ابن عباس رفعه زكاة كل مسك دباغه ولم يتنبه حمزة بن محمد أبو القاسم الكناني الحافظ له فإنه وثق حماد بن السائب وذلك لا يكون إلا عن غفلة عن أنه محمد بن السائب لاشتهاره بالضعف
ودونه ما وقع للنسائي في الكنى في الحديث المذكور اسقط عن بين أبي أسامة وحماد فصار حماد اسم أبي أسامة كما نبه على ذلك الحافظ عبد الغني المذكور وقال إنه سأل شيخه الدارقطني عن حماد الواقع في هذا الحديث فقال إنه الكلبي إلا أن أبا أسامة كان سميه حمادا
قال عبد الغني ويدل شيخنا أن عيسى بن يونس يعني السبيعي الكوفي روى الحديث المشار إليه عن الكلبي مصرحا به من غير تغطيته انتهى والظاهر أنه لقب له اختص لديه أبو أسامة بمعرفته لأنه مع جلالته لا يظن به ابتكار (3/109)
فأما الآية الأولى فالذي رجحه كثير من المفسرين عموما في أمة محمد صلى الله عليه و سلم وخصها آخرون بالصحابة بل قال بعضهم اتفقوا على أنها واردة فيهم وحينئذ فالاستدلال منها ظاهر
وأما الثانية فهي خطاب مع الموجودين منهم حينئذ ولكن لا يمتنع إلحاق غيرهم بهم ممن شاركهم في الوصف
وكذا في الآيات والذين معه ومن غيرها أصحابي كالنجوم مع ما تحقق عنهم بالتواتر من الجد في الامتثال
قال شيخنا والأحاديث الواردة في تفضيل الصحابة كثيرة من أولها على المقصود ما رواه الترمذي وابن حبان في صحيحه من حديث عبد الله بن معقل قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم الله الله في أصحابي لا تتخذوهم غرضا فمن أحبهم فبحبي أحبهم ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم ومن آذاهم فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله ومن آذى الله فيوشك أن يأخذه
وذكر غيره من الأدلة حديث أبي سعيد الخدري لا تسبوا أصحابي فوالذي نفس بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه متفق عليه وهو وإن ورد على سبب وذلك أنه كان بين خالد بن الوليد وعبد الرحمن بن عوف شيء فسبه خالد فقال النبي صلى الله عليه و سلم وذكره بحيث خصه بعض أصحاب الحديث بمن طالت صحبته وقاتل معه وأنفق وهاجر فالعبرة إنما هي بعموم اللفظ لا بخصوص السبب كما ذهب إليه الأكثرون وصححه القاضي عياض هنا
ومثل هذا يقال وإن كان المقول له صحابيا للتنبيه على إرادة حفظ الصحبة عن ذلك ووجه الاستدلال به أن الوصف لهم بغير العدالة سب لا سيما وقد نهى صلى الله عليه و سلم بعض من أدركه وصحبه عن التعرض لمن تقدمه لشهود (3/110)
المواقف الفاضلة فيكون من بعدهم بالنسبة لجميعهم من باب أولى
وحديث خير الناس قرني المتواتر مما هو أيضا متفق عليه من حديث ابن مسعود وعمران بن حصين حتى بالغ بعضهم فتمسك به بعدالة التابعين أيضا وأنه لا يسأل عنهم حتى يقوم الجرح لقوله فيه ثم الذين يلونهم وهو فيهم محمول على الغالب والمراد بقرن النبي صلى الله عليه و سلم فيه الصحابة وإن أطلق القرن على مدة من الزمان في تحديدها أقوال أدناها عشرة أعوام وأعلاها مائة وعشرون
وعليه ينطبق الواقع في كون آخر الصحابة موتا أبو الطفيل إن اعتبر ذلك في زمن البعثة إذ المدة منها القدر المذكور أو دونه أو فوقه بقليل على الاختلاف في وفاة أبي الطفيل أما إن مشينا على أن القرن مائة كما هو المشهور بل وقع ما يدل له في حديث لعبيد الله ابن بسر عند مسلم فيكون الاعتبار من موته صلى الله عليه و سلم
ومن الأدلة أيضا ما جاء عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال أنتم توفون سبعين أمة أنتم خيرها وأكرمها على الله عز و جل أخرجه أحمد والترمذي وابن ماجه وغيرهم وعن سعيد بن المسيب عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إن الله اختار أصحابي على الثقلين سوى النبيين والمرسلين أخرجه البزار بسند رجاله موثقون
وعن عبد الله بن هاشم الطوسي حدثنا وكيع سمعت سفيان يقول في قوله تعالى ( قل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى ) قال هم أصحاب محمد صلى الله عليه و سلم إلى غير ذلك مما يطول إيراده (3/111)
وممن حكى الإجماع على القول بعدالتهم إمام الحرمين قال ولعل السبب فيه أنهم نقله الشريعة فلو ثبت توقف في روايتهم لانحصرت الشريعة على عصر الرسول صلى الله عليه و سلم ولما استرسلت على سائر الأعصار
ونحوه قول أبي محمد بن حزم الصحابة كلهم من أهل الجنة قطعا قال الله تعالى ( لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى ) وقال تعالى ( إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون ) فثبت أن الجميع من أهل الجنة وأنه لا يدخل أحد منهم النار لأنهم المخاطبون بالآية السابقة فإن قيل التقييد بالإنفاق والقتال يخرج من لم يتصف بذلك وكذلك التقييد بالإحسان في الآية السابقة وهي قوله تعالى ( والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان ) يخرج من لم يتصف بذلك
فالجواب أن التقييدات المذكورة خرجت مخرج الغالب وإلا فالمراد من اتصف بالإنفاق والقتال بالفعل أو القوة ولكن قد أشار إلى الخلاف الكياء الطبري حيث قال إن عليه كافة أصحابنا وكذا قال القاضي وهو السلف وجمهور الخلف وحكى الآمدي وابن الحاجب قولا أنهم كغيرهم في لزوم البحث على عدالتهم مطلقا وهو قضية كلام أبي الحسين بن القطان من الشافعية فإنه قال فوحشي قتل حمزة وله صحبة والوليد يشرب الخمر قلنا من ظهر منه خلاف العدالة لا تقع عليه اسم الصحبة والوليد ليس بصحابي إنما أصحابه الذين كانوا على طريقته (3/112)
وهذا عجيب فالكل أصحابه باتفاق وقتل وحشي لحمزة كان قبل إسلامه وأما الوليد وغيره ممن ذكر بما أشار إليه فقد كف النبي صلى الله عليه و سلم من لعن بعضهم بقوله لا تلعنه فوالله ما علمت إلا أنه يحب الله ورسوله كما كف عمر عن حاطب رضي الله عنهما قائلا له إنه شهد بدرا وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم لا سيما وهم مخلصون في التوبة فيما لعله صدر منهم والحدود كفارات بل قيل في الوليد بخصوصه إن بعض أهل الكوفة تعصبوا عليه فشهدوا عليه بغير الحق
وبالجملة فترك الخوض في هذا ونحوه متعين وقد أسلفت في أواخر آداب المحدث شيئا مما يرغب في الحث على ترك ذلك وقولا آخر أنهم عدول إلى وقت وقوع الفتن فأما بعد ذلك فلا بد من البحث عمن ليس ظاهر العدالة
وذهبت المعتزلة إلى رد من قاتل عليا وقيل به في الفريق الآخر وقيل لا يحكم بعدالة من دخلا منهم في فتنة من الفتن الواقعة من حين مقتل عثمان رضي الله عنه كالجمل وصفين من الفريقين إلا بعد البحث عنها وعن بعضهم ردهم كأنه ابتداء وقيل يقبل الداخل فيها إذا انفرد لأن الأصل العدالة وشككنا في ضدها ولا تقبل مع مخالفة لتحقق إبطال أحدهما من غير تعيين وقيل إن القول بالعدالة يخص بمن اشتهر منهم ومن عداهم كسائر الناس فيهم العدول وغيرهم قال المازري في شرح البرهان لسنا نعني بقولنا لصحابة عدول كل من رآه صلى الله عليه و سلم يوما ما أو زاره أو اجتمع به لغرض وانصف عن قريب وإنما نعين به الذين لازموه وعزروه ونصوره واتبعوا النور الذي أنزل معه فأولئك كما قال الله هم المفلحون ولم يوافق المازري على ذلك ولذا اعترضه غير واحد وقال العلائي إنه قول غريب يخرج كثيرا من المشهور بن بالصحبة والرواية عن (3/113)
الحكم بالعدالة كوائل بن حجر ومالك بن الحويرث وعثمان بن أبي العاص وغيرهم ممن وفد عليه صلى الله عليه و سلم ولم يقم عنده إلا قليلا وانصرف وكذلك من لم يعرف إلا برواية الحديث الواحد أو لم تعرف مقدار إقامته من أعراب القبائل
قال شيخنا وقد كان تعظيم الصحابة ولو كان اجتماعهم به صلى الله عليه و سلم قليلا مقررا عند الخلفاء الراشدين وغيرهم ثم ساق بسند رجاله ثقات عن أبي سعيد الخدري أنه كان متكئا فذكر من عنده عليا ومعاوية رضي الله عنهما فتقاول رجلا معاوية فاستوى جالسا ثم قال كنا ننزل رفاقا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم فكنا في رفقة فيها أبو بكر فنزلنا على أهل أبيات وفيهم امرأة حبلى ومعنا رجل من أهل البادية فقال للمرأة الحالم أيسرك أن تلدي غلاما قالت نعم قال أن أعطتني شاة ولدت غلاما فأعطته فسجع لها أسجاعا ثم عمد إلى الشاة فذبحها وطبخها وجلسنا نأكل منها ومعنا أبو بكر فلما علم بالقصة قام فتقيأ كل شيء أكله قال ثم رأيت ذلك البدوي قد أتى به عمر بن الخطاب وقد هجا الأنصار فقال لهم عمر لولا أن له صحبة من رسول الله صلى الله عليه و سلم ما أدري ما نال فيها لكفيتموه ولكن له صحبة قال فتوقف عمر عن معاتبته فضلا عن معاقبته لكونه علم أنه لقي النبي صلى الله عليه و سلم وفي ذلك ابن أكبر شاهد على أنهم كانوا يعتقدون أن شأن الصحبة لا يعدله شيء كما ثبت في حديث أبي سعيد الماضي
وقال الإمام أحمد بعد ذكر العشرة والمهاجرين والأنصار ثم أفضل الناس بعد هؤلاء أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم القرن الذي بعث فيهم كل من صحبة سنة أو شهرا أو يوما أو ساعة أو رآه فهو من أصحابه له من الصحبة على قدر ما صحبه وكانت سابقته معه وسمع منه ونظر إليه نظرة فأدناهم صحبة هو أفضل من القرن الذين لم يروه ولو لقوا الله بجميع الأعمال كان هؤلاء الذين صحبوا النبي صلى الله عليه و سلم ورأوه وسمعوا منه وآمنوا به ولو ساعة أفضل (3/114)
بصحبة من التابعين ولو علموا كل أعمال الخير وبالجملة فيما قاله المازري منتقد بل كل ما عدا المذهب الأول القائل بالتعميم باطل والأول هو الصحيح بل الصواب المعتبر وعليه الجمهور كما قال الآمدي وابن الحاجب يعني من السلف والخلف زاد الآمدي وهو المختار وحكى ابن عبد البرفي الاستيعاب إجماع أهل الحق من المسلمين وهم أهل السنة والجماعة عليه سواء من لم يلابس الفتن منهم أو لابسها إحسانا للظن بهم وحملا لهم في ذلك على الاجتهاد فتلك أمور مبناها عليه وكل مجتهد مصيب أو المصيب واحد والمخطئ معذور بل مأجور
قال ابن الأنباري وليس المراد بعدالتهم ثبوت العصمة لهم واستحالة المعصية منهم وإنما المراد قبول رواياتهم من غير تكلف فبحث عن أسباب العدالة وطلب التزكية إلا إن ثبت ارتكاب قادح ولم يثبت ذلك ولله الحمد فنحن على استصحاب ما كانوا عليه في زمن رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى ثبت خلافه ولا التفات إلى ما يذكره أهل السير فإنه لا يصح وما صح فله تأويل صحيح
وما أحسن قول عمر بن عبد العزيز رحمه الله تلك دماء طهر الله منها سيوفنا فلا تخضب بها ألسنتنا ولا عبرة برد بعض الحنفية روايات سيدنا أبي هريرة رضي الله عنه وتعليلهم بأنه ليس بفقيه فقد عملوا برأيه في الغسل ثلاثا من ولوغ الكلب وغيره وولاه عمر رضي الله عنهما الولايات الجسيمة وقال ابن عباس له كما في مسند الشافعي وقد سئل عن مسألة أفته يا أبا هريرة فقد جاءتك معضلة فأفتى ووافقه على فتياه وقد حكى ابن النجار في ذيله عن الشيخ أبي إسحاق أنه سمع القاضي أبا الطيب الطبري يقول كنا في حلقة النظر بجامع المنصور فجاء شاب خرساني حنفي فطالب بالدليل في مسألة المصراة فأورده المدرس عن أبي هريرة فقال الشاب إنه غير مقبول الرواية قال القاضي فما استتم كلامه حتى سقطت عليه حية عظيمة من سقف (3/115)
الجامع فهرب عنها فتبعته دون غيره فقيل له تب فقال تبت فغابت الحية ولم ير لها بعد أثر ونخرج على هذا الأصل مسألة وهي أنه إذا قيل في الإسناد عن رجل من الصحابة كان حجة ولا يضر الجهالة بتعيينه لثبوت عدالتهم
وخالف ابن منده فقال من حكم الصحابي أنه إذا روى عنه تابعي وإن كان مشهورا كالشعبي وسعيد ابن المسيب نسب إلى الجهالة فإذا روى عنه رجلان صار مشهورا واحتج به قال وعلى هذا بنى البخاري ومسلم صحيحيهما إلا أحرفا تبين أمرها ويسمى البيهقي مثل ذلك مرسلا وهو مردود وقال أبو زيد الدبوسي المجهول من الصحابة خبره حجة إن عمل به السلف أو سكتوا عن رده مع انتشاره بينهم فإن لم ينتشر فإن وافق القياس عمل به وإلا فلا لأنه في المرتبة دون ما إذا لم يكن فقيها قال ويحتمل أن يقال إن خبر المشهور الذي ليس بفقيه حجة ما لم يخالف القياس وخبر المجهول مردود ما لم يرده القياس ليقع الفرق بين من ظهرت عدالته ومن لم تظهر
والرابعة في المكثرين من الصحابة رضي الله عنهم رواية وإفتاء والمكثرون منهم رواية كما قاله أحمد فيما نقله ابن كثير وغيره الذين زاد حديثهم على ألف ( ستة وهم أنس ) وهو ابن مالك و ( ابن عمر ) عبد الله وأم المؤمنين عائشة الصديقة ابنة الصديق والبحر عبد الله بن عباس وسمي بحرا لسعة علمه وكثرته وممن سماه بذلك أبو الشعثاء جابر بن زيد أحد التابعين ممن أخذ عنه فقال في شيء وأبي ذلك البحر يريد ابن عباس وجابر وهو ابن عبد الله وأبو هريرة وهو بإجماع حسبما حكاه النووي أكثرهم كما قاله سعيد بن أبي الحسن وابن حنبل وتبعهما ابن الصلاح غير متعرض الترتيب من عداه في الأكثرية والذي يدل لذلك ما نسب (3/116)
لبقي بن مخلد مما أودعه في مسنده خاصة كما أفاده شيخنا لا مطلقا فإنه روى لأبي هريرة خمسة آلاف وثلاثمائة وأربعين وستين ولابن عمر ألفين وستمائة وثلاثين ولأنس ألفين ومائتين وستة وثمانين ولعائشة ألفين ومائتين وعشرة ولابن عباس ألفا وستمائة وستين ولجابر ألفا وخمسمائة وأربعين ولهم سابع نبه عليه المصنف تبعا لابن كثير وهو أبو سعيد الخدري فروى له بقي ألفا ومائة وسبعين وقد نظمه البرهان الحلبي
فقال أبو سعيد نسبة لخدرة سابعهم أهمل في القصيدة
وكذا أدرج ابن كثير في المكثرين ابن مسعود وابن عمرو بن العاص ولم يبلغ حديث واحد فيهما عند بقي ألفا إذ حديث أولهما عنده ثمان مائة وثمانية وأربعون ومنهما سبعمائة واستثناء أبي هريرة له من كونه أكثر الصحابة حديثا كما في الصحيح لا يخدش فيما تقدم ولو كان الاستثناء متصلا فقد أجيب بان عبد الله كان مشتغلا بالعبادة أكثر من اشتغاله بالتعليم
فقلت الرواية عنه أو أن أكثر مقامه بعد فتوح الأمصار كان بمصر أو بالطائف ولم تكن الرحلة إليهما ممن يطلب العلم كالرحلة إلى المدينة وكان أبو هريرة يأتيها للفتوى والتحديث حتى مات أو لأن أبا هريرة اختص بدعوة النبي صلى الله عليه و سلم بأن لا ينسى ما يحدثه به فانتشرت روايته إلى غير ذلك من الأجوبة
والمكثرون منهم إفتاء سبعة عمر وعلي وابن مسعود وابن عمر وابن عباس وزيد بن ثابت وعائشة قال ابن حزم يمكن أن يجمع من فتيا كل واحد من هؤلاء مجلد ضخم والبحر ابن عباس في الحقيقة أكثر الصحابة كلهم على الإطلاق فتوى فيما قاله الإمام أحمد بحيث كان كبار الصحابة يحيلون عليه في الفتوى وكيف لا وقد دعا (3/117)
له النبي صلى الله عليه و سلم بقوله اللهم علمه الكتاب وفي لفظ اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل وفي آخر اللهم علمه الحكمة وتأويل الكتاب وفي آخر اللهم بارك فيه وانشر منه
وقال ابن عمر هو أعلم من بقي بما أنزل الله على محمد صلى الله عليه و سلم وقال أبو بكرة قدم علينا البصرة وما في العرب مثله حشما وعلما وبيانا وجمالا وقال ابن مسعود لو أدرك أسناننا ما عاشره منا أحد وقالت عائشة هو أعلم الناس بالحج ثم إن وصفه بالبحر ثابت في صحيح البخاري وغيره وإنما وصف بذلك لكثرة علمه كما قال مجاهد فيما أخرجه ابن سعد وغيره وعند ابن سعد أيضا من طريق ابن جريج عن عطاء أنه كان يقول قال البحر وفعل البحر يريد ابن عباس بل سماه غير واحد حبر الأمة وبعضهم حبر العرب وترجمان القرآن رباني الأمة قال ابن حزم ويلي هؤلاء السبعة في الفتوى عشرون وهم أبو بكر وعثمان وأبو موسى ومعاذ وسعد بن أبي وقاص وأبو هريرة وأنس وعبد الله بن عمرو بن العاص وسلمان وجابر وأبو سعد وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف وعمران بن حصين وأبو بكرة وعبادة بن الصامت ومعاوية وابن الزبير وأم سلمة قال ويمكن أن يجمع من فتيا كل واحد منهم جزء صغير قال وفي الصحابة نحو من مائة وعشرين نفسا مقلون في الفتا جدا لا تروى عن الواحد منهم إلا المسألة المسألتان والثلاث كأبي بن كعب وأبي الدرداء وأبي طلحة والمقداد وسرد الباقين مما في بعضه نظر قال ويمكن أن يجمع من فتيا جميعهم بعد البحث جزء صغير
والخامسة في بيان من يطلق عليه العبادة منهم دون سائر من اسمه عبد الله وهو أي البحر ابن عباس وابن عمرا عبد الله وابن الزبير عبد الله وابن عمرو بن العاص عبد الله قد جرى عليهم بالشهرة المستفيضة العبادلة فيما قاله الإمام أحمد وقال ليس من جرى عليه ذلك (3/118)
ابن مسعود عبد الله وإن جعله الثعلبي في تفسير ( تغرب في عين حمئة ) من تفسيره خامسا لهم وكذا هو في شرح الكفاية لابن الحاجب لأنه كما قال البيهقي تقدم موته والآخرون عاشوا حتى احتيج إلى علمهم فكانوا إذا اجتمعوا على شيء قيل هذا قول العبادلة
قال ابن الصلاح ولا من شاكله أيضا أي ابن مسعود في التسمية بعبد الله وهم نحو مائتين وعشرين نفسا أو نحو ثلاث مائة فيما قاله المصنف بل يزيدون على ذلك بكثير ولو ترتب على الحصر فائدة لحققته
ووقع كما رأيته في عبد من الصحاح للجوهري ذكر ابن مسعود بدل ابن الزبير وذكر في الألف اللينة في هما منه أيضا ابن الزبير مع ابن عمر وابن عباس مقتصرا عليهم
وكذا عدهم الرافعي في الديات من الشرح الكبير والزمخشري في المفصل والعلاء عبد العزيز البخاري شارح البزدوي من الحنفية أيضا ثلاثة لكن عينوهم بابن مسعود وابن عمر وابن عباس زاد الأخير منهم أن ذلك في التحقيق قال وعند المحدثين ابن الزبير بدل ابن مسعود وممن عد ابن مسعود أيضا أبو الحسين بن أبي الربيع القرشي حكاه القاسم التجيبي في فوائد رحلته ومن المتأخرين ابن هشام في التوضيح وفي الحج من الهداية للحنفية قال العبادلة وابن الزبير أشهر الحج شوال فعطف ابن الزبير عليهم والأول هو المعتمد المشهور بين المحدثين وغيرهم
والسادسة ولو قدمت مع التي تليها على التي قبلها لكان أنسب في المتبوعين منهم وهو أي ابن مسعود وزيد هو ابن ثابت وابن عباس لهم رضي الله عنهم في الفقه أتباع وأصحاب يرون في عملهم وفتياهم (3/119)
قولهم كما صرح به ابن المديني حاصرا لذلك فيهم عبارته انتهى علم أصحاب رسول اله صلى الله عليه و سلم من الأحكام إلى ثلاثة ممن أخذ منهم العلم وذكرهم فهم كالمقلدون وأتباعهم كالمقلدين لهم
والسابعة قال مسروق ابن الأجدع الهمداني الكوفي أحد أجلاء التابعين انتهى العلم الذي كان عند أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى ستة أنفس أصحاب أيضا للنبي صلى الله عليه و سلم كبار نبلا فإلى زيد هو ابن ثابت وأبي الدرداء عويمر مع أبي بن كعب وعمر بن الخطاب وعبد الله بن مسعود مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه ثم انتهى أي وصل ما عند هؤلاء الستة من علم الدين أي للآخرين منهم وهما علي وابن مسعود هكذا رواه بعضهم عن مسروق ولكن البعض ممن رواه عنه أيضا وهو الشعبي جعل أبا موسى الأشعري عن أبي الدرداء بالقصد يدل بالوقف على لغة ربيعة بل وجاء كذلك عن الشعبي نفسه لكن بلفظ كان العلم يؤخذ عن ستة من الصحابة وذكرهم ثم قال وكان عمر وابن مسعود وزيد يشبه علم بعضهم من بعضا وكان يقتبس بعضهم من بعض وكان علي والأشعري وأبي يشبه علم بعضهم بعضا وكان يقتبس بعضهم من بعض
ولا يخدش فيما تقدم كون كل من زيد وأبي موسى تأخرت وفاته عن ابن مسعود وعلي لأنه لا مانع من انتهاء علم شخص إلى آخر مع بقاء الأول
وأيضا فقد قال شيخنا فيما نقل عنه إن عليا وابن مسعود كانا مع مسروق بالكوفة فانتهاء العلم إليهما أن عمدة أهل الكوفة في معرفة علم الأربعة المذكورين عليهما
والثامنة من إحصائهم والعد على المعتمد لا يحصرهم إجمالا فضلا عن تفصيلهم لتفرقهم في البلدان والنواحي فقد ثبت قول كعب بن مالك في قصة تبوك بخصوصها والمسلمون كثير لا يجمهم ديوان (3/120)
حافظ وظهر يعني شهد معه صلى الله عليه و سلم كما روى عن أبي زرعة الرازي سبعون ألفا بتبوك المذكورة قال وحضر معه الحج يعني الذي لم يحج بعد الهجرة غيره وودع فيه الناس بالوصية التي أوصاهم بها أن لا يرجعوا بعده كفارا أو اكدا التوديع بإشهاد الله عليهم بأنهم شهدوا أنه قد بلغ ما أرسل إليهم به ولذلك سمى حج الوداع أربعون ألفا ولكثرتهم قال جابر بن حكايته صفتها نظرت إلى مد بصري من بين يديه من راكب وماش وعن يميمنه مثل ذلك وعن يساره مثل ذلك ومن خلفه مثل ذلك وقبض صلى الله عليه و سلم عن زين أي الفريقين المذكورين في تبوك وحجة الوداع وذلك مائة ألف وعشرة آلاف مع زيادة أربع آلاف على ذلك تنض بكسر النون وتشديد الضاد المعجمة أي يتيسر حصرها تشبيها بنض الدراهم وهو تيسرها ممن روى عنه وسمع أو رآها وسمع منه
قال أبو ذرعة ذلك ردا ابن علي من قال له أليس يقال حديث النبي صلى الله عليه و سلم أربعة آلاف حديث فقال ومن ذا قال ذا قلقل الله أنيابه هذا قول الزنادقة ومن يحصي حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم قبض رسول الله صلى الله عليه و سلم وذكره فقيل له هؤلاء أين كانوا وأين سمعوا منه قال أهل المدينة وأهل مكة ومن بينهما من الأعراب ومن شهد معه حجة الوداع كل رآه وسمع منه بعرفة
قال ابن فتحون في ذيل الاستيعاب بعد إيراده لهذا أجاب به أبو زرعة سؤال من سأله عن الرواة خاصة فكيف بغيرهم انتهى وكذا لم يدخل في ذلك من مات في حياته صلى الله عليه و سلم في الغزوات وغيرها
على أنه قد جاء عن أبي ذرعة رواية أخرى أوردها أبو موسى المديني في الذيل قال توفي النبي صلى الله عليه و سلم ومن رآه وسمع منه زيادة على مائة ألف إنسان من رجل أو امرأة ولك قد روى عنه سماعا أو رؤية فعلم رسول الله صلى الله عليه و سلم كثير ولكنها لا تنافي الأولى لقوله فيها زيادة مع أنها أقرب لعدم التورط فيها بعهدة الحصر (3/121)
نعم يروي الحاكم في الإكليل من حديث معاذ قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى غزوة تبوك زيادة على ثلاثين ألفا وبهذه العدة جزم ابن إسحاق وأورده الواقدي بإسناد آخر موصول وزاد أنه كانت معه عشرة آلاف فرس فيمكن أن يكون ذلك في ابتداء خروجهم كما يشعر به قول خرجنا وتكاملت العدة بعد ذلك ووقع لشيخنا في الفتح هذا السهو حيث عين قول أبي زرعة في تبوك بأربعين ألفا وجمع بينه وبين قول معاذ أكثر من ثلاثين ألفا باحتمال جبر الكسر وجاء ضبط من كان بين يدي النبي صلى الله عليه و سلم عام الفتح بمكة بأنهم خمسة عشر ألف عنان قاله الحاكم ومن طريقه أبو موسى في الذيل بل عنده عن ابن عمر أنه قال وافي النبي صلى الله عليه و سلم يوم فتح مكة بعشرة آلاف من الناس ووافى حنينا باثني عشر ألفا وقال لن تغلب اثني عشر ألفا من قلة
ثم إنه جاء فيمن توفي النبي صلى الله عليه و سلم عنهم خلاف ما تقدم فعن الشافعي كما في مناقبه للآبري والسياجي في طريق ابن عبد الحكم عنه قال قبض رسول الله صلى الله عليه و سلم والمسلمون ستون ألفا وثلاثون ألفا بالمدينة وثلاثون يعني ألفا في قبائل العرب وغيرها وعن أحمد فيما رواه البيهقي من طريق إبراهيم بن علي الطبري عنه قال قبض النبي صلى الله عليه و سلم وقد صلى خلفه ثلاثون ألف رجل وكأنه عني بالمدينة ليلتئم مع ما قبله
وقال الغزالي في الباب الثالث في أعمال الباطن في التلاوة من ربع العبادات من الأحياء مات رسول الله صلى الله عليه و سلم عن عشرين ألفا من الصحابة قال المصنف لعله عني بالمدينة وثبت عن الثوري فيما أخرجه الخطيب بسنده الصحيح إليه أنه قال من قدم عليا على عثمان فقد أزري على اثني عشر ألفا مات رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو عنهم راض ووجهه النووي بأن ذلك بعد النبي صلى الله عليه و سلم باثني عشر عاما بعد أن مات في خلافة أبي بكر في الردة والفتوح الكثير ممن لم تضبط أسماؤهم ثم مات في خلافة عمر في الفتوح وفي الطاعون العام (3/122)
وعمواس وغير ذلك من لا يحصى كثرة وسبب خفاء أسمائهم أن أكثرهم أعراب وأكثرهم حضروا حجة الوداع
ونقل عياض في المدارك عن مالك رحمه الله أنه قال مات بالمدينة من الصحابة نحو عشرة آلاف نفس وقال أبو بكر بن أبي داود فيما رواه عن الوليد بن مسلم بالشام عشرة آلاف عين رأت رسول الله صلى الله عليه و سلم وقال قتادة نزل الكوفة من الصحابة ألف وخمسون منه أربعة وعشرون بدريون قال وأخبرت أنه قدم حمص من الصحابة خمسمائة رجل وعن بقية نزلها من بني سليم أربعمائة
وقال الحاكم الرواة عن النبي صلى الله عليه و سلم من الصحابة أربعة آلاف وتعقبه الذهبي بأنهم لا يصلون إلى ألفين بل هم ألف وخمسمائة وأن كتابه التجريد لعل جميع من فيه ثمانية آلاف نفس إن لم يزيدوا لم ينقصوا مع أن الكثير فيهم من لا يعرف انتهى
وكذا مع كثرة التكرير وإيراد من لبس هو منهم وهما أو من ليس له إلا مجرد إدراك ولم يثبت له لقاء ووجد بخطه أيضا أن جميع من في أسد الغابة سبعة آلاف وخمسمائة وأربعة وخمسون نفسا
وحصر ابن فتحون عدد من الاستيعاب في ثلاثة آلاف وخمسمائة يعني ممن ذكر فيه باسم أو كنية أو حصل الوهم فيه وذكر أنه استدرك عليه على شرطه قريبا ممن ذكر
ومن الغريب ما أسنده أبو موسى في آخر الذيل عن ابن المديني قال الصحابة خمسمائة وثلاثة وستون رجلا
وبالجملة فقد قال شيخنا إنه لم يحصل لنا جميعا أي كل من صنف في الصحابة الوقوف على العشر من أساميهم بالنسبة إلى ما مضى عن أبي (3/123)
زرعة قلت وفوق كل ذي علم عليم وقد قال أبو موسى فإذا أثبت هذا يعني قول أبي زرعة فكل حكى على قدر تتبعه ومبلغ علمه وأشار بذلك إلى وقت خاص وحال فإذا لا تضاد بين كلامهم والله المستعان
والتاسعة في تفاوتهم في الفضيلة إجمالا ثم تفصيلا ولم يذكر فيه سوى الخلفاء الأربعة وما ذكر بعدهم إلى آخر المسألة
فمن الأول وهم باعتبار سبقهم إلى الإسلام أو الهجرة أو شهود المشاهد الفاضلة طباق أن يرد تعديد أي عدها واختلف في مقداره فـ قيل كما للحاكم في علوم الحديث هي اثنتا عشرة طبقة فالأولى من تقدم إسلامه بمكة كالخلفاء الأربعة الثانية أصحاب دار الندوة الثالثة المهاجرة إلى الحبشة الرابعة مبايعة العقبة الأولى الخامسة أصحاب العقبة الثانية وأكثرهم من الأنصار السادسة أول المهاجرين الذين وصلوا إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم بقباء قبل أن يدخل المدينة ويبني المسجد السابعة أهل بدر الثامنة المهاجرة بين بدر والحديبية التاسعة أهل بيعة الرضوان العاشرة المهاجرة بين الحديبية وفتح مكة الحادية عشر مسلمة الفتح الثانية عشر صبيان وأطفال رأوا رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم الفتح وفي حجة الوداع وغيرهما يعني من عقل منهم ومن لم يعقل
وقيل كما لابن سعد في الطبقات له خمس فالأولى البدريون الثانية من أسلم قديما ممن هاجرا عامتهم إلى الحبشة وشهدوا أحدا فما بعدها الثالثة من شهد الخندق فما بعدها الرابعة مسلمة الفتح فما بعدها الخامسة الصبيان والأطفال ممن لم يغز سواء حفظ عنه وهم الأكثر أم لا أو تزيد على الاثنتي عشرة فضلا عمن دونها ومن الثاني
والأفضل منهم مطلقا بإجماع أهل السنة أبو بكر الصديق خليفة رسول الله صلى الله عليه و سلم بل هو أفضل الناس بعد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لأدلة (3/124)
يطول ذكرها منها قوله صلى الله عليه و سلم لأبي الدرداء وقدر رآه يمشي بين يديه يا أبا الدرداء تمشي أمام من هو خير منك في الدنيا والآخرة ما طلعت الشمس ولا غربت على أحد بعد النبيين أفضل من أبي بكر وقيل له الصديق لمبادرته إلى تصديق الرسول صلى الله عليه و سلم قبل الناس كلهم قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ما دعوت أحدا إلى الإيمان إلا كانت له كوة إلا أبا بكر فإنه لم يتلعثم
وأعلم أن مقتضى ما قررناه في تعريف الصحابي يلغز فيقال لنا صحابي أفضل منه وهو عيسى المسيح النبي عليه الصلاة و السلام وإليه أشار التاج السبكي بقوله في قصيدته التي في إواخر القواعد
( من باتفاق جميع الخلق أفضل من ... خير الصحاب أبي بكر ومن عمر )
( ومن علي ومن عثمان وهو فتى ... من أمة المصطفى المختار من مضر )
ثم يلي أبا بكر عمر بن الخطاب بإجماع أهل السنة أيضا وممن حكى إجماعهم على ذلك أبو العباس القرطبي فقال ولم يختلف في ذلك أحد من أئمة السلف ولا الخلف قال ولا مبالاة بأقوال أهل التشيع ولا أهل البدع وأسند البيهقي في الاعتقاد له عن الشافعي أنه أيضا قال ما اختلف أحد من الصحابة والتابعين في تفضيل أبي بكر وعمر وتقديمهما على جميع الصحابة وكذا جاء عن يحيى بن سعيد الأنصاري أنه قال من أدركت من الصحابة والتابعين لم يختلفوا في أبي بكر وعمر وفضلهما وقال مالك رحمه الله كما سيأتي أو في ذلك شك
وبعده أي بعد عمر إما عثمان بن عفان وهو الأكثر أي قول الأكثر من أهل السنة كما حكاه الخطابي وغيره وأن ترتيبه في الأفضلة كترتيبهم في الخلافة أو فعلى هو ابن أبي طالب قبله أي قبل عثمان وبعد عمر خلف أي خلاف حكى وإلى القول بتقديم على ذهب أهل (3/125)
الكوفة وجمع كما قاله الخطابي وابن خزيمة وطائفة قبله وبعده كما نقله شيخنا
وروى الخطابي عن الثوري حكايته عن أهل السنة من أهل الكوفة وأن أهل السنة من أهب البصرة على الأول فقيل للثوري فما تقول أنت قال أنا رجل كوفي ثم قال الخطابي لكن قد ثبت عن الثوري في آخر قوليه تقديم عثمان زاد غيره ونقل مثله عن صاحبه وكيع
قال ابن كثير وهو أي هذا المذهب ضعيف مردود وإن نصره ابن خزيمة والخطابي وقد قال الدارقطني من قدم عليا على عثمان فقد أزرى بالمهاجرين والأنصار وصدق رحمه الله وأكرم مثواه فإن عمر لما جعل الأمر من بعده شورى بين ستة انحصر في عثمان وعلي فاجتهد فيهما عبد الرحمن بن عوف ثلاثة أيام بلياليها حتى سأل النساء في خدورها والصبيان في المكاتب فلم يرهم يعدلون بعثمان أحدا فقدمه على علي وولاه الأمر قبله
وعن ابن عمر قال كنا في زمان النبي صلى الله عليه و سلم لا نعدل بأبي بكر أحدا ثم عمر ثم عثمان ثم ترك أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم لا نفاضل بينهم وفي لفظ للترمذي وقال إنه صحيح غريب كنا نقول ورسول الله صلى الله عليه و سلم حي أبو بكر وعمر وعثمان وفي آخر عند الطبراني وغيره مما هو أصرح مع ما فيه من اطلاعه صلى الله عليه و سلم كنا نقول ورسول الله صلى الله عله وسلم حي أفضل هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر وعمر وعثمان فيسمع ذلك رسول الله صلى الله عليه و سلم فلا ينكره
قال الخطابي وجه ذلك أنه أراد به الشيوخ وذوي الأسنان منهم الذين كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا حركه أمر شاورهم فيه وكان علي في زمان رسول الله صلى الله عليه و سلم حديث السن (3/126)
ولم يرد ابن عمر الإزراء لعلي ولا تأخره ودفعه عن الفضيلة بعد عثمان ففضله مشهور لا ينكره ابن عمر ولا غيره من الصحابة وإنما اختلفوا في تقديم عثمان عليه انتهى
وإلى القول بتفضيل عثمان ذهب الشافعي وأحمد كما رواه البيهقي في اعتقاده عنهما وحكاه الشافعي عن إجماع الصحابة والتابعين وهو المشهور عن مالك والثوري وكافة أئمة الحديث والفقه وكثير من المتكلمين كما قال القاضي عياض وإليه ذهب أبو الحسن الأشعري والقاضي أبو بكر الباقلاني ولكنهما اختلفا في التفضيل أو قطعي أو ظني فالذي مال إليه الأشعري الأول وعليه يدل قول مالك الآتي نقله من المدونة والذي مال إليه الباقلاني واختاره إمام الحرفين في الإرشاد الثاني وعبارته لم يقم عندنا دليل قاطع على تفضيل بعض الأئمة على بعض إذ العقل لا يشهد على ذلك والأخبار الواردة في فضائلهم متعارضة ولا يمكن تلقى التفضيل من منع إمامة المفضول ولكن الغالب على الظن أن أبا بكر أفضل الخلائق بعد الرسول صلى الله عليه و سلم ثم عمر أفضلهم بعده وتتعارض الظنون في عثمان وعلي وبكونه ظنيا جزم صاحب المفهم
قلت وقول الوقف عن تفضيل أحدهما على الآخر جاء بالقصر عن مالك حسبما عداه المازري لنص المدونة يعني في آخر الديات منها وأنه سئل أي الناس أفضل بعد نبيهم فقال أبو بكر زاد عياض فيما عزاه إليها ثم عمر ثم قال فيما اتفقا عليه أو في ذلك شك قيل له فعلي وعثمان قال ما أدركت أحدا ممن اقتدى به يفضل أحدهما على صحابه ونرى الكف عن ذلك وتبعه جماعة منهم يحيى القطان ومن المتأخرين ابن حزم
وقول إمام الحرمين الماضي وتتعارض الظنون في عثمان وعلي يميل (3/127)
أيضا إلى التوقف لكن قد حكى عياض أيضا قولا عن مالك بالرجوع عن الوقف إلى تفضيل عثمان
قال القرطبي وهو الأصح إن شاء الله قال عياض ويحتمل أن يكون كفه وكف من اقتدى به لما كان شجر في ذلك من الاختلاف والتعصب بل حكى المازري قولا بالامساك عن التفضيل مطلقا وعزاه الخطابي لقوم وحكى هو قولا آخر بتقديم أبي بكر من جهة الصحابة وعلي من جهة القرابة
قال وكان بعض مشايخنا يقول أبو بكر خير وعلي أفضل
قال المصنف وهذا تهافت في القول ووجهه بعضهم فقال يمكن حمل الأفضلي على العلم فلا تهافت خصوصا وقد مشى عليه المؤلف لكن في التابعين كما سيأتي حيث وجه قول أحمد بتفضيل ابن المسيب مع النص في أولين بقوله فلعله أراد بالأفضلية في العلم لا الخيرية كما سلكه بعض شيوخ الخطابي انتهى
وبقية كلام شيخ الخطابي وباب الخيريه غير باب المفضلية قال وهذا كما تقول إن الحر الهاشمي أفضل من العبد الرومي أو الحبشي وقد يكون العبد الحبشي خيرا من الهاشمي في معنى الطاعة والمنفعة للناس فباب الخيرية متعدد وباب الفضيلة لازم ونحوه من كان يقدم عليا لفضيلة وفضل أهل بيته مع اعترافه بفضل الشيخين كأبي بكر بن عباش فإنه قال لو أتاني أبو بكر وعمر وعلي لبدأت بحاجة علي قبلهما لقرابته من رسول الله صلى الله عليه و سلم ولأن أخر من السماء إلي الأرض أحب إلى من أن أقدمه عليهما وكما حكى عن أبي الطفيل عامر بن واثلة ولذا قال ابن عدي كانت الخوارج يرمونه باتصاله بعلي وقوله بفضله وفضل أهل بيته وكذا قال ابن عبد البر إنه كان يعترف بفضل أبي بكر وعمر ولكنه يقدم عليا (3/128)
وقد قال السراج حدثنا خشيش الصوفي حدثنا زيد بن الحباب قال كان رأي سفيان الثوري أي أصحابه الكوفيين يفضل عليا على أبي بكر وعمر فلما صار إلى البصرة رجع وهو يفضل عمر على علي ويفضله على عثمان أخرجه أبو نعيم في ترجمة الثوري من الحلية وكذا حكى المازري عن الشيعة تفضيله وعن الخطابي تفضيل عمر وعن الراوندية تفضيل العباس والقاضي عياض أن ابن عبد البر وطائفة ذهبوا إلى أن من توفى من الصحابة في حياة النبي صلى الله عليه و سلم أفضل ممن بقي بعده قوله صلى الله عليه و سلم في بعضهم أنا شهيد على هؤلاء وعين بعضهم منهم جعفر بن أبي طالب وكل هذا مردود بما تقدم من حكاية إجماع الصحابة والتابعين على أفضلية أبي بكر وعمر على سائر الصحابة ثم عثمان ثم علي وهو المذكور في المجامع والمشاهد وعلى المنابر ولبعضهم
( أبو بكر على السنة ... وفاروق فتى الجنة )
( وعثمان به المنــة ... على حبة جنـة )
ولذا قال شيخنا عقب القول بتفضيل عمر تمسكا بالحديث في المنام الذي فيه في حق أبي بكر وفي نزعة ضعف ما نصه وهو تمسك واهي وعقب القول بتفضيل العباس أنه مرغوب عنه ليس قائله من أهل السنة بل ولا من أهل الإيمان وقال النووي عقب آخرها وهذا الإطلاق غير مرضي ولا مقبول وقد روى البيهقي في الدلائل وغيره من طريق ابن سيرين قال ذكر رجال على عهد النبي صلى الله عليه و سلم عمر فكأنهم فضلوه على أبي بكر فبلغ ذلك عمر فقال والله وددت لو أتى عملي كله مثل عمله يوما واحدا من أيامه وليلة واحدة من لياليه أما ليلته فذكر قصة الغار وأما يومه فذكر الودة
وثبت عن علي بن أبي طالب كما في البخاري وغيره أنه قال خير (3/129)
الناس بعد رسول الله صلى الله عليه و سلم أبو بكر ثم عمر ثم رجل آخر فقال له ابنه محمد ابن الحنفية ثم أتت يا أبة فقال ما أنا إلا رجل من المسلمين ولأجل هذا قال أبو الأزهر سمعت عبد الرزاق يقول أفضل الشيخين بتفضيل علي إياهما على نفسه ولو لم يفضلهما ما فضلتهما كفى بي إزراء أن أحب عليا ثم أخالف قوله ولا يخدش في ذلك ما أخرجه الترمذي وقال إنه حسن صحيح وصححه ابن حبان وغيره من حديث أبي قلابة عن أنس رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم أرحم أمتي بأمتي أبو بكر وأشدهم في أمر الله عمر وأصدقهم حياء عثمان وأقرؤهم لكتاب الله أبي وأفرضهم زيد بن ثابت وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل
وكذا ما أخرجه الترمذي أيضا والنسائي وابن ماجه وغيرهم من حديث حبشي بن جنادة رضي الله عنه مرفوعا علي مني وأنا من علي لا يؤدي عني إلا أنا أو علي وأخرجه الترمذي وغيره من حديث علي أن النبي صلى الله عليه و سلم أنا دار الحكمة وعلي بابها فما انفرد به الصديق أعلى وأغلى وأشمل وأكمل ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء
وأعلم أنه قد أفرد مناقب أبي بكر وعمر أبو جعفر الطبري وأسد بن موسى ومن المتأخرين المحب الطبري ومناقب أبي بكر وحده أبو طالب العشاري وابن كثير وهي في مجلد لطيف من تاريخ ابن عساكر ولأبي بكر جعفر بن محمد الفريابي جزء فيه سوارق الصديق وفضائله وما خصه الله به دون سائر المسلمين وعمر وحده أبو عمر عبد الله بن أحمد بن ذي زيل الدمشقي الحنبلي وابن الجوزي ومناقب عثمان ابن حبيب ومناقب على النسائي في الخصائص ومناقب الخلفاء الأربعة ابن زنجويه وأبو نعيم في آخرين لكل منهم وفضائل العشرة المحب الطبري وفضائل الصحابة مطلقا أسد بن موسى وبكر القاضي وأبو سعيد ابن الأعرابي وأبو المطرف عبد الرحمن بن (3/130)
فطيس قاضي قرطبة وهو في مائتين وخمسين جزء حديثيه وهذا باب لا انتهاء له فيلي الخلفاء الأربعة الستة الباقون من العشرة الذين بشرهم النبي صلى الله عليه و سلم بالجنة وهم طلحة والزبير وسعد وسعيد وعبد الرحمن بن عوف وأبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنهم أجمعين
وقد نظمهم شيخنا مع الأربعة في بيت مفرد لم يسبق إليه فقال فيما أنشد فيه غير مرة
( لقد بشر الهادي من الصحب زمرة ... بجنات عدن كلهم فضله اشتهر )
( سعيد زبير سعد طلحة عامـر ... أبو بكر عثمان ابن عوف عمر علي عمر )
ولغيره ممن تقدم
( خيار عباد الله بعد نبيهـــم ... هم العشر طرا بشروا بجنان )
( زبير وطلح وابن عوف وعامر ... وسعدان والصهران والختنان )
قال الإمام أبو منصور عبد القاهر التميمي البغدادي أصحابنا مجمعون على أن أفضلهم الخلفاء الأربعة ثم الستة الباقون إلى تمام العشرة ف يليهم الطائفة البدرية أي الذين شهدوا بدار وهم ثلاثمائة وبضعة عشر فالمهاجرون نيف على ستين والأنصار نيف وأربعون ومائتان فقد قال صلى الله عليه و سلم لعمر في بعض من شهدها أليس من أهل بدر لعل الله قد اطلع إلى أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد وجبت لك الجنة أو قد غفرت لكم فدمعت عينا عمر قال العلماء والترجي في كلام الله وكلام رسوله للوقوع ويتأيد بوقوعه بالجزم في بعض الروايات أن الله اطلع على أهل بدر فقال وذكره وفي حديث آخر لن يدخل النار أحد شهد بدرا ف يليهم أحد أي أهل أحد الذين شهدوها وكانوا فيما قاله عروة حين خروجهم ألفا فرجع عبد الله بن أبي بثلاثمائة وبقي مع النبي صلى الله عليه و سلم سبعمائة استشهد منهم الكثير ف يليهم البيعة المرضية (3/131)
أي أهل بيعة الرضوان بالحديبية التي نزل فيها ( لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة ) الآية
وقد قال ابن عبد البر في إواخر خطبة الاستيعاب وليس في غزواته ما يعدل بها يعني بدرا في الفضل ويقرب منها إلا غزوة الحديبية حيث كانت بيعة الرضوان وكانوا ألفا وأربعمائة على المعتمد وقال لهم النبي صلى الله عليه و سلم أنتم خير أهل الأرض
قال ابن الصلاح وفضل السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار قد ورد في القرآن إيماء لا نصا نعم النص الصريح في تفضيل من أنفق من قبل الفتح وقاتل
وقد اختلف في السابقين فقيل كما قال الشعبي هم أي الذين شهدوا بيعة الرضوان عام الحديبية رواه سنيد وعبد في تفسيره بسند صحيح عنه وقيل كما قال محمد بن كعب القرطبي وعطاء بن يسار بدري أي أهل بدر حكاه ابن عبد البر عن سيند بسند ضعيف إليهما وقد قيل بل أهل بالنقل القبلتين الذين صلوا إليهما مع رسول الله صلى الله عليه و سلم قاله أبو موسى الأشعري ورواه سنيد وعبد أيضا بسند صحيح عن سعيد بن المسيب وابن سيرين وقتادة وهو عند عبد الرزاق في تفسيره ومن طريقه عبد عن قتادة وحده وكذا روى عن الحسن بل عن الحسن كما رواه سنيد بسند صحيح عنه أنهم الذين كان إسلامهم قبل فتح مكة
وصحيح بعض المتأخرين أنهم الذين آمنوا وهاجروا قل بيعة الرضوان وصلح الحديبية لقوله تعالى ( لا يستوي منكم من انفق من قبل الفتح (3/132)
وقاتل ) الآية قال والفتح هو صلح الحديبية على الأرجح وفيها نزلت ( إنا فتحنا لك فتحا مبينا ) ولذا لما سئل ابن تيمية عن المفاضلة بين العباس وبلال رضي الله عنهما قال بلال وأمثاله من السابقين الأولين أفضل من العباس وأمثاله من التابعين لهم بإحسان لأنه قيد التابعين بشرط الإحسان
والحاصل أن من قاتل مع النبي صلى الله عليه و سلم أو في زمانه بأمره وانفق شيئا من ماله بسببه لا يعدله في الفضل أحد بعده كائنا من مكان ولكن لم يوافق ابن تيمية على أفضلية بلال مع قوله أبي سفيان بن الحارث كان العباس أعظم الناس عند رسول الله صلى الله عليه و سلم والصحابة يعترفون للعباس بفضله ويشارونه ويأخذون برأيه وقوله صلى الله عليه و سلم عم الرجل صنو أبيه إلى غير ذلك من المناقب المسرودة ف عدة تآليف كاستسقاء عمر به رضي الله عنهما وإن كان إنما أسلم وهاجر قبيل الفتح وكم له رضي الله عنه من مأثره حسنة قبل إسلامه
وروى ابن جرير وغيره عن محمد بن كعب القرظي قال مر عمر برجل يقرأ ( والسابقون ) الآية فأخذ بيده فقال من أقرأك هذا فقال أبي بن كعب فقال لا تفارقني حتى أذهب بك إليه فلما جاءه قال له عمر أأنت أقرأت هذا هذه الآية هكذا قال نعم قال سمعتها من رسول الله صلى الله عليه و سلم قال نعم قال لقد كنت أرى أنا رفعنا رفعة لا يبلغها أحد بعدنا فقال أبي تصديق هذه الآية في أول سورة الجمعة ( وآخرين منهم لما يلحقوا بهم وهو العزيز الحكيم ) وفي سورة الحشر ( والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا (3/133)
اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ) وفي الأنفال ( والذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا معكم فأولئك منكم ) الآية
والعاشرة في أولهم إسلاما وآخرهم موتا
فأما الأول ما اختلف أيهم بالنصب أسلم قبل من سلف أي اختلف السلف من الصحابة والتابعين فمن بعدهم في أي الصحابة أول إسلاما على أقوال فقيل كما لابن عباس والنحفي وغيرهما ممن سأحكي عنه أبو بكر الصديق لقوله كما في الترمذي من حديث أبي سعيد الخدري عنه ألست أول من أسلم ولقوله صلى الله عليه و سلم لعمرو بن عبسة حين سأله من معك على هذا الأمر حر وعبد يعني أبا بكر بلالا ولقول الشعبي لمن سأله عن ذلك أما سمعت قول حسان
( إذا تذكرت شجوا من أخي ثقة ... فاذكر أخاك أبا بكر بما فعلا )
( خير البرية أتقاها وأعدلهـــا ... بعد النبي وأوفاها بما حمــلا )
( والثاني التالي المحمود مشهده ... وأول الناس منهم صدق الرسلا )
ويقول أبي محجن الثقفي
( وسميت صديقا وكل مهاجر ... سواك يسمى باسمه غير منكر ) (3/134)
( سبقت إلى الإسلام والله شاهد ... وكنت جليسا في العريش المشهر )
وقيل بل أولهم إسلاما علي بن أبي طالب رضي الله عنه لقوله على المنبر اللهم لا أعرف عبدك قبلي غير نبيك ثلاث مرات لقد صليت قبل أن يصلي الناس سبعا وسده حسن ولقوله مما أنشده القضاعي
( سبقتكم إلى الإسلام طرا ... صغيرا ما بلغت أوان حلمي )
ولما روى في ذلك عن أنس وجابر وخباب وخزيمة وزيد بن أرقم وسلمان وابن عباس أيضا وعفيف الكندي ومعقل بن يسار والمقداد بن الأسود ويعلي بن مرة وأبي أيوب وأبي ذر وأبي رافع وأبي سعيد الخدري في آخرين منهم مسلم الملائي وأنشد أبو عبد الله المرزباني لخزيمة
( ما كنت أحسب هذا الأمر منصرفا ... عن هاشم ثم منها عن أبي حسن )
( أليس أول من صلى لقبلتهـــم ... وأعلم الناس بالفرقان والسنـن )
وأنشد ابن عبد البر لبكر بن حماد التاهرتي
( قل لابن ملجم والأقدار غاليـة ... هدمت ويلك للإسلام أركانا )
( قتلت أفضل من يمشي على قدم ... وأول الناس إسلاما وإيمانا )
وأنشد الفرغاني في الذيل لعبد الله بن المعتز يذكر عليا وسابقته مع كونه (3/135)
يرمي بأنه ناصبي
( فأول من ضل في موقف ... يصلي مع الطاهر الطيب )
ولكن مدعي إجماعه أي الإجماع في هذا القول وهو الحاكم حيث قال في علوم الحديث له لا أعلم فيه خلافا بين أصحاب التواريخ وإنما اختلفوا في بلوغ علي لم يقبل بل استنكر منه كما قاله ابن الصلاح
وقال ابن كثير إنه لا دليل على إطلاق الأولية فيه من وجه صحيح هذا مع أن الحاكم قال بعد حكايته للإجماع والصحيح عند الجماعة أن أبا بكر أول من أسلم من الرجال البالغين لحديث عمرو بن عبسة الماضي وقيل حسبما ذكره معمر عن الزهري أولهم إسلاما زيد هو ابن حارثة وادعى حال كونه وفاقا أي موافقا لمن سبقه إلى مطلق القول به كقتادة وابن إسحاق صاحب المغازي بل روى عن ابن عباس أيضا وعائشة والزهري ونافع بن جبير بن مطعم بعض كان عبد البر والثعلبي على خديجة في أنها أول الخلق إسلاما اتفاقا زاد الثعلبي وأما الاختلاف إنما هو فيمن بعدها وزاد بن عبد البر حكاية الاتفاق على أن إسلام على بعدها قال ابن كثير وكونها أول الناس إسلاما هو ظاهر السياقات في أول البعثة
وقال النووي إنه الصواب عند جماعة المحققين وجمع ابن عبد البر بين الاختلاف في ذلك بالنسبة إلى أبي بكر وعلي بأن الصحيح أن أبا بكر أول من أظهر إسلامه ثم روى عن محمد بن كعب القرظي أن عليا أخفى إسلامه من أبيه أبي طالب وأظهر أبو بكر إسلامه ولذلك اشتبه على الناس ونحوه قول شيخنا في قول عمار رأيت النبي صلى الله عليه و سلم وما معه إلا خمسة أعبد وامرأتان وأبو بكر مراده ممن أظهر إسلامه وإلا فقد كان حينئذ جماعة ممن أسلم لكنهم كانوا يخفونه من أقاربهم (3/136)
وكذا قال ابن إسحاق أول من آمن خديجة ثم علي قال فكان أول ذكر آمن وهو ابن عشر سنين ثم زيد فكان أول ذكر أسلم بعد علي ثم أبو بكر فأظهر إسلامه ودعا إلى الله تعالى فأسلم بدعائه عثمان والزبير وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وطلحة فكأن هؤلاء النفر الثمانية أسبق الناس بالإسلام
وقيل فيما نقله أبو الحسن المسعودي عن بعضهم أولهم إسلاما بلال لحديث عمرو بن عبسة الماضي
وقد جمع ابن الصلاح بين هذه الأقوال فقال والأورع أن يقال أول من أسلم من الرجال الأحرار أبو بكر ومن الصبيان علي ومن النساء خديجة ومن الموالي زيد ومن العبيد بلال وهو أحسن ما قيل لاجتماع الأقوال به على أنه قد سبق به ما عدا بلالا فذكر ابن قتيبة أن إسحاق بن راهويه ذكر الاختلاف في أول من أسلم فقال الخبر في كل ذلك صحيح أما أول من أسلم من النساء فخديجة وأما أول من أسلم من الرجال فأبو بكر وأما أول من أسلم من الموالي فزيد وأما أول من أسلم من الصبيان فعلي
وكذا جاء دونه وبدون زيد أيضا عن أبي حنيفة فروى الحاكم في ترجمة أحمد بن عباس بن حمزة الواعظ من تاريخ نيسابور من طريق أبي مسهر حدثنا سعيد ابن عبد العزيز قال كان أبو حنيفة يقول أول من أسلم من الرجال أبو بكر ومن النساء خديجة ومن الصبيان علي
وكان البرهان التنوخي يقول الأولى أن يقال ومن غير البالغين علي وهو حسن
وفي المسألة أقوال آخر فعند عمر بن شيبة عن خالد بن سعيد بن العاص قال أسلمت قبل علي لكني كنت أفرق أبا حجة يعني والده وكان (3/137)
لا يفارق أبا طالب
و عن ضمرة بن ربيعة أن إسلام خالد كان مع إسلام أبي بكر وللدارقطني في الأفراد بسند ضعيف من طريق ابنته أم خالد قالت أبي أول من أسلم لكن في رواية عنها كان أبي خامسا سبقه أبو بكر وعلي وزيد بن حارثه وسعد ابن أبي وقاص عن بعضهم كما حكاه السعودي أولهم خباب بن الأرت وكأنه تمسك بما قيل إنه أول من أظهر إسلامه
لكن روى الماوردي أنه أسلم سادس ستة وعن ابن قتيبة فيما نقله الماوردي في أعلام النبوة له أولهم أبو بكر بن أسعد الحميري ويحتاج هذا النقل إلى تحرير ونقل ابن سبع في الخصائص النبوية عن عبد الرحمن بن عوف قال كنت أولهم إسلاما وهو غريب والمعروف من هذا كله الأول لكن قال المصنف في التقييد ينبغي أن يقال أول من آمن من الرجال ورقة يعني بناء على ذكر ابن منده وغيره له في الصحابة
وأما الثاني وهو مطلق ومقيد فـ ـمأت منهم آخرا على الإطلاق بغير مرية بكسر الميم وضمها أي شك أبو الطفيل عامر بن واثلة الليثي كما ثبت من قوله حيث قال رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم وما على وجه الأرض رجل رآه غيري وبذلك جزم مصعب الزبيري وأبو زكريا بن منده وخلق بل أجمع عليه أهل الحديث وممن جزم به مسلم بن الحجاج وأنه مات عام مائة وكذا قال ابن عبد البر لكن قال خليفة إنه مات بعد ستة مائة وعن ابن البر في سنة اثنتين ومائة وعن مبارك بن فضاله سنة سبع وبه جزم غير واحد وعن جرير بن حازم سنة عشر وصححه الذهبي في الوفيات وشيخنا في ترجمة عكراش من التهذيب وكانت وفاته بمكة كما قاله ابن المديني وابن حبان وغيرهما وقيل بالكوفة والأول أصح
وحينئذ فيكون الصحيح أنه آخر من مات بمكة أيضا من الصحابة كما (3/138)
جزم به ابن حبان وأبو زكريا بن منده بل هو آخر المائة التي أشار إليها رسول الله صلى الله عليه و سلم في أواخر عمره كما صح عنه بقوله رأيتكم ليلتكم هذه فإن رأس مائة سنة لا يبقى ممن هو اليوم على ظهر الأرض أحد أخرجه البخاري في السمر في الخبر بعد العشاء من الصلاة وفي السمر أيضا من العلم وبه تمسك هو وغيره للقول بموت الخضر لكن قال النووي إن الجمهور على خلافه فأجابوا عنه بأن الخضر كان حينئذ من ساكني البحر فلم يدخل في العموم قالوا ومعنى الحديث لا يبقى ممن ترونه أو تعرفونه فهو عام أريد به الخصوص وقالوا أيضا خرج عيسى عليه السلام من ذلك مع كونه حيا لأنه في السماء لا في الأرض إلى غير ذلك مما له غيره هذا المحل وذكر البيهقي في الدلائل هذا الحديث فيما أخبر به النبي صلى الله عليه و سلم من الكوائن بعده فكان كما أخبر
وأما ما ذكره ابن قتيبة في المعارف وابن دريد في الاشتقاق من أن عكراش ابن ذويب أحد المعدودين في الصحابة شهد الجمل مع عائشة فقال الأحنف كأنكم به وقد أتى به قتيلا أو به جراحة لا تفارقه حتى يموت قال فضربه ضربة على أنفه عاش بعدها مائة سنة وأثر الضربة به
فهذه الحكاية كما قال شيخنا إن صحت مع انقطاعها حملت على أنه أكمل المائة من عمره لا أنه استأنفها من يومئذ وإلا لاقتضى ذلك أن يكون عاش إلى دولة بني العابس وهو محال إذ المحدثون قد اتفقوا على أن أبا الطفيل آخر الصحابة موت وسبقه شيخه المصنف لنحوه فقال وهذا إما باطل أو مأول
وكذا توقف البلقيني في صحته نعم استدرك هو على القول بآخرية أبي الطفيل نافع بن سليمان العبدي فقد روى حديثه إسحاق بن راهويه في مسنده قال أخبرني ابن نافع العبدي بحلب قال قال لي أبي وفد المنذر بن ساوي (3/139)
من البحرين حتى أتى مدينة الرسول صلى الله عليه و سلم وأنا غليم لا أعقل أمسك جمالهم فذهبوا بسلاحهم فسلموا على النبي صلى الله عليه و سلم ووضع المنذر سلاحه وليس ثيابا كانت معه ومسح لحيته بدهن فأتى نبي الله صلى الله عليه و سلم وأنا مع الجمال أنظر إلى نبي الله صلى الله عليه و سلم كما أنظر إليك ولكن لم أعقل فقال المنذر قال لي النبي صلى الله عليه و سلم رأيت منك ما لم أر من أصحابك فقلت شيء جبلت عليه أو أحدثته قال لا بل جبلت عليه فلما أسلموا قال النبي صلى الله عليه و سلم أسلمت عبد القيس طوعا وأسلم كرها قال سليمان وعاش أبي مائة وعشرين سنة وأخرجه الطبراني في معجمه وابن قانع جميعا عن موسى بن هارون عن إسحاق وكذا أخرجه ابن بشر أن في أماليه عن دعلج عن موسى وقال موسى ليس عند إسحاق أعلى من هذا انتهى
ولكن قد ذكر شيخنا سليمان في كتابه في الضعفاء وقال إنه غير معروف وذكره ابن أبي حاتم عن أبيه ولم يذكر فيه جرحا قال وإن صح يكون نافع قد عاش إلى دولة هشام إلا أني أظن أن سليمان وهم في سن أبيه فمحال أن يبقى أحد رأى النبي صلى الله عليه و سلم بعد سنة عشر ومائة
وقال في موضع آخر والقصة التي ذكرها للمنذر بن ساوي معروفة للأشج واسمه المنذر بن عائذ قال وأظن سليمان وهم في ذكر سن أبيه لأنه لو كان غلامه سنة الوفود وعاش هذا القدر لبقي إلى سنة عشرين ومائة وهو باطل فلعله قال عاش مائة وعشرا لأن أبا الطفيل آخر من رأى النبي صلى الله عليه و سلم موتا وأكثر ما قيل في وفاته كما تقدم إنها سنة عشر ومائة
وقد ثبت في الصحيحين أنه صلى الله عليه و سلم قال في آخر عمره لا يبقى بعد مائة من تلك الليلة على وجه الأرض أحد وأراد بذلك انخرام قرنه وكان كذلك
قلت ودعوى من ادعى الصحبة أو ادعيت له بعد أبي الطفيل وهم جبير ابن الحارث والربيع بن محمود الماردني ورتن وسرباتك الهنديان (3/140)
ومعمر ونسطور أو جعفر بن نسطور الرومي وبسر بن عبيد الله الذين كان آخرهم رثن فإنه فيما قيل مات سنة اثنتين وثلاثين وستمائة باطله والكلام في شأنهم مبسوط في لسان الميزان لشيخنا وفي غيره من تصانيفه بل قال وقد سئل عن طرق المصافحة إلى المعمر ما نصه لا يخلو طريق من طرق المعمر عن متوقف فيه حتى المعمر نفسه فإن من يدعى هذه الرتبة يتوقف على ثبوت العدالة وإمكان ثبوت ذلك عناد لا يفيد مع ورود الشرع بنفيه فإنه صلى الله عليه و سلم أخبر بانخرام قرنه بعد مائة سنة من يوم مقالته فمن ادعى الصحبة بعد ذلك لزم أن يكون مخالفا لظاهر الخبر فلا يقبل إلا بطريق ينقطع العذر بها ويحتاج معها إلى تأويل الحديث المشار إليه
وأما آخرهم موتا بالنسبة إلى النواحي فمات قبله أي قبل أبي الطفيل إما السائب بن يزيد بن أخت النمر بالمدينة النبوية أو سهل هو ابن سعد الساعدي أو جابر بالنقل هو ابن عبد الله الأنصاري أي فيها كما قيل به في كل واحد من الثلاثة فجزم به في الأول أبو بكر بن أبي داود وفي الثاني ابن المدني والواقدي وإبراهيم بن المنذر الحزامي وابن حبان وابن قانع وأبو زكريا بن منده وابن سعد وادعى نفى الخلاف فيه فقال ليس بيننا في ذلك اختلاف بل أطلق أبو حازم أنه آخر الصحابة موتا وكأنه أخذه من قول سهل نفسه لو مت لم تسمعوا أحدا يقول قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ولكن الظاهر كما قال المؤلف إنه أراد أهل المدينة خاصة يعني من احتياجه إلى تأويل أيضا
وفي الثالث أبو نعيم وقتادة فيما رواه أحمد عنه وصدر به ابن الصلاح كلامه والخلاف في ذلك في وفياتهم
فأما الأول فقيل إنها سنة ثمانين أو بعدها باثنتين فيما قاله أبو نعيم أو بست أو ثمان وقال الجعد بن عبد الرحمن والفلاس والواقدي سنة (3/141)
إحدى وتسعين وبه جزم ابن حبان ويتأيد بذكر البخاري له في فصل من مات ما بين التسعين إلى المائة وقيل سنة أربع وتسعين وكان مولده إما في الثانية أو الثالثة من الهجرة وثبت قوله حج بي مع النبي صلى الله عليه و سلم وأنا ابن سبع
وأما الثاني فقيل سنة ثمان وثمانين قاله أبو نعيم وقيل إحدى وتسعين قاله الواقدي والمديني ويحيى بن بكير وابن نمير وإبراهيم بن المنذر الحزامي ورجحه ابن الزبير وابن حبان لكن مقتضى قول أبي حاتم إنه عاش مائة سنة أو أكثر مع ما ثبت من أن مولده قبل الهجرة بخمس سنين أن يكون تأخر إلى سنة ست وتسعين أو بعدها ونحوه قول الواقدي إنه عاش مائة سنة وقيل ستا وتسعين
وأما الثالث فمات قبل الثمانين قيل سنة اثنتين كما قاله ابن ربز أو ثلاث كما قاله ابن سعد والهيثم بن عدي أو أربع كما قاله بعضهم أو سبع كما قاله محمد بن يحيى ابن حبان وأبو نعيم أو ثمان كما قاله خلق منهم يحيى بن بكير والفلاس أو تسع كما قاله خليفة في رواية وغيره كل ذلك بعد السبعين وكلهم أبناء صحابة أيضا والأشهبه أن الثاني آخرهم على أنه قد اختلف أيضا في كون وفاتهم بالمدينة
فأما الأول فقال يعقوب بن سفيان فيه إنه قتل يوم الحرة ولكنه وهم ولذا بقي المؤلف الخلاف فيه
وأما الثاني فقيل فيه إنه مات بإسكندرية أو مصر ولكن قال شيخنا المشهور إن ذلك ولده عباس فلعله اشتبه على حاكيه
وأما الثالث فقيل إنه مات بقباء أو بمكة بالنقل مع الصرف للضرورة في فيما قاله أبو بكر بن أبي داؤد إنه آخر من مات بها ولكن (3/142)
الجمهور على المدينة وكذا قد تأخر عنهم ممن مات بالمدينة محمود بن لبيد الأشهلي إن مشينا على قول البخاري وابن حبان بصحبته وإلا فقد عده مسلم وجماعة في التابعين ومحمود ابن الربيع الذي عقل المجة التي مجها النبي صلى الله عليه و سلم في وجهه وهو ابن خمس سنين فأما أولهما فمات سنة خمس وتسعين أو التي بعدها أو ثانيهما فمات سنة تسع وتسعين
