فتح المغيث شرح ألفية الحديث ج1 تأليف الإمام الشيخ شمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي المتوفى سنه 902هـ (1/1)
1 (1/2)
بسم الله الرحمن الرحيم
ربي زدني علما وفهما رب يسر يا كريم آمين
الحمد لله الذي جعل العلم بفنون الخبر مع العمل المعتبر بها إليه أتم وسيلة ووصل من أسند في بابه وانقطع إليه فأدرجه في سلسله المقربين لديه وأوضح له المشكل الغريب وتعليله
وأشهد أن لا إله إلا الله الواحد الأحد الفرد الصمد أنزل على عبده أحسن الحديث وعلمه تأويله
وأشهد أن سيدنا محمدا المرسل بالآيات الباهرة والمعجزات المتواترة والمخصوص بكل شرف وفضيلة
صلى الله عليه وعلى آله صحبه وأنصاره وحزبه الذين صار الدين بهم عزيزا بعد فشو كل شاذ ومنكر ورذيلة وB أتباعهم المعول على اجتماعهم ممن اقتفى أثرة وسلك سبيله صلاة وسلاما دائمين غير مضطربين ينال بها العبد في الدارين تأميله
وبعد فهذا تنقيح لطيف وتلقيح للفهم المنيف شرحت فيه أليفه الحديث وأوضحت به ما اشتملت عليه من القديم والحديث ففتح من كنوزها المحصنة الأقفال كل مرتج وطرح عن رموزها الإشكال ما بين الحجج سابكا لها فيه بحيث لا تتخلص منه إلا بالتمييز لأنه أبلغ في إظهار (1/5)
المعنى تاركا لمن لا يرى حسن ذلك في خصوص النظم والترجيز لكونه أن لم يكن متعنتا لم يذق الذي هو أهنى مراعيا فيه الاعتناء بالناظم رجاء بركته ساعيا في إفادة ما لا غنى عنه لأئمة الشأن وطلبته غير طويل ممل لا قصير مخل استغناء عن تطويله بتصنيفي المبسوط المقرر المضبوط الذي جعلته كالنكت عليها وعلى شرحها للمؤلف وعلما بنقص همم أماثل الوقت فضلا عن المتعرف إجابة لمن سألني فيه من الأئمة ذوي الوجاهة والتوجيه ممن خاض معي في الشرح وأصله وارتاض فكرة بما يرتقي به عن أقرانه وأهله
نفعني الله وإيام والمسلمين بذلك ويسرنا إلى كل خير أقرب المسالك بمنه وكرمه
( يقول راجي ربه المقتدر ... عبد الرحيم بين الحسين الأثري )
( من بعد حمد الله ذي الآلاء ... على امتنان جل عن إعطاء )
( ثم صلاة وسلام دائم ... على نبي الخير ذي المراحم )
( فهذه المقاصد المهمة ... توضح من علم الحديث رسمه )
( نظمتها تبصرة للمبتدي ... وتذكرة للمنتهى المسند )
( لخصت فيها ابن الصلاح اجمعه ... إذا ظللت الدهر أبكى اجمعا )
( وزدتها علما تراه موضعه ... )
( فحيث جاء الفعل والضمير ... لواحد ومن له مستور )
( أو أطلقت لفظ الشيخ ما ... أريد إلا ابن الصلاح مبهما )
( وإن يكن لاثنين نحو التزما ... فمسلم مع البخاري هما )
( والله أرجو في أموري كلها ... معتصما في صعبها وسهلها )
قال رحمه الله ( يقول ) من القول وهو لفظ دال على معنى مفيد كما هنا أو غير مفيد ( راجي ) اسم فاعل من الرجا ضد الخوف وهو توقع ممكن تقتضي حصول ما فيه مسرة ( ربه ) أي مالكه الإله الذي لا تطلق الربوبيه على سواه (1/6)
( المقتدر ) على ما أراد وهو من صفات الجلال والعظمة ولذل كان أبلغ في قوة الرجاء إذ وجودة مع استحضار صفات الجلال أدل على وجوده مع استحضار صفات الجمال ( عبد الرحيم ) بيان الراجي فاعل يقول أو بدل منه ( ابن الحسين ) ابن عبد الرحمن بن أبو الفضل ( الأثري ) بفتح الهمزة والمثلثة نسبه إلى الأثر وهو لغة البقية واصطلاحا لأحاديث مرفوعة كانت او موقوفة على المعتمد ومنه شرح المعاني الآثار لاشتماله عليها وإن قصره بعض الفقهاء على الموقوف كما سيأتي في بابه
وانتسب كذلك جماعه وحسن الانتساب إليه ممن يصنف في فنونه ويعرف أيضا بالعراقي لكون جده يكتبها بخطه انتسابا لعراق العرب وهو القطر الأعم كما قاله ابن كان إماما علامة مقربا ففيها شافعي المذهب أصوليا منقطع القرين في فنون الحديث وصناعته ارتحل فيه إلى البلاد النائية وشهد له بالتفرد فيه أئمة عصرة وعولوا عليه فيه وسارت تصانيفه فيه وفي غيرة ودرس وأفتى وحدث وحدث وأملي وولي قضاء المدينة الشريفة ثلاث سنين انتفع به الأجلاء مع الزهد والورع والتحري في الطهارة وغيرها وسلامه الفطرة والمحافظة على أنواع العبادة والتقنع باليسير وسلوك التواضع والكرم والوقار مع الأبهة والمحاسن الجمة وقد أفرد ابنه ترجمته بالتأليف فلا نطيل فيها وهو في مجموعه كلمه إجماع وقد أخذت عن خلق من أصحابه
وأما ألفيته وشرحها فتلقيتها مه جل أصلها دراية عن شيخنا إمام الأئمة وأجل جماعته والألفية فقط عن جماعه مات في شعبان سنه ستة وثمان مائه عن أزيد من إحدى وثمانين سنة رحمه الله وإيانا
وهو وإن قدم ما أسلفه وضعا فذاك من بعد ذكر حمد الله لفظا عملا بحديث كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بحمد الله فهو أقطع ومن بالكسر حرف خاض تأتي غالبا لابتداء الغاية كما هنا ولغيره وبعد بالجر نقيض قبل والحمد هو الثناء على المحمود بأفعاله الجميلة وأوصافه الحسنة الجليلة (1/7)
والله علم على المعبود بحق وهو الباري سبحانه المحمود حقيقة على كل حال وهو خاص به لا يشركه فيه غيرة ولا يدعي به أحد سواه قبض الله الألسنة على ذلك على أنه قال قد يقال أن سبق التعريف بالقائل غير مخل بالابتداء ولو لم يلفظ به ففي حديث قال الحاكم إنه غريب حسن أنه صلى الله عليه و سلم كتب إلى معاذ بن جبل رضي الله عنه من محمد رسول الله إلى معاذ سلام عليك فإني أحمد الله إليك إلى آخره وكذا في غيرة من الأحاديث لكن مع الابتداء قبل اسمه بالبسملة كما وقع للمؤلف وفعله أيضا أبو بكر الصديق وزيد بن ثابت رضي الله عنهما وعزاه حماد بن سلمه لمكاتبه المسلمين بل يقال أيضا هذا الحديث روي أيضا ببسم الله بدل بحمد الله فكأنه أريد بالحمدلة والبسملة ما هو أعلم منها وهو ذكر الله والثناء عليه على الجملة بصيغه الحمد أو غيرها
ويؤيده رواية ثالثه لفظها بذكر الله وحمده فالحمد والذكر والبسملة سوى فمن ابتدأ بواحد منها حصل المقصود من الثناء على ذي الآلاء أي صاحب النعم والجود والكرم وفي واحد الآلاء سبع لغات إلى بكسر الهزة وبفتحها مع التنوين وعدمه ومثلث النمرة مع سكون اللام والتنوين على امتنان من الله به من العطاء الكثير الذي منه التوغل في علوم الحديث النبوي على قائلة افضل الصلاة والسلام واختصاص الناظم بكونه ولله الحمد فيه إماما مقتدى به والمان الذي يبدأ بالنوال قبل السؤال جل أي عظم عطاؤه عن احصاء بعدد قال تعالى ( وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها ) ثم صلا وسلام بالجر عطفا على حمدا دائم كل منهما أو تلفظي بهما أو لاقترانهما غالبا صارا كالواحد وفي عطفه بثم المقتضية للترتيب مع المهملة إشعار بأنه أثنى على الله سبحانه زيادة على ما ذكر بينهما (1/8)
والصلاة من الله على نبيه ثناؤه عليه وتعظيمه ومن الملائكة وغيرهم طلب الزيادة له للعلم بتناهيه في كل شرف ولم يفردها عن السلام لتصريح النووي رحمه الله بكراهة إفراد أحدهما عن الآخر وإن خصها شيخي بمن جعله ديدنا لوقوع الإفراغ في كلام إمامنا الشافعي ومسلم والشيخ أبي إسحاق وغيرهم من أئمة الهدى منهم النووي نفسه في خطبة تقريبة كما في كثير من نسخة وكذا أتى بها مع الحمد عملا بقوله في بعض الطرق الحديث الماضي بحمد الله والصلاة على فهو أبتر مسحوق من كل بركة وإن كان سنده ضعيفا لأنه في الفضائل مع ما فيها إثباتها في الكتاب من الفضل كما سيأتي في محله على نبي الخير الجامع لكل محمود في الدنيا والآخرة ذي أي صاحب المراحم نبينا محمد صلى الله عليه و سلم وحقيقة النبي والأكثر في التلفظ به عدم الهمز إنسان أوحى إليه بشرع وإن لم يؤمر بتبليغه فإن أمر بالتبليغ فرسول أيضا ولذا كان الوصف بها أشمل
فالعدول عنها إما للتأسي بالخبر الآتي في الجمع بين وصفي النبوة والرحمة أو لمناسبته علوم الخبر لأن احد ما قيل في اشتقاقه أنه من البناء وهو الخبر أو لأنه في مقام التعريف الذي يحصل الإكتفاء فيه بأي صفه أدت المراد في مقام الوصف
على أن العز بن عبد السلام جنح لتفضيل النبوة على الرسالة وذهب غيرة إلى خلافه كما سأوضحه في إبدال الرسول بالنبي والمراحم جمع مرحمة مصدر ميمي مفعلة من الرحمة
ففي صحيح مسلم أنه صلى الله عليه و سلم قال أنا نبي التوبة ونبي المرحمة وفي نسخه منه وهي التي اعتمدها الدمياطي ونبي الملحمة باللام بدل الراء وفي أخرى نبي المرحمه وفي حديث أخر أن الله بعثني ملحمة ومرحمة وفي آخر أنا نبي الملاحم ونبي الرحمة
قال النووي فيما عدا الملحمة معناها واحد متقارب ومقصودها أنه صلى الله عليه و سلم (1/9)
جاء بالتوبه وبالمراحم
قلت وأما الملحمه فهي المعركه فكأنه المبعوث بالقتال والجهاد وقد وصف الله المؤمنين بقوله ( أشداء على الكفار رحماء بينهم ) ( 1 ) ( وتواصوا بالمرحمة ) ( 2 ) أي يرحم بعضهم بعضا وهي في حقنا بالمعنى اللغوي رقه في القلب وتعطف ومن الرحيم إراده الخير بعبيده ومن الملائكة طلبها منه لنا ثم إنه لقوة الاسباب عند المرء فيما يوجهه إلى عزمه ويجمع عليه دائه يصير في الحكم الموجود الحاضر بحيث ينزله منزلته ويعامله بالإشارة إليه معاملته ولذا قال مع التخلص في التعبير أو لا بيقول عن اعتذار
( فهذه ) والفاء أما الفضيحة فالمقول ما بعدها أو جواب شرط محذوف تقديره إن كنت أيها الطالب تريد البحث عن علوم الخبر فهذه المقاصد جمع مقصد وهو ما يؤمها الإنسان من أمر ويطلبه المهمة من الشيء المهم وهو الأمر الشديد الذي يقصد بعزم ( توضح ) بضم أوله من أوضح أي تظهر وتبين ( من علم الحديث ) الذي هو معرفة القواعد المعرفة بحال الراوي والمروي ( رسمه ) أي أثره الذي تبني عليه أصوله
وفي التعبير به إشارة إلى دروس كثير من هذا العلم الذي باد حماله وهاد عن السنن المعتبر عماله وإنه لم تبق منه إلا آثاره بعد أن كانت ديار أوطانه بأهله آهلة وخيول فرسانه في ميدانه صاهلة وقد كنا نعدهم قليلا فقد صاروا أقل من القليل
والحديث لغة ضد القديم واصطلاحا ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه و سلم قولا له أو فعلا أو تقريرا أو صفة حتى الحركات والسكنات في اليقظة والمنام فهو أعم من السنة الآتية قريبا
وكثيرا ما يقع في كلام أهل الحديث ومنهم الناظم ما يدل لترادفهما (1/10)
( نظمتها ) أي المقاصد حيث سلكت في جمعها المشي على بحر من البحور المعروفة عند أهل الشعر وإن كان النظم في الأصل أعم من ذلك إذ هو جمع الأشياء على هيئة متناسقة تبصره للمبتدى بترك همزة يتبصر بها ما لو يكن به عالما وتذكرة للمنتهى وهو الذي حصل من الشيء أكثره وأشهره وصلح مع ذلك لإفادته وتعلمه وارشاد إليه وتفهيمه يتذكر بها ما كان عنه ذاهلا وكذا للراوي ( المسند ) الذي اعتنى بالإسناد فقط فهو يتذكر بها كيفيه التحمل والأداء ومتعلقاته كما يتذكر بها المنتهى مجموع الفن فبين المسند والمنتهى عموم وخصوص من وجه وأشير بالتبصرة والتذكرة إلى لقب هذه المنظومه وهما بالنصب مفعول له ترك فيه العاطف ولم أتكلف تخليص ما اشتملت عليه من بطون الكتب والدفاتر ولكن ( لخصت فيها ابن الصلاح ) أي مقاصد كتابه الشهير على حد قوله وأسال القرية حيث اختصرت من ألفاظ وأثبت مقصوده ( أجمعه ) ولا ينافي التأكيد حذف كثير من أمثلته وتعاليله وغير ذلك إذ هو تأكيد للمقصود المقدر كأنه قال لخصت المقصود أجمعه
والتأكيد بأجمع غير مسبوق بكل واقع في القرآن وغيرة جائز ومنه
( إذا ظللت الدهر أبكي أجمعا ) وأجمع بينهما للتقوية نحو فسجد للملائكة كلهم أجمعون
والصلاح تخفيف من لقب والده فإنه هو العلامه الفقيه حافظ الوقت مفتي الفرق شيخ الإسلام تقي الدين أبو عمر وعثمان بن الإمام البارع صلاح الدين أبي القاسم ! عبد الرحمن بن عثمان الشهرزورى الموصلي ثم الدمشقي الشافعي كان إماما بارعا حجه متبجرا في العلوم الدينية بصيرا بالمذهب ووجوهه خبيرا بأصوله عارفا بالمذاهب جيدا لماده من اللغة العربية حافظا للحديث متقنا فيه حسن الضبط كبير القدر وافر الحرمه عديم النظر في زمانه مع الدين والعبادة والنسك والصيانة والورع والتقوى انتفع به خلق (1/11)
وعولوا على تصانيفه خصوصا كتابة المشار اليه
فهو كما قال شيخنا وقد سمعته عليه بحثا إلا يسيرا من أوله كما تقدم ما نصه لا يحصى كم ناظم له ومختصر ومستدرك عليه ومقتصر ومعارض له ومنتصر مات في شهر ربيع الآخر سنة ثلاث وأربعين وستمائة عن ست وستين سنة رحمه الله
ومع استيفائي فيها لمقاصد كتابه زدتها علما من إصلاح لخلل وقع في كلامه أوزيادة في عد أقسام تلك المسألة أو فائدة مستقلة تراه أي المزيد موضعه
بملاحظة أصلها لأنه وإن ميز أول كثير منه بقلت أو تميز بنفسه عند العارف لكونه حكاية عن متأخر عن ابن الصلاح بالصريح أو بالإشارة أو تعقبا لكلامه برد أو إيضاح فآخره قد لايتميز وأيضا فقد فاته أشياء كثيرة لم يميزها بقلت ولا تميزت بما أشير إليه كما سأوضح ذلك في محاله
وكذا أشرت من أجل التلخيص لعزو ما يكون من اختيارات ابن الصلاح وتحقيقاته إله فحيث الفاء هي الفصيحة أو تفريعية على لخصت جاء الفعل والضمير على البدل لواحد لا لاثنين ومن أي والذي كان من الفعل والضمير له مستور أي غير معلوم تشبيها له بالمغطى بان لم يذكر فاعل الفعل معه ولا تقدم كلا من الفعل أو الضمير الموحدين اسم يعود عليه كقال في أمثلة الفعل من مثل قوله في الحسن قال بأن لي بإمعان النظر وله في الضمير من مثل قوله في حكم الصحيحين كذا له أو أطلقت لفظ الشيخ كقوله فالشيخ فيما بعد قد حققه ما أريد بكل من الفاعل او صاحب الضمير والشيخ إلا ابن الصلاح مبهما بفتح الهاء حال من المفعول وهو ابن الصلاح وبكسرها حال من فاعل أريد وهو الناظم وإن يكن أي المذكور من الفعل أو الضمير لاثنين ففي الفعل نحو قولك التزما وقوله واقطع بصحته لما قد أسند أو في الضمير نحو وأرفع الصحيح مرويهما فمسلم مع البخاري هما وقد الأول للضرورة لا سيما وإضافته للثاني بالمعية مشعرة (1/12)
بالتبعية والمرجوعية
وربما يعكر على هذا الاصطلاح ما تكون ألفه للإطلاق كقوله وقيل ما لم نتصل
وقال وكقوله في اختلاف ألفاظ الشيوخ وما ببعض ذا وذا وقالا وإن كان متميزا برسم الكتابة والله بالنصب معمول أرجو وقدم للإختصاص نحو ( إياك نعبد وإياك نستعين ) في اموري كلها معتصما بفتح الصاد تميز للنسبة أي أرجوه من جهة الاعتصام بمعنى الحفظ والوقاية وبكسرها أي ممتنعا على أنه حال من الفاعل وهو الناظم أي أدخل الله في حالته كوني معتصما في صعبها أي أموري ( و ) في سهله أو الصعب وكذا الحزن ضد السهل فبأي لفظ جيء به منهما تحصل المطابقة المحصنة من أنواع البديع ولكن بالحزن الإتيان أبلغ لما فيه من التأسي به صلى الله عليه و سلم حيث قال وأنت إن شئت جعلت الحزن سهلا وحيث أمر بتغيير حزن بسهل والله الموفق (1/13)
أقسام الحديث
( وأهل هذا الشأن قسموا السنن ... إلى صحيح وضعيف وحسن )
( فالأول المتصل الإسناد ... بنقل عدل ضابط الفؤاد )
( وبالصحيح والضعيف قصدوا ... في ظاهر لا القطع المعتمد )
( إمساكنا عن حكمنا على سند ... بأنه أصح مطلعا وقد )
( خاض به قوم فقيل مالك ... عن نافع بما رواة الناسك )
( عن مثله من غير ما شذوذ ... من عله قادحة فتؤذي )
( مولاة واختر حيت عنه بسند ... الشافعي قلت عنه وأحمد )
( وجزم ابن حنبل الزهري ... عن سالم أي عن أبيه البري )
( وقيل زين العابدين عله أبه ... عن جدة وابن شهاب عنه به )
( أو فابن سيرين عن السلماني ... او الأعمش فيه ذي الشأن )
( النخعي عن ابن علقمة ... عن ابن مسعود ولم من عممه )
جمع قسم وهو والنوع والصنف والضرب معانيها متقاربه وربما تستعمل بمعنى واحد واهل هذا الشأن الحديث قسموا بالتشديد السنن المضافه للنبي صلى الله عليه و سلم قولا له أو فعلا أو تقريرا إلى صحيح وضعيف وحسن وذلك بالنظر لما استقر اتفاقهم بعد الاختلاف عليه وإلا فمنهم (1/14)
كما سيأتي في الحسن بما حكاة ابن الصلاح في غير هذا الموضوع من علومه من يدرج الحسن الصحيح لاشتراكهما في الاحتجاج بل نقل ابن تيمية إجماعهم إلا الترمذي خاصه عليه
وبالنظر لأنه لم يقع في مجموع كلامهم التقسيم لأكثر من الثلاثه وإن اختلفوا في بعضهما كما في ركب القوم دوابهم وخصت الثلاثه بالتقسيم لشمولها لما وعدها مما سيذكر من مباحث المتن دون مختلفه وغريبه وناسخه بل ولأكثر مباحث السند كالتدليس والاختلاط والعنعنه والمزيد في متصل الأسانيد ومن تقبل روايته أو تردد والثقات والضعفاء والصحابه والتابعين وطرق التحمل والأداء أو المبهمات والحاصل شمولها لكل ما يتوقف عليه القبول والرد منها ولخروج ما يخرج من الأنواع عنها أشار ابن الصلاح بقوله في آخر الضعيف والملحوظ فيما نورده من الأنواع أي بعده عموم أنواع علوم الحديث لا خصوص أنواع التقسيم الذي فرغنا الآن من تقسيمه وأدرج الضعيف في السنن تغليبا وإلا فهو لا يسمى بسنه وكذا أقدم على الحسن للضرورة أو لمراعاة المقابله بينه وبين الصحيح أو لملاحظه صنع الأكثرين لاسيما والحسن رتبه متوسطه بينهما فأعلاها ما أطلق عليه اسم الحسن لذاته وأدناها ما أطلق عليه باعتبار الإنجبار والأول صحيح عند قوم حسن عند قوم والثاني حسن عند قوم ضعيف عند قوم وهم من لا يثبت الواسطه أو بالنظر إلى الانفراد والأول أظهر لتاخيرة الضعيف حين تفصيلهما ولا يخدش في تيسر تأخيرة في نظم بعض الآخرين عن الناظم حيث قال علم الحديث راجع الصنوف إلى صحيح حسن ضعيف فالأول أي الصحيح لاستحقاقه التقديم رتبه ووضعا وترك تعريفه لغه بأنه ضد المكسور والسقيم وهو حقيقه في الأجسام بخلافه في الحديث والعباده والمعامله وسائر المعاني فمجاز من باب الإستعارة وبالتبعيه لكونه (1/15)
خروجا عن الغرض المتصل الإسناد أي السالم إسناده الذي هو كما قال شيخنا في شرح النخبه الطريق الموصله إلى المتن مع قوله في موضع آخر منه أن حكايه طريق المتن وهو أشبه فذاك تعريف المسند والمر سهل عن سقط بحيث يكون كل من رواته سمع ذلك للمروي من شيخه
وهذا هو الشرط الأول وبه خرج المنقطع والمرسل بقسميه
والعقل الآتي تعريفها في محالها والمعلق الصادر ممن لم يشترط الصحه كالبخاري لأن تعاليقه المجزومه المستجمعه للشروط فيمن بعد المتعلق عنه لها حكم الإتصال وإن لم يقف عليها من طريق المعلق عنه فهو لقصورنا وتقصيرنا واتصاله بنقل عدل وهو من له ملكه تحمله على ملازمه التقوى والمروءة على ما سياتي مع البسط في محله
وهذا هو ثاني الشروط وبه خرج من في سنده من عرف ضعفه أو جهلت عينه أو حاله حسبما يجيء في بيانهما ضابط أي حازم الفؤاد بضم الفاء ثم واو مهموزة ثم مهمله أي القلب فلا يكون مغفلا غير يقظ ولا متقن لئلا يروي عن كتابه الذي تطرق إليه الخلل وهو لا يشعر أو من حفظه المختل فيخطئ إذ الضبط ضبطان ضبط صدر وضبط كتاب
فالأول هو الذي يثبت ما سمعه بحيث يتمكن من استحضاره متى شاء
والثاني هو صونه له عن تطرق الخلل إليه حين سمع فيه إلى أن يؤدي وإن منع بعضهم الروايه من الكتاب
هذا على الضبط وهو ثالث الشروط على ما ذهب إليه الجمهور حيث فرقوا بين الصدوق والثقه والضابط وجعلوا لكل صفه منها مرتبه دون التي بعدها وعليه مشى المصنف وقال إنه احترز به عما في سنده رواة معقل كثير الخطأ في روايته وإن عرف بالصدق وبالعداله (1/16)
ويتايد بتفصيل شروط العداله عن شروط الضبط في معرفه من تقبل روايته ولذلك تعقب المصنف الخطابي في اقتصاره على العدالة وانتصر شيخنا للخطابي حيث كاد أن يجعل الضبط من أوصافها لكن قال في موضع آخر أن تفسير الثقه بمن فيه وصف زائد على العداله وهو الضبط إنما هو اصطلاح لبعضهم
وعلى كل حال فاشتراطه في الصحيح لابد منه والمراد التام كما فهم من الإطلاق المحمول على الكامل وحينئذ فلا يدخل الحسن لذاته المشترط فيه مسمى الضبط خاصه هنا لكن يخرج إذا اعتضد وصار صحيحا لغيرة كأنه اكتفى بذكرة بعد وإن تضمن كون الحد غير جامع ثم إنه لابد أن يكون إقلاله عن مثله يعني وهكذا إلى منتهاة سواء انتهى إلى النبي صلى الله عليه و سلم أو إلى الصحابي أو إلى من دونه حتى يشمل الموقوف ونحوة ولكن قد يدعى أن الإتيان بعن مثله تصريح بما هو مجرد توضيح وأنه قد فهم مما قبله ولذلك حذفه شيخنا في نخبته اختصارها من غيرها أي من غير شذوذ وغير عله قادحه
وهذان الرابع والخامس من الشروط وسيأتي تعريفها وهما سلبيان بمعنى اشتراط نفيهما ولا يخدش في ذلك عدم ذكر الخطابي لهما إذا لم يخالف أحد فيه بل هو أيضا مقتضى توجيه ابن دقيق العيد قوله وفيهما نظر على مقتضى نظر الفقهاء حيث قال كثيرا من العلل التي يعلل بها المحدثون لا تجري على أصول الفقهاء إذ ظاهره أن الخلاف إنما هو فيما يسمى علة فالكثير منه يختلفون فيه والبعض المحتمل لأن يكون إلا أكثر أو غيره يوافق الفقيه المحدث على التعليل به ولذلك احترز بقوله كثير
ومن المسائل المختلف فيها إذا أثبت الراوي عن شيخه شيئا فنفاه من هو أحفظ أو أكثر عددا أو أكثر ملازمة منه فإن الفقيه والأصولي يقولان المثبت مقدم على النافي فيقبل والمحدثون يسمونه شاذا لأنهم فسروا الشذوذ (1/17)
المشترط نفيه هنا بمخالفة الراوي في روايته من هو أرجح منه عند تعسر الجمع بين الروايتين ووافقهم الشافعي على التفسير المذكور بل صرح بأن العدد الكثير أولى بالحفظ من الواحد أي لأن تطرق السهو أقرب من تطرقه إلى العدد الكثير وحينئذ فرد قول الجماعة بقول الواحد بعيد
ومنها الحديث الذي يرويه العدل عن تابعي مثلا عن صحابي ويرويه آخر مثله سواء عن ذلك التابعي بعينه لكن عن صحابي آخر فإن الفقهاء وأكثر المحدثين يجوزون أن يكون التابعي سمعه معا إن لم يمنع منه مانع وقامت قرينة الإسناد في ثاني قسمي المقلوب وفي الصحيحين الكثير من هذا
وبعض المحدثين يعلون بهذا متمسكين بأن الاضطراب دليل على عدم الضبط في الجملة والكل متفقون على التعليل بما إذا كان أحد المتردد فيهما ضعيفا بل توسع بعضهم فرد بمجرد العلة ولو لم تكن قادحة وأما من لم يتوقف من المحدثين والفقهاء في تسمية ما يجمع الشروط الثلاثة صحيحا ثم إن ظهر شذوذ أو علة رده فشاذ وهو استرواح حيث يحكم على الحديث بالصحة قبل الإمعان في الفحص تتبع طرقه التي يعلم بها الشذوذ والعلة نفيا وإثباتا فضلا عن أحاديث الباب كله التي ربما احتيج إليها في ذلك
وربما تطرق إلى التصحيح متمسكا بذلك من لا يحسن فالأحسن سد هذا الباب وإن أشعر تعليل ابن الصلاح ظهور الحكم بصحة المتن من إطلاق الإمام المعتمد صحة الإسناد بجواز الحكم قبل التفتيش حيث قال لأن عدم العلة والقادح هو الأصل الظاهر فتصريحه بالاشتراط يدفعه مع أن قصر الحكم على الإسناد وإن كان أحق لا يسلم من الفقهاء
وكذا لا ينبغي الحكم بالانقطاع ولا بجهالة الراوي المبهم بمجرد (1/18)
الوقوف على طريق كذلك بل لا بد من الإمعان في التفتيش لئلا يكون متصلا ومعينا في طريق آخر فيعطل بحكمه الاستدلال به كما سيجيء في المرسل والمنقطع والمعضل
على أن شيخنا مال إلى النزاع في ترك تسمية الشاذ صحيحا وقال غاية ما فيه رجحان رواية على أخرى والمرجوحية لا تنافي الصحة وأكثر ما فيه أن يكون هناك صحيح وأصح فيعمل بالراجح ولا يعمل بالمرجوح لأجل معارضة له لا لكونه لم يصح طريقة ولا يلزم من ذلك الحكم عليه بالضعف وإنما غايته أن يتوقف عن العمل به ويتأيد بمن يقول صحيح شاذ كما سيأتي في هو وهذا كما في الناسخ والمنسوخ سواء قال ومن تأمل الصحيحين وجد فيهما أمثلة من ذلك انتهى
وهو أيضا شبيه بالاختلاف في العام قبل وجود المخصص وفي الأمر قبل وجود الصارف له عن الوجود
وبالجملة فالشذوذ سبب للترك إما صحة أو عملا خلاف العلة القادحة كالإرسال الخفي فتوذي بوجودها الصحة الظاهرة ويمتنع معها الحكم والعمل معا ( و ) إذا تم هذا فبالصحيح في قولا بل هذا الشأن هذا الحديث صحيح بالضعيف في قولهم هذا الحديث ضعيف قصدوا الصحة والضعف في ظاهر للحكم بمعنى أنه اتصل سنده مع سائر الأوصاف المذكورة أو فقد شرطا من شروط القبول لجواز الخطأ والنسيان على الثقة والضبط والإتقان وكذا الصدق على غيره كما ذهب إليه جمهور العلماء من المحدثين والفقهاء والأصوليين ومنهم الشافعي مع التقيد بالعمل به متى ظنناه صدقا وتجنيه في ضده ( لا ) أنهم قصدوا ( والقطع ) بصحته أو ضعفه إذ القطع إنما يستفاد من التواتر أو القرائن المحتف بها الخبر ولو كان آحادا كما سيأتي تحقيقه عند حكم الصحيحين (1/19)
وأما من ذهب كحسين الكرابيسي وغيره إلى أن خبر الوحد يوجب العلم الظاهر والعمل جميعا فهو محمول على إرادة غلبة الظن أو التوسع لا سيما من قدم منهم الضعيف على القياس كأحمد وإلا فالعلم عند المحققين لا يتفاوت
فالجار في الصحيح يتعلق بقصد وأوفى ظاهر بمحذوف ولا القطع معطوف على محل في ظاهر والتقدير قصدوا الصحة ظاهرا لا قطعا والحاصل أن الصحة والضعف مرجعهما إلى وجود الشرائط وعدمها بالنسبة إلى غلبة الظن لا بالنسبة إلى الواقع في الخارج من الصحة وعدمها
واعلم أنه لا يلزم من الحكم بالصحة في سند خاص الحكم بالأصحية لفرد مطلقا بل المعتمد إمساكنا أي كفنا عن حكمنا على سند معين بأنه أصح الأسانيد مطلقا كما صرح به غير واحد من أئمة الحديث وقال النووي إنه المختار لأن تفاوت مراتب الصحيح مترتب على تمكن الإسناد من شروط الصحة وبغير وجود أعلى درجات القبول من الضبط والعدالة ونحوهما في كل فرد فرد من رواة الإسناد من ترجمة واحدة بالنسبة لجميع الرواة الموجودين في عصره إذ لا يعلم أو يظن أن هذا الراوي حاز أعلى الصفات حتى يوازي بينه وبين كل فرد فرد من جميع من عاصره
وقد خاض إذا اقتحم بالغمرات به أي بالحكم بالأصحية المطلقة ( قوم ) فتكلموا في ذلك واضطربت أقوالهم فيه لاختلاف اجتهادهم فقيل كما ذهب إليه إمام الصنعة البخاري أصح الأسانيد ما رواه مالك نجم السنن القائل فيه ابن مهدي لا أقدم عليه في صحة الحديث أحدا والشافعي إذا جاء الحديث عنه فاشدد به كان حجة الله على خلقه بعد التابعين عن شيخه نافع القائل في حقه أحمد عن سفيان أي حديث أوثق من حديثه ( بما ) أي بالذي ( رواه ) له الناسك أي العابد مولاه أي مولى نافع (1/20)
وهو سيده عبد الله بن عمر ابن الخطاب رضي الله عنهما والمولى يطلق على كل من المعتق والمعتق وكان جديرا بالوصف بالنسك لأنه كان من التمسك بالآثار النبوية بالسبيل المتين وقال فيه صلى الله عليه و سلم نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل فكان بعد لا ينام من الليل إلا قليلا وقال جابر رضي الله عنه ما منا أحد أدرك الدنيا إلا مالت به ومال بها إلا هو
واحتر إذا جنحت لهذا أو زدت راويا بعد مالك حيث عنه يسند إمامنا الشافعي فقد روينا عن أحمد بن حنبل قال كنت سمعت الموطأ من بضعة عشر رجلا من حفاظ أصحاب مالك فأعدته على الشافعي لأني وجته اقومهم به انتهى بل هو أجل من جميع من أخذ عن مالك رحمهما الله
قال الأستاذ أبو منصور عبد القاهر بن طاهر التميمي أنه أي الإسناد أجل الأسانيد لإجماع أصحاب الحديث أنه لم يكن في الرواة عن مالك أجل من الشافعي ( قلت و ) اختر كما قاله الصلاح العلائي شيخ المصنف إن زدت بعد الشافعي أحدا حيث ( عنه ) يسند ( أحمد ) وهو حقيق بالإلحاق فقد قال الشافعي أنه خرج من بغداد وما خلف بها أفقه ولا أزهد ولا أروع ولا أعلم منه
ولاجتماع الأئمة الثلاثة في هذه الترجمة قيل لها سلسلة الذهب فإن قيل فلم أكثر أحمد في مسنده من الرواية عن ابن مهدي ويحيى بن سعيد حيث أورد حديث مالك ولم لم يخرج البخاري ومسلم وغيرهما من أصحاب الأصول ما أوردوه من حديث مالك
ومن جملة الشافعي عنه أمكن أن يقال عن أحمد بخصوصه لعل جمعه المسند كان قبل سماعه من الشافعي وأما من عداه فلطلب العلو وقد أوردت في هذا الموضع من النكت أشياء مهمة
منها إيراد الحديث الذي أوردها الشارح بهذه الترجمة بإسناد كنت فيه كأني أخذته عنه فأحببت إيراده هنا تبركا (1/21)
أخبرني به أبو زيد عبد الرحمن بن عمر المقدسي الحنبلي في كتابه والعز أبو محمد عبد الرحيم بن محمد المصري الحنفي سماعا قال الأول أخبرنا أبو عبد الله محمد بن أبي الفداء ابن الخباز أذنا أخبرنا أبو القائم المسلم بن محمد بن المسلم بن مكي القيسي الدمشقي وقال الثاني أخبرنا أبو العباس أحمد بن محمد بن الجوخي في كتابه أخبرنا أبو العباس أحمد بن محمد بن الجوخي في كتابه أخبرتنا أم أحمد زينب ابنه مكي بن علي بن كامل الحرانيه قلا أخبرنا أبو علي أحمد بن عبد الله الرصافي أخبرنا أبو القاسم هبه الله بن محمد بن الحصين الشيباني أخبرنا أبو علي الحسن بن علي التميمي الواعظ أخبرنا أبو بكر أحمد بن جعفر القطعي أخبرنا أبو عبد الرحمن عبدالله بن الإمام أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني حدثني أبي حدثنا محمد بن إدريس الشافعي أخبرنا مالك عن نافع ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لا يبع بعضكم على بيع بعض ونهى عن النجش ونهى عن حبل الحبلى ونهى عن المزابنه والمزابنه بيع الثمر بالتمر كيلا وبيع الكرم بالزبيب كيلا وهو مما اتفقا عليه من حديث مالك إلا الجمله الثالثه فهي من إفراد البخاري فوقع لنا بدلا لهما وجزم الإمام أحمد ابن حنبل نسبه لجدة قاسم أبيه محمد حين تذاكر في ذلك مع جماعه بأجوديه روايه الإمام ابي محمد بن مسلم بن عبيد الله ابن شاب القرشي الزهري المدني القائل فيه الليث رحمهما الله ما رأيت عالما أجمع منه ولا أكثر علما لو سمعته يحدث في الترغيب لقلت لا يحسن إلا هذا أو الأنساب فكذلك أو عن القران والسنه فحديثه جامع عن سالم هو ابن عبدالله بن عمر الذي قال فيه ابن المسيب إنه كان أشبه ولد أبيه ومالك ( ( سقط ) ) يكن في زمنه أشبه بمن مضى من الصالحين في الزهد والفضل والعيش منه أي مما رواة سالم عن أبيه عبدالله بن عمر البر بفتح الموحدة لأنه كان رجا بع عمل الصالح
ووافق احمد على مذهبه في ذلك اسحاق بن ابراهيم الحنظلي المعروف (1/22)
بابن راهويه لكن معبرا بالأصحيه ولا فرق بين اللفظين اصطلاحا ولذا قرن شيخنا تبعا للشارح بين الرجلين في حكايه الأصحيه نعم الوصف يجيد عند الجهبذ أنزل رتبه من الوصف ( وقبل ) كما ذهب إليه عبد الرازق بن همام وأبو بكر بن أبي شيبه إن صح عنه والنسائي لكنه أدرجه مع غيره أصح الأسانيد ما رواه ( زين العابدين ) وابنه علي بن الحسن بن علي بن أبي طالب الذي قال فيه مالك بلغني أنه كان يصلي في كل يوم وليلة ألف ركعة حتى مات ( عن آبه ) بحذف المثناة التحتانية على لغة النقص كقوله بابه اقتدى عدي في الكرم وهو السيد الحسين الشهيد سبط الرسول صلى الله عليه و سلم وريحانته من الدنيا ( عن علي بن ) أبي طالب ( جده ) اي جد زين العابدين ( و ) ذلك مما رواه ( ابن شهاب ) الزهري ( عنه ) اي عن زين العابدين ( آبه ) أي بالسند المذكور فهذه أقوال ثلاثة
ولأجل تنويع الخلاف في ذلك يقال أصح الأسانيد إما ما تقدم ( او فما ) رواه أبوبكر محمد ( ابن سيرين ) الأنصاري البصري التابعي الشهير بكثرة الحفظ والعلم والإتقان وتعبير الرؤيا والذي قال فيه مورق ما رأيت أفقه في ورعه ولا أروع في فقهه منه ( عن ) أبي عمرو عبيدة بفتح العين ( السلماني ) بسكون اللام على الصحيح حي من مراد الكوفي التابعي الذي كاد أن يكون صحابيا فإنه أسلم قبل الوفاة النبوية وكان فقيها يوازي شريحا في الفضائل بل كان شريح يراسله فيما يشكل عليه قال ابن معين إنه ثقة لا يسأل عن مثله عنه يعني عن علي صحابي الترجمة التي قبلها وهو قول عمرو بن علي الفلاص وكذا علي بن المديني وسليمان بن حرب بزياده أيوب السختياني حيث قالا أصح الأسانيد أيوب عن ابن سيرين إلى آخرة وجاء مرة أخرى عن أولهما بإبدال عبدالله بن عون من السختياني وبأجود من أصح وهما كما تقدم سواء وممن ذهب إلى أصحيه أيوب مع باقي الترجمه النسائي لكن مع إدراج غيرة أو ما رواه ابو محمد سليمان بن (1/23)
مهران الكوفي الأعمش الإمام الحافظ الثقه الذي كان شعبه يسميه لصدقه - المصحف عن الفقيه المتوقي الصالح ذي الشأن أبي عمران إبراهيم بن يزيد بن قيس النخعي بفتح النون والمعجمه نسبه للنخع قبيله من مذحج الكوفي عن راهب أهل الكوفه عباده وعلما وفضلا وفقها ابن قيس علقمه ابن قيس عن أبي عبد الرحمن عبد الله ابن مسعود رضي اللع عنه وهو قول ابن معين
وكذا قال غيرة لكن بإبدال منصور بن المعتمر من الأعمش فقال عبد الرزاق حديث سفيان عن منصور بهذه الترجمه فقال هذا المشرف على الكراسي بل سأل ابن معين أيهما أحب إليك في إبراهيم الأعمش أو منصور فقال منصور ووافقه غيرة على ذلك فقال أبو حاتم وقد سئل عنهما الأعمش حافظ يخلط ويدلس ومنصور أتقن لا يخلط ولا يدلس لكن قال وكيع أن الأعمش أحفظ لإسناد إبراهيم من منصور
وفي المسأله أقوال أخر أوردت منها في النكت مما لم يذكر هنا ما يزاحم عشرين قولا والاعتناء بتتبعها ما يفيد أحد أمرين إما ترجيح ما عورض منها بذلك على غيرة أو تمكن الناظر المتقن فيها من ترجيح بعضها على بعض بالنظر لترجيح القابلين إن تهيأ
وقد أفرد الناظر في الأحكام كتابا لطيفا جمعه من تراجم سته عشر قيل فيها إنها أصح الأسانيد إما مطلقا أو مقيدا وهي ما عدا الثالثه مما ذكر هنا ومالك عن أبي الزناد عن الأعرج ومعمر عن همام والزهري عن سعيد بن المسيب ويحيى بن أبي كثير عن أبي سلمه كل من الأربعه عن أبي هريرة وعبد ىالرحمن ابن القاسم وعبدالله بن عمر مما رواة يحيى بن سعيد عنه كل منهما عن القاسم والزهري عن عروة كل منهما عن عائشه ومالك عن الزهري عن أنس والحسن ابن واقد عن عبدالله بن بريده عن أبيه وابن عيينه عن عمرو بن دينار عن جابر والليث بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب (1/24)
عن أبي الخير عن عقبه بن عامر والزهري عن سالم عن أبيه عن جده عمرو حينئذ فهو من أصح الصحيح
و على كل حال لم كما رواة المصنف بضم اللام أي أعذل وأعنت من عممه أي الذي عمم الحكم بالأصحيه لسند معين لأنه حصر في باب واسع جدا شديد الانتشار والحاكم فيه على خطر من الخطأ والانتقاص كما قيل بمثله في قولهم ليس في الرواة من اسمه كذا سوى فلان بل إن كان ولا بد فتقيد كل ترجمه بصاحبيها أو بالبلد التي منها أصحاب تلك الترجمه فهو أقل انتشارا أو أقرب إلى حصر كما قيل في أفضل التابعين وأصح الكتب وأحاديث الباب فيقولون أصح احاديث باب كذا أو مسأله كذا حديث كذا
وأعلم أنهم كم تكلموا في اصح أسانيد فلان مشوا في او هى أسانيد فلان أيضا وفائدته ترجيح بعض الأسانيد على بعض وتميز ما يصلح الإعتبار مما لا يصلح ولكن هذا المختصر يضيق ةعن بسط ذلك وتتماته فليراجع أصله بعد تحريره إن شاء الله تعالى (1/25)
أصح كتب الحديث
( أول من صنف في الصحيح ... محمد وخص بالترجيح )
( ومسلك بعد وبعض الغرب مع ... أبي علي فضلوا ذا لو نفع )
( ولم يعماه ولكن قل ما ... عن ابن الأخرم منه قد فاتهما )
( ورد لكن قال يحيى البر ... لم يفت الخمسة إلا النذر )
( وفيه ما فيه لقول الجعفي ... أحفظ منه عشر ألف ألف )
( وعله أراد بالتكرار ... لها وموقوف وفي البخاري )
( أربعه الآلاف والمكرر ... فوق ثلاثه ألوفا ذكروا )
ومناسبته لما قبله ظاهرة أول من صنف في الصحيح السابق تعريفه كتابا مختصا به الامام محمد بن إسماعيل بن إبراهيم البخاري كما صرح به أبو علي بن السكن ومسلمه بن قاسم وغيرهما وموطأ مالك وإن كان سابقا فمصنفه لم يتقيد بما اجتمع فيه الشروط السابقة لإدخاله فيه المرسل والمنقطع ونحوهما على سبيل الاحتجاج بخلاف ما يقع في البخاري من ذلك وقول الشافعي رحمه الله ما على ظهر الأرض كتاب في العلم بعد كتاب الله أصح من كتاب مالك كان قبل وجوده ( و ) لتقدم البخاري في الفن ومزيد استقصائه ( خص ) ما أسنده في صحيحه دون التعاليق والتراجم وأقوال الصحابة والتابعين ( بالترجيح ) على سائر (1/26)
الصحاح ومسلم بعد بضم الدال أي بعد البخاري وضعا ورتبة وحذف المضاف إليه ونوى معناه للعلم به
هذا ما ذهب إليه الجمهور من أهل الإتقان والحذق والخوض على الأسرار ( وبعض ) أهل ( الغرب ) جسما حكاه القاضي عياض عمن لم يسمه من شيوخ أبي مروان الطبني بضم المهملة ثم موحدة ساكنة على المشهور بعدها نون مدينة بالمغرب من عمل أفريقية مما وجد التصريح به عن أبي محمد بن حزم منهم ( مع ) الحافظ ( أبي علي ) الحسين بن علي بن يزيد النيسابوري أحد شيوخ صاحب المستدرك أبي عبدالله الحاكم فيما نقله عنه أبو عبد الله بن منده الحافظ ( فضلوا ذا ) أي صحيح مسلم ولكن ( لو نفع ) هذا القول لقيل من قائله لكنه لم ينفع لضعفه ومخالفة الجمهور بل وعدم صراحة مقالهم في المراد
أما المغاربة فإن ابن حزم علل ذلك كما نقله أبو محمد القاسم التجيبي عنه بأنه ليس فيه بعد الخطبة إلا الحديث السرد وهو غير راجع إلى الأصحية ويجوز أن يكون تفضيل من لم يسم أيضا لذلك وقريب منه قول مسلمة بن قاسم لم يضع أحد مثله
ولكون ابن الصلاح لم يقف على كلام ابن حزم تردد في جهة التفصيل وقال ما معناه إن كان المراد إن كتاب مسلم يترجح بأنه لم يمازجه غير الصحيح يعني بخلاف البخاري فإنه أودع تراجم أبوابه كثيرا من موقوفات الصحابة والتابعين وغير ذلك فهذا لابأس به لكن لا يلزم منه المدعي وإن الأرجحية من حيثية الصحة فمردود على قائله
وأما المنقول عن أبي علي فلفظه كما رويناه من طريق ابن منده المذكور عنه ما تحت أديم السماء كتاب أصبح من كتاب مسلم وهو كما أشار إليه شيخنا محتمل للمدعي أولنفي الأصحية خاصة دون المساواة
فقد قال ابن القطاع في شرح ديوان المتنبي ذهب من لايعرف معاني (1/27)
الكلام إلى أن مثل قوله صلى الله عليه و سلم وما أقلت الغبراء ولا أظلت الخضراء أصدق لهجة من أبي ذر مقتضاه أن يكون أبو ذر أصدق العلم أجمع
وقال وليس المعنى كذلك وإنما نفى أن يكون أحد أعلى رتبة في الصدق منه ولم ينف أن يكون في الناس مثله في الصدق ولو أراد ما ذهبوا إليه لقال أبو ذر أصدق من كل من أقلت والحاصل أن قول القائل فلان أعلم أهل البلد بفن كذا أليس كقوله ما في البلد أعلم من فلان بفن كذا
لأنه في الأول أثبت له الأعلمية وفي الثاني نفى أن يكون في البلد أحد أعلم منه فيجوز أن يكون فيها من يساويه فيه قال وإذا كان لفظ أبي علي محتملا لكل من الأمرين لم يحسن أن ينسب إليه الجزم بالأصحية يعني كما فعل جماعة منهم النووي في شرح مسلم وغيره حيث قال وقال أبوعلي كتاب مسلم أصح وقد سبقه كل من شيخيه المؤلف والعز ابن جماعة إلى الإرشاد لذلك بل لعدم صراحة مثل ذلك
قال الإمام أحمد ما تروي عن أثبت من هشام الدستوائي أما مثله فعسى ويتأيد كل هذا بحكاية التساوي قولا ثالثا في المسألة بل فيها رابع وهو الموقف إذا علم هذا
فدليل الجمهور إجمالي وتفصيلي
أما الإجمالي فاتفاقهم على أن البخاري كان أعلم بالفن من مسلم وأنه تلميذه وخريجه حتى قال الدارقطني لولا البخاري لما راح مسلم ولا جاء
ولكن قد يقال لا يلزم من ذلك أرجحية المصنف كما أنه لا يستلزم المرجوحية ويجاب بأنه الأصل ومن ثم اتجه تعلق الأولية بالمقصود
وقول النووي إن كتاب البخاري أكثرهما فوائد ومعارف ظاهرة وغامضة وأما التفصيلي فالإسناد الصحيح مداره على الاتصال وعدالة الرواة
وكتاب البخاري أعدل رواة وأشد اتصالا وبيانه أن الذين انفرد (1/28)
البخاري بالإخراج لهم دون مسلم أربعمائة وخمسة وثلاثون رجلا المتكلم فيه بالضعف منهم نحو من ثمانين
والذين انفرد مسلم بإخراج حديثهم دون البخاري ستمائة وعشرون رجلا المتكلم فيه منهم مائة وستون رجلا على الضعف من كتاب البخاري
ولا شك أن التخريج عمن لا يتكلم فيه أصلا أولى من التخريج عمن تكلم فيه ولو كان ذلك غير شديد وأيضا فالذين انفرد بهم البخاري عمن تكلم فيه لم يكثر من تخريج أحاديثهم بخلاف مسلم والذين انفرد بهم البخاري ممن تكلم فيه أكثرهم من شيوخه الذين لقيهم وخبرهم وخبر حديثهم بخلاف مسلم فأكثر من ينفرد به ممن تكلم فيه من المتقدمين
ولا شك أن المرء أعرف بحديث شيوخه من حديث غيرهم ممن تقدم وأكثر هؤلاء الذين تكلم فيهم من المتقدمين يخرج البخاري أحاديثهم غالبا في الاستشهادات ونحوها بخلاف مسلم
وأما من يتعلق بالاتصال فمسلم كان مذهبه بل نقل فيه الإجماع في أول صحيحه أن الإسناد المعنعن له حكم الاتصال إذا تعاصر المعنعن والمعنعن عنه وإن لم يثبت اجتماعهما والبخاري لا يحمله على الاتصال حتى يثبت اجتماعهما ولو مرة واحده
ولذا قال النووي وهذا المذهب يرجح كتاب البخاري قال وإن كنا لا نحكم على مسلم بعمله في صحيحه بهذا المذهب لكونه يجمع طرقا كثيرة يتعذر معها وجود هذا الحكم الذي جوزة انتهى
وما ذكره بعضهم من المرجحات لكتاب مسلم سوى ما سلف عن ابن حزم فهو مع كونه كما من مر غير مستلزم الأصحيه معارض بوجود مثله أو أحسن منه من نمطه في البخاري مما لا نطيل إيضاحه هذا وقد قال الحافظ الفقيه الإمام الناظر أبو بكر الإسماعيلي أنه أي مسلما رام ما رام البخاري إلا أنه لم يضايق نفسه مضايقته وروى عن جماعه لم يتعرض البخاري للروايه عنهم قال وكل (1/29)
قصد الخير وما هو الصواب عنده
غير أن أحد منهم لم يبلغ من التشديد مبلغ أبي عبدالله ولا تسبب إلى استنباطه المعاني واستخراج لطائف فقه الحديث وتراجم الأبواب الداله على ماله وصله بالحديثه فيه لسببه ولله الفضل يختص به من يشاء
وبالجمله به فكتاباهما أصح كتب الحديث ولكنهما لم يعماه أي لم يستوعبا كل الصحيح في كتابيهما بل لو قيل إنهما لم يستوعبا مشروطهما لكان موجها وقد صرح كل منهما بعدم الإستيعاب فقال البخاري فيما رويناه من طريق ابراهيم بن معقل عنه ما أدخلت في كتابي الجامع إلا ما صح وتركت من الصحيح خشيه أن يطول الكتاب
وقال مسلم إنما أخرجت هذا الكتاب وقلت هو صحاح ولم أقل أنه مالم أخرجه من الحديث فيه ضعيف
وحينئذ فإلزام الدارقطني لهما في جزء أفرده بالتصنيف بأحاديث رجال من الصحابه رويت عنهم من وجوه صحاح تركاها مع كونها على شرطهما وكذا قول ابن حبان ينبغي أن يناقش البخاري ومسلم في تركهما إخراج أحاديث ي من شرطهما ليس بلازم
وكذلك قال الحاكم أبو عبدالله ولم يحكما ولا واحد منهما أنه لم يصح من الحديث غير ما خرجه قال وقد تبع في عصرنا هذا جماعه من المبتدعه يشمتون برواة الآثار بأن جميع ما يصح عندكم من الحديث لا يبلغ عشرة الآف حديث ونحو ما ذكر السلفي في عجم السفر أن بعضهم رأى في المنام أبا داود صاحب السنن في آخرين مجتمعين وأن أحدهما قال كل حديث لم يروه البخاري فأفلت عنه رأس دابتك ومن ثم صرح بعض المغاربه بتفضيل كتاب النسائي على صحيح البخاري وقال إن شرط الصحه فقد جعل لمن لم يستكمل في الإدراك سببا إلى الطعن على ما لم يدخل وجعل للجدال موضعا فيما أدخل وهو قول شاذ لا يعول عليه حكما وتعليلا (1/30)
والحق أنهما لم يلتزما حصر الصحيح فيما أودعاة كتابيهما ولكن قل ما أي الذي عند الحافظ أبي عبدالله محمد بن يعقوب بن يوسف الشيباني النيسابوري ابن الأحزم شيخ الحاكم وهو بمعجمه ثم مهمله وميم مدغمه في ميم منه أبي من الصحيح قد فاتهما ورد من ابن اصلاح بقول ولقائل أن يقول ليس ذلك بالقليل فإنه يصفو من مستدرك الحاكم عليهما صحيح كثير
لكن قال الشيخ محيي الدين أبو زكريا يحيى النووي البر لما اجتمع فيه من الزهد والورع وأصناف البر ما فات بحيث قال بعضهم أنه كان سالكا منهاج الصحابه لا تعلم من عصرة ةمن سلكه غيرة في كتابه الإرشاد بعد قوله والصحيح قول غير ابن الأحزم أنه فاتهما كثير ويدل عليه المشاهده
قلت والصواب قول من قال لم يفت الكتب الخمسه أصول الإسلام وهي الصحيحان والسنن الثابته إلا النذر يعني القليل وكأنما أراد بالقبائل الحافظ أبا أحمد بن الفرضي فإنه وصف مصنف أبي علي بن السكن مع اشتماله على ما عدا الترمذي منها بأنه لم يبق عليه إلا القليل
وفيه أي وفي تصويب النووي رحمه الله أيضا ما فيه كتابة ضعفه لقول الجعفي مولاهم البخاري حسبما حكاه ابن الصلاح كالمستظهر بظاهره للرد على ابن الأحزم أحفظ منه أي من الصحيح عشر ألف ألف حديث أي مائة ألف كما هي عبارته وبقيه كلامه ومئة ألف حديث غير صحيح والخمسة فضلا عن الصحيحين دون ذلك بكثير وقد يجاب عنهما معا بأن يقال مما أشار إليه ابن الصلاح عله أي على البخاري وهي لغة في لعل ومنه ( لا تهن الفقير علك أن ... تركع يوما والدهر قد دفعه )
أراد بلوغ العدد المذكور بالتكرار لها وموقوف يعني بعد المكرر والموقوف وكذا آثار الصحابة والتابعين وغيرهم وفتاويهم مما كان السلف (1/31)
يطلقون على كل حديث وحينئذ يسهل الخطب فرب حديث له مائة طريق فأكثر
وهذا حديث الاعمال بالنيات نقل مع ما فيه عن الحافظ أبي اسماعيل الأنصاري الهروي أنه كتبه من حديث سبعمائة من أصحاب رواية يحيى بن سعيد الأنصاري وقال الإسماعيلي عقب قول البخاري وما تركت من الصحيح أكثر ما نصه لو أخرج كل حديث عنده يجمع في الباب الواحد حديث جماعة من الصحابه ولذكر طرق كل واحد منهم إذا صحت
وقال الجوزقي إنه إستخرج على أحاديث الصحيحين فكانت عدته خمسة وعشرون ألف طريق وأربعمائة وثمانين طريقا
قال شيخنا وإذا كان الشيخان مع ضيق شرطهما بلغ جملة ما في كتابيهما بالمكرر ذلك فلما لم يخرجاه من الطرق للمتون التي أخرجاها لعلة يبلغ ذلك أيضا أو يزيد وما لم يخرجاه من المتون من الصحيح الذي على شرطهما لعله يبلغ ذلك أيضا أو يستويمنه فإذا انضاف ذلك إلى ما جاء عن الصحابة والتابعين بلغ العدة التي يحفظها البخاري بل ربما زادت
وهذا الحمل متعين وإلافلو عدت أحاديث المسانيد والجوامع والسنن والمعاجم والفوائد والأجزاء وغيرها مما هو بأيدينا صحيحها وغيرة ما بلغت ذلك بدون تكرار بل ولا تصنيف انتهى
وبمقتضى ما تقرر ظهر أن كلام البخاري لا ينافي مقاله ابن الأحزم فضلا عن النووي وإن كان ابن الصلاح استنتج من ظاهرة مع قوله وفي صحيح البخاري من الاحاديث بدون تكرير أربعه الآلاف بزياده ال للضرورة والمكرر منها فوق ثلاثة ألوفا بالنصب على التمييز أي ثلاثه الآلاف ومائتان وخمسه وسبعون حديثا كما ذكروا أي أبو محمد السرخسي راوي الصحيح ومن تبعه أن الذي لم يخرجه البخاري من الصحيح أكثر مما خرجه على انه قد أجيب أيضا بغير هذا فحمل بعضهم كلام ابن الأحزم فيما فاتهما على الصحيح المجمع عليه وحينئذ فلا يتعقب بالمستدرك فقد قال بعض الحفاظ (1/32)
إنه لم ير فيه ضعف على شرطهما إلا ثلاثة أحاديث بل لم يستثن غيره شيئا
قال شيخنا والظاهر أنه إنما أراد مما عرفاه وأطلعا عليه مما يبلغ شرطهما لا يقيد كتابيهما كما فهمه ابن الصلاح انتهى
ويتأيد بعدم موافقه التاج التبريزي على التقييد بكتابيهما كما أوضحت كل هذا في النكت مع فوائد لا يسعها هذا المختصر منها أنه المعتمد في العدة سبعه الآف وثلامائه وسبعه وتسعون حديثا بزياده مائه واثنين وعشرين كل ذلك سوى المعلقات والمتابعات والموقوفات على الصحايبه والمقطوعات عن التابعين فمن بعدهم والخالص من ذلك بلا تكرير ألفا حديث وستمائه وحديثان وإذا ضمت المتون المعلقه المرفوعه التي لم يوصلها في موضع آخر منه وهي مائة وتسعة وخمسون صار مجموع الخالص ألفي حديث وسبعمائة وواحد وستين حديثا (1/33)
الصحيح الزائد على الصحيحين
( وخذ زيادة الصحيح إذ تنص ... صحته أو من مصنف يخص )
( بجمعه نحو ابن حبان الزكي ... وابن خزيمة وكالمستدرك )
( على تساهل وقال ما انفرد ... فذاك حسن مالم يرد )
( علة والحق أن يحكم ... بما يليق والبستي يداني الحاكم )
( وخذ ) أيها الطالب بعد ما تقدر لك أن الشيخين لم يستوعباه ( زيادة الصحيح ) المشتمل على شرطيهما وغيره مما حكم له بالصحة ( إذ ) أي حيث ( تنص صحته ) من إمام معتمد كأبي داود والترمذي والنسائي والدار قطني والخطابي والبيهقي وغيرهم من أصحاب الكتب الشهيرة فيها وكذا في غيرها إذا صح الطريق إليهم كما إذا وجد ذلك عن يحيى بن سعيد القطان وابن معين وغيرهما ممن لم يشتهر لهم تصنيف خلافا لا بن الصلاح فيما عدا الكتب الشهيرة بناء على مذهبه من عدم إمكان التصحيح في الأزمان المتأخرة لا ستلزامه الحكم على السند الموصل إليهم بالصحة
وما وقع في كلام النووي رحمه الله من التقيد بالتصانيف تبعا لابن الصلاح كأنه للاكتفاء بما صححه بعد من لا مكان ثم إنه لا انحصار لأخذ الزيادة فيما سبق بل إما منه ( أو من مصنف ) بفتح النون ( يخص بجمعه ) أيالصحيح بمقتضى ما عند مصنفه ( نحو ) صحيح أبي حاتم ( ابن حيان ) بكسر (1/34)
المهمله قم موحده محمد التميمي البستي الشافعي الحافظ الفقيه القاضي الزكي أي الزاكي لنموه عند غير واحد من الأئمه كالخطيب فإنه قال كان ثقه ثبتا فاضلا فيها
وقال الحاكم كان من أوعيه العلم في الفقه واللغه والحديث والوعظ ومن عقلاء الرجال واسم مصنفه التقاسيم والأنواع ونحو صحيح إمام الأئمه أبي بكر ابن خزيمه بمعجمتين أولاهما مضمومه وبالصرف وتركه هنا واسمه محمد ابن إسحاق السلمي النيسابوري الفقيه الشافعي شيخ ابن حبان القائل فيه ما رأيت على الأرض من يحسن صناعة السنن ويحفظ ألفاظها الصحاح وزياداتها حتى كان السنن كلها بين عينيه غيره وآخر عنه مع تقدمه لكون صحيحه عدم أكثره بخلاف صحيح ابن حبان فهو موجود بتمامه
( وكالمستدرك ) على الصحيحين مما فاتهما للحاكم أبي عبدالله الضبي النيسابوري الحافظ الثقة ( على تساهل ) متنه فيه بإدخاله فيه عدة موضوعات حملة على تصحيحها إما التعصب لما رمى به من التشيع وإما غيره فضلا عن الضعيف وغيره بل يقال إن السبب في ذلك أنه صنفه في أواخر عمره وقد حصلت له غفلة وتغير أو أنه لم يتيسر له تحريره وتنقيحه ويدل له أن تساهله في قدر الخمس الأول منه قليل بالنسبة لباقيه فإنه وجد عنده إلى هنا انتهى إملاء الحاكم
وقول أبي سعد الماليني أنه طالعه بتمامه فلم ير فيه حديثا على شرطهما غير مرضي نعم هو معروف عند أهل العلم بالتساهل في التصحيح والمشاهدة تدل عليه ( و ) لذلك ( قال ) ابن الصلاح ما حاصله ( ما انفرد ) الحكم به أي بتصحيحه ليخرج ما شاركه غيره في تصحيحه وكذا ماأخرجه فقط غير مصحح له فذاك حسن ما لم يرد للقدح فيه ( عله ) أي لإمام تقتضي الرد هذا ما مشى عليه النووي والبدر بن جماعة في اختصارها ابن الصلاح والموجود في نسخه إن لم يكن من قبيل الصحيح فهو من قبيل الحسن يحتج به وظاهره عدم (1/35)
الحصر في أحدهما وأنه جعل ما لم يكن مردودا من أحاديثه دائر بين الصحة والحسن احتياطا
وحينئذ فلم يتحكم بغير دليل نعم جر سده باب التصحيح إلى عدم التمييز أحدهما من الآخر لاشتراكهما كما صرح به في الحجية ( والحق ) كما أرشد إليه البدر بن جماعة ( ان ) يتتبع الكتاب ويكشف عن أحاديثه ( ويحكم ) بسكون الميم لغة أي تقضي على كل منهما ( بما يليق ) به من الصحة أو الحسن أو الضعف
ثم أن السبب في تخصيص الحاكم عن غيره ممن ذكر بالتصريح بذلك مزيد تساهل ( و ) إلا فابن حبان ( البستي ) وهو بضم الموحدة وإسكان المهملة وبعدها مثناة فوقانية نسبة لمدينة من بلاد كابل بين هراة وغزنة وصف بأنه ( يداني ) أي يقارب ( الحاكم ) في التساهل وذلك يقتضي النظر في أحاديثه أيضا لأنه غير متقيد بالمعدلين بل ربما يخرج للمجهولين لا سيما مذهبه إدراج الحسن في الصحيح مع أن شيخنا قد نازع في نسبته إلى التساهل من هذه الحيثية
وعبارته إن كانت باعتبار وجدان الحسن في كتابه فهي مشاحجة في الإصطلاح لأنة يسميه صحيحا وإن كانت باعتبار خفة شروطه فإنه يخرج في الصحيح ما كان رواية ثقة غير مدلس سمع ممن فوقه وسمع منه الأخذعنه ولا يكون هناك إرسال ولا انقطاع وإذا لم يكن في الراوي جرح ولا تعديل وكان كل من شيخه والراوي عنه ثقة ولم يأت بحديث منكر فهو عنده ثقة وفي كتاب الثقات له كثير ممن هذه حاله
ولأجل هذا ربما اعترض عليه في جعلهم من الثقات من لم يعرف اصطلاحه ولا اعتراض عليه فإنه لا يشاحج في ذلك
قلت ويتأيد بقول الحازمي ابن حبان أمكن في الحديث من الحاكم وكذا قال العماد ابن كثير قد التزم ابن خزيمة وابن حبان الصحة وهما خير من المستدرك بكثير وأنظف أسانيدا ومتونا وعلى كل حال فلا بد من النظر للتمييز وكم في كتاب ابن خزيمة أيضا من حديث محكوم منه بصحته وهو لا (1/36)
يرتقي عن رتبة الحسن بل وفيما صححه الترمذي من ذلك جمله مع أنه ممن يفرق بين الصحيح والحسن
وكذا من مظان الصحيح المختارة مما ليس في الصحيحين أو أحدهما للضياء المقدسي الحافظ وهي أحسن من المستدرك لكنها مع كونها على المسانيدلا الأبواب لم يكمل تصنيفها وتقع أيضا في صحيح أبي عوانة الذي عمله مستخرجا على مسلم أحاديث كثيرة زائدة على أصله وفيها الصحيح والحسن بل والضعيف أيضا فينبغي التحرز في الحكم عليها أيضا
وأما ما يقع فيه وفي غيره من المستخرجات على الصحيحين من زيادة في أحاديثهما أو تتمة لمحذوف أو نحو ذلك فهي صحيحة لكن مع وجود الصفات المشترطة في الصحيح فيمن بين صاحب المستخرج والراوي الذي اجتمعا فيه كما سيأتي قريبا (1/37)
المستخرجات
( واستخرجوا علـى الصحيح كابي ... عوانة ونحوه واجتنب )
( عزوك الفاظ المتون لهمـــــــــــــا ... اذ خالفت لفظا ومعنى ربما )
( ومــــا يزيد فاحكمن صحتــــــــــه ... فهو مع العلو مـن فائدته )
( والاصل - يعني - البيهقي ومن عزا ... وليت اذ زاد الحميدي ميزا )
والاستخراج أن يعمد حافظ إلى صحيح البخاري مثلا فيورد احاديثه حديثا حديثا بأسانيد لنفسه غير ملتزم فيها ثقة الرواة وإن شذ بعضهم حيث جعله شرطا من غير طريق البخاري إلى أن يلتقي معه في شيحه أو في شيخ شيخه وهكذا ولو في الصحابي كما صرح به بعضهم
لكن لا يسوغ للمخرج العدول عن الطريق التي يقرب اجتماعه مع مصنف الأصل فيها إلى الطريق البعيدة إلا لغرض من علو أو زيادة حكم مهم أو نحو ذلك ومقتضى الاكتفاء بالالتقاء في الصحابي أنهما لو اتفقا في الشيخ مثلا ولم يتحد سنده عندهما ثم اجتمع في الصحابي إدخاله فيه وإن صرح بعضهم بخلافه
وربما عز على الحافظ وجود الأحاديث فيتركه أصلا أو يعلقه عن بعض رواته أو يورده من جهة مصنف الأصل ( و ) قد ( استخرجوا ) أي جماعة من الحافظ ( على الصحيح ) لكل من البخاري ومسلم الذي انجز الكلام بسببهما إلى (1/38)
بيانه وإلا فقد استخرجوا على غيرهما من الكتب
والذين تقيدوا بالاستخراج على الصحيح جماعة ( ك ) الحافظ ( أبي عوانة ) بالصرف للضرورة يعقوب بن اسحاق الأسفرائيني الشافعي استخرج على مسلم ( ونحوه ) أي أبي عوانة كالحافظ الشافعية أبوي بكر أحمد بن إبراهيم بن اسماعيل الاسماعيلي على البخاري فقط وأحمد بن محمد بن أحمد الخوارزمي البرقاني بتثليث الموحدة وأبي نعيم أحمد بن عبدالله بن أحمد الاصفهاني كلاهما عليهما وهما في عصر واحد والذي قبلهما شيخ أولهما وهو تلميذ أبي عوانة ولذا خص بالتصريح به ولم يلاحظ كون غيره استخرج على الصحيحين أو على البخاري الذي هو أعلى لاسيما وهو مناسب للباب قبله لما اختص به كتابه من زيادات متون مستقلة وطرق متعددة غيرما اشترك مع غيره فيه من زيادة مستقلة في أحاديثثهما ونحوهما كما بينته قريبا
وإنما وقعت الزيادات في المستخرجات لعدم التزام مصنفيها لفظ الصحيحين ( و ) لهذا قيل للناقل اجتنب عزوك ألفاظ التون أي الأحاديث التي تنقلها منها ( لهما ) أي للصحيحين فلا تقل حيث نورده للحجة كالتصنيف على الأبواب حسبما قيده ابن دقيق العيد أخرجه البخاري أو مسلم بهذا اللفظ إلا بعد مقابلته أو تصريح المخرج بذلك ( إذا ) قد ( خالفت ) المستخرجات ( لفظا ) كثيرا لتقيد بألفاظ رواياتهم ( و ) كذا ( معنى ربما ) خالفت أي قليلا ( و ) إذا كان كذلك فانظر ( ما تزيد ) بالمثناة الفوقانية أو التحتانية أي المستخرجات أالمستخرج
( فاحكمن ) بنون التوكيد الخفيفة ( بصحته ) بشرط ثبوت الصفات المشترطة في الصحة للرواة الذين بين المخرج والراوي الذي اجتمعا فيه كما يرشد إليه التعليل بأنها خارجة من مخرج الصحيح فالمستخرجون ليس جل قصدهم إلا العلو يجتهدون أن يكونوا هم والمخرج عليه سواء فإن فاتهم فاعلا ما يقدرون عليه كما صرح به بعض الحفاظ مما يساعده الوجدان وقد لا يتهيأ (1/39)
لهم علو فيوردونه نازلا وإذا كان القصد إنما هو العلو ووجدوه فإن اتفق فيه شرطا لصحيح فذاك الغاية وإلا فقد حصلوا على قصدهم فرب حديث أخرجه البخاري من طريق بعض أصحاب الزهري عنه مثلا فأورده المخرج من طريق آخر ممن تكلم فيه عن الزهري بزيادة فلا يحكم حينئذ بها بالصحة
وقد خرج الإسماعيلي في مستخرجه لإبراهيم بن الفضل المخزومي وهو ضعيف عندهم وأبو نعيم لمحمد بن الحسن بن زبالة وقد اتهموهوإذا حكمت بالصحةبشرطها وعدم منافاتها ( فهو ) أي الحكم بالصحة للزيادة الدالة على حكم لا يدل له حديث الأصل أو الموضحة لمعنى لفظه ( مع ) ما تشمل عليه المستخرجات من ( العلو ) الذي هو كما مقدر قصد المخرج في أحاديث الكتاب بالنسبة لما أورده من الأصل مثاله حديث في جامع عبد الرزاق فلو رواه أبو نعيم مثلا من طريق أحد الشيخين لم يصل إليه إلا بأربعة وإذا رواه عن الطبراني عن إسحاق بن إبراهيم الدبري عنه وصل باثنين ( منفائدته ) أي الاستخراج إلى غير ذلك من الفوائد التي أوردت منها في النكت نحو العشرين
ثم إن أصحاب المستخرجات غير متفردين بصنيعهم بل أكثر المخرجين للمشيخات والمعاجم وكذا للأبواب يوردون الحديث بأسانيدهم ثم يصرحون بعد إنتهاء سياقه غالبا يعزوه إلى البخاري أو مسلم أو إليهما معا مع اختلاف الألفاظ وغيرها يريدون أصله ( و ) لذلك ( الأصل ) بالنصب مفعول مقدم لا الألفاظ ( يعني ) الحافظ الفقيه ناصر السنة أبو بكر أحمد بن الحسين ( البهيقي ) نسبة لبهيق قريء مجتمعة بنواحي نيسابور الشافعي في تصانيفه كالسن الكبرى والمعرفة ( ومن عزا ) للشيخين أو أحدهما كالإمام محيي السنة أبي محمد الحسين بن مسعود البغوي الفقيه الشافعي في شرح السنة وغيره ممن أشرت إليهم وذلك في المشيخات ونحوها أسهل منه في الأبواب خصوصا مع تفاوت المعنى وكون القصد بالتبويب منه ليس عند صاحب الصحيح ولذلك استنكره ابن دقيق العيد فيها (1/40)
ولكن جلالة البهيقي ووفود إمامته تمنع ظن ارتكابه المحذور منه وعلى تقدير تجويز ذلك في غيره فالإنكار فيه أخف ممن عمد إلى الصحيحين فجمع بينهما لا على الأبواب بل مسانيد الصحابة بحذف أسانيدها ويدرج في أثناء أحاديثهما ألفاظا من المستخرجات وغيرها لأن موضوعه الإقتصار عليهما فإدخال غير ذلك مخل ( وليت إذ زاد ) الحافظ أبو عبد الله محمد بن أبي نصر ( الحميدي ) بالتصغير نسبة لجده الأعلى حميد الأندلسي القرطبي فاعل ذلك في جمعه ( ميزا ) فإنه ربما يسوق الحديث الطويل ناقلا له من مستخرج البرقاني أو غيره ثم يقول اختصره البخاري فأخرج طرفا منه ولا يبين القدر المقتصر عليه فيلتبس على الواقف عليه ولا يميزه إلا بالنظر في أصله ولكنه في الكثير يميز بأنه يقول بعد سياق الحديث بطوله اختصر منه البخاري على كذا وزاد فيه البرقاني مثلا كذا
ولأجل هذا وما يشبهه انتقد ابن الناظم وشيخنا دعوى عدم التمييز خصوصا وقد صرح العلائي ببيان الحميدي للزيادة وهو كذلك لكن في بعضها ما لا يتميز كما قررته وبالجملة فيأتي في النقل منه ومن البهيقي ونحوه ما سبق في المستخرجات (1/41)
مراتب الصحيح
( وارفع الصحيح مرويها ... ثم البخاري فمسلم فما )
( شروطهما حوى فشرط الجعفي ... فمسلم فشرط غير يكفي )
( وعنده التصحيح ليس يمكن ... في عصرنا وقال يحيى ممكن )
مطلقا وارفع الصحيح مرويهما أي البخاري ومسلم لاشتماله على أعلى الأوصافالمقتضية للصحة وهو المسمى بالمتفق عليه وبالذي أخرجه الشيخان إذا كان المتن عن صحابي واحد كما قيده شيخنا وقال إن في عد المتن الذي يخرجه كل منهما عن صحابي من المتفق عليه نظرا على طريقة المحدثين وهو على ما اتفقا عليها أنواع
فأعلاه ما وصف بكونه متواترا ثم مشهورا ثم أصح كمالك عن نافع عن ابن عمر ثم ما وافقهما ملتزمواالصحة ثم أحدهم على تخريبه ثم أصحاب السنن ثم المسانيد ثم ما انفردوا به ولا يخرجه بذلك كله عن كونه مما اتفقا عليه ( ثم ) يليه البخاري فقط وهو القسم الثاني لأن شرطه أضيق فيليه مروي مسلم وحده لمزاحمته للذي قبله وهو الثالث
هذا هو الأصل الأكثر وقد يعرض للمفوق ما يجعله فائقا كأن يتفق (1/42)
مجيء ما انفرد به مسلم من طرق يبلغ بها التواتر أو الشهرة القوية ويوافقه على تخرجه مشترطوا الصحة فهذا أقوى مما انفرد به البخاري مع اتحاد مخرجه وكذا نقول فيما انفرد به البخاري بالنسبة لما اتفقا عليه بل وفي غيره من الأقسام المفضولة بالنسبة لما هو أعلى منه إذا إنضم إليه ذلك ( ف ) يلي ما انفرد به مسلم وما شرطهما مفعول حوى أي جمع شرطهما وهو الرابع
والدليل لتأخرة عن الذين قبله التلقي لكل من الصحيحين بالقبول على أن شيخنا تردد في كونه أعلى من الذي قبله أو مثله كما تردد غيرة في تأخير الثالث عن الثاني إذا كان على شرطه ولم ينص على تعليله ويساعده أنهما لم يستوعبا مشروطهما وإذا كان على ما قرروه ( ف0 ) يلي الذي على شرطهما ماحوى للشرط الجعفي البخاري وهو الخامس
فما حوى شرط مسلم وهو السادس فما حوى شرط غير من الأئمه سوى البخاري ومسلم وهو السابع
مع أنه لو لوحظ الترجيح بين شروط من عند الشيخين كما فعل فيهما لزادت الأقسام ولكن ما ذكر يكفي لما في ذلك من التطويل وعدم تصريح ابن الصلاح بالاكتفاء لايخالفه لأنه قد يلزم منه الخوض في التصحيح واستعمال غير بلا إضافه قليل وعنده أي ابن الصلاح التصحيح وكذا التحسين ليس يمكن بل جنح لمنع الحكم بكل منهما في الأعصار المتأخرة الشامله له في عصرنا واقتصر فيهما على ما نص عليه الأئمه في تصانيفهم المعتمده التي يؤمن فيها لشرتها من التغيير والتحريف محتجا بأنه ما من إسناد إلا وفي روايه من اعتمد على ما فيه كتابه عريا عن الضبط واإتقان
وظاهر كلامه كما قال شيخنا على ما سيأتي في أول التنبيهات التي بآخر المقلوب القول بذلك في التضعيف أيضا ولكن لم يوافق ابن الصلاح على (1/43)
ذلك كله حكما ودليلا
أما الحكم في صحح جماعه من المعاصرين له كأبي الحسن بن القطان مصنف الوهم والإيهام والضياء المقدسي صاحب المختارة وممن توفي بعده كالزكي المنذري والدمياطي طبقه إلى شيخنا ومن شاء الله بعده وقال الشيخ أبو زكريا يحيى النووي رحمه الله الأظهر عنده جوازة وهو ممكن لمن تمكن وقويت معرفته لتسير طرقه وأما الدليل فالخلل الواقع في الأسانيد المتأخرة إنما هو في بعض الرواة لعدم الضبط والمعرفه بهذا العلم وهو في الضبط منجبر بالاعتماد على المقيد عنهم كما أنهم اكتفوا بقول بعض الحفاظ فيما عنعنه المدلس هذا الحديث سمعه هذا المدلس من شيخه
وحكموا لذلك بالاتصال وفي عدم المعرفه بضبطهم كتبهم من وقت السماع إلى حين التأديه وراء أن هذا الكتاب المشهور الغني بشهرته عن اعتبار الإسناد منا إلى مصنفه ككتاب النسائي مثلا لا يحتاج في صحه نسبته إلى النسائي الى اعتبار حال الإسناد من إليه كما اقتضاة كلامه إذا روي مصنفه فيه حديثا لم يعلله وجمع إسناده شروط الصحه ولم يطع المحث فيه على عله فما المانع من الحكم بصحته ولو لم ينص عليها أحد من المتقدمين لا سيما وأكثر ما يوجد من هذا القبيل مارواته رواه الصحيح وفيهما لضابطون المتقنون الحفاظ بكثرة هذا لا ينازع فيه من له ذوق في هذا الفن أفاده شيخنا ومن قبله ابن الناظر في ديباجه شرحه لأبي داؤد
ولعل ابن الصلاح اختار حسم الماده لئلا يتطرق إليه بعض المتشبهين ممن يزاحم في الوثوب على الكتب لايهتدي للكشف منها والوظائف التي لاتبرأ ذمته بمباشرتها ( وللحديث رجال يعرفون به ... وللدواوين كتاب وحساب ) (1/44)
ولذلك قال بعض أئمه الحديث في هذا المحل للذي يطلق عليه اسم المحدث في عرف المدثين أن يكون كتب وقرأ وسمع ووعى ورحل إلى المدائن والقرى وحصل أصولا وعلق فروعا من كتب المسانيد والعلل والتواريخ التي تقرب من ألف تصنيف فغذا كان ذلك فلا ينكر له ذلك
وأما إذا كان رأسه طليسان وفيه رجليه نبلان وصحب أميرا من أمراء الزمان أو من تحلى بالؤلؤ ومرجان أو بثياب ذات ألوان فحصل تدريس حديث بالإفك والبهتان وجعل نفسه لعبه للصبيان لا يفهم ما يقرأ عليه من جزء ولا ديوان فهذا لا يطلق عليه اسم محدث بل ولا إنسان وإنه مع الجهاله آكل حرام فإن استحله خرج من دين الإسلام انتهى
والظاهر أنها نفثه مصدور ورميه معذور وبها يتسلى القائم في هذا الزمان بتحقيق هذا الشأن مع قله الأعوان وكثرة الحسد والخذلان والله المستعان وعليه التكلان
إذا تقرر هذا فاعلم أنه لم يصرح أحد من الشيخين بشرط في كتابه ولا في غيرة كما جزم به غير واحد منهم النووي وإنما عرف بالسبر كتابيهما ولذا أختلف الأئمه في ذلك فقال أبو الفضل ابن طاهر الحافظ في جزء سمعناه أفرده لشروط السته شرطهما أن يخرجا الحديث المتفق على ثقه نقلته إلى الصحابي المشهور من غير إختلاف بين الثقات الأثبات ويكون اسناده متصلا غير مقطوع وإن كان للصحابي روايان فصاعدا فحسن وإن لم يكن له إلاراو واحد وصح الطريق إليه كفى وما ادعاه من الاتفاق على ثقة نقلتهما قد لا يخدش فيه وجود حكاية التضعيف في بعضهم ممن قبلهما لتجويز أنهما لم يرياه قادحا فنزلا كلام الجمهور والمعتمد عندهما منزله الإجماع وكذا قوله من غير اختلاف بين الثقات ليس على إطلاقه فإنه ليس كل خلاف مؤثر وإنما المؤثر مخالفه الثقه لمن هو أحظ منه أو أكثر عددا من الثقات كما سيأتي في الشاذ (1/45)
وقال الحافظ أبو بكر الحازمي في جزء شروط الخمسه مما سمعناه أيضا ما حاصله أن شرط الصحيح أن يكون إسناده متصلا وأن يكون راويه مسلما صادقا غير مدلس ولا مختلط متصفا بصفات العداله ضابطا متحفظا سليم الذهن قليل الوهم سليم الإعتقاد
وإن شرط البخاري أن يخرج ما اتصل إسناده بالثقات المتقنين الملازمين لمن أخذوا عنه ملازمه طويله سفرا وحضرا وإنه قد يخرج أحيانا ما يعتمده عن أعيان الطبقه التي يلي هذخ في الإتقان والملازمه لمن ردوا عنه فلم يلزموه إلا ملازمه يسيرة
وأما مسلم فيخرج أحاديث الطبقتين على سبيل الإستيعاب وقد يخرج حديث من لم يسلم من غوائل الجرح إذا كان طويل الملازمه لمن أخذ عنه كمحاد بن سلمه في ثابت البناني فإنه لكثرة ملازمته له وطول صحبته إياة صارت صحيفه ثابت على ذكرة وحفظه بعد الإختلاط كما كانت قبله وعمل مسلم في هذه كعمل البخاري في الثانيه
قلت ولا يمنع من هذا اكتفاء مسلم في السند المعنعن بالمعاصرهوالبخاري باللقاء ولو مرة لمزيد تحريمها في صحيحهما
وقال ابن الجوزي اشترط البخاري ومسلم الثقة والاشتهار قال وقد تركا أشياء تركها قريب وأشياء لا وجه لتركها فمما تركه البخاري الراوية عن حماد بن سلمة مع علمه بثقته لأنه قيل إنه كان له ربيب يدخل في حديثه ما ليس منه وترك الراوية عن سهيل بن أبي صالح لأنه قد تكلم في سماعه من أبيه وقيل صحيفة واعتمد عليه مسلم لما وجده تارة يحدث عن أبيه وتارة عن عبدالله بن دينار عن أبيه ومرة عن الأعمش عن أبيه فلو كان سماعه صحيفة كان يروي الكل عن أبيه انتهى
ورد كل من الحازمي وابن طاهر على الحاكم دعواه التي وافقه عليها (1/46)
صاحبه البهيقي من أن شرطهما أن يكون للصحابي المشهور بالرواية عن النبي صلى الله عليه و سلم راويان فصاعدا ثم يكون للتابعي المشهور وله روايان ثقتان ثم يرويه عنه من اتباع التابعين الحافظ المتقن المشهور وله رواة ثقات من الطبقه الرابعه ثم يكون شيخ البخاري ومسلم حافظا متقنا مشهورا بالعداله في روايته وله رواة ثم يتداوله أهل الحديث بالقبول إلى وقتنا هذا كالشهاده على الشهاده
قال شيخنا وهو إن كان منقضا في حق بعض الصحابه الذين أخرجا لهم فإنه معتبر في حق من بعدهم فليس في حق من بعدهم فليس في الكتاب حديث أصل من روايه من ليس له إلا راو واحد قط انتهى
وقد وجدت في كلام الحاكم التصريح باستثناء الصحابه من ذلك وإن كان مناقضا لكلامه الأول ولعله رجع عنه إلى هذا فقال الصحابي المعروف إذا لم نجد له راويا غير تابعي واحد معروف احتججنا به وصححنا حديثه إذ هو صحيح على شرطهما جميعا فإن البخاري قد احتج بحديث قيس ابن أبي حازم عن كل من مرداس الأسلمي وعدي بن عميريه وليس لهما راو غيرة وكذلك احتج مسلم بأحاديث أبي مالك الأشجعي عن أبيه وأحاديث مجزاة ابن زاهر الأسلمي عن أبيه
وحينئذ فكلام الحاكم قد استقام وزال بما تممت به عنه الملام وإن كان الذي أخرج حديث عدي إنما هو مسلم لا البخاري مع كون قيس لم ينفرد عنه والذي أخرج حديث زاهر إنما هو البخاري لا مسلم نعم أخرجا معا للمسبب بن حزن مع إنه لم يرو عنه سوى ابنه سعيد ولكن له ذكر في السير
قال ابن يونس قدم مصر لغزو أفيقية سنة سبع وعشرين
وأورد الحاكم أيضا حديث أبي الأحوض عوف بن مالك الجشمي عن أبيه في مستدركه وقال قد أخرج مسلم لأبي المليح بن أسامة عن أبيه ولأبي (1/47)
مالك الأشجعي عن أبيه ولا راوي لوالدهما غير ولدهما وهذا أولى من ذلك كله انتهى وسيأتي الإشارة لذلك فيمن لم يرو عنه إلا واحد ثم ما المراد بقوله على شرطهما
فعند النووي وابن دقيق العيد والذهبي تبعا لابن الصلاح هو أن يكون رجال ذلك الإسناد المحكوم عليه بأعيانهم في كتابيهما وتصرف الحاكم يقويه فإنه إذا كان عنده الحديث قد أخرجا معا أو أحدهما لرواته قال صحيح على شرطهما أو أحدهما وإذا كان بعض رواته لم يخرجا له قال صحيح الإسناد
حسب ويتأيد بأنه حكم على حديث من طريق أبي عثمان بأنه صحيح الإسناد
ثم قال وأبو عثمان هذا ليس هو النهدي ولو كان النهدي لحكمته بالحديث على شرطهما وإن خالف الحاكم ذلك فيحمل على السهو والنسيان ككثير من أحواله ولا ينافيه قوله في خطبة مستدركه وأنا أستعين الله تعالى على إخراج أحاديث رواتها ثقات قد احتج بمثلها الشيخان أو أحدهما لأنا نقول المثليه أعم من أن تكون في الأعيان أو الأوصاف لا انحصار لها في الأوصاف لكنها في أحدهما حقيقه وفي الآخر مجاز فاستعمل المجاز حيث قال عقب ما يكون عن نفس رواتهما على شرطهما والحقيقه حيث قال عقب ما هو عن أمثال رواتهما صحيح
أفاده شيخنا وعليه مشى في توضيح النخبه فقال لأن المراد به يعني شرطهما رواتهما مع باقي شروط الصحيح يعني من نفي الشذوذ والعله وسبقه لنحوه غيرة قال رجل لشريح إني قلت لهذا اشتر لي مثل هذا الثوب الذي معك فاشترى ذلك الثوب بعينه فقال شريح لا شيء أشبه بالشيء من الشيء بعينه وألزمه أخذ الثوب
وكذا أهل المراد بالمثليه عندهما أو عند غيرهما الظاهر كما قال المؤلف الأول وتعرف بتنصيصهما وقل ما يوجد ذلك أو بالألفاظ (1/48)
الداله على مراتب التعديل ولكن ينبغي ملاحظه الراوي مع شيخه فقد يكون من شرط الصحيح في بعض شيوخه دون بعض وعدم النظر في هذا من جمله الأسباب المقتضيه لوهم الحاكم ولذا لما قال عقب حديث أخرجه من طريق الحسن عن سمرة صحيح على شرط البخاري
قال ابن دقيق العيد ليس من رواته الحسن عن سمرة من شرط البخاري وإن أراد أن الحسن أو سمرة في الجمله من شرطه فهو من شرط مسلم أيضا انتهى فعلم منه أن الشرط إنما يتم إذا خرج لرجال السند بالصورة المجتمعه ويمكن أن يجاب عن الحاكم بأنه أراد أن مسلما ينبغي سماع الحسن بن سمرة أصلا والبخاري ممن يثبت ذلك إخراجه في صحيح من حديث حبيب بن الشهيد أنه قال قال لي ابن سيرين سئل الحسن ممن سمع حديث العقيقه فسألته فقال من سمرة (1/49)
حكم الصحيحين الماضي ذكرهما فيما أسند فيهما وغيرة والتعليق
( واقطع بصحة لما قد أسندا ... كذا له وقيل ظنا ولدى )
( محققيهم قد عزاة النووي ... وفي الصحيح بعض شيء قد روي )
( مضعفا ذالهما بلا سند ... أشياء فإن يجزم فصحح أو ورد )
( ممرضا فلا ولكن يشعر ... بصحه الأصل له كيذكر )
( وإن يكن أول الإسناد حذف ... مع صيغه الجزم فتعليقا عرف )
( ولو إلى آخرة أما الذي ... لشيخه عزا بقال فكذي )
( عنعنه كخبر المعارف ... لا تضع لابن حزم المخالف )
أي وتعريف التعليق الواقع فيهما وفي غيرهما لما أشير إلى شرط صاحبي الصحيحين وأنجز الكلام فيه إلى أن العدد ليس شرطا عند واحد منهما حسن بيان الحكم فيهما لسائله أيرتقي عن أخبار الآحاد لسموهما وجلالتهما وشفوف تحريهما في الصحيح أم لا فقيل له واقطع بصحه لما قد أسند أي أن الذي أورده البخاري ومسلم مجتمعين ومنفردين باسناديهما المتصل دون ما سيأتي إستثناؤة من المنتقد والتعاليق وشبههما مقطوع بصحته لتلقي الأمه المعصومه في إجماعها عن الخطأ كما وصفه صلى الله عليه و سلم بقوله لا تجتمع أمتي على ضلاله ل1ذلك بالقبول من حيث الصحه وكذا العمل مالم يمنع منه نسخ أو تخصيص (1/50)
أو نحوهما
وتلقي الأمه للخير المحنط عن درجة المتواتر بالقبول يوجب العلم النظري ( كذا له ) أي لابن الصلاح حيث صرح باختياره له والجزم بأنه هو الصحيح وإلا فقد سبقه إلى القول بذلك في الخبر المتلقي بالقبول الجمهور من المحدثين والأصوليين وعامة السلف بل وكذا غير واحد في الصحيحين
ولفظ الأستاذأبي إسحاق الإسفرائيني أهل الصنعة مجمعون على أن الأخبار التي اشتمل عليها الصحيحان مقطوع بصحة أصولها ومتونها ولا يحصل الخلاف فيها بحال وإن حصل فذاك اختلاف في طرقها ورواتها قال فمن خالف حكمه خبرا منها وليس له تأويل سايغ للخبر نقضنا حكمه لأن هذه الأخبار تلقتها الأمة بالقبول ( وقيل ) هو صحيح ( ظنا ) لأنه لا يفيد في أصله قبل التلقي لكونه خبر آحاد إلا الظن وهو لا ينقلب بتلقيهم قطعيا وتصحيح الأئمة للخبر المستجمع للشروط المقتضية للصحة إنما هو مجرى على حكم الظاهر كما تقدم في ثاني مسائل الكتاب وأيضا فقد صح تلقيهم بالقبول لما ظنت صحته ( و ) هذا القول ( لدى ) أي عند ( محققيهم ) وكذا الأكثرين هو المختار كما ( قد عزاه ) إليهم الأمام ( النووي )
لكن قد وافق اختيار ابن الصلاح جماعة من المتأخرين مع كونه لم ينفرد بنقل الإجماع على التلقي بل هو كلام إمام الحرمين أيضا فإنه قال لإجماع علماء المسلمين على صحتها وكذا هو في كلام ابن طاهر وغيره لا شك كما قال عطاء أن ما أجمعت عليه الأمة أقوى من الإسناد ونحوه
قول شيخنا الإجماع على القول بصحة الخبر أقوى في إفادة العلم من مجرد كثرة الطرق وكذا من القرائن المحتفة التي صرح غير واحد بإفادتها العلم لا سيما وقد انضم إلى هذا التلقي الاحتفاف بالقرائن وهي جلالة (1/51)
قدر مصنفيهما ورسوخ قدمهما في العلم وتقدمهما المعرفة بالصناعةوجودة تمييزالصحيح من غيره وبلوغهما أعلى المراتب في الاجتهاد ولإمامة في وقتهما
على أن شيخهما قد ذكر في توضيح النخبة أن الخلاف في التحقيق لفظي قال لأن من جوز إطلاق العلم قيده بكونه نظريا وهو الحاصل عن الاستدلال ومن أبي الاطلاق خص لفظ العلم بالمتواتر وما عداه عنده ظني لكنه لا ينفي أن ما أحتف بالقرائن أرجح مما خلا منها ولأجل كونه نظريا قيل ( في الصحيح ) لكل من البخاري ومسلم ( بعض شيء ) وهو يزيد على مائتي حديث ( قد روى ) حال كونه ( مضعفا ) بالنسبة لبعض من تأخر عنهما وفات بذلك فيه تلقي كل الأئمة المشار إليه
من ثم استثناءة ابن الصلاح من المقطع بقوله سوى أحرف يسيرة تكلم عليها بعض أهل النقد من الحفاظ كالدارقطني وغيره وهي معروفة عند أهل هذا الشأن انتهى
ولا يمنع الاستثناء اجتهاد جماعة في الجواب عنه ودفع انتقاد ضعفه وأفرد الناظم مؤلفا لذلك عدمت مسودته قبل تبيضها وتكفل شيخنا في مقدمة شرح البخاري بما يخصه منه والنووي في شرح مسلم بما يخصه منه فكان فيهما مع تكلف في بعض أجزاء في الجملة
وأماما ادعاه ابن حزم في كون كل واحد من الشيخين مع اتقانه وحفظه وصحة معرفته تم عليه الوهم في حديث أورده لا يمكن الجواب عنه وحكم على حديث مسلم خاصة بالوضع فقد رده بعض الحفاظ في جزء مفرد وأوضحت الكلام على ذلك مع مهمات كثيرة في هذا الباب وفي غيره في النكت لا يستغني من يروم التبحر في الفن عنها ويستثني من القطع أيضا ما وقع التجاذب بين مدلوليه حيث لا ترجيح أن يفيد المتناقضان العام (1/52)
بصدقهما من غير ترجيح لأحدهما على الآخر قاله شيخنا وكـ ( ذا لهما ) في صحيحيهما ( بلا سند ) أصلا أو كامل حيث أضيف لبعض رواته أما الصحابي أو التابعي فمن دونه مع قطع السند مما يليهما ( أشيا ) بالقصر للضرورة كأن يقال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم أوقال ابن عباس أوعكرمة أو الزهري والجمع بالنظرإليهما معا إذ ليس عند مسلم بعد المقدمة مما لم يوصله فيه سوى موضع واحد والحكم في ذلك مختلف ( فإن يجزم ) المعلق بنسبته إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم أو غيره ممن أضافه إليه ( فصحح ) أيها الطالب إضافته لمن نسب إليه فإنه لن يستجيز إطلاقه إلا وقد صح عنده عنه ولا إلتفات لمن نقض هذه القاعدة بل هي صحيحة مطردة لكن مع عدم التزام كونه على شرط ( أو ) لم يأت المعلق بالجزم بل ورد ممرضا فلا تحكم أنه بالصحة عنده عن المضاف إليه بمجرد هذه الصيغة لعدم إفادتها ذلك وحينئذ فلا ينتقد بما وقع بها مع وصله له في موضع آخر من كتابه
على ان شيخنا وهو ائمة الاستقراء خصوصا في هذا النوع إفاداته لايتفق له مثل ذلك إلا حيث علقه بالمعنى واختصره وجزم بأن ما يأتي به بصيغة التمريض أي فيما عداه مشعر بضعفه عنده إلى من علقه عنه لعله خفية فيه وقد لا تكون قادحة ولذلك فيه ما هو حسن بل صحيح عند بعض الأئمة بل رواه مسلم في صحيحه وما قاله هو التحقيق وإن أوهم صنيع ابن كثير خلافه ( ولكن ) حيث تجردت فإيراد صاحب الصحيح للمعلق الضعيف كذلك في أثناء صحيحه يشعر بصحة الأصل له إشعارا يؤنس به ويركن إليه وألفاظ التمريض كثيرة ( كيذكر ) ويروي وروى ويقال وقيل ونحوها واستغنى بالإشارة إلى بعضها عن أمثلة الجزم كذكر وزاد وروي وقال وغيرها لوضوحه حتى نقل النووي اتفاق محققي المحدثين وغيرهم على اعتبارها كذلك وإنه لا ينبغي الجزم بشيء ضعيف لأنها صيغة تقتضي صحته عن المضاف إليه فلا ينبغي أن تطلق إلا فيما صح (1/53)
قال أهمل ذلك كثير من المصنفين من الفقهاء وغيرهم واشتد إنكار البهيقي على من خالف ذلك وهو تساهل قبيح جدا من فاعله إذ يقول في الصحيح يذكر ويروي وفي الضعيف قال وروي وهذا قلب للمعاني وحيد عن الصواب قال وقد اعتنى البخاري رحمه الله باعتبار هاتين الصيغتين وإعطائهما حكمهما في صحيحه فيقول في الترجمة الواحدة بعض كلامه بتمريض وبعضه بجزم مراعيا لما ذكرنا وهذا مشعر بتحريه وروعه انتهى وستأتي المسألة في التنبيهات التي بآخرالمقلوب
والحاصل أن المجزوم به يحكم بصحته إبتداء وما لعله يكون كذلك من الممرض إنما يحكم عليه بها بعد النظر لوجود الأقسام الثلاثة فيه فافترقا وإذا حكمت للمجزوم به بالصحة فانظر فيمن أبرز من رجاله تجد مراتبه مختلفة فتارة تلتحق بشرطه وتارة تتقاعد عن ذلك وهو إما إن يكون حسنا صالحا للحجة كالمعلق عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده رفعه الله أحق أن يستحي منه من الناس فهو حسن مشهور عن بهز أخرجه أصحاب السنن بل ويكون صحيحا عند غيره وقد يكون ضعيفا لكن لا من جهة قدح في رجاله بل من جهته انقطاع يسير في إسناده كالمعلق عن طاووس قال قال معاذ فإن إسناده إلى طاووس صحيح إلا أنه لم يسمعه من معاذ وحينئذ فإطلاق الحكم بصحتها ممن يفعله من الفقهاء ليس بجيد
والأسباب في تعليق ما هو ملتحق بشطه إما التكرار أو أنه أسند معناه في الباب ولو من طريق آخر فنبه عليه بالتعليق اختصار أو أنه لم يسمعه ممن يثق به بقد العلو أو مطلقا وهو معروف من جهة الثقات عن المضاف إليه أوسمعه لكن في حالة المذاكرة فقصد بذلك الفرق بين ما يأخذه عن مشايخه في حالة التحديث أو المذاكرة احتياطا
وفي المتقاعد عن شرطه إما كونه في معرض المتابعة أو الاستشهاد (1/54)
المتسامح في إيراده مطلقا فضلا عن التعليق أو أنه نبه به على موضع يوهم تعليل الرواية التي على شرطه أو غير ذلك في الطرفين
وبما تقدم تأيد حمل قول البخاري ما أدخلت في كتابي إلا ما صح على مقصوده به وهوالأحاديث الصحيحة المسندة دون التعاليق والآثار الموقوفة على الصحابه فمن بعدهم والأحاديث المترجم بها ونحو ذلك وظهر افتراق ما لم يكن بطريق القصد في الحكم عن غيره واستثناؤه من إفادة العلم وإن يكن أول الإسناد بوصل الهمزة من جهة صاحب الصحيح مثلا كشيخه فمن فوقه ( حذف ) وأضيف لمن بعد المحذوف مما هو في البخاري كثير كما تقدم مع صيغة الجزم أي مع الإتيان بها بل والتمريض عند جماعة ممن تأخر عن ابن الصلاح كانووي والمزي في أطرفه مما تقدم حكمه في كليهما فتعليقا عرف أي عرف بالتعليق بين أئمة هذا الشأن كالحميدي والدارقطني بل كان أول من وجد في كلامه وهو مأخوذ منتعليق الجدار والطلاق ومحوه لما يشترك فيه الجمع من قطع الاتصال
واستبعد شيخنا أخذه من تعليق الجدار وانه من الطلاق وغيره أقرب وشيخه البلقيني على خلافه ولا يشترط في تسميته تعليقا بقاء أحد من رجال السند بل ولول حذف من أوله إلى آخره واقتصر على الرسول في المرفوع أو على الصحابي في الموقوف كأن تعليقا حكاه ابن الصلاح عن بعضهم وأقره ولم يذكره المزي في أطرافه بل ولا ما اقتصر فيه على الصحابي مع كونه مرفوعا وكان يلزمه بخلال ما لو سقط البعض من اثنائه أو من آخره لاختصاصه بألقاب غيره كالعضل والقطع والإرسال
وهل يلتحق بذلك ما يحذف فيه جميع الإسناد مع عدم الإضافة لقائل كقول البخاري في صحيحه وكانت أم الدرداء تجلس في الصلاة جلسة الرجل وكانت فقيه وهو عنده في تاريخه الصغير وعند غيره عن مكحول الظاهر نعم (1/55)
وحكمه من غير ملتزمي الصحة والانقطاع ولذا ذكره ابن الصلاح رابع التفريعات التالية للمنقطع ومن ملتزميها ما تقدم قريبا ( أما ) المصنف الذي لشيخه عزى ما أورده ( بقال ) وزاد ونحوهما ( فك ) إسناد ذي عنعنةفيشترط للحكم باتصاله شيئان لقاء الراوي لمن عنعن عنه وسلامته من التدليس كما سيأتي في بابه وأمثلة هذه الصيغه كثيرة كخبر المعازف بالمهملة والزاي والفاء وهي آلات الملاهي المروي عن أبي عامر أو أبي مالك الأشعري مرفوعا في الأعلام بمن يكون في أمته يستحلها ويستحل الحر بالمهملتين وكسر الأولى مع التخفيف يعني الزنا فإنه اسم لفرج المرأة والحرير فإن البخاري أورده في الأشربة من صحيحه بقوله قال هشام بن عمار حدثنا صدقةبن خالد حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر وساقه سندا ومتنا فهشام أحد شيوخ البخاري حدث عنه بأحاديث حصرها صاحب الزهرة في أربعة ولم يصف البخاري أحد بالتدليس وحينئذ فلا يكون تعليقا خلافا للحميدي في مثله وإن صوبه ابن دقيق اليد مع حكمه بصحته عن قائله
وعلى الحكم بكونه تعليقا مشى المزي في أطرافه ولم يقل أن حكمه الانقطاع ولكن قد حكم عبد الحق وابن العربي السني بعدم اتصاله
وقال الذهبي حكمه الانقطاع ونحوه قول أبي نعيم أخرجه البخاري بلا رواية وهو مقتضى كلام ابن منده حيث صرح بأن قال تدليس فالصواب الاتصال عند ابن الصلاح ومن تبعه فلا تعول على خلافه ولا تصع لابن حزم الحافظ أبي محمد علي بن أحمد بن سعيد المنسوب هنا لجد أبيه الأندلسي القرطبي الظاهري المخالف في أمور كثيرة نشأت عن غلظه وجموده على الظاهر مع صحة حفظه وسيلان ذهنه كما وصفه حجة الإسلام الغزالي وقول العز بن عبد السلام ما رأيت في كتب الإسلام مثل كتابه المحلى والمغنى لابن قدامة الى غير ذلك وكانت وفاته في شعبان سنة ست وخمسين وأربعمائة عن اثنتين وسبعين سنة حيث حكم بعم اتصاله (1/56)
أيضا مع تصريحه في موضع آخر بأن العدل الراوي إذا روى عمن أدركه من العدول فهو على اللقاء والسماع سواء قال أخبرنا أوحدثنا أو عن فلان أو قال فلان فكل ذلك محمول منه على السماع وهو تناقض بل وما اكتفى حتى صرح لأجل تقرير مذهبه الفاسد في إباحة الملاهي بوضعه مع كل ما في الباب وأخطأ فقد صححه ابن حبان وغيره من الأئمة
ووقع لي من حديث عشرة من أصحاب هشام عنه بل ولم ينفرد به كل من هشام وصدقة وابن جابر ثم إنه كان الحامل لهم على الحكم بالانقطاع ما يوجد للبخاري من ذلك مرويا في موضع آخر عن ذاك الشيخ بعينه بالواسطة مرة وتصريحه بعدم سماعه له منه أخرى ولا حجة لهم فيه فقد وقع له إيراد بعض الأحاديث عن بعض شيوخه بقال في موضع وبالتصريح في آخر
وحينئذ فكل ما يجيء عنه بهذه الصيغه محتمل للسماع وعدمه بل وسماعه محتمل لأن يكون في حاله المذاكرة أو غيرها ولا يسوغ مع الإحتمال الجزم بالانقطاع بل ولا الاتصال أيضا لتصريح الخطيب كما سيأتي بأنها لا تحمل على السماع إلا ممن عرف من عادته أنه لا يطلقها إلا فيما سمعه نعم قال ما حاصله أن من سلك الاحتياط في روايه مالم يسمعه بالإجازة أو غيرها من الجهات الموثوق بها يعني كالمناوله فحديثه محتج به وإن لم يصرح بالسماع بناء على الأصل في تصحيح الإجازة انتهى
وهذا يقتضي أن يكون الحكم الموصول لكن قال ابو نعيم في المستخرج عقب حديث قال فيه البخاري كتب إلى محمد بن بشار أنه لا يعلم له في كتابه حديثا بالإجازة يعني عن شيوخه غيرة
وتوسط بعض متأخري المغاربه فوسم البارد بقال بالتعليق المتصل من حيث الظاهر المنفصل من حيث المعنى لكنه أدرج معها قال لي ونحوها مما هو متصل جزما وتوزع فيه كما سيأتي في أةل أقسام التحمل (1/57)
إن شاء الله وبالجمله فالمختار الذي لا يحد عنه
كما قال شيخنا أن حكم قال في الشيوخ مثل غيرها من التعاليق المجزمه (1/58)
نقل الحديث من الكتب المعتمده
( وأخذ متن من كتاب لعمل ... أو احتجاج حيث ساغ قد جعل )
( عرضا له على أصول يشترط ... وقال يحيى النووي أصل فقط )
( قلت ولا بن خير امتناع ... نقل سوى مرويه إجماع )
التي اشتهرت نسبتها لمصنفيها أو صحت وقدم على الحسن المشارك الصحيح في الحجه لمشابهته للتعليق في الجمله وأخذ متن أي حديث من كتاب من الكتب المعتمده كالبخاري ومسلم وأبي عوانه وابن خزيمه وابن حبان مما اشتهر أو صح لعمل بمضمونه في الفضائل والترغيبات وكذا الأحكام التي لا يجد فيها الأخذ نصا لإمامه أو يجده فيبرز دليله الذي لعل بوجوده يضعف مخالفه
وربما يكون إمامه علق قول فيه على ثبوت الخبر أو غير ذلك مما يشتمله قول إبن الصلاح أو احتجاج به لذي مذهب حيث ساغ بمهمله ثم معجمه أي جاز للأخذ ذلك وكان متأهلا له والأهليه في كل شيئ مما ذكر يحسبه مع العلم بالاختلاف في انقطاع المجتهد للقيد فضلا عن المطلق لنقض الهمم قد جعل أي ابن الصلاح عرضا له أي مقابله للمأخوذ على أصول متعدده بروايات متنوعه يعني فيما تكثر الروايات فيه كالفربري والنسفي وحماد بن شاكر وغيرهم بالنسبه لصحيح البخاري أو أصول (1/59)
متعدده فيما مدارة على روايه واحده كأكثر الكتب يشترط أي جعله شرطا ليحصل بذلك جبر الخلل الواقع في أثناء الأشانيد
وقد تكثر تلك الأصول المقابل بها كثرة تتنزل بمنزله التواتر أو الاستفاضه وعبارته فسبيل أي طريق وهذا ظاهر في اشتراط التعدد وإن حمله غير واحد على الاستحباب والاستظهار وقال الشيخ أبو زكريا يحيى النووي بالاكتفاء بالمقابله على صل معتمد فقط إذا الأصل الصحيح تحصل به الثقه التي مدار الاعتماد عليها صحه احتجاجا على أن ابن الصلاح قد تبعهم في عدم اشتراط التعدد في مقابله المروي ومع تقاربهما لكن قد يفرق بينهما بمزيد الاحتياط للاحتجاج والعمل وإذا حمل كلامه هنا على الاستحباب كان موافقا لما سيأتي له عند الحسن في نسخ الترمذي واختلافها في الحكم أهو بالحسن فقط أو بالصحه فقط أو بهما معا أو بغير ذلك أنه ينبغي أن تصحح أصلك بجماعه أصول حيث عمل على الاستحباب
وإن كان ينبغي ليست صريحه في ذلك مكما أومأ إليه الشارح ولاشك أن القول بالأول فيه تضيق يفضي إلى التعليل وعدم تعقب النووي والقول بالتعدد في الترمذي لافتراقه عمل تقدم باختلاف نسخه
ثم هل مشترط النقل للعمل أو الاحتجاج أن تكون له به روايه الظاهر مما تقدم عدمه وبه صرخ ابن برهان في الأوسط فقال ذهب الفقهاء كافه إلى انه لايتوقف العمل بالحديث على سماعه بل إذا صحت عنده النسخة من الصحيحين مثلا أو من السنن جاز له العمل بها وإن لم يسمع وكذا روى عن الشافعي أنه يجوز أن يحدث بالخبر أي ينقله وإن لم يعلم أنه سمعه قلت ولابن خير بفتح المعجمة ثم تحتانية ساكنة وآخرة مهملة وهوالحافظ المقريء أبو بكر محمد الأموي بفتح الهمزة المتولي الأشبيلي المالكي خال مصنف روض الأنفالحافظ أبي القاسم السهيلي وأحد الأئمة المشهورين بالاتقان والتقدم في العربية والقراءات والروايات والضبط بحيث تغالي (1/60)
الناس في كتبه بعد موته وزادت عدة من كتب هو عنه على مائة مات في ربيع الأول سنة خمس وسبعين وخمسمائة عن ثلاث وسبعين سنة مما وجد بأول برنامجه الذي وضعه في أسماء شيوخه ومروياته امتناع ) أي تحريم نقل سوى أي غير مرويه وهو أعم من ان يكون للرواية المجردة أو العمل أو الاحتجاج والتحريم فيه عنده ( إجماع ) ونص كلامه وقد اتفق العلماء رحمهم الله على أنه لا يصح لمسلم أن يقول قال رسول الله صلى الله عليه و سلم كذا حتى يكون عنده ذلك القول مرويا ولو على أقل وجوه الروايات لقول رسول الله صلى الله عليه و سلم من كذب على متعمدا فليتبوأ مقعده من النار وفي بعض الروايات من كذب على مطلقا بدون تقييد وهو ظاهر في الجزم خاصة ولذا عبر الناظم كما في خطه به مكان نقل المشعر بمجرد النقل ولو ممرضا لكنه جزم في خطبه تقريب الأسانيد له بذلك أيضا لكن بدون عزو فإنه بعد أن قرر أنه يفتح بالطالب أن لا يحفظ بإسناده عدة من الإخبار يستغني بها عن كذا وكذا قال ويتخلص به من الحرج بنقل ما ليست له به رواية فإنه خير سائغ بإجماع أهل الدراية فإما أن يكون اعتمد في حكاية الإجماع ابن خير فقط أو وقف عليه في كلام غيره نقلا عن المحدثين إنهم لا يلتفتون إلى صحة النسخة إلا أن يقول الراوي أنا أروي وهم في هذا الباب أهل الفن على الحقيقة ولكن انتصر للأول جماعة حتى قيل وإن كان فيه نظر أن الثاني لم يقل به إلا بعض المحدثين ولو صح لخدش في دعوى الإجماع كما يخدش فيها قول ابن برهان إلا إن حمل على إجماع مخصوص وأيضا فلو لم يورد ابن خير الحديث الدال على تحريم نسبة الحديث إلى النبي صلى الله عليه و سلم متى يتحقق أنه قال لكان مقتضى كلامه منع إيراد ما يكون في الصحيحين أو أحدهما حيث لا رواية له به وجواز نقل ماله به رواية لو كان ضعيفا لا سيما وأول كلامه كالصريح فيما صحت نسبته إليه صلى الله عليه و سلم حيث ذكر كما حكيته في أصله من فوائد التخلص من الحرج في حكاية كلامه صلى الله عليه و سلم من غير رواية (1/61)
القسم الثاني الحسن
( والحسن المعروف مخرجا وقد ... اشتهرت رجاله بذاك حد )
( حمد وقال الترمذي ماسلم ... من الشذوذ مع راو ماتهم )
( بكذب ولم يكن فردا ورد ... قلت وقد حسن بعض ما انفرد )
( وقيل ما ضعف قريب محتمل ... فيه وما بكل ذا حد حصل )
( وقال بان لي فيه بامعان النظر ... أن له قسمين كل قد ذكر )
( قسما وزاد كونه ما عللا ... ولا ينكر أو شذوذ شملا )
( والفقهاء كلهم يستعمله ... والعلماء الجل منهم يقبله )
( وهو باقسام الصحيح ملحق ... حجيه وإن يكن لا يلحق )
( فإن يقل يحتج بالضعيف ... فقل إذا كان من الموصوف )
( رواته بسوء حفظ يحير ... بكونه من غير وجه يذكر )
( وإن يكن لكذب أو شذا ... أو قوي الضعف فلم يجبر ذا )
( ألا ترى المرسل حيث أسندا ... أو أرسلوا كما يجيئ اعتضدا )
( والحسن المشهور بالعداله ... والصدق روايه إذا أتى له )
( طرق أخرى نحوها من الطرق ... صححته لمتن لولا أن أشق )
( إذ تابعوا محمد بن عمروا ... عليه فارتق الصحيح يجري )
( وقال مظن منه للحسن ... جمع أبي داود أي في السنن ) (1/62)
القسم الثاني الحسن
( فإنه قال ذكرت فيه ... ما صح أو قارب أن يحكيه )
( وما به وهن شديد قلته ... وحيث لا فصالح خرجته )
( فما به ولمم يصحح وسكت ... عليه عنده الحسن ثبت )
( وابن رشيد قال وهو متجه ... قد بيلغ الصحه عند مخرجه )
( وللامام اليعمري إنما ... قول أبي داود يحكي مسلما )
( حيث قال جمله الصحيح لا ... توجد عند مالك والنبلا )
( فاحتاج أن ينزل في الإسناد ... إلى يزيد ابن أبي زياد )
( ونحوة وإن يكن ذي السبق ... قد فاته أدرك باسم الصدق )
( هلا قضى على كتاب مسلم ... بما قض ى عليه بالتحكم )
( والبغوي إذ قسم المصابحا ... إلى الصحاح والحسان جانحا )
( إن الحسان ما رووة في السنن ... رد عليه إذ بها غير الحسن )
( كان أبو داود أقوى ما وجد ... يرويه والضعيف حيث لا يجد )
( في الباب غيرة فذاك عنده ... من رأى أقوى قاله ابن منده )
( والنسائي يخرج من لم يجمعوا ... عليه تركا مذهب متسع )
( ومن عليها أطلق الصحيحا ... فقد أتا تساهلا صريحا )
( ودونها في رتبه ماجعلا ... على المسانيد فيدعى الجفلا )
( كمسند الطيالسي وأحمدا ... وعده للدارمي انتقدا )
( والحكم للاسناد بالصحه أو ... بالحسن دون الحكم للمتن رأو )
( وأقبله إن أطلقه من يعتمد ... ولم يعقبه بضعف ينتقد )
( واستشكل الحسن مع الصحه في ... متن فإن لفظا يرد قفل صف )
( به الضعيف أو يرد ما (1/63)
( ولا بي الفتح في الاقتراح ... أن انفرد الحسن ذو اصلاح ...
( وإن يكن صح فليس يلتبس ... كل صحيح حسن لا ينعكس ...
( وأوردوا ما صح من أفراد ... حيث اشترطنا غير ما اسناد ...
وقدم لاشتراكه مع الصحيح في الحجة والحسن لما كان بالنظر لقسميه الاثنين تتجاذبه الصحة والضعف اختلف تعبير الأئمة في تعريفه فقيل هو المعروف مخرجا أي المعروف مخرجه وهو كونه شاميا عراقيا مكيا كوفيا كأن يكون الحديث من رواية راو قد اشتهر برواية حديث أهل بلده كقتادة ونحوه في البصريين فإن حديث البصريين إذا جاء عن قتادة ونحوه كان مخرجه معروفا بخلافة عن غيرهم وذلك كنابة عن الاتصال إذا المرسل والمتقطع والمعضل لعدم بروز رجالها لا يعلم مخرج الحديث منها وكذا المدلس بفتح اللام وهو الذي سقط منه بعضه مع إيهام الاتصال وقد اشتهرت رجاله بالعدالة وكذا الضبط المتةسط بين الصحيح والضعيف ولا بد مع هذين الشرطين أن لايكون شاذا ولا معللا لكن بذاك أي بما تقدم من الاتصال والشهرة حد الإمام الحافظ الفقيه أبو سليمان حمد ) بدون همزة وقيل بإثباتها ولا يصح ابن محمد بن إبراهيم بن الخطاب الخطابي البستي الشافعي مصنف أعلام الجامع الصحيح للبخاري ومعالم السنن لأبي داود وغيرهما وأحد شيوخ الحاكم مات لست في ربيع الآخر ثمان وثمانين وثلاثمائة
كما عرف الصحيح بأنه ما اتصل سنده وعدلت نقلته غير متعرض لمزيد ولأجل تعريفه له في معالمه بجانبه نوع العبارة وتعين حمل الاشتهار فيه على المتوسط كما قررته وتقوى به قول ابن دقيق العيد وكأنه أي الخطابي أراد ما لم يبلغ مرتبة الصحيح قال وإلا فليس في عبارته كبير (1/64)
تلخيص لدخول الصحيح في التعريف لأنه أيضا قد عرف مخرجه واشتهر رجاله
هذا مع أن التاج التبريزي ألزم ابن دقيق العيد بانتقده إدخال الصحيح في الحسن مع قوله في الجواب عن استشكال جمع الترمذي بين الحسن والصحة كما سيأتي كل صحيح حسن التناقض وقال إن دخول الخاص وهو هنا الصحيح في حد العام ضروري والتقييد بما يخرجه مخل للحد وقال الشارح إنه متجه انتهى
وبه أيضا انفع الاعتراض وحاصله إن ما وجدت فيه هذه القيود كان حسنا وما كان فيه معها قيد آخر يصير صحيحا ولا شك في صدق ما ليس فيه على ما فيه إذا وجدت قيود الأول لكن قال شيخنا إن هذا كله بناء على أن الحسن أعم مطلقا من الصحيح
أما إذا كان من وجه كما هو واضح ممن تدبره فلا يرد اعتراض التبريزي إذ لا يلزم من كون الصحيح أخص من الحسن من وجه أن يكون أخص منه مطلقا حتى يدخل الصحيح في الحسن انتهى
وبيان كونه وجيها فيما يظهر أنها يجتمعان فيما إذا كان الصحيح لغيره والحسن لذاته ويفترقان في الصحيح لذاته والحسن لغيره ويعبر عنه بالمباينة الجزئية
ثم رجع شيخنا فقال والحق أنها متباينان لأنهما قسمان في الأحكام فلا يصدق أحدهما على الآخر البتة
قلت ويتأيد التباين بأنهما وإن اشتركا في الضبط فحقيقته في أحدهما غير الأخرى وهو مثل من جعل المباح من جنس الواجب لكون كل منهما مأذونا فيه وغفل عن فصل المباح وهو عدم الذم لتاركه فإن من جعل الحسن من جنس الصحيح للاجتماع في القبول غفل عن فضل الحسن وهو قصور (1/65)
ضبط راويه
على أنه نقل شيخنا مما لم يصح عندي الاعتناء بإبن دقيق العيد بأنه إنما ذكر أن الصحيح أخص استطرادا وبحثا بخلاف مناقشته مع الخطابي فهي في أصل الباب وما يكون في بابه هو المعتمد وليس بظاهر بل الكلامان في باب واحد ( وقال ) الحافظ أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة ( الترذي ) بكسر المثناه والميم وقيل بعضهما وقيل بفتح ثم كسر كلها مع إعجام الذال نسبة لمدينة قديمة على طرف جيحون نهر بلخ أحد تلاميذة البخاري الآتي ذكره في تاريخ الرواة والوفيات في العلل التي بآخر جامعه ما حاصله وما ذكرنا في هذا الكتاب حديث حسن فهو عندنا ما سلم من الشذوذ يعني بالتفسير الماضي في الصحيح ( مع راو ) أي مع أن رواة سنده كل منهم ما اتهم بكذب فيشمل ما كان بعض رواته سيىء الحظ ممن وصف بالغلظ أو الخطأ أو مستورا لم ينقل فيه جرح ولا تعديل وكذا إذا نقلا ولم يترجح أحدهما على الآخر أو مدلسا بالعنعنة أو مختلطا بشطه لعدم منافاتها اشتراط نفي الاتهام بالكذب
ولأجل ذلك مع اقتضاء كل منهما التوقف عن الاحتجاج به لعدم الضبط في سيىء الحفظ والجهل بحال المستور والمدلس وكذا لشموله ما به انقطاع بين ثقتين حافظين والمرسل الذي يرسله إمام حافظ لعدم اشتراطه الاتصال اشترط ثالثا فقال ولم يكن فردا ورد بل جاء أيضا من وجه آخر فأكثر فوقه أومثله لا دونه ليرتجح به أحد الإحتمالين لأن المستور مثلا حيث يروى يحتمل أن يكون ضبط المروي ويحتمل أن لايكون ضبطه فإذا ورد مثل ما رواه أو معناه من وجه آخر غلب على الظن أنه ضبط
وكلما كثر المتابع قوي الظن كما في افراد المتواتر فإن أولهما من رواية الإفراد ثم لا يزال يكثر إلى أن يقطع بصدق المروي ولا يستطيع سامعه أن (1/66)
يدفع ذلك عن نفسه
على أنه يمكن إخراج اشتراط الاتصال من اشتراط عدم الاتهام في روايته لتعذر الحكم به مع الانقطاع كما مضى في تعذر معرفة المخرج معه ولكن ما جزمت به هو المطابق لما في جامعه فقد حكم بالحسن مع وجود الانقطاع في أحاديث بل وكذا في كل ما لا ينافيه نفي الاتهام مما صرحت به
وحينئذ فقد تبين عدم كون هذا التعريف جامعا للحسن بقسميه فضلا عن دخول الصحيح بقسميه وإن زعمه بعضهم فراويه لا يكتفي في وصفه بما ذكر بل لا بد من وصفه بما يدل على الاتقان ( قلت و ) مع اشتراط الترمذي عدم التفرد فيه قد حسن في جامعه بعض ما انفرد راويه به من الاحاديث بتصريحه هو بذلك حيث يورد الحديث ثم يقول عقبه أنه حسن غريب أو حسن صحيح غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه
ولكن قد أجاب عنه ابن سيد الناس بأنه عرف ما يقول فيه حسن فقط من غير صفة أخرى لا الحسن مطلقا
وتبعه شيخنا مع تردده في سبب اقتصاره عليه وإنه إما لغموضه أو لأنه اصطلاح جديد له وهو الذي أقتصر عليه ابن سيد الناس بل خصه بجامعه فقط وقال إنه لو حكم في غيره من كتبه على حديث بأنه حسن وقال قائل لنا أن نفسر الحسن هناك بما هو مفسر به هنا إلا بعد البيان لكان له ذلك ولكن يتأيد الأول بقول المصنف في الكبير الظاهر أنه لم يرد بقوله عندنا حكاية اصطلاحه مع نفسه وإنما أراد عند أهل الحديث كقول الشافعي وإرسال ابن المسيب عندنا أي أهل الحديث فإنه كالمتفق عليه بينهم انتهى
وبعد قوله وما ذكرنا وكذا قوله فإنما أردنا به وحينئذ فالنون لإظهار نعمة التلبس بالعلم المتأكد تعظيم أهله بقوله تعالى ( وأما بنعمة ربك (1/67)
فحدث ) ( 1 ) مع اأمن من الإعجاب ونحوه المذموم معه مثل هذا وعلى كل حال فما اقتصر عليه الترمذي كما سيأتي في الشاذ ( وقيل ) مما عزاه ابن الصلاح لبعض المتأخرين مريدا به الحافظ أبا الفرج بن الجوزي حيث قال في تصنيفيه الموضوعات والعلل المتناهية الحسن ما به ضعف قريب يحتمل بفتح الميم ( فيه ) هذا كلام صحيح في نفسه لكنه ليس على طريقة التعاريف فإن هذه صفة الحسن الموصوف بالحسن إذا اعتضد بغيره حتى لو انفرد لكان ضعيفا واستمر على عدم الاحتجاج به على أنه يمكن أن يقال إنه صفته الحسن مطلقا فالحسن لذاته إذا عارض الصحيح كان مرجوحا واصحيح راجحا فضعفه بالنسبه لما هو أرجح منه والحسن لغيره أصله ضعيف وإنما طرأعليه الحسن بالعاضد الذي عضده فاحتمل لوجود العاضد ولولا العاضد لا ستمرت صفة الضعف فيه
ولكن مع ما تكلفناه في توجيه هذه الأقوال الثلاثة ( ما بكل ذا ) أي ما تقدم ( حد ) صحيح جامع للحسن ( حصل ) بل هو مستبهم لا يشفي الغليل يعني لعدم ضبط القدر المحتمل من غيره بضابط في آخرها وكذا في الشهرة في أولها ولغير ذلك فيهما وفي تعريف الترمذي الذي زعم بعض الحفاظ أنه أجودها ولذلك قال ابن دقيق العيد إن في تحقيق معناه اضطرابا ( وقال ) أي ابن الصلاح ( بان ) أي ظهر لي بإمعان أي يإطالتي وإكثاري ( النظر ) والبحث جامعا بين أطراف كلامهم ملاحظا مواقع استعمالهم ( أن له ) أي الحسن ( قسمين ) أحدهما يعني وهو المسمى بالحسن لغيره أن يكون في الإسناد مستور لم يتحقق أهلية غير مغفل ولا كثير الخطأ في روايته ولا متهم بتعمد الكذب فيها ولا ينسب إلى مفسق آخر واعتضد بمتابع أو شاهد (1/68)
وثانيهما يعني وهو الحسن لذاته أن تشتهر رواته بالصدق ولم يصلوا في الحفظ رتبة رجال الصحيح
قلت وهذا الثاني هو الحسن حقيقة بخلاف الآخر فهو لكنه يطلق على مرتبة من مراتب الضعيف مجاز كما يطلق اسم الصحيح مجازا على الثاني ثم أن القسمين ( كل ) من الترمذي والخطابي ( قد ذكر ) منهما قسما وترك آخر لظهوره كما هو مقتضى كل من الاحتمالين الماضيين في الترمذي أو ذهوله فكلام الترمذي يتنزل عند ابن الصلاح على أولهما وكلام الخطابي على ثانيهما لكن ليس الأول عنده من قبيل الحسن بل من قبيل الضعيف
وحينئذ فتركه له لذلك لا لما تقدم ( وزاد ) أي ابن الصلاح في كل منهما كونه ما عللا ولا بنكر أو شذوذ أي بكل منهما ( شملا ) بناء على تغايرهما أما مع ترادفهما كما سيأتي البحث فيه فاشتراط انتفاء أحدهما كاف ولذا اقتصر في الصحيح على نفي الشذوذ بل وكذا الحسن كما صرح به الترمذي وحينئذ فزيادة ابن الصلاح له إنما هي بالنسبة للخطابي خاصة بخلاف العلة
ولكن قد قرر شيخنا منع اشتراط الترمذي نفيها وظهر بما قررته تفصيل ما أجمله ابن دقيق العيد حيث قال عقب ابن الصلاح وفيه مباحثات ومناقشات على بعض الألفاظ ولذلك مع اختلال غيرها من تعاريفه قيل إنه لا مطمع في تمييزه ولكن الحق أن من خاض بحار هذا الفن سهل ذلك عليه كما قاله شيخنا ولذا عرف الحسن لذاته فقال هو الحديث المتصل الإسناد برواة معروفين بالصدق في ضبطهم قصور عن ضبط رواة الصحيحة ولا يكون معلولا ولا شاذا
ومحصله أنه هو والصحيح سواء إلا في تفاوت الضبط فراوي (1/69)
الصحيح يشترط أن يكون موصوفا بالضبط الكامل وراوي الحسن لا يشترط أن يبلغ تلك الدرجة وإن كان ليس عريا عن الضبط في الجملة ليخرج عن كونه مغفلا وعن كونه كثير الخطأ وما عدا ذلك من الأوصاف الشترطة في الصحيح فلا بد من اشتراط كله في النوعين انتهى
وأما مطلق الحسن فهو الذي اتصل سنده بالصدق الضابط المتقن غير تامهما أو بالضعيف بما عدا الكذب إذا اعتضد مع خلوهما عن الشذوذ والعلة
إذا علم فقد قال الخطابي متصلا بتعريفه السابق لكونه متعلقا به في الجملة لا أنه تتمته وعليه أي الحسن مدار أكثر الحديث أي بالنظر لتعددالطرق فإن غالبها لا يبلغ رتبة الصحيح المتفق عليه
ونحوه قول البغوي أكثر الأحكام ثبوتها بطريق حسن ثم قال الخطابي والفقهاء كلهم وهو وإن عبر بعامتهم فمراده كلهم ( تستعمله ) أي في الاحتجاج والعمل الاحكام وغيرها ( والعلماء ) من المحدثين والأصوليين ( الجل ) أي المعظم ( منهم يقبله ) فيهما وممن خالف في ذلك من أئمة الحديث أبو حاتم الرازي فإنه سئل عن حديث فحسنه فقيل له أتحتج به فقال إنه حسن فأعيد السؤال مرارا وهو لا يزيد على قوله إنه حسن
ونحوه أنه سئل عن عبد ربه بن سعيد فقال إنه لا بأس به فقيل له أتحتج بحديثه فقال هو حسن الحديث ثم قال الحجة سفيان وشعبه وهذا يقتضي عدم الاحتجاج به والمعتمد الأول ( وهو ) أي الحسن لذاته عند الجمهور كما اقتضاه كلام الخطابي الذي لم يشمل تعريفه كما تبين غيره بأقسام الصحيح ملحق حجية أي في الاحتجاج ( وإن يكن ) كما أشار إليه ابن الصلاح ( لا يلحق ) الصحيح في الرتبة على ما تقرر عند من يسميه حسنا بل وصحيحا فإنه أيضا لا ينكر دونه قال فهذا اختلاف اذا في العبارة (1/70)
دون المعنى وكذا يمكن التمسك بظاهر تعريف ابن الجوزي للحسن وقوله متصلا به ويصلح للعمل به في إلحاق الحسن لغيره بذلك في الاحتجاج وهو كذلك لكن فيما تكثر طرقه
ولذلك قال النووي رحمه الله في بعض الأحاديث وهذه وإن كانت أسانيد مفرداتها ضعيفة فمجموعها يقوى بعضه بعضا ويصير الحديث حسنا ويحتج به وسبقه البهيقي في تقوية الحديث بكثرة الضعيفة
وظاهر كلام أبي الحسن بن القطان يرشد اليه فإنه قال هذا القسم لا يحتج به كله بأن يعمل به في فضائل الأعمال ويتوقف عن العمل به في الأحكام إلا إذا كثرت طرقه أو عضده اتصال عمل موافقة شاهد صحيح أوظاهر القرآن واستحسنه شيخنا
وصرح في موضع آخر بأن الضعف الذي ضعفه ناشيء عن سوء حغظه إذا كثرت طرقه ارتقى إلى مرتبة الحسن ولكنه متوف في شمول الحسن المسمى بالصحيح عند من لا يفرق بينهما لهذا
وكلام ابن دقيق العيد أيضا يشير إلى التوقفى في إطلاق الاحتجاج بالحسن وذلك أنه قال في الاقتراح إن يكون هذا الحديث المسمى بالحسن مما وجدت فيه هذه الصفات على أقل الدرجات التي يجب معها القبول أولا فإن وجدت فذلك صحيح وإن لم توجد فلا يجوز الاحتجاج به وإن سمي حسنا اللهم إلا أن هذا إلى أمر اصطلاحي وهو أن يقال إن الصفات التي يجب معها قبول الرواية لها مراتب ودرجات فأعلاها هو الصحيح وكذلك أوسطها وأدناها الحسن وحينئذ يرجع الأمر في ذلك إلى الاصطلاح ويكون الكل صحيحا في الحقيقة
والأمر في الاصطلاح قريب لكن من أراد هذه الطريقة فعليه أن يعتبر ما سماه أهل الحديث حسنا وتحقق وجود الصفات التي يجب معها قبول (1/71)
الرواية في تلك الاحاديث
قلت قد وجد إطلاقه على المنكر قال إبن عدي في ترجمة سلام بن سليمان المدايني حديثه منكر وعامته حسان إلا أنه لا يتابع عليه
وقيل لشعبه لأي لا تروي عن عبد الملك بن أبي سليمان العرزمي وهو حسن الحديث فقال من حسنه فررت وكأنهما أراد المعنى اللغوي وهو حسن المتن وربما أطلق على الغريب قال إبراهيم النخعي كانوا اذا اجتمعوا كرهوا أن يخرج الرجل حسان حديثه فقد قال ابن السمعاني أنه عني الغرائب
ووجد للشافعي إطلاقه في المتفق على صحته ولابن المديني في الحسن لذاته وللبخاري في الحسن لغيره ونحوه فيما يظهر قول ابي حاتم الرازي فلان مجهول والحديث الذي رواه حسن وقول إبراهيم بن يعقوب الجوزاتي في الطلحي إنه ضعيف الحديث مع حسنه على أنه يحتمل إرادتهما المعنى اللغوي أيضا
وبالجملة فالترمذي هو الذي أكثر من التعبير بالحسن ونوه بذكره كما قاله ابن الصلاح ولكن حيث ثبت اختلاف صنيع الأئمة في اطلاقه فلا يسوغ إطلاق القول بالاحتجاج به بل لابد من النظر في ذلك
فما كان منه منطبقا على الحسن لذاته فهو حجة أو الحسن لغيره فيفضل بين ما تكثر طرقه فيحتج ومالا فلا وهذه أمور جملية تدرك تفاصيلها بالمباشرة ( فإن يقل ) حيث تقرر أن الحسن لا يشترط في ثاني قسميه ثقة رواته ولا إتصال سنده واكتفى في عاضده بكونه مثله مع أن كلا منهما بانفراده ضعيف لا تقوم به الحجة فكيف ( يحتج بالضعيف ) مع اشتراطهم او جمهورهم الثقة في القبول ( فقل ) إنه لامانع ( إذا كان ) الحديث من الموصوف رواته واحد فأكثر ( بسوء حفظ ) أو تدليس مع كونهم من أهل الصدق (1/72)
واديانة فذاك يجبر بكونه أي المتن من غير وجه يذكر ويكون العاضد الذي لا ينحط عن الأصلي معه كافيا مع الخدش فيه بما تقدم قريبا من كلام النووي وغيره الظاهر في اشتراط التعدد الذي قد لا ينافيه ما يجيء عن الشافعي في المرسل قريبا لاشتراطه ما يجير به التقرر وإنما الخبر لاكتسابه من الهيئة المجموعة قوة كما في إفراد المتواتر والصحيح لغيره أيضا
فالحكم على الطريق الأولى بالضعف إنما هو لأجل الاحتمال المستوى الطرفين في المستور مثلا هل ضبط أم لا فبارواية الأخرى غلب الظن أنه ضبط على ما تقرر كل ذلك قريبا عند تعريف الترمذي ( وإن يكن ) ضعف الحديث ( لكذب ) رواية ( أو شذا ) أي وشذوذ في روايته بإن خالف من هو أحفظ أو أكثر ( أوقوة الضعف ) بغيرهما ما يقتضي الرد فلم يجبر ذا أي الضعف بواحد من هذه الأسباب ولو كثرت طرقه كحديث من حفظ على أمتي أربعين حديثا فقد نقل النووي اتفاق الحفاظ على الحفاظ ضعفه مع كثرة طرقه ولكن بكثرة طرقه القاصرة عن درجة الاعتبار بحيث لا يجبر بعضها ببعض يرتقي عن مرتبه المردود المنكر الذي لا يجوز العمل به بحال إلى رتبة الضعيف الذي يجوز العمل به في الفضائل
وربما تكون تلك الطرق الواهية بمنزلة الطريق التي فيها ضعف يسير بحيث لو فرض مجيء ذلك الحديث بإسناد فيه ضعف يسير كان مرتقيا بها إلى مرتبة الحسن لغيره ( ألاترى ) الحديث ( المرسل ) مع ضعفه عند الشافعي ومن وافقه ( حيث أسندا ) من وجه آخر ( أو إرسلوا أي أو أرسل من طريق تابعي أخذ العلم عن غير رجال التابعي الأول ( كما يجيء ) تقريره في بابه عن نص الشافعي ( اعتضدا ) وصار حجة
ثم كما أن الحسن على قسمين كذلك الصحيح فما سلف هو الصحيح لذاته ( و ) الحديث ( الحسن ) لذاته وهو المشهور بالعدالة (1/73)
والصدق راويه غير أنه كما تقدم متأخر بالمرتبة وفي الضبط والإتقان عن راوي الصحيح إذا أتى له طرق أخرى نحوها أي نحو طريقه الموصوفة بالحسن ( من الطرق ) المنحطة عنها ( صححته ) أما عند التساوي أو الرجحان فمجيئه من وجه آخر كاف وهذا هو الصحيح لغيره وتأخيره لكونه كالدليل أيضا لدفع الإيراد قبله
وله أمثله كثيرة ( كمتن ) أي حديث ( لولا أن أشق ) على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة إذ تابعوا محمد بن عمرو بن علقمة راويه عن أبي سلمة ( عليه ) في شيخ شيخه حيث رواه جماعة غير أبي سلمة عن أبي هريرة اتفق الشيخان عليه من حديث الأعرج أحدهم نعم تابعه محمد بن إبراهيم فيما رواه محمد بن اسحاق عنه عن أبي سلمة لكنه جعل صحابي الحديث زيد بن خالد الجهني لاأبا هريرة وفيه قصة
وكذا تابعه المقبري فيما رواه محمد بن عجلان عنه عن أبي سلمة فجعل الصحابي عائشة وكل منهما متابعة قاصرة وقد صححه الترمذي عن أبي سلمة عن أبي هريرة وزيد وصححه ابن حبان عن عائشة رضي الله تعالى عنها فارتقى المتن من طريق ابن علقمة بهذه المتابعات ( الصحيح يجري ) إليه وإلا فهو إذا انفرد لا يرتفي حديثه عن الحسن لكونه مع صدقه وجلالته الموثق بهما كأن يخطىء بحيث ضعف ولم يخرج له البخاري إلا مقرونا بغيره وخرج له مسلم في المتابعات ثم إنه لا يلزم من الاقتصار على هذا المثال الذي تعددت طرقه إشتراط ذلك بل المعتمد ما قدمته
وكذا من أمثلة ما رواه الترمذي من طريق إسرائيل عن عامر بن شقيق عن أبي وائل عن عثمان بن عفان أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يخلل لحيته تفرد به عامر وقد قواه البخاري والنسائي وابن حبان ولينه ابن معين وأبوحاتم
وحكم البخاري فيما حكاه الترمذي في العلل بأن حديثه هذا حسن (1/74)
وكذا قال أحمد فيما حكاه عنه أبو داود أحسن شيء في هذا الباب حديث عثمان وصححه مطلقا الترمذي والدار قطني وابن خزيمة والحاكم وغيرهم وذلك لما عضده من الشواهد كحديث أبي المليح الرقي عن الوليد بن زروان عن أنس أخرجه أبو داود وإسناده حسن لأن الوليد وثقه ابن حبان ولم يضعفه أحد
وتابعه عليه ثابت البنانب عن أنس أخرجه الطبراني في الكبي من روايه عمر بن ابراهيم العبدي عنه وعمر لابأس به ورواة الذهلي في الزهريات من طريق الزبيدي عن الزهري عن أنس إلا أنه له عله لكنها غير فادحه كما قال ابن القطان ورواة الترمذي والحاكم من طريق قتاده عن حسان بن بلال عن عمار بن ياسر وهو معلول
قال شيخنا وله شواهد أخرى دون ماذكرنا في المرتبه وبجموع ذلك حكموا على أصل الحديث بالصحه وكل طريق منها بمفردها لا تبلغ درجه الصحيح
ثم إن ابن الصلاح قد سلك في هذا القسم شبيه ما سلكه في الذي قبله حيث بين هناك أن الصحيحين أصح كتبه وأن الزياده عليها تؤخذ من كذا وأما هنا فبعد أن أفاده إكثار الدارقنطي من التنصيص عليه في سننه وأن الترمذي هو المنوة به والمكثر في ذكرة في جامعه مع وقوعه في كلام من قبله كشيخه البخاري الذي كان كما قال شيخى اقتفى في شيخه ابن المديني لوقوعه في كلامه أيضا قال ومن مظنه المعجمه مفعله من الظن بمعنى العلم أي موضوع معه ومعدن للحسن سوى ماذكر جمع الإمام الحافظ الحجه الفقيه التالي لصاحبي الصحيحين والمقول فيه أنه ألين له الحديث كما ألين لداود عليه إسلام الحديد أبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني الآتي في الوفيات أي في كتابه السنن الشهير الذي صرح حجه الإسلام الغزالي باكتفاء المجتهد به في الأحاديث (1/75)
وقال النووي في خطبه شرحه أنه ينبغي للمشتغل بالفقه ولغيرة الاعتناء به وبمعرفته المعرفه التامه فإن معظم أحاديث الأحكام التي يحتج بها فيه مع سهوله تناوله وتلخيص أحاديثه وبراعه مصنفه واعتناءة بتهذيبه إلى غير ذلك من الثناء على الكتاب ومؤلفه فإنه قال ما معناه ذكرت فيه كتاب السنن ما صح أو قارب الصحيح أو يحكيه أي يشبه إذ لفظه فيما رويناة في تاريخ الخطيب من طريق ابن داسته عنه ةذكرت الصحيح وما يشبهه ويقاربه وأو هنا للتقسيم أو لغيرة من أنواع العطف المقتضى للمغايرة ولا شك فيها هنا فما يشبه الشيء وما يقاربه ليس به ولذا قيل إن الذي يشبهه هو الحسن الذي يقاربه الصالح ولزوم منه جعل الصالح قسما آخر
وقول يعقوب بن شيبه إسناد وسط ليس بالثبت ولا بالساقط هو صالح قد يساعدة
وقال أبو داود أيضا فيما رويناة في رسالته في وصف السنن ما معناه وما كان في كتابي من حديث به وهن وفي نسخه من الرساله وهي شديد فقط قلته أي بينت وهنه أو وهاؤة وقال في موضوع آخر منها وإذا كان فيه حديث منكر بينته أنه منكر وليس على نحوة في الباب غيرة
وتردد شيخي زحمه الله في محل هذا البيان أهو عقب كل حديث على حده ولو تكرر ذلك الإسناد بعينه مثلا أة يكتفي بالكلام على وهن إسناد مثلا فإذا عاد لم يبينه إكتفاءلا بما تقدم ويكون كأنه قد بينه وقال هذا الثاني أقرب عندي
قلت على أنه لامانع من أن يكون سكوته هنا لوجود متابع أو شاهد
قال شيخنا وقد يقع البيان في بعض النسخ دون بعض ولا سيما روايه أبي الحسن بن العيد فإن فيها من كلام أبي داود شيئا زاد على روايه اللؤلؤي (1/76)
وسبقه ابن كثير فقال الروايات عن أبي داود لكتابه كثيرة جدا ويوجد في بعضها من الكلام بل والأحاديث ما ليس في الأخرى
قال ولأبي عبيد الآجري عنه أسئله في الجرح والتعديل والتصحيح والتعليل كتاب مفيد ومن ذلك أحاديث ورجال قد ذكرها في سننه ثم تردد هل المراد بالبيان في سننه فقط أو مطلقا وقال إنه مما ينبغي التنبيه عليه والتيقظ له انتهى والظاهر الأول ولكن يتعين ملاحظه ما وقع في غيرها مصرحا فيه والضعف الشديد مما سكت عليه في السنن لامطلق الضعف وكذا ينبغي عدم المبادرة لنسبه السكوت إلا بعد جمع الروايات واعتماد ما اتفقت عليه لما تقدم وقد صرح ابن الصلاح مما تبعه في النووي بذلك في نسخ الترمذي حيث قرر إختلافها في التحسين والتصحيح
ثم قال أبو داود وحيث لا وهن فيه ولم أذكر فيه شيئا فهو صالح وفي لفظ أورده ابن كثير مصرحا فهو حسن خرجته وبعضه أصح من بعض قال ابن الصلاح فعلى هذا ما وجدناة مذكورا به أي بالكتاب ولم يصحح عند واحد من الشيخين ولا غيرهما ممن يميز بين الصحيح والحسن وسكت أي أبي داود عليه فهو عنده أي أبي داود له الحسن ثب
وقد يكون في ذلك ما ليس بحسن عند غيرة ولا مندرج فيما حققنا ضبط الحسن به على ما سبق ولا سيما ومذهب أبي داود تخرج الضعيف إذا لم يكن فغي الباب غيرة كما سيأتي انتهى
ويتأيد تسمبته حسنا بالروايه المحكيه لابن كثير وهو الذي مثنى عليه المنذري فإنه قال في خطبه الترغيب وكل حديث عزوته إلى أبي داود وسكت عنه فهو كما ذكر أبي داود ولا ينزل عن درجه الحسن وقد يكون على (1/77)
شرط الشيخين انتهى
لكن المعتمد اللفظ الأول ولذلك اعترض الحافظ المتقن الثقه المصنف أبو عبدالله وقيل أبو بكر ابن رشيد بضم الراء وفتح المعجمه وهو محمد بن عمر بن محمد بن عمر بن محمد بن ادريس السبتي الأندلسي المالكي المتوفى سنه اثنتين وعشرين وسبعمائه بفاس عن خمس وستين على ابن صلاح حيث قال فيما حكاة عنه ابن سيد الناس في شرح الترمذي وحسنه وهو متجه ليس يلزم أن يستفاد من كون الحديث لم ينص عليه أبو داود بضعف ولا نص عليه غيرة بصحه أن الحديث عندة حسن بل قد يبلغ الصحه عند مخرجه أي أبي داود وإن لم يكن عنده غير كذلك ويساعده ماسيأتي من أن أفعل في قوله أصح من بعض يقتضي المشاركه غالبا فالمسكوت عليه إما صحيح أو أصح إلا أن الواقع خلافه ولا مانع من استعمال أصح بالمعنى اللغوي أي بالتشبه بل قد استعمله كذلك غير واحد منهم الترمذي فإنه يورد الحديث من جهه الضعيف ثم من حهه غيرة ويقول عقب الثاني أنه أصح من حديث فلان الضعيف وصنيع أبي داود يقتضيه لما في المسكوت عليه من الضعيف بالاستقراء وكذا هو واضح من حصرة التبيين في الوهن الشديد إذ مفهومه أن غير الشديد لا يبينه
وحينئذ فالصلاحية في كلامه أعم من أن تكون للاحتجاج أو الإستشهاد فما ارتقى إلى الصحة ثم إلى الحسن فهو بالمعنى الأول وما عداهما فهو بالمعنى الثاني وما قصر عن ذلك فهو الذي فيه وهن شديد وقد التزم بيانه وقد تكون الصلاحية على ظاهرها في الإحتجاج ولا ينافيه وجود الضعيف لأنه كما سيأتي يخرج الضعيف إذا لم يجد في الباب غيرة وهو أقوى عنده من رأى الرجال ولذلك قال ابن عبد البر إن كل ما سكت عليه صحي عنده لاسيما إن لم يكن في الباب غيره على أن في قول ابن الصلاح وقد يكون في ذلك وما ليس يحسن عند غيرة ما يوحي إلى التنبيه لما أشار إليه (1/78)
ابن رشيد كما نبه عليه ابن سيد الناس لأنه جوز أن يخالف حكمه حكم غيره في طرف فكذلك يجوز أن يخالفه في طرف آخر وفيه نظر لاستلزامه نقض ماقرره
وبالجملة فالمسكوت عنه أقسام منه ما هو في الصحيحين أو على شرط الصحة أو حسن لذاته أو الاعتضاد وهما كثير في كتابه جدا ومنه ما هو ضعيف لكنه من رواية من لم يجمع على تركه
وقد قال النووي رحمه الله الحق إن ما وجدناه مالم يبينه ولم ينص على صحته أو حسنه أحد ممن يعتمد فهو حسن وإن نص على ضعفه من يعتمد أو رأى العارف في سنده ما يقتضي الضعف ولا جابر له حكم بضعفه ولم يلفت إلى سكوته انتهى
وما أشعر به كلامه من التفرقه بين الضعيف وغيره فيه نظر والتحقيق التمييز لمن له أهلية النظر ورد المسكوت عليه إلى ما يليق بحاله من صحة وحسن وغيرهما كما هو المعتمد ورجحه هو في بابه وإن كان رحمه الله قد أقر في مختصريه ابن الصلاح على دعواه هنا التي تعرب من صنيعه المتقدم في مستدرك الحاكم وغيره مما ألجأه إليها مذهبه ومن لم يكن ذا تمييز فالأحوط أن يقول في المسكوت عليه صالح كما هي عبارته خصوصا وقد سلك جماعة وكذا للإمام الحافظ الثقة أبي الفتح فتح الدين محمد بن محمد بن محمد بن أحمد بن سيد الناس اليعمري بفتح التحتانية والميم حسبما اقتصر عليه ابن نقطة وغيرة من الحفاظ وبضم الميم أيضا كما ضبطه النووي الأندلسي الأصل القاهري الشافعي مؤلف السيرة النبويه وغيرها المتوفى في شعبان سنة أربع وثلاثين وسبعمائة عن ثلاث وستين سنه والمدفون بالقرافة في القطعه التي شرحها من الترمذي اعتراض آخر على ابن الصلاح فإنه قال لم يرسم أبو داود شيئا بالحسن إنما قول أبي داود يعني الماضي وهو ذكرت (1/79)
الصحيح وما يشبهه أي في الصحة وما يقاربه أي فيها أيضا كما دل على ذلك
وقوله إن بعضها أصح من بعض فإنه إلى القدر المشترك ومنها لما يقتضيه صيغه أفعل في الأكثر يحكي مسلما أي يشبه قول مسلم صاحب الصحيح حيث يقول أي مسلم في صحيحه جمله الصحيح لاتوجد عند الإمام مالك والنبلا كشعبه وسفيان الثوري فاحتاج أي مسلم أن ينزل في الإسناد عن حديث أهل الكطبقه العليا في الضبط والإتقان إلى حديث يزيد بن أبي ونحوه كليث بن أبي سليم وعطاء بن السائب ممن يليهم في ذلك وإن يكن ذو أي صاحب السبق في الحفظ والإتقان وهو مالك مثلا قد فاته أي سبق بحفظه وإتقانه يزيد مثلا فقد أدرك أي حق المسبوق السابق في الجملة باسم العدالة والصدق ويجوز أن يكون الضمير في فاته لمسلم ويكون المعنى وإن يكن قد فات مسلما وجود مالا يستغنى عنه من حديث السبق أما لكونه لم يسمعه هو أو ذاك السابق فقد أدرك أي بلغ مقصوده من حديث من يشترك معه في الجملة
وحينئذ فمعنى كلام مسلم وأبي داود واحد ولا فرق بين الطريقين غير أن مسلما شرط الصحيح فاجتنب حديث الطبقة الثالثة وهو الضعيف الواهي وأتى بالقسمين الآخرين وأبا داود لم يشترطه فذكر ما يشتد وهنه عنده واتزم بيانه ( فهلا قضى ) أي ابن الصلاح على كتاب مسلم بما قضى به عليه أي على أبي داود وكتابه بالتحكم المذكور قال بعض المتأخرين وهو تعقب متجه ورده شيخنا بقوله بل هو تعقب واه جدا لا يساوي سماعه
وهو كذلك لتضمنه أحد شيئين وقوع غير الصحيح في مسلم أو تصحيح كلما سكت عليه أبو داود وقد بين رده الشارح بأن مسلما شرط الصحيح فليس لنا أن تحكم على حديث في كتابه بأنه حسن وأبو داود إنما قال ما سكت عليه فهو صالح والصالح يجوز أن يكون صحيحا ويجوز أن (1/80)
يكون حسنا فالاحتياط أن يحكم عليه بالحسن وبنحوة أجاب عن اعتراض ابن رشيد الماضي وسبقه شيخه العلائي فأجاب بماهو أمتن من هذا
وعبارته هذا الذي قاله يعني ابن سيد الناس ضعيف وقول ابن الصلاح أقوى لأن درجات الصحيح إذا تفاوتت فلا يعني بالحسن إلا الدرجة الدنيا منها والدرجة الدنيا منها لم يخرج منها مسلم شيئا في الأصول إنما يخرجها في المتابعات والشواهد
وارتضاه شيخنا وقال إنه لو كان يخرج جميع أهل القسم الثاني في الأصول بل وفي المتابعات لكان كتابه أضعاف ما هو الآن مع كونه لم يورد لفظ ابن السائب إلا في المتابعات وكونه من المكثرين ليس له عنده سوى مواضع يسيره
وكذا ليس لابن إسحاق عنده في المتابعات إلا ستة أو سبعة وهو ممن يجوز الحديث ولم يخرج لليث بن أبي سليم ولا ليزيد بن أبي زياد ولا لمجالد بن سعيد إلا مقرونا وهذا بخلاف أبي داود فإنه يخرج أحاديث هؤلاء في الأصول محتجا بها ولأجلها تخلف كتابه عن شرط الصحة والبغوي نسبةلبلدة من بلاد خرسان بين مرو وهراة يقال لها بغ وهو الإمام الفقيه المفسر الحافظ الملقب محيي السنة أبو محمد ركن الدين الحسين بن مسعود ويعرف بابن الفراء لكونها صنعة أبيه مصنف معالم التنزيل في التفسير وشرح السنةوالمصابيح في الحديث والتهذيب في الفقه وكان سيدا زاهدا قانعا يأكل الخبز وحده فليم في ذلك فصار يأكله بالزيت مات بمرو الرذوذ في شوال سنة ست عشرة وخمسمائة وقد أشرف على التسعين ظنا ودفن عند شيخه القاضي حسين
إذ قسم كتابه المصابحا بحذف الياء تخفيفا جمع مصباح وهو السراج إلى الصحاح والحسان جانجا أي صائرا إلى أن الصحاح ما رواه (1/81)
الشيخان في صحيحيهما أو أحدهما والحسان ما رووه أي أبو داود والترمذي وغيرهما من الأئمة كالنسائي والدارمي وابن ماجه في سنن من تصانيفهم مما يتضمن مساعدة ابن الصلاح لا ستلزامه تحسين المسكوت عليه عند أبي داود رد عليه فقال النووي أنه ليس بصواب واسبقه ابن الصلاح فقال إنه صطلاح لا يعرف وليس الحسن عند أهل الحديث عبارة عن ذلك
أولها أي يكتب السنن المشار إليها غير الحسن من الصحيح والضعيف فقد كان أبو داود يتتبع من حديثه أقوى ما وجد بالبناء للمفعول كما رأيته بخط الناظم ويجوز بناؤه للفاعل وهو أظهر في المعنى وإن كان الأول أنسب يرويه ويرويالحديث الضعيف أي من قبل سوء حفظ راويه ونحو ذلك كالمجهول علينا أو حالا لا مطلق الضعيف الذي يشمل ما كان راويه منهما بالكذب حيث لا يجد في الباب حديثا غيره فذاك أي الحديث الضعيف عنده من رأى أي من جميع آراء الرجال أقوى كما قاله أي كونه يخرج الضعيف ويقدمه على الآراء الحافظ أحد أكابر هذه الصناعة ممن جاب وجال ولقي الأعلام والرجال وشرق وغرب وبعد وقرب
أو عبد الله ابن مندة وهو محمد بن إسحاق بن محمد بن يحيى العبدي الأصبهاني ومندة لقب لوالد يحيى واسمه فيما يقال ابراهيم بن الوليد مات في سلخ ذي القعدة سنة خمس وتسعين وثلاثمائة عن نحو أربع وثمانين سنة أبو داود تابع في ذلك شيخه الأمام أحمد
فقد روينا من طريق عبد الله بن أحمد بالإسناد الصحيح إليه قال سمعت أبي يقول لاتكاد ترى أحدا ينظر في الرأي إلا وفي قلبه غل والديث الضعيف أحب إلي من الرأي قال فسألته عن الرجل يكون ببلد لا (1/82)
يجد فيها إلا صاحب حديث لا يدري صحيحه من سقيمه وصاحب رأي فمن يسأل قال يسألصاحب الحديث ولا يسأل صاحب الرأي
وكذا نقل ابن المنذر أن أحمد كان يحتج بعمرو بن شعيب عن أبيه عن جده إذا لم يكن في الباب غيره وفي رواية عنه أنه قال لابنه لو أردت أن أقتصره على ما صح عندي لم أرو من هذا المسند إلا الشيء بعد الشيء ولكنك يا بني تعرف طريقتي في الحديث إني لاأخالف ما يضعف إلا إذا كان في الباب شيء يدفعه وذكر ابن الجوزي في الموضوعات أنه كان يقدم الضعيف على القياس بل حكى الطوفي عن النقي بن تيمية أنه قال اعتبرت مسند أحمد فوجته مواقفا بشرط داود انتهى
ونحو ما حكى عن أحمد ما سيأتي في المرسل حكايه عن الماوردي مما نسبه لقول الشافعي في الجديد أن المرسل يحتج به إذا لم يوجد دلاله سواة وزعم ابن حزم أن جميع الحنفيه على أن مذهب إمامهم أيضا ضعيف الحديث أولى عنده من الرأي والقياس على أن بعضهم كما حكاة المؤلف في أثناء من تقيل روايته وتردد من النكت حمل قول ابن منده على أنه أريد بالضعيف هذا الحديث الحسن هو معيد
وكلام أبي داود في رسالته التي وصف فيها كتابه إلى أهل مكه مشعر بخلافه فإنه قال سألتهم أن أذكر لكم الأحاديث التي في كتاب السنن أهي أصح ما عرفت في الباب فاعلموا أنه كذلك كله إلا أن يكون قد روي من وجهين صحيحين وأحدهما أقدم إسنادا والأخر صاحبه قدم في الحفظ فربما كتبت ذلك أي الذي هو أقدم إسنادا
ولا أرى في كتابي من هذا عشرة أحاديث ولم أكتب في الباب إلا حديثا وحديثين وإن كان في الباب أحاديث صحاح فإنها تكثر وإنما أردت قرب منفعته فإذا أعدت الحديث في الباب من وجهين وثلاثه فإنما هو من زياده (1/83)
كلام فيه وربما تكون فيه كلمه زائده على الأحاديث وربما اختصرت الحديث الطويل لأني لو كتبته بطوله لم يعلم بعض من يسمعه المراد منه ولا يفهم موضوع الفقه منه فاختصرته لذلك إلى أن قال وليس في كتاب السنن الذي صنفته عن رجل متروك الحديث شيء وإذا قال فيه حديث منكر بينته أنه منكر وليس على نحوة في الباب غيرة
قال وقد ألفته نسقا ماصح عندي فإن ذكر لك عن النبي صلى الله عليه و سلم سنه ليس فيما خرجته فالعم أنه حديث واهي إلا أن تكون في كتابي من طريق آخر فإني لم أخرج الطرق لأنه يكثر على المتعلم ولا أعلم أحدا أجمع على الاستقصاء غيري إلى آخر الرساله وقد روينا أنه عرض سننه على شيخه أحمد فاستحسنه
وكذا فيما حكى ابن منده أيضا مما سمعه بمصر بن محمد بن سعد الباوردي كان الحافظ أبو عبد الرحمن النسائي صاحب السنن والأتي في الوفيات لايقتصر في التخريج على المتفق عليه قبولهم بل يخرج حديث من لم يجمعوا أثمه الحديث عليه تركا أي على تركه حتى أنه يخرج للمجهولين حالا وعينا للاختلاف فيهم كما سيأتي وهو كما زاده الناظم مذهب متسع يعني أنه لم يرد إجماع خاص كما قررة شيخنا حيث قال إن كل طبقه ممن نقاد الرجال لاتخلوا من تشدد ومتوسط فمن الأولى شعبه والثوري وشعبه أشدهما ومن الثانيه يحيى القطان وابن مهدي ويحيى أشدهما وعن الثالثه ابن معين واحمد وابن معين أشدهما ومن الرابعه أبو حاتم والبخاري وابو حاتم أشدهما
فقال النسائي لا يترك الرجل عندي حتى يجمع الجميع على تركه فأما إذا أوثقه ابن مهدي وضعفه القطان مثلا فإنه لايترك لما عرف من تشديد يحيى ومن هو مثله في النقد (1/84)
حينئذ فقول ابن منده وكذلك أبي داود يأخذ ما أخذ النسائي يعني في عدم التقيد بالثقه والتخريج لمن ضعف في الجمله وإن اختلف صنيعهما
وقول المنذري في مختصر السنن له حكايه عن ابن منده إن شرط أبي داود والنسائي إخراج حديث قوم لم يجمع على تركهم إذا صح الحديث باتصال الإسناد من غير قطع ولا إرسال محمول على هذا وإلا فكم من رجل أخرج له أبو داود والترمذي تجنب النسائي إخراج حديث بل تجنب النسائي إخراج حديث جماعه من رجال الشيخين حتى قال بعض الحفاظ إن شرطه في الرجال أشد من شرطهما على أنه قد انتصر التاج التبريزي للبغوي وقال إنه لا مشاحه في الإصطلاح بل تخطيه المرء في اصطلاحه بعيده عن الصواب
والبغوي قد صرح في ابتداء كتابه بقوله أعني بالصحاح كذا وبالحسان كذا وما قال أراد والمحدثون بهما كذا فلا يرد عليه شيء مما ذكرة خصوصا وقد قال وما كان فيها من ضعيف أو غريب أشرته إليه وأعرضت عما كان منكرا أو موضوعا وأيده شيخنا بحكمه في قسم الحسان بصحه بعض أحاديثه تارة إما نقلا عن الترمذي أإو غيرة وضصعفه بأخرى بحسب ما يظهر له من ذلك إذ لو أراد بالحسان الاصطلاح العام مانوعه
ولا تضر المناقشه له في ذكرة مما يكون منكرا بعد التزامه الإعراض عنه وله في باب السلام من الأدب ويروي عن جابر عن النبي صلى الله عليه و سلم السلام قبل الكلام وهذا منكر
ولا تصريحه بالصحه والنكارة في بعض ما أطلق عليه الحسان كما يضرة ترك حكاية تنصيص الترمذي في بعضها بالصحه أحيانا ولا إدخاله في الفصل الأول المسمى بالصحاح عده روايات ليست في الصحيحين ولا في أحدهما مع التزامه الاقتصار عليهما لأن ذلك يكون لأمر خارجي يرجع إلى الذهول ونحوة بل أحسن من هذا في العذر عنه بالنسبه إلى الأخير فقط أنه يذكر (1/85)
أصل الحديث منها أو من أحدهما ثم يتبع ذلك باختلاف لفظه ولو بزياده في نفس ذلك الخبر يكون بعض من خرج السنن أو ردها فيشير هو إليها لكمال الفائده ومن عليها أي السنن كلها أو بعضها أطلق الصحيحه كالحاكم والخطيب حيث طلقا الصحه على الترمذي وابن منده وابن السكن على كتابي أبي داود وجماعه منهم ابو علي النيسابوري وأبو أحمد بن مهدي والدار قطني والخطيل على كتاب النسائي حيث شذ بعض المغاربه ففضله على كتاب البخاري كما قدمته في أصح كتب الحديث مع ردة
بل ذكر الحافظ أبو طاهر السلفي اتفاق علماء المشرق والمغرب على صحه الكتب الخمسه فقد أتى تساهلا صريحا لأن ما فيها ما صرحوا بكونه ضعيفا أو منكرا أو نحو ذلك من اوصاف الضعيف قال ابن الصلاح وقد صرح أبو داود فيما قدمناه بانقسام مافي كتابه إلى صحيح وغيرة الترمذي ومصرح فيما كتابه بالتمييز بين الصحيح والحسن
وأما حمل ابن سيد الناس في شرحه الترمذي قول السلفي على مالم يقع التصريح فيه من مخرجها وغيرة بالضعف فيقتضي كما قال الشارح في الكبير إن ما كان في الكتب الخمسه مسكوتا عنه ولم يصرح بضعفه أن يكون صحيحا وليس هذا الإطلاق صحيحا بل في كتب السنن أحاديث لم يتكلم فيها الترمذي أو أبو داود ولم نجد لغيرهم فيها كلاما ومع ذلك فهي ضعيفه
وأحسن من هذا القول الثوري مراد السلفي أن معظم الكتب الثلاثه يحتج به أي صالح لأن يحتج بع لئلاا يرد على اطلاق عبارته المنسوخ أو المرجوح عند المعارضه
ويجوز أن يقال إنه لم يعتبر الضعيف الذي فيها لقلته بالنسبه إلى النوعين
وبالجمله فكتاب النسائي أقلها بعد الصحيحين حديثا ضعيفا ولذلك (1/86)
قال ابن رشيد أنه أبدع الكتب المصنفه في السنن تصنيفا وأحسنها توصيفا وهو جامع بينى طريقتي البخاري ومسلم مع حط كثير من بيان العلل
بل قال بعض المكبين من شيوخ ابن الأحمر إنه أشرف المصنفات كلها وما وضع في الإسلام مثله انتهى
ويقاربه كتاب أبي داود بل قال الخطابي إنه لم يصنف في علم الدين مثله وهو أحسن وصفا وأكثر فقها من الصحيحين
ويقارنه كتاب الترمذي بل كان أبو إسماعيل الهروي يقول هو عندي أنفع من كتابي البخاري ومسلم لأنهما لا يقف على الفائده منهما إلا المتبحر العالم وهو يصل إلى الفائده منه كل أحد من الناس
وأما كتاب ابن ماجه فإنه تفرد بأحاديث عن رجال متهمين بالكذب وسرقه الأحاديث مما حكم عليها بالبطلان أو السقوط أو النكارة حتى كان العلائي يقول ينبغي أن يكون كتاب الدارمي سادسا للخمسه بدله فإنه قليل الرجال الضعفاء نادر الأحاديث المنكطرة والشاذة وإن كان فيه أحاديث مرسله وموقوفه فهو مع ذلك أولى منه
على أن بعض العلماء كرزين السرقسطي وتبعه المجد بن الأثير في جامع الأصول وكذا غيرة جعلوا السندس الموطأ ولكن أول من أضاف ابن ماجه إلى الخمسه أبو الفضل بن طاهر حيث أدرجه معها في الأطراف وكذا في شروط الأئمه السته ثم الحافظ غبد الغني في كتاب الإكمال في أسماء الرجال الذي هذبه الحافظ المزي وقدموة على الموطأ لكثرة زوائده على الخمسه بخلاف الموطأ ودونها في رتبه أي رتية الاحتجاج الذي هو أصل بقيه المبوبين ما جعلا على المسانيد التي موضوعها جعل حديث كل صحابي على حده من غير تقييد بالمحتج به فـ بهذا السبب يدعى فيه الحديث الدعوة الجفلا بفتح الجيم والفاء مقصورا أي إمامه المحتج به وغيرة وهو استهارة يقال دعا فلان الجفلا (1/87)
إذ عم بدعوته ولم يخص قوما دون قوم والنفري وزنه أيضا هي الخاصه وكان الركون لأجل هذا لما يورد في تلك أكثر لاسيما واستخراج الحاجه منها أيسر وإن جلت مرتبه هذه بجلاله مؤلفيها وتقدم تاريخ من سابقيه منهم ولا سيما وقد نقل البيهيقي في المدخل عن شيخه الحاكم الفرق بين التصنيف على الأبواب والتراجم فقال الرتاجم يذكر فيها ما روى الصحابي عن النبي صلى الله عليه و سلم فيقول المصنف ذكر ما روى عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم ثم يترجم على المسند فيقول ذكر ما روى قيس بن حازم عن أبي بكر فيورد جميع ما وقع له من ذلك صحيحا كان أو سقيما
وأما الأبواب فإن مصنفها يقول كتاب الطهارة مثلا فكأنه يقول ذكر ما صحح عن النبي صلى الله عليه و سلم في أبواب الطهارة ثم يوردها انتهى
والمسانيد كثيرة كمسند الحافظ الثقه أبي داود سليمان بن داود بن الجاورد القرشي الفارسي الأصل البصري الطيالسي نسبه إلى الطيالسه التي تجعل على العمائم مات بالبصرة في ربيع الأول سنه أربع أو ثلاث ومائتين عن نحو سبعين سنه وهذا المسند يسير بالنسبه لما كان عنده فقد كان يحفظ أربعين ألف حديث والسبب في ذلك عدم تصنيفه هو له إنما تولى جمعه بعض حفاظ الأصبهانيين من حديث يونس بن حبيب الراوي
وكمسند أبي محمد عبيدالله أبي موسى العبسي الكوفي فأبي بكر الحميدي وأبي الحسن مسدد بن مسرهد وأبي بكر بن أبي شيبه وأبي يعقوب إسحق بن إبراهيم ابن راهويه والإمام المبجل أحمد الأتي ذكرة في الوفيات وابن أبي عمر العدني وأبي جعفر أحمد بن منيع وأبي محمد عبد بن حميد الكشي وغيرهم ممن عاصرهم أو كان بعدهم ولكن عده أي ابن الصلاح في علومه الدارمي أي لمسند درامي نسبه إلى دارم بن مالك بظني كبير من تميم وهو الحافظ أبو محمد عبدالله ابن عبدالرحمن بن الفضل التميمي السمرقندي توفى في يوم الترويه ودفن في يوم عرفه سنه خمس وخمسين ومائتين ومولده سنة إحدى وثمانين في المسانيد انتقد عليه فإنه على الأبواب كما علم مما تقدمه قريبا (1/88)
على أنه يحتمل على بعد أن يكون أراد مسنده الذي ذكرة الخطيب في تصانيفه فأنه قال إنه صنف المسند والتفسير والجامع
وكذا انتقد بعضهم على ابن الصلاح كما قرأته بخط الشارح تفصيل كتب السنن على مسند أحمد الذي هو أكثر هذه المسانيد مطلقا وأحسنها سياقا متمسكا بكونه لم يدخل فيه إلا ما يحتج به كما دل عليه عدم استيعاب ما عنده من أحاديث الصحابه فيه وإنما انتقاة من أكثر من سبعمائه وخمسين ألف حديث وقال ما اختلف المسلمون فيه من حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم فارجعوا إليه فإن وجدتموة فيه وإلا فليس بحجه بل بالغ بعضهم فأطلق عليه الصحه
والحق أن فيه أحاديث كثير ضعيفه وبعضها أشد في الضعف من بعض حتى أن ابن الجوزي أدخل كثيرا منها موضوعاته لكن قد تعقبه في بعضها الشارح وفي سائرها شيخنا وحقق كما سمعته منه نفي الوضع عن جميع أحاديثه وإنه أحسن انتقاءا وتحريرا من الكتب التي لم تلتزم الصحه في جمعها
وقال ليست الأحاديث الزائده فيه على ما في الصحيحين بأكثر ضعفا من الأحاديث الزائده في سنن أبي داود والترمذي عليهما
وبالجملة فسبيل من أراد الاحتجاج بحديث من السنن لا سيما ابن ماجه ومصنف ابن أبي شيبة وعبد الرزاق مما الأمر فيها أشد أو بحديث من المسانيد واحد إذ جميع ذلك لم يشترط من جمعه الصحة ولا الحسن خاصة وهذا المحتج إن كان متأهلا لمعرفة الصحيح من غيره فليس له أن يحتج بحديث من السنن من غير أن ينظر في اتصال إسناده وحال رواته كما أنه ليس له أن يحتج بحديث من المسانيد حتى يحيط علما بذلك وإن كان غير متأهل لدرك ذلك فسبيله أن ينظر في الحديث فإن وجد أحدا من الأئمة صححه أو حسنه فله أن (1/89)
يقلده وإن لم يجد ذلك فلا يقدم على الاحتجاج بهفيكون كحاطب بل فلعله يحتج بالباطل ومن لا يشعر
ولما انتهى الكلام على كل من القسمين با نفرده ناسب إردافها بمسألتين متعلقتين بهما فلذا قال ابن الصلاح والحكم الصادر من المحدث للإسناد بالصحة كهذا إسناد صحيح أو بالحسن كهذا إسناد حسن دون الحكم منه بذلك للمتن كهذا حديث أو حسن كما رأوا حسبما اقتضاه تصريحهم بانه لا تلازم بين الإسناد والمتن إذ قد يصح المسند أو يحسن لإستجماع شروطه من الاتصال والعدالة والضبط دون المتن لشذوذ أو علة ولا يخدش في عدم التلازم ما تقدم من أن قولهم هذا حديث صحيح مرادهم به اتصال سنه مع سائر الأوصاف في الظاهر لا قطعا لعدم استلزامه الحكم لكل فرد من أسانيد ذاك الحديث
وعلى كل حال فالتقييدالإسناد ليس صريحا في صحة المتن ولا ضعفه بل هو على الاحتمال إن صدد ممن لم يطرد له عمل فيه أو اطرد فيما لم تظهر له صحة متنه ولذلك كان منحط الرتبة عن الحكم للحديث وأقبله أي الحكم للإسناد بالصحة أو الحسن في المتن أيضا إن أطلقه أي الحكم للإسناد بواحد منهما من يعتمد أي ممن عرف باطراد عدم التفرقة بين اللفظين خصوصا إن كان في مقام الاحتجاج والاستدلال الذي يظهر أنه الحاصل لابن الصلاح على التفرقة فإنه قال غير أن المصنف المعتمد منهم إلى آخره فكأنه خص الأول بمن لم يصنف ممن نقل عنه الكلام على الأحاديث إجابة لمن سأله أو صنفه لا على الأبواب بل على المشيخات والمعاجم وما أشبه ذلك ولا مانع من هذا الحمل فقد قيل لنحوه في العذر والأصل المستخرجات مما ينقلها بدون مقابلة عليه حيث فرق بين التصنيف على الأبواب وغيرها
ولم يرد ابن الصلاح التفرقة بين المعتمد وغيره إذ غير المعتمد لا يعتمد إلا (1/90)
أن يقال الكل معتمدون غير أن بعضهم أشد اعتمادا وقد يعبر عن الغاية في العمدة بالجهبذ ( و ) وذلك حيث لم يعقبه أي الحطم للإسناد بضعف ينتقد به المتن إما نقلا عن غيره أو بنقده هو وتصرفه إذ الظاهر من هذا الإمام المصنف كما قال ابن الصلاح الحكم له بأنه صحيح في نفسه أي في نفس المتن لأن عدم العلة والقادح هو الأصل والظاهر أي في هذا المتن خاصة نظرا إلى أن هذا الإمام المصنف إنما أطلق بعد الفحص عن ابتغاء ذلك ولإ فلو كان عدم العلة والقادح هو الأصل مطلقا ما اشترط عدمه في الصحيح
ويلتحق بذلك الحكم للإسناد بالضعف إذ قد يضعف لسوء حفظ وانقطاع ونحوهما وللمتن طريق آخر صحيح او حسن كما سيأتي أول التنبيهات التالية للمقلوب ولكن المحدث المعتمد لو لم يفحص عن انتفاء المتابعات والشوابه ما أطلق
ثم إنه مع ما تقرر قد يدعي أرجحية ما نص فيه على المتن لما علم من الفرق بين ما الدلالة عليه بالعبارة والنص على ما هو بالظهور واللزوم ومما يشهد لعدم التلازم ما رواه النسائي من حديث أبي بكر بن خلاد عن محمد بن فضيل عن يحيى بن سعيد عن أبي سلمة عن أبي هريرة رفعه تسحروا فإن في السحور بركة وقال هذا حديث منكر وإسناده حسن وأحسب الغلط من محمد بن فضيل وكذا أورد الحاكم في مستدركه غير حديث يحكم على إسناده بالصحة وعلى المتن بالوهاء لعلته أو شذوذ إلى غيرهما من المتقدمين وكذا من المتأخرين كالمزي حيث تكرر منه الحكم بصلاحية الإسناد ونكارة المتن
وروى الترمذي في فضائل القرآن حديثا من طريق خيثمة البصري عن الحسن عن عمران بن حصين مرفوعا من قرأ القرآن فليسأل الله به وقال بعده هذا حديث حسن ليس إسناده بذلك ونحوه ما أخرجه ابن عبد البر في كتاب العلم له من حديث معاذ بن جبل رفعه تعلموا العلم فإن تعلمه لله خشية الحديث بطوله وقال عقبة هو حديث حسن جدا ولكن ليس إسناده (1/91)
يقوي والثانيه استشكل الحسن الواقع جمعه في كلام الترمذي كثير أو غيرة كالبخاري مع الصحه في متن واحد كهذا حديث حسن صحيح لما تقرر من أن الحسن قاصر عن الصحيح ففي الجمع بينهما في حديث واحد جمع بين نفي ذلك القصور وإثباته ويقال في الجواب لا يخلوا إما أن يكون هذا القائل أراد الحسن الاصطلاحي أو اللغوي فإن لفظا يرد أي فإن يرد القائل به اللغوي لكونه مما فيه بشري للمكلف تسهيل عليه وتيسير له وغير ذلك مما قيل إليه النفس ولا يأباة القلب وهو اللغوي فهو كما قال ابن الصلاح غير مستنكر الإدارة وبه يزول الإشكال
ولكن قد تعقبه ابن دقيق العيد بأنه إن أريد حسن اللفظ فقط فقل صف به أي بالحسن الضعيف ولو بلغ رتبه الوضع يعني كما هو قصد الواصفين غالبا وذلك لايقوله أحد من أهل الحديث إذا جروا على اصطلاحهم بل صرح البلقيني بأنه لا يحل إطلاقه في الموضوع يعني ولو خرجوا عن اصطلاحهم لأنه ربما أوقع في ليس وأيضا فحسن لفظه معارض بفتح الوضع أو الضعف
لكن أجاب بمنع وروده بعد الحكم عليه بالصحه الذي هو فرض المسأله وهو حسن ولذلك تبعه شيخنا وغيرة فيه
على أنه قد يدعي أن تقييد الترمذي بلإسناد حيث قال إنما أردنا به حسن إسناده يدفع إراده حسن اللفظ ولكن لايأتي هذا إذا مشينا على أن تعريفه إنما هو لما يقول فيه حسن فقط
وإما قول ابن سيد الناس في دفع كلام ابن الصلاح حديث النبي صلى الله عليه و سلم كله حسن الألفاظ بليغ المعاني يعني فلم يخص بالوصف بذلك بعضه دون بعض فهو كذلك جزما لكن فيه ما هو في الترهيب ونحوه كمن نوقش الحساب عذب وما هو في الترغيب والفضائل كالزهد والرقائق ونحوة (1/92)
ذلك ولا مانع من النص في الثاني ونحوة على الحسن اللغوي
ورد بأن المطابق للواقع في الترمذي غير محصور فيه والانفصال عنه كما قال البلقيني إن الوصف بذلك ولو كان في الترهيب باعتبار ما فيه من الوعيد والزجر بالأساليب البديعة
وحينئذ فالإشكال باق أو أن يرد ما يختلف سند بأن يكون الحديث بإسنادين أحدهما حسن والآخر صحيح فيقتسم الجمع بين الوصفين باعتبار تعدد الإسنادين وهذا الجواب لابن الصلاح أيضا
وقد تعقبه ابن دقيق العيد أيضا بأنه وإن أمكن فيما روى من غير وجه لاختلاف مخرجه ( فكيف ) يمكن أن حديث فرد وصف بذلك كما يقع التصريح به في كلام الترمذي نفسه حيث يقول في غير حديث إنه حسن صحيح لا نعرفه إلا من هذا الوجه أو لا نعرفه إلا من حديث فلان وتبعه في رد هذين الجوابين تلميذه ابن سيد الناس قال وأيضا فلو أراد أي الجامع بين الوصفين واحد منهما الحسن أن يأتي بواو العطف المشتكرة فيقول حسن وصحيح لتكون أوضح في الجمع بين الطريقين أو أسند والمتن ولأبي الفتح تقي محمد ابن علي بن وهب بن مطيع بن أبي الطاعة القشيري المنفلوطي ثم القاهري المالكي ثم الشافعي عرف بابن دقيق العيد وهوالحافظ العلامة الشهير أعلم أهل عصره تفقه بحديث وعلله وقوة الاستنباط منه ومعرفة طرق الاجتهاد مع تقدمه في الزهد والورع والولاياة بحيث كان يتكلم على الخواطر وناهيك بأنه القائل ما تكلمت بكلمة ولا فعلت فعلا إلا أعددت لذلك جوابا بين يدي الله تعالى ذو التصانيف الكثيرة في الفنون وأحد من ولي قضاة مصر وفاق في القيام بالحق والصلابه في الحكم وعدم المحاباة بل كان إذا تخاصم إليه أحد من أهل الدوله بلغ في التشديد والتثبت فإن سمع ما يكرهه عزل نفسه فعل ذلك مرارا وهو يعاد وكان يقول ضابطا ما يطلب مني ما يجوز شرعا لا أبخل به واستمر في القضاء حتى مات في (1/93)
صفر سنه اثنتين وسبعمائه ودفن بالقرافه ومولده في شعبان سنه خمس وعشرين وستمائه في كتابه الاقتراح في علوم الحديث الذي نظمه الناظم وشرحته بعد ردهما كما تقدم في الجواب عن الإشكال ما حصله ان انفرد الحسن في سند أو متن الحسن فيه ذو اصطلاح أي الاصطلاح المشترط فيه القصور عن الصحه وإن يكن الحديث صح أي وصف مع الحسن بالصحه فليس يلتبس حينئذ الجمع بين الوصفين بل الحسن حاصل لا محاله تبعا للصحه وشرح هذا وبيانه أن ههنا صفات للرواة يقتضي قبول الروايه ولتلك الصفات درجات بعضها فوق بعض كالتقيظ والحفظ والإتقان مثلا ووجود الدرجه الدنيا كالصدق منه وعدم التهمه بالكذب لاينافيه وجود ماهو أعلى منه كالحفظ والإتقان فإذا وجدت الدرجه العليا لم يناف ذلك وجود الدنيا كالحفظ مع الصدق فيصح أن يقال في هذا إنه حسن باعتبار وجود صفه الدنيا وهي أصدق مثلا صحيح باعتبار الصفه العليا وهي الحفظ والإتقان قال وعلى هذا كل صحيح حسن لا ينعكس أي وليس كل حسن صحيحا ويتأيد الشق الأول بقولهم هذا حديث حسن في الأحاديث الصحيحه كما هو موجود في كلام المتقدمين وسبقه ابن المواق فقال لم يخص الترمذي يعني في تعريفه السابق الحسن بصفه تميزة عن الصحيح فلا يكون صحيحا إلا وهو غير شاذ ولا يكون صحيحا حتى تكون رواته غير مهتمين بل ثقات
قال فظهر من هذا إن الحسن عنده صفه لاتخص هذا القسم بل قد يشركه فيها الصحيح فكل صحيح عنده حسن ولا ينعكس ويشهد لهذا أنه لايكاد يقول في حديث يصححه إلا حسن صحيح ( و ) لكن قد أوردوا أي ابن سيد الناس ومن وافقه على ذلك كما أشير إليه أول القسم ما صح من أحديث ( أفراد ) أي ليس لها إلا إسناد واحد لعدم اشتراط التعدد في الصحيح حديث اشترطنا كالترمذي في الحسن غير ما إسناد أي غير إسناد (1/94)
فانتفى حينئذ كما قال ابن سيد الناس أن يكون كل صحيح حسنا قال نعم قوله وليس كل حسن صحيحا صحيح
قال شيخنا وهو تعقب وارد ورد واضح انتهى
لكن قد سلف قول ابن سيد الناس نفسه أن الترمذي عرف نوعا خاصا من الحسن يعني فاعداة لا يشترط فيه التعد كالصحيح
وحينئذ فالعموم الذي أشار إليه ابن دقيق العيد بالنسبه إليه مطلق وبالحمل عليه يستقيم كلامه وأما إذا كان وجيها فالإشكال باق
هذا مع أن شيخنا صرح بأن جواب ابن دقيق العيد أقوى الأجوبة عن هذا الإشكال ولكن التحقيق ماقاله أيضا كما سبق بيانه عند تعريف الخطابي أنهما متباينان ولذا مشى في توضيح النخبة على ثاني الأجوبة إذا لم يحصل التفرد
وذكر آخر التفرد لابن سيد الناس وعبارته ومحصل الجواب في الجمع بينهما أن تردد أئمة الحديث في حال ناقله اقتضىللمجتهد أن لا يصفه بأحدالوصفين فيقال فيه حسن باعتبار وصفه عند قوم صحيح باعتبار وصفه عند قوم وغاية ما فيه أنه حذف منصرف التردد لأن حقه أن يقول حسن أو صحيح وهذا كما حذف حرف العطف يعني من الآخر
وعلى هذا فما قيل فيه حسن صحيح دون ما قيل فيه صحيح لأن الجزم أقوى من التردد وهذا حيث التفرد وإلا أي إذا لم يحصل التفرد فإطلاق الوصفين معا على الحديث يكون باعتبار إسنادين أحدهما صحيح ولآخر حسن
وعلى هذا إنما قيل فيه حسن صحيح فوق ما قيل فيه صحيح فقط إذا كان فردا لأن كثرة الطرق تقويه والله أعلم (1/95)
القسم الثالث الضعيف
( أما الضعيف فهو مالم يبلغ ... مرتبه الحسن وإن بسط بغى )
( فقاقد شرط قبول قسم ... واثنين قسم غيرة وضموا )
( سواهما فثالث وهكذا ... وعد لشرط غير مبدو فذا )
( قسم سواهما ثم زد غير الذي ... قدمته ثم على ذا فاحتذي )
( وعده البستي فيما أوعى ... لتسعه وأربعين نوعا )
أما الضعيف الضعيف فهو ما لم يبلغ مرتبة الحسن ولو يفقد صفة من صفاته ولا احتياج لضم الصحيح إليه فإنه حيث قصر عن الحسن كان عن الصحيح أقصر ولو بتباينهما إن بسط بغي أي وإن طلب بسط وتركيب لأقسامه ففاقد شرط قبول أي شرطا من شروط المقبول الذي هو أعم من الصحيح واحسن وهيستة اتصال السند والعدالة والضبط ونفي الشذوذ ونفي العلة القادحة والعاضد الاحتياج إلية التي بالنظر لانتفائهما اجتماعا وانفرادا تتعدد أقسامة قسم ففقد الاتصال مثلا قسم تحتة ثلاثة المرسل والمنقطع والمعضل وفاقد اثنين منها وهما الاتصال مع اخر من الخمسة الباقية قسم غيره أي غير الاول تحتة ثمانية عشر بالنظر إلى الضعيف والمجهول اللذين يشملهما فقد العدالة لأنك تضربهما والاربعة الباقية في الثلاثة الداخلة تحت فقد الاتصال فتبلغ ذلك وحينئذ (1/96)
فمجموع القسمين أحد وعشرين قسما وضموا سواهما أي وضم واحد غير فقد الاتصال والأخر الذي فقد معة من باقيها إليهما بحيث يصير المفقود ثلاثة لا غير فذاك قسم ثالث تحت ستة وثلاثون لأنك تضم إلى ما فقد فيه الاتصال بأقسامه مع قسمي العدالة وإلى ما فقد فيه الاتصال بأقسامه مع الضبط وإلى ما فقد فيه الاتصال بأقسامه مع العاضد الشذوذ مرة والعلة مرة أخرى وإلى ما فقد فيه الاتصال بأقسامه مع قسمي العدالة لضبت الاتصال بأقسامه مع الضبط وإلى ما فقد فيه الاتصال بأقسامه مع العاضد الشذوذ مرة والعلة أخرى وإلى ما فقد فيه الاتصال بأقسامه مع قسمي العدالةالضبط تارة والعاضد أخرى وكذا ما فقد فيه الاتصال بأقسامه مع شرطين آخرين وهما اجتماعالشذوذ والعلة فتلك ثلاثة وبها يصير هذا القسم تسعة وثلاثين وهكذا فافعل إلى آخر الشروط فخذ ما فقد فيه شرط آخر مضموما إلى فقد الشروط الثلاثة فيه المتقدمة فهو قسم آخر تحته إثنا عشر لأنك تضم إلى ما فقد فيه الاتصال بأقسامه قسمي العدالة وإلى ما فقد الاتصال بأقسامه مع الضبط وإلى ما فقد الاتصال بأقسامه مع العاضد والشذوذ والعلة معا
ثم ارتقى الى ما فقد فيه أو ستة منها فقد الاتصال بحسب الإمكان من غير أن تجمع أقسام الاتصال أو اثنين منها وكذا قسمي العدالة بأن تجعل مثلا المرسل مع المنقطع أو مع المعضل أو الضعيف مع المجهول في قسم واحد ( و ) بعد الانتهاء من هذا الشرط وهو الاتصال ( عد ) أي ارجع الشرط غير مبدوء به أو لاوهو العدالة مثلا قد قسم سواها أي الأقسام الماضية تحته إثنان ( ثم زد ) مع كل من هذين غير الذي قدمته وتحته ثمانية لأنك تضم ما فقد فيه الضبط أو العاضد أو فيه شذوذ أو علة لكل منهما ثم على ذا الحذو ( فاحتذى بمهملة ثم مثناه مفتوحة بعدها معجمة أي افتد أنت والمعنى أنك تكمل هذا العمل الثاني الذي بدأته بفقد الشرط المثنى به كما كملت الأول بأن تضم إلى فقد العدالة بقسميها الآخر الذي فقد معه من باقيها ثالثا إلى أن ينتهي (1/97)
العمل ثم عد فإبدأ بما فقد فيه شرط غير الأولين الذين بدأت بكل منهما في عمليك وهو الضبط ثم ضمه إلى واحد من الثلاثة الباقية ثم إلى اثنين وهكذا فافعل في فقد العاضد ثم عد فخذ الشاذ منفردا ثم مضموما مع المعلل ثم عد فخذ العلل منفردا
وإلى هنا انتهى العمل وهو مع كونه بحسب الفرض لا الواقع ليس بآخره بل لو نظرنا إلى أن فقد الاتصال يشتمل أيضا والمعلق النقطع الخفي كالتدليس وفقد العداله يشمل الضعيف بكذب راويه أو تهمته بذلك أو فسقه أو بدعته أو جهالة عينه أو جهالة حاله وفقد الضبط يشمل كثرة الغلط والغفله والوهم وسوء الحفظ والاختلاط والمخالفة لزادت الأقسام كثيرا كما أشار إليه ابن الصلاح لقوله وما كان من الصفات له شروط فاعمل في شروطه نحو ذلم فتتضاعف بذلك الأقسام
ولكن قد صرح غير واحد منهم شيخنا بأن ذلك مع كثرة التعب فيه قليل الفائدة
ولا يقال إن فائدته كون ما كثر فقد شروط القبول فيه أضعف لأنه ليس على إطلاقه فقد يكون الفاقد للصدق وحده أضعف من فاقد ما عداه ذكر لأن فقد العداله غير منحصر في الكذب وقول ابن الصلاح ثم ما عدم فيه جميع صفات القبول فهو القسم الأرذل فقد لايعارضه كما أنه لايقال
فائدته تخصيص كل قسم منها بلقب إذ لم يلقي منها إلا المرسل والمنقطع والمعضل والمعلل والشاذ وكذا لقب مما لم يذكر في الاقسام المقطوع والمدرج والمقلوب والمضطرب والموضوع والمطروح والمنكر وهو بمعنى الشاذ كما سيأتي بيانها وحينئذ فالاشتغال بغيرة من مهمات الفن الذي لا يتسع العمر الطويل لاستقصائه آكد وقد خاض غير واحد ممن لم يعلم هذا الشأن في ذلك فتعبوا واتبعوا (1/98)
ولو قيل لأطولهم وأعرضهم أوجدنا مثالا لما يلقب منها بلقب خاص لبقي ووراء هذا كله أن في بعض الأقسام نزاعا وذلك أن اجتماع الشذوذ مع الضعيف أو المجهول كما قاله الشارح غير ممكن على الصحيح لأن الشذوذ تفردالثقة عند الجمهور وجوزه شيخنا بأن يكون في السند ثقة خولف وضعيف
قال وفائدة ذلك قوة الضعف لكثرة الأسباب لكن قد يقال إنه إذا كان في السند ضعيف بحال ما في الخبر من تعبير عليه نعم إن عرف من خارج إن المخالفة من الثقة أو كان الضعيف بعد الراوي الذي شذ جاء ما قاله شيخنا
وبالجملة فلما كان التقسيم المطلوب صعب المرام في بادي الرأي لحضه شيخنا بقوله فقد الأوصاف راجع إلى ما في رواية طعن أو في سنده سقط فالسقط إما أن تكون في أوله أو في آخره أو في أثنائه ويدخل تحت ذلك بالمرسل والمعلق والمدلس والمنقطع والمعضل وكل واحد من هذه إذا انضم إليه وصف من أوصاف الطعن وهي تكذيب الراوي أو تهمته بذلك أو فحش غلطه أو مخالفته أو بدعته أو جهالة عينه أوجهالة حاله فباعتبار ذلك يخرج منه أقسام كثيرة مع الاحتراز من التداخل المفضي إلى التكرار فإذا فقد ثلاثة أوصاف من مجموع ما ذكر حصلت منه أقسام أخرى مع الاحتراز مما ذكر ثم إذا فقد أربعة أصاف فكذلك ثم كذلك إلى آخره
فكل ما عمدت فيه صفه واحده يعني غير الكذب يكون أخف مما عدمت فيه صفتان إن لم تكن بتلك الصفه التي جبرتها صفه مقويه يعني كما كان ابن الصلاح من غير أن يخلفها جابر على حسب ما تقرر في الحسن وهكذا إلى أن ينتهي الحديث إلى درجه الموضوع المختلق بأن ينعدم فيه شروط القبول (1/99)
ويوجد فيه ما يشترط انعدامه من جميع أسباب الطعن والسقط
قال لكن قال شيخنا يعني الشارح أنه لا يلزم من ذلك ثبوت الحكم بالوضع وهو متجه لكن مدار الحكم في الأنواع على غلبة الظن وهي موجودة هنا انتهى ولا يزيد عليه في الحسن وبهذا الاعتبار تزيد اقسامه جملة ( وعده ) أي قسم الضعيف أبو حاتم ابن حبان ( البستي ) الماضي في الصحيح الزائد على الصحيحين ( فيما أوعى ) أي حفظ وجمع كما نفله ابن الصلاح عنه لكن غير معين للتصنيف الواقع فيه
وزعم الزركشي أن ذلك في أول كتابه في الضعفاء وليس كذلك فالذي فيه إنما هو تقسيم الأسباب الموجبة لتضعيف الرواة لاتقسيم الحديث الضعيف وهو التباس بعيد خصوصا وعدة ما ذكره عشرون قسما ( لتسعة ) بتقديم الثناة وأربعين نوعا خمسين قسما إلا واحدا كما هي عبارة ابن الصلاح ولكن الأولى أخضر مع موافقتها الاصطلاح الحساب في تقديم العطف على الاستثناء والثانية أسلم من عروض التصحيف ومن دخول اللام لكون عد متعديا مع نطق الرآن بهما في قوله تسع وتسعون نعجة وألف سنة إلا خمسين عاما
على أنه كان يمكن الناظم كما قال شيخنا أن يقول مسوعبا خمسين إلا نوعا وللخوف من التصحيف أيضا ثبت الجمع بينهما في الصحيحين إن لله تسعة وتسعين إسما مائة إلا واحدا إذا علم هذا فسيأتي قبيل من تقبل روايته ومن ترد مسائل تدخل في هذا القسم لا بأس باستحضارها
تتمة أفراد ابن الجوزي عن هذا نوعا آخر سماه المضعف وهو الذي لم يجمع على ضعفه بل فيه إما في المتن أو في السند تضعيف لبعض أهل الحديث وتقوية لآخرين وهو أعلى مرتبة من الضعف المجمع عليه انتهى (1/100)
ومحل هذا إذا كان التضعيف هو الراجح أو لم يترجح شيء وإلا فيوجد في كتب ملتزمي الصحة حتى البخاري مما يكون من هذا القبيل أشياء (1/101)
المرفوع
( وسم مرفوعا مضافا للنبي ... واشترط الخطيب رفع الصاحب )
( ومن يقابله بذي الإرسال ... فقد عنى بذاك ذا اتصال )
وقدم على ما بعده لتمحضه في شريف الإضافة ( وسم ) أيها الطالب مرفوعا مضافا للنبي أي وسم كل ما أضيف إلى النبي صلىالله عليه وسلم قولا له أو فعلا أو تقريرا سواء أضافه إليه صحابي أو تابعي أو من بعدهما حتى يدخل فيه قول المصنفي ولو تأخرو قال رسول الله صلى الله عليه و سلم فعلي هذا يدخل فيه المتصل والمرسل والمنقطع والمعضل والمعلق لعدم إشتراط الاتصال ويخرج الموقوف والمقطوع لاشتراط الإضافة المخصومة
واشترط الحافظ الحجة أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت البغدادي ( الخطيب ) الآتي في الوفيات فيه رفع الصاحب فقط ولفظه المرفوع ما أخبر فيه الصحابي عن قول الرسول صلى الله عليه و سلم أو فعله فعلى هذا مايضيفه التابعي فمن بعده الى النبي صلى الله عليه و سلم لا يسمى مرفوعا ولكن المشهور الأول مع أن شيخنا قد توقف في كونه قيدا فإنه قال يجوز أن يكون ذكر الخطيب الصحابي على سبيل المثال أو الغالب لكون غالب ما يضاف الى النبي صلى الله عليه و سلم هو من إضافة الصحابة أنه ذكره على سبيل التقييد فلا يخرج حينئذ عن الأول ويتأيد بكون الرفع إنما ينظر فيه إلى المتن دون الأسناد انتهى وفيه نظر (1/102)
ومن يقابله أي المرفوع بذي الارسال أي بالمرسل كأن يقول في حديث واحد رفعه فلان وأرسله فلان مثاله حديث عيسى بن يونس عن هشام ابن عروة عن أبيه عن عائشة كان النبي صلى الله عليه و سلم يقبل الهدية ويتيب عليها
قال الآجري سألت أبو داود عنه فقال تفرد برفغه عيسى وهو عند الناس مرسل ونحوه قول الترمذي لا نعرفه مرفوعا إلا من حديث عيسى فقد عني القائل بذاك اللفظ ذا اتصال أي المتصل بالنبي صلى الله عليه و سلم وحينئذ فهو رفع مخصوص إذ المرفوع أعم كما قررناه على أن ابن النفيس مشى على ظاهر هذا فقيد المرفوع بالاتصال (1/103)
المسند
( والمسند المرفوع أو ما قد وصل ... أو مع وقف وهو في هذا يقل )
( والثالث الرفع مع الوصل معا ... شرط به الحاكم فيه قطعا )
وقدم على ما بعده نظرا للقول الأول والأخير ( والمسند ) كما قاله أبو عمر ابن عبد البر في التمهيد هو ( المرفوع ) إلى النبي صلى الله عليه و سلم خاصة وقد يكون متصلا كمالك عن نافع عن ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أو منقطعا كمالك عن الزهري عن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه و سلم فهو وإن كان منقطعا لأن الزهري لم يسمع من ابن عباس فهو مسند لأنه قد أسند إلى النبي صلى الله عليه و سلم
قلت ونحوه قول ابن أبي حاتم يسأل أبي أسمع زرارة بن أوفى عبد الله بن سلام فقال ما أراه سمع منه ولكنه يدخل في المسند وعلى هذا فهما أعني المسند والمرفوع - على القول المعتمد فيه كما صرح به ابن عبد البر شيء واحد والانقطاع يدخل عليهما جميعا ويلزم من ذلك أيضا شموله المرسل والمعضل قال شيخنا وهو مخالف للمستفيض من عمل أئمة الحديث في مقابلتهن بين المرسل والمسند فيقولون أسنده فلان وأرسله فلان انتهى
ويأتي فيه سلف قريبا من مقابلة للمرفوع بالمرسل وممن اقتضى صيغة أن المسند المرفوع الدارقطني فقد نقل الحاكم عنه أنه قال في سعيد بن عبيد (1/104)
الله ابن جبير بن حية الثقفي إنه ليس بالقوي يحدث بأحاديث بسندها وغيره يوقفها ( أو ) المسند ما قد وصل إسناده ( ولو ) كان الوصل مع وقف على الصحابي أو غيره وهذا هو القول الثاني وعليه فالمسند والمتصل سواء لإطلاقهما على كل من المرفوع والموقوف ولكن الأكثر استعمال المسند في الأول كما قاله الخطيب فإنه بعد أن عزى في الكفاية لأهل الحديث أنه الذي اتصل إسناده بين راويه وبين من أسند عنه