وقيل الآخر بالنقل موتا بها أي بمكة بعد ما علم من أن الصحيح في جابر أنه لم يمت بمكة فضلا عن أن يكون الآخر بها ابن عمرا عبد الله فيما قاله قتادة وأبو الشيخ ابن حبان في تاريخه وابن الجوزي في التلقيح وبه صدر ابن الصلاح كلامه والخلاف فيه أيضا نشأ عنه في وقت وفاته فقيل إنها سنة اثنتين وسبعين أو ثلاث وجزم به أحمد وأبو نعيم ويحيى بن بكير والجمهور أو أربع وبه جزم سعيد بن جبير وخليفة والواقدي وصححه ابن زبر قال إنه أثبت عن سبع وثمانين على الصحيح واختلف في محل دفنه منها فقال ابن سلام نفخ بالفاء والخاء المعجمة وهو فيما قيل وادي التراهر وتبع ابن حبان وابن زبر وغيرهما
وقال مصعب الزبيري بذي طوى يعني بمقبرة المهاجرين وقال غيرهما بالمحصب والصحيح أنه بالمقبرة العليا عند ثنية إذا خركما في تاريخ ازرفي وغيره وهو يقرب من القول الثالث وأما ما يقوله الناس من أنه بالجبل الذي بالمعلاة فلا يصح من وجه وبالجملة فلم يختلفوا في أنه توفي بمكة وإنما يكون كل من ابن عمر وجابر على القول المرجوح فيه آخر من مات بمكة إن لا أي إن لم يكن أبو الطفيل الماضي أولا فيها أي في مكة قد قبرا ولكن الصحيح أنه قبر بها كما قدمته
وأنس بن مالك الآخر موتا بالبصرة بتثليث الموحدة والكسر أصحها فيما قاله قتادة وأبو هلال والفلاس وابن المديني وابن سعد وأبو (3/143)
زكريا ابن منده وغيرهم وكانت وفاته في سنة تسعين أو إحدى أو اثنتين أو ثلاثة ورجحه النووي والذهبي والذي قبله ابن الأثير وهو قول الواقدي أو خمس أو ست عن مائة ونيف بل قيل وعشر وهو عجيب وقد قال شيخنا أكثر ما قيل في سنة إذ قدم النبي صلى الله عليه و سلم المدينة عشر سنين وأقرب ما قيل في وفاته سنة ثلاث وتسعين فعلى هذا غاية ما يكون عمره مائة سنة وثلاث سنين وقد نص على ذلك خليفة بن خياط في تاريخه فقال مات سنة ثلاث وتسعين وهو ابن مائة وثلاث سنين وقول حميد وكذا الواقدي مائة إلا سنة قال النووي إنه شاذ مردود قال ابن عبد البر وما أعلم أحدا مات بعده ممن رأى النبي صلى الله عليه و سلم إلا أبا الطفيل وانتقد محمود بن الربيع كما تقدمت وفاته وبعبد الله بن بسر كما سيأتي في قول عبد الصمد وكان مستند ابن عبد البر قول أنس لمن سأله أأنت آخر الصحابة قد بقي قوم من الأعراب فأما من أصحابه فأنا آخرهم ولكن قوله بخصوصه قابل للتأويل بحمله على صحبة خاصة أو أنه ذكر ما علمه كما يجاب به عن ابن عبد البر وقد أشرت إلى ذلك في تعريف الصحابي
وابن أبي أوفى وهو عبد الله الأسلمي قضى أي مات خاتمتهم بالكوفة فيما قاله قتادة والحسن والفلاس وابن حبان وابن زبير وابن عبد البر وأبو زكريا بن مندة وابن الجوزي في التلقيح وكانت وفاته في سنة ست وثمانين أو سبع أو ثمان وقيل بل آخر أهل الكوفة أبو جحيفة وهب السوائي قاله علي بن المديني والأول أصح فإن وفاة أبي جحيفة سنة ثلاث وثمانين وقيل أربع وسبعين
نعم عمرو بن حريث وهو قد مات بها قد اختلف في وقت وفاته فقيل سنة ثمان وتسعين كما رواه الخطيب في المتفق و المفترق له عن محمد بن الحسن الزعفراني فعلى هذا هو آخر من مات بها ولكن توقف شيخنا في (3/144)
كونها بتقديم التاء الفوقانية على السين وقال في نظر ولعله بتقديم السين على الموحدة لا سيما وقد حكاه خليفة بن خياط كذلك في تاريخه ولذا جزم شيخنا في الإصابة بعدم ثبوته وحينئذ فابن أبي أوفى بعده وكذا يكون بعده على القول بأن عمرا مات سنة خمس وثمانين كما قاله البخاري وغيره كابن حبان في ثقاته وقال إنها بمكة وبكل هذا ظهر أن أبي أوفى آخر أهل الكوفة بل هو أخر من شهد بيعة الرضوان وفاة وأما الآخر منهم موتا بالشام بفتح الشين ثم ألف إما مع همزة ساكنة أو بدونها على لغتين من لغاتها بأسره
فأما ابن بسر بضم الموحدة ثم سين مهملة واسمه عبد الله المازني أو ذو باهلة وهو أبو أمامة صدى بن عجلان الباهلي خلف أي في ذلك اختلاف فالقائلون بالأول الأحوص بن حكيم وابن المديني وابن سعد تبعا للواقدي وابن حبان وابن قانع وابن عبد البر وغيرهم وبالثاني الحسن البصري وابن عيينة في المروي عنهما وبه جزم أبو عبد الله بن منده والصحيح الأول فقد قال البخاري في تاريخه الكبير
قال علي يعني ابن المديني سمعت سفيان هو ابن عيينة يقول قلت الأحوص كان أبو أمامة آخر من مات عندكم من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم قال كان بعده عبد الله بن بسر قد رأيته والخلافية مترتبة عليها في وفياتيهمات فقيل في الأول إنها سنة ثمان وثمانين وهو المشهور وقيل ست وتسعين قاله أبو القاسم عبد الصمد بن سعيد الحمصي القاضي وبه جزم أبو عبد الله بن منده وأبو زكريا بن مندة وقال إنه صلى للقبلتين فعلى هذا هو آخر من بقي ممن صلى للقبلتين وإنه مات عن مائة سن وكذا قال أبو نعيم في المعرفة وساق في ترجمته حديث وضع النبي صلى الله عليه و سلم يده على رأسه وقال يعيش هذا الغلام قرنا فعاش مائة وقال أبو زرعة إنها قيل سنة مائة (3/145)
وقيل في الثاني إنها سنة إحدى أو ست وثمانين والثاني أشبه قاله الفلاس والمدائيني وخليفة وأبو عبيد بل عين قتادة وأبو زكريا بن منده والدارقطي كما ستأتي الإشارة إليه لوفاة أولهما حمص وكذا عبد الصمد قال وقبره في قرية تنوينه
وقيل مما سلك فيه طريقة أخرى في تفصيل نواحي من الشام وهي دمشق وحمص والجزيرة وبيت المقدس إن آخرهم موتا بدمشق وائلة هو ابن الأسقع فيما قاله سعيد بن بشير عن قتادة وكذا ذكره أبو زكريا ابن منده ولكن في كونه مات بدمشق اختلاف فالقائل به مع هذين دحيم وأما أبو حاتم الرازي فقال ببيت المقدس وقال ابن قانع بحمص وكذا اختلف أيضا في وقته فقيل سنة ثلاث أو خمس أو ست وثمانين قيل وهو ابن مائة وخمس سنين إن في حمص كما قيل ابن بسر الماضي كما سبق قبضا آخرهم وإن بالجزيرة التي بين دجلة والفرات كما قيل أيضا العرس بضم العين المهملة ثم راء ساكنة ثم سين مهملة ابن عميرة بفتح أوله الكندي أحد من نزل الشام قضى أو مضى أي مات آخرهم فيما قاله أبو زكريا بن منده لكن قال أبو بكر الجعاني إن آخر الصحابة موتا بالجزيرة وابصة بن معبد وكان زارها ونحوه قول هلال بن العلاء قبر وابصة عند منارة جامع الرقة إذ الرقة على جانب الفرات الشمالي الشرقي وهي قاعة ديار مضر من الجزيرة كما أن خرذباذ أيضا من ديار مضر فالله أعلم أيهما الآخر
وإن آخر من مات منهم فيما أيضا بفلسطين بكسر الفاء وفتح اللام وسكون المهملة ناحية كبيرة وراء الأردن من أرض الشام فيها عدة مدن منها القدس والرملة وعسقلان وغيرها والمراد هنا أولها أبوابي فيما قاله أبو زكريا بن منده ثم الدمياطي في أربعينه الكبرى وهم بضم الهمزة مصغر (3/146)
أنصاري مشهور بكنيته واسمه عبد الله ويقال له ابن أم حرام وهي أمة وهي خالة أنس بن مالك وامرأة عبادة بن الصامت
وقيل غير ذلك وفي اسم أبيه اختلاف قيل عمرو بن قيس بن زيد كما قاله ابن سعد وخليفة وابن عبد البر وقيل أبي وقيل كعب وكذا اختلف في كون وفاته ببيت المقدس فقال به ابن سميع ويتأيد بقول شداد بن عبد الرحمن كان يسكن ببيت المقدس وقيل بدمشق ففي مقبرة الباب الصغير منها خارج الخطيرة قبر مكتوب عليه بالخط القديم الكوفي بسم الله الرحمن الرحيم هذا قبر عبد الله ابن أم حرام يكنى أبا البراء بن امرأة عبادة بن الصامت وبأنه مات بدمشق جزم الكتاني وأرى قبره للأكفاني
فإن صح فيكون آخر من مات بفلسطين قيس بن سعد بن عبادة فقد حكى أبو الشيخ ابن حبان في تاريخه عن بعض ولد سعد أن قيسا توفى بفلسطين في سنة خمس وثمانين في ولاية عبد الملك بن مروان ولكن المشهور أنه توفى بالمدينة في آخر خلافة معاوية قاله الهيثم بن عدي والواقدي وخليفة وغيرهم بل رأيت في ثقات ابن حبان مما حكاه شيخنا أيضا أنه هرب من معاوية سنة ثمان وخمسين وسكن تفلس يعني بفتح المثناة الفوقانية ثم فاء وآخره سين مهملة أحد بلاد أذربيجان مما يلي الثغر ومات بها في ولاية عبد الملك فلعل أحدهما تصحف
وأما الآخر منهم موتا بمصر فابن الحارث بن جزي أي بإبدال الهمزة للضرورة فإنه جزء وهو الزبيدي بضم الزاي مصغر نسبة لزبيد واسمه عبد الله وكون موته بمصر وإنه آخرهم قاله ابن عيينة وابن المديني وأبو زكريا بن منده وابن الجوزي في تلقيحه وكذا أطلق ابن عبد الحكم أنه مات بمصر وعن الطحاوي أنه مات بسفط القدور وهي التي تعرف اليوم بسفط أبي تراب من الغربية قريبا من سمنود (3/147)
وقيل إنه مات باليمامة حكاه أبو عبد الله بن منده عن ابن يونس وأنه شهد بدرا وقال شيخنا إنه خبط فاحش قال وأظنه عمه محمية بن حزء وكذا قال المصنف إنه لا يصح أنه شهد بدرا فإن صح فهو آخر البدريين موتا وكذا اختلف في وقت وفاته فقيل سنة خمس أو ست وهو المشهور أو سبع أو ثمان أو سبع وثمانين
وقبض الهرماس بكسر الهاء وإسكان الراء المهملة ثم ميم مفتوحة وآخره سين مهملة ابن زياد الباهلي آخرهم باليمامة فيما قاله أبو زكريا بن منده وذكر عكرمة بن عمار أنه لقيه في سنة اثنتين ومائة وقبض قبله رويفع بضم الراء وكسر الفاء ابن ثابت الأنصاري المدني ببرقة بفتح الموحدة الثانية وبالصرف للضرورة من بلاد المغرب فيما قاله أحمد بن البرقي قال وقد رأيت قبره بها وكان أميرا عليها وكذا قال ابن يونس إنه كان اميرا عليها لمسلمة بن مخلد وإن قبره معروف ببرقة إلى اليوم وعين وفاته في سنة ثلاث وخمسين
وقيل إن وفاته كانت أفريقية بكسر الهمزة وسكون الفاء وكسر الراء ثم ياء ساكنة بعدها قاف مكسورة ثم ياء تحتانية خفيفة وبالصرف أيضا من المغرب أيضا فيما قاله أبو زكريا بن منده لكن قال ابن الصلاح إن الثاني لا يصح وكذا صحح المزي الأول ووقع له في حكاية كلام ابن يونس في وفاته سهو تبعه عليه شيخنا في الإصابة والتهذيب ومن قبله الذهبي والذي في ابن يونس ما قدمته وفي محل وفاته قول ثالث وأنه طرابلس قاله الليث بن سعد وقد يشهد له كون معاوية ولاه طرابلس المغرب سنة ست وأربعين فغزا إفريقية في التي بعدها ودخلها ثم انصرف وقيل إنها كانت بالشام
وقبض سلمة بن عمرو بن الأكوع الأسلمي إما باديا أي (3/148)
بالبادية فهو آخرهم بها قاله أبو زكريا بن منده أو بطيبة أي بالمدينة المكرمة بالرسول صلى الله عليه و سلم فيما قاله ابنه إياس بن سلمة ويحيى بن بكير وأبو عبد الله بن منده ورجحه ابن الصلاح وهو الصحيح وكذا اختلف في وقت وفاته فالصحيح أنه سنة أربع وسبعين وقيل سنة أربع وستين ومما لم يذكره ابن الصلاح مما هو في جزء أبي زكريا بن منده المشار إليه في ذلك أن آخر من مات منهم بخرسان بريدة بن الحصيب
قلت وكان قد غزا إليها في زمن عثمان ثم تحول إلى مرو فسكنها حتى مات في سنة ثلاث وستين وحينئذ فقد تأخر بعده أبو برزة نضلة بن عبيد الأسلمي لقول خليفة إنه مات بعد سنة أربع وستين وحقق شيخنا أنه كان حيا في سنة خمس وستين وكان بخراسان قال الخطيب إنه شهد مع علي قتال الخوارج بالنهروان وغزا بعد ذلك خراسان فمات بها وكذا جزم خليفة والواقدي وابن سعد بأنه مات بها لكن قال أبو علي محمد بن علي بن حمزة المروزي قيل إنه مات بنيسابور وقيل بالبصرة وقيل بمفازة بين سجستان وهراة حكاه الحاكم في تاريخ نيسابور وبالرخج وهي بضم الراء ثم خاء معجمة ساكنة ثم جيم من أعمال سجستان العداء بوزن العطار بن خالد بن هودة العامري
قال شيخنا وكأنه عمر كان عند أحمد أنه عاش إلى زمن خروج يزيد بن المهلب وكان ذلك في سنة إحدى أو اثنتين ومائة وقال إنه فيما ذكره ابن سعد وفد على النبي صلى الله عليه و سلم فأقطعه مياها كانت لبني عامر يقال لها الرخيج بخائين معجمتين مصغر فكان ينزل بها
ومما ليس في الجزء أيضا أن آخر من مات منهم بأصبهان النابغة الجعدي فقد ذكر وفاته بها أبو الشيخ في طبقات الاصبهانيين وأبو نعيم في تاريخ أصبهان بعد أن عمر طويلا وكان معاوية سيرة إليها وبالطائف عبد (3/149)
الله بن عباس وقد زرته ومما لم يذكره المؤلف أيضا أن آخر من مات بسمرقند قثم ابن العباس شهيدا وهذا على الصحيح وقيل بل بمرو وبواسطلبي بلام وموحدة مصغر ابن لبا بموحدة خفيفة وزن عصى على المعتمد فيهما كما سيأتي وكان يكون بها قاله أبو بكر الجعابي في تاريخ الطالبين
وقد جمع الصغاني اللغوي جزءا فيمن عرف أمكنة وفاته من الصحابة سماه در السحابة وهو عندي بخطه واختصره خطيب داريا وفيهما فوائد مع احتياجهما إلى تنقيب
ومما يشبه ما تقدم أن آخر من بات من البدريين بقيد الأنصار أبو أسيد مالك بن ربيعة الساعدي فيما قاله المدائني وأبو زكريا بن منده أو أبو اليسر كعب ابن عمر وفيما قاله ابن إسحاق ثم ابن الجوزي وآخرهم بقيد المهاجرين سعد ابن أبي وقاص وهو أيضا آخر العشرة موتا وآخر من شهد بيعة الرضوان موتا على ما تقدم عبد الله بن أبي أوفى وآخر من صلى للقبلتين موتا على ما تقدم أيضا عبد الله بن يسر وآخر من شهد العقبة موتا فيما قاله ابن الجوزي جابر وآخر موالي النبي صلى الله عليه و سلم موتا سفينة وآخر أزواجه صلى الله عليه و سلم موتا ميمونة فيما قاله الواقدي وغيره وقيل أم سلمة كما رواه يونس عن ابن شهاب
قال شيخنا وهو الصحيح وفي صحيح مسلم ما يقويه وأغرب ابن حزم فزعم أن صفية آخر الزوجات موتا وقال غيره سنة خمسين وقيل سنة اثنتين وخمسين وقيل سنة خمس عشرة (3/150)
معرفة التابعين
( والتابع اللاقي لمن قد صحبا ... وللخطيب جده أن يصحبا )
( وهم طباق قيل خمس عشر ... أولهم رواة كل العشرة )
( وقيس الفرد بهذا الوصف ... وقيل لم يسمع من ابن عوف )
( وقول من عد سعيدا فغلط ... بل قيل لم يسمع سوى سعد فقط )
( لكنه الأفضل عند أحمـدا ... وعنه قيس وسواه وردا )
( وفضل الحسن أهل البصرة ... والقرني أويسا أهل الكوفة )
( وفي نساء التابعين الأبـدا ... حفصة من عمرة أم الدرداء )
( وفي الكبار الفقهاء السبعة ... خارجة القاسم ثم عروة )
( ثم سليمان عبيد اللــه ... سعيد والسابع ذو اشتباه )
( أما أبو سلمة وهو سـالم ... أو فأبو بكر خلاف قائم )
( المدركون جاهلية فسم ... مخضرمين كسويد في أهم )
( وقد يعد في الطباق التابع ... في تابعيهم إذ يكون الشائع )
( الحمل عنهم كأبي الزناد ... والعكس جاء وهو ذو فساد )
( وقد يعد تابعيا صاحب ... كأبني مقرن ومن يقارب ) (3/151)
معرفة التابعين
وهو كالذي قبله أصل عظيم في معرفة المرسل والمتصل ولذا قال الحاكم ومهما غفل الإنسان عن هذا العلم لم يفرق بين الصحابة والتابعين ثم لم يفرق بين التابعين وأتباعهم ومن مظانهم المذكورون فيها على التوالي الطبقات لمسلم ولابن سعد والخليفة بن خياط وأبي بكر بن البرقي وأبي الحسن بن سميع بل أفردهم أبو حاتم الرازي وأبو القاسم بن منده بالتأليف وغيرها وكان يمكن حصرهم في عدد تقريبي بالنظر لما في كتب الرجال وإن كان قليل الجدوى
وفيه مسائل الأولى في تعريفه فالتابع ويقال له التابعي أيضا وكذا التبع ويجمع عليه أيضا كذا على أتباع هو اللاقي لمن قد صحبا النبي صلى الله عليه و سلم واحد فأكثر سواء كانت الرؤية من الصحابي نفسه حيث كان التابعي أعمى أو بالعكس أو كانا جميعا كذلك يصدق أنهما تلاقيا وسواء كان مميزا أم لا سمع منه أم لا لعد مسلم ثم ابن حبان ثم عبد الغني ابن سعيد فيهم الأعمش مع قول الترمذي إنه لمن يسمع من أحد من الصحابة وعبد الغني جرير بن حازم لكونه رأى أنسا وموسى بن أبي عائشة مع اقتصار البخاري وابن حبان فيه على رؤية عمرو بن حريث ويحيى بن أبي كثير مع قول أبي حاتم إنه لم يدرك أحدا من الصحابة إلا أنسا رآه رؤية
وهذا مصير منهم إلى الاكتفاء بالرؤية كالصحابي ولذا قال بعضهم رؤية الصالحين بلا شك لها أثر عظيم فكيف برؤية سيد الصالحين فإذا رآه مسلم لحظة دل ذلك على الاستقامة لأنه بإسلامه متهيء للقبول فإذا قابل ذلك النور العظيم أشرق عليه تظهر أثره في قلبه وعلى جسده ولكن قيده ابن حبان بكونه حين رؤيته إياه في سن من يحفظ عنه كما صرح بذلك في ترجمة خلف ابن خليفة الذي قال البخاري فيه يقال إنه مات في سنة إحدى (3/152)
وثمانين ومائة سنة وبذلك جزم ابن حبان
وقال فيه غيرهما إنه آخر التابعين موتا حيث ذكره في أتباع التابعين وساق بسنده إليه قال كنت في حجر أبي إذ مر رجل على بغل أو بغلة فقيل هذا عمرو بن حريث صاحب النبي صلى الله عليه و سلم فقال لم ندخل خلفا في التابعين وإن كانت له رؤية من الصحابة لأنه رأى عمرو بن حريث وهو صبي صغير لم يحفظ عنه شيئا يعني فإن عمرا توفي كما قال البخاري وغيره في سنة خمس وثمانين وأدخلنا الأعمش فيهم مع أنه إنما رآى أيضا فقط لكونه حين رؤيته لأنس وهو بواسط يخطب كان بالغا يعقل بحيث حفظ منه خطبته بل حفظ عنه حين رآه أيضا بمكة وهو يصلي عند المقام أحرفا معدودة حكاها إذ ليس حكم البالغ إذا رآى وحفظ كحكم غير البالغ إذا رآى ولم يحفظ انتهى
وبه ظهر أن ما نقل عن شيخنا من احتمال أن يكون ابن حبان إنما عد خلفا في أتباع التابعين لما قيل أنه إنما رآى جعفر بن عمرو بن حريث لا عمرا نفسه وأن هذا القول ترجح عنده ليس بجيد
ثم إن إطلاق اللقاء يشمل أيضا من لم يكن حينئذ مسلما ثم أسلم بعد ذلك وجنح إليه شيخنا فيما نقل عنه ولا ينافيه قول ابن كثير إن في كلام الحاكم ما يقتضي عدم الاكتفاء باللقاء وأنه لا بد من الرواية وإن لم يصحبه إذ الرواية لا يشترط لتحملها الإسلام على أن ما نسبة للحاكم فيه نظر فقد قال الحاكم وطبقه تعد في التابعين ولم يصح سماع أحد منهم من الصحابة يعني اكتفاء فيهم بالرؤية
ثم إن ظاهر كلام ابن كثير عدم انفراد الحاكم بما فهمه عنه فإنه قال فلم يكتفوا بمجرد رؤية الصحابي كما اكتفوا في إطلاق اسم الصحابي على (3/153)
من رآه عليه السلام لشرف رؤيته وعظمها وهذا محتمل لاشتراطه مع الرؤية كونه في سن من يحفظ كما لابن حبان أو الرواية صريحا وعلى كل حال فهو قول آخر وكذا للخطيب أيضا التابعي حده أن يصحبا الصحابي ولكن الأول أصح وعليه كما قال المصنف عمل الأكثرين وقال شيخنا إنه المختار وقال النووي إنه الأظهر وسبقه لترجيحه ابن الصلاح فقال والاكتفاء في هذا بمجرد اللقاء والرؤية أقرب منه في الصحابي نظر إلى مطلق اللفظ فيهما أي في الصحابي والتابعي وإذا اكتفى به في الصحابي فهذا أولى وفيه نظر فاللغة والاصطلاح في الصحابي كما تقدم متفقان وكأنه نظر إلى أنه لا يطلق عرفا على الرؤية المجردة بخلافة في التابعي فالعرف واللغة فيه متقاربان
هذا مع أن الخطيب عد منصور بن المعتمر في التابعين مع كونه لم يسمع من أحد من الصحابة وقول الخطيب له من الصحابة ابن أبي أوفى يريد في الرواية لا في السماع والصحبة واحتمال كون الخطيب يرى سماعه منه بعيد لا سيما وقد قال المصنف لم أر من ذكره في التابعين وقال النووي في شرح مسلم إنه ليس بتابعي ولكنه من أتباع التابعين ثم إنه قد يستأنس للأول بقوله صلى الله عليه و سلم طوبى لمن رآني وآمن بي وطوبى لمن رأى من رآني حيث اكتفى فيهما بمجرد الرؤية
وإذ قد بان تعريفه فمطلقه ينصرف إليه وإن قال ابن الصلاح إنه مقيد بالتابع بإحسان
الثانية في تفواتهم بأن فيهم القديم الملاقي لقدماء المهاجرين أو المدرك للزمن النبوي أو للجهالة والمختص بمزيد الفضيلة عن سائرهم وبالعدالة وبرواية الصحابة عنهم والمتصدي للفتوى وإن اشتركوا في الاسم وهم لتفاوتهم طباق قيل ثلاث كما في الطبقات لمسلم وابن (3/154)
سعيد وربما بلغ بها أربعا وقيل كما للحاكم في علوم الحديث خمس عشرة بكسر الشين المعجمة كما كتبه الناظم مشيا على لغة تميم ليكون مغايرا مع آخر البيت ولم يفصل الحاكم الطباق كلها نعم أشعر تصرفه بأن كل من لقي من تقدم كان من الطبقة الأولى ثم هكذا إلى آخرها بحيث يكون آخرها سليمان بن نافع إن صح أن والده من الصحابة وزيادة بن طارق الراوي عن زهير بن مردوح ونحوهما كخلف بن خليفة المتوفى كما سلف قريبا في سنة إحدى وثمانين ومائتين وأنه آخر التابعين وحينئذ فأولهم رواة كل العشرة المشهود لهم بالجنة الذين سمعوا منهم وقيس هو ابن أبي حازم الفرد منهم بهذا الوصف أي روايته عن كلهم كما نص عليه عبد الرحمن بن يوسف بن خراش وعبارته وهو كوفي جليل وليس في التابعين أحد روى عن العشرة غيره وكذا قال ابن حبان في ثقاته روى عن العشرة
وقيل كما لأبي داؤد مما قاله الآجري عنه وليعقوب بن شيبة أنه لم يسمع من ابن عوف عبد الرحمن أحدهم وأما قول من عد مع قيس فيمن سمع العشرة سعيدا هو ابن المسيب وهو الحاكم في النوع الثامن والرابع عشر معا من علومه بل وعد في ثاني الموضعين غيره فغلط
صريح لأن سعيدا إنما ولد باتفاق في خلافة عمر فكيف يسمع من أبي بكر والحاكم نفسه معترف بذلك حيث قال أدرك عمر فمن بعده من العشرة انتهى
بل سماعه من عمر مختلف فيه ولكن ممن جزم بسماعه منه الإمام أحمد وأيده شيخنا برواية صحيحة لا مطعن فيها مصرحة بسماع سعيد منه
وكذا في الصحيح سماعه من عثمان وعلى الاختلاف في الإهلال بالحج والعمرة وإهلال علي بهما وكذا جاء عنه قوله أنا أصلحت بينهما وأثبت (3/155)
بعضهم سماعه من سعد بن أبي وقاص
وبالجملة فلم يسمع من أكثر العشرة بل قيل أنه لم يسمع سوى سعد أي من غيره وهو ابن أبي وقاص فقط وكان مستنده قول قتادة الذي رواه مسلم في مقدمة صحيحه من رواية همام قال دخل أبو داؤد الأعمى على قتادة فلما قام قالوا إن هذا يزعم أنه لقي ثمانية عشر بدريا فقال قتادة هذا كان سائلا قبل الجارف لا يعرض في شيء من هذا ولا يتكلم فيه فوالله ما حدثنا الحسن عن بدري مشافهة ولا حدثنا سعيد بن المسيب عن بدري مشافهة إلا عن سعد بن مالك هو ابن أبي وقاص ولكن قد علمت بطلانه والمثبت مقدم على النافي لا سيما وليست العبارة صريحة في النفي لكنه أي سعيدا الأفضل من سائر التابعين عند أحمدا كما سمعه منه عثمان الحارثي وكذا قال ابن المديني هو عندي أجل التابعين لا أعلم فيهم أوسع علما منه وقال أبو حاتم الرازي ليس في التابعين أنبل منه وقال سليمان بن موسى أفقه التابعين وقال ابن حبان سيد التابعين وعنه أيضا كان من سادات التابعين فقها ودينا وورعا وعبادة وفضلا أفقه أهل الحجاز وأعبر الناس للرؤيا ما نودي بالصلاة من أربعين سنة إلا وهو في المسجد ونحوه قول ميمون بن مهران قدمت المدينة فسألت عن أعلم أهل المدينة فدفعت إليه وفي رواية لأبي طالب عن أحمد ومن مثله وعنه أي عن أحمد قول آخر أن الأفضل قيس هو ابن أبي حازم وسواه وهو أبو عثمان النهدي عبد الرحمن بن مل ومسروق بن الأجدع ورد ولكنه جعلهم على حد سواء ولفظه أفضل التابعين قيس وأبو عثمان ومسروق هؤلاء كانوا فاضلين ومن علية التابعين وفي لفظ آخر لا أعلم في التابعين مثل أبي عثمان وقيس (3/157)
وفضل الحسن البصري أهل البصرة بفتح الموحدة على المشهور كما تقدم قبيل المرسل فيما قاله أبو عبد الله محمد بن خفيف الشيرازي والمراد غالبهم وإلا فسيأتي قريبا عن إياس بن معاوية البصري قاضيها أنه فضل عليه حفصة ابنة سيرين
وفضل القرني بفتح القاف والراء ثم نون وباء نسبة ساكنة أويسا أهل الكوفة فيما قاله ابن خفيف أيضا وكلام ابن كثير يقتضي أن جمهورهم فضل علقمة والأسود النخعيين وفضل سعيد بن المسيب أهل المدينة فيما قاله ابن خفيف أيضا وعطاء بن أبي رباح أهل مكة وكل اجتهد فجزم بما ظنه واستحسن ابن الصلاح حكاية ابن خفيف في التفضيل وصوب المصنف القائلين بأويس بحديث عمر سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول إن خير التابعين رجل يقال له أويس وقال فهذا الحديث قاطع للنزاع وتفضيل أحمد لابن المسيب لعله أراد الأفضلية في العلم لا الخيرية فقد فرق بينهما بعض شيوخ الخطابي فيما حكاه الخطابي عنه يعني كما قدمته في الصحابة وبهذا جزم النووي في شرح مسلم فقال مرادهم أن سعيدا أفضل في العلوم الشرعية كالتفسير والحديث والفقه ونحوها لا في الخيرية عند الله
وأما قول المصنف لعل أحمد لم يبلغه الحديث أو لم يصح عنده فلا يحسن فإنه قد أخرجه في مسنده من الطريق التي أخرجه مسلم منها بلفظ إن خير التابعين رجل يقال له أويس لكن قد أخرجه في المسند أيضا بلفظ إن من خير التابعين فقال حدثنا أبو نعيم حدثنا شريك عن يزيد بن أبي زياد عن عبد الرحمن ابن أبي ليلى قال نادى رجل من أهل الشام يوم صفين أفيكم أويس القرني قالوا نعم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم وذكره وكذا رواه جماعة عن شريك فزال الحصر
فهذه أقوالهم في أفضل الرجال من التابعين وليس الخوض في ذلك (3/157)
بممتنع لانضباط التابعين كالحكم لإسناد معين بالنظر لصحابي خاص ولكتاب معين بالأصحية وقول ابن الصلاح في أفراد العلم الحق أن هذا يعني قولهم ليس في الرواة من تسمى كذا سوى فلان من يصعب الحكم فيه والحاكم فيه على خطر من الخطأ والانتفاض فإنه حصر في باب واسع الانتشار يد يشير إلى المنع من ذاك بخصوصه كالحكم لسند معين بأنه أصح أسانيد الدنيا لاتساعه وانتشاره كما تقرر في بابه من أول الكتاب
وفي نساء التابعين الأبدا أي أبدأهن بمعنى أولهن في الفضل حفصة ابنة سيرين لما رواه أبو بكر بن أبي داؤد بسنده إلى هشام بن حسان عن إياس بن معاوية قال ما أدركت أحدا أفضله يعني عليها فقيل له ولا الحسن وابن سيرين فقال أما أنا فما أفضل عليها أحدا وكذا قال أبو بكر بن أبي داؤد نفسه لكن قرن معها غيرها فإنه قال سيدة التابعين من النساء حفصة مع بإسكان العين عمرة ابنة عبد الرحمن وأم الدردا بالقصر يعني الصغرى واسمها هجيمة أو جهيمة لا الكبرى فتلك صحابية واسمها خيرة وقد صنف سعيد بن أسد بن موسى وغيره في فضائل التابعين وكتاب سعيد في مجلدين ولم يتعرض ابن الصلاح وأتباعه لحكمهم في العدالة وغيرها
وقد اختلف في ذلك فذهب بعضهم إلى القول بها في جميعهم وإن تفاوتت مراتبهم في الفضيلة متمسكا بحديث خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم والجمهور على خلافه فيمن بعد الصحابة كما تقدم في المرسل وأنه لا بد من التنصيص على عدالتهم كغيرهم قالوا والحديث محمول في القرنين بعد الأول على الغالب والأكثرية لأنه قد وجد فيهما من وجدت فيه الصفات المذمومة لكن بقلة في أولهما بخلاف من بعده فإن ذلك كثير فيه واشتهر وكان آخر من كان في أتباع التابعين ممن يقبل قوله من (3/158)
عاش إلى حدود العشرين ومائتين
وفي هذا الوقت ظهرت البدع ظهورا فاشيا وأطلقت المعتزلة ألسنتها ورفعت الفلاسفة رؤوسها وامتحن أهل العلم ليقولوا بخلق القرآن وتغيرت الأحوال تغيرا شديدا ولم يزل الأمر في نقص إلى الآن نسأل الله السلامة
وبالجملة فخير الناس قرنا بعد الصحابة من شافه الصحابة وحفظ عنهم الدين والسنن أو لقبهم وقد أثنى الله عز و جل على التابعين بإحسان فقال ( والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه ) الآية وكان في التابعين من روى عنه بعض الصحابة كرواية العبادلة الأربعة وغيرهم من الصحابة عن كعب الأحبار على ما سيأتي في الأكابر عن الأصاغر
وكذا كان في الكبار السادات من التابعين الفقهاء السبعة من أهل المدينة النبوية الذين كانوا يصدرون عن آرائهم وينتهي إلى قولهم وإفتائهم ممن عرف بالفقه والصلاح والفلاح قال ابن المبارك وكانوا إذا جاءتهم المسألة دخلوا فيها جميعا فنظروا فيها ولا يقضي القاضي حتى ترفع إليهم فينظرون فيها فيصدرون انتهى والفقهاء وإن كانوا بكثرة في التابعين فعند إطلاق هذا الوصف مع قيد العدد المعين لا ينصرف إلا إلى هؤلاء كما قلناه في العبادلة من الصحابة سواء وهم خارجة بن زيد بن ثابت الأنصاري قال مصعب الزبيري كان هو وطلحة بن عبد الله بن عوف يعني قاضي المدينة وابن أبي عبد الرحمن بن عوف يقسمان المواريث ويكتبان الوثائق وينتهي الناس إلى قولهما وكذا قال ابن أبي خيثمة وزادا وأنهما كانا يستفتيان في زمانهما (3/159)
والثاني القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق قال يحيى بن سعيد ما أدركنا بالمدينة أحدا يفضله عليه وعن أبي الزناد ما رأيت أحدا أعلم بالسنة ولا أحد ذهنا منه وفي صحيح البخاري حدثنا علي حدثنا ابن عيينة حدثنا عبد الرحمن ابن القاسم وكان أفضل أهل زمانه أنه سمع أباه وكان أفضل أهل زمانه فذكر شيئا وعن مالك أنه كان من فقهاء هذه الأمة
ثم عروة بن الزبير بن العوام الأسدي قال ابن عيينة كان أعلم الناس بحديث عائشة ثلاثة فبدأ به وعنه نفسه قال لقد رأيتني قبل موتها بأربع حجج أو خمس وأنا أقول لو ماتت اليوم ما ندمت على حديث عندها إلا وقد وعيته
ثم سليمان بن يسار الهلالي مولى ميمونة أو مكاتب أم سلمة فيما قيل قال الحسن بن محمد بن الحنفية إنه كان عندنا أفهم من ابن المسيب وكان ابن المسيب يقول للسائل اذهب إليه فإنه أعلم من بقي اليوم وقال مالك كان من علماء الناس بعد ابن المسيب
والخامس عبيد الله هو ابن عبد الله بن عتبة بن مسعود قال العجلي كان أحد فقهاء المدينة وكذا قال ابن عبد البر كان أحد الفقهاء العشرة ثم السبعة الذين تدور عليهم الفتوى وكان عالما فاضلا مقدما في الفقه شاعرا محسنا لم يكن بعد الصحابة إلى يومنا هذا فيما علمت فقيه أشعر منه ولا شاعر أفقه منه
والسادس سعيد بن المسيب بن حزن القرشي المخزومي الماضي قريبا وأنه أفضل التابعين قال مكحول طفت الأرض كلها في طلب العلم فما لقيت أعلم منه وقال قتادة ما رأيت أعلم بالحلال والحرام منه
وعن سعيد نفسه ما بقي أحد أعلم بكل قضاء قضاه رسول الله صلى الله عليه و سلم وأبو بكر وعمر مني قال الراوي أحسبه قال وعثمان (3/160)
والسابع ذو اشتباه في تعيينه فهو إما أبو سلمة بالصرف للضرورة ابن عبد الرحمن بن عوف كما عند أكثر علماء الحجاز حسبما قاله الحاكم وقد قرنه الزهري بسعيد وعبيد الله وعروة فقال وجدتهم بحورا وقال إن إبراهيم ابن عبد الله بن قارظ قال له وهو بمصر لقد تركت رجلين من قومك لا أعلم أكثر حديثا منهما عروة وأبا سلمة وقيل لأبي سلمة من أفقه من خلفت ببلادك فأشار إلى نفسه
أو هو سالم هو ابن عبد الله بن عمرو بن الخطاب كما لابن المبارك وقال مالك إنه كان من أفضل زمانه بل جاء عنه أيضا إنه لم يكن أحد في زمانه أشبه بمن مضى من الصالحين في الزهد والفضل والعيش منه
وقرنه ابن أبي الزناد بالقاسم وعلي بن الحسين في كونهم فاقوا أهل المدينة علما وتقى وعبادة وورعا
أو فـ ـهو أبو بكر هو ابن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام القرشي كما لأبي الزناد إذ قال أدركت من فقهاء المدينة وعلمائهم ومن يرتضى منهم وينتهى إلى قولهم فذكره في السبعة بل قال في مشيخة من نظرائهم أهل فقه وفضل وقال ابن سعد وسألت الواقدي عن السبعة الذين كان أبو الزناد يحدث عنهم فيقول حدثني السبعة فقال سعيد وذكرهم وأحدهم أبو بكر وكان مكفوفا وهو الذي كان يقال له راهب قريش لكثرة صلاته وقال ابن خراش وهو أحد أئمة المسلمين وعنه أيضا أبو بكر وعمر وعكرمة وعبد الله بنو عبد الرحمن بن الحارث بن هشام أجلاء ثقات يضرب بهم المثل وكلهم من شيوخ الزهري ألا عمر
خلاف أي خلف في السابع قائم يعني قوي وجمعها أعني أبا سلمة وسالما عوضا عن أبي بكر وعبيد الله وزاد محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري بحيث صاروا ثمانية الأستاذ أبو منصور البغدادي كما هو رأى (3/161)
لغيره أيضا لكن في إدراج ابن حزم فيهم نظر فإنه متقدم على هؤلاء بكثير إذا موتهم قريبا من سنة مائة وهو قتل يوم الحرة سنة ثلاث وستين وكان قتله سبب هزيمة أهل المدينة وبلغ بهم يحيى بن سعيد فيما رواه علي بن المديني عنه كما للحاكم في علومه اثنى عشر نفسا فذكر ممن سبق خارجة والقاسم وسعيد وأبا سلمة وسالما ومن غيرهم حمزة وزيدا وعبيد الله وبلالا بني عبد الله بن عمر إخوة سالم وإسماعيل بن زيد بن ثابت أخا خارجة وأبان بن عثمان بن عفان وقبيصة بن ذؤيب وقرن غيرهم مع خاردة طلحة بن عبيد الله بن عوف كما يقدم قريبا
وقد نظم محمد بن يوسف بن الخضر بن عبد الله الحلبي الحنفي المتوفى سنة أربع عشرة وستمائة السبعة المشهورين واختار في السابع قول أبي الزناد فقال
( ألا كل من لا تقيدي بأئمـة ... فقسمته ضيزى عن الحق خارجة )
( فخذهم عبيد الله عروة قاسم ... سعيد أبو بكر سليمان خارجة )
وكلهم من أبناء الصحابة إلا سليمان فأبوه يسار لا صحبة له ومحمد بن أبي بكر وعبد الله بن عتبة وعبد الرحمن بن الحارث من صغارهم ويقال إنه ما كتبت أسماؤهم ووضعت في شيء من الزاد أو القوت إلا بورك فيه وسلم من الآفة كالسوس وشبهه بل ويقال إنها في كل شيء أمان للحفظ
وأما المدركون جاهلية قبل البعثة أو بعدها صغارا كانوا أو كبارا في حياة رسول الله صلى الله عليه و سلم ممن لم يره بعد البعثة أو رآه لكن غير مسلم وأسلم في حياته أو بعده فسم هؤلاء مخضرمين بالخاء والضاد المعجمتين وفتح الراء كما عزاه أبو موسى المديني في آخر ذيله للمحدثين على أنه اسم مفعول (3/162)
وحكى بعض اللغوين فيها الكسر أيضا وما حكاه الحاكم عن بعض أدباء مشايخه من أن اشتقاقه يعني أخذه من كون أهل الجاهلية ممن أسلم ولم يهاجر كانوا يخضرمون آذان الإبل أي يقطعونها لتكون علامة لإسلامهم إن أغير عليهم أو حوربوا محتمل لهم فللكسر من أجل أنهم خضرموا آذان الإبل فسموا كما قال أبو موسى المديني مخضرمين يعين بكسر الراء على الفاعلية ومحتمل للفتح من أجل أنهم خضرموا أي قطعوا عن نظرائهم
واقتصر ابن خلكان في الوفيات على كسر الراء لكن مع إهمال الخاء وأغرب في ذلك ونصه قد سمع مخضرما بالحاء المهملة وبكسر الراء انتهى
وخصهم ابن قتيبة بمن أدرك الإسلام في الكبر ثم أسلم بعد النبي صلى الله عليه و سلم كجبير بن نفير فإنه أسلم وهو بالغ في خلافة أبي بكر كما قاله أبو حسان الزيادي وبعضهم بمن أسلم في حياته صلى الله عليه و سلم كزيد بن وهب فإنه رحل إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقبض النبي صلى الله عليه و سلم وهو في الطريق وكذا وقع لقيس بن أبي حازم وأبي مسلم الخولاني وأبي عبد الله الصنابحي مات النبي صلى الله عليه و سلم قبل قدومهم بليال
وأقرب من هؤلاء سويد بن غفلة قدم حين نفضت الأيدي من دفنه صلى الله عليه و سلم على الأصح في آخرين
وقال صاحب المحكم رجل مخضرم إذا كان نصف عمره في الجاهلية ونصفه في الإسلام وشاعر مخضرم أدرك الجاهلية والإسلام فلم يشترط نفي الصحبة ومقتضى هذا أن حكيم بن حزام وشبهه في ذلك مخضرم ونحوه قول الجوهري المخضرم أيضا الشاعر الذي أدرك الجاهلية والإسلام مثل لبيد فإنه وإن كان مطلقا فتمثيله بلبيد أحد الصحابة مقيد له وليس كذلك في الاصطلاح الموافق المدلول الخضرمة
فقد قال صاحب المحكم مخضرم ناقص الحسب وقيل هو الذي ليس (3/163)
بكريم الحسب وقيل هو الدعي وقيل هو الذي لا يعرف أبوه وقيل من أبوه أبيض وهو أسود وقيل هو الذي ولدته السراري والخضرمة قطع إحدى الأذنين وامرأة مخضرمة مختونة ولحم مخضرم يعني بفتح الراء لا يدري من ذكر هو أو أنثى وكذا قال في الصحاح رجل مخضرم النسب أي دعي ونافة مخضرمة أي مخفوضة ولحم مخضرم إلى آخره والشاهد في جملة ولحم مخضرم وكثير مما في الحكم إذ المخضرمون كذلك مترددون بين الصحابة للمعاصرة وبين التابعين لعدم الرؤية ونحوه قول العسكري في الدلائل المخضرمة في الإبل التي نتجت بين العراب والبخاتي فقيل رجل مخضرم إذا عاش في الجاهلية والإسلام قال وهذا أعجب الأمرين إلي وكأنه متردد بين أمرين هل هو من هذا أو من هذا وهو كما قال البلقيني يقرب منه ما اشتهر في العرف من إطلاق هذا الاسم على من يشتغل بهذا الفن وهذا الفن ولا يمعن في واحد منهما
قال ويطلق المخضرم على من لم يحج وسبقه عمرو بن بحر الجاحظ فقال في كتاب الحيوان وقد علمنا أن قولهم مخضرم لمن لم يحج صدودة ولمن أدرك الجاهلية والإسلام وقال غيره ويجوز أن يكون مأخوذا من النقص لكونه ناقص الرتبة عن الصحابة لعدم وجود ما يصير به صحابيا مع إدراكه ما يمكن به وجود ذلك ومنه ناقص الحسب ونحوه مما تقدم وفي النهاية وأصل الخضرمة أن يجعل الشيء بين فإذا قطع بعض الأذن فهي بين الوافرة والناقصة وقيل هي المتوجه بين النجائب والعكاظيات قال وكان أهل الجاهلية يخضرمون نعمهم فلما جاء الإسلام أمرهم النبي صلى الله عليه و سلم أن يخضرموا من غير الموضع الذي يخضرم منه أهل الجاهلية ومنه قيل لكل من أدرك الجاهلية والإسلام مخضرم لأنه أدرك الخضرمتين
على أن في كلام ابن حبان في صحيحه ما قد يوافق صاحب المحكم ومن لعله وافقه من اللغويين فإنه قال الرجل إذا كان له في الكفر (3/164)
ستون سنة وفي الإسلام ستون يدعى مخضرما ولكن لعله أراد ممن ليست له صحبة لأنه ذكر ذلك عند أبي عمرو الشيباني أو أراد أنه يسمى مخضرما لغة لا اصطلاحا ثم إن ظاهره التقيد بهذا السن المخصوص وليس كذلك بل مجرد إدراك الجاهلية ولو كان صغيرا كاف ولكن ما المراد بالجاهلية أهي ما قبل البعثة أم لا
قال النووي في شرح مسلم عند قول مسلم وهذا أبو عثمان النهدي وأبو رافع الصايغ وهما ممن أدرك الجاهلية أي كانا رجلين قبل البعثة ما نصه والجاهلية ما قبل بعثته صلى الله عليه و سلم سموا بذلك لكثرة جهالاتهم وقيل إدراك قومه أو غيرهم على الكفر لكن قبل فتح مكة لزوال أمر الجاهلية حين خطب صلى الله عليه و سلم يوم الفتح وأبطل أمور الجاهلية إلا ما كان من سقاية الحاج وسدانة الكعبة
قلت وصنيع مسلم وغيره يقتضي ما هو أعم من ذلك لذكره المشار إليهما فيهم وكذا يسر بن عمرو وهو إنما ولد بعد زمن الهجرة وكان له عند موت النبي صلى الله عليه و سلم دون عشر سنين فإدراك بعض زمن الجاهلية في قومه بل ذكر شيخنا تبعا لغيره في القسم الذي عقده من إصابته لهم كل من له إدارك ما للزمن النبوي وهو ظاهر مع أنه لا يفصح غالبا بالوصف بذلك في الترجمة إلا من أطال إدراكه ومن عداهم يقتصر على قوله له إدراك
وأما الحاكم فجعل الذين ولدوا في الزمن النبوي ممن لم يسمع منه طبقة بعد المخضرمين وذكر فيهم الصنابحي وعلقمة بن قيس بل وأدرج فيهم من له رؤية وهو صنيع منتقد فمن له رؤية إما أن يذكر في الصحابة أو يكون طبقة أعلى من المخضرمين والمخضرمون باتفاق من أهل العلم بالحديث ليسوا أصحابه بل معدودون في كبار التابعين وقد جعلهم الحاكم طبقة مستقلة من التابعين سواء أعرف أن الواحد منهم كان مسلما في زمن النبي صلى الله عليه و سلم كالنجاشي أم لا لكن من كان منهم مؤمنا به في زمن الإسراء يأت فيه ما قدمته في تعريف (3/165)
الصحابي عن شيخنا وعد ابن عبد البر لهم في الصحابة لا لكونه يقول إنهم صحابة كما نسبه إليه عياض وغيره بل لكونه كما أفصح به في خطبة كتابه رام أن يكون كتابه جامعا مستوعبا لأهل القرن الأول
ونحوه قول أبي حفص بن شاهين معتذرا عن إخراجه ترجمة النجاشي أنه صدق النبي صلى الله عليه و سلم في حياته وغير ذلك ولو كان من كان هذا سبيله يدخل عنده في الصحابة ما احتاج إلى اعتذار
وكذا عد غير واحد من مصنفي الصحابة جماعة منهم لكون أمرهم على الاحتمال حتى إن بعضهم يصرح بقوله لا أدري أله رؤية أم لا وأحاديثهم عن النبي صلى الله عليه و سلم مرسلة بالاتفاق بين أهل العلم بالحديث وقد صرح ابن عبد البر نفسه بذلك في التمهيد وغيره من كتبه نعم لو حفظ عن النبي صلى الله عليه و سلم في حال رؤية له ثم أداه بعد إسلامه كان محكوما له بالاتصال كما قدمته في المرسل وهم كثيرون كسويد بمهملة مصغر هو ابن غفلة بمعجمة وفاء مفتوحتين في أهم بلغ بهم مسلم بن الحجاج عشرين ومغلطاي أزيد من مائة ومن طالع الإصابة لشيخنا وجد منهم كما قدمت خلقا
وأفردهم البرهان الحلبي الحافظ في جزء سماه تذكرة الطالب المعلم فيمن يقال إنه مخضرم ورأيت أن أسرد منهم جملة على الحروف أستوعب فيها من عند مسلم راقما له م الأحنف بن قيس بل يروى بسند لين أن النبي صلى الله عليه و سلم دعا له
أسلم مولى عمر الأسود بن هلال المحاربي الأسود بن يزيد النخعي أو يس القرني أوسط البجلي ثمامة بن حزن القشيري جبير ابن نفير الحضرمي حجر بن عنبس خالد بن عمير العدوي الربيع بن ضبع ابن وهب الفزازي الآتي من المعمرين من الوفيات ربيعات بن زرارة أبو الحال العتكي زيد بن وهب الجهني سعد بن إياس أبو عمرو الشيباني سويد بن غفلة شبيل بن عوف الأحمسي شريح بن الحارث القاضي شريح ابن هانئ شقيق بن سلمة أبو وايل عبد الله بن ثوب أبو مسلم الخولاني (3/166)
عبد الله بن حكيم عبد الرحمن بن غسيلة أبو عبد الله الصنابحي عبد الرحمن ابن غنم الأشعري أحد من تفقه به أهل دمشق عبد الرحمن بن صل أبو عثمان النهدي عبد الرحمن بن يربوع عبد خير بن يزيد الخيواني عبيدة السلماني علقمة بن قيس عمران بن ملحان أبو رجاء العطاردي عمرو ابن عبد الله بن الأصم عمرو بن ميمون الأودي غنيم بن قيس قيس بن أبي حازم كعب الأحبار مالك بن عمير مرة بن شراحيل الطيب مسروق بن الأجدع مسعود بن حراش أخو ربعي المعرور بن سويد نفيع أبو رافع الصايغ يسير أو أسير بن عمرو بن جابر أبو أمية الشيباني
وذكر مسلم لمسعود بن حراش بناء على عدم صحبته كما ذهب إليه غيره وإلا فقد أثبتها البخاري كما أدخل غيره في المخضرمين جبير بن الحويرث وحابسا اليمامي وطارق بن شهاب الأحمسي وغيرهم ممن له رؤية أو صحبة بناء على عدم ثبوته عنده أو لعدم الاطلاع عليه وهذه مسألة أخرى لها تعلق بكل من الصحابة والتابعين فلذا أخرت عنهما
ومن فروعها أنه قد يعد في الطباق التي يجعل كل طبقة منها للمشتركين في السند كما سيأتي في طبقات الرواة التابع لبعض الصحابة في تابعيهم أي تابع التابعين إذ يكون الشائع الغالب عن ذاك التابعي الحمل عنهم أي عن التابعين كأبي الزناد بكسر الزاي المعجمة المشددة ثم نون خفيفة وآخره دال مهملة عبد الله بن ذكوان فإنه كما قال خليفة بن خياط قد لقي ابن عمر وأنسا وأبا أمامة بن سهل بن حنيف ومع ذلك فعداده عند أكثر الناس في أتباع التابعين
نعم قال العجلي تابعي ثقة وذكره مسلم في الطبقة الثالثة من التابعين وابن حبان في التابعين وكهشام بن عروة فإنه أدخل على ابن عمر فرآه ومسح رأسه ودعا له ورأى ابر وسهل بن سعد وأنسا (3/167)
وروى عن عمه عبد الله بن الزبير وكموسى بن عقبة فإنه أدرك ابن عمر وسهل بن سعد وأنسا وروى عن أم خالد ابنة خالد بن سعيد بن العاص الصحابية ومع ذلك فهما عندهم كما أشار إليه الحاكم في عداد أتباع التابعين وكعمر بن شعيب فإنه قد سمع زينب ابنة أبي سلمة والربيع ابنة معوذ بن عفراء الصحابتين مع عد غير واحد له في أتباع التابعين كأبي بكر النقاش وعبد الغني ابن سعيد والدارقطني وأبي محمد عبد الرزاق الطبسي وغيرهم بحيث أدرجه ابن الصلاح في أمثلة رواية الأكابر عن الأصاغر فقال وعمر بن شعيب لم يكن من التابعين وروى عنه أكثر من عشرين نفسا من التابعين وهو منتقد بما قررناه
وحاصل هذا أنه أخرج من التابعين من هو معدود فيهم والعكس جا وهو أصحاب الطباق في التابعين من لم يصح سماعه بل ولا نفيه لأحد من الصحابة وهو من أتباع التابعين جزما حسبما أشار إليه الحاكم كإبراهيم بن سويد النخعي وليس بابن يزيد الشهير وكبكير بن أبي السميط السمعي وسعيد وواصل أبي حرة ابني عبد الرحمن البصري وهو أي العكس الذي هو الإدخال في التابعين لمن ليس منهم كما زاده الناظم ذو فساد يعني أشد من الذي قبله وإلا فذاك أيضا خطأ من صنعه
ونحو الأول وهو الإخراج عن التابعين لمن هو منهم أنه قد يعد في الطباق أيضا تابعيا صاحب أي بأن يذكر في التابعين بعض الصحابة كـ النعمان وسويد ابتي مقرن بضم الميم وفتح القاف وتشديد الراء المكسورة وآخره نون المزني فقد عدهما الحاكم غلطا في الآخرة من التابعين وهما صحابيان معروفان من جملة المهاجرين كما سيأتي في نوع الإخوة والأخوات
قال ابن الصلاح وعده لهما في التابعين من أعجب ذلك يعني الأمثلة فيه زاد الناظم و كـ من يقارب التابعين في طبقتهم من أجل أن روايته أو جلها عن الصحابة فقد عد مسلم وابن سعد في التابعين من طبقاتهما يوسف بن (3/168)
عبد الله بن سلام ومحمود بن لبيد وابن سعد وحده محمود بن الربيع وعكسه وهو عد بعض التابعين صحابيا كعبد الرحمن بن غنم الأشعري فقد عده محمد ابن الربيع الجيزي فيمن دخل مصر من الصحابة فوهم فيما قاله المصنف وليس كذلك وابن الربيع إنما نقله عن غيره فقال أخبرني يحيى بن عثمان أن ابن لهيعة والليث قالا له صحبة وكذا حكاه ابن منده عن يحيى بن بكير عنهما وأثبتهما أيضا البخاري وابن يونس وغيرهما
وأخرج أحمد وغيره من أحاديثه ما يدل كما قال شيخنا لصحبته نعم لهم عبد الرحمن بن غنم الأشعري آخر تفقه به أهل دمشق فلعله الذي ظنه المؤلف ومع ذلك فله إدراك بحيث عد في مخضرمين وقال فيه ابن حبان زعموا أن له صحبة وليس ذلك بصحيح عندي
ولكن لذلك أمثلة كثيرة منها إبراهيم بن عبد الرحمن العذري راوي حديث يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ذكره ابن مندة وغيره في الصحابة وهو تابعي أرسل وكثيرا ما يقع ذلك فيمن يرسل من التابعين إذ اعتمادهم غالبا إنما هو على ما يقع لهم من الروايات بحسب مبلغ علمهم وإطلاعهم وفوق كل ذي علم عليم (3/169)
الأكابر الذين يروون عن الأصاغر
( وقد روى الكبير عن ذي الصغر ... طبقة وسنا أو في القدر )
( أو فيهما ومنه أخذ الصــحب ... عن تابع كعدة عن كعب )
وهو نوع مهم تدعو إليه الهمم العلية والأنفس الزكية ولذا قيل كما تقدم في محله لا يكون الرجل محدثا حتى يأخذ عمن فوقه ومثله ودونه وفائدة ضبطه الخوف من ظن الانقلاب في السند مع ما فيه من العمل بقوله صلى الله عليه و سلم أنزلوا الناس منازلهم وإلى ذلك أشار ابن الصلاح بقوله ومن الفائدة فيه أن لا يتوهم كون المروي عنه أكبر وأفضل نظرا إلى أن الأغلب كون المروي عنه كذلك فتجهل بذلك منزلتهما
والأصل في رواية النبي صلى الله عليه و سلم في خطبته حديث الجساسة عن تميم الداري كما في صحيح مسلم وقوله صلى الله عليه و سلم في كتابه إلى اليمن وإن مالكا يعني ابن مرارة حدثني بكذا وذكر شيئا أخرجه ابن مندة وقوله أيضا حدثني عمر أنه ما سابق أبا بكر إلى خير قط إلا سبقه أخرجه الخطيب في تاريخه والديلمي إلى غير ذلك كأمر الأذان وما ذكره صلى الله عليه و سلم عن سعيد بن عبادة وفي تأليف لإسحاق بن إبراهيم المنجنيقي سمعته لمحمد بن حميد بن سهل المخرمي وفي مستخرج ابن مندة للتذكرة أشياء نفيسة من ذلك (3/170)
وقد روى الكبير عن ذي الصغير بضم الصاد المهملة وتسكين الغين المعجمة أي عن الصغير وذلك ينقسم أقساما طبقة وسنا أي إما أن يكون الرواية عن أصغر منه فيهما وهما لتلازمهما غالبا كالشيء الواحد لا في الجلالة والقدر كرواية كل من الزهري ويحيى بن سعيد الأنصاري عن تلميذها الإمام الجليل مالك ابن أنس في خلق غيرهما ممن روى عن مالك من شيوخه بحيث أفردهم الرشيد العطار في مصنف سماه الإعلام بمن حدث عن مالك بن أنس الإمام من مشايخه السادة الأعلام
ومن قبله أفردهم محمد بن مخلد الدوري وهو في مسموعاتي وكرواية أبي القاسم عبيد الله بن أحمد الأزهري من المتأخرين في بعض تصانيفه عن تلميذه الحافظ الجليل الخطيب إذ ذاك في عنفوان شبابه وطلبه
أو بالنقل روى الحافظ العالم عمن هو أصغر منه في القدر فقط دون السن كرواية مالك وابن أبي ذيب عن شيخهما عبد الله بن دينار وأشباهه وأحمد ابن حنبل وإسحاق بن راهويه عن شيخهما عبيد الله بن موسى مع كونهم دون الرواة عنهم في الحفظ والعلم لأجل رواياتهم وذلك كثير جدا
فكم من حافظ جليل أخذ عن مسند محض كالحجار أو عمن دونه في اللقى خاصة دون السن أيضا أو روى عمن هو أصغر منه فيهما أي في السن اللازم للطبقة كما مر وفي القدر معا كرواية كثير من الحفاظ والعلماء عن أصحابهم وتلامذتهم مثل عبد الغني بن سعيد بن محمد بن علي الصوري والخطيب عن أبي نصر بن ماكولا في نظائرهما وحاصلها يرجع إلى رواية الراوي عمن دونه في اللقى أو في السن أو في المقدار
ومنه أي ومن هذا النوع أخذ الصحب أي الصحابة عن تابع لهم كرواية عدة من الصحابة فيهم العبادلة الأربعة وعمر وعلي وأنس ومعاوية (3/171)
وأبو هريرة رضي الله عنهم عن كعب الأحبار في أشباه لذلك أفردها الخطيب في جزء رواية الصحابة عن التابعين وقد رتبته ولخصه شيخنا فيما أخذت عنه
ومن أمثلته ما رواه الترمذي في جامعه من حديث صالح بن كيسان عن الزهري عن سهل بن سعد عن مروان بن الحكم عن زيد بن ثابت أن النبي صلى الله عليه و سلم أملى عليه ( لا يستوي القاعدون من المؤمنين ) غير أولي الضرر ( والمجاهدون في سبيل الله ) قال فجاءه ابن أم مكتوم الحديث وقال عقبة وهذا الحديث يرويه رجل من الصحابة وهو سهل عن رجل من التابعين وهو مروان
ويلتحق بذلك ما في صحيح البخاري من رواية معاوية بن أبي سفيان عن مالك بن يخامر عن معاذ لزيادة وهم بالشام في حديث لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق فمالك المذكور كما قال أبو نعيم لا يثبت كونه صحابيا ورواية الصحابة عن التابعين وكذا الأباء عن الأبناء والشيخ عن التلميذ وإن كانت مسائل هذا النوع في أخص من مطلقه
وكذا أخذ التابعين عن أتباعهم كالزهري ويحيى بن سعيد عن مالك وكعمر وابن دينار وأبي إسحاق السبيعي وهشام بن عروة ويحيى بن أبي كثير عن معمر وكقتادة والزهري ويحيى بن أبي كثير عن الأوزاعي
ومن طريف أمثله هذا النوع أن الشريف يعقوب المغربي المالكي المتوفى سنة ثلاث وثمانين وسبعمائة كان يواظب الحضور عند الولي ابن الناظم في المدرسة الظاهرية القديمة لكونه منزلا في طلبتها مع كونه في عداد شيوخه بل ذكر السراج ابن الملقن أنه قرأ عليه في مذهب مالك ولذا قال (3/172)
الولي فقد أخذ المذكور عني وأخذ عنه شيخي قال وهذه طريفة
ومن فوائد هذا النوع وما أشبهه التنويه من الكبير بذكر الصغير وإلفات الناس إليه في الأخذ عنه وقد قال التاج السبكي بعد إفادته إن إمام الحرمين نقل في الوصية عن نهايته عن تلميذه أبي نصر بن أبي القاسم القشيري وهذا أعظم ما عظم به أبو نصر وهو فخار لا يعدله شيء وكذا نقل الجمال الإسنوي في المهمات وغيرها عن الناظم واصفا له بحافظ العصر مع كونه من تلامذته وهي وأمثاله مما يعد في مفاخر كل من الراوي والمروي عنه وذكرت مما وقع لشيخنا من ذلك مع طلبته في ترجمته جملة (3/173)
رواية الأقران
( والقرنا من استووا في السند ... والسن غالبا وقسمين اعدد )
( مدبجا وهو إذا كل أخذ ... عن آخر وغيره انفراد فذ )
وهو نوع مهم وفائدته ضبطه الأمن من ظن الزيادة في الإسناد أو إبدال الواو بعن إن كان بالعنعنة والقرنا بالقصر للضرورة من استووا أي تماثلوا أو تقاربوا في السند يعني الأخذ عن الشيوخ وكذا في السن لكن غالبا لأنهم ربما يكتفون كالحاكم بالتفاوت في الإسناد وإن تفاوتت الأسنان مع أن ظاهر كلام شيخنا أنه لو حصلت المقارنة في السن دون الإسناد كفي فإنه قال فإن تشارك الراوي ومن روى عنه في أمر من الأمور المتعلقة بالرواية مثل السن واللقي وهو الأخذ عن المشايخ فهو النوع الذي يقال له رواية الأقران لأنه حينئذ يكون راويا عن قرينة وقسمين إعدد أي واعدد رواية الأقران قسمين مدبجا بضم الميم وفتح الدال المهملة وتشديد الياء الموحدة وآخره جيم وهو إذا كل من القرنين أخذ عن آخر بالتنوين للضرورة
وبذلك سماه الدارقطني أخذا من ديباجتي الوجه وهما تحدان لتساويهما وتقابلهما ولكن لم يتقيد الدارقطني في مصنفه الآتي ذكره بالقرينين بل أدرج فيه ما يكون من أمثلة القسم الآتي وهذا هو القسم الأول (3/174)
وغيره بالنصب عطفا على مدبجا بأبد لا من قسمين أي وغير المدبج القسم الثاني وهو انفراد فذ بالفاء والذال المعجمة أي انفراد أحد القرينين بالرواية عن الآخر وعدم الوقوف على رواية الآخر عنه وحينئذ فالأول أخص منه فكل مدبج إقران ولا عكس
وفي الأول صنف الدارقطني كتابا حافلا في مجلد وفي الثاني صنف أبو الشيخ ابن حبان الأصبهاني وأبو عبد الله محمد بن يعقوب بن يوسف بن الأخرم الشيباني وفيهما شيخنا ملخصا لذلك منها فسمى الأول التعريج على التدبيج ويسمى أيضا المخرج من المدبج والثاني الأفنان في رواية الأقران
مثال الأول في الصحابة أبو هريرة وعائشة روى كل منهما عن الآخر وفي التابعين الزهري وأبو الزبير كذلك وفي أتباعهم مالك والأوزاعي كذلك وفي أتباع التابعين أحمد وابن المديني كذلك مع نزاع في كونهما قرينين وفي المتأخرين المزي والبرزالي كذلك وشيخنا والتقي الفاسي كذلك
ومثال الثاني ورواية سليما التيمي عن مسعر فقد قال الحاكم لا أحفظ لمسعر عن التيمي رواية على أن غيره توقف في كون التيمي من أقران مسعر بل هو أكبر منه كما صرح به المزي وغيره
نعم روى كل من الثوري ومالك بن مغول عن مسعر وهو أقران والأعمش عن التيمي وهما قرينان والزين رضوان عن الرشيدي وهما قرينان من شيوخنا
وقد يجتمع جماعة من الأقران في سلسلة كرواية أحمد عن أبي خيثمة زهير ابن حرب عن ابن معين عن علي بن المديني عن عبيد الله بن معاذ لحديث أبي بكر ابن حفص عن أبي سلمة عن عائشة كان أزواج النبي (3/175)
صلى الله عليه و سلم يأخذن من شعورهن حتى تكون كالوفرة فالخمسة كما قال الخطيب أقران ورواية ابن المسيب عن ابن عمر عن عمر عن عثمان عن أبي بكر الحديث ما نجاة هذا الأمر ففيه أربعة من الصحابة في نسق وكذا اجتمع أربعة من الصحابة في عدة أحاديث بعضها في الصحيحين وغيرهما
وأفرد كل من عبد الغني بن سعيد المصري وأبي الحجاج يوسف بن خليل الدمشقي فيها سمعناه جزءا بل اجتمع منهم خمسة في حديث الموت كفارة لكل مسلم وذلك من رواية عمرو بن العاص عن عثمان بن عفان عن عمر بن الخطاب عن أبي بكر الصديق عن بلال وهو غريب لاجتماع الخلفاء الثلاثة فيه ويدخل في النوع قبله ودون هذين العددين مما أمثلته أكثر ما اجتمع فيه ثلاثة من الصحابة كمعاوية بن أبي سفيان عن مالك بن يخامر على المقول كمعاوية بن خديج عن معاوية بن أبي سفيان عن أخته أم حبيبة
ثم مما أكثر ما يدخل في هذا النوع ولا يدخل كابن عمر عن كل من أبيه وأخته حفصة
أما رواية الليث عن يحيى بن سعيد عن سعد بن إبراهيم عن نافع بن جبير ابن مطعم عن عروة بن المغيرة بن شعبة عن أبيه لحديث اتبعت النبي صلى الله عليه و سلم بإداوة ورواية محمد بن عجلان عن محمد بن يحيى بن حبان عن عبد الله ابن محيريز عن الصنابحي عن عبادة بن الصامت ففيهما أربعة من التابعين في نسق ودون هذا العدد مما أمثلته أكثرهما اجتمع فيه ثلاثة منهم كالزهري وعبد الملك ابن أبي بكر بن الحارث بن هشام عن خارجة بن زيد بن ثابت الأنصاري عن أبيه رضي الله عنه
وكذا الزهري عن عمر بن عبد العزيز عن عبد الله بن إبراهيم بن قارظ (3/176)
عن أبي هريرة رضي الله عنه ثم ما اشتمل على اثنين وأكثر ما وجد منهم حسبما أشرت إليه في المرسل في نسق إماسته أو سبعة وهي أشباه ما ذكرته طول وللخطيب رواية التابعين بعضهم عن بعض وهو مع رواية الصحابة بعضهم عن بعض الذي علمت إفراد نوع منه بالتأليف أيضا مما لم يذكره ابن الصلاح وأتباعه ولكن قد استدركهما بعض المتأخرين عليه ومن فوائدها سوى ما تقدم الحرص على إضافة الشيء لرواية والرغبة في التواضع في العلم (3/177)
الأخوة والأخوات
( وأفردوا الأخوة بالتصنيف ... فذو ثلاثة بنو حنيف )
( أربعة أبوهم السمــان ... وخمسة أجلهم سفيــــان )
( وستة نحو بني سيرينــا ... واجتمعوا ثلاثة يروونـــا )
( وسبعة بنو مقرن وهـم ... مهاجرون ليس فيهم عدهـم )
( والأخوان جملة كعتبـة ... أخي ابن مسعود هما ذو صحبة )
الإخوة والأخوات
وهو نوع لطيف وفائدته ضبطه إلا من ظن من ليس بأخ أخا للاشتراك في اسم الأب كأحمد بن شكاب وعلي بن اشكاب ومحمد بن اشكاب أو ظن الغلط وأفردوا أي أئمة هذا الشأن من المتقدمين فمن بعدهم كابن المديني ومسلم وأبي داؤد والنسائي وأبي العباس السراج والجعابي ثم الدمياطي الأخوة من الرواة والعلماء بالتصنيف وكذا صنف في خصوص أولاد المحدثين أبو بكر بن مردويه
وفي خصوص الإخوة من ولد كل من عبد الله وعتبة بن مسعود الدارقطني
وفي خصوص رواية الإخوة بعضهم عن بعض الحافظ أبو بكر بن السني (3/178)
وأمثلته في الاثنين فما فوقها كثيرة
فذو ثلاثة من الصحابة سهل وعباد وعثمان بنو حنيف بضم الحاء المهملة ثم نون وآخره فاء مصغر
ومن التابعين عمرو وعمرو وشعيب بنو شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص وذو أربعة من الصحابة عبد الرحمن ومحمد وعائشة وأسماء بنو أبي بكر الصديق
ومن التابعين سهيل ومحمد وصالح وعبد الله الملقب عبادا أبوهم ذكوان أبو صالح السمان ويقال له الزيات أيضا ووهم أبو أحمد بن عدي في كامله حيث جعل عبد الله وعباد اثنين وأبدل محمدا بيحيى مصرحا بأنه ليس فيهم محمد ومن غيرهما شريك وأبو بكر عبد الكبير وأبو علي عبيد الله وأبو المغيرة عمير بنو عبد المجيد بن عبيد الله بن شريك البصري
وذو خمسة من الصحابة علي وجعفر وعقيل وأم هانيء فأخته على المشهور وجمانة بنو أبي طالب
وممن بعدهم سفيان وآدم وعمران ومحمد وإبراهيم بنو عيينة وأجلهم في العلم سفيان وهؤلاء لقيد من روى فقد قال الحاكم سمعت الحافظ أبا علي الحسين بن علي يعني النيسابوري يقول كلهم حدثوا وإلا فقد ذكر غير واحد أنهم عشرة
ومما يستغرب في الخمسة ما حكاه الشافعي عن شيخ أخبره باليمن أنه ولد له خمسة أولاد في بطن واحد وفي الأربعة بنو راشد أبي إسماعيل السلمي ولدوا كذلك في بطن وكانوا علماء وهم محمد وعمر وإسماعيل ولم يسم البخاري والدارقطني الرابع وسماه ابن الحاجب في آخر مختصره الفرعي عليا وأفاد أنه هو ومحمد وعمر بلغوا ثمانين عاما (3/179)
وذو ستة من الصحابة حمزة والعباس وصفية وأميمة وأروى وعاتكة بنو عبد المطلب على القول بإسلام الثلاثة الأخيرات
ومن التابعين نحو محمد وأنس ويحيى ومعبد وحفصة وكريمة بنو سيرينا بكسر المهملة ثم مثناتين تحتانيتين بينهما راء وآخرها نون وكلهم ثقات وكان معبد أكبرهم سنا وأقدمهم موتا وحفصة أصفرهم
وممن عدهم ستة ابن معين والنسائي في الكنى والحاكم في علومه وكذا أبو علي الحافظ فما نقله الحاكم في تاريخه عنه لكنه جعل مكان كريمة خالدا وجعله ابن سعد في الطبقات سابعا وزاد فيهم أيضا عمرة وسودة وأمهما كانت أم ولد لأنس بن مالك وأم سليم وأمها هي ومحمد ويحيى وحفصة وكريمة وصفية فصاروا عشرة وقد ضبطهم البرماوي في النظم فقال
( لسيرين أولاد يعدون ستة ... على الأشهر المعروف منهم محمد )
( وبنتان مهم حفصة وكريمة ... كذا أنس منهم ويحيى ومعبــد )
( وزاد ابن سعد خالدا ثم عمرة ... وأم سليم سودة لا تفنــد )
وعن محمد بن سيرين فيما حكاه النووي قال حججنا فدخلنا المدينة على زيد بن ثابت وعن سبعة ولد سيرين فقال هذان لأم وهذان أم وهذان أم وهذا لأم فما أخطأ بل عدهم ابن قتيبة في المعارف إجمالا ثلاثة وعشرين من أمهات أولاد ولكن اقتصر على أشهرهم إن كان لأحد من الزائد رواية واجتمعوا ثلاثة من الستة في إسناد حديث واحد يروونا أي يروي بعضهم عن بعض وذلك فيما رواه الدارقطني في العلل من رواية هشام عن محمد بن سيرين عن أخيه يحيى عن أخيه أنس عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لبيك حجا حقا تعبدا ورقا
قال ابن الصلاح وهذه غريبة بل أفاد أبو الفضل بن طاهر الحافظ (3/180)
رواية محمد بن سيرين له عن أخيه يحيى عن أخيه معبد عن أخيه أنس
ورويناه كذلك في مشيخة أبي الغنايم الترسي المعروف بأبي وأملاه علينا شيخنا وحينئذ فقد اجتمع إخوة أربعة في إسناد واحد وهو نادر تستحسن المطارحة به
وذو سبعة بمهملة ثم موحدة من الصحابة النعمان ومعقل وعقيل وسويد وسنان وعبد الرحمن وعبد الله بنو مقرن بضم الميم وفتح القاف وتشديد الراء المكسورة وآخره نون ولم يسم ابن الصلاح السابع وسماه الطبري وابن فتحون في ذيل الاستيعاب وهم أي بنو مقرن ذكور مهاجرون ليس وفي نسخة صحابة وليس فيهم أي في الصحابة كما قال ابن عبد البر وجماعة وتبعهم ابن الصلاح ممن هاجر وحصل هذه المكرمة من الإخوة عدهم أي سبعة ويشهد بعدهم كذلك ما روى شعبة قال قال لي محمد بن المنكدر ما اسمك قلت شعبة قال حدثني أبو شعبة عن سويد ابن مقرن أنه رأى رجلا لطم غلاما له فقال له أما علمت أن الصورة محرمة لقد رأيتني سابع سبعة إخوة على عهد النبي صلى الله عليه و سلم ما لنا إلا خادم فلطمها أحدنا فأمره رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يعتقها
وحكى الطبري وابن فتحون إجمالا أنهم عشرة ومنهم ضرار ونعيم ولم أقف على اسم العاشر ثم إن دعوى انفراد بني معرن بذلك منتقضة ببشر أو سهم أو تميم أو نمير والحارث والحجاج والسائب وسعيد وعبد الله ومعمر أو معبد وأبي قيس بني الحارث بن قيس السهمي فكلهم ممن صحب وهاجر إلى الحبشة مع خلف في بعضهم وكذا بأسماء وحمران وخراش وذويب وسلمة وفضالة ومالك وهند بني حارثة الأسلمي فكلهم ممن صحب وشهد بيعة الرضوان فيما نقله ابن سعد عن بعض أهل العلم وكذا حكاه الطبري (3/181)
وقال البغوي وابن السكن وابن عبد البر أيضا إنهم شهدوا بيعة الرضوان لكنهم حذفوا واحدا وأجيب بأن السبعة ممن هاجروا وتسعة وإن هاجروا فبقيد الحبشة مع الخلف في بعضهم والثمانية فبقيد بيد الرضوان ما فيهم من الإناث وعلى ك حال فهم منفردون بذلك
نعم في الصحابة إخوة سبعة شهدوا بدرا لكن أربعة من أب وثلاثة من آخر وهم معاذ ومعوذ وعوذا وعوف وهو أصح بنو الحارث بن رفاعة الأنصاري وإياس وخالد وعاقل وعامر بنو البكير بن عبد ياليل بن ناشب أمهم كلهم عفراء ابنة عبيد
ومن التابعين في السبعة سالم وعبد الله وحمزة وعبيد الله وزيد وواقد وعبد الرحمن بنو عبد الله بن عمر وذكرهم كذلك ابن سعد لكنه جعل بلال مكان عبد الرحمن وبلال بلا شك من ولد عبد الله قد سمع والده شاعرا ينشد
( بلال بن عبد الله خير بلال ... فقال بل بلال بني الله )
فإن صح كون عبد الرحمن منهم كان مع بني حارثة الماضي ذكرهم من أمثلة الثمانية وذو التسعة بنو الحارث الماضي ذكرهم
وذو العشرة بنو العباس اعتمادا على قوله
( تموا بتمام فصاروا عشرة ... يا رب فاجعلهم كراما بررة )
( واجعل لهم ذكرا ولم الثمرة ... ) (3/182)
ولعل ذلك كان قبل وجود زائد عليهم وإلا فهم الفضل وعبد الله وعبيد الله وعبد الرحمن وقثم ومعبد وعون والحارث وكثير وتمام ومسهر وصبح وأنكرهما الزبير بن بكار وأم كلثوم وأم حبيب وأميمة وأم ثقم
وسبعة ومنهم هم الستة الأولون وأم حبيبة أمهم أم الفضل لبابة الكبرى ابنة الحارث الهلالية ولذا قال الشاعر
( ما ولدت نجيبة من فحل ... كسبعة من بطن أم الفضل )
وأخوات جابر على القول بأنهن تسعة قال أبو موسى المدني لكلهن صحبة وبنو عبد الله بن أبي طلحة بناء على قول ابن عبد البر وغيره ولكن عدهم ابن الجوزي اثني عشر وهم إبراهيم وإسحاق وإسماعيل وزيد وعبد الله وعمارة وعمر وعمير والقاسم ومحمد ويعقوب ويعمر قال أبو نعيم وكلهم حمل عنه العلم في أمثلة للعشرة كبني الحسن عرفة صاحب الجزاء الشهير فقد قال نعيم كان له عشرة أولاد سماهم بأسماء العشرة
بل ثم أمثلة كثيرة لكل ما تقدم من الأعداد بل ولزيادة على ذلك أودع العلاء مغلطاي في استدراكه على ابن الصلاح من الزائد حملة مع قول ابن الصلاح ولم نطول بما زاد على السبعة لندرته ولعدم الحاجة إليه في غرضنا هنا وقد قال ابن حزم في الملل والنحل ولم يبلغنا عن أحد من الأمم من عدد الأولاد إلا من أربعة عشر فأقل وأما ما زاد على العشرين فنادر هذا في بلاد الإسلام والروم والصقالبة والترك والهند والسودان قديما وحديثا وأما ما زاد على الثلاثين فبلغنا عن عدد يسير جدا منهم أنس بن مالك وخليفة بن بر (3/183)
السعدي وأبو بكرة فإنهم لم يموتوا حتى مشى بين يدي كل واحد منهم مائة ذكر مكن ولده وعمر بن الوليد بن عبد الملك كان يركب معه ستون رجلا من ولده
وجعفر ابن سليمان بن علي بن عبد الله بن عباس كان له أربعون ذكرا سوى أولادهم وعبد الرحمن بن الحكم بن هشام بن عبد الرحمن الداخل ولد له خمسة وأربعون ذكرا وموسى بن إبراهيم بن موسى بن جعفر الصادق بلغ له مبلغ الرجال أحد وثلاثون ذكر وذكر آخرين يطول ذكرهم
وسمى ابن الجوزي لسعد بن أبي وقاص خمسة وثلاثين ولدا روى عنه ممن في رجال ستة إبراهيم وعامر وعمر ومحمد ومصعب وعائشة وأغرب من هذا كله ما رويناه في تاريخ بخار الغنجار من حديث محمد بن الهيثم بن خالد البجلي الحافظ ببخارى أنه قال كان ببغداد قائد من بعض قواد المتوكل كانت امرأته تلد والبنات فحملت المرأة مرة فحلف زوجها إن ولدت هذه المرأة بنتا فإني أقتلك بالسيف فلما قربت ولادتها وجلست القابلة ألقت المرأة مثل الجريب وهو يضطرب فشقوه فخرج منه أربعون إبنا وعاشوا كلهم
قال محمد بن الهيثم وأنا رأيتهم ببغداد راكبانا خلف أبيهم وكان اشترى لكل واحد منهم ظئرا ودونه ما حكاه صاحب المطلب عن ابن المرزبان أن امرأة بالأنبار ألقت كيسا فيه إثنا عشر ولدا ودونه ما تقدم عن الشافعي
والأخوان في الصحابة وغيرهم جملة يطول عددهم كعتبة بالصرف للضرورة أخي ابن مسعود عبد الله وهما ذو اصحبة للنبي صلى الله عليه و سلم وعتبة أولهما موتا وكموسى وعبد الله بن عبيدة الربذي وبينهما في العمر ثمانون سنة وهو غريب
ومن أهم هذا النوع ما يقع الاتفاق فيه بين الأخوين أو الإخوة في الاسم (3/184)
وهو في المتأخرين كثير ومنه أحمد بن يحيى بن فضل الله العمري أخوان وتتميز غالبا باللقب ونحوه
ومن العجيب أنه للناصر محمد بن المنصور قلاون من الأولاد ثمانية ولواء السلطنة على الولاء في مدة ثلاث عشر سنة أولهم المنصور أبو بكر ثم الأشرف كجك ثم الناصر أحمد ثم الصالح إسماعيل ثم الكامل شعبان ثم المظفر جاجي ثم الناصر حسن ثم الصالح صالح وبعده أعيد الذي قبله فطالت مدته بالنسبة لإخوته وله ممن لم يل جماعة منهم الأمجد حسين وهو آخر أولاد أبيه موتا
وأنجب الأشرف شعبان ووالد المنصور على وحاجي الملقب أولا الصالح ثم المنصور وبه ختمت ذرية المنصور خلعه الظاهر برقوق (3/185)
رواية الآباء عن الأبناء وعكسه
( وصنفوا فيما عن ابن أخذا ... أب كعباس عن الفضل كذا )
( وائل عن بكر ابنه والتميمي ... عن ابنه معتمر في قوم )
( أما أبو بكر عن الحمراء ... عائشة في الحبة السوداء )
( فإنه لابن أبي عتيق ... وغلط الواصف بالصديق )
( وعكسه صنف فيه الوائلي ... وهو معال للحفيد الناقل )
( ومن أهمه إذا ما أبهما ... الأب أو جد وذاك قسما )
( قسمين عن أب فقط أبي ... العشرا عن أبه عن النبي )
( واسمهما على الشهير فاعلم ... أسامة بن مالك بن قهطم )
( والثان أن يزيد فيه بعده ... كبهز أو عمر وأبا أو جده )
( الأكثر احتجوا بعمرو حملا ... له على الجد الكبير الأعلى )
( وسلسل الأبا التيمي وعد ... عن تسعة قلت وفوق ذا ورد )
رواية الآباء عن الأبناء وعكسه
وهما نوعان مهمان وفائدة ضبط أولهما الأمن من ظن التحريف الناشيء عنه كون الابن أبا وإنما أخر عن الذي قبله مع كونه من أفراد الأكابر عن الأصاغر بضم الثاني وصنفوا كالخطيب فيما عن ابن أخذا أب أي فيما أخذه الأب عن ابنه وهو أول النوعين كتابا لطيفا وقد سمعته وفيه أمثلة (3/186)
كثيرة كقول أنس حدثتني ابنتي أمينة أنه دفن لصلبى إلى مقدم الحجاج البصرة بضع وعشرون ومائة وكروايته أيضا عن ابنه ولم يسمه وكرواية عمر بن الخطاب عن ابنه عبد الله كما في المستخرج من كتب الناس للفائدة لأبي القاسم بن منده وكـ رواية عباس عم النبي صلى الله عليه و سلم عن الفضل ولده لحديث الجمع بين الصلاتين بالمزدلفة حسبما رواه الخطيب وأشار إليه ابن الجوزي في التلقيح وكروايته أيضا عن ولده البحر عبد الله
وكذا روى وائل بالهمزة ودون تنوين ابن داود عن بكر بدون تنوين أيضا ابنه ثمانية أحاديث منها بكر عن الزهري عن أنس أن النبي صلى الله عليه و سلم أو لم على صفية بسوق وتمر أخرجه الأربعة وصححه ابن حبان
وعن الزهري أيضا عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة مرفوعا أخروا الإجمال فإن اليد معلقة والرجل موثقة أخرجه الخطيب وقال لا يروي عن النبي صلى الله عليه و سلم فيما نعلم إلا من جهة بكر وأبيه قلت قد أخرجه أبو يعلي في مسنده من حديث قيس بن الربيع عن بكر لا ذكر لوائل فيه
وكذلك من أمثلته رواية سليمان طرخان التيمي بمثناة فوقانية مشددة ثم تحتانية وبإسكان ياء النسبة عن ابنه معتمر لحديثين بل عند الخطيب أيضا من رواية معتمر قال حدثني أبي قال حدثتني أنت عني عن أيوب هو السختياني عن الحسن هو البصري أنه قال ريح كلمة رحمة قال ابن الصلاح وهذا ظريف يجمع أنواعا يعني كرواية الآباء عن الأبناء وعكسه والأكابر عن الأصاغر والمدبج والتحديث بعد النسيان واجتماع ثلاثة من التابعين في نسق في قوم غير هؤلاء رواه عن أبنائهم كأحمد بن شاهين عن ابنه محمد وإسحاق بن بهلول عن ابنه يعقوب والحسن بن سفيان (3/187)
عن ابنه أبي بكر وزكريا بن أبي زائدة عن ابنة يحيى وسعيد بن الحكم المصري عن ابنه محمد وأبي داؤد سليمان السجستاني عن ابنه أبي بكر عبد الله وشجاع بن الوليد عن ابنه أبي هشام الوليد وعبد الرحمن بن إبراهيم المقدسي عن ابنه أبي الرضا محمد وعلي بن حرب الطائي عن ابنه الحسن وعلي بن الحسن بن أبي عيسى الداركردي عن ابنه الحسن وعمر بن محمد السمرقندي البحيري صاحب الصحيح عن ابنه محمد وعمر بن يونس اليمامي عن ابنه محمد وكثير بن يحيى البصري عن أبيه يحيى ومحمد بن يحيى الذهلي عن ابنه يحيى ويحيى بن جعفر بن أعين عن ابنه الحسين ويونس بن أبي إسحاق السبيعي عن ابنه إسرائيل وأبي بكر بن أبي عاصم عن ابنه أبي عبد الرحمن وأبي بكر بن عياش عن ابنه إبراهيم وفي بعض هؤلاء من روى أكثر من حديث وأكثر ما في كتاب الخطيب مما رواه أب عن ابن ستة عشر حديثا أو نحوها
وذلك لحفص بن عمر الدوري عن ابنه أبي جعفر محمد وكالحافظ أبي سعد بن السمعاني صاحب ذيل تاريخ بغداد عن ابنه عبد الرحيم مما رواه ابن الصلاح عنه لفظا قال أنبأني والدي علي فيما قرأت بخطه قال حدثني ولدي أبو المظفر عبد الرحيم من لفظه وأصله فذكر بإسناده وهو من حديث العلاء بن مسلمة الرواس المهم بالوضع عن إسماعيل بن عياش عن برد عن مكحول عن أبي أمامة أن رسول الله قال أحضروا موائدكم البقل فإنه مطردة للشيطان مع التسمية وهذا مما أدخله ابن الجوزي في الموضوعات
وقال ابن كثير أخلق به أن يكون كذلك قال ابن الصلاح وهذا آخر ما رويناه من هذا النوع وأقربه عهدا
وروى محمد بن عبد الله بن أحمد الصفار عن ابنة أبي بكر أبياتا قالها وأبو عمر بن عبد البر الحافظ عن ابنة أبي محمد عبد الله (3/188)
البيتين لنفسه وهما
( لا يكثرن تأملك ... وأملك عليك عنان طرفك )
( فلربما أرسلته ... فرماك في ميدان حتفك )
والسراج عمر البلقيني عن ابنه القاضي جلال الدين أبي الفضل بيتين قالهما شفاها معزيا للملك الظاهر في ولده محمد وهما
( أنت المظفر حقا ... وللمعالي ترقي )
( وأجر من مات تلقى ... تعيش أنت وتبقى )
سمعهما من السراج الوالي أبو زرعة بن المصنف وقال له أروي هذا عنك عن ولدلك فيكون من رواية الآباء عن الأبناء قال نعم وكأبي الشيخ بن حبان عن ابنه عبد الرزاق حكاية والمصنف عن ابنه أبي زرعة أحمد الولي
فائدة وهي أنه قال لا أعلم حديثا كثير الثواب مع قلة العمل أصح من حديث من بكر وابتكر وغسل واغتسل ودنا وأنصت كان له بكل خطوة يمشيها كفارة سنة الحديث سمع ذلك شيخنا من شيخه المصنف وحدثنا به كذلك غير مرة وكذا حدثنا أن شيخه ناصر الدين بن الفرات وحكى في تاريخه عن ولده العز عبد الرحيم يعني شيخنا مسند عصره
ويلتحق بهذا رواية المرء عن ابن بنته وفيه قصة الحبال عن عبد الغني أنه أرسل ابن ابنته أبا الحسن بن بقا إلى بعض الشيوخ بمصر في حديث فحدثه به فقرأه عبد الغني عن ابن أبنته عن ذلك الشيخ
ومن أغرب ما في هذا الباب أن القاضي عز الدين بن جماعة أخبر والده (3/189)
البدر محمد بن إبراهيم بن سعد الله بن جماعة أن ابن أخيه أبا إسحاق إبراهيم بن عبد الرحمن بن إبراهيم بن سعد الله بن جماعة أنشده قال أنشدني عمي عماد الدين إسماعيل قال حفظت هذين البيتين من والدي في النوم وهما
( مالي عن السلوان عنك معول ... فعلى م تتعب في هواك العدل )
( يزداد حبك كل يوم جدة ... فكأن آخره لقلبي أول )
فقال البدر بن جماعة هذه طريقة أروى هذا عن ولدي يعني العز عن ابن أخي يعني إبراهيم بن عبد الرحمن عن أخي يعني إسماعيل عن والدي يعني البرهان إبراهيم في المنام انتهى وقد أخبرني بهما أبو الفتح المراغي حدثنا المصنف لفظا إملاء أنشدنا أبو إسحاق المذكور كما تقدم
ويقرب منه رواية الشمس بن الجزري عن ابنه أبي الخير عن أخيه أبي القاسم علي عن أبيهما المذكور أولا عن محمود بن خليفة المحدث عن الدمياطي الحافظ عن شيخه يوسف بن خليل الحافظ فذكر شيئا
ومن طريفه ما اجتمع فيه رواية الأبوين عن الابن كرواية أم رومان عن ابنتها عائشة لحديثين ورواية أبي بكر الصديق عنها أيضا لحديثين أفاد ذلك ابن الجوزي في تنقيحه ووقعت رواية أبي بكر عنها في المستخرج لابن مندة أما أبو بكر الذي وقع في رواية المنجنيقي في كتابه الأكابر عن الأصاغر عن الحمراء بالحاء المهملة جاء في عدة روايات فيها مقال لكن بالتصغير لقب لأم المؤمنين عائشة بالصرف للضرورة وقيل إنه تصغير تقريب لأن المراد بها البيضاء فكأنها غير كاملة البياض للحديث المرفوع في الحبة السوداء وأنها شفاء من كل داء فإنه أي أبا بكر هذا لهو ابن أبي عتيق محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق كما وقع التصريح بكونه (3/190)
ابن أبي عتيق في صحيح البخاري بل وفي جل الروايات واسمه عبد الله وعائشة هي عمة والده وغلط الواصف لأبي بكر هذا بالصديق وهو شيء انفرد به المنجنيقي عن سائر أصحاب عبيد الله بن موسى الكوفي أحد الكبار من شيوخ البخاري
وإن روى هذا الخبر عنه بواسطة أبي بكر بن أبي شيبة حيث رواه المنجنيقي عن عبيد الله بحيث نشأ عن غلطه إدخاله لذلك في تصنيفه المشار إليه بل وأدخله الخطيب في تصنيفه في هذا الباب ولكن مع التنبيه على الغلط فيه قال وأبو عتيق كنية أبيه محمد وهو معدود في الصحابة لكونه ولد في عهد النبي صلى الله عليه و سلم وأبوه وجده وجد أبيه أبي قحافة صحابة مشهورون انتهى
وادعى موسى بن عقبة انفرادهم بذلك فقال لا نعلم أربعة أدركوا النبي صلى الله عليه و سلم إلا هؤلاء الأربعة وذكرهم وتبعه غير واحد وكأنه أراد لقيد المذكور وإلا فعبد الله بن الزبير صحابي وهو أسن وأشهر في الصحابة عن محمد أمه أسماء ابنة أبي بكر بن أبي قحافة
نعم ذكروا أن أسامة بن زيد الحب بن الحب ولد له في حياة رسول الله صلى الله عليه و سلم وحينئذ فهم أربعة إذ حارثة والد زيد صحابي كما جزم به المنذري في أماليه على مختصر مسلم وحديث إسلامه في مستدرك الحاكم ونحوه ما في صحيح البخاري من حديث أسلم عن عمر في مجيء ابنة خفاف وقوله إني لأرى أبا هذه وأخاها إلى آخره فإنه يقتضي أن الأخ المبهم كان صحابيا
وإذا انضم إلى قول ابن عبد البر في ترجمة خفاف بن اليمان رخصة أن له ولأبيه وجده صحبة صاروا أربعة في نسق بل لا يبعد أن يكون للابنة المشار إليها رؤية لأنها ابنة صحابي وقد وصفت في زمن عمر بأنها ذات أولاد وكذا ذكر الذهبي تبعا لغيره في ترجمة حذيم الحنفي والد حنيفة أن له ولابنه وابن ابنه ونافلته صحبة (3/191)
ونحوه قول ابن عبد البر في إياس بن سلمة بن عمرو ابن الأكوع أنه مدح النبي صلى الله عليه و سلم بشعر فإن كلا من سلمة ووالده وجده صحابة باتفاق ولكن يقال الذي اختص به ثبت الصديق كونهم مسمين فخرج ابن أسامة وابن خفاف وكونهم باتفاق فخرج حذيم وإياس ففيهما خلاف بل قال الذهبي لعل إياسا هذا ولد قديم لسلمة
وفي الأنبياء عليهم السلام أيضا أربع في نسق وهم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم
وقد جمع أبو زكريا بن مندة جزءا فيمن روى هو وأبوه وجده عن النبي صلى الله عليه و سلم والجعابي فيمن روى هو وأبوه فقط
وهذه الفائدة إنما ذكرت هنا استطرادا وإلا فالأليق بها الصحابة وقد أشرت إليها هناك
ونحو هذا الباب رواية العباس وحمزة عن ابن أخيهما النبي صلى الله عليه و سلم فالعم بمنزلة الأب هكذا ذكره ابن مندة في أمثلة الباب وتوقف فيه البلقيني
وأغرب منه قول ابن الجوزي في كتاب الوفاء له أن أبا طالب روى عن ابن أخيه النبي صلى الله عليه و سلم فقال حدثني ابن أخي الأمين وذكر شيئا وكذا روى مصعب الزبيري عن ابن أخيه الزبير بن بكار وإسحاق بن حنبل عن ابن أخيه أحمد بن محمد بن حنبل ومالك عن ابن أخيه إسماعيل بن عبد الله ابن أبي أويس في أمثلة كثيرة وربما يكون ابن الأخ أكبر فلا يكون ما نحن فيه
وعكسه أي رواية الآباء عن الأبناء وهو رواية الأبناء عن الآباء الذي هو ثاني النوعين والجادة صنف فيه الحافظ أبو نصر عبيد الله بن سعيد بن حاتم السجزي الوائلي بكسر المثناة التحتانية نسبة لبكر بن وائل كتابا وزاد عليه بعض المتأخرين أشياء مهمة نفيسة كما قال ابن كثير وكذا لأبي حفص بن 193 شاهين كتاب من روى عن أبيه من الصحابة والتابعين وهو أي رواية الأبناء عن الآباء كما قال أبو القاسم منصور بن محمد العلوي معال يعني مفاخر للحفيد وهو ولد الابن الناقل رواية وكذا دراية من باب أولى عن أبيه عن جده ولفظه كما رواه ابن الصلاح عن أبي المظفر ابن السمعاني لفظا عن أبي نصر عبد الرحمن بن عبد الجبار الفامي سمعت أبا القاسم يقول الإسناد بعضه عوالي وبعضه معالي وقول الرجل حدثني أبي عن جدي من المعالي بل قال مالك رويناه فيما انتقاه السلفي من الطيوريات من حديثه في قول الله عز و جل ( وإنه لذكر لك ولقومك ) قال هو قول الرجل حدثني أبي عن جدي
ومن أهمه أي رواية الأبناء عن الآباء إذا ما أيهما الأب فلم يسم أو سمي الأب وأبهم جد وذاك بحسب هذا قسما قسمين أحدهما ما تكون الرواية فيه عن أب فقط وذلك باب واسع وهو نحو رواية أبي العشرا بضم العين المهملة وفتح الشين المعجمة بعدها راء مع القصر للضرورة الداعي عن أبه بحذف الياء على لغة النقص كما مر أول الكتاب عن النبي صلى الله عليه و سلم فوالد أبي العشر لم يسم في طرق الحديث بل ولم يأت هو إلا مكنيا واسمهما كما قال ابن الصلاح على الشهير من الأقوال فاعلم أسامة بن مالك بن قهطم فكذلك نسبة ابن سعديل ونقله الميموني عن أحمد وجده بكسر القاف فيما نقله ابن الصلاح من خط البيهقي وغيره وكذا الطاء المهملة بينهما هاء وقيل حاء مهملة بدلها وآخره ميم بل حكى فيه أربع لغات كسر القاف والطاء وفتحهما وفتح الأول وكسر الثاني وعكسه كاللغات في قرطم
وقيل في اسمهما عطارد بن برز بتقديم الراء على الزاء مع الاختلاف أهي مفتوحة أو ساكنة بل قيل إنها لام وقيل يسار أو سنان كما هو 194 لأبي أحمد الحاكن ابن بلز بن مسعود بن خولي بن حرملة بن قتادة وقيل كما للطبراني بلال بن يسار وقال ابن حبان اسمه عبد الله وقيل عامر
والقسم الثان بحذف الياء من القسمين أن يزيد فيه يعني في السند بعده أي بعد ذكر الأب كبهز بموحدة مفتوحة ثم هاء وزاء هو ابن حكيم أو بالنقل عمرو هو ابن شعيب أبا يعني لحكيم أبي بهز أو يزيد جده أي جد شعيب مع كون التعبير في الموضعين لقوله عن جده غير أن مرجع الضمير فيهما مختلف
ففي الأول لبهز وجده وهو معاوية بن حيدة بن معاوية القشيري صحابي شهير ولا يصح أن يكون الضمير فيه لحكيم فإن جده حيدة لم ينقل له حديث عن النبي صلى الله عليه و سلم مع كونه صحابيا ورواية حفيده عنه كما في دلائل النبوة للبيهقي وغيرها من طريق داود ابن أبي هند عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده حيدة بن معاوية أنه خرج معتمرا في الجاهلية فإذا هو شيخ يطوف بالبيت فذكر قصته
وفي الثاني لشعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص فجده هو عبد الله الصحابي الشهير ويروى بكل من السندين نسخة كبيرة حسنة والثانية أكثرها فقهيات جياد وكل من النسختين مختلف في الاحتجاج به لما قيل من أن سماعهما من ذلك إنما هو اليسير والباقي في صحيفة وجداها ولكن الأكثر من الحدثين كما قال ابن الصلاح احتجوا بـ حديث عمرو حملا له أي لجده في الإطلاق على الجد الأكبر الأعلى وهو الصحابي دون ابنه محمد والد شعيب لما ظهر لهم من إطلاقه ذلك
فقال البخاري رأيت أحمد بن حنبل وعلي بن المديني وإسحاق بن راهويه وأبا عبيد وعامة أصحابنا يحتجون بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ما ترك أحد من المسلمين قال البخاري فمن الناس 194 بعدهم زاد في راوية والحميدي وقال مرة اجتمع علي وابن معين وأحمد وأبو خيثمة وشيوخ من أهل العم يتذاكرون حديث عمرو بن شعيب أثبتوه وذكروا أنه حجة
وقال أبو جعفر أحمد بن سعيد الدارمي هو ثقة روى عنه الذين نظروا في الرجال مثل أيوب والزهري والحكم واحتج أصحابنا بحديثه وسمعه أبوه من عبد الله ابن عمرو وقال أبو بكر النيسابوري صح سماع عمرو بن شعيب وسماع شعيب من جده
وقال يعقوب بن شيبة ما رأيت أحدا من أصحابنا ممن ينظر في الحديث وينتقي الرجال يقول فيه شيئا وحديثه عندهم صحيح وهو ثقة ثبت والأحاديث التي أنكروا من حديثه إنما هي لقوم ضعفاء رووها عنه وما روى عنه الثقات فصحيح قال وسمعت ابن المديني يقول قد سمع أبوه شعيب من جده عبد الله وقال ابن المديني هو عندنا ثقة وكتابه صحيح وقال الحسن بن سفيان عن إسحاق بن راهويه عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده كأيوب عن نافع عن ابن عمر قال النووي في شرح المهذب وهذا التشبيه في نهاية الجلالة من مثل إسحاق وقد أخرج له ابن خزيمة في صحيحه والبخاري في جزء القراءة خلف الإمام له على سبيل الاحتجاج وآخرون وخالف آخرون فضعفه بعضهم مطلقا وبعضهم في خصوص روايته عن أبيه عن جده والإطلاق محمول عليه فقال ابن المديني عن يحيى بن سعيد حديثه عندنا واهي وقال الميموني سمعت أحمد يقول له أشياء منها مناكير وإنما يكتب حديثه للاعتبار فأما أن يكون حجة فلا وقال ابن أبي خيثمة عن ابن معين ليس بذاك
وفي رواية عنه هو عن أبيه عن جده كتاب أي وجادة وليس المراد مكاتبة قال ومن هنا جاء ضعفه وقال الآجري قلت لأبي داود هو عند 196 عندك حجة قال لا ولا نصف حجة
وحكى في شرح المهذب أن الشيخ أبا إسحاق نص في كتابه اللمع وغيره من أصحابنا على أنه لا يجوز الاحتجاج به هكذا قال وأكثر الشيخ من الاحتجاج به في المهذب كأنه لما ترجح عنده حال تصنيفه وفصل الدارقطني بأنه إن أفصح بتسمية جده عبد الله كان صحيحا لأن شعيبا سمع منه ولم يترك حديثه أحد من الأئمة وكذا إن قال عن جده سمعت النبي صلى الله عليه و سلم لأن محمدا والد شعيب لم يدرك النبي صلى الله عليه و سلم وإلا فلا
وكذا فصل غيره بأنه إن استوعب ذكر آبائه كما وقع في رواية عند ابن حبان فيها عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن محمد بن عبد الله بن عمرو عن أبيه فهو حجة أو يقتصر على قوله عن أبيه عن جده فلا لكن قد قال العلائي إن ما يجيء فيه التصريح برواية محمد شاذ نادر لا سيما وقد قيل إنه مات في حياة والده وأن الذي كفل شعيبا هو جده
وبالجملة فالمعتمد من هذا كله الأول كما تقدم ولكن الظاهر كما قال شيخنا أن شعيبا إنما سمع من جده بعض تلك الأحاديث والباقي صحيفة ويشهد له قول أبي زرعة روى عنه الثقات وإنما أنكروا عليه كثرة روايته عن أبيه عن جده وقالوا إنما سمع أحاديث يسيرة وأخذ صحيفة كانت عنده فرواها وهو ثقة في نفسه إنما يتكلم فيه بسبب كتاب عنده وما أقل ما تصيب عنده ما روى عن أبيه عن جده من المنكر ونحوه قول ابن معين هو ثقة في نفسه وما روى عن أبيه عن جده لا حجة فيه فليس بمتصل وهو ضعيف من قبيل أنه مرسل وجد شعيب كتب جده عبد الله بن عمرو فكان يرويها عنه إرسالا وهي صحاح عن عبد الله غير أنه لم يسمعها
قال شيخنا فإذا شهد له ابن معين أن أحاديثه صحاح غير أنه لم يسمعها وصح سماعه لبعضها فغاية الباقي أن يكون وجادة صحيحة وهي أحد وجود 197 التحمل وقد صنف البلقيني بذل الناقد بعض جهده في الاحتجاج بعمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وجمع مسلم جزءا فيما استنكره أهل العلم من حديث عمرو بن شعيب والحافظ عبد الغني بن سعيد فيمن روى عنه من التابعين ثم إن هذا القسم الثاني يتنوع أنواعا بالنظر لكثرة الآباء وقلتها
وقد سلسل الآبا أبا القصر أبو الفرج عبد الوهاب بن عبد العزيز ابن الحارث بن أسد بن الليث بن سليمان بن الأسود بن سفيان بن يزيد بن أكينة بن عبد الله التميمي الفقيه الحنبلي وهو كما قال ابن الصلاح ممن كانت له ببغداد في جامع المنصور حلقة للوعظ والفتوى فعد فيما رواه روايته عن شعبة كل واحد منهم روى عن أبيه وذلك فيما رواه الخطيب قال حدثنا عبد الوهاب المذكور من لفظه سمعت أبي أبا الحسن عبد العزيز يقول سمعت أبي أبا بكر الحارث يقول سمعت أبي أسدا يقول سمعت أبي الليث يقول سمعت أبي سليمان يقول سمعت أبي الأسود يقول سمعت أبي سفيان يقول سمعت أبي يزيد يقول سمعت أبي أكينة يقول سمعت علي بن أبي طالب رضي الله عنه وقد سئل عن الحنان المنان فقال الحنان هو الذي يقبل على من أعرض عنه والمنان الذي يبدأ بالنوال قبل السؤال
قلت هكذا اقتصر ابن الصلاح على هذا العدد وقال إنه من أظرف ذلك وفوق ذا ورد فباثني عشر فيما أخبرني أبو المعالي بن الذهبي أنبأنا أبو هريرة بن الحافظ أنبأنيها أبو محمد بن عساكر عن كريمة ابنة عبد الوهاب حضورا وإجازة قالت أنبأنا مسعود بن الحسن الثقفي والقاسم بن الفضل الصيدلاني وعبد الحاك بن ظفر ومحمد بن علي بن محمد قالوا أنبأنا رزق الله بن عبد الوهاب التميمي سمعت أبي أبا الفرج عبد الوهاب بهذا السند إلى أكينة قال سمعت أبي الهيثم يقول سمعت أبي عبد الله يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول ما اجتمع قوم على ذكر إلا حفتهم 198 الملائكة وغشيتهم الرحمة وسنده كما قال العلائي غريب جدا
قال ورزق الله كان إمام الحنابلة في زمانه من الكبار المشهورين متقدما في عدة علوم مات سنة ثمان وثمانين وأربعمائة وأبوه إمام مشهور أيضا ولكنه جده عبد العزيز متكلم فيه كثيرا على إمامته واشتهر بوضع الحديث
وبقية آبائه مجهولون لا ذكر لهم في شيء من الكتب أصلا وقد حبط فيهم عبد العزيز أيضا بالتغيير أي فزاد الثاني أبا أكينة وهو الهيثم وجعله من رواية أبيه عبد الله وجعله صحابيا
وبأربعة عشر في عدة أحاديث منها ما رواه أبو سعد بن السمعاني في الذيل قال أنبأنا أبو ضجاع عمر بن أبي الحسن البسطامي الإمام بقراني وأبو بكر محمد ابن علي بن ياسر الجياني من لفظه قالا حدثنا السيد أبو محمد الحسن بن علي ابن أبي طالب من لفظه ببلخ حدثني سيدي أبو الحسن علي بن أبي طالب سنة ست وستين وأربعمائة حدثني أبي أبو طالب الحسن بن عبيد الله سنة أربع وثلاثين وأربعمائة حدثني والدي أبو علي عبيد الله بن محمد حدثني أبي محمد بن عبيد الله حدثني أبي عبيد الله بن علي حدثني أبي علي بن الحسن حدثني أبي الحسن بن الحسين حدثني أبي الحسين بن جعفر وهو أول من دخل بلخ من هذه الطائفة حدثني أبي جعفر الملقب بالحجة حدثني أبي عبيد الله حدثني أبي الحسين الأصغر حدثني أبي زين العابدين علي بن الحسين ابن علي عن أبيه عن جده علي رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ليس الخبر كالمعاينة وحديث المجالس بالأمانة والحرب خدعة والمستشار مؤتمن والمسلم مرآة المسلم
قال شيخنا ولفظه حدثني سيدي والدي وهو اصطلاح لا يعرف في المتقدمين والمتون منكرة بهذا الإسناد يعني لكونها جاءت من غير هذه (3/192)
الطريق وقد أخرج أولها أحمد وابن منيع والطبراني عن ابن عباس وغيرهم عن أنس ونحوه قول ابن دحية في المولد أخبرتني خالة أبي أمة العزيز قالت حدثني جدي الحسن حدثني أبي موسى حدثني أبي عبد الله حدثني أبي الحسين حدثني أبي جعفر حدثني أبي علي حدثني أبي محمد حدثني أبي علي حدثني أبي موسى حدثني أبي جعفر حدثني أبي محمد الباقر حدثني أبي علي حدثني أبي الحسن حدثني أبي علي ابن أبي طالب قال كان لي شارف من نصيبي ببدر نقلته من خط مغلطاي
وقد صنف ابن أبي حيثمة جزءا فيما روى عن أبيه عن جده وهو فيما أعلم أول مصنف فيه وكذا المزي وأرسل به إلى الدمياطي شيخه لكونه كان أرسل إليه من مصر يسأله عن جمل من ذلك
والعلائي وهو أجمع مصنف ف ذلك سماه الوشي المعلم فيمن روى عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه و سلم وقد لخصه شيخنا وذكر أبو الفضل ابن طاهر في آخر كتابه في المبهمات منه فضلا كبيرا والقطب القسطلاني منه جملة (3/199)
السابق واللاحق
( وصنفوا في سابق ولاحق ... وهو اشتراك راويين سابق )
( موتا كزهري وذي تدارك ... كابن دريد رويا عن مالك )
( سبع ثلاثون وقرن وافي ... آخر كالجعفي والخفاف )
وهو نوع ظريف سماه كذلك الخطيب وأما ابن الصلاح فإنه قال معرفة من اشترك في الرواية عنه راويان متقدم ومتأخر وفائدة ضبطه الأمن من ظن سقوط شيء في إسناد المتأخر وتفقه الطالب في معرفة العالي والنازل والأقدم من الرواة عن الشيخ ومن به ختم حديثه وتقرير حلاوة علو الإسناد في القلوب
وعلى الأخير اقتصر ابن الصلاح لكن قال ابن كثير المزي في تهذيبه من التعرض لذلك يعني كون فلان آخر من روى عن فلان وهو مما يتحلى به كثير من المحدثين وليس من المهمات فيه وهو متعقب بأول فوائده
وصنفوا كالخطيب ثم الذهبي في سابق ولاحق وهو اشتراك راويين سابق موتا كزهري هو محمد بن مسلم بن شهاب ولاحق ذي تدارك للسابق كابن دويد بمهملتين مصغر هو ذكر ياء الكندي فإنهما روايا جميعا عن مالك بن أنس وسبع بسين مهملة ثم موحدة (3/200)
وثلاثون من السنين وقرن وافي أي تام أخر بضم أوله ابن دويد بها عن الزهري فإنه كانت وفاته في سنة نيف وستين ومائتين والزهري مات في سنة أربع وعشرين ومائة ولكن التمثيل بابن دويد غير جيد فقد كان كذابا رمى بالوضع والصواب أن آخر الرواة عن مالك كما قاله المزي أحمد بن إسماعيل السهمي لكن لا تبلغ المدو بينه وبين الزهري ذلك فإن السهمي كانت وفاته في سنة تسع وخمسين ومائتين فيكون بينه وبين الزهري مائة وخمسة وثلاثون سنة والسهمي وإن كان ضعيفا أيضا فإن أبا مصعب شهد له أنه كان يحضر معهم العرض على مالك قال ابن الصلاح ولقد حظي مالك بكثير من هذا النوع
وكالجعفي بضم الجيم ثم عين مهملة وفاء كما سلف في آداب طالب الحديث وهو محمد بن إسماعيل البخاري وأبي الحسين أحمد أبي نصر أحمد بن عمر النيسابوري الزاهد الخفاف بفتح الخاء المعجمة ثم فاء مشددة نسبة لعمل الخفاف أو بيعها في مجردة طول المدة بين وفاتيهما لا في خصوص المدة قبلها إذ بينهما مائة سنة وثمانية وثلاثون سنة وأزيد لأن وفاة الجعفي كانت في شوال سنة ست وخمسين ومائتين والخفاف في ثاني عشر شهر ربيع الأول سنة خمس وتسعين وثلاثمائة
وقول المصنف إنها في سنة ثلاث وتسعين غلط مع اشتراكهما في الرواية عن أبي العباس محمد بن إسحاق السراج فإن البخاري روى عنه أشياء في تاريخه وغيره وصح سماع الآخر منه كما هو بخط أبيه أبي نصر حتى صار واحد عصره في علو الإسناد حسبما ذكره الحاكم في تاريخ نيسابور قال وكان مجال الدعوة انتهى
وقد وقعت لنا جملة من عواليه وكأبي عمر وأحمد بن المبارك المستملى الحافظ المشهور الراوي عن قتيبة وطبقته والحافظ أبي نعيم (3/201)
الأصبهاني بين وفاتيهما مائة وستة وأربعون سنة مع اشتراكهما في الرواية عن أبي العباس محمد بن يعقوب الأصم لكن ثانيهما بالإجازة المكاتبة حتى كان خاتمة أصحابه على وجه الأرض وكمحمد بن طاهر الحافظ ومحمد بن عبد السلام السفاقسي بين موتيهما مائة وسبع وأربعون سنة ومع اشتراكهما في الرواية عن السلفي الأول بالسماع والثاني بالحضور
قال الذهبي وهذا شيء لم يتفق لأحد أبدا فيما علمت في السابق واللاحق كذا قال وهو مردود بأبي علي البرداني أحد شيوخ السلفي وأبي القاسم عبد الرحمن بن مكي الطرابلسي سبط السلفي فبين وفاتيهما مائة وخمسون سنة لأن وفاة البرداني على رأس الخمسمائة والآخر سنة خمسين وستمائة مع استراكهما في الرواية عن الحافظ السلفي
قال شيخنا وهذا أكثر ما حصل الوقوف عليه في أمثله ذلك في المدة بين الوفاتين كذا قال وهو محمود على السماع وإلا فقد تأخر بعد السبط جماعة منهم محمد بن الحسن بن عبد السلام أبو بكر السفاقسي ويعرف بابن المقدسية لكون أمه أخت الحافظ بن المفضل المقدسي مات في سنة أربع وخمسين وهو ممن يروى عن السلفي حضور الحديث المسلسل بالأولية فقط وتأخر بعده قليلا جماعة لهم إجازة من السلفي كابن خطيب القرافة وغيره على أن وفاة الرداني كانت في جمادي كما قاله ابن السمعاني وتبعه ابن الأثير أو شوال كما جزم به الذهبي سنة ثمان وتسعين وأربعمائة وحينئذ فالمدة أزيد مما ذكره شيخنا بنحو سنتين وغالب ما يقع من ذلك أن المسموع منه قد يتأخر زمانا بعد موت أحد الراويين الذي سمع منه عند تقدم حال كون المستمع في ابتداء أمره حتى يسمع منه عند تقدم سنة بعض الأحداث ويعيش بعد السماع منه دهرا طويلا فيحصل من مجموع ذلك نحو هذه المدة
ثم إنه لأجل اختلاف المدد بين الراويين بالنظر لما لذلك من الأمثلة لم (3/202)
يحده ابن الصلاح وأتباعه بقدر معين بل قال من اشترك في الرواية عنه راويان متقدم ومتأخر وتباين وقت وفاتيهما تباينا شديدا يحصل بينهما أمد بعيد وإن كان المتأخر منهما غير معدود من معاصري الأول وقد حدده الخطيب فيما نقل عن شيخنا بخمسين أو ثلاثين سنة على اختلاف الناقلين عنه
قال شيخنا مما هو مؤيد للنقل الأول وكأن أعمار هذه الأمة لما كانت ما بين الستين والسبعين كان الزائد على المقدر هنا يقع بعده الطلب فكأن المتأخر بهذا القدر تأخر بقرن ومن ظريف ما يدخل في هذا النوع ما رويناه عن إبراهيم بن طالب أنه قال سمعت عبد الرحمن بن بشر بن الحكم يقول حملني أبي على عاتقه في مجلس سفيان بن عيينة فقال يا معشر أصحاب الحديث أنا بشر ابن الحكم بن حبيب سمع أبي الحكم من سفيان وقد سمعت أنا منه وحدثت عنه بخراسان وهذا ابني عبد الرحمن قد سمع منه
ونحوه أن القاضي جلال الدين البلقيني كتب عن شيخنا بعض تصانيفه وقابله معه وتأخر شيخنا حتى أخذ عنه حفيد القاضي وأبوهما بل وولد كل من الحفيدين وكذا اتفق أن أبا العباس الأصم صاحب الربيع سمع منه الحسن بن الحسين بن منصور كتاب الرسالة ثم سمعه منه ابنه أبو الحسن ثم سمعه منه أبو نصر بن أبي الحسن ثم سمعه منه عمر بن أبي نصر ويوصف من يتفق له ذلك بملحق أنباء الأحفاد وبالأجداد وهذا غاية ما يكون
ويدخل في هذا الباب نوع مستغرب يتعلق بتعدد الإنسان صنف فيه عبد الغني بن سعيد فذكر عمر بن عبد العزيز بن مروان بينه وبين فهر بن مالك ثلاثة عشر أبا وأبو بكر محمد بن الحارث بن أبيض بن أسود بن نافع الفهري بينه وبين فهر ثلاثة عشر أبا ومات عمر سنة إحدى ومائة ومات أبو بكر سنة ثمان وأربعين وثلاثمائة فبينهما في الوفاة مائتان وسبع وأربعون سنة وعبد (3/203)
الصمد بن علي بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف في التعدد مثل يزيد بن معاوية بن أبي سفيان بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف وبينهما في الوفاة مائة وبضع وثلاثون سنة (3/204)
من لمرير وعنه من الصحابة أو التابعين فمن بعدم إلا راو واحد
( ومسلم صنف في الوحدان ... من عنه راو واحدة لا ثاني )
( كعامر بن شهر أو كوهب ... هو أبن خنبش وعنه الشعبي )
( وغلط الحاكم حيث زعما ... بأن هذا النوع ليس فيهـما )
( في الصحيح اخرجا المسيبا ... وأخرج الجعفي لابن تغلـبا )
من لم يرو عنه من الصحابة أو التابعين فمن بعدم إلا راو واحد
ومسلم صاحب الصحيح صنف في المنفردات والوحدان من النساء والرجال مما أصل ابن طاهر به عندي وعليه خط العلامة مغلطاي وقال إن له عليه ذوايد سيفردها وهو من عنه أي الراوي انفرد بالرواية راو واحد لا ثاني له وأمثلته إما كعامر بن شهر الهمداني أو بالنقل كوهب هو ابن خنبش بمعجمة ثم نون ثم موحدة ثم معجمة وزن جعفر الطائي الذي لكل واحد منهما صحبة وعداده في أهل الكوفة وعنه أي عن كل واحد منهما تفرد بالرواية عامر بن شراحبل الشعبي بفتح المعجمة فيما ذكره (3/205)
ولأولهما ذكر في السيرة فقد ذكر سيف بن عمر التميمي في الفتوح عن طلحة الأعلم عن عكرمة عن ابن عباس أنه أول من اعترض في ناحية على الأسود العنسي لما ادعى النبوة وكابره وكان أحد عمال النبي صلى الله عليه و سلم على اليمن
وأما ثانيهما فتسميته بوهب هي الأكثر ووقع في رواية لابن ماجه تسميته هرما وكذا ذكره الحاكم وأبو نعيم في علومهما وخطأ ذلك ابن الصلاح تبعا للخطيب وكذا نص أبو عيسى الترمذي وغيره على أن ذلك غلط وقال الدارقطني وهم فيه داود بن يزيد الأودي عن الشعبي وإنما هو وهب كذلك رواه الحفاظ عن الشعبي
قلت ممن رواه كذلك بيان وفراس وجابر وهو المحفوظ المشهور
والأولان أوثق من داود ولذا قال المزي من قال وهب أكثر وأحفظ وغلط الحاكم أبو عبد الله صاحب المستدرك وغيره من غير واحد حيث زعما في المدخل إلى كتابه الإكليل وتبعه صاحبه البيهقي في السنن وغيرها بأن أي أن هذا النوع ليس فيهما أي ليس في الصحيحين التخريج عن أحد من الصحابة فمن بعدهم ممن لم يرو عنه إلا واحد
وممن غلطه ابن طاهر والحازمي وابن الجوزي وغيرهم ففي الصحيح للبخاري ومسلم أخرجا المسيبا بضم الميم وفتح المهملة ثم تحتانية مفتوحة أو مكسورة كما ضبطته في معرفة الصحابة وصحابي حديث وفاة أبي طالب إذ أورداه من جهته وهو ابن حزن الصحابي أيضا ابن وهب القرشي مع أنه لم يرو عنه سوى ابنه سعيد وعده مسلم وأبو الفتح الأزدي فيمن لم يرو عنه إلا واحد
وأخرج الجعفي بضم الجيم كما مضى قريبا وهو البخاري وحده لابن تغلبا بفتح المثناة الفوقانية ثم غين معجمة ساكنة بعدها لام مكسورة (3/206)
ثم موحدة مفتوحة هو عمرو صحابي حديث إني لأعطي الرجل والذي أدع أحب إلي مع أنه لم يرو عنه سوى الحسن البصري فيما قاله مسلم والحاكم وغيرهما وكذا لم يذكر البخاري له راويا غيره ولكن قد ذكر ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل ثم ابن عبد البر أن الحكم بن الأعرج روى عنه أيضا
وحينئذ فليس من أمثلة هذا النوع
وقد اعتذر المؤلف في اتباعه لمن ذكره بأنه لم ير روايته عن الحكم في شيء من طرق أحاديث عمرو وعلى كل حال فقد أخرج البخاري لمرداس بن مالك الأسلمي الصحابي وهو أيضا لم يرو عنه سوى قيس بن أبي حازم كما جزم به مسلم والأزدي وجماعة والزاهر بن الأسود الأسلمي الصحابي مع تفرد ابنه مجزاة عنه كما قاله مسلم وغيره ومسلم الطارق الأشجعي الصحابي مع تفرد ابنه أبي مالك سعد عنه كما قاله مسلم أيضا في أمثلة من الصحابة فمن بعدهم ذكر ابن الصلاح منها ما تعقبه العلاء مغلطاي وغيره في كثير منه ونبه عليه المصنف في تقييده مع قول ابن الصلاح واعلم أنه قد يوجد في بعض من ذكرنا تفرد راو واحد عنه خلاف في تفرده بل قال عقب ما نقله عن الحاكم من ذلك وأخشى أن يكون في تنزيله بعض من ذكره بالمنزلة التي جعله منها متعمدا على الحسبان والتوهم وقدمت منها في المجهول مما هو في الصحيحين وغيرهما ولا انتقاد فيه جملة ويثبت هناك من كلام الحاكم نفسه ما تقتضي تخصيص مقاله بغير الصحابي وأن شيخنا قال إنه ليس في الكتابين حديث أصل لمن بعدهم من رواية من ليس له إلا راو واحد فقط فراجعه فيه إن شاء الله تزول نسبة الحاكم إلى الغلط (3/207)
من ذكر من الرواة بنعوت متعددة
( واعن بأن تعرف ما يلتبس ... من خلة يعنى بها المدلس )
( من نعت راو بنعوت نحو ما ... فعل في الكلبي حق أبهما )
( محمد بن السائب العلامة ... سماه حمادا أبو أسامـــة )
( وبأبي النضر ابن إسحاق ذكر ... وبأبي سعيد العوفي شهر )
من ذكر من الرواة بنعوت متعددة
وهو نوع مهم وفن كما قال ابن الصلاح عويص بمهملتين أوله وآخره كرغيف أي صعب الاستخراج والحاجة إليه حافة وفائدة ضبطه الأمن من توهم الواحد اثنين فأكثر واشتباه الضعيف بالثقة وعكسه واعن أي اجعل أيها الطالب من عنايتك الاهتمام بأن تعرف ما يلتبس الأمر فيه كثيرا لا سيما على غير الماهر اليقظ من خلة بفتح المعجمة وتشديد اللام أي خصلة يعنى بضم أوله وقد يفتح أي يهتم ويشتغل بها المدلس من الرواة أي كثيرا وإلا فقد فعله الخطيب بل والبخاري وغيرهما ممن لم يوصف بتدليس ويشير إليه قول ابن الصلاح فإن أكثر ذلك إنما نشأ من تدليسهم وكذا قال ابن كثير وأكثر ما يقع ذلك من المدلسين من نعت راو واحد بنعوت متعددة من الأسماء أو الكنى أو الألقاب والأنساب ونحو ذلك حيث يكون ذاك الراوي ضعيفا أو صغير السن أو الفاعل له مقلا من (3/208)
ذلك وإن وصف بالتدليس فقد كان يبين تدليسه
وبأبي النضر بنون وضاد معجمة ابن إسحاق محمد صاحب المغازي ذكر الكلبي في روايته عنه ولكنها كنية شهيرة بن السائب مع كون ابن إسحاق روى عنه مرة أخرى فسماه ولذا قال الخطيب وهذا القول يعني في كنيته أبا النضر صحيح ثم أورد الحديث المروي كذلك وهو من رواية ابن إسحاق عن أبي النضر عن بازان عن ابن عباس عن تميم الداري في هذه الآية ( يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت ) وقصة جسام الفضة وبأبي سعيد عطية بن سعد بن جنادة العوفي نسبة لعوف بن سعد بن ذبيان شهر الكلبي بما أخذه عنه من التفسير مع أنها ليست كنية له حتى أن الخطيب روى من طريق الثوري أنه سمع الكلبي نفسه يقول كناني عطية أبا سعيد وكذا قال أبو خالد الأحمر قال لي الكلبي قال لي عطية كنيتك بأبي سعد فأنا أقول حدثنا أبو سعيد قال الخطيب وإنما فعل ذلك ليوهم الناس أنه أبو سعيد الخدري
ونحوه قول ابن حبان سمع عطية من أبي سعيد الخدري أحاديث فلما مات جعل يجالس الكلبي ويحضر قصصه وكناه أبا سعيد فإذا قال الكلبي قال رسول الله كذا يحفظه ويرويه عنه فإذا قيل له من حدثك بهذا يقول أبو سعيد فيتوهمون أنه يريد أبا سعيد الخدري وإنما أراد الكلبي
ولذا قال أحمد كان هشيم يضعف عطية بل وضعفه غيره وكنى الكلبي القاسم ابن الوليد الهمداني بابن له اسمه هشام فقال فيما رواه الخطيب بسنده إلى القاسم عن أبي هشام عن أبي صالح عن ابن عباس قال لما نزلت ( قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا ) الحديث ثم نقل الخطيب عن ابن أبي حاتم أنه سأل أباه عن هذا الحديث فقال أبو هشام هو محمد بن السائب الكلبي وإنما كانت كنيته أبا النضر ولكن كان له ابن يقال له (3/210)
هشام صاحب نحو وعربية فكناه القاسم به قال الخطيب وهو محمد بن السائب ابن بشر الذي روى عنه ابن إسحاق يعني كما تقدم وإن فرق البخاري بينه وبين الكلبي فإنه واحد بين نسبه ابن سعيد وخليفة بن خياط
وأشد من هذا الصنيع أن سعيد بن محمد بن حسان بن قيس الأسدي المصلوب المعروف بالكذب والوضع أيضا يقول فيه يحيى بن سعيد الأموي محمد بن سعيد بن حسان ومروان بن معاوية مرة محمد بن حسان ومرة محمد ابن أبي قيس ومرة محمد بن أبي زينت ومرة محمد بن زكريا ومرة محمد بن أبي الحسن ونسبه المحاربي إلى ولاء بني هاشم وقال فيه سعيد بن أبي هلال محمد بن سعيد الأسدي ويقولون فيه محمد أيضا بن حسان الطبري وأبو عبد الرحمن الشامي وأبو قيس الملائي وأبو قيس الدمشقي وأبو عبد الله الشامي وربما قالوا عبد الله وعبد الرحمن وعبد الكريم ونحوهما على معنى التعبيد لله وينسبونه أيضا محمد بن سعيد بن عبد العزيز ومحمد بن أبي عتبة ومحمد بن أبي حسان ومحمد بن أبي سهل ومحمد بن عبد الرحمن ومحمد الطبري ومحمد الأرولي ومحمد المرتضى ويقال أنه عبد الرحمن بن أبي شميلة ولا يثبت بل قال ابن غفلة سمعت أبا طالب عبد الله ابن أحمد بن سوادة يقول قلب أهل الشام اسمه على مائة اسم وكذا وكذا وقد جمعتها في كتاب ونحوه قول العقيلي وبلغني عن بعض أصحاب الحديث أنه قال يقلب اسمه على نحو مائة اسم قال وما أبعد أيكون كما قال وكذا قال عبد الغني
ومن أمثلته إبراهيم بن أبي يحيى شيخ الشافعي هو إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى واسمه سمعان الأسلمي مولاهم قال فيه ابن جريج أنبأنا إبراهيم بن أبي يحيى فنسبه لجده وهو مشهور بذلك وكذلك قال فيه جمع منهم يحيى بن آدم ممن روى عنه وقال ابن جريج مرة أنبأنا إبراهيم بن محمد (3/211)
بن أبي عطاء وقال مرة إبراهيم بن محمد بن أبي عاصم وقال مرة أنبأنا أبو الذيب وسماه مروان ابن معاوية عبد الوهاب وقال عبد الرزاق أنبأنا أبو إسحاق السلمي
وقال سعيد بن سليمان أنبأنا أبو إسحاق بن سمعان مولى أسلم وقال الواقدي أنبأنا أبو إسحاق بن أبي عبد الملك وقال مرة أبو إسحاق بن محمد
ومرة إسحاق بن إدريس وهذا الأخير فيه نظر
ومنها أبو اليقظان شيخ المدائني قال الزبير بن بكار حدثني رجل ثقة قال قال لي أبو الحسن المدائني أبو اليقظان هو سحيم بن حفص وسحيم لقبه واسمه عامر وكان لحفص ابن اسمه محمد ولم يكن يكنى به وكان أسود شديد السواد قال قال لي أبو اليقظان سميت مدة عبيد الله قال المديني فإذا قلت حدثنا أبو اليقظان فهو هو وهو سحيم بن حفص وهو عامر بن أبي محمد وعامر بن الأسود وسحيم بن الأسود وعامر بن حفص وعبيد الله بن فائد وأبو إسحاق المالكي
وفي الثقات سالم بن عبد الله النصري المدني أحد التابعين هو سالم مولى شداد بن الهاد وهو سالم مولى النصريين وهو سالم سبلان وهو سالم مولى مالك بن أوس بن الحدثان وهو سالم مولى دوس وهو سالم أبو عبد الله الدوسي وهو سالم مولى المهري وهو أبو عبد الله مولى شداد وهو أبو سالم إلى غير ذلك مما اشتبه على العجلي الأمر فيه حتى أفرد لكل واحد من ثلاثة منه ترجمة
وفعل ابن حبان ذلك في اثنين وكذا مسلم والحسين القباني لظنهم التعدد والافتراق والصواب عدمه
وقريب من هذا النجم ابن الرفعة الفقيه وجد في موضع خلافا (3/212)
للزهري وفي آخر خلافا لابن شهاب فجمع بينهما لظن التعدد فقال خلافا لابن شهاب والزهري وما قيل من تجويز كون العطف تفسيريا وتقديره خلافا لابن شهاب وهو الزهري خلافه نعم عندي أن الواو سبق فلم لوضوح الأمر في هذا (3/213)
أفراد العلم
( واعني بالأفراد سما أو لقبــا ... أو كنية نحو لبي بن لبــا )
( أو مندل عمرو وكسرا نصبوا ... في الميم أو أبي معيد حفص )
أفراد العلم
وهو ما يجعل علامة على الراوي من اسم وكنية ولقب واعن أي اجعل أيها الطالب من عنايتك الاهتمام بـ معرفة الأفراد الآحاد التي لا يكون منها في كلا كل حرف أو فصل من الصحابة فمن بعدهم سواها سما مثلت المهملة أي من الأسماء وهي ما توضع علامة على المسمى أو لقبا أي أو من الألقاب وهو ما يوضع أيضا علامة للتعريف لا على سبيل الاسمية العلمية مما دل لرفعة كزين العابدين أو ضعة كأنف الناقة أو كنيته أي أو من الكنى وهي ما صدرت بأب أو أم فهو نوع مليح عزيز بل مهم لتضمنه ضبطها فإن جله مما يشكل لقلة دورانه على الألسنة مع كونه لا دخل له في المؤتلف ويوجد في كتب الحفاظ المصنفة في الرجال كالجرح والتعديل لابن أبي حاتم مجموعا لكن مفرقا في أواخر أبوابها وكذا يوجد ف ي الإكمال لابن ماكولا منه الكثير بل أفرده بالتصنيف الحافظ أبو بكر أحمد بن هارون البرديجي وتعقب عليه أبو عبد الله بن بكير وغيره من الحفاظ مواضع منه ليست أفرادا بل هي مثان فأكثر ومواضع ليست اسما بل هي ألقاب (3/214)
كالأجلح لقب لجلحة كانت به واسمه يحيى
ومما تعقب عليه فيه صغدي بن سنان أحد الضعفاء وهو بضم المهملة وقد تبدل سينا مهملة وسكون الغين المعجمة بعدها دال مهملة ثم ياء كياء النسب اسم علم بلفظ النسب إذ ليس فرد ففي الجرح والتعديل لابن أبي حاتم صغدي الكوفي وثقه ابن معين وفرق بينه وبين الذي قبله فضعفه وفي تاريخ العقيلي صغدي بن عبد الله يروي عن قتادة قال العقيلي حديثه غير محفوظ قال شيخنا وأظنه هو الذي ذكره ابن أبي حاتم والعقيلي إنما ذكره في الضعفاء للحديث الذي أشار إليه وليست الآفة فيه منه بل هي من الراوي عنه عنبسة بن عبد الرحمن ومنه سندر بفتح المهملتين بينهما نون بوزن جعفر وهو مولى زنباع الجذامي له صحبة ورواية والمشهور أنه يكنى أبا عبد الله وهو اسم فرد لم يتسم به غيره فيما نعلم لكن ذكر أبو موسى في ذيله على الصحابة لابن منده سندر أبو الأسود وروى له حديثا
ويعقب عليه في ذلك فإنه هو الذي ذكره ابن منده فقد ذكر الحديث المشار إليه محمد بن الربيع الجيزي في تاريخ الصحابة الذين نزلوا مصر في ترجمة الأول كما حرر ذلك شيخنا في الإصابة على أن ابن الصلاح قال وعلى ما فهمته من شرطه لا يلزمه ما يوجد من ذلك في غير أسماء الصحابة والعلماء والرواة بل قال والحق أن هذا فن يصعب الحكم فيه والحاكم فيه على خطر من الخطأ والانتفاض فإنه حصر في باب واسع شديد الانتشار يعني كما قيل في الحكم لسند معين بأنه أصح مطلقا
وقد قلد ابن الصلاح غيره في بعض الأوهام فإنه ذكر من الأسماء الكنى في ذلك طائفة رتبها على حروف المعجم ومن الألقاب عدة وعليه في كثير من ذلك مؤاخذات ولذا اقتصرت منها على جملة مما لا مشاحة فيه (3/215)
فمن الأسماع نحو أحمد بالجيم ابن عجيان بعين مهملة ثم جيم ومثناة تحتانية على وزن عليان قال ابن الصلاح ورأيته بخط ابن الفرات وهو حجة مخففا على وزن سفيان صحابي وقيل فيه بالحاء المهملة كالجادة
وأوسط بن عمرو البجلي تابعي وقدوم كتقوم بن صبح بضم الصاد المهملة الكلاعي عن تبيع الحميري ابن امرأة كعب الأحبار وجبيب بالجيم مصغرا ابن الحارث صحابي وجيلان بكسر الجيم ثم تحتانية مثناة ساكنة ابن فروة أبو الجلد بفتح الجيم ثم لام ساكنة ودال مهملة الإخباري تابعي وسندر الجذامي الخصي مولى زنباع له صحبة وشكل بفتحتين ابن حميد صحابي وشمعون بن زيد أبو ريحانة صحابي وهو بمعجمتين وحكى في كل منهما الإهمال وصدي كأبي ابن عجلان أبو أمامة صحابي وضريب بن نقير أو نفير أو نفيل على الأقوال بتصغير كلها أبو السليل بفتح المهملة وكسر اللام وآخره لام العدوى البصري وغزوان بمهملة ثم معجمة ابن زيد الرقاشي أحد الزهاد تابعي وعسعس بمهملات ابن سلامة أبو صغرة التميمي البصري تابعي وكلدة بفتحات ابن الحنبل بحاء مهملة مفتوحة ثم نون ساكنة بعدها موحدة مفتوحة ولام صحابي ولبي بموحدة كأبي بالتصغير ابن لبا بموحدة أيضا كفتى وعصى ضبطه كذلك أبو علي ثم ابن الدباغ وابن الصلاح وقيل بضم اللام وتشديد الموحدة ضبطه ابن فتحون في الاستيعاب قال وكذلك رأيته بخط ابن مفرج فيه وفي ولده معا وشذ ابن قانع فجعل لبيا أبيا وهو وهم فاحش ولبيد ربه بفتح أوله بن بعكك بموحدة مفتوحة ثم عين مهملة ساكنة بعدها كاف أحد ما قيل في اسم أبي السنابل الصحابي ولمازة بضم اللام ثم ميم خفيفة وزاي معجمة ابن زبار بمعجمة مفتوحة ثم موحدة مشددة وراء تابعي ووابصة بن معبد صحابي وهبيب بضم الهاء ثم موحدتين بينهما تحتانية مصغر ابن مغفل بضم الميم ثم معجمة ساكنة ثم فاء مكسورة وآخره لام وهمدان باسم القبيلة وقيل إنه (3/216)
بالذال المعجمة بريد عمرو
وفي بعض هؤلاء ما انفرد فيه وفي أبيه معا
وأغرب من هذا كله ما قال ابن الجوزي إنه لا يوجد مثل أسماء آبائه وهو مسدد بن مسوهد بن مسريل بن مغربل بن مرعبل بن أرندل بن سرندل بن عرندل ابن ماسك بن المستورد هكذا سرد نسبه منصور الخالدي ولم يتابع عليه قال أحمد العجلي وكان أبو نعيم يعني الفضل بن دكين يسألني عن نسبه فأجزه به فيقول يا أحمد هذه رقية العقرب
ومن الألقاب نحو كل واحد من سفينة الصحابي المختلف في اسمه أو مندل هو لقب لابن علي العنزي واسمه عمرو وكسرا نصوا في الميم منه أي ونصوا على الكسر في الميم قال ابن الصلاح ويقولونه كثيرا بفتحها زاد المصنف حكاية عن خط ابن ناصر الحافظ أنه الصواب ومطين ومشكدانة الجعفي وسيأتي من ذلك طائفة في نوعها المختص بها
ومن الكنى نحو كل من أبي البداح بموحدة ثم دال مهملة ثقيلة وآخره حاء مهملة بن عاصم تابعي وأبي برزة بموحدة مفتوحة ثم راء ساكنة بعدها معجمة الصحابي فرد فيهم واسمه نضلة بن عبيد وأبي سرعة بكسر المهملة وفتحها عقبة بن الحارث صحابي وأبي السنبل بفتح المهملة ثم نون خفيفة وبعد الألف موحدة ثم لام الماضي قريبا وأبي العبيدين بضم أوله ثم موحدة تثنية عبيد واسمه معاوية بن سبرة بمهملة مفتوحة بعدها موحدة ساكنة تابعي وأبي العشراء الدارمي الماضي ضبطه في رواية الآباء عن الأبناء وأبي المدلة بضم الميم ثم دال مهملة مكسورة بعدها لام مشددة المدني تابعي وأبي مراية بضم الميم ثم دال مهملة مكسورة بعدها لام مشددة المدني تابعي وأبي مراية بضم الميم ثم راء مهملة مخففة وبعد الألف مثناة تحتانية (3/217)
ثم هاء تأنيث العجلي عبد الله بن عمرو تابعي أو أبي معيد بضم الميم وفتح العين المهملة وسكون التحتانية المثناة وآخره دال مهلمة واسمه حفص ابن غيلان الدمشقي عن مكحول وجماعة وعنه نحو من عشرة ومع هذا جهله ابن حزم كما جهل الترمذي صاحب الجامع فقال ومن محمد بن عيسى بن سورة (3/218)
الأسماء والكنى
( واعن الأسماء والكنى وقد قسم ... الشيخ ذا التسع أو عشر قسم )
( من اسمه كنيته انفــــرادا ... نحو أبي بلال أو قـــد زادا )
( نحو أبي بكر بن حزم قد كنى ... أبا محمد بخلف قد فافطـــن )
( والثاني قد يكنى ولا اسما ندري ... نحو أبي شيبة وهو الخــدري )
( ثم كنى الألقاب والتعـــدد ... نحو أبي الشيخ أبي محمـــد )
( وابن جريج بأبي الوليــــد ... وخالد كني للتعديــــد )
( ثم ذوو الخلف كنى وعلمــا ... أسماؤهم وعكسه وفيهمــا )
( وعكسه وذو اشتهار بســم ... وعكسه أبو الضحى لمسلـم )
الأسماء والكنى