قال إلا أن أكثر استعمالهم له فيما أسند عن النبي صلى الله عليه و سلم خاصة ( وهو ) أي المسند في هذا أي فيما وقف على الصحابة وغيرهم يقل أي قليل وحينئذ فافتراقهما من جهة أن استعمال التصل في المرفوع والموقوف على حد سواء بخلاف المسند فاستعماله في المرفوع أكثر دون الموقوف
ثم إن في كلام الخطيب الذي قد أقره ابن الصلاح عليه إشعارا باستعماله المسند قليلا في المقطوع بل وفي قول من بعد التابعي وصريح كلامهم يأباه ( و ) القول الثالث إنه الرفع أي المرفوع إلى النبي صلى الله عليه و سلم مع الوصل أي مع اتصال إسناده معا كما حكا ابن عبد البر في التمهيد عن قوم وهو شرط به الحافظ أبو عبد الله النيسابوري الحاكم صاحب المستدرك في كيابه علوم الحديث فيه أي في المسند ( قطعا ) حيث لم يحك فيه كما قال ابن الصلاح غيره وكالناظم إنما أخره تبعا لأصله لا لضعفه فإنه هو الصحيح كما قال شيخنا وأشعر به تمريض ابن دقيق العيد الأول وتقديمه لهذا عليه
وقال المحب الطبري في المعتصر أيضا إنه أصح اذا لا تمييز إلا به يعني لكون قائله لحظ فيه الفرق بينه وبين التصل والمرفوع من حيثية أن المرفوع ينظر فيه إلى حال المتن مع قطع النظر عنن الإسناد اتصل أم لا والمتصل تنظر إلى حال الإسناد مع قطع النظر عن المتن مرفوعا كان أو موقوفا (1/105)
والمسند ينظر فيه إلى الحالين معا فيجمع شرطي الاتصال والرفع فيكون بينه وبين كل من الرفع والاتصال عموم وخصوص مطلق فكل مسند مرفوع وكل مسند متصل ولا عكس فيهما
هذا مع شيخنا قال ما نصه والذي يظهر لي بالاستقراء من كلام أئمة الحديث وتصرفهم أن المسند هو ما أضاف من سمع النبي صلى الله عليه و سلم إليه بسند ظاهر الاتصال قال فمن سمع أعم من أن يكون صحابيا أو تحمل في كفره وأسلم بعد النبي صلى الله عليه و سلم لكنه يخرج من لم يسمع كالمرسل والمعضل ويسند يخرج ما كان بلا سند كقول القائل من المنصفين قال رسول الله صلى الله عليه و سلم فإن هذا من قبيل المعلق وظهور الاتصال يخرج المنقطع لكن يدخل فيه الإنقطاع الخفي كنعنعة المدلس والنوع المسمى بالمرسل الخفي ونحوهما مما ظاهره الاتصال وقد تفتش فيوجد منقطعا واستشهد للأخير بأن لفظ الحاكم المسند ما رواه المحدث عن شيخ يظهر سماعه منه ليس يحتمله وكذلك سماع شيخه من شيخه متصلا إلى صحابي مشهور إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم وفيه نظر
فالظاهر أن قوله ليس يحتمله يخرج عنعنة المدلس خصوصا وقد صرح الحاكم بعد باشتراط عدم التدليس في رواته
ولكن الواقع أن أصحاب المسانيد من الأءمة لا يتحامون فيها تخريج معنعنات المدلسين ولا أحاديث من ليس له من النبي صلى الله عليه و سلم إلا مجرد الرؤية من غير تكبير بل عبادة الخطيب واتصال الإسناد فيه أن يكون كل واحد من رواته سمعه ممن فوقه حتى ينتهي إلى آخره إن لم يبين في السماع بل اقتصر على العنعنة (1/106)
المتصل والموصول
( وإن تصل بسند منقولا ... فسمه متصلا موصولا )
( سواء الموقوف والمرفوع ... ولم يروا أن يدخل المقطوع )
وقدم على ما بعده نظرا لوقوعه على المرفوع ( وأن تصل ) أيها الطالب ( بسند ) أي وإن ترو بإسناد متصل منقولا قسمه متصلا وموصولا وكذا مؤتصلا بالفك والهمزة كما هي عبارة الشافعي في مواضع من الأم وعزاها إليه البيهقي وقال ابن الحاجب في تصريفه إنها لغته فهي مترادفة ( سواء ) في ذلك حيث اتصل إسناده ( الموقوف ) على الصحابة والمرفوع إلى النبي صلى الله عليه و سلم فخرج بقيد الآتصال المرسل والمنقطع والمعضل والمعلق وكذا معنعن المدلس قبل تقين سماعه ولم يروا أن يدخل المقطوع الذي هو كما سيأتي قيبا قول التابعي ولو اتصل إسناده التننافر بين لفظ القطع والوصل هذا عند الإطلاق كما يشير إليه قول ابن الصلاح ومطلقه أي المتصليقع على المرفوع والموقوف أما مع التقييد فهو جائز بل أيضا في كلامهم
يقولون هذا متصل إلى سعيد بن المسيب أو إلى الزهري أو إلى مالك ونحو قلت (1/107)
الموقوف
( وسم بالموقوف ما قصرته ... بصاحب وصلت أو قطعته )
( وبعض أهل الفقه سماة الأثر ... وإن تقف بغيرة قيد تبر )
وقدم على ما بعده لاختصاصه بالصحابي ( وسم ) أيها الطالب بالموقوف ما قصته بصاحب أي على صابي قولا له وفعلا أو نحوهما مما لا قرينة فيه للرفع سواء ( وصلت ) السند بذلك أو قطعته وشذ الحاكم فاشترط عدم الانقطاع واختلافه فيه هل يسمى خبرا أم لا فمقتضى القول المرجوح لعدم مرادفة الخبر للحديث وإن الخبر ما جاء عن غير النبي صلى الله عليه و سلم الأول وبعض أهل الفقه من الشافعية سماه الأثر بل حكاه أبو القاسم الغوراني من الخرسانيين عن الفقهاء وأطلق فإنه قال الفقهاء يقولون الخبر ما كان عن النبي صلى الله عليه و سلم ولأثر ما يروى عن الصحابة انتهى
وظاهر تسمية البهيقي كتابه المشتمل عليهما بمعرفة السنن والآثار معهم وكان سلفهم فيه إمامهم فقد وجد ذلك في كلامه كثيرا واستحسنه بعض المتأخرين قال لأن التفاوت في المراتب يقتضي التفاوت في المترتب عليها فيقال لما نسب لصاحب الشرع الخبر وللصحابة الأمر وللعلماء القول والمذهب (1/108)
ولكن المحدثونكما عزاه إليهم النووي في كتابيه يطلقون الأثر على المرفوع والموقوف
وظاهر تسمية الطحاوي لكتابه المشتمل عليهما شرح معاني الآثار معهم وكذا أبو جعفر الطبري في تهذيب الآثار له إلا أن كتابه اقتصر فيه على المرفوع وما يورده فيه من الوقوف فبطريق التبعية بل في الجامع للخطيب من حديث عبد الرحيم بن حبيب الفاريابي عن صالح بن بيان عن أسد بن سعيد الكوفي عن جعفربن محمد عن أبيه عن جده مرفوعا ما جاء عن الله فهو فيضة وما جاء عني فهو حتم وفريضة وما جاء عن أصحابي فهو سنة وما جاء عن اباعهم فهو أثر وما جاء عمن دونهم فهو بدعة
قال شيخنا وينظر في سنده فإنني أظن أنه باطل
قلت بل لا يخفى بطلانه على أحد أتباعه فالفاريابي رمى بالوضع وفي ترجمته أورده الذهبي في الميزان واللذان فوقه قال المستغفري في كل منهما يروى العجائب وينفرد بالمناكير
وأصل ما ظهر من مشى الشخص على الأرض
قال زهير
( والمرء ما عاش ممدود له الأثر ... لا ينتهي العمر حتى ينتهي الأثر )
ثم إنه لا اختصاص في الموقوف بالصحابي بل ولو أضيف المروي للتابعي وكذا لمن بعده كما اقتضاه كلام ابن الصلاح بسماع تسميته موقوفا ( و ) لكن أن تقف بغيره أي على غير الصحابي وفي بعض النسخ بتابعي والأول أشمل فقيد ذلك بقولك موقوف على فلان تبرأ أي يزكو عملك ولا ينكر (1/109)
المقطوع
( وسم بالمقطوع قول التابعي ... وفعله قد رأى للشافعي )
( تعبيرة به عن المنقطع ... قلت وعكسه اصطلاح البردي )
ويجوز في جمعه المقاطيع والمقاطع بإثبات التحتانية وحذفها اختيارا كالمسانيد والمراسيل لكن المنقول في مثل المقاطيع عن البصريين الجرمي الإثبات جزما والجرمي مع الكوفيين في جواز الحذف واختاره ابن مالك وسم بالمقطوع قول التابعي وفعله حيث لا قرينة للرفع فيه كالذي قبله ليخرج ما هو بحسب اللفظ قول تابعي أو صحابي ويحكم له بالرفع للقرينة كما سيأتي قريبا في سادس الفروع
وبذلك يندفع منع إدخالهما في أنواع الحديث بكون أقوال الصحابة والتابعين ومذاهبهم لا مدخل لها فيه بل قال الخطيب في جامعه إنه يلزم كتبها والنظر فيها ليتخير من أقوالهم ولا يشذ عن مذاهبهم
قلت لا سيما وهي أحد ما يعتضد به المرسل وربما يتضح بها المعنى المحتمل من المرفوع
وقال الخطيب في الموقوفات على الصحابة جعلها كثير من الفقهاء بمنزلة المرفوعات إلى النبي صلى الله عليه و سلم في لزوم العمل بها وتقديما على القياس (1/110)
وإلحاقها بالسنن انتهى
ومسألة الاحتجاج بالصحابي مبسوطة في غير هذا المحل ثم إن شيخنا أدرج في المقطوع ما جاء عن دون التابعي وعبارته ومن دون التابعي من أتباع التابعين فمن بعدهم فيه أي في الإسم بالمقطوع مثله أي مثل ما ينتهي إلى التابعي وقد رأى أي ابن الصلاح للشافعي رحمه الله تعبيره به أي بالمقطوع عن المنقطع أي الذي لم يتصل إسناده ولكنه وإن كان سابقا حدوث الاصطلاح فقد أفاد ابن الصلاح أنه رأى ذلك أيضا في كلام الطبراني وغيره ممن تأخر يعني كالدارقطني والحميدي وابن الحصار فالتعبير بالمقطوع في مقام المنقطع موجود في كلامهم أيضا
قلت وعكسه أي عكس ما للشافعي ومن معه ( اصطلاح ) الحافظ الثقة أبي بكر أحمد بن هارون بن روح البرديجي البردعي بإهمال داله نسبة لبردعة بلدة من أقصى بلاد آذربيجان بينها وبين برديجة اربعةعشر فرسخا المتوفى في رمضان سنة إحدى وثلاثمائة حيث قال في جزء له لطيف تكلم فيه على المنقطع والمرسل المنقطع هو قول التابعي وهذا وإن حكاه ابن الصلاح فإنه لم يعين قائله بل قال كما سيأتي في المنقطع
وحكى الخطيب عن بعض أهل العلم بالحديث أن المنقطع ما وري عن التابعي أو من دونه موقوفا عليه من قوله أو فعله وحينئذ فهو أعم
ولكن قال ابن الصلاح إنه غريب بعيد وشبه أن يكون سلف شيخنا فيما أسلفته عنه قريبا (1/111)
فروع
( قول الصحابي من السنه أو ... نحو أمرنا حكمه الرفع ولو )
( بعد النبي قاله بأعصر ... على الصحيح وهو قول الأكثر )
( وقوله كنا نرى إن كان مع ... عصر النبي من قبيل ما رفع )
( وقيل لا أو لا فلا كذاك له ... وللخطيب قلت لكن جعله )
( مرفوعا الحاكم والرازي ... ابن الخطيب وهو القوي )
سبعة حسن إيرادها بعد الإنتهاء من كل من المرفوع والموقوف
أحدها وقدم على غيره مما يصدر عن الصحابي لقربه إلى الصراحة قول الصحابي رضي الله عنه ومن السنة كذا كقول علي رضي الله عنه من السنة وضع الكف على الكف في الصلاة تحت السرة أو نحو أمرنا بالبناء للمفعول كأمر فلان وكنا نؤمر بلا إضافةونهينا كقول أم عطية رضي الله عنها أمرنا أن نخرج في العيدين العواتق وذوات الخدور وأمر الحيض أن يعتزلن مصلي المسلمين ونهينا عن اتباع الجنائز ولم يعزم علينا وأبيح أو رخص لنا أو حرم أو أوجب علينا كل ذلك مع كونه موقوفا لفظا وحكمة الرفع ولو بعد وفاة النبي صلى الله عليه و سلم قاله بأعصر فضلا عن كونه يسيرا وفي زمنه (1/112)
صلى الله عليه و سلم في الزمن النبوي في أمرنا أبعد عن الاحتمال فيما يظهر
ويساعده تصريح بعض أئمة الأصول بقوة الاحتمال في السنة لكثرة استعمالها في الطريقة وسواء قاله في محل الاحتجاج أم لا تأمر عليه غير النبي صلى الله عليه و سلم أم لا كبيرا كان أو صغيرا
وإن لم أر تصريحهم به في الصغير فهو محتمل ويمكن إخراجه من تقييد الحاكم الصحابي لمعروف الصحبة وكذا من التفرقة بين المجتهد وغيره كما سيأتي وما تقدم في المسألتين هو على صحيح عند المحدثين والفقهاء والأصوليين
ونص الشافعي في الأم في باب عددكفن الميت بعد أن ذكر ابن عباس والضحاك بن قيس وابن عباس والضحاك رجلان من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم لايقولان السنة إلا سنة رسول الله صلى الله عليه و سلم
علىأن البهيقي قد جزم بنفي الخلاف عن أهل النقل فيهما وإنه مسند يعني مرفوع
وكذا شيخنا الحاكم حيث قالفي الجنائز من مستدركه أجمعوا على أن قول الصابي من السنة كذا حديث مسند وقال في موضع آخر إذ قال الصحابي أمرنا بكذا أو نهينا عن كذا أو كنا نفعل كذا أو نتحدث كذا فإني لا أعلم بين أهل النقل خلافا فيه أنه مسند
وممن حكى الاتفاق أيضا لكن في السنة ابن عبد البر والحق ثبوت الخلاف فيهما نعم قيد ابن دقيق العيد محل الخلاف بما إذا كان المأمور به يحتمل التردد بين شيئين أما إذا كان مما لامجال للاجتهاد فيه كحديث أمر بلال أن يشفع الأذان فهو محمول على الرفع قطعا
وممن ذهب إلى خلاف ما حكيناه فيهما من الشافعية أب بكر الصيرفي (1/113)
صاحب الدلائل ومن الحنفية أبو الحسن الكرخي وفي السنة فقط الشافعي في أحد قوليه من الجديد كما جزم الرافعي بحكايتهما عنه ورجحه حماعة بل حكاه إمام الحرمين في البرهان عن المحققين
ومن الحنفية أبو بكر الرازي وابن حزم من الظاهرية وبالغ في إنكار الرفع مستدلا بقول ابن عمر رضي الله عنهما أليس حسبكم سنة نبيكم أن حبس أحدكم عن الحج طاف بالبيت وبالصفا والمروة ثم حل من كل شيء حتى يحج عاما قابلا فيهدي أو يصوم إن لم يجد هديا قال لأنه صلى الله عليه و سلم لم يقع منه إذ مد ما ذكره ابن عمر بل حل حيث كان بالحديبية وكذا من أولتهم لمنع الرفع استلزامه ثبوت سنة للنبي صلى الله عليه و سلم بأمر محتمل إذ يحتمل إرادة سنة غيره من الخلفاء فقد سماها النبي صلى الله عليه و سلم سنة في قوله عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين أو سنة البلد وهي الطريقة ونحو ذلك
ونحوه تعليل الكرخي لأمرنا فإنه متردد بين كونه مضافا إلى النبي صلى الله عليه و سلم أو إلى أمر القرآن أو الأمة أو بعض الأئمة أو القياس والاستنباط وسوغ إضافته إلى صاحب الشرع يعني لكونه صاحب الأمر حقيقة بناء على أن القياس مأمور باتباعه من الشارع
قال وهذه احتمالات تمنع كونه مرفوعا وفي أمرنا فقط كما قال ابن الصلاح فريق منهم أبو بكر الإسماعيلي وخص ابن الأثير كما في مقدمة جامع الأصول له نفي الخلاف فيها بأب بكر الصديق رضي الله عنه خاصة إذ لم يتأمر عليه أحد غير النبي صلىالله عليه وسلم بخلاف غيره فقد تأمر عليهم أبو بكر وغيره من الأمراء في زمنه صلى الله عليه و سلم ووجب عليهم امتثال أمره فطرقه الاحتمال الناشىء عنه الاختلاف
ونحوه قول غيره في أمر بلال أن يشفع الأذان أنه نظر فلم يجد أحد تأمر عليه في الآذان غير النبي صلى الله عليه و سلم فتمخص أن يكون هو الآمر (1/114)
ويتأيد بالرواية المصرحة بذلك وكذا قال آخر ينبغي أن يقيد الاختلاف فيهما بما إذا كان في غير محل الاحتجاج أما في محل الاحتجاج فإن المجتهد لا يقلد مثله فلا يريد بالسنةوبالأمر والنهي إلا من له ذلك حقيقة لكن الأول هو الصحيح في هما كما تقدم وهو قول الأكثر من العلماء إذ هو المتبادر إلى الذهن من الإطلاق لأن سنة النبي صلى الله عليه و سلم أصل وسنة غيره تبع لسنته وكذلك الأمر والنهي لا ينصرف بظاهره إلا لمن هو الشارع صلى الله عليه و سلم وأمر غيره تبع فحمل كلامهم على الأصل أولى خصوضا والظاهر أن مقصود الصحابة بيان الشرع
وقال ابن الأثير في مقدمة جامع الأصول في أبيح وما بعدها يقوي في جانبه أن لا يكون مضافا إلا إلى النبي صلى الله عليه و سلم لأن هذه الأمور له دون غيره قال ولا يقال أوجب الإمام إلا على تأويل
واستدلال ابن حزم الماضي للمنع بقول ابن عمر ممنوع بأنه لا انحصار لمسنده في الفعل حتى يمنع إرادة ابن عمر بالسنة الرفع في من صد عن الحج ممن هو بمكة بقصة الحديبية التي صد فيها عن دخولها بل الدائرة أوسع من القول أو الفعل أو غيرهما ويتأيد بإضافته السنة إلى صلى الله عليه و سلم ,
وكذا ما أبداه الكرخي من الاحتمالات في المنع أيضا بعيد كما قاله شيخنا فإن أمر الكتاب ظاهر للكل فلا يختص بمخعرفته الواحد دون غيره وعلى تقدير التنزل فهو مرفوع لأن الصحابي وغيره إنما تلقوه عن النبي صلى الله عليه و سلم وأمر الأمة لايمكن الحمل عليه لأن الصحابي من الأئمة وهو لا يأمرنفسه
وأمر بعض الأئمة إن أراد من الصحابة مطلقا فبعيد لأن قوله ليس حجة على غيره منهم وإن أراد من الخلفاء فكذلك لأن الصحابي في مقام تعريف الشرع بهذا الكلام والفتوى فيجب حمله على من صدر منه الشرع وبالجملة فهم من حيث أنهم مجتهدون لا يحتجون بأمر مجتهد آخر إلا أن يكون القائل (1/115)
ليس من مجتهدي الصحابة
فيحتمل ألا نه يريد بالآمر أحد المجتهدين منهم
وحمله على القياس والاستنباط بعيد أيضا لأن قوله أمرنا بكذا يفهم منه حقيقه الأمر والنهي لاخصوص الأمر باتباع القياس وما قاله ابن الأثير في الصديق فهو كما قال شيخنا وغيرة مقبول وإن تأمر عمرو بن العاص في غزوة ذات السلاسل على جيش فيه الشيخان أرسل بهما النبي صلى الله عليه و سلم في صدد وأمر عليه أبا عبيده بن الجراح فلما قدم بهم على عمر وصار الأمير بل كان أبو عبيده أمير سريه الخبط على ثلاثمائه من المهاجرين والأنصار فيهم عمر وأظن أبا بكر أيضا
وكذا تأمر أسامه بن زيد على جيش هما فيه وأبو عبيده وخلق المهاجرين والأنصار وتوفي صلى الله عليه و سلم قبل خروجه فأنفذه أبو بكر بعد أن استحلف امتثالا لوصيه رسول الله صلى الله عليه و سلم
وقيل ان أبا بكر سأل أسامه أن يأذن لعمر في الإقامه فأذن له وفي شرحها طول
وبالجمله فقد ثبت أن كلا من أبي عبيده وعمو وأسامه تأمر عليهما وصار ذلك أحد الأدله في ولايه المفضول على الفاضل أو بحضرته فطروق الاحتمال فيه بعيد جدا وما قيل في بلال ليس بمتفق عليه فلأن أبي شبيه وابن عبد البر أنه أذن لأبي بكر مده خلافته ولم يؤذن لعمر نعم هو مقتضى قول مالك لم يأذن لغير النبي صلى اللع عليه وسلم سوى مرة لعمر حين دخل الشام فبكى الناس بكاءا شديدا ومن أدله الأكثرين سوى ما تقدم مارواة البخاري في صحيحه عن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر أن الحجاج عام نزل بابن الزبير سأل عبد الله يعني ابن عمر رضي الله عنهما عنه كيف تصنع في الموقف يوم عرفه فقال سالم إن كنت تريد السنه فهجر بالصلاة يوم عرفه فقال ابن (1/116)
عمر صدق إنهم كانوا يجمعون بين الظهر والعصر في السنه
قال الزهري فقلت لسالم أفعله رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال وهل متبعون في ذلك إلا سنته انتهى
وكل سلف فيما إذا لم يضف السنة إلى النبي صلى الله عليه و سلم فلو أضافها كقول عمر للصبي بن معبد هديت لسنة نبيك للمقتضى كلام الجمهور السابق الدفع بل أولى وابن حزم يخالف فيه كما تقدم بل نقل أبو الحسين ابن القطان عن الشافعي أنه قال قد يجوز أن يراد بذلك ما هو الحق من سنة النبي صلى الله عليه و سلم
وجزم البلقيني في محاسنه بأنها على مراتب في احتمال الوقف قربا وبعدا فأرفعها مثل قول ابن عباس الله أكبر سنة أبي القاسم صلى الله عليه و سلم ودونها قول عمرو بن العاص لا تلبسوا علينا سنة نبينا عدة أم الولد كذا ودونها قول عمر لعقبة بن عامر اصبت السنة إذ الأول أبعد احتمالا والثاني أقرب اتمالا والثالث لا إضافة فيه انتهى
وقال غيره في قول عمرو بن العاص قال الدارقطني الصواب فيه لا تلبسوا علينا وبيننا موقوف فدل قوله هذا على أن الأول مرفوع أما إذا صرح بالأمر كقوله أمرنا رسول الله صلى الله عليه و سلم بكذا أو سمعته يأمر بكذا فهو مرفوع بلا خلاف لانتفاء الاحتمال السابق لكن حكى القاضي ابو الطيب الطبري وتلميذه ابن الصباغ في العدة عن داود الظاهري وبعض التكلمين إنه لايكون حجة ابن الصباغ في العدة عن داود الظاهري وبعض المتكلمين إنه لا يكون حجة حتى ينقل لفظه لاختلاف الناس في صيغ الأمر والنهي فيحتمل أن يكون سمع صيغة ظنها أمرا أو نهيا وليست كذلك في نفس الأمر
وقال الشارح إنه ضعيف مردود ثم وجهه بما له وجه في الجملة ووجهه غيره يجوز أن نحو هذا من الرواية بالمعنى وهم ممن لا يجوزها
وأما شيخنا فرده أصلا فيما نقله عن غيره حيث قال وأجيب بأن الظاهر (1/117)
من حال الصحابي مع عدالته ومعرفته بأوضاع اللغة أنه لا يطلق ذلك إلا فيما تحقق أنه أمر أو نهي من غير شك نفيا للتلبيس عنه بنقل ما يوجب على سامعه إعتقاد الأمر والنهي فيما ليس هو أمر ولا نهي
تتمة قول الصحابي إني لأشبهكم صلاة بالنبي صلى الله عليه و سلم وما أشبه كلأ قربن لكم صلاة النبي صلى الله عليه و سلم كله مرفوع وهل ملتحق التابعي بالصحابي في من السنة أو أمرنا سيأتي في خامس الفروع وقول النبي صلى الله عليه و سلم أمرت هو كقوله أمرني الله لأنه لا آمر إلا الله كما سيأتي نظيره في يرفعه ويرويه وأمثلته كثيرة
فمن المتفق عليه أمرت بقرية تأكل القرى يقولون يثرب ومن غيره أمرنا أن نضع أيماننا على شمائلنافي الصلاة
والحاصل أن من اشتهر بطاعة كبير إذا قال ذلك فهم منه أن الآمر له هو ذلك الكبير والله أعلم
والفرع الثاني ( قوله ) أي الصحابي كنا نرى كذا أو نفعل كذا أو نقول كذا أو نحو ذلك وحكمه أنه إن كان ذلك مع ذكر عصر النبي صلى الله عليه و سلم كقول جابر كنا نعزل على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم أو كنا نأكل لحوم الخيل على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم وقول غيره كنا لا نرى بأسا بكذا ورسول الله صلى الله عليه و سلم فينا أو كان يقال كذا وكذا على عهده أو كانوا يفعلون كذا وكذا في حياته إلى غيرها من الألفاظ المفيدة للتكرار والاستمرار
فهو وإن كان موقوفا لفظا من قبيلما رفع الصحابي بصريح الإضافة كما ذهبت إليه الجمهور من المحدثين وغيرهم وقطع به الخطيب ومن قبله الحاكم كما سيأتي
ومن الأصوليين الإمام فخر الدين وأتباعه وعللوه بأن غرض الرازي بيان الشرع وذلك يتوقف على علم النبي صلى الله عليه و سلم وعدم إنكاره قال ابن الصلاح (1/118)
وهو الذي عليه الاعتماد لأن ظاهر ذلك مشعر بأنه صلى الله عليه و سلم أطلع عليه وقدرهم وتقريره كقوله وفعله قال الخطيب ولو علم الصحابي إنكارامنه صلى الله عليه و سلم في ذلك لبينه قال شيخنا ويدل له احتجاج أبي سعيد الخدري على جواز العزل بفعلهم له في زمن نزول الوحي فقال كنا نعزل والقرآن ينزل لو كان شيء ينهي عنه لنى عنه القرآن وهو استدلال واضح لأن الزمان زمانه تشريع
وكذا يدل له مجيء بعض ما أتى ببعض هذه الصيغ بصريح الرفع وقيل لا يكون مرفوعا حكاه ابن الصلاح عن البرقاني بلاغا أنه سأل الإسماعيلي عنه فأنكر أن يكون مرفوعا كما خالف في نحو أمرنا يعني بل هو موقوف مطلقا قيد أم لا بخلاف القول الأول فهو مفصل فإن قيد بالعصر النبوي كما تقدم فمرفوع ( أولا ) أي وإن لم يقيد ( فلا ) يكون مرفوعا كذلك له أي لابن الصلاح حيث جزم به ولم يحك فيه غيره ( و ) كذا للخطيب أيضا في الكفاية كما زاده الناظم مع أنه قد فهم عن مشترطي القيد في الرفع وهم الجمهور كما تقدم القول به
ولذلك قال النووي في شرح مسلم وقال الجمهور من المحدثين وأصحاب الفقه والأصول إن لم يضفه فهو موقوف قلت لكن قد جعله أي هذا اللفظ لم يقيد بالعصر النبوي مرفوعا الحاكم أبو عبد الله النيسابوري وعبارته في علومه ومنه أي ومما لم يصرح فيه بذكر الرسول صلى الله عليه و سلم قول الصحابي المعروف بالصبحة أمرنا أن نفعل كذا ونهينا عن كذا وكذا نؤمر بكذا وكذا انتهى عن كذا وكذا نفعل كذا وكذا نقول ورسول الله صلى الله عليه و سلم فينا كذا وكنا لا نرى بأسا بكذا وكان يقال كذا وكذا وقول الصحابي من السنة كذا وأشباه ما ذكرناه إذا قاله الصحابي المعروف بالصحبة فهو حديث مسند أي مرفوع
وكذا جعله مرفوعا الإمام فخر الدين الرازي نسبة بإلحاق الزاي للري مدينة مشهورة كبيرة من بلاد الديلم بين قومس والخيال صاحب التفسير (1/119)
والمحصول ومناقب الشافعي وشرح الوجيز للغزالي وغيرها وأحد الأئمة وهو أبو عبد الله وأبو الفضائل محمد بن الخطيب بالري تلميذ محي السنة البغوي الإمام ضياء الدين عمر بن الحسيـن بن الحسن بن علي القرشي البكري التيمي الشافعي توفي بهراةفي سنة ست وستمائة عن ثلاث وستين سنة كما نص على ذلك في المحصول
ولم يفرقا بين المضاف غيره وحينئذ فعن الفخر في المسألة قولان
وقال ابن الصباح في العدة إنه الظاهر قال الناظم تبعا للنووي في شرح المهذب ( وهو القوي ) يعني من حديث المعنى زاد النووي انه ظاهر إستعمال كثير من المحدثين والصحابة في كتب الفقه وإعتمده الشيخان في صحيحهما وأكثر منه البخاري
قلت ومما خرجه من أمثلة المسألة حديث سالم بن أبي الجعد عن جابر كنا اذا صعدنا كبرنا وإذا هبطنا سبحنا
وبتأيد القول بالرفع بإبراد النسائي له من وجه آخر عن جابر قال كنا نسافر مع رسول الله ( فإذا صعدنا وذكره فتحصل في المسألة ثلاثة أقوال الرفع مطلقا الوقوف مطلقا التفصيل
وفيها رابع أيضا وهو التفصيل بين أن يكون ذلك الفعل مما لا يخفى غالبا فمرفوع ويخفى كقول بعص الأنصار كنا نجامع فنكسل ولا نغتسل فموقوف وبه قطع الشيخ أ [ و إسحق الشيرازي وكذا قاله ابن السمعاني وحكاه النووي في شرح مسلم عن آخرين
وخامس وهو أنه إن أورده في معرض الإحتجاج فمرفوع وإلا فموقوف حكاه القرطبي
وسادس وهو أنه إن كان قائله من أهل الإجتهاد فموقوف وإلا فمرفوع (1/120)
وسابع وهو الفرق بين كنا نرى وكنا نفعل بأن الأول مشتق من الرأي فيحتمل أن يكون مستنده تنصيصا واستنباطا
وتعليل السيف الآمري وأتباعه كون كنا نفعل ونحوه حجة بأنه ظاهر في قول كل الأئمة لا يحسن إدراجهم مع القائلين بالأول كما فعل الشارح لاختلاف المدركين
وكل ما اوردناه من الخلاف حيث لم يكن في القصة إطلاعه صلى الله عليه و سلم
أما إذا كان كقول ابن عمر كنا نقول ورسول الله صلى الله عليه و سلم حي أفضل هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر وعمر وعثمان ويسمع ذلك رسول الله صلى الله عليه و سلم فلا ينكره فحكمه الرفع إجماعا
ثم إن النفي كالإثبات فيما تقدم كما علم من التمثيل ولذلك مثل ابن الصباغ للمسألة بقول عائشة كانت اليد لا تقطع في الشيء التافه
لكن حديث كان باب المصطفى صلى الله عليه و سلم ( يقرع ) من الصحابة ( بالأظفار ) تأدبا وإجلالا له كما عرف ذلك منهم في حقه وإن قال السهيلي إنه لأن بابه الكريم لم يكن له حلق يطرق بها مما وقفا حكما أي حكمة الوقف لدى أي عند الحاكم فإنه قال بعد أن أسنده كما سيأتي هذا حديث يتوهمه من ليس من أهل الصنعة مسند الذكر لرسول الله صلى الله عليه و سلم وليس بمسند فإنه موقوف على صحابي حكى عن أقرانه من الصحابة فعلا وليس يسنده واحد منهم ( و ) كذا عند ( الخطيب ) أيضا في جامعه نحوه
وإن أنكر البلقيني تبعا لبعض مشايخه وجوده فيه فعبارته في الموقوف الخفي الذي ذكر من أمثلته هذا الحديث نصها قد يتوهم أنه هو مرفوع لذكر النبي صلى الله عليه و سلم وإنما هو موقوف على صحابي حكى فيه عن غير النبي صلى الله عليه و سلم فعلا وذلك متعقبه عليهما ( والرفع ) في هذا الحديث ( عند الشيخ ) ابن الصلاح ذو تصويب قال والحاكم معترف يكون ذلك من قبيل المرفوع يعني لأنه جنح الى الرفع في غير المضاف فهو هنا أولى لكونه كما قال ابن الصلاح أحرى وبإطاعه صلى الله عليه و سلم (1/121)
قال وقد كنا عددنا هذا فيما أخذنا عليه ثم تأولناه له على أنه أراد أنه ليس بمسند لفظا بل هو موقوف كسائر ما تقدم وإنما جعلناه مرفوعا من حيث المعنى انتهى
وهو جيد وحاصله كما قال شيخنا إن له جهتين جهة الفعل وهو صادر من الصحابة فيكون موقوفا وجهة التقرير وهو مضاف إلى النبي صلى الله عليه و سلم من حيث أن فائدة قرع بابه أنه يعلم أنه قرع ومن لازم علمه بكونه قرع مع عدم إنكار ذلك على فاعله التقريع على ذلك الفعل فيكون مرفوعا لكن يخدش فيه أنه يلزم منه أ يكون جميع قسم التقرير بجوز أن يسمى موقوفا لأن فاعله غير النبي صلى الله عليه و سلم قطعا وإلا فما إختصاص حديث القرع بهذا الإطلاع
قلت والظاهر أنه يلتزمه في غير التقرير الصريح كهذا الحديث وغيره لا يلزمه ويستأنس له بمنع الإمام أحمد وابن مبارك من رفع حديث حذف السلام ينة كما سيأتي في آخر هذه الفروع على أنه يحتمل أن الحاكم ترجح عنده إحتمال كون القرع بعده صلى الله عليه و سلم بأن الإستئذان في حياته كان ببلال أو برباح أو بغيرهما وربما كان بإعلام المرء بنفسه بل في حديث يسر بن سعيد عن زيد بن ثابت إحتجز النبي صلى الله عليه و سلم في المسجد حجرة وفيه أنه لم يخرج إليهم ليلة قال فتنحنحنوا ورفعوا أصواتهم وحصبوا بابه ولم يجيء في خبر صريح الإستئذان عليه بالقرع وإن فائدة ذكر القرع مع كونه بعده ما تضمنه من إستمرارهم على مزيد الأدب بعده إذ حرمته ميتا كحرمته حيا وإذا كان كذلك فهو موقوف مطلقا فالله أعلم
والحديث المشار إليه أخرجه الحاكم في علومه وكذا في الأماني كما عزاه إليها البيهقي في مدخله حيث أخرجه عن راو ورواه أبو نعيم في (1/122)
المستخرج على علوم الحديث له عن راو أخر كلاهما عن أحمد بن عمرو الزيبقي بالزاي المكسورة المشددة ثم تحتانية عن زكريا بن يحيى المنقري عن الأصمعي عن كيسان مولى هشام بن حسان في رواية أبي نعيم عن هشام بن حسان وفي رواية الأخرين عن محمد بن حسان زاد البيهقي هو آخر هشام بن حسان وهو حسن الحديث
ثم إتفقوا عن محمد بن سيرين زاد أبو نعيم في روايته عن عمرو بن وهب ثم إتفقوا عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم يقرعون بابه بالأضافير
وفي الباب عن أنس أخرجه الخطيب في جامعه من طريق أبي غسان مالك ابن اسماعيل النهدي وضرار بن صرد شيخ حميد بن الربيع فيه كلاما عن المطلب ابن زياد الثقفي ثم افترقا ففي رواية أبي غسان أخبرني أبو بكر بن عبد الله الأصبهاني عن محمد بن مالك بن المنتصر وفي رواية حميد بن عمر بن سويد يعني العجلي كلاهما عن أنس بن مالك قال كان باب رسول الله صلى الله عليه و سلم يقرع بالآظافير لفظا حميد ولفظ الآخر كانت أبواب النبي والباقي سواء وكذا أخرجه البخاري في الأدب المفرد والتاريخ عن أبي غسان والبزار في مسند عن حميد بن الربيع عن ضراريه ( وأما عد ما فسره الصحابي ) الذي شاهد الوحي والتنزيل من أي القرآن ( رفعا ) أي مرفوعا كما فعل الحاكم وعزاه للشيخين وهو الفرع الثالث ( فمحمول على الأسباب ) للنزول ونحوها مما لا مجال للرأي فيه لتصريح الخطيب فيها بقوله في حديث جابر الآتي قد يتوهم أنه موقوف وإنما هو مسند لأن الصحابي الذي شاهد الوحي إذا أخبر عن آية نزلت في كذا كان مسندا وتبعه ابن الصلاح وقيد به إطلاق الحاكم وانما كان كذلك لأن من التفسير مما ينشأ عن معرفة البلاغة واللغة كتفسير مفرد بمفرد أو يكون متعلقا بحكم شرعي ونحو ذلك مما للرأي فيه (1/123)
مجال فلا يحكم لما يكون من هذا القبيل بالرفع لعدم تحتم إضافته إلى الشارع
أما اللغة والبلاغة فلكونهم في الفصاحة والبلاغة بالمحمل الرفيع
وأما الأحكام فلاحتمال أن يكون مستفادا من القواعد بل هو معدود في الموقوفات
ومنه وهو المرفوع ما لا تعلق للسان ( سقط ص ) به ولا مجال للرأي فيه كتفسير أمر مغيب من أمر الدنيا أو الآخرة أو الجنة أو النار وتعيين ثواب أو عقاب ونحو ذلك من سبب نزول كقول جابر كانت اليهود تقول من أتى امرأته من دبرها في قلبها جاء الولد أحول فأنزل الله ( نساءكم حرث لكم ) " 1الآية
على أنه قد يقال إنه يكفي في تسويغ الأخبار بالسبب البناء على ظاهر الحال كما لو سمع من الكفار كلاما ثم أنزل الله تعالى ما يناقضه إذ الظاهر أنه نزل ردا عليهم من غير احتياج إلى أن يقول له النبي صلى الله عليه و سلم هذا أنزل بسبب كذا فقد وقع الأخبار منهم بالكثير بناء على ظاهر الحال ومن ذلك قول الزبير رضي الله عنه في قصة الذي خاصمه في شراج الحرة إني لأحسب هذه الآية نزلت في ذلك ( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم " 2وهو وإن كانفي بعض الروايات جزم الزبير ذلك فالراجح الأول وإنه كان لا يجزم به وإذا كان كذلك فطرقه الاحتمال
وأما التقييد في قائل ما لامجال للرأي فيه بكونه ممن لم يعرف بالنظر في (1/124)
الكتب القديمة فسيأتي في سادس الفروع ( و ) الفرع الرابع وآخرلصدور ألفاظه عمن دون الصحابي ( قولهم ) أي التابعي فمن دونه بعد ذكر الصحابة ( يرفعه ) أو رفعه أو مرفوعا كحديث سعيد بن جبير عن ابن عباس الشفاء في ثلاثشربة عسل وشرطه محجم وكيه نار وأنهى أمتي عن الكي رفع الحديث
وكذا قولهم ( يبلغ به ) أو ( رواية ) أو يرويه كحديث أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة يبلغ به الناس تبع لقريش وبه عن أبي هريرة رواية تقاتلون قوما صغار الأعين وكحديث سفيان عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رواية الفطرة خمس أو ينميه بفتح أوله وسكون النون وكسر الميم كحديث مالك عن أبي حازم عن سهيل بن سعد قال كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل يده اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة قال أبو حازم لاأعلم إلا أنه ينمي ذلك وكذا قولهم يسنده أو يأثره مما الحاصل عليه وعلى العدول عن التصريح بالإضافة أما الشك في الصيغة التي سمع بها أهي ( قال رسول الله ) ( أو نبي الله ) أو نحو ذلك كسمعت أو حدثني وهو ممن لا يرى الإبدال كما أفاد حاصله المنذري أو طلبا للتخفيف وإثارا للاختصار أو للشك في ثبوته كما قالهما شيخنا أو ورعا حيث علم أن المؤدي بالمعنى ( رفع ) أي مرفوعبلا خلاف كما صرح به النووي واقتضاه قول ابن الصلاح
وكل هذا وأمثاله كناية عن رفع الصحابي الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم و حكم ذلك عند أهل العلم حكم المرفوع صريحا انتهى
ويدل لذلك مجيء بعض المكني به بالتصريح ففي بعض الروايات لحديث الفطرة خمس يبلغ به النبي صلى الله عليه و سلم وفي بعضها قال رسول الله صلى الله عليه و سلم وفي بعضها لحديث سهل ينمى إلى النبي صلى الله عليه و سلم وفي بعضها قال مالك (1/125)
ينمي أي يرفع الحديث والاسطلاح في هذه اللفظة موافق للغة قال أهلها نميت الحديث إلى غيري نميا إذا أسندته ورفعته وكذا في قوله وأنهى أمتي عن الكي دليل لذلك ( فانبت ) لهذه الألفاظوما أشبهها مما الاصطلاح عن الكناية بها عن الرفع
تتمة وقع في بعض الأحاديث قول الصحابي عن النبي صلى الله عليه و سلم يرفعه وهو في حكم قوله عن الله عز و جل وأمثلته كثيرة منها حديث حسن أن المؤمن عندي بمنزلة كل خير يحمدني وأنا أنزع نفسه من بين جنبيه وهذا من الأحاديث الإلهية وقد جمع منها ابن المفضل الحافظ طائفة وأفردها غيره وإن يقل واحد من الألفاظ المتقدمة في الفرع قبله من راو وعن تابع من التابعين
وهو الفرع الخامس وقدم على ما بعده لاشتراكه مع الذي قبله في أكثر صيغة وتوالي كلام ابن الصلاح فمرسل مرفوع بلا خلاف ولذا قال ابن القيم جزما ( قلت ) ومن السنة كذا ( عنه ) أي عن التابعي كقول عبيد الله بن عبد الله بن عتبة التابعي السنة تكبير الإمام يوم الفطر ويوم الأضحى حين يجلس على المنبر قبل الخطبة تسع تكبيرات نقلوا تصحيح وقفه على الصحابي عن الوجهين اللذين حكاهما النووي في شروحه لمسلم والمهذب والوسيط لأصحاب الشافعي أهو موقوف متصل أو مرفوع مرسل وهو ممن صحح أيضا أولهما
وحينئذ فيفرق بينهما وبين ما قبلهما من صيغ هذا الفرع حيث اختلف الحكم فيهما بأن يرفغ الحديث تصريح بالرفع وقريب منه ما ذكر معها بخلاف من السنة فيطرقها احتمال إرادة سنة الخلفاء الراشدين فكثيرا ما يعبرون بها فيما يضاف إليهم وقد يريدون سنة البلد وهذا الاحتمال وإن قيل به في الصحابي فهو في التابعي أقوى ولذلك اختلف الحكم في الموضوعين كما (1/126)
افترق فيما تقرر من التابعي نفسه نعم ألحق الشافعي رحمه الله بالصحابة سعيد بن المسيب عن الرجل لا يجد ما ينفق على امرأته قال يفرق بينهما قال أبو الزناد فقلت سنة فقال سعيد سنة قال الشافعي والذي يشبه قول سعيد سنة أن يكون أراد سنة النبي صلى الله عليه و سلم
وكذا قال النبي المديني إذا قال سعيد مضت السنة فحسبك به وحينئذ فهو مستثنى من التابعين كالمرسل على ما يأتي
أما إذا جاء التابعي كنا نفعل فليس بمرفوع قطعا ولا بموقوف إن لم يضفه لزمن الصحابة بل مقطوع فإن أضافه احتمل الوقف لأن الظاهر اصطلاحهم على ذلك وتقريرهم له ويحتمل عدمه لأن تقرير الصحابي لاينسب إليه بخلاف تقريره صلى الله عليه و سلم وذو احتمال للإرسال والوقف نحو أمرنا بالبناء المفعول بكذا إذا أتى ( منه ) أي التابعي للغزالي في المستصفى فإنه قال إذا قال التابعي أمرنا بكذا يحتمل أنه يريد أمر الشارع أو أمر كل الأمة فيكون حجة أو بعض ألصحابة فلا ومن ذلك ينشأ احتمالا الرفع والوقف
ولكن قوله فيكون حجة كأنه يريد في الجملة إن شمل الأول فإنه مرسل ثم إنه يصرح بترجيح واحد منهما نعم يؤخذ من كلامه ترجيح إرادة الرفع أو الإجماع وذلك أنه قال بعد قوله فلا لكن لا يليق بالعالم أن يطلق ذلك إلا وهو يريد من تجب طاعته
وجزم أبو نصر بن الصباغ في العدة في أصول الفقه بأنه مرسل وحكي في سعيد بن المسيب هل يكن ما يأتي به من ذلك حجة وجهين وإما إذا قال التبعي كانوا يفعلون بكذا فلا يدل كما قال النووي في شرح مسلم تبعا للغزالي على فعل جميع الأمة بل على البعض فلا حجة فيه إلا أن يصرح بنقله عن أهل الإجماع فيكون نقلا لإجماع (1/127)
وفي ثبوته بخبر الواحد خلاف والذي قاله أكثر الناس واختاره الغزالي أنه لا يثبت
وذهبت طائفة وهو اختيار الرازي إلى ثبوته وبه جزم الماوردي وقال وليس آكد من سنن الرسول صلى الله عليه و سلم وهي تثبيت به قال وسواء كان من أهل الاجتهاد أم لا أما إذا قال لا أعرف بينهم فيه خلافا فإن كان من أهل الاجتهاد فاختلف أصحابنا فأثبت الإجماع به قوم ونفاه آخرون وإن لم يكن من أهل الإجتهاد ولا ممن أحاط علما بالإجماع والاختلاف لم يثبت الإجماع بقوله ( و ) الفرع السادس وآخر هو الذي بعده لأنهما من الزيادات ما أتى عن صاحب من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم موقوفا عليه لكنه مما لا مجال للاجتهاد فيه بحيث لا يقال رأيا أي من قبل الرأي حكمة الرفع تحسينا للظن بالصحابي على ما قال الإمام فخر الين الرازي في المحصول نحو من أتى ساحرا أو عرافا فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه و سلم المروي عن ابن مسعود رضي الله عنه ولم ينفرد بذلك فالحاكم الرافع لهذا أيضا اثبتا حيث ترجم عليه في علومه معرفة المسانيد التي لا يذكر سندها عن رسول الله صلى الله عليه و سلم وأدخل معه في الترجمة كنا نفعل وكان يقال ونحو ذلك مما مضى بل حكى ابن عبد البر إجماعهم على أن قول أبي هريرة وقد رأى رجلا خارجا من المسجد بعد الآذان أما هذا فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه و سلم أنه مسند
وادخل في كتابه التقصي الموضوع لما في الموطأ من المرفوع يييعدة أحاديث ذكرها مالك في الموطأ موقوفة منها حديث سهل بن أبي خيثمة في صلوات الخوف
وصرحفي التمهيد بأنه لا يقال من جهة الرأي وقال أبو عمرو الداني قد يحكي الصحابي قولا يوقفه على نفسه فيخرجه أهل الحديث في المسند لامتناع أن يكون الصحابي قاله لايتوقف كحديث أبي صالح السمان عن أبي (1/128)
هريرة أنه قال نساء كاسيات عاريات مائلات مميلات فمثل هذا لا يقال من قبل الرأي فيكون من جملة المسند
وقال ابن العربي في القبس إذا قال الصحابي قولا يقتضيه القياس فإنه محمول على المسند إلى النبي صلى الله عليه و سلم ومذهب مالك وأبي حنيفة أنه كالمسند انتهى
وهو الظاهر من احتجاج الشافعي رحمه الله في الجديد بقول عائشة فرضت الصلاة ركعتين ركعتين حيث أعطاه حكم المرفوع لكونه مما لا مجال للرأي فيه وإلا فقد نص على أن قول الصحابي ليس بحجة
ومن أمثلة ذلك أيضا قول أبي هريرة ومن لم يجب الدعوة فقد عصى الله ورسوله وقول عمار بن ياسر من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه و سلم
لكن قد جوز شيخنا في ذلك وما شبهه احتمال إحالة الإثم على ما ظهر من القواعد بل يمكن أن يقال ذلك أيضا في الحديث الأول أما الساحر فلقوله تعالى ( وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله )
وأما العراف وهو المنجم فلقوله تعالى ( قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله ) " 2 "
قال شيجنا لكن الأول يعني الحكم لها بالرفع أظهر انتهى
على أن حديث ابن مسعود وإن جاء من أوجه عنه بصورة الموقوف (1/129)
فقدجاء من بعضها بالتصريح بالرفع ومن الأدلة للأظهر أن أبا هريرة رضي الله عنه حدث كعب الأحبار بحديث فقدت أمة من بني اسرائيل لا يدري ما فعلت فقال له كعب أأنت سمعت النبي صلى الله عليه و سلم يقوله فقال له أبو هريرة نعم وتكرر ذلك مرارا فقال له أبو هريرة أفأقرأالتوراة أخرجه البخاري في الجن من بدو الخلق من صحيحه
قال شيخنا فيه إن أبا هريرة لم يكن يأخذ عن أهل الكتاب وإن الصحابي الذي يكون كذلك إذا أخبر بما لا مجال للرأي والإجتهاد فيه يكون للحديث حكم الرفع انتهى
وهذا يقتضي تقيد الحكم بالرفع لصدوره عن من لم يأخذ عن أهل الكتاب وقد صرح بذلك فقال في مسألة تفسير الصحابي الماضية ما نصه إلا أنه يستثنى من ذلك ما إذا كان الصحابي المفسر ممن عرف بالنظر في الإسرائيليات كعبد الله بن سلام وغيره من مسلمة أهل الكتاب وكعبد الله بن عمرو بن العاص فإنه كان حصل له في وقعة اليرموك كتب كثيرة من كتب أهل الكتاب فكان يخبر بما فيها من الأمور المغيبة حتى كان بعض أصحابه ربما قال له حدثنا عن النبي صلى الله عليه و سلم ولا تحدثناعن الصحيفة فمثل هذا لا يكون حكم ما يخبر به من الأمور النقلية الرفع لقوة الاحتمال ولم يتعرض لتجويزه السابق لكون الأظهر كما قال خلافه
وسبقه شيخه الشارح لهذا التقييد فإنه بعد أن نقل أن كثيرا ما يشنع ابن حزم في المحلي على القائلين بالرفع يعني في أهل المسألة قال وما ملخصه ولإنكاره وجه فإنه وإن كان مما لا مجال للرأي فيه يحتمل أن يكون ذاك الصحابي سمعه من أهل الكتاب ككعب الأحبار حين سمع منه العبادلة وغيرهم من الصحابة مع قوله صلى الله عليه و سلم حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج قلت وفي ذلك نظر فإنه يبعد أن الصحابي المتصف بالأخذ عن أهل الكتاب يسوغ (1/130)
حكاية شيء من الأحكام الشرعية التي لا مجال للرأي فيها مستندا لذلك من غير عزو مع علمه بما وقع فيه من التبديل والتحريف بحيث سمي ابن عمرو بن العاص صحيفة النبوية الصادقة احتزازا عن الصحيفة اليرموكية ,
وقال كعب الأحبار حين سأل أبا مسلم الخولاني كيف تجد قومك لك قال مكرمين ما نصه ما صدقتني التوراة لأن فيها إذا ما من رجل حكيم في قوم إلا بغوا عليه وحسدوه وكونه في مقام تبيين الشريعة المحمدية كما قيل به في أمرنا ونهينا وكنا نفعل ونحو ذلك فحاشاهم من ذلك خصوصا وقد منع عمر رضي الله عنه كعبا من التحديث بذلك قائلا له لتتركنه أولا لحقنك بأرض القردة
وأصرح منه منع ابن عباس له ولو وافق كتابنا وقال إنه لا حاجة بنا إلى ذلك وكذا نهى عن مثله ابن مسعود وغيره من الصحابة بل امتنعت عائشة من قبول هداية رجل معللة المنع بكونه ينعت الكتب الأول ولا ينافيه حدثوا عن بني اسرائيل فهو خاص بما وقع فيهم من الحوادث والأخبار المحكية عنهم لما في ذلك من العبارة والعظة بدليل قوله تلوه في رواية فإنه كانت فيهم الأعاجيب
وما أحسن قول بعض أئمتنا هذا دال على سماعه للفرجة لا للحجة كما بسطت ذلك كله واضحا في كتابي الأصل الأصيل في الإجماع على تحريم النقل من التوراة والانجيل
إذا علم هذا فقد ألحق ابن العربي بالصحابة في ذلك ما يجيء عن التابعين أيضا مما لا مجال للاجتهاد فيه فنص على أنه يكون في حكم المرفوع وادعى أنه مذهب مالك قال وهذا أدخل عن سعيد بن المسيب صلاة الملائكة خلف المصلي انتهى
وقد يكون ابن المسيب اختص بذلك عن التابعين كما اختص دونهم (1/131)
بالحكم في قوله من السنة وأمرنا والاحتجاج بمراسيله كما تقرر في أماكنه ولكن الظاهر أن مذهب مالك هنا التعميم وبهذا الحكم أجيب من اعترض في إدخال المقطوع والموقوففي علوم الحديث كما أشرت إليه في المقطوع ( و ) الفرع السابع ما رواه عن أبي هريرة بكسر تاء التأنيث رضي الله عنه محمد بن سيرين ( و ) رواه ( عنه ) أي ابن سيرين أهل البصرة بفتح الموحدة على المشهور ( وكر ) رأى ابن سيرين أو الراوي من البصريين عنه قال بعد أي بعد أبي هريرة بأن قال بعده قال قال بحذف فاعل
قال الثاني مثاله ما رواه الخطيب في الكفاية من طريق دعلج حدثنا موسى ابن هارون هو إكمال بحديث حماد بن زيد عن أيوب السختياني عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال قال الملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مصلاه وقد رواه كذلك النسائي في الكبرى عن عمرو بن زرارة عن إسماعيل بن علية عن أيوب
ومن حديث النصر بن شميل عن عبد الله بن عون كلاهما عن ابن سيرين فالخطيب روى عن موسى المذكور به أي في الآتي كذلك الرفع فإنه قال إذا قال حماد بن زيد والبصريون قال قال فهو مرفوع وقال الخطيب عقبة قلت للبرقاني أحسب أن موسى عنى بهذا القول أحاديث ابن سيرين خاصة فقال كذا يجب
قال الخطيب ويحققه وساق من طريق بشر بن الفضل عن خالد قال قال محمد بن سيرين كل شيء حديث عن أبي هريرة فهو مرفوع ولذلك أمثلة كثيرة منها ما رواه البخاري في المناقب من صحيحه حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد به إلى أبي هريرة قال قال أسلم وغفار وشيء من مزينةالحديث وروى غيره من حديث عبد الوارث عن أيوب عن محمد عن أبي (1/132)
هريرة قال قال إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة ( وإذا ) أي الحكم بالرفع فيما يأتي عن ابن سيرين بتكرير قال خاصة عجيب لتصريحه بالتعميم في كل ما رواه عن أبي هريرة بل لولا ثبوت هذا القول عنه لم يسغ الجزم بالرفع في ذلك إذ مجرد التكرير من ابن سيرين وغيره على الاحتمال وإن كان جانب الرفع أقوى فقد وجدنا الكثير مما جاء عن غير ابن سيرين كذلك جاء بصريح الرفع في رواية أخرى
بحديث شعبة عن إدريس الأودي عن أبيه عن أبي هريرة قال قال لا يصلي أحدكم وهو يجد الخبث
وحديث زيد بن الحباب عن أبي المنيب عن ابن بريدة عن أبيه قال قال الوتر حق فمن لم يوتر فليس منا
وحديث أبي نعامة السعدي عن عبد الله بن الصامت عن أبي ذر قال قال كيف أنتم أو قال كيف أنت إذا بقيت في قوم يؤخرون الصلاة الحديث فآخرها جاء من حديث أبي العالية البراء عن ابن الصامت بصريح الرفع والأولان ذكر الخطيب مع قوله شبه فيهما أنهما جاء من طريقين آخرين مرفوعين
خاتمة لو أريد عزو لفظ مما جاء بشيء من كنايات الرفع وما أشبههاعلى ما تفرد في هذه الفروع بصريح ( ا ) الإضافة إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم كان ممنوعا فقد نهى أحمد بن حنبل الفريابي وابن المبارك عيسى بن يونس الرملي عن رفع حديث حذف السلام سنة وقال المصنف بعد حكايته في تخريجه الكبير للإحياء ما حصله المنهي عنه عزو هذا القول إلى النبي صلى الله عليه و سلم إلا الحكم بالرفع (1/133)
المرسل
( مرفوع تابع على المشهور ... مرسل أو قيده بالكبير )
( أو سقط راو منه ذو أقوال ... والأول الأكثر في استعمال )
( واحتج مالك كذا النعمان ... وتابعوهما به ودانوا )
( وردة جماهير النقاد ... للجهل بالساقط في الإسناد )
( وصاحب التمهيد عنهم نقله ... ومسلم صدر الكتاب أصله )
( لكن إذا صح لنا مخرجه ... بمسند أو مرسل يخرجه )
( من ليس يروي عن رجال الأول ... نقبله قلت الشيخ لم يفصل )
( والشافعي بالكبار قيد ... بمن روى عن الثقات أبدا )
( ومن إذا شارك أهل الحفظ ... وافقهم إلا بنقص لفظ )
( فإن يقل فالمسند المعتمد ... فقل دليلان به يعتضد )
( ورسموا منقطعا عن رجل ... وفي الأصول نعته بالمرسل )
( أما الذي أرسله الصحابي ... فحكمه الموصل على الصواب )
وجمعه مراسيل بإثبات الياء وحذفها أيضا وأصله كما هو حاصل كلام العلائي مأخوذ من الإطلاق وعدم المنع كقوله تعالى ( إنا أرسلنا (1/134)
الشياطين على الكافرين ) " 1فكأن المرسل أطلق الإسناد ولم يقيده بر أو معروف أو من قولهم ناقة مرسال أي سريعة السير كأن المرسل أسرع فيه عجلا فحذف بعض إسناده قال كعب
( أمست سعاد بأرض لايبلغها ... إلا العتاق النجيبات المراسيل )
أو من قولهم جاء القوم أرسالا أي متفرقين لأن بعض الإسناد منقطع من بقيته وأما في الإصطلاح فمرفوع ) أي مضاف ( تابع ) من التابعين الى النبي صلى الله عليه و سلم بالتصريح أو لكنه على المشهور عند أئمة المحدثين مرسل كما نقله الحاكم وابن عبد البر عنهم واختاره الحاكم وغيره ووافقهم جماعة من الفقهاء والأصولين وعبر عنه بعضهم كالقوافي في التنقيح بإسقاط الصحابي من السند وليس بمتعين فيه ونقل الحاكم تقييدهم له باتصال سنده إلى التابعي وقيده في المدخل بما لم يأت اتصاله من وجه آخر كما سيأتي كل منهما
وكذا قيده شيخنا بما سمعه التابعي من غير النبي صلى الله عليه و سلم ليخرج من لقبه كافرا فسمع منه ثم أسلم بعد وفاته صلى الله عليه و سلم وحدث بما سمعه منه كالتنوخي رسول هرقل فإنه مع كونه تابعيا محكوم لما سمعه بالاتصال إلا الإرسال وهو متعين وكأنهم أعرضوا عنه لندوره
وخرج بقيد التابعي مرسل الصحابي كبيرا كان أو صغيرا وسيأتي آخر الباب وشمل إطلاقه الكبير منهم وهو الذي لقي جماعة من الصحابة وجالسهم وكانت جل روايته عنهم والصغير الذي لم يلق منهم إلا العدد (1/135)
اليسيرأو لقي جماعة إلا أن أجل رواية عن بعض التابعين ( أو قيده ب ) التابعي ( الكبير ) كما مقتضى القول بأن مرفوع صغير التابعين إنما منقطعا
قال ابن عبد البر في مقدمة التمهيد المرسل أو قعوه بإجماع على حديث التابعي الكبير عن النبي صلى الله عليه و سلم ومثل بجماعة منهم قال وكذلك من دونهم وسمى جماعة قال وكذلك وسمي من دونهم أيضا ممن صح له لقاء جماعة من الصحابة ومجالستهم
قال ومثله أيضا مرسل من دونهم فأشار بهذا الأخير إلى مراسيل صغار التابعين ثم قال وقال آخرون لا يعني لا يكون حديث صغار التابعين مرسلا بل يسمى منقطعا لأنهم لم يلقوا من الصحابة إلا الواحد أو الإثنين فأكثر روايتهم عن التابعين
وإلى هذا الاختلاف أشار ابن الصلاح بقوله وصورته التي لا خلاف فيها حديث التابعي الكبير قال شيخنا ولم أر التقييد بالكبير صريحا عن أحد نعم قيد الشافعي المرسل الذي يقبل إذا اعتضد كما سيأتي بأن يكون من رواتهالتابعي الكبير ولا يلزم من ذلك أنه لا يسمى ما رواه التابعي الصغير مرسلا بل الشافعي صرح بتسمية رواية من دون كبار التابعين مرسله وذلك في قوله ومن نظر في العلم بخبرة وقلة غفلة استوحش من مرسل كل من دون كبار التابعين بدلائل ظاهرة ( وسقط راو منه ) أي ما سقط راو من سنده سواء كان في أوله أو آخره أو بينهما واحد أو أكثر كما يوميء إليه تنكير راو وجعله اسم جنس ليشمل كما صرح به الشارح سقوط راو فأكثر بحيث يدخل فيه المنقطع والمعضل والمعلق وهو ظاهر عبارة الخطيب حيث أطلق الانقطاع فإنه قال في كفايته المرسل هو ما انقطع إسناده بأن لا يكون في رواته من لم يسمعه ممن فوقه وكذا قال في موضع آخر منها لا خلاف بين أهل العلم أن إرسال (1/136)
الحديث الذي ليس بمدلس هو رواية الراوي عن من لم يعاصره كالتابعين عن النبي صلى الله عليه و سلم وابن جريج عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ومالك عن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق أو عن من عاصره ولم يلقه كالثوري وشعبة عن الزهري قال وما كان نحو ذلك فالحكم فيه وكذا فيمن لقي من أضاف إليه وسمع منه إلا أنه لم يسمع منه ذلك الحديث واحد
وحاصله التسوية بين الإرسال الظاهر والخفي والتدليس في الحكم ونحوه وقوله أبي الحسن بن القطان في بيان الوهم والإيهام كما سيأتي في التدليس الإرسال رواية الراوي عن من لم يسمع منه وهو الذيحكاه ابن الصلاح عن الفقهاء الأصوليين بل وعن الخطيب فإنه قال والمعروف في الفقه وأصوله ان ذلك كله أي المنقطع والمعضل يسمى مرسلا
قال وإليه ذهب من أهل الحديث الخطيب وقطع به ونحوه قول النووي في شرح مسلم المرسل عند الفقهاء والأصوليين والخطيب وجماعة من المحدثين ما انقطع إسناده على أي وجه كان فهو عندهم بمعنى المنقطع فإن قوله على أي وجه كان يشمل الابتداء والآنتهاء وما بينهما الواحد فأكثر
وأصرح منه قوله في شرح المهذب ومرادنا بالمرسل هنا ما انقطع إسناده فسقط من رواية واحد فأكثر وخالفنا أكثر المحدثين فقالوا هو رواية التابعي عن النبي صلى الله عليه و سلم انتهى
وممن صرح بحوه من المحدثين الحاكم فإنه قال في المدخل وتبعه البغوي في شرح السنة هو قول التابعي أو تابع التابعي قال رسول الله صلى الله عليه و سلم وبينه وبين الرسول قرن أو قرنان ولا يذكر سماعه من الذي سمعه يعني في رواية أخرى كما سيأتي أو آخرالباب ولكن الذي مشى عليه في علومه خلاف ذلك وكذا أطلق أبو نعيم في مستخرجه على التعليق مرسلا وممن أطلق المرسل على المنقطع من أئمتنا أبو زرعة وأبو حاتم ثم الدارقطني ثم (1/137)
البهيقي بل صرح البخاري في حديث لإبراهيم بن يزيد النخعي عن أبي سعيد الخدري بأنه مرسل لكون إبراهيم لم يسمع من أبي سعيد
وكذا صرح هو وأبو داود في حديث لعون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن ابن مسعود بأنه مرسل لكونه لم يدرك ابن مسعود والترمذي في حديث لابن سيرين عن حكيم بن حزام بأنه مرسل وإنما رواه ابن سيرين عن يوسف ابن ماهك عن حكيم وهو الذي مشى عليه أبو داود في مراسليه في آخرين
وأما أبو الحسن بن القطان من متقدمي أئمة اصحابنا فإنه قال المرسل أن يروي بعض التابعين عن النبي صلى الله عليه و سلم خبرا أو يكون بين الراوي وبين رجل ورجل
وقال الأستاذ أبو منصور المرسل ما سقط من إسناده واحد فإن سقط أكثر فهو معضل ثم إنه على القول شموله المعضل والمعلق قد توسع من أطلقه من الحنفية على قول الرجل من أهل هذه الأعصار قال النبي صلى الله عليه و سلم وكذا كان ذلك سلف الصفدي حيث قال في تذكرته حكاية عن بعض المتأخرين المرسل ما رفع إلى النبي صلى الله عليه و سلم من غير عنعنة والمسند ما رفعه راويه بالعنعنة فإن الظاهر أن قائله أراد بالعنعنة الإسناد فهو كقول ابن الحاجب تبعا لغيره من أئمة الأصول المرسل قول غير الصحابي قال رسول الله صلى الله عليه و سلم فإنه يتناول ما لو كثرت الوسائط
ولكن قد قال العلائي إن الظاهر عند التأمل في أثناء استدلالهم أنهم لا يريدونه إنما مرادهم ما سقط منه التابعي مع الصحابي أو ما سقط منه اثنان بعد الصحابي ونحو ذلك ويدل عليه قول إمام الحرمين في البرهان مثاله أن يقول الشافعي قال رسول الله صلى الله عليه و سلم كذا وإلا فيلزم من الإطلاق المتقدم بطلان اعتبار الأسانيد التي هي من خصائص هذه الأمة وترك النظر في أحوال (1/138)
الرواة والإجماع في كل عصر على خلاف ذلك وظهور فساده غني عن الإطالة فيه انتهى
ولذلك خصه بعض المحققين من الحنفية بأهل الاعصار الأول يعني القرون الفاضلة لما صح عنه صلى الله عليه و سلم أنه قال خير الناس قرني ثم الذين يلونهم قال الراوي فلا أدري أذكر بعد قرنه قرنين أو ثلاثة وفي رواية جزم فيها بثلاثة بعد قرنه بدون شك ثم يفشو الكذب وفي رواية ثم ذكر قوما يشهدون ولا يستشهدون ويخونون ولا يؤتمنون وينذرون ولا يفون وحينئذ فالمرسل ( ذو أقوال ) الثالث أوسعها والثاني أضيقها الأول الأكثر في استعمال أهل الحديث كما قاله الخطيب وعبارة عقب حكاية الثالث من كفايته إلا أن أكثرها ما يوصف بالإرسال من حيث الاستعمال ما رواه التابعي عن النبي صلى الله عليه و سلم أما رواه تابع التابعي فيسمونه المعضل
بل صرح الحاكم في علومه بأن مشايخ الحديث لم يختلفوا أنه هو الذي يرويه المحدث بأسانيد متصلة إلى التابعي ثم يقول التابعي قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ووافقه غيره على حكاية الاتفاق ( واحتج ) الإمام مالك هو ابن أنس في المشهور عنه ( وكذا ) الإمام أبو ححنيفة ( النعمان ) بن ثابت وتابعوهما المقلدون لهما والمراد الجمهور من الطائفتين بل وجماعة من المحدثينوالإمام أحمد في رواية حكاها النووي وابن القيم وابن كثير وغيرهم به أي بالمرسل ودانوا بمضمونه أي جعل كل واحد منهم ما هو عنده مرسل دينا يدين به في الأحكام وغيرها وحكاه النووي في شرح المهذب عن كثيرين من الفقهاء أو أكثرهم قال ونقله الغزالي عن الجماهير
وقال أبو داود في رسالته وأما المراسيل قفد كان أكثر العلماء يحتجون بها فيما مضى مثل سفيان الثوري ومالك والأوزاعي حتى جاء الشافعي رحمه الله فتكلم في ذلك وتابعه عليه أحمد وغيره انتهى (1/139)
فكان من لم يذكر أحمد في هذا الفريق رأى ما في الرسالة أقوى مع ملاحظة صنيعه في العلل كما سيأتي قريبا وكونه يعمل بالضعيف الذي يندرج فيه المرسل إذا لم يجد في الباب غيره كما تقدم ثم اختلفوا أهو على من المسند أو دونه أو مثله وتظهر فائدة الخلاف عند التعارض
والذي ذهب إليه أحمد وأكثر المالكية والمحققون من الحنفية كالطحاوي وأبي بكر الرازي تقديم المسند قال ابن عبد البر وشبهوا ذلك بالشهود يكون بعضهم أفضل حالا من بعض وأقعد وأتم معرفة وإن كان الكل عدولا جائزي الشهادة انتهى
والقائلون بأنه أعلى من المسند وجهوه بأن من أسند فقد أحالك على إسناده والنظر في أحوال رواته والبحث عنهم
ومن أرسل مع علمه ودينه وإمامته وثقته فقد قطع لك بصحته وكفاك النظر فيه ومحل الخلاف فيما قيل إذا لم ينضم إلى الإرسال ضعف في بعض رواته وإلا فهو حينئذ أسوأمن مسند ضعيف جزما ولذا قيل إنهم اتفقوا على اشتراط ثقة المرسل وكونه لا يرسل إلا عن الثقات قاله ابن عبد البر وكذا أبو الوليد الباجي من المالكية وأبو بكر الرازي من الحنفية
وأما الثاني لاخلاف أنه لا يجوز العمل بالمرسل إذا كان مرسله غير متحرز بل يرسل عن غير الثقات أيضا وعبارة الأول فقال لم تزل الأئمة يحتجون بالمرسل إذا تقارب عصر المرسل والمرسل عنه ولم يعرف المرسل بالرواية عن الضعفاء
وممن اعتبر ذلك من مخالفتهم الشافعي فجعله شرطا في المرسل المعتضد ولكن يد توقف شيخنا في صحة نقل الاتفاق من الطرفين قبولا وردا قال لكن ذلك فيهما عن جمهورهم مشهور انتهى
وفي كلام الطحاوي ما يوحي إلى احتياج المرسل ونحوه إلى الاختلاف (1/140)
بقرينة وذلك أنه قال في حديث أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود إنه سئل كان عبد الله مع النبي صلى الله عليه و سلم ليلة الجن قال لا ما نصه فإن قيل هذا منقطع لأن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه شيئا يقال نحن لم نحتج به من هذه الجهة إنما احتججنا به لأن مثل أبي عبيدة على تقدمه في العلم وموضعه من عبد الله وخلطته بخاصته من بعده لا يخفى عليه مثل هذا من أموره فجعلنا قوله حجة لهذا من أمور فجعلنا قوله لا من الطريق التي وصفت
ونحوه قول الشافعي رحمه الله في حديث لطاووس عن معاذ طاووس لم يلق معاذا لكنه عالم بأمر معاذ وإن لم يلقه لكثرة من لقيه ممن أخذ عن معاذ وهذا لا أعلم من أحد فيه خلافا وتبعه البيهقي وغيره
ومن الحجج لهذا القول أن احتمال الضعف في الواسطة حيث كان تابعيا لا سيما بالكذب بعيد جدا بإنه صلى الله عليه و سلم أثنى على عصر التابعين وشهد له بعد الصحابة بالخيرية ثم للقرنين كما تقدم بحيث استدل بذلك على تعديل أهل القرون الثلاثة وإن تفاوتت منازلهم في الفضل فإرسال التابعي بل ومن اشتمل عليه باقي القرون الثلاثة الحديث بالجزم من غير وثوق بمن قاله مناف لها هذا مع كون المرسل عنه ممن اشترك معهم في هذا الفضل
وأوسع من هذا القول عمر رضي الله عنه المسلمون عدول بعضهم على بعض إلا مجلدوا في حد ومجربا عليه شهاده زور أو ظنيا في ولاء أو قرابه
قالوا فاكتفى رضي الله عنه بظاهر الاسلام في القبول إلا أن يعلم منه خلاف العداله ولم يكن الواسطه من هذا القبيل لما أرسل عنه التابعي والأصل قبول خبرة حتى يثبت عنه ما يقتضي الرد وكذا ألزم بعضهم المانعين بأن مقتضى الحكم لتعاليق البخاري المجزومه بالصحه إلى من علق عنه أنه من يجزم من أئمه التابعين عن النبي صلى الله عليه و سلم يستلزم صحته من باب أولى لاسيما وقد قيل إن المرسل لو لم يحتج بالمحذوف لما حذفه فكأنه عدله
ويمكن إلزامهم لهم أيضا بأن مقتضى تصحيحهم في قول التابعي من (1/141)
السنه وفقه على الصحابي حمل قول التابعي قال رسول الله صلى الله عليه و سلم على أن المحدث له بذلك صحابي تحسينا للظن به في حجج بطول إيرادها لاستلزامه التعرض للرد في كون جامع التحصيل في هذه المسأله للعلائي متكفل بذلك كله وكذا صنف فيها ابن بد الهادي جزءا وردة أي الإحتجاج بالمرسل جماهر بحذف الياء تخفيفا جمع جمهور أي معظم النقاد من المحدثين كالشافعي احمد وحكموا بضعفه لجهل بالساقط في الإسناد فإنه يحتمل أن يكون تابعيا لعدم تقيدهم بالروايه عن الصحابه ثم يحتمل أن يكون ضعيفا لعدم تقيدهم بالثقات وعلى تقدير كونه ثقه يحتمل أن يكون روي عن تابعي أيضا يحتمل أن يكون ضعيفا وهلم جرا إلى سته فهو أكثر ما وجد من روايه بعض التابعين عن بعض واجتماع سته في حديث يتعلق بسورة إخلاص وصاحب التمهيد وهو أبو عمر بن البر عنهم يعني المحدثين نقله بل حكى الإجماع عن طلب عداله المخبر ومسلم وهو ابن الحجاج صدر الكتاب الشهير الذي صنفه في الصحيح أصله أي رد الاحتجاج به فإنه قال في أثناء كلام ذكرة في مقدمه الصحيح على وجه الإيراد على لسان خصمه والمرسل من الروايات في اصل قولنا وقول أهل العلم بلأخبار ليس بحجه وأقرة ومشى عليه في كتابه وهو محكي عن أحمد كما قدمته
ومشى عليه في العلل حيث يعل الطريق المسنده بالطريق المرسله ولو كان المرسل عنده حجه لأزمه لما أعل به ويكفينا نقل صاحبه أبي داود أنه تبع فيه الشافعي كما تقدم
وكذا حكى عن مالك وهو غريب فالمشهور عنه الأول وممن حكى الثاني عن مالك الحاكم وقال النووي في شرح المهذب المرسل لا يحتج به عندنا وعند جمهور المحدثين وجماعه من الفقهاء وجماهير أصحاب الأصول والنظر قال وحكا الحاكم أبو عبدالله بن سعيد بن المسيب (1/142)
ومالك وجماعه أهل الحديث والفقهاء انتهى
وبسعيد يرد على ابن جرير الطبري من المتقدمين وابن الحاجب من المتأخرين ادعاؤهما إجماع التابعين على قبوله إذ هو من كبارهم مع أنه لم يتفرد مرة بينهم بذلك بل قال به من ابن سيرين والزهري
و ( غايته ) انهم غير متفقين على مذهب واحد كاختلاف من بعدهم ثم إن ما أشعر به كلام أبي داود في كون الشافعي أول من ترك الاحتجاج به ليس على ظاهرة بل هو قول ابن مهدي ويحيى القطان وغير واحد ممن قبل الشافعي ويمكن أن اختصاص الشافعي لمزيد التحقيق فيه
وبالجمله فالمشهور عن أهل الحديث خاصه القول بعد صحته بل هو قول بتهور الشافعيه واختيار اسماعيل القاضي وابن عبد البر وغيرهما من المالكيه والقاضي أبي بكر الباقلاني وجماعه كثيرين من أئمه الأصول
وبالغ بعضهم في التضييق فرده مراسيل الصحابه كما بالغ من توسع من أهل الطرف الآخر فقيل مراسيل أهل هذه الإعصار وما قبلها وبينا هناك ردة
وسنبين رد الآخر آخر الباب وما أوردته من حجج الأولين مردود
أما الحديث فمحمول على الغالب والأكثريه وإلا فقد وجد فيمن بعد الصحابه من القرنين من وجدت فيه الصفات المذمومه لكن بقله بخلاف من بعد القرون الثلاثه فإن ذلك أكثرهم فيهم واشتهر
وقد روى الشافعي عن عمه حدثنا هشام بن عروة عن أبيه قال إني لأسمع الحديث استحسنه فما يمنعني من ذكرة إلا كراهيه أن يسمعه سامع فيقتدى به وذلك أني أسمعه من الرجل لاأثق به قد حدث به عمن أثق به أو أسمعه من رجل أثق به قد حدث ب عمن لا أثق به (1/143)
وهكذا كما قال ابن عبد البر يدل على أن ذلك الزمان أي زمان الصحابه والتابعين كان يحدث فيه الثقه وغيرة
ونحوة ما أخرجه العقيلي من حديث ابن عون قال ذكر أيوب السختياني لمحمد بن سيرين حديثا عن أبي قلابه فقال أبو قلابه رجل صالح ولكن عمن ذكرة ابو قلابه
ومن حديث عمران بن حدير أن رجلا حدثه عن سليمان التيمي عن محمد ابن سيرين أن من زار قبرا أو صلى إليه فقد برىء الله منه قال عمران فقلت لمحمد عن أبي مجلز أن رجلا ذكر عنك كذا فقال أبو مجلز كنت أحسبك يا أبا بكر أشد اتقاءا فإذا لقيت صاحبك فاقرأه السلام وأخبره أنه كذب قال ثم رأيت سليمان عند أبي مجلز فذكرت ذلك له فقال سبحان الله إنما حدثنيه مؤذن لنا ولم أظنه يكذب فإنه هذا والذي قبله فيهما رد أيضا على من يزعم أن المراسيل لم تزل مقبولة معمولا بها
ومثل هذه حديث عاصم عن ابن سيرين قال كانوا لا يسألون عن الإسناد حتى وقعت الفتنة بعد وأعلى من ذلك ما رويناه في الحلية من طريق ابن مهدي عن ابن لهيعة أنه سمع شيخا من الخوارج يقول بعد ما قال إن هذه الأحاديث دين فانظروا عمن تأخذون دينكم فإنا كنا إذا هوينا أمرا صيرناه حديثا انتهى
ولذا قال شيخنا إن هذه والله قاصمة الظهر للمحتجين بالمرسل إذ بدعة الخوارج كانت في مبدأ الإسلام والصحابة متوافرون ثم في عصر التابعين فمن بعدهم وهؤلاء كانوا إذا استحسنوا أمرا جعلوه حديثا وأشاعوه فربما سمع الرجل الشيء فحدث به ولم يذكر ممن حدثه به تحسينا للظن فيحمله عنه غيره ويحيى الذي يحتج بالمقاطع فيحتج به مع كونه أصلهما ذكرت فلا حول ولا قوة إلا بالله (1/144)
وأما الإلزام بتعاليق البخاري فهو قد علم شرطه في الرجال وتقييده بالصحة بخلاف التابعين وأما بعده فالتعديل المحقق في المبهم لا يكفي على المعتمد كما سيأتي في سادس فروع من تقبل روايته فكيف بالاسترسال إلى هذا الحد
نعم قد قال ابن كثير المبهم الذي لم يسمى أو سمى ولم تعرف عينه لايقبل وايته أحد علمناه ولكن إذا كان في عصر التابعين والقرون المشهود لها بالخير فإنه يستأنس بروايته ويستضيء بها في مواطن
وقد وقع في مسند أحمد وغيره من هذا القبيل كثير وكذا يمكن الانفصال عن الأخير بأن الموقوف لا انحصار له فيما اتصل بخلف المحتج به
وبهذا أو غيره مما لا نطيل بإيراده قويت الحجة في رد المرسل وإدراجه في جملة الضعيف ( لكن إذا صح ) يعني ثبت ( لنا ) أهل الحديث خصوصا الشافعية تبعا لنص إمامهم ( مخرجه ) أي المرسل ( بمسند ) يجيء من وجه آخر صحيح أو حسن أو ضعيف يعتضد به أو بمرسل آخر يخرجه أي يرسله من ليس يروي عن رجال أي شيوخ راوي المرسل ( الأول ) حتى يغلب على الظن عدم اتحادهما ( فقبله ) بالجزم جوابا لاإذا الشرطية كما صرح ابن مالك في التسهيل بجوازه في قليل من الكلام وهو ظاهر كلام انبه الشارح ولكن نصوص مشاهير النحاة على اختصاصه بضرورة الشعر على أنه لو قال متى بدل إذا ويقبل بدل نقبله كما قال شيخنا لكان أحسن وكذا يعتضد بما ذكره مع هذين الشافعي كما سيأتي من مواقفه قول بعض الصحابي أو فتوى عوام أهل العلم مع كونه الآعتضاد بها في الترتيب هكذا
وقد نظم الزائد بعض الآخذين عن الناظم فقال
( أو كان قول واحد من مصحب ... خير الأنام عجم وعرب ) (1/145)
( أو كان فتوى جل أهل العلم ... وشيخنا أهمله في النظم )
قلت الشيخ ابن الصلاح لم يفصل في المرسل المعتضد بين كبار التابعين وصغارهم بل أطلق كما ترى وأنه بناء على المشهور في تعريفه كما تقدم ( والشافعي ) الذي اعتمد ابن الصلاح مقاله في ذلك ( بالكبار ) منهم ( قيدا ) المعتضد وتبع ابن الصلاح في الإطلاق النووي في عامة كتبه ثم تنبه للتقييد في شرحه للوسيط وهو من أواخر تصنيفه فإنه قال فيه وأما الحديث المرسل فليس بحجة عندنا إلا أن الشافعي كان يرى الاحتجاج بمرسل الكبار من التابعين بشرط أن يعتضد بأحد أمور أربعة وذكرها ( و ) كذا قيده الشافعي بمن روى منهم عن الثقات أبدا بحيث إذا عين شيخه في مرسله في رواية أخرى أو في مطلق حديثه حسبما يحتملها كلام الشافعي الآتي لا يسمى مجهولا ولا مرغوبا عن الرواية عنه ولا يكفي قوله أنه لم يكن يأخذ إلا عن الثقات كما جاء عن سعيد بن المسيب وغيره فالتوثيق مع الإبهام لا يكفي على ما سيأتي نعم قد قال الشافعي في سعيد بخصوصه إنه ما عرفه روى إلا عن ثقة وأجاب بذلك من عارضه في قبول مراسليه خاصة بل وزاد أنه لا يحفظ له منقطعا إلا وجد ما يدل على تسديده
ولهذا قال ابن الصلاح عقب العاضد بمجيئه من وجه آخر ولهذا احتج الشافعي بمرسلات سعيد فإنها وجدت مسانيد من وجوه أخر قال ولا يختص ذلك عنده بإرسال ابن المسيب انتهى
وتبعه أحمد فنقل الميموني وحنبل معا عنه إنه قال مراسيل سعيد صحاح لا نرى أصح من مراسلاته
وقال ابن معين هي أحب إلي من مراسلات الحسن ولكن قد قال النووي في الإرشاد اشتهر عند الفقهاء أصحابنا أن مرسل سعيد حجة عند الشافعي (1/146)
حتى أن كثيرا منهم لا يعرفون غير ذلك وليس الأمر على ذلك ثم بينه بما ذكر معناه في شرح المهذب فإنه قال فيه عقب نقله عن الشافعي في المختصر مما رواه عنه الربيع أيضا إرسال ابن المسيب عندنا حسن ما نصه اختلف أصحابنا المتقدمون في معناه على وجهين حكاهما الشيخ أبو إسحاق في اللمع والخطيب في كتابيه الفقيه والمتفقه والكفاية وآخرون
أحدهما أنها حجة عنده بخلاف غيرها من المراسيل قالوا لأنها فتشت فوجدت مسندة
ثانيهما أنها ليست بحجة عنده بل هي كغيرها على ما ذكرناه قالوا وإنما رجح الشافعي لمرسله والترجيح بالمرسل جائز
قال الخطيب في كتابه الفقيه والمتفقه والصواب الثاني وأما الأول فليس بشيء وكذا قال في الكفاية إن الثاني هو الصحيح لأن في مراسيل سعيد ما لم يوجد بحال من وجه يصح
قال البيهقي وقد ذكرنا لابن المسيب مراسيل لم يقبلها الشافعي حيث لم ينضم إليها ما يؤكدها ومراسيل لغيره قال بها حين انضم إليها ما يؤكدها قال وزيادة ابن المسيب في هذا على غيره أنه أصح التابعين إرسالا فيما زعم الحفاظ قال وأما قول القفال المروزي في أول كتابه شرح التخليص قال الشافعي في الرهن الصغير مرسل سعيد عندنا حجة فهو محمول على التفصيل الذي قدمناه عن البيهقي والخطيب والمحققين
قلت وممن صرح بأن كل ما أرسله مسند محمد بن حميد قال أبو داود في سننه سمعته يقول كل شيء حدثتك عن جعفر عن سعيد بن جبير عن النبي صلى الله عليه و سلم فهو مسند عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه و سلم ( و ) قيده أيضا بمن إذا شاركمنهم أهل الحفظ في أحاديثهم ( وافقهم ) فيها ولم يخالفهم إلا بنقص لفظ لا يختل معه المعنى فإن ذلك الشرح للباء لا يضر في قبول مرسله (1/147)
وكل من هذه أعني روايته عن الثقات ومواقفه الحفاظ وكونه من الكبار صفة للمرسل بكسر المهملة دالة على صحة مرسله المروي عنه
وثانيهما جار في كل راو أرسل أو أسند كما قيل إن المحتج بالمرسل أيضا يشترط أولهما كما تقدم مع النزاع فيه
وهذا سياق نص الشافعي ليعلم أن الشارح وغيره ممن أورده أخل منه بأشياء مهمة
فروى البيقي في المدخل عن شيخه الحاكم عن الأصم عن الربيع عنه أنه قال والمنقطع مختلف فمن شاهد أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم من التابعين فحدث حديثا متقطعا عن النبي صلى الله عليه و سلم اعتبر بأمور منها أن ينظر إلى ما أرسل من الحديث فإن شركه الحفاظ المأمونون فأسندوه إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم بمثل معنى ما روى كانت هذه دلالة على صحة ما قبل عنه وحفظه وإن انفرد بإرسال حديث لم يشركه فيه من يسنده قبل ما ينفرد به من ذلك ويعتبر عليه بأن ينظر هل يوافقه مرسل غيره ممن فبل العلم من غير رجاله الذين قبل عنهم فإن وجد ذلك كانت دلالة تقوي له مرسله وهي أضعف من الأولى وإن لم يوجدذلك نظر إلى بعض ما يروى عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم قولا له فإن وجد يوافق ما روي عن رسول الله صلى الله عليه و سلم كانت هذه دلالة على أنه لم يأخذ مرسله إلا عن أصل يصح إن شاء الله وكذلك إن وجد عوام من أهل العلم يفتون بمثل معنى ما روي عن النبي صلى الله عليه و سلم ثم يعتبر عليه بأن يكون إذا سمى من روي عنه لم يسم مجهولا ولا مرغوبا عن الرواية عنه فيستدل بذلك على صحته فيما يروى عنه ويكون إذا شرك أحدا من الحفاظ في حديث لم يخالفه فإن خالفه ووجد حديثه أنقص كانت في هذه دلائل على فإن خالفه صحة مخرج حديثه
ومتى خالف ما وصفت أضر بحديثه حتى لا يسع أحدا منهم قبول مرسله (1/148)
قال وإذا وجدت الدلائل لصحة حديثه بما وصفت أحببنا يعني اخترناكما قاله البيهقي أن نقبل مرسله ولا تستطيع أن نزعم أن الحجة يثبت به ثبوتها بالمؤتصل وذلك أن معنى المنقطع مغيب يحتمل أن يكون حمل عمن يرغب عن الرواية عنه إذا سمى وإن بعض المنقطعات وإن وافقه مرسل مثله - فقد يحتمل أن يكون مخرجهما واحدا من حديث من لو سمى لم تقبل وإن قول بعض اصحاب رسول الله صلى اللهعليه وسلم إذا قال برأيه لو وافقه لم يدل على صحة مخرج الحديث دلالة قوية إذا نظر فيها ويمكن أن يكون إنما غلط به حين سمع قول بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم يوافقه ويحتمل مثل هذا فيمن وافقه بعض الفقهاء
قال فأما من بعد كبار التابعين الذين كثرت مشاهدتهم لبعض أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم فلا أعلم منهم واحدا يقبل مرسله لأمور
أحدهما إنهم أشد تجوزا فيمن يروون عنه والآخر أنهم توجد عليهم الدلائل فيما أرسلوا بضعف مخرجه والآخرة كثرة الإحالة في الأخبار وإذا كثرت الإحالة كان أمكن للوهم وضعف من يقبل عنه
وكذا رواه الخطيب في الكفاية من طريق أحمد بن موسى الجوهري ومحمد ابن أحمد أن الطرائقي كلاهما عن الربيع به بزيادة قوله في أواخره عن التابعين الذين كثرت مشاهدتهم لبعض الصحابة فليس عند البيهقي وهو مفيد فائدة جليلة
وقد زاد بعضهم مما يعتضد به المرسل فعل صحابي أو انتشار أو عمل أهل العصر أو قياس معتبر
ويمكن رجوعها إلى كلام الشافعي بتكلف في بعضها ثم إن ما تقدم عن الشافعي من عدم الاحتجاج بالمرسل إلا إن اعتضده هو المعتمد وإن زعم الماوردي أنه في الجديد يحتج بالمرسل إذا لم يوجد دليل سواه وكذا نقله (1/149)
غيره فقد ورده ابن السمعاني بإجماع النقلة من العراقيين والخراسانيين للمسألة عنه على أنه عنده غير حجة نعم
قال التاج السبكي ما معناه إنه إذا دل على محظور ولم يوجد سواه فالأظهر وجوبالانكفاف يعني احتياطا ( فإن يقل ) على وجه الخدش في الاعتضاد بمسند فالمسند هو المعتمد حينئذ ولا حاجة إلى المرسل فقل مجيبا بما هو حاصل كلام ابن الصلاح أن المرسل تقوي بالمسند وبأنبه قوة الساقط منه وصلاحيته للحجة وأيضا فكما قال النووي وعليه اقتصد الناظم لتضمنه إبداء فائدة ذلك هما دليلان إذ المسند دليل برأسه والمرسل به أي المسند يعتضد ويصير دليلا آخر فيرجع بهما الخبر عند معارضته خبر ليس له سوى طريق مسند
قال غيره وربما يكون المسند حسنا فيرتقي عن هذه المرتبة ولكن هذا الإيراد إنما يأتي إذا كان المسند بمفرده صالحا للحجة أما إذا كان مما يفتقر إلى اعتضاد فلا إذ كل منهما اعتضد بالآخر وصار به حجة
ولذا قيده الإمام الفخر الرازي في المحصول بقوله هذا في مسند لم تقم به الحجة إذا انفرد أفاده شيخنا وحينئذ فيكون اعتضاده بهذا المسند كاعتضاده بمرسل آخر لاشتراكهما في عدم الصلاحية للحجة ويجيء القول بعدم الفائدة في ذلك لأنه انضمام غير مقبول إلى مثله فهو بمثابة شهادة غير العدل إذا انضمت إلى مثلها
ولكن قد أجيب بأن القوة إنما حصلت من هيئة الاجتماع إذ بانضمام أحدهما إلى الآخرقوي الظن بأن له أصلا كما تقدم في تقرير الحسن لغيره
ان الضعيف الذي ضعفه من جهة قلة حفظ راويه وكثرة غلطهلا من جهة اتهامه بالكذب إذا روى مثله بسند آخر نظيره في الرواية ارتقى إلى درجةالحسن لأنه يزول عنه حينئذ ما يخاف من سوء حفظ الراوي ويعتضدكل منهما بالآخر ويشهد لذلك إفراد المتواتر (1/150)
والتشبيه بالشهادة ليس بمرضي لانفراقهما في أشياء كثيرة ( ورسموا ) أي سمى جمهور أهل الحديث ( منقطعا ) قولهم عن رجل أو شيخ أو نحو ذلك مما يبهم الراوي فيه وأمثلته كثيرة
وممن صرح بذلك ابن القطان في الوهم والإيهام له ومن قبله الحاكم وأشار إلى أنه لا يسمى مرسلا وفي كتب الأصول كالبرهان لإمام الحرمين لغته يعني تسميته بالمرسل وذلك أنه جعل من صوره أن يقول رجل عن فلان الراوي من غير أن يسميه أو أخبرني موثوق به رضي قال وكذلك إسناد الأخبار إلى كتب رسول الله صلى الله عليه و سلم ملحق بالمرسل للجهل بناقل الكتاب بل في المحصول أن الراوي إذا سمى الأصل باسم لا يعرف به فهو كالمرسل وهذا يشمل المهمل كعن محمد وهو يحتمل جماعة يسمون بذلك وكذا المجهول إذ لا فرق
وممن أخرج المبهمات في المراسيل أبو داود وكذا أطلق النووي في غير موضع على رواية المبهم مرسلا وكل من هذين القولين خلاف ما عليه الأكثرون من علماء الرواية وأرباب النقل كما حكاه الرشيد العطار في كتابه الغرر المجموعة عنهم على أنه متصل في اسناده مجهول واختاره العلائي في جامع التحصيل وأشار إليه بعض تلامذة الناظم بقوله ( قلت الأصح إنه متصل ... لكن في إسناده من يجهل )
ولكن ليس ذلك على إطلاقه بل هو مقيد بأن يكون المبهم صرح بالتحديث ونحوة لاحتمال أن يكون مدلسا وهو ظاهر وكذا قيل القول بغطلاق الجهاله بما إذا لم يجيء مسمى في روايه أخرى
وإذا كان كذلك فلا ينبغي المبادرة إلى الحكم عليه بالجهاله إلا بعد التفتيش لما ينشأ عنه من توقف الفقيه عن الإستدلال به للحكم مع كونه مسمى في روايه أخرى وليس بإسناده ولا متنه ما يمنع كونه حجه ولذا (1/151)
كان الإعتناء بذلك من أهم المبهمات كما سيأتي
وكلام الحاكم في اتلمنقطع يشير إليه فإنه قال وقد يروي الحديث وفي إسناده رجل غير مسمى وليس بمنقطع ذكر مثالا من وجهين يسمى الراوي في أحدهما وأبهم في الآخر كما وقع للبخاري فإنه أورد حديثا من وجهين إلى أيوب السختياني قال في أحدهما عن رجل عن أنس وفي الآخر عن أبي قلابه عن أنس
ثم قال الحاكم وهذا لايقف عليه إلا الحافظ الفهم المتبحر في الصنعة وبذلك صرح في المعضل كما سيأتي ثم إن صورة المسألة في وقوع ذلك من غير التابعي فأما لو قال التابعي عن رجل فلا يخلو إما أن يصفه بالصحة أم لا فإن لم يصفه بها فلا يكون ذلك متصلا لحتمال أن يكون تابعيا آخر بل هو مرسل على بابه
وإن وصفه بالصحبة فقد وقع في أماكن من السنن وغيرها للبيهقي تسميته أيضا مرسلا ومراده مجرد التسمية فلا يحوي عليه حكم الإرسال في نفي الاحتجاج كما صرح بذلك في القراءة خلف الإمام من معرفته عقب حديث رواه عن محمد بن أبي عائشة عن رجل من الصحابة فإنه قال وهذا إسناد صحيح وأصحاب النبي صلى الله عليه و سلم كلهم ثقة فترك ذكر تأسمائهم في الاسناد لا يضر إذا لم يعارضه ما هو أصح منه انتهى
وبهذا القيد ونحوه يجاب عما توقف عن الاحتجاج به من ذلك لا لكونه لم يسم ولو لم يصرح به ويتأيد كون مثل ذلك حجة بما روى البخاري عن الحميدي قال إذا صح الإسناد عن الثقات إلى رجل من الصحابة فهو حجة وإن لم يسم
وكذا قال الأثرم قلت لأحمد إذا قال رجل من التابعين حدثني رجل من الصحابة ولم يسمه فالحديث صحيح قال نعم ولكن قيده ابن (1/152)
الصيرفي بأن يكون صرح بالتحديث ونحوه أما إذا قال عن رجل من الصحابة وما أشبه ذلك فلا يقبل قال لأني لا أعلم أسمع ذلك التابع منه أم لا إذ قد يحدث التابعي عن رجل وعن رجلين عن الصحابي ولا أدري هل أمكن لقاء ذلك الرجل أم لا فلو علمت إمكانه فيه لجعلته كمدرك العصر قال الناظم هو حسن متجه وكلام من اطلق محمول عليه
وتوقف شيخنا في ذلك لأن التابعي إذا كان سالما من الندليس حملت عنعنته على السماع وهو ظاهر
قال ولا يقال إنما يأتي هذا في حق كبار التابعين الذين جل روايتهم عن الصحابه بلا واسطه واما صغار التابعين الذين جل روايتهم عن التابعين فلا بد من تحقق إدراكه لذلك الصحابي
والغرض أنه لم أسمه حتى نعلم هل أدركه أم لا لأنا نقول سلامته من التدليس كافيه في ذلك إذ مدار هذا يمل قوة ظن وهي حاصله في هذا المقام أما الخبر الذي أرسله الصحابي الصغير عن النبي صلى الله عليه و سلم كان عباس وابن الزبير ونحوهما ممن لم يحفظ عن النبي صلى الل0ه عليه وسلم إلا اليسير وكذا الصحابي الكبير فيما ثبت عن أنه لم يسمعه إلا بواسطة فحكمه الوصل المقتضى للإحتجاج به لأن غالب راويه الصغار منهم عن الصحابه وروايتهم عن غيرهم كما قال النووسي في شرح المهذب زيادة فإذا رووها بينوها وحيث أطلقوا فالظاهر أنهم عن الصحابه انتهى
ولا شك أنهم عدول لا يقدح فيهم الجهاله بأعيانهم وأيضا ىفيما يرويه عن التابعين غالبه بل عامته إنما هو من الإسرائيليات وما أشبهها من الحكايات وكذا الموقوفات والحكم المذكور على الصواب المشهور بل أهل الحديث وإن سموه مرسلا لاخلاف بينهم في إحتجاج به وإن نقل ابن كثير عن ابن الأثير وغيره فيه خلافا وقول الأستاذ أبي اسحق الإسفرائيني وغيرة من (1/153)
أئمةالأصول إن لا يحتج به ضعيف وإن قال ابن برهان في الأوسط إنه الصحيح أي لا فرق بين مراسيل الصحابة ومراسيل غيرهم
وقال القاضي عبد الجبار إن مذهب الشافعي إن الصحابي إذا قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم كذا قبيل إلا إن علم أنه أرسله وكذا نقله ابن بطال في أوائل شرحه للبخاري عن الشافعي فالنقل بذلك عن الشافعي خلاف المشهور من مذهبه وقد صرح ابن برهان في الوجيز أن مذهبه أن المراسيل لايجوز الاحتجاج بها إلا مراسيل الصحابة ومراسيل سعيد وما انعقد الإجماع على العمل به
أما من أ حضر إلى النبي صلى الله عليه و سلم غير مميز كعبيد الله بن عدي ابن الخيار فإن أباه قتل يوم بدر كافرا على ما قاله ابن ماكولا وعد ابن سعد أباه في مسلمة الفتح وكمحمد بن أبي بكر رضي الله عنهما فإنه ولد عام حجة الوداع فهذا مرسل لكن لا يقال إنه مقبول كمراسيل الصحابة لأن رواية الصحابة إما أن تكون عن النبي صلى الله عليه و سلم أو عن صحابي آخر والكل مقبول واحتمال كون الصحابي الذي أدرك وسمع يروي عن التابعين بعيدا جدا بخلاف مراسيل هؤلاء فإنها عن التابعين بكثرة فقوى احتمال أن يكون الساقط غير الصحابي وجاء احتمال كونه غير ثقة
واعلم أنه تكلم العلماء في عدة الأحاديث التي صرح ابن عباس بسماعها من النبي صلى الله عليه و سلم فكان من الغريب قول الغزاليفي المستصفى وقلده جماعة إنها أربعة ليس إلا
وعن يحيى القطان وابن معين وأبي داود صاحب السنن تسعة
وعن منذر عشرة وعن بعض المتأخرين أنها دون العشرين من وجوه صحاح
وقد اغنيني شيخنا بجمع الصحيح والحسن فقط من ذلك فزاد على (1/154)
الأربعين سوى ما هو في حكم السماع كحكاية حضور شيء فعل بحضرة النبي صلى الله عليه و سلم وأشار شيخنا لذلك عقب قول البخاري في الحديث الثالث من باب الحشر من الرقائق هذا مما يعد أن ابن عباس سمعه
خاتمة المرسل مراتب أعلاها ما أرسله صحابي ثبت سماعه ثم صحابي له رواية فقط ولم يثبت سماعه ثم المخضرم ثم المتقن كسعيد بن المسيب ويليها من كان يتحرى في شيوخه كالشعبي ومجاهد ودونها مراسيل من كان يأخذ عن كل أحد كالحسن وأما مراسيل صغار التابعين كقتادة والزهري وحميد الطويل فإن غالب رواية هؤلاء عن التابعين وهل يجوز تعمده قال شيخنا إن كان شيخه الذي حدثه به عدلا عنده وعند غيره فهو جائز بلا خلاف أولا فممنوع بلا خلاف أو عدلا عنده فقط أو عند غيره فقط فالجواز فيهما محتمل بحسب الأسباب الحاملة عليه الآتي في التدليس الإشارة لشيء منها
وقد بسطنا الكلام في هذا النوع بالنسبة لما قبله لكونه كما قال النووي في الإشارة من أجل الأبواب فإنه احكام محضة ويكثر استعماله بخلاف غيره (1/155)
المنقطع والمعضل
( وسم بالمنقطع الذي سقط ... قبل الصحابي به راو فقط )
( وقيل ما لم يتصل وقالا ... بأنه الأقرب الاستعمالا )
( والمعضل الساقط منه إثنان ... فصاعدا ومنه قسم ثنان )
( حذف النبي والصحاب معا ... ووقف متنه على نت تبعا )
وسم أيها الطالب بالمنقطع على المشهور الذي أسقط من روايته قبل الصحابي به أي بسنده راو فقط من أي موضع كان ولا اختصاصله عند الحاكم ومن وافقه بذلك بل سموا ما بينهم فيه الراوي كعن رجل منقطعا كما تقدم قريبا في المرسل وبالغ أبو العباس القرطبي أسرى ابن الصلاح فسمى السند المشتمل إجازة منقطعا وسيأتيرده في الإجازة
وكذا لا انحصار له في السقط من موضع واحد بل لو سقط من مكانين أو أماكن بحيث لا يزيد كل سقط منها على راو لم يخرج عن كونه منقطعا ولا في المرفوع بل يدخل فيه موقوف الصحابة وخرج بقيد الواحد المعضل وبما قبل الصحابي المرسل ولذا عرفه الحاكم في علومه بقوله هو غير المرسل قال وقل ما يوجد في الحفاظ من يميز بينهما كذا قال
الذي حققه شيخنا أن أكثر المحدثين على التغاير يعني كما قررناه لكن (1/156)
عند إطلاق الإسم وأما عند استعمال الفعل المشتق فإنهم يقتصرون على الإرسال فيقولون أرسله فلان سواء كان مرسلا أو منقطعا قال ومن ثم أطلق غير واحد ممن لم يلاحظ مواقع استعمالهم يعني كالحاكم على كثير من المحدثين أنهم لا يغايرون بينهما وليس كذلك لما حررناه وقل من نبه علي النكتة في ذلك انتهى
ثم بين الحاكم أن المنقطع على ثلاثة أنواع ولم يفصح بالأولين منها بل ذكر مثالين علما منهما فأولهما رواية أبي العلاء بن الشخير عن رجلين من بني حنظلة عن شدادبن أوس وثانيهما حاصله ما أتى فيه الإبهام في بعض الروايات مع كونه مسمى في رواية أخرى ولكن لا تقف عليه إلا الحافظ المتبحر كما قدمته قريبا في النوع قبله ثم قال والثالث ما في سنده قبل الوصل الى التابعي الذي هو محل الإرسال راو لم يسمع من الذي فوقه وذكر له مثالا فيه قبل التابعي سقط من موضعين فظهر أنه لم يحصر المنقطع في الساقط قبل الوصول الى التابعي بل جعله نوعا منه وهو كذلك بلا شك
وإذا كان يسمى ما أبهم فيه من هو في محل التابعي منقطعا فبالاحرى أن يسميه كذلك مع إسقاطنا وقيل أن المنقطع ما لم يتصل إسناده ولوكان الساقط أكثر من واحد كما صرح به ابن الصلاح في المرسل واقتضاه كلام الخطيب حيث قال والمنقطع مثل المرسل الذي مشى فيه على أنه المنقطع الإسناد فيدخل فيه المرسل والمعضل والمعلق
وكذا قال ابن عبد البر المنقطع عندي كل ما لم يتصل سواء كان معزوا إلى النبي صلى الله عليه و سلم أو إلى غيره فيدخل فيه الموقوف على الصحابي فمن دونه أيضا ويقرب منه قول البرديجي المنقطع هو المضاف الى التابعي فمن دونه قولا له أو فعلا إلا أنه لابد فيه عند الخطيب من فقد اتصال السند بخلاف البريجي لذلك كما تقدم في المقطوع استبعده ابن الصلاح (1/157)
وأبعد منه قول الكيا الهراسي أنه قول الرجل بدون إسناده قال رسول الله صلى الله عليه و سلم وزعم أنه مصطلح المحدثين ورده ابن الصلاح في فوائد رحلته وقال إنه لا يعرف لغيره
قلت وشبيه بقوله من توسع في المرسل من الحنفية كما بينته هناك مع رده والحاصل أن في المنقطع أربعة أقوال وقالا بألف الإطلاق أي ابن الصلاح بأنه أي الثاني منها الأقرب أي من حيث المعنى اللغوي فإن الإنقطاع نقيض الإتصال وهما في المعاني كهما في الأجسام فيصدق بالواحد والكل وما بينهما
وقال وقد صار إليه طوائف من الفقهاء وغيرهم بل هو الذي ذكره الخطيب في كفايته يعني كما تقدم ( لا ) أنه الآكثر ( استعمالا ) بل أغلب استعمالهم فيه القول الأول حسبما صرح به الخطيب فإنه قال إلا أن هذه العبارة تستعمل غالبا في رواية من دون بعين عن الصحابة مثل مالك عن ابن عمر والثوري عن جابر وشعبه عن أنس يعني بخلاف المرسل فأغلب استعماله منها أضافه التابعي إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم
تتمة قد مضى في المرسل عن الشافعي وغيره ما يدل على قبول المنقطع إذا احتف بقرينه وقال ابن السمعاني من منع قبول المرسل فهو أشد منعا لقبول المنقطعات ومن قبل المراسيل اختلفوا انتهى
وإنما يجيء هذا المعتمد في الفرق بينهما والمعضل وهو بفتح المعجمة من الرباعي ( و ) المعتدي يقال أعضله فهو معضل وعضيل كما سمع في أعقدت العسل فهو عقيد بمعنى معقد وأعله المرض فهو عليل بمعنى معل وفعيل بمعنى مفعل إنما يستعمل في المعتدى
والعضيل المستغلق الشديد ففي حديث أن عبدا قال يا رب لك (1/158)
الحمد كما ينبغي بجلال وجهك وعظيم سأنك فأعضلت بالملكين فلم يدرينا كيف يكتبا الحديث قال أبو عبيد الله هو من العضال الأمر الشديد الذي لا يقوم له صاحبه انتى
فكأن المحدث الذي حدث به أعضله حيث ضيق المجال على من يوفيه إليه وحال بينه وبين معرفة روايته بالتعديل أو الجرح وشدد عليه الحال ويكون ذاك الحديث معضلا لإعضال الراوي له هذا تحقيق لغة وبيان استعارته هو في الإصطلاح الساقط منه أي من إسناده اثنان فصاعدا أي مع التوالي حتى لو سقط كل واحد من موضع كان منقطعا كما سلف لا معضلا ولعدم التقيد باثنين
قال ابن الصلاح إن قول المصنفين قال رسول الله صلى الله عليه و سلم من قبيل المعضل يعني كما قيل بمثله في المرسل والمنقطع وسواء في سقوط اثنين هذا الصحابي والتابعي أو أثنان بعدهما من أي موضع كان كل ذلك مع التقيد بالرفع الذي استغنى وعن التصريح به بما يفهم من القسم الثاني وعلم بهذا التعريف أنه أعم من المعلق من وجه ومبائن للمقطوع والموقوف وكذا مبائن للمرسل والمنقطع بالنظر لكثرة استعمالهم فيهما
ولا يأتي قول ابن الصلاح أنه لقب لنوع خاص من المنقطع فكل معضل منقطع ولا عكس إلا بالنظر للقول الآخر في المنقطع الذي لا يحصره في سقط راو واحد ولا يخصه بالمرفوع ز
وقول الحاكم نقلا عن علي بن المعتمد وغيره عن أئمتنا المعضل هو أن يكون بين المرسل الى النبي صلى الله عليه و سلم أكثر من رجل شامل أيضا لأكثر من اثنين لا سيما وقد صرح بعد بقوله فربما أعضل اتباع التابعين وأتباعهم الحديث إلى آخر كلامه الذي أرشد فيه لما تقدم مثله في أواخر المرسل مع كونه لم ينفرد به بل وافقه عليه أبو نصر السجزي وعزاه لأصحاب الحديث وهو عدم المبادرة (1/159)
إلى الحكم قبل الفحص وإلا فقد يكون الحديث عن الراوي من وجه معضلا ومن آخر متصلا كحديث مالك الذي في الموطأ أنه بلغه أن أبا هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم " للملوك طعامه وكسوتهفهذا معضل عن مالك لكونه قد روي عنه لكن خارج الموطأ عن محمد بن عجلان عن أبيه عن أبي هريرة به
واستفيد من هذا المثال أيضا أن الحاكم لايخص السقط بانتهاء السند بل ولو كان في اقنائه كما علم مما تقدم ونحوه قول ابن الصلاح وكذلك ما يرويه من دون تابع التابعي عن أبي بكر وعمر وغيرهما يعني عن النبي صلى الله عليه و سلم ثم إن هذا الحديث بخصوصه لو لم نعلم كون الساقط منه اثنين لم يسغ التمثيل به وإنماهو منقطع على رأي الحاكم وغيره ممن يسمى المبهم منقطعا أو متصل في إسناده مجهول لأن قول مالك بلغني يقتضي ثبوت مبلغ ولا يمتنع أن يكون واحدا ومنه أي ومن المعضل قسم ثان وهو حذف النبي صلى الله عليه و سلم والصحابي رضي الله عنه معا ووقف متنه على من تبعا أو على التابع كقول الأعمش عن الشعبي يقال للرجل يوم القيامة عملت كذا وكذا فيقول ما عملته فيختم على فيه فتنطق جوارحه أو لسانه فيقول لجوارحه أبعدكن الله ماخاصمت إلا فيكن أخرجه الحاكم
وقال عقبة أعضله الأعمش وهو عند الشعبي متصل مسند أخرجه مسلم في صحيحه وساقه من حديثه فضيل بن عمر وعن الشعبي عن أنس قال كنا عند رسول الله صلى الله عليه و سلم فضحك فقال هل تدرون مم ضحكت قلنا الله ورسوله أعلم قال من مخاطة العبد ربه عز و جل يوم القيامة يقول يا رب ألم تجرني من الظلم فيقول بلى قال فإني لا أجيز اليوم على نفسي ساهدامني فيقول كفى بنفسك اليوم عليك شهيدا فيختم على فيه ثم يقال لأركانه انطقي الحديث نحوه (1/160)
وقال ابن الصلاح إنه حسن فالانقطاع بواحد مع الوقف صدق عليه الانقطاع باثنين الصحابي والرسول وهو باستحقاق اسم الإعضال أولى انتهى
ولا يتهيأ الحكم بكل ما أضيف إلى التابعي بذلك إلا بعد تنبيه أي على التابعي بجهة أخرى فقد يكون مقطوعا ثم إنه قد يكون الحديث معضلا ويجيء من غير طريق من أعضله متصلا كحديث خليد بن دعلج عن الحسن أخذ المؤمن عن الله أدبا حسنا إذا وسع عليه وسع وإذا قتر عليه قتر فهو مروي من حديث معاوية بن عبد الكريم الضال عن أبي همزة عن ابن عمر رفعة به ذكره الحاكم
وأعلم أنه قد وقع كما أفاده شيخنا التغيير بالمعضل في كلام جماعه من أئمه الحديث فيما لم يسقط منه شيء البته بل لإشكال في معناه وذكر لذلك أمثله ولم يذكر منها ما رواة الدولابي في الكنى من طريق خليد بن دعلج عن معاويه ابن قرة عن أبيه رضي الله عنه رفعه من كانت وصيته على كتاب الله كانت كفارة لما ترك من زكاته وقال هذا معضل معضل يكاد يكون باطلا
قال شيخنا فإما أن يكون يطلق على كل من المعنيين أو يكون المعرف به وهو المتعلق بالإسناد بفتح الضاد والواقع في كلام من أشير إليه بكسرها ويعنون به المستغلق الشديد أي الإسناد والمتن قال وبالجمله فالتنبيه عليه كان متعينا
تتمه قد يؤخذ من ترتيب الناظم تبعا لأصله هذه الأنواع الثلاثه أنها في الرتبه كذلك ويتأيد بقول الجوزجاني المعضل أسوأ حالا من المنقطع وهو (1/161)
أسوأ حالا من المرسل وهو لايقوم به حجه انتهى
ومحل الأول في المنقطع من موضع واحد أما إن كان من موضعين أو أكثر فقد يكونان سواء (1/162)
العنعنه
( وصحوا وصل معنعن سلم ... من دلسه راويه واللقاء علم )
( وبعضهم حكا بذا إجماعا ... ومسلم لم يشرط اجتماعا )
( لكن تعاصرا وقيل يشترط ... طول صحابه وبعضهم شرط )
( معرفه الراوي بالأخذ عنه ... وقيل كل ما أتانا منه )
( منقطع حتى يبين الوصل ... وحكم أن حكم عن والجل )
( سووا وللقطع نحا البرديجي ... حتى يبين الوصل في التخريج )
( قال ومثله رآى ابن شيبه ... كذا له ولم يصوب صوبه )
( قلت الصواب أن من أدرك ما ... راوة بالشرط الذي تقدما )
( يحكم له بالوصل كيفما روى ... بقال أو عن أو بأن فسوا )
( وما حكى عن أحمد بن حنبل ... وقول يعقوب على ذا نزل )
( وكثر استعمال عن في ذا الزمن ... إجازة وهو بوصل ما قمن )
وما ألحق بها من المؤنن وقد يقال له المؤنان لما انتهى المنقطع جزما أردفه بالمختلف فيه والعنعنه فعلله من عنعن الحديث إذا راوة بعن من غير بيان للتحديث أو الإخبار أو السماع وصححوا أي الجمهور من (1/163)
أئمه الحديث وغيرهم وصل مسند معنعن أتى عن رواة مسمين معروفين أن سلم من دلسه بضم الدال فعله من دلس وهو قياس مصدر فعل بكسر العين في الألوان والعيوب أي من تدليس راويه واللقاء المكنى به عن السماع بينه وبين من عنعن عنه علم وعليه العمل بحيث أودعه مشترطو والصحيح تصانيفهم وقبلوه
وقال أبو بكر الصيرفي الشافعي كل من علم له يعني ممن لم يظهر تدليسه سماع من إنسان فحدث عنه فهو على السماع حتى يعلم أنه لم يسمع منه ما حكاة وكل من علم له لقاء إنسان فحدث عنه فحكمه هذا الحكم
قال ابن الصلاح ومنى الحجه في ذلك في سائر الباب أنه لو لم يكن قد سمعه منه لكان بإطلاقه الروايه عنه من غير ذكر الواسطه بينه وبينه مدلسا والظاهر السلامه من وصمه التدليس والكلام فيمن لم يعرف بالتدليس وبعضهم كالحاكم حكي بذا المذهب إجماعا وعبارته الأحاديث المعنعنه التي ليس فيها تدليس متصله بإجماع أئمه النقل
وكذا قال الخطيب أهل العلم مجمعون على أن قول المحدث غير المدلس فلان صحيح معمول به إذا كان لقيه وسمع منه
وابن عبد البر في مقدمه تمهيده أجمعوا أي أهل الحديث على قبول الإسناد المعنعن لاخلاف بينهم في ذلك إذا أجمع شروطا ثلاثه العداله واللقاء مجالسه ومشاهده والبراءة من التدليس قال وهو قول مالك وعامه أهل العلم
ثم قال ومن الدليل على أن عن محموله عند أهل العلم بالحديث على الإتصال حتى يتبين ويعرف الإنقطاع فيها وساق الأدله وادعى أبو عمرو الداني أيضا تبعا للحاكم إجماع النقل على ذلك وزاد فاشترط ما سيأتي عنه قريبا (1/164)
وبخدش في دعوى الإجماع قول الحارث المحاسبي وهو من أئمه الحديث والكلام ما حاصله اختلف أهل العلم فيما يثبت به الحديث على ثلاثه أقوال
أولها إنه لابد أن يقول كل عدل في الاسناد حدثني لو سمعت إلى أن ينتهي إلى النبي صلى الله عليه و سلم فإن لم يقولو أو بعضهم ذلك فلا لما عرف من روايتهم بالعنعنه فيما لم يسمعوة إلا أن يقال إن الاجماع راجع إلى ما استقر عليه ظالأمر بعد انقراض الخلاف السابق فيتخرج على المسأله الأصوليه في ثبوت الوفاق بعد الخلاف
ومع ذلك فقد قال القاضي أبو بكر بن الباقلاني إذا قال الصحابي فقال رسول الله كذا أو عن رسول الله كذا أو أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال كذا لم يكن صريحا في أنه سمعه من النبي صلى الله عليه و سلم بل هو محتمل لأن يكون قد سمعه منه أو من غيرة أفاده شيخنا ولا يتم الخدش به إلا إن كان قائلا باستواء الاحتمالين أما مع ترجيح أولهما فلا فيما يظهر
وممن صرح باشتراط ثبوت اللقاء علي بن المديني والبخاري وجعلاة شرطا في أصل الصحه وإن زعم بعضهم إن البخاري إنما إلتزم ذلك في جامعه فقط وكذا عزا اللقاء للملتحققين النووي بل هو مقتضى كلام الشافعي كما قاله شيخنا واقتضاة ما في شرح الرساله لأبي بكر الصيرفي ولكن مسلم لم يشرط في الحكم بالاتصال اجتماعا بينهما بل أكر استراطه في مقدمه صحيحه وادعى أنه قول مخترع لم يسبق قائله إليه وإن القول الشائع المتفق عليه بين أهل العلم بالأخبار قديما وحديثا ما ذهب هو إليه من عدم اشتراطه لكن اشترط تعاصرا أي كونهما في عصر واحد فقط وإن لم يأت في خبر قط أنهما اجتمعا وتشافها يعني تحسينا الظن بالثقه قال ابن الصلاح وفيما قاله نظر انتهى (1/165)
ووجهه فيما يظهر ما علم من تجويز أهل ذاك العصر فلو لم يكن مدلسا وحدث بالعنعنه عن بعض من عاصرة لم يدل ذلك على أنه سمع منه لأنه وإن كان غير مدلس فقد يحتما أن يكون أرسل عنه لشيوع الإرسال بينهم فاشترطوا أن يثبت أنه لقيه وسمع منه لتحمل عنعنته على السماع لأنه لو لم يحمل حينئذ على السماع لكن مدلسا والفرض السلامه من التدليس فبان رجحان اشتراطه
ويؤيده قول أبي حاتم في ترجمه أبي قلابه الجرمي أنه روى عن جماعه لم يسمع منهم لكنه عاصرهم كأبي زيد عمرو بن أخطب وقال مع ذلك أنه لا يعرف له تدليس ولذا قال شيخنا عقب حكايته في ترجمه أبي قلابه من تهذيبه إن هذا مما يقوى من ذهب إلى اشتراط اللقاء غير مكتف بالمعاصرة على أن مسلما موافق للجماعه فيما إذا عرف استحاله لقاء التابعي لذلك الصحابي في الحكم على ذلك بالانقطاع
وحينئذ فإكتفاة بالمعاصرة إنما هو فيما يمكن فيه اللقاء وقيل إنه يشترط طول صحابه بين المعنعن والذي فوقه قال أبو المظفر بن السمعاني وفيه تضضيق وبعضهم وهو ابن عمرو الداني شرط معرفه الراوي المعنعن بالأخذ عمن عنعن عنه كما حكاة ابن الصلاح عنه لكن بلفظ إذا كان معروفا بالروايه عنه والأمر فيه فريب
نعم الذي حكاة الزركشي عن قول الداني في جزء له في علوم الحديث مما هو منقول عن أبي الحسن القابسي أيضا اشترط إدراك الناقل للمنقول عنع إدراكا بينا فإما أن يكون أحدهما وهما أو قالهما معا فإنه لا مانع من الجمع بينهما بل قد يحتمل الكنايه بذلك عن اللقاء إذ معرفه الراوي بالأخذ عن شيخ بل وإكثارة عنه قد يحصل لمن لم يقله إلا مرة وقيل في أصل المسأله قول آخر وهو كل ما آتانا منه أي من سند معنعن وصف روايه (1/166)
بالتدليس أم لا منقطع لا يحتج به حتى يبين الوصل بمجيئه من طريق المعنعن نفسه بالتحديث ونحوة
ولم يسم ابن الصلاح قائله كما وقع للرامهرمزي في كتابه المحدث الفاصل حيث نقله عن بعض المتأخرين من الفقهاء ووجهه بعضهم بأن عن لا إشعار لها بشيء من أنواع التحمل ويصح وقوعها فيما هو منقطع كما إذا قال الواحد منا مثلا عن رسول الله أوعن أنس أو نحوه
ولذلك قال شعبة كل إسنادليس فيه حدثنا وأحبرنا فهو خل وبقل
وقال أيضا فلان عن فلان ليس بحديث ولكن هذا القول كما قال النووي مردود بإجماع السلف انتهى
وفيه من التشديد مالا يخفي ويليه اشتراط طول الصحبه ومقابله في الطرف الآخر الاكتفاء بالمعاصرة وحينئذ فالمذهب الوسط الاقتصار على اللقاء وما خدشه به مسلم من وجود أحاديث اتفق الأئمه على صحتها مع أنها ما رويت إلا معنعنه ولم يأت في خبر قط أن بعض رواتها لقي شيخه فغير لازم إذ لم يلزم من نفي ذلك عنده نفيه في نفس الأمر
وكذا ما ألزم به من المعنعن دائما لاحتمال عدم السماع ليس بوارد إذ المسأله مفروضه كما تقدم في غير المدلس ومتى فرض أنه لم يسمع ما عنعنه كان مدلسا
فائدة قد ترد عن ولا يقصد بها الروايه بل يكون المراد سياق قصه سواء أدركها ويكون هناك شيء محذوف تقديرة عن قصه فلان وله أمثله كثيرة من أبينها ما رواة ابن أبي خيثمه في تاريخه حدثنا أبي حدثنا أبو بكر بن عياش حدثنا أبو اسحاق هو السبيعي عن أبي الأحوص يعني عوف بن مالك أنه خرج عليه خوارج فقتلوة (1/167)
قال شيخنا فهذا لم يرد أبو اسحاق عن أبي الأحوص إنه أخبرة به وإن كان قد لقيه وسمع منه لأنه يستحيل أن يكون حدثه به بعد قتله وإنما المراد على حذف مضاف تقديره عن قصة أبي الأحوص وقد روى ذلك النسائي في الكنى من طريق يحيى بن آدم عن أبكر بن عياش سمعت أباإسحاق يقول خرج أبو الأحوص إلى الخوارج فقاتلهم فقتلوه
ولذا قال موسى بن هارون فيما نقله ابن عبد البر في التمهيد عنه كان المشيحة الأولىجائزا عندهمأن يقولوا عن فلان ولايريدون بذلك الرواية وإنما معناه عن قصة فلان وحكم أن بالتشديد والفتح حكم عن فيما تقدم فالجل بضم الجيم وتشديداللام أي المعظم من أهل العلم ومنهم مالك كما حكاه عنهم ابن عبد البر في التمهيد سووا بينهما وإنه لا اعتبار بالحروف والألفاظ وإنما هو باللقاء والمجالسه والسماع يعني مع السلامه من التدليس فإذا كان سماع بعضهم من بعض صحيحا كان حديث بعضهم عن بعض بأي لفظ ورد محمولا على الإتصال حتى يتبين فيه الانقطاع يعني مالم يعلم استعماله خلافه كما سيأتي ويتأيد التسويه بين أن وعن بأن لغه بني تميم إبدال العين من الهمزة ولكن للقطع وعدم اتصال السند الآتي بأن محي بالحاء المهمله أي ذهب الحافظ أبو بكر البرديجي بفتح الموحده كما هو على اللسنه مع أن نسبه لبرديج على مثال فعليل بالكسر خاصه كما حكماة االصفاني في العياب حتى يبين أي يظهر الوصل بالتصريح منه بالسماع ونحوة لذلك الخبر بعينه في التخريج يعني في راويه أخرى حكاة ابن عبد البر عنه قال وعندي غنه لامعنى لإجماعهم على أن الإسناد المتصل بالصحابي سواء قال فيه الصحابي قال رسول الله أو أن أو عن أو سمعت فكله عند العلماء سواء انتهى ولا يلزم من كونها في أحاديث الصحابه سواء أطراد ذلك فيمن بعدهم (1/168)
على أن البرديجي لم ينفرد بذلك فقد قال أبو الحسن الحصار إن فيها اختلافا والاولى أن تلحق بالمقطوع أذ لم يتفقوا على عدها في المسند ولولا إجماعهم في عن لكان فيه نظر
قلت قد تقدم فيها الخلاف أيضا بل قال الذهبي عقب قول البرديجي إنه قوي قال ابن الصلاح ومثله بالنصب على المفعوليه أي مثل الذي نحاة البرديجي رأي الحافظ الفحل ابن شيبه عو أبو يوسف يعقوب السدوسي البصري في مسنده الفحل يعني الآتي في أدب الطالب فإنه حكم على راويه أبي الزبير عن محمد بن الحنفيه عن عمار قال أتيت النبي صلى الله عليه و سلم وهو يصلي فسلمت عليه فرد علي السلام بالإتصال
وعلى روايه قيس بن سعد عن عطاء بن أبي رباح عن ابن الحنفيه أن عمارا مر بالنبي صلى الله عليه و سلم وهو يصلي بالإرسال من حيث كونه قال إن عمارا ولم يقل عن عمار كذا له أي لابن الصلاح حيث فهم الفرق بين الصيغتين من مجردهما ولم يصوب أي لم يعرج صوبه أي صوب مقصد يعقوب في الفرق وذلك أن حكمه بالارسال إنما هو من جهه كونه أضاف إلى الصيغه الفعل الذي لم يدركه محمد بن الحنفيه أحد التابعين وهو مرور عمار إذ لا فرق بين أن يقول ابن الحنفيه أن عمارا مر بالنبي صلى الله عليه و سلم أو أن النبي مر بعمار فكلاهما سواء في ظهور الإرسال بخلاف الروايه الأخرى فإنه حكاها عن عمار فكانت متصله ولو كان أضاف لأن القول كأن يقول عن ابن الحنفيه أن عمارا قال مررت بالنبي صلى الله عليه و سلم لكان ظاهر الإتصال أيضا
وقد صرح البيهقي في تعليل الحكم بالإنقطاع فيما شبه هذا بذلك فإنه قال في حديث عكرمه بن عمار عن قيس بن طلق إن طلقا سأل النبي صلى الله عليه و سلم عن رجل يمس ذكرة وهو في الصلاة فقال لا بأس به إنما هو كبعض جسده هذا من يشهد سؤال طلق قلت وبالجمله (1/169)
الصواب أن من أدرك ما رواة من قصه أو واقعه بالشرط الذي تقدما وهو السلامه من التدليس فيمن دون الصحابي يجكم بسكون الميم له أي لحديثه بالوصل كيف ما روى يقال أو بعن أو بأن وكذا ذكر وفعل وحدث وكان يقول وما جانسها فكلها سوا بفتح المهمله والقصر للضرورة ويجوز أن يكون سكن الهمزة ثم أبدلها الفاء وهي لغه فصيحه جاء بها القرآن
وممن صرح بالتسوية ابن عبد البر كما تقدم ولكن ينبغي تقييده لمن لم يعلم له استعمال خلافه كالبخاري فإنه قد يورد عن شيوخه يقال ما يرويه في موضع آخر بواسطة عنهم كما تقدم في التعليق وبمن عدى المتأخرين كما سيأتي قريبا
ولذا قال شيخنا إن ما وجد في عبارات المتقدمين يعني من ذلك فهو محم3ول على السماع بشرط إلا من عرف من عادته استعمال إصطلاح حادث
قال ابن المواق وهو أي التقييد بالإدراك أمر بين لاخلاف بين أهل التمييز من أهل هذا الشأن في انقطاع ما يعلم أن الراوي لم يدرك زمان القصه فيه
قال شيخنا وهو كما قال لكن في نقل الإتفاق نظر فقد قال أبو عمر بن عبد البر في الكلام على حديث ضمرة عن عبيد الله بن عبدالله أن عمر بن الخطاب سأل أبا واقد الليثي ماذا كان يقرأ به النبي صلى الله عليه و سلم في الأضحى والفطر الحديث قال قوم هذا منقطع لأن عبيد الله لم يلق عمرو قال قوم بل هو متصل لأن عبيد الله لقي أبا واقد قال فثبت بهذا الخدش في الأتفاق وإن كنا لانسلمه لأبي عمر انتهى وفيه نظر فالظاهر أن الحكم عليه بالإتصال إنما هو لتجويز تحديث أبي واقد لعبيد الله وحينئذ يطول عندهم متصلا ولا يتم الخدش وقد نص ابن خزيمه على انقطاع حيث عبيد الله هذا وما (1/170)
حكى أي ابن الصلاح عن الإمام أحمد بن حنبل أن عن عروة أن عائشه قالت يا رسول الله وعن عروة عن عائشه ليسا سواء
وكذا ما حكاه عن قول يعقوب بن شيبة على ذا أي المذكور من القاعدة نزال ثم إن حكم يعقوب بالإرسال مع الطريق المتصلةلامانع منه فعادةالنقاد جارية بحكايةالاختلاف في الإرسال والوصل وكذا الرفع والوقف ونحو ذلك
ثم يرجحون ما يؤدي اجتهادهم إليه وقد لا يتهيأ لهم ترجيح ومما ينبه عليه شيئان أحدهما أن الخطيب مثل لهذه المسألة بحديث نافع عن ابن عمر عن عمر أنه سأل النبي صلى الله عليه و سلم أينام أحدنا وهو جنب وفي رواية عن نافع عن ابن عمر أن عمر قال يا رسول الله ثم قال وظاهر الأولى يوجب أن تكون مسند عمر والثانية أن تكون من مسند ابن عمر
قال ابن الصلاح وليس هذا المثال مماثلا لما نحن بصدده لأنالاعتماد فيه في الحكم بالإتصالعلى مذهب الجمهور إنما هو على اللقاء والإدراك وذلك في هذا الحديث مشترك متردد لتعلقه بالنبي صلى الله عليه وسلام وبعمر وصحبه ابن عمر لهما فاقتضى ذلك من جهة كونه رواه عن النبي صلى الله عليه وسلام ومن جهة أخرى كونه رواه عن عمر عن النبي صلى الله عليه و سلم
ثانيهما أن ما تقدم في كون عن وما أشبهها محمولا على السماع والحكم له بالاتصال بالشرطين المذكورين هو في المتقدمين خاصة وإلافقد قال ابن الصلاح لاأرى الحكم يستمر بعدهم فيما وجد من المصنفين في تصانيفهم مما ذكروه عن مشايخهم قائلين فيه ذكر فلان قال فلان ونحو ذلك أي فليس له حكم الإتصال إلا إن كان له من شيخه أجازة يعني فإنه لا يلزم من كونه سمع عليه أو أخذ عنه أن تكون له منه أجازة قال بل كثير استعمالها بين المصنفين في التعليق وتعمد حذف الإسناد وهو فيما إذا لم يعز (1/171)
ما يجيء بها الكتاب أصلا يعني كأن يقال في الكتاب الفلاني عن فلان أشد قال وكثر بين المنتسبين إلى الحديث استعمال عن في ذا الزمن المتأخر أي بعد الخمسمائة إجازة بالنصب على البيان فإذا قال الواحد من أهله قرأت على فلان عن فلان أو نحو ذلك فظن به أنه رواه بالإجازة وهومع ذلك بوصل ما أي بنوع من الوصل قمن بفتح القاف وكذا الميم للمناسبة وإن كان فيها الكسر أيضا أي جدير بذلك على ما لايخفى وإنما لم يثبت ابن الصلاح الحكم في أنه رواه بالإجازة لكونه كان قريبا من وقت استعمالهم لها كذلك وقبل فشوه
وأما الآن فقد تقرر واشتهر فليجزم به وقول الراوي أنا فلان أن فلانا حدثه
سيأتي في أواخر رابع أقسام التحمل حكاية أن ذلك إجازة مع النزاع فيه (1/172)
تعارض الوصل والارسال أو الرفع والوقف
( واحكم ليوصل ثقه في الأظهر ... وقيل بل إرساله للأكثر )
( ونسب الأزل للنظار ... إن صححوة وقفي البخاري )
( لوصل لا نكاح إلا بولي ... مع كون من ارسله كالجبل )
( وقيل الأكثر الأحفظ ... فما إرسال عدل يحفظ )
( يقدح في أهليه الواصل أو ... مسنده على الصح ورأوا )
( أن الأصح الحكم للرفع ولو ... من واحد في ذا وذا كما حكوا )
وكان الأنسب ضمه لزيادات الثقات لتعلقه كما قال ابن الصلاح به ولكنه لما انجز الكلام في العنعنة لحديث عمار المروي متصلا من وجه ومرسلا من آخر ناسب أردافه بالحكم في مثل ذلك ونحوه فقال مبتدئا بالمسألة الأولى واحكم أيها الطالب فيما يختلف الثقات فيه من الحديث بأن يرويه بعضهم مرسلا لوصل ثقة ضابط سواء كان المخالف له واحدا أو جماعة أحفظ أم لا في الأظهر الذي صححه الخطيب وعزاه النووي للمحققين من أصحاب الحديث
قلت ومنهم البزار فإنه قال في حديث عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري رفعه لا تحل الصدقة إلا لخمسة رواه غير واحد منهم مالك (1/173)
وابن عيينه كلاهما عن زيد بن أسلم عن عطاء مرسلا وأسنده عبد الرزاق عن معمر والثوري كلاهما عن زيد وإذا حدث بالحديث ثقة فأسنده كان عندي هو الصواب
قال الخطيب ولعل المرسل أيضا مسند عند الذين رووه مرسلا أو عند بعضهم إلا أنهم أرسلوه لغرض أو نسيان والناسي لا يقضي له على الذكر وقيل بل احكم لإرساله أي الثقة وهذا عزاء الخطيب للأكثر من أصحاب الحديث فسلوك غير الجادة دال على مزيد التحفظ كما أشار إليه النسائي وقيل إن الإرسال نوع قدح في الحديث فترجيحه وتقديمه من قبيل تقديم الجرح على التعديل كما سيأتي آخر زيادات الثقات مع ما فيه ونسب ابن الصلاح القول الأول من هذين للنظار بضم النونوتشديد الظاء وآخر راء وزن فعال وهو جمع كثرة لما كان على فاعل وهو هنا أهل الفقه والأصول إن صححوه بفتح الهمزة وتخفيف النون من أن المصدرية منصوب على البدل أي تصحيحه إذا كان الراوي عدلا وكذا عزاه أبو الحسن بن القطان لاختيار أكثر الأصوليين واختياره هو أيضا وارتضاه ابن سيد الناس من جهة النظر لكن إذا استويا في رتبة الثقة والعدالة أو تقاربا وقضى إمام الصنعة البخاري لوصل حديث لانكاح إلا بولي الذي اختلف فيه على راويه أبي إسحاق السبيعي فرواه شعبةوالثوري عنه عن أبي بردةعن النبي صلى الله عليه و سلم مرسلا ووصله عن حفيده إسرائيل بن يونس وشريك وأبو عوانة بذكر أبي موسى مع كون من أرسله كالجبل لأن لهما في الحفظ والإتقان الدرجة العالية قال البخاري الزيادةمن الثقة مقبولة انتهى
ويشكل عليه وكذا على التعليق به أيضا في تقديم الرفع بل وعلى إطلاق كثير من الشافعية القول بقبول زيادة نص إمامهم في شروط المرسل كما تقدم على أن يكون إذا شارك أحد من الحفاظ لا يخالف إلا أن يكون المخالفة بأنقص فإنها لا تضر لاقتضائه أن المخالفة بالزيادة تضر (1/174)
وحينئذ فهو دال على أن زيادة العدل عنده لا يلزم قبولها مطلقا وقياس هذا هنا يكون الحكم لمن أرسل أو وقف ويمكن أن يقال كلام الشافعي في راو يزيد اختيار حاله حيث لم نعلمه قبل بخلاف زيادة الثقة فليتأمل ولكن الحق أن القول بذلك ليس على إطلاقه كما سيأتي في بابه مع الجواب عن استشكال عزو الخطيب الحكم بالإرسال للأكثرين من أهل الحديث ونقله ترجيح الزيادة من الثقة عن الأكثرين من المحدثين والفقهاء وقيل وهو القول الثالث المعتبرما قاله الأكثر من وصل أو إرسال كما نقله الحاكم في المدخل عن أئمة الحديث لأن تطرق السهو والخطأ إلى الأكثر أبعد وقيل وهو الرابع المعتبر ما قاله الأحفظ من وصل أو إرسال
وفي المسألة قول خامس وهو التساوي قاله السبكي والظاهر أن محل الأقوال فيما لم يظهر فيه ترجيح كما أشار إليه شيخنا وأومأ إليه ما قدمته عن ابن سيد الناس وإلا فالحق حسب الاستقراء من صنيع متقدمي الفن كابن مهدي والقطان وأحمد والبخاري عدم المراد حكم كلي بل ذلك دائر مع الترجيح فتارة يترجح الوصل وتارة الإرسال وتارة يترجح عدد الذوات على الصفات وتارة العكس ومن راجع أحكامهم الجزئية تبين له ذلك والحديث المذكور لم يحكم له البخاري بالوصل المجرد أن الواصل معه زيادة بل لما اضم لذلك من قرائن رجحته ككون يونس بن أبي إسحاق وابنيه إسرائيل وعيسى رووه عن أبي أسحق موصولا ولا شك أن آل الرجل أحص به من غيرهم لا سيما وإسرائيل قال فيه ابن مهدي إنه كان يحفظ حديث جده كما يحفظ سورة الحمد
ولذلك قال الدارقطني يشبه أن يكون القول قوله ووافقهم على الوصل عشرة من أصحاب أبي إسحق ممن سمعته من لفظه واختلفت مجالسهم في الأخذ عنه كما جزم به الترمذي وأما شعبة والثوري فكان أخذهما له عنه عرضا في مجلس واحد لما رواه (1/175)
الترمذي من طريق الطيالسي حدثنا شعبه قال سمعت الثوري يسأل أبا إسحاق أسمعت أبا بردة يقول قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لا نكاح إلابولي فقال أبو إسحق نعم
ولا يخفى رجحان الأول هذا إذا قلنا حفظ الثوري وشعبه في مقابل عدد الأخرين مع أن الشافعي يقول العدد الكثير أولى بالحفظ من الواحد ويتأيد كل ذلك بتقديم البخاري نفسه للأرسال في أحاديث آخر لقرائن قامت عنده ومنها أنه ذكر لأبي داود الطيالسي حديثا وصله وقال إرساله أثبت
هذا حاصل ما أفاده شيخنا مع زيادة وسبقه لكون ذلك مقتضى كلام الأئمة العلائي ومن قبله ابن دقيق العيد وغيرهما وسيأتي قي المعلل أنه كثر الإعلال بالإرسال والوقف للوصل والرفع إنقويا عليها وهو شاهد لما قررناه ثم إذا مشينا على القول الرابع في الاعتبار بالأحفظ فما إرسال عدل يحفظ يقدح أي قدحا في أهليه الواصل من ضبط حيث لم تكثر المخالفة وعدالة أو في مسنده أي في جميع حديثه الذي رواه بسنده لا في المختلف فيه للقدح فيه بلا شك واو هنا للجمع المطلق كالواو كما دلت عليه عبارة ابن الصلاح الآتية
وحينئذ فهو تأكيد وإلا فقد يقال إن التصريح بعدم القدح في الضبط والعدالة يغني عن التصريح بعدم القدح في مروية لا ستلزامها ذلك غالبا وما هي النافية الحجازية وإرسال عدل يحفظ اسمها وخبرها جملة يقدح فإن قيل كيف اجتمع الرد لمسنده هذا مع عدم القدح في عدالته فالجواب أن الرد للاحتياط وعدم القدح فيه لإمكان إصابته ووهم الأحفظ وعلى تقديره تحقق خطأه مرة لا يكون مجرحا به كما سيأتي قريبا التصريح به عن الدارقطني وهذا الحكم على الأصح من القولين فهو الذي قدمه ابن الصلاح (1/176)
حيث قال ثم لا يقدح في عدالة من وصله وأهليه قال ومنهم من قال من أسند حديثا قد أرسله الحفاظ فإرسالهم له يقدح في مسنده وعدالته وأهليته وعبارة الخطيب في الأول لأن إرسال الراوي للحديث ليس بجرح لمن وصله ولاتكذب له
وفي الثاني على لسان القائلين به لأن إرسالهم له يقدح في مسنده فيقدح في عدالته ورأوا أي أهل الحديث في تعارض الرفع والوقف بأن يروي الحديث بعض الثقات مرفوعا وبعضهم موقوفا وهي المسألة الثانية إن الأصح كما قال ابن الصلاح الحكم للرفع لأن روايه مثبت وغيره ساكت ولو كان نافيا فالمثبت مقدم عليه لأنه علم ما خفى عليه
والثاني أن الحكم لمن وقف حكاه الخطيب أيضا عن أكثر أصحاب الحديث وفيها ثالث أشار إليه ابن الجوزي في موضوعاته حيث قال إن البخاري ومسلما تركا أشياء تركها قريب وأشياء لا وجه لتركها فمما لا وجه لتركه أن يرفع الحديث ثقة فيقفه آخر فترك هذا لا وجه له لأن الرفع زيادة والزيادة من الثقة مقبولة إلا أن يقفه الأكثرون ويرفعه واحد فالظاهر غلطة وإن كان من الجائز أن يكون حفظ دونهم انتهى ونحوه قول الحاكم
قلت للدارقطني فخلاد بن يحيى فقال ثقة إنما أخطأ في حديث واحد فرفعه ووقفه الناس وقلت له فسعيد بن عبيد الله الثقفي فقال ليس بالقوي يحدث بأحاديث يسندها وغيره يقفها ولكن الأول كما تقدم أصح ولو كان الاختلاف من راو واحد في ذا وذا أي في كل من الموضعين كان يرويه مرة متصلا أو مرفوعا ومرة مرسلا أو موقوفا كما حكوا أي الجمهور وصرح ابن الصلاح بتصحيحه وعبارة الناظم في تخريجه الكبير للاحياء عقب حديث اختلف راويه في رفعه ووقفه الصحيح الذي عليه الجمهور أن الراوي إذا روى الحديث مرفوعا وموقوفا فالحكم للرفع لأن معه في حالة الرفع زيادة هذا هو المرجع عند أهل الحديث انتهى (1/177)
وأما الأصوليون فصحح بعضهم كالإمام فخر الدين وأتباعه أن الاعتبار في المسألتين بما وقع منه أكثر وزعم بعضهم أن الراجح في قول أئمة الحديث في كليهما التعارض على أن الماوردي قد نقل عن الشافعي رحمه الله أنه يحمل الموقوف على مذهب الراوي والمسند على أنه روايته يعني فلا تعارض حينئذ
ونحوه قول الخطيب اختلاف الروايتين في الرفع والوقف لايؤثر في الحديث ضعفا لجواز أن يكون الصحابي يسند الحديث ويرفعه إلىالنبي صلى الله عليه و سلم مرة ويذكره مرة على سبيل الفتوى بدون رفع فيحفظ الحديث عنه على الوجهين جميعا لكن خص شيخنا هذا بأحاديث الأحكام أما ما لا مجال للرأي فيه فيحتاج إلى نظر يعني في توجيه الإطلاق وإلا فقد تقدم أن حكمه الرفع لا سيما وقد رفعه أيضا ثم إن محل الخلاف كما قاله ابن عبد الهادي إذا اتحد السند أما إذا اختلف فلا يقدح أحدهما في الآخر إذا كان ثقة جزما كراوية ابن جريج عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر رفعه إذا اختلطوا فإنما هو التكبير والإشارة بالرأس الحديث في صلاة الخوف
ورواه ابن جريج أيضا عن ابن كثير عن مجاهد من قوله فلم يعدوا ذلك علة لاختلاف السندين فيه بل الموفوع في صحيح البخاري ولشيخنا يبان الفصل لما رجح فيه الإرسال على الوصل ومزيد النفع لمعرفة ما رجح فيه الوقف على الرفع (1/178)
التدليس
( تدليس الإسناد كمن يسقط من ... حدثه ويرتقي بعن وإن )
( وقال يوهم اتصالا واختلف ... في أهله فالرد مطلقا تقف )
( والأكثرون قبلوا ما صرحا ... ثقاتهم وصله وصححا )
( وفي الصحيح علة كالأعمش ... وكهشيم بعده وفتش )
( وذمه شعبه ذو الرسوخ ... ودونه التدليس للشيوخ )
( أن يصف الشيخ بما لا يعرف ... به وذا بمقصد يختلف )
( فشرة للضعف واستصغارا ... والخطيب يوهم استكثارا )
( والشافعي أثبته بمرة ... قلت وشرها أخو التسويه )
لما تم جرى الكلام إليه رجع لبيان التدليس المفتقر حكم العنعنة واشتقاقه من الدلس بالتحريك إذ هو اختلاص الظلام كأنه لتغطيته على المواقف عليه أظلم أمره تدليس الإسناد وهو قسمان أولهما أنواع كمن يسقط من حدثه من الثقات لصغره أو الضعفاء إما مطلقا أو عند من عداه ويرتقي الشيخ شيخه فمن فوقه ممن عرف إلقاؤه له بعن وإن بتشديد النون المسكنة للضرورة وقال وغيرها من الصيغ المحتملة لئلا يكون كذبا يوهم بذلك إتصالا فخرج باللقاء الرسل الخفي فهما وإن اشتركا (1/179)
في الانقطاع فالمرسل يختص بمن روى عمن عاصره ولم يعرف أنه لقيه كما حققه شيخنا تبعا لغيره على ما سيأتي في بابه قال وهو الصواب لإطباق أهل العلم بالحديث
على أن رواية المخضرمي كأبي عثمان النهدي وقيس بن أبي حازم عن النبي صلى الله عليه و سلم من قبيل الإرسال لا من قبيل التدليس فلو كان مجرد المعاصره يكتفي به في التدليس لكان هو لا مدلسين لأنهم عاصروا النبي صلىاله عليه وسلم قطعا ولكن لم يعرفه هل لقوة أملا وكني شيخنا باللقاء عن السماع لتصريح غير واحد من الأئمة في تعريفه بالسماء كما أشار إليه الناظم في تقييده فإن قال بعد قول ابن الصلاح إنه رواية الراوي عمن لقيه ما لم يسمعه منه موهما أنه سمعه منه أو عمن عاصره ولم يلقه موهما أنه لقيه وسمعه وقد حده غير واحد من الحفاظ منهم البزاز بما هو أخص من هذا فقال في جزء له في معرفة من يترك حديثه أو يقبل هو أن يروي عمن سمع منه ما لم يسمعه منه من غير أن يذكر أنه سمعه منه
وكذا قال الحافظ أبو السحن بن القطان في بيان الوهم والإيهام له قال والفرق بينه وبين الإرسيا هو أن الإرسال روايته عمن لم يسمع منه
ولما كان في هذا أنه قد سمع كانت روايته عنه بما لم يسمع منه كأنها إيهام سماعه ذلك الشيء فلذلك يسمى تدليسا وارتضاه شيخنا لتضمنه الفرق بين النوعين
وخالف شيخه في ارتضائه هنا من شرحه حد ابن الصلاح وفي قوله في التقييد إنه هو المشهور بين أهل الحديث وقال إن كلام الخطيب في كفايته يؤيد ما قاله ابن القطان
قلت وعبارته فيها هو تدليس الحديث الذي لم يسمعه الراوي ممن دلسه عنه بروايته إياه على وجه أنه سمعه منه أي التدليس ويعدل عن (1/180)
البيان لذلك
قال ولو بين أنه لم يسمعه من الشيخ الذي دلسه عنه وكشف ذلك لصار ببيانه مرسلا للحديث غير مدلس فيه لأن الإرسال للحديث ليس بإيهام من المرسل كونه سامعا ممن لم يسمع منه وملاقيا لمن يلقه إلا أن التدليس الذي ذكرناه متضمن الإرسال لامحالة لامساك المدلس عن ذكر الواسطة
وإنما يفارق حال المرسل بإيهامه السماع ممن لم يسمعه فقط وهو الموهن لأمره فوجب كون التدليس متضمنا للارسال والإرسال لا يتضمن التدليس لأنه لا يقتضي إبهام السماع ممن لم يسمع منه ولهذا لم يذم العلماء من أرسل يعني لظهور السقط وذموا من دلس وأصرح منه قول ابن عبد البر في التمهيد التدليس عند جماعتهم إتفاقا هو ان يروي عمن لقيه وسمع منه وحدث عنه بما لم يسمعه منه وإنما سمعه من غيره ممن ترضى حاله أو لا ترضى على أن الأغلب في ذلك أنه لو كانت حاله مرضية لذكره وقد يكون لأنه استضغره
قال وأما حديث الرجل عمن لم يلقه كمالك عن سعيد بم المسيب والثوري عن ابراهيم النخعي فاختلفوا فيه فقالت فرقه إنه تدليس لأنهما لو شاء يسيما من حديثهما كما فعلا في الكثير مما بلغهما عنهما قالوا أبو سكوت المحدث عن ذكر من حدثه من علمه به دلسه وقالت طائفه من أهل الحديث إنما هو إرسال قلوا فكما جاز أنه يرسل سعيد عن النبي صلى الله عليه و سلم وعن أبي بكر وعمر وهو لم يسمع منهما ولم يسم أحد من أهل العلم ذلك تدليسا كذلك مالك عن سعيد قال وليس كان هذا تدليسا فما أعلم أحد من العلماء قديما ولا حديثا سلم منه إلا شعبه والقطان فإنهما ليسا يوجد لهما شيء من هذا ولا سيما شعبه انتهى
وكلامه بالنظر لما اعتمدة يشير أيضا إلى الفرق بين التدليبس والإرسال (1/181)
الخفي والجلي لإدراك مالك لسعيد في الجمله وعدم إدراك الثوري للنخعي أصلا ولكنه لم يتعرض لتخصيصه بالثقه فتخصصه بها في موضع آخر من تمهيده اقتصار على الجائز منه لأنه قد صرح في مكان آخر منه بذمه في غير الثقه فقال ولا يكون ذلك عندهم إلا عن ثقه فإن دلس عن غير ثقه فهو تدليس مذموم عند جماعه أهل الحديث
وكذلك إن حدث عمن لم يسمع منه فقد جاوز حد التدليس الذي رخص فيه من رخص من العلماء إلى ما ينكرونه ويذمونه ولا يحمدونه وسبقه لذلك يعقوب بن شيبه كما كاه الخطيب عنه وهو مع قوله في موضع آخر إنه إذا وقع فيمن لم يلقه أقبح اسمج يقتضي أن الإرسال أشد بخلاف قوله الأول فهو مشعر بأنه أخف فكأنه هذا عني الخفي لما فيه من إيهام اللقاء والسماع معا وهناك غبي الجلي لعدم الإلتباس فيه لا سيما وقد ذكر أيضا أن الإرسال قد يبعث عليه أمور لا تضبر كأن يكون سمع الخبر من جماعه عن المرسل عنه بحيث صح عنده ووقر في نفسه أو نسي شبخه فيه مع علمه به عن المرسل عنه أو كان أخذه له مذاكرة فينتقل الإسناد لذلك دون الإرسال أو لمعرفه المتخاطبين بذلك الحديث وإشتهارة بينهم أو لغير ذلك مما هو في معناة
والظاهر أن هذا في الجلي إذا علم فقد أدرج الخطيب ثم النووي في هذا القسم تدليس التسويه كما سيأتي
ووصف غير واحد بالتدليس من روى عمن رآة ولم يجالسه وبالصيغه الموهومه بل وصف به من صرح بالإخبار في الإجازة كأبي نعيم أو بالتحديث في الوجاده كإسحاق بن راشد الجزري وكذا فيما لم يسمه كفطر بن خليفه أحد من روى له البخاري مقرونا ولذا قال على بن المديني قلت ليحيى بن سعيد القطان يعتمد على قول فطرثنا ويكون موصولا فقال لا فقلت أكان ذلك منه شجبه قال نعم وكذا قال القلاس أن القطان قال (1/182)
له وما ينتفع بقوله فطرثنا عطا ولم يسمع منه
وقال ابن عمار عن القطان كان فطر صاحب ذي سمعت سمعت يعني أنه يدلس فيما عداها ولعله تجوز في صيغة الجمع فأوهم دخوله كقول الحسن البصري خطبنا ابن عباس وخطبنا عتبة بن غزوان وأراد أهل البصرة بلده فإنه لم يكن بها حين خطبتها ونحوه في قوله حدثنا أبو هريرة وقول طاؤس قدم علينا اليمن وأراد أهل بلده فإنه لم يدركه كما سيأتي الإشارة لذلك في أول أقسام التحمل ولكن ضيع فطر فيه عبارة تستلزم تدليسا صعبا كما قال شيخنا وسبقه عثمان بن خرار فإنه لما قال لعثمان بن أبي شيبة إن أبا هشام الرفاعي يسرق حديث غيره ويرونه وقال له ابن أبي شيبة أعلى وجه التدليس أو على وجه الكذب قال كيف يكون تدليسا وهو يقول حدثنا
وكذا من أسقط أداة الرواية أصلا مقتصرا على إسم شيخه ويفعله أهل الحديث كثيرا ومن أمثلته وعليه إقتصر إبن الصلاح في التمثيل لتدليس الإسناد ما قال علي بن حشرم كنا عند إبن عيينة فقال الزهري فقيل له حدثك الزهري فسكت ثم قال الزهري فقيل له أسمعته من الزهري فقال لا لم أسمعه من الزهري ولا ممن سمعه من الزهري حدثني عبد الرزاق عن معمر عن الزهري أخرجه الحاكم ونحوه أن رجلا قال لعبد الله بن عطاء الطائفي حدثنا بحديث من توضأ فأحسن الوضوء دخل من أي أبواب الجنة شاء فقال عقبة بن عامر فقيل سمعته من قال لا حدثني سعد بن إبراهيم فقيل لسعد فقال حدثني زياد بن مخراق فقيل لزياد حدثني رجل عن شهر بن حوشب يعني عن عقبة
وسماه شيخنا في تصنيفه في المدليس القطع ولكنه قد مثل له في نكته على ابن الصلاح بما في الكامل لابن عدي وغيره عن عمر بن عبيد الطنافسي أنه كان يقول حدثنا ثم يسكت وينوي القطع ثم يقول هشام (1/183)
بن عروة عن أبيه عن عائشة وحينئذ فهو نوعان ونحوه تدليس العطف وهو أن يصرح بالتحديث في شيخ له ويعطف عليه شيخا آخر له ولا يكون سمع ذلك المروي منه سواء إشتراكا في الراوية عن شيخ واحد كما قيده به شيخنا لأجل المثال الذي وقع له وهو أخف أم لا فروى الحاكم في علومه قال احتمع اصحاب هشيم فقالوا لا تكتب عنه اليوم شيئا مما يدلسه ففطن لذلك فلما جلس قال حدثنا حصين ومغيرة عن إبراهيم وساق عدة أحاديث فلما فرغ قال هل دلست لكم شيئا قالوا لا فقال بلى كلما حدثتكم عن حصين فهو سماع ولم أسمع من مغيرة شيئا وهذا محمول على أنه نوى القطع ثم قال وفلان أي وحدث فلان وبالجملة فهذه أنواع لهذا القسم ( واختلف في أهله ) أي أهل هذا القسم المعروفين به أيرد حديثهم أم لا ( فالرد ) لهم ( مطلقا ) سواء تبينوا للسماع أم لا دلسوا عن الثقات أم لا ( تقف ) بضم المثلثة بعدها قاف ثم فاء أي وجد كما قال ابنت الصلاح تبعا للخطيب وغيره عن فريق من المحدثين والفقهاء حتى بعض من احتج بالمرسل محتجين لذلك بأن التدليس نفسه جرح لما فيه من التهمة والغش حيث عدل عن الكشف إلى الإحتمال وكذا التشيع بما لم يعط حيث يوهم السماع لما لم يسمعه والعلو وهو عنده بنزول الذي قال إبن دقيق العيد أنه أكثر قصد المتأخرين به
وممن حكى هذا القول القاضي عبد الوهاب في الملخص فقال التدليس جرح فمن ثبت تدليسه لا يقبل حديثه مطلقا قال وهو الظاهر على أصول مالك وقيده إبن السمعاني في القواطع بما إذا استكشف فلم يخبر بإسم من يروي عنه
قال لأن التدليس تزوير وإيهام لما لا حقيقه له وذلك إما أن أخبر فلا والثاني القبول مطلقا صرحوا أم لا حكاه الخطيب في كفايته عن خلق كثيرين من أهل العلم (1/184)
قال وزعموا أن نهاية أمره أن يكون مرسلا والثالث وعزاه ابن عبد البر الأكثر ائمة الحديث التفصيل من كان لا يدلس إلا عن الثقات كان تدليسه عند أهل العلم مقبولا وإلا فلا قاله البزاز وبه أشعر قول ابن الصباغ في تدليس الضعيف يجب أن لا تقبل خبره وبالتفصيل صرح أبو الفتح الآزدي
وأشار إليه الفقيه أبو بكر الصيرفي في شرح الرسالة وجزم به أبو حاتم ابن حبان وابن عبد البر وغيرهما في حق سفيان بن عيينة
وبالغ ابن حبان في ذلك حتى قال إنه لا يوجد له تدليس قط إلا وجد بعينه قد بين سماعه فيه من ثقة يعني كما قيل في سعيد بن المسيب على ما معنى في المرسل
وفي سؤالات الحاكم للدارقطني أنه يسأل عن تدليس ابن جريج فقال يجتنب وأما ابن عيينة فإنه يدلس عن الثقات
ولذا قيل أما الإمام ابن عيينة فقد اغتفروا تدليسه من غير رد ومما وقع لابن عيينة أنه روى بالعنعنة عن عمرو بن دينار ثم تبين حين سئل أن بينهما علي بن المديني عن أبي عاصم عن ابن جريج أخرجه الخطيب وتقدم عنه التدليس عن الزهري بواسطتين فقط لكن مع حذف الصيغة أصلا
وكذا قيل في حميد الطويل إنه لم يسمع من أنس إلا اليسير وجل حديثه إنما هو عن ثابت عنه ولكنه يدلسه
فقال العلائي ردا على من قال إنه لا يحتج من حديث حميد إلا بما صرح فيه قد تبين الواسطة فيها وهو ثقة محتج به
والرابع إن كان وقوع التدليس منه نادرا قبلت عنعنة ونحوها وإلا فلا وهو ظاهر جواب ابن المديني فإن يعقوب بن شيبة قال سألته عن (1/185)
الرجل يدلس أيكون حجة فيما لم تقل فيه حدثنا فقال إذا كان الغالب عليه التدليس فلا والأكثرون من أئمة الحديث والفقه والأصول قبلوا من حديثهم ما صرحا ثقافتهم خاصة بوصلة كسمعت وحدثنا وشبههما لأن التدليس ليس كذبا وإنما هو تحسين لظاهر الإسناد كما قال البزاز وضرب من الإيهام بلفظ محتمل فإذا صرح قبلوه واحتجوا به وردوا ما أتى منه باللفظ المحتمل وجعلوا حكمه حكم المرسل ونحوة وهذا التفضيل هو خامس الأقوال فيهم وصححا ببنائه للمفعول أي هذا القول وممن صححه الخطيب وابن الصلاح فعلى هذا فيجوز فتح أوله أي صحح ابن الصلاح هذا القول ولكنه لم يصرح بحكايته عن الأكثرين
ومن حكاة العلائي بل نفي ابن القطان الخلاف في ذلك وعبارته إذا صرح المدلس الثقه بالسماع قبل بلا خلاف وإن عنعن ففيه الخلاف
وقريب منه قوا ابن عبد البر المدلس لا يقبل حديثه حتى يقول حدثنا أو سمعت فهذا مالا أعلم به خلافا وكأنه سلف النووي رحمه الله في حكايته في شرح المذهب الاتفاق على أن المدلس لا يحتج بخبرة إذا عنعن ولكنه متعقب بما تقدم إلا أن قيد بمن لا يحتج بالمرسل وكذا يتعقب نفي ابن القطان اخلاف فيما إذا صرح بما تقدم وإن وافق على حكايته الخلاف في المعنعن
وممن ذهب إلى هذا التفضيل الشافعي وابن معين وابن المديني بل وظاهر كلامه قبول عنعنتهم إذا كان التدليس نادرا كما حكيته قريبا وفي كتب الصحيح لكل من البخاري ومسلم وغيرهما عله من الرواة المدلسين مخرج لحديثهم مما صرحوا فيه بالتحديث كالأعمش مع قول مهنا سألت أحمد لم كرهت مراسيله قال لأنه كان لا يبالي عمن حدث وكهشيم مصغر بن بشير بالتكبير الواسطي المتاخر بعده واحد الآخذين عنه فقط (1/186)
قال ابن سعد سإنه كان يدلس كثيرا فما قال فيه أما فهو حجه وإلا فليس بشيء وسئل ما يحملك على التدليس فقال إنه أشهى شيء وغيرهما كحميد الطويل فإنه قال ابن سعد أيضا ثقه كثير الحديث إلا أنه ربما دلس على أنس وقتاده وفتش الصحاح فإنك تجد بها التخريج بجماعه كثيرين مما صرحوا فيه بل ربما يقع فيها من معنعنهم ولكن هو كما قال الصلاح وتبعه النووي وغيرة محمول على ثبوت السماع عندهم فيه من جهه أخرى إذا كان في أحاديث الأصول لا المتبعات تحسينا للظن بمصنفيها يعني ولو لم تقف نحن على ذلك لا في المستخرجات التي هي مظنه لكثير منه ولا في غيرها وأشار ابن دقيق العبد إلى التوقيف في ذلك فإنه قال بعد تقرير أن معنعن المدلس كالمنقطع ما نصه وهذا جاز عللاى القياس إلا أن الجي عليه في تصرفات المحدثين وتخريجاتهم صعب عسير يوجب أطراح كثير من الأحاديث التي صححوها إذ يتعذر علينا صعب عسير سماع المدلس فيها من شيخه اللهم إلا أن يدعي مدع أن الأولين اطلعوا على ذلك وإن لم نطلع نحن عليه وفي ذلك نظر انتهى
وأحسن من هذا كله قول القطب الحلبي في القدح المعلى أكثر العلماء أن المعنعنات التي في الصحيحين منزلة منزلة السماع يعني إما لمجيئها من وجه آخر بالتصريح أو لكونه المعنعن ال يدلس إلا عن ثقة أو عن بعض شيوخه أو لوقوعها من جهة بعض النقادالحققين سماع المعنعن لها ولذا استثنى من هذا الخلاف الأعمش وأبو اسحق وقتاده بالنسبه لحديث شعبة خاصة عنهم فإنه قال كفيتم تدليسهم فإذا جاء حديثهم من طريقه بالعنعنة حمل على السماع جزما وأبو اسحاق فقط بالنسبة لحديث القطان عن زهير عنه وأبو الزبير عن جابر بالنسبة لحديث الليث خاصة والثوري بالنسبة لحديث القطان عنه بل قال البخاري لا يعرف لسفيان الثوري عن حبيب بن أبي ثابت ولا عن سلمة بن كهيل ولا عن منصور عن كثير من مشايخه تدليس (1/187)
ما أقل تدليسه
وما أشار إليه شيخنا من إطلاق تخريج أصحاب الصحيح لطائفة منهم حيث جعل منهم قسما احتمل الأئمة تدليسه وخرجوا له في الصحيح لإمامة وقلة تدليسه في جنب ما روى كالثوري يتنزل على هذا لا سيما وقد جعل من هذا القسم من كان لا يدلس إلا عن ثقة كابن عيينة
وكلام الحاكم يساعده فإنه قال ومنهم جماعة من المحدثين المتقدمين والمتأخرين فخرج حديثهم في الصحيح إلا أن المتبحر في هذا العلم يميز ما سمعوه وبين ما دلسوه
وكذا يستثنى من الخلاف من أكثر التدليس عن الضعفاء والمجاهيل كبقية ابن الوليد لاتفاقهم كما قاله شيخنا على انه لا يحتج بشيء من حديثهم إلا بما صرحوا بالسماع فيه أو من ضعف بأمر آخر سوى التدليس فإن هؤلاء حديثهم مردود جزما ولو صرحوا بالسماع إلا إن توبعوا أو لو كان الضعف يسيرا كابن لهيعة
وأما حكمه فقال يعقوب بن شيبة جماعة من المحدثين لا يرون بالتدليس بأسا يعني وهو الفاعلون له أو معظمهم وذمة أي أصل التدليس لا خصوص هذا القسم شعبة بن الحجاج ذو الرسوخ في الحفظ والإتقان بحيث لقب أمير المؤمنين في الحديث فروى الشافعي عنه أنه قال التدليس أخو الكذب وقال غندر عنه إنه أشد من الزنا ولأن أسقط من السماء إلى الأرض أحب إلي من أن أدلس
وقال أبو الوليد الطيالسي عنه لأن أخرمن السماء إلى الأرض أحب إلىمن أقول زعم فلان ولم أسمع ذلك الحديث منه
ولم ينفرد شعبة بذمه بل شاركه ابن المبارك في الجملة الأخيرة وزاد (1/188)
أن الله لا يقبل التدليس
وممن أطلق على فاعله الكذب أبو أسامة وكذا قرنه به بعضهم وقرنه آخر بقذف المحصنات وقال سليمان بن داود المنقري التدليس والغش والغرور والخداع والكذب تحشر يوم تبلى السرائر في نفار واحد بالمعجمة أي طريق وقال عبد الوارث بن سعيد إنه ذل يعني لسؤاله أسمع أم لا
وقال ابن معين إني لأزين الحديث بالكلمة فأعرف مذلة ذلك في وجهي فأدعه
وقال حماد بن زيد هو متشبع بما لم يعط ونحوه قول أبي عاصم النبيل أقل حالاته عندي إنه يدخل في حديث المتشبع بما لم يعط كلابس ثوب زور
وقال وكيع الثوب لايحل تدليسه فكيف الحديث وقال بعضهم أدنى ما فيه التزين وقال يعقوب بن شيبة وكرهه جماعة من المحدثين ونحن نكرهه زاد غيره وتشتد الكراهة إذا كان المتروك ضعيفا فهو حرام ولكن اختص شعبة منه مع تقدمه بالمزيد كما ترى على أن شعبة قد عيب بقوله لأن أزني أحب إلى من أن أحدث عن يزيد من أبان الرقاشي فقال يزيد بن هارون راوي ذلك عنه ما كان أهون عليه الزنا
قال الذهبي وهو أي التدليس داخل في قوله عليه السلام من غشنا فليس منا لأنه يوهم السامعين إن حديثه متصل وفيه انقطاع هذا إن دلس عن ثقة فإن كان ضعيفا فقد خان الله ورسوله بل هو كما قال بعض الأئمة حرام إجماعا وأما ما نقله ابن دقيق العبد عن الحافظ أبي بكر أنه قال التدليس اسم ثقيل شنيع الظاهر لكنه خفيف الباطن سهل المعنى فهو محمول على غير المحرم منه ودونه أي دون الأول من تسمى تدليس الإسناد وفصل عنه لعدم الحذف فيه التدليس للشيوخ ثاني قسميه لتصريح ابن الصلاح بأن أمره (1/189)
أخف وهو أن يصف المدلس الشيخ الذي سمع ذاك الحديث منه بما لا يعرف أي يشتهر به من اسم أو كنيته أو نسبه إلى قبيلة أو بلدة أو صنعه أو نحو ذلك كي يوعر معرفة الطريق على السامع ويجوز أن تكون أن وما بعدها في موضع رفع على البيان لقوله التدليس ومن أمثلة ذلك قول أبي بكر بن مجاهد المقري حدثنا عبد الله بن أبي عبد الله يريد به الحافظ أبا بكر ابن صاحب السنن الحافظ أبي داود
وقوله أيضا حدثنا محمد بن سند يريد به أبا بكر محمد بن الحسن بن محمد بن زياد النقاش نسبة لجد له وذا الفعل ( ب ) اختلاف مقصد بكسر المهملة حامل لفاعله عليه يختلف في الكراهة فشره ما كانت تعطيه للضعف في الراوي كما فعل في محمد السائب الكلبي الضعيف حيث قيل فيه حماد لتضمنه الخيانة والغش والغرور وذلك حرام هنا وفي الذي قبله كما تقدم إجماعا إلا أن يكون ثقة عند فاعله فهو اسهل ان لم يكن قد انفرد هو بتوثيقه مع علمه بتضعيف الناس له ومع ذلك فهت أسهل من الأول أيضا كما أشرت إليه في المرسل ( و ) يكون استصغار لسن الذي حدثه به إما بأن يكون أصغر منه أكبر لكن بيسير أو بكثير لكن تأخرت وفاته حتى شاركه في الأخذ عنه من هو دونه
وقد روى الحارث بن أبي أسامة عن أبي بكر عبد الله بن محمد بن عبيد بن سفيان بن أبي الدنيا الحافظ الشهير صاحب التصانيف فلكون الحارث أكبر منه قال فيه مرة عبد الله بن عبيد ومرة عبيد الله بن سفيان ومرة أبو بكر بن سفيان ومرة أبو بكر الأموي قال الخطيب وذلك خلاف موجب العدالة ومقتضى الديانة من التواضع في طلب العلم وترك الحميئة في الإخبار بأخذ العلم عمن أخذه
قلت وقد يكون للخوف من عدم أخذه عنه وانتشاره مع الاحتياج إليه (1/190)
أو لكون المدلس عنه حيا وعدم التصريح به أبعد عن المحذور الذي نهى الشافعي عنه لأجله
ومنه قول شيخنا أخبرنا أبو العباس بن أبي الفرج بن أبي عبد الله الصحراوي بقرائتي عليه بالصالحية وعني لذلك الولي أبا زرعة ابن شيخه الزين أبي الفضل العراقي ولم يتنبه له إلا أقرأه مع تحديثه لذلك حتى لجماعة من خواص الولي وملازميه وما علموه ويكون كفعل الخطيب الحافظ المكثر من الشيوخ والمسموع في تنويع الشيخ الواحد حيث قال مرة أخبرنا الحسن بن محمد الخلال ومرة أخبرنا الحسن بن أبي طالب ومرة أخبرنا أبو محمد الخلال والجميع واحد
وقال مرة عن أبي القاسم الأزهري ومرة عن عبيد الله بن أبي القاسم الفارسي ومرة عن عبيد الله بن أحمد بنت عثمان الصيرفي والجميع واحد
وقال مرة أخبرنا علي بن أبي علي البصري ومرة أخبرنا علي بن المحسن ومرة أخبرنا أبو القاسم التنوخي ومرة أخبرنا علي بن الحسن ويصفه مرة بالقاضي ومرة بالعدل إلى غيرها مراده بهذا كله أبو القاسم علي بن أبي على المحسن ابن علي التنوخي البصري لأهل القاضي وهو مكثر في تصانيفه من ذلك جدا ويقرب منه ما يقع البخاري في شيخه الذهلي فإنه تارة يقول حدثنا محمد ولا ينسبه وتارة محمد بن عبدالله فينسبه إلى جده وتارة محمد بن خالد فينسبه إلى والد جده ولم يقل في موضعه محمد بن يحيى في نظائر لذلك كثيرة وستأتي جملة منها فيمن ذكر بنعوت متعددة يوهم الفاعل بذلك استكثارا من الشيوخ حيث يظن الواحد ببادىء الرأي جماعة وإلى ذلك أشار الخطيب بقوله أو تكون أحاديثه التي عنده كثيرة فلا يجب تكرار الرواية عنه فيعتبر حاله لذلك
قلت ولكن لا يلزم من كون الناظر قد يتوهم الإكثار أن يكون مقصود (1/191)
تأويل الظن بالأئمة خصوصا من اشتهر إكثاره مع ورعه خلافا لما يتضمن من التشبع والتزين الذي يراعي تجنبه أرباب الصلاح والقلوب كما نبه عليه ياقوتة العلماء المعافى بن عمران وكان من أكابر العلماء والصلحاء ولا مانع من قصدهم به الاختبار لليقظة والإلفات إلى حسن النظر في الرواة وأحوالهم وأنسابهم الى قبائلهم وبلدانهم وحرفهم وألقابهم وكناهم وكذا الحال في آبائهم فتدليس الشيوخ دائر بين ما وصفنا
وقد ذكر الذهبي في فوائد رحلته أنه لما اجتمع بابن دقيق العيد سأله النقي من أبو محمد الهلالي فقال سفيان بن عيينة فأعجبه استحضاره وألطف منه قوله من أبو العباس الذهبي فقال أبو طاهر المخلص
وكذا مر في صحيح ابن حبان وأنا بين يدي شيخنا قوله حدثنا أبو العباس الدمشقي فقال من هذا فبادرته مع إنه لم يقصدني بذلك وقلت هو أبو الحسن أحمد بن عمير بن جوصا فأعجبه الجواب دون المبادرة لتقويه ما عرضنا له ولذا قال ابن دقيق العيد إن في تدليس الشيخ الثقه مصلحه وهي امتحان الأذهان واستخراج ذلك وإلقاؤة إلى من يراد اختبار حفظه ومعرفته بالرجال على أنه قد قيل في فعل البخاري في الذهلي إنه لما كان بينهما ما عرف في ملحه بحديث منع الذهلي أصحابه من الحضور عند البخاري ولم يكن ذلك بمانع للبخاري من التخريج عنه لوفور ديانته وأمانته وكونه عذرة في نفسه بالتأويل غير أنه خشي من التصريح به أن يكون كأنه بتعديله له صدقه على نفسه فأخفى إسمه وااله اعلم بمراده
والأكثر في هذا القسم وقوعه من الراوي وقد يقع من الطالب بقصد التغطيه على شيخه ليتوفر عليه ما جرت عادته بأخذه في حديث ذاك المدلس كما سيأتي في الفصل الحادي عشر من معرفع من تقبل روايته وهو أخفها وأظرفها ويجمع الكل مفسده تضييع المروي عنه كما قال ابن الصلاح وذلك حيث جهل إلا أنه نادر فالحذاق لا يخفي ذلك عنهم غالبا فإن جهل (1/191)
كان من لازمه تضيع المروي أيضا بل قد يتفق أن يوافق ما دلس به شهرة راو ضعيف من أهل طبقته ويكون المدلس ثقه وكذا بالعكس وهو فيه أشد بهذا وكنأ بأول المقاصد بهذا القسم قد ينازع في كونه دون الذي قبله
ولكن الحق أن هذا قل أن يخفى على النقاد بخلاف الأول ويعرف كل من التدليس واللقاء باخبارة أو بجزم بعض النقاد كما سيأتي في خفي الإرسال والشافعي رحمه الله أثبته أي أصل التدليس لاخصوص هذا لقسم للراوي بمرة وعبارته ومن عرفنا دلس مرة فقد أبان لنا عورته في روايته وليست تلك العورة تكذب فيرد بها حديثه إلى آخر كلامه وحكاة البيهقي أيضا فقال من عرف بالتدليس مرة لا يقبل منه ما يقبل من أهل النصيحه في الصدق حتى يقول حدثني أو سمعت كذلك ذكرة الشافعي انتهى
وبيان ذلك أنه بثبوت تدليسه مرة صار ذلك هو الظاهر من حاله في معنعناته كما إنه ثبوت اللقاء مرة ار الظاهر من حاله السماء وكذا من عرف بالكذب في حديث واحد صار الكذب هو الظاهر من حاله وسقط العمل بجميع حديثهمع جواز ونه صادقا في بعضه قلت وشرها أي أنواع أي أنواع التدليس حتى ما ذكر ابن الصلاح أنه شرة أخو أي صاحب التسويه الذي أشار غليه الخطيب بقوله وربما لم يسقط المدلس اسم شيخه الذي حدثه لكنه يسقط ممن بعد في الإسناد رجلا يكون ضعيفا في الروايه أي صغير السن الحديث بذلك وتبعه النووي في ذلك في القسم الأول من تقريبه وجماعه ليس فيهم ابن الصلاح منهم العلائي وتلميذه الناظم لكن جعله قسما ثالثا للتدليس
وخفق تلميذه شيخنا أن نوع من الأول وصنيع النووي في شرح مسلم وتقريبه يقتضيه وبالتسويه سماة أبو الحسن من القطان فمن بعده فقال سواة فلان (1/193)
وأما القدماء فسموه تجويدا حيث قالوا جوده فلان وصورته أن يروي المدلس حديثا عن شيخ ثقة بسند فيه راو ضعيف فيحذفه المدلس من بين الثقتين الذي لقي أحدهما الآخر ولم يذكر أولهما بالتدليس ويأتي بلفظ محتمل فيستوي الإسناد كله ثقات
ويصرح المدلس بالاتصال عن شيخه لأنه قد سمعه منه فلا يظهر في الإسناد ما يقتضي رده إلا لأهل النقد والمعرفة بالعلل ويصير الإسناد عاليا وهو في الحقيقة نازل وهو مذموم جدا لما فيه من مزيد الغش والتغطية وربما يلحق الثقه الذي دون الضعيف الضرر من ذلك بعد تبين الساقط بإلصاق ذلك به مع براءته
قال ابن حزم صح قوم إسقاط المجروـ وضم القوي إلى القوي تلبيسا على من يحدث وغرور المن يأحذ عنه فهو مجروح وفسقه ظاهر وخبره مردود لأنه ساقط العدالة انتهى
وممن كان يفعله بقية بن الوليد والوليد بن مسلم وبالتقييد باللقاء خرج الإرسال فقد ذكر ابن عبد البر وغيره إن مالكا سمع من ثور بن زيد أحاديث عن عكرمة عن ابن عباس ثم حدث بها بحذف عكرمة لأنة كان يكره الرواية عنه ولا يرى الاحتجاج بحديثه انتهى في أمثلة لذلك عن مالك بخصوصه فلو كانت التسميةبالإرسال تدليسا لعد مالك في المدلسين وقد أنكروا على من عده فيهم فقال ابن القطان ولقد ظن بمالك على بعده عن عمله
وقال الدارقطني إن مالكا ممن عمل به وليس عيبا عندهم
قلت وهو محمول على أن مالكا ثبت عنده الحديث عن ابن عباس وإلا فقد قال الخطيب إنه لا يجوز هذا الصنيع وإن احتج بالمرسل لأنه (1/194)
قد علم أن الحديث عمن ليس بحجة عنده وكذا بالتقييد بالضعيف كان اختص من المنقطع على أن بعضهم قد أدرج في تدليس التسوية ما كان المحذوف ثقة
ومن أمثلة ما رواه هشيم عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن الزهري عن عبدالله بن الحنفية عن أبيه هو محمد بن الحنفية عن علي في تحريم لحوم الحمر الأهلية قالوا ويحيى لم يسمعه من الزهري وإن جزم به ابن عبد البر وغيره ويتأيد بقول الخطيب الذي أسلفته في أول هذا القسم أو صغير السن
ويلتحق بتدليس التسوية في مزيد الذم ما حكيناه في القسم الأول عن فطر
تتمه المدلسون مطلقا على خمس مراتب بينها شيخنا رحمه الله في تضيف المختص بهم المستمد فيه من جامع التحصيل العلائي وغيره من لم يوصف به إلا نادرا كالقطان ويزيد بن هارون من كان تدليسه به قليلا بالنسبة لما روي مع إمامته وجلالته وتحويه كالسفيانين من أكثر منه غير متقيد بالثقات من كان تدليسه عن الضعفاء أو المجاهيل من انضم اليه ضعيف بأمر آخر
ثم أن جميع ما تقدم تدليس الاسناد وأما تدليس المتن فلم يذكروه وهو المدرج وتعمده حرام كما سيأتي في بابه ولهم أيضا تدليس البلاد وكان يقول المصري حدثني فلان بالعراق يريد موضعا بأخميم أو بزبيد يريد موضعا بقوص أو بزقاق حلب يريد موضعا بالقاهرة أو بالأندلس يريد موضعا بالقرافة أو بما وراء النهر موهما دجلةوهو أخف من غيره لكنه لا يخلو عن كراهة وإن كان صحيحا في نفس الأمر لإيهام الكذب بالرحلة والتشبع بما لم يعط (1/195)
( وذو الشذوذ ما يخالف الثقه ... فيه الملا فالشافعي حققه )
( والحاكم الخلاف فيه ما اشترط ... وللخليلي مفرد الراوي فقط )
( ورد ما قالا بفرد الثقه ... النهي عن بيع الولا والهبه )
( يقول مسلم روى الزهري ... تسعين فردا كلها قوي )
( اختار فيما لم يخالف إن من ... يقرب من ضبط ففرده حسن )
( أو بلغ الضبط فصحح أو بعد ... فمما شذ فاطرحه ورد )
لما كان ستعارض المرسل والارسال مفتقرا لبيان الحكم فيما يقابل الراجح منهما ناسب بعد التدليس المقدم مناسبته ذكر الشاذ ثم المنكر
والشاذ لغة المنفرد عن الجمهور يقال شذ يشذ بضم الشين المعجمة وكسرها شذوذا إذا انفرد وذو الشذوذ اصطلاحا وما يخالف الراوي الثقة فيه بالزيادة أو النقص في السند أو في المتن الملا بالهمز وسهل تخفيفا أي الجماعة الثقات من الناس بحيث لا يمكن الجمع بينهما فالشافعي بهذا التعريف حققه وكذا حكاه أبو يعلي الخليلي عن جماعة من أهل الحجاز وغيره عن المحققين لأن العدد الكثير أولى بالحفظ من الواحد وهو مشعر بأن مخالفته للواحد الأحفظ كافية في الشذوذ (1/196)
وفي كلام ابن الصلاح ما يشير إليهحيث قال فإن كان مخالفا لما رواه من هو أولى منه بالحفظ لذلك واضبط كان ما انفرد به شاذا مردودا
ولذلك قال شيخنا فإن خولف أي الراوي بأرجح منه لمزيد ضبط أو كثرة عدد أو غير ذلك من وجوه الترجيحات فالراجح يقال له المحفوظ ومقابله وهو المرجوح يقال له الشاذ
ومن هنا يتبين أنه لا يحكم في تعارض الوصل والرفع مع الإرسال والوقف بشيء معين بل إن كان من أرسل أو وقف من الثقات أرجح قدم وكذا بالعكس
مثال الشذوذ في السند ما رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه من طريق ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن عوسجة عن ابن عباس أن رجلا توفي على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم ولم يدع وارثا إلى مولى هو أعتقه الحديث فإن حماد بن زيد رواه عن عمرو مرسلا بدون ابن عباس ولكن قد تابع ابن عيينة على وصله إبن جريج وغيره ولذا قال أبو حاتم المحفوظ حديث ابن عيينة هذا مع كون حماد من أهل العدالة والضبط ولكنه رجح رواية من هم أكثر عددا منه
ومثاله في المتن زيادة يوم عرفة في حديث أيام التشريق أيام أكل وشرب فإن الحديث من جميع طرقه بدونها وإنما جاء بها موسى بن علي بن رباح عن أبيه عن عفبة بن عامر كما أشار إليه ابن عبد البر
قال الأثرم والأحاديث إذا كثرت كانت أثبت من الواحد الشاذ وقد يهم الحافظ أحيانا على أنه قد صحح حديث موسى هذا ابن خزيمة وابن حبان والحاكم وقال إنه على شرط مسلم وقال الترمذي إنه حسن صحيح وكان ذلك لأنها زيادة ثقة غير منافية لإمكان حملها على حاضري عرفة وبما تقرر علم أن الشافعي قيد التفرد بقيدين الثقة والمخالطة والحاكم صاحب (1/197)
المستدرك ذا المعرفة الخلاف للغير فيه أي في الشاذ ما اشترط بل هو عنده ما انفرد به ثقة من الثقات وليس له أصل بمتابع لذلك الثقة فاقتصر على قيد الثقة وحده وبين ما يؤخذ منه إنه يغاير المعلل من حيث أن ذلك وقف على علته الدالة على جهة الوهم فيه من إدخال حديث في حديث أو وصل مرسل أو نحو ذلك كما سيأتي
والشاذ لم يوقف له على علة أي معينة وهذا يشعر باشتراك هذا مع ذاك في كونه ينقدح في نفس الناقد أنه غلط وقد تقصر عبارته عن إقامة الحجة على دعواه وأنه من أغمض الأنواع وأدقها ولا يقوم به إلا من رزقه الله الفهم الثاقب والحفظ الواسع والمعرفة التامة بمراتب الرواة والملكة القوية بالأسانيد والمتون وهو كذلك بل الشاذ كما نسب لشيخنا أدق من المعلل بكثير
ثم إن الحاكم لم ينفرد بهذا التعريف بل قال النووي في شرح المهذب إنه مهذب جماعات من أهل الحديث قال وهذا ضعيف وللخليلي نسبة لجده الأعلى لأنه الحافظ أبو يعلي الخليل بن عبد الله بن أحمد بن إبراهيم بن الخليل القزويني وهو قول ثالث فيه مفرد الراوي فقط ثقة كان أو غير ثقة خالف أو لم يخالف فما انفرد به القة يتوقف فيه ولا يحتج به ولكن يصلح أن يكون شاهدا وما الفرديةغير الثقة فمتروك
والحاصل كما قال الشيخ من كلامهم إن الخليلي يسوي بين الشاذ والفرد المطلق فيلزم على قوله أن يكون في الشاذ الصحيح وغير الصحيح فكلامه أعم وأخص منه كلام الحاكم لأنه يخرج تفرد غير الثقة ويلزم على قوله أن يكون في الصحيح الشاذ وغير الشاذ بل اعتمد ذلك في صنيعه حيث ذكر في أمثلة الشاذ حديثا أخرجه البخاري في صحيحه من الوجه الذي حكم عليه بالشذوذ
وأخص منه كلام الشافعي لتقييده بالمخالفة مع كونه يلزم عليه ما يلزم (1/198)
على قول الحاكم لكن الشافعي صرح بأنه مرجوح وإن الرواية الراجحة أولى وهل يلزم من ذلك عدم الحكم عليه بالصحة محل توقف أشير إليه في الكلام على الصحيح وإنه يقدح في الاحتجاج لافي التسمية ويستأنس لذلك بالمثال الذي أورده الحاكم مع كونه في الصحيح فإنه موافق على صحته إلا أنه يسميه شاذا ولا مشاحة في التسمية ولكن رد ابن الصلاح ما قالا أي الحاكم والخليلي بفرد الثقة المخرج في كتب الصحيح المشترط فيه نفي الشذوذ لكون العدد غير شرط فيه على المعتمد بل الصحة تجامع لغرابة
وأمثلة ذلك فيها كثيرة كحديث النهي عن بيع الولا بالقصر للضرورة والهبة فإنه لم يصلح إلا من رواية عبد الله بن دينار عن ابن عمر حتى قال مسلم عقبة الناس كلهم في هذا الحديث عيال عليه وحديث ابن عيينة المخرج في الصحيحين عن عمرو بن دينار عن أبي العباس الشاعر عن عبد الله بن عمر في حصار الطائف تفرد به ابن عيينة عن عمرو وعمرو عن أبي العباس وأبو العباس عن ابن عمر
وكذا رده بقول مسلم هو ابن الحجاج في الإيمان والنذور من صحيحه روى الزهري نحن تسعين بتقديم المثناة فردا لا يشاركه أحد في روايتها كلها إسنادها قوي هذا مع إمكان الجواب عن الحاكم بما أشعر به اقتصاره على جهة واحدة في المغايرة بينه وبين المعلل من كون الشاذ أيضا ينقدح في نفس الناقد أنه غلط حيث يقال ما في الصحيح من الإفراد منتف عنه ذلك
وأما الخليلي فليس في كلامه ما ينافي ذلك أيضا لا سيما وليس هو ممن يشترط العدد في الصحيح ( و ) وبعد أن رد ابن الصلاح كلامهما اختار مما استخرجه من صنيع الأئمة فيما لم يخالف الثقة فيه غيره وإنما أتى شيء انفرد به إن من يقرب من ضبط تام ففرده حسن منه حديث (1/199)
إسرائيل عن يوسف بن أبي بردة عن أبيه عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا خرج من الخلاء قال غفرانك فقد قال الترمذي عقب تخريجه حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث إسرائيل عن يوسف عن أبي بردة
قال ولا نعرف في هذا الباب إلا حديث عائشة أو بلغ الضبط التام فصحح فرده وقد تقدم مثاله أو بعد عنه بأن لم يكن ضابطا أصلا ( ف ) فرده مما شذ فاطرحه ورد وما وقع لك منه وأمثلته كثيرة
وحينئذ فالشاذ المردود كما قاله ابن الصلاح قسمان أحدهما الحديث الفرد المخالف وهو الذي عرفه الشافعي وثانيهما الفرد الذي ليس في رواية من الثقة والضبط ما يقع جابرا لما يوجب التفرد والشذوذ من النكارة والضعف انتهى
وتسمية ما انفرد به غير الثقة شاذا كتسمية ما كان في رواته من ضعف أو يسيء الحفظ أو غير ذلك من الأمور الظاهرة معللا وذلك فيهما مناف لغموضهما فالأليق في حد الشاذ ما عرفه به الشافعي ولذا اقتصر شيخنا في شرح النخبة عليه كما أن الأليق في الحسن ما اقتصر عليه الترمذي (1/200)
المنكر
( والمنكر الفرد كذا البرديجي ... أطلق والصواب في التخريج )
( اجراء تفصيل لدى الشذوذ مر ... فهو بمعناه كذا الشيخ ذكر )
( نحو كلوا البلح بالتمر الخبر ... ومالك سمى من عثمان عمر )
( قلت فماذا بل حديث نزعه ... خاتمه عند الخلاء وضعه )
والمنكر الحديث الفرد وهو الذي لا يعرف متنه من غير جهه راويه فلا متابع له فيه ولا شاهد كذا الحافظ أبو بكر أحمد بن هارون البرديجي أطلق والصواب في التخريج يعني المروي كذلك اجراء تفصيل لدى أي عند الشذوذ مرة بحيث يكون أيضا على قسمين فهو أي المنكر بمعناه أي الشاذ كذا الشيخ ابن الصلاح ذكر من غير تمييز بينهما وأما جمع الذهبي بينهما في حكمه على بعض الأحاديث فيحتمل أن يكون تقدم الفرق بينهما ويحتمل غيره وقد حقق شيخنا التمييز بجهة اختلافهما في مراتب الرواة فالصدوق إذا تفرد بما لا متابع له فيه ولا شاهد ولم يكن عنده من الضبط ما يشترط في المقبول فهذا أحد قسمي الشاذ
فإن خولف من هذه صفته مع ذلك كان أشد في شذوذه وربما سماه بعضهم منكرا وإن بلغ تلك الرتبة في الضبط لكنه خالف من هو أرجح منه (1/201)
في الثقة والضبط
فهذا القسم الثاني من الشاذ وهو المعتمد كما قدمناه في تسميته وأما إذا انفرد المستور أو الموصوف بسوء الحفظ أو المضعف في بعض مشايخه خاصة أو نحوهم ممن لا حكم لحديثهم بالقبول بغير عاضد يعضده بما لا متابع له ولا شاهد فهذا أحد قسمي المنكر وهو الذي يوجد إطلاق المنكر عليه من المحدثين كأحمد والنسائي وإن خولف مع ذلك فهو القسم الثاني وهو المعتمد على رأي الأكثرين في تسميته فبان بهذا فضل المنكرين الشاذ وأن كلا منهما قسمان يجتمعان في مطلق التفرد أو مع قيد المخالفة ويفترقان في أن الشاذ راويه ثقة أو صدوق غير ضابط والمنكر راويه ضعيف بسوء حفظه أو جهالته أو نحو ذلك وكذا فرق في شرح النخبة بينهما لكن مقتصرا في كل منهما على قسم المخالفة فقال في الشاذ إنه ما رواه المقبول مخالفا لمن هو أولى منه
وفي المنكر إنه ما رواه الضعيف مخالفا والمقابل للمنكر هو المعروف الشاذ كما تقدم هو المحفوظ
قال وقد عقل من سوى بينهما زاد في غيره وقد ذكر مسلم في مقدمة صحيحه ما نصه وعلامة المنكر في حديث المحدث إذا ما عرضت روايته للحديث على رواية غيره من أهل الحفظ والرضى خالفت روايته روايتهم ولم تكد توافقها فإن كان الأغلب من حديثه كذلك كان مهجور الحديث غير مقبولة ولا مستعملة
قال شيخنا فالرواة الموصوف بهذا هم المتروكون قال فعلى هذا رواته المتروك عند مسلم يسمى منكرة وهذا هو المختار ولكل من قسمي المنكر أمثلة كثيرة نحو كلوا البلح بالتمر الخبر وتمامه فإن ابن آدم إذا أكله غضب الشيطان وقال عاش ابن آدم حتى أكل الجديد بالخلق فقد (1/202)
صرح النسائي بأنه منكر
وتبعه ابن الصلاح وهو منطبق على أحد قسميه فإن أبا ذكير وهو يحيى بن محمد بن قيس البصري راويه عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة المتفرد به كما قال الدارقطني وابن عدي وغيرهما وكذا قال العقيلي لايتابع عليه ولا يعرف إلا به ونحوه قول الحاكم هو من أفراد البصريين عن المدنيين إذا لم يروه غيره ممن ضعف لخطائه وهو في عداد من ينجبر
ولذا قال الساجي إنه صدوق يهم وفي حديثه لين ونحوه قول ابن حبان إنه يقلب الأسانيد ويرفع المراسل من غير تعمد فلا يحتج به
وقول الخليلي فيه إنه شيخ صالح فإنما أراد صلاحيته في دينه جريا على عادتهم في إطلاق الصلاحية حيث يريدون بها الديانة أما حيث أريد في الحديث فيقيدونها ويتأيد بباقي كلامه فإنه قال غير إنه لم يبلغ رتبة من يحتمل تفرده وقول أبي حاتم يكتب حديثه أي في المتابعات والشواهد ولذا خرج له مسلم موضعا واحدا متابعة بل توسع ابن الجوزي فأدخله في الموضوعات وكان الحامل له على ذلك نكارة معناه أيضا وركة لفظه
وأورده الحاكم في مستدركه لكنه لم يتعرض له أي الحديث بصحة ولا غيرها ونحو مالك حيث سمى ابن عثمان الذي الناس كلهم على إنه عمرو بفتح أوله عمر بضمه ولم يثبت عن خلافة وذلك لما روى حديثه عن أسامة بن زيد مرفوعا لا يرث الكافر المسلم عن الزهري عن علي بن حسين عنه ولم يتابعه كما قال النسائي أحد على ذلك بل حكم مسلم وغيره عليه بالوهم فيه وكان مالك يشير بيده لو أراد عمر فكأنه علم أنهم يخالفونه
ويدل لذلك ما رواه أبو الفضل السليماني من حديث إبراهيم بن المنذر (1/203)
الحزامي سمعت معن بن عيسى يقول قلت لمالك إن الناس يقولون إنك تخطىء في أسامة الرجال تقول عبد الله الصنابحي وإنما هو أبو عبد الله وتقول عمر ابن عثمان وإنما هو عمرو وتقول عمر بن الحكم وإنما هو معاوية
فقال مالك هكذا أحفظنا وهكذا وقع في كتابي ونحن نخطىء ومن يسلم من الخطأ قلت فماذا يترقب على تفرد مالك من بين الثقات باسم هذا الراوي مع كون كل منهما ثقة إذا لا يلزم مما يكون كذلك نكارة المتن ولا شذوذه بل المتن على كل حال صحيح إلا أن يقال أن تمثيل ابن الصلاح به المنكر السند خاصة فالنكارة تقع في كل منهما ويتأيد بأنه ذكر في المعلل مثالا لما يكون معلول السند مع صحة متنه وهو ابدال يعلي بن عبيد عمرو بن دينار بعبد الله بن دينار كما سيأتي في محله على أن هشيما قد رواه عن الزهري فخالف فيه مخالفة أشد مما وقع لمالك مع كونها في المتن وذلك أنه رواه بلفظ لا يتوارث أهل ملتين ولذا حكم النسائي وغيره على هشيم فيه بالخطأ
قال شيخنا وأظنه رواة من حفظه بلفظ ظن أن يؤدي معنى ما سمع فلم يصب لأن اللفظ الذي أتى به أعم من الذي سمعه وقد كان سمع من الزهري ولم يضبط عنه ما سمع فكان يحدث عنه من حفظه فيهم في المتن أو في الإسناد وحينئذ فلو مثل بروايه هشيم كان أسلم بل من أمثلته كما للناظم حديث نزعه صلى الله عليه و سلم خاتمه عند دخول الخلا بالقصر للضرورة ووضعه الذي رواة همام بن يحيى عن ابن جريح عن الزهري عن أنس كما أخرجه أصحاب السنن الأربعه فقد قال أبو داود عقبه إنه منكر
قال وإنما يعرف عن ابن جريح عن زياد بن سعد عن الزهري عن (1/204)
أنس ان النبي صلى الله عليه و سلم اتخذ خاتما من ورق ثم ألقاة قال والوهم من همام ولم يروة غيرة وكذا قال النسائي إنه غير محظوظ انتهى
وهمام ثقه احتج به أهل الصحيح ولكنه خالف الناس قاله الشارح ولم يوافق أبو داود على الحكم عليه بالنكارة فقد قال موسى بن هارون لا أدفع أن يكونا حديثين ومال اليه ابن حبان فصححهما معا
ويشهد له أن ابن سعد أخرج بهذا السند أن أنسا نقش في خاتمه مح
مدا رسول الله قال فكان ىإذا أراد الخلاء لا سيما وهمام لم ينفرد به بل تابعه عليه يحيى بن المتوكل عن ابن جريح وصححه الحاكم على شرط الشيخين ولكنه متعقب فإنهما لم يخرجا لهمام عن ابن جريح وإن اخرجا لكل منهما على انفراده
وقول الترمذي إنه حسن صحيح غريب في نظر !
وبالجمله فقد قال شيخنا إنه لا عله له عندي إلا تدليس ابن جريح فإن وجد عند التصريح بالسماع فلا مانع من الحكم بصحته في نقدي انتهى
وقد روى ابن عدي حدثنا محمد بن سعد الحراني حدثنا عبد الله بن محمد ابن عبشون حدثنا أبو قتاده عن ابن جريح عن ابن عقيل يعني عبد الله بن محمد ابن عقيل عن عبد الله بن جعفر قال كان النبي صلى الله عليه و سلم يلبس خاتمه في يمينه أو قال كان ينزع خاتمه إذا أراد الجنابه ولكن أبو قتاده وهو عبد الله بن واقد الحراني مع كونه صدوقا كان يخطئ ولذا أطلق غير واحد تضعيفه
وقال البخاري منكر الحديث تركوة بل قال أحمد أظنه كان يدلس وأورده شيخنا في المدلسين وقال إنه متفق على ضعفه ووصفه احمد (1/205)
بالتدليس انتهى
فروايته لاتغل روايه همام وعلى كل حال فالتمثيل به للمنكر وكذا يقول مالك إنما هو على مذهب اببن الصلاح من عدم الفرق بينه وبين الشاذ (1/206)
الاعتبار والمتابعات والشواهد
( الاعتبار سبرك الحديث هل ... شارك راو غيرة فيما حمل )
( عن شيخه فإن يكن شورك من ... معتبر به فهو تابع وإن )
( شورك شيخه ففوق فكذا ... وقد يسعى شاهدا إذا )
( متن بمعناة أتى فهو الشاهد ... وما خلا عن كل ذا مفارد )
( مثاله لو أخذوا إهابها ... فلفظه الدباغ ما أتى بها )
( عن عمرو إلا ابن عيينه وقد ... توبع عمرو في الدباغ فاعتضد )
( ثم وجدنا أيما إهاب ... فكان فيه شاهد في الباب )
لما انتهى الشاذ والمنكر المجتمعان في الانفراد أردنا ببيان الطريق المبين للانفراد وعدمه ولكنه لو أخر عن الإفراد والغريب لأتبين وكان أنسب والاعتبار سبرك بفتح المهملة ثم موحدة ساكنة أي اختيارك ونظرك الحديث من الدواوين المبوبة والمسندة وغيرهما كالمعاجم والمشيخات والفوائد لتنظر هل شارك راويه الذي يظن تفرده به راو غيره أو قفل هل شارك راو من رواية غيره فيما حمل عن شيخه سواء اتفقا في رواية ذاك الحديث بلفظه عن شيخ واحد أم لا فبان أن الاعتبار ليس قسيما (1/207)
لما معه كما قد توهمه الترجمة بل هو الهيئة الحاصلة في الكشف عنهما وكأنه أريد شرح الألفاظ الثلاثة لوقوعها في كلام أئمتهم فإن يكن ذاك الراوي شورك من راو معتبر به بأن لم يتهم بكذب وضعف إما لسوء حفظه أو غلطه أو نحو ذلك حيثما يجيء إيضاحه في مراتب الجرح والتعديل أوفوقه من باب اولى فهو تابع حقيقة وهي المتابعة التامة إن اتفقا في رجال السند كلهم وإن شورك شيخه في روايته له عن شيخه ففوق بضم القاف مبنيا أي أو شورك من فوق شيخه إلى آخر السند واحد حتى الصحابي فكذا أي فهو تابع أيضا ولكنه في ذلك قاصر عن مشاركته هو كلما بعد فيه المتابعكان أنقص
وقد يسمى أي كل واحد من المتابع لشيخه فمن فوقه شاهدا ولكن تسميته تابعا أكثر ثم بعد فقد المتابعات على الوجه المشروح إذا متن آخر في الباب إما عن ذاك الصحابي أو غيره بمعناه أتى فصح الشاهد ما فهم اختصاص التابع باللفظ سواء كان من رواية ذلك الصحابي أم غيره
وقد حكاه شيخنا مع اختصاص بالمعنى كذلك عن قوم يعني كالبيهقي ومن وافقه ولكنه رجح أنه لا اقتصار في التابع على اللفظ ولا في الشاهد على المعنى وإن افتراقهما بالصحابي فقط فكلما جاء عن ذاك الصحابي فتابع أو عن غيره فشاهد قال وقد تطلق المتابعة على الشاهد وبالعكس والأمر فيه سهل ويستفاد من ذلك كله التقوية وما خلا عن كل ذا أي المذكور من تابع وشاهد فهو مفارد أي افراد وينقسم بعد ذلك القسم المنكر والشاذ كما تقرر وممن صرح بما تقدم في كيفية الاعتبار ابن حبان حيث قال مثاله أن يروي حماد بن سلمة حديثا لم يتابع عليه عن أيوب عن ابن سيرين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم فينظر هل روى ذلك ثقة غير أيوب عن ابن سيرين فإن وجد علم أن للخير أصلا يرجع إليه وإن لم (1/208)
يوجد ذلك فثقة غير ابن سيرين رواه عن أبي هريرة وإلا فصحابي غير أبي هريرة رواه عن النبي صلى الله عليه و سلم فأن ذلك وجد يعلم به أن للحديث أصلا يرجع إليه فلا انتهى
وكما أنه لا انحصار للمتابعات في الثقة كذلك الشواهد ولذا قال ابن الصلاح واعلم أنه قد يدخل في باب المتابعة والاستشهاد رواية من لا يحتج بحديثه وحده بل يكون معدودا في الضعفاء وفي كتابي البخاري ومسلم جماعة من الضعفاء ذكرهم في المتابعات والشواهد وليس كل ضعيف يصلح لذلك
ولهذا يقول الدارقطني وغيره فلان يعتبر به وفلان لايعتبر به
قال النووي في شرح مسلم وإنما يفعلون هذا أي إدخال الضعفاء في المتابعات والشواهد لكون المتابع لا اعتماد عليه حدثنا جماعتهما تجعل القوة مثاله أي المذكور من التابع والشاهد لو أخذوا إهابها فدبغوه فانتفعوا به المروي عند مسلم والنسائي من طريق سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم مر بشاة مطروحة أعطيتها مولاة لميمونة من الصدقة فقال وذكره فلفظه الدباغ فيه ما أتى بها عن عمرو من أصحابه إلا ابن عيينة بالصرف للضرورة فإنه انفرد بها ولم يتابع عليها وقد توبع شيخه عمرو عن عطاء في الدباغ فأخرجه الدارقطني والبيهقي من طريق ابن وهب عن أسامة بن يزيد الليثي عطاء عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه و سلم قال لأهل شاة ماتت ألا نزعتم إهابها فدبغتموه فانتفعتم به
قال البيهقي وهكذا رواه الليث بن سعيد عن يزيد بن أبي حبيب عن عطاء وكذلك رواه يحيى بن سعيد عن ابن جريج عن عطاء فهذه متابعات لابن عيينة في شيخ شيخه فاعتضد بها ثم وجدناه من رواية عبد الرحمن (1/209)
بن وعلة عن ابن عباس مرفوعا أيما إهاب بكسر الهمزة أي جلد دبغ فقد طهر أخرجه مسلم وأصحاب السنن ولفظ مسلم إذا دبغ الإهاب فكان فيه لكونه بمعنى حديث ابن عيينة شاهد في الباب أي عند ممن لا يعتبر فيه أن يكون عن صحابي آخر ما يكتفي بالمعنى
وأما من يقصر الشاهد على الآتي من حديث صحابي آخر وهم الجمهور فعندهم أن رواية ابن وعلة هذه متابعة لعطاء وهذا أعدل شيخنا عن التمثيل به ومثله بحديث فيه المتابعة التامة والقاصرة والشاهد باللفظ والشاهد بالمعنى جميعا وهو ما رواه الشافعي في الأم عن مالك عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال الشهر تسع وعشرون فلا تصوموا حتى تروا الهلال ولا تفطروا حتى تروه فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين فإنه في جميع المطئات عن مالك بهذا السند بلفظ فإن غم عليكم فاقدروا له
وأشار البيهقي إلى أن الشافعي تفرد بهذا اللفظ عن مالك فنظرنا فإذا البخاري قد روى الحديث في صحيحه فقال حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي حدثنا مالك به بلفظ الشافعي سواء فهذه متابعة تامة في غاية الصحة لرواية الشافعي فالعجب من البيهقي كيف خفيت عليه ودل هذا على أنه مالكا رواه عن عبد الله بن دينار باللفظين معا
وقد توبع فيه عبد الله بن دينار من وجهين عن ابن عمر أحدهما أخرجه مسلم من طريق أبي أسامة عن عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر فذكر الحديث وفي آخره فإن غمي عليكم فاقدروا ثلاثين
والثاني أخرجه ابن خزيمة في صحيحه من طريق عاصم بن محمد بن زيد عن أبيه عن جده بن عمر بلفظ فإن غم عليكم فاكملوا ثلاثين فهذه متابعة أيضا لكنها ناقصة وله شاهدان (1/210)
أحدهما من حديث أبي هريرة رواه البخاري عن آدم عن شعبة عن محمد بن زيادة عن أبي هريرة ولفظه فإن غمي عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين
وثانيهما من حديث ابن عباس أخرجه النسائي من رواية عمرو بن دينار عن محمد بن حنين عن ابن عباس بلفظ حديث ابن دينار عن ابن عمر سواء انتهى
وقد ذكرت من أمثلته في الحاشية غير ذلك (1/211)
زيادات الثقات
( واقبل زيادات الثقات منهم ... ومن سواهم عليه المعظم )
( وقيل لا وقيل لا منهم وقد ... قسمه الشيخ فقال ما نفرد )
( دون الثقات ثقه خالفهم ... فيه صريحا فهو رد عندهم )
( أو لم يخالف فاقبلنه وادعى ... فيه الخطيب الإتفاق مجمعا )
( وخالف الإطلاق نحو جعلتت ... تربه الأرض فهي فرد نقلت )
( فالشافعي وأحمد احتجا بذا ... والوصل والإرسال من ذا أخذا )
( لكن في الإرسال جرحا فاقتضى ... تقديمه ورد أن مقتضى )
( هذا قبول الوصل أذ فيه وفي ... الجرح علم زائد للمقتضى )
وهو فن لطيف يستحسن العناية به يعرف بجمع الطرق والأبواب ومناسبته لما قبله ظاهرة ولكن كان الأنسب كما قدمناه ذكره مع تعارض الوصل والإرسال وقد كان إمام الأئمة ابن خزيمة لجمعه بين الفقه والحديث مشار إليه به بحيث قال تلميذه ابن حبان ما رأيت على أديم الأرض من يحفظ الصحاح بألفاظها ويقوم بزيادة كل لفظة زاد في الخبر ثقة حتى كأن السنن كلها نصب عيينة غيره وكذا كان الفقيه أبو بكر عبد الله بن محمد بن زياد وأبو (1/212)
الوليد حسان بن محمد القرشي النيسابوريان وغيرهما من الأئمة كأبي نعيم بن عدي الجرجاني ممن اشتهر بمعرفة زيادات الألفاظ التي تستنبط منها الأحكام الفقهية في المتون
واقبل أيها الطالب زيادات الثقات من التابعين فمن بعدهم مطلقا منهم أي من الثقات الراوين للحديث بدونها بأن رواه أحدهم مرة ناقصا ومرة بالزيادة ومن سواهم أي من سوى الراوين بدونها من الثقات أيضا سواء كانت في اللفظ أو المعنى تعلق بها حكم شرعي أم لا غيرت الحكم الثابت أم لا أوجبت نقصا من أحكام ثبتت بخبر آخر أم لا علم اتحاد المجلس أم لا كثر الساكتون عنها أم لا فهذا كما حكاه الخطيب هو الذي مشى عليه المعظم من الفقهاء وأصحاب الحديث كابن حبان والحاكم وجماعة من الأصوليين والغزالي في المستصفى وجرى عليه النووي في مصنفاته وهو ظاهر تصرف مسلم في صحيحه
وقيده ابن خزيمة باستواء الطرفين في الحفظ والإتقان فلو كان الساكت عددا أو واحدا أحفظ منه أو لم يكن هو حافظا ولو كان صدوق فلا
وممن صرح بذلك ابن عبد البر فقال في التمهيد إنما تقبل إذا كان راويها أحفظ وأتقن ممن قصرا ومثله في الحفظ فإن كانت من غير حافظ ولا متقن فلا التفات إليها ونحوه قول الخطيب الذي نختاره القبول إذا كان راويها عدلا حافظا ومتقنا ضابطا
وكذا قال الترمذي إنما تقبل ممن يعتمد على حفظه أي في طرف الثاني ونحوه عن أبي بكر الصيرفي
وقال ابن طاهر إنما تقبل عند أهل الصنعة من الثقة المجمع عليه وكذا قيد ابن الصباغ في العدة القبول إذا كان راوي الناقصة أكثر بتعدد مجلس التحمل لأنهما حينئذ كالخبرين يعمل بهما (1/213)
وإمام الحرمين بما إذا سكت الباقون عن نفيه أما مع النفي على وجه يقبل فلا وبعض المتكلمين كما حكاه ابن الصباغ بما إذا لم تكن مغيرة للإعراب وإلا كانا متعارضين أي زيادة في اللفظ وإن جعله بعضهم في المعنى
وبعضهم بما إذا أفادت حكما شرعيا أو كانت في اللفظ خاصة كزيادة أحاقيف جودان في حديث المحرم الذي وقصته ناقته فإن ذكر الموضع لا يتعلق به حكم شرعي وإلا فلا حكاهما الخطيب عمن لم يعينهم وابن السمعاني ومن وافقه بما إذا لم يكن الساكتون ممن لا يغفل مثلهم عن مثلها عادة أو لم تكن مما يتوفر الدواعي على نقله وخرج شيخنا من تفرقة ابن حبان في مقدمة الضعفاء له بين المحدث والفقيه في الرواية بالمعنى التفرقة أيضا هنا بينهما في الإسناد والمتن فنقبل من المحدث في السند لا المتن ومن الفقيه عكسه لزيادة اعتناء كل منهما بما قبل منه قال بل سياق كلام ابن حبان يرشد إليه إلى غير ذلك وقيل لا تقبل الزيادة مطلقا لا ممن رواه ناقصا ولا من غيره حكاه الخطيب وابن الصباغ عن قوم من المحدثين
وحكى عن أبي بكر الأبهري قالوا لان ترك الحفاظ لنقلها وذهابهم عن معرفتها يوهنها ويضعف أمرها ويكون معارضا لها وليست كالحديث المستقل إذ غير ممتنع في العادة سماع واحد فقط للحديث من الراوي وانفراده به ويمتنع فيها سماع الجماعة أي في العادة لحديث واحد وذهاب زيادة فيه عليهم ونسيانها إلا الواحد وقيل لا تقبل الزيادة منهم فقط أي ممن رواه بدونها ثم رواه بها لأن روايته لها ناقصا أورثت شكا في الزيادة وتقبل من غير من الثقات حكاه الخطيب عن فرقة من الشافعية
وكذا قال به منهم أبو نصر القشيري قال بعضهم سواء كانت روايته للزائدة سابقة أو لاحقة (1/214)
ونحوه قول ابن الصباغ بوجوب التوقف حيث لم يذكر إنه نسيها فإنه قال ولو تكررت روايته ناقصا ثم رواه بالزيادة فإن ذكر أنه كان نسيها قبلت وإلا وجب التوقف
وردالخطيب الثاني بأنه لاتمنع تعددالمجلس وسهوالراوي في اقتصاره علىالناقصه في أحدهما أو اكتفاءه بكونه كان أئمة قبل وضبطه الثقه عنه فنقل كل من الفريقين مما سمعه وإنه على تقدير اتحاد المجلس لايمنع أن يكون بعضهم حضر في أثناء الكلام أو فارق قبل انتهائه أو عرض له شاغل من نوم أو فكر أو نحوهما
والثالث بأنه لايمتنع أن يكون سمعه من راو تاما ومن آخر ناقصا ثم حدث به كل مرة عن واحد أو يرويه بدونها لشك أو نسيان ثم يتيقنها أو يتذكرها
واختار الأول كما تقدم ولكنه ليس على إطلاقه وإن كان في استدلال على قبولها منه نفسه بقبوله إذا روى حديثا مثبتا لحكم وحديثا ناسخا له مايشعر بالقبول مع التنافي فتصريح إمام الحرمين يردها عند نفي الباقين وابن الصباغ بأنهما كالخبرين يعمل منهما كما تقدم قد يؤخذ منه التقيد وهو الذي مشى عليه شيخنا تبعا لغيره فاشترط لقبولها كونها غير منافية لرواية من هو أوثق من راويها
وكلام الشافعي الماضي في المرسل مع الإشارة إليه في تعارض الوصل والإرسال يشير إلى عدم الإطلاق وقد قسمه أي ما ينفرد به الثقه من الزياده الشيخ ابن الصلاح فقال حسبما حررة من تصرفهم فقد رأيت تقسيم ما ينفرد به الثقه إلى ثلاثه أقسام ما انفرد بروايته دون الثقات أوثقه احفظ ثقه خالفهم أو خالف الواحد الأحفظ فيه أي فيما انفرد به صريحا في المخالفه بحيث لا يمكن الجمع بينهما ويلزم من قبولها رد الأخرى فهو رد أي مردود عندهم أي المحققين ومنهم الشافعي أو لم يخالف فيما (1/215)
انفرد به مارووة أو الا حفظ اصلا فاقبلنه بنون التوكيد الخفيفه لأنه جازم بما روتة وهو ثقه ولا معارض لروايته إذا الساكت عنها لم ينفعها لفظا ولا معنى ولا في سكوته دلاله على وهمها بل هي كالحديث المستقل الذي تفرد بحملته ثقه ولا مخالفه فيه أصلا كما سبق كل من هذين القسمين في الشاذ وادعى فيه أي في قبول هذا القسم الخطيب الإتفاق بين العلماء حال كونه مجمعا ولكن غزو حكايته الاتفاق في مسألتنا ليس صريحا في كلام الخطيب فعبارته والدليل على صحه ذلك أي القول بقبول الزياده أمور
أحدهما اتفاق جميع أهل العلم على أنه لو انفرد الثقه بنقل حديث لم ينقله غير وجب قبوله ولم يكن ترك الرواة لنقله إن كانوا عرفوة وذهابهم عن العمل به معارضا له ولا قادحا في عداله راويه ولا مبطلا له فكذلك سبيل الإنفراد بالزياده أو خالف الإطلاق فزاد لفظه معنويه في حديث لم يذكرها سائر من رواة نحو جعلت تربه الأرض بالنقل لنا طهورا في حديث فضلت على الناس بثلاث جعلت صفوفنا كصفوف الملائكه وجعلت لنا الأرض مسجدا فهي أي زياده التربه فرد نقلت تفرد بروايتها أبو مالك سعد بن طارق الأشجعي عن ربعي عن حذيفه أخرجهما مسلم في صحيحه وكذا أخرجهما ابن خزيمه وغيرة بلفظ التراب وسائر الروايات الصحيحه من غير حديث حذيقه لفظهما وجعلت لنا الأرض مسجدا وطهورا فقال فهذا وما أشبهه يشبه القسم الأول من حيث أن ما رواة الجماعه عام معنى لشموله جميع أجزاء الأرض وما رواة المنفرد بالزياده مخصوص يعني بالتراب وفي ذلك مغايرة في الصفه ونوع مخالفه تختلف بها الحكم
ويشبه أيضا القسم الثاني من حيث أنه لا منافاة بينهما فالشافعي وأحمد احتجا بذا أي باللفظ المزيد هنا حيث خصا التيمم بالتراب وكذا بزياتده من المسلمين في حديث زكاة الفطر الذي شرح ابن الصلاحج في التمثيل به كما صرح باحتجاجهما مع غيرهما من الأئمه بها فيه خاصه واستغنى به (1/216)
عن التصريح في هذا القسم بحكم حتى قال النووي كذا قال يعني ابن الصلاح والصحيح قبوله
وأما شيخنا فإنه حقق تبعا للعلائي أن الذي يجري على قواعد المحدثين انهم لا يحكمون عليه بحكم مطرد من القبول والرد بل يرجحون بالقرائين كما في تعارض الوصل والإرسال فهما على حد سواء كما جزب به ابن الحاجب المرجح عنده وعند ابن الصلاح فيهما سواء بل قال ما معناة والوصل والإرسال في تعارضهما من ذا أي من باب زياده الثقات أخذا فالوصل زياده ثقه وبينه وبين الإرسال نحو ما ذكر هذا في ثالث الأقسام وبيانه في الشق الأول واضح
وأما في الثاني فإما أن يكون يحمل أحدهما على الآخر أو لكون كل منهما يوافق الآخر في كونه من كلام النبي صلى الله عليه و سلم لكن بالنون المشدده في الإرسال فقط جرحا في الحديث فاقتضى تقديمه أي للأكثر من قبيل تقديم الجرح على التعديل يعنني فافترقا ونحوة قول غيرة الإرسال عله في السند فكان وجودها قادحا في الوصل وليست الزياده في المتن كذلك
ولكن قال شيخنا إن الفرق بينهما لا يخلو من تكلف وتعسف انتهى
وبالجمله فقد بان تباين ماخذ الأكثرين في الموضوعيت لئلا يكون تناقضا حيث يحكى الخطيب هناك عن أكثر أهل الحديث ترجيح الإرسال وهنا عن الجمهور من الفقهاء وأصحاب الحديث قبول الزياده مع أن الوصل زياده ثقه وإلى الاستشكال أشار ابن الصلاح هنا بعد الحكايه عن الخطيب بقوله وقد قدمنا عنه أي عن الخطيب حكايته عن أكثر أهل الحديث ترجيح الإرسال ثم ختم الباب بالزامهم مقابله لكونه رجحه هناك فقال ما معناه ورد أي تقديم الإرسال ب أن مقتضى هذا أي الذي علل به تقديمه قبول الوصل أيضا إذ فيه أي في الوصل وفي الجرح علم زائدو للمقتضى (1/217)
أي للمتبع
وأيضا فقد تقدم عن بعض القائلين بترجيح الإرسال تعليله بأن من أرسل معه زياده علم
والحق أن الزياده مع الواصل وأن الإرسال نقص في الحفظ لما جبل عليه الإنسان من النسيان وحينئذ فالجواب عن الخطيب أن يقال إن المحكي هناك عن أهل الحديث خاصه وهو كذلك
وأما هنا فمن الجمهور من الفقهاء والمحدثين والأكثريه بالنظر للجموع من الفرقين ولا يلزم من ذلك اختصاص أهل الحديث بالأكثريه
تتمه الزياده الحاصله من بعض الصحابه على صاحبي آخر إذا صح السند بقبوله بالإتفاق (1/218)
الإفراد
( الفرد قسمان ففرد مطلقا ... وحكمه عند الشذوذ سبقا )
( والفرد بالنسبه ما قيدته ... بثقه أو تكبر ذكرته )
( أو عن فلان نحو قول القائل ... لم يروده عن بكر إلا وائل )
( لم يروة ثقه إلا ضمرة ... لم يرو هذا غير أهل البصرة )
( فإن يريدوا واحدا من أهلها ... تجوزا فاجعله من أولها )
( وليس في إفراده النسبيه ... ضعف لها من هذه الحيثيه )
( لكن ذا قيد ذاك بالثقه ... فحكمه يقرب مما أطلقه )
ومناسبته لما قبله واضحة ولكن لو ضم إلى المنكر كما قدمنا كان أنسب الفرد قسمان ففرد يقع مطلقا وهو أولهما بأن ينفرد به الراوي الواحد عن كل أحد من الثقات وغيرهم وحكمه مع مثاله عند نونغ الشذوذ سبقا والفرد بالنسبة إلى جهة خاصة وهوثانيهما وهو أنواع ماقيدته بثقة أو بلد وبلد معين كمكة والبصرة والكوفة ذكرته صريحا كما سيأتي التمثيل لهما أو براو مخصوص حيث لم يروه عن فلان إلأ فلان نحو قول القائل أبي الفضل بن طاهر في أطراف الغرائب له عقب الحديث المروي في سنن الأربعة من طريق سفيان بن عيينة عنوائل بن داود عن ولده بكر بن وائل عن (1/219)
الزهري عن أنس أن النبي صلىالله عليه وسلم أولم على صفية بسويق وتتمر و لم يروه عن بكر إلأ وائل بنقل الهمزة يعني أباة ولم يروة عن وائل غير إبن عيينة فهو غريب وكذا قال الترمذي إنه حسن غريب
قال وقد رواه غير واحد عن إبن عيينة عن الزهري يعني بدون وائل وولده قال وكان إبن عيينة ربما دلسهما
قلت ممن رواه عنه كذلك إبراهيم بن المنذر وأبو الخطاب زياد بن يحيى وعبد الله بن محمد الزهري وعلى ابن عمرو الأنصاري وابن المقري وصرح عبد الله من بينهم بأن ابن عيينة قال سمعته من الزهري ولم أحفظه فسمعته من آخر ورواه سهل بن صفير عن ابن عيينة بدون بكر وحده
ورواه أبو يعلى محمد بن الصلت الثوري عن ابن عيينة فجعل الواسطة بدلهما زياد بن سعد قال الدارقطني ولم يتابع عليه والمحفوظ عن ابن عيينة الأول
قلت وممن رواه عنه كذلك إبراهيم بن بشار وحامد بن يحيى البلخي والحميدي وغياث بن جعفر الرحبي وابن أبي عمر العبدي وهو المعتمد وإنما لم يكن من القسم الأول لرواية النسائي له من حديث سليمان بن بلال والبخاري نحوه من حديث إسماعيل بن جعفر كلاهما عن حميد عن أنس ونحوه عند النسائي أيضا من حديث عبد العزيز بن صهيب عن أنس ونحو حديث عبد الواحد بن أيمن عن أبيه عن جابر في قصة الكدية التي عرضت لهم يوم الخندق أخرجه البخاري فإنه تفرد به عبد الواحد عن أبيه وقد روى من غير حديث جابر
ومن أمثلة النوع الأول قول القائل في حديث قراءة النبي صلى الله عليه و سلم في الأضحى والفطر بقاف واقتربت لم يروه أي الحديث ثقة إلاضمرة بنقل الهمزة (1/220)
أي ابن سعيد فقد انفرد به عن عبيد الله بن عبد الله عن أبي واقد الليثي صحابية وإنما قيد بالثقة لرواية الدارقطني له من جهة ابن لهيعة وهو ممن ضعفه الجمهور لاحتراق كتبه عن خالد بن يزيد عن الزهري عن عروة عن عائشة
ومن أمثلةالنوع الثاني قول القائل في حديث أبي سعيد الخدري الذي رواه أبو داود في كتابيه السنن والتفرد عن أبي الوليد الطيالسي عن حماد عن قتادة عن أبي نضرة عنه قال أمرنا رسول الله صلى الله عليه و سلم أن نقرأ بفاتحة الكتاب وما تيسر لم يرو هذا الحديث غير أهل البصرة فقد قال الحاكم إنهم تفردوا بذكر الأمر فيه من أول الإسناد إلى آخره ولم يشركهم في لفظة سواهم
وكذا قال في حديث عبد الله بن زيد في صفة وضوء رسول الله صلى الله عليه و سلم إن قوله ومسح رأسه بماء غير فضل يده سنة غريبة تفرد بها أهل مصر ولم يشركهم فيها أحد
وحديث القضاة ثلاثة تفرد به أهل مرو عن عبد الله بن بريدة عن أبيه
وحديث يزيد مولى المنبعث عن زيد بن خالد الجهني في اللفظة تفرد به أهل المدينة عنه فإن يريدوا أي القائلون بقولهم هذا وما أشبه واحدا من أهلها بأن يكون المتفرد به من أهل تلك البلد واحدا فقط وهو أكثر صنيعهم وأطلقوا البلد تجوزا كما يضاف فعل واحد من قبيلة إليها مجازا فاجعله من أولها أي الصور المذكورة في الباب وهو الفرد المطلق
ومنه حديث عبد الله بن زيد المذكور فإنه لم يروه من أهل مصر إلا عمرو ابن الحارث عن حبان بن واسع الأنصاري عن أبيه عنه فأطلق (1/221)
الحاكم أهل البلد وأورد واحدا منهم وليس في إفراده أي هذا الباب النسبية وهي أنواع القسم الثاني ضعف لها من هذه الحيثية أي جهة الفردية إلا إن انضم إليها ما يقتضيه لكن ذا قيد القائل من الأئمة والحفاظ ذاك أي التفرد بالثقة كقوله لم يروه ثقة إلا فلان فحكمه إن كان راويه الذي ليس بثقة ممن بلغ رتبة من يعتبر حديثه يقرب مما أطلقه أي من القسم الأول وإن كان ممن لا يعتبر به فكالمطلق لأن روايته كلا رواية
والحاصل أن القسم الثاني أنواع منها ما يشترك الأول معه فيه كإطلاق تفرد أهل بلد بما يكون راويه منها واحدا فقط
وتفرد الثقة بما يشترك معه في روايته ضعف ومنها ما هو مختص به وهي تفرد شخص عن شخص أو عن أهل بلد أو أهل بلد عن شخص أو عن بلد أخرى وضعف في الإفراد الدارقطني وابن شاهين وغيرهما وكتاب الدارقطني حافل في مائة جزء حديثيه سمعت منه عدة أجزاء
وعمل أبو الفضل بن طاهر أطرافه ومن مظانها الجامع للترمذي وزعم بعض المتأخرين أن جميع ما فيه من القسم الثاني
ورده شيخنا بتصريحه في كثير منه بالتفرد المطلق وكذا من مظانها مسند البزار والمعجمان الأوسط والصغير للطبراني
وصنف أبو داود السنن التي تفرد بكل سنة منها أهل بلد كحديث طلق في مس الذكر قال إنه تفرد به أهل اليمامة
وحديث عائشة في صلاة النبي صلى الله عليه و سلم على سهيل بن بيضاء قال الحاكم تفرد أهل المدينة بهذه السنة وكل ذلك لا ينهض به إلا متسع الباع في الرواية والحفظ وكثيرا ما يقع التعقب في دعوى الفردية حتى إنه يوجد عند نفس مدعيها المتابع ولكن إنما يحسن الجزم بالتعقب حيث لم تختلف السياق أو يكون المتابع ممن يعتبر به لاحتمال إرادة شيء من ذلك بالإطلاق (1/222)
وقد قال ابن دقيق العيد إنه إذا قيل في حديث تفرد به فلان عن فلان احتمل أن يكون تفردا مطلقا واحتمل أن يكون تفرد به عن هذا المعين خاصة ويكون مرويا عن غيره ذلك المعين فليتنبه لذلك فإنه قد يقع فيه المؤاخذة على قوم من المتكلمين على الأحاديث ويكون له وجه كما ذكرناه الآن انتهى
تتمة قولهم لا نعلم أحدا روى هذا الحديث غير فلان جوز ابن الحاجب في غير الرفع والنصب وأطال في تقريره (1/223)
المعلل
( وسم ما بعله مشمول ... معللا ولا تقل معلول )
( وهي عبارة عن أسباب طرت ... فيها غموض وخفاء أثرت )
( تدرك بالخلاف والتفرد ... مع قرائن تضم يهتدي )
( جهبذا إلى اطلاعه على ... تصويب إرسال لما قد وصلا )
( وقف ما يرفع أو متن دخل ... في غيرة وهم واهم حصل )
( ظن فأمضى أو وقف فاحجما ... مع كونه ظاهرة إن سلما )
( وهي تجيء غالبا في السند ... تقدح في المتن بقطع مسند )
( أو وقف مرفوع وقد لا تقدح ... كالبيعان بالخيار صرحوا )
( بوهم يعلى بين عبيد أبدلا ... عمرا بعبد الله حين نقلا )
( وعله المتن كنفي البسمله ... إذ ظن راو نفيها فنقله )
( وصح أن أنسا يقول لا ... أحفظ شيئا في حين سئلا )
( وكثر التعليل باإرسال ... للوصل إن يقو على اتصال )
( وقد يعلون بكل قدح ... فسق وغفله ونوع جرح )
( ومنهم من يطلق اسم العله ... لغير قادح كوصل ثقه ) (1/224)
( يقول معلول صحيح كالذي ... يقول صح معه شذوذ اجتذى )
( والنسخ سمى الترمذي عليه ... فإن يرد في عمل فانجح له )
وفيه تصانيف عدة كما سيأتي في أدب الطالب إن شاء الله تعالى يقال ومناسبته للفرد الشامل للشاذ ظاهرة لاشتراط الجمهور نفيهما في الصحيح ولاشتراطهما كما تقدم هناك في كثير وسم أيها الطالب ما هو من الحديث بعلة أي خفية من علله الآتية في سنده أو متنه مشمول معللا كام قاله ابن الصلاح ولا تقل فيه هو معلول وإن وقع في كلام البخاري والترمذي وخلق من أئمة الحديث قديما وحديثا وكذا الأصوليين في باب القياس حيث قالوا العلة والمعلول والمتكلمون بل وأبو إسحق الزجاج في المتقارب من العروض لأن المعلول من عله بالشراب أي سقاه بعد أخرى
ومنه من جزيل عطائك المعلول إلا أن مما يساعد صنيع المحدثين ومن أشير إليهم أستعمال الزجاج اللغوي له وقول الصحاح على الشيء فهو معلول يعني من العلة ونص جماعة كابن القوطبة في الأفعال على أنه ثلاثي فإنه قال عل الإنسان الإنسان علة مرض والشيء أصابته العلة ومن ثم سمى شيخنا كتابه الزهر المطلول في معرفة المعلول ولكن الأعرف أن فعله من الثلاثي المزيد تقول أعله الله فهو معل ولا يقال معلل فإنهم إنما يستعملونه من علله بمعنى ألهاه بالشيء وشغله به ومنه تعليل الصبي بالطعام وما يقع من استعمال أهل الحديث له حيث يقولون علله فلان فعلى طريق الاستعارة وهي أي العلة الخفية عبارة عن أسباب بنقل الهمزة جمع سبب وهو لغة ما يتوصل به الى غيره واصطلاحا ما يلزم من وجوده الوجود ومن عدم العدمه طرت بحذف الهمزة تخفيفا أي طلعت بمعنى (1/225)
ظهرت للناقد فاطلع عليها فيها أي في تلك الأسباب غموض أي عدم وضوح وخفاء أثرت أي قدحت تلك الأسباب في قبوله تدرك أي اأسباب بعد جمع طرق الحديث والفحص عنها بالخلاف من راوي الحديث لغيره ممن هو أحفظ وأضبط وأكثر عددا أو عليه ( و ) التفرد بذلك وعدم المتابعة عليه مع قرائن قد يقصر التعبير عنها تضم لذلك يهتدي بمجموعه ( جهبذها ) بكسر الجيم والموحده ثم ذال معجمة أي الحاذق في النقد من أهل هذه الصناعة لا كل محدث إلى اطلاعه على تصويب إرسال يعني خفى ونحوه لما قد وصلا أو تصويب وقف ما كان يرفع أو تصويب فصل متن أو بعض متن دخل ورجا في متن غيره وكذا بإدراج لفظه أو جملة ليست من الحديث فيه ( أو ) اطلاعه على وهم واهم حصل بغير ما ذكر كإبدال راو ضعيف بثقة كما اتفق لابن مردويه في حديث موسى بن عقبة عن عبد الله ابن دينار عن ابن عمر رفعه أن الله أذهب عنكم عبية الجاهلية فإنه قال إن راويه غلط في تسميته موسى بن عقبة وإنما هو موسى بن عبيدة وذاك ثقة وابن عبيدة وكذا وقع لأبي أسامة حماد بن أسامة الكوفي أحد الثقات حيث روى عن عبد الرحمن بن يزيد وسمى جده جابرا فإنه كما جزم به أبو حاتم وغيره إنما هو عبد الرحمن بن يزيد المسمى جده تميما والأول ثقة والثاني منكر الحديث ظن الجهبذ قوة ما وقف عليه من ذلك فأمضى الحكم بما ظنه مبنى هذا على غلبه الظن أو وقف بإدغام فائه في فاء فاحجما بمهملة ثم جيم أي كف عن الحكم بقبول الحديث وعدمه احتياطا لتردده بين تعليله وبذلك أولا ولو كان ظن تعليله أنقص كل ذلك مع كونه أي الحديث المعل أو المتوقف فيه ظاهره قبل الوقوف على العلة إن سلما أي السلامة منها لجمعه شروط القبول الظاهرة ولا يقال القاعدة إن اليقين لا يترك بالشك إذ لا يقين هنا
وإن المصدرية وما بعدها في موضع رفع على الخبرية لقوله ظاهره (1/226)
والجملة في موضع نصب خبرا لكونه
وحينئذ فالعمل أو المعلول خبر ظاهره السلامة اطلع فيه بعد التفتيش على قادح
ومن أمثلته حديث ابن جريج عن موسى بن عقبة عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا من جلس مجلسا أكثر فيه العظة فإن موسى بن إسماعيل أبا سلمة المنقري رواه عن وهيب بن خالد الباهلي عن سهيل المذكور فقال عن عوف بن عبد الله بن عتبة بن مسعود التابعي وجعله من قوله
وبذلك أعله البخاري وقضى لوهيب مع تصريحه بأنه لا يعرف في الدنيا بسند أبن جريج بهذا إلا هذا الحديث وقال لا نذكر لموسى سماعا من سهيل وكذا أعله أحمد وأبو حاتم وأبو زرعة والوهم فيه من سهيل فإنه كان قد أصابته علة نسي من أجلها بعض حديثه ووهيب أعرف بحديثه من ابن عقبة على أن هذه العلة قد خفيت على مسلم حتى بينها له إمامه وكذا اغتر غير واحد من الحفاظ بظاهر هذا الإسناد وصححوا حديث ابن جريج
وحديث حماد بن سلمة وغيره عن عكرمة بن خالد عن ابن عمر رفعه من باع عبدا وله مال ومن باع نخلا قد أبرت الحديث فإن بعض الثقات رواه عن عكرمة فقال عن الزهري عن ابن عمر فرجع الحديث إلى الزهري والزهري إنما رواه عن سالم عن أبيه وهو الصواب ومع ذلك فهو معل أيضا لأن نافعا رواه عن ابن عمر فجعل الجملة الأولى عن عمر من قوله والثانية عن النبي صلى الله عليه و سلم والقول قوله كما صرح به ابن المديني والدارقطني والنسائي
قال وإن كان سالم أجل منه قال شيخنا وهذه علة خفية فإن (1/227)
عكرمة هذا أكبر من الزهري وهو معروف بالرواية عن ابن عمر فلما وجد الحديث من رواية حماد وغيره عنه كان ظاهره الصحة واعتضد بذلك ما رواه الزهري عن سالم عن أبيه وترجح به ما رواه نافع ثم فتشنا فبان أن عكرمة سمعه ممن هو أصغر منه وهو الزهري والزهري لم يسمعه من أبن عمر إنما سمعه من سالم فوضح أن رواية حماد مدلسة أو مسراة
ورجع هذا الإسناد الذي كان يمكن الاعتضاد به إلى الإسناد المحكوم عليه بالوهم
وكان سبب حكمهم عليه بذلك كون سالم أو من دونه سلك الجادة فإن العادة في الغالب أن الإسناد إذا انتهى إلى الصحابي بعده عن النبي صلى الله عليه و سلم فلما جاء هنا بعد الصحابي ذكر صحابي آخر والحديث من قوله كان ظنا غالبا على أن من ضبطه هكذا أتقن ضبطا وهي أي العلة الخفية تجيء غالبافي السند أي وقليلا في المتن فالتي في السند تقدح في قبول المتن بقطع مسند متصل او بوقف مرفوع أو بغير ذلك من موانع القوبل وذلك لازم إن كانت من جهة اختلاف على راوي الحديث الذي لا يعرف من غير جهته ولم يكن الجمع وراويها أرجح ولو في شيء خاص وكذا اذا تبين أن راوي الطريق الفرد لم يسمع ممن فوقه مع معاصرته له كحديث أشعث بن سوار عن محمد بن سيرين عن تميم الداري فإن ابن سيرين لم يسمع من تميم لأن مولده لسنتين بقيتا من خلافة عثمان وكان قتل عثمان رضي الله عنه في ذي الحجة سنة خمس وثلاثين وتميم مات سنة أربعين ويقال قبلها
وكان ابن سيرين مع أبويه بالمدينة ثم خرجوا إلى البصرة فكان إذ ذاك صغيرا وتميم مع ذلك كان بالمدينة ثم سكن الشام وكان انتقاله إليها عند قتل عثمان
وحينئذ فهو منقطع بخفاء الإرسال وقد خفي ذلك على الضياء مع (1/228)
جلالته وأخرج حديث هذه الترجمة في المختارة اعتمادا على ظاهر السند في الاتصال من جهة المواثرة وكون أشعث وابن سيرين أخرج لهما مسلم وقد لا تقدح وذلك إذا كان الخلاف فيما له أكثر من طريق أو في تعيين واحد من ثقتين ( كـ ) حديث البيعان بالخيار المروي من جهة عبد الله بن دينار المدني عن مولاه ابن عمر فقد صرحوا أي النقاد بوهم راويه يعلي بن عبيد الطنافسي أبدلا عمرو أهو ابن دينار المكي بعبد الله ابن دينار الذي هو الصواب في السند فالباء داخله في المتروك حين نقلا أي روى ذلك يعلي عن سفيان الثوري وشذ بذلك عن سائر أصحاب الثوري فكلهم قالوا عبد الله بل توبع الثوري فرواه جماعة كثيرون عن عبد الله
وقد أفرد الحافظ أبو نعيم طرقة من جهة عبد الله خاصة فبلغت عدة رواته عنه نحو الخمسين وكذا لم ينفرد به عبد الله فقد رواه مالك وغيره من حديث نافع عن ابن عمر
وسبب الاشتباه على يعلي اتفاقهما في اسم الأب وفي غير واحد من الشيوخ وتقاربهما في الوفاة ولكن عمرو أشهرهما مع اشتراكهما في الثقة ونظير هذا تسمية مالك كما تقدم في المنكر عمرو بن عثمان عمر بضم العين على أن إبراز ذلك في المقلوب كما قال شيخنا أليق وكذا إن كان الخلاف على تابعي الحديث كعروة بن الزبير من ضابطين متساويين بأن يجعله أحدهما عنه عن عائشة والآخر عنه عن أبي هريرة على المعتمد كما سلف عند الصحيح
وعلة المتن القادحة فيه ( ك ) حديث نفي قراءة البسملة في الصلاة المروي عن أنس إذ ظن راو من رواته حين سمع قول أنس رضي الله عنه صليت خلف النبي صلى الله عليه و سلم وأبي بكر وعثمان رضي الله عنهم فكانوا يستفتحون بالحمد لله رب العالمين نفيها أي البسملة بذلك (1/229)
فنقله مصرحا بما ظنه وقال لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم في أول قراءة ولا في آخرها
وفي لفظ فلم يكونوا يفتتحون القراءة ببسم الله وصار بمقتضى ذلك حديثا مرفوعا والراوي لذلك مخطيء في ظنه ولذا قال الشافعي رحمه الله في الأم ونقله عنه الترمذي في جامعه المغني أنهم يبدأون بقراءة أم القرآن قبل ما نقرأ بعدها لأنهم يتركون البسملة أصلا وبتأيد بثبوت تسمية أم القرآن بجملة الحمد لله رب العالمين في صحيح البخاري وكذا الحديث قتادة قال سئل أنس كيف كانت قراءة الرسول الله صلى الله عليه و سلم قال كانت مدا ثم قرأ بسم الله الرحيم يمد بسم الله ويمد الرحمن ويمد الرحيم أخرجه البخاري في صحيحه
وكذا صححه الدار قطني والحازمي وقال إنه لا عله له لأن الظاهر كما أشار إليه أبو أسامه أن قتاده لما سأل أنسا عن الإستفتاح في الصلاة بأي صورة وأجابه بالحمد لله سأله عن كيفيه قرائته ففيها وكأنه لم ير إبهام السائل مانعا من تعينه بقتاده خصوصا وهو السائل أولا وقد صح حسبما صرح به الدار قطني وأخرجه ابن خزيمه في صحيحه مما يتأيد به خطأ النافي أن أنسا رضي الله عنه يقول لا أحفظ شيئا في حين سئلا من أبي مسلمه سعيد بن يزيد أكان رسول الله صلى الله عليه و سلم بستفتح بالحمد لله أو ببسم الله
ولكن قد روي هذا الحديث عن أنس جماعه منهم حميد وقتاده والتحقيق أن المعل بروايه حميد خاصه إذ رفعها وهم من الوليد بن مسلم عن مالك عنه بل ومن بعض أصحاب حميد ايضا عنه فإنها في سائر الموطآت عن مالك صليت وراء أبي بكر وعمر وعثمان فكلهم كان لا يقرأ ببسم الله لا ذكر للنبي صلى الله عليه و سلم فيه وكذا الذي عند سائر حفاظ أصحاب حميد عنه إنما هو الموقف خاصه وبه صرح ابن معين عن ابن أبي عدي حيث قال إن حميدا كان إذا رواة عن أنس لم يرفعه وإذا قال فيه عن قتاده عن أنس رفعه (1/230)
وأما روايه قتاده وهي من روايه الوليد بن مسلم وغيرة عن الأوزاعي أن قتاده كتب إليه يخبر أن أنسا حدثه قال صليت فذكرة بلفظ لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم في أو قراءة ولا في آخرها فلم يتفق أصحابه عنه على هذا اللفظ بل أكثرهم لا ذكر عندهم للنفي فيه وجماعه منهم بلفظ فلم يكونوا يجهرون ببسم الله
وممن اختلف عليه من اصحابه شعبه فجماعه منهم عندر لا ذكر عندهم فيه للنفي وأبو داود الطيالسي فقط حسبما وقع من طريق غير واحد بلفظ فلم يكونوا يفتتحون القراءة ببسم الله وهي موافقه للأوزاعي وأبو عمر الدوري وكذا الطيالسي وغندر أيضا بلفظ فلم أسمع أحدا منهم يقرأ ببسم الله بل كذا اختلف فيه غير قتاده من أصحاب أنس فإسحاق بن أبي طلحه وثابت البناني باختلاف عليهما ومالك بن دينار ثلاثتهم عن أنس بدون نفي واسحاق وثابت أيضا ومنصور بن زاذان وأبو قلابه وأبو نعامه كلهم عنهم باللفظ النافي للجهر خاصه ولفظ إسحاق منهم يفتتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين فيما يجهر فيه
وحينئذ فطريق الجمع بين هذه الروايات كما قال شيخنا ممكن يحمل نفي القراءة على نفي السماع ونفي السماع على نفي الجهر ويؤيده أن لفظه روايه منصور بن زادان فلم سمعنا قراءة بسم الله وأصرح منهما روايه الحسن عن أنس كما عند ابن خزيمه كانوا يسيرون بسم الله وبهذا الجمع زالت دعوى الإضطراب كما أنه ظهر أن الأوزاعي الذي رواة عن قتاده مكاتبه مع كون قتاده ولد اكمه وكتابه مجهول لعدم تسميته لم ينفرد به
وحينئذ فيجاب عن قول أنس لا أحفظ بأن المثبت مقدم على النافي خصوصا وقد تضمن النفي عدم استحضار أنس رضي الله عنه لأهم شيء يستحضروة وبإمكان نسيانه حين سؤال بن مسلمه له وتذكرة له بعد فإنه ثبت أن (1/231)
قتاده أيضا سأله أيقرأ الرجل في الصلاة بسم الله فقال صليت وراء رسول الله صلى الله عليه و سلم وأبي بكر وعمر فلم أسمع أحدا منهم يقرأ بسم الله ونحتاج إذا استقر محصل حديث أنس على نفي الجهر إلى دليل له وإن لم يكن من مباحثتنا وقد ذكر له الشارح دليلا
وأرشد شيخنا إلى ما يؤخذ منه ذلك بل قال إن قول نعيم المجهر صليت وراء أبي هريرة فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم ثم قرأ بأم القرآن حتى بلغ ولا الضالين فقال آمين وقال الناس آمين وكان كلما سجد وإذا أقام من الجلوس في الإثنتين يقول الله أكبر ويقول إذا سلم والذي نفسي بيده إني لأشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه و سلم أصح حديث ورد فيه ولا عله له
وممن صححه ابن خزيمه وابن حبان وقد بوب عليه النسائي الجهر بسم الله الرحمن الرحيم ولكن تعقب الإستدلال به باحتمال أن يكون أبو هريرة أراد بقوله أشبهكم في معظم الصلاة لا في جميع أجزائها لا سيما وقد رواة عنه جماعه غير نعيم بدون ذكر البسمله وأجيب بأن نعيما ثقه فزيادته مقبوله
والخبر ظاهر في جميع الأجزاء فيحمل على عمومه حتى يثبت دليل يخصصه ومع ذلك فيطرقه احتمال أن يكون سماع نعيم لها من أبي هريرة حال مخافته لقربه منه
وقد قال الإمام فخر الدين الرازي في تصنيف له في الفاتحه روى الشافعي بإسناده أن معاويه قدم المدينه فصلى بهم ولم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم ولم يكبر عند الخفض إلى الركوع والسجود فلما سلم ناداة المهاجرون والأنصار يا معويه سرقت الصلاة أين بسم الله الرحمن الرحيم أين التكبير عند الركوع والسجود فاعاد الصلاة مع التسميه والتكبير ثم قال الشافعي وكان معاويه سلطانا عظيم القوة شديد الشوكه (1/232)
فلولا أن الجهر بالتسميه كان كالأمر المتقرر عند كل الصحابه من المهاجرين والأنصار لما قدروا على إظهار الإنكار عليه بسبب تركه انتهى
وهو حديث حسن أخرجه الحاكم في صحيحه والدار قنطي وقال إن رجال ثقات ثم قال الإمام بعد وقد بينا أن هذا يعني الإنكار المتقدم يدل على أن الجهر بهذه الكلمه كالأمر المتواتر فيما بينهم
وكذا قال الترمذي عقب إيراده بعد أن ترجم بالجهر بالبسمله حديث معتمر ابن سليمان عن اسماعيل بن حماد بن أبي سليمان عن أبي خالد الوالبي الكوفي عن ابن عباس قال كان النبي صلى الله عليه و سلم يفتح صلاته ببسم الله الرحمن الرحيم ووافقه على تخريجه الدارقنطي وأبو داود وضعفه بل وقال الترمذي ليس إسناده بذاك والبهيقي في المعرفه واستشهد له بحديث سالم الأفطس عن سعيد ابن جبير عن ابن عباس قال كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم يمد بها صوته الحديث وهو عند الحاكم في مستدركه أيضا ما نصه
وقد قال بهذا عده من أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم منهم أبو هريرة وابن عمرو وابن الزبير ومن بعدهم من التابعيين رووا الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم وبه يقول الشافعي وكثر من أهل الحديث حسبما يقع في كتب التعلعل كما عبر به ابن الصلاح أو الإعلال كما لغيرة بالإرسال الظاهر للوصل وبالوقف للرفع إن يقو الإرسال وكذا الوقف بكون راويه أضبط أو أكثر عددا على اتصال ورفع ذلك مع كونه مؤيدا لأن القول بتقديم الموصل إنما هو فيما لم يظهر فيه ترجيح كما قدمناه في بابه ضاف لتعريف العله
ولكن الظاهر أن قصدهم جمع مطلق العله خفيه كانت أو ظاهرة لا سيما وهو يفيد الإرشاد لبيان الراجح من غيرة بجمع الطرق فقد قال ابن المديني الباب إذا لم تجمع طرقه لم يتبين خطؤة (1/233)
وكان بعض الحفاظ يقول إن لم يكن للحديث عندي مائة طريق فأنا فيه يتم وسيأتي شيء من هذا في آداب طالب الحديث
ويحتمل أن التعليل بالإرسال من الخفي يخفاء القرائن المرجحة له غالبا وقد يعلون أي أهل الحديث كما في كتبهم أيضا الحديث بكل قدح ظاهر ( فسق ) في راويه يكذب أو غيره ( وغفلة ) منه ونوع جرح فيه كسوء حفظ ونحو ذلك من الأمور الوجودية التي يأباها أيضا كون العلة خفية ولذا صرح الحاكم بامتناع الإعلال بالجرح ونحوه فإن حديث المجروح ساقط واهي ولا يعلل الحديث إلا بما ليس للجرح فيه مدخل انتهى
ولكن ذلك منهم بالنسبة للذي قبله قليل على أنه يحتمل أيضا أن التعليل بذلك من الخفي لخفاء وجود طريق آخر ليخبر بها ما في هذا من ضعف فكأن المعلل أشار إلى تفرده وفسق وما بعده بالجر على البدلية ومنهم بالضم وهو أبو يعلي الخليلي من يطلق اسم العلة توسعا ( ل ) شيء غير قادح كوصل ثقة ضابط أرسله من هو دونه أو مثله ولا مرجح حيث يقول في إرشاده إن الحديث على أقسام معلول صحيح ومتفق على صحته أي لا علة فيه وتختلف فيها أي بالنظر للاختلاف في استجماع شروطها أو مثله لأولها بحديث مالك في الموطأ إنه بلغه أن أبا هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم للملوك طعامه وكسوته حيث وصله مالك خارج الموطأ بمحمد بن عجلان عن أبيه عن أبي هريرة كما قتدم في المعضل
وقال فقد صار الحديث بتبين الإسناد أي بعد الفحص عنه صحيحا يعتمد عليه أي اتفاقا بعد أن كان ظاهرة خلاف ذلك
وحينئذ فهو من الصحيح المبين بحجة ظهرت وما سلكه الخليلي في ذلك هو ( كـ ) الحديث الذي يقول فيه بعضهم كالحاكم صح مع شذوذ فيه مناف عند الجمهور للصحة ( احتذى ) أي اقتدى في الأولى بهذه وبه يتأيد شيخنا في كون الشذوذ يقدح في الإحتجاج لا في التسمية (1/234)
كما أشير إليه في بابه
وفي الصحيح أيضا والنسخ مفعول مقدم سمى الترمذي علة زاد الناظم فإن يرد الترمذي إنه علة في عمل بمعنى إنه لا يعمل بالمنسوخ لا العلة الإصطلاحية فاجنح بالجيم ثم نون مهملة أي مل ( له ) لأن في الصحيحين فضلا عن غيرهما من كتب الصحيح الكثير من المنسوخ بل وصحح الترمذي نفسه من ذلك جملة فتعين لذلك إرادته
خاتمة هذا النوع من أغمض الأنواع وأدقها ولذا لم يتكلم فيه كما سلف إلا الجهابذة أهل الحفظ والخبرة والفهم الثاقب مثل ابن المديني وأحمد والبخاري ويعقوب ابن شيبة وأبي حاتم وأبي زرعة والدارقطني ولخفائه كان بعض الحفاظ يقول معرفتنا بهذا كهانة عند الجاهل وقال ابن مهدي هي إلهام لو قلت للقيم بالعلل من أين لك هذا لم تكن له حجة يعني يعبر بها غالبا وإلا ففي نفسه حجيج للقبول وللرفع
وسئل أبو زرعة عن الحجة لقوله فقال إن تسألني عن حديث ثم تسأل عنه ابن وارة وأبا حاتم وتسمع جواب كل منا ولا تخبر واحدا منا بجواب الآخر فإن اتفقنا فاعلم حقيقة ما قلنا وإن اختلفنا فاعلم أنا تكلمنا بما رادنا ففعل فاتفقوا فقال السائل أشهد أن هذا العلم إلهام
وسأل بعض الأجلاء من أهل الرأي أبا حاتم عن أحاديث فقال في بعضها هذا خطأ دخل لصاحبه حديث في حديث وهذا باطل وهذا منكر وهذا صحيح فسأله من أين علمت هذا أخبرك الراوي بأنه غلط او كذب فقل له لا ولكني علمت ذلك فقال له الرجل أتدعي الغيب فقال ما هذا ادعاء غيب قال فما الدليل على قولك فقال أن تسأل غيري من أصحابنا فإن اتفقنا علمت أنا لم نجازف
فذهب الرجل الى أبي زرعة وسأله عن تلك الأحاديث بعينها فاتفقنا (1/235)
فتعجب السائل من اتفاقهما من غير مواطأة فقال له أبو حام أفعلمت أنا لم نجازف ثم قال والدليل على صحة قولنا أنك تحمل دينارا نهرجا إلى صيرفي فإن أخبرك أنه نهرج وقلت له أكنت حاضرا حين يهرج أو هل أخبرك الذي يهرجه بذلك يقول لك لا ولكن علم رزقنا معرفته وكذلك إذا حملت إلى جوهري فص ياقوت وفص زجاج يعرف ذا من ذا ونحن نعلم صحة الحديث بعدالة ناقليه وإن يكون كلاما يصلح أن يكون كلام النوة ونعرف سقمه ونكارته بتفرد من لم تصح عدالته
وهو كما قال غيره أمر يهجم على قلبهم لا يمكنهم رده وهيئة نفسانية لا معدل لهم عنها ولهذا ترى الجامع بين الفقه والحديث كابن خزيمة والإسماعيلي والبيهقي وابن عبد البر لا ينكر عليهم بل يشاركهم ويحذو حذوهم وربما يطالبهم الفقيه أو الأصولي العاري عن الحديث بالأدلة هذا مع اتفاق للفقهاء على الرجوع إليهم في التعديل والتجريح كما اتفقوا على الرجوع في كل فن إلى أهله ومن تعاطي تحرير فن غير فنه فهو متعنى فالله تعالى بلطيف عنايته أقام لعلم الحديث رجالا نقادا تفرغوا له وأفنوا أعمرهم في تحصيله والبحث عن غوامضه وعلله ورجاله ومعرفة مراتبهم في القوة واللين فتقليدهم والمشي وراءهم وإمعان النظر في تواليفهم وكثرة مجالسة حفاظ الوقت مع الفهم وجودة التصور ومدومة الاشتغال وملازمة التقوى والتواضع يوجب لك إن شاء الله معرفة السنن النبوية ولا قوة إلا بالله (1/236)
المضطرب
( مضطرب الحديث ما قد وردا ... مختلفا من واحد فأزيدا )
( في متن أو في سند إن اتضح ... فيه تساوى الخلف أما إن رجح )
( بعض الوجوة لم يكن مضطربا ... والحكم للراجح منها وجبا )
( كخط للسترة جم الخلف ... وافضطراب موجب للضعف )
لما انتهى من المعل الذي شرط الحكم به ترجيح جانب العله ناسب إرفاده بما لم يظهر فيه ترجيح مضطرب الحديث بكسر الراء اسم فاعل من إضطراب ما قد وردا حال كونه مختلفا من راو واحد بأن رواة مرة على وجه وأخرى على آخر مخالف له فأزيد بأن يضطرب فيه كذلك راويان فأكثر في لفظ متن أو في صورة سند رواته ثقات إما باختلاف في وصل وإرسال أو في إثبات راو وحذفه أو غير ذلك وربما يكون في السند والمتن معا هذا كله إن اتضح فيه تساوي الخلف أي الإختلاف في الجهتين أو الجهات بحيث لم يترجح منه شيء ولم يكن الجمع أما أن رجح بعض الوجوة والوجهين على غيرة بأحفظيه أو أكثريه ملازمه للمروى عنه أو غيرهما من وجوة الترجيح لم يكن حينئذ مضطربا والحكم للراجح منهما أي من الوجوة أو من الوجهين وجبا إذا (1/237)
المرجوح لا يكون مانعا من التمسك بالراجح وكذا لااضطراب إن أمكن الجمع بحيث يمكن أن يكون المتكلم معبرا باللفظين فأكثر عن معنى واحد ولو لم يترحج شيء
ولمضطربي المتن والسند أمثلة كثيرة فالذي في السند وهو الأكثر يؤخذ من العلل للدارقطني
ومما التقطه شيخنا منها مع زوائد وسماه المقترب في بيان المضطرب ( كـ ) حديث ( الخط ) من المصلي ( للسترة ) الذي لفظه إذا لم يجد عصى ينصبها بين يديه فليحفظ خطا أي يدير دوارة منعطفة كالهلال فيما قاله أحمد أو يجعله بالطول فيما قاله مسدد فإن إسناد هذا الحديث ( جم ) بفتح الجيم وتشديد الميم أي كثير ( الخلف ) أي الإختلاف على راويه وهو إسماعيل بن أمية فإنه قيل عنه عن أبي عمرو بن محمد بن حريث عن جده حديث عن أبي هريرة
وقيل عنه عن أبي عمرو بن حريث عن أبيه عن أبي هريرة وقيل عنه عن أبي عمرو بن محمد بن عمرو بن حريث عن جده حريث بن سليم عن أبي هريرة وقيل عنه عن أبي محمد بن عمرو بن حريث عن جده حريث رجل من بني عذرة عن أبي هريرة وقيل عنه عن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده عن أبي هريرة وقيل عنه عن محمد بن عمرو بن حريث عن أبي سلمة عن أبي هريرة وقيل عنه عن حريث بن عمار عن أبي هريرة وقيل عنه عن أبي عمرو بن محمد عن جده حريث بن سليمان عن أبي هريرة وقيل عنه عن أبي عمرو بن حريث عن جده حريث عن أبي هريرة وقيل غير ذلك
ولذا حكم غير واحد من الحفاظ كالنووي في الخلاصة وابن عبد الهادي وغيره من المتأخرين باضطراب سنده بل عزاه النووي للحفاظ (1/238)
قال الدارقطني لا يثبت وقال الطحاوي لا يحتج بمثله وتوقف الشافعي فيه في الجديد بعد أن اعتمده في القديم لأنه مع اضطراب سنده زعم ابن عيينة أنه لم يجيء إلا من هذا الوجه ولم يجد شيئا يشذه به لكن صححه ابن المديني وأحمد وجماعة منهم ابن حبان والحاكم وابن المنذر وكذا ابن خزيمة وعمد إلى الترجيح فراجح القول الأول من هذا الإختلاف ونحوه حكاية ابن أبي حاتم عن أبي زرعة ولا ينافيه القول الثاني لإمكان أن يكون نسب الراوي فيه إلى جده وسمى أبا لظاهر السياق وكذا لا ينافيه الثالث والتاسع والثامن إلا في سليمان مع سليم وكان أحدهما تصحف أو سليما لقب كما لا ينافيه الرابع إلا بالقلب بل قال شيخنا إن هذه الطرق كلها قابلة لترجيح بعضها على بعض والراجحة منها يمكن التوفيق بينها وحينئذ فينتفي الاضطراب عن السند أصلا ورأسا ولذلك أسنده الشافعي محتجا به في المبسوط للمزني وما تقدم عزوه إليه ففيه نظر
وقال البيهقي لا بأس بهذا الحديث في مثل هذا الحكم إن شاء الله قال النووي وهذا الذي اختاره هو المختار ثم إن اختلاف الرواة في اسم رجل أو نسبه لا يؤثر ذلك لأنه إن كان الرجل ثقة كما هو مقتضى صنيع من صحح هذا الحديث فلا ضير كا تقدم في كل من المعل والمنكر لا سيما وفي الصحيحين مما اختلف فيه على راويه جملة أحاديث وبذلك يرد على من ذهب من أهل الحديث إلى أن الاختلاف يدل على عدم الضبط في الجملة فيضر ذلك ولو كانت رواته ثقات إلا أن يقوم دليل على أنه عند الراوي المختلف عليه عنهما جميعا أو بالطريقتين جميعا والحق إنه لا يضر فإنه كيف ما دار كان على ثقة
وقد قال النووي في آخر الكلام على المجهول من تقريبه ومن عرفته عينه وعدالته وجهل اسمه احتج به وإن كان ضعيفا كام هو الحق هنا لجزم شيخنا في تقريبه بأن شيخ إسماعيل مجهول فضعف الحديث إنما هو من قبل (1/239)
ضعفه لا من قبل اختلاف الثقات في إسمه هذا مع أن دعوى ابن عيينة الفردية في المتن منتقضة بما روينا في فوائد عبدان الجو البقي قال حدثنا داهر بن نوح حدثنا يوسف بن خالد عن أبي معاذ الخرساني عن عطاء بن ميناء عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ليصلي أحدكم إلى ما يستره فإن لم يجد فليحفظ خطأ
وكذا روينا في أول جزء ابن فيل قال حدثنا عيسى بن عبد الله العسقلاني حدثنا داود بن الجراح عن الأوزاعي عن أيوب بن موسى عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا صلى أحدكم فليصل إلى مسجد أو الى شجرة أو إلى بعير فإن لم يجد فليحفظ خطأ بين يديه ولا يضره من مر بين يديه
ورواه أبو مالك النخعي عن أيوب فقال عن المقبري بدل أبي سلمة وادعى الدارقطني في الإفراد تفرد أبي مالك بهذا الحديث بل في الباب أيضا عن غير أبي هريرة فضد أبي يعلى الموصلي في مسنده من حديث إبراهيم بن أبي محذورة عن أبيه عن جده قال رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم دخل المسجد من قبل باب بني شيبة حتى جاء إلى وجه الكعبة فاستقبل القبلة فخط من بين يديه خطا عرضا ثم كبر فصلى والناس يطوفون بين الخط والكعبة
وكذا عند الطبراني من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه وفي سندهما ضعف لكنهما مع طريقين إحديهما مرسلة والأخرى مقطوعة يتقوى بها حديث أبي هريرة وإذا ظهر أن الاضطراب الواقع في هذا السند غير مؤثر فلنذكر مثالا لاخدش فيه مما اختلف فيه الثقات مع تساويهم وتنذر الجمع بين ما أتوا به وهو حديث شيبتني هود وأخواتها فإنه اختلف فيه على أبي اسحق السبيعي فقيل عنه عن عكرمة عن أبي بكر ومنهم من زاد بينهما ابن عباس وقيل عنه عن أبي جحيفة عن أبي بكر وقيل عنه عن البراء عن أبي بكر وقيل عن أبي ميسرة عن أبي بكر وقيل عنه عن مسروق (1/240)
عن أبي بكر وقيل عنه عن مسروق عن عائشة عن أبي بكر وقيل عنه عن علقمة عن أبي بكر وقيل عنه عن عامر بن سعد البجلي عن أبي بكر وقيل عنه عن عامر بن سعد عن أبيه عن أبي بكر وقيل عنه عن مصعب بن سعد عن أبيه عن أبي بكر وقيل عنه عن أبي الأحوص عن ابن مسعود ذكره الدارقطني مبسوطا
وأما أمثلة الاضطراب في التن أقل أن يوجد مثال سالم له كحديث نفي البسملة حيث زال الاضطراب عنه بالجمع المتقدم في النوع قبله وحديث ابن جريج في وضع الخاتم حيث زال بما تقدم في المنكر وحديث فاطمة إن في المال لحقا سوى الزكاة الذي ذكره الشارح حيث زال بإمكان سماعها للفظين وحمل المثبت على المقطوع والنافي على الواجب ويتأيد بزيادة ثم قرأ أي رسول الله صلى الله عليه و سلم وآتى المال على حبه في بعض طرقه
وفي لفظ آخر قال أبو حمزة قلت للشعبي إذا زكا الرجال ماله أطيب له ماله فقرأ ليس البر الآية هذا مع ضعفه بغير الاضطراب فإن أبا حمزة شيخ شريك فيه ضعيف ووراء هذا نفي بعضهم الاضطراب عنه بأن لفظ الحديث في الترمذي وابن ماجه سواء وهو الإثبات لكنه لم يصب وإن سبقه لنحوه البيهقي
فمنها الاختلاف في الصلاة في قصة ذي اليدين فمرة شك الراوي أهي الظهر أو العصر ومرة قال إحدى صلاتي العشى إما الظهر وإما العصر ومرة جزم بالظهر وأخرى بالعصر وأخرى قال وأكبر ظني أنها العصر
وعند النسائي ما يشهد لأن الشك فيها كان من أبي هريرة ولفظه صلى النبي صلى الله عليه و سلم إحدى صلاتي العشى قال أبو هريرة ولكني نسيت
قال شيخنا فالظاهر أن أبا هريرة رواه كثيرا على الشك وكان ربما غلب على ظنه أنها الظهر فجزم بها وتارة غلب على ظنه أنها العصر فجزم (1/241)
بها ثم طرأ الشك في تعيينها على ابن سيرين أيضا لما ثبت عنه أنه قال سماها أبو هريرة ولكن نسيت أنا وكان السبب في ذلك الاهتمام بما في القصة من الأحكام الشرعية وأبعد من جمع بأن القصة وقعت مرتين
ولكن كثيرا ما يسلك الحفاظ كالنووي رحمه الله ذلك في الجمع بينالمختلف توصلا إلى تصحيح كل من الروايات صونا للرواة الثقات أن يتوجه الغلط إلى بعضهم وقد لايكون الواقع التعدد نعم قد رجح شيخنا في هذا المثال الخاص رواية من عين العصرفي حديث أبي هريرة ( والاضطراب ) حيث وقع في سند أو متن ( موجب للضعف ) لإشعاره بعدم ضبط راويه أو رواته (1/242)
المدرج
( المدرج الملحق آخر الخبر ... من قول راو ما بلا فصل ظهر )
( نحو إذا قلت التشهد وصل ... ذلك زهير وابن ثوبان فصل )
( قلت ومنه مدرج قبل قلب ... اسبغوا الوضوء ويل للعقب )
( وطمنه جمع ما أتى كل طرف ... منه باسناد بواحد سلف )
( كوائل في صفه الصلاة قد ... أدرج ثم جثتهم وما اتحد )
( ومنه أن يدرج بعض مسند ... فس غيرة مع اختلاف السند )
( نحو ولا تنافسوا في متن لا ... تباغضوا فمدرج قد نقلا )
( من متن لا تجسوا أدرجه ... ابن أبي مريم إذا أخرجه )
( ومنه متن عن جماعه ورد ... وبعضهم خالف بعضا في السند )
( فيجمع الكل بإسناد ذكر ... كمتن أي الذنب أعظم الخبر )
( فان عمرا عند واصل فقط ... بين شقيقين وابن مسعود سقط )
( وزاده الأعمش كذا منصور ... وعمد الادراج لها محظور )
لما انتهى مما هو قسيم المعل من حيثية الترجيح والتساوي كما قدمت وكان مما يعل به إدخال متن ونحوه في متن ناسب الإرداف بذلك (1/243)
( المدرج ) ويقع في السند والمتن ولكل منهما أقسام اقتصر ابن الصلاح في المتن على أحدهما هو القول الملحق آخر الخبر المرفوع من قول راو ما من رواته أما الصحابي أو التابعي أو من بعده بلا فصل ظهر بين هذا الملحق يعزوه نقائلة وبين كلام النبوة بحيث يتوهم أن الجميع مرفوع ثم قد يكون تفسير الغريب في الخبر وهو الأكثر كحديث النهي عن نكاح الشغار والنهي عن المحاقلة والمزابنة ونظائرها أو استنباطا لما فهمه منه أحد رواته كثاني حديثي ابن مسعود ألا يتبين في الطريق لمعرفة الإدراج أو كلاهما مستقلا وربما يكون حديثا آخر كاسبغوا الوضوء والأمر في أولها سهل إذ الراوي أعرف بمعنى ما روى
وقد يكون في المرفوع كما تقدم أوفي الموقوف على الصحابي بإلحاق التابعي فمن بعده أو في المقطوع بإلحاق تابعي التابعي فمن بعده
ولكن الأهم من ذلك ما اقتصر عليه ابن الصلاح وله أمثلة ( نحو ) قول ابن مسعود في آخر حديث القاسم بن مخيمرة عن علقمة بن قيس عنه في تعليم النبي صلى الله عليه و سلم له التشهد في الصلاة إذا قلت هذا التشهد فقد قضيت صلاتك إن شئت أن تقوم فقم وإن شئت أن تقعد فاقعد فقد وصل داك بالمرفوع ( زهير ) هو ابن معاوية أبو خيثمة كما قاله جمهور أصحابه عنه في روايته له عن الحسن بن الحر عن القاسم بسنده المذكور وابن ثوبان هو عبد الرحمن بن ثابت أحد من رواه عن ابن الحر ( فصل ) الموقوف عن المرفوع بقوله قال ابن مسعود بل رواه شبابة ابن سوار وهو ثقة عن زهير نفسه أيضا كذلك
ويتأيد باقتصار حسين الجعفي وابن عجلان ومحمد بن أبان في روايتهم عن ابن الحر بل وكل من روى التشهد عن علقمة وغيره عن ابن مسعود على المرفوع فقط ولذلك صرح غير واحد من الأئمة بعدم رفعه بل اتفقوا كما قال النووي في الخلاصة على أنه مدرج ثم إنه لو صح رفعه لكان (1/244)
ظاهره معارضا لقوله صلى الله عليه و سلم تحليلها التسليم مع أن الخطابي جمع بينهما على تقدير التنزل في عدم الإدراج بأن قوله فقد قضيت صلاتك أي معظمها قلت ومنه أي ومن المدرج مما هو من أقسام المتن أيضا مدرج قبل أي قبل الآخر بأن يكون في أوله أو أثنائه ( قلب ) بالنسبة لما الإدراج في آخره ولكل منهما أمثلة كحديث ( أسبغوا ) بفتح الهمزة أي اكملوا الوضوء ويل العقب أي مؤخر القدم وفي لفظ وهو الأكثر للأعقاب من النار فإن شبابة بن سوار وأبا قطن عمرو بن الهيثم روياه عن شعبة عن محمد بن زياد عن أبي هريرة برفع الجملتين مع كون الأولى من كلام أبي هريرة كما فصله جمهور الرواة عن شعبة واتفق الشيخان على تخريجه كذلك من حديث بعضهم واقتصر بعضهم على المرفوع فقط فهو مثال لما الإدراج في أوله وهو نادر جدا حتى قال شيخنا إنه لم يجد غيره إلا ما وقع في بعض طرق حديث بسرة الآتي ثم إن قول أبي هريرة ( أسبغوا ) قد ثبت في الصحيح مرفوعا من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص وكحديث عائشة في بدء الوحي حيث أدرج فيه الزهري والتحنث التعبد وحديث فضالة بن عبيد رفعه أنا زعيم ببيت في رياض الجنة حيث أدرج فيه ابن وهب والزعيم الحميل
وحديث هشام بن عروة بن الزبير عن أبيه عن بسرة ابنة صفوان مرفوعا من مس ذكره أو أنثييه أو رفعه فليتوضأ
قال عبد الحميد بن جعفر رواه عن هشام وكذا أبو كامل الجحدري عن يزيد بن زريع عن أيوب السختياني عن هشام كذلك مع كون الأثننيين والرفع إنما هو من قول عروة كما فصله حماد بن يزيد وغيره عن هشام وهو الذي رواه جمهور أصحاب يزيد بن زريع عنه ثم جمهور أصحاب السختياني عنه واقتصر عشرون من حفاظ أصحاب هشام على المرفوع فقط وممن صرح بأن ذلك قول عروة الدارقطني والخطيب فهي أمثلة لما الإدراج في وسطه (1/245)
لكن قد روى آخرها الطبراني في الكبير من حديث محمد بن دينار الطاحي عن هشام فقدم المدرج ولفظه من مس دفغه أو انثييه أو ذكره وحينئذ فهو مع تكلف مثال للذي قبله أيضا كما أشير إليه قريبا
ورواه عبد الأعلى بن عبد الأعلى عن هشام بن حسان عن هشام بلفظ إذا مس ذكره أو انثييه فقط أخرجه ابن شاهين في الأبواب
ورواه ابن يزيد بن هارون عن هشام بن حسان بلفظ إذا مس أحدكم ذكره أو قالب أو فرجه أو قال انثييه فتردده فيه كما قال شيخنا يدل على أنه ما ضبطه
واعلم أن الطريق لمعرفة الإدراج إما باستحالة إضافته إلى النبي صلى الله عليه و سلم كقول أبي هريرة في حديث للعبد المملوك أجران ما نصه والذي نفسي بيده لولا الجهاد في سبيل الله وبر أمي لأحببت أن أموت وأنا مملوك
أو قول ابن مسعود كما جزم به سليمان بن حرب في حديث الطيرة شرك ما نصه وما منا إلا أو بتصريح صحابية بأنه لم يسمعه من النبي صلى الله عليه و سلم كحديث ابن مسعود سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول من جعل لله ندا دخل النار قال وأخرى أقولها ولم أسمعها منه من مات لا يجعل لله ندا أدخله الجنة أو بتصريح بعض الرواة بالفصل بإضافته لقائله ويتقوىالفصل باقتصار بعض الرواة على الأصل كحديث التشهد وثالثهما أكثرها
وما أحسن صنيع مسلم حيث أخرج حديث عبد الأعلى بن داود عن الشعبي عن علقمه عن ابن مسعود في جيء داعي الجن إلى النبي صلى الله عليه و سلم وذهابه معهم وقراءته عليهم القرآن قال ابن مسعود فانطلق بنا فأرانا آثارهم وأثار نيرانهم وسألوة الزاد فقال لكم كل عظم إلى آخرة ثم رواة من جهه إسماعيل ابن ابراهيم عن داود وقال بسنده إلى قوله وآثار نيرانهم فقال الشعبي وسألوة الزاد إلى آخرة فبين أنه من قول الشعبي منفصلا من حديث (1/246)
عبد الله ثم رواة من حديث عبد الله ابن ادريس عن داود به بدون ذكر وسألوة إلى آخرة لا متصلا ولا منفصلا
ولكن الحكم للإدراج بها مختلف فبالأول قطعا وبباقيها بحسب غلبه الظن للناقد بل أشار ابن دقيق العيد في الإقتراح إلى ضعفه حيث كان أو الخبر كقوله قال رسول الله صلى الله عليه و سلم أصبغوا الوضوء أو من مس أنثييه لا سيما وإن جاء ما بعده بواو العطف وكذا حين قال في أثناء اللفظ المتفق على رفعه ولذا قال في اظفمام له إنما يكون الإدراج بلفظ تابع يمكن استقلاله عن اللفظ السابق انتهى
وكان الحامل لهم على عدم تخصيص ذلك بآخر الخبر تجويز كون التقديم والتأخير من الراوي لظنه الرفع في الجميع واعتماده الروايه بالمعنى فبقي المدرج حينئذ في أول الخير وأثنائه بخلاف قبل ذلك
وإلى نحوة أشار الناظم في شرح الترمذي وقال إن الراوي راى أشياء متعاطفه فقدم واخر لجواز ذلك عنده وصار الموقوف لذلك او الخبر أو وسطه ولا شك أن الفاصل معه زياده عدم فهم أولى وبالجمله فقد قال شيخنا إنه لا انع من الحكم على ما في الأول او الآخر أو الوسط بالإدراج إ1ذ قام الدليل المؤثر غلبه الظن
وقد قال أحمد كان وكيع يقول في حديث يعني كذا وكذا وربما طرح ويعني وذكر التفسير في الحديث وكذا كان الزهري يفسر الأحاديث كثيرا وربما أسقط أداة التفسير فكان بعض أقرانه دائما يقول له أفضل كلامك من كلام النبي صلى الله عليه و سلم إلى غير ذلك من الحكايات
ومن مدرج المتن أن يشرك جماعه عن شيخ في روايه ويكون لأحدهم زياده يختص بها فيرويه عنهم راويا لزياده من غير تميز كراويه الوزاعي عن الزهري عن أبي سلمه بن عبد الرحمن وسعيد بن (1/247)
المسيب وأبي بكر بن عبد الرحمن ابن الحارث ثلاثتهم عن أبي هريرة حديث لا يزني الزاني وفيه لا ينتهب نهبه
فجملة الهبة إنما رواها الزهري عن أبي بكر خاصة بل رواها الزهري أيضا عن عبد الملك بن أبي بكر عن أبيه أبي بكر المذكور أن أبا هريرة كان يلحقها في الخبر أي من قوله ( ومنه ) أي المدرج وهو الأول من ثلاثة أقسام ذكرها ابن الصلاح في السند جمع ما أتى كل طرف منه عن رواته بإسناد غير إسناد الطرف الآخر بواحد سلف من المسندين ( كـ ) حديث ( وائل ) هو ابن حجر في صفة الصلاة النبوية الذي رواه زائدة وابن عيينة وشريك جميعا عن عاصم بن كليب عن أبيه عنه ( قد أدرج ) من بعض رواته في آخره بهذا السند ( ثم جئتهم ) بعد ذلك بزمان فيه برد شديد فرأيت الناس عليهم جل الثياب تحرك أيديهم تحت الثياب ( وما اتحدا ) شيخ عاصم في الجملتين بل الذي عنده بهذا السند صفة صلاة النبي صلى الله عليه و سلم خاصة
وأما الجملة الثانية فإنما رواها عن عبد الجبار بن وائل عن بعض أهله عن وائل فبينهما واسطتان بخلاف الأول كذلك فصلهما زهير بن معاوية وأبو بدر شجاع بن الوليد ورجح روايتهما موسى بن هارون البغدادي الفقيه الحافظ عرف بإكمال وقضى على الأول وهو جمعهما بسند واحد بالوهم
وقال ابن الصلاح إنه الصواب ونحو هذا القسم وأفرده شيخنا عنه أن يكون المتن عند راويه عن شيخ له إلا بعضه فإنما هو عنده بواسطة بينه وبين ذاك الشيخ فيدرجه بعض الرواة عنه بلا تفصيل ( كـ ) حديث إسماعيل بن جعفر عن حميد عن أنس في قصة العرينين وأن النبي صلى الله عليه و سلم قال لهم لو خرجتم إلى إبلنا فشربتم من ألبانها وأبوالها فإن لفظة وأبوالها إنما سمعها حميد من قتادة عن أنس كما ينه محمد بن أبي عدي ومروان بن معاوية ويزيد ابن هارون وآخرون إذ رووه عن حميد عن أنس بلفظ فشربتم من ألبانها فعندهم قال حميد قال قتادة عن أنس وأبوالها فرواية إسماعيل على هذا فيها إدراج يتضمن (1/248)
تدليسا ( ومنه ) وهو ثاني الثلاثة ( أن يدرج ) من الراوي ( بعض ) حديث ( مسنده في ) حديث غيره وهما عند راو واحد أيضا لكن مع اختلاف السند جميعه فيهما ( نحو ) حديث ولا تنافسوا حيث أدخل في متن لا تباغضوا المرفوع الثابت عن مالك عن الزهري عن أنس بلفظ لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا فقط فلفظ ولا تنافسوا مدرج فيه قد نقلا من راويه من متن لا تجسسوا بالجيم أو الحاء المرفوع الثابت عن مالك أيضا عن أبي الزناد الأعرج عن أبي هريرة بلفظ الظن إياكم والظن فإن أكذب الحديث ولا تجسسوا ولا تحسسوا ولا تنافسوا ولا تحاسدوا أدرجه أي ولا تنافسوا في السند الأول من الثاني ابن أبي مريم هو الحافظ أبو محمد سعيد بن محمد بن الحكم الجمحي المصري شيخ البخاري إذا أخرجه أي رواه عن مالك وصيرهما بإسناد واحد وهو وهم منه كما جزم به الخطيب وصرح هو وابن عبد البر معا بأنه خالف بذلك جميع الرواة عن مالك في الموطأ وغيره
وكذا قال حمزة الكتاني لا أعلم أحدا قالها عن مالك في حديث أنس وغيره
قلت وكذا أدرجها عبد الرحمن بن اسحقعن الزهري وخالف الحفاظ من أصحاب الزهري ولكن إنما يتم التمثيل في هذا القسم بحديث مالك ( ومنه ) وهو ثالث الثلاثة ( متن ) أي حديث عن جماعة من الرواة ورد وبعضهم أي والحال أن بعضهم خالف بعضا بالزيادة أو النقص في السند فيجمع بعض الرواة الكل بإسناد واحد ( ذكر ) من غير بيان الاختلاف بل يدرج روايتهم على الاتفاق كمتن أي الذنب أعظم قال أن تجعل لله ندا ( الخبر ) المروي عن ابن مسعود قال قلت يا رسول الله وذكره فإن عمروا أهو ابن شرحبيل أبوميسرة أحد الكبار من التابعين عند واصل فقط ( بين ) شيخه ( شقيق ) هو ابن سلمة أبو وائل أحد كبار (1/249)
التابعين أيضا بل هو ممن أدرك النبي صلى الله عليه و سلم لكن لم يره ( و ) بين ابن مسعود سقط وزاده ( الأعمش ) بنقل الهمزة وكذا منصور بن المعتمر حيث روياه عن شقيق فلما رواه الثوري حسبما وقع من حديث ابن مهدي ومحمد بن كثير عنه عن الثلاثة أعني واصلا والأعمش ومنصور أثبته في روايتهم وصارت رواية واصل مدرجة على رواية الآخرين
وممن رواه عن واصل بحذف سعيد بن مسروق وشعبة ومالك بن مغول ومهدي بن ميمون بل رواه عمرو بن علي الفلاس عن يحيى بن سعيد القطان عن الثوري نفسه بالتفصيل المذكور
قال الفلاس فذكرت ذلك لابن مهدي يعني لكونه خلاف ما كان حدثه بل وحدث غيره به فقال دعه دعه فقوله دعه يحتمل أنه أمر بالتمسك بما حدثه به وعدم الالتفات لخلافه ويحتمل أنه أمر بترك عمرو من حديث واصل لكونه نذكر أنه هو الصواب أو لكونه كان عنده محمولا على رفيقيه فلما سأله عنه بانفراده أخبره بالواقع لكن يعكر عليه رواية بندار عن ابن مهدي عن الثوري عن واصل وحده بإثباته
وإن أمكن الجواب عنه بأن ذلك من تصرف بعض الرواة حيث ظن من رواية ابن مهدي حديث الثلاثة بالإثبات اتفاق طرقهم ولزم من ذلك أنه لما رواه من طريق واصل خاصة أثبته بناء على ما ظنه وذلك غير لازم ولهذا لا ينبغي كما سيأتي التنبيه عليه في اختلاف ألفاظ الشيوخ لمن يروي حديثا من طريق جماعة عن شيخ أن يحذف بعضهم بل يأتي به عن جميعهم لاحتمال أن يكون اللفظ سندا أو متنا لأحدهم الذي ربما يكون هو المحذوف ورواية من عداه محمولة عليه على أنه قد اختلف على الأعمش أيضا في إثباته عمرو وحذفه
وبالجملة فهو في هذا المثال من المزيد في متصل الأسانيد لكون (1/250)
شقيق روى عن كل من عمرو وابن مسعود لكن قد يتضمن ارتكاب مثل هذا لصيغ إيهام وصل مرسل أو اتصال منقطع وما أحسن محافظة الإمام مسلم على التحري في ذلك وكذا شيخه الإمام أحمد
ومن أقسام مدرج الإسناد أيضا وهو رابع أو خامس أن لايذكر المحدث متن الحديث بل المسوق إسناده فقط ثم يقطعه قاطع فيذكر كلاما فيظن بعض من سمعه أن ذلك الكلام هو متن ذلك الإسناد
وله أمثلة منها قصة ثابت بن موسى الزاهد مع شريك القاضي فقد جزم ابن حبان بأنه من المدرج ومثل بها ابن الصلاح لشبه الوضع كما سيأتي ( وعمد ) أي تعمد الإدراج لها أي لكل الأقسام المتعلقة بالمتن والسند محظور أي حرام لما يتضمن من عزو الشيء لغير قائله وأسوأه ما كان في المرفوع مما لادخل له في الغريب المتسامح في خلطه أو الاسنباط وقد صنف الخطيب في هذا النوع كتابا سماه الفصل للوصل المدرج في النقل ولخصه شيخنا مع ترتيبه له على الأبواب وزيادة للعلل وغيره
وسماه تقريب المنهج بترتيب المدرج وقال فيه إنه وقعت له جملة أحاديث على شرط الخطيب وإنه عزم على جمعها وتحريرها وإلحاقها بهذا المختصر أو في آخره مفردة كالذيل وكأنه لم يبيضها فما رأيتها بعد (1/251)
الموضوع
( شر الضعيف الخبر الموضوع ... الكذب المختلق المصنوع )
( وكيف كان لم يخبروا ذكرة ... لم أعلم مالم يبين أمرة )
( وأكثر الجامع فيه إذا خرج ... لمطلق الضعف عن أبا الفرج )
( والواضعون للحديث اضرب ... أخرهم قوم لزهد نسبوا )
( قد وضعوها حسبه فقبلت ... منهم ركونا لهم ونقلت )
( فقيض الله لها نقادها ... فبينوا بنقدهم قسادها )
( نحو أبي عصمه إذ رأى الورى ... زعما نأوا عن القرآن فافترى )
( حديثا في فضائل السور ... عن ابن عباس فبئس ما ابتكر )
( وكذا الحديث عن أبي اعترف ... راويه بالوضع وبئس ما اقترف )
( وكل من أو ضعه كتابه ... كالواحدي مخطئ صوابه )
( وجوزوا الوضع على الترغيب ... قوم ابن كرام وفي الترهيب )
وناسبته لما قبله ظاهرة إذ من أقسامه ما يلحق في المرفوع من غيره ولذا تجاذبا بعض الأمثلة ( شر ) أنواع الضعيف من المرسل والمنقطع وغيرهما الخبر الموضوع وهو لغة كما قاله ابن دحية الملصق يقال وضع (1/252)
فلان على فلان كذا أي الصقه به وهو أيضا الحط والإسقاط لكن الاط الأول أليق بهذه الحيثية كما قاله شيخنا واصطلاحا ( الكذب ) على رسول الله صلى الله عليه و سلم ( المختلق ) بفتح اللام الذي لا ينسب إليه يوجه الموضوع من واضعه وجيء في تعريفه بهذه الألفاظ الثلاثة المتقاربة للتأكيد في التغيير منه والأول منها من الزوائد
وقد بلغنا أن بعض علماء العجم أنكر على الناظم قوله في حديث سئل عنه إنه كذب محتجا بأنه في كتاب من كتب الحديث ثم جاء به من الموضوعات لابن الجوزي فتعجبوا من كونه لا يعرف موضوع الموضوع ولم ينفرد ابن الصلاح بكونه شر الضعيف بل سبقه لذلك الخطابي ولا ينافيه قول ابن الصلاح أيضا في أول الضعيف ما عدم صفات الصحيح والحسن هو القسم الآخر الأرذل الجمل ذاك على مطلق الواهي الذي هو أعم من الموضوع وغيره كما قيل أفضل عبادات البدن الصلاة مع تفاوت مراتبها
وأما هنا فإنه بين نوعا منه وهو شر أنواعه لكن قد يقال إن أفعل التفضيل ليست هذا على بابها حتى لا يلزم الاشتراك بين الضعيف والموضوع في الشر اللهم إلا أن يقال إن ذلك في الضعيف بالنسبه أي المقبول
ثم إن ثم إن وراء هذا النزاع في إدراج الموضوع في نوع الحديث لكونه ليس بحديث ولكن قد أجيب بإردة القدر المشترك وهو ما يحدث به أو بالنظر لما في زعم واضعه وأحسن منهما أنه لأجل معرفه الطرق التي يتوصل بها لمعرفته لينفي عن المقبول ونحوة وكيف كان الموضوع أي ي أي معنى كان من الأحكام أو القصص أو الفضائل أو الترغيب والترهيب أو غيرها لم يخبروا أي العلماء بالحديث وغيرة ذكرة بروايه غيرها لمن علم بإدغام ميمها فيما بعدها إنه موضوع لقوله صلى الله عليه و سلم من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين أو يرى مضبوطه بضم الياء بمعنى يظن في الكاذبين روايتان (1/253)
إحداهما بفتح الباء على إرادة التثنيه والأخرى بكسرها على صيغه الجمع وكفى بهذه الجمله وعيدا شديدا في حق من روى الحديث وهو يظن أنه كذب فضلا عن أن يتحقق ذلك ولأبينه لأنه صلى الله عليه و سلم جعل المحدث ذلك شاركا لكاذبه في موضعه وقد روى الثوري عن حبيب بن أبي ثابت أنه قال من روى الكذب فهو الكذاب ولذا قال الخطيب يجب على المحدث أن لا يرى شيئا من الأخبار المصنوعه والأحاديث الباطله الموضوعه فمن فعل ذلم باء بالإثم المبين ودخل في جمله الكذابين
وكتب البخاري على حديث موضوع من حدث بهذا استوجب الضرب الشديد والحبس الطويل لكن محل هذا مالم يبين ذاكرة آمرة كان يقول هذا كذب أو باطل أو نحوهما من الصريح في ذلك
وفي الإقتصاد على التعريف بكونه موضوعا نظر قرب من يعرف موضوعه كما قدمت الحكايه فيه وكذا لايبرأ من العهده في هذه الإعصار بالاقتصار على إيراد إسناده بذلك لعدم إلا من المحذور به وإن صنعه أكثر المحدثين في الأعصار الماضيه في سنه مائتين وهلم جرا خصوصا الطبراني وأبو نعيم وابن منده فإنهم إذا ساقوا الحديث بإسناده اعتقدوا أنهم برثوا من عهده حتى بالغ ابن الجوزي فقال في الكلام على حديث أبي الآتي أن شرة جمهور المحدثين يحمل على ذلك فإن من عاداتهم تنفيق حديثهم ولو بالأباطيل وهذا قبيح منهم
قال شيخنا وكان ذكر الإسناد عندهم من الجمله لبيان هذا مع إلحاق اللوم لمن سمينا بسببه
وأما الشارح فإنه قال إن من أبرز إسناده به فهو أبسط لعذرة إذا قال ناظرة على الكشف عن سنده وإن كان لا يجوز له السكوت عليه من غير بيان (1/254)
قال الخطيب ومن روى حديثا موضوعا على سبيل البيان لحال واضعه ةالاستشهاد على عظيم ما جاء به والتعجب منه والتنفير عنه ساغ له ذلك وكان بمثابة إظهار جرح الشاهد في الحاجة إلى كشفه والإبانة عنه
وأما الضعيف فسيأتي بيان حكمه في ذلك إن شاء الله قبيل معرفة من تقبل روايته قريبا ويوجد الموضوع كثيرا في الكتب المصنفة في الضعفاء وكذا في العلل ولقد أكثر الجامع فيه مصنفا نحو مجلدين إذ خرج عن موضوع كتابه مطلق الضعف حيث أخرج فيه كثيرا من الأحاديث الضعيفة التي لا دليل معه على وضعها وعنى ابن الصلاح لهذا الجامع الشهير أبا الفرج ابن الجوزي بل ربما أدرج فيها الحسن والصحيح مما هو في أحد الصحيحين فضلا عن غيرهما وهو مع إصابته في أكثر ما عنده توسع منكر ينشأ عن غاية الضرر من ظن ما ليس بموضوع بل هو صحيح موضوعا مما قد يقلده فيه العارف تحسينا للظن به حيث لم يبحث فضلا عن غيره
ولذا انتقد العلماء صنيعه إجمالا والموقع له في استناده في غالبه لضعف راويه الذي رمى بالكذب مثلا غافلا عن مجيئه من وجه آخر
وربما يكون اعتماده في التفرد قول غيره ممن يكون كلامه فيه محمولا على النسبي هذا مع أن مجرد تفرد الكذاب بل الوضاع ولو كان بعد الاستقصاء في التفتيش من حافظ متبحر تام الاستقراء غير مستلزم لذلك بل لا بد معه من انضمام شيء مما سيأتي
ولذا كان الحكم من المتأخرين عسرا جدا وللنظر فيه مجال بخلاف الأئمة المتقدمين الذين منحهم الله التبحر في علم الحديث والتوسع في حفظه كشعبة والقطان وابنه مهدي ونحوهم
وأصحابهم مثل أحمد وابن المدني وابن معين وابن راهوية وطائفة ثم أصحابهم مثل البخاري ومسلم وأبي داود والترمذي والنسائي (1/255)
وهكذا إلى زمن الدارقطني والبيهقي ولم يجيء بعدهم مساولهم ولا مقارب أفاده العلائي وقال فمتى وجدنا في كلام أحد من المتقدمين الحكم به كان معتمدا لما أعطاهم الله من الحفظ الغزير وإن اختلف النقل عنهم عدل إلى الترجيح انتهى
وفي جزمه باعتمادهم في جميع ما حكموا به من ذلك توقف ثم إن من العجب إيراد ابن الجوزي في كتابه العلل المتناهية في الأحاديث الواهية كثيرا مما أورده في الموضوعات كما أن في الموضوعات كثيرا من الأحاديث الواهية بل قد أكثر في تصانيفه الوعظية وما أشبهها من إيراد الموضوع وشبهه قال شيخنا وفاته من نوعي الموضوع والواهي في الكتابين قدر ما كتب
قال ولو انتدب شخص لتهذيب الكتاب ثم لإلحاق ما فاته لكان حسنا وإلا فبما عدم الانتفاع به إلا للناقد إذ ما من حديث إلا ويمكن أن لا يكون موضوعا وهو الحاكم في مستدركه على الصحيحين طرفا نقيض يعني فإنه أدرج فيه الحسن بل والضعيف وربما كان فيه الموضوع
وممن أفرد بعد ابن الجوزي في الموضوع كراسة الرغبي الصغاني اللغوي ذكر فيها أحاديث من الشهاب للقضاعي والنجم للاقليشي وغيرهما كالأربعين لابن ودعان وفضائل العلماء لمحمد بن سرور البلخي والوصية لعلي بن أبي طالب وخطبة الوداع وآداب النبي صلى الله عليه و سلم وأحاديث ابن أبي الدنيا الأشج ونسطور ونعيم بن سالم ودينار الحبشي وأبي هدبة إبراهيم ابن هدبة ونسخه سمعان عن أنس وفيها الكثير أيضا من الصحيح والحسن وما فيه ضعف يسير
وقد أفرده للناظم في جزء وللجوزفاني أيضا كتاب الأباطيل أكتب فيه من الحكم بالوضع بمجرد مخالفته السنة (1/256)
قال شيخنا وهو خطأ إلا أن تعذر الجمع ومن ذلك الحديث لا يؤمن عيد عبدا فيخفض نفسه بدعوة دونهم الحديث حكم عليه بعضهم بالوضع لأنه قد صح أنه صلى الله عليه و سلم كان يقول اللهم با عد بيني وبين خطاياي
وهذا خطأ لإمكان حمله على ما لم يشرع للمصلي من الأدعية بخلاف ما يشترك فيه الإمام والمأموم وكذا صنف عمر بن بدر الموصلي كتابا سماه المغني عن الحفظ والكتاب بقولهم لم يصح شيء في هذا الباب وعليه فيه مؤاخذات كثيرة وإن كان له في كل من أبوابه سلف من الأئمة خصوصا المتقدمين والواضعون جمع واضع للحديث وهم جمع كثيرون معروفون في كتب الضعفاء خصوصا الميزان للذهبي ولسانه لشيخنا بل أفردهم الحافظ البرهان الحلبي في في تأليف سماه الكشف الحثيث عمن رمى بوضع الحديث وهو قابل للاستدراك ويختلف حالهم في الكثرة والقلة وفي السبب الحاصل لهم على الوضع ( اضرب ) أي أصناف فصنف كالزنادقة وهم المبطنون للكفر المظهرون للإسلام أو اللذين لا يتدينون بدين بفعلون ذلك استخفافا بالدين ينقلوا به الناس
فقد قال حماد بن زيد فيما أخرجه العقيلي أنهم وضعوا أربعة عشر ألف حديث
وقال المهدي فيما رويناه عنه أقر عندي رجل من الزنادقة بوضع مائة حديث فهي تجول في أيدي الناس
ومنهم الحارث الكذاب الذي ادعى النبوة ومحمد بن سعيد المصلوب والمغيرة بن سعيد الكوفي وغيرهم كعبد الكريم بن أبي العوجا خال معن بن زائدة الذي أمر بقتله وصلبه محمد بن سليمان بن علي العباسي أمير البصرة في زمن المهدي بعد الستين ومائة واعترف حينئذ بوضع أربعة آلاف حديث يحرم حلالها ويحل حرامها (1/257)
وصنف كالخطابة فرقة من غلاء الشيعة المشايعين عليا رضي الله عنه ينتسبون لأبي الخطاب الأسدي كان يقول بالحلول في أناس من أهل البيت على التعاقب ثم ادعى الإلهية وقتل
وهذه الطائفة مندرجةفي الرافضة إذ الرافضة فرق متنوعة من الشيعة وانتسبوا كذلك لأنهم تابعوا زيد بن علي ثم قالوا له تبرأ من الشيخين فأبى وقال كانا وزيري جدي صلى الله عليه و سلم فتركوه ورفضوه وكالسالمية فرقة ينتسبون لمذهب الحسن بن محمد بن أحمد بن سالم السالمي في الأصول وكان مذهبا مشهورا بالبصرة وسوادها فهؤلاء كلهم يفعلونه انتصارا وتعصبا لمذهبهم
وقد روى ابن أبي حاتم في مقدمة كتاب الجرح والتعديل عن شيخ من الخوارج إنه كان يقول بعد ما شاب انظروا عمن تأخذون دينكم فإنا كنا إذا هوينا أمرا صيرناه حديثا زاد غيره في رواية ونحتسب الخير في إضلالكم
وكذا قال محرز أبو راخاء وكان يرى القدر فتاب منه لاترووا عن أحد من أهل القدر شيخا فوالله لقد كنا نضع الأحاديث ندخل بها الناس في القدر نحتسب بها إلى غير ذلك بل قال الشافعي كما سيأتي في معرفة من تقبل روايته ما في أهل الأهواء أشهد بالزور من الرافضة وصنف يتقربون لبعض الخلفاء والأمراء لوضع ما يوافق فعلهم وآراءهم ليكون كالعذر لهم فيما أتوه وأرادوه كغياث بن إبراهيم النخعي حيث وضع للمهدي محمد بن المنصور عبد الله العباسي والد هارون الرشيد في حديث لا سبق إلا في نصل أو خف فزاد فيه أو جناح " وكان المهدي إذ ذاك يلعب بالحمام فأمر ببدرة يعني عشرة آلاف درهم فلما قفى قال أشهد على قفاك أنه قفا كذاب ثم ترك الحمام بل وأمر بذبحها وقال أنا حملته على ذلك ذكرها أبو خيثمة (1/258)
لكن أسند الخطيب في ترجمة وهب بن وهب أبي البختري من تاريخه من طريق إبراهيم الحربي أنه قال قيل للإمام أحمد أتعلم أن أحمدا روى لاسبق إلا في خف أو حافر أو جناح فقال ما روى ذاك إلا ذاك الكذاب أبو البختري
بل روى الخطيب في ترجمته أيضا من طريق زكريا الساجي أن أبا البختري دخل وهو قاض على الرشيد وهو إذ ذاك يطير الحمام فقال هل تحفظ في هذا شيئا فقال حدثني هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يطير الحمام فقال الرشيد أخرج عني ثم قال لولا أنه رجل قريش لعزلته
وصنف في ذم من يريدون ذمه كما روينا عن سعد بن طريف الإسكاف المخرج له في الترمذي وابن ماجه أنه رأى ابنه يبكي فقال مالك قال ضربني المعلم فقال أما والله لأخزينهم حدثني عكرمة عن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال معلموا صبيانكم شراركم
وصنف كانوا يتكسبون بذلك ويرتزقون به في قصصهم ومواعظهم
وصنف يلجأون إلى إقامة دليل على ما أفتوا فيه بآرائهم فيضعونه وقد حصل الضرر بجميع هؤلاء وأضرهم قوم لزهد وصلاح نسبوا كأبي بشر أحمد ابن محمد المروزي الفقيه وأبي داود النخعي قد وضعوها أي الأحاديث في الفضائل والرغائب حسبة أي للحسبة بمعنى أنهم يحتسبون بزعمهم الباطل وجهلهم الذي لا يفرقون بسببه بين ما يجوز لهم ويمتنع عليهم في صنيعهم ذلك الأجر وطلب الثواب لكونهم يرونه قربة ويحتسبون أنهم يحسنون صنعا كما يحكي عمن كان يتصدى للشهادة برواية هلال رمضان من غير رؤية زاعما للخير بذلك لكون اشتغال الناس بالتعبد بالصوم يكفهم عن مفاسد تقع منهم ذلك اليوم فقبلت تلك الموضوعات منهم ركونا لهم أي ميلا إليهم ووثوقا بهم لما يتصفوا به من التدين ونقلت عنهم على لسان من (1/259)
هو في الصلاح والخيرية بمكان لما عنده من حسن الظن وسلامة الصدر وعدم المعرفة المقتضى لحمل ما سمعه على الصدق وعدم الإهتداء لتمييز الخطأ من الصواب فقيض الله لها أي لهذه الموضوعات نقادها جمع ناقد يقال نقدت الدراهم إذا استخرجت منها الزيف وهم الذين خصهم الله بنور السنة وقوة البصيرة فلم تخف عنهم حال مفتر ولا زور كذاب فبينوا بنقدهم فسادها وميزوا الغث من السمين والمزلزل والمكين وقاموا بأعباء ما تحملوه
ولذا لما قيل لابن المبارك هذه الأحاديث المصنوعة قال تعيش لها الجهابذة ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ) انتهى
ومن حفظه هتك من يكذب على رسول الله صلى الله عليه و سلم وقال الدارقطني يا أهل بغداد لا تظنوا أن أحدا يقدر أن يكذب على رسول الله صلى الله عليه و سلم وأنا حي وقد تعين جماعة من كل هذه الأصناف عند أهل الصنعة وعلماء الرجال
ولذلك لا سيما لا خير أمثلة ( نحو ) ما رويناه عن أبي عصمة بكسر أوله نوح بن أبي مريم القرشي مولاهم المروزي قاضيها في حياة شيخه أبي حنيفة والملقب لجمعه بين التفسير والحديث والمغازي والفقه مع العلم بأمور الدنيا الجامع
( إذ رأى الورى ) أي الخلق ( زعما ) بتثليث الزاي باطلا منه ( نأوا ) أي أعرضوا ( عن القرآن ) بنقل حركة الهمزة كقراءة ابن كثير واشتغلوا بفقه أبي حنيفة ومغازي ابن إسحق مع أنهما من شيوخه ( فافترى ) أي اختلق ( لهم ) أي للورى من عند نفسه حسبه باعترافه حسبما نقله عنه أبو عمار أحد المجاهيل حديثا في فضائل السور كلها سورة سورة ورواه عن عكرمة عن ابن (1/260)
عباس رضي الله عنهما فبئس كما زاده الناظم ما ابتكر في وضع هذا الحديث وما أدركه بسببه وممن صرح بوضع أبي عصمة له الحاكم وكأنه ثبت عنده الطريق
وقال هو وابن حبان إنه جمع كل شيء إلا الصدق وكذا الحديث الطويل وعن أبي هو ابن كعب رضي الله عنه في فضائل سور القرآن أيضا اعترف راويه بالوضع له فقد روى الخطيب من طريق أبي عبد الرحمن المؤمل بن اسماعيل العدوي البصري ثم المكي المتوفي بعد المائتين وكان كما قال أبو حاتم شديدا في السنة
ورفع أبو داود من شأنه ما معناه أنه لما سمعه من بعض الشيوخ سأله عن شيخه فيه فقال رجل بالمدائن وهو حي فارتحل إليه فأحال على شيخ بواسط فارتحل إليه فأحال على شيخ بالبصرة فارتحل إليه فأحال على شيخ بعبادان قال المؤمل فلما صرت إليه أخذ بيدي فأدخلني بيتا فإذا فيه قوم من المتصوفة ومعهم شيخ فقال هذا الشيخ حدثني فقلت له يا شيخ من حدثك بهذا الحديث فقال لم يحدثني به أحد ولكنا رأينا الناس قد رغبوا عن القرآن فوضعتا لهم هذا الحديث ليصرفوا قلوبهم إلى القرآن
وعن ابن المبارك فيما رواه ابن الجوزي من طريقه قال أظن الزنادقة وضعته بل قيل إن أبا عصمة واضع الذي قبله هو الذي وضع هذا أيضا
وعلى كل حال فهو موضوع وإن كان له عن أبي طرق وبئس كما زاده الناظم أيضا ما اقترف أي اكتسب واضعه ( و ) لهذا كل من أودعه كتابه في التفسير ( كـ ) أبي الحسن علي بن أحمد الواحدي بمهملتين
قال ابن مكتوم لاأدري لم نسب كذلك إلا أنه يقال هو واحد قومه وواحد أمه فلعله نسب إلى أب أو جد أو قريب هذه صفته (1/261)
وأبي بكر بن مردوية وأبي إسحق الثعلبي وأبي القاسم الزمخشري وفي فضائل القرآن كأبي بكر بن أبي داود الحافظ ابن الحافظ فهو ( مخطيء ) في ذلك ( صوابه ) إذ الصواب تجنب إيراد الموضوع إلا مقرونا ببيانه كما تقدم والزمخشري أشدهم خطأ حيث أورده بصيغة الجزم غير مبرز لسنده وتبعه البيضاوي بخلاف الآخرين فإنهم ساقوا إسناده وإن حكينا فيما تقدم قريبا عدم جوازه أيضا ( وجوزالوضع ) على النبي صلى الله عليه و سلم ( على ) وجه الترغيب للناس في الطاعة وفضائل الأعمال ( قوم ) أبي عبد الله محمد بن كرام بالتشديد على المشهور كما قاله شيخنا وغيره وكذلك ضبطه الخطيب وابن ما كولا وابن السمعاني وجزم به مسعود الحارثي
وقال ابن الصلاح إنه لا يعدل عنه وأباه متكلم الكرامية محمد بن الهيصم فقال المعروف في السنة المشايخ يعني مشايخهم بالفتح والتخفيف وزعم أنه بمعنى كرامة أو كريم قال ويقال بكسر الكاف على لفظ جمع كريم قال وهو الجاري على السنة أهل سجستان وقول أبي الفتح البستي فيه وكان ولعا بالجناس إن الذين يجهلهم لم يقتدوا بمحمد بن كرام غير كرام الفقه أبي حنيفة وحده والدين دين محمد بن كرام شاهد للتخفيف فيه وهو السجستان الذي كان عابدا زاهدا ثم خذل كما قال ابن حبان ( شعر ) فالتقط من المذاهب أردأها ومن الأحاديث أوهاها
وصحب أحمد بن عبد الله الجوباري فكان يضع له الحديث على وفق مذهبه ( و ) وكذا جوزوا الوضع في الترهيب زجرا عن المعصية محتجين في ذلك مع كونه خلاف إجماع من يعتد به من المسلمين بأن الكذب في الترغيب والترهيب هو للشارع صلى الله عليه و سلم لكونه مقويا لشريعته لا عليه والكذب عليه إنما هو كان يقال إنه ساحر أو مجنون أو نحو ذلك مما يقصد شينه به وعيب دينه وبزيادة ليضل به الناس في حديث من كذب علي متعمدا التي هي مقيدة للإطلاق وبكون حديث من كذب إنما ورد في رجل معين ذهب إلى قوم (1/261)
وادعى أنه رسول رسول الله صلى الله عليه و سلم إليهم فحكم في دمائهم وأموالهم فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه و سلم فأمر بقتله وقال هذا الحديث
وفي هذه متمسك للمحتسبين أيضا الذين هم أخص من هؤلاء لكنها مردودة عليهما أما الأول فهو كما قال شيخنا جهل منهم باللسان لأنه كذب عليه في وضع الأحكام فإن المندوب قسم منها ويتضمن ذلك الإخبار عن الله الوعد على ذلك العمل بذلك الثواب
وأما الثاني فالزيادة المذكورة اتفق الأئمة على ضعفها وعلى تقدير قبولها فاللام ليست للتعليل وإنما هي لام العاقبة أي يصير كذبهم للإضلال كما في قوله تعالى ( فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا ) وهم لم يلتقطوه لأجل ذلك أو لام التأكيد يعني كما قاله الطحاوي ولا مفهوم لها كما في قوله تعالى ( فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا ليضل الناس بغير علم ) لأن افتراءه الكذب على الله محرم مطلقا سواء قصد به الإضلال أم لم يقصد
وأما الثالث فالسبب المذكور لم يثبت إسناده ولو ثبت لم يكن لهم فيه متمسك لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ونحو هذا المذهب الرموي قول محمد بن سعيد الآتي قريبا ومما يرويه على أهل هذا المذهب أن فيما ورد من الآيات والأخبار كفاية عن غيرها فقد قال تعالى ( ما فرطنا في الكتاب من شيء ) وقول القائل إن ذلك تكرر على الأسماع وسقط وقعه وما هو جديد فوقفه أعظم هو كما قال الغزالي في الإحياء هوس والكذب على رسول الله صلى الله عليه و سلم من الكبائر التي لا يقاومها شيء بحيث لا تقبل رواية من (1/262)
فعله وإن تاب وحسنت توبته كما سيأتي بل بالغ أبو محمد الجوني فكفر متعمده والواضعون أيضا بعضهم قد صنعا ما وضعه على رسول الله صلى الله عليه و سلم كلاما مبتكرا من عند نفسه وبعض قد وضعا كلام بعض الحكماء والزهاد أو الصحابة أو ما يروى في الإسرائيليات في المسند المرفوع إلى النبي صلى الله عليه و سلم ترويجا له
وقد روى العقيلي في الضعفاء عن محمد بن سعيد كأنه المصلوب أنه لا بأس إذا كان كلام حسن أن يضع له إسنادا
وذكر الترمذي في العلل التي بآخر جامعه عن أبي مقاتل الخرساني أنه حدث عن عون بن أبي شداد بأحاديث طوال في وصية لقمان فقال له ابن أخيه يا عم لاتقل حدثنا عون فأنك لم تسمع منه هذا فقال يا ابن أخي إنه كلام حسن
وأغرب من هذا كله ما عزاه الزركشي وتبعه شيخنا لأبي العباس القرطبي صاحب المفهم قال استجار بعض فقهاء أصحاب الرأي نسبة الحكم الذي دل عليه القياس إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم نسبة قولية فيقول في ذلك قال رسول الله صلى الله عليه و سلم كذا ولهذا ترى كتبهم مشحونة بأحاديث تشهد متونها بأنها موضوعة لأنها تشبه فتاوي الفقهاء ولا تليق بجزالة كلام سيد المرسلين ولأنهم لا يقيمون لها سندا صحيحا قال وهؤلاء يشملهم الوعيد في الكذب على رسول الله صلى الله عليه و سلم انتهى
واقتصر الشارح على حكاية بعض هذه المقالة والضرر بهؤلاء شديد ولذلك قال العلائي أشد الأصناف ضررا أهل الزهد كما قاله ابن الصلاح وكذا المتفقه الذين استجاروا نسبة ما دل عليه القياس إلى النبي صلى الله عليه و سلم
وأما باقي الأصناف كالزنادقة فالأمر فيهم أسهل لأن كون تلك الأحاديث كذبا لا يخفى إلا على الأغبياء وكذا أهل الأهواء من الرافضة (1/264)
والمجسمة والقدرية في شد بدعهم وأمر أصحاب الأمر والقصاص أظهر لأنهم في الغالب ليسوا من أهل الحديث
قال شيخنا وأخفى الأصناف من لم يتعمد الوضع مع الوصف بالصدق كمن يغلط فينسب إلى النبي صلى الله عليه و سلم كلام بعض الصحابة أو غيرهم وكمن ابتلى بمن يدس في حديثه ما ليس منه كما وقع لحماد بن زيد مع أبيه ولسفيان بن وكيع مع وراقه ولعبد الله بن صالح كاتب الليث مع جاره ولجماعة من الشيوخ المصريين في ذلك العصر مع خالد بن نجيح المدايني المصري
وكمن تدخل عليه آفة في حفظه أو في كتابه أو في بصره فيروى ما ليس من حديثه غالطا فإن الضرر بهم شديد لدقة استخراج ذلك إلا من الأئمة النقاد انتهى
والأمثلة لمن يضع كلامه أو كلام غيره كثيرة كحديث المعدة بيت الداء والحمية رأس الدواء فإن هذا لا يصح رفعه إلى النبي صلى الله عليه و سلم بل هو من كلام الحارث بن كلدة طبيب العرب أو غيره وحديث من عمل بما يعلم أورثه الله علم ما لم يعلم كما سيأتي قريبا
وحديث حب الدنيا رأس كل خطيئة فقد رواه البيهقي في الزهد وأبو نعيم في ترجمة الثوري من الحلية من قول عيسى بن مريم عليه السلام وجزم ابن تيمية بأنه من قول جندب البجلي رضي الله عنه وأورده ابن أبي الدنيا في مكائد الشيطان له من قول مالك بن دينار وابن يونس في ترجمة سعد بن مسعود التجيبي من تاريخ مصر له من قول سعد هذا
ولكن قد أخرجة البيهقي أيضا في الحادي و السبعن من الشعب بسند حسن إلى الحسن البصري رفعه مرسلا وأورده الديلمي في الفردوس وتبعه ولده بلا إسناد عن علي بن أبي طالب رفعه أيضا
ولا دليل للحكم عليه بالوضع مع وجود هذا ولذا لايصح التمثيل به (1/265)
اللهم إلا أن يكون سنده مما ركب فقد ركبت أسانيد مقبولة لمتون ضعيفة أو متوهمة كما سيأتي هذا وفي النوع بعده فيكون من أمثلة الوضع السندي ( ومنه ) أي الموضوع نوع وضعه لم يقصد نحو حديث ثابت هو ابن موسى الزاهد الذي رواه إسماعيل بم محمد الطلحي عنه عن شريك بن عبد الله القاضي عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر رفعه من كثرت صلاته بالليل ( الحديث ) وتمامه حسن وجهه بالنهار فإن هذا الأصل له عن النبي صلى الله عليه و سلم وإن أغرب القضاعي حيث قال في مسند الشهاب له لما ساقه من طرق ما طعن أحد مهنم أي من الحفاظ الذين أشار إليهم في إسناده ولا متنه
واغتر الركن بن القوبع المالكي حيث قال من أبيات ومن كثرت صلاة الليل منه يحسن وجهه قول النبي ولكن لم يقصد راويه الأول وهوثابت وضعه إنما دخل على شريك وهو في مجلس إملائه عند قوله حدثنا الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ولم يذكر المتن الحقيقي لهذا السند أو ذكره حسبما اقتضاه كلام ابن حبان وهويعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم فقال شريك متصلا بالسند أو المتن حين نظر إلى ثابت من كثرت إلى آخره قاصدا بذلك مماجنة ثابت لزهده وورعه وعبادته فظن ثابت أن هذا متن ذاك السند أو بقية المتن لمناسبته له فكان يحدث به كذالك مدرجا له في المتن الحقيقي أو منفصلا عنه وهو الذي رأيته وذلك ( وهلة ) أي غلطة من ثابت لغفلته التي أدى إليها صلاحه ( سرت ) تلك الغلطة بحيث انتشرت فرواه عنه غير واحد وقرن بعضهم بشريك سفيان الثوري ولن تضع جماعة من الضعفاء بروايته عن ثابت مع تصريح ابن عدي بأنه لا يعرف إلا به بل سرقوه منه ثم رووه عن شريك نفسه
ولذا قال عبد الغني بن سعيد الحافظ إن كل من حدث به عن شريك فهو غير ثقة ونحوه قول العقيلي إنه حديث باطل ليس له أصل ولا يتابعه عليه ثقة ولايخدش في قولهما رواية زكريا بن يحيى زحموية مع كونه ثقة له (1/266)
عن شريك فالراوي له عن زحموية ضعيف وكذا سرقه بعضهم ورواه عن الأعمش وبعضهم فصير له إسنادا إلى الثوري وابن جريج كلاهما عن أبي الزبير عن جابر وجعله بعضهممن مسند أنس وفي قيام الليل لابن نصر ومسند الشهاب للقضاعي والموضوعات لابن الجوزي من طرقه الكثير إلى غير ذلك مما لم يذكروه ولكنه من جميعها على اختلافها باطل كشف النقاد سترها وبينوا أمرها بما لا نطيل بشرحه ولا اعتداد بما يخالف هذا كما تقدم وإنما يعرف معناه عن الحسن البصري فيما رواه مسبح بن حاتم حدثنا عبد الله بن محمد عن إسماعيل المكي عنه أنه سئل ما بال المتهجدين بالليل أحسن الناس وجوها قال لأنهم خلوا بالرحمن فألبسهم من نوره
وظهر بما تقرر أن قول ابن الصلاح تبعا للخليلي في الإرشاد وإنه شبه الوضع حسن إذ لم يضعه ثابت وإن كان ابن معين قال فيه إنه كذاب نعم الطرق المركبة له موضوعه ولذا جزم أبو حاتم بأنه موضوع والظاهر إنهم توهموه حديثا وحملهم الشدة ومحبة الظهور على ادعاء سماعه وهم صنف من الوضاعين كما وقع لبعضهم حين سمع الإمام احمد يذكر عن بعض التابعين مما نسبه لعيسى عليه السلام من عمل بما يعلم أورثه الله علم ما لم يعلم فتوهمه كما ذكره أبو نعيم في ترجمة أحمد بن أبي الحواري من الحلية عن النبي صلى الله عليه و سلم فوضع له عن الإمام أحمد سندا وهو عن يزيد بن هارون عن حميد عن أنس لسهولته وقربه وجلالة الإمام تنبأ عن هذا
وأما ابن حبان فسماه مدرجا حيث قال إن ثابتا قاله عقب حديث يعقد الشيطان فأدرجه في الخبر فعلى هذا فهو من أقسام المدرج كما أشرت إليه هناك إذ لم يشترطوا في إطلاق الإدراج كونه عمدا بل يطلقونه على ما هو أعم من ذلك ويعرف الوضع للحديث بالإقرار بنقل الهمزة من واضعه كما وقع لأبي عصمة وغيره مما تقدم ( و ) وكذا ب ( ما نزل منزلته ) كما اتفق (1/267)
أنهم اختلفوا بحضرة أحمد بن عبد الله الجوباري في سماع الحسن من أبي هريرة فروى لهم بسنده إلى النبي صلى الله عليه و سلم قال سمع الحسن من أبي هريرة رواه البيهقي في المدخل
ونحوه أن عبد العزيز بن الحارث التميمي جد رزق الله بن عبد الوهاب الحنبلي سأل عن فتح مكة فقال عنوة فطولب بالحجة فقال حدثنا ابن الصواف حدثنا عبد الله بن أحمد حدثنا أبي حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن أنس أن الصحابة اختلفوا في فتح مكة أكان صلحا أو عنوة فسألوا عن ذلك رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال كان عنوة هذا مع إنه اعترف أنه صنعه في الحال ليندفع به الخصم وربما يعرف بالركة أي الضعف عن قوة فصاحته صلى الله عليه و سلم في اللفظ والمعنى معا مثل ما يروى في وفاة النبي صلى الله عليه و سلم وكذا في أحدهما لكنه في اللفظ وحده مقيد بما إذا صرح بأن لفظ الشارع ولم يحصل التصرف بالمعنى في نقله لا سيما إن كان لا وجه له في الإعراب
وقد روى الخطيب وغيره من طريق الربيع بن خثيم التابعي الجليل قال إن للحديث ضوء كضوء النهار يعرف وظلمة كظلمة الليل تنكر
ونحوه قول ابن الجوزي الحديث المنكر يقشعر منه جلد طالب العلم وينفر منه قلبه في الغالب وعنى بذلك الممارس لألفاظ الشارع الخبير بها وبرونقها وبهجتها ولذا قال ابن دقيق العيد وكثيرا ما يحكمون بذلك أي بالوضع باعتبار أمور ترجع إلى المروي وألفاظ الحديث وحاصله يرجع إلى أنه حصلت لهم لكثرة محاولة الفاظ النبي صلى الله عليه و سلم لهيئة نفسانية ولمكة قوية يعرفون بها ما يجوز أن يكون من ألفاظ النبوة وما لايجوز انتهى
والركة في المعنى وكأن يكون مخالفا للعقل ضرورة أو استدلالا ولا يقبل تأويلا بحال نحو الإخبارعن الجمع بين الضدين وعن نفي (1/268)
الصانع وقدم الأجسام وما أشبه ذلك لأنه لا يجوز أن يرد الشرع بما ينافي مقتضى العقل
قال ابن الجوزي وكل حديث رأيته يخالفه العقول أو يناقض الأصول فاعلم أنه موضوع فلا يتكلف اعتباره أي لا تعتبر رواته ولا تنظر في مجرحهم أو يكون مما يدفعه الحسن والمشاهدة أو مباينا لنص الكتاب أو السنة التواترة أو الإجماع القطعي حيث لا يقبل شيء من ذلك التأويل أو يتضمن الإفراط بالوعيد الشديد على الأمر اليسير أو بالوعد العظيم على الفعل اليسير وهذا الأخير كثير موجود في حديث القصاص والطرقية ومن ركة المعنى لا تأكلوا القرعة حتى تذبحوها
ولذا جعل بعضهم ذلك دليلا على كذب راويه وكل هذا من القرائن في المروي وقد تكون في الراوي كقصة غياث مع المهدي وحكاية سعد بن طريف الماضي ذكرها واختلاف المأمون بن أحمد الهروي قيل له ألا ترى الشافعي ومن تبعه الخراسان ذاك الكلام القبيح حكاه الحاكم في المدخل
قال بعض المتأخرين وقد رأيت رجلا قام يوم جمعه قبل الصلاة فابتدأ ليورده فسقط من قامته مغشيا عليه أو انفراده عمن لم يدركه بما لم يوجد عند غيرهما أو انفراده بشيء مع كونه فيما يلزم المكلفين علمه وقطع العذر فيه كما قرره الخطيب في أول الكفاية أو بأمر جسيم يتوفر الدواعي على نقله كحصر العد وللحاج عن البيت أو بما صرح بتكذيبه فيه جمع كثير يمتنع في العادة تواطؤهم على الكذب أو تقليد بعضهم بعضا ( قلت ) وقد استشكلا التقي ابن دقيق العيد الثبجي بمثلثة ثم موحدة مفتوحتين وجيم لأنه ولد ثبج البحر بساحل ينبع من الحجاز في كتابه الاقتراح مما تقدم من أدلة الوضع القطع بالوضع على ما أي المروي الذي اعترف الواضع فيه على نفسه (1/269)
بالوضع بمجرد الاعتراف من غير قرينة معه إذ قد يكذب في خصوص اعترافه أما لقصد التنفير عن هذا المروي أو لغير ذلك مما يورث الريبة والشك وإذا كان كذلك فالاحتياط عدم التصريح بالوضع بلى نرده أي المروي لاعتراف راويه بما يوجب فسقه وعنه نضرب أي نعرض عنه فلا نحتج به بل ولا نعمل به ولا في الفضائل مؤاخذة له بإقراره
ونص الاقتراح وقد ذكر فيه أي في هذا النوع إقرار الراوي بالوضع وهذا كاف في رده لكنه ليس بقاطع في كونه موضوعا لجواز يكذب في هذ الإقرار بعينه
والظاهر أنه لم يرد بقاطع هذا القطع المطابق للواقع لما تفرد في كون الحكم بالصحة وغيرها إنما هو بحسب الظاهر لا ما في نفس الأمر وإنما أراد مجرد المنع من تسميته موضوعا
ولكن الذي قرره شيخنا خلافة فإنه قال وقد يعرف الوضع بإقرار واضعه
قال ابن دقيق العيد لكن لايقطع بذلك الاحتمال أن يكون كذب في ذلك الإقرار قال وفهم منه بعضهم أي كابن الجزري إنه لايعمل بذلك الإقرار أصلا وليس ذلك مراده وإنما نفي القطع بذلك ولا يلزم من نفي القطع نفي الحكم لأن الحكم يقع بالظن الغالب وهو هنا كذلك ولولا ذلك لما ساغ قتل المقر بالقتل ولا رجم المعترف بالزنا لاحتمال ان يكونا كاذبين فيما اعترفا به
زاد في موضع آخر وكذا حكم الفقهاء على من أقر بأنه شهد بالزور بمقتضى اعترافه وقال أيضا ردا على من توقف في كلام ابن دقيق العيد فقال فيه بعض ما فيه ونحن لو فتحنا باب التجويز والاحتمال لوقعنا في الوسوسة (1/270)
وغيرها ما نصه ليس في هذا وسوسة بل هو في غاية التحقيق وابن دقيق العيد نفي القطع بكونه موضوعا بمجرد ذلك لا الحكم بكونه موضوعا لأنه إذا أقر يؤاخذه بإقراره فيحكم بكون الحديث موضوعا أما أنه يقطع بذلك فلا
قلت وفيه نظر والظاهر ما قدرته ولا ينازع فيه الفروع المذكورة وكذا تعقب شيخنا شيخه الشارح حيث مثل في النكت لقول ابن الصلاح أو ما يتنزل منزلة إقراره بما إذا حدث عن شيخ ثم ذكر أن مولده في تاريخ بعلم تأخره عن وفاة ذاك الشيخ بجريان الاحتمال المذكور أيضا فيجوز أن يكذب في تاريخ مولده بل يجوز أن يغلط في التاريخ ويكون في نفس الأمر صادقا ويمكن أن يقال إن تنزيله منزلته يقتضي فاكتفى به ذلك فاكتفى به عن التصريح وعلى كل حال فما مثلت به أولى فإنه لم يصدر منه قول أصلا
تتمة يقع في كلامهم المطروح وهو غير الموضوع جزما وقد أثبته الذهبي نوعا مستقلا وعرفه بأنه ما نزل عن الضعيف وارتفع عن الموضوع ومثل له الحديث عمرو بن شمر عن جابر الجعفي عن الحسن عن علي وبجويبر عن الضحاك عن ابن عباس
وقال شيخنا وهو المتروك في التحقيق يعني الذي زاده في نخبته وتوضيحها وعرفه بالمتهم راويه بالكذب (1/271)
القلوب
( وقسموا المقلوب قسمين إلى ... ما كان مشهورا براو كابدلا )
( بواحد نظيرة كي يرغبا ... فيع للأغراب إذا ما استغربا )
( ومنه العمد قلب سند لمتن ... نحو امتحانهم إمام الفن )
( في مايه لما أتى بغدادا ... فردها وجود الإسنادا )
( قلب لم يقصدوا الرواة ... نحو إذا أقيمت الصلاة )
( حدثه في مجلس البناني ... حجاج أعني ابن أبي عثمان )
( فظنه عن ثابت جرير ... كما بينه حماد الضرير )
وحقيقة القلب تغيير من يعرف برواية ما بغيره عمدا أو سهوا أو مناسبة لما قبله واضحة لتقسيم كل منهما إلى سند ومتن وإن لم يصرح بهما التقسيم في الموضوع بخصوصه وأيضا فقد قدمنا فيه إن من الوضاعين من يحمله الشدة ومحبة الظهور لأن يقلب سندا ضعيفا بصحيح ثم تارة تقلب جميع السند وتارة بعضه وقد لا يكون في الصورتين المزال ضعيفا بل صحيحا بصحيح ولا شك في صحة تسمية هذا كله وضعا وقلبا ولذا عد الشارح المغرب في أصناف الوضاعين وإن شوحح فيه ولكن قد جزم شيخنا بأن الإغراب من أقسام الوضع ( وقسموا ) أي أهل الحديث المقلوب السندي (1/272)
خاصة لكونه الأكثر كاقتصارهم في الموضوع على المثنى لكونه الأهم قسمين عمدا وسهوا والعمد إلى ما كان متنه مشهورا براو كـ سالم أبدلا بواحد من الرواة ( نظيره ) في الطبقة كنافع كي يرغبا فيه أي في روايته عنه ويروج سوقه به للأغراب إذ ما استغربا ممن وقف عليه لكون المشهور خلافه
وممن كان يفعله بهذا المقصد على سبيل الكذب حماد بن عمرو النصيبي أحد المذكور بالوضع كما وقع له حيث روى الحديث المعروف بسهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة رفعه إذا لقيتم المشركين في طريق فلا تبدؤهم بالسلام
عن الأعمش عن أبي صالح ليغرب به وهو لا يعرف عن الأعمش كما صرح به العقيلي وقد قيل في فاعل هذا ليسرق الحديث وربما قيل في الحديث نفسه مسروق
وفي إطلاق السرقه على ذلك نظر إلا أن يكون الراوي المبدل به عند بعض المحدثين منفردا به فسرقه الفاعل منه وللخوف من هذه الآفه كة أهل الحديث تتبع الغرائب كما سيأتي في بابه إن شاء الله ومنه وهي ثاني قسمي العمد قلب سند تام لمتن فيجعل المتن آخر مروي بسند يقصد امتحان حفظ المحدث واختبارة هل اختلط أم لا كما اتفق معهم مع أبي اسحاق الهجيمي حين جاز المائه كما سيأتي في آداب المحدث إن شاء الله وهل تقبل التلقين الذي هو قبول ما يلقى إليه كالصغير من غير توقف أم لا إن وافق على القلب فغير حافظ أو مختلط أو خالف فضابط نحو امتحانهم أي المحدثين ببغداد إمام الفن وشيخ الصنعه البخاري صاحب الصحيح في مايه من الحديث لما أتى إليهم بغدادا بالمهمله آخرة على إحدى اللغات حيث اجتمعوا على تقليب متونها وأسانيدها وصيروا متن هذا السند هذا المتن لمتن آخر وانتخبوا عشرة من الرجال فدفعوا لكل (1/273)
منهم منها عشرة وتواعدوا كلهم على الحضور لمجلس البخاري ثم يلقى عليه كل واحد منهم العشرة أحاديثه بحضرتهم فلما حضروا واطمأن المجلس بأهله البغداديين ومن انضم إليهم من الغرباء من أهل خراسان وغيرهم تقدم إليه واحد من العشرة وسأله عن أحاديثه واحدا واحدا والبخاري يقول له في كل منها لا أعرفه وفعل الثاني كذلك إلى أن استوفى العشرة المائة وهولا يزيد في كل منها على قوله لا أعرفه فكان الفهماء ممن حضر يلتفت بعضهم إلى بعض ويقولون فهم الرجل ومن كان منهم غير ذلك تقضي عليه بالعجز إلى بعض ويقولون فهم الرجل ومن كان منهم غير ذلك تقضي عليه بالعجز والتقصير وقلة الفهم لكونه عنده لمقتضى عدم تمييزه لم يعرف واحدا من مائة ولما فهم البخاري من قرينة الحال انتهاؤهم من مسألتهم التفت للسائل الأول وقال له سألت عن حديث كذا وصوا به كذا إلى آخر أحاديثه وهكذا الباقي فردها أي المائة إلى حكمها المعتبر قبل القلب وجود الإسنادا ولم يرتج عليه موضع واحد مما قلبوه وركبوه فأقر له الناس بالحفظ وعظم عندهم جدا وعرفوا منزلته في هذا الشأن وأذعنوا له رويناها في مشايخ البخاري لأبي أحمد بن عدي قال سمعت عدة مشايخ يحكون أن محمدا ابن اسماعيل البخاري قدم فسمع به أصحاب الحديث فاجتمعوا وعمدوا إلى مائة حديث فقبلوا متوتنها وأسانيدها
ومن طريق ابن عدي رواها الخطيب في تاريخه وغيره ولا يضر جهالة شيوخ ابن عدي فيها فإنهم عدد ينجبر به جهالتهم ثم إنه لا يتعجب من حفظ البخاري لها وتفطنه لتمييز صوابها من خطئها لأنه في الحفظ بمكان وإنما يتعجب من حفظه لتواليها كما ألقيت عليه من مرة واحدة
وقد قال العجلي ما خلق الله أحدا كان أعرف بالحديث من ابن معين لقد كان يؤتى بالأحاديث قد خلطت وقبلت فيقول هذا كذا وهذا وكذا فيكون كما قال
وفي ترجمة العقيلي من الصلة لمسلمة بن قاسم إنه كان لا يخرج أصله لمن يجيئه من أصحاب الحديث بل يقول له اقرأ في كتابك فأنكرنا أهل (1/274)
الحديث ذلك فيما بيننا عليه وقلنا إما أن يكون من أحفظ الناس أو من أكذبهم ثم عمدنا إلى كتابة أحاديث من روايته بعد أن بدلنا منها ألفاظا وزدنا فيها ألفاظا وتركنا منها أحاديث صحيحة وأتيناه بها والتمسنا منه سماعها فقال لي اقرأ فقرأتها عليه فلما انتهيت إلى الزيادة والنقصان فظن وأخذ مني الكتاب فألحق فيه بخطه النقص وضرب على الزيادة وصححها ذما كانت ثم قرأنا علينا فانصرفنا وقد طابت أنفسنا وعلمنا أنه من أحفظ الناس
وقال حماد بن سلمه كنت أسمع أن القصاص لا يحفظون الحديث فكتب أقلبت فكنت على ثابت الحديث اعل أنسا لابن أبي ليلى وابن أبي ليلى لأنس أشوشها عليه فيجيء بها على الإستواء
وحكى العماج بن كثير قال أتى صاحبنا ابن عبد الهادي إلى المزي فقال له انتخبت من روايتك أربعين حديثا أريد قرائتها عليك فقرأ الحديث الأول وكان الشيخ متكيئا فجلس فلما أتى على الثاني تبسم وقال ما هو أنا ذاك البخاري
قال ابن كثير فكان قوله هذا عندنا أحسن من ردة كل متن إلى سنده وقال هبه الله بن المبارك الذواتي اجتمعت بالأمير أبي نصر بن مأكولا فقال لي خذ جزأين من الحديث واجعل متن الحديث الذي في هذا الجزء على إسناد الذي في هذا الجزء من أوله إلى آخره حتى أرده إلى حالته الأولى من أوله إلى آخره وربما يقصد بقلب السند كل الاغراب أيضا إذ لا انحصار له في الراوي الواحد كما أنه قد يقصد الامتحان بقلب راو واحد زاختلف في حكمه
فممن استعمله بهذا المقصد سوى من حكيناه عنهم حماد بن سلمة وشعبة وأكثر منه ولكن أنكره عليه حرمي لما حدثه بهز أنه قلب أحاديث على أبان بن أبي عياش فقال يا بئس ما صنع وهذا يحل
وقال يحيى القطان كما سيأتي قريبا لا استحمله وكأنه لما يترتب عليه من طغليط من يمتحنه واستمراره على روايته لظنه أنه صواب وقد يسمعه من لا خبرة (1/275)
له فيرويه ظنا منه أنه صواب
واشتد غضب محمد بن عجلان على من فعل به ذلك فروينا في المحدث الفاضل للرامهرمزي من طريق يحيى بن سعيد القطان قال قدمت الكوفه وبها ابن عجلان وبها ممن يطلب الحديث مليح بن الجراح أخو وكيع وحفص ابن غياث ويوسف بن خالد السمتي فكنا نأتي ابن العجلان فقال يوسف هل نقلب عليه حديثه حتى ننظر فهمه
قال ففعلوا فما كان عن أبيه جعلوه عن سعيد المقبري وما كان عن سعيد جعلوه عن أبيه قال يحيي فقلت لهم لا استحل هذا فدخلوا عليه فاعطوه الجزء فمر فيه فلما كان عند آخر الكتاب انتبه فقال اعد فعرضت عليه فقال ما كان عن أبي فهو عن سعيد وما كان عن سعيد فهو عن أبي ثم اقبل على يوسف فقال ان كنت أردت شيني وعيبي فسلبك الله الاسلام وقال لحفص فابتلاك الله في دينك ودنياك وقال لمليح لأنفعك الله بعلمك
قال يحيي فمات مليح قبل أن ينتفع بعلمه وابتلى حفص في بدنه بالفالج وفي دينه بالقضاء ولم يمت يوسف حتى اتهم بالزندقة ولذا اشتد غضب أبي نعيم الفضل بن دكين شيخ البخاري في ذلك أيضا
قال أحمد بن منصور الرمادي خرجت مع أحمد ويحيى بن معين إلى عبد الرزاق أخذهما فلما عندا إلى الكوفه قال يحيى لأحمد أريد أن أختبر أبا نعيم فقال له أحمد لا تفعل الرجل ثقة فقال لا بد لي فأخذ ورقة فكتب فيها ثلاثين حديثا من حديث أبي نعيم وجعل على كل عشرة منها حديثا ليس من حديثه ثم جاؤوا إلى أبي نعيم فخرج فجلس على دكان فأخرج يحيى القطان فقرأ عليه عشرة ثم قرأ الحادي عشر فقال أبو نعيم ليس من حديثي أضرب عليه ثم قرأ العشر الثاني وأبو نعيم ساكت فقرأ الحديث (1/276)
الثاني فقال ليس من حديثي أضرب عليه ثم قرأ العشر الثالث وقرأ الحديث الثالث فانقلبت عيناه وأقبل يحيى فقال أما هذا وذراع أحمد في يده فأروع من أن يعمل هذا وأما هذا يريدني فأقل من أن يعمل هذا ولكن هذا من فعل يا فاعل ثم أخرج رجله فرفسه فرمى به وقام فدخل داره فقال أحمد ليحيى ألم أقل لك إنه ثبت قال والله لرفسته أحب إلى من سفرتي
وقال الشارح وفي جوازه نظر إلا أنه إذا فعله أهل الحديث لا يستقر حديثا
قلت إلا في النادر وبالجملة فقد قال شيخنا إن مصلحته أي التي منها معرفة رتبته في الضبط في أسرع وقت أكثر من مفسدته قال وشرطه أي الجواز أن لا يستمر عليه بل ينتهي بانتهاء الحاجة
والقسم الثاني قلب ما لم يقصد الرواة قلبه بل وقع القلب فيه على سبيل السهو والوهم وله أمثلة ( نحو ) حديث أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني فإنه حدثه أي الحديث في مجلس أبي محمد ثابت بن أسلم البصري البناني بضم أوله نسبته لملحله بالبصرة عرفت بنيانه ابن سعدي بن لوي حجاج أعني بالنقل والتنوين ابن أبي عثمان بالصرف هو الصواف عن يحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه و سلم فظنه أي الحديث عن ثابت أبو النضر جرير بن حازم ورواه جريربمقتضى هذا الظن عن ثابت البناني عن أنس كما بينه حماد وهو ابن زيد الضرير فيما وصفه به ابن منجوية وابن حبان وهو مما طرأ عليه لما حكاه ابن أبي خيثمة أن أنسانا سأل عبيد الله بن عمر أكان حماد أميا فقال أنا رأيته في يوم مطير وهو يكتب ثم ينفخ فيه ليجف والراوي عن حماد لما نبه عليه من غلط جرير إسحق بن عيسى بن الطباع كما رواه أحمد في العلل (1/277)
وكما عند الخطيب في الكفاية والبيهقي في المدخل ويحيى بن حسان كما عند أبي داود في المراسيل كلاهما واللفظ لأولهما عن حماد قال كنت أنا وجرير عند ثابت فحدث حجاج عن يحيى بن أبي كثير يعني بهذا الحديث بسنده المتقدم فظن جرير أنه فيما حدث به ثابت عن أنس يعني وليس كذلك وكذا قال البخاري فيم حكاه عند الترمذي في باب ما جاء في الكلام بعد نزول الإمام من المنبر في كتاب الجمعة من جامعه
ويروى عن حماد بن زيد قال كنا عند ثابت فحدث حجاج الصواف وذكره
وكذا من أمثلته حديث النهي عن كل ذي خطفة وعن كل ذي نهبة وعن كل ذي ناب رواه أبو أيوب الإفريقي عن صفوان بن سليم عن سعيد ابن المسيب عن أبي الدرداء ولم يسمعه سعيد من أبي الدرداء وإنما حدث به رجل في مجلس سعيد عن أبي الدرداء فسمعه أصحاب سعيد منه
قال سهيل ابن أبي صالح حدثنا عبد الله بن يزيد بن المنبعث قال سألت سعيد بن المسيت عن الضبع فقال شيخ عنده حدثنا أبو الدرداء فذكره
قال الدارقطني وهذا أشبه بالصواب ونحوه أن ابن عجلان روي عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة رفعه الدين النصيحة فقد قال محمد بن نصر المروزي إنه غلط وإنما حدث أبو صالح عن أبي هريرة بحديث إن الله يرضى لكم ثلاثا وكان عطاء بن يزيد حاضرا فحدثهم عن تميم الداري بحديث إن الدين النصيحة فسمعهما سهيل منهما
والحاصل أنه دخل عليه حديث في حديث ومن هذا القسم ما يقع الغلط فيه بالتقديم في الأسماء والتأخير كمرة بن كعب فيجعله كعب بن مرة ومسلم بن الوليد فيجعله الوليد بن مسلم ونحو ذلك مما أوهمه كون اسم (1/278)
أحدهما اسم أبي الآخر وقد صنف كل من الخطيب وشيخنا في هذا القسم خاصة
فأما الخطيب ففيما كان من نمط المثال الأخير فقط وسماه رافع الارتياب في المقلوب من الأسماء والأنساب وهو في مجلد ضخم وأما شيخنا فإنه أفرد من علل الدارقطني مع زيادة كثير ما كان من نمط المثالين اللذين قبله وسماه جلاء القلوب في معرفة المقلوب وقال إنه لم يجد من أفرده مع مسيس الحاجة إليه بحيث أدى الإخلال به إلى عد الحديث الواحد أحاديث إذا وقع القلب في الصحابي ويوجد ذلك في كلام الترمذي فضلا عمن دونه حيث يقال وفي الباب عن فلان وفلان ويكون الواقع إنه حديث واحد اختلف على راويه
وقد كان بعض القدماء يبالغ في عيب من وقع له ذلك فروينا في مسند الإمام أحمد عن يحيى بن سعيد القطان أنه قال حدث سفيان الثوري عن عبيد الله بن عمر عن نافق عن ابن عمرعن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال لا تصحب الملائكه رفقه فيما جرس فقلت له تعست يا أبا عبد الله أي عثرت فقال كيف هو قلت حدثني عبيد الله بن عمر عن نافع عن سالم عن أبي الجراح عن ام حبيبه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال صدقت
وقد اشتمل هذا الخبر على عظم دين الثوري وتواضعه وإنصافه وعلى قوة حافظه تلميذه القطان وجرأته على شيخه حتى خاطبه بذلك ونبهه على عثورة حيث سلك الجارة لأن جل روايته نافع هي عن ابن عمر فكان قول الذي يسلك غيرها إذا كان ضابطا أرجح وكذا بيحيى القطان شعبه حيث حدثوة عنه بحديث لا يجد عبد طعم الإيمان حتى يؤمن بالقدر عن أبي اسحاق عن الحارث عن علي وقال حدثنا به سفيان عن أبي أسحق عن الحارث عن ابن مسعود وهذا هو الصواب ولا يأتي ليحيى أن يحكم على شعبه بالخطأ إلا (1/279)
بعد أن يتيقن الصواب في غير روايته فأين هذا ممن يستروح فيقول مثلا يحتمل أن يكون عند أبي إسحق على الوجهين فحدث به كل مرة على إحداهما
وهذا الإحتمال بعيد عن التحقيق إلا إن جاءت روايه عن الحارث بجمعهما ومدار الأمر عند أئمه هذا الفن على ما تقوى في الظن
وأما الإحتمال المرجوح فلا تعويل عندهم عليه انتهى مع زياده وحذف واختار في تسميته فتسمى العمد الإبدال لا القلب
وأما ابن الجزري فقال في الثاني إنه عندي بالمركب أشبه وجعله نوعا مستقلا
وأما القلب المتن فحقيقته أن يعطي أحد الشيئين ما اشتهر للآخر ونحوة قول ابن الجزري هو الذي يكون على وجه فينقلب بعض لفظه على الراوي فيتغير معناه وربما العكس وجعله نوعا مستقلا سماة المتقلب فاجتمع بما ذكرناه أربعه أنواع هي في الحقيقه أقسام
وأمثلته في المتن قليله كحديث حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه فإنه جاء مقلوبا بلفظ حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله
وما اعتنى بجمعها بل ولا بالإشارة إليها أفراد منهم من المتأخرين الجلال ابن البلقيني في جزء مفرد ونظمها في أبيات ومما ذكرة تبعا لمحاسن والده رحمهما الله حديث عائشه مرفوعا أن ابن أم مكتوم يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن بلال فهو مقلوب إذ الصحيح في لفظه عن عائشه أن بلال يؤذن بليل الحديث وكذا جاء عن ابن عمر ولم ترتض البلقيني جمع ابن خزيمه بينهما بتجويز أن يكون صلى الله عليه و سلم كان جعل آذان الليل نوبا بينهما فجاء الخبران على حسب الحالين وإن تابعه إبن حبان عليه بل بالغ فجزم به
وقال البلقيني إنه يعيد ولو فتحنا باب التأويل لا ندفع كثير من علل المحدثين (1/280)
وأما شيخنا فمال إلى ضعيف روايه القلب وقال ابن عبد البر المحفوظ حديث ابن عمر وهو الصواب
ومن أمثلته ما رواة البخاري من طريق عبيد الله بن عمر عن محمد بن يحيى ابن حبان عن واسع بن حبان عن ابن عمر قال ارتقيت فوق بيت حفصه فرأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقتضي حاجته مستدير القبله مستقبل الشام فرواة ابن حبان كما في نسخه صحيحه معتمده قديمه جدا من طريق وهيب عن عبيد الله بن عمو وغيرة عن محمد بن يحيى بلفظ مستقبل القبله مستدير الشام رواة عن الحسن بن سفيان عن ابراهيم بن الحجاج عن وهيب وهو مقلوب
وقد رواة الإسماعيلي في مستخرجه عن أبي يعلي عن ابراهيم فقال مستدبر القبله مستقبل الشام كالجارة فانحصر في الحسن بن سفيان أو ابن حبان (1/281)
تنبيهات
( وان تجد متنا ضعيف السند ... فقل ضعيف أي بهذا فاقصد )
( ولا تضعف مطلقا بناء ... على الطريق إذ لعل جاء )
( بسند مجود بل يقف ... ذاك على حكم إمام يصف )
( بيان ضعفه فإ ن أطلقه ... فالشيخ فيما بعد قجد حققه )
( وإن ترد نقلا لواة أو لما ... يشك فيه لا بإسنادهما )
( فأت بمري كيروي واجزم ... بنقل ما صح كقال فاعلم )
( وسهلوا من غير موضوع رووا ... من غير تبيين لضعف ورأوا )
( بيانه في الحكم والعقائد (1/282)
في معرفه من تقبل روايته ومن ترد
( اجمع جمهورا أئمه الأثر ... والفقه في قبول ناقل الخبر )
( بأن يكون ضابطات معدلا ... أي يقظا ولم يكن مغفلا )
( يحفظ إن حدث حفظا ويحوي ... كتابه إن كان منه يروي )
( يعلم ما في اللفظ من احاله ... إن يروا بالمعنى وفي العداله )
( بأن يكون مسلما ذا عقل ... قد بلغ الحلم سليم الفعل )
( من فسق خرم مروءة ومن ... زكاة عدلان فعدل مؤتمن )
( وصححوا اكتفائهم بالواحد ... جرحا وتعديلا خلاف الشاهد
( وصححوا استغناء ذي الشهرة عن ... تزكيه كمالك نجم السنن )
( ولابن عبد البر كل من غنى ... بحمله العلم ولم يوهنا )
( فإنه عدل يقول المصطفى ... يحمل هذا العلم لكن خولفا )
( ومن يوافق غالبا ذو الضبط ... فهو فضابط أو نادر فمخطى )
( وصححوا قبول تعديل بلا ... ذكر لأسباب له أن تثقلا )
( ولم يروا قبول جرح أبهما ... للخلف في أسبابه وربما )
( استفسر الجرح فلم يقدح كما ... فسرة شعبه بالركض فما )
( هذا الذي عليه حفاظ الأثر ... كشيخي الصحيح من أهل النظر ) (1/283)
( فإن تقل قل بيان من جرح ... كذا إذا قالو لمتن لم يصح )
( وأبهموا فالشيخ قد أجابا ... أن يجيب الوقف إذا استرابا )
( حتى يبين بحثه قبوله ... كمن أولو الصحيح خرجوا له )
( ففي البخاري احتجاجا عكرمه ... مع ابن مرزوق وغير ترجمه )
( واحتج مسلم عن فد ضعفا ... نحو سويد إذ يجرح ما اكتفى )
( قلت وقد قال أبو المعالي ... واختارة تلميذه الغزالي )
( وابن الحطيب أن يحكم بما ... أطلقه العالم بأسبابهما )
( وقدموا الجرح وقيل إن ظهر ... من عدل الأكثر فهو المعتبر )
( ومبهم التعديل ليس مكتفى ... به الخطيب والفقيه الصيرفي )
( وقيل يكفي نحو أن يقالا ... حدثني الثقه بل لو قالا )
( جميع أشياخي ثقات لو لم ... اسم لا يقبل من قد أبهمن )
( وبعض من حق لم يرده ... عالم من حق من قلده )
( ولم يرو فتاة أو عمله ... على وفاق المتن تصحيحا له )
( وليس تعديلا على الصحيح ... روايه العدل على التصريح )
( واختلفوا هل يقبل المجهول ... وهو على ثلاثه مجعول )
( مجهول عين من له راو فقط ... ورده الأكثر والقسم الوسط )
( مجهول حال باطن وظاهر ... وحكمه الرد لدى المجاهير )
( والثالث المجهول للعداله ... في باطن فقط قد رأى له )
( حجيه في الحكم بعض من منع ... ما قبله منهم سليم فقطع )
( به وقال الشيخ إن العملا ... يشبه أنه علي ذا جعلا )
( في كتب من الحديث اشتهرت ... خبرة بعض من بها تعذرت ) (1/284)
( في باطن الأمر وبعض يشهر ... ذا القسم مستورا وفيه نظر )
( والخلف في مبتدع ما كفرا ... قيل يرد مطلقا واستنكرا )
( وقيل بل إذا استحل الكذبا ... نصرة مذهب له ونسبا )
( للشافعي إذ يقول أقبل ... من غير خطابيه ما نقلوا )
( والأكثرون حبان اتفاقا ورآة ... عن أهل بدع في الصحيح ما دعوا )
( وللحميدي والإمام أحمدا ... بأن من يكذب تعمدا )
( أي في الحديث لم نعد نقبله ... وإن يتب والصيرفي مثله )
( وأطلق الكذب وزاد أن من ... ضعف نقلا لم يقوا بعد أن )
( وليس كالشاهد والسمعاني ... أبو المظفر يرى في الجاني )
( بكذب في خبر إسقاط ما ... له من الحديث قد تقدما )
( ومن روى عن ثقه فكذبه ... فقد تعارضا ولكن كذبه )
( لا تثبتن يقول شيخه فقد ... كذبه الآخر فاردد ما جحد )
( وإن يرده بلا أذكر أو ... ما يقتضي نسيانه فقد رأوا )
( الحكم للذاكر عند المعظم ... وحكى الإسقاط عن بعضهم )
( كقصه الشاهد واليمين إذ ... نسيه سهيل الذي أخذ )
( عنه فكان بعد عن ربيعه ... عن نفسه يرويه لن يضيعه )
( والشافعي نها ابن عبد الحكم ... يروي عن الحق لخوف التهم )
( ومن روى الحديث بأجرة لم يقبل ... إسحاق والرازي وابن حنبل )
( وهو شبيه أجرة القرآن ... يخرم من مروءة الإنسان )
( لكن أبو نعيم الفضل أخذ ... وغيرة ترخصا فإن ننبذ )
( شغلا به الكسب أجز إرفاقا ... أفتى به الشيخ أيو اسحاقا ) (1/285)
( ورد ذو تساهل في الحمل ... كالنوم والأدا كلا من أصل )
( أو قبل التلقين أو قد وصفا ... بالمنكرات كثرة أو عرفا )
( بكثرة السهو وما حدث من ... أصل صحيح فهو رد ثم إن )
( بين له غلطه فما رجع ... سقط عندهم حديثه جمع )
( كذا الحميدي مع ابن حنبل ... وابن المبارك رأو في العمل )
( قال وفيه نظر نعم إذا ... كان عنادا فيه ما ينكر ذا )
( واعرضوا في هذه الدهور ... عن اجتماع هذه الأمور
( لعسرها بل يكتفي بالعاقل ... المسلم البالغ غبر الفاعل )
( للفسق ظاهرا وفي الضبط بان ... يثبت ما روعى بخط مؤتمن )
( وأنه يروي في خط وافقا ... لأصل شيخه كما قد سبقا )
( لنحو ذاك البهقي فلقد ... آل السماع لتسلسل السند )
ثلاثه أرداف أنواع الضعيف بها مناسب كما أردف الصحيح والحسن بما يناسبهما لكن كان جمع أوليهما بمكان واحد لكونهما كالمسألة الواحدة انسب أحدهما ( وإن تجد متنا ) أي حديثا ضعيف السند فقل فيه ضعيف أي بهذا السند بخصوصه ( فاقصد ) أي أتوا ذلك فإن صرحت به فأولى ولا تضعف ذلك المتن مطلقا بنا بالمد على ضعف ذاك الطريق إذ لعله جاء بالمد أيضا بسند آخر مجود يثبت المتن بمثله أو بمجموعهما بل يقف جواز ذاك أي الإطلاق على حكم إمام من أئمة الحديث صحيح الإطلاع معتبر الاستقراء والتتبع يصف بيان وجه ضعفه أي الحديث بأنه ليس إسناد يثبت هذا المتن بمثله أو بأنه ضعيف بشذوذ أو نكارة أو نحوهما فإن أطلقه أي أطلق ذاك الإمام الضعف فالشيخ ابن الصلاح فيما بعد بيسير مسألة كون الجرح لايقبل إلا مفسرا قد حققه ثم إن ما ذهب إليه من المنع إما ان يكون بالنسبة لمن لم يفحص عن الطرق (1/286)
ويبحث عنها مطلقا كما او اختاره شيخنا حيث قال والظاهر إنه مشى على أصله في تعذر استقلال المتأخرين بالحكم على الحديث بما يليق به والحق خلافه كما تقرر في موضعه فإذا بلغ الحافظ المتأهل الجهد وبذل الوسع في التفتيش على ذلك المتن من مظانه فلم يجده إلا من تلك الطريق الضعيفة ساغ له الحكم بالضعيف بناء على غلبة ظنه
وكذا إذا وجد جزم إمام من أئمة الحديث بأن رواية الفلاني تفرد به وعرف المتأخر أن ذاك المنفرد قد ضعف بقادح أيضا ووراء إنه على كل حال يكفي في المناظرة تضعيف الطريق التي أبداها المناظر وبنقطع إذ الأصل عدم ما سواها حتى تثبت بطريق أخرى قاله ابن كثير
ثانيها وإن ترد نقلا له حديث واه يعني ضعيفا قل الضعف أو كثر ما لم يبلغ الوضع أولما يشك من أهل الحديث فيه أصحيح أو ضعيف إما بالنظر إلى اختلافهم في رواية أو غير ذلك لا بإبراز إسنادهما أي المشكوك فيه والمجزوم به بل بمجرد إضافتهما إلى النبي صلى الله عليه و سلم او إلى الصحابي أو من دونه بحيث يشمل المعلق فات بتمريض كيروي ويذكر وبلغنا وروى بعضهم ونحوها من صيغ التمريض التي اكتفى بها عن التصريح بالضعف ولا يجزم بنقله خوفا من الوعيد واحتياطا فإن سقت إسنادهما فيؤخذ حكمه مما بعده واجزم فيما تورده لا بسند بنقل ما صح بالصيغ المعروفة بالجزم كقال ونحوها فاعلم ذلك ولا تنقله بصيغة التمريض وإن فعله بعض الفقهاء واستحضر ما أسلفتهلك من كلام النووي وغيره مما يتعلق بهذه المسألة عند العليق
ثالثا وسهلوا في غير موضوع رووا حيث اقتصر وأعلى سياق إسناده من غير تبيين الضعف لكن فيما يكون الترغيب والترهيب من المواعظ والقصص وفضائل الأعمال ونحو ذلك خاصة وراو بيانه وعدم التساهل في ذلك ولو ساقوا إسناده في أحاديث الحكم الشرعي من الحلال (1/287)
والحرام وغيرهما ( و ) كذا في العقائد كصفات الله تعالى وما يجوز له ويستحيل عليه ونحو ذلك ولذا كان ابن خزيمة وغيره من أهل القرية إذا روى حديثا ضعيفا قال حدثنا فلان مع البراءة من عهدته وربما قال هو والبيهقي إن صح الخبر وهذا التساهل والتشديد منقول عن ابن مهدي عبد الرحمن وغير واحد من الأئمة كأحمد بن حنبل وابن معين وابن المبار والسفيانين بحيث عقد أبو أحمد بن عدي في مقدمة كاملة والخطيب في كفايته لذلك بابا
وقال ابن عبد البر أحاديث الفضائل لا نحتاج فيها إلى من يحتج به وقال الحاكم سمعت أبا زكريا الغبري يقول الخبر إذا ورد لم يحرم حلالا ولم يحل حراما ولم يوجب حكما وكان في ترغيب أو ترهيب أغمض عنه وتسهل في رواته
ولفظ ابن مهدي فيما أخرجه البيهقي في المدخل إذا روينا عن النبي صلى الله عليه و سلم في الحلال والحرام والأحكام شددنا في الأسانيد وانتقدنا في الرجال وإذا روينا في الفضائل والثواب والعقاب سهلنا في الأسانيد وتسامحنا في الرجال ولفظ أحمد في روايه الميموني عنه الأحاديث الرقايق يحتمل أن يتساهل فيها حتى يجيء شيء فيه حكم وقال في روايه عباس الدوري عنه ابن اسحق رجل تكتب عنه هذه الأحاديث يعني المغازي ونحوها وإذا جاء الحلال والحرام أردنا قوما هكذا وقبض أصابع يديه الأربع
لكنه احتج رحمه الله بالضعيف حتى لم يكن في الباب غيرة وتبعه أبو داود وقدماه على الرأي والقياس يقال عن أبي حنيفه أيضا ذلك وإن الشافعي يحتج بالمرسل إذا لم يجد غيرة كما سلف كل ذلك في أواخر الحسن
وكذا إذا تلقت الأمه الضعيف بالقبول يعمل به على الصحيح حتى أنه (1/288)
ينزل منزله المتواتر في أنه ينسخ المقطوع به ولهذا قال الشافعي رحمه الله في حديث لا وصيه لوارث إنه لا يثبته أهل الحديث ولكن العامه تلقته بالقبول وعملوا به حتى جعلوة ناسخا لآيه الوصيه له
وكان في موضع احتياط كما إذا ورد حديث ضعيف بكراهه بعض البيوع أو الأنكحه فإن المستحب كما قال النووي أن يتنزة عنه ولكن لا يجب وضع ابن العربي المالكي العمل بالضعيف مطلقا
ولكن قد حكى النووي في عدة من تصانيفه إجماع أهل الحديث وغيرهم على العمل به في الفضائل ونحوها خاصة فهذه ثلاثة مذاهب أفاد شيخنا إن محل الأخير فيها حيث لم يكن الضعف شديدا وكان مندرجا تحت أهل عام حيث لم يقم على المنع منه دليل آخر أخص من ذلك العموم ولم يعتقد عند العمل به ثبوته كما بسطها في موضع آخر في معرفة صفة من تقبل روايته من نقله الأخبار ومن ترد بها التحقيق بذلك وذكره بعد مباحث المتن وما التحق به مناسب وفيه فصول
الأول أجمع جمهور أئمة الأثر أي الحديث المحتج به بالقراءة ليخرج الحسن بغيره بشرط أن يكون ضابطا معدلا أي ولكل منها شروط فأما شروط الضبط الذي تنكيره شمل التام والقاصر فهي أن يكون يقظا بضم القاف وكسرها ( و ) ذلك بأن لم يكن مغفلا لا يميز الصواب من الخطأ كالنائم والساهي إذ المتصف بها لا يحصل الركون إليه ولا تميل النفس إلى الاعتماد عليه وأن يكون يحفظ أي يثبت ما سمعه في حفظه بحيث يبعد زواله عن القوة الحافظة ويتمكن من استحضاره متى شاء إن حدث حفظا أي من حفظه ويحوي كتابه أي يحتوي عليه ويصونه عن تطرق التزوير والتغيير إليه من حين سمع فيها إلى أن يؤدي إن كان منه يروى وأن يكون يعلم ما في اللفظ من إحالة بحيث يؤمن من تغيرها يرويه إن يرو بالمعنى ولم يود الحديث كما سمعه بحروفه على ما سيأتي بيانه في بابه إن شاء الله (1/289)
وهذه الشروط موجودة في كلام الشافعي في الرسالة صريحا إلا الأول فيؤخذ من قوله أن يكون عاقلا لما يحدث به لقول ابن حبان هو أن يعقل من صناعة الحديث ما لا يرفع موقوفا ولا يصل مرسلا أو يصحف سماعا فهذا كناية عن اليقظة
وقد ضبط ابن الأثير الضبط في مقدمة جامعة فقال هو عبارة عن احتياط في باب العلم وله طرفان العلم عند السماع والحفظ بعد العلم عند التكلم حتى إذا سمع ولم يعلم لم يكن معتبرا كما لو سمع صياحا لا معنى له أو لم يفهم اللفظ بمعناه لم يكمن ضبطا وإذا لم شك في حفظه بعد العلم والسماع لم يكن ضبطا
قال ثم الضبط نوعان ظاهر وباطن فالظاهر ضبط معناه من حيث اللغة والباطن ضبط معناه من حيث تعلق الحكم الشرعي به وهو الفقه ومطلق الضبط الذي هو شرط في الراوي هو الضبط ظاهرا عند الأكثر لأنه يجوز نقل الخبر المعنى فيلحقه تهمة تبديل المعنى بروايته قبل الحفظ أو قبل العلم حين سمع ولهذا المعنى قلت الرواية عن أكثر الصحابة لتعذر هذا المعنى
قال وهذا الشرط وإن كان على ما بينا فإن أصحاب الحديث قل ما يعتبرونه في حق الطفل المغفل فإنه متى صح عندهم سماع الطفل أو حضوره اجازوا روايته والأول أحوط للدين وأولى
قلت وفي بعضه نظر ففيما تقدم قريبا وكذا فيما سيأتي ما يرده أو الشروط في العدالة وضابطها إجمالا أنها ملكة تحمل على ملازمة التقوى والمروءة والمراد بالتقوى اجتناب الأعمال السيئة من شرك أو فسق أو بدعة فهي خمسة ( بان ) أي أن يكون مسلما بالإجماع ذا عقل فلا يكون مجنونا سوى المطبق والمنقطع إذا أثر في الإفاقة قد بلغ الحلم بضم المهملة (1/290)
وسكون اللام أي الإنزال في النوم والمراد البلوغ به أو بنحوه كالحيض أو باستكمال خمس عشرة سنة إذ هو مناط التكليف سليم الفعل من فسق وهو إرتكاب كبيرة أو إصرار على صغيرة أو أي وسليم الفعل من خرم مروة على أنه قد اعترض على ابن الصلاح في إدراجه آخرها في المتفق عليه وقيل إنه لم يشرطها فيما ذكر الخطيب وغيره سوى الشافعي وأصحابه ولكنه مردود بأن العدالة لا تتم عند كل شرطها وهم أكثر العلماء بدونها بل لم يشترط مزيدا على الاسلام واكتفى بعدم ثبوت ما ينافي العدالة وأن ظهر منه ما ينافيها لم تقبل شهادته ولا روايته قد لا ينافيه
نعم قد حقق الماوردي أن الذي تجنبه منها شرط في العدالة وارتكابه مفض إلى الفسق ما سخف من الكلام المؤذي والضحك وما قبح من الفعل الذي يلهو به ويستقبح بمعرته كنتف اللحية وخضابها بالسواد وكذا البول قائما يعني في الطريق وبحيث يراه الناس وفي الماء الراكد وكشف العورة إذا خلا والتحدث بمساوىء الناس
وأما ما ليس بشرط فكعدم الإضال بالماء والطعام والمساعدة بالنفس والجاه وكذا الأكل في الطريق وكشف الرأس بين الناس والمشي حافيا ويمكن أن يكون هذا منشأالاختلاف ولكن في بعض ما ذكره من الشقين نظر
وما أحسن قول الزنجابي في شرح الوجيز المروة يرجع في معرفتها إلى العرف فلا تتعلق بمجرد الشارع وأنت تعلم أن الأمور العرفية قلما تضبط بل هي تختلف باختلاف الأشخاص والبلدان فكم من بلد جرت عادة أهله بمباشرة أمور لو باشرها غيرهم لعد خرما للمروءة
وفي الجملة رعاية مناهج الشرع وآدابه والاهتداء بالسلف والاقتداء بهم أمر واجب الرعاية (1/291)
قال الزركشي وكأنه يشير بذلك إلى انه ليس المراد سيرة مطلق الناس بل الذين نقتدي بهم وهو كما قال ثم إن اشترط البلوغ هو الذي عليه الجمهور والا فقد جعل بعضهم رواية الصبي المميز الموثوق به ولذا كان في المسألة لأصحابنا وجهان قيدهما الرافعي واتبعه النووي بالمراهق مع وصف النووي للقبول بالشذوذ
وقال الرافعي في موضع آخر وفي الصبي بعد التميز وجهان كما في رواية أخبار الرسول واختصره النووي بالصبي المميز ولا تناقض فمن قيد بالمراهق عن المميز والصحيح عدم قبول غير البالغ وهو الذي حكاه النووي عن الأكثرين
وحكى في شرح المهذب تبعا للمتولي عن الجمهور قبول أخبار الصبي المميز فيما طريقه المشاهدة يخلاف ما طريقة النفل كالافتاء ورواية الأخبار ونحوه وإليه أشار شيخنا بقوله وقبل الجمهور أخبارهم إذا انضمت إليها قرينة انتهى
أما غير المميز فلا تقبل قطعا وكذا لم يشترطوا في عدل الرولع الحريه بل أجمعوا كما حكاة الخطيب على قبول روايه العبد بالشروط المذكورة واجاز شهادته جماعه من السلف ولكن الجمهور في الشهاده على خلافه و هو مما افترقا فيه كما افترقا في مسأله التزكيه الآتيه بعد
وقد نظم ذلك شيخنا فقال العدل من شرطه المروءة والإسلام والعقل والبلوغ معا بجانب الفسق راويا ومنى يشهد فخريه تضف تبعا
ولا الذكورة خلافا لما نقله الماوردي في الحاوي عن أبي حنيفه قال واستثنى أخبار عائشه وأم سلمه واما من شرط في الروايه العدد كالشهاده فهو قول شاذ مخالف لما عليه الجمهور كما أسلفته في مرتاب الصحيح بل تقبل روايه الواحد إذا جمع أوصاف القبول وأدله ذلك كثيرة شهيرة (1/292)
أو كون الراوي فقيها عالم كأبي حنيفة حيث شرط فقه الراوي إن خالف القياس وغيره حيث قصره على الغريب فكله خلاف ماعليه الجمهور وحجتهم قول الله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا إن جائكم فاسق بنبأ فتبينوا ) فمقتضاه أن لا يثبت في غير خبر الفاسق ولو لم يكن عالما
وفي قوله صلى الله عليه و سلم نضر الله امرا سمع مقالتي فوعاها الحديث أقوى دليل على ذلك لأنه صلى الله عليه و سلم لم يفرق بل صرح بقوله فرب حامل فقه غير فقيه ورب حامل فقه إلى من أفقه منه
وكذا من شرط عدم عماه أو كونه مشهورا بسماع الحديث أو معروف النسب أو أن لا ينكر راوي الأصل رواية الفرع عنه على وجه النسيان أيضا
الثاني فيما تعرف به العدالة من تزكيه وغيرها ومن زكاه أي عدله في روايته عدلان فهو عدل مؤتمن بفتح الميم أي اتفاقا وصحيح اكتفاؤهم أي أئمة الأثر فيها ( ب ) قول العدل الواحد جرحا وتعديلا أي من جهة الجح والتعديل خلاف أي بخلاف الشاهد فالصحيح عدم الاكتفاء فيه بدون اثنين لأنه إن كان المركزي للراوي ناقلا عن غيره فهو جملة الأخبار أو كان اجتهادا من قبل نفسه فهو بمنزلة الحاكم وفي الحالتين لا يشترط العدد والفرق بينهما ضيق الأمر في الشاهدة لكونها في الحقوق الخاصة التي يمكن المترافع فيها وهي محل الأغراض بخلاف الراوية فإنها في شيء عام للناس غالبا لا ترافع فيه ونحوه قول بن عبد السلام الغالب من المسلمين مهابة الكذب على النبي صلى الله عليه و سلم أبخلاف شهادة الزور ولأنه قد ينفرد بالحديث واحد فلو لم تقبل لفاتت المصلحة بخلاف فوات حق واحد على واحد في المحاكمات ولأن بين الناس إحن وعداوات تحملهم على شهادة الزور بخلاف الرواية (1/293)
والقول الثاني إشتراط إثنين في الرواية أيضا حكاه القاضي ابو بكربن الباقلاني عن أكثر الفقهاء من أهل المدينة وغيرهم لأن التزكية صفة فتحتاج في ثبوتها إلى عدلين كالرشد والكفاءة وغيرهما وقياسا على الشاهد بالنسبة لما هو المرجع فيها عند الشافعية والمالكية بل هو قول محمد بن الحسن واختاره الصحاوي وإلا فأبو عبيد لا تقبل في التزكية فيها أقل من ثلاثة متمسكا بحديث قبيضة فيمن تحل له المسألة حتى تقوم ثلاثة من ذوي الحجاج فيشهدون له قال وإذا كان هذا في حق الحاجة فغيرها أولى ولكن المعتمد في الأول والحديث فمحمول على الاستحباب فيمن عرف له مال قبل
ومن رجح الحكم كذلك في البابين الفخر الرازي والسيف الآمدي ونقله هو وابن الحاجب عن الأكثرين ولا ينافيه الحكاية الماضية للتسوية عن الأكثرين لتقييدها هناك بالفقهاء
وممن اختار التفرقة أيضا الخطيب وغيره وكذا اختار القاضي أبو بكر بعد حكاية ما تقدم الاكتفاء بواحد لكن في البابين معا كما نقل عن أبي حنيفة وأبي يوسف في الشاهد خاصة وعبارته والذي يوجبه القياس وجوب قبول تزكية كل عدل مرضي ذكر أو انثى حر أوعبد لشاهد ومخبر أي عارف بما يجب أن يكون عليه العدل وما به يحصل الجرح كما اقتضاه أول كلامه الذي حكاه الخطيب عنه وهو ظاهر واستثنى تزكية المرأة في الحكم الذي لاتقبل شهادتها فيه كل ذلك بعد حكايته عن أكثر الفقهاء من أهل المدينة وغيرهم عدم قبول تزكية النساء مطلقا في البابين
وكذا اشار لتخصيص تزكية العبد بالرواية لقبوله فيها دون الشهادة ولكن التعميم في قبول تزكية كل عدل لأنها كما قال الطحاوي خبر وليست شهادة صرح به أيضا صاحب المحصوب وغيره من غير تقييد (1/294)
وقال النووي في التقريب نقبل أي في الرواية تعديل العبد والمرأة العارفين ولم يحك غيره
قال الخطيب في الكفاية الأصل في هذا الباب سؤال النبي صلى الله عليه و سلم في قصة الإفك بريرة عن حال عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وجوابها له يعني الذي ترجم عليه البخاري في صحيحه تعديل النساء بعضهم بعضا
ولا تقبل تزكية الصبي المراهق ولا الغلام الضابط جزما وإن اختلف في روايتهما لأن الغلام وإن كانت حاله ضبط ما سمعه والتعبير عنه على وجهه فهو غير عارف بأحكام أفعال المكلفين وما به منها يكون العدل عدلا والفاسق فاسقا فذلك إنما يكمل له المكلف وأيضا فلكونه غير مكلف لا يؤمن منه تفسيق العدل وتعديل الفاسق ولا كذلك المرأى والعبد فافترق الأمر فيهما قاله الخطيب وصححوا كما هو مذهب الشافعي وعليه الاعتماد في أصول الفقه ومشى عليه الخطيب مما تثبت به العدالة أيضا وهو الاستفاضة استغناء ذي الشهرة ونباهة لا الذكر بالاستقامة والصدق مع البصيرة والفهم وهو الاستفاضة عن تزكية صريحة كمالك هو ابن أنس نجم السنن كما وصفه به إمامنا الشافعي رحمهما الله وكشعبة ووكيع وأحمد وابن معين ومن جرى مجراهم فهؤلاء وأمثالهم كما قال الخطيب وقد عقد بابا لذلك في كفايته لا يسأل عن عدالتهم وإنما يسأل عن عدالتة من كان في عداد المجهولين أو كلام خفي أمره على الطالبين
وساق بسنده أن الإمام أحمد سئل عن إسحق بن راهويه فقال مثل إسحق يسأل عنه إسحق عندنا إمام من أئمة المسلمين وإن ابن معين سئل عن أبي عبيد فقال مثلي يسأل عنه هو يسأل عن الناس وعن ابن جابر أنه قال لا يؤخذ العلم إلا ممن شهد له بالطلب وفي رواية عن ابن مسهر إلا عن جليس العالم فإن ذلك طلبه
قال الخطيب أراد أن من عرفت مجالسته للعلماء أو أخذه عنهم أغنى (1/295)
ظهور ذلك من أمره عن أن يسأل عن حاله وعن القاضي أبي بكر بن الباقلاني أنه قال الشاهد والمخبر إنما يحتاجان إلى التزكية متى لم يكونا مشهورين بالعدالة والرضى وكان أمرهما مشكلا ملتبسا ومجوزا فيه العدالة وغيرها
قال والدليل على ذلك أن العلم بظهور سترهما أي المستور من أمرهما واشتهار عدالتهما أقوى في النفوس من تعديل واحد أو اثنين يجوز عليهما الكذب والمحاباة في تعديله وأغراض داعية لهما إلى وصفه بغير صفته وبالرجوع إلى النفوس يعلم أن ظهور ذلك من حاله أقوى في النفس من تزكية المعدل لهما فصح بذلك ما قلناه قال ويدل على ذلك أيضا أن نهاية حال تزكية العدل أن تبلغ مبلغ ظهور ستره وهي لا تبلغ ذلك أبدا فإذا ظهر ذلك فما الحاجة إلى التعديل انتهى
ومن هنا لما شهد أبو إبراهيم المزني صاحب الشافعي عند القاضي بكار بن قتيبة رحمهم الله وقيل له إنه أبو ابراهيم ولم يكن يعرفه قبلها فقال تقام البينة عندي بذلك فقط
وكذا يثبت الجرح بالاستفاضة أيضا وذهب بعضهم إلى أن مما يثبت به العدالة رواية جماعة من الجلة عن الراوي وهذه طريقة البزار في مسنده وجنح إليها ابن القطان في الكلام على حديث قطع السدر من كتابه الوهم ةالإيهام ونحوه قول الذهبي في ترجمة مالك بن الخير الزيادي من ميزانه
وقد نقل عن ابن القطان إنه ممن لم يثبت عدالته يريد أنه ما نص أحد على أنه ثقة قال وفي رواة الصحيحين عدد كثير ما علمنا أن أحدا نص على توثيقهم
والجمهور على أن من كان من المشايخ قد روى عنه جماعة ولم يأت بما ينكر عليه أن حديثه صحيح لكن قد تعقبه شيخنا بقوله ما نسبه للجمهور لم يصرح به أحد من أئمة النقد إلا ابن حبان نعم هو حق فيمن كان مشهور (1/296)
بطلب الحديث والانتساب إليه كما قررته في علوم الحديث وأغرب منه ما حكاه ابن الصلاح في طبقاته عن ابن عبدان أنه حكى في كتابة شرائط الأحكام عن بعض أصحابنا إنه لم يعتبر في ناقل الخبر ما يعتبر في الدماء والفروج من التزكية بل إذا كان ظاهره الدين والصدق قبل خبره واستغرابه ابن الصلاح ولابن عبد البر قول فيه توسع أيضا وهو كل من عني بضم أوله بحمله العلم زاد الناظم ولم يوهن بتشديد الهاء المفتوحة أي لم يضعف فإنه عدل بقول المصطفى صلى الله عليه و سلم يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله يفنون عنه تحريف الغالين أي المتجاوزين الحد وانتحال أي ادعاء المبطلين وتأويل الجاهلين لكن قد خولفا ابن عبد البرلكون الحديث مع كثرة طرقه ضعيف بحيث قال الشارح إنه لا يثبت منها شيء بل قال ابن عبد البر نفسه أسانيده كلها مضطربة غير مستقيمة
وقال الدارقطني إنه لايصح مرفوعا يعني مسندا وقال شيخنا وأورده ابن عدي من طرق كثيرة كلها ضعيفة وحكم غيره عليه بالوضع وإن قال العلائي في حديث أسامة منها إنه حسن غريب
وصحح الحديث الإمام أحمد وكذا نقل العسكري في الأمثال عن أبي موسى عيسى بن صبيح تصحيحه فأبو موسى هذا ليس بعمدة وهو من كبار المعتزلة
وأحمد فقد تعقب ابن القطان كلامه وحديث أسامة لمخصوصه قال فيه أبو نعيم إنه لا يثبت
وقال ابن كثير في صحته نظر قوي والأغلب عدم صحته ولو صح لكان ما ذهب إليه قويا انتهى
وسأحقق الأمر فيه إن شاء الله تعالى فإن عندي من غير مرسل إبراهيم العذري عن أسامة بن زيد بن سمرة وابن عباس وابن عمر وابن (1/297)
عمرو وابن مسعود وعلي ومعاذ وأبي أمامة وأبي هريرة رضي الله عنهم وعلى كل حال من صلاحيته للحجة أو ضعفه فإنما يصح الاستدلال به أن لو كان خبرا ولا يصح حمله على الخبر لوجود من يحمل العلم وهو غير عدل وغير ثقة
وكيف يكون خبرا وابن عبد البر نفسه يقول فهو عدل محمول في أمره على العدالة حتى يتبين جرحه فلم يبق له محمل إلا على الأمر ومعناه أنه أمر الثقات بحمل العلم لأن العلم إنما يقبل عن الثقات
ويتأيد بأنه في بعض طرقه ليحمل بلام الأمر على أنه لا مانع من إرادة الأمر أن يكون بلفظ الخبر
وحينئذ سواء روى بالرفع على الخبرية أو بالجزم على إرادة الأمر فمعناها واحد بل لامانع أيضا من كونه خبرا على ظاهره ويحمل على الغالب والقصد أنه مظنه لذلك
وقد قال النووي في أول تهذيبه عند ذكر هذا الحديث وهذا إخبار منه صلى الله عليه و سلم بصيانة العلم وحفظه وعدالة ناقليه وإن الله تعالى يوفق له في كل عصر خلقا من العدول يحملونه وينفون عن التحريف فلا يصنع وهذا تصريح بعدالة حامليه في كل عصر وهكذا وقع ولله حمد وهذا من اعلام النبوة ولا يضر مع هذا كون بعض الفساق ويعرف شيئا من العلم فإن الحديث إنما هو إخبار بأن العدول يحملونه لاأن غيرهم لا يعرف شيئا منه انتهى
على أنه يقال ما يعرفه الفساق من العلم ليس بعلم حقيقه لعدم عملهم به كما أشار إليه التفتازاني في تقرير قول التلخيص وقد ينزل العالم منزله الجاهل
وصرح به الشافعي في قوله
( ولا العلم إلا مع التقي ... ولا العقل إلا مع الأدب ) (1/298)
ومن الغريب في ضبطه ما حكاه الشارح في نكته عن فوائد رحلة ابن الصلاح مما عزاه لأبي عمرو محمد بن أحمد التميمي يحمل بضم التحتانية على البناء للمفعول ورفع ميم العلم وبفتح العين واللام من عدوله مع إبدال الهاء تاء منونة
ومعناه أن الخلف هو العدولة بمعنى أنه عادل كما يقال شكور بمعنى شاكر وتكون الهاء للمبالغة كما يقال رجل ضرورة فكأنه قال إن العلم يحمل عن كل خلف كامل في عدالته
لكن يتأيد بما حكاه العسكري عن بعضهم أنه قال عقب الحديث فسبيل العلم أن يحمل عمن هذه سبيله ووصفه
ونحوه ما يرى مرفوعا أن هذا العلم دين فانظر عمن تأخذ دينك ومع هذه الاحتمالات فلا يسوغ الاحتجاج به
وقوى قول ابن الصلاح إنه توسع غير مرضي ووافقه ابن أبي الدم قال إنه قريب الاستمداد من مذهب أبي حنيفة في أن ظاهر المسلمين العدالة وقبول شهادة كل مسلم مجهول الحال إلى أن يثبت جرحه
قال وهو غير مرضي عندنا لخروجه عن الاحتياط ويقرب منه ما ذهب إليه من قبول شهادة المتوسمين من أهل القافلة اعتمادا على ظاهر أحوالهم المستدل بها على العدالة والصدق فيما يشهدون به
على أن ابن عبد البر قد سبق بذلك فروينا في شرف أصحاب الحديث للخطيب من طريق محمد بن أحمد بن يعقوب بن شيبة قال رأيت رجلا قدم آخر إلى إسماعيل بن اسحق القاضي فادعى عليه شيء فأنكر فقال للمدعي ألك بينة قال نعم فلان وفلان فقال أما فلان فمن شهودي وأما فلان فليس من شهودي قال فيعرفه القاضي قال نعم قال بماذا قال أعرفه بكتب الحديث قال فكيف تعرفه في كتبة الحديث قال ما علمت إلا (1/299)