واعن أي اجعل أيها الطالب من عنايتك الاهتمام بـ معرفة الأسماء بالنقل وبالقصر للضرورة لذوي الكنى والكنى لذوي الأسماء فهو فن مهم مطلوب وفائدة ضبطه الأمن من ظن تعدد الراوي الواحد المكني في موضع والمسمى في آخر قال ابن الصلاح ولم يزل أهل العلم بالحديث يعتنون به ويتحفظونه ويطارحونه فيما بينهم وينتقصون من جهله يعني كما عيب الجمال ابن هشام إمام العربية بأنه رام الكشف عن ترجمة أبي (3/219)
الزناد فلم يهتد لمحله من كتب الأسماء لعدم معرفة اسمه مع كونه معروفا عنده مبتدى الطلبة
ولقد امتحن شيخنا بعض الطلبة بتعيين أبي العباس الدمشقي شيخ ابن حبان حيث مر في قراءة زوائد صحيحة عليه فلم يهتد لذلك كما قدمته في التدليس وقد روينا عن أبي ذر رضي الله عنه أنه قال أنا أبو ذر من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فأنا جندب
وربما ينشأ عن إغفاله زيادة في السند أو نقص منه وهو لا يشعر فقد روى الحاكم من حديث أبي يوسف عن أبي حنيفة عن موسى بن أبي عائشة عن عبد الله بن شداد عن أبي الوليد عن جابر مرفوع من صلى خلف الإمام فإن قراءته له قراءة وقال إن عبد الله هو أبو الوليد كما بينه علي بن المديني يعني فعن زائدة قال ومن تهاون بمعرفة الأسامي أورثه مثل هذا الوهم انتهى
وعكسه أن تسقط عن كما اتفق للنسائي مع جلالته حيث قال عن أبي أسامة حماد بن السائب لأن أبا أسامة هو حماد بن أسامة وشيخه حماد هو محمد بن السائب أبو النضر الكلبي كما تقدمت الإشارة إليه في النوع قبله
وليحيى بن معين وعلي بن المديني وأبي بكر بن أبي شيبة ومسلم والنسائي وابن أبي حاتم وشباب العصفري وأبي محمد بن الجارود وأبي بشر الدولابي وأبي القاسم بن مندة ووالده أبي عبد الله وأبي عروبة الحراني وأبي عبد الله بن مخلد وأبي عمر بن عبد البر وأبي إسحاق الصريفيني وأبي أحمد الحاكم النيسابوري وغيرهم فيه تصانيف سمى ابن عبد البر تصنيفه الاستغنا عن معرفة للكنى وهو مجلد ضخم ولعله اندرج في قول ابن الصلاح ولابن عبد البر في أنواع منه كتب لطيفة رائقة انتهى (3/220)
وأجلها آخرها بعدم اقتصاره على من عرف اسمه بل ذكر من لم يعرف اسمه أيضا بخلاف مسلم النسائي وغيرهما فإنهم لا يذكرون غالبا إلا من عرف اسمه وهي مرتبة على الشائع للمشارقة في الحروف إلا النسائي فعلى ترتيب فيها كأنه ابتكره فبدأ بالألف ثم اللام ثم الموحدة وأختيها ثم الياء الأخيرة ثم النون ثم السين وأختها ثم الراء وأختها ثم الدال وأختها ثم الكاف ثم الطاء وأختها ثم الصاد وأختها ثم الفاء وأختها ثم الواو ثم الهاء ثم الميم ثم العين وأختها ثم الحاء وأختيها
ولم يراعوا جميعا ترتيبها في كل حرف بحيث يبدأون في الهمزة مثلا بأبي إبراهيم قبل أبي إسحاق ثم بأبي إسحاق قبل أبي أسلم جريا منهم على عادة المتقدمين غالبا فالكشف منها لذلك متعب
ولذا رتب الذهبي كتاب الحاكم مجردا عن المتون والتراجم وغيرها وسماه المقتني في سر الكنى وقال إن مصنف الأصل زاد وأفاد وحرر وأجاد وكتابه في أربعة عشرا سفر يجيء بالخط الرفيع خمسة أسفار أو نحوها وكذا جمع في الكنى محمد المدعو ثابت بن الحسن بن علي اللخمي ابن الصيرفي ولي فيها أيضا تصنيف لم أبيضه إلى الآن
وقد قسم بالتخفيف الشيخ ابن الصلاح ذا النوع إما لتسع بتقديم المثناة على المهملة من الأقسام نظرا إلى ما ذكره في النوع الخمسين أو بالنقل عشر قسم أي أقسام بانضمام المعروفين بالاسم دون الكنية الذي أفرده في نوع مستقل وقال فيه إنه من وجه ضد النوع الذي قبله ومن شأنه أن يبوب على الأسماء ثم تبين كناها بخلاف الذي قبله قال وقل من أفرده بالتصنيف وبلغنا أن لأبي حاتم بن حبان البستي فيه كتابا ومن وجه آخر يصلح أن يجعل قسما من أقسامه يعني كما سلكه مصنفوا الكنى حيث جمعوا من عرف بالكنية ومن عرف بالاسم وتبعهم الناظم وكذا قال ابن كثير إنه كان (3/221)
ينبغي أن يكون هذا النوع يعني من اشتهر بالاسم قسما عاشرا للأقسام المذكورة
القسم الأول من العشرة وهو قسمان من اسمه كنيته انفرادا أي ليس له كنية ولا اسم غيرها نحو أبي بلال الأشعري الراوي عن شريك وغيره فإنه روى عنه أنه قال ليس لي اسم اسمي وكنيتي واحد وما قيل من أن اسمه محمد فشاذ ونحو أبي حصين بن يحيى سليمان الرازي روى عنه جماعة منهم أبو حاتم الرازي وسأله هل لك اسم فقال لا اسمي وكنيتي واحد قال فقلت له أنه أسميك عبد الله فتبسم
وما وقع في ترجمة الحسن بن العباس المقري من المعجم الصغير للطبراني من أن اسم أبي حصين يحيى بن سليمان فوهم فيحيى إنما هو اسم أبيه وكذا ذكر من أمثلة هذا القسم أبو بكر بن عياش المقري راوي قراءة عاصم لقوله ليس لي اسم غيره وسأله ابنه إبراهيم لما نزل به الموت عن ذلك فقال يا بني إن أباك لم يكن له اسم وإنه لم يأت فاحشة قط ويختم القرآن منذ ثلاثين سنة كل يوم مرة ولذا لما سأل أبو حاتم الرازي ابنه هذا عن اسم أبيه قال اسمه وكنيته واحد وهو الذي صححه ابن حبان وابن الصلاح والمزي وقيل بل له اسم غيرها فقيل حبيب أو حماد أو خداش أو رؤية أو سالم أو شعبة أو عبد الله أو محمد أو مسلم أو مطرف
وقال ابن عبد البر إن صح له اسم فهو شعبة وهو الذي صححه أبو زرعة ومشى عليه الشاطبي وعاش قريبا من مائة سنة حتى كانت وفاته بعد التسعين ومائة
وأبو عمرو بن العلاء المازني أحد أئمة القراء قيل اسمه كنيته وقيل بل سمى إما العريان أو زبان أو يحيى أو جزء أو غيرها على الأقوال
وأبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف أحد الفقهاء السبعة لما قيل من إن اسمه كنيته ولكن قد قيل في اسمه إسماعيل أو عبد الله وهو الأرجح (3/222)
وبالجملة فأمثلة هذا القسم قليلة وقل أن تخلو من خدش وما أظرف قول بعض هؤلاء لابنه وقد سأله عن اسمه يا بني إن أباك ولد بعد أن قسمت الأسماء أو بالنقل قد زادا على الكنية التي هي اسمه وهو ثاني قسمي
القسم الأول نحو أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري قد كنى أبا محمد بخلف فيها فيقال إن أبا بكر اسمه وإن أبا محمد كنية وقيل بل اسمه كنيته وهو أبو بكر ونحوه القول بأنه لا كنية له بل اسمه وكنيته واحد حداه ابن الصلاح وغيره فافطن لهذا الخلاف
وأبي بكر بن عبد الرحمن ابن الحارث بن الحارث بن هشام أحد الفقهاء السبعة اسمه أبو بكر وكنيته أبو عبد الرحمن على ما قاله ابن الصلاح ثم المزي وقيل أبو محمد وقيل اسمه محمد وقيل عمرو ولكن الصحيح عند النووي والمزي أن اسمه كنيته
والقسم الثاني من يكنى ولا اسما له ندري فيما وقفنا عليه فلا ندري أكنيته اسمه الأول أو له اسم ولم نقف عليه نحو أبي أناس بضم الهمزة وتخفيف النون وآخره مهملة ابن زنيم بمعجمة ثم نون وآخره ميم مصغر الليثي أو الديلي صحابي وأبي شاه وأبي شيبة بمعجمة ثم مثناة تحتانية بعدها موحدة وهو الخدري بضم المعجمة ثم مهملة ساكنة أخو أبي سعيد الشهير صحابي مقل قال أبو زرعة وابن السكن لا نعرف اسمه
وكذا قال ابن سعد لم يسم لنا ولم نجد اسمه ولا نسبه في كتاب نسب الأنصار انتهى مات في حصار القسطنطينية ودفن هناك وأبي مويهبة أو أبي موهبة أو أبي موهوبة وهو قول الواقدي مولى رسول الله صلى الله عليه و سلم وأبي حريز مهملتين وآخره معجمة ككثير الموقفي شيخ لابن وهب والموقف محلة (3/223)
لمصر
ثم وهو القسم الثالث كنى نزلة منزلة الألقاب لمشابهتها لها في معناها من رفعة أو ضعة مع أن لصاحبها كنية غيرها
والقسم الرابع كنى التعدد بأن يكون له أكثر من كنية ولكل منهما أمثلة فالأول نحو أبي الشيخ فهو لقب للحافظ الشهير عبد الله بن محمد بن جعفر الأصبهاني أبي محمد وأبي تراب لعلي بن أبي طالب وما كان له اسم أحب إليه منه كما قاله سهل ابن سعد وكنيته أبو الحسن وأبي الزناد لعبد الله بن ذكوان وكان يغضب منه فيما قيل وكنيته أبو عبد الرحمن وأبي الآذان بالمد لعمر بن إبراهيم الحافظ لكبر أذنيه وكنيته أبو بكر وأبي الرجال لمحمد بن عبد الرحمن لأنه كان له عشرة أولا وكنيته أبو عبد الرحمن
ونحو ابن جريج بجيمين مصغر عبد الملك بن عبد العزيز بكل من أبي الوليد وأبي خالد كنى بالتشديد في أمثلة للتعديد ثاني هذين القسمين وكان عبد الله العمري يكنى بأبي القاسم فتركها وأكننى بأبي عبد الرحمن وكذا كان السهيلي يكنى بأبي القاسم وأبي عبد الرحمن قال ابن الصلاح وكان لشيخنا لمنصور بن أبي المعالي النيسابوري حفيد الفراوي ثلاث كنى أبو بكر وأبو الفتح وأبو القاسم قلت ونحوه شيخنا كنيته الصحيحة أبو الفضل وكنى أيضا بأبي العباس وبأبي جعفر وربما يذكر في هذا القسم ما يكون من أمثلة الذي بعده
ثم وهو الخامس ذوو الخلف كنى بالتنوين أي من الاختلاف في كناهم فاجتمع له من الاختلاف كنيتان فأكثر وعلما بلا خلاف أسماؤهم كأسامة بن زيد بن حارثة الحب بن الحب مولى رسول الله صلى الله عليه و سلم لا خلاف في اسمه وفي كنيته اختلاف فقيل أبو خارجة أو أبو زيد أو أبو عبد الله أبو محمد ولأبي محمد بن عبد الله بن عطاء الله الإبراهيمي الهروي من المتأخرين (3/224)
كما قال ابن الصلاح في هذا القسم مختصر قال وفي بعض أهله من هو في نفس الأمر ملتحق بالذي قبله
وعكسه وهو السادس من اختلف في أسماءهم دون كناهم كأبي هريرة فإنه لا خلاف في تكنيه بها واختلف في اسمه على نحو عشرين قولا فقيل عبد شمس وعبدنهم وعبد تميم وعبد العزي وعبد ياليل وهذه لا جائز أن تبقى بعد أن أسلم كما أشار إليه ابن خزيمة وعبيد بدون إضافة وعبيد الله وسكين بالتصغير وسكن بفتحتين وعمرو بفتح العين وعمير بالتصغير وعامر وبرير وبر ويزيد وسعد وسعيد وعبد الله وعبد الرحمن وجميعها محتمل في الجاهلية والإسلام إلا الأخيرين فإنهما إسلاميان جزما
وكذا مجموع ما قيل في اسم أبيه خمسة عشر قولا بل قال القطب الجلبي إنه اجتمع من اسمه واسم أبيه أربعة وأربعون قولا مذكورة في الكنى للحاكم والاستيعاب وتاريخ ابن عساكر اختار ابن إسحاق أنه عبد الرحمن بن صخر وصححه أبو أحمد الحاكم والرافعي في التذنيب والنووي وصححه الدمياطي أنه عمير بن عامر
وفيهما أي في الأسماء الكنى جميعا اختلاف وهو السابع كسفينة مولى رسول الله صلى الله عليه و سلم فسفينة إنما هو لقبه وبه اشتهر وفي اسمه واحد وعشرون قولا قيل عمير أو صالح أو مهران أو طهمان أو قيس ولا نطيل بسردها وكذا كنى بأبي عبد الرحمن أو أبي البختري
وعكسه وهو الثامن من لم يختلف في واحد من اسمه وكنيته كالأئمة الأربعة آباء عبد الله مالك والشافعي وأحمد وأبي حنيفة النعمان بن ثابت (3/225)
وذو اشتهار بسم بضم السين المهملة لغة في الاسم غير لغة القصر فيعرب بالحركات الظاهرة أي من اشتهر باسمه دون كنيته وإن كانت له كنية معينة وهو التاسع وهو الذي أفرده ابن الصلاح كما قدمنا بنوع كطلحة بن عبيد الله وعبد الرحمن بن عوف والحسن بن علي بن أبي طالب في آخرين كنية كل منهم أبو محمد وكالزبير بن العوام والحسين بن علي وحذيفة وسلمان وجابر في آخرين كنوا بأبي عبد الله
وعكسه وهو العاشر من اشتهر بكنيته دون اسمه وإن كان اسمه معينا معروفا ومنه أبو الضحى بضم الضاد المعجمة ثم حاء مفتوحة كنية لمسلم ابن صبيح بضم المهملة ثم موحدة مفتوحة وآخره مهملة وأبو إدريس الخولاني عائذ الله بن عبد الله في آخرين
ومما يلتحق بالكنى نوعان أهملهما ابن الصلاح واتباعه من وافقت كنيته اسم أبيه كأبي إسحاق إبراهيم بن إسحاق المدني أحد أتباع التابعين قال شيخنا وفائدة معرفته نفي الغلط عمن نسبه إلى أبيه فقال أخبرنا ابن إسحاق لظنه أنه تصحيف وأن الصواب أبا إسحاق أو كنيته كنية زوجته كأبي أيوب الأنصاري وأم أيوب صحابيان مشهوران وفائدته دفع توهم تصحيف أداة الكنية وعندي فيه مصنف لأبي الحسن بن حيويه (3/226)
الألقاب
( واعن بالألقاب فربما جعل ... الواحد اثنين الذي منها عطل )
( نحو الضعيف أي بجسمه ومن ... ضل الطريق باسم فاعل ولن )
( يجوز ما يكرهه الملقب ... وربما كان لبعض سبب )
( كغندر محمد بن جعفر ... وصالح جزرة المشتهر )
الألقاب
وكان الأنسب حيث خولف الأصل في ضم من عرف باسمه إلى أن يضم هذا إليهما ولعله أفرده لكثرة ما فيه من التصانيف
واعن أي اجعل أيها الطالب من عنايتك الاهتمام بـ معرفة الألقاب الماضي تعريفها في أفراد العلم قريبا للمحدثين والعلماء ومن يذكر معهم فربما جعل الواحد اثنين حيث يجيء مرة باسمه وأخرى بلقبه أو أكثر الذي منها أي من معرفتها عطل أي خلا لظنه في الألقاب أنها أسامي لا سيما وقد وقع ذلك لجماعة من أكابر الحفاظ كعلي ابن المديني وعبد الرحمن بن يوسف بن خراش وأبي أحمد بن عدي إذ فرقوا بين عبد الله بن صالح أخي سهيل وبين عباد بن صالح وجعلوهما اثنين وليس عباد بأخ لعبد الله كما أشرت إليه في الاخوة والأخوات بل هو لقبه حسبما قاله أحمد (3/227)
وابن معين وأبو حاتم الرازي وأبو داود السجستاني وموسى بن هارون بن عبد الله البغدادي ومحمد وابن إسحاق السراج وربما جهله الطالب أصلا ورأسا كما اتفق لبعض الأعيان حيث قال لشيخنا فتشت كتب الرجال عن تمتام فلم أقف عليه فقال له هو لقب واسمه محمد بن غالب بن حرب ترجمة الخطيب ثم الذهب وغيرهما
وقد صنف في الألقاب جماعة من الأئمة الحفاظ كأبي بكر أحمد بن عبد الرحمن الشيرازي وهو في مجلد مفيد كثير النفع واختصره أبو الفضل بن طاهر وكأبي الفضل الفكلي وأبي الوليد بن الفرضي محدث الأندلس وأبي الفرج بن الجوزي وهو أوسعها وسماه كشف النقاب وجمعها مع التخليص والزيادات في مؤلف بديع سماه نزهة الألباب وزدت عليه زوائد كثيرة ضممتها إليه في تصنيف مستقل
ولقب النبي صلى الله عليه و سلم جماعة من أصحابه منهم أبو بكر بالصديق وعمر بالفاروق وعثمان بذي النورين وعلي بأبي تراب وخالد بن الوليد سيف الله وأبو عبيدة ابن الجراح بأمين هذه الأمة وحمزة بأسد الله وجعفر بذي الجناحين وسمى قبيلتي الأوس والخزرج الأنصار فغلب عليهم وعلى حلفائهم وكان الحسن البصري يسمى محمد بن واسع سيد القراء وسفيان الثوري يدعو المعافي بن عمران ياقوتة العلماء وابن المبارك يلقب محمد بن يوسف الأصبهاني عروس الزهاد
وأشرف من اشتهر باللقب الجليل إبراهيم الخليل وموسى الكليم وعيسى المسيح صلى الله عليه و سلم عليهم
وهي تارة تكون بألفاظ الأسماء كأشهب وبالصنائع والحرف كالبقال وبالصفات كالأعمش والكنى كأبي بطن والأنساب إلى القبائل والبلدان وغيرها وأمثلة ذلك كثيرة نحو الضعيف لقب عبد الله بن محمد بن يحيى (3/228)
أبي محمد الطبرسوسي أي بجسمه لا في حديثه كما قاله عبد الغني بن سعيد المصري ونحوه قول النسائي إنه لقب به لكثرة عبادته يعني كأن العبادة أنهكت بدنه لكن قال ابن حبان إنه قيل له ذلك لأتقانه وضبطه يعني من بعد الأضداد كما قيل لمسلم بن خالد الزنجي مع أنه كان فيما قيل أشقر كالبصلة أو أبيض مشربا بالحمرة وكذا لهم يونس لقبه أحمد بالصدوق ولم يكن صدوقا وإنما قيل له ذلك على سبيلي التهكم كما صرح به عبد الله بن أحمد فقال إن أباه عني بالصدوق الكذوب مقلوب
ونحو من ضل الطريق وهو معاوية بن عبد الكريم لقب بـ الضال اسم فاعل من ضل لأنه كما صرح به أبو حاتم ضل في طريق مكة وكذا قال الطبراني في معجمه الكبير وزاد فمات مفقودا قال وكذا فقد معمر بن راشد وسلم بن أبي الذيال فلم ير لهما اثر ونحوه قول الحافظ عبد الغني رجلان نبيلان لزمهما لقبان قبيحان معاوية الضال وإنما ضل في طريق مكة وعبد الله الضعيف وإنما كان ضعيفا في جسمه
ونحوه القوي لقب للحسن بن يزيد بن فروح أبي يونس لقب بذلك مع كونه كان ثقة أيضا لقوته على العبادة والطواف حتى قيل إنه بكى حتى عمي وصلى حتى حدب وطاف حتى أقعد كان يطوف في كل يوم سبعين أسبوعا
ثم إن الألقاب تنقسم إلى ما لا يكرهه الملقب به كأبي تراب لعلي بن أبي طالب فإنه لم يكن له اسم أحب إليه منه كما قدمته وكبندار لمحمد بن بشار لكونه كما قال الفلكي كان بندار الحديث وإلى ما يكرهه كأبي الزناد وعلي بن رباح ومشكدانة فالأول جائز ذكره في الرواية وغيرها سواء عرف (3/229)
بغيره أم لا ما لم يرتق إلى الإطراء المنهي عنه فليس بجائز
ولن يجوز أيضا ما يكرهه الملقب إلا إذا لم يتوصل لتعريفه إلا به كما أوضحناه في أواخر آداب المحدث بما أغنى من إعادته ويتأكد التحريم في التلقيب المبتكر من الملقب
فعن ابن عمر مرفوعا كما عند الحاكم وغيره ما من رجل من رمى رجلا بكلمة يشينه بها إلا حبسه الله تعالى يوم القيامة في طينة الخبال حتى يخرج منها ومن المهم معرفة أسبابها فـ ربما كان لبعض منها سبب يعني ظاهر وإلا فكلها لا تخلو عن أسباب ويستفاد الكثير من ذلك من جزء سمعته للحافظ أبي محمد عبد الغني بن سعيد الأزدي المصري سماه أسباب الأسماء كالضعيف والصدوق والقوي والضال مما ذكر هنا وأبي الرجال وأبي الآذان مما ذكر في النوع قبله ومطين مما ذكر في متى يصح تحمل الحديث ومشكدانة مما ذكر في أدب المحدث والنبيل لأبي عاصم الضحاك بن مخلد لكونه لما بلغه أن شعبة حلف أن لا يحدث لأمر عرض له قال له حدث وغلامي فلان حر فقال له شعبة أنت نبيل وقيل في سبب ذلك غير هذا وصاعقة لمحمد بن عبد الرحيم لشدة مذكراته وحفظه وغنجار لعيسى بن موسى أبي أحمد التميمي البخاري لحمزة وجنيد وخت ليحيى بن موسى شيخ البخاري لأنها كلمة كانت تجري على لسانه ولوين لمحمد بن سليمان لكونه كما قال الطبري كان يبيع الدواب ببغداد فيقول هذا الفرس له لوين هذا الفرس له قديد
ولكن قد نقل عنه قوله لقبتني أي لوينا وقد رضيت به وكغندر بضم المعجمة ثم نون ساكنة بعدها دال مهملة مفتوحة ثم راء محمد بن جعفر لكونه كان يكثر الشغب على ابن جريج حين قدم البصرة فقال له ابن جريج اسكت يا غندر قال عبيد الله ابن عائشة العيشي وأهل الحجاز (3/230)
يسمون المشغب غندرا وقال أبو عمر غلام ثعلب العندر الصيخ وأغرب أبو جعفر النحاس فزعم في تأليفه الاشتقاق أنه من الغدر وأن نونه زائدة وداله تضم وتفتح على أن البلقيني قال إن التشغيب في ضمنة ما يشبه الغدر فحينئذ لا يكون مخالفا ولم ينفرد بالتلقيب بذلك بل شاركه فيه شعبة ممن اتفق معه أيضا في الاسم واسم الأب واثنان ممن اتفق معه في الاسم خاصة في اثنين اسم كل منهما أحمد أوردتهم في تصنيفي المشار إليه والماجشون ليعقوب بن أبي سلمة لأنه كان أبيض أحمر وكـ ـصالح هو ابن محمد بن عمرو بن حبيب أبي علي البغدادي ثم البخاري الملقب جزرة بجيم ثم زاي منقوطة ثم راء مفتوحات وهاء تأنيث المشتهر بالحفظ والإتقان والضبط والثقة لكونه حكى عن نفسه مما رواه الحاكم أنه صحف خرزة في حديث عبد الله بن بسر أنه كان يرقى بخرزة يعني بمعجمة ثم راء ثم زاء منقوطة إذ سئل من أين سمعت فقال من حديث الجزرة يعني بجيم ثم زاء منقوطة ثم راء وذلك في حداثته فبقيت على وقيل في هذه الحكاية عنه وجه آخر وأنه قرأ على بعض شيوخ الشام القادمين عليهم حدثكم حريز بن عثمان قال كان لأبي أمامة خرزة يرقى بها المريض فقالها جزرة وقيل إنه كان يقرأ على الذهلي في الزهريات فلما بلغ حديث عائشة أنها كانت تسترقي من الجزرة فقال من الجزرة فلقب به وغلط الخطيب آخرها
وبالجملة فيه متفقة على أن السبب تصحيفه خرزة
نعم قيل في السبب ما يخالفه وهو أنه لما كان في الكتاب أهدى الصبيان للمؤدب هديا فكانت هديته هو جزرة فلقبه المؤدب بها وبقيت عليه والأول أشهر
واتفق أنه كان يوما يمشي مع رفيق له يلقب الجمل فمر جمل عليه جزر فقال له رفيقه ما هذا قال أنا عليك وكان مذكورا كما أشير إليه في (3/231)
التصحيف بكثرة المزاح وفي ترجمته من ذلك ما يستظرف وكابن دقيق العيد فإن الملقب بذلك جده وهب لكونه خرج يوما من بلده قوص وعليه طيلسان أبيض وثوب أبيض فقال شخص بدوي كان قماش هذا يشبه دقيق العيد يعني في البياض فلزمه ذلك
ومن ظريف هذا النوع بموت لقب لمحمد بن المزدع ابن يموت البغدادي الأخباري كان يقول فيما روينا عنه بليت بالاسم الذي سماني به أهلي فإني إذا عدت مريضا فاستأذنت عليه فقيل من ذا أسقط إسمي وأقول ابن الزرع (3/232)
المؤتلف والمختلف
( واعن بما صورته مؤتلف ... خطا ولكن لفظه مختلف )
( نحو سلام كله فثقل ... لا ابن سلام الحبر والمعتزلي )
( أبا علي فهو خف الجد ... وهو الأصح في أبي البيكندي )
( وابن أبي الحقيق وابن مشكم ... والأشهر التشديد فيه فاعلم )
( وابن محمد بن ناهض فخف ... أو زرده هاء فكذا فيه اختلف )
( قلت وللحبر ابن أخت خفف ... كذاك جد السيدي والنسفي )
( عين أبي بن عمارة أكسر ... وفي خزاعة كريز كبر )
( وفي قريش أبدا حزام ... وافتح في الأنصار برا حرام )
( في الشام عنسى بنون وببا ... في كوفة والشين والبا غلبا )
( في بصرة ومالهم من اكتنى ... أبا عبيدة بفتح في الكنى )
( في السفر بالفتح وما لهم عسل ... إلا ابن ذكوان وعسل فجعل )
( والعامري ابن علي عثام ... وغيره فالنون والإعجام )
( وزوج مسروق قمير صغروا ... سواه ضما ولهم مسور )
( ابن يزيد وابن عبد الملك ... وما سوى ذين فمسور حكى )
( ووصفوا الحمال في الرواة ... هارون والغير بجيم يأتي )
( ووصفوا حناطا أو خباطا ... عيسى ومسلما كذا خياطا )
( والسملي افتح في الأنصار ومن ... يكسر لامه كأصله ولحن )
( ومن هنا لمالك ولهما ... بشارا أفرد أب بندار هما ) (3/233)
( ولهما سيار أي أبو الحكم ... وابن سلامة وباليا قبل جم )
( وابن سعيد بسر مثل المازني ... وابن عبيد الله وابن محجن )
( وفيه خلف وبشيرا أعجم ... في ابن يسار وابن كعب واضمم )
( يسير بن عمرو أو أسير ... والنون في أبي قطن نسير )
( جد علي بن هاشم بريد ... وابن حفيد الأشعري بريد )
( ولهما محمد بن عرعرة ... ابن البرند فالأمير كسره )
( ذو كنية بمعشر والعالية ... براء أشدد وبجيم جارية )
( ابن قدامة كذاك والد ... يزيد قلت وكذاك الأسود )
( ابن العلا وابن أبي سفيان ... عمرو فجدا ذا وذا سيان )
( محمد بن حازم لا تهمل ... والد ربعي حراش أهمل )
( كذا حريز الرحبي وكنيه ... قد علقت وابن حدير عده )
( حضين أعجمه أبو ساسانا ... وافتح أبا حصين أي عثمانا )
( كذاك حبان بن منقذ ومن ... ولده وابن هلال واكسرن )
( ابن عطية مع ابن موسى ... ومن رمى سعدا فنال بوسا )
( خبيبا أعجم في ابن عبد الرحمن ... وابن عدي وهو كنية كان )
( لابن الزبير ورياح اكسر بيا ... أبا زياد بخلاف حكيا )
( واضمم حكيما في ابن عبد الله قد ... كذا رزيق بن حكيم وانفرد )
( وزبيد بن الصلت واضمم واكسر ... وفي ابن حيان سليم كبر )
( وابن أبي سريج أحمد ائتسا ... بولد النعمان وابن يونسا )
( عمرو مع القبيلة ابن سلمة ... واختر بعبد الخالق بن سلمة )
( والد عامر كذا السلماني ... وابن حميد وولد سفيان )
( كلهم عبيدة مكبر ... لكن عبيد عندهم مصغر )
( وافتح عبادة أبا محمد ... واضمم أبا قيس عبادا أفرد )
( وعامر بجالة ابن عبدة ... كل وبعض بالسكون قيده ) (3/234)
( عقيل القبيل وابن خالد ... كذا أبو يحيى وقاف واقد )
( لهم كذا الأيلي لا الأبلي ... قال سوى شيبان والرا فاجعل )
( بزارا أنسب ابن صباح حسن ... وابن هشام خلفا ثم انسبن )
( بالنون سالما وعبد الواحد ... ومالك بن الأوس نصريا يرد )
( والتوزي محمد بن الصلت ... وفي الجريري ضم جيم يأتي )
( في اثنين عباس سعيد بحا ... يحيى بن بشر بن الحرير فتحا )
( وانسب حزاميا سوى من أبهما ... فاختلفوا والحارثي لهما )
( وسعد الجاري فقط في النسب ... همدان وهو مطلقا قدما غلب )
المؤتلف والمختلف
واعن أي اجعل أيها الطالب من عنايتك الاهتمام بمـ معرفة ما صورته من الأسماء والأنساب والألقاب ونحوها مؤتلف خطا أي متفق في الخط ولكن لفظه مختلف فهو فن واسع من فنون الحديث المهمة الذي يحتاج إليه في دفع معرفة التصحيف ويفتضح العاطل منه حيث لم يعدم محجلا ويكثر عثارة ومن ثم قال علي بن المديني أشد التصحيف ما يقع في الأسماء ووجهه بعضهم كما تقدم في ضبط الحدي بأنه شيء لا يدخله القياس ولا قبله شيء يدل عليه ولا بعده
والتصانيف فيه كثيرة فصنف فيه أبو أحمد العسكري لكنه أضافه إلى كتاب التصحيف له ثم أفرده بالتأليف عبد الغني بن سعيد ولذا كان أول من صنف فيه وله فيه كتابان أحدهما في مشتبه الأسماء والآخر في مشتبه الأنساب ثم شيخه الدارقطني وهو حافل واستدرك عليهما الخطيب في ذيل مفرد وجمعها مع زايادات الأمير أبو نصر بن ماكولا بحيث كان كتابه وهو في مجلدين كما تقدم في آداب طالب الحديث أكمل التصانيف فيه بالنسبة لمن (3/235)
قبله بل واستدرك عليهم في كتاب آخر جمع فيه أوهامهم وبينها وكتابه في ذلك عمدة كل محدث بعده
وقد ذيل عليه ما فاته أو تجدد بعده المعين أبو بكر بن نقطة بذيل مفيد في قدر ثلي الأصل ثم ذيل على بن نقطة كل من الجمال أبي حامد بن الصابوني ومنصور بن سليم بالفتح وثانيهما أكبرهما وتواردا في بعضما ذكراه وكذا ذيل على ابن نقطة العلاء مغلطاي جامعا بين الذيلين المذكورين مع زيادات من أسماء الشعر أو أنساب العرب وغير ذلك ولكن فيه أوهام وتكرير حيث يذكر ما هو صالح لإدخاله في الباء والتاء والسين والشين مثلا في أحدهما ويكون من قبله ذكره في الآخر
وممن ذيل على عبد الغني المستغفري وصنف فيه أيضا الآمدي وأبو الفضل ابن ناصر وعبد الرزاق بن الفوطي فيما أفاده ابن الجزري وقال إنه أجمعها وأبو العلاء محمود الفرضي البخاري ولتلميذه ابن رافع عليه ذيل في أوراق يسيرة لا يرد أكثره
وكذا لأبي سعيد الماليني المؤتلف والمختلف لكن في الأنساب خاصة وللزمخشري المشتبه وللذهبي مخصر جدا جامع لخصه من عبد الغني وابن ماكولا وابن نقطة وشيخه الفرضي ولكنه أحجف في الاختصار بحيث لم يستوعب غالبا أحد القسمين مثلا بل يذكر من كل منهما جماعة ثم يقول وغيرهم فيصير من يقع له راو ممن لم يذكره في حيرة لأنه لا يدري بأي القسمين يلتحق ونحو ذلك واكتفى فيه بضبط القلم فلا يعتمد لذلك على كثير من نسخه وصار لذلك كتابه مبياينا لموضوعه لعدم الأمن من التصحيف فيه وفاته من أصوله أشياء وقد اختصره شيخنا فضبطه بالحروف على الطريقة المرضية وزاد ما يتعجب من كثرته مع شدة تحريره واختصاره فإنه في مجلد واحد وميز في كل حرف منه الأسماء عن الأنساب وهو فيما (3/236)
أخذته عنه وحققت فيه مواضع نافعة وقد كان شيخه المصنف اجتمع له من الزيادات في هذا النوع جملة كثيرة بحيث عزم على إفراد تصنيف فيه فما تيسر
نعم لحافظ الشام ابن ناصر الدين عصري شيخنا مصنف حافل مبسوط في توضيح المشتبه وجرد منه الأعلام بما وقع ف ي مشتبه الذهبي في الأوهام
ثم هو على قسمين أحدهما ما ليس له ضابط يرجع إليه لكثرة كل من القسمين كأسد وأسيد مثلا أو الأقسام كحبان وحبان وحيان مثلا وذلك إنما يعرف بالنقل والحفظ وثانيهما ما ينضبط لقلة أحد القسمين ثم تارة يراد فيه التعميم بأن يقال ليس لهم كذا إلا كذا أو التخصيص بالصحيحين و الموطأ بأن يقال ليس في الكتب الثلاثة كذا إلا كذا
وقد ذكر ابن الصلاح من أمثلة كليهما عيونا مفيدة وتراجم عديدة فيمن الأول وربما أدرج فيه ما هو كلي بالنسبة لقريش والأنصار نحو سلام كله فثقل أي شدد اللام من كله لا أي إلا ابن سلام الصحابي الإسرائيلي ثم الأنصاري الحبر بفتح المهملة وكسرها وهو أفصح أي العالم فقد كان أولا من أحبار أهل الكتاب بحيث نزل فيه بعد إسلامه ( قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب ) وقوله ( وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله ) واسمه أولا الحصين فغيره النبي صلى الله عليه و سلم عبد الله فهو بالتخفيف والمعتزلي أبا علي الجبائي محمد بن عبد الوهاب بن سلام فهو أيضا خف أي مخفف الجد وهو أي التخفيف الأصح وقال ابن الصلاح إنه الأثبت في سلام أبي أي والد محمد بن سلام بن الفرج البيكندي بكسر الموحدة كما لأبي علي الجبائي وسكون المثناة التحتانية ثم كان مفتوحة ونون ساكنة بعدها دال مهملة (3/237)
البخاري الحافظ أحد شيوخ البخاري صاحب الصحيح فهو الذي نقله غنجار في تاريخ بخاري عن أبي عصمة وسهل بن المتوكل أحد الآخذين عن محمد وأنه بالتخفيف لا بالتشديد وأقره غنجار وإليه المفزع والمرجع فهو أعلم بأهل بلاده ولم يذكر الخطيب وابن ماكولا غيره
وقال ابن زيدان المسكي سألت عبد الغني المقدسي عنه فقال إنه بالتخفيف لا غير كذلك قرأته على أبي الفضل أحمد بن صالح الجيلي والذي قاله أبو علي الجبائي في تقييد المهمل التشديد خاصة وصنيع بن أبي حاتم في الجرح والتعديل تقتضيه وقال كل من صاحب المشارق والمطالع إنهما لأكثر قال شيخنا ولم يتابع
وقال المصنف وكأنه اشتبه بآخر شاركه في الاسم واسم الأب والنسبة حدث عن الحسن بن سوار الخراساني وعلي بن الجعد الجوهري روى عنه عبيد الله بن واصل البخاري وهو من أقرانه فإن ذاك بالتشديد فيما ذكره الخطيب في التلخيص وغيره واسم جده السكن وكان يقال له البيكندي الصغير وإلا فشيخ البخاري قد روينا من طريق أبي عصمة الماضي قريبا أنه سمعه يقول أنا محمد بن سلام بالتخفيف وهذا قاطع للنزاع ولذا صنف فيه المنذري وقد قرأه بعضهم بالتشديد فقال له المستمع سلام عليكم
وإلا ابن أبي الحقيق بمهملة وقاف مصغر أبا رافع اليهودي الذي بعث إليه النبي صلى الله عليه و سلم من قتله وهو في حصن له من أرض الحجار فهو سلام بالتخفيف لقول المبرد في الكامل إنه ليس في العرب بالتخفيف إلا هو ووالد عبد الله الماضي أولا ولكن الذي في النسخة المعتمدة من سيرة ابن هشام في هذا التشديد ولذا قال شيخنا في الفتح وقال ابن إسحاق هو سلام بتشديد اللام ولم يحك غيره كما أن ابن الصلاح ومن تبعه لم يحك غير (3/238)
التخفيف وصرح شيخنا في المشتبه بأنه ممن اختلف فيه وعلى هذا فيصح في ابن أبي الحقيق الجر أيضا على أنه قد قيل في اسمه أيضا إنه عبد الله وله أخوان كنانة الذي كان أولا على أم المؤمنين صفية ابنة حبي والربيع الذي كان بعد وقعة بعاث رئيس بني قريظة وقتلهما النبي صلى الله عليه و سلم جميعا في فتح خيبر
وإلا ابن مشكم تثليث الميم ثم شين معجمة ساكنة وفتح الكاف ثم ميم لقول ابن الصلاح عقب حكايته قول المبرد الماضي وزاد آخرون سلام بن مشكم خمارا كان في الجاهلية قال والأشهر المعروف التشديد فيه فاعلم ذلك قال شيخنا تبعا لغيره وفيه نظر لأنه ورد في الشرع الذي هو ديوان العرب مخففا فقال ابن إسحاق في السيرة وقال سمال اليهودي
( فلا تحسبني كنت مولى ابن مشكم ... سلام ولا مولى حيي بن أخطبا )
وقال كعب بن مالك من قصيدة
( فطاح سلام وابن سعية عنوة ... وقيد ذليلا للمنايا ابن أخطبا )
وقال أبو سفيان بن حرب
( سقاني فرواني كميتا مدامة ... على ظمإ مني سلام بن مشكم )
وكل هذا دال للتخفيف
قلت وهو الذي في الأصل المعتمد من سيرة ابن هشام قال شيخنا وكان قول أبي سفيان هو السبب في تعريف ابن الصلاح له بكونه كان خمارا لكن قد عرفه ابن إسحاق في السيرة بأنه كان سيد بن النضير قلت وذلك في قصة أوردها ابن هشام في غزوة السويق من سيرته فقال وكان أبو سفيان ابن حرب كما حدثني محمد بن جعفر بن الزبير ويزيد بن رومان ومن لا أنهم عن عبد الله بن كعب بن مالك وكان من أعلم الأنصار حين رجع إلى مكة ندر (3/239)
أن لا يمس رأسه ماء من جنابة حتى يغزو محمد صلى الله عليه و سلم فخرج في مائتي راكب إلي أن قال حتى أتى بني النضير تحت الليل فأتى جبي بن أخطب فضرب عليه بابه فأبى أن يفتح له وخافه فانصرف عنه إلى سلام بن مشكم وكان سيد بن النضير في زمانه ذلك وصاحب خبرهم فاستأذن عليه فأذن له فقرأه وسقاه وبطن له من أخبار الناس إلى أن ذكر خروج النبي صلى الله عليه و سلم في طلبهم وذكر القصيدة التي قالها أبو سفيان لما صنع له سلام وفيها سقاني فرواني البيت وقبله وهو أول الأبيات
( إني تخيرت المدينة واحدا ... لخلف فلم أندم ولم أتلوم )
وكذا قال أبو الفرج الأصبهاني صاحب الأغاني إنه كان رئيس بني النضير قال شيخنا وأبو سفيان لا يمدح من يكون خمارا بل إنما كان أضافه فمدحه وقال غيره بل ذلك لا يخرجه عن أن يكون خمارا ثم إنه لا يقال لعل تخفيفه في الشعر للضرورة فذاك خلاف الأصل
وأما بان محمد بن ناهض بالنون والهاء والضاد المعجمة المقدسي فخف أي فمخفف اللام من سلام اسمه أيضا بلا خلاف واقتصر في اسمه على سلام أو زده هاء فكذا فيه اختلف بين الآخذين عنه فقال بدونها أبو طالب أحمد بن نصر الحافظ وبإثباتها أبو القاسم الطبراني
قلت وعلى هؤلاء الستة أعني الصحابي الحبر وجد أبي علي الجبائي البيكندي وابن أبي الحقيق وابن مشكم وابن ناهض اقتصر ابن الصلاح
وللحبر أولهم ابن أخت اسمه سلام عده في الصحابة ابن فتحون في زيله على الاستيعاب ولم نقف على اسم أبيه خفف أي لأمه أيضا كذاك (3/240)
جد سعد بن جعفر بن سلام أبي الخير البغدادي السيدي بفتح المهملة وياء تحتانية ثقيلة مكسورة لكونه كان وكيل السيدة أخت المستنجد روى سعد عن ابن البطي ومعمر بن الفاخر ويحيى بن ثابت بن بندار ومات سنة أربع عشرة وستمائة ذكره ابن نقطة في التكملة فيما وجد بخطه وجد أبي نصر محمد بن يعقوب بن إسحاق بن محمد بن موسى بن سلام النسفي بفتح النون والسين المهملة قيده بن السمعاني وغيره نسبة لنسف بكسر النون وفتحته للنسب كالنمري وينسب أيضا السلامي لجده المذكور يروى عن زاهر ابن أحمد وأبي سعيد عبد الله بن محمد الرازي مات بعد الثلاثين وأربعمائة ذكره الذهبي وكذا لهم سلمة بن سلام أخو الحبر صحابي أيضا ذكره ابن مندة وكذا ابن فتحون في الذيل لكن قال إنه ابن أخي الحبر ومع ذلك فلم يسم أباه
وكذا للحبر ولدان يوسف له رؤية بل وحفظ عن النبي صلى الله عليه و سلم ومحمد ذكر في الصحابة أيضا ولأولهما ابن اسمه حمزة روى عن أبيه وحفيد اسمه محمد بن حمزة روى عنه الوليد بن مسلم وغيره وإبراهيم وعبد الله أبناء البيكندي الكبير الماضي ولكن أغنى عن ضبط الأخيرين ذكر أبيهما وعن الخمسة قبلهما ذكر الحبر نعم لهم علي بن يوسف بن سلام بن أبي دلف البغدادي شيخ للدمياطي وهو الذي ضبطه وكان اسم سلام عبد السلام فخفف ومن ذلك عمارة فـ عين أبي بالضم مصغر ابن عمارة الصحابي المخرج حديثه في أبي داؤد وابن ماجة والحاكم وقيل إنه صلى القبلتين خاصة اكسر على المشهور قال ابن الصلاح ومنهم من ضمها ومن عداه فبالضم جزما وفاته عمارة بالفتح ثم التثقيل وهم نساء ورجال فالرجال جعفر بن أحمد بن عمارة الحربي عن سعيد بن البنا وابناه قاسم وأحمد ومدرك بن عبد الله ابن القمقام بن عمارة بن مالك القضاعي ولي لعمر بن عبد العزيز الجزيرة وبركة بن عبد الرحمن بن أحمد بن عمارة سمع أبا المظفر بن أبي (3/241)
البركات قيده الشريف عز الدين في الوفيات وأبو عمر محمد بن عمر بن علي بن عمارة الحربي وأبو القاسم محمد بن عمارة الحربي النجار روى عن عبد الله بن أبي المجد وغيره وبنو عمارة بطن منهم المجذر بالذال المعجمة واسمه عبد الله بن زياد بن عمرو ابن أخزم بن عمرو بن عمارة بن مالك البلوي وقريبه يزيد بن ثعلبة بن خزمة ابن أصرم بن عمر وأخوه بحاث وعبد الله صحابة والنساء عمارة ابنة عبد الوهاب الحميصة روى عنها ابنها أحمد بن نصر وعمارة ابنة نافع بن عمر الجمحي وهي أم محمد بن عبد الله بن عبد الرزاق بن عمر بن عبد الله بن حميل الذي كان على بيت المال ببغداد لأمير المؤمنين المأمون وعمارة عن أبي ظلال وعنها أبو يوسف محمد بن أحمد الصيدلاني الرقي وهي جدته وعمارة الثقفية زوج محمد بن عبد الوهاب الثقفي يقول فيها ابن مناذر من أبيات محمد زوج عمارة وعمارة امرأة يزيد بن منية يقول فيها عنترة بن عروس مما أنشده الآمدي تقول عمارة لي يا عنترة
ومن ذلك كريز كله بالضم مصغر ليس في عبد شمس بن عبد مناف كما نقله الجياني في تقييد المهمل عن محمد بن وضاح وغيره
وفي خزاعة بدون صرف للضرورة كريز بعني فقط كبر ومنهم طلحة بن عبيد الله بن كريز تابعي وابنه عبيد الله عن الحسن والزهري
قال ابن الصلاح ولا يستدرك يعني على الحصر في خزاعة أيوب بن كريز الراوي عن عبد الرحمن بن غنم لكون عبد الغني ضبطه بالفتح فإنه بالضم عند الدارقطني وغيره أي كابن ماكولا
ومن ذلك حزام فقل في قريش أبدا حزام بكسر الحاء المهملة وبالزاي منقوطة وافتح الحاء أبدا في الأنصار بالنقل مع الإتيان برا (3/242)
وبالقصر بمهملة بدال المنقوطة فقل حرام وليس المراد بهذا إلا ضبط ما في هاتين القبيلتين خاصة فلا يعترض بأنه وقع حزام بالزاي في خزاعة وبني عامر بن صعصعة وغيرهما وحرام بالراء في بلى وخثعم وحزام وتميم بن مر بل وفي خزاعة أيضا وفي عذرة وبني فزارة وهذيل وغيرهم فضلا عن أن يقال لهم خرام بخاء معجمة مضمومة وراء ثقيلة وخزام بفتح المعجمة ثم زاء ثقيلة وخزام بضم المعجمة ثم زاء خفيفة كما بين كل ذلك في محاله
نعم إدخال هذه الترجمة في أثناء ما هو كلي ملبس لا سيما والاشتباه فيها لغير البارع باق أيضا فإنه قد يمر الراوي غير منسوب فلا يدري الطالب من أي القبيلتين هو
ومن ذلك عنسي فالذي في الشام بالهمزة الساكنة وتركها من لغاته كما سبق مثله في آخر الصحابة لا سيما داريا منها عنسى بنون ثم سين مهملة نسبة لعنس حى من مذحج في اليمن كعمير بن هاني تابعي ومحمد بن الأسود روى عن عمر وعبسى ببا وبالقصر للضرورة بموحدة بدل النون في كوفة بالصرف للضرورة نسبة في الأكثر لعبس غطفان كربعي بن حراش وعبيد الله بن موسى وعيشى بالشين المعجمة والياء وبالقصر للضرورة أيضا المثناة التحتانية نسبة لعائشة ابنة أحد العشرة طلحة كعبيد بن محمد ابن حفص ولبنى عائشة ابنة تيم الله كمحمد بن بكار بن الريان غلبا الذي بالمعجمة والتحتانية أي هو في الأغلب في بصرة بتثلث الموحدة والكسر أصحها وبالصرف أيضا كما تقدم في معرفة الصحابة لا جميعهم
بل والمذكور في كل من الشام والكوفة هو الغالب أيضا كما هو مقتضى صنيع ابن الصلاح فإنه قال ذكر أبو علي البرداني أنه سمع الخطيب الحافظ يقول العيشيون يعني بالمعجمة بصريون والعبسيون يعني بالموحدة كوفيون والعنسيون يعني بالنون شاميون ثم قال وقد قاله قبله الحاكم
قال أعني ابن الصلاح وهذا يعني في الجميع على الغالب انتهى (3/243)
إنه لا ينتقد هذا الضابط بقول ابن سعد عن الكلبي إنه ليس بالكوفة والبصرة رهاوي ولا عنس وهم باليمن والشام كثير حيث اقتضى أنه بالنون في اليمن أيضا ونحوه قول ابن ماكولا وابن السمعاني في العنسيين وعظم عنس في الشام وابن ماكولا في العيشيين أنهم جماعة كثيرة عامتهم بالبصرة فالضابط إنما هو لخصوص الثلاثة كما أنه لا ينتقد بالعيشي كالثالث لكن بكسر أوله والعيسي بالكسر أيضا لكن سينه مهملة أو أنعيشى بفتح المعجمة وسكون الشين المعجمة بعدها مثناة أو العيشى بكسر المعجمة ثم تحتانية ساكنة ثم معجمة كما بين في محاله
نعم ينتقد بمن يكون من الكوفة وهو عيشي بالياء المثناة والمعجمة أو عنسي بالنون كعمار بن ياسر الصحابي فإن كونه معدودا في الكوفيين عنسي بالنون والظاهر أنها نسبة لعنس الذي انتسب إليه الشاميون فياسر والد عمار وكان صحابيا أيضا كان ممن قدم من اليمن أو بمن يكون من الشام وهو عبسي بالموحدة أو عيشي بالتحتانية والمعجمة أو من البصرة وهو عنسي بالنون أو عبسي بالموحدة ويأتي في كون هذه الترجمة ليست كلية وكذا فيم جاء غير منسوب ما قلناه في الترجمة قبلها
ومن ذلك أبو عبيدة وكلهم بالضم والتصغير وما لهم أي الرواة كما قاله الدارقطني من اكتنى أبا عبيدة بفتح في أوله ثم كسر لثانيه وبالصرف للضرورة وهو كذلك كما قاله شيخنا في المتقدمين فمن بعدهم من المشارقة ووجد في المائة الخامسة من المغاربة أحمد بن عبد الصمد بن أبي عبيدة من شيوخ القاضي أبي القاسم بن بقي ضبطه ابن عبد الملك في التكملة بفتح العين وأرخه سنة ست وثمانين وخمسمائة
ومن ذلك السفر بالفاء فالأسماء كلها بالسكون السفر بن نسير عن أبي هريرة وأبو الفيض يوسف بن السفر في الكنى في السفر بالفتح كما قاله (3/244)
ابن الصلاح قال ومن المغاربة من يسكن الفاء أي من أبي السفر سعيد بن يحمد التابعي يعني والد عبد الله قال وذلك خلاف ما حكاه الدارقطني عن أصحاب الحديث ووافقه المزي في هذا الضابط فقال الأسماء بالسكون والكنى بالحركة وأما السقر بالقاف الساكنة فلهم جماعة مسمون بذلك وهم سقر ابن عبد الرحمن عن عمه شعبة وصقر بن عبد الرحمن أبو نهر الكوفي سبط مالك ابن مغول شيخ لأبي يعلي الموصلي عن شريك والكوفين شيخ لأبي يعلي الموصلي وسقر بن حسين الخزاعي العقدي وسقر بن عداس عن سليمان بن حرب وسقر بن حبيب اثنان روى أحدهما عن عمر بن عبد العزيز والآخر عن أي رجاء الطارودي وسقر بن عبد الله عن عروة وكذا لهم في الكنى من ذلك أيضا أبو السقر يحيى بن يزداد عن حسين بن محمد المروزي لكن نقل عن شيخنا أن كل من بالقاف يعني من الأسماء والكنى الأشهر فيه الصاد بدل السين واقتصر في المشتبه على حكايته بدون ترجيع فقال ويقال في هؤلاء بالصاد وكذا ذكر ابن حبان سقر بن عبد الرحمن الماضي في كل من الحرفين ولهم أيضا شقر بفتح الشين المعجمة والقاف حي من تميم ينسب إليهم الشقريون قال الدارقطني ومعاوية بن الحارث بن تميم سمي الشقر يعني بفتح الشين وكسر القاف لقوله
( وقد أحمل الرمح الأصم كعوبه ... به من دماء القوم كالشقرات )
قال وهو أبو حي من تميم والشقر هو شقائق النعمان وفيه نظر معاوية إنما هو الشقرة بها في آخره كما صرح به غير واحد وشقر بضم ثم سكون مدينة بالأندلس وحينئذ فما حصل بهذا الضابط تميز إلا في خصوص الفاء
ومن ذلك عسل وما لهم أي الرواة كما قاله ابن الصلاح عسل بفتح (3/245)
المهملتين إلا ابن ذكوان بذال معجمة الاخباري البصري أحد من لقي الأصمعي ذكره الدارقطني وغيره
وأما عسل بكسر أوله وسكون ثانية فجمل بضم الجيم وفتح الميم جمع جملة أي فكثير وهم عسل بن سفيان عن عطاء وضبغ صبيغ بن شريك بن المنذر بن قطن بن قضع بن عسل بن عمرو بن يربوع التيمي وربما نسب لجده الأعلى فقيل صيغ بن عسل وأخوه ربيعة شهد الجمل وابن أخيهما عسل بن عبد الله حدث عن عمه صبيغ بل قال ابن الصلاح إنه وجد ابن ذكوان بخط الإمام منصور الأزهري في تهذيب اللغة له كذلك قال ولا أراه ضبطه وزعم مغلطائي أنه راجع نسختين من المحكم فلم يرد ذلك فيه فالله أعلم
ومن ذلك غنام والعامري الكوفي ابن علي بالسكون بن هجير بهاء ثم جيم وآخره مصغر اسمه عثام بمهملة مفتوحة ثم مثله مشددة يروى عن هشام بن عروة والأعمش وغيرهما وكذا حفيده المشارك له في اسمه واسم أبيه عثام بن علي وأما غيره أي غير من ذكر كغنام بن أوس الصحابي وعبيد بن غنام الكوفي رواية أبي بكر بن أبي شيبة فالنون والإعجام أي فهو غنام بالغين المعجمة والنون
تنبيه وقع في بعض النسخ من النظم هنا قلت ابن عثام صحابي وله في الذكر ثلاثة وأعجم أوله والصواب فيه كما ضبطه الأمير الإعجام والنون وبه جزم شيخنا ولذلك لم يثبت في جميع النسخ والله أعلم
ومن ذلك قمير وزوج مسروق هو ابن الأجداع اسمها قمير بفتح القاف ثم ميم مكسورة ابنة عمر وتروى عن عائشة وعنها الشعبي وصفروا أي أهل الحديث سواه أي الاسم المذكور حال كونه ضما أي مضموما أوله كزهير بن محمد بن قمير الشاشي عن عبد الرزاق ومكي بن قمير عن (3/246)
جعفر ابن سليمان ومن ذلك مسور ولهم مسور بضم الميم ثم مهملة مفتوحة بعدها واو مشددة وآخره راء اثنان أحدهما ابن يزيد الكاهلي الأسدي ثم المالكي صحابي حديثه عن أبي داود روى عنه يحيى بن كثير وثانيهما ابن عبد الملك اليربوعي حدث عنه معن القزاز هكذا ذكرهما ابن الصلاح ثم الذهبي
واقتصر الدارقطني ثم ابن ماكولا على أولهما ولم يستدرك ابن نقطة ولا غيره عليهما أحد وصنيع البخاري في تاريخه الكبير حيث ذكر ابن عبد الملك في باب مسور بن مخرمة المخفف يشهد لهم لكنه أعاد في المشدد مع ابن يزيد ولم يذكر غيرهما
وقول المصنف إنه ذكر مع ابن يزيد في المشدد مسور بن مرزوق لم أره في السنخة التي عندي بتاريخ البخاي بل لم أر ابن مرزوق فيه أصلا مع قول شيخنا في المشتبه إنه هو وابن عبد الملك اختلفت نسخ التاريخ فيهما تشديدا وتخفيفا بل قال في الإصابة إنه أورد ابن مخرمة فاقتضى تخفيفه وما سوى ذين أي ابن يزيد وابن عبد الملك فسمور بكسر الميم ثم مهملة ساكنة فيما حكى عند ابن الصلاح ثم الذهبي كما تقدم
ومن ذلك الجمال ووصفوا أي أهل الحديث الحمال بالحاء المهملة ثم الميم المشددة أي وصفوا بالحمال في الرواة للحديث خاصة أو فيمن ذكر منهم في الكتب المتداولة هارون بن عبد الله بن مروان البغدادي البزاز الحافظ والدموسي قال ابن الصلاح والغير أي وغير هارون بجيم بدل الحاء يأتي بالإبدال كمحمد بن مهران أبي جعفر الرازي شيخ للشيخين وأسيد بن زيد بن نجيح الهاشمي الكوفي شيخ للبخاري
وأيوب الجمال كان يعتقد بدمشق قال الذهبي كنت أرى أبي يسلم عليه ونوزع ابن الصلاح في الحصر فإنه وإن قيد بالوصف ليخرج من تسمى (3/247)
بذلك كحمال بن مالك أخي مسعود اللذين شهدا القادسية مع سعد وقتلاء الفيل وأبيض بن جمال المأربي الصحابي مع كون هارون مختصا عنهم بمصاحبة التعريف والاستغناء بذلك عن التقييد فلهم ممن وصف بالحمال بالمهملة والتشديد رافع بن نصر الحمال الفقيه صاحب أبي إسحاق سمع أبا عمر بن مهدي وأبو القاسم مكي بن علي ابن نبان الحمال أحد الرواة وأبو العباس أحمد بن محمد بن الدبس الحمال أحد الشيوخ أبي النوسي وزاهد مصر أبو الحسن الحمال واسمه نبان بن محمد بن حمدان البغدادي قيل أصله من واسط مات بعد الثلاثمائة وكان فاضلا وليا له رواية عن الحسن بن عرفة وغيره وأيوب الحمال الزاهد ببغداد وأكثرهم وارد على الحصر
ولذا قال شيخنا في المشتبه تبعا لأصله فيمن بالمهملة بعد تسمية هارون وآخرون ويمكن أن يقال ليس لهؤلاء ذكر في الكتب المتداولة كما أن في غيرها أيضا جماعة يلقبون الجمال بالجيم والميم المخففة وفيهم كثرة وأبو الجمال جد أبي علي يحيى بن علي بن يحيى بن أبي الجمال الحراني ذكره أبو عروبة الحراني في تارخيه وقال إنه مات سنة تسع وثمانين ومائتين
وأبو الجمال الحسين بن القاسم بن عبيد الله وزير المقتدر وجمال ابنة قيس ابن مخرمة وجمال ابنة عون بن مسلم وجمال ابنة النعمان بن أبي حزم بن كعب بن عتيك الأنصاري تزوجهما عبد الله بن الحارث بن عبد المطلب فهي أم أولاده غير أنه لذلك لا يكون ضابطا كليا
ثم أنه قد اختلف في سبب وصف هارون بالجمال فقيل إنه كان بزازا ثم تزهد وصار يحمل الشيء بالأجرة ويأكل منها حكاه عبد الغني بن سعيد عن القاضي أبي الطاهر الذهلي وقيل بل عكسه كان حمالا ثم تحول إلى البز حكاه ابن الجارود في كتابه الكني عن ولده موسى بن هارون
وزعم الخليلي وابن الفلكي أنه لكثرة ما حمل من العلم (3/248)
قال ابن الصلاح ولا أرى ما قالاه يصح وكأنه لأن القاضي أبا الطاهر كان صاحب موسى ولد هارون فهو أخبر وقوله أنسب بالزهد ولا ينافيه قول غيره إنه حمل رجلا في طريق مكة على ظهره فانقطع فيما يقال به ومن ذلك الخياط ووصفوا أي أهل الحديث خناطا بالحاء المهملة ثم النون أو بالنقل خباطا بالمعجمة ثم الموحدة أي بكل من الحناط والخباط عيسى ابن أي عيسى ميسرة ومسلما هو ابن أبي مسلم وكذا وصفوا كلا منهما خياطا بالمعجمة ثم التحتانية أي بالخياط فبأي وصف من هذه الثلاثة وصف به واحد من هذين كان صحيا والغلط لذلك مأمون فيهما
قاله الدارقطني ثم ابن ماكولا لقول ابن معين كما نقله الدارقطني في مسلم إنه كان يبيع الخبط والحنطة وكان خياطا
وقوله أيضا في عيسى إنه كان كوفيا وانتقل إلى المدينة وكان خياطا ثم ترك ذلك وصار خباطا ثم ترك ذلك وصار يبيع الحنط بل قال هو عن نفسه فيما حكاه ابن سعد أنا خياط وحباط وخباط كلا قد عالجت ولكن مع هذا فاشتهاره إنما هو بالمهملة والنون واشتهر الآخر بالمعجمة والموحدة ولذا رجح الذهبي في كل واحد ما اشتهر به
ومن ذلك مما أدخله ابن الصلاح في القسم بعد السلمي والسلمي بالنصب مفعول مقدم أفتح أي افتح السين واللام من السلمي في الأنصار بالنقل خاصة كأبي قتادة فأرسل رسول الله صلى الله عليه و سلم وجابر بن عبد الله نسبة إلى بني سلمة بن سعد بن علي بن أسد بن شاردة بن تزيد بن جشم ابن الخزرج بفتح السين وكسر اللام ولكنها فتحت في النسب كالنمري والصدفي وبابهما قال السمعاني وهذه النسبة عند النحويين قال وأصحاب الحديث يكسرون اللام وعليه اقتصر ابن باطيش في مشتبه النسبة وجعل المفتوح اللام نسبة إلى سليمة من عمل حماه قال ابن الصلاح ومن يكسر لامه أي (3/249)
لفظ السلمي وهم أكثر المحدثين كأصله فقد لحن وهذا ضابط لما في الأنصار خاصة وإلا فلهم في غيرها بالفتح أيضا جماعة ممن انتسب إلى أجداده كبني سلمة بطن من لخم وغيرهم ويشتبه ذلك كله بالسلمي بضم السين وفتح اللام نسبة إلى بني سليم وهم خلق كعباس بن مرداس
ومن هنا وهو القسم الثاني لمالك ولهما أي البخاري ومسلم واشتمل على تراجم فمنها يسار وبشارا بالنصب مفعول مقدم بموحدة ثم معجمة مشددة أفرد أي أفرد أيها الطالب بهذا الضبط بشارا أب أي والد بندار هما أي البخاري ومسلم فبندار هو لقب لمحمد بن بشار بن عثمان شيخهما بل شيخ الأئمة الستة وإنما أضافه لهما الاختصاص الترجمة بهما دون مالك قال الذهبي وبشار أي بالموحدة ثم المعجمة قليل في التابعين معدوم في الصحابة
ولهما أي البخاري ومسلم خاصة أيضا مما قال ابن الصلاح إنه ليس على الصورة المتقدمة وإن قاربها بل قال شيخنا إنه لا يلتبس لتميز ذاك عن الذي بعده بطول رأس الحرف الأول وجعله مع سنان لكن قد أدخله الذهبي في هذه الترجمة سيار بفتح السين المهملة ثم تحتانية مشددة اثنان هما ابن أبي يسار أي بالنقل وكنية سيار أبو الحكم الواسطي يروى عن التابعين وفي اسم أبيه اختلاف فقيل وردان أو ورد أو دينار ويسار هو ابن سلامة بالصرف للضرورة أبو المنهال الرباعي البصري تابعي
وما عدي هؤلاء الثلاثة فهو يسار بالياء التحتانية قبل أي قبل السين المخففة وهو جم أي كثير في الكتب الثلاثة كسليمان وعطاء ابني يسار وسعيد ابن يسار
ومنها بشر وابن سعيد المدني مولى ابن الحضرمي وهو تابعي اسمه بسر بضم أوله ثم سين مهملة وبدون تنوين للضرورة مثل بسر بن أبي (3/250)
بسر المازني نسبة لمازن بن منصور بن عكرمة بن حارثة بن قيس عيلان فهو أيضا بالموحدة ثم المهملة صحابي وهو والد عبد الله الصحابي أيضا
ولم يذكره ابن الصلاح فأصاب لأنه لا ذكر له في شيء من الكتب الثلاثة وإن رقم عليه المزي علامة مسلم بحيث قلده المؤلف فهو سهو نبه عليه المصنف في تقييده وشيخنا في مختصر التهذيب بل ذكر ابن الصلاح ولده عبد الله وحديثه في الصحيحين
ومثل بسر ابن عبيد الله الحضرمي الشامي فهو أيضا بالموحدة والمهملة تابعي
ومثل بسر ابن محجن بكسر الميم بعدها حاء مهملة ثم جيم ابن أبي محجن الديلي فهو أيضا بالموحدة والمهملة تابعي وحديثه في الموطأ خاصة دون الصحيحين
وفيه خلف فقال الثوري إنه بالشين المعجمة وكذا قال ابن عبد البر إن عبد الله بن جعفر والد علي بن المديني رواه بالمعجمة عن زيد بن أسلم الراوي عنه وقال الطحاوي سمعت إبراهيم البرلسي يقول سمعت أحمد بن صالح بجامع مصر يقول سمعت جماعة من ولده ورهطه لا يختلف اثنان أنه بالمعجمة لكن قال ابن الصلاح إن مالكا والأكثر على الأول بل قال الدارقطني إن الثوري رجع عن الإعجام وذكره ابن حبان في الثقات بالمهملة وقال من قاله بالمعجمة فقد وهم
ومن عدي هؤلاء الثلاثة أو الأربعة مما في الكتب الثلاثة فهو بكسر الموحدة ثم شين معجمة ولا تشتبه هذه الترجمة بأبي اليسر بمثناة تحتانية ثم سين مهملة مفتوحتين المخرج حديثه في مسلم واسمه كعب بن عمرو الأنصاري للازمة أداة التعريف له غالبا بخلاف أهل القسمين المذكورين
ومنها بشير وبشيرا أعجم بالنقل أي أعجم بشيرا في راويين فقط (3/251)
بشير ابن يسار فهو بموحدة ثم معجمة الحارثي المدني التابعي حديثه في الكتب الثلاثة وبشير بن كعب العدوي وقيل العامري البصري التابعي المخرج له في الصحيحين جزما فأعجم هذين واضمم الموحدة منهما بحيث يكونان مصغرين وأما مقاتل بن بشير فهو وإن كان مثلهما فلم يخرج له أصحاب الكتب الثلاثة وإن زعم صاحب الكمال أن مسلما أخرج له فهو وهم ويسير بالتحتانية ثم المهملة مصغر تابعي بل يقال إن له رؤية حديثه في الصحيحين وهو مختلف في اسم أبيه فقيل إنه ابن عمرو وهو الأكثر أو ابن جابر كما اختلف في اسمه فقيل كما تقدم أو بالنقل أسير بهمزة بدل التحتانية
قال ابن المديني أهل البصرة يقولون أسير بن جابر وأهل الكوفة يقولون أسير بن عمرو وقال بعضهم بسير بن عمرو ورجح البخاري كونه أسير بن عمرو وأشار إلى تليين قول من قال فيه ابن جابر والنون بدل التحتانية في أبي أي والد قطن بفتح القاف والطاء المهملة وآخره نون ساكنه للوزن فاسمه نسير وهو قطن بن نسير بصري يكنى أبا عباد حديثه عند مسلم
وما عدا هؤلاء الأربعة مما في الكتب الثلاثة فبشير بفتح الموحدة ثم معجمة مكسورة وهو الجادة كبشير بن أبي مسعود الأنصاري وابن نهيك السدوسي وابن المهاجر الغنوي وابن عقبة الناجي وابن سلمان الكندي
ومنه يزيد وجد علي بسكون آخره للوزن للضرورة ابن هاشم بريد بفتح الموحدة ثم راء مكسورة وآخره دال مهملة وينسب علي لذلك البريدي يروى عن هشام بن عروة وحديثه في مسلم وابن عبد الله حفيد أبي موسى الأشعري بالسكون للوزن أي ولد ولده اسمه بريد مصغر وهو بريد بن عبد الله بن أبي بردة بن أبي موسى روى له الشيخان (3/252)
وأما ما وقع في البخاري من حديث مالك بن الحويرث في صفة صلاة النبي صلى الله عليه و سلم من قوله كصلاة شيخنا أبي بريد عمرو بن سلمة بكسر اللام كما سيأتي فقد اختلف فيه فالأكثر بريد بالتصغير كحفيد أبي موسى وهو الذي رواه أبو ذر عن الحموي عن الفربري عن البخاري وكذلك ذكره مسلم في الكنى ولكن عامة رواة البخاري قالوا يزيد كالجادة وقال عبد الغني إنه لم يسمعه من أحد كذلك قال ومسلم أعلم
ولهما أي للبخاري ومسلم فيمن خرجا له مما هو مصاحب للتعريف محمد بن عرعرة ابن البرند السامي بالمهملة نسبة لسامة بن لؤي البصري يروى عن شعبة فالأمير أبو نصر بن ماكولا كسره أي قال فيه البرند بكسر الموحدة والراء يعني بعدها نون ثم دال ولم يحك غيره لكن في كتاب عمدة المحدثين وغيره أنه يفتحهما وحكاهما أبو علي الجياني عن ابن الفرضي فقال إنه يقال بالفتح والكسر قال والأشهر الكسر وكذا قال القاضي عياض ثم ابن الصلاح إنه أشهر واقتصر عليه الذهبي ثم شيخنا
وما عدا من ذكر مما في الثلاثة فيزيد بفتح المثناة التحتانية ثم زاي مكسورة وهو الجادة كيزيد بن هارون
ومنها البراء وذو كنيته بمعشر وبالعالية أي فأبو معشر يوسف بن يزيد وأبو العالية زياد بن فيروز أو كلثوم أو غير ذلك المخرج حديثهما في الصحيحين كل منهما برا شدد الراء منهما قال ابن الصلاح والبراء الذي بيرى العود يعني النشاب وغيره ومن عداهما مما في الثلاثة فالبراء بالتخفيف
ومنها حارثة وبجيم وتحتانية جارية ابن قدامة بالصرف للضرورة والتميمي السعدي البصري صحابي على ما حققه شيخنا روى عن النبي صلى الله عليه و سلم حديث لا تغضب ولم تقع روايته في شيء من الكتب الثلاثة نعم وقع ذكره (3/253)
في الفتن من البخاري في أثناء قصة قال فيخا فلما كان يوم حرق ابن الحضرمي حين حرقه جارية بن قدامة كذلك والد يزيد بن جارية الأنصاري المدني مذكور في الموطأ بل عنده وكذا البخاري أيضا من رواية القاسم بن محمد عن عبد الرحمن ومجمع ابني يزيد بن جارية عن خنساء ابنة خذام
قلت كذا اقتصر ابن الصلاح على هذين وفإنه ممن ضبط كذاك اثنان الأسود ابن العلا بن جارية الثقفي روى له مسلم في الحدود عن أبي سلمة عن أبي هريرة حديث البئر جبار وابن أبي سفيان بن أسيد ككبير بن جارية الثقفي المدني حليف بني زهرة واسمه عمرو روى له البخاري ومسلم عن أبي هريرة
فالأول قصة قتل خبيب والثاني حديث لكل نبي دعوة يدعو بها فجد ذا وذا أي المذكورين كما علم سيان بكسر السين المهملة وتشديد المثناة التحتانية ثم نون تثنية سي أي مثلان فإن اسم كل منهما جارية غير أنه لثانيهما خاصة الجد الأعلى على أنه وقع في موضع آخر من البخاري عمرو بن أسيد ابن جارية وما عدا المذكورين مما في الثلاثة فحارثة بالحاء المهملة والمثلثة
ومنها خازم ومحمد بن خازم أبا معاوية الضرير لا تهمل أي لا تهمل ابن خازم من إعجام خائه وهو فرد في الكتب الثلاثة وما عداه مما فيها كأبي حازم الأعرج وجرير بن حازم فالحاء فيه مهلمة
ومنها وهو عكس الترجمة قبلها خراش والدوبعي وهو حراش أهمل أهمل بالنقل الحاء منه وهو أيضا فرد في الثلاثة وما عداه مما فيها كشهاب بن خراش فالخاء فيه معجمة ولهم خداش بالمعجمة أيضا لكن بالدال المهملة بدل الراء أدخله ابن ماكولا في هذه الترجمة فقال الذهبي إنه لا يلبس (3/254)