خيرا قال فإن النبي صلى الله عليه و سلم قال يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ومن عدله رسول الله صلى الله عليه و سلم أولى ممن عدلته أنت قال فقم فهاته فقد قبلت شهادته
نحوه قول ابن المواق من المتأخرين أهل العلم محمولين على العدالة حتى يظهر منهم خلاف ذلك وقال ابن الجوزي إن ما ذهب إليه ابن عبد البر هو الصواب وإن رده بعضهم وسبقه المزي فقال هو في زماننا مرضي بل ربما يتعين
ونحوه قول ابن سيد الناس لست أراه إلا مرضيا وكذا قال الذهبي إنه حق قال ولا يدخل في ذلك المستور فإنه غير مشهور بالعناية بالعلم فكل من اشتهر بين الحفاظ بأنه من أصحاب الحديث وإنه معروف بالعناية بهذا الشأن ثم كشفوا عن أخباره فما وجدوا فيه تبينا ولا اتفق لهم علم بأن أحدا وثقه فهذا الذي عناه الحافظ وإنه يكون مقبول الحديث إلى أن يلوح فيه جرح
قال ومن ذلك إخراج البخاري ومسلم لجامعة ما اطلعنا فيهم على جرح ولا توثيق فهو لا يحتج بهم لأن الشيخين احتجاجهم ولأن الدهماء أطبقت على تسميته الكتابين بالصحيحين
قلت بل أفاد التقي ابن دقيق العيد أن إطباق جمهور الأمة أوكلهم على كتابيهما يستلزم إطباقهم أو أكثرهم على تعديل الرواة المحتج بهم فيهما إجتماعا وانفرادا قال مع أنه وجد فيه من تكلم فيه
ولكن كان الحافظ أبو الحسن بن المفضل شيخ شيوخنا يقول فيهم إنهم جازوا القنطرة يعني أنه لا يلتفت إلى ما قيل فيهم
قال التقي وهكذا نعتقد وبه نقول ولا نخرج عنه إلا ببيان شاف وحجة ظاهرة تزيد في غلبة الظن على ما قدمناه من استلزام الاتفاق (1/300)
ووافقه شيخنا بل صرح بعضهم باستلزام القول بالقطع بصحة ما لم ينتقد من أحاديثهما القطع بعدالة رواتهما يعني فيما لم ينتقد ثم قال التقي نعم يمكن أن يكون للترجيح مدخل عند تعارض الروايات فيكون من لم يتكلم فيه اصلا راجحا على من قد تكلم فيه وإن اشتركا في كونهما من رجال الصحيح انتهى
ويستأنس لما ذهب إليه ابن عبد البر بما جاء بسند جيد أن عمر بن الخطاب كتب إلى أبي موسى رضي الله عنهما المسلمون عدول بعضهم على بعض إلا مجلودا في حد أو مجربا عليه شهادة زور أو ظنينا في ولاء أو نسب
قال البلقيني وهذا يقويه لكن ذاك مخصوص بحملة العلم
قلت وكذا مما يقويه أيضا كلام الخطيب الماضي قبل حكاية هذه المسألة
الثالث فيما يعرف به الضبط وتأخيره عما قبله مناسب وإن كان تقديمه أنسب لتعلق ما بعده بما قبله لاسيما وهو سابق أول الباب في الوضع ومن يوافق غالبا في اللفظ ولو أتى بأنقص لا يتغير به المعنى أو في المعنى ذا الضبط فهو ضابط محتج بحديثه ( أو ) يوافقه نادرا ويكثر من مخالفته والزيادة عليه فيما أتى به فهو مخطيء بدون همز للوزن عديم الضبط فلا يحتج بحديثه وإلى ذلك أشار الشافعي رحمه الله فيمن تقوم به الحجة فقال ويكون إذا شرك أهل الحفظ في الحديث وافق حديثهم
قال ومن كثر غلطه من المحدثين ولم يكن له أصل كتاب صحيح لم تقبل حديثه كما يكون من أكثر التخليط في الشهادة لم تقبل شهادته وقال فيما يعتضد به المرسل كما تقدم ويكون إذا أشرك أحدا من الحفاظ في حديث لم يخالفه فإن خالفه ووجد حديثه أنقص كانت في هذه دلائل على صحة مخرج (1/301)
حديثه ويعرف الضبط أيضا بالامتحان كما تقدم في المقلوب مع تحقيق الأمر فيه
الرابع في بيان سبب الجرح والتعديل وكان إردافه بالثاني كما تقدم أنسب وصححوا أي الجمهور من المحدثين وغيرهم كما هو المشهور قبول التعديل بلا ذكر لأسباب له خشية أن تثقلا لأنها كثيرة ومتى كلف المعدل لسرد جميعها احتاج أن يقول يفعل كذا وكذا عادا ما يجب عليه فعله وليس يفعل كذا وكذا عادا ما يجب تركه وفيه طول ولم يروا أي الجمهور أيضا قبول جرح أبهما ذكر سببه من المجرح لزوال الخشية المشار إليها فإن الجرح يحصل بأمر واحد وللخلف بين الناس في أسبابه وموجبه بحيث يطلق أحدهم الجرح متمسكا بسبب يعتقد أنه يقتضيه أو لشدة تعنته وليس كذلك عند غيره فالبيان مزيل لهذا الحذور ومظهر لكونه قادحا أو لا ( و ) يؤيده أنه ربما استفسر الجرح ببيان سببه من الجارح ( ف ) يذكر ما لم تقدح كما فسره شعبة ابن الحجاج مرة بالركض وهو استحثاث الدابة بالرجل لتعدو حيث قيل له لم تركت حديث فلان قال رأيته يركض على برذون بكسر الموحدة وذال معجمة الجافي الخلقة الجلد على السير الشعاب والوعر من الخيل غير العربية وأكثر ما يجلب من اللزوم وحينئذ فما يلزم من ركضه اللهم إلا أن يكون في موضع أو على وجه لا يليق ولا ضرورة تدعو لذلك لا سيما وقد ورد عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم مرفوعا سرعة المشي تذهب بهاء المؤمن
ونحوها ما روي عن شعبه أيضا أنه جاء إلى المنهال بن عمرو فسمع من دارة صوتا فتركه قال ابن أبي حاتم إنه سمع قراءة بالتطريب ونحوة قول ابن أبي حاتم كما قاله الشارح إنه سمع قراءة الحان فكرة السماع منه وقول وهب بن جرير عن شعبه أتيت منزل المنهال فسمعت منه صوت الطنبور فرجعت ولم أسأله قال وهب فقلت له فهلا سألته عسى كان لا يعلم قال (1/302)
شيخنا وهذا اعتراض صحيح فإن هذا لا يوجب قدحا في المنهال بل ولا يجرح الثقه بمثل قول المغيرة في المنهال إنه كان حسن الصوت له لحن يقول له وزن سبعه
ولذا قال ابن القطان عقب كلام ابن أبي حاتم ما نصه هذا ليس بجرحه إلى أن يتجاوز إلى حد يحرم ولم يصح ذلك عنه انتهى
وجرحه بهذا تعسف ظاهر وقد وثقه ابن معين والعجلي وغيرهما كالنسائي وابن حبان وقال الدارقنطي إنه صدوق
وإحتج به البخاري في صحيحه بل اطلق له من روايه شعبه نفسه عنه فقال في باب ما يكرة من المثله من الذبائح تابعه سليمان عن شعبه عن المنهال يعني ابن عمرو عن سعيد هو ابن جبير عن ابن عمر قال لعن النبي صلى الله عليه و سلم من مثل بالحيوان ووصله البيهقي
وفيه دليل على أن شعبه لم يترك الروايه عنه وذلك إما بما عله سمعه منه قبل ذلك أو لزوال المانع منه عنده
وقد حكى ابن أبي حاتم عن أبيه أن السماع يكرة ممن يقرأر بالألحان ونص الإمام مالك في المدونه على أن القراءة في الصلاة بالألحان الموضوعه والترجيع ترد به الشهاده
والحق في هذه المسأله أنه إن خرج بالتلحين لفظ القرآن عن صيغته بإخال حركات فيه أو إخراج حركات منه أو قصر ممدود أو مد مقصور أو تمطيط يخفى به اللفظ ويلتبس به المعنى فالقاريء فاسق والمستمع آثم وإن لم يخرجه اللحن عن لفظه وقراءته على ترتيله فلا كراهه لأنه زاد بألحانه في تحسينه وكذا استفسر غير شعبه فذكر ما الجرح به غير متفق عليه فقال شعبه قلت للحكم بن عتيبه لم لم تحمل عن زاذان قال كان كثير الكلام ولعله (1/303)
استند إلى ما يروى عنه صلى الله عليه ويلم أنه قال من كثر كلامه كثر سقطه ومن كثر سقطه كثرت ذونوبه ومن كثرت ذنوبه فالنار أولى به وكذا الماوردي في ذم من تكلم فيما لا يعنيه
وممن تكلم في زاذان الحاكم أبو أحمد فقال إنه ليس بالمتين عندهم وقال ابن حبان كان يخطيء كثيرا لكن قد وثقه غير واحد وأخرج له مسلم
وقال جرير بن عبد الحميد أتيت سماك بن حرب فرأيته يبول قائما فلم أسأله عن حرف قلت قد خرف ولعله كان بحيث يرى الناس عورته
وقد عقب الخطيب في الكفاية لهذا بابا ومما ذكر فيه بما تبعه ابن الصلاح في إيراده أن مسلم بن إبراهيم سئل عن حديث الصالح المري فقال ما نصنع بصالح ذكروه يوما عند حماد بن سلمة فامتخط حماد وإدخال مثل هذا في هذا الباب غير جيد فصالح ضعيف عندهم ولذا حذفه المصنف بل قد بان في جميع ما ذكر عدم تحتم الجرح به هذا أي القول بالتفصيل هو الذي عليه الأئمة حفاظ الأثر أي الحديث ونقاده ( كـ ) البخاري ومسلم شيخي الصحيح الذين كانا أول من صنف فيه وغيرهما من الحفاظ مع أهل النظر كالشافعي فقد نص عليه وقال ابن الصلاح إنه ظاهر مقرر في الفقه وأصوله وقال الخطيب إنه الصواب عندنا
والقول الثاني عكسه فيشترط تفسير التعديل دون الجرح لأن أسباب العدالة يكثر الصنيع فيها فيتسارع الناس إلى الثناء على الظاهر هذا الإمام مالك مع شدة نقله وتحريه قيل له في الرواية عن عبد الكريم بن أبي المخارق فقال غرني بكثرة جلوسه في المسجد يعني لما ورد من كونه بيت كل تقي
والثالث أنه لا بد من سببها معا للمعنيين السابقين فكما يجرح الجارح بما لا يقدح كذلك يوثق المعدل لما لا يقتضي العدالة مثل قول أحمد (1/304)
بن يونس لمن قال له عبد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب العمري ضعيف إنما يضعفه رافضي مبغض لآبائه لو رأيت لحيته وخضابه وهيئته لعرفت أنه ثقة فاستدل لثقته بما ليس بحجة لأن حسن الهيئة يشتركفيه العدل وغيره وهو ظاهر وإن أمكن أن يقال لعله أراد أن توسمه يقضي بعدالته فضلا عن دينه ومروءته وضبطه لكن يندفع هذا في العمري بخصوصه بأن الجمهور على ضعفه وكثيرا ما يوجد مدح المرء بأنك إذا رأيت سمته علمت أنه يخشى الله
والرابع عكسه وإذا صدر الجرح أو التعديل من عالم يصير به كما سيأتي قريبا مع الخدش في كونه قولا مستقلا فإن نقل على القول الأول قد قل فيما يحكى عن الأئمه في الكتب المعول عليها في الرجال بيان سبب جرح من جرح بل اقتصروا فيها غالبا على مجرد الحكم بأن فلانا ضعيف أو ليس بشيء أو نحو ذلك
وكذا قل بيانهم لسبب ضعف الحديث إذا قالو في كتب المتون ونحوها لتن أنه لم يصح بل اقتصروا أيضا غالبا على مجرد الحكم بضعف هذا الحديث أو عدم ثبوته أو نحو ذلك وأبهموا بيان السبب في الموضوعين واشترط البيان يفضي إلى تعطيل ذلك وسد باب الجرح في الأغلب الأكثر فالشيخ ابن الصلاح قد أجابا عن هذا السؤال أن يجيب أي يوجب الوقف عن الاحتجاج بالراوي أو بالحديث إذا سترابا أي لأجل حصول الرتبة القوية بذلك ويستمر واقفا حتى يبين بضم أوله من أبان أي يظهر بحثه وفحصه عن حال ذاك الراوي أو الحديث قبوله مطلقا أو في بعض حديثه والثقة بعدالته وعدم تأثير ما وقف عليه فيه من الجرح المجرد كمن أي كالذي من الرواة أولوا أي أصحاب الصحيح البخاري ومسلم وغيرهما خرجوا فيه له مع كونه ممن مس من غيرهم بجرح مبهم وقال فافهم ذلك فإنه مخلص حسن ففي البخاري احتجاجا عكرمة (1/305)
أي فعكرمة التابعي مولى ابن عباس مخرج له في صحيح البخاري على وجه الاحتجاج به فضلا عن المتابعات ونحوها مع ما فيه من الكلام لكونه له عنه أتم مخلص حتى أن جماعة صنفوا في الذب عن عكرمة كأبي جعفر بن جرير الطبري ومحمد بن نصر المروزي وأبي عبد الله بن منده وابن حبان وابن عبد البر
وحقق ذلك شيخنا في مقدمته بما لانطيل به مع ابن مرزوق عمرو الباهلي البصري لكن متابعة لااحتجاج وغير ترجمة أي راو على وجه الاحتجاج وغيره ممن سبق من غيره التضعيف لهم يعرف تعيينهم والمخرج له منهم في الأصول ممن في المتابعات مع الحجة في التخريج لهم من المقدمة أيضا وكذا احتج مسلم بمن قد صعفا من غيره نحو سويد هو ابن سعيد وجماعة غيره إذ يجرح مطلق ما اكتفى كل من البخاري ومسلم لتحقيقهما نفيه بل أكثر من فسر الجرح في سويد ذكر أنه لما عمي ربما لقن الشيء وهذا وإن كان قادحا فإنما يقدح فيما حدث به يعد العمى لا فيما قبله والظاهر أن مسلما عرف أن ما خرجه عنه من صحيح حديثه أو مما لم ينفرد به طلبا للعلو
قال إبراهيم بن أبي طالب قلت لمسلم كيف استخرجت الرواية عن سويد في الصحيح فقال ومن أين كنت آتي بنسخة حفص بن ميسرة وذلك أن مسلما لم يرو في صحيحه عن أحد ممن سمع حفصا سواه وروى فيه عن واحد عن ابن وهب عن حفص قلت وقد قال في أصل مسألة إمام الحرمين أبو المعالي الجويني في كتابه البرهان واختاره تلميذه حجة الإسلام أبو حامد الغزالي وكذا الإمام فخر الدين ابن الخطيب الرازي الحق أن يحكم سكن الميم أي يقضي بما أطلقه العالم سكن الميم أيضا البصير بأسبابهما أي الجرح والتعديل من غير بيان لسبب واحد منهما واختاره القاضي أبو بكر الباقلاني ونقله عن الجمهور (1/306)
فقال قال الجمهور ومن أهل العلم إذا جرح من لايعرف الجرح يجب الكشف عن ذلك ولم يوجبوا ذلك على أهل العلم بهذا الشأن
قال والذي يقوي عندنا ترك الكشف عن ذلك إذا كان الجارح عالما كما لا يجب استفسار المعدل عما به صار عنده المزكى عدلا
وممن حكاه عن القاضي أبي بكر الغزالي في المستصفى لكنه حكى عنه أيضا في المتحول خلافه وما ذكره عنه في المستصفى هو الذي حكاه صاحب المحصول والآمدي هو المعروف عن القاضي كما رواه الخطيب عنه في الكفاية بإسناده الصحيح واختاره الخطيب أيضا وذلك أنه بعد تقرير القول الأول صوبه قال علي إنا نقول أيضا إن كان الذي يرجع إليه في الجرح عدلا مرضيا في اعتقاده وأفعاله عارفا بصفة العدالة والجرح وأسبابهما عالما باختلاف الفقهاء في أحكام ذلك قبل قوله فيمن جرحه مجملا ولا يسأل عن سببه انتهى
وبالجملة فهذا خلاف ما اختاره ابن الصلاح في كون الجرح المبهم لا يقبل وهو عين القول الرابع المشار إليه أولا ولكن قد قال ابن جماعة إنه ليس بقول مستقل بل هو تحقيق لمحل النزاع وتحرير له إذ من لا يكون عالما بالأسباب لايقبل منه جرح ولا تعديل لا بإطلاق ولا بتقييد فالحكم بالشيء فرع عن العلم التصوري به وسبقه لنحوه التاج السبكي وقال إنه لا تعديل وجرح إلا من العالم
وكذا قيد في ترجمة أحمد بن صالح القول باستفسار الجرح بما إذا كان الجرح في حق من ثبتت عدالته وسبقه البيهقي فترجم باب لا يقبل الجرح فيمن ثبتت عدالته إلا بأن نقف على ما يجرح به
وكذا قال ابن عبد البر من صحة عدالته وثبت في العلم إمامته وبانت همته فيه وعنايته لم يلتف فيه إلى قول أحد إلا أن يأتي الجارح في جرحه ببينة (1/307)
عادلة يصح بها جرحه على طريق أحد إلا أن يأتي الجارح في جره ببينة عادلة يصح بها جرحه على طريق الشهادات والعمل بما فيها من المشاهدة لذلك بما يوجب قبوله انتهى
وليس المراد إقامة بينة على جرحه بل المعنى أنه يستند في جرحه لما يستند إليه الشاهد في شهادته وهو المشاهدة ونحوها واوضحمنه في المراد ما سبقه به محمد بن نصر المروزي فإنه قال وكل رجل ثبتت عدالته لم يقبل فيه تجريح أحد حتى يبين ذلك بأمر لا يحتمل أن يكون غير جرحه
ولذا كله كأن المختار عند شيخنا أنه إن خلا المجروح عن تعديل قبل الجرح فيه مجملا غير مبين السبب إذا صدر من عارف قال لأنه إذا لم يكن فيه تعديل فهو في حيز المجهول وأعمال قول المجرح ويؤمن إهماله قال ومال ابن الصلاح في مثل هذا التوقف انتهى
وقيد بعض المتأخرين قبول الجرح المفسر فيمن عدل أيضا بما إذا لم تكن هناك قرينة يشهد العقل بأن مثلها يحمل على الوقيعة من تعصب مذهبي أو مناقشة دنيوية وهو كذلك كما سيأتي إن شاء الله مع مزيد في معرفة الثقات والضعفاء
الخامس في تعارض الجرح والتعديل في راو واحد وقدموا أي جمهور العلماء أيضا الجرح على التعديل مطلقا استوى الطرفان في العدد أم لا
قال ابن الصلاح إنه الصحيح وكذا صححه الأصوليون كالفخر والآمدي بل حكى الخطيب اتفاق أهل العلم عليه إذا استوى العددان وصنيع ابن الصلاح مشعر بذلك
وعليه يحمل قول ابن عساكر أجمع أهل العلم على تقديم قول من جرح راويا على قول من عدله واقتضت حكاية الاتفاق في التساوي كون ذلك أولى (1/308)
فيما إذا زاد عدد الجارحين
قال الخطيب والعلة في ذلك أن الجارح يخبر عن أمر باطني قد علمه ويصدق المعدل له ويقول له قد علمت عن حاله الظاهر ما علمته وتفردت بعلم لم تعلمه من اختيار أمره يعني فمعه زيادة علم قال وأخبار المعدل عن العدالة الظاهرة لا ينفي قول صدق الجارح فيما أخبر به فوجب لذلك أنه يكون الجرح أولى من التعديل وغاية قول المعدل كما قال العضد إن لم يعلم فسقا ولم يظنه تظن عدالته إذ العلم بالعدم لا يتصور والجراح يقول أنا علمت فسقه فلو حكمنا بعدم فسقه كان الجارح كاذبا ولو حكمنا بفسقه كانا صادقين فيما أخبرا به والجمع أولى ما أمكن لأن تكذيب العدل خلاف الظاهر انتهى
وإلى ذلك أشار الخطيب بما حاصله أن العمل بقول الجارح غير متضمن لتهمة المزكى بخلاف مقابله
قال ولأجل هذا وجب إذا شهد شاهدان على رجل بحق وشهد له آخران أنه قد خرج منه إذ يكون العمل بشهادة من شهد بالقضاء ألى لأن شاهدي القضاء يصدقان الآخرين وتقولان علمنا خروجه من الحق الذي كان عليه وأنتما لم تعلما ذلك ولو قال شاهدا ثبوت الحق شهد أنه لم يخرج من الحق لكانت شهادة باطلة
لكن ينبغي الحكم بتقديم الجرح بما إذا فسر وما تقدم قريبا يساعده وعليه يحمل من قدم التعديل كالقاضي أبي الطيب الطبري وغيره أما إذا تعارضا من غير تفسير فالتعديل كما قاله المزي وغيره
وقال ابن العيد إن الأقوال حينئذ أن يطلب الترجيح لأن كلا منهما ينفي قول الآخر وتعليله يخدش فيه بما تقدم وكذا قيده الفقهاء بما إذا أطلق التعديل أما إذا قال المعدل عرفت السبب الذي ذكره الجارح لكنه (1/309)
تاب منه وحسنت توبته فإنه يقدم المعدل ما لم يكن في الكذب على النبي صلى الله عليه و سلم كما سيأتي في محله وكذا لو نفاه بطريق معتبر كأن يقول المعدل عند الترجيح بقتله بفلان في يوم كذا أن فلانا المشار إليه قد رأيته بعد هذا اليوم وهو حي فإنه حينئذ يقع التعارض لعدم إمكان الجمع ويصار الى الترجيح
ولذا قال ابن الحاجب أما عند إثبات معين ونفيه باليقين فالترجيح وقيل إن ظهر من عدل الأكثر بالنصب حالا باعتقاد تنكيره يعني إن كان المعدولون أكثر عددا فهو أي التعديل المعتبر حكاه الخطيب عن طائفة وصاحب المحصول لأن الكثرة يقوي الظن والعمل بأقوى الظنين واجب كما في تعارض الحديثين
قال الخطيب وهذا خطأ وبعد ممن توهمه لأن المعدلين وإن كثر ما لبسوا يخبرون عن عدم ما أخبر به الجارحون ولو أخبروا بذلك وقالوا نشهد أن هذا لم يقع منه لخرجوا بذلك عن أن يكونوا أهل تعديل أو جرح لأنها شهادة باطلة على نفي ما يصح ويجوز وقوعه وإن لم يعلموه فثبت ما ذكرناه وإن تقديم الجرح إنما هو لتمضية زيادة خفيت على المعدل وذلك موجود مع زيادة عدد المعدل ونقصه ومساواته فلو جرحه واحد وعدلهمائة قدم الواحد لذلك
وقيل يقدم الأحفظ وقيل إنهما يتعارضان فلا يرجح أحدهما إلا بمرجح حكاه ابن الحاجب ووجهه أن مع المعدل زيادة قوة بالكثرة ومع الجارح زيادة قوة بالاطلاع على الباطن وبالجمع الممكن
ثم إن كل ما تقدم فيما إذا صدرا من قائلين أما إذا كانا من قائل واحد كما يتفق لابن معين وغيره من أئمة النقد فهذا قد لا يكون تناقضا بل نسبيا في أحدهما أو ناشئا عن تغير اجتهاد وحينئذ فلا ينضبط بأمر كلي وإن قال بعض المتأخرين إن الظاهر أن المعمول به المتأخر منهما أن علم وإلا وجب التوقف (1/310)
السادس في التعديل لمن أبهم ومجرد الرواية عن المعين بدون تعديل وغير ذلك ومبهم التعديل أي تعديل المبهم ليس مكتفي به الحافظ أبو بكر الخطيب وعصرية أبو نصر بن الصباغ ( و ) من قبلهما الفقيه أبو بكر محمد بن عبد الله الصيرفي شارح الرسالة وغيرهم من الشافعية كالماوردي والروياني سواء في ذلك المقلد وغيره وقيل يكفي كما لو عينه لأنه مأمون في الحالتين معا نقله ابن الصباغ أيضا في العدة عن أبي حنيفة وهو ماش على قول من يحتج بالمرسل من أجل أن المرسل لو لم يحتج بالمحذوف لما حذفه فكأنه عدله بل هو في مسألتنا أولى بالقبول لتصريحه فيها بالتعديل ولكن الصحيح الأول لأنه لا يلزم من تعديله أن يكون عند غيره كذلك فلعله إذا سماه يعرف بخلافها وربما يكون قد انفرد بتوثيقه كما وقع للشافعي في إبراهيم بن أبي حنيفة فقد قال النووي إنه لم يوثقه غيره وهو ضعيف باتفاق المحدثين بل إضراب المحدث عن تسميته ريبة توقع تردد في القلب
قال ابن أبي الدم وهذا مأخوذ من شاهد الأصل إذا شهد عليه شاهد فرع فلا بد من تسميته للحاكم المشهود عند بالاتفاق عند الشافعي وأصحابه فإذا قال شاهد الفرع أشهدني شاهد أصل أشهد بعدالته وثقته أنه يشهد بكذا لم يسمع ذلك وفاقا حتى يعنيه للحاكم ثم الحاكم إن علم عدالة شاهد الأصل عمل بموجب الشهادة وإن جهل حاله استزكاه انتهى
وصورته نحو أن يقالا حدثني الثقة أو الضابط أو العدل من غير تسمية ( بل ) صرح الخطيب بأنه لو قالا أيضا جميع أشياخي الذين رويت عنهم ثقات ولو لم اسم ثم روى عن واحد أبهم اسمه لا يقبل أيضا من قد أبهم للعلة المذكورة هذا مع كونه في هذه الصورة أعلى مما تقدم فإنه كما نقل عن المصنف إذا قال حدثني الثقة يحتمل أنه يروي عن ضعيف يعني عند غيره وإذا قال جميع أشياخي ثقات علم أنه لا يروي إلا عن (1/311)
ثقة فهي أرفع بهذا الاعتبار وفيه نظر إذ احتمال الضعف عند غيره يطرقهما معا بل تمتاز الصورة الثانية باحتمال الذهول عن قاعدته أو كونه لم يسلك إلا في آخر أمره كما روى إبن مهدي كان يتساهل اولا في الرواية عن غير واحد بحيث كان يروي عن جابر الجعفي ثم سدد نعم جزم الخطيب بأن العالم إذا قال كل من أروي لكم عنه وأسميه فهو عدل رضي كان تعديلا منه لكل من روى عنه وسماه يعني بحيث يسوغ لنا إضافة تعديله له قال وقد يوجد فيهم الضعيف لخفاء حاله على القائل
قلت أو لكون عمله بقوله هذا مما لمراء كما قدمته وبعض من حقق كما حكاه ابن الصلاح ولم يسمعه ولعله إمام الحرمين فصل حيث لم يرده أي التعديل لمن أبهم إذا صدر من عالم كمالك والشافعي ونحوهما من المجتهدين المقلدين في حق من قلده في مذهبه فكثيرا ما يقع للأئمة ذلك فحيث روى مالك عن الثقة عن بكير بن عبد الله بن الأشج فالثقة مخرمة ولده أو عن الثقة عن عمرو بن شعيب فقيل إنه عبد الله بن وهب أو الزهري أو ابن ليعة أو عمن لا يهتم من أهل العلم فهو الليث
وجميع ما يقول بلغني عن علي سمعه من عبد الله بن إدريس الأودي وحيث روى الشافعي عن الثقة عن ابن أبي ذيب فهو ابن أبي فديك
أو الثقة عن الليث بن سعد فهو يحيى بن حسان أو عن الثقة عن الوليد ابن كثير فهو أبو أسامة أو عن الثقة عن الأوزاعي فهو عمرو بن أبي سلمة أو عن الثقة عن ابن جريج فهو مسلم بن خالد أو عن الثقة عن صالح مولي التوأمة فهو إبراهيم بن أبي يحى أو عن الثقة وذكر أحدا من العراقيين فهو أحمد بن حنبل
وما روي عن عبد الله بن أحمد أنه قال كل شيء في كتاب الشافعي أما الثقة فهو عن أبي يمكن أن يحمل على هذا نعم في مسند الشافعي (1/312)
وساقه البيهقي في مناقبة عن الربيع أن الشافعي إذا قال أخبرني الثقة فهو يحيى بن حسان أو من لا أتهم فهو إبراهيم بن أبي يحيى أو ( أما ) بعض الناس فيريد به أهل العراق أو بعض أصحابنا فأهل الحجاز وقال شيخنا إنه يوجد في كلام الشافعي أخبرني الثقة عن يحيى بن كثير والشافعي لم يأخذ عن أحد ممن أدرك يحيى فيحمل على أنه أراد بسنده إلى يحيى بخلاف من لم يقلد كابن أسحق حيث يقول أخبرني من لا أتهم عن مقسم فذلك لا يكون حجة لغيره لا سيما وقد فسر بالحسن بن عمارة المعروف بالضعف كسيبويه فإن أبا زيد قال إذا قال سيبويه حدثني الثقة فإنما يعنيني وعلى هذا القول يدل كلام ابن الصباغ في العدة فإنه قال إن الشافعي لم يورد ذلك احتجاجا بالخبر على غيره وإنما ذكر لأصحابه قيام الحجة عنده على الحكم وقد عرف هو من روى عنه ذلك لكن قد توقف شيخنا في هذا القول وقال إنه ليس من المبحث لأن المقلد يتبع إمامه ذكر دليله أم لا
تنبيه ألحق ابن السبكي يحدثني الثقة من مثل الشافعي دون غيره حدثني من لا أتهم في مطلق القبول لا في المرتبة وفرق بينهما الذهبي وقال إن قول الشافعي أخبرني من لا أتهم ليس بحجة لأن من أنزله من رتبة الثقة إلى أنه غير متهم فهو لين عنده ولا بد وضعيف عند غيره لأنه عندنا مجهول ولا حجة في مجهول ونفى الشافعي التهمة عمن حدثه لا يستلزم نفي الضعف فإن ابن لهيعة ووالد علي بن المديني وعبد الرحمن بن زياد الإفريقي وأمثالهم ليسوا ممن نتهمهم على السنن وهم ضعفاء لا نقبل حديثهم للإحتجاج به
قال ابن السبكي وهوصحيح إلا أن يكون قول الشافعي ذلك حين احتجاجه به فإنه هو والتوثيق حينئذ سواء في أصل الحجة وإن كان مدلول اللفظ لا يزيد على ما ذكره الذهبي ولم يروا أي الجمهور كما هو قضيته كلام (1/313)
ابن الصلاح فتياه أو فتواه كما هي بخط الناظم أي العالم مجتهدا كان أو مقلدا أو عمله في الأقضية وغيرها على وفاق المتن أي الحديث الوارد في ذلك المعنى حيث لم يظهر أن ذلك بمفرده مسنده تصحيحا له أي للمتن ولا تعديلا لرواية لإمكان أن يكون له دليل آخر وافق ذلك المتن من متن غيره أو إجماع أو قياس أو يكون ذلك منه احتياط أو لكونه ممن يرى العمل بالضعيف وتقديمه على القياس كما تقدم عن أحمد وأبي داود ويكون اقتصاده على هذا المتن أن ذكره إما لكونه أوضح في المراد أو لأرجحيته على غيره أو بغير ذلك
قال ابن الصلاح وكذلك مخالفته للحديث ليست قدحا منه في صحته ولا في روايه قال الخطيب لأنه قد يكون عدل عنه لمعارض أرجح عنده من نسخ وغيره مع اعتقاد صحته وبه قطع ابن كبير وممن صرح بأن العمل بخبر انفرد به راو لأجله يعني جزما يكون تعديلا له الخطيب وغيره لأنه لم يعمله بخبره إلا وهو رضي عنده فكان ذلك قائما مقام التصريح بتعديله
ونحوه قول ابن الحاجب إن حكم الحاكم المشترط العدالة بالشهادة تعديل باتفاق وعمل العالم مثله ( و ) كذا ليس تعديلا مطلقا على القول الصحيح الذي قال به أكثر العلماء من المحدثين وغيرهم راوية العدل الحافظ الضابط فضلا عن غيره عن الراوي على وجه التصريح باسمه لأنه يجوز أن يروي عمن لا تعرف عدالته بل وعن غير عدلا فلا تتضمن روايته عند تعديله ولا خبرا عن صدقه كما إذا شهد شاهد فرع على شاهد أصل لا يكون مجرد أدائه الشهادة على شهادته تعديلا منه بالاتفاق وكذا إذا أشهد الحاكم على نفسه رجلا بما ثبت عنده لا يكون تعديلا له على الأصح
وقد ترجم البيهقي في المدخل على هذه المسألة لا تستدل بمعرفة صدق من حدثنا على صدق من فرقه بل صحر الخطيب بأنه لايثبت للراوي حكم العدالة بمجرد رواية اثنين مشهورين عنه (1/314)
والثاني أنه تعديل مطلقا إذا الظاهر أنه لا يروي إلا عن عدل إذ لو علم فيه جرحا لذكره لئلا يكون غاشا في الدين حكاه جماعة منهم الخطيب
وكذا قال ابن المنير في الكفيل للتعديل قسمان صريحي وغير صريحي فالصريحي واضح وغير الصريحي وهوالضمني كرواية العدل وعمل العالم
ورده الخطيب بأنه لا يعلم عدالته ولا جرحه
كيف وقد وجد جماعة من العدول الثقات رووا عن قوم أحاديث أمسكوا في بعضها عن ذكر أحوالهم مع علمهم بأنهم غير مرضيين وفي بعضهم شهدوا عليهم بالكذب
وكذا خطأه الفقيه أبو بكر الصيرفي وقال لأن الرواية تعريف أي مطلق تعريف يزول جهاله العين بها بشرطه والعدالة بالخبرة والرواية لا تدل على الخبرة
وقد قال سفيان الثوري إنه ليروي الحديث على ثلاثة أوجه فللحجة من رجل والتوقف فيه من آخر ولمحبة معرفة مذهب من لا اعتد بحديثه لكن قد غاب شعبة عليه ذلك وقيل لأبي حاتم الرازي أهل الحديث ربما رووا حديثا لا أصل له ولا يصح فقال علماؤهم يعرفون الصحيح من السقيم فروايتهم بحديث الواهي للمعرفة ليتبين لمن بعدهم أنهم ميزوا الآثار وحفظوها
قال البيهقي فعلى هذا الوجه كانت رواية من روى من الأئمة عن الضعفاء
والثابت التفصيل فإن علم أنه لا يروي إلا عن عدل كانت روايته عن الراوي تعديلا له وإلا فلا وهذا هو الصحيح عند الأصوليين كالسيف (1/315)
الآمدي وابن الحاجب وغيرهما بل وذهب إليه جمع من المحدثين وإليه ميل الشيخين وابن خزيمة في صحاحهم والحاكم في مستدركه ونحوه قول الشافعي رحمه الله فيما يتقوى به المرسل أن يكون المرسل إذا سمى من روى عنه لم يسم مجهولا ولا مرغوبا عن الرواية عنه انتهى
وأما رواية غير العدل فلا يكون تعديلا باتفاق
تتمة من كان لا يروي إلا عن ثقة إلا في النادر الإمام أحمد وبقي بن مخلد وحريز بن عثمان وسليمان ابن حرب وشعبة والشعبي وعبد الرحمن بن مهدي ومالك ويحيى بن سعيد القطان وذلك في شعبة على المشهور فإنه كان يتعنت في الرجال ولا يروى إلا عن ثبت والا فقد قال عاصم بن علي سمعت شعبة يقول لو لم أحدثكم إلا عن ثقة لم أحدثكم عن ثلاثة وفي نسخة ثلاثين وذلك أعتراف منه بأنه يروي عن الثقة وغيره فينظر
وعلى كل حال فهو لا يروي عن متروك ولا عن من أجمع على ضعفه
وأما سفيان الثوري فكان يترخص مع سعة علمه وشدة ورعه ويروي عن الضعفاء حتى قال فيه صاحبه شعبة لا تحملوا عن الثوري إلا عن من تعرفون فإنه لا يبالي عمن حمل
وقال الفلاس قال لي يحيى بن سعيد لا نكتب عن معتمر إلا عمن تعرف فإنه يحدث عن كل وأعلم أن ما وقع في هذا الفصل من التوسط بين مسألتيه بموافقة حديث لما أفتى به العالم أو عمل به ظاهر في المناسبة مع القول الثالث المفصل في الأول وإن خالف ابن الصلاح هذه الصيغ
السابع واختلفوا أي العلماء هل يقبل الراوي المجهول مع كونه مسمى وهو على ثلاثة من الأقسام مجهول الأول مجهول عين وهو كما قاله غير واحد من له راو واحد فقط كجبار بالجيم وموحدة وأن شداد الطائي وسعيد بن ذي حدان وعبد الله أو مالك بن أعز (1/316)
بمهملة ثم معجمة وعمرو الملقب ذي مر الهمداني وقيس بن كركم الاحدب فان كل واحد من هؤلاء لم يرو عنه سوى ابي اسحاق السبيعي و كجري بن كليب السدوسي البصري وحلام بن جزل وسمعان بن مشيخ اومشموج وعبدالله بن سعد التيمي وعبدالرحمن بن نمر الحصيبي وعمير بن اسحاق القريشي ومحمد بن عبدالرحمن ابن الحارث بن هشام المحزومي المدني ومحمد بن عثمان بن عبد الله بن موهب وأبي يحيى مولى أبي جعدة حيث لم يرو عن الأول إلا قتادة وعن الثاني إلا أبو الطفيل الصحابي وعن الثالث إلا الشعبي وعن الرابع إلا بكير بن الأشج وعن الخامس إلا الوليد بن مسلم وعن السادس الا عبدالله بن عون وعن السابع إلاالزهري وعن الثامنإلا شعبة وعن التاسع إلا الأعمش هذا مع تخرج الشيخين لابن موهب لكن مقرونا وللبخاري لا بن نمر في المتابعة وللمخزومي تعليقا وللتيمي في الأدب المفرد ومسلم لأبي يحيى في المتابعة في أشباه لذلك تؤخذ من جزء الوجدان لمسلم كما سأنبه عليه فيمن لم يرو عنه إلا واحد إن شاء الله
وقد قيل أهل هذا القسم مطلقا من العلماء من لم يشترط في الراوي مزيدا على الإسلام وعزاه ابن المواق للحنفية حيث قال إنهم لم يفصلوا بين من روى عنه واحد وبين من روى عنه أكثر من واحد بل قبلوا رواية المجهول على الإطلاق انتهى
وهولازم كل من ذهب إلى أن رواية العدل بمجردها عن الراوي تعديل له بل عزا النووي في مقدمة شرح مسلم لكثيرين من المحققين الاحتجاج به وكذا ذهب ابن خزيمة إلى أن جهالة العين ترتفع برواية واحد مشهور وإليه يوميء قول تلميذه ابن حبان العدل من لم يعرف فيه الجرح وإذا التجريح من التعديل فمن لم يجرح فهو عدل حتى يتبين جرحه إذا لم يكلف الناس ما غاب عنهم وقال في ضابط الحديث الذي يحتج به ما محصله إنه هو الذي (1/317)
يعري راويه من أن يكون مجروحا أو فوقه مجروح أو دونه مجروح أو كاد سنده مرسلا أو منقطعا أو كان المتن منكرا فهذا مشعر بعدالة من لم يجرح ممن لم يرو عنه إلا واحدا
ويتأيد بقوله في ثقاته أيوب الأنصاري عن سعيد بن جبير وعنه مهدي بن ميمون لا أدري من هؤلاء ابن من هو فإن هذا منه يؤيد أنه تذكر في الثقات كل مجهول روى عنه ثقة ولم يجرح ولم يكن الحديث الذي يرويه منكرا وقد سلف الإشارة لذلك في الصحيح الزايد على الصحيحين
وقيد بعضهم القبول بما إذا كان المنفرد بالرواية عنه لا يروى الا عن عدل كابن مهدي وغيره ممن سلف ذكر جماعة منهم حيث اكتفينا في التعديل بواحد على المعتمد كما تقدم وهو مخدوش بما بين قريبا
وكذا خصه عبد البر بمن يكون مشهورا أي الاستفاضة ونحوها في غير العلم بالزهد كشهرة مالك بن دينار به أو بالنجدة كعمرو بن كرب أو بالأدب والصناعة ونحوها فأما الشهرة بالعلم والثقة والأمانة فهي كافية من باب أولي تقدم في الفصل الثاني بل نقله الخطيب في الكفاية هنا أيضا عن أصحاب الحديث فإنه قال المجهول عند أصحاب الحديث هو من لم يشتهر بطلب العلم في نفسه ولا عرفه العلماء به ومن لم يعرف حديثه الا من جهة راو واحد يعني حيث لم يشتهر ونحو ما نقل ابن الصلاح عنه أيضا أنه قال في أجوبة مسائل يسأل عنها المجهول عند أصحاب الحديث هو كل من لم يعرفه العلماء ومن لا يعرف حديثه الا من جهة راو واحد
ولذا قال ابن عبد البر الذي أقوله أن من عرف بالثقة والأمانة والعدالة لا يضره اذا لم يرو عنه إلا واحد ونحوه قول أبي مسعود الدمشقي الحافظ انه برواته الواحد لا ترتفع عن الراوي اسم الجهالة إلا أن يكون معروفا في قبيلته أو يروى عنه آخر (1/318)
ويقرب من ذلك انفراد الواحد عمن يروى عن النبي صلى الله عليه و سلم حيث جزم المؤلف بأن الحق أنه إن كان المضيف إلى النبي صلى الله عليه و سلم معروفا بذكره في الغزوات أو فيمن وفد عليه او نحو ذلك فإنه تثبت صحبته بذلك مع كونه لم يرو عنه إلا واحد
وخص بعضهم القبول بمن يزكيه مع رواته الواحد أحد من أئمة الجرح والتعديل واختاره ابن القطان في بيان الوهم والإيهام وصححه شيخنا وعليه تتمشى تخريج الشيخين في صحيحهما لجماعة أفردهم المؤلف بالتأليف
فمنهم ممن اتفق عليه حصين بن محمد الأنصاري المدني وممن انفرد به البخاري جويرية أو جارية بن قدامة وزيد بن رباح المدني وعبد الله بن وديعة الأنصاري وعمر بن محمد بن جبير بن مطعم والوليد بن عبد الرحمن الجارودي وممن انفرد مسلم جابر بن اسماعيل الحضرمي وخباب المدني صاحب المقصورة حيث تفرد به الأول الزهري وعن الثاني أبو جمرة نصر بن عمران الضبعي وعن الثالث مالك وعن الرابع أبو سعيد المقبري وعن الخامس الزهري وعن السادس ابنه المنذر وعن السابع ابن وهب وعن الثامن عامر بن سعيد بن أبي وقاص فإنهم مع ذلك موثقون لم يتعرض أحد من أئمة الجرح والتعديل لأحد منهم بتجهيل
نعم جهل أبو حاتم محمد بن الحكم المروزي الأحول أحد شيوخ البخاري في صحيحه والمنفرد عنه بالرواية لكونه لم يعرفه
ولكن نقول معرفة البخاري به التي اقتضت له روايته منه ولو انفرد بهما كافية في توثيقه فضلا عن أن غيره قد عرفه أيضا ولذا صرح ابن رشيد كما سيأتي بأنه لو عدله المنفرد عنه كفى
وصححه شيخنا أيضا إذا كان متأهلا لذلك ومن هنا ثبتت صحبة الصحابي برواية الواحد المصرح بصحبته عنه على أن قول أبي حاتم في الرجل (1/319)
أنه مجهول لا يريد به أنه لم يرو عنه سوى واحد بدليل أنه قال في داود بن يزيد الثقفي مجهول مع أنه قد روى عنه جماعة ولذا قال الذهبي عقبة هذا القول يوضح لك أن الرجل قد يكون مجهولا عند أبي حاتم ولو روى عنه جماعة ثقات يعني أنه مجهول الحال وقد قال في عبد الرحيم بن كرم بعد أن عرفه برواته جماعة عنه أنه مجهول
ونحوه قوله في زياد بن جارية التميمي الدمشقي مع أنه قيل في زياد هذا أنه صحابي وبما تقرر ظهر أن قول ابن الصلاح في بعض من خرج لهم صاحبا الصحيح ممن لم يرو عنهم إلا واحد ما نصه وذلك مصير منهما إلى أن الراوي قد يخرج عن كونه مجهولا مردودا برواية واحد عنه ليس على إطلاقه
وممن أثنى على من اعترف بأنه لم يرو عنه إلا واحد أبو داود فقال في عبد الله بن عمر بن غانم الرعيني قاضي إفريقية أحاديثه مستقيمة ما أعلم حدث عنه غير القعنبي وابن المديني فقال في جون ابن قتادة إنه معروف لم يرو عنه غير الحسن البصري
وإنما أوردت كلامه لبيان مذهبه والافجون قد روى عنه غير الحسن على أن ابن الصلاح المديني نفسه قال في موضع آخر أنه من المجهولين من شيوخ الحسن
وبالجملة فرواته إمام ناقل للشريعة لرجل ممن لم يرو عنه سوى واحد في مقام الاحتجاج كافية في تعريفه وتعديله ( و ) لكن قد ( رده ) أي مجهول العين ( الأكثر من العلماء مطلقا وعبارة الخطيب أقل من ما ترتفع به الجهالة به الجهالة أي العينية عن الراوي أن يروى عنه إثنان فصاعدا من المشهورين بالعلم بل ظاهر كلام ابن كثير الاتفاق عليه حيث قال المبهم الذي لم يسم أو من سمى ولا تعرف عينه لا يقبل روايته أحد علمناه نعم قال أنه إذا كان في عصر (1/320)
التابعين والقرون المشهود لأهلها بالخيرية فإنه يستأنس بروايته ويستضاء بها في مواطن كما أسلفت حكايته في آخر رد الاحتجاج بالمرسل
وكأنه ابن السبكي في حكاية الإجماع على الرد ونحوه قول ابن المواق لا خلاف أعلمه بين أئمة الحديث في رد المجهول الذي لم يرو عنه إلا واحدا وإنما يحكى الخلاف عن الحنفية يعني كما تقدم
وكل هذا حيث لم يعتضدبما سلف ووراء هذا كله مخالفة ابن رشيد في تسميته من لم يرو عنه إلا واحد مجهول العين مع موافقته على عدم قبوله فإنه قال لا شك أن رواية الواحد الثقة تخرج عن جهالة العين إذا سماه ونسبه وقسم بعضهم المجهول فقال مجهول العين والحال معا من لم يسم كعن رجل والعين فقط كعن الثقة أو عن رجل من الصحابة
والحال فقط كمن روى عنه إثنان فصاعدا ولم يوثق فأما جهالة التعيين فخارجه عن هذا كله كأن يقول أخبرني فلان أو فلان ويسميهما وهما عدلان فالحجة قائمة بذلك فإن جهلت عدالة أحدهما مع التصريح باسمه أو إبهامه فلا والقسم الوسط أي الثاني مجهول حال باطن وحال ظاهر من العدالة وضدها مع عرفان عينه برواته عدلين عنه وحكمه الرد وعدم القبول لدى أي عند الجماهير من الأئمة كما قال ابن الصلاح وعزاه ابن المواق للمحققين ومنهم أبو حاتم الرازي وما حكيناه من صنيعه فيما تقدم يشهد له
وكذا قال الخطيب لا يثبت للراوي حكم العدالة برواية الإثنين عنه
وقال ابن رشيد لا فرق في جهالة الحال بين رواية واحد وإثنين ما لم يصرح الواحد أو غيره بعدالته نعم كثرة رواية الثقات عن الشخص تقوي حسن الظن فيه
وأما المجاهيل الذين لم يرو عنهم إلا الضعفاء فهم متروكون كما (1/321)
قال ابن حبان على الأحوال كلها
وتوجيه هذا القول أن مجرد الروياة عن الراوي لا تكون تعديلا له على الصحيح كما تقدم وقيل تقبل مطلقا وهو لازم من جعل مجرد رواية العدل عن الراوي تعديلا له كما تقدم مثله في القسم الأول وأولى بل نسبه ابن المواق لأكثر أهل الحديث كالبزار والدارقطني
وعبارة الدارقطني من روى عنه ثقتان فقد ارتفعت جهالته وثبتت عدالته وقال أيضا في الديات نحوه وكذا اكتفى بمجرد روايتهما ابن حبان بل توسع كما تقدم في مجهول العين وقيل بفصل فإن كان لا يرويان الا عن عدل قبل وإلا فلا ( و ) القسم الثالث المجهول للعدالة أي المجهول العدالة في باطن فقط مع كونه عدلا في الظاهر ( ف - ) هذا قد رأى له حجية أي احتجاجا به في الحكم بعض من منع من الشافعية ما قبله من القسمين منهم الفقيه سليم بضم أوله مصغرا ابن أيوب الرازي وزاد فقطع أي جزم به لأن الأخبار تبنى على أحسن الظن بالراوي وأيضا فلتعسر الخبرة الباطنية على الناقد
ولهذا فارق الراوي الشاهد فإن الشهادة تكون عند الحكام وهم لا تتعسر عليهم لا سيما مع اجتهاد الأخصام في الفحص عنها بل عزى الاحتجاج بأهل هذا القسم كالقسم الأول لكثيرين من المحققين قاله النووي في مقدمة شرح مسلم
قلت ومنهم أبو بكر بن فورك وكذا قبله أبو حنيفة خلافا للشافعي ومن عزاه إليه فقد وهم وقال الشيخ ابن الصلاح إن العملا يشبه أنه على ذا القول الذي قطع به سليم جعلا في كتب من الحديث اشتهرت وتداولها الأئمة فمن دونهم حيث خرج فيها لرواة خبرة بعض من خرج له منهم بها أي بالكتب لتقادم العهد بهم تعذرت في باطن الأمر فاقتصر وفي البعض على (1/322)
العدالة ظاهرة وفيه نظر بالنسبة للصحيحين فإن جهالة الحال مندفعة عن جميع من خرجا له في الأصول بحيث لا نجد أحدا ممن خرجا له كذلك يسوغ إطلاق اسم الجهالة عليه أصلا كما حققه شيخنا في مقدمته وأما بالنظر لمن عداهما لا سيما من لم يشترط الصحيح فما قاله ممكن وكان الحامل لهم على هذا المسبك غلبة العدالة على الناس في تلك القرون الفاضلة
ولذا قال بعض الحنفية الحنفية المستوردفي زماننا لا يقبل لكثرة الفساد وقلة الرشاد وإنما كان مقبولا في زمن السلف الصالح هذا مع احتمال اطلاعهم على ما لم نطلع نحن عليه من أمرهم وبعض من الأئمة وهو البغوي في تهذيبه يشتهر بفتح أوله وثالثه يعني يسمى ذا القسم مستورا وتبعه عليه الرافعي ثم النووي فقال في النكاح من الروضة إن المستور من عرفت عدالته طاهرا لا باطنا وقال إمام الحرمين المستور من لم يظهر منه نقيض العدالة ولم ينفق البحث في الباطن عن عدالته
قال وقد تردد المحدثون في قبول روايته والذي صار إليه المعتبرون من الأصوليين أنها لا تقبل قال وهو المقطوع به عندنا وصحح النووي في شرح المهذب القبول وحكى الرافعي في الصوم وجهين من غير ترجيح
قيل والخلاف مبني على شرط قبول الرواية أهو العلم بالعدالة أو عدم العلم بالمفسق إن قلنا بالأول لم تقبل المستور وإلا قبلناه
وأما شيخنا فإنه بعد أن قال وإن روى عنه اثنان فصاعدا ولم يوثق فهو مجهول الحال وهو المستور
وقد قبل روايته جماعة بغير قيد يعني بعصر دون آخر وردها الجمهور قال والتحقيق أن رواية المستور ونحوه مما فيه الاحتمال لا يطلق القول بردها ولا بقبولها بل يقال هي موقوفة إلى استبانة حاله كما جزم به أمام (1/323)
الحرمين يعني صريحا ورأى أنا إذا كنا نعتقد على شيء يعني مما لا دليل فيه بخصوصه بل المجرى على الإباحة الأصلية فروى لنا مستور تحريمه أنه يجب الانكفاف عما كنا نستحله إلى تمام البحث عن حال الراوي
وقال وهذا هو المعروف من عادتهم وشيمهم وليس ذلك حكما منهم بالخطر المرتب على الرواية وإنما هو توقف في الأمر فالتوقف عن الإباحة يتضمن الانحجاز وهو في معنى الحظر وذلك مأخوذ من قاعدة في الشريعة ممهدة وهي التوقف عند بدء وظهور الأمور إلى استبانتها فإذا ثبتت العدالة فالحكم بالرواية اذ ذاك ولو فرض فارض التباس حال الراوي واليأس عن البحث عنها بأن يروي مجهول ثم يدخل في غمار الناس ويعتز العثور عليه فهذه مسألة اجتهادية عندي
والظاهر أن الأمر إذا انتهى إلى اليأس لم يجب الانكفاف وانقلبت الإياحة كراهية قال شيخنا ونحوه القول فالوقف قول ابن الصلاح فيمن جرح بجرح غير مفسر انتهى
وينظر في وانقلبت الإباحة كراهة أهو إثبات للكراهة أو نفي بها ثم أنه ممن وافق البغوي ومن تابعه في تسمية من لم تعرف عدالته الباطنية مستورا ابن الصلاح وفيه نظر إذ في عبارة الشافعي رحمه الله في اختلاف الحديث ما يدل على أن الشهادة التي يحكم فيها الحاكم بها هي العدالة الظاهرة فإنه قال في جواب سؤال أورده فلا يجوز أن يترك الحكم بشهادتهما إذا كانا عدلين في الظاهر وحينئذ فلا يحسن تعريف المستور بهذا للأمام فإن الحاكم لا يسوغ له الحكم بمن لم يعلم عدالتة الباطن وأيظا يكون خادشا في قول الرافعي في الصوم مما أشار الشارح لتأييد ابن الصلاح به العدالة الباطنية هي التي يرجع فيها إلى أقوال المزكين يعني ثبتت عند الحاكم أم لا كما حمله عليه بعض المتأخرين لكن والظاهر أن الشافعي إنما أراد الاحتراز عن الباطن الذي هو ما في نفس الأمر لخفائه عن كل أحد وكلامه في أول اختلاف الحديث (1/324)
يرشد لذلك فإنه قرر أنا إنما كلفنا العدل بالنظر لما يظهر لنا لأنا لا نعلم مغيب غيرنا ولذا لما نقل الزركشي ما أسلفت حكايته عن الرافعي في العدالة الباطنة ذكر أن نص الشافعي في اختلاف الحديث يؤيده على أنه يمكن أن يقال لمن تمسك بظاهر كلام الشافعي الحكم بشهادتهما لما انضم إلى العدالة الظاهرة من سكوت الخصم عن إبداء قادح فيهما مع توافر الداعية على الفحص فافترقا
ولكن يمكن المنازعة في هذا بأن الخصم قد يترك حقه في الفحص بخلاف غيره من الأحكام فمحله التشدد وأما النزاع في كلام ابن الصلاح بما نقله الروياني في البحر عن نص الشافعي في الأم مما ظاهره ان المستور من لم يعلم سوى اسلامه فإنه قال لو حضر العقد رجلان مسلمان ولا يعرف حالهما من الفسق والعدالة انعقد النكاح بهما في الظاهر قال لأن الظاهر من المسلمين العدالة فيمكن أن يقال أنه لا يمنع شمول المستور لكل من هذا وما قاله البغوي كما هو مقتضى التسمية
ومن ثم جعل بعض المتأخرين أقسام المجهول كلها فيه وشيخنا ما عدا الأول وهو أشبه بل فسر بعضهم مما صححه السبكي المستور بمن ثبتت عدالته وانقطع خبره مدة يحتمل طرق نقيضها
ثم إن الشافعي إنما اكتفى بحضورهما العقد مع رده المستور لأن النكاح مبناه على التراضي بخلاف غيره من الأحكام فمحمله التشدد وأيضا فذاك عند التحمل ولهذا لو رفع العقد بهما إلى حاكم لم يحكم بصحته كما نقله في الروضة عن الشيخ أبي حامد وغيره
وبتأيد بأن الشافعي رحمه الله أطلق في اختلاف الحديث له عدم احتجاجه بالمجهول ونحوه حكاية البيهقي في المدخل عنه أنه لايحتج بأحاديث المجهولين على أن البدر الزركشي نقل عن كلام الأصوليين مما قد يتفق مع كلام الرافعي الماضي أن المراد بالعدالة الباطنة الاستقامة بلزومه أداء (1/325)
أوامر الله وتجنب مناهيه وما يثلم مروته سواء ثبت عند الحاكم أم لا إذا علم هذا فالحجة في عدم قبول المجهول أمور
أحدها الإجماع على عدم قبول عند العدل والمجهول ليس في معنى الجدل في حصول الثقة بقوله ليلحق به
الثاني أن الفسق مانع من القبول كما أن الصبي والكفر مانعان منه فيكون الشك فيه أيظا مانعا من القبول كما أن الشك فيهما مانع منه
الثالث أن الشك المقلد في بلوع المفتي مرتبة الاجتهاد أو في عدالته مانع من تقليده فكذلك الشك في عدالة الراوي يكون مانعا من قبول خبره إذ لا فرق بين حكايته عن نفسه اجتهاده وبين حكايته خبرا عن غيره
والحجة لمقابلة قوله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ) فأوجب التثبت عند وجود الفسق فعند عدم الفسق لا يجب التثبت فيجب العمل بقوله وهو المطلوب
وبأن النبي صلى الله عليه و سلم قبل شهادة الأعرابي برؤية الهلال ولم يعرف منه سوى الإسلام بدليل أنه قال أتشهد أن لاإله إلا الله قال نعم قال أتشهد أن محمدا رسول الله قال نعم قال يا بلال أذن في الناس أن يصوموا غدا أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي فرتب العمل بقوله على العلم بإسلامه وإذا جاز ذلك في الشهادة جاز في الرواية بطريق الأولى
وأجيب عن الأول بأنا إذا علمنا زوال الفسق ثبتت العدالة لأنهما ضدان لا ثالث لهما فمتى علم نفى أحدهما ثبت الآخر وعن الثاني بأن القضية محتملة من حيث اللفظ وليس في الحديث دلالة لعدم معرفة عدالته بعد ذلك لكن قضايا الأعيان تتنزل على القواعد وقاعدة الشهادة العدالة فيكون النبي صلى الله عليه و سلم قبل خبرة لأنه علم حاله إما بوحي أو بغير ذلك
الثامن في المبتدع والبدعة هي ما أحدث على غير مثال متقدم فيشمل (1/326)
المحمود والمذموم ولذا قسمها العز بن عبد السلام كما سأشير إليه إن شاء الله عند التسميع بقراءة اللحان الى الأحكام الخمسة وهو واضح ولكنها خصت شرعا بالمذموم مما هو خلاف المعروف عن النبي صلى الله عليه و سلم فالمبتدع من اعتقد ذلك لا بمعاندة بل بنوع شبهة والخلف أي الاختلاف واقع بين الأئمة في قبول رواية مبتدع معروف بالتحرز من الكذب وبالتثبيت في الأخذ والأداء مع باقي شروط القبول ما كفرا أي لم يكفر ببدعته تكفيرا مقبولا كبدع الخوارج والرفض الذين لايغلبون ذاك الغلو وغير هؤلاء من الطوائف المخالفين لأصول السنة خلافا ظاهرا لكنه مستند الى تأويل ظاهر سائغ قيل يرد مطلقا الدعاية وغيره لاتفاقهم على رد الفاسق بغير تأويل فيلحق به المتأول فليس ذلك بعذر بل هو فاسق بقوله وبتأويله فضاعف فسقه كما استوى الكافر المتاول والمعاند بغير تأويل
قال غير واحد منهم ابن سيرين إن هذا العلم دين فانظرعمن تأخذ دينك بل روى مرفوعا من حديث أنس وأبي هريرة
وكذا روىعن ابن عمر أنه صلى الله عليه و سلم قال له يا بن عمر دينك دينك إنما لحمك ودمك فانظر عمن تأخذ خذ عن الذين استقاموا ولا تأخذ عن الذين مالوا ولا يصح وقال علي بن حرب من قدر أن لا يكتب الحديث إلا عن الصاحب سنة فإنهم لا يكذبون كل صاحب هوى يكذب ولا يبالي وهذا القول قاله الخطيب في الكفاية مروي عن طائفة من السلف منهم مالك وكذا نقله الحاكم عنه ونصه في المدونة في غير موضع يشهد له وتبعه أصحابه وكذا جاء عن القاضي أبي بكر الباقلاني وأتباعه بل نقله الآمدي عن الأكثرين وجزم به ابن الحاجب واستنكر أي أنكر هذا القول ابن الصلاح فإنه قال إنه بعيد مباعد للشائع عن أئمة الحديث فإنه كتبهم طافحة بالرواية عن المبتدعة غير الدعاة كما سيأتي آخر هذه المقالة وكذا قال شيخنا إنه بعيد قال وأكثر ما عللبه أن في الروايه عنه ترويجا لأمره وتنويها (1/327)
بذكره
وعلى هذا لا ينبغي أن لا يروى عن مبتدع شيء يشاركه فيه غير مبتدع
قلت وإلى هذا التفصيل مال ابن دقيق العيد حيث قال إن وافقه غيره فلا يلتفت إليه هو إخمادا لبدعته وإطفاء لناره يعني لأنه كان يقال كما قال رافع بن أشرس من عقوبة الفاسق المبتدع أن لا تذكر محاسنه وإن لم يوافقه أحد ولم يوجد ذلك الحديث إلا عنده مع ما وصفنا من صدقه وتحرزه عن الكذب واشتهاره بالتدين وعدم تعلق ذلك الحديث ببدعته فينبغي أن تقدم مصلحة تحصيل ذلك الحديث ونشر تلك السنة على مصلحة إهانته وإطفاء بدعته وقيل إنه لا يروى لمبتدع مطلقا بل إذا استحل الكذبا في الرواية أو الشهادة نصرة أي لنصره مذهب له أو لغيره ممن هو متابع له كما كان محرز أبو رجاء يفعل حسبما حكاه عن نفسه بعد أن تاب من بدعته فإنه كان يضع الأحاديث يدخل بها الناس في القدر وكما حكى ابن لهيعة عن بعض الخوارج ممن تاب أنهم كانوا إذا هووا أمرا صيروه حديثا فمن لم يستحل الكذب كان مقبولا لأن اعتقاد حرمة الكذب تمنع من الإقدام عليه فيحصل صدقه ونسبا هذا القول فيما نقله الخطيب في الكفاية للشافعي رحمه الله إذ يقول أي لقوله اقبل من غير خطابية بالمعجمة ثم المهملة المشددة طائفة من الرافضة شرحت شيئا من حالهم في الموضوع ما نقلو لأنهم يرون الشهادة بالزور لمواقفهم ونص عليه في الأم والمختصر قال لأنهم يرون شهادة أحدهم لصاحبه إذا سمعه يقول لي علا فلان كذا فيصدقه بيمينه أو غيرها ويشهد له اعتمادا على أنه لا يكذب
ونحوه قول بعضهم عنهم كان إذا جاء الرجل للواحد منهم فزعم أن له على فلان كذا أو أقسم بحق الإمام على ذلك يشهد له بمجرد قوله وقسمه بل قال الشافعي فيما رواه البهيقي في المدخل والخطيب في الكفاية ما في أهل الأهواء قوم أشهد بالزور من الرافضة فإما أن يكون أطلق الكل (1/328)
وأراد البعض أو أطلق في اللفظ الأول البعض لكونهم أسوأ كذبا وأراد الكل وكذا قال أبو يوسف القاضي أجيز شهادة أصحاب الأهواء أهل الصدق منهم إلا الخطابية والقدرية الذين يقولون إن الله لا يعلم الشيء حتى يكون رواه الخطيب في الكفاية على أن بعضهم أدعى أن الخطابية لا يشهدون بالزور فإنهم لا يجوزون الكذب بل من كذب عنهم فهو مجروح مقدوح فيه خارج عن درجة الاعتبار رواية وشهادة فإنه خرج بذلك عن مذهبهم فإذا سمع بعضهم بعضا قال شيئا عرف أنه ممن لا يجوز الكذب فاعتمدوا قوله لذلك وشهد بشهادته فلا يكون شهد بالزور لمعرفته أنه محق
ونازعه البلقيني بأن ما بنى على شهادته أصل باطل فوجب رد شهادته لاعتماده أصلا باطلا وإن زعم أنه حق وتبعه ابن جماعة ومن هنا نشأ الاختلاف فيما لو شهد خطابي وذكر في شهادته ما يقطع احتمال الاعتماد فيها على قول المدعي بأن قال سمعت فلانا يقر بكذا لفلان أو رأيته أقرضه في القبول والرد
وعن الربيع سمعت الشافعي يقول كان إبراهيم بن أبي يحيى قدريا
قيل للربيع فما حمل الشافعي على أن روى عنه قال كان يقول لأن يخر إبراهيم من بعد أحب إليه يكذب فكان ثقة في الحديث
ولذا قيل كما قاله الخليلي في الإرشاد إن الشافعي كان يقول حدثنا الثقة في حديثه المتهم في دينه
قال الخطيب وحكى أيضا أن هذا مذهب ابن أبي ليلى وسفيان الثوري ونحوه عن أبي حنيفة بل حكاه الحاكم في المدخل عن أكثر أئمة الحديث وقال الفخر الرازي في المحصول أنه الحق ورجحه ابن دقيق العيد وقيل قبل مطلقا سواء الداعية وغيره كما سيأتي لأن تدينه وصدق لهجته تحجزه عن الكذب وخصه بعضهم بما إذا كان المروي يشتمل على ماترد (1/329)
به بدعته لبعده حينئذ عن التهمة جزما وكذا خصه بعضهم بالبدعة الصغرى كالتشيع سوى الغلاة فيه وغيرهم وفإنه كثر في التابعين وأتباعهم
فلو رد حديثهم لذهب جملة من الآثار النبوية وفي ذلك مفسدة بينة أما البدعة الكبرى كالفرض الكامل والغلو فيه والحط على الشيخين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما فلا ولا كرامة لا سيما ولست استحضر الآن من هذا الضرب رجلا صادقا لا مأمونا بل الكذب شعارهم والنفاق والتقية دثارهم فكيف يقبل من هذا حاله حاشا وكلا قال الذهبي
قال والشعبي والغالي في زمن السلف وعرفهم من تكلم في عثمان والزبير وطلحة وطائفة ممن حارب عليا وتعرض لسبهم والغالي في زمننا وعرفنا هو الذي كفر هؤلاء السادة وتبرأ من الشيخين أيضا فهذا ضال مفتر ونحوه قول شيخنا في أبان بن تغلب من تهذيبه التشيع في عرف التقدمين هو اعتقاد تفضيل علي على عثمان وأن عليا كان مصبيا في حروبه وأن مخالفه مخطىء مع تقديم الشيخين وتفضيلهما وربما اعتقد بعضهم أن عليا أفضل الخلق بعد رسول الله صلى الله عليه و سلم فإذا كان معتقد ذلك ورعا دينيا صار مجتهدا فلا ترد روايته بهذا لاسيما إن كان غير داعية وأما التشيع في عرف المتأخرين فهو الرفض المحض فلا يقبل رواية الرافضي الغالي ولا كرامة والأكثرون من العلماء ورآه ابن الصلاح الأدلا والأولي من الأقوال ردوا دعاتهم فقط قال عبد الله بن أحمد قلت لأبي لم رويت عن أبي معاوية الضرير وكان مرجيا ولم ترو عن شبابة بن سوار وكان قدريا قال لأن أبا معاوية لم يكن يدعوا إلى الإرجاء وشبابة كان يدعو إلى القدر
وحكي الخطيب هذا القول لكن عن كثيرين وتردد وابن الصلاح في عزوه الكثير أو الأكثر نعم حكاه بعضهم عن الشافعية كلهم بل ونقلا (1/330)
فيه ابن حبان اتفاقا حيث قال في ترجمة جعفر بن سليمان الضبعي من ثقاته وليس بين أهل الحديث من أئمتنا خلاف أن الصدوق المتقن إذا كانت فيه بدعة ولم يكن يدعو إليها أن الاحتجاج بأخباره جائز فإذا دعا اليها سقط الاحتجاج بأخباره وليس صريحا في الاتفاق لا مطلقا ولا بخصوص الشافعية ولكن الذي اقتصر ابن الصلاح عليه في العزو له الشق الثاني فقال قال ابن حبان الداعية الى البدع لايجوز الاحتجاج به عند أئمتنا قاطبة لا أعلم بينهم فيه اختلافا هو محتمل أيضا الإرادة الشافعية أو مطلقا وعلى الثاني فالمحكي عن مالك وغيره تخدش فيه على أن القاضي عبد الوهاب في الملخص فهم من قول مالك لا تأخذ الحديث عن صاحب هو يدعوا إلى هواه التفصيل ونازعه القاضي عياض وأن المعروف عنه الرد مطلقا يعني كما تقدم وإن كانت هذه العبارة محتملة
وبالجملة فقد قال شيخنا إن ابن حبان أغرب في حكاية الاتفاق ولكن يشترط مع هذين أعني كونه صدوقا غير داعية أن لا يكون الحديث الذي يحدث به مما يعضد بدعته ويشدها ويزينها فإنا لا نأمن حينئذ عليه غلبه الهوى أفاده شيخنا وإليه يومىء كلام ابن دقيق العيد الماضي بل قال شيخنا إنه قد نص على هذا القيد في المسألة الحافظ أبو إسحق إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني شيخ النسائي فقال في مقدمة كتابه في الجرح والتعديل ومنهم زابغ عن الحق صدوق اللهجة قد جرى في الناس حديثه لكنه مخذول في بدعته مأمون في روايته فهؤلاء ليس فيهم حيلة إلا أن يؤخذ من حديثهم ما يعرف وليس بمنكر إذا لم تقو به بدعتهم فيتهمونه بذلك وقد رووا أي الأئمة النقاد كالبخاري ومسلم أحاديث عن جماعة أهل بدع بسكون الدال في الصحيح على وجه الاحتجاج بهم لأنهم ما دعوا إلى بدعهم ولا استمالوا الناس إليها منهم خالد ابن مخلدو وعبيد الله بن موسى العبسي وهما ممن اتهم بالغلو في التشيع وعبد الرزاق ابن همام وعمر بن دينار (1/331)
وهما بمجرد التشيع وسعيد بن أبي عروبة وسلام ابن مسكين وعبد الله بن أبي نجيح المكي وعبد الوارث بن سعيد وهشام الدستوائي وهم ممن رمى بالقدر وعلقمة بن مرثد وعمروبن مرة ومحمد بن عازم أبو معاوية الضرير ومسعر بن كدام وهم ممن رمى بالإرجاء
وكالبخاري وحده لعكرمة مولى ابن عباس وهو ممن نسب إلى الإباضية من آراء الخوارج وكمسلم وحده لأبي حسان الأعرج ويقال إنه كان يرى رأى الخوارج
وكذا أخرجا بجماعة في المتابعات كداود بن الحسين وكان منهما برأي الخوارج والبخاري وحده فيها بجماعة كسيف بن سليمان وشبل بن عباد مع أنهما كانا ممن يرى القدر في آخرين عندهما اجتمعا وانفردا في الأصول والمتابعات بطول سردهم بل في ترجمة محمد بن يعقوب بن الأخرم من تاريخ نيسابور للحاكم من قوله أي ابن الأخرم ان كتاب مسلم ملآن من الشيعة مع ما اشتهر من قبول الصحابة رضي الله عنهم أخبار الخوارج وإشهاداتهم ومن جرى مجراهم من الفساق وبالتأويل ثم استمرا وعمل التابعين والخالفين فصار ذلك كما قال الخطيب كالإجماع منهم وهو أكبر الحجج في هذا الباب وبه يقوى الظن في مقاربة الصواب
وربما تبرأ بعضهم مما نسب إليه أو يثبت عنده ورجع وتاب
فإن قيل قد خرج البخاري لعمران بن حطان السدوسي الشاعر الذي قال فيه أبو العباس المبرد إنه كان رأس العقد من الصفرية وفقيههم وخطيبهم وشاعرهم مع كونه داعية إلى مذهبه فقد صرح عبد الرحمن بن ملجم قاتل علي وذلك من أكبر الدعوة إلى البدعة وأيضا فالقعدية قوم الخوارج كانوا يقولون بقولهم ولا يرون بالخروج بل يدعون إلى آرائهم ويزينون مع ذلك الخروج ويحسنونه وكذا لعبد الحميد بن عبد الرحمن الحماني (1/332)
مع قول أبي داود إنه كان داعية إلى الأرجاء فقد أجيب عن التخريج لأولهما بأجوبة
أحدها أنه إنما خرج له ما حمل عنه قبل ابتداعه
ثانيها أنه رجع في آخر عمرة عن هذا الرأي وكذا أجيب بهذا عن تخريج الشيخين معا لشبابه بن سوار مع كونه داعيه
ثالثا وهو المعتمد المعول عليه أنه لم يخرج له سوى حديث واحد مع كونه في المتابعات ولا يضر فيها التخريج لمثله
وأجاب شيخنا عن التخريج لثانيهما بأن البخاري لم يخرج له سوى حديث واحد احد قد رواه مسلم من غير طريق الحماني فبان أنه لم يخرج له إلا ما له أصل
هذا كله في البدع غير المكفرة أما المكفرة وفي بعضها ما لا شك في التفكير به كمنكري العلم بالمعدوم القائلين ما يعلم الأشياء حتى يخلقها أو بالجزئيات والمجسيمن تجسيما صريحا والقائلين بحلول الإلهية في على أو غيره
وفي بعضها ما اختلف فيه كالقول بخلق القرآن والناقين للرؤية فلم يتعرض ابن الصلاح للتنصيص إلى حكاية خلاف فيها
وكذا أطلق القاضي عبد الوهاب في الملخص وابن برهان في الأوسط عدم القبول وقال لاخلاف فيه نعم حكى الخطيب في الكفاية عن جماعة من أهل النقل والمتكلمين أن أخبار أهل الأهل كلها مقبولة وإن كانوا كفارا أو فساقا بالتأويل وقال صاحب المحصول الحق أنه إن اعتقد حرمة الكذب قبلنا روايته لأن اعتقاده كما قدمت لمنعه من الكذب وإلا فلا قال شيخنا والتحقيق أنه لا يرد كل مكفر ببدعة لأن كل طائفة تدعي (1/333)
أن مخالفيها مبتدعة وقد تبالغ فتكفرها فلو أخذ ذلك على الإطلاق لاستلزم تكفير جميع الطوائف
فالمعتمد أن الذي ترد روايتة من أنكر أمرا متواترا من الشرع معلوما من الذين بالضرورة أي إثباتا ونفيا فأما من لم يكن بهذه الصفة وانضم إلى ذلك ضبطة لما يرويه مع ورعه وتقواه فلا مانع من قبوله أصلا
وقال أيضا والذي يظهر أن الذي يحكم عليه بالكفر من كان الكفر صريح قوله وكذا من كان لازم قوله وعرض عليه فالتزمه أما من لم يلتزمه وناضل عنه فإنه لا يكون كافرا ولو كان اللازم كفرا وينبغي حمله على غير القطعي ليوافق كلامه الأول
وسبقه ابن دقيق العيد فقال الذي تقرر عندنا لا نعتبر المذاهب في الروايه إذ لا نكفر أحدا من أهل القبله إلا بإنكار قطعي من التشريعه فإذا اعتبرنا ذلك وانضم إليه الورع والتقوى فقد حصل معتمد الروايه وهذا مذهب الشافعي حيث يقبل شهادة أهل الأهواء فقال وأعراض المسلمين حفرة من حفر النار وقف على شفيرها طائفتان من الناس المحدوثون والحكام فأشار بذلك إلى أنهم من أهل القبله فتقبل روايتهم كما ترثهم ونورثهم وتجري عليهم أحكام الإسلام وممن صرح بذلك النووي فقال في الشهادات من الروضه جمهور الفقهاء من أصحابنا وغيرهم لا يكفرون أحدا من أهل القبلة وقال في شروط الأئمة منها ولم يزل الساف والخلف على الصلاة خلف المعتزلة وغيرهمك ومناكحتهم وإجراء أحكام الإسلام عليهم
وقد قال الشافعي في الأم ذهب الناسفي تأويل القرآن والأحاديث إلى أمور تباينوغا فيها تباينا شديدا واستحل بعضهم بعضهم من بعض بما تطول حكايته وكان ذلك شفاد ما منه ما كان في عهد السلف وإلى اليوم نعلم من سلف (1/334)
الأئمه من يقتدى به ولا من بعدهم من التابعين رد شهاده أحد بتأويل وإن خطأة وضلله ورآة استحل ما حرم الله عليه فلا يرد شهاده أحد من التأويل كان له وجه يحتمل و " إن بلغ فيه استحلال المال والدم انتهى
وقد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه فيما رويناه عنه لا تظنن بكلمه خرجت من في امريء مسلم شرا وأنت تجد لها في الخير محلا
التاسع في توبه الكاذب وللحميدي صاحب الشافعي وشيخ البخاري أبي بكر عبد الله بن الزبير والإمام أحمد بأن من أي أن الذي يكذب تعمدا أي في الحديث النبوي مطلقا الأحكام والفضايل وغيرهما بأن وضع أو ركب سندا صحيحا لمتن ضعيف أو نحو ذلك أو لمرة واحده بأن العمد بإفراده أو نحوة بحيث انتفى بأن يكون أخطأ أو نسى لم نعد نقبله أبدا في شيء مطلقا سواء المكذوب فيه وغيرة ولا تكتب عنه شيئا ويتحتم جرحه دائما وإن يتب وتحسن توبته تغليطا له لما ينشأ عن صنيعه من مفسده عظيمه تصبر ذلك شرعا نعم توبته كما صرح بها الإمام أحمد فيما بينه وبين الله
ويلتحق بالعمد من أخطأ بعد بيان ذلك له ممن يثق بعلمه مجرد عناد كما سيأتي في الفصل الثاني عشر أو ما من كذب عليه في فضائل الأعما متعقدا أن هذا لا يضر ثم عرف ضررة فتاب فالظاهر كما قال بعض المتأخرين قبول رواياته
وكذا كم كذب دفعا لضرر يلحقه من عدو وتاب عنه (1/335)
ثم إن أحمد والحميدي لم يتفردا بهذا الحكم بل نقله كل من الخطيب في الكفاية والحازمي في شروط السنة عن جماعه والذهبي عن رواية ابن معين وغيره واعتمدوه ( و ) كذا الإمام أبي بكر الصيفي شارح الرسالة وأحد اصحاب الوجوه في المذهب مثله حيث قال كل من أسقطنا خبره من أهل النقل بكذب وجدناه عليه ثم نعد لقبوله بتوبة تظهر وأطلق الكذب كما ترى ولم يصرح بتقييده بالحديث النبوي ونحوه حكاية القاضي أبي الطيب الطبري عنه فإنه قال إذا روى المحدث خبرا ثم رجع عنه وقال كنت أخطأت فيه وجب قبول قوله لأن الظاهر من حال عدل الثقة الصدق في خبره فوجب أن تقبل رجوعه عنه كما تقبل روايته وإن قال كنت تعمدت الكذب فيه فقد ذكر أبو بكر الصيرفي في كتاب الأصول أنه لا يعمل بذلك الخبر ولا بغيره من روايته وقال المصنف إن الظاهر أن الصيرفي إنما أراد الكذب في الحديث النبوي خاصة يعني فلا يشمل الكذب في غيره من حديث سائر الناس فإن ذلك كغيره من المفسقات تقبل رواية التائب منه لا سيما وقوله كما قاله المصنف من أهل النقل قرينة في التقييد
بل قال في موضع آخر وليس يطعن على المحدث إلا أن يقول تعمدت الكذب فهو كاذب في الأول أي في الخبر الذي رواه واعترف بالكذب فيه ولا يقبل خبره بعد ذلك أي مؤاخذه له بإقراره على ما قرر في الوضوع وزاد أي الصيرفي على الإمام أحمد والحميدي أن من ضعف نقلا أي من جهة نقله يعني لوهم وقلة إتفاق ونحوهما وحكمنا بضعفه وإسقاط خبره لم يقو أبدا بعد أن حكم بضعفه هكذا أطلق ووزان ما تقدم عدم قبوله ولو رجع إلى التحري والإتقان ولكن قد حمله الذهبي على من يموت على ضعفه فكأنه ليكون موافقا لغيره وهو الظاهر
ثم إن في توجيه إرادة التقييد بما تقدم نظرا إذا أهل التقدم هم أهل الروايات والأخبار كيف ما كانت من غير اختصاص وكذا الوصف بالمحدث (1/336)
أعم من أن يكون بخبر عنه صلى الله عليه و سلم أو غيره بل يدل لإرادة التعميم تنكيره الكذب
وكذا يستأنس له بقول ابن حزم في أحكامه من أسقطنا حديثه لم نعد لقبوله أبدا ومن احتججنا به نسقط روايته أبدا فإنه ظاهر في التعميم
ونحوه قول ابن حبان في آخرين بل كلام الحميدي المقرون مع أحمد أول المسألة قد يشير لذلك فإن قال قائل فما الذي لايقبل به حديث الرجل أبدا قلت هو أن يحدث عن رجل أنه سمعه ولم يدركه أو عن رجل أدركه ثم وجد عليه أنه لم يسمع منه أو بأمر يتبين عليه في ذلك كذب فلا يجوز حديثه أبدا لما أدرك عليه من الكذب فيما حدث به وبذلك جزم ابن كثير فقال التائب من الكذب في حديث الناس تقبل روايته خلافا للصيرفي
قال الصيرفي وليس الراوي في ذلك كالشاهد يعني إن الشاهد يقبل توبته بشرطها وأيضا فالشاهد إذا حدث فسقه بالكذب أو غيره لا تسقط شهادته السالفة قبل ذلك ولا بنقص الحكم بها ( و ) الإمام السمعاني أبو المظفري في الراوي الجاني بكذب في خبر ينوي اسقاط له من الحديث قد تقدما وكذا وجوب نقض ما عمل به منها كما صرح الماوردي والروياني وقالا فإن الحديث حجة لازمة لجميع المسلمين وفي جميع الأمصار فكان حكمه أغلظ يعني وتغليظ العقوبة فيه أشد مبالغة في الزجر عنه عملا بقوله صلى الله عليه و سلم إن كذبا علي ليس ككذب على أحد
وقد قال عبد الرزاق أخبرنا معمر عن رجل عن سعيد بن جبير أن رجلا كذب على النبي صلى الله عليه و سلم فبعث عليا والزبير فقال اذهبا فإن أدركتماه فاقتلاه ولهذا حكى إمام الحرمين عن أبيه أن من تعمد الكذب على النبي صلى الله عليه و سلم يكفر وإن لم يوافقه ولده وغيره من والأئمة على ذلك والحق أنه فاحشة عظيمة (1/337)
وموبقة كبيرة ولكن لا يكفر بها إلا أن استحمله
قال ابن الصلاح وما ذكره ابن السمعاني يضاهي من حيث المعنى ما قاله ابن الصيرفي يعني لكون رده لحديثه المستقبل إنما هو لاحتمال كذبه وذلك جار في حديثه الماضي بعد العلم بكذبه وقد افترقت الرواية والشهادة في أشياء فتكون مسألتنا منها على أنه قد حكى عن مالك في شاهد الزور إنه لا تقبل لأه شهادة بعدها
وعن أبي حنيفة في قاذف المحصن لا تقبل شهادته أبدا فاستويا في الرد لما بعد لكن المعتمد في الشهادة عندنا ما تقدم نعم سوى القاضي أبو بكر محمد ابن المظفر بن بكران الحموي الشامي من أصحابنا بينهما حيث قال في الراوي إنه لا يقبل في المردود خاصة ويقبل في غيره بل نسب الدامغاني من الحنفية قبوله في المردود وغيره وهو عجيب والأصح الأول لكن قال النووي رحمه الله في شرح مقدمة مسلم لم أر له أي للقول في أصل المسألة دليلا ويجوز أن يوجه بأن ذلك جعل تغليظا وزجرا بليغا عن الكذب عليه صلى الله عليه و سلم لعظم مفسدته فإنه يصير شرعا مستمرا إلى يوم القيامة بخلاف الكذب على غيره والشهادة فإن مفسدتهما قاصرة ليست عامة
ثم قال وهذا الذي ذكره هؤلاء الأئمة ضعيف مخالف للقواعد الشرعية والمختار القطع بصحة توبته في هذا أي الكذب عليه صلى الله عليه و سلم وقبول رواياته بعدها إذا صحت توبته بشروطها المعروفة
قال فهذا هو الجاري على قواعد الشرع وقد أجمعوا على صحة رواية من كان كافرا فأسلم قال وأجمعوا على قبول شهادته ولا فرق بين الشهادة والرواية في هذا
وكذا قال في الإرشاد هذا مخالف لقاعدة مذهبنا ومذهب غيرنا انتهى
ويمكن أن يقال فيما إذا كان كذبه في وضع حديث وحمل عنه ودون أن (1/338)
الإثم غير منفك عنه بل هو لاحق له أبدا فإنمن سن سيئه عليه وزرها ووزر من عمل بها الى يوم القيامه والتوبة متعذره ظاهرا وإن وجد مجرد اسمها ولا ستشكل بقبولها ممن لم يمكنه التدارك برد اومحالة فالأموال الضائعة لها مرد وهو بيت المال والأعراض قد انقطع تجدد الأثم بسببهما فافترقا وأيضا فعدم قبول توبة الظالم ربما يكون باعثا له الاسترسال والتمادي في غيه فيزداد الضرر به بخلاف الراوي فإنه لو اتفق استرساله أيضا وسمه بالكذب مانع من قبول متجدداته بل قال الذهبي إن من عرف بالكذب على الرسول لا يحصل لنا ثقة بقوله إني تبت يعني كما قيل بمثله في المعترف بالوضع العاشر في إنكار الأصل تحديث الفرع بالتكذيب أو غيره ومن روى من الثقات عن شيخ ثقة أيضا حديثا فكذبه المروى عنه صريحا كقوله كذب علي فقد تعارضا في قولهما كالبينتين إذا تكاذبتا فإنهما يتعارضان إذا الشيخ قطع بكذب الراوي والراوي قطع بالنقل لكل منهما جهة ترجيح أما الراوي فلكونه مثبتا وأما الشيخ فلكونه نفي ما يتعلق به في أمر يقرب من المحصور غالبا ولكن كذبه أي الراوي لا تثبتن بنون التأكيد الخفيفة من أثبت بقول شيخه هذا بحيث يكون جرحا فإن الجرح كذلك لا يثبت بالواحد وأيضا فقده كذبه الآخر أى كذب الراوى الشيخ بالتصريح إن فرض أنه قال كذب بل سمعته منه أو بما يقوم مقام التصريح وهو جزمه بكون الشيخ حدثه به لأن ذلك قد يستلزم تكذيبه فى دعواه أنه كذب عليه وليس قبول قول أحدهما بأولى من الآخر
وأيضا فكما قال التاج السبكى عدالة كل واحد منهما متيقنة وكذبه وشكوك فيه واليقين لا يرفع بالشك فتساقطا كرجل قال لامرأته إن كان هذا الطائر غرابا فأنت طالق وعكس آخر ولم يعرف الطائر فإنه لا يمنع واحد منهما من غشيان أمرأته مع إن إحدى المرأتين طالق وهذا بخلاف الشاهد فإن الماوردي قال إن تكذيب الأصل جرح للفرع والفرق غلط باب (1/339)
الشهادة وضيفه وكأن إيراد في خصوص تلك الشهادة ليوافق غيره ( و ) إذا تساقط أن مسألتنا فاردد أيها الطالب ما جحد الشيخ من المروي خاصة لكذب واحد منهما لا بعينه ولكن لو حدث به الشيخ نفسه أو ثقة غير الأول عنه ولم ينكره عليه فهو مقبول كل هذا إذا صرح بالتكذيب فإن جزم بالرد بدون تصريح كقوله ما رويت هذا أو ما حدثت به قط أو أنا عالم أنني ماحدثتك أو لم أحدثك فقد سوى ابن الصلاح تبعا للخطيب وغيره بينهما أيضا وهو الذي مشى عليه شيخنا في توضيح النخبة لكنه قال في الفتح إن الراجح عندهم أي المحدثين القبول
وتمسك بصنيع مسلم حيث أخرج حديث عمرو بن دينار عن أبي معبد عن ابن عباس ما كنا نعرف انقضاه صلاة رسول الله صلى الله عليه و سلم إلا بالتكبير مع قول أبي معبد لعمرو لم أحدثك به فإنه دل على أن مسلما كان يرى صحة الحديث ولو أنكره راويه إذا كان الناقل عنه عدلا
وكذا صحح الحديث البخاري وغيره وكأنهم حملوا الشيخ في ذلك على النسيان كالصيغ التي بعدها
ويؤيده قول الشافعي رحمه الله في هذا الحديث بعينه كأنه نسي بعد أن حدثه بل قال قتاده حين حدث عن كثير بن أبي كثير عن أبي سلمهة عن أبي هريرة بشيء وقال كثير ما حدثت بهذا قط أنه نسي لكن إلحاق هذه الألفاظ بالصورة الأولى أظهر
ولعل تصحيح هذا الحديث بخصوصه لمرجح اقتضاه تحسينا للظن بالشيخين لا سيما وقد قيل لما أشار إليه الفخر الرازي إن الرد إنما هو عند التساوي فلو رجح أحدهما عمل به فال شيخنا وهذا الحديث من أمثلته (1/340)
هذا مع أن شيخنا قد حكى عن الجمهور من الفقهاء في هذه الصورة القبول وعن بعض الحنفية ورواية عن أحمد الرد قياسا على الشاهد
وبالجملة فظاهر صنيع شيخنا اتفاق المحدثين على الرد في صورة التصريح بالكذب وقصر الخلاف على هذه وفيه نظر فالخلاف موجود فمن متوقف ومن قائل بالقبول مطلقا وهو اختيار ابن السبكي تبعا لإبي المظفر ابن السمعاني وقال به أبو الحسين بن القطان وإن كان الآمدي والهندي حكيا الاتفاق على الرد من غير تفضيل وهو مما يساعد ظاهر صنيع شيخنا في الصورة الأولى وينازع في الثانية
ويجاب بأن الأتفاق في الأولى والخلاف في الثانية بالنظر للمحدثين خاصة
وأما لو أنكر الشيخ المروي بالفعل كان عمل بخلاف الخبر فقد تقدم في الفضل السادس قريبا أنه لا يقدح في الخبر ولا في راويه وكذا إذا ترك العمل به وهل يسوغ عمل الراوي نفسه به بحيث لم تقبله منه الظاهر نعم إذا كان أهلا قياسا على ما سيأتي في سادس أنواع التحمل فيهما إذا علم الشيخ الطالب بإن هذا مرويه ولكن منعه من روايته إذلا فرق بهذا كله إذا لم يذكر ان الشيخ المروي ليس من حديثه أصلا ومن صرح بذلك حتى لو رواه هو ثانيا لا تقبل منه بل ذلك مقتض لجرحه
وفيه نظر ثم إن ما تقدم فيما يراه الشيخ بالصريح أو ما يقوم مقامه كما شرح وأما أن يرده بقوله لا أذكر هذا أو لا أعرف أني حدثته به أو نحوهما من الألفاظ التي فيها ما يقتضي نسيانه كبغلب على ظني أنني ما حدثته بهذا أو لا أعرف أنه من حدثني والراوي جازم به فقد رأوا أي الجمهور من المحدثين قبوله والحكم للراوي الذاكر كما هو عند المعظم من الفقهاء والمتكلمين (1/341)
وصححه غير واحد منهم الخطيب وابن الصلاح وشيخنا بل حكى فيه اتفاق المحدثين لأن الغرض أن الراوي ثقة جزما فلا يطعن فيه بالاحتمال إذا المروي عنه غير جازم بالنفي بل جزم الراوي عنه وشكه هو قربنه لنسيانه وحكى الإسقاط في المروي وعدم القبول عن بعضهم بكسر الميم أي بعض العلماء وهم قوم من الحنفية
كما قال ابن الصلاح ونسبه النووي في شرح مسلم الكرخي بل حكاه ابن الضباغ في العدة عن أصحاب أبي حنيفة لكن في التعميم نظرا لا أن يريد المتأخرين منهم لا سيما وسيأتي في المسألة الثانية من صفة رواية الحديث وأدائه عن أبي يوسف ومحمد بن الحسن أنه إذا وجد سماعه في كتابه وهو غير ذاكر لسماعه يجوز له روايته
ويتأيد بقول الطبري الكبار للطبري إنه لا يعرف لهم في مسألتنا بخصوصها كلام إلا أن أخذ من ردهم حديث إذا نكحت المرأة بغير إذن وليها فنكاحها باطل الذي ذكره ابن الصلاح من أمثلة من حدث ونسي
وذكر الرافعي في الاقضيةإن القاضي ابن كج حكاه وجها عن بعض الأصحاب ونقله شارح اللمع عن أختبار القاضي أبي حامد المروزي وأنه قاسه على الشاهد وتوجيه هذا القول أن الفرع تبع للأصل في إثبات الحديث بحيث إذا أثبت الأصل الحديث ثبتت رواية الفرع فكذلك ينبغي أن يكون فرعا عليه وتبعا له في النفي
ولكن هذا متعقب فإن عدالة الفرع يقتضي صدقه وعدم علم الأصل لا ينافيه فالمثبت الجازم مقدم على النافي خصوصا الشاك
قال شيخنا وأما قياس ذلك بالشهادة يعني على الشهادة إذا ظهر توقف الأصل ففاسد لأن شهادة الفرع لا تسع مع القدرة على شهادة الأصل بخلاف الرواية فافترقا على أن بعض المتأخرين كما حكاه البلقيني قد أجرى في (1/342)
الشهادة على الشهادة الوجهين فيما لو لم ينكر الحاكم حكمه بل توقف والأفق هناك لقول الأكثرين قبول الشهادة بحكمه فاستويا
وفي المسألة قول آخر وهو إن كان الشيخ رأيه يميل إلى غلبة النسيان أو كان ذلك عادته في محفوظاته قبل الذاكر الحافظ وإن كان رأيه يميل إلى جهله أصلا بذلك الخبر رد فقل ما ينسى الإنسان شيئا حفظه نسيانا لا يتذكره بالتذكير والأمور تبني على الظاهر لا على النادر قاله ابن الأثير وأبو زيد الدلوسي وقد صنف الدارقطني ثم الخطيب من حدث ونسي وفيه ما يدل على تقوية المذهب الأول الصحيح لكون كثير منهم حدث بأحاديث ثم لما عرضت عليه لم يتذكرها لكن لاعتمادهم على الرواة عنهم صاروا يروونها عن الذي رواها عنهم عن أنفسهم ولذلك أمثلة كثيرة كقصة حديث الشاهد واليمين الذي لفظه أن النبي صلى الله عليه و سلم قضى باليمين مع الشاهد إذ نسبة سهيل وابن أبي صالح الذي اخذ أي حمل عنه عن أبيه عن أبي هريرة فكان سهيل بعد بضم الدال على البناء عن ربيعة هو ابن أبي عبد الرحمن عن نفسه يرويه فيقول أخبرني ربيعة وهو عندي ثقة أنني حدثته إياه ولا أحفظه قال عبد العزيز الداروردي وقد كان أصابت سهيلا علة أذهبت بعض عقله ونسي بعض حديثه فكان يحدث به عمن سمعه منه فأيدته سوى ما تضمنه من شدة الوثوق بالراوي عنه عالم يذكره ابن الصلاح الإعلام بالمروي وكونه لمن يضيعه بضم أوله من أضاع إذ بتركه لروايته يضيع
ومن ظريف ما اتفق في المعنى أن أبا القاسم بن عساكر وهو أستاذ زمانه حفظا وإتقانا وورعا حدث قال سمعت سعيد بن المبارك الدهان ببغداد يقول رأيت في النوم شخصا أعرفه ينشد صاحبا له
( أيها الماطل ديني ... أملي وتماطل )
( علل القلب فإني ... قانع منك بباطل ) (1/343)
وحدث ابن عساكر بهذا صاحبة الحافظ أبا سعيد بن السمعاني قال أبو سعد فرأيت ابن دهان فعرضت ذلك عليه فقال ما أعرفه قال أبو سعد بن عساكر من أكل من رأيت جمع له الحفظ والمعرفة والإتقان ولعل ابن الدهان نسي ثم كان ابن الدهان بعد ذلك يرويه عن أبي سعد عن ابن عساكر عن نفسه
قال الخطيب في الكفاية ولأجل أن النسيان غير مأمون على الإنسان بحيث يؤدي إلى حجر وما روى عنه تكذيب الراوي له كره من كره من العلماء التحديث عن الأحياء منهم الشعبي فإنه قال لابن عون لاتحدثني عن الأحياء ومعمر فإنه قال لعبد الرازق إن قدرت أن لاتحدث عن حي فافعل
والشافعي نهى ابن عبد الحكم هو محمد بن عبد الله يروي أي عن الرواية عن الحي وهو كما ترى الإشارة إليه للخطيب دون ابن الصلاح ل أجل خوف التهم إذا جزم الشيخ بالتقي وذلك فيما رويناه في مناقبه والمدخل كلاهما للبيهقي من طريق أبي سعيد الجصاص عن محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال سمعت من الشافعي حكاية فحكيتها عنه فنميت إليه فأنكرها قال فاغتم أبي أي لذلك غما شديدا وكنا نجله فقلت له يا أبت أنا اذكره لعله يتذكر فمضيت إليه فقلت له يا أبا عبد الله أليس نذكر يوم كذا وكذا في الإملاء فوفقته فوقفته على الكلمة فذكرها ثم قال لي يا محمد لا تحدث عن الحي فان الحي لا يؤممن عليه أن ينسى
لكن قد قيد بعض المتأخرين الكراهة بما إذا كان له طريق آخر سوى طريق الحي أما إذا لم يكن له سواها وحدثت واقعة فلا معنى للكراهة لما في الإمساك من كتم العلم وقد يموت الراوي قبل موت المروي عنه فيضيع العلم وهو حسن إذ المصلحة محققة والمفسدة مظنونة كما قدمناه في قبول المبتدع فيما لم تره من حديث غيره من أن مصلحة تحصيل ذاك المروي مقدمة على مصلحة إهانته وإطفاء بدعته وكذا يحسن تقييد مسألتنا بما إذا كانا في بلد واحد أما أن كانا في (1/344)
بلدين فلا لاحتمال أن يكون إلحاقا له علم الإنكارلنفساته مع قلتها بين المتقدمين وقد حدثه عمرو بن دينار عن الزهري بشيء وسئل الزهري عنه فأنكره وبلغ ذلك عمرو فاجتمع بالزهري فقال له يا أبا بكر أليس قد حدثني بكذا فقال ما حدثته ثم قال والله ما حدثت به وأنا حي إلا أنكرته حتى توضع أنت في السجن وقد أوردت القصة في السادس من المسلسلات
الحادي عشر في الأخد على التحديث ومن روى الحديث بأجره أو نحوها كالجعالة لم يقبل إسحق بن إبراهيم الحنظلي عرف بابن راهويه ( و ) أبو حاتم الرازي وابن حنبل هو أحمد في آخرين
أما إسحق فإنه حين سئل عن المحدث يحدث بالأجر قال لايكتب عنه وكذا قال أبو حاتم حين سئل عمن يأخذ على الحديث وأما أحمد فإن قيل له أيكتب عن من يبيع الحديث فقال لا ولا كرامة فأطلق أبو حتم جواب الأخذ الشامل للإجارة والجعالة والهبة والهدية وهو ظاهر في الجعالة لوجود العلة فيها أيضا وإن كانت الإجازة أفحش
وقد قال سليمان بن حرب لم يبق أمر من أمر السماء إلا الحديث والقضاء وقد فسدا جميعا القضاة يرشون حتى يولوا والمحدثون يأخذون على حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم الدراهم وهو أي أخذ الأجرة كما قال ابن الصلاح شبيه أجرة معلم القرآن ونحوه كالتدريس يعني في الجواز إلا أنه هناك العادة جارية بالأخذ فيه وهو هنا في العرف يخرم أي ينقص من مروءة الإنسان الفاعل له لكونه شاع بين أهله التخلق بعلو الهمم وطهارة الشيم وتنزيه العرض عن مد العين الى شيء من العرض
قال الخطيب إنما منعوا من ذلك تنزيها للراوي عن سوء الظن به فإن بعض من كان يأخذ الأجرة على الراوية عثر على تزيده وادعائه ما لم يسمع لأجل ما كان يعطي ومن هذا بالغ شعبة فيما حكى عنه وقال لا تكتبوا عن الفقراء شيئا فإنهم يكذبون ولذا امتنع من الأخذ من امتنع بل تورع الكثير منهم (1/345)
عن قبول الهدية والهبة فقال سعيد بن عامر لما جلس الحسن البصري للحديث أهدى له فرده وقال إن من جلس هذا المجلس فليس له عند الله خلاق يعني إن أخذ وكذا لم يكن النووي يقبل ممن له به علاقة من إقراء أو انتفاع ما قال ابن العطار للخروج من حديث إهداء القوس يعني الوارد الزجز عن أخذه ممن علمه القرآن قال وربما إنه كان يرى نشر العلم متعينا عليه مع قناعة نفسه وصبرها قال والأمور المتعينة لا يجوز أخذ الجزاء عليها كالقرض الجار إلى منفعة فإنه حرام باتفاق العلماء انتهى
وقال جعفر بن يحيى البرمكي ما رأينا في القراء مثل عيسى بن يونس بن أبي إسحق السبيعي عرضت عليه مائة ألف فقال لا والله لا يتحدث أهل العلم أني أكلت للسنة ثمنا ألا كان هذا قبل أن ترسلوا إلى فأما على الحديث فلا ولا شربة ماء ولا أهليلجة
وهذا لمعناه وأزيد عند أبي الفرج النهرواني في الجليس الصالح قال دخل الرشيد الكوفة ومعه أبناه الأمين والمأمون فسمعه من عبد الله بن إدريس وعيسى بن يونس فأمر لهما بمال جزيل فلم يقبلا وقال عيسى لا ولا أهليلجة ولا شربة ماء على حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم ولو ملأتا لي هذا المسجد الى السقف ذهبا
وقال جرير بن عبد الحميد مر بنا حمزة الزيات فاستسقى فدخلت البيت فجئته بالماء فلما أردت أن أناوله نظر إلي فقال أنت هو قلت نعم فقال أليس تحضرنا في وقت القراءة قلت نعم فرده وأبي أن يشرب ومضى وأهدى أصحاب الحديث للأوزاعي شيئا فلما اجتمعوا قال لهم أنتم بالخيار إن شئتم قبلته ولم أحدثكم أو رددته وحدثتكم فاختاروا الرد وحدثهم ونحوه عن حماد ابن سلمة كما للخطيب في الكفاية
وقال هبة الله بن المبارك السقطي كان أبو الغنايم محمد بن علي بن علي (1/346)
ابن الحسن بن الدجاجي البغدادي ذا وجاهة وتقدم وحال واسعة وعهدي بي وقد أخنى عليه الزمان بصروفه وقد قصدته في جماعة مثرين لنسمع منه وهو مريض فدخلنا عليه وهو على بارية وعليه جبة قد أكلت النار أكثرها وليس عنده ما يساوي درهما فحمل على نفسه حتى قرأنا عليه بحسب شرحنا ثم قمنا وقد تحمل المشقة في إكرامنا فلما خرجنا قلت هل مع سادتنا ما نصرفه إلى الشيخ فمالوا إلى ذلك فاجتمع له نحو خمسة مثاقيل فدعوت ابنته وأعطيتها ووقفت لأرى تسليمها إليه فلما دخلت وأطته لطم حر وجهه ونادى وافضيحتاه آخذ على حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم عوضا لا والله ونهض حافيا فنادى بحرمة ما بيننا إلا رجعت فعادت إليه فبكى وقال تفضحني مع أصحاب الحديث الموت أهون من ذلك فأعدت الذهب إلى الجماعة فلم يقبلوه وتصدقوا به
ومرض أبو الفتح الكرخي راوي الترمذي فأرسل إليه بعض من كان يحضر مجلسه شيئا من الذهب فما قبله وقال بعد السبعين واقترب الأجل آخذ على حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم شيئا ورده مع الاحتياج إليه لكن الحافظ الحجة الثبت شيخ البخاري أبو نعيم هو الفضل بن دكين قد أخذ العوض على التحديث بحيث كان إذا لم يكن معهم دراهم صحاح بل مكسرة أخذ صرفها ( و ) كذا أخذ غيره كعفان أحد الحفاظ الأثبات من شيوخ البخاري أيضا فقد قال حنبل بن اسحاق سمعت أبا عبد الله يعني الإمام أحمد يقول شيخان كان الناس يتكلمون فيهما ويذكرونهما وكنا نلقي من الناس في أمرهما ما الله به عليهم قاما لله بأمر لم يقم به أحد أو كبير أحد مثل ما قاما به عفان وأبو نعيم يعني بقيامها عدم الإجابة في المحنة
وبكلام الناس من أجل أنهما كانا يأخذان على التحديث ووصف أحمد مع هذا عفان بالمتثبت وقيل له من تابع عفان على كذا فقال وعفان يحتاج إلى أن يتابعه أحد وأبا نعيم الحجة الثبت وقال مرة إنه يزاحم به ابن عيينة وهو (1/347)
على قلة روايته أثبت من وكيع الى غير ذلك من الروايات عنه بل وعن أبي حاتم في توثيقه وإجلاله فيمكن الجمع بين هذا وإطلاقهما كما مضى أولا عدم الكتابة بأن ذاك في حق من لم يبلغ هذه المرتبة في الثقة والتثبت أو الأخذ مختلف في الموضعين كما يشعر به بالسؤال لأحمد هناك ومضايقه البغوي التي كانت سببا لامتناع النسائي من الروايه عنه كما سياتي قريبا وعلى هذا يحمل قول محمد بن عبد الملك بن أيمن لم يكونوا يعيبون مثل هذا إنما العيب عندهم الكذب
وممن كان يأخذ ممن احتج به الشيخان يعقوب بن إبراهيم بن كثير الدورقي الحافظ المتقن صاحب المسند فقد روى النسائي في سننه عنه حديث يحيى ابن عتيق عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة رفعه لا يبولن أحدكمك في الماء الدائم الحديث قال وقال عقبه إنه لم يطن يحدث به إلا بدينار
وممن أخذ عنه البخاري هشام بن عمار فقال ابن عدي سمعت قسطنطين يقول حضرت مجلسه فقال له المستملي من ذكرت فقال له بعض مشايخنا ثم نعس فقال المستملي لا تنتفعون به فجمعوا له شيئا فأعطوة فكان بعد ذلك يملي عليهم
بل قال الإسماعيلي عن عبد الله بن محمد بن سيار إن هشاما كان يأخذ على كل ورقتين درهما ويشارط ولذلك قال ابن وارة عزمت زمانا أن أمسك عن حديث هشام لأنه كان يبيع الحديث
وقال صالح بن محمد إنه كان لا يحدث مالم يأخذ ومنهم علي بن عبد العزيز البغوي نزيل مكه وأحد الحفازظ المكثرين مع علو الإسناد فإنه كان يطلب التحديث في آخرين سوى هؤلاء ممن فعله ترخصا أي سلوكا للرخصه ففيه للفقر والحاجه فقد قال علي بن خشرم سمعت أبا نعيم الفضل يقول يلومونني على الأخذ وفي بيتي ثلاثه عشر نفسا وما فيه رغيف
ورآة بن عبد الواحد في المنام بعد موته فسأله ما فعل بك ربك في (1/348)
ذلك فقال نظر القاضي في امري فوجدوني ذا عيال فعفا عني
وكذا كان البغوي يعتذر بإنه محتاج وإذا عاتبوه على الأخذ حين يقرأ كتب أبي عبيد على الحاج إذا قدم عليه مكة بقول يا قوم أنا بين الأخشبين إذا خرج الحاج نادى أبو قبيس قعيقعان من بقي فيقول بقي المجاورون فيقول أطبق
لكن قد قبحه النسائي ثلاثا ولم يرو عنه شيئا لا لكذبه بل لأنه إجمع قوم للقراءة عليه فبروه بما سهل عليهم وفيهم غريب فقير فأعفوه لذلك فأبى إلا أن يدفع كما دفعوا أو يخرج عنهم فإعتذر الغريب بأنه ليس معه إلا قصعه فأمرة بإحضارها فلما أحضرها حدثهم
ونحوه أن أبا بكر الأنصاري المعروف بقاضي المرستان ثم من أبي الحسن سعد الخير لأنصاري رائحه طيبه فسأله عنها فقالا هي عود فقال ذا عود طيب فحمل إليه نذرا قليلا ودفعه لجاريه الشيخ فاستحت من إعلامه به لقلته
وجاء سعد الخير على عادته فاستخبر من الشيخ عنم وصول العود فقال له لا وطلب الجاريه فاعتذرت لقلته واحضرت ذلك فأخذه الشيخ بيده وقال لسعد الخبر أهو هذا قال نعم فرمى به إليه وقال لا حاجه لنا فيه
ثم طلب منه سعد الخير أن يسمع ولده جزء الأنصاري فحلف أن لا يسمعه إياة إلا أن يحمل إليه خمسه أمناء عود فامتنع وألح على الشيخ في تكفير يمينه فما فعل ولا حمل هو شيئا ومات الشيخ ولم يسمع ابنه الجزء ولكنه في المتأخرين أكثر
ومنهم من كان يمتنع من الأخذ من الغرباء خاصه فروى السلفي في معجم السفر له من الطريق سهل بن بشير الأسفرائيني قال اجتمعنا بمصر طبقه من طلبه الحديث فقصدنا علي بن منير الخلال فلم يأذن لنا في الدخول فجعل عبد العزيز ابن علي النخشبي فاة على كوة ببابه ورفع صوته بقوله قال (1/349)
رسول الله صلى الله عليه و سلم من سئل عن علم الحديث قال ففتح الباب ودخلنا فقال لا أحدث اليوم إلا من وزن الذهب فأخذ من كل حضر من المصريين ولم يأخذ من الغرباء شيئا وكان فقيرا لم يكن من الدنيا شيء وهو من الثقات ومنهم من لم يكن يشرط شيئا ولا يذكرة غير أنه لا يمتنع من قبول ما يعطي بعد ذلك أو قبله
ومنهم من كان يختصر في الأخذ على الأغنياء ومنهم من كان يمتنع في الحديث خاصه
قال أبو أحمد بن سكينه قلت للحافظ بن ناصر أريد أن لأقرأ عليك شرح ديوان المتنبي لأبي زكريا وكان يرويه عنه فقال إنك دائما تقرأ على الحديث مجانا وهذا شعر ونحن نحتاج إلى دفع شيء من الأجر عليه لأنه ليس من الأمور الدينيه
قال فذكرت ذلك لوالدي فدفع إلي كاغدا فيه خمسه دنانير فأعطيته إياة وقرأت عليها الكتاب انتهى
وكان مع ذلن فقيرا ونحوة أن أبا نصر محمد بن موهوب البغدادي الضرير الفرضي كان يأخذ الأجرة ممن يعلمه الجبر والمقابله دون الفرائض والحساب ويقول الفرائض مهمه وهذا من الفضل حكاهما ابن النجار ومنهم من كان لا يأخذ شيئا ولكن يقول إن لنا جيراتا محتاجين فتصدقوا عليهم وإلا لم أحدثكم قال زيد بن الحباب عن شيخه أنه كان يفعله
ثم إن ما تقدم من الترخيص في الفقير خاصه فإن كان فقيرا وله كسب ولكن نبذ بنون ثم موحده وذال معجمه أي ألقى شغلا به أي لإشتغاله بالتحديث الكسب لعياله أخبر أيها الطالب له الأخذ إرفاقا أي (1/350)
لأجل الإرفاق به في معيشته عرضا عما فاته من الكسب من غير زياده فقد أفتى به أي بجواز الأخذ الشيخ الولي أبو اسحق الشيرازي أحد أئمه الشافعيه حين سأله مسند العراق في وقته أبو الحسين بن الفتور لكون أصحاب الحديث كانوا يمنعونه عن الكسب لعياله فكان يأخذ كفايته
وعلى نسخه طالوت بن عباد بخصوصها دينارا واتفق أنه جاء غريب فقير فأراد أن يسمعها منه فاحتال بأن يخبرة عن شيخه قال حدثنا البغوي حدثنا أبو عثمان الصيرفي وساق النسخه إلى ىخرها فبلغ مقصوده بدون دينار لكون ابن التفور لم يعلم إن أبا عثمان الصيرفي هو طالوت
وسبق إلى الإفتاء بالجواز ابن عبد الحكيم فقال خالد بن سعد الأندلسي سمعت محمد بن فطيس وغيرة يقولون جمعنا لابن اخي ابن وهب يعني أحمد بن عبد الرحمن دينارة أعطيناه إياة وقرانا عليه موطأ عمه وجامعه قال محمد فصار في نفسي من ذلك فأردت أن أسأل ابن عبد الحكم فقلت أصلحك الله العالم يأخذ على قراءة العلم فاستشعر فيما ظهر لي أني إنما أسأله عن أحمد فقال لي جايز عفاك الله حلال أن لا أقرأ لك ورقه بدرهم ومن أخذني أن أقعد معك طول النهار وأدع ما يلزمني من أسباني ونفقه عيالي
إذا علم هذا الدليل لمطلق الجواز كما تقدم القياس على القرآن فقد جوز أخذ الأجرة على تعليمه الجمهور لقوله صلى الله عليه و سلم في الحديث الصحيح أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله
والأحاديث الوارده في الوعيد على ذلك لا تنهض بالمعارضه إذ ليس فيها ما تقوم به الحجه خصوصا وليس فيها تصريح بالمنع على الإطلاق بل هي وقائع أحوال محتمله للتأويل التوفيق الصحيح وقد حملها بعض العلماء على الأخذ فيما تعين عليه تعليمه لا سيما عند عدم الحاجه
وكذا يمكن أن يقال في تفسير أبي العاليه لقوله تعالى ( ولا تشتروا (1/351)
بآياتي ثمنا قليلا ) ( 1 ) أي لا تأخذوا عليه أجرا وهو مكتوب عندهم في الكتاب الأول يا ابن آدم علم مجانا كلما علمت مجانا
وليس في قول عازب لأبي بكر حين سأله أن يأمر ابنه البراء رضي الله عنهم بحمل ما اشتراه منه معه لا حتى يحدثنا بكذا متمسك للجواز لتوفقه
كما قال شيخنا على أن عازبا لو استمر على الامتناع من إرسال إبنه لاستمر أبو بكر على الامتناع من التحديث يعني فإنه حينئذ لو لم يجز لما امتنع أبو بكر ولا أقر عازبا عليه ولكن ليس هذا بلازم لاحتمال أن يكون امتناعه تأديبا وزجرا وتقريره عازبا فلكونه فهم عنه قصد المبادرة لإسماع ابنه وكونه حاضرا معه خوفا من الفوات لا خصوص هذا المحكي وعلى هذا فما بقي فيهما متمسك وعلى كل حال فقد سبق للمنع من الاستدلال به الخطابي وابن الجوزي
وقال ومن المهم هنا أن نقول قد علم أن حرص الطلبة للعلم فقد فتر لا بل قد بطل فينبغي للعلماء أن يحببوا إليهم العلم وإلا فإذا رأى طالب الأثر أن الإسناد يباع والغالب على الطلبة الفقر ترك الطلب فكان هذا سببا لموت السنة ويدخل هؤلاء في معنى الذين يصدون عن ذكر الله وقد رأينا من كان على مأثور السلف في نشر السنة بورك له في حياته وبعد مماته وأما من كان على السيرة التي ذممناها لم يبارك له على غزارة علمه انتهى
وقد حكى ابن الأنماطي الحافظ قال رغبت أبا علي حنبل بن عبد الله البغدادي الرصافي راوي مسند احمد في السفر إلى الشام وكان فقيرا جدا فقلت له يحصل ذلك من الدنيا طرف صالح وتقبل عليك وجوه الناس ورؤساؤهم فقال دعني فوالله ما أسافر لاجلهم ولا لما يحصل منهم وإنما أسافر خدمة لحديث رسول الله صلى الله عليه و سلم أروي أحاديثه في بلد لا تروي فيه (1/352)
قال ولما علم الله منه هذه النية الصالحة أقبل بوجوه الناس إليه وحرك الهمم للسماع عليه فاجتمع إليه جماعة لا نعلمها اجتمعت في مجلس سماع قبل هذا بدمشق بل لم يجتمع مثلها قط لأحد ممن روى المسند نسأل الله الإخلاص قولا وفعلا
الثاني عشر في التساهل وغيره ما يحزم الظبط ورد عند أهل الحديث ذو تساهل في الحمل أي التحمل للحديث وسماعه ( كـ ) المتحمل حال النوم الكثير الواقع منه أو من شيخه وعدم مبالاته بذلك فلم تقبلوا روايته
وما وقع لهم من قبول الإمام الثقة الحجة عبد الله بن وهب مع وصف إبن المديني وغيره له بأنه كان روي الأخذ
وقول عثمان بن أبي شيبة أنه رآه وأخوه أبو بكر وغيرهما من الحفاظ وهو نائم في حال كونه يقرأ له على ابن عينيه وأن عثمان قال للقاريء أنت تقرأ وصاحبك نائم فضحك له ابن عيبنة قال عثمان فتركنا ابن وهب إلى يومنا هذا فقيل له ولهذا تركتموه قال نعم أتريد أكثر من ذا رواه الخطيب
فلكونه في ذلك ماشيا على مذهب أهل بلدة في تجويز الإجازة وأن يقال فيها حدثني بل قال أحمد إنه كان صحيح الحديث يفصل السماع من العرض والحديث من الحديث ما أصح حديثه فقيل له أليس كان يسيء الأخذ قال قد كان ولكنك إذا نظرت في حديثه عن مشايخه وجدته صحيحا
ثم انه لا يصر في كل من التحمل والأداء النعاس الخفيف الذي لا يختل معه فهم الكلام لا سيما من الفطن فقد كان الحافظ المزي ربما ينعس في حال إسماعه ويغلط القارىء أو يزل فيبادر للرد عليه وكذا شاهدت شيخنا غير (1/353)
مرة بل بلغني عن بعض العلماء الراسخين في العربية إنه كان يقرىء شرح ألفية النحو لابن المصنف وهو ناعس
وما توجد في الطابق من التنبيه على نعاس السامع أو المسمع لعله فيمن جهل حاله أو علم بعدم الفهم
وأما متناع التقي ابن دقيق العيد من التحديث عن ابن المقير مع صحة سماعه منه لكونه شك هل نعس حال السماع أم لا فلورعه فقد كان من الورع بمكان
ونحوه أنه قيل لعلي بن الحسين بن شقيق المروزي أسمعت الكتاب الفلاني فقال نعم ولكن نهى حمار يوما فاشتبه علي حديث ولم أعرف تعيينه فتركت الكتاب كله ( و ) كذلك رد عندهم فناذوتساهل في حالة الأداء أي التحديث ( كـ ) المودي لا من أصل صحيح مع كونه هو او القارىء او بعض السامعين خير حافظ حسبما يأتي في بابه
ومن ذلك من كان يحدث بعد ذهاب أصوله واختلال حفظه كفعل ابن لهيعة فيما حكاه هشام بن حسان فقال جاء قوم [ - 1 ] ومعهم جزء فقالوا سمعناه من ابن لهيعة فنظرت فلم أجد فيه حديثا واحدا من حديثه فأتيته وأعلمته لذلك فقال ما أصنع يجيؤني بكتاب فيقولون هذا من حديثك فأحدثهم به
ونحو مما وقع لمحمد بن خلاد السكندري جاءه رجل بعد أن ذهبت كتبه بنسخة ضمام بن إسماعيل وهمام بن عبد الرحمن فقال له أليس هذا سماعك قال نعم فحدثني بهما فقال قد ذهبت كتبي ولا أحدث من غير أصل فما ذاك حتى خدعه ولذا من سمع منه قديما قبل ذهاب كتبه كان صحيح الحديث ومن تأخر فلا
وممن وصفه بالتساهل فيهما قرة بن عبد الرحمن قال يحي بن معين إنه كان يتساهل في السماع وفي الحديث وليس بكذاب (1/354)
والظاهر أن الرد بذلك ليس على إطلاقه وإلا فقد عرف جماعة من الأئمة المقبولين به فإما أن يكون لما انضم إليهم من الثقة وعدم الجيء بما ينكر
وكلام أحمد الماضي قريبا يشهد له أو لكون التساهل يختلف فمنه ما يقدح ومه لا يقدح
وكذا من اختل ضبطه بحيث أكثر من القلب أو الإدراج أو رفع الموقوف أو وصل المرسل أو قبل التلقين الباطل ممن يلقنه إياه في الحديث إسنادا أو متنا وبادر إلى التحديث بذلك ولو مرة لدلالته على مجازفته وعدم تثبيته وسقوط الوثوق بالمتصف به لاسيما وقد كان غير واحد يفعله اختيارا لتجربة حفظ الراوي وضبطه وحذفه
وقال حماد بن زيد فيما رواه أبو يعلى في مسنده لقنت سلمة بن علقمة حديثا فحدثني به ثم رجع فيه وقال إذا أردت أن تكذب صاحبك أي تعرف كذبه فلقنه
وكذا قال قتادة إذا أردت تكذب صاحب فلقنه
ومنهم من فعله ليرويه بعد ذلك عمن لقنه وهذا من أعظم القدح في فاعله قال عبدان الأهوازي كان البغداديون كعبد الوهاب بن عطاء يلقنون المشايخ وكنت أمنعهم
وكذا قال أبو داود كان فضلك يدور على أحاديث أبي مسهر وغيره يلقنها هشام بن عمار يعني بعد ما كبر حيث كان كلما دفع قرأه وكلما لقن تلقن فيحدثه بها
قال وكنت أخشى أن يفتق في الإسلام فتقا ولكن قد قال عبد الله بن محمد بن يسار لما لمته على التلقين قال أنا أعرف حديثي ثم قال لي بعد ساعة أن كنت تشتهي أن تعلم فأدخل إنسانا في شيء قد فتفقدت الأسانيد (1/355)
التي فيها قليل اضراب فسألته عنها فكان يمر فيها وكان أيظا يقول قال الله ( فمن بدله بعدما سمعه فإنما إئمه على الذين يبدلونه )
ومن الأول ما وقع لحفص بن عياث فإنه نهى هو ويحيى القطان وغيرهما موسى ابن دينار المكي فجعل حفص يصنع له الحديث فيقول حدثتك عائشة طلحة عن عائشة بكذا وكذا فيقول حدثني عائشة ويقول له وحدثك القاسم بن محمد عائشة بمثله فيقول حدثتني القاسم بن محمد عن عائشة بمثلة ويقول حدثك سعيد بن جبير عن عباس بمثله فيقول حدثني سعيد بن جبير عن ابن عباس بمثله
فلما فرغ حفص مد يده لبعض من حضر ممن لم يعلم المقصد وليست له نباهة فأخذ اللوحة التي كتب فيها محاها وبين له كذب موسى
ومن الثاني من عمد من أصحاب الرأي إلى مسائل عن أبي حنيفة فجعلوا لها أسانيد عن يزيد بن أبي زيادة عن مجاهد عن ابن عباس ووضعوها في كتب خارجة بن مصعب فصار يحدث بها في جماعة ممن كان يقبل التلقين أفردوا بالتأليف أوقد وصفا من الأئمة ( ب ) رواية المنكرات أو الشواذ كثرة أي حال كونها ذات كثرة أو عرفا بكثرة السهو والغلط في رواية كما نص عليه الشافعي في الرسالة حال كونه حدث من حفظه وما حدث من أصل صحيح فهو أي المتصف بشيء مما ذكر رد أي مردود عندهم لأن الاتصاف بذلك كما قال ابن الصلاح يحزم الثقة بالراوي وضبطه قال شعبة لا يجيئك الحديث الشاذ إلا من الرجل الشاذ (1/356)
وقيل له أيضا من الذي نترك الرواية عنه قال إذا أكثر من الرواية عن المعروف بما لا يعرف وأكثر الغلط
وقال القاضي أبو بكر الباقلاني فيما حكاه الخطيب عنه من عرف بكثرة السهو والغفلة وقلة الضبط رد حديثه
قال وكذا يرد خبر من عرف بالتساهل في الحديث النبوي دون المتساهل في حديثه عن نفسه وأمثاله وما ليس بحكم في الدين يعني لا من تخلل فيه وتبعه غيره من الأصوليين فيه
ويخالفه قول ابن النفيس من تشدد في الحديث وتساهل في غيره فالأصح أن روايته ترد قال لأن الظاهر أنه إنما تشدد في الحديث لغرض وإلا للزم التشدد مطلقا وقد يتغير ذلك الغرض أو يحصل بدون تشدد فيكذب انتهى
إلا أن يحمل على التساهل فيما هو حكم في الدين ولم ينفرد ابن النفيس بهذا بل سبقه إليه الإمام أحمد وغيره لأنه قد يجر إلى التساهل في الحديث ولينبغي أن يكون محل الخلاف في تساهل لا يفضي إلى الخروج عن العدالة ولو فيما يكون به خادما للمروءة فاعلمه
أما من لم يكثر شذوذه ولا مناكيره أو كثر ذلك مع تمييزه له وبيانه أو حدث مع اتصافه بكثرة السهو من أصل صحيح بحيث زال المحذور في تحدث من حفظه فلا وكذا إذا حدث سيء الحفظ عن شيخ عرف فيه بخصوصه بالضبط والإتقان كاسماعيل بن عياش حيث قيل في الشاميين خاصة دون غيرهم
على أن بعض المتأخرين توقف في رد من كثرت المناكير وشبهها في حديثه لكثرة وقوع ذلك في حديث كثير من الأئمة ولم ترو روايتهم (1/357)
ولكن الظاهر أن المراد من كثر ذلك في رواياته مع ظهور إلصاق ذلك به لجلالة باقي رجال المسند ثم إن بين له بضم أوله ونون ساكنة مدغمة في اللام أي الراوي الذي سهى أو غلط ولو مرة غلطة فما رجع عن خطإه بل أصر عليه سقط عندهم أي المحدثين حديثه بل مروية جمع بضم الجيم وزن مضر وممن صرح بذلك شعبة وغيره كما سيأتي آخر المقالة وكذا عبد الله بن الزبير الحميدي مع ابن حنبل الإمام أحمد وابن المبارك عبد الله وغيرهم راو إسقاط حديث المتصف بهذا في العمل إحتجاجا ورواية حتى تركوا الكتابة عنه
قال ابن الصلاح وفيه نظر وكأنه لكونه قد لا يثبت عنده ما قيل له إما لعدم اعتقاده علم المبين له وعدم أهليته أو لغير ذلك قال نعم إذا كان عدم رجوعه عنادا محضا منه لا حجة له فيه ولا مطعن عنده بيديه ف ( ما ينكر ذا ) أي القول بسقوط رواياته وعدم الكتابة عنه
ويرشد لذلك قول شعبة حين سأله ابن مهدي من الذي تترك الرواية عنه ما نصه إذا تمادى في غلط مجتمع عليه ولم يتهم نفسه عند اجتماعهم أو رجل يتهم بالكذب ونحوه قول ابن حبان من يبين له خطؤه وعلم فلم يرجع وتمادى في ذلك كان كذابا بعلم صحيح
قال التاجر التبريزي لأن المعاند كالمستحق بالحديث بترويج قوله بالباطل وأما إذا كان عن جهل فأولى بالسقوط لأنه ضم إلى جهله إنكاره الحق
وكان هذا فيمن يكون في نفسه جاهلا مع اعتقاده علم من أخبره
الثالث عشر في عدم مراعاة ما تقدم في الأزمان المتأخرة وأعرضوا أي المحدثين فضلا عن غيرهم في هذه الدهور المتأخرة عن اعتبار اجتمع هذه الأمور التي شرحت فيما مضى في الراوي وضبطه فلم يتقيدوا (1/358)
بها في عملهم لعسرها وتعذر الوفاء بها بل استقر الحال بينهم على اعتبار بعضها وأنه يكتفي في أهلية الراوي بالعاقل المسلم البالغ غير الفاعل للفسق وما يجزم المروءة ظاهر بحيث يكون مستور الحال ( و ) يكتفي في الضبط بأن يثبت ما روى بخط ثقة مؤتمن سوى الشيخ أو القارىء أو بعض السامعين كتب على الأصل أو في مثبت بيده إذا كان الكاتب من أهل الخبرة بهذا الشأن بحيث لا يكون الاعتماد في رواية هذا الراوي عليه بل على الثقة المفيد لذلك وأنه يروي حين يحدث من آمل بنقل الهمزة واقفا لأصل شيخه كما قد سبقا لنحو ذاك الحافظ الكبير البيهقي فإنه لما ذكر توسع من توسع في السماع من بعض محدثي زمانه الذين لا يحفظون حديثهم ولا يحسنون قراءته من كتبهم ولا يعرفون ما يقرأ عليهم بعد أن تكون القراءة عليهم من أصل سماعهم وذلك لتدوين الأحاديث في الجوامع التي جمعها أئمة الحديث قال فمن جاء اليوم بحديث واحد لا يوجد عند جميعهم لم تقبل منه أي لأنه لا يجوز أن يذهب على جميعهم ومن جاء بحديث معروف عندهم فالذي يرويه لا ينفرد بروايته والحجة قائمة برواية غيره
وحينئذ فلقد آل السماع الآن التسلسل السند أي بقاء سلسلته يحدثنا وأخبرنا لتبقى هذه الكرامة التي خصت بها هذه الأمة شرفا لنبيها صلى الله عليه و سلم يعني الذي لم يقع التبديل في الأمم الماضية إلا بانقطاعه
قلت والحاصل إنه لما كان الغرض أولا معرفة التعديل والتجريح وتفاوت المقامات في الحفظ والإتقان ليتوصل بذلك إلى التصحيح والتحسين والتضعيف حصل التشدد بمجموع تلك الصفات ولما كان الغرض آخر الاقتصار في التحصيل على مجرد وجود السلسلة السندية اكتفوا بما ترى
ولكن ذاك بالنظر إلى الغالب في الموضعين وإلا فقد يوجد في كل منهما من نمط الآخر وإن كان التساهل إلى هذا الحد في المتقدمين قليل (1/359)
وقد سبق البيهقي إلى قوله شيخه الحاكم ونحوه عن السلفي وهو الذي استقر عليه العمل بل جعل التوسع فيه أيضا إلى ما وراء هذا كقراءة غير الماهر في غير أصل مقابل
بحيث كان ذلك وسيلة لإنكار غير واحد من المحدثين فضلا عن غيرهم عليهمس (1/360)
مراتب التعديل رتبه
( والجرح والتعديل قد هذبه ... ابن أبي حاتم إذ رتبه )
( والشيخ زاد فيها وزدت ... ما في كلام أهله وجدت )
( فارفع التعديل ما كررته ... كثقه ثبت ولو أعدته )
( ثم يليه ثقه أو ثبت أو ... متقن أو حجه أو إذا عزوا )
( الحفظ أو ضبطا لعدل ويلي ... ليس به أهل أو صدوق وصل )
( بذاك مأمونا خيارا وتلا ... محله الصدق رووا عنه إلى )
( الصدق ما كذا شيخ وسط ... أو وسط فحسب أو شيخ فقط )
( وصالح الحديث أو مقاربه ... جيده حسنه مقاربه )
( صويلح صدوق إن شاء الله ... أرجوا بأن ليس به بأس عراة )
( وابم معين قال من أقول لا ... بأس به وثقه ونقلا )
( أن ابم مهدي أجاب من سأل ... أثقه كان أبو خلده بل )
( كان صدوقا خيرا مأمونا ... الثقه الثوري لو تعونا )
( وربما وصف ذا الصدق وسم ... ضعفا بصالح الحديث إذ يسم )
وهي ست وقدمت أشرفها والتوازي البار قبلها التي هي من تتماته (1/361)
ولذا أردفه بها ( الجرح والتعديل ) المنقسمان إلى أعلى وأدني وبين ذلك حسبما دل عليه تنويعهم للألفاظ المصطلح عليها لهما اختصارا مع شمول القبول والرد لها ( قد هذبه ) بالمعجمة أي هذب كلا منهما حيث نفى اللفظ لصادر منهم فيهما ابن أبي حاتم هو الإمام أبو محمد عبد الرحمن بن لإمام أبي حاتم محمد بن ( إذ رتبه ) في مقدمه كتابه الجرح والتعديل فأجاد وأحسن كما قال إبن الرحمن الصلاح والشيخ ابن الصلاح زاد عليه فيهما ألفاظا أخذها من كلام غيرة من الأئمه وكذا زادت على كل من ابن الصلاح وابن أبي حاتم ما في كلام أئمه أهله أي الحديث وجدت من الألفاظ في ذلك يعني بدون استقصاء وإلا فمن نظرلا كتب الرجال ككتاب ابن أبي حاتم المذكور والكامل لابن عدي والتهذيب وغيرها ظفر بألفاظ كثيرة ولو اعتنى بتتبعها ووضع كل لفظه بالمرتبه المشابهه لها مع شرح معانيها لغه واصطلاحا لكان حسنا
وقد كان شسخنا يلهج بذكر ذلك فما تيسر والواقف على عبارات القوم يفهم مقاصدهم لما عرف من عباراتهم في غالب الأحوال وبقرائن ترشد إلى ذلك فارفع مراتب التعديل ما أتى كما قال شيخنا بصيغه أفعل كأن يقال أوثق الخلق وأثبت الناس أو نحوهما مثل قول هشام بن حسان حدثني أصدق من أدركت من البشر محمد بن سيرين لما تدل عليه هذه الصيغه من الزياده وألحق بها شيخنا إليه المنتهي في التثبيت وهل يلتحق بها مثل قول الشافعي في ابن مهدي لا أعرف له نظيرا في الدنيا محتمل وهل يليه ما هو المرتبه الأولى عند بعضهم قولهم فلان لا يسأل عن مثله ونحو ذلك ثم يليه ا هو المرتبه الأولى عند الذهبي في مقدمه ميزانه وتبعه الناظم ما كررته مع تباين الألفاظ كثقه ثبت أو ثبت حجه ولو أعدته اب اللفظ الواحد من المرتبه التاليه لهذه خاصه كثقه ثقه أو ثبت ثبت لأن التأكيد الحاصل بالتكرار (1/362)
فيه زياده على الكلام الخالي منه وعلى هذا فما زاد على مرتين مثلا يكون أعلى منها كقول ابن سعد في شعبه ثقه مأمون ثبت حجه صاحب حديث
وأكثر ما وقفنا عليه من ذلك قول ابن عيينه حدثنا عمرو بن دينار وكان ثقه ثقه بتسع مرات وكأنه سكت لانقطاع نفسه ثم يليه ما هو المرتبه الأولى عند ابن أبي حاتم وتبعه ابن الصلاح والثانيه عند الناظم والرابعه بالنسبه لما قررناة ثقه او ثبت بسكون الموحده الثابت القلب واللسان والكتاب والحجه
وأما بالفتح فما يثبت فيه المحدث مسموعه مع أسماء المشاركين له فيه لأنه كالحجه عند الشخص لسماعه وسماع غيرة
ومن صيغ هذه المرتبه كأنه مصحف أو فلان متقن حجه إذا عزوا بنقل الهمزة فيها أي نسب الأئمه الحفظ كأن يقال حافظ أو نسبوا ضبطا كان يقال ضابط لعدل إنه مجرد الوصف بكل منها غير كاف في التوثيق بل بين العداله وبينهما عموم وخصوص من وجه لأن توجد العداله بدونهما ويوجد أن بدونهما وتوجد الثلاثه
ويدل لذلك أن ابن حاتم سأل أبا زرعه عن رجل فقال حافظ فقال أهو صدوق وكان أبو أيوب سليمان بن داود الشاكوذي من الحفاظ الكبار إلا أنه كان يهتم بشرب النبيذ وبالوضع حتى قال البخاري هو أضعه عندي من كل ضعيف
ورؤي بعد موته في النوم فقيل له ما فعل الله بك قال غفر لي فقيل بماذا قال كنت في طريق أصبهان فأخذني مطر وكتان معي كتب ولم أكن تحت سقف ولا شيء فانكببت على كتبي حتى أصبحت وهذأ المطر فغفر الله لي في آخرين والظاهر أن مجرد الوزصف بالإتقان كذلك قياسا على الضبط إذ هما متقاربان لا يزيد الإتقان على الضبط سوى إستعارة لمزيد (1/363)
الضبط وصنيع ابن أبي حاتم يشعر به فإنه قال إذا قيل المواحد إنه ثقه أو متقن ثبت فهو ممن يحتج بحديثه حيث أردف المتقن ثبت المقتضى للعداله بدون أو التي عبر بها في غيرها وحينئذ فلا يعتد من على ابن الصلاح في جعله لفظ ثبت من زيادته على أبي حاتم لانها فيما ظهر كما قررناه ليست مستقله
وكذا لم يقع في كلامه لفظ الحجه وما بعدها بل الثلاثه من زيادات ابن الصلاح مع تفاوتها فكلام أبي داود يقتضي أن الحجه أقوى من الثقه وذلك أن الآجري سأله عن سليمان بن بنت شرحبيل فقال
قال الآجري فقلت هو حجه قال الحجه أحمد بن حنبل وكذا قال عثمان بن أبي شبيه في أحمد بن عبد الله بن يونس ثقه وليس بحجه
وقال ابن معين في محمد بن إسحاق ثقه وليس بحجه وفي أبي وليس صدوق وليس بحجه
وكان لهذه النكته قدمها الخطيب حيث قال أرفع العبارات أن يقال حجه أو ثقه
ثم أن ما تقدم في أن الوصف بالضبط والحفظ وكذا الإتقان لا بد أن يكون في عدل هو حيث لم يصرح ذاك الإمام به إذ لو صرح به كل أعلى ولذا أدرج شيخنا عدل ضابط في التي قبلها
وخالف الذهبي فعد حافظا ثقه من هذه وأدرج في ألفاظهما إماما فقط
وجعل ثقه وقوى الحديث وصحيحه وجيد المعرفه مرتبه أخرى وفيه نظر ولا بد في آخرها أيضا أن يكون لعدل ويلي هذه المرتبه خامسه وهي قولهم ليس به بأس أو لا بأس به أو صدوق وصف بالصدق على طريق المبالغه لا محله الصدق وإن أدرجها ابن أبي حاتم ثم ابن الصلاح هنا فإنهما كما سيأتي تبعا للذهبي من التي بعدها وصل بكسر اللام بما لم (1/364)
يذكرة ابن الصلاح بذلك أي بقول ليس به بأس والذين بعده مأمونا أو خيارا ومن الخير ضد الشر ومن ذلك الوصف بسيف بن عبيد الله بأنه من خيار الخلق كما وقع في أصل حديثه من سنن النسائي وتلا هذه المرتبه سادسه وهي محله الصدق خلافا لابن أبي حاتم ثم ابن الصلاح وتبعا للذهبي كما تقدم ورووا عنه أو روى الناس عنه أو يروى عنه أو إلى الصدق ما هو يعني أنه ليس بعيد عن الصدق وكذا شيخ وسط أو وسط فحسب أي بدون شيخ أو شيخ فقط أي بدون وسط ولم يذكر ابن الصلاح تبعا لابن أبي حاتم في هذه المرتبه التي هي عندهما ثالثه غيرهما نعم زاد عليها وسط
وروى الناس عنه ومقارب الحديث لكن لم يرتبها ومنها أيضا صالح الحديث وهي عندهما الرابعة بل حكى ابن الصلاح عن أبي جعفر بن سنان كما سيأتي قريبا
قال كان ابن مهدي ربما جرى ذكر الرجل فيه ضعف وهو صدوق فيقول صالح الحديث وهذا يقتضي أنها هي والوصف بصدوق عند ابن مهدي سواء ومنها يعتبر به أي في المتابعات والشواهد أو يكتب حديثه أو مقاربه أي الحديث من القرب ضد البعد وهو بكسر الراء كما ضبط في الأصول الصحيحة من كتاب ابن الصلاح المسموعه عليه وكذا ضبطهما النووي في مختصريه وابن الجوزي ومعناه أن حديثه مقارب لحديث غيرة من الثقات أو جيده أي الحديث من الجوده أو حسنه أو مقاربه بفتح الراء أي حديث يقاربه حديث غيرة فهو على المعتمد بالكسر والفتح وسط لا ينتهي إلى درجه السقوط ولا الجلاله وهو نوع مدح وممن ضبطهما بالوجهين ابن الغربي وابن ديحه والبطليوسي وابن رشيد في رحلته (1/365)
قال ومعناها يقارب الناس في حديثه ويقاربونه أي ليس حديثه بشاذ ولا منكر قال وما يدلك على أن مرادهم بهذا اللفظ هذا المعنى ما قاله الترمذي في آخر باب من فضائل الجهاد من جامعه وقد جرى له ذكر إسماعيل بن رافع فقال ضعفه بعض أهل الحديث وسمعت محمدا يعني البخاري يقول هو ثقه مقراب الحديث
وقال في باب من جاء من أذن فهو يقيم والإفريقي يعني عبد الرحمن ضعيف عند أهل الحديث ضعفه يحيى بن سعيد القطان وغيرة وقال أحمد لا أكتب عنه
قال الترمذي ورأيت البخاري يقوي أمرة ويقول هو قارب الحديث فانظر إلى قول الترمذي إن قوله مقارب الحديث تقويه لأمرة وتفهمه فإنه من المهم الخافي الذي أوضحناه انتهى
ومنها ما أقرب حديثه أو صويلح أو صدوق إن شاء الله بنقل الهمزة أو أرجوابأن أي أن ليس به بأس عراة بمهلتين أي غشيه
وقد خالف الذهبي في أهل هذه المرتبه فجعل محله الصدق وحسن الحديث وصالحه وصدوقا إن شاء الله مرتبه وروى الناس عنه وشيخنا وصويلحا ومقاربا مع ما به ويكتب المسكين بأس حديثه وما علمت فيه جرحا أخرى وأما قولهم ما أعلم به بأسا فقد صرح ابن الصلاح بأنه دون لا بأس به وهو ظاهر
وقال الشارح إني أرجو أن لا بأس به أرفع مما أعلم به بأسا فإنه لا يلزم من عدم العلم بالشيء حصول الرجاء به وكأنه بالنظر لذلك قال مراتب التعديل على أربع أو خمس
ويحتمل على بعد أن يكون نظر التفرقه الذهبي وبالجمله فالضابط الأدنى مراتب التعديل كل ما أشعر بالقرب من أسهل التجريح ثم إن الحكم (1/366)
في أهل هذه المراتب الإحتجاج بالأربعه الأولى منها وأما التي بعدها فإنه لا يحتج بأحد من أهلها لكون الفاظها لا تشعر بسعي بشريطه الضبط بل يكتب حديثهم ويختبر
قال ابن الصلاح وإن لم نستوف النظر المعروف يكون ذلك المحدث في نفسه ضابطا مطلقا واحتجنا إلى حديث من حديثه اعتبرنا ذلك الحديث ونظرتا هل له أصل من روايه غيرة كما تقدم بيان طريقه الإعتبار في محله
وأما السادسة فالحكم في أهلها دون أهل التي قبلها وفي بعضهم من يكتب حديثه للاعتبار دون اختبار ضبطهم لوضوح أمرهم فيه
وإلى هذا أشار الذهبي بقولة إن قولهم ثبت وحجة وإمام وثقة ومتقن من عبارات التعديل التي لا نزاع فيها وأما صدوق وما بعده يعني من أهل هاتين المرتبتين اللتين جعلهما ثلاثة فمختلف فيها بين الحفاظ هل هي توثيق أو تليين وبكل حال فهي متحفظة عن كمال رتبة التوثيق ومرتفعة عن رتب التجريح
فإن قيل ما تقدم يقتضي أن الوصف بثقة أرفع من ليس به بأس وابن معين بفتح الميم هو يحيى الإمام المقدم في الجرح والتعديل سوى بينهما إذ قيل له إنك تقول فلان ليس به بأس وفلان ضعيف قال من أقول فيه لا بأس به فثقة ومن أقول فيه ضعف فليس بثقة لا يكتب حديثه ونحوه قول أبي زرعة الدمشقي قلت لعبد الرحمن بن إبراهيم دحيم يعني الذي كان في أهل الشام كأبي حاتم في أهل المشرق ما تقول في علي بن حوشب الفزاري قال لا بأس به قال فقلت ولم لا تقول ثقةولا نعلم إلا خيرا قال قد قلت لك إنه ثقة فالجواب كما قال ابن الصلاح أن ابن معين إنما نسب ما تقدم لنفسه يخلاف ابن أبي حاتم فهو عن صنيعهم قلت ولو لم يكن صنيعهم كذلك ما سأل ابو زرعة لكن جواب دحيم (1/367)
موافق لابن معين مكأنه اختياره أيضا
وأجاب الشارح أيضا بما حاصله أن ابن معين لم يصرح بالتسوية بينهما بل أشركهما في مطلق الثقة وذلك لا يمنع ما تقدم وهو حسن
وكذا أيده غيره بأنهم قد يطلقون الوصف بالثقة على من كان مقبولا ولو لم يكن ضابطا فقول ابن معين هنا يتمشى عليه ونقلا بالبناء للمفعول مما يتأيد به أرجحيه الوصف بالثقه أن ابن مهدي هو عبد الرحمن الإمام القدوة في هذا الشأن حين روى عن ابي خلده بسكون اللام خالد ابن دينار التميمي السعدي البصري الخياط التابعي أجاب من سأل منه وهو عمرو بن علي الفلاس أثقه كان أبو خلده بقوله بل كان صدوقا وكان خيرا او خيارا وكان مأمونا الثقه شبه وسفيان الثوري وربما وجد في بعض الروايات عن ابن مهدي صعر بدل الثوري لو كنتم تعونا أي تفهمون مراتب الرواة ومواقع ألفاظ الأئمه ما سألتم عن ذلك فصرح بأرجحيتها على كا من صدوق وخير مأمون الذي كل منها من مرتبه ليس به بأس
ولا يخدش قول ابن عبد البر كلام ابم مهدي لا معنى له في اختبار الألفاظ إذ أبو خلده ثقه عند جميعهم يعين كما صرح به الترمذي حيث قال هو ثقه عند أهل الحديث فإن هذا ر يمنع الاستدلال المشار إليه
ونحو ما حكاة المروزي قال قلت لأحمد بن حنبل عبد الوهاب بن عطاء ثقه قال تدري من الثقه يحيى بن سعيد القطان هذا مع توثيق ابن معين وجماعه له وكذا وربما أي وفي بعض الأحيان وصف ابن مهدي فيما حكاة أبو جعفر أحمد بن سنان عنه كما قدمته ذا الصدق أي الصدق من الرواة الذي و سم ضعفا أي بالضعف لسوء حظه وغلطه ونحوة لك بصالح الحديث المنحط عن مرتبه ليس به بأس إذ يسم بفتح التحتانيه وكسر المهمله أي يعرف بأوصاف الرواة إلى غير ذلك ما يشهد لاصطلاحهم (1/368)
مراتب التجريح
( وأسوا التجريح كذاب يضع ... يكذب وضاع ودجال وضع )
( وبعدها متهم بالكذب ... وساقط وهالك فاجتنب )
( ذاهب متروك أو فيه نظر ... وسكتوا عنه به لا يعتبر )
( وليس بالثقه ثم ردا ... حديثه كذا ضعيف جدا )
( واة بمرة وهم قد طرحوا ... حديثه وارم به مطرح )
( ليس بشيء لا يساوي شيئا ... ثم ضعيف وكذا إن جيء )
( بمنكر الحديث أو مضطربه ... واة وضعفوة لا يحتج به )
( وبعدها فيه مقال ضعف ... وفيه ضعف تنكر وتعرف )
( ليس بذاك بالمتين ليس بالقوي ... بحجه بعمده بالمرضى )
( ما هو فيه خلف طعنوا ... فيه كذا سيء حفظ لين )
( تكلموا فيه وكل من ذكر ... من بعد شيئا بحديثه اعتبر )
وهي أيضا ست وسبقت كالتي قبلها في التدلي من الأعلى إلى الأدنى مع أن العكس في هذه كما فعل ابن أبي حاتم ثم ابن الصلاح كان أنسب لتكون مراتب القسمين كلها منخرطه في سلك واحد بحيث يكون أولها الأعلى (1/369)
من التعديل وآخرها الأعلى من التجريح وأسوأ التجريح الوصف بما دل على المبالغه فيه كما قال شيخنا قال وأصرح ذلك التعبير بأفعل كأكذب الناس وكذا قولهم إليه المنتهى في الوضع وهو ركن الكذب ونحو فهذه هي المرتبه الأولى ثم يليها كذاب أو يضع الحديث على رسول الله صلى الله عليه و سلم أو يكذب أو وضاع وكذا دجال أو وضع حديثا وآخر هذه الصيغ أسهلها بخلاف المتين قبلها وكذا الأولى فإن فيها نوع مبالغه لكنها دون المرتبه الأولى
وأما الصيغه الثانيه والثالثه وهما دالتان على ملازمه الوضع والكذب وإنما لم ترتب ألفاظ كل مرتبه من البابين للضرورة وبعدها أي المرتبه الثالثه بالنسبه لما ذكرته وهي فلان يسرق الحديث فإنها كما قال الذهبي أهون من وضعه وإختلافه في الإثم إذ سرقه الحديث أن يكون محدث ينفرد بحديث فيجيء لسارق ويدعى أنه سمعه أيضا شيخ ذلك المحدث
قلت وأن يكون الحديث عرف براو فيضيفه لراو غيرة من شاركه في طبقته قال وليس كذلك من يسرق الأجزاء والكتب فإنها أنحس بكثير من سرقه الرواة وفلان مهتم بالكذب أو بالوضع وفلان ساقط وفلان هالك فاجتنب بالروايه بل الأخذ منهم وفلان ذاهب أو ذاهب الحديث وفلان متروك أو كتروك الحديث أو تركوة
قال ابن مهدي سئل شعبه من الذي يترك حديثه قال من يهتم بالكذب ومن يكثر الغلط ومن يخطئ في حديث يجمع عليه فلا يهتم نفسه ويقيم على غلطه ورجل روى عن المعروفين ما لا يعرفه المعروفون
وقال أحمد بن صالح فيما رواة ابن الصلاح من جهته لا يترك حديث الرجل حتى يجتمع الجميع على ترك حديثه يعني بخلاف قولهم ضعيف وكذا (1/370)
منها مجمع عللى تركه وهو على يدي عدل أو موذ بالتخفيف كما سيأتي معناهما أو فيه نظر وفلان سكتوا عنه وكثيرا ما يعبر البخاري بهاتين الأخيرتين فيمن تركوا حديثه بل قال ابن كثير انهما أدنى المنازل عنده وأردأها
قلت لأنه لورعه قل أن يقول كذاب أو وضاع نعم ربما تقول كذبه فلان ورماه فلان بالكذب فعلى هذا فإدخالهما في هذه المرتبه بالنسبة للبخاري خاصة مع تجوز فيه أيضا وإلا فموضعهمامنه التي قبلها ومنها فلان به لا يعتبر عند المحدثين أو لا يعتبر بحديثه وفلان ليس بالثقة أو ليس بثقة أو غير ثقة ولا مأمون ونحو ذلك ثم يليها رابعة وهي فلان ردا حديثه بالبناء للمفعول يعني بين المحدثين أو ردوا حديثه او مردود الحديث وكذا فلان ضعيف جدا وفلان واه بمرة أي قولا واحدا لا تردد فيه وكان الباء زيدت تأكيدا وواه فقط وتالف ( و ) فلان ( هم ) أي أهل الحديث قد طرحوا حديثه وفلان ارم به مطرح أو مطرح الحديث وفلان لا يكتب حديثه أي لا حتجاجا ولا اعتبارا ولا تحمل كتبة حديثه أو لا تحل الرواية عنه ومنه قول الشافعي الرواية عن حرام بن عثمان حرام وفلان ليس بشيء أو لا شيء أو فلان لا يساوي فلسا أو لا يساوي شيئا ونحو ذلك
وما أدرج في هذه المرتبة من ليس بشيء هو المعتمد وإن قال ابن القطان إن ابن معين إذا قال في الراوي ليس بشيء إنما يريد أنه لم يرو حديثا كثيرا هذا مع أن ابن أبي حاتم قد حكى أن عثمان الدارمي سأله عن أبي دراس فقال إنما يروي حديثا واحدا ليس به بأس
على أنا قد روينا عن المزني قال سمعني الشافعي يوما وأنا أقول فلان كذاب فقال لي يا أبا إبراهيم أكس ألفاظك أحسنها لا تقل فلان كذاب ولكن قل حديثه ليس بشيء وهذا تقتضي أنها حيث وجدت في كلام الشافعي تكون من المرتبة ثم يلي هذه مرتبة خامسة وهي فلان ضعيف (1/371)
وكذا إن جيء بمد الهمزة منهم في وصف الرواة ( ب ) لفظ منكر الحديث أو حديثه منكرا أو له ما ينكر أو مناكير ( أو ) مناكير ( أو ) بلفظ مضطربة أي الحديث وفلان ( واه و ) وفلان ضعفوه وفلان لا يحتج به وبعدها وهي سادس المراتب فلان فيه مقال أو أدنى مقال وفلان ضعف و فلان فيه أو في حديثه ضعف وفلان تنكر يعني مرة وتعرف يعني أخرى وفلان ليس بذاك وربما قيل ليس بذاك القوي أو ليس بالمتين أو ليس بالقوي قال الدارقطني في سعيد بن يحيى أبي سفيان الحميري هو متوسط الحال ليس بالقوي وفلان ليس بحجة أو ليس بعمدة أو ليس بمأمون أو ليس من إبل القباب كما قال مالك في عطاف بن خالد أحمد من اختلف في توثيقه وتجريحه
قال شيخنا في جوابه عن مسألة الأجتماع على ذكر الباقيات الصالحات وهذه العبارة يؤخذ منها أنه يروي حديثه ولا يحتج بما ينفرد به إلا يخفى من الكتابة المذكورة
ونحوه ليس من جمال المحامل أو كما قال داود بن رشد في سريج بن يونس ليس من جمازات أي أبعرة المحامل والجماز البعير أو ليس بالمرضى أو ليس يحمدونه أو ليس بالحافظ أو غيره أوثق منه وفي حديثه شيء وفلان مجهول أو فيه جهالة أو لاأدري ما هو أو للضعف ما هو يعني أنه ليس ببعيد عن الضعف وفلان فيه خلف وفلان طعنوا فيه او مطعون فيه وكذا فلان نزكوه بنون وزاي أي طعنوا فيه وفلان سيء حفظ وفلان لين الحديث أو فيه لين
قال الدارقطني إذا قلت فلان لين لا يكون ساقطا متروك الحديث ولكن مجروحا بشيء لا يسقط به عن العدالة وفلان تكلموا فيه وكذا سكتوا عنه أو فيه نظر من غير البخاري ونحو ذلك والحكم في المراتب الأربع الأول أنه لا يحتج بواحد من أهلها ولا يستشهد به ولا يعتبر به وكل من ذكر (1/372)
من بعد لفظ لا يساوي شيئا وهو ما عدى الأربع بحديثه اعتبر أي يخرج حديثه للاعتبار لإشعار هذه الصنيع بصلاحية المتصف بها لذلك وعدم منافاتها لها
لكن قال البخاري من قلت فيه منكر الحديث يعني الذي أدرج في الخامسة لا يحتج به وفي لفظ لا تحل الرواية عنه وصنيع شيخنا يشعر بالمشي عليه حيث قال فقولهم متروك أو ساقط أو فاحش الغلط أو منكر الحديث أشد من قولهم ضعيف أو ليس بالقوي أو فيه مقال
ولكن يساعد كونها من التي بعدها قول الشارح في تخريجه الأكبر للأحياء وكثير ما يطلقون المنكر على الراوي لكونه روى حديثا واحدا ونحوه قول الذهبي في ترجمة عبد الله بن معاوية الزبيري من الميزان قولهم منكر الحديث لا يعنون به أن كل ما رواه منكر بل إذا روى الرجل جملة وبعض ذلك مناكير فهو منكر الحديث
قلت وقد يطلق ذلك على الثقة إذا روى المناكير عن الضعفاء
قال الحاكم قلت للدارقطني فسليمان بن بنت شرحبيل قال ثقة قلت أليس عنده مناكير قال يحدث بها عن قوم ضعفاء فأما هو فثقة وقال ابن دقيق العيد في شرح الإمام قولهم روى مناكير لا تقتضي بمجرده ترك روايته حتى تكثر المناكير في روايته وينتهي إلى أن يقال فيه منكر الحديث لأن منكر الحديث وصف في الرجل يستحق به الترك بحديثه والعبارة الأخرى لا تقتضي الديمومة كيف وقد قال أحمد بن حنبل في محمد بن إبراهيم التيمي يروي أحاديث منكرة وهو ممن اتفق عليه الشيخان وإليه المرجع في حديث الأعمال بالنيات
واعلم أن الصيغ عند أبي حاتم ست فقط كذاب ذاهب متروك ضعيف الحديث ليس بقوي لين الحديث وجعل الثلاث الأول منها من (1/373)
أقصى المراتب وكل واحد مما بقي مرتبة فانحصرت المراتب عنده في أربع
وتبعه ابن الصلاح وزاد في أقصى المراتب أيضا ساقط تبعا للخطيب حيث قرنها بكذاب
وكذا زاد ابن الصلاح مما لم يعين له مرتبة لا شيء مضطرب الحديث لا يحتج به مجهول فيه ضعف ليس بذاك وقال إن قوله فيه ضعف أقل من فلان ضعيف
وأما الذهبي فالمراتب عنده ست لكن فيها بعض مخالفة لما تقدم فأرداها دجال وضاع كذاب ثم متهم ليس ثقة لا مأمون مجمع على تركه لا يحل كتابه حديثه ونحوها ثم هالك ساقط مطروح الحديث متروكه ذاهبه ثم مجمع على ضعفه ضعيف جدا ضعفوه تالف وليس بشيء ثم ضعيف ضعيف الحديث مضطربه منكره ونحوها ثم له مناكيره له ما ينكر فيه ضعف ليس بالقوي ليس بعمدة ليس بالمتين ليس بحجة ليس بذاك غيره أوثق منه تعرف وتنكر فيه جهالة ولين يكتب حديثه ويعتبر به ونحوها من العبادات الصادقة على من قد يحتج به أو يتردد فيه أو حديثه حسن غير مرتق إلى الصحيح
ومما ينبه عليه أنه ينبغي أن تتأمل أقوال المزكين ومخارجها فقد يقولون فلان ثقة أو ضعيف ولا يريدون به أنه ممن يحتج بحديثه ولا ممن يرد وإنما ذلك بالنسبة لمن قرن معه على وفق ما وجه إلى القائل من السؤال كان يسئل عن الفاضل المتوسط في حديثه ويقرن بالضعفاء فيقال ما تقول في فلان وفلان وفلان فيقول فلان ثقة يريد أنه ليس من نمط من قرن به فإذا سئل عنه بمفرده بين في المتوسط
وأمثلة ذلك كثيرة لا نطيل بها ومنها قال عثمان الدارمي سألت ابن معين عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه كيف حديثهما فقال ليس به (1/374)
بأس قلت وهو أحب إليك أو سعيد المقبري قال سعيد أوثق والعلاء ضعيف فهذا لم يرد به ابن معين أن العلاء ضعيف مطلقا بدليل قوله أنه لا بأس به وإنما أراد أنه ضعيف بالنسبه لسعيد المقبري وعلى هذا يحمل أكثر ما ورد من اختلاف كلام أئمة الجرح والتعديل ممن وثق رجلا في وقت وجرحه في آخر فينبغي لهذا حكاية أقوال أهل الجرح والتعديل ممن بفصها ليتبين ما لعل خفي منها على كثير من الناس
وقد يكون الاختلاف لتغير اجتهاده كما هو أحد احتمالين في قول الدارقطني في الحسن بن عفير بالمعجمة إنه منكر الحديث وفي موضع آخر إنه متروك وثانيهما عدم تفرقته بين اللفظين بل هما عنده من مرتبة واحدة وكذا ينبغي تأمل الصيغ فرب صيغة يختلف الأمر فيها بالنظر إلى اختلاف ضبطها كقولهم فلان مود فإنها اختلف في ضبطها فمنهم من يخففها أي هالك قال في الصحاح أودى فلان أي هلك فهو مود ومنهم من يشددها مع الهمزهأي حسن الأداء أفاده شيخي في ترجمته سعد الأنصاري من مختصر التهذيب نقلا عن أبي الحسن ابن القطان الفاسي
وكذا أثبت الوجهين كذلك في ضبطها ابن دقيق العيد وأفاده شيخنا أيضا أن شيخه الشارح كان يقول في قول أبي حاتم هو على يدي غدل أنها من ألفاظ التوثيق وكان ينطق بها هكذا بكسر الدال الأولى بحيث تكون اللفظة للواحد ويرفع اللام ويرفع اللام وتنوينها قال شيخنا كنت أظن ذلك كذلك إلى أن ظهر لي أنها عند أبي حاتم من ألفاظ التجريح وذلك أن ابنه قال في ترجمة جبارة بن المغلس سمعت أبي يقول هو ضعيف الحديث ثم قال سألت أبي عنه فقال هو على يدي عدل ثم حكى أقوال الحفاظ فيه بالتضعيف ولم تنقل عن أحد فيه توثيقا ومع ذلك فما فهمت معناها ولا اتجه لي ضبطها ثم بان لي أنها كناية عن الهالك وهو تضعيف شديد
ففي كتاب اصلاح المنطق ليعقوب بن السكيت عن ابن الكلبي قال (1/375)
جزء ابن سعد العشيرة ابن مالك من ولده العدل وكان ولي شرط تبع فكان تبع إذا أراد قتل رجل دفعه إليه فمن ذلك قال الناس وضع على يدي عدل ومعناه هلك
قلت ونحوه عند أبي قتيبة في أوائل أدب الكاتب وزاد ثم قيل ذلك لكل شيء قد يئس منه انتهى
وذكر أبو الفرج الأصبهاني بسند له أن أبا عيسى بن الرشيد طاهر بن الحسين كانا بها يتعذيان مع المأمون فأخذ أبو عيسى هندباة فغمسها في الخل وضرب بها عين طاهر فانزعج وقال ما أمير المومنين إحدى عيني ذاهبة والأخرى على يدي عدل يفعل لي هذا بين يديل
فقال المأمون يا أبا الطيب إنه والله بقيت معي بأكثر من هذا ومن ذلك مقارب الحديث حيث قيل إنه بفتح الراء رديء ولكن المعتمد كما تقدم أنه لا يختلف أمرها في فتح ولا كسر 1 360 (1/376)
2 (2/1)
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين
متى يصح تحمل الحديث أو يستحب
( وقبلو من مسلم تحمـــلا ... في كفره كذا صبي حمــلا )
( ثم روى بعد البلوغ ومنــع ... قوم هنا ورد كالمبسطين مع )
( إحضار أهل العلم للصبيان ثم ... قبولهم ما حدثوا بعد الحـلم )
( وطلب الحديث في العشريـن ... عند الزبيري أحب حــين )
( وهو الذى عليه أهل الكوفـة ... والعشر في البصيرة كالمألوفة )
( وفي الثلاثين لأهل الشـــام ... وينبغي تقييده بالفهـــم )
( فكتبه بالضبط والسمـــاع ... حيث يصح وبه نـــزاع )
( فالخمس للجمهور ثم الحجــة ... قصة محمود وعقل المجتمـع )
( وهو ابن خمسة وقيل أربعـــة ... وليس فيه سنة ومتبعــة )
( بل الصواب فهمه الخطـــابا ... مميزا ورده الجــــوابا )
( وقيل لابن حنبل فــــرجل ... قال لخمس عشرة التحمل )
( يجوز لا في دونها فغلطــــة ... قال إذا علقه وضبطــه ) (2/3)
( وقيل من بين الحمار والبقر ... فرق سامع ومن لا فحضر )
( قال به الحمال وابن المقري ... سمع لابن أربع ذي ذكـر )
أو هل يصح حين الكفر والصبي وهل يستحب له وقت مخصوص أم لا وله مناسبة بباب من تقبل روايته ولكن كان تأخيره لأقسام التحمل النسب وقبلوا أي أهل هذا الشأن الرواية من مسلم مستكمل الشروط تحملا الحديث في حال كفره ثم أداه بعد إسلامه بالاتفاق وإن قال ابن السبكي في شرح المنهاج إنه الصحيح لعدم اشتراطهم كمال الأهلية حين التحمل محتجين بأن جبير ابن مطعم رضي الله عنه قدم على النبي صلى الله عليه و سلم في فداء أساري بدر قبل أن يسلم فسمعه حينئذ يقرأ في المغرب بالطور قال جبير وذلك أول ما وقر الإيمان في قلبي
وفي لفظ فأخذني من قراءته الكرب وفي آخر فكأنما صدع قلبي حين سمعت القرآن وكان ذلك سببا لإسلامه ثم أدى هذه السنة بعد إسلامه وحملت عنه
وكذلك روايته للنبي صلى الله عليه و سلم واقفا بعرفة قبل الهجرة ونحوه تحديث أبي سفيان بقصة هرقل التى كانت قبل إسلامه بل عندنا لو تحمل الكافر والصبي شهادة ثم أدياها بعد زوال المانع قبل أيضا سواء سبق ردهما في تلك الحالة أم لا نعم الكافر المسر كفره لا تقبل منه إذا أعادها في الأصح كالفاسق غير المعلن
قال الخطيب وإذا كان هذا جائزا في الشهادة فهو في الرواية أولى لأن الرواية أوسع في الحكم من الشهادة مع أنه قد ثبت روايات كثيرة لغير واحد من الصحابة كانوا حفظوها قبل إسلامهم وأدوها بعده انتهى (2/4)
ومن هنا أثبت أهل الحديث في الطباق اسم من تنفق حضوره مجالس الحديث من الكفار رجاء أن يسلم ويؤدي ما سمعه كما وقع في زمن التقي ابن تيمية أن الرئيس المتطيب يوسف بن عبد السيد بن المهزب إسحاق بن يحيى اليهودي الإسرائيلي عرف بابن الديان سمع في حال يهوديته مع أبيه من الشمس محمد بن عبد المؤمن الصوري أشياء من الحديث كجزء ابن عترة وكتب بعض الطلبة اسمه في الطبقة في جملة أسماء معين فأنكر عليه
وسئل ابن تيمية عن ذلك فأجازه ولم يخالفه أحد من أهل عصره بل ممن أثبت اسمه في الطبقة الحافظ المزي ويسر الله أنه أسلم بعد وسمى محمدا وأدى فسمعوا منه
وممن سمع منه الحافظ الشمس الحسين وغيره من أصحاب المؤلف ولم يتيسر له هو السماع منه مع أنه رآه بدمشق ومات في رجب سنة سبع وخمسين وسبعمائة بل ومن الغريب قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه سمعت أبا طالب يعني أباه يقول حدثني محمد ابن أخي وكان والله صدوقا فذكر شيئا
وروى من طريق أبي رافع عن أبي طالب نحوه وكلاهما عند الخطيب في رواية الأبناء عن الآباء
ومن طريق عمرو بن سعيد أن أبا طالب قال كنت بذي المجاز مع ابن أخي فأدركني العطش فذكر كلاما
ومن طريق عروة بن عمرو والفقيمي عن أبي طالب سمعت ابن أخي الأمين يقول أشكر ترزق ولا تكفر فتعذب ولكن كل هذا لا يصح وكذا يقبل عندهم فاسق تحمل في حال فسقه ثم زال وأدى من باب أولى وصبي حملا بالبناء للمفعول في حال صغره سماعا أو حضورا ثم روى بعد (2/5)
البلوغ وكذا قبله على وجه وصفه البلقيني بالشذوذ قدمت حكايته في أول فصول من تقبل روايته ومن ترد ولكن قد منع قوم القبول هنا أي مسألة الصبي خاصة فلم يتقبلوا من تحمل قبل البلوغ لأن الصبي مظنة عدم الضبط وهو وجه للشافعية وعليه أبو منصور محمد بن المنذر بن محمد المراكشي الفقيه الشافعي
فحكى ابن النجار في ترجمته من تاريخه أنه كان يمتنع من الرواية أشد الامتناع ويقول مشايخنا سمعوا وهم صغار لا يفهمون وكذلك مشايخهم وأنا لا أرى الرواية عمن هذه سبيله وكذا كان ابن المبارك يتوقف في تحديث الصبي
فروينا من طريق الحسن بن عرفة قال قدم ابن المبارك البصرة فدخلت عليه وسألته أن يحدثني فأبى وقال أنت صبي فأتيت حماد بن زيد فقلت يا أبا إسماعيل دخلت على ابن المبارك فأبى أن يحدثني فقال يا جارية هاتي خفي وطيلساني وخرج معي يتوكأ على يدي حتى دخلنا على ابن المبارك فجلس معه على السرير وتحدثنا ساعة ثم قال له حماد يا أبا عبد الرحمن ألا تحدث هذا الغلام فقال يا أبا إسماعيل هو صبي لا يفقه ما يحمله فقال له حماد يا أبا عبد الرحمن حدثه فلعله والله أن يكون آخر من يحدث عنك في الدنيا فحدثه وكان كذلك
ونحوه ما رواه البيهقي في الشعب من طريق أحمد بن عبد الوهاب بن نجدة الحوطي قال لما رحل أبي إلى المغيرة يعني عبد القدوس بن الحجاج الخولاني الحمصي وكان قد سمع منه أبي وأخي من قبلي فلما رآني أبو المغيرة قال لأبي من هذا قال أبني قال وما تريد به قال يسمع منك قال ويفهم فقال لي أبي وكنا في مسجد قم فصل ركعتين وارفع صوتك بالتكبير والاستفتاح بالقراءة والتسبيح في الركوع والسجود (2/6)
والتشهد ففعلت فقال لي أبو المغيرة أحسنت
ثم قال لي أبي حدثنا فقلت حدثني أبي وأخي عن أبي المغيرة عن أم عبد الله ابنة خالد بن معدان عن أبيها قال من حق الولد على والده أن يحسن أدبه وتعليمه فإذا بلغ اثنتي عشرة فلا حق له وقد وجب حق الولد على ولده فإن هو أرضاه فليتخذه شريكا وإن لم يرضه فليتخذه عدوا فقال لي أبو المغيرة أجلس بارك الله عليك ثم حدثني وقال قد أغناك الله عن أبيك وأخيك قل حدثني أبو المغيرة
وأعلى من هذا أن زائدة بن قدامة كان لا يحدث أحدا حتى تشهد عنده عدول أنه من أهل السنة
وقال هشام بن عمار لقيت شهاب بن خراش وأنا شاب فقال لي إن لم تكن قدريا ولا مرجيا حدثتك وإلا لم أحدثك فقلت ما في من هذين شيء وكان عبد الله بن إدريس الأودي إذا لحن رجل عنده في كلامه لم يحدثه ورد على القائلين بعدم قبول الصبي بإجماع الأئمة على قبول حديث جماعة ومن صغار الصحابة مما تحملوه في حال الصغر كالسبطين وهما الحسن والحسين ابنا ابنته صلى الله عليه و سلم فاطمة الزهراء والعبادله ابن جعفر بن أبي طالب وابن الزبير وابن عباس والنعمان بن بشير والسايب بن يزيد والمسور بن مخرمة وأنس ومسلمة بن مخلد وعمر بن أبي سلمة ويوسف بن عبد الله بن سلام وأبي الطفيل وعائشة ونحوهم رضي الله عنهم من غير فرق بين ما تحملوه قبل البلوغ وبعده مع إحضار أهل العلم خلفا وسلفا من المحدثين وغيرهم للصبيان مجالس العلم ثم قبولهم أي العلماء أيضا من الصبيان ما حدثوا به من ذلك بعد الحلم أي البلوغ وقد رأى أبو نعيم الفضل بن دكين أبا جعفر محمد بن عبد الله بن سليمان الحضرمي وهو يلعب مع الصبيان وقد طينوه وكان بينه وبين والده مودة فنظر إليه وقال يا مطين قد (2/7)
آن لك أن تحضر مجلس السماع وكان ذلك سببا لتلقبه مطينا
ومات عبد الرزاق وللوبري ست سنين أو سبع ثم روى عنه عامة كتبه ونقلها الناس عنه وكذا سمع القاضي أبو عمر الهاشمي السنن لأبي داود من اللولوي وله خمس سنين واعتد الناس سماعه وحملوه عنه
وقال يعقوب الدورقي حدثنا أبو عاصم قال ذهبت بابني إلى ابن جريج وسنه أقل من ثلاث سنين فحدثه
وكفى ببعض هذا متمسكا في الرد فضلا عن مجموعة بل قيل إن مجرد إحضار العلماء للصبيان يستلزم اعتدادهم بروايتهم بعد البلوغ لكنه متعقب بأنه يمكن أن يكون الحضور لأجل التمرين والبركة ثم إن ما تقدم من سماع الصبي هو بالنظر للصحة سواء بنفسه أو بغيره وأما طلب الحديث بنفسه وكتابته وكذا الرحلة فيه فهو في العشرين من السنين بكسر النون على لغة ومنه قول الشاعر
( وماذا يبتغي الشعراء مني ... وقد جاوزت حد الأربعين )
عند الإمام أبي عبد الله الزبير بن أحمد الزبيري بضم الزاء مصغر الشافعي أحب حين مما قبله لأن هذا السن مجتمع العقل قال سفيان يكمل عقل الغلام لعشرين والفهم كما قال ابن نفيس في ذلك الوقت أكمل مما قبله قال الزبيري وأحب أن يشتغل قبل الوصول إليه بحفظ القرآن والفرائض يعني الواجبات وهو أي استحباب التقيد بهذا السن في الطلب الذي عليه أهل الكوفة فقد كانوا كما حكاه موسى بن إسحق عنهم لا يخرجون أولادهم في طلب الحديث صغارا إلا عند استكمال عشرين سنة
ونحوه حكاية موسى بن هارون الحمال عنهم وقال عياض سمعت (2/8)
بعض الشيوخ العلم يقول الرواية من العشرين والدراية من الأربعين
وقال أبو الحسن سعد الخير الأنصاري كان الأمر المواظب عليه في عصر التابعين وما يقاربه لا يكتب الحديث إلا من جاوز حد البلوغ وصلا في عداد من يصلح لمجالسة العلماء ومذاكرتهم وسبقه الخطيب فقال قل من كان يكتب الحديث على ما بلغنا في عصر التابعين وقريبا منه إلا ما جاوز حد البلوغ وصار في عداد من يصلح لمجالسة العلماء ومذاكرتهم وسؤالهم
وخالفهم غيرهم العشر من السنين في أهل البصرة كالسنة المألوفة لهم حيث تقيدوا بها والطلب في بلوغ الثلاثين من السنين مألوف لأهل الشام بفتح المعجمة مقصور مهموز على إحدى اللغات حكاه موسى الحمال أيضا عن كل من الفريقين وأعلى من هذا كله قول سفيان الثوري وأبي الأحوص كان الرجل إذا أراد أن يطلب الحديث تعبد قبل ذلك عشرين سنة فاجتمع في الوقت المستحب في ابتداء الطلب أقوال و الحق عدم التقيد بسن مخصوص بل ينبغي تقييده أي طلب المرء بنفسه بالفهم لما يرجع إلى الضبط لا أن المراد أنه يعرف علل الأحاديث واختلاف الروايات ولا أن يعقل المعاني واستنباطها إذ هذا ليس بشرط في الأداء فضلا عن التحمل فكتبه أي وتقيد كتب الحديث بنفسه بالتأهل للضبط أيضا وعبارة ابن الصلاح وأما الاشتغال بكتبة الحديث وتحصيله وضبطه وتقييده فمن حين يتأهل لذلك ويستعد له وذلك يختلف باختلاف الأشخاص وليس ينحصر في زمن مخصوص انتهى
وعن الحسن قال طلب الحديث في الصغر كالنقش في الحجر ولذا قال نفطويه
( آراني أنسى ما تعلمت في الكبر ... ولست بناس ما تعلمت في الصغر ) (2/9)
( ولو فلق القلب المعلم في الصبى ... لألفى فيه العلم كالنقش في الحجر )
ويروى معناه في الموقع من تعلم علما وهو شاب كان كوشي في حجر ومن تعلم بعد ما يدخل في السن كان كالكاتب على جمهر الماء ونحوه من تعلم القرآن في شيبته اختلط القرآن بلحمه ودمه ولا يصح واحد منها وكذا ينبغي أن نقيد السماع من الصبي للحديث بعد أن صار الملحوظ فيه إبقاء سلسلة الإسناد إذ مشينا على صحته وهو المعتمد كما تقدم بحيث أي بحين يصح أن يسمى فيه سامعا وبه أي وفي تعيينه نزاع بين العلماء فالخمس من السنين التقييديه للجمهور وعزاه عياض في الإلماع لأهل الصيغة
قال ابن الصلاح وعليه استقر عمل أهل الحديث المتأخرين فيكتبون لابن خمس فصاعدا سمع ولمن لم يبلغها حضرا واحضر ثم الحجة لهم في التقيد بها قصة محمود هو ابن الربيع وعقل المجة وهي إرسال الماء من الفم التي مجها النبي صلى الله عليه و سلم في وجهه من دلو على وجه المراعية أو التبريك عليه كما كان صلى الله عليه و سلم يفعل مع أولاد أصحابه رضي الله عنهم ثم نقله لذلك الفعل المنزل منزلة السماع وكونه سنة مقصودة وهو أي محمود ابن خمسة من الأعوام حسبما ثبت في صحيح البخاري من حديث الزبيدي عن الزهري عن محمود وبوب عليه متى يصح سماع الصغير
وأفاد شيخنا أنه لم ير التقييد بذلك في شيء من طرق حديثه لا في الصحيحين ولا في غيرهما من الجوامع والمسانيد إلا من طريق الزبيدي خاصة وهو من كبار الحفاظ المتقنين عن الزهري حتى قال الوليد بن مسلم كان الأوزاعي يفضله على جميع من سمع من الزهري وقال أبو داود ليس في حديثه خطأ
قال شيخنا ويشهد له ما وقع عند الطبراني والخطيب في الكفاية من (2/10)
طريق عبد الرحمن بن نمر عن الزهري حدثني محمود قال وتوفي النبي صلى الله عليه و سلم وهو ابن خمس سنين
وأفادت هذه الرواية أيضا أن الواقعة التي ضبطها كانت في آخر سنة من حياة النبي صلى الله عليه و سلم ويطابق ذلك قول ابن حبان وغيره أنه مات سنة تسع و تسعين وهو ابن أربع وتسعين سنة لكن قد قال الوافدي إنه مات وهو ابن ثلاث ولعل لذا قيل إن حفظه لذلك وهو ابن أربع من الأعوام حكاه ابن عبد البر في الاستيعاب حيث قال إنه عقل المجة وهو ابن أربع سنين أو خمس كما أن بعد قول ابن عبد البر هذا مستند القاضي عياض أو غيره في وقوع في بعض الروايات وإلا فقد قال شيخنا إنه لم يقف عليه صريحا في شيء من الروايات بعد التتبع التام والأول أولى بالاعتماد لصحة إسناده على أن قول الواقدي يمكن حمله إن صح على أنه ألغى الكسر وجبره غيره
وقد حكى السلفي عن الأكثرين صحة سماع من بلغ أربع سنين بحديث محمود لكن بالنسبة لأبن العربي خاصة أما ابن العجمي فإذا بلغ سبعا وقيده الإمام أحمد فيما رويناه من طريق الحاكم عن القطيعي قال سمعت عبد الله بن أحمد يقول سمعت أبي سئل عن سماع الصبي فقال إن كان ابن عربي فابن سبع وإن كان ابن عجمي فإلى أن يفهم وقيده بالسبع مطلقا بعضهم
ونحوه ما رواه السلفي عن الربيع بن سليمان أن الشافعي سئل الإجازة لولد وقيل له إنه ابن ست سنين فقال لا تجوز الإجازة لمثله حتى يتم له سبع سنين وإذا كان هذا في الإجازة ففي السماع أولى فاجتمع أربعة أقوال في الوقت الذي يسمى فيه الصغير سامعا وبالجملة فليس فيه أي في تعيين وقته سنة بعينها متبعة إذ لزم من تمييز محمود أن تمييز كل أحد كذلك بل قد ينقص وقد يزيد وكذا لا يلزم منه أن لا يعقل مثل ذلك وسنه أقل من ذلك كما أنه لا يلزم من عقل المجة أن يعقل غيرها ما سمعه بل الصواب المعتبر في صحة سماع الصغير قول خامس وهو فهمه الخطابا (2/11)
حال كونه مميزا ما يقصد به من ذلك مما يقصد به غيره ورد الجوابا سواء كان ابن خمس أو أقل ومتى لم يكن لعقل فهم الخطاب ورد الجواب لم يصح أي لم يكن سامعا حتى قال ابن الصلاح وإن كان ابن خمسين وبما قيدناه قد يشير إليه أيضا قول الأصوليين مما حكى فيه القشيري الإجماع يعدم قبول من لم يكن حين التحمل مميزا مع أنه قيل في المميز غير ذلك كما سيأتي
وكذا قال ابن السمعاني الأصح أنه لا تقدير وقال الأستاذ أبو إسحاق الاسفرائيني إذا بلغ الصبي المبلغ الذي يفهم اللفظ بسماعه صح سماعه حتى أنه لو سمع كلمة أداها في الحال ثم كان مراعيا لما يقوله من تحديث أو لقراءة القارئ صح سماعه وإن لم يفهم معناه بل عزى النووي عدم التقدير المحققين حيث قال إن التقييد بالخمس أنكره المحققون وقالوا الصواب أن معتبر كل صبي بنفسه فقد تميز لدون خمس وقد يتجاوز الخمس ولا يميز واحتج بضبط ابن الزبير تردد والده إلى بني قريظة يوم الأحزاب وهو ابن أربع
قال شيخنا مشيرا لانتقاد الحصر في تبيين ابن الزبير الذي يظهر أنه إنما ولد في الأولى من الهجرة وقيل في الأحزاب إنها كانت سنة ست انتهى
نعم قول الحسن أذكر أني أخذت تمرة من تمر الصدقة فجعلتها في في فنزعها النبي صلى الله عليه و سلم بلعابها فجعلها في التمر وقال كخ كخ يشعر بأنه دون ذلك إذ مثل هذا اللفظ لا يقال إلا للطفل المرضع أو قريب منه وذلك يقدح في التقييد بالخمس
ونحو قصة محمود ما رواه البيهقي عن عبد الله بن عتبة بن مسعود والد عبيد الله قال أذكر أن النبي صلى الله عليه و سلم أخذني وأنا خماسي أو سداسي فأجلسني في حجره ومسح رأسي ودعا لي ولذريتي بالبركة (2/12)
وحدث القاضي أبو عمر محمد بن يوسف الحمادي عن جده يعقوب بن إسماعيل بن حماد بحديث لقنه وهو ابن أربع سنين قال ابن رشيد والظاهر أنهم أرادوا بتحديد الخمس أنها مظنة لذلك لا أن بلوغها شرط لا بد من تحققه ونحوه قول غيره اعتبر الجمهور المظنة وهي الخمس فأقاموها مقام ليئنة وهي التميز والإدراك والأولى أن تعتبر المظنة حيا لا يتحقق اليئنة وقال القاضي عياض ولعل تحديد أهل الصنعة بالخمس إنما أرادوا أن هذا السن أقل ما يحصل به الضبط وعقل ما يسمع وحفظه وإلا فمرجوع ذلك للعادة ورب بليد الطبع غبي القطرة لا يضبط شيئا فوق هذا السن ونبيل الجبلة ذكي القريحة يعقل دون هذا السن ومما يدل على أن المعتبر التمييز والفهم خاصة دون التقييد بسن أنه قيل للإمام ابن حنبل أحمد بن محمد من ولده عبد الله ما معناه فرجل هو ابن معين قال لخمس عشرة سنة التحمل يجوز لا في دونها متمسكا بأنه صلى الله عليه و سلم رد البراء وابن عمر رضي الله عنهما يوم بدر لصغرهما عن هذا السن فغلطه الإمام أحمد وقال بئس القول هذا بل إذا عقله أي الحديث وضبطه صح تحمله وسماعه ولو كان صبيا كيف يعمل بوكيع وابن عيينة وغيرهما ممن سمع قبل هذا السن قال وإنما ذاك يعني التقيد بهذا السن في القتال يعني وهو يقصد فيه مزيد القوة والجد والتبصر في الحرب فكانت مظنته البلوغ والسماع يقصد فيه الفهم فكانت مظنته التمييز
على أن قول ابن معين هذا يوجه بحمله على إرادة تحديد ابتداء الطلب بنفسه أما من سمع اتفاقا أو اعتنى فسمع وهو صغير فلا سيما وقد نقل ابن عبد البر وغيره كما أسلفته الاتفاق على قبول هذا
ومع هذا فاستدلال الإمام أحمد في الرد عليه بابن عيينة يقتضي مخالفته وإن المعتبر كما تقدم الضبط لا السن فقد قال أحمد إن ابن عيينة أخرجه (2/13)
أبوه إلى مكة وهو صغير فسمع من الناس عمرو بن دينار وابن أبي نجيح في الفقه ليس تضمه إلى أحد من أقرانه إلا وجدناه مقدما
وعن ابن عيينة أتيت الزهرق وفي أذني قرط ولي ذؤابة فلما رآني جعل يقول واسنينه واسنينه ههنا ههنا ما رأيت طالب علم أصغر من هذا رواهما الخطيب في الكفاية
بل روى أيضا عن طريق أحمد بن النضر الهلالي قال سمعت أبي يقول كنت في مجلس ابن عيينة فنظر إلي صبي دخل المسجد فكان أهل المسجد تهاونوا به لصغر سنه فقال سفيان كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم ثم قال لو رأيتني ولي عشر سنين طولي خمسة أشبار ووجهي كالدينار وأنا كشعلة نار ثيابي صغار وأكمامي قصار وذيلي بمقدار ونعلي كآذان الفار اختلف إلى علماء الأمصار مثل الزهري وعمرو بن دينار أجلس بينهم كالمسمار محبرتي كالجوزة ومقلتي كالموزة وقلمي كاللوزة فإذا دخلت المسجد قالوا أوسعوا للشيخ الصغير أوسعوا للشيخ الصغير ثم تبسم ابن عيينة وضحك واتصل تسلسله بالضحك والتبسم أبي الخطيب مع مقال في السند لكن القصد منه صحيح
وقد قال النووي في ترجمة ابن عيينة من تهذيبه وروينا عن سعد أن ابن نصر قال قال سفيان بين عيينة قرأت القرآن وأنا ابن أربع سنين وكتبت الحديث وأنا سبع سنين
وإذا علم هذا فقد ذكر بعضهم فيما يستدل به على تمييز الصغير سوى ما تقدم أن يعد من واحد إلى عشرين ذكره شارح التنبيه في الصلاة وهو من منقول القاضي أبي الطيب الطبري أو بكونه يحسن الوضوء أو الاستنجاء وما أشبه (2/14)
وكذا بنحو ما اتفق لأبي حنيفة حين استأذن على جعفر بن محمد فإنه بينما هو جالس في دهليزه ينتظر الإذن إذ خرج عليه صبي خماسي من الدار
قال أبو حنيفة فأردت أن أسبر عقله فقلت أين يضع الغريب الغائط من بلدكم يا غلام قال فالتفت إلي مسرعا فقال فوق شطوط الأنهار ومساقط الثمار وأفنية المساجد وقوارع الطرق وتوار خلف جدار وأشل ثيابك وسم بسم الله وضعه أين شئت فقلت له من أنت فقال أنا موسى بن جعفر أوردها ابن النجار في ترجمة محمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن حمدان من تاريخه أو يتميز الدينار من الدرهم كما روينا في ترجمة أبي الحسن محمد بن محمد بن عبيد الله بن أحمد بن محمد بن أبي الرعد من تاريخ ابن النجار أيضا أنه قال ولدت سنة اثنتين وعشرين وأول ما سمعت من الحسن ابن شهاب العكبري في سنة سبع وعشرين إلى رجب سنة ثمان وعشرين قال وكان أصحاب الحديث لا يثبتون سماعي لصغري وأبي يحثهم على ذلك إلى أن اجمعوا على أن يعطوني دينارا ودرهما فإن ميزت بينهما يثبتون سماعي حينئذ قال فأعطوني دينارا ودرهما وقالوا ميز بينهما فنظرت وقلت أما الدينار فمغربي فاستحسنوا فهمي وذكائي وقالوا أخبر بالعين والنقد وقيل أيضا من بين الحمار أو الدابة والبقر فرق فهو سامع لتمييزه ومن لا يفرق بينهما فـ يقال له حضر ولا يسمى سامعا قال به يعني بالطرف الأول خاصة موسى بن هارون الحمال بالمهملة جوابا لمن سأله متى يسمع للصبي فقال إذا فرق بين البقرة والحمار وفي لفظ إذا فرق بين الدابة والبقرة وتبعه ابن الصلاح من غير ذكر للطرف الثاني أيضا للاكتفاء بما فهم منه
وجنح له من المتأخرين الولي العراقي فكان يقول أخبرني فلان وأنا في الثالثة سامع فهم ويحتج بتمييزه بين بعيره الذى كان راكبه حين رحل به (2/15)
أبوه الشارح أول ما طعن في السنة المذكورة وبين غيره وهو حجة و الأمام أبو بكر ابن المقري لكونه اعتبر التمييز والفهم سمع أي أفتي بإثبات السماع لابن أربع من السنين ذي ذكر وبضم الذال المعجمة أي حفظ وفهم
فروى الخطيب في الكفاية قال سمعت التاضي أبا محمد عبد الله بن محمد ابن عبد الرحمن الأصبهاني يقول حفظت القرآن ولي خمس سنين وحملت إلى أبي بكر المقري لأسمع منه ولي أربع سنين فقال بعض الحاضرين لا تسمعوا له فيما قرئ فإنه صغير فقال لي ابن المقري إقرأ سورة الكافرون فقرأتها فقال إقرأ التكوير فقرأتها فقال لي غيره إقرأ والمرسلات فقرأتها ولم أغلط فيها فقال لي ابن المقري إسمعوا له والعهدة علي
ثم قال سمعت أبا صالح صاحب الحافظ أبي مسعود أحمد بن الفرات يقول سمعت أبا مسعود يقول أتعجب من إنسان يقرأ المرسلات عن ظهر قلب ولا يغلط فيها هذا مع إنه ورد أصبهان ولم تكن كتبه معه فملأ كذا كذا ألف حديث عن ظهر قلبه فلما وصلت الكتب إليه قوبلت بما أملى فلم تختلف إلا في مواضع يسيره
قال الخطيب ومن أظرف شئ سمعناه في حفظ الصغير ما أنبأنا أبو العلاء محمد بن الحسن بن محمد بن الوراق أنبأنا أبو بكر أحمد بن كامل القاضي حدثني علي بن الحسن النجار حدثنا الصاغاني حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري قال رأيت صبيا ابن أربع سنين حمل إلى المأمون قد قرأ القرآن ونظر في الرأي غير أنه إذا جاع يبكي انتهى وفي صحتها نظر
وأغرب ما ثبت عندي في ذلك أن المحب ابن الهائم حفظ القرآن بتمامه والعمدة وجملة من الكافية الشافية وقد استكمل خمس سنين وكان يذكر له الآية ويسأل عما قبلها فيجيب بدون توقف (2/16)
وروينا عن الحافظ أبي بكر الإسماعيلي أنه قال في حفيده أي معمر المفضل بن إسماعيل إنه يحفظ القرآن ويعلم الفرايض وأجاب في مسألة أخطأ فيها بعض قضاتنا كل ذلك وهو ابن سبع سنين وهل المعتبر في التمييز والفهم القوة أو الفعل الظاهر الأول ويشهد له أن شيخنا سئل عمن لا يعرف بالعربية كلمة فأمر بإثبات سماعه وكذا حكاه ابن الجزري عن كل من ابن رافع وابن كثير وابن المحب بل حكى ابن كثير أن المزي كان يحضر عنده من يفهم ومن لا يفهم يعني من الرجال ويكتب للكل السماع وكأنهم حملوا قول ابن الصلاح الماضي ومتى لم يكن يعقل فهم ومن ورد الجواب لم يصح وإن كان ابن خمس بل ابن خمسين على انتفاء القوة مع الفعل أيضا وبقي شئ آخر وهو أن الذهبي قال إن الصغير إذا حضر إن الصغير له صح التحمل وإلا فلا شئ إلا كان إن كان السمع حافظا فيكون تقريره لكتابة اسم الصغير بمنزلة الأذن منه في الرواية عنه (2/17)
أقسام التحمل والأخذ وأولها أي أعلاها رتبة سماع لفظ الشيخ
( أعلى وجوه الأخذ عند المعظم ... وهي ثمان لفظ شيخ فأعلــــم )
( كتابا أو حفظا وقل حــدثنا ... سمعت أو أخبرنا أنبأنــــــا )
( وقدم الخطيب أن يقـــولا ... سمعت إذ لا تقبل التأويـــــلا )
( وبعدها حدثنا حــــدثني ... وبعد أخبرنا أخـــــــبرني )
( وهو كثير ويزيد استعملـــه ... وغير واحد لما قد حملـــــه )
( من لفظ شيخه وبعده تـــلا ... أنبأنا نبأنا وقــــــــللا )
( وقوله قال لنا ونحوهـــــا ... كقوله حدثنا لكــــــنها )
( الغالب استعمالها مــــذاكرة ... ودونها قال بلا مجـــــاورة )
( وهي على السماع إن يدر الـلقى ... لا سيما من عرفوه في المــضى )
( أن لا يقول ذا لغير ما سمــــع ... منه كحجاج ولكن يمتنــــع )
( عمومه عند الخطيب وقــــصر ... ذاك على الذي بذا الوصف اشتهر )
أعلى وجوه أي طرق الأخذ للحديث وتحمله عن الشيوخ عند (2/18)
المعظم من المحدثين وغيرهم وهي أي الطرق ثمان ولها أنواع متفق على بعضها دون لعض لفظ شيخ أي السماع منه فاعلم ذلك لأن النبي صلى الله عليه و سلم أخبر الناس ابتداء وأسمعهم ما جاء به والتقرير على ما جرى بحضرته صلى الله عليه و سلم أو السؤال عنه مرتبة ثانية فالأولى أولى وفيه أقوال آخر تأتي حكايتها في القراءة على الشيخ ولكن هذا هو المعتمد سواء حدث كتابا أي من كتابه أو حفظا أي من حفظه إملاء أو غير إملاء في صورتي الحفظ والكتاب لكنه في الإملاء أعلى ما يلزم منه من تحرير الشيخ والطالب إذا الشيخ مشتغل بالتحديث والطالب بالكتابة عنه فهما لذلك أبعد عن الغفلة وأقرب إلى التحقيق وتبيين الألفاظ مع جريان العادة بالمقابلة بعده وإن حصل اشتراكه مع غيره من أنواع التحديث في أصل العلو
وأما ما تقرر في أرجحية هذا القسم هو الأصل وإلا فقد يعرض للفائق ما يجعله مفوقا كأن يكون المحدث لفظا غير ما هو إما مطلقا أو بالنسبة لبعض القراء هذا أبو علي الحسن بن عمر الكروي أحد المسندين لقنه الإمام التقي السبكي جميع الجزء الأول من حديث ابن السماك كلمة كلمة لكونه كان ثقيل السمع جدا قصدا لتحقق سماعه بذلك لأنه لو اقتصر على القراءة بالصوت المرتفع لم يزل يشك
وإن كان شيخنا قد وقع له مع ابن قوام في أخذ الموطأ رواية أبي مصعب لكونه أيضا كان ثقيل السمع جدا أنه هو وأصحابه كانوا يتناوبون القراءة عليه كلمة كلمة بصوت مرتفع كالآذان حتى زال الشك مع قرائن كصلاة المسمع على النبي صلى الله عليه و سلم وترضيه عن الصحابة ونحو ذلك فما وقع للسبكي أضبط بل ما وقع له أيضا أعلى من العرض فقط بلا شك
وأما تلقين الحجار قراءة سورة الصف قصدا لاتصال تسلسلها لكونه لم يكن يحفظها فأعلى من ذلك كله لعدم الخلل في سماعه وقل في حالة (2/19)
الأداء سمعته من لفظ الشيخ حدثنا فلان أو سمعت فلانا أو أخبرنا أو خبرنا أو أنبأنا أو انبأنا فلان أو قال لنا أو ذكر لنا فلان على وجه الجواز في ذلك كله اتفاقا حسبما حكاه عياض يعني لغة كما صرح به الخطيب حيث قال كل هذه الألفاظ عند علماء اللسان عبارة عن التحديث وإلا فالخلاف موجود فيها اصطلاحا كما سيأتي
ومن أصرح الأدلة لذلك قوله تعالى ( يومئذ تحث أخبارها ) ( ولا ينبئوك مثل خبير ) قال ابن الصلاح وينبغي أي ندبا أن لا يطلق من هذه الألفاظ ما شاع استعماله في غير السماع لفظا لما فيه من الإبهام والإلباس يعني حيث حصلت التفرقة بين الصيغ بحسب افتراق التحمل وخص ما يلفظ به الشيخ بالتحديث وما سمع في العرض بالإخبار وما كان إجازة مشافهة بالإنباء بل عدم الإطلاق كما أشار إليه الشارح مما يتأكد في أنبأنا بخصوصها بعد اشتهار استعمالها في الإجازة لأنه يؤدي إلى إسقاط المروي ممن لا يحتج بها
وعلى كل حال فهذه الألفاظ متفاوتة وقد قدم الحافظ الخطيب منها أن يقولا أي الراوي سمعت إذ لفظها صريح لا تقبل كما سيأتي التأويل وبعدها أي بعد سمعت في الرتبة حدثنا لأن سمعت كما قال الخطيب لا يكاد أحد يقولها في الإجازة والمكاتبة ولا في تدليس ما لم يسمعه بخلاف حدثنا فقد استعملها في الإجازة فطر وغيره كما سبق في التدليس
وروى أن الحسن البصري كان يقول حدثنا أبو هريرة ويتأول حدث (2/20)
أهل المدينة والحسن بها كما كان يقول خطبنا ابن عباس بالبصرة ويريد خطب أهل البصرة وكما كان ثابت يقول قدم علينا عمران بن حصين وممن صرح بنسبة الحسن لذلك البزار حيث قال إن الحسن روى عمن لم يدركه وكان يتأول فيقول حدثنا وخطبنا يعني قومه الذين حدثوا وخطبوا بالبصرة ويتأيد بتصريح أيوب وبهز بن أسد ويونس بن عبيد وأحمد وأبي زرعة وأبي حاتم وابن المديني والترمذي والنسائي والبزار والخطيب وغيرهم بأنه لم يسمع من أبي هريرة بل قال يونس إنه ما رآه قط لكن يخدش في دعوى كونه صرح بالتحديث أنه قيل لأبي زرعة فمن قال عنه حدثنا أبو هريرة قال يخطئ ونحوه قول أبي حاتم وقيل له إن ربيعة بن كلثوم قال سمعت الحسن يقول حدثنا أبو هريرة لم يعمل ربيعة شيئا لم يسمع الحسن من أبي هريرة شيئا
وقول سالم الخياط في روايته عن الحسن سمعت أبا هريرة مما يبين ضعف سالم فإن حاصل هذا كله أنه لم يصح عن الحسن التصريح بالتحديث وذلك محمول من رواية على الخطأ أو غيره
لكن قال شيخنا وقع في سنن النسائي عن إسحق بن راهوية عن المغيرة ابن سلمة عن وهيب عن أيوب عن الحسن عن أبي هريرة في المختلفات قول الحسن لم أسمع من أبي هريرة غيره قال شيخنا وهذا إسناد لا مطعن في أحد من رواته وهو يؤيد أنه سمع من أبي هريرة في الجملة كذا قال
والذى رأيته في السنن الصغرى للنسائي بخط المنذري بلفظ قال الحسن لم أسمعه من غير أبي هريرة وكذا في الكبرى بزيادة أحد زاد في الصغرى قال أبو عبد الرحمن يعني النسائي المصنف الحسن لم يسمع من أبي هريرة شيئا وكان جوز التدليس في هذه العبارة أيضا بإرادة لم أسمعه من (2/21)
غير حديث أبي هريرة
على أن ابن دقيق العيد قال في التأويل الأول إنه إذا لم يقم دليل قاطع على أن الحسن لم يسمع منه لم يجز أن يصار إليه انتهى
ولكن الذى عليه العمل عدم سماعه والقول بمقابلة ضعف النقاد
وكذا مما يشهد لكونها غير صريحة في السماع ما في صحيح مسلم في حديث الذي تقتله الدجال فيقول أنت الدجال الذي حدثنا به رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا من المعلوم تأخر ذلك الرجل فيكون حينئذ مراده حدث الأمة وهو منهم
ولكن قد خدش في هذا أيضا بأنه قد قيل إن ذاك الرجل هو الخضر عليه السلام يعني على القول ببقائه وحينئذ فلا مانع من سماعه
وبالجملة فالاحتمال فيها ظاهر وكذا بعد سمعت حدثني وهي وإن لم يطرقها الاحتمال المشار إليه لا توازي سمعت لكون حدثني كما قال شيخنا قد تطلق في الإجازة بل سمعنا بالجمع لا توازي المفرد منه لطروق الاحتمال أيضا فيه وبعدد أي حدثني وحدثنا أخبرنا وأخبرني إلا أن الأفراد أبعد عن تطرق الاحتمال
وعن بعضهم كما حكاه ابن العزبي في المسالك قال حدثنا أبلغ من أنبأنا لأن حدثنا قد تكون صفة للموصوف والمخبر من له الخبر كأنه أشار لما سيأتي عند حكاية الفرق بينهما من القسم بعده وسئل أحمد بن صالح عن حدثنا وأخبرنا وأنبأنا فقال حدثنا أحسن شئ في هذا وأخبرنا دون حدثنا وأنبأنا مثل أنا وهو أي الأداء بأنا جمعا وفرادا في السماع من لفظ الشيخ كثير في الاستعمال ويزيد بن هارون استعمله هو وغير واحد منهم حماد بن سلمة وابن مبارك وعبد الرزاق وهشيم وخلق منهم ابن منده لما قد حمله الواحد منهم من لفظ شيخه كأنهم يرون ذلك أوسع ويؤيده قول الخطيب وإنما استعمل من إستعمل أنا ورعا ونزاهة (2/22)
لأمانتهم فلم يجعلوها للينها بمنزلة حدثنا
وممن صرح بذلك أحمد فقال أنا أسهل من ثنا حدثنا شديد قال ابن الصلاح وكان هذا كله قبل أن يشيع تخصيص أنا بالعرض لكن قد قال محمد بن رافع إن عبد الرزاق كان يقول أنبأنا حتى قدم أحمد وإسحق فقالا له قل حدثنا قال ابن رافع فما سمعته معهما كان عبد الرزاق يقول فيه حدثنا وأما قبل ذلك فكان يقول أنبأنا بل حكى عبد الله بن أحمد أن أباه قال فكان عبد الرزاق كثيرا ما يقول حدثنا لعلمه أنا نحب ذلك ثم يرجع إلى عادته وكأن أحمد أراد اللفظ الأعلى ولا ينافيه ما تقدم عنه وبعده أي بعد لفظ أنبأنا وأخبرني تلا أنبأنا أو نبأنا بالتشديد وقللا استعماله فيما يسمع من لفظ الشيخ أي قيل اشتهر استعمالها في الإجازة ثم أن ما تقدم في ترجيح سمعت من تلك الحيثية ظاهر لكن لحدثنا وأنبأنا أيضا جهة ترجيح عليها وهي ما فيهما من الدلالة على أن الشيخ رواه الحديث وخاطبه به فيهما
وقد سأل الخطيب شيخه البرقاني عن النكتة في عدوله عن واحدة منهما أني سمعت حين التحديث عن القاسم الأبندوني فقال لأن أبا القاسم كان مع ثقته وصلاحه عسرا في الرواية فكنت أجلس حيث لا يراني ولا يعلم بحضوري فلهذا أقول سمعت لأن قصده في الرواية إنما كان لشخص معين أشار إليه ابن الصلاح ومنه قول أبي داود صاحب السنن قرئ على الحارث بن مسكين وأنا شاهد ونحوه حذف النسائي الصيغة حيث يروى عن الحارث أيضا بل يقتصر على قوله الحارث بن مسكين قرأنا عليه وأنا أسمع لأن الحارث كان يتولى قضاء مصر وكان بينه وبين النسائي خشونة فلم يمكنه حضور مجلسه فكان يتستر في موضع ويسمع حيث لا يراه فلذلك تورع وتحرى (2/23)
وهذا ظاهر من قصد إفراد شخص بعينه أو جماعة معينين كما وقع للذي أمر بدق الهاون حتى لا يسمع حديثه من قعد على باب داره ولذا نقل عن معتمر ابن سليمان أنه قال سمعت أسهل على من حدثنا وأنا وحدثني وأخبرني لأن الرجل قد يسمع ولا يحدث وقد قال لابن حدثني ابن مليكة حدثني عقبة ابن الحارث ثم قال لم يحدثني ولكني سمعته يقول تزوجت ابنة أبي إهاب فجاءت امرأة سوداء فقالت قد أرضعتكما الحديث
وقال أبو نعيم الفضل بن دكين قلت لموسى بن علي بمكة حدثك أبوك قال حدث القوم وأنا فيهم فأنا أقول سمعت وكل هذا يوافق صنيغ البرقاني وكذا حكى أبو جعفر محمد بن علي بن عبد الله بن جعفر بن نجيح بن المديني إنه بينما هو مع أبيه عند الإمام أحمد في عيادته وكان مريضا وعنده يحيى بن معين وغيره من المحدثين إذا دخل أبو عبيد القاسم بن سلام فالتمس منه يحيى أن يقرأ عليهم كتاب الغريب له وأحضر الكتاب وأخذ يقرأ الأسانيد ويدع التفسير فقال له يا أبا عبيد دعنا من الأسانيد نحن أحذق بها منك ففعل فقال يحيى لعلي دعه يقرأه على وجهه فقال أبو عبيدة ما قرأته إلا على المأمون فأن أحببتم قراءته فاقرأوه فقال له علي إن قرأته علينا وإلا فلا حاجة لنا فيه ولم يكن أبو عبيد يعرف عليا فسأل يحيى عنه فقال له هذا علي بن المديني قال فالتزمه وقرأ حينئذ قال ممن حضر ذلك المجلس فلا يقول حدثنا أو نحوها يعني لكون علي هو المخصوص بالتحديث وكان أبي يعني عليا يقول حدثنا
وعلى هذا لو قال سمعني بالتشديد حصل التساوي من هذه الحيثية وثبت للسماع التفضيل مطلقا وأما لو قال حدث أو أخبر فلا يكون مثل سمعت في ذلك على أنا قول الحيثية المشار إليها في حدثنا وأنبأنا معارضة فيهما بما يخدش في الاتصال مما لأجله كانت سمعت أرجح منهما وقوله (2/24)
أي الرواي قال لنا ونحوها مثل قال لي أو ذكر لنا أو ذكرني كقوله حدثنا فلان في الحكم لها بالاتصال حسبما علم مما تقدم مع الإحاطة بتقديم الإفراد على الجمع لكنها أي هذه الألفاظ الغالب من صنيعهم استعمالها فيما سمعوه في حال كونه مذاكرة وقال ابن الصلاح أنه أي السماع مذاكرة لائق به أي بهذا اللفظ وهو به أشبه من حدثنا انتهى
وممن صرح بأن البخاري بخضوصه يستعملها في المذاكرة أبو إسماعيل الهروي حيث قال عندي إن ذاك الرجل ذاكر البخاري أنه سمع من فلان حديث كذا فرواه بين المسموعات لهذا اللفظ وهو استعمال حسن ظريف ولا أحد أفضل من البخاري
وخالف أبو عبد الله بن منده في ذلك حيث جزم بأنه إذا قال قال لي فهو إجازة
وكذا قال أبو يعقوب الحافظ إنه رواية بالإجازة
وقال أبو جعفر بن حمدان إنه عرض ومناولة وهو على تقدير تسليمه منهم له حكم الاتصال أيضا على رأي الجمهور لكنه مردود عليهم فقد أخرج البخاري في الصوم من صحيحه حديث أبي هريرة قال قال إذا نسي أحدكم فأكل وشرب فقال فيه حدثنا عبدان وأورده في تاريخه بصيغة قال لي عبدان وكذا أورد حديثنا في التفسير من صحيحه من إبراهيم بن موسى بصيغة التحديث ثم أورده في الإيمان والنذور منه أيضا بصيغة قال لي إبراهيم بن موسى في أمثلة كثيرة حقق شيخنا باستقرائه لها أنه إنما يأتي بهذه الصيغة إذا كان المتن ليس على شرطه في أصل موضع كتابه كأن يكون ظاهره الموقف أو في السند من ليس على شرطه في الاحتجاج
بل قال أبو نعيم كما قدمته في التعليق عقب الحديث من مستخرجه أخرجه البخاري بصيغة كتب إلى محمد بن بشار هذا الحديث بالإجازة ولا أعلم له في الكتاب حدثنا بالإجازة غيره (2/25)
قال شيخنا ومراد أبي نعيم بذلك ما كان عن شيوخه بلا واسطة وإلا فقد وقع عنده في أثناء الإسناد بالإجازة الكبير يعني كما سيأتي في القسم الخامس ثم أن ابن منده نسب مسلما لذلك أيضا فزعم أنه كان يقول فيما لم يسمعه من مشايخه قال لنا فلان وهو تدليس
قال شيخنا ورده شيخنا يعني الناظم وهو هو كما قال ودونهما أي قال لي قال بلا مجاورة أي بدون ذكر الجار والمجرور التي قال ابن الصلاح أنها أوضع العبارات وهي مع ذلك محمولة على السماع إن يدر اللقي بينهما جزم به ابن الصلاح هنا وفي التعليق زاد هناك وكان القائل سالما من التدليس لا سيما من عرفوه أي أهل الحديث في المضي أي في ما مضى أن لا يقول ذا أي لفظ قال شيخه لغير ما سمع منه كحجاج بن محمد الأعور فإنه روى كتب ابن جريج بلفظ قال ابن جريج فحملها الناس عنه واحتجوا بها
وكذا قال همام ما قلت قال قتادة فأنا سمعته منه قوال شعبة لأن أزني أحب إلي من أن أقول قال فلان ولم اسمعه منه ولكن يمتنع عمومه أي الحكم بذلك عند الحافظ الخطيب إذا لم يعرف اتصافه بذلك وقصر الخطيب اك الحكم على الراوي الذي بذا الوصف اشتهر
قال ابن الصلاح والمحفوظ المعروف ما قدمناه وأما البخاري فاختار شيخنا كما تقدم في هذه الصيغة منه بخصوصه عدم طرد حكم معين مع القول لصحته لجزمه به كما قررته في التعليق بما أغنى عن إعادته فائدة وقع في الفتن من صحيح مسلم من طريق المعلى بن زياد رده إلى معاوية بن قرة إلى معقل بن يسار رده إلى النبي صلى الله عليه و سلم فذكر حدثنا وهو ظاهر في الاتصال ولذا أورده مسلم في صحيحه وإن كان اللفظ من حيث هو يحتمل الواسطة (2/26)
القسم الثاني من أقسام التحمل والأخذ
القراءة على الشيخ
( ثم القـــراءة التي نعـــتها ... معظمهم عرضا سوى قرأتها )
( من حفظ أو كتاب أو سمعـــتا ... والشيخ حافظ لما عرضتا )
( أو لا ولكن أصله يمســــكه ... بنفسه أو ثقة ممسكــة )
( قلت كذا إن ثقة مـن سمـــع ... يحفظه مع استماع فامتنع )
( وأجمعـــوا أخــذ بها وردوا ... نقل الخلاف وبه ما اعتدوا )
( والخلف فيها هل تسـاوى الأولا ... كوفة الحجاز أهل الحـرم )
( عن مالك وصحبه ومعـــظم ... أو دونه أو فوقه فنقــلا )
( مع البخاري هما ســــيان ... وابن أبي ذئب مع النعـمان )
( قدر جحا العرض وعكسه أصح ... وجل أهل الشرق نحوه جنح )
( وجودا فيه قـرأت أو قــرئ ... مع وأنا أسمــــع ثم عبر )
( بما مــضى في أول مقيــدا ... قراءة عليه حتى منشـــدا )
( أنشــدنا قراءة عليـــه لا ... سمعت لكن بعضهم قد حلـل )
( ومطلق التحديث والإخبــار ... منعه أحمد ذو المقـــــدار ) (2/27)
( والنسائي والتميمي يحــيى ... وابن المبارك الحميد ســعيا )
( وذهب الزهري والقطــان ... ومالك وبعده سفيـــان )
( ومعظم الكوفة والحــجاز ... مع البخاري إلى الجـــواز )
( وابن جريج وكذا الأوزاعي ... مع ابن وهب والإمام الشافعي )
( ومسلم وجل أهل الشـرق ... قد جوزوا أخبرنا للفـــرق )
( وقد عزاه صاحب الإنصاف ... للنسائي من غير ما خــلاف )
( والأكثرين وهو الذى اشتهر ... مصطلحا لأهله أهل الأثــر )
( وبعض من قال بذا أعــادا ... قراءة الصحيح حتى عــادا )
( في كل متن قائلا أخبركــا ... إذ كان قال أولا حدثكــا )
( قلت وذا رأى الذين أشرطوا ... إعادة الإسناد وهو شطط )
ثم يلي السماع من لفظ الشيخ القراءة عليه وهي التي نعتها يعني سماها معظمهم أي أكثر أهل الحديث من الشرق وخراسان عرضا بمعنى أن القارئ يعرض على الشيخ كما يعرض القرآن على المقريء وكان أصله مع وضع عرض شئ على عرض شئ آخر لينظر في استوائهما وعدمه وأدرج فيه بعضهم عرض المناولة والتحقيق عدم إطلاقه فيه كما سيأتي سوى بفتح السين المهملة والقصر على لغة أي في تسميتها عرضا أقرأتها أي الأحاديث بنفسك على الشيخ من حفظ منكر أو كتاب لك أو للشيخ أو لغيره أو سمعتا بقراءة غيرك من كتاب كذلك أو حفظه أيضا والشيخ في حال التحديث حافظا لما عرضتا أو عرض غيرك عليه أو لا يحفظ ولكن يكون أصله معه يمسكه هو بنفسه أو ثقة ضابط غيره ممسكه كما سيأتي في أول الفروع الآتية
قلت وكذا الحكم إن كان ثقة ضابط و ممن سمع معك (2/28)
يحفظه أي المقرئ مع استماع منه لما يقرأ وعدم عقله عنه فامتنع بذلك وإن لم يذكرها ابن الصلاح لكنه قد اكتفى بالثقة في إمساك الأصل فليكن في الحفظ
كذلك إذ لا فرق وهو ظاهر والفارق أن يفرق بأن الحفظ جواز ولا الامساك أو في الحفظ أو يجتمع لأحدهما الحفظ والإمساك وأجمعوا أي أهل الحديث أخذ أي على الأخذ والتحمل بها أي بالرواية عرضا وتصحيحها
وممن صرح بذلك عياض فقال لا خلاف إنما رواية صحيحة وردوا نقل الخلاف المحكي عن أبي عاصم النبيل وعبد الرحمن ابن سلام الجمحي ووكيع ومحمد بن سلام فإنه قال أدركت مالكا فإذا الناس يقرؤون عليه فلم أسمع منه لذلك وغيرهم من السلف من أهل العراق ممن كان يشدد ولا يعتد إلا بما سمعه من ألفاظ المشايخ وبه أي بالخلاف ما عتدوا لعلمهم بخلافه
وكان مالك يأبى أشد الإباء على المخالف ويقول كيف لا يجزيك هذا في الحديث ويجزيك في القرآن والقرآن أعظم ولذا قال بعض أصحابه صحبته سبع عشرة سنة مما رأيته قرأ الموطأ على أحد بل يقرءون عليه
وقال إبراهيم بن سعد يا أهل العراق لا تدعون تنطعكم العرض مثل السماع واستدل له أبو سعيد الحداد كما أخرجه البيهقي في المعرفة من طريق ابن خزيمة سمعت البخاري يقول قال أبو سعيد الحداد عندي خبر عن النبي صلى الله عليه و سلم في القراءة على العالم فقيل له فقال قصة ضمام بن ثعلبة قال الله أمرك بهذا قال نعم ورجع ضمام إلى قومه فقال لهم إن الله قد بعث رسولا وأنزل عليه كتابا وقد جئتكم من عنده مما أمركم به ونهاكم عنه فأسلموا عن آخرهم (2/29)
قال البخاري فهذا أي قول ضمام الله أمرك قراءة على النبي صلى الله عليه و سلم وأخبر ضمام قومه بذلك فأجازوه أي قبلوه منه ولكن الخلف بينهم فيها أي في القراءة عرضا هل تساوي القسم الأول أي السماع لفظا أو هي دونه أو فوقه فنقلا بالبناء للمفعول عن مالك هو أنس وصحبه بل وأشباهه من أهل المدينة وعلمائها كالزهري كما قال عياض و كذا عن معظم العلماء من أهل كوفة بفتح التاء غير منصرف كالثوري و من أهل الحجاز أهل الحرم أي مكة كابن عيينة مع الناقد الحجة أبي عبد الله البخاري في جماعة من الأئمة كالحسن البصري أوردهم في أوائل صحيحه ويحيى ابن سعي القطان في رواية هما أي أنهما في القوة والصحة سيان وممن رواه عن مالك إسماعيل ابن أبي أويس فإنه قال إنه سئل عنه عن حديثه أسماع هو فقال منه سماع ومنه عرض وليس العرض عندنا بأدنى من السماع وهذا هو القول الأول إذ لكل واحد منهما وجه أرجحية ووجه مرجوحية فتعادلا وحكاه البيهقي وعياض عن أكثر أئمة المحدثين والصيرفي عن نص الشافعي
قال عوف الأعرابي جاء رجل إلى الحسن البصري فقال يا أبا سعيد منزلي بعيد والاختلاف علي يشق فإن لم تكن ترى بالقراءة بأسا قرأت عليك فقال ما أبالي قرأت عليك أو قرأت علي قال فأقول حدثني الحسن قال نعم ويروى فيه حديث مرفوع عن علي وابن عباس وأبي هريرة لفظه قراءتك على العالم وقراءة العالم عليك سواء ولا يصح رفعه والقول الثاني الوقف حكاه بعضهم وابن أبي ذئب وهو أبو الحارث محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن الحارث القرشي العامري المدني مع الإمام أبي حنيفة النعمان بن ثابت قد رجح العرض على السماع لفظا فروى السليماني من حديث الحسن بن زياد قال كان أبو حنيفة يقول قراءتك على المحدث أثبت وأوكد من قراءته عليك إنه إذا قرأ عليك فإنما يقرأ على ما في (2/30)
الصحيحة وإذا قرأت عليك فقال حدث عني ما قرأت فهو تأكيد
وعن موسى داود قال إذا قرأت علي شغلت نفسي بالإنصات لك وإذا حدثتك غفلت عنك رواه الرامهرمزي ثم عياض في آخرين من المدينين وغيرهم كيحيى بن سعيد بن مروخ القطان في إحدى الروايتين عند وابن جريج وشعبة محتجين بأن الشيخ لو سهى لم يتهيأ للطالب الرد عليه إما لجهالته أو لهيبة الشيح أو لظنه فيما يكون فيه المحل قابلا للاختلاف إن ذلك مذهبه
وبهذا الأخير علل مالك إشارته لنافع القارئ بعدم الإماطة في المسجد النبوي وقال المحراب موضع محنة فإن زللت في حرف وأنت إمام حسيت قراءة وحملت عنك انتهى
ويشهد للأخير أنه صلى الله عليه و سلم قرأ في الصلاة فترك آية فلما فرغ أعلمه الصحابة بذلك فقال له فهل لا أذكرتنيها قال كنت أراها نسخت بخلاف ما إذا كان الطالب هو القارئ فإنه لا هيبة له ولا يعد خطؤه مذهبا أشار إليه عياض وكذا قال أبو عبيد القاسم بن سلام القراءة علي أثبت لي وأفهم لي من أن أتولى القراءة أنا ونحوه قال ابن فارس السامع أربط جأشا وأوعى قلبا وشغل القلب وتوزع الفكر إلى القارئ أسرع فلذلك رجح ونحوه قول من ذهب لترجيح استماع القرآن على قراءته المستمع غالبا أقوى على التدبر ونفسه أخلى وأنشط لذلك من القارئ لاشتغاله بالقراءة وأحكامها
وهذا هو القول الثالث ونقله الدارقطني في غريب مالك والخطيب في الكفاية عن مالك وكذا رويناه في الحث على الطيب للسليماني وفي الإلماع من طريق القعنبي قال قال لي مالك قراءتك علي أصح من قراءتي عليك
ولكن المعروف عنه التسوية وما حكاه أبو خليفة عن عبد الرحمن بن سلام الجمحي أنه سمعه يقول دخلت على مالك وعلى بابه من يحجبه وبين يديه (2/31)
ابن أبي أويس يقول حدثك نافع حدثك الزهري حدثك فلان ومالك يقول نعم فلما فرغ قلت يا أبا عبد الله عوضني بما حدثت بثلاثة أحاديث تقرؤها علي قال أعراقي أنت أخرجوه عني فمحتمل التسوية أو ترجيح العرض
بل قيل إن الذي قال أبو حنيفة إنما هو فيما إذا كان الشيخ يحدث من كتاب أما حديث حدث من حفظه فلا وعكسه أي ترجيح السماع لفظا على العرض صح وأشهر وجل أي معظم أهل الشرق وخراسان كما قاله عياض نحوه جنح لكن محله ما لم يعرض عارض يصير العرض أولى بأن يكون الطالب أعلم أو اضبط ونحو ذلك كأن يكون الشيخ في حال القراءة عليه أوعى وأيقظ منه في حال قراءته هو
وحينئذ فالحق أن كلما كان فيه الأمن من الغلط والخطأ أكثر كان أعلى مرتبة وأعلاها فيما يظهر أن يقرأ الشيخ من أصله وأحد السامعين يقابل بأصل آخر ليجتمع فيه اللفظ والعرض وجود وافيه أي ورأى أهل الحديث الأجود والأسلم في أداء ما سمع كذلك أن يقول قرأت على فلان إن كان هو الذي قرأ أو قرىء على فلان إن كان بقراءة غيره مع التصريح بقوله وأنا اسمع للأمن من التدليس
قال ابن الصلاح وهذا سائغ من غير إشكال ثم عبر أيها المحدث بما مضى في أول أي في القسم الأول مقيدا ذلك بقولك قراءة عليه فقل حدثنا فلان بقراءتي عليه أو قراءة عليه وأنا أسمع أو أنا فلان بقراءتي أو قراءة عليه أو أنبأنا أو نبأنا فلان بقراءتي أو قراءة عليه أو قال لنا فلان بقراءتي أو قراءة عليه أو نحو ذلك حتى ولو كنت منشدا نظما لغيرك سمعت بقراءة غيرك أو قراءته فقل أنشدنا فلان قراءة عليه أو بقراءتي هذا مع ظهورها فيما ينشده الشيخ لفظا لا صيغة سمعت فلانا (2/32)
المزيدة على ابن الصلاح فإنهم استثنوها في العرض مما مضى في القسم الأول وصرح أحمد بن صالح المصري بعدم جوازها
لكن بعضهم كالسفيانين ومالك فيما حكاه عياض منهم قد حلل ذلك واستعمله بعض المتأخرين وهو كما قال ابن دقيق العيد في اقتراحه تسامح خارج عن الوضع ليس له وجه قال ولا أرى جوازه لمن اصطلحه لنفسه نعم إن كان اصطلاحا عاما فقد لقرب الأمر فيه قال ولا شك أن الاصطلاح واقع على قول المؤرخين في التراجم سمع فلانا وفلانا من غير تقييد بسماعه من لفظه
وبالجملة فالصحيح الأول وممن صححه القاضي أبو بكر الباقلاني واستبعد ابن أبي الدم الخلاف وقال ينبغي الجزم بعدم الجواز لأن سمعت صريحة في السماع لفظا يعني كما تقدم والظاهر أن ذلك عند الإطلاق وإلا فقد استعملها السلفي في كتابة الطباق فيقول سمعت بقراءتي ولذا قال ابن دقيق العيد وربما قربه بعضهم بأن يقول سمعت فلانا قراءة عليه ونحوه صنيع النووي في جمعهما لمن قرأ عليه ولذلك فائدة جليلة وهو عدم اتصافه بما يمنع السماع بل ومطلق التحديث والإخبار ممن أخذ عرضا بدون تقييد بقرابة أو قراءة غيره وهو يسمع منعه الإمام أحمد ابن حنبل ذو المقدار الجليل في المشهور عنه وكذا النسائي صاحب السنن على المشهور عنه أيضا كما صرح بن النووي و ممن منع أيضا التميم بسكون بنية الوقف يحيى ابن يحيى وابن المبارك عبد الله الحميد سعيا أي سعيه قال الخطيب وهو مذهب خلق من أصحاب الحديث وقال القاضي أبو بكر الباقلاني إنه الصحيح وذهب الإمام أبو بكر محمد بن مسلم بن شهاب الزهري ويحيى بن سعيد القطان والثوري وأبو حنيفة في أحد قوليه وصاحباه ومالك ابن أنس في أحد قوليه وبعده سفيان بن عيينة والشافعي وأحمد ومعظم أهل الكوفة والحجاز مع الإمام البخاري صاحب (2/33)
الصحيح إلى الجواز لعدم الفرق بين الصيغتين كما في القسم قبله ولفظ الزهري ما أبالي قراءة على المحدث أو حدثني كلاهما أقول فيه حدثنا وقال عثمان بن عبيد الله بن رافع رأيت من يقرأ على الأعرج وحديثه عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه و سلم فيقول هذا حديثك يا أبا داود وهي كنية الأعرج فيقول نعم قال فأقول حدثني عبد الرحمن وقد قرأت عليك قال نعم وعليه استمر عمل المغاربة وكذا سوى بينهما يزيد بن هارون والنضر بن شميل ووهب بن جرير وثعلب والطحاوي وله فيه جزء سمعته واحتج له بآيات تقدم بعضها في القسم الأول وبغير ذلك بل حكاه عياض عن الأكثرين والخطيب وابن فارس في جزء له سمعنه سماه مآخذ العلم عن أكثر العلماء وصححه ابن الحاجب في مختصره وسأل رجل محمد بن نصر المروزي ما الفرق بينهما فقال سوء الخلق
وكذا ممن حكى عنه التسوية أبو عاصم النبيل مع الحكاية عنه أولا لعدم قبوله لعرض أصلا فينظر وابن جريج هو عبد الملك بن عبد العزيز المكي فيما حكاه الخطيب في جامعة وكفايته كما بينته في الحاشية ثم ابن الصلاح وكذا أبو عمر وعبد الرحمن بن عمرو والاوزاعي الشامي وابن معين مع الإمام أبي حنيفة في أحد قوليه وابن وهب عبد الله المصري والإمام الأعظم ناصر السنة الشافعي مع كون الحاكم قد أدرجه في المسوين و مع مسلم صاحب الصحيح وجل أي أكثر أهل الشرق قد جوزوا إطلاق أخبرنا دون حدثنا للفرق بينهما والتمييز بين النوعين واستشهد له بعض الأئمة بأنه لو حلف أن من أخبره بكذا فهو حر ولا نية له فأخبره بذلك بعض أقاربه بكتاب أو رسول أو كلام عتق بخلاف ما لو قال من حدثني بكذا فإنه لا يعتق إلا أن شافهة زاد بعضهم والإشارة مثل الخبر
وقال ابن دقيق العيد حدثنا يعني في العرض بعيد من الوضع اللغوي (2/34)
بخلاف أنبأنا فهو صالح لما حدث به الشيخ ولما قريء عليه فأقر به فلفظ الإخبار أعم من التحديث فكل تحديث إخبار ولا ينعكس وقد عزاه أي القول بالفرق أبو عبد الله وأبو بكر محمد بن الحسن بن محمد بن أحمد بن خلاد التميمي المصري الجوهري صاحب الإنصاف فيما بين الأئمة في حدثنا وأنبأنا من الاختلاف و كتاب إجماع الفقهاء أيضا لعـ صرية أي عبد الرحمن النسائي من غير ما خلاف أي من غير حكاية خلافه عنه وكأنه لم يستحضر ما تقدم عنه مما هو أشهر من هذا و كذا أعزاه التميمي أيضا إلى الأكثرين من أصحاب الحديث الذين لا يحصيهم أحد وهو بضم الهاء على لغة أهل الحجاز الذي اشتهر وشاع مصطلحا أي من جهة الاصطلاح لأهله أهل الأثر حيث جعلوا أنا علما يقوم مقام قوله أنا قرأنه لا أنه لفظ لي به والإصلاح لا مشاححة فيه بل خطأ من خرج عنه جماعة منهم الأستاذ أبو إسحاق الإسفرائني والشيخ أبو إسحاق الشيرازي وعبارة أولهما لا يجوز فيما قرأ أو سمع أن يقول حدثنا ولا فيما سمع لفظا أن يقول أنبأنا إذ بينهما فرق ظاهر ومن لم يحفظ ذلك على نفسه كان من المدلسين
لكن قد كان بعض المتأخرين يقول إن كان الاصطلاح مباينا للغة مباينة كلية فهذا يشاحح فيه وإلا فلا وقول ابن الصلاح هنا والاحتجاج لذلك من حيث اللغة فيه عناء وتكلف يشعر بأنه لو تكلف له لأمكن أن يستخرج من اللغة ما يكون وجها للتفرقة بين اللفظين قال وخير ما يقال فيه إنه إصطلاح منهم أرادوا به التمييز بين النوعين ثم خصص أولهما بالتحديث لقوة إشعاره بالنطق والمشافهة
ويقال إن ابن وهب أول من أحدث التفرقة بين اللفظين لا مطلقا بل بخصوص مصر وبعض من قال بذا أي الفرق بين الصيغتين وهو أبو حاتم محمد بن يعقوب الهروي أحد رؤساء الحديث بخراسان فيما حكاه الخطيب (2/35)
عن شيخه البرقاني عنه أعاد قراءة الصحيح للبخاري بعد قراءته له على بعض رواته عن الفربري حتى عادا أي رجع في كل متن حال كونه قائلا أخبركا الفربري إذا كان قال له أولا لظنه أنه سمعه من الفربري لفظا حدثكا الفربري بل قال لشيخه الذي قرأ عليه تسمعني أقول أحدثكم الفربري فلا تنكر علي مع غلبك بأنك إنما سمعته منه قراءة عليه
قال ابن الصلاح وهذا من أحسن أي أبلغ ما يحكى عمن يذهب هذا المذهب قلت وذا رأى الذين أشرطوا إعادة الإسناد في كل حديث من الكتاب أو النسخة مع اتحاد السند وإلا لكان يكتفي لقوله أخبركم الفربري بجميع صحيح البخاري من غير إعادة قراءة جميع الكتاب ولا تكرير الصيغة في كل حديث وهو أي اشتراط الإعادة شطط لمجاوزته الحد والصحيح والاكتفاء بالإخبار أولا وآخرا كما سيأتي في الرواية من النسخ التي إسنادها واحد (2/36)
تفريعات
( واختلفوا إن أمسك الأصل رضى ... والشيخ لا يحفظ ما قد عرضا )
( فبعض نظار الأصول يبطلــه ... وأكثـــر المحدثين يقبلــه )
( واختاره الشيخ فإن لم يعـتمد ... ممسكه فذلك السمـــاع رد )
( واختلفوا إن سكت الشيخ ولم ... يقر لفظا فــرآه المعـــظم )
( وهو الصحيح كافيا وقد منع ... بعض أولى الظاهــر منه وقطع )
( به أبو الفتح سليم الــرازي ... ثم أبو إسحاق الشـــيرازي )
( كذا أبو نصر وقال يعمــل ... به وألفــــاظ الأداء الأول )
( والحاكم اختار الذى قد عهدا ... عليه أكثر الشيــوخ في الأدا )
( حدثني في اللفظ حيث انفـردا ... واجمع ضميره إذا تـــعددا )
( والعرض إن تسمع فقل أخبرنا ... أو قارئا أخبرني واستحســنا )
( ونحوه عن ابن وهب رؤيــا ... وليس بالواجب لكن رضـيا )
( والشك في الأخذ أكان وحده ... أو مع سواه فاعتبار الوحـدة )
( محتمل لكن رأى القطـــان ... الجمع فيما أوهم الإنســان )
( في شيخه ما قال والوحدة قد ... اختار في ذا البيهقي واعتـمد )
( وقال أحمد اتبع لفــظا ورد ... للشيخ في أدائه ولا تـــعد ) (2/37)
( ومنع الإبدال فيـــما صنفــا ... الشيخ لكن حيث راو عرفا )
( بأنه سوى فهذا ما جـــــرى ... في النقل بالمعنى ومع ذا فيرى )
( بأن ذا فيما روى ذو الطـــلب ... باللفظ لا ما وضعوا في الكتب )
( واختلفوا في صحـــة السماع ... من ناسخ فقال بامتنــــاع )
( الاسفراني مـــع الحـــربي ... وابن عدي وعن الصـــبغي )
( لا ترو تحديثا وأخبارا قــــل ... حضرت والرازي هو الحنظـلي )
( وابن المبارك كلاهما كتـــب ... وجوز الحمال والشيخ ذهــب )
( بأن خيرا منه أن يفــــصلا ... فحيث فهم صح منـــه أولا )
( كما جرى للدارقطني حيث عد ... املاء إسماعيل عدا وســــردا )
( وذاك يجري في الكـــلام أو إذا ... هينم حتى خفي البعض كذا )
( إن بعد السامع ثم يحتمـــــل ... في الظاهر الكلمتان أو أقـل )
( وينبغي للشيخ أن يجيز مــــع ... إسماعه جبرا النقص إن يقـع )
( قال ابن عتاب ولا غنى عـــن ... إجازة عن السماع تقــرن )
( وسئل ابن حنبل إن حــــرفا ... أرغمه فقال أرجوا يعــفى )
( لكن أبو نعيم الفضل منــــع ... في الحرف يستفهمه فلا يسع )
( إلا بأن يروي تلـــك الشاردة ... عن مفهم ونحوه عن زائـدة )
( وخلف بن سالم قـــد قال نا ... إذ فاته حدث من حدثنـــا )
( من قول سفيان وسفيـان اكتفى ... بلفظ مستمل عن المملي اقتفى )
( كذاك حماد بن زيــــد أفتى ... إستفهم الذى يلـــيك حتى )
( رووا عن الأعمش كما نقعــد ... للنخعي فربما قد يبعــــد )
( البعض لا يسمعه فيســــأل ... البعض عنه ثم كل ينـــقل ) (2/38)
( وكل ذا تساهل وقولهـــم ... يكفي من الحديث شمه فهم )
( عنوا إذا أول شيء سئــلا ... عرفه وما عنوا تسهـــلا )
( وإن يحدث من وراء ستــر ... عرفته بصوت أو ذي خـبر )
( صح وعن شعبة لا ترو لـنا ... أن بلالا وحديث أمــــنا )
( ولا يضر سامعا أن يمنعــه ... الشيخ أن يروى ما قد سمـعه )
( كذلك التخصيص أو رجعت ... ما لم يقل أخطأت أو شككت )
ثمانية يتعلق بهذين القسمين الأول واختلفوا أي العلماء إن أمسك الأصل مع المراعاة له حين القراءة على الشيخ رضي في الثقة والضبط لذلك والشيخ حينئذ لا يحفظ ما قد عرضا الطالب عليه ولا هو ممسك أصلا بيده هل يصح السماع أم لا فبعض نظار الأصول وهو إمام الحرمين وكذلك الماذري في شرح البرهان يبطله أي السماع وحكى عياض إن القاضي أبا بكر الباقلاني تردد فيه قال وأكثر ميله إلى المنع بل نقله الحاكم عن مالك وأبي حنيفة لأنهما لا حجة عندهم إلا بما رواه الراوي من حفظه وذلك يقتضي أنه لو كان الأصل بيده فضلا عن يد ثقة غيره لا يكفي كما سيأتي في صفة رواية الحديث وأدائه وأكثر المحدثين يقبله بل هو الذى عليه عمل كافة الشيوخ وأهل الحديث كما حكاه عياض
ونقل تصحيحه عن بعضهم واختاره الشيخ ابن الصلاح ووهن السلفي الخلاف لاتفاق العلماء على العمل بهذا وذكر ما حاصله أن الطالب إذا أراد أن يقرأ على شيخ شيئا من سماعه هل يجب أن يريه سماعه في ذلك الجزء أم يكفي إعلام الطالب الثقة الشيخ أن هذا الجزء سماه على فلان وقال هما سيان على هذا عهدنا علماءنا عن آخرهم (2/39)
فقال له لا ثم لم يكنف الدارقطني بعدها إجمالا بل ساقها على الولاء إسنادا ومتنا وسردا ذلك أحسن سرد فعجب الناس منه رواها الخطيب في تاريخه قال حدثنا الأزهري قال بلغني أن الدارقطني فذكر معناها
وقد سمعت شيخنا يحكي عن بعضهم أنه كان يقرنها بما وقع للبخاري حيث قبلت عليه الأحاديث ويتعجب شيخنا من ذلك وهو ظاهر في التعجب ثم أن هذا كله فيما إذا وقع النسخ حال التحمل أو الأداء فلو وقع ذلك فيهما معا كان أشد ووراء هذا قول بعضهم الخلاف في المسألة لفظي فإن المرء لو بلغ الغاية من الحذق والفهم لا بد أن يخفي عليه بعض المسموع وإنما العبرة بالأكثر فمن لاحظ الاحتياط قال أليس بسامع ومن لاحظ التسامح والغلبة عدة سادها ورأى أن النسخ إن حجب فهو حجاب دقيق انتهى
وما قيل في أن السمع لعين يخدشه ما رويناه في خامس المحامليات رواية ابن مهدي من حديث كلثوم الخزاعي عن أم سلمة أنها تفلي رأس النبي صلى الله عليه و سلم فجاءت زينب فرفعت طرفها إليها فقال لها النبي صلى الله عليه و سلم أقبلي علي فلايتك فإنه لا تكلمها بعينك ويلتحق بالنسخ الصلاة وقد كان الدارقطني يصلي في حال قراءة القارئ عليه وربما يشير برد ما يخطيء فيه القاريء كما اتفق له حيث قرأ القاريء عليه مرة نسير بن ذعلوق بالياء التحتانية فقال له آن والقلم ومرة عمرو بن سعيد فقال له يا شعيب أصلواتك
وقد قال الرافعي في أماليه كان شيخنا أبو الحسن الطالقاني ربما قرئ عليه الحديث وهو يصلي ويصغى إلى ما يقول القاريء وينبهه إذا زل يعني بالإشارة
وفي ترجمة أبي الحسن علي بن أحمد بن محمد بن الحسن الإستراباذي من تاريخ سمرقند للنسفي أنه كان يكتب الكتاب عامة النهار وهو يقرأ القرآن (2/39)
قال ولم يزل الحفاظ قديما وحديثا يخرجون للشيوخ من الأصول فتكون تلك الفروع عد المقابلة أصولا وهل كانت الأصول أولا إلا فروعا انتهى
ولله در القائل
( قل لمن لا يرى المعاصر شيئا ... ويرى للأوائل التقـديما )
( إن ذاك القديم كان جديدا ... وسيبقى هذا الجديد قديما )
وإذا اكتفى بأعلام الثقة بأصل المروي فهذا كذلك بل أولى ولو كان القارئ مع كونه موثوقا به دينا ومعرفة يقرأ في نفس الأصل صح أيضا على الصحيح كإمساك نسخته إذ لا فرق بين الاعتماد على بصره أو سمعه حيث يكون حافظا خلافا لبعض أهل التشديد في الرواية ممن لم يعتبر بما حدث به الشيخ من كتابه بل هو هنا أولى بالصحة مما لو كان الأصل بيد سامع آخر لأن القراءة في هذه الصورة أضبط في اتباع ما حمله الشيخ والذهول فيها أقل
هذا كله إن كان الممسك له أو القارئ فيه معتمدا رضي وكان الشيخ غير حافز كما تقدم فإن لم يعتمد بالبناء للمفعول ممسكة أو القاري فيه ولا هو ممن يوثق به فذلك السماع رد أي مردود غير معتمد به ولذا أصعف أئمة الصنعة رواية من سمع الموطأ على مالك بقراءة ابن حبيب كاتبه لضعفه عندهم بحيث اتهم بتصفح الأوراق ومجاوزتها بدون قراءة إما في أثناء قراءته أو بعد انتهاء المجلس حين البلاغ قصدا للعجلة وهذا مردود فمثل هذا لا يخفى عن مالك
قال عياض لكن عدم الثقة بقراءة مثله مع جواز الغفلة والسهو عن الحرف وشبهه وما لا يخل بالمعني مؤثرة في تصحيح السماع كما قالو ولهذه العلة لم يخرج البخاري من حديث ابن بكير عن مالك إلا قليلا وأكثر منه عن (2/40)
الليث قالوا لأن سماعه كان لقراءة ابن حبيب انتهى
وإن كان الشيخ حافظا فهو كما لو كان أصله بيده بل أولى لتعاضد ذهني شخصين عليه
الثاني واختلفوا أي العلماء من المحدثين وغيرهم إن سكت الشيخ المتيقظ العارف غير المكره بعد قول الطالب له أخبرك فلان أو قلت أنا فلان أو نحو ذلك مع إصغائه إليه وفهمه لما يقول عن التعرض لإنكار المروي أو شيء منه والإنكار الإخبار ولم يقر لفظا بقوله نعم وما أشبهه كأن يوميء برأسه أو يشير بإصبعه وغلب على ظن القارئ أن سكوته إجابة فرآه المعظم من الفقهاء والمحدثين والنظار وهو الصحيح كافيه في صحة السماع كما حكاه عياض وصححه وقال إن الشرط غير لازم لأنه لا يصح من ذي دين إقرار على الخطإ في مثل هذا فلا معنى للتقرير بعد
ولعل المروي عن مالك يعني كما في صحيح مسلم وعن أمثاله في فعل ذلك للتأكيد لا للزوم
قال ابن الصلاح وسكوت الشيخ على الوجه المذكور نازل منزلة تصريحه بتصديق القاريء اكتفاء بالقرائن الظاهرة
قلت وأيضا فسكوته خصوصا بعد قوله له هل سمعت فما ليس بصحيح موهم للصحة وذلك بعيد عن العدل لما يتضمن من الغش وعدم النصح وهذه المسألة مما استثنى من أصل الشافعي رحمه الله حيث قال لا ينسب إلى ساكت قول وحينئذ فيؤدي بألفاظ العرض كلها حتى حدثني وأخبرني كما حكى تجويزه فيهما عن الفقهاء والمحدثين الآمدي وصححه ابن الحاجب بل حكى عن الحاكم أنه مذهب الأربعة
ومن هنا قال حبيب بن أبي ثابت إذا حدثني رجل عنك الحديث يعني (2/41)
بحضرة المحدث عنه وسكوته ثم حدثت به عنك كنت صادقا
وأنكر مالك على طالب التصريح منه بالإقرار وقال ألم أفرغ لكم نفسي وسمعت عرضكم وأقمت سقطه وزلله ولهذا يتأيد التأويل الماضي فيما نقل عنه من صنيعة ولكن قد منع بعض أولي الظاهر منه أي من الاكتفاء بسكوت الشيخ في الرواية فاشترطوا إقراره بذلك نطقا والباقون من الظاهرية إما ساكتون أو مع الأولين بل نقله الخطيب عن بعض أصحاب الحديث أيضا فإنه قال زعم بعض أصحاب الحديث وقوم من أهل الظاهر أن من قرأ على شيخ حديثنا لم تجز له روايته عنه إلا بعد أن يقرأ الشيخ به انتهى
وكذا حكاه غيره عن جماعة من المشارقة
وقال الحاكم عهدت مشايخنا لا يصححون سماع من سمع من أبي بكر محمد ابن إسماعيل بن مهران الإسماعيلي الحافظ في المرض فإنه كان ما يقدر أن يحرك لسانه الإيلاء فكان إذا قيل له كما قرأنا عليك قال لا لا لا ويحرك رأسه بنعم
وأما عبد الله بن سعد فحدثني أنه كان ما يقدر أن يحرك رأسه وقال لم يصح لي عنه سوى حديث واحد فإني قرأته عليه غيره مرة إلى أن أشار بعينه إشارة فهمتها عنه أن نعم قال ابن الصلاح وقطع به أي بالمنع مطلقا من الشافعية أبو الفتح سليم الرازي ثم الشيخ أبو إسحاق بالصرف للضرورة الشيرازي وكذا أبو نصر وهو ابن الصباغ ولكنه قال إنه يعمل به أي بالمروي سواء السامع أو القاريء أو من حمله عنه ولم يمنع الرواية مع الإفصاح بالواقع حيث قال ما معناه وألفاظ الأداء لمن سمع أو قرأ كذلك وأراد روايته هي الألفاظ الأول خاصة المنبئة عن الحال الواقع المتفق عليها وهي قرأت عليه أو قريء عليه وإنما أسمع لأجمعها (2/42)
فلا يقل حدثني ولا أخبرني وهذا ما صححه الغزالي والآمدي وحكاه عن المتكلمين بل جزم صاحب المحصول بأنه لا يقولهما وكذا سمعت لو أشار برأسه أو أصبعه للاقرار به ولم يتلفظ
قال الشارح وفيه نظر يعني فإن الإشارة قائمة مقام العبارة في الإعلام بذلك فتجري عليها الأحكام وهو ظاهر
وبالجملة فتصريح المحدث بالإقرار مستحب فقد قال الخطيب ولو قال له القاريء عند الفراغ كما قرأت عليك فأقر به كان أحب إلينا انتهى
ولو كان الاعتماد في سماعه على المفيد فالحكم فيه فيما يظهر كذلك
الثالث في افتراق الحال في الصيغة بين المنفرد أو من يكون في جماعة والحاكم أختار الأمر الذي قد عهدا عليه أكثر الشيوخ له بل وأئمة عصره في صيغ الأدا وهو أن تقول حدثني فلان بالإفراد في الذي يتحمله من شيخه بصريح اللفظ حيث انفردا بأن لم يكن معه وقت السماع غيره وأجمع أيها الطالب ضميره أي التحديث فقل حدثنا إذا تعدد بأن كان معك وقت السماع غيرك وكذا اختار في الذي تتحمله عن شيخك في العرض إنك إن تسمع بقراءة غيرك فقل أخبرنا بالجمع أو أن تكن قاربا فقل أخبرني بالإفراد واستحثنا بالبناء للمفعول من فاعله فقال ابن الصلاح وهو حسن رائق ونحوه عن ابن وهب هو عبد الله رويا كما عند الترمذي في العلل والخطيب في الكفاية فإنه قال ما قلت حدثنا فهو ما سمعت مع الناس وما قلت حدثني فهو ما سمعت وحدي وما قلت أنبأنا فهو ما قريء على العالم وأنا شاهد وما قلت أخبرني فهو ما قرأت على العالم فاتفق ابن وهب ومن نقل عنهم الحاكم في كون القاريء كما هو المشهور حسبما صرح به الشارح في النكت (2/43)
يقول أخبرني هو محتمل لأن يكون في المنفرد ويحتمل مطلقا وهو الظاهر لكن قد قال ابن دقيق العيد في الاقتراح إن القارئ إذا كان معه غيره يقول أنبأنا بالجمع فسوى بين مسألتي التحديث والإخبار يعني فإنه إذا سمع جماعة من لفظ الشيخ يقول كل منهم حدثنا وفي التسوية نظر وإن قال بعض المتأخرين أنه قياس ظاهر
على أن السلفي قد كان يأتي بالجمع فيما يقرأه ولم يسمعه معه غيره فيكتب أول الجزء أنبأنا فلان بقراءتي ثم يكتب الطبقة بآخره ولا يثبت معه غيره وقد جاء عن أحمد إذا كانت وحدك فقل حدثني أو في ملأ فقل حدثنا أو قرأت فقل قرأت عليه أو سمعت فقل قريء عليه وأنا أسمع واستحسنه ابن الحاج وقال إنه بلغ في التحري
وقال ابن عون كان ابن سيرين يقول تارة حدثني أبو هريرة وتارة حدثنا فقلت له كيف هذا يا أبا بكر فقال أكون وحدي فأقول حدثني وأكون مع غيري فأقول حدثنا أخرجه بن أبي خيثمة
وقال شعبة أخبرني سلمة بن كهيل أو أخبر القوم وأنا فيهم قال سمعت سويد بن عفله قال خرجت مع زيد بن صوحان وسلمان بن ربيعة فوجدت سوطا وذكر حديثا أخرجه مسلم في اللفظ في صحيحه وليس ما تقدم من التفصيل بالواجب عندهم ولكن رضيا بالنبأ للمفعول أي استحب عند كافة العلماء كما صرح به الخطيب للتمييز بين أحوال التحمل
وإلا فقد قال أحمد بن صالح وسئل عن الرجل يحدث الرجل وحده أيقول حدثنا قال نعم جائز في كلام العرب فعلنا وإنما هو وحده
وكذا قال ابن دقيق العيد اصطلحوا للمنفرد حدثني بالإفراد وإن جاز فيه لغة حدثنا بالجمع (2/44)
وكذا قال أحمد لا بأس به وقال يحيى بن سعيد القطان إذا كان أصل الحديث على السماع فلا بأس أن يقول حدثني وحدثنا وسمعت وأخبرني وأنا في آخرين مصرحين بأنه جائز لمن سمع وحده أن يقول أخبرنا وحدثنا ولمن سمع مع غيره أن يقول أخبرني وحدثني ونحو ذلك لأن المحدث حدثه وحدث غيره
على أن نسبة الخطيب ما تقدم لكافة العلماء وهم الجميع ينازع فيها ما ذكره ابن فارس من أن جماعة ذهبوا إلى أنه إذا احدث المحدث جاز أن يقال حدثنا وإن قريء عليه لم يجز أن يقال حدثنا ولا أنبأنا وإن حدث جماعة لم يجز أن يقال حدثني أو حدث بلفظ لم يجز أن يتعداه وقال إنه تشديد لا وجه له وكأنه لذلك لم يعتبره الخطيب خلافا ثم إن الاستحباب المشار إليه هو فيما إذا تحقق حين التحمل صورة الحال و أما إن وقع الشك في الأخذ والتحمل أي من لفظ الشيخ أكان وحده فيأتي بحدثني بالإفراد أو كان مع بالإسكان سواه فيأتي فاعتبار الوحدة محتمل لأن الأصل عدم غيره فكذا لما شك في تحمله أهو من قبيل أنا لكونه بقراءة غيره أو أخبرني لكونه بقراءته حيث مشينا على اختيار الحاكم ومن معه في إفراد الضمير إذا قرأ يأتي بالجمع لأن سماع نفسه متحقق
وقراءته شاك فيها والأصل إنه لم يقرأ وإن سوى ابن الصلاح بين المسألتين في الإتيان بالإفراد على أن الخطيب حكى في الكفاية عن البرقاني أنه كان يقول في هذه الصورة قرأنا وهو كما قال شارح حسن فإن إفراد الضمير يقتضي قراءته بنفسه وجمعه يمكن حمله على قراءة بعض من حضر السماع فإنه لو تحقق أن الذين قرأ غيره لا بأس إنه يقول قرأنا قاله أحمد بن صالح حين سئل عنه
وقال النفيلي قرأنا على مالك مع كونه إنما قريء عليه وهو يسمع (2/45)
لكن رأى يحيى بن سعيد القطان فيما نقله عنه علي بن المديني الجمع بحدثنا في مسألة تشبه الأولى وهي فيما إذا أوهم أي وهم بمعنى شك الأنسان في لفظ شيخه ما الذي قال حدثني أو حدثنا
قال ابن الصلاح ومقتضاه الجمع هناك أيضا وهو عندي هنا يتوجه بأن حدثني أكمل مرتبة فيقصر في حالة الشك على الناقص إحتياطا لأن عدم الزائد هو الأصل قال وهذا لطيف والوحدة معقول مقدم أي صيغة حدثني قد اختار في ذا الفرع البيهقي بعد حكايته قول القطان واعتمد ما اختاره وعلله بأنه لا يشك في واحد وإنما يشك في الزايد فيطرح الشك ويبني على اليقين انتهى وهو الظاهر الرابع في التقيد بلفظ الشيخ
وقال الإمام أحمد بن حنبل فما رويناه عنه اتبع أيها المحدث لفظا ورد للشيخ في إدائه لك من حدثنا وحدثني وسمعت وأنبأنا ونحوها ولا تعد أي ولا تتجاوز لفظه وتبدله بغيره ومشى على ذلك في مسنده وغيره من تصانيفه فيقول مثلا فلان وفلان كلاهما عن فلان قال أولهما حدثنا وقال ثانيهما أنبأنا
وفعله مسلم في صحيحه أيضا وكذا منع الإبدال لمحدثنا إذا كان اللفظ أنبأنا أو بالعكس ونحوه فيما يقع في الكتب المبوبة والمسندة وغيرهما مما صنفا بالبناء للمفعول الشيخ ابن الصلاح لاحتمال أن يكون مذهب الراوي القائل عدم التسوية بين الصيغتين يعني فيكون حينئذ كأنه قوله ما لم يقل والتعليل لذلك يقتضي إنه عند علم عدمها من باب أولى وهذا بلا خلاف لكن بإسكان النون حيث راو عرفا بالبناء للمفعول بأنه سوى بينهما فـ هذا خاصة يجري فيه كما قال الخطيب في كفايته ما جرى من الخلاف في النقل بالمعنى ومع بالإسكان ذا أي إجراء الخلاف (2/46)
فيرى ابن الصلاح بأن ذا أي الخلاف فيما روى ذو الطلب مما تحمله باللفظ من شيخه خاصة لا فيما وضعوا أي أصحاب التصانيف في الكتب المصنفة مسندها ومبوبها يعني فذاك يمتنع تغييره جزما سواء رويناه في جملة التصانيف أو نقلناه منها إلى تخاريجنا وأجزائنا كما سيأتي في الرواية بالمعنى إن شاء الله مع بيان ما نسب لابن الصلاح في اقتضاء التجويز فيما تنقله في تخاريجنا وما قيل في أنه نقل من الترمذي وغيره بالمعنى
على أن ابن أبي الدم قد منع الفرق في الصورتين بين ما يقع في التصانيف وما حصل التلفظ به خارجا أيضا بل قلل أيضا لي الثالثة إنه إذا جازت الرواية بالمعنى في الألفاظ النبوية ففي صيغ الرواية في صورة علم تسوية الراوي بينهما من باب أولى
الخامس في النسخ والكلام وغيرهما وقت السماع أو الإسماع واختلفوا أي العلماء في صحة السماع من ناسخ ينسخ حين القراءة مسمعا كان أو سامعا فقال بامتناع ذلك مطلقا في الصورتين الأستاذ الفقيه الأصولي أبو إسحق الاسفرائيني بفتح الفاء وكسر التحتانية إذ سئل عنهما معا مع أبي إسحاق إبراهيم بن إسحق الحربي وأبي أحمد بن عدي في آخرين لأن الاشتغال بالنسخ مخل بالسماع عبارة الإسفرائيني فإنه إذا اشتغل به عن الاستمتاع حتى إذا أستعيد منه تعذب عليه انتهى
وقد قيل السمع للعين والإصغاء للأذن وقيل إنه لا يسمى سامعا إنما يقال له جليس العالم حكى عن جماعة و نحوه ما جاء عن أحد أئمة الشافعية بخراسان أبي بكر أحمد بن إسحق الصبغي بكسر المهملة بعدها موحدة ثم معجمة نسبة لأبيه لكونه كان يبيع الصبغ إنه قال لا ترو أيها المحدث ما سمعته على شيخك في حال نسخه أو أنت تنسخ تحديثا ولا إخبارا يعني لا تقل حدثنا ولا أنا مع إطلاقهما بل قل حضرت يعني (2/47)
كمن دي ما تحمله وهو صغير قيل فهم الخطاب ورد الجواب فإن كان مسألتنا أعلا ولكن أبو حاتم محمد بن إدريس الرازي وهو الحنظلي نسبة لدرب حنظلة بالري وكفى به حفظا وإتقانا وابن المبارك عبد الله المروزي وكفى به دينا ونسكا وفضلا كلاهما قد كتب أما أولهما ففي حال تحمله عند كل من محمد بن الفضل الملقب عارم وعمرو بن مرزوق
وأما ثانيهما ففي حال تحديثه وذلك منهما مقتضى للجواز ومشعر بعدم التنصيص في الأداء على الحضور وكذا جوز موسى بن هارون الحمال بالمهملة ذلك بل عزى صحة السماع كذلك للجمهور سعد الخير الأنصاري والشيخ ابن الصلاح ذهب إلى القول بأن خيرا منه أي من إطلاق القول بالجواز أو بالمنع أن يفصلا فحيث صحب الكتابة فهم يعني تمييز للفظ المقروء فضلا عن معناه صح السماع منه وعليه أولا يصحبها ذلك وصار كأنه صوت عقل بطلا هذا السماع يعني وصار حضورا وسبقه لذلك سعد الخير الأنصاري فقال إذا لم تمنع الكتابة عن فهم ما قرئ فالسماع صحيح انتهى
والعمل على هذا فقد كان شيخنا ينسخ في مجلس سماعه ثم إسماعه بل ويكتب على الفتاوى ويصنف ويرد مع ذلك على القاريء ردا مفيدا
وكذا بلغنا عن الحافظ المزي وغيره ممن قبله وبعده كما جرى للدارقطني نسبة لدار القطن ببغداد إذا حضر في حدثته إملاء أبي علي إسماعيل الصغار فرآه بعض الحاضرين ينسخ فقال له لا يصح سماعك وأنت تنسخ فقال له الدارقطني فهمي للاملاء خلاف فهمك واستظهر عليه حيث عد إملاء إسماعيل المشار إليه عدا وإن جملة ما أملاه في ذاك المجلس ثمانية عشر حديثا بعد أن أسأل المنكر عليه أتعلم كم أملي حديثنا (2/48)
ظاهرا لا يمنعه أحد الأمرين على الآخر بل كان سأل الله تعالى في الكعبة كمال القوة على قراءة القرآن وجماع النسوان فاستجيب له الدعوتان
وهل يلتحق بذلك قراءة قارئين في آن واحد فيه نظر
وقد قال الذهبي في طبقات القراء ما أعلم أحدا من المقرئين ترخص في إقراء اثنين فصاعدا إلا الشيخ علم الدين السخاوي وفي النفس من صحة كمال الرواية على هذا الفعل شئ فإن الله ما جعل لرجل من قلبين في جوفه قال وما هذا في قوة البشر بل في قدرة الربوبية
قالت عائشة رضي الله عنها سبحان من وسع سمعه الأصوات انتهى
وممن وصف العلم بذلك ابن خلكان فقال إنه رآه مرارا راكبا إلى الجبل وحوله اثنان وثلاثة يقرأون عليه دفعة واحدة في أماكن من القرآن مختلفة ويرد على الجميع
ولما ترجم التقى الفاسي في تاريخ مكة الشمس محمد بن إسماعيل بن يوسف الحلبي والد بعض من كتبت عنه قال في ترجمته وكان في بعض الأحايين يقرأ في موضع من القرآن ويقرأ عليه في موضع آخر ويكتب في موضع آخر فيصيب فيما قرأه ويكتبه وفي الرد بحيث لا يفوته شئ من ذلك على ما بلغني قال وهذا نحو مما حكى عن بعض القراء أنه كان يسمع ثلاثة نفر يقرأون عليه دفعة واحدة في أماكن مختلفة وعيب ذلك على هذا المقريء
قلت وكأنه عنى السخاوي وكذا قال شيخنا إنه شوهد ذلك من الحلبي مرارا انتهى
وفيه تساهل وتفريط ومقابلة في التشدد والإفراط فيه ما حكاه الخطيب في ترجمة الحافظ أبي عبد الله محمد بن علي بن عبد الله بن محمد الصوري إنه كان مع كثرة طلبه وكتبه صعب المذهب فيما يسمعه ربما كرر قراءة الحديث الواحد (2/50)
على شيخه مرات وذاك أي التفصيل المذكور في مسألة النسخ يجري في الكلام من كل من السامع والمسمع في وقت السماع وكذا في إفراط القارئ في الإسراع أو إذا هينم أي أخفى صوته حتى خفى في ذلك كله البعض وكذا إن بعد السامع عن القارئ أو كان في سمعه أو المسمع بعض ثقل أو عرض نعاس خفيف بحيث يفوت سماع البعض ثم مع اعتماد التفصيل في كل ما سلف يحتمل يعني يغتفر في الظاهر الكلمتان أو أقل كالكلمة
وقد سئل أبو إسحق الإسفرائيني عن كلام السامع أو المسمع أو غير المتصل وعن القراءة السريعة والمدغمة التى شذ منها الحرف والحرفان والإعفاء اليسير فأجاب إذا كانت كلمة لا تلهيه عن السماع جازت الرواية وكذا لا يمنع ما ذكر بعد ذلك من السماع وإذا لم يكن الإدغام يجوز في اللغة يكون حينئذ تاركا بعض الكلمة انتهى
بل توسعوا حين صار الملحوظ إيقاء سلسلة الإسناد لأكثر من ذلك بحيث كان يكتب السماع عند المزي وبحضرته لمن يكون بعيدا عن القاريء وكذا للناعس والمتحدث والصبيان اللذين لا ينضبط أحدهم بل يلعبون غالبا ولا يشتغلون بمجرد السماع حكاه ابن كثير
قال وبلغني عن القاضي التقى سليمان بن حمزة أنه زجر في مجلسه الصبيان عن اللعب فقال لا تزجرهم فإنا إنما سمعنا مثلهم
وكذا حكى عن ابن المحب الحافظ التسامح في ذلك ويقول كذا كنا صغارا نسمع فربما ارتفعت أصواتنا في بعض الأحيان والقاريء يقرأ فلا ينكر علينا من حضر المجلس من كبار الحفاظ كالمزني والبرزاني والذهبي وغيرهم من العلماء
وقال الذهبي كان شيخنا ابن أبي الفتح يسرع في القراءة ويعرب لكنه (2/51)
يدغم بعض ألفاظه ومثله ابن حبيب
وكان شيخنا أبو العباس يعني ابن تيمية يسرع ولا يدغم إلا نادرا وكان المزي يسرع ويبين وربما تمتم يسيرا انتهى
وممن وصف بسرعة السرد مع عدم اللحن والدمج البرزاني ومن قبله الخطيب الحافظ بحيث قرأ البخاري على إسماعيل بن أحمد النيسابوري الجبري الضرير راويه عن الكثميهني في ثلاثة مجالس اثنان منها في ليلتين كان يبتدي بالقراءة وقت المغرب ويختم عند صلاة الفجر والثالث من ضحوة نهار إلى طلوع الفجر قال الذهبي وهذا شئ لا أعلم أحدا في زماننا يستطيعه انتهى
وقد قرأ شيخنا في أربعين ساعة رملية وصحيح مسلم في أربعة مجالس سوى الختم من نحو يومين وشئ فإن كل مجلس كان من باكر النهار إلى الظهر
وأسرع من علمته قرأ من الخطوط المتنوعة في عصرنا مع الصحة بحث لم ينهض الأكابر لضبط شاذة ولإفادة عليه في الإعراب خاصة مع عدم تبليت مطالعة شيخنا ابن خضر ولكن ما كان يخلي من هذرمة وينبغي على وجه الاستحباب حيث لم ينفك الأمر غالبا عن أحد أمور إما خلل في الإعراب أو في الرجال أو هذرمة أو هيلمة أو كلام يسير أو نعاس خفيف أو بعد أو غير ذلك للشيخ المسمع إن يجيز السامعين رواية الكتاب أو الجزء أو الحديث الذى رواه لهم مع إسماعه لهم جبرا لنقص يصحب السماع إن يقع بسبب شئ مما ذكر وما أحسن قول ابن الصلاح فيما وجد خطة لمن سمع منه صحيح البخاري وأجزت له روايته عني مخصصا منه بالإجازة ما زل عن السمع لغفلة أو سقط عند السماع بسبب من الأسباب
وكذا كان ابن رافع يتلفظ بالإجازة بعد السماع قائلا أجزت لكم روايته (2/52)
عني سماعا وإجازة لما خالف أصل السماع إن خالف بل قال مفتي قرطبة وعالمها ابن عتبا بمهملة ثم فوقانية مشددة هو أبو عبد الله محمد الجدامي المتوفي صفر سنة اثنتين وستين وأربعمائة فيما رويناه من طريق ولده أبو محمد عبد الرحمن وأبي علي الغساني عنه ما معناه والذي أقول إنه لا غنا لطالب العلم يعني في زمنه فما بعده عن إجازة بذاك الديوان أو الحديث مع السماع له تقرن به لجواز السهو أو الغفلة أو الاشتباه على الطالب والشيخ معا أو على أحدهما وكلامه إلى الوجوب أقرب وهو الظاهر من حاله فإنه كان كثير الاحتياط والورع حتى إنه لكون مدار الفتوى عليه كان يخاف عاقبتها ويظهر مهابتها حتى كان يقول من يحسدني فيها جعله الله مفتيا وددت أني أنجو منها كفا فأثم على كاتب الطبقة فاستحبابا التنبيه على ما وقع من إجازة المسمع فيها ويقال إن أول من كتبها في الطباق الحافظ المتقن تقي الدين أبو الطاهر إسماعيل بن عبد الله بن عبد المحسن ابن الأنماطي المصري الشافعي المتوفي في سنة تسع عشرة وستمائة وكان دأبه النصح وكثرة الإفادة بحيث إنه استجاز لخلق ابتداء منه بدون مسألة من أكثرهم وتبعه في هذه السنة الحسنة أعني كتابة الإجازة في الطباق من بعده وحصل بذلك نفع كثير فلقد انقطعت بسبب إهمال ذلك وتركه ببعض البلاد رواية بعض الكتب لكون راويها كان قد وفاته ذلك ولم يوجد في الطبقة إجازة المسمع للسامعين فما أمكن قراءة ذلك القوت عليه بالإجازة لعدم تحلقها كما اتفق في أبي الحسن علي بن نصر الله بن الصواف الشاطبي في السنن الصغرى للنسائي لم يأخذوا عنه سوى مسموعة منه على الصغي أبي بكر بن باقا فقط وهذا مع قرب سماعه من الوقت الذى ابتكر فيه ابن الأنماطي كتابتها ولكن لعله لم يكن اشتهر على أني قد وقفت على من سبق الأنماطي لذلك في كلام القاضي عياض حيث قال وقفت على تقييد سماع لبعض نبهاء الخراسانيين من أهل المشرق بنحو ما أشار إليه ابن عتاب فقال سمع هذا الجزء فلان وفلان على الشيخ أبي الفضل عبد العزيز بن (2/53)
إسماعيل البخاري وأجاز ما أغفل وصحف ولم يضع إليه أن يروي عنه على الصحة
قال القاضي وهذا منزع نبيل في الباب جدا انتهى
وتغفر الجهالة بالثقة الذى أجيز بسببه ولا يلزمه الإفصاح بذلك حين روايته إلا أن كثر لأن المخبر حينئذ إنه سمع كاذب لعدم مطابقته للواقع ولا تجبر الإجازة مثل هذا نعم أن أطلق الإخبار كان صادقا كما سيأتي في أواخر ثالث أقسام التحمل
وإنما كره إطلاقه في الإجازة المحضة لمخالفته العادة أو لايقاعه تهمة إذا علم أنه لم يسمع أصلا وذلك معدوم هنا لا سيما إذا كان السماع مثبتا بغير خطه لانتقاء الرتبة عنه لكل وجه أشار إليه ابن دقيق العيد
وإذا انتهت مسألة الإجازة التي كان تأخيرها أنسب لتعلق ما بعدها بما قبلها ولتكون فرعا مستقلا ولكن هكذا هي عند ابن الصلاح
فاعلم أنه قد تقدم اغتفار الكلمة والكلمتين يعني سواء اخلتا أو أخديهما بفهم الباقي لا لأن فهم المعنى لا يشترط وسواء كان يعرفهما أم لا والظاهر أن هذا بالنسبة إلى الأزمان المتأخرة وإلا ففي غير موضع من كتاب النسائي يقول وذكر كلمة معناها كذا وكذا لكونه فيما يظهر لم يسمعها جيدا وعلمها وسئل الإمام أحمد هو ابن حنبل مع ابنه صالح حيث قال له إن أدمج الشيخ أو القاريء حرفا يعني لفظا يسيرا أدغمه فلم يفهمه السامع أي لم يسمعه مع معرفته إنه كذا وكذا ترى له أن يرويه عنه فقال أرجو إنه يعفي عن ذلك ولا يضيق الحال عنه رواه البيهقي في مناقب أحمد فقيد العفو بكونه يعرفه وتمامه قال صالح فقلت له الكتاب قد طال حده عن الإنسان لا يعرف بعض حروفه فيخبره بعض أصحابه قال إن كان يعلم أنه كما في الكتاب فلا بأس به (2/54)
قال البيهقي يعني يوقفه على الصواب فينظر في الكتاب ويعلم أنه كما قال لكن الحافظ أبو نعيم الفضل بن دكين منع من سلوكه في الحرف يعني في اللفظ اليسير مما يشدد عنه في حال سماعه من سفيان والأعمش الذى يستفهمه من بعض الحاضرين من أصحابه فقال لا يسع من وقع له مثله إلا بأن أي أن يروي تلك الكلمة الشاردة عن مفهم أفهمه إياها من صاحب ونحوه وجاء نحوه عن زائدة هو ابن قدامة قال خلف بن تميم سمعت من سفيان الثوري عشرة آلاف حديث أو نحوها فكنت أستفهم جليسي فقلت لزايدة فقال لي لا تحدث منها إلا بما تحفظ بقلبك وتسمع بأذنك قال فألقيتها وحكى عن أبي حنيفة مثله
وكل هذا إن لم يفرق بين من علم بنفسه أو استفهم أو بأن الأول في الحرف الحقيقي والثاني في الكلمة يخالف المحكي عن أحمد وأيضا فأحد الحفاظ المتقنين أبو محمد خلف بن سالم المخرمي بالتشديد نسبة لمحلة ببغداد قد قال نا مقتصرا على النون والألف إذا فاته حدث من حدثنا من قول شيخه سفيان ابن عيينه حين تحديثه عن عمرو بن دينار بخصوصه فكان يقال له قل حدثنا فيمتنع ويقول إنه لكثرة الزحام عند سفيان لم أسمع شيئا من حروف حدث فهذا مخالف لأحمد فلا شك هذا وسفيان شيخه اكتفى بسماع لفظ مستعمل عن لفظ المملي اقتفى أي اتبع المستملي لفظ المملي وذاك أن أبا مسلم المستملي قال له إن الناس كثير لا يسمعون فقال أتسمع أنت قال نعم فأسمعهم
ولعل سماع خلف لم يكن في الإملاء كذاك أو إسماعيل حماد بن زيد أفتى من استفهمه في حال إملائه واستعادة بعض الألفاظ وقال له كيف قلت فقال استفهم الذي يليك وهذا هو الذي عليه العمل بين أكابر المحدثين الذين كان يعظم الجمع في مجالسهم جدا ويجتمع فيها القيام من (2/55)
الناس بحيث يبلغ عددهم الوفاء مؤلفة ويصعد المستملون على الأماكن المرتفعة ويبلغون عن المشايخ ما يملون إن من سمع المستملي دون سماع لفظ المملي جاز له أن يرويه عن المملي يعني بشرط أن يسمع المملي لفظ المستملي وإن أطلقه ابن الصلاح كالعرض سواء لان المستملي في حكم القاريء على المملي وحينئذ فلا يقال في الأداء لذلك سمعت فلانا كما تقدم في العرض بل الأحوط بيان الواقع كما فعله البخاري وابن خزيمة وغيرهما من الأئمة ممن كان يقول وثبتني فيه بعض أصحابنا أو وافهمني فلان بعضه حسبما يجيء مبسوطا في آخر الفصل السادس من صفة رواية الحديث وأدائه ولقصد السلامة من إغفال لفظ المملي
قال محمد بن عبد الله بن عماد الموصلي ما كتبت قط من في المستملي ولا التفت إليه لا أدري أي شئ يقول إنما كنت أكتب عن في المحدث وكذا تورع آخرون وشددوا في ذلك
قال ابن كثير وهو القياس والأول أصلح للناس حتى إنهم رووا عن سليمان بن مهران الأعمش الحافظ الحجة إنه قال كنا نقعد للنخعي إبراهيم بن يزيد أحد فقهاء التابعين حين تحديثه والحلقة متسعة فربما قد يبعد البعض ممن يحضر ولا يسمعه فيسأل ذلك البعيد البعض القريب من الشيخ ثم كل من سمع الشيخ أو رفيقه ينقل كل ذلك عن الشيخ بلا واسطة وكل ذا أي رواية مالم يسمعه إلا من رفيقه أو المستملي عن لفظ الشيخ تساهل عن فعله ولذا كان أبو نعيم الفضل وغيره كما تقدم لا يرون له التحديث بما أستفهمه إلا عن المفهم ولا يعجب أبا نعيم كما قال أبو زرعة عنه صنيعهم هنا ولا يرضى به لنفسه وقولهم كالحافظ أبي عبد الله بن منده تبعا للإمام عبد الرحمن بن مهدي يكفي من سماع الحديث شمة الذى رويناه في الوصية لأبي القاسم بن (2/56)
منده من طريق عبد الله بن محمد بن سنان سمعت بندارا يقول سمعت ابن مهدي أصحاب الحديث يكفيهم الشم فهم أي القائلون ذلك كما قال حمزة بن محمد الكناني الحافظ حسبما نقله عبد الغني بن سعيد الحافظ عنه إنما عنو به إذا أول شيء أي طرف حديث سئلا عنه المحدث عرفه واكتفى بطرفه عن ذكر باقيه فقد كان السلف يكتبون أطراف الحديث ليذاكروا الشيوخ فيحدثوهم بها قال محمد بن سيرين كنت ألقي عبيدة بن عمرو السلماني بالأطراف
وقال إبراهيم النخعي لا بأس بكتابة الأطراف وما عنوا به تسهلا في التحمل ولا الأداء وميل ابن دقيق العيد من هذا كله لما ذهب إليه الفضل وزائدة
السادس بل السابع باعتبار افراد مسألة الإجازة وإن يحدث من وراء ستر إزارا وجدار ونحو ذلك من عرفته إما بصوت ثبت لك أنه صوته بعلمك أو بإخبار ذي خبر به ممن تثق بعدالته وضبطه إن هذا صوته حيث كان يحدث بلفظه أو أنه حاضر إن السماع عرضا صح على المعتمد بخلاف الشهادة على الأشهر وإن العمل على خلافه لأن باب الرواية أوسع وكما إنه لا يشترط رؤيته له كذلك لا يشترط تمييز عينه من بين الحاضرين من باب أولى
وإن قال أبو سعد السمعاني ما نصه سمعت أبا عبد الله الفراوي يقول كنا نسمع بقراءة أبي مسند أبي عوانة على أبي القاسم القشيري فكان يخرج في أكثر الأوقات وعليه قميص أسود خشن وعمامة صغيره وكان يحضر معنا رجل من المحتشمين فيجلس بجانب الشيخ فاتفق انقطاعه بعد قراءة جملة من الكتاب ولم يقطع أبي القراءة في غيبته فقلت له لظني أنه هو المسمع يا سيدي على من تقرأ والشيخ ما حضر فقال كأنك تظن أن شيخك هو (2/57)
المحتشم فقلت له نعم فضاق صدره واشترجع وقال بني إنما شيخك هذا القاعد ثم علم ذلك المكان حتى أعاد لي من أول الكتاب إليه وعن شعبة من الحجاج أنه قال لا ترو عمن يحدثك ممن لم تر وجهه فلعله شيطان قد تصور في صورته يقول حدثنا وأنا وهو وإن أطلق الصورة إنما أراد الصوت ووجه هذا أن الشياطين أعداء الدين ولهم قوة التشكل في الصور فضلا عن الأصوات فطرق احتمال أن يكون هذا الراوي شيطانا ولكن هذا بعيد لا سيما ويتضمن عدم الوثوق بالراوي ولو رآه لكن قال بعض المتأخرين كأنه يريد حيث لم يكن معروفا فإذا عرف وقامت عنده قرائن أنه فلان المعروف فلا يختلف فيه وعلى كل حال فقد قال ابن كثير إنه عجيب وغريب جدا انتهى
والحجة لنا في اعتماد الصوت حديث ابن عمر رفعه أن بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى تسمعوا تأذين ابن أم مكتوم كما ذكره عبد الغني بن سعيد الحافظ حيث أمر الشارع بالاعتماد على صوته مع غيبة شخصه عمن يسمعه فقد يخدش فيه بأن الأذان لا قدرة للشيطان على سماع ألفاظه فكيف بقوله ولكن من الحجة لنا أيضا حديث أمنا معاشر المؤمنين عائشة وغيرها من الصحابيات رضي الله عنهن من وراء الحجاب
والنقل لذلك عنهن ممن سمعه والاحتجاج به في الصحيح إلى غير ذلك من الأدلة
وقد ترجم البخاري في صحيحه شهادة الأعمى وأمره ونكاحه وإنكاحه ومبايعته وقبوله في التأذين وغيره وما يعرف من الأصوات وأورد من الأدلة لذلك حديث المسور بن مخرمة قدمت على النبي صلى الله عليه و سلم أقبية
فقال لي أبي انطلق بنا إليه عسى أن يعطينا منها شيئا فقام أبي على الباب (2/58)
فتكلم فعرف النبي صلى الله عليه و سلم صوته فخرج ومعه قباء وهو يريه محاسنه وهو يقول خبأت هذا لك خبأت هذا لك
وحديث عائشة تهجد النبي صلى الله عليه و سلم في بيتي فسمع صوت عباد يصلي في المسجد فقال يا عائشة أصوات عباد هذا قلت نعم الحديث وقول سليمان بن يسار استأذنت على عائشة فعرفت صوتي قالت سليمان أدخل إلى غيرها على أن ابن أبي الدم قال إن قول شعبة محمول على احتجاب الراوي من غير عذر مبالغه في كراهة احتجابه أما النساء فلا خلاف في جواز الرواية عنهن من وجوب احتجابهن انتهى
ومقتضاه عدم جواز النظر إليهن للرواية وفيه نظر حيث لم يكن معرفتها بدونه وعلى اعتماده فهي تخالف الشهادة حيث يجوز النظر للمرأة بل يجب ولا يكفي الاعتماد على صوتها كما تقدم
الثامن ولا يضر سامعا ممن سمع لفظا أو عرضا أن يمنعه الشيخ المسمع بعد الفراغ من السماع عليه أو قبله أن يروي عنه ما قد سمعه منه بأن يقول له لا لعلة أو ريبة في المسموع أو إبداء مستند سوى المنع اليابس لا نزولا عني أو ما أذنت لك في روايته عني ونحو ذلك بل تسوغ له روايته عنه كما صرح به غير واحد من الأئمة منهم ابن خلاد في المحدث الفاصل في مسألتنا بل زاد ابن خلاد مما قال به أيضا ابن الصباغ كما سيأتي في سادس أقسام التحمل أنه لو قال له هذه روايتي لكن لا تروها عني ولا أجيزها لك لم يضره ذلك وتبعه القاضي عياض فقال وما قاله صحيح لا يقتضي النظر سواه لأنه قد حدثه وهو شئ لا يرجع فيه فلا يؤثر منعه
قال ولا أعلم مقتدى به قال خلاف هذا في تأثير منع الشيخ ورجوعه عما حدث به من حدثه وإن ذلك يقطع سنده عنه إلا أني قرأت في كتاب الفقيه أبي بكر بن أبي عبد الله المالكي في طبقات علماء إفريقية نقل عن شيخ من جلة (2/59)
شيوخها أنه أشهد بالرجوع عما حدث به بعض أصحابه لأمر نقمه عليه
وكذلك فعل مثل هذا بعض من لقيناه من مشائخ الأندلس المنظور إليهم وهو الفقيه المحدث أبو بكر بن عطية حيث أشهد بالرجوع عما حدث به بعض جماعته لهوى ظهر له منه وأمور أنكرها عليه ولعل هذا صور منهم تأديبا وتضعيفا لهم عند العامة لا لأنهم اعتقدوا صحة تأثيره
وقياس من قاس الرواية هنا على الشهادة غير صحيح لأن الشهادة على الشهادة لا تصح إلا مع الإشهاد ولا كذلك الرواية فإنها متى صح السماع صحت بغير إذن من سمع منه انتهى
وإن روي عن بشير بن نهيك قال كنت آتي إلى أبي هريرة فأكتب عنه فلما أردت فراقة أتيته فقلت هذا حديثك أحدث به عنك قال نعم فقد قال الخطيب إنه غير لازم وصرح غيره بالاتفاق ويلحق بالسامع في ذلك المجاز أيضا وما أعلمه بأنه مرويه مما لم يجزه به صريحا كما تقدم قريبا
وكذلك لا يضر التخصيص من الشيخ لواحد فأكثر بالسماع إذا سمع هو سواء علم الشيخ بسماعه أو لم يعلم من باب أولى كما صرح بالحكم الأستاذ أبو إسحاق الأسفرائيني إذا سأله أبو سعد عبد الرحمن بن الحسن بن عكيك النيسابوري عنه في جملة من الأسئلة عندي في جزء مفرد وعمل به النسائي والسلفي وآخرون
بل ولو صرح بقوله أخبركم ولا أخبر فلانا لم يضره ولكنه لا يحسن في الأداء أن يقول حدثني ونحوها مما يدل على أن الشيخ رواه كما أسلفته في أول أقسام التحمل
وكذا لا يضر الرجوع بالكناية وما أشبها أو بالتصريح كأن يقول (2/60)
رجعت ونحوها مما لا ينفي أنه من حديثه كما سلف في كلام القاضي عياض في المسألة الأولى ما لم يقل مع ذلك أخطأت فيما حدثت به أو تزيدت أو شككت في سماعه أو نحو ذلك كما فصل شيخنا رحمه الله إذ سمعنا عليه ذم الكلام للهروي حيث قال أذنت لكم في روايته عني ما عدا كذا وكذا فإنه والحالة هذه ليس له أن يرويه عنه ثم إنه لو أراد الشيخ سماعه بعد قوله تزيدت أو أخطأت كان قد جاء فيه بخلاف قوله شككت (2/61)
القسم الثالث من أقسام التحمل الإجازة
( ثم الإجازة تلي السماعــا ... ونوعت لتسعة أنواعــــا )
( أرفعها بحيث لا مناولـــة ... تعيينه المجاز والمجاز لــــه )
( أو بعضهم حكى اتفاقهم على ... جواز ذا وذهب الباجـي إلى )
( نفي الخلاف مطلقا وهو غلط ... قال ولا اختلاف في العمل قط )
( ورده الشيخ بأن للشافعـي ... قولان فيها ثم بعض تابعــي )
( مذهبه قاضي الحسين منعـا ... وصاحب الحاوي به قد قطعـا )
( قالا كشعبة ولو جازت إذن ... لبطلت رحلة طلاب السنــن )
( وعن أبي الشيخ مع الـحربي ... إبطالها كذلك للسجـــري )
( لكن على جوازها استقـرا ... عملهم والأكثرين طــــرا )
( قالوا به كذا وجوب العمل ... بها وقيل لا كحكم المرســل )
( والثاني أن يعين المجاز لــه ... دون المجاز وهو أيضا قبلـه )
( جمهورهم رواية وعمــلا ... والخلف أقوى فيه مما قد خلا )
( والثالث التعميم في المجـاز ... له وقد مال إلى الجـــواز )
( مطلقا الخطيب وابن منـدة ... ثم أبو العلاء أيضا بعــده )
( وجاز للموجود عند الطبري ... والشيخ للإبطال مال فاحذر ) (2/62)
( وما يعم مع وصف حصر ... كالعلما يومئذ بالثغـــر )
( فإنه إلى الجواز أقـرب ... قلت عياض قال لست أحسب )
( في ذا اختلافا بينهم ممن يرى ... إجازة لكونه منحصــرا )
( والرابع الجهل بمن أجيز لـه ... أو ما أجيز كأجزت أزفلـه )
( بعض سماعاتي كذا إن سمـى ... كتابا أو شخصا وقد تسمى )
( به سواه ثم لما يتضــــح ... مراده من ذاك فهو لا يصح )
( أما المسمون مع البيـــان ... فلا يضر الجهل بالأعيــان )
( وينبغي الصحة إن جملهــم ... من غير عد وتصفح لــهم )
( والخامس التعليق في الإجازة ... بمن يشاؤها الذي أجـــازه )
( أو غيره معيـــنا والأولى ... أكثر جهلا وأجاز الكـــلا )
( معا أبو يعلى الإمام الحنبـلي ... مع ابن عمروس وقالا ينجلي )
( الجهل إذ يشاؤها والظاهـر ... بطلانها أفتى بذلك طاهـــر )
( قلت وجدت ابن أبي خيثمة ... أجاز كالثانية المبهـــــمة )
( وإن يقل من شاء يروي قربا ... ونحوه الأزدي مجيزا كتبـــا )
( أما أجزت لفلان إن يـرد ... فالأظهر الأقوى الجواز فاعتمـد )
( والسادس الإذن لمعدوم تبع ... كقوله أجزت لفلان مــــع )
( أولاده ونسله وعقبـــه ... حيث أتوا أو خصص المعدوم به )
( وهو أوهى وأجـاز الأولا ... ابن أبي داود وهو مثــــلا )
( بالوقف لكن أبا الطيب رد ... كليهما وهو الصحيح المعتمـد )
( كذا أبو نصر وجاز مطلقا ... عند الخطيب وبه قد سبقـا )
( من ابن عمروس مع الفراء ... وقد رأى الحكم على استواء ) (2/63)
( في الوقف أي في صحة من تبعا ... أبا حنيفة ومالكا معــا )
( والسابع الإذن لغير أهـــل ... للأخذ عنه كافر أو طفل )
( غير مميز وذا الأخـــــير ... رأى أبو الطيب والجمهور )
( ولم أجد في كافر نقلا بلــى ... بحضرة المزي تترى فعـلا )
( ولم أجد في الحمل أيضا نقـلا ... وهو من المعدوم أولى فعلا )
( وللخطيب لم أجد من فعلـه ... قلت رأيت بعضهم قد سأله )
( مع أبويه فأجاز ولعــــل ... ما أصفح الأسماء فيها إذ فعل )
( فينبغي البناء على ما ذكـروا ... هل يعلم الحمل وهذا أظهـر )
( والثامن الإذن بما سيحملــه ... الشيخ الصحيح أنا تبطلــه )
( وبعض عصريي عياض بذلـه ... وابن مغيث لم يجيب من سألـه )
( وإن يقل أجزته ما صح لـه ... أو سيصح ذا صحيح علمــه )
( الدارقطني وسواه أو حذف ... يصح جاز الكل حيث ما عـرف )
( والتاسع الإذن بما أجيــزا ... لشيخه فقيل لن يــــجوزا )
( ورد والصحيح الاعتمــاد ... عليه قد جوزه النقـــــاد )
( أبو نعيم وكذا ابن عقــده ... والدارقطني ونصر بعــــده )
( والى ثلاثا بإجازة وقـــد ... رأيت من والى بخمس يعتمــد )
( وينبغي تأمل الإجـــازة ... فحيث شيخ شيخه أجـــازه )
( بلفظ ما صح لديه لم يخـط ... ما صح عند شيخه منه فقــط )
وهي مصدر وأصلها إجوازه تحركت الواو وتوهم انفتاح ما قبلها فانقلبت ألفا وحذفت إحدى الألفين إما الزائدة أو الأصلية بالنظر لاختلاف (2/64)
سيبويه والأخفش لالتقاء الساكنين فصارت إجازة وترد في كلام العرب للعبور والانتقال والإباحة القسيمة للوجوب والامتناع وعليه ينطبق الاصطلاح فإنها إذن في الرواية لفظا أو كتبا يفيد الإخبار الإجمالي عرفا
وقال القطب القسطلاني إنها مشتقة من التجوز وهو التمدي فكأنه عدى روايته حتى أوصلها للراوي عنه وقال أبو عبد الله محمد بن سعيد بن الحجاج إن اشتقاقها من المجاز فكأن القراءة والسماع هو الحقيقة وما عداه مجازا والأصل الحقيقة والمجاز حمل عليه ويقع أجزت متعديا بنفسه وبحرف الجر كما سيأتي في لفظ الإجازة فأشرطها
ثم الإجازة تلي السماعا عرضا على المعتمد المشهور وقيل بل هي أقوى منه لأنها أبعد من الكذب وأنفى عن التهمة وسوء الظن والتخلص من الرياء والعجب قاله أبو القاسم عبد الرحمن بن منده بل كان يقول ما حدثت بحديث إلا على سبيل الإجازة حتى لا أوبق فأدخل في كتاب أهل البدعة ونحوه قول أحمد بن ميسر كما سيأتي قريبا
وقيل هما سواء قاله بقي بن مخلد وتبعه ابنه أحمد وحفيده عبد الرحمن فيما حكاه ابن عات عنهم ونحوه قول أبي طلحة منصور بن محمد المروزي الفقيه سألت أبا بكر بن خزيمة الإجازة لما بقي على من تصانيفه فأجازها لي وقال الإجازة والمناولة عندي كالسماع الصحيح وهو محتمل في إرادة الإجازة المجردة والأظهر أنه أراد المقتونة بالمناولة
وخص بعضهم الاستواء بالأزمان المتأخرة التي حصل التسامح فيها في السماع بالنسبة للمتقدمين لكونه آل لتسلسل السند إذ هو حاصل بالإجازة إلا إن وحد عالم بالحديث وفنونه وفوائده ومع ذلك فالسماع إنما هو حينئذ أولى لما يستفاد من المستمع وقت السماع لا بمجرد قوة رواية السماع على الإجازة ويتأيد هذا التفصيل بقول أبي بكر أحمد بن خالد بن ميسر (2/65)
الاسكندري المالكي كما رواه أبو العباس الوليد بن بكر الأندلسي شيخ الحافظ أبي ذر الهروي في كتابة الوجازة في صحة القول بالإجازة عن أحمد بن محمد بن سهل العطار عنه الإجازة عندي على وجهها خير وأقوى في النقل من السماع الردي وبعضهم بما إذا تعذر السماع
وكلام ابن فارس الآتي قد يشير إليه والحق أن الإجازة دون السماع لأنه أبعد عن التصحيف والتحريف وقد نوعت لتسعة بتقديم المثناة أنواعا أي من الأنواع مع كونها متفاوتة أيضا وإنما اقتصر على هذا العدد لمسيس الحاجة إليه وإلا فتتركب منها أنواع أخر ستأتي أشار إليه ابن الصلاح آخر الأنواع هذا مع إدراجه الخامس في الرابع في السابع والسادس بحيث كانت الأنواع عنده سبعة
فارفعها مما تجرد بحيث لا مناولة معها لعلو تلك وهو الأول من أنواعها تعيينه أي المحدث المجاز به وتعيينه الطالب المجاز له
كأن يقول إما بخطه ولفظه وهو أعلى أو بأحدهما أجزت لكم أو لفلان صحيح البخاري أو فهرست بكسر أوله وثالثه الذي يجمع فيه مرويه فالمجاز عارف بما اشتمل عليه ونحو ذلك كأن يقول له وقد أدخله خزانة كتبه إرو جميع هذه الكتب عني فإنها سماعاتي من الشيوخ المكتوبة عنهم أو إحالة على تراجمها ونبهه على طرق أوائلها
وبعضهم كما حكاه القاضي عياض حكى اتفاقهم أي العلماء أهل الظاهر على جواز ذا النوع وأن المختلف فيه من أنواعها غيره ونحوه قول أبي مروان الطيني كما حكاه عياض إنما تصح عندي إذا عين المجيز للمجاز ما أجاز له
قال وعلى هذا رأيت إجازات المشرق وما رأيت مخالفا له بخلاف ما إذا أبهم ولم يسم ما أجاز بل سوى بعضهم كما حكاه عياض أيضا بينه وبين (2/66)
المناولة قال وسماه أبو العباس بن بكر المالكي في كتابه إجازة مناولة وقال إنه يحل محل السماع والقراءة عند جماعة من أصحاب الحديث وقال إنه مذهب مالك وذهب القاضيان أبو بكر باقلاني وأبو الوليد سليمان بن خلف المالكي الباجي نسبة لباجة مدينة بالأندلس إلى نفي الخلاف عن صحة الإجازة مطلقا هذا النوع وغيره وهو غلط كما ستراه
قال الباجي كما حكاه عياض لا خلاف من سلف الأمة وخلفها في جواز الرواية بها والاختلاف إنما هو في العمل بهما قط أي فقط وكما سيأتي
ورده أي القول بنفي الخلاف وبقصره على العلم مصرحا ببطلانه الشيخ ابن الصلاح بأن مخففة من الثقيلة للشافعي وكذا لمالك قولان فيها أي في الإجازة جوازا ومنعا
وقال بالمنع جماعات من أهل الحديث والفقهاء كأشهب والأصوليين ثم رده أيضا بالقطع بمقابلة فبعض تابعي مذهبه أي الشافعي وهو القاضي الحسين المروزي منعا الرواية بها يعني جزما
وقال أحمد بن صالح المصري إنها لا تجوز البتة بدون مناولة وكذا القاضي حسن الماوردي صاحب الحاوي فيه به أي بعدم الجواز قد قطعا مع عزوة المنع لمذهب الشافعي كما رواه الربيع عنه حيث قال فاتني على الشافعي من كتابة ثلاث ورقات من البيوع فقلت له أجزها لي فقال بل أقرأها علي كما قرئت علي وكرر قوله حتى أذن لي في الجلوس وجلس فقرئ عليه وكذا قال ابن القاسم سألت مالكا عن الإجازة فقال لا أراها إنما يريد أحدهم أن يقيم المقام اليسير ويحمل العلم الكثير
وعن ابن وهب سمعت مالكا يقول لمن سأله الإجازة ما يعجبني والناس يفعلونه قال وذلك أنهم طلبوا العلم لغير الله يريدون أن يأخذوا الشيء (2/67)
الكثير في المقام القليل ومثل هذا قول عبد الملك بن الماجشون لرسول اصبغ بن الفرج في ذلك قل له إن كنت تريد العلم فارحل له
وقالا أي القاضي الحسين والماوردي كقول شعبة بالصرف للضرورة وابن المبارك وأضرابهما ما معناه ولو حازت الإجازة إذن بالنون لجماعة منهم المبرد حتى كان يقول اشتهي أن أكون بد من يكتبها بالألف لأنها مثل أن ولن ولا يدخل التنوين في الحروف لبطلت رحلة بكسر الراء وضمها أي انتقال طلاب السنن لأجلها من بلد إلى بلد لاستغنائهم بالإجازة عنها زاد شعبه
وكل حديث ليس فيه سمعت قال سمعت فهو خل بقل ونحوه قول أبي زرعة الرازي وما رأينا أحدا يفعلها وإن تساهلنا في هذا يذهب العلم ولم يكن للطلب معنى وليس هذا من مذاهب أهل العلم
وجاء أيضا عن أبي الشيخ وهو عبد الله بن محمد الأصبهاني الحافظ صاحب التصانيف الشهيرة مع أبي إسحاق إبراهيم بن إسحاق الحربي إبطالها قال أبو أيوب سليمان بن إسحاق الجلاب سمعته يقول الإجازة والمناولة لا يجوز وليس هي شيء وكذا قال صالح بن محمد الحافظ جزره فيما ذكره الحاكم في ترجمته من تاريخه والخطيب في الكفاية الإجازة ليست بشيء
وحكاه الآمدي وابن الحاجب عن أبي حنيفة وأبي يوسف كذاك للسجزي بكسر المهملة ثم جيم بعدها زاء نسبة لسجستان على غير قياس وهو أبو نصر عبيد الله بن سعيد الوائلي الحافظ أحد أصحاب الحاكم القول بإبطالها بل حكاه عن بعض من لقيه فقال سمعت جماعة من أهل العلم يقولون قول المحدث قد أجزت لك إن تروي عني تقديره أجزت لك مالا يجوز في الشرع لأن الشرع لا يبيح ما لم يسمع وحكى أبو بكر محمد بن (2/68)
ثابت الحجندي من الشافعية وهو من القائلين بالإبطال عن القاضي أبي طاهر محمد بن أحمد بن نصر الدباس من الحنفية أن من قال لغيره أجزت لك أن تروي عني ما لم تسمع فكأنه يقول أجزت لك أن تكذب علي
ورواه السلفي في كتابه الوجيز في ذكر المجاز من طريق الخليل ابن أحمد السجستاني عن أبي طاهر وكذا قال ابن حزم في كتابه الأحكام الإجازة يعني المجردة التي يستعملها الناس باطلة ولا يجوز أن يجيز بالكذب ومن قال لآخر أرو عني جميع روايتي أو يجزيه بها ديوانا ديوانا وإسنادا إسنادا فقد أباح له الكذب قال ولم تأت من النبي صلى الله عليه و سلم ولا عن أصحابه ولا عن أحد من التابعين وأتباعهم فحسبك بما هذه صفته
وكذا قال إمام الحرمين في البرهان ذهب ذاهبون إلى أنه لا يتلقى بالإجازة حكم ولا يسوغ التقويل عليها عملا أو رواية لكن على جوازها أي الإجازة استقر عملهم أي أهل الحديث قاطبة وصار بعد الخلف إجماعا وأحيى الله بها كثيرا من دواوين للحديث مبوبها ومسندها مطولها ومختصرها وألوفا من الأجزاء النثرية مع جملة من المشيخات والمعاجم والفوائد إنقطع إتصالها بالسماع وإقتديت بشيخ فمن قبله فوصلت بها جملة ورحم الله الحافظ علم الدين البرز إلى حيث بالغ في الاعتناء بطلب الاستجازات من المسندين للصغار ونحوهم فكتب غير واحد من الاستدعاءات ألفيا أي مشتملا على ألف اسم وتبعه أصحابه به كابن سعد والواني وانتفع الناس بذلك
وكذا ممن بالغ في عصرنا في ذلك مفيدنا الحافظ أبو النعيم المستملي عمدة المحدثين النجم بن فهر الهاشمي فجزاهم الله خيرا
وممن اختار التعويل عليها مع تحقيق الحديث إمام الحرمين وما أحسن قول الإمام أحمد إنها لو بطلت لضاع العلم ولذا قال عيسى بن مسكين (2/69)
صاحب سحنون فيما رواه أبو عمر والداني من طريقة هي رأس مال كبير وهي قوية
وقال السلفي هي ضرورية لأنه قد يموت الرواة وتفقد الحفاظ الوعاة فيحتاج إلى بقاء الإسناد ولا طريق إلا الإجازة فالإجازة فيها نفع عظيم ووفر جسيم إذ المقصود إحكام السنن المروية في الأحكام الشرعية وأخبار الآثار وسواء كان بالسماع أو القراءة أو المناولة أو الإجازة قال وسومح بالإجازة لقوله تعالى ( وما جعل عليكم في الدين من حرج ) وقوله صلى الله عليه و سلم بعثت بالحنفية السمحة
قال ومن منافعها أنه ليس كل طالب يقدر على رحلة وسفر إما لعلة توجب عدم الرحلة أو بعد الشيخ الذي يقصده فالكتابة حينئذ أرفق وفي حقه أوفق فيكتب من بأقصى الغرب إلى من بأقصى الشرق ويأذن له في رواية ما يصح عنه انتهى
وقد كتب السلفي هذا من ثغر إسكندرية لأبي القاسم الزمخشري صاحب الكشاف وهو بمكة يستجيزه جميع مسموعاته وإجازاته ورواياته وما ألفه في فنون العلم وأنشأة من المقامات والرسائل والشعر فأجابه بجزء لطيف فيه لغة وفصاحة مع الهضم فيه لنفسه
وكان من جملته وأما الرواية فقريبة الميلاد حديثة الإسناد لم تعتضد بأشياخ نحارير ولا بأعلام مشاهير وكذا استجاز أبا شجاع عمر بن أبي الحسن البسطامي فأجابه بقوله في أبيات
( إني أجزت لكم عني روايتكم ... لما سمعت من أشياخي وأقراني ) (2/70)
( من بعد أن تحفظوا شرط الجواز ... لها مستجمعين بها أسباب إتقان )
( أرجو بذلك أن الله يذكــرني ... يوم النشور وإياكم بغفــران )
وقال أبو الحسن ابن النغمة لم تزل مشايخنا في قديم الزمان يستعملون هذه الإجازات ويرونها من أنفس الطلبات ويعتقدونها رأس مال الطالب ويرون من عدمها المغلوب لا الغالب فإذا ذكر حديثا أو قراءة أو معنى ما قالوا أين إسناده وعلى من اعتماده فإن عدم سندا يترك سدى ونبذ قوله ولم يعلم فضله
والأكثرون من العلماء بالحديث وغيره طرا بضم الطاء وتشديد الراء المهملتين جميعا قالوا به أي بالجواز أيضا قبل انعقاد الاجتماع عليه
وحكاه الآمدي عن أصحاب الشافعي وأكثر المحدثين وبه قال الربيع وحكى عن أبي يوسف أيضا وإليه ذهب الشيخان ولكن شيخنا متوقف في كون البخاري كان يرى بها فإنه يذكر يعني في العلم من صحيحه الإجازة المجردة عن المناولة أو المكاتبة ولا الوجادة ولا الوصية ولا الأعلام المجردات عن الإجازة وكأنه لا يرى بشيء منها انتهى
وقد يغمض الاحتجاج لصحتها ويقال الغرض من القراءة الإفهام والفهم حاصل بالإجازة المفهمة وهذا مأخوذ من كلام ابن الصلاح فإنه قال وفي الاحتجاج لذلك غموض أي من جهة التحديث والإخبار بالتفاصيل ويتجه أن نقول إذا أجاز له أن يروي عنه مرياته يعني المعينة أو المعلومة فقد أخبره بها جملة فهو كما لو أخبره بها تفصيلا وإخباره له بها لا يتوقف على التصريح نطقا يعني في كل حديث كالقراءة وإنما الغرض (2/71)
حصول الإفهام والفهم وذلك يحصل بالإجازة المفهمة وارتضاه كل من بعده
ولكن قد بحث فيه بعض المتأخرين وقال إنه قياس مجرد عن العلة فلا يكون صحيحا وأيضا فمنع الإلحاق متجه والفرق ناهض إذ لا يلزم من الجواز في المفصل الجواز في المجمل لجواز خصوصيته في المفصل ولو عكس لجاز
وفيه نظر فابن الصلاح لم يجرد القياس عن العلة بل صرح بأن الإفهام يعني الإعلام بأن هذا مروية هو المقصود بالقراءة وذلك حاصل بالإجازة المفهمة
على أن هذا الباحث قد ذكر في الرد على الدباس ومن وافقه ما لعله انتزعه من ابن الصلاح فإنه قال والحق أن الراوي بها إذا أخبر بأن الذى يسوقه من جملة تفاصيل ما تعلقت به الإجازة وأنه فرد من أفراد تلك الجملة التي وقع الإخبار بها وأنه قد أخبر به على هذه الكيفية لا من جهة تعينه وتشخيصه فلا نزاع أن هذا ليس من الكذب في شيء وعليه يتنزل الجواز انتهى
والإفصاح في الإخبار بكونه إجازة بعد اشتهار معناه كاف وكذا يستدل لها بقوله صلى الله عليه و سلم بلغوا عني الحديث فقد استدل به البلقيني كما سيأتي للإجازة العامة فتكون هنا أولى
ثم إن ما تقدم عن الشافعي حمله الخطيب والبيهقي على الكراهة ويتأيد بتصريح الربيع بالجواز بل صرح الشافعي بإجازاتها لمن بلغ سبع سنين كما تقدم في مسألة سماع الصغير ويأتي في النوع السابع أيضا ولما قال له الحسين الكرابيسي أتأذن لي أن أقرأ عليك الكتاب قال له خذ كتب (2/72)
الزعفراني فانتسخها فقد أجزتها لك ولعل توفقه مع الربيع ليكون تحمله للكتاب على هيئة واحدة وكذا حمل الخطيب قول مالك لا أراها على الكراهة أيضا لما ثبت عنه من التصريح بصحة الرواية بأحاديث الإجازة وقد قال أبو الحسن بن المفضل الحافظ إنه نقل عنهما أعني مالكا والشافعي أقوال متعارضة بظاهرها والصحيح تأويلها والجمع بينهما وأن مذهبهما القول بصحتها انتهى
وحينئذ فالكراهة إما الخشية الاسترواح بها بحيث يترك السماع وكذا الرحلة بسببه كما صرح به شعبة ومن وافقه
وقد رده أبو الحسين بن فارس بأنا لم نقل باقتصار الطالب عليها بحيث لا يسعى ولا يرحل بل نقول بها لمن له عذر من قصور نفقة أو بعد مسافة أو صعوبة مسلك أكوأصحاب الحديث يعني ممن قال بها لا زالوا يتجشمون المصاعب ويركبون الأهوال في الارتحال أخذا بما حث عليه صلى الله عليه و سلم ولم يقعدهم اعتمادها عن ذلك وكلام السلفي الماضي يساعده ونحوه قول بعض المتأخرين إنها ملازمة في مقام المنع لبقاء الرحلة من جهة تحصيل المقام الذى هو أعلى من الإجازة في التحمل
نعم قد زاد الركون الآن إليها وكاد أن لا يؤخذ بالسماع ونحوه الكثير من الأصول المعول عليها لعدم تمييز السامع من المجاز أو للخوف من النسبة للتعجيز حيث لم يكن للرواية قد جاز بل قد توسع في الإذن لمن لم يتأهل بالافتاء والتدريس واستدرج للخوض في ذلك الإبهام والتلبيس وكثر المستمرين بالفقه والحديث وغيرهما من العلوم من ضعف الأحلام والفهوم فالله يحسن العاقبة
وأما التضمين حمل العلم لمن ليس من أهله ولا عرف بخدمته وحمله كما دل عليه امتناع مالك من إجازة من هذه صفته وقوله يحب أحدهم أن يدعي (2/73)
قسما ولما يخدم الكنيسة يعني بذلك كما قال الخطيب إن الرجل يجب أن يكون فقيه بلده ومحدق مصره من غير أن يقاسي عناء الطلب ومشقة الرحلة اتكالا على الإجازة كمن أحب من رذال النصارى أن يكون قسا ومرتبته لا ينالها الواحد منهم إلا بعد استدراج طويل وتعب شديد انتهى
وقد عبر بعضهم عن هذا المعنى بقوله أتحب أن تتزبب قبل أن تتحصرم ونحوه قول مالك أيضا يريد أخذ العلم الكثير في الوقت اليسير أو نحو ذلك وكل هذا موافق لمشترط التأهل حين الإجازة كما ستأتي المسألة في النوع السابع وفي لفظ الإجازة وشرطها وما حكاه أبو نصر عن من لم يسمعه لا ينهض دليلا على البطلان بل هو عين النزاع
وكذا ما قاله الدباس وابن حزم ليس بمرضي لما علم من رده مما تقدم وأيضا فلم يقل أحد بصحة الرواية بها قبل ثبوت الخبر عن المجيز ولا بدون شروط الرواية بل قيد إمام الحرمين كما تقدم الصحة بتحقق الحديث في الأصل وهو اختيار الغزالي في المستصفى وكذا قيد البرقاني الصحة بمن كانت له نسخة منقولة من الأصل أو مقابلة به وإطلاق الحربي والمنع كما قال الخطيب محمول على من لم يكن كذلك لقول الجلاب راوي ما تقدم عنه قلت له سمعت كتاب الكلبي وقد تقطع على والدي هو عنده يريد الخروج فهل ترى أن أستجيزه أو أسأله أن يكتب به إلي
قال الإجازة ليست بشيء سله أن يكتب به إليك وكذا المعتمد وجوب العمل والاحتجاج بالمروي بها ممن يسوغ له ذلك عند الجمهور لأنه خبر متصل الرواية فوجب العمل به كالسماع إلا لمانع آخر
وقيل وهو قول أهل الظاهر ومن تابعهم لا يجب العمل به كحكم الحديث المرسل قال ابن الصلاح وهذا باطل لأنه ليس في الإجازة ما يقدح في اتصال المنقول بها ولا في الثقة به بخلاف المرسل فلا إخبار فيه البتة وسبقه الخطيب فقال كيف يكون من نعرف عليه وأمانته وعدالته بمنزلة من لا (2/74)
نعرفه قال وهذا واضح لا شبهة فيه
والنوع الثان بحذف الياء من أنواع الإجازة المجردة عن المناولة أن يعين المحدث الطالب المجازله دون الكتاب المجاز به كأن يقول إما بخطه ولفظه أو بأحدهما أجزت لك أو لكم جميع مسموعاتي أو مروياتي وما أشبه ذلك وهو أي هذا النوع أيضا قبله جمهورهم أي العلماء من المحدثين والفقهاء والنظار سلفا وخلفا رواية وعملا بالمروي به بشرطه الآتي في شرط الإجازة ولكن الخلف في كل من جواز الرواية وجوب العمل أقوى فيه أي في هذا النوع مما قد خلا في الذي قبله بل لم يحك أحد الاجماع فيه لأنه لم ينص له في الإجازة على شئ بعينه ولا أحاله على تراجم كتب بعينها من أصوله ولا من الفروع المقروءة عليه وإنما أحاله على أمر عام وهو في تصحيح ما روى الناس عنه على خطر لا سيما إذا كان كل منهما في بلد وحينئذ فيجب كما قال الخطيب على هذا الطالب التفحص عن أصول الراوي من جهة العدول الأثبات فما صح عنده من ذلك جاز له أن يحدث به ويكون مثال ما ذكرناه قول الرجل لآخر ولا وكلتك في جميع عندك أنه مالك لي أن تنظر فيه على وجه الوكالة المفوضة فإن هذا ونحوه عند الفقهاء من أهل المدينة صحيح ومتى صح عنده ملك للموكل كان له التصرف فيه فكذلك هذه الإجازة المطلقة متى صح عنده شيء من حديثه جاز له أن يحدث به
والنوع الثالث من أنواع الإجازة التعميم في المجاز له سواء عاين المجاز به أو أطلق كأن يقول إما بخطه ولفظه أو بأحدهما أجزت للمسلمين أو لكل أحد أو لمن أدرك زماني أو نحو ذلك الكتاب الفلاني أو مروياتي وقد تكلم في هذا النوع المتأخرون ممن جوز أصل الإجازة واختلفوا فيه فمال أي ذهب إلى الجواز مطلقا سواء الموجود حين الإجازة أو بعدها وقيل وفاة المجيز قيد بوصف حاصر كأهل الإقليم الفلاني أو من دخل بلد كذا أو من وقف على خطى أو من ملك نسخة من (2/75)
تصنيفي هذا أو نحو ذلك أو لم يقيد كأهل لا إله إلا الله الحافظ أبو بكر الخطيب فإنه اختار فيما إذا أجاز بجماعة المسلمين للصحة متمسكا بأحد القولين للشافعية في الوقف على المجهول ومن لا يحصى كبني تميم وقريش الذي جنح إلى كونه أظهر القولين عنده وهو الأصح قياسا على الفقراء والمساكين إذ كل من أجاز عليه الوقف إذا أحصى وجب أن يجوز عليه ولم يخص كما قرر ذلك في مصنفه في الإجازة للمجهول والمعدوم
وممن صحح الوقف كذلك المالكية وأبو يوسف ومحمد بن الحسن وقالوا ومن أجاز الوقف منهم فهو أحق به وكذا جوز هذا النوع جماعة ومال إليه الحافظ أبو عبد الله ابن منده فإنه أجاز لمن قال لا إله إلا الله ثم الحافظ الثقة أبو العلاء الحسن بن أحمد بن الحسن بن أحمد بن محمد بن سهل الهمداني العطار جوزه أيضا بعده أي بعد ابن منده حسبما نسبه إليه بل وإلى غيره الحافظ أبو بكر الحازمي إذ سأله أبو عبد الله محمد بن سعيد التنيسي عن الرواية بها فإنه قال له لم أر في اصطلاح المتقدمين من ذلك شيئا غير أن نفرا من المتأخرين استعملوا هذه الألفاظ ولم يروا بها بأسا ورأوا أن التخصيص والتعميم في هذا سواء
وقالوا متى عدم السماع الذي هو مضاه للشهادة فلا معنى للتعيين قال ومن أدركت من الحفاظ نحو أبي العلاء يعني العطار وغيره كانوا يميلون إلى الجواز وفيما كتب إلينا الحافظ أبو طاهر السلفي من الإسكندرية في بعض مكاتباته أجاز لأهل بلدان عدة منها بغداد وواسط وهمدان وأصبهان وزنجان انتهى
وأجاز أبو محمد عبد الله بن سعيد السبيجاني أحد الجلة من شيوخ الاندلس لكل من دخل قرطبة من طلبة العلم ووافقه على ذلك جماعة منهم صاحبه أبو عبد الله ابن عتباب حكاه عنهما عياض وقال غيره إن أولهما أجاز صحيح مسلم لكل من أراد حمله عنه من جميع المسلمين وكان سمعه من (2/76)
السجزي بمكة ثم قال عياض وإلى صحة الإجازة العامة للمسلمين من وجد منهم ومن لم يوجد ذهب غير واحد من مشايخ الحديث
وكذا جاز للموجود حين الإجازة خاصة عند القاضي أبي الطيب طاهر الطبري فيما نقله عنه صاحبه الخطيب في تصنيفه المشار إليه فإنه قال وسألته عن هذه المسألة فقال لي يجوز أن يجيز لمن كان موجودا حين إجازته من غير أن يعلق ذلك بشرط أو جهالة سواء كانت الإجازة بلفظ خاص كأجزت لفلان وفلان أو عام كأجزت لبني هاشم وبني تميم ومثله إذا قال أجزت لجماعة المسلمين فإن الحكم عند القاضي أبي الطيب في ذلك سواء إذا كانت الإجازة لموجود انتهى
ومن الأدلة لذلك سوى ما تقدم قوله صلى الله عليه و سلم بلغوا عني الحديث وقد قوى الاستدلال به البلقيني ومنع الاستدلال بما رواه ابن سعد في الطبقات من حديث أبي رافع أن عمر رضي الله عنه لما احتضر قال من أدرك وفاتي من سبي العرب فهو حر من مال الله بأن العتبق النافذ لا يحتاج إلى ضبط وتحديث وعمل بخلاف الإجازة ففيها ذلك ووجه بعضهم باشتراكهما في أن كلا منهما يستدعي تعيين المحل وتشخيصه ضرورة أن الراوي بالإجازة لا يجوز أن يكون مآله الوحدة النوعية بل مآله الوحدة الشخصية وكذلك ما ينفذ فيه العتق ويصح فيه وليس بشئ وعلى كل حال فقد قال الحازمي إن التوسع بها في هذا الشأن غير محمود
وعلى كل حال فقد قال الحازمي إن التوسع بها في هذا الشأن غير محمود فمهما أمكن العدول عنه إلى غير هذا الاصطلاح أو تهيأ تأكيده بمتابع له سماعا أو إجازة خاصة كان ذلك أحرى بل الذى اختاره الحافظ عبد الغني بن سرور كما وجده المنذر بخطه منع الرواية بها وعدم التعريج عليها قال والإتقان تركها وذهب الماوردي كما حكاه عياض إلى المنع أيضا في المجهول كله من المسلمين أو طلبة العلم من وجد منهم (2/77)
ومن لم يوجد وكذا الشيخ ابن الصلاح للإبطال أيضا مال حيث قال ولم نر ولم نسمع عن أحد ممن يقتدي به أنه استعمل هذه الإجازة فروى بها ولا عن الشراذمة المستأخرة الذين سوغوها والإجازة في أصلها ضعيفة وتزداد بهذا التوسع والاسترسال ضعفا كثيرا لا ينبغي استعماله فاحذر أيها الطالب استعمالها رواية عملا
وقد انصف ابن الصلاح في قصره النفي على روايته وسماعه لأنه قد استعملها جماعات ممن تقدمه من الأئمة المقتدى بهم كالحافظ أبي الفتح نصر بن إبراهيم المقدسي الفقيه فقد قال أبو القاسم هبة الله بن المحسن المقدسي الفقيه فيما سمعه منه السلفي كما في معجم السفر له إنه سأله الإجازة فقال قد أوجزت لك ولكل من وقع بيده جزء من رواياتي فاختار الرواية عني وكالحافظ أبي محمد الكتاني فإن صاحبه أبا محمد بن الأكفاني دخل عليه في مرضه فقال له أنا أشهدكم أني قد أجزت لكل من هو مولود الآن في الإسلام يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وروى عنه بهذا الإجازة محفوظ بن صصري التغلبي وكالحافظ السلفي حيث حدث بها عن ابن خيرون فيما قاله ابن دحية وغيره وهو وإن أستفيد من كلام الحازمي الذى صنيع ابن الصلاح مشعر باقتفائه فلعله لم يستحضره بل عزى تجويزها والرواية بها أيضا لغير واحد من الحفاظ الحافظ عبد الغني بن سعيد وحدث بها أيضا الحافظ أبو بكر محمد بن خير الأشبيلي المالكي في برنامجه الشهير وابن أبي المعمر في كتابه علوم الحديث عن السلفي وكذا أبو العلاء العطار المذكور عن أبي بكر الشيروي فيما أفاده الرافعي بل حدث بها الرافعي نفسه في تاريخ قزوين عن السلفي وقال إنه أجاز لمن أدرك حياته في سنة سبع وستين وخمسمائة
ولما ترجم الوزير بن بنيمان بن علي السلمي القزويني في تاريخه قال إنه شيخ مستور معمر ذكر أنه كان ابن خمس أو ست حين كانت الزلزلة (2/78)
بقزوين في رمضان سنة ثلاث عشرة وخمسمائة فتناولته إجازة الشيروي العامة لأنه مات سنة عشر فقرأت عليه سنة ستمائة أحاديث مخرجة من مسموعات الشيروي انتهى
وحدث بها أبو الخطاب ابن دحية في تصانيفه عن أبي الوقت والسلفي واستعملها خلق بعد ابن الصلاح كأبي الحسن الشيباني القفطي حدث في تاريخ النحاة بها عن السلفي وأبي القاسم بن الطيلسان حدث بها عن أبي جعفر وأبي العباس أحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن مضاء التجيبي والحافظ الدمياطي حدث بها عن المؤيد الطوسي وغيره وعبد الباري الصعيدي حدث بها عن الصفراوي بمشيخته وابن جعفر بن الزبير والتقى ابن دقيق العيد والعماد بن كثير حيث حدث بها عن الدمياطي عن المؤيد عامة عن عامة والزين العراقي المصنف حدث في الأربعين العشاريات له عن أبي محمد عبد الرحمن بن مكي بن إسماعيل الزهري العوفي عن سبط السلفي إذنا عاما وولده الولي العراقي حدث عن اثنين من شيوخه ممن دخل في عموم إجازة النووي وهو أعني النووي رحمه الله ممن صحح جوارها في زيادات الروضة في الطرف الثاني في مستند قضاء القاضي من الباب الثاني من جامع آداب القضاء بعد أن ذكر أن من صورها أن يقول أجزت لكل أحد أن يروي قال وبه قطع القاضي أبو الطيب الطبري وصاحبه الخطيب البعدادي وغيرهما من أصحابنا وغيرهم الحفاظ
ونقل الحافظ أبو بكر الحازمي المتأخر من أصحابنا يعني كما تقدم أن الذين أدركهم من الحفاظ كانوا يميلون إلى جوازها وصححه أيضا في غير الروضة مت تصانيفه
وكذا رجح جوازها أبو عمرو بن الحاجب والعز بن جماعة وقال إنه أي جواز الرواية ووجوب العمل بالمروي بها الحق (2/79)
وعمل بها النووي فإنه قال كما قرأته بخطه آخر بعض تضانيفه وأجزت روايته لجميع المسلمين وأجازها أبو الفضل أحمد بن الحسن بن خيرون الباقلاني البغدادي وأبو الوليد بن رشد المالكي وغيرهما
وأجاز لمن أدرك حياته أبو جعفر أحمد بن عبد الرحمن بن مضاء الماضي وأبو الحسين عبيد الله بن أبي الربيع القرشي والقطب محمد بن أحمد بن علي القسطلاني وأبو الحجاج المزي الحافظ وكتب بذلك خطه في آخر بعض تصانيفه والفخر بن البخاري وأبو المعالي الأبرقوهي وخلق من المستندين كالحجار وزينب ابنة الكمال حتى إنه لكثرة من جوزها أفردهم الحافظ أبو جعفر محمد بن الحسين بن أبي البدر البغدادي الكاتب في تصنيف رتبهم فيه على حروف المعجم وكذا جمعهم أبو رشيد بن الغزالي الحافظ في كتاب سماه الجمع المبارك أفاده أبو العلاء الفرضي وذكر منهم حيدر بن أبي بكر بن حيدر القزويني
وقال النووي مشيرا لتعقب ابن الصلاح في كونه لم ير من استعملها حتى ولا من سوغها حسبما تقدم إن الظاهر من كلام من صححها جواز الرواية بها وهذا مقتضى صحتها وأي فائدة لها غير الرواية انتهى واستجاز بها خلق لا يحصون كثرة منهم أبو الخطاب بن واجب فإنه سأل أبا جعفر بن مضاء الإجازة العامة في كل ما يصح إسناده إليه على اختلاف أنواعه لجميع من أراد الرواية عنه من طلبة العلم الموجودين حينئذ فأسعفهم بها وأبو الحسن محمد بن أبي الحسن الوراق فإنه سأل أبا الوليد بن رشد الإجازة لكل من أحب الحمل عنه من المسلمين حيث كانوا ممن ضمته وإياه حياة في عام الإجازة فأجابه لذلك كما حكاه ابن خير
ودعى الحافظ الزكي المنذري الناس لأخذ البخاري عن أبي العباس بن قامتيت بالإجازة العامة فأخذه عنه خلق كثيرون وسمع بها الحفاظ (2/80)
المزي والبرزالي والذهبي وغيرهم على الركن الطاووسي بإجازته العامة من أبي جعفر الصيدلاني وغيره
وكذا لما قدم الصدر أبو المجامع إبراهيم بن محمد بن المويدي الحموي بعيد السبعمائة اجتمع عليه الحفاظ والمحدثون وسمعوا منه بإجازة العامة من الصيدلاني أيضا
وقرأ الصلاح أبو سعيد العلائي الحافظ على الحجاز بإجازته العامة من الحجاز والمحدث الرحال أبو جعفر البسكري المدني على التقي محمد بن صالح بن إسماعيل الكناني بإجازته العامة من الدمياطي والصلاح خليل الافقهسي الحافظ وغيره على زينب ابنة محمد بن عثمان بن العصيدة بإجازتها العامة من الفخر وزينب ابنة مكل ونحوهما وسمع شيخنا من الذين محمد بن أحمد بن سليمان الفيشي عرف بالمرجاني بإجازته العامة من الدمياطي ومن إسماعيل بن إبراهيم الزبيدي الداعية بإجازته العامة من البهاء أبي محمد بن عساكر والحافظ الحمال بن مرسي المراكشي وغيره من سليمان بن خالد الخضري الإسكندري بها بإجازته العامة من الفخر بن البخاري وصاحبنا النجم بن فهد الهاشمي وغيره من أحمد بن علي بن إسماعيل الزاهدي الدمشقي بها بإجازته من زينب ابنة الكمال في آخرين من المحدثين وغيرهم غير أنه اغتفر في الطلب ما لم يغتفر في الأداء بحيث أن أهل الحديث يقولون إذا كتبت فقمش أي جمع ما وجدت
وإذا حدثت ففتش أي تثبت عند الرواية وعلى كل حال فقد قال الشارح مع كونه كما قدمت ممن روى بها وفي النفس من ذلك شيء وأنا أتوقف عن الرواية بها وقال في نكتة والاحتياط ترك الرواية بها بل نقل شيخنا عدم الاعتداد بها عن متقني شيوخه ولم يكن هو أيضا يعتد بها حتى لو كان فيها بعض خصوص كأهل مصر اقتناعا بما عنده من السماع والإجازة (2/81)
الخاصة ولا يورد في تصانيفه بها شيئا ويرى هو شيخه أن الرواية بإسناد يتوالى في الأجائز ولو كان جميعه كذلك أولى من سند فيه إجازة عامة كما سيأتي في النوع التاسع
وقال في توضيح النخبة له إن القول بها توسع غير مرضي لأن الإجازة الخاصة المعينة مختلف في صحتها اختلافا قويا عند القدماء وإن كان العمل استقر على اعتبارها عند المتأخرين فيه دون السماع بالاتفاق فكيف إذا حصل فيها الاستراسال المذكور فإنها تزداد ضعفا لكنها في الجملة خير من إيراد الحديث معضلا
قلت والحجة للمبطلين أنها إضافة إلى مجهول فلا يصح كالوكالة
وبالجملة فلم تطب نفسي للأخذ بها فضلا عن الرواية لا سيما وأكثر من لقيناه ممن يدعي التعمير أو يدعي له في توقف حتى إن شخصا من أعيانهم له تقدم في العلوم زعم أنه جاز المائة بثلاثين فأزيد وازدحم عليه من لا يتميز له بل ومن له شهرة بينهم في هذا الشأن ثم حققت لهم أنه نحو الثمانين فقط
ونحوه ما اتفق أن شخصا كان يقال له إبراهيم بن حجي الخليلي ممن توفى بعد الثلاثين وثماني مائة ادعى أن مولده سنة خمس وعشرين وقرأ عليه بعض الطلبة بإجازته من الحجاز ونحوه من طعن الحافظ التقي الفاسي عليه في دعواه
وأما الرواية فعندي بحمد الله من المسموع والإجازة الخاصة ما يغني عن التوسع بذلك
نعم قد دخلت في إجازة خلق من المعتبرين هي إلى الخصوص أقرب وهي الاستجازة لأبناء صوفية الخانقاه البيبرسية وكنت إذ ذاك منهم فأوردتهم في معجمي مع تمييزهم عن غيرهم لاحتمال الاحتياج إليهم أو إلى أحدهم (2/82)
وغالب الظن أن من يصحح الإجازة الخاصة لا يتوقف في هذا وقد صرح ابن الصلاح بقوله وما يعم من وثف حصر كالعلماء الموجودين يومئذ أي يوم الإجازة بالثغر دمياط أو وإسكندرية أو صيدا أو غيرها أو نحو ذلك كأجزت لمن ملك نسخة من التصنيف الفلاني فإنه في هذه الصورة إلى الجواز أقرب وهذا وإن لم يصرح فيه بتصحيح فقد عمل به حيث أجاز ورواية علوم الحديث من تصنيفيه لمن ملك منه نسخة ونحوه قول الفقيه أي الفتح نصر بن إبراهيم القدسي لمن سأله الإجازة كما تقدم أجزت لك ولكل من وقع بيده جزء من رواياتي فاختار الرواية عني
وكذا أجاز أبو الأصبغ ابن سهل القاضي لكل من طلب عليه العلم ببلده قلت وسبق ابن الصلاح عياض فقال لست احسب أي أظن في جواز ذا أي الإجازة لمن هو الآن من طلبة العلم ببلد كذا أو لمن قرأ على قبل هذا اختلافا بينهم أي العلماء ممن يرى إجازة أي يعتمد الإجازة رواية وعملا ولا رأيت منعه أي بخصوصه لأحد لكونه منحصرا موصوفا كقوله لا ولا وفلان أو إخوة فلان انتهى
وكذا جزم به شيخنا في أولاد فلان ونحوه وسبقه ابن الجوزي فقال وقع لنا وقت الطلب استدعاآت فيها أسماء معينة وفي بعضها ولفلان وأولاده الموجودين يومئذ وفي بعضها ولفلان وإخوته الموجودين في تاريخ الاستدعاء وأدركنا جماعة من هؤلاء الذين كانوا موجودين فسمعنا منهم بهذه الإجازة ولم ينكر ذلك حد من أئمتنا وأجرى مجرى من هو مسمى وفي نفسي أنه دونه انتهى
وحينئذ فكل ما قيل فيه العموم بالقرب من الخصوص الحقيقي لوجود الخصوص الإضافي فيه يكون أقرب إلى الجواز من غيره ويلتحق بذلك أجزت لأهل السنة والشيعة أو الحنفية أو الشافعية فهو أخص من جميع (2/83)
المسلمين وأقل انتشارا لانحصار المجاز بالصفة الخاصة مع العموم فيه
والنوع الرابع من أنواع الإجازة الجهل بمن أجيز له من الناس أو بم أجيز به من المروي فالأول كأجزت بعض الناس أو أزفلة بفتح الهمزة وإسكان الزاي وفتح الفاء ثم لام مفتوحة وهاء التأنيث الجماعة من الناس والثاني كأجزت فلانا بعض سماعاتي وكذا من هذا النوع مما هو جهل بالتعيين إن سمي المجيز كتابا أو شخصا وقد تسمى به أي بذاك الكتاب أو الشخص سواه مثل أن يقول أجزت لك أن تروي عني كتاب السنن وفي مروياته عدة كتب يعرف كل منها بالسنن كأبي داود والدارقطني والبيهقي وغيرها أو يقول أجزت محمد بن عبد الله الأنصاري وفي ذلك الوقت جماعة مشتركون في هذا الاسم وقد تكون الجهالة فيهما معا كأن يقول أجزت جماعة بعض مسموعاتي أو أجزت محمد بن عبد الله الأنصاري كتاب السنن
ثم لما أي لم يتضح مراده أي المجيز من ذاك كله بقرينة فهو أي هذا النوع لا يصح للجهل في هذه الصور كلها عند السامع وعدم التمييز فيه وكونه مما لا سبيل لمعرفته وتمييزه
وممن صرح بذلك في الصورة الأولى عياض فقال قوله أجزت لبعض الناس أو لقوم أو لنفر لا غير لا تصح الرواية به ولا تفيد هذه الإجازة إذ لا سبيل إلى معرفة هذا المبهم ولا تعيينه
وصرح ابن الصلاح في الصورة الثانية بقوله فهذه إجازة فاسدة لا فائدة فيها وكذا جزم النووي بعدم الصحة فيها في زوائد الروضة عقب آداب القضاء قبيل القضاء على الغائب في مستند قضائه نعم إن اتضح مراده فيها بقرينة كان يقال له أجزت لمحمد بن عبد الله بن المثني بن عبد الله بن أنس بن مالك الأنصاري بحيث لا يلتبس مع غيره ممن اشترك معه في اسمه واسم أبيه (2/84)
ونسبته فيقول أجزت لمحمد بن عبد الله الأنصاري أو يقال له أجزت لي كتاب السنن لأبي داود فيقول أجزت لك رواية السنن أو يقال له أجزت للجماعة المقيمين بمسجد كذا فيقول اجزت الجماعة فالظاهر صحة هذه الإجازة وتنزل على المسؤول فيه بقرينة سبق ذكره
أما الجماعة المسمون المعينون في استدعاء أو غيره مع البيان لأنسابهم شهرتهم بحيث يزول الاشتباه عنهم ويتميزون من غيرهم على العادة الشائعة في ذلك فلا يضر والحالة هذه الجهل من المجيز بالأعيان وعدم معرفته بهم والإجازة صحيحة كما أنه لا تشترط معرفة المسمع عين السامع الذي سمع منه وإن أشعر ما حكيته في سابع التفريعات التى قبل الإجازة عن بعضهم بخلافه إذ لا فرق بين السامع والمستمع في ذلك وكذا الواحد المسمى المعين ممن يجهل المجيز عينه من باب أولى
وممن نص على أنه لا تضر جهالته عين من سمى له عياض قال ابن الصلاح وينبغي الصحة إن جملهم أي جمعهم بالإجازة من غير حصر في عدو من غير تصفح لهم واحدا واحدا قياسا على السماع وإن توقف بعضهم في القياس من أجل أنه لا يلزم من كون قسم السماع يتأثر بذلك أن تكون الإجازة كذلك لإمكان ادعاء القدح في الإجازة دون السماع فالقياس ظاهر لأنه إذا صح في السماع الذي الأمر فيه أضيق لكونه لا يكون لغير الحاضر مع الجهل بعينه فصحته مع ذلك في الإجازة التي الأمر فيها أوسع لكونها للحاضر وللغائب من باب أولى
ثم إنه قد نوزع في الفرق بين الصورة الأولى من هذا النوع وهي من لم يسم أصلا وبين من سمى في الجملة مما بعدها مع اشتراك الكل في الإبهام (2/85)
والجواب أن الاشتراك إنما هو في مطلق الجهالة والإبهام وإلا فهو في ذاك شديد لخفائه عن كل أحد بخلافه هنا فهو عند سامعه فقط والظن بالمجيز معرفته ولا يلزم من الحكم بشيء في قوي وصف الحكم بمثله في ضعيف ذلك الوصف وكذا بحث بعضهم في صحته في الأولى حملا له على العموم يعني حيث صححنا الإجازة العامة إذا اللفظ صالح ولا مانع من حمله عليه وفيه نظر إذ لم نستفد تعيين الجماعة بخلاف العموم ولكن قد فكر ابن الصلاح في فتاويه فيما إذا قالت المرأة أذنت للعاقد بهذا البلد أن يزوجني ولم تقم قرينة على إرادة واحد معين أنه يجوز لكل عاقد أن يزوجها فليفرق بينهما
والنوع الخامس من أنواع الإجازة التعليق في الإجازة ولم يفرده ابن الصلاح عن الذى قبله بل قال فيه ويتشبث بذيله الإجازة المعلقة بشرط وذكره وإفراده حسن خصوصا والصورة الأخيرة منه كما سيأتي
لا جهالة فيها ثم التعليق إما أن يكون بمن يشاؤها أي الإجازة الذي أجازه الشيخ يعني أنها معلقة بمشيئة مبهم لنفسه كأن يقول من شاء أن أجيز له فقد أجزت له أو أجزت لمن شاء وقد كتب أبو الطيب الكوكبي إلى ابن حيويه سلام عليك فقد سألني ابنك محمد بن العباس أن أجيز لك هذا التاريخ الذي حدثنا أحمد بن أبي حيثمة وقد أجزته لك ولكل من أحب ذلك فأروه عني ومن أحب ذلك أو يشاؤها غيره أي غير المجاز حال كونه معينا فهي معلقة بمشيئته مسمى لغيره كأن يقول من شاء فلان أن أجيزه فقد أجزته أو أجزت لمن يشاء فلان أو يقول لشخص أجزت لمن شئت رواية حدثني أو نحو ذلك وقد ألحق ابن الصلاح بها الصورة الأولى لكنه قال والأولى أي التعليق بمشيئة المجاز له المبهم أكثر جهلا وانتشارا من الثانية فإنها معلقة بمشتئة من لا يحصر عددهم والثانية (2/86)
بمشيئة معين مع اشتراكهما في جهالة المجاز لهم فإن كان الغير مبهما كأن يقول أجزت لمن شاء بعض الناس أن يروي عني فأكثر جهلا لوجود الجهالة فيها في الجهتين ولذا كانت فيها بخصوصها باطلة قطعا
وأجاز الكلا أي الصورتين المتقدمتين معا القاضي أبو يعلي محمد بن الحسين بن محمد بن خلف بن الفراء الإمام الحنبلي والد القاضي أبي الحسين محمد مؤلف طبقات الحنابلة مع ابن عمروس بفتح أوله وآخره سين مهملة هو أبو الفضل محمد بن عبيد الله المالكي فيما نقله عنهما الحافظ الخطيب الشافعي في جزء الإجازة للمعدوم والمجهول وقالا مستدلين للجواز ينجلي الجهل فيها في ثاني الحال إذ يشاؤها أي الإجازة المجاز له
قلت ولم أر الاستدلال ولا الصورة الأولى في الجزء المذكور ولا عزاهما ابن الصلاح لهما بل كلامه محتمل لكون الاستدلال له وإن لم يوافق على الصحة فيها حيث قال هذا فيه جهالة وتعليق بشرط والظاهر بطلانها وعدم صحتها وقد أفتى بذاك القاضي أبو الطيب طاهر بن عبد الله الطبري إذ سأله صاحبه الخطيب عنها وعلل ذلك بأنه إجازة لمجهول فهو كقوله أجزت لبعض الناس قال وهؤلاء الثلاثة يعني المجيزين والمبطل كانوا مشايخ مذاهبهم ببغداد إذ ذاك وكذا منعها الماوردي كما نقله عياض وقال لأنه تحمل يحتاج إلى تعيين المتحمل
قال الخطيب ولعل من منع صحتها لتعلقها بالوكالة فإنه إذا قال وكلتك إذا جاء رأس شهر لم يصح عند الشافعية فكذلك إذا علق الإجازة بمشيئة فلان يعني المعين قال ابن الصلاح وقد يعلل ذلك أيضا بما فيها من التعليق بالشرط فإن ما يفسد بالتعليق على ما عرف عند قوم
قلت ولكن قد وجدت الحافظ ابن أبي خثيمة أبا بكر أحمد بن زهير (2/87)
ابن حرب أجاز بكيفية كالثانية المبهمة في المجاز فقط فإنه قال فيما كتبه بخطه أجزت لأبي زكريا يحيى بن مسلمة يروي عني ما أحب من تاريخي الذي سمعه مني أبو محمد القاسم بن الأصبغ ومحمد بن عبد الأعلى كما سمعاه مني وأذنت له في ذلك ولمن أحب من أصحابه فإن أحب أن تكون الإجازة لأحد بعد هذا فأنا أجزت له ذلك بكتابي هذا
وكذلك قال محمد بن أحمد الحافظ يعقوب بن شيبة ابن الصلت أجزت لعمر بن أحمد الخلال وولده عبد الرحمن وختنه على ابن الحسن جميع ما فاته من حديثي مما لم يدرك سماعه من المسند وغيره ولكل من أحب عمر فليرووه عني إن شاء الله حكاه الخطيب وقال وقد رأيت مثل هذه الإجازة لبعض المتقدمين إلا أن اسمه ذهب من حفظي انتهى
ولعل ما رآه هو ما حكاه عن ابن أبي خيثمة مع أنه قد فعله غيرهما من المتقدمين والمتأخرين على أنه قد يفرق بين هذا الصنيع وبين ما تقدم بأنه حصل فيه العطف على معين بخلاف ذاك وهل يلتحق بالتعليق بمشيئة المعين الإذن له في الإجازة كأن يقول أذنت لك أن تجيز عني من شئت لم أر فيها نقلا إلا ما حكاه شيخنا في ترجمة إبراهيم بن خلف بن منصور الغساني من لسان الميزان أنه كانت له وكالات بالإجازة من شيوخ وكلوه في الإذن لمن يريد الرواية عنهم قال ابن مسندي وكنت ممن كتب إلى بالإجازة عنه وعن موكله في سنة ثلاث وستمائة انتهى
وقد فعله شيخنا بل وحكى بعض المتأخرين عن بعض ما عاصره أنه فعله قال والظاهر فيه الصحة كما لو قال وكل عني ويكون مجازا من جهة الإذن وينعزل المأمون له في الإجازة بموت الآذان قبل الإجازة كالوكيل فلو قال أجزت لك أن تجيز عني فلانا كان أولى بالجواز وقد ذكر ابن الصلاح نظير هذه المسألة في قسم الكتابة كما سيأتي ثم إن كل ما تقدم في التعليق (2/88)
لنفس الإجازة وأن يقل أجزت من شاء الرواية عني يروى وكان التعليق للرواية بالإجازة قربا القول بصحته وعبارة ابن الصلاح أنه أولى بالجواز يعني من الذى قبله عند مجيزه من حيث أن مقتضى كل إجازة تفويض الرواية بها إلى مشيئة المجاز له فكان هذا مع كونه بصيغة التعليق تصريحا بما يقتضيه الإطلاق وحكاية للحال لا تعليقا في الحقيقة يعني أنه وإن كان شرطا لفظيا فهو لازم حصوله بحصولها فكان ذكره وعدم ذكره سواء في عدم التأثير
واستظهر للأولوية بتجويز بعض الشافعية في البيع أي وهو الأصح كما في الروضة وغيرها أن يقول بعتك هذا بكذا إن شئت فيقول قبلت
ونوزع في القياس بأن المبتاع معين والمجاز له هنا مبهم وكذا تعقبه البلقيني بأنه ليس التعليق في مسألة للبيع للايجاب على ما عليه ليفرع من جهة التصريح بمقتضى الإطلاق فإن المشتري بالخيار إن شاء قبل وإن شاء لم يقبل لتوقف تمام البيع على قبوله بخلافه في الإجازة فلا يتوقف على القبول فيكون قوله أجزت لمن شاء الرواية تعليقا لأنه قبل مشيئة الرواية لا يكون مجازا وبعد مشيئتها يكون مجازا
وحينئذ فلا يصح لأنه يؤدي إلى تعليق وجهل وذلك باطل كما تقدم
نعم نظير ما نحن فيه وكلت من شاء أو أوصيت لمن شاء وأمثالهم مما لا يصح فيه وإذا بطل في الوصية مع احتمالها مالا تحتمله غيرها فلأن يبطل فيما نحن فيه أولى
قال ابن الصلاح ونحوه أي نحو ما تقدم من تعليق الرواية أبو الفتح محمد بن الحسن الأزدي الموصلي الحافظ حال كونه مجيزا كتبا بخطه فقال أجزت روايته ذلك لجميع من أحب أن يرويه عني أما لو قال أجزت لك أن تروي عني الكتاب الفلاني أو كذا وكذا أو فهرستي إن (2/89)
شئت الرواية عني أو أجزت لك إن شئت أن تروي عني أو أجزت لفلان الفلاني أن يرد أو يحب الرواية عني أو نحو ذلك مما هو نظير مسألة البيع سواء أو يشابهها فالأظهر الأقوى فيها الجواز إذا قد انتفت فيه الجهالة وحقيقة التعليق ولم يبق سوى صيغته فاعتمد ذلك وإن حكى ابن الأثير المنع فيها عن قوم لأنها تحمل فيعتبر فيه تعيين المتحمل قال وهذا هو الأجدر بالاحتياط والأولى بنجاية المحدث وحفظه انتهى
ويشهد له أنه لو قال بعتك إن شئت لا تصح الرجعة ولو قال أجزت لفلان أن يرد الإجازة فالظاهر كما قال المصنف إنه لا فرق وإن لم يصرح ابن الصلاح بتعليق الإجازة في المعين فتعليله وبعض أمثلته يقتضي الصحة فيه بعمومه
واعلم أن نفي ابن الصلاح حقيقة التعليق عن الصورة التي قبل هذه إنما يتم لو قال المجيز أذنت لمن أجزت له في الرواية عني إن شاء وإلا فلا فرق بينهما التعليق بمشيئته في الإجازة ويتأيد بتسوية المصنف بين إرادة الإجازة أو الرواية في المعين
والنوع السادس من أنواع الإجازة الإذن أي الإجازة لمعدوم وهو على قسمين إما لمعدوم تبع لموجود عطف عليه أو أدرج فيه كقوله أجزت الكتاب الفلاني أو مروياتي لفلان الفلاني مع أولاده ونسله وعقبه حيث أتوا في حياة المجيز وبعده وكذا أجزت لك ولمن يولد ولطلبة العلم ببلد كذا متى كانوا أو لما خصص المجيز فه المعدوم به أي بالإذن ولم يعطفه على موجود سابق كقوله أجزت لمن يولد لفلان الفلاني وهذا القسم الثاني وهو أو هي وأضعف من الذي قبله وذاك أقرب إلى الجواز ولذا أجاز الأولاد خاصة ابن الحافظ الشهير أبي داؤود السجستاني وهو الحافظ أبو بكر عبد الله بل (2/90)
فعله فقال أجزت لك ولأولادك ولحبل الحبلة
قال الخطيب يعني الذين لم يولدوا بعد قال ولم أجد لأحد من الشيوخ المحدثين في ذلك قولا ولا بلغني عن المتقدمين فيه رواية سواه
قال البلقين ويحتمل أن ذلك وقع منه على سبيل المبالغة وتأكيد الإجازة لا أنه أراد حقيقة اللفظ
قلت لكن قد عزى شيخنا لأبي عبد الله بن منده استعمالها وابن الصباغ جوازها لقوم وهو مثلا أي شبه بالوقف على المعدوم حيث صح فيما كان معطوفا على موجود كما قال به أصحاب الشافعي وكذا بالوصية عن الشافعي نفسه فإنه في وصيته المكتتبة في الأم أوصى فيها أوصياء على أولاده الموجودين ومن يحدثه الله له من الأولاد ولا شك أنه يغتفر في التبع والضمن ما لا يغتفر في الأصل أما الوقف على المعدوم ابتداء كعلى من سيولد لفلان فلا على المذهب لأنه منقطع الأول ولكن القاضي أبا الطيب طاهر الطبري رد كليهما أي القسمين مطلقا فيما حكاه عنه صاحبه الخطيب الحافظ وكذا منعه الماوردي فيما حكاه عياض وهو الصحيح المعتمد الذي لا ينبغي غيره لأن الإجازة في حكم الاخبار جملة بالمجاز على ما قرر في النوع الأول فكما لا يصح الإخبار للمعدوم لا تصح الإجازة له بل ولو قدرنا أن الإجازة إذن لا يصح ذلك أيضا كالوكالة للمعدوم لوقوعه في حالة يتعذر فيها المأذون فيه من المأذون له
وأيضا وكما قال بعض المتأخرين يلزم من الجواز أن يتصل الرواية في بعض صور هذا النوع بين شخصين في السند من غير واسطة ولا لقاء ولا إدراك عصر ومثل هذا غير معقول وساقط عن درجا الاعتبار ولم نر من صرح باستثناء هذه الصورة وعلى كل حال فهو ما يتقوى به الرد وكذا ردها الماوردي و أبو نصر هو ابن الصباغ وبين بطلانها (2/91)
وقال إنما ذهب إليه من يعتقد أن الإجازة إذن في الرواية لا محادثة يعني فلا يشترط فيه الوجود وقد تقدم قريبا رده وإن قلنا إنه إذن و لكن جاز الإذن للمعدوم مطلقا عند الحافظ أب بكر الخطيب قياسا على صحة الإجازة كما قاله عياض فإنه قال وإذا صحت الإجازة مع عدم اللقاء وبعد الزمان وتفرق الأعصار
وخرجه بعض المتأخرين من المغاربة على مذهب الجمهور وأهل الحق في جواز تعلق الأمر بالمعدوم خلافا للمعتزلة قال وإذا جاز فيه فهذا أولى وأجرى وفي القياس توقف ثم إن ما ذكر في استلزامه رواية الراوي عمن لم يدركه ولا عاصره قد أشار إليه الخطيب فإنه قال فإن قيل كيف يصح أن يقول أجاز فلان لي ومولده بعد موت المجيز بزمان بعيد قيل كما يجوز أن يقول وقف فلان علي وإن كان موت الواقف قبل مولده بزمان بعيد ولأن بعد أحد الزمانين من الآخر كبعد أحد الوطنين من الآخر فلو أجاز من مسكنه بالشرق لمن يسكن بالغرب صح وجاز أن يقول المجاز له أجازك فلان وإن لم يلتقيا فكذلك إذا أجاز لمن يولد بعده يجوز أن يقول أجاز لي فلان وإن لم يتعاصرا وفيه نظر فإن عدم الاجتماع في الزمان يلزم المكان و لا عكس وكأنه نظر إلى أن المقصود بلوغ الخبر بالإذن وهو حاصل فيهما وبه أي بالجواز مطلقا قد سبقا أي الخطيب من جماعة كـ ابن عمروس المالكي مع أبي يعلى بن الفرا الحنبلي والقاضي أبي عبد الله الدامغاني الحنفي وأبي الطيب الطبري الشافعي فيما سمعه منه الخطيب قديما قبل أن يقول ما تقدم وكذا أجازه غيره من الشافعية بل قال عياض إنه أجازه معظم الشيوخ المتأخرين قال وبهذا استمر عملهم بعد شرقا وغربا انتهى (2/92)
وجزم شيخنا بأنه لا يعرف في المشارقة وبعدم الصحة في القسم الثاني وبأنه الأقرب في الأول أيضا وقد رأى الحكم على استواء في الوقف في صحته أي رأى صحة الوقف في القسمين معظم من تبعا أبا حنيفة بالصرف للضرورة ومالكا رحمهما الله معا فيلزمهم القول به في الإجازة من باب أولى لأن أمرها أوسع من الوقف الذي هو تصرف مالي إلا أن يفرقوا بين البابين بأن الوقف ينتقل إلى الثاني عن الأول وإلى الثالث عن الثاني بخلاف الإجازة فهي حكم تتعلق بالمجيز والمجاز له حسب ما حكاه الخطيب عن بعض أصحابه ونحوه ما قيل إن الوقف يؤول غالبا إلى المعدوم حين الإيقان بخلاف الإجازة لا سيما وقد سلف عن أبي حنيفة القول ببطلان أصل الإجازة وتبعه من مقولية الدباس وكذا أبو يوسف في أحد القولين وهو أشهرهما عن مالك ولكن قد قال الخطيب إنه لا فرق بينهما عندي وقد صنف في هذه المسألة جزء
والنوع السابع من أنواع الإجازة الإذن أعني الإجازة لغير أهل حين الإجازة للأخذ عنه وللأداء كافر أو فاسق أو مبتدع أو مجنون أو طفل غير مميز تمييزا يصح أن يعد معه سامعا وذا الأخير أي الإجازة للطفل وهو الذي اقتصر ابن الصلاح بالتصريح مما ذكرناه عليه مع كونه لم يفرده بنوع إنما ذكره ذيل مسألة الإجازة للمعدوم رأي أي رآه صحيحا مطلقا القاضي أبو الطيب الطبري حيث سأله صاحبه الخطيب عن ذلك وفرق بينه وبين السماع بأن الإجازة أوسع فإنها تصح للغائب بخلاف السماع وكذا رآه الجمهور وحكاه السلف عمن أدركه من الشيوخ والحافظ وسبقه لذلك الخطيب فإنه قال وعلى هذا رأينا كافة شيوخنا يجيزون الأطفال الغيب عنهم من غير أن يسألوا عن مبلغ أسنانهم وحال تمييزهم (2/93)
واحتج الخطيب لذلك بأن الإجازة إنما هي إباحة المجيز الرواية للمجاز له والإباحة تصح لغير المميز بل وللمجنون يعني لعدم افتراقهما في غالب الأحكام
قال ابن الصلاح وكأنهم رأوا الطفل أهلا لتحمل هذا النوع الخاص ليؤدي به بعد حصول أهليته حرصا على توسع السبيل إلى بقاء الإسناد الذي اختصت به هذه الأمة وتقريبه من رسول الله صلى الله عليه و سلم
والقول الثاني وحكاه الخطيب عن بعض الأصحاب البطلان وكذا أبطلها الشافعي رحمه الله لمن لم يستكمل سبع سنين كما تقدم في متى يصح التحمل
قال ابن زبر وهو مذهبي وكأن الضبط به لأنه مظنة التمييز غالبا وهذا القول لازم من ذهب إلى اشتراط كون المجاز عالما كما سيأتي في لفظ الإجازة قريبا مع ما فيه وأما باقي الصور التي لم يذكرها ابن الصلاح فالمجنون قد علم الحكم فيه قريبا من كلام الخطيب
قال الناظم ولم أجد في الإجازة لكافر نقلا مع تصريحهم بصحة سماعه بلى أي نعم بحضرة الحافظ الحجة أبي الحجاج المزي بكسر الميم نسبة للمزة قرية من دمشق تترا أي متتابعا فعلا حيث أجاز ابن عبد المؤمن الصوري لابن الديان حال يهوديته في جملة السامعين جميع مروياته وكتب اسمه في الطبقة وأقره المزي المذكور بل وأجازه ابن تيمية كما قدمت كل ذلك في متى تصح التحمل وإذا جاز في الكافر فالفاسق والمبتدع من باب أولى
وكذا لم أجد في إجازة الحمل سواء نفخ فيه الروح أو لم ينفخ عطف على موجود كأبويه مثلا أو لم يعطف أيضا نقلا وهو أي جواز (2/94)
الإجازة له من جواز إجازة المعدوم أولى فعلا بلا شك لا سيما إذا نفخ فيه الروح ويشهد له تصحيحهم الوصية للحمل وإيجاب النفقة على الزوج لمطلقته الحامل حيث قلنا إنها لأجله تنزيلا له منزلة الموجود وللخطيب مما يتأيد به عدم النقل في الحمل لم أجد من فعله أي أجاز الحمل مع كونه ممن يرى كما تقدم صحة الإجازة للمعدوم
قلت قد رأيت بعضهم وهو أحد شيوخه المتأخرين الحافظ العمدة صلاح الدين أبو سعيد العلائي شيخ بعض شيوخنا قد سأله أي الإذن للحمل ضمنا مع أبويه إذ سئل في الإجازة لهما ولحملهما فأجاز ولم يستثن أحدا فإما أن يكون يراها مطلقا أو يغتفرها ضمنا وهو أعلم وأحفظ وأتقن من المحدث المكثر الثقة أبي الثناء محمود بن خليفة بن محمد بن خلف المنبجي الدمشقي شيخ شيوخنا الذي صرح في كتابته بما يشعر بالاحتراز عن الإجازة له بل ومن أبهم اسمه فإنه قال أجزت للمسلمين فيه
ولكن يمكن أن يقال لعل العلاي ما اصفح أي تصفح لمعنى نظر الأسماء التي فيها أي في الاستجازة حتى يعلم هل فيهما حمل أم لا إذ فعل أي حيث أجاز بناء على صحة الإجازة بدون تصفح ولا عد كما تقدم في النوع الرابع قريبا إلا أن الغالب أن أهل الحديث كما هو المشاهد لا يجيزون إلا بعد نظر المسؤول لهم على أنه يمكن أن يقال لعل المنبجي أيضا لم يتصفح الاستجازة وظن الكل مسمين أو يقال إن الحمل اسمه حينئذ فلا تنافي بين الصنيعين
وعلى كل حال فينبغي البناء بالقصر للضرورة أي بناء صحة الإجازة له على ما ذكروا أي الفقهاء هل يعلم الحمل أم لا فإن قلنا إنه لا يعلم فيكون كالأدن للمعدوم ويجري فيه الخلاف وإن قلنا إنه يعلم كما صححه (2/95)
الرافعي صح الأذن وهذا أي البناء وكون الحمل يعلم أظهر فاعتمده
ثم إن معنى قولهم إن الحمل يعلم أنه يعامل معاملة المعلوم وإلا فقد قال إمام الحرمين لا خلاف أنه لا يعلم وبه جزم الرافعي بعد هذا بنحو صفحة في اثنا فرق ومحصل ما ذكر هنا أن الإجازة كالسماع لا يشترط فيها الأهلية عند التحمل بها
تتمة رأيت من كتب بهامش نسخته نقلا عن المصنف أنه هو السائل العلائي وأن الحمل هو ولده أحمد يعني الولي أبا زرعة وفيه نظر فمولد أبي زرعة في ذي الحجة سنة اثنتين وستين ووفاة العلائي في المحرم سنة إحدى اللهم إلا أن يكون مكث حملا أزيد من المعتاد غالبا
والنوع الثامن من أنواع الإجازة الإذن بما أي الإجازة بمعدوم سيحمله الشيخ المجيز من المروي مما لم يتحمله قبل ذلك بنوع من أنواع التحمل ليرويه المجاز له بعد أن يتحمله المجيز والصحيح بل الصواب كما قاله النووي وسبقه إليه عياض كما سيأتي قريبا أنا نبطله ولم يفصلوا بين ما يكون المعدوم فيه منعطفا على موجود كأن يقول أجزت لك ما رويته وما سأرويه أولا كما قيل في النوع السادس وبعض عصريي عياض كما حكاه في إلماعه حيث قال وهذا النوع لم أر من تكلم فيه من المشايخ قال ورأيت بعض المتأخرين والعصريين قد بذله بالمعجمة أي أعطى من سأله الإجازة كذلك ما سأله ووجهه بعضهم بأن شرط الرواية أكثر ما يعتبر عند الأداء لا عند التحمل وحينئذ فسوى تحمله بعد الإجازة أو قبلها إذا ثبت حين الأداء أنه تحمله ولكن ابن مغيث بضم الميم وكسر المعجمة وآخره مثلثة وهو أبو الوليد يونس بن عبد الله بن محمد القرطبي قاضي الجماعة وصاحب الصلاة والخطبة بها ويعرف بابن الصفار أحد العلماء بالحديث والفقه والوافر الخط من اللغة والعربية كتب إليه من (2/96)
المشرق الدارقطني وغيره ومن تصانيفه التسلي عن الدنيا بتأميل خير الآخرة جاءه إنسان حسبما حكاه تلميذه أبو مروان عبد الملك بن زيادة الله التميمي الطيني القرطبي في فهرسته فسأله الإجازة له بجميع ما رواه إلى تاريخها وما يرويه بعد فامتنع من ذلك ولم يحب فيه من سأله فغضب السائل فنظر يونس إلى الطبني كأنه تعجب من ذلك قال الطبني فقلت له أي السائل يا هذا يعطيك ما لم يأخذ هذا محال فقال يونس هذا جوابي قال عياض بعد سياقه وهذا هو الصحيح فإن هذا يخبر بما لا خبر عنده منه ويأذن له بالتحديث بما لم يحدث به بعد ويبيح له ما لا يعلم هل يصح له الإذن فيه فيمنعه الصواب غيره والفرق بينه وبين ما رواه أن ذلك داخل في دائرة حصر العلم بأصله بخلاف ما لم يروه فإنه لم ينحصر لكن
قال ابن الصلاح إنه ينبغي بناؤه يعني صحة وعد ما على أن الإجازة هل هي في حكم الإخبار بالمجاز جملة أو هي إذن فعلى الأول لم يصح إذ كيف يجيز مالا خبر عنده منه وعلى الثاني أنبني على الخلاف في تصحيح الإذن في الوكالة فيما لم يملكه الآذن بعد كلأن يوكل في بيع العبد الذي يريد أن يشتريه وكذا في عتقه إذا اشترى وطلاق زوجته التي يريد أني تزوجها كما زادها ابن أبي الدم
وكما إذا أذن المالك لعامله في بيع ما سيملكه من العروض أو أوصى بمنافع عين يملكها قبل وجودها وهو الأصح في هاتين ووجه في ما قبلهما وكذا لو وكله في بيع كذا وأن يشتري بثمنه كذا على أشهر القولين أو في بيع ثمر نخلة قبل إثمارها كما حكاه ابن الصلاح عن الأصحاب أو ي إستيفاء ما وجب من حقوقه وما سيجب أو في بيع ما في ملكه وما سيملكه على أحد الاحتمالين للرافعي في الأخيرة وقال البلقيني إن الذي يظهر لما نص عليه الشافعي في وصيته وهو المحكي في البيان عن الشيخ أبي حامد ونقله ابن الصلاح عنه في فتاويه بل أفتى بأنه إذا وكله في المطالبة بحقوقه (2/97)
دخل فيه ما يتجدد منها
وبالنظر لهذه الفروع صحة وإبطالا حصل التردد في مسألتنا على أن المرجح في حلها إنما يناسبه القول بصحة الإجازة في المنعطف فقط وصنيع ابن الصلاح مشعر بفرضها في غيره ولذا ساغ تنظيره بالتوكيل في بيع العبد الذي سيملكه مجردا قال بعضهم وإذا جاز التوكيل فيما لم يملكه بعد فالإجازة أولى بدليل صحة إجازة الطفل دون توكيله وعلى المعتمد فيتعين كما قال ابن الصلاح تبعا على من يريد أن يروي عن شيخ بالإجازة أن يعلم أن ما يرويه عنه مما تحمله شيخه قبل إجازته له انتهى
ويلتحق بذلك ما يتجدد بعد صدور الإجازة من نظم أو تأليف وعلى هذا يحسن للمصنف ومن أشبهه تأريخ صدور ذلك منه
و أما إن يقل الشيخ أجزته ما صح له أي حال الإجازة أو سيصح أي عنده بعدها التي أرويه فذاك صحيح سواء كان المجيز عرف أن يرويه حين الإجازة أم لا لعدم اشتراط ذلك وقد عمله الحافظ الدارقطني وسواه من الحفاظ وله أن يروي عنه ما صح عنده حين الإجازة وبعدها أنه تحمله قبلها سواء جمع الشيخ في قوله بين اللفظين أو اقتصر على قوله له وحذف قوله يصح جاز الكل حيث ما عرف الطالب حالة الأداء أنه مما تحمله شيخه قبل صدور الإجازة والفرق بين هذه والتي قبلها أنه هناك لم يرو بعد بخلافه هنا فقد روي ولكن تارة يكون عالما بما رواه وهذا لا كلام فيه وتارة لا يكون عالما فيحيل الأمر فيه على ثبوته عند المجاز
والنوع التاسع من أنواع الإجازة الإذن أي الإجازة بما أجيزا لشيخه المجيز خاصة كأن يقول أجزت لك مجازاتي أو رواية ما أجيز لي أو ما أبيح لي روايته واختلف فيه فقيل كما قال الحافظ أبو (2/98)
البركات عبد الوهاب بن المبارك بن أحمد بن الحسن البغدادي الحنبلي عرف بابن الأنماطي أنه لن يجوزا يعني مطلقا عطف على الإذن بمسموع أم لا وصنف فيه جزأ وحكاه الحافظ أبو علي البرداني بفتح الموحدة والمهملين وقبل ياء النسبة نون عن بعض منتحلي الحديث ولم يسمه لأن الإجازة ضعيفة فيقوى ضعفها بإجتماع إجازتين ولكن قد رد هذا القول ابن الصلاح إنه قول بعض من لا يعتد به من المتأخرين والظاهر أنه كنى به عمن أبهمه البرداني وإن كان ابن الأنماطي متأخرا عن البرداني بأربعين سنة فيبعد إرادته له كونه كما قال ابن السمعاني كان حافظا ثقة متقنا وقال رفيقه السلفي كان حافظا ثقة لديه معرفة جيدة وقال ابن الجوزي كنت أقرأ عليه الحديث وهو يبكي فاستفدت ببكائه أكثر من استفادتي بروايته وانتفعت به ما لم أنتفع بغيره وكان على طريقة السلف
وقال أبو موسى المديني كان حافظ عصره ببغداد فمن يكون بهذه المرتبة لا يقال في حقه إنه لا يعتد به وإن قال البلقيني قيل كأنه يشير إليه وجزم به الزركشي مع اعترافه بأنه كان من خيار أهل الحديث وقيل إن عطف علي الإجازة بمسموع صح وإلا فلا أشار إليه بعض المتأخرين والصحيح الذي عليه العمل الاعتماد عليه أي على الإجازة بما أجيز مطلقا ولا يشبه ذلك القول بمنع الوكيل من التوكيل بغير إذن الموكل فإن الحق في الوكالة للموكل بحيث ينفذ عزله له بخلاف الإجازة فإنها صارت مختصة بالمجاز له بحيث لو رجع المجيز عنها لم ينفذ وأيضا فإن موضوع الوكالة التوصل إلى التحصيل غرض الموكل على وجه الخط والمصلحة وربما ضاع ذلك بلا واسطة بل هو الظاهر من أحوال الوسائط فلا بد من إذن الموكل في ذلك محافظة على التخلص من ذلك المحذور بخلاف الإجازة فموضوعها التوصل إلى بقاء سلسلة الإسناد مع الإلمام بالغرض من الرواية وهو الإذن في الرواية أو التحديث بها وهو حاصل تعددت الوسائط أم لا بل إنما (2/99)
يتحقق غالبا مع التعدد فلذلك لم يحتج إلى إذن المجيز الأول في الإجازة
ولذا قال البلقيني إن القرينة الحالية من إرادة بقاء السلسلة قاضية بأن كل مجيز يمقتضى ذلك أذن لنم أجازه أن يجيزه وذلك في الإذن في الوكالة جائز يعني حيث وكله فيما لا يمكن تعاطيه بنفسه وقد جوزه أي ما مر النقاد منهم الحافظ أبو نعيم الأصبهاني فإنه قال فيما سمعه منه الحافظ أبو عمر السفاقسي المغزي الإجازة على الإجازة قوية جائزة وكذا جوزه ابن عقدة بضم المهملة وقاف ساكنة ثم مهملة وهاء تأنيث وهو أبو العباس أحمد بن بن محمد بن سعيد الكوفي لكن في المعطوف خاصة كما اقتضاه صنيعه فإنه قال أجزت لك ما سمعه فلان من حديثي وما صح عندك من حديثي وكلما أجيز لي أو قول قلته أو شيء قرأته في كتاب وكتبت إليك وبذلك فاروه عن كتابي أن أحببت
وأبو الحسن الدارقطني فإنه كتب عن أبي الحسن علي بن إبراهيم المستملي عرف بالبخاري وجميع التاريخ الكبير للبخاري بروايته له عن أبي أحمد محمد بن سليمان بن فارس النيسابوري سماعا فيما عدا أجزاء يسيرة من آخره فأجازه عن مصنفه كذلك سماعا وإجازة كما حكى كل ذلك الخطيب وعقد له بابا في كفايته
وقال إذا دفع المحدث إلى الطالب كتابا وقال له هذا من حديث فلان وهو إجازة لي منه وقد أجزت لك أن ترويه عني فإنه يجوز له روايته عند كما يجوز ذلك فيما كان سماعا للمحدث فإجازة له بل نقل الحافظ أبو الفضل محمد بن طاهر المقدسي الاتفاق بين المحدثين القائلين بصحة الإجازة على صحة الرواية بالإجازة على الإجازة ولفظه في جواب أجاب به أبا علي البردالي إذ سأله عن ذلك لا نعرف خلافا بين القائلين بالإجازة في العمل بإجازة الإجازة على الإجازة ثم روى عن الحاكم أبي عبد الله صاحب المستدرك وغيره أنه (2/100)
حدث في تاريخه عن أبي العباس هو الأصم إجازة قال وقرأته بخطه فيما أجاز له محمد ابن عبد الوهاب هو الفرا قال المقدسي وقرأت على أبي إسحاق الحبال الحافظ بمصر عن عبد الغني بن سعيد الحافظ إجازة عن بعض شيوخه إجازة انتهى
والفقيه الزاهد نصر بن إبراهيم المقدسي بعده أي الدارقطني لم يقتصر على إجازتين بل وإلى أي تابع ثالثا بعضهم عن بعض بإجازة فقال ابن طاهر سمعته ببيت المقدس يروي بالإجازة عن الإجازة وربما تابع بين ثلاث منها
وذكر الحافظ أبو الفضل محمد بن ناصر أن أبا الفتح بن أبي الفوارس حدث بجزء من العلل لأحمد عن أبي علي بن الصواف إجازة عن عبد الله بن أحمد كذلك عن أبيه كذلك قال المصنف وقد رأيت غير واحد من الأئمة والمحدثين زادوا على ثلاث إجائز فرروا بأربع متوالية يعني كأبي طالب محمد بن علي بن الفتح العشاري الحنبلي الثقة الصالح حدث بالإجازة عن ابن أبي الفوارس بالسند الذي قبله وأبي الفرج ابن الجوزي فكثير ما يروى في العلل المتناهية وغيرها من تصانيفه بالإجازة عن أبي منصور بن خيرون عن أبي محمد الجوهري عن أبي الحسن الدارقطني عن أبي حاتم بن حبان بل ومن وإلى بخمس روى بعضهم عن بعض بالإجازة ممن يعتمد من الأئمة وهو الحافظ القطب أبو محمد عبد الكريم الحلبي الحنفي فإنه روى في عدة مواضع من تاريخ مصر له عن عبد الغني بن سعيد الأزدي الحافظ بخمس أجائز متوالية
وكذا حدث الحافظ زكي الدين المنذري بالمحدث الفاضل بخمس أجائز متوالية عن ابن الجوزي عن أبي منصور بن خيرون عن الجوهري عن الدارقطني عن مصنفه لكونه علا فيه بها درجة عما لو حدث به بالسماع المتصل (2/101)
عن أصحاب السلفي عنه عن المبارك بن عبد الجبار عن الغابي عن النهاوندي عن مصنفه
وحدث الحافظ عبد القادر الرهاوي في الأربعين الكبرى التي خرجها لنفسه بأثر في الجزء الثاني عن الحافظ أبي موسى المدني إجازة عن أبي منصور ابن خيرون بسنده الماضي أو لا إلى ابن حبان في الضعفاء له قال سمعت فذكره وقرأ شيخنا بعض الدارقطني على ابن الشيخة عن الدبوسي عن ابن المقير وسنده فقط على ابن قوام عن الحجاز عن القطيعي كلاهما عن الشهر زوروى عن ابن المهتدي عن الدارقطني ففي الثاني ست أجائز وأعلى ما رأيته من ذلك رواية شيخنا في فهرسته صحيح مسلم لقصد العلو عن العفيف النشاوري إجازة مشافهة عن سليمان بن حمزة عن ابن المقير عن ابن ناصر عن أبي القاسم بن منده عن الجوزقي عن مكي بن عبدان عن مسلم قال وهو جميعه بالإجازات وهو عندي أولى مما لو حدثت به عن محمد بن قواليح في عموم إذنه للمصريين بسماعه من زينب ابنة كندي عن المؤيد الطوسي إجازة يعني مع استوائهما في العدد قال لما قدمته من ضعف الرواية بالإجازة العامة انتهى
وفي كلام ابن نقطة وغيره ما يقتضي أن الجوزقي سمعه من مكي ومكي من مسلم فاعتمده وإن مشى شيخنا على خلافه وكذا أغرب أبو الخطاب بن دحية فحدث بصحيح مسلم عن أبي عبد الله بن زرقون عن أبي عبد الله الخولاني عن أبي ذر الهروي عن أبي بكر الجوزقي عن أبي حامد بن الشرقي عن مسلم
قال شيخنا وهذا الإسناد كله بالإجازات إلا أن الجوزقي عنده عن أبي حامد بعض الكتاب بالسماع وقد حدثه بذلك عنه في كتابة المتفق له وينبغي حيث تقررت الصحة في ذلك وجوبا لمن يريد الرواية كذلك تأمل (2/102)
كيفية الإجازة الصاردة من شيخ شيخه لشيخه وكذا ممن فوقه لمن يليه ومقتضاها خوفا من أن يروي بها ما لم يندرج تحتها فربما قيد بعض المجيزين الإجازة فحيث شيخ شيخه إجازة أي أجاز شيخه بلفظ أجزته ما صح لديه أي عند شيخه المجاز فقط لم يحظ أي لم يتعد الراوي ما الذى صح عند شيخه منه أي من مروي المجيز فقط حتى لو صح شئ من مروي هذا المجيز عند الراوي من المجاز له لم يطلع عليه شيخه المجاز له أو أطلع عليه ولكن لم يصح عنده لا يسوغ له روايته بالإجازة
وقد نازع بعضهم في هذا وقال ينبغي أن تسوغ الرواية بمجرد صحة ذلك عنه وغن لم يتبين له أنه كان قد صح عند شيخه لأن صحة ذلك قد وجدت فلا فرق بين صحته عند شيخه وغيره قال ونظيره ما إذا علق طلاق زوجته برؤيتها الهلال فإنه يقع برؤية غيرها حملا على العلم وفيه نظر وأما ما جرت به العادة في الاستدعاءات من استجازة الشيوخ لمن بها ما صح عندهم من مسموعاتهم فالضمير في عندهم متردد بين المشايخ وبين المستجاز لهم ولكن الثاني أظهر والعمل عليه وكذا لا يسوغ للراوي حيث قيد شيخه الإجازة بمسموعاته خاصة التعدي إلى ما عنده بالإجازة كإجازة أبي الفتح أحمد بن محمد بن أحمد ابن سعيد الحداد للحافظ أبي طاهر السلفي حيث لم يجز له ما استجيز له بل ما سمعه فقط ولذا رجع السلفي عن رواية الجامع للترمذي عنه عن إسماعيل بن نيال المحبوبي عن مصنفه لكون الحداد إنما رواه عن المحبوبي بالمكاتبة إليه من مرو
وأخص من هذا من قيدها بما حدث به من مسموعاته فقط كما فعل التقي ابن دقيق العيد فإنه لم يكن يجيز برواته جميع مسموعاته بل بما حدث به منها على ما استقري من صنيعه لكونه كان يشك في بعض سماعاته على ابن المقتر فتورع عن التحديث به بل وعن الإجازة فليتنبه لذلك (2/103)
كله لا سيما وقد غلط في بعضه غير واحد من الأئمة وكثر عثارهم من أجله لعدم التفطن له
ونحوه رواية أبي عبد الله محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الله الأنصاري البلنسي عرف بالأندلسي وبابن اليتيم ولم يكن بالمتقن مع كونه رحل الأندلس حيث كتب سنده بصحيح البخاري عن السلفي عن ابن البطر عن ابن البيع عن المحاصلي عنه مع كونه ليس عند السلفي بهذا السند سوى حديث واحد وكذا وهم فيه بعض المتأخرين من الثغر الإسكندري بل والكرماني الشارح وآخرون فرع الرواية بالإجازة عن شيخ سمع شيخه وبالسماع من شيخ أجيز من شيخ الأول وينزلان منزلة السماع المتصل (2/104)
لفظ الإجازة أي كيفيته وشرطها
( أجزته ابن فارس قد نقــله ... وإنما المعروف قد أجزت له )
( وإنما تستحسن الإجــازة ... من عالم به ومن أجـــازه )
( طالب علم والوليد ذا ذكر ... عن مالك شرطا وعن أبي عمر )
( أن الصحيح أنها لا تقبـــل ... إلا لماهر وما لا يشــكل )
( واللفظ إن تجز بكتب أحسن ... أو دون لفظ فانو وهـو أدون )
في المجيز والمجاز والنية لمن كتب بها وكان الأنسب إيراده قبل أنواعها مع اشتقاقها وضابطها ورواتها الذي ذكرته هناك فأما لفظها فأجزته أي الراوي مسموعاتي أو مروياتي متعديا بنفسه وبدون ذكر لفظ الرواية أو نحوه الذى هو المجاز به حقيقة
ابن فارس أبو الحسين أحمد اللغوي صاحب المجمل وغيره والقائل
( اسمع مقالة ناصــح ... جمع النصيحة والمقه )
( إياك فاحذر أن تبيت ... من الثقات على ثقة ) (2/105)
والمقتبس منه الحريري في مقاماته وضع المسائل الفقهية في المقامة الطيبة قد نقله أي تعديه بنفسه في جزء له سماه مآخذ العلم فإنه قال معنى الإجازة في كلام العرب مأخوذ من جواز الماء الذي يسقاه المال من الماشية والحرث يقال منه استجزت فلانا ما أجازني إذا أسقاك ماء لأرضك أو ماشيتك كذلك طالب العلم يسأل العالم أن يجيزه علمه أي يجيز إليه علمه فيجيزه إياه قال ابن الصلاح وإنما المعروف يعني لغة أي اصطلاحا أن يقول قد أجزت له رواية مسموعاتي يعني متعديا بحرف البحر وبدون إضمار قال وهذا يحتاج إليه من يجعل الإجازة بمعنى التسويغ والإذن والإباحة قال ومن يقول أجزت له مسموعاتي فعلى سبيل الإضمار للمضاف الذي لا يخفى نظيره وحينئذ ففي الإضمار والحذف دون الثاني الذي هو أظهر وأشهر