ومنها جرير وكذا أي اكوالد ربعي في إهمال الحاء حرينر بدون تنوين للوزن ككبير هو ابن عثمان الرحبي بفتح المهملتين ثم موحدة نسبة إلى رحبة بطن من حمير الحمصي روى له البخاري وأبو حريز كنية لعبد الله بن الحسين الأزدي البصري قاضي سجستان قد علقت روايته في البخاري وما عداهما مما في الثلاثة فجرير بالجيم والرائين المهملتين
ولهم ابن حدير بالحاء والدال المهملتين مصغر عدة كعمران روى له مسلم وزيد وزياد ابني حدير لهما ذكر خاصة في المغازي من صحيح البخاري ولكنه بعيد الاشتباه بل لا يلتبس كما قاله الذهبي في التي قبلها ولذا لم يذكره في هذه أصلا
ومنها حصين وحصين أعجمه مع التصغير وإهمال الحاء وهو ابن المنذر ابن الحارث بن وعلة البصري الرقاشي يكنى أبا محمد ولقبه أبو ساسانا بمهملتين وآخره نون وهو تابعي صاحب علي روى له مسلم وقال أبو أحمد العسكري لا أعرف بالمعجمة وغيره وغير من ينسب إليه من ولده يعني كمحيي ابن حضين الذي له خبر مع الفرزدق وذكره في شعره وكذا قال المزي إنه لا يعرف في رواة العلم من ضاده معجمة سواه فهو بلا خلاف بين أهل العلم فرد وما زعمه الأصيلي والقابسي من حفاظ المغرب مما حكاه صاحب المشارق وغيره من أن الحصين بن محمد الأنصاري الذي في الصحيحين في قصة عتبان بن مالك من طريق ابن شهاب أنه سأله عن حديث محمود بن الربيع فصدقه بالضاد المعجمة زاد القابسي وليس في البخاري كذلك غيره قال المزي إنه وهم فاحش وكذا قال عياض إن صوابه كما للجماعة كالجادة وممن رد على القابسي عن المغاربة أبو علي الجباني وأبو الوليد الفرضي وأبو القاسم السهيلي وقالوا كلهم كان القابسي يهم في هذا (3/255)
وافتح أبا حصين مع الإهمال الحرفية أي بالنقل عثمانا ابن عاصم الأسدي بل قال أبو علي الجياني لا أعلم في الكتابين بفتح الحاء غيره وحديثه في الصحيحين وما عداهما فحصين بالإهمال مصغر
وأما والد أسيد بن حضير وهو بالمهملة ثم المعجمة مصغر المخرج له في الكتب الثلاثة فلا يلبس في الغالب كأشباهه مما تقدم
ومنها حيان وكذاك أي افتح مع الموحدة المشددة حاء حبان بن منقذ الميم ثم نون ساكنة بعدها قاف مكسورة ثم دال مهملة ابن عمرو الأنصاري الصحابي المذكور في الموطأ وأنه كانت عنده امرأتان
وافتح أيضا من ولده وهو ابنه واسع المخرج حديثه في الثلاثة وحفيده حبان بن واسع المخرج له في مسلم وابن عمه محمد بن يحيى بن حبان ابن منقد المخرج له في الثلاثة
وافتح من غير المذكورين حبان ابن هلال الباهلي البصري المخرج له في الصحيحين ويقع كثيرا غير منسوب وضابط ذل أنه كل ما كان في شيوخ شيوخهما حبان غير منسوب فهو ابن هلال واكسرن بالنون الخفيفة أيها الطالب ابن عطية بالتنوين فهو حبان بكسر الحاء السلمي العلوي لكونه كان يفضل عليا عن عثمان رضي الله عنهما المذكور في البخاري في حديث سعد بن عبيدة قال تنازع أبو عبد الرحمن بعني السلمي وحبان بن عطية فقال أبو عبد الرحمن وكان عثمانيا يفضل عثمان على علي رضي الله عنهما لحبان لقد علمت الذي جرأ صاحبك يعني عليا على الدماء قال ما هو لا أبا لك قال شيء سمعته يقوله قال ما هو قال بعثني رسول الله صلى الله عليه و سلم فذكر قصة حاطب بن أبي بلتعة التي وافقه مسلم على تخريجها خاصة دون ما ذكرناه فالكسر فيه هو المعتمد الذي جزم به ابن ماكولا والمشارقة وصوبه صاحبا المشارق والمطالع والجياني وحكوا أن بعض (3/256)
بواة أبي ذر ضبطه بفتح أوله ووهموه وبالفتح ضبطه ابن الفرضي بل قال المزي إن الجياني تبعه لكن الذي في تقييد المهمل للجياني ما قدمته مع ابن موسى بن سوار فهو حبان أبو محمد السلمي المروزي أحد شيوخ الشيخين في صحيحهما فالكسر فيه بالإجماع وهو حبان الآتي غير منسوب عن عبد الله بن المبارك
ومع من رمى سعدا هو ابن معاذ الأنصاري الأشهلي سيد الأوس الذي اهتز عرش الرحمن له فهو حبان بالكسر على المشهور بل الأصح ابن العرقة كما وقع في الصحيحين من حديث عبد الله بن نمير عن هشام ابن عروة عن أبيه عن عائشة قالت أصيب سعد يوم الخندق رماه رجل من قريش يقال له حبان بن العرقة وقيل كما لابن عقبة في المغازي جبار بالجيم وآخره راء والعرقة أمه فيما قاله أبو عبيد القاسم بن سلام وهي بفتح العين وكسر الراء المهملتين ثم قاف على المشهور وهاء تأنيث
وحكى ابن ماكولا عن الواقدي فتح الراء وأن أهل مكة يقولون ذلك
وصحح ابن ماكولا الكسر وقيل لها ذلك لطيب رائحتها واختلف في اسمها فقيل كما لابن الكلبي قلابة بكسر القاف ابنة سعيد مصغر ابن مهم وتكني أم فاطمة واسم والد حبان قيس أو أبو قيس ابن علقمة بن عبد مناف بن الحارث بن منقد بن عمرو بن معيض بفتح الميم وكسر المهملة ثم تحتانية ساكنة ثم مهملة بن عامر بن لؤي بل قيل إن الذي رمى سعدا هو أبو أسامة الجشمي والصحيح أنه ابن العرقة
فـ لسبب ذلك نال بؤسا بضم الموحدة ثم واو مهموزة وسين مهملة أي عذابا شديدا ولقد قال له المرمى حين قال له الرامي خذها أي الرمية وأنا ابن العرقة عرق الله وجهك في النار
وما عدا من ذكر مما في الثلاثة فحيان بفتح المهملة بعدها مثناة (3/257)
تحتانية وأما جبار بفتح الجيم وتشديد الموحدة وآخره راء وهو ابن صخر المذكور في صحيح مسلم وخيار بكسر المعجمة ثم مثناة تحتانية وآخره راء وهو جد عبيد الله بن عدي بن الخيار المخرج له في الصحيحين فقد لا يلتبس أحدهما بالآخر لمصاحبة التعريف لثانيهما ولأن آخرهما راء والأول نون
ومنها حبيب وخبيبا اعجم أي أعجم خاءه في ابن عبد الرحمن الأنصاري المخرج حديثه في الثلاثة فهو وجده خبيب بن يساف بالمعجمة والتصغير ويرد خبيب غير منسوب في الصحيحين عن حفص بن عاصم وفي صحيح مسلم وحده عن عبد الله بن محمد بن معن وهو هذا
وكذا الإعجام في خبيب ابن عدي المذكور في البخاري في حديث أبي هريرة في سرية عاصم بن ثابت الأنصاري وقتل خبيب وهو القائل
( ولست أبالي حين أقتل مسلما ... على أي جنب كان في الله مصرعي )
وهو أي خبيب بالإعجام والتصغير كنية كان أي كان أبو خبيب كنية لابن الزبير عبد الله كنى باسم ولده خبيب الذي لا ذكر له الثلاثة وما عدا هؤلاء الثلاثة في الكتب الثلاثة فحبيب بفتح المهملة ككبير ومنها رياح ورياح بالنصب مفعول مقدم اكسر مع الإتيان بياء مثناة تحتانية وبالقصر أبا زياد أي اكسر الراء من رياح والد زياد القيسي البصري ويقال المدني التابعي المروي له في مسلم حديثنان والمكني عند الشيخين وابن أبي حاتم والنسائي وأبي أحمد الحاكم والدارقطني وابن حبان والخطيب وابن ماكولا وغيرهم بأبي قيس بل وقع مكنيا بها في المغازي من أصل صحيح مسلم وشذ صاحب الكمال وتبعه المزي في تهذيبه فكناه أبا رباح كاسم أبيه بل هو المصدر به عند المزي ثم قال ويقال أبو قيس وهو مما أخذ (3/258)
عليهما
والظاهر أن صاحب الكمال انتقل بصره إلى الراوي الآخر المشارك له في اسمه واسم أبيه فذاك هو المكني بأبي رباح كاسم أبيه ولكن القيسي أقدم وإن اندرج الثاني في التابعين لرؤيته أنسا ثم إن ما تقدم في ضبط والد زياد بخلاف فيه حكيا عن تاريخ البخاري حيث ذكر فيه مع ما تقدم فتح الراء والموحدة أيضا كالجادة
وحكى ثانيهما صاحب المشارق عن الجارود ولكن الأول هو قول الأكثرين وبه جزم عبد المغني ثم ابن ماكولا وما عداه في الثلاثة فهو بارح بالفتح والموحدة جزما
ومنها حكيم واضمم حكيما في ابن عبد الله بن قيس بن محرمة بن المطلب ابن عبد مناف المطلبي القرشي التابعي المخرج له ثلاثة أحاديث في مسلم فهو حكيم بالضم قد أي ليس في ضبطه إلا الضم حسب وهي بمعنى قط أيضا ويسمى الحكيم بالتعريف أيضا كما في بعض طرق حديثه وكذا بالضم رزيق ابن حكيم أبو حكيم بالضم أيضا الأيلي وإليها لعمر بن عبد العزيز الذي روى مالك في الحدود من الموطأ عنه أن رجلا يقال له مصباح فذكر شيئا وله ذكر في البخاري في باب الجمعة في القرى والمدن
قال يونس هو ابن يزيد الأيلي كتب رزيق بن حكيم إلى ابن شهاب وأنا معه يومئذ بوادي القرى هل ترى أن أجمع ورزيق يومئذ على أيلة فذكر القصة وهو أعني تصغيره وتصغير أبيه وكنيته مع تقديم الراء على الزاي فيه هو المشهور بل الصواب كما قال علي ابن المديني وحكى صاحب تقييد المهمل عنه أن ابن عيينة كثيرا ما كان يقوله بفتح الحاء وكذا قيل في رزيق تقديم الزاي وذكره ابن حبان كذلك ولكنه وهم و على المعتمد فيه وفي أبيه وكنيته فقد انفرد لأنه ليس في الرواة على هذه الهيئة سواه بل لرزيق بن (3/259)
اسمه حكيم أيضا كجده وما عداهما في الثلاثة فحكيم بفتح المهملة وكسر الكاف
ومنها زبيد وزبيد هو بالمثناتين التحتانينين وآخره مهملة ابن الصلت ابن معد يكرب الكندي التابعي والد الصلت شيخ مالك المنفرد عن الصحيحين بوقوع ذلك عنده واضمم واكسر الزاي منه ففيه الوجهان
وزعم ابن الحذا أنه كان قاضي المدينة في زمن هشام بن عبد الملك وهو بعيد قال شيخنا وأظن ذلك والده الصلت وجزم شيخه المصنف بتوهيم ابن الحذا في ذلك ويكون الصلت هو القاضي وما عداه في الثلاثة فزيبد بالضم والموحدة
ومنها سليم وفي ابن حبان بفتح المهملة وتشديد المثناة التحتانية ابن بسطام الهذلي البصري سليم المخرج له في الصحيحين كبر خاصة وصغر ما عداه مما فيها
ومنها شريح وابن أبي سريح واسمه أحمد بن عمر بن أبي سريح الصباح ممن روى عنه البخاري في صحيحه ائتسا أي له أسوة بـ سريح ولد النعمان بن مروان الجوهري اللؤلؤي البغدادي الذي روى عنه البخاري أيضا بل ذكر الجياني مما انفرد به أن مسلما روى عن رجل عنه وبسريح ابن يونسا بتثليث النون مع الهمزة وتكره والفصيح الضم بلا همز ابن إبراهيم البغدادي المخرج حديثه في الصحيحين واختص مسلم عن البخاري بالسماع منه في كونه مضبوطا كهما بضم السين المهملة وآخره جيم وما عدا الثلاثة مما في الثلاثة فشرح بالمعجمة أوله وآخره مهملة
ومنها سلمة وعمرو الجرمي إمام قومه حال صغره في عهد النبي صلى الله عليه و سلم والمختلف في صحبته مع القبيلة التي هي الواحدة من قبائل العرب الذي هم بنو أب واحد في الأنصار ابن علمه أي أن إلا كل من عمرو والقبيلة سلمة (3/260)
بكسر اللام واختر كلا من الكسر والفتح بعبد أي في عبد الخالق بن سلمة الشيباني المصري أحد من أخرج له مسلم حديث قدوم وفد عبد القيس فيهما ضبطه ابن ماكولا لأن يزيد بن هارون قاله بالفتح وابن علية بالكسر وهما ضابطان وما عدا ذلك في الثلاثة فبالفتح خاصة
ومنها عبيدة ووالد عامر الباهلي البصري قاضيها التابعي المذكور في البخاري في جملة من شاهده معاوية بن عبد الكريم القرشي الضال يجيز كتب القضاة بغير محضر من الشهود
وكذا ابن عمرو أو ابن قيس بن عمرو السلماني بسكون اللام أو فتحها وهو الذي لأصحاب الحديث نسبة إلى سلمان بطن من مراد وهو ابن يشكر بن ناجية بن مراد التابعي المخضرم المخرج له في الصحيحين
وكذا ابن حميد هو ابن صهيب الكوفي المعروف بالحذا المخرج له في البخاري
وكذا ولد بإسكان الدال للوزن سفيان بن الحارث بن الحضرمي المدني التابعي المخرج له في الموطأ ومسلم حديث أبي هريرة في تحريم كل ذي ناب من السباع كلهم بضم الميم عبيدة بالتنوين للضرورة وبالفتح مكبر وما عداه هؤلاء الأربعة في الثلاثة فبالتصغير وما حكاه الحميدي عن البخاري من كون عبيدة بن سعيد بن العاص الواقع ببدر في المغازي من صحيح البخاري من حديث هشام بن عروة عن أبيه قال قال الزبير لقيت يوم بدر عبيدة بالفتح فوهم فالذي ذكره صاحب المشارق عن البخاري الضم كالجادة وهو المعروف
ومنها عبيد بدون هاء تأنيث فبالفتح جماعة في الجملة لكن عبيد عندهم أي الثلاثة حيث ما وقع بالضم مصغر كما قاله صحاب المشارق (3/261)
ثم ابن الصلاح وليس عندهم ممن هو بالفتح أحد
ومنها عبادة وافتح عبادة بالتنوين للضرورة أبا أي والد محمد الواسطي شيخ البخاري وما عداه في الثلاثة فبالضم
ومنها وهو عكسه عباد واضمم مع التخفيف أبا أي والد قيس القيسي الضبعي البصري المخرج حديثه في الصحيحين عبادا وأفرد المذكور عن سائر من في الكتب الثلاثة بذلك إذ ما عداه فيها فبالفتح والتشديد وأما ما وقع عند أبي عبد الله محمد بن مطرف بن المرابط في الموطأ من عباد ابن الوليد بن عبادة فقال صاحب المشارق بعد حكايته إنه خطأ أو إنما هو عبادة بهاء التأنيث كجده
ومنها عبدة وعامر أبو إياس الكوفي البجلي نسبة إلى بجيلة حي من اليمن المخرج له في مقدمة مسلم عن ابن مسعود قوله إن الشيطان ليتمثل في صورة رجل فيأتي القوم فيحدثهم الحديث وبحاله بفتح الموحدة والجيم التميمي ثم العنبري البصري المروزي له في الجزية من البخاري قوله كنت كاتبا لجزء بن معاوية فجاءنا كتاب عمر قبل موته بسنة الحديث ابن عبدة كل أي كل من المذكورين اسم أبيه عبدة بفتحتين كما ذكره في الأول ابن المديني وأحمد والجياني والتميمي والصدفي وابن الحذا وبه صدر الدارقطني وابن ماكولا كلاههما
وفي الثاني الدارقطني وابن ماكولا والجياني وحكاه صاحب المشارق عن تاريخ البخاري وأصحاب الضبط وبعض من المحدثين بالسكون في كل واحد من الاسمين قيده فحكاه في الأول عباس الدوري عن ابن معين وكذا حكاه فيه بعد البدأة بما تقدم كل من الدارقطني وابن ماكولا بل حكى صاحب المشارق عن بعض شيوخه عبد بدون هاء
قال وهو وهم وكذا وقع في بعض النسخ من الكنى للنسائي عبد الله والذي (3/262)
في عدة نسخ على الصواب وحكاه في الثاني صاحب المشارق عن البخاري أيضا وأنه يقال فيه أيضا عبد بدون هاء
ولكن لم يتعرض شيخنا في المشتبه تبعا لأصله لحكاية الخلاف في الثاني وما عداهما في الكتب الثلاثة فعبدة بالسكون ويشتبه ممن بالسكون عامر بن عبدة شيخ لأبي أسامة لموافقته لأول المفتوحين في الاسم
وصورة اسم الأب ولكن لا رواية لهذا في الثلاثة بل ولا في سائر الستة
قال المصنف وقول الذهبي في المشتبه عنه إنه يشتبه بعامر بن عبد الباهلي وهم فالباهلي إنما هو ابن عبيدة بزيادة مثناة تحتانية بعد الموحدة كما تقدم في أثناء هذه الضوابط انتهى والذي في المشتبه لشيخنا تبعا لأصله وأما الباهلي عامر بن عبيدة الذي في طبقة مسعر فهو بالكسر وزيادة ياء
ومنها وعقيل عقيل بضم العين مصغرا القبيل أي القبيلة المعروفة المذكورة في حديث عمران بن حصين عند مسلم حيث قال كانت ثقيف حلفا لبني عقيل ثم ذكر حديث العضباء وأنها كانت لرجل من بني عقيل
وكذا عقيل ابن خالد الأيلي المخرج له في الصحيحين وكذا أبو أي والد يحيى الخزاعي البصري المخرج له في مسلم ومن عد الثلاثة في الثلاثة فعقيل بالفتح مكبر
ومنها واقد وقاف واقد لهم أي للثلاثة ليس عندهم أحد ممن هو بالفاء كما قاله صاحب المشارق وتبعه ابن الصلاح
ومنها الأيلي وكذا لهم الأيلي بفتح الهمزة وسكون المثناة التحتانية نسبة إلى أيلة التي هي على بحر القلزم لا الأبلي بضم الهمزة والموحدة ثم لام مشددة إلى الأيلة بالقرب من البصرة فليس فيها كما قال صاحب المشارق أحد وقع منسوبا كذلك ولكن قال ابن الصلاح سوى شيبان بن فروخ (3/263)
شيخ مسلم فهو أبلي قال لكن إذا لم يكن في شيء من ذلك منسوبا لم يلحق صاحب المشارق منه تخطئه
ومنها البزار والرا وبالقصر للوزن المهملة التالية للزاي المعجمة فاجعل بزارا بها اسم لمن يخرج الدهن من البرز ويبيعه وانسب كذلك ابن صباح المسمى حسن أحد شيوخ البخاري وكذا أنسب ابن هشام المقري المسمى خلفا بفتح المعجمة واللام بعدها فاء من شيوخ مسلم قال ابن الصلاح ولا نعلم في الصحيحين بالراء المهملة غيرهما يعني ممن يقع منسوبا وإلا فيحيى بن محمد بن السكن أحد شيوخ البخاري وبشر بن ثابت الذي استشهد به البخاري قد نسيا كذلك ولكن لم يقع في البخاري منسوبين وما عدا المذكورين في الصحيحين فالبزاء بين المنقوطتين
ومنها في الأنساب البصري ثم انسبن بتخفيف النون بالنون مع الصاد المهملة سالما هو ابن عبد الله أبو عبد الله أحد التابعين المخرج له في مسلم وعبد الواحد هو ابن عبد الله بن كعب المخرج له البخاري حديثه عن واثلة في أعظم القرى ومالك بن الأوس ابن الحدثان بن سعد بن يربوع المخضرم المختلف في صحبته والمخرج حديثه في الثلاثة فكل منهم انسبه نصريا نسبة إلى ابن القبيلة نصر بن معاوية بن بكر بن هوازن حسبما يرد في الرواية وأوس بن الحدثان الصحابي والد مالك المذكور وإن كان نصريا ووقع ذكره في الصيام من صحيح مسلم فهو غير منسوب والأول من هؤلاء الثلاثة مولى للثلاث وما عداهم في الثلاثة فبصري بالموحدة الثلاثة والكسر أفصحها كما تقدم في معرفة الصحابة
ومنها الثوري والتوزي بفتح المثناة والفوقانية والواو المشددة على المعتمد ثم زاي مكسورة نسبة إلى توز ويقال يجيم بدل الزاي بلدة (3/264)
بفارس هو محمد بن الصلت أبو يعلى البصري المشهور الذي روى عنه البخاري في الردة حديث العرنين لكون أصله منها وما عداه فبالمثلثة والواو ساكنة ثم راء
ومنهم مما هو في الصحيحين أبو يعلى منذر بن يعلى ويشتد التباسه بالأول لاشتراكهما في الكنية وفي صورة النسبة لا سيما إن جاء غير مسمى
ومنها الحريري وفي الجريري بسكون آخره ضم جيم منه مصغر نسبة لجرير بن عباد بضم العين وتخفيف الموحدة يأتي في الصحيحين في اثنين فقط من البصريين في عباس هو ابن فروخ أبو محمد وفي سعيد هو ابن إياس أبو مسعود المخرج حديث لكل منهما في الصحيحين ويرد ثانيهما مقتصرا على النسبة في مسلم من رواية عن أبي ندرة وعن حيان بن عمير وغيرهما
وأما حيان هذا وأبان بن تغلب فهما وإن نسبا كذلك وخرج لهما مسلم فلم يرد واحد منهما فيه منسوبا وبحا مهملة مع القصر يحيى ابن بشر هو ابن كثير أبو زكريا الأسدي الكوفي الحريري بسكون آخره أيضا فتحا أي الحاء منه وهو ممن انفرد مسلم بالرواية عنه وقول ابن الصلاح إنه شيخ البخاري أيضا قلد فيه عياضا وهو قلد شيخه الجياني في تقييده وسبقهم الحاكم والكلابادي خطأ فشيخ البخاري إنما هو البلخي الفلاس الزاهد وقد فرق بينهما ابن أبي حاتم والخطيب ثم المزي وشيخنا وآخرون ولهم يجيى بن أيوب الجريري بفتح الجيم وكسر الراء نسبة لجده جرير البجلي وهو وإن استشهد به البخاري في أول كتاب الأدب من صحيحه فلم يقع منسوبا
ومنها الخزامي وانسب خزاميا بكسر الحاء المهملة وبالزاي المنقوطة كل من في الكتب الثلاثة وهو وإن عمه ابن الصلاح فذاك سوى (3/265)
من أبهما اسمه في حديث أبي اليسر من صحيح مسلم واقتصر فيه على قوله كان لي على فلان ابن فلان الحرامي فاختلفوا في ضبطه فالأكثر كما قال عياض ضبطوه بفتح الحاء والراء والمهملتين والطبري بكسرها وبالزاي وابن ماهان بجيم مضمومة وذال معجمة ولكن اعتذر ابن الصلاح في حاشية أملاها على كتابة عن عدم ذكره بأنه إنما ذكر في هذا الفصل من وقع في أنساب الرواة دون من ليس له إلا مجرد ذكر وليس كذلك وإن تبعه النووي عليه في الإرشاد مع أنه قد استثناه في مقدمة شرح مسلم
نعم عد الجياني في هذا القسم من ينسب إلى بني حرام من الأنصار وتوقف المصنف في ذلك لأنه لا يعلم في واحد من الصحيحين وورد أحد منهم منسوبا وكذا ذكر عياض فيمن يشتبه بهذه الترجمة فروة بن نعامة الجذامي بضم الجيم وبالذال المعجمة الذي أهدى للنبي صلى الله عليه و سلم بغلة وهو بعيد الالتباس
ومنها الحارثي والحارثي بالحاء وكسر الراء المهملتين بعدها مثلثة لهما أي للبخاري ومسلم ليس فيهما غير ذلك وسعد هو ابن نوفل أبو عبد الله الجاري بجيم ثم ياء نسبة بعد الراء مولى عمر بن الخطاب وعامله على الجار مرفأ السفن بساحل المدينة النبوية فيما قاله ابن الصلاح ونحوه قول الذهبي إنه موضع بالمدينة وكذا قال شيخنا هو ساحل المدينة للموطأ فقط من رواية مالك عن زيد بن أسلم عنه
ومنها همدان وفي النسب إلى القبيلة همدان بإسكان الميم وإهمال الدال ومنهم أبو أحمد مرار بمهملتين كعباد بن حموية الثقفي الذي روى عنه البخاري مقتصرا على كنيته لم ينسبه في جميع الروايات بل ولا سماه في أكثرها إنما قال في الشروط حدثنا أبو أحمد حدثنا أبو غسان محمد بن يحيى ولذا اختلف في تعيينه ورجح كونه المراد برواية موسى بن هارون (3/266)
والحمال عن المرار عن أبي غسان للحديث المخرج عند البخاري كما نبه عليه المزي وعلى كل حال فالذي بالسكون والإهمال وهو جميع ما في الثلاثة كما صرح وبه ابن الصلاح وإن كان فيها كما لعياض من هو من مدينة همدان بالتحريك والإعجام ببلاد الجبل فلم ينسب كذلك في شيء منها نعم في البخاري عند ذكر إبراهيم من كتاب الأنبياء أبو فروة مسلم بن سالم الهمداني وجدته في بعض النسخ للنسفي مضبوطا كذلك وهو وهم والصحيح أي من حيث الرواية عن البخاري كما كتبه الأصيلي بخطه بل وفي نفس الأمر والإهمال والسكون انتهى بمعناه
وأبو فروة الهمداني إنما اسمه عروة بن الحارث وأما أبو فروة المسمى مسلم ابن سالم فهو زهدي قاله الإمام أحمد قال وكان ابن مهدي لا يفصل بينهما وإلى ذلك أشار الجياني فنبه على أن أبا فروة الواقع في الصحيح اسمه عروة لا مسلم وإن وقع كذلك مسمى فيه إذ مسلم إنما هو نهدي يعرف بالجهني لا همداني وقد ذكره ابن أبي خيثمة على الصواب
وبالجملة فهذه النسبة وقعت في البخاري فضبطها متعين وإن تبين الوهم فيها وهو بالمهملة والسكون وهو في سائر الرواة مطلقا لا بقيد الكتب الثلاثة قدما أي قديما غلب كما قاله ابن ماكولا وعبارته والهمداني في المتقدمين بسكون الميم أكثر وبفتحها في المتأخرين أكثر
قال ابن الصلاح وهو كما قال ونحوه قال الذهبي في المشتبه والصحابة والتابعون وتابعوهم من القبيلة وأكثر المتأخرين من المدينة قال ولا يمكن استيعاب واحد من الفريقين انتهى
وسيأتي في آخر النوع بعده أن شهر دار خلط فأدخل في تاريخ همذان جمعا من الهمدانين
وممن خرج عن الغالب وسكن من المتأخرين أبو إسحاق إبراهيم بن أبي (3/267)
الدم الفقيه قاضي حماه وأبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة الحافظ وجعفر بن علي وعبد الحكم بن حاتم وعبد المعطي بن فتوح وعلي بن عبد الصمد السخاوي والأربعة من أصحاب السلفي وأبو الفضل محمد بن محمد بن عطاف ومنصور بن سليم الحافظ وآخرون فكلهم همدانيون بالسكون والإهمال ومما ذكره ابن الصلاح من الأسماء في هذا النوع وأعرض المصنف عن ذكره بعد الاشتباه فيه سلم مع سالم وسلمان مع سليمان وسنان مع شيبان (3/268)
المتفق والمفترق
( ولهم المتفق المفترق ... ما لفظه وخطه متفق )
( لكن مسمياته لعده ... نحو ابن أحمد الخليل سته )
( وأحمد بن جعفر وجده ... حمدان هم أربعة تعده )
( ولهم الجوني أبو عمرانا ... اثنان والآخر من بغدانا )
( كذا محمد بن عبد الله ... هما من الأنصار ذو اشتباه )
( ثم أبو بكر بن عياش لهم ... ثلاثة قد بنوا محلهم )
( وصالح أربعة كلهم ... ابن أبي صالح أتباع هم )
( ومنه في اسم فقط ويشكل ... كنحو حماد إذا ما يهمل )
( فإن يك ابن حرب أو عارم قد ... أطلقه فهو ابن زيد أو ورد )
( عن التبوذكي أو عفان ... أو ابن منهمال فذاك الثاني )
( ومنه ما في نسب كالحنفي ... قبيلا أو مذهبا أو باليا صف )
المتفق والمفترق
وهي نوع جليل يعظم الانتفاع به صنف في الخطيب كتابا نفيسا شرع شيخنا في تلخيصه فكتب منه حسبما وقفت عليه يسيرا مع قوله في شرح (3/269)
النخبة إنه لخصه وزاد عليه أشياء كثيرة وقد شرعت في تكملته مع استدراك أشياء فاتته وفائدة ضبطه الأمن من اللبس فربما ظن الأشخاص شخصا واحدا عكس المذكور بنعوت متعددة الماضي شرحه وإن للخطيب فيه الموضح لأوهام الجمع والتفريق وربما يكون أحد المشتركين ثقة والآخر ضعيفا فيضعف ما هو صحيح أو يصحح ما هو ضعيف
ولهم أي للمحدثين المتفق والمفترق من الأسماء والأنساب ونحوها وهو ما لفظه وخطه متفق لكن مفترق إذ كانت مسمياته لعدة وهو من قبيل ما يسميه الأصوليون المشترك أعني اللفظي لا المعنوي بل لهم في البلدان المشترك وضعا والمفترق صقعا وقد زل فيه جماعة من الكبار كما هو شأن المشترك اللفظي في كل علم والمهم منه من يكون في مظنة الاشتباه لأجل التعاصر أو الاشتراك في بعض الشيوخ أو في الرواة وينقسم إلى ثمانية أقسام
الأول أن تتفق أسماؤهم وأسماء آبائهم خاصة نحو خالد بن الوليد اثنان في الصحابة أشهرهما القرشي المخزومي الملقب سيف الله والآخر أنصاري شهد صفين على وأبلى فيها بلاء شديدا وكذا فيمن اسمه خالد بن الوليد من أدرك الجاهلية وذكر لذلك في الصحابة ولكن الصحيح أنه تابعي وآخر متأخر عنهم ولكن الوليد جده إلا أنه وقع في بعض الروايات منسوبا إليه وليست هذه الترجمة بكمالها عند الخطيب
ومالك ابن أنس اثنان إمام الذهب وآخر كوفي مقل قريب الطبقة منه لا يؤمن التباسه به على من لا خبرة له بالرجال ومن العجيب أن الإمام سمع منه شيخه الزهري حديث الفريعة ورواه عنه قائلا حدثني فتى يقال له مالك ابن أنس فقال بعض المتأخرين إنه من رأى مالك أنس وهو غير متبحر في هذا الشأن جزم بأنه الإمام وليس كذلك (3/270)
ونحو ابن أحمد الخليلي ستة حسبما ذكرهم ابن الصلاح اقتصر منهم الخطيب على الأولين فالأول اسم جده عمرو بن تميم أبو عبد الرحمن الأزدي الفراهيدي البصري النحوي صاحب العروض وأول من استخرجه و كتاب العين في اللغة وشيخ سيبويه كان مولده في سنة مائة روى عن عاصم الأحول وآخرين ذكره ابن حبان في الثقات ومات سنة ستين وبضع وستين أو سبعين أو خمس وسبعين ومائة وكان أبوه أول من تسمى في الإسلام أحمد فيما قاله أبو بكر بن أبي خيثمة والمبرد وعزاه شيخنا كما سيأتي قريبا لاتفاق المحدثين وتعقبه بأحمد بن حفص بن المغيرة المخزومي زوج فاطمة ابنة قيس والمكني بأبي بأبي عمرو فقد سماه كذلك النسائي عن إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني أنه سأل أبا هشام المخزومي وكان علامة بأنسابهم عنه وتبعه الذهبي إلا أنه بكنيته أشهر بحيث ذكره البخاري فيمن لا يعرف اسمه وبأحمد بن جرير بن شهاب الأوسي سمع منه الحسن البصري حديثا في السجود وبأحمد أبي محمد الذي كان يزعم أن الوتر واجب فيما حكاه ابن حبان
ولكن المشهو أنه مسعود بن زيد بن شبع لا أحمد وبأحمد بن جعفر بن أبي طالب الهاشمي ذكرة الواقدي فيمن ولدته أسماء لجعفر كما حكاه أبو القاسم بن منده واستدركه ابن فتحون وقال الذهبي إن الواقدي تفرد به وفيه أن أسماء ولدته بالحبشة وبأحمد والد أبي السفر سعيد فيما سماه ابن معين لكن الأكثر فيه يحمل بالمثناة التحتانية بدل الهمزة والثاني بصري أيضا اسم جده بشر بن المستنير أبو بشر المزني ويقال السلمي روى عنه محمد بن يحيى بن أبي سمينة وعبد الله بن محمد المسندي والعباس بن عبد العظيم العنبري ذكره ابن حبان أيضا في الثقات وممن فرق بينهما غيره النسائي في الكنى وابن أبي حاتم والخطيب وهو الظاهر كما قاله المؤلف وقال شيخنا إنه الصواب قال (3/271)
وقول الخطيب إن للمسندي ما أدرك الأول هو ظاهر بالنسبة إلى ما أرخ به وفاة الأول لأن مقتضاه أن يكون أقدم شيخ للمسندي وهو فضيل بن عياض مات بعد الخليل بمدة طويلة تزيد على عشر سنين لكن البخاري أعلم بشيخه المسندي من غيره وقد أثبته في الرواة عن الأول هذا مع أن شيخنا جنح إلى الافتراق لكون اشتراكه في الرواية عنهما لا يمنعه وبتأيد بافتراقهما في اسم الجد
والثالث بصري أيضا يروي عن عكرمة ذكره أبو الفضل الهروي الحافظ في كتابه مشتبه أسماء المحدثين فيما حكاه ابن الجوزي في تلقيحه عن خط شيخه عبد الوهاب الأنماطي عنه قال المصنف وأخشى أن يكون الأول فإنه روى عن غير واحد من التابعين بل قال شيخنا أخلق به أن يكون غلطا فإنه أقدم من يقال له الخليل بن أحمد الأول ولم يذكر أحد في ترجمته أنه لقي عكرمة بل ذكروا أنه لقي أصحاب عكرمة كأيوب السختياني فلعل الراوي عنه أسقط الواسطة بينه وبين عكرمة فظنه أبو الفضل آخر غير الأول وليس كما ظن لأن أصحاب الحديث اتفقوا على أنه لم يوجد أحد تسمى أحمد من بعد قرن النبي صلى الله عليه و سلم إلا والد الأول يعني كما تقدم مع ما فيه
والرابع اسم جده محمد بن الخليل أبو سعيد السجزي الفقيه الحنفي قاضي سمرقند حدث عن ابن خزيمة وابن صاعد والبغوي وغيرهم سمع منه الحاكم وذكره في تاريخ نيسابور مات بسمرقند سنة ثمان وسبعين وثلاثمائة
والخامس اسم جده أيضا محمد بن أحمد ويكنى أيضا أبا سعيد البستي المهلبي الشافعي القاضي وذكر ابن الصلاح أنه سمع من الذي قبله ومن أحمد بن المظفر البكري وغيرهما حدث عنه البيهقي
والسادس اسم جده عبد الله بن أحمد ويكنى أيضا أبا سعيد وهو أيضا يستي فقيه شافعي فاشترك مع الذي قبله في أشياء ولذا جوز المصنف أن (3/272)
يكون هو إياه ولكن ابن الصلاح قد فرق بينهما وقد ذكره الحميدي في تاريخ الأندلس المسمى بالجدوة وابن بشكوان في الصلة وقال إنه قدم الأندلس من العراق في سنة اثنتين وعشرين وأربعمائة وروى عن أبي محمد بن النحاس بمصر وأبي سعد الماليني وأبي حامد الاسفرائيني وغيرهم وحكى عن أبي محمد بن خزرج أن مولده سنة ستين وثلاثمائة وروى عنه أبو العباس أحمد بن عمر العذري وكان أديبا نبيلا ثبتا صدوقا متصرفا في علوم
هكذا اقتصر ابن الصلاح على ستة ولكن الراوي عن عكرمة السابق التردد فيه لم يقع عنده وإنما عنده بدله أخو أصبهاني روى عن روح بن عبادة وهو وهم تبع فيه ابن الجوزي وهو تبع أبا الفضل الهروي والصواب في اسم أبيه محمد لا أحمد فكذلك هو في تاريخي أصبهان لأبي الشيخ وأبي نعيم وهو أبو العباس العجلي
وروى ابن حبان في النوع التاسع والمائة من القسم الثاني من صحيحه عن الخليل بن أحمد بواسط عن جابر بن الكردي حديثا قال المصنف والظاهر أنه ابن محمد أيضا فإنه سمع منه بواسطة أحاديث أوردها مفرقة في كتابه على الصواب فلا يغتر بما وقع له في هذا الموضع
وزاد المصنف سابعا هو بغدادي روى عن سيار بن حاتم ذكره ابن النجار في الذيل
وثامنا وهو أبو القاسم المصري الشاعر روى عنه أبو القاسم بن الطحان الحافظ وذكره في ذيله لتاريخ مصر وقال مات سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة
وتاسعا اسم جده علي ويكنى أبا طاهر الجوسقي الصرصري الخطيب بها سمع من أبيه وابن البطي وشهده وغيره روى عنه ابن النجار وابن المديني وذكراه في ذيلهما ومات في سنة أربع وثلاثين وستمائة (3/273)
ووجدت من نمط من ذكرهم المؤلف جماعة واحد اسم جده روزبه حنفي تفقه بأبي عبد الله الدامغاني وسمع بأصبهان من أبي القاسم المظفر بن أحمد الخوارزمي روى عنه السلفي وآخر شيباني أنشد الباخرزي في دمية القصر لولده الموفق قصيدة مدح بها نظام الملك ويحرر كونه غير المتقدمين وآخر سكوني لبلى مغربي مات سنة خمسين وخمسمائة وآخر اسم جده خليل بن بادر ابن عمرو ويكنى أبا الصفا من شيوخ الدمياطي مات سنة خمس وخمسين وستمائة في آخرين ممن عاصرناهم كابن الغرز الشاعر المسمى جده خليل أيضا وابن جمعة الحسيني العدل وابن عيسى الفهري وقد كتب الكمالي ابن البارزي على ديوان صاحب حصن كيفا العادل خليل بن الأشرف أحمد بن العادل سلمان الأيوبي أبحر الشعر
( إن غدت منك في قبضة اليد ... غير بدع فإنه للخليل بن أحمد )
وبالجملة فتتبع المتباعدين في الطبقة ليس فيه كبير طائل
وقد قال شيخنا في مختصر التهذيب وإما من يقال له الخليل بن أحمد غير العروضي والمزني ومن قرب من عصرها لو صح فجماعة تزيد عدتهم على العشرة قد ذكرتهم فيما كتبته على علوم الحديث لابن صلاح سبقني شيخنا في النكت إلى نحو النصف انتهى
وما وقفت من النكت المشار إليها إلا إلى المقلوب خاصة ومن أمثلته أيوب بن سليمان ستة عشر وإبراهيم بن يزيد ثلاثة عشر وإبراهيم بن موسى اثنا عشر وعلي بن أبي طالب تسعة وإبراهيم بن مسلم ثمانية وعمر بن الخطاب سبعة وأنس بن مالك ستة وأبان بن عثمان خمسة ويحيى بن يحيى أربعة وإبراهيم بن بشار ثلاثة وعثمان بن عفان اثنان
والثاني أن يتفق أسماؤهم وأسماء آبائهم وأجدادهم فمنه (3/274)
أحمد بن جعفر وجده حمدان هم أربعة متعاصرون من طبقة واحدة تعده أي المسمى كذلك أشهرهم اسم جد أبيه مالك بن شبيب ويكنى أبا بكر البغدادي القطيعي لسكناه قطيعة الدقيق كان مسند العراق في زمنه روى عن عبد الله ابن أحمد بن حنبل المسند والتاريخ والزهد والمسائل كلها لأبيه وأخذ عنه الحفاظ كالدارقطني وابن شاهين والحاكم والبرقاني وأبي نعيم ومات في ذي الحجة سنة ثمان وستين وثلاثمائة من أربع وتسعين سنة
وثانيهم اسم جد أبيه عيسى ويكنى أيضا أبا بكر السقطي البصري ويروى عن عبد الله بن أحمد بن إبراهيم الدورقي والحسن بن المثنى العنبري وعنه أيضا أبو نعيم الحافظ وآخرون مات سنة أربع وستين وقد جاز المائة وقد تجيء روايته عن الدورقي غير منسوب فيشتد اشتباهه بالأول
وثالثهم يكنى أبا الحسن الطرسوسي روى عن عبد الله بن جابر ومحمد بن حسن الطرسوسيين وعنه القاضي أبو الحسن الخصيب بن عبد الله بن محمد ابن جعفر الخصبي المصري وغيره
ورابعهم الدينوري حدث عن عبد الله بن محمد بن سنان الروحي نسبة لشيخه روح لإكثاره عنه وعنه علي بن القاسم بن شاذان الرامزي الرامهرمزي وغيره ومنه محمد بن جعفر بن محمد ثلاثة متعاصرون ماتوا في سنة ستين وثلاثمائة وهم في عشر المائة
أولهم اسم جد أبيه الهيثم بن عمران أبو بكر الأنباري البندار من شيوخ أبي نعيم
وثانيهم اسم جد أبيه كنانة ويكنى أبا بكر أيضا البغدادي المؤدب شيخ لبشرى بن عبد الله الفائني
وثالثهم اسم جد أبيه مطر ويكنى أبا عمرو بن مطر النيسابوري الحافظ (3/275)
من شيوخ الحاكم
وفي الحفاظ اثنان من المائة الرابعة أيضا ممن شاركهم في الاسم والأب والجد وماتا في سنة سبع وعشرين أولهما وأشهرهما اسم جد أبيه سهل بن شاكر أبو بكر الخارئطي المصنف الشهير والآخر اسم جد أبيه نوح أبو نعيم البغدادي
وقريب من طبقتهما آخر اسم جد أبيه هشام بن قسيم بن ملاس أبو العباس النميري الدمشقي المحدث صاحب الجزء الشهير مات في سنة ثمان وعشرين
وقبلهما بيسير آخر اسم جد أبيه خازم ويكنى أبا جعفر الخازمي الجرجاني أحد أئمة الشافعية من أصحاب ابن سريج مات سنة أربع وعشرين
وكذا في الرواة آخر اسم جد أبيه كامل أبو العباس الحضرمي مات سنة إحدى وأربعين
وآخر اسم جد أبيه جعفر بن الحسن أبو الحسن العلوي ويعرف بأبي قيراط مات سنة خمس وأربعين
وآخر اسم جد أبيه فضالة بن عبد الملك أبو بكر البغدادي القاريء مات في سنة ثمان وأربعين
وآخران في حدود الأربعين اسم جد أبي أحدهما عصام الأنصاري النسفي والآخر المستفاض أبو الحسن الفريابي في آخرين بعد ذلك وقبله ممن كلهم من المائة الرابعة لا نطيل بهم
والثالث أن يتفق الكنية والنسبة معا ولهم أي للمحدثين في أمثلته الجوني بفتح الجيم ثم واو ساكنة ثم نون أبو عمرانا اثنان كل منهما بصري أحدهما اسمه عبد الملك بن حبيب تابعي شهير مات قبل الثلاثين (3/276)
ومائة والآخر من بغدانا بنون بعد معجمة على إحدى اللغات في بغداد مدينة السلام وقبة الإسلام ودار الإمام فيما مضى من الأيام واسمه مرسي بن سهل بن عبد الحميد روى عن الربيع بن سليمان وطبقته وعند الإسماعيلي والطبراني في آخرين لكنهما مع تباعدهما نسبتهما مختلفة فالأول للجون بطن من الأزد والآخر ووروده كذلك قليل تخفيفا وإلا فالأكثر فيه الجويني بالتصغير نسبة إلى ناحية
وكذا من أمثلته أبو سليمان الداراني الدمشقي العنسي اثنان أقدمهما عبد الرحمن بن سليمان بن أبي الجون بقي إلى قريب التسعين ومائة والآخر وهو الزاهد الشهير اسمه أيضا عبد الرحمن بن أحمد بن عطية تعاصر مع الأول فإن مولده في حدود الأربعين ومائة أو قبل ذلك ومات سنة اثنتي عشرة ومائتين
وكذا من أمثلته أبو عمر الحوضي اثنان ذكرهما الخطيب
والرابع أن يتفق الاسم واسم الأب والجد والنسبة جميعا كمحمد بن يعقوب بن يوسف النيسابوري اثنان في عصر واحد يروى الحاكم عنهما أحدهما أبو العباس الأصم والآخر أبو عبد الله بن الأخرم الشيباني الحافظ ومحمد بن أحمد بن عمر السعودي اثنان أحدهما شافعي أخذت عنه والآخر حنفي أخذ عنه الفقه بعض ما أخذت عنه وهو أقدم وفاة من الأول ومع ذلك فقد أدخل بعض أصحابنا شيئا من مسموعه في سماعات الأول ونبهت على ذلك في ترجمته
كذا لكن بدون اتفاق في الجد محمد بن عبد الله هما من الأنصار أحدهما بالنسب واسم جده المثنى بن عبد الله بن أنس بن مالك أبو عبد الله القاض الثقة صاحب الجزء العالي الشهير وشيخ البخاري مات سنة خمس عشرة ومائتي عن سبع وتسعين سنة والآخر بالولاء واسم جده زياد أبو سلمة ضعيف جدا مقل يقال إنه جاز المائة وهما لانتسابهما كذلك بل ولكونهما من البصرة واشتركا في الرواية عن حميد الطويل وسليمان التيمي (3/277)
ومالك بن دينار وقرة بن خالد ذو اشتباه ومن أجل ذلك اقتصر ابن الصلاح تبعا للخطيب عليهما وإلا فلا ولهما قريب شاركه في الاسم والأب والنسبة وفي كونه بصريا غير أنه ممن روى عنه فهو متأخر واسم جده حفص ابن هشام بن زيد بن أنس بن مالك روى عنه ابن ماجه وابن صاعد وآخرون ووثقه ابن حبان وكذا في الرواة آخر إلا أنه متقدم على الأولين فضلا عن الثالث تابعي مدني اسم جده زيد بن عبد ربه حديثه عند مسلم ووثقه ابن حبان والعجلي
والخامس ولم يفرده ابن الصلاح بل درجه في الثالث لكونه كما قال مما يقاربه أن تتفق كناهم وأسماء أبائهم كأبي بكر بن عبد الله جماعة ثم أبو بكر بن عياش بالمثناة التحتانية والشين المعجمة لهم أي للمحدثين من الرواة كذلك ثلاثة فقط لا رابع لهم قد بينوا محلهم أي في محلهم أولهم الكوفي القاريء الشهير راوي قراءة عاصم واسم جده سالم الذي أسلفت في الكنى الخلاف في اسمه وكون الصحيح أن اسمه كنيته وأنه عمر نحو مائة سنة
وثانيهم حمصي يروي عن عثمان بن شباك الشامي وعنه جعفر بن عبد الواحد الهاشمي وقال الخطيب أنه هو وشيخه مجهولان والراوي عنه كان غير ثقة
وثالثهم سلمى مولاهم باجد أي حسين له مصنف في الغريب كما أسلفته فيه روى عن جعفر بن برقان وعنه علي بن جميل الرقي وغيره قال الخطيب وكان فاضلا أديبا مات سنة أربع ومائتين بباجدا قاله هلال بن العلاء
والسادس ضد ما قبله وهو أن يتفق أسماؤهم كنى آبائهم
ومنه صالح أربعة كلهم ابن أي كل منهم ولد أبي صالح أتباع (3/278)
بالنقل هم فأولهم أبو محمد المدني مولى التوأمة ابنة أمية بن خلف الجمحي واسم أبي صالح نبهان وقيل إن نبهان جده فعن أبي زرعة قال هو صالح بن صالح بن نبهان ونبهان يكنى أبا صالح وكذا قال ابن أبي حاتم نبهان أبو صالح مولى التوأمة هو جد صالح مولى التوأمة لأنه صالح بن صالح بن أبي صالح قال شيخنا ولم أر هذا لغيره وكذا قال يروى عن جماعة من الصحابة واختلف في الاحتجاج به مات سنة خمس وعشرين ومائة
وثانيهم أبو عبد الرحمن المدني السمان واسم أبي صالح ذكوان يروى عن أنس وحديثه عند مسلم والترمذي
وثالثهم السدوسي يروى عن علي وعائشة وعنه خلاد بن عمر ذكره البخاري في تاريخه وابن حبان في ثقاته
ورابعهم الكوفي مولى عمرو بن حريث المخزومي واسم أبي صالح مهران يروى عن أبي هريرة وعنه أبو بكر بن عياش وحديثه عند الترمذي ذكره البخاري في تاريخه وابن حبان في ثقاته وضعفه ابن معين وجهله النسائي ولم يذكره الخطيب وفيمن بعد هؤلاء الأربعة آخر أسدي يروى عن الشعبي وعنه زكريا ابن أبي زائدة حديثه في النسائي وذكره البخاري في تاريخه وتركه ابن الصلاح تبعا لتأخره لا سيما وبعضهم سمى والد صالحا لكن قال البخاري إن الأول أصح
وكذا بعدهم آخر يروى عنه عبد خير وعنه عطاء بن مسلم الخفاف ذكره ابن أبي حاتم وابن حبان في الثقات وفرق بينه وبين الذي قبله وهو الظاهر كما قال شيخنا ومنه أي هذا النوع وهو سابع الأقسام ما الاتفاق فيه في اسم أو في كنية أو في نسبة فقط ويقع في السند منهم واحد باسمه أو بكنيته أو بنسبته خاصة مهملا من ذكر أبيه أو غيره مما يتميز به عن المشارك له (3/279)
فيما ورد به فيلتبس ويشكل الأمر فيه وللخطيب فيه بخصوصه كتاب مفيد سماه المكمل في بيان المهمل ولذا كان حقه أن يفرد بنوع مستقل خصوصا وقد قال شيخنا إنه عكس المتفق والمفترق في كونه يخشى منه ظن الواحد اثنين وهو كنحو حمادا ذا ما يهمل من نسبة أو غيرها ولكن ذلك يتميز عند أهل الحديث بحسب من أطلقه فإن يك ابن حرب هو سليمان أو عارم بمهملتين وهو لقب لمحمد بن الفضل السدوسي شيخ البخاري قد أطلقه أي مهملا فهو كما قال محمد بن يحيى الذهلي والرامهرمزي ثم المزي ابن زيد حمادا أو ورد مطلقا أيضا عن واحد من أبي سلمة موسى بن إسماعيل التبوذكي بفتح المثناة الفوقانية وضم الموحدة وفتح الذال المعجمة نسبة في البصرة لبيع السماذ بفتح المهملة وآخره معجمة وهو السرجين والرماد تسمد به الأرض وقال ابن ناصر وهو عندنا الذي يبيع ما في بطون الدجاج من الكبد القلب والقانصة وكان يقول لا جوزي خيرا من ينسبني كذلك أنا مولى لنبي منقر وإنما نزل داري قوم من أهلها فنسبت كذلك وقال ابن أبي حاتم إنه اشترى بها دارا فنسبت إليه
أو عن عفان أو حجاج هو ابن منهال أو هدية بن خالد ولكن لم يذكره ابن الصلاح ولا نظمه المؤلف فذاك الثاني أي حماد بن سلمة المطوي في الذكر وصف بالثاني لتأخره عن ابن زيد بالإشارة وإلا فابن سلمة أقدم وفاة منه
وممن نص على أنه المراد من التبوذكي الرامهرمزي وكذا ابن الجوزي وذاذان التبوذكي لا يروى إلا عنه خاصة ومن ابن منهال الذهلي والرامهرمزي والمزي ومن عفان هو نفسه كما رواه الذهلي عنه ومشى عليه المزي وقال المصنف إنه الصواب وقول الرامهرمزي إنه يمكن أن يكون أحدهما وإن كان صحيحا في حد ذاته لا يجيء بعد نصه على اصطلاحه وإن مشى عليه ابن الصلاح بحكاية قولين (3/280)
ومن هدبة المزي وقد نظمه البرهان الحلبي تلميذ الناظم فقال
( كذا إذا أطلقه هداب ... هو ابن خالد فلا يرتاب )
ومن أمثلة ذلك كما عند ابن الصلاح إطلاق عبد الله وحكى عن سلمة بن سليمان أنه حدث يوما فقال أخبرنا عبد الله فقيل له ابن من فقال يا سبحان الله أما ترضون في كل حديث حتى أقول حدثنا عبد الله بن المبارك أبو عبد الرحمن الحنظلي الذي منزله في سكة صغد ثم قال سلمة إنه إذا قيل عبد الله بمكة فهو ابن الزبير أو بالمدينة فابن عمر أو بالكوفة فابن مسعود أو بالبصرة فابن عباس أو بخراسان فابن المبارك قال ابن الصلاح وقال الحافظ أبو يعلى الخليلي القزويني إذا قاله البصري فابن عمرو بن العاص أو المكي فابن عباس انتهى
فاختلف القولان فإطلاق البصري والمكي وقال النضر بن شميل إذا قاله الشامي فابن عمرو بن العاص أو المدني فابن عمر قال الخطيب وهذا القول صحيح قال وكذلك يفعل بعض المصريين في إطلاق عبد الله وإرادته فابن عمرو بن العاص وإطلاق شعبة أبا جمرة عن ابن عباس فإنه يريد نصر ابن عمران الضبعي وهو بالجيم والراء وإن كان يروى عن سبعة ممن يروى عن ابن عباس كلهم بالحاء المهملة والزاي لأنه إذا أراد واحدا منهم بينه ونسبه كما نقله ابن الصلاح عن بعض الحفاظ ويتبين المهمل ويزول الإشكال عند أهل المعرفة بالنظر في الروايات فكثيرا ما يأتي مميزا في بعضها أو باختصاص الراوي بأحدهما إما بأن لم يرو إلا عنه فقط كأحمد بن عبدة الضبي وقتيبة ومسدد وأبي الربيع الزهراني فإنهم لم يرووا إلا عن حماد بن زيد خاصة وبهز بن أسد فإنه لم يرو إلا عن ابن سلمة خاصة أو بأن يكون من المكثرين عنه الملازمين له دون الآخر (3/281)
وقد حدث القاسم المطرز يوما بحديث عن حمام أو غيره عن الوليد بن مسلم عن سفيان فقال له أبو طالب بن نصر الحافظ من سفيان هذا فقال الثوري فقال له أبو طالب بل هو ابن عيينة فقال له المطرز من أين قلت فقال لأن الوليد قد روى عن الثوري أحاديث معدودة محفوظة وهو ملي بابن عيينة أو بكونه كما أشير إليه في معرفة أوطان الرواة بلدي شيخه أو الراوي عنه إن لم يعرف بالرحلة فإن بذلك وبالذي قبله يغلب على الظن يتبين المهمل ومتى لم يتبين ذلك بواحد منها أو كان مختصا بهما معا فإشكاله شديد فيرجع فيه إلى القرائن والظن الغالب قال ابن الصلاح وقد يدرك بالنظر في حال الراوي والمروي عنه وربما قالوا في ذلك بظن لا يقوى
ومما اختلف فيه رواية البخاري عن أحمد غير منسوب عن ابن وهب فإنه إما أحمد بن صالح أو أحمد بن عيسى وكذا روايته عن محمد غير منسوب أيضا عن أهل العراق فإنه إما محمد بن سلام البيكندي أو محمد بن يحيى الذهلي أو عبد الله غير منسوب تارة
عن يحيى بن معين وتارة عن سليمان بن عبد الرحمن فإنه إما عبد الله ابن حماد الآملي كما قاله الكلاباذي أو عبد الله بن أبي الخوارزمي القاضي وهو كما قال المصنف الظاهر لروايته في كتابه في الضعفاء عنه صريحا عدة أحاديث عن سليمان المذكور وغيره أو عن أبي أحمد غير مسمى عن محمد بن يحيى فإنه إما مراد بن حموية أو محمد بن عبد الوهاب الفرا أو محمد بن يوسف البيكندي
ومنه أي هذا النوع وهو ثامن الأقسام ما يحصل الاتفاق فيه في لفظ نسب فقط والافتراق في أن ما نسب إليه أحدهما غير ما نسب إليه الآخر ولأبي الفضل بن طاهر الحافظ فيه لخصوصه تصنيف حسن (3/282)
كالحنفي حيث يكون المنسوب إليه قبيلا أي قبيلة وهم بنو حنيفة منهم أبو بكر عبد الكبير وأبو علي عبيد الله ابنا عبد الحميد المنفي أخرج لهما الشيخان أو بالنقل يكون مذهبا وهم خلق يدينون مذهب أبي حنيفة النعمان بن ثابت الكوفي أفردوا بالتصنيف من غير واحد وأنت فيمن ينسب للمذهب بالخيار بين أن يقول حنفي بلا ياء أو بالنقل بالياء المثناة التحتانية وبالقصر كما ذهب إليه جماعة من المحدثين منهم ابن طاهر المذكور صف ليكون إثباتها مميزا لهم عن الآخرين لكن قال ابن الصلاح إنه لم يجد ذلك عن أحد من النحويين إلا عن أبي بكر بن الأنباري الإمام قاله في الكافي انتهى
وقد اشتبه جماعة ممن نسب إلى القبيلة على بعض من صنف طبقات الحنفية فأدخلهم فيها وربما كان فيهم من تقدم على إمام المذهب كما اتفق لشهردار الديلمي صاحب الفردوس فإنه أدخل في تاريخه لهمذان كما قال الذهبي خلقا من الهمذانيين المنسوبين إلى القبيلة وكالآملي فهو موضعان آمل طبرستان قال السمعاني وأكثر أهل العلم من أهل طبرستان منه وآمل جيحون ومنهم عبد الله بن حماد الآملي أحد شيوخ البخاري وقد جعله الحافظان أبو علي الغساني ثم عياض من الأولى قال ابن الصلاح وهو خطأ
ومنه أن يتفق اسم أب الراوي واسم شيخه مع مجيئهما معا مهملين من نسبة يتميز أحدهما بها عن الآخر كالربيع بن أنس عن أنس هكذا يأتي في الروايات فيظن أنه يروى عن أبيه كما وقع في الصحيح عن عامر بن سعد عن سعد وهو أبوه وليس أنس شيخ الربيع والده بل أبوه بكري وشيخه أنصاري وهو أنس بن مالك الصحابي الشهير وليس الربيع المذكور من أولان (3/283)
تلخيص المتشابه
( ولهم قسم من النوعين ... مركب متفق اللفظين )
( في الاسم لكن أباه اختلفا ... أو عكسه أو نحوه وصنفا )
( فيه الخطيب نحو موسى بن علي ... وابن علي وحنان الأسدي )
تلخيص المتشابه
ولهم أي المحدثين قسم آخر من النوعين السابقين مركب وهو إما متفق اللفظين أي نطقا وخطا في الاسم خاصة مفترق في المسمين لكن بالتشديد أباه أي المتفق أسماؤهما اختلفا نطقا مع الأئتلاف خطا أو عكسه بأن يأتلف الاسمان خطا ويختلفا لفظا ويتفق أسماء أبويهما لفظا أو نحوه أي المذكور بأن يتفق الاسمان أو الكنيتان لفظا ويختلف نسبتهما نطقا أو تتفق النسبة لفظا ويختلف الاسمان أو الكنيتان لفظا وما أشبه ذلك وقد صنفا فيه الحافظ الخطيب السابق إلى غالب ما صنفه في أنواع هذا الشأن كتابا جليلا سماه تلخيص المتشابه
ثم ذيل عليه أيضا بما فاته أولا وهو كثير الفائدة بل قال ابن الصلاح إنه من أحسن كتبه لكن لم يعرب باسمه الذي سماه به عن موضوعه كما أعربنا عنه انتهى وهو كذلك فإنه لا تعلم حقيقته من مجرد (3/284)
التسمية وفائدة ضبطه الأمن من التصحيف وظن الاثنين واحد
ولكل من هذه الأقسام أمثلة أدخل فيها الخطيب ثم ابن الصلاح وما لا يشتبه غالبا كثور اثنان ابن زيد وابن يزيد وابن زرارة اثنان عمر وعمرو وابن أبي عبد الله اثنان عبيد الله وعبد الله مع اعتراف ابن الصلاح في أولها بأنه مما يتقارب ويشتبه مع الاختلاف في الصورة فالأول وهو ما حصل الاتفاق فيه في الاسم والاختلاف في الأب نحو موسى بن علي بفتح العين مكبر كالجادة وابن علي بالضم مصغر موسى أيضا
فالأول جماعة منهم من اسم جده عبد الله ويكنى أبا عيسى الختلي الذي روى عنه أبو بكر بن مقسم المقري وأبو علي بن الصواف وغيرهما ومات بعد الثلاثمائة وكلهم متأخرون ليس في الكتب الستة ولا في تاريخ البخاري ولا الجراح لابن أبي حاتم منهم أحدا
والثاني فرد اسم جده رباح اللخمي المصري أمير مصر المخرج له عند مسلم بل والبخاري لكن في الأدب المفرد وأصحاب السنن الأربعة والضم فيه المشهور وعليه أهل العراق ولكن الذي صححه البخاري وصاحب المشارق الفتح وعليه أهل مصر وتوسط بعض الحفاظ فجعله بالفتح اسما له وبالضم لقبا وكان هو وأبوه يكرهان اللضم ويقول كل منهما لا أجعل قائله في حل واختلف في سببه فقال أبو عبد الرحمن المقري لأن بني أمية كانت إذا سمعت لمولود اسمه علي يعني بالفتح قتلوه فقال أبوه هو علي يعني بالضم وقال ابن حبان في ثقاته كان أهل الشام يجعلون كل علي عندهم عليا لبغضهم عليا رضي الله عنه
ومحمد بن عقيل بفتح العين ومحمد بن عقيل بضمها الأول نيسابوري والثاني فريابي وهما مشهوران وطبقتهما متقاربة (3/285)
والقسم الثاني وهو منه الأول ما حصل الافتراق فيه في الاسم والاتفاق في الأب نحو عباس بالموحدة والمهملة وعياش بالمثناة التحتانية والمعجمة كل منهما ابن الوليد وبصري أيضا وفي عصر واحد بحيث تشاركا في بعض الشيوخ وأخذ البخاري عن كل منهما فالأول جماعة منهم هذا واسم جده نصر ويكنى أبا الفضل نرسي والآخر فرد وهو الرقام يكنى أبا الوليد
وسريج بالمهملة والجيم وشريح بالمعجمة والمهملة كل منهما ابن النعمان فالأول شيخ البخاري وهو بغدادي لولوي اسم جده مروان والآخر من التابعين حديثه في السنن الأربعة وهو صائدي كوفي
والقسم الثالث وهو ما حصل فيه الاتفاق في الاسم واسم الأب والافتراق نطقا في النسبة كمحمد بن عبد الله اثنان أحدهما مخرمي بضم الميم وفتح الخاء المعجمة وكسر الراء المشددة نسبة ن إلى المخرم من بغداد واسم جده المبارك ويكنى أبا جعفر قرشي بغدادي قاضي حلوان وأحد شيوخ البخاري الحفاظ والآخر مخرمي بفتح الميم وسكون الخاء المعجمة وفتح الراء قال ابن ماكولا لعله من ولد مخرمة بن نوفل وهو مكي يروى عن الشافعي وعنه عبد العزيز بن محمد بن الحسن بن زبالة ليس بالمشهور
والرابع وهو ما حصل فيه الاتفاق في الكنية والافتراق نطفا في النسبة كأبي عمرو الشيباني بفتح الشين المعجمة وسكون المثناة التحتانية ثم موحدة والسيباني مثله لكن بمهملة فالأول جماعة كوفيون أشهرهم سعد بن إباس تابعي مخضرم حديثه في الستة وهارون بن عشرة بن عبد الرحمن من أتباع التابعين حديثه عن أبي داود والنسائي ووهم المزي فكناه أبا عبد الرحمن وإسحاق بن مراد بكسر الميم وتخفيف الراء كما لعبد الغني بن سعيد أو كعمار كما للدارقطني نحوي لغوي نزل بغداد له ذكر في صحيح مسلم بكنيته فقط والآخر شامي تابعي مخضرم اسمه زرعة وهو عم الأوزاعي (3/286)
ووالد يحيى حديثه عند البخاري في الأدب المفرد
والخامس ما حصل فيه الاتفاق في النسبة والاختلاف في الاسم ونحو حنان بفتح المهملة والنون المخففة وبترك الصرف وحيان بفتح المهملة وتشديد المثناة التحتانية الأسدي كل منهما فالأول نسبة لبني أسد بن شريك بضم المعجمة بصري يروى عن أبي عثمان النهدي وعنه حجاج الصواف والآخر اثنان تابعيان أحدهما كوفي يكنى أبا الهياج واسم أبيه حصين حديثه في مسلم وثانيهما شامي ويعرف بحيان أبي النضر له في صحيح ابن حبان عن واثلة حديث
والسادس ما حصل فيه الاتفاق في النسبة والاختلاف في الكنية نحو أبي الرجال بكسر الراء وتخفيف الجيم وأبي الرحال بفتح الراء وتشديد الحاء المهملة الأنصاري كل منهما فالأول اسمه محمد بن عبد الرحمن مدني يروى عن أمه عمرة ابنة عبد الرحمن وغيرها حديثه في الصحيحين والآخر اسمه محمد ابن خالد أو خالد بن محمد وبه جزم الدارقطني تابعي ضعيف حديثه في الترمذي
ونحوه ابن عفير بالمهملة وابن غفير بالمعجمة وهما بالتصغير مصريان أولهما سعيد بن كثير بن عفير وقد ينسب إلى جده يكنى أبا عثمان من شيوخ البخاري والآخر اسمه الحسن بن غفير قال الدارقطني مرة متروك ومرة منكر الحديث في أقسام أخر يطول الأمر فيها
ومنها هو أهمها مما حققه شيخنا أن يحصل الاتفاق أو الاشتباه في الاسم واسم الأب مثلا إلا في حرف أو حرفين فأكثر من أحدهما أو منهما وهي على قسمين إما بأن يكون الاختلاف بالتغيير مع أن عدد الحروف سواء في الجهتين أو يكون الاختلاف بالتغيير مع نقصان بعض الأسماء عن بعض فمن أمثلته الأول محمد بن سنان بكسر السين المهملة ونونين بينهما ألف (3/287)
وهم جماعة منهم العوفي بفتح العين والواو ثم القاف شيخ البخاري ومحمد بن سيار بفتح المهملة تشديد الياء التحتانية وبعد الألف راء وهم أيضا جماعة منهم اليمامي شيخ عمر بن يونس ومحمد بن حنين بضم المهملة ونونين الأولى مفتوحة بينهما يا تحتانية تابعي يروى عن ابن عباس وغيره ومحمد بن جبير بجيم بعدها موحدة وآخره راء وهو محمد بن جبير بن مطعم تابعي مشهور أيضا وعبد الله بن منين بنونين مصغر وعبد الله بن منير آخره راء ككبير ونحوه أبو بكر بن أبي خيثمة وأبو بكر بن أبي حثمة
ومن ذلك معروف بن واصل كوفي مشهور ومطرف بن واصل بالطاء بدل العين شيخ آخر يروي عنه أبو حذيفة النهدي
ومنهم أيضا أحمد بن الحسين صاحب إبراهيم بن سعد وآخرون وأحيد بن الحسين مثله لكن بدل الميم ياء تحتانية وهو شيخ بخاري يروي عنه عبد الله بن محمد البيكندي
ومن أمثلته الثاني مما أسلفنا أول أنه لا يشتبه غالبا أبو بكر بن أبي خيثمة وأبو بكر بن أبي حثمة وحفص بن ميسرة شيخ مشهور من طبقة مالك وجعفر بن ميسرة شيخ لعبيد الله بن موسى الكوفي الأول بالحاء المهملة والفاء بعدها صاد مهملة والثاني بالجيم والعين المهملة بعدها فاء ثم راء وعبد الله بن زيد جماعة منهم في الصحابة صاحب الأذان واسم جده عبد ربه وراوي حديث الوضوء واسم جده عاصم وهما أنصاريان وعبد الله بن يزيد بزيادة ياء في أول اسم الأب والزاي مكسورة وهم أيضا جماعة منهم في الصحابة الخطمي يكنى أبا موسى وحديثه في الصحيحين والقاريء له ذكر في حديث عائشة وقد زعم بعضهم أنه الخطمي وفيه نظر
وأحمد بن سليمان بن سالم بن سلمان بن سالم كل منهما قد (3/288)
سمع من ابن حطب المزه فأولهما الحوراني واسم جد أبيه عبدان وثانيهما ابن المطوع وهو أسنهما وعبد الله ابن يحيى وهم جماعة وعبد الله بن نجي بضم النون وفتح الجيم وتشديد الياء تابعي مشهور يروى عن علي (3/289)
المشتبه المقلوب
( ولهم المشتبه المقلوب ... صنف فيه الحافظ الخطيب )
( كابن يزيد الأسود الرباني ... وكابن الأسود يزيد اثنان )
المشتبه المقلوب
ولهم أي المحدثين ما يحصل الاتفاق فيه لراويين في اسمين لفظا وخطا لكن يحصل الاختلاف والاشتباه بالتقديم والتأخير بأن بكون أحد الاسمين في أحدهما للراوي وفي الآخر لأبيه وهذا هو المشتبه المقلوب وأفرد عن المركب النوع قبله وإن كان أيضا مركبا من متفق ومختلف لأن ما فيه من الاختلاف ليس من نوع المؤتلف وقد صنف في الحافظ الخطيب رافع الارتياب في المقلوب من الأسماء والأنساب وهو في مجلد ضخم
وفائدة ضبطه الأمن من توهم القلب خصوصا وقد انقلب على بعض المحدثين بل نسب شيء من ذلك لإمام الصنعة البخاري وأمثلته كثيرة كمسلم بن الوليد المدني والوليد بن مسلم الدمشقي الشهير الذي نبه ابن أبي حاتم في كتاب أفرده لخطأ البخاري في تاريخه حكاية عن أبيه على أن البخاري جعل أولهما الثاني ولكن هذه الترجمة لا توجد في بعض نسخ التاريخ
وكعبد الله بن يزيد ويزيد بن عبد الله (3/290)
وكابن يزيد الأسود أي كالأسود بن يزيد النخعي الزاهد الفقيه المفتي الرباني أي العالم الراسخ في العلم والدين أو الطالب بعلمه وجه الله أو المزي المتعلمين بصغار العلوم قبل كبارها وكان جديرا بالأنصاف بذلك فإنه كان مع كونه من كبار التابعين وعلمائهم بل ذكره جماعة ممن صنف في الصحابة لإدراكه في الجملة وخال إبراهيم النخعي يصلي كل يوم سبعمائة ركعة ويصوم الدهر حتى ذهبت إحدى عينيه من الصوم وسافر ثمانين حجة وعمرة من الكوفة لم يجمع بينهما
وكابن الأسود يزيد أي يزيد بن الأسود اثنان أحدهما الخزاعي الحجازي المكي وقيل المدني الصحابي المخرج حديثه في السنن والآخر الجرشي تابعي مخضرم يكنى أبا الأسود سكن الشام وأقعده معاوية وهو استسقى على المنبر عند رجليه وأمره أن يرفع يديه ففعل وفعل الناس مثله وقال معاوية اللهم إنا نستشفع إليك بيزيد بن الأسود الجرشي فسقوا للوقت حتى كادوا لا يبلغون منازلهم وقد يقع التقديم والتأخير مع ذلك في بعض حروف الاسم المشتبه كأيوب بن يسار ويسار بن أيوب (3/291)
من نسب إلى غير أبيه
( ونسبوا إلى سوى الآباء ... إما لأم كبني عقراء )
( وحدة نحو ابن منية وجد ... كابن جريج وجماعات وقد )
( ينسب كالمقداد بالتبني ... فليس للأسود أصلا بابن )