وفي الثالث لإضمار فقط وأما شروط صحتها فقال ابن الصلاح إنما تستحسن الإجازة من عالم به أي بالمجاز ومن أجازه أي والحال أن المجاز له طالب علم أي من أهل العلم كما هي عبارة ابن الصلاح إذ المرء ولو بلغ الغاية في العلم لا يزال له طالبا ويروى أنه صلى الله عليه و سلم قال كل عالم غرثان إلى علم أي جائع وقال أيضا أربع لا يشبعن من أربع فذكر منها وعالم من علم ( وقل رب زدني علما ) لأن الإجازة توسع وترخيص يتأهل له أهل العلم لمسيس حاجتهم إليها وهل المراد مطلق العلم أو خصوص المجاز كما به قيد في المجيز أو الصناعة كما صرح به ابن عبد البر الظاهر الأخير والوليد بن بكر أبو العباس المالكي
ذا أي كون كل من المجيز والمجاز له علاما ذكر في كتابه الوجازة في صحة القول بالإجازة عن إمامه مالك هو بن أنس رحمه الله أنه جعله شرطا فيها وعبادته ولمالك شرط في الإجازة وهو أن يكون المجيز عالما بما يجيز ثقة في دينه وروايته معروفا بالعلم والمجاز به معارضا بالأصل حتى كأنه (2/106)
هو والمجاز له من أهل العلم أو متسما بسمته حتى لا يوضع العلم إلا عند أهله وكان يكره الإجازة لمن ليس من أهل العلم ويقول ما أسلفته في أول أنواع الإجازة وفي أخذ الاشتراط منها نظر إلا أن أول قوله أو متسما بسمته بمن هو دون من قبله في العلم وكانت الكراهة للتحريم وعن الحافظ أبي عمر هو ابن عبد البر كما في جامع العلم له أن الصحيح أنها أي الإجازة لا تقبل إلا لماهر بالصناعة مازق فيها يعرف كيف يتناولها وفي ما لا يشكل إسناده لكونه معروفا معينا وإن لم يكن كذلك لم يؤمن أن يحدث المجاز له عن الشيخ بما ليس من حديثه أو ينقص من إسناده الرجل والرجلين وقد رأيت قوما وقعوا في هذا وإنما كره من كرة الإجازة هذا
وقريب منه ما حكاه الخطيب في الكفاية قال مذهب أحمد بن صالح أنه إذا قال للطالب أجزت لك أن تروي عني ما شئت من حدثني لا يصح أن يدفع إليه أصوله أو فروعا كتبت منها وينظر فيها ويصححها
وعن أبي الوليد الباجي قال الاستجازة إما أن تكون للعمل فيجب على المجاز له أن يكون من أهل العلم بذلك والفهم باللسان وإلا لم يحل له الأخذ بها فربما كان في مسألته فصل لو وجه لم يعلم به المجيز ولو علمه لم يكن جوابه ما أجاب به وإما أن يكون للرواية خاصة فيجب أن يكون عارفا بالنقل والوقوف على ألفاظه ما أجيز له ليسلم من التصحيف والتحريف فمن لم يكن عالما بشيء من ذلك وإنما يريد علو الإسناد بها ففي نقله بها ضعف
وقال ابن سيد الناس أصل الإجازة مختلف فيه ومن أجازها فهي قاصرة عنده عن رتبة السماع وحينئذ فينبغي أن لا يجوز من كل من يجوز منه السماع وإن ترخص ما مرخص وجوزها من كل من يجوز منه السماع فأقل مراتب المجيز أن يكون عالما بمعنى الإجازة العلم الإجمالي من أنه روى شيئا وأن معنى إجازته لغيره إذنه لذلك الغير في رواية ذلك الشيء عنه بطريق الإجازة المعهودة من أهل هذا (2/107)
الشأن لا العلم التفصيلي بما روى وبما يتعلق بأحكام الإجازة وهذا العلم الإجمالي حاصل فيمن رأيناه من عوام الرواة فإن انحط راو في الفهم عن هذه الدرجة ولا أخال أحدا ينحط عن إدراك هذا إذا عرف به فلا أحسبه أهلا لأن يتحمل عنه بإجازة ولا سماع قال وهذا الذي أشرت إليه من التوسع في الإجازة هو طريق الجمهور
قلت وما عداه من التشديد فهو مناف لما جوزت الإجازة له من بقاء السلسلة وقد تقدم في سابع أنواعها عدم اشتراط التأهل حين التحمل بها كالسماع وفي أولها أنه لم يقل أحد بالأداء بها بدون شروط الرواية وعليه يحمل قولهم أجزت له رواية كذا بشرطه ومنه ثبوت المروي من حديث المجيز
وقد قال أبو مروان الطبني إنها لا تحتاج لغير مقابلة نسخة بأصول الشيخ وأشار إمام الحرمين لذلك بقوله الصحة مع تحقيق الحديث وقال عياض تصح بعد تصحيح شيئين تعيين روايات الشيخ ومسموعاته وتحقيقها وصحة مطابقة كتب الراوي لها والاعتماد على الأصول المصححة وقد كتب أبو الأشعث أحمد بن المقدام العجلي كما أورده الخطيب في الكفاية وعياض في الإلماع
( كتابي إليكم فافهموه فإنـــــه ... رسول إليكم والكتاب رســول )
( فهذا سماعي من رجال لقيتهـــم ... لهم ورع مع فهمهم وعقـــول )
( فإن شئتم فارووه عني فإنما ... تقولون ما قد قلته وأقول )
( ألا فاحذروا التصحيف فيه فربمــا ... تغير عن تصحيفه فيحــــول )
وقال غيره في أبيات
( وأكره فيما قد سألتم غروركم ... ولست بما عندي من العمل أبخل ) (2/108)
( فمن يروه فليروه بصوابــه ... كما قاله الفراء فالصدق أجمــل )
وأما قوله بعضهم الشرط كونها من معين لمعين أو كونها غير مجهولة فليس بشيء وما أحسن من كتب لمن علم منه التأهل أجزت له الرواية عني وهو لما أعلم من إتقانه وضبطه عني عن تقييدي ذلك بشرطه
ثم الإجازة تارة تكون بلفظ المجيز بعد السؤال منها من المجاز له أو غيره أو مبتدئا بها وتارة تكون بخطه على استدعاء كما جرت به العادة أو بدون استدعاء واللفظ بالإجازة أن تجز أيها المحدث بكتب أي بأن تجمعها أحسن وأولى من إفراد أحدهما أو بكتب دون لفظ فانو الإجازة وهو أي هذا الصنيع أدون من الإجازة الملفوظ بها في المرتبة لأن القول دليل رضاه القلبي بالإجازة والكتابة دليل القول الدال على الرضى والدال بغير واسطة أعلى وبالثاني يوجه صحتها بالنية فقط بل قال ابن الصلاح متصلا بذلك وغير مستبعد تصحيح ذلك بمجرد هذه الكتابة في باب الرواية الذي جعلت في القراءة على الشيخ مع أنه لم يلفظ بما قريء عليه إخبارا منه بذلك ويتأيد بقول ابن أبي الدم قد تقوم الأفعال مقام الأقوال كما في نقل الملك على القول بتصحيح المعاطاة فإن لم ينوها فقضية ما هنا وقال الشارح إنه الظاهر عدم الصحة لأن الكتابة كناية والكناية شرطها النية ولا نية هنا فبطلت وكان محل هذا حيث صرح بعدم النية أما لو لم يعلم حاله فالظاهر الصحة إذ الأصل كما قال بعضهم فيما يكتبه العاقل خصوصا فما نحن بصدده أن يكون قاصدا له ولعلها الصورة التي لم يستبعد ابن الصلاح صحتها وإن احتمل كلامه ما تقدم فهو فيها أظهر وهو الذي نظمه البرهان الحلبي حيث قال
( وحيث لا نية قد جوزها ... ابن الصلاح باحثا أبرزها )
فرع كثر تصريحهم في الأجائز بما يجوز لي وعني روايته فقيل كما نقله (2/109)
ابن الجوزي إنه لا فائدة في قول عني والظاهر أنهم يريدون بلى مروياتهم ويعني مصنفاتهم ونحوها وهو كذلك وحينئذ فكتابتها ممن ليس له تصنيف أو نظم أو نثر عبث أو جهل (2/110)
القسم الرابع من أقسام التحمل
المناولة
( ثم المناولات إما تقتــــرن ... بالإذن أو لا فالتي فيها إذن )
( أعلى الإجازات وأعـلاها إذا ... أعطاه ملكا فإعارة كــذا )
( أن يحضر الطالب بالكتاب لـه ... عرضا وهذا العرض للمناولة )
( والشيخ ذو معرفة فلينظــره ... ثم يناول الكتاب محضــره )
( يقول هذا من حديثي فـاروه ... وقد حكوا عن مالك ونحـوه )
( بأنها تعادل السماعـــــا ... وقد أبى المفتون إذا امتنـاعا )
( إسحاق والثوري مع النـعمان ... والشافعي وأحمد الشيبــاني )
( وابن المبارك وغيرهــم رأوا ... بأنها أنقص قلت قد حكمـوا )
( إجماعهم بأنها صحيــــحة ... معتمدا وإن تكن مرجوحـة )
( أما إذا ناول واستــــرادا ... في الوقت صح والمجـاز أدى )
( من نسخة قد وافقت مـروية ... وهذه ليست لها مزيــــة )
( على الذي عين في الإجـازة ... عند المحققين لكن مــــازه )
( أهل الحديث آخرا وقدمــا ... أما إذا ما الشيخ لم ينظر مــا )
( أحضره الطالب لكن واعتمد ... من أحضر الكتاب وهو معتمـد ) (2/111)
( صح وإلا بطل اســتيقانـــا ... وإن يقل أجزته إن كانا )
( ذا من حديثي فهو فعل حسن ... يفيد حيث وقع التبـين )
( وإن خلت من إذن المناولـة ... قيل تصح والأصح باطلة )
وهي لغة العطية ومنه في حديث الخضر فحملوها بغير قول أي عطاء واصطلاحا إعطاء الشيخ الطالب شيئا من مروياته مع إجازته به صريحا أو كناية وآخر عن الإجازة مع كونه على المعتمد أعلى لأنها جزء لأول نوعيه حتى قال ابن سعيد إنه في معناها لكن يفترقان في أنه يفتقر إلى مشافهة المجيز للمجازله وحضوره بل بالغ بعض الأصوليين كما سيأتي في آخر النوع الثاني فأنكر مزيد فائدة فيه وقال هو راجع إليها بل اشتراط أحمد بن صالح كما مضى قريبا المناولة لصحة الإجازة وعلى كل حال فاحتج لسبق معرفتها أو قدمت لكونها تشمل المروي الكثير بخلاف المناولة على الأغلب فيهما أو لقلة استعمال المناولة على الوجه الفاضل أو لاشتمال كل من القسمين على فاضل ومفضول إذ أول أنواع الإجازة أعلى من الثاني نوعي المناولة فلم ينحصر لذلك التقديم في واحد وحينئذ فقدمت لكثرة استعمالها والأصل فيه ما علقه البخاري حيث ترجم له في العلم من صحيحه أنه صلى الله عليه و سلم كتب لأمير السرية كتابا وقال له لا تقرأه حتى تبلغ مكان كذا وكذا فلما بلغ المكان قرأه على الناس وأخبرهم بأمر النبي صلى الله عليه و سلم
وعزى البخاري الاحتجاج به لبعض أهل الحجاز وهذا قد أورداه ابن إسحاق في المغازي فقال حدثني يزيد بن رومان عن عروة بن الزبير قال بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم عبد الله بن جحش إلى نخلة فقال له كن بها حتى تأتينا بحبر من أحبار قريش ولم يأمره بقتال وذلك في الشهر الحرام وكتب له كتابا قبل أن يعلمه أن يسير فقال أخرج أنت وأصحابك حتى إذا سرت يومين (2/112)
فافتح كتابك وانظر فيه فما أمرتك فامض له ولا تستكرهن أحدا من أصحابك على الذهاب معك فلما سار يومين فتح الكتاب فإذا فيه أن امض حتى تنزل نخلة فتأتينا من أخبار قريش
فذكر الحديث بطوله وهو مرسل جيد الإسناد قد صرح فيه ابن إسحاق بالتحديث مع أنه لم يتفرد به فقد رواه الزهري أيضا عن عروة بل رويناه متصلا في المعجم الكبير للطبراني والمدخل للبيهقي من طريق أبي السوار عن جندب بن عبد الله رضي الله عنه رفعه وهو حجة ولذا جزم البخاري به إذ علقه وأورده أيضا في المختارة لا يماوله شاهد عند الطبري
وغيره في التفسير من طريق عن ابن عباس
ثم المناولات على نوعين إما تقترن بالإذن أي بالإجازة أو لا بل تكون مجردة عن الإجازة فـ المناولة التي فيها إذن أي أجيز وهي النوع الأول أعلا الإجازات مطلقا لما فيها من التعيين والتشخيص بل خلاف بين المحدثين فيه حتى كان ممن حكاه عن أصحاب الحديث الغزالي في المستصفي فقال وهي عندهم أعلى درجة منها
وقول ابن الأثير الظاهر أنها أخفض من الإجازة لأن أعلى درجاتها أنها إجازة مخصوصة في كتاب بعينه بخلاف الإجازة ليس بجيد فإنها وإن كانت غالبا في كتاب بعينه فهي مقترنة بما فيه مزيد ضبط بل والتخصيص أبلغ في الضبط وتحت هذا النوع صور فالجمع أولا بالنظر لذلك وهي أعني الصور متفاوتة في العلو وأعلاها إذا أعطاه أي أعطى الشيخ الطالب على وجه المناولة تصنيفا له أو أصلا من سماعه وكذا من مجازه أو فرعا مقابلا بالأصل ملكا أي على جهة التمليك له بالهية أو بالبيع أو ما يقوم مقامهما قائلا له هذا من تصنيفي أو نظمي أو سماعي أو روايتي عن فلان أو عن اثنين أو أكثر وأنا عالم بما فيه فاروه أو حدث به عني ونحو ذلك مما هو بمعنى الإجازة فضلا عن لفظها كأجزتك به بل وكذا لو لم يذكر اسم (2/113)
شيخه واكتفى بكونه مبينا في الكتاب المناول
قال يحيى بن الزبير بن عباد الزبيري طلبت من هشام بن عروة أحاديث أبيه فأخرج إلي دفترا فقال لي هذه أحاديث أبي قد صححته وعرفت ما فيه فخذه عني ولا تقل كما يقول هؤلاء حتى أعرضه ولم يصرح ابن الصلاح بكون هذه الصورة أعلى ولكنه قدمها في الذكر كما فعل عياض وهو منهما مشعر بذلك فيليها ما يناوله الشيخ له من أصل أو فرع أيضا إعارة أي على جهة الإعارة أو إجازة ونحوها فيقول له خذه وهو روايتي على الحكم المشروح أولا فانتسخه ثم قابل به أو قابل به نسختك التي انتسختها أو نحو ذلك ثم رده إلي وهل تكفي الإشارة إلى نسخة معينة أو أمر بعض من حضر بالإعطاء الظاهر نعم وبه صرح الرازي في الإشارة غير المترفة بالإجازة كما سيأتي في النوع الثاني بل قال الخطيب إنه لو أدخله خرانة كتبه وقال أرو جميع هذه عني فإنها سماعاتي من الشيوخ المكتوبة عنهم كان بمثابة ما ذكرناه في الصحة لأنه أحاله على أعيان مسماة مشاهدة وهو عالم بما فيها وأمره برواية ما تضمنت من سماعاته فهو بمنزلة ما لو قال تصدقت عليك بما في هذا الصندوق أو نحوه وهو عالم بما فيه فقال قبلت وإليه أشار بعض المتأخرين بقوله إنه نبه بقوله أعطاه إلى آخره على أن الشيخ لو سمع في نسخة من كتاب مشهور فليس له أن يشير إلى نسخة أخرى من ذلك الكتاب ويقول سمعت هذا لأن النسخ تختلف ما لم يعلم اتفاقهما بالمقابلة فإنه يقتضي أنه لو علم اتفاقهما كفى
ويقرب من هذا لو علق على طلاقها على إعطاء كذا فوضعته بين يديه طلقت قال بعض المتأخرين وينبغي أن يجعل هذا قسما مستقلا يسمى بالإشارة ويكون أيضا على نوعين كالمناولة فلا فرق ثم إنه قد يكون في صور العارية ما يوازي التمليك بأن يناوله إياه عارية ليحدث به منه ثم يرده إليه وكذا مما يوازي الصورة المرجوحة في العلو أن يحضر الطالب بالكتاب (2/114)
الذي هو أصل الشيخ أو فرع مقابل عليه له أي للشيخ عرضا أي لأجل عرض الشيخ له وقد سمى هذه الصورة عرضا غير واحد من الأئمة ولقصد التمييز لذلك من عرض السماع الماضي في محله يفيد
ولذا قال ابن الصلاح ما معناه وهذا العرض للمناولة والشيخ أي والحال أن الشيخ الذي أعطى الكتاب ذو معرفة وحفظ ويقظة فينظره ويتصفحه متأملا ليعلم صحته وعدم الزيادة فيه والنقص منه أو يقابله بأصل كتابه إن لم يكن عارفا كل ذلك كما صرح به الخطيب على جهة الوجوب
ثم يناول الشيخ ذلك الكتاب بعد اعتباره محضره الطالب لروايته منه ويقول له هذا من حديثي أو نحو ذلك فاروه أو حدث به عني أو نحو ذلك على الحكم المشروح أولا حتى في الاكتفاء بكون سنده به مبينا فيه وممن فعله عبد الله إما ابن عمر أو ابن عمرو بن العاص قال أبو عبد الرحمن الجيلي أتيت عبد الله بكتاب فيه أحاديث فقلت انظر في هذا الكتاب فما عرفت منه اتركه وما لم تعرفه امحه
وابن شهاب قال عبيد الله بن عمر بن حفص أشهد أنه كان يؤتي بالكتاب من كتبه فيتصفحه وينظر فيه ثم يقول هذا من حديثي أعرفه خذه عني ومالك جاءه رجل فقال يا أبا عبد الله الرقعة فأخرج رقعة وقال قد نظرت فيها وهي من حديثي فاروها عني وأحمد جاءه رجل بجزئين وسأله أن يجيزه بهما فقال ضعهما وانصرف فلما خرج أخذهما فعرض بهما كتابة كتابه وأصلح له بخطه ثم أذن له فيهما والأوزاعي كما سيأتي والذهلي وآخرون
وقد اختلفوا في موازاة هذا النوع للسماع فحكوا ومن تبعه عن الإمام مالك رحمه الله ونحوه من أئمة المدينيين كأبي بكر بن عبد الرحمن الحارث بن هشام أحد الفقهاء السبعة وابن شهاب وربيعة الرأي ويحيى بن سعيد الأنصاري وعن جماعة من المكيين كمجاهد (2/115)
وأبي الزبير ومسلم الزنجي وابن عيينة ومن الكوفيين كعلقمة وإبراهيم النخعيين والشعبي ومن البصريين كقتادة وأبي العالية وأبي المتوكل الناجي ومن المصريين كابن وهب وابن القاسم وأشهب ومن الشاميين والخراسانيين وجماعة من مشايخ الحاكم القول بأنها أي المناولة المقرونة بالإجازة تعادل السماعا ولم يحك الحاكم لفظ مالك في ذلك وقد روى الخطيب في الكفاية من طريق أحمد بن إسحاق بن بهلول قال تذاكرنا بحضرة إسماعيل بن إسحاق السماع فقال قال إسماعيل بن أبي أويس السماع على ثلاثة أوجه القراءة على المحدث وهو أصحها وقراءة المحدث والمناولة وهو قوله أرويه عنك وأقول حدثنا وذكر عن مالك مثله فهذا مشعر عن مالك وابن أبي أويس بتسوية السماع لفظا والمناولة وحينئذ فكان عرض السماع وغرض المناولة عند مالك سيان فقد تقدم هناك رواته عنه أيضا باستواء عرض السماع والسماع لفظا
وكذا ممن ذهب إلى التسوية بين السماع وعرض المناولة أحمد فروى الخطيب أيضا من طريق المروزي عنه أنه قال إذا أعطيتك كتابي وقلت لك اروه عني وهو من حديثي فما تبالي أسمعته أو لم تسمعه وأعطاني أنا وأبا طلب المسند مناولة ونحوه قول أبي اليمان قال لي أحمد كيف تحدث عن شعيب فقلت بعضها قراءة وبعضها أخبرنا وبعضها مناولة فقال قل في كل مكان أخبرنا وسيأتي مثله في الترجمة الآتية
وعن ابن خزيمة قال الإجازة والمناولة عندي كالسماع الصحيح بل أعلى من القول بالاستواء ما نقله ابن الأثير في مقدمة جامع الأصول من أن من أصحاب الحديث من ذهب إلى المناولة أو في من السماع وكأنه يشير بذلك إلى ما أسنده عياض من حديث محمد بن الضحاك عن مالك قال كلفني يحيى بن سعيد الأنصاري فكتبت له أحاديث ابن شهاب فقال له قائل فسمعها منك قال كان أفقه من ذلك وفي لفظ بل أخذها عني وحدث بها فقد (2/116)
قال عياض عقبة وهذا بين لأن الثقة بكتابة مع إذنه أكثر من الثقة بالسماع وأثبت لما يدخل من الوهم على السامع والمستمع
ولكن قد أبى المفتون جمع مفتى اسم فاعل من أفتى فلما أجمع جمع تصحيح التقي ساكان الياء التي آخر الكلمة واو الجمع فحذفت الياء وفي الحلال والحرام ذا أي القول بأنها حالة محل السماع فضلا عن ترجيحها امتنعا منهم إسحاق بن راهويه وسفيان الثوري بالمثلثة نسبة لثور بطن من تميم مع باقي الأئمة المتبوعين أبي حنيفة النعمان وإمامنا الشافعي وأحمد ابن حنبل الشيباني نسبته لشيبان بن ثعلبة وابن المبارك عبد الله وغيرهم كالبويطي والمزني ويحيى بن يحيى حسبما حكاه عنهم حيث رأوا القول بأنها أي المناولة أنقص من السماع والذي حكاه الحاكم عنهم أنهم لم يروها سماعا فقط ولكن مقابلته الأول به مشعر بأنها أنقص وهو الذي صححه ابن الصلاح قبل ذكره كلام الحاكم فقال والصحيح أن ذلك غير حال محل السماع وأنه منحط عن درجة التحديث لفظا والإخبار قراءة
ثم حكى عن الحاكم الغزو للمذكورين إلى أن قال قال الحاكم وعليه عهدنا أئمتنا وإليه ذهبوا وإليه نذهب واحتج لذلك قوله صلى الله عليه و سلم نضر الله امرءا سمع مقالتي فوعاها حتى يؤديها إلى من لم يسمعها وبقوله صلى الله عليه و سلم تسمعون ويسمع منكم فإنه لم يذكر فيها غير السماع فدل على أفضليته لكن قال البلقيني إن ذلك لا يقتضي امتناع تنزيل المناولة على ما تقدم منزلة السماع في القوة قال علي أني لم أجد من صريح كلامهم ما يقتضيه انتهى وفيه نظر
وممن قال أنها أنقص مالك فأخرج الرامهرمزي من حديث أبي أو ليس قال سألت مالكا عن أصح السماع فقال قراءتك على العالم أو (2/117)
المحدث ثم قراءة المحدث عليك ثم أن يدفع إليك كتابه فيقول إر وهذا عني وهذا يقتضي انحطاط درجتها عن القراءة لكنه مشعر لتسميتها سماعا ليكون مطابقا للسؤال على أن يكون زاد في الجواب وحينئذ فاختلف المروي عن مالك إلا أن تكون ثم لمجرد وكذا بمقتضى ما سلف اختلف المروي عن أحمد إن لم يكن الخلل من الحاكم في النقل عنه فقد قال ابن الصلاح إن في كلامه بعض التخليط من حيث كونه خلط بعض ما ورد في عرض القراءة بما ورد في عرض المناولة وساق الجميع مساقا واحدا
لكن قد حكى الخطيب عن أحمد أنه كان ربما جاءة الرجل بالرقعة من الحديث فيأخذوها فيعارض بها كتابه ثم يقرؤها على صاحبها وهذا قد يساعد الحاكم وكذاه يخدش في حكايته عن الشافعي بما حكاه البيهقي عنه أنه نص في كتاب القاضي إلى القاضي على عدم القبول إلا بشاهدين مع فتحه وقراءته عليهما قال كالصكوك للناس على الناس لا نقبلها مختومة وهما يدريان ما فيها لأن الخاتم قد يضع على الختم وتبدل الكتاب وحكى في تبديل الكتاب حكاية ولا في حكايته عن الثوري بكراهية شهادة الرجل على الوصية في صحيفة مختومة حتى يعلم ما فيها لأنا نقول باب الرواية أوسع وأيضا فالتبديل غير متوهم في صورة المناولة ومسألة الوصية وإن حكيت الكراهة فيها أيضا عن الحسن البصري وأبي قلابة الجرمي وإبراهيم النخعي كما عند البيهقي في المدخل فهو مذهب الشافعي وأبي حنيفة تمسكا بقوله تعالى ( وما شهدنا إلا بما علمنا ) فقد حكى فيها أيضا الجواز عن مالك بل وعن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب أنه كان يفعل ذلك إذا أراد سفرا ويدفعها إلى ابن عمه سالم بن عبد الله ابن عمرو يقول أشهد على ما فيها وبها استدل ابن شهاب حيث قيل له في جواز المناولة فقال ألم تر الرجل يشهد على الوصية ولا يفتحها فيجوز ذلك ويؤخذ به (2/118)
وأما النزاع معه في إدراج أبي حنيفة في المجيزين بأن صاحب القنية حكى عنه وعن صاحبه محمد في عطاء الشيخ الكتاب للطالب وإجازته له به عدم الجواز إذا لم يسمع ذلك ولم يعرفه خلافا لأبي يوسف ففيه نظر إذ الظاهر أنهما معا إذا لم يكن أحد شيئين إما السماع أو معرفة الطالب بما في الكتاب أي بصحته وهذا لا يمنع ما قدمناه في أول أنواع الإجازة عن أبي حنيفة وأبي يوسف من بطلان الإجازة لجواز اختصاصه بالمجردة عن المناولة أفاد حامله المؤلف
وما حكاه أبو سفيان من الحنفية ولعله الرازي عن إمامه وصاحبه أبي يوسف أنهما الإجازة والمناولة يمكن حمله على المناولة المجردة وكذا يمكن النزاع في ابن راهويه بما سيأتي في القسم الخامس من احتجاجه على الشافعي في مسألة تحديث احتج الشافعي عليه فيها بغيره وقال له هذا سماع وذاك كتاب يعني فهو مقدم فقال له إسحق إن النبي صلى الله عليه و سلم كتب إلى كسرى وقيصر ولكن سيأتي رده بأن هذا لا يلاقي متمسك الشافعي رحمهما الله
ولأجل ما نسب للحاكم قال بعض المتأخرين عقب حكايته الاستواء وكان هؤلاء الأئمة المحكى عنهم جوزوا الرواية بها لا أنهم نزلوها منزلة السماع ونحوه جمع بعضهم بين المذهبين بأن المثلية في الحكم والإجمال وعدمها في التفصيل والتحقيق فصار الخلاف في الحقيقة لفظيا
وفي المسألة قول رابع أورده البيهقي في المدخل من طريق يحيى بن معين قال قال الأوزاعي يقول في العرض قرأت وقرئ أو في المناولة تتدين به ولا تحدث به وهذا قد لا ينافيه إدراج لحاكم له فيمن يراها دون السماع لكن قد روى البيهقي أيضا في طريق محمد بن شعيب بن شابور قال لقيت الأوزاعي ومعي كتاب كتبته من حديثه فقلت يا أبو عمرو هذا كتاب كتبته من أحاديثك فقال هاته فأخذه وانصرف إلى منزله وانصرفت أنا فلما كان بعد أيام لقيني به فقال هذا كتابك قد عرضته وصححته فقلت يا أبا عمرو أفأرويه عنك قال نعم قلت أذهب فأقول أخبرني الأوزاعي قال نعم قال ابن (2/119)
شعيب وأنا أقول كما قال وبالجملة فعلى القول الثالث من يرد عرض القراءة يرد عرض المناولة من باب أولى
قلت ولكن قد حكوا أي القاضي عياض ومن تبعه إجماعهم أي أهل النقل على القول بأنها أي المناولة صحيحة معتمد أي من أجل اعتمادها وتصديقها يعني وإن اختلف في صحة الإجازة المجردة وعبارة عياض بعد أن قال وهي رواية صحيحة عند معظم الأئمة والمحدثين وسمى جماعة وهو قول كافة أهل النقل والأداء والتحقيق من أهل النظر
وإن تكن المناولة كما تقرر بالنسبة للسماع مرجوحة على المعتمد ثم أنه قد بقي من صور هذا النوع صورتان أما الأولى إذ ناول الشيخ الكتاب أو الجزء للطالب مع أجازته له به واستردا ذلك منه في الوقت ولم يمكنه منه بل أمسكه الشيخ عنده فقد صح هذا الصنيع وتصح به الرواية والعمل ولكن إذا أراد الطالب المجاز له الرواية لذلك أدى من نسخة قد وافقت مروية المجاز به بمقابلتها أو بإخبار ثقة بموافقتها ونحو ذلك على ما هو معتبر في الإجازات المجردة عن المناولة أو من الأصل الذي استدل منه شيخه إن ظفر به وغلب على ظنه سلامته من التغيير من باب أولى ولكن هذه الصورة تتقاعد عما سبق والخلاف فيها أقوى لعدم احتواء الطالب على المروي الذي تحمله وغيبته عنه بل ليست لها وعبارة ابن الصلاح لا يكاد يظهر لها مزية على الكتاب الذي عين في الإجازة مجردا عن المناولة عند المحققين أي من الفقهاء والأصولين كما هي عبارة ابن الصلاح وسبقه لحاصل ذلك عياض فقال ولا مزية له عند مشايخنا من أهل النظر والتحقيق لأنه لا فرق بين إجازته إياه أن يحدث عنه بكتاب الموطأ وهو غائب أو حاضر إذا المقصود تعيين ما أجاز له لكن مازه أي جعل له مزية معتبرة على ذلك أهل الحديث أو من حكى عنه منهم آخر أو قدما وسبق ابن الصلاح لذلك عياض وعبارته مع ما تقدم عنه لكن قديما وحديثا شيوخنا من أهل الحديث يرون لهذا مزية على الإجازة (2/120)
يعني فإن كل نوع من أنواع التحمل كيف ما كان لا يصح الرواية به إلا من الأصل أو المقابل به مقابلة يوثق بمثلها وربما يستفيد بها معرفة المناول فيروي منه أو من فرعه بعد بل قال ابن كثير إنه في الكتاب المشهور كالبخاري ومسلم كصورة التمليك أو الإعارة انتهى
إذا علم هذا فقد قال السهيلي جعل الناس المناولة اليوم أن يأتي الطالب الشيخ فيقول ناولني كتابك فيناوله ثم يمسكه ساعة عنده ثم ينصرف الطالب فيقول حدثني فلان مناولة وهذه رواية لا تصح على هذا الوجه حتى يذهب بالكتاب معه وقد أذن له أن يحدث عنه بما فيه وهو ومحتمل لاقترانه بالإجازة فيكون من هذا النوع أو تجوزه ليعلم صحته ويتحقق أنه مرويه
وأما الثانية إذا ما أي إذا الشيخ لم ينظر ما أحضره إليه الطالب مما ذكر له أنه مروية عنها وهو ظاهر اللفظ فيكون من ثاني النوعين ويكون حينئذ على قسمين فالله أعلم ولكن ناوله له واعتمد في صحته وثبوته في مرويه من أحضر الكتاب وهو أي الطالب المحضر معتمد لاتقانه وثقته فقد صح ذلك كما يصح في القراءة على الشيخ الاعتماد على الطالب حتى يكون هو القاريء من الأصل إذا كان موثوقا به معرفة دينا ولم يحك ابن الصلاح فيه اختلافا
وقد حكى الخطيب في الكفاية عن أحمد التفرقة فإنه ورى من طريق حنبل بن إسحاق قال سألت أبا عبد الله عن القراءة فقال لا بأس بها إذا كان رجل يعرف ويفهم قلت له فالمناولة قال ما أدري ما هذا حتى يعرف المحدث حديثه وما يدريه ما في الكتاب
وهذا ظاهره أنه لو كان لمحضر ذا معرفة وفهم لا يكفي قال وأهل مصر يذهبون إلى هذا وأنا لا يعجبني قال الخطيب وأراه عني يعني بما نسبه لأهل مصر المناولة للكتاب وإجازته روايته من غير أن يعلم هل ما فيه من حديثه أم لا وحمل ما جاء عن ابن شهاب من أنه كان يؤتي بالكتاب فيقال له يا أبا بكر (2/121)
هذا كتابك نرويه عنك فيقول نعم وما رآه ولا نرى عليه على أنه كان قد تقدم نظره له وعرف صحته وأنه يقول من حديثه وجاء به إليه من تثق به ولذلك استجاز الإذن في روايته من غير أن ينشره وينظر فيه ويؤيده ما تقدم عنه أنه كان يتصفح الكتاب وينظر فيه وكذا يحمل عليه ما ورد عن هشام بن عروة أنه قال جاءني ابن جريج بصحيفة مكتوبة فقال لي يا أبا المنذر هذه أحاديث أرويها عنك قال قلت نعم وإلا أي وإن لم يكن الطالب ممن يعتمد خبره ولا يوثق بخبرته فقد بطل الإذن استيقانا ولم تصح الإجازة فضلا عن المناولة
نعم إن تبين بعد ذلك بطريق معتمد صحته وثبوته في مروية فالظاهر كما قال المصنف الصحة أخذا من المسألة بعده لأنه زال ما كنا نخشى من عدم ثقة الطالب المخبر مع إمكان الفرق بينهما
وأما إن يقل أي الشيخ للطالب المعتمد وغيره أجزته إن كان ذا أي المجاز به من حديثي مع براءتي من الغلط والوهم فهو أي القول فعل جائز حسن كما قاله الخطيب وممن فعله مالك فإن ابن وهب قال كنا عنده فجاءه رجل يكتب على يديه فقال يا أبا عبد الله هذه الكتب من حديثك أحدث بها عنك فقال له مالك إن كانت من حديثي فحدث بها عني وكذا فعله غير واحد وزاد الناظم أنه يفيد حيث وقع التبين لصحة كونه من حديث الشيخ
والنوع الثاني إن خلت من إذن المناولة بأن يناول الشيخ الطالب شيئا من مرويه ملكا أو عارية لينتسخ منه أو يأتي إلى الشيخ بشئ من حديثه فيتصفحه وينظر فيه مع معرفته ثم يدفعه إليه ويقول له في الصور كلها هذا من رواياتي على الحكم المشروح في النوع الأول لكن لا يصرح له بالإذن برواية عنه وقد اختلف فيها فقيل كما حكاه الخطيب عن طائفة من العماء تصح وتجوز الرواية بها كالرجل يجيء إلى آخر بصك فيه ذكر حق فيقول له (2/122)
أتعرف هذا الصك فيقول نعم هو دين علي لفلان أو يقول له ابتدأ في هذا الصك دين علي لفلان فيقول نعم هو دين أو يجده في يده صكا يقرؤه فيقول له ما في هذا الصك فيقول ذكر حق علي لفلان ثم يسمعه بعد ينكره فإن له أن يشهد عليه بإقراره على نفسه مع كونه لم يأذن له في أدائه
كما ذهب إليه مالك وغيره من أهل الحجاز وبه قال أصحاب الشافعي
وإذا أجاز في الشهادة بدون إذن المقر ففي الرواية من باب أولى ولعل هؤلاء ممن يجيز الرواية لمجرد إعلام الشيخ الطالب بأن هذه مرويه أو الرواية بمجرد إرساله إليه بالكتاب من بلد كما سيأتي فيهما بل هو هنا أولى لترجحه بزيادة المناولة بالنسبة لمسألة الإعلام وبالمواجهة بها بالنسبة للإرسال فإن المناولة كما قال ابن الصلاح لا تخلو من الإشعار بالإذن في الرواية فحصل الاكتفاء في هذه الصور كلها بالقرينة وبالغ بعضهم فقال إنها قريب من السماع على الشيخ إذا لم يأذن له في الرواية لاشتراكهما في العلم بالمروي وقيل يصح العمل بها دون الرواية حكي عن بعضهم ويشبه أن يكون الأوزاعي قائلا به لأنه روي عنه أنه أجاز المناولة وفعلها
وروي عنه أنه يعمل بها ولا يحدث بها فقال عياض ولعل قوله يعني الثاني فيمن لم يأذن في الحديث به عنه والأصح أنها بدون باطلة لم نر كما قال الخطيب من فعلها لعدم التصريح بالإذن فيها فلا تجوز الرواية بها
قال ابن الصلاح وعاب غير واحد من الفقهاء والأصوليين على المحدثين بتجويزها وإساغة الرواية بها فقلت منهم الغزالي فإنه قال في المستصفي مجرد المناولة دون قوله حدث به عني لا معنى له وإذا قال حدث به عني فلا معني للمناولة بل هو زيادة تكلف أخذ به بعض المحدثين بلا فائدة بل أطلق النووي في تقريبه وحكاية البطلان عن الفقهاء وأصحاب الأصول ولكن صنيع ابن الصلاح في عدم التعميم أحسن لعدم اشتراط جماعة من الأصوليين منهم الرازي في المحصول الإذن بل ولا المناولة حتى قالوا إن الشيخ لو أشار إلى (2/123)
كتاب وقال هذا سماعي من فلان جاز لمن سمعه أن يرويه عنه سواء ناوله إياه أم لا خلافا لبعض المحدثين وسواء قال له إروه عني أم لا مقتضى كلام السيف الآمدي اشتراط الإذن في الرواية
وقيل إنه لم يقل به من الأصوليين سوى القاضي أبي بكر الباقلاني وأتباعه ووجهه القاضي أبو بكر بأنه يجوز أن يناول الكتاب الذي يشك في ما فيه وقد يصح عند الغير من حديثه ما يعتقد في كثير منه أنه لا يحدث به لعلل في حديثه هو أعرف بها كما أنه قد يحتمل الشهادة من لا يجوز عنده أن يقيمها ولا أن يشهد لها فإذا أشهد على شهدته كان ذلك بمثابة أدائه لها وعلم أنه في نفسه على صفة يجوز إقامته لها فكذلك الإجازة والمناولة من العدل الثقة انتهى
وقد مال شيخنا للتسوية بين هذا النوع وبين ثاني النوعين أيضا من القسم بعده وقال أنه لم يظهر لي فرق بينهما إذ خلا كل منهما عن الإذن (2/124)
كيف يقول من روى ما تحمله بالمناولة وبالإجازة الماضيتين
( واختلفوا في من روى ما نوولا ... فمالك وابن شهاب جعلا )
( إطلاقه حدثنا وأخبــــرا ... يسوغ وهو لائق بمن روى )
( العرض كالسماع بل أجـازه ... بعضهم في مطلق الإجـازة )
( والمرزباني وأبو نعيــــم ... أخبر والصحيح عند القـوم )
( تقييده بما يبين الواقعـــا ... إجازة تناولا هما معــــا )
( أذن لي أطلق لي أجازنــي ... سوغ لي أباح لي ناولنــي )
( وإن أباح الشيخ للمجــاز ... إطلاقه لم يجز في الجــواز )
( وبعضهم أتى بلفظ موهـم ... شافهني كتب لي فما سلـم )
( وقد أتى بخبر الأوزاعــي ... فيها ولم يخل من النــزاع )
( ولفظ أن اختاره الخطابـي ... وهو مع الإسناد ذو اقتراب )
( وبضعهم يختار في الإجـازة ... أنبأنا كصاحب الواجـازة )
( واختاره الحاكم فيما شافهه ... بالإذن بعد عرضه مشافهة )
( واستحسنوا للبيهقي مصطلحا ... أنبأنا إجازة فصرحــا )
( وبعض من تأخر استعمل عن ... إجازة وهي قريبة لمـن ) (2/125)
( سماعه من شيخه فيه يشك ... وحرف عن بينهما فمشترك )
( وفي البخاري قال لي فجعله ... حيريهم للعرض والمناولة )
واختلفوا أي الأئمة من المحدثين وغيرهم في ما يقول من روى مانوولا المناولة المعتبرة مما تقدم فمالك هو ابن أنس وابن شهاب الزهري جعلا إطلاقه أي رواي حدثنا وأخبر أي وأخبرنا يسوغ وهو أي الإطلاق لائق بمذهب من يرى كما تقدم في محله العرض في المناولة كعرض السماع وممن حكى هذا الإطلاق عن مالك الخطيب وأنه قال قل ما شئت من حدثنا وأخبرنا
ووري أيضا عن الحسن أنه قال يبيعه أن يقول حدثني فلان عن فلان واجتمع ابن وهب وابن القاسم وأشهب على أنه يقول أخبرني وعن أحمد ابن حنبل فيمن روى الكتاب بعضه قراءة وبعضه تحديثا وبعضه مناولة وبعضه أجازة أنه يقول في كله أخبرنا بل إجازة أي إطلاقهـما بعضهم كابن جريج وجماعة من المتقدمين حسبما عزاه إليهم عياض وكمالك أيضا وأهل المدينة كما حكاه عنهم صاحب الوجازة في مطلق أي في الرواية بمطلق الإجازة يعني المجردة عن المناولة حتى قيل إنه مذهب عامة حفاظ الأندلس ومنهم ابن عبد البر فيقولون فيما يجاوز حدثنا وأخبرنا
وعن عيسى بن مسكين قال الإجازة رأس مال كبير وجدير أن يقول فيهما حدثني وأخبرني واختاره بعض المتأخرين وقال إن الإجازة كيف ما كانت إخبار وتحديث فيجوز ذلك فيها والاتصال السندي واقع به إذ كل (2/126)
واحد من نوعي الإجازة والسماع طريق تحمل والتعرض لتعيين النوع المحتمل به ليس بلازم ولا العمل متوقف عليه وقال أبو مروان الطبني له أن تقول في الإجازة بالمعين حدثني وذهب إلى الجوازة كذلك إمام الحرمين والحكيم الترمذي في نوادره الأصول محتجا له بأن مدلول التحديث لغة إلقاء المعاني إليك سواء ألقاه لفظا أو كتابة أو إجازة وقد سمى الله تعالى القرآن حديثا حدث به العباد وخاطبهم به فكل محدث أحدث إليك شفاها أو بكتاب أو بإجازة فقد حدثك به وأنت صادق في قولك حدثني ويسمى الواقع في المنام حدثنا كما قال تعالى ( ولنعلمه من تأويل الأحاديث )
وكذا أبو عبيد الله محمد بن عمران بن موسى بن عبيد المرزباني بضم الزاي نسبه لجد له اسمه المرزبان البغدادي صاحب أخبار ورواية للأدب وتصانيف كثيرة وكان في داره خمسون ما بين لحاف ومحبرة لمن يبيت عنده مات سنة أربع وثمانين وثلاثمائة وأبو نعيم الأصبهاني الحافظ صاحب التصانيف الكثيرة في علم الحديث أطلقا في الإجازة لفظ أخبر خاصة من غير بيان وممن حكاه عنهما الخطيب وعن ثانيهما فقط أبو الفضل بن طاهر وحكى الخطيب أن أولهما عيب بذلك وكذا نقل ابن طاهر ثم الذهبي في ميزانه عن الخطيب أنه عاب ثانيهما أيضا به فقال رأيت لأبي نعيم أشياء تساهل فيها مثل أن تقول في الإجازة أخبرنا من غير بيان بل أدخله لذلك ابن الجوزي ثم الذهبي في الضعفاء وقال إنه مذهب رآه هو وغيره قال وهو ضرب من التدليس
قلت أما عيب الأول به فظاهر لكونه لم يبين اصطلاحه وأكثر مع ذلك منه بحيث أن أكثر ما أورده في كتبه بالإجازة لا السماع وانضم إلى ذلك (2/127)
أنه رمي بالاعتزال وبأنه كان يضع المحبرة وقنينة النبيذ ولا يزال يكتب ويشرب
وأما ثانيهما فبعد بيان اصطلاحه لا يكون مدلسا ولذا قال ابن دحية سخم الله وجه من يعيبه بهذا بل هو الإمام عالم الدنيا وقال شيخنا إنهم وإن عابوه بذلك فيجاب عنه بأنه اصطلاح له خالف فيه الجمهور فإنه كان يرى أنه يقول في السماع مطلقا سواء قرأ بنفسه أو سمع من لفظ شيخه أو بقراءة غيره على شيخه حدثنا بلفظ التحديث في الجميع ويخص الإخبار بالإجازة يعني كما صرح هو باصطلاحه حيث قال إذا قلت أخبرنا على الإطلاق من غير أن أذكر فيه إجازة أو كتابة أو كتب لي أو أذن لي فهو إجازة أو حدثنا فهو سماع ويقوي التزامه لذلك أنه أورد في مستخرجه على علوم الحديث للحاكم عدة أحاديث رواها عن الحاكم بلفظ الإخبار مطلقا وقال في آخر الكتاب الذي رويته عن الحاكم بالإجازة فإذا أطلق الإخبار على اصطلاحه عرف أنه أراد الإجازة فلا اعتراض عليه من هذه الحيثية بل ينبغي أن ينبه على ذلك لئلا يعترض عليه انتهى
ومع كونه اصطلاحه فقد قال ابن النجار إنه إنما يفعل نادرا لاستغنائه بكثرة المسموعات التي عنده فقد قرأت مستخرجه على مسلم فما وجدت فيه شيئا بالإجازة إلا مويضعات يسيره حدثنا عن الأصح وآخر عن خيثمة وعن غيرهما وكذا اعتذر عنه غيره بالندور وكلام المنذري أيضا مشعر به فإنه قال هذا لا ينقصه شيئا إذ هو يقول في معظم تصانيفه أخبرنا فلان إجازة قال وعلى تقدير أن يطلق في الإجازة أخبرنا بدون بيان فهو مذهب جماعة فلا يبعد أن يكون مذهبا له أيضا على أن شيخنا جوز أن الحافظ أبا نصر أحمد بن عمر الغازي الأصبهاني ممن كان يفعل ذلك أيضا وذلك أنه الحافظ ابن السمعاني لما قال في ترجمته إنه كان لا يفرق السماع من الإجازة (2/128)
وقال الذهبي يريد أن السماع والإجازة سواء في الاتصال والاحتجاج وإلا فمن له أدنى معرفة يريد أن يفهم أن السماع شيء والإجازة شيء
قال شيخنا ما أظنه أراد ما فهمه الذهبي وإنما مراده أنه إذا حدث لا يميز هذا من هذا بل يقول مثلا في كل منهما أخبرنا ولا يعين في الإجازة كونها إجازة انتهى
وأغرب من هذا كله ما قبل من أن أبا نعيم كان يقول فيما لم يسمعه من مشايخه بل رواه إجازة أخبرنا فلان فيما قرئ عليه ولا يقول وأنا أسمع فيشد الالتباس على من لم يعرف حقيقة الحال وفي تاريخ أصبهان له شئ من ذلك كقوله أخبرنا عبد الله بن جعفر فيما قرئ عليه زاد فيها وحدثني عنه أبو محمد بن حبان وهذه الزيادة مما يتضح بها المراد فإنها تشعر أنه رواه عاليا عن الأول إجازة ويزول عن الثاني سماعا وأصرح منه قوله في ترجمة عبد الرحمن بن مهدي من الحلية أيضا أخبرنا عبد الله بن جعفر فيما قرئ علي وأذن لي فيه ولكن قد حكى ابن طاهر في أطراف الأفراد هذا المذهب أيضا عن شيخه الدارقطني وهو اصطلاح لهما غريب وكأن النكتة في التصريح عن شيخه بذلك اعتماده المروي والصحيح المختار عند جمهور القوم وهو مذهب علماء الشرق واختاره أهل التحري والورع المنع من إطلاق كل من حدثنا وأخبرنا ونحوهما في المناولة والإجازة خوفا من حمل المطلق على الكامل وتقييده أي المذكور منها بما يبين أي يوضح الوقعا في كيفيته بالتحمل من السماع أو الإجازة أو المناولة بلفظ لا إشكال فيه بحيث يتميز كل واحد منها عن الآخر كأن يقول أخبرنا أو حدثنا فلان إجازة وأخبرنا أو حدثنا تناولا أو هما معا أي إجازة مناولة أو فيما أذن لي أو فيما أطلق لي روايته عنه أو فيما (2/129)
أجازني أو فيما سوغ لي أو فيما باح لي أو فيما ناولني
قال الخطيب وقد كان غير واحد من السلف يقول في المناولة أعطاني فلان أو دفع إلي كتابة وشبيها بهذا القول وهو الذي يستحسنه هذا مع أنه اختلف في ذلك أيضا فحكى ابن الحاجب في مختصره قولا إنه لا يجوز مع التقييد أيضا وإليه ذهب ابن دقيق العيد فإنه قال والذي أراه أن لا يستعمل فيها أي في الإجازة أخبرنا لا بالإطلاق ولا بالتقييد لبعد دلالة لفظ الإجازة عن الإخبار إذ معناها في الوضع الإذن في الرواية انتهى
وليس ما قاله متفقا عليه كما قاله في أول ثالث أقسام التحمل
وممن كان يسلك التقييد الحسن بن محمد بن الحسن الخلال فإنه يقول في كتابه اشتقاق الأسماء أخبرنا فلان إجازة وكذا أجاز لنا محمد بن أحمد الواعظ أن عبد الله بن محمد البغوي أخبرهم
وقال أبو بكر الحازمي مما يحسن الاستشهاد به للتقييد هنا أيضا أن ألجأه ضرورة من يريد تخريج حديث من باب ولم يجد مسلكا سواه أعني الرواية بالإجازة العامة استخار الله تعالى وحرر ألفاظه نحو أن يقول أخبرني فلان إجازة عامة أو فيما أجاز من أدرك حياته أو يحكى لفظ المجيز في الرواية فيتخلص عن غوائل التدليس والتشبع بما لم يعط ويكون حينئذ مقتديا ولا يعد مفتريا انتهى
وإذا كان الإطلاق في العامة مع الاضطرار للرواية بها يعد فاعله مفتريا فما بالك بمن الوقت في غنية عن تحديثه لو سمع لفظا فضلا عن كونه نقلا من المسموع والشيوخ ويروي بالإجازة العامة من غير بيان ولا إفصاح وإن أباح الشيخ المجيز للمجاز له إطلاقه حدثنا أو أخبرنا في المناولة أو الإجازة الخاصة فضلا عن العامة كما فعله من المشايخ في إجازتهم حيث قالوا لمن أجازوا له إن شاء قال حدثنا وإن شاء قال (2/130)
أخبرنا ووجد ذلك كما حكي عن شيخنا وجزم به ابن الجوزي في إجازات المغاربة لم يكف ذلك في الجواز وإن علل ابن الصلاح كما تقدم في أثناء التفريعات التالية لثاني أقسام التحمل المنع من إبدال حدثنا بأخبرنا وعكسه باحتمال أن يكون مذهب الراوي عدم التسوية بين الصيغتين لتعقب المصنف له هناك من نكتة بأنه ليس يجيد من حيث أن الحكم لا يختلف في الجائز والممتنع بكون الشيخ يرى الجائز ممتنعا والممتنع جائزا فرع لو قرأ على شيخ شيئا بالإجازة إن لم يكن سماعا من شيخه ثم تبين أنه سمعه فالأحسن حكاية الواقع بأن يقول إجازة إن لم يكن سماعا ثم ظهر سماعه كما وقع لأبي زرعة المقدسي في سنن ابن ماجة وللصلاح ابن أبي عمر في بعض المسانيد من مسند أحمد حيث أخبر فيها
كذلك لعدم الوقوف على الأصل فيها ثم ظهر سماعه لها بل قال بعض الحفاظ إنه لا بد من التصريح بذلك ولكن اتفق رأي المحققين على عدم اشتراطه وأن إطلاق السماع كاف وهذا ما صححه ابن تيمية والمزي وغيرهما ممن عاصرهما كابن المحب شيخ شيوخنا ونحوه إخبار الزين بن الشيخة بالإجازة العامة من الحجاز ثم بان أن له منه إجازة خاصة وبعضهم أي وبعض المحدثين يقتصر على ما مضى كالحاكم حيث أتى بلفظ موهم تجوزا فيما أجازه فيه شيخه بلفظه شفاها وهو أجازنا فلان مشافهة أو شافهني وفيما أجازه به شيخه بكتابه أخبرنا فلان كتابة أو مكاتبة أو في كتابه أو كتب لي أو إلي وحكى الشق الثاني عن أبي نعيم فقال ابن النجار إنه كان يقول في الإجازة حدثني فلان في كتابه
وقال غيره إنه كثيرا ما يقول أخبرنا أبو الميمون بن راشد في كتابه وكتب إلى جعفر الخلدي وكتب إلى أبو العباس الأصم وهذه الألفاظ إن كثر استعمالها لذلك بين المتأخرين من بعد الخمسمائة وهلم جرا فما سلم من استعملها مطلقا من الإيهام وطرف من التدليس أما المشافهة فتوهم (2/131)
مشافهة بالتحديث وأما الكتابة فتوهم أنه كتب إليه بذلك الحديث بعينه كما يفعله المتقدمون على ما سيأتي في القسم الذي يليه
ولذا نص الحافظ أبو المظفر الهمداني في جزء له في الإجازة على المنع من هذا معللا بالإيهام المذكور وقد أتى يخبرنا بالتشديد أبو عمرو الأوزاعي فيها أي في الإجازة خاصة وجعل أخبرنا بالهمزة للقراءة ولم يخل أيضا من النزاع من جهة أن معنى خبر في اللغة وكذا الاصطلاح واحد بل قيل إن خبر أبلغ وكان للأوزاعي أيضا في الرواية بالمناولة اصطلاح قال عمروا ابن أبي سلمة قلت له في المناولة أقول فيها حدثنا
فقال إن كنت حدثتك فقل حدثنا فقلت فما أقول قال قل قال أبو عمرو أو عن أبي عمرو لفظ أن بالفتح والتشديد اختاره أو حكاه الإمام أبو سليمان حمد الخطابي نسبه بجده خطاب فكان يقول فيما وحكي عنه في الرواية بالسماع عن الإجازة أخبرنا فلان أن فلانا حدثه أو أخبره قال صاحب الوجازة
وكأنه جعل دخول أن دليلا على الإجازة من مفهوم اللغة وقد تأملته فلم أجد له وجها صحيحا لأن أن المفتوحة أصلها التأكيد ومعنى أخبرنا فلان أن فلانا حدثه أي بأن فلان حدثه فدخول الباء أيضا للتأكيد وإنما فتحت لأنها صارت إسما فإن صح هذا المذهب عنه كانت الإجازة أقوى عنده من السماع لأنه خبر قرانه التأكيد وهذا لا يقوله أحد انتهى
وليس بجيد فقد سبق حكاية تفصيل الإجازة عن بعضهم بل لم ينفرد الخطابي بهذا الصنيع فقد حكاه القاضي عياض عن اختيار أبي حاتم الرازي قال وأنكره بعضهم وحقه أن ينكر فلا معنى له أن يفهم منه المراد ولا أعتيد هذا الموضع لغة ولا عرفا ولا اصطلاحا وكذا قال ابن الصلاح إنه (2/132)
اصطلاح بعيد عن مقاصد أهل الأفكار القويمة من أهل الاصطلاح لبعده عن الإشعار بالإجازة إلا أنه قال وهو مع سماع الإسناد خاصة لشيخه من شيخه وكون الإجازة له فيما وراء الإسناد أي من حديث ونحوه ذو اقتراب فإن في هذه الصيغة إشعارا بوجود أصل الإخبار وإن أجمل الخبر ولم يذكره تفصيلا ونحوه قول ابن دقيق العيد في الاقتراح إذا أخرج الشيخ الكتاب وقال أخبرنا فلان وساق السند فهل يجوز لسامع ذلك منه أن يقول أخبرنا فلان ويذكر الأحاديث كلا أو بعضا الذي أره أنه يجوز من جهة الصدق فإنه تصريح بالإخبار بالكتاب وغاية ما فيه أن إخبار حملي ولا فرق في معنى الصدق بين الإجمال والتفصيل نعم فيه نظر من حيث أن العادة جارية بأن لا يطلق الإخبار إلا فيما قريء ويسمى مثل هذا مناولة وليس هذا عندي بالمتعين من جهة الصدق فإن أوقع تهمة فقد يمنع من هذا الوجه انتهى
ومع القرب الذي قاله ابن الصلاح فهو يلتبس باصطلاح ابن المديني في أنه إذا زاد في نسب شيخ شيخه على ما سمعه من شيخه يأتي بلفظ أن وبعضهم يختار في الإجازة لفظ أنبأناك أبو الوليد بن بكر بن مخلد بن أبي زياد الغمري بالمعجمة المفتوحة وقيل المضمومة والميم الساكنة نسبة إلى الغمر بطن من غافق الأندلسي المالكي الأديب الشاعر صاحب الوجازة وشيخ الحاكم بل حكى عياض عن شعبة أنه قالها مرة فيها
قال وروي عنه أيضا أخبرنا واستبعد ذلك المصنف عنه فإنه لم يكن ممن يرى الإجازة كما سبق في محله نعم اصطلح قوم من المتأخرين على إطلاقها فيها واختاره أي لفظ أنبأنا الحاكم أبو عبد الله فيما شافهه شيخه بالإذن في روايته بعد عرضه له عرض المناولة مشافهة قال وعليه عهدت أكثر مشايخي وأئمة عصري واستحسنوا كما أشعره صنيع ابن الصلاح ومن بعده البيهقي الحافظ مصطلحا وهو أنبأنا (2/133)
إجازة فصرحا بالإجازة ولم يطلق الإنباء لكونه عند القوم فيما تقدم بمنزلة الإخبار وراعى في التعبير به عن الإجازة اصطلاح المتأخرين لا سيما ولم يكن الاصطلاح بذلك انتشر بل قال ابن دقيق العيد إن إطلاقها في الإجازة بعيد من الوضع اللغوي إلا أن يوضع اصطلاحا وبعض من تأخر من المحدثين استعمل كثير اللفظ عن فيما سمعه من شيخه الراوي عمن فوقه إجازة فيقول قرأت على فلان عن فلان وهي أي عن قريبة لمن أي لشيخ سماعه من شيخه فيه يشك مع تحقق إجازته منه وحرف عن بينهما أي السماع والإجازة فمشترك وأدخلت الفاء على الخبر على حد قوله ويحدث ناس والصغير فكبير وهو رأى الأخفش خاصة لا الكسائي وهذا الفرع وإن سبق في العنعنة وأنه لا يخرج بذلك عن الحكم له بالاتصال فإعادته هنا لما فيه من الزيادة وليكون منضما لما يشبهه من الاصطلاح الخاص وفي صحيح البخاري قال لي فلان فجعلته حبريهم أي المحدثين وهو بالمهملة أبو جعفر أحمد بن حمدان بن علي النيسابوري الحيري أحد الحفاظ الزهاد المجابي الدعوة فيما رواه الحاكم عن ولده أبي عمرو عنه للعرض أي لما أخذه البخاري على وجه العرض والمناولة وانفرد أبو جعفر بذلك وخالفه غيره فيه بل الذى استقرأه شيخنا كما أسلفته في آخر أول أقسام التحمل أنه إنما يستعمل هذه الصيغة في أحد أمرين أن يكون موقوفا ظاهرا وإن كان له حكم الرفع أو يكون في إسناده من ليس على شرطه وإلا فقد أورد أشياء بهذه الصيغة هي مروية عنده في موضع آخر بصيغة التحديث (2/134)
القسم الخامس من أقسام التحمل المكاتبة
( ثم الكتابة بخط الشيـــخ أو ... بأذنه عنه لغائب ولــو )
( لحاضر فإن أجاز معــــها ... أشبه ما ناول أو جـردها )
( صح على الصحيح والمشهـور ... قال به أيوب مع منصـور )
( والليث والسمعاني قد أجـازه ... وعده أقوى من الإجـازة )
( وبعضهم صحة ذاك منعــا ... وصاحب الحاوي به قد قطعا )
( ويكتفي أن يعرف المكتوب له ... خط الذى كاتبه وأبطلــه )
( قوم للأشتياه لكـــن ردا ... لندرة اللبس وحيــث أدى )
( فالليث مع منصور استـجازا ... أخبرنا حدثنا جــــوازا )
( وصححوا التقييد بالكتابــة ... وهو الذي يليق بالنزاهــة )
إلى الطالب من الراوي والصيغة التي يؤدي بها وإلحاقها بالمناولة ثم الكتابة من الشيخ بشئ من مرويه حدينا فأكثروا من تصنيفه أو نظمه ويرسله إلى الطالب مع ثقة مؤتمن بعد تحريره بنفسه أو بثقة معتمد رشده وختمه احتياطا ليحصل الأمن من توهم تغييره وذلك شرط إن لم يكن الحامل (2/135)
مؤتمنا تكون بخط الشيخ نفسه وهو أعلى أو بإذنه في الكتابة عنه لثقة غيره سواء كان لضرورة أم لا وسواء سئل في ذلك أم لا لغائب عنه في بلد آخر أو قرية أو نحوهما بل ولو كانت لحاضر عنده في بلده دون مجلسه ويبدأ في الكتابة بنفسه اقتداء بالنبي صلى الله عليه و سلم فيقول بعد البسملة من فلان بن فلان إلى فلان بن فلان فإن بدا باسم المكتوب إليه فقد كرهه غير واحد من السلف وكان أحمد بن حنبل رحمه الله يستحب إذا كتب الصغير إلى الكبير أن يقدم اسم المكتوب إليه وأما هو فكان يبتدئ باسم من يكاتبه كبيرا كان أو صغيرا تواضعا
وهي كالمناولة على نوعين فإن جاز الشيخ بخطه أو يإذنه معها أي الكتابة بقوله أجزت لك ما كتبته لك أو مات كتبت به إليك أو نحو ذلك من عبارات الإجازات كانت النوع الأول المسمى بالكتابة المقترنة بالإجازة والرواية به صحيحة بلا خلاف كما صرح به ابن النفيس
وأشبه حينئذ في القوة والصحة حيث ثبت عند المكاتب أن ذلك الكتاب هو من الراوي المجيز تولاه بنفسه أو أمر معروفا بالثقة يكتبه منه ما إذا ناول مع الاقتران بالإجازة كما مشى عليه البخاري في صحيحه في مطلق المناولة والمكاتبة إذ سوى بينهما فإنه قال وذكر المناولة و كتاب أهل العلم إلى البلدان أن عبد الله بن عمر ويحيى بن سعيد ومالكا رأوا ذلك جائزا
ولكن قد رجح قوم منهم الخطيب المناولة عليها لحصول المشافهة فيها بالإذن دون المكاتبة وهذا وإن كان مرجحا فالمكاتبة تترجح أيضا بكون الكتابة لأجل الطالب ثم مقتضى الاستواء فضلا عن القول بترجيح المناولة أن يكون المعتمد أن المروي بها أنزل من المروي بالسماع كما هي المعتمد هناك ويستأنس له بمناظرة وقعت بين الشافعي وإسحاق بن راهوية بحضرة أحمد بن حنبل في جلود الميتة إذا دبغت فقال الشافعي دباغها طهورها (2/136)
قال إسحاق فما الدليل قال حديث ابن عباس عن ميمونة هلا انتفعتم بجلدها يعني الشاة الميتة فقال إسحاق حديث ابن عكيم كتب إلينا النبي صلى الله عليه و سلم قبل موته بشهر لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب يشبه أن يكون ناسخا له لأنه قبل موتة بيسير فقال الشافعي هذا كتاب وذاك سماع فقال إسحاق إن النبي صلى الله عليه و سلم كتب إلى كسرى وقيصر وكان حجة عليهم فسكت الشافعي مع بقاء حجته كما قاله ابن المفضل المالكي يعني فإن كلامه في ترجيح السماع لا في إبطال الاستدلال بالكتاب وكأن إسحاق لم يقصد الرد لأنه ممن يرى أن المناولة أنقص من السماع كما سلف هناك بل هو ممن أخذ بالحديث الأول كالشافعي خلافا لأحمد
وممن استعمل المكاتبة المقرونة بالإجازة أبو بكر بن عياش فإنه كتب إلى يحيى بن يحيى سلام علك فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو أما بعد عصمنا الله وإياك من جميع الآفات جاءنا أبو أسامة فذكر أنك أحببت أن أكتب إليك بهذه الأحاديث فقد كتبها ابني إملاء مني لها إليه فهي حديث مني لك عمن سميت لك في كتابي هذا فاروها وحدث بها عني فإني قد عرفت أنك هويت ذلك ومكان يكفيك أن تسمع ممن سمعها مني ولكن النفس تطلع إلى ما هويت فبارك الله لنا ولك في جميع الأمور وجعلنا ممن يهوى طاعته ورضوانه والسلام عليك
وقال إسماعيل بن أبي أويس سمعت خالي مالك بن أنس يقول قال لي يحيى بن سعيد الأنصاري لما أراد الخروج إلى العراق التقط لي مائة حديث من حديث ابن شهاب حتى أرويها عنك قال مالك فكتبتها ثم بعثتها إليه وألحق الخطيب بهذا النوع في الصحة الكتابة بإجازة كتاب معين أو حديث خاص كما كتب إسماعيل بن إسحاق القاضي لأحمد بن إسحاق بن بهلول التنوخي بالإجازة بكتاب الناسخ والمنسوخ عن ابن زيد بن (2/137)
أسلم وبالعلل عن ابن المديني وبالرد على محمد بن الحسن وبأحكام القرآن ومسائل ابن أبي أويس والمسائل المبسوطة عن مالك ولكن هذا قد دخل في أول أنواع الإجازة
ثم إنه لا فرق في مطلق الصحة بين أن يجيز أو لم يجز بل جردها أي الكتابة عن الإجازة وهو النوع الثاني فإنه صح أي صحيح فيه على الصحيح والمشهور بين أهل الحديث قال عياض لأن في نفس كتابة إليه به بخطه أو إجابته إلى ما طلبه عنده من ذلك أقوى إذن عنده متى صح أنه خطه وكتابه يعني كما في النوع قبله
قال وقد استمر عمل السلف فمن بعدهم من الشيوخ بالحديث بقولهم كتب لي فلان قال حدثنا فلان وأجمعوا على العمل بمقتضى هذا الحديث وعدوه في المسند بغير خلاف يعرف في ذلك وهو موجود في الأسانيد كثيرا وتبعه ابن الصلاح فقال وكثيرا ما يوجد في مسانيدهم ومصنفاتهم قولهم كتب إلى فلان حدثنا فلان والمراد به هذا وذلك معمول به عندهم معدود في المسند الموصول وفيها إشعار قوي بمعنى الإجازة فهي وإن لم تقترن بالإجازة لفظا فقد تضمنتها معنى
والحاصل أن الإرسال إلى المكتوب إليه قرينة في أنه سلطة عليه فكأنه لفظ له به وإذا كان كذلك لم يحتج إلى التلفظ بالإذن ونحوه ما حكاه الرامهرمزي عن بعض أهل العلم قال الكتاب ذا متيقن من الراوي وسماع الأقران منه سواء لأن الغرض من القول باللسان فيما تقع العبارة فيه باللفظ إنما هو تعبير اللسان عن ضمير القلب فإذا وقعت العبارة عن الضمير بأي سبب كان من أسباب العبارة إما بكتاب وإما بإشارة وإما بغير ذلك مما يقوم مقامه كان ذلك كله سواء قد روي عن النبي صلى الله عليه و سلم ما يدل على أنه أقام الإشارة مقام القول في العبارة وذكر حديث الجارية وقوله لها أين ربك فأشارت إلى (2/138)
وقال السيف الآمدي لا يرويه إلا بتسليط من الشيخ كقوله فاروه عني أو أجزت لك روايته وذهب أبو الحسن بن القطان إلى انقطاع الرواية بالكتابة المجردة و الإمام أبو الحسن الماوردي صاحب الحاوي الكبير به أي بالمنع قد قطعا ولكن هذا القول غلط كما قاله عياض أو حكاه والمعتمد الأول وهو صحته وتسويغ الراوية به واستدل له البخاري في صحيحه بنسخ عثمان رضي الله عنه المصاحف والاستدلال بذلك واضح لأهل المكاتبة لا خصوص المجردة عن الإجازة فإن عثمان أمرهم بالاعتماد على ما في تلك المصاحف ومخالفة ما عداها والمستفاد من بعثة المصاحف إنما هو ثبوت إسناد صورة المكتوب فيهما إلى عثمان لا أصل ثبوت القرآن
فإنه متواتر عندهم بل استدل بحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم بكتابة رجلا وأمره أن يدفعه إلى عظيم البحرين فدفعه إلى عظيم البحرين إلى كسرى وبحديث أنس رضي الله عنه كتب النبي صلى الله عليه و سلم كتابا أو أرد أن يكتب ووجه دلالتهما على ظاهر بل ويمكن أن يستدل بأولهما للمناولة أيضا من حديث أنه صلى الله عليه و سلم ناول الكتاب لرسوله وأمره أن تخبر عظيم البحرين بأن هذا كتاب رسول الله صلى الله عليه و سلم وإن لم يكن سمع ما فيه ولا قرأه وقد صارت كتب النبي صلى الله عليه و سلم دينا يدان بها والعمل بها لازم للخلق
وكذلك ما كتب به أبو بكر وعمر وغيرهما من الخلفاء الراشدين فهو معمول به
ومن ذلك كتاب القاضي إلى القاضي يحكم به ويعمل به وفي الصحيحين اجتماعا وانفرادا أحاديث من هذا النوع من رواية التابعي عن الصحابي أو رواية غير التابعي عن التابعي ونحو ذلك فما اجتمعا عليه حديث وراد قال كتب معاوية إلى المغيرة رضي الله عنهما أن اكتب إلي ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه و سلم فكتب إليه أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يقول الحديث (2/140)
وحديث عبد الله بن عون قال كتبت إلى نافع أسأله عن الدعاء قبل القتال فكتب إلي أن النبي صلى الله عليه و سلم أغار على بني المصطلق وهم غارون الحديث
وفيه حدثني هذا ابن عمر رضي الله عنهما وكان في ذلك الجيش وحديث موسى بن عقبة عن سالم أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله وكان كاتبا له قال كتب إليه عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف وحديث أبي عثمان النهدي قال أتانا كتاب عمر رضي الله عنه ونحن مع عقبة بن فرقد بأذربيجان نهى عن الحرير
ومما انفرد به البخاري حديث هشام الداستوائي قال كتب إلي يحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه رفعه إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني
ومما انفرد به مسلم حديث عامر بن سعد بن أبي وقاص قال كتبت إلى جابر بن سمرة رضي الله عنهما مع غلامي نافع أن أخبرني بشيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه و سلم قال فكتب إلي سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم جمعة عشية رجم الأسلمي فذكر الحديث بل روى البخاري عن شيخه بالمكاتبة حيث قال في باب إذا حنث ناسيا في الأيمان والنذور كتب إلي محمد بن بشار وذكر حديثا للشعبي عن البراء ولم يقع له بهذه الصيغة عن أحد من مشايخه سواه وكأنه لم يسمع منه هذا الحديث بخصوصه فرواه عنه بالمكاتبة وإلا فقد أكثر عنه في صحيحه بالسماع وكذا روى بها أبو داود في سنة فقال كتب إلي حسين بن حريث أبو عمار المروزي فذكر حديثا
ويكتفي في الرواية بالكتابة أن يعرف المكتوب له بنفسه وكذا فيما يظهر بإخبار ثقة معتمد خط الكاتب الذي كاتبه وإن لم تقم البينة على المكاتب برؤيته وهو يكتب ذلك أو بالشهادة عليه أنه خطه أو بمعرفة أنه خطه (2/141)
للتوسع في الرواية
وأبطله قوم فلم يجوزوا الاعتماد على الخط واشترطوا البينة بالرؤية أو الإقرار للاشتباه في الخطوط بحيث لا يتميز أحد الكاتبين عن الآخر ومنهم الغزالي فإنه قال في السمتصفى إنه لا يجوز أن يرويه عنه لأن روايته شهادة عليه بأنه قاله والخط لا يعرفه يعني جزما ولكن ردا هذا وقال ابن الصلاح إنه غير مرضي لندرة اللبس والظاهر أن خط الإنسان لا يشتبه بغيره ولا يقع فيه إلباس وكذا قال ابن أبي الدم ذهب بعض المحدثين وغيرهم إلى أنه لا يجوز الاعتماد على الخط من حيث أن الخط يتشابه أخذا من الحاكم في أنه لا يجوز له العمل بما يرد عليه من المكاتبات الحكمية من قاض آخر إذا عرف الخط على الصحيح وهذا وإن كان له اتجاه في الحكم فالأصح الذي عليه العمل يعني سلفا وخلفا منا جواز الاعتماد على الخط لأنه صلى الله عليه و سلم كان يبعث كتبه إلى عماله فيعملون بها واعتمادهم على معرفتها
قلت وإليه ذهب الأصطخري حيث اكتفى بكتاب القاضي المجرد عن الإشهاد إذا وثق القاضي المكتوب إليه بالخط والختم والصحيح ما تقدم وباب الراوية على التوسعة بل صرح في زوائد الروضة باعتماد خط المفتي إذا أخبره من يقبل خبره أنه خطه أو كان يعرف خطه ولم يشك في فروع منها لو وجد بخط أبيه الذي لا يشك فيه دينا على أحد ساغ له الحلف فيه وحينئذ فمحاكاة الخطوط فيها من المحذور مالا تخفى فيتعين اجتنابه وإن حاكى حافظ دمشق الشمس بن ناصر الدين خط الذهبي ثم حاكاه بعض تلامذته في طائفة
وحيث أدى المكاتب ما تحمله من ذلك فبأي صيغة يؤدي فالليث بن سعد مع منصور بن المعتمر استجازا إطلاق أخبرنا وحدثنا (2/142)
جوازا لأنهما كما سلف قريبا قالا أليس إذا كتبت إليك فقد حدثتك وكذا قال لوين كتب إلي وحدثني واحد ولكن الجمهور من أهل الحديث قد منعوا الإطلاق وصححوا التقييد بالكتابة فيقول حدثنا أو أخبرنا كتابة أو مكاتبة وكذا كتب إلي إن كان بخطه ونحو ذلك وهو كما قال ابن الصلاح تبعا للخطيب الذي يليق مذاهب أهل التحري في الرواية والورع والنزاهة أي التباعد عن إبهام التلبيس
قال الحاكم الذي اختاره وعهدت عليه أكثر مشايخي وأئمة عصري أن يقول فيما كتب إليه المحدث من مدينة ولم يشافهه بالإجازة كتب إلي فلان
وكذا قال الخطيب كان جماعة من أئمة السلف يفعلونه (2/143)
القسم السادس من أقسام أخذ الحديث وتحمله إعلام الشيخ
( وهل لمن أعلمه الشيخ بما ... يرويه أن يرويه فجزمــــا )
( بمنعه الطوسي وذا المختار ... وعدة كابن جريج صــاروا )
( إلى الجواز وابن بكر نصره ... وصاحب الشامل جزما ذكره )
( بل زاد بعضهم بأن لو منعه ... لم يمتنع كما إذا قد سمعــه )
( ورد كاسترعاء من يحمـل ... لكن إذا صح عليه العمـل )
الطالب لفظا بشئ من مرويه من غير إذن له في روايته عنه وآخر مع كونه صريحا عن الكتابة التي هي الإعلام كناية فيها من التصريح بالإذن في أحد نوعيها وهل لمن أعلمه الشيخ بما يرويه حديثا فأكثر حسب ما اتفق له وقوعه سماعا أو إجازة أو غيرهما من أقسام التحمل مجردا عن التلفظ بالإجازة أن يرويه أم لا فجزما بمنعه أبو حامد الطوسي بضم المهملة من الشافعيين وأئمة الأصول حيث قطع به ولم يحك غيره فيما حكاه ابن الصلاح عنه
والظاهر كما قال المصنف إنه الغزالي وإن كان في أصحابنا ممن (2/144)
وقفت عليه اثنان كل منهما أحمد بن محمد ويعرف بأبي حامد الطوسي لكونهما لم تذكر لهما تصانيف والغزالي وله بطوس وكان والده يبيع غزل الصوف في مكان بها وقل إنه نسب إلى غزالة بالتخفيف قرية من قراها ولكنه خلاف المشهور لا سيما والمسألة كذلك في المستصفى وعبارته أما إذا اقتصر على قوله هذا مسموعي من فلان فلا يجوز له الروايه عنه لأنه لم يأذن له فيها معنى بلفظه ولا بما يتنزل منزلته وهو تلفظ القاريء عليه وهو يسمع وإقراره به ولو بالسكوت حتى تكون قول الراوي عنه السامع ذلك حدثنا وأخبرنا صدقا وأنه لم يأذن له فيه
وإذا كان كذلك فلعله كما قال في المستقصى لا يجوز روايته عنه لخلل يعرفه فيه وإن سمعه يعني كما قررناه في ثاني نوعي المناولة عن القاضي أبي بكر الباقلاني ولم ينفرد بالمنع بل ذلك جماعة من المحدثين وأئمة الأصوليين كما قاله عياض وذا أي المنع هو المختار لابن الصلاح وغيره وقول السيف الآمدي في ثاني نوعي الكتابة أنه لا يروي إلا بتسليط من الشيخ كقوله فاروه عني أو أجزت لك روايته
وكذا ابن القطان والماوردي يقتضيه وعدة من أئمة كثيرين كابن جريج وعبيد الله بن عمر العمري وأصحابه المدنيين كالزهري وطوائف من المحدثين ومن الفقهاء كعبد الملك بن حبيب من المالكية ومن الأصوليين كصاحب المحصول واتباعه ومن أهل الظاهر صاروا إلى الجواز قال الواقدي قال ابن أبي الزناد شهدت ابن جريج جاء إلى هشام ابن عروة فقال الصحيفة التي أعطيتها فلانا هي حديثك قال نعم
قال الواقي فسمعت ابن جريج بعد يقول حدثنا هشام وحكاه عياض عن الكثير وأجيب بكون مذهب عبد الملك بن حبيب الجواز من غمزه بروايته عن أسد بن موسى مع قول أسد إنما طلب مني كتبي لينسخها فلا أدري ما (2/145)
صنع أو نحو هذا بل في هذه الصورة زيادة على الإعلام المجردة وفي المناولة المجردة أيضا
ولا يخدش في ذلك كون أسد لا يجيز الإجازة وابن بكر هو الوليد الغمري في كتابه الوجازة اختاره ونصره بل وأبو نصر بن الصباغ صاحب الشامل جزما ذكره أي ذكره جزما به والحجة للجواز القياس على الشهادة فيما إذا سمع المقر يقر بشيء وإن لم يأذن له كما تقدم في المناولة المجردة وقال عياض إن اعترافه له به وتصحيحه أنه من روايته كتحديثه له بلفظه أو قراءته عليه وإن لم يجز له بل زاد بعضهم وهو الرامهرمزي أحد من اختاره فيما حكاه ابن الصلاح تبعا لعياض فصرح بأن أي بأنه لو منعه من روايته عند بعد إعلامه بأنه من مرويه صريحا بقوله لا تروه عني أو لا أجيزه لك لم تمنع بذلك عن روايته يعني فإن الإعلام طريق يصح التحمل به والاعتماد عليه في الرواية عنه فمنعه من ذلك بعد وقوعه غير معتبر ولذا قال عياض وما قاله صحيح لا يقتضي النظر سواه كما أنه لا يمتنع إذا منعه من التحديث بما قد سمعه لا لعلة وريبة في المروي لكونه هنا أيضا قد حدثه يعني إجمالا وهو شيء لا يرجع فيه كما سلف في ثامن الفروع التي قبيل الإجازة
ولكن قد رد أي القول بالجواز كما في مسألة استرعاء الشاهد من يحمله الشهادة حيث ما يكيفي إعلامه بعد بذلك أو سماعه منه في غير مجلس الحكم بل لا بد أن يأذن له أن يشهد على شهادته جواز أن يمتنع من إقامتها لتشكك أو ارتياب بدخله عند أدائها أو الاستئذان في نقلها عنه فكذلك هنا أشار إليه عياض قال ابن الصلاح وهذا مما تساوت فيه الرواية والشهادة لأن المعنى يجمع بينهما فيه وإن افترقنا في غيره انتهى
وما خدش به عياض في الاستواء من كونه إذا سمعه يؤديها عند الحاكم (2/146)
تسوغ له الشهادة عليه بدون إذن على المعتمد وكذا لو سمعه يشهد شخصا أو سمعه يبين السبب كما ألحقهما غيره بها قد يجاب عنه بأن ذلك كله زال ما كنا نتوهمه من احتمال أن يكون في نفسه ما يمنعه من إقامتها كما أنه يسوغ لمن قرأ أو سمع رواية ذلك بغير إذا اتفاقا بل ويمكن التخلص بهذا أيضا من منع بعض المتأخرين صحة القياس على الشهادة في غير مجلس الحكم وقال إنما يصح إذا كان يجلس للحكم وقرر المنع بأن الرواية لا يتوقف على مجلس الحكم لأنها شرع عام والإثبات بأن المؤثر هو الشهادة في مجلس الحكم كما أن قول الراوي أرويه عن فلان مؤثر في إيجاب العمل مع الثقة وذاك يقتضي جواز الرواية بغير إذن قال وعلى تقدير صحة القياس في الصورة الأولى فالشهادة على الشهادة نيابة فاعتبر فيها الإذن ولهذا لو قال له بعد التحمل لا تؤد عني امتنع عليه الأداء بخلاف الرواية
وحينئذ فما قاله ابن الصلاح من استوائهما في هذه المسألة صحيح وهذا ليس على إطلاقه بل منعه لريبة وعلة مؤثرة وترجح توجيه المنع بدون إذن في الرواية وهو الذي مشى عليه شيخنا لكن إذا صح عند أحد من المتقدمين كما عليه ابن الصلاح أو المتأخرين على المختار ما حصل الإعلام به من الحديث بحيث حصل الوثوق به يجب عليه العمل بمضمونه إن كان أهلا وإن لم تجز له روايته لأن العمل يكفي فيه صحته في نفسه ولا يتوقف على أن يكون له به رواية كما سلف في نقل الحديث من الكتب المعتمدة
وحكى عياض عن محققي الأصوليين أنهم لا يختلفون فيه مع ذهاب بعضهم إلى منع الرواية به كما تقدم وإن كان مقتضى منع أهل الظاهر ومن تابعهم من العمل بالمروي بالإجازة كالمرسل منعه هنا من باب أولى
ولذا قال البلقيني هذا كلام ابن حزم السابق يعني في الإجازة تقتضي منع هذا أيضا (2/147)
القسم السابع من أقسام أخذ الحديث وتحمله الوصية بالكتاب
( وبعضهم أجاز للموصى له ... بالجزء من راو قضى أجله )
( يرويه أن لسفــر أراده ... ورد ما لم يرد الوجــاده )
الوصية من الراوي عند موته أو سفره للطالب بالكتاب أو نحوه من مرويه
وبعضهم كمحمد بن سيرين أجاز للموصى له المعين واحد فأكثر بالجزء من أصوله أو ما يقوم مقامهما بكتبه كلها من راو له رواية بالموصى به من غير أن يعلمه صريحا بأن هذا من مرويه سواء كانت الوصية بذلك حين قضى أجله بالموت كما فعل أبو قلابة عبد الله بن زيد الجرمي البصري أحد الأعلام من التابعين حيث أوصى عند موته وهو بالشام إذ هرب إليها لما أريد للقضاء بكتبه إلى تلميذه أيوب السختياني إن كان حيا وإلا فلتحرق ونفذت وصيته وجيء بالكتب الموصى بها من الشام لأيوب الموصى له وهو بالبصرة وأعطى في كرائها بضعة عشر درهما ثم سأل ابن سيرين أيجوز له التحديث بذلك فأجاز له يرويه أي أن يرويه
رواه الخطيب في الكفاية أو حين توجهه لسفر أراده فإنه يجوز (2/148)
السماء ولذا قال به أي بتصحيح هذا النوع والرواية به خلق من المتقدمين والمتأخرين منهم أيوب السختياني مع منصور بن المعتمر والليث ابن سعد
أما الليث فقد حدث عن بكير بن عبد الله بن الأشج وخالد بن يزيد وعبد الله ابن العمري وعبيد الله بن أبي جعفر وهشام بن عروة ويحيى بن سعيد بالمكاتبة بل وصرح فيها بالتحديث بل قال أبو صالح كاتبه إنه كان يجيز كتب العلم لمن يسأله ويراه جائزا واسعا
وأما الآخران فقال شعبة كتب إلي منصور بحديث ثم لقيته فقلت أحدث به عنك قال أو ليس إذا كتبت إليك فقد حدثتك ثم لقيت أيوب فسألته فقال مثل ذلك وعمل به زكريا بن أبي زائدة فقال عبيد الله بن معاذ إنه كتب وهو قاضي الكوفة إلى أبيه وهو قاضي البصرة من زكريا إلى معاذ سلام عليك فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو وأسأله أن يصلي على محمد عبده أما بعد أصلحنا الله وإياك بما أصلح به الصالحين فإنه هو أصلحهم حدثنا العباس بن ذريح عن الشعبي قال كتبت عائشة إلى معاوية رضي الله عنهما أما بعد فإنه من يعلم بمعاصي الله يعد حامده من الناس له أما والسلام وصححه أيضا غير واحد من الشافعيين منه الشيخ أبو حامد الإسفرائيني والمحاملي وصاحب المحصول و أبو المظفر السمعاني بحذف ياء النسبة منهم
قد أجازه أي الكتاب المجرد بل وعده أقوى من الإجازة المجردة وإلى ذلك أعني تفصيل الكتابة المجردة على الإجازة المجردة صار جماعة من الأصوليين أيضا منهم إمام الحرمين وكأنه لما فيها من التشخيص والمشاهدة للمروي من أول وهلة وإن توقف بعض المتأخرين في ذاك لاستلزامه تقديم الكتابة على الصريح وبعضهم أي العلماء صحة ذاك أي المذكور من الكتابة المجردة منعا كالمناولة المجردة حينما تقدم فيها (2/149)
أيضا إلحاقا بالوصية بعد الموت بل عزى شيخنا الجواز في ذلك كله لقوم من الأئمة المتقدمين
وقال ابن أبي الدم إن الرواية بالوصية مذهب الأكثرين وسبقهما القاضي عياض فقال هذا طريق قد روى فيه عن السلف المتقدم إجازة الرواية به ثم عللها بأن في دفعها له نوعا من الإذن وشبها من العرض والمناولة قال وهو قريب من الضرب الذى قبله ولكن رد القول بالجواز حسبما جنح إليه الخطيب بل نقله عن كافة العلماء وذلك أنه قال ولا فرق بين الوصية بها وابتياعها بعد موته في عدم جواز الرواية إلا على سبيل الوجادة
قال وعلى ذلك أدركنا كافة أهل العلم إلا أن تكون تقدمت من الراوي إجازة للذي سارت إليه الكتب برواية ما صح عنده من سماعاته فإنه يجوز أن يقول حينئذ فيما يرويه منها أخبرنا وحدثنا على مذهب من أجاز أن يقال ذلك في أحاديث الإجازة وتبعه ابن الصلاح حيث قال إن القول بالجواز بعيد جدا وهو زلة عالم ما لم يرد القائل به الوجادة الآتية بعد أي الرواية بها
قال ولا يصح تشبهه بواحد من قسمي الإعلام والمناولة فإن لمجوز بهما مستندا ذكرناه لا تتقرر مثله ولا قريب منه ههنا قال شيخنا وفيه نظر لأن الرواية بالوصية نقلت عن بعض الأئمة والرواية بالوجادة لم يجوزها أحد من الأئمة إلا ما نقل عن البخاري في حكاية قال فيها وعن كتاب إليه يتيقن أنه بخط أبيه دون غيره فالقول بحمل الرواية بالوصية على الوجادة غلط ظاهر وسبقه ابن أبي الدم فقال الرواية بالوجادة لم تختلف في بطلانها بخلاف الوصية فهي على هذا أرفع رتبة من الوجادة بلا خلاف
فالقول بأن قوله من أجاز الرواية بالوصية مؤول على إرادة الرواية بالوجادة مع كونه لا تقول بصحة الرواية بالوجادة غلط ظاهر وفيه نظر فقد (2/149)
عمل بالوجادة جماعة من المتقدمين كما سيأتي قريبا وعلى كل حال فالبطلان هو الحق المتعين لأن الوصية ليست بتحديث لا إجمالا ولا تفصيلا ولا يتضمن الإعلام لا صريحا ولا كناية على أن ابن سيرين المفتي بالجواز كما تقدم توقف فيه بعد وقال للسائل نفسه لا آمرك ولا أنهاك بل قال الخطيب عقب حكايته يقال إن أيوب كان قد سمع تلك الكتب غير أنه لم يكن يحفظها فلذلك استفتى ابن سيرين في التحديث منها ويدل لذلك ان ابن سيرين ورد عنه كراهة الرواية من الصحف التي ليست مسموعة فقال ابن عون قلت له ما تقول في رجل يجد الكتاب أيقرؤه أو ينظر فيه قال لا حتى يسمعه من ثقة فإن هذا يقتضي المنع من الرواية بالإجازة فضلا عن الوصية ونحوه قول عاصم الأحول أردت أن أضع عنده كتابا من كتب العلم فأبى أن يقبل وقال لا يلبث عندي كتاب (2/150)
القسم الثامن من أقسام أخذ الحديث ونقله الوجادة
( ثم الوجادة وتلك مصــدر ... وجدته مولـــدا ليظــهر )
( تغاير المعنى وذاك أن تــجد ... بخط من عاصرت أو قبل عهد )
( ما لم يحدثك به ولم يجـــز ... فقل بخطه وجدت واحتــرز )
( إن لم تثق بالخط قل وجـدت ... عنه أو اذكر قيل أو ظــننت )
( وكلـه منقطـــع والأول ... قد شيب وصلا ما وقد تسهلوا )
( فيه بعـن قال وهذا دلــسه ... تقبح إن أوهم أن نفســـه )
( حدثه بـه وبعـــض أدى ... حدثنا أخبرنــــــا وردا )
( وقيل في العـمل أن المعظـما ... لم يره وبالوجوب جزمــــا )
( بعض المحققين وهو الأصـوب ... ولابن إدريس الجواز نسبــوا )
( وإن يكن بغير خطه فقـــل ... قال ونحوها وإن لم يــحصل )
( بالنسخة الوثوق قل بــلغني ... والجزم يرجى حلــه للفطنى )
ثم يلي ما تقد الوجادة بكسر الواو وتلك أي لفظ الوجادة مصدر وجدته مولدا أي غير مسموع من العرب بمعنى أن أهل الاصطلاح (2/151)
كما أشار إليه المعافى بن زكرياء النهرواني ولدوا قولهم وجادة فيما أخذ من العلم من صحيفة من غير سماع ولا إجازة ولا مناولة انتفاء للعرب في التفريق بين مصادر وجد للتمييز بين المعاني المختلفة ليظهر تغاير المعنى وذاك أي قسم الوجادة اصطلاحا نوعا حديث وغيره
فالأول أن تجد بخط بعض من عاصرت سواء لقيته أم لا أو بخط بعض من قبل ممن لم تعاصره ممن عهد وجوده فيما مضى في تصنيف له أو لغيره وهو يرويه من الحديث المرفوع وكذا الموقوف وما أشبهه ما لم يحدثك به ولم يجز لك روايته فقل حسبما استمر عليه العمل قديما وحديثا كما صرح به النووي فيما تورده من ذلك ما معناه بخطه أي بخط فلان وجدت كذا وجدت بخط فلان ونحو ذلك كقرأت بخط فلان أو في كتاب فلان بخطه قال إنما فلان بن فلان وتذكر شيخه وتسوق سائر الإسناد والمتن أو ما وجدته بخطه ونحو ذلك ولا تجزم بذلك إلا أن وثقت على الوجه المشروح في المكاتبة بأنه خطه واحترز عن الجزم إن لم تثق بـ ذاك الخط بل قل وجدت عنه أي عن فلان أو بلغني عنه أو اذكر وجدت بخط قيل إنه خط فلان أو قال لي فلان إنه خط فلان أو ظننت أنه خط فلان أو ذكر كاتبه أنه فلان بن فلان ونحو ذلك من العبارات المفصحة بالمستند في كونه خطه فإن كان بغير خطه فالتعبير عنه يختلف بالنظر للوثوق به وعدمه كما سيأتي في النوع الثاني قريبا
ثم إن ما تقدم من التقييد بمن لم يجز هو الذي اقتصر عليه عياض وتبعه ابن الصلاح لأنه إنما أراد التكلم على الوجادة الخالية عن الإجازة أهي مستند صحيح في الرواية أو العمل وإلا فقد استعملها غير واحد من المحدثين مع الإجازة فيقال وجدت بخط فلان وأجازه لي وربما لا يصرح بالإجازة كقوله عبد الله ابن أحمد وجدت بخط أبي حدثنا فلان وذلك الاستعمال واضح كما قاله المصنف لشمول اللفظ له وكله أي المروي بالوجادة المجردة (2/152)
سواء وثقت بكونه خط أم لا منقطع أو معلق فقد قال الرشيد العطار في القدر المجموعة له الوجادة داخلة في باب المقطوع عند علماء الرواية بل قد يقال إن عدة من التعليق أولى من المنقطع ومن المرسل يعني وبالنظر لثالث الأقوال في تعريفه وإن أجاز جماعة من المتقدمين الرواية عن الوجادة في الكتب مما ليس بسماع لهم ولا إجازة كما ذكره الخطيب في الكفاية وعقد لذلك بابا وساق فيه عن ابن عمر أنه وجد في قائم سيف أبيه عمر رضي الله عنه صحيفة فيها كذا
وعن بن سعيد القطان قال رأيت في كتاب عندي عتيق لسفيان الثوري حدثني عبد الله بن ذكوان أبو الزناد وذكر حديثا
وعن يزيد بن أبي حبيب قال أودعني فلا كتابا أو كلمة تشبه هذه فوجدت فيه عن الأعرج قال وكان يحدثنا بأشياء مما في الكتاب ولا يقول أخبرنا ولاحدثنا في آخرين فالظاهر أن ذاك عمن سمعوا منه في الجملة وعرفوا حديثه مع إيرادهم له بوجدت أو رأيت ونحوهما مع أنه قد كره الرواية عن الصحف غير المسموعة غير واحد من السلف كما حكاه الخطيب أيضا وساق عن أبي عبد الرحمن السلمي قال قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا وجد أحدكم كتابا فيه علم لم يسمعه من عالم فليدع بإناء ماء فلينقعه فيه حتى تختلط سواده مع بياضه
وعن وكيع قال لا ينظر في كتاب لم يسمعه لا يأمن أن يعلق بقلبه منه
ونحوه عن ابن سيرين كما في القسم الذي قبله بل قال عياض أنهم اتفقوا يعني بعد الصدر الأول وعليه يحمل كلام النووي الماضي على منع النقل والرواية بالوجادة المجردة ولذا صرح ابن كثير بأنه ليس من باب الرواية وإنما هو حكاية عما وجده ف الكتاب ولكن الأول وهو ما إذا وثق بأنه خطه قد شيب وصلا أي بوصل ما حيث قبل فيه وجدت بخط فلان (2/153)
لما فيه من الارتباط في الجملة وزيادة قوه للخبر فإنه إذا وجد حديثا في مسند الإمام أحمد مثلا وهو بخطه فقول القائل وجدت بخط أحمد كذا أقوى من قوله قال أحمد لأن القول ربما تقبل الزيادة والنقص والتغيير ولا سيما عند من يجيز النقل بالمعنى بخلاف الخط
وقد تسهلوا أي جماعة من المحدثين كبهز بن حكيم والحسن البصري والحكم بن مقسم وأبي سفيان وطلحة بن نافع وعمرو بن شعيب ومخرمة بن بكير ووائل بن داود فيه أي في إيراد ما يجدونه بخط الشيخ فأتوا ( بـ ) ـلفظ عن فلان أو نحوها مثل قال مكان وجدت إذا كثر رواية بهذا عن أبيه عن جده فيما قيل من صحيفة وكذا قاله شعبة في رواية أبي سفيان عن جابر وصالح جزرة وغيره في رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وابن المديني في رواية وائل عن ولده بكر
وصرح بن الحسن البصري لما قيل له يا أبا سعيد عمن هذه الأحاديث التي تحدثنا فقال صحيفة وجدناها والجمهور في رواية مخرمة بن بكير عن أبيه وكذا قيل أن الحكم بن مقسم لم يسمع من ابن عباس سوى أربعة أحاديث والباقي كتاب
قال ابن الصلاح وهذا دلسه بفتح إن أوهم الواجد بأن كان معاصرا له أن نفسه أي الشخص الذي وجد المروي بخطه حدثه به أوله منه إجازة بخلاف ما إذا لم يوهم بأن لم يكن معاصرا له وبعض جازف فـ أدى ما وجده كذلك بصيغة حدثنا وأخبرنا قال ابن المديني حدثنا أبو الوليد الطيالسي حدثنا صاحب لنا من أهل الري ثقة يقال له أشربين
قال قدم علينا محمد بن إسحاق فكان يحدثنا عن إسحاق بن راشد فقدم علينا إسحاق فجعل يقول حدثنا الزهري قال فقلت له أين لقيته قال لم ألقه مررت ببيت المقدس فوجدت كتابا له وحكاه القاضي (2/154)
عياض أيضا ولكن روى عن إسحاق بن راشد أيضا أنه قال بعث محمد بن علي بن زيد بن علي الزهري فقال يقول لك أبو جعفر استوص بإسحاق خيرا فإنه منا أهل البيت
قال شيخنا وهذا يدل على أنه لقي الزهري وحينئذ فإن كان هو الذي عناه ابن الصلاح بالبعض فقد ظهر الخدش فيه لعله عنى غيره ومقتضى جزم غير واحد يكون شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص لم يسمع من جده إنما وجد كتابه فحدث منه مع تصريحه عنه في أحاديث قليلة بالسماع والتحديث إدراجه في البعض وعلى كل حال فقد ردا ذلك على فاعله
وقال عياض إني لا أعلم من يقتدي به أجاز النقل فيه بذلك ولا من عده معد المسند انتهى
ولعل فاعله كانت له من صاحب الخط إجازة وهو ممن يرى إطلاقهما في الإجازة كما ذكره عياض
ثم ابن الصلاح في القسم قبله ويستأنس له بقول أبي القاسم البلخي إن المجوزين في هذا القسم أن يقول أخبرنا فلان عن فلان احتجوا بأنه إذا وجد سماعه بخط موثوق به جاز له أن يقول حدثنا فلان يعني كما سيجيء في محله وإن لم يكن كذلك فهو أقبح تدليس قادح في الرواية ولكونه غير متصل قبل في العمل بما تضمنه إن المعظما من المحدثين والفقهاء من المالكية وغيرهم كما قاله عياض لم يره قياسا على المرسل والمنقطع ونحوهما بما لم يتصل وكان من يحتج بالمرسل ممن ذهب إلى هذا يفرق بأنه هناك في القرون الفاضلة
وأما من يرى منهم الشهادة على الخط فقد يفرق بعدم استلزامها الاتصال ولكن بالوجوب في العمل حيث ساغ جزما بعض المحققين من أصحاب الشافعي في أصول الفقه عند حصول الثقة به وقال إنه لو عرض (2/155)
على جملة المحدثين لأبوه فإن معظمهم كما تقدم لا يرونه حجة والقطع بالوجوب هو الأصوب الذي لا يتجه غيره في الأعصار المتأخرة يعني التي قصرت الهمم فيها جدا وحصل التوسع فيها فإنه توقف العمل فيها على الرواية لا نسد باب العمل بالمنقول لتعذر شرط الروية في هذا الزمان فلم يبق إلا مجرد وجادات وقال النووي إنه الصحيح
قلت وقول أبي عمران الجوني كنا نسمع بالصحيفة فيها علم فننتابها كما ينتاب الرجل الفقيه حتى قدم علينا ههنا آل الزبير ومعهم قوم فقهاء مشعر بعملهم بما فيها كالعمل بقول الفقيه ولـ ـلامام الأعظم ابن إدريس الشافعي الجواز نسبوا إلى جماعة من الفقهاء وغيرهم وقال به طائفة من نظار أصحابه قال ابن الصلاح تبعا لعياض وهو الذى نصره الجوني واختاره غيره من أرباب التحقيق فاجتمع في العمل ثلاثة أقوال المنع الوجوب الجواز وقد استدل العماد بن كثير للعمل بقوله صلى الله عليه و سلم في الحديث الصحيح أي الخلق أعجب إليكم إيمانا قالوا الملائكة قال وكيف لا يؤمنون وهم عند ربهم وذكروا الأنبياء قال وكيف لا يؤمنون والوحي ينزل عليهم قالوا فنحن قال وكيف لا يؤمنون وأنا بين أظهركم قالوا فمن يا رسول الله قال قوم يأتون بعدكم تجدون صحفا يؤمنون بها حيث قال فيؤخذ منه مدج من عمل بالكتب المتقدمة بمجرد الوجادة وقال البلقيني وهو استنباط حسن
قلت وفي الإطلاق نظر فالوجود بمجرد لا يسوغ العمل وأما إن يكن ما وجد من مصنف لبعض العلماء ممن عاصرته أولا كما بين أولا وهو النوع الثاني فإن كان بخط مصنفه ووثقت بأنه خطه فقل أيضا وجدت بخط فلان ونحوه كما في النوع الأول وأحك كلامه أو بغير خطه ولكن وثقت بصحته النسخة بأن قائلها المصنف أوثقه غيره بالأصل أو بفرع مقابل كما قرر (2/156)
في محله فقل قال فلان كذا ونحوها من ألفاظ الجزم كذكر فلان وإن لم يحصل بالنسخة الوثوق فقل بلغني عن فلان أنه ذكر كذا أو جدت في نسخة من الكتاب الفلاني وما أشبههما من العبارات التي لا تقتضي الجزم ولكن الجزم في المحكي لما يكون من هذا القبيل يرجى حله للفطن العالم الذي لا يخفى عليه في الغالب مواضع الإسقاط والسقط وما أحيل عن جهته أي بضرب من التأويل من غيرها
قال ابن الصلاح وإلى هذا فيما أحسب استروح كثير من المصنفين فيما نقلوه من كتب الناس مع تسامح كثيرين في هذه الأزمان بإطلاق اللفظ الجازم في ذلك من غير تحر ولا تثبت فيطالع أحدهم كتابا منسوبا إلى مصنف معين وينقل عنه من غير أن يثق بصحة النسخة قائلا قال فلان كذا ونحو ذلك والصواب ما تقدم
قلت ويلتحق بذلك ما يوجد بحواشي الكتب من الفوائد والتقييدات ونحو ذلك فإن كانت بخط معروف لا بأس بنقلها وعزوها إلى من هي له وإلا فلا يجوز اعتمادها إلا لعالم متيقن وربما تكون تلك الحواشي بخط شخص وليست له أو بعضها له وبعضها لغيره فيشتبه ذلك على ناقلة بحيث يعزو الكل لواحد (2/157)
كتابة الحديث وضبطه
( واختلف الصحاب والأتبـاع ... في كتبه الحديث واللإجمــاع )
( على الجواز بعدهم بالجــزم ... لقوله اكتبوا وكتب السهـمي )
( وينبغي إعجام ما يستعجــم ... وشكل ما يشكل لا ما يفهـم )
( وقيل كله لذى ابتــــداء ... وأكدوا ملتبس الأسمـــاء )
( وليك في الأصل وفي الهامش مع ... تقطيعه الحروف فهو انــفع )
( ويكره الخـط الدقيـــق إلا ... لضيق رق أو لرحال فــلا )
( وشره التعليق والمشق كــما ... شر القراءة إذا ما هذرمـــا )
( وينقط المهمل لا الحا أسفــلا ... أو كتب ذاك الحرف تحت مثلا )
( أو فوقه قلامة أقـــــوال ... والبعض نقط السين صفا قالوا )
( وبعضهم يخط فوق المهـــمل ... وبعضهم كالهمز تحت يجعـل )
( وإن أتى برمز راو ميــــزا ... مراده واختيرا ألا يرمـــزا )
( وتنبغي الدارة فصلا وارتـضى ... إغفالها الخطب حتى يعرضــا )
( وكرهوا فصل مصاف اسم الله ... منه بسطر إن يناف ما تــلاه )
( واكتب ثناء الله والتسليمــا ... مع الصلاة للنبي تعظيمـــا )
( وإن يكن أسقط في الأصل وقد ... خولف في سقط الصلاة أحمـد ) (2/158)
( وعله قيد بالروايــــة ... مع نطقه كما رووا حكاية )
( والعنبري وابن المديني بيضا ... لها لإعجال وعادا عوضا )
( وأجتنب الرمز لها والحذفا ... منها صلاة أو سلاما تكفى )
وضبطه بالشكل ونحوه وما لحق بذلك من الخط الدقيق الرمز والدارة مما سنبين أنها من تمام الضبط ومن آداب الكتابة ونحوها مما كان الأنسب تقديمه على الضبط المسألة الأولى واختلف الصحاب أي الصحابة رضي الله عنهم بكسر المهملة وفتحها جمع صاحب كجياع وجائع ويقال إن الكسر في صحاب والفتح في صحابة أكثر وكذا الأتباع للصحابة في كتبه بكسر الكاف أي كتابة الحديث والعلم عملا وتركا فكرهها للتحريم كما صرح به جماعة منهم ابن النفيس غير واحد فمن الصحابة ابن عمر وابن مسعود وزيد بن ثابت وأبو موسى الأشعري وأبو سعيد الخدري ومن التابعين الشعبي والنخعي بل أمروا بحفظه عنهم كما أخذوه حفظا متمسكين بما ثبت عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه صلى الله عليه و سلم قال لا تكتبوا عني شيئا سوى القرآن مت كتب عني سوى القرآن فليمحه
وفي رواية أنه استأذن النبي صلى الله عليه و سلم في كتب الحديث فلم يأذن له
وأجازها بالقول أو بالفعل غير واحد من الفريقين فمن الصحابة عمر وعلي وابنه الحسن وعبد الله بن عمرو بن العاص وأنس وجابر وابن عباس وكذا ابن عمر أيضا
ومن التابعين قتادة وعمر بن عبد العزيز بل حكاه عياض عن أكثر الفريقين وقال غير واحد منهما كما صح فيدوا العلم بالكتاب بل روى رفعه ولا يصح (2/159)
وقال أنس كتب العلم فريضة ولكن الاجماع منعقد من المسلمين كما حكاه عياض في المائة الثانية كما زاده الذهبي على الجواز بعدهم أي بعد الصحابة والتابعين بالجزم في حكايته بدون تردد بحيث زال ذلك الخلاف كما أجمع المتقدمون والمتأخرون على جوازها في القرآن لأدلة منتشرة يدل مجموعها على فضل تدوين العلم وتقييده كـ ـقوله صلى الله عليه و سلم وهو أصحها اكتبوا لأبي شاه يعني بهاء منونة في الوقف والدرج على المعتمد أي الخطبة التي سمعها يوم فتح مكة من رسول الله صلى الله عليه و سلم لكن قال البلقيني إنه يجوز أن يدعي فيه أنها واقعة عين وفيه نظر وكقوله صلى الله عليه و سلم مما لم يذكره ابن الصلاح في مرض موته إيتوني بكتف أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده ولكتب عبد الله بن عمر بن العاص السهمي نسبة لسهم بن عمرو بن هصيص كما ثبت من قول أبي هريرة ما من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم أحدا كثر حديثا مني إلا ما كان من عبد الله ابن عمرو فإنه كان يكتب ولا أكتب
وكان صلى الله عليه و سلم قد أذن له في ذلك كما رواه أبو داود في رواية أنه قال يا رسول الله أكتب ما أسمعه منك في الغضب والرضا قال نعم فإني لا أقول إلا حقا وكان رضي الله عنه يسمى صحيفته تلك الصادقة كما رواه ابن سعد وغيره أختر أنها عن صحيفة كانت عنده من كتب أهل الكتاب بل روى كما في الترمذي مما ضعفه عن أبي هريرة أن رجلا شكى إلى النبي صلى الله عليه و سلم عدم الحفظ فقال له استعن بيمينك وروى عن أنس أنه قال هذه أحاديث سمعتها من رسول الله صلى الله عليه و سلم وكتبها وعرضتها وعن أبي هريرة نحوه وأسانيدها ضعيفة
ولقول علي الثابت في الصحيح ما كتبنا عن النبي صلى الله عليه و سلم إلا القرآن وما في هذه الصحيفة ولقول قتادة إذا سأله بعض أصحابه أكتب ما أسمع قال وما يمنعك من ذلك وقد أنبأك اللطيف الخبير بأنه قد كتب وقرأ في (2/160)
كتاب لا يضل ربي ولا ينسى
وكذا قال أبو المليح الهذلي البصري يعيبون علينا أن نكتب العلم ترونه وقد قال تعالى ( علمها عند ربي في كتاب ) ولقوله تعالى مما استدل به ابن فارس في مأخذ العلم فاكتبوه حيث قال فجعل كتابة الدين وأجله ويكتبه من القسط عنده وجعل ذلك قيما للشهادة ونفيا للارتياب لقوله ( ذلك أقسط عند الله وأقوم للشهادة وأدنى أن لا ترتابوا )
قلت ونحوه قوله تعالى ( ولا تساموا أن تكتبوه صغيرا أو كبيرا إلى أجله ) قال ابن فارس وأعلى ما يحتج به قوله تعالى ( ن والقلم وما يسطرون ) فقد فسرهما الحسن بالدواة والقسم ثم روى حديث ابن عباس أول ما خلق الله القلم وأمره أن يكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة قال بعضهم في قوله صلى الله عليه و سلم أي الذى استدل به للوجادة يجيء قوم بعدكم يجدون صحفا يؤمنون بما فيها علم من أعلام النبوة من إخباره عما سيقع وهو تدوين القرآن وكتبه في صحفه يعني وكتابة الحديث ولم يكن ذلك في زمنه صلى الله عليه و سلم إلى غير ذلك من الأدلة التي اقترن معها قصر الهمم ونقص الحفظ بالنسبة للزمن الأول لكون العرب كانوا مطبوعين على الحفظ مخصوصين به بحيث قال الزهري إني لأمر بالنقيع فأسد أذني مخافة أن يدخل فيها شيء من الخنا
فوالله ما دخل أذني شيء قط فنسيته وكذا قال الشعبي نحوه وحفظ ابن عباس رضي الله عنهما قصيدة عمر بن أبي ربيعة أمن آل نعم أنت غاد (2/161)
فمبكرة في سمعة واحدة فيما قل بل بلغنا عن البلقيني أنه حفظ قصيدة من مرة وليس أحد اليوم على هذا فخشي من عدم تقييده أتدارسه وضياعه فدون
ولذا قال ابن الصلاح ولولا تدوينه في الكتب لدرس في الأعصر الأخيرة يعني كما قال عمر بن عبد العزيز في كتابه إلى أهل المدينة انظروا ما كان من حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم فاكتبوه فإني خشيت دروس العلم وذهاب العلماء
وقال عياض والحال اليوم داعية إلى الكتابة لانتشار الطرق وطول الأسانيد وقلة الحفظ وكلال الأفهام
وقال الخطيب قد صار علم الكاتب في هذا الزمان أثبت من علم الحافظ
وعن الشافعي قال إن هذا العلم يند كما تند الإبل ولكن الكتب له حماة والأقلام عليه رعاة
وعن أحمد وإسحاق لولا الكتابة أي شيء كنا بل قال أحمد وابن معين كل من لا يكتب لا يؤمن عليه الغلط
وعن ابن المبارك قال لولا الكتاب ما حفظنا لا سيما وقد ذكروا في الجمع بين الأدلة في الطرفين طرقا أحدها أن النهي خاص بوقت نزول القرآن خشية التباسه بغيره والإذن في غير ذلك ولذا خص بعضهم النهي بحياته صلى الله عليه و سلم ونحوه قول ابن عبد البر النهي لئلا يتخذ مع القرآن كتاب يضاهي به يعني فحيث أمن المحذور بكثرة حفاظه والمعتنين به وقوة ملكه من شاء الله منهم لتميزه عن غيره لم تمنع أو أن النهي خاص بكتابة غير القرآن مع القرآن في شيء واحد لأنهم كانوا يسمعون تأويله فربما كتبوه معه (2/162)
قال شيخنا ولعل من ذلك ما قرئ شاذا في قوله ما لبسوا حولا في العذاب المهين والإذن في تفريقهما أو النهي متقدم والإذن ناسخ له عند الأمن من الالتباس كما جنح إليه ابن شاهين فإن الإذن لأبي شاه كان في فتح مكة واستظهر لذلك بما روي أن أهل مكة كانوا يكتبون
قال شيخنا وهو أقربها مع أنه لا ينافيها وقيل النهي لمن تمكن من الحفظ والإذن لغيره وقصة أبي شاه حيث كان الإذن له لما سأل فيها مشعرة بذلك وقيل النهي خاص بمن خشي منه الاتكال على الكتاب دون الحفظ والإذن لمن أمن منه ذلك ولذا روي عن ابن سيرين إن كان لا يرى بالكتابة بأسا فإذا حفظ محاه ونحوه عن عاصم بن ضمرة وهشام بن حسان وغيرهما
وعن مالك قال لم يكن القوم يكتبون إنما كانوا يحفظون فمن كتب منهم الشيء فإنما كان ليحفظه فإذا حفظه محاه وقد روى البيهقي ومن طريقه ابن الصلاح عن الأوزاعي قال كان هذا العلم كريما تتلاقاه الرجال بينهم فلما دخل في الكتب دخل فيه غير أهله إلى غير ذلك كالقول في حديث أبي سعيد في النهي أن الصواب وقفه كما ذهب إليه البخاري وغيره
وبالجملة فالذي استقر الأمر عليه الإجماع على الاستحباب بل قال شيخنا إنه لا يبعد وجوبه على من خشي النسيان ممن يتعين عليه تبليغ العلم ونحوه قول الذهبي إنه تعين في المائة الثالثة وهلم جرا وتحتم
قال غيرهما ولا ينبغي الاقتصار عليها حتى لا يصير له تصور ولا يحفظ شيئا فقد قال الخليل
( ليس بعلم ما حوى القمطر ... ما العلم إلا ما حواه الصدر ) (2/163)
وقال آخر
( استودع العلم قرطاسا فضيعه ... وبئس مستودع العلم القراطيس
ولذا قال ثعلب إذا أردت أن تكون عالما فاكسر القلم
وأول من دون الحديث ابن شهاب الزهري على رأس المائة الثانية بأمر عمر بن عبد العزيز وبعث به إلى كل أرض له عليها سلطان ثم كثر الله التدوين ثم التصنيف وحصل بذلك خير كثير وحينئذ فقد قال السبكي ينبغي للمرء أن يتخذ كتابة العلم عبارة سواء توقع أن تترتب عليها فائدة أم لا
قال بعض العلماء وإنما لم يجد الخلاف بين المتقدمين فيه أيضا في القرآن لأن الدواعي تتوفر على حفظه وإن كان مكتوبا وذلك للذاذة نظمه وإيجازه وحسن تأليفه وإعجازه وكمال بلاغاته وحسن تناسب فواصله وغاياته وزيادة التبرك به وطلب تحصيل الأجور العظيمة بسببه
المسألة الثانية
وينبغي استحبابا متأكدا بل عبارة ابن خلاد وعياض تقتضي الوجوب وبه صرح الماوردي لكن في حق من حفظ العلم بالخط لطالب العلم لا سيما الحديث ومتعلقاته صرف الهمة لضبط ما يحصله بخطه أو بخط غيره من مرويه وغيره من كتب العلوم النافعة ضبطا يؤمن معه الالتباس وأهمه إعجام أي لفظ ما يستعجم بإغفال لفظه بحيث تصير فيه عجمة بل يميز الخاء المعجمة من الحاء المهملة والذال المعجمة من الدال المهملة كحديث عليكم بمثل حصى الخذف فيعجم كلا من الخاء والذال بالنقط وكالنقيع والبقيع فيميز ما يكون بالنون مما هو بالموحدة وكذا في الأسماء تبين خبابا من جناب وحباب وأبا الجوزاء من أبي الحوراء وما أشبه (2/164)
ذلك وإن لم يتقيد بذلك الكثير من المتقدمين إتكالا على حفظهم كإيرادهم الموضوعات بدون تصريح بيانها فقد قال الثوري فيما نقله عنه الماوردي في أدب الدنيا والدين له الخطوط المعجمة كالبرود المعلمة
وقال بعض الأدباء
رب علم لم تعجم فصوله استعجم محصوله
وقال الأوزاعي عن ثابت بن معبد نور الكتاب العجم وكذا يروي من قول الأوزاعي وقال غيره إعجام المكتوب يمنع من استعجامه بل أورد خطيب في جامعه من طريق قيس بن عباد عن محمد بن عبيد بن أوس الغساني كاتب معاوية عن أبيه أنه قال كتب بين يدي معاوية رضي الله عنه كتابا فقال لي يا عبيد ارقش كتابك فإني كتبت بين يدي رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال لي يا معاوية أرقش كتابك قلت وما رقشه يا أمير المؤمنين قال إعطاء كل حرف ما ينوبه من النقط
وكذا ينبغي شكل الكتاب فذلك يمنع من إشكاله لكن مقتصرا على ما يشكل إعرابه من المتون والأسماء لا ما يفهم وبدون شكل ولا نقط فإنه تشاغل بما غيره أولى منه وفيه عناء بل قد لا يكون فيه فائدة أصلا
وعن أحمد بن حنبل قال كان يحيى بن سعيد يشكل الحرف إذا كان شديدا وغير ذلك لا وكان عفان وبهز وحبان بن هلال أصحاب الشكل والتقييد وحكى علي بن إبراهيم البغدادي في كتابه سمات الخط ورقومه أن أهل العلم يكرهون الإعجام والإعراب إلا في الملبس وربما يحصل للكتاب إظلام
وقيل بل ينبغي الشكل والإعجام للمكتوب كله أشكل أم لا وصوبه عياض لـ أجل ذي ابتداء في الصنعة والعلم ممن لا يعرف (2/165)
المؤتلف والمختلف وغيرهما من السند والمتن لأنه حينئذ لا يميز المشكل من غيره ولا صواب وجه الإعراب للكلمة من خطئه وأيضا فقد يكون واضحا عند قوم مشكلا عند آخرين كالعجم ومن شاكلهم والقصد عموم الانتفاع وربما يظن هو النزعة عند المشكل واضحا بل وقد خفي عنه الصواب بعد ولذا قال ابن الصلاح وكثيرا ما يتهاون في ذلك الواثق وذلك وخيم العاقبة فإن الإنسان معرض للنسيان قال أبو الفتح البستي وكان يكثر التجنيس في شعر
( يا أفضل الناس أفضالا على الناس ... وأكثر الناس إحسانا إلى الناس )
( نسيت وعدك والنسيان معتضـر ... فاعذر فأول ناس أول الـناس )
وقال أبو تمام سميت إنسانا لأنك ناس
وممن كان كثير العجم والنقط لكتابه أو عوانة الوضاح أحد الحفاظ فقدم كتابه على حفظ غيره لشدة إتقانه وضبطه له وربما كما أشار إليه عياض يقع النزاع في حكم مستنبط من حديث يكون متوقفا على ضبط الإعراب فيه فيسأل الرواي كيف ضبط في اللفظ فيصير متخيرا لكونه أهمله أو يجسر على شيء بدون بصيرة ويقين كقوله ذكاة الجنين ذكاة أمة
فأبو حنيفة ومن تابعه يرجحون النصب لاشتراطهم التذكية والجمهور كالشافعية والمالكية وغيرهما يرجحون الرفع لإسقاطهم ذكاته على أن بعض المحققين وجه النصب أيضا بما يرجع إليه وقوله لا نورث ما تركنا صدقة فالجماعة يروونه برفع صدقة على الخبرية لأن الأنبياء لا يورثون والإمامية يروونه على التمييز والمعنى أنه لا يورث ما تركوه صدقة (2/166)
دون غيره على أن ابن مالك وجه النصب بما يوافق الجماعة فقال التقدير ما تركنا مبذول صدقة فحذف الخبر وبقي الحال منه ونظيره ( نحن عصب ) بالنصب وقوله هو لك عبد بن زمعة فالجماعة على حذف حرف الندائين لك وعبد وبعض المخالفين من الحنفية على حدفة بين عبد وابن مع تنوين عبد ونحوه في السند عبد الله بن أبي بان سلول فلكون سلول أمه إن لم يثبت الألف في ابن سلول وينون أبي يظن أنه جد عبد الله وعبد الله بن مالك بن بحينة كما سيأتي مبسوطا فيمن نسب إلى غيرابيه وC كلا من السلفي والمزي فقد كانا مع جلالتهما يضبطان الأشياء الواضحة حتى إن السلفي تكرر له نقط الخاء من أراد المزي قد يسكن النون من عن ولكن هذا تكلف وقد لا يكون مقصودا والحاصل أنه يبالغ في ضبط المتون لأن تغييرها يؤدي إلى أن يقال عن النبي صلى الله عليه و سلم ما لم يقل أو يثبت حكم شرعي بغير طريقة
ولكن أكدوا أي الأئمة من المحدثين وغيرهم ملتبس أي ضبط ملتبس الأسماء لا سيما الأسماء الأعجمية والقبائل الغربية لقلة المتميزين فيها بخلاف الإعراب ولأنها كما قال أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الله البجيرمي أولى الأشياء بالضبط قال لأنها لا يدخلها القياس ولا قبلها ولا بعدها شيء يدل عليها وما لعله يقال في رد هذا التعليل من كون الراوي عن ذاك الملتبس أو شيخه مما يدل عليه قد يجاب عنه بأن ذلك إنما هو بالنظر للعالم به والكلام فيما هو أعم منه وممن كان يخص على الضبط حماد بن سلمة وعنان كما حكاه عنهما عياض وليك بسكون اللام كما هو الأكثر فيها مثل ( وليؤمنوا بي ) ضبطه للمشكل من الأسماء والألفاظ في الأصل
وكذا في الهامش مقابلة حسبما جرى عليه رسم جماعة من أهل (2/167)
الضبط لأن جمعهما أبلغ في الإبانة والبعد من الالتباس بخلاف الاقتصار على أولهما فإنه ربما داخله لفظ أو شكل لغيره مما فوقه أو تحته فيحصل الالتباس لا سيما عند دقة الخط وضيق الأسطر قاله ابن الصلاح تبعا لعياض
ويكون بخطه وليك ما بالهامش من ذلك مع تقطيعه الحروف من الشكل فهو أنفع وأحسن وفائدته أنه يظهر شكل الحرف بكتابته مفردا في بعض الحروف كالنون والياء التحتانية بخلاف ما إذا كتبت مجتمعة والحرف المذكور في أولها أو وسطها وهو وإن لم يصرحا به فقد فعله غير واحد من أهل الضبط
نعم نقله الزركشي عن عياض وهو إما سهو أو رآه في غير الإلماع وممن نص عليه وحكاه عن المتقنين ابن دقيق العيد فقال في الاقتراح من عادة المتقنين أن يبالغوا في إيضاح المشكل فيفرقوا حروف الكلمة في الحاشية ويضبطوها حرفا حرفا فلا يبقى بعده إشكال
وفيما ينبه عليه شيئان أحدهما أنه ينبغي التيقظ لما يقع من الضبط نقطا وشكلا في خط الأئمة بغير خطوطهم ولو كان صوابا فضلا عن غيره فإن ذلك مما يخفى وربما لا يميزه الحذاق ويا فضيحة من اعتمد تصنيفه بقصد التخطية للأئمة
الثاني قد استثنى ابن النفيس مما تقدم القرآن الكريم وقال إن الأولى تجريده عن الإعجام والإعراب لأن هذه جميعها زوائد على المتن
وبما تقرر في كون دقة الخط قد تقتضي الالتباس كان إيضاحه مما يتم به الضبط
ويكره كراهة تنزيه الخط الدقيق أو الرقيق لا سيما والانتفاع به لمن نفع له الكتاب ممن يكون ضعيف البصر أو ضعيف الاستخراج ممتنع أو بعيد بل ربما يعيش الكاتب نفسه حتى يضعف بصره ولذلك كان شيخنا (2/168)
يحكي أن الذي يكتب الخط الدقيق ربما يكون قصير الأمل لا يؤمل أن يعيش طويلا وأقول بل ربما يكون طويل الأمل حيث ترجى من فضل الله أنه ولو عمر لا تشق عليه قراءة الخط الدقيق
ثم إنه لا يمنع الحكم بالكراهية ما اقتضاه كلام الحكماء في كونه رياضة للبصر وتدمينا له كما يراض كل عضو من أعضاء البدن بما يخصه وأن من لم يفعل ذلك وأدمن على سواء تصعب عليه معاناته كمن يترك المشي أو لا يشم إلا الروائح الطيبة فإنه يشق عليه كل من تعاطى المشي وشم الرائحة الكريهة مشقة شديدة بخلاف من اعتاده أحيانا
وقد قال الإمام أحمد بن محمد بن حنبل لابن عمه حنبل بن إسحاق بن حنبل ورآه يكتب خطا دقيقا لا تفعل فإنه يخونك أحوج ما تكون إليه رواه الخطيب في جامعه وساق فيه أيضا عن أبي حكيمة قال كنا نكتب المصاحف بالكوفة فيمر علينا علي ابن أبي طالب فيقوم علينا فيقول أجل قلمك قال فقططت منه ثم كتبت فقال هكذا نوروا ما نور الله عز و جل إلا أن يكون دقة الخط لعذر كضيق رق وهو القرطاس الذى يكتب فيه ويقال له الكاغذ أيضا بأن يكون فقيرا لا يجد ثمنه أو يجد الثمن ولكن لا يجد الرق أو لرحال مسافر في طلب العلم يريد حمل كتبه معه فيحتاج إما لفقره أو لكونه اضبط أن تكون خفيفة الحمل قال محمد بن المسيب الأرغياني كنت أمشي بمصر وفي كمي مائة جزء في كل جزء ألف حديث
فلا كراهة حيث اتصف بواحد مما ذكر فضلا عن أكثر كأن يكون فقيرا رحالا وأكثر الرحالين كما قال الخطيب يجتمع في حاله الصفتان اللتان يقوم بهما العذر في تدقيق الخط يعني كما وقع لأبي بكر عبد الله ابن أحمد بن محمد بن روزيه الفارسي وكان يكتب خطا دقيقا حيث قيل له لم تفعل فقال لقلة الورق والورق وخفة الحمل على العنق (2/169)
ولكن قال الخطيب بلغني عن بعض الشيوخ أنه كان إذا رأى خطا دقيقا قال هذا خط لا يوقن بالخلف من الله تعالى يشير إلى أن داعية الحرص على ما عنده من الورق ألجأته لذلك إذ لو كان يعلم أنه مستخلف لوسع
وشده أي الخط التعليق وهو فيما خلط الحروف التي ينبغي تفرقها وإذهاب أسنان من ينبغي إقامة أسنانه وطمس ما ينبغي إظهار بياضه وكذا المشق بفتح أوله وإسكان ثانيه وهو خفة اليد وإرسالها مع بعثرة الحروف وعدم إقامة الأسنان كما كان شيخنا يحكي أن بعضهم كان يقول لمن يراه يكتب كذلك تكتبون تمشقون تضيعون الكاغذ فيجتمعان في عدم إقامة الأسنان ويختص التعليق بخلط الحروف وضمها والمشق ببعثرتها وإيضاحها بدون القانون المألوف وذلك كما قال بعض الكتاب مفسدة لخط المبتدي ودال على تهاون المنتقي بما يكتب غير أنهم يستعملون المشق والتعليق وإغفال الشكل والنقط في المكاتبات
قال الماوردي في أدب الدين والدنيا وهو مستحسن فيها فإنهم لفرط إدلالهم بالصنعة وتقدمهم في الكتابة يكتفون بالإشارة ويقتصرون على التلويح ويرون الحاجة إلى استيفاء شروط الإبانة تقصيرا قال وإن كان كل ذلك في كتب العلم مستقبحا كما أنه شراء لقراءة إذا مما أي إذا هذرما أي أسرع بحيث يخفى السماع
فقد روى الخطيب في جامعه من طريق أبي محمد بن دستوريه عن عبد الله ابن مسلم ابن قتيبة الدينوري فيما حكاه عن عمر بن الخطاب أنه قال شر الكتابة المشق وشر القراءة الهزرمة وأجود الخط أبينه
وعنده أيضا عن علي قال الخط علامة فكلما كان أبين كان أحسن وعن ابن قتيبة أيضا عن إبراهيم بن العباس قال وزن الخط وزن (2/170)
القراءة أجود القراءة أبينهما وأجود الخط أبينه
وحينئذ فيستحب له تحقيق الخط وهو أن يميز كل حرف بصورته المميزة له بحيث لا تشتبه العين الموصولة بالفاء أو القاف والمفصولة بالحاء أو الخاء
وقد قال علي رضي الله عنه لكاتبه أطل جلفة قلمك وأسمنها وأيمن قطتك وحرفها واسمعني طنين النون وخرير الخاء أسمن الصاد وعرج العين واشقق الكاف وعظم الفاء ورتل اللام واسلس الباء والتاء والثاء وأقم الواو على ذنبها واجعل قلمك خلف أذنك فهو أجود لك رواه الخطيب وغيره
وليس المراد أن يصرف زمنه في مزيد تحسينه وملاحة نظمه لحصول الغرض بدونه بل الزمن الذى يصرفه في ذلك يشتغل فيه بالحفظ والنظر وليست رجاءة الخط التي لا تقضي إلى الأشياء بقادحة إنما القادح الجهل ولذا بلغنا عن شيخنا العلامة الرباني الشهاب الحناوي أن بعضهم رآه يلازم بعض الكتاب في تعلم صناعته فقال له أراك حسن الفهم فأقبل على العلم ودع عنك هذا فإنك غايتك فيه أن تصل لشيخك وهو كما ترى معلم كتاب أو نحو هذا وأوشك إن اشتغلت بالعلم تسود في أسرع وقت قال فنفعني الله بذلك مع براعة في الكتابة أيضا ونحوه من رأى البدر البشتكي عند بعض الكتاب ورأى قوة عصبة وسرعة كتابته فسأله كم تكتب من هذا كل يوم فذكر له عدة كراريس فقال له ألزم هذا وأترك عنك الاشتغال بقانون الكتاب فإنه و لو ارتقيت لا تنهض في الكتابة كل يوم بما تحصله من كتابتك الآن فأعرض عن التعلم تفاق في سرعة الكتابة ومحل ما زاد على الغرض (2/171)
من ذلك محل ما زاد على الكلام المفهوم من فصاحة الألفاظ ولذلك قالت العرب حسن الخط إحدى الفصاحتين وما أحسن قول القائل
( اعذر أخاك على رداءة خطه ... واغفر رداءته لجودة ضبطه )
( والخط ليس يراد من تعظيمه ... ونظامه إلا إقامة سمعـــه )
( فإذا أبان عن المعاني خطـه ... كانت ملاحته زيادة شرطـه )
وليتجنبها بعد العصر لما ثبتت الوصية به من بعض الأئمة والكتابة بالحبر أولى من المداد بل ومن ماء الذهب ومن الأحمر لأنه أثبت بل قال بعض الحنفية إن الكتابة بالأحمر شعار الفلاسفة والمجوس ويكون الحبر براقا جاريا والقرطاس نقيا صافيا قالوا ولا يكون القلم صلبا جدا فلا يجري بسرعة ولا رخوا جدا فيخفى سريعا وليكن أملس العود مزال العقود فقد قيل
إن القلم الذى بآخره عقدة يورث الفقر حكاه صاحب تاريخ إربل عن بعض شيوخه واسع القمة طويل لجلفة محرف القطة من الجانب الأيمن إن لم يكن ممن عادته الكتابة بالمدور وما يقط عليه صلبا حدا ويحمد القصب الفارسي وخشب الأبنوس الناعم وسكين قلمه أحد من الموسى صافية الحديد ولا يستعملها في غيره كما بين أكثره الخطيب في جامعه ولا يتورع عن كتابة الشيء اليسير من محبرة غيره بدون إذنه إلا أن علم عدم رضاه فقد قال محمد بن إبراهيم أبو جعفر الأنماطي مربع كنت عند الإمام أحمد بن حنبل وبين يديه محبرة فذكر حديثا فاستأذنته أن اكتبه منها فقال لي اكتب يا هذا فهذا ورع مظلم ولأجل الخوف من الاحتياج لضبط الفوائد ونحوها قيل من حضر المجلس بلا محبرة فقد تعرض ليكديه وعن المبرج قال رأيت (2/172)
الجاحظ يكتب شيئا فتبسم فقلت ما يضحكك فقال إذا لم يكن القرطاس صافيا والمداد ناميا والقلم مواتيا والقلب خاليا فلا عليك أن تكون غانيا
وكما يهتم بضبط الحروف المعجمة
كما تقدم المسألة التي أنجز الكلام إليها بالنقط كذلك ينبغي الاهتمام بضبط الحروف المهملة جليها وخفيها أو خفيها فقط كما اتضح هناك بعلامة للإهمال تدل على عدم إعجامها إذ ربما يحصل بإغفاله خلط كما يحكى أن بعضهم أمر عاملا له في رسالة أن يحصى من قبله من المخنثين ويأمرهم بكيت وكيت فقرأها بالخاء المعجمة فاشتد البلاء عليهم بذلك إلى أن وقف على حقيقته وسبيل الناس كما قال عياض في ضبطها مختلف فبعضهم يعلم وينقط الحرف المهمل كالدال والراء والصاد والطاء والعين ونحوها لا الحاء بالقصر بما فوق الحرف المعجم المشاكل له أسفلا أي أسفل الحرف المهمل ولم يصرح ابن الصلاح تبعا لعياض باستثناء الحاء اكتفاء بالعلة في القلب وهي تحصيل التمييز فمتى كان موقعا في الالتباس لم يحصل الغرض والحاء إذا جعلت نقطة الخاء المعجمة تحتها التبست بالجيم وحينئذ فترك العلامة لهذا الحرف علامة ويشير إلى هذا قول الزركشي خرج بقوله فوق ما إذا كان النقط تحت فلا يستحب وذلك كالخاء فإنها لو نقطت من تحتها لالتبست بالجيم
وقال البلقيني إنما ترك الحاء لوضوحها أو علامة المهمل عند بعض أهل المشرق والأندلس كما قال عياض كتب نظير ذاك الحرف المهمل المتصل أو المنفصل تحت أي تحته مثلا بفتحتين أي على صفة سواء كان شبيها له في الاتصال والانفصال وفي القدر أو لا غير أن كونه أصغر منه ومجردا أنسب ولذا قال ابن الصلاح يكتب تحت الحاء المهملة حاء مفردة صغيره وكذا يكتب تحت كل من الدال والصاد والطاء والسين (2/173)
والعين صفتها صغيره أو يجعل فوقه أي المهمل قلامة كقلامة الظفر مضجعة على قفاها لتكون فرجتها إلى فوق ولأجل ذلك فقط مثلت بالقلامة إذ المشاهد في خط كثيرين لا يشابهها من كل وجه بل هي منجمعة لا هكذا من أسفلها فهذه أقوال ثلاثة وأولها تقتضي أن يكون النقط من أسفل كهيئة من فوق بحيث يكون ما تحت السين المهملة كالأثافي وهي بالمثلثة وتشديد التحتانية وقد يخفف ما يوضع عليه القدر من حديد وحجارة وغيرهما في سفر وغيره لكن الأنسب والأبعد عن اللبس قبلها فتكون النقطتان المحاذيتان للمعجمة من فوق محاذيتين للمهملة من أسفل والبعض ممن اصطلح على النقط نقط السين صفا واحدا يصف تحتها قالوا أي قالوه لئلا تزدحم النقطة أو النقطتان مع ما يحاذيها من السطر الذي يليها فيظلم بل ربما يحصل به ليس وبعضهم يخط فوق الحرف المهمل خطا صغيرا
قال ابن الصلاح وذلك موجود في كثير من الكتب القديمة ولا يفطن له كثيرون يعني لكونه خفيا غير شائع ولذا اشتبه على العلاء مغلطائي الحنفي حيث توهم فتحة لذاك الحرف إذ قرأ رضوان بفتح الراء وليست الفتحة إلا علامة الإهمال وكذا وقف على هذه العلامة للمهمل في بعض الكتب القديمة المصنف وبعضهم وهو طريق خامس أو سادس كالهمزة تحت أي تحت المهمل يجعل حكاه ابن الصلاح عن بعض الكتب القديمة وإليه أشار عياض بقوله ومنهم من يقتصر تحت المهمل على مثال النبرة وهي كما ذكر الجوهري وابن سيدة النمرة بل حكى عياض أيضا عن بعض المشارقة أنه يجعل فوق المهمل خطا صغيرا شبيه النبرة ويشبه أن يكون سادسا أو سابعا وإن تردد المصنف أهو غير الخط أو عينه ووجت أيضا سابعا أو ثامنا فروى الخطيب في جامعه من طريق أبي بكر بن أبي شيبة قال سمعت عبد الله بن إدريس يقول كتبت يعني شعبة حديث أبي الجوزاء يعني عن الحسن بن علي رضي الله عنهما فخفت أن أصحف فيه فأقول أبو الجوزاء بالجيم (2/174)
والزاي فكتبت تحته حور عين وكذا ذكره أبو علي الغساني وإليه أشار ابن دقيق العيد بقوله وربما كتبوا ما يدل على الضبط بألفاظه كاملة دالة عليه
ونحوه رد الدارقطني وهو في الصلاة على من قرأ عليه نسير بن دعلوق بالياء بقوله والقلم ووراء هذا من يقتصر في البيان على ما هو الأسلوب الأصلي لها وهو إخلاؤها عن العلامة الوجودية لغيرها من غير زيادة في ذلك وهذا طريق من لم يسلك جانب الاستظهار وهو طلب الزيادة في الظهور لأجل تحصيل الشيء ونحوه من اصطلح في البيان مع نفسه شيئا انفرد به عن الناس لأنه يوقع غيره به في الحيرة واللبس لعدم الوقوف على مراده فيه كما اتفق في رضوان
قال ابن دقيق العيد وقد قرأت خيرا على بعض الشيوخ فكان كاتبه يعمل على الكاف علامة شبيهة بالحاء التي يكتب على الكلمات دلالة على أنها نسخة أخرى وكان الكلام يساعد على إسقاط الكلمة وإثباتها في مواضع فقرأت ذلك على أنها نسخة وبعد فراغ الجزء تبين لي اصطلاحه فاحتجت إلى إعادة قراءة الجزء انتهى
ورب علامة أحوجت إلى علامة حتى لفاعلها وحينئذ فلا ينبغي كما قال ابن الصلاح أن يأتي باصطلاح غير مألوف وإن فعل ذلك وأتى برمز راو في كتاب جمع فيه على الكيفية الآتية في ترجمة معقود لذلك بين الروايات التى اتصل له الكتاب منها كالبخاري مثلا من رواته الفربري وإبراهيم بن معقل والنسفي وحماد بن شاكر النسوي وأبي طلحة منصور بن محمد البزدوي كلهم عن البخاري بأن جعل الفربري مثلا في والنسفي س والحماد ح واللبزدوي أو لبعضهم بالحمرة ولآخر بالخضرة أو نحو ذلك مما اصطلحه لنفسه ولم يفصح بذكر الراوي بتمامه إيثارا للتخفيف فيما يتكرر كما اختصروا بنا وأنا ونحوهما ميزا مراده بتلك الرموز والعلامات في أول (2/175)
الكتاب أو آخره إن كان في مجلد واحد وإلا ففي كل مجلد كما فعل كل من أبي ذر إذ رقم لكل من شيوخه الثلاثة أبي إسحاق المستملي وأبي محمد السرخسي وأبي الهيثم الكشميهني والحافظ أبي الحسين اليونيني إذ رقم للروايات التي وقعت له في آخرين ممن بين الرمز أو العلامات منهم أبو الحسن القابسي فهذا لا بأس به كما قاله ابن الصلاح لا سيما فيما يكثر اختلاف الرواة فيه فإن تسميته كلهم حينئذ مشق والاقتصار على الرموز أخصر ومع كونه لا بأس به اختر وعبارة ابن الصلاح الأولى له أن يكتب عند كل رواية اسم راويها بكماله مختصرا يعني بدون زائد على التعريف به فلا نقول في الفربري مثلا أبو عبد الله محمد بن يوسف بل يقتصر على الفربري أو نحوه وأن لا يرمزا له ببعض حروفه
قال شيخنا والذي يظهر أنه بعد أن شاع وعرف إنما هو من جهة نقص الأجر لنقص الكتابة وإلا فلا فرق مع معرفة الاصطلاح بين الرمز وغيره
وقول المصنف وهو أي الاتيان به بكماله أولى وأدفع للالتباس قد يوجه بكون اصطلاحه في الرمز قد تسقط به الورقة أو المجلد فيتحير الواقف عليه من مبتدئ ونحوه
ثم إن محل ما تقدم ما لم يكن الرمز من المصنف أما هو فالأحسن أن يكون ما اصطلحه لنفسه في أصل تصنيفه كما فعل المزي في تهذيبه والشاطبي وأمره فيه بديع جدا فقد اشتمل بيت منها على الرمز لستة عشر شيخا في أربع قراءات بالمنطوق
وينبغي استحبابا لأجل تمام الضبط الدارة وهي حلقة متفرجة أو مطبقة فصلا أي للفصل بها بين الحديثين وتمييز أحدهما عن الآخر زاد بعضهم لئلا يحصل التداخل يعني بأن يدخل عجز الأول في صدر الثاني أو العكس وذلك إذا تجردت المتون عن أسانيدها وعن صحاتها كأحاديث الشهاب والنجم ونحوهما ومقتضاه استحبابها أيضا بين الحديث وبين ما (2/176)
لعله يكون بآخره من إيضاح لغرب وشرح لمعنى ونحو ذلك مما كان إغفاله أو ما يقوم مقامه أحد أسباب الإدراج من باب أولى
وممن جاء عنه الفصل بين الحديثين بالدارة أبو الزناد فروى الرامهرمزي عن ابن أبي الزناد أن كتاب أبيه كان كذلك وحكاه أيضا عن إبراهيم بن إسحاق الحربي ومحمد بن جرير الطبري بل وعن الإمام أحمد وقال ابن كثير إنه رآها كذلك في خطه ومنهم من لا يقتصر عليها بل يترك بقية السطر بياضا وكذا يفعل في التراجم ورؤوس المسائل وما أنفع ذلك
وارتضى على وجه الاستحباب إعفالها أي ترك الدارة من النقط بحيث تكون غفلا بضم المعجمة وإسكان الفاء لا علامة بها الحافظ الخطيب كما صرح به في جامعة حتى أي إلى أن يعرضا أي يقابل بالأصل ونحوه حين السماع وغيره وحينئذ فكلما فرغ من عرض حديث ينقط في الدارة التي يليه نقطة أو بخط في وسطها خطا يعني حتى لا يكون بعد في شك هل عارضه أو سها فتجاوزه لا سيما حين تخالف فيه
وقد قال عبد الله بن أحمد كنت أرى في كتاب أبي إجازة يعني دارة ثلاث مرات ومرتين وواحدة أقله فقلت له إيش تصنع بها فقال أعرفه فإذا خالفني إنسان قلت قد سمعته ثلاث مرات
قال الخطيب وقد كان بعض أهل العلم لا يعتد من سماعه إلا بما كان كذلك أو في معناه
ثم روى من طريق ابن معين قال كان غندر رجلا صالحا سليم الناحية وكل حديث من حديث شعبة ليست عليه علامة ع لا يقول فيه حدثنا لكونه لم يعرضه على شعبة بعد ما سمعه
قلت ومنهم من كان إذا أورد شيئا مما لا علاقة فيه نبه عليه قال أبو بكر بن أبي داود في كتابي عن محمد بن يحيى بغير إجازة وساق حديثا (2/177)
وكرهوا أي أهل الحديث في الكتابة فصل مضاف اسم الله كعبد منه أي من الاسم الكريم فلا يكتبون التعبيد في آخر سطر والله أو الرحمن أو الرحيم ما بعده وهو ابن فلان مثلا بـ أول سطر آخر احترازا عن قباحة الصورة وإن كان غير مقصود وهذه الكراهة للتنزيه وإن روى الخطيب في جامعة من طريق أبي عبد الله بن بطة العكبري بفتح الموحدة من أبيه ونسبته أنه قال وفي الكتاب يعني من لا يتجنبه وهو غلط أي خطأ قبيح فيجب على الكاتب أن يتوفاه ويتأمله ويتحفظ منه
وقال الخطيب إن ما قاله صحيح فيجب اجتنابه لحمل شيخنا له على التأكيد للمنع ولا شك في تأكده لا سيما إذا كان التعبيد آخر الصفحة اليسرى والاسم الكريم وما بعده أول الصفحة اليمنى فإن الناظر إذا رآه كذلك ربما لم يقلب الورقة ويبتدئ بقراءته كذلك بدون تأمل
وكذا إذا كان عزمه حبك الكتاب وكان ابتدأ ورقة لعدم الأمن من تقليب أوراقه وتفرقها ولكن لا يرتقي في كل هذا إلى الوجوب إلا إن اقترن بقصد فاسد كإيقاع لغيره في المحذور ويتأيد ما جنح إليه شيخنا بتصريح ابن دقيق العيد في الاقتراح بأن ذلك أدب بل ونصره العز بن جماعة
وكرسول من رسول الله فلا يكتب رسول في آخر مسطر واسم الله مع الصلاة في أول آخر فقد كرهه الخطيب أيضا وقال إنه ينبغي التحفظ منه وتبعه ابن الصلاح فجزم بالكراهة فيه وفيما أشبهه ويلتحق به كما قال المصنف أسماء النبي صلى الله عليه و سلم كقوله ساب النبي صلى الله عليه و سلم كافر وكذا أسماء الصحابة رضي الله عنهم كقوله قاتل ابن صفية في النار يعني بابن صفية الزبير بن العوام فلا يكتب ساب أو قاتل في آخر سطر وما بعده في أول آخر بل ولا اختصاص للكراهة بالفصل بين المضاف والمضاف إليه
فلو وجد المحذور في غير ذلك مما استشنع كقوله في شارب الخمر الذي أتى بن النبي صلى الله عليه و سلم وهو ثمل فقال عمر أخزاه الله ما أكثر ما يؤتى به وكقوله لله (2/178)
ربي لا أشرك به شيئا بأن كتب فقال أولا في آخر سطر وما بعده في أول آخر كانت الكراهة أيضا
ومحلها في ذلك كله أن يناف بالفصل ما تلاه من اللفظ فأما إذا لم يكن في شيء منه بعد اسم الله عز و جل أو اسم نبيه صلى الله عليه و سلم أو اسم الصحابي رضي الله عنه ما ينافيه بأن يكون الاسم آخر الكتاب أو آخر الحديث ونحو ذلك أو يكون بعده شيء ملائم له غير مناف فلا بأس بالفصل نحو قوله في آخر البخاري سبحان الله العظيم فإنه إذا قصد بين المضاف والمضاف إليه كان أول السطر الله العظيم ولا منافاة في ذلك ومع هذا فجمعها في سطر واحد أولى بل صرح بعض المتأخرين بالكراهة في فصل مثل أحد عشر لكونهما بمنزلة اسم واحد آخذا من قول النحاس في صناعة الكتاب وكرهوا جعل بعض الكلمة في سطر وبعضها في أول سطر فتكون مفصولة
وأكتب أيها الكاتب على وجه الاستحباب المتأكد ثناء الله تعالى كلما مر لك ذكر الله سبحانه كD أو تبارك وتعالى أو نحوهما ففي حديث الأسود بن سريع رضي الله عنه حسبما أخرجه البخاري في الأدب المفرد وأحمد وغيرهما أنه أتى النبي صلى الله عليه و سلم فقال يا رسول الله قد مدحت ربي بمحامد ومدح وإياك فقال أجزي أما إن ربك يحب الحمد وفي لفظ المدح الحديث
و كذا أكتب التسليما مع الصلاة للنبي صلى الله عليه و سلم كلما مر لك ذكر النبي صلى الله عليه و سلم تعظيما لهما وإجلالا سيما وقد صرح بوجوبه كلما ذكر غير واحد من الحنفية منهم في الصلاة خاصة الطحاوي بل والحليمي والشيخ أبو حامد الإسفرائني وغيرهما من الشافعية أن أثبت في الرواية كل من الثناء والصلاة والسلام وإن يكن أسقط منها في الأصل المسموع لعدم (2/179)
التقييد به في حذف ذلك فإنه ثناء ودعاء تثبته لا كلام ترويه ولا تسأم من تكريره عند تكرره بل وضم إليها تلفظ به لنشر تعطره فأجره عظيم وهو مؤذن بالمحبة والتعظيم
قال التجيبي وكما تصلي على نبيك صلى الله عليه و سلم بلسانك كذلك تحط الصلاة عليك ببنانك مهما كتبت اسمه الشريف في كتاب فإن لك بذلك أعظم الثواب ثم ساق الحديث الذي بينته في القول البديع الذي تعرفت بركته ورجوت ثمرته وإن ابن القيم قال الأشبه أنه من كلام جعفر بن محمد لا مرفوعا ولفظه من صلى على رسول الله صلى الله عليه و سلم في كتاب صلت عليه الملائكة غدوة ورواحا ما دام اسم رسول الله صلى الله عليه و سلم في ذلك الكتاب ولذا قال سفيان الثوري لو لم يكن لصاحب الحديث فائدة إلا الصلاة على رسول الله صلى الله عليه و سلم فإنه يصلي عليه ما دام في ذلك الكتاب بل جاء عن ابن مسعود رضي الله عنه مما حسنه الترمذي وصححه ابن حبان أنه صلى الله عليه و سلم قال إن أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم على صلاة
وقد ترجم له ابن حبان ذكر البيان بأن أقرب الناس في يوم القيامة يكون من النبي صلى الله عليه و سلم من كان أكثر صلاة عليه في الدنيا ثم قال عقبة في هذا الخبر بيان صحيح على أن أولى الناس برسول الله صلى الله عليه و سلم في القيامة يكون أصحاب الحديث إذ ليس من هذه الأمة قوم أكثر صلاة عليه منها وكذا قال أبو نعيم هذه منقبة شريفة يختص بها رواة الآثار ونقلتها لأنه لا يعرف لعصابة من العلماء من الصلاة على رسول الله صلى الله عليه و سلم أكثر مما يعرف لها نسخا وذكرا وقال أبو اليمن ابن عساكر ليهن أهل الحديث كثرهم الله سبحانه هذه البشرى وما أتم به نعمه عليهم في هذه الفضيلة الكبرى فإنهم أولى الناس بنبيهم صلى الله عليه و سلم وأقربهم إن شاء الله إليه يوم القيامة وسيلة فإنهم يخلدون ذكره في طروسهم وتجدودون الصلاة والتسليم عليه في معظم الأوقات بمجالس مذاكرتهم وتحديثهم ومعارضتهم ودروسهم فالثناء عليه في معظم الأوقات شعارهم (2/180)
آثارهم وبحسن نشرهم لا آثاره الشريفة تحسن أثارهم إلى آخر كلامه الذي ودعته مع كلام غيره في معناه ومنامات حسنة صحيحة
منها قول الشافعي رحمه الله وقد قيل له ما فعل بك ربك قال رحمني وغفر لي وزففت إلى الجنة كما تزف العروس ونثر علي كما ينثر على العروس وإن سبب ذلك ما في خطبة كتابه الرسالة من الصلاة على محمد صلى الله عليه و سلم ومنها أنه صلى الله عليه و سلم قال من كتب بيده قال رسول الله صلى الله عليه و سلم كان معي في الجنة في الكتاب المشار إليه
وقد خولف في سقط الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه و سلم الإمام أحمد فإنه حسبما رآه الخطيب بخطه يكتب كثيرا اسم النبي صلى الله عليه و سلم بدون ذلك من غير واحد من المتقدمين كابن المديني والعنبري كما سيأتي قريبا قال ابن الصلاح وعله أي لعل الإمام أحمد قيد أي تقيد في الإسقاط بالرواية لالتزامه إقتفاؤها فحيث لم يجدها في أصل شيخه وعز عليه اتصالها في جميع من فوقه من الرواة لا يكتبها تورعا من أن يزيد في الرواية ما ليس منها كمذهبه في منع إبدال النبي صلى الله عليه و سلم بالرسول وإن لم يختلف المعنى لكن مع نطقه بالصلاة والسلام إذا قرأ أو كتب كما رووا أي المحدثون كالخطيب ومن تابعه ذلك عنه حكاية غير متصلة الإسناد فإن الخطيب قال وبلغني أنه كان يصلي عليه صلى الله عليه و سلم نطقا
والتقيد في ذلك بالرواية هو الذي مشى عليه ابن دقيق العيد فإنه قال في الاقتراح والذي نميل إليه أن يتبع الأصول والروايات فإن العمدة في هذا الباب هو أن يكون الإخبار مطابقا لما في الواقع فإذا أول اللفظ على أن الرواية هكذا ولم يكن الأمر كذلك لم تكن الرواية مطابقة لما في الواقع ولهذا أقول إذا ذكر الصلاة لفظا من غير أن تكون في الأصل فينبغي أن تصحبها قرينة تدل على ذلك مثل كونه يرفع رأسه عن النظر في الكتاب بعد أن كان يقرأ فيه (2/181)
وينوي بقلبه أنه هو المصلي لا حاكيا عن غيره وعلى هذا فمن كتبها ولم تكن في الرواية نبه على ذلك أيضا وعليه مشى الحافظ أبو الحسن اليونيني في نسخته بالصحيح التي جمع فيها بين الروايات التي وقعت له حيث يشير بالرمز إليها إثباتا ونفيا على أنه يحتمل أن لا يكون ترك الإمام أحمد كتابتها لهذا بل استعجالا كما قيدته عن شيخنا لكونه في الرحلة أو نحو ذلك مع عزمه على كتابتها بعد انقضاء ضرورته فلم يقدر لا سيما و عباس بن عبد العظيم العنبري نسبة لبني العنبر بن عمرو بن تميم وابن المديني نسبة للمدينة النبوية لكون أصله منها هو علي فيما نقله عنهما عبد الله بن سنان كما رواه النميري من طريقه لم يتركا الصلاة على النبي صلى الله عليه و سلم في كل حديث سمعاه يعني سواء وقع في الرواية أم لا
وربما بيضا في كتابهما لها الإعجال وعادا بعد عوضا بكتابة ما كان تركه للضرورة والإمام أجل منهما اتباعا مع ما روى ابن بشكوال من طريق جعفر الزعفراني قال سمعت خالي الحسن بن محمد يقول رأيت أحمد بن حنبل في النوم فقال لي يا أبا علي لو رأيت صلاتنا على النبي صلى الله عليه و سلم في الكتب كيف تزهر بين أيدينا
واجتنبت أيها الكاتب الرمز لها أي للصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه و سلم في خطك بأن تقتصر منها على حرفين ونحو ذلك فتكون منقوصة صورة كما يفعله الكسائي والجهلة من أبناء العجم غالبا وعوام الطلبة فيكتبون بدلا صلى الله عليه و سلم ص أو صم أو صلم أو صلعم فذلك لما فيه من نقص الأجر لنقص الكتابة خلاف الأولى وتصريح المصنف فيه وفيما بعده بالكراهة ليس على ما به فقد روى النميري عن أبيه قال كتب رجل من العلماء نسخة من الموطأ وتأنق فيها لكنه حذف منها الصلاة على النبي صلى الله عليه و سلم حيث ما وقع له فيه ذكر وعوض عنها ص وقصد بها بعض الرؤساء ممن يرغب في شراء الدفاتر وقد أمل أن يرغب له في ثمنه ودفع الكتاب إليه فحسن موقعه وأعجب به (2/182)
وعزم على أجزال صلته ثم إنه تنبه لفعله ذلك فيه فصرفه وحرمه وأقصاه ولم يزل ذلك الرجل محارفا مقترا عليه لكن وجد بخط الذهبي وبعض الحفاظ كتابتها هكذا صلى الله علم وربما اقتفيت أثرها فيه بزيادة لام أخرى قبل الميم مع التلفظ بهما غالبا والأولى خلافة
وكذا اجتنبت الحذفا لواحد منها صلاة أو سلاما حتى لا تكون منقوصة معنى أيضا تكفي بإكمال صلاتك عليه ما أهمك من أمر دينك ودنياك كما ثبت في الخبر وهو ظاهر في كون ذلك أيضا خلاف الأولى لكن قد صرح ابن الصلاح بكراهة الاقتصار على عليه السلام فقط وقال ابن مهدي كما رواه ابن بشكوال وغيره إنها تحية الموتى
وصرح النووي رحمه الله في الأذكار وغيره بكراهة إفراد أحدهما عن الآخر متمسكا بورد الأمر بهما معا في الآية وخص ابن الجزري الكراهة بما وقع في الكتب رواه الخلف عن السلف لأن الاقتصار على بعضه خلاف الرواية قال فإن ذكر رجل النبي صلي الله عليه وسلم فقال اللهم صل عليه مثلا فلا أحسب أنهم أرادوا أن ذلك يكره وأما شيخنا فقال إن كان فاعل أحدهما يقتصر على الصلاة دائما فيكره من جهة الإخلال بالأمر الوارد بالإكثار منهما والترغيب فيما وإن كان يصلي تارة ويسلم أخرى من غير إخلال بواحدة منهما فلم أقف على دليل تقتضي كراهته ولكن خلاف الأولى إذ الجمع بينهما مستحب لا نزاع فيه قال ولعل النووي رحمه الله أطلع على دليل خاص لذلك فإذا قالت حذام فصدقوها انتهى
ويتأيد ما خص شيخنا الكراهة به بوقوع الصلاة مفردة في خطبة كل من الرسالة لإمامنا الشافعي وصحيح مسلم والتنبيه للشيخ أبي إسحاق وبخط الخطيب الحافظ في آخرين وإليها أو إلى بعضها الإشارة يقول ابن الصلاح وإن وجد في خط بعض المتقدمين ولما حكى المصنف أنه وجده بخط (2/183)
الخطيب في الموضح قال إنه ليس بمرضي وقد قال حمزة الكناني كنت أكتب الحديث فكنت أكتب عند ذكر النبي صلى الله عليه و سلم ولا أكتب وسلم فرأيت النبي صلى الله عليه و سلم في المنام فقال مالك لا تتم الصلاة علي فما كتبت بعد صلى الله عليه إلا كتبت وسلم رواه ابن الصلاح والرشيد العطار والذهبي في تاريخه لكن بلفظ أخف ما تختم الصلاة علي في كتابك كلهم من طريق الحافظ أبي عبد الله محمد بن إسحاق بن منده وقال ابن عبد الدائم كنت أكتب لفظ الصلاة دون التسليم فرأيت النبي صلى الله عليه و سلم في المنام فقال لي لم تحرم نفسك أربعين حسنة قلت وكيف ذاك يا رسول الله قال إذا جاء ذكري تكتب صلى الله عليه ولا تكتب وسلم وهي أربعة أحرف كل حرف بعشر حسنات قال وعدهن صلى الله عليه و سلم بيده أو كما قال رواه أبو اليمن بن عساكر
وكذا يستحب كتابة الصلاة على غير نبينا من الأنبياء صلى الله عليه و سلم كما صرح به بعض العلماء والترضي عن الصحابة والترحم على العلماء الأخيار كما صرح به النووي وفي تاريخ إربل لابن المسلوقي عن بعضهم أنه كان يسأل عن تخصيصهم عليا بكرم الله وجهه فرأى في المنام من قال له لأنه لم يسجد لصنم قط (2/184)
المقابلة
( ثم عليه العرض بالأصل ولو ... إجازة أو أصل أصل الشيخ أو )
( فرع مقابل وخير العرض مع ... أستاذه بنفسه إذ يسمـــع )
( وقيل بل مع نفسه واشترطا ... بعضهم هذا وفيه غــــلطا )
( ولينظر السامع حين يطلب ... في نسخة وقال يحيى يـــجب )
( وجوز الأستاذ أن يروي من ... غير مقابل وللخطيـــب إن )
( بين والنسخ من أصل وليزد ... صحة نقل ناسخ فالشيخ قــد )
( شرطه ثم اعتبر ما ذكـرا ... في أصل الأصل لا تكن مهـورا )
وما لحق بها من المسائل ويقال لها أيضا المعارضة لقول قابلت الكتاب قبالا ومقابلة أي جعلته قبالته وصيرت في أحدهما كل ما في الآخر ومنه منازل القوم نتقابل أي تقابل بعضها بعضا وعارضت بالكتاب الكتاب أي جعلت ما في أحدهما مثل ما في الآخر مأخوذ من عارضت بالثوب إذا أعطيته وأخذت ثوبا غيره والأصل في ما رواه الطبراني في الكبير وابن السني في رياضة المتعلمين كلاهما من حديث أبي الطاهر ابن السرح قال وجدت في كتاب خالي يعني عبد الرحمن بن عبد الحميد حدثني عقيل عن سعيد بن سليمان بن زيد بن ثابت عن أبيه عن جده رضي الله عنه (2/185)
قال كنت أكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه و سلم فكان إذا فرغت يقول لي اقرأه فأقرأه فإن كان فيه سقط أقامه ثم أخرج به إلى الناس وأخرجه الطبراني أيضا وكذا الخطيب في جامعه من طريق نافع بن يزيد عن عقيل فقال عن الزهري عن سعيد بنحوه
ثم بعد تحصيل الطالب للمروي بخطه أو بخط غيره عليه العرض وجوبا كما صرح به الخطيب وقال إنه شرط في صحة الرواية وكذا قال عياض أنه متعين لا بد منه وهو مقتضى قول ابن الصلاح أنه لا غنى لمجلس الإملاء عن العرض كما سيأتي
ويشير إليه ما أخرجه الخطيب في جامعه عن هشام بن عروة قال قال لي أبي أكتبت قلت نعم قال عارضت قلت لا قال فلم تكتب وفي كفايته عن أفلح بن بسام قال كنت عن القعنبي فقال لي كتبت قلت نعم قال عارضت قلت لا قال لم تصنع شيئا وهذا عند ابن السمعاني في أدب الإملام من حديث عطاء بن يسار مرسلا قال كتب رجل عند النبي صلى الله عليه و سلم فقال له كتبت قال نعم قال عرضت قال لا قال لم نكتب حتى تعرضه
وفي الكفاية والجامع معا عن يحيى بن أبي كثير قال مثل الذي يكتب ولا يعارض مثل الذي يقضي حاجته ولا يستنجي بالماء وكذا جاء عن الأوزاعي كما لابن عبد البر في جامع العلم ثم عياض في الإلماع
وعن الشافعي كما عزاه إليه ابن الصلاح وفي صحته عزوه إليه نظر والتشبيه في مطلق النقص مع قطع النظر عن شرف أحدهما وخسة الآخر كما في تشبيه الوحي بصلصلة الجرس وكذا ليس قول القائل أكتب ولا تقابل وارم على المزابل على ظاهره ولذا كان أحسن منه قول بعضهم من كتب ولم يقابل كمن غزا ولم يقاتل وقول الخلال الحنبلي من لم يعارض (2/186)
لم يدر كيف يضع رجله
وفي جامع الخطيب عن الخليل بن أحمد قال إذا نسخ الكتاب ثلاث مرات ولم يعارض تحول بالفارسية من كثرة سقطه وفي كفايته نحوه عن الأخفش قال إذا نسخ الكتاب ولم يعارض ثم نسخ منه ولم يعارض يعني المنسوخ أيضا خرج أعجميا
والظاهر أن محل الوجوب حيث لم تثق بصحة كتابته أو نسخته أما من عرف بالاستقراء ندور السقط والتحريف منه فلا لا سيما وقد روى ابن عبد البر في جامع العلم عن معمر أنه قال لو عرض الكتاب مائة مرة ما كاد يسلم من أن يكون فيه سقط أو قال خطأ ولكنه قد بالغ كما أن قول القائل الأصل عدم الغلط معارض بقول غيره بل الأصل عدم نقل كل ما كان في الأصل نعم لا يخلو الكاتب من غلط وإن قل كما هو معروف من العرف والتجربة ولذا قال بعضهم ما قرمطنا قدمنا وما انتخبنا قدمنا وما كتبناه بدون مقابلة ندمنا
ويحصل العرض إما بالأصل الذي أخذه عن شيخه بسائر وجوه الأخذ الصحيحة ولو كان الأخذ إجازة أو بأصل أصل الشيخ الذي أخذ الطالب عنه المقابل به أصله أو بفرع مقابل بالأصل مقابلة معتبرة موثوقا بها أو بفرع قوبل كذلك على فرع ولو كثر العدد بينهما إذ الغرض المطلوب أن يكون كتاب الطالب مطابقا لأصل مرويه وكتاب شيخه فسواء حصل بواسطة فأكثر أو بدونها ثم إن تقيينه في أصل الأصل بكونه قد قوبل الأصل عليه لا بد منه وإلا فلو كان لشيخ شيخه عدة أصول قوبل أصل شيخه بأخذها لا يكفي المقابلة بغيره لاحتمال أن يكون فيه زيادة أو نقص فيكون قد أتي بما لم يروه شيخه له أو حذف شيئا مما رواه له شيخه أشار إليه ابن دقيق العيد وسيأتي نحوه في الرواية من الأصل وكذا (2/187)
يحصل إن كان الأصل بيد الشيخ أو ثقة يقظ غيره تولاه الطالب بنفسه أو ثقة يقظ غيره رفع حالة السماع أم لا أمسك الأصل معه غيره أم كانا معا بيده ولكن خير العرض ما كان مع أستاذه أي شيخه على كتابه بمباشرة الطالب بنفسه إذ أي حين يسمع من الشيخ أو عليه أو يقرأ لما يجمع ذلك من وجوه الاحتياط والإتقان من الجانبين يعني إن كان كل منهما أهلا لذلك فإن لم تجتمع هذه الأوصاف نقص من مرتبته بقدر ما فاته منها قاله ابن الصلاح
وقيد ابن دقيق العيد في الاقتراح الخيرية بتمكن الطالب مع ذلك مع الثبت في القراءة أو السماع وإلا فتقديم العرض حينئذ أولى قال بلى أقول إنه أولى مطلقا لأنه إذا قوبل أولا كان حالة السماع أيسر
وأيضا فإن وقع إشكال كشف عنه وضبطه فقرئ على الصحة وكم من جزء وقريء بغتة فوقع فيه أغاليط وتصحيفات لم يتبين صوابها إلا بعد الفراغ فأصلحت وربما كان كذلك على خلاف ما وقعت القراءة عليه وكان كذبا إن قال قرأت لأنه لم يقرأ على ذلك الوجه وقيل وهو قول الحافظ أبي الفضل الهروي الجارودي بل أصدق العرض يعني خيره ما كان مع نفسه يعني حرفا حرفا لكونه حينئذ لم يقلد غيره ولم يجعل بينه وبين كتاب شيخه واسطة وهو بذلك على ثقة ويقين من مطابقتهما وكذا اشترطا بعضهم من أهل التحقيق هذا فجزم كما حكاه عياض عنه بعدم صحة مقابلته مع أحد غير نفسه وفيه أي الاشتراط غلطا القائل به فقال ابن الصلاح إنه مذهب متروك وهو من مذاهب أهل التشديد المرفوضة في عصرنا وصحح عدمه لا سيما والفكر يتشعب بالنظر في النسختين بخلاف الأول
والحق كما قال ابن العيد أن ذلك يختلف فرب من عادته يعني (2/188)
لمزيد يقظته وحفظه عدم السهو عند نظره فيهما فهذا مقابلته بنفسه أولى أو عادته بعني لجمود حركته وقلة حفظه السهو فهذا مقابلته مع غيره أولى على أن الخطيب قال إنه لو سمع من الراوي ولم تكن له نسخة ثم نسخ من الأصل استحب له العرض على الراوي أيضا للتصحيح وإن قابل به لأنه يحتمل أن يكون في الأصل خطأ ونقصان حروف وغير ذلك مما يعرفه الراوي ولعله أن يكون أقره في أصله لأن الذى حدثه به كذلك رواه فكره تعيين روايته يعني فمشى على الصواب في المسألة وعول فيه على حفظه له ومعرفته به ثم حكى ذلك عن جماعة وبه يتأيد قول ابن الصلاح إن ما ذكرناه يعني من العرض مع الشيخ أولى من إطلاق الجارودي بل ولا مانع من تقييده به ويزول الاختلاف
وقد قرأت بخط شيخنا التردد في مراد الجارودي فقال إن أراد به أن صاحب الكتاب يتولاها بنفسه مع الشيخ أو مع موثوق به فهو ما يتجه فإن عناية المرء بتصحيح نسخته أشد من اعتناء غيره حتى ذهب بعض أهل التشديد إلى أن الرواية لا تصح إلا إن قابل الطالب بنفسنه مع غيره وأنه لا يقلد غيره في ذلك وإن أراد أن يقرأ سطرا من الأصل ثم يقرؤه بعينه فهذا لا يفيد لأن الشيخ لا يتمكن من المقابلة بنفسه مع نفسه من نسختين وإن أراد أن يقرأ كلمة أو كلمتين في كتاب نفسه ثم يقرأ ذلك في الأصل فهذا يصح إلا أنه قل أن يتفق مع ما فيه من التطويل الذى يضيع به العمر
قال الخطيب وليجعل للعرض قلما معدا ثم ساق عن أبي نعيم الفضل بن دكين أنه قال لرجل لاجه في أمر الحديث أسكت فإنك أبغض من قلم العرض
فائدة مضى في الباب قبله حكاة استحباب نقط الدارة الفاصلة بين المحديثين عند الانتهاء من مقابلة كل حديث لئلا يكون بعد في شك ومنهم من (2/189)
يجعل عقب كل باب أو كراس ما يعلم منه المقرض وربما اقتصر بعضهم على الإعلام بذلك آخر الكتاب حتى كان أبو القاسم البادكلي يكتب ما نصه صح بالمعارضة وسلم بالمقابلة من المناقضة وذلك من البسملة إلى الحسبلة
ولينظر السامع استحبابا حين يطلب أي يسمع في نسخه إما له أو لمن حضر من السامعين أو الشيخ فهو أضبط وأجدر أن يفهم معه ما يستمع لوصول المقروء إلى قلبه من طريقي السمع والبصر كما أن الناظر في الكتاب إذا تلفظ به يكون أثبت في قلبه لأنه يصل إليه من طريقتين
قال الزبير بن بكار في الموفقيات على أبي وأنا أنظر في دفتر وروى فيه بيني وبين نفسي ولا أجهر فقال لي إنما لك من روايتك هذه ما أدى بصرك إلى قلبك فإذا أردت الرواية فانظر إليها واجهر بها فإنه يكون منها ما أدى بصرك إلى قلبك وما أدى سمعك إلى قلبك ولهذا قال الخطيب حدثني أو عبد الله الحميدي قال أتى جماعة من الطلبة الحافظ أبا إسحاق إبراهيم بن سعيد بن عبد الله المصري الحبال يسمعوا منه جزءا فأخرج به عشرين نسخة وناول كل واحد نسخة يعارض بها ويتأكد النظر إذا أراد السامع النقل منها كما صرح به ابن الصلاح تبعا للخطيب لكونه حينئذ كأنه قد تولى العرض بنفسه وبهذا يظهر مناسبة إدخال هذا الفرع في الترجمة وبكونه مستحبا صرح الخطيب ويشهد له قول علي بن عبد الصمد المكي قلت لأحمد بن حنبل أيجزي أن لا أنظر في النسخة حين السماع وأقول حدثنا مثل الصك يشهد بما فيه ولو لم ينظر فيه فقال لي لو نظرت في الكتاب كان أطيب لنفسك (2/190)
وقال يحيى بن معين كما رواه الخطيب في الكفاية من طريقه بسند في وجادة وأورده لذلك ابن الصلاح بصيغة التمريض بل يجب النظر وذلك أنه سئل عمن لم ينظر في الكتاب والمحدث يقرأ أيجوز له أن يحدث بذلك عنه فقال أما عندي فلا ولكن عامة الشيوخ هكذا سماعهم قال وكان ابن أبي ذئب يحدث من الكتاب ثم يلقيه إليهم فيكتبونه من غير أن يكونوا قد نظروا فيه
ولم ينفرد ابن معين بهذا فقد أورد الخطيب أيضا عن أبي عبد الله محمد بن مسلم بن وارة أنه قال أنتم أهل بلد ينظر إليكم يجيء رجل يسألني في أحاديث وأنتم تنظرون فيها ثم تكتبونها لا أجل لمن لم ينظر في الكتاب أن ينسخ منه شيئا
ونحوه عن عبد الرزاق قال لما قدم علينا الثوري قال أئتوني برجل يكتب خفيف الكتاب قال فأتيناه بهسام بن يوسف فكان هو يكتب ونحن ننظر في الكتاب فإذا فرغ ختمنا الكتاب حتى ننسخه لكن قال ابن الصلاح إن هذا من مذاهب المتشددين في الرواية والصحيح عدم اشتراطه وصحة السماع ولو لم ينظر أصل في الكتاب حالة السماع انتهى
ويمكن أن تخص الاشتراط بما إذا لم يكن صاحب النسخة مأمونا موثوقا يضبطه ولم يكن تقدم العرض بأصل الراوي فإنه حينئذ كما اقتضاه كلام الخطيب لا بد من النظر وعبارته وإذا كان صاحب النسخة مأمونا في نفسه موثوقا يضبطه جاز لمن حضر المجلس أن يترك النظر معه اعتمادا عليه في ذلك بل ويجوز ترك النظر حين القراءة إذا كان العرض قد سبق بالأمر
ثم ما تقدم من اشتراط الخطيب المقابلة في صحة الرواية هو المعتمد بين المتقدمين وبه صرح عياض أيضا فقال لا يحل للمسلم التقي الرواية ما لم يقابل ولا ينخدع في الاعتماد على نسخ الثقة العارف ولا على نسخه (2/191)
هو بيده بدون مقابلة وتصحيح فإن الفكر يذهب والقلب يسهو والبصر يزيغ والقلم يطغى بل واختاره من المتأخرين ابن أبي الدم فقال لا يجوز أن يروي عن شيخه شيئا سمعه عليه من كتاب لا يعلم هل هو كل الذى سمعه أو بعضه وهل هو على وجهه أولا
وجوز الأستاذ أبو إسحاق الإسفرائيني أن يروي المحدث من فرع غير مقابل بل ونسب الجواز أيضا للخطيب كما في كفايته لكن إن بين عند الرواية أنه لم يعارض و كان النسخ لذلك الرفع من أصل معتمد وسبقه أبو بكر الإسماعيلي إلى اشتراط أولهما فقال إنه لا بد أن يبين أنه يعارض لما عسى يقع من زلة أو سقوط وإليه ذهب أبو بكر البرقاني شيخ الخطيب كما حكاه عنه فقال إنه روى لنا أحاديث كثيرة قال فيها أنبأنا فلان ولم أعارض بالأصل
وليزد شرط ثالث وهو صحة نقل ناسخ لذلك الفرع بحيث لا يكون سقيم النقل كثير السقط فالشيخ ابن الصلاح قد شرطه
كل ذلك مع ملاحظة براعة القاريء أو الشيخ أو بعض السامعين لأن بمجموعة يخرج من العهدة ولا يتهم عند ظهور الأمر بخلاف ما روى لا سيما بعد اصطلاح الاستجازة التي بها ينجبر ما لعله يتفق من خلل وكون المخلوط أيضا كما أشير إليه قبيل مراتب التعديل بقاء سلسلة الإسناد خاصة بخلاف المتقدمين وإن منع ابن أبي الدم من المتأخرين ذلك كما تقدم
ثم اعتبر أيها الطالب ما ذكر من الشروط في أصل الأصل بالنقل ولا تكن لقلة مبالاتك بما يتضمن عدم الضبط والاتقان مهورا كمن يكتفي بمجرد الاطلاع على سماع شيخه بذلك الكتاب ويقرؤه من أي نسخة اتفقت بدون مبالاة (2/192)
تخريج الساقط
( ويكتب الساقط وهو اللـــحق ... حاشية إلى اليمين يلـحق )
( ما لم يكن آخر سطر وليكــن ... لفوق والسطور أعلى فحسن )
( وخرجن للسقط من حيث سقط ... منعطفا له وقيل صل بخــط )
( وبعده اكتب صح أو زد رجعـا ... أو كرر الكلمة لم تسقط معـا )
( وطفيه ليس ولغير الأصـــل ... خرج بوسط كلمة المحـــل )
( ولعياض لا تخرج ضبـــب ... أو صححن لخوف لـيس وأبي )
وما ألحق من التخريج للحواشي ونحوها والأصل في هذا الباب قول زيد ابن ثابت في نزول قوله تعالى ( غير أولي الضرر ) بعد نزول ( لا يستوي القاعدون من المؤمنين ) كما في سنن أبي داود فألحقتها والذي نفسي بيده لكأني أنظر إلى ملحقها عند صدع في كتف ويكتب الساقط غلطا من أصل الكتاب وهو أي المكتوب في اصطلاح المحدثين والكتاب اللحق بفتح اللام والمهملة وقد أنشد المبرد كأنه بين أسطر الحق مشتق (2/193)
من الإلحاق حاشية أي في حاشية الكتاب أو بين سطوره وإن كانت متسعة لكنه في الحاشية أولى لسلامة من تغليس ما يقرأ لا سيما إن كانت السطور ضيقة متلاصقة وليكن الساقط في جميع السطر إن لم يتكرر إلى جهة اليمين من جانبي الورقة لشرفه يلحق ما لم يكن الساقط آخر سطر فإنه يلحق إلى جهة اليسار للأمن حينئذ من نقص منه بعده وليكون متصلا بالأصل وإن ألحق غير واحد من العلماء هذا أيضا لجهة اليمين فاليسار أولى فإن تكرر ألحق الثاني لجهة اليسار أيضا لأنهما لو جمعا في جهة واحدة وقع الاشتباه وإن ألحق الأول في اليسار والثاني في اليمين لقابل طرفا التخريجتين وصار يتوهم بذلك الضرب على ما بينهما لكونه أحد طرق الضرب كما سيأتي قريبا اللهم إلا أن يقال يبعد التوهم رؤية اللحق مكتوبا بالجانبين مقابل التخريجتين
وليكن الساقط في السطر عمن الجانبين إن لم يزد على سطر ملاصقا لأصل الكتاب صاعدا لفوق بضم القاف إلى أعلى الورقة لا نازلا إلى أسفلها لاحتمال وقوع سقط آخر فيه أو بعده فلا يجد له مقابلة موضعا لو كتب الأول إلى أسفل وإن زاد على سطر فلتكن السطور أعلى الطرة المقابلة لمحله إلى أسفل بحيث ينتهي سطوره إلى أصل الكتاب إن كان اللحق في جهة اليمين وإن كان في جهة الشمال ابتدأ سطوره من جانب أصل الكتاب بحيث ينتهي سطوره إلى جهة طرف الورقة
هذا فيما يكتب صاعدا فإن كان الحق نازلا حيث كان في السقط الثاني أو خالف في الأول انعكس الحال ثم إن اتفق انتهاء الهامش قبل فراغ السقط استعان بأعلى الورقة أو بأسفلها حسبما يكون اللحق من كلا الجهتين فـ هذا الاصلاح قد حسن من يفعله (2/194)
كل هذا إن اتسع المحل بعدم لحق قبله في السطر نفسه أو قريبا منه وكذا إن كان الهامش من الجهتين عريضا كما هو صنيع أكثر المتقدمين أو قريبا منه ولم يضق أحدهما مع ذلك بالحبك فإن لم يكن كذلك وتحرى فيما يزول معه الإلباس ولا يظلم به القرطاس مع الحرص على عدم إيصال الكتابة بطرف الورقة بل يدع ما يحتمل الحك مرارا فقد تعطل سبب إغفال ذلك الكثير
وخرجن للسقط أي الساقط الذى كتبته أو ستكتبه مما هو ثابت في أصل الكتاب من حيث سقط خطا صاعدا إلى تحت السطر الذي فوقه يكون منعطفا له أي لجة السقط من الحاشية يسيرا ليكون إشارة إليه وقيل لا تكفي الإشارة بالانعطاف بل صل بين الخط وأول الإلحاق بخط ممتد منها
وهذا وإن قال الرامهرمزي إنه أجود لما فيه من مزيد البيان فهو كما قال ابن الصلاح غير مرضي بل قال عياض إنه تسخيم للكتاب وتسويد له وإن رأيته في بعض الأصول لا سيما إن كثر التخريج قال والأول أحسن وعليه استمر العمل عندنا ولذا اختاره ابن الصلاح نعم إن لم يكن ما يقابل النقص خاليا واضطر لكتابته بموضع آخر مد وحينئذ الخط إلى أول اللحق كما فعله غير واحد ممن يعتمد وذلك كما قاله المصنف جيد حسن ولكن لا يتعين بل يقوم مقامه أن يكتب قباله إن اتسع المحل يتلوه كذا في الموضع الفلاني أو نحو ذلك من رمز وغيره مما يزول به اللبس
وبعده أي بعد انتهاء الساقط ولو كلمة اكتب إشارة إلى انتهائه وثبوته في الأصل صح صغيرة كما صرح به بعض المتأخرين مقتصرا عليها لو زد معها كما حكاه عياض عن بعضهم رجعا أو لا تكتب واحدة (2/195)
منهما بل أكتب انتهى اللحق كما حكاه عياض أيضا عن بعضهم وفيهما تطويل أو اقتصر على رجع كما أفاده شيخنا
أو كرر الكلمة بسكون اللام التي لم تسقط من أصل الكتاب وهي تالية للملحق بأن تكتبها بالهامش أيضا معا وهذا وإن حكاه عياض إن اختيار بعض أهل الصنعة من المغاربة
وقال الرامهرمزي إنه أجود قال ابن الصلاح إنه ليس بمرضي وقال عياض وتبعه ابن دقيق العيد إنه ليس بحسن وفيه ليس فرب كلمة تجيء في الكلام مرتين بل ثلاثا لمعنى صحيح فإذا كررنا الكلمة لم نأمن أن توافق ما لا يمتنع تكريره إما جزما فتكون زيادة موجهة أو احتمالا فتوجب ارتيابا
وزيادة إشكال
قال والصواب التصحيح لكن قد نسب لشيخنا إن صح أيضا ربما انتظم الكلام بعدها بها فيظن أنها من الكتاب انتهى ولكنه نادر بالنسبة للذى قبله ويمكن أن يقال يبعده فيهما معا الإحاطة بسلوك المقابل له دائما فيما يحسن معه الإثبات وما لا يحسن
وعلى كل حال فالأحسن الرمز لما لا يقرأ كأن لا يجوز الحاء من صح كما هو صنيع كثيرين وكان لهذه العلة استحب بعضهم كما تقدم تصغيرها ولما يكون من غير الأصل مما يكتب في حاشية الكتاب من شرح أو فائدة أو تنبيه على غلط أو اختلاف رواية أو نسخة أو نحو ذلك خرج له بوسط بإسكان المهملة كلمة بسكون اللام المحل التي تسرح أو ينبه على ما فيها لا بين الكلمتين ليفترق بذلك عن الأول ولكن لعياض لا تخرج بل ضبب على تلك الكلمة أو صححن أي أكتب صح عليها الخوف دخول لبس فيه حيث يظن أنه من الأصل لكون ذاك هو المختص بالتخريج وقد أبى أبي ومنع ما ذهب إليه (2/196)
عياض لأن كلا من الضبة والتصحيح اصطلح به لغير ذلك كما سيأتي قريبا فخوف اللبس أيضا حاصل بل هو فيه أقرب لافتراق صورتي التخريج في الأول واختصاص الساقط بقدر زائد وهو الإشارة في آخره بما يدل على أنه من الأصل بل ربما أشير للحاشية أيضا بحاء مهملة ممدودة والنسخة بخاء معجمة إن لم يرمز لها
ولذا قال ابن الصلاح إن التخريج أولى وأول قال وفي نفس هذا التخريج ما يمنع الالتباس وهو حسن وقرأت لخط شيخنا محل قول عياض إذا لم يكن هناك علامة تميزه كلون الحمرة أو دقة القلم انتهى
وليلاحظ في الحواشي ونحوها عدم الكتابة بين السطور وترك ما يحتمله الحك من جوانب الورقة ونحو ذلك مما قررناه ولا يضجر من الإصلاح والتحقيق له
وقد أنشد الشريف أبو علي محمد بن أحمد بن أبي موسى الهاشمي لأحمد بن حنبل
( من طلب العلم والحديث فلا ... يضجر من خمسة يقاسيها )
( دراهم للعلوم يجمعـــا ... وعند نشر الحديث يفنيها )
( يضجره الضرب في دفاتره ... وكثرة اللحق في حواشيها )
( يغسل أثوابه وبزتـــه ... من أثر الحبر ليس ينقيهــا )
واللحق في النظم بإسكان الحاء وكأنه خففها لضرورة الشعر
وقال غيره
( خير ما يقتني اللبيب كتاب ... محكم النقل متقن التقييد ) (2/197)
( خطه عارف نبيل وعانهـا ... فصح التبييض بالتسويـد )
( لم يخنه إتقان نقط وشكـل ... لا ولا عابه لحاق المزيـد )
( وكأن التخريج في طرنيـه ... طرر صفقت ببيض الخدود )
( فيناجيك شخصه من قريب ... ويناديك نصه من بعيـد )
( فامتحنه تجده خير جليس ... واختبره تجده أنس المريـد )
ولا يكتب الحواشي في كتاب لا يملكه إلا بإذن مالكه وأما الإصلاح فيه فيجوزه بعضهم بدونه في الحديث قياسا على القرآن (2/198)
التصحيح وهو كتابة صح
والتمريض وهو التضبيب
( وكتبوا صح على المعرض ... للشك إن نقلا ومعنى ارتضى )
( ومرضوا فضببوا صادا تمد ... فوق الذي صح ورودا وفسد )
( وضببوا في القطع والإرسال ... وبعضهم في الأعصر الخوالي )
( يكتب صادا عند عطف الأسما ... توهم تضبيبا كذلك إذ ما )
( يختصر التصحيح بعض يوهم ... وإنما يميزه من يفهـــم )
وكتبوا أي من شاء الله من المحدثين أهل التقيد ومن تأسى بهم صح تامة كبيرة أو صغيرة وهو أحسن على أعلى المعرض من حرف فأكثر للشك أو الخلاف فيه لأجل تكرير أو غيره إن نقلا أي رواية ومعنى ارتضى المصحح عليه إشارة بها إلى انه لم يعقل عنه وأنه قد ضبط وصح على ذلك الوجه لئلا يبادر الواقف ممن لم يتأمل إلى تخطيئته وقال ياقوت الرومي ثم الحموي الكاتب بل إشارة إلى أنه كان شاكا فيه فبحث فيه إلى أن صح فخشي أن يعاوده الشك فكتبها ليزول عنه الشك فيما بعد
ثم إن كونها تكتب أعلى الحرف هو الأشهر الأحسن وإلا فلو كتبت عنده بالحاشية مثلا لا بجانبه لئلا يلتبس كفى لقول ابن الصلاح كتابة صح (2/199)
على الكلام أو عنده كما أن كتابتها على المكرر من المعرض هو أيضا الأشهر وإلا فقد قال ابن دقيق العيد رأيت بعضهم إذا تكررت كلمات أو كلمة يكتب عددها في الحاشية بحروف الجمل وكذا مرضوا فضببوا ما مرضوه حيث جعلوا صادا مهملة مختصرة من صح ويجوز أن تكون معجمة من ضبة تمد بدون تجويف للمدبل هكذا فوق الذي صح من حرف فأكثر ورودا أي من جهة الورود في الرواية و لكن فسد من جهة المعنى بأن يكون غير جائز من حيث العربية أو شاذا عند جمهور أهلها أو مصحفا أو ناقصا لكلمة فأكثر أو مقدما أو مؤخرا أو أشباه ذلك من غير خلط للإشارة بالممرض لئلا يلتبس بخط الضرب الآتي لا سيما عند صغر فتحتها إشارة بنصف صح إلى أن الصحة لم تكتمل في ذاك المحل مع صحة نقله وروايته كذلك وتنبيها به لمن ينظر فيه على أنه تثبتت في نقله غير غافل وإنما اختص التمريض بهذه الصورة فيما يظهر لعدم تحتم الخطأ في المعلم عليه بل لعل غيره كما قال ابن الصلاح ممن يقف عليه يخرج له وجها صحيحا يعني ويتجه المعنى كما وقع لابن مالك في كثير من روايات الصحيح أو يظهر له هو بعد في توجيه صحته ما لم يظهر له الآن فيسهل عليه حينئذ تكميلها صح التي هي علامة المعرض للشك
ووجدت في كلام ياقوت ما يشهد له فإنه قال الضبة وهي بعض صح تكتب على شيء فيه شك ليبحث فيه فإذا تحرر أتمها بالحاء فتصير صح ولو جعل لها علامة غيرها لتكلف الكشط لها وكتب صح مكانها انتهى
وكون الضبة ليست للجزم بالخطأ مما يتأيد به الصواب من سد باب الإصلاح خوفا من ظهور توجيه ما ظن خطؤه وقد تجاسر بعضهم وأكثرهم من متأخري المحدثين كما أفاده عياض كأبي الوليد هشام بن أحمد الرقشي أحد (2/200)
أكابر العلماء وأهل اللغة فكان كما قال تلميذه عياض إذا به شيء لم يتجه أصلحه بما يظن اعتماد على وثوقه بعلمه في العربية واللغة وغيرهما ثم يظهر أن الصواب ما كان في الكتاب وتبين وأن ما غيره إليه خطأ فاسد كما سيأتي في إصلاح اللحن والخطأ وإن كان ما وقع في الرواية خطأ محض عنه كل واقف عليه كتب فوقه كذا صغيرة كما قال ابن الجزري وتبعه غيره وبين الصواب بالهامش كما سيأتي في إصلاح اللحن واستعير اسم الضبة لما ذكرناه إما من ضمة القدح التي تجعل لما يكون به من كسر أو خلل أشار إليه ابن الصلاح ولا يخدش فيه بأن ضبة القدح للجبر وهي هنا ليست جابرة فالتشبيه في كونها جعلت في موضعين على ما فيه خلل وإما من ضبة الباب لكون الحرف مقفلا لا يتجه لقراءة كما أن الضبة يقفل بها أشار إليه أبو القاسم إبراهيم بن محمد بن زكريا القرشي الزهري الأندلسي النحوي اللغوي عرف بابن الإفليلي بكسرة الهمزة وفاءة نسبة إلى إفيل قرية برأس عين من أرض الجزيرة لكون سلفه نزلولها يروي عن الأصيلي وغيره وعن أبو مروان الطيني مات في ذي القعدة سنة إحدى وأربعين وأربعمائة عن تسعين سنة
قال التبريزي في مختصره ويجوز أن تكون إشارة إلى صورة ضبة ليوافق صورتها ومعناها وقرأت بخط شيخنا ما حاصله مقتضى تسميتها ضبة أن تكون ضادها معجمة ومقتضى تمتها بحاء صح أن تكون مهملة قال لكن لا يمتنع مع هذا أن تكون معجمة و ليخصوا الضبة بما تقدم بل ضببوا أيضا في موضع القطع والإرسال يشترك في معرفة محل السقط العارف وغيره
بل ربما يكون في بعض الأماكن لا يدركه العارف إلا بالنظر فيكفي بما شق به من ذلك مؤونة التعب بالتفتيش وبعضهم في الأعصر الخوالي حسبما وجد في الأصول القديمة يكتب أيضا صادا عند عطف الأسماء بعضها (2/201)
على بعض حيث يقال مثلا حدثنا فلان وفلان وفلان فتوهم من لا خبرة له لكنوها تضبيبا وليست بضبة بل كأنها كما قال ابن الصلاح علامة وصل فيما بينهما أثبتت تأكيدا للعطف خوفا من أن يجعل غير الخبير مكان الواو عن كذاك إذ أي حث ما يختصر التصحيح بعض فيقتصر على الصاد يوهم أيضا كونه تضبيبا بل هو أقرب إلى الإيهام مما قبله وإنما يميزه بفتح أوله في الصورتين من يفهم فالفطنة والإتقان من خير ما أوتيه الإنسان (2/202)
الكشط والمحو والضرب
( وما يزيد في الكتاب يبعد ... كشطا ومحوا وبضرب أجود )
( وصله بالحروف خطا أو لا ... مع عطفه أو كتب لا ثم إلى )
( أو نصف داره وإلا صفـرا ... في كل جانب وعلم سطرا )
( فأبق ما أول سطر ثم مـــا ... آخر سطر ثم ما تقدما )
( أو استجد قولان ما لم يضف ... أو يوصف نحوهما فألف )
الكشط والمحو والضرب
وغيرهما مما يشار به لإبطال الزائد ونحوه ومناسبة لإلحاق الساقط ظاهرة
وما يزيد في الكتاب أي يكتب على غير وجهه يبعد عنه بأحد أمور مما سلكه الأئمة إما كشطا أي بالكشط وهو بالكاف والقاف سلخ القرطاس بالسكين ونحوها تقول كشطت البعير كشطا لنزعت جلده وكشطت الجل عن ظهر الفرس والغطاء عن الشيء إذا كشفت عنه
وقد يعبر عن الكشط بالكسر تارة وبالحكمة أخرى إشارة إلى الرفق بالقرطاس و إما محوا أي بالمحو وهو الإزالة بدون سلخ حيث (2/203)
أمكن بأن تكون الكتابة في لوح أورق أو ورق صقيل جدا في حال طراوة المكتوب وأمن نفوذ الحبر بحيث يسود القرطاس قال الصلاح ويتنوع طرق المحو يعني فتارة يكون بالأصبع أو بخرقة
قال ومن أغربها مع أنه أسلمها ما روى عن سحنون أحد الأئمة من فقهاء المالكية أنه كان ربما كتب الشيء ثم لعقه قال وإلى هذا يوميء ما روينا يعني مما أسنده عباض عن إبراهيم النخعي أنه كان يقول من المروءة أن يرى في ثوب الرجل وشفتيه مداد يعني لدلالة ذلك على الاشتغالة بالتحصيل
قال ابن العربي وهكذا أخبرني أصحاب الشيخ أبي إسحاق الشيرازي أن ثيابه كأنما أمطرت مداد ولا يأنف من ذلك فقد حكى الماوردي في الأدب أن عبيد الله بن سليمان رأى على ثوبه أثر صفرة فأخذ من مداد الدواة وطلاه به ثم قال المداد بنا أحسن من الزعفران وأنشد
( إنما الزعفران عطر العذارى ... ومداد الدوي عطر الرجال )
ونحوه أن بعض الفضلاء كان يأكل طعاما فوقع منه على ثوبه فكساه حبرا وقال هذا أثر علم وذاك أثر شره
وللأديب أبي الحسن الفيخكردي
( مداد الفقيه على ثوبـــه ... أحب إلينا من الغاليــة )
( ومن طلب الفقه ثم الحديـث ... فإن له همة عاليـــة )
( ولو اشتري الناس هذا العلوم ... بأرواحهم لم تكن غالية )
( رواة الأحاديث في عصـرنا ... نجوم وفي العصر الخالية ) (2/204)
وعن ابن المبارك قال إذا كان يوم القيامة وزن حبر العلماء ودم الشهداء فيرجع حبر العلماء على دم الشهداء
بل يروي في حديث ضعيف عن النميري وغيره عن أنس رفعه يحشر الله أصحاب الحديث وأهل العلم يوم القيامة وحبرهم خلوق يفوح الحديث
وإما بضرب على الزائد وهو أجود من الأمرين المتقدمين وقال الخطيب إنه المستحب لقول الرامهرمزي قال أصحابنا الحك تهمة يعني بإسكان الهاء في الأكثر وقد تحرك من الإيهام لمعنى الظن حيث يتردد الواقف عليه والله وأعلم كان الكشط لكتابة شيء بدله ثم لم يتيسرا أولا ولكن قد يزول الارتياب حينئذ بكتابة صح في البياض كما رأيت بعضهم يفعله نعم ربما يثبت ما كشط في رواية أخرى صحيحة فيشق على ما رام الجمع بين الروايات عواد كتابته ثانيا فإذا كان قد خط عليه أولا اكتفى بعلامة الراوي الآخر عليه كما رواه عياض عن أبي بحر سفيان بن العاص الأسدي حكاية عن بعض شيوخه قال أعني هذا المبهم وكان الشيوخ يكرهون حضور السكين مجلس السماع حتى لا ينشر شيء ولكن قد اختار ابن الجزري تفصيلا نشأ له عن هذا التعليل فقال إن تحقق كونه غلطا سبق إليه القلم فالكشط أولى لئلا يوهم بالمضرب أن له أصلا وإلا فلا على أنه لا انحصار التعليل الأجودية فيما ذكر فقد رأيت من قال لما في الكشط من مزيد تعب يضيع به الوقت وربما أفسد الورقة ما تنفذ إليه بل ليس يخلو بعض الورق عن ذلك وما أحسن قول القائل
( حدثك في الكشط دليل على ... أنك في الخط كثير الغلط )
والمحو غالبا مسود للقرطاس وأنكر أبو إسحاق الحبال الحافظ (2/205)
المصري الحك في الكتاب من وجهين أحدهما أنه يضعف الكتاب والثاني أنه يوهم فإذا ضرب عليه يفهم المكتوب ويسلم صاحب الكتاب من التهمة
ثم إن لكون الضرب علامة بينة في الفاء المضروب عليه روينا في الجامع للخطيب من طريق عبيد الله بن المعتز أنه قال من قرأ سطرا ضرب عليه من كتاب فقد خان أن الخط يحزن ما تحته وإليه أشار اليغموري فقال قال بعض العلماء قراءة السطر المضروب خيانة
وصله أي الضرب بالحروف المضروب عليها بحيث يكون مختلطا بها حال كونه خطا كما نقله عياض عن أكثر الضابطين قال ويسمى أيضا يعني عند المغاربة الشق انتهى وهو مأخوذ من الشق وهو الصدع في الإناء زجاجا أو غيره لاشتراكهما في الصدع لا سيما والحرف صار بالخط فرقه كأنه شق أو من شق العصى وهو التفريق لكونه فرق بين الزائد والثابت
قال المصنف ويوجد في بعض النسخ من ابن الصلاح النشق بزيادة نون مفتوحة في أوله وسكون المعجمة فإن لم يكن تصحيفا وتغييرا من النساخ فكأنه مأخوذ من نشق الظبي في الحبالة وهي التي يصاد بها أي علق فيها من جهة إبطال حركة الكلمة بالخط وإهمالها حيث جعلت في صورة وثاق بمنعها من التصرف انتهى ومنه رجل نشق إذا كان ممن يدخل في أمور لا يكاد يتخلص منها ونحو ما نقله عياض قول الرامهرمزي وتبعه الخطيب وغيره أجود الضرب أن لا يطمس الحرف المضروب عليه بل يخط من فوقه خطا جيدا بينا يدل على إبطاله ولا يمنع قراءته يعني للأمن من الارتياب أولا تصل خط الضرب بالمضروب عليه بل أجعله أعلاه كالأول أيضا لكن منفصلا عنه مع عطية أي الخط من طرفي المضروب عليه بحيث يكون كالنون المنقلبة أشار إليه عياض عن بعضهم (2/206)
وقال وتبعه ابن الصلاح أن منهم من يستفتح هذا الضرب بقسميه ويراه تسويدا وتغليسا ويقتصر على غيره مما سيأتي أو كتب أي ويبعد الزائد أيضا بكتب لا أو من في أوله ثم إلى في آخره وذلك والله أعلم فيما يجوزون أن نفيه أو إثباته غير متفق عليه في سائر الرويات ولذا يضاف إليه بعض الأصول الرمز لمن وقع عنده أو نفي عنه من الرواة وقد يقتصر على الرمز لكن حيث يكون الزائد كلمة أو نحوها
وقد قال ابن الصلاح تبعا لعياض إن مثل هذه العلامة تحسن فيما ثبت في رواية وسقط من أخرى أو نصف أي يبعد الزائد أيضا بتحويق نصف دارة كالهلال حكاهما عياض عن بعضهم واستقبح غيره ثانيهما كما حكاه ابن الصلاح والأصفرا أي يبعد بتحويق صفر وهو دائرة منطبقة صغيرة حكاه عياض عن بعض الأشياخ المحسنين لكتبهم قال وسميت بذلك لخلو ما أشير إليه بها عن الصحة كتسمية الحساب لها بذلك لخلو موضعها من عداد
ثم إذا أشير للزائد بواحد من الصفر ونصف الدائرة فليكن في كل جانب بأصل الكتاب إن اتسع المحل ولم يلتبس بالدائرة التي تجعل فصلا بين الحديثين ونحو ذلك وإلا فأعلى الزائد كالعلامة قبلهما واعلم أيها الطالب لما تبعده بأحد ما تقم سطرا سطرا إذا ما كثرت سطوره أي الزائد بأن تكرر تلك العلامة في أول كل سطر وآخر لما فيه من البيان والإيضاح أولا تكررها بل اكتف بها في طرفي الزائد فقط حكاه عياض عن بعضهم وإن حرف أتى تكريره غلطا فابق على وجه الاستحباب ما هو أول سطر سواء كان هو الحرف الأول أو الثاني ثم إن يسكن أحدهما بأوله فابق ما هو آخر سطر بحيث يكون المضروب عليه حينئذ هو الأول مراعاة لأوائل السطور ثم أواخرها أن تطمس وتشوه ثم إن كان التكرار لهما في وسط (2/207)
السطر فابق ما تقدما منهما لأنه قد كتب على الصواب والثاني خطأ فهو أولى بالإبطال أو استجد أي أبق أجودهما صورة وأولهما على قراءته
وهذان قولان أطلق الرمهرمزي وغيره حكايتهما في أصل المسألة من غير مراعاة لأوائل السطور ومحلهما عند عياض ما إذا كانا في وسط السطر كما بيناه
وما لم يضف المكرر أو يوصف أو نحوهما بالنقل كالعطف عليه والخبر عنه فإن كان كذلك فألف بين المضاف والمضاف إليه وبين الصفة والموصوف وبين المبتدأ والخبر بأن تضرب على الحرف المتطرف من المتكرر دون المتوسط ولا تفصل بالضرب بين ذلك مراعيا بالفصل الأولى والأجود إذ مراعاة المعاني المقربة للفهم أولى من ذلك واستحسنه ابن الصلاح
ومما ينبه عليه أمور أحدها إذا وقع في الكتاب تقديم وتأخير فمنهم من يكتب أول المتقدم كتابه يؤخر وأول المتأخر يقدم وآخره إلى كل ذلك بأصل الكتاب إن اتسع المحل أو بالهامش ومنهم من يرمز لذلك بصورة ما وهذا أحسن إن لم يكن المحل قابلا لتوهم أن الميم رقم لكتاب مسلم ثم إن محله في أكثر من كلمة لكون شيخنا كان يرى في الكلمة الواحدة الضرب عليها وكتابتها في محلها
ثانيها إذا أصلح شيئا نشره حتى يجف لئلا يطبقه فينطمس فيفسد المصلح وما يقابله فإن أحب الإسراع تربه بخانة الساج ويتقي استعمال الرمل إلا إن يزيل أثره بعد جفافه فقد كان بعض الشيوخ يقول إنه سبب للأرضة وكذا يتقي التراب كما صرح به الخطيب في الجامع وساق من طريق عبد الوهاب الحجبي قال كنت في مجلس بعض المحدثين وابن معين بجانبي فكتبت صفحا ثم ذهبت لأتربة فقال لي لا تفعل فإن الأرضة (2/208)
تسرع إليه قال فقلت له الحديث عن النبي صلى الله عليه و سلم تربوا الكتاب فإن التراب مبارك وهو أنجح للحاجة قال ذاك إسناد لا يسوي فلسا ونحوه قول العقيلي لا يحفظ هذا الحديث بإسناد جيد بل قال ابن حبان إنه موضوع
قلت وفيه نظر فهو عند الترمذي في الاستئذان من جامعة من طريق حمزة النصيبي عن أبي الزبير عن جابر رفعه إذا كتب أحدكم كتابا فليتربه فإنه أنجح للحاجة وقال عقبة إنه مكر لا نعرفه إلا من هذا الوجه كذا قال وقد رواه ابن ماجة في الأدب في سننه من طرق بقية بن الوليد عن أبي أحمد بن علي الكلاعي عن أبي الزبير لكن بلفظ تربوا صحفكم أنجح لها لأن التراب مبارك بل في الباب عن ابن عباس وأبي هريرة وكلاهما وعند ابن عدي في كامله لفظ أولهما تربوا الكتاب وأمسحوه أي أنشروه من أسفله فإنه أنجح للحاجة وعن هشام بن زياد أبي المقدام عن الحجاج بن يزيد عن أبيه رفعه تربوا الكتاب فإنه أنجح له إلى غيرها من الطرق الواهية ويمكن إن ثبت حمله على الرسائل التي لا تقصد غالبا بالإبقاء
وقد قيل إن مما يدفع الأرضة كتابة فارق مارق احبس حبسا أو محبة فالله تعالى أعلم
ثالثها إذا أصلح شيئا من زيادة أو حذف أو تجريف ونحوه في كتاب قديم به اسمعة مؤرخة حسن كما رايت شيخنا فعله أن ينبه معه على تاريخ وقت إصلاحه ليكون من سمع منه أو قرأ قبل مقتصرا عليه وكذا من نقل منه على بصيرة من ذلك بل كان في كثير من أوقاته يميز ما يتجدد له في تصانيفه بالحمرة لتيسر الحاقة لمن كتبه قبل (2/209)
رابعها الضرب والإلحاق ونحوهما مما يستدل به بين المتقدمين على صحة الكتاب فروى الخطيب في جامعه عن الشافعي أنه قال إذا رأيت الكتاب فيه إلحاق وإصلاح فاشهد له بالصحة
وعن أبي نعيم الفضل بن دكين قال إذا رأيت كتاب صحاب الحديث مشججا يعني كثير التغيير فأقرب به من الصحة أنشد ابن خلاد لمحمد بن عبد الملك الزيات يصف دفترا
( وأرى رشوما في كتابك لم تدع ... شكا لمرتاب ولا لمفكـــر )
( نقط وأشكال تلوح كأنهــا ... ندب الخدوش تلوح بين الأسطر )
( تنبيك عن رفع الكلام وحفظه ... والنصب فيه لحاله والمصــدر )
( وتريك ما تعيا به فتعيـــده ... كقرينة ومقدما كمـــؤخر )
وأما ما نراه في هذه الأزمان المتأخرة من ذلك فليس غالبا بدليل للصحة لكثرة الدخيل والتلبيس المحيل (2/210)
كيف العمل في الجمع بين اختلاف الروايات
( وليبن أولا على روايــة ... كتابه ويحسن العنايــة )
( بغيرها بكتب راو سمــيا ... أو رمز أو بكتبها معتنيا )
( بحمرة وحيث زاد الأصل ... حوقه بحمره ويجلــو )
لما مر عن بعض الطرق في إبعاد الزائد أنه يحسن فيما ثبت في بعض الروايات دون بعض ناسب إردافه بكيفية الجمع بين الروايات وليين أولا وقت الكتابة أو المقابلة على الرواية خاصة كتابه ولا يجعله ملفقا من روايتين لما فيه من الالتباس وبعد هذا يحسن العناية بغيرها أي بغير الرواية التي أمل كتابه عليها ويبين ما وقع التخالف فيه من زيادة أو نقص أو إبدال لفظ بلفظ أو حركة لإعراب أو نحوها وذلك إما يكتب ما زاد أو أبدل أو اختلف إعرابه بين السطور إن اتسعت وإلا فبالحاشية أو بكتب راو وعرف بذلك الزائد أو المحذوف أو المبدل أو الإعراب إن كان المخالف واحدا وإلا فأكثر حسبما يتفق سواء سميا هذا الراوي أي كتبه باسمه وكذا بما يقوم مقامه مما يعرف به أو رمز له بحرف أو أكثر كما مر في كتابه الحديث وضبطه مع زيادة إيضاح مما كان الأنسب ضمهما بمكان واحد أو بكتبها أي الزيادة ونحوها من إبدال وإعراب وهو الطريق الثاني حال (2/211)
كونه معتنيا به بحمرة كما فعله أبو ذر الهروي من المشارقة وأبو الحسن القابسي من المغاربة وكثير من الشيوخ والمقيدين غير ناظرين الحكاية تلميذ صاحب الهداية من الحنفية عن السلف الصالح كراهة الكتابة بها لأنها شعار المجوس وطريقة القدماء من الفلاسفة أو بخضرة أو صفرة أو غيرها من الألوان المتبائنة للمداد المكتوب به الأصل
وحيث زاد الأصل الذى أصل عليه شيئا حوقه بدائرة كما شرح قريبا أو بلا ثم إلى وبكون ما يسلكه من هذا بحمرة أو خضرة أو غيرهما ويجلوا أي يوضح مراده من رمز أو لون بأن يقول مثلا قد رمزت في كتابي هذا لفلان بكذا أو أشرت لفلان بالحمرة أو بالخضرة أو نحو ذلك بأول كل مجلد أو أخره على ما سبق ولا يعتمد حفظه في ذلك وذكره فربما نسي ما اصطلحه فيه لطول العهد بل ويتعطل غيره ممن نفع له كتابه عن الانتفاع به حيث يصير في حيرة وعمى ولا يهتدي للمراد بتلك الرموز أو الألوان
واعلم أن العناية باختلاف الروايات مع الطرق من المهمات وهو أحد الأسباب المقتضية لامتياز شرح البخاري لشيخنا على سائر الشروح ولكن فيه محذور للقاصرين حيث يضم حين قراءته أو كتابته رواية مع أخرى فيما لا يصلح التلفيق فيه وقد قال ابن الصلاح وليكن فيما تختلف فيه الروايات قائما يضبط ما يختلف فيه في كتابه جيد التمييز بينهما كيلا تختلط وتشتبه فيفسد عليه أمرها (2/212)
الإشارة بالرمز
( واختصروا في كتبهم حدثنا ... على ثنا أو نا وقيل وثنا )
( واختصروا أخبرنا على أنا ... أو أرنا والبيهقي أبنــا )
( قلت ورمز قال إسنادا يرد ... قافا وقال الشيخ حذفها عهد )
( خطا ولا بد من النطق كذا ... قيل له وينبغي النطق بــذا )
( وكتبوا عند انتقال من سند ... لغيره ح وانطقن بها وقــد )
( رأى الرهاوي بأن لا تقـرأ ... وأنها من حائل وقــد رأى )
( بعض أولى الغرب بأن يقولا ... مكانها الحديث قط وقيــلا )
( بل حاء تحويل وقال كتب ... مكانها صح فحا منها انتخـب )
الإشارة بالرمز
ببعض حروف صيغ مما يتكرر وقوعه كحدثنا وأخبرنا وقال وغيرها مع مسألتي التلفظ يقال ونحوها مما يحذف خطا وحاء الواقعة بين السندين ومناسبته لما قبله ظاهرة واختصروا أي أهل الحديث ومن تبعهم في كتبهم دون نطقهم حدثنا بحيث شارع ذلك وظهر حتى لا يكاد يلتبس ولا يخرج الواقف عليه كالذي قبله إلى بيان وهم في ذلك مختلفون فمنهم من يقتصر منها على ثنا الحروف الثلاثة الأخيرة أو يلغى أول الثلاثة (2/213)
ويقتصر على نا الضمير فقط وقيل يقتصر على دثنا فيترك منها الحاء فقط كما وجده ابن الصلاح في خط كل من الحفاظ الحاكم وأبي عبد الرحمن السلمي وتلميذهما البيهقي وكذا اختصروا أخبرنا فمنهم من يحذف الخاء والذين بعدها وهي أصول الكلمة وتقتصر على أنا الألف والضمير فقط أو يضم إلى الضمير الراء فيقتصر على أرنا وفي خط بعض المغاربة الاقتصار على ما عدا الموحدة والراء فيكتب أخ نا ولكنه لم يشتهر وكذا اقتصر البيهقي وطائفة من المحدثين على أنا بترك الخاء والراء فقط
قال ابن الصلاح وليس هذا بحسن قلت وكأنه فيما يظهر للخوف من اشتباهها بأنبأنا وإن لم يصطلحوا على اختصار أنبأنا كما ننشاهده من كثيرين وكذا يظهر أنهم إنما لم يقتصروا من أنا على الحرف الأخير من الفعل مع الضمير كما فعلوا في ثنا بحيث تصيرنا للخوف من تحريف الراء دالا فربما يلتبس بأحد الطرق الماضية في حدثنا وهذا أحسن من قول بعضهم لئلا يحرف الراء زايا
ومن اصطلاحهم حسبما استقريء من صنيعهم غالبا تحريف الألف الأخيرة منهما إلى جهة اليمين كأنه ليحصل التمييز بذلك عما يقع من الكلمات المشابهة لهما في الصورة من المتن وشبهه
وأما كتابة ح في ثنا وأخ في أنا فقال ابن الجزري إنه مما أحدثه بعض العجم وليس من اصطلاح أهل الحديث هذا كله في المذكر المضاف لضمير الجمع وأما المؤنث المضاف للجمع أيضا وكذا حدثني وأخبرني المضافين لضمير المتكلم لا يختصرونه غالبا لكن قال شيخنا إنهم ربما اقتصروا على الحروف الثلاثة من حدثني أيضا بل وعن خط السلفي الاقتصار منها على ما عدا الحاء (2/214)
قلت وأما غير ثنا وأنا مما أشير إليه فـ ـرمز قال الواقعة إسنادا أي في الإسناد رواته يرد حسبما رآه المصنف في بعض الكتب المعتمدة حال كونه قافا مفردة فيصير هكذا ق ثنا وربما خلطهما بعضهم كالدمياطي قيل إنه تفرد بذلك وكتب بخطه في صحيح مسلم قثنا حتى توهم بعض من رآها كذلك أنها الواو الفاصلة بين الإسنادين وليس كذلك
وبالجملة فالرمز لهما اصطلاح متروك ولكن قال الشيخ ابن الصلاح حذفها كلها أصلا ورأسا عهد فيما جرى عليه أهل الحديث خطأ حتى إنهم يحذفون الأولى من مثل عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم قال ولا بد من النطق بها حال القراءة لفظا يعني لأن الأصل الفصل بين كلامي المتكلمين للتمييز بينهما وحيث لم يفصل فهو مضمر والإضمار خلاف الأصل إلا أن هذا لا يقتضي اشتراط التلفظ كما أشعر به تعبيره
نعم قد صرح في فتاويه بأن عدم النطق بها لا يبطل السماع في الأظهر
وإن كان خطأ من فاعله واحتج لذلك بأن حذف القول جائز اختصارا قد جاء به القرآن العظيم وتبعه النووي في تقريبه فقال تركها خطأ والظاهر صحة السماع بل جزم به في مقدمة شرح مسلم فإنه قال فلو ترك القاريء لفظ قال في هذا كله فقد أخطأ والسماع صحيح للعلم بالمقصود ويكون هذا من الحذف لدلالة الحال عليه وصرح الشهاب عبد اللطيف بن المرحل النحوي بإنكار اشتراط التلفظ بها
وقال الكرماني ينبغي للقاريء أن يلفظ بكل ما قال وثنا وأنا صريحا فلو ترك ذلك كان مخطئا لكن السماع صحيح للعلم بالمقصود ولدلالة الحال على المحذوف قال شيخنا وقضية كلامه في الترك لكل من الثلاثة مخطئا من حيث العدول عن اللفظ وسماعه صحيحا من حيث وجود المعنى
والذى يظهر لي امتناعه في ثنا وأنا خاصة وكذا في مثل ثناخ ثنام وجوازه في (2/215)
حذف قال من مثل قال خ قال م لأن ثنا بمعنى قال لنا فاشترط إعادة قال يعني مما لعله ليس بشيء انتهى
وكذا مما عهد حذفه أيضا لفظ إنه في مثل ما رواه الترمذي من حديث حذيفة رضي الله عنه قال رأى رجلا الحديث فإن تقديره قال إنه رأى رجلا وقول البخاري ثنا الحسن بن الصباح سمع جعفر بن عون وكذا قيل له في مثل قريء على فلان قيل له أخبرك فلان وينبغي كما قال ابن الصلاح مع ملاحظة ما قررناه في قال للقارئ أيضا النطق بذا أي قيل له وكذا إنه ونحوهما قال ووقع في بعض ذلك قرىء على فلان حدثنا فلان فهذا ينطق فيه يقال يعني لا قيل لكونه أحضر وإلا فلو قال قيل له كما عبر به النووي في مقدمة شرح مسلم لما امتنع
وكتبوا أهل الحديث في كل من الحديث أو الكتاب أو نحوهما مما يرومون الجمع بين إسناديه أو أسانيده عند انتقال من سند لغيره ح مهملة مفردة وهي في كتب المتأخرين أكثر وفي صحيح مسلم أكثر منها في البخاري كما صرح به النووي في مقدمة شرح مسلم وهو المشاهد ثم اختلفوا أهي من الحائل أو التحويل أو صح أو الحديث وهل ينطق بها حا أو يصرح ببعض ما رمز بها له عند المرور بها في القراءة أولا قال ابن الصلاح وأنطقن بها كما كتبت مفردة ومر في قراءتك يعني حسبما عليه الجمهور من السلف وتلقاء عنهم الخلف وعليه مشى بعض البغداديين أيضا كما سمعه ابن الصلاح من بعض علماء المغاربة عنه ولكن ذلك غير متعين إلا أنه كما قال ابن الصلاح أحوط الوجوه وأعدلها
وقد رأى الحافظ الرحال أبو محمد عبد القادر الرهاوي نسبة إلى الرها بالضم للأكثر الحنبلي كما سمعه منه ابن الصلاح خلافه فجزم بأن لا تقرآ ولا يلفظ شيء عند الانتهاء إليها وأنها ليست من الرواية بل هي حا (2/216)
من حائل الذي يحول بين الشيئين إذا حجز بينهما لكونها حالة بين الإسنادين وأنه لم يعرفه عن مشايخه وفيهم عدد كانوا حفاظ الحديث في وقته غيره ونحوه في كونها من حائل لكن مع النطق بذلك قول الدمياطي وقد قرأ على بعض المغاربة فصار كلما وصل إلى ح قاله حاجز وهو في النطق بمعناها خاصة موافق لما حكاه ابن الصلاح حيث قال وقد رأى بعض علماء أولى الغرب حين ذاكرته فيها فحكاه عن صنيع المغاربة كافة القول بأن يقولا من يمر بها مكانها الحديث قط أي فقط وحكى ابن الصلاح عن الرهاوي إنكار كونها من الحديث
قلت وكأنه لكون الحديث لم يذكر بعد فإن كانت مذكورة بعد سياق السند الأول وبعض المتن كما في البخاري فإنه أورد من حديث مالك عن سمي عن أبي بكر بن عبد الرحمن قال جئت أنا وأبي حتى دخلنا على عائشة وأم سلمة ثم قال ح وحدثنا وساق سندا آخر إلى الزهري عن أبي بكر المذكور أن أباه عبد الرحمن أخبر مروان أن عائشة وأم سلمه أخبرتاه أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يدركه الفجر وهو جنب من أهله ثم يغتسل ويصوم فيمكن عدم إنكاره وكذا قيلا مما نقله ابن الصلاح أيضا عن بعض من جمعته وإياه الرحلة بخراسان عن بعض الفضلاء من الأصبهانيين أنها ليست من الحديث بل هي حاء تحويل من إسناد إلى إسناد آخر
وقال ابن الصلاح قد كتب فيما رأيته بخط الحافظين أبي عثمان الصابوني وأبي مسلم عمر بن علي الليثي البخاري والفقيه المحدث أبي سعد محمد بن أحمد بن محمد بن الخليل الخليل مكانها بدلا عنها صح صريحة يعني نحو ما يجعل بين الرواة المعطوف بعضهم على بعض كما تقدم قال فهذا يشعر بكون الحار من إلي صح فحا بالقصر منها انتخب أبي أختير في اختصارها قال وحسن إثبات صح ههنا لئلا (2/217)
يتوهم أن حديث هذا الإسناد سقط ولئلا يركب الإسناد الثاني على الأول فيجعلا إسنادا واحدا وبالجملة فقد اختار النووي أنها مأخوذة من التحول وأن القارئ يلفظ بها ثم إنه لم يختلف من حكينا عنهم في كونها حاء مهملة بل قال ابن كثير إن بعضهم حكى الإجماع عليه قال ومن الناس من يتوهم أنها خاء معجمة أي إسناد آخر وهذا حكاه الدمياطي أيضا فقال وبعض المحدثين يستعملها بالخاء المعجمة يريد بها آخرا وخبرا زاد نغيره أو إشارة إلى الخروج من إسناد إلى إسناد والظاهر كما قال بعض المتأخرين أن ذلك اجتهاد من أئمتنا في شأنها من حيث أنهم لم تبين لهم فيها شيء من المتقدمين قال الدمياطي ويقال إن أول من تكلم على هذا الحرف ابن الصلاح وهو ظاهر من صنيعه لا سيما وقد صرح أول المسألة بقوله ولم يأتنا عن أحد ممن يعتمد بيان لأمرها (2/218)
كتابة التسميع
( ويكتب اسم الشيخ بعد البسملة ... والسامعين قبلها مكملــه )
( مؤرخا أو جنبها بالطــــره ... أو آخر الجزء وإلا ظهــره )
( بخط موثوق بخط عـــــرفا ... ولو بخطه لنفسه كفـــى )
( إن حضر الكل وإلا استملــى ... من ثقة صحح شيـخ أم لا )
( وليعر المسمى به إن يستعـــر ... وإن يكن بخط مالك سطـر )
( فقد رأى حفص وإسماعيـــل ... كذا الزبيري فرضها إذ سيلوا )
( إذ خطه على الرضا بـــه دل ... كما على الشاهد ما تحمـل )
( وليحذر المعار تطويـــلا وأن ... يثبت قبل عرضه ما لم يــبن )
وكيفيته وهو المسمى بالطبعة ومناسبته للعمل في اختلاف الروايات من جهة اشتراك محلهما في أول الكتاب أو آخره ولكن وسط بينهما بما هو أظهر في المناسبة مع الأول ويكتب الطالب اسم الشيخ الذي قرأ أو سمع عليه أو منه كتابا أو جزءا أو نحوه وما يلتحق بالاسم من نسب ونسبة وكنية ولقب ومذهب ونحو ذلك مما يعرف به مع سياق سنده بالمسموع لمصنفه في ثبته الذي يخصه بذلك أو في النسخة التي يروم تحصيلها من المسموع بعد البسملة (2/219)
فيقول مثلا أنا أبو فلان فلان بن فلان الفلاني حدثنا فلان ويسوق السند إلى آخره على الوجه الذي وقع وإن سمع معه غيره فليكتب أسماء السامعين إما قبلها أي البسملة فوق سطرها من غير اختصار لما لا يتم تعريف كل من السامعين بدونه فضلا عن حذف لأحد منهم بل مكمله والحذر كما قال ابن الصلاح من إسقاط اسم أحد منهم لغرض فاسد ومن الغريب ما حكاه ابن مسندي عن ابن المفضل وشيخه السلفي أنهما كان يصدران الطباق بذوي السن فإذا أتيا على ذكرهم تركا الشباب وأدرجاهم في طي لفظه وآخرين والظاهر عدم صحته عن ثانيهما كل ذلك حال كون المكتوب مورخا بوقت السماع مذكورا محله من البلد وقارئه وكذا عدد مجالسه إن تعددت معينة وتمييز المكلمين والمفوقين والناعسين والمتحدثين والباحثين والكاتبين والحاضرين من المفطنين واليقظين والسامعين أو جنبها أي البسملة في الورقة الأولى بالطرة يعني الحاشية المتسعة لذلك حسبما أشار إلى حكايته الخطيب عن فعل شيوخه
وكذا فعله السلفي بل ربما يكتب السلفي السماع بالحاشية ولو لم يكن معه غيره أو يكتب الطالب التسميع آخر الجزء أو الكتاب وإلا أي وإن لم يكتبه فيما تقدم فيكتبه ظهره أي في ظهره وربما فعل السلفي وغيره نحوه حيث يكتبون التسميع فيما يكون للمسموع كالوقاية أو يكتبه حيث لا يخفى موضعه منه من حاشية في الأثناء ونحو ذلك فكل هذا كما قال ابن الصلاح لا بأس به مع تصريحه بأن ما قاله الخطيب أحوط له وأحرى بأن لا يخفى على من يحتاج إليه على أن ابن الجزري قد حكى عن بعض شيوخه أن الأولى من جهة الأدب عدم الكتابة فوق البسملة لشرفها ووافقه عليه
وكذا يحسن تسمية المسموع إن كتب التسميع بمحل غير مسمى فيه (2/220)
خوفا من انفراد الورقة فيصير الواقف عليها في حيرة وأن ينبه حيث كانت الكتابة بالأثناء على محلها أول المسموع فقد رأيت شيخنا يفعله فيقول مثلا فرغه سماعا فلان والطبقة بالمكان الفلاني ويعلم بالهوامش عند انتهاء كل مجلس بأن يقول مثلا بلغ السماع في الأول على فلان لأجل من يفوته بعضها أو يسمع بعضها وينبغي أن يكون التسميع بخط شخص موثوق به غير مجهول الخط بل بخط عرفا بين أصحاب الحديث
ولو كان التسميع بخط لنفسه مع اتصافه بذلك كفى فطال ما فعل الثقات ذلك سواء كان معه غيره أم لا وعلى كاتب السماع التحري في تفصيل الأفوات وبيان السامع والمسمع والمسموع بعبارة بينة وكتابة واضحة وإنزال كل منزلته ويكون اعتماده في السامعين وتمييز فواتهم ضبط نفسه إن حضر الكل وإلا استملى ما غاب عنه من ثقة ضابط ممن حضر فذلك كما قال ابن الصلاح لا بأس به إن شاء الله سواء في اعتماد الثقة لضبط نفسه أو ثقة غيره أوضح بذلك في خطه صحح على التسميع شيخ أي الشيخ المسمع واحدا فأكثر حسبما اتفق أم لا
قال ابن الصلاح وقد حدثني بمرو الشيخ أبو المظفر بن الحافظ أبي سعيد المروزي عن أبيه عمن حدثه من الأصبهانية أن عبد الرحمن بن أبي عبيد الله بن منده قرأ ببغداد جزءا على أبي أحمد الفرضي وسأله خطه ليكون حجة به فقال له أبو أحمد يا بني عليك بالصدق فإنك إذا عرفت به لا يكذبك أحد وتصدق فيما يقول وينقل وإذا كنت غير ذلك فلو قيل لك ما هذا خط أبي أحمد ماذا تقول لهم ونحوه قول ابن الجزري قدمت لشيخنا الحافظ أبي بكر بن المحب طبقة ليصحح عليها لكونه المسمع فكره مني ذلك وقال لا تعد إليه فإنما يحتاج إلى التصحيح من يشك فيه انتهى
وما يوجد من تصحيح الشيوخ المسمعين إنما اعتمادهم فيه غالبا على (2/221)
الضابطين وربما أفصح المتحري منهم بذلك وحينئذ فلا فائدة فيه إلا إن كان الشيخ نفسه هو الضابط كما كان ابن المصنف يفعله غالبا لقلة المتميزين في ذلك نعم ربما استظهر بعض المتشددين لما يكتبه المحدث لنفسه أنه سمعه حيث كان معه غيره بشهرة أحد السامعين بين المحدثين وحيث كان متفردا بالإلحاق والتصحيح وشبهه إذ الكتاب لا يخلو غالبا عن الاحتياج لذلك بل وتخليف الراوي فروى أبو بكر بن المقري عن الحسن بن القاسم بن رحيم الدمشقي حدثنا محمد بن سليمان قال قدم ابن معين علينا البصرة فكتب عن أبي سلمة موسى بن إسماعيل التبوذكي وقال له يا أبا سلمة إني أريد أن أذكر لك شيئا فلا تغضب منه قال هات قال حديث همام عن ثابت عن أنس عن أبي بكر في الغار لم يروه أحد من أصحابك إنما رواه عفان وحبان ولم أجده في صدر كتابك إنما وجدته على ظهره قال فنقول ماذا قال تحلف لي أنك سمعته من همام فقال قد ذكرت أنك كتبت عني عشرين ألفا فإن كنت عندك فيها صادقا فما ينبغي أن تكذبني في حديث وإن كنت كاذبا في حديث فما ينبغي أن تصدقني فيها وترمي بها بنت أبي عاصم طالق ثلاثا إن لم أكن سمعته من همام ووليه لا أكلمك أبدا
وسمع عبد الرحمن بن يزيد بن جابر بن رزيق بن حبان حديثا فلما فرغ قال الله يا أبا المقدام وهي كنيته أحدثك فلان بهذا أو سمعت هذا قال فجثا على ركبتيه واستقبل القبلة وقال أي والله الذي لا إله إلا هو ولعل بلغه قول علي رضي الله عنه كنت إذا سمعت من النبي صلى الله عليه و سلم حديثا نفعني الله عز و جل بما شاء أن ينفعني منه وإذا حدثني غيري استحلفته فإذا حلف لي صدقته وحدثني أبو بكر رضي الله عنه وصدق أبو بكر وذكر حديثا
وقد يبتديء الشيخ بالحلف مع اشتهار ثقته وصدقه لكن لتزداد طمأنينة (2/222)
السامعين كما كان ابن عبد الدائم يحلف في فوتيه من صحيح مسلم أنهما أعيدا له وفعله من التابعين زيد بن وهب فقال حدثنا والله أبو ذر بالربذة وذكر حديثا وليعر من ثبت في كتابه أو جزئه أو نحوهما تسميع بخط المالك أو غيره ما أثبت فيه السماع الطالب المسمى به واحدا فأكثر إن يستعر ليكتب منه أو يقابل عليه أو ينقل سماعه أو يحدث منه وهذه العارية فيما إذا كان التسميع بغير خط المالك مستحبة وإن يكن التسميع بخط مالك للمسموع سطر فقد رأى القاضيان حفص هو ابن غياث النخعي الكوفي قاضيها بل وقاضي بغداد أيضا وصاحب الإمام أبي حنيفة الذي قاله له في جماعة أنتم مسار قلبي وجلاء حزني
وكان هو يقول ما وليت القضاء حتى حلت لي الميتة ولأن يدخل الرجل اصبعه في عينيه فيقلعهما فيرمي بهما خير من أن يكون قاضيا ولما ولي قال أبو يوسف لأصحابه تعالوا نكتب نوادر حفص فما وردت قضاياه عليه قال له أصحابه أين النوادر فقال إن حفصا أراد الله فوفقه مات على الأكثر سنة تسع وخمسين ومائة وإسماعيل بن إسحاق بن إسماعيل بن حماد بن زيد بن درهم الأزدي مولاهم البصري المالكي شيخ مالكية العراق وعالمهم ومصنف أحكام القرآن وغيرها المتوفى سنة اثنتين وثمانين ومائتين وكذا أبو عبد الله الزبير بن أحمد بن سليمان بن عبد الله بن عاصم بن المنذر ابن الزبير بن العوام الأسدي الزبيري بالضم نسبة لجده المذكور البصري الضرير أحد أئمة الشافعية وصاحب الكافي والمسكت وغيرهما المتوفى سنة سبع عشرة وثلاثمائة فرضها أي العارية إذ سيلوا بإسكان الهمزة وإبدالها ياء للضرورة حيث ادعى عند كل من الأولين في زمنه على من امتنع من عارية كتابه وأجاب بإلزامه بإخراجه لينظر فيه فيما يكون من سماع المدعي مثبتا بخط المدعى عليه ألزمه بإعارته حسبما روى ذلك عن الثاني الخطيب وعن الأول الرامهرمزي وقال إنه سأل الثالث عنه فقال لا (2/223)
يجيء في هذا الباب حكم أحسن من هذا إذ خطه أي صاحب المسموع فيه على الرضى به أي بالاسم المثبت دل يعني وثمرة رضاه بإثبات اسمه بخطه في كتابه عدم منع عاريته
قال ابن الصلاح ولم يبين لي وجهه أولا ثم بان لي أن ذلك كما على الشاهد المتحمل يعني سواء استدعى له أو اتفاقا ما تحمل أي أدى الذي تحمله وجوبا وإن كان فيه بذل لنفسه بالسعي إلى مجلس الحكم لأدائها ووجهه غيره أيضا بأن مثل هذا من المصالح العامة المحتاج إليه مع وجود علقة بينهما تقتضي إلزامه بإسعافه في مقصده أصله إعارة الجدار لوضع جذوع الجار الذي صح الحديث فيه وأوجبه جمع من العلماء بل هو أحد قولي الشافعي وإذا ألزمنا الجار بالعارية مع دوام الجذوع في الغالب فلأن يلزم صاحب الكتاب مع عدم دوام العارية أولى وهو ظاهر
ولو قلنا كما قاله عياض إن خطه ليس فيه أكثر من شهادته بصحة سماعه لأنا نقول إلزامه بإبرازه لحصول ثمرته وإن لم يسأله في إثبات اسمه وقت السماع كما يلزم الشاهد الأداء ولو لم يستدع للتحمل ثم إن قياس تعليل ما كتبه بخطه يكون علامة للرضى أنه لو كتبه غيره برضاه كان الحكم كذلك إذ لا فرق
وكلام ابن الصلاح يشهد له فإنه قال ويرجع حاصل أقوالهم إلى أن سماع غيره إذا ثبت في كتابه برضاه فيلزمه إعارته إياه وتبعه النووي في تقريبه بل قال الحاكم سمعت أبا الوليد الفقيه يقول مررت أنا وأبو الحسن الصباغ بمحمد بن علي الخياط يعني القاضي أبا عبد الله المروزي وهو جالس مع كاتبه فادعيت أنا أو هو أن أحدنا سمع في كتاب الأخر وأنه يمتنع من إعارته لرفيقه فسكت ساعة ثم قال بإذنك سمع في كتابك قال نعم قال فأعده سماعه وإذا كان هذا في صورة تسميع المدعي لنفسه مع (2/224)
إمكان اعتقاد التهمة فالغير الأجنبي أولى وأحرى وتوقف بعضهم في الوجوب في ذلك كله وقال إنه ليس بشيء وأيد بأنه يمتنع على المستعين حينئذ الرواية إذا كان يروي من كتابه لغيبة عنه على مذهب من يشدد في ذلك لا سيما إذا كان ضريرا وإن كان الصواب خلافه كما سيأتي المسألة قريبا
وقد حكى ابن الصلاح في أدب الطالب عن إسحاق بن راهويه أنه قال لبعض من سمع منه في جماعة انسخ من كتابهم ما قد قرأت فقال إنهم لا يمكنونني فقال إذا والله لا يفلحون قد رأينا أقواما منعوا هذا السماع فوالله ما أفلحوا ولا أنجحوا وقال ابن الصلاح عقبه إنه أيضا رأى أقواما منعوا فما أفلحوا ولا أنجحوا وليحذر المعار له المسموع تطويلا أي من التطويل في العارية والإبطاء بما استعاره على مالكه إلا بقدر الحاجة فقد روينا عن الزهري أنه قال ليونس بن يزيد إياك وغلول الكتب قال يونس فقلت وما غلولها قال حبسها أن أصحابها
وروينا عن الفضيل بن عياض أنه قال ليس من فعل أهل الخير والروع أن يأخذ سماع رجل وكتابه فيحبسه فمن فعل ذلك فقد ظلم نفسه وأما ما رويناه في ترجمة أبي بكر محمد بن داود بن يزيد بن حازم الرازي من تاريخ نيسابور أنه قال سمعت أحمد بن أبي سريح يقول سمعت أحمد بن حنبل يقول إذا رد صاحب الحديث الكتاب بعد سنة فقد أحسن فليس على إطلاقه
وبلغنا عن ابن المصنف أنه كان يقول إذا غاب الكتاب عند المستعير أكثر من عدد ورقه فهو دليل على أنه لم يأخذه لكتابة ولا قراءة ولا مقابلة ولا مطالعة أو كما قال
ثم إن التمسك في المنع ببطء وما أشبهه لا يكفي في عدم الإلزام بالدفع فقد ساق ابن النجار في ترجمة الأمير أبي محمد عبد الله بن عثمان بن عمر من ذيله أن إسماعيل القاضي المالكي بعد أن حكم بما تقدم قال له المحكوم (2/225)
عليه وهو صاحب الكتاب إنه يعذبني في كتبي إذا دفعتها إليه فقال له أخرج إليه ما لزمك الحكم ثم قال للمدعي إذا أعارك أخوك كتبه لتنسخها فلا تعذبه فإنه تطرق على نفسك منعك فيما تستحق فرضيا بذلك وطابا
بل وفي لفظ عند أبي بكر اليزدي في جزء عارية الكتب له المسموع لنا أن صاحب الكتاب وهو سهل ابن محمد الجوهري قال لإسماعيل أعز الله القاضي هذا رجل غريب أخاف أن يذهب بكتبي فيوثق لي حتى أعطيه فقال له القاضي فأكثر رجلا بدرهمين في كل يوم وأقعده معه حتى يفرغ من نسخ سماعه و كذا ليحذر إذا نسخ من المسموع المعار لنفسه فرعا أن يثبت سماعه فيه قبل عرضه ومقابلته بل لا ينبغي إثبات تسميع على كتاب مطلقا إلا بعد المقابلة ما لم يبن بفتح الموحدة في كل من الإثبات والنقل أن النسخة غير مقابلة (2/226)
صفة رواية الحديث وأدائه سوى ما تقدم وفيه فصول
الفصل الأول
( وليرو من كتابه وإن عري ... من حفظه فجائز لأكثر )
( وعن أبي حنيفة المنع كذا ... عن مالك والصيدلاني وإذا )
( رأى سماعه ولم يذكر فعن ... نعمان المنع وقال ابن الحسن )
( مع أبي يوسف ثم الشافعي ... والأكثرين بالجواز الواسع )
( وإن يغب وغلبت سلامتـه ... جازت لدى جمهورهم روايته )
( كذلك الضرير والأمــي ... لا يحفظان يضبط بمرضــي )
( ما سمعنا والخلف في الضرير ... أقوى وأولى منه في البصــير )
الفصل الأول في جواز اعتماد المحدث ولو كان ضريرا أو أميا الكتاب المصون ولو غاب عنه حتى في أصل السماع وإن لم يستحضره ليرو الراوي من كتابه المتقن القابل المصون الذي صح عنده سماع ما تضمنه معتمدا عليه وإن عرى أي خلا من حفظه بحيث لم يذكر تفضيل أحاديثه حديثا حديثا أو كان يحفظه إلا أنه سيء الحفظ فـ ذاك (2/227)
جائز للأكثر من العلماء لأن الرواية مبنية على الظن الغالب لا القطع فإذا حصل كفى ولم يضره كما قال الحميدي ذلك إذا اقتصر على ما في كتابه ولم يزد فيه ولم ينقص منه ما يغير معناه ولم يقبل التلقين إذا لم يرزق من الحفظ والمعرفة بالحديث ما رزقه غيره قال لأني وجدت الشهود يختلفون في المعرفة بحد الشهادة ويتفاضلون فيها كتفاضل المحدثين ثم لا أجد بدا من إجازة شهادتهم جميعا وحينئذ فالمعول على الإتقان والضبط ولو لم يكن حافظا ولذا قال ابن مهدي الحفظ هو الاتقان
وقال مروان بن محمد الفزاري ثلاثة لا غناء للمحدث عنها الحفظ الصدق وصحة الكتب فإن أخطأه الحفظ وكان فه ما عداه لم يضره وعن ابن معين قال ينبغي للمحدث أن يتزر بالصدق ويرتدي بالكتب رواها الخطيب ولا ينافيه قول الإمام أحمد لا ينبغي للرجل إذا لم يعرف الحديث أن يحدث لا سيما وقد روى الخطيب في جامعه عن علي بن المديني قال قال لي سيدي أحمد لا تحدث إلا من كتاب
وقال ابن معين دخلت على أحمد فقلت أوصني فقال لا تحدث المسند إلا من كتاب ولا شك أن الحفظ خوان
وقد قال محمد بن إبراهيم بن بزيع الحافظ قدم علينا أبو بكر بن أبي شيبة فانقلبت له بغداد ونصب له المنبر في مسجد الرصافة فجلس عليه فقال من حفظه حدثنا شريك ثم قال هي بغداد وأخاف أن تزل قدم بعد ثبوتها يا أبا شيبة يعني ابنه إبراهيم هات الكتاب وقال ابن درستويه أقعد على بن المديني بسامرا على منبر فقال يقبح لمن جلس هذا المجلس أن يحدث في كتاب ثم حدث من حفظه فغلط في أول حديث
وروي عن الإمام أبي حنيفة النعمان بن ثابت الكوفي المنع وأنه لا حجة إلا فيما رواه الراوي من حفظه وتذكرة للمروي تفصيلا (2/228)
من حين سمعه أن يؤديه قال ابن معين فيما رواه الخطيب كان أبو حنيفة يقول لا يحدث الرجل إلا بما يعرف ويحفظ وكذا روى عن الإمام مالك وهو ابن أنس كما أخرجه جماعة منهم الخطيب وأبو الفضل السليماني في الحث على طلب الحديث له واللفظ له من حديث ابن عبد الحكم
عن أشهب بن عبد العزيز قال سألت مالكا أيؤخذ العلم عمن لا يحفظه زاد الخطيب وهو ثقة صحيح قال لا قلت له إنه يخرج كتابه ويقول هو سماعي قال أما أنا فلا أرى أن يحمل عنه فإني لا آمن أن يكتب في كتابه يعني ما ليس منه زاد الخطيب بالليل ثم اتفقا وهو لا يدري
وروى أيضا عن أحد أئمة الشافعية أبي بكر الصيدلاني المروزي ونسب للزين الكتاني من المتأخرين اختياره حتى كان يقول أنا لا يحل أن أروي إلا حديث أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب لأني من حين سمعته لم أنسه وظاهر قول عمر بن الخطاب أما بعد فإني أريد أن أقول مفالة قد قدر أن أقولها لا أدري لعلها بين يدي أجلي فمن وعاها وعقلها وحفظها فليتحدث بها حتى تنتهي به راحلته ومن خشى أن لا يعبها فإني لا أحل لأحد أن يكذب علي وحديث أبي موسى الغافقي الذي أخرجه الحاكم في مستدركه بلفظ آخر ما عهد إلينا رسول الله صلى الله عليه و سلم أن قال عليكم كتاب الله وسترجعون إلى قوم يحبون الحديث عني أو كلمة تشبهها فمن حفظ شيئا فليتحدث به قد يشهد له ولذا استدل بهما الخطيب في الكفاية على وجوب التثبت في الرواية حال الأداء وأن يروي ما لا يرتاب في حفظه ويتوقف عما عارضه الشك فيه وقال الحاكم عقب المرفوع وقد جمع هذا الحديث (2/229)
لفظتين غريبتين إحداهما قوله يحبون الحديث والأخرى قوله فمن حفظ شيئا فليحدث به وقد ذهب جماعة من أئمة الإسلام إلى أنه ليس للمحدث أن يحدث بما لم يحفظه انتهى
وكذا يشهد له قول هشيم من لم يحفظ الحديث فليس هو من أصحاب الحديث يجيء أحدهم بكتاب كأنه سجل مكاتب ومن ثم كما قال شيخنا
قلت الرواية عن بعض من قال بهذا مع كونه في نفس الأمر كثير الرواية وعلى كل حال فهو كما قال ابن الصلاح من مذاهب المتشددين الذين أفرطوا وباينوا بصنيعهم المتساهلين الذين فرطوا بحيث قالوا بالرواية بالوصية والإعلام والمناولة المجردات ومن النسخ التي لم تقابل ونحو ذلك مما بسط في محاله والصواب الأول هو الذي عليه الجمهور سواء كان كتابه بيد ثقة ضابط وإن اشترط بعضهم والحالة هذه كونه بيده كما سلف في أول الفروع التالية لثاني أقسام التحمل وسواء خرج كتابه عن يده أم لا إذا غلب على الظن سلامته وإن منع منه بعضهم كما سيأتي قريبا وسواء حدث من كتابه ابتداء أو حفظ من كتابه ثم حدث من حفظه لكن قد كان شعبة ربما نص على أن حفظه من كتابه لئلا يتوهم والله أعلم حفظه من فم شيخه ابتداء
ثم إن المصنف لم يتعرض لتصويب ابن الصلاح لما ذهب إليه الأكثر
وقد نظم ذلك بعضهم فقال
( وصوب الشيخ لقول الأكثر ... وهو الصواب ليس فيه نمتري )
وإذا رأى المحدث سماعه في كتابه بخطه أن بخط من يثق به سواء الشيخ أو غيره فلا يخلو إما أن يتذكره أولا فإن تذكره وهو أرفع الأقسام جازت له روايته على المعتمد إن لم يكن حافظا له وبلا خلاف إن كان له حافظ وإن لم يتذكره بل تذكر أنه غير سماعه فقد تعارضا والظاهر اعتماد ما في ذكره (2/230)
وقد حكى لنا شيخنا عن بعض المحدثين ممن أخذ عن شيخنا بل وأخذ شيخنا أيضا عنه وحدثنا عنه غير واحد أنه كان يكتب الطبقة قبل سماعه قصدا للإسراع لكن يؤخر تعيين التاريخ وطعن فيه بسبب ذلك ونحوه وفيه متمسك للمانعين وإن لم يذكر سماعه له يعني ولا عدمه فعن أبي حنيفة نعمان أبي النعمان أيضا المنع من روايته يعني وإن كان حافظا لما في الكتاب فضلا عما لم يعرفه كما جاء عن ابن مهدي أنه قال وجدت في كتبي بخطي عن شعبة ما لم أعرفه فطرحته وعن شعبة قال وجدت بخطي في كتاب عندي عن منصور عن مجاهد قال لم يحتجم النبي صلى الله عليه و سلم وهو محرم ما أدري كيف كتبه ولا أذكر كيف سمعته وهو مقتضى ما ذهب إليه مالك والصيدلاني أيضا في المسألة الأولى إذ ضبط أصل السماع كضبط المسموع ولعل الصيدلاني هو المقرون عند ابن الصلاح تبعا لعياض بأبي حنيفة حيث قال فعن أبي حنيفة وبعض أصحاب الشافعي عدم الجواز وهو قول الجويني كما قال عياض بل قال القاضي حسين في فتاويه به أنه كذلك من طريق الفقه واختاره ابن دقيق العيد فقال القطب الحلبي أتيته بجزء سمعه من ابن دراج والطبقة بخطه فقال حتى أنظر فيه ثم عدت إليه فقال هو يخطيء لكن ما أحقق سماعه ولا أذكره ولم يحدث به
وقال صاحبا أبي حنيفة هو محمد بن الحسن مع شيخه ورفيقه القاضي أبي يوسف ثم إمامنا الشافعي والأكثرين من أصحابه بالجواز الواسع الذي لم يقل الشافعي وأكثر أصحابه بمثله في الشهادة لأن باب الرواية أوسع على أن الإمام من أصحابنا والصاحبان المشار إليهما ممن سوى بين البابين قال كان شيخي يتردد في من شهد شهادة ووضعها عنده في صندوق بحيث كان يتحقق أن أحد لم يصل إليه ثم دعى إلى تلك الشهادة فلم يذكر هل يجوز له أن يشهد ولكن الجواز قد حكاه القاضي حسين في فتاويه عن المحدثين ولم يحك عنهم خلافه إما بالنظر لم استقر عليه عملهم كما نقله ابن دقيق العيد أو لكونه مذهب أكثرهم كما اقتضاه تقرير (2/231)
ابن الصلاح في كونه لا فرق بين مسألتنا والأولى التى الأكثر فيها على الجواز وعلى هذا المذهب مشى شيخنا بل وجد في صحيح ابن حبان بلاغا بخطه عند موضع منه وفي أوله أثبت ما يدل لأزيد منه فحكى حين إيراد سنده صورة الحال مع غلبة الظن بصحة كل منهما وعدم منافاة أحدهما للآخر ولذا أقول إنه يحسن الإفصاح بالواقع بل قال العز بن جماعة إنه يتعين
ثم إنه لكون المعتمد إن نسيانه غير مؤثر يجوز للفرع رواته ما سمعه من شيخه مع تصريح الشيخ بعد تحديثه إياه لما يقتضي نسيانه ولذا قال ابن كثير هنا وهذا يشبه ما إذا نسى الراوي سماعه فإنه يجوز لمن سمعه منه روايته عنه ولا يضره نسيان شيخه انتهى
على أن ابن الصباغ قد حكى في العدة في هذه الصورة إسقاط المروي عن أصحاب أبي حنيفة كما تقدم في الفصل العاشر من معرفة من قبل روايته من الإشارة للتوقف فيه فإما أن يخص بالمتأخرين منهم كما صرح به الخطيب أو يستثنى أبو يوسف ومحمد بن أصحابه أو يفرق بين البابين وبقيت مسألة أخرى عكس التي قبلها وهي ما إذا كان ذاكرا لسماعه ولكن لم يجد بذلك خطا وقد قال القاضي حسين في فتاويه إن مقتضى الفقه الجواز ونقل المنع عن المحدثين
وقال الفرغاني الديانة لا توجب روايته والعقل لا يجيز إذاعته لأنه في صورة كذاب وإن كان صادقا في نفس الأمر قال وللراوي أن يقلد فيه إذا احتاج إليه وعلم حفظه لما فيه إلا أنه لا يجوز له أن يكتب سماعه على كتابه لئلا يوهم الجزم بصحته انتهى والمعتمد الجواز
ثم إن محل الجواز كما قال ابن الصلاح يعني في مسألتي اعتماد الكذب في المسموع وأصل السماع إذا سكنت نفسه إلى صحبة ولم تشكك (2/232)
فيه فإن تشكك يعني في تطرق التزوير ونحوه إليه بحيث لم تسكن نفسه إلى صحته أو كان كل من الطرفين على حد سواء فلا قال ابن معين من لم يكن سمحا في الحديث بمعنى أنه إذا شك في شيء تركه كان كذابا
وعن الشافعي أن مالكا كان إذا شك في شيء من الحديث تركه كله
ونحوه تقييد غيره بما إذا لم تظهر فيه قرينة التعبير لأن الضرورة دعت لاعتماد الكتاب المتقن من جهة انتشار الأحاديث والرواية انتشارا يتعذر معه الحفظ عادة فلو لم تعتمد غلبة الظن في ذلك لأبطلنا جملة من السنة أو أكثرها
وكذا خص بعض المتشددين الجواز بما إذا لم يخرج الكتاب عن يده بعارية أو غيرها قال بعضهم وهو احتياط حسن يقرب منه صنيع المتقدمين أو جلهم في المكاتبة حيث يختمون الكتاب كما تقدم في محله
وممن امتنع من رواية ما غاب عنه محمد بن عبد الله الأنصاري وإسماعيل ابن العباس جد أبي بكر الإسماعيلي وهو مقتضى صنيع بن مهدي حيث جلس مع من رام استعماره كتابة حتى نسخ منه وقال خصلتان لا يستقيم فيهما حسن الظن الحكم والحديث وابن المبارك ورواه نازلا عن الذي أخذ منه الكتاب من رفقائه عن ذاك فإنه قال سمعت أنا وغندر حديثا من شعبة فبانت الرفعة عند غندر فحدثت به عن غندر عن شعبة وهو شبيه بمن كان يروي عن تلميذه عن نفسه ما نسي أنه حديث التلميذ به في آخرين والأصح أنه إن يغيب الكتاب عنه غيبة طويلة فضلا عن يسيره بإعارة أو ضياع أو سرقة وغلبت على الظن سلامته من التغيير والتبديل جازت لدى أي عند جمهورهم كيحيى بن سعيد القطان وفضيل بن ميسرة وغيرهما من المحدثين كما حكاه الخطيب وجنح إليه (2/233)
روايته لا سيما إذا كان ممن لا يخفى عليه في الغالب إذا غير ذلك أو شيء منه لأن باب الرواية مبني على غلبة الظن فإذا حصل أجزأ ولم يشترط مزيد عليه
قال الخطيب وهكذا الحكم في الرجل يجد سماعه في كتاب غيره
وقد قال أحمد إنه لا بأس إذا عرف الخط وقيده القاضي أبو الطيب الطبري بأن يعرف الشيخ وذلك أن الخطيب سأله عمن وجد سماعه في كتاب من شيخ قد سمى ونسب في الكتاب غير أنه لا يعرفه أي الشيخ فقال لا يجوز له رواية ذلك الكتاب
كذلك الضرير أي الأعمى والأمي أي الذي لا يكتب اللذان لا يحفظان حديثهما من فم من حدثهما تصح روايتهما حيث يضبط المرضى الثقة لهما ما سمعاه ثم يحفظ كل منهما كتابه عن التغيير بحسب حاله ولو بثقة غيره إلى أن يؤدي مستعينا حين الأداء أيضا بثقة في القراءة منه عليه بحيث يغلب الظن سلامته من الزيادة والنقص والتغيير ونحوها من حين التحمل إلى انتهاء الأداء لا سيما إن انضم إليه من مزيد الحفظ ما يأمن معه من الإدخال عليه لما ليس من حديثه مثل يزيد بن هارون الذي قال فيه الإمام أحمد ما أفطنه وأذكاه وأفهمه والقائل هو لمستمليه بلغني أنك تريد أن تدخل علي في حديثي فأجهد جهدك لا أدعي الله عليك إن رعيت أحفظ ثلاثة وعشرون ألف حديث فإنه كان بعد أن كف بسبب كثرة بكائه في الأسحار يا من جاريته فتلقنه ويحفظ عنها ولم يلتفتوا للقول بأنه عيب بذلك
وقد كان عبد الرزاق يلقنه أصحاب الحديث فإذا اختلفوا اعتمد من علم بإتقانه منهم فيصير إليه ومع ذلك فأسندت عنه أحاديث ليست في كتبه (2/234)
البلاء فيها ممن دونه وإذا كان من سمع منه من كتبه أصح وممن فعله في الجملة موسى بن عبيدة الربذي فإنه كان أعمى وكانت له خريطة فيها كتبه فكان إذا جاءه إنسان دفع إليه الخريطة فقال اكتب منها ما شئت ثم يقرأ عليه مع كونه لم يكن بالحافظ ولكنه ليس بحجة
ومنع مع ذلك غير واحد من الأئمة كابن معين وأحمد قال الخطيب ونرى العلة المنع هي جواز الإدخال عليهما ما ليس من سماعهما وأشار إلى أنها هي العلة التي منع مالك لأجلها غير الحافظ من الرواية معتمدا على كتبه ما تقدم
ويدل لذلك أن ابن معين المحكي عنه المنع قال في الرجل يلقن حديثه لا بأس به إذا كان يعرف ما يدخل عليه
وحكى عن أبي معاوية الضرير وكان قد عمي وهو ابن ثمان سنين أو أربع أنه كان إذا حدث بما لم يحفظه عن شيخه يقول في كتابنا أو في كتابي وكذا ذكر فلان ونحو ذلك ولا يقول حدثنا ولا سمعت إلا فيما حفظه من في المحدث وهذا يشبه أن يكون مذهبا ثالثا وللمذهبان الأولان وجهان حكاهما الرافعي في الشبهات وقال إن الجمهور على القبول
قال ابن الصلاح والخلف في الضرير أقوى وأولى منه في البصير الأمي يعني لخفة المحذور فيه وهو ظاهر بالنظر إلى الأصل خاصة لامع انضمام أمر آخر وإلا فقد يختلف الحال فيهما بالنسبة إلى الأشخاص والأوصاف ولذا قال البلقيني قد تمنع الأولوية من جهة تقصير البصير فيكون الأعمى أولى بالجواز لأنه أتى باستطاعته (2/235)
وقال شيخنا إذا كان الاعتماد على ما كتب لهما فهما سواء
وقال شيخنا إذا كان الاعتماد على ما كتب لهما فهما سواء إذ الواقف على كتابهما يغلب على ظنه السلامة من التغيير أو عكسها على أن الرافعي قد خص الخلاف في الضرير بما سمعه بعد العمى فأما ما سمعه قبله فله أن يرويه بلا خلاف يعني بشرطه وفي نفي الخلاف توقف إذا علم هذا فتعليل ابن الصلاح اختياره عدم التصحيح في الأزمان المتأخرة بكون السند لا يخلو غالبا عمن اعتمد على ما في كتابة لا يخدش في كون المعتمد هنا اعتماد غير الحافظ لكتاب المتقن فإن تحدث المتقدمين من كتبهم مصاحب غالبا بالضبط والإتقان الذي يزول به الخلل حتى إن الحكم أدرج في المجروحين من تساهل في الرواية من نسخ مشتراة أو مستعارة غير مقابلة لتوهمهم الصدق في الرواية منها بخلاف المتأخرين في ذلك فهو غالبا عري عن الضبط والإتقان وإن نوقش في أصله كما تقرر في محله الفصل الثاني (2/236)
الفصل الثاني الرواية من الأصل
( وليرو من أصل أو المقابل ... به ولا يجوز بالتساهـــل )
( مما به اسم شيخه أو أخذا ... عنه لدى الجمهور وأجاز ذا )
( أيوب والبرسان قد أجازه ... ورخص الشيخ مع الإجازة )
( وإن يخالف حفظه كتابه ... وليس منه فرأوا صوابـــه )
( الحفظ مع تيقن والأحسن ... الجمع كالخلاف ممن يتقـن )
الرواية من الأصل
أو الفرع المقابل وجوب ذلك ومن المعتمد من الحفظ والكتاب عند تخالفهما وليرو المحدث إذا رام أو أشي مما تحمله بالسماع أو القراءة أو غيرهما من أصل تحمل منه أو من الفرع المقابل المقابلة المتقنة به أي بالأصل وهو شرط ولا يجوز الأداء بالتساهل بأن يروي مما لم يكن سماعه منه ولو كان أصلا به اسم شيخه يعني (2/237)
سماعه أو كان فرعا أخذا عنه أي عن الشيخ من ثقة من الثقات بحيث تسكن نفسه إلى صحته اعتمادا على مجرد ذلك لدى أو عند الجمهور من المحدثين كما حكاه الخطيب وقطع به الإمام أبو نصر بن الصباغ الفقيه في الصورة الثانية فقط حكاه ابن الصلاح عنه بلاغا وعلله ابن الصلاح بأنه لا يؤمن أن يكون في كل منهما زوائد ليست في نسخة سماعه و لكن قد أجاز ذا أي الأداء من كليهما ترخصا أيوب بن أبي تميمة السختياني و كذا أبو عثمان أو أبو عبد الله محمد بن بكر البرسان بضم الموحدة وسين مهملة مع حذف ياء النسبة نسبة لقبيلة الأزد البصري
قد يرخص أيضا حيث أجازه قال الخطيب والذي يوجبه النظر أنه متى عرف أن الأحاديث التي تضمنتها النسخة هي التي سمعها من الشيخ جاز له أن يرويها إذا سكنت نفسه إلى صحة النقل والسلامة من دخول الوهم لها وهو موافق لما تقدم عنه في المقابلة من جواز الرواية من فرع كتب من أصل معتمد مع كونه لم يقابل لكن بشرط البيان لذلك حين الرواية وإلى ما ذهب إليه أيوب والبرساني جنح ابن كثير من المتأخرين و كذا رخص فيه أيضا الشيخ ابن الصلاح لكن مع وقوع الإجازة من المسمع له بذلك الكتاب أو بسائر مروياته التي تقدم أنه لا غناء في كل سماع عنها احتياطا ليقع ما يسقط في السماع على وجه السهو وغيره من كلمة فأكثر مرويا بالإجازة
قال وليس فيه حينئذ أكثر من روايته تلك الزيادات بالإجازة بلفظ أنا أو ثنا من غير بيان للإجازة فيها
والأمر في ذلك قريب يقع في محل التسامح فإن كان الذي في النسخة سماع شيخ شيخه أو هي مسموعة على شيخ شيخه أو مروية عن شيخ شيخه فينبغي له حينئذ في رواية منها أن يكون له إجازة شاملة من شيخه ولشيخه إجازة شاملة من شيخه قال وهذا تيسر حسن هدانا الله (2/238)
ولله الحمد له الحاجة إليه ماسة في زماننا جدا يعني لمزيد التوسع والتساهل فيه بناء على أن المطلوب بقاء السلسة خاصة حتى إنه صار كما قال ابن الصلاح بمجرد قول الطالب للشيخ هذا الكتاب أو الجزء من روايتك يمكنه من قراءته من غير تثبت ولا نظر في النسخة ولا تفقد طبقة سماع وما أشبه ذلك من البحث الذي يؤدي إلى حصول الثقة بصحة أصل السماع فضلا عن المسموع وأن يخالف حفظه كتابه وقلنا بالمعتمد من الاكتفاء في الرواية بكتابة المتقن المحفوظ عنده ولو لم يكن حافظ فإن كان إنما حفظ من كتابه فليرجع إليه ولو اختلف المعنى و إن يكن ليس حفظ منه وإنما حفظ من فم المحدث أو من القراءة عليه فقد رأوا أي أهل الحديث صوابه الحفظ أي اعتماد الحفظ إذا كان مع تيقن وتثبت في حفظه أما مع الشك أو سوء الحفظ فلا والأحسن مع تيقن الجمع بينهما فيقول حفظي كذا وفي كتابي كذا كما فعل همام
وقد روي حديث أنه صلى الله عليه و سلم اشترى حلة بسبع وعشرين ناقة فقال هكذا في حفظي وفي كتابي ثوبين هذا مع عدم التنافي بينهما فالحلة لا تسمى كذلك إلا أن تكون ثوبين من جنس
وفعله شعبة حيث روى حديث ابن مسعود في التشهد ثم يصلي على النبي صلى الله عليه و سلم وقال هكذا في حفظي وهو ساقط في كتابي في آخرين من الحافظ وذلك كالخلاف ممن يتقن من الحافظ له فيما حفظه حيث يحسن فيه أيضا كما كان الثوري وشعبة وغيرهما يفعلون بيان الأمرين معا فيقول في حفظ كذا وكذا وقال فيه فلان كذا وكذا أو نحو ذلك بل قيل لشعبة حيث حدث بحديث مرفوع قال إنه في حفظه كذلك وفي زعم فلان وفلان خلافه يا أبا بسطام حدثنا بحفظك ودعنا من فلان وفلان فقال ما (2/239)
أحب أن عمري في الدنيا عمر نوح وإني حدثت بهذا وسكت عن هذا وربما ذكر ما قد يترجح به أحد القولين كقوله وقال فيه فلان وكان أحفظ مني وأكثر مجالسة لشيخه مني (2/240)
الفصل الثالث الرواية بالمعنى
( وليرو بالألفاظ من لا يعلـم ... مدلولها وغيره فالمعظـــــم )
( أجاز بالمعنى وقيل لا الخـبر ... والشيخ في التصنيف قطعا قد حظر )
( وليقل الراوي بمعنى أو كما ... قال ونحوه كشك أبهمـــــا )
والخلاف في ذلك والاستحباب لمن روى به أن يأتي بما يدل عليه وليرو بالألفاظ التي سمع بها مقتصرا عليها بدون تقديم ولا تأخير ولا زيادة ولا نقص لحرف فأكثر ولا إبدال حرف أو أكثر بغيره ولا مشدد بمثقل أو عكسه من تحمل من غير التصانيف ممن لا يعلم مدلولها أي الألفاظ في اللسان ومقاصدها وما يحل معناها والمحتمل من غيره والمرادف منها وذلك على وجه الوجوب بلا خلاف بين العلماء لأن من أتصف بذلك لا يؤمن بتغييره من الخلل
ألا ترى إلى إسماعيل بن علية كيف أنكر على شعبة مع جلالته وإتقانه روايته بالمعنى عنه بحديث النهي أن يتزعفر الرجل بلفظ نهى عن التزعفر الدال على العموم حيث لم يفطن لما فطن له إسماعيل الذي رواية شعبة عنه (2/241)
من رواية الأكابر عن الأصاغر من اختصاص النهي بالرجال
وأما غيره ممن يعلم ذلك ويحققه فاختلف فيه السلف وأصحاب الحديث وأرباب الفقه والأصول فالمعظم منهم جاز له الرواية بالمعنى إذا كان قاطعا بأنه أدى معنى اللفظ الذي بلغه سواء في ذلك المرفوع أو غيره كان موجبه العلم أو العمل وقع من الصحابي أو التابعي أو غيرهما أحفظ اللفظ أم لا صدر في الافتاء والمناظرة أو الرواية أتى بلفظ مرادف له أم لا كان معناه غامضا أو ظاهرا حيث لم يحتمل اللفظ غير ذاك المعنى وغلب على ظنه إرادة الشارع بهذا اللفظ ما هو موضوع له دون التجوز فيه والاستعارة وجاء للجواب عن غير واحد من الصحابة وعن بعض التابعين قال لقيت أناسا من الصحابة فاجتمعوا في المعنى واختلفوا على اللفظ فقلت ذلك لبعضهم فقال لا بأس به ما لم يحل معناه حكاه الشافعي
وقال حذيفة إنا قوم عرب نورد الأحاديث فنقدم ونؤخر وقال ابن سيرين كنت أسمع الحديث من عشرة المعنى واحد واللفظ مختلف
وممن كان يروي بالمعنى من التابعين الحسن والشعبي والنخعي بل قال ابن الصلاح إنه الذي شهد به أحوال الصحابة والسلف الأولين فكيرا ما كانوا ينقلون معنى واحدا في أمر واحد بألفاظ مختلفة وما ذاك إلا لأن معولهم كان على المعنى دون اللفظ انتهى
ولانتشاره أجاب مالك من سأله لم لم تكتب عن الناس وقد أدركتهم متوافرين بقوله لا أكتب إلا عن رجل يعرف ما يخرج من رأسه وكذا تخصيصه ترك الأخذ عمن له فضل وصلاح إذا كان لا يعرف ما يحدث به بكونه كان قبل أن تدون الكتب والحديث في الصدور لأنه يخشى أن يخلط فيما يحدث به فيه إشارة كما قال شيخنا إلى أنهم كانوا يحدثون على (2/242)
المعاني وإلا فلو حفظه لفظا لما أنكره ومن ثم اشترط الشافعي ومن تبعه فيمن لم يتقيد بلفظ المحدث كونه عاقلا لما يحيل معناه كما تقرر في معرفة من تقبل روايته
قال الماوردي والروياني وشركه أن يكون متساويا له في الجلاء والخفاء وإلا فيمتنع كقوله صلى الله عليه و سلم لا طلاق في إغلاق فلا يجوز التعبير عنه بالإكراه للعلماء ثم جعلا محل الخلاف في غير الأوامر والنواهي وجزما بالجواز فيهما ومثلا الأمر بقوله اقتلوا الأسودين الحية والعقرب فيجوز أن يقال أمر بقتلهم والنهي بقوله لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا سواء بسواء فيجوز أن يقال نهى عن كذا وكذا لأن أفعل أمر ولا تفعل نهى ونازعهما الإسنوي بأن لفظ افعل للوجوب ولا تفعل للتحريم بخلاف لفظ الأمر ولفظ النهي وفيه نظر إذ فعل ولا تفعل حقيقة عبارة عنهما وكذا عليه كما قال الخطيب المبالغة في التوقي والتحري خوفا من إحالة المعنى الذي يتغير به الحكم وقيل لا تجوز له الرواية بالمعنى مطلقا قاله طائفة من المحدثين والفقهاء والأصوليين من الشافعية وغيرهم قال القرطبي وهو الصحيح من مذهب مالك حتى إن بعض من ذهب لهذا شدد فيه أكثر التشديد فلم يجز تقديم كلمة على كلمة ولا حرف على آخر ولا إبدال حرف بآخر ولا زيادة حرف ولا حذفه فضلا عن أكثر ولا تخفيف ثقيل ولا تثقيل خفيف ولا رفع منصوب ولا نصب مجرور أو مرفوع ولو لم يتغير المعنى في ذلك كله بل اقتصر بعضهم على اللفظ ولو خالف اللغة الفصيحة
وكذا لو كان لحنا كما يبين تفصيل هذا كله الخطيب في الكفاية مما سيأتي بعضه في كل من الفصل الذي بعده والسادس والعاشر قريبا لما فيه من خوف الدخول في الوعيد عزى للنبي صلى الله عليه و سلم لفظا لم يقله ولكونه صلى الله عليه و سلم قد (2/243)
أوتي جوامع الكلم واختصر له الكلام اختصارا وغيره ولو كان في الفصاحة والبلاغة بأقصى غاية ليس مثله بل قد يظن توفية اللفظ بمعنى اللفظ الآخر ولا يكون كذلك في نفس الأمر كما عهد في كثير من الأحاديث
وأيضا فالاتفاق حاصل على ورود الشرع بأشياء قصد فيها الإتيان باللفظ والمعنى جميعا نحو التكبير والتشهد والأذان والشهادة وإذا كان كذلك أمكن أن يكون المطلوب بالحديث لفظه ومعناه جميعا لا سيما قد ثبت قوله صلى الله عليه و سلم نصر الله أمرا سمع منا حديثا فأداه كما سمعه ورده صلى الله عليه و سلم على الذي علمه ما لقوله عند أخذ مضجعه إذ قال ورسولك بقوله لا ونبيك قال ابن كثير وكان ينبغي أن يكون هذا المذهب هو الواقع ولكن لم يتفق ذلك انتهى
وممن اعتمده مسلم فإنه في صحيحه يميز اختلاف الرواة حتى في حرف من المتن وربما كان بعضه لا يتغير به معنى وربما كان في بعضه اختلاف في المعنى ولكنه خفاء لا يتفطن له إلا من هو في العلم بمكان بخلاف البخاري وكذا سلكه أبو داود وسبقهما لذلك شيخهما أحمد
ومن أمثلته عنده حدثنا يزيد بن هارون وعباد بن عباد المهلبي قالا أنبأنا هشام قال عباد بن زياد عن أبيه عن فاطمة ابنة الحسين عن أبيها الحسين بن علي مرفوعا ما من مسلم يصاب بمصيبة وإن طال عهدها قال عباد وإن قدم عهدها وربما نشأ عن نسبة ما يزيده بعض الرواة من الأنساب إثبات راو لا وجود له كما سأذكره في سابع الفصول
وقيل لا يجوز في الخبر يعني حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم خاصة لما تقدم ويجوز في غيره قاله مالك فيما رواه عنه البيهقي والخطيب وغيرهما
وقيل لا يجوز إن كان موجبه عملا كتحليلها التسليم وتحريمها التكبير (2/244)
وخمس تقتلن في الحل والحرم وإن كان موجبه علما جاز بل وفي العمل أيضا ما يجوز بالمعنى نقله ابن السمعاني
وقيل لا يجوز لغير الصحابة خاصة لظهور الخلل في اللسان بالنسبة لمن قبلهم بخلاف الصحابة فهم أرباب اللسان وأعلم الخلق بالكلام حكاه الماوردي والروياني في باب القضاء بل جزما بأنه لا يجوز لغير الصحابي وجعلا الخلاف في الصحابي دون غيره
وقيل لا يجوز لغير الصحابة والتابعين بخلاف من كان منهم وبه جزم بعض معاصري الخطيب وهو حفيد القاضي أبي بكر في أدب الرواية قال لأن الحديث إذا قيده الإسناد وجب أن لا يختلف لفظه فيدخله الكذب
وقيل لا يجوز بمن يحفظ اللفظ لزوال العلة التي رخص فيه بسببها ويجوز لغيره لأنه تحمل اللفظ والمعنى عجز عن أحدهما فلزمه أداء الآخر لأنه بتركه يكون كاتما للأحكام قاله الماوردي في الحاوي ذهب إليه
وقيل لا يجوز في الرواية والتبليغ خاصة بخلاف الإفتاء والمناظرة قاله ابن حزم في كتاب الأحكام وقيل لا يجوز بغير اللفظ المرادف له بخلافه به مع اختلاف الأصوليين في مسألة قيل إن النزاع في مسألتنا يتفرع عن النزاع فيها وحي جواز إقامة كل من المترادفين مقام الآخر على ثلاثة أقوال ثالثها التفصيل فإن كان من لغته جاز وإلا فلا
وقيل لا يجوز في المعنى الغامض دون الظاهر أشار إليه الخطيب
والمعتمد الأول وهو الذى استقر عليه العمل والحجة فيه أن في ضبط الألفاظ والجمود عليها ما لا يخفى من الحرج والنصب المؤدي إلى تعطيل الانتفاع بكثير من الأحاديث حتى قال الحسن لولا المعنى ما حدثنا وقال الثوري لو أدرنا أن نحدثكم بالحديث كما سمعناه ما حدثناكم بحرف واحد
وقال وكيع إن لم يكن المعنى واسعا فقد هلك الناس (2/245)
وأيضا فقد قال الشافعي وإذا كان الله عز و جل برأفته بخلقه أنزل كتابه على سبعة أحرف معرفة منه بأن الحفظ قد يزل لتحل لهم قراءته وإن اختلف لفظهم فيه ما لم يكن في اختلافهم إحالة معنى كان ما سوى كتاب الله أولى أن يجوز فيه اختلاف اللفظ ما لم يحل معناه وتتبعه بنحوه يحيى بن سعيد القطان فإنه قال القرآن أعظم من الحديث ورخص أن تقرأه على سبعة أحرف وكذا قال أبو أويس سألنا الزهري عن التقديم والتأخير في الحديث فقال إن هذا يجوز في القرآن فكيف به في الحديث إذا أصبت معنى الحديث فلم تحل به حراما ولم تحرم به حلالا فلا بأس به
بل قال مكحول وأبو الأزهر دخلنا على واثلة رضي الله عنه فقلنا له حدثنا بحديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه و سلم ليس فيه وهم ولا تزيد ولا نسيان فقال هل قرأ أحد منكم من القرآن شيئا فقلنا نعم وما نحن له بحافظين جدا إنا لنزيد الواو والألف وننقص قال فهذا القرآن مكتوب بين أظهركم لا تألونه حفظا وأنتم تزعمون أنكم تزيدون فيه وتنقصون منه فكيف بأحاديث سمعناها من رسول الله صلى الله عليه و سلم وعسى أي لا نكون سمعناها إلا مرة واحدة حسبكم إذا حدثناكم بالحديث على المعنى
واحتج حماد بن سلمة بأن الله تعالى أخبر عن موسى عليه السلام وعدوه فرعون بألفاظ مختلفة في معنى واحد كقوله بشهاب حبس ويقبس أو جذوة من النار وكذلك قصص سائر الأنبياء عليهم السلام في القرآن وقولهم لقومهم بألسنتهم المختلفة وإنما نقل إلينا ذلك بالمعنى وقد قال أبي بن كعب كما أخرجه أبو داود كان رسول الله تعالى صلى الله عليه و سلم يوتر بسبح اسم ربك وقل للذين كفروا والله الواحد الصمد فسمى السورتين الأخيرتين بالمعنى
ومن أقوى الحجج كما قال شيخنا ما حكى فيه الخطيب اتفاق الأمة من (2/246)
جواز شرح الشريعة للعجم بلسانهم للعارف به فإذا جاز الإبدال بلغة أخرى فجوازه باللغة العربية أولى وأشار إليه ابن الحاجب واستأنسوا للجواز بحديث مرفوع قلنا يا رسول الله إنا نسمع منك الحديث فلا نقدر أن نؤديه فقال إذا لم تحلوا حراما ولم تحرموا حلالا وأصبتم المعنى فلا بأس وهو حديث مضطرب لا يصح بل ذكره الجوزقاني وابن الجوزي في الموضوعات وفي ذلك نظر وكذا استأنسوا له بما يروى عن أبي إمامة رضي الله عنه مرفوعا من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده بين عيني جهنم قال فشق فلك على أصحابه حتى عرف في وجوههم وقالوا يا رسول الله قلت هذا ونحن نسمع منك الحديث فنزيد وننقص ونقدم ونؤخر فقال لم أعن ذلك ولكن من كذب علي يريد عيني وشين الإسلام
وقد قال الحاكم أنه أيضا حديث باطل وفي إسناده محمد بن الفضل بن عطية اتفقوا على تكذيبه بل قال صالح جزرة إنه كان يضع الحديث لكن له طريق أخرى رواه أحمد بن منيع في مسنده والخطيب في كفايته معا من طريق خالد بن دريك عن رجل من الصحابة أتم منه وبه تعلق بعض الوضاعين كما أشرت إليه هناك
ثم إن ما استدل به المخالف يدفعه القطع بنقل أحاديث كما تقدم قريبا في وقائع متحدة بألفاظ مختلفة من غير إنكار من أحد بحيث كان إجماعا والقصد قطعا من إيراد اللفظ إنما هو المعنى وهو حاصل وإن كان لفظ الشارع أبلغ وأوجز ويكفي في كونه معناه غلبة الظن وإلحاق حديث الرسول بألفاظ الأذان والتشهد ونحوهما من التوقيفات لا دليل له كما قاله الخطيب وحديث نظر الله ربما يتمسك به للجواز لكونه مع ما قيل إنه صلى الله عليه و سلم لم يحدث به سوى مرة واحدة
روى بألفاظ مختلفة كرحم الله ومن سمع ومقالتي وبلغه (2/247)
وافقه ولا فقه له مكان نضر الله وأمروا ومنا حديثا وأداه وأوعى وليس بفقيه
لا سيما وفيه ما يرشد إلى الفرق بين العارف وغيره بقوله فرب مبلغ أوعى من سامع ورب حامل فقه وليس بفقيه إلى من هو أفقه منه وأما حديث لا ونبيك ففي الاستدلال به نظر لأنه وإن تحقق بالقطع أن المعنى في اللفظين متحد لأن الذات المحدث عنها واحدة فالمراد يفهم بأي صفة وصف بها الموصوف فيحتمل أن المنع لكون ألفاظ الأذكار كما سيأتي في الفصل الثاني عشر توقيفية ولها خصائص وأسرار لا يدخلها القياس فيجب المحافظة على اللفظ الذي وردت به وبالجملة فيستحب له أن يورد الأحاديث بألفاظها كما قاله الحسن وغيره لأن ذلك أسلم وأفضل كما قاله ابن سيرين وغيره
ولذا كان ابن مهدي فيما حكاه عند الإمام أحمد يتوقى كثيرا ويجب أن يحدث بالألفاظ هذا كله فيمن تحمل من غير التصانيف وإلا فـ الشيخ ابن الصلاح لم يجر الخلاف ولا علم أن غيره أجراه في التصنيف المدون بل قطعا فيه قد حظر بالمهملة ثم المعجمة أي منع تغيير اللفظ الذي اشتمل عليه وإثبات لفظ آخر بدله بمعناه لكون المشقة في ضبط الألفاظ والجمود عليها التي هي معول الترخيص منتفية في الكتب المدونة يعني كما هو أحد الأقوال في القسم الأول المحكي فيه المنع لحافظ اللفظ وأيضا فهو إن ملك تغيير اللفظ فليس يملك تغير تصنيف غيره
وهذا قد يؤخذ منه اختصاص المنع بما إذا روينا التصنيف نفسه أو نسخناه أما إذا نقلنا منه إلى تخاريجنا أو أجزائنا فلا إذ التصنيف حينئذ لم يتغير وهو مالك لتغيير اللفظ أشار إليه ابن دقيق العيد وأقره شيخنا وهو ظاهر (2/248)
وإن نازع المؤلف فيه وحينئذ فهو كما قال ابن دقيق العيد لا يجري على الاصطلاح فإن الاصطلاح على أن لا تغير الألفاظ بعد الانتهاء إلى الكتب المصنفة سواء روينافيها أو نقلنا منها ووافقه المؤلف في كونه الاصطلاح لكن ميل شيخنا إلى الجواز إذا قرن بما يدل عليه كقوله بنحوه ويشهد له تسوية ابن أبي الدم كما تقدم في رابع التنبيهات التالية لثاني أقسام التحمل بين القسمين لا سيما وقد قاله ابن الصلاح في القسم الأول
وليقل الراوي عقب إيراده للحديث بمعنى أي بالمعنى لفظ أو كما قال فقد كان أنس رضي الله عنه كما عند الخطيب في الباب المعهود لمن أجاز الرواية بالمعنى لقولها عقب الحديث ونحوه من الألفاظ كقوله أو نحو هذا أو شبهه أو شكله فقد روى الخطيب أيضا عن ابن مسعود أنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم أرعد أو رعدت ثيابه وقال أو شبه ذا أو نحو ذا وعن أبي الدرداء أنه كان إذا فرغ من الحديث عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال هذا أو نحو هذا أو شكله
ورواها كلها الدارقطني في مسنده بنحوها ولفظه في ابن مسعود وقال أو مثله أو نحوه أو شبيه به وفي لفظ آخر لغيره أن عمرو بن ميمون سمع يوما ابن مسعود يحدث عن النبي صلى الله عليه و سلم وقد علاه كرب وجعل العرق ينحدر منه عن جبينه وهو يقول إما فوق ذلك وإما دون ذلك وإما قريب من ذلك وهذا كشك من المحدث أو القاريء أبهما عليه الأمر به فإنه يحسن أن يقول أو كما قال بل أورد أبو داود من حديث العباس عن أبي سلام عن أبي أمامة عن عمرو وفي آخره قال العباس هكذا أخبرنا سلام عن أبي أمامة إلا أن أخطئ فاستغفر الله وأتوب إليه قال ابن الصلاح وهو أي قوله كما قال في الشك والصواب في مثله لأن قوله أو كما قال يتضمن إجازة من الراوي وإذنا في رواية الصواب عنه إذا بان ثم لا يشترط إفراد ذلك (2/249)
بلفظ الإجازة لما قررناه معنى في الفصل الثاني
قال الخطيب الصحابة أصحاب اللسان وأعلم الأمة بمعاني الكلام ولم يكونوا يقولون إلا تخوفا من الزلل لمعرفتهم بما في الرواية على المعنى من الخطر انتهى إدراجه رحمة الله لهم في المجيزين إن كان بمجرد صنيعهم هذا ففيه نظر وكذا قال البلقيني مع أنه قد بالغ أنه فهم من بعض من لا يصح فهمه (2/250)
الفصل الرابع الاقتصار في الرواية على بعض الحديث
( وحذف بعض المتن فامنع أو أجز ... أو إن أتم أو لعالم ومـــز )
( ذا بالصحيح إن يكن ما اختصره ... منفصلا عن الذي قد ذكره )
( وما لذي من تهمة أن يفعلــه ... فإن أبي فجاز أن لا يكملـه )
( أما إذا قطع في الأبـــواب ... فهو إلى الجواز ذو اقتــراب )
وربما غيره عنه بالاختصار مجاز أو تفريق الحديث الواحد على الأبواب وحذف بالنصب مفعول مقدم بعض المتن أي الحديث مما لا تعلق له بالمثبت فامنع إن كان لغير شك مطلقا سواء تقدمت روايته له تاما أم لا كان عرافا بما يحصل به الخلل في ذلك أم لا بناء كما قال ابن الصلاح ومن تبعه وإن توقف فيه البدر بن جماعة على منع الرواية بالمعنى مطلقا لأن رواية الحديث على النقصان والحذف لبعض متنه يقطع الخبر ويغيره عن وجهه وربما حصل الخلل والمختصر لا يشعر
قال عنبسة قلت لابن المبارك علمت أن حماد بن سلمة كان يريد أن تختصر الحديث فينقلب معناه قال فقال لي أو فظننت له وقال أبو عاصم النبيل إنهم يخطئون فحمست المادة لذلك هذا الإمام أبو حاتم بن (2/251)
حبان وناهيك به قد ترجم في صحيحه إيجاب دخول النار لمن أسمع أهل الكتاب ما يكرهون وساق فيه حديث أبي موسى الأشعري بلفظ من سمع يهوديا أو نصرانيا دخل النار وتبعه غيره فاستدل به على تحريم غيبة الذمي وكل هذا خطأ فلفظ الحديث من سمع بي من أمتي أو يهودي أو نصراني فلم يؤمن بي دخل النار وكذا ترجم المحب الطبري في أحكامه الوليمة على الأخوة وسياق حديث أنس قدم عبد الرحمن بن عوف فآخي النبي صلى الله عليه و سلم بينه وبين سعد بن الربيع لكون البخاري أورده في بعض الأماكن من صحيحه باختصار قصة التزويج مقتصرا على الإخاء والأمر بالوليمة ففهم منه أن الوليمة للأخوة وليس كذلك والحديث قد أورده البخاري تاما في أماكن كثيرة وليست الوليمة فيه إلا للنكاح جزما
وحكي عن الخليل بن أحمد واحتج له بقوله صلى الله عليه و سلم فلغه كما سمعه وعن مالك فيما رواه عنه يعقوب بن شيبة أنه كان لا يرى أن يختصر الحديث إذا كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يعني دون غيره كما صرح به أشهب إذ قال سألت مالكا عن الأحاديث يقدم فيها ويؤخر والمعنى واحد قال أما ما كان منها من قول رسول الله صلى الله عليه و سلم فإني أكره ذلك وأكره أن يزاد فيها وينقص منها وما كان من قول غير رسول الله صلى الله عليه و سلم فلا أرى بذلك بأسا إذا كان المعنى واحدا بل كان عبد الملك بن عمير وغيره لا يستجيزون أن يحذف منه حرف واحد فإن كان لشك فهو كما قال ابن كثير وتبعه البلقيني وغيره سائغ كان مالك يفعله كثيرا تورعا بل كان يقطع إسناد الحديث إذا شك هو كما قال في وصله
ونقل أيضا عن ابن علية نعم إن تعلق بالمثبت كقول داود بن الحصين في حديث الرخصة في العرايا في خمسة أو سق أو دون خمسة أوسق فلا أو هو القول الثاني أجز ذلك مطلقا احتاج إلى تغيير لا يخل بالمعنى أم لا تقدمت روايته له قاما أم لا لما سيجيء قريبا وبه قال مجاهد حيث قال (2/252)
أنقص من الحديث ما شئت ولا تزذ فيه ونحوه قول ابن معين إذا خفت أن تخطيء في الحديث فانقص منه ولا تزد ونسبه عياض لمسلم والموجود عنه ما سيأتي أو وهو القول الثالث التفصيل فأجزه إن أتم بضم أوله مبنيا للمفعول إيراده منه أو من غيره مرة بحيث أمن بذلك من تفويت حكم أو سنه أو نحو ذلك وإلا فلا وإن جازت كما قال ابن الصلاح ومن تبعه الرواية بالمعنى أو وهو القول الرابع تفصيل آخر فأجزه كما ذهب إليه الجمهور إن وقع لعالم عارف وإلا فلا ومز أي ميز ذا القول عن سائرها فصفه بالصحيح إن يكن ما اختصره بالحذف من المتن منفصلا عن القدر الذي قد ذكره منه غير متعلق به بحيث لا يختل البيان ولا يختلف الدلالة فيما نقله بترك ما حذفه كالاستثناء مثل قوله لا يباع الذهب بالذهب إلا سواء بسواء والغاية مثل قوله لا يباع النخل حتى تزهى والشرط ونحوها
قال صاحب المستصفى من جوزه شرط عدم تلعق المذكور بالمتروك تعلقا بغير معناه أما إذا تعلق به كشرط العبادة أو ركنها فنقل البعض تحريف وتلبيس
قال الخطيب ولا فرق أن يكون ذلك تركا لنقل العبادة كنقل أفعال الصلاة أو تركا لنقل فرض آخر هو شرط في صحة العبادة كترك نقل وجوب الطهارة ونحوها قال وعلى هذا الوجه يحمل قول من قال لا يحل الاختصار انتهى
ومن الأمثلة لبعض هذا مما ذكره إمام الحرمين حديث ابن مسعود أتيت النبي صلى الله عليه و سلم بحجرين وروثه يستنجي بها فألقى الروثة وقال إنها رجس ابغ لي ثالثا فلا يجوز الاقتصار على ما عدا قوله ابغ لي ثالثا وإن كان لا يخل برمي الروثة وأنها رجس لإبهامه الاكتفاء بحجرين لكن فرق الإمام في مثل هذا بين أن يقصد الراوي الاحتجاج به لمنع استعمال الروث فيسوغ حينئذ أو لم يقصد غرضا خاصا فلا ثم إن ما ذهب إليه الجمهور لا ينازع فيه من لم يجز (2/253)
النقل بالمعنى لأن الذى نقله والذي حذفه والحالة هذه بمنزلة خبرين منفصلين في أمرين لا تعلق لأحدهما بالآخر وإليه الإشارة بقول مسلم في مقدمة صحيحه إنه لا يكرر إلا أن يأتي موضع لا يستغنى فيه عن ترداد حديث فيه زيادة معنى أو إسناد يقع إلى جنب إسناد لعله يكون هناك لأن المعنى الزائد في الحديث المحتاج إليه يقوم مقام حديث تام فلا بد من إعادة الحديث الذي فيه ما وصفنا من الزيادة أو يفصل ذلك المعنى من جملة حديث على اختصاره إذا أمكن ولكن تفصيله ربما عشر من جملته فأعادته بهيئته إذا ضاق ذلك أسلم فأما ما وجدتا بدا من إعادته بجملته من غير حاجة منا إليه فلا نتولى فعله والقصد أن في قوله إذا أمكن وكذا في قوله ولكن تفصيله إلى آخره الإشارة إلى ما ذهب إليه الجمهور وأنه لا يفصل إلا ما لا ارتباط له بالباقي حتى أنه لو شك في الارتباط أو عدمه تعين ذكره بتمامه وهيئته ليكون أسلم مخالفة من الخطأ والزلل قاله النووي وسواء في الجواز المعارف بشرطه رواه هو أو غيره تاما أم لا قبل واو بعد لكن محل تسويغ روايته أيضا ناقصا إذا كان رفيع المنزلة في الضبط والإتقان والثقة بحيث لا يظن به زيادة ما لم يسمعه أو نسيان ما سمعه لقلة ضبطه وكثرة غلطه وإلا فما لذي بكسر اللام وذال معجمة أي صاحب خوف من تطرق تهمة إليه بذلك أن يفعله بل واجب عليه أن ينفي هذه الظنة عن نفسه كما صرح به الخطيب وغيره
وكذا قال الغزالي في المستصفى بعد اشتراطه في الجواز روايته مرة بتمامه إن شرطه أن لا يتطرق إليه سوء الظن بالتهمة فإن علم أنه يتهم باضطراب النقل وجب الاحتراز عنه فإن خالف وأبى إلا أن يرويه ناقصا فجاز بهذا العذر كما صرح به سليم الرازي أن لا يكلمه بعد ذلك ويكتم الزيادة وتوقف فيه العز بن جماعة لأن المفسدة المترتبة على الكتم وتضييع الحكم أشد من الاتهام وما يتعلق به وأشد المفسدين بترك (2/254)
بارتكاب الأخف إذا تعين طريقا خصوصا والزيادة غير قادحة وأخص منه إذا قلنا إنها مقبولة وكيف يكون ذلك عذرا في شيء تحمله عن النبي صلى الله عليه و سلم إلا أن تحمل العذر على أنه عذر في التأخير لا الإهمال
ويتطرق إلى هذا أيضا الكلام في وقت الحاجة باعتبار التأخير عنها نعم قيد ابن الصلاح المنع بمن تعين عليه أداء تمامه لا يجوز له أن ير ويه ابتداء ناقصا لأنه بذلك يعرض الزائد لإخراجه عن حيز الاستشهاد به أو المتابعة ونحوها
ومن الأدلة لهذا القول ما احتج به عبد الغني بن سعيد الحافظ لمطلق الجواز وهو أنه صلى الله عليه و سلم قال ليلة بآية يرددها حتى أصبح وصلى صلاة ابتدأ فيها بسورة حتى إذا بلغ ذكر موسى وعيسى أخذته سعلة فركع وإذا كان سيد الخلق قد فعل هذا في سيد الحديث وهو القرآن ففضل بعضه من بعض كان غيره بذلك أولى
ولكنا نقول على تقدير تسليم الاستدلال به العلة في جوازه في القرآن وهي حفظه في الصدور موجودة والحالة هذه حيث أمنا الإلباس من حذف الباقي ونحوه أنه صلى الله عليه و سلم قال لبلال رضي الله عنه قد سمعتك يا بلال وأنت تقرأ من هذه السورة ومن هذه السورة قال كلام قد يجمعه الله تعالى بعضه إلى بعض فصوبه النبي صلى الله عليه و سلم رواه أبو داود وغيره
وكذا من أدلة الجواز فيما قيل قوله صلى الله عليه و سلم نضر الله من سمع مقالتي فلم يزد فيها إذا لو لم يجز النقص لذكره كما ذكر الزيادة وأيضا فعمدة الرواية في التجويز هو الصدق وعمدتها في التحريم هو الكذب وفي ما ذكرناه الصدق حاصل فلا وجه للمنع قاله ابن الدقيق العيد قال فإن احتاج ذلك إلى تعبير لا يخل بالمعنى فهو خارج على جواز الرواية بالمعنى وكل ما تقدم في الاقتصار (2/255)
على بعض الحديث في الرواية أما إذا قطع المتن الواحد المشتمل على عدة أحكام كحديث جابر الطويل في الحج ونحوه في الأبواب المتفرقة بأن يورد كل قطعة منه في الباب المعقود لها فهو كما قال ابن الصلاح ومن تابعه يعني إذا تجرد عن العوارض المتقدمة بأسرها إلى الجواز بخلاف من ذو اقتراب ومن المنع ذو ابتعاد وصرح الرشيد العطار بالخلاف فيه وأن المنع ظاهر صنيع مسلم فإنه لكونه لم يقصد ما قصده البخاري من استنباط الأحكام يورد الحديث بتمامه من غير تقطيع له ولا اختصار إذا لم يقل فيه مثل حديث فلان أو نحوه
ولكن قال النووي إنه يبعد طرد الخلاف فيه وقد فعله من الأئمة أحمد والبخاري وأبو داود والنسائي وغيرهم قديما وحديثا ونسب أيضا للإمام مالك مع تصريحه كما تقدم بالمنع منه في حديث الرسول إلا أن يفرق بين الرواية والتأليف وكذا حكى الخلال عن أحمد أنه ينبغي أن لا يفعل ونحوه ونحو قول ابن الصلاح إنه لا يخلو من كراهة يعني فإنه إخراج للحديث المروي عن الكيفية المخصوصة التي أورد عليها لكن قد نازعه النووي فقال ما أظن غيره يوافقه على ذلك بل بالغ الحافظ عبد الغني بن سعيد وكاد أن يجعله مستحبا
قلت لا سيما إذا كان المعنى المستنبط من تلك القطعة يدق فإن إيراده والحالة هذه بتمامه تقتضي مزيد تعب في استخلاصه وبخلاف الاقتصار على محل الاستشهاد ففيه تخفيف والتحقيق كما أشار إليه ابن دقيق العيد في شرح الإلمام التفصيل فإن قطع بأنه لا يخل المحذوف بالباقي فلا كراهة وإن نزل عن هذه المرتبة ترتيب الكراهة بحسب مراتبه في ظهور ارتباط بعضه ببعض وخفاية (2/256)
الفصل الخامس
التسميع من الشيخ لقراءة اللحان والمصحف والحث على الأخذ من أفواه الشيوخ
( وليحذر اللحان والمصحفـــا ... على حديثه بأن يحرفـــا )
( فيدخلا في قوله من كذبـــا ... فحق النحو على من طلبــا )
( والأخذ من أفواههم لا الكتب ... أدفع للتصحيف فاسمع وادأب )
وليحذر الشيخ الطالب اللحان بصيغة المبالغة أي الكثير اللحن في ألفاظ النبوة وكذا ليحذر المصحفا فيها وفي أسماء الرواة ولو كان لا يلحن على حديثه بأن يحرفا أي خوف التحريف في حركاته أو ضبطه من كل من اللحن والمصحف منهما في الحال والمآل فيدخلا أي الشيخ وكذا الطالب من باب أولى في جملة قوله صلى الله عليه و سلم من كذبا علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار لأنه صلى الله عليه و سلم لم يكن يلحن
قال النضر بن شميل جاءت هذه الأحاديث عن الأصل معربة ويتأكد الوعيد مع اختلال المعنى في اللحن والتصحيف وإلى الدخول أشار الأصمعي فقال أبو داود السجزي سمعت الأصمعي يقول إن أخوف ما (2/257)
أخاف على طالب العلم إذا لم يعرف النحو أن يدخل في جملة قوله صلى الله عليه و سلم من كذب علي لأنه لم يكن يلحن فهما رويت عنه ولحنت فيه فقد كذبت عليه
وعن سلم بن قتيبة قال كنت عند ابن هبيرة الأكبر فجرى ذكر قراءة الجريتة فقال والله ما استوى رجلان دينهما واحد وحسبهما واحد ومروتهما واحدة أحدهما يلحن والآخر لا يلحن لأن أفضلهما في الدنيا والآخرة الذي لا يلحن فقلت أصلح الله أمير هذا أفضل في الدنيا لفضل فصاحته وعربيته أرأيت الآخرة ما باله أفضل فيما قال أن يقرأ كتاب الله على ما أنزله الله وإن الذي يلحن يحمله لحنه على أن يدخل فيه ما ليس منه ويخرج ما هو فيه فقلت صدق الأمير وبر
وعن أبي أسامة حماد بن سلمة أنه قال لإنسان إن لحنت في حديثي فقد كذبت علي فإني لا ألحن وصدق رحمه الله فإنه كان مقدما في ذلك بحيث أن سيبويه شكى إلى الخليل بن أحمد أنه سأله عن حديث هشام بن عروة عن أبيه في رجل رعف يعني بضم العين على لغة ضعيفة فانتهزه وقال له أخطأت إنما هو رعف يعني بفتحها فقال له الخليل صدق أتلقى بهذا الكلام أبا أسامة وهو بما ذكر في سبب تعلم سيبويه العربية ويقال إن هذه اللفظة أيضا كانت سببا لتعلم ثابت البناني أحد التابعين من شيوخ حماد هذا لها
كما روينا في العلم للموهبي عن محمد بن زياد قال سألت ثابت البناني الحسن البصري فقال يا أبا سعيد ما تقول في رعف فقال وما رعف أتعجز أن تقول رعف فاستحيي ثابت وطلب العربية حتى قيل له من أنهماكه فيها ثابت العربي وكذا كان سبب اشتغال أبي زيد النحوي به لفظه فإنه دخل على جعفر بن سليمان فقال له أدنه فقال أنا دني فقال يا بني لا تقل أنا دني ولكن قل أنا دان وألحق بعض المتأخرين في الدخول في الوعيد قراءة الحديث بالألحان والترجيع الباعث على إشباع الحرف (2/258)
المكسب اللفظ سماجة وركاكة فيسد الفصحاء صلى الله عليه و سلم بريء من ذلك
ويروى عن عمر رضي الله عنه قال لشخص كان يطرب في أذانه إني أبغضك في الله وللخوف من الوعيد
قال ابن الصلاح فحق النحو يعني الذي حقيقته علم بأصول مستنبطة من اللسان العربي وضعت حين اختلاط العجم ونحوهم بالعرب واضطراب العربية بسبب ذلك يعرف بها أحوال الكلمة العربية إفرادا وتركيبا وكذا اللغة التي هي العلم بالألفاظ الموضوعة للمعاني ليتوصل بها إليها تكلما
على منن طلبا الحديث وأن يتعلم من كل منهما ما يتخلص به عن شين اللحن والتحريف وظاهره الوجوب وبه صرح العز بن عبد السلام حيث قال في أواخر القواعد البدعة خمسة أقسام فالواجبة كالاشتغال بالنحو الذي نقيم به كلام الله تعالى ورسوله صلى الله عليه و سلم لأن حفظ الشريعة واجب لا يتأتى إلا بذلك فيكون من مقدمة الواجب ولذا قال الشعبي النحو في العلم كالملح في الطعام لا يستغني شيء عنه ثم قال العز وكذا من البدع الواجبة شرح الغريب وتدوين أصول الفقه والتوصل إلى تمييز الصحيح والسقيم يعني بذلك علم الحديث ثم ذكر المحرمة والمندوبة والمباحة قال وقد يكون بعض ذلك يعني ما ذكر من المباحة مكروها أو خلاف الأولى
وكذا صرح غيره بالوجوب أيضا لكن لا يجب التوغل فيه بل يكفيه تحصيل مقدمة مشيرة لمقاصده بحيث يفهمها ويميز بها حركات الألفاظ وإعرابها لئلا يلتبس فاعل بمفعول أو خبر بأمر أو نحو ذلك وإن كان الخطيب قال في جامعه إنه ينبغي للمحدث أن يتقي اللحن في روايته ولن يقدر على ذلك إلا بعد دربة النحو ومطالعته علم العربية ثم ساق عن الإمام أحمد أنه قال ليس يتقي من لا يدري ما يتقي
وممن أشار لذلك شيخنا فقال وأقل ما يكفي من يريد قراءة الحديث أن يعرف من العربية أن لا يلحن ويستأنس له بما رويناه أنهم كانوا يؤمرون أو (2/259)
قال القائل كنا نؤمر أن يتعلم القرآن ثم السنة ثم الفرائض ثم العربية الحروف الثلاثة وفسرها بالجر والرفع والنصب وذلك لأن التوغل فيه قد يعطل عليه إدراك هذا الفن الذي صرح أئمته بأنه لا يعلق إلا بمن قصر نفسه عليه ولم يضم غيره إليه
وقد قال أبو أحمد بن فارس في جزء ذم الغيبة له إن غابة علم النحو وعلم ما يحتاج إليه منه أن يقرأ فلا يلحن ويكتب فلا يلحن فأما ما عدا ذلك فمشغلة عن العلم وعن كل خير وناهيك بهذا من مثله
وقال أبو العيناء لمحمد بن يحيى الصولي النحو في العلوم كالملح في القدر إذا أكثرت منه صار القدر زعاقا وعن الشافعي قال إنما العلم علمان علم للدين وعلم للدنيا فالذي للدين الفقه والآخر الطب وما سوى ذلك من الشعر والنحو فهو عناء وتعب رويناه في جزء بن حمكان وعلى ذلك الحمل حال من وصف من الأئمة باللحن كإسماعيل بن أبي خالد الأحمسي وعون بن أبي جميلة وأبي داود الطيالسي وهشيم ووكيع والدراوردي
وقرأ عبد الله بن أحمد بن موسى عبدان حال تحديثه وابن سريج يسمع من دعى فلم يجب بفتح التحتانية فقال له ابن سريج أرأيت أن تقول يجب يعني بضمها فأبى أن يقول وعجب من صواب ابن سريج كما تجب ابن سريج من خطائه في آخرين ممن لا أطيل بإيراد إخبارهم لا سيما وقد شرعت في جزء في ذل وإليهم أشار السلفي لما اجتمع بأبي حفص عمر بن يوسف بن محمد ابن الحذاء القيسي الصقلي بالثغر والتمس منه السماع وتعلل بأمور عمدته فيها التحرز من الوقوع في الكذب لأنه لم يتقدم له قراءة في العربية بقوله وقد كان في الرواة على هذا الوضع قوم واحتج برواياتهم في الصحاح ولا يجوز تخطيئتهم وتطخيئة من أخذ عنهم وسبقه النسائي فقال فيما رواه الخطيب في الكفاية من طريقة إنه لا يعاب اللحن على المحدثين
وقد كان إسماعيل بن أبي خالد يلحن وسفيان وذكر ثالثا ثم قال (2/260)
وغيرهم من المحدثين
وقال السلفي أيضا في ترجمة محمد بن عبد عبيد الله بن محمد عبيد الله بن دكاش الخنبلي إنه كان قارئ بغداد والمستملي بها على الشيوخ وهو في نفسه ثقة كثير السماع ولم يكن له أنس بالعربية وكان يلحن لحن أصحاب الحديث
وقال ابن ماكولا أخبرني أبو القاسم بن ميمون الصدقي أنبأنا عبد الغني الحافظ قال قرأت على القاضي أبي الطاهر محمد بن أحمد بن عبد الله بن نصر الذهلي كتاب العلم ليوسف القاضي فلما فرغت قلت له قرأته عليك كما قرأته أنت قال نعم إلا اللحنة بعد اللحنة فقلت له أيها القاضي أفسمعته أنت معربا قال لا قلت هذه بهذه وقمت من ليلتي فجلست عند ابن اليتيم النحوي
وقال أبو بكر الحداد والفقيه قرأت على أبي عبيد علي بن الحسين بن حرب المعروف بابن حربوية جزءا من حديث يوسف بن موسى فلما قرأت قلت قرأت كما قرأت عليك قال نعم إلا الإعراب فإنه تعرب وما كان يوسف يعرف وفي اللفظ البرقاني وعنه رواه الخطيب في الكفاية من طريق عبد الملك بن عبد الحميد ابن ميمون بن مهران قال سألت أحمد بن حنبل عن اللحن في الحديث وعين إذا لم يغير المعنى فقال لا بأس به
وأما ما ورد من الذم الشديد لمن طلب الحديث ولم يبصر العربية كقول شعبة إن مثله كمثل رجل عليه برنس وليس له رأس وقول حماد بن سلمة إنه كمثل الحمار عليه مخلاة لا شعير فيها الذي نظمه جعفر السراج شيخ السلفي في قوله مثل الطالب الحديث ولا يحسن نحوا ولا له آلات كحمار عمل أصلا على أن رب شخص يزعم معرفته بذلك وهو إن قرأ لحنه النحاة وخطأه لتصحيفه الرواة فهو كما قيل (2/261)
( هو في الفقه فاضل لا يجاري ... وأديب من جملة الأدباء )
( لا إلى هؤلاء إن طلبــوا ... وجدوه ولا إلى هـؤلاء )
وقد كان لعمرو بن عون الواسطي مستملي يلحن كثيرا فقال أخروه وتقدم إلى وراق كان ينظر في الأدب والشعر أن يقرأ عليه فكان لكونه لا يعرف شيئا من الحديث يصحف في الرواة كثيرا فقال عمرو رددنا إلى الأول فإنه وإن كان يلحن فليس يمسخ ونحو هذا الصنيع ترجح شيخنا من عرف مشكل الأسماء والمتون دون العربية على من عرف العربية فقط
والأخذ للأسماء والألفاظ من أفواههم أي العلماء بذلك الضابطين له ممن أخذه أيضا عمن تقدم من شيوخه وهلم جرا لا من بطون الكتب والصحف من غير تدريب المشايخ أدفع للتصحيف وأسلم من التبديل والتحريف فاسمع أيها الطالب ما أقوله لك وآداب أي حد في تلقيه عن المتقين وقد روينا عن سليمان بن موسى أنه قال كان يقال لا تأخذوا القرآن من مصحفي ولا العلم من صحفي
وقال ثور بن يزيد لا يفتي الناس صحفي ولا يقرئهم مصحفي وقد استدل بعضهم بقول عمران لما حدث بحديث عن النبي صلى الله عليه و سلم وقال له بشير بن كعب إن في الحكمة كذا أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه و سلم وتحدثني عن الصحف لذلك وروينا في مسند الدارمي عن الأوزاعي أنه قال ما زال هذا العلم في الرجال حتى وقع في الصحف فوقع عند غير أهله
إذا علم هذا فاللحن كما قال صاحب المقاييس بسكون الحاء إمالة الكلام عن جهته الصحيحة في العربية يقال لحن لحنا قال وهو عندنا من الكلام المراد لأن اللحن محدث لم يكن في العرب العارية واللحن بالتحريك (2/262)
الفطنة يقال لحن لحمت فهو لحن ولاحن وفي الحديث لعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض وذكر الخطابي مثله وقال يقال في الفطنة لحن بكسر الحاء يلحن بفتحها وفي الزيغ عن الإعراب لحن بفتح الحاء (2/263)
الفصل السادس إصلاح اللحن والخطأ
( وإن أتى في الأصل لحن أو خطأ ... فقيل يروي كيف جاء غلطا )
( ومذهب المحصلين يصلـــح ... ويقرأ الصواب وهو الأرجح )
( في اللحن لا يختلف المعنى بـه ... وصوبوا الإبقاء مع تضبيبـه )
( ويذكر الصواب جانبا كـذا ... عن أكثر الشيوخ نقلا أخـذا )
( والبدو بالصواب أولى وأشـد ... وأصلح الإصلاح من متن ورد )
( فليأت في الأصل بما لا يكثـر ... كابن وحرف حيث لا يغيـر )
( والسقط يدري أن من فوق أتى ... به يزاد بعد يعني متبـــتا )
( وصححوا استدراك ما درس في ... كتابه من غيره أن يعــرف )
( صحته من بعض متن أو سنـد ... كما إذا ثبته من يعتمـــد )
( وحسنوا البيهان كالمستشكـل ... كلمته في أصله فليســأل )
إصلاح اللحن والخطأ
الواقعين في الرواية والاختلاف فيه وهي من فروع الذي قبله واغتفار (2/264)
اللحن اليسير الذي علم سهو الكاتب في حذفه وكتابه ما درس من كتابه من نسخة أخرى ونحو ذلك وإن أتى في الأصل أو ما يقوم مقامه لحن في الإعراب أو خطأ من تحريف وتصحيف فقد اختلف في روايته على الصواب وإصلاحه فقيل إنه يروى كيف يعني كما جاء اللفظ بلحنه أو خطئه حال كونه غلطا ولا يتعرض له بإصلاح وهو محكي عن غير واحد كرجاء بن حيوة والقاسم ين محمد وابن سيرين فقد روينا عنهم أنهم كانوا أصحاب أحروف يعني يحكون ألفاظ شيوخهم حتى في اللحن وكذا كان أبو معمر وعبد الله بن سخبرة يلحن افتقاء لما سمع وأبي نافع مولى ابن عمر إلا أن يلحن كما سمع وهؤلاء كلهم من التابعين وعن آخرين مثله لكن مع بيان أنه لحن
قال زياد بن خيثمة عقب رواية حديث الشفاعة بلفظ أترونها للمتقين لا ولكنها للمتلونين الخطاؤون إما إنها لحن ولكن هكذا حدثنا الذي حدثنا رويناه في مسند ابن عمر من مسند أحمد ونحوه كما سيأتي قريبا
قال ابن الصلاح وهذا غلو في مذهب إتباع اللفظ والمنع من الرواية بالمعنى لأنهم كما قلا الخطيب في جامعه يرون إتباع اللفظ واجبا وقيل وهو اختيار العز بن عبد السلام كما حكاه عنه صاحبه ابن دقيق العيد في الاقتراح إنه يترك روايته إياه عن ذاك الشيخ مطلقا لأنه إن تبعه فيه فالنبي صلى الله عليه و سلم لم يكن يلحن وإن رواه عنه على الصواب فهو لم يسمعه منه كذلك وكذا حكاه ابن كثر لكنه أبهم قائله
قال المصنف ولم أر ذلك لغير العز واستحسنه بعض المتأخرين وقاسه غيره على إذا ما وكله في بيع فاسد فإنه لا يستفيد الفاسد لأن الشرع لم يأذن فيه ولا الصحيح لأن المالك لم يأذن فيه (2/265)
و قيل كما ذهب إليه همام وابن المبارك وابن عيينة والنضر بن شميل وأبو عبيد وعفان وابن المديني وابن راهويه والحسن بن علي الحلواني والحسن بن محمد الزعفراني وغيرهم ممن سأحكيه عنهم وغيرهم وصوبه من المتأخرين ابن كثير بل هو كما صرح به الخطيب في جامعه مذهب المحصلين والعلماء من المتحدثين أنه يصلح فيغير ويقرأ الصواب من أول وهلة قال الأوزاعي أعربوا الحديث فإن القوم كانوا عربا
وعنه أيضا لا بأس بإصلاح اللحن في الحديث وممن حكى ذلك عنه الشعبي وعطاء والقاسم بن محمد وأبو جعفر محمد بن علي بن الحسين حيث سئلوا عن الرجل يحدث بالحديث فيلحن أيرويه السامع له كذلك أم يعربه فقالوا بل يعربه ذكره ابن أبي خيثمة في كتاب الإعراب له
وعن الأعمش قال إن النبي صلى الله عليه و سلم لم يلحن فقوموه وروينا في جزء عبد الله بن أحمد الخرقي عن علي بن الحسن قال قلت لابن المبارك يكون في الحديث لحن نقومه قال نعم القوم لم يكونوا يلحنون اللحن منا وعن عباس الدوري أنه قيل لابن معين ما تقول في الرجل يقوم للرجل حديثه يعني ينزع منه اللحن فقال لا بأس به وقال أبو داود كان أحمد بن صالح يقوم كل لحن في الحديث قال الخطيب وهذا إجماع منهم على أن إصلاح اللحن جائز
وقال في الجامع إن الذي نذهب إليه رواية الحديث على الصواب وترك اللحن فيه وإن كان قد سمع ملحونا لأن من اللحن ما يحيل الأحكام ويصير الحرام حلالا والحلال حراما فلا يلزم اتباع السماع فيما هذه سبيله ومقتضاه أنه لا فرق في ذلك بين المغير للمعنى وغيره وهو أي الإصلاح الأرجح في اللحن الذي لا يختلف المعنى به وفي أمثاله أما الذي يختلف المعنى به فيصلح عند المحصلين جزما قال عبد الله بن أحمد (2/266)
ما زال القلم في يد أبي حتى مات وكان يقول إذا لم ينصرف الشيء في معنى فلا بأس أن يصلح أو كما قال
واحتج ابن المغير لهذا المذهب بقوله صلى الله عليه و سلم في حديث نضر الله قرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه يعني لما فيه من الإشارة إلى عدم تقليد الراوي في كل ما يجيء به وكذا واحتج له ابن فارس بقوله في الحديث المشار إليه فبلغها كما سمع لكون المراد به كما سمع من صحة المعنى واستقامته من غير زيادة ولا نقص
وقد قال بعضهم كما روينا في جامع الخطيب إذا كتب اللحن وعن اللحان آخر مثله وعن الثاني ثالث مثله صار الحديث بالفارسية ونحوه ما قيل في ترك المقابلة كما تقم قال ابن الصلاح والقول به أي بالرواية على الصواب مع الاصطلاح لازم على مذهب الأكثرين في تجويز الرواية بالمعنى فقوله لازم يحتمل الوجوب لأنه إذا جاز التغيير في صواب اللفظ فلا يمتنع أن يجب في خطئه ولكن الظاهر أنه إنما أراد مجرد إلزامهم القول به لكونه آكد لا سيما وقد صرح الخطيب بالجواز فقال وقد أجاز بعض العلماء أن لا يذكر الخطأ الحاصل في الكتاب إذا كان متيقنا بل يروى على الصواب بل كلامهم في الكفاية قد يشير إلى الاتفاق عليها فإنه قال إذا كان اللحن يحيل المعنى فلا بد من تغييره وكثيرا من الرواة يحرفون الكلام عن وجه ويزيلون الخطاب عن موضعه وليس يلزم من أخذ عمن هذه سبيله أن يحكى لفظه إذا عرف وجه الصواب وخاصة إذا كان الحديث معروفا ولفظ العربية به ظاهرا معلوما ألا ترى أن المحدث لو قال لا يؤم المسافر المقيم بنصب المسافر ورفع المقيم كان قد أحال المعنى فلا يلزم اتباع لفظه
ونحوه قول عبد الله بن أحمد كان إذا مر بأي لحن فاحش غيره وإن كان سهلا تركه
وقال كذا قال الشيخ وكذا يشبه أن يكون محل الخلاف فيما لم يكن (2/267)
مجمعا على الخطأ فيه إما بالاستقراء التام للسان العرب أو بوضوح الأمر فيه
وقد صرح ابن حزم في الأحكام له فيما يكون كذلك بالتحريم فإنه قال إن الواقع في الرواية إن كان لا وجه له في الكلام البتة حرم عليه تأديته ملحونا لتيقننا أنه صلى الله عليه و سلم لم يلحن قط وإن جاز ولو على لغة بعض العرب أداه كما سمعه ونحوه قول أبي عمران الفسوي فيما حكاه عنه القابسي إن كان مما لا يوجد في كلام أحد من العرب قريء على الصواب وأصلح لأنه صلى الله عليه و سلم لم يكن يلحن وإن كان مما يقوله بعض للعرب ولم يكن في لغة قريش فلا لأنه صلى الله عليه و سلم كان يكلم الناس بلغتهم يعني كقوله على لغة الأشعريين في قلب اللام ميما ليس من أم برا أم صيام في أم سفر ومن ثم أشار أبو فارس إلى التروي في الحكم على الرواية بالخطأ والبحث الشديد فإن اللغة واسعة
بل قال ابن الصلاح إن كثيرا ما نرى ما يتوهمه كثير من أهل العلم خطأ وربما غيروه صوابا إذا وجه صحيح وإن خفي واستغرب لا سيما فيما يعدونه خطأ من جهة العربية وذلك لكثرة لغات العرب وتشعبها هذا أبو الوليد الواقشي مع تقدمه في اللغة وكثرة مطالعته وافتنانه وثقوب فهمه وحدة ذهنه كان يبادر إلى الإصلاح ثم يتبين الصواب فيما كان في الرواية كما قدمته في التصحيح والتمريض وكذلك غيره ممن سلك مسلكه لا سيما وقد قال أبو عبيد القاسم بن سلام لأهل العربية لغة ولأهل الحديث لغة ولغة أهل العربية أقيس ولا نجد بدا من إتباع لغة أهل الحديث من أجل السماع
وروى بعض أهل الحديث في المنام وكأنه قد مر من شفته أو لسانه شيء فقيل له في ذلك فقال لفظة من حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم غيرتها برأيي ففعل بي هذا
ولذا كله صوبوا أي أكثر الأشياخ الإبقاء لما في الكتاب وتقريره (2/268)
على الوجه الذي وقع فيه حتى إنهم سلكوه في أحرف من القرآن جاءت على خلاف ما في التلاوة المجمع عليها بحيث لم يقرأ بها في الشواذ فضلا عن غيرها كما وقع في الصحيحين و الموطأ وغيرها كل ذلك مع تضبيبه أي اللفظ الذي جاءت به الرواية من العارف منهم بالعلامة المنبهة على خلله في الجملة ويذكر مع ذلك ما ظهر أنه الصواب جانبا أي بجانب اللفظ المختل من هامش الكتاب كذا عن أكثر الشيوخ حال كونه نقلا لعياض عنهم أخذا مما استقر عليه عملهم
وحكاه ابن فارس أيضا عن شيخه أبي الحسن علي بن إبراهيم القطان راوي سنن ابن ماجه عنه فقال إنه كان يكتب الحديث على ما سمته لحنا ويكتب على حاشية كتابه كذا قال يعني الذي حدثه به والصواب كذا
قال ابن فارس وهذا أحسن ما سمعت في هذا الباب ونحوه قول الميانشي صوب بعض المشايخ هذا وأنا أستحسنه وبه آخذ وأشار ابن الصلاح إلى أنه أبقى للمصلحة وأنفى للمفسدة يعني لما فيه من الجمع بين الأمرين ونفي التسويد عن الكتاب أن لو وجد له وجه حيث تجعل الضبة تصحيحا
كما تقدم في بابه قال والأول سد باب التغيير والإصلاح لئلا يجسر على ذلك من لا يسحن وهو أسلم مع التبيين فيذكر ذلك عند السماع كما وقع ثم يذكر وجه صوابه إما من جهة العربية وإما من جهة الرواية وممن فعله أبو عبيد القاسم بن سلام حيث أدى كما سمع وبين أن الصواب كذا
وصرح الخطيب بوجوب ذلك حيث قال في الكفاية إن الواجب الرواية على ما حمل من خطأ وتصحيف ثم بيان صوابه (2/269)
وقال ابن الصلاح والبدو بقراءة الصواب أولا ثم التنبيه على ما وقع في الرواية بأن يقال مثلا وقع عند شيخنا أو في روايتنا أو من طريق فلان كذا لو كذا أولى من الأول الذي ابتدأ فيه بالخطأ تبعا للرواية وأسد بالمهملة أي أقوم كيلا يتقول على رسول الله صلى الله عليه و سلم وأصلح الإصلاح أن يكون ما يصلح به ذاك الفاسد مأخوذا من متن آخر ورد من غير تلك الطريق فضلا عنها لأنه بذلك آمن من أن يكون متقولا على رسول الله صلى الله عليه و سلم كما أن خير ما يفسر به غريب الحديث ما جاء في رواية أخرى كما سيأتي في محله
هذا كله في الخطأ الناشيء عن اللحن والتصحيف و أما الناشيء عمن سقط خفيف فليأت في الأصل ونحوه رواية وإلحاقا بما لا يكثر مما هو معروف عند الواقف من المحدثين عليه كابن من مثل حدثنا حجاج عن ابن جريج وإلى في الكنية ونحوهما إذا غلب على ظنه أنه من الكتاب فقط لا من شيخه وكحرف حيث لا يغير إسقاطه المعنى فإن مثل هذا كله لا بأس بروايته و إلحاقه من غير تنبيه على سقوطه كما نص عليه الإمام أحمد حيث قال له أبو داود صاحب السنن وجدت في كتابي حجاج عن جريج عن أبي الزبير يجوز لي أن أصلحه ابن جريج فقال أرجو أن يكون هذا لا بأس به وسأله ابنه عبد الله عن الرجل يسمع الحديث فيسقط من كتابه الحرف مثل الألف واللام ونحو ذلك أيصلحه فقال لا بأس به أن يصلحه ونحوه أنه قيل لمالك أرأيت حديث النبي صلى الله عليه و سلم يزاد فيه الواو والألف والمعنى واحد فقال أرجو أن يكون خفيفا
وعن أبي الحسن بن المنادى قال كان جدي لا يرى بإصلاح الغلط الذي لا يشك في غلطه بأسا
وحدث أبو جعفر الدقيقي بحديث عن شعبة عن قزعة وقال كذا في كتابي والصحيح عن أبي قزعة (2/270)
وكذا إذا كان السقط أي الساقط المثل ما تقدم مما يكون معروفا يعلم أنه من الشيخ فالحكم فيه كذلك كما وقع لأبي نعيم الفضل بن دكين إلا أنبه عليه فإنه روى عن شيخ له حديثا قال فيه عن بحينة وقال أبو نعيم إنما هو عن ابن بحينة ولكنه كذا قال أو لأكثر مما منـ يدري أن من فوق بضم آخره من الرواة أتى به فإنه يزاد أيضا في الأصل لكن بعد لفظ يعني حال كونه لها مثبتا فقد فعله الخطيب إذ روى حديث عائشة كان صلى الله عليه و سلم يدني إلي رأسه فأرجله عن أبي عمر بن مهدي عن المحاملي بسنده إلى عروة عن عمرة فقال يعني عن عائشة
ونبه عقبة على أن ذكر عائشة لم يكن في أصل شيخه مع ثبوته عند المحاملي وأنه لكونه لا بد منه من أجل أنه محفوظ عن عمرة عنها مع استحالة كون عمرة صحابية ألحقه ولكن ألكون شيخه لم يقله له زاد يعني اقتدى بشيوخه فقد رأى غير واحد منهم فعله في مثله بل قال وكيع أنا أستعين في الحديث بيعني ومنبع كل منهم وكذا أبو نعيم والدقيقي في البيان حسن
ولذا قال ابن الصلاح وإن كان الإصلاح بالزيادة يشتمل على معنى مغاير لما وقع في الأصل تأكد فيه الحكم بأنه يذكره ما في الأصل مقرونا بالتنبيه على ما سقط من معرة الخطأ ومن أن يقول على شيخه ما لم يقل وهو أيضا مقتضى قول ابن دقيق العيد فيما إذا سقط من كتابه الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه و سلم كما أسلفته في كتابة الحديث وضبطه
وكذا صححوا أي أهل الحديث استدراك ما درس في كتابة بتقطيع أو بلل أو نحوهما من كتاب آخر غيره أن يعرف المستدرك صحته أي ذاك الكتاب بأن يكون صاحبه ثقة ممن أخذه عن شيخه أو نحو (2/271)
ذلك بحيث تسكن نفسه إلى أن ذلك هو الساقط من كتابه فقد فعله نعيم بن حماد وغيره لكن قيده الخطيب ومن تبعه بما إذا كان الساقط من بعض متن أو بعض سند بل ولو كان أكثر اتحد الطريق في المروي ولم يتنوع المرويات بناء على الاكتفاء بذلك في المقابلة والرواية كما تقرر في محله وامتنع أبو محمد بن مايسي من مطلق الاستدراك فإنه احترقت بعض كتبه وأكلت النار بعض حواشيها ووجد نسخا منها فلم ير أن يستدرك المحترق منها
قال الخطيب واستدراك مثل هذا عندي جائز يعني بشرطه المتقدم كما يجوز فيما إذا شك الراوي في شيء و ثبته فيه من يعتمد عليه ثقة وضبطا من حفظه أو كتابه أو أخذه هو من كتابه حسبما فعله عاصم وأبو عوانة ويزيد ابن هارون وأحمد وابن معين وغيرهم إذ لا فرق وحسنوا عنهما البيان كما صرح به الخطيب في الأولى وحكاه في الثانية عن يزيد بن هارون فإنه قال أنبأنا عاصم وثبتني فيه شعبة وعن ابن عيينة فإنه قال حدثنا الزهري وثبتني فيه معمر وممن فعله ابن خزيمة
وقال البخاري في باب تعديل النساء بعضهن بعضا حدثنا أبو الربيع سليمان بن داود وأفهمني بعضه أحمد بن يونس حدثنا فليح وساق الحديث واختلف هل أحمد رفيق أبي الربيع في الرواية عن فليح ويكون البخاري حمله عنهما جميعا على الكيفية المذكورة أو رفيق البخاري في الرواية عن أبي الربيع ولكن لسنا بصدد بيانه هنا
في باب تشبيك الأصابع في المسجد قبيل المساجد التي على طرق المدينة من صحيح البخاري أيضا من حديث عاصم بن علي حدثنا عاصم بن محمد هو ابن زيد ابن عبد الله بن عمر بن الخطاب قال سمعت هذا الحدي من أبي فلم أحفظه فقومه لي واقد يعني أخاه عن أبيه هو محمد بن زيد قال سمعت أبي هو زيد بن عبد الله بن عمر وهو يقول قال عبد (2/272)
الله يعني أباه قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لعبد الله بن عمر وكيف بك إذا بقيت في حثالة من الناس
وفي باب قول الله ( واجتنبوا قول الزور ) من الأدب أورد حديثا عن أحمد بن يونس عن ابن أبي ذئب ثم قال في آخره قال أحمد أفهمني رجل إسناده وأخرج أبو داود الحديث المشار إليه عن أحمد بن يونس لكنه عكس فقال في آخره قال أحمد فهمت إسناده من ابن أبي ذئب فأفهمني الحديث رجل إلى جنبه أراه ابن أخيه وهكذا أخرجه الإسماعيلي عن إبراهيم بن شريك عن أحمد ابن يونس قال شيخنا فيحمل على أن ابن يونس حدث به على الوجهين
وفي باب قوموا إلى سيدكم من الاستئذان ساق حديثا عن أبي الوليد ثم قال في آخره أفهمني بعض أصحابي عن أبي الوليد ونحوه هذا قول ابن عمر بعد قوله ويزعمون أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال ويهل أهل اليمن من يلملم لم أفقه هذه من رسول الله صلى الله عليه و سلم وصار يروي هذه الجملة عن غيره مع كونه سمعها لكن لم يفقهها
وفي البخاري أيضا في أواخر الأحكام عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال سمعت النبي صلى الله عليه و سلم يقول يكون اثني عشر أميرا فقال كلمة لم أسمعها فقال أبي إنه قال كلهم من قريش وأخرجه أبو داود بلفظ لا يزال هذا الدين عزيزا إلى اثني عشر خليفة قال فكبر الناس وسبحوا فقال كلمة خفية في لفظ كلاما لم أفهمه فقلت لأبي يا أبة ما قال فذكره وأصله عند مسلم دون قوله فكبر الناس وسبحوا ووقع عند الطبراني من وجه آخر فالتفت فإذا أنا بعمر بن الخطاب وأبي في الناس فاثبتوا بي الحديث على أنه روى بدون (2/273)
بيان ولكن هذا أرجح وعن عقبة بن عامر وغيره من الصحابة كما أشار إليه ابن كثير نحوه
وروى الشافعي عن مالك رحمهما الله حديث مالك بن أوس بن الحدثان في الصرف بلفظ حتى يأتي خازني من الغابة أو قال جاريتي ثم قال إذا شككت وقد قرأته على مالك صحيحا لا شك فيه ثم طال على الزمان ولم أحفظ حفظا فشككت في جاريتي أو خازني وغيري يقول عنه خازني
وقد تقدم شيء مما نحن فيه في الفرع الخامس من الفروع الثالثة لثاني أقسام التحمل وهذا الفرع مما يفترق فيه الرواية مع الشهادة وإن استدل بعضهم لأصله بقوله تعالى ( فتذكر إحداهما الأخرى ) فإن بين ولم يعين من ثبته فلا بأس كما في بعض هذه الأمثلة وقد فعله أبو داود أيضا في سننه عقب حديث الحكم بن حزن الكلفي فقال ثبتني في شيء منه بعض أصحابنا
وكـ مسألة المستشكل كلمة من غريب العربية أو غيرها لكون وجدها في أصلة غير مقيدة فليسأل أي فلأجل ذلك يسأل عنها أهل العلم بها واحدا فأكثر وليروها على ما يخبر به وقد أمر أحمد بذلك فإنه سئل عن حرف فقال أسألوا عنه أصحاب الغريب فإني أكره أن أتكلم في قول النبي صلى الله عليه و سلم بالظن
وسيأتي في الغريب روى الخطيب في ذلك ع نه أن رجلا قال له يا أبا عبد الله الرجل يكتب الحرف من الحديث ما يدري أي شيء هو إلا أنه قد كتبه صحيحا أيريه إنسانا فيخبر به فقال لا بأس (2/274)
( إن الذي يروى ولكنه ... يجهل ما يروى وما يكتــب )
( كصخرة تنبع أمواهها ... تسقي الأراضي وهي لا تشرب )
وقد قال أبو عاصم النبيل الرياسة في الحديث بلا دراية رياسة تدله قال الخطيب هي اجتماع الطلبة على الراوي للسماع عند علو سنة يعني فإن سنده لا يعلو أو يقع الحاجة غالبا إليه إلا حين تقدمه في السن قال فإذا تميز الطالب بفهم الحديث ومعرفته تعجل بركة ذلك في شبيبته
قال ولو لم يكن في الاقتصار على سماع الحديث وتخليده الصحف دون التمييز بمعرفة صحيحه من فاسده والوقوف على اختلاف وجوهه والتصرف في أنواع علومه إلا تلقيب المعتزلة القدرية من سلك تلك الطريقة بالحشرية يعني بإسكان المعجمة وفتحها فالأول على أنهم من حشر الطلبة فلا ينتفع بهم والثاني على أنهم كانوا يحشون في حاشية حلقة الحسن البصري ليوجب على الطالب الأنفة لنفسه ورفع ذلك عنه وعن أبناء جنسه انتهى
ويروى كما لأبي نعيم في تاريخ أصبهان من حديث علي بن موسى عن أبيه عن جده عن آبائه مرفوعا كونوا دراة ولا تكونوا رواة حديث تعرفون فقهه خير من ألف تردونه وأخرجه أبو نعيم في الحلية عن ابن مسعود رفعه أيضا بلفظ كونوا للعلم رعاة وكذا أخرجه غيره عن ابن عباس ولله در الأديب الفاضل فارس بن الحسين حيث قال فيما رويناه من طريقه
( يا طالب العلم الذي ... ذهبت بمدته الرواية )
( كن في الرواية ذا العناية ... بالرواية والدراية )
( وارو القليل وراعه ... فالعلم ليس له نهاية ) (2/274)
وعن أبي حاتم سهل بن محمد السجستاني النحوي قال كان عفان يجيء إلى الأخفش وإلى أصحاب النحو فيعرض عليهم الحديث فيعربه فقال له الأخفش عليك بهذا يعني أبا حاتم قال أبو حاتم فكان عفان بعد ذلك يجيئني حتى عرض علي حديثا كثيرا وعن الأوزاعي أنه كان يعطي كتبه إذا كان فيها لحن لمن يصححها
وعن ابن المبارك قال إذا سمعتهم مني الحديث فأعرضوه على أصحاب العربية ثم احكموه
وعن ابن راهويه أنه كان إذا شك في الكلمة يقول أههنا فلان كيف هذه الكلمة
وسمع سعيد بن شيبان وكان عالما بالعربية ابن عيينة وهو يقول تعلق من ثمار الجنة بفتح اللام فقال له تعلق يعني بضمها من علق يعني بفتح اللام فرجع ابن عيينة إليه وسمع الأصمعي شعبة أو هو في مجلسه يقول فيسمعون جرس طير الجنة بالشين المعجمة فقال له الأصمعي جرس يعني بالمهملة فقال شعبة خذوها عنه فإنه أعلم بهذا منا
وسمع أبو محمد عبد الله بن محمد الباقي شيخ الشافعية أبا القاسم الداركي أحد أئمة الشافعية أيضا يقول في تدريسه إذا أذذت الحدود فلا شفعة فسأل عنها ابن جنى النحوي فلم يعرفها فسأل المعافي بن زكريا فقال أزفت يعني بالزاء والفاء المشددة والأزف المعالم يريد إذا ثبتت الحدود وعينت المعالم وميزت فلا شفعة
إذا علم هذا فمن أراد الاستثبات من غيره عن شيء عرض له فيه شك فلا يذكر له المحل المشكوك فيه ابتداء خوفا من أن يتشكك فيه أيضا بل يذكر له طرف ذاك الحديث فإنه غالبا أقرب في حصول الأدب (2/275)
الفصل السابع اختلاف ألفاظ الشيوخ
( وحيث أكثر من شيخ سمـع ... متنا بمعنى لا بلفظ فقنـــع )
( بلفظ واحد وسمى الكل صح ... عند مجيزي النقل معنى ورجح )
( بيانه مع قال أو مع قــالا ... وما ببعض ذا وذا وقـــالا )
( اقتربا في اللفظ أو لم يقــل ... صح لهم والكتب إن تقابـل )
( بأصل شيخ من شيوخه فهل ... يسمى الجميع مع بيانه احتمل )
اختلاف ألفاظ الشيوخ
في متن أو كتاب واقتصار من سمع منهم على بعضها وحيث كان الراوي من أكثر من شيخ اثنين فأكثر سمع متنا أي حديثا بمعنى واحد اتفقوا عليه لا بلفظ واحد بل هم مختلفون فقنع حين إيراده إياه بلفظ واحد منهم وسمى معه الكل حملا للفظهم على لفظه بأن يقول فيما يكون فيه اللفظ لأبي بكر بن أبي شيبة مثلا حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن مثنى ومحمد بن بشار قالوا حدثنا فلان صح ذلك (2/276)
عند مجيزي النقل معنى أي بالمعنى وهم الجمهور كما سلف في بابه سواء بين ذلك أم لا وهون فعله حماد بن سلمة فإنه قيل إنه كان يحمل ألفاظ جماعة يسمع منهم الحديث الواحد على لفظ أحدهم مع اختلافهم في لفظه ولكن رجح بيانه عندهم أي هو أحسن بأن يعين صاحب اللفظ الذي اقتصر عليه لقوله واللفظ لأبي بكر بن أبي شيبة ونحو ذلك للخروج من الخلاف فإن لم يعلم تمييز لفظ أحدهما عن الآخر فالراجح بيانه أيضا كما وقع في الحديث الذي عند أبي داود عن مسدد عن بشر بن المفضل حدثنا ابن عون عن القاسم بن محمد وإبراهيم زعم أنه سمع منها جميعا ولم يحفظ حديث هذا من حديث هذا ولا حديث هذا من حديث هذا قالا قالت أم المؤمنين يعني عائشة بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم بالهدى وذكر حديثا ونحوه قاله حدثنا مسدد وأبو كامل دخل حديث أحدهما في الآخر ثم هو في سلوكه البيان حيث ميز بالخيار بعد تعيين صاحب اللفظ بين أن يكون مع افراد قال أو مع قالا إن كان أخذه عن اثنين أو قالوا إن كانوا أكثر
وقد اشتدت عناية مسلم ببيان ذلك حتى في الحرف من المتن وصفة الراوي ونسبه وربما كما قدمته في الرواية بالمعنى كان بعضه لا يتغير به معنى وربما كان في بعضه تغير ولكنه خفي لا يتفطن له إلا من هو في العلوم بمكان
واستحسن له قوله ثنا أبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب جميعا عن ابن عيينة فقال أبو بكر حدثنا سفيان بن عيينة من أجل أن أعادته ثانيا ذكر أحدهما خاصة يشعر كما قال ابن الصلاح بأن اللفظ المذكور له ويتأيد بقوله في موضع آخر حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وابن نمير وزهير بن حرب جميعا عن حفص بن غياث قال ابن نمير حدثنا حفص عن (2/277)
محمد بن زيد عن عمير مولى أبي اللحم قال كنت مملوكا فسألت رسول الله صلى الله عليه و سلم أتصدق من مال موالى بشيء قال نعم والأجر بينكما نصفان فإن لفظ أبي بكر كما في مصنفه حفص بدون صيغة وساق سنده قال كنت عبدا مملوكا وكنت أتصدق فسألت النبي صلى الله عليه و سلم وكان مولاي ينهاني أو سأله فقال الأجر بينكما
ولفظ زهير كما عند أبي يعلى في مسنده عنه حدثنا حفص وثاق سنده قال كنت مملوكا وكنت أتصدق بلحم من لحم مولاي فسألت النبي صلى الله عليه و سلم فقال تصدق والأجر بينكما نصفان
وعن أبي يعلى أورد ابن حبان في صحيحه أخبرنا نحصر كون اللفظ لمن أعاده ثانيا في أمثلة لذلك لا نطيل بها وربما لا يصرح برواية الجميع عن شيخهم كقوله حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم قال أبو بكر حدثنا يحيى بن آدم حدثنا حسن بن عياش وربما بكون الإعادة لأجل الصيغة حيث يكون بعضهم بالعنعنة وبعضهم بالتحديث أو الإخبار وعليه فتارة يكون اللفظ متفقا وتارة مختلفا
وكثيرا ما ينبه أبو داود وغيره على التوافق في المعنى في الجملة من غير تعيين صاحب اللفظ كقوله حدثنا ابن حنبل وعثمان بن أبي شيبة ومسدد المعنى وربما قال المعنى واحد كقوله حدثنا أحمد بن حنبل ويحيى بن معين والمعنى واحد وهي أوضح فربما يتوهم غير المميز كونه المعنى بكسر النون نسبة لمعن ويتأكد حديث لم يقرن مع الراوي غيره
وقد يكون في حديث أحد الراويين أتقن كقول أبي داود حدثنا أبو الوليد الطيالسي وهدية بن خالد وأنا لحديثه أتقن
وممن سبق مسلما لنحو صنيعه شيخه الإمام أحمد فهو حريص على (2/278)
تمييز الألفاظ في السند والمتن
وقد ينشأ عن بعضه لمن لم يتدبر إثبات راو لا وجود له ومنه قول أحمد حدثنا يزيد بن هارون وعباد بن عباد المهلبي قالا أنبأنا هشام قال عباد بن زياد حيث ظن بعض الحفاظ أن زيادا هو والد عباد وليس كذلك بل هو والد هشام اختص عباد بزيادته عن رفيقه يزيد ونحوه قوله أيضا حدثنا محمد بن جعفر وحجاج قالا حدثنا شعبة عن منصور عن ربعي بن حراش عن أبي الأبيض قال حجاج رجل من بني عامر عن أنس فذكر حديثا فليس قوله رجل من بني عامر وصفا لحجاج بل هو مقولة وصف به أبا الأبيض انفرد بوصفه له بذلك عن رفيقه وحجاج هو ابن محمد أحد شيخي أحمد فيه
وأمثلة ذلك كثيرة وإذا تقرر هذا فلا اختصاص للصحة حيث لم يبين بما يخص فيه الراوي واحد الجميع المتن بل يلتحق به ما يأتي فيه ببعض لفظ ذا أي أحد الشيخين وبعض لفظ ذا أي الآخر مما اتحد عندهما المعنى فيه سواء من الراوي لفظ أحدهما من الآخر أولا وسواء قالا أي الراوي لفظ اقتربا أي كل من الشيخين في اللفظ أو قال المعنى واحد وما أشبههما أو لم يقل شيئا منه فإنه أيضا قد صح لهم أي لمجيزي النقل بالمعنى الأحسن أيضا البيان لا سيما وقد عيب بتركه البخاري فيما قاله ابن الصلاح وحماد بن سلمة فيما قاله غيره حتى أن البخاري لم يخرج له في الأصول من صحيحه بل واقتصر مسلم فيها كما قاله الحاكم على خصوص روايته عن ثابت لكن قد ورد على من عاب البخاري به بأن ذلك بمجرده لا يوجب أسقاطا إذا كان فاعله يستجيز الرواية بالمعنى
هذا عبد الله بن وهب لم يتأخر البخاري ولا غيره من الأئمة عن التخريج له مع كونه ممن يفعله وإنما ترك الاحتجاج بجماد مع كونه أحد (2/279)
الأئمة الأثبات الموصوف بأنه من الأبدال لأنه قد ساء حفظه ولهذا فرق بين صنيعه وصنيع ابن وهب بأن ابن وهب أتقن لما يرويه وأحفظ
وبه يجاب عن البخاري على أن البخاري وإن كان لا يعرج على البيان ولا يلتفت إليه هو كما قال ابن كثير في الغالب وإلا فقد تعاطى البيان في بعض الأحايين كقوله في تفسير البقرة حدثنا يوسف بن راشد حدثنا جرير وأبو أسامة واللفظ لجرير فذكر حديثا وفي الصيد والذبائح حدثنا يوسف بن راشد أيضا أنبأنا وكيع ويزيد بن هارون واللفظ ليزيد ولكن ليس في هذا ما يقتضي الجزم بكونه من البخاري إذ يحتمل أن يكون ذلك من شيخه كما سيأتي في الفصل التاسع في مسألة أخرى
وربما يسلك مسلكا دقيقا يرمز فيه للبيان كقوله في الحج حدثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب هو الزهري عن عروة عن عائشة وحدثنا محمد بن مقاتل قال أخبرني عبد الله هو ابن المبارك أنبأنا محمد بن أبي حفصة عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت كانوا يصومون عاشوراء قبل أن لا يفرض رمضان وكان يوما تستر فيه الكعبة فلما فرض الله رمضان قال رسول الله صلى الله عليه و سلم من شاء أن يصومه فليضممه ومن شاء أن يتركه فليتركه فإن الظاهر أنه إنما عدل عن أن يقطع السند الأول عند الزهري ثم يقول بعد ابن أبي حفصة من الثاني كلاهما عن الزهري لكون اللفظ للثاني فقط ويتأيد بجزم الإسماعيلي بأن ستر الكعبة إنما هو عند ابن أبي حفصة خاصة دون عقيل وحينئذ فرواية عقيل لا تدخل في الباب الذي أوردها فيه وهو باب قول الله ( جعل الله الكعبة ) الآية ولذا قال الإسماعيلي إن عادة البخاري التجوز في مثل هذا وقول أبي داود في سننه حدثنا مسدد وأبو توبة المعنى قالا حدثنا (2/280)
أبو الأحوص يحتمل أن يكون المعنى يتعلق بحديثهما معا وحينئذ فيكون من باب وتقاربا في اللفظ ويحتمل أن يتعلق بأبي توبة فقط ويكون اللفظ للأول وحينئذ فهو من باب واللفظ لفلان قال البلقيني ويلزم على الأول أن لا يكون رواه بلفظ واحد منهما قال وهو بعيد وكذا إذا قال أنبأنا فلان وفلان وتقاربا في اللفظ لا انحصار له في أن روايته عن كل منهما بالمعنى وأن المأتي به لفظ ثالث غير لفظيهما والأحوال كلها آيلة في الغالب إلى أنه لا بد أن يسوق الحديث على لفظ مروي له برواية واحدة والباقي بمعناه انتهى وتبعه الزركشي وفيه نظر
كما أشار إليه العز ابن جماعة فيجوز أن يكون ملفقا منهما إذ من فروع هذا القسم كما سيأتي في الفصل الثالث عشر ما إذا سمع من كل شيخ قطعة من متن فأورده عن جميعهم بدون تمييز والكتب المصنفة كالموطأ و البخاري المسموعة عند الراوي من شيخين فأكثر وهو القسم الثاني إن تقابل بأصل شيخ خاصة من شيوخه أو شيخه دون من عداه فهل له أن يسمى عند روايته لذلك الكتاب الجميع مع بيانه أن اللفظ لفلان الذي قابل بأصله
قال ابن الصلاح احتمل الجواز كالأول لأن ما أورده قد سمعه بنصه ممن ذكر أنه بلفظه واحتمل عدمه لأنه لا علم عنده بكيفية رواته من عداه حتى يخبر عنه بخلاف ما سبق فإنه اطلع فيه على موافقة المعنى وتوقف بعض المتأخرين في إطلاق الاحتمال وقال ينبغي أن يخص بما إذا لم يبين حيز الرواية الواقع أما إذا بين كما هو فرض المسألة فالأصل في الكتب عدم الاختلاف ولو فرض فهو يسير غالبا بخبره الإجازة هذا إذا لم يعلم الاختلاف فإن علمه فقد قال البدر ابن جماعة إن كان التفاوت في ألفاظ أو في لغات أو اختلاف ضبط جاز وإن كان في أحاديث مستقلة فلا (2/281)
الفصل الثامن الزيادة على الرواية في نسب الشيخ
( والشيخ إن يأت ببعض نسب ... من فوقه فلا تزد واجتنب )
( إلا بفضل نحو هو أو يعـني ... وجيء بأن وانسبن المعـنى )
( أما إذا الشيخ أتم النسبـا ... في أول الجزء فقط فذهبــا )
( الأكثرون لجواز أن يتم ... ما بعده والفصل أولى وأتــم )
حيث لم يقع فيها أصلا أو وقع لكن بأول المروي باقي أحاديثه والشيخ إن يأت في حديثه لك ببعض نسب من فوقه شيخه أو غيره كأن يقتصر على الاسم فقط أو مع اسم الأب أو على الأب فقط أو على الكنية أو نحو ذلك مما لا تتم المعرفة به لكل أو تتم فلا تزد أيها الراوي على ما حدثك به شيخك واجتنب إدراجه فيه إلا بفضل تمييز به الزائد نحو هو ابن فلان الفلاني أو يعني ابن فلان أو نحو ذلك
كما روى الخطيب عن أحمد أنه كان إذا جاء الرجل غير منسوب قال يعني ابن فلان وهو في الصحيحين وغيرهما كثيرا وجيء بأن بفتح الهمزة وتشديد النون وانسبن بنون التأكيد المشددة المعنى بالإشارة كما (2/282)
روى البرقاني في اللفظ له عن علي بن المديني قال إذا حدثك الرجل فقال حدثنا فلان ولم ينسبه وأحببت أن تنسبه فقل حدثنا فلان أن فلان ابن فلان الفلاني حدثه
وممن لا يستجيز إيراده إلا بهو أو معنى مسلم لكونه والحالة هذه إخبارا عن شيخه بما لم يخبره به وعلى كل حال فهما أولى من أن لأنه أقرب إلى الإشعار بحقيقة الحال وإن اصطلح المتأخرون على التصرف في أسماء الرواة وأنسابهم بالزيادة والنقص وبزيادة تعيين تاريخ السماع وللقاريء والمخرج ونحو ذلك ما لم يصلوا إلى المصنفين بل ربما لقبوا الراوي بما لا يسمح به الراوي عنه المضاف ذلك إليه كأن يقال أنبأنا ابن الصلاح قال أنبأنا العلامة الإمام أوحد الزمان فلان مع كون ابن الصلاح لو عرض عليه هذا في حق شيخه لأباه وهو توسع أشار ابن دقيق العيد إلى منعه
أما وهو القسم الثاني إذا الشيخ الذى حدثك أتم النسبا لشيخه أو من فوقه في أول الجزء أو الكتاب فقط واقتصر في باقيه على اسمه خاصة أو نسبه كما يقع في حديث المخلص حيث يقال في أول الجزء حدثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي ابن بنت أحمد بن منيع ثم يقتصر فيما بعده على حدثنا عبد الله فذهبا الأكثرون من العلماء كما حكاه الخطيب عنهم لجواز أن يتم ما بعده أي ما بعد الأول اعتمادا على ذكره كذلك أولا سواء فصل أم لا
والفرق بينه وبين ما قبله أن هناك لم يذكر المدرج أصلا فهو إدراج لشيء لم يسمعه فوجب الفصل فيه والفصل هنا أولى لما فيه من الإفصاح بصورة الحال وعدم الإدراج وأتم لجمعه بين الأمرين وقد صرح بالأولوية بعضهم كما نقله عنه الخطيب واستحسنه وخدش ما حكاه عن شيخه أبي بكر أحمد بن علي الأصبهاني نزيل نيسابور وأحد الحفاظ (2/283)
المجودين أهل الورع والدين حيث قال وسألته عن أحاديث كثيرة رواها لنا قال فيها أخبرنا أبو عمرو بن حمدان أن أبا يعلى أحمد ابن علي بن المثنى الموصلي أخبرهم وأنبأنا أبو بكر بن المقري أن إسحاق بن أحمد بن نافع حدثهم وأنبأنا أبو أحمد الحافظ أن أبا يوسف محمد بن سفيان الصفار أخبرهم فذكر لي أن هذه الأحاديث سمعها على شيوخه في جملة نسخ نسبوا الذين حدثوه بها في أولها واقتصروا في بقيتها على ذكر أسمائهم بأن قوما من الرواة كانوا يقولون فيما أجيز يعني لشيخوهم أنبأنا فلان أن فلانا حدثهم كما تقدم في كيف يقول من روى بالمناولة قبيل قسم المكاتبة مع حكاية من أنكر هذا الصنيع
وقال الخطيب فاستعمل ما ذكرت فإنه أبقى للظنة يعني في كونه إجازة وإن كان المعنى في العبارتين واحدا وحينئذ فأولاها كما قال ابن الصلاح هو ثم يعني ثم إن ثم إيراد ما ذكر أولا ومن منع الرواية بالمعنى لا يجيز الأخير (2/284)
الفصل التاسع الرواية من أثناء النسخ التي إسنادها واحد
( والنسخ التي بإسناد قــط ... تجديده في كل متن أحوط )
( والأغلب البدء ويذكــر ... ما بعده مع وبه الأكــثر )
( جوز أن يفرد بعضا بالسند ... لأخذ كذا والإفصاح أسـد )
( ومن يعيد سنده الكتاب مع ... آخره احتاط وخلفا ما رفع )
والنسخ والأجزاء التي متونها بإسناد واحد قط أي فقط كنسخة همام بن منيه عن أبي هريرة رواية عبد الرزاق عن معمر عنه ونسخة شعيب عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة ونسخه عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده تجديده أي الإسناد في كل متن منها أحوط كما يفعله بعض أهل الحديث ويوجد في كثير من الأصول القديمة بل أوبه بعض المتشددين ولكن الأغلب أي الأكثر من صنيعهم البدء وبه أي بالإسناد في أولها أو في أول كل مجلس من سماعها ويذكر ما بعده من الأحاديث مع قوله في أول كل حديث يلي الأول منها وبه أي وبالإسناد السابق أو السند ونحو ذلك والأكثر (2/285)
ومنهم وكيع وابن معين والإسماعيلي جوز أن يفرد بعضا من أحاديثها أي من أي مكان شاء بالسند المعطوف عليه لأخذ كذا أي جوز ذلك لمن سمعها كذلك
أما وكيع فإنه قيل له المحدث يقول في أول الكتاب حدثنا سفيان عن منصور ثم يقول فيما بعده وعن منصور فهل يقال في كل من ذلك حدثنا فلان عن سفيان عن منصور فقال نعم لا بأس به
وأما ابن معين فقال أحاديث همام لا بأس أن يقطعها وقال إذ قيل له إن ورقاء بن عمر كان يقول في أول حديثه عن ابن أبي نجيح عن مجاهد يعني ثم يعطف عليه فهل ترى بأسا أن يخرجها إنسان فيكتب في كل حديث ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد أنه لا بأس به
وأما الإسماعيلي فقال إنه تجوز إذ جعل إسناد واحد لعدة من المتون أن يجدد الإسناد لكل متن ومنع منه الأستاذ أبو إسحاق الإسفرائيني في الأسئلة التي سأله عنها الحافظ أبو سعد بن عليك وقال إنه لا يجوز أن يذكر الإسناد في كل حديث منها لمن سماعه على هذا الوصف وكذا منع بعض المحدثين ورآه تدليسا يعني من جهة إيهامه أنه كذلك سمع بتكرار السند وأنه كان مكررا تحقيقا لا حكما وتقديرا إلا أن يبين كيفية العمل
والمعتمد الجواز لأن المعطوف له حكم المعطوف عليه وهو بمثابة تقطيع المتن الواحد في أبواب بإسناده المذكور في أول المتن وقريب الشبه بالنقل من أثناء الكتب التي يقع إيراد السند بها في أول الكتاب أو المجلس
وكذا في آخره غالبا لأجل من تجدد من السامعين ويكتفي في كل حديث منها بقوله وبه حيث اتفقوا على جوازه بل لا فرق (2/286)
قال بعض المتأخرين وينبغي أن يحمل المنع عن النتربهى وما يخالف الأولى لا على التحتم إذ لا وجه للحمل على ذلك غلا أن يقال باب الرواية اتباع لا ابتداع وهو لم يرد على هذا الوجه من التفرقة فيكون ذلك من مبتدعاتها لا من اتباعاتها
والإفصاح بصورة الحال وإن جاز ما تقدم أسد بالمهملة أي أقوم وأحسن كما يفعله مسلم في صحيفة همام فإنه يقول بعد سياق إسناده إلى همام إنه قال هذا ما حدثنا أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم ما نصه فذكر أحاديث منها وقال رسول الله صلى الله عليه و سلم كذا ويسوق المتن الذي يروم إيراده ولم يعدل عن هذا فيما يورده من النسخة المذكورة
وأما البخاري فربما قدم أول حديث من الصحيفة وهو حديث نحن الآخرون السابقون ثم يعطف عليه الحديث الذي يريده والأول أوضح ولذا قل من اطلع على مقصد البخاري في ذلك حتى احتاج إلى التكلف بين مطابقة الحديث الأول للترجمة واستعمل قواه في ذلك لا سيما وهو لم يطرد عمله له في جميع ما يورده من هذه النسخة بل أورده منها في الطهارة وفي البيوع وفي النفقات والشهادات والصلح وقصة موسى والتفسير وخلق آدم والاستئذان وفي الجهاد في مواضع وفي الطلب واللباس وغيرها فلم يصدر شيئا من الأحاديث المذكورة بالحديث المشار إليه وإنما ذكره في بعض دون بعض وكأنه أراد أن يبين جواز كل من الأمرين على أنه يحتمل أن يكون ذلك من صنيع شيخ البخاري وهو إسحاق بن راهويه لكن قد فعله البخاري أحيانا في ترجمة شعيب أيضا ومن ذلك في باب لا تبولوا في الماء الراكد قال حدثنا أبو اليمان أنبأنا شعيب حدثنا أبو الزناد عن (2/287)
الأعرج حدثه أنه سمع أبا هريرة يقول أنه سمع رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول نحن الآخرون السابقون وبإسناده قال لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الحديث والظاهر أنهما اتفقا في ابتدائهما بهذا الحديث ويتأيد بأنه قل أن يوجد حديث في إحداهما إلا وهو في الأخرى وسبقهما إلى نحوه مالك فإنه أخرج في باب صلاة الصبح والعتمة من موطئه متونا بسند واحد رجل بغض شوك والشهداء ولو يعلمون ما في الصبح والعتمة لأتوهما ولو حبوا وليس غرضه منها إلا الأخير ولكنه أداها على الوجه الذي سمعها به وكذا وافق على مطلق البيان آخرون
ومن يعيد سند الكتاب أو الجزء المشتمل على هذه النسخة وما أشبهها مع آخره أي في آخر الكتاب فقد احتاط لما فيه من التأكيد وتضمن إجازة بالغة من أعلى أنواع الإجازات ولكن خلفا ما رفع أي لم يرفع بذلك الخلاف من أجل عدم اتصال السند بكل حديث منها بل الخلاف الماضي في إفراد كل حديث لم يزل بذلك (2/288)
الفصل العاشر تقديم المتن على السند
( وسبق متن لو ببعض سنــد ... لا يمنع الوصل ولا أن يبتدى )
( راو هكذا بسند فمتجـــه ... وقال خلف النقل معنى يتجه )
( في ذا كبعض المتن قدمته على ... بعض ففيه ذا الخلاف نقــلا )
تقديم المتن على السند
جميعه أو بعضه وسبق متن على جميع سنده كما جاء من ابن جريج قال نزلت ( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ) في عبد الله بن حذافة بن قيس بن عدي السهمي بعثه النبي صلى الله عليه و سلم في سرية أخبر فيه يعلى بن مسلم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس وعن الربيع ابن خثيم أنه قال من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد الحديث فقيل له من حدثك بهذا قال عمرو بن ميمون يعني عن عبد الرحمن ابن أبي ليلى عن أبي أيوب وكقول البخاري في أواخر العلم من (2/289)
صحيحه وقال علي حدثوا الناس بما يعرفون أتحبون أن يكذب الله ورسوله حدثنا به عبد الله ابن موسى عن معروف بن خربوذ عن أبي الطفيل عن علي جائزا ولو كان سبقه مقترنا ببعض سند سواء كان البعض السابق مما يلي الراوي كقول أحمد سمعت سفيان يقول إذا كفى الخادم أحدكم طعامه فليجلسه فليأكل معه الحديث وقريء عليه إسناده سمعت أبا الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم به وقوله أيضا حدثنا سفيان قال يا أيها الناس لا يقتل بعضكم بعضا إذا رميتم الجمرة فارموها بمثل حصى الخذف وقرئ عليه إسناده يزيد بن أبي زياد عن سليمان بن عمرو بن الأحوص عن أمه يعني عن النبي صلى الله عليه و سلم به
وحكى أحمد أن شريكا له لم يكن يحدث إلا هكذا كان يذكر الحديث فيقول فلان فيقال عمن فيقول عن فلان أو مما يلي المتن كأن يقول روى عن عمرو بن دينار عن جابر عن النبي صلى الله عليه و سلم كذا أخبرنا به فلان ويسوق سنده إلى عمرو وسواء كان ذلك في مجلس واحد أو مجلسين كما حكى مالك قال كنا نجلس إلى الزهري فيقول قال ابن عمر كذا ثم نجلس إليه بعد ذلك فأقول له الذي ذكرت عن ابن عمر من أخبرك به قال ابنه سالم وممن صرح بجواز ذلك أحمد بل وفعله كما تقدم وعن سعيد بن عامر أنه لا بأس به
ولا يمنع السبق في ذلك الوصل بل يحكم بانتقاله كما إذا قدم السند على المتن وكذا لا يمنع أن يبتدي راو وتحمل من شيخه هكذا المتن بسند ويؤخر المتن كالجادة المألوفة فـ هذا متجه كما جوزه بعض المتقدمين من المحدثين وكلام أحمد يشعر به فإن أبا داود سأله هل لمن سمع كذلك أن يؤلف بينهما قال نعم
وبه صرح ابن كثير من المتأخرين فقال الأشبه عندي جوازه ويلتحق (2/290)
بعض من حضر بتقديم الصيام فقال لا أجعل الصيام آخرهن كما سمعت من رسول الله صلى الله عليه و سلم وربما شك بعضهم في ذلك فرواه مع التردد كحديث أهل بيتي والأنصار عيبتي وكرشي أو كرشي وعيبتي
وكحديث أسلم وغفار أو غفار وأسلم ومنهم من يصرح بالشك كقول عاصم في حديث أوسعوا على أنفسكم إذا وسع الله عليكم أو إذا وسع الله عليكم فأوسعوا على أنفسكم لا أدري بأيهما بدأ أورد ذلك كله الخطيب في باب المنع من تقديم كلمة على أخرى من كفايته وكذا بوب لهذا الحافظ عبد الغني بن سعيد وحكى فيه الجواز إذا لم يتغير المعنى عن الحسن وسليمان التيمي والد المعتمر (2/292)
الفصل الحادي عشر إذا قال الشيخ مثله أو نحوه
( وقوله مع حذف متن مثلــه ... أو نحوه يريد متنا قبلـه )
( فالأظهر المنع من أن يكملـه ... بسند الثاني وقيل بل لـه )
( إن عرف الراوي بالتحفـظ ... والضبط والتمييز للتلفـظ )
( والمنع في نحو فقط قد حكيا ... وذا على النقل بمعنى بنـيا )
( وأختيرا أن يقول مثل مـتن ... قبل ومتنه كذا ويــبني )
( وقوله إذ بعض متن لم يسـق ... وذكر الحديث فالمنع أحق )
( وقيل إن يعرف كلاهما الخبر ... يرجى الجواز والبيان المعتبرا )
( وقال إن يجز فبالإجــازة ... لما طوى واغتفروا إفـرازه )
وقوله أي الشيخ الراوي مع حذف متن ورد إسناده ما نصه فذكر مثله أو نحوه يريد متنا قبله فرغ من سياقه هل يسوغ إيراد اللفظ المحال عليه بالسند الثاني المطوي متنه اختلف فيه فالأظهر عند ابن الصلاح ومن تبعه كالنووي وابن دقيق العيد المنع لمن سمعه كذلك من أن بالنقل يكلمه بسند الثاني أي بالسند الثاني فقط لعدم تيقن تماثلهما في (2/293)
اللفظ وفي القدر المتفاوتين فيه
وقد أخرج البخاري حديث الإفك من وراية فليح ابن سليمان عن عروة وجماعة بطوله ثم من حديث فليح عن هشام بن عروة عن أبيه وقال مثله مع تفاوت كثير بين الروايتين حسبما علم من خارج ولذا قال شيخنا فكان فليحا تجوز في قوله مثله وأخرج مسلم في مقدمة صحيحه من حديث ابن مهدي ومعاذ بن معاذ كلاهما عن شعبة عن حبيب بن عبد الرحمن عن حفص بن عاصم مرفوعا مرسلا كفى المرء كذبا ثم أخرجه من طريق علي بن حفص عن شعبة فوصله بأبي هريرة ولم يسق لفظه بل قال مثله هذا مع كونه لم يقع لي من طريق على المذكور إلا بلفظ إثما وإما أن يكون مسلم لم يشدد لكونه في المقدمة أو وقع له بلفظ والأول أقرب وفي أنه الأظهر نظر إذا خشينا على أن المعتمد جواز الرواية بالمعنى لأنه وإن كان لا يلزم من كونه مثله أن يكون بعين لفظه لا يمنع أن يكون بمعناه بل هو فيما يظهر دائر بين اللفظ والمعنى لا سيما إذا اقترن بمثله لفظ سواء بل هو حينئذ أقرب إلى كونه بلفظه
وقد سبقه إلى المنع شعبة فكان لا يرى بالتحديث به على لفظ الأول وقال قول الراوي فلان عن فلان مثله لا يجزي وقوله نحوه شك أي فيكون أولى بالمنع وفي رواية من طريق وكيع عنه قال مثله ونحوه حديث أي غير الأول وهو أصح مما جاء من طريق قراد أبي نوح عبد الرحمن بن عزوان عن شعبة أنه قال مثله ليس بحديث
ثم إن مقتضى هذا المذهب أنه لا فرق بين حذف الإسناد الأول مع ذلك وإثباته ولإثباته أحوال فتارة يذكر المتن عقب كل منهما وتارة يذك عقب ثانيهما وتارة يعكس ما وقع في الرواية فيؤخر الإسناد الذي له اللفظ ويردفه بقوله مثله (2/294)
وقيل بل يجوز له إن عرف السامع كذلك الراوي بالتحفظ والضبط وعد الحروف والتمييز للتلفظ الواقع من الرواة بحيث لا يحمل لفظ راو على آخر مسلم صاحب الصحيح فإنه يزول الاحتمال حينئذ وإلا فلا حكاه الخطيب في الكفاية عن بعض العلماء وأسند عن علي بن الحسين ابن حبان قال وجدت في كتاب أبي قيل لأبي زكريا يحيى بن معين يحدث المحدث بحديث ثم يحدث بآخر في أثره فيقول مثله يجوز لي أن أقص الكلام الأول في هذا الأخير الذي قال فيه المحدث مثله قال نعم
قلت له إنما قال المحدث فكيف أقص أنا الكلام فيه قال هذا جائز إذا قال مثله فقصصت أنت الكلام الأول في هذا الأخير لا بأس به
وعن عبد الرزاق قال قال الثوري إذا كان مثله يعن يحديثا قد تقدم فقال مثل هذا الحديث الذي تقدم فإن شئت فحدث بالمثل على لفظ الأول
وقوى البلقيني هذا القول واستظهر له بأن البيهقي صنعه حتى في الموضع المحتمل وذلك أن الدارقطني أخرج في سننه من طريق أبي هريرة حديث تقول المرأة أنفق علي وإلا طلقني ثم خرج من طريق سعيد بن المسيب عن أبي هريرة في الرجل لا يجد ما ينفق على إمرأته قال يفرق بينهما
ثم أخرج من حديث أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم مثله فهذا مع احتماله أن يكون مثل الموقوف وأن يكون مثل المرفوع خرجه البيهقي من طريق الدارقطني وفيه لفظ المرفوع فروى بإسناده إلى أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه و سلم قال إذا أعسر الرجل بنفقة امرأته يفرق بينهما ولم يقع في كتاب الدارقطني ولا في كتاب من أخذ عنه الدارقطني وإلا بلفظه مثله المحتملة انتهى (2/295)
وحديث تقول المرأة في الدارقطني من طريق زيد بن أسلم وعاصم بن بهدلة كلاهما عن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعا ثم روى أثرا مقطوعا من وجهين إلى يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب في الرجل يعجز عن نفقة إمرأته يفرق بينهما ثم روى من طريق عاصم بن بهدلة عن أبي صالح عن أبي هريرة رفعه قال مثله وبهذا ظهر أن زيادة أبي هريرة في أثر سعيد خطأ وأن قوله مثله أي مثل المرفوع لكونهما متحدين في السند والرفع والمنع وهو قول مفصل في نحو فقط أي دون مثل قد حكيا فيما رواه عباس بن محمد الدوري عن ابن معين حيث قال إذا كان حديث عن رجل وعن رجل آخر مثله فلا بأس أن يرويه إذا قال مثله إلا أن يقول نحوه يعني عملا بظاهر اللفظين إذ مثله يعطي المتساوي في اللفظ بخلاف نحوه
حتى قال الحاكم إنه لا يحل للمحدث أن يقول مثله إلا بعد أن يعلم أنهما على لفظ واحد ويحل أن يقول نحوه إذا كان مثله معانية
قال الخطيب وذا أي ما ذهب إليه ابن معين على النقل بمعنى أي على عدم جواز الرواية بالمعنى بنيا فأما من أجاز فلا فرق عنده بين اللفظين قال وأختير من غير واحد من العلماء حين رواية ما يكون من هذا القبيل أن يورده الإسناد يقول فذكر مثل أو نحو متن ذكر قبل ومتنه كذا ويبني اللفظ الأول على السند الثاني بهذه الكيفية
قال وهذا هو الذي اختاره يعني لما فيه من الاحتياط بالتعيين وإزالة الإبهام والاحتمال بحكاية صورة الحال وقال النووي في شرح مسلم إنه لا شك في حسنه انتهى
وما لعله يقال من كون هذا الصنيع يوهم سماع المتن الثاني وأنه إنما تركه لغرض ما ليس بقادح وقد فعله البخاري لكن حيث لم يسبق للمتن (2/296)
المشار إليه بنحو طريقا يعود الضمير عليها فإنه أخرج في خلق آدم من أحاديث الأنبياء من طريق ابن المبارك عن معمر وعن همام عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم فقال نحوه وقال عقبة ما نصه يعني لولا بنو إسرائيل لم يخنز اللحم ولولا حواء لم تخن أنثى زوجها وكأنه لكون الرواية المحال عليها لم يسمعها أو سمعها بسند على غير شرطه أو نحو ذلك
وليس من هذا القبيل إيراده في الزكاة من طريق منصور والأعمش كلاهما عن أبي وائل عن مسروق عن عائشة عن النبي صلى الله عليه و سلم وقال يعني إذا تصدقت المرأة من بيت زوجها بل هذا أشار به إلى أنه ورى ما أورده من هذا الحديث بالمعنى
إذا علم هذا فما تقدم فيما إذا أورد الحديث بتمامه ثم عطف عليه وأما قوله أي الراوي إذ بعض متن لم يسق بل حذف ووقع الاقتصار على طرف منه ما نصه وذكر الحديث أو ذكره أو نحوهما كقوله الحديث بتمامه أو بطوله أو إلى آخره كما جرت به عادة كثير من الرواة فالمنع من سياق تمام الحديث في هذه الصورة أحق منه في التي قبلها وتقتصر حينئذ على العذر المثبت منه فقط إلا مع البيان وممن صرح فيها بالمنع الأستاذ أبو إسحاق الإسفرائيني ورخص فيه بعضهم وقيل إن يعرف المحدث والطالب كلاهما مع هذه الإشارة الخبر بتمامه يرجى كما نص عليه الإسماعيلي الجواز قال والبيان مع ذلك للواقع بأن يقتص ما ذكره المحدث من الحديث ثم يقول وتمامه كذا وكذا ويسوقه هو المعتبري أي الأولى ويتأكد فيما إذا كان سمع الطالب المتن على المحدث
ولذا قال ابن كثير إنه ينبغي أن يفصل فيقال إن كان سمع الحديث المشار إليه قبل ذلك على الشيخ في ذلك المجلس أو في غيره (2/297)
فتجوز الرواية ويكون الإشارة إلى شيء قد سلف بيانه وتحقق سماعه وإلا فلا
وقال ابن الصلاح إن نجز في الصورة المحكية عن الإسماعيلي فـ روايته بالإجازة لما طوى من الحديث هو التحقيق
قال لكنها إجازة أكيدة قوية يعني لأنها إجازة شيء معين لمعين وفي المسموع ما يدل على المجاز مع المعرفة به فأدرج فيه واغتفروا أي من يفعله من المحدثين إفرازه عن المسموع بصيغة تدل لها قلت أو لعل فاعله ممن يذهب إلى جواز أداء المجاز بأنا وحدثنا كما سلف (2/298)
الفصل الثاني عشر إبدال الرسول بالنبي وعكسها
( وإن رسول بنبي أبـــدلا ... فالظاهر المنع كعكس فعلا )
( وقد رجى جوازه ابن حنبل ... والنووي صوبه وهو جـلي )