من نسب إلى غير أبيه
وهي نوع مهم وفائدة ضبطه دفع توهم التعدد عند نسبته لأبيه أو دفع ظن الأثنين واحد عند موافقة أسميهما واسم أبي أحدهما اسم الجد الذي نسب إليه الآخر كعبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك شيخ للزهري نسبه ابن وهب عبد الرحمن بن كعب وهو كذلك اسم راو آخر هو عم للأول كلن لم يرو عنه الزهري شيئا وكخالد بن إسماعيل بن الوليد المخزومي راو ضعيف جدا يروي عن هشام بن عروة فإنه قد ينسب إلى جده فيظن أنه الصحابي الشهير أو غيره ممن قدمنا في المتفق
ونسبوا أي أهل الحديث إلى سوى الآباء وذلك إما لأم كمعاذ ومعوذ وعوذ أو عوف بالفاء في الأكثر كما قال ابن عبد البر بني عفراء فعفراء أمهم وهي بفتح العين المهملة ثم فاء ساكنة بعدها راء وهمزة ابنة عبيد ابن ثعلبة من بني النجار واسم أبيهم الحارث رفاعة بن (3/292)
الحارث من بني النجار أيضا وثلاثتهم ممن شهد بدرا وقتل من عدا أولهم بها وتأخر أولهم إلى زمن عثمان أو علي بل قيل إنه جرح أيضا ببدر وإنه مات بعد رجوعه منها بالمدينة
وكبلال بن حمامة فحمامة وفي بفتح المهملة أمه واسم أبيه رباح
والحارث ابن برصا فالبرصا وهي بفتح الموحدة وآخره صاد مهملة أمه أو أم أبيه واسم أبيه مالك بن قيس
وسعد بن حبتة فحبتة هي بفتح المهملة وسكون الموحدة بعدها مثناة فوقانية وهاء تأنيث ابنة مالك من بني عمرو بن عوف أمه واسم أبيه بحير ككير ابن معاوية بن قحامة بن نفيل بن سدوس البجلي حليف الأنصاري بايع تحت الشجرة ومن ذريته القاضي أبو يوسف صاحب أبي حنيفة وسهل وسهيل وصفوان بني بيضا فبيضا أمهم واسمها دعد واسم أيهم وهب بن ربيعة بن عمرو بن عامر بن ربيعة بن هلال بن مالك بن الحارث ابن فهر القرشي
وشرحبيل بن حسنة وهي بفتحات أمه كما جزم به غير واحد خلافا لابن عبد البر قال إنها تبنته واسم أبيه عبد الله بن المطاع الكندي
وابن أم مكتوم فأم مكتوم في أمه واسمها عاتكة ابنة عبد الله واسم أبيه إما زائدة أو قيس بن زائدة وأما اسمه هو فقيل عبد الله أو عمرو أو غيرهما
وعبد الله بن بحينة وهي بموحدة ثم مهملة ثم مثناة تحتانية بعدها نون وهاء تأنيث مصغر أمه واسم أبيه مالك ابن الغشب الأزدي الأسدي وربما يقع في بعض الروايات عبد الله بن مالك بن بحينة وحينئذ فيقال عبد الله بن مالك بالجر منونا ويكون بحينة صفة لعبد الله لا لمالك فيرفع إن كان (3/293)
عبد الله مرفوعا ويجر إن كان مجرورا وينصب إن كان منصوبا وتكتب ابن بالألف لأنه ليس بين علمين فإنه صفة وكذلك ما أشبهه من عبد الله بن أبي بن سلول لأن سلول أم عبد الله
ومثله محمد بن حبيب لا ينون حبيب لأنه اسم أمه فيه التأنيث والعلمية
وكذلك محمد بن شرف القيرواني الأديب فإن شرف أسم أمه وغير ذلك في آخرين من الصحابة فمن بعدهم كمحمد بن الحنفية فهي أمه واسمها خولة وأبوه علي بن أبي طالب ومنصور بن صفية فهي أمه وهي ابنة شيبة واسم أبيه عبد الرحمن بن طلحة وإسماعيل بن علية هي أمه وأبوه هو إبراهيم بن هراسة هي أمه وأبوه سلمة وللعلاء مغلطائي في ذلك تصنيف حسن حصلت جله من خطه وعليه فيه مفاخرات
وإما لجدة سواء كانت دينا أو عليا نحو ابن منية يعلي الصحابي الشهير فمنيته وهي بضم الميم ثم نون ساكنة بعدها مثناة تحتانية وهاء تأنيث وبالصرف للضرورة أم أبيه فيما قاله الزبير بن بكار ثم ابن ماكولا ولم يصوبه ابن عبد البر وقيل إنها أمه فيما قاله الطبري والجمهور ورجحه المزي
ثم إن في نسبها خلاف فقيل ابنة الحارث بن جابر قاله ابن ماكولا وقيل بدون الحارث وأنها عمة عتبة بن غزوان قاله الطبري وقيل ابنة غزوان وأنها أخت عتبة وهو الذي حكاه الدارقطني عن أصحاب الحديث والتاريخ ورجحه المزي واسم أبي يعلى أمية بن أبي عبيدة وقول ابن وضاح إن منية أبوه وهم حكاه صاحب المشارق
وكبشير بن الخصاصية السدوسي الصحابي الشهير فالخصاصية وهي بفتح المعجمة وتخفيف المهملة إما أمه فيما حكاه ابن الجوزي في التلقيح ومن قبله ابن عبد البر أو أم الثالث من أجداده فيما قاله ابن الصلاح أو أم جد (3/294)
أعلى له فيما قاله غيرهم واسمها كبشة أو معنوية ابنة عمرو بن الحارث بن الغطريف واسم أبي بشير معبد أو نذير أو مرثد أو شراحيل على الأقوال
وكان سكينة للسند الشهير في المتأخرين فسكينة وهي بمهملة ثم كان مصغر أم أبيه وهو عبد الوهاب بن علي بن علي
وابن تيمية مجد الدين صاحب المنتقى فهي جدته ويقال إنها من وادي التيم في آخرين
وإما لجد ومنه قوله صلى الله عليه و سلم أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب وقول الأعرابي أيكم ابن عبد المطلب وأمثلته كثيرة كأبي عبيدة بن الجراح فهو عامر بن عبد الله بن الجراح وحمل ابن النابغة فهو ابن مالك ابن النابغة ومجمع بن جارية فهو ابن يزيد بن جارية وأحمر بن جزء فهو ابن سواء بن جزء وكلهم صحابة
وكابن جريج بجيمين بينهما راء مصغر فهو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج وجماعات منهم ابن الماجشون وابن أبي ذئب وابن أبي ليلى وابن أبي مليكة وأحمد بن حنبل وأبو بكر وعثمان والقاسم بنو أبي شيبة وابن يونس صاحب تاريخ مصر وابن مسكين من بيوت المصريين اشتهرا ببني مسكين من زمن النسائي وإلى وقتنا وجدهم الحارث بن مسكين أحد شيوخ النسائي
وقد ينسب كالمقداد بن الأسود الصحابي إلى رجل بالتبني فليس المقداد للأسود وهو ابن عبد يغوث الزهري إصلا بابن إنما كان في حجرة فنسب إليه واسم أبيه عمرو بن ثعلبة الكندي وكشرحبيل بن حسنة على القول المرجوح كما ذكر قريبا في أن حسنة ليست أمه وإنما (3/295)
تنبيه وكالحسن ابن دينار أحد الضعفاء فدينار إنما هو زوج أمه واسم أبيه واصل قاله ابن معين والفلاس والجوزجاني وابن حبان وغيرهم قال ابن الصلاح وكأنه خفي علي ابن أبي حاتم فإنه قال فيه الحسن بن دينار بن واصل فجعل واصلا جده انتهى وجعل يحيى بن سلام المصنف الشهير صاحب التفسير دينارا جده حيث قال الحسن بن واصل بن دينار وكالحافظ أبي بكر محمد بن عبد الغني بن أبي بكر بن نقطة فنقطة وهي بضم النون ثم قاف بعدها طاء مهملة وهاء تأنيث امرأة ربت جده وفي المتأخرين ابن الملقن لم يكن أبوه ملقنا وإنما نسب لزوج أمه الذي كان يلقن القرآن بجامع عمرو بمصر لكونه رباه وهو صغير وبلغني أن الشيخ كان يغضب منها (3/296)
المنسوبون إلى خلاف الظاهر
( ونسبوا لعارض كالبدري ... نزل بدرا عقبة بن عمرو )
( كذلك التيمي سليمان نزل ... تيما وخالد بحذاء اجعل )
( جلوسه ومقسم لما لزم ... مجلس عبد الله مولاه وسم )
المنسوبون إلى خلاف الظاهر
وأفرد عما قبله لكونه في الأنساب خاصة وذاك في الإعلام وإن تشابها في المعنى
ونسبوا أي المحدثين بعض الرواة إلى مكان كانت به وقعة أو إلى بلد أو قبيلة أو صنعة أو صفة أو ولاء أو غير ذلك مما ليس ظاهره الذي يسبق إلى الفهم منه مرادا بل النسبة لذلك لعارض عرض وأمثلة ذلك كثيرة
فالأول كالبدري لمن نزل أي سكن بدرا عقبة أي كعقبة بضم المهملة ثم قاف بعدها موحدة بن عمرو أبي مسعود الأنصاري الخزرجي الصحابي فإنه فيما قال إبراهيم الحربي إنما سكنها خاصة ونحوه قول ابن سعد بن الواقدي إنه نزل ما ببدر فنسب إليه إذ ليس بين اصحابنا اختلاف في (3/297)
أنه لم يشهد الوقعة الشهيرة بها وكذا قال موسى بن عقبة عن ابن شهاب إنه لم يشهدها وهو قول ابن إسحاق وابن معين ثم ابن عبد البر وعبارته لا يصح شهوده بدرا وبه جزم ابن السمعاني ومشى عليه ابن الصلاح وأتباعه فإنه قال لم يشهد بدرا في قول الأكثر ولكن نزل بدرا فنسب إليها انتهى
وعده البخاري في البدريين كما في صحيحه واستدل بأحاديث في بعضها التصريح بأنه شهدها منها حديث عروة بن الزبير أنه قال أخر المغيرة بن شيعة العصر وهو أمير الكوفة فدخل عليه أبو مسعود عقبة بن عمرو جد زيد بن حسن وكان قد شهد بدرا فقال يا مغيرة فذكر الحديث سمعه عروة من بشير ابن مسعود عن أبيه وكذا قال مسلم في الكنى أنه شهدها ونحوه قول شعبة عن الحكم إنه كان بدريا
وقال أبو القاسم البغوي حدثني عمي يعني علي بن عبد العزيز عن أبي عبيد يعني القاسم بن سلام إنه شهدها وقال ابن البر في لم يذكره ابن إسحاق في أهل بدر وفي غير حديث إنه ممن شهدها وقال أبو القاسم الطبراني أهل الكوفة يقولون إنه شهدها ولم يذكره أهل المدينة فيهم وذكره عروة بن الزبير فيمن شهد العقبة انتهى
وبالجملة فالمثبت مقدم وفيهم البخاري ومسلم وقد استظهر له شيخنا باتفاقهم على شهوده العقبة وأن من شهدها لا مانع من شهوده بدرا
قال الواقدي ولو قبلنا قوله في المغازي مع ضعفه لا ترد به الأحاديث الصحيحة هي
ثم إن أبا مسعود لم ينفرد بذلك فقد ذكر ابن السمعاني في الأنساب ممن نسب بدريا لا لشهودها بل لنزوله آبار بدر أو حنة أو حبة ثابت بن النعمان بن أمية ابن امرئ القيس صحابي
والثاني كإسماعيل بن محمد المكي نسب كذلك لإكثاره التوجه إليها (3/298)
للحج والمجاورة لا أنه منها قاله ابن معين ومحمد بن سنان العوفي بفتح المهملة والواو ثم قاف لنزوله العوفة وإلا فهو بصري
والثالث كأبي خالد الدالاني نسب كذلك لنزوله في بني دالان ولم يكن منهم وعبد الملك بن أبي سليمان العرزمي نسب كذلك لنزوله جبانة عرزم بالكوفة ولم يكن من القبيلة
وكذلك التيمي بالإسكان للوزن سليمان بن طرخان أبو المعتمر نسب تيميا لكن نزل تيما بالقصر للوزن لا أنه بني تيم بل هو مولى لبني مرة قاله البخاري في تاريخه ونحوه ما رواه ابن السمعاني من وجهين عن ولده المعتمر أنه قال لأبيه إنك تكتب التيمي ولست تيميا فقال إنما تيمي الدار لكن قد روى الأصمعي عن المعتمر أيضا أنه قال قال لي أبي إذا كتبت فلا تكتب التيمي ولا تكتب المزي بل اكتب القيسي فإن أبي كان مكاتبا لبحير بن حمران وإن أمي كانت مولاة لبني سليم فإن كان أبي أدى الكتابة فالولاء لبني مرة وهو مرة بن عباد بن ضبيعة بن قيس وإن لم يكن إداها فالولاء لبني سليم وهو من قيس عيلان فعلى كل الأمر بن أنا قيسي
والرابع ومنه خالد هو ابن مهران البصري نسب حذاء بالحاء المهملة المفتوحة والذال المعجمة المشددة مع المد بـ ـسبب رجل حذاء أي يحذو النعال لكونه جعل جلوسه عنده في دكانه كما قاله يزيد بن هارون فيما حكاه البخاري في تاريخه وأنه ما حذا نعلا قط
وكذا قاله الترمذي في جامعه عن البخاري وقال ابن سعد إنه لم يكن بحذا ولكنه كان يجلس إليهم وعن خالد بن عبد الله الواسطي أنه سمعه يقول ما حذوت نعلا قط ولا بعتها ولكن تزوجت امرأة في بني مجاشع فنزلت عليها في الحذائين فنسبت إليهم رواه ابن السمعاني وهذا قد لا ينافي (3/299)
الأول لكن قد حكى ابن سعد أيضا عن فهد بن حبان أنه قال لم يحذ خالد قط وإنما كان يقول أحذ على هذا النحو فلقب الحذاء
وكذا كان أبو عبد الرحمن عبيدة بن حميد الكوفي يعرف بالحذاء فقال ابن حبان إنه لم يكن حذاء إنما كان يجالس الحذائين فنسب إليهم
والخامس كيزيد الفقير أحد التابعين لم يكن فقيرا وإنما أصيب في فقار ظهره فكان يتألم منه حتى ينحني له
والسادس ومنه مقسم بكسر الميم وفتح السين المهملة بينهما قاف وآخره ميم مع كونه مولى لعبد الله بن الحارث بن نوفل فيما قاله البخاري وغيره لما لزم مجلس عبد الله بن عباس مولاه وسم أي عرف ووصف بأنه مولى ابن ابن عباس
واعلم أن مما كثر الاشتباه فيه وعم الضرر به من ينسب حسينيا لسكناه محلا من القاهرة أو بلد أو غيرهما فيتوهم أنها نسبة للحسين بن علي
ويوصف بالشرف ولذا كان بعض متقني العلماء ممن ينسب كذلك يقيد بقوله للسكنى أو زبيريا لمحلة بنواحي الغربية فيتوهم أنها للزبير بن العوام حواري رسول الله صلى الله عليه و سلم أو جعفريا لمحلة أيضا فيتوهم أنها لجعفر بن أبي طالب أو قرشيا لمحلة تسمى القرشية فيتوهم أنها لقريش أو جراحيا لمحلة أخرى فيتوهم أنها لأبي عبيدة بن الجراح أو عباسيا للعباسية من الشرقية فيظن أنه من ذرية العباس عم النبي صلى الله عليه و سلم في أشباه لذلك عم الضرر بها (3/300)
المبهمات
( ومبهم الرواة ما لم يسمى ... كامرأة في الحيض وهي أسما )
( ومن رقي سيد ذاك الحي ... واق أبو سعيد الخدري )
( ومنه نحو ابن فلان عمه ... عمته زوجته ابن أمه )
المبهمات
ومنهم الرواة من الرجال والنساء ما لم يسمى بإسكان ثانية في بعض الروايات أو جميعها إما اختصارا وشكا أو نحو ذلك وهو مهم
وفائدة البحث عنه زوال الجهالة التي يرد الخير معها حيث يكون الإبهام في أصل الإسناد كأن يقال أخبرني رجل أو شيخ أو فلان أو بعضهم لأن شرط قبول الخبر كما علم عدالة رواية ومن أبهم اسمه لا تعرف عينه فيكف عدالته بل ولو فرض تعديل الراوي عنه له مع إبهامه إياه لا يكفي على الأصح كما تقرر في بابه وما عداه مما يقع في أصل المتن ونحوه قال فيه ابن كثير إنه قليل الجدوى بالنسبة إلى معرفة الحكم من الحديث ولكنه شيء يتحلى به كثير من المحدثين وغيرهم كذا قال بل من فوائده أن يكون المبهم سائلا عن حكم عارضه حديث آخر فيستفاد بمعرفته النسخ وعدمه إن عرف زمن إسلام ذلك الصحابي وكان قد أخبر عن قصة قد شاهدها وهو مسلم (3/301)
وقد صنف فيه عبد الغني بن سعيد ثم الخطيب مرتبا له على الحروف في المبهم ثم ابن بشكوال في الغوامض والمبهمات بدون ترتيب وهو أجمعها وقد اختصر النووي كتاب الخطيب مع نفائس ضمها إليه مهذبا محسنا لا سيما في ترتيبه على الحروف في راوي الخبر مما سهل به الكشف منه بالنسبة لأصله وسماه الإشارات إلى المبهمات
واختصر أبو الحسن علي بن السراج بن الملقن والبرهان الحلبي كتاب ابن بشكوال بحذف الأسانيد وأتى أولهما فيه بزيادات
وكذا صنف فيه أبو الفضل بن طاهر واعتنى ابن الأثير في أواخر كتابه جامع الأصول بتحريرها وكذا أورد ابن الجوزي في تلقيحه منها جملة
وللقطب القسطلاني الإيضاح عن المعجم من الغامض والمبهم
وللولي العراقي لمستفاد من مبهمات المتن والإسناد ورتبه على الأبواب
واعتنى شيخنا بذلك لكن بالنسبة لصحيح البخاري فأربى فيه على من سبقه بحيث كان معول القاضي جلال الدين البلقيني في تصنيفه المفرد في ذلك عليه
والأصل فيه قول ابن عباس لم أزل حريصا على أن أسأل عمر عن المرأتين اللتين قال الله لهما إن تتوبا إلى الله إلى أن خرج حاجا فخرجت معه فلما رجعنا وكنا ببعض الطريق عدل إلى الأراك لحاجة له فوقفت له حتى فرغ ثم سرت معه فقلت يا أمير المؤمنين من اللتان تظاهرتا على النبي صلى الله عليه و سلم من أزواجه قال هما حفصة وعائشة
ويعرف تعيين المبهم برواية أخرى مصرحة به أو بالتنصيص من أهل السير ونحوهم إن اتفقت الطرق على الإبهام وربما استدل له بورود تلك القصة المبهم صاحبها المعين مع احتمال تعددها كما سيأتي بعد وأمثلته في المتن والإسناد كثيرة (3/302)
ففي المتن كامرأة سألت النبي صلى الله عليه و سلم عن غسلها في الحيض فقال لها خذي فرصة ممسكة الحديث متفق عليه من رواية منصور بن صفية عن أمه عن عائشة وهي كما أخرجه مسلم من رواية شعبة عن إبراهيم بن مهاجر عن صفية عن عائشة أسما لكنها مهملة من نسبة تتميز بها ولذا اختلف الحفاظ في تعيينها فقال الخطيب هي ابنة يزيد بن السكن الأنصارية وقال بشكوال هي ابنة شكل وصوب لثبوته في مسلم أيضا من حديث أبي الأحوص عن ابن مهاجر ولكن قال النووي يجوز أن تكون القصة وقعت لها معا في مجلس أو مجلسين ومال إليه شيخنا فإنه بعد أن حكى أن الدمياطي يعني في حاشية نسخته لصحيح مسلم ادعى في رواية مسلم المعينة التصحيف وأن الصواب السكن بالمهملة وآخره نون كما جزم به ابن الجوزي في تلقيحه تبعا للخطيب وأنها نسبت لجدها في ابنة يزيد بن السكن قال إنه رد للأخبار الصحيحة بمجرد التوهم وإلا فما المانع أن يكونا امرأتين خصوصا وقد وقع في مصنف ابن أبي شيبة كما في مسلم فانتفى عنه الوهم وبذلك جزم ابن طاهر وأبو موسى المديني وأبو علي الجياني وكقول ابن عباس أن رجلا قال يا رسول الله الحج كل عام فالرجل هو الأقرع بن حابس
ومنها من رقي سيد ذاك الحي من العرب الذين مر بهم أناس من الصحابة حين أصيب أو لسع بعد سؤال الحي إياهم أفيكم من يرقى سيدنا فامتنعوا إلا يجعل لكونهم استضافوهم فلم يضيفوهم فـ راق أي فاعل الرقبة الذي لم يسم في رواية الشيخين وسائر الستة
قال الخطيب هو أبو سعيد الخدري راوي القصة يعني كما رواه الترمذي والنسائي وأحمد وعبد وغيرهم مما صححه ابن حبان وغيره كلهم من حديث الأعمش عن جعفر بن إياس عن أبي نضرة عن أبي سعيد ولفظ (3/303)
أحدهم قلت نعم أنا ولكن لا أرقيه حتى تعطونا غنما وفيه أيضا إن عدتها ثلاثون شاة وعدة السرية كذلك وفي رواية عند أحمد والدارقطني من حديث سليمان بن قتة بفتح القاف وتشديد المثناة عن أبي سعيد فأتيته فرقيته بفاتحة الكتاب ولا يخدش في ذلك ما عند البزار من حديث جابر فقال رجل من الأنصار أنا أرقيه
وكذا ما عند الشيخين من حديث معبد بن سيرين عن أبي سعيد حيث قال فقام معها أي مع المرأة التي أتت تسأل في ذلك رجل ما كما نأبنه وهي بكسر الموحدة وضمها أي نتهمه برقية وفي لفظ لمسلم رجل منا ما كنا نظنه يحسن رقية ثم اتفقا واللفظ للبخاري أنه لما رجع قلنا له أكنت تحسن رقية أو كنت ترقي فقال لا ما رقيته إلا بفاتحة الكتاب لأنه لا مانع من أن يكنى الرجل عن نفسه وأبو سعيد أنصاري وحينئذ فلعله صرح تارة وكنى أخرى وأما احتمال التعدد فقال شيخنا في الفتح إنه بعيد جدا لا سيما مع اتحاد المخرج والسياق والسبب وكون الأصل عدمه لكنه مع استبعاده له جوزه في المقدمة فقال مع هذا الاستبعاد وجاء في رواية أخرى وعني التي أوردتها أن الراقي غير أبي سعيد فيحتمل التعدد واعلم أن أكثر نسخ النظم أبي سعيد بالجر ويظهر في إعرابه أن راق عطف على كامرأة وأبي سعيد بيان منه وقوله ومن رقا خبر لمبتدأ محذوف أي هو من رقا إلى آخره
وما تقدم وقع في بعض النسخ وهو أظهر وإن اختلف الراوي فيه فهو جائز
ومنه أي المبهم نحو ابن فلان كحديث ماتت إحدى بنات النبي صلى الله عليه و سلم فهي زينب زوجة أبي العاص بن الربيع وكابن مربع ابن قيظي بن عمرو بن زيد بن خيثم بن حارثة بن الحارث بن عمرو بن مالك بن أويس الأنصاري وهو بكسر الميم وسكون الراء وفتح الموحدة وآخره عين مهملة (3/304)
قيل اسمه زيد أو عبد الله أو يزيد وكابن اللتبتية أو الأتبية بضم أوله على الروايتين فاسمه فيما قال ابن سعد عبد الله
ونحو عنه كرواية خارجه بن الصلت عن عمه علاقة بن صحار
وكرافع بن خديج بن رافع عن بعض عموته هو ظهير بن رافع وكزياد بن علاقة عن عمه هو قطبة بن مالك وكيحيى بن خلاد ابن رافع لحديث المسيء صلاته عن عم له بدري فالعم هو رفاعة بن رافع الزرقي
ونحو عمته كحصين بن محصن الأنصاري عن عمة له فهي أسماء فيما قاله غير واحد وكقول جابر فجعلت عمتي تبكيه يعني أباه فهي فاطمة أو هند ابنة عمرو بن حرام
ونحو زوجته كقول عقبة بن الحارث وتزوجت امرأة فهي أم يحيى غنية أو زينب ابنة أبي إهاب بن عزيز بن قيس وكحديث جاءت امرأة رفاعة القرظي فهي تميمة بالتكبير أو تميمة بالتصغير أو سهيمة كذلك ابنة وهب أو زوجها كقول سبيعة الأسلمية أنها ولدت بعد وفاة زوجها بليال فزوجها هو سعد بن خولة ونحو ابن أمه كقول أم هاني زعم ابن أمي أنه قاتل رجلا أجرته الحديث فابن أمها هو أخوها علي بن أبي طالب
ونحو ابن أم مكتوم فهو إما عبد الله أو عمرو كما تقدم فيمن نسب إلى أمه
هذا كله فيما يكون الراوي عن المبهم معينا وقد يكون مبهما أيضا كحديث ربعي بن حراش عن امرأته عن أخت حذيفة فأخت حذيفة هي فاطمة أو خولة ابنة اليمان وامرأة ربعي لم تسم وكإبراهيم بن ميسرة عن خالته عن امرأة مصدقة فالمرأة هي ميمونة ابنة كزوم والخالة لم تسم وكهنيدة ابن خالد الخزاعي عن امرأته وقيل أمه عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه و سلم بحديث أنه صلى الله عليه و سلم كان يصوم تسع ذي الحجة فالزوجة أم سلمة والأخرى لم تسم (3/304)
وبسط ذلك له غير هذا المحل
ومن النكت ما رويناه في خامس عشر المجالسة من جهة سعيد بن عثمان قال مر على الشعبي حمال على ظهره دن يحمله فلما رأي الشعبي وضعه فقال له ما اسم امرأة إبليس فقال الشعبي ذاك نكاح لم نشهده (3/306)
تواريخ الرواة والوفيات
( ووضعوا التاريخ لما كذبا ... ذووه حتى بان لما حسبا )
( فاستكمل النبي والصديق ... كذا علي وكذا الفاروق )
( ثلاثة الأعوام والستينا ... وفي ربيع قد قضى يقينا )
( سنة إحدى عشرة وقبضا ... عام ثلاث عشر التالي الرضي )
( ولثلاث بعد عشرين عمر ... وخمسة بعد ثلاثين غدر )
( عاد بعثمان كذاك بعلي ... في الأربعين ذو الشقاء الأزلي )
( وطلحة مع الزبير جمعا ... سنة ست وثلاثين معا )
( وعام خمسة وخمسين قضى ... سعد وقبله سعيد فمضى )
( سنة إحدى بعد خمسين وفي ... عام اثنتين وثلاثين تفي )
( قضى ابن عوف والأمين سبقه ... عام ثماني عشرة محققة )
( وعاش حسان كذا حكيم ... عشرين بعد مائة تقوم )
( ستون في الإسلام ثم حضرت ... سنة أربع وخمسين خلت )
( وفوق حسان ثلاثة كذا ... عاشوا وما لغيرهم يعرف ذا )
( قلت حويطب بن عبد العزى ... مع ابن يربوع سعيد يعزى )
( هذان مع حمنن وابن نوفل ... كل إلى وصف حكيم فاجمل ) (3/307)
( وفي الصحاب ستة قد عمروا ... لذاك في المعمرين ذكروا )
( وقبض الثوري عام إحدى ... من بعد ستين وقرن عدا )
( وبعد في تسع تلى سبعينا ... وفاة مالك وفي الخمسينا )
( ومائة أبو حنيفة قضى ... والشافعي بعد قرنين مضى )
( لأربع ثم قضى مأمونا ... أحمد في إحدى وأربعينا )
( ثم البخاري ليلة الفطر لدى ... ست وخمسين بخرتنك ردى )
( ومسلم سنة إحدى في رجب ... من بعد قرنين وستين ذهب )
( ثم لخمس بعد سبعين أبو ... داود ثم الترمذي يعقب )
( سنة تسع بعدها وذوا نسا ... رابع قرن لثلاث رفسا )
( ثم لخمس وثمانين تفي ... الدارقطني ثمت الحاكم في )
( خامس قرن عام خمسة فنى ... وبعد بأربع عبد الغني )
( ففي الثلاثين أبو نعيم ... ولثمان بيهقي القوم )
( من بعد خمسين وبعد خمسة ... خطيبهم والنمري في سنة )
تواريخ الرواة والوفيات
وحقيقة التاريخ التعريف بالوقت التي تضبط به الأحوال في المواليد والوفيات ويلتحق به ما يتفق من الحوادث والوقائع التي ينشأ عنها معان حسنة مع تعديل وتجريح ونحو ذلك وحينئذ فالعطف بالوفيات من عطف الأخص على الأعم يقال تاريخ وتوريخ وأرخت الكتاب وورخته بمعنى
وقال الصولي تاريخ كل شيء غايته ووقته الذي ينتهي إليه زمنه (3/308)
ومنه قيل لفلان تاريخ قومه أي إليه المنتهى في شرف قومه كما قاله المطرزي أو لكونه ذاكرا للأخبار وما شكلها
وممن لقب بذلك أبو البركات محمد بن سعد بن سعيد البغدادي العسال المقرمي الحنبلي المتوفى سنة تسع وخمسمائة
وأول من أمر به عمر بن الخطاب وذلك في سنة ست عشرة من الهجرة النبوية من مكة إلى المدينة واختير لابتدائه أول سنيها بعد أن جمع المهاجرين واستشارهم فيه لأنها فيما قيل غير مختلف فيها بخلاف وقت كل من البعثة والولادة وأما وقت الوفاة فهو إن لم يختلف فيه فالابتداء به وجعله أصلا غير مستحسن عقلا لتهييجه للحزن والأسف وأيضا فوقت الهجرة مما يتبرك به لكونه وقت استقامة ملة الإسلام وتوالي الفتوح وترادف الوفود واستيلاء المسلمين
ثم اختير أن تكون السنة مفتتحة من شهورها بالمحرم لكونه شهر الله وفيه يكسى البيت ويضرب الورق وفيه يوم تاب فيه قوم فتيب عليهم وكان السبب فيه كما رواه ابن جرير من طريق الشعبي أن أبا موسى الأشعري كتب إلى عمر أنه يأتينا منك كتب ليس فيها تاريخ فأرخ
بل روى أيضا من طريق ابن شهاب أن النبي صلى الله عليه و سلم لما قدم المدينة وقدمها في شهر ربيع الأول أمر بالتاريخ
ومن طريق عمرو بن دينار أول من أرخ يعلي بن أمية وهو باليمن ولكن المعتمد الأول
وهو فن عظيم الوقع من الدين قديم النفع به للمسلمين لا يستغنى عنه ولا يعتنى بأعم منه خصوصا ما هو القصد الأعظم منه وهو البحث عن الرواة والفحص عن أحوالهم في ابتدائهم وحالهم واستقبالهم لأن الأحكام (3/309)
الاعتقادية والمسائل الفقهية مأخوذة من كلام الهادي من الضلالة والمبصر من العمى والجهالة والنقلة لذلك هم الوسائط بيننا وبينه والروابط في تحقيق ما أوجبه وسنه فكان التعريف بهم من الواجبات والتشريف بتراجمهم من المهمات ولذا قام به في القديم والحديث أهل الحديث بل نجوم الهدى ورجوم العدى ووضعوا التاريخ المشتمل على ما ذكرناه مع ضمهم له الضبط لوقت كل من السماع وقدوم المحدث البلد الفلاني في رحلة الطالب وما أشبهه كما تقدم شيء من تصانيفهم في أدب طالب الحديث ليختبروا بذلك من جهلوا حاله في الصدق والعدالة لما كذبا ذووه ذو الكذب حتى بان أي ظهر به كذبهم وبطلان قولهم الذي يرجون به على من أعقله لما حسبا سنهم وسن من زعموا لقياهم إياه وافتضحوا بذلك وأمثلته كثيرة كما اتفق الإسماعيل ابن عياش أنه سأل رجلا اختبارا أي سنة كتبت عن خالد بن معدان فقال سنة ثلاث عشرة يعني ومائة فقال له أنت تزعم أنك سمعت من خالد بعد موته بسبع سنين وهذا على أحد الأقوال في وقت وفاة خالد وإلا فقد قال الخطيب جاء عن عمران بن موسى أنه قال أخبرنا شيخكم الصالح وأكثر من ذلك فقيل له من هو فقال خالد بن معدان فقيل له في أي سنة لقيته قال سنة ثمان ومائة في غزاة أرمينية فقيل له اتق الله يا شيخ ولا تكذب مات خالد سنة أربع ولم يغز أرمينية
وكذا قال عفير بن معدان لمن زعم أنه سمع من خالد أيضا أنه مات في سنة أربع وهو قول رحيم وسليمان الخبايري ومعاوية بن صالح ويزيد بن عبد ربه وقال إنه قرأه كذلك في ديوان العطاء ورجحه ابن حبان وبه جزم الذهبي في العبر
وفيها من الأقوال أيضا سنة ثمان ورجحه ابن قانع أو خمس أو ثلاث وقال ابن سعد إنهم مجمعون عليه وهو قول الهيثم بن عدي والمدائني والفلاس وابن معين ويعقوب بن شيبة في آخرين (3/310)
وكذا اتفق للحاكم مع محمد بن حاتم الكشي حين حدث عن عبد بن حميد فسأله عن مولده فقال له في سنة ستين ومائتين فقال إن هذا سمع من عبد بعد موته بثلاث عشرة سنة
وقال المعلى بن عرفان كما في مقدمة مسلم حدثنا أبو وائل قال خرج علينا ابن مسعود بصفين فقال أبو نعيم أتراه بعث بعد الموت
وكذا أرخ أبو المظفر محمد بن علي الطبري الشيباني سماع ابن عيينة من عمرو بن دينار في سنة ثلاثين ومائة فافتضح إذ موت عمرو قبل ذلك إجماعا كما قدمته في المسلسل
ومن ثم قال الثوري لما استعمل الرواة الكذب استعلمنا لهم التاريخ أو كما قال
ونحوه قول حسان بن يزيد كما رواه الخطيب في تاريخه لم يستعن على الكذابين بمثل التاريخ يقال للشيخ سنة كم ولدت فإذا أقر بمولده عرف صدقه من كذبه وقول حفص بن غياث القاضي إذا اتهمتم الشيخ فحاسبوه بالسنين يعني بفتح النون المشددة تثنية سن وهو العمر يريد احسبوا سنه وسن من كتب عنه إلى غير ذلك
وكذا يتبين به ما في السند من انقطاع أو عضل أو تدليس أو إرسال ظاهر أو خفي للوقوف به على أن الراوي مثلا لم يعاصر من روى عنه أو عاصره ولكن لم يلقه لكونه في غير بلده وهو لم يرحل إليها مع كونه ليست له منه إجازة أو نحوها وكون الراوي عن بعض المختلط سمع منه قبل اختلاطه ونحو ذلك وربما يتبين به التصحيف في الأنساب كما أسلفته في التصحيف وهو أيضا أحد الطرق التي يتميز بها الناسخ والمنسوخ كما سلف في بابه وربما يستدل به لضبط الراوي حيث يقول في المروي وهو أول شيء سمعته منه أو رأيته في يوم الخميس يفعل كذا أو كان فلان آخر (3/311)
من روى عن فلان أو سمعت من فلان قبل أن يحدث ما حدث أو قبل أن يختلط وفي المعتمد أيضا من ذلك الكثير كـ أول ما بديء به رسول الله صلى الله عليه و سلم من الوحي الرؤيا الصادقة وأول ما نزل من القرآن كذا
وكقوله عن يوم الإثنين ذاك يوم ولدت فيه الحديث وكان آخر الأمرين من النبي صلى الله عليه و سلم ترك الوضوء مما مست النار وقول عائشة إنه صلى الله عليه و سلم كان قبل فتح مكة إذا لم ينزل لم يغتسل ثم اغتسل بعد وأمر به ورأيته قبل أن يموت بعام أو قبل أن يقبض بشهر وكنا نفعل كذا حتى قدمنا الحبشة
ونهى يوم خيبر عن كذا وما أشبه ذلك بحيث أفرد جماعة من القدماء فمن بعدهم الأوائل بالتصنيف فأجمعها لشيخنا وكذا أفرد أبو زكريا بن مندة آخر الصحابة كما سلف هناك بل أفرد الأواخر مطلقا بعض المتأخرين
ولكثرة ما وقع في المتون من ذلك أفرده البلقيني بنوع مستقل ولو ضمه بهذا ويكون على قسمين سندي ومتني وقد يشتركان في بعض الصور كما في كثير من الأنواع لكان حسنا
وكان لخيار الملوك والأمراء بأهله أتم اعتناء حتى إن الأمير سنجر الدواداري سأل الدمياطي وناهيك بجلالته عن سنة وفاة البخاري فلم يتفق له المبادرة لاستحضارها ثم دخل عليه ابن سيد الناس فسأله عنها فبادر بذكرها فحظى عنده بذلك جدا وزاد في إكرامه وتقريبه
وفنونه متشعبة جدا والمرغوب عنه منها مالا نفع فيه وإنما وضع للتفريج ولذا قال الغزالي في الإحياء وتبعه النووي في قسم الصدقات من الروضة الكتاب يحتاج إليه لثلاثة أغراض التعليم والتفريج بالمطالعة والاستفادة فالتفريج لا يعد حاجة كاقتناء كتب الشعر والتواريخ ونحوها مما لا ينفع في الآخرة ولا في الدنيا فهذا يباع في الكفارة وزكاة الفطر ويمنع اسم المسكنة انتهى وصرح الغزالي في موضع آخر من الإحياء بكون ذلك من (3/312)
العلم المباح فإنه قال وأما المباح منه فالعلم بالأشعار التي لا سخف فيها وتواريخ الأخبار وما يجري مجراه وولع بعض الفساق بهذا الكلام في ذم مطلق التاريخ فأخطأ بل هو واجب إذا تعين طريقا للوقوف على اتصال الخبر وشبهه
وقد قال الذهبي فيما قرأته بخطه فنون التواريخ التي تدخل في تاريخي البحر المحيط وسردها فكانت أمرا عجبا ولم أنهض له ولو عملته لجاء في ستمائة مجلد ولذا قال مغلطائي كما قرأته بخطه أيضا إن شخصا واحدا حاز نحوا من ألف تصنيف فيه ومع ذلك فليس في الوفيات بخصوصها كتاب مستوفى كما صرح بن الحافظ أبو عبد الله الحميدي مؤلف الجمع بين الصحيحين وأنه دام جمع ذلك فقال له الأمير أبو نصر بن ماكولا رتبه على الحروف بعد أن ترتبه على السنين يعني في تصنيفين مستقلين يستوفى الغرض في كل منهما أو في واحد فقط ويكون على قسمين أحدهما مستوفيا والآخر حوالة بأن يقول في حرف العين مثلا عكرمة مولى ابن عباس في الطبقة الفلانية من التابعين ليتيسر بذلك للطالب الإحاطة بالراوي سواء عرف طبقته أو اسمه وإن كان صنيع الذهبي يشعر بأن المراد أن يجعل كل طبقة على قسمين قسم فيه الأسماء مرتبة على الحروف والآخر فيه الحوادث وذلك أنه قال عقب كلام الحميدي في ترجمته من تاريخ الإسلام له ما نصه قد فتح الله بكتابنا هذا انتهى فإن الظاهر ما قدمته هذا مع أن تاريخ الإسلام قد فاته فيه من الخلق من لا يحصى كثرة وقد رتبته على حروف المعجم وزدت فيه قدرة أو أكثر وصار الآن كتابا حافلا بديعا مع أني لم أبلغ فيه غرضي
وقد صنف في الوفيات القاضيان أبو الحسين عبد الباقي بن قانع البغدادي الحافظ المتوفى في سنة إحدى وخمسين وثلاثمائة وآخر وفياته عند سنة ست وأربعين وثلاثمائة وأبو محمد عبد الله بن أحمد بن ربيعة بن زبر البغدادي الدمشقي قاضي مصر والمتوفى في سنة تسع وعشرين وثلاثمائة وكلاهما (3/313)
ممن تكلم فيه فأولهما لخطئه وإصراره على الخطأ مع ثقته في نفسه
وثانيهما قال الخطيب إنه غير ثقة وذيل على وفياته أبو محمد عبد العزيز بن أحمد الكتاني ثم أبو محمد هبة الله بن أحمد الأكفاني فعمل نحو عشرين سنة ثم الحافظ أبو الحسن علي بن المفضل ثم الحافظ الذكي عبد العظيم المنذري وهو كبير كثير الإتقان والفائدة ثم الشريف عز الدين أبو القاسم أحمد بن محمد بن محمد بن عبد الرحمن الحسيني ثم المحدث الشهاب أبو الحسين بن أيبك الدمياطي وانتهى إلى سنة تسع وأربعين وسبعمائة فذيل عليه من ثم الحافظ المصنف إلى سنة اثنتين وستين فذيل عليه ولده الولي العراقي إلى أن مات سنة ست وعشرين وثمان مائة ولكن الذي وقفت عليه منه إلى سنة سبع وثمانين وسبعمائة
للحافظ التقي بن رافع في الوفيات كتاب كثير الفائدة ذيل به على تاريخ العلم البرزالي الذي ابتدأ به من سنة مولده وجعله ذيلا على تاريخ أبي شامة
وانتهت وفيات ابن رافع إلى أول سنة ثلاث وسبعين ولذا قال شيخنا إن تاريخه أبناء الغمر يصلح من جهة الوفيات أن يكون ذيلا عليه فإنه من هذه السنة وقد شرعت في ذلك عليه يسر الله إكماله وتحريره
وبالجملة فالذيول المتأخرة أبسط من المتقدمة وأكثر فوائد وأصلها وهو كتاب ابن زبر أشدها إجحافا حتى إنه في كل من سنة خمس وست وسبع وثلاث وثلاثمائة لم يكتب غير رجل واحد بل في سنة أربعين والتين بعدها وكذا في سنة خمس وأربعين واثنين بعدها وغير ذلك من السنين لم يؤرخ أحدا ولأجل إجحافها قال الحميدي ما أسلفناه
وممن صنف في الوفيات أيضا أبو القاسم بن منده قال الذهبي ولم أر أكثر استيعابا منه
وقد ذكر ابن الصلاح من الوفيات عيونا مفيدة تحسن المذاكرة بها (3/314)
ويقبح بالطالب جهلها مع مقدار سن جماعة وبيان عدة من المعمرين
فأما الثاني فاستكمل النبي سيد العالمين طرا وسند المؤمنين ذخرا صلى الله علي وسلم وشرف وكرم وكذا خليفته وصاحبه الصديق أبو بكر وكذا ابن عمه وزوج ابنته علي هو ابن أبي طالب وكذا الفاروق هو أمير المؤمنين عمر بن الخطاب المسمى قديما بذلك من النبي صلى الله عليه و سلم لكونه كما في مرفوع مرسل عند ابن سعد فرق الله به بين الحق والباطل والمتأخر هنا في الذكر عن الذي قبله للضرورة ثلاثة الأعوام والستينا أي ثلاثة وستين سنة مع اختلاف بين الأئمة في ذلك بالنظر إلى كل منهم لكن القول به في النبي صلى الله عليه و سلم جاء عن أنس وابن عباس ومعاوية رضي الله عنهم كما في الصحيحين
وعن عائشة وجرير البجلي رضي الله عنهما مع مجيء خلافه أيضا عنهم إلا معاوية فلم يجيء عنه سواء وبه جزم سعيد بن المسيب والشعبي ومجاهد وكذا قال به القاسم وأبو إسحاق السبعي وأبو جعفر بن محمد بن علي بن الحسين وابن إسحاق والبخاري وآخرون
وصححه ابن عبد البر والجمهور وقال أحمد وابن سعد هو الثبت عندنا بل حكى فيه الحاكم الإجماع وكذا قال النووي اتفق العلماء على أنه أصح الأقوال وتأولوا الباقي عليه وقيل ستون كما ثبت في صحيح مسلم عن أنس وعن فاطمة ابنة النبي صلى الله عليه و سلم وهو قول عروة بن الزبير ومالك وأورده الحاكم في الإكليل وصححه ابن حبان في تاريخه وهو مخرج على أن العرب قد تنفي الكسور وتقتصر على الأعداد الصحيحة
وقيل خمس وستون روى عن ابن عباس وأنس أيضا ودغفل بن حنظلة وقيل اثنتان وستون قال قتادة كما رواه ابن أبي خيثمة عنه ونحوه ما في تاريخ ابن عساكر بسنده إلى أنس قال اثنتان وستون ونصف في كتاب ابن شيبة إحدى أو اثنتان ولا أراه بلغ ثلاثا وستون وهو شاذ والذي قبله إنما يصح (3/315)
على القول بأنه ولد في رمضان وهو شاذ أيضا
ثم أن الروايات اختلف في مقدار إقامته بمكة بعد البعثة فالذي ذهب إليه ابن عباس أنه ثلاث عشرة سنة وهو محمول على أنه عد من وقت مجيء الملك إليه بالنبوة وقال غيره إنه عشر فقط وهو محمول على أنه عد من بعد فترة الوحي ومجيء الملك بيا أيها المدثر
والقول به في الصديق صح أيضا عن أنس ومعاوية ورواه ابن أبي الدنيا في الخلفاء له من جهة عروة بن عائشة وهو قول الأكثرين وبه جزم ابن قانع المزي والذهبي وقال مبالغا في أصحيته قولا واحدا وقيل خمس وستون قاله قتادة وحكاه ابن الجوزي وهو شاذ وقيل اثنتان وستون وثلاثة أشهر واثنان وعشرون يوما قاله ابن حبان في الثقات
والقول به في الفاروق صح عن أنس ومعاوية وهو قول الجمهور وبه جزم ابن إسحاق وصححه من المتأخرين المزي واستدل له المصنف بكونه ولد بعد القيل بثلاث عشرة سنة يعني فإن مولده صلى الله عليه و سلم كان فيه وهو تأخر عنه المدة التي سبقه بها وقيل أربع وخمسون قاله بعضهم وقيل خمس وخمسون رواه البخاري في تاريخه عن ابن عمر وبه جزم ابن حبان في الخلفاء له وقيل ست وخمسون أو سبع وخمسون أو تسع وخمسون رويت هذه الأقوال الثلاثة عن نافع مولى ابن عمر وقيل ستون وبه جزم ابن قانع في الوفيات وقيل إحدى وستون قاله قتادة وقيل خمس وستون قاله ابن عبد الله والزهري فيما حكاه ابن الجوزي عنهما وقيل ست وستون قاله ابن عباس وتوقف شيخنا في تصحيح الأول فقال وفيه نظر فهو وإن ثبت في الصحيح من حديث جرير بن معاوية أن عمر قتل وهو ابن ثلاث سنين فقد عارضه ما هو أظهر منه فرأيت في أخبار البصرة لعمر بن شبة حدثنا أبو عاصم حدثنا حنظلة بن أبي سفيان سمعت سالم بن عبد الله يحدث عن ابن عمر سمعت (3/316)
عمر يقول قبل أن يموت بعام أنا ابن سبع وخمسين أو ثمان وخمسين وإنما أتاني الشيب من قبل إخواني بني المغيرة قال فعلى هذا يكون يوم مات ابن ثمان وخمسين أو تسع وخمسين وهذا الإسناد على شرط الصحيح وهو يرجح على الأول بأنه عن عمر نفسه وهو أخبر بنفسه من غيره وبأنه عن آل بيته وآل الرجل أتقن لأمره من غيرهم
والقول به في على مروي عن ولده محمد بن الحنفية وابن عمر وهو قول ابن إسحاق وأبي بكر بن عياش وأبي نعيم الفضل بن دكين وآخرين وصححه ابن عبد البر وهو أحد الأقوال المروية عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين وبه صدر ابن الصلاح كلامه وقال محمد بن عمر بن علي إنه توفى لثلاث أو أربع وستين وقيل سبع وخمسون قاله الهيثم وأبو بكر بن البرقي وبه صدر ابن قانع كلامه وقدمه ابن الجوزي والنري حين حكاية الأقوال وقيل ثمان وخمسون وهو المذكور في تاريخ البخاري عن أبي جعفر الماضي وقيل اثنان وستون وبه جزم ابن حبان في الخلفاء له وقيل أربع وستون أو خمس وستون رويا عن أي جعفر أيضا
وأما الوفيات واقتصر منها على الوفاة النبوية والعشرة المشهور لهم بالجنة والفقهاء الخمسة الثوري ثم الأربعة المشهورين والحفاظ الخمسة أصحاب أصول الإسلام وسبعة حفاظ بعدهم انتفع بتصانيفهم الحسنة من زمنهم وهلم جرا أو ردف العشرة بجماعة من الصحابة معمر بن نفي شهر ربيع هو الأول قد قضى أي مات النبي صلى الله عليه و سلم يقينا أي بلا خلاف فإنه كاد أن يكون إجماعا لكن في حديث لابن مسعود عند البزار أنه كان في حادي عشر شهر رمضان انتهى وذلك سنة إحدى عشرة بسكون المعجمة على (3/317)
إحدى لغاتها من الهجرة وكذا لا خلاف في كونه دفي في بيت عائشة وأنه كان في يوم الاثنين
وممن صرح باليوم من الصحابة عائشة وابن عباس وأنس ومن التابعين أبو سلمة بن عبد الرحمن والزهري وجعفر الصادق في آخرين
والخلاف إنما هو في ضبطه من الشهر بعدد معين فجزم ابن إسحاق وابن سعد وسعيد بن عفير وابن حبان وابن عبد البر بأنه كان لاثنتي عشرة ليلة خلت منه وبه جزم من المتأخرين ابن الصلاح والنووي في شرح مسلم و الروضة وغيرهما من تصانيفه والذهبي في العبر وصححه ابن الجوزي وبه صدر المزي كلامه وعند موسى بن عقبة وابن شهاب والليث والخوارزمي أنه في مستهله وبه جزم ابن زبر في الوفيات وعن سليمان التيمي ومحمد بن قيس كما سيأتي عنهما أنه لليلتين خلتا منه
بل يروى ذلك عن ابن عمر كما أخرجه الخطيب في الرواة عن مالك عن رواية سعيد ابن سلم بن قتيبة الباهلي حدثنا مالك عن نافع عن ابن عمر قال لما قبض النبي صلى الله عليه و سلم مرض ثمانية فتوفي لليلتين خلتا من ربيع
ونحوه ما نقله الطبري عن ابن الكلبي وأبي مخنف أنه في ثانيه وعلى القولين يتنزل ما نقله الرافعي أنه عاش بعد حجته ثمانين يوما وقيل أحدا وثمانين يوما وأما على ما جزم به في الروضة وعليه الجمهور فيكون عاش بعد حجته تسعين يوما أو أحدا وتسعين وقد استشكل السهيلي ومن تبعه ما ذهب إليه الجمهور من أجل أنهم اتفقوا على أن ذا الحجة كان أوله يوم الخميس فمهما فرضت الشهور الثلاثة توأم أو نواقص أو بعضهما لم يصح وهو ظاهر لمن تأمله
وأجاب الشرف ابن البارزي ثم ابن كثير باحتمال وقوع الأشهر الثلاثة كوامل وكان أهل مكة والمدينة اختلفوا في رؤية هلال ذي الحجة فرآه أهل (3/318)
مكة ليلة الخميس ولم يره أهل المدن إلا ليلة الجمعة فحصلت الوقفة برؤية أهل مكة ثم رجعوا إلى المدينة فأرخوا برؤية أهلها فكان أول ذي الحجة الجمعة وآخره السبت وأول المحرم الأحد وآخره الاثنين وأول صفر الثلاثاء وآخره الأربعاء وأول ربيع الأول الخميس فيكون ثاني عشرة الاثنين
وأجاب البدر بن جماعة بجواب آخر فقال يحمل قول الجمهور لاثنتي عشرة خلت أي بأيامها فيكون موته في اليوم الثالث عشر وتفرض الشهور كوامل فيصح قول الجمهور
واستبعدهما شيخنا لمخالفة الثاني اصطلاح أهل اللسان في قولهم لاثنتي عشرة فإنهم لا يفهمون منها إلا مضي الليالي ويكون ما أرخ بذلك واقعا في اليوم الثاني عشر ولاستلزامهما معا توالي أربعة أشهر كوامل مع جزم سليمان التيمي أحد الثقات كما رواه البيهقي في الدلائل بسند صحيح بأن ابتداء مرض النبي صلى الله عليه و سلم كان يوم السبت الثاني والعشرين من صفر ومات يوم الاثنين لليلتين خلتا من ربيع وذلك يقتضي أن صفر كان ناقصا وأن أوله كان يوم السبت ونحوه في تضمن كون أوله السبت ما في المغازي لأبي معشر عن محمد ابن قيس أنه قال اشتكى رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم الأربعاء لإحدى عشرة بقيت من صفر إلى أن قال إنه اشتكى ثلاثة عشر يوما وتوفى يوم الاثنين لليلتين خلتا من شهر ربيع الأول ولا يمكن أن يكون أوله السبت إلا إن كان ذي الحجة والمحرم ناقصين وذلك يستلزم نقص ثلاثة أشهر متوالية قال والمعتمد ما قاله أبو محنف
ومن وافقه مما رجحه السهيلي أنه في ثاني شهر ربيع الأول وكان لفظ شهر غير من أول قائل بعشر فصار ثاني عشر واستمر الوهم بذلك لانتفاء المتأخر المتقدم بدون تأمل قلت وهو وإن سبقه شيخه المصنف إلى الميل إليه وظن الغلط لكن من جهة أخرى فإنه قال وعندي أن من قال ثاني عشر (3/319)
غلط من المولد إلى الوفاة وإلا فهو معتذر من حيث التاريخ إلا على المحمل الماضي له مع خدشه مستلزم التوالي الأشهر الثلاثة في النقص وكلامه أولا مشعر بالتوقف في ذلك
وأما ما رواه ابن سعد من طريق عمر بن علي بن أبي طالب قال اشتكى رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم الأربعاء لليلة بقيت من صفر فاشتكى ثلاث عشرة ليلة ومات يوم الاثنين لاثنتي عشرة مضت من ربيع الأول فمشكل لاستلزامه أن يكون أول صفر الأربعاء وذلك غير مطابق لكون أول ذي الحجة الخميس مهما فرضت الأشهر الثلاثة وكذا قول ابن حبان وابن عبد البر ثم بدأ به مرضه الذي مات منه يوم الأربعاء لليلتين بقيتا من صفر يقتضي أن أول صفر الخميس وهو غير مطابق أيضا
وكذا اختلف في ابتداء مرضه ثم مدته ثم وقت وفاته ودفنه صلى الله عليه و سلم
فأما الأول فقال الخطابي إنه يوم الاثنين أو يوم السبت وقال أبو أحمد الحاكم إنه يوم الأربعاء
وأما الثاني فالأكثر أنها ثلاثة عشر يوما وقيل بزيادة يوم وقيل بنقص والقولان في الروضة وصدر بالثاني وقيل عشرة أيام وبه جزم سليمان التيمي في مغازيه وأخرجه البيهقي بإسناد صحيح
وأما الثالث فقال ابن الصلاح إنه ضحى وفي الصحيحين من حديث أنس آخر نظرة نظرتها إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم الحديث وفيه فألق السجف
وتوفى من آخر ذلك اليوم وهو دال على أنه تأخر بعد الضحى ويجمع بينهما بأن المراد أول النصف الثاني فهو آخر وقت الضحى وهو من آخر النهار باعتبار أنه من النصف الثاني وإلى ذلك أشارت عائشة كما رواه ابن عبد البر من حديثهما فقالت مات رسول الله صلى الله عليه و سلم وإنا لله وإنا إليه راجعون ارتفاع الضحى وانتصاف النهار (3/320)
ونحوه قول موسى بن عقبة في مغازيه عن ابن شهاب توفي يوم الاثنين حين زاغت الشمس
وكذا أخرج ابن شاهين في الناسخ والمنسوخ له على مثله
وأما الرابع فقيل إنه ساعة وفاته وهي حين زاغت الشمس يوم الاثنين وقال الحاكم في الإكليل إنها أصح الأقوال وأثبتها وقيل ليلة الثلاثاء رواه سيف عن هشام عن أبيه وحكاه الحاكم وقيل عند الزوال من يوم الثلاثاء رواه البيهقي عن ابن عباس وابن شاهين في الناسخ عن علي ولفظه أنه دفن يوم الثلاثاء حين زاغت الشمس وصدر به الحاكم وابن عبد البر كلامهما
ونحوه قول الأوزاعي كما عند البيهقي توفى يوم الاثنين في ربيع الأول قيل أن ينتصف النهار ودفن يوم الثلاثاء وقول ابن جريج كما عند أحمد البيهقي أخبرت أن النبي صلى الله عليه و سلم مات في الضحى يوم الاثنين ودفن الغد في الضحى وقيل ليلة الأربعاء كما في خبر عند ابن إسحاق والبيهقي من طريقه بسنده عن عائشة قالت ما علمنا بدفن رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى سمعنا صوت المساحي من جوف الليل ليلة الأربعاء
وكذا رواه أحمد من وجه آخر عن عائشة قالت توفي رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم الاثنين ودفن ليلة الأربعاء وعند البيهقي من مرسل أبي جعفر أنه صلى الله عليه و سلم توفي يوم الاثنين فلبث ذلك اليوم وتلك الليلة ويوم الثلاثاء إلى آخر النهار وكذا ذكر ابن سعد عن عكرمة أنه توفي يوم الاثنين فحبس بقية يومه وليلته ومن الغد حتى دفن من الليل
وحكاه الحاكم وهو المشهور الذي نص عليه غير واحد من الأئمة سلفا وخلفا منهم سليمان التيمي وجعفر الصادق وابن إسحاق وموسى بن عقبة (3/321)
وصححه من المتأخرين ابن كثير وقيل يوم الأربعاء كما أسنده ابن سعد أيضا عن عباس بن سهل عن أبيه عن جده قال توفي النبي صلى الله عليه و سلم يوم الاثنين فمكث يوم الاثنين والثلاثاء حتى دفن يوم الأربعاء وهكذا هو عند البيهقي من طريق معتمد بن سليمان التيمي عن أبيه قال لما فرغوا من غسله صلى الله عليه و سلم وضعوه حيث توفي فصلى عليه الناس يوم الاثنين والثلاثاء ودفن يوم الأربعاء
وقيل كما رواه البيهقي من مرسل مكحول وفيه ثم توفى فمكث ثلاثة أيام لا يدفن يدخل عليه الناس أرسالا أرسالا يصلون عليه تدخل العصبة تصلي وتسلم لا يصفون ولا يصلي بين يديهم مصل حتى فرغ من يريد ذلك ثم دفن وهو غريب وقيل إنه إنما أخر للاشتغال بأمر البيعة ليكون لهم إمام يرجعون إلى قوله لئلا يؤدي إلى نزاع واختلاف لا سيما في محل دفنه وهل يكون لحدا أو شقا
وقبضا أي مات عام ثلاث عشرة بسكون ثانية أيضا وبالتنوين هناك ودونه هنا من الهجرة أبو بكر الصديق التالي للنبي صلى الله عليه و سلم بالاستخلاف والوفاة الرضي أي المرضي عند الله ورسوله وصالح المؤمنين بلا خلاف أيضا في السنة قيل في جمادى الأولى منها وهو قول الواقدي والفلاس وبه جزم ابن الصلاح والمزي وقيل في جمادى الآخرة وبه جزم ابن إسحاق وابن زبر وابن قانع وابن حبان وابن عبد البر وابن الجوزي والذهبي في العبر وقيل في ربيع الأول لليلة خلت منه رواه البغوي من طريق الليث والقائلون بالأول اختلفوا في اليوم فقيل يوم الاثنين وقيل ليلة الثلاثاء لثمان بقين منه رواه ابن أبي الدنيا في الخلفاء له من طريق عروة عن عائشة بل رويت وفاته في مساء ليلة الثلاثاء في صحيح البخاري وأنه دفن قبل أن يصبح من حديث وهيب عن هشام عن أبيه وقيل لثلاث بقين منه
والقائلون بالثاني اختلفوا أيضا فقال ابن حبان في ليلة الاثنين لسبع عشرة (3/322)
مضت منه وقال ابن إسحاق يوم الجمعة لسبع ليال بقين منه وقال الباقون لثمان بقين منه وحكاه ابن عبد البر عن أكثر أهل السير لكنه منهم من قال عشية يوم الاثنين أو يوم الثلاثاء أو عشية ليلة الثلاثاء زاد ابن الجوزي بين المغرب والعشاء من ليلة الثلاثاء
وقيل يوم الاثنين وقيل لثلاث بقين منه شهيدا لقول ابن سعد عن ابن شهاب الزهري أن أبا بكر والحارث بن كلدة أكلا خربزة أهديت لأبي بكر فقال الحارث وكان طبيبا ارفع يدك والله إن فيها السم سنة فلم يزالا عليلين حتى ماتا عند انقضاء السنة في يوم واحد ودفن مع صاحبه ببيت عائشة
ومات لثلاث من السنين بعد عشرين سنة في آخر من ذي الحجة الفاروق عمر بلا خلاف في ذلك أيضا ودفن في مستهل المحرم سنة أربع وعشرين ولذا أرخ الفلاس موته في غرة المحرم وأما قول المزي وتبعه الذهبي إنه قتل لأربع أو ثلاث بقين من ذي الحجة فأراوا فأرادوا بذلك حين طعن أبي لؤلؤة له فإنه كان عند صلاة الصبح من يوم الأربعاء لأربع وقيل لثلاث بقين منه وعاش بعد ذلك ثلاثة أيام وعليه يحمل ما رواه ابن أبي الدنيا من حديث سهل بن سعد الساعدي قال توفى عمر يوم الأربعاء لأربع ليال بقين من ذي الحجة وأما قول بعضهم إنه مات في يوم الأربعاء لثمان ليال بقين من ذي الحجة فغلط ودفن مع صاحبيه في بيت عائشة رضي الله عنهم
وعام خمسة بعد ثلاثين عاما في ذي الحجة أيضا غدر بمعجمة ثم مهملتين أي ترك الوفاء بعهد الإسلام عاد بمهملتين بينهما ألف حيث تجاوز الحد في الظلم قيل إنه جبلة بن الأيهم أو سودان بن حمران أو رومان اليماني أو رومان رجل من بني أسد بن خزيمة أو غير ذلك (3/323)
بعثمان بن عفان رضي الله عنه فقتله وكونه جبلة رواه ابن سعد عن كنانة مولى ضفية قال رأيت قاتل عثمان في الدار رجل أسود من أهل مصر يقال له جبلة باسط يده أو رافع يده يقول أنا قاتل نعثل يعني عثمان رضي الله عنه
وعنده أيضا عن المسيب بن دارم قال إن الذي قتل عثمان قام في قتال العدو سبع عشرة كرة يقتل من حوله ولا يصيب شيء حتى مات على فراشه
وأما ما ذكر في وقت قتله فهو الأشهر وقيل إنه في سنة ست وثلاثين قال بعضهم في أولها وعند ابن سعد أنه لعثمان عشرة ليلة خلت من ذي الحجة أو لسبع عشرة منه أو لليلة نفيت بقيت منه كل ذلك منها وقيل كما في تاريخ البخاري سنة أربع وثلاثين ولكن قال ابن ناصر إنه أخطأ من رواية
ثم على الأشهر اختلفوا في وقته من الشهر فقيل في يوم الجمعة الثامن عشر منه كما أورده عبد الله بن أحمد في فضائل عثمان عن أبيه عن إسحاق بن الطباع عن أبي معشر وكذا قاله الزبير بن بكار وزاد أن ذلك بعد العصر وهذا القول هو المشهور بل ادعى ابن ناصر الإجماع عليه والخلاف موجود فقي إنه يوم الترويه لثمان خلت منه قاله الواقدي وادعى أيضا الإجماع عليه عندهم وعن ابن إسحاق أنه قتل على رأس إحدى عشرة سنة وأحد عشرة شهرا واثنين وعشرين يوما من خلافته فيكون ذلك في ثاني عشر من ذي الحجة وقيل لسبع عشرة عنه وقيل لليلتين نفيتا بقيتا منه
وقيل كما لأبي عثمان النهدي في وسط أيام التشريق وقيل كما لليث بن ابن سعد لثنتي عشر خلت منه وقيل لثلاث عشرة خلت منه وبه صدر ابن الجوزي كلامه وكذا اختلف في اليوم فقيل ليلة الجمعة وقيل يومها وقيل ليلة الأربعاء ودفن كما قاله الزبير بن بكار في ليلة (3/324)
السبت بين المغرب والعشاء في حبش كوكب كان عثمان اشتراه فوسع به البقيع وكذا اختلف في مقدار عمره فقيل كما لابن إسحاق ثمانون وقيل اثنتان وثمانون قاله أبو اليقظان يعني وأشهرا وهو الصحيح المشهور وادعى الواقدي اتفاق أهل اليسر اليسير عليه وقيل ست وثمانون قاله قتادة ومعاذ بن هشام عن أبيه وقيل ثمان وثمانون وقيل تسعون وزعم أبو محمد بن حزم أنه لم يبلغ الثمانين
كذاك غدر بعلي هو ابن أبي طالب فقتله غيلة في شهر رمضان من العام الأربعين من الهجرة عبد الرحمن بن ملجم المرادي أحد الخوارج ممن كان من أهل القرآن والفقه وفرسان قومه المعدودين بمصر وكونه عابدا قانتا لله من شيعة علي لكنه يفتقه في الإسلام هذا الفتق العظيم الذي زعم به التقرب إلى الله ختم له بشر وهو ذو الشفاء الأزلي أي القديم الذي لم يزل بل هو أشقى هذه الأمة بالنص الثابت عن الصادق المصدوق صلى الله عليه و سلم من حديث عمار بن ياسر بقوله مخاطبا لعلي أشقى الناس الذي عقر الناقة والذي يضربك على هذا ووضع يده على رأسه حتى تخضب هذه يعني لحيته وروى نحوه عن صهيب بل يروى أنه حين دعى على الناس إلى البيعة جاء ليبايع فرده علي ثم جاء فرده ثم جاء فبايعه فقال علي ما تحبس أشقاها أما ولاذي نفسي بيده لتخطبن لتخضبن هذه وأخذ بلحيته من هذه وأخذ برأسه
واختلف في أي وقت كان قتله من الشهر المذكور فقيل لإحدى عشرة خلت منه حكاه ابن عبد البر وقيل في ليلة الجمعة لثلاث عشرة ليلة خلت منه وبه صدر ابن عن البر كلامه وقال ابن إسحاق في يوم الجمعة (3/325)
لسبع عشرة خلت منه وقال ابن حبان في ليلة الجمعة المذكورة فمات غداة اليوم وبه جزم الذهبي في العبر وقال ابن الجوزي ضرب يوم الجمعة لثلاث عشرة بقيت منه وقال أبو الطفيل والشعبي وزيد بن ثابت إنه ضرب لثمان عشرة ليلة خلت منه وقبض في أول ليلة من العشر الأواخر منه وقال الفلاس لأحدى عشرة بقيت منه وقال ابن أبي شيبة قتل ليلة إحدى وعشرين فيقي الجمعة والسبت ومات ليلة الأحد وقيل مات يوم الأحد
وشذ ابن زبر فقال إنه قتل ليلة الجمعة لسبع عشرة مضت منه سنة تسع وثلاثين ولذا قال المصنف إنه وهم لأحد من تابعه عليه وكذا اختلف في محل دفنه فقيل في قصر الإمارة أو في رحبة الكوفة أوب بنجف الحيرة أو غير ذلك وجزم الصغاني ومن تبعه بأنه قتل بالكوفة ودفن عند مسجد الجماعة عند باب كندة في الرحبة بل قيل إن قبره جهل موضعه وقتل أولاده بعد ذلك قاتله في شهر رمضان سنة أربع وأربعين فقطعت أربعته ولسانه وسلمت عيناه ثم أحرق
وطلحة بالتنوين للضرورة هو ابن عبيد الله مع الزبير بن العوام وكلاهما من العشرة جمعا قتلا في وقعة الجمل سنة ست وثلاثين من الهجرة بل قيل في شهر واحد ويوم واحد مما اختلف في شهر وقعه الجمل التي كانت بناحية الطف فقيل كانت لعشر خلون من جمادي الآخرة وبه جزم خليفة بن خياط والواقدي وابن سعد وابن زبر وابن الجوزي وآخرون وهو المشهور المعروف
ثم اختلفوا فقال خليفة يوم الجمعة وقال ابن سعد واللذان بعده والجمهور يوم الخميس وقيل كالليث بن سعد إنها كانت في جمادى الأولى واقتصر عليه ابن الصلاح حيث أرخ وفاتهما به وعينه ابن حبان بعشر ليلا خلون منه وحكى القولين ابن عبد البر لكن في موضعين فإنه اقتصر (3/326)
في ترجمة طلحة على الأول وفي الزبير على الثاني وتبعه في ذلك المزي
وكذا قيل في قتل طلحة كما لسليمان بن حرب إنه في ربيع أو نحوه وكما لأبي نعيم إنه في رجب بل قاله في الزبير أيضا البخاري وكذا ابن حبان لكن قال آخر يوم من صبيحة الجمل وهذا تقتضي أنه في حادي عشر جمادي الآخرة
وقاتل طلحة هو مروان بن الحكم بن أبي العاص قال ابن عبد البر بلا خلاف أخذا بثأره منه لكونه فيما قيل أعان على قتل ابن عمه عثمان بن عفان بن أبي العاص فبادر حين نظر إليه في اليوم المذكور وقال لا أطلب ثأري بعد اليوم ثم نزع له بسهم فوقع في عين ركبته فما زال الدم يسيح إلى أن مات
هذا مع أن كلا من مروان وطلحة كانا مع عائشة فهما في حرب وعد قتل طلحة من موبقات مروان وقاتل الزبير عمرو بن جرمون غدرا وقيل إن ذلك بمعاوية من فضالة بن حابس ونفيع بمكان يقال له وادي السباع بعد انصرافه من الجمل فإنه كما رواه أبو يعلى توفى في اليوم المذكور هو وعلي فقال له علي أنشدك الله أسمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول إنك تقاتل عليا وأنت ظالم له فقال الزير نعم ولكن لم أذكر ذلك إلى الآن وانصرف
زاد بعضهم وبلغ الأحنف فقال حمل مع المسلمين حتى إذا ضرب بعضهم حواجب بعض بالسيف أراد أن يلحق بيته فسمعها عمرو فانطلق فأتاه من خلفه وأعانه من ذكرنا فقتلوه وأتى عمرو بعد ذلك مصعب بن الزبير فوضع يده في يده فقذفه في السجن فكتب إليه أخوه عبد الله بن الزبير أظننت أني أقاتل أعرابيا من بني تميم بالزبير خل سبيله
وكان مبلغ سنهما فيما قاله ابن حبان والحاكم أربعا وستين سنة وهو قول الواقدي ثم ابن سعد في طلحة خاصة وفيه أقوال أخر فبالنسبة لطلحة (3/327)
قيل ستون قاله المدايني وصدر به ابن عبد البر كلامه وقيل اثنتان وستون قال عيسى بن طلحة وقيل ثلاث وستون قاله أبو نعيم وقيل خمس وسبعون حكاه ابن عبد البر وقال ما أظن ذلك ودفن بالبصرة
وبالنسبة للزبير قيل بضع وخمسون وقيل ست وستون وقيل سبع وستون قالهما الزبير بن بكار وبالثاني منهما صدر ابن عبد البر كلامه وقيل خمس وسبعون
وعام خمسة وخمسين من الهجرة على المشهور قضى أي مات سعد هو ابن أبي وقاص أحد العشرة وآخرهم كما تقدم موتا وقيل خمسين أو إحدى أو أربع أو ست أو سبع أو ثمان كلها بعد الخمسين والأول قول الواقدي وابن سعد والهيثم بن عدي وابن نمير وأبو موسى الزمن والمدايني وحكاه ابن زبر عن الفلاس ورجحه ابن حبان
وقال المزي إنه المشهور والثاني قول إبراهيم بن المنذر وأبي بكر بن حفص بن عمر بن سعد وحكاه ابن سعد والثالث حكاه ابن عبد البر من الفلاس أيضا والزبير بن بكار والحسن بن عثمان والرابع حكى عن الفلاس أيضا وغيره والأخير قاله أبو نعيم وذلك في قصره بالعقيق وحمل على أعناق الرجال إلى المدينة حتى دفن بالبقيع وسنة قيل ثلاث وسبعون وعليه اقتصر ابن الصلاح وقيل أربع وبه جزم الفلاس وابن زبر وابن قانع وابن حبان وقيل اثنان أو ثلاث وثمانون وثانيهما قول أحمد