وإن رسول وقع في الرواية بأن قيل رسول الله صلى الله عليه و سلم بنبي أي بلفظ النبي أبدلا وقت التحمل والأداء والكتابة فالظاهر كما قال ابن الصلاح المنع منه والتقيد بما في الرواية كعكس فعلا بأن يبدل الرواية فيه بلفظ النبي صلى الله عليه و سلم برسول الله صلى الله عليه و سلم وإن جازت الرواية بالمعنى لأن المعنى هنا مختلف بعني بناء على القول بعدم تساوي مفهومهما وقد كان الإمام أحمد بن حنبل فيما رواه عنه ابنه عبد الله إذا سمع من لفظ المحدث رسول الله ضرب من كتابه نبي الله وكتب ذلك بدله لكن قال الخطيب إن ذلك ليس على وجه اللزوم بل على الاستحباب في اتباع المحدث في لفظه
وقد رجى جوازه ابن حنبل نفسه حيث قال إذ سأله ابن صالح إنه يكون في الحديث رسول الله فيجعل الإنسان بدله النبي أرجو أن لا يكون به بأس وكذا جوزه حماد بن سلمة بل قال لعفان وبهز لما جعلا يغير أن النبي (2/299)
يعني الواقع في الكتاب برسول الله يعني الواقع من المحدث أما أنتما فلا تفقهان أبدا والإمام النووي أيضا صوبه أي الجواز وهو جلي واضح بل قال بعض المتأخرين إنه لا ينبغي أن يختلف فيه وقول ابن الصلاح إن المعنى فيهما مختلف لا يمنعه فإن المقصود إسناد الحديث إلى سيدنا رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو حاصل بكل واحد من الصفتين وليس الباب باب تعبد في اللفظ لا سيما إذا قلنا إن الرسالة والنبوة بمعنى واحد وعن البدر بن جماعة أنه لو قيل بالجواز في إبدال النبي بالرسول خاصة لما بعد لأن في الرسول معنى زائد على النبي وهو الرسالة إذ كل رسول نبي ولا عكس وبيانه أن النبوة من النبأ وهو الخبر فالنبي في العرف هو المنبأ من جهة الله بأمر يقتضي تكليفا فإن أمر تبليغه إلى غيره فهو رسول وإلا فهو نبي غير رسول وحينئذ فالنبي والرسول اشتركا في أمر عام وهو النبأ وإفترفا في الرسالة فإذا قلت فلان رسول تضمن أنه نبي رسول وإذا قلت فلان نبي لم يستلزم أنه رسول ولكن قد نازع ابن الجزري في قولهم كل رسول نبي حيث قال هو كلام يطلقه من لا تحقيق عنده فإن جبريل عليه السلام وغيره من الملائكة المكرمين بالرسالة رسل لا أنبياء
قلت ولذا قيد الفرق بين الرسول والنبي بالرسول البشري
وحديث البراء في تعليم ما يقال عند النوم إذ رد النبي صلى الله عليه و سلم عليه إبداله لفظ النبي بالرسول فقال لا ونبيك الذي أرسلت تمنع القول بجواز تغيير النبي خاصة بل الاستدلال به لمجرد المنع ممنوع بأن ألفاظ الأذكار توقيفية فلا يدخلها القياس بل يجب المحافظة على اللفظ الذي جاءت به الرواية إذ ربما كان فيه خاصية وسر لا يحصل بغيره أو لعله أراد أن يجمع بين الوصفين في موضع واحد ولا شك أنه صلى الله عليه و سلم نبي مرسل فهو إذن أكمل فائدة وذلك يفوت بقوله وبرسولك الذي أرسلت وأيضا فالبلاغة مقتضية لذلك لعدم تكرير اللفظ لوصف واحد فيه زاد بعضهم أو لاختلاف المعنى لأن برسولك يدخل جبريل وغيره من الملائكة الذين ليسوا بأنبياء (2/300)
الفصل الثالث عشر وفيه مسألتان السماع على نوع من الوهن أو بإسناد قرنت فيه الرواية عن رجلين
( ثم على السامع بالمذاكــــرة ... بيانه كنوع وهن خامــره )
( والمتن على شخصين واحد جرح ... لا يحسن الحذف له لكن يصح )
( ومسلم عنه كنى فلم يــوف ... والحذف حيث وثقا فهو أخـف )
( وإن يكن عن كل راو قطعـه ... أجز بلا ميز بخلط جمعـــــه )
( مع البيان كحديث الإفــك ... وجرح بعض مقتض للتـــرك )
( وحذف واحد من الإسنــاد ... في الصورتين أمنع للازديـــاد )
السماع على نوع من الوهن أو بإسناد قرنت فيه الرواية عن رجلين
فأكثر ثم بعد استحضار ما تقدم من التحري في الأداء على السامع من حفظ المحدث بالمذاكرة أي في المذاكرة بيانه على الوجه الواقع كأن يقول أنبأنا فلان مذاكرة وذلك مستحب كما صرح به الخطيب وإن كان (2/301)
ظاهر كلام ابن الصلاح الوجوب وقد فعله غير واحد من متقدمي العلماء بل يقال مما الظاهر خلافه إن ما يورده البخاري في صحيحه عن شيوخه بصيغة قال لي أو قال لنا أو زادنا أو زادني أو ذكر لنا أو ذكر لي ونحوها مما حمله عنهم في المذاكرة كنوع وهن خامره أي خالطه بأن سمع من غير أصل أو كان هو أو شيخه يتحدث أو ينعس أو ينسخ في وقت الإسماع أو كان سماعه أو سماع شيخه بقراءة لحان أو مصحف أو كتابة التسميع حيث لم يكن المرء ذاكر السماع نفسه بخط من فيه نظر أو نحو ذلك
وقد أورد أو داود في سننه عن شيخه محمد بن العلاء حديثا ثم قال بعده لم أفهم إسناده من ابن العلاء كما أحب وكذا أورد فيها أيضا عن بندار حديثا طويلا ثم قال في آخره خفي على منه بعضه لمشاركة السماع في المذاكرة غالبا بهذه الصور في الوهن إذ الحفظ خوان وربما يقع فيها بسبب ذلك التساهل بل أدرجها ابن الصلاح فيما فيه بعض الوهن
ولذا منع ابن مهدي وابن المبارك وأبو زرعة الرازي وغيرهم من التحمل عنهم فيها وامتنع أحمد وغيره من الأئمة من رواته ما يحفظونه إلا من كتبهم وفي إغفال البيان إيهام وإلباس يقرب من التدليس وكما يستحب البيان فيما تقدم وكذلك يستحب بيان ما فيه دلالة لمزيد ضبط وإتقان كتكرر سماعه للمروي وقد فعله غير واحد من الحفاظ فيقول حدثنا فلان غير مرة
المسألة الثانية
والمتن عن شخصين مقرونين من شيوخه الذين أخذ عنهم أو ممن فوقهم واحد منهما وثق والآخر جرح كحديث لأنس يرويه عنه مثلا ثابت البناني وأبان بن أبي عياش لا يحسن للراوي على وجه الاستحباب الحذف له أي للجروح وهو أبان والاقتصار على ثابت خوفا من أن يكون (2/302)
فيه شيء عن أبان خاصة
وحمل المحدث عنهما أو من دونه لفظ أحدهما على الآخر قاله الخطيب قال وسئل أحمد عن مثله فقال فيه نحوا مما ذكرنا ثم ساق من طريق حرب بن إسماعيل أن أحمد قيل له في مثل هذا الجواز أن اسمي ثابتا وأترك أبان قال لا لعل في حديث أبان شيئا ليس في حديث ثابت وقال إن كان هكذا فأحب أن يسميهما وهذا ظاهر في الاستحباب وهو الذي مشى عليه ابن الصلاح حيث قال ما حاصله إنه لا يمتنع تحرما لكن تنزيها يصح لأن الظاهر إنفاق الروايتين وما ذكر من الاحتمال نادر بعيد فإنه من الإدراج الذي لا يجوز تعمده انتهى
ويتأيد بسكون مسلم مع حرصه على الألفاظ له فإنه أخرج في النكاح من صحيحه عن محمد بن عبد الله بن نمير عن عبد الله بن يزيد المقري عن حيوة بن شريح عن شرحبيل بن شريك عن أبي عبد الرحمن الحبلي عن عبد الله بن عمرو حديث الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة فإن هذا الحديث قد أخرجه النسائي عن محمد بن عبد الله بن يزيد المقري عن أبيه عن حيوة وذكر آخر كلامهما عن شرحبيل به وكذا أخرجه ابن حبان في صحيحه من حديث الحسين ابن عيسى اليسطامي عن المقري عن حيوة وذكر آخر قالا حدثنا شرحبيل وأخرجه أحمد في مسنده عن أبي عبد الرحمن المقري عن حيوة وابن لهيعة قالا حدثنا شرحبيل إذ الظاهر من تشديد مسلم حيث حذف المجروح أنه أورده بلفظ الثقة إن لم يتحد لفظهما ونحوه ما وقع له في موضع آخر من صحيحه حيث أخرج من طريق ابن وهب عن عبد الرحمن بن شريح عن أبي الأسود عن عروة عن عبد الله بن عمرو حديث إن الله لا يقبض العلم ولم يسبق لفظه بل أحال به على طريق هشام بن عروة المشهورة فتبين من تصنيف ابن وهب فيما أفاق ابن طاهر أن (2/303)
اللفظ لابن لهيعة وذلك أن ابن وهب أخرجه عن ابن لهيعة عن أبي الأسود وساق الإسناد والمتن ثم عقبه بأن قال وأخبرني عبد الرحمن بن شريح عن أبي الأسود بذلك
لكن أفاد شيخنا في هذا المتن بخصوصه أن حذف ابن لهيعة من ابن وهب لا من مسلم وأنه كان يجمع بين شيخه تارة ويفرد ابن شريح أخرى بل لابن وهب فيه شيخان آخران بسند آخر أخرجه ابن عبد البر في بيان العلم من طريق سحنون حدثنا ابن وهب حدثنا مالك وسعيد بن عبد الرحمن كلاهما عن هشام باللفظ المشهور ومسلم أيضا عنه أي عن المجروح وربما كنى حيث يصرح بالثقة ثم يقول وآخر وهو منه قليل بخلافه من البخاري فإنه أورد في تفسير النساء وآخر الطلاق والفتن وعدة أماكن من طريق حيوة وغيره
وفي الاعتصام من طريق ابن وهب عن عبد الرحمن بن شريح وغيره والغير في هذه الأماكن كلها هو ابن لهيعة بلا شك وكذا أورد في الطب من رواية ابن وهب عن عمرو بن الحارث وغيره وهو أيضا هو لكن فيما يغلب على الظن وفي العتق من رواية ابن وهب عن مالك وابن فلان كلاهما عن سعيد المقبري والمبهم هنا هو عبد الله بن زياد بن سمعان وكذا أكثر منه النسائي وغيره فلم يوف واحد منهم بالخروج من عهدة المجروح إن اختص عن الثقة بزيادة لكن الظن القوي بالشيخان أنهما علما اتفاقهما ولو بالمعنى ولهذا الصنيع حينئذ فائدتان وهما الإشعار بضعف المبهم وكونه ليس من شرط وكثرة الطرق التي يرجح بها عند المعارضة وإن أشار الخطيب إلى أنه لا فائدة في الصورة الخاصة فضلا عن غيرها
قال لأنه إن كان لأجر ما اعتللنا به فخبر المجهول لا يتعلق به الأحكام إذ إثبات ذكره وإسقاطه سواء وإن كان على معرفته هو به (2/304)
فلماذا ذكره بالكناية عنه وليس بمحل للأمانة عنده قال ولا أحسب إستجازة إسقاط ذكره والاقتصار على الثقة إلا لأن الظاهر إتفاق الروايتين في لفظ الحديث يعني ممن يحرص على الألفاظ كمسلم الذي لا الاحتجاج بصنيعه فيه أعلا أو في معناه إن لم يتقيد باللفظ واحتياط في ذلك بذكر الكناية عنه مع الثقة تورعا وإن كان لا حاجة إليه
وقد أشار أبو بكر الإسماعيلي في مدخله إلى أنه في مستخرجه تارة يحذف الضعيف وتارة ينبه عليه فقال وإذا كتب الحديث فيه أي في المستخرج عن رجل يرويه عن جماعة وأحدهم ليس من شرط هذا الكتاب فإما أن أترك ذكره واكتفي بالثقة الذي الضعيف مقرون إليه أو أنبه على أنه محكي عنه في الجملة وليس من شرط الكتاب انتهى
وإذا تقررت صحة حذف المجروح فالظاهر عدم صحة الاقتصار عليه لما قد ينشأ عنه تضعيف المتن وعدم الاحتجاج به للقاصر أو المستروح وفيه من الضرر مالا يخفى
وأما الحذف لأحد الروايين حيث وثقا كما وقع للبخاري في تفسير المدثر وأنه روى عن محمد بن بشار عن ابن مهدي وغيره كلاهما عن حرب ابن شداد حديثا وفسر الغير بأنه أبو داود الطيالسي الذي لم يخرج له البخاري شيئا فهو كما قال ابن الصلاح أخف مما قبله لأنه وإن تطرق مثل الاحتمال المذكور أولا إليه وهو كون شيء منه عن المحذوف خاصة فمحذور الإسقاط فيه أقل لأنه لا يخرج عن كون الراوي ثقة كما إذا قال أخبرني فلان أو فلان فإنه وإن كان أحدهما غير ثقة وهو نحو الصورة الأولى لا يكون الخبر حجة لاحتمال اختصاصه بشيء من الخبر عن الآخر وإن كان الظاهر من المتحري خلافه كما قرر إن كانا ثقتين فالحجة به قائمة لأنه دائرين ثقتين ثم إن ما تقدم فيما يكون جميع المتن عنهما (2/305)
وإن يكن مجموعه من جماعة من الرواة ملفقا بأن كل عن كل راو منهم قطعة فـ ـأجز بلا ميز أي تميز بما عند كل واحد منهم منه أيضا بخلط جمعه لكن مع البيان لذلك إجمالا وإن عن كل راو بعضه كحديث الإفك فإنه في الصحيح من رواية الزهري عن عروة ابن الزبير وسعيد بن المسيب وعلقمة بن وقاص الليثي وعبد الله بن عبد الله بن عتبة كلهم عن عائشة قال الزهري وكلهم حدثني طائفة من حديثها
وبعضهم أوعى من بعض وأثبته اقتصاصا وفي لفظ وبعض القوم أحسن سياقا وقد وعيت عن كل واحد منهم الحديث الذي حدثني عن عائشة وبعض حديثه يصدق بعضا زعموا أن عائشة وساقه بطوله ولفظ ابن إسحاق قال الزهري ولك حدثني بعض هذا الحديث وقد جمعت لك الذي حدثوني ولما ضم ابن إسحاق إلى الرواية الزهري عن الأربعة رواية هو عن عبد الله بن أبي بكر عن عمرة وعن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه كلاهما عن عائشة قال وكل حديث هؤلاء جميعا يحدث بعضهم ما لم يحدث صاحبه وكل كان ثقة فكل حدث عنها ما سمع وذكره
ونحوه صنيع الزهري ما في الوكالة من البخاري حدثنا المكي بن إبراهيم حدثنا ابن جريج عن عطاء بن أبي رباح وغيره يعني كأبي الزبير يزيد بعضهم على بعض لم يبلغه كله رجل واحد منهم عن جابر وفي رواية لأبي نعيم في المستخرج لم يبلغه كله إلا رجل واحد فذكر حديثا وقريب منه قول عروة ابن الزبير عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم رضي عنهما يزيد أحدهما على صاحبه قال خرج النبي صلى الله عليه و سلم فذكر حديثا وفعله من المتأخرين عياض فقال في الشفاء وعن عائشة والحسن يعني ابن علي وأبي سعيد وغيرهم في صفته صلى الله عليه و سلم وبعضهم يزيد على بعض وكثيرا ما يستعمله أصحاب المغازي وجازف عصري ممن كثرت مناكيره فاستعمله في (2/306)
أمر بشيع شنيع يحرم على الوجه الذي سلكه إجماعا فقال وفي إنجيل متى ولوقا ومرقص يزيد أحدهم عن الآخر وقد جمعت بين ألفاظهم وحاصل ما فعله الزهري ومن نحى نحوه أن جميع الحديث عنه مجموعهم لا أن مجموعه عن كل واحد منهم ولا يعلم من مجرد السياق القدر الذي رواه منه كل واحد من المسمين
نعم ربما يعرف حديث بعضهم أو كلهم من غير طريق ذاك الراوي بل ومن طريقه أيضا على أنه قد وقع في التفسير من الصحيح أيضا قول الزهري وبعض حديثهم يصدق بعضا وإن كان بعضهم أوعى له من بعض الذي حدثني عروة ففهم البلقيني وبعض أتباعه أن عروة حدثه بجميع الحديث وأن الذي حدثه بالبعض حتى تلفق من عداه وصارت صورة أخرى غير الأولى ولكن هذه اللفظة مع كونها ليست صريحة في ذلك بل تحتمل أيضا أن يكون المراد أن الذي حدثه عروة أول شيء منه خاصة مما زادها الليث عن سائر من رواه عن يونس عن الزهري
وعلى كل حال فقد صح كون الزهري استعمل التلفيق وهو جائز وإن قال عياض مع كونه ممن استعمله كما أسلفته أنهم افتقدوا عليه صنيعه له وقالوا كان ينبغي له أن يفرد حديث كل واحد منهم عن الآخر انتهى والأمر فيه سهل فالكل ثقات ولا يخرج الحديث بذلك عن كونه صحيحا
وجرح بعض من المروي عنهم وضعفه أن لو اتفق مع عدم التفصيل مقتض للترك لجميع الحديث لأنه ما من قطعة من الحديث إلا وجائز أن تكون عن ذاك الراوي المجروح ولهذه العلة وجوبا حذف بالنصب مفعول مقدم واحد من الرواة المجتمعين في الإسناد أو بعض الحديث في هاتين الصورتين الثقات كلهم والضعيف بعضهم أمنع للازدياد أي لأجل الزيادة على بقية الرواة لما ليس من حديثهم أو إسقاط ما (2/307)
اختص به بعضهم
فائدة ليس من هذا الباب قول البخاري في باب كيف كان عيش النبي صلى الله عليه و سلم وأصحابه من كتاب الرفاق حدثنا أبو نعيم بنحو من نصف هذا الحديث حدثنا عمر بن ذر فإنه وإن كان صريحا في كونه لم يسمع جميعه منه يحتمل أن يكون حدث به عنه بطريق الوجادة أو الإجازة أو حمله عن شيخ آخر ممن رواه عن عمرو بن ذر غير أبي نعيم أو سمع بقية الحديث من شيخ سمعه من أبي نعيم وعلى الاحتمالين الأخيرين يكون من التعاليق ولذا أورده شيخنا رحمه الله في كتابه المختص بها (2/308)
آداب الشيخ المحدث
( وصحح النية في التحــــديث ... وأحرص على نشرك للحديـث )
( ثم توضأ واغتسل واستعمـــل ... طيبا وتسريحا وزير المعتـــلى )
( صونا على الحديث واجلس بأدب ... وهيبة بصدر مجلس وهـــب )
( لم يخلص النية طالب فعــــم ... ولا تحدث عجلا أو إن تقــم )
( أو في الطريق ثم حيث احتج لـك ... في شيء أروه وابن خلاد سلك )
( بأنه يحسن للخمسيــــــنا ... عاما ولا بأس لأربعينــــاه )
( ورد والشيخ بغير البــــارع ... خصص لا كمالك والشافـعي )
( وينبغي الإمساك إذ يخشى الهـرم ... وبالثمانين ابن خلاد جـــزم )
( فإن يكن ثابت عقل لم يبـــل ... كأنس ومالك ومن فعــــل )
( والبغوي والهجيمي وفئــــه ... كالطبري حدثوا بعد المائـــة )
( وينبغي إمساك الأعمى أن يخفف ... وإن من سيل يجزء قد عــرف )
( رجحان راو فيه دل فهو حـق ... وترك تحديث بحضرة الأحـــق )
( وبعضهم كره الأخذ عنـــه ... ببلــد وفيــه أولى منـــه )
( ولا تقم لأحد وأقبـــل ... عليهم وللحديث رتـل )
( وأحمد وصل مع سلام ودعا ... في بدء مجلس وختمه معا ) (2/309)
( واعقد للإملاء مجلسا فذاك من ... أرفع الإسماع والأخذ ثم إن )
( تكثر جموع فاتخذ مستملــيا ... محصلا ذا يقظة مستــويا )
( بعال أو فقائما يتبع مــــا ... يسمعه مبلغا أو مفهــما )
( واستحسنوا البدء بقارئ تـلا ... وبعد استنصت ثم بسمـلا )
( فالحمد فالصلاة ثم أقـــبل ... يقول من أو ما ذكرت وأبتهل )
( له وصلى وترضى رافعـــا ... والشيخ ترجم الشيوخ ودعى )
( وذكر معروف بشيء من لقب ... كغندر أو وصف نقص أو نسب )
( لأمه فجائز ما لم يكــــن ... يكرهه كابن علية فصـــن )
( وارو في الإملا عن شيوخ قدم ... أولادهم وأنتقه وأفهــــم )
( ما فيه من فائدة ولا تـــزد ... عن كل شيخ فوق متن واعتمد )
( عالي إسناد قصير مــــتن ... واجتنب المشكل خوف الفـتن )
( واستحسن الإنشاد في الأواخر ... بعد الحكايات مع النـــوادر )
( وإن يخرج للرواة متـــقن ... مجالس الإملاء فهو حســـن )
( وليس الإملاء حين يكمـل ... غنى عن العرض لزيغ يحصـــل )
عند إرادة الرواية ومع الطالب وفي الرواية والإملاء وما يفعله المستملي وغير ذلك مما لم يتقدم وقدمت على آداب الطالب التي كان الأليق تقديمها إما لكونهما أشرف أو لمناسبتها لأكثر الفروع التي في صفة الرواية والأداء
وقد صنف الخطيب كتابا حافلا لآداب كل منهما سماه الجامع لآداب الراوي وأخلاق السامع قرأته وكذا لأبي سعد السمعاني أدب الإملاء والإستملاء وصحح أيها المريد للرواية النية في الحديث وقدمها عليه بحيث تكون في ذلك مخلصا لله لا يشرك فيه غرض دنيوي بل طاهر (2/310)
القلب من أعراضها وأدناسها بعيدا عن حب الرياسة ورعوناتها ووسائسها كالعجب والطيش والحمق والدعوى بحق فضلا عن باطل لا تحب أن يحمدك عليه أحد من الناس ولا تريد به معنى سوى التقرب إلى الله وإن لم تفعل ذلك فما صنعت شيئا ولا تأمن أن يقول لك الرب سبحانه حين قولك تعلمت فيك العلم وعلمته وقرأت القرآن كذبت ولكن ليقال قارئ فقد قيل ثم يؤمر بمن يكون كذلك فيستحب فيسحب على وجهه حتى يلقى في النار إذ الأعمال بالنيات ولا يتقبل الله تعالى منها إلا ما كان خالصا له وأنظر إلى قوله صلى الله عليه و سلم من سمع الناس بعلمه سمع الله به سامع خلقه وصغره وحقره ورب قائم أو صائم حظه من قيامه أو صيامه السهر أو الجوع والعطش سأل الله العفو والعافية
ومن هنا وقف كثير من السلف عن التحديث إلا بعد نية صحيحة قال حبيب ابن أبي ثابت لما سأله الثوري التحديث حتى تجيء النية وقال أبو الأحوص سلام ابن سليم لمن سأله أيضا ليست لي نية فقيل له إنك توجر فقال شعر نمير في الخير الكثير وليتني نجوت كفافا لا علي ولاليا
وقال كلثوم بن هاني وقد قيل له يا أبا سهل حدثنا إن قلبي لا خير فيه ما أكثر ما سمع ونسي هذا وهو لو شاء فعل كما قاله أبو زرعة الشيباني ولكنه أشفق من الزهو والعجب حين نصبوه ونحوه قول حماد بن زيد استغفر الله أن يذكر الإسناد في القلب خيلا وتصحيح النية وإن كان شرطا في كل عبادة إلا أن عادة العلماء تقييد سألتنا به لكونه يتساهل فيه بعض الناس ويغفل عنه لا سيما والحديث علم شريف يناسب مكارم الأخلاق ومحاسن الشيم وينافر مساويء الأخلاق ومشائن الشيم كما قال ابن الصلاح والنية تعز فيه لشرفه
ويستفز صاحبه اللعين بهدفه ومن حرمه فقد حرم خيرا كثيرا ومن (2/311)
رزقه بشرطه فقد فاز فوزا عظيما ونال أجرا كبيرا وهو من علوم الآخرة لا من علوم الدنيا لأنه عبادة لذاته لا صناعة ولا ينافيه قول الثوري ليس طلب الحديث من عدة الموت ولكنه علة يتشاغل به الرجال إذا طلب الحديث كما قال الذهبي شيء غير الحديث قال وهو اسم عرفي لأمور زائدة على تحصيل ماهية الحديث وكثيرا منها مراق إلى العلم وأكثرها أمور يشغف بها المحدث من تحصيل النسخ المليحة ويطلب الإسناد العالي وتكثير الشيوخ والفرح بالألقاب وتمنى العمر الطويل ليروي وحب التفرد إلى أمور عديدة لازمة لأغراض نفسانية لا للأعمال الربانية قال فإذا كان طلبك للحديث النبوي محفوفا بهذه الآفات فمتى خلاصك منها إلى الإخلاص
وإذا كان علم الآثار مدخولا فما ظنك بعلوم الأوائل الذي ينكث الإيمان ويورث الشكوك ولم يكن والله في عصر الصحابة والتابعين بل كانت علومهم القرآن والحديث والفقه انتهى
على أن جماعة منهم الثوري قال كل منهم لا أعلم أفضل من طلب الحديث لمن أراد به الله عز و جل فيحمل على ما إذا خلص من هذه الشوائب كما هو صريحه وحينئذ فهو أفضل من التطوع بالصوم والصلاة لأنه فرض على الكفاية
وأحرص مع تصحيح النية على نشرك للحديث واجعل ذلك من أكبر همك فقد أمر النبي صلى الله عليه و سلم بالتبليغ عنه بلغوا عني ولو أية قال ابن دقيق العيد ولا خفاء بما في تبليغ العلم من الأجور لا سيما وبرواية الحديث يدخل الراوي في دعوة النبي صلى الله عليه و سلم حيث قال نضر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها وأداها إلى من لم يسمعها انتهى (2/312)
ولأنه كما يروي في حديث مرفوع عن أبي هريرة عند أحمد الطبراني وغيرهم مثل الذي يتعلم علما ثم لا يحدث به كمثل من رزقه الله مالا فكثره ولم ينفق منه وفي لفظ عن ابن عمر رفعه علم لا يقال به ككنز لا ينفق منه وقال مالك بلغني أن العلماء يسألون يوم القيامة يعني عن تبليغهم كما يسأل الأنبياء ورؤي يزيد بن هارون في النوم فقيل له ما فعل الله بك قال غفر لي قيل بأي شيء قال بهذا الحديث الذي نشرته في الناس
والأحاديث والآثار في هذا المعنى كثيرة
ولذا كان عروة يتألف الناس على حديثه وكان المحب الصامت من المتأخرين الذين أخذنا أصحابهم يطوف على أبناء المكاتب فيحدثهم بل رحل جماعة من بلادهم إلى بلاد أخرى لذلك منهم أبو علي حنبل الرصافي فإنه سافر من بغداد إلى الشام بقصد خدمة رسول الله صلى الله عليه و سلم ورواية أحاديثه في بلد تروى هم وحدث لمسند أحمد فاجتمع بمجلسه لهذه النية الصالحة من الخلائق ما لم يجتمع في مجلس قبله بدمشق كما قاله الذهبي
وكذا كان محمد بن عبد الرحمن أبو جعفر البغدادي الصيرفي وهو من الدين على نهاية يسأل من يقصده عن مدينة بعد مدينة هل بقي فيها من يحدث فإذا علم خلو بلد عن محدث خرج إليها في السر لرغبته في بذل الحديث فحدثهم ثم رجع حكاه الخطيب في ترجمته من تاريخه
قال ابن دقيق العيد ومن أحسن ما يقصد في هذا العلم شيئان أحدهما تبعد بكثرة الصلاة على النبي صلى الله عليه و سلم كلما تكرر ذكره ويحتاج ذلك أن يكون مقصودا عند اللفظ ولا يخرج على وجه العادة والثاني قصد الانتفاع والنفع للغير كما قال ابن المبارك وقد استكثر كثرة الكتابة منه لعل الكلمة التي فيها نجاتي لم أسمعها إلى الآن (2/313)
وقال لبعض المتأخرين وإنما اقتصر على هذين لما قل الاحتياج إلى علم الحديث لتدوين الأحاديث في الكتب وانقطاع الاجتهاد غالبا والآية العظمى حفظ الشريعة المظهرة على المكلفين بها ومن أعظم فوائده الآن شيئان أحدهما ضبط ألفاظ النبي صلى الله عليه و سلم بتكرار سماعها إذ لو ترك السماع لبعد العهد بها وتطرق التحريف لها كما جرى في بلاد العجم فقد بلغنا أن بعض كبار ملوكهم أراد أن يقرأ عنده صحيح البخاري فلم يجد في مملكته من يحسن ذلك فاجتمع علماء ذلك المصر على قراءته وصار يقع منهم من التحريف في الأسماء واللغات ما لا يحصى
ثانيهما حفظ السنة من أعدائها المدخلين فيها ما ليس منها فقد اقتحم كثير من الناس أمرا عظيما ونسبوا إلى النبي صلى الله عليه و سلم ما ينبو السمع عنه فلولا أن الله حفظ الشريعة بنقاد الحديث لاضمحل الدين وتهدمت أركانه ولولا بقايا من علماء الحديث لوقع من الكذب عليه والتحريف لكلامه ما لله به عالم
ويستحب أن يكون الرواية بعد العمل بالمروي لقول الثوري تعلموا هذا الحديث فإذا علمتموه فتحفظوه فإذا حفظتموه فاعلموا به فإذا عملتم به فانشروه بل يروى في المعنى مما هو مرفوع من الصدقة أن يتعلم الرجل العلم فيعمل به ثم يعلمه
ثم عند إرادتك نشرك الحديث بالنية الصحيحة إن شاء الله توضأ وضوءك للصلاة واغتسل اغتسالك من الجنابة بحيث تكون على طهارة كاملة وتسوك وقص أظفارك وخذ شاربك واستعمل مع ذلك طيبا وبخورا في بدنك وثيابك فقد قال أنس كنا نعرف خروج رسول الله صلى الله عليه و سلم بريح الطيب وقال ابن عمر كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يستجمر بالألوة غير الطراة وكافور بطرحه معها وكذا استعمل معه تسريحا للحيتك (2/314)
وتمشيطا لشعرك إن كان بأن ترسله وتحله قبل المشط لما في الشمائل النبوية أنه صلى الله عليه و سلم كان يكثر دهن رأسه وتسريح لحيته وألبس أحسن ثيابك وأفضلها البياض إلى ذلك مما يتجمل به من سائر أنواع الزينة المستحبة فالله ورسوله يحبان الجمال وكذا استعمل في حال تحديثك زبر أي نهر المعتلي صوتا أي صوته على قراءة الحديث والأغلاط له لشمول النهي عن رفع الصوت فوق صوته صلى الله عليه و سلم ذلك كما صرح به مالك حيث قال إن من رفع صوته عند حديثه صلى الله عليه و سلم فكأنما رفع صوته فوق صوت رسول الله صلى الله عليه و سلم
واجلس حينئذ مستقبل القبلة متمكنا بمقعدتك من الأرض لا مقعيا ونحوه بأدب ووقار وهيبة بصدر مجلس يكون القوم فيه بل وعلى فراش مرتفع يخصك أو منبر لما روينا عن مطرف قال كان الناس إذا أتوا مالكا رحمه الله خرجت إليهم الجارية فتقول لهم يقول لكم الشيخ تريدون الحديث أو المسائل فإن قالوا المسائل خرج إليهم في الوقت وإن قالوا الحديث دخل مغتسله فاغتسل وتطيب ولبس ثيابا جددا وتعمم ولبس ساجه وتلقى له منصة فيخرج فيجلس عليها وعليه الخشوع ولا يزال يبخر بالعود حتى يفرغ من حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم ولم يكن يجلس على تلك المنصة إلا إذا حدث
قال ابن أبي أويس فقيل له في ذلك فقال أحب أن أعظم حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم ولا أحدث به إلا على طهارة متمكنا ويقال إنه أخذ ذلك عن سعيد بن المسيب
وكان عبد الله بن عمر بن أبان يخرج إلى مجلس تحديثه وهو طيب الريح حسن الثياب فلقلبه أهل خراسان لذلك مشكر أنه إذ المشك بالفارسية المسك بالكسر والمهملة والقول بأنه وعاء المسك تجوز ودانه الحبة ومعناه حبة مسك كل ذلك على وجه الاستحباب
وكرة قتادة ومالك وجماعة التنحديث على غير طهارة حنى كان الأعمش إذا كان إلى غيرها يتيمم لكن قال بعضهم إن هذه الأمور المحكية عن (2/315)
مالك لا ينبغي أتباعه فيها إلا لمن صحت نيته في خلوص هذه الأفعال تعظيما للحديث لا لنفسه لأن للشيطان وساوس في مثل هذه الحركات فإذا عرفت أن نيتك فيها كنية مالك فافعلها ولا يطلع على نيتك غير الله
ونحوه قال شيخنا في العذبة إن فعلها بقصد السنة أجر أو للتمشيخ والشهرة حرم ولا شك أن حرمته صلى الله عليه و سلم وتعظيمه وتوقيره بعد مماته عند ذكره وذكر حديثه وسماع اسمه وسيرته كما كانت في حياته وكذا معاملة آله وعترته وتعظيم أهل بيته وصحابته لازم وربما تعرض للمحدث ضرورة لا يتمكن معها من الجلوس فلا حرج في القراءة عليه وهو قائم
قال ابن عساكر كنت اقرأ على أبي عبد الله الفراوي فمرض فنهاه الطبيب عن الإقراء وأعلمه أنه سبب الزيادة مرضه فلم يوافقه على ذلك بل كنت أقرأ عليه في مرضه وهو ملقى على فراشه إلى أن عوفي وكذا قرا السلفي وهو متكئ لدمامل كانت في مقعدته على شيخه أبي الخطاب بن البطر وغضب الشيخ لعدم علمه بالعذر
وسو بين من قصدك للتحديث وهب لم يخلص النية بحسب القرائن الدالة على ذلك طالب فلا تمنع من تحديثه بل عم جميع من سألك أو حضر مجلسك استحباب كما صرح به للخطيب في جامعه إذ التساهل وقت التحمل ليس بشرط وقد قال حسين بن علي الجعفي كنت أمتنعت أن أحدث فأتاني آت في النوم فقال مالك لا تحدث فقلت لأنهم ليسوا يطلبون به الله فقال حدث أنت ينفع من نفع ويضر من ضر
وفي زيادات المسند من طريق الشعبي عن علي قال تعلموا العلم صغارا تنتفعوا به كبارا تعلموا العلم لغير الله يصير لذات الله وعند الخطيب عن يحيى ابن يمان قال ما سمعت الثوري يعيب العلم قط ولا من يطلبه
فيقال له ليست لهم نية فيقول طلبهم للعلم نية وعن حبيب بن أبي (2/316)
ثابت ومعمر فإنهما قالا طلبنا الحديث وما لنا فيه نية ثم رزق الله النية بعد
وفي لفظ عن معمر وقال كان يقال إن الرجل ليطلب العلم لغير الله فيأبى عليه العلم حتى يكون لله وجاء قوم إلى سماك يطلبون الحديث فقال له جلساؤه ما ينعني لك أن تحدثهم لأنهم لا رغبة لهم ولا نية فقال لهم سماك قولوا خيرا فقد طلبنا هذا الأمر ونحن لا نريد الله به فلما بلغت منه حاجتي دلني على ما ينفعني وحجزني عما يضرني ولابن عبد البر عن الحسن البصري والثوري قالا طلبنا العلم للدنيا فجرنا إلى الآخرة وعن ابن عيينة قال طلبنا الحديث لغير الله فأعقبنا الله ما ترون ونحوه قول ابن المبارك طلبنا العلم للدنيا فدلنا على ترك الدنيا
وقال الغزالي مات والدي وخلف لي ولأخي شيئا يسيرا فلما فني وتعذر القوت علينا صرنا إلى بعض الدروس مظهرين لطلب النفقة وليس المراد سوى تحصيل القوت وكان تعلمنا العلم لذلك لا لله فأبى أن يكون إلا الله على أنه قال في الإحياء هذه الكلمة اغتر بها قوم في تعلم العلم لغير الله ثم رجوعهم إلى الله
قال وإنما العلم الذي أشار إليه هذا القائل هو علم الحديث والتفسير ومعرفة سير الأنبياء والصحابة فإن فيه التخويف والتحذير وهو سبب لإثارة الخوف من الله فإن لم يؤثر في الحال أثر المآل
فأما الكلام والقه المجرد الذي يتعلق بفتاوى المعاملات وفصل الخصومات المذهب منه والخلاف فلا يرد لراغب فيه للدنيا إلى الله تعالى بل لا يزال متماديا في حرصه إلى آخر عمره وقال في موضع آخر قال بعض المحققين إن معناه أن العلم أبى وامتنع علينا فلم تنكشف لنا حقيقته وإنما حصل لنا حديثه وألفاظه وامتنع بعض الورعين من ذلك فروى الخطيب عن (2/317)
الفضل بن عياض أنه قيل له ألا تحدثنا تؤجر قال علي أي شيء أؤجر على شيء يتفكهون به في المجالس ونحوه ما حكى عن علي بن عثام أنه كان يقول الناس لا يؤتون من حلم يجيء الرجل فيسأل فإذا أخذ غلط ويجيء الرجل فيأخذ ثم يصحف ويجيء الرجل فيأخذ ليماري صاحبه ويجيء الرجل فيأخذ ليباهي به وليس على أن أعلم هؤلاء إلا رجل يجيء فيهتم لأمر ونية فحينئذ لا يسعني أن أمنعه وقد أسلفت في متى يصح تحمل الحديث شيئا من توقف بعض الورعين
ولكن قد فضل الماوردي في أدب الدنيا والدين تفضيلا حسنا فقال إن كان الباعث للطلب دنيا وجب على الشيخ إسعافه وإن لم يكن فإن كان مباحا كرجل دعاه طلب العلم إلى حب النباهة وطلب الرياسة فهو قريب مما قبله لأن العلم يعطفه على الدين في ثاني الحال وإن كان الداعي محظورا كرجل دعاه طلب العلم إلى شركاء من يريد أن يستعمله في شبه دينية وحيل فقهية لا يجد أهل السلامة منها مخلصا ولا عنها مدفعا فينبغي للشيخ أن يمنعه من طلبته أو يصرفه عن بغيته ولا يعينه على إمضاء مكره وإعمال شره ففي الحديث واضع العلم في غير أهله كمقلد الخنازير اللؤلؤ والجواهر والذهب انتهى
وقال بعض الأدباء
( أرث لرومية توسطها خنزير ... وأبك لعلم حواه شرير )
وكذا كان بعضهم يمتنع من إلقاء العلم لمن لا يفهمه فحكى الماوردي أن تلميذا سأل عالما عن علم فلم يفده فقيل له لم منعته قال لكل تربة غرس ولكل بناء أس عن وهب بن منبه قال ينبغي للعالم أن يكون بمنزلة الطباخ الحاذق يعمل لكل قوم ما يشتهون من الطعام
وعن بعض البلغاء قال
( لكل ثوب لابس ... ولكل علم قابس ) (2/318)
ولا تحدث عجلا بكسر الجيم أي حال كونك مستعجلا لأنه قد يفضي إلى السرعة في القراءة الناشيء عنها الهذرمة غالبا أو أن تقم أي في حال قيامك أو في الطريق ماشيا كنت أو جالسا فقد كان مالك يكره ذلك كله وقال أحب أن أتفهم ما أحدث به عن رسول الله صلى الله عليه و سلم بل قيل له لم لم تكتب عن عمرو بن دينار قال أتيته والناس يكتبون عنه قياما فأجللت حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم أن أكتبه وأنا قائم واتفق له مع أبي حازم أيضا نحوه وكذا صرح الخطيب بالكراهة فقال يكره التحديث في حالتي المشي والقيام حتى يجلس الراوي والسامع معا ويستوطنا فذلك أحضر للقلب وأجمع للفهم ولكل مقام مقال وللحديث مواضع مخصوصة شريفة دون الطرقات والأماكن الدنية قال وهكذا يكره التحديث مضطجعا
وحكاه عن سيعد بن المسيب وحين يكون مغمورا مشغولا قال ولو حدث محدث في هذه الأحوال كلها لم يكن مأثوما ولا فعل أمر محظورا
وأجل الكتب كتاب الله وقراءته في هذه الأحوال جائزة فالحديث فيها بالجواز أولى
قلت وقد فعله فيهما جماعة من المتأخرين وبالغ بعض المتساهلين فكان يقرأ عليه الماشي حال كونه راكبا وذلك قبيح منهما
تم بعد تحريك في تصحيح النية واستحضار ما تقدم من عدم التقيد في الطلب بسن مخصوص وإنما المعتبر الفهم فلا تقيد في الأداء أيضا بسن يبل حيث احتيج لك في شيء وذلك تختلف بحسب الزمان والمكان فلعل يكون في بلاد مشهورة كثيرة العلماء لا يحتاج الناس فيها إلى ما عندك ولو كنت في بلاد محجورة احتج إليك فيه فحينئذ اروه وجوبا حسبما صرح به الخطيب في جامعه فقال إن احتيج إليه في رواية الحديث قبل أن يعلو بسنه وجب عليه أن يحدث ولا تمنع لأن نشر العلم عند الحاجة إليه لازم والممتنع من ذلك عاص آثم وساق حديث من سئل عن علم نافع فكتمه (2/319)
جاء يوم القيامة ملجما بلجام من نار وحديث مثل الذي يتعلم علما ثم لا يحدث به وقد مضى قريبا وقول سعيد بن جبير ( الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ) فقال هذا في العلم ليس للدنيا منه شيء وقول ابن المبارك من يبخل بالعلم ابتلى بإحدى ثلاث إما أن يموت فيذهب علمه أو ينساه أوي يتبع سلطانا وقول ربيعة لا ينبغي لأحد يعلم أن عنده شيئا في العلم أن يضيع نفسه وعن علي بن حرب قال إنما حصل حسين بن علي الجعفي على التحديث أنه رأى في النوم كأنه في روضة خضراء وفيها كراسي موضوعة على كرسي منها زائدة وعلى آخر فقيل وذكر رجالا وكرسي منها ليس عليه أحد قال فأهويت نحوه فمنعت فقلت هؤلاء أصحابي أجلس إليهم فقيل لي إن هؤلاء بذلوا ما استودعوا وإنك منعته فأصبح يحدث
ولكن قال ابن الصلاح إن الذي نقوله إنه متى احتيج إلى ما عنده استحب له التصدي لروايته ونشره في أي سن كان فإما أن يكون يخالف الخطيب في الوجوب أو يكون الاستحباب في التصدي بخصوصه على أن الولي ابن المصنف قال والذي أقوله إنه إن لم يكن ذلك الحديث في ذلك البلد إلا عنده واحتيج إليه وجب عليه التحديث به وإن كان هناك غيره فهو فرض كفاية و على كل حال فأبو محمد ابن خلاد الرامهرمزي قد سلك في كتابه المحدث الفاضل التحديد حيث صرح بأنه يحسن أن يحدث للخمسينا عاما أي بعد استكمالها وقال إنه الذي يصح عنده من طريق الأثر والنظر لإنهاء انتباء الكهولة وفيها مجتمع الأشد قال سحيم بن وثيل الرياحي أخو خمسين مجتمع أشدي
ويخذني مزاورة الشودن يعني أحكمتني معالجة الأمور قال (2/320)
ولا بأس به الأربعينا عاما أي بعدها فليس ذلك بمستنكر لأنها حد الاستواء ومنتهى الكمال نبيء رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو ابن أربعين وفي الأربعين تناهى عزيمة إنسان وقوته ويتوفر عقله يجود رأيه انتهى
وقد روينا عن مجاهد عن ابن عباس أنه قرأ ( ولما بلغ أشده ) قال ثلاث وثلاثون ( واستوى ) قال أربعون سنة وقيل في الأشد غير ذلك و قد رد هذا على ابن خلاد حيث لم يعكس صنيعه ويجعل الأربعين التي وصفها بما ذكر حدا لما يستحسن والخمسين التي يأخذ صاحبها غالبا في الانحطاط وضعف القوى حدا لما لا يستنكر أو يجعل الأربعين التي للجواز أولا ثم يردف بالخمسين التي للاستحباب والأمر في ذلك سهل بل رد مطلق التحديد فقال عياض في إلماعه واستحسانه هذا لا يقوم له حجة بما قال قال وكم من السلف المتقدمين فمن بعدهم من المحدثين من لم ينته إلى هذا السن ولا استوى في هذا العمر ومات قبله وقد نشر من العلم والأحاديث مالا يحصى هذا عمر بن عبد العزيز توفي ولم يكمل الأربعين وسيعد بن جبير لم يبلغ الخمسين وكذا إبراهيم النخفي وهذا مالك قد جلس للناس ابن نيف وعشرين سنة وقيل ابن سبع عشرة والناس متوافرون وشيوخه ربيعة وابن شهاب وابن هرمز ونافع وابن المنكدر وغيرهم أحياء وقد سمع منه ابن شهاب حديث الفريعة أخت أبي سعيد الخدري ثم قال وكذلك الشافعي قد أخذ عنه العلم في سن الحداثة وانتصب لذلك في آخرين من الأئمة المتقدمين والمتأخرين انتهى
وروى الخطيب في جامعه من طريق بندار قال قد كنت عني خمسة فرون وسألوني التحديث وأنا ابن ثماني عشرة فاستحييت أن أحدثهم بالمدينة فأخرجتهم إلى البستان فأطعمتهم الرطب وحدثتهم ومن طريق أبي (2/321)
بكر الأعين قال كتبنا عن البخاري على باب الفريابي وما في وجهه شعرة فقلت ابن كم كان قال ابن سبع عشرة سنة
قال الخطيب وقد حدثت أنا ولي عشرون سنة حين قدمت من البصرة كتب عني شيخنا أبو القاسم الأزهري أشياء أدخلها في تصانيفه وسألني فقرأتها عليه وذلك في سنة اثنتي عشرة وأربعمائة قلت ولم يكن حينئذ استوفى عشر سنين من حين طلبه فقد روينا عنه أنه قال أول ما سمعت الحديث ولي إحدى عشرة سنة لأني ولدت في جمادي الأولى سنة اثنتين وتسعين وثلاثمائة وأول ما سمعت في المحرم سنة ثلاث وأربعمائة
وكذا حدث الحافظ أبو العباس أحمد بن مظفر وسنه ثمان عشرة سمع منه الحافظ الذهبي في السنة التي ابتدأ الطلب فيها وهي سنة ثلاث وتسعين وستمائة وحدث عنه في معجمه بحديث من الأفراد للدارقطني وقال عقبة أملاه علي ابن مظفر وهو أمرد وحدث أبو الثناء محمود بن خليفة النبجي وله عشرون سنة سمع منه التقي السبكي أحاديث من فضائل القرآن لأبي عبيد وحدث الشيخ المصنف سنة خمس وأربعين وسبعمائة وله عشرون سنة سمع منه الشهاب أبو محمد وأحمد بن محمد بن إبراهيم المقدسي وكذا سمع منه بعد ذلك سنة أربع وخمسين وشيخه العماد ابن كثير في آخرين كالمحب بن الهائم حيث حدث ودرس وقرط لشيخنا بعض تصانيفه ومات وهو ابن ثمان عشرة سنة وذلك من باب رواية الأكابر عن الأصاغر
وما أحسن قول عبد الله بن المعتز الجاهل صغير وإن كان شيخنا والعالم كبير وإن كان حدثنا
و لكن الشيخ ابن الصلاح حمل كلام ابن خلاد على محمل صحيح حيث بغير البارع في العلم خصص تحديده فإنه قال وما ذكره ابن خلاد غيره مستنكر وهو محمول على أنه قال ففيمن يتصدى للتحديث ابتداء (2/322)
من نفسه من غير براعة في العلم تعجلت له قبل السن الذي ذكره فهذا إنما ينبغي بعد استيفاء السن المذكور فإنه مظنة للاحتياج إلى ما عنده لا كما لك والشافعي وسائر من ذكرهم عياض ممن حدث قبل ذلك لأن الظاهر أن ذلك لبراعة منهم في العلم تقدمت ظهر لهم معها الاحتياج إليهم فحدثوا قبل ذلك أو لأنهم سئلوا ذلك إما بصريح السؤال وإما بقرينة الحال انتهى
وعلى هذا يحمل كلام الخطيب أيضا فإنه قال لا ينبغي أن يتصدى صاحب الحديث للرواية إلا بعد دخوله في السن وأما في الحداثة فإن ذلك غير مستحسن ثم ساق عن عبد الله بن المعتز أنه قال جهل الشاب معذور وعلمه محقور وعن حماد بن زيد أنه قيل له إن خالدا يحدث فقال قد عجل خالد
وبالجملة فوقت التحديث دائر بين الحاجة أو سن مخصوص وهل له أمد ينتهي إليه اختلف فيه أيضا فقال عياض وابن الصلاح وينبغي له أي استحبابا الإمساك عن التحديث إذ أي حيث يخشى الهرم الناشئ عنه غالبا والتعبر وخوف الخرف والتخليط بحيث يروي ما ليس من حديثه قال ابن الصلاح والناس في السن الذي يحصل فيه الهرم يتفاوتون بحسب اختلاف أحوالهم يعني فلا ضابظ حينئذ له و لكن بضبطه بالثمانين أبو محمد ابن خلاد الرامهرمزي أيضا جزم وعبارته فإذا تناهى العمر بالمحدث فأعجب إلى أن يمسك في الثمانين فإنه حد الهرم
قال والتسبيح والذكر وتلاوة القرآن أولى بأبناء الثمانين قال فإن يكن ثابت عقل مجتمع رأي يعرف حديثه ويقوم به وتحرى أن يحدث احتسابا لم يبل أي لم يبال بذلك بل رجوت له خيرا
ولذا قال ابن دقيق العيد وهذا أي التقيد بالسن عندما يظهر منه أمارة الاخلال ويخاف منها فأما من لم يظهر ذلك فيه لا ينبغي له الامتناع لأن (2/323)
هذا الوقت أحوج ما يكون الناس إلى روايته يعني كما وقع لجماعة من الصحابة كأنس هو ابن مالك وحكيم بن حزام حيث حدث كل منهما بعد مجاوزة المائة ولجماعة من التابعين كشريح القاضي ومن أتباعهم كالليث ومالك وهو ابن أنس وابن عيينة ومن فعل ذلك غيرهم من هذه الطباق وبعدها ومنهم الحسن بن عرفة و أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي وأبو إسحاق إبراهيم بن علي الهجيمي بالتصغير نسبة لهجيم بن عمرو وفئة غيرهم كـ القاضي أبي الطيب طاهر بن عبد الله الطبري عمن ذكر حسبما ذكره ابن الصلاح في فوائد رحلته بأنه كان إلى أن لا يحدث إلا بعد استيفاء المائة لأنه رأى في منامه أنه قد تعمم ورد على رأسه مائة وثلاث دورات فعبر له أن يعيش سنين بعددها فكان كذلك
وممن قارب المائة من شيوخنا وهو على جلالة في قوة الحافظة والاستحضار القاضي سعد الدين بن الديري ولم يتغير واحد من هؤلاء بل ساعدهم التوفيق وصحبتهم السلامة وظهر بذلك مصداق ما روى عن مالك أنه قال إنما يخرف الكذابون يعني غالبا حتى أن القارئ قرأ يوما على الهجمي بعد أن جاوز المائة حديث عائشة رضي الله عنها في قصة الهجرة وفيه أن الحمى أصابت أبا بكر وبلال أو عابر بن فهيرة وكانوا في بيت واحد فقالت له عائشة كيف تجدك يا عامر فقال
( إني وجدت الموت قبل ذوقه ... إن الجبان حتفه من فوقـه )
( كل إمرئ مجاهد بطوقــه ... كالثور يحمي جسمه بروقه )
فقال كالكلب بدل قوله كالثور ورام اختياره بذلك فقال له الهجيم قل كالثور يا ثور فإن الكلب لا روق له إذ الروق بفتح الراء ثم السكون القرن ففرح الناس بصحة عقله وجودة حسه (2/324)
قال عياض وإنما كره من كره لأصحاب الثمانين التحديث لكون الغالب على من يبلغ هذا السن اختلال الجسم والذاكرة وضعف الحال وتغير الفهم وحلول الخرف فخيف أي يبدأ به التغيير والاختلال فلا يفطن له إلا بعد أن جازت عليه أشياء وتبعه ابن الصلاح في هذا التوجيه فقال من بلغ الثمانين ضعف حاله في الغالب وخيف عليه الاختلال والإخلال وأن لا يفطن له إلا بعد أن يخلط كما اتفق لغير واحد من الثقات منهم عبد الرزاق وسعيد ابن أبي عروبة على أن العماد بن كثير قد فصل بين من يكون اعتماده في حديثه على حفظه وضبطه فينبغي الاحتراز من اختلاطه إذا طعن في السن كان الناس أرغب في السماع منه كالحجاز فإنه جاز المائة بيقين لأنه سمع البخاري على ابن الزبيدي في سنة ثلاثين وستمائة وأسمعه في سنة ثلاثين وسبعمائة وكان عاميا لا يضبط شيئا ولا يتعقل كثيرا ومع هذا تداعى الأئمة والحفاظ فضلا عمن دونهم إلى السماع منه لأجل تفرده بحيث سمع منه نحو مائة ألف أو يزيدون
قلت وقد أفر الذهبي كراسة أو رد فيها على السنين من جاز المائة وكذا جمع شيخنا في ذلك كتابا على الحروف ولكن ما وقفت عليه بل وما أظنه بيض ويوجد فيهما جملة من أمثلة ما نحن فيه وفيه رد على أبي أمامة بن النقاش حيث زعم أنه لا يعيش أحد من هذه الأمة فوق مائة سنة متمسكا بحديث جابر في الصحيح ما على الأرض نفس منفوسة يأتي عليها مائة سنة حسبما سمعه البرهان الحلبي من الناظم عنه
و كذا ينبغي استحبابا إمساك الأعمى نقل الهمزة سواء القديم عماه أو الحادث عن الرواية أن يخف أن يدخل عليه في حديثه ما ليس منه لكونه غير حافظ بل ولو كان حافظا كما وقع لجماعة حسبما قدمته في الفصل (2/325)
الأول من صفة رواية الحديث وأدائه مع الإمعان فيه وفي الأمي ما يغني عن إعادته
وينبغي استحبابا أيضا حيث بان الحض على نشر الحديث مع ما بعده من المسائل التي أنجز الكلام إليها أن لا تحمله الرغبة فيه على كراهة أن يؤخذ عن غيره فإن هذه مصيبة يبتلي بها بعض الشيوخ وهي دليل واضح على عدم إرادة وجه الله تعالى ولا على إخفاء من يعلمه من الرواة ممن لا يوازيه وأن من سئل بضم المهملة وتخفيف الهمزة للضرورة أن يحدث بجزء أو كتاب أو نحوهما قد عرف رجحان راو من أهل عصره ببلده أو غيرها فيه إما لكونه أعلى أو متصل السماع بالنسبة إليه أو غيرهما من الترجيحات ولو بالعلم والضبط فضلا على أن يكون شيخه فيه حيا دل السائل عليه وأرشده إليه ليأخذه عنه أو مستدعى منه الإجازة إن كان في غيره بلده ولم يمكنه الرحلة إليه فهو أي التنبيه بالدلالة على ذلك حق ونصيحته في العلم لكون الراجح به أحق وقد فعله غير واحد من الأئمة
قال ابن شهاب جلست إلى ثعلبة بن أبي صغير فقال لي أراك تحب العلم قلت نعم قال فعليك بذاك الشيخ يعني سعيد بن المسيب قال فلزمت سعيدا سبع سنين ثم تحولت من عنده إلى عروة فتفجرت به بحرا
وقال حمدان بن علي الوراق ذهبنا إلى أحمد فسألناه أن يحدثنا فقال تسمعون مني ومثل أبي عاصم في الحياة أخرجهما الخطيب ونحوه ما عنده في الرحلة له عن الفضل بن زياد سمعت أحمد وقال له رجل عمن ترى أن يكتب الحديث فقال له أخرج إلى أحمد بن يونس فإنه شيخ الإسلام في آخرين من السلف والخلف منهم عمرو بن دينار فإنه دل سفيان بن عيينة وغيره من أصحابه المتمكنين على السماع من صالح بن كيسان المدني حين قدمها عليهم (2/326)
كما وقعت الإشارة لذلك في الحج في صحيح البخاري وهذا بعد نفي عمرو لصالح وأخذه عنه مع كون عمرو أقدم منه وكان شيخنا رحمه الله يحيل غالبا من يسأل في صحيح مسلم على الزين الزركشي وقال مرة لبعض أصحابنا إذا سمعت على فلان كذا وعلى فلان كذا وعلى فلان كذا كنت مساويا لي فيها في العدد بل كان يفعل شيئا أخص من هذا حيث يحضر من يعلم انفراده من المسمعين بشيء من العوالي مجلسه لأجل سماع الطلبة ومن يلوذ به له وربما قرأ لهم ذلك بنفسه
وفعل الولي ابن الناظم شيئا من ذلك على أن ابن دقيق خص ذلك بما إذا حصل الاستواء فيما عدا الصفة المرجحة إما مع التفاوت بأن يكون الأعلى عاميا لا معرفة له بالصنعة وإلا نزل عارفا ضابطا فهذا يتوقف فيه بالنسبة إلى الإرشاد المذكور لأنه قد يكون في الرواية عن هذا العامي ما يوجب خللا انتهى
فإن أحضره العلم إلى مجلسه كما فعل شيخنا وغيره أو أكرمه بالتوجه إليه أو كان القاريء أو بعض السامعين من أهل الفن فلا نزاع حينئذ في استحباب الإعلام
وكذا ينبغي استحبابا ترك تحديث بحضرة الأحق والأولى منه من جهة الإسناد أو غيره فقد روى الخطيب أن إبراهيم النخعي كان إذا اجتمع مع العشبي لا يتكلم إبراهيم بشيء فإن كان غائبا فلا
وبعضهم كره الأخذ بالنقل عنه ببلد وفيه من هو لسنه أو عمله أو ضبطه أو إسناده أولى منه لحديث سمرة لقد كنت على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم غلاما فكنت أحفظ عنه وما يمنعني من القول إلا أن ههنا رجالا هم أسن مني
وروى الخطيب أيضا عن عاصم قال كان زر أكبر من أبي وائل سكان (2/327)
إذا اجتمعنا لم يحدث أبو وائل مع زر وعن عبيد الله بن عمر قال كان يحيى بن سعيد يحدثنا فإذا طلع ربيعة قطع يحيى حديثه إجلالا له وإعظاما وعن حسن بن الوليد بن النسيابوري قال سئل عبد الله بن عمر العمري المكبر عن شيء من الحديث فقال أما وأبو عثمان يعني أخاه عبيد الله المصغر حي فلا
وعن الثوري أنه قال لابن عيينة مالك لا تحدث فقال أما وأنت حي فلا ونحوه قول الناظم لما سئل أن يحدث بمسند الدارمي أما والشيخ برهان الدين التنوخي حي فلا وعن أبي عبد الله المعيطي قال رأيت أبا بكر ابن عياش بمكة وأتاه ابن عيينة فبرك بين يديه وجاء رجل فسأل ابن عيينة عن حديث فقال لا تسألني ما دام هذا الشيخ يعني أبا بكر قاعدا وعن الحسن بن علي الخلال كنا عند معتمر وهو يحدثنا إذا أقبل ابن المبارك فقطع معتمر حديثه فقيل له حدثنا فقال إنا لا نتكلم عند كبرائنا
وعن أحمد بن أبي الحواري قال سمعت ابن معين يقول إن الذي يحدث بالبلدة وبها من هو أولى بالتحديث منه أحمق وأنا إذا حدثت في بلد فيه مثل أبي مسهر يعني الذي كان أسن منه فيجب للحيتي أن تحلق
قال ابن الحواري وأنا إذا حدثت في بلدة فيها مثل أبي الوليد هشام بن عمار يعني الذي كان أسن منه فيجب للحيتي أن تحلق وعن السلفي قال كتبت بالإسناد عن بعض المتقدمين أنه قال من حدث في بلدة وبها من هو أولى بالرواية منه فهو مختل انتهى
وللأولوية يحتمل أن يكون في الإسناد أو غيره وهل تلتحق بذلك في الكراهة الجلوس للافتاء أو الإقراء علم ببلد فيه من هو أولى منه الظاهر لا لما فيه من التحجيز والتضييق الذي للناس خلفا عن سلف على خلافة حتى إن العز محمد بن جماعة حكى عن شيخه المحب ناظر الجيش أنه شاهد بمصر قبل الغناء الكبير مائة حلقة في النحو ستين منها بجامع عمرو وباقيها بجامع (2/328)
الحاكم وقد عقد ابن عبد البر بابا لفتوى الصغير بين يدي الكبير بما ورد فيه ما يشهد لذلك
والفرق أن الطلبة تتفاوت أفهامهم فالقاصر لا يفهم عبارة الأولى ويفهم ممن هو دونه وليس كل عالم ربانيا والسماع إنما يرغب فيه للأعلى والأدن فبولغ في الاعتناء بالمحافظة على جانب الرواية على أن ابن دقيق العيد قال هكذا قالوا ولا بد أن يكون ذلك مشروطا بأن لا يعارض هذا الأدب ما هو مصلحة راجحة عليه يعني كما تقدم قريبا
ولا تقم استحبابا إذا كنت في مجلس التحديث سواء كان التحديث بلفظك أو يقرأه غيرك ولا القاريء أيضا لأحد إكراما لحديث النبي صلى الله عليه و سلم أن يقطع بقيام فقد قال الفقيه أبو زيد محمد بن أحمد بن عبد الله المروزي فيما رويناه عنه في جزء عبد الله بن أحمد الخرقي إذا قام القارئ بحديث رسول الله صلى الله عليه و سلم لأحد كتبت عليه خطيئة هذا إذا لم ينضم لذلك فإذا انضم إليه ذلك فأكرم بل هو حرام للترهيب عنه وكان أحمد بن المعدل وغيره بدار المتوكل فخرج عليهم المتوكل فلم يقم له أحد خاصة فسأل عن ذلك وزيره فاعتذر عنه بسوء بصره فرد عليه أحمد ذلك وقال للمتوكل إنما نزهتك من عذاب النار وساق له حديث من أحب أن يتمثل له الرجال قياما فليتبوأ مقعده من النار فجاء المتوكل فجلس إلى جانبه
وكذا لا تخص أحدا بمجلس بين من يسبق إلى موضع فهو أحق به ولا تقم أحدا لأجل أحد لحديث لا يقيمن أحدكم الرجل من مجلسه ثم يجلس فيه ولكن توسعوا ولا تجلسه بين اثنين إلا بإذنهما ودخل الحيص بيص الشاعر على الشريف علي بن طراد الوزير فقال له يا علي بن طراد يا رفيع العماد يا خالد الأجواد انقضى المجلس فأين أجلس فقال له الوزير مكانك فقال أعلى قدري أم على قدرك فقال لا على قدري ولا على (2/329)
قدرك ولكن على قدر الوقت ولا يمنع ذلك إكرامه المشايخ والعلماء وذوي الأنساب لما أمر به من إنزال كل منزلة وقد قال مالك كنا نجلس إلى ربيعة وغيره فإذا أتى ذو السن والفضل قالوا له ههنا حتى يجلس قريبا منهم قال وكان ربيعة ربما أتاه الرجل ليس له ذاك السن فيقول له ههنا ولا يرضى حتى يجلسه إلى جنبه كان يفعل ذلك لفضله عنده
ولا تقدم أحدا في غيره نوبته بل تأس بأبي جعفر بن جرير الطبري حيث حضر إليه الفضل بن جعفر بن الفرات وهو ابن الوزير وقد سبقه رجل فقال الطبري للرجل ألا تقرأ فأشار الرجل إلى ابن الوزير فقال له الطبري إذا كانت النوبة لك فلا تكترث بدجلة ولا الفرات انتهى
وهذه كما قال شيخنا من لطائف ابن جرير وبلاغته وعدم التفاته لأنباء الدنيا
وكذا لا تخص واحد بالإقبال عليه بل أقبل عليهم بكسر الميم جميعا إذا أمكن فذاك مستحب لقول حبيب بن أبي ثابت كانوا يحبون إذا حدث الرجل أن لا يقبل على الواحد فقط ولكن يعمهم وعنه أيضا أنه من السنة وأعلى من ذلك أن لا نخص أحدا بالتحديث لا سيما إن كان ممن يترفع عن الجلوس مع من يراه دونه فضلا عن مجيئك إليه
وقال سأل الرشيد عبد الله بن إدريس الأودي أن يحدث ابنه فقال إذا جاء مع الجماعة حدثناه وما أحسن قول إمامنا الشافعي فيما رويناه من جهة الربيع بن سليمان المرادي عنه
( العلم من شرطه لمن خدمه ... أن يجعل الناس كلهم خدمة )
( واجب صونه عليه كمـا ... يصون في الناس عرضه ودمه )
ولا تجلس في الظل وهم في الشمس واخفض صوتك إلا أن يكون (2/330)
في المجلس سيء السمع وللحديث رتل استحبابا إن لم يخف منه شيء ولا تسرده سردا أي لا تتابع الحديث استعجالا لبعضه إثر بعض لئلا يلتبس أو يمنع السامع من إدراك بعضه لحديث عائشة المتفق عليه لم يكن النبي صلى الله عليه و سلم يسرد الحديث سردكم زاد الإسماعيلي إنما كان حديثه فهما تفهمه القلوب وزاد الترمذي مما قال إنه حسن صحيح ولكنه كان يتكلم بكلام بين فصل يحفظه من جلس إليه ولا شك أن من المعلوم أن الصحابة رضي الله عنهم لم يكونوا يسردون الحديث بحيث لا يفهم بعضه بل اعتذر عن أبي هريرة الذي من أجله قالت عائشة رضي الله عنها ما قالت بأنه كان لكونه واسع الرواية كثير المحفوظ لا يتمكن من المهل عند إرادة الحديث كما قال بعض البلغاء أريد أن أقتصر فتراجم القوافي علي في
وقد قالت عائشة ما قالت فإذا خفي البعض فأولى أن ينكر ولذا قيل كما سلف في كتابه الحديث شر القراءة الهذرمة وقد قال التجاوز في صناعة الكتاب قولهم سرد المكاتبة قرأته معناه أحكمها مشتق من سرد الدرع إذا حكمها وجعل حلقها ولا غير مختلفة وأحسن صنعة المسامير
وأعلم أن القراء في هذه الأعصار المتأخرة بل وحكاه ابن دقيق العيد أيضا قد تسامحوا في ذلك وصار القاريء يستعجل استعجالا يمنع السامع من إدراك حروف كثيرة بل كلمات وقد اختلف السلف في ذلك كما تقدم في خامس الفروع التالية
الثاني أقسام التحمل ولا تطل المجلس بل اجعله متوسطا واقتصر فيه حذرا من سآمة السامع وملله وأن يؤدي ذلك إلى فتوره عن الطلب وكسله إلا إن علمت أن الحاضرين لا يتبرمون بطوله فقد قال الزهري وغيره إذا طال المجلس كان للشيطان فيه نصيب وقال المبرد من أطال الحديث وأكثر القول فقد عرض للملال وسوء الاستماع وكان يدع من حديثه فضله يعاد (2/331)
إليها أصلح من أن يفضل عنه ما يلزم الطالب إسماعه من غير رغبة فيه ولا نشاط له
وقال الجاحظ قليل الموعظة مع نشاط الموعوظ خير من كثير واقف من الأسماع نبوة ومن القلب ملالة وقال الماوردي قال بعض العلماء كل كلام كثر على السمع ولم يطاوعه الفهم إزداد به القلب عمى وإنما يقع السمع في الآذان إذا قوي فهم القلب في الأبدان
قال الوليد بن مزيد البيروتي المستمع أسرع ملالة من المتكلم وصح قوله صلى الله عليه و سلم عليكم من العمل ما تطيقون فإن الله لا يمل حتى تملوا وإن أحب العمل إلى الله أدومه وإن قل وأحمد الله تعالى وصل على رسوله صلى الله عليه و سلم مع سلام عليه أيضا للخروج من الكراهة التي صرح بها النووي في إفراد أحدهما حسبما قدمته في كتابة الحديث في مهمات تستحضرها هنا
وكذا مع دعاء يلتقي بالحال في بدء كل مجلس وفي ختمه معا سواء جهرا فكل ذلك مستحب إذ عند ذكر الصالحين تنزل الرحمة زاد بعضهم ويكون ذلك بعد قراءة قارئ حسن الصوت شيئا من القرآن
ومن أبلغ ذلك أن يقول الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى اللهم صلي على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما باركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد كلما ذكرك الذاكرون وكلما غفل عن ذكرك الغافلون وصل على سائر النبيين والمرسلين والكل وسائر الصالحين نهاية ما ينبغي أن يسأله السائلون
اللهم إنا نسألك من خير ما سألك فيه نبيك سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم ونستعيذ (2/332)
بك من شر ما استعاذ منه نبيك سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم ونسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل ونستعيذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل ونسألك من الخير كله عاجله وآجله ما علمنا منه وما لم نعلم ونستعيذ بك من الشر كله عاجله وآجله ما علمنا منه وما لم نعلم وأنت المستعان وعليك التكلان وخص الختم بقول سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك اللهم اقسم لنا من خشيتك ما يحول بيننا وبين معاصيك ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا اللهم متعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا واجعل ذلك الوارث منا واجعل ثأرنا على من ظلمنا وانصرنا على من عادانا ولا تجعل مصيبتنا في ديننا ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يرحمنا يا أرحم الراحمين وما قال ابن الصلاح إنه أبلغ في ذلك قد توزع فيه فاقتصر على هذا
وأعقد إن كنت محدثا عارفا للإملاء بالنقل وبالقصر للضرورة في الحديث مجلسا من كتابك أو حفظك والحفظ أشرف لا سيما وقد اختلف في التحديث من الكتاب كما تقدم بسطه في صفة رواية الحديث فذاك أي الإملاء من أرفع وجوه الإسماع بالنقل أيضا من المحدث والأخذ أي التحمل للطالب بل هو أرفعها عند الأكثرين كما بينته مع تعليله في أول أقسام التحمل ولذا قال الحافظ السلفي فيما رويناه عنه
( واظب على كتب الأمالي جاهدا ... من ألسن الحفاظ والفضلا )
( فأجل أنواع العلوم بأسرهــا ... ما يكتب الإنسان في الإملا )
وقال الخطيب في جامعه إنه أعلى مراتب الراوين ومن أحسن مذاهب المحدثين مع ما فيه من خصال الدين والاقتداء بسنن السلف الصالحين انتهى (2/333)
ومن فوائده اعتناء الراوي بطرق الحديث وشواهده ومتابعه وعاضده بحيث بها يتقوى وثبت لأجلها حكمه بالصحة أو غيرها ولا ينزوي ويترتب عليها إظهار الخفي من العلل ويهذب اللفظ من الخطأ والزلل ويتضح ما لعله يكون غامضا في بعض الروايات ويفصح بتعين ما أبهم أو أهمل أو أدرج فيصير من الجليات وحرصه على ضبط غريب المتن والسند وفحصه عن المعاني التي فيها نشاط النفس يأتم المستند ويعد السماع فيها عن الخطأ والتصحيف الذي قل أن يعري عنه لبيب أو حصيف وزيادة التفهم والتفهيم لكل من حضر من أجل تكرر المراجعة في تضاعيف الإملاء والكتابة والمقابلة على الوجه المعتبر وحوز فضيلتي التبليغ والكتابة والفوز بغير ذلك من الفوائد المستطلبة كما قرره الرافعي وبينه ونشره وعينه يقال أمليت الكتاب إملاء وأمللت إملالا جاء القرآن بهما جميعا قال تعالى ( فليملل وليه ) فهذا من أمل وقال تعالى ( فهي تملى عليه ) فهذا من أملى فيجوز أن يكون اللغتان بمعنى واحد ويجوز أن يكون أصل أمليت أمللت فاستثقل الجمع بين حرفين في لفظ واحد فأبدلوا من أحدهما ياء كما قالوا تظنيت يعني حيث أبدلوا من أحد النونين ياء فقالوا التظني وهو إعمال الظن وكأنه من قولهم أملى الله له أي أطال عمره فمعنى أمليت الكتاب على فلان أطلت قراءتي عليه قاله النحاس في صناعة الكتاب وهو طريقة مسلوكة في القديم والحديث لا يقوم به إلا أهل المعرفة
وقد أملى النبي صلى الله عليه و سلم الكتب إلى الملوك وفي المصالحة يوم الحديبية وفي غير ذلك وأملى واثلة رضي الله عنه كما رواه معروف الخياط الأحاديث على الناس وهم يكتبونها عنه وممن أملى شعبة وسعيد بن أبي عروبة (2/334)
وهمام ووكيع وحماد بن سلمة ومالك وابن وهب وأبو أسامة وابن علية ويزيد ابن هارون وعاصم بن علي وأبو عاصم وعمرو بن مرزوق والبخاري وأبو مسلم الكجي وجعفر الفريابي والهجيمي في خلق يطول سردهم ويتعسر عدهم من المتقدمين والمتأخرين كابني بشران والخطيب والسلفي وابن عساكر والرافعي وابن الصلاح والمزي والناظم وكان الإملاء انقطع قبله دهرا وحاوله التاج السبكي ثم ولده الوالي العراقي على إحيائه فكان يتقلل برغبة الناس فعنه وعدم موقعه منهم وقلة الاعتناء به إلى أن شرح الله تعالى صدره لذلك واتفق شروعه فيه بالمدينة النبوية ثم عقده بالقاهرة في عدة مدارس
وكذا إملاء في زمنه يسير السراج بن الملقن ولم يرتض شيخنا صنيعه فيه وبعدهما الولي العراقي بالحرمين وعدة مدارس من القاهرة وشيخنا بالشام وحلب ومصر وبالقاهرة في عدة مدارس واقتديت بهم في ذلك بإشارة بعض محققي شيوخي فأمليت بمكة وبعده أماكن من القاهرة وبلغ عدة ما أمليته من المجالس إلى الآن نحو الستمائة والأعمال بالنيات
واختلف صنيعهم في تعين يوم لذلك وكذا في تعدد يوم من الأسبوع وعين شيخنا لذلك يوم الثلاثاء خاصة وقيل ذلك يوم الجمعة بعد صلاتها وهو المستحب وكذا يستحب أن يكون في المسجد لشرفهما فقد قال كعب إن الله تعالى اختار الأيام فجعل منهن الجمعة والبقاع فجعل منهن المساجد
وقال على المساجد مجالس الأنبياء وحرز من الشيطان وقال أبو إدريس الخولاني المساجد مجالس الكرام
ويروى في المرفوع المسجد بيت كل تقي وكتب عمر بن عبد العزيز (2/335)
يأمر أهل العلم بنشره في المساجد فإن السنة كانت قد أميتت
واجلس مستقبل القبلة مستعملا ما تقدم قريبا في نفسك ومع أصحابك وعند الابتداء والانتهاء وفي خفة المجلس فلا فرق
ثم أن تكسر جموع من الحاضرين فاتخذ وجوبا كما صرح به الخطيب مستمليا يتلقن منك الاحتجاج إليه وإن نقل فلا لعدم الاحتياج إليه غالبا ثقة محصلا ذا يقظة وفهم وبراعة في الفن يبلغ عنك الإملاء إلى من بعد في الحلقة اقتد بأئمة الحديث وحفاظه كمالك وشعبة ووركيع بل روى أبو داود والنسائي وغيرهما من حديث رافع بن عمرو قال رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يخطب الناس بمنى حين ارتفع الضحى على بغلة شهبا وعلى رضي الله عنه يعبر عنه والحذر أن يكون مغفلا بليدا كالمستملي الذي قال لممليه وقد قال له حدثني عدة ما نصه عدة ابن من فقال له المملي عدة ابن فقدتك وكالآخر الذي قال لممليه وقد قال له عن أنس قال رسول الله كذا في كتابي وهو رسول الله إن شاء الله ما نصه قال رسول الله وشك أبو عثمان وفي كنية المملي في الله فقال له المملي كذبت يا عدو الله ما شككت في الله قط وكالآخر الذي كان ممليه يقول له حدثنا حماد بن خالد فيكتبه حماد بن زيد ويستمليه حماد بن سلمة ثم يرجع إلى بيته فلا يحسن قراءته أصلا فيقوم عند ذلك لزوجته فيضربها فتستغيث المرأة بالمملي في حكايات من هذا النمط مضحكة تقدم بعضها في الفصل الخامس من الباب قبله
وقد قيل في كاتب يعي غير ما قلنا ويكتب غير ما وعاه ويقرأ غير ما هو كاتب فإن تكاثر الجمع بحيث لا يكفي واحد فزد بحسب الحاجة فقد كان لعاصم ابن علي الذي حرز مجلسه بأكثر من مائة ألف إنسان مستمليان
ولأبي مسلم الكجي الذي حرز بنيف وأربعين ألف محبرة سوى النظارة سبعة (2/336)
يتلقى بعضهم عن بعض
ويستحب أن يكون المستملي جهوري الصوت فقد شبهه بعضهم بالطبال في العسكر وأن يكون كما قال الخطيب وابن السمعاني مقيدا له بما إذا كثر العدد بحيث لا يرون وجهه مستويا أي جالسا بـ مكان عال من كرسي ونحوه أو فقائما على رجليه كابن عبلة بمجلس مالك وآدم بن أبي أياس بمجلس شعبة بل كان بعض الصالحين يقرأ على شيخنا وهو قائم وفعلته معه غير مرة لضرورة اقتضت ذلك ولا شك أن الجلوس بالمكان المرتفع أو قائما أبلغ للسامعين وفيه تعظيم للحديث وإجلال له
يتبع ذلك المستملي ما يسمعه منك ويؤديه على وجهه من غير تغيير وذلك مستحب كما صرح به الخطيب وابن السماني ثم رجعا إلى الوجوب وعبارتهما معا ويستحب أن لا يخالف لفظ المملي في التبليغ عنه بل يلزمه ذلك خاصة إذا كان الراوي من أهل الدراية والمعرفة بأحكام الرواية وظاهر كلام ابن الصلاح أيضا يشعر بالوجوب وهو الظاهر من قوله وعليه أن يتبع إلى آخره مبلغا بذلك من لم يبلغه لفظ المملي أو مفهما به من بلغه على بعد ولم يتفهما فيتوصل بصوت المستملي إلى تفهمه وتحققه
وقد تقدم بيان الحكم فيمن لم يسمع إلا من المستملي دون المملي في الفرع الخامس من الفروع التالية لثاني أقسام التحمل بما أغنى عن إعادته
واستحسنوا أي أهل الحديث ممن تصدى للإملاء البدء في مجالسهم بـ قراءة قاريء هو المستملي كما للخطيب وابن السمعاني أو المملي كما للرافعي أو غيرهما تلا بشيء من القرآن والاختلاف في التعيين لا ينافي اجتماعهم على القراءة وعين الرافعي والخطيب أن يكون المتلو سورة زاد الرافعي خفيفة قال ويخفيها في (2/337)
نفسه كأنه لكونه أقرب إلى الإخلاص واختار شيخنا تبعا لشيخه سورة الأعلى لذلك وكأنه من أجل قوله فيها ( سنقرئك فلا تنسى وقوله ( فذكر ) وقوله ( صحف إبراهيم وموسى )
والأصل في قراءة السورة ما رواه الخطيب من حديث أبي نضرة قال كان الصحابة إذا اجتمعوا تذاكروا وقرأوا سورة بل أخرجه أبو نعيم في رياضه المتعلمين من حديث أبي نضرة عن أبي سعيد قال كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا قعدوا يتحدثون في الفقه يأمرون أن يقرأ الرجل سورة وبعده أي المنلو استنصب المملي كما قاله ابن السمعاني أو المستملي كما قاله الخطيب وابن الصلاح واستحسنه ابن السمعاني أهل المجلس حيث احتج لذلك اقتداء بقوله صلى الله عليه و سلم لجرير في حجة الوداع استنصت الناس متفق عليه
ثم بعد انصاتهم بسملا المستملي أي قال بسم الله الرحمن الرحيم وهذا أول شيء يقوله فـ يليه الحمد لله رب العالمين فـ يليه الصلاة مع السلام على رسول الله صلى الله عليه و سلم إقتداء يقوله صلى الله عليه و سلم كل أمر ذي بال لا يبدأ ببسم الله وفي رواية بحمد الله وفي رواية والصلاة علي فهو أقطع فإذا جمع بين الألفاظ فقد استعمل الروايات وجاز الأكمل في فضيلتها
ثم بعد ذلك أقبل المستملي على المملي يقول له من ذكرت من الشيوخ أو ما ذكرت من الأحاديث قال الرافعي ولا يقول من حدثك أو من سمعت فإنه لا يدري بأي لفظه يبتديء لكن قال ابن دقيق العيد في الاقتراح والأحسن أن يقول من حدثك أو من أخبرك إن لم يقدم (2/338)
الشيخ ذكر أحد إلا أن يكون الأول عادة مستمرة فالاتباع أولى فكذا قال ابن السمعاني بقول من ذكرت أو من حدثك
وابتهل أي ودعى المستملي له أي للملي مع ذلك بقوله رافعا لصوته رحمك الله أو أصلحك الله أو غفر الله لك قال ابن السمعاني ويقول رضي الله عن الشيخ وعن والديه وعن جميع المسلمين يعني إن لم يكن في أبويه ما يمنع ذلك كما اتفق لشيخنا حيث قال لشيخه البرهان إبراهيم بن داود الآمدي رحمة الله وBكم وعن والديكم فقال له البرهان لا تقل هكذا يشير إلى أنهما لم يكونا مسلمين
قال ابن السمعاني قلو قال رضي الله عن سيدنا جاز إذا عرف المملي قدر نفسه يعني لقوله صلى الله عليه و سلم قوموا إلى سيدكم قال وكره بعضهم ذلك يعني لما فيه من الإطراء قال وقد كنت أقرا على أبي القاسم علي بن الحسين العلوي وكان شيخا صالحا من أهل بيت فقلت رضي الله عن الشيخ الإمام فلان فنهاني عنه وقال قل وBك وعن والديك وحرم شيبتك على النار فقتلها وهو يبكي وجرى ذلك لآخر فقال لا تعظمني عند ذكر ربي
قال يحيى بن أكتم نلت القضاء وقضى القضاء والوزارة وكذا وكذا فمما سررت بشيء مثل قول المستملي من ذكرت رحمك الله ونحوه قول المأمون ما اشتهى من لذات الدنيا إلا أن يجتمع أصحاب الحديث عندي ويجيء المستملي فيقول من ذكرت أصلحك الله
وكذا روى عن محمد بن سلام الجمحي قال قيل للمنصور هل بقي من لذات الدنيا شيء لم تنله قال لقيت خصلة أن أقعد في مصطبة وحولي أصحاب الحديث ويقول المستملي من ذكرت رحمك الله قال فغدوا عليه الندماء وأبناء الوزراء بالمحابر والدفاتر فقال لستم هم إنما هم الدنسة ثيابهم المتشققة أرجلهم الطويلة شعورهم برد الآفاق ونقلة الحديث (2/339)
قال الخطيب وإذا انتهى أي المستملي تبعا للملي إلى ذكر النبي صلى الله عليه و سلم من الإسناد صلى يعني وسلم عليه وفعل ذلك في كل حديث مر فيه ذكر النبي صلى الله عليه و سلم استحبابا وكذا إذا انتهى إلى ذكر أحد من الصحابة رضي الله عنهم ترضى عنه بقوله رضي الله عنه أو رضوان الله عليه حال كونه رافعا صوته بذلك كله زاد غيره
فإن كان ذاك الصحابي من أبناء الصحابة أيضا كابن عباس وابن عمر قال رضي الله عنهما وإن كان أبوه وجده صحابيين وذكرهما كعائشة قال رضي الله عنهم لقوله وذكرهما يتأيد بعض من كان ينكر على القاريء من أئمة شيوخنا إذا مر به عن عائشة رضي الله عنها حيث يقول وعن أبيها وجدها وأخيها لما فيه من التطويل لا سيما إن أوهم بذلك أن في المجلس بعض الرافضة مما الواقع خلافه
وكذا يقع في كثير من الأصول القديمة حتى في أحمد وأبي داود عن علي عليه السلام تاركا لذلك في أبي بكر وغيره ممن هو أفضل منه بل يقع ذلك في فاطمة الزهراء أيضا وعندي توقف في المقتضي للتخصيص بذلك مع احتمال وقوعه ممن بعد المصنفين ولكنه بعيد
قال الخطيب والأصل في ذلك أي الترضي حديث جابر كنا عند النبي صلى الله عليه و سلم فالتفت إلى أبي بكر فقال يا أبا بكر أعطاك الله الرضوان الأكبر وحديث أنس كنا جلوسا مع النبي صلى الله عليه و سلم فقام رسول الله صلى الله عليه و سلم فقام غلام فأخذ نعله فناوله إياه فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم أردت رضى ربك رضي الله عنك قال فاستشهد وكذا يستحب أيضا الترضي والترحم على الأئمة فقد قال القارئ للربيع بن سليمان يوما حدثكم الشافعي ولم يقل رضي عنه فقال الربيع ولا حرف حتى يقال رضي الله عنه (2/340)
قال الخطيب والصلاة والرضوان والرحمة من الله بمعنى واحد إلا أنها وإن كانت كذلك فإنا نستحب أن يقال للصحابي رضي الله عنه وللنبي صلى الله عليه و سلم تشريفا له وتعظيما
والشيخ المملي ترجم الشيوخ الذي روى أو أفاد عنهم بذكر بعض أوصافهم الجميلة
ودعا أيضا لهم بالمغفرة والرحمة إذ هم أباؤه في الدين ووصلة بينه وبين رب العالمين وهو مأمور بالدعاء لهم وبرهم وذكر مآثرهم والثناء عليهم وشكرهم وقد قال ابن راهويه قل ليلة إلا وأنا أدعو فيها لمن كتب عنا ولمن كتبنا عنه
وقد كان أبو هريرة يقول سمعت خليلي الصادق المصدوق وقال ابن مسعود وحدثني الصادق المصدوق وقال عبد الله بن يزيد حدثنا البراء رضي الله عنه وهو غير كذوب وقال أبو مسلم الخولاني فيما رواه مسلم حدثني الحبيب الأمين أما هو إلى فحبيب وأما هو عندي فأمين عوف بن مالك وقال مسروق حدثتني الصديقة ابنه الصديق حبيبة الله المرأة عائشة وقال عطاء بن أبي رباح حدثني البحر يريد ابن عباس
وقال الشعبي حدثنا الربيع بن خيثم وكان من معادن الصدق وقال ابن عيينة حدثنا أوثق الناس أيوب وقال شعبة حدثني سيد الفقهاء أيوب
وقال هشام بن حسان حدثني أصدق من أدركت من البشر محمد بن سيرين وقال وكيع حدثنا سفيان أمير المؤمنين وقال محمد بن بشر حدثنا الثقة الصدوق المأمون خالد بن سعيد وقال الحسن بن الصباح البزار حدثنا أحمد بن حنبل شيخنا وسيدنا وقال يعقوب بن سفيان حدثنا الحميدي وما لقيت أنصح للإسلام وأهله منه وقال ابن خزيمة حدثنا من لم تر عيناي مثله محمد بن أسلم الطوسي وقال العلائي حدثنا الإمام أبو إسحاق الطبري وهو (2/341)
أجل شيخ لقيته في أشباه لهذا كثيرة
وليحذر من التجاوز إلى ما لا يستحقه الشيخ كأن يصفه بالحفظ وهو غير حافظ لما يترتب على ذلك من الضرر وكذا يترحم شيوخه بذكر أنسابهم فقد قال الخطيب وإذا فعل المستملي ما ذكرته يعني من قوله من ذكرت إلى آخره قال الراوي حدثنا فلان ثم نسب شيخه الذي سماه حتى يبلغ بنسبه منتهاه كقول شاذان حدثنا سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري بني تميم وحدثنا شريك بن عبد الله بن شريك بن الحارث النخعي وحدثنا الحسن بن صالح بن حي الهمداني ثم الثوري ثور همدان وحدثنا شعبة بن الحجاج أبو بسطام مولى الأزد وحدثنا عبد الله بن المبارك الخراساني قال والجمع بين اسم الشيخ وكنيته أبلغ في إعظامه وحسن في تكرمته
قال عباس الدوري قل ما سمعت أحمد يسمى ابن معين باسمه إنما كان يقول قال أبو زكريا وعن الحسن أنه قال يجب للعالم ثلاث خصال تخصه بالتحية وتعمه بالسلام مع الجماعة ولا تقل حدثنا فلان بل قل حدثنا أبو فلان وإذا قرأ فمل لا يضجر للبخاري في الأدب المفرد عن أبي هريرة قال لا تسم أباك باسمه ولا تمش أمامه ولا تجلس قبله وعن شهر بن حوشب قال خرجت مع ابن عمر فقال له سالم الصلاة با أبا عبد الرحمن وعن ابن عمر أنه قال لكن أبو حفص عمر قضى قال الخطيب وجماعة تقتصرون على اسم الراوي دون نسبه إذا كان أمره لا يشكل ومنزلته من العلم لا تجهل كعامة أصحاب ابن المبارك وحيث يروون عنه باسمه فقط لا ينسبونه وكذا إذا كان اسمه مفردا عن أهل طبقته لحصول الأمان من دخول الوهم في تسميته كقتادة ومسعر ومنهم من تقتصر على شهرته بالنسبة إلى أبيه أو قبيلته ولا يسميه كابن لهيعة وابن عيينة والشعبي والثوري وكل ذلك جائز (2/342)
وأما ذكر راو معروف بشيء من لقب بحيث اشتهر بذلك وغلب عليه كغندر بضم المعجمة وفتح المهملة وبينهم نون لمحمد بن جعفر وغيره ممن سيأتي مع جملة ألقاب في بابها أو معروف بوصف ليس نقصا في خلقته كالحمرة والزرقة والشقرة والصفرة والطول أو وصف نقص كالإقعاد لأبي معمر والحول لعاصم والشلل لمنصور والعرج لعبد الرحمن بن هرمز والعمى لأبي معاوية الضرير والعمش لسليمان والعور لهارون بن موسى والقصر لعمران أو نسب لامه كابن أم مكتوم وابن بحينة والحارث البرصاء ويعلى بن منية وغيرهم من الصحابة
ومن بعدهم كمنصور بن صفية وإسماعيل بن علية على ما سيأتي فيمن نسب إلى غير أبيه فجائز في ذلك كله صرح به الخطيب ما لم يكن في اللقب إطراء مما يدخل في النهي فإنه حرام أو لم يكن الموصوف به يكرهه كابن علية بضم المهملة مصغر وأبي الزناد وأبي سلمة التبوذكي وعلي بالتصغير بن رباح وابنه موسى ومسلمة بن علي وابن راسوبة وخالد بن مخلد القطوني فالقطواني لقبه وكان أيضا يغضب منها وزياد بن أيوب البغدادي دلوية قيل إنه كان يقول من سماني دلوية لا أجعله في حل وأبي العباس الأصم كان يكره أن يقال له الأصم وجوزي وهو لقب لأبي القاسم الأصبهاني صاحب الترغيب وكان فيما حكاه ابن السمعاني يكرهه وغيرهم فصن حينئذ نفسك من الوقوع فيه الراوي عن وصفه بذلك إذ هو حرام حسبما استثناه ابن الصلاح متمسكا بنهي الإمام أحمد لابن معين أن يقول حدثنا إسماعيل بن علية وقال له قل إسماعيل بن إبراهيم فإنه بلغني أنه كان يكره أن ينسب إلى أمه ولم يخالفه ابن معين فيه بل قال قبلناه منك يا معلم الخير وقد أقر الناظم ابن الصلاح على التحريم كما سيأتي في الألقاب وأما هنا فقال الظاهر أن ما قاله أحمد على طريق الأدب لا اللزوم انتهى ولذا قال شيخنا فهو حرام أو مكروه (2/343)
قلت فلو علم كراهته تواصفا لما يتضمن من التزكية أنحو ذلك كما نقل عن النووي أنه قال لست أجعل في حل من لقبني محييى الدين فالأولى تجنبه
والأصل في هذا الباب قوله صلى الله عله وسلم في ركعتين من صلاة الظهر أكما يقول ذو اليدين ولذا ترجم البخاري في صحيحه بقوله ما يجوز من ذكر الناس أي بأوصافهم نحو الطويل والقصير وما لا يراد به شين الرجل وقال النبي صلى الله عليه و سلم ما يقول ذو اليدين فذهب في ذلك إلى التفصيل كالجمهور وشد قوم فشددوا حتى نقل عن الحسن البصري أنه كان يقول أخاف أن يكون قولنا حميد الطويل غيبة وكأن البخاري لمح بذلك حيث ذكر قصة ذي اليدين لقوله فيها وفي القوم رجل في يديه طول قال ابن المنير أشار البخاري إلى أن ذكر مثل هذا إن كان للبيان والتمييز فهو جائز وإن كان للتنقيص له يجز قال وجاء في بعض الحديث عن عائشة في المرأة التي دخلت عليها فأشارت بيدها أنها قصيرة فقال النبي صلى الله عليه و سلم اغتبتيها وذلك أنها لم تقل ذلك بيانا وإنما قصدت الإخبار عن صفتها فكان كالاغتياب
ومن أدلة النهي قوله تعالى ( ولا تنابزوا بالألقاب ) وكان نزوله على النبي صلى الله عليه و سلم في المدينة منهم اللقب واللقبان وعلى كل حال من التحريم أو غيره فذاك فيمن عرف بغير ذلك أما حيث لم يعرف بغير فلا وبه صرح الإمام أحمد فقال الأثرم سمعته يسأل عن الرجل يعرف بلقبه فقال إذا لم يعرف إلا به ثم قال الأعمش إنما يعرفه الناس هكذا فسهل في مثل هذا إذا شهر به وما أحسن صنيع إمامنا الشافعي رحمه الله حيث كان يقول حدثنا إسماعيل الذي يقال له ابن علية وكان أبو بكر بن إسحاق الصبيعي إذا روى (2/344)
عن شيخه الأصم يقول فيه المعقلي نسبة لجده معقل ولا يقول الأصم لكراهة لها كما تقدم وقد قال البلقيني إنه إن وجد طريقا إلى العدول عن الوصف بما اشتهر به مما يكرهه فهو أولى
وأرو في الإملاء بالنقل وبالقصر على وجه الاستحباب عن شيوخ ممن أخذت عنهم أو عن جماعتهم كما هي عبارة الخطيب ولا تقتصر على الرواية عن شيخ واحد إذا التعدد أكثر فائدة وأسند الخطيب عن مطر قال العلم أكثر من مطر السماء ومثل الذي يروي عن عالم واحد كرجل له امرأة واحدة فإذا حاضت بقي
والمعنى أن الذي له شيخ واحد ربما احتاج من الحديث لما لا يجده عند شيخه فيصير حائرا وكذلك من له زوجة واحدة قد يتفق توقانه إلى النكاح في حال حيضها فيصير حائرا فإن كانت له زوجة أخرى أو أمة حصل الغرض وفي معاشرة الأهلين عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال وجدت صاحب الواحدة إن زادت زاد وإن حاضت حاض وإن نفست نفس وكلما اعتلت اعتل معها بانتظاره لها ثم ذكر صاحب الثنتين وصاحب الثلاث والأربع قال الخطيب وقدم من الشيوخ أولاهم في علو الإسناد يعني عند الاشتراك في مطلق العلو زاد ابن الصلاح أو في غيره يعني إن اتحد العلو كالأحفظ والأسن والسبب وألا ترو وعن كذاب ولا متظاهر ببدعة ولا معروف بفسق بل اتفق في الرواية ثقات شيوخك ممن حسنت طريقته وظهرت عدالته وعلا سنده كما سيأتي
وأنتقه أي المروي أيضا بحيث يكون أبلغ نفعا وأعم فائدة وأنفعه كما قال الخطيب الأحاديث الفقهية التي تفيد معرفة الأحكام الشرعية كالطهارة والصلاة والصيام والزكاة وغيرها من العبادات وما يتعلق بحقوق المعاملات ففي الحديث ما عبد الله بشيء أفضل من فقه في دين قال الخطيب (2/345)
ويستحب أيضا إملاء الأحاديث المتعلقة بأصول المعارف والديانات وأحاديث الترغيب في فضائل الأعمال وما يحث على القراءة وغيرها من الأذكار زاد عيره والتزهيد في الدنيا بل الأنسب أن يتخير لجمهور الناس أحاديث الفضائل ونحوها وللمتفقهة أحاديث الأحكام
وأفهم بفتح الهمزة السامعين ما فيه من فائدة في متنه أو سنده من بيان المجمل أو غرابة ونحوهما وأظهر غامض المعنى وتفسير الغريب وتحر أيضا ذلك وبيانه كما أشار إليه الخطيب وروي عن ابن مهدي أنه قال لو استقبلت من أمري ما استدبرت لكتبت بجنب كل حديث تفسيره وعن أبي أسامة قال تفسير الحديث ومعرفته خير من سماعه وهذا على وجه الاستحباب وإلا فقد قيل للزهري في حديث ليس منا من لطم الخدود وليس منا من لم يوقر كبيرنا ما معناه فقال من الله العلم وعلى الرسول البلاغ وعلينا التسليم
وسأل رجل مطرا عن تفسير حديث حدث به فقال لا أدري إنما أنا زاملة فقال له الرجل جزاك الله من زاملة خيرا فإن عليك من كل حلو وحامض وسئل أيوب السختياني عن تفسير حديث فقال ليتنا نقدر نحدث كما سمعنا فكيف نفسر
قال الخطيب ويستحب أن ينبه على فصل ما يرويه ويبين المعاني التي لا يعرفها إلا الحفاظ من أمثاله وذويه فإن كان الحديث قد كتبه عنه بعض الحفاظ المبرزين أو أحد الشيوخ المتقدمين نبه عليه أو كان غالبا علوا متفاوتا أرشد بوصفه إليه وإنما قيد الوصف بالعلو المتفاوت لأن المفهوم عند إطلاق العلو شمول أقل درجاته وبذلك لا يحصل تميز المتناهي
قال وكذا إذا كان رواية غاية في الثقة والعدالة أو من أهل الفقه والفتيا أو كان الحديث من عيون السنن وأصول الأحكام وصفه بذلك (2/346)
ويعين تاريخ السماع القديم وتفرده بذلك الحديث وكونه لا يوجد إلا عنده إن كان كذلك وإن كان الحديث معلولا بين علته أو في إسناده اسم يشاكل غيره في الصورة ضبطه بالحروف ليزول الإلباس
ولا تزد عن كل شيخ من شيوخك فوق متن واحد فإنه أعم للفائدة وأكثر للمنفعة
واعتمد فيها ترويه عالي إسناد لما في العلو من الفضل وكذا اعتمد قصير متن لمزيد الفائدة فيه يعني بالنظر إلى الأحكام ونحوها حتى قال أبو عاصم الأحاديث القصار هو اللؤلؤ بخلاف الطويل غالبا إلا أن يكون يشتمل على جمل من الأحكام فيزل كل حكم منها منزلة حديث واحد
قال علي بن حجر
( وظيفتنا مائة للغريب ... في كل يوم سوى ما يعاد )
( شريكية أو هشيمية ... أحاديث فقه قصار جيـاد )
وكان على قد انفرد بشريك وهشيم
واجتنب في إملائك المشكل من الحديث الذي لا تحتمله عقول العوام كأحاديث الصفات التي ظاهر ما تقتضي للتشبيه وتجسيم وإثبات الجوارح والأعضاء للأزلي القديم وإن كان الأحاديث في نفسها صحاحا ولها في التأويل طرق ووجوه إلا أن من حقها أن لا تروي إلا لأهلها خوف الفتن بفتح الفاء وسكون التاء مصدر فتن أي الافتتان والضلالة فإنه لجهل معانيها يحملها على ظاهرها أو يستنكرها فيردها ويكذب رواتها ونقلتها
وقد صح قوله صلى الله عليه و سلم كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع وقول علي حدثوا النسا بما يعرفون ودعوا ما ينكرون أتحبون أن يكذب الله ورسوله وقول ابن مسعود إن الرجل ليحدث بحديث فيسمعه من لا (2/347)
يبلغ عقله فهم ذلك الحديث فيكون عليه فتنة وقول أيوب السختياني لا تحدثوا الناس بما لا يعلمون فتضروهم
وقول مالك شر العلم الغريب وخير العلم المعروف المستقيم وكذا قال الخطيب إن مما رأى العلماء أن الصدوف عن روايته للعوام أولى أحاديث الرخص وإن تعلقت بالفروع المختلف فيها دون الأصول كحديث الرخصة في النبيذ ثم ذكر أن اطراح أحاديث نبي إسرائيل المأثورة عن أهل الكتاب وما نقل عن أهل الكتاب واجب والصدوف عنه لازم
وأما ما حفظ من أخبار نبي إسرائيل وغيرهم من المتقدمين عن النبي صلى الله عليه و سلم وأصحابه وعلماء السلف فإن روايته تجوز ونقله غير محظور ثم روى عن الشافعي أن معنى حديث حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج أي لا بأس أن تحدثوا عنهم بما سمعتم وإن استحال أن يكون في هذه الأمة مثل ما روى أن ثيابهم تطول والنار التي تنزل من السماء فتأكل القربان انتهى
لكن قال بعض العلماء إن قوله ولا حرج في موضع الحال أي حدثوا عنهم حال كونه لا حرج في التحديث عنهم عنهم بما حفظ من أخبارهم عن رسول الله صلى الله عليه و سلم يعني وعن صحابته والعلماء كما قال الخطيب فإن روايته يجوز انتهى
وقد يثبت ذلك واضحا في كتابي الأصل والأصيل في تحريج النقل من التوراة والإنجيل وكذا قال الخطيب وليجتنب ما شجر من الصحابة ويمسك عن ذكر الحوادث التي كانت فيهم الحديث ابن مسعود الذي أورده في كتابه في القول في علم النجوم رفعه إذا ذكر أصحابي فأمسكوا وهو عند ابن عدي من حديث ابن عمر أيضا وكلاهما لا يصح
وقد قال زيد العمى أدركت أربعين شيخا كلهم يحدثونا عن الصحابة (2/348)
أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال من أحب جميع أصحابي وتولاهم واستغفر لهم جعله يوم القيامة معهم في الجنة وقال الضحاك لقد أمرهم بالاستغفار لهم وهو يعلم أنهم سيحدثون ما أحدثوا
وعن العوام بن حوشب قال أدركت من أدركت من خيار هذه الأمة وبعضهم يقول لبعض اذكروا مجالس أصحاب محمد صلى الله عليه و سلم لتأتلف عليها القلوب قلت وإنما يتيسر للمملي ما تقرر إثباتا ونفيا حيث لم يتقيد بكتاب مخصوص أما مع التقيد كما فعل الناظم في تخريج المستدرك وأما الرافعي وسيخنا في تخريج ابن الحاجب الأصلي وإلا كان ونحو ذلك فإنه والحالة هذه تابع لأصله لا يخرج عنه مع كونه لا ينهض له إلا من قويت في العلم براعته واتسعت روايته والله الموفق
واستحسن للمملي الإنشاد المباح المرفق في الأواخر من كل مجلس بعد الحكايات اللطيفة مع النوادر المستحسنة وإن كانت مناسبة لما أملاه من الأحاديث فهو أحسن كل ذلك بالأسانيد فعادة الأئمة من المحدثين جارية بذلك وكثيرا ما ينشد ابن عساكر من نظمه وكذا الناظم وربما فعله شيخنا وقد بوب له الخطيب في جامعه وساق عن ابن عباس قال قرئ عند النبي صلى الله عليه و سلم قرآن وأنشد شعر فقيل يا رسول الله أقرآن وشعر في مجلسك قال نعم وعن أبي بكرة قال أتيت النبي صلى الله عليه و سلم وعنده إعرابي ينشده الشعر فقلت يا رسول الله القرآن أو الشعر فقال يا أبا بكرة هذا مرة وهذا مرة
وعن علي أنه قال روحوا القلوب وابتغوا لها طرف الحكمة وعن الزهري أنه كان يقول لأصحابه هاتوا من أشعاركم هاتوا من حديثكم فإن الأذن مجاجة والقلب حمض وعن كثير ابن أفلح قال آخر مجلس جالسنا فيه زيد بن ثابت تناشدنا فيه الشعر وعن حماد بن زيد أنه حدث بأحاديث ثم (2/349)
قال لنا خذوا في أبزار الجنة فحدثنا بالحكايات وعن مالك بن دينار قال الحكايات تحف أهل الجنة وساق غيره عن ابن مسعود قال القلوب تمل كما تمل الأبدان فاطلبوا لها طرائف الحكمة وعن ابن عباس أنه كان إذا أفاض في القرآن والسنن قال لمن عنده أحمضوا بنا أي خوضوا في الشعر والأخبار
ثم إن ما تقدم في العارف غير العاجز وإن تخرج للرواة الذين ليسوا من أهل المعرفة بالحديث وعلله واختلاف وجوهه وطرقه وغير ذلك من أنواع علومه أو من أهل المعرفة ولكنهم عجزوا عن التخريج والتفتيس إما لكبر سن وضعف بدن كما اتفق للناظم في إملائه بآخره لذلك شيئا هما منه رحمهما الله وإما لطروء عمي ونحوه متقن من حفاظ وقتهم مجالس الإملاء التي يريدون إملاها من الأحاديث وما يلحق بها إما بسؤال منهم له أو ابتداء فهو كما قال ابن الصلاح حسن بل قال الخطيب إنه ينبغي للقاصر أن يستعين ببعض حفاظ وقته فقد كان جماعة من شيوخنا كأبي الحسن بن بشران والقاضي أبي عمر الهاشمي وأبي القاسم السراج وغيرهم يستعينون بمن يخرج لهم وليس كما قال ابن الصلاح بإملاء حين يكمل غنى عن العرض والمقابلة لـ إصلاح زيغ أو طغيان فلم يحصل يعني فإن المقابلة بعد الكتابة واجبة كما تقدم في بابها حكاية عن الخطيب وغيره إذ لا فرق وحينئذ فيأتي القول بجواز الرواية من الفرع غير المقابل للشروط المتقدمة بل كان شيخنا لكثرة من يكتب عنه الإملاء ممن لا يحسن هم أن يجعل بكل جانب واحدا من أصحابه الذين لهم بالفن إلمام في الجملة ليختبر كتابتهم ويراجعونه فيما تيسر
والتبكير بالمجلس أولى إلا أن يكون في الشيء فالأولى أن يصبر ساعة حتى يرتفع النهار واستحب للطالب السبق بالمجيء لئلا يفوته شيء (2/350)
فتشق إعادته فالعادة جارية كما قال الخطيب بكراهة تكرير ماضيه واستثقال الإعادة الفائتة والمنقضية حتى قال الثوري ويزيد بن هارون وغيرهما
( من غاب خاب ... وأكل نصيبه الأصحاب )
ولم نعد له حديثا
وقالل الزهري نقل الصخر أهون من إعادة الحديث
وقال نفطويه يخاطب ثقيلا من أبيات
( خل عنا فإنما أنت فينا ... وأود عمرو وكالحديث المعاد )
ودخل بعضهم على الشيخ وقت الانصراف فأنشأ الشيخ يقول
( ولا يردون الماء إلا عشية ... إذا صدر الوارد الوارد عن كل منهل )
ولذا كان خلق يبيتون ليلة إملاء علي بن المدني بمحل جلوسه حرصا على السماع وتخوفا عن الفوات (2/351)
آداب طالب الحديث
( وأخلص النية في طلبكــا ... وجد وابدأ بعوالي مصركــا )
( وما يهم ثم شد الرحــلا ... لغيره ولا تساهل حمــــلا )
( واعمل بما تسمع في الفضائل ... والشيخ بجله ولا تثاقـــل )
( عليه تطويلا بحيث يضجـر ... ولا تكن يمنعك التكـــبر )
( أو الحياء عن طلب واجتنب ... كتم السماع فهو لؤم وأكتب )
( ما تستفيد عاليا ونــازلا ... لا كثرة الشيوخ صيتا عـاطلا )
( ومن يقل إذا كتبت قمش ... ثم إذا رويته ففـتـــــش )
( فليس من ذا والكتاب تمم ... سماعه لا تنتخبه تنـــــدم )
( وإن يضق حال عن استيعابه ... لعارف أجاد في انتخابـــه )
( أو قصر استعان ذا حفظ فقد ... كان من الحفاظ من له يعـد )
( وعلموا في الأصل إما خطـا ... أو همزتين أو بصاد أو طــا )
( ولا تكن مقتصرا أن تسمعا ... وكتبه من دون فهم نفعـــا )
( واقرأ كتابا في علوم الأثـر ... كابن الصلاح أو كذا المختصر )
( وبالصحيحين إبدأن ثم السنن ... والبيهقي ضبطا وفهما ثم ثـن )
( بما اقتضته حاجة من مسنـد ... أحمد والموطأ الممهـــــد ) (2/352)
( وعلل وخيرها لأحمــد ... الدارقطني والتواريخ عـــدا )
( من خيرها الكبير للجعفي ... والجرح والتعديل للـــرازي )
( وكتب المؤتلف المشهـور ... والأكمل والإكمال للأمــير )
( واحفظه بالتدريج ثم ذاكر ... به والاتقان اصحبن وبــادر )
( إذا تأهلت إلى التأليــف ... تمهر وتذكر وهو في التصنيف )
( طريقتان جمعه أبوابـــا ... أو مسندا تفرده صحابـــا )
( وجمعه معللا كما فعــل ... يعقوب أعلى رتبة وما كمـل )
( وجمعوا أبوابا أو شيوخا أو ... تراجما أو طرقا وقـــد رأوا )
( كراهة الجمع لذي تقصير ... كذاك الإخراج بلا تحريـــر )
آداب طالب الحديث
سوى ما تقدم واخلص أيها الطالب النية لله عز و جل في طلبكا للحديث فالنفع به وبغيره من العلوم الشرعية متوقف على الإخلاص به لله تعالى والضرب صفحا عما عدا ذلك من الأغراض والأعراض لتسلم من نحو أبل الأمراض ودسائس الأعراض كما سلف في الباب قبله مع كثير مما سيأتي هنا وحيث وكان كذلك تزداد علما وشرفا في الدارين واتق المفاخرة فيه والمباهاة به وأن يكون قصدك من طلبه نيل الرياسة والوظائف واتخاذ الأتباع وعقد المجالس قال إبراهيم النخعي من تعلم علما يريد به وجه الله والدار الآخرة آتاه الله تعالى من العلم ما يحتاج إليه وقال إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي من طلب هذا العلم لله شرف وسعد في الدنيا والآخرة ومن لم يطلبه لله خسر الدنيا والآخرة وقال رسول الله صلى الله عليه و سلم من تعلم علما مما يبتغي به وجه الله لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضا من الدنيا لم يجد عرف (2/353)
الجنة أي ريحها يوم القيامة
وقيل لابن المبارك من الغوغاء قال الذين يكتبون الحديث يتأكلون به الناس وعن حماد بن سلمة قال من طلب الحديث لغير الله مكر به ونحوه قول أبي عاصم من استخف بالحديث استخف به الحديث وفسره ابن منده بطلبه للحجة على الخصم لا للإيمان به والعمل بمضمونه
وقال الشافعي أخشى أن من طلب العلم بغير نية أن لا ينتفع وقال أبو يزيد البسطامي إنما يحسن طلب العلم وأخبار الرسول صلى الله عليه و سلم ممن يطلب المخبر به يعني النبي صلى الله عليه و سلم فأما من طلبه ليزين به نفسه عند الخلق فإنه يزداد به بعدا عن الله ورسوله وسأل أبو عمرو إسماعيل ابن نجيد أبا عمرو بن حمدان وكان من عباد الله الصالحين بأي نية أكتب الحديث قال ألستم ترون أن عند ذكر الصالحين تنزل الرحمة قال نعم قال فرسول الله صلى الله عليه و سلم رأس الصالحين فإذا حضرتك نية صحيحة في الاشتغال بهذا الشأن وعزمت على سماع الحديث وكتابته ولا تحديد لذلك بسنن مخصوص بل المعتمد الفهم كما تقدم في متى يصح تحمل الحديث فينبغي أن تقدم المسألة لله تعالى أن يوفقك فيه ويعينك عليه كما قال الخطيب ثم بادر إلى السماع وجد بكسر أوله في الطلب وإحرص عليه بدون توقف ولا تأخير فمن جد وجد العلم كما قال يحيى بن كثير لا يستطاع براحة الجسم قال صلى الله عليه و سلم احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز
قال أيضا التؤدة في كل شيء خير إلا في عمل الآخرة ومن أبلغ ما يحكي عن السلف في ذلك قول سلمة بن شيب كنا عند يزيد بن هارون فازدحم الناس عليه فوقع صبي تحت أقدام الرجال فقال يزيد اتقوا الله وانظروا ما حال الصبي فنظروا فإذا هو قد خرج حديثا وهو يقول يا أبا خالد زدنا فقال يزيد إنا لله وإنا إليه راجعون قد نزل بهذا الغلام ما نزل (2/354)
وهو يطلب الزيادة وامتهن نفسك بالتقنع وخشونة العيش والتواضع فقد قال الشافعي رحمه الله لا يطلب هذا العلم أحد بالتملك وعن النفس فيفلح ولكن من طلبه بذلة النفس وضيق العيش وخدمة العلماء والتواضع أفلح
وإبدأ بأ خذ عوالي شيوخ مصركا ولا تنفك عن ملازمتهم والعكوف عليهم حتى تستوفيها وابدأ منها بـ ما يهم يضم أوله من ذلك وغيره كالمروي الذي انفرد به بعضهم فمن شغل نفسه كما قال أبو عبيدة بغير المهم أضر بالمهم وإن استوى جماعة في السند وأردت الاقتصار على أحدهم فالأولى أن يتخير المشهور منهم بالطلب والمشار إليه من بينهم بالإتقان فيه والمعرفة له فإن تساووا في ذلك أيضا فتخير الأشراف وذوو الأنساب منهم لحديث قدموا قريشا ولا تقدموها فإن وتساووا في ذلك فالأسن لحديث كبر كبر ثم بعد استيعابك أخد ما ببلدك من المروي وتمهرك في المعرفة به واستيعابك باقي الشيوخ ممن قنعت عما عندهم من المروي بغيرهم بالأخذ عنهم لما قل بحيث لا يفوتك من كل ما مرويها وشيوخها أحد وأخذ الفن عن الحافظ العراف به منهم شد الرحلا أو اركب البحر حيث غلبت السلامة فيه أو امش حيث استطعت بلا مزيد مشقة لغيره أي لغير مصرك من البلدان والقرى لتجمع بين الفائدتين من علو الإسنادين وعلم الطائفتين
فقد روى أنه صلى الله عليه و سلم قال أعلم الناس يجمع علم الناس إلى علمه ولك صاحب علم غرثان وعن بعضهم قال من قنع بما عنده لم يعرف سعة العلم
وعن ابن معين قال أربعة لا تؤنس منهم رشدا وذكر منهم رجلا يكتب في بلده ولا يرحل وسأل عبد الله بن أحمد أباه هل ترى لطالب العلم أن يلزم رجلا عنده علم فيكتب عنه أو يرحل إلى المواضع التي فيها العلم فيسمع فيها قال يرحل ويكتب عن الكوفيين والبصريين وأهل المدينة (2/355)
ومكة يشام الناس يسمع منهم
وقيل لأحمد أيضا أيرحل الرجل في طلب العلم فقال بلى والله شديدا لقد كان علقمة والأسود يبلغهما الحديث عن عمر فلا يقنعهما حتى يخرجا إليه فيسمعانه منه وهذا على وجه الاستحباب وهو متأكد إذا علمت أن ثم من المروي ما ليس ببلدك مطلقا أو مقيدا بالعلو ونحوه بل قد يجب إذا كان في واجب الأحكام وشرائع الإسلام ولم يتم التوصل إليه إلا به
فالوسائل تابعة للمقاصد كما صرح به القاضي عياض في ذلك وفي الاشتغال بعلوم هذا الشأن
ويروى أنه صلى الله عليه و سلم قال أطلبوا العلم ولو بالصين فإن طلب العلم فريضة على كل مسلم وعن أبي مطيع معاوية بن يحيى قال أوحى الله إلى داود أن اتخذ نعلين من حديد وعصي من حديد وأطلب العلم حتى تنكسر العصي وتنخرق النعلان وقال الفضل بن عاريم في بعض الأحاديث والله لو رحلتم في طلبه إلى البحرين لكان قليلا وقصة موسى عليه السلام في لقاء الخضر بل قوله تعالى ( فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون ) من شواهده
وكفى بقوله صلى الله عليه و سلم من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله تعالى له به طريقا إلى الجنة ترغيبا في ذلك وعن ابن عباس في قوله ( السائحون ) قال هم طلبة العلم وقال إبراهيم بن أدهم إن الله يدفع عن هذه الأمة البلاء برحلة أصحاب الحديث وقال زكريا بن عدي رأيت ابن المبارك في النوم فقلت له ما فعل الله بك قال غفر لي برحلتي في الحديث إلى غير هذا مما أودعه الخطيب في جزء له في ذلك قد قرأته (2/356)
ورحل جابر بن عبد الله إلى عبد الله بن أنيس رضي الله عنهما مسيرة شهر في حديث واحد وكذا رحل غيره في حديث واحد قال سعيد بن المسيب إن كنت لأغيب الليالي والأيام في طلب الحديث الواحد وقال أبو قلابة لقد أقمت بالمدينة ثلاثة أيام مالي حاجة إلا رجل عنده حديث يقدم فأسمعه منه
قال الشعبي في مسألة كان الرجل يرحل فيما دونها إلى المدينة وقال ابن مسعود لو أعلم أحدا أعلم بكتاب الله مني لرحلت إليه وقال أبو العالية كنا نسمع عن الصحابة فلا نرضى حتى خرجنا إليهم فسمعنا منهم
ولم يزل السلف والخلف من الأئمة يعتنون بالرحلة والقول الذي حكاه الرامهرمزي في الفاصل عن بعض الجهلة في عدم جوازها شاذ مهجور
وقد اقتفيت ولله الحمد أثرهم في ذلك بعد موت من كانت الرحلة إليه من سائر الأقطار كالواجبة وهو شيخنا رحمه الله وأدركت في الرحلة بقايا من المعتبرين وما بقي في ذلك من سنن إلا مجرد الاسم بيقين وحيث وجدت رحلت فبادر فيها للقاء من يخشى فوته ولا تتوانى فتندم كما اتفق لغير واحد من الحفاظ في موت من قصدوه بالرحلة بعد الوصول إلى بلده واقتد بالحافظ السلفي الأصبهاني فإنه ساعة وصوله إلى بغداد لم يكن له شغل إلا المضي لأبي الخطاب بن البطر هذا مع علته بدماميل كانت في مقعدته من الركوب بحيث صار يقرأ عليه وهو متكيء للخوف من فقده لكونه كان المرحول إليه من الآفاق في الإسناد
ولما رحل شيخنا إلى البلاد الشامية قصد الابتداء ببيت المقدس ليأخذ عن ابن الحافظ العلائي سنن ابن ماجه لكونه سمعه على الحجاز فبلغه وهو بالرملة موته فعرج عنه إلى دمشق لكونها بعد فواته أهم وأجدر من المبالغة في المبادرة بحيث ترتكب ما لا يجوز فربما يكون سببا للحرمان (2/357)
فقد حكى أن بعضهم وافى البصرة يسمع من شعبة ويكثر عنه فصادق المجلس قد انقضى وانصرف شعبة إلى منزله فبادر إلى المجيء إليه فوجد الباب مفتوحا فحمله الشره على أن دخل بغير استئذان فرآه جالسا على البالوعة يبول فقال له السلام عليكم رجل غريب قدمت من بلد بعيد تحدثني بحديث الرسول صلى الله عليه و سلم فاستعظم شعبة هذا وقال يا هذا دخلت منزلي بغير إذني وتكلمني وأنا على مثل هذه الحال تأخر عني حتى أصلح من شأني فلم يفعل واستمر في الإلحاح وشعبة ممسك ذكره بيده ليستبرئ فلما أكثر قال له أكتب حدثنا منصور بن المعتمر عن ربعي بن خراش عن أبي مسعود أن النبي صلى الله عليه و سلم قال إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستحي فاصنع ما شئت ثم قال والله لا أحدثك بغيره ولا أحدث قوما تكون فيهم انتهى
واسلك ما سلكته في بلدك من الابتداء بالأهم فالأهم ولا تكن كمن رحل من الشام إلى مصر فقرأ بها على مسند الوقت العز بن الفرات الذي انفرد بما لا يشاركه فيه في سائر الآفاق غيره الأدب المفرد للبخاري أو بإجازته من العز ابن جماعة لسماعه من أبيه البدر مع كون في مسندي القاهرة من سمعه على البدر بل وكذا في بلده التي رحل منها
ولا تتشاغل في الغربة إلا بما تحق الرحلة لأجله فشهوة السماع كما قال الخطيب لا تنتهي والنهمة من الطلب لا تنقضي والعم كالبحار المتعذر كيلها والمعادن التي لا ينقطع نيلها كل ذلك مع مصاحبتك التحري في الضبط فلا تقلد إلا الثقات ولا تساهل حملا أي ولا تتساهل في الحمل والسماع بحيث تخل بما عليك في ذلك فالمتساهل مردود كما تقدم في الفصل الثاني عشر من معرفة من تقبل روايته ومن ترد
واعمل بما تسمع ببلدك وغيرها من الأحاديث التي يسوغ العمل بها (2/358)
في الفضائل والترغيبات لحديث مرسل قال رجل يا رسول الله ما ينفي عني حجة العلم قال العمل لقول مالك بن مغول في قوله تعالى ( فنبذوه وراء ظهورهم ) قال تركوا العمل به ولقول إبراهيم الحربي إنه ينبغي للرجل إذا سمع شيئا في آداب النبي صلى الله عليه و سلم أن يتمسك به ولأن ذلك سبب ثبوته وحفظه ونموه والاحتياج فيه إليه
قال الشعبي ووكيع كنا نستعين على حفظ الحديث بالعمل به زاد وكيع وكنا نستعين في طلبه بالصوم حكاها أبو عمر بن عبد البر في جامع العلم وروى الجملة الأولى منه خاصة الخطيب في جامعة من طريق وكيع عن إبراهيم ابن إسماعيل بن مجمع بن جارية ولابن عبد البر عن سفيان الثوري قال العلم يهتف بالعمل فإن أجاب وإلا إرتحل ويروى أنه صلى الله عليه و سلم قال من عمل بما علم أورثه الله علم ما لم يعلم وعن أبي الدرداء قال من علم بعشر ما يعلم علمه الله ما يجهل وعن ابن مسعود أنه قال ما عمل أحد بما عمله الله إلا احتاج الناس إلى ما عنده وروينا عن عمرو بن قيس الملائي أنه قال إذا بلغك شيء من الخبر فاعمل به ولو مرة تكون من أهله
وقال النووي في الأذكار ينبغي لمن بلغه شيء من فضائل الأعمال أن يعمل به ولو مرة ليكون من أهله ولا ينبغي أن يتركه مطلقا بل يأتي بما تيسر منه لقوله صلى الله عليه و سلم وإذا أمرتكم بشيء فافعلوا منه ما استطعتم
قلت ويروي في الترغيب في ذلك عن جابر حديث مرفوع لفظ من بلغه عن الله عز و جل شيء فيه فضيلة فأخذ به ورجاء ثوابه أعطاه الله ذلك وإن لم يكن كذلك وله شواهد وقال أبو عبد الله محمد بن خفيف ما (2/359)
سمعت شيئا من سنن رسول الله صلى الله عليه و سلم إلا واستعملته حتى الصلاة على أطراف الأصابع وهي صعبة
وقال الإمام أحمد ما كتبت حديثا إلا وقد عملت به حتى مر بي في الحديث أن النبي صلى الله عليه و سلم احتجم وأعطى أبا طيبة دينارا فأعطيت الحجام دينارا حتى احتجمت ويقال اسم أبي طيبة دينار وحكاه ابن عبد البر ولا يصح
وعن أبي عصمة عاصم بن عصام البيهقي قال بت ليلة عند أحمد فجاء بالماء فوضعه فلما أصبح نظر إلى الماء فإذا هو كما كان فقال سبحان الله رجل يطلب العلم لا يكون له ورد بالليل
وقال أحمد في قصة صاحب الحديث عندنا من يستعمل الحديث وعن الثوري قال إن استطعت أن لا تحك رأسك إلا بأثر فافعل وصلي رجل ممن يكتب الحديث بجنب ابن مهدي فلم يرفع يديه فلما سلم قال له ألم تكتب عن ابن عيينة حديث الزهري عن سالم عن أبيه أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يرفع يديه في كل تكبيرة قال نعم قال فماذا تقول لربك إذا لقيك في تركك لهذا العام وعدم استعماله
وعن أبي جعفر أحمد بن حمدان بن علي النيسابوري قال كنت في مجلس أبي عبد الله المروزي فلما حضرت الظهر وأذن أبو عبد الله خرجت من المسجد فقال لي يا أبا جعفر إلى أين قلت أتطهر للصلاة كان ظني بك غير هذا يدخل عليك وقت الصلاة وأنت على غير طهارة
وعن أبي عمرو محمد بن أبي جعفر بن حمدان قال صلى بنا أبو عثمان سعيد ابن إسماعيل ليلة بمسجده وعليه إزار ورداء فقلت لأبي يا أبتاه هو محرم فقال لا ولكنه يسمع مني المستخرج الذي خرجته على مسلم فإذا مرت به سنة لم يكن استعملها فيما مضى أحب أن يستعملها في يومه وليلته وأنه سمع من جملة ما قرئ علي أن النبي صلى الله عليه و سلم في إزار ورداء (2/360)
فأحب أن يستعمل هذه السنة قبل أن يصبح
وعن بشر بن الحارث أنه قال يا أصحاب الحديث أتودون زكاة الحديث فقيل له يا أبا نصر وللحديث زكاة قال نعم إذا سمعتم الحديث فما كان فيه من عمل أو صلاة أو تسبيخ استعملتموه وفي لفظ عنه رويناه يعلو في جزء الحسن بن عبد الملك أنه لما قيل له وكيف تؤدي زكاته قال اعلموا من كل مائتي حديث بخمسة أحاديث
وروينا عن أبي قلابة قال إذا أحدث الله لك علما فأحدث له عبادة ولكن إنما همك أن تحدث به الناس
وأنشدنا غير واحد عن ابن الناظم أنه أنشدهم لنفسه
( اعمل بما تسمع عن خبر الورى ... بادر إليه لا تكن مقتصرا )
( إن لم تطق كلا فبالبعض عمـلا ... ولا بربع العشر لا محتقرا )
( وذاك في فضائل فواجــب ... لا تتركنه تلق حظا أخسرا )
وعن الحسن البصري قال كان الرجل يطلب العلم فلا يلبث أن يرى ذلك في تخشعه وبهديه ولسانه وبصره ويده وما تقدم عن الإمام أحمد هو المشهور لكن روي أبو الفضل السليماني في كتاب الحث على طلب الحديث من طريق عبد الله بن عبد الوهاب الخوارزمي قال سألت أحمد قلت إنا نطلب الحديث ولسنا نعمل به قال وأي عمل أفضل من طلب العلم وكذا روى ونحوه أنه قيل لبعضهم إلى متى تكتب الحديث أفلا تعمل فقال والكتابة من العمل
والشيخ بالنصب من باب الاشتغال بجله أي عظمة واحترمه ووقره لقول طاوس من السنة أن يوقر العالم بل لقوله صلى الله عليه و سلم ليس منا من لم يوقر (2/361)
كبيرنا ولا شك أنه بمنزلة الوالد وأعظم وإجلاله من إجلال العلم وإنما الناس بشيوخهم فإذا ذهب الشيوخ فمع من العيش وقد مكث ابن عباس سنتين يهاب سؤال عمر رضي اله عنهم في مسألة وكذا قال سعيد بن المسيب قلت لسعد بن مالك رضي الله عنه إني أريد أن أسألك عن شيء وإني أهابك وقال أيوب السختياني كان الرجل يجلس إلى الحسن البصري ثلاث سنين فلا يسأله عن شيء هيبة له
وقال عبد الرحمن بن حرملة الأسلمي ما كان إنسان يجترئ أن يسأل سعيد ابن المسيب عن شيء حتى يستأذن كما استأذن الأمير وقال مغيرة بن مقسم الضبي كنا نهاب إبراهيم النخعي كما نهاب الأمير وقال ابن سيرين رأيت ابن أبي ليلى وأصحابه يعظمونه ويسودونه ويشرفونه مثل الأمير وقال أبو عاصم كنا عند ابن عون وهو يحدث فمر بنا إبراهيم بن عبد الله بن حسن في موكبه وهو إذ ذاك يدعى إماما بعد قتل أخيه محمد فتاجسر أحد أن يلتفت للنظر إليه فضلا عن أن يقوم هيبة لابن عون
ونحوه أن البساطي العلامة لم ينقطع عن المجيء لشيخه في يوم اجتياز السلطان دون رفقائه فإنهم تركوا الدرس لأجل التفرج عليه فأبعدهم الشيخ تأديبا وقربه وكذا كان بعض مشايخ العجم ممن لقيته يؤدب الطالب إذا انقطع عن الحضور في يومه الميعاد بترك إقرائه في اليوم الذي يليه
وقال إسحاق الشهيدي كنت أرى يحيى القطان يصلي العصر ثم يستند إلى اصل منارة المسجد فيقف بين يديه أحمد بن حنبل وابن معين وابن المديني والشاذكوني والفلاس على أرجلهم يسألون عن الحديث إلى أن تحين صلاة المغرب لا يقول لواحد منهم اجلس ولا يجلسون هيبة له وإعظاما
وعن البخاري قال ما رأيت أحدا أوقر للمحدثين من ابن معين (2/362)
ومما قيل في مالك رضي الله عنه
( يدع الجواب فلا يراجع هيبة ... والسائلون نواكس الأذقـان )
( نور الوقار وعز سلطان التقى ... فهو المهيب وليس ذا سلطان )
وعن شعبة قال ما كتبت عن أحمد حديثا إلا وكنت له عبدا ما حييت وفي لفظ ما سمعت من أحد إلا واختلفت إليه أكثر من عدد ما سمعت
وقال ابن المنكدر ما كنا نسمي راوي الحديث والحكمة إلا العالم
واستشره في أمورك كلها وكيفية ما تعتمده من اشتغالك وما تشتغل فيه إذا كان عارفا بذلك وإحذر من معارضته وما يدعو إلى الدفعة عليه ورد قوله فما انتفع من فعل ذلك واعتقد كماله فذلك أعظم سبب لانتفاعك به وقد كان بعض السلف إذا ذهب إلى شيخه يقول اللهم أخف عني عيب شيخي ولا تذهب بركة علمه مني وسيده وقم له إذا قدم عليك وأقض حوائجه كلها جليلها وحقيرها وخذ بركابه وقبل يده ووقر مجلسه واحتمل غضبه واصبر على جفائه وارفق به ولا تثاقل عليه تطويلا أي ولا تتثاقل بالتطويل بحيث يضجر أي يقلق منه ويمل من الجلوس بل تحرما ما يرضيه فالإضجار كما قال الخطيب يغير الإفهام ويحيل الطباع
ثم ساق عن هشيم قال كان إسماعيل بن أبي خالد من أحسن الناس خلقا فلم يزالوا به حتى ساء خلقه وأورد قبل ذلك ألفاظا أصدرت من غير واحد من المحدثين في حق من أضجرهم من الطلاب كقول أبي الزاهرية يخاطبهم ما رأيت أعجب منكم تأتون بدون دعوة وتزورون من غير شوق ومحبة وتملون بالمجالسة وتبرمون بطول المساءلة وسأل رجل ابن (2/363)
سيرين حين أراد أن يقوم عن حديث فقال له إنك إن كلمتني ما لم أطق لساءك ما سرك مني من خلق
وقال إسماعيل بن موسى بن بنت السدي دخلنا ونحن جماعة من الكوفيين على مالك فحدثنا سبعة أحاديث فاستزدناه فقال من كان له دين فلينصرف فانصرفوا إلا جماعة أنا منهم فقال من كان له حياء فلينصرف فانصرفوا إلا جماعة أنا منهم فقال من كانت له مروءة فلينصرف فانصرفوا إلا جماعة أنا منهم فعند ذلك قال يا غلمان ما بقاؤهم فإنه لا بقيا على قوم لا دين لهم ولا حياء ولا مروءة
ويخشى كما قال ابن الصلاح على فاعل ذلك أن يحرم الانتفاع كما وقع للشريف زيدك أحد أصحاب الناظم حين قرأ العمدة على الشهاب أحمد بن عبد الرحمن المرادي في حال مكبره وعجزه أي سماع أي اليسير بالملاطفة وأطال عليه بحيث أضجره فدعا عليه بقوله لا أحياك الله أن ترويها عني أو نحو ذلك فاستجيب دعاؤه ومات الشريف عن قرب لا سيما والمجلس إذا طال كان للشيطان فيه نصيب كنا قدمته مع شيء مما يلائمه في ألباب قبله
وينبغي أن يكون لشيخ علامته يتنبه بها الطالب للفراغ كما جاء عن الأعمش أن إبراهيم النخفي كان إذا أراد أن يقطع الحديث مس أنفه فلا يستطيع أحد أن يسأله عن شيء وكان الحسن البصري يقول اللهم لك الشكر ولا تستعمل ما قاله بعض الشعراء
( أغثت الشيخ بالسؤال تجده ... سلسا يلتقيك بالراحتـــين )
( وإذا لم تصح صياح الثكالى ... رجعت عنه وأنت صفر اليدين )
ولا تكن أيها الطالب يمنعك التكبر أو الحياء بالقصر عن طلب (2/364)
لما تفتقر إليه من الحديث والعلم قال مجاهد كما علقه البخاري في صحيحه عنه لا ينال العلم مستحي بإسكان الحاء ولا متكبر وأراد بذلك تحريض المتعلمين على ترك العجز والتكبر لما يؤثر كل منهما من النقص في التعلم
وروينا في المجالسة للدينوري عن الحسن أنه قال من استتر عن طلب العلم بالحياء لبس الجهل سربالا فقطعوا سرابيل الحياء فإذا من رق وجهه رق علمه ولا ينافي ذلك كون الحياء من الإيمان لأن ذلك هو الشرعي الذي يقع على وجه الإجلال والاحترام للأكابر وهو محمود والذي هنا ليس بشرعي بل هو سبب لترك أمر شرعي فهو مذموم
وروينا عن عمر بن الخطاب وابنه رضي الله عنهما أنهما قالا من رق وجهه رق علمه ويفسره قول بعضهم من رق وجهه عند السؤال رق علمه عند الرجال ومنه قال علي قرنت الهيبة بالخيبة وعن الأصمعي قال من لم يحمل ذل التعليم ساعة بقي في ذل الجهل أبدا أسنده ابن السمعاني فيمن اسمه إبراهيم من ذيله على تاريخ بغداد ونظمه شيخنا فقال عن الأصمعي
( جاءت إلينا مقالة تجــدد ... بالإحسان في الناس ذكره )
( متى يحتمل ذل التعلم ساعة ... وإلا ففي ذل الجهالة دهره )
واجتنب أيها الطالب كتم السماع الذي ظفرت به لشيخ معلوم أو كتم شيخ اختصصت بمعرفته عمن لم يطلع على ذلك من إخوانك الطلبة رجاء الانفراد به عن أضرابك فهو أي الكتم لؤم من فاعله يقع من جهلة الطلبة الوضعاء كثيرا ويخاف على مرتكبه عدم الانتفاع به إذ بركة الحديث إفادته ونشره نمي ويعم نفعه قال مالك بركة الحديث إفادة الناس بعضهم بعضا وقال ابن المبارك أول منفعة الحديث أن يفيد بعضكم بعضا (2/365)
وعن الثوري أنه قال يا معشر الشباب تعجلوا بركة هذا العلم فإنكم لا تدرون لعلكم لا تبلغون ما تؤملون منه ليفد لعضكم بعضا ومعلوم أن الدين النصيحة
بل يروي كما عند الخطيب في جامعه وأبي نعيم في رياضة المتعلمين عن ابن عباس مرفوعا يا إخواني تناصحوا في العلم ولا يكتم بعضكم بعضا فإن خيانة الرجل في علمه كخيانته في ماله والله تعالى سائلكم عنه وهو عند أبي نعيم في الحلية بلفظ فإن خيانة في العلم أشد من خيانة في المال ولهذا قال الخطيب والذي نستحبه إفادة الحديث لمن لم يسمعه والدلالة على الشيوخ التنبيه على رواياتهم فإن أقل ما في ذلك النصح للطالب والحفظ للمطلوب مع ما يكتب به من جزيل الأجر وجميل الذكر
وأغرب ابن مسدي فحكى عن ابن الفضل أنه كان يختار سماع العالي لنفسه وأن أبا الربيع بن سالم كتب إلى السلفي يطلب منه أن يستجيز له بقايا ممن يروى عن أصحاب الخطيب فكتب إليه بانقراضهم قبل الستمائة وليس كذلك فآخرهم كان في سنة ثلاث عشرة وستمائة قال وهكذا رأيت نبلاء أصحابه بمصر وإسكندرية يغارون على هذا أشد الغيرة ما خلا الأسعد بن مقرب فإنه كان مفيدا وعندي في هذا توقف كبير وقد أشرت لرد ما نسبه ابن مسدي إليهما أيضا مما يشبه هذا في كتابه التسميع
وكذا اجتنب منع عارية الجزء والكتاب المسموع للقراءة فيه أو السماع والكتابة منه لا سيما حيث لم تتعدد نسخه فإنها يتأكد لقوله صلى الله عليه و سلم من كتم علما يعلمه ألجم بلجام من نار فهو شامل لهذا وهذه العارية غير الماضية في كتابه التسميع فتلك مضى الكلام فيها مع الحكاية عن كل من إسحاق بن راهويه وابن الصلاح أنه قال قد رأينا أقواما منعوا هذا السماع فو الله ما (2/366)
أفلحوا ولا أنجحوا ونحوه قول من تأخر أيضا ولقد شاهدنا جماعة كانوا يستأثرون بالسماع ويخفون الشيوخ ويمنعون الأجزاء والكتب عن الطلبة فحرمهم الله قصدهم وذهبوا ولم ينتفعوا بشيء وكذا أقول وكيف لا وقد قال وكيع أول بركة الحديث إعارة الكتب اللهم إلا أن يكتم عمن لم يره أهلا أو يكون ممن لا يقبل الصواب إذا أرشد إليه ونحو ذلك كما فعله السلف الصالح وقد قال الخطيب
( من أواه بجهله فرط النية والإعجاب ... إلى المحامات عن الخطاء والمماراة في الصواب )
( فهو بذلك الوصف مذموم مأثوم ... ومحتجر الفائدة عنه غير مؤنب ولا ملــوم )
وساق عن الخليل بن أحمد أنه قال لأبي عبيدة معمر بن المثنى لا تردن على معجب خطأ فيستفيد منك علما ويتخذك به عدوا وقد قيل فيما يروى عنه صلى الله عليه و سلم إن من القول عيالا هو عرضك كلامك وحديثك على من ليس من شأنه ولا يريده
وإذا أفادك أحد من رفقائك ونحوهم شيئا فأعز ذلك إليه ولا توهم الناس إنه من قبل نفسه فقد قال أبو عبد القاسم بن سلام فيما رويناه في المدخل للبيهقي و الجامع للخطيب إن من شكر العلم أن تجلس مع الرجل فتذاكره بشيء لا تعرفه ليذكره لك ثم ترويه وتقول إنه والله ما كان عندي في هذا شيء حتى سمعت فلانا يقول فيه كذا وكذا فتعلمته فإذا فعلت ذلك فقد شكرت العلم
وسأل إنسان يونس بن عبد الأعلى عن معنى قول النبي صلى الله عليه و سلم أقروا الطير (2/367)
على مكناتها فقال إن الله يحب الحق إن الشافعي كان صاحب ذا سمعة يقول في تفسيره تعالى وذكره ولا ينافي ذلك رغبة من شاء الله من العلماء في مجرد الإرشاد بالعلم من يغر ملاحظة تفرده إليهم كالشافعي حيث قال وددت أن الناس تعلموا هذا العلم ولا ينسب إلي منه شيء
واكتب حيث لزمت ترك التكبر بالسند عمن لقيته ما تستفيده أي الذي يحصل لك به الفائدة من الحديث ونحوه عاليا كان سنده ونازلا عن شيخك أو رفيقك أو من دونك في الرواية أو الدارية أو السن أو فيها جميعا فالفائدة ضالة المؤمن حيثما وجدها التقطها بل قال وكيع وسفيان إنه لا نيل المحدث حتى يكتب عمن فوقه ومثله ودونه وكان ابن المبارك يكتب عمن دونه فيقال له فيقول لعل الكلمة التي فيها نجاتي لم تقع لي وهكذا كانت سيرة السلف الصالح فكم من كبير روى عن صغير كما سيأتي في بابه وأوردت في ترجمة شيخنا من روايته عن جمع من رفقائه بل وتلامذته جملة
وفي صحيح مسلم عن ابن عباس قال كنت أقرئ رجلا من المهاجرين منهم عبد الرحمن بن عوف وكذا كان حكيم بن حزام يقرأ على معاذ بن جبل وقيل له أتقرأ على هذا الغلام الخزرجي فقال إنما أهلكت التكبر
والأصل في هذا قراءته صلى الله عليه و سلم مع عظيم منزلته على أبي بن كعب وقالوا إنما قرأ عليه مع كونه لم يستذكر منه بذلك الغرض شيئا ليتواضع الناس ولا يستكف الكبير أن يأخذ العلم عمن هو دونه مع ما فيه من ترغيب الصغير في الازدياد وإذا رأى الكبير يأخذ عنه كما يحكي أن بعضهم سمع صبيا في مجلس بعض العلماء يذكر شيئا فطلب القلم وكتبه عنه فلما فارقه قال والله (2/368)
إني لأعلم به منه ولكن أردت أن أذيقه حلاوة رياسة العلم ليبعثه على الاستكثار
ووقف القاضي أبو بكر محمد بن عبد الباقي الأنصاري على جزء من حديث أبي الفضل الخزاعي فيه حكايات مليحة مما قرأه أبو سعد السمعاني أحد تلامذته بالكوفة على الشريف عمر بن إبراهيم الحسني بإجازته من محمد بن علي بن عبد الرحمن العلوي فكتبه بخطه ثم أمره بإسماعه له فقال له كيف هذا يا سيدي وأنا أفتخر بالسماع منك فقال له ذاك بحالة قال أبو سعد فقرأته وسمعه القاضي مني مع جماعة وأمر بكتابة اسمه ففعلوا وكتب هو بخطه أول الجزء حدثنا أبو سعد السمعاني
ولا تأنف من تحديثك عمن دونك فقد روينا في الوصية لأبي القاسم بن مندة من طريق خارجة بن مصعب أنه قال من سمع حديث من هو دونه فلم يروه فهو مرائي لا سيما وقد فعله غير واحد وفي رواية الأكابر عن الأصاغر والآباء عن الأبناء والأقران لذلك أمثلة كثيرة
وتوسط جماعة فرووا عمن دونهم مع تغطيتهم بنوع من التدليس بحيث لا يميزهم إلا الحاذق
ولتكن الفائدة قصدك لا كثرة الشيوخ حال كونها صيتا عاطلا من الفائدة بحيث يكون كمن حكى عنه أنه كان يقول ضيع ورقة ولا تضيعن شيخا وهي الطريقة التي سلكها جل أصحابنا من طلبة شيخنا فضلا عمن دونهم فإنهم اعتنوا بالتكثير من الشيوخ بحيث يقول الواحد منهم أخذت عن ستمائة أو نحو ذلك التكثير من المسموع حتى إنه يفوت بعض الكتب الستة أصول الإسلام فضلا عن غيرها هذا مع تصريح شيخنا بأن عكسه أولى
وقد قال أبو الوليد كتبت عن قيس بن الربيع ستة آلاف حديث هي (2/369)
أحب إلي من ستة آلاف دينار
وإليه يشير قول ابن الصلاح وليس بموفق من ضيع شيئا من وقته في الاستكثار لمجرد الكثرة وصيتها على احتمال كلامه أيضا غير هذا المهم إلا أن يكون قصد المحدث تكثير طرق الحديث وجمع أطرافه فتكثر شيوخه لذلك فهذا لا بأس به ومن هنا وصف بالإكثار من الشيوخ خلق من الحفاظ كالثوري وابن المبارك وأبي داود الطيالسي ويونس ابن محمد المؤدب ومحمد بن يونس الكديمي والبخاري وأبي عبد الله بن مندة وكالقاسم بن داود البغدادي قال كتبت عن ستة آلاف شيخ
وممن زادت شيوخه على ألف سوى هؤلاء أبو زرعة الرازي ويعقوب بن سفيان والطبراني وابن عدي وابن حبان وأبو الوليد بن بكير وأبو بكر الفتيان وأبو صالح المؤذن وأبو سعد السمان كان له ثلاثة آلاف شيخ وستمائة وابن عساكر وابن السمعاني وابن النجار وابن الحاجب والدمياطي والقطب الحلبي والبرزالي فشيوخه ثلاثة آلاف شيخ منها ألف بالإجازة وغنيق بن عبد الرحمن العمري المصري وذكر أن شيوخه نيفوا عن الألف والفخر عثمان التوزدي بلغت شيوخه نحو الألف والذهبي وابن رافع والعز أبو عمر بن جماعة ومن لا يحصى كثرة وكم في جمع طرق الحديث من فائدة أشرت لجملة منها في الباب قبله ولذا قال أبو حاتم الرازي لو لم يكتب الحديث من ستين وجها ما عقلناه وعن ابن معين مثله لكن بلفظ ثلاثين
وقال غيرهما الباب إذا لم تجمع طرقه لم يوقف على صحة الحديث ولا على سقمه إلى غير ذلك مما أسلفت شيئا منه في آواخر المعلل
ومن يقل كأبي حاتم الرازي وكذا ابن معين فيما قرأته بخط السلفي في جزء له في شرط القراءة على الشيوخ إذا كتبت قمش أي اجمع من ههنا (2/370)
وههنا ومه قول مالك في يحيى بن سعيد قماش ولذا قال ابن حزم معناه أنه يجمع القماش وهو الكناسة أي يروي عمن لا قدر له ولا يستحق ثم إذا رويته ففتش فليس هو من ذا أي من الاستكثار العاطل ولم يبين ما المراد به وهو محتمل لأن يكون أراد ما رواه السلفي في جزئه المشار إليه قريبا عن ابن صاعد
قال قال لي إبراهيم بن أورمة الأصبهاني اكتب عن كل إنسان فإذا حدثت فأنت بالخيار ولذا قال ابن المبارك حملت عن أربعة آلاف ورويت عن ألف وصرح شيخنا في بعض من تحمل عنه من شيوخه بأنه لا يستبيح الأداء عنه
وإليه أشار الشارح بقوله وكأنه أراد كتب الفائدة ممن سمعتها ولا تؤخر ذلك حتى ينظر فيمن حدثك أهو أهل أن يؤخذ عنه أم لا فربما فات ذلك بموت الشيخ أو سفره أو سفرك فإذا كان وقت الرواية عنه أو وقت العمل بالمروي ففتش حينئذ قال وقد ترجم عليه الخطيب باب من قال بكتب عن كل أحد ويحتمل أن يكون أراد استيعاب الكتاب المسموع وترك انتخابه أو استيعاب ما عند الشيخ وقت التحمل فإذا كان وقت الرواية أو العمل نظر فيه وتأمله
ووقع في كلام ابن مهدي ما يشير إلى الاحتمالين فإنه قال لا يكون إماما من حدث عن كل من رأى ولا بكل ما سمع ويشهد للثاني النهي عن الانتخاب لقول ابن الصلاح والكتاب أو الجزء بالنصب تمم أيها الطالب سماعه وكتابته ولا تنتخبه تندم فإنه قد يحتاج بعد ذلك إلى رواية شيء منه فلا تجده فيما انتخبته منه وقد قال ابن المبارك ما انتخبت على عالم قط إلا ندمت وفي لفظ عنه ما جاء من منتق خير قط وعن ابن معين قال سيندم المنتخب في الحديث حيث لا ينفعه الندم وفي لفظ عنه صاحب الانتخاب يندم وصاحب النسخ لا يندم (2/371)
وقال المجدد الصرخكي من الحنفية ما قرمطنا ندمنا وما انتخبنا ندمنا وما لم نقابل قدمنا وقد أشرت إليه في المقابلة وقال أبو الزناد كنا نكتب الحلال والحرام وكان الزهري يكتب كلما سمع فلما احتيج إليه علمت أنه أعلم الناس ولم يقنع الإمام أحمد بانتخاب كتب غندر كما فعل ابن المدني وغيره بل قال ما أعلم أحدا نسخ كتبه غيرنا
و لكن إن يضق حال كما أشار إليه الخطيب عن استيعابه أي الكتاب أو الجزء لعسر الشيخ أو لكونه أو الطالب واردا غير مقيم فلا يتسع الوقت له أو لضيق يد الطالب ونحو ذلك وكذا إن اتسع مسموعه بحيث يكون كتابه الكتب أو الأجزاء كاملة كالتكرار واتفق شيء منها لعارف أي بجودة الانتخاب اجتهد وأجاد في انتخابه بنفسه فقد كان الناس على ذلك أو نفق ذلك لمن قصر عن معرفة الانتخاب استعان في انتخاب ما له في غرض ذا أي صاحب حفظ ومعرفة فقد كان من الحفاظ من له أي للانتخاب لرواته المتميزين فضلا عن القاصرين يعد أي يهيء له بحيث توجه إليه ويتصدى لفعل كأبي زرعة الرازي والنسائي وإبراهيم ابن أوزمة وعبيد العجل والجعابي وعمر بن الحاجب البصري وابن المظفر والدارقطني وابن أبي الفوارس واللالكائي فإنهم كانوا ينتخبون على الشيوخ والطلبة تسمع وتكتب بانتخابهم واقتفى من بعدهم أثرهم في ذلك إلى الناظم وتلامذته كولده والصلاح الأقفهسي وشيخنا ثم طلبة كالجمال بن موسى ومستمليه وصاحبنا النجم الهاشمي وتوسعا في ذلك إلى حد لم أرتضه منهما وإن كنت سلكته والأعمال بالنيات وإلا فمتى لم يكن عارفا وتولى ذلك بنفسه أخل كما وقع لابن معين في ابتداء أمره مما حكاه عن نفسه قال رفع إلى ابن وهب عن معاوية بن صالح خمسمائة أو ستمائة حديث فانتقيت شرارها لكوني لم يكن لي بها حينئذ معرفة وقد رأيت ما يدل على أن شرط الانتخاب أن يقتصر على ما ليس عندهم وعند من ينتخب (2/372)
لهم فذكر أبو أحمد بن عدي عن أبي العباس بن عقدة قال كنا نحضر مع الحسين بن محمد المعروف بعبيد ويقلب أيضا العجل عند الشيوخ وهو شاب فينتخب لنا فكان إذا أخذ الكتاب كلمناه فلا يجبننا حتى يفرغ فسألناه عن ذلك فقال إنه إذا مر حديث الصحابي أحتاج أتفكر في مسند ذلك الصحابي هل الحديث فيه أم لا فلو أجبتكم خشيت أن أزل فيقولون لي لم انتخبت هذا وقد حدثنا به فلان
وعلموا أي من انتخب من الأئمة في الأصل المنتخب منه ما انتخبوه لأجل تيسر معارضة ما كتبوه به أو لإمساك الشيخ أصله بيده أو للتحديث منه أو كتابة فرع آخر منه حيث فقد الأول واختلف اختبارهم كيفية في لكونه لا حجر فيه فعلموا إما خطأ بالحمرة ثم منهم من يجعله عريضا في الحاشية اليسرى كالدارقطني أو صغيرا في أول إسناد الحديث كما للالكائي أو على الصورة همزتين بحبر في الحاشية اليمنى كأبي الفضل علي بن الحسن الفلكي أو بصاد ممدودة بحبر في الحاشية أيضا كأبي الحسن علي بن أحمد النعيمي أو بطاء مهملة ممدودة كذلك كأبي محمد الخلال أو بحائين إحداهما إلى جنب الأخرى كذلك كمحمد بن طلحة النعالي أو بجيم في الحاشية اليمنى كالجماعة أو غير ذلك
ولا تكن أيها الطالب مقتصرا أن تسمعا الحديث ونحوه وكتبه بالنصب عطفا على محل أن المصدرية على نزع الخافض أي لا تقتصر على سماع الحديث وكتبه من دون فهم لما في سنده ومتنه نفعا أي نافع فيكون كما قال ابن الصلاح قد أتعبت نفسك من غير أن تظفر بطائل ولا تحصل بذلك في عداد أهل الحديث الأماثل بل لم تزد أن صرت من المتشبهين المنقوصين المتحلين بما هم منه عاطلون وما أحسن قول غيره (2/373)
وقال الحافظ أبو القاسم بن عساكر فيما رويناه عنه
( واظب على جمع الحديث وكتبه ... واجهد على تصحيحه في كتبه )
( واسمعه من أربابه نقلا كــما ... سمعوه من أشياخهم تسعد بـه )
( واعرف ثقات رواته من غيرهم ... فيما تميز صدقه من كذبــه )
( فهو المفسر للكتاب وإنمـــا ... نطق النبي كتابه عن ربـــه )
( وتفهم الأخبار تعلم حلـــة ... من حرمه مع فرضه من ندبـه )
( وهو المبين للعباد بشرحـــه ... سير النبي المصطفى مع صحبه )
( وتتبع العالي الصحيح فإنــه ... قرب إلى الرحمن تحظ بقربــه )
( وتجنب التصحيف فيها فربمـا ... أدى إلى تحريفه بل قلبــــه )
( واترك مقالة من لحاك بجهلـه ... عن كتبه أو بدعة في قلبـــه )
( فكفى المحدث رفعة أن يرضى ... ويعد من أهل الحديث وحزبـه )
واقرأ أيها الطالب عند شروعك في الطلب لهذا الشأن كتابا في معرفة علوم الأثر تعرف به آداب التحمل وكيفية الأخذ والطلب ومن يؤخذ عنه وسائر مصطلح أهله ككتاب علوم الحديث للحافظ الكبير أبي عمرو ابن الصلاح الذي قال فيه مؤلفه إنه مدخل إلى هذا الشأن مفصح عن أصوله وفروعه شارح لمصنفات أهله ومقاصدهم ومهماتهم التي تنقص المحدث بالجهل بها نقصا فاحشا
قال فهو إن شاء الله جدير بأن تقدم العناية به وعليه معول كل من جاء بعده أو كذا النظم المختصر منه الملخص فيه مقاصده مع زيادة ما يستعذب كما سلف في الخطبة وعول على شرحه هذا واعتمده فلا ترى نظيره (2/375)
في الإتقان والجمع مع التخليص والتحقيق نفع الله به وصرف عنه من لم يحفظ معناه ولم يلحظ معناه من صالح وطالح وحاسد وناصح وصبي جهول وغبي لم يدر ما يقول متفهما لما يليق بخاطرك منها ممن يكون ممارسا للفن مطبوعا فيه عاملا به وإلا تكن كخابط عشواء ركب متن عمياء
وذلك واجب لكونه طريقا إلى معرفة الصحيح والسقيم وإذا علمت كيفية الطلب وما يلتحق بذلك فليكن من أول ما ينبغي أن تستعمله شدة الحرص على السماع المسارعة إليه والملازمة للشيوخ وتبتدي بسماع الأمهات من كتب أهل الأثر والأصول الجامعة للسنن كما قال الخطيب وهي على الأبواب والمسانيد والمبوبة
وهي كثيرة متفاوتة أنفعها بالنظر لسرعة استخراج الفائدة منها فقدمها وبالصحيحين للبخاري ومسلم منها ابدان وقدم أولهما لشدة اعتنائه باستنباط الأحكام التي هي المقصد الأعظم مع تقدمه ورجحانه كما سبق في محله إلا إن دعت ضرورة كأن يكون الراوي لصحيح مسلم انفرد به ويخشى فوته ورواه البخاري فيهم كثرة كما اتفق في عصرنا للزمن عبد الرحمن الزركشي الحنبلي آخر من سمع صحيح مسلم على البياني فإنه لو حصل التشاغل عنه بصحيح البخاري الذي استمر بعده في الدرجة التي كان فيها في حياته أكثر من أربعين سنة ربما فات ولا يوجد مثله ثم أردفها بكتب السنن المراعي مصنفوها فيها الاتصال غالبا والمقدم منها كتاب أبي داود لكثرة ما اشتمل عليه من أحاديث الأحكام ثم كتاب أبي عبد الرحمن النسائي لتتمرن في كيفية المشي في العلل ثم كتاب أبي عيسى الترمذي لاعتنائه بالإشارة لما في الباب من الأحاديث وبيانه لحكم ما يورد في صحة وحسن وغيرهما و يليها كتاب السنن للحافظ الفقيه أبي بكر البيهقي فلا تحد عنه لاستيعابه لأكثر أحاديث الأحكام بل لا تعلم كما قال ابن الصلاح في بابه مثله ولذا كان حقه التقديم على سائر كتب السنن ولكن قدمت تلك (2/376)
لتقدم مصنفيها في الوفاة ومزيد جلالتهم ضبطا وفهما أي الضبط في سماعك لمشكلها والفهم لخفي معانيها بحيث أنك كل ما مر بك اسم مشكل أو كلمة من حديث مشكلة تبحث عنها تودعها قلبك فبذلك يجتمع لك علم كثير في زمن يسير
وكذا اعتن من الكتب المبوبة بسماع الصحاح لابن خزيمة ولم يوجد تاما ولابن حبان ولأبي عوانة بسماع الجامع المشهور بالمسند للداري و السنن لإمامنا الشافعي مع مسنده وهو على الأبواب و السنن الكبرى للنسائي ولما اشتملت عليه من الزيادات على تلك و السنن لابن ماجه وللدارقطني و بشرح معاني الآثار للطحاوي ثم ثن بـ سماع ما اقتضته حاجة من كتب المسانيد كبيرها وصغيرها كـ مسند الإمام أحمد وأبي داود الطيالسي وعبد بن حميد والحميدي والعدني مسدد وأبي يعلى والحارث بن أبي أسامة والأحاديث فيها أعلى منها في التي قبلها غالبا
وكذا بما تدعو الحاجة إليه من الكتب المصنفة على الأبواب أيضا لكن كثر فيها الإيراد لغير المسندة كالمرسل وشبهه مع كونها سابقة لتلك في الوضع كمصنف ابن أبي شيبة و السنن لسعيد بن منصور و الموطأ الممهد لمقتضى السنة الإمام مالك الذي قال أبو خليد بن عتبة بن حماد إنه لما عرضه على مؤلفه في أربعة أيام قال له علم جمعته في ستين سنة أخذتموه في أربعة أيام والله لا ينفعك به أبدا
وفي لفظ لا فقهتم أبدا رواه أبو نعيم في الحلية
وككتب ابن جريج وسعيد بن أبي عروبة وابن المبارك وابن عيينة وهشيم وابن واهب والوليد بن مسلم ووكيع والموطأ قال الشافعي ما قدمنا في أصح كتب الحديث ونحوه قول الخطيب إنه المقدم في هذا النوع فيجب الابتداء به قلت وإنما سماه بذلك لأنه عرضه على بضعة عشر تابعيا فلكهم واطأه على صحته ذكره ابن الطحان في تاريخ المصريين له نقلا عن (2/377)
ابن وهب عن مالك وعن غيره مما جرب أن الحامل إذا أمسكته بيدها تضع في الحال
ثم بالمحتاج إليه من التصانيف المفردة في أبواب مخصوصة كالطهارة والزكاة والزهد والرقائق والأدب والفضائل والسير وذلك لا ينحصر كثرة وكذا من المعاجم التي على أصحابه والتي على الشيوخ والفوائد النشرية والأجزاء الحديثية والأربعينات وقدم منه الأعلى فالأعلى وذلك لما يميزه إلا النبهاء وما أكثر ما يقع فيه من الفوائد والزوائد وكل ما سميته فأكثره بحمد الله لي مسموع وما أسمعه فعندي بالسماع من كل صنف منه ما يفوق الوصف
و اعتن بما اقتضته حاجة من كتب علل كالعلل عن ابن عيينة رواية ابن المدني عنه ولأحمد وعلي بن المدني والبخاري ومسلم وابن أبي حاتم والترمذي وشرحها ابن رجب وعلل الخلال وأبي بكر الأثرم مع ضمه لذلك معرفة الرجال وأبي بشر إسماعيل بن عبد الله والدارقطني وأبي علي النيسابوري والتمييز لمسلم وخيرها لأحمد أو لابن أبي حاتم وكتابه في مجلد ضخم مرتب على الأبواب وقد شرع الحافظ ابن عبد الهادي في شرحه فاخترمته المنية بعد أن كتب منه مجلدا على سير منه
ولأبي الحسن الدارقطني وهو على المسانيد مع أنه أجمعها وليس من جمعه بل الجامع له تلميذه الحافظ أبو بكر البرقاني لأنه كان يسأله عن علل الأحاديث فيجيبه عنها بما يقيده عنه بالكتابة فلما مات الدارقطني وجد البرقائي قمطره امتلأ من صكوك تلك الأجوبة فاستخرجها وجمعها في تأليف نسبة لشيخه ذلك الحافظ أبو الوليد بن خيرة في ترجمة إسناده القاضي أبي بكر بن العربي من برنامج شيوخه قال ومثل هذا يذكر في البارع في اللغة لأبي علي البغدادي فإنه جمعه بخطه في صكوك فلما توفي أخرجه أصحابه ونسبوه إليه
على أن الحافظ أبا الفضل بن طاهر قال في فوائد الرحلة سمعت الإمام أبي الفتح نصر بن إبراهيم المقدسي يقول إن كتاب العلل الذي أخرجه (2/378)
الدارقطني إنما استخرجه من كتاب يعقوب بن شيبة يعني الآتي ذكره واستدل له بعدم وجود مسند ابن عباس فيهما
لكن قد تعقب شيخنا رحمه الله هذا بقوله هذا الاستدلال لا يثبت المدعي ومن تأمل العلل عرف أن الذي قاله الشيخ نصر ليس على عمومه بل يحتمل أن لا يكون نظر في علل يعقوب أصلا وقال والدليل على ما قلته أنه يذكر كثيرا من الاختلاف إلى شيوخه أو شيوخه الذين لم يدركهم يعقوب ويسوق كثيرا بأسانيده قلت ولي ذلك يلازم أيضا
وقد أفرد شخنا من هذا الكتاب ماله لقب خاص كالمقلوب والمدرج والموقوف فجعل كلا منها في تصنيف مفرد وجعل العلل المجردة في تصنيف مستقل وأما أنا فشرعت في تلخيص الكتاب مع زيادات وعزوفا انتهى منه الربع يسر إلى الله إكماله
هذا كله مع عدم وقوعه هو غيره من كتب العلل لي بالسماع بل ولا بشيخي من قبل وقبلي أروي كتاب الدارقطني بسند عال عن أبي عبد الله محمد بن أحمد الخليلي عن الصدر الميدومي عن أبي عيسى بن علاق عن فاطمة ابنة سعد الخير الأنصاري قالت أنا به أبي وأنا في الخامسة أنابه أبو غالب محمد بن الحسن بن أحمد الباقلاني عن البرقاني وأبي القاسم عبد الله بن أحمد بن عثمان الصير في بسماعهما من الدارقطني
وكذا اعتن بما اقتضت حاجة من كتب التواريخ للمحدثين المشتملة على الكلام في أحوال الرواة كابن معين رواية كل من الحسن بن حبان وعباس الدروي والمفضل بن غسان الغلابي عنه وكأبي خليفة وأبي حسان الزيادي ويعقوب الفسوي وأبي بكر بن أبي خيثمة وأبي زرعة الدمشقي وحنبل بن إسحاق والسراج الذي عدا من خيرها التاريخ الكبير بالنسبة إلى أوسط وصغير للجعفي بضم الجيم نسبة لجد أبيه المغيرة لكونه كان مولى ليمان الجعفي وإلى بخارا هي إمام الصنعة البخاري (2/379)
فإنه كما قال الخطيب يربو على هذه الكتب كلها
وقد قال أبو العباس بن سعيد بن عقدة لو أن رجلا كتب ثلاثين ألف حديث لما استغنى عن تاريخ البخاري وتواريخ مصر لابن يونس والذيل عليه وبغداد للخطيب والذيول عليه ودمشق لابن عساكر ونيسابور للحاكم والذيل عليه وأصبهان لأبي نعيم وهي من مهمات التواريخ لما يقع فيها من الأحاديث والنوادر
ومن خيرها أيضا الجرح والتعديل للرازي هو أبو الفرج عبد الرحمن ابن أبي حاتم الذي اقتفى فيه أثر البخاري كما حكاه الحاكم أبو عبد الله في ترجمة شيخه الحاكم أبي أحمد من تاريخ نيسابور أن أبا أحمد قال كنت بالري وهم متفردون على ابن أبي حاتم يعني كتابه هذا فقلت لابن عبدويه الوراق هذه ضحكة أراكم تقرأون على شيخكم كتاب التاريخ للبخاري على الوجه وقد نسبتموه إلى أبي زرعة وأبي حاتم فقال يا أبا أحمد أعلم أن أبا زرعة وأبا حاتم لما حمل إيهما تاريخ البخاري قالا هذا علم لا يستغنى عنه ولا يحسن بنا أن نذكره عن غيرنا فأقعدا عبد الرحمن يعني ابن أبي حاتم فصار يسألهما عن رجل وبعد رحل هما يجيبانه وزادا فيه ونقصا وانتهى والبلاء قديم
وكذا اعتن بما تقتضيه الحاجة من كتب المؤتلف والمختلف النوع المشهور من المحدثين الآتي في محله مع بيان التصانيف التي فيه وهي كثيرة والأكمل منها بالنسبة لمن تقدمه الإكمال للأمير الملقب بذلك بل وبالوزير سعد الملك لكون أبيه كان وزر للخليفة القائم وولي عمه قضاء القضاء وتوجه هو رسولا عن المقتدي بأمر الله إلى سمرقند وبخارى لأخذ البيعة له على ملكها واسمه علي بن هبة الله بن علي أبو نصر بن ماكولا قال ابن الصلاح على إعواز فيه كل ذلك مع الضبط والفهم كما تقدم
واحفظه أي الحديث بالتدريج قليلا قليلا مع الأيام والليالي فذلك أحرى بأن تمنع بمحفوظك وأوعى لعدم نسيانه ولا نشره في كثرة (2/380)
كمية المحفوظ مع قلة مرات الدرس وقلة الزمان الذي هو ظرف المحفوظ
وكذا لا تأخذ نفسك بما لا طاقة لك به بل اقتصر على اليسير الذي تضبطه وتحكم حفظه واتقانه لقوله صلى الله عليه و سلم خذوا من العمل ما تطيقون ولذا قال الثوري كنت آتي الأعمش ومنصور فأسمع أربعة أحاديث خمسة ثم انصرف كراهية أن تكثر وتفلت ريوناه في الجامع للخطيب وعنده عن شعبة وابن علية ومعمر ونحوه وعن الزهري قال من طلب العلم جملة فاته جملة وإنما يدرك العلم حديث وحديثان وعنه أيضا قال إن هذا العلم إن أخذته المكاثرة له غلبك ولكن خذه مع الأيام والليالي أخذا رفيقا تظفر به
ثم بعد حفظك له ذاكر به الطلبة ونحوهم فإن لم تجد من تذاكره فذاكر مع نفسك وكرره على قلبك فالمذاكرة تعينك على ثبوت المحفوظ وهي من أقوى أسباب الانتفاع به والأصل فيها معارضة جبريل مع النبي صلى الله عليه و سلم القرآن في كل رمضان ويروى عن أنس قال كنا نكون عند النبي صلى الله عليه و سلم فنسمع منه الحديث فإذا قمنا تذاكرناه فيما بيننا حتى نحفظه
وفي حديث مرفوع إن المؤمن نساء إذا ذكر ذكر وقال علي تذاكروا هذا الحديث وإن لا تفعلوا يدرس وقال ابن مسعود تذاكروا الحديث فإن حياته مذاكرته ونحوه عن أبي سعيد الخدري وابن عباس
وقال الخليل بن أحمد ذاكر بعلمك تذكر ما عندك وتستفيد ما ليس عندك
وقال عبد الله بن المعتز من أكثر مذاكرة العلماء لم ينس ما علم واستفاد ما لم يعلم وقال إبراهيم النخعي من سره أن يحفظ الحديث فليحدث به ولو أن يحدث به من لا يشتهيه وقيل حب التذاكر أنفع من حب البلاذر (2/381)
وقيل أيضا حفظ سطرين خير من كتابة ورقتين وخير منهما مذاكرة اثنين
ولبعضهم
( من حاز العلم وذاكره ... صلحت دنياه وآخرته )
( فأدم للعلم مذاكـرة ... فحياة العلم مذاكرتـه )
ولا تتساهلن في المذاكرة بل الإتقان بالنصب مفعول مقدم فيها وفي شأنك كله أصحبن بنون التأكيد الخفيفة فالحفظ كما قال ابن مهدي الإتقان وبادر إذا تأهلت واستعددت إلى التأليف الذي هو أعم من التخريج والتصنيف والإتقاء إذ التأليف مطلق الضم والتخريج إخراج المحدث الأحاديث من بطون الأجزاء والمشيخات والكتب ونحوها وسياقها من مرويات نفسه أو بعض شيوخه أو أقرانه أو نحو ذلك والكلام عليها وعزوها لمن رواها من أصحاب الكتب والدواوين مع بيان البدل والموافقة ونحوهما مما سيأتي تعريفه
وقد ينوسع في إطلاقه على مجرد الإخراج والتصنيف والعزو وجعل كل صنف على حده والإنتقاء النقاط مما يحتاج إليه الكتب والمسانيد ونحوها مع استعمال كل منها عرفا مكان الآخر فباشتغالك بالتأليف تمهر بالجزم مع ما بعدها جوابا للشرط المنوي في الأمر في الصناعة ويقف على غوامضها وتستبين لك الخفي من فوائدها وتذكر بذلك بين العلماء والمحصلين إلى آخر الدهر ويرجى لك بالنية الصادقة الرقي إلى أوج المنافع العظيمة والدرجات العالية الجسيمة
وقد قال الخطيب كما رويناه في جامعه قل ما يتمهر في علم الحديث ويقف على غوامضه ويستبين الخفي من فوائده إلا من جمع متفرقة وألف متشتتة وضم بعضه إلى بعض واشتغل بتصنيف أبوابه وترتيب أصنافه فإن (2/382)
ذلك الفعل مما يقوي النفس ويثبت الحفظ ويذكي القلب ويشحذ الطبع ويبسط اللسان ويجيد البنان ويكشف المشتبه ويوضح الملتبس ويكتب أيضا جميل الذكر وتخليده إلى آخر الدهر كما قال الشاعر
( يموت قوم فيحيى العلم ذكرهم ... والجهل يلحق أحياء بأموات )
انتهى
ونحوه قول الحسن بن علي البصري
( العلم أفضل شيء أنت كاسيه ... فكن له طالبا ما عشت مكتسبا )
( والجاهل الحي ميت حين تنسبه ... والعالم الميت حي كلما نسـبا )
وما أحسن قول التاج السبكي العلم وإن امتد باعه واشتد في ميادين الجدال وقاعه واشتد ساعده حتى خرق به كل سد سد بابه واحكم امتناعه فنفعه قاصر على مدة حياته ما لم يصنف كتابا يخلد بعده أو يورث علما ينقله عنه تلميذ إذا وجد الناس فقده أو تهتدي به فئة مات عنها وقد ألبسها به الرشاد برده ولعمري إن التصنيف لأرفعها مكانا لأنه أطولها زمانا وأدومها إذا مات أحيانا لذلك لا يخلو لنا وقت يمر بنا خاليا عن التصنيف ولا يخلو لنا زمان إلا وقد تقلد عقده جواهر التأليف ولا يجلو علينا الدهر ساعة فراغ إلا ويعمل فيها العلم بالترتيب والترصيف
وقال الخطيب وينبغي أن يفرغ المصنف للتصنيف قلبه ويجمع له همه ويصرف إليه شغله ويقطع به وقته وقد كان بعض شيوخنا يقول من أراد الفائدة فليكسر قلم النسخ وليأخذ قلم التخريج (2/383)
وحدثني محمد - بن علي بن عبد الله الصوري قال رأيت أبا محمد عبد الغني بن سعيد الحافظ في المنام في سنة إحدى عشرة وأربعمائة فقال لي يا عبد الله أخرج وصنف قبل أن يحال بينك وبينه هذا أما تراني قد حيل بيني وبين ذلك ثم انتبهت وساق قبل يسير عن عبد الله بن المعتز أنه قال علم الإنسان ولده المخلد وعن أبي الفتح البستي الشاعر أنه أنشد من نظمه
( يقولون ذكر المرء يبقى بنسله ... وليس له ذكر إذا لم يكن نسل )
( فقلت لهم نسلي بدائع حكمتي ... فمن سره نسل فأبدانا نسلوا )
ويؤيده قوله صلى الله عليه و سلم إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو ه وهوى التأليف الأعم في التصنيف في الحديث طريقتان مألوفتان بين العلماء الأولى جمعه أي التصنيف بالسند أبوابا أي على الأبواب الفقهية وغيرها وتنويعه أنواعا وجمع ما ورد في كل حكم وكل نوع إثباتا ونفيا من باب فباب بحيث يتميز ما يدخل في الجهاد مثلا عما يتعلق بالصيام وأهل هذه الطريقة منهم من يتقيد بالصحيح كالشيخين وغيرهما ومنهم من لم يتقيد بذلك كما في الكتب الستة وغيرها مما ذكر قريبا وما لا ينحصر كالاقتصار على الأحاديث المتضمنة الترغيب والترهيب
وربما لم يذكر الإسناد واقتصر على المتن فقط كالمصابيح للبغوي ثم المشكاة وزاد على الأول عزو المتون وهما نافعان في هذه الأزمان المقصر أهلها ثم من المبوبين من يقتصر على باب واحد ومسألة واحدة كما سيأتي قريبا أو جمعه مسندا أي على المسانيد تفرده صحابا أي للصحابة واحدا وإن اختلف أنواع أحاديثه وذلك كمسند الإمام أحمد وغيرها مما ذكر قريبا وكذا مما لم يذكر كمسند عبيد الله بن موسى العيسى وإسحاق بن (2/384)
راهويه وأبي بكر بن أبي شيبة وأحمد بن منيع وأبي خيثمة وأحمد بن سنان والحسن بن سفيان وأبي بكر البزار وما يوجد من مسند يعقوب بن شيبة والموجود منه كما سيأتي القليل ومسند إسماعيل القاضي ومحمد بن أيوب الرازي وليس هو بموجود الآن ونعيم بن حماد
وقال الدارقطني إنه أول من صنف مسندا وتتبعه وأسد بن موسى وهو وإن كان أكبر من نعيم سنا وأقدم سماعا فيحتمل كما قال الخطيب أن يكون تصنيف نعيم له في حداثته وتصنيف أسد بعده في كبره انتهى
ولولا أن الجامع لمسند الطيالسي غيره بحسب ما وقع له بخصوصه من حديثه لا بالنظر لجميع ما رواه الطيالسي فإنه مكثر جدا لكلاني أول مسند فإن الطيالسي متقدم على هؤلاء وهذه هي الطريقة الثانية والقصد منها كما قال ابن الأثير تدوين الحديث مطلقا ليحفظ لفظ ولتستنبط منه الحكم يعني في الجملة
وأهلها منهم من يرتب أسماء الصحابة على حروف المعجم بأن يجعل أبي بن كعب وأسامة في الهمزة كالطبراني في معجمه الكبير ثم الضياء في مختاراته التي لم تكمل ومنهم من يرتب على القبائل فيقدم بني هاشم ثم الأقرب فالأقرب إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم في النسب
ومنهم من يرتب على السابقة في الإسلام فيقدم العشرة ثم أهل بدر ثم أهل الحديبية ثم من أسلم وهاجر بين الحديبية والفتح ثم من أسلم يوم الفتح ثم الأصاغر الأسنان كالسائب ابن يزيد وأبي الطفيل ثم بالناسء ويبدأ منهن بأمهات المؤمنين
قال الخطيب وهي أحب إلينا وكذا قال ابن الصلاح إنها أحسن (2/385)
يعني لتقديم الأولى فالأولى واللتان قبلها أسهل تناولا منها وأسهلهما أولاهما ثم من أهلها من يجمع في ترجمة كل صحابي ما عنده من حديثه من غير نظر لصحته وغيرها وهم الأكثر ومنهم من يقتصر على الصالح للحجة كالضياء ومنهم من يقتصر على صحابي واحد كمسند أبي بكر مثلا أو مسند عمر ومنهم من تقتصر على طرف الحديث الدال على تقية وبجمع أسانيده إما مستوعبا وإما مقيدا بكتب مخصوصة شبه ما فعل أبو العباس أحمد بن ثابت الطرفي بفتح المهملة وقاف في أطراف الخمسة والمزي في أطراف الكتب الستة وشيخنا في أطراف الكتب العشرة
وطريقة المزي أنه إن كان الصحابي من المكثرين رتب حديثه على الحروف أيضا في الرواة عنه وكذا يفعل في التابعي حيث يكون من المكثرين عن ذلك الصحابي وهكذا
وقد طرف ابن طاهر أحاديث الأفراد لدارقطني وسلك ابن حبان طريقة ثالثة فرتب صحيحه على خمسة أقسام وهي الأوامر والنواهي والإخبار عما احتيج بمعرفته كبدء الوحي والإسراء وما فضل به على الأنبياء والإباحات وأفعاله صلى الله عليه و سلم التي انفرد بفعلها مما اختص به وشبهه ونوع كل قسم منها أنواعا ولعمري إنه وعمر المسلك صعب المرتقى بحيث سمعت شيخنا يقول إنه رام تقريبه فبعده وجمعه أي الحديث في الطريقين أو الطرق معللا يعني على العلل بأن يجمع في كل متن طرقه واختلاف الرواة فيه بحيث تتضح إرسال ما يكون متصلا أو وقف ما يكون مرفوعا أو غير ذلك كما قرر في بابه ففي الأبواب كما فعل أبو محمد بن أبي حاتم وهو أحسن لسهولة تناوله وفي المسانيد كما فعل الحافظ الكبير الفقيه المالكي أبو يوسف يعقوب بن شيبة بن الصلت ابن عصفور السدوسي البصري نزيل بغداد وتلميذ أحمد وابن المذني وابن معين المتوفى في سنة اثنتين وستين (2/386)
ومائتين أبو علي الحسن بن محمد الماسرحسبي النيسابوري فله مسند معلل في ألف وثلاثمائة جزء
وللدارقطني طريقة ثانية في الطريقتين وهي أعلى رتبة منه أي التصنيف فيهما أو فيها بدونها فإن معرفة العلل أجل أنواع الحديث حتى قال ابن مهدي لأن أعرف علة حديث هو عندي أحب إلي من أن أكتب عشرين حديثا ليس عندي
ولكن مسند يعقوب حسبما زاده الناظم ما كمل بل الذي ظهر منه كما قال الخطيب في تاريخه مسند العشرة والعباس وابن مسعود وعتبة بن غزوان وبعض الموالي وعمار واتصل الأول من عمار خاصة للذهبي وشيخنا ومؤلفه ورأيت بعض أجزاء من مسند ابن عمر
قال الذهبي وبلغني أن مسند علي منه في خمس مجلدات قال الأزهري وقيل لي إن نسخه بسند أبي هريرة منه شوهدت بمصر فكانت مائتي جزء قال وبلغني أنه كان في منزله أربعون لحافا أعدها ملن كان يبيت عنده من الوارقين الذين يبيضون المسند ولزمه على ما خرج منه عشرة آلاف دينار يعني لمن يبيضه وقال غيره إنه لو تم لكان في مائتي مجلد ولنا ستة وقال الدارقطني لو كان مسطورا على حمام لوجب أن يكتب يعني لا يحتاج إلى سماع
وبالجملة فقد قال الأزهري سمعت الشيوخ يقولون إنه لم يتمم مسند معلل ولهم طريقة أخرى في جمع الحديث وهي جمعه على حروف المعجم فيجعل حديث إنما الأعمال بالنيات في الهمزة كأبي منصور الديلمي في مسند الفردوس وكذا عمل ابن طاهر في أحاديث الكامل لابن (2/387)
عدي وسلكت ذلك في ما اشتهر على الألسنة
ومنهم من يرتب على الكلمات لكن غير متقيد بحروف مقتصرا على ألفاظ النبوة فقط كالشهاب والمشارق للصغاني وهو أحسنهما وأجمعهما لاقتصاره على الصحيح خاصة
ثم من هؤلاء من يلم بغريب الحديث وإعرابه أو أحكامه وآرائه فيه كما سيأتي بسطه في غريب الحديث
وجمعوا أيضا أبوابا من أبواب الكتب المصنفة الجامعة للأحكام وغيرها فأفردوها بالتأليف بحيث يصير ذاك الباب كتابا مفردا ككتاب التصديق بالنظر لله تعالى للآجري والإخلاص لابن أبي الدنيا والطهور لأبي عبيد ولابن أبي داود و الصلاة لأبي نعيم الفضل بن دكين والأذان والمواقيت في تصنيفين لأبي الشيخ والقراءة خلف الإمام ورفع اليدين في تصنيفين للبخاري والبسملة لابن عبد البر وغيره والقنوت لابن منده وسجدات القرآن للحزي والتهجد لابن أبي الدنيا والعيدين له والجنائز لعمر بن شاهين وذكر الموت للموندي وابن أبي الدنيا والعزاء له والمحتضرين له والزكاة ليوسف القاضي والأموال لأبي عبيد و الصيام لجعفر الفريابي وليوسف القاضي والمناسك للحزى وللطبراني وما يفوق الوصف كالقضاء باليمين مع الشاهد للدارقطني
قال ابن الصلاح وكثر من أنواع كتابنا هذا قد أفرد وأحاديثه بالجمع والتصنيف أو جمعوا شيوخا مخصوصين من الكثيرين كالإسماعيلي في حديث الأعمش والنسائي في الفضيل بن عياض والطبراني في محمد بن جحاده قال عثمان بن سعيد الدارمي يقال من لم يجمع حديث هؤلاء الخمسة فهو مفلس في الحديث الثوري وشعبة ومالك وحماد بن زيد وابن عيينة وهم أصول الدين قال ابن الصلاح وأصحاب الحديث (2/388)
يجمعون حديث خلق كثير سواهم منهم أيوب السختياني والزهري والأوزاعي
قلت قد سرد عنهم الخطيب في جامعه جملة وهذا غير جمع الراوي شيوخ نفسه كالطبراني في معجمه الأوسط المرتب على حروف المعجم في شيوخه وكذا له المعجم الصغير لكنه تقتصر غالبا على حديث في كل شيخ أو جمعوا سوى تراجما مخصوصة كمالك عن نافع عن ابن عمر وسهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة وهشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أو جمعوا طرقا لحديث واحد كطرق حديث قبض العلم للطوسي ونصر المقدسي وغيرها وطرق حديث طلب العلم فريضة لبعضهم وطرق حديث من كذب علي للطبراني وغيره في مقاصد لهم في التصنيف يطول شرحها وإذا جمعت على المسانيد فميز المرفوع من الموقوف وتحرز من إدخال المراسيل لظنك صحة المرسل أو على الأبواب الذي هو أسهل مطلقا كما صرح به جماعة منهم الخطيب كما قدمته وابن الأثير وقال الكون المرء يعني غالبا قد يعرف المعنى الذي طلب الحديث لأجله دون رواية ولكفايته المؤونه في استباط ذلك الحكم المترجم به فلا يحتاج إلى تفكر فيه ومدحه وكيع لقوله إن أردت الآخرة فصنف الأبواب وقال فيه الشعبي باب من الطلاق جسيم وكان الثوري صاحب أبواب فقدم منها كما قال الخطيب الأحاديث المسندات ثم المراسيل والموقوفات ومذاهب القدماء عن مشهور الفقهاء
وقد قال إبراهيم الحزي الأبواب تبنى على أربع طبقات فطبقة المسند وطبقة الصحابة وطبقة التابعين ويقدم قوم الكبار ومنهم مثل شريح وعلقمة والأسود والشعبي وإبراهيم ومكحول والحسن وبعدهم من هو أصغر منهم وبعد هؤلاء أتباع التابعين مثل الثوري ومالك وربيعة وابن هرمز والحسن بن صالح وعبد الله بن الحسن وابن أبي (2/389)