وقبله سعيد هو ابن زيد أحد العشرة فإنه مضى أي مات على المشهور سنة إحدى بعد خمسين سنة من الهجرة قاله الواقدي والهيثم ابن نمير والمدايني ويحيى بن بكير وخليفة وقيل سنة وخمسين أو التي بعدها قاله ابن عبد البر وكذا حكاه الواقدي عن بعض ولد سعيد وقيل سنة اثنتين قاله عبيد بن سعد الزهري وقيل ثمان قاله البخاري في تاريخه الكبير ولا يصح فإنه سعدا الذي قبله في الذكر شهده ونزل حفرته ووفاته (3/328)
على الصحيح كما تقدم قبل ذلك وكانت وفاته كما قاله الواقدي بالعقيق أيضا وحمل إلى المدينة فدفن بها وقال الهيثم إنها بالكوفة وصلى عليه المغيرة بن شعبة ودفن بها ولا يصح وسنه بضع وسبعون إما ثلاث فيما قاله المدايني والهيثم أو أربع فيما قاله الفلاس
وفي عام اثنتين وثلاثين من الهجرة نفى أي تتم وتكمل قضى أي مات هو عبد الرحمن ابن عوف أحد العشرة على المشهور الذي قاله عروة بن الزبير والواقدي والهيثم والفلاس والزمن والمدايني وخليفة ويحيى بن بكير في رواية وابن قانع وابن الجوزي وقيل إحدى وبه صدر ابن عبد البر كلامه وقيل إحدى أو اثنتين قال أبو نعيم الأصبهاني وابن بكير في إحدى الروايتين عنه وقيل ثلاث ودفن بالبقيع ومبلغ سنه قيل اثنتان وسبعون روى ذلك عن ولده أبي سلمة وقيل خمس قاله يعقوب بن إبراهيم بن سعد والواقدي وابن زبر وابن قانع وابن حبان وأبو نعيم وبه صدر ابن عبد البر كلامه واقتصر عليه ابن الصلاح وهو الأشهر
وقيل ثمان قاله إبراهيم بن سعد وأوصى لكل من شهد بدرا بأربعمائة دينار وكانوا مائة نفس وصولحت إحدى زوجاته عن ربع الثمن بثمانين ألفا
والأمين للأمة وأحد العشرة أبو عبيدة عامر بن عبد الله بن الجراح سبقه أي سبق ابن عوف بالوفاة فإنه مات عام ثماني بالسكون للوزن عشرة بإسكان المعجمة لغة وبالتنوين للضرورة من الهجرة كما جزم به ابن الصلاح حال كون وفاته في هذا الوقت على ما زاده المصنف محققة لكونه هو المشهور الذي قال به الواقدي وابن سعد والفلاس وابن قانع وابن حبان وابن عبد البر وغيرهم في طاعون عمواس بفتحات وآخره مهملة وقد تسكن الميم اسم موضع بالشام وأرخها ابن مندة وإسحاق القراب سن سبع عشرة (3/329)
وقبره بيلسان وقيل بالعادلية قريبا من عمتا عن يلسان بأكثر من نصف يوم وقال ابن الجوزي في التلقيح قبر بعمواس فلعله الاسم القديم للعادلية فالعادلية بلا ريب اسم محدث
ولما تم ذكر وفيات العشرة أردف بالمعمرين من الصحابة رضي الله عنهم
وعاش حسان بن ثابت بن المنذر بن حرام الأنصاري شاعر الرسول صلى الله عليه و سلم وكذا حكيم بن حزام بن خويلد بن أخ أم المؤمنين خديجة الصحابيان الشهيران عشرين سنة بعد مائة من السنين لقوم تقوم بدون نقص وتفصيلها ستون في الجاهلية ومثلها في الإسلام ثم حضرت بالمدينة الشريفة وفاة كل منهما سنة أربع وخمسين خلت أي مضت من الهجرة كما قال به في مبلغ سن أولهما على هذا التفصيل ابن عبد البر بل حكى الاتفاق عليه فإنه قال لم يختلفوا أنه عاش مائة وعشرين سنة منها ستون في الجاهلية وستون في الإسلام
وكذا قال ابن سعد عاش في الجاهلية ستين وفي الإسلام ستين ومات وهو في مائة وعشرين وممن قال به في مطلق كونه عاش مائة وعشرين الجمهور منهم الواقدي وحكاه ابن حبان ممرضا وفي مبلغ سن ثانيهما على التفصيل أيضا إبراهيم بن المنذر فيما حكاه البخاري عنه ومصعب بن عبد الله الزبيري وابن حبان وابن عبد البر وكما قال به في سنة وفاة أولهما أبو عبيد القاسم بن سلام وابن البرقي وحكاه عن ابن هشام وجزم به الذهبي في العبر وفي وفاة ثانيهما الواقدي والهيثم وابن نمير والمدايني ومصعب الزبيري وإبراهيم بن المنذر الحزامي وخليفة (3/330)
بن خياط وأبو عبيد ويحيى بن بكير وابن قانع وقال ابن حبان إنه الصحيح وبه جزم ابن عبد البر وكذا جزم ابن الصلاح بكلا الأمرين وفي كل منهما إلا حسان فحكى في وفاته قولا آخر فقال وقيل مات سنة خمسين انتهى
وحكاه ابن عبد البر أيضا وقيل قبل الأربعين في خلافة على ما قاله خليفة وبه صدر ابن عبد البر كلامه وقيل في سنة أربعين قاله الهيثم والمدائني والزمن وابن قانع ونحوه قول ابن حبان مات أيام قتل علي بل اختلف في مبلغ سنه أيضا فقيل مائة وأربع سنين وبه جزم ابن أبي خيثمة عن المدائني وكذا قال ابن حبان وقال ابن البرقي مائة وعشرون أو نحوها كما أنه اختلف في سنة وفاة ثانيهما فقيل سنة خمسين وقيل ثمان وخمسين وقيل وهو للبخاري سنة ستين
وعلى كل حال فالتحديد بالستين في الزمنين لكل منهما فيه نظر أما حسان فلأنه روى أنه لما قدم النبي صلى الله عليه و سلم المدينة كان ابن ستين سنة وهو غير ملتئم بذلك مع كل من الأقوال في وفاته لأنه على القول بأنها سنة أربعين يكون فد بلغ مائة أو دونها أو سنة خمسين يكون بلغ مائة وعشرة أو سنة أربع وخمسين يكون بلغ مائة وأربع عشرة وهو أقربها فإنه يتمشى على طريقة جبر الكسر ويستأنس له بقول ابن البرقي كما تقدم وهو ابن عشرين ومائة سنة أو نحوها
وأما حكيم فلأنه كان مولده كما رواه موسى بن عقبة عن أبي حبيبة مولى الزبير عنه قبل عام الفيل بثلاث عشرة سنة وحكى الواقدي نحوه وزاد وذلك قبل مولد النبي صلى الله عليه و سلم بخمس سنين وكان كما حكاه الزبير بن بكار في جوف الكعبة وهو غير ملتئم أيضا بذلك تحديدا مع أقوال وفاته كما لا يخفى وتحديد وأن مولده قبل النبي بخمس لا يلتئم مع كونه قبل الفيل بثلاثة عشرة (3/331)
مع القول بأن مولده الشريف عام الفيل وفوق حسان بالتنوين للضرورة المذكور أولا من آبائه ثلاثة في نسق وهم أبوه ثابت وأبوه المنذر وأبوه حرام كذا عاشوا أي مائة وعشرين كما أورده ابن سعد عن حفيد حسان سعيد بن عبد الرحمن وفي آخره قال وكان عبد الرحمن ولد حسان إذا ذكر هذا استلقى على فراشه وضحك وتمدد كأنه لسروره يأمل حياته كذلك فمات وهو ابن ثمان وأربعين سنة لكن قد روينا في الزهد للبيهقي من طريق ابن إسحاق عن سعيد فقال إن كلا من الأربعة عاش مائة وأربع سنين
قال سعيد وكان عبد الرحمن إذا حدثنا هذا الحديث اشرأب لهذا وثنى رجليه على مثلها فمات وهو ابن ثمان وأربعين سنة وكان هذا هو سلف بن حبان في اقتصاره على هذا القدر في أسنانهم ثم قال وقد قيل لكل واحد منهم عشرون ومائة سنة ولم يحك ابن الصلاح غيره قال أبو نعيم الأصبهاني وما لغيرهم أي الأربعة من العرب يعرف مثل ذا متواليا
قلت لكن في الصحابة حويطب بمهملتين الثانية مكسورة مصغر ابن عبد العزى العامري مع ابن يربوع كينبوع سعيد يعزي أي ينسب هذان مع بإسكان العين حمنن بفتح المهملة ثم ميم ساكنة بعدها نون مفتوحة ثم أخرى للضرورة بدون تنوين كما للزبير في النسب والأمير وغيرهما وهو المعتمد وضبطه الوزير المغربي بزاي بدلها وقال هو مشتق من الخمر وهي الصعوبة قال ونون زائدة ابن عوف أخي عبد الرحمن بن عوف
ومع مخرمة ابن نوفل والد المسور كل من هؤلاء الأربعة وهم قرشيون إلى وصف حسان وحكيم في كون كل منهم صحابيا وعاش مائة وعشرين سنة نصفها في الجاهلية ونصلها في الإسلام كما رواه الواقدي في أولهم عن إبراهيم بن جعفر بن محمود عن أبيه وبه جزم ابن حبان (3/332)
ونحوه قول ابن عبد البر أدركه الإسلام وهو ابن ستين أو نحوها أو كما قاله الواقدي وخليفة وابن حبان في ثانيهم وكما قاله الزبير والدارقطني وابن عبد البر في ثالثهم وأنه بعد إسلامه لم يهاجر إلى المدينة وكما قاله في الرابع الواقدي فقال يقال أنه كان له حين مات مائة وعشرون سنة وبه جزم أبو زكريا ابن مندة في جزء له سمعته فيمن عاش هذه المدة من الصحابة فأجمل عددهم سنة غير أن مدة الزمنين ليست في الأولين من هؤلاء الأربعة وكذا الأخير على السواء لأن وفاتهم كانت في سنة أربع وخمسين وإسلامهم كان في فتح مكة فسواء اعتبرنا زمن الإسلام به أو بالهجرة أو البعثة لا يلتئم التحديد بذلك ولذا قيل في ثانيهم أيضا إنه بلغ مائة وأربعا وعشرين سنة وبه صدر ابن عبد البر كلامه
وممن قال بوفاة الأربعة في سنة أربع ابن حبان وبها في الأول والثالث فقط الهيثم وابن قانع وفي الأولين فقط ابن خليفة وأبو عبيد القاسم وابن عبد البر وفي الأول فقط الزمن ويحيى بن بكير وفي الثاني فقط الواقدي وفي الثالث فقد ابن نمير والمدائني ولم نجد عن أحد خلافه فيهم إلا الأول فقيل فيه أيضا إنها في سنة اثنتين وخمسين وكانت وفاتهم بالمدينة إلا الثالث فبمكة بل قيل في الثاني أيضا إنه توفي بها وكذا قيل في نوفل بن معاوية الديلي الصحابي إنه عاش في الجاهلية ستين وفي الإسلام ستين وممن جزم بذلك الواقدي ثم ابن عبد البر وكانت وفاته بالمدينة في خلافة معاوية
وفي الصحاب بالفتح والكسر جمع صاحب كما تقدم في كتابه الحديث أيضا ستة قد عمروا هذا السن ولكن لم يعلم كون نصفه في الجاهلية ونصفه في الإسلام لتقدم وفاته على المذكورين أو تأخرها أو لعدم معرفة تاريخها ذكرهم إلا الثالث أبو زكريا بن مندة في الجزء المشار إليه (3/333)
وهم سعد بن جنادة العوفي الأنصاري والد عطية ذكره أبو عبد الله بن مندة في الصحابة ولكن لم يذكر عمره وعاصم بن عدي بن الجد العجلاني صاحب عويمر العجلاني في قصة اللعان حكى ابن عبد البر عن عبد العزيز بن عمران عن أبيه عن جده عبد العزيز بن عمر بن عبد الرحمن بن عوف أنه عاش مائة وعشرين سنة وكذا ذكر أبو زكريا وأما ابن عبد البر فقال إنه توفي سنة خمس وأربعين وقد بلغ قريبا من عشرين ومائة سنة وقال الواقدي وابن حبان إنه بلغ مائة وخمس عشرة سنة وعدي بن حاتم الطائي توفي سنة ثمان وستين عن مائة وعشرين سنة قاله ابن سعد وخليفة وقيل سنة ست وقيل سبع وستين واللجلاج العامري ذكر ابن سميع وابن حبان أنه عاش مائة وعشرين سنة وكذا حكاه ابن عبد البر عن بعض بني اللجاج والمنتجع جد ناجية ذكره العسكري في الصحابة وقال كان له مائة وعشرون سنة ولا يصح حديثه ونافع أبو سليمان العبدي روى إسحاق بن راهويه عن ولده سليمان قال مات أبي وله عشرون ومائة سنة وكذا ذكر ابن قانع لذاك في المعمرين ذكروا بل نظمهم البرهان الحلبي في بين واحد فقال
( منتجع ونافع مع عاصم ... وسعد لجلاج مع ابن حاتم )
قال وإن شئت قلت وهو أحسن وسعد اللجلاج وابن حاتم
وفي المعمرين جماعة من الصحابة ممن زاد سنهم على القدر المذكور منهم سلمان الفارسي فروى أبو الشيخ في طبقات الأصبهانيين من طريق العباس ابن يزيد قال أهل العلم يقولون إنه عاش ثلاثمائة وخمسين سنة فأما مائتين وخمسين فلا يشكون فيها وقال الذهبي وجدت الأقوال في سنة كلها دالة على أنه جاوز المائتين وخمسين والاختلاف إنما هو في الزائد قال ثم رجعت عن ذلك وظهر لي أنه ما زاد على الثمانين كذا قال وقردة أو فروة ابن نفاثة السلولي قال أبو حاتم السجستاني في المعمرين قالوا إنه عاش (3/334)
مائة وأربعين سنة وأدرك الإسلام فأسلم وكذا رويناه في الزهد للبيهقي من جهة هشام بن محمد قال عاش فروة بن نفاثة أربعين ومائة سنة وأدرك الإسلام فأسلم وأنشد أبياتا والنابغة الجعدي الشاعر الشهير قال عمر بن شبة عن أشياخه إنه عمر مائة وثماين سنة وعن ابن قتيبة إنه مات وله مائتان وعشرون سنة وعن الأصمعي إنه عاش مائتين وثلاثين أو في المخضرمين الربيع بن صبغ بن وهب الفزاري جاهلي أدرك الإسلام ويقال إنه عاش ثلاثمائة سنة منها ستون في الإسلام بل يقال إنه لم يسلم والمعتمد خلافه وأنه قال عشت مائتي سنة في فترة عيسى وستين في الجاهلية وستين في الإسلام وهو القائل
( إذا جاء الشتاء فادفئوني ... فإن الشيخ يهدمه الشتاء )
( وأما حين يذهب كل قر ... فسربال خفيف أو رداء )
وفي استيفاء ذلك طول
ولما تم ذكر المعمرين أردف بأصحاب المذاهب
وقبض أي مات أبو عبد الله سفيان بن سعيد الثوري نسبة لثور بن عبد مناه بن أدبن طابخة على الصحيح وقيل لثور همدان الكوفي أحد الأئمة من الحفاظ والفقهاء المتبوعين إلى ما بعد الخمسمائة حسبما ذكره فيهم الغزالي في الإحياء عام إحدى من بعد ستين وقرن عدا أي سنة إحدى وستين ومائة بالإجماع كما قاله ابن سعد
وممن أرخه كذلك أبو داود الطبالسي وابن معين وابن حبان وزاد في شعبان في دار عبد الرحمن بن مهدي يعني بالبصرة ويحيى بن سعيد وزاد في أولها واختلف في مولده فقال العجلي وابن سعد وغيرهما سنة سبع وتسعين وقال ابن حبان سنة خمس وتسعين وبعد أي بعد الثوري وذلك (3/335)
في سنة تسع بتقديم المثناة الفوقانية تلي سبعينا بتقديم السين المهملة من بعد مائة كانت وفاة إمام دار الهجرة وأحد المقلدين أبي عبد الله مالك هو ابن أنس فيما قاله الواقدي وأحمد وعبيد الله بن عمر القواريري والقعني وأبو بكر بن أبي الأسود وعلي بن المديني وعبد الله بن نافع الصائغ وأصبغ بن الفرج وأبو مصعب والمدائني وأبو نعيم ومصعب بن عبد الله وزاد في صفر وإسماعيل بن أبي أويس وقال في صبيحة أربع عشرة من شهر ربيع الأول وأبو الطاهر بن السرج وقال في يوم الأحد لثلاث عشرة خلت منه ويحيى ابن بكير فقال لعشر مضين منه وهي في هذه السنة باتفاق وبه جزم الذهبي في العبر وشذ هقل بن زياد فيما رواه ابن فهر من جهته فقال سنة ثمان وهو ابن خمس وثمانين أو سبع أو تسعة وتسعين بالمدينة في خلافة هارون ودفن بالبقيع وقبره هناك عليه قبة واختلف في مولده فقيل سنة تسع وثمانين قاله الواقدي وهو غريب وقيل تسعين وبه جزم أبو مسهر وقيل إحدى وقيل اثنتين قاله أبو داود والسجستاني وقيل ثلاث وهو أشهر الأقوال ونسب لأبي داود أيضا وبه جزم يحيى بن بكير وأنه سمعه كذلك من مالك نفسه وادعى ابن جزم الإجماع عليه وهو مردود وقيل سنة أربع قاله محمد بن عبد الحكم وإسماعيل بن أبي أويس وزاد في خلافة الوليد وزاد غيره في ربيع الأول وبهذه السنة جزم الذهبي ويروى عن ابن عبد الحكم أيضا أنه في سنة ثلاث أو أربع وقيل سنة خمس قاله الشيخ أبو إسحاق ويروى عن ابن المديني وقيل سنة ست فيما قاله أبو مسهر أيضا وقيل سنة سبع ومكث حملا في بطن أمه ثلاث سنين في الأكثر وقيل أكثر منها وقيل سنتان وكذا موضع مولده بذي المروة فيما قاله يحيى بن بكير (3/336)
وفي الخمسينا ومائة من السنين الإمام المقلد أحد من عد في التابعين أبو حنيفة النعمان بن ثابت الكوفي قضى أي مات وهذا هو المحفوظ كما قاله روح بن عبادة والهيثم وقعنب بن المحرر وأبو نعيم الفضل بن دكين وسعيد ابن كثير بن عفير وزاد في رجب وكذا قال ابن حبان وقال أبو بكر بن أبي خيثمة عن ابن معين سنة إحدى وقال مكي بن إبراهيم البخلي سنة ثلاث وذلك ببغداد وقبره هناك ظاهر يزار ومولده فيما قاله حفيده إسماعيل ابن حماد سنة ثمانين
وإمامنا الأعظم أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي بعد قرنين كاملين مضى أي مات لأربع من السنين بعدهما قاله الفلاس ويوسف القراطيسي ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم وزاد في آخر يوم من شهر رجب وقال ابن يونس في ليلة الخميس آخر ليلة منه وقال الربيع بن سليمان في ليلة الجمعة بعد العصر آخر يوم منه وأشرفنا من جنازته فرأينا هلال شعبان وفي رواية عنه ليلة الجمعة بعد عشاء الآخرة وكان قد صلى المغرب
وأما ابن حبان فقال في شهر ربيع الأول ودفن عند مغير بان الشمس بالفسطاط ورجعوا فرأوا هلال شهر ربيع الآخر والأول أشهر وقال ابن عدي إنه قرأه على لوح عند قبره وقبره ظاهر بزار وراموا تحويله فيما قيل بعد إلى بغداد وشرعوا في الحفر حين عجز المصريون عن الدفع فلما وصلوا لقرب اللحد الشريف فاح منه ريح طيب ما شموا مثله بحيث سكروا من طيب رائحته وما تمكنوا معه من التوصل فكفوا وصار ذلك معدودا في مناقبه
ومولده سنة خمسين ومائة فعاش أربعا وخمسين قال ابن عبد الحكم والفلاس وابن حبان وهو أشهر وأصح وقيل كما لابن زبر اثنتين وخمسين (3/337)
ثم قضى أي مات مأمونا ما محنة السلطان وفتنة الشيطان الإمام المقلد أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل في سنة إحدى وأربعينا بعد المائتين على الصحيح المشهور
واختلفوا في كل من الشهر واليوم فقال ابنه عبد الله يوم الجمعة ضحوه ودفناه بعد العصر لاثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الآخر وهكذا قال الفضل ابن زياد وقال نصب بن القاسم الفرائضي يوم الجمعة لثلاث عشرة بقين منه بقين ابن عمه حنبل بن إسحاق بن حنبل مات يوم الجمعة في شهر ربيع الأول وقال عباس الدوري ومطين لاثنتي عشرة خلت منه زاد عباس يوم الجمعة ببغداد وقبره ظاهر يزار
ومولده فيما قاله ابناه عبد الله وصالح عنه في شهر ربيع الأول سنة أربع وستين ومائة وكشف قبره حين دفن الشريف أبو جعفر ابن أبي موسى إلى جانبه فوجد كفنه صحيحا لم لم يبل وجثته لم تتغير وذلك بعد موته بمائتين وثلاثين سنة قلت وقد كان أهل الشام على مذهب الأوزاعي نحوا من مائتي سنة وكانت وفاته سنة سبع وخمسين ومائة وقيل خمسين أو إحدى أو ست ببيروت من ساحل الشام ومولده سنة ثمان وثمانين
وكذلك إسحاق بن راهويه قد كان إماما متبعا له طائفة يقلدونه ويجتهدون على مسلكه يقال لهم الإسحاقية وكانت وفاته فيما أرخه البخاري ليلة السبت لأربع عشرة خلت من شعبان سنة ثمان وثلاثين ومائتين عن سبع وسبعين سنة وفي ذلك يقول الشاعر
( يا هدة ما هددنا ليلة الأحد ... في نصف شعبان لا تنسى مدى الأبد )
وقيل في سنة سبع (3/338)
وكذلك الليث بن سعد وسفيان بن عيينة وداؤد بن علي إمام أهل الظاهر وغيرهم بمن قلد وقتا ولكن لا نطيل بوفياتهم
ولما أتم أصحاب المذاهب المتبوعة أردف بأصحاب الكتب الخمسة مع ما أضيف إليها
ثم الإمام صاحب الصحيح أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري بالإسكان للوزن نسبة لبخاري بلد معروف بما وراء النهر عمل غنجار له تاريخا ليلة عيد الفطر وهي ليلة السبت وقت صلاة العشاء لدى بالمهملة أي عند سنة ست وخمسين ومائتين نحرتنك بفتح المعجمة كما للسمعاني وهو المعروف أو كسرها كما لابن دقيق العيد ثم سكون الراء المهملة بعدها مثناة فوقانية مفتوحة ثم نون ساكنة وكاف قرية من قرى سمرقند عند أقرباء له فيها كان الذي نزل عنده منهم غالب بن جبريل وقيل بمصر كما ذكره ابن يونس في تاريخ الغرباء له وهو شاذ وبالأول جزم السمعاني وغيره ردي بفتح الدال المهملة أي ذهب بالوافة إلى رحمة الله تعالى
كذا أرخه مهيب بن سليم والحين ين الحسين البزار وفي السنة أبو الحسين بن نافع وابن المنادي وأبو سليمان بن زبر وآخرون قال الحسن وكان مدة عمر اثنتين وستين سنة إلا ثلاثة عشر يوما كأن مولده كان في يوم الجمعة بعد الصلاة لثلاث عشرة ليلة خلت من شوال أيضا سنة أربع وستين ومائة وقد نظم البرهان الحلبي وفاته فقال
( ثم البخاري يوم عيد الفطر ... سنة خمسين وست فادر )
وامام التالي له أبو الحسين مسلم هو ابن الحجاج القشيري النيسابوري صاحب الصحيح أيضا سنة أهدى في عشية يوم الأحد لأربع بقين من شهر رجب من بعد قرنين أي مائتين وستين سنة ذهب بالوفاة (3/339)
ودفن يوم الإثنين بخمس بقين منه نيسابور وقبره مشهور يزار أرخه كذلك أبو عبد الله محمد بن يعقوب بن الأخرم فيما حكاه الحاكم عنه وكان فيما قيل عقد له مجلس للمذاكرة فذكر له حديث فلم يعرفه فانصرف إلى منزله وقدمت له سلة فيها تمر فكان يطلب الحديث ويأخذ تمرة فأصبح وقد فنى التمرة ووجد الحديث ويقال إن ذلك كان سبب موته
ولذا قال ابن الصلاح وكانت وفاته بسبب غريب نشأ من غمرة فكرة علمية وسنه قيل خمس وخمسون وبه جزم ابن الصلاح وتوقف فيه الذهبي وقال إنه قارب الستين وهو أشبه من الجزم ببلوغه ستين فإن المعروف أن مولده سنة أربع ومائتين
ثم في يوم الجمعة سادس عشر شوال لخمس من السنين بعد سبعين سنة تلى مائتي سنة مات بالبصرة الإمام أبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني صاحب السنن ومولده فيما سمعه منه أبو عبيد الآجري في سنة ستين ومائتين
ثم الحافظ أبو عيسى محمد بن عيسى الترمذي بتثليث المثناة الفوقانية وكسر الميم أو ضمها وإعجام الذال
يعقب الذي قبله في الوفاة بنحو أربع سنين فإنه مات في ليلة الإثنين لثلاث عشرة ليلة مضت من شهر رجب سنة تسع بتقديم المثناة الفوقانية على السين بعدها أي بعد السبعين ومائتين كما قاله أبو العباس جعفر بن محمد المستغفري وغنجار وابن ماكولا والرشاطي وغيرهم
وقول الخليلي في الإرشاد أنه مات بعد الثمانين ظن منه بأن النقل بخلافه وذلك بقرية بوغ بضم الموحدة وغين معجمة إحدى قرى ترمذ على ستة فراسخ منها (3/340)
والإمام أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب ذو نسا بفتح النون والسين المهملة من كوزنيسابور وقيل من أرض فارس فهو ينسب لذلك نسائي همزة بعد الألف وقد ينسب من يكون منها نسويا وقال الرشاطي إنه القياس صاحب كتاب السنن رابع قرن لثلاث من السنين رفسا بالسين المهملة أي ضرب سنة ثلاث وثلاثمائة وذلك في صفر كما قاله الطحاوي وابن يونس وزاد يوم الإثنين لثلاث عشرة خلت منه
وكذا قال أبو عامر العبدري الحافظ وقال أبو علي الغساني ليلة الإثنين وقال الدارقطني في شعبان كما حكاه ابن مندة عن مشايخه أعني الرفس بالأرجل في حضنيه أي جانبيه من أهل دمشق حين أجابهم لما سألوه عن معاوية وما روى من فضائله كأنهم ليرجحوه بها على علي رضي الله عنهما بقوله لا يرضى معاوية رأسا برأس حتى يفضل وما زالوا كذلك حتى أخرج من المسجد ثم حمل إلى مكة فمات بها مقتولا شهيدا
وقال الدارقطني إن ذلك كان بالرملة وكذا قال العبدري إنه مات بالرملة بمدينة فلسطين ودفن ببيت المقدس سنة ثمانية وثمانون سنة فيما قاله الذهبي ومن تبعه وكأنه بناه على قوله عن نفسه يشبه أن يكون مولدي في سنة خمس عشرة ومائتين
وأبو عبد الله محمد بن يزيد بن ماجه القرزويني صاحب السنن التي كمل بها الكتب الستة والسنن الأربعة بعد الصحيحين التي اعتنى بأطرافها الحافظ ابن عساكر ثم المزي مع رجالها وهو كما قال ابن كثير كتاب مفيد قوي التبويب في الفقه لكن قال ابن الصلاح والعلائي إنه لو جعل مسند الدرامي بدله كان أولى وكانت وفاة ابن ماجه فيما قاله جعفر بن إدريس ثم الخليلي في الإرشاد في سنة ثلاث وسبعين ومائتين زاد أولهما في يوم الثلاثاء لثمان بقين من شهر رمضان قال وسمعته يقول ولدت سنة تسع ومائتين (3/341)
وقيل إنه مات سنة خمس وسبعين وقد نظمه البرهان الحلبي فقال
( قلت ومات الحافظ ابن ماجه ... من قبل حبر ترمذ بسنة )
قال وتجوزت في إطلاق العام على بعضه لأنه خصة أشهر وشيء انتهى وكان يمكنه أن يقول من قبل ترمذ بنصف سنة
ولما تم أصحاب الكتب أصول الإسلام أردف بأئمة انتفع بتصانيفهم مع ما أضيف إليهم من نمطهم ثم لـ مضي خمس وثمانين عاما من القرن الرابع تفي بدون نقص وذلك في يوم الأربعاء لثمان خلون من ذي العقدة مات الدارقطني بفتح الراء وإسكان آخره نسبة لدار القطن وكانت محلة كبيرة ببغداد البغدادي الشافعي وهو الحافظ الفقيه أبو الحسن علي بن عمر صاحب السنن والعلل وغيرهما أرخه عبد العزيز الأزحي ودفن قريبا من قبر معروف الكرخي ومولده كما قاله عبد الملك بن بشران في سنة ست وثلاثمائة زاد غيره في ذي القعدة أيضا فعاش تسعا وسبعين سنة
تمت أي ثم لغة فيها الحافظ الحاكم أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد النيسابوري المعروف بابن البيع صاحب المستدرك والتاريخ وعلوم الحديث وغيرها في خامس قرن عام خمسة تمضي منه أي سنة خمس وأربعمائة فنى أي مات بنيسابور فيما قاله الأزهري وعبد الغافر في السياق ومحمد ابن يحيى المزكي وزاد في صفر ومولده أيضا نيسابور في شهر ربيع الأول سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة
وبعده أي بعد الحاكم بأربع من السنين مات الحافظ أبو محمد عبد الغني بن سعيد بن علي الأزدي المصري صاحب المؤتلف وغيره وذلك لسبع خلون من صفر سنة تسع وأربعمائة فيما قاله أبو الحسن أحمد بن محمد العتيقي بمصر عن سبع وسبعين سنة (3/342)
فـ بعده في الثلاثين من السنين بعد الأربعمائة أيضا وذلك في بكرة يوم الاثنين العشرين من المحرم مات الحافظ أبو نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني مؤلف معرفة الصحابة و تاريخ أصبهان و علوم الحديث وغيرها فيما أرخه يحيى بن عبد الوهاب بن مندة بها وسئل عن مولده فقال في شهر رجب سنة ست وثلاثين وثلاثمائة
ولـ مضى ثمان من السنين مات من طبقة أخرى تلى هذه في الزمن الحافظ الفقيه أبو بكر أحمد بن الحسين الشافعي بيهقي القوم أي الحفاظ وأئمة الشافعية لاحتياجهم لتصانيفه الشهيرة وانتفاعهم بها ونسب لبيهق بفتح الموحدة وسكون المثناة التحتانية بعدها هاء مفتوحة ثم قاف وهي قرى مجتمعة بنواحي نيسابور على عشرين فرسخا منها وكانت قصبتها خسر وجرد من بعد مضي خمسين وأربعمائة وذلك في عاشر جمادى الأولى من سنة ثمان وخمسين بنيسابور وحمل تابوته إلى بيهق قاله السمعاني قال وكان مولده سنة أربع وثمانين وثلاثمائة
وبعد مضي خمسة من وفاة الذي قبله مات خطيبهم أي الحفاظ والمسلمين الحافظ أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت البغدادي الشافعي وكذا النمري بفتح النون والميم وإسكان آخره نسبة إلى النمر بكسر الميم وهي من شواذ النسب التي تحفظ ولا يقاس عليها كالنسبة إلى أمية بضم الهمزة أموي بفتحها وأبي سلمة تكسر اللام سلمى بفتحها كما تقدم الحافظ أبو عمر يوسف ابن عبد الله بن محمد بن عبد البر القرطبي المالكي مؤلف الاستيعاب وجملة كلاهما في سنة واحدة وهي كما علمته سنة ثلاث وستين وأربعمائة فالخطيب في ذي الحجة منها ببغداد أرخه ابن شافع وزاد غيره في سابعه وأن مولده في جمادى الآخرة سنة إحدى وتسعين وثلاثمائة وقيل سنة اثنتين وهو المحكى عن الخطيب نفسه (3/343)
الآخر في سلخ شهر ربيع الآخر منها بشاطبة من الأندلس عن خمسة وتسعين سنة وخمسة أيام فإن مولده فيما حكاه عنه ظاهر بن مفوز يوم الجمعة والإمام يخطب لخمس بقين من شهر ربيع الآخر سنة ثمان وستين وثلاثمائة
قال ابن كثير وقد كان ينبغي لابن الصلاح أن يذكر مع هؤلاء جماعة من الحفاظ اشتهرت أيضا تصانيفهم بين الناس ولا سيما عند أهل الحديث كأبي بكر البزار وأبي يعلى الموصلي وإمام الأئمة محمد بن إسحاق ابن خزيمة صاحب الصحيح وتلميذه أبي حاتم محمد بن حبان البستي صاحب الصحيح أيضا والطبراني صاحب المعاجم الثلاثة وغيرها وأبي أحمد بن عدي صاحب الكامل
قلت والظاهر أن ابن الصلاح لم يقصر المكثرين خاصة وإنما أراد مع انضمام تصانيف في بعض أنواع علوم الحديث اشتهرت وعم الانتفاع بها وبنحو ذلك يعتذر عن عدم ذكره لابن ماجه وهو كونه ساذجا عما حرص عليه أصحاب الكتب الخمسة من المقاصد التي بتدبرها يتمرن المحدث خصوصا وفيه أحاديث ضعيفة جدا بل منسكرة بل قال الحافظ المزي فيما نقل عنه أن الغالب فيما انفرد به الضعف ولذا لم يضفه غير واحد كرزين السرقسطي وابن الأثير وغيرهما إلى الخمسة
تتمة يقع في كلامهم فلان المتوفى وأنت في فتح الفاء وكسرها بالخيار والكسر موجه بالمستوفى لمدة حياته ويشهد له قوله تعالى ( والذين يتوفون منكم ) على قراءة على في فتح الياء أي يستوفون آجالهم وإن حكى أن أبا الأسود الدؤلي كان مع جنازة فقال له رجل من المتوفى بكسر (3/344)
الفاء فقال ابنه وأنها كانت أحد الأسباب الباعثة لأمر علي له بالنحو فقد قيل يعني على تقدير صحة الحكاية أنه اقتصر على ما يحتمله فهمه ويتعقله خصوصا وهو القائل حدثوا الناس بما يعرفون (3/345)
معرفة الثقات والضعفاء
( واعن بعلم الجرح والتعديل ... فإنه المرقاة للتفصيل )
( بين الصحيح والسقيم واحذر ... من غرض فالجرح أي خطر )
( ومع ذا فالنصح حق ولقد ... أحسن يحيى في جوابه وسد )
( لأن يكونوا خصماء لي أحب ... من كون خصمي المصطفى إذ لم أذب )
( وربما رد كلام الجارح ... كالنسائي في أحمد بن صالح )
( فربما كان لجرح مخرج غطى عليه السخط حين يخرج )
معرفة الثقات والضعفاء
وكان الأنسب أن يضم لمراتب الجرح والتعديل مع القول في اشتراط بيان سببهما أو أحدهما وكون المعتمد عدمه من العالم بأسبابهما وفي التعديل على الإبهام والبدعة التي يخرج بها وما أشبه ذلك مما تقدم في موضع واحد
واعن أي اجعل أيها الطالب من عنايتك الاهتمام بعلم الجرح أي التجريح والتعديل في الرواة فهو من أهم أنواع الحديث وأعلاها (3/346)
وأنفعها فإنه المرقاة بكسر الميم تشبيها له بالآلة التي يعمل بها وبفتحها الدرجة للتفصيل بين الصحيح من الحديث والسقيم وفي كل منها تصانيف كثيرة ففي الضعفاء ليحيى بن معين وأبي زرعة الرازي وللبخاري في كبير وصغير والنسائي وأبي حفص الفلاس ولأبي أحمد بن عدي في كامله وهو أكمل الكتب المصنفة قبله وأجلها ولكنه توسع لذكره كل من تلكم فيه وإن كان ثقة ولذا لا يحسن أن يقال الكامل للناقصين وذيل عليه أبو الفضل ابن طاهر في تكملة الكامل ولأبي جعفر العقيلي وهو مفيد وأبي حاتم بن حبان وأبي الحسن الدارقطني وأبي زكريا الساجي وأبي عبد الله الحاكم وأبي الفتح الأزدي وأبي علي بن السكن وأبي الفرج بن الجوزي واختصره الذهبي بل وذيل عليه في تصنيفين وجمع معظمها في ميزانه فجاء كتابا نفيسا عليه معول من جاء عبده مع أنه تبع ابن عدي في إيراد كل من تكلم فيه ولو كان ثقة ولكنه التزم أن لا يذكر أحدا من الصحابة ولا الأئمة المتبوعين وقد ذيل عليه المصنف في مجلد والتقط شيخنا منه من ليس في تهذيب الكمال وضم إليه ما فاته من الرواة والتتمات مع انتقاد وتحقيق في كتاب سماه لسان الميزان مما كتبته وأخذته عنه وعم النفع به بل له كتابان آخران هما تقويم اللسان و تحرير الميزان كما أن للذهبي في الضعفاء مختصرا سماه المغني وآخره سماه الضعفاء والمتروكين وذيل عليه والتقط بعضهم من الضعفاء الوضاعين فقط وبعضهم المدلسين كما مضى في بابيهما وبعضهم المختلطين كما سيأتي بعد
وفي الثقات لأبي حاتم بن حبان وهو احفلها لكنه يدرج فيهم من زالت جهالته عينه بل ومن لم يرو عنه إلا واحد ولم يظهر فيه جرح كما سلف في الصحيح الزائد على الصحيحين وفي محمول العين أيضا وذلك غير كاف في التوثيق عند الجمهور وربما يذكر فيهم من أدخله في الضعفاء إما سهوا أو غير ذلك ونحوه تخريج الحاكم في مستدركه لجماعة وحكمه على (3/347)
الأسانيد الذين هم فيها بالصحة مع ذكره إياهم في كتابه في الضعفاء وقطع بمترك الرواية عنهم والمنع من الاحتجاج بهم لأنه ثبت عنده جرحهم وللعجلي وابن شاهين وأبي العرب التميمي
ومن المتأخرين الشمس محمد بن أبيك السروجي لكنه لم يكمل وجد منه الأحمدون فقط في مجلد وأفرد شيخنا الثقات ممن ليس في التهذيب وما كمل أيضا وللذهبي معرفة الرواة المتكلم فيهم بما لا يوجب الرد إلى غيرها من الكتب المشتملة على الثقات والضعفاء جميعا كتاريخ أبي بكر بن أبي خيثمة وهو كثير الفوائد و الطبقات لابن سعد و التميز للنسائي وغيرها مما ذكر بعضه في آداب الطالب وللعماد بن كثير التكميل في معرفة الثقات والضعفاء والمجاهيل جمع فيه بين تهذيب المزني وميزان الذهبي مع زيادات وقال إنه من أنفع شيء للفقيه البارع وكذا المحدث فهذه مظان الثقات والضعفاء غالبا
ومن مظان الثقات التصانيف في الصحيح بعد الشيخين وكذا من خرج على كتابيهما فإنه يستفاد منها الكثير مما لم يذكر في الكتب المشار إليها وربما يستفاد مما يوجد في بعض الأسانيد توثيق بعض الرواة كان لقول الراوي المعتمد حدثني فلان وكان ثقة بعين وما أشبهه أشار إلى ذلك ابن دقيق العيد
واحذر أيها المتصدي لذلك المقتفي فيه أثر من تقدم من غرض أو هوى يحملك كل منها على التحامل والانحراف وترك الإنصاف أو الإطراء والافتراء فذلك شر الأمور التي تدخل على القائم بذلك الآفة منها والمتقدمون سالمون منه غالبا منزهون عنه لوفور ديانتهم بخلاف المتأخرين فإنه ربما يقع ذلك في تواريخهم وهو مجانب لأهل الدين وطرائفهم (3/348)
فالجرح والتعديل خطر لأنك إن عدلت بغير تثبت كنت كالمثبت حكما ليس بثابت فيخشى عليك أن تدخل في زمرة من روى حديثا وهو يظن أنه كذب وإن جرحت لغير تحرز أقدمت على الطعن في مسلم بريء من ذلك ووسمته بميسم سوء يبقى عليه عاره أبدا وهو في الجرح بخصوصه أي خطر بفتح المعجمة ثم المهملة من قولهم خاطر بنفسه أي أشرف على هلاكها فإن فيه مع حق الله ورسوله حق آدمي وربما يناله إذا كان بالهوى ومجانبة الاستواء الضرر في الدنيا قبل الآخرة والمقت بين الناس والمنافرة كما اتفق لأبي شامة فإنه كان مع كونه عالما راسخا في العلم مقرئا محدثا نحويا يكتب الخط المليح المتقن مع التواضع والانطراح والتصانيف العدة كثير الوقيعة في العلماء والصلحاء وأكابر الناس والطعن عليهم والتنقص لهم وذكر مساويهم وكونه عند نفسه عظيما فصار ساقطة من أعين كثير من الناس ممن علم منه ذلك وتكلموا فيه وأدى ذلك إلى امتحانه بدخول رجلين جليلين عليه داره في صورة مستفتين فضرباه ضربا مبرحا إلى أن عيل صبره ولم يعثه أحد
ونحوه ما اتفق لبعض العصريين ممن لم يبلغ في العلم مبلغ الذي قبله بيقين فإنه أكثر الوقعية في الناس بدون تدبر ولا قياس فأبعد عن البلد وتزايد به الألم والنكد ومع ذلك فما كف حتى ثقل على الكافة وما خف وارتقى لحجة الإسلام فضلا عمن يليه من الأئمة الأعلام فلم نلبث أن مات وما اشتفى من تلك النكايات والله تعالى يقينا شرور أنفسنا وحصائد ألسنتنا
ولما في الجرح من الخطر لما جيء للتقي بن دقيق العيد بالمحضر المكتتب في التقي بن بنت الأغر ليكتب فيه امتنع منها أشد امتناع مع ما كان بينهما من العداوة الشديدة بل وأغلظ عليهم في الكلام وقال ما يحل له أن اكتب فيه ورده فتزايدت جلالته بذلك وعد في وفور ديانته وأمانته وانتفع بان بنت الأغر بذلك وكيف لا والتقي هو القائل مما أحسن فيه أعراض (3/349)
المسلمين خفرة من حفر الناس وقف على شفيرها طائفتان من الناس المحدثون والحكام ونحوه قول بعضهم من أراد بي سوءا جعله الله محدثا أو قاضيا
ومع ذا أي كون الجرح والتعديل خطرا فلا بد منه فالنصح في الدين لله ولرسوله ولكتابه وللمؤمنين حق واجب ثياب يثاب متعاطيه إذا قصد به ذلك سواء كانت النصيحة خاصة أو عامة وهذا منه لقول الإمام أحمد لأبي تراب النخشبي حين عزله عن ذلك بقوله لا تغتب الناس ويحك هذه نصيحة وليست غيبة وقد قال الله تعالى ( وقل الحق من ربكم ) وأوجب الله الكشف والتبيين عند خبر الفاسق بقوله ( إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ) وقال النبي صلى الله عليه و سلم في الجرح بئس أخو العشيرة وفي التعديل إن عبد الله رجل صالح إلى غير ذلك من الأحاديث الصحيحة في الطرفين
ولذا استثنوا هذا من الغيبة المحرمة واجمع المسلمون على جوازه بل عد من الواجبات للحاجة إليه وممن صرح بذلك النووي والعز بن عبد السلام ولفظه في قواعده القدح في الرواة واجب لما فيه من إثبات الشرع ولما على الناس في ترك ذلك من الضرر في التحريم والتحليل وغيرهما من الأحكام وكذلك كل خير يجوز الشرع الاعتماد عليه والرجوع إليه وجرح الشهود واجب عند الحكام عند المصلحة لحفظ الحقوق من الدماء والأموال والأعراض والأبضاع والأنساب وسائر الحقوق
وتكلم في الرجال كما قاله الذهبي جماعة من الصحابة ثم من التابعين كالشعبي وابن سيرين ولكنه من التابعين بقلة لقلة الضعف في متبوعهم إذا أكثرهم صحابة عدول وغير الصحابة من المتبوعين أكثرهم (3/350)
ثقات ولا يكاد يوجد في القرن الأول الذي انقرض في الصحابة وكبار التابعين ضعيف إلا الواحد بعد الواحد كالحارث الأعور والمختار الكذاب
فلما مضى القرن الأول ودخل الثاني كان في أوائله من أوساط التابعين جماعة من الضعفاء الذين ضعفوا غالبا من قبل تحملهم وضبطهم للحديث فتراهم يرفعون الموقوف ويرسلون كثيرا ولهم غلط كأبي هارون العبدي فلما كان عند آخر عصر التابعين وهو حدود الخمسين ومائة تكلم في التوثيق والتضعيف طائفة من الأئمة فقال أبو حنيفة ما رأيت أكذب من جابر الجعفي وضعف الأعمش جماعة ووثق آخرين ونظر في الرجال شعبة وكان متثبتا لا يكاد يروي إلا عن ثقة وكذا كان مالك
وممن إذا قال سمع منه في هذا العصر قبل قوله معمر وهشام الدستواي والأوزاعي والثوري وابن الماجشون وحماد بن سلمة والليث وغيرهم
ثم طبقة أخرى بعد هؤلاء كابن المبارك وهشيم وأبي إسحاق الفزاري والمعافى بن عمران الموصلي وبشر بن المفضل وابن عيينة وغيرهم
ثم طبقة أخرى في زمانهم كابن علية وابن وهب ووكيع
ثم انتدب في زمانهم أيضا لنقد الرجال الحافظان الحجنان يحيى بن سعيد القطان وابن مهدي فمن جرحاه لا يكاد يندمل جرحه ومن وثقاه فهو المقبول ومن اختلفا فيه وذلك قليل اجتهد في أمره
ثم كان بعدهم ممن إذا قال سمع منه إمامنا الشافعي ويزيد بن هارون وأبو داود الطيالسي وعبد الرزاق والفريابي وأبو عاصم النبيل (3/351)
وبعدهم طبقة أخرى كالحميدي والقعنبي وأبي عبيد ويحيى بن يحيى وأبي الوليد الطيالسي
ثم صنفت الكتب ودونت في الجرح والتعديل والعلل وبين من هو في الثقة والثبت كالسارية ومن هو في الثقة كالشاب الصحيح الجسم ومن هو لين كما توجعه رأسه وهو متماسك يعد من أهل العافية ومن صفته كمحموم ترجح إلى السلامة ومن صفته كمريض بن شعبان من المرض وآخر كمن سقط قواه وأشرف على التلف وهو الذي يسقط حديثه
وولاة الجرح والتعديل بعد من ذكرنا يحيى بن معين وقد سأله عن الرجال غير واحد من الحفاظ ومن ثم اختلفت آراؤه وعباراته في بعض الرجال
كما اختلف اجتهاد الفقهاء وصارت لهم الأقوال والوجوه فاجتهدوا في المسائل كما اجتهد ابن معين في الرجال ومن طبقته أحمد بن حنبل سأله جماعة من تلامذته عن الرجال وكلامه فيهم باعتدال وإنصاف وأدب وورع
وكذا تكلم في الجرح والتعديل أبو عبد الله محمد بن سعد كاتب الواقدي في طبقاته بكلام جيد مقبول وأبو خيثمة زهير بن حرب له كلام كثير رواه عنه ابنه أحمد وغيره وأبو جعفر عبيد الله بن محمد النبيل حافظ الجزيرة الذي قال فيه أبو داود لم أر أحفظ منه وعلي بن المديني وله التصانيف الكثيرة في العلل والرجال ومحمد بن عبد الله بن نمير الذي قال فيه أحمد هو درة العراق وأبو بكر بن أبي شيبة صاحب المسند وكان آية في الحفظ يشبه بأحمد في المعرفة وعبيد الله بن عمر القواريري الذي قال فيه صالح جزرة هو أعلم من رأيت بحديث أهل البصرة وإسحاق بن راهويه إمام خراسان
وأبو جعفر محمد بن عبد الله بن عمار الموصلي الحافظ وله كلام جيد في (3/352)
الجرح والتعديل وأحمد بن صالح الطبري حافظ مصر وكان قليل المثل وهارون بن عبد الله الحمال وكلهم من أئمة الجرح والتعديل
ثم خلفهم طبقة أخرى متصلة بهم منهم إسحاق الكوسج والدارمي والذهلي والبخاري والعجلي الحافظ نزيل المغرب
ثم من بعدهم أبو زرعة وأبو حاتم الرازيان ومسلم وأبو داود السجستاني وبقي بن مخلد وأبو زرعة الدمشقي وغيرهم
ثم من بعدهم عبد الرحمن بن يوسف بن خراش البغدادي له مصنف في الجرح والتعديل قوي النفس كأبي حاتم وإبراهيم بن إسحاق الحربي ومحمد بن وضاح الأندلسي حافظ قرطبة وأبو بكر بن أبي عاصم وعبد الله بن أحمد وصالح جزرة وأبو بكر البزار وأبو جعفر بن عثمان بن أي شيبة وهو ضعيف لكنه من أئمة هذا الشأن ومحمد بن نضر المروزي
ثم من بعدهم أبو بكر الفريابي والبرديجي والنسائي وأبو يعلى والحسن ابن سفيان وابن خزيمة وابن جرير الطبري والدولابي وأبو عروبة الحراني والحسن أحمد بن عمير بن جوصا وأبو جعفر العقيلي
ثم طبقة أخرى منهم ابن أبي حاتم وأبو طالب أحمد بن نصر البغدادي الحافظ شيخ الدارقطني وابن عقدة وعبد الباقي بن قانع
ثم من بعدهم أبو سعيد بن يونس وابن حبان البستي والطبراني وابن عدي الجرجاني ومصنفه في الرجال إليه المنتهى في الجرح كما تقدم
ثم بعدهم أبو علي الحسين بن محمد الماسرجسي النيسابوري وله مسند معلل في ألف وثلاثمائة جزء وأبو الشيخ بن حبان وأبو بكر الإسماعيلي وأبو أحمد الحاكم والدارقطني وبه ختم معرفة العلل
ثم بعدهم أبو عبد الله بن مندة وأبو عبد الله الحاكم أبو نصر (3/353)
المقدسي
ثم بعدهم أبو الحسن بن القطان وابن الأنماطي وابن نقطة وابن الدبيثي وابن خليل الدمشقي وأبو بكر بن خلفون الأزدي وابن النجار ثم الزكي المنذري والبرزالي والصريفيني والرشيد العطار وابن الصلاح وابن الأبار وابن العديم وأبو شامة وأبو البقاء خالد بن يوسف النابلسي وابن الصابوني
ثم بعدهم الدمياطي وابن الظاهري والميدومي والد الصدر وابن دقيق العيد وابن فرج وعبيد الأسعردي
ثم بعدهم سعد الدين الحارثي والمزي وابن تيمية والذهبي وصفي الدين القرافي وابن البرزالي والقطب الحلبي وابن سيد الناس
في آخرين من كل طبقة منهم من شيوخ شيوخنا المصنف ثم تلميذه شيخنا وفاق في ذلك على جميع من أدركه وطوى البساط بعده إلا لمن شاء الله ختم لنا بخير فعدلوا وجرحوا ووهنوا وصححوا ولم يحابوا أبا ولا ابنا ولا أخا حتى إن ابن المديني سئل عن أبيه فقال سلو عنه غيري فأعادوا فأطرق ثم رفع رأسه فقال هو الدين إنه ضعيف
وكان وكيع بن الجراج لكون والده كان على بيت المال يقرن معه آخر إذا روى عنه
وقال أبو داود صاحب السنن ابني عبد الله كذاب ونحوه قول الذهبي في ولده أبي هريرة إنه حفظ القرآن ثم تشاغل عنه حتى نسيه وقال زيد بن أبي أنيسة كما في مقدمة مسلم لا تأخذوا عن أخي يعني يحيى المذكور بالكذب
نعم في الخلفاء وآبائهم وأهليهم كما قاله الذهبي في ترجمة داؤد بن علي (3/355)
الكلاباذوي وأبو المطرف عبد الرحمن بن فطيس قاضي قرطبة وله دلائل السنة في خمس مجلدات و فضائل الصحابة كما أسلفته هناك وعبد الغني بن سعيد وأبو بكر ابن مردويه الأصبهاني وتمام الرازي
ثم بعدهم أبو الفتح محمد بن أبي الفوارس البغدادي وأبو بكر البرقاني وأبو حاتم العبدوي وقد كتب عنه عشرة أنفس عشرة آلاف جزء وخلف بن محمد الواسطي وأبو مسعود الدمشقي وأبو الفضل الفكلي وله كتاب الطبقات في ألف جزء وأبو القاسم حمزة السهمي وأبو يعقوب القراب وأبو ذر الهرويان
ثم بعدهم أبو محمد الحسن بن محمد الخلال البغدادي وأبو عبد الله الصوري وأبو سعد السمان وأبو يعلى الخليلي
ثم بعدهم ابن عبد البر وابن حزم الأندلسيان والبيهقي والخطيب ثم أبو القاسم سعد بنمحمد الزنجاني وشيخ الإسلام الأنصاري وأبو صالح المؤذن وابن ماكولا وأبو الوليد الباجي وقد صنف في الجرح والتعديل وكان علامة حجة وأبو عبد الله الحميدي وابن مفوز المعافري الشاطبي ثم أبو الفضل ابن طاهر المقدسي وشجاع بن فارس الذهلي والمؤتمن بن أحمد بن علي الساجي وشيرويه الديلمي الهروي مصنف تاريخ هراة وأبو علي الغساني
ثم بعدهم أبو الفضل بن ناصر السلامي والقاضي عياض والسلفي وأبو موسى المديني وأبو القاسم بن عساكر وابن بشكوال
ثم بعدهم عبد الحق الإشبيلي وابن الحوزي وأبو عبد الله بن الفخار المالقي وأبو القاسم السهيلي
ثم أبو بكر الحازمي وعبد الغني المقدسي والرهاوي وابن مفضل (3/356)
بن عبد الله بن عباس من تاريخ الإسلام له قوم أعرض أهل الجرح والتعديل عن كشف حالهم خوفا من السيف والضرب قال وما زال هذا في كل دولة قائمة يصف المؤرخ محاسنها ويغضي عن مساويها هذا إذا كان ذا دين وخير فإن كان مداحا مداهنا لم يلتفت إلى الورع بل ربما أخرج مساويء الكبير وهناته في هيئته المدح والمكارم والعظمة فلا قوة إلا بالله
ولا شك أن في المتكلمين في ذلك من المتأخرين من كان من الورع بمكان كالحافظ عبد الغني صاحب الكمال في معرفة الرجال المخرج لهم في الكتب الستة الذي هذبه المزي وصار كتابا حافلا عليه معول من جاء بعده واختصره شيخنا وغيره من المتقدمين من لم يشك في ورعه كالإمام أحمد بل قال إنه أفضل من الصوم والصلاة وابن المبارك فإنه قال لو خيرت بين أن أدخل الجمة وبين أن ألقى عبد الله بن المحرر لاخترت أن ألقاه ثم أدخل الجنة فلما رأيته كانت بعرة أحب إلي منه
وابن معين مع تصريحه بقوله إنا لنتكلم في أناس قد حطوا رحالهم في الجنة والبخاري القائل وما اغتبت أحدا مذ علمت أن الغيبة حرام
وحجتهم التوصل بذلك لصون الشريعة وأن حق الله ورسوله هو المقدم
ولقد أحسن الإمام يحيى ابن سعيد القطان في جوابه لأبي بكر ابن خلاد حين قاله أما تخشى أن يكون هؤلاء الذين تركت حديثهم خصماءك عند الله يوم القيامة وسد بمهملتين أولاهما مفتوحة أي وفق للسداد وهو والصواب والقصد من القول والعمل حيث قال لأن يكونوا أي المتروكون خصماء لي أحب إلى ن كون خصمي المصطفى صلى الله عليه و سلم إذ لم أذب بفتح الهمزة وضم الذال المعجمة ثم موحدة أي أمنع الكذب عن (3/356)
حديثه وشريعته
ولذا رأى رجل عند موت ابن معين النبي صلى الله عليه و سلم وأصحابه مجتمعين فسألهم عن سبب اجتماعهم فقال النبي صلى الله عليه و سلم جئت لأصلي على هذا الرجل فإنه كان يذب الكذب عن حديثي نودي بين يدي نعشه هذا الذي كان ينفي الكذب عن رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم رؤي في النوم فقيل له ما فعل الله بك قال غفر لي وأعطاني وحباني وزوجني ثلاث حوراء وأدخلني عليه مرتين وقيل فيه
( ذهب العليم بعيب كل محدث ... وبكل مختلف وفي الإسناد )
( وبكل وهم في الحديث ومشكل ... يعني به علماء كل بلاد )
فإن قيل قد شغف جماعة من المتأخرين القائلين بالتاريخ وما أشبهه كالذهبي ثم شيخنا بذكر المعائب ولو لم يكن المعاب من أهل الرواية وذلك غيبة محضة ولذا تعقب ابن دقيق اليد ابن السمعاني في ذكره بعض الشعراء وقدح فيه بقوله إذا لم يضطر إلى القدح فيه للرواية لم يجز
ونحوه قول ابن المرابط قد دونت الأخبار وما بقي للتجريح فائدة بل انقطعت من راس الأربعمائة ودندن هو وغيره ممن لم يتدبر مقاله بعيب المحدثين بذلك
قلت والملحوظ في تسويغ ذلك كونه نصيحة ولا انحصار لها في الرواية فقد ذكروا من الأماكن التي يجوز فيها ذكر المرء بما يكره ولا يعد ذلك غيبة بل هو نصيحة واجبة أن تكون للمذكور ولاية لا يقوم بها على وجهها إما بأن لا يكون صالحا لها وإما بأن يكون فاسقا أو مغفلا أو نحو ذلك فيذكر ليزال بغيره ممن يصلح أو يكون مبتدعا أو فاسقا ويرى من يتردد إليه للعلم ويخاف عليه عود الضرر من قبله فيعلمه ببيان حاله (3/357)
ويلتحق بذلك المتساهل في الفتوى أو التصنيف أو الأحكام أو الشهادات أو النقل أو المتساهل في ذكر العلماء أو في الرشاد والارتشاء إما بتعاطيه له أو بإقراره عليه مع قدرته على منعه أو أكل أموال الناس بالحيل والافتراء أو الغاصب لكتب العلم من أربابها أو المساجد بحيث تصير ملكا أو غير ذلك من المحرمات فكل ذلك جائز أو واجب ذكره ليحذر ضرره
وكذا يجب ذكر المتجاهر بشيء مما ذكره ونحوه من باب أولى قال شيخنا ويتأكد الذكر لكل هذا من حق المحدث لأن أصل وضع فنه بيان الجرح والتعديل فمن عابه بذكره لعيب المجاهر بالفسق أو المتصف بشيء مما ذكر فهو جاهل أو ملبس أو مشارك له في صفته فيخشى أن يسري إليه الوصف
نعم لا يجوز التجريح بشيئين إذا حصل بواحد فقد قال العز بن عبد السلام في قواعده إنه لا يجوز للشاهد أن يجرح بذنبين مهما أمكن الاكتفاء بأحدهما فإن القدح إنما يجوز للضرورة فليقدر بقدرها ووافقه عليه القرافي وهو ظاهر
وقد قسم الذهبي من تكلم في الرجال أقساما فقسم تكلموا في سائر الرواة كابن معين وأبي حاتم وقسم تكلموا في كثير من الرواة كمالك وشعبة وقسم تكلموا في الرجل بعد الرجل كابن عيينة والشافعي
قال وهم الكل على ثلاثة أقسام أيضا قسم منهم متعنت في التوثيق متثبت في التعديل يغمز الراوي بالغلطتين والثلاث فهذا إذا وثق شخصا فعض على قوله بنواجذك وتمسك بتوثيقه وإذا ضعف رجال فانظر هل وافقه غيره على تضعيفه فإن وافقه ولم يؤثق ذاك الرجل أحد من الحذاق فهو ضعيف وإن وثقه أحد فهذا هو الذي قالوا لا يقبل فيه الجرح إلا مفسرا يعني لا يكفي (3/358)
فيه قول معين مثلا هو ضعيف ولم يبين سبب ضعفه ثم يجيء البخاري وغيره يوثقه ومثل هذا يختلف في تصحيح حديثه وتضعيفه
ومن ثم قال الذهبي وهو من أهل الاستقراء التام في نقد الرجال لم يجتمع اثنان من علماء هذا الشأن قط على توثيق ضعيف ولا على تضعيف ثقة انتهى ولهذا كان مذهب النسائي أن لا يترك حديث الرجل حتى يجتمع الجميع على تركه كما تقدم مع توجيهه بما يحسن استحضاره هنا وقسم منهم متسامح كالترمذي والحاكم قلت وكابن حزم فإنه قال في كل من أبي عيسى الترمذي وأبي القاسم البغوي وإسماعيل بن محمد الصفار وأبي العباس الأصم وغيرهم من المشهورين إنه مجهول وقسم معتدل كأحمد والدارقطني وابن عدي
ولوجود المتشدد ومقابله نشأ التوقف في أشياء من الطرفين بل ربما رد كلام كل من المعدل والجارح مع جلالته وإمامته ونقده وديانته إما لانفراد عن أئمة الجرح والتعديل كالشافعي رحمه الله في إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى فإنه كما قال النووي لم يوثقه غيره وهو ضعيف باتفاق المحدثين لكن قد اعتذر الساجي عن الشافعي بأنه لم يخرج عنه إلا في الفضائل يتسامحون فيها وتعقب بان الموجود خلافه وابن حبان بأن مجالسته لإبراهيم كانت في حداثته
وعلى كل حال فقد اختار ابن الصلاح كما مضى في محله أن الإمام الذي له أتباع يقلدونه فيما يذهب إليه إذا احتج براو ضعفه غيره كان ذلك الراوي حجة في حق من قلد ذلك الإمام أو لتحماله كالنسائي بالإسكان للوزن صاحب السنن في أحمد بن صالح أبي جعفر المصري الحافظ المعروف بابن الطبري حيث جرحه فيما نقله عنه ابنه عبد الكريم بقوله ليس بثقة ولا مأمون تركه محمد بن يحيى ورماه يحيى بالكذب (3/359)
وقال في موضع آخر حدثنا معاوية ابن صالح سمعت ابن معين يقول أحمد ابن صالح كذاب يتفلسف انتهى فإنه كما قال أبو يعلى الخليلي ممن اتفق الحفاظ على أن كلامه فيه تحامل قال ولا يقدح كلام أمثال فيه
وقال الذهبي في الميزان إنه آذى نفسه بكلامه فيه والناس كلهم متفقون على إمامته وثقته واحتج به البخاري في صحيحه وقال إنه ثقة صدوقا ما رأيت أحدا يتكلم فيه بحجة كان أحمد وابن نمير وغيرهما يثبتونه وكان يحيى يعني ابن معين يقول سلوه فإنه ثبت وممن وثقه العجلي وقال صاحب سنة وأبو حاتم وقال ابن يونس لم يكن عندنا كما قال النسائي لم تكن له آفة غير الكبر والسبب في كلام النسائي فيه ما ذكره أبو جعفر العقيلي أن أحمد لم يكن يحدث أحدا حتى يسأل عنه فجاءه النسائي وقد صحب قوما من أصحاب الحديث ليسوا هناك فأبى أحمد أن يأذن له فعمد النسائي إلى جمع أحاديث قد غلط فيها ابن صالح فشنع بها ولم يضره ذلك
وكذا قال ابن عدي سمعت محمد بن هارون الرقي يقول إنه حضر مجلسه فطرده منه فحمله ذلك على التكلم فيه
وأما ما رواه من كلام ابن معين فيه فجزم ابن حبان بأنه اشتبه عليه
فالذي تكلم فيه ابن معين إنما هو أحمد بن صالح الشمومي المصري شيخ بمكة كان يضع الحديث سأل معاوية عنه يحيى فأما هذا فهو يقارن ابن معين في الحفظ والإتقان وقواه شيخنا بنقل البخاري في هذا عن ابن معين كما حكيناه أنه ثبت على أن ابن يونس قد رد قول ابن معين أن الذي كان في أبي جعفر بقوله لعل ابن معين لا يدري ما الفلسفة فإنه ليس من أهلها ولذا كان الجهل بالعلوم ومراتبها والحق والباطل منها أحد الأوجه الخمسة التي تدخل الآفة منها في ذلك كما ذكره ابن دقيق العيد وقال إنه محتاج إليه في (3/360)
المتأخرين أكثر أن الناس انتشرت بينهم أنواع من العلوم المتقدمة والمتأخرة حتى علوم الأوائل وقد علم أن علوم الأوائل قد انقسمت إلى حق وباطل فمن الحق علم الحساب والهندسة والطب ومن الباطل ما يقولونه في الطبيعيات وكثير من الإلهيات وأحكام النجوم وقد تحدث في هذه الأمور أقوام فيحتاج القادح بسبب ذلك أن يكون مميزا بين الحق والباطل لئلا يكفر من ليس بكافر أو يقبل رواية الكافر
والمتقدمون قد استراحوا من هذا لعدم شيوع هذه الأمور في زمانهم
ونحوه قول غيره إنه مما ينبغي اعتماده في الجارح والمعدل أن يكون عالما باختلاف المذاهب فيجرح عند المالكي مثلا بشرب النبيذ متأولا لأنه يراه قادحا دون غيره إذ لو لم نعتبر ذلك لكان الجارح أو المعدل غارا لبعض الحكام حتى يحكم يقول من لا يرى قبول قوله وهو نوع من الغش
وهنا لطيفة معترضة وهي أن أحمد بن صالح هذا تكلم في حرملة صاحب الشافعي فقال ابن عدي إنه تحامل عليه وسببه أن أحمد سمع في كتب حرملة من ابن هوب فأعطاه نصف سماعه ومنعه النصف فتولدت بينهما العداوة من هذا وكان من يبدأ بحرملة إذا دخل مصر لم يحدثه أحمد بن صالح قال وما رأينا أحدا جمع بينهما وكأن مراده من الغرباء وإلا فقد جمع بينهما أحمد بن ورشد بن شبخ الطبراني فجوزي أحمد بن صالح بما تقدم
ولنرجع لما نحن فيه ولذا قيل في كل من الجرح والتعديل إنه لا يقبل إلا مفسرا لا سيما وقد استفسر جماعة ممن جرح أو عدل فذكروا ما لا يقتضي واحدا منهما كما تقرر في معرفة من تقبل روايته مع فوائد مهمة وأن المعتمد قبولهما من العارف بأسبابهما بدون تفسير في آخرين غير النسائي من الحفاظ المتقدمين وغيرهم أورد ابن عبد البر في جامع العلم له عنهم أمور كثيرة وحكم بأنه لا يلتفت إليها وحمل بعضهما على أنها خرجت عن غضب وحرج (3/361)
من قائلها ونحو ذلك
فربما كان لجرح مخرج أي مخلص صحيح يزول به ولكن غطى عليه السخط وحجب عنه الفكر حين يحرج بحاء مهملة ثم راء مفتوحة وجيم أي يضيق صدره بسبب ما قال لأن الفلتان من الأنفس لا يدعي العصمة منها فإنه ربما حصل غضب لمن هو من أهل التقوى فبدرت منه بادرة لفظ فحبك الشيء يعمي ويصم لا أنهم مع جلالتهم ووفور ديانتهم تعمدوا القدح بما يعملون بطلانه حاشاهم وكل تقي من ذلك
ثم إن أكثر ما يكون هذا الداء في المتعاصرين وسببه غالبا مما هو في المتأخرين أكثر المنافسة في المراتب ولكن قد عقد ابن عبد البر في جامعه بابا لكلام الأقران المتعاصرين بعضهم في بعض ورأى أن أهل العلم لا يقبل الجرح فيهم إلا ببيان واضح فإن انضم لذلك عداوة فهو أولى بعدم القبول ولو كان سبب تلك العداوة الاختلاف في الاعتقاد فإن الحاذق إذا تأمل ثلب أبي إسحاق الجوزجاني لأهل الكوفة رأى العجب وذلك لشدة انحرافه في النصب وشهرة أهلها بالتشيع فتراه لا يتوقف في جرح من ذكره منهم بلسان ذلق وعبارة طلقة حتى إنه أخذ يلين مثل الأعمش وأبي نعيم وعبيد الله ابن موسى وأساطين الحديث وأركان الرواية فهذا إذا عارضه مثله أو أكثر منه فوثق رجلا ممن ضعفه هو قبل التوثيق ويلتحق به عبد الرحمن بن يوسف ابن خراش المحدث الحافظ فإنه من غلاة الشيعة بل نسب إلى الرفض فيتأني في جرحه لأهل الشام للعداوة البينة في الاعتقاد وكذا كان ابن عقدة شيعيا فلا يستغرب منه أن يتعصب لأهل الرفض
ولذا كانت المخالفة في العقائد أحد الأوجه الخمسة التي تدخل الأفة منها فإنها كما قال ابن دقيق العيد أوجبت تكفير الناس بعضهم لبعض أو (3/362)
تبديعهم وأوجبت عصبية اعتقدوها دينا يتدينون ويتقربون به إلى الله تعالى ونشأ من ذلك الطعن بالتكفير أو التبديع قال وهذا موجود كثيرا في الطبقة المتوسطة من المتقدمين بل قال شيخنا إنه موجود كثيرا قديما وحديثا ولا ينبغي إطلاق الجرح بذلك فقد قدمنا تحقيق الحال في العمل برواية المبتدعة وحكينا كلام الشافعي للبناء آخر المسألة
ويلتحق بهذا مما جعله ابن دقيق العيد وجها مستقلا لاختلاف الواقع بين المتصوفة وأصحاب العلوم الظاهرة فقد وقع بينهم تنافر أوجب كلام بعضهم في بعض قال لو هذه غمرة لا يخلص منها إلا العالم الوافي بشواهد الشريعة ولا أحصر ذلك في العلم بالفروع المذهبية فإن كثيرا من أحوال المحققين من الصوفية لا يفي بتمييز حقه من باطله علم الفروع بل لا بد مع ذلك من معرفة القواعد الأصولية والتمييز بين الواجب والجائز والمستحيل العقلي والمستحيل العادي فقد يكون المتميز في الفقه جاهلا بذلك حتى يعد المستحيل عادة مستحيلا عقلا
وهذا المقام خطر شديد فإن القادح في المحق من الصوفية معاد لأولياء الله وقد قال فيما أخبر عنه نبيه صلى الله عليه و سلم من عادى لي وليا فقد بارزني بالمحاربة والتارك لإنكار الباطل ما يسمعه عن بعضهم تارك للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عاص لله تعالى بذلك فإن لم ينكر بقلبه فقد دخل تحت قوله صلى الله عليه و سلم وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل فإذا انضما أعني الاختلاف بين المتصوفة وأهل علم الظاهر والمخالفة في العقائد مع الوجهين الماضيين وهما الجهل بمراتب العلوم والفرض والهوى وانضاف إليها عدم الورع والأخذ بالتوهم والقرائن التي تتخلف كانت الخمسة الأوجه (3/363)
التي ذكر ابن دقيق في الاقتراح أنها التي تدخل الآفة في هذا الباب منها
وقال في خامسها إن من فعل ذلك أي أخذ بالتوهم والقرائن فقد دخل قوله صلى الله عليه و سلم إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث قلت لا سيما وقد جاء عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن احمل أمر أخيك على أحسنه ولا تظنن بكلمة خرجت منه شرا وأنت تجد لها في الخير محملا انتهى وهذا ضرره عظيم فيما إذا كان الجارح معروفا بالعلم وكان قليل التقوى فإن علمه يقتضي أن يجعل أهلا لسماع قوله وجرحه فيقع الخلل بسبب قلة ورعه أخذه بالتوهم قال ولقد رأيت رجلا لا يختلف أهل عصرنا في سماع قوله إن جرح ذكر له إنسان أنه سمع من شيخ فقال به ابن سمعت منه فقال بمكة أو قريبا من هذا وقد كان جاء إلى مصر يعني في طريقه للحج فأنكر ذلك وقال إنه كان صاحبي ولو جاء إلى مصر لاجتمع بي أو كما قال فانظر إلى هذا التعليق بهذا الوهم البعيد والخيال الضعيف فيما أنكره وقد أشار المصنف إلى حاصلها وقال إنه واضح جلي (3/364)
معرفة من اختلط من الثقات
( وفي الثقات من أخيرا اختلط ... فما روى فيه أو أبهم سقط )
( نحو عطاء وهو ابن السائب ... وكالجريري وسعيد وأبي )
( إسحاق ثم ابن أبي عروبة ... ثم الرقاشي أبي قلابة )
( كذا حصين السلمي الكوفي ... وعارم محمد والثقفي )
( كذا ابن همام بصنعا إذ عمى ... والرأي فيما زعموا والتوأمي )
( وابن عيينة مع المسعودي ... وآخرا حكوه في الحفيد )
( ابن خزيمة مع الغطريفي ... مع القطيعي أحمد المعروف )
معرفة من اختلط من الثقات
وكان الأنسب ذكره في من تقبل روايته ومن ترد كما في الذي قبله وهو فن عزيز منهم وفائدة ضبطهم تمييز المقبول من غيره ولذا لم يذكر الضعفاء منهم كأبي معشر نجيح بن عبد الرحمن السندي المدني لأنهم غير مقبولين بدونه
وفي الثقات من الرواة من أخيرا اختلط أي من اختلط آخر عمره (3/365)
يعني غالبا وإلا فليس قيدا فيه وكذا قول مالك إنما يحذف الكذابون وقول القاضي أبي الطيب الطبري لمن تعجب من صحة حواسه بعد الزيادة على المائة ما عصيت الله بواحد منها أو كم قال محمولا على الغالب وحقيقته فساد العقل وعدم انتظام الأقوال والأفعال إما نحرف أو ضرر أو مرض أو عرض من موت ابن وسرقة مال كالمسعودي أو ذهاب كتب كابن لهيعة أو احتراقها كابن الملقن
فما روى المتصف بذلك فيه أي في حال اختلاطه أو أبهم بنقل الهمزة مبنيا للفاعل الأمر فيه واشكل بحيث لم يعلم أروايته صدرت في حال اتصافه به أو قبله سقط حديثه في الصورتين بخلاف ما رواه قبل الاختلاط لثقته هكذا أطلقوه ومذهب وكيع حسبما نقله عنه ابن معين كما سيأني في سيعد بن أبي عروبة قريبا أنه إذا حدث في حال اختلاطه بحديث واتفق أنه كان حدث به في حال صحته فلم يخالفه أنه يقبل فليحمل إطلاقهم عليه ويتميز ذلك بالراوي عنه فإنه تارة يكون سمع منه قبله فقط أو بعده فقط أو فيهما مع التميز وعدمه
وما يقع في الصحيحين أو أحدهما من التخريج لمن وصف بالاختلاط من طريق من لم يسمع منه إلا بعده فإنا نعرف على الجملة أن ذلك مما ثبت عند المخرج أنه من قديم حديثه ولو لم يكن من سمعه منه قبل الاختلاط على شرطه ولو ضعيفا يعتبر بحديثه فضلا عن غيره لحصول الأمن به من التغير كما تقدم مثله فيما يقع عندهما اجتماعا وانفرادا من حديث المدلسين بالعنعنة
ومن المستخرجات غالبا يستفاد التصريح
ومن سمع قديما ممن اختلط وأفرد للمختلطين كتابا الحافظ أبو بكر الحازمي حسبما ذكره في تصنيفه تحفة المستفيد ولم يقف عليه ابن الصلاح فإنه قال ولم أعلم أ د أفرده بالتصنيف واعتنى به مع كونه حقيقا (3/366)
بذلك جدا والعلائي مرتبا لهم على حروف المعجم باختصار وذيل عليه شيخنا وللبرهاني الحلبي والاحتياط بمن رمي بالاختلاط وأمثلته كثيرة
نحو عطاء وهو بضم الهاء بان السائب الثقفي الكوفي أحد التابعين فقد صرح جماعة من الأئمة باختلاطه كابن معين ووصفه باختلاط الشديد لكن قال ابن حبان إنه اختلط بآخره ولم يفحص حتى يستحق أن يعدل به عن مسلك العدول انتهى
وعن سمع منه قبل الاختلاط فقط أيوب وحماد بن زيد وزايدة وزهير وابن عيينة والثوري وشعبة ووهيب كما صرح به في الأول والأخبر الدارقطني وفي الثاني ابن المديني ويحيى بن سعيد القطان والنسائي والعقيلي وفي الثالث والرابع الطبراني وفي الخامس الحميدي
وفي السادس والسابع أحمد وابن معين وأبو حاتم والنسائي والطبراني وكذا يحيى القطان ولكنه استثنى حديثين سمعهما منه شعبة بأخرة عن زاذان
ومنهم حماد بن سلمة فيما قاله العقيلي والدارقطني وابن الجارود وقال بعضهم بعده فالظاهر أنه سمع منه في الوقتين معا وكذا سمع منه في الوقتين معا أبو عوانة فيما قاله بابن المديني وابن معين وزاد أنه لا يحتج بحديث أبي عوانة عنه وممن سمع منه بعده فقط إسماعيل بن علية وجرير بن عبد الحميد وخالد بن عبد الله الواسطي وابن جريج وعلي بن عاصم ومحمد بن فضيل بن غزوان وهشيم وسائر من سمع منه من البصرين في قدمته الثانية لها دون الأولى وقد خرج البخاري في تفسير سورة الكوثر من صحيحه من رواية هشيم عنه حديثا واحدا لكنه مقرونا بأبي بشر جعفر بن أبي وحشية أحد الأثبات لم يخرج له في الأصول شيئا
وكالجريري بضم الجيم وتشديد آخره مصغر أبي مسعود سعيد (3/367)
طبقات الرواة
( وللرواة طبقات تعرف ... بالسن والأخذ وكم مصنف )
( بغلط فيها وابن سعد صنفا ... فيها ولكن كم روى عن ضعفا )
طبقات الرواة
وهو من المهمات وفائدته الأمن من تداخل المشتبهين كالمنفقين في اسم أو كنية أو نحو ذلك كما بيناه في المتفق والمفترق وإمكان الإطلاع على تبين التدليس على حقيقة المراد من العنعنة وبينه وبين التاريخ عموم وخصوص وجهي فتجمعان في التعريف بالرواة وينفرد التاريخ بالحوادث والطبقات بما إذا كان في البدريين مثلا من تأخرت وفاته عمن لم يشهدها لاستلزامه تقديم المتأخر الوفاة
وقد فرق بينما المتأخرين بأن التاريخ ينظر فيه بالذات إلى المواليد الوفيات وبالعرض إلى الأحوال والطبقات ينظر فيها بالذات إلى الأحوال وبالعرض إلى المواليد والوفيات ولكن الأول أشبه
وللرواة طبقات أي مراتب مفترقة وأصناف مختلفة جمع طبقة وهي في اللغة القوم المتشابهون وتعرف في الاصطلاح بالسن أي باشتراك (3/367)
وهو ابن إياس البصري الثقة فإنه اختلط كما قاله ابن حبان قبل موته بثلاث سنين قال ورآه يحيى القطان وهو مختلط ولكن لم يكن اختلاطه فاشيا ولذا قال ابن علية لم يختلط إنما كبر فرق وقال أبو حاتم تغير حفظه قبل موته فمن كتب عنه قديما فهو صالح وقال يحيى القطان فيما رواه ابن سعد عن كهمس عنه أنكرناه أيام الطاعون وكذا قال النسائي ثقة أنكر أيام الطاعون انتهى
وممن سمع منه قبل تغييره إسماعيل بن علية والحمادان والثوري وشعبة وعبد الأعلى بن عبد الأعلى وسماعه منه قبل تغيره بثمان سنين ولذلك قال العجلي إنه من أصحهم عنه حديثا وعبد الوارث بن سعيد وعبد الوهاب الثقفي ومعمر ووهيب بن خالد ويزيد بن زريع بقول أبي عبيد الآجري عن أبي داود كل من أدرك أيوب السختياني فسماعه من الجريري جيد وكل هؤلاء سمعوا من أيوب وبعد تغيره إسحاق الأزرق كما سيأتي قريبا وابن المبارك ومحمد بن أبي عدي وقال لا نكذب الله سمعنا منه وهو مختلط ويحيى بن سعيد القطان ولذلك لم يحدث عنه شيئا ويزيد بن هارون وقال كما رواه ابن سعد عنه سمعت منه في سنة اثنتين وأربعين ومائة وهي أول سنة دخلت فيها البصرة ولم تنكر منه شيئا وكان قيل لنا إنه قد اختلط وسمع منه إسحاق الأزرق بعدنا وحديثه عند الشيخين من حديث بشر بن المفضل وخالد بن عبد الله وعبد الأعلى وعبد الوارث عنه وعند البخاري فقط من حديث محمد بن عبد الله الأنصاري عنه وعند مسلم فقط من حديث ابن علية وبشر بن منصور وجعفر بن سليمان الضبعي وأبي أسامة حماد بن أسامة وحماد بن سلمة وسالم بن نوح والثوري وسليمان بن المغيرة وشعبة وابن المبارك وعبد الواحد بن زياد والثقفي وعبد الوهاب بن عطاء الخفاف ووهيب وابن زريع (3/368)
ويزيد بن هارون عنه وفي هؤلاء جماعة ممن لمتراه على كون سماعهم منه قبله أو بعده
وكأبي إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي الكوفي التابعي أحد الأعلام الأثبات فإنه فيما قاله الخليلي اختلط وكذا نقله الفسوي عن بعض أهل العلم وأشار إلى أن سماع ابن عيينة منه بعد اختلاطه ونحوه قول ابن معين إن ابن عيينة سمع منه بعد ما تغير وأنكر الذهبي اختلاطه وقال بل شاخ ونسى يعني فإنه قارب المائة قال وسمع منه ابن عيينة وقد تغير قليلا وقال أحمد ثقة ولكن هؤلاء حملوا عنه بآخره
وقد اتفق الشيخان على التخريج له لا من جهة متأخري أصحابه كابن عيينة ونحوه بل عن قدمائهم حفيديه إسرائيل بن يونس ويوسف بن إسحاق وزكرياء وعمر ابني أبي زائدة وزهير بن معاوية والثوري وهو أثبت الناس فيه وأبي الأحوص سلام بن سليم وشريك وشعبة
وأخرج له البخاري فقط من حديث جرير بن حازم عنه ومسلم فقط من حديث إسماعيل ابن أبي خالد ورقية بن مصقلة والأعمش وسليمان بن معاذ وعمار بن زريق ومالك بن مغول ومسمر عنه واختلف في وفاته فقيل سنة ست أو سبع أو ثمان أو تسع وعشرين ومائة
ومن التابعين أيضا سعيد بن أبي سعيد المقبري قال الواقدي إنه اختلط قبل موته بأربع سنين ونحوه قول يعقوب بن شيبة إنه تغير وكبر واختلط قبل موته يقال بأربع سنين وكان شعبة يقول حدثنا سعيد بعدما كبر
وسماك بن حرب بن أوس الكوفي تغير قبل موته فقال جرير بن عبد (3/369)
الحميد أتيته فرأيته يبول قائما فرجعت ولم أسأله عن شيء وقلت قد خرف
ثم بعدهم جماعة كابن أبي عروبة بفتح العين وضم الراء المهملتين وبعد الواو موحدة ثم هاء تأنيث مكسروة مع أترانه وما بعده بالإسكان أيضا مما هو أولى لعدم ارتكاب ضرورة الصرف فيه هو سعيد بن مهران العدوى البصري ويكنى أبا النضر أحد كبار الأئمة وثقاتهم فإنه اختلط قال أبو الفتح الأزدي اختلاطا قبيحا وطالت مدة اختلاطه
واختلف في ابتدائها فقيل كما لدحيم وابن حبان إنه كان في سنة خمس وأربعين ومائة وقال ابن معين بعد هزيمة إبراهيم بن عبد الله بن حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب سنة اثنتين وأربعين وهو غير ملتئم إذ هزيمة إبراهيم كانت في سنة خمس وأربعين بل وقتل في أواخر ذي القعدة منها وحينئذ فهو موافق للأول
لكن حكى الذهلي عن عبد الوهاب الخفاف أن اختلاطه كان في سنة ثمان وأربعين وقال يزيد بن زريع أول ما أنكرناه يوم مات سليمان التيمي جئنا من جنازته فقال من أين أنتم قلنا من جنازة سليمان التيمي فقال ومن سليمان التيمي وكانت وفاة سليمان سنة ثلاث وأربعين ويتأيد بما حكاه ابن عدي في الكامل عن ابن معين أنه قال من سمع منه سنة اثنتين وأربعين
فهو صحيح السماع أو بعدها فليس بشيء وقال ابن السكن كان يزيد بن زريع يقول إن اختلاطه كان في الطاعون يعني سنة اثنتين وثلاثين (3/370)
ومائة وكان القطان ينكره ويقول إنما اختلط قبل الهزيمة ويجمع بينهما بما قاله البزار إنه ابتدأ به الاختلاط سنة ثلاث وثلاثين ولم يستحكم ولم يطبق به واستمر على ذلك إلى أن استحكم به أخيرا وعامة الرواة عنه سمعوا منه قبل الاستحكام وإنما اعتبر الناس اختلاطه بما قاله القطان
وممن سمع منه في حال خالد بن الحارث وروح بن عبادة وسرار بن مجشر وشعيب بن إسحاق وعبد الأعلى السامي وعبد الله بن المبارك وعبد الوهاب الثقفي وعبد الوهاب بن عطاء الخفاف وعبدة بن سليمان ويحيى القطان ويزيد بن زريع ويزيد بن هارون كما قال به في الأول والعاشر والحادي عشر ابن عدي وأنهم أثبت الناس فيه وفي الثاني أبو داود فيما حكاه أبو عبيد الآجري عنه بقوه كان سماعه منه قبل الهزيمة وفي الثالث النسائي فيما أشار إليه في سننه الكبرى
وقال أبو عبيد عن أبي داود إن ابن مهدي كان يقدمه على يزيد بن زريع وهو من قدماء أصحاب سعيد وفي الرابع ابن حبان فقال إنه سمع منه سنة أربع وأربعين قبل اختلاطه بسنة وكذا قال ابن عدي إنه هو والسابع والتاسع أرواهم عنه بعد عبد الأعلى وفي الخامس ابن عدي وقال إنه أرواهم عنه وابن المواق ورد قول أبي الحسن بن القطان إنه مشتبه لا يدري قبل الاختلاط بعده فأجاد في الرد وفي السادس وكذا في الحادي عشر أيضا ابن حبان وفي الثامن ابن سعد فقال سمعته يقول جالست سعيدا سنة ست وثلاثين وفي التاسع ابن معين وقال إنه أثبت الناس فيه
ولذا قال في الأخير إنه صحيح السماع منه سمع منه بواسط وهو يريد الكوفة وقول التاسع عن نفسه إنه سمع منه في الاختلاط يحتمل أنه لا يريد بن بيان اختلاطه وإنه لم يحدث بما سمعه منه فيه
وعن سمع منه في الاختلاط روح بن عبادة فيما قاله شيخنا في المقدمة (3/371)
وقد قدمت خلافه وابن مهدي فإن أبا داود فيما نقله الآجري عنه قال إن سماعه منه بعد الهزيمة وأبو نعيم الفضل بن دكين فإنه قال كتبت عنه بعدما اختلط حديثين ومحمد بن جعفر ومحمد بن أبي عدي والمعافي بن عمران الموصلي ووكيع لقول ابن عمار الموصلي الحافظ ليست روايتها عنه بشيء إنما سماعهما بعدما اختلط
وقد قال ابن معين لثانيهما تحدث عن سعيد وإنما سمعت منه الاختلاط فقال هل رأيتني حدثت عنه إلا بحديث مستو حكى ذلك ابن الصلاح وعن وكيع أنه قال كنا ندخل عليه بعد الهزيمة فنسمع فما كان من صحيح حديثه أخذناه وما لا طرحناه وخرج له الشيخان من رواية خالد وروح وعبد الأعلى وابن زريع المذكورين وعبد الرحمن بن عثمان البكراوي ومحمد بن سراء الدوسي ومحمد بن أبي عدي ويحيى بن سعيد القطان عنه والبخاري فقط من حديث بشر بن المفضل وسهل بن يوسف وابن المبارك وعبد الوارث بن سعيد وكهمس ابن المنهال ومحمد بن عبد الله الأنصاري عنه ومسلم فقط من حديث ابن علية وأبي أسامة حماد بن أسامة وسالم بن نوح وسعيد بن عامر الضبعي وأبي سليمان بن حيان الأحمر وعبد الوهاب الخفاف وعبدة وعلي بن مسهر وعيسى ابن يونس ومحمد بن بشر العبدي ومحمد بن بكر البرساني وغندر
واختلف في موته فقيل سنة خمسين أو خمس أو ست أو سبع وخمسين ومائة
ثم بعده جماعة كـ الرقاشي بفتح الراء المهملة وتخفيف القاف المفتوحة ثم شين معجمة وتشديد ياء النسبة نسبة إلى امرأة اسمها رقاش ابنة قيس أبي قلابة بكسر القاف وتخفيف اللام ثم موحدة ثم هاء تأنيث ويكنى أيضا أبا محمد لكنها أغلب واسمه عبد الملك بن محمد بن عبد الله بن محمد (3/372)
بن عبد الملك ابن مسلم البصري الحافظ روى عنه من أصحاب الكتب الستة ابن ماجه ومن غيرهم خلق منهم ابن الجرير وابن خزيمة وهو الذي وصفه بالاختلاط فقال حدثنا أبو قلابة بالبصرة قبل أن يختلط ويخرج إلى بغداد انتهى
وممن سمع منه أخيرا ببغداد أبو عمرو عثمان بن أحمد السماك وأبو بكر محمد بن عبد الله الشافعي وغيرهما فعلى قول ابن خزيمة سماعهم منه بعد الاختلاط وكانت وفاته في شوال سنة ست وسبعين ومائتين
وكذا ممن كان قبل الإثنين المذكورين قبله من المختلطين حصين بمهملتين مصغرا بن عبد الرحمن أبو الهذيل السلمي بضم المهملة وتشديد آخره الكوفي ابن عم منصور بن المعتمر وبنسبته سليما يتميز عن جماعة اسم كل منهم حصين بن عبد الرحمن الكوفي مع أن ابن الصلاح لم يذكرها وهو أحد الثقات الأثبات المتفق على الاحتجاج بهم
فقد قال أبو حاتم إنه ساء حفظه في الآخر ونحوه قول النسائي إنه تغير
وقال الحسن الحلواني عن يزيد بن هارون إنه اختلط ولذا جزم ابن الصلاح بأنه اختلط وتغير وقال ذكره النسائي وغيره ولكن قد أنكر ابن المديني اختلاطه وكذا قال علي بن عاصم إنه لم يختلط وهو ممن خرج له الشيخان من رواية خالد بن عبد الله الواسطي والثوري وشعبة وأبي زبيد عبشر بن القاسم ومحمد بن فضيل وهشيم وأبي عوانة الوضاح عنه والبخاري فقط من رواية حصين بن نمير وزائدة بن قدامة وسليمان بن كثير العبدي وعبد العزيز بن عبد الصمد العمي وعبد العزيز بن مسلم وأبي كدينة يحيى بن المهلب وأبي بكر ابن عياش عنه ومسلم فقط من رواية جرير بن حازم وزياد بن عبد الله البكائي وأبي الأحوص سلام بن سليم وعباد بن العوام وعبد الله بن إدريس عنه وفي هؤلاء من سمع منه قبل الاختلاط كالواسطي وزائدة (3/373)
والثوري وشعبة ومن سمع منه بعده كحصين وكانت وفاته في سنة ستة وثلاثين ومائة عن ثلاث وتسعين سنة
وكذا من المختلطين عارم بمهملتين ثانيتهما مكسورة بينهما ألف وآخره ميم لقب لأحد الثقات الأثبات واسمه محمد هو ابن الفضل ويكنى أبا النعمان السدوسي البصري فقد قال البخاري إنه تغير في آخر عمره ونحوه قول ابن داود إنه قد زال علقه وقال النسائي كان أحد الثقات قبل أن يختلط وقال أبو حاتم في آخر عمره وزال عقله
فمن سمع منه قبل الاختلاط فسماعه صحيح وقد كتبت عنه قبله سنة أربع عشرة ولم أسمع منه بعده ومن سمع منه قبل سنة عشرين فسماعه جيد وأبو زرعة لقيه سنة اثنتين وعشرين وقال ابن حبان إنه اختلط في آخر عمره وتغير حتى كان لا يدري ما يحدث به فوقع في حديثه المناكير الكثيرة فيجب التنكب عن حديثه فيما رواه المتأخرين فإذا لم يعلم هذا من هذا ترك الكل
وأنكر الذهبي قوله ووصفه بالتخسيف والتهوير وقال إنه لم يقدر أن يسوق له حديثا منكرا والقول ما قال الدارقطني إنه تغير بآخره وما ظهر له بعد اختلاطه حديث منكر وهو ثقة
ثم أن قول أبي حاتم الماضي يخالفه قول الحسين بن عبد الله الذراع عن أبي داود بلغنا أنه أنكر سنة ثلاث عشرة ثم راجعه عقله واستحكم به الاختلاط سنة ست عشرة ونحوه قول العقيلي إن سماع علي البغوي منه سنة سبع عشرة يعني بعد اختلاطه
وممن سمع منه قبل الاختلاط أحمد بن حنبل وعبد الله بن محمد المسندي وأبو علي محمد بن أحمد خالد الزريقي فإنه قال حدثنا قبل أن يختلط وأبو حاتم محمد بن إدريس الرازي كما تقدم والبخاري فإنه إنما سمع منه في سنة ثلاث عشرة قبل اختلاطه بمدة ولذا اعتمده في عدة (3/374)
أحاديث بل روى له أيضا بواسطة المسندي فقط ومحمد بن يحيى الذهلي فإنه قال حدثنا عارم وكان بعيدا من العرامة صحيح الكتاب وكان ثقة ومحمد بن يونس الكديمي كما قاله الخطيب وقد قال ابن الصلاح ما رواه عنه البخاري والذهلي وغيرهما من الحفاظ ينبغي أن يكون مأخوذا عنه قبل اختلاطه
وممن سمع منه بعده أبو زرعة الرازي وعلي بن عبد العزيز البغوي كما تقدم عنهما وحديثه عنه مسلم أيضا بواسطة أحمد بن سعيد الدرامي وحجاج بن الشاعر وأبي داود سليمان بن معبد السنجي وعبد بن حميد وهارون بن عبد الله الحمال وكانت وفاته في سنة ثلاث أو في صفة سنة أربع وعشرين ومائتين والثاني أكثر
وكذا من المختلطين عبد الوهاب بن عبد المجيد أبو محمد الثقفي بفتح المثلثة والقاف ثم فاء نسبة إلى ثقيف البصري أحد الثقات لقول عباس الدوري عن ابن معين إنه اختلط بآخره وكذا وصفه بالاختلاط عقبة بن مكرم العمى وأنه كان قبل موته بثلاث سنين أو أربع لكن قال الذهبي في الميزان إنه ما ضر تغير حديثه فإنه ما حدث في زمنه بحديث واستدل لذلك بقول أبي داؤد تغير جرير بن حازم وعبد الوهاب الثقفي فحجب الناس عنهما وكذا قاله العقيلي ويخدش فيه قول الفلاس إنه اختلط حتى كان لا يعقل وسمعته وهو مختلط يقول حدثنا محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان باختلاط شديد ولعل هذا كان قبل حجه
وقد اتفق الشيخان عليه من جهة محمد بن بشار بندار ومحمد بن المثنى عنه والبخاري فقط من جهة أزهر بل جميل وعمرو بن علي الفلاس وقتيبة ومحمد بن عبد الله بن حوشب عنه ومسلم فقط من جهة إبراهيم بن محمد بن عرعرة وإسحاق بن راهويه وسويد بن سعيد وأبي بكر بن (3/375)
أبي شيبة وعبيد الله ابن عمر القواريري وأبي غسان مالك بن عبد الواحد السمعي ومحمد بن عبد الله الرازي ومحمد بن يحيى بن أبي عمر العدني ويحيى بن حبيب بن عربي عنه
وكذا من المختلطين ابن همام بفتح أوله ثم تشديد كحماد بن نافع هو عبد الرزاق أبو بكر الحميري أحد الحفاظ الأثبات بصنعا بفتح المهملة ثم نون ساكنة مقصورا للضرورة مدينة باليمن شهيرة إذ عمي لقول أحمد فيما رواه أبو زرعة الدمشقي عنه أتيناه قبل المائتين وهو صحيح البصر ومن سمع منه بعد ذهاب بصره فهو ضعيف السماع وقال الأثرم عن أحمد أيضا من سمع منه بعدما عمي فليس لشيء وما كان في كتبه فهو صحيح وما ليس في كتبه فإنه كان يلقن فيتلقن وحكى حنبل عن أحمد نحوه وكذا قال النسائي فيه نظر لمن كتب عنه بآخره كتبوا عنه أحاديث مناكير
وممن سمع منه قبل ذلك أحمد وإسحاق بن راهويه وعلي بن المديني ووكيع وابن معين والضابط لمن سمع منه قبل الاختلاط أن يكون سماعه قبل المائتين كما تقدم
وممن سمع منه بعد ذلك إبراهيم بن منصور الرمادي وأحمد بن محمد بن شبويه وإسحاق بن إبراهيم الدبري ومحمد بن حماد الظهراني قال إبراهيم الحربي مات عبد الرزاق وللدبري ست أو سبع سنين وكذا قال الذهبي اعتنى به أبوه فأسمعه من عبد الرزاق تصانيفه وله سبع سنين ونحوه قول ابن عدي إنه استصغر فيه وقال ابن الصلاح وقد وجدت فيما روى عن الدبري عن عبد الرزاق أحاديث استنكرتها جدا فأحلت أمرها على الدبري لأن سماعه منه متأخر جدا ومع ذلك فقد احتج به أبو عوانة في صحيحه (3/376)
وكذا كان العقيلي يصحح روايته وأدخله في الصحيح الذي ألفه وأكثر عنه الطبراني
وقال الحاكم قلت للدارقطني أيدخل في الصحيح قال أي والله وكأنهم لم يبالوا بتغير عبد الرزاق لكونه إنما حدثه من كتبه لا من حفظه قاله المصنف ونحوه قول ابن كثير كما قدمته في أدب المحدث من يكون اعتماده في حديثه على حفظه وضبطه ينبغي الاحتراز من اختلاطه إذا طعن في السن أولا بل الاعتماد على كتابه أو الضابط له فلا
وقال شيخنا المناكير الواقعة في حديث الدبري إنما سببها أنه سمع من عبد الرزاق بعد اختلاطه فما يوجد من حديث الدبري عن عبد الرزاق في مصنفات عبد الرزاق فلا يلحق الدبري منه تبعة إلا إن صحف وحرف
وقد جمع القاضي محمد بن أحمد بن مفرج القرطبي الحروف التي أخطأ فيها الدبري وصحفها في مصنف عبد الرزاق وإنما الكلام في الأحاديث التي عند الدبري في غير التصانيف فهي التي فيها المناكير وذلك لأجل سماعه منه في حال اختلاطه ثم إن حديث عبد الرزاق عند الشيخين من جهة إسحاق ابن راهويه وإسحاق بن منصور الكوسج ومحمود بن غيلان عنه وعند البخاري فقط من جهة إسحاق بن إبراهيم بن نصر السعدي وعبد الله بن محمد المسندي والذهلي ويحيى بن جعفر البيكندي ويحيى بن موسى البلخي حدث عنه
وعند مسلم فقط من جهة أحمد بن حنبل وأحمد بن يوسف السلمي وحجاج بن يوسف الشاعر والحسن بن علي الخلال وسلمة بن شبيب وعبد بن حميد وعمرو الناقد ومحمد بن رافع ومحمد بن مهران ومحمد بن يحيى بن أبي عمر العدني وكانت وفاته في شوال سنة إحدى عشرة ومائتين (3/377)
وكذا عد فيهم شيخ مالك وأحد الأئمة الأثبات ربيعة بن أبي عبيد الرحمن فروخ المدني الرأي بتشديد الراء ثم همزة لأنه كان مع معرفته بالنسبة قائلا به فيما زعموا حسبما حكاه ابن الصلاح فقال قيل إنه تغير في آخر عمره وترك الاعتماد عليه لذلك ولم أقف عليه لغيره وقال الناظم لا أعلم أحدا لتكلم فيه باختلاط انتهى
وإنما قال الواقدي كانوا يتقونه لموضع الرأي على أن عبد العزيز بن أبي سلمة قال قلت لربيعة في مرضه الذي مات فيه إنا قد تعلمنا منك وربما جاءنا من يستفتينا في الشيء لم نسمع فيه شيئا فنرى أن رأينا خيرا له من رأيه لنفسه فنقيته قال فقال أقعدوني ثم قال ويحك يا عبد العزيز لأن تموت جاهلا خير من أن تقول في شيء بغير علم لا لا ثلاث مرات وكانت وفاته في سنة اثنتين أو ست وثلاثين أو اثنتين وأربعين ومائة بالمدينة
وكذا التوأمي بفتح المثناة الفوقانية ثم واو ساكنة وهمزة يليها ميم وهو صالح بن أبي صالح نبهان المدني مولى أم سلمة تابعي ثقة ونسب كذلك لأنه يعرف بمولى التوأمة وهي ابنة أمية بن خلف الجمحي صحابية سميت بذلك لأنها كانت هي وأخت لها في بطن واحد فسميت تلك باسم وهذه بالتوأمة فإنه اختلط فيما قاله أحمد ونحوه قول ابن معين خرف قبل أن يموت وكذا قال ابن المديني خرف وكبر وقال ابن حبان تغير في سنة خمس وعشرين ومائة وجعل يأتي لما يشبه والموضوعات عن الثقات فاختلط حديثه الأخير بحديثه القديم ولم يتميز فاستحق الترك واقتصر ابن الصلاح على حكاية كلامه مع أنه ليس الأمر كذلك فقد ميز الأئمة بعض من سمع منه قديما ممن سمع منه بعد التغير فممن سمع منه قديما زياد بن سعد وابن جريج ومحمد ابن عبد الرحمن بن أبي ذئب حسبما قاله ابن عدي فيهم وابن معين وابن المدين والجوزجاني في الأخير فقط (3/378)
ولكن قال الترمذي فيما حكاه ابن القطان عنه عن البخاري عن أحمد بن حنبل إن ابن أبي ذئب سمع منه أخيرا وروى عنه منكرا فالله أعلم
وممن سمع منه بعد الاختلاط السفيانان ومالك فقال ابن عيينة سمعت منه ولعابه يسيل يعني من الكبر وما علمت أحدا من أصحابنا يحدث عنه لا مالك ولا غيره وقال الحميدي عن ابن عيينة أيضا لقيته سنة خمس أو ست وعشرين ومائة أو نحوها وقد تغير ولقيه الثوري بعدي وقال أحمد كان مالك أدركه وقد اختلط فمن سمع منه فذاك
وممن نص على أن مالكا الثوري إنما سمعا منه بعد أن كبر وخرف ابن معين وكذا في الثوري خاصة الجوزجاني
وكذا ابن عيينة بتحتانيتين مع التصغير وبالصرف للضرورة هو سفيان أبو محمد الهلالي الكوفي نزيل مكة وأحد الأئمة الأثبات فقد قال يحيى بن سعيد القطان فيما حكاه محمد بن عبد الله بن عمار الموصلي عنه اشهدوا أنه اختلط سنة سبع وتسعين فمن سمع منه فيها وبعدها فسماعه لا شيء
قال الذهبي وأنا استبعده وأعده غلطا من ابن عمار فالقطان مات في الكوفة أول سنة ثمان وتسعين عند رجوع الحاج وتحدثهم بأخيار الحجاز فمتى تمكن من سماعه باختلاط سفيان حتى تهيأ له أن يشهد عليه بذلك والموت قد نزل به ثم قال فلعله بلغه في ذلك أثناء سنة سبع
قال شيخنا وهذا الذي لا يتجه غيره لأن ابن عمار من الأثبات المتقنين ثم ما المانع أن يكون القطان سمعه من جماعة ممن حج في تلك السنة فاعتمد قولهم وكانوا كثيرا فشهد على استفاضتهم وأخبر به قبل موته ولو بيوم فضلا عن أكثر منه وقد وجدت عن القطان ما يصلح أن يكون سببا لما (3/379)
نقله عنه ابن عمار وهو ما أورده أبو سعد بن السمعاني في ترجمته إسماعيل بن أبي صالح المؤذن من ذيل تاريخ بغداد له بسنده إلى عبد الرحمن بن بشر بن الحكم قال سمعت يحيى ابن سعيد يقول قلت لابن عيينة كنت تكتب الحديث وتحدث القوم وتزيد في إسناده أو تنقص منه فقال عليك بالسماع الأول فإني سئمت بل قال ذلك غير القطان فذكر أبو معين الرازي في زيادة كتاب الإيمان لأحمد بن هارون ابن معروف قال له إن ابن عيينة تغير أمره بآخره وإن سليمان بن حرب قال له إن ابن عيينة أخطأ في عامة حديثه عن أيوب
وقد اتفق الشيخان على التخريج له من جهة إسحاق بن راهويه وبشر بن الحكم النيسابوري وولده عبد الرحمن بن بشر وقتيبة ومحمد بن عباد المكي وأبي موسى محمد بن المثنى عنه البخاري فقط من جهة حجاج بن منهال وصدقة ابن الفضل المروزي والحميدي وعبد الله بن محمد المسندي وعبد الله بن محمد النفيلي وعبيد الله بن موسى وعلي بن المديني وأبي نعيم الفضل بن دكين ومالك بن إسماعيل النهدي ومحمد بن سلام ومحمد بن يوسف ويحيى بن جعفر البيكنديين وأبي الوليد الطيالسي عنه ومسلم فقط من جهة إبراهيم بن دينار التمار وأحمد بن حنبل وأبي معمر إسماعيل بن إبراهيم الهذلي وأبي خيثمة زهير بن حرب وسعيد بن عمرو الأشعثي وسعيد بن منصور وسويد بن سعيد وعبد الله بن محمد الزهري وعبد الأعلى بن حماد الندسي وعبد الجبار بن العلاء وأبي قدامة عبيد الله ابن سعيد السرخسي وعبيد الله بن عمر القواريري وعلي بن حجر وعلي بن خشرم وعمرو بن محمد الناقد ومحمد بن حاتم بن ميمون ومحمد بن عبد الله بن نمير وأبي كريب محمد بن العلاء ومحمد بن يحيى بن أبي عمر العدني ومخلد بن خالد الشعيري ونصر بن علي الجهضمي وهارون بن معروف ويحيى بن يحيى النيسابوري عنه (3/380)
قال الذهبي ويغلب على ظني أن سائر شيوخ الأئمة الستة سمعوا منه قبل سنة سبع فأما سنة ثمان ففيها مات ولم يلق أحدا فيها فإنه توفي قبل قدوم الحاج بأربعة أشهر بل هو في الحقيقة نحو خمسة أشهر لأنه مات بمكة في يوم السبت أول شهر رجب كما قاله ابن سعد وابن زبر وقال ابن حبان في آخر يوم من جمادى الآخرة منها وجزم ابن الصلاح بأن وفاته في سنة تسع والمعروف ثمان وكان انتقاله من الكوفة إلى مكة سنة ثلاث وستين فاستمر بها حتى مات
قال الذهبي ومحمد بن عاصم صاحب ذاك الجزء العالي سمع منه في سنة سبع وقال ابن الصلاح إنه يحصل نظر في كثير من العوالي الواقعة عمن تأخر سماعه من ابن عيينة وأشباهه يعني ممن تغير
وكذا ممن اختلط عبد الله بن لهيعة لقول أبي جعفر الطبري في تهذيب الآثار إنه اختلط عقله في آخر عمره
مع عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة بن عبد الله بن مسعود الهذلي المسعودي نسبة لجده أحد الثقات المشهورين والكبار من المحدثين فقد صرح باختلاطه غير واحد كمحمد بن عبد الله بن نمير وأبي بكر بن أبي شيبة والعجلي وابن سعدو وأنها في آخر عمره وأبي حاتم وقال قبل موته بسنة أو سنتين وأحمد وقال إنما اختلط ببغداد فمن سمع منه بالكوفة والبصرة فسماعه جيد وكذا قال ابن معين كان نزل بغداد وتغير فمن سمع منه زمان أبي جعفر المنصور فهو صحيح السماع أو زمن المهدي فلا وهو قريب من قول أبي حاتم إذا مشينا على أن وفاة المسعودي سنة ستين ومائة لأن وفاة المنصور كانت بمكة في ذي الحجة سنة ثمان وخمسين أما على القول بأن وفاة المسعودي سنة خمسة وستين فلا
وقال ابن حبان اختلط حديثه فلم يتميز فاستحق الترك وكذا قال أبو (3/381)
الحسن بن القطان إنه لا يتميز في الأغلب ما رواه قبل اختلاطه مما رواه بعده وهو منتقض لتميز جماعة من الفريقين
فممن سمع منه قديما أبو نعيم الفضيل بن دكين ووكيع فيما قاله أحمد وحديثا أبو داؤد الطيالسي وعاصم بن علي وابن مهدي وأبو النضر هاشم بن القاسم ويزيد بن هارون كما صرح به في الأول سلم بن قتيبة وفي الثاني والرابع أحمد وفي الآخر من ابن نمير وقال أبو النضر أحدهم إني لأعرف اليوم الذي اختلط فيه كنا عنده وهو يعزى في ابن له فجاءه إنسان فقال له إن غلامك أخذ من ملكك عشرة آلاف وهرب ففزع وقام ودخل إلى منزله ثم خرج إلينا وقد اختلط وقد وقع حديثه في البخاري لا بقصد التخريج له فيما ظهر لشيخنا كما قرره في مختصر التهذيب والمقدمة وإنما وقع اتفاقا ولم يرو له مسلم شيئا
وآخرا حكوه أي وفي المتأخرين حكى أهل الحديث كأبي علي البرذعي ثم السمرقندي في معجمه بلاغا ومن تبعهما الاختلاط آخر العمر في الحفيد ابن خزيمة بمعجمين مصغر نسبة لجده الأعلى فهو أبو الطاهر محمد بن الفضل بن الحافظ الشهير إمام الأئمة أبي بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة ابن المغيرة السلمي
مع الغطريف بكسر المعجمة وإسكان المهملة ثم راء مكسورة بعدها مثناة تحتانية ثم فاء نسبة لجد جده وهو الثقة الثبت أحد أكابر الحفاظ في وقته أبو أحمد محمد بن أحمد بن الحسين بن القاسم بن الغطريف بن الحكم الرباطي الغطريفي الجرجاني العبدي مصنف المستخرج على البخاري والأبواب وصاحب الخراج وشيخ القاضي أبي الطيب الطبري
وكذا صرح به في أولهما الحاكم فقال إنه مرض في الآخر وتغير (3/382)
بزوال عقله في ذي الحجة سنة أربع وثمانين وثلاثمائة وعاش بعد ثلاث سنين وقصدته فيها فوجدته لا يعقل وكل من أخذ عنه بعد ذلك فلقلة مبالاته بالدين ومات في جمادى الأولى سنة سبع وثمانين انتهى
وعلى هذا فمدة اختلاطه كما قال المصنف في التقييد سنتان ونصف سنة تنقص أياما وتجوز الذهبي فقال في العبر وتبعه المصنف في الشرح اختلط قبل موته بثلاثة أعوام فتجنبوه بل صرح في الميزان بقوله ما عرفت أحدا سمع منه في أيام عدم عقله وكذا قال في تاريخ الإسلام وما أعتقه أنهم سمعوا منه إلا في صحة عقله فإن من لا يعقل كيف سمع عليه وهو متعقب بكلام الحاكم على أن الحاكم لينه بخلاف هذا فإنه قال عقدت له مجلس التحديث سنة ثمان وستين ودخلت بيت كتب جده وأخرجت له مائتين وخمسين جزءا من سماعاته الصحيحة وانتقيت له عشرة أجزاء وقلت دع الأصول عندي صيانة لها فأخذها وفرقها على الناس وذهبت ومد يده إلي كتب غيره فقرأ منها ثم إنه مرض إلى آخر كلامه
وأما ثانيهما فقال المصنف في التقييد لم أر من ذكره فيمن اختلط إلا أبا علي المذكور وقد ترجمه حمزة السهمي في تاريخ جرجان فلم يذكر شيئا من ذلك وهو أعرف به من شيوخه ويشهد له رواية رفيقه الحافظ أبي بكر الإسماعيلي عنه في صحيحه لأكثر من مائة حديث لكنه يدلسه فمرة يقول حدثنا محمد بن أحمد العبدي ومرة محمد بن أبي حامد النيسابوري والعبقسي والثغري لكن لا مانع أن يكون تغيره إن صح بعد أخذ الإسماعيلي عنه وكانت وفاته في رجب سنة سبع وسبعين وثلاثمائة قال المصنف وثم آخر يوافق الغطريفي في اسمه واسم أبيه وبلده ويقاربه في اسم الجد وهما متعاصران وهو محمد بن أحمد ابن الحسن بالتكبير الجرجاني وهو ممن ذكر الحاكم أنه تغير واختلط فيحتمل أن يكون اشتبه بالغطريفي (3/383)
وكذا ممن اختلط من المتأخرين أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم صاحب الربيع فقال القراب إنه حجب عن الناس في سنة أربع وأربعين وثلاثمائة فلم يؤذن لأحد عليه حتى مات لأنه ذهبت عيناه واختلط عقله
وأبو الحسين زيد بن محمد بن جعفر بن المبارك العامري الكوفي المعروف بابن أبي اليابس أحد شيوخ ابن شاهين وغيره كابن السمعاني فإنه ترجمه في الياء التحتانية من الأنساب وقال إنه كان قد اختلط عقله في آخر عمره وسوس كتبت عنه يسيرا
مع القطيعي بفتح القاف وكسر المهملة ثم مثناة تحتانية بعدها عين مهملة نسبة لقطيعة الدقيق ببغداد أبي بكر أحمد بن جعفر بن حمدان بن مالك المعروف بالثقة بحيث قال الحاكم إنه ثقة مأمون
وقال الخطيب لا أعلم أحدا ترك الاحتجاج به
وقال الذهبي إنه صدوق في نفسه مقبول وهو صاحب الأجزاء القطيعيات الخمسة النهاية في العلو لأصحاب الفخر بينهم وبينه في مدة أربعمائة سنة ونيف أربعة أنفس لا غير والراوي لسند أحمد والزهد الكبير له المتفرد بهما فقد قال ابن الصلاح إنه اختل في آخر عمره وخرف حتى كان لا يعرف شيئا مما يقرأ عليه وحكاه الذهبي في الميزان وقال ذكر هذا أبو الحسن بن الفرات يعني كما نقله الخطيب عنه ثم قال الذهبي وهذا القول غلو وإسراف وقد كان أبو بكر أسند أهل زمانه انتهى
وإنكاره علي ابن الفرات كما قال شيخنا عجيب فإنه لم ينفرد بذلك فقد حكى الخطيب في ترجمة يحيى بن أحمد البشي أنه قال قدمت بغداد وأبو بكر بن مالك حي وكان مقصودا در الفقه والفرائض فقال لنا ابن اللبان الفرضي لا تذهبوا إلى ابن مالك فإنه قد ضعف واختل ومنعت ابني (3/384)
السماع منه قال فلم نذهب إليه انتهى
ويجوز أن يكون الذي أنكره الذهبي من كلام ابن الفرات قوله كان لا يعرف شيئا مما يقرأ للاختلاط ولكن قد قال الذهبي في ترجمة أبي علي بن المذهب الراوي عن القطيعي هذا من الميزان أيضا ملا نصه الظاهر من ابن المذهب أنه شيخ ليس بمتقن وكذلك شيخه ابن مالك ومن ثم وقع في المسند أشياء غير محكمة المتن والإسناد انتهى وبالجملة فسماع أبي علي للمسند منه قبل اختلاطه كما نقله شيخنا عن شيخه المصنف
وممن اختلط من المتأخرين الصدر سليمان الأبشيطي قال شيخنا وهو أحد من أخذ عنه إنه حصلت له غفلة استحكمت في آخر عمره وتغير قبل موته قليلا
وعبد الرحمن بن أحمد بن المبارك الغزي ابن الشيخة شيخ شيوخنا قبل موته بنحو أربعة أشهر وغيرهما من قبلهما كسليمان بن حسن بن أحمد بن عمرو بن أحمد البعلي قال المصنف يقال إنه اختلط وعبد الحق بن محمد بن محمود المنبنجي وعبد الرحيم بن عبد المحسن الكمال للمنشاوي وعبد الله بن محمد بن هارون الطائي الأندلسي والموفق عبد العزيز بن علي بن محمد ابن عبد الله اللخمي بن سميط القاضي بباب زويلة ممن أخذ عنه أبو حيان نسأل الله العفو والعافية
تتمة ربما يتفق عروض ما يشبه الاختلاط ثم يحصل الشفاء كما حكاه أبو داود في سننه عن معمر أنه قال احتجمت فذهب عقلي حتى كنت ألقن فتحة الكتاب في صلاتي قال وكان احتجم على هامته وبلغني أن البرهان الحلبي عرض له الفالج فأنسى كل شيء حتى الفاتحة ثم عوفى وكان يحكى عن نفسه أنه صار يتراجع إليه محفوظ الأول كالطفل شيئا فشيئا (3/385)
وأعجب من هذا ما ذكره القاضي عياض أن إبراهيم بن محمد الخضرمي المعروف بابن الشرقي المتوفى في سنة ست وتسعين وثلاثمائة كان قد حصل له قبل موته بثلاثين شهر فالج فلم يكن ينطق بغير لا إله إلا الله ولا يكتب غير بسم الله الرحمن الرحيم فكان ذلك من آيات الله ونحوه ما قاله محمد بن إسماعيل الصائغ كان أحمد بن عمير الوادي يعني شيخه يحدث عن عمرو بن حكام والنضر بن محمد فانهدمت داره وتقطعت الكتب فاختلط عليه حديث عمرو في حديث النضر لأنهما جميعا يحدثان عن شعبة وليس مراده الاختلاط المذكور وإنقال شيخنا إنه يلحق في المختطلين
وقد يتغير الحافظ لكبره ويكون مقبولا فيبعض شيوخه لكثرة ملازمته له وطول صحبته إياه بحيث حديثه على ذكره وحفظه بعد الاختلاط والتغير كما كان قبله كحماد بن سلمة أحد ائمة المسلمين في ثابت البناني ولذا أخرج له مسلم كما قدمته في مراتب الصحيح على أن البيهقي قال إن مسلما اجتهد وأخرج من حديثه عن ثابت بخصوصه ما سمع منه قبل تغيره فالله أعلم (3/386)
المتعاصرين في السن ولو تقريبا و بـ الأخذ عن المشايخ وربما اكتفوا بالاشتراك في التلاقي وهو غالبا ملازم للاشتراك في السن قال ابن الصلاح والباحث الناظر في هذا الفن يحتاج إلى معرفة المواليد والوفيات ومن أخذوا عنه ومن أخذ عنهم ونحو ذلك ورب شخصين يكونان من طبقة واحدة لتشابههما بالنسبة إلى جهة ومن طبقتين بالنسبة إلى جهة أخرى لا يتشابهان فيها فأنس ابن مالك الأنصاري وغيره من أصاغر الصحابة مع العشرة وغيرهم من أكابر الصحابة من طبقة واحدة إذا نظرنا إلى تشابههم في أصل صفة الصحبة فعلى هذا فالصحابة بأسرهم طبقة أولى والتابعون طبقة ثانية وأتباع التابعين طبقة ثالثة وهلم جرا يعني كما صنع ابن حبان وغيره
وإذا نظرنا إلى تفاوت الصحابة في سوابقهم ومراتبهم كانوا على ما سبق ذكره يعني في الصحابة بضع عشرة طبقة ولا يكون عند هذا أنس وغيره من أصاغر الصحابة من طبقة العشرة من الصحابة بل دونهم بطبقات يعني كما فعل ابن سعد في الصحابة ومن بعدهم حيث عدد في كل الطباق منهم قال شيخنا ولكل منهما وجه ومنهم من يجعل كما قال ابن كثير كل طبقة أربعين سنة
وقد يستشهد له بما يروي أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال طبقات أمتي خمس طبقات كل طبقة منهما أربعون سنة فطبقتي وطبقة أصحاب أهل العلم والإيمان والذين يلونهم إلى الثمانين أهل البر والتقوى والذين يلونهم إلى العشرين ومائة أهل التراحم والتواصل والذين يلونهم إلى الستين يعني ومائة أهل التقاطع والتدابر والذين يلونهم إلى المائتين أهل الهرج والحروب رواه يزيد الرقاشي وأبو معن وكلاهما في ابن ماجه وعباد بن عبد الصمد أبو معمر كما في نسخة كامل بن طلحة ومن طريقه الديلمي في مسنده ثلاثتهم وهم ضعفاء عن أنس وكذا له شواهد كلها ضعاف منها أن علي بن حجر رواه (3/388)
عن إبراهيم بن مطهر الفهري وليس بعمدة عن أبي المليح ابن أسامة الهذلي عن أبيه ومنها ما رواه يحيى بن عنبسة القرشي وهو تآلف عن الثوري عن محمد بن المنكدر عن ابن عباس نحوه وإنما أوردته لكونه في إحدى السنن وكذا يستشهد لهذا النوع في الجملة بقوله صلى الله عليه و سلم خبر الناس قرني ثم الذين يلونهم لم الذين يلونهم فذكر بعد قرنة قرنين أو ثلاثة
وكم مرة أو وقتا مصنف من حفاظ الأئمة يغلط أو كم يلغط مصنف فيها لسبب الاشتباه في المتفقين حيث يظن أحدهما الآخر أو بسبب أن الشياع روايته عن أهل طبقة ربما يروي عن أقدم منها كما تقدم في آخر التابعين أو لعدم تحقق طبقته فيذكره تخمينا على وجهه التقريب كما اتفق للمتقيدين في إدخال من ليس من الشافعية مثلا كابن هبيرة الحنبلي وأبي بكر الطرسوسي المالكي وكذا من الظن الغالب كونه مجتهدا كالبخاري فيهم وفي إدخال مصنف طبقات الحنفية الفخر الرازي الشافعي فيهم ولذا قال ابن الصلاح إنه افتضح بسبب الجهل بها غير واحد من المصنفين وفيها تصانيف كثيرة لأبي عبيد القاسم بن سلام وعلي بن المديني وإبراهيم بن المنذر الحزامي وخليفة ابن خياط ومسلم وأبي الحسن محمود بن إبراهيم بن سميع الدمشقي وأبي بكر أحمد بن عبد الله بن عبد الرحيم بن البرقي وأبي عروبة الحراني وأبي الشيخ بن حيان وأبي عبد الله بن مندة وأبي بكر بن مردويه وأبي مسعود أحمد بن الفرات الرازي وأبي الفضل الفلكي وأبي بكر عبدالله بن أحمد بن اشكاب وأبي عبد الله محمد بن جعفر بن محمد بن غالب الوراق وأبي إسحاق بن أحمد بن إبراهيم المستملي البلخي في آخرين منهم من طول ومنهم من اختصر غير متقيدين أو متقيدين بالفقهاء إما مطلقا كالشيخ أبي إسحاق الشيرازي أو مقيدا بمذهب كالمدارك للقاضي عياض والحنابلة للقاضي أبي يعلي ثم ابن رجب والشافعية لخلق أو بالحفاظ أو بالقراء كالذهبي في (3/389)
كل منهما
ولداني ثم ابن الجزريفي القراء أيضا أو بالنحاة كالقفطي وابن مكتوم أو بالبلاد كطبقات المكيين المتأخرين للقاضي بن مفرج أو النيسابوريين للحاكم أو بغير ذلك كله مما بسطته في غير هذا المحل
وابن سعد بن منيع هو أبو عبد الله محمد الهاشمي مولاهم البصري الحافظ نزيل بغداد وكاتب محمد بن عمر بن واقد الأسلمي الواقدي أيضا صنفا فيها أي في الطبقات ثلاثة تصانيف والكبير منها كتاب حفيل جليل كثير الفائدة أثنى عليه وعلى مصنفه الخطيب فقال كان من أهل العلم والفضل صنف كتابا كبيرا في طبقات الصحابة والتابعين إلى وقته فأجاد فيه وأحسن انتهى وهو في نفسه ثقة ولكن كم روى في كتابه المذكور عن أناس ضعفا منهم شيخه الواقدي مقتصرا كثيرا على اسمه واسم أبيه من غير تميز بنسبته ولا غيرها
ومنهم هشام بن محمد بن السايب فأكثر عنهما ومنهم نصر بن باب أبو سهل الخرساني مع قوله فيه إنه نزل بغداد فسمعوا منه ورووا عنه ثم حدث عن إبراهيم الصايغ فاتهموه فتركوا حديثه والمرء قد يضعف بالرواية عن الضعفاء مثل هؤلاء لاسيما مع عدم تميزهم ومع الاستغناء عنهم بمن عنده من الثقات الأئمة
ولا شك أن من شيوخ ابن سعد هشيم والوليد بن مسلم وابن عيينة وابن علية وابن أبي فديك وأبو ضمرة أنس بن عياض ويزيد بن هارون ومعن بن عيسى وأبو الوليد الطيالسي ووكيع وأبو أحمد الزبيري وغيرهم وكتب عن أقرانه ومن هو أصغر منه على أن أحمد بن كامل قال سمعت الحسين بن فهم يقول كنت عند مصعب الزبيري فمر بنا ابن معين فقال له مصعب يا أبا زكريا حدثنا محمد بن سعد الكاتب بكذا وكذا فقال (3/390)
يحيى كذب
ولكن قد قال الخطيب أظن الحديث الذي ذكره مصعب عنه لابن معين من المناكير التي يرويها الواقدي وإلا فقد قال بان أبي حاتم سألت أبي عنه فقال يصدق رأيته جاء إلى القواريري وسأله عن أحاديث فحدثه
قال الخطيب وهو عندنا من أهل العدالة وحديثه يدل على صدقه فإنه يتحرى في كثير من رواياته وقال ابن فهم كان كثير العلم والكتب والحديث والغريب والفقه وقال الذهبي ظهرت فضائله ومعرفته الواسعة وقد أخرج له أبو داود في سننه عن واحد عنه حكاية مات ببغداد في جمادى الآخرة سنة ثلاثين ومائتين وهو ابن اثنتين وستين سنة
تنبيه كذا وقع في النسخ المتداولة من النظم وكم مصنف بالرفع فخرجناه على إحدى الروايات في
( كم عمه لك يا جرير وخاله ... وقد عاقدت حلبت على عشاري )
وعلى أنه فاعل لغلط قدم ولضيق النظم والجملة خبرية ولكن قد عزى البرهان الحلبي لحظ الناظم ما لا يحتاج معه إلى مزيد تكلف فقال
( وللرواة طبقات فاعرف ... بالسن والأخذ وكم مصنف ) (3/391)
الموالى من العلماء والرواة
( وربما إلى القبيل ينسب ... مولى عتاقة وهذا الأغلب )
( أو لولاء الحلف كالتيمي ... مالك أو للدين كالجعفي )
( وربما ينسب مولى الموالى ... نحو سعيد بن يسار أصلا )
الموالي من العلماء والرواة
وهو من المهمات لا سيما وربما إلى القبيل إي القبيلة إحدى القبائل وهي البطون التي هي الأصل في النسبة ينسب مولى عتاقة كأبي العالية رفيع الرياحي التميمي التابعي كان مولى امرأة من بني رياح ومكحول الشامي كان كما قال الزهري عبدا نوبيا أعتقته امرأة من هذيل وأبي البحتري سعيد بن فيروز الطائي وعبد الله بن المبارك الحنظلي وعبد الله بن صالح الجهني كاتب الليث وغيرهم مع إطلاق النسبة في كل منهم بحيث يظن أنه ممن نسب كذلك صليبة أي من ولد الصلب
وهذا وإن كان قليلا بالنسبة لما بعده فإن النسبة إذا مزجت عن الأصل إما أن تكون للعتاقة كما قدمنا وهو الأغلب أو لولا الحلف الذي أصله المعاقدة والمعاهدة على التعاضد والتساعد والاتفاق وأبطل الإسلام منه (3/392)
ما كان في الجاهلية على الفتن والقتال بين القبائل أو الغارات دون نصر المظلوم وصلة الأرحام وهم جماعة كالتيمي بالتشديد هو وما بعده مالك هو ابن أنس إمام دار الهجرة فهو حميدي أصبحي صليبة ولكن لكون نفره أصبح حلفاء عثمان بن عبيد الله بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة القرشي اليتمي أخي طلحة نسيب تيميا أو لولاء المصاحبة بإجارة أو تعلم أو نحو ذلك كمالك أيضا فإن قيل إنما انتسب تيميا لكون جده مالك بن أبي عامر كان عسيفا أي أجيرا لطلحة بن عبيد الله المذكور حين كان طلحة يختلف في التجارة وكمقسم قيل له مولى ابن عباس لملازمته له كما سلف في المنسوبين إلى خلاف الظاهر
وعند الطبراني مرفوعا من علم عبدا آية من كتاب الله فهو مولاه الحديث ونحوه قول شعبة من كتبت عنه حديثا فأنا له عبدا وللديوان كالليث بن سعد الفهمي فإنه مولى قريش ولكن لكونهم افترضوا في فهم نسب إليهم أو للاسترضاع كعبد الله بن السعدي الصحابي فقد قال ابن عبد البرفي الاستيعاب إنه إنما قيل لأبيه السعدي لكونه استرضع له في بني سعد بن بكر أو المجاورة
أولـ ـولاء الدين والإسلام كالجعفي بضم الجيم ثم مهملة ساكنة وفاء إمام الصنعة أبي عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة البخاري فإنه انتسب كذلك لأن جد أبيه المغيرة كان مجوسيا فأسلم على يد اليمان بن أخنس الجعفي والد جد عبد الله بن محمد بن جعفر بن يمان المسندي الجعفي شيخ البخاري وكأبي علي الحسن بن عيسى بن ماسرجس الماسرجسي بفتح السين المهملة وكسر الجيم فإنه كان نصرانيا وأسلم على يد ابن المبارك فقيل له مولى ابن المبارك وكإبراهيم بن داود الآمدي أحد شيوخ شيخنا فإنه أسلم على يد التقي ابن تيمة فعرف به أو لغير ذلك مما لا نطيل به مما أشر البخاري في تفسير النساء في صحيحه لبعضه وقال أبو إسحاق (3/393)
الزجاج كل من يليك أولاك فهو مولى
وربما توسع حيث ينس للقبيلة من يكون مولى المولى لها نحو سعيد بن يسار بتحتانية مثناة ثم مهملة خفيفة أبي الحباب الهاشمي فإنه لكونه مولى شقران مولى رسول الله صلى الله عليه و سلم نسب أصلا أي للأصل بني هاشم وعلى هذا اقتصر ابن الصلاح وقيل إنه مولى الحسن بن علي وقيل مولى أم المؤمنين ميمونة وقيل مولى بني النجار وعليهما فليس بمولى لبني هاشم وكعبد الله بن وهب القرشي الفهري المصري فإنه مولى يزيد ابن رمانة ويزيد بن أنيس الفهري وفي وقتنا أحمد بن محمد بن بركوت المكيني نسب لمكين الدين اليمني لكونه معتق سعيد معتق بركوت
وقد أفرد الموالي لكن من المصريين خاصة أبو عمر محمد بن يوسف بن يعقوب الكندي
وأفردت موالي النبي صلى الله عليه و سلم خاصة في كراسة ولا يعرف تميز كل هذا إلا بالتنصيص عليه وهو من الضروريات لاشتراطه حقيقة النسب في الإمامة العظمى والكفاءة في النكاح والتوارث وغيرها من الأحكام الشرعية ولاستحباب التقديم به في الصلاة وغيرها وإن كان قد ورد في الحديث الصحيح مولى القوم من أنفسهم
وقال أبو داود في سننه عن أبي جعفر محمد بن عيسى بن الطباع كنا نقول إنه يعني عنبسة بن عبد الواحد القرشي من الأبدال قبل أن نسمع أن الأبزال من الموالى وكان جماعة من سادات العلماء فيزمن السلف من الموالي فروى مسلم في صحيحه أن عمر بن الخطاب لما تلقاه نائب مكة إلى أثناء الطريق فيحج أو عمرة قال له من استخلفت على أهل الوادي قال ابن أبزي قال ومن أبزي قال رجل من الموالي فقال أما إني (3/394)
سمعت نبيكم صلى الله عليه و سلم يقول إن الله يرفع بهذا العلم أقواما ويضع به آخرين وذكر الزهري أن هشام بن عبد الملك قال له من يسود أهل مكة فقتل عطاء قال فأهل اليمن قلت طاوس قال فأهل الشام قلت مكحول قال فأهل مصر فقلت يزيد بن أبي حبيب قال فأهل الجزيرة فقلت ميمون بن مهران قال فأهل خراسان قلت الضحاك بن مزاحم قال فأهل البصرة فقلت الحسن بن أبي الحسن قال فأهل الكوفة فقلت إبراهيم النخعي وذكر أنه يقول له عند كل واحد أمن العرب أم من الموالي فبقول من الموالي إلا النخعي فإنه من العرب فقال له ويلك يا زهري فرجت عني يعني لذكره عربيا
ثم قال والله لتسودن الموالي على العرب حتى يخطب لها على المنابر والعرب تحتها فقلت يا أمير المؤمنين إنما هو أمر الله ودينه فمن حفظه ساد ومن ضيعه سقط
قال المصنف وهذا من عبد الملك إما فراسة أو بلغه من أهل العلم أو أهل الكتاب قال ابن الصلاح وفيما نرويه عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم قال لما مات العبادلة صار الفقة في جميع البلدان إلى الموالي إلا المدينة فإن الله نفعها بقرشي فكان فقيها بغير مدافع سعيد بن المسيب ثم قال ابن الصلاح وفي هذا بعض الميل فقد كان حينئذ من العرب غير ابن المسيب فقهاء أئمة مشاهير منهم الشعبي والنخعي بل جميع فقهاء المدينة السبعة الذين منهم ابن المسيب عرب سوى سليمان بن يسار قال البلقيني ويمكن أن يقال إن الشعبي والنخعي لم يكونا حين موت العبادلة في طبقة سعيد وما عداهما فهم بالمدينة
وسأل بعض الأعراب رجلا من أهل البصرة من سيد هذه البلدة قال الحسن ابن أبي الحسن البصري قال أمولى هو قال نعم قال فبم سادهم فقال بحاجتهم إلى علمه وعدم احتياجه إلى دنياهم فقال الأعرابي هذا (3/395)
لعمر أبيك هو السؤدد ونحوه قول عبد الملك للزهري في القصة الماضية وبم سادهم عطاء قلت بالدينة والرواية قال إن أهل الديانة والرواية لينبغي أن يسودا
وقد قال الشاطبي
( أبو عمرهم واليحصبي بن عامر ... صريح وباقيهم أحاط به الولا )
واعلم أن المولى من الأسما المشتركة بالاشتراك اللفظي الموضوعة لكل واحد من الضدين إذ هي موضوعة للمولى من أعلى وهو المنعم المعتق بكسر المثناة والمولى من أسفل وهو المعتق بفتحها ومعرفة كل منهما مهمة ولذلك قال شيخنا في النخبة ومعرفة الموالي من أعلى ومن أسفل غفل الكمال الشمني في شرح هذا الموضع منها عن مراده فجعل مولى المولى هو الأسفل وما عداه الأعلى وتبعه ولده رحمهما الله (3/396)
أوطان الرواة وبلدانهم
( وضاعت الأنساب في البلدان ... فنسب الأكثر للأوطان )
( وأن يكن في بلدتين سكنا ... فابدأ بالأولى وثم حسنا )
( ومن يكن من قرية من بلدة ... ينسب بكل والي الناحية )
( وكملت بطيبة الميمونة ... فبرزت من خدرها مصونة )
( فربنا المحمود والمشكور ... إليه منا ترجع الأمور )
( وأفضل الصلاة والسلام ... على النبي سيد الأنام )
أوطان الرواة وبلدانهم
وهو مهم جليل يعتني به كثير من علماء الحديث لا سيما وربما يتبين منه الراوي المدلس وما في السند من إرسال خفي ويزول به توهم ذلك
وقد استشكل بعض الحفاظ رواية يونس بن محمد المؤدب عن الليث لاختلاف بلديهما وسأل المزي أين سمع منه فقال لعله في الحج ثم قال بل في بغداد حين دخول الليث لها في الرسلية
ويتميز به أحد المتفقين من الآخر كما تقدم في سابع أقسام المتفق (3/397)
المفترق ومن مظانه الطبقات لابن سعد كما قال ابن الصلاح وتواريخ البلدان وأحسن ما ألف وأجمعه الأنساب لابن السمعاني وفي مختصره لابن الأثير فوائد مهمة وكذا للرشاطي الأنساب واختصره المجد الحنفي
وقد كانت العرب إنما ينسبون إلى الشعوب والقبائل والعمائر والعشائر والبيوت قال الله تعالى ( وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا )
والعجم إلى رساتيقها وهي القرى وبلدانها وبنو إسرائيل إلى أسباطها فلم جاء الإسلام وانتشر الناس في الأقاليم والمدن والقرى ضاعت كثيرا الأنساب العربية المشار إليها في البلدان المتفرقة فنسب الأكثر من المتأخرين منهم كما كانت العجم تنسب للأوطان جمع وطن وهو محمل الإنسان من بلدة أوضيعة أوسكة وهي الزقاق أونحوها
وهذا وإن وقع في المتقدمين أيضا فهو قليل كما أنه يقع في المتأخرين أيضا النسبة إلى القبائل بقلة
وإن يكن في بلدتين سكنا بأن انتقل من الشام إلى العراق أو من دمشق إلىمصر وأردات نسبته إليهما فأبدأ بـ البلدة الأولى بالنقل منها وبثم في الثانية المنتقل إليها حسنا أي حسن الإتيان فيها بثم فيقال الشامي ثم العراقي أو الدمشقي ثم المصري وجمعهما أحسن مما ذو اقتصر على أحدهما
ومن يكن من الرواة من قربة كداريا من قرى بلدة كدمشق ينسب جوازا لكل من القرية والبلدة بل وإلى الناحية التي (3/398)
منها تلك البلدة وتسمى الإقليم أيضا كالشام فيقال فيه الداري أو الدمشقي أو الشامي لكن خصه البلقيني بما إذا كان اسم المدينة على الكل وأنه إذا لم يكن كذلك فالأقرب منعه فإن الانتساب إنما وضع للتعارف وإزالة الإلباس
وإن أريد الجمع بين الثلاثة فهو مخير بين الابتداء بالأعم فيقول الشامي الدمشقي الداري أو بالقرية التي هو منها فيقول الداري الدمشقي الشامي إذا المقصود التعريف والتميز وهو حاصل بكل منهما نعم وإن كان أحدهما أوضح في ذلك فهو أولى ثم إنه ربما تقع الزيادة على الثلاثة فيقال لمن مسكن الخصوص مثلا قرية من قرى منية بني خصيب الخصوصي المناوي الصعيدي المصري وإنما كان كذلك باعتبار أن الناحية قد تكون فوقها ناحية أخرى أوسع دائرة منها بأن تتناول تلك الناحية المخصوصية وغيرها من النواحي وباعتبار ذلك يقع التعدد لأزيد من هذا أيضا
إذا علم هذا فقد تقع النسبة أيضا إلى الصنايع كالخياط وإلى الحرف كالبزار ونقع ألقابا كخالد بن مخلد الكوفي القطواني وكان يغضب منها
ويقع في كلها الاتفاق والاشتباه كالأسماء
فائدة الشعوب القبائل العظام وقيل الجماع الذي يجمع متفرقات البطون واحدها شعب والقبائل البطون وهي كما قال الزجاج للعرب كالأسباط إسرائيل بل يقال لكل ما جمع على شيء واحد قبيل أخذا من قبائل الشجرة وهو غصونها أو من قبائل الرأس وهو أعضاؤها سميت بذلك لاجتماعها والعمائر جمع عمارة بالكسر والفتح قيل حي العظيم يمكنه الانفراد بنفسه وهي فوق البطن والبيوت جمع بيت ومنه قول العباس في النبي صلى الله عليه و سلم
( حتى احتوى بيتك المهيمن من ... خندف علياء تحتها النطق ) (3/399)
أراد شرفه فجعله في أعلى خندف بيتا ولهم الأسرة والبطن والجذم والجماع والجمهور والحي والرهط والذرية والعترة والعشرة والفخذ والفصيلة مما الشرح بيان مراتبه غير هذا المحل
وكملت بتثليث الميم والفتح أفصح أي المنظومة في يوم الخميس ثالث جمادى الآخرة سنة ثمان وستين وسبعمائة بطيبة بفتح المهملة وتحتانية بعد باء موحدة اسم للمدينة النبوية على ساكنها أفضل الصلوات والسلام ومن أسمائها طاب وهما من الطيب بمعنى الرائحة الحسنة لما فيها من طيب تربتها الخ قال بعض العلماء وفي طلب توليها وهو أنها دليل شاهد على صحة هذه التسمية لأن من أدام بها يجد من تربتها وحيطانها رائحة طيبة لا تكاد توجد في غيرها زاد غيره بطيبها لسكانها أو لطيب العيش بها والحاصل أنكل ما بها من تراب وجدر أو عيش ومنزل وسائر ما يضاف إليها طيب لأهل السنة لله رب العالمين أو من الطيب بالتشديد الطاهر بالمهملة بخلوصها من الشرك أو طهارتها الميمونة يعني المباركة بدعائه صلى الله عليه و سلم لها بالبركة حتى كان من جملتها مما هو مشاهد ما يحمله الحجيج خصوصا زمن الموسم من تمرها إلى جميع الآفاق بحيث يفوق غلات الأمصار ويفضل لأهلها بعد ذلك ما يقوم بها قوتا وبيعا وإهداء إلى زمن التمر وزيادة
فبرزت أي خرجت المنظومة إلى الناس بالمدينة الشريفة من خدرها بكسر المعجمة ثم مهملتين أولهما ساكنة والثانية مكسورة أي سترها مصونة بفتح الميم وضم المهملة لم تزل صيانتها ببروزها وكذا برز شرح الناظم عليها بعد فراغه من تصنيفه في يوم السبت تاسع عشري شهر رمضان سنة إحدى وسبعين وسبعمائة بالخانقاة الطشتهرية خارج القاهرة وانتفع الناس بهما وسارا لأكثر الأقطار مع كونه غير واف بتمام الغرض (3/400)
به لشارحي تصانيفهم غالبا وذلك غير خادش في جلالته واختصره مع ذلك الشمس بن عماد المالكي وما علمت لسواه شرحا ولذا ابتديت بشرحي هذا وجاء بحمد الله تعالى كما أسلفته في آداب طالب الحديث وكمل سائلا من الله دوام النفع به إحدى عشرة في شهر رمضان أيضا من سنة اثنتين وثمانين وثماني مائة فبينهما مائة وإحدى عشرة سنة فربنا سبحانه وتعالى المحمود والمشكور على ذلك كله إليه منا ترجع الأمور كلها كما نطق الكتاب والسنة
وأفضل الصلوات والسلام على النبي المخبر عن الله عز و جل بالوحي وغيره ولا ينطق عن الهوى سيدنا محمد سيد الأنام كلهم ووسيلتنا وسندنا وذخرنا في الشدائد والنوازل صلى الله عليه و سلم تسليما كثيرا آمين آمين آمين (3/401)